بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: حاشية رد المحتار المؤلف: ابن عابدين الجزء: 4 الوفاة: 1252 المجموعة: فقه المذهب الحنفي تحقيق: إشراف : مكتب البحوث والدراسات الطبعة: جديدة منقحة مصححة سنة الطبع: 1415 - 1995 م المطبعة: الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان ردمك: ملاحظات: المكتبة التجارية - مصطفى أحمد الباز حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين ويليه تكملة ابن عابدين لنجل المؤلف طبعة جديدة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الجزء الرابع دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
1 جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فاكس - تلكس: 41391 فكر ص. أأدخل 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001
2 كتاب الايمان قوله: (مناسبته الخ) قال في الفتح: اشترك كل من اليمين والعتاق والطلاق في أن الهزل والاكراه لا يؤثر فيه، إلا أنه قدم النكاح لأنه أقرب إلى العبادات كما تقدم، والطلاق رفعه بعد تحققه، فإيلاؤه إياه أوجه، واختص العتاق عن اليمين بزيادة مناسبته بالطلاق من جهة مشاركته إليه في تمام معناه الذي هو الاسقاط، وفي لازمه الشرعي الذي هو السراية فقدمه على اليمين. قوله: (في الاسقاط) فإن الطلاق إسقاط قيد النكاح،. العتاق إسقاط قيد الرق ط. قوله: (والسراية) فإذا طلق نصفها سرى إلى الكل، وكذا العتق: أي عندهما، لقولهما بعدم تجزيه أما عنده فهو منجز ط. قوله: (لغة القوة) قال في النهر: واليمين لغة لفظ مشترك بين الجارحة والقوة والقسم، إلا أن قولهم كما في المغرب وغيره: سمي الحلف يمينا لان الحالف يتقوى بالقسم، أو أنهم كانوا يتماسكون بأيمانهم عند القسم، يفيد كما في الفتح أن لفظ اليمين منقول اه. أقول: هو منقول من أصل اللغة إلى عرفها، فلا ينافي كونه في اللغة مشتركا بين الثلاثة، وإنما اقتصر الشارح على القوة لظهور المناسبة بينه وبين المعنى الاصطلاحي المذكور في المتن ح. قلت: أو لأنها الأصل فقد قال في الفتح في باب التعليق: أن اليمين في الأصل القوة، وسميت إحدى اليدين باليمين لزيادة قوتها على الأخرى، وسمي الحلف بالله تعالى يمينا لافادته القوة على المحلوف عليه من الفعل والترك، ولا شك أن تعليق المكروه للنفس أمر يفيد قوة الامتناع عن ذلك أمر، وتعليق المحبوب لها على ذلك يفيد الحمل عليه فكان يمينا اه. فقد أفاد أن أصل المادة بمعنى القوة ثم استعملت في اللغة لمعان أخر لوجود المعنى الأصل فيها كلفظ الكافر من الكفر وهو الستر فيطلق على الكافر بالله تعالى وكافر النعمة، وعلى الليل، وعلى الفلاح وهكذا في كثير من الألفاظ اللغوية التي تطلق علي أشياء ترجع إلى أصل واحد عام فيصح أن يطلق عليها الاشتراك نظرا إلى إتحاد المادة مع اختلاف المعاني، وأن يطلق عليها لفظ المنقول نظرا إلى المعنى الأصلي الذي ترجع إليه، والقول بأن المنقول يهجر فيه المعنى الأصلي وهذا ليس منه غير مقبول، فإن اليمين إذا أطلق على الحلف لا يراد به القوة لغة، ولهذا قال في الفتح هنا بعد ذكره أنه منقول: ومفهومه لغة جملة أولى إنشائية صريحة الجزأين يؤكد بها جملة بعدها خبرية، فاحترز بأولى عن التوكيد اللفظي بالجملة نحو: زيد قائم زيد قائم، فإن المؤكد فيه هو الثانية لا الأولى، عكس اليمين، وبإنشائية عن التعليق فإنه ليس يمينا حقيقة لغة الخ. وقوله يؤكد بها الخ إشارة إلى وجود المعنى الأصلي وهو القوة لا على أنه هو المراد، وكذا إذا أطلق على
3 الجارحة لا يراد به نفس القوة بل اليد المقابلة لليسار وهي ذات والقوة عرض، فقد هجر فيه المعنى الأصلي وإن لوحظ اعتباره في المنقول إليه، وبهذا ظهر أن المناسب بيان معنى اليمين اللغوي المراد به الحلف ليقابل به المعنى الشرعي، وأما تفسيره بالمعنى الأصلي فغير مرضي، فافهم. قوله: (على الفعل أو الترك) متعلق بالعزم أو بقوى ط. قوله: (فإنه يمين شرعا) لأنه يقوى به عزم الحالف على الفعل في مثل إن لم أدخل الدار فزوجته طالق، وعلى الترك في مثل إن دخلت الدار. قال في البحر: وظاهر ما في البدائع أن التعليق يمين في اللغة أيضا، قال: لان محمدا أطلق عليه يمينا وقوله حجة في اللغة. مطلب: حلف لا يحلف حنث بالتعليق إلا في مسائل قوله: (مذكورة في الأشباه) عبارته: حلف لا يحلف حنث بالتعليق إلا في مسائل: أن يعلق بأفعال القلوب أو يعلق بمجئ الشهر في ذوات الأشهر أو بالتطليق، أو يقول أديت إلي كذا فأنت حر، وإن عجزت فأنت رقيق، أو إن حضت حيضة أو عشرين حيضة أو بطلوع الشمس كما في الجامع اه. قلت: وإنما لم يحنث في هذه الخمسة لأنها لم تتمحض التعليق. أما الأولى كأنت طالق إن أردت أو أحببت فلان هذا يستعمل في التمليك، ولذا يقتصر على المجلس. وأما الثانية كأنت طالق إذا جاء رأس الشهر أو إذا أهل الهلال المرأة من ذوات الأشهر دون الحيض فلانه مستعمل في بيان وقت السنة، لان رأس الشهر في حقها وقت وقوع الطلاق السني لا في التعليق، وأما الثالثة كأنت طالق إن طلقتك فلانه يحتمل الحكاية عن الواقع وهو كونه مالكا لتطليقها فلم يتمحض للتعليق. وأما الرابعة كقوله إن أديت إلي ألفا فأنت حر، وإن عجزت فأنت رقيق فلانه تفسير للكتابة. وأما الخامسة كأنت طالق إن حضت حيضة أو عشرين حيضة فلان الحيضة الكاملة لا وجود لها إلا بوجود جزء من الطهر فيقع في الطهر فأمكن جعله تفسير الطلاق السنة فلم يتمحض للتعليق، وحيث لم يتمحض للتعليق في هذه الخمس لا يحمل على التعليق حيث أمكن غيره صونا لكلام العاقل عن المحظور وهو الحلف بالطلاق، وإنما حنث في إن حضت فأنت طالق لأنه لا يمكن جعله تفسير للبدعي، لان البدعي أنواع، بخلاف السني فإنه نوع واحد، وحنث أيضا في أنت طالق إن طلعت الشمس مع أن معنى اليمين وهو الحمل أو المنع مفقود، ومع أن طلوع الشمس متحقق الوجود لا خطر فيه. لأنا نقول: الحمل والمنع ثمرة اليمين وحكمته، فقد تم الركن في اليمين دون الثمرة،، والحكمة والحكم الشرعي في العقود الشرعية يتعلق بالصورة لا بالثمرة والحكمة، ولذا لو حلف لا يبيع فباع فاسدا حنث لوجود ركن البيع وإن كان المطلوب منه وهو الملك غير ثابت اه ملخصا من شرح تلخيص الجامع لابن بلبان الفارسي، وبه ظهر أن قول الأشباه أو بطلوع الشمس سبق قلم والصواب إسقاطه، أو أن يقول: لا بطلوع الشمس، فافهم. قوله: (فلو حلف لا يحلف الخ) تفريع على كون التعليق يمينا، وقوله: حنث بطلاق وعتاق أي بتعليقهما، ولكن فيما عدا المسائل المستثناة، فكان الأولى تأخير الاستثناء إلى هنا كما مر في عبارة الأشباه. (تنبيه): يتفرع على القاعدة المذكورة ما في كافي الحاكم: لو قال لامرأته إن حلفت بطلاقك
4 فعبدي حر وقال لعبده إن حلفن بعتقك فامرأتي طالق فإن عبده يعتق لأنه قد حلف بطلاق امرأته، ولو قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق وكرره ثلاثا طلقت ثنتين باليمين الأولى والثانية لو دخل بها، وإلا فواحدة. قوله: (شرطها الاسلام والتكليف) قال في النهر: وشرطها كون الحالف مكلفا مسلما، وفسر في الحواشي السعدية التكليف بالاسلام والعقل والبلوغ، وعزاه إلى البدائع وما قلناه أولى اه. وجه الأولوية أن الكافر على الصحيح مكلف بالفروع والأصول كما حقق في الأصول فلا يخرج بالتكليف. واعلم أن اشتراط الاسلام إنما يناسب اليمين بالله تعالى واليمين بالقرب نحو إن فعلت كذا فعلي صلاة وأما اليمين بغير القرب نحو إن فعلت كذا فأنت طالق فلا يشترط له الاسلام كما لا يخفي ح. مطلب في يمين الكافر والحاصل أنه شرط لليمين الموجبة لعبادة من كفارة أو نحو صلاة وصوم في يمين التعليق، وسيذكر المصنف أنه لا كفارة بيمين كافر ون حنث مسلما وأن الكفر يبطلها، فلو حلف مسلما ثم ارتد ثم أسلم ثم حنث فلا كفارة اه. وحينئذ فالاسلام شرط انعقادها وشرط بقائها. وأما تحليف القاضي له فهو يمين صورة رجاء نكوله كما يأتي، ومقتضى هذا أنه لا إثم عليه في الحنث بعد اسلامه ولا في ترك الكفارة، وكذا في حال كفره بالأولى على القول بتكليفه بالفروع. فما قيل من أن يمين الكافر منعقدة لغير الكفارة وأن مشرط الاسلام نظر إلى حكمها فهو غير ظاهر، فافهم. ويشترط خلوها عن الاستثناء بنحو إن شاء الله أو إلا أن يبدو لي غير هذا أو إلا أن أرى أو أحب كما في ط عن الهندية. قال في البحر: ومن زاد الحرية كالشمني فقد سها، لان العبد ينعقد يمينه ويكفر بالصوم كما صرحوا به اه. قلت: يشترط أيضا عدم الفاصل من سكوت ونحوه. ففي البزازية: أخذه الوالي وقال قل بالله فقال مثله، ثم قال لتأتين يوم الجمعة فقال الرجل مثله فلم يأت لا يحنث، لأنه بالحكاية والسكوت صار فاصلا بين اسم الله تعالى وحلفه اه. وفي الصيرفية: لو قال علي عهد الله وعهد الرسول لا أفعل كذا لا يصح، لان عهد الرسول صار فاصلا اه: أي لأنه ليس قسما بخلاف عهد الله، قوله: (وإمكان البر أصلا والكفارة خلفا) كما في الدر المنتقى، وأنت خبير بأن الكفارة حاصة باليمين بالله تعالى ح، وأراد البر وجودا وعدما، فإنه يجب فيما إذا حلف على طاعة، ويحرم فيما إذا حلف على معصية، ويندب فيما إذا كان عدم المحلف عليه جائزا، وفيه زيادة تفصيل سيأتي. مطلب في حكم الحلف بغيره تعالى قوله: (وهل يكره الحلف بغير الله تعالى الخ) قال الزيلعي: واليمين بغير الله تعالى أيضا مشروع، وهو تعليق الجزاء بالشرط، وهو ليس بيمين وضعا، وإنما سمي يمينا عند الفقهاء لحصول معنى اليمين بالله تعالى وهو الحمل أو المنع، واليمين بالله تعالى لا يكره، وتقليله أولى من تكثيره، واليمين بغيره مكروهة عند البعض للنهي الوارد فيها، وعند عامتهم: لا تكره لأنها يحصل بها الوثيقة لا سيما في زماننا، وما روي من النهي محمول على الحلف بغير الله تعالى على وجه الوثيقة كقولهم وأبيك ولعمري اه. ونحوه في
5 وحاصله أن اليمين بغيره تعالى تارة يحصل بها الوثيقة: أي اتثاق الخصم الفتح بصدق الحالف كالتعليق والعتاق مما ليس فيه حرف القسم، وتارة لا يحصل مثل وأبيك ولعمري فإنه لا يلزمه بالحنث فيه شئ فلا تحصل به الوثيقة، بخلاف التعليق المذكور والحديث، وهو قوله (ص): من كان حالفا فليحلف بالله تعالى الخ محمول عند الأكثرين على غير التعليق، فإنه يكره اتفاقا لما فيه من مشاركة المقسم إنه لله تعالى في التعظيم وأما أقسامه تعالى بغيره كالضحى والنجم والليل فقالوا إنه مختص به تعالى، إذ له أن يعظم ما شاء وليس لنا ذلك بعد نهينا، وأما التعليق فليس فيه تعظيم، بل فيه الحمل المنع مع حصول الوثيقة فلا يكره اتفاقا كما هو ظاهر ما ذكرناه، وإنما كانت الوثيقة فيه أكثر من الحلف بالله تعالى في زماننا لقلة المبالاة بالحنث ولزوم الكفارة، أما التعليق فيمتنع الحالف فيه خوفا من وقوع الطلاق والعتاق. وفي المعراج: فلو حلف به على وجه الوثيقة أو على الماضي يكره. قوله: (ولعمرك) أي بقاؤك وحياتك، بخلاف لعمر الله فإنه قسم كما سيأتي. قوله: (لعدم تصور الغموس واللغو) على حذف مضاف: أي تصور حكمهما، وإلا نافي قوله: فيقع بهما ح. قوله: (في غيره تعالى) أي في الحلف بغيره سبحانه وتعالى. قوله: (فيقع بهما) أي بالغموس واللغو. قوله: (ولا يرد) أي على قوله: لعدم تصور الخ لو قال هو يهودي، إن فعل كذا متعمدا الكذب أو على ظن الصدق فهو غموس أو لغو مع أنه ليس يمينا بالله تعالى. قوله: (وإن لم يعقل وجه الكناية) أقول: يمكن تقرير وجه الكناية بأن يقال: مقصود، الحالف بهذه الصيغة الامتناع عن الشرط، وهو يستلزم النفرة عن اليهودية، وهي تستلزم النفرة عن الكفر بالله تعالى، وهي تستلزم تعظيم الله تعالى فكأنه قال: والله العظيم لا أفعل كذا اه ح. قوله: (تغمسه في الاثم ثم النار) بيان لما في صيغة فعول من المبالغة ح. قوله: (وهي كبيرة مطلقا) أي اقتطع بها حق مسلم أو لا، وهذا رد على قول البحر: ينبغي أن تكون كبيرة إذا اقتطع بها مال مسلم أو آذاه، وصغيرة إن لم يترتب عليها مفسدة، فقد نازعه في النهر بأنه مخالف لاطلاق حديث البخاري الكبائر الاشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين ح الغموس. وقول شمس الأئمة: إن إطلاق اليمين عليها مجاز لأنها عقد مشروع وهذه كبيرة محضة صريح فيه، ومعلوم أن إثم الكبائر متفاوت اه. وكذا قال المقدسي: أي مفسدة أعظم من هتك حرمة اسم الله تعالى. قوله: (على كاذب) أي على كلام كاذب: أي مكذوب. وفي نسخة على كذ أأدخل. قوله: (عمدا) حال من فاعل. أي عامدا، ومجئ الحال مصدر كثير لكنه سماعي. قوله: (ولو غير فعل أو ترك) كان الأولى ذكره قبيل قوله: ووالله إنه بكر فإنه مثال لهذا فيستغنى به عن المثال المذكور وعن تأخير قوله في ماض. قوله: (الآن) قيد به لما تعرفه قريبا. قوله: (في ماض) متعلق بمحذوف صفة لموصوف كاذب: أي على كلام كاذب واقع مدلوله في حاض، ولا يصح تعلقه بقوله: حلف إذ ليس المراد أن حلفه وقع في
6 الماضي كما لا يخفي، فافهم. قوله: (وتقييدهم بالفعل والماضي الخ) رد على صدر الشريعة حيث جعل التقييد للاحتراز، وإن الله إنه حجر من الحلف على الفعل بتقدير كان أو يكون وجعل الحال من الماضي لان الكلام يحصل أو لا في النفس فيعبر عنه باللسان، فالاخبار المعلق بزمان الحال إذا حصل في النفس فعبر عنه اللسان انعقد اليمين، وصار الحال ماضيا بالنسبة إلى زمان انعقاد اليمين، فإذا قال كتبت لا بد من الكتابة قبل ابتداء التكلم فيكون الحلف عليه حلفا على الماضي، وأشار إلى وجود الرد بلفظ الآن فإنه لا يمكن أن يقدر معه كان ليصير فعلا، ولا يمكن أن يكون من الماضي لمنافاته للفظ الآن على أن الحال إنما يعبر عنه بصيغة المضارع المستعملة في الحال أو في الاستقبال ولا يخبر عنه بصيغة الماضي أصلا، نعم قد يراد تقريب الماضي من الحال فيؤتى بصيغة الماضي مقرونة بقد نحو قد قام زيد إذا أردت أن قيامه قريب من زمن التكلم، فإذا قال والله قمت لا يصح أن يراد به الحال أصلا، بخلاف أقوم فإنه يراد به الحال أو الاستقبال كما هو مقرر في محله، فحيث لا يصح أن يكون فعلا ولا ماضيا تعين أن يكون تقييدهم بالفعل وبالماضي في قولهم هو حلفه على فعل ماض إلخ اتفاقيا: أي لا للاحتراز عن غيره أو أكثريا أي لكونه هو الأكثر. قوله: (ويأثم بها) أي إثما عظيما كما في الحاوي القدسي. مطلب في معنى الاثم والاثم في اللغة: الذنب، وقد تسمى الخمر إثما. وفي الاصطلاح عند أهل السنة: استحقاق العقوبة وعند المعتزلة: لزوم العقوبة بناء على جواز العفو وعدمه، كما أشار إليه الأكمل في تقريره. بحر. قوله: (فتلزمه التوبة) إذ لا كفارة في الغموس يرتفع بها الاثم فتعينت التوبة للتخلص منه. قوله: (إلا في ثلاث الخ) استثناء منقطع، لان الكلام في اليمين بالله تعالى وهذا في غير خ، ولذا قال في الاختيار: روى ابن رستم عن محمد: لا يكون اللغو إلا في اليمين بالله تعالى، وذلك أن في حلفه بالله تعالى على أمر يظنه كما قال ليس كذلك لغا المحلوف عليه وبقي قوله والله فلا يلزمه شئ، في اليمين بغيره تعالى يغلو المحلوف عليه ويبقى قوله امرأته طالق وعبده حر وعليه حج فيلزمه اه ملخصا. قوله: (فيقع الطلاق) أي والعتاق ويلزمه النذر كما علمت. قوله: (يظنه) أي يظن نفسه. قوله: (فالفارق الخ) أقول: هناك فارق آخر، وهو الغموس تكون في الأزمنة الثلاثة على ما سيأتي، واللغو لا تكون في الاستقبال ح. قوله: (وأما في المستقبل فالمنعقدة) لا يخفي أن كلامه في الحلف كاذبا يظنه صادقا، وهذا في المستقبل لا يكون إلا يمينا منعقدة، فلا يرد أن الغموس يكون في المستقبل أيضا لان الغموس لا بد فيه من تعمد الكذب وليس الكلام فيه، فافهم. قوله: (وخصه الشافعي الخ) اعلم أن تفسير اللغو بما ذكره المصنف هو المذكور في المتون والهداية وشروحها. ونقل الزيلعي أنه روي عن أبي حنيفة كقول الشافعي. وفي الاختيار أنه حكاه محمد عن أبي حنيفة، وكذا نقل في البدائع الأول عن أصحابنا. ثم قال: وما ذكر محمد على
7 أثر حكايته عن أبي حنيفة أن اللغو ما يجري بين الناس مقولهم لا والله وبلى والله، فذلك محمول عندنا على الماضي أو الحال، وعندنا ذلك لغو. فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي في يمين لا يقصدها الحالف في المستقبل. فعندنا ليست بلغو وفيها الكفارة. وعنده هي لغو ولا كفارة فيها اه. فقوله فذلك محمول عندنا إلى آخر كلامه خبر قوله وما ذكر محمد إلخ، فهو مبني على تلك الرواية المحكية عن أبي حنيفة، أراد به بيان الفرق بينهما وبين قول الشافعي وذلك أن المستقبل يكون لغوا عنده لا عندنا، قد فهم صاحب البحر من كلام البدائع حيث عبر بقوله: عندنا وقوله: فيرجع حاصل بيننا الخلاف بيننا وبين الشافعي الخ أن مذهبنا في اليمين اللغو أنها التي لا يقصدها الحالف في الماضي أو الحال كما يقوله الشافعي إلا في المستقبل. قلت: هذا وإن كان يوهمه آخر كلام البدائع، لكن أوله صريح بخلافه، حيث عزا ما في المتون إلى أصحابنا، ثم نقل ما حكاه محمد عن أبي حنيفة. فعلم أن قوله: عندنا الخ بناء على هذه الرواية كما قلنا وبين المذهب، وهذه الرواية منافاة، فإن حلفه على أمر يظنه كما قال لا يكون إلا عن قصد فينا في تفسير اللغو كالتي لا يقصدها، نعم ادعى في البحر أن المقصود إذا كانت لغوا فالتي لا يقصدها كذلك بالأولى، فيكون تفسيرنا اللغو أعم من تفسير الشافعي. ولا يخفي أن هذا خروج عن الجادة وعن ظاهر كلامهم، ولا بد له من نقل صريح، والذي دعاه إلى هذا التكلف نظره إلى ظاهر عبارة البدائع الأخيرة وقد سمعت تأويلها، وكأن الشارح نظر إلى كلام البحر من أن مذهبنا أعم من مذهب الشافعي، فلذا قال: وخصه الشافعي، فافهم. نعم قد يقال: إذا لم تكن هذه لغوا يلزم أن تكون قسما خارجا عن الأقسام الثلاثة، فالأحسن أن يقال: إن اللغو عندنا قسمان: الأول ما ذكر في المتون، والثاني ما في هذه الرواية، فتكون هذه الرواية بيانا للقسم الذي سكت عنه أصحاب المتون، ويأتي قريبا عن الفتح التصريح بعد المؤاخذة في اللغو على التفسيرين، فهذا مؤيد لهذا التوفيق، والله سبحانه أعلم. قوله: (ولو لآت) أي ولو لزمان آت: أي مستقبل فإنه لغو عند الشافعي لا عندنا حتى على الرواية المحكية عن أبي حنيفة. قوله: (فلذا قال الخ) أي للاختلاف في اللغو. قال: ويرجى عفوه، وهذا جواب عن الاعتراض على تعليق محمد العفو بالرجاء بأن قوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * مقطوع به، فأجاب في الهداية بأنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسير اللغو. اعترضه في الفتح بأن الأصح أن اللغو بالتفسيرين متفق على عدم المؤاخذة به في الآخرة، وكذا في الدنيا بالكفارة. قال: فالأوجه ما قيل إنه لم يرد به التعليق، بل التبرك باسمه تعالى والتأدب كقوله عليه الصلاة والسلام لأهل المقابر: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وأجاب في النهر بأنه اختلف قال: ولا شك أن تفسير اللغو على رأينا ليس أمرا مقطوعا به إذ الشافعي قائل بأنه من المنعقدة فلا جرم علقه بالرجاء وهذا معنى دقيق ولم أر من عرج عليه اه. قلت: إنما لم يعرج أحد عليه لما علمت من الاتفاق على عدم المؤاخذة به في الآخرة، وكذا في الدنيا بالكفارة، فافهم. قوله: (وكاللغو الخ) حاصله أنت حلفه على ماض صادقا يمين مع أنه لم يدخل في الأقسام الثلاثة فيكون قسما رابعا وهو مبطل لحصرهم اليمين في الثلاثة. أجاب صدر
8 الشريعة بأنهم أرادوا حصر اليمين التي اعتبرها الشرع ورتب عليها الاحكام. ورده في البحر بأن عدم الاثم فيها حكم. وقال في النهر: فيه نظر. قال ح: والحق ما في البحر، ولا وجه للنظر اه. قلت: وأجاب في الفتح بأن الأقسام الثلاثة فيما يتصور فيه الحنث لا في مطلق اليمين. قوله: (كوالله إني لقائم الآن) تبع فيه النهر، وكأنه تنظير لا تمثيل أشار به إلى أن الماضي كالحال. والأحسن قول الفتح: كوالله لقد قام زيد أمس. قوله: (على مستقبل) لا حاجة إليه. ا. ه. ح وقد يجاب بأن لفظ آت اسم فاعل، وحقيقته ما اتصف بالوصف في الحال، فمثل قائم حقيقة فيمن اتصف بالاتيان في الحال ويحتمل الاستقبال وكذا لفظ آت حقيقة فيمن اتصف بالاتيان في الحال ويحتمل الاستقبال، فزاد الشارح لفظ مستقبل لدفع إرادة الحال. ولا يرد أن مستقبل حقيقة في الحال أيضا. لأنا نقول: معناه أنه متصف في الحال بكونه مستقبلا: أي منتظرا، وذلك لا يقتضي حصوله في الحال، لكن كان المناسب تأخير مستقبل عن آت. قوله: (يمكنه) أشار إلى ما في النهر حيث قال: ويجب أن يراد بالفعل فعل الحالف ليخرج نحو والله لا أموت إلخ، لكن هذا أعمن الممكن وغيره، وتعبير الشارح أحسن لأنه يرد على عبارة النهر نحو والله لأشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه لا يحنث لعدم إمكان البر مع أنه من فعله، ومقتضى كلامه أن هذا المثال من الغموس، لكن ينبغي تقييده بما إذا علم وقت الحلف أنه لا ماء فيه. وأما إذا لم يعلم فليس منها ولا من المنعقدة لعدم الامكان، فإن جعلت من اللغو انتقض ما مر أنها لا تكون على الاستقبال، والذي يظهر أنها غير يمين أصلا علم أو لا، لما مر من أن شرط اليمين إمكان البر فليتأمل. قوله: (ولا يتصور حفظ إلا في مستقبل) قلت: كون الحفظ لا يتصور إلا في مستقبل معناه أنه لا يتصور في ماض أو في حال، لان الحفط منع نفسه عن الحنث فيها بعد وجودها مترددة بين الهتك والحفظ، وذلك لا يكون في غير المستقبل. ولا يخفى أن هذا لا يستلزم أن كل مستقبل كذلك: أي يتصور فيه الحفظ حتى يرد عليه الغموس المستقبلة التي لا يمكن حفظها، نعم يرد لو قال: ولا يتصور مستقبل إلا محفوظا، والفرق بين العبارتين ظاهر، فافهم. قوله: (فقط) قيد، للهاء من فيه، فالمعنى أن فيه لا في غيره من قسيميه الكفارة لا للكفارة حتى يصير المعنى أن فيه الكفارة لا غيرها من الاثم، لكن الأول أن يقول: وفيه فقط الكفارة اه ح. وهذا جواب للعيني دفع به اعتراض الزيلعي على الكنز بأن المنعقدة فيها إثم أيضا. واعترضه في البحر بأن الاثم غير لازم لها، لان الحنث قد يكون واجبا أو مستحبا. وأجاب في النهر بأنه تخلف لعارض فلا يرد. قوله: (وإن لم توجد منه التوبة عنها) أي عن اليمين، المراد عن حنثه فيها وهو متعلق بالتوبة وقوله: معها متعلق ب توجد وفي عدم لزوم التوبة مع الكفارة كلام قدمناه في جنايات الحج فراجعه. قوله: (أو مخطئا) من أراد شيئا فسبق لسانه إلى غيره كما أفاده القهستاني. قال في النهر: كما إذا أراد أن يقول اسقني الماء فقال والله لا أشرب الماء.
9 مطلب في الفرق بين السهو والنسيان قوله: (أو ذاهلا أو ساهيا أو ناسيا) قال ابن أمير حاج في شرح التحرير: وجزم كثير باتحاد السهو والنسيان، لان اللغة لا الفرق بينهما، وإن فرقوا بينهما بأن السهو زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة، والنسيان زوالها عنهما معا فيحتاج في حصولها إلى سبب جديد. وقيل النسيان عدم ذكر ما كان مذكورا، والسهو غفلة عما كان مذكورا وما لم يكن مذكورا، فالنسيان أخص منه مطلقا. وقيل يسمى زوال إدراك سابق قصر زمان زواله نسيانا وغفلة لا سهوا، وزوال إدراك سابق طال زمان زواله سهوا ونسيانا، فالنسيان أعم منه مطلقا. وقال الشيخ سراج الدين الهندين: والحق أن النسيان من الوجدانيات التي لا تفتقر إلى تعريف بحسب المعنى، فإن كل عاقل يعلم النسيان كما يعلم الجوع والعطش اه ح. قلت: لكن ظهور الفرق بينه وبين السهو يتوقف على التعريف. وفي المصباح: فرقوا بين الساهي والناسي، بأن الناسي إذا ذكرته تذكر، والساهي بخلافه اه. وعليه فالسهو أبلغ من النسيان، وفيه ذهل بفتحتين ذهولا غفل. وقال الزمخشري: ذهل عن الامر: تناساه عمدا وشغل عنه، وفي لغة من باب تعب. قوله: (بأن حلف أن لا يحلف) قال في النهر: أراد بالناسي المخطئ، وفي الكافي: وعليه اقتصر في العناية والفتح: هو من تلفظ باليمين ذاهلا عنه، والملجئ إلى ذلك أن حقيقة النسيان في اليمين لا تتصور. قال الزيلعي: وقال العيني وتبعه الشمني: بل تصور بأن حلف أن لا يحلف ثم نسي الحلف السابق فحلف. ورده في البحر بأنه فعل المحلوف عليه ناسيا لا أن حلفه ناسيا اه. وفيه نظر، إذ فعل المحلوف عليه ناسيا لا ينافي كونه يمينا بدليل أنه يكفر مرتين: مرة باعتبار أنه فعل المحلوف عليه، وأخرى باعتبار حنثه في اليمين اه كلام النهر. أقول: الحق ما في البحر، فإن فعل المحلوف عليه ناسيا وإن لم يناف كونه يمينا، لكن تعلق النسيان به من جهة كونه حنثا لا من جهة كونه يمينا، إذ هو من هذه الجهة لم يتعلق به النسيان كما لا يخفي على منصف اه ح. قوله: (لحديث الخ) في شرح الوقاية للعلامة منلا علي القاري: لفظ اليمين غير معروف، إنما المعروف ما رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة وحسنه الترمذي وصححه الحاكم بلفظ: النكاح والطلاق والرجعة، وقد رواه ابن عدي فقال: الطلاق والنكاح والعتاق اه. وفي الفتح: اعلم أنه لو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل، لان المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدا والهازل قاصد اليمين غير راض بحكمه، فلا يعتبر عدم رضاه به شرعا بعد مباشرته السبب مختارا، والناسي بالتفسير المذكور لم يقصد شيئا أصلا ولم ير ما صنع، وكذا المخطئ لم يقصد قد التلفظ به بل بشئ آخر، فلا يكون الوارد في الهازل واردا في الناسي الذي لم يقصد قط مباشرة السبب فلا يثبت في حقه نصا ولا قياسا اه. قوله: (في اليمين أو الحنث) متعلق بقوله: ولو مكرها أو ناسيا أي سواء كان الاكراه أو النسيان في نفس اليمين وقد مر، أو في الحنث بأن
10 فعل ما حلف عليه مكرها أو ناسيا: لان الفعل شرط الحنق وهو سبب الكفارة والفعل الحقيقي لا ينعدم بالاكراه والنسيان. قوله: (فيحنث بفعل المحلوف عليه) فلو لم يفعله، كما لو حلف أن لا يشرب فصب الماء في حلقه مكرها فلا حنث عليه. نهر. قوله: (لو فعله وهو مغمى عليه الخ) أما لو حلف وهو كذلك فلا يلزمه شئ لعدم الصحة كما مر. قوله: (بالله تعالى) أي بهذا الاسم الكريم. قوله: (ولو برفع الهاء) مثله سكونها كما في مجمع الأنهر. قال: وهذا إذا ذكر بالباء، وأما بالواو فلا يكون يمينا إلا بالجر اه ح. قلت: أما الرفع مع الواو فلانه يصير مبتدأ، وكذا النصب لأنه يصير مفعولا لنحو أعبد فلا يكون يمينا، وأما السكون فغير ظاهر، لأنه إذا كان مجرورا وسكن لا يخرج عن كونه يمينا، على أن الرفع يحتمل تقدير خبره قسمي كما سيأتي في حذف حرف القسم. والحاصل أن تخصيص ما ذكر بالباء مشكل، ولعل المراد أن غير المجرور مع الواو لا يكون صريحا في القسم فيحتاج إلى النية، وهذا كله إن كان ما ذكره منقولا ولم أره، نعم ذكروا ذلك في حذف حرف القسم. ففي الخانية: لو قال الله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو أنصبها لا يكون يمينا لانعدام حرف القسم، إلا أن يعربها بالكسر، لان الكسر يقتضي سبق الخافض وهو حرف القسم، وقيل يكون يمينا بدون الكسر اه. ومثله في البحر عن الظهيرية. وفي الجوهرة: وإن نصبه اختلفوا فيه، والصحيح يكون يمينا اه. قلت: ومثله تسكين الهاء على ما حققه في الفتح من عدم اعتبار الاعراب كما سنذكره عند الكلام على حروف القسم. قوله: (أو حذفها) قال في المجتبى: ولو قال والله بغير هاء كعادة الشطار فيمين. قلت: فعلى هذا يستعمله الأتراك بالله بغير هاء يمين أيضا اه. وهكذا نقله عنه في البحر، ولعل أحد الموضعين بغير هاء بالواو لا بالهمز: أي بغير الألف التي هي الحرف الهاوي. تأمل. ثم رأيته في الوهبانية، وقال ابن الشحنة في شرحها: المراد بالهاوي الألف بين الهاء واللام، فإذا حذفها الحالف أو الذابح أو الداخل في الصلاة قيل لا يضر لأنه سمع حذفها في لغة العرب، وقيل يضر. قوله: (وكذا واسم الله) في البحر عن الفتح: قال باسم الله لأفعلن، المختار ليس يمينا لعدم التعارف وعلى هذا بالواو، إلا أن نصارى ديارنا تعارفوه فيقولون: واسم الله اه. أي فيكون يمينا لمن تعارفه مثلهم لا لهم، لما مر من أن شرطه الاسلام. قوله: (ورجحه في البحر) حيث قال: والظاهر أن باسم الله يمين كما جزم به في البدائع معللا بأن الاسم والمسمى واحد عند أهل السنة والجماعة، فكان الحلف بالاسم حلفا بالذات كأنه قال بالله اه. والعرف لا اعتبار به في الأسماء اه. ومقتضاه أن واسم الله كذلك فلا يختص به النصارى،. قوله: (بكسر اللام الخ) أي بدون مد. والظاهر أن مثله بالأولى المد على صورة الإمالة، وكذا فتح اللام بدون مد، لان ذلك كله
11 يتكلم به كثير من البلاد فهو لغتهم، لكن إذا تكلم به من كان ذلك لغته فالظاهر أنه لا يشترط فيه قصد اليمين. تأمل. قوله: (ولو مشتركا الخ) وقيل كل اسم لا يسمى به غيره تعالى كالله والرحمن فهو يمين، وما يسمى به غيره كالحليم والعليم، فإن أراد اليمين كان اليمين كان يمينا وإلا لا، ورجحه بعضهم بأنه حيث كان مستعملا لغيره تعالى أيضا لم تتعين إرادة أحدهما إلا بالنية. ورده الزيلعي بأن دلالة القسم معينة لإرادة اليمين، إذ القسم بغيره تعالى لا يجوز، نعم إذا نوى غيره صدق لأنه نوى محتما كلامه. وأنت خبير بأن هذا مناف لما قدمه من أن العامة يجوزون الحلف بغير الله تعالى. نهر. أقول: هذا غفلة عن تحرير محل النزاع، فإن الذي جوزه العامة ما كان تعليق الجزاء بالشرط لا ما كان فيه حرف القسم كما قدمناه. والحاصل كما في البحر أن الحلف بالله تعالى لا يتوقف على النية ولا على العرف على الظاهر من مذهب أصحابنا، وهو الصحيح. قال: وبه اندفع ما في الولوالجية، من أنه لو قال: والرحمن لا أفعل إن أراد به السورة لا يكون يمينا، لأنه يصير كأنه قال والقرآن، وإن أراد به الله تعالى يكون يمينا اه. لان هذا التفصيل في الرحمن قول بشر المريسي: قوله: (والطالب الغالب) فهو يمين وهو متعارف أهل بغداد، كذا في الذخيرة والولوالجية. وذكر في الفتح أنه يلزم إما اعتبار العرف فيما لم يسمع من الأسماء فإن الطالب لم يسمع بخصوصه بل الغالب في قوله تعالى: * (والله غالب على أمره) * (يوسف: 12) وإما كونه بناء على القول المفصل في الأسماء اه. أي من أنه تعتبر النية والعرف في الاسم المشترك كما مر. وأجاب في البحر بأن المراد أنه بعد ما حكم بكونه يمينا أخبر بأن أهل بغداد تعارفوا الحلف بها اه. قلت: ينافيه قوله في مختارات النوازل: فهو يمين لتعارف أهل بغداد. حيث جعل التعارف علة كونه يمينا فلا محيص عما قاله في الفتح. وأيضا عدم ثبوت كون الطالب من أسمائه تعالى لا بد له من قرينة تعين كون المراد به اسم الله تعالى وهي العرف مع اقترانه بالغالب المسموع إطلاقه عليه تعالى، وهو وإن كان مسموعا لكنه لم يجعل مقسما به أصالة بل جعل صفة له فلا يكون قسما بدونه كما في الأول الذي ليس قبله شئ، فإنه لا يقسم بالأول بدون هذه الصفة، ومثله الآخر الذي ليس بعده شئ، فافهم، وما وقع في البحر من عطف الغالب بالواو هو خلاف الموجود في الولوالجية والذخيرة وغيرهما. قوله: (كما سيجئ) أي بعد ورقة، وسيجئ تفصيله وبيانه. قوله: (وفي المجتبى الخ) المراد به الأسماء المشتركة كما في البحر، وقدمناه آنفا عن الزيلعي معللا بأنه نوى محتمل كلامه، وظاهره أن يصدق قضاء. وعبارة المجتبى: واليمين بغير الله تعالى إذا قصد بها غير الله تعالى لم يكن حالفا بالله، لكن في البحر عن البدائع فلا يكون يمينا، لأنه نوى محتمل كلامه فيصدق في أمر بينه وبين ربه تعالى اه. ولا يصدق قضاء لأنه خلاف الظاهر كما مر. (تنبيه): اعترض بعض الفضلاء بالقضاء والديانة بما في البحر عند قوله: ولو زاد ثوبا الخ من أن الفرق بن الديانة والقضاء إنما يظهر في الطلاق والعتاق لا في الحلف بالله تعالى، لان الكفارة حقه ليس للعبد فيها مدخل حتى يرفع الحالف إلى القاضي.
12 قلت: قد يظهر فيما إذا علق طلاقا أو عتقا على حلفه ثم حلف بذلك، فافهم. قوله: (أو بصفة الخ) المراد بها اسم المعنى الذي لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو كالعزة والكبرياء والعظمة، بخلاف نحو العظيم، وتتقيد بكون الحلف بها متعارفا سواء كانت صفة ذات أو فعل، وهو قول مشايخ ما وراء النهر، ولمشايخ العراق تفصيل آخر، وهو أن الحلف بصفات الذات يمين لا بصفات الفعل. وظاهر أنه لا اعتبار عندهم للعرف وعدمه. فتح ملخصا. ومثله في الشرنبلالية عن البرهان بزيادة التصريح بأن الأول هو الأصح. وقال الزيلعي: والصحيح الأول، لان صفات الله تعالى كلها صفات الذات وكلها قديمة، والايمان مبنية على العرف، ما يتعارف الناس الحلف به يكون يمينا، وما لا فلا اه. ومعنى قوله: كلها صفات الذات أن الذات الكريمة موصوفة بها فيراد بها الذات، سواء كانت مما يسمى صفة ذات أو صفة فعل فيكون الحلف بها حلفا بالذات، وليس مراده نفي صفة الفعل. تأمل. ثم رأيت المصنف استشكله وأجاب بأن مراده أن صفات الفعل ترجع في الحقيقة إلى القدرة عند الأشاعرة والقدرة صفة ذات اه. وما قلنا أولى. قوله: (صفة ذات) مع قوله بعده أو صفة فعل بدل مفصل من مجمل، وقوله: لا يوصف بضدها الخ بيان للفرق بينهما كما في الزيلعي وغيره، قوله: (كعزة الله) قال القهستاني: أي غلبته من حد نصر، أو عدم النظير من حد ضرب، أو عدم الحط من منزلته من حد علم، وقوله: وجلاله أي كونه كامل الصفات وقوله: وكبريائه أي كون كامل الذات اه. قوله: (وملكوته وجبروته) بوزن فعلوت وزيادة الهمزة في جبروت خطأ فاحش، وفي شرح الشفاء للشهاب: الملكوت صفة مبالغة من الملك كالرحموت من الرحمة، وقد يخص بما يقابل عالم الشهادة ويسمى عالم الامر، كما أن مقابله يسمى عالم الشهادة وعالم الملك اه. وفي شرح المواهب: قال الراغب: أصل الجبر إصلاح الشئ بضرب من القهر. وقد يقال في الاصلاح المجرد كقول علي: يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير، وتارة في القهر المجر اه. أفاده ط. قوله: (وعظمته) أي كونه كامل الذات أصالة وكامل الصفات تبعا، وقوله: وقدرته أي كونه يصح منه كل ما لفعل والترك. قهستامي. قوله: (كالغصب والرضا) أي الانتقام والانعام. وهذا تمثيل لصفة الفعل في حد ذاتها، فلا ينافي ما يأتي أن الرضا والغضب لا يحلف بهما ط. قوله: (فإن الايمان مبنية على العرف) علة للتقييد بقوله عرفا ط. وهذا خاص بالصفات، بخلاف الأسماء فإنه لا يعتبر العرف فيها كما مر. قوله: (لا يقسم بغير الله تعالى) عطف على قوله القسم بالله تعالى: أي لا ينعقد القسم بغيره تعالى: أي غير أسمائه وصفاته ولو بطريق الكناية كما مر، بل يحرم كما في القهستاني، بل يخاف منه الكفر في نحو وحياتي وحياتك كما يأتي. مطلب في القرآن قوله: (قال الكمال الخ) مبني على أن القرآن بمعنى كلام الله، فيكون من صفاته تعالى كما يفيده كلام الهداية حيث قال: ومن حلف بغير الله عالي لم يكن حالفا كالنبي والكعبة، لقوله عليه
13 الصلاة والسلام: من كان منكم حالفا بالله أو ليذر وكذا إذا حلف بالقرآن لأنه غير متعارف اه. فقوله: كذا يفيد أنه ليس من قسم الحلف بغير الله تعالى، بل هو من قسم الصفات ولذا علله بأنه غير متعارف، ولو كان من القسم الأول كما هو المتبادر من كلام المصنف والقدوري لكانت العلة فيه النهي المذكور أو غيره، لان التعارف إنما يعتبر في الصفات المشتركة أو في غيرها، وقال في الفتح. وتعليل عدم كونه يمينا بأنه غيره تعالى لأنه مخلوق لأنه حروف، وغير المخلوق هو الكلام النفسي منع بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. ولا يخفي أن المنزل في الحقيقة ليس إلا الحروف المنقضية المنعدمة، ما ثبت قدمه استحال عدمه، غير أنهم أوجبوا ذلك لان الدوام إذا قيل لهم إن القرآن مخلوق تعدوا إلى الكلام مطلقا اه. وقوله: ولا يخفي الخ رد للمنع. وحاصله أن غير المخلوق هو القرآن بمعنى كلام الله الصفة النفسية القائمة به تعالى لا بمعنى الحروف المنزلة، غير أنه لا يقال القرآن مخلوق لئلا يتوهم إرادة المعنى الأول. قلت: فحيث لم يجز أن يطلق عليه أنه محلوق ينبغي أن لا يجوز أن يطلق عليه أنه غيره تعالى، بمعنى أنه ليس صفة له، لان الصفات ليست عينا ولا غيرا كما قرر في محله، ولذا قالوا: من قال بخلق القرآن فهو كافر. ونقل في الهندية عن المضمرات: وقد قيل هذا في زمانهم، أما في زماننا فيمين، وبه نأخذ ونأمر ونعتقد. وقال محمد بن مقاتل الرازي: إنه يمين، وبه أخذ جمهور مشايخنا اه. فهذا مؤيد لكونه صفة تعورف الحلف بها كعزة الله وجلاله. قوله: (فيدور مع العرف) لان الكلام صفة مشتركة. قوله: (وقال العيني الخ) عبارته: وعندي لو حلف بالمصحف أو وضع يده عليه وقال: وحق هذا فهو يمين، ولا سيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الايمان الفاجرة ورغبة العوام في الحلف بالمصحف اه. وأقره في النهر، وفيه نظر ظاهر، إذ المصحف ليس صفة لله تعالى حتى يعتبر فيه العرف، وإلا لكان الحلف بالنبي والكعبة يمينا لأنه متعارف، وكذا بحياة رأسك ونحوه ولم يقل به أحد. على أن قول الحالف وحق الله ليس بيمين كما يأتي تحقيقه، وحق المصحف مثله بالأولى، وكذا وحق كلام الله، لان حقه تعظيمه والعمل له وذلك صفة العبد، نعم لو قال أقسم بما في هذا المصحف من كلام الله تعالى ينبغي أن يكون يمينا. قوله: (ولو تبرأ من أحدها) أي أحد المذكورات من النبي والقرآن والقبلة. قوله: (إلا من المصحف) أي فلا يكون التبري منه يمينا، لان المراد به الورق والجلد، وقوله: إلا أن يتبرأ مما فيه لان ما فيه هو القرآن، وما ذكره في النهر عن المجتبى من أنه لو تبرأ من المصحف انعقد يمينا فهو سبق قلم، فإن عبارة المجتبى هكذا: ولو قال أنا برئ من القرآن أو مما في المصحف فيمين، ولو قال من المصحف فليس بيمين اه. ومثله في الذخيرة. قوله: (بل لو تبرأ من دفتر) صوابه مما في دفتر كما علمته في المصحف. قال في الخانية: ولو رفع كتا أأدخل الفقه أو دفتر الحساب فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم وقال أنا برئ مما فيه إن فعل كذا ففعل كان عليه الكفارة، كما لو قال أنا برئ من بسم الله الرحمن الرحيم. قوله: (ولو تبرأ من كل آية فيه) أي في المصحف كما في المجتبى والذخيرة والخانية. قوله: (ولو كرر
14 البراءة الخ) قال في الذخيرة: ولو قال فهو برئ من الكتب الأربعة فهو يمين واحدة، وكذا هو برئ من القرآن والزبور والتوراة والإنجيل، ولو قال فهو برئ من القرآن وبرئ من التوراة من الإنجيل وبرئ من الزبور فهي أربعة أيمان. وفي البحر عن الظهيرية: والأصل في جنس هذه المسائل أنه متى تعددت صيغة البراءة تتعدد الكفارة، وإذا اتحدت، قوله: (يمينان) أي لتكرر البراءة مرتين، أما لو قال برئ من الله ورسوله فقيل يمينان وصحح في الذخيرة والمجتبى الأول، وعبارة البحر هنا موهمة خلاف المراد. قوله: (فأربع) لان لفظ البراءة في الثانية مذكور مرتين بسبب التثنية. بحر. قوله: (يمين واحدة) لان قوله: ألف مرة للمبالغة، فلم يتكرر فيها اللفظ حقيقة. تأمل. قوله: (أو صوم رمضان الخ) زاد في الذخيرة: ولو قال أنا برئ من هذه الثلاثين يعني شهر رمضان إن فعلت كذا، فإن نوى البراءة من فرضيتها فيمين أو من أجرها فلا، وكذا لو لم تكن له نية للشك، ولو قال فأنا برئ من حجتي التي حججت أو من صلاتي التي صليت لا يكون يمينا، بخلاف قوله من القرآن الذي تعلمت فإنه يمين اه. وفي البحر عن المحيط: لأنه في الأول تبرأ عن فعله لا عن الحجة المشروعة، وفي الثاني القرآن قرآن، وإن تعلمه فالتبري عنه كفر. قوله: (أو من المؤمنين) لان البراءة منهم تكون لانكار الايمان. خانية. قوله: (أو أعبد الصليب) كأن قال إن فعلت كذا فأنا أعبد الصليب. قوله: (لأنه كفر الخ) تعليل لقوله: ولو تبرأ من أحدها مع ما عطف عليه. قوله: (وتعليق الكفر الخ) ولو قال هو يستحل الميتة أو الخمر أو الخنزير إن فعل كذا لا يكون يمينا. والحاصل أن كل شئ هو حرام حرمة مؤبدة، بحيث لا تسقط حرمته بحال كالكفر وأشباهه، فاستحلاله معلق بالشرط يكون يمينا، وما تسقط حرمته بحال كالميتة والخمر وأشباه ذلك فلا. ذخيرة، قوله: (وسيجئ) أي قريبا في المتن. قوله: (وإلا يكفر) بالتشديد: أي تلزمه الكفارة. مطلب: تتعدد الكفارة لتعدد اليمين قوله: (وتتعدد الكفارة لتعدد اليمين) وفي البغية: كفارات الايمان إذا كثرت تداخلت، ويخرج بالكفارة الواحدة عن عهدة الجميع، وقال شهاب الأئمة: هذا قول محمد. قال صاحب الأصل: هو المختار عندي اه مقدسي. ومثله في القهستاني عن المنية. قوله: (وبحجة أو عمرة يقبل) لعل وجهه أن قوله إن فعلت كذا فعلي حجة ثم حلف ثانيا كذلك يحتمل أن يكون الثاني إخبارا عن الأول، بخلاف قوله والله لا أفعله مرتين فإن الثاني لا يحتمل الاخبار فلا تصح به نية الأول، ثم رأيته كذلك في الذخيرة. وفي ط عن الهندية عن المبسوط: وإن كان إحدى اليمنيين بحجة والأخرى بالله تعالى فعليه كفارة وحجة. قوله: (وفيه معزيا للأصل الخ) أي وفي البحر: والظاهر أن في العبارة
15 سقطا، فإن الذي في البحر عن الأصل: لو قال هو يهودي هو نصراني إن فعل كذا يمين واحدة، ولو قال هو يهودي إن فعل كذا هو نصراني إن فعل كذا فهما يمينان. قوله: (في الأصح) راجع للمسألتين: أي إذا ذكر الواو بين الاسمين فالأصح أنهما يمينان، سواء كان الثاني لا يصلح نعتا للأول أو يصلح وهو ظاهر الرواية. وفي رواية يمين واحدة كما في الذخيرة. قلت: لكن يستثنى ما في الفتح حيث قال: ولو قال علي عهد الله وأمانته وميثاقه لا نية له فهو يمين عندنا ومالك وأحمد. وحكي عن مالك: يجب عليه بكل لفظ كفارة، لان كل لفظ يمين بنفسه وهو قياس مذهبنا إذا كررت الواو كما في: والله والرحمن والرحيم إلا في رواية الحسن اه. قوله: (واتفقوا الخ) يعني أن الخلاف المذكور إذا دخلت الواو على الاسم الثاني وكانت واحدة: فلو تكررت الواو مثل والله والرحمن فهما يمينان اتفاقا، لا إحداهما للعطف والأخرى للقسم كما في البحر. وأما إذا لم تدخل على الاسم الثاني واو أصلا كقولك والله الله وكقولك والله والرحمن فهو يمين واحدة اتفاقا كما في الذخيرة، وهذا هو المراد بقوله: وبلا عطف واحدة. قوله: (قال الرازي) هو علي حسام الدين الرازي. له كتب: منها خلاصة الدلائل في شرح القدوري. سكن دمشق وتوفي بها سنة إحدى وتسعين وخمسمائة. قوله: (وإن اعتقد وجوب البر فيه يكفر) ليس هذا من كلام الرازي المنقول في الفتح والبحر بل ما بعده، وهذا إنما ذكره في الفتح قبل نقل كلام الرازي، وكأن الشارح ذكره هنا ليبين به أنه المراد من قوله (يكفر) وكان أولى التصريح بأي التفسيرية. ثم المراد باعتقاد وجوب البر فيه كما قال ح: اعتقاد الوجوب الشرعي، بحيث لو حنث أتم وهذا قلما يقع. قوله: (ولا يعلمون) أي لا يعلمون أن اليمين ما كان موجبها البر أو الكفارة الساترة لهتك حرمة الاسم، وأن في الحلف باسم غيره تعالى تسوية بين الخالق والمخلوق في ذلك. قوله: (لقلت إنه مشرك) أي إن الحالف بذلك. وفي بعض النسخ إنه شرك بدون ميم، أي أن الحلف المذكور، وفي القهستاني عن المنية أن الجاهل الذي يحلف بروح الأمير وحياته ورأسه لم يتحقق إسلامه بعده. وفيه: وما أقسم الله تعالى بغير ذاته وصفاته من الليل والضحى وغيرهما ليس للعبد أن يحلف بها. قوله: (وعن ابن مسعود الخ) لعل وجهه أن حرمة الكذب في الحلف به تعالى قد تسقط بالكفارة، والحلف بغيره تعالى أعظم حرمة، ولذا كان قريبا من الكفر ولا كفار له ط. قوله: (ولا صفة الخ) مقابل قوله المار أو بصفة يحلف بها وهذا مبني على قول مشايخ ما وراء النهر من اعتبار العرف في الصفات مطلقا بلا فرق بين صفا ت الذات وصفات الفعل، وهو الأصح كما مر، فالعلة في إخراج هذه عدم العرف، فلا حاجة إلى ما في الجوهرة من أن القياس في العلم أن يكون يمينا لأنه صفة ذات، لكن استحسنوا عدمه لأنه قد يراد به المعلوم وهو غيره تعالي فلا يكون يمينا، إلا إذا أراد الصفة لزوال الاحتمال اه. قوله: (ورضائه) الأنسب ما في البحر
16 ورضاه لأنه مقصور لا ممدود. قوله: (وسخطه) قال في المصباح: سخط سخطا من باب تعب، والسخط بالضم اسم منه: وهو العضب. قول: (وشريعته ودينه وحدوده) لا محل لذكرها هنا لأنها ليست من الصفات، لان المراد بها الاحكام المتعبد بها وهي غيره تعالى فلا يقسم بها وإن تعورف عما علم مما مر ويأتي، فالمناسب ذكرها عند قول المصنف المتقدم لا بغير الله تعالى كما فعل صاحب البحر. قوله: (وصفته) في البحر عن الخانية: لو قال بصفة الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا، لان من صفاته تعالى ما يذكره في غيره كلا يكون ذكر الصفة كذكر الاسم اه قوله: (وسبحان الله إلخ) قال في البحر: ولو قال لا إله إلا الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا، إلا أن ينوي، وكذا قوله: سبحان الله والله أكبر لا أفعل كذا لعدم العادة اه. قلت: ولو قال الله الوكيل لا أفعل كذا ينبغي أن يكون يمينا في زماننا، لأنه مثل الله أكبر لكنه متعارف. قوله: (لعدم العرف) قال في البحر: والعرف معتبر في الحلف بالصفات. قوله: (وبقوله لعمر الله) بخلاف لعمرك ولعمر فلان لا يجوز، كما في القهساني وقد مر وهو بفتح العين والضم، وإن كان بمعنى البقاء إلا أنه يستعمل في القسم لأنه موضع التخفيف لكثرة استعماله، وهو مع اللام مرفوع على الابتداء والخبر محذوف وجوبا لسد جواب القسم مسده، ومع حذفها منصوب نصف المصادر وحرف القسم محذوف، تقول: عمر الله فعلت، قال في الفتح: وأما قولهم عمرك الله ما فعلت فمعناه بإقرارك له بالبقاء، وينبغي أن لا ينعقد يمينا لأنه بفعل المخاطب وهو إقرار واعتقاده اه نهر ملخصا. قوله: (وأيم الله) قال في المصباح: وأيمن استعمل في القسم والتزم رفعه، وهمزته عند البصريين وصل، واشتقاقه عندهم من اليمن: وهو البركة. وعند الكوفيين قطع لأنه جمع يمين عندهم، وقد يختصر منه فيقال: وأيم الله، بحذف الهمزة والنون، ثم اختصر ثانيا فقيل: م الله، بضم الميم وكسرها اه. قال القهستاني: وعلى المذهبين مبتدأ خبره محذوف وهو يميني، ومعنى يمين الله ما حلف الله به نحو الشمس والضحى أو اليمين الذي يكون بأسمائه تعالى كما ذكره الوصي، قوله: (أي يمين الله) هذا مبني على قول البصريين: إنه مفرد، واشتقاقه من اليمن وهو البركة، ويكون ذلك تفسيرا لحاصل المعنى، وإلا فكان المناسب أن يقول: أي بركة الله، أو يقول: أي أيمن الله بصيغة الجمع على قول الكوفيين. تأمل. قوله: (عهد الله) لقوله تعالى: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان) * (النحل: 19) فقد جعل أهل التفسير المراد بالايمان: العهود السابقة، فوجب الحكم باعتبار الشرع إياها أيمانا وإن لم تكن حلفا بصفة الله، كما حكم بأن أشهد يمين كذلك، وأيضا غلب الاستعمال فلا يصرف عن اليمين إلا بنية عدمه، وتمامه في الفتح. وفي الجوهرة: إذا قال وعهد الله ولم يقل علي عهد الله، فقال أبو يوسف: هو يمين، وعندهما: لا اه. قلت: لكن جزم في الخانية بأنه يمين، بلا حكاية خلاف. (تنبيه): أفاد ما مر أنه لو قال علي عهد الرسول لا يكون يمينا، بل قدمنا عن الصيرفية: لو قال علي عهد الله وعهد الرسول لا أفعل كذا لا يصح، لان عهد الرسول صار فاصلا اه. قوله: (ووجه الله) لان الوجه المضاف إلى الله تعالى يراد به الذات. بحر: أي على القول بالتأويل، وإلا فيراد به
17 صفة له تعالى هو أعلم بها. قوله: (إن نوى به قدرته) وإلا لا يكون يمينا كما في البحر، وكأنه احتراز عما إذا نوى بالسلطان البرهان والحجة. قوله: (وميثاقه) هو عهد مؤكد بيمين وعهد كما في المفردات. قهستاني. قوله: (وذمته) أي عهده، ولذا سمي الذمي معاهدا. فتح، قوله: (أو أعزم) معناه أوجب فكان إخبارا عن الايجاب في الحال وهذا معنى اليمين، وكذا لو قال عزمت لا أفعل كذا كان حالفا. بحر عن البدائع. قوله: (أو أشهد) بفتح الهمزة والهاء وضم الهمزة وكسر الهاء خطأ. مجتبى: أي خطأ في الدين لما يأتي أنه يستغفر الله ولا كفارة لعدم العرف. قوله: (بلفظ المضارع) لأنه للحال حقيقة، ويستعمل للاستقبال بقرينة كالسين وسوف فعل حالفا للحال بلا نية هو الصحيح، وتمامه في البحر. قوله: (بالأولى) لدلالته على التحقق لعدم احتمال الاستقبال. قوله: (وآليت) بعد الهمزة من الالية: وهي اليمين كما في البحر. قوله: (وإذا علقه بشرط) يعني بمقسم عليه. قال في النهر: واعلم أنه وقع في النهاية وتبعه في الدراية أن مجرد قول القائل أقسم وأحلف يوجب الكفارة من غير ذكر محلوف عليه ولا حنث تمسكا بما في الذخيرة أن قوله علي يمين موجب للكفارة، وأقسم ملحق به، وهذا وهم بين، إذ اليمين بذكر المقسم عليه. وما في الذخيرة معناه: إذا وجد ذكر المقسم عليه ونقضت اليمين وتركه للعلم به يفصح عن ذلك قول محمد في الأصل: واليمين بالله تعالى أو أحلف أو أقسم، إلى أن قال: إذا حلف بشئ منها ليفعلن كذا فحنث وجبت عليه الكفارة اه. قلت: وأصل الرد لصاحب غاية البيان، وتبعه في الفتح والبحر أيضا وهو وجيه، لكن هذا في غير علي نذر أن علي يمين كما يأتي قريبا. قوله: (فإن نوى) مقابله محذوف تقديره: وإنما يكون يمينا إذا لم ينو به قربة، فإن نوى الخ. قال في كافي الحاكم: وإذا حلف النذر، فإن نوى شيئا من حج أو عمرة أو غيره فعليه ما نوى، وإن لم تكن له نية فعليه كفارة يمين، قوله: (وسيتضح) أي قبيل الباب الآتي. قوله: (وإن لم يضف إلى الله تعالى) وكذا إن أضيف بالأولى كأن قال علي نذر الله أو يمين الله أو عهد الله. قوله: (إذا علقته بشرط) أي بمحلوف عليه حتى يكون يمينا منعقدة مثل علي نذر الله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا، فإذا لم يف بما حلف لزمته كفارة اليمين، لكن في لفظ النذر إذا لم يسم شيئا بأن قال علي نذر الله فإنه وإن لم يكن يمينا تلزمه الكفارة، فيكون هذا التزام الكفارة ابتداء بهذه العبارة كما في الفتح. وذكر في الفتح أيضا أن الحق أن علي يمين مثله إذا قاله علي وجه الانشاء لا الاخبار ولم يزد عليه، فيوجب الكفارة لأنه من صيغ النذر، ولو لم يمكن كذلك لغا، بخلاف أحلف وأشهد ونحوهما فإنها ليست من صيغ النذر فلا يثبت به الالتزام ابتداء اه. وحاصله أن علي نذر يراد به نذر الكفارة، وكذا علي يمين هو نذر للكفارة ابتداء بمعنى علي كفارة يمين لا حلف إلا بعده تعليقه بمحلوف عليه فيوجب الكفارة عند الحنث لا قبله، ورده في البحر بما في المجتبى: لو قال علي يمين يريد به الايجاب لا كفارة عليه إذا لم يعلقه بشئ اه. أقول: الذي في المجتبى بعد ما رمز بلفظ ط للمحيط: ولو قال علي يمين أو يمين الله فيمين. ثم قال: أي صاحب الرمز المذكور: علي يمين يريد به الايجاب لا كفارة عليه إذا لم يعلقه
18 بشئ، وكذا إذا قال الله علي يمين. هكذا روي عن أبي يوسف. عن أبي حنيفة: علي يمين لا كفارة لها يريد به الايجاب فعليه يمين لها كفارة اه في المجتبى. وظاهر كلامه أن في المسألة اختلاف الرواية، وإذا كان عليمين من صيغ النذر ترجحت الرواية المروية عن أبي حنيفة فالرد على الفتح بالرواية المروية عن أبي يوسف غير صحيح. ثم رأيت في الحاوي ما نصه: لو قال علي نذر أو علي يمين ولم يعلقه فعليه كفارة يمين اه. فهذا صريح ما في الفتح، فافهم. (تنبيه): قدمنا أن اليمين تطلق على التعليق أيضا، فلو علق طلاقا أو عتقا فهو يمين عند الفقهاء فصار لفظ اليمين مشتركا، ولعلهم إنما صرفوه هنا إلى اليمين بالله تعالى، لأنه هو الأصل في المشروعية، ولأنه هو المعنى اللغوي أيضا فينصرف عند الاطلاق إليه، وينبغي أنه لو نوى به الطلاق أن تصح نيته، لان نوى محتمل كلامه فيصير الطلاق معلقا على ما حلف وتقع به عند الحنث طلقه رجعية لا بائنة لأنه ليس من كنايات الطلاق، خلافا لمن زعم أنه منها، ولمن زعم أنه لا يلزمه إلا كفارة يمين كما حققناه في باب الكنايات لكن بقي لو قال: أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا، فأفتى العلامة الطوري بأنه إن حنث وكانت له زوجة تطلق، وإلا لزمته كفارة واحدة. ورده السيد محمد أبو السعود وأفتى بأنه لا يلزمه شئ لأنه ليس من ألفاظ اليمين لا صريحا ولا كناية، وأقره المحشي، ولا يخفى ما فيه، فإن أيمان جمع يمين، واليمين عند الاطلاق ينصرف إلى الحلف بالله تعالى، وعند النية يصح إرادة الطلاق به كما علمت. وفي الخانية: رجل حلف رجلا عل طلاق وعتاق وهدي وصدقة ومشي إلى بيت الله تعالى وقال الحالف لرجل آخر عليك هذا لايمان فقال نعم، يلزمه المشي والصدقة لا الطلاق والعتاق، لأنه فيهما بمنزلة من قال لله علي أن أعتق عبدي أو أطلق امرأتي فلا يجبر على الطلاق والعتاق ولكن ينبغي له أن يعتق، وإن قال الحالف لرجل آخر هذه الايمان لازمة لك فقال نعم يلزمه الطلاق والعتاق أيضا اه: أي لان قوله نعم بمنزلة قوله هذه الايمان لازمة لي، فصار بمنزلة إنشائه الحلف بها فتلزمه كلها حتى الطلاق والعتاق، ومقتضى هذا أن يلزمه كل ذلك في قوله: أيمان المسلمين تلزمني، خصوصا الهدي والمشي إلى بيت الله لأنها خاصة بالمسلمين، وكذا الطلاق والعتق والصدقة، فالقول بعد لزوم شئ أو بلزوم الطلاق فقد غير ظاهر، إلا أن يفرق بأن هذه الايمان مذمومة صريحا في فرع الخانية، بخلافها في فرعنا المذكور لكنه بعيد، فإن لفظ إيمان جمع يمين، ومع الإضافة إلى المسلمين زادت في الشمول، فينبغي لزوم أنواع الايمان التي يحلف بها المسلمون لا خصوص الطلاق ولا خصوص اليمين بالله تعالى، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم. قوله: (فيكفر بحنثه) أي تلزمه الكفارة إذا حنث إلحاقا له بتحريم الحلال، لأنه لما جعل الشرط علما على الكفر وقد اعتقده واجب الامتناع وأمكن القول بوجوبه لغيره جعلناه يمينا. نهر. قوله: (أما الماضي) كإن كنت فعلت كذا فهو كافر أو يهودي، ومثلها الحال. قوله: (عالما بخلافه) أما إذا كان ضأنا صحته فلغو ح. قوله: (فغموس) لا كفارة فيها إلا التوبة. فتح. قوله: (واختلف في كفره) أي إذا كان كاذبا. قوله: (والأصح الخ) وقيل لا يكفر،
19 وقيل يكفر لأنه تنجيز معنى لأنه لما علقه بأمر كائن فكأنه قال ابتداء وهو كافر. واعلم أنه ثبت في الصحيحين عنه (ص) أنه قال: من حلف على يمين بملة غير الاسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال والظاهر أنه أخرج مخرج الغالب، فإن الغالب ممن يحلف بمثل هذه الايمان أن يكون جاهلا لا يعرف إلا لزوم الكفر على تقدير الحنث، فإن تم هذا وإلا فالحديث شاهد لمن أطلق القول بكفره. فتح. قوله: (في اعتقاده) تفسير لقوله: عنده ح. قال في المصباح: وتكون عند بمعنى الحكم، يقال: هذا عندي أفضل من هذا: أي في حكمي: قوله: (وعنده أنه يكفر) عطف تفسير على قوله: جاهلا. وعبارة الفتح: وإن كان في اعتقاده أنه يكفر به يكفر، لأنه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل الذي علق عليه كفره وهو يعتقد أنه يكفر إذا فعله اه. وعبارة الدرر: وكفر إن كان جاهلا اعتقد أنه كفر الخ، وبه ظهر أن عطف وعنده بالواو هو الصواب، وما يوجد في بعض النسخ من عطفه بأو خطأ، لأنه يفيد أن المراد بالجاهل هو الذي لا يعتقد شيئا، ولا وجه لتكفيره لما علمت من أنه إنما يكفر إذا اعتقده كفرا ليكون راضيا بالكفر، أما الذي لا يعتقده كذلك لم يرض بالكفر حتى يقال إنه يكفر، فافهم. قوله: (يكفر فيهما) أي في الغموس والمنعقدة، أما في الغموس ففي الحال، وأما في المنعقدة فعند مباشرة الشرط كما صرح به في البحر قبيل قوله وحروفه ح. ولا يقال: إن من نوى الكفر في المستقبل كفر في الحال، وهذا بمنزلة تعليق الكفر بالشرط. لأنا نقول: إن من قال إن فعلت كذا فأنا كافر، مراده الامتناع بالتعليق ومن عزمه أن لا يفعل، فليس فيه رضا بالكفر عند التعليق، بخلاف ما إذا باشر الفعل معتقدا أنه يكفر وقت مباشرته لرضاه بالكفر، وأما الجواب بأن هذا تعليق بما له خطر الوجود فلا يكفر به في الحال، بخلاف قوله إذا جاء يوم كذا فهو كافر، فإنه يكفر في الحال لأنه تعليق بمحقق الوجود، ففيه أنه لو علقه بما له خطر يكفر أيضا كقوله إن كان كذا غدا فأنا أكفر فإنه يكفر من ساعته، كما في جامع الفصولين لأنه رضي في الحال بكفره المستقبل على تقدير حصول كذا فافهم، وعلى هذا لو كان الحالف وقت الحلف ناويا على الفعل وقال إن فعلت كذا فهو كافر ينبغي أن يكفر في الحال، لأنه يصير عازما في الحال على الفعل المستقبل الذي يعتقد كفره به، قوله: (بخلاف الكافر) أي إذا قال إن فعلت كذا فأنا مسلم. قال ح: في بعض النسخ: بخلاف الكفر وعليها فضمير يصير عائد على الكافر الذي استلزمه الكفر. والأولى أظهر اه. قوله: (لأنه ترك) أي لان الكفر ترك التصديق والاقرار فيصح تعليقه بالشرط، بخلاف الاسلام بأنه فعل والافعال لا يصح تعليقها بالشرط. قال ح: وبهذا التقرير عرفت أن هذا تعليل لقوله: يكفر فيهما لا لقوله: فلا يصير مسلما بالتعليق اه. قلت: لكن الظاهر أنه تعليل للمخالفة وبيان لوجه الفرق، وإلا لعطفه على التعليل الأول. قوله: (كاذبا) حال في الضمير في ب قوله. قوله: (الأكثر نعم) لأنه نسب خلاف الواقع إلى علمه تعالى فيضمن نسبة الجهل إليه تعالى. قوله: (وقال الشمني الأصح لا) جعله في المجتبى وغيره
20 رواية عن أبي يوسف. ونقل في نور العين عن الفتاوي تصحيح الأول. وعلى القول بعدم الكفر قال ح: يكون حينئذ يمينا غموسا لأنه على ماض، وهذا إن تعور ف الحلف به، وإلا فلا يكون يمينا، وعلى كل فهو معصية تجب التوبة منه اه. لكن علمت أن التعارف إنما يعتبر في الصفات المشتركة. تأمل. قوله: (وكذا لو وطئ المصحف الخ) عبارة المجتبى بعد التعليل المنقول هنا عن الشمني: هكذا قلت، فعلى هذا إذا وطئ المصحف قائلا إنه فعل كذا أو لم يفعل كذا وكان كاذبا لا يكفر، لأنه يقصد به ترويج كذبه لا إهانة المصحف اه. لكن ذكر في القنية والحاوي: ولو قال لها ضعي رجلك على الكراسة إن لم تكوني فعلت كذا فوضعت عليها رجلها لا يكفر الرجل لان مراده التخويف وتكفر المرأة، قال رحمه الله: فعلى هذا لو لم يكن مراده التخويف ينبغي أن يكفر، ولو وضع رجله على المصحف حالفا يتوب، وفي غير الحالف استخفافا يكفر اه. ومقتضاه أن الوضع لا يستلزم الاستخفاف، ومثله في الأشباه حيث قال: يكفر بوضع الرجل على المصحف مستخفا وإلا فلا اه. ويظهر لي أن نفس الوضع بلا ضرورة يكون استخفافا واستهانة له، ولذا قال: لو لم يكن مراده التخويف ينبغي أن يكفر: أي لأنه إذا أراد التخويف يكون معظما له، لان مراده حملها على الاقرار بأنها فعلت، لعلمه بأن وضع الرجل أمر عظيم لا تفعله فتقر بما أنكرته، أما إذا لم يرد التخويف فإنه يكفر. لأنه أمرها بما هو كفر لما فيه من الاستخفاف والاستهانة، ويدل على ذلك قول من قال: يكفر من صلى بلا طهارة أو لغير القبلة، لأنه استهانة فليتأمل. قوله: (لعدم العرف) قلت: هو في زماننا متعارف، وكذا الله يشهد أني لا أفعل، ومثله شهد الله علم الله أني لا أفهل فينبغي في جميع ذلك أن يكون يمينا للتعارف الآن. قوله: (يكون يمينا) قوله في البحر: وينبغي أن الحالف إذا قصد نفي المكان عن الله تعالى أنه لا يكون يمينا لأنه حينئذ ليس بكفر بل هو الايمان اه ح. قوله: (ولا يكفر) لما كان مقتضى حلفه كون الاله في السماء كان مظنة أن يتوهم كفره بنفس الحلف، لان فيه إثبات المكان له تعالى فقال: ولا يكفر، ولعل وجهه أن إطلاق هذا اللفظ وارد في النصوص كقوله تعالى: * (وهو الذي في السماء إله) * وقوله تعالى: * (أأمنتم من في السماء) * (الملك: 61) فلا يكفر بإطلاقه عليه تعالى وإن كانت حقيقة الظرفية غير مرادة، فبالنظر إلى كون هذا اللفظ وارد في القرآن كان فيه كفرا ولذا انعقدت به اليمين كما في نظائره بالنظر إلى أن اعتقاد حقيقته اللغوية كفر كان مظنة كفره لاقتضاء حلفه كون الاله في السماء، هذا غاية ما ظهر في هذا المحل. وفي أواخر جامع الفصولين: قال الله تعالى في السماء عالم لو أراد به المكان كفر لو أراد به حكاية عما جاء في ظاهر الاخبار ولولا نية له يكفر عند أكثرهم اه فتأمل. قوله: (لان منكرها مبتدع لا كافر) أي اليمين إنما تنعقد إذا علقت بكفر ط. قوله: (وكذا فصلاتي الخ) أي أنه ليس بيمين. بحر عن المجتبى ط. قوله: (وأما فصوم الخ) في حاوي الزاهدي: وصلواتي صياماتي لهذا الكافر فليس بيمين وعليه الاستغفار وقيل هذا إذا نوى الثواب، وإن نوى القربة فيمين اه.
21 قلت: وبه علم أن ما هنا قول آخر، إذ لا يظهر فرق بين صلاتي وصومي، بل التفصيل جاء فيهما على هذا القول: أي إن أراد القربة والعبادة يكون يمينا لكونه تعليقا على كفر، وأما إن أراد الثواب فلا، لان الثواب على ذلك أمر غيبي غير محقق، ولان هبة الثواب للغير جائزة عندنا فلعله أراد تخفيف عذابه وإن لم يكن الكافر أهلا لثواب العبادة. تأمل. قوله: (وحقا) في المجتبى: وفي قوله: وحقا، أو حقا اختلاف المشايخ، والأكثر على أنه ليس بيمين اه: أي لا فرق بين ذكره بالواو وبدونها، فما في الملتقى وغيره من ذكر بدونها ليس بقيد، فافهم، قوله: (إلا إذا أراد به اسم الله تعالى) مكرر مع ما يأتي متنا وكأنه أشار إلى أن المناسب ذكره هنا ح. قوله: (وحق الله) الحاصل أن الحق إما أن يذكر معرفا أو منكرا أو مضافا، فالحق معرفا سواء كان بالواو أو بالياء يمين اتفاقا كما في الخانية والظهيرية، ومنكرا يمين على الأصح إن نوى، ومضافا إن كان بالباء فيمين اتفاقا لان الناس يحلفون به، وإن كان بالواو فعندهما، إحدى الروايتين عن أبي يوسف لا يكون يمينا، وعنه رواية أخرى أنه يمين لان الحق من صفاته تعالى والحلف به متعارف، وفي الاختيار أنه المختار اعتبارا بالعرف اه. وبهذا علم أن المختار أنه يمين في الألفاظ الثلاثة مطلقا، أفاده في البحر، وتقدم أن المنكر بدون واو أو ياء ليس بيمين عند الأكثر. هذا وقد اعترض في الفتح على ما في الاختيار بأن التعارف يعتبر بعد كون الصفة مشتركة في الاستعمال بين صفة الله تعالى وصفة غيره، ولفظ حق لا يتبادر منه ما هو صفة الله تعالى، بل ما هو من حقوقه. ثم قال: ومن الأقوال الضعيفة ما قال البلخي: إن قوله بحق الله يمين، لان الناس يحلفون به، وضعفه لما علمت أنه مثل وحق الله. قوله: (وحرمته) اسم بمعنى الاحترام، وحرمة الله ما لا يحل انتهاكه فهو في الحقيقة قسم بغيره تعالى، حموي عن البرجندي ط. قوله: (وبحرمة شهد الله) بالدال المهملة في كثير من النسخ والكتب: وفي بعضها شهر الله بالراء، وكل من النسختين صحيح المعنى ح. قوله: (وبحق الرسول) فلا يكون يمينا لكن حقه عظيم. ط عن الهندية. قوله: (ورضاه) مكرر مع ما مر في قوله: ولا بصفة لم يتعارف الحلف بها الخ وكونه ليس يمنيا لا ينافي ما مر في قوله: أو صفة فعل يوصف بها وبضدها الخ كما قدمناه هناك. قوله: (لكن في الخانية الخ) حيث قال: وأمانة الله يمين، وذكر الطحاوي أنه لا يكون يمينا، وهو رواية عن أبي يوسف، وفي البحر ذكر في الأصل أنه يكون يمينا خلافا للطحاوي لأنها طاعته، ووجه ما في الأصل أن الأمانة المضافة إلى الله تعالى عند القسم يراد بها صفته اه. وفي الفتح: فعندنا ومالك وأحمد وهو يمين. وعند الشافعي بالنية لأنها فسرت بالعبادات. قلنا: غلب إرادة اليمين إذا ذكرت بعد حرف القسم فوجب عدم توقفها على النية للعادة الغالبة اه. وبه علم أن المعتمد ما في الحلية. قوله: (فليس بيمين) أي اتفاقا، لأنها ليست صفة، لكن على المعتمد ينبغي أن لا يصدق في القضاء. قوله: (فعليه غضبه الخ) أي لا يكون يمينا أيضا لأنه دعاء على نفسه، ولا يستلزم وقوع المدعو، بل ذلك متعلق باستجابة دعائه، ولأنه غير متعارف. فتح. قوله: (أو هو زان الخ) لان حرمة هذه
22 الأشياء تحتمل النسخ والتبديل، فلم تكن في معنى حرمة الاسم، ولأنه ليس بمتعارف هداية: أي أن حرمة هذه الأشياء تحتمل السقوط للضرورة أو نحوها. قوله: (لعدم التعارف) ظاهره أنه علة للجميع، وقد علمت أن العرف معتبر في الحلف بالصفات المشتركة. تأمل. قوله: (فلو تعورف الخ) أي في هو زان وما بعدها كما يفيده كلام النهر، والظاهر أن مثله فعليه غضبه الخ. قوله: (ظاهر كلامهم نعم) فيه نظر لأنهم لم يقصروا على التعليل بالتعارف، بل عللوا بما يقتضي عدم كونه يمينا مطلقا وهو كون عليه غضبه ونحوه دعاء على نفسه، وكون هو زان يحتمل النسخ، ثم عللوا بعدم التعارف لأنه عدم التعارف لا يكون يمينا وإن كان مما يمكن الحلف به في غير الاسم، فكيف إذا كان مما لا يمكن؟. قوله: (وظاهر كلام الكمال لا) حيث قال: إن معنى اليمين أن يعلق الحالف ما يوجب امتناعه من الفعل بسبب لزوم وجوده: أي وجود ما علقه كالكفر عند وجود الفعل المحلوف عليه كدخول الدار، وهنا لا يصير بمجرد الدخول زانيا أو سارقا حتى يوجب امتناعه عن الدخول، بخلاف الكفر فإنه بمباشرة الدخول يتحقق الرضا بالكفر فيوجب الكفر اه ملخصا موضحا. والمراد أنه يوجب الكفر عند الجهل والكفارة عند العلم، ولا يخفي أن هذا التعليل يصلح أيضا لنحو عليه غضبه لأنه لا تتحقق استجابة دعائه بمباشرة الشرط فلا يوجب امتناعه عن مباشرته فلم يكن فيه معنى اليمين وإن تعورف. قوله: (في البحر الخ) هذا غير منقول، بل فهمه في البحر من قول الولوالجية في تعليل قوله: وهو يستحل الدم أو لحم الخنزير إن فعل كذا لا يكون يمينا، لان استحلال ذلك لا يكون كفرا لا محالة، فإنه حالة الضرورة يصير حلالا اه. واعترضه المحشي بأنه وهم باطل، لان قول الولوالجية لا محالة قيد للمنفي، وهو يكون لا للنفي، وهو لا يكون، فالمعنى أن كون استحلاله كفرا على الدوام منفي، بل قد لا يكون كفرا، يوضحه ما في المحيط من أنه لا يكون يمينا للشك، لأنه قد يكون استحلاله كفرا كما في غير حالة الضرورة فيكون يمينا، وقد لا يكون كفرا كما في حالة الضرورة فلا يكون يمينا، فقد حصل الشك في كونه يمينا أو لا، بخلاف هو يهودي إن فعل كذا، لان اليهودي من ينكر رسالة محمد (ص) وذلك كفر دائما، فكل ما حرم مؤبدا فاستحلاله معلقا بالشرط يكون يمينا، وما لا فلا اه ملخصا. مطلب: حروف القسم قوله: (ومن حروفه) أفاد أن له حروفا أخر نحو: من الله بكسر الميم وضمها، صرح به القهستاني عن الرضي ح. قلت: وفي الدماميني عن التسهيل: ومن مثلث الحرفين مع توافق الحركتين اه فافهم. والمراد بالحروف الأدوات، لان من الله وكذا الميم اسم مختصر من أيمن كما مر، والضمير في حروفه راجع إلى القسم أو الحلف أو إلى اليمين بتأويل القسم، وإلا فاليمنى مؤنثة سماعا. قوله: (الواو والباء والتاء) قدم الواو لأنها أكثر استعمالا في القسم، لذا لم تقع الباء في القرآن إلا في:
23 * (بالله إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 31) مع احتمال تعلقها ب لا تشرك وقدم غيره الباء لأنها الأصل، لأنها صلة أحلف وأقسم ولذا دخلت في المظهر والمضمر نحو: بك لأفعلن: قوله: (ولام القسم) وهي المختصة بالله في الأمور العظام. قهستاني: أي لا تدخل على غير اسم الجلالة وهي مكسورة، وحكي فتحها كما في حواشي شرح الأجرومية. وفي الفتح: ولا تستعمل اللام إلا في قسم متمن معنى التعجب كقول ابن عباس: دخل آدم الجنة، فلله ما غربت الشمس حتى خرج، وقولهم لله ما يؤخر الاجل، فاستعمالها قسما مجردا عنه لا يصح في اللغة إلا أن يتعارف كذلك، وقول الهداية في المختار عما في بعض النسخ احتراز عما عن أبي حنيفة أنه إذا قال لله علي أن لا أكلم زيدا ليست بيمين، إلا أن ينوي لان الصيغة للنذر، ويحتمل معنى اليمين اه قوله: (وحرف التنبيه) المراد به هنا محذوف الألف أو ثابتها مع وصول ألف الله وقطعها كما في التسهيل لابن مالك. قوله: (همزة الاستفهام) هي همزة بعدها ألف ولفظ الجلالة بعدها مجرور، وتسميتها بهمزة الاستفهام مجاز، كذا في الدماميني على التسهيل ح. الظاهر أن الجر بهذه الأحرف لنيابتها عن أحرف القسم ط. قوله: (وقطع ألف الوصل) أي مع جر الاسم الشريف ح: أي فالهمزة نابت عن حرف القسم، وليس حرف القسم مضمرا، لان ما يضمر فيه حرف القسم تبقى همزته همزة وصل، نعم عند ابتداء الكلام تقطع الهمزة فيحتمل الوجهين، أما عند عدم الابتداء كقولك يا زيد الله لأفعلن فإن قطعتها كان مما نحن فيه، وإلا فهو من الاضمار، فافهم. قوله: (والميم المكسورة والمضمومة) وكذا المفتوحة فقد نقل الدماميني فيها التثليث. وفي ط: لعلهم اعتبروا صورتها فعدوها بين حروف القسم، وإلا فقد سبق أنها من جملة اللغات في أيمن الله كمن الله، قوله: (لله) بكسر لام القسم وجر الهاء كما قدمناه، فافهم. قوله: (وها الله) مثال لحرف التنبيه والهاء مجرورة ح. قوله: (م الله) بتثليث الميم كما قدمناه والهاء مجرورة. قوله: (وقد تضمر حروفه) فيه أن الذي يضمر هو الباء فقط، لأنها حرف القسم الأصلي كما نقله القهستاني عن الكشف والرضي، وأراد بالاضمار عدم الذكر فيصدق بالحذف. والفرق بينهما أن الاضمار يبقى أثره، بخلاف الحذف. قال في الفتح: وعليه ينبغي كون الحرف محذوفا في حالة النصب ومضمرا في حالة الجر لظهور أثره، وقوله في البحر: قال تضمر ولم يقل تحذف للفرق بينهما إلخ، يوهم أنه مع النصب لا يكون حالفا وليس كذلك، ولذا قال في النهر: إنه بمعزل عن التحقيق، لأنه كما يكون حالفا مع بقاء الأثر يكون أيضا حالفا مع النصب، بل هو التكثير في الاستعمال وذاك شاذ اه: أي شاذ في غير اسم الله تعالى، فافهم. قوله: (بالحركات الثلاث) أما الجر والنصب فعلى إضمار الحرف أو حذفه مع تقدير ناصب كما يأتي، أما الرفع فقال في الفتح على إضمار مبتدأ، والأولى كونه على إضمار خبر، لان الاسم الكريم أعرف المعارف، فهو أولى بكونه مبتدأ، والتقدير: الله قسمي أو قسمي الله اه. قوله: (وغيره) أي ويختص غير اسم الجلالة كالرحمن والرحيم بغير الجر: أي بالنصب والرفع، أما الجر فلا لأنه لا يجوز حذف الجار وإبقاء عمله إلا في موضع منها لفظ الجلالة في القسم دون عوض نحو: لأفعلن. قوله: (بنصبه بنزع الحافض)
24 هذا خلاف أهل العربية، بل هو عندهم بفعل القسم لما حذف الحرف اتصل الفعل به، إلا أن يراد عند انتزاع الخافض: أي بالفعل عنده، كذا في الفتح: أي فالباء في بنزع للسببية لا صلة نصبه، لان النزع ليس من عوامل النصب، بل الناصب هو الفعل يتعدى بنفسه توسعا بسبب نزع الخافض كما في * (أعجلتم أمر ربكم) * (الأعراف: 051) أي عن أمره: * (واقعدوا لهم كل مرصد) * (التوبة: 5) أي عليه: قوله: (وجره الكوفيون) كذا حكي الخلاف في المبسوط قال في الفتح: ونظر فيه بأنهما: أي النصب والجر وجها سائغان للعرب ليس أحد ينكر أحدهما ليتأتى الخلاف اه. وسكت الشارح عن الرفع مع أنه ذكره أيضا في قوله: بالحركات الثلاث. (تنبيه): هذه الأوجه الثلاثة وكذا سكون الهاء ينعقد بها اليمين مع التصريح بباء القسم. ففي الظهيرية: بالله لا أفعل وكذا وسكن الهاء أو نصبها أو رفعها يكون يمينا، ولو قال الله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها لا يكون يمينا، إلا أن يعبر بها بالجر فيكون يمينا، وقيل يكون يمينا مطلقا اه. قلت: وقول المتون: وقد تضمر، يشير إلى القول الأول، لما علمت من أن الاضمار يبقى أثره فلا بد من الجر، لكنه خلاف ما مشي عليه في الهداية وغيرها من تجويز النصب، وقدمنا عن الجوهرة أنه الصحيح، بل قال في البحر، وينبغي أنه إذا نصب أنه يكون يمينا بلا خلاف لان أهل اللغة لم يختلفوا في جواز كل من الوجهين، ولكن النصب أكثر كما ذكره عبد القاهر في مقتصده، كذا في غاية البيان اه. قلت: بقي الكلام على عدم كونه يمينا مع سكون الهاء. وقد رده في الفتح حيث قال: ولا فرق في ثبوت اليمين بين أن يعرب المقسم به خطأ أو صوابا، أو يسكنه خلافا لما في المحيط فيما إذا سكنه، لان معنى اليمين وهو ذكر اسم الله تعالى للمنع أو الحمل معقودا بما أريد منعه أو فعله ثابت، فلا يتوقف على خصوصية في اللفظ اه. قوله: (أن إضمار حرف التأكيد) الإضافة في حرف للجنس، لان المراد اللام والنون، فإن حذفهما في جواب القسم المستقبل المثبت لا يجوز،، نعم حذف أحدهما جائز عند الكوفيين لا عند البصريين، وكذا يجوز إن كان الفعل حالا قراءة ابن كثير: * (لا أقسم بيوم القيامة) * (القيامة: 1) وقول الشاعر: يمينا لأبغض كل امرئ يزخرف قولا ولا يفعل مطلب: فيما لو أسقط اللام والنون من جواب القسم قوله: (الحلف بالعربية الخ) على هذا أكثر ما يقع من العوام لا يكون يمينا لعدم اللام والنون فلا كفارة عليهم فيها: مقدسي: يعني لا يكون يمينا على الاثبات، وقوله: فلا كفارة عليهم فيها أي إذا تركوا ذلك الشئ. ثم قال المقدسي: لكن ينبغي أن تلزمهم لتعارفهم الحلف بذلك، ويؤيده ما نقلناه عن الظهيرية أنه لو سكن الهاء أو رفع أو نصب في بالله يكون يمينا، مع أن العرب ما نطقت بغير الجر، فليتأمل، وينبغي أن يكون يمينا وإن خلا من اللام والنون، ويدل عليه قوله في الولوالجية: سبحان الله أفعل لا إله إلا الله أفعل كذا ليس بيمين، إلا أن ينوب اه. واعترضه الخير الرملي بأن ما نقله لا يدل لمدعاه، أما الأول فلانه تغيير إعرابي لا يمنع
25 المعنى الموضوع فلا يضر التسكين والرفع والنصب، لما تقرر أن اللحن لا يمنع الانعقاد وأما الثاني فلانه ليس من المتنازع فيه، إذ المتنازع فيه الاثبات والنفي لا أنه يمين، والنقل يجب اتباعه اه. قلت: وفيه نظر. أما أولا فلان اللحن: الخطأ كما في القاموس، وفي المصباح: اللحن: الخطأ في العربية. وأما ثانيا فلان قول الولوالجية سبحان الله أفعل عين المتنازع فيه لا غيره، فإنه أتى بالفعل المضارع مجردا من اللام والنون وجعله يمينا مع النية، ولو كان على النفي لوجب أن يقال: إنه مع النية يمين على عدم الفعل كما لا يخفي، وإنما اشترط النية لكونه غير متعارف كما مر. وقال ح: وبحث المقدسي وجيه. وقول بعض الناس: إنه يصادم المنقول، يجاب عنه بأن المنقول في المذهب كان على عرف صدر الاسلام قبل أن تتغير اللغة، وأما الآن فلا يأتون باللام والنون في مثبت القسم أصلا، ويفرقون بين الاثبات والنفي بوجود لا وعدمها، وما اصطلاحهم على هذا إلا كاصطلاح لغة الفرس ونحوها في الايمان لمن تدبر اه. قلت: ويؤيده ما ذكره العلامة قاسم وغيره من أنه يحمل كلام كل عاقد وحالف وواقف على عرفه وعادته سواء وافق كلام العرب أم لا، ويأتي نحوه عن الفتح في أول الفصل الآتي، وقد فرق أهل العربية بين بلى ونعم في الجواب، بأن بلى لايجاب ما بعد النفي، ونعم للتصديق، فإذا قيل ما قام زيد، فإن قلت بل كان معناه قد قام، وإن قلت نعم كان معناه ما قام. ونقل في شرح المنار عن التحقيق أن المعتبر فأحكام الشرع العرف حتى يقام كل واحد منهما (1) مقام الآخر اه، ومثله في التلويح، وقول المحيط هنا: والحلف بالعربية أن يقول في الاثبات والله لأفعلن الخ، بيان للحكم على قواعد العربية وعرف العرب وعادتهم الخالية عن اللحن، وكلام الناس اليوم خارج عن قواعد العربية سوى النادر، فهو لغة اصطلاحية لهم كباقي اللغات الأجنبية، فلا يعاملون بغير لغتهم وقصدهم، إلا من التزم منهم الاعراب أو قصد المعنى اللغوي، فينبغي أن يدين، وعلى هذا قال شيخ مشايخنا السائحاني: إن أيماننا الآن لا تتوقف على تأكيد، فقد وضعناها وضعا جديدا واصطلحنا عليها وتعارفناها، فيجب معاملتنا على قدر عقولنا ونياتنا، كما أوقع المتأخرون الطلاق بعلي الطلاق، ومن لم يدر بعرف أهل زمانه فهو جاهل اه. قلت: ونظير هذا ما قالوه من أنه لو أسقط الفاء الرابطة لجواب الشرط فهو تنجيز لا تعليق، حتى لو قال إن دخلت الدار أنت طالق تطلق في الحال، وهذا مبني على قواعد العربية أيضا، وهو خلاف المتعارف الآن فينبغي بناؤه على العرف كما قدمناه عن المقدسي في باب التعليق، وقدمنا هناك ما يناسب ذكره هنا فراجعه، والله سبحانه أعلم. (تنبيه): ما مر إنما هو في القسم، بخلاف التعليق فإن وإن سمي عند الفقهاء حلفا و يمينا لكنه لا يسمى قسما، فإن القسم خاص باليمين بالله تعالى كما صرح به القهستاني، أما التعليق فلا يجري اشتراط اللام والنون في المثبت منه لا عند الفقهاء ولا عند اللغويين، ومنه الحرام يلزمني علي الطلاق لا أفعل كذا، فإنه يراد به في العرف إن فعلت كذا فهي طالق فيجب إمضاؤه عليهم كما
(1) قوله: (كل واحد منهما الخ) اي من نعم وبلى ا ه منه. 26 صرح به في الفتح وغيره كما يأتي. قال ح. فاندفع بهذا ما توهمه بعض الأفاضل من أن في قول القائل علي الطلاق أجئ اليوم، إن جاء في اليوم وقع الطلاق، وإلا فلا لعدم اللام والنون، وأنت خبير بأن النحاة إنما اشترطوا ذلك في جواب القسم المثبت لا في جواب الشرط، وإلا كان معنى قولك إن قام زيد أنه إن قام زيد لم أقم ولم يقل به عاقل فضلا عن فاضل، على أن قوله أجئ ليس جواب الشرط بل هو فعل الشرط، لان المعنى إن لم أجئ اليوم فأنت طالق، وقد وقع هذا الوهم بعينه للشيخ الرزلي في الفتاوي الخيرية ولغيره أيضا قال السيد أحمد الحموي في تذكرته الكبرى: رفع إلي سؤال صورته: رجل اغتاظ من ولد زوجته فقال علي الطلاق إني أصبح أشتكيك من النقيب، فلما أصبح تركه ولم يشتكه ومكث مدة فهل هذه يقع الطلاق أم لا؟ الجواب: إذا ترك شكايته ومضى مدة بعد حلفه لا يقع عليه الطلاق، لان الفعل المذكور وقع في جواب اليمين هو مثبت فيقدر النفي حيث لم يؤكد، والله تعالى أعلم، كتبه الفقير عبد المنعم النبتيتي فرفعه إلى جماعة قائلين ماذا يكون الحال، فقد زاد به الامر وتقدم بين العوام وتأخرت أولو الفضل أفيدوا الجواب؟ فأجبت بعد الحمد لله: ما أفتى به من عدم وقوع الطلاق معللا بأن الفعل المذكور وقع جوابا ليمين وهو مثبت فيقدر النفي حيث لم يؤكد، فمنبئ عن فرط جهله وحمقه وكثرة مجازفته في الدين وخرقه إذ ذاك في الفعل إذ وقع جوابا للقسم بالله نحو * (تالله تفتأ) * (يوسف): 58) أي لا تفتؤوا لا في جواب اليمين بمعنى التعليق بما يشتق من طلاق وعتاق ونحوهما، وحينئذ إذا أصبح الحالف ولم يشتكه وقع عليه الطلاق الثلاث وبانت زوجته منه بينونة كبرى. إذا تقرر هذا فقد ظهر لك أن هذا المفتي أخطأ خطأ صراحا لا يصدر عن ذي دين وصلاح، ولله در القائل: من الدين كشف الستر عن كاذب * وعن كل بدعي أتى بالعجائب فلولا رجال مؤمنون لهدمت * صوامع دين الله من كل جانب والله الهادي للصواب، إليه المرجع والمآب. قوله: (والله لقد فعلت) بصيغة الماضي ولا بد فيها من اللام مقرونة بعد أو ربما إن كان متصرفا وإلا فغير مقرونة كما في التسهيل. قوله: (وفي النفي الخ) عطف على قوله: في الاثبات أي أن الحلف إذا كان الجواب فيه مضارعا منفيا لا يكون باللام والنون إلا لضرورة أو شذوذ، بل يكون بحرف النفي ولو مقدرا كقوله تعالى: * (تالله تفتأ) * (يوسف: 58) فقول: حتى لو قال الخ تفريع صحيح أفاد به أن حرف النفي إذا لم يذكر يقدر، وأن الدال على تقديره عدم شرط كونه مثبتا وهو حرف التوكيد، وأنه إذا دار الامر بين تقدير النافي وحرف التوكيد تعين تقدير النافي، لان كلمة لا بعض كلمة، فافهم، لكن اعترض الخير الرملي بأن حرف التوكيد كلمة أيضا. والجواب أن المراد بالكلمة ما يتكلم بها بدون غيرها، أو ما ليست متصلة بغيرها في الخط. قوله: (وكفارته) أي اليمين بمعنى الحلف أو القسم، فلا يرد أنها مؤنث سماعا. نهر. قوله: (هذه إضافة للشرط) لما كان الأصل في إضافة الاحكام إضافة الحكم إلى
27 سببه، كحد الزنا أو الشرب أو السرقة، واليمين ليس سببا عندنا للكفارة، خلافا للشافعي رحمه الله تعالى، بل السبب عندنا هو الحنث كما يأتي بين أن ذلك خارج عن الأصل وأنه من الإضافة إلى الشرط مجازا، وهي جائزة وثابتة في الشرع كما في كفارة الاحرام وصدقة الفطر، وكون اليمين شرطا لا سببا مبين بأدلته في الفتح وغيره. مطلب: كفارة اليمين قوله: (تحرير رقبة) لم يقل عتق رقبة، لأنه لو ورث من يعتق عليه فنوى عن الكفارة لم يجز. نهر. قوله: (عشرة مساكين) أي تحقيقا أو تقديرا، حتى لو أعطى مسكينا واحدا في عشرة أيام كل يوم نصف صاع يجوز، لو أعطاه في يوم واحد بدفعات في عشر أيام كل يوم نصف صاع يجوز، ولو أعطاه في يوم واحد بدفعات في عشر ساعات، قيل يجزى، وقيل لا، وهو الصحيح، لأنه إنما جاز إعطاؤه في اليوم الثاني تنزيلا له منزلة مسكين آخر لتجدد الحاجة. من حاشية السيد أبي السعود وفيها: يجوز أن يكسو مسكيا واحدا في عشر ساعات من يوم عشرة أثواب أو ثوبا واحدا، بأن يؤديه إليه ثم يسترده منه إليه أو إلى غيره بهبة أو غيرها، لان لتبدل الوصف تأثيرا في تبدل العين، لكن لا يجوز عند أكثرهم، قهستاني عن الكشف. وقوله: لكن لا يجوز يحتمل تعلقه بالثانية فقط أو بها وبالأولى أيضا، وهو الظاهر بدليل ما قدمناه اه. قلت: ومراده بالثانية قوله: أو ثوبا واحدا، وفي الجوهرة: وإذا أطعمهم بلا إدام لم يجز، إلا في خبز الحنطة، وإذا غدى مسكينا وعشى غيره عشرة أيام لم يجزه، لأنه فرق طعام العشرة على عشرين، كما إذا فرق حصة المسكين على مسكينين، ولو غدى مسكينا وأعطاه قيمة العشاء أجزأه، وكذا إذا فعله في عشرة مساكين، ولو عشاهم في رمضان عشرين ليلة أجزأه اه. لكن في البزازية: إذا غداهم في يوم وعشاهم في يوم آخر فعن الثاني قيمة روايتان: في رواية شرط وجودهما في يوم واحد، وفي رواية المعلى لم يشترط. وفي كافي الحاكم: وإن أطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعا عن يمينين لم يجزه إلا عن إحداهما عندهما. وقال محمد: يجزيه عنهما. قوله: (كما مر في الظهار) أي كالتحرير والاطعام المارين في الظهار من كون الرقبة غير فائتة جنس المنفعة ولا مستحقة للحرية بجهة. وفي الاطعام، إما التمليك، أو الإباحة، فيعشيهم ويغديهم، ولو أطعم خمسة وكسا خمسة أجزأه ذلك عن الاطعام إن كان أرخص من الكسوة. وعلى العكس لا يجوز هذا في طعام الإباحة، أما إذا ملكه فيجوز ويقام مقام الكسوة، ولو أعطى عشرة كل واحد ألف من من الحنطة عن كفارة اليمين لا يجوز إلا عن واحدة عند الامام والثاني، وكذا في كفارة الظهار، كذا في الخلاصة. نهر. قلت: وبه علم أن حيلة الدرر لا تنفع هنا بخلافها في إسقاط الصلاة. قوله: (بما يصلح للأوساط) وقيل يعتبر في الثوب حال القابض، إن كان يصلح له يجوز، وإلا فلا. قال السرخسي: والأول أشبه بالصواب. بزازية. قوله: (وينتفع به فوق ثلاثة أشهر) لأنها أكثر نصف مدة الثوب الجديد كما في الخلاصة فلا يشترط كونه جديد، والظاهر أنه لو كان جديدا رقيقا لا يبقى هذه المدة لا يجزي. قوله: (ويستر عامة البدن) أي أكثره كالملاءة أو الجبة أو القميص أو القباء. قهستاني. وهذا بيان لأدناه عندهما. والمروي عن محمد ما تجوز فيه الصلاة، وعليه فيجزيه دفع السراويل عنده للرجل لا للمرأة. قوله: (فلم يجز السراويل) هو الصحيح، لان لبسه يسمى عريانا عرفا فلا بد على
28 هذا أن يعطيه قميصا أو جبه أو رداء أو قباء أو ازار بحيث يتوشح به (1) عندهما، والا فهو كالسراويل، ولا تجزى العمامة الا ان أمكن ان يتخذ منها ثوب مجزي. وأما القلنسوة فلا تجزى بحال ولا بد للمرأة من خمار مع الثوب، لان صلاتها لا تصح بدونه وهذا: أي التعليل المذكور يشابه المروى عن محمد في السراويل انه لا يكفي للمرأة. وظاهر الجواب ما يثبت به اسم المكتسى وينتفى به اسم العريان لا صحه الصلاة وعدمها، والمرأة إذا كانت لابسه قميصا سابلا وخمارا غطى رأسها واذنيها دون عنقها لا شك انها مكتسيه لا عريانه، ومع هذا لا يصح صلاتها اه. ملخصا من الفتح. وحاصله أنه لا بد مع الثوب من خمار، لكن لا يشترط أن يكون الخمار مما تصح الصلاة به، وقد اقتصر في البحر على صدر العبارة الفتح، فأوهم انه لا يشترط الخمار أصلا وليس كذلك، فليتنبه له. وفى الشرنبلاليه: ولم أر حكم ما يغطى رأس الرجل اه. قلت إن كان توقفه في أجزائه فلا شك في عدمه، وإن كان في اشتراطه مع الثوب فظاهر ما مر عدمه. وفى الكافي: الكسوة ثوب لكل مسكين إزار ورداء أو قميص أو قباء أو كساء اه. وقدمنا ان المراد ما يستر أكثر البدن. قوله: (إلا باعتبار قيمه الاطعام) ومثله لو اعطى نصف ثوب تبعل قيمته قيمة نصف صاع م بر أو صاع تمر أو شعير أو اجزاء عن اطعام فقير، وكدا لو اعطى عشره مساكين ثوبا كبيرا لا يكفي كل واحد حصته منه للكسوة وتبلغ حصه كل منهما ما ذكرنا أجزأه عن الكفارة والاطعام. ثم ظاهر المذهب انه أنه لا يشترط للاجزاء عن الاطعام ان ينوى به عن الاطعام. وعن أبي يوسف يشترط. فتح قوله: (ولم ينو بعد تمامها) شرط في قوله: مرتبا فقط. وفيه ان النية بعد تمامها إنما تلائم الاطعام والكسوة لصحة النية بعد الدفع ما داما في يد الفقير كما في الزكاة واما الاعتاق فلا إلا أن تصور المسألة فيما إذا تقدمت الكسوة والاطعام وعند الاعتاق نوى الثلاثة عن الكفارة اه ح. والمراد بالاطعام التمليك لا الإباحة لأنهم لو أكلوا عنده نوى لم تصح فيما يظهر. تأمل. ثم إن مراد الشارح بيان إمكان تصوير المسألة وهو وقوع الاعلى قيمة من الكفارة لان إذا كان لا بد من النية فإذا فعل الثلاثة، فما نواه أولا وقع عنها وإن كان هو الأدنى، فبين امكان ذلك بما إذا فعل الكل جملة أو مرتبا لكنه آخر النية. قوله: (وإن عجز الخ). انه لا بد في التكفير من النية وقد نص عليه الكمال. غيره ط. قوله: (وان عجز الخ) قال في البحر، أشار إلى أنه لو كان واحد من الأصناف الثلاثة لا يجوز له الصوم وإن كان محتاجا إليه. ففي الخانية: لا يجوز الصوم لمن ما هو منصوص عليهم في الكفارة أو همو منصوص عليه أو يملك بدله فوق الكفاف
(1) قوله: (يتوشح به) يقال توشيح بثوبه: وهو ان يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعل المحرم مصباح ا ه منه. 29 والكفاف منزل يسكنه أو ثوب يلبسه ويستر عورته وقوت يومه ولو له عبد يحتاج إليه في الخدمة لا يجوز له الصوم، ولو له مال وعليه دين مثله:، فإذا قضى دينه كفر بالصوم، وان صام قبل قضائه قيل يجوز وقيل لا، ولو له دين غائب أو مؤجل صام، إلا إذا كان المال الغائب عبدا لقدرته على إعتاقه اه. ملخصا. وفى الجوهرة. والمرأة المعسرة لزوجها منعها من الصوم، ان كل صوم وجب عليها بإيجابها منعها منه، وكذا العبد إلا ظاهر من امرأته فلا يمنعه المولى لتعلق حق المرأة به، لأنه لا يصل إليها إلا بالكفارة. قوله: (وقت الأداء أي لا وقت الحنث فلو حنث موسرا ثم أعسر جاز له الصوم وفى عكسه لا. وعند الشافعي على العكس. زيلعى. قوله: (قلت الخ) قائله صاحب البحر. ووجه انه لو كان فسخا، أي كأن لم يقع لكان المال الموجود في يده فلا يجزيه الصوم ط. قوله: (ولاء) بكسر الواو والمد: أي متتابعة لقراءة ابن مسعود وأبى - فصيام ثلاثة أيام متتابعات - فجاز التقيد بها لأنها مشهوره فصارت كخبرة المشهور، وتمامه في الزيلعي. قوله: (بخلاف كفارة الفطر) أي كفارة الافطار في شهر رمضان فإن مدتها لا تخلو غالبا من الحيض. قوله: (التفريق) أي صوم لثلاثة متفرقة. قوله: (فلو صام المعسر) مثله العبد إذا أعتق وأصاب ما لا قبل فراغ الصوم كما في الفتح. قوله: (قبل وقوعه) أي من صوم اليوم الثالث بقرينة ثم، فافهم، والأفضل اكمال صومه، فإن أفطر لا قضاء عليه عندنا كما في الجوهرة. قوله: (لم يجز على الصحيح) وقياسه انه لم صام لعجزه فظهر ان مورثه مات قبل صومه ان لا يجزيه. نهر. قوله: (ولم يجز التكفير الخ) لان الحنث هو السبب كما مر، فلا يجوز إلا بعد وجوده. وفى القهستاني: واعلم أنه لو أخر كفارة اليمين أثم ولم تسقط بالموت أو القتل. وفى سقوط كفارة الظهار خلاف كما في الخزانة. قوله: (ولا يسترده) أي لو كفر بالمال قبل الحنث وقلنا لا يجزيه، ليس له ان يسترده من الفقير، لأنه تمليك لله تعالى، قصد به القربة مع شي آخر، وقد حصل التقرب وترتب الثواب فليس له ان ينقضه أو يبطله. قوله: (فما لا فلا) أي ما لا يجوز دفع الزكاة إليه لا يجوز دفع الكفارة إليه. قوله: (إلا الذمي) فإنه لا يجوز دفع الزكاة إليه ويجوز دفع غيرها. قوله: (خلافا للثاني) فعنده لا استثناء. قوله: (في بابها) أي الزكاة. قوله، (فيعني الصوري) أي المراد بهذه الآية اليمين صوره كتحليف القاضي لهم إذا المقصود منه رجاء النكول، ولكافر وان لم يثبت في حقه اليمين
30 المستعقب لحكمه لكنه في نفسه يعتقد تعظيم اسم الله تعالى وحرمة اليمين به كاذبا فيمتنع عنه فيحصل المقصود فشرع إلزامه بصورتها لهذه الفائدة، وتمامه في الفتح. قوله: (يبطلها) مقتضاه أنه لا يأثم بالحنث بعد الاسلام. قوله: (لما تقرر الخ)، عله لكون الكفر العارض مبطلا لليمين كالكفر الأصلي كحرمة المصاهرة العارضة، كما إذ ا زنى بأم امرأته فإنها تمنع بقاء الصحة كالحرمة الأصلية، لان الكفر والمحرمية من الأوصاف الراجعة للمحل وهو الكفر والمحرم فيستوى فيها الابتداء والبقاء، أي الطرو والعروض، ولم أر هذا التعليل لغيره. تأمل. قوله: (أما المطلقة فحنثه في آخر حياته) هذا إذا كان المحلوف عليه إثباتا، أما إن كان نفيا فيتأتى الحنث في الحال بأن يكلم أبويه، وبهذا عرفت ان اليوم قيد في الثاني فقط. ح. قوله: (في آخر حياته) الأولى أن يقول في آخر الحياة ليشمل حياة الحالف وحيادة المحلوف عليه.. قوله (ويكفر) عطف على يوصى. قوله: (لأنه أهون الامرين) لأنه فيه تفويت البر إلى جابر وهو الكفارة، ولا جابر للمعصية كما مر في البحر. قوله: (وحاصله) أي حاصل ما قيل في هذا المقام لا حاصل المتن فإنه قاصر على الحلف بمعصيه فعلا وتركا ط. قوله: (كحلفه ليصلين الظهر اليوم) هذا مثال للفعل، ومثال الترك: والله لا اشرب الخمر اليوم ح. قوله،: (أو هو أولى من غيره) مثال الفعل منه: والله لأصلين الضحى اليوم ومثال الترك: والله لا آكل البصل وحكم هذا القسم بقسميه ان بره أولى أو واجب ح: أي على ما بحثه الكمال في القسم الخامس. قوله: (كحلفه على ترك الخ) هذا مثال الترك ومثال الفعل: والله لآكلن البصل اليوم ح. قوله: (ونحوه) أي نحو الشهر مما لم يبلغ مدة الايلاء وإلا كان من قسم المعصية. قوله: (أو مستويان) أي الفعل والترك بان لم يترجح أحدهما قبل الحلف بوجوب ولا أولوية. قوله: (تفيد وجوبه) هو بحث وجيه، ويجرى أيضا في القسم الثالث ولا يبعد أن يكون الوجوب هو المراد من قولهم أولى، وعبر في المجتمع بقولهم: ترجح البر. مطلب: استعملوا لفظ ينبغي بمعنى يجب) ويقر به قول الهداية والكنيز وغيرهما ومن حلف على معصية ينبغي له ان يحنث، فإن الحنث واجب كما علمت، فأرادوا بلفظ ينبغي الوجوب، مع أن الغالب استعماله في غيره، فكذا هذا،
31 كما تقول الأولى بالمسلم ان يصلى. قوله: (فهي عشره) من ضرب اثنين وهي صورتا الفعل والترك في خمسه: المعصية والواجب وما هو أولى من غيره، وما استوى فيه الأمران ط. مطلب: في تحريم الحلال قوله: (أي على نفسه) تبع في هذا التعبير صاحب البحر، وقيد أأدخل. بكونه حرمه على ، نفسه لأنه لو جعل حرمته معلقة على فعله لا تلزمه الكفارة لما ى الخلاصة: لو قال إن أكلت هذا الطعام فهو على حرام فأكله لا حنث عليه اه كلام البحر. وأنت خبير بأنه في التعليق أيضا حرم على نفسه، وغاية الامر انه تحريم معلق فلا تحسن المقابلة ولأولى أن يقول قيد بتنجيز الحرمة لأنه لو علقها الخ اه ح. قلت: وفيه انه لو قال كذلك لو د عليه مثل: إن كلمت زيدا هذا الطعام على حرام، مع أنه علقها على فعل نفسه بل الأولى ان يقل قيد بتنجيز الحرمة لأنه لو علقها على فعل المحذوف عليه، ويمكن أن يكون هذا المراد البحر في قوله: على فعله: أي المحذوف عليه. فافهم. قوله: (واستشكله المصنف) أي حيث قال: قلت وهو مشكل بما تقرر ان المعلق بالشرط كالمنجز عند وقوع الشرط اه. والجواب بالفرق هنا بين المعلق والمنجز، وهو ان المنجز حرم على نفسه طعاما موجودا، اما في المعلق فإنه ما حرم إلا بعد الاكل، لما علم أن الجزاء ينزل عقب الشرط، وحينئذ لم يكن الطعام موجودا اه ح. قلت: لكن ذكر في الفتح مسألة الخلاصة المذكورة. ثم قال عقبها: وذكر في المنتفى: لو قال كل طعام آكله في منزلك فهو علي حرام، ففي القياس لا يحنث إذا أكله، هكذا روى ابن سماعه عن أبي يوسف. وفى لاستحسان: يحنث. والناس يريدون بهذا ان أكله حرام اه. وعلى هذا يجيب في التي قبلها ان يحنث إذا أكله، وكذا ما ذكر في الحيل: ان أكلت طعاما عندك أبدا فهو على حرام فأكله لم يحنث، ينبغي أن يكون جواب القياس هكذا اه. وتبعه في النهر. قوله: (فيمين) لان حرمته لا تمنع كونه حالفا. نهر. قوله: (ما لم يرد الاخبار) المناسب أن يقول: إن أراد الأشياء، فيخرج ما إذا أراد الاخبار أو لم يرد شيئا، لان عبارة الخانية هكذا: إذا قال هذا الخمر على حرام فيه قولان. والفتوى على أنه ينوى ان أراد به الخبر لا تلزمه الكفارة، وان أراد به ا ليمين تلزمه الكفارة وعند عدم النية لا تلزمه الكفارة اه. وفى الفتح: وان أراد الاخبار أو لم ير د شيئا لا تلزمه الكفارة، لأنه أمكن تصحيحه إخبارا. قوله: (بأكل أو نفقه) أي أو نحوهما من سكنى دار أو لبس ثوب، كل شئ بما يناسبه ويقصد منه. قال في الفتح: واعلم أن الظاهر من تحريم هذه الأعيان انصراف اليمين إلى الفعل المقصود منهما كما في تحريم الشرع لهما في النحو - حرمت عليكم أمهاتكم - وحرمت الخمر والخنزير فإنه ينصرف إلى النكاح والشرب والأكل. ولذا قال في الخلاصة: لو قال هذا الثوب علي حرام فلبسه حنث، إلا أن ينوى غيره. قوله: (ولو تصدق الخ) قال في الفتح: ولو قال لدراهم في
32 يد: هذه الدراهم على حرام، ان اشترى بها حنث، وان تصدق بها أو وهبها لم يحنث بحكم العرف اه. أي ان العرف جار على أن المراد تحريم الاستمتاع بها لنفسه، بان يشترى بها ما يأكله أو يلبسه لا بان يتصدق بها. ولظاهر انه لو قضى بها دينا لا يحنث. تأمل. وفى البحر: ولا خصوصية للدراهم، بل لو وهيب ما جعله حراما أو تصدق به لم يحنث، لان المراد بالتحريم حرمة الاستمتاع. قوله: (ليمينه) أي لأجل يمينه التي حنث بها، فهو عله لقوله: كفر وقوله: لما تقرر الخ عله لكون ذلك يمينا فهو عله للعلة. ولا يرد عليه ان تحريم الحلال قد لا يكون يمينا بان قصد الاخبار، لأنه إذا قصد لاخبار لا يوجد التحريم، لان التحريم انشاء والاخبار حكاية، فافهم، ودليل كون التحريم يمينا مبسوط في الفتح وغيره. قوله: (حنث البعض) قال في الهداية: ثم إذا فعل مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث ووجبت الكفارة لان التحريم إذا ثبت تناول كل جزء منه اه. قوله: (لم يحنث إلا بالكل) أي بكلام كل القوم المخاطبين وأكل الرغيف على حرام بأنه يحنث فلا يحنث بكلام بعضهم ولا اكل لقمه. قال في النهر: وجزم في الخلاصة والمحيط في اكل الرغيف على حرام بأنه يحنث بلقمة ولعل وجه القرق ان تحريمه الرغيف على نفسه تحريم أجزائه أيضا، وفى، لا آكله إنما منع نفسه من اكل الرغيف كله فلا يحنث بالبعض، وبهذا يضعف ما في الخانية. قال مشايخنا: الصحيح انه لو قال أكل هذا الرغيف على حرام، لا يحنث بأكل لقمه منه /، لان هذا بمنزله قوله: والله لا آكل هذا الرغيف، ولو قال هكذا لا يحنث بأكل البعض اه. قلت: ويشير إلى هذا الفرق ما نقلناه عن الهداية وتوضيحه ان الرغيف اسم لكله وبأكل بعضه لا يسمى آكلا له، لكن إذا حرمه على نفسه جعله بمنزله محرم العين حيث نسي التحريم إلى ذات الرغيف وجعله بمنزله الخمر والميتة، وما كان محرما لا يحل تناول قليله ولا كثيره، وحيث جعلنا هذا التحريم يمينا صار حلفا على عدم تناول شئ منه، لان ذلك مدلول الأصل وهو التحريم، بخلاف قوله: والله لا آكله، فإنه ليس فيه منع نفسه عن كل جزء منه بل عن جميعه، لكن أيد في البحر كلام الخانية بأن حره العين يراد منها بحريم الفعل، فإذا قال هذا الطعام على حرام فالمراد أكله، وفى هذا الثوب المراد لبسه. قلت: وفيه ان اسناد الحرمة إليه العين حقيقة عدنا كما تقرر في كتب الأصول على معنى إخراج العين عن محليه الفعل لينتفي الفعل بالأولى، فالمقصود نفى الفعل ولتوصيفه بالحرمة بطريق الكناية والانتقال عن في العين فلا بد من ظهور الفرق بين اسناد الفعل إلى الحرمة ابتداء وإسنادها إلى إلى العين، وقد ظهر فيما ذكروه هنا لكن هذا يظهر في قوله هذا الرغيف على حرام أما لو قال أكل هذا الرغيف على حرام لا يحنث بالبعض لإسناده الحرمة لي الفعل فصار كقوله والله لا آكله، ومثله كلامكم على حرام لان الحرمة لم تضف إلى العين بل الفعلي وهو الكلام بمعنى التكليم، ولم أر من فرق بين ذلك مع أن لذي في الخانية هذا الرغيف بدون لفظه أكل على خلاف ما نقله في النهر مع أنه لا يظهر الفرق المار إلا بدون لفظه اكل نعم وقع التعبير بها في غير الخانية.
33 والحاصل ان المسألة مشكله، فلتحرر. قوله: (إلا إذا لم يمكن الخ) أي فيحنث بأكل بعضه، وهو الأصح المختار لمشايخنا. مطلب: حلف لا يأكل معينا فأكل بعضه والأصل فيما إذا حلف لا يأكل معينا فأكل بعضه، إن كان يأكله الرجل في مجلس أو يشربه في شربه فالحلف على جميعه ولا يحنث بأكل بعضه لان المقصود الامتناع عن أكله وكل مالا يطاق أكله في المجلس ولا شربه في شربه يحنث بأكل بعضه الآن اليمين الامتناع عن أصله لا عن جميعه، ولو قال لا اشرب لبن هاتين الشاتين لم يحنث حتى يشرب من لبن كل شاة، ولم يعتبر شرب الكل لأنه غير مقصود أو لا يأكل سمن هذه الخابيه فأكل بعضه حنث، ولو كان مكان الاكل بيع فباع بعضها لا يحنث لان الكل لا يتأتى على جميعه في مجلس ويتأتى البيع، كذا في المحيط. زاد في البدائع عن الأصل لو قال: لا أكل هذه الرمانة فأكله إلا حبه أو حبتين حنث في الاستحسان، لان ذلك القدر لا يعتد به لأنه في العر ف يقال إنه أكلها، وان ترك نصفها أو ثلثها أو أكثر مما لا يجرى في العرف انه يسقط من الرمانة لم يحنث لأنه لا يسمى أكلا لجميعها اه. وبه يعلم أن اليسير من الرغيف وغيره كلقمة كالعدم اه ملخصا من البحر في باب اليمين بالاكل ولشرب، وسيأتي هذا الأصل هنالك. قوله: (أو حلف الخ)، معطوف على المستثنى وهو قوله: إذا لم يكن أكله. قال في النهر: وفى مجموع النوازل: وهذا كلام فلان وفلان على حرام يحنث بكلام أحدهما، وكذا كلام أهل بغداد. وفى المحيط في كلام فلان وفلان على حرام أو والله لا أكلم فلانا وفلانا الصحيح انه لا يحنث يف المسألتين ما لم يكلمهما، إلا أن ينوى كلام واحد منهما فيحنث بكلام أحدهما لأنه شدد على نفسه اه. قلت: وهذا إذا لم يذكر لا بعد العاطف. مطلب: لا أذوق طعاما ولا شرابا حنث بأحدهما، بخلاف لا أذوق طعاما ولا شرابا ففي البزازية: حلف بالطلاق لا يذوق طعاما ولا شرابا فذاق أحدهما طلقت، كما لو حلف لا يكلم فلانا ولا فلانا، ولو قال لا أذوق طعاما ولا شرابا فذاق أحدهما لا يحنث اه. وإذا كرر لا فإنه يصير يمينين كما سنذكر في بحث الكلام عن الواقعات. قوله: (ونوى أحدهما) أي نوى ان لا يكلم كل واحد منهما. تنبيه: في الحاوي الزاهدي عن ا لجامع: ان لم أكن ضربت هاتين السوطين في دار فلان فعبدي حر فضرب أحدهما في دار غيره، أو قال إن لم لكلم فلانا وفلانا اليوم فأنت طالق فكلم أحدهما اليوم فقط يحنث. وقال: والحق بعضهم بذلك: ان لم تحضري فراشي ولم تراعيني فأنت طالق فلم تحضر فراشه ولكن راعته فإنه يحنث. قال: وفيه إشكال، وبينهما فرق جلى، لان الحنث في اليمين إنما يتحقق إذا صدق ما دخل عليه حرف الشرط، ففي ان دخلت الدار إنما يحنث إذا صدق دخلت وفى ان لم ادخل إنما يحنث إذا صدق لم ادخل، فإذا قال إن لم ادخل هاتين الدارين اليوم أو لم أكن ضربت هذين السوطين ف دار فلان فحرف الشرط دخل على النفي وهو لم أكن دخلت أو ضربت هاتين وهو نفى لمجموع دخول الدارين وضرب السوطين، ونف المجموع
34 يتحقق بنفي أحد أجزائه. بخلاف قوله إن لم تحضري فراشي ولم تراعيني فإنه لما كرر حرف النفي كان نفيا لكل واتحد منهما ونفى كلم واحد منهما لا يصدق مع قبوت أحدهما، فإنه لا يصدق قولنا لم يقدم زيد ولم يقدم عمرو مع قدوم أحدهما، ويصدق أم لم يعدم ريد وعمرو مع أحدهما لكن دكر في المحيط ما يدل على صحه هذا الجواب، فإنه قال إن لم تكلني فلانا ولم تكلمي فلانا اليوم فأنت طالق فكلمت أحدهما ومضى اليوم طلقت فقد صح هذا الجواب من حيث الرواية لكن ما قلته من الاشكال قوى اه. قلت والجواب انه إذا كرر حرف النفي كل واحد بانفراده مقصودا ففي: ان لم تحضري فراشي ولم تراعيني يتحقق شرط الحنث بنفي كل واحد بانفراده لأنه يصير كأنه حلف على كل واحد بعينه، لأنه إذا كرر النفي تكرر اليمين، حتى لو قل لا أكلمك اليوم ولا غدا ولا بعد غد فهي ايمان ثلاثة، وان لم يكرر النفي فهي يمين واحد حتى لو كلمه ليلا يحنث بمنزله قوله ثلاثة أيام كما سيأتي عن الواقعات في بحث الكلام واما عدم الصدق في لم يقدم زيد ولم يقدم عمرو مع قدوم زيد مثلا فلانه اخبار عن قدوم كل منهما بانفراده حيث جعله مقصودا بالنفي، فإذا علق ذلك بالشرط يتحقق شرط الحنث وهو انه لم يقدم زيد هذا ما ظهر لي فتدبره. قوله: (وله أخ واحد) أي وهو عام به، كما قيد بذلك قبيل باب اليمين بالطلاق ولعتاق، فحينئذ يحنث إذا كلمه لأنه ذكر الجمع وأراد الواحد وإن كان لا يعلم أن الأخ واحد لا يحنث لأنه لم يرد الواحد فبقيت اليمين على الجمع، كمن حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب وليس فيه إلا رغيف واحد وهو لا يعلم لا يحنث. بحر عن الواقعات. قوله: (قلت الخ) البحث لصاحب البحر في الباب الآتي، وقوله: وبه علم: أي بما ذكره من مسأله الاخوة فإنه جمع ليس فيه الألف واللام بل مضاف مثل أولاد زوجته، فحيث كان عالما بتعددهم لا يحنث إلا بالجمع كما في لا أكلم رجالا أو نساء، بخلاف ما فيه الألف واللام مثل لا أكلم الفقراء أو المساكين أو الرجال فإنه يحنث بالواحد لأنه اسم جنس كما في الواقعات. مطلب: الجمع المضاف كالمنكر، بخلاف المعرف بأل وما مر عن الواقعات في إخوة فلان صريح في أن الجمع المضاف كالمنكر، وسيأتي في آخر باب اليمين بالاكل والشرب والكلام تمام تحقيق المعرف والمنكر والمضاف. وتحرير جواب هذه الحادثة. قال في البحر: لكن قال في القنية: ان أحسنت إلى أقربائك فأنت طالق، فأحسنت إلى واحد منهم يحنث، ولا يراد الجمع في عرفنا اه. فيحتاج إلى الفرق إلا أن يدعى ان في العرف فرقا اه. قلت: لا يخفى ان العرف الآن، عدم التفرقة بين إخوة فلان وأقربائك وأولاد زوجته ونحوه من الجمع المضاف في أنه يراد به الجنس الصادق بالواحد والأكثر فينبغي الحنث في الحادثة المذكورة. مطلب: كل حل عليه حرام قوله: (كل حل الخ) قال في الهداية: ولو قال كل حل على حرام فهو على الطعام والشراب، الواحد فبقيت اليمين على الجمع، كمن حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب وليس فيه إلا رغيف واحد وهو لا يعلم لا يحنث، بحر عن الواقعات. قوله: (قلت الخ) البحث لصاحب البحر في الباب الآتي، وقوله: وبه علم أي بما ذكره من مسألة الاخوة فإنه جمع ليس فيه الألف واللام بل هو مضاف مثل أولاد زوجته، فحيث كان عالما بتعددهم لا يحنث إلا بالجمع كما في لا أكلم رجالا أو نساء، بخلاف ما فيه الألف واللام مثل لا أكلم الفقراء أو المساكين أو الرجال فإنه يحنث بالواحد لأنه اسم جنس كما في الواقعات. مطلب: الجمع المضاف كالمنكر، بخلاف المعرف بأل وما مر عن الواقعات في إخوة فلان صريح في أن الجمع المضاف كالمنكر، وسيأتي في آخر باب اليمين بالاكل والشرب والكلام تمام تحقيق المعرف والمنكر المضاف، وتحرير جواب هذه الحادثة، قال في البحر: لكن قال في القنية: إن أحسنت إلى أقربائك فأنت طالق، فأحسنت إلى واحد منهم يحنث، ولا يراد الجمع في عرفنا اه، فيحتاج إلى الفرق إلا أن يدعي أن في العرف فرقا اه. قلت: لا يخفي أن العرف الآن عدم التفرقة بين إخوة فلان وأقربائك وأولاد زوجته ونحوه من الجمع المضاف في أنه يراد به الجنس الصادق بالواحد والأكثر، فينبغي الحنث في الحادثة المذكورة. مطلب: كل حل عليه حرام قوله: (كل حل الخ) قال في الهداية: ولو قال كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب،
35 إلا أن ينوي غير ذلك، والقياس أن يحنثكما فرغ لأنه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه، وهذا قول زفر وجه الاستحسان المقصود وهو البر لا يحصل مع اعتبار العموم، فينصرف إلى الطعام والشراب للعرف فإنه يستعمل فيما يتناول عادة، ولا يتناول المرأة إلا بالنية لاسقاط اعتبار العموم، وإذا نواها كان إيلاء، ولا يصرف اليمين عن المأكول والمشروب، وهذا كله جواب ظاهر الرواية، ومشايخنا قالوا: يقصر به الطلاق من غير نية لغلبة الاستعمال، وعليه الفتوى اه. قلت: ومقتضى قوله فإنه يستعمل فيما يتناول عادة، أن العر ف كان أولا في استعماله في الطعام أو الشرب ثم تغير ذلك إلى عرف آخر وغلب استعماله في الطلاق ثم إن ما ذكروه هنا لا ينافي ما ذكره في الايلاء من التفصيل بين نية تحريم المرأة أو الظهار أو الكذب أو الطلاق لان ذاك في أنت علي حرام، وما هنا في التحريم باللفظ العام، والفتوى على قول المتأخرين بانصرافه إلى الطلاق البائن عاما أو خاصا كما ذكرناه هناك. قوله: (زاد الكمال الخ) لا محل لذكر هذا هنا، لان مراد الكمال أن هذا يراد به الطلاق فقط بحسب العرف كما يأتي. قوله: (ولكن الفتوى في زماننا) أي الزمان المتأخر عن زمان المتقدمين. وتوقف البزدوي في مبسوطه في كون عرف الناس إرادة الطلاق به، فالاحتياط أن لا يخالف المتقدمين. مطلب: تعارفوا: الحرام يلزمني والطلاق يلزمني قال في الفتح: واعلم أن مثل هذا اللفظ لم يتعارف في ديارنا، بل المتعارف فيه حرام علي كلامك نحوه كأكل كذا ولبسه دون الصيغة العامة. وتعارفوا أيضا: الحرام يلزمني، وشك في أنهم يريدون الطلاق معلقا، فإنهم يذكرون بعده لا أفعل كذا ولأفعلن، وهو مثل تعارفهم: الطلاق يلزمني لا أفعل كذا، فإنه يراد به إن فعلت كذا فهي طالق، ويجب إمضاؤه عليهم. والحاصل أن المعتبر انصراف (1) هذه الألفاظ عربية أو فارسية إلى معنى بلا نية التعارف فيه، فإن لم يتعارف سئل عن نيته وفيما ينصرف بلا نية لو قال أردت غيره لا يصدقه القاضي، وفيما بينه وبين الله تعالى هو المصدق اه وأقره في البحر والنهر والمقدسي والشرنبلالي غيرهم، وتقدم تمام الكلام على ذلك في الطلاق قوله (ولو له أكثر بن جميعا) في هذه المسألة كلام طويل قدمناه في باب طلاق غير المدخول بها وفي باب الايلاء: والذي حررناه هناك أنه لا خلاف في أن أنت علي حرام يخص المخاطبة، وفي كل حل علي حرام يعم الزوجات الأربع لصريح أداة العموم الاستغراقي، وفي امرأتي حرام أو طالق يقع على واحدة منهن، وإنما الخلاف في نحو حلال الله أو حلال المسلمين، فقيل يقع على واحدة غير معينة نظرا إلى صورة أفراده، والأشبه أنه يعم الكل، فافهم. قوله: (وإن لم تكن له امرأة الخ) قال في الظهيرية: وإن قال لم أنو الطلاق لا يصدق قضاء
(1) قوله: (ان المعتبر انصراف الخ) هكذا بخطه، ولعله سقط من قلمه كلمة في، والأصل ان المعتبر في انصراف الخ، تأمل ا ه مصححه. 36 لأنه صار طلاقا عرفا. ثم قال: إن حلف به، إن كان فعل كذا وقد كان فعل له امرأة واحدة أو أكثر بنى جميعا وإن لم تكن له امرأة لا يلزمه شئ لأنه جعل يمينا بالطلاق، ولو جعلناه يمينا بالله تعالى فهو غموس، وإن حلف بهذا على أمر في المستقبل ففعل ذلك وليس له امرأة كان عليه الكفارة، لان تحريم الحلال يمين اه. وحاصله أنه إذا لم تكن له امرأة وحلف على ماض كذبا لا يلزمه شئ، لأنه جعل طلاقا على المفتي به فيلغو لعدم الزوجة، ولو جعل يمينا بالله تعالى فغموس، لأنه كناية عن الحلف بالله تعالى كما مر في هو يهودي أنه كناية، وأن لم يعقل وجهها فعلى الوجهين لا يلزمه شئ سوى الاستغفار، وقيل إن قوله ولو جعل يمينا بالله تعالى: أي بناء على ظاهر الرواية من حمله على الطعام والشراب، وفيه نظر لأنه إذا قال: إن كنت فعلت كذا فكل حل علي حرام، يصير بمعنى إن كنت فعلته فوالله لا آكل ولا أشرب، فإذا كان قد فعل انعقدت يمينه على عدم الأكل والشرب فيكفر بأكله أو شربه فلا تكون لغوا، فافهم. وعلى هذا فما في النهاية عن النوازل من أنه إن لم تكن له امرأة تجب عليه الكفارة محمول على أنه جعل يمينا بالله تعالى مع كون الحلف على مستقبل، وإلا كان غموسا فلا تلزمه الكفارة، وأما قوله في البحر معناه: إذا أكل أو شرب لانصرافه عند عدم الزوجة إلى الطعام والشراب لا كما يفهم من ظاهر العبارة اه. ففيه نظر، بل هو محمول على ما يفهم من ظاهر العبارة وهو وجوب الكفارة وإن لم يأكل ولم يشرب بناء على ما قلنا وإلا ورد عليه ما ذكرناه من النظر السابق، ويؤيده أن انصرافه إلى الطعام والشراب كان في العرف السابق ثم تغير ذلك العرف وصار مصروفا إلى الطلاق كما مر، فبعد ما صار حقيقة عرفية في الطلاق لا يصح حمله على العرف المهجور بل يبقى مرادا به الطلاق، غير أنه إذا لم تكن له امرأة يبقى مرادا به الطلاق فيلغوا ويجعل يمينا بالله تعالى، فتجب به الكفارة إن لم يكن غموسا، فالترديد في كلام الظهيرية مبني على قولين بدليل ما في البزازية حيث قال: وفي المواضع التي يقع الطلاق بلفظ الحرام إن لم تكن له امرأة إن حنث لزمت الكفارة، والنسفي؟ على أنه لا تلزمه اه. فما قاله النسفي مبني على أنه يبقى مرادا به الطلاق، وظاهر كلامهم ترجيح خلافه، فاغتنم تحقيق هذا المقام فإنه من منح الملك السلام. قوله: (سواء نكح بعده أو لا) هو ما عليه الفتوى كما يأتي. قوله: (فيكفر بأكله أو شربه) مبني على ما فسر به في البحر عبارة النوازل، وقد علمت ما فيه، والصواب أن يقول: فيكفر بحنثه: أي بفعله المحلوف عليه، كأن قال إن دخلت الدار فكل حل علي حرام ثم دخلها يلزمه كفارة اليمين، لأنها يمين منعقدة على عدم الدخول في المستقبل لا على عدم الأكل والشرب حتى لو أكل أو شرب قبل الدخول أو بعده لا يلزمه شئ. قوله: (ولو بالله علي ماض) لفظ بالله سبق قلم: أي ولو كانت يمينه على ماض، كما إذا قال إن كنت فعلت كذا فكل حل علي حرام وكان عالما بأنه فعله فهي غموس إن جعلت يمينا بالله تعالى فلا تلزمه كفارة، وقوله: أو لغو أي إن جعلت يمينا بالطلاق كما قاله النسفي. وظاهر ما مر عن الظهيرية من قوله لأنه جعل يمينا بالطلاق اعتماد الأول، وهو ظاهر ما قدمناه أيضا عن البزازية، وكذا ما يأتي قريبا. وبما قررناه علم أن ما ذكره الشارح من قوله فغموس أو لغو هو حاصل ما قدمناه عن
37 الظهيرية فليس في كلامه خلل سوى زيادة لفظ بالله فافهم. قوله: (ولو له امرأة وقتها الخ) مقابل قول المصنف وإن لم تكن له امرأة. قال في الظهيرية: وإن حلف بهذا على أمر في المستقبل ففعل ذلك وليس له امرأة كان عليها الكفارة، لان تحريم الحلال يمين، وإن كان له امرأة وقت اليمين فماتت قبل الشرط أو بانت لا إلى عدة ثم باشر الشرط لا تلزمه الكفارة، لان يمينه انصرف إلى الطلاق وقت وجودها، وإن لم تكن له امرأة وقت اليمين ثم تزوج امرأة ثم باشر الشرط، اختلفوا فيه. قال الفقيه أبو جعفر: تبين المتزوجة. وقال غيره: لا تبين، وبه أخذ القفيه أبو الليث، وعليه الفتوى لان يمينه جعل يمينا بالله تعالى وقت وجودها فلا يكون طلاقا بعد ذلك اه، ومثله في الخانية. وفي عبارة البزازية: في هذه المسائل خلل نبهنا عليه في باب الايلاء. قوله: (فأكل) صوابه فباشر الشرط كما في عبارة الظهيرية وغيرها، وذلك كدخول الدار مثلا، ولا نظر فيه للاكل وعدمه كما علمت. قوله: (وقد مر في مطلب في الايلاء) ما مر هناك فيه خلل تابع فيه البزازية كما أوضحناه هناك. مطلب: أحكام النذر قوله: (ومن نذر نذرا مطلقا) أي غير معلق بشرط مثل لله علي صوم سنة، فتح، وأفاد أنه يلزمه ولو لم يقصده كما لو أراد أن يقول كلاما فجرى على لسانه النذر، لان هزل النذر كالجد كالطلاق كما في صيام الفتح، وكما لو أراد أن يقول لله علي صوم يوم فجرى على لسانه صوم شهر كما في صيام البحر عن الولوالجية. واعلم أن النذر قربة مشروعة، أما كونه قربة فلما يلازمه من القرب كالصلاة والصوم والحج والعتق ونحوها، وأما شرعيته فللأوامر الواردة بإيفائه، وتمامه في الاختيار. قلت: وإنما ذكروا النذر في الايمان لما يأتي في أنه قال علي نذر ولا نية له لزمه كفارة، ومر في آخر كتاب الصيام أنه لو نذر صوما، فإن لم ينو شيئا أو نوى النذر فقط نوى النذر وأن لا يكون يمينا كان نذرا فقط وإن نوى اليمين، وأن لا يكون نذرا كان يمينا وعليه كفارة إن أفطر، وإن نواهما أو نوى اليمين كان نذرا ويمينا، حتى لو أفطر قضى وكفر، ومر هناك الكلام فيه. قوله: (كما سيصرح به) أي المصنف قريبا، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى ط. قوله: (وهو عبادة مقصودة) الضمير راجع للنذر، بمعنى المنذور لا للواجب، خلافا لما في البحر. قال في الفتح: مما هو طاعة مقصودة لنفسها، ومن جنسها واجب الخ. وفي البدائع: ومن شروطه أن يكون قربة مقصودة فلا يصح النذر بعيادة المريض، وتشييع الجنازة، والوضوء والاغتسال، ودخول المسجد، ومس المصحف، والاذان، وبناء الرباطات والمساجد وغير ذلك، وإن كانت قربا إلا أنها غير مقصودة اه. فهذا صريح في أن الشرط كون المنذر نفسه عبادة مقصودة لا ما كان من جنسه، ولذا صححوا النذر بالوقف، لان من جنسه واجبا وهي بناء مسجد للمسلمين كما يأتي مع أنك علمت أن بناء المساجد غير مقصود لذاته. قوله: (خرج الوضوء) لأنه عبادة ليست مقصودة لذاتها، وإنما هو شرط لعبادة مقصودة وهي الصلاة. ط عن المنح. قوله: (وتكفين الميت) لأنه ليس عبادة مقصودة، بل هو لأجل صحة الصلاة عليه،
38 لان ستره شرط صحتها ط. قوله: (ووجد الشرط) معطوف على قوله: وكان من جنسه عبادة وهذا إن كان معلقا بشرط وإلا لزم في الحال، والمراد الشرط الذي يريد كونه كما يأتي تصحيحه. قوله: (لزم الناذر) أي لزمه الوفاء به، والمراد أن يلزمه الوفاء بأصل القربة التي التزمها لا بكل وصف التزمه، لأنه لو عين درهما أو فقيرا أو مكانا للتصدق أو للصلاة فالتعيين ليس بلازم. بحر. وتحقيقه في المنح. قوله: (الحديث الخ) قال في الفتح: هو حديث غريب إلا أنه مستغنى عنه، ففي لزوم المنذور الكتاب والسنة والاجماع قال الله تعالى: * (وليوفوا نذورهم) * (الحج: 92) وصرح المصنف أي صاحب الهداية في كتاب الصوم بأنه واجب للآية، وتقدم الاعتراض بأنها توجب الافتراض للقطعية، والجواب بأنها مؤولة إذ خص منها النذر بالمعصية وما ليس من جنسه واجب فلم تكن قطعية الدلالة، ومن قال من المتأخرين بافتراضه استدل بالاجماع على وجوب الايفاء به اه. ملخصا، وفي الشرنبلالية عن البرهان أنه: أي الافتراض هو الأظهر. قوله: (لوجوب العتق) ترك ذكر الواجب من الصلاة والصوم والصدقة لظهوره ط. قوله: (والمشي للحج) المراد الحج ماشيا، وإلا فالمشي ليس عبادة مقصودة اه ح. وفيه أن المشروط كونه عبادة مقصودة هو المنذور لا ما كان من جنسه كما قدمناه، وسيأتي في باب اليمين في البيع أنه لو قال علي المشي إلى بيت الله أو الكعبة يلزمه حج أو عمرة، وسنذكر أن هذا استحسان. والقياس أن لا يجب به شئ لأنه ليس بقرية، تأمل. قوله: (والقعدة الأخيرة الخ) كذا ذكره في اعتكاف البحر، أورده عليه أن التشبيه إن كان في خصوص القعدة فهو غير لازم في الاعتكاف لجواز الوقوف في مدته وإن كان في مطلق الكينونة، فلم خص التشبيه بالعقدة مع أن الركوع كذلك؟. والجواب: اختيار الأول، والغالب في الاعتكاف القعود، وذكر في اعتكاف المعراج، قلنا: بل من جنسه واجب لله تعالى وهو اللبث بعرفة وهو الوقوف، والنذر الشئ إنما يصح إذا كان من جنسه واجب أو مشتملا على الواجب، وهذا كذلك لان الاعتكاف يشمل على الصوم، ومن جنس الصوم واجب وإن لم يكن من جنس اللبث واجب، وتعقبه في الفتح في باب اليمين في الحج والصوم بأن وجوب الصوم فرع وجوب الاعتكاف بالنذر، والكلام الآن في صحة وجوب المتبوع، فكيف يستدل على لزومه بلزومه، ولزوم الشرط فرع لزوم المشرط، ثم قد يقال: تحقق الاجماع على لزوم الاعتكاف بالنذر موجب إهدار اشتراط وجود واجب من جنسه اه: أي فهو خارج عن الأصل. قوله: ووقف مسجد) أي في كل بلدة على الظاهر ط. قوله: (وإلا) وإن لم يفعل الامام فعلى المسلمين. قوله: (ما ليس من جنسه فرض) هذا هو الذي وعد بذكره. قال المصنف في شرحه: وهذا يثبت أن المراد بالواجب في قولهم من جنسه واجب الفر ض، وبه صرح شيخنا في بحره الخ. ويأتي تمام الكلام عليه قوله: (كعيادة مريض) هذا يفيد أن مرادهم بالفرض هنا فرض العين دون ما يشمل فرض الكفاية اه ح. أي فإن هذه فرض كفاية كما في مقدمة أبي الليث، فافهم،
39 وقدمنا عن البدائع خروج هذه المذكرات بقوله: عبادة مقصودة على أنه يرد عليه دخول المسجد للطواف، ولصلاة الجمعة إذا كان الامام فيه فإن الدخول حينئذ فرض لكنه ليس مقصودا لذاته، وكذا عيادة الوالدين إذا احتاجا إليه لان برهما فرض، وقدمنا أن المشروط كونه عبادة مقصودة هو المنذور. قوله: (ولو مسجد الرسول (ص)) الأولى ذكر مسجد مكة لأنه المتوهم ط. قوله: (وهذا هو الضابط) الإشارة إلى ما ذكره من أن ما ليس من جنسه فرض لا يلزم. وعبارة الدرر: المنذور إذا كان له أصل في الفروض لزم الناذر كالصوم والصلاة والصدقة والاعتكاف، وما لا أصل له في الفروض فلا يلزم الناذر كعبادة المريض، وتشييع الجنازة، ودخول المسجد، وبناء القنطرة، والرباط، والسقاية ونحوها، وهذا هو الأصل الكلي، قوله: (فزاد) أي على الشرطين المارين في المتن. قوله: (أن لا يكون معصية لذاته) قال في الفتح: وأما كون المنذور معصية يمنع انعقاد النذر فيجب أن يكون معناه إذا كان حراما لعينه أو ليس فيه جهة قربة، فإن المذهب أن نذر صوم يوم العيد ينعقد، ويجب الوفاء بصوم يوم غيره ولو صامه خرج عن العهدة، ثم قال بعد ذلك: قال الطحاوي: إذا أضاف النذر إلى المعاصي كلله علي أن أقتل فلانا كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث اه. قلت: وحاصله أن الشرط كونه عبادة، فيعلم منه أنه لو كان معصية لم يصح، فهذا ليس شرطا خارجا عما مر، لكن صرح به مستقلا لبيان أن ما كان فيه جهة العبادة يصح النذر به لما مر من أنه يلزم الوفاء بالنذر من حيث هو قربة لا بكل وصف التزمه به، فصلح التزام الصوم من حيث هو صوم مع إلغاء كونه في يوم العيد، ولذا قال في الفتح: إن قلت من شروط النذر كونه النذر بغير معصية، فكيف قال أبو يوسف: إذا نذر ركعتين بلا وضوء يصح نذره خلافا لمحمد. فالجواب أن أبا يوسف صححه بوضوء، لأنه حين نذر ركعتين لزمتاه بوضوء، لان التزام المشروط التزام الشرط، فقوله بعده: بغير وضوء لغو لا يؤثر، ونظيره إذا نذر بلا قراءة ألزمناه ركعتين بقراءة أو نذر أن يصلي ركعة واحدة ألزمناه ركعتين أو ثلاثة ألزمناه بأربع اه. وتمامه فيه. قوله: (لأنه لغيره) أي لان كونه معصية لغيره وهو الاعراض عن ضيافة الحق تعالى. قوله: (وأن لا يكون واجبا عليه قبل النذر) في أضحية البدائع: لو نذر أن يضحي شاة، وذلك في أيام النحر، وهو موسر فعليه أن يضحي بشاتين عندنا شاة للنذر وشاة بإيجاب الشرع ابتداء، إلا إذا عني به الاخبار عن الواجب عليه، فلا يلزمه إلا واحدة، ولو قبل أيام النحر لزمه شاتان، بلا خلاف، لان الصيغة لا تحتمل الاخبار عن الواجب، إذ لا وجوب قبل الوقت، وكذا لو كان معسرا ثم أيسر في أيام النحر لزمه شاتان اه. والحاصل أن نذر الأضحية صحيح، لكنه ينصرف إلى شاة أخرى غير الواجبة عليه ابتداء بإيجاب الشرع، إلا إذا قصد الاخبار عن الواجب عليه، وكان في أيامها، مثله ما لو نذر الحج لان الأضحية والحج قد يكونان غير واجبين، بخلاف حجة الاسلام فإنها نفس الواجب عليه لأنها اسم لفريضة العمر كصوم رمضان وصلاة الظهر فلا يصح النذر بها، بخلاف ما قد يكون تطوعا واجبا
40 كالصلاة والصوم كما سنحققه في الأضحية إن شاء الله تعالى. قوله: (أو ملكا لغيره) فإن قيل: إن النذر به معصية فيغني عنه ما مر. قلنا: إنه ليس معصية لذاته، وإنما هو لحق الغير. إفادة في البحر، لكنه خارج بكونه لا يملكه، فيشمل الزائد، على ما يملكه وما لا ملك له فيه أصلا كهذا. وفي البحر عن الخلاصة: لقال: لله علي أن أهدي هذه الشاة وهي ملك الغير لا يصح النذر، بخلاف قوله: لأهدين، ولو نوى اليمين كان يمينا اه. قال في النهر: والفرق بين التأكيد وعدمه مما لا أثر له يظهر في صحة النذر وعدمه، ثم على الصحة هل تلزمه قيمتها أو يتوقف الحال إلى ملكها؟ محل تردد اه. قلت: الظاهر الثاني، لان الهدي اسم لما يهدي إلى الحرم، فإذا صح نذره توقف إلى ملكها ليمكن إهداؤها. تأمل ويظهر لي أن قوله: لأهدين يمين لا نذر، وقوله: ولو نوى اليمين كان يمينا راجع المسألة الأولى، فإن تم هذا اتضح الفرق، فتأمل. قوله: (لزمه المائة فقط) سيذكر الشارح وجهه. قوله: (قلت ويزداد الخ) ذكر هذا الشرط صاحب البحر في باب الاعتكاف، وعزا الفرع المذكور إلى الولوالجية. قال ط: وبه صارت الشروط سبعة، ما في المتن وهذه الخمسة، لكن اشتراط أن لا يكون أكثر مما يملك وأن لا يكون ملك الغير خاصا ببعض صور النذر، قوله: (مستحيل الكون) يشمل الاستحالة الشرعية لما في الاختيار: لو نذرت صوم أيام حيضها، أو قالت لله علي أن أصوم غدا فحاضت فهو باطل عند محمد وزفر، لأنها أضافت الصوم إلى وقت لا يتصور فيه. وقال أبو يوسف: تقضي في المسألة الثانية، لان الايجاب صدر صحيحا في حال لا ينافي الصوم ولا إضافة إلى زمان ينافيه، إذ الصوم يتصور فيه والعجز بعارض محتمل كالمريض فتقضيه كما إذا نذرت صوم شهر يلزمها قضاء أيام حيضها، لأنه يجوز خلو الشهر عن الحيض فيصح الايجاب، وتمامه فيه. قوله: (وفي القنية الخ) عبارتها كما في البحر: نذر أن يتصدق بدينار على الأغنياء ينبغي أن لا يصح. قلت: وينبغي أن يصح إذا نوى أبناء السبيل لأنهم محل الزكاة اه. قلت: ولعل وجه عدم الصحة في الأول عدم كونها قربة أو مستحيلة الكون (1) لعدم تحققها، لأنها للغني هبة كما أن الهبة للفقير صدقة. قوله: (ولو نذر التسبيحات) لعل مراده التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا والثلاثين في كل، وأطلق على الجميع تسبيحا تغليبا لكونه سابقا، وفيه إشارة إلى أنه ليس من جنسها واجب ولا فرض، وفيه أن تكبير التشريق واجب على المفتي به، وكذا تكبيرة الاحرام وتكبيرات العيدين، فينبغي صحة النذر به بناء على أن المراد بالواجب هو المصطلح ط.
(1) قوله: (أو مستحيلة الكون) الأولى ان يقول: أو كونها مستحيلة الخ، بالعطف على قوله: عدم بدليل قوله: لعدم تحققها الخ فظاهر عبارته ان الاستحالة منفية وهو لا يظهر فتدبر ا ه مصححه. 41 قلت: لكن ما ذكره الشارح ليس عبارة القنية وعبارتها كما في البحر، ولو نذر أن يقول دعاء كذا في دبر كل صلاة عشر مرات لم يصح. قوله: (لم يلزمه) وكذا لو نذر قراءة القرآن، وعلله القهستاني في باب الاعتكاف بأنها الصلاة. في الخانية: ولو قال: علي الطواف بالبيت السعي بين الصفا والمروة، أو علي أن أقرأ القرآن إن فعلت كذا لا يلزمه شئ اه. قلت: وهو مشكل، فإن القراءة عبادة مقصودة ومن جنسها واجب، وكذا الطواف فإنه عبادة مقصودة أيضا. ثم رأيت في لباب المناسك قال في باب أنواع الأطوفة: الخامس طواف الندر وهو واجب ولا يختص بوقت فهذا صريح في صحة النذر به. قوله: (لزمه) لان من جنسه فرضا وهو الصلاة عليه (ص) مرة واحدة في العمر، وتجب كلما ذكر، وإنما هي فرض عملي، قال ح: ومنه يعلم أنه لا يشترط كون الفرض قطعيا ط. قوله: (وقيل لا) لعل وجهه اشتراطه كونه الفرض قطعيا ح. قوله: (ثم أن المعلق إلخ) أعلم أن المذكور في كتب ظاهر الرواية أن المعلق يجب الوفاء به مطلقا: أي سواء كان الشرط مما يراد كونه: أي يطلب حصوله كإن شفى الله مريضي أو لا، كإن كلمت زيدا أو دخلت الدار فكذا، وهو المسمى عند الشافعية نذر اللجاج، وروي عن أبي حنيفة التفصيل المذكور هنا، وأنه راجع إليه قبل موته بسبعة أيام وفي الهداية: إنه قول محمد وهو الصحيح اه، ومشى عليه أصحاب المتون كالمختار والمجمع ومختصر النقابة والملتقى وغيرها، وهو مذهب الشافعي، وذكر في الفتح أنه المروي في النوادر وأنه مختار المحققين، وقد انعكس الامر على صاحب البحر، فظن أن هذا له لا أصل في الرواية وأن رواية النوادر أنه مخير فيهما مطلقا، وأن في الخلاصة قال: وبه يفتي، وقد علمت أن المروي في النوادر هو التفصيل المذكور، ذكر في النهر أن الذي في الخلاصة هو التعليق بما لا يراد كونه فالاطلاق ممنوع اه. والحاصل: أنه ليس في المسألة سوى قولين: الأول ظاهر الرواية عدم التخيير أصلا. والثاني التفصيل المذكور. وأما ما توهمه في البحر من القول الثالث هو التخيير مطلقا وأنه المفتي به فلا أصل له، كما أوضحه العلامة الشرنبلالي في رسالته المسماة تحفة التحرير، فافهم. قوله: (بشرط يريده الخ) انظر لو كان فاسقا يريد شرطا هو معصية فعلق عليه كما في قول الشاعر: علي إذا ما زرت ليلي بخفية زيارة بيت الله رجلان حافيا فهل يقال: إذا باشر الشرط يجب عليه المعلق أم لا؟ ويظهر لي الوجوب لان المنذور طاعة وقد علق وجوبها على شرط، فإذا حصل الشرط لزمته، وإن كان الشرط معصية يحرم فعلها، لأن هذه الطاعة غير حاملة على مباشرة المعصية بل بالعكس، وتعريف النذر صادق عليه ولذا صح النذر في قوله: إن زنيت بفلانة لكنه بتخير بينه وبين كفارة اليمين، لأنه إذا كان لا يريده يصير فيه معنى اليمين فيتخير كما يأتي تقريره، بخلاف ما إذا كان يريده لفوات معنى اليمين فينبغي الجزم بلزوم المنذور فيه وإن لم أره صريحا، فافهم. قوله: (لأنه نذر بظاهره الخ) لأنه قصد به المنع عن إيجاد الشرط فيميل إلى أي الجهتين شاء، بخلاف ما إذا علق بشرط يريد ثبوته، لان معنى اليمين وهو
42 قصد المنع غير موجود فيه، لان قصده إظهار الرغبة فيما جعل شرطا. درر. قوله: (فيخير ضرورة) جواب عن قول صدر الشريعة. أقول: إن كان الشرط حراما كإن زنيت ينبغي أن لا يتخير، لان التخيير تخفيف والحرام لا يوجب التخفيف. قال في الدرر: أقول ليس الموجب للتخفيف هو الحرام بل وجود دليل التخفيف، لان اللفظ لما كان نذرا من وجه يمينا من وجه لزم أن يعمل بمقتضى الوجهين، ولم يجز إهدار أحدهما، فلزم التخيير الموجب للتخفيف بالضرورة، فتدبر اه. قوله: (فلا يجبره القاضي) لان العبد لم يثبت له حق العتق عليه، لان ذلك بمنزلة ما لو حلف بالله تعالى ليعتقنه ليس له إجباره على أن يبر يمينه، لان ذلك مجرد حق الله تعالى. قوله: (نذر أن يذبح ولده الخ) المسألة منصوصة في كافي الحاكم الشهيد وغيره، وفي شرح المجمع وشرح درر البحار أنه يجب به ذبح كبش في الحرم أو في أيام النحر في غير الحرم، وأنه يشترط لصحة النذر به في عامة الروايات أن يقول في النذر عند مقام إبراهيم أو بمكة. وفي رواية عنه: لا يشترط، وفي الاختيار: ولو نذر ذبح ولده أو نحره لزمه ذبح شاة عند أبي حنيفة ومحمد، وكذا النذر بذبح نفسه أو عبده عند محمد، وفي الوالد الوالدة عن أبي حنيفة روايتان والأصح عدم الصحة، وقال أبو يوسف وزفر: لا يصح شئ من ذلك لأنه معصية فلا يصح، ولهما في الولد مذهب جماعة من الصحابة كعلي وابن عباس وغيرهما، ومثله لا يعرف قياسا فيكون سماعا، ولان إيجاب ذبح الولد عبارة عن إيجاب ذبح الشاة، حتى لو نذر ذبحه بمكة يجب عليه ذبح الشاة بالحرم. بيانه قصة الذبيح، فإن الله تعالى أوجب على الخليل ذبح ولده وأمره بذبح الشاة حيث قال: * (قد صدقت الرؤيا) * فيكون كذلك في شريعتنا، أما لقوله تعالى: * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * أو لان شريعة من قبلنا تلزمنا حتى يثبت النسخ، وله نظائر منها أن إيجاب المشي إلى بيت الله تعالى عبارة عن حج أو عمرة، وإيجاب الهدي عبارة عن إيجاب شاة، ومثله كبير، وإذا كان نذر ذبح الولد عبارة عن ذبح الشاة لا يكون معصية بل قربة حتى قال الأسبيجابي وغيره من المشايخ: إن أراد عين الذبح وعرف أنه معصية لا يصح، ونظيره الصوم في حق الشيخ الفاني معصية لافضائه إلى إهلاكه، ويصح نذره بالصوم وعليه الفدية، وجعل ذلك التزاما للفدية، كذا هذا. ولمحمد في النفس والعبد أن ولايته عليهما فوق ولايته على ولده، ولأبي حنيفة أن وجوب الشاة على خلاف القياس عرفناه استدلالا بقصة الخليل، وإنما وردت في الولد فيقتصر عليه، ولو نذر بلفظ القتل لا يلزمه شئ بالاجماع، لان النص ورد بلفظ الذبح النحر مثله، ولا كذلك القتل، ولان الذبح والنحر وردا في القرآن على وجه القربة والتعبد، والقتل لم يرد إلا على وجه العقوبة والانتقام والنهي ولأنه لو نذر ذبح الشاة بلفظ القتل لم يصح، فهذا أولى اه. قوله: (لغا إجماعا) أي بناء
43 على أصح الروايتين كما مر. قوله: (لان الذبح ليس من جنسه فرض الخ) هذا التعليل لصاحب البحر وينافيه ما في الخانية قال: إن برئت من مرضي هذا ذبحت شاة فبرئ لا يلزمه شئ إلا أن يقول: فلله علي أن أذبح شاة اه. وهي عبارة متن الدرر، وعللها في شرحه بقوله: لان اللزوم لا يكون إلا بالنذر، والدال عليه الثاني لا الأول اه. فأفاد أن عدم الصحة لكون الصيغة المذكورة لا تدل على النذر: أي لان قوله: ذبحت شاة وعد لا نذر، ويؤيده ما في البزازية لو قال إن سلم ولدي أصوم ما عشت فهذا وعد، لكن في البزازية أيضا: إن عوفيت صمت كذا لم يجب، ما لم يقل لله علي: وفي الاستحسان: يجب، ولو قال إن فعلت كذا فأنا أحج ففعل يجب عليه الحج اه. فعلم أن تعليل الدرر مبني على القياس، والاستحسان خلافه، وينافيه أيضا قول المصنف علي شاة أذبحها أو عبارة الفتح فعلي بالفاء في جواب الشرط، إذ لا شك أن هذا ليس وعدا، ولا يقال: إنما لم يلزمه شئ لعدم قوله لله علي، لان المصرح به صحة النذر بقوله لله علي حج أو علي حجة، فيتعين حمل ما ذكره المصنف على القول بأنه لا بد من أن يكون من جنسه فرض، وحمل ما في الخانية والدرر من صحة قوله لله علي أن أذبح شاة على القول بأنه يكفي أن يكون من جنسه واجب، وسيأتي في آخر الأضحية عن الخانية: لو نذر عشر أضحيات لزمه ثنتان لمجئ الامر بهما، وفي شرح الوهبانية: الأصح وجوب الكل لإيجابه ما لله من جنسه إيجاب، ونقل الشارح هناك عن المصنف أن مفاده لزوم النذر بما من جنسه واجب اعتقادي أو اصطلاحي اه. ويؤيده أيضا ما قدمناه عن البدائع، وبه يعلم أن الأصح أن المراد بالواجب ما يشمل الفرض والواجب الاصطلاحي لا خصوص الفرض فقط. قوله: (فتح وبحر) يوهم أنه في الفتح ذكر هذا التعليل، مع أن المذكور فيه عبارة المتن فقط، وكذلك في البحر معزيا إلى مجموع النوازل. قوله: (ففي متن الدرر تناقض) أي حيث صرح أولا بأنه يشترط في النذر أن يكون به أصل في الفروض، ونص ثانيا على صحة النذر بقوله لله علي أن أذبح شاة، مع أن النذر ليس له أصل في الفروض، بل في الواجبات. وأجاب ط: بأن مراده بالفرض ما يعم الواجب بأن يراده به اللازم فلا تناقض. قوله: (كذا في مجموع النوازل) الإشارة إلى ما في المتن من قوله: ولو قال إن برئت إلى قوله: جاز. قوله: (ووجهه يخفى) و هو أن السبع تقوم مقامه في الضحايا والهداية ط. مطلب: النذر غير المعلق لا يختص بزمان ومكان ودرهم وفقير قوله: (لما تقرر في كتاب الصوم) أي في آخر قبيل باب الاعتكاف وعبارته هناك مع المتن والنذر من اعتكاف أو حج أو صلاة أو صيام أو غيرها غير المعلق لو معينا لا يختص بزمان ومكان
44 ودرهم وفقير، فلو نذر التصدق يوم الجمعة بمكة بهذا الدرهم على فلان فخالف جاز، وكذا لو عجل قبله، فلو عين شهرا للاعتكاف أو للصوم فعجل قبله عنه صح، وكذا لو نذر أن يحج سنة كذا فحج سنة قبلها صح أو صلاة في يوم كذا فصلاها قبله، لأنه تعجيل بعد وجود السبب، وهو النذر فيلغو التعيين، بخلاف النذر العلق، فإنه لا يجوز تعجيله قبل وجود الشرط اه. قلت: وقدمنا هناك الفرق، وهو أن المعلق على شرط لا ينعقد سببا للحال كما تقرر في الأصول، بل عند وجود شرطه، فلو جاز تعجيله لزم وقوعه قبل سببه فلا يصح، ويظهر من هذا أن المعلق يتعين فيه الزمان بالنظر إلى التعجيل، أما تأخيره فالظاهر ه جائز إذ لا محذور فيه، وكذا يظهر منه أنه لا يتعين فيه المكان والدرهم والفقير، لان التعليق إنما أثر في انعقاد السببية فقط، فلذا امتنع فيه التعجيل، وتعين فيه الوقت، أما المكان والدرهم والفقير فهي باقية على الأصل من عدم التعيين، ولذا اقتصر الشارح في بيان المخالفة على التعجيل فقط حيث قال: فإنه لا يجوز تعجيله فتدبر. قلت: وكما لا يتعين الفقير لا يتعين عدده، ففي الخانية: إن زوجت بنتي فألف درهم من مالي صدقة لكل مسكين درهم فزوج ودفع الألف إلى مسكين جملة جاز. (تنبيه): إنما لم يختص في النذر بزمان ونحوه، خلافا لزفر، لان لزوم ما التزمه باعتبار ما هو قربة لا باعتبارات أخر لا دخل لها في صيرورته قربة كما مر. قال في الفتح: وكذا إذا نذر ركعتين في المسجد الحرام فأداها في أقل شرفا منه أو فيما لا شرف له أجزأه، خلافا لزفر، لان المعروف من الشرع أن التزامه بما هو قربة موجب، ولم يثبت من الشرع اعتبار تخصيص العبد العبادة بالمكان، بل إنما عرف ذلك لله تعالى، وتمامه فيه. قلت: وإنما تعين المكان في نذر الهدي الزمان في نذر الأضحية، من كلا منهما اسم خاص معين فالهدي ما يهدي للحرم، والأضحية ما يذبح في أيامها حتى لو لم يكن كذلك لم يوجد الاسم، وسنذكر تمام تحقيقه في باب اليمين في البيع إن شاء الله تعالى. قوله: (جاز) أشار إلى أن تعيين ما يشتري به مثل تعيين الزمان والمكان. قوله: (قضاه وحده) أي قضي ذلك اليوم فقط لئلا يقع كل الصوم في غير الوقت كما مر في الصيام. قوله: (وإن قال متتابعا) لان شرط التتابع في شهر بعينه لغو، لأنه متتابع لتتابع الأيام، وأيضا لا يمكن الاستقبال لأنه معين، درر، وأما إذا كان لشهر غير معين فإن شاء تابعه وإن شاء فرقه، إلا إذا شرط التتابع فيلزمه ويستقبل. فتح، أي يستقبل شهرا غيره أفطر يوما ولو من الأيام المنهية كما مر في الصوم، وتقدم هناك تمام الكلام على ما يجب فيه التتابع وما لا يجب، وما يجوز تقديمه أو تأخيره وما لا يجوز تقديمه أو تأخيره وما لا يجوز، فراجعه. قوله: (فأكل لعذر) وكذا لدونه ح. قوله: (فدى) أي لكل يوم نصف صاع من بر أو صاعا من شعير وإن لم يقدر استغفر الله
45 تعالى كما مر. قوله: (لزمه ما يملك منها فقط) وإن كان عنده عروض أو خادم يساوي مائة فإنه يبيع ويتصدق، وإن كان يساوي عشرة يتصدق بعشرة، وإن لم يكن شئ فلا شئ عليه، كمن أوجب على نفسه ألف حجة يلزمه بقدر ما عاش في كل سنة حجة، شرنبلالية عن الخانية. وانظر هل يدخل في ذلك الدين كما يدخل في الوصية بثلث ماله؟ ظاهر التعليل: عدم الدخول لان الدين لا يملكه قبل قبضه، إذا قبضه صار ملكا حادثا بعد النذر، وفي الوصية بثلث المال يعتبر ماله عند الموت تأمل. لكن سيأتي في أول الشركة أن الحق كونه مملوكا. قوله: (لم يوجد الخ) أي وشرط صحة النذر أن يكون المنذور ملكا للناذر أو مضافا إلى السبب كقوله إن اشتريتك فلله علي أن أعتقك ط. قوله: (في المساكين صدقه) أي ينفق عليهم، ففي بمعنى على. قوله: (ولم يصح اتفاقا) أما لو كان له مال يصح ويكون المراد به جنس مال الزكاة استحسانا: أي جنس كان بلغ نصابا أو لا، عليه دين مستغرق أو لا، وإن لم يجد غيره أمسك منه قدر قوته، فإذا ملك غيره تصدق بقدره: أي بقدر ما أمسك كما سيأتي في متفرقات القضاء إن شاء الله تعالى. وذكر الشارح هناك عن البحر قال: إن فعلت كذا فما أملكه صدقة، فحيلته أن يبيع ملكه من رجل بثوب في منديل، ويقبضه ولم يره ثم يفعل ذلك ثم يرده بخيار الرؤية فلا يلزمه شئ اه. قال المقدسي هناك: ومنه ان المعتبر الملك قوله: (فيما مر) أي من قوله: إن النذر غير المعلق لا يختص بشئ. قوله: (ولم يزد عليه) فلو قال نذر حج مثلا لزمه، قوله: (ولو نوى صياما الخ) محترز قوله: ولا نية له، وأشار إلى أنه لو نوى شيئا من حج أو عمر أو غيره فعليه ما نوى كما في كافي الحاكم. قوله: (لزمه ثلاثة أيام) لان إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى. وأدنى ذلك في الصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين. بحر عن الولوالجية. قوله: (ولو صدقة) أي بلا عدد. قوله: (كالفطرة) أي لكل مسكين نصف صاع بر، وكذا لو قال: لله علي إطعام مسكين لزمه نصف صاع بر استحسانا، وإن قال: لله علي أن أطعم المساكين على عشرة عند أبي حنيفة. فتح. قوله: (لزمه بقدر عمره) أي لزمه أن يحج بقدر ما يعيش، ومشى في لباب المناسك على أنه يلزمه الكل، وعليه أن يحج بنفسه قدر ما عاش ويجب الايصاء بالبقية، وعزاه القاري في شرحه إلى العيون والخانية والسراجية. قال: وفي النوازل أنه قولهما، والأول قول محمد. وفي الفتح: الحق لزوم الكل اه ملخصا. قوله: (وصل بحلفه) قيد بالوصل لأنه لو فصل لا يفيد، إلا إذا كان لتنفس أ سعال أو نحوه، وعن ابن عباس أنه كان يجوز الاستثناء المنفصل لا ستة أشهر، ويلزمه إخراج العقود كلها عن أن تكون ملزمة، وأن لا يحتاج للمحلل الثاني لان الطلق يستثنى، وفي المسألة حكاية الامام مع المنصور ذكرها في الدرر وغيره. قوله: (إن شاء الله) مفعول وصل. قوله: (عبادة) كنذر وإعتاق أو
46 معاملة كطلاق وإقرار ط. قوله: (أو النهي) كقوله لوكيله: لا تبع لفلان إن شاء الله ط. قوله: (لم يصح الاستثناء) جواب قوله: ولو بالامر فافهم. أي فللمأمور أن يبيعه، والفرق أن الايجاب يقع ملزما بحيث لا يقدر على إبطاله بعد، فيحتاج إلى الاستثناء حتى لا يلزمه حكم الايجاب، والامر لا يقع لازما فإنه يقدر على إبطاله بعزل المأمور به، فلا يحتاج إلى الاستثناء فيه. ذخيرة. وقدمناه قبيل باب الاستيلاد. قوله: (كما مر في الصوم) من أنه إذا وصل المشيئة بالتلفظ بالنية لا تبطل، لأنها لطلب التوفيق. حموي، وظاهره أنها ليست فيه للاستثناء، حتى يقال إن النية ليست من الأقوال فلا تبطل بالاستثناء ط عن أبي مسعود، والله سبحانه وتعالى أعلم. باب: اليمين في الدخول والخروج والسكنى والآتيان والركوب وغير ذلك قوله: (وغير ذلك) كالجلوس والتزوج والتطهير. مطلب: الايمان مبنية على العرف بيتا ببيت العنكبوت قوله: (وعندنا على العرف) لان المتكلم إنما يتكلم بالكلام العرفي: أعني الألفاظ التي يراد بها معانيها التي وضعت لها في العرف، كما أن العربي حال كونه بين أهل اللغة أنما يتكلم بالحقائق اللغوية فوجب صرف ألفاظ المتكلم إلى ما عهد أنه المراد بها. فتح. قوله: (فلا حنث الخ)، صرح صاحب الذخيرة والمرغيناني بأنه يحنث بهدم بيت العنكبوت في الفرع المذكور، فمن المشايخ من حكم بأنه خطأ، ومنهم من قيد حمل الكلام على العرف بما إذا لم يمكن العمل بحقيقته. قال في الفتح: ولا يخفي أنه على هذا يصير ماله وضع لغوي، ووضع عرفي يعتبر معناه اللغوي وإن تكلم به أهل العرف، وهذا يهدم قاعدة حمل الايمان على العرف، لأنه لم يصر المعتبر إلا اللغة إلا ما تعذر، وهذا بعيد، إذ لا شك أن المتكلم لا يتكلم إلا بالعرف الذي به التخاطب، سواء كان عرف اللغة إن كان من أهلها أو غيرها إن كان من غيرها (1)، نعم ما وقع مشتركا بين اللغة والعرف تعتبر فيه اللغة على أنها العرف، فأما الفرع المذكور فالوجه فيه: إن كان نواه في عموم قوله بيتا حنث، وإن لم يخطر له فلا لانصراف الكلام إلى المتعارف عند إطلاق لفظ بيت، فظهر أن مرادنا بانصراف الكلام إلى العرف إذا لم تكن له نية، وإن كان له نية شئ، واللفظ يحتمله انعقد اليمين باعتبار اه. وتبعه في البحر وغيره.
(1) قوله: (ان كان من غيرها) هكذا بخطه ولعل الأنسب: من غيرهم: اي أهل اللغة ا ه مصححه. 47 [مب] مبحث مهم في تحقيق قولهم: الايمان مبنية على الألفاظ لا على الأغراض [/ مب] قوله: (الايمان مبنية على الألفاظ الخ) أي الألفاظ العرفية ما قبله، واحترز به عن القول ببنائها على عرف اللغة أو عرف القرآن، ففي حلفه لا يركب دابة ولا يجلس على وتد، لا يحنث بركوبه إنسانا وجلوسه على جبل، وإن كان الأول في عرف اللغة دابة، والثاني في القرآن وتدا كما سيأتي، وقوله: لا على الأغراض: أي المقاصد والنيات، احترز به عن القول ببنائها على النية. فصار الحاصل أن المعتبر إنما هو اللفظ العرفي المسمى، وأما غرض الحالف فإن كان مدلول اللفظ المسمى اعتبر، وإن كان زائدا على اللفظ فلا يعتبر، ولهذا قال في تلخيص الجامع الكبير: وبالعرف يخص ولا يزاد حتى خص الرأس بما يكبس ولم يرد الملك في تعليق طلاق الأجنبية بالدخول اه. ومعناه أن اللفظ إذا كان عاما يجوز تخصيصه بالعرف، كما لو حلف لا يأكل رأسا فإنه في العرف اسم لما يكبس في التنور ويباع في الأسواق، وهو رأس الغنم دون رأس العصفور ونحوه، فالغرض العرفي يخصص عمومه، فإذا أطلق ينصرف إلى المتعارف، بخلاف الزيادة الخارجة عن اللفظ كما لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، فإنه يلغو، ولا يصح إرادة الملك، أي إن دخلت وأنت في نكاحي وإن كان هو المتعارف لان ذلك غير مذكور، ودلالة العرف لا تأثير لها في جعل غير الملفوظ ملفوظا. إذا علمت ذلك فاعلم أنه إذا حلف لا يشتري لانسان شيئا بفلس فاللفظ المسمى وهو الفلس معناه في اللغة والعرف واحد، وهو القطعة من النحاس المضروبة المعلومة، فهو اسم خاص معلوم لا يصدق على الدرهم أو الدينار، فإذا اشترى له شيئا بدرهم لا يحنث، وإن كان الغرض عرفا أن لا يشتري أيضا بدرهم ولا غيره، ولكن ذلك زائد على اللفظ المسمى غير داخل في مدلوله فلا تصح إرادته بلفظ الفلس، وكذا لو حلف لا يخرج من الباب، فخرج من السطح لا يحنث، وإن كان الغرض عرفا القرار في الدار وعدم الخروج من السطح أو الطاق أو غيرهما، ولكن ذلك غير المسمى، ولا يحنث بالغرض بلا مسمى، وكذا لا يضربه سوطا فضربه بعصا لان العصا غير مذكورة، وإن كان الغرض لا يؤلمه بأن لا يضربه بعصا ولا غيرها وكذا ليغدينه بألف فاشترى رغيفا بألف وغداه به لم يحنث، وإن كان الغرض أن يغديه بما له قيمة وافية، وعلى ذلك مسائل أخرى ذكرها أيضا في تلخيص الجامع: لو حلف لا يشتريه بعشرة حنث بأحد عشر، ولو حلف البائع لم يحنث به، لان مراد المشتري المطلقة، ومراد البائع المفردة وهو العرف، ولو اشترى أو باع بتسعة لم يحنث، لان المشتري مستنقص والبائع وإن كان مستزيدا لكن لا يحنث بالغرض بلا مسمى كما في المسائل المارة اه. فهذه أربع مسائل أيضا. الأولى: حلف لا يشتريه بعشرة فاشتراه بأحد عشر حنث، لأنه اشتراه بعشرة وزيادة، والزيادة على شرط الحنث لا تمنع الحنث، كما لو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها ودخل دارا أخرى. الثانية: لو حلف البائع لا يبيعه بعشرة فباعه بأحد عشر لم يحنث، لان العشرة تطلق على
48 المفردة، وعلى المقرونة: أي التي قرن بها غيرها من الاعداد، ولما كان المشتري مستنقصا: أي طالبا لنقص الثمن عن العشرة علم أن مراده مطلق العشرة: أي مفردة أو مقرونة ولما كان البائع مستزيدا أي طالب لزيادة الثمن عن العشرة علم أن مراده بقوله لا أبيعه بعشرة: العشرة المفردة فقط تخصيصا بالعرف، فلذا حنث المشتري بالأحد عشر دون البائع. الثالثة: لو اشترى بتسعة لم يحنث لأنه لو توجد العشرة بنوعيها مع أنه وجد الغرض أيضا لأنه مستنقص. الرابعة: لو باع بتسعة لم يحنث أيضا، لأنه وإن كان غرضه الزيادة على العشرة، وأنه لا يبيعه بتسعة ولا بأقل لكن ذلك غير مسمى لأنه إنما سمي العشرة، وهي لا تطلق على التسعة، ولا يحنث بالغرض بلا مسمى، لان الغرض يصلح مخصصا لا مزيدا كما مر. إذا علمت ذلك ظهر لك أن قاعدة بناء الايمان على العرف معناه أن المعتبر هو المعنى المقصود في العرف من اللفظ المسمى، وإن كان في اللغة أو في الشرع أعم من المعنى المتعارف، ولما كانت هذه القاعدة موهمة اعتبار الغرض العرفي وإن كان زائدا على اللفظ المسمى وخارجا عن مدلوله كما في المسألة الأخيرة وكما في المسائل الأربعة التي ذكرها المصنف دفعوا ذلك الوهم بذكر القاعدة الثانية، وهي بناء الايمان على الألفاظ لا على الأغراض، فقولهم لا على الأغراض دفعوا به توهم اعتبار الغرض الزائد على اللفظ المسمى، وأرادوا بالألفاظ، الألفاظ العرفية بقرينة القاعدة الأولى، ولولاها لتوهم اعتبار الألفاظ ولو لغوية أو شرعية، فلا تنافي بين القاعدتين كما يتوهمه كثير من الناس، حتى الشرنبلالي، فحمل الأولى على الديانة والثانية على القضاء، ولا تناقض بين الفروع التي ذكروها. ثم اعلم أن هذا كله حيث لم يجعل اللفظ في العرف مجازا عن معنى آخر كما في: لا أضع قدمي في دار فلان، فإنه صار مجازا عن الدخول مطلقا كما سيأتي، ففي هذا لا يعتبر اللفظ أصلا، حتى لو وضع قدمه ولم يدخل لا يحنث، لان اللفظ هجر وصار المراد به معنى آخر، ومثله: لا آكل من هذه الشجرة وهي لا تثمر ينصرف إلى ثمنها حتى لا يحنث بعينها، وهذا بخلاف ما مر فإن اللفظ فيه لم يهجر بل أريد هو وغيره، فيعتبر اللفظ المسمى دون غيره الزائد عليه، أما هذا قد اعتبر فيه الغرض فقط، لان اللفظ صار مجازا عنه فلا يخالف ذلك القاعدتين المذكورتين، فاغتنم هذا التقرير الساطع المنبر الذي لخصناه من رسالتنا المسماة رفع الانتفاض ودفع الاعتراض على قولهم: الايمان مبنية على الألفاظ لا على الأغراض فإن أردت الزيادة على ذلك والوقوف على حقيقة ما هنالك فارجع إليها الحرص عليهم، فإنها كشفت اللثام عن حور مقصورات في الخيام، والحمد لله رب العالمين. قوله: (أو لا يضربه أسواطا) في بعض النسخ سوطا وهو الموافق لما في تلخيص الجامع. قوله: (وضرب بعضها) أي بعض الأسواط، وفيه أنه لم يذكر للأسواط عدد، وفي بعض النسخ وضرب بعصا بعين وصاد مهملتين، وهو الموافق لما في تلخيص الجامع. قوله: (لان العبرة لعموم اللفظ) فيه أنه لا عموم في هذه الفروع على أن العرف يصلح مخصصا لعموم
49 اللفظ كما قدمناه، فصارت العبرة للعرف لا لعموم اللفظ، فالصواب إسقاط لفظة عموم ما مر من اعتبار الألفاظ لا الأغراض على ما قررناه آنفا. قوله: (إلا في مسائل) لا حاجة إلى هذا الاستثناء، لأن هذه المسائل داخلة في قاعدة اعتبار اللفظ كما علمت. قوله: (والبيعة) بكسر الباء وسكون الياء، قوله: النصارى أي متعبدهم والكنيسة لليهود أي متعبدهم، وتطلق أيضا على متعبد النصارى. مصباح. وفي القهستاني عن القاموس: البيعة متعبد النصارى أو متعبد اليهود أو الكفار اه. فيستعمل كل منهما مكان الآخر. قوله: (والدهليز) بكسر الدار ما بين الباب والدار: فارسي معرب. بحر عن الصحاح. قوله: (والظلة التي على البا أأدخل) قال في البحر: والظلة: الساباط الذي يكون على باب الدار من سقف له جذوع أطرافها على جدار الباب وأطرافها الاخر على الجدار المقابل له، وإنما قيدنا به لان الظلة إذا كان معناها ما هو داخل البيت مسقفا فإنه يحنث بدخوله لان يبات فيه اه. قوله: (إذا لم يصلحا للبيتوتة) أما إذا صلحا لها يحنث بأن كانت الظلة داخل البيت كما مر وكان الدهليز كبيرا بحيث بيات فيه، قال في الفتح: فإن مثله يعتاد بيتوتته للضيوف في بعض القرى، وفي المدن يبيت فيه بعض الاتباع في بعض الأوقات فيحنث. والحاصل أن كل موضع إذا أغلق الباب صار داخلا لا يمكنه الخروج من الدار وله سعة تصلح للمبيت من سقف يحنث بدخوله اه. قوله: (في حلفه) متعلق بقوله: لا يحنث ط. قوله: (لأنها) أي هذه المذكورات وهو على لقوله: لا يحنث والصالح للبيتوتة من دهليز وظلة يعد عرفا للبيتوتة ط. قوله: (ولذا) أي لكون المعتبر الصلوح للبيتوتة وعدمه ط. قوله: (في الصفة) أي سواء كان لها أربع حوائط كما هي صفات الكوفة أو ثلاثة على ما صححه في الهداية بعد أن يكون مسقفا، كما هي صفاف دورنا لأنه يبات فيها، غاية الأمر أن مفتحه واسع، كذا في الفتح، قوله: (والإيوان) عطف تفسير ط. قوله: (لأنه) أي الصفة بتأويل البيت أو المكان. قوله: (وإن لم يكن مسقفا) قد علمت أنه في الفتح قال: بعد أن يكون مسقفا، نعم ذكر في الفتح أن السقف ليس شرطا في مسمى البيت والدهليز. قال في الشرنبلالية: فكذا الصفة اه. قلت: وعرفنا في الشام إطلاق البيت على ما له أربع حوائط من جملة أماكن الدار السفلية، أما الأماكن العلوية فتسمى طبقة وقصرا وعليه ومشرفة، وأهل مدينة دمشق عرفهم إطلاق البيت على الدار بجملتها فيحكم على كل قوم بعرفهم. قوله: (لا بناء بها أصلا) قيد به تبعا للفتح حيث قال: وهذا هو المراد، فإنه قال في مقابله: فيما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعد ما صارت صحراء حنث، وإنما تقع المقابلة بين المعين والمنكر في الحكم إذا توارد حكمها على محل، فأما إذا دخل بعد ما زال بعض حيطانها فهذه دار خربة فينبغي أن يحنث في المنكر، إلا أن تكون له نية اه. قوله: (لان الدار اسم للعرصة) أي أنها في اللغة اسم للعرصة التي ينزل بها أهلها وإن لم يكن
50 بها بناء أصلا، لأنهم كانوا يضعون فيها الأجنبية لا أبنية الحجر والمدر فصح أن البناء وصف فيها غير لازم، بل اللازم فيها كونها قد نزلت غير أنها في عرف أهل المدن لا تقال إلا بعد بالبناء فيها، ولو انهدم بعد ذلك قبل دار خراب، فيكون الوصف جزء مفهومها، فإن زالت بالكلية وعادت ساحة، فالظاهر أن إطلاق اسم الدار عليها عرفا كهذه دار فلان مجاز باعتبار ما كان، والحقيقة أن يقال: كانت دار. فتح. قوله: (والبناء وصف الخ) بيان لوجه الفرق بين الدار المنكرة والمعرفة، أما البيت فلا فرق فيه كما يأتي. قوله: (إنما تعتبر في المنكر) لأنها هي المعرفة له لا في المعين لان ذاته تتعرف بالإشارة فوق ما تتعرف بالصفة. فتح. قوله: (إلا إذا كانت شرطا) في الذخيرة قالوا: الصفة إذ لم تكن داعية إلى اليمين إنما لا تعتبر في المعين إذا ذكرت على وجه التعريف، أما إذا ذكرت على وجه الشرط تعتبر وهو الصحيح، ألا ترى أن من قال لامرأته: إن دخلت هذا الدار راكبة فهي طالق فدخلتها ماشية لا تطلق؟ واعتبرت الصفة في المعين لما ذكرت على سبيل الشرط اه. قلت: وقوله هذه إشارة للمرأة فاعل دخلت والدار مفعول ليصير قوله راكبة صفة للمعين بالإشارة وهو امرأة. قوله: (أو داعية لليمين) أي حاملة عليه، فإن الامتناع عن أكل الرطب قد يكون لضرره، فلا يحنث بعد صيرورته تمرا، وسيأتي تمام الكلام عليه. قوله: (وإن جعلت) أي الدار المعرفة بالإشارة. قوله: (أو بيتا) في النهر عن المحيط: لو كانت دارا صغيرة فجعلها بيتا واحدا وأشرع بابه إلى الطريق أو إلى دار أخرى لا يحنث بدخلوها لتبدل الاسم والصفة بحدوث أمر جديد اه قوله: (لا يحنث) لأنها لا تسمى دارا لحدوث اسم آخر لها. ذخيرة. قوله: (وإن بنيت بعد ذلك) لأنه عاد اسم الدار بسبب جديد فنزل منزلة اسم آخر، وكذا لو لم تبن، لأنه لم يزل اسم المسجد ونحوه، عنها. يقال مسجد خراب وحمام خراب. ذخيرة. قوله: (وكذا بيتا بالأولى) لأنه إذا اعتبر وصف البناء في معرفة ففي منكره أولى. قال في البحر: فصار الحاصل: أن البيت لا فرق فيه بين أن يكون منكرا أو معرفا، فإذا دخله وهو صحراء لا يحنث لزوال الاسم بزال البناء، وأما الدار ففرق بين المنكرة والمعرفة اه. قوله: (لزوال اسم البيت) أي بالانهدام لزوال مسماه وهو البناء الذي يبات فيه، بخلاف الدار لأنها تسمى دارا ولا بناء فيها. فتح. وفي الذخيرة قال قائلهم: الدار دار وإن زالت حوائطها * والبيت ليس ببيت بعد تهديم قوله: (لأنه كالصفة) الضمير للسقف قال في الهداية: يحنث لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه اه، وفي الذخيرة لان اسم البيت لم يزل عنه لامكان البيتوتة فيه، أو نقول اسم البيت ثابت لهذه البقعة لأجل الحيطان والسقف جميعا، فإذا زال السقف فقد زال الاسم اسم من وجه دون وجه، فلا تبطل اليمين بالشك، وقياس الأول يحنث في المنكر أيضا لان اسم البيت لم يزل، وعلى قياس الثاني لا يحنث لأنه بيت من وجه، والحاجة هنا إلى عقد اليمين فلا ينعقد عليه بالشك، بخلاف
51 المعين فإن اليمين كانت منعقدة على هذه العين فلا تبطل بالشك اه ملخصا. قوله: (وعزاه في البحر إلى البدائع الخ) أي عزا ما ذكر في المنكر، ومقتضى ما نقلناه عن الذخيرة، أن الحكم فيه غير منقول، وإنما هو تخريج مبني على اختلاف التعليل في المعرف، فما في البدائع أحد وجهين، والوجه الآخر ما بحثه في النهر، فافهم، قوله: (حنث بدخولها على أي صفة كانت) أي دارا مسجدا أو حماما لانعقاد اليمين على العين دون الاسم والعين باقية. ذخيرة. قوله: (كهذا المسجد) أي فإنه يحنث بدخوله على أي صفة كان ط. قوله: (به يفتى) خلافا لقول محمد: إنه إذا خرب واستغنى عنه يعود إلى ملك الباني أو ورثته. ط عن الإسعاف. قوله: (لم يحنث) لان اليمين وقعت على بقعة معينة فلا يحنث بغيرها. بحر. قوله: (وكذلك الدار) أي لو زيد فيها حصة. قوله: (وذلك) أي ما عقد يمينه عليه موجود في الزيادة. قلت: وهذا الفرع يؤيد القول بأن ما زيد في مسجده (ص) له فضيلة أصل المسجد الواردة في حديث صلاة في مسجدي وقدمنا تمام الكلام على ذلك في الصلاة. قوله: (فنقضت) أي حين صارت خشبا. قوله: (لم يحنث) لان ذلك أعيد بصنعة جديدة قائمة بالعين، ومن ذلك إذا حلف لا يجلس على هذا البساط فخيط جانباه وجعل خرجا وجلس عليه لا يحنث لأنه صار يسمى خرجا، فإن فتقت الخياطة حتى عاد بساطا فجلس عليه حنث، لان الاسم عاد لا بصنعة جديدة قائمة بالعين، لان الفتق إبطال الصنعة لا صنعة، ولو قطع وجعله خرجين ثم فتقه وخاط القطع وجعلهما بساطا واجدا لا يحنث، وإن عاد الاسم لأنه عاد بصنعة جديدة قائمة العين، ألا ترى أنه بمجرد الفتق لا يعود اسم البساط إلا بعد، الخياطة، وهذا إذا كان واحد من الخرجين لا يسمى بساطا لصغره، فلو سمي يحنث، وتمامه في الذخيرة. قوله: (ثم براه) لأنه صار قلما بسبب جديد. ذخيرة. قوله: (فإذا كسره) قال فضيلي: هذا إذا كسره على وجه يزول عنه اسم القلم فإنه يحتاج إلى الثناء أما إذا كسر رأس القلم بأن لا يحتاج إلى الاصلاح يحنث. صيرفية. قال ط: أو العرف الآن بخلاف هذا فإنه يقال قلم مكسور. قوله: (والواقف على السطح) أي سطح الدار المحلوف على عدم دخلوها إذا وصل إليه من سطح آخر، وإنما عد داخلا لان الدار عبارة عما أحاطت به الدائرة، وهذا حاصل في علو الدار وسفلها كما في الفتح. قوله: (خلافا للمتأخرين) هم المعبر عنهم في قول الهداية: وقيل في عرفنا: يعني عرف العجم لا يحنث. فتح. قوله: (وعدمه على مقابله) أي عدم الحنث الذي هو
52 قول المتأخرين على مقابله: أي على سطح لا ساتر له، لأنه ليس إلا في هواء الدار فلا يحنث من حيث اللغة، إلا أن يكون عرف أنه داخل الدار، والحق ان السطح لا شك أنه من الدار لأنه من أجزائها حسا، لكن لا يلزم من القيام عليه أنه يقال: إنه في العرف داخل الدار ما لم يدخل جوفها، إذ لا يتعلق لفظ دخل إلا بجوف حتى صح أن يقال: لم يدخل الدار ولكن صعد السطح من خارج. أفاده في الفتح. وحاصله أن الدخول لا يتحقق في العرف إلا في موضع له ساتر من حيطان أو درابزين أو نحوه، قال في النهر: ومقتضى كلام الكمال أنه لو حلف لا يخرج منها فصعد إلى سطحها الذي لا ساتر أن يحنث، والمسطور في غاية البيان أنه لا يحنث مطلقا لأنه ليس بخارج اه. قلت: فيه نظر، لأنه لا يلزم من عدم تحقق الدخول في صعود السطح أن يتحقق الخروج فيه، بل يصح أن يقال: إن من صعد السطح ليس بداخل ولا خارج، لان حقيقة الدخول الانفصال من الخارج إلى الداخل والخروج عكسه، ولا شك أن السطح حيث كان من أجزاء الدار لم يكن الصاعد إليه خارجا عنها، ومقتضى هذا إن يحنث إذا توصل إليه من خارجها لأنه انفصل من خارجها إلى داخلها، لكن مبني كلام الكمال على أنه لا يسمى في العرف داخلا فيها ما لم يدخل جوفها والجوف المستور بساتر، هذا ما ظهر لي فافهم. قوله: (لا يحنث) لان الواقف على السطح لا يسمى واقفا عندهم. زيلعي، وهذا على توفيق الكمال محمول على سطح لا ساتر له، لما علمت من أن المتأخرين هم المعبر عنهم في كلامهم الهداية بقوله: وقيل في عرفنا: يعني عرف العجم، فكان ينبغي للشارح أن يذكر توفيق الكمال بعد قوله: وقال ابن الكمال، لكن يبقى بعد هذا في كلامه إبهام أن ما نقله عن ابن الكمال قول ثالث خارج عن قولي المتقدمين والمتأخرين مع أنه قال المتأخرين كما سمعت، قوله: (وعليه الفتوى) لان المفتي به اعتبار العرف، فحيث تغير العرف فالفتوى على العرف الحادث، فافهم. قوله: (وأفاد) أي قوله والواقف على السطح داخل. قوله: (ولو ارتقى شجرة) أي في الدار، والمراد أنه ارتقى إليها من خارج الدار، وإلا كان داخلا في الدار فيحنث بلا خلاف ح. قوله: (أو حائطا) أي مختصا بالدار، فلو مشتركا بينه وبين الجار لم يحنث كما في الظهيرية. بحر. فافهم. قوله: (لأنه لا يسمى داخلا عرفا) لما مر من أنه لا يتعلق لفظ دخل إلا بجوف. قوله: (لا ينتفع بها أهل الدار) أما لو كان للقناة موضع مكشوف في الدار يستقون منه، فإذا بلغه حنث، لأنه من منافع الدار بمنزلة بئر الماء، وإن كان للضوء لم يحنث لأنه ليس من مرافقها، ولا يعد داخله داخلا في الدار، بحر عن المحيط ملخصا، وقوله للضوء: أي لضوء القناة، كما عبر في الخانية وفي بعض نسخ البحر للوضوء، وهو تحريف. قوله: (قال) أي في البحر. قوله: (وعم إطلاقه) أي إطلاق السطح بأن حلف لا يدخل المسجد فدخل سطحه. قوله: (لأنه ليس بمسجد) ظاهره كما قال ط: إن المراد مسكن بناه الواقف، أما الحادث على سطحه فلا يخرج السطح عن حكم المسجد.
53 قلت: لكن في العرف لا يسمى ذلك المسكن مسجدا مطلقا. تأمل. قوله: (ولو نقبا) قال في البحر: فإن نقب للدار بابا آخر فدخل يحنث، لأنه عقد يمينه على الدخول من باب منسوب للدار وقد وجد، وإن عني به الباب الأول يدين، لان لفظه يحتمله، ولا يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر، حيث أراد بالمطلق المقيد. قوله: (إلا إذا عينه بالإشارة) فإذا دخل في باب آخر لا يحنث، لأنه لم يوجد الشرط. بحر. قوله: (كان خارجا) أي كان الطاق أو الواقف خارجا عن الباب. قوله: (بحيث الخ) تصوير للعكس. قوله: (انعكس الحكم) ففي الوجه الأول يحنث، وفي عكسه لا. قوله: (لكن في المحيط الخ) استدراك على ما أفاده قوله: انعكس الحكم من أنه إذا وقف على العتبة الخارجة يحنث في حلفه لا يخرج، فإن مقتضى ما في المحيط أن لا يحنث لكون العتبة من بناء الدار، اللهم إلا أن يفرق بالعرف، فإن من كان على العتبة الخارجة يعد خارجا، ومن كان على أغصان الشجرة يعد مستعليا على أغصان الشجرة التي في الدار لا خارجا ط. قلت: ومر أن الظاهر قول المتأخرين في أنه لا يعد عرفا داخلا بارتقاء الشجرة، فكذا لا يعد خارجا في مسألتنا. قوله: (لان الشجرة كبناء الدار) أي فهي كظلة في الدار على الطريق. قوله: (إذا كان الحالف) أي على عدم الخروج. قوله: (لم يحنث) لان اعتماد جميع بدنه على رجله التي هي في الجانب الأسفل. قوله: (زيلعي) ومثله في كثير من الكتب، بحر. قوله: (هو الصحيح) عزاه في الظهيرية إلى السرخسي وفي البحر وهو ظاهر، لان الانفصال التام الخ. وقال في الفتح وفي المحيط: لو أدخل إحدى رجليه لا يحنث، وبه أخذ الشيخان الإمامان شمس الأئمة الحلواني والسرخسي، هذا إذا كان يدخل قائما فلو مستلقيا على ظهره أو بطنه أو جنبه فتدحرج، حتى صار بعضه داخل الدار، إن كان الأكثر داخل الدار يصير داخلا وإن كان ساقاه خارجها. قوله: (ودوام الركوب واللبس الخ) يعني لو حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها، أو لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه، أو لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها، فمكث ساعة حنث، فلو نزل أو نزع الثوب أو أخذ في النقلة من ساعته لم يحنث. قوله: (فيحنث بمكث ساعة) لأن هذه الأفاعيل لها دوام بحدوث أمثالها، وإلا فدوام الفعل حقيقة مع أنه عرض لا يبقى مستحيل كما في النهر، والمراد بالساعة التي تكون دواما هي ما يمكنه فيها النزول ونحوه كما في البحر، فلو دام على السكنى لعدم إمكان الخروج والنقلة لا يحنث كما يأتي بيانه. قوله: (لا دوام الدخول الخ) لان الدخول حقيقة ولغة وعرفا في الانفصال من الخارج إلى الداخل، ولا دوام لذلك، ولذا لو حلف ليدخلنها غدا وهو فيها، فمكث
54 حتى مضى الغد حنث، لأنه لم يدخلها فيها إذا لم يخرج، ولو نوى بالدخول الإقامة فيها لم يحنث، وكذا لو حلف لا يخرج وهو خارج لا يحنث، حتى يدخل ثم يخرج، وكذا لا يتزوج وهو متزوج، ولا يتطهر وهو متطهر، فاستدام النكاح والطهارة لا يحنث. فتح. قوله: (والضابط أن ما يمتد) أي ما يصح امتداده كالقعود والقيام، ولذا يصح قران المدة به كاليوم والشهر. قوله: (وهذا) أي الحنث بالمكث ساعة فيما يمتد لو اليمين حال الدوام: أي لو حلف وهو متلبس بالفعل بأن قال إن ركبت فكذا وهو راكب فيحنث بالمكث، أما لو حلف قبله فلا يحنث بالمكث بل بإنشاء الركوب، قال في الفتح: لان لفظ ركبت إذا لم يكن الحالف راكبا يراد به إنشاء ركوب، فلا يحنث بالاستمرار، وإن كان له حكم الابتداء، بخلاف حلف الراكب لا أركب فإنه يراد به الأعم من ابتداء الفعل وما في حكمه عرفا اه قوله (في الفصول كلها) أي يمتد وما لا يمتد سواء كان متلبسا بالفعل ثم حلف أو لم يكن ط. قوله: (وإليه مال أستاذنا) عبارة المجتبى: وفيه عن أبي يوسف ما يدل عليه، وإليه أشار أستاذنا اه. ونقل كلامه في البحر وأقره عليه، والظاهر أن عرف زمانه كان كذلك أيضا. مطلب: حلف لا يسكن الدار قوله: (حلف لا يسكن الخ) فلو حلف لا يعقد في هذه الدار ولا نية له، قالوا: إن كان ساكنا فيها فهو على السكنى، وإلا فعلى القعو حقيقة، بحر عن المحيط. وفي الخانية: حلف لا يخرج من بلد كذا فهو على الخروج ببدنه، وفي لا يخرج من هذه الدار فهو على النقلة منها بأهله إن كان ساكنا فيها، إلا إذا دل الدليل على أنه أراد الخروج ببدنه اه. قوله: (يعني الحارة) كذا قال في البحر: المحلة هي المسماة في عرفنا بالحارة اه. قلت: المحلة في عرفنا الآن تطلق على الصقع الجامع لازقة متعددة كل زقاق منها يسمى حارة، وقد تطلق الحارة على المحلة كلها. قوله: (فخرج) وكذا لو لم يخرج بالأولى. بحر. لان السكنى مما يمتد فلدوامه حكم الابتداء، وظاهره ما مر عن المجتبى عدم الحنث في عرفهم. قوله: (وأهله) قال في البحر: الواو بمعنى أو، لان الحنث يحصل ببقاء أحدهما، والمراد بالأهل زوجته وأولاده الذين معه وكل من كان يأويه لخدمته والقيام بأمره كما في البدائع. قوله: (حتى لو بقي وتد حنث) جعل حنث جواب لو فصار المتن بلا جواب، فكان المناسب الأخصر أن يقول: ولو وتدا، وهو بكسر التاء أفصح من فتحها. قهستاني. وهذا تعميم للمتاع جريا على قول الإمام بأنه لا بد من نقل المتاع كله كالأهل. قوله: (واعتبر محمد الخ) أي لان ما وراء ذلك ليس من السكنى. هداية. وقال أبو يوسف: يعتبر نقل الأكثر لتعذر الكل في بعض الأوقات. قال في البحر: وقد اختلف الترجيح: فالفقيه أبو الليث رجح قول الإمام وأخذ به والمشايخ استثنوا منه ما لا يتأتى به السكنى كقطعة حصير ووتد كما ذكره في التبيين وغيره. ورجح في الهداية قول محمد بأنه أحسن وأرفق، ومنهم من صرح بأن الفتوى عليه كما في الفتح. وصرح
55 كثير كصاحب المحيط والفوائد الظهيرية والكافي بأن الفتوى على قول أبي يوسف، والافتاء بقول الامام أولى لأنه أحوط وإن كان غيره أوفق اه. قال في النهر: أنت خبير بأنه ليس المدار إلا على العرف، ولا شك أن مخرج على نية ترك المكان وعدم العود إليه ونقل من أمتعته ما يقوم به أمر سكنا وهو على نية نقل الباقي يقال ليس ساكنا فيه بل انتقل منه وسكن في المكان الفلاني، وبهذا يترجح قول محمد اه. قلت: وهذا الترجيح بالوجه المذكور مأخوذ من الفتح، وفي الشرنبلالية عن البرهان: إن قول محمد أصبح ما يفتى به من التصحيحين اه. قلت: ويؤيده ما مر من استثناء المشايخ، فإن عليه يتحد قول الإمام مع قول محمد، وأما قول النهر: إنه ليس قول واحد منهم فهو غير ظاهر، وإن كان كلام الزيلعي وغيره يومهم ما قاله، فتأمل. قوله: (على الأوجه) قال في الهداية: فإن انتقل إلى السكة أو إلى المسجد قالوا: لا يبر، دليله في الزيارات أن من خرج بعياله من مصره فما لم يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة، كذا هذا اه. وفي الزيلعي: وقال أبو الليث: وهذا إذا لم يسلم الدار المستأجرة إلى أهلها، وأما إذا سلم فلا يحنث وإن كان هو والمتاع في السكة أو في المسجد اه. قال في الفتح: وإطلاق عدم الحنث أوجه وبقاء وطنه في حق إتمام الصلاة لا يستلزم تسميته ساكنا عرفا، بل يقطع العرف فيمن نقل أهله وأمتعته وخرج مسافرا أن لا يقال فيه إنه ساكن وتمامه فيه. وفي البحر عن الظهيرية: والصحيح أنه يحنث ما لم يتخذ مسكنا آخر اه. قلت: المعتبر العرف والعرف خلافه كما علمت: قوله: (وهذا الخ) الإشارة إلى ما في المتن. قال في النهر: وجواب المسألة مقيد بقيود أن تكون اليمين بالعربية، وأن يكون الحالف مستقلا بالسكنى وأن لا كون الترك لطلب منزل: (ولو بالفارسية بخروجه بنفسه) وإن كان مستقلا بسكناه. فتح. وهذا الفرق منقول عن أبي الليث. قال في النهر: وكأنه بناه على عرفهم. قوله: (كما لو كان سكناه تبعا) كابن كبير ساكن مع أبيه أو امرأة مع زوجها، فلو حلف أحدهما لا يسكن هذه الدار فخرج بنفسه وترك أهله وماله أو هي زوجها ومالها لا يحنث. فتح. قوله: (كما لو أبت المرأة وغلبته) أي وخرج هو ولم يرد العود إليه. بحر. وأطلقه فشمل ما إذا خاصما عند الحاكم أو كما في البزازية. قوله: (أو لم يمكنه الخروج الخ) عطفه على ما قبله غير مناسب، لان ما قبله في المسائل التي يبر فيها بخروجه بنفسه، وهذا ليس منها، فالمناسب أن يقول: ولو لم يمكنه الخرو الخ. ويكون الجواب قوله الآتي: لم يحنث قال في الفتح: ثم إنما يحنث بتأخير إذا أمكنه النقل فيها، وإلا بأن كان لعذر ليل أو خوف اللص، أو منع ذي سلطان أو عدم موضع ينتقل إليه أو أغلق عليه الباب فلم يستطع فتحه أو كان شريفا أو ضعيفا لا يقدر على حمل المتاع بنفسه ولم يجد من ينقله لا يحنث، ويلحق ذلك الوقت بالعدم للعذر. مطلب: إن لم أخرج كذا، فقيد أو منع حنث وأورد ما ذكره الفضلي فيمت قال: إن لم أخرج هذا المنزل فهي طالق فقيد أو منع من
56 الخروج حنث، وكذا إذا قال لامرأته وهو في منزل أبيها إن لم تحضري الليلة منزلي فمنعها أبوه من الخروج حنث، وأجيب بالفرق بين كون المحلوف عليه عدما فيحنث بتحققه كيفما كان، لان العدم لا يتوقف على الاختيار، وكونه فعلا فيتوقف عليه كالسكنى، لان المعقود عليه الاختياري، وينعدم بعدمه فيصير مسكنا لا ساكنا فلم يتحقق شرط الحنث اه. ثم أعاد المسألة في آخر الايمان. وذكر عن الصدر الشهيد، في الشرط العدمي خلافا، وأن الأصح الحنث، لان الشرح قد يجعل الموجود معدوما بالعذر كالاكراه وغيره، ولا يجعل المعدوم موجودا وإن وجد العذر اه. ونحوه في الزيلعي والبحر، وقد أوضحنا هذه المسألة في آخر التعليق من الطلاق. قوله: (ولو بدخول ليل) هذا بمجرده عذر في حق المرأة، بخلاف الرجل لما في آخر يمان الفتح عن الخلاصة قال لها: إن سكنت هذه الدار فأنت طالق وكان ليلا فهي للمعذورة حتى تصبح، ولو قال لرجل لم يكن معذورا هو الأصح إلا لخوف لص أو غيره. قوله: (أو غلباب) أي إذا لم يقدر على فتحه والخروج منه، ولو قدر على خروج بهدم بعض الحائط ولم يهدم لم يحنث، لان المعتبر القدرة على الخروج من الوجه المعهود عند النفس كما في الظهيرية. بحر. قوله: (وإن بقي أياما) هو الصحيح لان طلب المنزل من عمل النقلة فصار مدة الطلب مستثنى إذا لم يفرط في الطلب. فتح. قوله: (وإن أمكنه أن يستكري دابة) أي لنقل المتاع في يوم واحد مثلا إذ لا يلزمه النقل بأسرع الوجوه، بل بقدر ما يسمى ناقلا في العرف. فتح. قوله: (دين) أي ولا يصدق في القضاء. بحر عن البدائع. فرع: حلف لا يسكن هذه الدار ولم يكن ساكنها فيها لا يحنث حتى يسكنها بنفسه وينقل إليها من متاعه ما يبات فيه ويستعمله في منزله كما في البحر عن البدائع. قوله: (فإنه يبر بنفسه فقط) أي ولا يتوقف على نقل المتاع والاهل. فتح. قال في النهر: وفي عصرنا يعد ساكنا بترك أهله ومتاعه فيها ولو خرج وحده فينبغي أن يحنث، قال الرملي: كونه يعد ساكنا مطلقا غير مسلم، بل إنما يعد ساكنا إذا كان قصده العود، أما إذا خرج منها لا بقصد العود لا يعد ساكنا، ولعله مقيد بذلك. مطلب: حلف لا يساكن فلانا قوله: (حلف لا يساكن فلانا) فإن كان ساكنا معه فإن أخذ في النقلة وهي ممكنة وإلا حنث. قال محمد: فإن كان وهب له المتاع وقبضه منه وخرج من ساعته وليس من رأيه العود فليس بمساكن، وكذلك إن أودعه المتاع أو أعاره ثم خرج لا يريد العود. بحر وفي حاشية الرملي عن التاترخانية: لا تثبت المساكنة إلا بأهل كل منهما ومتاعه. قوله: قوله: (فساكنه في عرصة دار) أي ساحتها وكذا في بيت أو غرفة بالأولى. قوله: (فساكنه في عرصة دار) أي ساحتها وكذا في بيت أو غرفة بالأولى. قوله: (أو هذا في حجرة) في بعض النسخ بالواو، ونسخة أو أحسن وهي الموافقة للبحر. قوله: (حنث) فلو نوى أن لا يساكنه في بيت واحد أو حجرة واحدة يكونان فيه معا لم يحنث حتى يساكنه في فيما نوى وإن نوى بينا بعينه لم يصح بزازية وفي الذخيرة
57 وغيرها لا يساكنه في هذه المدينة أو القرية أو في الدنيا فساكنه في دار حنث، ولو سكن كل في دار فلا إلا إذا نوى. قوله: (إلا أن تكون دارا كبيرة) نحو دار الوليد بالكوفة ودار نوح ببخارى، لأن هذه الدار بمنزلة المحلة. ظهيرية. قوله: (ولو تقاسماها الخ) يعني وحلف لا يساكن فلانا في دار فاقتسماها كلا منهما في طائفة: فإن سمي دارا بعينها حنث، وإن لم يسم ولم ينو فلا كما في الخانية. ووجهه كما قال السائحاني إن اليمين إذا عقدت على دار بعينها يحنث بعد زوال البناء، فبعد القسمة الأولى. قوله: (ولو دخلها فلان غصبا) معناه: وسكنها، لأنه لا يحنث بمجرد الدخول. رملي. ومر أن المساكنة لا تثبت إلا بأهل كل منهما ومتاعه، قوله: (وإن انتقل فورا) أي على التفصيل السابق. قوله: (وكما لو نزل ضيفا) أي لا يحنث، قال في الخلاصة وفي الأصل: لو دخل عليه زائرا أو ضيفا فأقام فيه يوما أو يومين لا يحنث، والمساكنة بالاستقرار الدوام وذلك بأهله ومتاعه اه. وفي الخانية: حلف لا يساكن فلانا فنزل الحالف وهو مسافر منزل فلان فسكنا يوما أو يومين لا يحنث، حتى يقيم معه في منزله خمسة عشر يوما، كما لو حلف لا يسكن الكوفة فمر بها مسافرا ونوى إقامة أربعة أربعة عشر يوما لا يحنث، وإن نوى إقامة خمسة عشر يوما حنث اه. وقد وقعت هذه المسألة في البحر بدون قوله: وهو مسافر فأوهم أن مسألة الضيف مقيدة بما دون خمسة عشر يوما مع احتمال أن يفرقوا بينهما، والله أعلم. قوله: (به يفتى) هو قول أبي يوسف: وعند الامام يحنث بناء على أن قيام السكنى بالأهل والمتاع: بزازية. وفرض المسألة في التاترخانية عن المنتقى فيما إذا سافر المحلوف عليه وسكن الحالف مع أهله، ولا يخفي أن هذه أقرب إلى مظنة الحنث. قوله: (ولو قيد المساكنة بشهر الخ) عبارة البحر: لو حلف لا يساكنه شهر كذا فساكنه ساعة فيه حنث، لان المساكنة مما لا يمتد، ولو قال: لا أقيم بالرقة شهرا لا يحنث ما لم يقم جميع الشهر، ولو حلف لا يسكن الرقة شهرا فسكن ساعة حنث اه. قلت: فقد فرقوا بين لفظ المساكنة ولفظ الإقامة، وعلله الفارسي في باب يمين الأبد والساعة من شرحه على تلخيص الجامع بأن الوقت في غير المقدر بالوقت ظرف لا معيار، والمساكنة والمجالسة ونحوهما غير مقدرة بالوقت لصحتها في جميع الأوقات، وإن قلت فيكون الوقت لتقدير المنع الثابت باليمين لا لتقدير الفعل بالوقت وذكر أن السكنى لم يذكرها محمد في الأصل وإنما اختلف فيها المشايخ، فقيل كالمساكنة، وقيل يشترط استيعابها الوقت اه. ومقتضى هذا أن الإقامة مقدرة بالوقت مقدرة بالوقت، بمعنى أنها لا تسمى إقامة ما لم تمتد مدة، ويشير إلى هذا ما في التاترخانية: وإذا حلف لا يقيم في هذه الدار كان أبو يوسف يقول إذا قام فيها أكثر النهار أو أكثر الليل يحنث، ثم رجع وقال: إذا أقام فيها ساعة واحدة يحنث، وهو قول محمد، وإذا حلف لا يقيم بالرق شهرا فليس بحانث حتى يقيم بها تمام الشهر اه. ومفاده: أن الإقامة متى قيدت بالمدة لزم في مفهومها الامتداد، وتقيدت بالمدة المذكورة
58 كلها، بخلاف المساكنة، فإنه لا يلزم امتدادها مطلقا لصدقها على القليل والكثير فلا تكون المدة قيدا لها بل قيد للمنع، بمعنى أنه منع نفسه عن المساكنة في الشهر، فإذا سكن يوما منه حنث لعدم المنع، هذا غاية ما ظهر لي في هذا المحل، وبه ظهر أن قولهم هنا: إن المساكنة مما لا يمتد، معناه لا يلزم في تحققها الامتداد بخلاف الإقامة إذا قرنت بالمدة فلا ينافي ما مر في كلام المصنف والشارح تبعا لغيرهما أن المساكنة مما يمتد، بخلاف الدخول والخروج، لان معناه أنها يمكن امتدادها، وهذا غير المعنى المراد هنا، وقد خفي هذا على الخير الرملي وغيره فادعوا أنا ما هنا مناقض لما مر، وأن الصواب إسقاط عدم من قوله: لعدم امتدادها فافهم. ثم اعلم أنه في التاترخانية وغيرها ذكر أنه لو قال عنيت المساكنة جميع الشهر صدق ديانة لا قضاء، وقيل قضاء أيضا، والصحيح الأول. قلت: وأنت خبير بأن مبنى الايمان على العرف، والعرف الآن فيمن حلف لا يساكن فلانا شهرا أو لا يسكن هذه الدار شهرا أو لا يقيم فيها شهرا أنه يراد جميع المدة في المواضع الثلاثة، والله سبحانه أعلم قوله: (وفي خزانة الفتاوى الخ) مخالف لما يأتي في باب اليمين بالضرب من أنه يشترط في الضرب القصد على الأظهر اه ح. قلت: ومع هذا لا مناسبة هنا، إلا أن يقال: استوضح به قوله في المسألة المار إن أقام معه حنث علم أو لا. قوله: (من المسجد) قيد به تبعا للإمام محمد في الجامع الصغير احترازا عن الدار المسكونة. قال في الذخيرة ما نصه: قال القدوري: الخروج من الدار المسكونة أن يخرج بنفسه ومتاعه وعياله، والخروج من البلدة أو القرية أن يخرج ببدنه خاصة، زاد في المنتقى: إذا خرج ببدنه فقد بر أراد سفرا أو لم يرد اه. ولا يخي أن قوله: زاد في المنتقى الخ راجع لمسألة الخروج من البلدة والقرية، فلا يدل على أنه يكفي أن يخرج ببدنه في مسألة الدار أيضا فليس في ذلك ما يخالف ما في البحر وغيره، فافهم، نعم في الظهيرية والخانية، ولو حلف لا يخرج من هذه الدار فهو على الرحيل منها بأهله إن كان ساكنا فيها، إلا إذا دل الدليل على أنه أراد به الخروج ببدنه. قوله: (بأن حمل مكرها) أي ولو كان بحال يقدر على الامتناع ولم يمتنع في الصحيح. خانية. وفي البزازية تصحيح الحنث في هذه الصورة، هذا واعترض في الشرنبلالية ذكر الاكراه هنا بأنه لا يناسب قوله: ولو راضيا إذ لا يجامع الاكراه الرضا اه. وفي الفتح: والمراد من الاخراج مكرها هنا أن يحمله ويخرجه كارها لذلك، لا الاكراه المعروف هو أن يتوعده حتى يفعل، فإنه إذا توعده فخرج بنفسه حنث، لما، عرف أن الاكراه لا يعدم الفعل عندنا اه. وأقره في البحر، واعترض في اليعقوبية التعليل بما قالوا في لا أسكن الدار، فقيد، ومنع يحنث، لان للاكراه تأثيرا في إعدام الفعل، وأجبت عنه فيما علقته على البحر بأنه قد يقال: إنه يعدم الفعل بحيث لا ينسب إلى فاعله إذا أعدم الاختيار وهنا دخل باختيار، فليتأمل. وفي القهستاني عن المحيط، لو خرج بقدميه للتهديد لم يحنث، وقيل حنث اه. ومفاده اعتماد عدم الحنث، لكن في إكراه الكافي للحاكم الشهيد: لو قال عبده حر إن دخل هذه الدار بوعيد تلف حتى دخل عتق، ولا يضمن المكره قيمة العبد. قوله: (لا يحنث) لان الفعل وهو الخروج لم ينتقل إلى الحالف لعدم الامر وهو الموجب للنقل،
59 فتح. قوله: (في الأصح) وقيل يحث إذا حمله برضاه لا بأمره، لأنه لما كان يقدر على الامتناع فلم يفعل صار كالآمر، وجه الصحيح الفعل بالامر لا بمجرد الرضا ولم يوجد الامر ولا الفعل منه فلا ينسب الفعل إليه، ولو قيل: إن الرضا ناقل دفع بفرع اتفاقي، وهو ما إذا أمره أن يتلف ماله ففعل لا يضمن المتلف لانتساب الاتلاف إلى المالك بالامر، فلو أتلفه وهو ساكن ينظر لم ينهه ضمن بلا تفصيل لاحد بين كونه راضيا أو لا. فتح قوله: (أقساما) من الحمل والادخال بالامر أو بغيره مكرها أو راضيا. قهستاني. قوله: (وأحكاما) من الحنث وعدمه. قوله: (وإذا لم يحنث) شرط جوابه قول المصنف لا تنحل يمينه ط. قوله: (أو بزلق) عطف على قوله: بلا أمره أي بزلق قدميه، وهو بفتحتين مصدر زلق كفرح، وفي نسخة ولو بزلق. قوله: ح (أو بعثر) بصيغة المصادر فهو بسكون الثاء المثلثة، قال في القاموس: عثر كضرب ونصر وعلم وكرم، وعثرا وعثيرا وعثارا تعثرا: كبا اه ط. قوله: (أو جمع دابة) في المصباح: جمع الفرس براكبه بجمع جماحا بالكسر وجموحا استعصى حتى غلب. تأمل. قوله: (على الصحيح) راجع إلى جميع المعاطيف ط. قوله: (فتح وغيره) عبارة الفتح: قال السيد أبو شجاع: تنحل وهو أرفق بالناس. وقال غيره من المشايخ: لا تنحل وهو الصحيح. ذكر التمرتاشي وقاضيخان، وذلك لأنه إنما لا يحنث لانقطاع نسبة الفعل إليه، وإذا لم يوجد منه المحلوف عليه كيف تنحل اليمين فبقيت على حالها في الذمة، ويظهر أثر هذا الخلاف فيما لو دخل بعد هذا لاخراج هل يحنث؟ فمن قال انحلت قال: لا يحنث، وهذا بيان كونه أرفق بالنا س، ومن قال لم تنحل قال: حنث. ووجبت الكفارة وهو الصحيح اه. وقوله فيما لو دخل بعد هذا الاخراج: يعني ثم خرج بنفسه، لان كلامه فيما لو حلف لا يخرج فأخرج محمولا بدون أمره، وإذا لم تنحل اليمين بهذا الاخراج يحنث لو دخل ثم خرج بنفسه لا بمجرد دخوله، فافهم. قوله: (لكنه خالف في فتاويه الخ) ذكر الرملي أنه لم يجد ذلك في فتاوي صاحب البحر، بل وجد ما يخالفه. قلت: ولعل ذلك ساقط من نسخته، وإلا فقد وجدته فيها. قوله: (قاصدا) أي قاصدا الخروج إليها، فلو قصد الخروج لغيرها حنث وإن ذهب إليها. قوله: (عند انفصاله من باب داره) لأنه بذلك يعد خارجا بها، فلو كان في منزل داره فخرج إلى صحنها ثم رجع لا يحنث لم يخرج باب الدار، لأنه لا يعد خارجا في جنازة فلان ما دام في دار. بحر عن المحيط. قوله: (لان الشرط الخ) علة لقوله: مشى معها أم لا ولما استشهد عليه من عبارة البدائع أيضا. وحاصله: أن المستثنى هو الخروج على قصد الجنازة، الخروج هو الانفصال من داخل إلى خارج، ولا يلزم فيه الوصول إليها ليمشي معها أو يصلي عليها، وأما علة عدم الحنث فيما إذا أتى
60 أمرا آخر بعد خروجه إليها فهي ما أفاده في الفتح من أن ذلك الاتيان ليس بخروج، والمحلوف عليه هو الخروج، قوله: (والذهاب) كون الذهاب مثل الخروج هو الذي يمشي عليه في الكنز وغيره، وصححه في الهداية وغيرها. قال في الدر المنتقى: وقيل كالاتيان فيشترط فيه الوصول، وصححه في الخانية والخلاصة. قال الباقاني: والمعتمد الأول، نعم لو نوى بالذهاب الاتيان أو الخروج فكما نوى اه. قلت: والارسال والبعث كالخروج أيضا، فإنه لا يشترط فيهما الوصول، ففي الذخيرة: لو قال إن لم أرسل إليك أو إن لم أبعث إليك هذا الشهر نفقتك فأنت كذا فضاعت من يد الرسول لا يحنث. قوله: (والرواح) هو بحث للبحر كما يأتي، ويظهر لي أن العرف فيه استعماله مرادا به الوصول، ولا يخفي أن النية تكفي أيضا، قوله: (والعيادة والزيادة) تابع في ذلك صاحب البحر حيث قال: وقيد الاتيان، لان العيادة والزيارة لا يشترط فيهما الوصول، ولذا قال في الذخيرة: إذا حلف ليعودن فلانا وليزورنه فأتى بابه فلم يؤذن له فرجع ولم يصل إليه لا يحنث، وإن أتى بابه ولم يستأذن حنث اه. قلت: ومقتضاه أن الاتيان يشترط فيه الاجتماع وليس كذلك لما في الذخيرة: ولو حلف لا يأتي فلانا فهو على أن يأتي منزله أو حانوته لقيه أو لم يلقه وإن أتى مسجده لم يحنث، رواه إبراهيم عن محمد اه. فقد علم أن العيادة والزيادة مثل الاتيان في اشتراط الوصول إلى المنزل دون صاحبه، بل يشترط في العيادة والزيارة الاستئذان فهما أقوى من الاتيان في اشتراط الوصول، فلا يصح إلحاقهما بالخروج والذهاب، والحمد لله ملهم الصواب. قوله: (إلا في الاتيان) صوابه إلا في الاتيان والعيادة الزيارة كما علمت من اشتراط الوصول في الثلاثة، ومثله الصعود. ففي الذخيرة: قال لامرأته: إن صعدت هذا السطح فأنت كذا فارتقت مرقاتين أو ثلاثة فقيل يجب أن يكون فيه الخلاف المار في الذهاب. وقال أبو الليث: وعندي لا يحنث هنا بالاتفاق اه. قلت: وصححه في الخانية، ولعل وجهه أن صعود السطح الاستعلاء عليه فلا بد من الوصول، نعم لو قال: إن صعدت إلى السطح ينبغي أن يجرد فيه الخلاف المار، تأمل. وفي الذخيرة عن المنتقى: لزم رجلا فحلف الملتزم ليأتينه غدا فأتى في الموضع الذي لزمه فيه لا يبر حتى يأتي منزله تحول إليه ولو قال إن لم آتك غدا في موضع كذا فأتاه فلم يجده فقد بر، بخلاف إن لم أوفك لأنه على أن يجتمعا. قوله: (فلو حلف الخ) تفريع على قوله: لان الشرط في الخروج والذهاب الخ ط. قوله: (بحر بحثا) يؤيده العرف وكذا ما في المصباح حيث قال: وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار، وليس كذلك، بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير، أي وقت كان من ليل أو نهار. قاله الأزهري وغيره، وعليه قوله عليه الصلاة والسلام من راح إلى الجمعة في أول النهار فله كذا أي من ذهب اه. قوله: (ثم رجع عنها) وكذا لو لم يرجع بالأولى فهو غير قيد، ولذا قال في الفتح: رجع عنها أو لم يرجع.
61 مطلب: حلف لا يخرج إلى مكة ونحوها قوله: (قصد غيرها أم لا) أي لان الحنث تحقق بمجرد الخروج على قصدها، فلا فرق حينئذ بعد ما خرج بين أن يقصد الذهاب إلى غيرها أو لا. قوله: (فتح بحثا) حيث قال: وقد قالوا: إنما يحنث إذا جاوز عمرانه على قصدها، كأنه ضمن لفظا أخرج معنى أسار للعلم بأن المضي إليها سفر، لكن على هذا لو لم يكن بينه وبينها مدة سفر ينبغي أن يحنث بمجرد انفصاله من الداخل اه. قلت: يؤيده قوله في الذخيرة: لان الخروج إلى مكة سفر، الانسان لا يعد مسافرا إذا لم يجاوز عمران مصره اه: أي بخلاف الخروج إلى الجنازة، لكن لما كانت الجنازة في المصر اعتبر في الخروج انفصاله من باب داره وإن كانت المقبرة خارج المصر لأنه لم يحلف على الخروج إلى المقبرة، أما لو حلف على ذلك أو على الخروج إلى القرية مثلا مما يلزم منه الخروج من المصر، فالظاهر أنه يلزم مجاوزة العمران وإن لم يقصد مدة سفر، وفي البحر عن البدائع: قال عمر بن أسد: سألت محمدا عن رجل حلف ليخرجن من الرقة، ما الخروج؟ قال: إذا جعل البيوت خلف ظهره، لان من حصل في هذه المواضع جاز له القصر اه. قال في البحر: فالحاصل أن الخروج إذا كان من البلد فلا يحنث حتى يجاوز عمران مصره، سواء كان إلى مقصده مدة سفر أو لا، وإن لم يكن خروجا من البلد فلا يشترط مجاوزة العمران اه. وهذا مخالف لما بحثه في الفتح، فليتأمل، قوله: (وفيه الخ) لم أجد ذلك في الفتح بل هو في البحر وغيره، قوله: (مع فلان العالم) الذي في البحر وغيره العالم أي هذه السنة، فهو ظرف زمان معرف بأل التي للحضور. قوله: (بر) فإذا بدا له أن يرجع رجع بلا ضرر، بحر. قلت: والظاهر أنه لا بد من أن يكون خروجه على قصد السفر لا على قصد الرجوع، ولذا قال: فإذا بدا له الخ، ويدل عليه قوله في الخانية: فإذا خرج معه فجاوز البيوت ووجب عليه قصر الصلاة فقد بر، إذ لا يخفي أن وجوب القصر لا يكون إلا عند قصر السفر، وكذا قول المصنف وغيره فخرج يريدها. (تنبيه): يعلم مما قررناه جواب ما يقع كثيرا فيمن خلف ليسافرن فإنه يبر بمجاوزته العمران على قصد السفر إلى مكان بينه وبين مدة السفر، فإذا بدا له الرجوع رجع بلا ضرر، وبه أفتى المصنف وغيره، لكن لا بد من قصد السفر كما قلنا، ولا مجرد الخروج على قصد الرجوع لأنه لا يتحقق به السفر، والله أعلم. قوله: (فخرج من جنازة) أي خرج من بغداد مع الجنازة بأن جاوز العمران، قال ط: لكن العرف بخلافه، فإن من حلف لا يخرج من مصر فزار الامام لا يعد خارجا منها في عرفنا اه. قلت: لكن إذا قامت قرينة على إرادة الخروج مطلقا لسفر أو غيره يعد خارجا. قوله: (كما مر) أي قريبا في قوله: إلا في الاتيان. قوله: (والفرق لا يخفي) هو أن الخروج الانفصال من
62 الداخل إلى الخارج، وأما الاتيان فعبارة عن الوصول، قال تعالى: * (فأتيا فرعون فقولا) * (الشعراء: 16) قوله: (فذهبت قبل العرس) أي بحيث لا تعد عرفا أنها أتت العرس بأن كان ذلك قبل الشروع في مبادئه. وفي البزازية: لا يذهب إلى وليمة فذهب لطلب غريمه لا يحنث اه: أي إذا كان الغريم في الوليمة، وذكر في الذخيرة أنه أفتى بذلك شيخ الاسلام الأسبيجابي. قوله: (فهو أن يأتي منزله أو حانوته) فلو أتى مسجده لا يكفي، فالشرط الوصول إلى محله لا الاجتماع كما قدمناه. قوله: (حتى مات أحدهما) قدر لفظ أحدهما لان الحنث لا يختص بموت الحالف فقط، بل المحلوف عليه مثل كما يأتي. قوله: (حنث في آخر حياته) أحياة أحدهما، فلو كانت يمينه بالطلاق فماتت المرأة تبقى اليمين لامكان الاتيان بعد موتها، نعم لو كان الشرط طلاقها مثل إن لم أطلقك فأنت طالق ثلاثا يحنث بموتها أيضا لتحقق اليأس على الشرط بموتها، إذ لا يمكن طلاقها بعده، بخلاف الاتيان ونحوه كما قدمناه في الطلاق الصريح عن الفتح، وكلام الفتح هنا موهم خلاف المراد (1) فتنبه. قوله: (وكذا كل يمين مطلقة) أي لا خصوصية للاتيان، بل كل فعل حلف أن يفعله في المستقبل وأطلقه ولم يقيده بوقت لم يحنث حتى يقع اليأس عن البر، مثل ليضربن زيدا أو ليعطين فلانة أو ليطلقن زوجته، وتحقق اليأس عن البر يكون بفوت أحدهما، ولذا قال في غاية البيان: وأصل هذا أن الحالف في اليمين المطلقة لا يحنث ما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين لتصور البر فإذا فات أحدهما فإنه يحنث اه بحر. قال ح: وهذا إذا كانت على الاثبات، فإن كانت على النفي لا يحنث في آخر حياته ويمكن حنثه حالا كما لا يخفي. قوه: (وأما المؤقتة فيعتبر آخرها) أي آخر وقتها، وفي بعض النسخ آخره أي آخر الوقت المعلوم من المقام: أي فإذا مضى الوقت ولم يفعل حنث. قوله: (فلا حنث) لتعلق الحنث بآخر الوقت ولم يوجد في حقه. قوله: (لبطلان يمينه بالله تعالى) أشار به إلى أن يمينه لو كانت بالطلاق مثلا لا تبطل بالردة، لان الكفر لا ينافي التعليق بغير القرب ابتداء، فكذا بقاء اه ح. قوله: (كما مر) أي أول الايمان، قوله: (فتدبر) أمر بالتدبر إشارة إلى خفاء إفادة ذلك من قوله حنث، ووجهها أن حنثه في آخر حياته يدل على بقاء اليمين صحيحة قبل الموت، إذ الباطلة لا حنث فيها، والحكم باللحاق مرتدا وإن كان موتا حكما لكنه غير مراد هنا لبطلان اليمين بمجرد الرد قبل الحكم باللحاق الذي هو في حكم الموت، فحيث بطلت اليمين قبل الموت علم أن مراده بقوله حتى مات الموت الحقيقي، إذ لا يتصور الحنث بالموت الحكمي، فافهم.
(1) قوله: (موهم خلاف المراد) فإنه قال هنا فان كان الحلف بطلاقها ليفعلن ولم يفعل حنث بموت أحدهما، ولا فرق في ذلك بين موته وموتها في الصحيح وتقدمت هذه في الطلاق ا ه منه. 63 مطلب: حلف لا يأتينه إن استطاع قوله: (فهي استطاعة الصحة) أي الاستطاعة المعلومة من استطاع هي سلامة آلات الفعل المحلوف عليه وصحة أسبابه كما في الفتح، والمراد بالآلات الجوارح فالمريض ليس بمستطيع وصحة الأسباب تهيئة لإرادة الفعل على وجه الاختيار، فخرج الممنوع. نهر: أي من منعه سلطان ونحوه. قوله: (لأنه المتعارف) أي المعنى المذكور هو المعروف عند الاطلاق كما في قوله تعالى: * (من استطاع إليه سبيلا) * (آل عمران: 79) بخلاف المعنى الآتي في المتن. قوله: (فتقع على رفع الموانع) يشمل المانع المعنوي كالمرض والحسي كالقيد ونحوه، فيستغنى بذلك عن ذكر سلامة الآلات،. ولهذا فسرها محمد بقوله إذا لم يمرض ولم يمنعه السلطان ولم يجئ أمر لا يقدر على إتيانه فلم يأته حنث اه. قوله: (بحر بحثا) حيث قال: فينبغي أنه إذا نسي اليمين لا يحنث، لان النسيان مانع، وكذا لو جن فلم يأته حتى مضى الغد كما لا يخفي. قوله: (المقارنة للفعل) أي التي تخلق معه بلا تأثير لها فيه، لان أفعال العباد مخلوقة لله تعالى. فتح قوله: (صدق ديانة) فإذا لم تأته لعذر أو لغيره لا يحنث، كأنه قال لآتينك إن خلق الله تعالى إتياني، وهو إذا لم يأت لم يخلق إتيانه ولا استطاعته المقارنة وإلا لأتى، فتح. قوله: (لأنه خلاف الظاهر) قال في الفتح: وقيل يصدق ديانة وقضاء لأنه نوى حقيقة كلامه، لان اسم الاستطاعة يطلق بالاشتراك على كل من المعنيين، والأول أوجه لأنه بخصوصه المعنيين بخصوصه فصار ظاهرا فيه بخصوصه يصدقه يصدقه القاضي، بخلاف الظاهر اه. قوله: (وقد أظهر الزاهدي اعتزاله هنا) وتقدم نظير ذلك في باب الحج عن الغير حيث قال: إن مذهب أهل العدل والتوحيد أنه ليس أن يجعل ثواب عمله لغيره، وأراد بهم أهل الاعتزال كما مر بيانه، وعبارته هنا وفي قوله: أي صاحب الهداية حقيقة الاستطاعة فيما يقارن الفعل قوي، لأنه بناه على مذهب الأشعرية، والسنية أن القدرة تقارن الفعل وأنه باطل، إذ لو كان كذلك لما كان فرعون وهامان وسائر الكفرة الذين ماتوا على الكفر قادرين على الايمان، وكتكليفهم بالايمان تكليفا بما لا يطاق، وكان إرسال الرسل والأنبياء وإنزال الكتاب والأوامر والنواهي والوعد والوعيد ضائعة في حقهم اه. قال في البحر: وهو غلط، لان التكليف ليس مشروطا بهذه القدرة حتى يلزم ما ذكره، وإنما هو مشروط بالقدرة الظاهرة، وهي سلامة الآلات وصحة الأسباب كما عرف في الأصول. مطلب: لا تخرجي إلا بإذني قوله: (شرط للبر لكل خروج إذن) للبر متعلق بشرط، ولكل متعلق بنائب الفاعل، وهو إذن لا بشرط لئلا يلزم تعدية فعل بحرفين متقي اللفظ والمنى. أفاده القهستاني، ثم لا يخفي أن اشتراط الاذن راجع لقوله: إلا بإذني أما ما بعده فيشترط فيه الامر أو العلم أو الرضا، وإنما شرط تكراره
64 لان المستثنى خروج مقرون بالاذن، فما وراءه داخل في المنع العام، لان المعنى: لا تخرجي خروجا إلا خروجا ملصقا بإذني. قال في النهر: ويشترط في إذنه أن تسمعه وإلا لم يكن إذنا، وأن تفهمه، فلو أذن لها بالعربية ولا عهد لها بها فخرجت حنث، وأن لا تقوم قرينة على أنه لم يرد الاذن، فلو قال لها أخرجي أما والله لو خرجت ليخزينك الله لا يكون إذنا صرح به محمد، وكذا لو قال لها في غضب أخرجي ينوي التهديد لم يكن إذنا، إذ المعنى حينئذ: أخرجي حتى تطلقي اه ملخصا. وفي البزازية: قامت للخروج فقال دعوها تخرج ولا نية له لم يكن إذنا، سمع سائلا فقال لها أعطيه لقمة فإن لم تقدر على إعطائه بلا خروج كان إذنا بالخروج وإلا فلا، وإن قال اشترى اللحم فهو إذن، ولو أذن لها بالخروج إلى بعض أقاربه فخرجت لكنس الباب أو خرجت في وقت آخر حنث، ولو استأذنت في زيارة الام فخرجت إلى بيت الأخ لا يحنث لوجود الاذن بالخروج، إلا إن قال: إن خرجت إلى أحد إلا بإذني، وفي لا تخرجي إلا برضاي فإذن ولم تسمع أو سمعت ولم تفهم لا يحنث بالخروج، لان الرضا يتحقق بلا علمها بخلاف الاذن وفي إلا بأمري فالآمر أن يحنث بالخروج، لان الرضا يتحقق بلا علمها خلاف الاذن، وفي إلا بأمري فالامر أن يسمعها بنفسه أو رسوله، وفي الإرادة والهوى والرضا لا يشترط سماعها، وفي إلا بعلمي لا يحنث لو خرجت وهو يراها أو أذن لها بالخروج فخرجت بعده بلا علمه اه ملخصا. وتمام فروع المسألة هناك. قال في البحر: ولا فرق في المسألة بين أن يكون المخاطب الزوجة أو العبد، بخلاف ما لو قال: لا أكلم فلانا إلا بإذن فلان أو حتى يأذن أو إلا أن يأذنه، أو إلا أن يقدم فلان أو حتى يقدم، أو قال لرجل في داره والله لا تخرج إلا بإذني فإنه لا يتكرر الاذن في هذا كله، لان قدوم فلان لا يتكرر عادة، والاذن في الكلام يتناول كل ما يوجد من الكلام بعد الاذن، وكذا خروج الرجل مما لا يتكرر عادة، بخلاف الاذن للزوجة فإنه لا يتناول إلا ذلك الخروج المأذون فيه، لا كل خروج إلا بنص صريح فيه، مثل أذنت لك أن تخرجي كلما أردت الخروج، كذا في الفتح اه. (تتمة): في النهر عن المحيط: لو قال إلا بإذن فلان فمات المحلوف عليه بطلت اليمين عندهما، خلافا لأبي يوسف اه. وفي الذخيرة: حلف لا يشرب بغير إذن فلان فناوله فلان بيده ولم يأذن باللسان وشرب ينبغي أن يحنث، لأنه ليس بإذن بل هو دليل الرضا. قوله: (أو فرقة) قال في الفتح: ثم انعقاد اليمين على الاذن في قوله: إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق، والله لا تخرج إلا بإذني مقيد ببقاء النكاح. لان الاذن إنما يصح لمن له المنع، وهو مثل السلطان إذا حلف إنسانا ليرفعن إليه خبر كل داعر في المدينة كان على مدة ولايته، فلو أبانها ثم تزوج فخرجت بلا إذن لا تطلق، وإن كان زوال الملك لا يبطل اليمين عندنا لأنها لم تنعقد إلا على بقاء النكاح اه. فلو لم يقيد بالاذن لم يتقيد، بقيام النكاح، كما سيذكره الشارح عن الزيلعي في أواخر الايمان مع عدة مسائل من هذا الجنس، وهو كون اليمين المطلقة تصير مقيدة بدلالة الحال، بقي لو خرجت في عد البائن هل يحنث؟ يظهر لي عدمه لأنها وإن كانت ممنوعة لكن مانعها الشرع لا الزوج. تأمل. قوله: (دين) أي ولا يصدق في القضاء، وعليه الفتوى. خانية: أي لأنه خلاف الظاهر، وإنما دين لأنه محتمل كلامه، لان الاذن مرة موجب الغاية في قوله: حتى آذن وبين الاستثناء والغاية مناسبة من حيث إن ما
65 بعدهما مخالف لما قبلهما فيستعار إلا بإذني لمعنى: حتى آذن، فتح. قوله: (وتنحل يمينه الخ) أي لو خرجت بغير إذن ووقع الطلاق ثم خرجت مرة ثانية بلا إذن لا يقع شئ لانحلال اليمين بوجود الشرط، وليس فيها ما يدل على التكرار، بحر عن الظهيرية، قوله: (ولو نهاها بعد ذلك صح) أي بعد قوله: كلما خرجت الخ قال في الخانية: وبه أخذ الشيخ الإمام ابن الفضل، حتى لو خرجت بعد ذلك حنث ولو أذن لها بالخروج ثم قال لها كلما نهيتك فقد أذنت لك فنهاها لا يصح نهيه اه. قوله: (وفي الصيرفية الخ) هذه مسألة استطرادية، وذكر في الذخيرة عبارة فارسية وقال بعدها ثم إن الزوج ذهب إلى سمرقند وبعث إليها أصحاب السلطان حتى أخرجوها على كره منها وذهبوا بها إلى زوجها بسمرقند بأمر الزوج هل يحنث في يمينه؟ فقيل: ينبغي أن يحنث على ظاهر جواب الكتاب أن للزوج نقلها من بلدة إلى بلدة أخرى بعد ما أوفى في المعجل، لأنه صح الامر بالاخراج من الزوج وانتقل فعل المخرج إليه، فكأن الزوج أخرجها بنفسه، أما على اختبار أبي الليث أنه ليس له نقلها لم يصح الامر، ولم ينتقل فعل المخرج إليه فلا يحنث اه. قوله: (بخلاف قوله الخ) مرتبط بما تقدم في المتن: أي لو قال لا تخرجي إلا أن آذن أو حتى آذن لك، فإنه يكفي الاذن مرة واحدة لأنه للغاية، أما حتى فظاهر، وأما إلا أن فتجوز بإلا عنها لتعذر استثناء الاذن من الخروج، وتمامه في الفتح والبحر. قال في البحر: وأشار إلى أنه لو قال عبده حر إن دخل هذه الدار إلا أن ينسى فدخلها ناسيا ثم دخل ذاكرا لم يحنث، بخلاف قوله إلا ناسيا، لأنه استثنى من كل دخول دخولا بصفة فبقي ما سواه داخلا تحت اليمين، أما الأول فإن بمعنى حتى، فلما دخلها ناسيا انتهت اليمين اه. قوله: (صدق) أي قضاء لأنه محتمل كلامه، وفيه تشديد على نفسه. بحر. مطلب: لا يدخل دار فلان يراد به نسبة السكنى قوله: (ولو تبعا) حتى لو حلف لا يدخل دار أمه أو بنته وهي تسكن مع زوجها حنث بالدخول. نهر عن الخانية. قلت: وهو خلاف ما سيذكره آخر الايمان عن الواقعات، لكن ذكر في التاترخانية أن فيه اختلاف الرواية، ويظهر لي أرجحية ما هنا حيث كان المعتبر نسبة السكنى عرفا، ولا يخفي أن بيت المرأة في العرف ما تسكنه تبعا لزوجها، وانظر ما سنذكره آخر الايمان، قوله: (أو بإعارة) أي لا فرق بين كون السكنى بالملك أو الإجارة أو العارية، إلا إذا استعارها ليتخذ فيها وليمة فدخلها الحالف فإنه لا يحنث كما في العمدة، والوجه فيه ظاهر. نهر: أي لأنها ليست مسكنا له. قوله: (باعتبار عموم المجاز الخ) مرتبط بقوله: يراد يعني أن الأصل في دار زيد أن يراد بها نسبة الملك، وقد أريد بها ما يشمل العارية ونحوها، وفي جمع بين الحقيقة والمجاز وهو لا يجوز عندنا
66 فجاب بأنه من عموم المجاز بأن يراد به معنى عام يكون المعنى الحقيقي فردا من أفراده وهو نسبة السكنى: أي ما يسكنها زيد بملك أو عارية، لكن بقي ما إذا دخل دار مملوكة لزيد وساكنها غيره فحلف رجل لا يدخل دار زيد، فمقتضى كون المعتبر نسبة السكنى أن لا يحنث، وفي المجتبى عن الايضاح أن فيه عن محمد روايتين وقيل: إذا كان لزيد دار غيرها سكنها لم يحنث، وإلا فيحنث اه. قلت: وجزم في الخانية بالحنث ولم يفصل، وهو مرجح لاحدى الروايتين، وعليه فكان على المصنف أن يقول: يراد به نسبة السكنى أو الملك، لكن مشى في المحيط على عدم الحنث. ففي النهر: اعلم أنه إذا حلف لا يدخل دار زيد، فداره مطلقا دار يسكنها، فلو دخل دار غلته لم يحنث كما في المحيط وعليه تفرع ما في المجتبى: إن دخلت دار زيد فعبدي حر، إن دخلت دار عمرو فامرأته طالق، فدخل دار زيد وهي في يد عمرو بإجارة لم يعتق وتطلق، فإن نوى شيئا صدق اه. قلت: لكن الذي رأيته في المجتبى وكذا في البحر نقلا عنه يعتق وتطلق، وعليه متفرع على ما في الخانية لا على ما في المحيط. وفي الخانية أيضا: لا يدخل دار فلان فآجرها فلان، فدخلها الحالف: فيه روايتان، قالوا: عدم الحنث قول أبي حنيفة وأبي يوسف، لان الإضافة عندهما كما تبطل بالبيع بالإجارة والتسليم وملك اليد للغير اه. قلت: هذا يفيد أن ما جزم به في الخانية أولا قولهما، وإحدى الروايتين عن محمد، ويفيد أيضا أنها إذا بقيت بيد الملك غير مسكونة لاحد تبقى النسبة له فيحنث الحالف بدخولها ولو كان الملك ساكنا في غيرها، تأمل. (تنبيه): في الخانية أيضا: حلف لا يدخل دار زيد ثم حلف لا يدخل دار عمرو فباعها زيد من عمرو وسلمها إليه فدخلها الحالف حنث في اليمين الثانية عنده، لان عنده المستحدث بعد اليمين يدخلها فيها لو مات مالك الدار فدخل لا يحنث لانتقالها للورثة، ولو كان عليه دين مستغرق: قال محمد بن سلمة: يحنث، وقال أبو الليث: لا، وعليه الفتوى، لأنها وإن لن يملكها الورثة وبقيت على حكم ملك الميت لم تكن مملوكة له من كل وجه اه ملخصا. مطلب: لا يضع قدمه في دار فلان قوله: (ولو حافيا) الأولى أن يقول: ولو منتعلا لأنه من النعل لم تمس قدمه الأرض فيشمل الحافي بالأولى. قدمه: (متعذرة) نحو: والله لا آكل من هذه النخلة كما يأتي أول الباب الآتي. قوله: (أو مهجورة) كما في مثالنا. قوله: (ووضع قدميه) أي بحيث يكون جسده خارج الدار. درر. قوله: (لم يحنث) هو ظاهر الرواية كما في الفتح. شرنبلالية. قال في الذخيرة: ومتى صار اللفظ مجازا عن غيره لا يعتبر اللفظ بحقيقته ويتصرف إلى المجاز كما في وضع القدم إلا لدليل يدل على عدم إرادة المجاز، فتعتبر الحقيقة، فإذا قال لامرأته إن ارتقيت هذا السلم أو وضعت رجلك عليه فأنت كذا فوضعت رجلها عليه ولم ترتق حنث، لان العطف دل على أنه أراد به الحقيقة، ثم قال: وفي المنتقى: لأضربنك بالسياط حتى أقتلك فهذا على الضرب الوجيع، ولو قال: لأضربنك
67 بالسيف حتى تموتي فذا على الموت، عرف مراده من تقييده بالسيف اه. قلت: وهذا لا ينافي قولهم الايمان مبنية على الألفاظ لا على الأغراض، لان المراد الألفاظ التي لم تهجر كما قدمناه أول الباب. قوله: (لمزيد الخروج والضرب) أي لشخص أراد الخرو أو أراد الضرب، وهو متعلق بقوله المصنف في قوله: أي قول الحالف وقوله: فعله فورا نائب فاعل شرط، وضميره للمذكور من الخروج والضرب. مطلب: في يمين الفور قوله: (فورا) سئل السغدي بماذا يقدر الفور؟ قال: بساعة، واستدل بما ذكر في الجامع الصغير: أرادت أن تخرج فقال الزوج إن خرجت فعادت وجلست وخرجت بعد ساعة لا يحنث، حموي عن البرجندي، ولا يشترط لعدم حنثه إذا خرجت بعد ساعة تغيير تلك الهيئة الحاصلة مع إرادة الخروج، يشير إليه قول الفتح: تهيأ ت للخروج، فحلف لا تخرج، فإذا جلست ساعة ثم خرجت لا يحنث، لان قصده منعها من الخروج الذي تهيأت له، فكأنه قال: إن خرجت الساعة، وهذا إذا لم يكن له نية، فإن نوى شيئا عمل به. شرنبلالية. قلت: وهو مفاد عبارة الجامع الصغير أيضا، لكن في البحر عن المحيط: إن لم تقومي الساعة ولبست الثياب وخرجت ثم رجعت وجلست حتى خرج الزوج فخرجت وأتت الدار بعده لا يحنث، لان رجوعها وجلوسها ما دامت في تهيؤ الخروج لا يكون تركا للفور، كما لو أخذها البول فبالت قبل لبس الثياب اه ملخصا. إلا أن يفرق بين الاثبات والنفي، فإن المحلوف عليه في الأول عدم الخروج وهو ترك فيتحقق بتحقق ضده وهو الجلوس على وجه الاعراض، فإنها إنما جلست للاعراض عن الخرجة المحلوف عليها فيتحقق عدم الخروج، سواء تغيرت الهيئة أو لا، والمحلوف عليه في الثاني المجئ المثبت، وهو لا يتحقق إلا يفعله، والفاعل إذا تهيأ للفعل وجلس منتظرا الهيئة هنا فيعلم بها أن الجلوس ليس على وجه فاعل حكما، لكن لا بد من بقاء تلك الهيئة هناك فيعلم بها أن الجلوس ليس على وجه الاعراض، لان الجلوس ضد الفعل المراد ظاهرا، هذا ما ظهر لي فتدبره. قوله: (وهذه تسمى يمين الفور الخ) من فارت القدر غلت، استعير للسرعة، أو من فوران الغضب، انفرد الامام بإظهارها. وكانت اليمين أولا قسمين: مؤبدة: أي مطلقة، ومؤقتة، وهذه مؤبدة لفظا مؤقتة معنى تتقيد بالحال، إما بأن تكون بناء على أمر حالي كما مثل، أو أن تقع جوابا بالكلام يتعلق بالحال، كما في إن تغديت، أفاده في النهر. قوله: (ولم يخالفه أحد) كذا في البحر عن المحيط، لكن نقل في الفتح عن زفر والشافعي الحنث بها اعتبارا للاطلاق اللفظي. قوله: (تغديه مع) نائب فاعل شرط، فلو خرج إلى منزله فتغدى لم يحنث، لان جوابه خرج مخرج الجواب فينطبق على السؤال فينصرف إلى الغداء المدعو إليه، كذا في الهداية. قوله: (ذلك الطعام المدعو إليه) كذا في الايضاح لابن كمال معزيا إلى الهداية، والذي في الهداية هو ما سمعته، وهو محتمل أن يكون المراد به الفعل: أي التغدي، وأن يكون المراد به الطعام الذي هو حقيقة أن يكون المراد به الفعل: أي التغدي، وأن يكون المراد به الطعام الذي هو حقيقة الغداء
68 بالدال المهملة، والظاهر الأول، وأن قول الهداية فينصرف إلى الغداء الخ على خذف مضاف: أي إلى أكل الغداء، أو أنه أطلق الغداء على التغدي تساهلا بدليل قوله في الباب الآتي: الغداء الاكل من طلوع الفجر إلى الظهر، قال في الفتح هناك: وهذا تساهل معروف فلا يعترض به اه. ويلزم على ما فهمه ابن كمال أنه لو أكل ذلك الطعام في بيته وحده يحنث، وليس كذلك لان المحلوف عليه هو التغدي مع الطالب، لأنه هو المدعو إليه، ولي في كلام الطالب الحالف تعيين طعام، بل لو دعاه إلى الغداء معه قبل حضور طعام أصلا، فالظاهر أن الحكم كذلك بدليل تعليلهم بأن الجواب ينطبق على السؤال، نعم لو قال الطالب تغد معي هذا الطعام تقيد به، أما بدون ذلك فلا، والذي يظهر لي أن هذا الفهم الذي فهمه ابن كمال غير صحيح، ولم أر من سبقه إليه وإن عول الشارح عليه. تأمل. قوله: (اليوم أو معك) مفعول ضم: أي بأن قال إن تغديت اليوم، أو قال إن تغديت معك حنث بمطلق التغدي، واعترض قوله: أو معك بأنه لم يزد على السؤال لان السؤال فيه لفظة مع فالصواب أن يقول: تغد عندي كما قال في الكنز اه. قلت: لكن في الذخيرة: قال له تغد قال له تغد معي، فقال: والله لا أتغدى، فذهب إلى بيته وتغدى مع أهله لا يحنث، ووجه ذلك أن يمينه عقدت على غداء معين، وهو الذي دعاه إليه، لان قوله والله لا أتغدى خرج جوابا لسؤال المخاطب، وأمكن جعله جوابا لأنهم لم يزد على حرف الجواب، فيجعل جوابا والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، والسؤال وقع على غداء بعينه بدلالة قوله: تغد معي: أي هذا الغداء، فيجعل ذلك كالمصرح به في السؤال، كأنه قال: تغد معي هذا الغداء، والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، بخلاف ما لو قال والله لا أتغدى معك، لأنه زاد على حرف الجواب، ومع الزيادة عليه لا يمكن أن يجعل جوابا فجعل ابتداء ولا قيد فيه اه، ومثله في التاترخانية عن السراجية، فعلم أن قوله إن تغديت معك زيادة على الجواب، وإن كان لفظ مع مذكورة في كلام الطالب للاستغناء عنه ولعمومه المدعو إليه وغيره: أي التغدي معه في ذلك اليوم وغيره، لكن لا يخلو عن نظر، فالظاهر ما قاله ح فتدبر. ثم في هذه العبارة إطلاق الغداء على التغدي كما وقع في عبارة الهداية تساهلا. قوله: (حنث بمطلق التغدي) الاطلاق بالنظر لليوم معناه: سواء تغدى معه أو في بيته مثلا ذلك اليوم وبالنظر إلى قوله معي تغديه معه ولو في غير هذا الوقت، ولا يحنث إن تغدى مع غيره ولو في الوقت الذي حلف فيه ط. قوله: (فجعل مبتدئا) لكن لو نوى الجواب دون الابتداء صدق ديانة، لان احتمال كونه جوابا قائم ولا قضاء لمخالفته الظاهر فيما فيه تخفيف عليه، ولو قال إن تغديت نوى ما بين الفور والأبد كاليوم أو الغد لم يصدق أصلا، لأن النية إنما تعمل في الملفوظ والحال لا تدل عليه فانتفى دلالة الحال ودلالة المقال، كما لو حلف لا يتزوج النساء ونوى عددا أولا يأكل طعاما ونوى لقمة أو لقمتين لم يصح، كذا في شرح تلخيص الجامع. قوله: (إن للتراخي الخ) احترز بها عن إذا فإنها للفور، ففي الخانية: إذا فعلت كذا فلم أفعل كذا قال أبو حنيفة: إذا لم يفعل على أثر الفعل المحلوف عليه حنث، ولو قال إن فعلت كذا فلم أفعل كذا فهو على الأبد، وقال أبو يوسف: على الفور أيضا اه، ومعنى كون إن التراخي أنها تكون للتراخي وغيره عند عدم قرينة الفور، والمراد فعل الشرط الذي دخلت عليه، وما رتب عليه، فإذا قال لها إن
69 خرجت فكذا وخرجت فورا أو بعد يوم مثلا حنث، إلا لقرينة الفور فيتقيد به كما مر، ومنه ما مثل به، وكذا ما في الخانية: إن دخلن دارك فلم أجلس فهو على الفور اه: أي الجلوس على فور الدخول، وفيها أيضا: إن بعثت إليك فلم تأتني فعبدي حر، فبعث إليه فأتاه ثم بعث إليه ثانيا فلم يأته حنث، ولا يبطل اليمين بالبر حتى يحنث مرة فحينئذ يبطل اليمين اه. مطلب: إن ضربتني ولم أضربك وفي الذخيرة: إن ضربتني ولم أضربك فهذا على الماضي عندنا، كأنه قال: ولم أكن ضربتك قبل ضربك إياي، وإن نوى بعد صح: أي إن ضربتني ابتداء ولم أضربك بعده، ويكون على الفور. والحاصل: أن كلمة ولم تقع على الأبد، كإن أتيتني ولم آتك إن زرتني ولم أزورك، وقد تقع على الفور، والمعتبر في ذلك معاني كلام الناس، وكذلك تقع على قبل وعلى بعد كما مر، وفي إن كلمتني ولم أجبك على بعد لان الجواب لا يتقدم، وعلى الفور أيضا باعتبار العادة اه ملخصا. قوله: (حنث) قال في الاختيار: لان مقصوده الدخول لقضاء الشهوة وقد فات، فصار شرط الحنث عدم الدخول لقضاء الشهوة وقد وجد اه. قوله: (وفي البحر عن المحيط) عبارته إذا قال لامرأته إذا لم تجيئي إلى الفراش هذه الساعة فأنت طالق وهما في التشاجر، فطال بينهما كان على الفور، حتى لو ذهبت إلى الفراش لا يحنث اه. وظاهره ولو كان بعد سكون شهوته فيقيد به ما قبله لكنه خلاف ما يفهم مما نقلناه عن الاختيار فينبغي تقييد هذا بما إذا لم تسكن شهوته، فتأمل. قوله: (وكذا الخ) وكذا لو أخذها البول فبالت كما قدمناه، وقيل الصلاة تقع على الفور لأنها عمل آخر، والفتوى على الأول كما في البحر، قوله: (واشتغلت بالصلاة) المكتوبة أي إذا خافت فوتها كما يعلم مما قبله، وهذا تكرار، إلا أن يحمل على ما إذا كان الحلف وهي تصلي. تأمل. قال في البحر: ولو اشتغلت بالتطوع أو بالوضوء أو أكلت أو شربت حنث، لان هذا ليس بعذر شرعا اه. مطلب: لا يركب دابة فلان قوله: (مركب العبد المأذون الخ) يعني لو حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده فإنه يحنث بشرطين: الأول أن ينويها. الثاني: أن لا يكون عليه دين مستغرق، أما إذا كان عليه دين مستغرق لا يحنث وإن نوى، لأنه لا ملك للمولى فيه عند أبي حنيفة. وإن كان الدين غير مستغرق، أو لم يكن عليه دين لا يحنث ما لم ينوه، لان الملك فيه للمولى لكنه يضاف للعبد عرفا، وكذا شرعا، قال (ص) من باع عبدا وله مال الحديث فتخيل الإضافة إلى المولى فلا بد من النية، وقال أبو يوسف: في الوجوه يحنث وإن لم ينو لاعتبار الملك، إذ الدين لا يمنع وقوعه للسيد عندهما. هداية. قلت: وبه ظهر أن التقييد بالمأذون لأنه محل الخلاف فيحنث في غير المأذون إذا نواه بالأولى اتفاقا. قوله: (والمكاتب) لم أرى من ذكره هنا، ولا يتأتى فيه هذا التفصيل، وإنما قال في البحر عن المحيط: ولو ركب دابة مكاتبة لا يحنث، لان ملكه ليس بمضاف إلى المولى لا ذاتا ولا يدا اه. ومقتضاه أنه لا يحنث وإن نواه اتفاقا، لان دابته ملك له لا لمولاه، ولذا يضمنها المولى بالاتلاف،
70 سواء كان عليه دين أو لا. فتدبر. ثم رأيت القهستاني قال: والإضافة إلى المأذون تشير إلى أنه لو ركب المكاتب لم يحنث، قوله: (لا يحنث استحسانا) أي وإن كان اسم الدابة لما يدب على الأرض إذا قال دابة فلان، لان العرف خصصه بالركوب المعتاد، والمعتاد هو الحمار والبغل والفرس فيقيد به، وإن كان الجمل مما يركب أيضا في الاسفار وبعض الأوقات فلا يحنث بالجمل إلا إذا نواه، وكذا الفيل والبقر إذا نواه حنث، وإلا لا، وينبغي إن كان الحالف من البدو أن ينعقد على الجمل أيضا بلا نية، لان ركوبه معتاد لهم، وكذا إن كان حضريا جمالا والمحلوف على دابته جمال دخل في يمينه بلا نية، وإذا كان مقتضى اللفظ انعقادها على الأنواع الثلاثة، فلو نوى بعضها دون بعض بأن نوى الحمار دون الفرس مثلا لا يصدق ديانة ولا قضاء، لان نية الخصوص لا تصح في غير اللفظ، وسيأتي تمامه في الفصل الآتي، وكذا في الفتح. قلت: أي لان المحمول على العرف هو لفظ أركب لا لفظ دابة، فإن لفظ دابة يشمل الكل عرفا ولغة، وإنما خصص العرف لفظ أركب لهذه الأنواع الثلاثة، فلو نوى بعضها لم يصح. لأنه تخصيص الفعل ولا عموم له، وسيأتي تمامه ثم حيث كان المدار على العرف المعتاد، فينبغي أن الحالف لو كان ليس ممن يركب الحمار أن لا يحنث بالحمار، وأنه لو كان الحالف مسافرا أن يحنث بالجملة بلا نية. قوله (وينبغي حنثه بالبعير الخ) أي إذا كان ممن يركب البعير كالمسافر والجمال وأهل البدو كما عرف مما نقلناه عن الفتح. قوله: (ولو حمل الخ) أما لو أكره على الركوب فركب حنث ط. قوله: (ولو حلف لا يركب أو لا يركب مركبا) كذا في بعض النسخ، ومثله في البحر عن الظهيرية، وكذا في الخانية وهو المخالف لقول المصنف المار قريبا، فاليمين على ما يركبه الناس، نعم في بعض حلف لا يركب مركبا ومثله في النهر، وفي التاترخانية: حلف لا يركب مركبا فركب سفينة، قال الحسن في المجرد: لا يحنث، وعلي الفتوى اه: لكن العرف الآن المركب خاص بالسفينة فينبغي أن لا يحنث بغيرها. قوله: (وسيجئ) أي قريبا في الباب الآتي، والله سبحانه أعلم. باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام لم يذكر مسائل اللبس هنا، بل ذكرها في باب اليمين بالبيع والشراء، فكان المناسب إسقاط اللبس من هذه الترجمة وذكره هناك، قوله: (ثم الاكل) ترتيب إخباري ط. قوله: (إلى الجوف)
71 متعلق بإيصال، فلو حلف لا يأكل كذا أو لا يشرب فأدخله في فيه ومضغه ثم ألقاه لا يحنث حتى يدخله في جوفه، لأنه بدون ذلك لا يكون أكلا بل يكون ذوقا. ط عن البحر. قوله: (كماء وعسل) أي غير جامد، وإلا فهو مأكول. تأمل. ثم إن المائع الذي لا يحتمل المضغ إنما يسمى مشروبا إذا تناوله وحده وإلا فهو مأكول وكذا عكسه. ففي البحر عن البدائع: لو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكل بخبز أو تمر أو لا يأكل هذا العسل أو الخل فأكله بخبز يحنث، لأنه هكذا يكون، ولو أكله بانفراده لا يحنث، لأنه شرب لا أكل، وكذلك إن حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ثم دقه وصب عليه الماء فشربه لا يحنث لأنه شرب لا أكل اه. وفي الفتح: حلف لا يأكل لبنا فشربه لا يحنث، ولو ثرد فيه فأوصله إلى جوفه حنث اه. وقوله ثرد فيه بالثاء المثلثة: أي فت الخبز فيه. وفي الخانية حلف لا يأكل اللبن فطبخ به أرزا فأكله، قال أبو بكر البلخي: لا يحنث وإن لم يجعل فيه ماء وإن كان يرى عينه، وكذا لو جعله جنبا إلا أن ينوي أكل ما يتخذ منه، حلف لا يأكل السمن فأكل سويقا ملتوتا بالسمن: ذكر في الأصل إن كان السمن مستبينا يجد طعمه لأنه ليس بمستهلك، وذكر الحاكم في المختصر: إن كان بحيث لو عصر سال منه السمن حنث، وإلا لا، وإن وجد طعمه قال: أي قاضيخان: وينبغي أن يكون الجواب في مسألة الأرز على هذا التفصيل اه. قلت: والحاصل أنه إذا حلف لا يأكل مائعا كلبن وسمن وخل، فإن شربه لا يحنث، وإن تناوله مع غيره ولم يستهلك كأكلة بخبز أو تمر حنث وإن استهلك بأن لا يجد طعمه أو بأن لا ينعصر على الخلاف في تفسيره لم يحنث. قال السائحاني: وقول الحاكم أرفق، ولذا مشت عليه الشروح اه. وأما لو خلط مأكولا بمأكول آخر فيأتي بيانه في الفروع الآتية في أثناء الباب. قوله: (ففي حلفه الخ) تفريع على تعريف الاكل ط. قوله: (حنث ببلعها) أي مع قشرها أو بدونه إذا كانت مسلوقة. قوله: (وفي لا يأكل عنبا الخ) قال في الفتح: ولو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا فجعل يمصه ويرمي تفله (1) ويبتلع المتحصل لا يحنث، لان هذا ليس أكلا ولا شربا بل مص اه. ومثله في البحر عن البدائع. قلت: لكن يصدق عليه تعريف الشرب المذكور، وهو إيصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف، إلا أن يكون المراد المائع وقت إدخاله الفم، وعليه فالمراد بالمص: استخراج مائية الجامد بالفم وإيصالها إلى الجوف. ومقتضاه: أنه لو حلف لا يمص شيئا لا يحنث بشرب المائع، مع أن السنة في شرب الماء المص، فعلم أن المص أعم من الشرب من وجه فيجتمعان فيما إذا أخذ الماء بفيه مع ضيق الشفتين، وينفرد الشر أأدخل بالعب والمص باستجلاب مائية الجامد بالفم، حتى لو عصر الفاكهة وشرب ماءها عبا يحنث في حلفه لا يشرب لا في حلفه لا يمص، ولو شربه مصا حنث فيهما، هذا ما ظهر لي. قوله: (لان المص نوع ثالث) أي في بعض
(1) قوله: (تفله) هكذا بخطه بالمثناة الفوقية والذي في القاموس والمصباح بالثاء المثلثة ا ه مصححه. 72 الأوجه كما في الصورة المذكورة، وإلا فقد يكون شربا ما علمته. قوله: (وأكل قشره) أي ولم يشرب ماءه لان ذهاب الماء لا يخرجه من أن يكون أكلا له، ألا ترى أنه إذا مضغه وابتلع الماء أنه لا يكون أكلا له بابتلاع الماء، فدل أن أكل العنب هو أكل القشر والحصرم منه وقد وجد فيحنث. بحر عن البدائع. وفيه نظر كما في الذخيرة (1). وحاصله أنه ذكر في العيون أنه إذا ابتلع ماءه فقط لم يحنث، ولو ابتلع الحب أيضا دون القشر يحنث، وعلله الصدر الشهيد بأن العنب اسم لهذه الثلاثة، ففي الأول أكل الأقل، وفي الثاني الأكثر وله حكم الكل. قوله: (لا يحنث بمصه) لأنه ليس بأكل فقد وصل إلى جوفه ما لا يتأتى فيه المضغ. ذخيرة. قوله: (وفي عرفنا يحنث) من تتمة كلام القلانسي وهو محط الاستدراك اه ح: أي لأنه يؤكل بالمضغ وبالمص عادة، وكذا العنب الرمان، قوله: (وأما الذوق فعمل الفم الخ) هذا هو الحق على ما في الفتح خلافا لما في النظم من أنه عمل الشفاه دون الحلق فإنه يدل على أن عدم الوصول إلى الجوف مأخوذ في مفهوم الذوق. قلت: لكنه موافق لما في الفتح من رواية هشام: حلف لا يذوق فيمينه على الذوق حقيقة، وهو أن لا يوصل إلى جوفه، إلا أن يتقدمه كلام يدل عليه نحو أن يقال تغد فحلف لا يذوق معه طعاما، فهذا على الأكل والشرب اه. مطلب في الفرق بين الأكل والشرب والذوق قوله: (فكل أكل وشرب ذوق ولا عكس) أي وليس كل ذوق أكلا أو شربا بناء أن الذوق أعم مطلقا، لان لا يشترط فيه الوصول إلى الجوف بل يصدق بدونه، بخلافهما، فإذا أكل أو شرب يحنث في حلقه لا يذوق، وإذا حلف لا يأكل أو لا يشرب فذاق فلا إيصال إلى الجوف لم يحنث، لكن فيه أنه قد يتحقق الاكل بلا ذوق، كما لو ابتلع بما يتوقف معرفة طعمه على المضغ كبيضة أو لوزة، وعليه فبين الاكل والذوق عموم وجهي، وعن هذا قال في الفتح: إن قول المحيط لو حلف لا يذوق فأكل أو شرب يحنث يغلب على الظن أن المراد به الاكل المقترن بالمضغ أو بلع ما يدرك طعمه بلا مضغ، لأنا نقطع بأن من ابتلع قلب لوزة لا يقال فيه ذاقها ولا يحنث ببلعها اه. قلت: وعلى ما مر عن النظم فبينهما التباين كما بين الأكل والشرب فلا يحنث الحالف على واحد من الثلاثة بفعل الآخر. قوله: (لا يحنث) أي في حلفه لا يذوق الماء كما في الجوهرة، لأنه لا يقصد به ذوق الماء بل إقامة القربة، ولذا كره الذوق للصائم دون المضمضة. قوله: (بم يصدق
(1) قوله كما في الذخيرة حيث قال: وانه مشكل لان العنب اسم للكل وكذلك الرمانة فإذا اكل البسر والحصرم فقد اكل بعض ما عقد عليه اليمين، فلا يحنث وذكر المسألة في العيون في صورة أخرى فقال إذا رمى قشره وحبه وابتلع ماءه لم يحنث ولو ابتلع ماءه وحبه فقد حنث، وعلل الصدر الشهيد بان العنب اسم لهذه الثلاثة في الوجه الأول اكل الأقل فلا يصير آكلا وفي الثاني أكل الأكثر وله حكم الكل في كثير من الاحكام ا ه ملخصا ا ه منه. 73 إلا بدليل) أي كقول القائل له تغد معي كما مر، وكذا العرف الآن لو قال ابتداء لا أذوق في بيت زيد طعاما فإنه يراد به الاكل. مطلب: حلف لا يأكل من هذه النخلة مطلب: إذا تعذرت الحقيقة أو وجد عرف بخلافها تركت قوله: (حلف لا يأكل من هذه النخلة الخ) الأصل في جنس هذه المسائل أن العمل بالحقيقة عند الامكان، فإن تعذر أو وجد عرف بخلاف الحقيقة تركت، فإذا عقد يمينه على ما هو مأكول بعينه انصرفت إلى العين لامكان العمل بالحقيقة، وإذا عقدها على ما ليس مأكولا بعينه أو هو مأكولا إلا أنه لا تؤكل عينه عادة انصرفت إلى ما يتخذ منه مجازا، لان العمل بالحقيقة غير ممكن، فإذا حلف لا يأكل من هذه الشاة شيئا فأكل من لبنها أو سمنها لا يحنث، لان عين الشاة مأكولة فينصرف إلى عينها لا ما يتولد منها، وكذا العنب، فلا يحنث بزبيبه وعصيره، وفي النخلة: يحنث بتمرها وطلعها، لان عينها مأكولة، وفي الدقيق: يحنث بخبزه لان الدقيق وإن كان يؤكل إلا أنه لا يؤكل كذلك عادة، وتمامه في الذخيرة. قوله: (أو الكرمة) شجرة العنب ولم أرها بالتاء فلتراجع. قوله: (بالمثلثة) لان المراد ما يتولد منها سواء كان تمرا بالمثناة أو غيره كالجمار، وهو شئ أبيض لين في رأس النخلة، ولان النخلة مثال والمراد ما يعمها وغيرها مما لا تؤكل عينه. قوله: (فيحنث بالعصير) استشكل بأن اليمين على الاكل العصير مما لا يؤكل. وأجيب بأن الاكل هنا مجاز عن التناول، فالمراد لا أتناول منها شيئا ط. قلت: مقتضى الجواب أنه يحنث بشرب العصير ويحتاج إلى نقل فإن كلامهم يصح بدون هذا التأويل. فقد ذكرنا عن البحر لو حلف لا يأكل هذا اللبن أو العسل أو الخل فأكله بخبز يحنث، لان أكله هكذا يكون، وكذا لو ثرد في اللبن. وفي البزازية: لا يأكل طعاما ينصرف إلى كل مأكول مطعوم حتى لو أكل الخل يحنث اه. فقد صح أكل ما يشرب فكذا يقال هنا، فتأمل. قوله: (لا بالدبس المطبوخ) وكذا النبيذ والناطف والخل لأنه مضاف إلى فعل حادث، فلم يبق مضافا إلى الشجرة. بحر. ولذا عطف عليه في قوله تعالى: * (ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم) * (يس: 53) فتح. واحترز بالمطبوخ عما يسيل من الرطب فإنه يحنث بأكله كما في الذخيرة. مطلب: فيما لو وصل غصن شجرة بأخرى قوله: (ولا بوصل الخ) يعني إذا قطع غصنا من الشجرة المحلوف عليها ووصله بشجرة أخرى وأكل من الثمر الخارج منه لا بحنث اه ح. وقال بعضهم: يحنث. فتح وبحر. ولعل وجه الأول أن الغصن صار جزءا من الثانية، ولا يسمى في العرف أكلا من الأولى، ومقتضى الاطلاق أنه لا فرق بين كون الشجرتين من نوع واحد أو نوعين، ونقل في الذخيرة المسألة مطلقة كما مر، ثم صورها بما إذا حلف لا يأكل من شجرة التفاح فوصل بها غصن شجرة الكمثرى، قال: فان سماها باسمها مع الإشارة التفاح لم يحنث، وإن لم يسمها بل قال من هذه الشجرة حنث، ثم نقل عن بعضهم أن الرواية هكذا.
74 قلت: ويمكن التوفيق بين القولين بحمل الحنث على ما إذا اختلف النوع، وسمي الشجرة باسمها ثم أكل مما سمي، والقول بعدم الحنث على ما إذا اتحد النوع أو اختلف ولم يسم، والله تعالى أعلم. قوله: (فيحنث إذا اشترى به مأكولا وأكله) لفظة وأكله زادها في البحر على ما في الفتح. قال في الشرنبلالية: وقد يقال يراد بالاكل: الانفاق في أي شئ فيحنث به إذا نوى فلينظر اه. قلت: إذا نوى ذلك لا كلام، أما إذا لم ينو فالظاهر تقييده حقيقة، حتى لو اشترى به مشروبا وشربه لا يحنث، إلا إذا أكله مع غيره عملا بحقيقة الكلام ما لم يوجد نقل بخلافه فافهم. قوله: (ولو أكل من عين النخلة لا يحنث) هو الصحيح كما في النهر وغيره. قوله: (مهجورة) صوابه متعذرة كما عبر به في إيضاح الاصلاح. وقال في حاشيته: ومن قال مهجورة لا يفرق بين المتعذر والمهجورة قال صاحب الكشف: المعتذر: ما لا يوصل إليه إلا بمشقة كأكل النخلة. والمهجور: ما يتيسر إليه الوصول لكن الناس تركوه كوضع القدم اه ح. وقد يقال: أراد بالمهجورة: الغير المستعملة تجوزا، كما تجوز صاحب الكشف بإطلاق المتعذر على المتعسر، مع أن المراد ما يشمل القسمين، وحقيقة المعتذر مثل قوله لا يأكل من هذا القدر، فافهم. قوله: (لم يحنث بأكل ما يخرج منها) مقتضاه أن نية عينها صحت فهو قول أخر غير ما في الولوالجية كما أفاده في النهر، فافهم، ولم أر من صحح أحدهما، وما نقل عن حاشية أبي السعود أنه المتن، ثم ذكر بعد عبارة الولوالجية، فافهم. قوله: (لتعين المجاز) ولذا انصرف إليه عند عدم النية فكانت الحقيقة خلاف الظاهر. قوله: (إنما يأكلونه مطبوخا) أي فلا يحنث بأكله لكونه دخله صنعة جديدة ح. قوله: (من هذا البسر أو الرطب) النخلة على ست مراتب: أولها طلع، وثانيها حلال (1)، وثالثها بلح، ورابعها بسر، وخامسها رطب، وسادسها تمر كما يظهر من الصحاح، عزمية قوله: (بأكل رطبه وتمره وشيرازه) لف ونشر مرتب. قال في المصباح: الشيراز مثال دينار: اللبن الرائب يستخرج منه ماؤه، وقال بعضهم: لبن يغلي حتى يثخن ثم ينشف ويميل إلى الحموضة اه. قوله: (لأن هذه صفات الخ) إذ لا خفاء أن صفة البسورة والرطوبة واللبنية مما قد تدعو إلى اليمين. بحسب الأمزجة فإذا زالت زال ما عقدت عليه اليمين فأكله أكل ما لم تنعقد عليه اليمين نهر وفتح. قوله:
(1) قوله: (حلال) هكذا بخطه بالحاء المهملة. وعبارة القاموس تفيد انه بالخاء المعجمة ونصها في فصل الخاء من باب اللام والرطب (اي تخلل الرطب) طلبه بين خلال السعف وذلك الرطب خلال، وخلاله بضمهما وليحرر ا ه مصححه. 75 (بعد ما شاخ) أي صار شيخا وهو قول فوق الكهل كما يأتي. قوله: (بفتحتين) أي فتح الحاء المهملة والميم: ولد الشاة في السنة الأولى، جمعه حملان كما في المصباح. قوله: (لأنها غير داعية) أي هذه الصفات غير داعية إلى الامتناع، لان هجران المسلم بمنع الكلام منهي، فلا يعتبر ما يخال داعيا إلى اليمين من جهل الصبي أو الشاب، وسوء أدبه، وكذا صفه الصغر في الحمل فإن الممتنع عنه أكثر امتناعا عن لحم الكبش، لان الصغر داع إلى الاكل لا إلى عدمه، واعترض بأن الهجران قد يجوز أو يجب إذا كان لله تعالى بأن كان يتكلم بما هو معصية أو يخشى فتنته أو فساد عرضه بكلامه، فإذا حلف لا يكلمه علم أنه وجد المسوغ، فيعتبر الداعي فيتقيد بصباه وشبيبه وبأن الحمل غير محمود لكثرة رطوباته، حتى قبل فيه النحس بين الجيدين، وأجاب في الفتح بأن الاعتراض بذلك ذهول ونسيان عن وضع المسألة، وأنها بنيت على العرف، وأن المتكلم لو أراد ما تصح إرادته من اللفظ لا يمنع منه، فالحمل عند العموم غذاء في غاية الصلاح، وما يدرك نحسه إلا أفراد عرفوا الطب فوجب تحكيم العرف، إذا لم ينو ذات الحمل، إذ لا يحكم على فرد من العموم أنه على خلافهم، فينصرف حلفه إليهم، وكذا الصبي لما كان موضع الشفقة والرحمة عند العموم، وفي الشرع: لم يجعل الصبا داعية إلى اليمين في حق العموم، وهذا لا ينفي كونه حالفا عرفا عدم طيب الحمل، أو سوء أدب صبي علم أنه لا يردعه إلا الهجر، أو علم أن الكلام معه يضره في دينه أو عرضه، فعقد يمينه على مدة الحملية أو الصبا فإنا نصرف يمينه، حيث صرفها، وإنما الكلام إذا لم ينو شيئا فيسلك به ما عليه العموم، أخطؤوا فيه أو أصابوا فليكن هذا منك ببال، فإنك تدفع به كثيرا من أمثال هذا الغلط المورد على الأئمة اه ملخصا. وهو في غاية الحسن. وقد عدل في الذخيرة عن التعليل بكون الصفة داعية أو غير داعية وقال: الصحيح أنه لا يحنث في الرطب أو العنب إذا صار تمرا أو زبيبا، لأنه اسم لهذه الذات والرطوبة التي فيها، فإذا أكله بعد الجفاف، فقد أكل بعض ما عقد اليمين عليه، بخلاف الصبي بعد ما شاخ أو الحمل بعد ما صار كبشا فإنه لم ينقص بل زاد، والزيادة لا تمنع الحنث، ثم قال: فهذا الفرق هو الصحيح وعليه الاعتماد. قوله: (تقيد به) الأولى بها. قوله: (في المعرف والمنكر) مثل لا آكل هذا البسر أو لا آكل بسرا. قوله: (اعتبر في المنكر) مثل لا آكل حملا أو لا أكلم صبيا، لان الكبش لا يسمى حملا، ولا الشيخ صبيا فلم يوجد المحلوف عليه، بخلاف المعرف كهذا الحمل أو هذا الصبي، لان الصفة الغير الداعية تلغو مع الإشارة فتعتبر الذات المشار إليها وهي باقية بعد زوال الصفة فلا تزول اليمين، قوله: (فبرأ) في المصباح برئ من المرض يبرأ من باب تعب ونفع. مطلب: حلف لا يكلم هذا الصبي قوله: (فكلم صبيا حنث) لان اسم الرجل يتناول الصبي في اللغة، كما صرح به ابن الكمال في
76 تصحيح السراجية، ولكن في العرف لا يسمى فالحق القول الثاني اه ح. قوله: يدعى شابا الخ في الوجيز لبرهان الدين البخاري حلف لا يكلم صبيا أو غلاما أو شابا أو كهلا، فالكلام في معرفته لغة وشرعا عرفا. أما اللغة فقالوا: الصبي يسمى غلاما إلى تسع عشرة، ثم شابا إلى أربع وثلاثين، ثم كهلا إلى أحد وخمسين، ثم شيخا إلى آخر عمره، وأما الشرع: فالغلام إلى أن يبلغ فيصير شابا وفتى، وعن أبي يوسف من ثلاث وثلاثين إلى خمسين فهو شيخ. قال القدوري: قال أبو يوسف: الشاب من خمس عشرة إلى خمسين ما لك يغلب عليه الشمط قبل ذلك، والكهل. من ثلاثين إلى آخر عمره، والشيخ فيما زاد على الخمسين، وكان يقول قبل هذا: الكهل من ثلاثين إلى مائة سنة فأكثر، والشيخ من أربعين إلى مائة، وهنا روايات آخر والمعول عليه ما به الافتاء، كذا في الفتح ملخصا لم يذكر معناها عرفا، لان كل أناس قد علموا مشربهم. قوله: (فصار جنبا) فيه ثلاث لغات: أجودها سكون الباء، والثانية ضمها للاتباع، والثالثة وهي أقلها التثقيل، ومنهم من يجعلها من ضرورة الشعر، مصباح. قوله: (كذا في نسخ الشرح) أي شرح المصنف حيث جعلها متنا في شرحه. قوله: (لم يحنث) لان بعضها صفات داعية وبعضها انقلبت عينها. قوله: (فأكل حيسا) فسر الحيس في البدائع بأنه اسم لتمر ينفع في اللبن، ويتشرب فيه اللبن، وقيل هو طعام يتخذ من تمر، ويضم إلى شئ من السمن أو غيره والغالب هو التمر فكان أجزاء التمر بحالها فيبقى الاسم اه بحر. قوله: (الأصل الخ) قدمناه الكلام عليه قبل قوله: كل حل عليه حرام. (فرع): ذكر في البحر عن الواقعات: إن أكلت هذا الرغيف اليوم فامرأته كذا وإن لم آكله اليوم فأمته حرة فأكل النصف لم يحنث، وكذا لو حلف على لقمة في فيه فأكل بعضها وأخرج البعض، لان شرط الحنث أكل الكل اه ملخصا. (تنبيه): الأكل والشرب غير قيد، ففي البزازية: ضاع مال في دار فحلف كل واحد أنه لم يأخذه ولم يخرجه من الدار، ثم علم أن واحدا أخرجه مع آخر إن كان لا يطيق حمله وحده حنث، لان إخراجه كذلك يكون، وإن أطاقه وحده لا يحنث لأنه صادق اه. قلت: وعليه لو حلف لا يحمل هذه الخشبة أو الحجر فهو على هذا التفصيل. ثم اعلم أما مر عن الواقعات مشكل جدا كما قال في الحاوي الزاهدي، قال: فإنه يجب أن يحنث في يمين العتق لأنه لم يأكل الرغيف، إذ تقول لا واسطة بين النفي والاثبات، وكل واحد منهما شرط الحنث فيحنث في أحدهما. وفي الجامع الأصغر عن أبي القاسم الصفار قال: إن شرب فلان هذا الشراب فامرأته طالق وقال الآخر إن لم يشربه فلان فامرأته طالق فشرب فلان مع غيره أو انصب بعضه في الأرض حنث الثاني دون الأول اه. قوله: (أن كل شئ) بفتح همزة أن والمصدر
77 المنسبك خبر الأصل. قوله: (وكذا لا يحنث الخ) أشار إلى أنه لا فارق بين ذكره معرفا وهو ما مر، أو منكرا لزال اليمين بزوال الصفة الداعية كما تقدم. قوله: (فإن الاسم يتناول الرطب أيضا) بسكون الطاء في الرطب، وكان المناسب إبداله باليابس لان وجه المخالفة بين البسر والعنب، وبين الجوز واللوز الحنث في يابس الأخيرين، لتناول الاسم له دون الأولين، هذا وفي عرف الشام الآن اللوز خاص باليابس، أما الرطب فيسمونه عقابية فلا يحنث بها، قوله: (أو بسرا) أي أو فحلف لا يأكل بسرا. قوله: (حنث بأكل المذنب) في المغرب بسر مذهب بكسر النون: أي مع التشديد، وقد ذنب: إذا بدا الإرطاب من قبل ذنبه، وهو ما سفل من جانب القمع والعلاقة اه. وفي المصباح: ذنب الرطب تذيبا: بدا فيه الإرطاب، والمراد أنه يحنث بأكل البسر المذنب أو الرطب المذنب، وهو الذي أكثره رطب شي قليل منه عكس الأول. قال في البحر: وحاصل المسائل أربع: وفاقيتان، وخلافيتان، فالوفاقيتان: لا يأكل رطبا فأكل رطبا مذنبا لا يأكل بسرا فكل بسرا مذنبا فيحنث فيهما اتفاقا والخلافيتان لا يأكل رطبا فأكل بسرا مذنبا لا يأكل بسرا فأكل رطبا مذنبا فيحنث عندهما، خلافا لأبي يوسف اه. وفي عامة نسخ الهداية ذكر قول محمد مع أبي يوسف، وفي بعضها مع الامام وهو الموافق لما في أكثر الكتب المعتبرة كما في الفتح والزيلعي. قوله: (لاكله المحلوف عليه زيادة) لان آكل ذلك الموضع آكل رطب وبسر فيحنث به وإن كان قليلا، لان ذلك القدر كاف للحنث، ولهذا لو ميزه وأكله يحنث. زيلعي. وبحث فيه في الفتح بأن هذا بناء على انعقاد اليمين على الحقيقة لا العرف، وإلا فالرطب الذي فيه بقعة بسر لا يقال لآكله آكل بسر في العرف فكان قول أبي يوسف أقعد. قوله: (لأن الشراء الخ) جواب عما استشهد به أبو يوسف على قوله بعدم الحنث في المسألة الأولى اعتبارا للغالب كما في هذه المسألة. وحاصل الجواب: أن اعتبار الغالب هنا لوقوع الشراء على الجملة، أما الاكل فينقضي شيئا فشيئا فيصادف المغلوب وحده، فلا يتبع الغالب وبحث فيه في الفتح بأن هذا قاصر على ما إذا فصله فأكله وحده، أما لو أكله جملة تحققت التبعية اه، وأشار إلى أن البسر غالب بقرينة الإضافة. قال القهستاني: إذ المتبادر من إضافة الكباسة إلى البسر، وجعلها ظرفا للرطب أن البسر غالب، فلو كان الرطب غلبا أو هو والبسر متساويين ينبغي أن يحنث اه. مطلب: حلف لا يأكل لحما قوله: (لا يأكل لحما) تنعقد هذه على لحم الإبل والبقر والجاموس والغنم والطيور مطبوخا ومشويا أو قديدا، كما ذكر محمد في الأصل، فهذا من محمد إشارة إلى أنه لا يحنث بالنئ وهو الأظهر، وعند أبي الليث يحنث، بحر عن الخلاصة وغيرها، قوله: (بأكل مرقه) قيده في الفتح
78 بحثا في فروع ذكرها آخر الايمان بما إذا لم يجد طعم اللحم أخذا مما في الخانية لا يأكل مما يجئ به فلان، فجاء بحمص فأكل من مرقه، وفيه طعم الحمص يحنث اه. قوله: (مع تسميتها في القرآن لحما) هذا يظهر في الثلاثة الأخيرة، وأما المرق ففي الحديث المرق أحد اللحمين ط. مطلب في اعتبار العرف العملي كالعرف اللفظي قوله: (وما في التبيين) أي تبيين الكنز للزيلعي حيث قال: وذكر العتابي أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي، وقال في الكافي: وعليه الفتوى فكأنه اعتبر فيه العرف، ولكن هذا عرف عملي، فلا يصح بقيدا، بخلاف العرف اللفظي، ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة لا يحنث بالركوب على إنسان للعرف اللفظي، فإن اللفظ عرفا لا يتناول إلا الكراع، وإن كان في اللغة يتناوله، ولو حلف لا يركب حيوانا بحنث لركوب على إنسان لان اللفظ يتناول جميع الحيوان، والعرف العملي وهو أنه لا يركب عادة لا يصلح مقيدا اه. قوله: (رده في النهر) وكذا قل في البحر: رده في فتح القدير بأنه غير صحيح، لتصريح أهل الأصول بقولهم: الحقيقة تترك بدلالة العادة، إذ ليست العادة إلا عرفا عمليا، ولم يجب: أي صاحب الفتح عن الفرق بين الدابة والحيوان، وهي واردة علي إن سلمها اه ح. ولا يخفي أنه لا يسلمها بدليل أنه رد مبناها، وهو عدم اعتبار العرف العملي، وعبارة النهر هكذا: وفي بحث التخصيص من التحرير مسألة العادة العرف العملي مخصص عند الحنفية خلافا للشافعية، كحرمت الطعام، وعادتهم أكل البر انصرف إليه، وهو الوجه، أما بالعرف القولي فاتفاق كالدابة للحمار والدراهم على النقد الغالب، وفي الحواشي السعدية أن العرف العملي يصلح مقيدا عند بعض مشايخ بلخ لما ذكر في كتب الأصول في مسألة إذا كانت الحقيقة مستعملة والمجاز متعارفا اه. قال في النهر: وهذه النقول تؤذن بأنه لا يحنث بركوب الآدمي في لا يركب الآدمي في لا يركب حيوانا، قوله: (والكبد) بالرفع، وكذا ما بعده عطفا على لحم، وكان الأولى ذك الخنزير، عقب الانسان كما فعل في الكنز ليكون مجرورا عطفا غلى الانسان بإضافة لحم إليهما لأنهما أعم، فتكون من إضافة الجزء إلى الكل، بخلاف الكبد، وما بعده، فإن اللحم ليس جزءا منه بل هو عينه، فلذا قلنا: إنه بالرفع عطفا على المضاف، وإن صح جره عطفا على المضاف إليه على جعل الإضافة فيه بيانية، لكن يلزم عليه اختلاف الإضافتين في لفظ واحد. وفي القهستاني: الكبد بفتح الكاف وكسرها مع سكون الباء، والكرش بفتح الكاف وكسر الراء وسكونها. قوله: (والرئة) بالهمزة، ويجوز قلبها ياء: السحر. مصباح. وفيه السحر وزان فلس، وسبب وقفل هو الرئة، وقيل: ما لصق بالحلقوم والمرئ من أعلى البطن، وقيل: كل ما تعلق بالحلقوم من كبد وقلب ورئة، قوله: (لحم) خبر المبتدأ وما عطف عليه: أي هذه المذكورات داخلة في مسمى اللحم. قوله: (هذا الخ) الإشارة إلى الكبد والأربعة التي بعده، وعبارة البحر وفي الخلاصة: لو حلف لا يأكل لحما فأكل شيئا من البطون كالكبد والطحال يحنث في عر ف أهل الكوفة، وفي عرفنا لا يحنث، وهكذا في المحيط والمجتبى. ولا يخفي أنه لا يسمى لحما في عرف أهل مصر أيضا،
79 فعلم أن ما في المختصر: أي الكنز مبني على عرف أهل الكوفة، وأن ذلك يختلف باختلاف العرف اه كلام البحر. قلت: وأما لحم الانسان ولحم الخنزير فهو لحم حقيقة لغة وعرفا، فلذا مشى المصنف كغيره على أنه يحنث به، لكن يرد عليه كما أفاد في الفتح أن لفظ آكل لا ينصرف إليه عرفا وإن كان في العرف يسمى لحما كما مر في لا يركب دابة فلان، فإن العرف اعتبر في ركب، والمتبادر منه ركوب الأنواع الثلاثة وهي الحمار والبغل والفرس، وإن كان لفظ دابة في العرف يشمل غيرها أيضا كالبقر والإبل، فقد تقيد الركوب المحلوف عليه بالعرف، ولذا نقل العتابي خلاف ما هنا فقال: قيل الحالف إذا كان مسلما ينبغي أن لا يحنث، لان أكله ليس بمتعارف، ومبني الايمان على العرف، قال: وهو الصحيح، وفي الكافي: وعليه الفتوى. هذا خلاصة ما حققه في الفتح، وهو حسن جدا ويؤيده ما قدمناه، ويأتي أيضا من أنه لا يحنث باللحم النئ كما أشار إليه محمد، وهو الأظهر، قال في الذخيرة: لأنه عقد يمينه على ما يؤكل عادة فينصرف إلى المعتاد، وهو الاكل بعد الطبخ اه. مع أنه لا شك في أمن النئ لحم حقيقة فعلم أن الملحوظ إليه والعرف هو الاكل لا لفظ اللحم. قوله: (ومنه علم) أي من قولهم: أما في عرفنا فإن المراد عرف بلادهم، وهي من العجم فافهم. ثم إن التنبيه على هذا ليس فيه كبير فائدة. لان قولهم باعتبار العرف في الايمان ليس المراد به عرف العرب بل أي عرف كان في أي بلد كان، كما سيأتي عند قوله: والخبز ما اعتاده أهل بلد الحالف وفي البحر عن المحيط: وفي الايمان يعتبر العرف في كل موضع حتى قالوا: لو كان الخالف خوارزميا فأكل لحم السمك يحنث لأنهم يسمونه لحما. قوله: (لحم في يمين الاكل لا في يمين الشراء) وجعل في الشافي الاكل والشراء واحدا، والأول أصح. بزازية. قلت: ولعل وجهه أن الرأس والأكارع مشتملة على اللحم وغيره، لكنها عند الاطلاق لا تسمى لحما فإذا حلف لا يشتري لحما لا يقال في العرف إنه اشترى لحما بل اشترى رأسا أو أكارع، أما إذا أكل اللحم الذي فيها فقد أكل لحما فيحنث، ويشير إلى هذا الفرق ما في الذخيرة، ولو أكل رؤوس الحيوان يحنث، لان ما عليها لحم حقيقة. قوله: (لا يقع على صيده) وإنما يقع على لحمه وهو القياس في الحمار، إلا أن الحمار لما كان له كراء ويستعملون هذا اللفظ في الاكل من كرائه حملوه على الكراء، وفيما وراءه يبقى على الأصل. منح عن جواهر الفتاوي ط. قوله: (ولا يعم البقر الجاموس) أي فلو حلف لا يأكل لحم بقر ولا يحنث بأكل الجاموس، كعكسه لان الناس يفرقون بينهما، قيل يحنث، لان البقر أعم، والصحيح الأول كما في النهر عن التاترخانية. وفي الذخيرة: لا يأكل لحم شاة لا يحنث بلحم العنز مصريا كان أو قرويا. قال الشهيد: وعليه الفتوى. قوله: ولا يحنث بأكل النئ) بالهمز وزان حمل والابدال والادغام عامي. مصباح: أي إبدال الهمزة ياء إدغامها في الياء لغة العوام، وقدمنا وجه عدم الحنث قريبا. قوله: (وهو اللحم السمين)
80 كذا فسره في الهداية والظاهر: أن المراد به اللحم الأبيض المسمى في العرف دهن البدن، فإنه يكون في حالة السمن دون الهزال قد يراد به شحم الكلية، لأنها معلقة بالظهر. قال في البحر: قال القاضي الأسبيجابي: إن أريد بشحم الظهر شحم الكلية فقولهما أظهر، وإن أريد به شحم اللحم فقوله أظهر اه. قوله: (بل بشحم البطن) هو ما كان مدورا على الكرش وما بين المصارين شحم الأمعاء ط. قوله: (اتفاقا) رد على صاحب الكافي حيث ذكر الخلاف في شحم الأمعاء والشحم المختلط بالعظم.. قال السرخسي: إنه لم يقل أحد بأن مخ العظم شحم اه. وكذا لا ينبغي خلاف في الحنث بما على الأمعاء، فإنه لا يختلف في تسميته شحما. فتح. قوله: (زيلعي) عبارته: لا يحنث بأكل شحم الظهر وشرائه وبيعه في يمينه لا يأكل شحما، ولا يشتريه ولا يبيعه، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: يحنث. قوله: (بألية) بفتح الهمزة، قال في المصباح: قال ابن السكيت وجماعة: ولا تكسر الهمزة ولا يقال لية، والجمع أليات كسجدة وسجدات، والتثنية أليان بحذف الهاء على خلاف القياس. قوله: (إلا بالقضم من عينها) أي عين البر، وأنت ضميره لأنه يسمى حنطة أيضا، وإلا بمعنى لكن: أي لكنه يحنث بقضمه من قضمت الدابة الشعير تقضمه من باب تعب كسرته بأطراف الأسنان، ومن باب ضرب لغة مصباح. وليس المراد حقيقة القضم، بل إن يأكل عينها بأطراف الأسنان أو بسطوحها. وفي القهستاني: فلو ابتلعه صحيحا حنث بالأولى، كما في الكرماني فإن احترز بالقضم عما يتخذ منه كالخبز والسويق، فإنه لا يحنث به عنده، لان عين الحنطة مأكول، وعندهما يحنث. قلت: ومبنى الخلاف على أن الحقيقة المستعملة أولى من المجاز المتعارف عنده خلافا لهما، فإن لفظ أكل الحنطة يستعمل حقيقة في أكل عينها، فإن الناس يقلونها ويأكلونها فهو أولى من المجاز، المتعارف وهو أن يراد بأكلت الحنطة أكل خبزها قال في الفتح لفظ أكلت حنطة يحتمل أن يراد به كل من المعنيين فيترجع قوله لترجع الحقيقة عند مساواة المجاز بل الآن لا يتعارف في أكل الخبز منها إلا لفظ آخر وهو أكلت الخبز. ثم قال: وهذا الخلاف إذا حلف على حنطة معينة، أما فلو حلف لا يأكل حنطة ينبغي أن يكون قوله كقولهما. ذكره شيخ الاسلام، ولا يخفي أنه تحكم، والدليل المذكور المتفق على إيراده في جميع الكتب يعم المعينة والمنكرة، وهو أن عينها مأكول اه. قوله: (لو مقلية كالبليلة) قال في الفتح: فإن الناس يغلون الحنطة ويأكلونها وهي التي تسمى في عرف بلادنا بليلة وتقلى أيضا: أي توضع جافة في القدر ثم تؤكل قضما اه. وحينئذ فقوله: كالبليلة الكاف فيه للتنظير إن كانت النسخ لو مقلية بالقاف، أما إذا كانت بالغين المعجمة فهي للتمثيل، والبليلة هي المسماة في عرف بلادنا سليقة لأنها تسلق بالماء المغلي. قوله: (فلا حنث إلا بالنية) ولو نوى ما يتخذ منها صح ولا يحنث بأكل عينها. ذخيرة، قوله: (وهي مسألة المختصر) أي المتن:
81 أي أنه يحنث بأكل عينها لو مغلية (1) أو مقلية لا لو نيئة ولا بنحو خبزها. مطلب: لا يأكل هذا البر قوله: (فيحنث بأكلها كيف كان) لعل وجهه أنه إذا وجدت الإشارة بدون تسمية تعتبر ذات المشار إليه سواء بقيت على حالها أو حدث لها اسم آخر. قوله: (فيحنث بأكلها ولو نيئة) أي بخلاف الحنطة المعرفة وهو الوجه الأول فإنه لا يحنث بالنئ منها. وأما عدم الحنث بالخبز ونحوه كالدقيق والسويق، فقد اشترك فيه المعرفة والنكرة لتقيد الحلف بالاسم، فإن الخبز ونحوه لا يسمى حنطة على الاطلاق، بل يقال: خبز حنطة، لكن يبقى الكلام في وجه الفرق بينهما في النئ حيث دخل في المنكر دون المعرف، ولعل وجهه أن حنطة نكرة في سياق النفي، فتعم جميع أنواع مسماها، بخلاف المغرفة فإنها تنصرف إلى المعهودة في الاكل والنئ غير معهود فيه، هذا غاية ما ظهر لي في هر لي في توجيهه، لكن ما ذكر من الفرق بينهما مبني على أن المنظور إليه لفظ حنطة، أما لو نظرنا إلى لفظ أكلت الحنطة فإنه لا يظهر الفرق، إذ قولك أكلت حنطة مثله في أنه يراد به حقيقته أو مجازه المستعمل على الخلاف بين الامام وصاحبيه، ويؤيده ما مر عن الفتح من رده ما ذكره شيخ الاسلام، وإن كان من جهة أخرى، وكذا يؤيده ما قدمناه في لا أركب دابة فلان، وفي لا آكل لحما، حيث اعتبر لفظ أركب وآكل فصرف إلى المعهود وقيد به لفظ دابة ولفظ لحما بلا فرق بين معرفة ومنكره، والله سبحانه أعلم. قوله: (لم يحنث بالخارج) أي اتفاقا. نهر. وهذا إذا لم يقل حنطة بالتنكير. قوله: (بما يتخذ منه) في النوازل: لو اتخذ منه خبيصا أخاف أن يحنث، وينبغي أن لا يتردد في حنثه إذا أكل منه ما يسمى في ديارنا بالكسكس. نهر. وهو المسمى في الشام بالمغربية مثله الشعيرية. قوله: (في الأصح) احتراز عما قيل إنه يحنث لأنه حقيقة كلامه، قلنا نعم، ولكن حقيقة مهجورة، ولما تعين المجاز سقطت الحقيقة كقوله لأجنبية إن نكحتك فعبدي حر، فزني بها لا يحنث لانصراف يمينه إلى العقد فلم يتناول الوطئ إلا أن ينويه. فتح. قوله: (كما مر في أكل عين النخلة) إلا أنه لو نوى أكل عين الدقيق لم يحنث بأكل خبزه، لأنه نوى الحقيقة. بحر: أي بخلاف النخلة بناء علما مر عن الولوالجية. قوله: (فالشامي بالبر الخ) هذا حيث لا مجاعة، وإلا فالظاهر أن المراد ما يسمى خبزا في ذلك الوقت. قوله: (والطبري) نسبة إلى طبرستان وهي اسم آمل وأعمالها، سميت بذلك لان أهلها كانوا يحاربون بالفأس، ومعناها بالفارسية: أخذ الفأس بيده اليمنى، والمراد بالفأس الطبر، وهو معرب تبر كما في الفتح مطلب: لا يأكل خبزا قوله: (فلو دخل الخ) عبارة الفتح: قال العبد الضعيف: وقد سئلت لو أن بدويا اعتاد أكل
(1) قوله: (ولو مغلية) مقتضى عبارته في هذا المحل انه اسم مفعول من الثلاثي مع أنه لازم ويتعدى بالهمزة كما في المصباح فيقال في اسم مفعوله مغلي ومغلاة لا مغلى ومغلية ا ه مصححه. 82 خبز الشعير فدخل بلد المعتاد فيها أكل خبز الحنطة واستمر هو لا يأكل إلا الشعير، فحلف لا يأكل خبزا فقلت ينعقد على عرف نفسه فيحنث بالشعير، لأنه لم ينعقد على عرف الناس، إلا إذا كان الخالف يتعاطاه فهو متهم فيهم فيصرف كلامه إليه لذلك، وهذا منتف فيمن لم يوافقهم بل هو مجانب لهم اه. فقول الشارح: لان العرف الخاص معتبر ليس لفظه موجودا في الفتح، بل معناه فهم منه، فافهم. وقال المصنف في منحه: قلت: وبهذا ظهر أن قول بعض المحققين أن مذهب عدم اعتبار العرف الخاص ولكن أفتى كثير باعتباره محله فيما عدا الايمان، أما هي فالعرف الخاص معتبر فيها يعرف ذلك من تتتبع كلامهم، ومما يدل عليه ما في فتح القدير الخ. قوله: (انصرف إلى الخابزة الخ) الأوضح أن يقال: انصرف إلى ما تضربه في التنور لا ما تعجنه وتهيئه للضرب. فيكون المعنى: لو قال لا آكل من خبز هند فإن كانت خبزته في التنور حنث، وإن كانت عجنته وهيأته: أي قطعته أقراصا للخبز وخبزه غيرها لا يحنث، وإلا فبعد التصريح باسمها لا يدخل غيرها، إلا أن يكون المراد بقوله من خبز فلانة أنه ذكر لفظ فلانة فيكون مشتركا يتناول الخابزة والعاجنة، ثم هذا كله لو كان مراده بالإضافة إضافة الصنعة، أما لو أراد إضافة الملك فإنه يحنث بالخبز المملوك لها، ولو كان العاجن والخابز غيرها كما لا يخفى. قوله: (ومنه) أي من الخبز الرقاق، وينبغي أن يخص ذلك بالرقاق البيساني بمصر، أما الرقاق الذي يحشى بالسكر واللوز فلا يدخل تحت اسم الخبز في عرفنا كما لا يخفي. بحر. قلت: وذلك كالذي يعمل منه البقلاوي والسنبوسك، وينبغي أيضا أن لا يحنث بالكعك والبقسماط لأنه لا يسمى خبزا في العرف. قوله: (لا الفطائر) الذي في الفتح والبحر: القطائف، وأما الفطائر فالظاهر أنها كذلك، فهي اسم عندنا لما يعجن بالسمن ويخبز أقراصا كالخبز ولا يسمى خبزا في العرف، وكذا ما يوضع في الصواني ويخبز ويسمى بغاجه لا يحنث به، وكذا الزلابية. قوله: (والثريد الخ) فعيل بمعنى مفعول وهو أن تفت الخبز ثم تبله بمرق، مصباح، قال في الفتح: ولا يحنث بالثريد لأنه لا يسمى خبزا مطلقا، وفي الخلاصة: لا يأكل من هذا الخبز وأكله بعد ما تفتت لا يحنث لأنه لا يسمى خبزا، ولا يحنث بالعصيد والططماج، ولا يحنث لو دقه فشربه، وعن أبي حنيفة في حيلة أكله أن يدقه فيلقيه في عصيدة ويطبخ حتى يصير الخبز هالكا اه ما في الفتح. ومثله في البحر. قلت: ومقتضى هذه الرواية أن يحنث لو فته بلا طبخ، وكذا لو جعله ثريدا، لان قوله: حتى يصير الخبز هالكا، يقتضي أن بقاء عينه يخرجه عن كونه خبزا، وهذا موافق لعرفنا الآن، ويؤيده ما قدمه الشارح في حلفه: لا يأكل تمرا فأكل حيسا فإنه لا يحنث، لأنه تمر مفتت وإن ضم إليه شئ من السمن أو غيره، نعم لو دق الخبز وشربه بماء لا يحنث لأنه شرب لا أكل، وكذا لو حلف لا يأكل رغيفا وفت أرغفة وأكل منها لا يحنث، بخلاف ما إذا فت رغيفا واحدا وأكله كله فإنه يحنث، هذا ما يقتضيه عرف زماننا، والله أعلم.
83 مطلب: لا يأكل طعاما قوله: (وحنث في لا يأكل طعاما الخ) الأنسب ذكر هذه المسائل بعد قوله: والشواء والطبيخ على اللحم كما فعل في البحر، ثم إن ما ذكره من الخل والزيت والملح لا يسمى في عرفنا طعاما، فينبغي الجزم بعدم حنثه، ثم رأيته في النهر كما يأتي، وكذا في ح حيث قال: هذا في عرفهم، أما في عرفنا فالطعام كالطبيخ ما يطبخ على النار. قوله: (ولو بطعام نفسه) أي ولو خلط ذلك بطعام نفسه. قوله: (إن يحنث لو عصر سال السمن) هذا مبني على ما في مختصر الحاكم، واعتبر في الأصل وجود الطعم كما قدمناه أول الباب. قوله: (لم يحنث) لان العرف في قولنا أكل طعاما ينصرف إلى أكل الطعام المعتاد والتقييد بالاضطرار للحل، وإلا فلا يحنث بدونه الأولى. قوله: (على اللحم المشوي والمطبوخ بالماء) لف ونشر مرتب، وخرج ما يشوي أو يطبخ من غير اللحم، قال في النهر: فلو حلف لا يأكل شواء لا يحنث بأكل الجزر والباذنجان المشويين، إلا أن ينوي كل ما يشوي، وكذا لو حلف لا يأكل طبيخا لا يحنث، إلا بأكل اللحم المطبوخ بالماء، لتعذر التعميم إذ الدواء مما يطبخ، وكذا الفول اليابس، فصرف إلى أخص الخصوص، هو ما ذكرنا عملا بالعرف فيهما وفي عطف الطبيخ على الشواء إيماء إلى تغايرهما، وهذا لأن الماء مأخوذ في مفهوم الطبيخ، وإلا لكانا سواء، ولذا لو أكل قلية لم يحنث لأنها لا تسمى طبيخا، وتمامه فيه، وفي البحر عن الفتح: وإن أكل من مرقه يحنث لما فيه من أجزاء اللحم، ولأنه يسمى طبيخا وإن كان لا يسمى لحما كما قدمناه اه. أي فيما إذا حلف لا يأكل لحما لا يحنث بالمرق فإنه لا يسمى لحما، وإن كان فيه أجزاء اللحم. قوله: (كجبن) الذي في النهر: خبز. قوله: (لكن في عرفنا لا) عبارة النهر: وأنت خبير أن الطعام في عرفنا لا يطلق على ما ذكر، فينبغي أن يجزم بعدم حنثه اه. ورأيت بهامش نسخة النهر عن خط بعض العلماء ما نصه: الذي رأيته بخط الشارح: وأنت خبير بأنه في عرف أهل مصر مرادف للطبيخ لا يطلق علي غيره، فينبغي أن لا يحنث إلا بما يسمى طبيخا اه. ثم رأيت في الخانية: لا يشتري طعاما فاشترى حنطة حنث. قال الفقيه أبو بكر البلخي: في عرفنا الحنطة لا تسمى طعاما إنما الطعام هو المطبوخ. قوله: (ما يباع في مصره) وهو ما يكبس في التنور: أي يطم ويدخل فيه، وهذا لان العموم المتناول للجراد والعصفور غير مراد، فصرفناه إلى ما تعورف. نهر. قال في البحر: وفي زماننا هو خاص الغنم فوجب على المفتي أن يفتي بما هو المعتاد في كل مصر وقع فيه حلف الحالف، كما أفاده في المختصر وما في التبيين من أن الأصلي اعتبار الحقيقة اللغوية إن أمكن العمل بها وإلا فالعرف الخ، مردود لأن الاعتبار أنما هو للعرف، وتقدم أن الفتوى على أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي، ولذا قال في فتح القدير:
84 ولو كان هذا الأصل المذكور منظورا إليه لما تجاسر أحد على خلافه في الفروع اه. وفي البدائع: والاعتماد إنما هو على العرف اه. قوله: (والطبيخ) بكسر الباء، ويقال الطبيخ أيضا أخضر كان أو أصفر. وذكر السرخسي أن البطيخ ليس من الفاكهة وما هنا رواية القدوري، ورواه الحاكم الشهيد في المنتقى عن أبي يوسف. نهر. قوله: (والمشمش) بكسر الميمين وفتحهما كما في المختار، وبضمهما نقله الأجهوري الشافعي. محشي التحرير. مطلب: لا يأكل فاكهة قوله: (ونحوها) كالخوخ والسفرجل والإجاص والكمثرى، فيحنث بأكل هذه الأشياء في حلفه يأكل الفاكهة لأنها اسم لما يتفكه به: أي يتنعم قبل الطعام وبعد زيادة على المعتاد من الغذاء الأصلي. وفي المحيط: ما روي أن الجوز واللوز فاكهة في عرفهم، أما في عرفنا فإنه لا يؤكل للتفكه. نهر. قوله: (خلافا لهما) لأنها مما قد يتغذى بها فسقطت عن كمال التفكه، فلا يتناولها مطلق الفاكهة، وأما عندهما، فهي فاكهة نظرا للأصل، وعليه الفتوى، ولا خلاف أن اليابس منها كالزبيب والتمر وحب الرمان ليست بفاكهة كما في الكرماني. قهستاني. وكذا لا خلاف في القثاء والخيار والفقوس والعجور. والحاصل أنه لا خلاف في أن النوع الأول فاكهة كما لا خلاف في أن الأخير ليس بفاكهة، وفي الوسط خلاف نهر قوله: (خلاف عصر) أي أن الإمام قال: إن العنب وأخويه ليس بفاكهة، لأنه كان في زمنه لا يعد منها، وعد منها في زمنهما. ولقائل أن يقول: مبنى هذا الجمع على اعتبار العرف والاستدلال بأنها قد يتغذى بها مبناه اللغة. ويمكن الجواب بجواز كون العرف وافق اللغة في زمنه ثم خالفها في زمانهما وتمامه. في الفتح. قوله: (فيحنث بكل الخ) صرح بذلك في الذخيرة. مطلب: حلف لا يأكل حلوى قوله: (ما ليس من جنسه حامض) كالتين والتمر، فإنه ليس من جنسه حامض فخلص معنى الحلاوة فيه، فلو أكل عنبا أو بطيخا أو رمانا أو إجاصا لم يحنث، لان من جنسه ما ليس بحلو، وكذا إذا حلف لا يأكل حلاوة فهو كالحلوى، وتمامه في البحر. قوله: (لكن الخ) استدراك على المتن حيث أطلقه، مع أن ما ذكره تفسيرا للحلوى عندهم وقالوا: المرجع فيه إلى العرف. قال في البحر: والحاصل أن الحلو والحلوى والحلاوة واحد، وأما في عرفنا فالحلو اسم للعسل المطبوخ على النار بنشا ونحوه، وأما الحلوى والحلاوة فاسم لسكر أو عسل أو ماء عنب طبخ وعقد، والحلاوة الجوزية والسمسمية ا ه. قلت: وفي زماننا الحلو كل ما يتحلى به من فاكهة وغيرها كتين وعنب وخبيصة وكنافة وقطائف، وأما الحلاوة والحلوى بالقصر (1) فهي اسم لنوع خاص كالجوزية والسمسمية مما يعقد،
(1) قوله: (بالقصر) وفي القاموس الحلواء ويقصر معروف ا ه. (فائدة) من نظم سيدي علي الأجهوري المالكي قوله: قدم على الطعام توتا خوخا * والبطيخا والتين والمشمش وبعده الإجاص كمثري رطب * ومثله الرمان أيضا والعنب ومعه الخيار والجميز * قثا وتفاح كذاك الموز ا ه. 85 وكذا ما يطبخ من السكر أو العسل بطحين أو نشأ. قوله: (لا حنث في فانيذ) فيه نظر. ففي المصباح: الفانيذ نوع من الحلوى يعمل من القند والنشا ا ه. وفيه أيضا القند ما يعمل منه السكر، فالسكر من القند كالسمن من الزبد. قوله: (والإدام ما يصطبغ به الخبز) في المغرب صبغ الثوب يصبغ حسن وصباغ وهو ما يصبغ به، ومنه الصبغ والصباغ من الادام، لان الخبز يغمس فيه ويلون به كالخل والزيت ا ه وفي المصباح: ويختص بكل إدام مائع كالخل، وفي التنزيل * (والصبغ للآكلين) * (المؤمنون: 20) قال الفارابي: واصطبغ بالخل وغيره: وقال بعضهم واصطبغ من الخل، وهو فعل لا يتعدى إلى مفعول صريح، فلا يقال اصطبغ الخبز بخل ا ه. وفي الفتح: والاصطباغ افتعال من الصبغ، ولما كان ثلاثيه وهو صبغ متعديا لواحد جاء الافتعال منه لازما، فلا يقال اصطبغ الخبز لأنه لا يصل إلى المفعول بنفسه حتى يقال يقام الفاعل إذا بنى الفعل له، وإنما يقام غيره من الجار والمجرور ونحوه فلذا يقال اصطبغ به ا ه. قلت: وبه علم أنه كان على الشارح أن لا يذكر لفظ الخبز وإن تبع فيه النهر. قوله: (لذوبه في الفم) جواب عما يقال: إنه لا يصبغ به. تأمل قوله: (به يفتى) وبه أخذ الفقيه أبو الليث. قال في الاختيار: وهو المختار عملا بالعرف. وفي المحيط: وهو الأظهر. مطلب: حلف لا يأكل إداما أو لا يأتدم قوله: (وفيه) أي البحر حيث قال: وفي المحيط: قال محمد: التمر والجوز ليس بإدام لأنه يفرد بالاكل في الغالب، فكذا العنب والبطيخ والبقل لأنه لا يؤكل تبعا للخبز بل يؤكل وحده غالبا، وكذا سائر الفواكه، حتى لو كان في موضع يؤكل تبعا للخبز غالبا يكون إداما عنده اعتبارا للعرف ا ه. وذكر في البحر أيضا: وإذا أكل الادام وحده، فإن كان حلف لا يأكل إداما حنث، وإن حلف لا يأتدم بإدام لا يحنث فلا بد أن يأكل معه الخبز، كما أشار في الكشف الكبير ا ه. قوله: (وبقل) يعتاد في زماننا أكل الفقراء الخبز بالبصل والنعنع والطرخون. قوله: (وفي البدائع الخ) مخالف لقوله قبله وجوز إلا أن يحمل قبله على الرطب، وقدمنا عن المحيط أن ما روي من أن الجوز واللوز فاكهة هو في عرفهم لا في عرفنا إلا أن يحمل على اليابس وهو بعيد، فالظاهر أن ما في البدائع مبني على عرفهم، وأيضا فإن الجوز اليابس لا يؤكل الآن مع الخبز غالبا، وإنما يفرد بالاكل، وقد علمت أن المعتبر في الادام ما يؤكل تبعا للخبز في الغالب، وليس المراد كل ما يمكن أكله مع الخبز، ولذا لم يحنث بالفاكهة مع الخبز، وكذا لو أكل مع الخبز كنافة أو قطائف، لان
86 الغالب أكل ذلك وحده لا مقرونا بالخبز فلا يسمى إداما، نعم يقال في العرف: لا آكل هذا الرغيف إلا حافا، ويراد بالحاف أكله بلا شئ معه، فإذا قرن معه فاكهة أو نحوها يحنث تأمل. قوله: (وهذا إن وجد الخ) وكذا لو حلف لا يأكل ملحا فأكل طعاما إن كان مالحا حنث، وإلا فلا. وقال الفقيه: لا يحنث ما لم يأكل عين الملح مع الخبز أو مع شئ آخر لان عينه مأكول، بخلاف الفلفل، وعليه الفتوى، فإن كان في يمينه ما يدل على أنه يراد به الطعام المالح فهو على ذلك. خانية. قلت: وكذا يقال في اللحم ونحوه، ولكن ينبغي الحنث في عرفنا في اللحم مطلقا إذا كان ظاهرا في الحشو فإنه يسمى آكلا له. قوله: (ويزاد في الزعفران رؤية عينه) مقتضى قوله: ويزاد أنه لا بد من وجود طعمه أيضا لكن بعيد. وفي البزازية: لا يأكل زعفرانا فأكل كعكا على وجه زعفران يحنث. قوله (فطبخه بأرز) أي وإن لم يجعل فيه ماء ويرى عينه إلا أن ينوي ما يتخذ منه كما قدمناه أول الباب عن الخانية، ومثله في البزازية لكنه قال بعده: وفي النوازل إن كان يرى عينه ويجد طعمه يحنث. قوله: (ولا ينظر الخ) ذكر هذه وما بعدها لكونها من تمام كلام الصيرفية، وإلا فهي استطرادية ليست من مسائل الباب. قوله: (وإلى رأسه وظهره وبطنه حنث) فصل فيه في التاترخانية، وكذا قال في البزازية: وإن رأى الصدر والظهر والبطن أو أكثر الصدر والبطن فقد رآه، وإن أقل من النصف لا، وإن رآه ولم يعرفه فقد رآه، وإن رآها جالسة أو متنقبة أو متقنعة فقد رآها، إلا إذا عنى رؤية الوجه فيدين لا قضاء أيضا، وإن رآه خلف الزجاج أو الستر وتبين الوجه يحنث لا من المرآة. قوله: (بمس اليد والرجل) مفاده أنه إذا مس غيرهما لا يحنث وفيه نظر. وقد يقال: إنما قيد بهما لذكرهما في النظر: أي فالمس يخالف النظر في ذلك فلا ينافي أنه يحنث بمس غيرهما ط. مطلب: عرض عليه اليمين فقال: نعم قوله: (كان حالفا) لأنه إذا قال والله لتفعلن كذا فقال نعم كأنه يصير قال والله لأفعلن، لان ما في السؤال معاد في الجواب كما سيأتي آخر الايمان. قوله: (لكن في فوائد شيخنا عن التاترخانية الخ) ما عزاه إلى التاترخانية خلاف الموجود فيها، فإنه ذكر فيها مسألة ثم قال: وهذه المسألة تشير إلى أن الرجل إذا عرض على غيره يمينا من الايمان فيقول ذلك الغير نعم أنه يكفي ويصير حالفا بتلك اليمين التي عرضت عليه، وهذا فصل اختلف فيه المتأخرون، قال بعضهم لا يكفي، وقال بعضهم يكفي، وهذه المسألة دليل عليه وهو الصحيح ا ه. فعلم أن قوله في الفوائد لا يصير حالفا صوابه يصير بدون لا كما نبه عليه السيد الحموي، ويؤيده ما قدمناه عن الخانية قبيل قوله: إن فعل كذا فهو كافر، وفي آخر أيمان الفتح: ولو قال عليك عهد الله إن فعلت فقال نعم، فالحالف المجيب ولا يمين على المبتدئ ولو نواه ا ه: أي لان قوله: عليك صريح في التزام العهد: أي
87 اليمين على المخاطب، فلا يمكن أن يكون يمينا على المبتدئ، بخلاف ما إذا قال والله لتفعلن وقال الآخر نعم، فإنه إذا نوى المبتدئ التحليف والمجيب الحلف يصير كل منهما حالفا الخ ما نقله ح عن البحر، فراجعه. وفي مجموع النوازل: قال لآخر: والله لا أجئ إلى ضيافتك فقال الآخر ولا تجئ إلى ضيافتي فقال نعم يصير حالفا ثانيا ا ه. وبه جزم في الذخيرة والفتح، وبما ذكرناه مع ما قدمناه عن الخانية علم أنه لا فرق بين التعليق والحلف بالله تعالى، فافهم. قوله: (ثم فرع) من كلام المصنف، فالضمير عائد إلى شيخه. قوله: (أن الشاهد) أي كاتب القاضي، وهذا بدل من قوله: أن ما يقع. قوله: (يقول للزوج تعليقا) أي يقول له كلاما فيه تعليق كأن يقوله له: إن تزوجت عليها تكن طالقا. قوله: (لا يصح على الصحيح) أي المنقول عن التاترخانية، وقد علمت أنه خلاف ما فيها، فالصحيح أنه يصح كما مر عن الصيرفية ولم يثبت اختلاف التصحيح، فافهم. مطلب: حلف لا يتغدى أو يتعشى قوله: (التغذي الخ) هذا أولى من قول غيره الغداء والعشاء، لان الغداء والعشاء بفتح أولهما مع المد اسم لما يؤكل في الوقتين لا للآكل فيهما، والمحلوف عليه الاكل فيهما لا المأكول، وإن أجاب عنه في الفتح بأنه تساهل معروف المعنى لا يعترض به ا ه. قوله: (الاكل المترادف) فلو أكل لقمتين ثم فصل بزمن يعد فاصلا ثم أكل لقمتين وهكذا لا يكون غداء ط. قوله: (الذي يقصد به الشبع) احترز به عن نحو لقمة ولقمتين أو أكثر ما لم يبلغ نصف الشبع كما في الفتح، وأما الاحتراز عن نحو اللبن والتمر فسيذكره في قوله: مما يتغدى به عادة فافهم. قوله: (وكذا التعشي) ومثله التسحر على الظاهر ه. قوله: (أكثر من نصف الشبع) كذا في البحر عن الزيلعي، والظاهر أن المراد به الشبع المعتاد له لا الشرعي كالثلث، وظاهره عدم الحنث بأكل نصف الشبع ط. وقوله: (فيدخل وقت الغداء) وينتهي إلى العصر، لأنه أول وقت العشاء في عرفنا كما يأتي. قوله: (إلى زوال الشمس) غاية لقوله: وهو ما بعد طلوع الفجر وكان المناسب عدم الفصل بينهما. قوله: (وغداء كل بلدة ما تعارفه أهلها) يغني عنه ما قبله ومثله العشاء والسحور ط. قوله: (حتى لو شبع الخ) قال الكرخي: إذا حلف لا يتغذى فأكل تمرا أو أرزا أو غيره حتى شبع لا يحنث، ولا يكون غداء حتى يأكل الخبز، وكذلك إن أكل لحما بغير خبز اعتبارا للعرف، كذا في الاختيار ونحوه فئ البحر والفتح، والظاهر أنه مبني على أن المراد بالغداء ما يتغدى به في العرف غالبا، وهذا وإن كان يتغدى به في العرف لكنه قليل، ونظيره ما مر في الادام، وفي البحر عن المحيط: لو تغدى بالعنب لا
88 يحنث، إلا أن يكون من أهل الرستاق من عادتهم التغدي به في وقته. قوله: (بعد صلاة العصر) والظاهر أنه ينتهي إلى دخول وقت السحور. قوله: (والسحور) بالفتح ما يؤكل، وبالضم فعل الفاعل. مصباح. والمناسب هنا ضبطه بالضم لقوله: هو الاكل وليناسب التعبير بالتغدي والتعشي. قال في الفتح: لما كان السحور ما يؤكل في السحر والسحر من الثلث الأخير، سمي ما يؤكل في النصف الثاني لقربه من الثلث الأخير سحورا بالفتح، والاكل فيه التسحر ا ه. قلت: في زماننا لا يطلقون السحور إلى علي ما يؤكل ليلا لأجل الصوم. مطلب: قال إن أكلت أو شربت ونوى معينا لم يصح قوله: (ونحو ذلك) كما لو حلف لا يركب أو لا يغتسل، أو لا ينكح، أو لا يسكن دار فلان، أو لا يتزوج امرأة ونوى الخيل أو من جنابة امرأة معينة، أو بالإجارة أو الإعارة أو كوفية لم تصح نيته أصلا. نهر. قوله: (أي خبزا أو لبنا الخ) لف ونشر مرتب، وأفاد أنه ليس المراد بالمعين الفرد الشخصي، بل ما يعم النوعي. قوله: لم يصدق أصلا أي لا قضاء ولا ديانة، لأن النية إنما تعمل في الملفوظ لتعين بعض محتملاته وما نواه غير مذكور نصا فلم تصادف النية محلها فلغت. نهر قوله: (وقيل يدين) هو رواية عن الثاني، واختاره الخصاف لأنه مذكور تقديرا وإن لم يذكر تنصيصا. وأجيب بأن تقديره لضرورة اقتضاء الاكل مأكولا، وكذا اللبس والشراب، والمقتضى لا عموم له كذا قالوا. والتحقيق أن هذا ليس من المقتضى، لأنه ما يقدر لتصحيح المنطوق بأن يكون الكلام كذبا ظاهرا كرفع الخطأ والنسيان، أو غير صحيح شرعا كأعتق عبدك عني، وقولك لا آكل خال عن ذلك، نعم المفعول: أعني المأكول من ضروريات وجود الاكل، ومثله ليس من المقتضي بل من حذف المفعول اقتصارا، وإلا لزم أن يكون كل كلام مقتضي، إذ لا بد أن يستدعي مكانا وزمانا، وحيث كان هذا المصدر ضروريا للفعل لا يصح تخصيصه وإن عم بوقوعه في سياق النفي، فإن من ضرورة ثبوت الفعل في النفي ثبوت المصدر العام بدون ثبوت التصرف فيه بالتخصيص، فإن عمومه ضرورة تحقق الفعل في النفي فلا يقبل التخصيص، بخلاف إن أكلت أكلا فإن الاسم مذكور صريحا فيقبله، وتمامه في الفتح قوله: كما لو نوى الخ أي كما يصدق ديانة لو نوى كل الأطعمة أو المياه، حتى لو أكل طعاما أو طعامين أو أكثر لا يحنث، وكذا لو شرب مدة عمره لأنه لم يأكل الكل ولم يشرب الكل. ثم اعلم أنه لا محل لتذكر هذه المسألة هنا، بل محلها بعد قوله: ولو ضم طعاما الخ كما فعله في البحر: أي فيما صرح بالمفعول كما نبه عليه، ويدل عليه التعليل بقوله: لنيته محتمل كلامه لأنه إذا لم يصرح به ويكون معناه لا أوجد أكلا أو شربا أو لبسا فيحنث بكل أكل وجد، ولذا لم تصح نيته المعين منه، بخلاف ما إذا صرح به، لان طعاما المذكور يحتمل البعض والكل، فأيهما
89 نوى صح، ولذا نقل في البحر عن المحيط أنه يصدق قضاء أيضا، وعلله في البدائع بأنه نوى حقيقة كلامه، ثم نقل عن الكشف أنه إنما يصدق ديانة فقط، وقال: لأنه خلاف الظاهر، لان الانسان إنما يمنع نفسه عما يقدر عليه والكل ليس في وسعه، وفيه تخفيف عليه أيضا، وتمامه فيه. أقول: ويظهر لي ترجيح الأول، لأنه إذا نوى البعض إنما يصدق ديانة فقط كما يأتي، وهذا لا نزاع فيه، ويلزم منه أن يصدق قضاء وديانة إذا نوى الكل، لأن عدم تصديقه في الأول قضاء، لأنه خلاف ظاهر اللفظ، فيكون الظاهر العموم، وإلا لزم تصديقه اقتضاء في نية الخصوص. وفي تلخيص الجامع: إن كلمت بني آدم أو الرجال أو النساء حنث بالفرد، إلا أن ينوي الكل، قال شارحه: فيصدق ديانة وقضاء لا يحنث أبدا، لان الصرف إلى الأدنى عند الاطلاق لتصحيح كلامه، فإذا نوى الكل فقد نوى حقيقة كلامه فيصدق، وقيل: لا يصدق قضاء لان الحقيقة مهجورة ا ه. وسيأتي هذا آخر الباب، وتعبيره عن الثاني بقبل يفيد ضعفه، وترجيح الأول كما قلنا، فافهم. قوله: (دين) أي يؤكل إلى دينه فيما بينه وبين ربه تعالى، وأما القاضي فلا يصدقه لأنه خلاف الظاهر، وقدمنا في الطلاق أن المرأة كالقاضي. قوله: (لأنه نكرة في سياق الشرط فتعم) لان الحلف في الشرط المثبت يكون على نفيه، فقوله إن لبست ثوبا في معنى: لا ألبس ثوبا. قوله: (إلا في ثلاث فيدين الخ) يعني لو قال: إن خرجت فعبدي حر نوى السفر مثلا، أو إن ساكنت فلانا فعبدي حر ونوى المساكنة في بيت واحد يدين، لان الخروج في نفسه متنوع إلى سفره وغيره حتى اختلفت أحكامهما، فقبلت إرادة أحد نوعيه، وكذا المساكنة متنوعة إلى كاملة هي المساكنة في بيت واحد، ومطلقة وهي ما تكون في دار، فإرادة المساكنة في بيت إرادة أخص أنواعها كما في الفتح. وحاصله: أن النية صحت هنا لكون المصدر متنوعا باعتبار عمومه، فهو تخصيص أحد نوعي الجنس وزاد في تلخيص الجامع: إن اشتريت ونوى الشراء لنفسه: أي فتصح نيته ديانة، وإن لم يذكر المفعول لتنوع الشراء، فإنه تارة يكون لنفسه، وتارة يكون لموكله ولذا رتب على الأول الملك لنفسه، وعلى الثاني الملك للموكل، وهذا بخلاف ما إذا نوى الخروج لبغداد أو المساكنة بالإجارة أو الشراء لعبد، فإن الفعل فيه غير متنوع، فلم يصح تخصيصه بالنية بدون ذكر، كما في شرح التلخيص. قلت: ونظير ذلك ما إذا قال أنت بائن ونوى الثلاث أو الواحدة يصح، بخلاف نية الثنتين، لان البينونة نوعان: غليظة، وخفيفة، فتصح نية إحداهما بخلاف الثنتين لأنه عدد محض كما مر تقريره في محله لكنه يصدق في نية البينونة قضاء. قال في الفتح: وكذا لو حلف لا يتزوج امرأة ونوى كوفية أو بصرية لا يصح، لأنه تخصيص الصفة، ولو نوى حبشية أو عربية صحت ديانة لأنه تخصيص الجنس، ثم قال: وكون إرادة نوع ليس تخصيصا للعام مما لا يقبل المنع لأنه لا يخرج عن قصر عام على بعض متناولاته ا ه. أقول: قد يقال لا عموم هنا ولا تخصيص لعام، وإنما هو إرادة أحد محتملي اللفظ المشترك أو أحد نوعي الجنس كما في التوضيح والتلويح، والأول أولى، وبيانه أن الخروج مشترك بين سفر
90 والانفصال من داخل إلى خارج، وكذا المساكنة مشتركة بين الكاملة وهي ما تكون في بيت واحد، ومطلقة وهي ما تكون في الدار مطلقا، وكذا الشراء فإنه يحتمل الخاص وهو ما يكون له والمطلق، ولكن لما كان المتبادر عرفا هو المعنى الثاني في المسائل الثلاث صدق ديانة فقط في نية المعنى الأول منها، ولا يصدقه القاضي لأنه خلاف الظاهر، وله نظائر في تلخيص الجامع لو قال: إن جامعتك أو باضعتك فهو على الجماع في الفرج لأنه المتفاهم عرفا إلا أن ينوي ما دونه للاحتمال لكن لا يصرف عن الظاهر في القضاء فيحنث بهما: أي إذا نوى ما دونه يحنث به عملا بإقراره على نفسه بالحنث، ويحنث بالجماع في الفرج لتبادره، وكذا إن وطئتك فعبدي حر إلا أن يعني الوطئ بالقدم، وفي إن أتيتك ينوي لاستواء احتمالي الجماع والزيارة، لكن لو نوى الزيارة حنث بالجماع لأنه زيارة وزيادة ا ه. وبما قررناه: ظهر الفرق بين هذه المسائل المستثناة وبين ما مر في لا آكل ونحوه فإن حقيقة الاكل فيه واحدة فلم تصح نية التخصيص، بخلاف ما إذا صرح بالمفعول فإنه لفظ صريح فيصح تخصيصه، لكن نية التخصيص إنما تصح فيما كان من أفراد ذلك العام وهو المأكولات كالخبز ونحوه دون ما كان من متعلقاته الضرورية كالزمان والمكان والوصف، فلو نوى في زمان كذا لم يصح، ومثله لا أتزوج امرأة ونوى حبشية أو عربية فإنها بعض أفراد العام، لان الانسان أنواع: حبشي، وعربي، ورومي، باعتبار أصوله الذين ينسب إليهم بخلاف كوفية أو بصرية لأنه وصف ضروري راجع إلى تخصيص المكان وهو غير ملفوظ صريحا فلا تصح نيته كبقية الصفات الضرورية ومثله ما في البحر عن البدائع: لا يكلم هذا الرجل ونوى ما دام قائما لم يصح، بخلاف لا يكلم هذا القائم ونوى ذلك يدين لتخصيصه الملفوظ، وكذا لأضربنه خمسين ونوى سوطا بعينه فإنه يبر بأي شئ ضربه، وكذا لا أتزوج امرأة أبوها يعمل كذا وكذا فهو باطل ا ه. وظهر بما قررناه أيضا: أن الاستثناء في المسائل الثلاث في غير محله لأن النية إنما وجدت في الملفوظ أيضا لان الفعل فيها صار مشتركا بواسطة اشتراك المصدر تأمل على أن لا أتزوج امرأة صرح فيه بالمفعول، فهو مثل لا آكل طعاما ولعله ذكره لينبه على أنه إنما يصح فيه تخصيص الجنس فقط دون الوصف، لكن فيه أن لا آكل طعاما كذلك بدليل أنه لو نوى لقمة أو لقمتين لم يصح على أنه يخالفه ما يذكره قريبا فيما لو قال نويت من بلد كذا فإنه يصدق ديانة لا قضاء، ولعل في المسألة قولين يدل عليه أنه في التاترخانية قال وروي عن محمد فيمن قال لا أتزوج امرأة ونوى كوفية أو بصرية الخ وذكر فيها أيضا إن تزوجت فعبدي حر وقال عنيت فلانة وامرأة ممن أهل الكوفة لا يصح، ولو قال إن تزوجت امرأة وقال عنيت فلانة يصح ا ه. وهذا ظاهر لأنه في الأول لم يذكر المفعول. ثم اعلم أنه يرد ما مر في يمين الفور حيث خصص بما دلت عليه القرينة كالغداء المدعو إليه ولعل وجهه أن العرف جعل اللفظ كالمصرح به ولا سيما إذا كان جوابا لكلام قبله لان السؤال معاد فيه فلم يكن تخصيصا للعام الغير مذكور بالنية، وهذا الموضع من مشكلات مسائل الايمان ولم أجد من أعطاه حقه من البيان وما ذكر به هو غاية ما ظهر لفهمي القاصر وفكري الفاتر. مطلب: نية تخصيص العام تصح ديانة لا قضاء، خلافا للخصاف قوله: (نية تخصيص العام تصح ديانة لا قضاء) هذه الجملة بمنزلة التعليل لقوله قبله ولو ضم
91 طعاما أو شرابا أو ثيابا دين لما علمت من أنه إذا ضم ذلك يصير نكرة في سياق الشرط فتعم، والعام تصح فيه نية التخصيص، لكن لا يصدقه القاضي لأنه خلاف الظاهر. واعلم أن الفعل لا يعم ولا يتنوع كما في تلخيص الجامع، لان العموم للأسماء لا للفعل هو المنقول عن سيبويه، كذا في شرحه للفارسي. قلت: ويرد عليه ما مر من مسألة الخروج والمساكنة والشراء، إلا أن يقال كما مر: إن التنوع هناك للفعل بواسطة مصدره لا أصالة. تأمل. تنبيه: قيد بالنية لان تخصيص العام بالعرف يصح ديانة وقضاء أيضا، وأما الزيادة على اللفظ بالعرف فلا تصح، كما أوضحنا ذلك أول باب اليمين في الدخول والخروج. بقي هل يصح تعميم الخاص بالنية، قال في الأشباه: لم أره. قلت: والظاهر أن تعميمه من الزيادة على اللفظ، وإذا لم تصح الزيادة عليه بالعرف فلا تصح بالنية الأولى، لان العرف ظاهر، بخلاف النية. تأمل. قوله: (لا يصدق قضاء) ظاهره أنه يصدق ديانة، وهو مخالف لقوله آنفا لا الصفة ككوفية أو بصرية أي أنه لا يدين فيها كما نبهنا عليه، وما ذكره الشارح مأخوذ من الولوالجية كما ذكره في البحر، ومثله في البزازية حيث قال: كل امرأة من بلد كذا لا يصدق في ظاهر الرواية، وذكر الخصاف أنه يصدق، وهذا بناء على جواز تخصيص العام بالنية فالخصاف جوزه، وفي الظاهر لا، وعلى هذا لو أخذ منه دراهم وحلفه على أنه ما أخذ منه شيئا ونوى الدنانير فالخصاف جوزه، والظاهر خلافه، والفتوى على الظاهر، وإذا أخذ بقول الخصاف فيما إذا وقع في يد الظلمة لا بأس به ا ه. قلت: وهذا كله في القضاء، أما في الديانة فنية تخصيص العام صحيحة بالاجماع كما في البحر وقد مر. والحاصل أن نية تخصيص العام تصح في ظاهر الرواية ديانة فقط، وعند الخصاف تصح قضاء أيضا، وهذا إذا كان العام مذكورا، وإلا فلا تصح نية تخصيصه أصلا في ظاهر الرواية، وقيل يدين كما قدمه الشارح وقدمنا أنه رواية عن الثاني وأنه اختاره الخصاف، فصار حاصل ما اختار الخصاف المذكور في أنه يصدق ديانة وقضاء، وفي غيره ديانة فقط. قوله: (متى حلفه ظالم وأخذ بقوله الخصاف فلا بأس) أقول: المناسب أن يكون أخذ بضم أوله مبنيا للمجهول: أي وأخذ القاضي، إذ لا معنى لاخذ الحالف به قضاء، لان أخذ الحالف بما نواه غير خاص بقول الخصاف. مطلب إذا كان الحالف مظلوما يفتى بقول الخصاف والحاصل: أنه لو حلفه ظالم فحلف ونوى تخصيص العام أو غير ذلك مما هو خلاف الظاهر وعلم القاضي بحاله لا يقضي عليه، بل يصدقه أخذا بقول الخصا ف، وأما إذا لم يكن مظلوما فلا يصدقه، فافهم. قال في الفتاوي الهندية عن الخلاصة ما حاصله: أراد السلطان استحلافه بأنك ما تعلم غرماء فلان وأقرباه ليأخذ منهم شيئا بلا حق لا يسعه أن يحلف، والحيلة أن يذكر اسم الرجل
92 وينوي غيره، وهذا صحيح عند الخصاف لا في ظاهر الرواية، فإن كان الحالف مظلوما يفتى بقول الخصاف، ولو حلفه القاضي ما له عليك كذا فحلف وأشار بأصبعه في كمه إلى غير المدعي صدق ديانة لا قضاء ا ه. مطلب: النية للحالف لو بطلاق أو عتاق قوله: (وقالوا النية للحالف الخ) قال في الخانية: رجل حلف رجلا فحلف ونوى غير ما يريد المستحلف إن بالطلاق والعتاق ونحوه يعتبر نية الحالف إذا لم ينو الحالف خلاف الظاهر ظالما كان الحالف أو مظلوما، وإن كان اليمين بالله تعالى، فلو الحالف مظلوما فالنية فيه إليه، وإن ظالما يريد إبطال حق الغير اعتبر نية المستحلف، وهو قول أبي حنيفة ومحمد ا ه. قلت: وتقييده بما إذا لم ينو خلاف الظاهر يدل على أن المراد باعتبار نية الحالف اعتبارها في القضاء، إذ لا خلاف في اعتبار نية ديانة، وبه علم الفرق بينه وبين مذهب الخصاف، فإن عنده تعتبر نية في القضاء أيضا، ويفتى بقوله إذا كان الحالف مظلوما كما علمت. وفي الهندية عن المحيط: ذكر إبراهيم النخعي اليمين على نية الحالف لو مظلوما، وعلى نية المستحلف لو ظالما، وبه أخذ أصحابنا. مثال الأول: لو أكره على بيع شئ بيده فحلف بالله أنه دفعه لي فلان: يعني بائعه لئلا يكره على بيعه لا يكون يمينه غموس حقيقة، لأنه نوى ما يحتمله لفظه، ولا معنى لان الغموس ما يقتطع به حق مسلم. ومثال الثاني: لو ادعى شراء شئ في يد آخر بكذا وأنكر فحلفه بالله ما وجب عليك تسليمه إلي فحلف ونوى التسليم إلى المدعي بالهبة لا بالبيع، فهذا وإن كان صادق فهو غموس معنى فلا تعتبر نيته. قال الشيخ الامام خواهر زاده: هذا في اليمين بالله تعالى، فلو بالطلاق أو العتاق وهو ظالم أو لا ونوى خلاف الظاهر بأن نوى الطلاق عن وثاق أو العتاق عن عمل كذا أو نوى الاخبار فيه كاذبا فإنه يصدق ديانة، لأنه نوى محتمل لفظه، إلا أنه لو ظالما أثم إثم الغموس، لأنه وإن كان ما نوى صدقا حقيقة إلا أن هذا اليمين غموس معنى لأنه قطع بها حق مسلم ا ه ملخصا. وقوله: ونوى خلاف الظاهر وقوله بعده فإنه يصدق ديانة يدل على أنه لا يصدق قضاء، وهذا على إطلاقه موافق لظاهر الرواية، أما على مذهب الخصاف فيفرق بين المظلوم فيصدق قضاء أيضا وبين الظالم فلا يصدق. والحاصل أن الحالف بطلاق ونحوه تعتبر فيه نية الحالف ظالما أو مظلوما إذا لم ينو خلاف الظاهر كما مر عن الخانية، فلا تطلق زوجته لا قضاء ولا ديانة بل يأثم لو ظالما إثم الغموس، ولو نوى خلاف الظاهر فكذلك، لكن تعتبر نية ديانة فقط، فلا يصدق القاضي بل يحكم عليه بوقوع الطلاق، إلا إذا كان مظلوما على قول الخصاف، ويوافقه ما قدمه الشارح أو الطلاق من أنه لو نوى الطلاق عن وثاق دين إن لم يقرنه بعدد، ولو مكرها صدق قضاء أيضا ا ه. وأما الحلف بالله تعالى فليس للقضاء فيه دخل، لان الكفارة حقه تعالى لا حق فيها للعبد حتى يرفع الحالف إلى القاضي كما في البحر، لكنه إن كان مظلوما تعتبر نيته فلا يأثم لأنه غير ظالم، وقد نوى ما يحتمله لفظه فلم يكن غموسا لا لفظا ولا معنى، وإن كان ظالما تعتبر نية
93 المستحلف فيأثم إثم الغموس وإن نوى ما يحتمله لفظه. قال ح: وهذا مخصص لعموم قولهم نية تخصيص العام تصح ديانة، فاغتنم توضيح هذا المحل. مطلب: حلف لا يشرب من دجلة فهو على الكرع قوله: (يكفيه الكرع) قال في المصباح: كرع الماء كرعا من باب نفع وكروعا شرب بفيه من موضعه، فإن شرب بكفيه أو بشئ آخر فليس بكرع، وكرع في الاناء: أمال عنقه إليه فشرب منه. قوله: (فيمينه على الكرع منه الخ) قال في الفتح: أي بأن يتناوله بفمه من نفس النهر عن أبي حنيفة: يعني إذا لم يكن له نية، فلو نوى بإناء حنث به إجماعا، وقال: إذا شرب منها كيفما شرب حنث، بلا فرق بينه وبين قوله من ماء دجلة ا ه. قلت: هو المتعارف في زماننا، بخلاف من هذا الكوز فإنه على الكرع منه في العرف أيضا. وفي البحر عن المحيط: لا يشرب من هذا الكوز فحقيقته أن يشرب منه كرعا، حتى لو صب على كفه وشرب لم يحنث ا ه. لكن فيه إن وضعه على فمه وشربه منه لا يسمى كرعا كما علم من تعريفه. تأمل قوله: (لم يحنث) لعدم الكرع في دجلة لحدوث النسبة إلى غيره. بحر قوله: (لا يكون إلا بعد الخو ض في الماء) فإنه من الكراع، وهو من الانسان ما دون الركبة ومن الدواب ما دون الكعب، كذا قال الشيخ الامام نجم الدين النسفي، بحر عن الظهيرية. قوله: (لكن في القهستاني الخ) مثله في المنح عن التلويح، وفي النهر: وهذا الشرط أهمله شراح الهداية كغيرهم لما قدمناه عن المغرب: أي من أن الكرع تناول الماء بالفم من موضعه ولو إناء. قوله: (فيحنث بغير الكرع أيضا) كما إذا تناوله بكفه أو بإناء من غير أن يدخل فمه داخله. قوله: (كالبئر والحب) أي إذا لم يكونا ممتلئين، وإلا حنث بالكرع. والحب بالحاء المهملة: الخابية والكرامة عطاؤها، ويقال لك عندي حب وكرامة: يعني خابية وغطاؤها ط. قوله: (ولو تكلف الكرع) أي من أسفل البئر فيما إذا قال: لا أشرب من هذا البئر بدون إضافة ماء قوله: (لعدم العرف) لان اليمين انعقد على غير الكرع لكون الحقيقة مهجورة، كما لا يضع قدمه في دار فلان. تنبيه: قال في الفتح: ونظير المسألتين ما لو حلف لا يشرب من هذا الكوز فصب الماء في كوز آخر فشرب منه لا يحنث بالاجماع، ولو قال من ماء هذا الكوز فصب في كوز آخر فشرب منه حنث بالاجماع، وكذا لو قال من هذا الحب أو من ماء هذا الحب فنقل إلى حب آخر ا ه. مطلب: تصور البر في المستقبل شرط انعقاد اليمين وبقائها قوله: (إمكان تصور البر) قال في المنح: كل ما وقع في هذه المسائل من لفظ تصور فمعناه ممكن وليس معناه متعقل ا ه. فالصواب حينئذ إسقاط تصور كما هو في بعض النسخ ط.
94 قلت: لكن عبر في البحر: وعليه فالمراد بتصوره كونه ذا صورة: أي كونه موجودا، فالمراد إمكان وجوده في المستقبل: أي إمكانه عقلا وإن استحال عادة احترازا عما لا يمكن عقلا ولا عادة كما في المثال الآتي، فهذا لا تنعقد في اليمين ولا تبقى منعقدة، بخلاف ما أمكن وجوده عقلا وعادة أو عقلا فقط مع استحالته عادة كما في مسألة صعود السماء وقلب الحجر ذهبا فإنها تنعقد كما سيأتي. قوله: (في المستقبل) قيد لبيان الواقع، لان المنعقدة لا تتأتى في غيره. قوله: (شرط انعقاد اليمين) أي المطلقة أو المقيدة بوقت. قوله: (ولو بطلاق) تعميم لليمين: أي لا فرق بين اليمين بالله تعالى أو بطلاق. قوله: (وبقائها) أي شرط بقاء اليمين منعقدة، وهذا في اليمين المقيدة فقط، فإذا قال: والله لأوفينك حقك غدا فمات أحدهما قبل الغد بطلت اليمين، بخلاف المطلقة حيث لا يشترط لها تصور البر في البقاء باتفاق كما يأتي في قوله: وإن أطلق وكان فيه ماء فصب حنث. قوله: (إذ لا بد من تصور الأصل الخ) بيانه أن اليمين إنما تنعقد لتحقيق البر، فإن من أخبر بخبر أو وعد بوعد يؤكده باليمين لتحقيق الصدق فكان المقصود هو البر، فلا تجب الكفارة خلفا عنه لرفع حكم الحنث، وهو الاثم ليصير بالتكفير كالبار فإذ لم يكن البر منصورا لا تنعقد. فلا تجب الكفارة ملفا عنه لان الكفارة حكم اليمين، وحكم الشئ إنما يثبت بعد انعقاده كسائر العقود، وتمامه في شرح الجامع الكبير. ثم اعلم أن هذا الأصل وما فرع عليه قولهما. وقال أبو يوسف: لا يشترط تصور البر. مطلب: حلف لا يشرب ماء هذا الكوز ولا ماء فيه أو كان فيه ماء فصب قوله: (ففي حلفه الخ) في محل مفعول فرع. وحاصل المسألة أربعة أوجه: لان اليمين إما مقيدة، أو مطلقة، وكل منهما على وجهين: إما أن لا يكون فيه ماء أصلا، أو كان فيه ماء وقت الحلف ثم صب. ففي المقيدة لا يحنث في الوجهين لعدم انعقادها في الوجه الأول ولبطلانها عند الصب في الثاني، وفي المطلقة لا يحنث أيضا في الوجه الأول لعدم الانعقاد ويحنث في الثاني. قوله: (اليوم) أي مثلا، إذا المراد كل وقت معين من يوم أو جمعة أو شهر. قوله: (أو بنفسه) أي أو انصب بنفسه بلا فعل أحد. قوله: (قبل الليل) أشار إلى أن المراد باليوم بياض النهار فلا يدخل فيه الليل. قوله: (أو لا) صادق بما إذا علم عدم الماء فيه أو لم يعلم شيئا. وقصره الأسبيجابي على الثاني، لأنه إذا علم تقع يمينه على ما يخلقه الله تعالى فيه، وقد تحقق العدم فيحنث. وصحح الزيلعي الاطلاق، وبه جزم في الفتح فقوله في الأصح: قيد للتعميم في قوله: أو لا لكن فصل المصنف في قوله الآتي ليقتلن فلانا بين علمه بموته فيحنث، وبين عدمه فلا، ومثله في الكنى، فيحمل ما هنا على التفصيل الآتي فيقيد عدم حنثه بما إذا لم يعلم، لكن فرق الزيلعي هناك بأن حنثه إذا علم تكون يمينه عقدت على حياة ستحدث وهو متصور، أما هنا فلان ما يحدث في الكوز غير المحلوف عليه ا ه: أي لان المحلوف عليه ماء مظروف في الكوز وقت الحلف دون الحادث بعد.
95 قلت: وفيه نظر، فإنه إذا علم بأنه لا ماء فيه يراد ماء مظروف فيه بعد الحلف، أي ماء سيحدث مثل لأقتلن زيدا، فإن القتل إزهاق الروح، فإذا علم بموته يراد روح ستحدث، لكن سيأتي أن ذات الشخص لم تتغير، بخلاف الماء، فليتأمل. تنبيه: قال ط: هل يأثم إذا علم أنه لا ماء فيه؟ قياس ما مر عن التمرتاشي في ليصعدن السماء الاثم ا ه. قلت: وقد مر أن الغموس تكون على المستقبل فهذا منها. قوله: (لعدم إمكان البر) اعترض بأن البر متصور في صورة الإراقة، لان الإعادة ممكنة. وأجيب بأن البر إنما يجب في هذه الصورة في آخر جزء من أجزاء اليوم بحيث لا يسع فيه غيره، فلا يمكن إعادة الماء في الكوز وشربه في ذلك الزمان ا ه ح عن العناية. قوله: (لوجوب البر في المطلقة كما فرع) قال في الفتح: لقائل أن يقول: وجوبه في الحال إن كان بمعنى تعينه حتى يحنث في ثاني الحال، فلا شك أنه ليس كذلك، وإن كان بمعنى الوجوب الموسع إلى الموت، فيحنث في آخر جزء من الحياة فالمؤقتة كذلك، لأنه لا يحنث إلا في آخر جزء من الوقت الذي ذكره، فذلك الجزء بمنزلة آخر جزء من الحياة، فلأي معنى تبطل اليمين عند آخر جزء من الوقت في الموقتة، ولم تبطل عند آخر جزء من الحياة في المطلقة؟ ا ه. وأجاب في النهر بما حاصله: أن الحالف في الموقتة لم يلزم نفسه بالفعل إلا في آخر الوقت، بخلاف المطلقة لأنه لا فائدة في التأخير. قلت: أنت خبير بأنه غير دافع مع استلزامه وجوب البر في المطلقة على فور الحلف، وإلا فلا فرق فافهم. ويظهر لي الجواب بأن المقيدة لما كان لها غاية معلومة لم يتعين الفعل إلا في آخر وقتها، فإذا فات المحل فقد فات قبل الوجوب، فتبطل ولا يحنث لعدم إمكان البر وقت تعينه، أما المطلقة فغايتها آخر جزء من الحياة، وذلك الوقت لا يمكن البر فيه، ولا خلفه وهو الكفارة، ففي تأخير الوجوب إليه إضرار بالحالف، لأنه إذا حنث في آخر الحياة لا يمكنه التكفير ولا الوصية بالكفارة، فيبقى في الاثم فتعين الوجوب قبله، ولا ترجيح لوقت دون آخر فلزم الوجوب عقب الحلف موسعا بشرط عدم الفوات، فإذا فات المحل ظهر أن الوجوب كان مضيقا من أول أوقات الامكان. ونظيره ما قرروه في القول بوجوب الحج موسعا، فقد ظهر أن المعنى الذي لأجله اعتبر آخر الوقت في الموقتة ولم يعتبر آخر الحياة في المطلقة، هذا ما وصل إليه فهمي القاصر، فتدبره. قوله: (وهذا الأصل) وهو إمكان البر في المستقبل. قوله: (منها الخ) ومنها ما سيذكره المصنف في باب اليمين بالضرب والقتل بقوله: لو حلف ليقضين دينه غدا فقضاه اليوم الخ ومنها ما في البحر: لو قال لها بعد ما أصبح: إن لم أجامعك هذه الليلة فأنت كذا ولا نية له، فإن علم أنه أصبح انصرف إلى الليلة القابلة، وإن نوى تلك الليلة بطلت يمينه، وكذا إن نمت الليلة أو إن لم أبت الليلة هنا وقد انفجر الصبح، وهو لا يعلم لا يحنث، لان النوم في الليلة الماضية لا يتصور كقوله: إن صمت أمس، ومنها: إن لم آت بامرأتي إلى داري الليلة فلما أصبح قالت كنت في الدار لم يحنث، وإن قالت كنت غائبة حنث إن صدقها، ومنها: لا يعطيه أو لا يضربه حتى يأذن فلان
96 فمات فلان ثم أعطاه لم يحنث ا ه. قال الرملي: ولم يقيد هذه بالوقت، ومثله في الفتح وانظر ما الفرق بينها وبين مسألة الكوز إذا أطلق وكان فيه ماء فصب. قوله: (فحاضت بكرة) (1) الظاهر أن المراد وقت الطلوع أو بعيده في وقت لا يمكن أداء الصلاة فيه، ثم ما ذكره من تصحيح عدم الحنث عزاه في البحر إلى المبتغى، لكن ذكر في باب اليمين بالبيع والشراء تصحيح الحنث وعليه مشى المصنف هناك، وسيأتي تمام الكلام عليه. قوله: (لعدم تصور البر) أي فلم تنعقد اليمين فلا يترتب الحنث ط. وانظر ما تذكره قريبا عن شرح الجامع الكبير. قوله: (ثوبا ملفوفا) قيد به ليمكنها الرد عليه بخيار الرؤية ليعود مهرها كما في الفتح: قوله: (وتقبضه) هذا ليس بقيد، فإنه بمجرد الشراء ثبت لها في ذمته الثمن فانتفيا قصاصا، ولذا لم يذكره الزيلعي، وتمامه في ح. قوله: (لعجزها عن الهبة الخ) يشكل عليه قولهم: إن الدين إذا قبض لا يسقط عن ذمة المديون حتى لو برأه الدائن يرجع عليه بما قبضه منه، وقصارى أمر الشراء به أن تكون كقبضه ا ه ح عن شرح المقدسي. قلت: وأصل الاشكال لصاحب البحر ذكره في باب التعليق عند قوله: وزوال الملك لا يبطل اليمين. وأجاب ط بأن مبنى الايمان على العرف، والعرف يقضي بأنها إذا اشترت بمهرها شيئا تصير لا شئ لها، وفيه أن المقصود العجز وعدم التصور شرعا لا عرفا، وإلا انتقض الأصل المار في كثير من المسائل، فافهم وأجاب السائحاني بأنها لما جعلت المهر ثمنا والكل وصف في الذمة تغير من المهرية إلى الثمنية، فلم يكن هناك مهر حتى يوهب، وأما الدين فبدله لم يدفع على صريح المعاوضة، فلم يقع التقاص به من كل وجه ولم يدفع حالة كونه وصفا في الذمة، حتى ينتقل إليه لقربه منه ا ه. مطلب في قولهم: الديون تقضى بأمثالها قلت: والجواب الواضح أن يقال: قد قالوا إن الديون تقضى بأمثالها: أي إذا دفع الدين إلى دائنه ثبت للمديون بذمة دائنه مثل ما للدائن بذمة المديون فيلتقيان قصاصا لعدم الفائدة في المطالبة، ولذا لو أبرأه الدائن براءة إسقاط يرجع عليه المديون كما مر، وكذا إذا اشترى الدائن شيئا من المديون بمثل دينه التقيا قصاصا، أما إذا اشتراه بما في ذمة المديون من الدين ينبغي أن لا يثبت للمديون بذمة الدائن شئ، لان الثمن هنا معين وهو الدين فلا يمكن أن يجعل شيئا غيره، فتبرأ ذمة المديون ضرورة بمنزلة ما لو أبره من الدين، وبه يظهر الفرق بين قبض الدين وبين الشراء به، فتدبر. مطلب: حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن الحجر ذهبا قوله: (وفي ليصعدن السماء الخ) مثله إن لم أمس السماء، بخلاف إن تركت مس السماء
(1) قوله: (فحاضت بكرة) هكذا بخطه والذي في نسخ الشارح التي بيدي لا يحنث بحيضها بكرة فليحرر ا ه مصححه. 97 فعبدي حر لا يحنث، لان الشرط هو الترك، وهو لا يتحقق في غير المقدور، عادة، وفي الأول شرط عدم المس والعدم يتحقق في غير المقدور كذا في التحرير شرح الجامع الكبير للحصيري معزيا إلى المنتقى، ومثله في النهر عن المحيط. قلت: ويظهر الفرق في قولك لا أمس السماء وقولك أترك مس السماء، فإن الأول لا يقتضي أنه معتاد ممكن، بخلا ف الثاني، وهذا ينافي ما مر في إن لم تصل (1) الصبح غدا، وفي إن لم تردي الدينار، ولعله رواية أخرى، فتأمل. مطلب: يجوز تحويل الصفات وتحويل الاجزاء قوله: (لامكان البر حقيقة) لأنه صعدتها الملائكة وبعض الأنبياء، وكذا تحويل الحجر ذهبا بتحيل الله تعالى صفة الحجرية إلى صفة الذهبية، بناء على أن الجواهر كلها متجانسة في قبول الصفات، أو بإعدام الاجزاء الحجرية وإبدالها بأجزاء ذهبية، والتحويل في الأول أظهر وهو ممكن عند المتكلمين على ما هو الحق. فتح. قوله: (ثم يحنث) عطف على معلوم من المقام: أي فتنعقد ثم يحنث ط. قال في شرح الجامع الكبير: فباعتبار التصور في الجملة انعقدت اليمين، وباعتبار العجز عادة حنث للحال، وهذا العجز غير العجز المقارن لليمين، لان هذا هو العجز عن البر الواجب باليمين ا ه: أي بخلاف العجز في مسألة الكوز فإنه مقارن لليمين فلذا لم تنعقد. واعلم أن الحنث في هذه المسألة عند أئمتنا الثلاثة، وفيها خلا ف زفر، فعنده لا تنعقد اليمين ولا يحنث لإلحاقه المستحيل حقيقة، بخلاف مسألة الكو فإن فيها خلاف أبي يوسف كما مر. تنبيه: المراد بالعجز هنا عدم الامكان والتصور عادة، فلو حلف ليؤدين له دينه اليوم فلم يكن معه شئ ولم يجد من يقرضه يحنث بمضي اليوم على المفتى به كما مر في باب التعليق، لان الأداء غير مستحيل عادة. قوله: (لم يحنث ما لم يمض ذلك الوقت) أي فيحنث في آخره. قال في الفتح: فلو مات قبله فلا كفارة عليه إذ لا حنث ا ه. تنبيه: قال في شرح الجامع الكبير: قال الكرخي: إذا حلف أن يفعل ما لا يقدر عليه كقوله لأصعدن السماء فهو آثم. وروى الحسن عن زفر فيمن قال: لأمسن السماء اليوم إنه آثم ولا كفارة عليه، لأنه لا تنعقد عنده إلا على ما يمكن. قوله: (والظاهر خروجها الخ) هذا الاعتذار يحتاج إليه إن كانت المسألة من نص المذهب لا إن كانت من تخريج بعض المشايخ على القول باعتبار الحقيقة اللغوية، وإن لم يكن فالعرف وعليه مشى الزيلعي وقد تقدم رده وإن الاعتماد على العرف، ولو كانت هذه المسألة منصوصة لذكروا استثناءها من القاعدة المبني عليها مسائل الايمان وهو العرف، والذي ظهر حمل هذه المسألة على ما إذا نوى سقف البيت، كما أجابوا عن قول صاحب الذخيرة
(1) قوله: (لم تصل) هكذا بخطه والأنسب بكون الخطاب لمؤنث كما في الشارح ان يرسم لم تصلي بالياء كما لا يخفى ا ه مصححه. 98 والمرغيناني في لا يهدم بيتا أنه يحنث بهدم بيت العنكبوت كما أوضحناه في الباب السابق فراجعه ليظهر لك ما قلنا. قوله: (وكذا الحكم) أي في الانعقاد والحنث للحال، وقيد بالقتل احترازا عن الضرب. ففي الخانية: ليضربن فلانا اليوم وفلان ميت لا يحنث علم بموته أو لا، ولو حيا ثم مات فكذلك عندهما، وحنث عند أبي يوسف ا ه. أفاده في الشرنبلالية، فافهم. قوله: (فيحنث) أي بالاجماع، لان يمينه انصرفت إلى حياة يحدثها الله تعالى فيه، وأنه تصور، وإذا أحياه الله تعالى فهو فلان بعينه لكنه خلاف العادة فيحنث، كما في صعود السماء. قوله: (كمسألة الكوز) تشبيه في عدم الحنث لعدم التصور، لا في التفصيل بين العالم وغيره لما مر أن الأصح عدم التفصيل فيها، فإن حنث العالم هنا لان البرج متصور كما علمت، أما في الكوز لو خلق الماء لا يكون عين الماء الذي انعقد عليه اليمين، فلا يتصور البر أصلا، فكان الماء نظير الشخص لا نظير الحياة، كذا في شرح الجامع، وكأنه يشير إلى أنه لو جعل الماء نظير الحياة فلزم التفصيل فيه أيضا، لان الحياة الحادثة غير المعقود عليها. تأمل قوله: (لان الترك لا يتصور في غير المقدور) لان ترك الشئ فرع عن إمكان فعله عادة: أي بخلاف العدم فإنه يتحقق مطلقا فلذا حنث في إن لم أمس السماء، كما في النهر وقدمناه عن شرح الجامع. مطلب: حلف لا يكلمه قوله: (حلف لا يكلمه) قال في الذخيرة: يقع على الأبد، وإن نوى يوما أو يومين أو بلدا أو منزلا فإنه لا يصدق ديانة ولا قضاء، وفي أي يوم كلمه حنث لأنه نوى تخصيص ما ليس بملفوظ ا ه. قوله: (هو المختار) خلافا لما ذكره القدوري من أنه يحنث إذا كان بحيث لم يسمع، ورجحه السرخسي متمسكا بما في السير: لو أمن المسلم أهل الحرب من موضع بحيث يسمعون صوته لكنهم باشتغالهم بالحرب لم يسمعوه فهذا أمان ودفع بالفرق، وذلك أن الأمان يحتاط في إثباته بخلاف غيره. نهر قوله: (لو بحيث يسمع) أي إن أصغى إليه بإذنه وإن لم يسمع لعارض شغل أو صمم، فلو لم يسمع مع الاصغاء لشدة بعد لا يحنث كما في البحر عن الذخيرة، وفيه لو كلمه بكلام لم يفهمه المحلوف عليه ففيه روايتان. قوله: (لا تطلق) أقول في البزازية: فلو وصل وقال إن كلمتك فأنت طالق فاذهبي لا يحنث، ولو اذهبي أو اذهبي يحنث ا ه. لكن ما ذكره الشارح من التسوية بين الواو والفاء هو المذكور في الفتح والبحر عن المنتقى، ومثله في التاترخانية. قوله: (ما لم يرد الاستئناف) قال في التاترخانية: وفي الذخيرة والمنتقى: إن أراد بقوله فاذهبي طلاقا طلقت به واحدة، وباليمين أخرى. قوله: (وقصد إسماع المحلوف عليه) أي ولم يقصد خطابه مع الحائط بل قصد خطاب الحائط فقط، ولذا قال في البحر وغيره: لو سلم على قوم هو فيهم حنث، إلا أن لا
99 يقصده فيدين، أما لو قال السلام عليكم إلا على واحد فيصدق قضاء عندنا، ولو سلم من الصلاة لا يحنث، وإن كان المحلوف عليه عن يساره هو الصحيح، لان السلامين في الصلاة من وجه، ولو سبح له لسهو أو فتح عليه القراءة وهو مقتد لم يحنث، وخارج الصلاة يحنث. تنبيه: لو قال إن ابتدأتك بكلام فعبدي حر فالتقيا فسلم كل على الآخر لا يحنث وانحلت اليمين لعدم تصور أن يكلمه بعد ذلك ابتداء، ولو قال لها إن ابتدأتك بكلام وقالت هي كذلك لا يحنث إذا كلمها لأنه لم يبتدئها، ولا تحنث هي بعد ذلك لعدم تصور ابتدائها، كذا في الفتح ومثله في البحر والزيلعي والذخيرة والظهيرة. وفي تلخيص الجامع: إن ابتدأتك بكلام أو تزوج أو كلمتك قبل أن تكلمني فتكالما أو تزوجا معا لم يحنث أبدا لاستحالة السبق مع القرآن ا ه. وبه ظهر أن قول البزازية: حنث الحالف صوابه: لا يحنث. قوله: (حنث مرتين) لأنه انعقد اليمين بالأولى فيحنث بالثانية وتنعقد بها يمين أخرى، فيحنث بها في الثالثة مرة، لان اليمين الأولى قد انحلت بالثانية، وفي تلخيص الجامع لو قال ثلاثا لغير المدخولة إن كلمتك فأنت طالق انحلت الأولى بالثانية لاستئناف الكلام، بخلاف فاذهبي يا عدوة الله. ا ه. وحيث انحلت الأولى بالثانية لا يقع بالثالثة شئ لأنها بانت لها إلى عدة، بخلاف المدخول بها. قوله: (حسنا أو أحسنت) لان قوله انظر حسنا يفيد التفريع بأنك لم تتأمل في الجواب، وقوله أحسنت وإن كان تصويبا إلا أنه يتضمن أنه لم يحسن قبله، فكل من الكلمتين موجع. قوله: (أو حلف الخ) عطف على قول المصنف حلف لا يكلمه وقوله: حنث جواب المسألتين. قوله: (لاشتقاق الاذن) أي اشتقاقا كبيرا كما في النهر من الاذان وهو الاعلام ح. قلت: وفيه نظر يعلم مما قدمناه في الوضوء. قوله: (فيشترط العلم) ظاهره أنه لا يكتب بمجرد السماع، بل لا بد معه من العلم بمعناه احترازا عما لو خاطبه بلغة لا يفهمها، كما قدمنا نظيره في حلفه: لا تخرجي إلا بإذني. قوله: (فرضي) أي بأن أخبره بعد الكلام بأنه كان رضي. قوله: (فلا يحنث بإشارة وكتابة) وكذا بإرسال رسول، لأنه لا يسمى كلاما عرفا، خلافا لمالك وأحمد رحمهما الله تعالى، استدلالا بقوله تعالى: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) * إلى قوله: * (أو يرسل رسولا) * (الشورى: 15) أجيب عنه بأن مبنى الايمان على العرف. فتح قوله: (عن الجامع) حيث قال إذا حلف لا يكلم فلانا أو قال والله لا أقول لفلان شيئا فكتب له كتابا لا يحنث، وذكر ابن سماعة في نوادره أنه يحنث ا ه. فقوله خلافا لابن سماعة: أي فيهما، فتحصل أن الأقوال ثلاثة:
100 الحنث مطلقا، وعدمه مطلقا، وتفصيل. قاضيخان ط. قوله: (تكون بالكتابة) أي كما تكون باللسان ولم ينبه عليه لظهوره، فافهم. قوله: (والايماء) بالجر عطف على الإشارة، وكأنه أراد الإشارة باليد والايماء بالرأس، لان الأصل في العطف المغايرة. قوله: (والاظهار الخ) بالرفع مبتدأ. قوله: (والانشاء) كذا في النسخ، والذي في الفتح والبحر والمنح: الإفشاء بالفاء: أي لو حلف لا يفشي سر فلان أو لا يظهره أو لا يعلم به يحنث بالكتابة وبالإشارة. قوله: (ولو قال الخ) قال في البحر: فإن نوى في ذلك كله: أي في الاظهار والإفشاء والاعلام والاخبار كونه بالكتابة دون الإشارة دين فيما بينه وبين الله تعالى ا ه. وهكذا في الفتح ونحوه في البزازية، ولم يذكر في النهر الاخبار، وهو الظاهر لما مر أن الاخبار لا يكون بالإشارة، فما معنى أنه يدين في أنه لم ينو به الإشارة، ومفهوم قوله: دين الخ أنه لا يصدق قضاء، كما عزاه في التاترخانية إلى عامة المشايخ، وفيها: وكل ما ذكرنا أنه يحنث بالإشارة إذا قال أشرت وأنا لا أريد الذي حلفت عليه، فإن كان جوابا لشئ سئل عنه لم يصدق في القضاء ويدين. قوله: (أو لا يبشره) تكرار مع قول المتن والبشارة تكون بالكتابة ا ه ح. ولعله أو لا يسره من الاسرار. قوله: (إن أخبرتني أو علمتني الخ) وكذا البشارة كما في الفتح والبحر، وهو مخالف لما سيذكره في الباب الآتي عن البدائع من أن الاعلام كالبشارة لا بد فيهما من الصدق ولو بلا باء، ويؤيده ما في تلخيص الجامع الكبير لو قال: إن أخبرتني أن زيد قدم فكذا حنث بالكذب، كذا إن كتبت إلي وإن لم يصل، وفي بشرتني أو أعلمتني يشترط الصدق وجهل الحالف، لان الركن في الأوليين الدال على المخبر وجمع الحروف، وفي الأخريين إفادة البشر والعلم، بخلاف ما إذا قال بقدومه لان باء الالصاق تقتضي الوجود وهو بالصدق، ويحنث بالايماء في أعلمتني وبالكتاب والرسول في الكل ا ه. قوله: (لإفادتها) أي الباء إلصاق الخبر بنفس القدوم: أي فصار كأنه قال إن أخبرتني خبرا ملصقا بقدوم زيد فاقتضى وجود القدوم لا محالة. قال ط: وفيه الباء في إن أخبرتني أن فلانا قدم مقدرة ومقتضاه قصره على الصدق ا ه. قلت: قد يجاب بأنها لم تدخل على المصدر الصريح، وفرقا بين الصريح والمؤول على أن تقديرها لضرورة التعدية فلا تفيد ما تفيده ملفوظة، فتأمل. قوله: (وكذا إن كتبت بقدوم فلان) أي أنه مثله في اقتصاره على الصدق، بخلاف إن كتبت إلي أن فلانا قدم فعبدي حر يحنث بالخبر الكاذب، حتى لو كتب إليه قبل القدوم أن زيدا قدم حنث وإن لم يصل الكتاب إلى الحالف، كذا في شرح التلخيص. ومفاده الحنث بمجرد الكتابة، ومفاد الفتح والبحر اشتراط الوصول، ويدل للأول تعليل التلخيص المار بأن الركن في الكتابة جمع الحروف: أي تأليفها بالقلم وقد وجد. قوله: فقال نعم الخ) قال السرخسي: هذا صحيح، لان السلطان لا يكتب بنفسه وإنما يأمر به، ومن عادتهم الامر بالايماء والإشارة فتح.
101 مطلب في حلف لا يكلمه شهرا فهو من حين حلفه قوله: (فمن حين حلفه) أي يقع على ثلاثين يوما من حين حلف، لان دلالة حاله وهي غيظه توجب ذلك، كما إذا آجره شهرا، لأن العقود تراد لدفع الحاجة القائمة، بخلاف لأصومن شهرا فإنه نكرة في الاثبات توجب شهرا شائعا ولا موجب لصرفه إلى الحال فتح قوله: (ولو عرفه) كقوله: لا أكلمه الشهر يقع على باقيه، وكذا السنة واليوم والليلة، وأشار إلى أنه لو حلف بالليل لا يكلمه يوما حنث بكلامه في بقية الليل وفي الغد، لان ذكر اليوم للاخراج، وكذا لو حلف بالنهار لا يكلمه ليلة حنث بكلامه من حين حلف إلى طلوع الفجر، ولو قال في النهار: لا أكلمه يوما فهو من ساعة حلفه مع الليلة المستقبلة إلى مثل تلك الساعة من الغد، لان اليوم منكر فلا بد من استيفائه، ولا يمكن إلا بإتمامه من الغد فلا يتبعه الليل، وكذا لا يكلمه ليلة فهو من تلك الساعة إلى مثلها من الليلة الآتية مع النهار الذي بينهما. أفاده في البحر عن البدائع 7. وفيه عن الواقعات لا أكلمك اليوم ولا غدا ولا بعد غد فله أن يكلمه ليلا لأنها أيمان ثلاثة، ولو لم يكرر النفي فهي واحدة فيدخل الليل بمنزلة قوله ثلاثة أيام. قوله: (فيما يتناول الأبد الخ) مثل لا أكلمه فإنه لو لم يذكر الشهر تتأبد اليمين فذكر الشهر لاخراج ما وراءه فبقي ميلي يمينه داخلا. بحر. قوله: (وفيما لا يتناوله) مثل لأصومن أو لأعتكفن فإنه لو لم يذكر الشهر لا تتأبد اليمين فكان ذكره لتقدير الصوم به وأنه منكر فالتعيين إليه، بخلاف إن تركت الصوم شهرا فإن الشهر من حين حلف، لان تركه مطلقا يتناول الأبد فذكر الوقت لاخراج ما وراءه، وتمامه في البحر. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية من الفرق بين الصلاة وخارجها، وهو ما عليه القدوري. قوله: (كما رجحه في البحر) حيث قال: فقد اختلفت الفتوى، والافتاء بظاهر المذهب أولى. قوله: (ورجح في الفتح عدمه) حيث قال: ولما كان مبنى الايمان على العرف، وفي العرف المتأخر لا يسمى التسبيح والقرآن كلاما، حتى يقال لمن سبح طول يومه أو قرأ: لم يتكلم اليوم بكلمة، اختار المشايخ أنه لا يحنث بجميع ما ذكر خارج الصلاة، واختير للفتوى من غير تفصيل بين اليمين بالعربية والفارسية ا ه. وأفاد أن ظاهر الرواية مبني على عرف المتقدمين، وقوله من غير تفصيل الخ يبين قول الشارح مطلقا. قوله: (وقواه في الشرنبلالية الخ) الضمير راجع إلى ما في الفتح، فكان الأولى تقديمه على قوله: بل في البحر. قوله: (قائلا ولا عليك الخ) الذي رأيته في الشرنبلالية بعد نقله عن البحر أن الافتاء بظاهر المذهب أولى. قلت: الأولوية غير ظاهرة، لما أن مبنى الايمان على العرف المتأخر، ولما علمت من أكثرية التصحيح له ا ه. قوله: (ويقاس عليه) أي على ما في التهذيب و البحث لصاحب النهر، وكذلك
102 الاستدراك بعده. قوله: (فتأمل) إشارة إلى مخالفة ما في الفتح لكلام التهذيب أو إلى ما في دعوى الأولوية من البحث، إذ لا يلزم من كونه كلاما منظوما وكون قائله متكلما أن يسمى إلقاء الدرس كلاما، وإلا لزم أن تكون قراءة الكتب كذلك، وهذا كله بناء على عدم العرف، وإلا فإن وجد عرف فالعبرة له كما تقرر، فافهم. مطلب مهم: لا يكلمه اليوم ولا غدا أو لا بعد غد فهي أيمان ثلاثة قوله: (اليوم) قيد اتفاقي ط. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم ينو ما في النمل بأن نوى غيرها أو لم ينو شيئا لا يحنث كما في البحر. قوله: (لأنهم لا يريدون به القرآن) أي لان الناس لا يريدون بغير ما في النمل القرآن بل التبرك. قوله: (به يفتى) هو قول أبي يوسف. وفرق محمد فقال: المقصود من قراءة كتاب فلان فهم ما فيه وقد حصل، ويحنث بقراءة سطر منه لا نصفه، لأنه لا يكون مفهوم المعنى غالبا، والمقصود من قراءة القرآن عين القرآن إذ الحكم متعلق به كما في البحر. قال ح: وقول محمد: هو الموافق لعرفنا كما لا يخفى. مطلب: أنت طالق يوم أكلم فلانا فهو على الجديدين قوله: (حلف لا يكلم فلانا اليوم) هذا المثال غير صحيح هنا، لان الحكم فيه أن اليمين على باقي اليوم كما في البحر، والذي مثل به في الكنز كعامة المتون يوم أكلم فلانا فعلى الجديدين ا ه ح: أي لو قال يوم أكلم فلانا فأنت طالق فهو على الليل والنهار. سميا جديدين: لتجددهما أي عودهما مرة بعد أخرى، فإن كلمه ليلا أو نهارا حنث. قوله: (لقرانه اليوم بفعل لا يمتد) قيل المراد به الكلام، لان عرض والعرض لا يقبل الامتداد إلا بتجدد الأمثال كالضرب والجلوس والسفر والركوب ولك عند الموافقة صورة ومعنى والكلام الثاني يفيد معنى غير مفاد الأول، وفيه أن الكلام اسم لألفاظ مفيدة معنى كيفما كان فتحققت المماثلة، ولذا يقال كلمته يوما فالصحيح أن المراد بما لا يمتد الطلاق، ولان اعتبار العامل في الظرف أولى من اعتبار ما أضيف إليه الظرف، لأنه غير مقصود إلا لتعيين ما تحقق فيه المقصود، وتمامه في الفتح. وقد مر مبسوطا في بحث إضافة الطلاق إلى الزمان. قوله: (صدق) أي ديانة وقضاء وعن الثاني لا يصدق قضاء. بحر قوله: (لعدم استعماله مفردا الخ) أي بخلا ف الجمع فإنه يستعمل في مطلق الوقت كقول الشاعر: وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة * ليالي لاقينا جذاما وحميرا
103 قوله: (ولو بعدهما لا يحنث) أقول: وكذا معهما لقول الخانية: حلف لا يدخل هذه الدار حتى يدخلها فلان فدخلاها معا لم يحنث، وكذا أكلمك حتى تكلمني، وكذا إن كلمتك إلا أن تكلمني ا ه. سائحاني. قوله: (لجعله القدوم والاذن غاية لعدم الكلام) أما الغاية في حتى فظاهرة، وأما في إلا أن فإن الاستثناء وإن كان هو الأصل فيها إلا أنها تستعار الشرط، والغاية عند تعذره لمناسبة هي أن حكم كل واحد منها يخالف ما بعده، وقيل هي للاستثناء. قال في الفتح: وفيه شئ وهو أن الاستثناء فيها إنما يكون من الأوقات أو الأحوال على معنى امرأته طالق في جميع الأوقات أو الأحوال إلا وقت قدوم فلان أو إذنه أو إلا حال قدومه أو إذنه، وهو يستلزم تقييد الكلام بوقت الاذن أو القدوم، فيقتضي أنه لو كلمه بعده حنث لأنه لم يخرج من أوقات وقوع الطلاق إلا ذلك الوقت ا ه. قلت: وللفرق بين الغاية والحال قال في التاترخانية وغيرها: لا يكلمه إلا ناسيا فكلمه مرة ناسيا ثم مرة ذاكرا حنث، وفي إلا أن ينسى لا يحنث. قوله: (سقط الحلف) أي بطل ويأتي وجهه. قوله: (قيد بتأخير الجزاء) تبع في هذا التعبير صاحب النهر، وأحسن منه قول البحر: قيد بالشرط لأنه لو قال الخ. أفاده ح. مطلب: إن كلمه إلا يقدم زيد أو حتى قوله: (بل للشرط الخ) قال في البحر: وهي هنا للشرط كأنه قال إن لم يقدم فلان فأنت طالق، ولا تكون للغاية لأنها إنما تكون لها فيما يحتمل التأقيت والطلاق مما لا يحتمله معنى فتكون للشرط. قوله: (لان الطلاق مما لا يحتمل التأقيت) يعني أنها إنما تكون للغاية فيما يحتمل التأقيت، والطلاق مما لا يحتمله فتكون فيه للشرط. واعترض بأن الشرط وهو إلا أن يقدم مثبت، فالمفهوم أن القدوم شرط الطلاق لا عدمه. وأجيب بأنه حمل على النفي لأنه جعل القدوم رافعا للطلاق. وتحقيقه أن معنى التركيب وقوع الطلاق من الحال مستمرا إلى القدوم فيرتفع، فالقدوم علم على الوقوع قبله، وحيث لم يمكن ارتفاعه بعد وقوعه وأمكن وقوعه عند عدم القدوم اعتبر الممكن، فجعل عدم القدوم شرطا فلا يقع الطلاق، إلا أن يموت فلان قبل القدوم أو الاذن ا ه ملخصا من الفتح: أي لأنه إذا مات تحقق الشرط. قوله: (بطل اليمين) بناء على ما مر من أن بقاء تصور البر شرط لبقا اليمين المؤقتة، وهذه كذلك لأنها مؤقتة ببقاء الاذن والقدوم، إذ بهما يتمكن من البر بلا حنث، ولم يبق ذلك بعد موت من إليه الاذن والقدوم، وعند الثاني: لما كان التصور غير شرط فعند سقوط الغاية تتأبد اليمين، فأي وقت كلمه فيه يحنث وتمامه في الفتح. قوله: (كلمة ما زال وما دام الخ) هذا مما دخل تحت الأصل المذكور.
104 قلت: ومنه قول العوام في زماننا: لا أفعل كذا طول ما أنت ساكن. وفي البحر: لا أكلمه ما دام عليه هذا الثوب فنزعه ثم لبسه وكلمه لا يحنث، ولو قال: لا أكلمه وعليه هذا الثوب الخ حنث، لأنه ما جعل اليمين مؤقتة بوقت بل قيدها بصفة فتبقى ما بقيت تلك الصفة. قال لأبويه: إن تزوجت ما دمتما حيين فكذا فتزوج في حياتهما حنث، ولو تزوج أخرى لا يحنث، إلا إذا قال: كل امرأة أتزوجها ما دمتما حيين فيحنث بكل امرأة، وإن مات أحدهما سقط اليمين لان شرط الحنث التزوج ما داما حيين، ولا يتصور بعد موت أحدهما. مطلب: لا أفعل كذا ما دام كذا قوله: (فخرج منها) أي بنفسه، بخلاف ما دام في الدار فإنه لا بد من خروجه بأهله، وهذا إذا لم ينو ما دامت بخارى وطنا له، فإن نوى ذلك فهو كالدار. قال في الخانية: حلف لا يشرب النبيذ ما دام ببخارى ففارقها ثم عاد وشرب، قال ابن الفضل: إن فارقها بنفسه ثم عاد وشرب لا يحنث، إلا أن ينوي ما دامت بخارى وطنا له، فإن نوى ذلك ثم عاد وشرب حنث لبقاء وطنه بها ا ه. وفيها: والله لا أقربك ما دمت في هذه الدار لا يبطل اليمين إلا بانتقال تبطل به السكنى، لان معنى ما دمت في هذه الدار ما سكنت فيها، وما بقي في الدار وتد يكون ساكنا عند أبي حنيفة، وعندهما: لا يكون ساكنا بذلك، والفتوى على قولهما. قوله: (لانتهاء اليمين ببيع البعض) الذي يظهر تقييده بما إذا كان يمكنه أكل كله، وقد تقدم ما يدل على ذلك أبو السعود: أي تقدم في قول الشارح كل شئ يأكله الرجل في مجلس أو يشربه في شربة فالحلف على كله وإلا فعلى بعضه. أقول: ويظهر لي عدم الحنث مطلقا لعدم الشرط نظير ما قدمناه آنفا في ما دمتما حيين إذا مات أحدهما، ثم رأيت في الخانية علل المسألة بقوله: لان شرط الحنث الاكل حال بقاء الكل في ملك فلان ولم يوجد ا ه فافهم. مطلب: لا أفارقك حتى تقضيني حقي اليوم قوله: (وكذا لا أفارقك حتى تقضيني حقي اليوم) أي وهو ينوي أن لا يترك لزومه، حتى يعطيه حقه بحر. قوله: (بل بمفارقته بعده) أي بل يحنث بمفارقته بعد اليوم دون إعطاء، وأما لو فارقه قبل مضي اليوم فهو كذلك بالأولى ولذا لم يصرح به، فافهم. قوله: (ولو قدم اليوم) أي بأن قال: لا أفارقك اليوم حتى تعطيني حقي فمضى اليوم ولم يفارقه ولم يعطه حقه لم يحنث، وإن فارقه بعد مضي اليوم لا يحنث لأنه وقت للفراق ذلك اليوم. بحر ووقع في الخانية ذكر اليوم مقدما ومؤخرا، والظاهر أنه لا فرق. قوله: (وإن فارقه بعده) مفاده أنه لو فارقه في اليوم لا يحنث، لكنه مقيد بما إذا قضاه حقه وإلا حنث، فالاطلاق في محل التقييد كما لا يخفى أفاده ح. مطلب: حلف لا يفارقني ففر منه يحنث تنبيه: قيد بالمفارقة، لأنه لو فر منه لا يحنث، ولو قال لا يفارقني يحنث. خانية. وفيها لا أدرع مالي عليك اليوم فحلفه عند القاضي بر وكذا لو أقر فحبسه، وإن لم يحبسه يلازمه إلى الليل، ولو
105 كان الدين مؤجلا لم يحل يقول له أعطني مالي فإذا قاله صار بارا، وسيأتي في باب اليمين بالضرب والقتل أنه لو قعد بحيث يراه ويحفظه فليس بمفارق، وسيأتي تمام مسائل قضاء الدين هناك. قوله: (وكذا لو حلف الخ) نقل في المنح هذا الفرع عن جواهر الفتاوى بعبارة مطولة فراجعها. قوله: (لتقييده من جهة المعنى بحال إنكاره) أي كما لو حلف المديون لغريمه أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه، فإنه مقيد بحال قيام الدين، لكن هذا التعليل لا يظهر بالنسبة إلى قوله: أو ظهر شهود فإنه بظهور الشهود لم يزل الانكار، بل العلة فيه أنه بعد ظهور الشهود لا يمكن التحليف. تأمل وفي البرازية: حلفه ليوفين حقه يوم كذا وليأخذن بيده ولا ينصرف بلا إذنه فأوفاه اليوم ولم يأخذ بيده وانصرف بلا إذنه لا يحنث، لان المقصود هو الايفاء ا ه. قلت: وقد تقدم أن الايمان مبنية على الألفاظ لا على الأغراض، وهذا المقصود غير ملفوظ، لكن قدمنا أن العرف يصلح مخصصا وهنا كذلك، فإن العرف يخصص ذلك بحال قيام الدين قبل الايفاء، ويوضحه أيضا ما يأتي قريبا عن التبيين. تنبيه: رأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني عند قول الشارح لو حلف أن يجره الخ هذا يفيد أن من حلف أن يشتكي فلانا ثم تصالحا وزال قصد الاضرار واختشى عليه من الشكاية يسقط اليمين، لأنه مقيد في المعنى بدوام حالة استحقاق الانتقام كما ظهر لي ا ه. فتأمله. مطلب: حلف لا يكلم عبد فلان أو عرسه ثم زالت الإضافة ببيع أو طلاق قوله: (لا يكلم عبده) هذه الإضافة إضافة ملك، وقوله: أو عرسه أو صديقه إضافة نسبة، وهذا في إضافة الفرد. وأما إضافة الجمع فالظاهر أنها كذلك من حيث زوال الإضافة والتجدد، نعم يفرق في إضافة الجمع بين إضافة الملك والنسبة من حيث إنه لا يحنث إلا بالكل في النسبة وبأدنى الجمع في الملك كما سيذكره المصنف. قوله: (إن زالت إضافته) أي ولو إلى الحالف كما في لا آكل طعامك هذا فأهداه له فأكل لم يحنث في قياس قولهما. وعند محمد: يحنث، وكذلك في بقية المسائل. بحر عن الذخيرة قوله: (ببيع) أي أو هبة أو صدقة أو إرث أو غير ذلك. رملي. وهذا راجع للعبد والدار وما بعدهما. قوله: (أو طلاق) راجع للعرش، وقوله: أو عداوة راجع للصديق. قوله: (ونحوه مما يملك كالدار) هذا التعميم لا يناسب حله الآتي حيث جعل الدار مسكوتا عنها لكونها لا تكلم، وجعل القهستاني قوله: وكلمه من عموم المجاز: أي وفعل الحالف واحدا من هذه الأفعال بأن كلم العبد أو دخل الدار المعين أو غيره ا ه. ولو فعل الشارح كذلك لصح تعميمه واستغنى عما يأتي. تنبيه: استثنى في البحر مسألة يحنث فيها وإن زالت الإضافة، وهي ما لو حلف لا يأكل من طعام فلان وفلان بائع الطعام فاشترى منه وأكل حنث. قال: وعلله في الواقعات بأن يراد به طعامه
106 باسم ما كان مجازا بحكم دلالة الحال، وكذا لا ألبس من ثياب فلان ا ه. قلت: ووجه أنه إذا كان بائعا يراد به ما يشترى منه أو ما يصنعه فلا تتقيد اليمين بحال قيام الإضافة لان إضافة الملك غير مقصودة. قوله: (أشار إليه بهذا أولا) أما إذا لم يشر إليه فلانه عقد يمينه على فعل واقع في محل مضاف إلى فلان فيحنث ما دامت الإضافة باقية وإن كانت متجددة بعد اليمين ولا يحنث بعد زوالها لعدم شرط الحنث. وأما إذا أشار إليه فلان اليمين عقدت على عين مضافة إلى فلان إضافة ملك فلا تبقى اليمين بعد زوال الملك، كما إذا لم يعين، وهذا لأن هذه الأعيان لا يقصد هجرانها لذواتها بالمعنى في ملاكها واليمين تتقيد بمقصود الحالف ولهذا تتقيد بالصفة الحاملة على اليمين، وإن كانت في الحاضر على ما بينا من قبل وهذه صفة حاملة على اليمين فتتقيد بها، فصار كأنه قال: ما دام ملكا لفلان نظرا إلى مقصوده، كذا في التبيين، ولم يذكر المصنف حنثه بالمتجدد، والحكم أنه إن لم يشر حنث بالتجدد، وإن أشار لا يحنث كما في الكنز ح. قوله: (على المذهب) مقابله رواية ابن سماعة أن العبد كالصديق لا كالدار. بحر وعند محمد: يحنث في الدار والعبد عند الإشارة، وبه قال زفر والأئمة الثلاثة كما في الدر المنتقى. قوله: (لان العبد ساقط الاعتبار) هذا وجه ظاهر المذهب، ولذا يباع كالحمار، فالظاهر أنه إن كان منه أذى إنما يقصد هجران سيده بهجرانه قوله: (بالطريق الأولى) لان العبد عاقل يمكن أن يعادي لذاته، ومع هذا قيل إنه ساقط الاعتبار فالدار بالأولى. قوله: (فتنبه) أي لكون هذا مراد المصنف. قوله: (إن أشار بهذا) أي بأن قال لا أكلم صديق فلان هذا أو زوجته هذه. قوله: (أو عين) مثل لا أكلم عبدك زيدا. قوله: (حنث) أي بفعل المحلوف عليه بعد زوال الإضافة كما هو موضوع المسألة ولا يحنث بالمتجدد كما في الكنز. قوله: (لان الحر يهجر لذاته) أي فكانت الإضافة للتعريف المحض، والداعي لمعنى في المضاف إليه غير ظاهر، لأنه لم يقل لا أكلم صديق فلان لان فلانا عدو لي. زيلعي. أفاد أن هذا عند عدم قرينة تدل على أن الداعي لمعنى في المضاف إليه، فلو وجدت لا يحنث بعد زوال الإضافة ومثلها النية، ولذا قال في البحر: إن ما في المختصر: أي الكنز إنما هو عند عدم النية، وأما إذا نوى فهو على ما نوى لأنه محتمل كلامه. قوله: (وإن لم يشر ولم يعين لا يحنث) (1) إلا في رواية عن محمد، والمعتمد الأول شرح الملتقى. قوله: (بأن اشترى عبدا أو تزوج بعد اليمين) لما كان المتبادر من كلام المصنف أن قوله وحنث بالمتجدد مرتبط بقوله: وإلا لا الواقع في مسألة غير العبد مثل بمثالين: أحدهما في العبد، والآخر في غيره إشارة إلى أن قوله: وحنث بالمتجدد مرتبط بمسألة العبد أيضا، بقرينة أن المصنف لم يذكر فيها حكم المتجدد، فعلم
(1) قوله: (وان لم يشر) هكذا بخطه والذي في نسخ الشارح وتفيده عبارته بعد والا يشر وهو الأوفق بكون عبارة المتن والا لا ا ه مصححه. 107 أن هذا راجع إلى المسألتين جميعا، لكن هذا إذا لم يشر فيهما، أما إذا أشار فيهما فمعلوم أنه لا يحنث، لان المتجدد غير المشار إليه وقت الحلف، فافهم. والحاصل كما في البحر: أنه إذا أضاف ولم يشر لا يحنث بعد الزوال في الكل لانقطاع الإضافة، ويحنث في المتجدد في الكل لوجودها. وإذا أضاف وأشار فلا يحنث بعد الزوال والتجدد إن كان المضاف لا يقصد بالمعاداة، وإلا حنث ا ه. لكن قوله: وإلا حنث: أي بأن كان المضاف يقصد بالمعاداة كالزوجة والصديق مقتضاه أنه يحنث بالمتجدد إذا أشار، مع أن الحنث بالمتجدد هنا قد خصه الزيلعي بما إذا لم يشر كما هو المتبادر من عبارة الكنز والمصنف، فافهم. قوله: (لا يكلم هذا الطيلسان) مثلث اللام. قاموس: وهو ثوب طويل عريض قريب من طول وعرض الرداء مربع يجعل على الرأس فوق نحو العمامة، ويغطى به أكثر الوجه كما قاله جمع محققون، وهو لبيان الأكمل فيه ثم يدار طرفه الأيمن من تحت الحنك إلى أن يحيط بالرقبة جميعها ثم يلقي طرفه على المنكبين، وتمامه في حاشية الخير الرملي عن شرح المنهاج لابن حجر. قوله: (مثلا) لان قوله: صاحب هذه الدار ونحوها كذلك. نهر قوله: (لان الإضافة للتعريف) لان الانسان لا يعادي لمعنى الطيلسان فصار كما لو أشار إليه وقالا أكلم هذا الرجل فتعلقت اليمين بعينه. فتح قيل يجوز أن يكون حريرا فيعادي لأجله. قلت: هو مدفوع بأن عداوة الشخص منشؤها صفة في الشخص وهي ارتكابه المحرم شرعا نحوه لا ذات الحرير، وإلا لزم أنه لو كلم المشتري ولو امرأة أن يحنث، فافهم. مطلب: لا أكلمه الحين أو حينا قوله: (الحين والزمان الخ) أي سواء كان في النفي كوالله لا أكلمه الحين أو حينا، أو الاثبات نحو لأصومن الحين أو حينا أو الزمان أو زمانا. قوله: (من حين حلفه) أي يعتبر ابتداء الستة أشهر من وقت اليمين بخلاف لأصومن حينا أو زمانا فإن له أن يعين: أي ستة أشهر شاء، وتقدم الفرق. فتح: أي تقدم في قوله لا أكلمه شهرا. قوله: (لأنه الوسط) علقة لقوله: ستة أشهر وذلك الحين قد يراد به ساعة كما في * (فسبحان الله حين تمسون) * (الروم: 71) وأربعون سنة كما قال المفسرون في * (هل أتى على الانسان حين من الدهر) * (الانسان: 1) وستة أشهر كما قال ابن عباس في * (تؤتي أكلها كل حين) * (إبراهيم: 52) لأنها مدة بين أن يخرج الطلع إلى أن يصير رطبا فعند عدم النية ينصرف إليه لأنه الوسط، ولان القليل لا يقصد بالمنع لوجود الامتناع فيه عادة، والأربعون سنة لا تقصد بالحلف عادة لأنه في معنى الأبد، ولو سكت عن الحين تأبد، فالظاهر أنه لم يقصد الأقل ولا الأبد ولا أربعين سنة، فيحكم بالوسط في الاستعمال، والزمان استعمل استعمال الحين، وتمامه في الفتح. قوله: (أي النية) أي يصح بالنية ما نواه، وبين الشارح بتفسير الضمير أن الضمير عائد على النية التي تضمنها نوى، فهو من قبيل عود الضمير على مرجع معنوي متضمن في لفظ متأخر لفظا متقدم رتبة، لان الأصل ما نواه كائن بها ا ه ح. قوله: (فيهما) أي في الحين والزمان: أي إذا نوى مقدارا صدق لأنه نوى حقيقة كلامه، لان كلا منهما للقدر المشترك بين القليل والكثير والمتوسط، واستعمل في كل كما مر. فتح. مطلب: لا أكلمه غرة الشهر أو رأس الشهر
108 قوله: (وغرة الشهر ورأس الشهر) وكذا عند الهلال، أو إذا أهل الهلال، وإن نوى الساعة التي أهل فيها صح لأنه الحقيقة وفيه تغليظ عليه، كذا في الفتح. وفيه أيضا أن الغرة في العرف ما ذكر وإن كان في اللغة للأيام الثلاثة وبلغ الشهر التاسع والعشرون. قوله: (وأوله إلى ما دون النصف) كذا في البحر عن البدائع، ومقتضاه أن الخامس عشر ليس من أوله، ويخالفه الفرع الآتي، وكذا ما في الخانية: حلف ليأتينه في أول شهر رمضان فأتاه لتمام خمسة عشر لا يحنث، فإن كان الشهر تسعة وعشرون يوما، قال محمد: إن أتاه قبل الزوال من اليوم الخامس عشر ينبغي ألا لا يحنث، وإن أتاه بعد الزوال في هذا اليوم حنث ا ه. ونحوه في ح عن القهستاني، ومثله في التاترخانية، ولعلهما قولان يشير إليه ما في البزازية: أوله قبل مضي النصف، وعن الثاني فيمن قال لا أكلمك آخر يوم من أول الشهر وأول يوم من آخره فعلى الخامس عشر والسادس عشر. قوله: (والصيف الخ) قال في الفتح: وفي الواقعات والمختار أنه إذا كان الحالف في بلد لهم حساب يعرفون الصيف والشتاء مستمرا ينصرف إليه، وإلا فأول الشتاء ما يلبس الناس فيه الحشو والفرو، وآخره ما يستغني الناس فيه عنهما، والفاصل بين الشتاء والصيف إذا استثقل ثياب الشتاء واستخف ثياب الصيف والربيع من آخر الشتاء إلى أول الصيف والخريف من آخر الصيف إلى أول الشتاء، لان معرفة هذا أيسر للناس. قوله: (أو الأبد) أي معرفا أو منكرا بقرينة قصر التفصيل على الدهر. قوله: (هو العمر) أشار إلى أنه لو قال لا أكلمه العمر فهو على الأبد عند عدم النية، ولو نكره فعن الثاني على يوم، وعنه على ستة أشهر كالحين وهو الظاهر. نهر عن السراج. قوله: (عند عدم النية) أما إذا نوى شيئا فتعمل نيته. أفاده ط. قوله: (لم يدر) أي توقف فيه أبو حنيفة وقال: لا أدري ما هو قال في الاختيار: لأنه لا عرف فيه فيتبع، واللغات لا تعرف قياسا، والدلائل فيه متعارضة فتوقف فيه. وروى أبو يوسف عنه أن دهرا والدهر سواء، وهذا عند عدم النية، فإن كان له نية فعلى ما نوى ا ه: أي لو نوى مقدارا من الزمان عمل به اتفاقا فتح. فإن قيل ذكر في الجامع الكبير: أجمعوا فيمن قال إن كلمته دهورا أو شهورا أو سنينا أو جمعا أو أياما يقع على ثلاثة من هذه المذكورات. قلنا: هذا تفريع لمسألة الدهر على قول من يعرف الدهر كما فرع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها. قاله ابن الضياء شرنبلالية. قلت: والأحسن ما أجاب به في الفتح من أن قوله: إنه على ثلاثة، ليس فيه تعيين معناه أنه ما هو. مطلب: المسائل التي توقف فيها الامام قوله: (توقف الامام في أربع عشرة مسألة) منها لفظ دهر، ومنها الدابة التي لا تأكل إلا الجلة،
109 وقيل التي أكثر غذائها متى يطيب لحمها؟ فروي تحبس ثلاثة أيام وقيل سبعة، ومنها الكلب متى يصير معلما ففوضه للمبتلى، وعنه هو قولهما بترك الاكل ثلاثا، ومنها: وقت الختان روي عشر سنين أو سبع، وعليه مشى المصنف آخر المتن، وقيل: أقصاه اثنا عشر. ومنها: الخنثى المشكل إذا بال من فرجيه. وقالا: يعتبر الأكثر. ومنها: سؤر الحمار والتوقف في طهوريته لا في طهارته. ومنها: هل الملائكة أفضل من الأنبياء؟ ومر في الصلاة أن خواص البشر أفضل. ومنها: أطفال المشركين. وقال محمد: لا يعذب الله أحدا بلا ذنب، ومر في الجنائز. ومنها نقش جدار المسجد من ماله، ومر أنه يجوز لو خيف عليه من ظالم أو كان منقوشا زمن الواقف أو لاصلاح الجدار. وفي الشرنبلالية أنه نظمها شيخ الاسلام ابن أبي شريف بقوله: حمل الامام أبا حنيفة دينه * أن قال لا أدري لتسعة أسئله أطفال أهل الشرك أين محلهم * وهل الملائكة الكرام مفضله؟ أم أنبياء الله؟ ثم اللحم من * جلالة أنى يطيب الاكل له والدهر مع وقت الختان وكلبهم * وصف المعلم أي وقت حصله والحكم في الخنثى إذا ما بال من * فرجيه مع سؤر الحمار استشكله وأجائز نقش الجدار لمسجد * من وقفه أم لم يجز أن يفعله؟ قلت: وألحقت بها بيتا آخر فقلت: ويزاد عاشرة هل الجني يثاب * بطاعة كالإنس يوم المسألة قوله: (بل عن النبي (ص) وعن جبريل أيضا) في الكرماني سئل رسول الله (ص) عن أفضل البقاع، فقال: لا أدري حتى أسأل جبريل فسأله فقال: لا أدري حتى أسأل ربي، فقال عز وجل: خير البقاع المساجد، وخير أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا وفي الحقائق: أنه تنبيه لكل مفت أن لا يستنكف من التوقف فيما لا وقوف له عليه، إذ المجازفة افتراء على الله تعالى بتحريم الحلال وضده، كذا في القهستاني. وقال الغزالي في الاحياء: وقال (ص): ما أدري أعزير نبي أم لا، وما أدري أتبع ملعون أم لا، وما أدري أذو القرنين نبي أم لا ا ه ح. وهذا قبل أن يطلعه الله تعالى على أمرهم، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأن تبعا مؤمن ط. قوله: (والجمع) معناه أنه إذا حلف لا يكلمه الجمع بترك كلامه عشرة أيام، كل يوم هو يوم الجمعة، لا أنه يترك كلامه عشرة أسابيع كما قد يتوهم، وهذا حيث لا نية له، فإن نوى الأسابيع صح، بخلاف جمعة مفردا كقوله علي صوم جمعة إذا نوى الأسبوع أو لم ينو يلزمه صوم الأسبوع بحكم غلبة الاستعمال، يقال لم أرك منذ جمعة. أفاده في البحر. قوله: (عشرة من كل صنف) هذا عنده، وقال في الأيام، وأيام كثيرة سبعة، والشهور اثنا عشر وما عداها للأبد. والأصل فيه أنه لتعريف العهد لو ثم معهود، وإلا فللجنس، فإذا كان للجنس فإما أن ينصرف إلى أدناه، أو إلى الكل لا ما بينهما، فهما يقولان وجد العهد في الأيام والشهور، لان الأيام تدور على سبعة والشهور على اثني عشر فيصرف إليه، وفي غيرهما لم يوجد فيستغرق العمر وهو يقول: إن أكثر ما يطلق عليه اسم الجمع عشرة وأقله ثلاثة، فإذا دخلت عليه أل استغرق الجمع وهو العشرة، لان الكل من الأقل بمنزلة العام من الخاص، والأصل في العام العموم فحملنا
110 عليه. زيلعي قوله: (لأنه أكثر ما يذكر بلفظ الجمع) يعني أن العشرة أقصى ما عهد مستعملا فيه لفظ الجمع على اليقين، لأنه يقال ثلاثة رجال وأربعة رجال إلى عشرة رجال، فإذا جاوز العشر ذهب الجمع فيقال أحد عشر رجلا الخ. ح عن البحر قوله: (خمس سنين) لان كل زمان ستة أشهر عند عدم النية. فتح قوله: (ومنكرها) أي منكر هذه الألفاظ. قوله: (كما مر) أي في أيام كثيرة، ويقاس عليها غيرها ط. قوله: (لا يكلم عبيدا) أشار به إلى أنه لا فرق بين المنكر والمضاف ط. وإلى أنه لا غير فرق بين منكر هذه الألفاظ المارة، ومنكر غيرها إذا لم يوصف بالكثرة، ويأتيك قريبا تحقيق ذلك. قوله: (وتصح نية الكل) أي قضاء وديانة لأنه نوى حقيقة كلامه، كذا في الزيادات، وظاهر أنه لا يحنث بواحد. بحر قوله: (لان المنع لمعنى في هؤلاء) فإن الإضافة فيهم إضافة تعريف فتعلقت اليمين بأعيانهم، فما لم يكلم الكل لا يحنث، وفي الأول إضافة ملك لأنها لا تقصد بالهجران وإنما المقصود المالك، فتناولت اليمين أعيانا منسوبة إليه وقت الحنث، وقد ذكر النسبة بلفظ الجمع، وأقله ثلاثة، كذا في الاختيار ونحو في البحر. قلت: وهو مخالف للعرف، فإن أهل العرف يريدون عدم الكلام مع أي زوجة منهن، ومع من كان له صداقة مع فلان ط. قلت: وقدمنا أول الايمان قبيل قوله: كل حل عليه حرام عن القنية: إن أحسنت إلى أقربائك فأنت طالق، فأحسنت إلى واحد منهم يحنث، ولا يراد الجمع في عرفنا ا ه. قوله: (فإن كان يعلم به) أي يعلم بأنه واحد حنث، لان الجمع قد يراد به الجنس كلا اشترى العبيد، لكن الفرق هنا أن إخوة فلان خاص معهود، بخلاف العبيد. قوله: (وألحق في النهر) أي بالاخوة بحثا، والظاهر أنه لا خصوصية للأصدقاء والزوجات بل الأعمام ونحوهم، والعبيد والدواب وغيرهم كذلك لما قلنا. مطلب: الجمع لا يستعمل لواحد إلا في مسائل قوله: (من المسائل الأربع الخ) ذكرها في شرحه على الملتقى آخر كتاب الوقف، وزاد عليها حيث قال: فائدة الجمع لا يكون: أي لا يستعمل للواحد إلا في مسائل وقف على أولاده وليس له إلا واحد، فله كل الغلة، بخلاف بنيه وقف على أقاربه المقيمين ببلد كذا فلم يبق منهم إلا واحد. حلف لا يكلم إخوة فلان وليس له إلا واحد، حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب أو الخبز وليس منه إلا رغيف واحد. حلف لا يكلم الفقراء أو المساكين أو الناس أو بني آدم وهؤلاء
111 القوم أو أهل بغداد حنث بواحد كما في الأطعمة والثياب والنساء، ثم أطال في ذلك وفي الكلام على المسألة الأولى، وأنها مخالفة لما في الخانية، توقف بينهما فراجعه، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام عليها في الوقف. قوله: (وأما الأطعمة والثياب الخ) أي إذا كانت معرفة بأل مثل لا آكل الأطعمة ولا ألبس الثياب، بخلاف أطعمة زيد وثيابه فلا بد من الجمعية كما مر، وقوله لانصراف المعرف للعهد الخ بيان لوجه الفرق. مطلب: تحقيق مهم في الفرق بين لا أكلم عبيد فلان أو زوجاته أو النساء أو نساء أقول: والفرق بين هذه المسائل من المواضع المشكلة فلا بد من بيانه فنقول: قال في تلخيص الجامع وشرحه إن كلمت بني آدم أو الرجال أو النساء حنث بالفرد، إلا أن ينوي الكل إلحاقا للجمع المعرف بالجنس، فيصدق قضاء، ولا يحنث أبدا لان الصرف إلى الأدنى عند الاطلاق لتصحيح كلامه، إذ ليس في وسعه إثبات كل الجنس، وإذا نوى الكل فقد نوى حقيقة كلامه، وأما الجمع المنكر كإن كلمت نساء فيحنث بالثلاث لأنه أدنى الجمع، ولو نوى الزائد صدق قضاء وإن كان فيه تخفيف عليه، لان الزائد على الثلاث جمع حقيقة، وله نية الفرد أيضا لجواز إرادته بلفظ الجمع نحو * (إنا أنزلناه) * (القدر: 1) لا نية المثنى ا ه. وقد صرح الأصوليون بأن المعرف يصرف للعهد إن أمكن، وإلا فللجنس لان أل إذا دخلت على الجمع ولا عهد تبطل معنى الجمعية: كلا أشتري العبيد. إذا علمت ذلك فنقول: إن الجمع المضاف إذا كان محصورا فهو من قسم المعرف المعهود، فلا تبطل فيه الجمعية، ولكن تارة يكتفي بأدنى الجمع كما في عبيد فلان ودوابه وثيابه، وتارة لا بد من الكل كما في زوجاته وأصدقائه وإخوته، وقد مر الفرق. وأما إذا كان غير محصور مثل لا أكلم بني آدم أو أهل بغداد أو هؤلاء القوم، فإنه يكون للجنس لعدم العهد فيحنث بواحد، ويشير إلى هذا الفرق ما في منية المفتي. وعن أبي يوسف: إن كان له من العبيد ما يجمعهم بتسليم واحد لم يحنث حتى يكلم الكل، وإن كانوا أكثر من ذلك فكلم واحدا حنث، وكذا في الثياب إن كان له منها ما يلبس بلبسة واحدة لا يحنث إلا بالكل، وإن كان أكثر فبواحد ا ه. فهذا صريح في الفرق بين المضاف المحصور وغيره، فصار المضاف المحصور مثل العرف بأل المعهود لا بد فيه من الجمعية، وغير المحصور مثل المنكر والمعرف بأل غير المعهود يكتفى في بالواحد، وعليه يخرج المسائل المارة عن شرح الملتقى، وبه يظهر صحة ما أجاب به صاحب البحر فيمن حلف أن أولاد زوجته لا يطلعون بيته فطلع واحد بأنه لا يحنث، ولا بد من الجمع كما تقدم قبيل قول المصنف كل حل عليه حرام لكن كان المناسب أن يقول: لا بد من طلوع الكل، لأنه مثل زوجا ت فلان لا مثل عبيده، وتقدم الفرق، لكن العرف الآن خلاف هذا كما ذكرناه قريبا، وظهر أيضا أن مسألة الوقف الصواب فيها ما في الخانية من التسوية بني الأولاد والبنين من أنه إذا لم يكن له إلا ولد واحد، فالنصف له والنصف للفقراء، إذ لا فرق بين قوله على أولادي، وقوله على بني، فإن كلا منهما جمع مضاف معهود، بخلا ف قوله على ولدي فإنه مفرد مضاف يشمل الواحد، فكل الغلة له، وبه يظهر أيضا أن الجمع المضاف المعهود إذا لم يوجد منه إلا فرد لا يبطل اللفظ بالكلية، بل
112 يبقى له مدخل في الكلام وإلا لم يستحق الولد شيئا، ولذا حنث في لا أكلم إخوة فلان لم يوجد غير واحد، لكن هذا مع العلم، وإلا كان المقصود هو الجمع لا غير كما مر، فاغتنم تحقيق هذا المقام فإنه من مفردات هذا الكتاب، والحمد لله على الاتمام والانعام. باب اليمين في الطلاق والعتاق قوله: (الأصل فيه) أي في مسائله: أي بعضها ط. قوله: (أن الولد الميت) قيد بلفظ الولد، إشارة إلى اشتراط أن يستبين بعض خلقه. قال في الفتح ولو لم يستبن شئ من خلقه لم يعتبر. قوله: (ولد في حق غيره) فتنقضي به العدة والدم بعده نفاس وأمه أم ولد ويقع به المعلق على ولادته ط: أي من عتقها أو طلاقها مثلا. قوله: (لا في حق نفسه) فلا يسمى ولا يغسل ولا يصلي عليه، ولا يستحق الإرث والوصية ولا يعتق ا ه شلبي. وسيأتي مثال هذا الأصل في قوله إن ولدت فأنت كذا حنث بالميت، بخلاف فهو حر ط. قوله: (والأول اسم لفرد سابق) فيه أن المعتبر عدم تقدم غيره عليه السابق يوهم وجود لاحق وهو غير شرط كما يأتي، فالأوضح أن يقول: والأول اسم لفرد لم يتقدمه غيره. أفاده ط. قوله: (والأخير) كذا في البحر، وفي نسخة والآخر بمد الهمزة وكسر الخاء بلاياء وهي أولى، ولا يصح الفتح لصدقه على السابق وعلى اللاحق. قوله: (بين العددين المتساويين) كالثاني من ثلاثة والثالث من خمسة، ولم يمثل المصنف له كالكنز ط. وسيأتي بيانه. قوله: (بأحدها) أي أحد الثلاثة المذكورة، وفي نسخة بضمير التثنية والأولى أولى. قوله: (لا يتصف بالآخر) بالمد والكسر، فلو قال آخر امرأة أتزوجها طالق فتزوج امرأة ثم أخرى، ثم طلق الأولى ثم تزوجها ثم مات طلقت التي تزوجها مرة، لان التي أعاد عليها التزوج اتصفت بكونها أولى فلا تتصف بالآخرية للتضاد، كما لو قال آخر عبد أضربه فهو حر فضرب عبدا ثم ضرب آخر ثم أعاد الضرب على الأول ثم مات عتق المضروب مرة. ح عن البحر. قوله: (لعدمه أي لعدم التنافي، بيانه أن الفعل يتصف بالأولية، وإذا وقع وقع ثانيا بالآخرية لكون الثاني غير الأول فإنه عرض لا يبقى زمانين، وإنما يعتبره الشرع باقيا كالبيع ونحوه إذا لم يعرض عليه ما ينافيه كفسخ وإقالة، وإلا فهو زائل وما يوجد بعده فهو غير حقيقة، وإن كان عينه صورة فصح وصفه بالأولية والآخرية باعتبار الصورة وانتفى التنافي بين الوصفين باعتبار الحقيقة وذلك لكون الواقع آخرا غير الواقع أولا، ولذا قال: لان الفعل الثاني غير الأول فافهم. قوله: (مرتين) ظرف للمتزوجة لا لطلقت ح. قوله: (لعدم الفردية) أي في العبدين، وأما العبد فلعدم السبق فكان عليه أن يقول لعدم الفردية والسبق ا ه ح.
113 مطلب: أول عبد أشتريه حر قوله: (عتق الثالث) أي في المثال المذكور لأنه هو الموصوف بكونه أول عبد اشتراه وحده، ولا يخرجه عن الأولية شراء عبدين معا قبله، وكذا لو قال أول عبد أشتريه أسود أو بالدنانير فاشترى عبيدا بيضا أو بالدراهم ثم اشترى عبدا أسود أو بالدنانير عتق كما في البحر، ولا يلزم في المشتري أولا أن يكون جمعا كما لا يخفى. قوله: (وأشار إلى الفرق) أي بين وحده وبين واحدا. قوله: (للاحتمال الخ) هذا الفرق لشمس الأئمة، ومقتضاه أنه لو نوى كونه حالا من العبد يعتق، لكن عبر عنه في الفتح بقيل، والذي اقتصر عليه في تلخيص الجامع الكبير وأوضحه قاضيخان في شرح الجامع الصغير وشرح الهداية وغيرهم هو أن الواحد يقتضي الانفراد في الذات، ووحده الانفراد في الفعل المقرون به، ألا ترى أنه لو قال في الدار رجل واحد كان صادقا إذا كان معه صبي أو امرأة، بخلاف في الدار رجل وحده فإنه كاذب، فإذا قال واحدا لا يعتق الثالث لكونه حالا مؤكدة لم تفد غير ما أفاده لفظ أول، فإن مفاده الفردية والسبق ومفادها التفرد فكان كما لو لم يذكرها، أما إذا قال وحده فقد أضاف العتق إلى أول عبد لا يشاركه غيره في التملك والثالث بهذه الصفة، وإن عنى بقوله واحدا معنى التوحد صدق ديانة وقضاء لما فيه من التغليظ، فيكون الشرط حينئذ التفرد والسبق في حالة التملك، كما ذكره الفارسي في شرح التلخيص، وبما ذكر من الفرق علمت أنه لا فرق بين النصب والجر، بل ذكر في تلخيص الجامع أن حقه الكسر كما في بعض نسخ الجامع، وذكر شارحه عن كافي النسفي أن الألف خطأ من بعض الكتاب. قوله: (فهو كوحدة) أي فيعتق العبد الثالث، ورده في النهر بأن الجر كالنصب الفرق السابق. قلت: ويؤيده ما نقلنا عن تلخيص الجامع وشرحه قوله: وفي النهر الخ في بعض النسخ وجوز في النهر الخ وعبارته: ولم أرى في كلامهم الرفع على أنه خبرا لمبتدأ محذوف، والظاهر أنه لا يعتق أيضا كالنصف فتدبره ا ه. قوله: (فملك عبدا ونصف عبد) أي معا كما في الفتح. قوله: (عتق الكامل) لان نصف العبد ليس بعبد، فلم يشاركه في اسمه فلا يقطع عنه وصف الأولية والفردية، كما لو ملك معه ثوبا أو نحوه. زيلعي قوله: كذا الثياب) مثل أول ثوب أملكه فهو هدي فملك ثوبا ونصفا. قوله: (للمزاحمة) فإنه إذا قال أول كر أملكه فهو صدقة فملك كرا ونصف كر جملة لا يلزمه التصدق بشئ، لان النصف الزائد على الكر مزاحم له يخرجه عن الأولية والفردية، لان الكر اسم لأربعين قفيزا وقد ملك ستين جملة، نظيره أول أربعين عبدا أملكهم فهم أحرار فملك ستين لا يعتق أحد، فعلم أن النصف في الكر يقبل الانضمام إليه إذ لو أخذت أي نصف شئت وضممته إلى النصف الزائد يصير كرا كاملا، ونصف العبد ليس كذلك، زيلعي قوله: (فمات الحالف) وكذا لا يعتق لو لم
114 يمت بالأولى، لأنه ما دام حيا يحتمل أن يملك غيره. قوله: (إذ لا بد للآخر من الأول الخ) قال في الفتح: وهذه المسألة مع التي تقدمت تحقق أن المعتبر في تحقق الآخرية وجود سابق بالفعل، وفي الأولية عدم تقدم غيره لا وجود آخر متأخر عنه، وإلا لم يعتق المشتري في قوله أول عبد أشتريه فهو حر إذا لم يشتر بعده غيره ا ه. قوله: (بخلاف القبل) فإذا قلت: جاء زيد قبل لا يقتضي مجئ أحد بعده، فإن معناه أن أحدا لم يتقدمه في المجئ ط. قلت: والظاهر أن هذا فيما إذا كان قبل منصوبا منونا وإلا فهو مضاف تقديرا إلى شئ وجد بعده، إلا أن يقال إنه لا يلزم وجوده بعده ولو صرح بالمضاف إليه كجئت قبل زيد، فليتأمل. قوله: (ثم مات الحالف) قيد به لأنه لا يعلم أن الثاني آخر إلا بموت المولى، لجواز أن يشتري غيره فيكون هو الآخر بحر. قلت: وهذا إذا تناولت اليمين غير هذا العبد وكانت على فعل لا يوجد بعد موت المولى، ولم يؤقت وقتا لما في شرح الجامع الكبير لو قال لامرأتين: آخر امرأة أتزوجها منكما طالق فتزوج امرأة ثم الأخرى طلقت الثانية في الحال لاتصافها بالآخرية في الحال، واليمين لم يتناول غيرهما، ولو قال لعشرة أعبد آخركم تزوجا حر فتزوج بإذنه عبد ثم تزوج الأول أخرى ثم مات المولى لم يعتق واحد منهم لان بموته لم يتحقق الشرط لاحتمال ان يتزوج آخر بعد موت المولى، فلم يكن آخرهم إلا إذا تزوج كلهم بإذنه فيعتق العاشر في الحال، بلا توقف على موت المولى لأنه آخرهم، ولا يتوهم زوال وصف الآخرية عنه، وكذا لو ماتوا قبله سوى المتزوجين فيعتق الذي تزوج مرة، ولو قال آخرهم تزوجا اليوم حر عتق الثاني الذي تزوج مرة بمضي اليوم دون الأول الذي تزوج مرتين لأنه اتصف بالأولية فلا يتصف بالآخرية ا ه ملخصا، وتمامه فيه. قوله: (مستندا إلى وقت الشراء) هذا عنده، وعندهما يقع مقتصرا على حالة الموت، فيعتبر من الثلث على كل حال لان الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده، وذلك يتحقق بالموت فيقتصر عليه. وله أن الموت معرف، فأما اتصافه بالآخرية فمن وقت الشراء فيثبت مستندا بحر. قوله: (لو علق البائن بالآخر) كقوله آخر امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثا، فعنده يقع منذ تزوج وإن كان دخل بها فلها مهر بالدخول بشبهة ونصف مهر الطلاق قبل الدخول وعدتها بالحيض بلا حداد ولا ترث منه، وعندهما: يقع عند الموت وترث لأنه فار، ولها مهر واحد وعليها العدة أبعد الأجلين من عدة الطلاق والوفاة، وإن كان الطلاق رجعيا فعليها الوفاة وتحد كما في البحر قوله: (وأما الوسط الخ) فإذا اشترى ثلاثة أعبد متفرقين ثم مات عتق الثاني عند الموت عندهما، وعند الامام عتق مستندا إلى وقت شراء الثالث، لأنه اكتسب اسم الوسط في نفس الامر عند شراء الثالث، وعرفنا ذلك بموت السيد قبل أن يشتري رابعا، وأما قبل الثالث فلم يكتسب الثاني اسم الوسط لا عندنا ولا في نفس الامر، فلا يستند العتق إلى وقت شراء الثاني، بخلاف ما إذا قال آخر عبد أملكه فهو حر، ثم اشترى عبدين متفرقين، ثم مات حيث يعتق الثاني مستندا إلى وقت شرائه عند الامام، لأنه اكتسب اسم الآخر بالشراء في نفس الامر، وعرفنا
115 ذلك بموت السيد قبل أن يشتري عبدا آخر، هذا ما ظهر لي فتأمل وراجع ا ه ح. قلت: وهو بحث جيد والقواعد له تؤيد. وفي التلخيص وشرح للفارسي: لو قال كل مملوك أملكه حر إلا الأوسط فملك عبدا عتق في الحال لامتنا الأوسطية في حالا ومالا، فلو ملك ثانيا ثم ثالثا لم يعتق واحد منهما، لان الثاني صار أوسط بشراء الثالث، والثالث يحتمل أن يصير أوسط بملك خامس، وإنما يعتق الثاني إذا انتفت عنه الأوسطية بأن ملك رابعا فيعتق حين ملك الرابع وهلم جرا، والأوسطية تزول بموت المولى عن شفع كالاثنين والأربعة والستة، وتتحقق بموته عن وتر كثلاثة أو خمسة أو سبعة ونحوها فيعتقون إلا أوسطهم، وتمامه هناك. قوله: (مستبين الخلق) ولو بعض الخلق كما قدمناه. قوله: (وإلا) أي وإن لم يستبن. مطلب: إن ولدت فأنت كذا حنث بالميت بخلاف فهو حر قوله: عتق الحي وحده، أي عند الامام، وعندهما: لا يعتق أحد، لان الشرط تحقق بولادة الميت، فتنحل اليمين، لا إلى جزاء لان الميت، ليس بمحل للحرية، وله أن مطلق الاسم تقيد بوصف الحياة لأنه قصد إثبات الحرية له، وعلى هذا الخلاف أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ميتا ثم حيا. أفاده في البحر. قوله: (لبطلان الرق الخ) هذا تعليل من طرفهما لغير مذكور في كلام الشارح، وهو ما لو قال أول عبد يدخل علي فهو حر، فأدخل عليه عبد ميت ثم آخر حي عتق الحي إجماعا على الصحيح، والعذر لهما أن العبودية بعد الموت لا تبقى، لان الرق يبطل بالموت، بخلاف الولد في أول ولد تلدينه والولادة في إن ولدت لتحققهما بعد الموت. أفاده ح. قوله: (بل لغة الخ) قال في النهر: ولا تختص لغة بالسار، بل قد تكون في الضار، ومنه * (فبشرهم بعذاب أليم) * (التوبة: 43) ودعوى المجاز مدفوعة بمادة الاشتقاق، إذ لا شك أن الاخبار بما يخافه الانسان يوجب تغير البشرة أيضا ا ه. أقول: لا منافا بين ما قاله من أنها حقيقة في خبر يغير البشرة وبين تقرير البيانيين الاستعارة التهكمية في الآية، لأنه نظر فيما قاله إلى أصل اللغة وهم نظروا إلى عرف اللغة، وكم لفظ اختلف معناه في أصلها وعرفها، كالدابة فإنها اسم لما يدب على الأرض في أصل اللغة، وخصت في عرفها بذوات الأربع، وكاللفظ فإن معناه في أصل اللغة: الرمي، ثم خص في عرفها بما يطرحه الفم، كما في رسالة الوضع ا ه ح. وحاصله: أنه منقول لغوي فيصح إطلاق لفظ الحقيقة والمجاز عليه، باختلاف الاعتبار كما أوضحه في التلويح في أول التقسيم في استعمال اللفظ في المعنى. قوله: (خرج الكذب) فلا يعتبر. وأورد أنه يظهر به في بشرة الوجه الفرح والسرور باعتبار الظاهر. وأجيب بأنه إذا ظهر خلافه يزول، لكن في الفتح أن الوجه فيه نقل اللغة والعرف. قوله: (فيكون) أي التبشير أو الضمير عائد للخبر الذي عاد إليه ضمير به. مطلب: كل عبد بشرني بكذا حر قوله: من الأول أي من المخبر الأول دون الباقين: أي المخبرين بعده في المثال الآتي.
116 قال في الفتح: وأصله ما روي أنه عليه الصلاة والسلام مر بابن مسعود وهو يقرأ القرآن فقال عليه الصلاة والسلام: من أحب أن يقرأ عمر القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد فابتدر إليه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما بالبشارة، فسبق أبو بكر عمر، فكان ابن مسعود يقول: بشرني أبو بكر وأخبرني عمر. قوله: (لما قلنا) من أن المبشر هو الأول دون الباقين. قوله: (فتكون الحديث) أي فلا يعتق بالكتابة والرسالة لما مر في الباب السابق أن الحديث لا يكون إلا باللسان. قوله: (إن ذكر الرسالة) بأن قال له إن فلانا يقول لك إن فلانا قدم، كما في البحر، فالمعتبر في الرسالة إسناد الكلام إلى المرسل بلا اشتراط ذكر مادة الرسالة. قوله: (وإلا الرسول) أي وإن لم يذكر الرسالة، وإنما قال له إن فلانا قدم من غير إسناد إلى المرسل عتق الرسول. قوله: (عتقوا) وإن قال عنيت واحدا لم يصدق قضاء بل ديانة، فيسعه أن يختار واحدا فيمضي عتقه ويمسك البقية. ط عن الهندية. قوله: (فبشروه) كذا وقع للزيلعي والكمال وصاحب البحر والتلاوة بالواو ط. قوله: (والاعلام لا بد فيه من الصدق) كان عليه أن يزيد: وجهل الحالف، كما قدمناه في التلخيص في الباب السابق، لان الاعلام لا يكون للعالم، وقدمنا أن ما ذكره هنا من اشتراط الصدق في الاعلام والبشارة مخالف لما قدمه هناك تبعا للفتح والبحر من عدم اشتراطه إذا كانا بدون باء، وأن ما هنا مذكور في التلخيص قوله: (والكذب لا يفيده) لان العلم الجزم المطابق للحق، والكذب لا مطابقة فيه ط. مطلب: النية إذا قارنت علة العتق صح التكفير قوله: (النية الخ) أي نية العتق عن الكفارة، وقد ذكروا هذه القاعدة هنا لمناسبة تعليق العتق بالشراء فإنه يمين، وإلا فالمناسب لها كفارة الظهار أو كفارة اليمين. قوله: (كالشراء) أي شراء القريب: أي إذا نواه عن كفارته أجزأه عندنا، خلافا لزفر والأئمة الثلاثة، وهو قول أبي حنيفة أولا بناء على أن علة العتق عندهم القرابة لا الشراء، ولنا أن شراء القريب إعتاق لما روى الستة إلا البخاري أنه (ص) قال: لن يجزي ولد عن والده، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه يريد فيشتريه فيعتق عند ذلك الشراء، وقد رتب عتقه على شرائه بالفاء لما علمت من أن المعنى فيعتق هو فهو مثل سقاه فأرواه، والترتيب بالفاء يفيد العلة على ما عرف مثل سها فسجد، وتمامه في الفتح. قوله: (لأنه جبري) فإن الملك يثبت فيه بلا اختيار فلا تتصور النية فيه (1) فلا يعتق عن كفارته إذا نواه لأنها
(1) قوله: (فلا تتصور النية فيه الخ) هذا غير ظاهر والتعليل الواضح ما نقله شيخنا عن بعضهم وهو ان الحانث أو المظاهر مثلا يخاطبه الشارع بالاعتاق وهو فعل اختياري ولم يوجد في المملوك بالإرث لأنه جبري ا ه. 117 نية متأخرة عن العتق، بخلاف ما إذا ملكه بهبة أو وصية ناويا عند القبول كما يأتي. قوله: (بأن لم تقارن) أي النية العلة أي علة التكفير كما ذكرنا في الإرث، وكما يأتي. قوله: (ثم فرع عليها) أي على القاعدة المذكورة. قوله: (فصح شراء أبيه) أي ونحوه من كل قريب محرم. قوله: (لا شراء من حلف بعتقه) كقوله لعبد الغير إن اشتريتك فأنت حر فاشتراه ناويا عن التكفير لا يجزيه، لعدمها: أي عدم المقارنة للنية، فإن علة العتق قوله فأنت حر والشراء شرط، والعتق وإن كان ينزل عند وجود الشرط لكنه إنما ينزل بقوله أنت حر السابق، فإنه العلة والشراء شرط عملها، فلا يعتبر وجود النية عنده لأن النية شرط متقدم لا متأخر، حتى لو كان نوى عند الحلف يعتق عنها كما يأتي، وتمامه في الفتح. قوله: (ولا شراء مستولدة الخ) أي إذا تزوج أمة لغيره فأولدها بالنكاح ثم قال لها إذا اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني ثم اشتراها لا تجزيه عن الكفارة. قوله: (لنقصان رقها) لأنها استحقت العتق بالاستيلاد، حتى جعل إعتاقا من وجه، ولذا لا يجزي إعتاقها عن الكفارة ولو منجزا، ولكن أراد والفرق بينها وبين القريب لان شراءه إعتاق من كل وجه، لأنه لم يثبت له قبل الشراء عتق من وجه. أفاده في الفتح. قوله: بخلاف الخ مرتبط بقوله: ولا شراء مستولدة. قوله: للمقارنة تعليل قاصر، فإن المقارنة موجودة في المستولدة أيضا، وإنما وجه المخالفة ما في الفتح وهو أن حرية القنة غير مستحقة بجهة أخرى فلم تختل إضافة العتق إلى الكفارة وقد قارنته النية فكمل الموجب. قوله: (كاتهاب الخ) كان عليه أن يذكره بعد قول المتن فصح شراء أبيه للكفارة بأن يقول: وكذا إذا وهب له أو تصدق عليه به أو أوصى له به ناويا عند القبول ح. وهذه الثلاثة ذكرها في البحر بحثا، وزاد: أو جعل مهرا لها مع أن الثلاثة في الفتح والزيلعي. مطلب: إن تسريت أمة فهي حرة قوله: (إن تسريت أمة) أي اتخذتها سرية فعلية، منسوبة إلى السر وهو الجماع أو الاخفاء. قوله: (لمصادفتها الملك) أي لمصادفة الحلف، وأعاد عليه الضمير مؤنثا لان الحلف بمعنى اليمين: وهي هنا التعليق: أي لوقوعها في حالة الملك فهو كقوله إن ضربت أمة فهي حرة، فضرب أمة في ملكه عتقت، بخلاف من ملكها بعد التعليق. قوله: (لا يعتق من شراها فتسراها) أي عندنا خلافا لزفر فإنه يقول: التسري لا يصح إلا في الملك، فكان ذكره ذكر الملك. ولنا أنه لو عتقت المشتراة لزم صحة تعليق عتق من ليس في الملك بغير الملك وسببه، لان التسري ليس نفس الملك ولا سببه، وتمام تحقيق ذلك في الفتح. قوله: (ويثبت التسري بالتحصين والوطئ) التحصين أن يبوئها بيتا ويمنعها من الخروج. أفاده مسكين ط. فلو وطئ أمة له ولم يفعل ما ذكر
118 من التحصين والاعداد للوطئ لا يكون تسريا وإن علقت منه. فتح. وأفاد قول الشارح: والوطئ أنه لا بد منه فلا يكفي الاعداد له بدونه في مفهوم التسري، وهذا نبه عليه في النهر أخذا من قولهم: لو حلف لا يتسرى فاشترى جارية فحصنها ووطئها حنث، ثم قال: إنهم أغفلوا التنبيه عليه ا ه. قلت: لكن صرح به ابن كمال فقال: وشرط في الجامع الكبير شرطا ثالثا وهو أن يجامعها. قوله: (وشرط الثاني) أي مع ذلك. فتح: أي مع المذكور من الشرطين. قوله: (طلقت وعتق) أي طلقت امرأته المعلق طلاقها على التسري وعتق عبده المعلق عتقه عليه، والمراد به العبد الذي كان في ملكه وقت الحلف دون المشري بعده كما في الفتح والنهر: أي لان قوله فعبدي حر ينصرف إلى العبد المضاف إليه وقت الحلف دون الحادث بعده كما مر في كتاب الاعتاق في باب الحلف بالعتق، ومثله يقال في الزوجة. قوله: (وأفاد الفرق الخ) أي بين تعليق عتق الأمة الغير المملوكة وقت الحلف على تسريها، وبين تعليق عتق عبده الذي في ملكه أو طلاق زوجته على تسري أمة، وإن لم تكن في ملكه وقت الحلف حيث صح الثاني دون الأول وبيان الفرق أن الأول لم يصح للمانع وهو تعليق عتق من ليس في الملك بغير الملك وسببه كما مر، أما الثاني فقد صح لعدم المانع لكونه تعليق عتق عبد أو طلاق زوجة في ملكه وقت الحلف، وذلك جائز بأي شرط كان كدخول الدار وغيره من الشروط، ومنها: تسري أمة في ملكه وقت الحلف أو مستجدة بعده، وهذا الفرق ظاهر خلافا لبعض معاصري صاحب البحر حيث قاس الثاني على الأول، فإنه غلط فاحش، كما نبه عليه في البحر والنهر والشرنبلالية وأشار إليه المصنف بتصريحه بتعليله، ولذا أمر الشارح بحفظه. مطلب: كل مملوك لي حر قوله: (كل مملوك لي حر) هذه المسائل إلى آخر الباب ليست من الايمان، لعدم التعليق فيها، فالأولى بها أبوابها ا ه ح. قلت: ولعلهم ذكروها هنا لبيان حكمها إذا وقعت جزاء في التعليق، ثم رأيت ط ذكره. قوله: (عتق عبيده ومدبروه) أي الإماء والذكور. فتح قوله: (ويدين في نية الذكر و) أي ولا يصدق قضاء لأنه نوى التخصيص في اللفظ العام، ولو نوى السود دون غيرهم لا يصد أصلا، لأنه نوى التخصيص بوصف ليس في لفظه ولا عموم إلا للفظ، فلا تعمل نيته، بخلاف الذكور فإن لفظ كل مملوك للرجال حقيقة لأنه تعميم مملوك، وهو الذكر، وإنما يقال للأنثى مملوكة، ولكن عند الاطلاق يستعمل لها المملوك عادة: يعني إذا عمم مملوك بإدخال كل ونحوه شمل الإناث حقيقة فلذا كان نية الذكور خاصة خلاف الظاهر، فلا يصدق قضاء، ولو نوى النساء وحدهن لا يصدق أصلا. فتح. قلت: وتقدم في باب الحلف بالعتق من كتاب العتق أنه لو قال مماليكي كلهم أحرار لم يدين في نية الذكور، لأنه جمع مضاف يعم مع احتمال التخصيص، وقد ارتفع الاحتمال بالتأكيد،
119 بخلاف كل مملوك، فإن الثابت فيه أصل العموم فقط، فقيل التخصيص، وقدم الشارح هناك أن لفظ المملوك والعبد يتناول المدبر والمرهون والمأذون على الصواب: أي خلافا للمجتبى في الآخرين. قوله: (لملكهم يدا ورقبة) عائد للكل، وهو من إضافة المصدر لمفعوله: أي لكونهم مملوكين له يدا: أي أكسابا ورقبة. قوله: (ومعتق البعض كالمكاتب) أي في أنه لا يدخل في المملوك لا أنه مثله في الدخول في المرقوق أيضا، لان كلا من الملك والرق ناقص في معتق البعض فلا يدخل في المملوك ولا في المرقوق ا ه ح. قلت: وتقدم في العتق أن المشترك كالمكاتب أيضا لا يدخل إلا بالنية، وتقدم تمام الكلام عليه. قوله: (لعدم الملك يدا) العدم ملك المولى ما في يد المكاتب، فصار الملك ناقصا فلا يدخل في المملوك المطلق، وكذا معتق البعض والمشترك لما علمت. قوله: (أن يعتق المكاتب) لان الرق فيه كامل. فتح قوله: (لا أم الولد) لنقصان رقها بالاستيلاد ط. مطلب: لا يكلم هذا الرجل وهذا وهذا قوله: (هذه طالق الخ) كان الأنسب بها الباب ذكر ما لو حلف لا يكلم هذا الرجل أو هذا وهذا ففي تلخيص الجامع وشرحه: أنه يحنث بكلام الأول، أو بكلام الآخرين، لان أو لاحد الشيئين، ولو كلم أحد الأخيرين فقط لا يحنث ما لم يكلم الآخر، ولو عكس فقال لا أكلم هذا وهذا أو هذا حنث بكلام الأخير أو بكلام الأولين، لان الواو للجمع وكلمة أو بمعنى ولا لتناولها نكرة في النفي فتعم كما في قوله تعالى * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * (الانسان: 42) أي ولا كفورا، ففي الأول جمع بين الأخيرين بحرف الجمع فصار كأنه قال لا أكلم هذا ولا هذين، وفي الثاني جمع الأولين بحرف الجمع كأنه قال لا أكلم هذين ولا هذا ا ه. وذلك الفرق بينه وبين ما في المتن إن هذا في النفي وذاك في الاثبات فلا يعم، ونحوه في البحر. قوله: (والاقرار) كما لو قال لفلان: علي ألف درهم أو لفلان وفلان لزمة خمسمائة للأخير وله أن يجعل خمسمائة لأي الأولين شاء، فإن مات من غير بيان اشترك في الخمسمائة الأولان ح. قوله: (على الواقع منهما) أي على الثابت من الأولين وهو الواحد المبهم، ولذا قال في التلويح: إن المعطوف عليه هو المأخوذ من صدر الكلام لا أحد المذكورين بالتعيين ا ه. قوله: (ولا يصح الخ) قال في التلويح: وقيل إنه لا يعتق أحدهم في الحال له الخيار بين الأول والأخيرين، لان الثالث عطف على ما قبله، والجمع بالواو كالجمع بألف التثنية، فكأنه قال هذا حر وهذان، كما إذا حلف لا يكلم هذا أو هذا وهذا، وأجاب شمس الأئمة بأن الخبر المذكور وهو حر لا يصلح خبرا للاثنين، ولا وجه لاثبات خبر آخر، لان العطف للاشتراك في الخبر أو لاثبات خبر آخر مثله لا لاثبات مخالف له لفظا، بخلاف مسألة اليمين، لان الخبر يصلح للاثنين، يقال لا أكلم هذا أو لا أكلم هذين، وجعل صدر الشريعة هذا الجواب سببا للأولوية والرجحان لا للامتناع، لان المقدر قد يغاير المذكور لفظا كما في قولك هند جالسة وزيد، ويقول الشاعر:
120 نحن بما عندنا وأنت بما * عندك راض والرأي مختلف. اه ملخصا وتمامه فيه وأجاب صدر الشريعة في التنقيح بجواب آخر: وهو أ قوله: أو هذا مغير لمعنى قوله هذا حر، ثم قوله وهذا غير مغير، لان الواو للتشريك فيقتضي وجود الأول، وإنما يتوقف أول الكلام على المغير لا على ما ليس بمغير فيثبت التخيير بين الأول والثاني بلا توقف على الثالث. فصار معناه أحدهما حر، ثم قوله وهذا يكون عطفا على أحدهما ا ه. قلت: وهذا أظهر من الجواب الأول لشموله صورة الاقرار دون الأول، لأنه لا يختلف فيها تقدير الخبر، فتدبر. قوله: (وهذا إذا لم يذكر الثاني والثالث خبرا) صادق بعدم ذكر خبر أصلا، وبذكر خبر للثالث فقط بأن يقول هذه طالق أو هذه وهذه طالق. ذكره مسكين ط. قوله: (بأن قال الخ) والظاهر أن الاقرار كذلك، كما إذا قال لهذا ألف درهم أو لهذا وهذا ألف درهم ط. قوله: حلف لا يساكن فلانا محل هذه المسألة. باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى وقدمها الشارح بعينها هناك ح. قوله: (وبه يفتى) لأنه لم يساكنه حقيقة كما قدمه الشارح. قوله (قال لعبده الخ) سيذكر الشارح هذا الفرع في محله وهو باب اليمين بالضرب والقتل. مطلب: في استعمال حتى للغاية وللسببية وللعطف قوله: (وبه يفتى) لان حتى للتعليل والسببية لا للغاية، وفي الذخيرة أن حتى في الأصل للغاية إن أمكن، بأن يكون مدخولها مقصودا ومؤثرا في إنهاء المحلوف عليه وفي تركه، فإن لم يمكن حملت على السببية وشرطها كون العقد معقودا على فعلين: أحدهما منه، والآخر من غيره، ليكون أحدهما جزاء عن الآخر، فإن تعذر حملت على العطف، ومن حكم الغاية اشتراط وجودها فإن أقلع عن الفعل قبل الغاية حنث، وفي السببية اشتراط وجود ما يصلح سببا لا وجود المسبب، وفي العطف اشتراط وجودهما. مطلب: إن لم أخبر فلانا حتى يضربك فإذا قال إن لم أخبر فلانا بما صنعت حتى يضربك فعبدي حر، فشرط البر الاخبار فقط، وإن لم يضربه، لأنه مما لا يمتد فلا يمكن حملها على الغاية، وأمكنت السببية، لان الاخبار يصلح سببا للضرب كأنه قال إن لم أخبره بصنعك ليضربك، كما لو حلف ليهبن له ثوبا حتى يلبسه أو دابة حتى يركبها فوهبه بر، وإن لم يلبس ولم يركب. مطلب: إن لم أضربك حتى يدخل الليل وإذا قال إن لم أضربك حتى يدخل الليل أو حتى يشفع لك فلان أو حتى تصيح فأقلع عن الضرب قبل ذلك حنث، لان ذلك يصلح غاية للضرب، وكذا إن لم ألازمك حتى تقضيني ديني.
121 مطلب: إن لم آتك حتى أتغذى وإذا قال: عبده حر إن لم آتك اليوم حتى أتغدى عندك أو حتى أغديك أو حتى أضربك، فشرط البر وجودهما إذ لا تمكن الغاية، لان الاتيان لا يمتد ولا السببي، لان الفعلين من واحد وفعل الانسان لا يصلح جزاء لفعله، فحمل على العطف وصار التقدير إن لم آتك وأتغدى عندك، وإن لم يقيد باليوم فأتاه فلم يتغد عنده ثم تغدى عنده في يوم آخر من غير أن يأتيه بر، لأنه لما أطلق لا فرق بين وجود شرطي البر معا أو متفرقا ا ه مخلصا. مطلب: لا يلتحق الشرط بعد السكوت سواء كان له أو عليه قوله: (اختلف في لحاق الشرط الخ) الخلاف فيما إذا كان الشرط عليه كالمثال الآتي، أما إذا كان له لا يلحق بالاجماع كقوله إن دخلت هذه الدار فأنت طالق فسكت سكتة ثم قال وهذه الدار، لان الثانية، لو لحقت باليمين لا تطلق بدخول الأولى وحدها، ولا يملك تغيير اليمين، كذا في الذخيرة، ومثله في البزازية وكذا قال في الخانية: لا يصح في قولهم ا ه. والحاصل: أنه على المفتى به لا يلحق مطلقا سواء كان له أو عليه. قوله: (بعد السكوت) متعلق بلحاق. قوله: (فلا حنث في إن كان كذلك الخ) مثاله ما في الخانية: رجل قال لجاره: إن امرأتي كانت عندك البارحة؟ فقال الجار: إن كانت امرأتك عندي البارحة فامرأتي طالق، فسكت ساعة ثم قال ولا غيرها، ثم ظهر أنه كان عند الحالف امرأة أخرى. باب اليمين في البيع والشراء والصوم والصلاة وغيرها قوله: (وغيرها) كالمشي واللبس والجلوس ط. قوله: (الأصل فيه الخ) ذكر في الفتح أصلا أظهر من هذا، وهو أن كل عقد ترجع حقوقه إلى المباشر، ويستغني الوكيل فيه عن نسبة العقد إلى الموكل لا يحنث الحالف على عدم فعله بمباشرة المأمور لوجوده من المأمور حقيقة وحكما، فلا يحنث بفعل غيره لذلك، وذلك كالبيع والشراء والايجار والاستئجار والصلح عن مال، والمقاسمة، وكذا الفعل الذي يستناب فيه ويحتاج للوكيل إلى نسبته للموكل كالمخاصمة، فإن الوكيل يقول أدعي لموكلي، وكذا الفعل الذي يقتصر أصل الفائدة فيه على محله كضرب الولد فلا يحنث في شئ من هذه بفعل المأمور، وكل عقد لا ترجع (1) حقوقه إلى المباشر بل هو سفير وناقل عبارة يحنث فيه بمباشرة المأمور كما يحنث بفعله كالتزوج والعتق بمال أو بدونه والكتابة والهبة والصدقة والوصية والاستقراض والصلح عن دم العمد والايداع والاستيداع والإعارة والاستعارة، وكذا كل فعل ترجع مصلحته إلى الآمر كضرب العبد والذبح وقضاء الدين وقبضه والكسوة والحمل على دابته وخياطة الثوب وبناء للدار ا ه ملخصا. قوله: (تتعلق حقوقه بالمباشر) خرج عنه المخاصمة وضرب
(1) قوله: (لا ترجع) اي حقوقه إلى المباشر كما هو صريح عبارة الفتح ا ه مصححه. 122 الولد فإنه لا يحنث فيهما بفعل المأمور مع أنه ليس في ذلك حقوق تتعلق بالمباشر، فالمناسب تعبير الفتح المار. قوله: (كنكاح وصدقة) أما النكاح فكون حقوقه تتعلق بالامر الظاهر، ولذا ينسبه المباشر إلى آمره، فيطالب الآمر بحقوقه من مهر ونفقة وقسم ونحوه، وأما الصدقة فلم يظهر لي فيها ذلك، وكذا الهبة، ولعل المراد بالحقوق فيهما صحة الرجوع للآمر في الهبة وعدم صحته في الصدقة، نعم سيأتي في كتاب الوكالة أنه لا بد من إضافتهما إلى الموكل، وكذا بقية المذكورات في قول الفتح المار: وكل عقد لا ترجع إلى المباشر الخ، ونذكر قريبا الكلام عليه. قوله: (وما لا حقوق له) يشمل نحو المخاصمة وضرب الولد مع أنه لا يحنث فيهما بفعل وكيله. تأمل قوله: (يحنث بفعل وكيله أيضا) أي كما يحنث بفعل نفسه، والأولى إبدال وكيله بمأموره لما سيأتي، وللتعليل بأنه سفير ومعبر فإن ذلك صفة الرسول، لأنه يعبر عن المرسل، لكن يطلق عليه وكيل لما في المغرب: السفير الرسول المصلح بين القوم، ومنه قولهم: الوكيل سفير ومعبر: يعني إذا لم يكن العقد معارضة: كالنكاح، والخلع، والعتق ونحوها لا يعتق به شئ ولا يطالب بشئ ا ه قوله: (يحنث بالمباشرة) شمل ما لو كان المباشر أصيلا أو وكيلا إذا حلف لا يبيع أو لا يشتري الخ. أفاده في الفتح. قوله: (لا بالامر) أي لا يحنث بأمره لغيره بأنه يباشر عنه يعني وقد باشر المأمور. قوله: (ممن يباشر بنفسه) أي دائما أو غالبا كما يأتي. قوله: (ومنه الهبة بعوض) فلو حلف لا يبيع فوهب بشرط العوض ينبغي أن يحنث، كذا في القنية. وبه جزم في الظهيرية. ولو حلف لا يبيع داره فأعطاها صداقا لامرأته إن أعطاها عوضا عن دراهم المهر حنث، لا إن تزوج عليها ا ه نهر. فإذا دخل ذلك تحت اسم البيع لزم منه إعطاء حكمه، وهو أنه لا يحنث بفعل مأموره ويكون القابل له مشتريا فيدخل في قوله لا أشتري حتى يحنث أيضا بالمباشرة لا بالامر، كما أفاده ح، فافهم. قوله: (ومنه السلم) فلو حلف أن لا يشتري من فلان فأسلم إليه في ثوب حنث، لأنه اشترى مؤجلا. بحر عن الواقعات. قال ح: وإذا كان المسلم مشتريا يجب أن يكون المسلم إليه بائعا ا ه. فلا يحنثان إلا بالمباشرة ط. قوله: (والإقالة) أي فيما لو حلف لا يشتري ما باعه، ثم أقال المشتري حنث كما عزاه في البحر للقنية، وفيه عن الظهيرية: لو كانت بخلاف الثمن الأول قدرا أو جنسا حنث. قيل: هذا قولهما، أما عنده فلا لكونه إقالة على كل حال ا ه. ومقتضاه أنها لو كانت بعين الثمن الأول لا يحنث عند الكل، ووجهه أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما، وهذا إذا لم تكن بلفظ مفاسخة أو متاركة أو تراد وإلا لم تجعل بيعا ولا بلفظ البيع، وإلا فبيع إجماعا كما سيأتي في بابها، وهل يقال لو الحلف بعتق أو طلاق تجعل بيعا ولا بلفظ البيع، وإلا فبيع إجماعا كما سيأتي في بابها، وهل يقال لو الحلف بعتق أو طلاق تجعل بيعا في حق ثالث، وهو هنا العبد أو المرأة فيحنث بها؟ لم أر من صرح به، وينبغي الحنث، تأمل ولا يخفى أنه إن وجد عرف عمل به. قوله: (قيل والتعاطي) يفيد ضعفه، ونقل في النهر عن البدائع تأييد عدم الحنث في البيع بالتعاطي، والظاهر أن الشراء مثله يفيد ترجيح عدم الحنث فيه أيضا، لكن لا يخفى أن العرف الآن يخالفه. قوله: (آجرتها امرأته) أي ولو بإذنه. قوله: (كتركها في أيدي الساكنين) أي من غير قوله لهم
123 اقعدوا فيها وإلا حنث كما في البحر، والمراد أن مجرد الترك لا يكون إجارة، وأما أخذ الأجرة ففيه التفصيل الآتي. قوله: (قد سكنوا فيه) أي بعد الحلف أو قبله فيما يظهر، لان الإجارة بيع المنافع المستقبلة. قوله: (بخلا ف شهر لم يسكنوا فيه) أي بخلاف شهر مستقبل لم يسكنوا فيه، فإذا تقاضاهم بأجرته حنث. قال في النهر: وهذا ليس إلا الإجارة بالتعاطي، فينبغي أن يجري فيه الخلاف السابق. قوله: (وقيده بقوله الخ) هذا التقييد فيما إذا كان الحالف هو المدعى عليه، لان الصلح إقرارا عن بيع، أما عن إنكار أو عن سكوت فهو في حقه إفداء يمين، فيكون الوكيل من جانبه سفيرا محضا فيحنث بمباشرته، بخلاف ما إذ كان الحالف على عدم الصلح هو المدعي فإنه يحنث بفعل وكيله مطلقا. أفاده ح عن البحر. قوله: (والقسمة) بأن حلف لا يقاسم مع شريكه لا يحنث بفعل وكيله. قوله: (والخصومة) أي جواب الدعوى سواء كان إقرارا أو إنكارا ح عن القهستاني. وقيل: إنه يحنث بفعل وكيله كفعله، والفتوى على الأول كما في شرح الوهبانية. قوله: (فيحنث بفعل وكيله) عبارة الخانية: فينبغي أن يحنث. قال في البحر: وإنما لم يجزم به لان الولد أعم ولم يخصص بالكبير في الروايات، وذكر في الفتح أنه في العرف يقال فلان ضرب ولده وإن لم يباشر، ويقول العامي لولده غدا أسقيك علقة ثم يذكر لمؤدب الولد أن يضربه تحقيقا لقوله: فمقتضاه أن تنعقد على معنى لا يقع به ضرب من جهتي، ويحنث بفعل المأمور ا ه ملخصا. قوله: (كالقاضي) أي إذا وكل بضرب من يحل له ضربه صح أمره به فيحنث بفعله، ومثله السلطان والمحتسب كما في الدر المنتقى ح. قوله: (وإن كان الحالف الخ) محترز قوله: إذا كان ممن يباشر بنفسه وهو بمنزلة الاستثناء من قوله: لا بالامر. وحاصله: أنه لا يحنث بفعل المأمور إلا إذا كان لا يباشر بنفسه. قال في الفتح: فإن مقصوده من الفعل ليس إلا الامر به فيوجد الحنث بوجود الامر به للعادة، وإن كان السلطان ربما يباشر بنفسه عقد بعض المبيعات، ثم لو فعل الآمر بنفسه يحنث أيضا لانعقاده على الأعم من فعله بنفسه أو مأموره ا ه. فتأمل. ثم قال: وكل فعل لا يعتاده الحالف كائنا من كان كحلفه لا يبني ولا يطين انعقد كذلك ا ه. واستثنى في الهداية أيضا ما إذا نوى الحالف البيع بنفسه أو بوكيله فإنه يحنث ببيع الوكيل، لأنه شدد على نفسه، وإن نوى السلطان ونحوه أن لا يتولاه بنفسه دين في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه كما في الجوهرة: أي فلا يحنث بفعل مأموره. قوله: (لتقييد اليمين بالعرف) فإن العرف انعقاد يمينه على الأعم من فعله بنفسه، أو مأموره كما مر. قوله: (وبمقصود الحالف) الأولى إسقاطه لا غناء ما قبله عنه، ولان القصد إنما يعتبر إذا ويخالف الظاهر لا مطلقا، ولعله أشار إلى أنه إنما يحنث إذا قصد الأعم، أما لو قصد فعل نفسه الذي هو حقيقة كلامه لا يحنث كما ذكرناه آنفا. قوله: (وإن كان) أي الحالف، وعبارة الفتح: ولو كان رجلا يباشر بنفسه الخ، ومفاده أن الضمير ليس عائد للسلطان، وهو مفاد البحر وغيره أيضا: قوله: (اعتبر الأغلب) هذا هو الذي
124 اعتمده في الخانية والمحيط والبزازية، واقتصر عليه في البحر تبعا للزيلعي. منح. قلت: وكذا جزم به في الفتح ومقابله مذكره الشارح ولذا عبر عنه بقيل. قوله: (ويحنث بفعله وفعل مأموره الخ) هذا هو النوع الثاني مقابل قوله: يحنث بالمباشرة لا بالامر ثم هذا النوع منه ما هو فعل حكمي شرعي كالطلاق، ومنه ما هو فعل حسي كالضرب، فلو نوى أن لا يفعل بنفسه ففي الافعال الحسية يصدق قضاء وديانة لأنها لا توجد إلا بمباشرته لها حقيقة، فإذا لم يباشرها فقد نوى حقيقة كلامه، وفي غيرها روايتان: أشهرهما أنه لا يصدق إلا ديانة، لأنه كما يوجد بمباشرته يوجد بأمره، فإذا نوى المباشرة فقط فقد نوى تخصيص العام وهو خلاف الظاهر فلا يقبل منه كما في النهر عن كافي النسفي. قوله: (لم يقل وكيله) حاصله: أنه عدل عن قول الكنز وفعل وكيله، لأنه اعترضه في البحر بأن الاستقراض لا يصح التوكيل به لكن أجاب في النهر بأنه إنما خص الوكيل لتعليم الرسالة منه بالأولى ا ه. وقال القهستاني: يمكن أن يحمل على ما هو متعارف من تسمية الرسول بالاستقراض وكيلا، كما إذا قال المستقرض: وكلتك أن تستقرض لي من فلان كذا درهما، وقال الوكيل للمقرض: إن فلانا يستقرض منك كذا، ولو قال أقرضني مبلغ كذا فهو باطل، حتى إنه لا يثبت الملك إلا للوكيل كما في وكالة الذخيرة ا ه. قال ط: ووجهه الزيلعي في الوكالة بأنه لا يجب دين في ذمة المستقرض بالعقد بل بالقبض، والامر بالقبض لا يصح لأنه ملك الغير، وتصح الرسالة في الاستقراض، لان الرسول معبر والعبارة ملك المرسل فقد أمره بالتصرف في ملكه، يصح التوكيل بالاقراض ويقبض القرض كأنه يقول لرجل أقرضني ثم يوكل رجلا بقبضه فإنه يصح ا ه. قلت: وحاصله أن التوكيل بالقرض أو بقبضه صحيح لا بالاستقراض، بل لا بد من إخراجه مخرج الرسالة ليقع الملك للآمر وإلا وقع للمأمور، ولا يخفى أن هذا ليس خاصا بالاستقراض، بل النكاح مثله، وكذا الاستعارة كما سنذكره. مطلب: حلف لا يتزوج قوله: (في النكاح) فلو حلف لا يتزوج فعقده بنفسه، أو وكل فعقد الوكيل حنث، كذا لو كان الحالف امرأة فلو حلفت وأجبرت ممن له ولاية الاجبار ينبغي أن لا تحنث، كما لو جن فزوجه أبوه كارها، ولو صار معتوها فزوجه أبوه لا يحنث كذا لو كان التوكيل قبل اليمين. نهر عن شرح الوهبانية. قلت: وسيأتي متنا آخر الباب الآتي ما لو حلف لا يتزوج فزوجه فضولي أو زوجه فضولي ثم حلف لا يتزوج. مطلب: حلف لا يزوج عبده قوله: (لا الانكاح) أي التزويج، فلا يحنث به إلا بمباشرته، وهذا في الولد الكبير أو الأجنبي لما في المختار وشرحه: حلف لا يزوج عبده أو أمته يحنث بالتوكيل والإجازة، لان ذلك مضاف إليه متوقف على إرادته لملكه وولايته، وكذا في ابنه وبنت الصغيرين لولايته عليهما، وفي الكبيرين
125 لا يحنث إلا بالمباشرة لعدم ولايته عليهما، فهو كالأجنبي عنهما فيتعلق بحقيقة الفعل ا ه. ومثله في الزيلعي والبحر في آخر الباب الآتي بلا حكاية خلاف، فقول القهستاني: وعن محمد لا يحنث في الكل رواية ضعيفة. قوله: (كتعليق) يصلح مثالا للقبل والبعد، وعبارة الزيلعي: وإنما يحنث بالطلاق والعتاق إذا وقعا بكلام وجد بعد اليمين، وأما إذا وقعا بكلام وجد قبل اليمين، فلا يحنث حتى لو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم حلف أن لا يطلق فدخلت لم يحنث، لان وقوع الطلاق عليها بأمر كان قبل اليمين، ولو حلف أن لا يطلق ثم علق الطلاق بالشرط ثم وجد الشرط حنث، ولو وقع الطلاق عليها بمضي مدة الايلاء، فإن كان الايلاء قبل اليمين لا يحنث، وإلا حنث، وتمامه فيه. قوله: (والخلع) هو الطلاق وقد مر. نهر قوله: (والكتابة) هو الصحيح، وفي المجتبى عن النظم أنها كالبيع. نهر. قوله: (والصلح عن دم العمد) لأنه كالنكاح في كونه مبادلة مال بغيره، وفي حكمه الصلح عن إنكار. قهستاني. وفي حاشية أبي السعود: واحترز عن الصلح عن دم غير عمد، لأنه صلح عن مال فلا يحنث فيه بفعل الوكيل، أما عن دم العمد فهو في المعنى عفو عن القصاص بالمال، ولا تجري النيابة في العفو، بخلاف الصلح عن المال. حموي عن البرجندي. قوله: (أو إنكار) لان الصلح عنه فداء باليمين في حق المدعى عليه فوكيله سفير محض ومثله السكوت، وأما المدعي لا يحنث بالتوكيل مطلقا كما مر، وشمل الانكار إنكار المال وإنكار الدم العمد وغيره. قوله: (والهبة) فلو حلف لا يهب مطلقا أو معينا أو شخصا بعينه فوكل من وهب حنث صحيحة كانت الهبة أو لا، قبل الموهوب له أو لا، قبض أو لم يقبض، لأنه لم يلزم نفسه إلا بما يملكه، ولا يملك أكثر من ذلك. وفي المحيط: حلف لا يهب عبده هذا لفلان ثم وهبه له على عوض حنث لأنه هبة صيغة ولفظا ا ه نهر. وفي التاترخانية: إن وهب لي فلان عبده فامرأته طالق فوهب ولم يقبل الحالف حنث الحالف. قوله: (أو بعوض) يعني إذا وهب بنفسه لا بوكيله أيضا لما قدمه من أنه لا يحنث بفعل وكيله في الهبة بشرط العوض، وسبب وهم الشارح قوله البحر: فالهبة بشرط العوض داخلة تحت يمين لا يهب نظرا إلى أنها هبة ابتداء فيحنث، وداخلة تحت يمين لا يبيع نظرا إلى أنها بيع انتهاء فيحنث اه. وأنت خبير بأن كلامه فيما إذا فعل بنفسه وإلا لما صح قوله يحنث في الموضعين. أفاده ح: أي لأنه في البيع لا يحنث بفعل وكيله. قوله: (والصدقة) هي كالهبة فيما مر. قال ابن وهبان: وكذا ينبغي أن يحنث في حلفه أن لا يقبل صدقة فوكل بقبضها. بقي لو حلف لا يتصدق فوهب لفقير أو لا يهب فتصدق على غني قال ابن وهبان: ينبغي الحنث في الأول، لان العبرة للمعاني لا في الثاني، لأنه لا يثبت له الرجوع استحسانا، إذ قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب، ويحتمل العكس فيهما اعتبارا باللفظ ا ه ملخصا. وأيد ابن الشحنة الاحتمال الأخير بما في التاترخانية عن الظهيرية، ولا يحنث بالصدقة في يمين الهبة ا ه. قلت: لكن هذا ليس نصا فيما نحن فيه لاحتمال أن المراد الهبة لغني. تأمل هذا، ونقل في النهر كلام ابن وهبان باختصار مخل. قوله: (والاستقراض) أي إن أخرج الوكيل الكلام مخرج الرسالة، وإلا فلا حنث كما مر. قوله: (وإن لم يقبل) راجع للهبة وما بعدها كما في النهر ح، وكذا العطية والعارية. نهر.
126 قلت: لكن صرح في التاترخانية بأن القبول شرط الحنث في القرض عند محمد ورواية عن الثاني، وفي أخرى لا، والرهن بلا قبول ليس برهن، ولو استقرض فلم يقرضه حنث. قال في النهر: وقيا س ما مر من أنه لم يلزمه نفسه إلا بما يملك ترجيح الرواية الأخرى، وينبغي أن يجري في الاستقراض الخلاف في القبول كالقرض ا ه. قلت: يمكن دفع هذا القياس بالفرق بين ما فيه بدل مالي، وما ليس فيه، وأما الاستقراض فهو طلب القرض فيتحقق بدون إقراض. تأمل وسيأتي تمام هذا البحث في آخر الباب الآتي عند قول المصنف حلف ليهبن فلانا فوهبه له فلم يقبل بر بخلاف البيع. قوله: (وضرب العبد) لان المقصود منه وهو الائتمار بأمره راجع إليه، بخلاف ضرب الولد، فإن المقصود منه وهو التأدب راجع إلى الولد. نهر: أي الولد الكبير، أما الصغير فكالعبد كما مر، وقدمنا أن العرف خلافه. قوله: (قيل والزوجة) قال في النهر: والزوجة قيل نظير العبد وقيل نظير الولد. قال في البحر: وينبغي ترجيح الثاني لما مر في الولد، ورجح ابن وهبان الأول لان النفع عائد إليه بطاعتها له، وقيل إن حنث فنظير العبد وإلا فنظير الولد. قال بديع الدين: ولو فصل هذا في الولد لكان حسنا، كذا في القنية ا ه ح. قوله: (وإن لم يحسن ذلك) الأولى أن يقول وإن كان يحسن ذلك، وعبارة الخانية: حلف ليخطبن هذا الثوب أو ليبنين هذا الحائط فأمر غيره بذلك حنث الحالف، سواء كان يحسن ذلك أو لا ا ه. قلت: وظاهره أنه لو تكلف ذلك بنفسه يحنث أيضا، وكذا لو حلف لا يختتن أو لا يحلق رأسه أو لا يقع ضرسه ونحوه ذلك من الافعال التي لا يليها الانسان بنفسه عادة أو لا يمكنه فعلها إلا بمشقة عظيمة، مع أن الظاهر أن اليمين في ذلك تنعقد على فعل المأمور لا على فعل نفسه، لان الحقيقة مهجورة عادة. ثم رأيت في البحر عن النوازل: لو قال لامرأته إن لم تكوني غسلت هذه القصعة فأنت طالق وغسلها خادمها بأمرها، فإن كان من عادتها أنها تغسل بنفسها لا غير وقع، وإن كانت لا تغسل إلا بخادمها وعرف الزوج ذلك لا يقع، وإن كانت تغسل بنفسها وبخادمها فالظاهر أنه يقع، إلا إذا نوى الامر بالغسل ا ه. فليتأمل قوله: (والذبح الخ) فلو حلف لا يذبح في ملكه شاة أو لا يودع شيئا يحنث بفعل وكيله لان المنفعة تعود إليه، وكذا لو حلف لا يعير، ولو عين شخصا فأرسل المحلوف عليه شخصا فاستعار حنث، لأنه سفير محض فيحتاج إلى الإضافة إلى الموكل فكان كالوكيل بالاستقراض خانية وفي جمع التفاريق أن الحنث قول زفر، وعليه الفتوى خلافا لأبي يوسف كما في النهر. مطلب في العقود التي لا بد من إضافتها إلى الموكل قوله: (إن أخرج الوكيل الخ) راجع لقوله: والاستعارة كما هو في عبارة التاترخانية حيث قال: وهذا إذا أخرج الكلام مخرج الرسالة بأن قال: إن فلانا يستعير منك كذا، فأما إذا لم يقل ذلك لا يحنث ا ه. أي لأنه لو قال أعرني كذا يقع ملك المنفعة له لا للآمر فلا يحنث الآمر بذلك. وبه علم أن فائدة التقييد هي أن المراد بالامر هنا الرسالة لا الوكالة كما مر في الاستقراض. وأما ما كان من الافعال الحسية كالضرب والبناء فلا شبهة في أنه لا يحتاج إلى الاسناد، وبما قررناه سقط ما قيل
127 إن ما ذكره غير خاص بالاستعارة، بل الوكيل في النكاح وما بعده سفير محض، فلا بد من إضافة هذه العقود المذكورة إلى الموكل لما سيأتي في كتاب الوكالة أن العقود التي لا بد من إضافتها إلى الموكل: النكاح، والخلع، والصلح عن دم عمد وإنكار، والعتق على مال، والكتابة، والهبة، والتصدق، والإعارة، والايداع، والرهن، والاقراض، والشركة، والمضاربة ا ه. قلت: المراد من الإضافة في هذه المذكورات التصريح باسر الآمر، لكن بعضها يصح مع إسناد الفعل إلى الوكيل كقوله صالحتك عن دعواك على فلان أو عما لك عليه من الدم، وزوجتك فلانة، وأعتقت عبد فلان أو كاتبته، وبعضها لا يصح فيها إسناد الفعل إلى الوكيل، بل لا بد من إخراج الكلام مخرج الرسالة كقوله إن فلانا يطلب منك أن تهبه كذا أو تتصدق عليه أو تودع عنده، أو تعيره أو تقرضه أو ترهن عنده، أو تشاركه أو تضاربه بمال كذا. أما لو أسنده إلى نفسه كقوله هبني أو تصدق علي الخ فإنه يقع للوكيل، وكذا قوله زوجني، بخلاف القسم الأول فإنه يقول: بعت واشتريت وأجرت بإسناد الفعل إلى نفسه بدون ذكر اسم الآمر أصلا، هذا ما ظهر لي وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك في محله، فافهم. قوله: (وقضاء الدين وقبضه) فلو حلف لا يقبض الدين من غريمه اليوم يحنث بقبض وكيله، فلو كان وكل قبل فقبض الوكيل بعد اليمين لا يحنث. قال قاضيخان: وينبغي الحنث كما في النكاح نهر. قوله: (والكسوة) فلو حلف لا يلبس أو لا يكسو مطلقا أو كسوة بعينها أو معينا حنث بفعل وكيله، وتمامه في النهر. قوله: (وليس منها التكفين) وكذا الإعارة، فلو كفنته بعد موته أو أعاره ثوبا لا يحنث. شرح الوهبانية عن السراجية قوله: (والحمل) فلو حلف لا يحمل لزيد متاعا حنث بفعل وكيله، وهذا في غير الإجارة لما مر. قال: أي الناظم: والظاهر أنه لا فرق بينه وبين الاستخدام، فإن المنفعة دائرة عليه والمدار عليها. شرح الوهبانية قوله: (وذكر منها في البحر نيفا وأربعين) صوابه في النهر فإنه قال تكميل من هذا النوع الهدم والقطع والقتل والشركة كما في الوهبانية، وضرب الزوجات والولد الصغير في رأي قاضيخان، وتسليم الشفعة والاذن كما في الخانية والنفقة كما في الأسبيجابي، والوقف والأضحية والحبس والتعزير بالنسبة للقاضي والسلطان وينبغي أن الحج كذلك، كذا في شرح ابن الشحنة، ومنه الوصية كما في الفتح، وينبغي أن يكون منه الحوالة والكفالة فلا يحيل فلانا فوكل من يحيله أو لا يقبل حوالته أو لا يكفل عنه فوكل بقبول ذلك والقضاء والشهادة والاقرار وعد منه في البحر التولية، فلو حلف لا يولي شخصا ففوض إلى من يفعل ذلك حنث، وهي حادثة الفتوى ا ه. قلت: وبهذا تمت المسائل أربعة وأربعين، والظاهر أنها لا تنحصر، لان منها الافعال الحسية وهي لا تختص بما مر، بل منها الطبخ والكنس وحلق الرأس ونحو ذلك، وإذا عد منها الاستخدام دخلت فيه هذه الصور وكثير من الصور المارة أيضا، فافهم. قوله: (مشيرا إلى حنثه فيما بقي) الإشارة من حيث إن لم يصرح بعدد ما بقي، وإلا فالحنث صريح في كلامه. وقد يقال: سماه إشارة لأنه ساق الكلام لما لا يحنث به فيكون عبارة وغيره إشارة كما في عبارة النص وإشارة النص.
128 تأمل قوله: (والحنث) بالنصب مفعول مقدم لقوله: أثبت بوصل الهمزة للضرورة. قوله: (أراد بدخولها عليه قربها منه) أي بأن تقع متوسطة بين الفعل ومفعوله كإن بعت لك ثوبا احترازا عما لو تأخرت عن المفعول كإن بعت ثوبا لك، فالمتوسطة، متعلقة بالفعل لقربها منه لا على أنها صلة له لأنه يتعدى إلى مفعولين بنفسه مثل بعث زيدا ثوبا، ولأنه لو كانت اللام صلة له كان مدخولها مفعولا في المعنى فيكون شاريا، وليس المعنى عليه، بل الشاري غيره والبيع وقع لأجله فهي متعلقة به على أنها علة له مثل: قمت لزيد، وعلى هذا فلو عبر المصنف بقوله: ولام تعلق بفعل كما عبر صاحب الدرر وغيره لكان أولى، لكنه عدل عن ذلك تبعا للكنز وغيره لئلا يتوهم تعلقها به على أنها صلة له، ولئلا يتوهم أن الواقعة بعد المفعول متعلقة به أيضا، مع أن المراد بيان الفرق بينهما بأن الأولى للتعليل والثاني للملك لكونها صفة له: أي إن بعت ثوبا مملوكا لك، هذا ما ظهر لي، فافهم. قوله: (تجري فيه النيابة) الجملة صفة فعل وقوله: للغير اللام فيه بمعنى عن: أو عن الغير كما في قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه) * (الأحقاف: 11) واحترز به عن فعل لا تجري فيه النيابة كالأكل والشرب، فإنه لا فرق فيه بين دخول الباء على الفعل أو على العين كما يأتي. قوله: (وصياغة) بالياء المثناة التحتية أو بالباء الموحدة كما في القهستاني. قوله: (أمره) بالنصب مفعول اقتضى وهو مصدر مضاف لفاعله، وهو الضمير العائد إلى الغير وهو المخاطب بالكاف والمفعول محذوف وهو الحالف. وقوله: ليخصه به أي ليخص الحالف الغير: أي المخاطب به: أي بالفعل المحلوف عليه، وفي المنح: أي لتفيد اللام اختصاص ذلك الفعل به: أي بذلك الغير ا ه فأرجع الضمير المستتر للام، والبارز للفعل، والمجرور للغير، وعليه فالمراد بالمحلوف عليه في كلام الشارح هو المخاطب، وهو المرافق لقول الزيلعي لاختصاص الفعل بالشخص المحلوف عليه. قوله: (إذا اللام للاختصاص) وجه إفادتها الاختصاص هو أنها تضيف متعلقها وهو الفعل لمدخولها وهو كاف المخاطب فتفيد أن المخاطب مختص بالفعل، وكونه مختصا به يفيد أن لا يستفاد إطلاق فعله إلا من جهته وذلك يكون بأمره، وإذا باع بأمره كان بيعه إياه من أجله، وهي لام التعليل، فصار المحلوف عليه أن لا يبيعه من أجله، فإذا دس المخاطب ثوبه بلا علمه فباعه لم يكن باعه من أجله، لان ذلك لا يتصور إلا بالعلم بأمره به، ويلزم من هذا أن لا يكون إلا في الافعال التي تجري فيها النيابة، كذا في الفتح. قوله: (ولا يتحقق إلا بأمره) قيده في البحر بأن يكون أمره بأن يفعله لنفسه لقول الظهيرية: لو أمره أن يشتري لابنه الصغير ثوبا لا يحنث. وفي النهر أن مقتضى التوجيه: يعني بكونها للاختصاص حنثه إذا كان الشراء لأجله، ألا ترى أن أمره ببيع مح ال غيره موجب لحنثه غير مقيد بكونه له ا ه. تنبيه: ذكر في الخانية ما يفيد أن الامر غير شرط، بل يكفي في حنثه قصده البيع لأجله، سواء كان بأمره أو لا. قال في البحر: وهذا مما يجب حفظه، فإن ظاهر كلامهم هنا يخالفه مع أنه هو الحكم ا ه.
129 قلت: يؤيده ما في شرح تلخيص الجامع لو قال لزيد إن بعت لك ثوبا فعبدي حر ولا نية له فدفع زيد ثوبا لرجل ليدفعه للحالف ليبيعه فدفعه وقال بعه لي ولم يعلم الحالف أنه ثوب زيد لم يحنث، لان اللام في بعت لزيد لاختصاص الفعل بزيد، وذلك إنما يكون بأمره الحالف أو بعلم الحالف أنه باعه له سواء كان الثوب لزيد أو لغيره ا ه. وتمام الكلام فيما علقته في البحر. قوله: (فلم يحنث في إن بعت لك ثوبا) التصريح بالمفعول به ليس بشرط لقول المحيص: حلف لا يبيع لفلان فباع ماله أو مال غيره بأمره حنث. بحر وأنت خبير بأن تمايز الأقسام: أعني تارة تدخل على الفعل أو على العين إنما يظهر بالتصريح بالمفعول به فلذا صرح به المصنف نهر. وحاصله: أن تصريح المصنف به لا لكونه شرطا، بل ليظهر الفرق بين دخول اللام عليه أو على الفعل. قوله: (سواء ملكه الخ) تعميم لقوله: إن باعه بلا أمر. وحاصله: أن الشرط أمره بالبيع لا كون الثوب ملك الآمر. قوله: (أي المخاطب) تفسير للضمير المستتر في ملكه، وقوله: ذلك الثوب تفسير للضمير البارز. قوله: (فإن دخل اللام الخ) حاصله: أن الفعل إما أن يحتمل النيابة عن الغير أو لا، وعلى كل فإما أن تدخل اللام على الفعل أو على مفعوله وهو العين، فإن دخلت على فعل يحتمل النيابة اقتضت ملك الفعل للمخاطب، وهو أن يكون الفعل بأمره سواء كان العين مملوكا له أو لا، وهذا ما مر وفي الباقي وهو دخولها على فعل لا يحتمل النيابة كالأكل والشرب أو على العين مطلقا اقتضت ملك العين للمخاطب سواء كان الفعل بأمره أو لا. قوله: (للمحلوف عليه) المراد به هنا العين. قوله: (لأنه كمال الاختصاص) أي أن اللام للاختصاص كما مر، وحيث دخلت اللام على العين أو على فعل لا يقبل النيابة اقتضت اختصاص العين بالمخاطب، وكمال الاختصاص بالملك فحملت عليه لكن يراد ما يشمل الملك الحقيقي والحكمي، لان الولد لا يملك حقيقة كما يشير إليه الشارح، ولذا قال في الفتح: فإنه يحنث بدخول دار يختص بها المخاطب: أي تنسب إليه وأكل طعام يملكه ا ه. وقوله: أي تنسب إليه، ظاهره نسبة السكنى كما مر في لا أدخل دار زيد فيشمل الأجرة والعارية، فالمراد ملك المنفعة. تأمل قوله: (ثوبا لك) أي موصوفا بكونه لك. قوله: (إن باع ثوبه بلا أمره) لان اللام لم تدخل على الفعل حتى يعتبر اختصاص الفعل في المخاطب بأن يكون بأمر وإن صح تعلقها به، ولذا لو نواه يصح كما يأتي، لكن لما كانت أقرب إلى الاسم وهو الثوب من الفعل اقتضت إضافة الاسم إلى مدخولها وهو كاف المخاطب لان القرب من أسباب الترجيح كما في الفتح ولذا إذا توسطت تعلقت بالفعل لقربه كما مر مع أنه يصح جعلها حالا من الاسم المتأخر. قوله: (هذا نظير)
130 أي مثال، وكذا ما بعده، قوله: (إن أكلت لك طعاما) بتقديم اللام على الاسم، ولا يصح تعلقها هنا بالفعل وإن كان أقرب إليه، لأنه لا يحتمل النيابة فلا يصح جعلها لملك الفعل للمخاطب فصارت داخلة على الاسم وإن تقدمت عليه كما لو تأخرت عنه وهو ظاهر، فلزم كون الاسم مملوكا للمخاطب. وقوله: (لان اللام هنا الخ) الصواب ذكر هذا التعليل قبل قوله: وأما نظير دخوله على فعل لا يقع عن غيره كما ذكره في الفتح وغيره، إذ لا فرق هنا بين قرب اللام من الاسم أو من الفعل كما علمت، بل العلة هنا كون الفعل لا يقبل النيابة كما قررناه. قوله: (وأما ضرب الولد الخ) أشار إلى ما ذكرناه من أن المراد بملك العين ما يشمل الحكمي. قوله: (فيما فيه تشديد عليه) بأن باع ثوبا مملوكا للمخاطب بغير أمره في المسألة الأولى ونوى بالاختصاص الملك فإنه يحنث، ولولا نيته لما حنث، أو باع ثوبا لغير المخاطب بأمر المخاطب في المسألة الثانية ونوى الاختصاص بالامر فإنه يحنث، ولولا نيته لما حنث، لان نوى ما يحتمله كلامه بالتقديم والتأخير وليس فيه تخفيف فيصدقه القاضي. بحر. قوله: (ودين فيما له) كما إذا باع بالامر ثوبا لغير المخاطب ونوى بالاختصاص الملك في الأولى، أو باع بلا أمر ثوبا للمخاطب ونوى الاختصاص بالامر في الثانية، لان اللام إذا قدمت على الاسم فالظاهر اختصاص الامر، وإذا أخرت فالظاهر اختصاص الملك، فإذا عكس فقد نوى خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي بل يصدق ديانة، لأنه نوى محتمل كلامه قوله: (كما مر) أي قبيل قول المصنف لا يشرب من دجلة. مطلب: قال إن بعته أو ابتعته فهو حر، فعقد بالخيار لنفسه عتق قوله: (أو ابتعته) أي اشتريته. قوله: (فعقد) أي الحالف من بائع أو مشتر عليه: أي على العبد، وقوله: بيعا يشمل المسألتين، لأن العقد بين البائع والمشتري يسمى عقد بيع. قوله: (بالخيار لنفسه) أي نفس الحالف المذكور وهو البائع أو المشتري. قوله: (حنث) نقل بعض المحشين عن حيل الخصاف أنه لا يحنث وتنحل اليمين، حتى لو نقض الشراء ثم اشتراه ثانيا باتا لا يعتق ا ه. قلت: لكنه خلاف ما في المتون. قوله: (لوجود الشرط) أي مع قيام الملك، لان خيار البائع لا يخرج المبيع عن ملكه بالاتفاق، وخيار المشتري يدخل المبيع في ملكه عندهما، وأما عنده فالمبيع وإن خرج عن ملك البائع ولم يدخل في ملك المشتري لكن المعلق بالشرط كالمنجز عند الشرط فيصير كأنه قال بعد الشراء أنت حر ولو نجز المشتري بالخيار لنفسه العتق يثبت الملك سابقا عليه، فكذا إذا علق، وتمامه في النهر. قال ح: ومثل عقد البائع بالخيار لنفسه عقده بالخيار لأجنبي أو لنفسه وللمشتري، ومثل عقد المشتري بالخيار لنفسه عقده بالخيار لأجنبي. قوله: (ولو بالخيار لغيره لا) يعني لو باعه الحالف بشرط الخيار للمشتري أو اشتراه بشرط الخيار للبائع لا يحنث. أما الأول فلانه بات من جهته فلا يعتق لخروجه عن ملكه. وأما الثاني فلانه باق على ملك بائعه كما في
131 البحر عن الذخيرة، ولا يصح أن يراد هنا بالغير ما يشمل الأجنبي لان الحالف يحنث بائعا أو مشتريا. أفاده ح. قوله: (وإن أجيز بعد ذلك) مرتبط بقوله: ولو بالخيار لغيره لا يعني هذا إذا رد العقد ممن له الخيار، وكذا إن أجيز في الصورتين. أما في الأولى: أعني ما إذا باعه الحالف بشرط الخيار للمشتري فظاهر لخروجه عن ملك البائع ثم دخوله في ملك المشتري. وأما في الثانية وهي عكس الأولى فلانه في مدة الخيار لم يخرج عن ملك البائع وانحلت اليمين بالعقد. أفاده ط فافهم. قلت: وهذا يصلح حيلة للحالف، وهو أن يبيعه أو يشتريه بالخيار لغيره فلا يعتق عليه. قوله: (في الأصح) لم أر من صرح بتصحيحه، وإنما قال في البحر: وسواء أجاز البائع بعد ذلك أو لم يجز. الإجازة مستندا إلى وقت العقد بدليل أن الزيادة الحادثة بعد العقد قبل الإجازة تدخل في العقد، كذا في البدائع ا ه. تأمل قوله: (كما لو قال الخ) تشبيه في عدم الحنث، وبيان لفائدة التقييد بتعليق البيع أو الشراء. قال الزيلعي: بخلاف ما إذا علقه بالملك بأن قال إن ملكتك فأنت حر حيث لا يعتق به عنده، لان الشرط وهو الملك لم يوجد عنده، لان خيار الشرط للمشتري يمنع دخول المبيع في ملكه على قوله. وعندهما: يعتق بوجود الشرط، لان خيار المشتري لا يمنع دخول المبيع في ملكه ا ه. قلت: وهذا مقيد بما إذا لم يجز العقد بعد، فلو أجازه وأبطل الخيار أو مضت مدته تحقق الشرط وهو الملك كما لا يخفى، فيعتق عند الكل. أفاده ط. قوله: (لأنه لو قال إن بعته) اقتصر على البائع، لان المشتري إذا حنث بشرائه بالخيار فحنثه بشرائه الباب بالأولى. أفاده ط. قوله: (وتنحل) عبارة الزيلعي: وينبغي أن تنحل. قوله: (في المسألتين) هما إن بعته أو ابتعته ح. قوله: (بالبيع أو الشراء) كذا في أغلب النسخ التي رأيناها بالعطف بأو، وفي بعضها بالواو، وهو لا يناسبه إفراد الفاسد، ولأنه بيان لما يحنث به في المسألتين وهو أحدهما لا مجموعهما. قوله: (الفاسد) قام في البحر: وهو مجمل لا بد من بيانه. أما في المسألة الأولى وهي ما إذا قال إن بعتك فأنت حر فباعه بيعا فاسدا، فإن كان في يد البائع أو في يد المشتري غائبا عنه بأمانة أو رهن يعتق لأنه لم يزل ملكه عنه، وإن كان في يد المشتري حاضرا أو غائبا مضمونا بنفسه لا يعتق، لأنه بالعقد زال ملكه عنه. وأما في الثانية وهي ما إذا قال إن اشتريته فهو حر فاشتراه شراء فاسدا: فإن كان في يد البائع لا يعتق لأنه على ملك البائع بعد، وإن كان في يد المشتري وكان حاضرا عنده وقت العقد يعتق لأنه صار قابضا له عقب العقد فملكه، وإن كان غائبا في بيته أو نحوه: فإن كان مضمونا بنفسه كالمغصوب يعتق لأنه ملكه بنفس الشراء، وإن كان أمانة أو مضمونا بغيره كالرهن لا يعتق لأنه لا يصير قابضا عقب العقد، كذا في البدائع ا ه. قوله: (والموقوف) أي ويحنث بالموقوف في حلفه لا يبيع بأن يبيعه لغائب قبل عنه فضولي أو لا يشتري بأن اشتراه ببيع فضولي فإنه يحنث عند إجازة البائع. وفي التبيين ما يخالفه بحر ونهر: أي حيث قال: وصورة المسألة أن يقول إن اشتريت عبدا فهو حر فاشترى عبدا من فضولي حنث بالشراء ثم قال: وعن أبي يوسف أنه يصير مشتريا عند
132 الإجازة كالنكاح ا ه. ومفاده أن ما في البحر رواية وأن المذهب حنثه بالشراء: أي قبل الإجازة لا عندهما مستندا كما زعمه المحشي، بدليل ما في تلخيص الجامع: ويحنث بالشراء من فضول أو بالخمر أو بشرط الخيار، إذ الذات لا تختل لخلل في الصفة ا ه. قال شارحه الفارسي: لان شرط الحنث وجد وهو ذات البيع بوجود ركنه من أهله في محله، وإن لم يفد الملك في الحال لمانع وهو دفع الضرر عن المالك في الأول واتصال المفسد به في الثاني والخيار في الثالث، وإفادة الملك في الحال صفة البيع لا ذاته، فإن العرب وضعت لفظ البيع لمبادلة مال بمال، مع أنهم لا يعرفون الاحكام ولا الصحيح والفاسد، ومتى وجدت الذات لا تختل لخلل وجد في الصفات ا ه. فافهم قوله: (لا الباطل) أي كما لو اشترى بميتة أو دم فلا يحنث لعدم ركن البيع وهو مبادلة مال بمال، ولهذا لا يملك المبيع بخلاف ما لو اشترى بخمر أو خنزير لأنهما مال متقوم في حق بعض الناس، إلا أن البيع بهما فاسد لاشتراطه في البيع ما لا يقدر على تسليمه فأشبه سائر البيوع الفاسدة، كذا في التلخيص وشرحه قوله: (إلا بإجازة قاض أو مكاتب) لان المنافي زال بالقضاء لأنه فصل مجتهد فيه، وبإجازة المكاتب انفسخت الكتابة فارتفع المنافي فتم العقد بحر. ومن قوله: زال بالقضاء تعلم أن استعمال الإجازة في القضاء من باب عموم المجاز ا ه ح. قلت: وفي شرح التلخيص ما يفيد أنه لا بد من القضاء مع إجازة المكاتب، لكن ذكر الزيلعي نحو ما في البحر. وفي الخانية: إذا بيع المكاتب برضاه جاز وكان فسخا للكتابة ا ه. تتمة: قال الزيلعي: ولو حلف أن يبيع هذا الحر فباعه بر، لان البيع الصحيح لا يتصور فيه فانعقد على الباطل، وكذا الحرة وأم الولد. وعن أبي يوسف: ينصرف إلى الصحيح لامكانه بالردة ثم السبي. قوله: (والفرق في الظهيرية) هو أن الولادة من الزوج والنسب من الأب مقدم فيقع بما تقدم سببه أولا، وهذا المعنى لا يمكن اعتباره في حق الأجنبي كما في البحر ح. وبيانه كما أفاده بعض المحشين أنه لما باع نصفها من الزوج صارت أم ولده قبل الجزاء وهو العتق فلا تعتق على البائع لأنها أم ولد غيره، وكذا يثبت النسب من الأب فتعتق عليه. قوله: (في الصحيح) راجع للتعميم كما يفيده قول النهر، لان بالنكاح لا يحنث بالفاسد سواء عينها أو لم يعينها هو الصحيح كما في الخانية: قوله: (وكذا لو حلف لا يصلي الخ) قال في التاترخانية عن الخلاصة: النكاح والصلاة وكل فعل يتقرب به أي الله تعالى على الصحيح دون الفاسد. قوله: (أو لا يحج) ذكره هنا إشارة إلى أن ذكر المصنف إياه فيما سيأتي ليس في محله ح. قوله: (ولا يثبت بالفاسد) أي الذي فساده مقارن كالصلاة بغير طهارة، أما الذي طرأ عليه الفساد كما إذا شرع ثم قطع فيحنث به على التفصيل الآتي وسنتكلم عليه ح. قوله: (فلا تنحل به اليمين) حتى لو تزوج فاسدا أو صلى كذلك ثم أعاد صحيحا
133 حنث. قوله: (وإنه) أي الملك يثبت بالفاسد إذا اتصل به القبض. قوله: (والهبة والإجارة كبيع) قال في البحر: وقدمنا أنه لو حلف لا يهب فوهب قبة غير مقسومة حنث كما في الظهيرية، فعلم أن فاسد الهبة كصحيحها، ولا يخفى أن الإجارة كذلك لأنها بيع ا ه: أي بيع المنافع. مطلب: إذا دخلت أداة الشرط على كان تبقى على معنى المضي قوله: (كإن تزوجت أو صممت) كان المناسب أن يقول: كإن كنت تزوجت كما عبر في البحر بزيادة كنت لان أداة الشرط تقلب معنى الماضي إلى الاستقبال غالبا، فإذا أريد معنى الماضي جعل الشرط كإن كقوله تعالى: * (إن كنت قلته فقد علمته) * إن كان قميصه قد لان المستفاد من كان الزمن الماضي فقط، ومع النص على المضي لا يمكن إفادة الاستقبال، وهذا من خصائص كان دون سائر الأفعال الناقصة. ذكره المحقق الرضي. والظاهر أن هذا أغلبي أيضا بدليل قوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) * (المائدة: 6) بمعنى صرتم كما في * (فكانت هباء) * (الواقعة: 6) أي صارت. قوله: (لأنه إخبار) أي فلا يقصد منه الحل والتقريب كما في البحر ولان ما مضى معرف معين لغو، وما يستقبل معدم غائب، والصفة في الغائب معتبرة. شرح التلخيص قوله: (لان النكاح المعنوي) خص بالتعليل النكاح لأنه المحدث عنه أولا ومثله غيره، والمعنوي اسم مفعول من عنى بمعنى قصد عبر به تبعا للبحر عن البدائع، والمختار في الاستعمال معنى بدون واو، مثل مرمى، والمراد أنه الحقيقة المقصودة. قال في شرح التلخيص: إلا أن ينوي نكاحا أو فعلا صحيحا في الماضي فيصدق ديانة وقضاء وإن كان فيه تخفيف عليه لأنه نوى حقيقة كلامه ورعاية الحقيقة واجبة ما أمكن، وإن نوى الفاسد في المستقبل صدق قضاء وإن نوى المجاز لما فيه من التغليظ، ويحنث بالجائز أيضا لان فيه ما في الفاسد وزيادة ا ه. قوله: (فلا يحنث بالمقيد) لجواز بيعه قبل وجود شرطه. قوله: (حتى لو قال) تفريع علي التعليل، ولا فرق بين هذا وبين ما في المتن إلا من حيث إن المعلق عتق المخاطب وفي الأول طلاق الزوجة أو عتق عبد آخر. قوله: (أو استولد) هذا خاص بالأمة ولا يناسبه فتح الكاف، والتاء في إن لم أبعك فأنت حر إلا أن يراد به الشخص الصادق بالذكر والأنثى. قوله: (ولا يعتبر الخ) قيل وقوع اليأس في الأمة والتدبير ممنوع لجواز أن ترتد فتسبى فيملكها الحالف وأن يحكم القاضي ببيع المدبر. وأجيب بأن من المشايخ من قال: لا تطلق لهذا الاحتمال، والأصح ما في الكتاب لان ما فرض أمر متوهم نهر. زاد في غاية البيان في الجواب عن الأمة: أو نقول إن الحالف عقد يمينه على الملك القائم لا الذي سيوجد. مطلب: قالت له تزوجت علي فقال: كل امرأة لي طالق طلقت المحلفة قوله: (طلقت المحلفة) التي دعته إلى الحلف وكانت سببا فيه بحر. وهذا إذا لم يقل ما دامت حية، لان كل امرأة نكرة، والمخاطبة معرفة بتاء الخطاب فلا تدخل تحت النكرة. شرح
134 التلخيص. قوله: (وعن الثاني لا) أي لا تطلق لأنه أخرجه جوابا فينطبق عليه، ولان غرضه إرضاؤها وهو بطلاق غيرها فيتقيد به. وجه الظاهر عموم الكلام، وقد زاد على حرف الجواب فيجعل مبتدئا، وقد يكون غرضه إيحاشها حين اعترضت عليه ومع التردد لا يصلح مقيدا، ولو نوى غيرها صدق ديانة لا قضاء لأنه تخصيص العام بحر. قوله: (وصححه السرخسي الخ) وفي شرح التلخيص: قال البزدوي في شرحه إن الفتوى عليه قوله: (وفي الذخيرة الخ) حيث قال: وحكي عن بعض المتأخرين أنه ينبغي أن يحكم الحال، فإن جرى بينهما قبل ذلك خصومة تدل على أنه قال ذلك على سبيل الغضب يقع عليها، وإلا فلا. قال شمس الأئمة السرخسي: وهذا القول حسن عندي ا ه. قلت: وهذا توفيق بين ظاهر الرواية الذي عليه المتون وبين رواية أبي يوسف وهو ظاهر، فإن حالة الرضا دليل على أنه قصد مجرد الجواب وإرضاءها لا إيحاشها، بخلاف حالة الغضب، وفي ذلك إعمال كل من القولين فينبغي الاخذ به. قوله: (لا يحتمل هذه المرأة) لان كلام الزوج في المسألتين مبني على السؤال، وإنما يدخل في كلامه ما يجوز دخوله في السؤال، ولفظ امرأة في المسألة الأولى يتناولها، بخلاف لفظ غير هذه في المسألة الثانية. أفاده في الذخيرة. قوله: (لفوات المحل) أي المذكور في مسألة إن لم أبع هذا الرقيق الخ، فكان الأولى ذكر ذلك هناك كما فعل في البحر والنهر. قوله: (فكسرته) أي على وجه لا يمكن التئامه إلا بسبك جديد كما هو ظاهر. قوله: (طلقت) أي لبطلان اليمين باستحالة البر كما إذا كان في الكوز ماء فصب على ما مر. نهر. وأراد ببطلانها بطلان بقائها. وقال في النهر أيضا: وكان ذلك في الحمام يمين الفور، وإلا فعود الحمام بعد الطيران ممكن عقلا وعادة، فتدبره. قوله: (قال لمحرمه) أي نسبا أو رضاعا أو مصاهرة ط. قوله: (إلى ما يتصور) وهو العقد عليها فإنها محل له في الجملة. قال في التاترخانية: ولو قال إن تزوجت الجدار أو الحمار فعبدي حر لا تنعقد يمينه ا ه: أي لأنه غير محل أصلا. وفيها: قال لأجنبية إن نكحتك فأنت طالق لا تنصرف إلى العقد، ولو لامرأته أو جاريته فإلى الوطئ حتى لو تزوجها بعد الطلاق أو العتق لا يحنث. قوله: (عقد خارجها) أي بنفسه أو وكيله، فإذا كان في الكوفة وعقد وكيله خارجها لا يحنث كما في الخانية عن حيل الخصاف. قوله: (لان المعتبر مكان العقد) فلو تزوج امرأة بالكوفة وهي في البصرة زوجها منه فضولي بلا أمرها فأجازت وهي في
135 البصرة حنث الخالف، ويعتبر مكان العقد وزمانه لامكانه الإجازة وزمنها خانية. قوله: (اعتبارا للغرض) فإن غرضه غير التي معه. قوله: (لا يحنث بمن ولد ت له) قال الصدر الشهيد: هذا موافق قول محمد. أما ما يوافق قولهما فقد ذكر في الجامع الصغير أن من حلف لا يكلم امرأة فلان وليس لفلان امرأة ثم تزوج امرأة وكلمها الحالف حنث عندهما، خلافا لمحمد، وفي الحجة والفتوى على قولهما. تاترخانية. مطلب: النكرة تدخل تحت النكرة، والمعرفة لا تدخل قوله: (النكرة تدخل تحت النكر الخ) المراد بالنكرة ما يشمل المعرف من وجه كالعلم المشارك له غيره في الاسم، وكالمضاف إلى الضمير إذا كان تحته أفراد مثل نسائي طوالق كما يظهر، والمراد بالمعرفة كما قال في الذخيرة ما كان معرفا من كل وجه، وهو ما يشاركه غيره في ذلك كالمشار إليه كهذه الدار وهذا العبد، والمضاف إلى الضمير كداري وعبدي، أما المعرف بالاسم كمحمد بن عبد الله والمضاف إليه كدار محمد بن عبد الله فإنه يدخل تحت النكرة، لان الاسم لا يقطع الشركة من كل وجه، ولذا يحسن الاستفهام فيقال من محمد بن عبد الله، فبقي فيه نوع تنكير، فمن حيث التعريف يخرج عن اسم النكرة، ومن حيث التنكير لا يخرج، فلا يخرج بالشك والاحتمال ولا يرد ما لو قال: فلانة بنت فلان التي أتزوجها طالق حيث يتعلق الطلاق بالاسم لا بالتزوج، لأنه احتمال للخروج هنا، ولا يرد أيضا كل امرأة أتزوجها ما دامت عمرة حية فهي طالق، حيث لا تطلق عمرة إذا تزوجها، لان عامة المشايخ على تقييده بما إذا كانت مشارا إليها بأن قال: عمرة هذه، وإلا دخلت تحت اسم امرأة، ولان الاسم والنسب وضعا لتعريف الغائب لا الحاضر، لان تعريفه بالإشارة كما في الشهادة، وتمام الكلام على ذلك في الذخيرة، وما ذكر من عدم دخول المعرفة تحت النكرة إنما هو إذا كانا في جملة واحدة، بخلاف الجملتين كما يأتي. قوله: (والدار له أو لغيره) أشار بالتعميم إلى خلاف الحسن بن زياد حيث قال إن الدار لو كانت له لا يحنث، لان الانسان لا يمنع نفسه عن دخول دار نفسه، والجواب أنه قد يمنع نفسه لغيظ ونحوه كما في شرح التلخيص. قوله: ( لتنكيره) أي لتنكير الحالف نفسه حيث لم يعينها بإضافة الدار إليه، لان الدار وإن ذكرت بالإشارة إليها لم يتعين مالكها، بخلاف الإشارة إلى جزئه كهذا الرأس كما يأتي. قوله: (لا حنث بالحالف) كان المناسب زيادة والمخاطب: أي في قوله: دارك وفي بعض النسخ: لا حنث بالمالك، وهي أولى. قوله: (لتعريفه) أي من كل وجه، لان ياء المتكلم وكاف المخاطب لا يدخل فيهما غيرهما، فلا يدخلان تحت النكرة وهي أحد إلا أن ينوي دخول نفسه أو المخاطب، لان أحد شخص من بني آدم وهما كذلك، وكذا لو قال إن ألبست هذا القميص أحدا فأنت طالق لا يدخل الحالف فلا يحنث إذا ألبسه لنفسه إلا بالنية، وكذا لو قال لعبده أعتق أي عبيدي شئت لا يدخل المخاطب، حتى لو أعتق نفسه لا يعتق، لان الضمير المستتر في أعتق معرفة فلا يدخل تحت أي لأنها وإن كانت عند
136 النحاة معرفة بالإضافة إلا أنها بمنزلة النكرة، لأنها تصحب النكرة لفظا مثل: أي رجل، ومعنى مثل * (أيكم يأتيني بعرشها) * (النمل: 83) لان المعنى أي واحد منكم، ولان الامر بالاعتاق توكيل، فلا يدخل المأمور فيه كقولها لرجل زوجني من شئت ليس له أن يزوجها من نفسه، وتمامه في شرح التلخيص. قوله: (فكان) أي الحالف أو ما ذكر من التعريف أقوى من ياء الإضافة: أي أقوى تعريفا من تعريف ياء الإضافة. قوله: (إلا بالنية) أي لو نوى دخول المعرف تحت النكرة فإنها تشمله وغيره كما مر فيحنث. قال في الذخيرة: لأنه نوى المجاز وفيه تغليظ عليه، فيحنث بما نوى ويحنث بغيره، لأنه الظاهر في القضاء. قوله: (وفي العلم) لا حاجة إلى استثنائه لما قدمناه من أن المراد بالمعرفة ما كان معرفا من كل وجه، وهو ما لا يشاركه غيره. قوله: (دخل الحالف لو هو كذلك) أي لو كان اسمه محمد بن أحمد والغلام له، فإذا كلم غلامه حنث، وأما لو كان الحالف غيره فإنه يحنث بالأولى، لأنه منكر من كل وجه. قوله: (لجواز استعمال العلم في موضع النكرة) أي من حيث إن المسمى بهذا الاسم كثير فصار كأنه قال من كلم غلام رجل مسمى بهذا الاسم، ولو قال كذلك لم يتعين الحالف فصح دخوله تحت النكرة التي هي أحد. قوله: (إلا المعرفة في الجزاء الخ) وكذا عكسه وهو لمعرفة في الشرط، فإنها تدخل تحت النكرة في الجزاء. وحاصله كما في شرح التلخيص أن المعرفة لا تدخل تحت النكرة إذا كانت في جملة واحدة، فلو في جملتين لا يمتنع دخولها، لان الشئ لا يتصور أن يكون معرفا منكرا في جملة واحدة، بخلاف الجملتين لأنهما كالكلامين، ففي إن دخل داري هذه أحد فأنت طالق فدخلتها هي تطلق، لأنها وإن كانت معرفة بتاء الخطاب إلا أنها وقعت في الجزاء، فلم يمتنع دخولها تحت نكرة الشرط وهي أحد، وفي قوله لها إن فعلت كذا فنسائي طوالق ففعلت المخاطبة تطلق معهن، لأنها معرفة في الشرط فجاز أن تدخل تحت الجزاء، وتكون منكرة في الجزاء: يعني باعتبار كونها واحدة غير معينة من جملة معلومة ذكرت في الجزاء ا ه. وبه علم أن نسائي نكرة هنا وإن أضيف إلى الضمير، لان المراد بالنكرة ما ليس معرفا من كل وجه وهذا كذلك، ولذا يصح الاستفهام عنهن فيقال من نساؤك كما مر في العلم. قوله: (لان المعرفة الخ) علة لقوله: لم يحنث والمراد بالمعرفة ياء المتكلم في داري، وقوله: لا تدخل تحت النكرة: أي التي في جملتها. مطلب: قال علي المشي إلى بيت الله تعالى أو الكعبة قوله: (ويجب حج أو عمرة ماشيا الخ) أي استحسانه، وعلله في الفتح بأنه تعورف إيجاب أحد النسكين به فصار فيه مجازا لغويا حقيقة عرفية مثل ما لو قال: علي حجة أو عمرة، وإلا فالقياس أن
137 لا يجب بهذا شئ لأنه التزم ما ليس بقربة واجبة وهو المشي، ولا مقصودة ا ه. وقدمنا أول الايمان في بحث النذر أن مثله النذر بذبح فإنه عبارة عن النذر بذبح شاة، وقدمنا أن صيغة النذر تحتمل اليمين كما مر بيانه في آخر كتاب الصوم، فلذا ذكروا مسائل النذر في الايمان، فافهم. قوله: (من بلده) قال في النهر: ثم إن لم يكن بمكة لزمه المشي من بيته على الراجح لا من حيث يحرم من الميقات، والخلاف فيما إذ لم يحرم من بيته فإن أحرم منه لزمه المشي منه اتفاقا وإن كان بمكة وأراد أن يجعل الذي لزمه حجا فإنه يحرم من الحرم ويخرج إلى عرفات ماشيا إلى أن يطوف طواف الزيارة كغيره، وإن أراد إسقاطه بعمرة فعليه أن يخرج إلى الحل ويحرم منه. وهل يلزمه المشي في ذهابه؟ خلاف، والوجه يقتضي أنه يلزمه إذ الحاج يلزمه المشي من بلدته مع أنه ليس محرما بل ذاهب إلى محل الاحرام ليحرم منه، فكذا هذا ا ه. والتوجيه لصاحب الفتح وتبعه في البحر أيضا. قوله: (إن ركب) أي في كل الأوقات أو أكثرها، فإن ركب في غير ذلك تصدق بقدره ط. قوله: (لادخاله النقص) أي فيما التزمه قوله: (أو المشي إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام) هذا قوله: وقالا لزمه في هذين أحد النسكين، والوجه أن يحمل على أنه تعورف بعد الامام إيجاب النسك فيهما فقالا به فيرتفع الخلاف كما حققه في الفتح، وتبعه في البحر وغيره. قوله: (لعدم العرف) علة لجميع ما تقدم، فليس الفارق في هذه المسائل إلا لعرف ط. مطلب: إن لم أحج العام فأنت حر فشهدا بنحره بالكوفة لم يعتق قوله: (لم تقبل الخ) أي عندهما، لأنها قامت على النفي، لان المقصود منها نفي الحج لا إثبات التضحية، لأنها لا مطالب لها فصار كما إذا شهدوا أنه لم يحج، غاية الأمر أن هذا النفي مما يحيط به علم الشاهد، لكنه لا يميز بين نفي ونفي تيسيرا هداية. مطلب: شهادة النفي لا تقبل إلا في الشروط وحاصله: أنه لا يفصل في النفي بين أن يحيط علم الشاهد فتقبل الشهادة به أو لا فلا، بل لا تقبل على النفي مطلقا. نعم على النفي في الشروط، حتى لو قال لعبده: إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فشهد أنه لم يدخلها قبلت ويقضي بعتقه كما في المبسوط، وأراد أن ما نحن فيه كذلك. وأجيب بأنها قامت على أمر معاين، وهو كونه خارج البيت فيثبت النفي ضمنا، واعترضه في الفتح بأن العبد كما لا حق له في التضحية لا حق له في الخروج، فإذا كان مناط القبول كون المشهود به أمرا وجوديا متضمنا للمدعي به كذلك يجب قبول شهادة التضحية المتضمنة للنفي، فقول محمد أوجه ا ه. وتبعه في البحر والنهر، لكن أجاب المقدسي في شرحه بأن الشهادة بعد الدخول أولت بالخروج الذي هو وجودي صورة، وفي الحقيقة المقصود أن الخروج يمكن الإحاطة به بلا ريب بأن يشاهد العبد خارج الدار في جميع اليوم فهي نفي محصور، بخلاف التضحية بالكوفة ليست ضدا للحج، على أنه يمكن أن يكون ذلك كرامة له وهي جائزة كما قالوا في المشرقي والمغربية، فتأمل ا ه.
138 مطلب: حلف لا يصوم حنث بصوم ساعة قوله: (لوجود شرطه) وهو الصوم الشرعي، إذ هو الامساك عن المفطر على قصد التقرب، وقد وجد تمام حقيقته، وما زاد على أدنى إمساك في وقته فهو تكرار الشرط، ولأنه بمجرد الشروع في الفعل إذا تمت حقيقته يمسي فاعلا، ولذا نزل إبراهيم عليه السلام ذابحا بإمرار السكين في محل الذبح، فقيل له: * (قد صدقت الرؤيا) * بخلاف ما إذا كانت حقيقته تتوقف على أفعال مختلفة كالصلاة كما يأتي فتح واعترض بأن الصوم الشرعي أقله يوم، وأجيب بأنه يطلق شرعا على ما دونه. ودفع بأن المطلق ينصرف إلى الكامل. قلت: جوابه أن هذا لو قال صوما كما يأتي، أما بدون تصريح بمصدر أو ظرف فالمراد الحقيقة وقد وجدت بالأقل، ولهذا في الشرع والعرف: إنه صام ثم أفطر فيحنث لوجود شرط الحنث قبل الافطار ثم لا يرتفع بعد تحققه، فافهم. ثم اعلم أن ما ذكره المصنف هنا كبقية المتون مخالف لما قدمه في هذا الباب من أنه لو حلف لا يصلي أو لا يصوم فهو على الصحيح دون الفاسد كما قدمناه، وكنت أجبت عنه في باب نكاح الرقيق، بأن المراد بالصحيح ما وجدت حقيقته الشرعية على وجه الصحة فلا يضره عروض الفساد بعد ذلك، ويفيده ما ذكرناه عن الفتح من التعليل، وعليه فقوله: دون الفاسد احتراز عن الفاسد ابتدأ، كما لو نوى الصوم عند الفجر وهو يأكل أو شرع في الصلاة محدثا، فليتأمل. ثم رأيت في الفتح ما يفيد المنافاة بين القولين، حيث استشكل المسألة المارة، ثم أجاب بأن ما هنا أصح لأنه نص عن محمد في الجامع الصغير، لكنه بعد أسطر أجا أأدخل مستندا للذخيرة بأن المراد بالفاسد ما لم يوصف بوصف الصحة في وقت بأن يكون ابتداء الشروع غير صحيح، وقال: وبه يرتفع الاشكال، وتبعه في البحر والنهر وهذا عين ما فهمته من الاشكال والجواب والحمد لله على إلهام الصواب. قوله: (لأنه مطلق الخ) علة للمسألتين: أي فلا يراد باليوم بعضه وكذا في صوم، لان المراد بهما المعتبر شرعا فافهم. قال في الفتح: أما في يوما فظاهر وكذا في صوما لأنه مطلق فينصرف إلى الكامل وهو المعتبر شرعا، ولذا قلنا: لو قال لله علي صوم وجب عليه صوم يوم كامل بالاجماع، وكذا إذا قال علي صلاة تجب ركعتان عندنا، لا يقال المصدر مذكور بذكر الفعل، فلا فرق بين حلفه لا يصوم، ولا يصوم صوما فينبغي أن لا يحنث في الأول إلا بيوم، لأنا نقول: الثابت في ضمن الفعل ضروري لا يظهر أثره في غير تحقق الفعل، بخلاف صريح، فإنه اختياري يترتب عليه حكم المطلق فيوجب الكمال ا ه. قوله: (لان اليمين الخ) جواب عما أورد من أن اليمين هنا صحت مع أنه مقرون بذكر اليوم ولا كمال. ورد في الفتح: إلا أن يراد بأن كلامنا كان في المطلق وهو لفظ يوما ولفظ هذا اليوم مقيد معرف، وإنما تشكل هذه المسألة والتي بعدها على قول أبي حنيفة ومحمد، لان التصور شرعا منتف، وكونه ممكنا في صورة أخرى وهي صورة النسيان
139 والاستحاضة لا يفيد حيث كان في صورة الحلف مستحيلا شرعا، لأنه لم يحلف إلا على الصوم والصلاة الشرعيتين، أما على قول أبي يوسف فظاهر ا ه. قوله: (كتصوره في الناسي) أي في الذي أكل ناسيا فإن حقيقة الصوم: وهي الامساك عن المفطرات غير موجودة، مع أنه اعتبره الشارع صائما فقد وجد الصوم مع الاكل، وهذا نظير قوله: بعد أكله وأما قوله: أو بعد الزوال فلم يوجد له نظير، والناسي لا يصلح نظيرا له، وعن هذا قال في النهر: وأنت خبير بأن الصورة فيما إذا حلف بعد الزوال في الناسي الذي لم يأكل ممنوع ا ه. قلت: ويجاب بأن المراد إمكان تصوره مع فقد شرط، وقد وجد ذلك في الناسي، ولا فرق بين شرط وشرط فيصلح ذلك نظيرا لهما، ويدل لما قلنا ما في الذخيرة من أن المراد بالتصور بعد الزوال وبعد الاكل أن الله سبحانه لو شرع الصوم بعدهما لم يكن مستحيلا، ألا ترى كيف شرعه بعد الاكل ناسيا، وكذا الصلاة مع الحيض تتصور، لان الحيض ليس إلا درور الدم وأنه لا ينافي شرعية الصلاة، ألا ترى أن للصلاة في حق المستحاضة مشروعة وشرط إقامة الدليل مقام المدلول التصور لا الوجود، بخلاف مسألة الكوز الخ ا ه ملخصا. قلت: وبهذا يجاب عن إشكال الفتح، لان المراد أنه لو شرع لم يكن مستحيلا شرعا لهذه الشواهد، نعم يقوي إشكاله ما قدمه الشارح في بحث مسألة الكوز إن تصل الصبح غدا فأنت كذا لا يحنث بحيضها بكرة في الأصح، وعزاه في البحر هنا للمنتقى، وقال هنا: فحينئذ لا يحنث في مسألة الصوم أيضا على الأصح، قال: لكن جزم في المحيط بالحنث فيهما. وفي الظهيرية أنه الصحيح ا ه. فافهم. قوله: (كما في الاستحاضة) فإنها فقد معها شرط الصلاة مع حكم الشارع عليها بالصحة، فعلم أن شرعيتها مع فقد شرط غير مستحيلة بمعنى أنه تعالى لو شرعها مع الحيض لأمكن كما مر فلا يرد إشكال الكمال، فافهم. قوله: (لان محل الفعل) أي المحلوف عليه بقوله لا أشرب ماء هذا الكوز، والحال أنه لا ماء فيه. مطلب: حلف لا يصلي حنث بركعة قوله: (بركعة) أي استحسانا لان الصلاة عبارة عن أفعال مختلفة، فما لم يأت بها لا تسمى صلاة: يعني لم يوجد تمام حقيقتها والحقيقة تنتفي بانتفاء الجزء، بخلاف الصوم فإنه ركن واحد ويتكرر بالجزء الثاني. وأورد أن من أركان الصلاة القعدة وليست في الركعة الواحدة فيجب أن لا يحنث. وأجيب بأنها موجودة بعد رفع رأسه من السجدة، وهذا إنما يتم بناء على توقف الحنث على الرفع منها، والأوجه خلافه، على أنه لو سلم فليست تلك القعدة هي الركن. والحق أن الأركان الحقيقية هي الخمسة، والقعدة ركن زائد على ما تحرر، وإنما وجبت للختم فلا تعتبر ركنا في حق الحنث ا ه فتح ملخصا. قال في النهر: وقدمنا أنها شرط لا ركن، وهو ظاهر في توقف حنثه على القراءة في الركعة وإن كانت ركنا زائدا، وهذا أحد قولين وقيل يحنث بدونها. حكاهما في الظهيرية. قوله: (بنفس السجود) أي بوضع الجبهة على الأرض لتمام حقيقة السجود به بلا توقف على الرفع
140 وهو الأوجه كما في الفتح. قوله: (لتحقق الركعة) تقدم أن الصلاة تتحقق بوجود الأركان الأربعة لكن إذا قال ركعة فقد التزم زيادة على حقيقة الصلاة، وهو صلاة تسمى ركعة وهي الأولى من شفع، فلو صلى ركعة ثم تكلم لا يحنث، لأنها صورة ركعة لا صلاة هي ركعة. وقال في الظهيرية: لأنه ما صلى ركعة لأنها بتيراء، ولو صلى ركعتين حنث بالركعة الأولى. قال في البحر: وقد علم مما ذكرنا أن النهي عن البتيراء مانع لصحة الركعة وهي تصغير البتراء تأنيث الأبتر، وهو في الأصل مقطوع الذنب ثم صار يقال للناقص ا ه. قوله: (وإن لم يقعد الخ) مأخوذ من الفتح حيث قال: حلف لا يصلي صلاة فهل يتوقف حنثه على قعوده قدر التشهد بعد الركعتين؟ اختلفوا فيه، والأظهر أنه إن عقد يمينه على مجرد الفعل وهو ما إذا حلف لا يصلي صلاة يحنث قبل القعدة لما ذكرته: أي من أنها ركن زائد، وإن عقدها على الفرض كصلاة الصبح أو ركعتي الفجر، ينبغي أن لا يحنث حتى يقعد ا ه. وفي النهر عن العناية أن الصلاة لا تعتبر شرعا بدونها، وصلاة الركعتين عبارة عن صلاة تامة، وتمامها شرعا لا يكون إلا بالقعدة ثم نقل بعد نقل ما في الفتح: وتوجيه المسألة يشهد لما في العناية اه. وحاصله: أنه لا بد من القعدة مطلقا، وهذا كله مخالف لما في البحر عن الظهيرية حيث قال: والأظهر والأشبه أن عقد يمينه على مجرد الفعل، وهو إذا حلف لا يصلي صلاة لا يحنث قبل القعدة وإن عقدها على الفرض وهي من ذوات المثنى، فكذلك وإن كان من ذوات الأربع حنث، ولو حلف لا يصلي الظهر لا يحنث حتى يتشهد بعد الأربع اه. لكن فيه شبه المنافاة، إذ لا فرق يظهر بين قوله لا أصلي الفرض وقوله لا أصلي الظهر مثلا. تأمل وفي التاترخانية: لو حلف لا يصلي الظهر أو الفجر أو المغرب لا يحنث حتى يقعد في آخرها، ويظهر لي أن الأوجه ما في العناية كما مر عن النهر، ويظهر منه أيضا اشتراط القعدة في قوله لا أصلي ركعة، وإلا فهي صورة ركعة لا ركعة حقيقية. تأمل قوله: (بعد شروعه) متعلق باقتداء. قوله: (وإن وصلية) لكن الذي في نسخ المتن المجردة صدق بلا واو، فتكون إن شرطية وجوابها صدق. مطلب: حلف لا يؤم أحدا قوله: (لأنه أمهم) أي في الظاهر. قال في الظهيرية: وقصده أن لا يؤم أحدا أمر بينه وبين الله تعالى، ثم قال: وذكر الناطفي أنه إذا نوى أن لا يؤم أحدا فصلى خلفه رجلان جازت صلاتهما، ولا يحنث لان شرط الحنث أن يقصد الإمامة ولم يوجد ا ه. وظاهره أنه لا يحنث قضاء أيضا، ففي المسألة قولان، ويظهر الثاني لأنه شروعه وحده أولا ظاهر في أنه لم يرد الإمامة، وصحة اقتدائهم به لا يلزم منها نيته، ولذا لو أشهد لم يحنث مع صحة اقتدائهم، لان نية الامام الإمامة شر لحصول الثواب له لا لصحة الاقتداء. قوله: (ولو في الجمعة) لان الشرط فيها الجماعة وقد وجد فتح وعبارة البحر عن الظهيرية: وكذلك لو صلى هذا الحالف بالناس الجمعة، فهو على ما ذكرنا ا ه. ومقتضاه أنه إن أشهد لا يحنث أصلا وإلا حنث قضاء لا ديانة إن نوى، لكن في
141 البزازية: ولو أشهد قبل دخوله في الصلاة في غير الجمعة أن يصلي لنفسه لم يحنث ديانة ولا قضاء ا ه. ومفهومه أنه في الجمعة يحنث قضاء وإن أشهد، ولعل وجهه أن الجماعة شرط فيها فإقدامه عليها ظاهر في أنه أم فيها. تأمل قوله: (لعدم كمالها) قال في الظهيرية: لان يمينه انصرفت إلى الصلاة المطلقة ا ه: أي والمطلقة هي الكاملة ذات الركوع والسجود، وما بحثه في الفتح من أنه ينبغي إذا أم في الجنازة إن أشهد صدق فيهما، وإلا ففي الديانة خلا ف المنقول كما في النهر. قلت: وبحث الفتح وجيه، إلا إذا حلف أن لا يؤم أحدا فالصلاة فتنصرف الصلاة إلى الكاملة، أما بدون ذكر الصلاة فالامامة موجودة في الجنازة. تأمل. قوله: (فإنه يحنث) أي على التفصيل المار كما هو ظاهر. قوله: (منهيا عنها) أي إذا كانت على وجه التداعي وهو أن يقتدي أربعة بواحد ط. قوله: (لامكان الوقوف عليها) أي فكان القول للمولى لانكاره شرط العتق، بخلاف نحو المحبة والرضا من الأمور القلبية، فإن القول فيها للمخبر عنها. قوله: (طلقت على الأظهر) الظاهر أن هذا في عرفهم، وفي عرفنا: تارك الصلاة من لا يصلي أصلا ا ه ح. قوله: (استظهر الباقاني الخ) هو أحد القولين، ومبنى الثاني على انصراف الوقت إلى الأصل كما في الفتح، وهو الموافق للعرف كما أفاده ح. لكن قد يقال: لا تأخير من النائم، فالأظهر مح ا في البزازية من أن الصحيح أنه إن كان نام قبل دخول الوقت وانتبه بعده لا يحنث، وإن كان نام بعد دخوله حنث. قوله: (اجتمع حدثان فالطهارة منهما) أي مطلقا كجنابتين من امرأتين أو جنابة وحيض أو بول ورعاف. قال في البحر فلو حلف لا يغتسل من امرأته هذه فأصابها ثم أصاب أخرى أو بالعكس ثم اغتسل فهو منهما وحنث، وكذا لو حلفت لا تغتسل من جنابة أو من حيض فأجنبت وحاضت ثم اغتسلت فهو منهما. وقال الجرجاني: هو من الأول اتحد الجنس أو لا كبول ورعاف. وقال أبو جعفر: إن اتحد فمن الأول، وإلا فمنهما. وقال الزاهد عبد الكريم: كنا نظن أن الوضوء من أغلظهما وإن استويا فمنهما، وقد وجدنا الرواية عن أبي حنيفة أنه منهما فرجعنا إلى قوله ا ه ملخصا. وثمرة الخلاف تظهر فيما لو حلف: لا يتوضأ من الرعاف فرعف ثم بال فتوضأ حنث بلا خلاف، وإن بال أولا ثم رعف وتوضأ فعلى قول الجرجاني لا يحنث، وعلى ظاهر الجواب وقول أبي جعفر يحنث. تاترخانية. قلت: وبه علم أن ما جزم به الشارح هو ظاهر الرواية. قوله: (يصلي الفجر الخ) كذا
142 أجاب ابن الفضل حين سئل عنه فقال: ينبغي أن يصلي الفجر الخ. قال ح: وفيه أنه إن كان المراد باليوم بقية النهار إلى الغروب فكيف يبر بثلاث صلوات فيه، وإن كان المراد منه ما يشمل الليلة بقرينة الخمس صلوات، فما الحاجة إلى مجامعتها قبل الغروب، على أن قوله: بجماعة لا دخل له في الألغاز فتأمل ا ه. قلت: لعل وجهه أن يمينه بظاهرها معقودة على بقية النهار، وبذكره الخمس احتمل أنه أراد ما يشمل الليل، فإذا جامع واغتسل نهارا يحنث يقينا، وكذا لو جامع واغتسل ليلا لأنه وجد شرط الحنث على كلا الاحتمالين، لأنه في النهار لم يجامع وفي الليل قد اغتسل، وقد حلف أنه يجامع ولا يغتسل، أما إذا جامع في النهار واغتسل بعد الغروب فإنه على احتمال كون المراد بقية اليوم لم يوجد شرط الحنث، وعلى الاحتمال الآخر وجد فلا يحنث بالشك، وأما التقييد بالجماعة فهو لتأكيد كون الخمس هي المكتوبة. ثم ظهر لي جواب آخر وهو أين يقال: إنها انعقدت عن النهار فقط، لكن يمكنه أداء الخمس في النهار انصرفت إلى ما يتصور شرعا وهو أداء الكل في أوقاتها، كما مر فيما لو حلف على تزوج محرمة فتزوجها حنث لان يمينه تنصرف إلى ما يتصور، وحينئذ فلا يبر إلا إذا صلى كل صلاة في وقتها وجامع قبل الغروب واغتسل بعده، إذ لو جامع واغتسل نهارا حنث، لأنه حلف أن لا يغتسل في هذا اليوم، وإن كانا في الليلة حنث أيضا لأنه حلف أن يجامع في النهار، وأظن أن هذا الوجه هو المراد وبه يندفع الايراد فافهم، والله سبحانه أعلم. مطلب: حلف لا يحج قوله: (حلف لا يحج) أي سواء قال حجة أو لا كما في البحر وغيره. قوله: (عن الثالث) أي أن هذا مروي عنه. قوله: (عن الثاني) أي عن أبي يوسف. قوله: (وبه جزم في المنهاج) جزم به أيضا في تلخيص الجامع الكبير، لان الحج عبارة عن أجناس من الفعل كالصلاة فتناولت اليمين جميعها، وذلك لا يوجد إلا بأكثر طواف الزيارة. فإن جامع فيها لا يحنث، لان المقصود من الحج القربة فتناولت اليمين الحج الصحيح كالصلاة. شرح الجامع. قوله: (ولا يحنث في العمرة) أي فيما لو حلف لا يعتمر. مطلب: إن لبست من مغزولك فهو هدي قوله: (أي صدقة أتصدق به بمكة) ذكر ضمير به على أن الصدقة بمعنى المتصدق به. مطلب في معنى الهدي قال في الفتح ومعنى الهدي هنا: ما يتصدق به بمكة لأنه اسم لما يهدى إليها، فإن كان نذر هدي شاة أو بدنة فإنما يخرجه عن العدة ذبحه في الحرم والتصدق به هناك، فلا يجزيه إهداء قيمته. وقيل في إهداء قيمة الشاة روايتان، فلو سرق بعد الذبحة فليس عليه غيره، وإن نذر ثوبا جاز التصدق في مكة بعينه أو بقيمته، ولو نذر إهداء ما لم ينل كإهداء دار ونحوها فهو نذر بقيمتها ا ه.
143 فالحاصل أن في مسألتنا لا يخرج عن العهدة إلا بالتصدق بمكة، مع أنهم قالوا: لو التزم التصدق على فقراء مكة بمكة ألغينا تعيينه الدرهم والمكان والفقير، فعلى هذا يفرق بين التزام بصيغة الهدي وبينه بصيغة النذر. بحر. مطلب في الفرق بين تعيين المكان في الهدي دون النذر ووجهه أن الهدي جعل التصدق به في الحرم جزء من مفهومه، بخلاف ما لو نذر التصدق بدرهم على فقراء الحرم، فإن الدرهم لم يجعل التصدق به في الحرم جزاء من مفهومه، بل ذلك وصف خارج عن ماهيته، ومثله تعيين الزمان والدرهم فلذا لم يلزم بالنذر، ثم رأيت نحوه في ط عن الشرنبلالية، وكالهدي الأضحية فإنها اسم لما يذبح في أيام النحر، فالزمان مأخوذ في مفهومها، كما سنذكر تحقيقه في بابها إن شاء الله تعالى، فالهدي والأضحية خارجان من قولهم ألغينا تعيين الزمان والمكان، فإن الزمان متعين في نذر الأضحية والمكان في الهدي، وكذا النذر المعلق كإن شفى الله مريضي فلله علي صوم شهر مثلا، فإنه يتعين فيه الزي بمعنى أنه لا يصح صومه قبل وجود المعلق عليه، أما المكان والدرهم والفقير فلا تتعين فيه كما حققناه في بحث النذر أول الايمان، فافهم. قوله: (بعد الحلف) أفاد أنه لو كان مملوكا وقت ت الحلف فغزلته فلبسه فإنه هدي بالأولى وهو متفق عليه. بحر قوله: (وشرطا ملكه يوم حلف) لان النذر إنما يصح في الملك أو مضافا إلى سبب الملك ولم يوجد، لان اللبس وغزل المرأة ليسا من أسباب الملك، وله أن غزل المرأة عادة يكون من قطن الزوج، والمعتاد هو المراد وذلك سبب لمالكه. بحر: أي الغزل من قطن الزوج سبب لملك الزوج لما غزلته، ولهذا يحنث إذا غزلت من قطن مملوك للزوج وقت الحلف، لأنها إذا غزلته كان ذلك سببا لان يملك الزوج غزلها مع أن القطن ليس بمذكور، وتمامه في العناية، لكن يشكل أن الشرط إنما هو اللبس وهو ليس سببا للملك. إلا أن يقال: إن المراد إن غزلت ثوبا ولبسته فيكون الشرط هو الغزل الذي هو سبب الملك لا مجرد اللبس. قوله: (لأنها إنما تغزل من كتان نفسها) أي فلم يوجد شرط النذر وهو الإضافة إلى ملكه أو سببه ط. قوله: (وبقوله الخ) هذا ذكره في النهر، والأول ذكره في الفتح، وبحث في كل منهما نوح أفندي بأنه في حيز المنع، فإن بعض نساء مصر تغزل من كتان الزوج، وبعض نساء الروم بالعكس لا سيما نساء الجنود الذين يغيبون عنهن سنين، فالأولى اعتبار الغالب ا ه ملخصا. قوله: (لا يلبس من غزلها) أي مغزولها كما عبر به قبله، وهو عند عدم النية على الثوب، وإن نوى عين الغزل لا يحنث بلبس الثوب لأنه نوى الحقيقة، ولو حلف لا يلبس من غزلها فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها حنث، ولو من غزلها خيط واحد لان الغزل غير مقدر، إلا إذا قال: ثوبا من غزلها، لان بعض الثوب لا يسمى ثوبا محيط لا يلبس من غزلها فلبس زره وعراه من غزلها لا يحنث، لأنه لا يسمى لبسا عرفا، بخلاف اللبنة والزيق. منتقى ا ه بحر ملخصا، ولو لبس ثوبا فيه رقعة من غزل غيرها حنث، لا لو حلف لا يلبس من غزلها فلبس ما خيط من غزلها فتح. قوله: (لأنه لا يسمى لابسا عرفا) بخلاف ما إذا لبس
144 تكة من حرير فإنه يكره اتفاقا، لان المحرم استعمال الحرير مقصودا، وإن لم يصر لابسا وقد وجد، والمحرم باليمين اللبس، ولم يوجد. بحر. واعترض المصنف قوله اتفاقا بل هو الصحيح، وكذا القلنسوة ولو تحت العمامة كما في شرح الوهبانية، وعلى مقابل الصحيح لا حاجة إلى الفرق ا ه. قال في البحر: ولا يكره الزر والعرى من الحرير لأنه لا يعد لابسا ولا مستعملا، وكذا اللبنة والزيق لأنه تبع كالعلم. قوله: (ولو رجلا) أتى به لان خاتم الفضة ليس حليا في حقه للعرف، بخلاف الذهب. قوله: (بلا فص) بفتح الفاء: أي ولو بلا فص. قوله: (ولو غير مرصع عندهما) أما عند الامام فلو غير مرصع لا يحنث، وبقولهما قالت الأئمة الثلاثة لأنه حلي حقيقة فإنه يتزين به، وقال تعالى: * (وتستخرجون منه حلية تلبسونها) * والمستخرج من البحر اللؤلؤ والمرجان، وله أنه لا يتحلى به عادة إلا مرصعا بذهب أو فضة، والايمان على العر ف لا على استعمال القرآن. قال بعض المشائخ: قياس قوله إنه لا بأس بلبس اللؤلؤ للغلمان والرجال، وقيل هذا اختلاف عصر، ففي زمانه كان لا يتحلى به إلا مرصعا، ويفتى بقولها، لان العرف القائم أنه يتحلى به مطلقا فتح. مطلب: حلف لا يلبس حليا قوله: (في حلفه) متعلق بقوله كما حنث. قوله: (لا يلبس) بفتح أوله وثالثه، وقوله: حليا بضم الحاء وتشديد الياء جمع حلي بفتح فسكون كسدي وسدى بحر. قوله: (بدليل حله للرجال) أي مع منعهم من التحلي بالفضة، وإنما أبيح لهم لقصد التختم لا للزينة، وإن كانت الزينة لازم وجوده لكنها لم تقصد به فكان عدما، خصوصا في العرف الذي هو مبنى الايمان، وعند الأئمة الثلاثة يحنث. فتح. قوله: (بأن كان له فص) يوهم كلامه ككلام الزيلعي أن ما له فص لا يحل للرجال، وفي كراهية القهستاني: يجوز الخاتم من الفضة على هيئة خاتم الرجال، وأما إذا كان له فصان أو أكثر فحرام ا ه. وعبارة الفتح ليس فيها هذا الايهام وهي: قال المشايخ: هذا إذا لم يكن مصبوغا على هيئة خاتم النساء بأن كان له فص، فإن كان حنث لأنه لبس النساء ا ه تأمل. قوله: (هو الصحيح) وقيل لا يحنث بخاتم الفضة مطلقا وإن كان مما يلبسه النساء. قال في الفتح: وليس ببعيد، لان العرف بخاتم الفضة ينفي كونه حليا وإن كان زينة. قوله: (كخلخال وسوار) لأنه لا يستعمل إلا للتزين فكان كاملا في معنى الحلي. بحر عن المحيط. تتمة: حلف لا يلبس ثوبا أو لا يشتريه فيمينه على كل ملبوس يستر العورة، وتجوز به الصلاة فلا يحنث ببساط أو طنفسة أو قلنسوة أو منديل يمتخط به أو مقنعة أو لفافة، إلا إذا بلغت مقدار الإزار، وكذا العمامة، ولو اتزر بالقميص أو ارتدى لا يحنث، والأصل أنه لو حلف على لبس ثوب غير معين لم يحنث إلا باللبس المعتاد، وفي المعين يحنث كيفما لبسه، ولا يحنث بوضع القباء على اللحاف حالة النوم ا ه ملخصا من البحر.
145 مطلب: حلف لا يجلس على الأرض أو لا ينام على هذا الفراش أو هذا السرير قوله: (على حائل منفصل) أي ليس بتابع للحالف، بخلاف ما إذا كان الحائل ثيابه، لأنه تبع له فلا يصير حائلا، ولو خلع ثوبه فبسطه وجلس عليه لا يحنث لارتفاع التبعية: بحر وفتح. قال في النهر: ولم أر ما لو جلس على حشيش، وينبغي أنه لو كان كثيرا يحنث ا ه. وظاهره ولو غير مقلوع لأنه في العرف جالس على الحشيش لا على الأرض. قوله: (على هذا الفراش) مثله هذا الحصير وهذا البساط. هندية ط. قوله: (لا يحنث) لان الشئ لا يتبع مثله فتنقطع النسبة عن الأسفل. وعن أبي يوسف رواية غير ظاهرة عنه أنه يحنث، لأنه يسمى نائما على فراشين فلم تنقطع النسبة ولم يصر أحدهما تبعا للآخر. وحاصله: أن كون الشئ ليس تبعا لمثله مسلم ولا يضرنا نفيه في الفراشين، بل كل أصل في نفسه، ويتحقق الحنث بتعارف قولنا نام على فراشين وإن كان لم يماسه إلا الاعلى. فتح. قلت: وهذا هو المتعارف الآن. قوله: (كما لو أخرج الحشو) أي ونام على الظهارة أو على الصوف والحشو فلا يحنث فيهما، لأنه لا يسمى فراشا كما في البحر عن الواقعات. قوله: (للعرف) راجع للمسائل الثلاث. قوله: (الأخيرين) أي الفراش والسرير. قوله: (للعموم) أي عموم اللفظ المنكر للأعلى والأسفل ط. قوله: (وما في القدوري) وقع مثله في الهداية والكنز قوله: (حمله في الجوهرة على المعرف) وكذا في الفتح حيث قال: قوله ومن حلف لا ينام على فراش: أي فراش معين بدليل قوله: وإن جعل فوقه فراشا آخر فنام عليه لا يحنث ا ه. قلت: ووجه الدلالة أن قوله فراشا آخر يقتضي أن المحلوف عليه معين ليكون الآخر غيره، إذ لو كان منكرا لكان الآخر محلوفا عليه أيضا، فافهم. قال في النهر: ويمكن أن يقال: إن المدعي أنه لا يحنث لأنه لم ينم على الأسفل، وهذا لا فرق فيه بين المنكر والمعين لانقطاع النسبة إليه بالثاني، وأما حنثه في المنكر بالأعلى فبحث آخر ولا يخفى ما فيه، فإن قوله لا يحنث مطلق فالأحسن ما مر، فتدبر. قوله: (لكن ينبغي) أي يجب. قوله: (الملاءة) الذي في الفتح أنه ساتر رقيق يجعل فوقه كالملاءة المجعولة فوق الطراحة ا ه. وفي المصباح: القران وزان كتاب: الستر الرقيق، وبعضهم يزيد: وفيه رقم ونقوش. ثم قال: والملاءة بالضم والمد: الريطة ذات لفقين، والجمع ملاء بحذف الهاء. وقال أيضا: الريطة بالفتح كل ملاءة ليست لفقين: أي قطعتين، وقد يسمى كل ثوب رقيق ريطة. قوله: (بخلاف ما مر) أي من الطور الثلاث. قوله: (بخلاف ما لو حلف لا ينام على ألواح هذا السرير الخ) هذا يوجد في بعض النسخ، وهو الموجود في نسخ المتن التي بديارنا كما
146 قدمه الشارح، لكن يجب إسقاطه كما في كثير من النسخ لئلا يتكرر بما مر. قوله: (حنث) لأنه في العرف ماش على الأرض، ولو كانت الأحجار غير متصلة بها. قوله: (إن نمت على ثوبك الخ) في البحر عن المحيط: قال لها إن نمت على ثوبك فأنت طالق، فاتكأ على وسادة لها أو وضع رأسه على مرفقة لها أو اضطجع على فراشها، إن وضع جنبه أو أكثر بدنه على ثوب من ثيابها حنث لأنه يعد نائما، وإن اتكأ على وسادة أو جلس عليها لم يحنث لأنه لا يعد نائما ا ه. والله سبحانه أعلم. باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك قوله: (مما يناسب الخ) بيان لقوله: وغير ذلك لان مسائل الضرب والقتل ترجم لها في الهداية بابا مستقلا، وكذا مسائل تقاضي الدين، وترجم لما بقي بمسائل متفرقة لأنها ليست من باب واحد، ويحتمل أن يكون الجار والمجرور في وضع خبر لمبتدأ محذوف: أي هذا الباب مما يناسب ترجمته الخ، فالمصدر المنسبك من أن والفعل فاعل يناسب أو هو مبتدأ مؤخر والجار والمجرور خبر مقدم. قوله: (من الغسل والكسوة) بيان لقوله: وغير ذلك فالأولى تقديمه على قوله مما يناسب ط. قوله: (أو قبلتك) في بعض النسخ أو قتلتك من القتل. مطلب: ترد الحياة إلى الميت بقدر ما يخص بالألم قوله: (تقيد كل منها بالحياة) أما الضرب فلانه اسم لفعل مؤلم يتصل بالبدن أو استعمال آلة التأديب في محل يقبله، والإيلام والأدب لا يتحقق في الميت، ولا يرد تعذيب الميت في قبره، لأنه توضع فيه الحياة عند العامة بقدر ما يحس بالألم، والبنية ليست بشرط عند أهل السنة، بل تجعل الحياة في تلك الأجزاء المتفرقة التي يدركها البصر، وأما الكسوة فلان التمليك معتبر في مفهومها، كما في الكفارة، ولهذا لو قال كسوتك هذا الثوب كان هبة، والميت ليس أهلا للتمليك. وقال الفقيه أبو الليث: لو كانت يمينه بالفارسية ينبغي أن يحنث، لأنه يراد به اللبث دون التمليك، ولا يرد
147 قولهم إنه لو نصب شبكة فتعلق بها صيد بعد موته ملكه لأنه مستند إلى وقت الحياة والنصب، أو المراد أنه على حكم ملكه فتملكه ورثته حقيقة لا هو، وأيضا هذا ملك لا تمليك، هذا ما ظهر لي مطلب: في سماع الميت الكلام وأما الكلام فلان المقصود منه الافهام والموت ينافيه، ولا يرد ما في الصحيح من قوله (ص) لأهل قليب بدر هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فقال عمر: أتكلم الميت يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع من هؤلاء، أو منهم فقد أجاب عنه المشايخ بأنه غير ثابت: يعني من جهة المعنى، وذلك لان عائشة ردته بقوله تعالى: * (وما أنت بمسمع من في القبور) * (فاطر: 22) * (إنك لا تسمع الموتى) * (النمل: 08) وأنه إنما قاله على وجه الموعظة للاحياء، وبأنه مخصوص بأولئك تضعيفا للحسرة عليهم، وبأنه خصوصية له عليه الصلاة والسلام معجزة، لكن يشكل عليهم ما في مسلم إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا إلا أن يخصوا ذلك بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال جمعا بينه وبين الآيتين فإنه شبه فيهما الكفار بالموتى، لإفادة بعد سماعهم وهو فرع عدم سماع الموتى، هذا حاصل ما ذكره في الفتح هنا. وفي الجنائز: ومعنى الجواب الأول أنه وإن صح سنده لكنه معلوم من جهة المعنى بعلة تقتضي عدم ثبوته عنه عليه الصلاة والسلام وهي مخالفته للقرآن، فافهم. أما الدخول فلان المراد به زيارته أو خدمته حتى لا يقال دخل على حائط أو دابة، والميت لا يزار هو وإنما يزار قبره. قال عليه الصلاة والسلام كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولم يقل عن زيارة الموتى، هذا حاصل ما ذكره الشراح هنا فتأمله. وأما التقبيل فلانه يراد به اللذة أو الاسرار أو الشفقة، وأما القتل فكالضرب بل أولى. قوله (كحلفه لا يغسله الخ) تمثيل لقوله: بخلاف الغسل. قوله: (أو خنقها) أي عصر حلقها. ط عن الحموي. قوله: (خلافا لما صححه في الخلاصة) قال في النهر وإطلاقه يعم حالة الغضب والرضا، لكن في الخلاصة: لو عضها أو أصاب رأس أنفها فأدماها، ففي الجامع الصغير: إن كان في حالة الغضب يحنث، وإن كان في حالة الملاعبة لا يحنث، وهو الصحيح ا ه. وذكره في البحر أيضا عن الظهيرية. لكن في الفتح قال فخر الاسلام وغيره: هذا يعني الحنث إذا كان في الغضب، أما إذا فعل في الممازحة فلا يحنث ولو أدماها بلا قصد الادماء. وعن الفقيه أبي الليث أنه قال: أراها في العربية، أما إذا كانت بالفارسية فلا يحنث بمد الشعر والخنق والعض. والحق أن هذا هو الذي يقتضيه النظر في العربية أيضا، إلا أنه خلاف المذهب ا ه. قال المقدسي: لعل وجهه أن هذا اللفظ صار في العرف منعا لنفسه عن إيلامها بوجه ما هو يشبه عموم المجاز فإن مطلق الإيلام شامل لتلك الأقسام ا ه. وقول الفتح إلا أنه خلاف المذهب قد يشمل حالة الممازحة، كما فهمه الشارح تبعا للمصنف مخالفا لتصحيح الخلاصة، وعبارة المصنف في منحه أطلقه تبعا لما في الهداية و الكنز وغيرهما من المعتبرات فانتظم ما إذا كانت اليمين بالعربية والفارسية، وما إذا كان في حالة الغضب أو المزاح، وهو المذهب كما أفاده الكمال ا ه. فافهم قوله: (والقصد ليس بشرط فيه)
148 حتى لو حلف لا يضر أأدخل زوجته فضرب غيرها فأصابها يحنث، لأن عدم القصد لا يعدم الفعل. قوله: (وقيل شرط) لأنه لا يتعارف والزوج لا يقصده بيمينه. بحر قوله: (ويكفي جمعها الخ) أي لو حلف على عدد معين من الأسواط قال في البحر عن الذخيرة: حلف ليضربن عبده مائة سوط، فجمع مائة سوط وضربه مرة لا يحنث. قالوا: هذا إذا ضرب ضربا يتألم به، وإلا فلا يبر لأنه صورة لا معنى، والعبرة للمعنى، ولو ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة كل مرة تقع الشعبتان على بدنه بر لأنها صارت مائة، وإن جمع الأسواط جميعا وضربه ضربة: إن ضرب بعرض الأسواط لا يبر لان كل الأسواط لم يقع على بدنه، وإن ضربه برأسها إن سوى رؤوسها قبل الضرب بحيث يصيبه رأس كل سوط بر، وأما إذا اندس منها شئ لا يبر عند عامة المشايخ، وعليه الفتوى ا ه. وفي الفتح حتى إن من المشايخ من شرط كون كل عود بحال لو ضرب به منفردا لأوجع المضروب، وبعضهم قالوا بالحنث على كل حال، والفتوى على قول عامة المشايخ، وهو أنه لا بد من الألم. قوله: (وأما قوله تعالى الخ) جواب عما أورد على أخذ الإيلام في مفهوم الضرب، فإنه لا إيلام بحزمة الريحان، فيكون خصوصية إن كانت هي المرادة بالضغث. وعن ابن عباس أنها قبضة من أغصان الشجر، وهذا جواب بالمنع: أي منع الايراد، والأول جواب بالتسليم كما في الفتح. وأجاب في الحواشي السعدية بأن الضرب في الآية مستعمل فيما لا إيلام فيه فلا يرد السؤال، فإن مبنى الايمان على العرف لا على ألفاظ القرآن. قوله: (ضغثا) في المصباح هو قبضة من حشيش مختلط رطبها بيابسها، ويقال ملء الكف من قضبان وحشيش أو شماريخ، والذي في الآية قيل: كان حزمة من أسل فيها مائة عود، وهو قضبان دقاق لا ورق لها يعمل منه الحصر، والأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع قوله: (فخصوصية لرحمة) قال القاضي البيضاوي: زوجته ليا بنت يعقوب، وقيل رحمة بنت قراثيم بن يوسف (1) ذهبت لحاجة وأبطأت فحلف إن برئ ضربها مائة ضربة. فحلل الله تعالى يمينه من ذلك ا ه ح. قال في الفتح: ودفع كونه خصوصية بأنه تمسك به في كتاب الحيل في جواز الحيلة، وفي الكشاف هذه الرخصة باقية. والحق أن البر بضرب بضغث بلا ألم أصلا خصوصية لزوجة أيوب عليه السلام. ولا ينافي ذلك بقاء شرعية الحيلة في الجملة، حتى أنه لو حلف ليضربنه مائة سوط فجمعه وضرب بها مرة لا يحنث، لكن بشرط أن يصيب بدنه كل سوط منها الخ. قوله: (فهو على الكثرة والمبالغة) تقدم في
(1) (قوله قرائين بن يوسف) هكذا بخطه بالقاف والثاء المثلثة، وهو مخالف لما في تاريخ أبي الفداء ونصه عنه ذكر نسب يوشع عليه السلام (ابن أفرايم بقطع الهمزة المفتوحة وسكون الفاء وفتح الراء المهملة بعدها الف فياء مثناة تحتية مكسورة آخره ميم ابن يوسف الخ) ا ه وليحرر مصححه. 149 آخر باب التعليق إن لم أجامعها ألف مرة فكذا فعلى المبالغة لا العدد، وقالوا هناك: والسبعون كثير، وأفاد أن القتل بمعنى الضرب كما هو العرف لان الذي تمكن فيه الكثرة، لا بمعنى إزهاق الروح إلا مع النية أو القرينة، ولذا قال في الدرر: شهر علي إنسان سيفا وحلف ليقتلنه فهو على حقيقته، ولو شهر عصا وحلف ليقتلنه فعلى إيلامه. قوله: (كحلفه ليضربنه الخ) الظاهر أن المراد بالمبالغة هنا الشدة لا خصوص كثرة العدد لقول البحر في مسألة لا حيا ولا ميتا. قال أبو يوسف: هذا على أن يضربه ضربا مبرحا، ثم إن هذا إذا حلف ليضربنه بالسياط حتى يموت، أما لو قال بالسيف فهو على أن يضربه بالسيف ويموت كما في البحر، ولم يذكر ما لو لم يذكر آلة، والظاهر أنه مثل الأول إلا مع النية كما قدمناه قوله: (وقد قدمها) أي هذه المسألة، وبين الشارح وجهها هناك. قوله: (فضربه بالسواد) أي بالقرى. في المصباح: العرب تسمي الأخضر أسود لأنه يرى كذلك على بعد، ومنه سواد العراق لخضرة أشجاره وزرعه. قوله: (زمان الموت ومكانه) نشر مشوش، وإنما اعتبر ذلك لان القتل هو إزهاق الروح، فيعتبر الزمان والمكان الذي حصل فيه ذلك ط. قوله: (بشرط كون الخ) فإن كان قبل اليمين فلا حنث أصلا، لان اليمين تقتضي شرطا في المستقبل لا في الماضي بحر عن الظهيرية. قوله: (إن لم تأتني الخ) قدم هذا الفرع قبيل الباب الذي قبل هذا، ومحل ذكر هنا وقدمنا وجهه أن حتى فيه للتعليل والسببية لا للغاية ولا للعطف، وذكرنا تفاريع ذلك هناك. قوله: (فعلى التراخي) أي إلى آخر جزء من أجزاء حياته أو حياة المحلوف عليه، فإن لم يضربه حتى مات أحدهما حنث. قوله: (لم يحنث) لان اللقى الذي رتب عليه الضرب لا يكون إلا في مكان يمكن فيه الضرب، ولذا قالوا: لو لقيه على سطح لا يحنث أيضا. قلت: وهذا لو كانت يمينه على الضرب باليد، فلو بسهم أو حجر اعتبر ما يمكن. تأمل قوله: (فيعتبر ذلك الخ) أي إذا حلف ليقضين دينه إلى بعيد فقضى بعد شهر أو أكثر بر في يمينه لا لو قضاه قبل شهر، وفي إلى قريب بالعكس. قوله: (فعلى ما نوى) حتى لو نوى بالقريب سنة أو
150 أكثر صحت نيته، وكذا إلى آخر الدنيا لأنها قريبة بالنسبة إلى الآخر. فتح قوله: (ويدين فيما فيه تخفيف عليه) هذا ذكره في البحر بحثا وكذا في النهر ويأتي ما يؤيده. قوله: (كذا في البحر عن الظهيرية) ومثله في الخانية. قوله: (وفي النهر عن السراج) ذكر ذلك في النهر عند قوله الكنز: الحين والزمان ومنكرهما ستة أشهر حيث قال: وفي السراج لا أكلمه مليا فهذا على شهر، إلا أن ينوي غير ذلك، ولو قال: لأهجرنك مليا فهو على شهر فصاعدا، وإن نوى أقل من ذلك لم يدين في القضاء ا ه. فافهم وفي بعض نسخ النهر: فهو على ستة أشهر في الموضعين وما نقله الشارح موافق للنسخة الأولى. وعبارة النهر هنا: وقياس ما مر أن يكون على شهر أيضا: أي قياس ما ذكره في البعيد والآجل، فإن مليا وطويلا في معناهما، وكأن صاحب النهر نسي ما قدمه عن السراج بدليل عدوله إلى القياس، وإلا فكان المناسب أن يقول: وقدمنا عن السراج أنه يكون على شهر أيضا إلا أن تكون النسخة ستة أشهر. هذا وقول السراج لم يدين في القضاء، يؤيد بحث البحر المار آنفا تأمل. تنبيه: في المغرب: الملي من النهار: الساعة الطويلة. وعن أبي علي الفارسي: الملي: المتسع، وقيل في قوله تعالى: * (واهجرني مليا) * (مريم: 64) أي دهرا طويلا عن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير، والتركيب دال على السعة والطوال ا ه. قلت: يمكن أن يكون مأخوذ تركيبه وجها لزيادة مدته على البعيد والآجل، فلذا جزم في الظهيرية والخانية بأنه شهر ويوم، وتبعهما المصنف، وأما على نسخة ستة أشهر فباعتبار أنه اسم لزمان طويل، والزمان ستة أشهر تأمل. قوله: (أحد عشر) لأنه أقل عدد مركب بدون عطف، وأما بالعطف نحو كذا وكذا فأقل عدد نظيره أحد وعشرون. قوله: (ثلاثة عشر) لان البضع بالكسر ما بين الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى التسع كما في المصباح، لكن صريح ما في الشرح أن الثلاثة داخلة وما في المصباح يخالفه تأمل. مطلب: ليقضين دينه فقضاه نبهرجة أستوقة قوله: (نبهرجة) هذا غير عربي. وأصله نبهره وهو الحظ: أي حظ هذا لدراهم من الفضة أقل وغشه أكثر ولذا ردها التجار: أي المستقصي منهم والمسهل منهم يقبلها نهر قوله: (أو زيوفا) جمع زيف: أي كفلس وفلوس. مصباح: وهي المغشوشة يتجوز بها التجار ويردها بيت المال، ولفظ الزيافة غير عربي وإنما هو من استعمال الفقهاء. نهر فتح: يعني أن فعله زاف وقياس مصدره الزيوف لا الزيافة كما في المغرب. قوله: (ما يرده بيت المال) لأنه لا يقبل إلا ما هو في غاية الجودة. قهستاني، فالنبهرجة غشها أكثر من الزيوف. فتح. قوله: (أو مستحقة للغير) بفتح الحاء: أي أثبت الغير أنها حقه. قال في الفتح: وإذ بر في دفع هذه المسميات الثلاثة، فلو رد الزيوف أو النبهرجة أو استردت المستحقة لا يرتفع البر، وإن انتقض القبض فإنما ينتقض في حق حكم يقبل الانتقاض،
151 ومثله لو دفع المكاتب هذه الأنواع وعتق فردها مولاه لا يرتفع العتق ا ه. قوله: (ستوقة) بفتح السين المهملة وضمها وتشديد التاء. قهستاني. قال في الفتح: وهي المغشوشة غشا زائدا وهي تعريب ستوقة: أي ثلاثة طبقات: طبقتا الوجهين فضة وما بينهما نحاس ونحوه. قوله: (لأنهما الخ) علة لقوله: لا يبر قال الزيلعي: وإن كان الأكثر فضة والأقل ستوقة لا يحنث، وبالعكس يحنث لان العبرة للغالب. قوله: (لم يجز) لأنه يلزم الاستبدال ببدلهما قبل قبضه وهو غير جائز كما علم في بابه ح. قوله: (ونقل مسكين) أي عن الرسالة اليوسفية: وهي التي عملها أبو يوسف في مسائل الخراج والعشر للرشيد. ونقل العبارة أيضا في المغرب عند قوله ستوقة، وكذا في البحر والنهر عن مسكين، ولعل المراد أن الامام لا ينبغي له أن يأخذ النبهرجة من أهل الجزية أو أهل الأراضي بخلاف الستوقة فإنه يحرم عليه أخذها لان في ذلك تضييع حق بيت المال، والله سبحانه أعلم. مطلب: المسائل الخمس التي جعلوا الزيوف فيها كالجياد قوله: (وهذه إحدى المسائل الخمس) الثانية: رجل اشترى دارا بالجياد ونقد الزيوف أخذ الشفيع بالجياد لأنه لا يأخذها إلا بما اشترى. الثالثة: الكفيل إذا كفل بالجياد ونقد الزيوف يرجع على المكفوف عنه بالجياد. الرابعة: إذا اشترى شيئا بالجياد ونقد البائع الزيوف ثم باعه مرابحة فإن رأس المال هو الجياد. الخامسة: إذا كان له على آخر دراهم جياد فقبض الزيوف فأنفقها ولم يعلم إلا بعد الانفاق لا يرجع عليه بالجياد في قول أبي حنيفة ومحمد، كما لو قبض الجياد، كذا في البحر ح. مطلب: لأقضين مالك اليوم قوله: (ودفع للقاضي) وذكر الناطفي أن القاضي ينصب على الغائب وكيلا، وقيل إذا غاب الطالب لا يحنث الحالف، وإن لم يدفع إلى القاضي ولا إلى الوكيل، وفي بعض الروايات يحنث وإن دفع للقاضي والمختار الأول. خانية. قلت: وهذه إحدى المسائل الخمسة التي جوز فيها القضاء على المسخر، وذكرها ط، وسيذكرها الشارح في كتاب القضاء. قوله: (باع ما للقاضي بيعه الخ) أي لا يبر بيمينه إلا إذا باع ما يبيعه القاضي عليه، إذا امتنع من البيع بنفسه، وذلك كما في الجوهرة وغيرها أنه يباع في الدين العروض أولا ثم العقار ويترك له دست من ثياب بدنه، وإن أمكنه الاجتزاء بدونها باعها، واشترى من ثمنها ثوبا يلبسه، لان قضاء الدين فرض مقدم على التجمل، وكذا لو كان له مسكن يمكنه أن يجتزئ بدونه ويشتري من ثمنه مسكنا يبيت فيه، وقيل يباع ما لا يحتاج إليه في الحال فتباع الجبة واللبد والنطع في الشتاء. قوله: (وكذا يبر بالبيع) أي وإن لم يقبض، لان البر وقضاء الدين يحصل
152 بمجرد البيع، حتى لو هلك المبيع قبل قبضه انفسخ البيع وعاد الدين ولا ينتقض البر في اليمين، وإنما نص محمد على القبض ليتقرر الدين على ر أأدخل الدين لاحتمال سقوط الثمن بهلاك المبيع قبل قبضه، ولو كان البيع فاسدا وقبضه: فإن كانت قيمته تفي بالدين، وإلا حنث لأنه مضمون بالقيمة. فتح قال في البحر: وشمل ما إذا كان المبيع مملوكا لغير الحالف، ولذا قال في الظهيرية: إن ثمن المستحق مملوك ملكا فاسدا فملك المديون ما في ذمته. قوله: (ونحوه الخ) كما لو تزوج الطالب أمة المطلوب ودخل بها أو وجب عليه دين بالاستهلاك أو بالجناية يبر أيضا. نهر والظاهر أن التقييد بالدخول اتفاقي، واحتمال سقوط نصف المهر بالطلاق قبل الدخول لا ينقص البر كاحتمال هلاك المبيع قبل قبضه كما مر، ويؤيده ما في الظهيرية: حلف لا يفارقها حتى يستوفي حقه منها فتزوجها على ماله عليها، فهو استيفاء. وفيها حلف لا يقبض دينه من غريمه اليوم، واستهلك شيئا من ماله اليوم: فلو مثليا لا يحنث لان الواجب مثله لا قيمته، ولو قيميا وقيمته مثل الدين أو أكثر حنث، لأنه صار قابضا بطريق المقاصة، وهذا إن استهلكه بعد غصبه لأنه وجد القبض الموجب للضمان فيصير قابضا دينه، وإن قبله كأن أحرقه لم يحنث لعدم القبض ا ه ملخصا. وتمام فروع المسألة في البحر. قوله: (به) متعلق بالبيع، والظاهر أنه غير قيد، حتى لو باعه شيئا بثمن قدر الدين تقع المقاصة وإن لم يجعل الدين الثمن يدل عليه مسألة الاستهلاك المذكورة آنفا ولذا لم يقيد به في الفتح. قوله: (لان الديون تقضى بأمثالها) قال في الفتح: لان قضاء الدين لو وقع بالدراهم كان بطريق المقاصة، وهو أن يثبت في ذمة القابض وهو الدائن مضمونا عليه لأنه قبضه لنفسه ليتملكه، وللدائن مثله على المقبض فيلتقيان قصاصا، وكذا هنا قوله: (لان الهبة إسقاط) ولان القضاء فعل المديون والهبة فعل الدائن بالابراء فلا يكون فعل هذا فعل الآخر فتح. تنبيه: قيل إن شرط البر القضاء، ولم يوجد فيلزم الحنث وإلا لزم ارتفاع النقيضين. قال في الفتح: وهو غلط، فإن النقيضين الواجب صدق أحدهما دائما هما في الأمور الحقيقة كوجود زيد وعدمه، أما المتعلق قيامهما بسبب شرعي فيثبت حكمهما ما بقي السبب قائما، وقيام اليمين سبب لثبوت أحدهما من الحنث أو البر، وينتفيان بانتفائه كما هو قبل اليمين حيث لا بر ولا حنث، ولذا قالوا هنا لم يحنث، ولم يقولوا بر ولم يحنث ا ه. قوله: (وإمكان البر شرط البقاء الخ) أي في اليمين المؤقتة بخلاف المطلقة فإنه فيها شرط الابتداء فقط، وحين حلف كان الدين قائما فكان تصور البر ثابتا فانعقدت، ثم حنث بعد مضي زمن يقدر فيه على القضاء باليأس من البر بالهبة فتح قوله: (وعليه) أي ويبتنى على اعتبار هذا الشرط قوله: (لم يحنث) لفوات إمكان البر في الغد قبل وقته فبطلت اليمين. قوله: (فأمر غيره) الضمير فيه عائد إلى الحلف، وضمير أحاله وقبض إلى فلان. قال ط: أفاد به أن القضاء لا يتحقق بمجرد الحوالة والامر بل لا بد معهما من القبض. قال
153 في الهندية: وإن نوى أن يكون ذلك بنفسه صدق قضاء وديانة. ولو حلف المطلوب أن لا يعطيه فأعطاه على أحد هذه الوجوه حنث، وإن نوى أن لا يعطيه بنفسه لم يدين في القضاء. قوله: (حلف لا يفارق غريمه الخ) تقدم بعض مسائل الغريم في أواخر باب اليمين بالاكل والشرب. قوله: (أو يحفظه) الذي في المنح والبحر ويحفظه بالواو ط. قال في البحر: وكذلك لو حال بينهما ستر أو أسطوانة من أساطين المسجد، وكذلك لو قعد أحدهما داخل المسجد والآخر خارجه والباب بينهما مفتوح بحيث يراه، وإن توارى عنه بحائط المسجد والآخر خارجه فقد فارقه، وكذلك لو كان بينهما باب مغلق إلا إن أدخله وأغلق عليه وقعد علي الباب، قوله: (قال) أي صاحب مجموع النوازل كما عزاه إليه في البحر عن الظهيرية. قوله: (لم يحنث) الظاهر أن وجهه أنه يراد باليوم عرفا ما يشمل الليل، وتقدم أنه لو قال يوم أكلم فلانا فكذا فهو على الجديدين لقرانه بفعل لا يمتد فعم، وكذلك هنا لا الاعطاء لا يمتد، فافهم. مطلب: لا يقبض دينه درهما دون درهم قوله: (لا يقبض دينه درهما دون درهم) أي لا يقبضه حالة كون درهم منه مخالفا لدرهم آخر في كونه غير مقبوض: أي لا يقبضه متفرقا بل جملة، فالمجموع في تأويل حال مشتقة فهو مثل بعته يدا بيد: أي متقابضين، كذا ظهر لي. قوله: (لا يحنث حتى يقبض كله متفرقا) أي لا يحنث بمجرد قبض ذلك البعض، بل يتوقف حنثه على قبض باقيه، فإذا قبضه حنث. فتح قوله: (وهو قبض الكل الخ) لأنه أضاف القبض المتفرق إلى كل الدين حيث قال ديني وهو اسم لكله. فتح، فلو قال: من ديني يحنث بقبض البعض، لان شرط الحنث هنا قبض البعض من الدين متفرقا، وأشار إلى أنه لو قيد باليوم فقبض البعض فيه متفرقا أو لم يقبض شيئا لم يحنث، لان الشرط أخذ الكل في اليوم متفرقا، ولم يوجد، وتمامه في البحر. قوله: (بوزنين) أو أكثر لأنه قد يتعذر قبض الكل دفعة فيصير هذا المقدار مستثنى، ولان هذا القدر من التفريق لا يسمى تفريقا عادة والعادة هي المعتبرة. زيلعي. قوله: (فترك منه درهما) أي لم يأخذ منه أصلا قوله: (كيف شاء أي جملة أو متفرقا). مطلب: حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جملة قوله: (لا يحنث) كذا ذكر في البحر عن الظهيرية هذه المسألة غير معللة، والظاهر أنها بمعنى المسألة المارة، لان درهما دون درهم بمعنى متفرقا كما مر، وقوله هنا إلا جملة هو معنى لا يقبضه متفرقا، لكن الأولى في الاثبات، وهذه في النفي، والمعنى واحد.
154 مطلب: إن أنفقت هذا المال إلا على أهلك فكذا فأنفق بعضه لا يحنث ورأيت في طلاق الذخيرة المسائل التي ينظر فيها إلى شرط البر: وهب لرجل مالا فقال الواهب امرأتي طالق ثلاثا إن أنفقت هذا المال الذي وهبتك إلا على أهلك، ثم إنه أنفق بعضه على أهله وقضى بالباقي دينا أو حج أو تزوج لا تطلق امرأة الحالف. ذكره خواهر زاده في شرح الحيل، وعلله بأن شرط بره إنفاق جميع ا لهبة على أهله فيكون شرط حنثه ضد ذلك، وهو إنفاق جميعهم على غيرهم ولم يوجد، وهو نظير ما لو حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جميعا وأخذ البعض دون البعض لا يحنث، لان شرط بره أخذ جميع الدين جملة فيكون شرط حنثه ضد ذلك، وهو أخذ جميع الدين متفرقا ولم يوحد ذلك، كذا هنا ا ه. وحاصله أنه لا يحنث بمجرد قبض البعض جملة أو متفرقا ما لم يقبض الباقي كما مر، فإذا ترك البعض بأن لم يقبضه أصلا بإبراء أو بدونه لم يحنث لعدم شرطه وهو قبض كله غير جملة: أي متفرقا. ولما كانت هذه المسألة في معنى الأولى كما ذكرنا، قال الشارح وهو الحيلة في عدم حنثه في الأولى وبقي هنا شئ وهو ما لم يأخذ من دينه شيئا أصلا أو لم ينفق في مسألة الهبة شيئا بأن ضاعت الهبة مثلا، والظاهر أنه لا يحنث، لان المعنى إن أخذت دين لا آخذه إلا جملة، أو إن أنفقتها لا تنفقها إلا على أهلك، ونظيره لا أبيع هذا الثوب إلا بعشرة، أو لا تخرجي إلا بإذني فلم يبعه أولم تخرج أصلا فلا شك في عدم الحنث، فكذا هنا. مطلب: حلف لا يشكوه إلا من حاكم السياسة ولم يشكه أصلا لم يحنث ومنه يعلم جواب ما لو حلف لا يشكوه إلا من حاكم السياسة وترك شكايته أصلا لا يحنث، هذا ما ظهر لي فاغتنمه. قوله: (بملكها) متعلق بقوله: لا يحنث. قوله: (لان غرضه نفي الزيادة على المائة) أي أن ذلك هو المقصود عرفا والخمسون مثلا ليس زائدا على المائة، وهذا بخلاف ما لو قال: لي على زيد مائة وقال زيد خمسون، فقال إن كان لي عليه إلا مائة فهذا لنفي النقصان، لان قصده بيمينه الرد على المنكر ا ه فتح. قوله: (لو مما فيه الزكاة) أي لو كانت الزيادة من جنس ما تجب فيه الزكاة كالنقدين والسائمة وعرض التجارة وإن قلت الزيادة، ولو كانت من غيره كالرقيق والدور لم يحنث، وهذا لان المستثنى منه عرفا المال لا الدراهم، ومطلق المال ينصرف إلى الزكوي كم لو قال والله ليس لي مال، أو قال مالي في المساكين صدقة، وهذا بخلاف ما لو أوصى بثلث ماله أو استأمن الحربي على ماله حيث يعم جميع الأموال، لان الوصية خلافه كالميراث، ومقصود الحربي الغنية له بماله، وتمامه في شرح التلخيص. قوله: (حتى لو قال الخ) تفريع على ما فهم من كلامه من أن المال إذا أطلق ينصرف إلى الزكوي كما قررناه، فافهم. مطلب: حلف لا يفعل كذا تركه على الأبد قوله: (تركه على الأبد الخ) ففي أي وقت فعله حنث، وإن نوى يوما أو يومين أو ثلاثة أو
155 بلدا أو منزلا أو ما أشبهه لم يدين أصلا لأنه نوى تخصيص ما ليس بملفوظ كما في الذخيرة. قوله: (لان الفعل يقتضي مصدرا منكرا الخ) فإذا قال: لا أكلم زيدا فهو بمعنى لا أكلمه كلاما، وهذا أحد تعليلين ذكرهما في غاية البيان. ثانيهما: أنه نفى فعل ذلك الشئ مطلقا ولم يقيده بشئ دون شئ فيعم الامتناع عنه ضرورة عموم النفي، وعليه اقتصر في البحر وهو أظهر، وأحسن منهما ما نقلناه عن الذخيرة لما يرد على الأول أن عموم، ذلك المصدر في الافراد لا في الأزمان، وأيضا فقد قال ح: إن هذا ينافي ما مر في باب اليمين في الاكل: أي من أن الثابت في ضمن الفعل ضروري لا يظهر في غير تحقيق الفعل، بخلاف الصريح، ومن أن الفعل لا عموم له كما في المحيط عن سيبويه. قوله: (وما في شرح المجمع) أي لابن ملك من عدمه: أي عدم انحلال اليمين فهو سهو كما في البحر، بل تنحل فإذا حنث مرة بفعله لم يحنث بفعله ثانيا، وللعلامة قاسم رسالة رد فيها على العلامة الكافيجي حيث اغتر بما في شرح المجمع، ونقل فيها إجماع الأئمة الأربعة على عدم تكرار الحنث. قوله: (لا يحنث) لأنه بعد الحنث لا يتصور البر وتصور البر شرط بقاء اليمين فلم تبق اليمين فلا حنث. رسالة العلامة قاسم عن شرح مختصر الكرخي. قوله: (إلا في كلما) لاستلزامها تكرر الفعل، فإذا قال: كلما فعلت كذا يحنث بكل مرة. قوله: (وكذا الخ) هذا إذا لم يمض الوقت. قوله: (والمحلوف عليه) الواو بمعنى أو. قال: (لتحقق العدم) أي عدم الفعل في اليوم ط. قوله: (ولو جن الحالف الخ) محل هذا في الاثبات كما في الفتح. وصورته: قال لآكلن الرغيف في هذا اليوم فجن فيه ولم يأكل، أما في صورة النفي إذا جن ولم يأكل فلا شك في عدم الحنث ط، وقدم المصنف أول الايمان أنه يحنث لو فعل المحلوف عليه وهو مغمى عليه أو مجنون. مطلب: حلف ليفعلنه بر بمرة قوله: (لان النكرة في الاثبات تخص) أراد بالنكرة المصدر الذي تضمنه الفعل، وهذا مبني على التعليل السابق وقد علمت ما فيه. وفي الفتح: لان الملتزم فعل واحد غير عين إذ المقام للاثبات فيبر بأي فعل سواء كان مكرها فيه أو ناسيا أصيلا أو وكيلا عن غيره، وإذا لم يفعل لا يحكم بوقوع الحنث حتى يقع اليأس عن الفعل، وذلك بموت الحالف قبل الفعل فيجب عليه أن يوصي بالكفارة، أو بفوات محل الفعل كما لو حلف ليضربن زيدا أو ليأكلن هذا الرغيف فمات زيد أو أكل الرغيف قبل أكله، وهذا إذا كانت اليمين مطلقة ا ه. قوله: (ولو قيدها بوقت) مثل ليأكلنه في هذا اليوم. فتح قوله: (بأن وقع اليأس) أي قبل مضي الوقت. قوله: (أو بفوت المحل) هذا عندهما خلافا لأبي يوسف فتح.
156 مطلب: حلفه وال ليعلمنه بكل داعر قوله: (تقيد حلفه بقيام ولايته) هذا التخصيص بالزمان ثبت بدلالة الحال، وهو العلم بأن المقصود من الاستحلاف زجره بما يدفع شره أو شر غيره بزجره، لأنه إذا زجر داعرا انزجر آخر، وهذا لا يتحقق إلا في حال ولايته لأنها حال قدرته على ذلك فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته، والزوال بالموت وكذا بالعزل في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف أنه يجب عليه إعلامه بعد العزل. فتح قوله: (وينبغي تقييد يمينه بفور علمه) هذا بحث لابن همام، فإنه قال: وفي شرح الكنز: ثم إن الحالف لو علم بالداعر ولم يعلم به لم يحنث إلا إذا مات هو أو المستحلف أو عزل، لأنه لا يحنث في اليمين المطلقة إلا باليأس إلا إذا كانت مؤقتة فيحنث بمضي الوقت مع الامكان ا ه. ولو حكم بانعقاد هذه للفور لم يكن بعيدا نظرا إلى المقصود وهو المبادرة لزجره ودفع شره، والداعي يوجب التقييد بالفور: أي فور علمه به ا ه. وأقره في البحر والنهر وا لمنح، واعترض بأنه خلاف ظاهر الرواية، ففي العناية: وليس يلزمه الاعلام حال دخوله، وإنما يلزمه أن لا يؤخر الاعلام إلى ما بعد موت الوالي أو عزله على ظاهر الرواية اه. قلت: على ظاهر الرواية راجع إلى قوله: أو عزله أي بناء على ظاهر الرواية من أن العزل كالموت في زوال الولاية، خلافا لما عن أبي يوسف كما يعلم مما نقلناه سابقا على الفتح، ولا شك أن التقييد بالفور عند قيام القرينة حكم ثابت في المذهب. فصار حاصل بحث ابن الهمام: أن الوالي إذا كان مراده دفع الفساد في البلد، وحلف رجلا بأن يعلمه بكل مفسد دخل البلد، فليس مراده أن يخبره بعد إفساده سنين في البلد، بل مراده إخباره به قبل إظهاره الفساد، فهذا قرينة واضحة على أن هذه اليمين يمين الفور الثابت حكمها في المذهب، فما في شرح الكنز والعناية مبني على عدم قيام قرينة الفور، وما بحثه ابن الهمام مبني على قيامها فحيث قامت القرينة على الفور حكم بها بنص المذهب وإلا فلا، فلم يكن بحثه مخالفا للمنقول بل هو معقول مقبول فلذا أقره عليه الفحول، فافهم. قوله: (وإذا سقطت لا تعود) أي إذا سقطت بالعزل كما هو ظاهر الرواية كما مر لا تعود بعوده إلى الولاية. قوله: (ولو ترقى بلا عزل الخ) هذا لم يذكره في الفتح، بل ذكره في البحر بحثا بقوله: ولم أر حكم ما إذا عزل من وظيفته، وتولى وظيفة أخرى أعلى منها، وينبغي أن لا تبطل اليمين لأنه صار متمسكا من إزالة الفساد أكثر من الحالة الأولى ا ه. قلت: الظاهر أن محل هذا ما إذا لم يكن فاصل بين عزله وتوليته، بل المراد ترقيه في الولاية، وانتقاله عن الأولى إلى أعلى منها، ولذا عبر الشارح بقوله: ولو ترقى بلا عزل أما لو عزل ثم تولى بعد مثلا فقد تحقق سقوط اليمين والساقط لا يعود. قوله: (ومن هذا الجنس) أي جنس ما تقيد بالمعنى وإن كان مطلقا في اللفظ. قوله: (أو الكفيل بأمر المكفول عنه) كذا وقع في البحر، ولم يذكر في الفتح والنهر لفظ الامر، ولذا قيل: إنه لا فائدة للتقييد به.
157 أقول: أي لان رب الدين له ولاية المطالبة على الكفيل سواء كان كفيلا بأمر المكفول عنه أو لا، لكن هذا بناء على أن الكفيل منصوب عطفا على غريمه، ولفظ أمر مضاف إلى المكفول عنه، وليس كذلك، بل الكفيل مرفوع عطفا على رب الدين، ولفظ أمر بالتنوين، والمكفول عنه منصوب عطف على غريمه مفعول حلف، ويوضحه قول كافي النسفي أو الكفيل بالامر المكفول عنه، وعليه فالتقييد بالامر له فائدة ظاهرة، لان الكفيل بالامر له الرجوع على المكفول عنه فيصير بمنزلة رب الدين فلذا كان لتحليفه المكفول فائدة، ويتقيد تحليفه بمدة قيام الدين بمنزلة رب الدين، فافهم. وفي الخانية: الكفيل بالنفس إذا حلف الأصيل لا يخرج من البلدة إلا بإذنه فقضى الأصيل دين الطالب ثم خرج بعد ذلك لا يحنث. قوله: (وولاية المنع حال قيامه) أي قيام الدين، ومفاده أن ذلك فيما إذا لم يكن الدين مؤجلا، إذ ليس له منعه من الخروج ولا مطالبته قبل حلول الأجل، وفيما إذا أدى الكفيل لرب المال، إذ ليس له مطالبة المكفول عنه قبل الأداء نعم له ملازمته أو حبسه إذا لوزم الكفيل أو حبس، فليتأمل. قوله: (لعدم دلالة التقييد) لأنه لم يذكر الاذن في موجب لتقييده، بزمان الولاية في الاذن، وعلى هذا لو قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها بغير إذنك فطالق، فطلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثا، ثم تزوج بغير إذنها طلقت، لأنه لم تتقيد يمينه ببقاء النكاح، لأنها إنما تتقيد به لو كانت المرأة تستفيد ولاية الاذن والمنع بعقد النكاح ا ه فتح: أي بخلاف الزوج فإنه يستفيد ولاية الاذن بالعقد وكذا رب الدين، كما في الذخيرة، وما قيل من أن الإضافة في قوله: امرأتي تدل على التقييد لأنها بعد العدة لم تبق امرأته مدفوع بأن الإضافة لا للتقييد بل للتعريف، كما قالوا في قوله: إن قبلت امرأتي فلانة فعبدي حر فقبلها بعد البينونة يحنث، فافهم، وانظر ما قدمناه في التعليق من كتاب الطلاق. مطلب: حلف ليهبن له فوهب له فلم يقبل بخلاف البيع ونحوه قوله: (ونحوه) كالإجارة والصرف والسلم والنكاح والرهن والخلع. بحر. قوله: وكذا في طرف النفي فإذ قال: لا أهب حنث بالايجاب فقط، بخلاف لا أبيع. قوله: (والأصل الخ) الفرق أن الهبة عقد تبرع، فيتم بالمتبرع، أما البيع فمعاوضة فاقتضى الفعل من الجانبين، وعند زفر الهبة كالبيع، واتفقوا على أنه لو قال بعتك هذا الثوب أو أجرتك هذه الدار فلم تقبل وقال بل قبلت فالقول له، لان الاقرار بالبيع تضمن الاقرار بالايجاب والقبول وعلى الخلاف القرض. وعن أبي يوسف أن القبول فيه شرط لأنه في حكم المعاوضة، ونقل فيه عن أبي حنيفة روايتان، والابراء يشبه البيع لافادته الملك باللفظ والهبة لأنه تمليك بلا عوض. وقال الحلواني: إنهما كالهبة، وقيل الأشبه أن يلحق الابراء بالهبة والقرض بالبيع، والاستقراض كالهبة بلا خلاف ا ه ملخصا في الفتح والبحر، وانظر ما قدمناه في باب اليمين بالبيع والشراء. فرع: في الفتح لو قال لعبد إن وهبك فلان مني فأنت حر فوهبه منه: إن كان العبد في يد الواهب لا يعتق سلمه له أولا، وإن كان وديعة في يد الموهوب له إن بدأ الواهب فقال وهبتكه لا
158 يعتق قبل أولا، وإن بدأ الآخر فقال هبه مني فقال وهبته منك عتق. قوله: (شرط في الحنث) هذا فيما لو كان الحلف على النفي، فلو على الاثبات فهو شرط في البر فكان المناسب إسقاط قوله في الحنث. فافهم. مطلب: حلف لا يشم ريحانا قوله: (لا يشم) بفتح الياء والشين مضارع شممت الطيب بكسر الميم في الماضي، وجاء في لغة فتح الميم في الماضي وضمها في المضارع نهر. والمشهورة الفصيحة الأولى كما في الفتح. قوله: (وياسمين) بكسر السين وبعضهم بفتحها وهو غير منصرف، وبعض العرب يعربه إعراب جمع المذكر السالم على غير قياس مصباح قوله: (والمعول عليه العرف) ذكر ذلك في الفتح بعد حكاية الخلاف في تفسير الريحان، وهو أنه ما طاب ريحه من النبات، أو ما ساقه رائحة طيبة كالورد، أو ما لا ساق له من البقول مما له رائحة مستلذة وغير ذلك. قوله: (فوجد ريحه) أي من غير قصد شمه. قوله: (للعرف) فما في الهداية من حنثه بالدهن لا الورق وما قاله الكرخي من حنثه بهما مبني على اختلاف العرف، وعرفنا ما ذكره المصنف فتح ملخصا. مطلب: حلف لا يتزوج فزوجه فضولي قوله: (فأجاز بالقول) كرضيت وقبلت: نهر. وفي حاوي الزهدي: لو هناه الناس بنكاح الفضولي فسكت فهو إجازة. قوله: (حنث) هذا هو المختار كما في التبيين وعليه أكثر المشايخ، والفتوى عليه كما في الخانية، وبه اندفع ما في جامع الفصولين من أن الأصح عدمه بحر. قوله: (وبالفعل) كبعث المهر أو بعضه بشرط أن يصل إليها، وقيل الوصول ليس بشرط. نهر. وكتقبيلها بشهوة وجماعها، لكن يكره تحريما لقرب نفوذ العقد من المحرم بحر. قلت: فلو بعث المهر أولا لم يكره التقبيل والجماع لحصول الإجازة قبله قوله: (ومنه الكتابة) أي من الفعل ما لو أجاز بالكتابة لما في الجامع حلف لا يكلم فلانا أو لا يقول له شيئا فكتب إليه كتابا لا يحنث، وذكر ابن سماعة أنه يحنث نهر. قوله: (به يفتى) مقابله ما في جامع الفصولين من أنه لا يحنث بالقول كما مر، فكان المناسب ذكره قبل زواله وبالفعل أفاده ط. قوله: (لاستنادها) أي الإجازة لوقت العقد وفيه لا يحنث بمباشرته ففي الإجازة أولى. بحر. مطلب: قال كل امرأة تدخل في نكاحي فكذا قوله: (لا يحنث) هذا أحد قولين قاله الفقيه أبو جعفر ونجم الدين النسفي، والثاني أنه يحنث،
159 وبه قال شمس الأئمة والامام البزدوي والسيد أبو القاسم، وعليه مشى الشارح قبيل فصل المشيئة، لكن رجح المصنف في فتاواه الأول، ووجهه أن دخولها في نكاحه لا يكون إلا بالتزويج، فيكون ذكر الحكم ذكر سببه المختص به فيصير في التقدير كأنه قال إن تزوجتها، وبتزويج الفضولي لا يصير متزوجا، كما في فتاوى العلامة قاسم. قلت: قد يقال: إن له سببين: التزوج بنفسه، والتزويج بلفظ الفضولي، والثاني غير الأول بدليل أنه لا يحنث به في حلفه لا يتزوج. تأمل قوله: (لكثرة أسباب الملك) فإنه يكون بالبيع والإرث والهبة والوصية وغيرها، بخلاف النكاح كما علمت فلا فرق بين ذكره وعدمه. قوله: (أو فعلا) بإخراج متاعها من بيته ط. قوله: (لوجوبه قبل الطلاق) فلا يحال به إلى الطلاق، بخلاف النكاح، لان المهر من خصائصه منح عن العمادية قوله: (قال) أي فضولي. قوله: (فأجاز الزوج) أي أجاز تعليق الفضولي. قوله: (ومثله) أي مثل ما في المتن. قوله: (ما يكتبه الموثوقون) أي الذين يكتبون الوثائق: أي الصكوك قوله: (إلى آخره) المناسب حذفه لان قوله: أو دخلت في نكاحي معطوف على تزوجت لا على بنفسي فلا يصح تعليله بأن عامله تزوجت، بل العلة فيه أنه ليس له إلا سبب واحد، وهو التزوج كما مر وهو لا يكون إلا بالقول. أفاده ط. قوله: (وهو خاص بالقول) فقوله: أو بفضولي ينصرف إلى الإجازة بالقول فقط. بحر. قوله: (فلا مخلص له الخ) كذا في البحر، وتبعه في النهر والمنح، وفي فتاوى العلامة قاسم وجامع الفصولين أنه اختلف فيه. قيل لا وجه لجوازه لأنه شدد على نفسه. وقال الفقيه أبو جعفر وصاحب الفضول: حيلته أن يزوجه فضولي بلا أمرهما فيجيزه هو فيحنث قبل إجازة المرأة لا إلى جزاء لعدم الملك ثم تجيزه هي، فإجازتها لا تعمل فيجددان العقد، فيجوز إذا اليمين انعقدت على تزوج واحد. وهذه الحيلة إنما يحتاج إليها إذا قال أو يزوجها غير لأجلي وأجيزه، أما إذا لم يقل وأجيزه، قال النسفي: يزوج الفضولي لأجله فتطلق ثلاثا إذ الشرط تزويج الغير له مطلقا، ولكنها لا تحرم عليه طلاقها قبل الدخول في ملك الزوج. قال صاحب جامع الفصولين: فيه تسامح، لان وقوع الطلاق قبل الملك محال ا ه. قلت: إنما سماه تسامحا لظهور المراد وهو انحلال اليمين لا إلى جزاء، لان الشرط تزويج الغير له وذلك يوجد من غير توقف على إجازته، بخلاف قوله: أتزوجها فإنه لا يوجد إلا بعقده بنفسه أو عقد غيره له وإجازته. قوله: (إلا إذا كان المعلق طلاق المزوجة) في بعض النسخ المتزوجة أي التي حلف ألا يتزوجها بنفسه أو بفضولي احتراز عما لو كان المعلق طلاق زوجته الأصلية بأن قال إن تزوجت عليك بنفسي أو بفضولي فأنت طالق، فإن حكم الشافعي بفسخ اليمين
160 المضافة يؤكد الحنث لا ينافيه. قوله: (إن الافتاء كاف) أي إفتاء الشافعي للحالف ببطلان هذه اليمين، وهو رواية عن من أفتى بها أئمة خوارزم لكنها ضعيفة، نعم لو قال: كل امرأة أتزوجها فهي كذا فتزوج امرأة وحكم القاضي بفسخ اليمين ثم تزوج أخرى يحتاج إلى الفسخ ثانيا عندهما، وقال محمد: لا يحتاج، وبه يفتى كما في الظهيرية. فمن قال: إن بطلان اليمين هو قول محمد المفتى به كما في الظهيرية فقد اشتبه عليه حكم بآخر كما قدمنا بيانه في باب التعليق، فافهم قوله: (بحر) الأولى أن يقول: نهر لان جميع ما قدمه مذكور فيه، أما في البحر فإنه لم يذكر قوله أنه مما يكتبه الموثقون ولا قوله أدخلت في نكاحي بوجه ما، ولا قوله وقدمنا في التعاليق. قوله: (لان المراد بها المسكن عرفا) يعني أن المراد ما يشمل المسكن، فيصدق على المملوكة غير المسكونة، وفيه تفصيل وخلاف ذكرناه في باب اليمين بالدخول. قوله: (ولا بد أن تكون سكناه لا بطريق التبعية الخ) مخالف لما قدمه في الباب المذكور من قوله: ولو تبعا وهو ما في الخانية، لو حلف لا يدخل دار بنته أو أمه وهي تسكن في بيت زوجها، فدخل الحالف حنث. وقد ذكر في الخانية أيضا مسألة الواقعات وقال: إن لم ينو تلك الدار لا يحنث، لان السكنى تضاف إلى الزوج لا إلى المرأة، ويمكن الجواب بأن الدار في مسألة الخانية المارة لما لم تكن للمرأة انعقدت يمينه على دار السكنى بالتبعية فحنث، أما في مسألة الواقعات المذكورة هنا فالدار فيها ملك المرأة فانصرفت اليمين إلى ما ينسب إليها أصالة، فلما سكنها زوجها نسبت إليه وانقطعت نسبتها إليها فلم يحنث الحالف بدخولها ما لم ينوها. أفاد بعضه السيد أبو السعود، لكن قدمنا في باب الدخول عن التاترخانية ما يفيد اختلاف الرواية، ولكن ما ذكر من الجواب توفيق حسن رافع للخلاف بقيد عدم النية المذكور أخذا مما مر عن الخانية فافهم. مطلب: حلف لا مال له قوله: (بل بتشديد اللام) كذا في البحر عن مسكين، والظاهر أن التشديد غير لازم لأنه يقال مفلس وجمعه مفاليس كما في المصباح، وهذا أعم من المحكوم بإفلاسه وغيره كما لا يخفى. مطلب: الديون تقضى بأمثالها قوله: (بل وصف للذمة الخ) ولهذا قيل إن الديون تقضى بأمثالها على معنى أن المقبوض مضمون على القابض، لان قبضه بنفسه على وجه التملك ولرب الدين على المدين مثله، فالتقى الدينان قصاصا، وتمامه في البحر. مطلب: قال لغيره والله لا تقم فقام لا يحنث قوله: (فإن لم يفعله المخاط أأدخل حنث) كذا أطلقه في الخانية والفتح والنهر، وظاهره أنه يحنث
161 سواء أمره بالفعل أو لا، وهو كذلك لان أمره لا يحقق الفعل من المحلوف عليه، وشرط بره ه الفعل، وشرط حنثه عدمه، ويأتي تمام بيانه قريبا. مطلب: والله لا تقم فقام لا يحنث هذا، ورأيت في الصيرفية: مر علي رجل فأراد أن يقوم فقال والله لا تقم فقام، لا يلزم المار شئ، لكن عليه تعظيم اسم الله تعالى ا ه. وذكره في البزازية بعبارة فارسية، فهذا الفرع مخالف لما مر، وقد يجاب بأن قوله لا يقم نهي، وهو إنشاء في الحال تحقق مضمونه عند التلفظ به، وهو طلب الكف عن القيام فصار الحلف على هذا الطلب الانشائي لا على عدم القيام، فالمقصود من الحلف تأكيد ذلك الطلب، فليتأمل. والظاهر أن الامر مثل النهي فإذا قال الله أضرب زيدا اليوم لا يحنث بعدم ضربه، ويظهر أيضا أنه لو قعد ثم قام لا يحنث، ولو لم يكن بلفظ النهي لان المراد النهي عن القيام الذي تهيأ له المحلوف عليه فهو يمين الفور المار بيانها، وهذه المسألة تقع كثيرا. مطلب: قال لتفعلن كذا قال نعم قوله: (ما لم ينو الاستحلاف) فإن نوى الاستحلاف فلا شئ على واحد منهما. خانية وفتح: أي لان المخاطب لم يجبه بقوله نعم حتى يصير حالفا. قال في الخانية: ولو قال: والله لتفعلن كذا فقال الآخر نعم، فهو على خمسة أوجه: أحدها: أن ينوي كل من المبتدئ والمجيب الحلف على نفسه فهما حالفان، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلان قوله نعم يتضمن إعادة ما قبله، فكأنه قال والله لأفعلن كذا، فإذا لم يفعل حنثا جميعا. الثاني: أن يريد المبتدئ الاستحلاف والمجيب اليمين على نفسه، فالحالف هو المجيب فقط. الثالث: أن لا يريد المجيب اليمين بل الوعد فلا يكون أحدهما حالفا. الرابع: أن لا يكون لأحدهما نية، فالحالف هو المبتدئ فقط الخامس: أن يريد المبتدئ الاستحلاف والمجيب الحلف، فالمجيب حالف لا غير اه ملخصا. قلت: هذا الأخير هو عين الثاني، فتأمل. قوله: (فالح حالف هو المبتدأ) وكذا فيما لو قال أحلف أو أشهد بالله قال عليك أو لا فلا يمين على المجيب في الثلاثة، وإن نويا أن يكون الحالف هو المجيب. خانية. قلت: ووجهه أنه أسند فعل القسم إلى نفسه فلا يمكن أن يكون فاعله غيره. قوله: (ما لم ينو الاستفهام) أي بأن تكون همزة الاستفهام مقدرة فيصير المعنى هل أحلف أم لا، وهذا يصلح حيلة إذا أراد أن لا يحنث، فافهم. قوله: (فالحالف المجيب) ولا يمين على المبتدئ وإن نوى اليمين. خانية وفتح: أي لإسناده الحلف إلى المخاطب فلا يمكن أن يكون الحالف غيره.
162 مطلب: حلف لا يدخل فلان داره قوله: (لا يدخل فلان داره الخ) نقله في النهر عن منية المفتي، وهذا رأيته فيها لكن بلفظ الدار معرفة، وهذا محمول على ما إذا كان فلان ظالما لا يمكن الحالف أن يمنعه كما يعلم مما ذكره الشرنبلالي في رسالة عن الخانية والخلاصة وغيرهما: حلف لا يدع فلانا يدخل هذه الدار، فلو الدار ملك الحالف فشرط البر منعه بالقول والفعل بقدر ما يطيق، فلو منعه بالقول دون الفعل حنث، وإن لم تكن له فمنعه بالقول دون الفعل لا يحنث بالدخول. وفي القنية عن الوبري: حلف ليخرجن ساكن داره اليوم، والساكن ظالم غالب يتكلف في إخراجه، فإن لم يمكنه فاليمين على التلفظ باللسان ا ه. قال: وهذا يفيد أن ما مر من حنث المالك بالمنع بالقول فقط مقيد بما إذا قدر على منعه بالفعل، وإلا فيكفيه القول، ويفيده قول الخانية: بقدر ما يطيق. هذا حاصل ما ذكره في الرسالة، وقد لخصها السيد أبو السعود تلخيصا مخلا، ونقله عنه ط في الباب السابق، وأنه أفتى بناء على ما فهمه فيمن حلف على أخته أن لا تتكلم بأنها لو تكلمت بعد ما نهاها عن الكلام لا يحنث، لأنه لا يملك منعها، وقاس على ذلك أيضا أنه لو كانت اليمين على الاثبات مثل لتفعلن يكفي أمره بالفعل. مطلب في الفرق بين لا يدعه يدخل وبين لا يدخل قلت: وهذا خطأ فاحش للفرق البين بين قولنا لا أدعه يفعل وبين لا يفعل، يوضح ذلك ما قدمناه في التعليق عن الولوالجية: رجل قال: إن أدخلت فلانا بيتي أو قال إن تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق، فاليمين في الأول على أن يدخل بأمره لأنه متى دخل بأمره فقد أدخله، وفي الثانية على الدخول أمر الحالف أو لم يأمر علم أو لم يعلم لأنه وجد الدخول، وفي الثالث على الدخول بعلم الحالف لان شرط الحنث الترك للدخول، فمتى علم ولم يمنع فقد ترك ا ه. ونقل مثله في البحر عن المحيط وغيره، فانظر كيف جعلوا اليمين في الثاني على مجرد الدخول، لان المحلوف عليه هو دخول فلان، فمتى تحقق دخوله تحقق شرط الحنث وإن منعه قولا أو فعلا، لان منعه لا ينفي دخوله بعد تحققه. وأما عدم الحنث بالمنع قولا وفعلا أو قولا فقط على التفصيل المار فهو خاص بالحلف على أنه لا يدعه أو لا يتركه يدخل، وكذا قوله لا يخليه يدخل، لأنه متى لم يمنعه تحقق أنه تركه أو خلاه فيحنث، هذا هو المصرح به في عامة كتب المذهب، وهو ظاهر الوجه وقدمنا في آخر اليمين في الأكل والشرب فيما لو قال لا أفارقك حتى تقبضني حقي أنه لو فر منه لا يحنث، ولو قال لا يفارقني يحنث كما في الخانية فقد جزم بحنثه إذ فر منه بعد حلفه لا يفارقني. وعلى هذا فالصواب في جواب الفتوى السابعة أن أخت إذا تكلمت يحنث، سواء منعها عن الكلام أو لا لتحقق شرط الحنث وهو الكلام، ومنعه لها لا يرفعه بعد تحققه كما لا يخفى، نعم لو كان الحلف على أنه لا يتركها أو لا يخليها تتكلم فإنه يبر بالمنع قولا فقط، ولا يحتاج إلى المنع بالفعل لأنه لا يملكه. كما قال في الخانية: رجل حلف بطلاق امرأته أن لا يدع فلانا يمر على هذه القنطرة فمنعه بالقول يكون بارا، لأنه لا يملك المنع بالفعل ا ه. وبما قررناه ظهر أن ما نقله الشارح تبعا للمنية لا يصح حمله على ظاهره لمخالفته للمشهور في الكتب فلا بد من تأويله بما قدمناه. وقد يؤول بأنه أراد معنى لا يدعه يدخل كما أفتى به في الخيرية، حيث سئل عمن حلف على
163 صهره أنه لا يرحل من هذه القرية فرحل قهرا عليه فهل يحنث؟ أجاب: مقتضى ما أفتى به قارئ الهداية واستدل به الشيخ محمد الغزي وأفتى به أنه إن نوى لا يمكنه فرحل قهرا عليه لا يحنث ا ه. أو يؤول بأنه سقط من عبارة المنية لفظ لا بدعه وإلا فهو مردود، لان العمل على ما هو المشهور الموافق للمعقول والمنقول دون الشاذ الخفي المعلول، فاغتنم هذا التحرير، والله سبحانه أعلم. تنبيه: علم أيضا مما ذكرناه أنه لو كان الحالف على الاثبات مثل قوله والله لتفعلن كذا فشرط البر هو الفعل حقيقة، ولا يمكن قياسه على لا يدعه يفعل، بأن يقال هنا: يكفي أمره بالفعل فإن ذلك لم يقل به أحد وأما ما مر عن القنية في: ليخرجن ساكن داره، فذاك في معنى لا يدعه يسكن كما علم مما مر، أما هنا فلا يكفي الامر لأنه حلف على الفعل لا على الامر به، ومجرد الامر به يحققه كما لا يخفى، فإذا لم يفعل يحنث الحالف كما مر سواء أمره أو لا، وهذا ظاهر جلي أيضا، ولكن جل من لا يسهو، فافهم. قوله: (بر بقوله اخرج) لان عقد الإجارة منعه من الاخراج بالفعل، لان مالك الدار لا يملك المنفعة مدة الإجارة، فهو حينئذ كالأجنبي. شرنبلالي قوله: (وحلفه بر) لان قوله لا يدع ينصرف إلى ما يقدر عليه، وبعد تحليفه لا يقدر على الاخذ، وشرط الحنث أن يتركه مع القدرة ولذا لا يحنث إذا قال لا أدع فلانا يفعل ففعل في غيبته. قوله: (طلقت) لأنه صار حالفا للقاعدة المذكورة عقبه. قوله: (به يفتى) وهو قول أبي يوسف خلافا لمحمد، بخلاف ما لو برهن أنه أقرضه ألفا والمسألة بحالها لا يحنث ا ه فتح أي لجوا أنه أقرضه ثم أبرأه أو استوفى منه قبل الدعوى فلم يظهر كذب المدعى عليه. قوله: (حنث الخ) لان كل واحد من الشريكين يرجع بالعهدة على صاحبه، ويصير الحالف عاملا مع المحلوف عليه، وإن كان عقد الشركة نفسه لا يوجب الحقوق. أما العبد المأذون فلا يرجع بالعهدة على المولى فلا يصير الحالف شريكا لمولاه. بحر عن الظهيرية قوله: (فدخل المشتركة) أي فلا يحنث. لان نصف الدار لا يسمى دارا. فتح قوله: (إذا لم يكن ساكنا) ترك في الفتح هذا القيد، وقد صرح به في الخانية قال ط: أما إذا كان ساكنا فهي داره، لان الدار حينئذ تعم المستأجرة فأولى المشتركة التي سكنها، والله سبحانه أعلم.
164 كتاب الحدود لما فرغ من الايمان وكفارتها الدائرة بين العبادة والعقوبة ذكر بعدها العقوبات المحضة ولولا لزوم التفريق بين العبادات لكان ذكرها بعد الصوم أولى، لاشتماله على بيان كفارة الفطر المغلب فيها جهة العقوبة نهر وفتح. وهي ستة أنواع: حد الزنا، وحد شرب الخمر خاصة، وحد السكر من غيرها والكمية متحدة فيهما، وحد القذف، وحد السرقة، وحد قطع الطريق ابن كمال. قوله: (الحد لغة) في بعض النسخ: هو لغة فالضمير عائد على الحد المفهوم من الحدود. قوله: (المنع) ومنه سمي البواب والسجان حدادا لمنع الأول من الدخول والثاني من الخروج، وسمي المعرف للماهية حدا لمنعه من الدخول والخروج. وحدود الدار نهاياتها، لمنعها عن دخول ملك الغير فيها وخروج بعضها إليه، وتمامه في الفتح. قوله: (عقوبة) أي جزاء بالضرب أو القطع أو الرجم أو القتل، سمي بها لأنها تتلو الذنب، من تعقبه: إذا تبعه. قهستاني. قوله: (مقدرة) أي مبنية بالكتاب أو السنة أو الاجماع. قهستاني. أو المراد لها قدر خاص، ولذا قال في النهر: مقدرة بالموت في الرجم وفي غيره بالأسواط الآتية اه: أي وبالقطع الآتي. قوله: (حقا لله تعالى) لأنها شرعت لمصلحة تعود إلى كافة الناس من صيانة الأنساب والأموال والعقول والاعراض. قوله: (زجرا) بيان لحكمها الأصلي، وهو الانزجار عما يتضرر به العباد من أنواع الفساد، وهو وجه تسميتها حدودا. قال في الفتح: والتحقيق ما قال بعض المشايخ: إنها موانع قبل الفعل، زواجر بعده: أي العلم بشرعيتها يمنع الاقدام على الفعل، وإيقاعها بعده يمنع من العود إليه. قوله: (فلا تجوز الشفاعة فيه تفريع على قوله تجب (1) الخ). قال في الفتح: فإنه طلب ترك الواجب، ولذا أنكر (ص) على أسامة بن زيد حين شفع في المخزومية التي سرقت فقال: أتشفع في حد من حدود الله. قوله: (بعد الوصول للحاكم) وأما قبل الوصول إليه والثبوت عنده فتجوز الشفاعة عند الرافع له إلى الحاكم ليطلقه، لان وجوب الحد قبل ذلك لم يثبت، فالوجوب لا يثبت بمجرد الفعل، بل على الامام عند الثبوت عنده، كذا في الفتح. وظاهره جواز الشفاعة بعد الوصول للحاكم قبل الثبوت عنده، وبه صرح ط عن الحموي. قوله: (بل المظهر التوبة) فإذا حد ولم يتب يبقى عليه إثم المعصية. وذهب كثير من العلماء إلى أنه مطهر، وأوضح دليلنا في النهر. مطلب: التوبة تسقط الحد قبل سقوطه قوله: (وأجمعوا الخ) الظاهر أن المراد أنها لا تسقط الحد الثابت عند الحاكم بعد الرفع إليه، أما قبله فيسقط الحد بالتوبة، حتى في قطاع الطريق سواء كان قبل جنايتهم عل نفس أو عضو أو مال أو كان بعد شئ من ذلك، كما سيأتي في بابه، وبه صرح في البحر هنا خلافا لما في النهر، نعم
(1) قوله: (تفريع على قوله تجب) هكذا بخطه بالمضارع، والذي في المتن: ويأتي له بعد ذلك وجب بالماضي والحطب سهل ا ه مصححه. 165 يبقى عليهم حق العبد من القصاص إن قتلوا، والضمان إن أخذوا المال، وقول البحر: والقطع إن أخذوا المال سبق قلم، وصوابه: والضمان. والحاصل أن بقاء حق العبد لا ينافي سقوط الحد، وكأنه في النهر توهم أن الباقي هو الحد وليس كذلك، فافهم، وفي البحر عن الظهيرية: رجل أتى بفاحشة ثم تاب وأناب إلى الله تعالى فإنه لا يعلم القاضي بفاحشته لإقامة الحد عليه، لان الستر مندوب إليه اه. وفي شرح الأشباه للبيري عن الجوهر: رجل شرب الخمر وزنى ثم تاب ولم يحد في الدنيا هل يحد له في الآخرة؟ قال: الحدود حقوق الله تعالى، إلا أنه تعلق بها حق الناس وهو الانزجار، فإذا تاب توبة نصوحا أرجو أن لا يحد في الآخرة، فإنه لا يكون أكثر من الكفر والردة، وإنه يزول بالاسلام والتوبة. قوله: (فلا تعزير حد) تعزير اسم لا مبني معها على الفتح، وحد خبرها، وكذا قوله: ولا قصاص حد وقدر الشارح خبرا للأول، لان الخبر المذكور مفرد لا يصلح خبرا لهما، لكنه مصدر للجنس فيصلح لهما، والخطب في ذلك سهل. ثم إن الأول مفرع على قوله: مقدرة، والثاني على قوله وجبت حقا لله تعالى. وقوله: لعدم تقديره أي تقدير التعزير: أي كل أنواعه، لان المقدر بعضها وهو الضرب، على أن الضرب وإن كان أقله ثلاثة وأكثره تسعة وثلاثون، لكن ما بين الأقل والأكثر ليس بمقدر كما أفاده في البحر. مطلب: أحكام الزنا قوله: (والزنا) بالقصر في لغة أهل الحجاز فيكتب بالياء، وبالمد فلغة أهل نجد فيكتب بالألف. بدأ بالكلام عليه لأنه لصيانة النسل فكان راجعا إلى الوجود وهو الأصل، ولكثرة وقوع سببه مع قطيعته، بخلاف السرقة فإنها لا تكثر كثرته، والشرب وإن كثر فليس حده بتلك القطعية. نهر وفتح. مطلب: الزنا شرعا لا يختص بما يوجب الحد بل أعم قوله: (الموجب للحد) قيد به لان الزنا في اللغة والشرع بمعنى واحد، وهو وطئ الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهته، فإن الشرع لم يخص اسم الزنا بما يوجب الحد بل بما هو أعم، والموجب للحد بعض أنواعه. ولو وطئ جارية ابنه لا يحد للزنا ولا يحد قاذفه بالزنا، فدل على أن فعله زنا وإن كان لا يحد به، وتمامه في الفتح. وبه علم أن ما في الكنز وغيره من تعريف الزنا بما مر تعريف للشرعي الأعم، فلا يعترض عليه بترك القيود التي ذكرها المصنف هنا، لأنه تعريف للأخص الموجب للحد، على أن القيود المذكورة خارجة عن الماهية لأنها شروط لاجراء الحكم كما في النهر. تأمل. قوله: (قدر حشفة) أي حشفة أو قدرها ممن كان مقطوعها، لكن صرح بالخفي وسكت عن الظاهر لعلمه بالأولى اختصارا، أو أقحم لفظ قدر لإفادة التعميم لا للاحتراز عن نفس الحشفة، فإيلاج بعضها غير موجب للحد لأنه ليس وطئا، ولذا لم يوجب الغسل ولم يفسد الحج كما في الجوهرة، وأشار بسكوته عن الانزال إلى أنه غير شرط. قوله: (مكلف) أي عاقل بالغ، ولم يقل مسلم لأنه غير شرط في حق الجلد. قوله: (مطلقا) سواء ثبت عليه بإقراره
166 بالإشارة أو ببينة كما في البحر وغيره. قوله: (لا بالبرهان) ذكر ابن الشحنة في شرح الوهبانية أنه رآه في نسخته الخانية، وذكر أن المصنف: يعني ابن وهبان خص ذلك بالأخرس. أقول: الذي رأيته في نسختين من الخانية هكذا: ولو أقر الأخرس بالزنا أربع مرات في كتاب كتبه أو إشارة لا يحد، ولو شهد عليه الشهود بالزنا لا تقبل. الأعمى إذا أقر بالزنا فهو بمنزلة البصير في حكم الاقرار اه، فقوله: ولو شهد عليه الشهود الخ، إنما ذكره في الأخرس لا في الأعمى، خلافا لما رآه ابن الشحنة في نسخته فإنه غلط، لقول الفتح والبحر: بخلاف الأعمى صح إقراره والشهادة عليه، ومثله في التتارخانية عن المضمرات، وبه جزم في شرح الوهبانية للشرنبلالي وشرح الكنز للمقدسي. قوله: (في قبل) متعلق بوطئ. قوله: (أو ماضيا) أدخل به العجوز الشوهاء فإنها وإن لم تكن مشتهاة في الحال لكنها كانت مشتهاة فيما مضى. قوله: (خرج المكره) أي بقيد طائع والدبر بقيد قبل، وهذا بناء على قول الإمام من أنه لا حد باللواطة، أما على قولهما من أنه يحد بفعل ذلك في الأجانب فيدخل في الزنا، وسيأتي في الباب الآتي. قوله: (ونحو الصغيرة) هو الميتة والبهيمة ح. وهذا خرج بقيد مشتهاة، والمراد الصغيرة ونحوها، فإقحام لفظ نحو لقصد التعميم كما مر آنفا ونظيره على أحد الاحتمالات قولهم: مثلك لا يبخل. قوله: (خال عن ملكه) أي ملك يمينه وملك نكاحه، وهو صفة لقبل ط. أو صفة لوطئ. قوله: (وشبهته) أي شبهة ملك اليمين وملك النكاح. فالأولى كوطئ جارية مكاتبة أو عبده المأذون المديون، أو جارية المغنم بعد الاحراز بدارنا في حق الغازي. والثانية كتزوج امرأة بلا شهود أو أمة بلا إذن مولاها، أو تزوج العبد بلا إذن مولاه، حموي عن المفتاح ط. قوله: (أي في المحل) ويقال لها شبهة حكمية كوطئ جارية ابنه ط. قوله: (لا في الفعل) وتسمى شبهة اشتباه كوطئ معتدة الثلاث. وحاصله أن شرط كون الوطئ زنا خلوه عن شبهة المحل لأنها توجب نفي الحد وإن لم يظن حله، بخلاف شبهة الفعل فإنها لا تنفيه مطلقا، بل إن ظن الحل، أما إن لم يظنه فلا، ولذا خصص الأولى بالإرادة مع أنه لو أريد خلوه عما يعم شبهة الفعل بقيد ظن الحل فيها صح أيضا. أفاده السيد أبو السعود. قوله: (في دار الاسلام) مفعول زاد، وهذا القيد يومئ إليه قولهم وأين هو، وكذا قولهم في الباب الآتي: لا حد بالزنا في دار الحرب والبغي. وعليه فكان الأولى أن يقول: في دار العدل، ليخرج دار البغي أيضا، وهذا إذا لم يزن داخل العسكر الذي فيه السلطان أو نائبه المأذون له بإقامة الحد، وإلا فإنه يحد كما سيأتي هناك. قوله: (أو تمكينه) بالرفع عطف على وطئ وأو للتقسيم والتنويع، واسم الإشارة للوطئ ط. قوله: (فقعدت على ذكره) أي واستدخلته بنفسها. قوله: (أو تمكينها) لما كانت المرأة تحد حد الزنا وقد سماها الله تعالى زانية في قوله: * (الزانية والزاني) * (سورة النور: الآية 2) علم أنها تسمى زانية حقيقة، ولا يلزم من كونها لا تسمى واطئة أنها زانية مجازا، فلذا زاد في التعريف تمكينها حتى يدخل فعلها في المعرف وهو الزنا الموجب للحد، فلو لم يكن تمكينها زنا حقيقة لما احتيج إلى إدخاله في التعريف، وهو أيضا أمارة كونها زانية حقيقة وإن لم
167 تكن واطئة، كما أن الرجل يسمى زانيا حقيقة بالتمكين وإن لم يوجد منه الوطئ حقيقة، وبه سقط ما في البحر من أن تسميتها زانية مجاز، فافهم. قوله: (فتم التعريف) تعريض بصاحب الكنز وغيره حيث عرفوه بالتعريف الأعم، وتقدم جوابه. تأمل. قوله: (وزاد في المحيط الخ) حيث قال: إن من شرائطه العلم بالتحريم، حتى لو لم يعلم بالحرمة لم يجب الحد للشبهة. وأصله ما روى سعيد بن المسيب أن رجلا زنى باليمن فكتب في ذلك عمر رضي الله تعالى عنه: أن الله حرم الزنا فاجلدوه، وإن كان لا يعلم فعلموه، فإن عاد فاجلدوه، ولان الحكم في الشرعيات لا يثبت إلا بعد العلم، فإن كان الشيوع والاستفاضة في دار الاسلام أقيم مقام العلم، ولكن لا أقل من إيراث شبهة لعدم التبليغ اه. وبه علم أن الكون في دار الاسلام لا يقوم مقام العلم في وجوب الحد كما هو قائم مقامه في الاحكام كلها. ح عن البحر. قوله: (ورده في فتح القدير) أي في الباب الآتي بأن الزنا حرام في جميع الأديان والملل، فالحربي إذا دخل دار الاسلام فأسلم فزنى وقال ظننت أنه حلال يحد ولا يلتفت إليه، وإن كان فعله أول يوم دخوله فكيف يقال إذا ادعى مسلم أصلي أنه لا يعلم حرمة الزنا لا يحد لانتفاء شرط الحد اه. وأقره في البحر والنهر والمنح والمقدسي والشرنبلالي. ونازع فيه ط بما مر عن عمر وبأن الحرمة الثابتة في كل ملة لا تنافي أن بعض الناس يجهلها. كيف والباب تقبل فيه الشبهات. وأما مسألة الحربي فلعلها على قول من لا يشترط العلم اه. قلت: وكذا نازع فيه المحقق ابن أمير حاج في آخر شرحه على التحرير في بحث الجهل حيث قال بعد نقله ما مر عن المحيط: غير أن ظاهر قول المبسوط عقب هذا الأثر: فقد جعل ظن الحل في ذلك الوقت شبهة لعدم اشتهار الاحكام، يشير إلى أن هذا الظن في هذا الزمان لا يكون شبهة معتبرة لاشتهار الاحكام فيه، ولكن هذا إنما يكون مفيدا للعلم بالنسبة إلى الناشئ في دار الاسلام، والمسلم المهاجر المقيم بها مدة يطلع فيها على ذلك، فأما المسلم المهاجر الواقع منه ذلك في فور دخوله فلا. وقد قال المصنف: يعني الكمال في شرح الهداية: ونقل في اشتراط العلم بحرمة الزنا إجماع الفقهاء، وهو مفيد أن جهله يكون عذرا، وإذا لم يكن عذرا بعد الاسلام ولا قبله فمتى يتحقق كونه عذرا؟ وحينئذ فالفرع المذكور: أي فرع الحربي هو المشكل فليتأمل اه. قلت: قد يجاب بأن العلم بالحرمة شرط فيمن ادعى الجهل بها وظهر عليه أمارة ذلك، بأن نشأ وحده في شاهق أو بين قوم جهال مثله لا يعلمون تحريمه أو يعتقدون إباحته، إذ لا ينكر وجود ذلك، فمن زنى وهو كذلك في فور دخوله دارنا لا شك في أنه لا يحد، إذ التكليف بالأحكام فرع العلم بها، وعلى هذا يحل ما في المحيط. وما ذكر من نقل الاجماع بخلاف من نشأ في دار الاسلام بين المسلمين أو في دار أهل الحرب المعتقدين حرمته ثم دخل دارنا فإنه إذا زنى يحد ولا يقبل اعتذاره بالجهل. وعليه يحمل فرع الحربي ويزول عنه الاشكال، وهو أيضا محمل كلام الكمال، وبه يحصل التوفيق، وهو أولى من شق العصا والتفريق، هذا ما ظهر لي، والله سبحانه وتعالى أعلم. قوله: (ويثبت) أي الزنا عند القاضي، أما ثبوته في نفسه فبإيجاد الانسان له لأنه فعل حسي. نهر.
168 قوله: (رجال) لأنه لا مدخل لشهادة النساء في الحدود، وقيد بذلك من إدخال التاء في العدد كما هو الواقع في النصوص. قول: (فلو جاؤوا متفرقين حدوا) أي حد القذف، ولو جاؤوا فرادى وقعدوا مقعد الشهود وقام إلى القاضي واحد بعد واحد قبلت شهادتهم، وإن كانوا خارج المسجد حدوا جميعا. بحر عن الظهيرية. وعبر بالمسجد لأنه محل جلوس القاضي: يعني أن اجتماعهم يعتبر في مجلس القاضي لا خارجه، فلو اجتمعوا خارجه ودخلوا عليه واحدا فهم متفرقون فيحدون. قوله: (بلفظ الزنا) متعلق بشهادة، فلو شهد رجلان أنه زنى وآخران أنه أقر بالزنا لم يحد، ولا تحد الشهود أيضا إلا إذا شهد ثلاثة بالزنا والرابع بالاقرار به فتحد الثلاثة. ظهيرية. لان شهادة الواحد بالاقرار لا تعتبر فبقي كلام الثلاثة قذفا. بحر. قوله: (لا مجرد لفظ الوطئ والجماع) لان لفظ الزنا هو الدال على فعل الحرام دونهما، فلو شهدوا أنه وطئها وطئا محرما لا يثبت. بحر: أي إلا إذا قال وطئا هو زنا. والظاهر أنه يكفي صريحه من أي لسان كان كما صرح به في الشرنبلالية في حد القذف، فإنه يشترط فيه صريح الزنا كما هنا. تأمل. قوله: (وظاهر الدرر الخ) ونصها: أي بشهادة ملتبسة بلفظ الزنا لأنه الدال على فعل الحرام أو ما يفيد معناه، وسيأتي بيانه اه. ولا يخفى أنها محتملة أن يكون قوله: أو ما يفيد معناه عطفا على الضمير في قوله: لأنه الدال يعني أن الدال على فعل الحرام لفظ الزنا أو ما يفيد معناه، وليس ذلك صريحا في أن ما يفيد معناه تصح الشهادة به نعم ظاهر العبارة عطفه على لفظ الزنا، لكن قوله: وسيأتي بيانه أراد به كما قاله بعض المحشين ما ذكره في التعزير من أن حد القذف يجب بصريح الزنا أو بما هو في حكمه بأن يدل عليه اللفظ اقتضاء كقوله في غضب: لست لأبيك أو بابن فلان أبيه اه. وأنت خبير بأن هذا لا يتأتى هنا، فهذا يؤيد ما قلنا من العطف على الضمير، فافهم. ثم إنه لو لم يبينه بما ذكر في التعزير أمكن حمله على أن المراد به ما كان صريحا فهي من لغة أخرى، فافهم. قوله: (لأنه يدفع اللغات عن نفسه) بيان للتهمة، وعليه لو كان قذف أحدهم الرجل لم تقبل شهادته لما ذكر في الزوج. أفاده في البحر. قوله: (ويسقط نصف المهر) أي يسقط الزوج بهذه الشهادة لتضمنها مجئ الفرقة من قبلها حيث كانت مطاوعة لولده، وأما بعد الدخول فلا يسقط شئ من المهر بمطاوعتها له، بل تسقط النفقة لنشوزها. قوله: (ظهيرية) ومثله في البحر عن المحيط بزيادة: وتحد الثلاثة ولا يحد الزوج. قوله: (فيسألهم الامام الخ) أي وجوبا. وقال قاضيخان: ينبغي أن يسألهم. در منتقى. والظاهر أن ينبغي بمعنى يجب، لان هذا البيان شرط لإقامة الحد. قال في الفتح بعدما صرح بالوجوب: ولو سألهم فلم يزيدوا على قولهم إنهما زنيا لا يحد المشهود عليه ولا الشهود، وتمامه فيه. قوله: (أي عن ذاته وهو الايلاج) تفسير للماهية المعبر عنها بما هو، وظاهر كلامهم أنه ليس المراد بالماهية الحقيقية الشرعية المارة كما في البحر، لكن ذكر في الفتح فائدة سؤاله عن الماهية أن الشاهد عساه يظن أن مماسة الفرجين حرام: زنا، أو أن كل وطئ محرم زنا يوجب الحد فيشهد بالزنا.
169 قال في النهر: وهو ظاهر في أن المراد بماهيته حقيقته الشرعية، إلا أن هذا يستلزم الاستغناء عن الكيفية والمكان لتضمن التعريف ذلك، فهو من عطف الخاص على العام اه. قلت: الاستغناء مدفوع، لان الماهية بيان حقيقة الزنا من حيث هو، وأما الكيفية والمكان وغيرهما فهي في هذا الزنا: الزنا الخاص المشهود به، فيسألهم عن ذلك ليعلم أن هذا الخاص تحققت فيه الماهية الشرعية احتياطا في درء الحد، فتدبر. قوله: (لجواز كونه مكرها الخ) بيان لقوله: وكيف هو على طريق الترتيب والأولى أن يقول بإكراه لان الضمير عائد على الزنا، لأنه المسؤول عنه لا على الزاني. قوله: (أو في صباه) وكذا يحتمل أن يكون بعد بلوغه، لكن في زمان متقادم كما في الفتح وغيره، وسيأتي حد التقادم. قوله: (أو بأمة ابنه) أي ونحوها ممن لا يحد بوطئها كأمته وزوجته. قال في الفتح: وقياسه في الشهادة على زنا المرأة أن يسألهم عمن زنى بها من هو للاحتمال المذكور، وزيادة كونه صبيا أو مجنونا فإنه لا حد عليها فيه عند الامام. قوله: (هو زيادة بيان) أي لأنه يغني عنه بيان الماهية، مع أن ظاهر كلامهم أن الحكم موقوف على بيانه كما في البحر، وأشار إلى أن الضمير في بينوه عائد إلى المذكور من الأوجه المسؤول عنها، كما يؤخذ من عبارة القدوري، خلافا لما في بعض الشروح من أن قوله: وقالوا الخ بيان لقوله: وبينوه لأنه بمجرد القول المذكور لا يتم البيان كما في النهر. قوله: (وعدلوا سرا وعلنا) السر بأن يبعث القاضي ورقة فيها أسماؤهم وأسماء محلتهم على وجه يتميز به كل واحد منهم لمن يعرفه، فيكتب تحت اسمه: هو عدل مقبول الشهادة. والعلانية بأن يجمع القاضي بين المزكي والشاهد ويقول: هذا الذي زكيته: يعني سرا، ولم يكتف هنا بظاهر العدالة اتفاقا، بأن يقال: هو مسلم ليس بظاهر الفسق، احتيالا للدرء، بخلاف سائر الحقوق عند الامام. قالوا: ويحبسه هنا حتى يسأل عن الشهود بطريق التعزير، بخلاف الديون فإنه لا يحبس فيها قبل ظهور العدالة، وتمامه في البحر. واعترضه بأنه يلزم الجمع بين الحد والتعزير. قلت: وفيه نظر لأنه بهذه الشهادة صار متهما، والمتهم يعزر، والحد لم يثبت بعد، على أنه لا مانع من اجتماعهما بدليل ما يأتي من أنه لا يجمع بين جلد ونفي إلا سياسة وتعزيرا، فتدبر. قوله: (إذا لم يعلم بحالهم) أما لو علم عدالتهم لا يلزمه السؤال، لان علمه أقوى من الحاصل له من المزكى، ولولا إهدار الشرع إقامة الحد بعلمه لكان يحده بعلمه كما في الفتح، قيل: والاكتفاء بعلم هنا مبني على أنه يقضي بعلمه، وهو خلاف المفتى به. قال ط: وفيه أن القضاء هنا بالشهادة لا بعلمه بالعدالة، فتأمل. قوله: (حكم به) أي بالحد، وهذا إذا لم يقر المشهود عليه كما يأتي. قوله: (ما لم يكن متهتكا) من هتك زيد الستر هتكا من باب ضرب: خرقه، وهتك الله ستر الفاجر: فضحه. مصباح. قال في الفتح بعد سوقه الأحاديث الدالة على ندب الستر: وإذا كان الستر مندوبا إليه ينبغي أن تكون الشهادة به خلاف الأولى التي مرجعها إلى كراهة التنزيه، وهذا يجب أن يكون بالنسبة إلى من لم يعتده ولم يتهتك به، وإلا وجب كون الشهادة أولى، لان مطلوب الشارع إخلاء الأرض من المعاصي والفواحش، بخلاف من زنى مرة أو مرارا متسترا متخوفا اه.
170 بقي لو كان أحدهما متهتكا دون الآخر، وظاهر التعليل المذكور أن الشهادة ملخصا أولى، لان درء المفاسد مقدم. تأمل. قوله: (ويثبت أيضا بإقراره) عطف على قوله: ويثبت بشهادة أربعة وقدم الأول لأنه المذكور في القرآن، ولان الثابت بها أقوى حتى لا يندفع الحد بالفرار ولا بالتقادم، ولأنها حجة متعدية الاقرار قاصرة. كذا في الفتح والبحر، لكن قوله: ولا بالتقادم، مخالف لما قدمناه، ولما سيأتي في باب الشهادة على الزنا. ثم رأيت الرملي نبه على ذلك في حاشية المنح فقال: المقرر أن التقادم يمنعها دون الفرار، وكما يمنع التقادم قبولها في الابتداء فكذا يمنع الإقامة بعد القضاء. قوله: (صريحا) أخرج به إقرار الأخرس بكتابة أو إشارة فلا يحد للشبهة بعدم الصراحة بخلاف الأعمى فإنه يصح إقراره والشهادة عليه. بحر. وقد مر. قوله: (صاحيا) احتراز عن السكر كما يأتي. قوله: (ولم يكذبه الآخر) فلو أقر بالزنا بفلانة فكذبته درئ الحد عنه سواء قالت تزوجني أو لا أعرفه أصلا، وعليه المهر إن ادعته المرأة، وإن أقرت الزنا بفلان فكذبها فلا حد عليها أيضا عنده، خلافا لهما في المسألتين. بحر. قوله: (أو رتقها) بأن تخبر النساء بأنها رتقاء قبل الحد، لان إخبارهن بالرتق يوجب شبهة في شهادة الشهود. بحر. قوله: (لجواز إبداء ما يسقط الحد) أي من الخرساء أو الأخرس على تقدير عدم الخرس واستشكل ما لو أقر أنه زنى بغائبة فإنه يحد قبل حضورها مع احتمال أن الخرس تذكر مسقطا عنه وعنها إذا حضرت فيحتاج إلى الفرق. قلت: يؤخذ جوابه مما في الجوهرة من أن القياس عدم الحد في الثانية لجواز أن تحضر فتجحد فتدعي حد القذف أو تدعي نكاحها فتطلب المهر، وفي حده إبطال حقها، والاستحسان أن يحد لحديث ماعز، فإنه حد مع غيبة المرأة اه. والحاصل أن القياس عدم الفرق بين المسألتين، ولكنه حد في الثانية على خلاف القياس للحديث، وهذا أولى مما أجاب به بعضهم من أن الزيلعي علل الثانية بأن حضور الغائبة ودعواها النكاح شبهة، واحتمال ذلك يكون شبهة الشبهة، والمعتبر هو الشبهة دون شبهة الشبهة، لما أورد عليه من أنه في المسألة الأولى كذلك. قلت: وقد يفرق بينهما بأن نفس الخرس شبهة محققة مانعة، بخلاف الغيبة، ولذا لو أقر بالزنا بمن لا يعرفها فإنه يحد. قال في الفتح: لأنه أقر بالزنا ولم يذكر مسقطا، لان الانسان لا يجهل زوجته وأمته اه. فعلم أن الغائبة إنما حد فيها لأنه لم يبد مسقطا، بخلاف الخرساء فإن الخرس نفسه مسقط للعلة المذكورة. قوله: (في حال سكره) متعلق بأقر. قوله: (ولو سرق أو زنى) أي في حال سكره وثبت ذلك بالبينة. قوله: (لان الانشاء) أي إنشاء الزنا أو السرقة المعاين للشهود في حال سكره لا يحتمل التكذيب فيحد، بخلاف إقراره بذلك في حال سكره. قوله: (أربعا في مجالسه) ولو
171 كل شهر مرة، أما لو أقر أربعا في مجلس واحد كان بمنزلة إقرار واحد كما في النهر. قوله: (أي المقر) وقيل مجالس القاضي، والأول أصح. وفسر محمد تفرق المجلس بأن يذهب المقر عنه بحيث يتوارى عن بصر القاضي. وظاهر قوله في الهداية: لا بد من اختلاف المجالس، وهو أن يرده القاضي كلما أقر فيذهب حتى لا يراه أن اختلاف المجالس لا يكون إلا برده. نهر. قوله: (كلما أقر رده) فيتسامح كما قال صدر الشريعة، لأنه في الرابعة لا يرده، ومن ثم قال في الاصلاح: إلا الرابعة. نهر. قوله: (سأله كما مر) أي سؤالا مماثلا لما مر، وهذا السؤال بعد الرابعة كما في الكافي، وذكر أنه يسأل عن عقله وعن إحصانه. قوله: (حتى عن المزني بها الخ) سقط لفظ حتى من بعض النسخ، ولا بد منه لان مراده إفادة أنه لابد من السؤال عن الخمسة المارة، وصرح بالمزني بها ردا على ابن الكمال حيث قال: لك أن تقول إنه لا حاجة إليه، لكن كان عليه التصريح بالزمان أيضا، لأنه قيل لا يلزم لان التقادم يمنع الشهادة دون الاقرار، ورد بأن فائدته احتمال أنه زنى في حال صباه. قوله: (فلا يثبت الخ) تفريع على ما فهم من حصر ثبوته بأحد شيئين: الشهادة بالزنا أو الاقرار به، وقوله: ولا بالبينة على الاقرار بيان لفائدة تقييد الشهادة بأن تكون على الزنا. ووجهه كما في الزيلعي أنه إن كان منكرا فقد رجع، وإن كان مقرا لا تعتبر الشهادة مع الاقرار. قوله: (ولو قضى بالبينة) أي البينة على الزنا لا على الاقرار. قوله: (فأقر مرة) أو مرتين. نهر. والظاهر أن الثلاث كذلك، وقيد بما بعد القضاء، لأنه لو أقر قبله يسقط الحد بالاتفاق كما صرح به في الفتح، وظاهره ولو أقر مرة واحدة. قوله: (لم يحد) أي خلافا لمحمد، لان شرط الشهادة عدم الاقرار ففات الشرط قبل العمل بها، لان الامضاء من القضاء في الحدود كما يأتي فصار كالأول، وهو ما لو أقر قبل القضاء كما في الفتح، ثم إذا لم يكمل نصاب الاقرار الموجب للحد فلا يحد. قوله: (بطلت الشهادة) أي وصار الحكم للاقرار فيعامل بموجبه لا بموجب الشهادة. قوله: (بخلاف الشهادة) أي بخلاف ما لو ثبت زناه بالشهادة فهرب في حال الرجم فإنه يتبع بالحجارة حتى يؤتى عليه. بحر عن الحاوي. وسيأتي أنه لو هرب بعد ما ضرب بعد الحد ثم أخذ بعد ما تقادم الزمان لا يقام. قوله: (وإنكار الاقرار رجوع) أي إذا قال بعد ما أقر أربعا وأمر القاضي برجمه: والله ما أقررت بشئ فإنه يدرأ عنه الحد. خانية. وهذا مكرر مع قوله: ويخلى سبيله إن رجع إلخ إلا أن يفسر ذاك بقوله: رجعت عما أقررت به. تأمل. قوله: (كما سيجئ) أي في بابها. قوله: (وكذا يصح الرجوع الخ) أي فلا يحد، وهذا إذا لم تقم البينة على إحصانه، وإلا فيحد كما يأتي متنا قبيل حد الشرب. قوله: (لعدم المكذب) أي لأنه خبر محتمل للصدق كالاقرار ولا مكذب له فيه فتحقق
172 الشبهة في الاقرار، بخلاف ما فيه حق العبد وهو القصاص وحد القذف لوجود من يكذبه. بحر. قوله: (كحد شرب وسرقة) فإنه يسقط بالرجوع عن الاقرار بهما كما سيأتي في بابيهما. قوله: (وإن ضمن المال) لأنه حق العبد، فلا يسقط بعد إقراره بسرقته. قوله: (لحديث ماعز) هو ابن مالك الأسلمي المروي في البخاري، فإنه فيه تلقينه بما ذكر. قال في الأصل: ينبغي أن يقول له لعلك تزوجتها أو وطئتها بشبهة، والمقصود أن يلقنه ما يكون ذكره دارئا ليذكره أيا ما كان. بحر وفتح. قوله: (بلا بينة) متعلق بادعى. قال في البحر: ولا يكلف إقامة البينة كما لو ادعى السارق العين أنها ملكه سقط القطع بمجرد دعواه، ولهذه المسألة أخوات سنذكرها في الباب الآتي. قوله: (لا يسقط في الأصح) أي إذا ثبت زناه بالبينة، وكذا لو بالاقرار إذا لم يتقادم، وستأتي هذه المسألة آخر الباب الآتي. قوله: (ويرجم محصن) بفتح الصاد، من أحصن: إذا تزوج، وهي مما جاء اسم فاعله على لفظ اسم المفعول، ومنه أسهب فهو مسهب: إذا أطال في الكلام، وألفج بالفاء والجيم فهو ملفج: إذا افتقر. فتح مخلصا. قوله: (في فضاء) هو المكان الواسع لأنه أمكن في رجمه ولئلا يصيب بعضهم بعضا. نهر. قوله: (حتى يموت) أشار إلى أنه لا بأس لكل من رمى أن يتعمد مقتله لأنه واجب القتل، إلا أن يكون ذا رحم منه، فإن الأولى أن لا يتعمده لأنه نوع من قطيعة الرحم. قهستاني، ويأتي تمامه. قوله: (فهدر) أي لا قصاص فيه لو عمدا، ولا دية لو خطأ. قوله: (وينبغي الخ) صرح به في الفتح في باب الشهادة على الزنا. قوله: (لا فتياته) افتعال من فات يفوت فوتا وفواتا. قال في المصباح: وفاته فلان بذراع سبقه بها، ومنه قيل افتات فلان افتياتا إذا سبق بفعل شئ واستبد برأيه ولم يؤامر فيه من هو أحق منه بالامر فيه. قوله: (والشرط بداءة الشهود به) أي بالرجم، لأنهم قد يتجاسرون على الأداء ثم يستعظمون المباشرة فيرجعون وفيه احتيال للدرر كما في المحيط. قهستاني. قوله: (أو قطعوا بعد الشهادة) وكذا لو مرضوا بعدها قيد به، لأنهم لو قطعوا قبلها رمى القاضي بحضرتهم، لأنهم إذا كانوا مقطوعي الأيدي لم تستحق البداءة بهم وإن قطعت بعدها فقد استحقت، وهذا يفيد أن كون البداءة بهم شرطا إنما هو عند قدرتهم على الرجم. بحر وفتح. والمراد القطع بلا جناية مفسقة وإلا خرجوا عن الأهلية. قوله: (ولا يحدون في
173 الأصح) لان امتناعهم ليس صريحا في رجوعهم وإن كان ظاهرا فيه لامتناع بعض الناس من ذبح الحيوان الحلال، وتمامه في الفتح. ولا يخفى أن هذا راجع لقوله: فإن أبوا أما في الموت والغيبة فلا شبهة في أنهم لا يحدون، وإنما سقط الرجم لاحتمال رجوعهم لو حضروا. قوله: (أو قذف) أي إذا حد به كما قيده في الفتح. قوله: (لان الامضاء من القضاء) أي إمضاء الحد وإيقاعه بالفعل من القضاء، فإذا لم يمضه ثم حصل مانع من العمل أو الشهادة بعد ثبوتها فكأنه لم يحصل القضاء بها أصلا. ط. قوله: (كما في الحاكم) أي الحاكم الشهيد: أي كتابه الكافي. والظاهر أن الميم في كما زائدة، والأصل كافي الحاكم وهو كذلك في بعض النسخ. قال في الفتح: وفي غير المحصن. قال الحاكم في الكافي: يقام عليه الحد في الموت والغيبة اه: أي موت الشهود وغيبتهم، وبه سقط ما قيل إن المراد كما في الحاكم: أي كما يحد لو مات الحاكم أو غاب، وكيف يصح ذلك مع أن الامضاء من القضاء كما سمعت، ولذا قال في الكافي: وإذا حكم الحاكم بالرجم ثم عزل قبل أن يرجمه وولى غيره لم يحكم بذلك اه. فافهم. قوله: (ثم الامام) استظهارا في حقه، فربما يرى في الشهود ما يوجب درء الحد اه. جوهرة. قوله: (قاله ابن الكمال) لم ينقله ابن الكمال عن أحد، وهو محتاج إلى النقل، فإنه خلاف ظاهر المتون. قوله: (وما نقله المصنف عن الكمال رده في النهر) يأتي بيان ذلك قريبا. قوله: (أفاد في النهر الخ) حيث قال: وفي الدراية: يستحب للامام أن يأمر طائفة من المسلمين أن يحضروا لإقامة الحدود. واختلفوا في عددها، فعن ابن عباس واحد. وقال عطاء اثنان. والزهري ثلاثة. والحسن البصري عشرة اه. وهذا صريح في أن حصورهم ليس شرطا فرميهم كذلك، فلو امتنعوا لم يسقط اه. قلت: وفيه نظر، فإن هذا ذكروه تفسيرا للطائفة في قوله تعالى: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * (سورة النور: الآية 2) والواقع في الآية الجلد لا الرجم، ولو سلم فالمراد أنه إذا كان عند الامام من يرجمه ينبغي له أن يأمر غيرهم بأن يحضروا، لما قالوا من أن مبنى الحد على التشهير، فالمراد بالناس من يباشر الرجم وحضورهم لا بد منه وإلا لزم فوات الرجم أصلا فيأثم الجميع. قوله: (ويبدأ الامام لو مقرا) أي يبدأ الامام بالرجم لو كان الزاني مقرا وثبت بإقراره، لقول علي رضي الله تعالى عنه: أيها الناس إن الزنا زناءان: زنا السر وزنا العلانية. فزنا السر أن يشهد الشهود فيكون الشهود أول من يرمي ثم الامام ثم الناس. وزنا العلانية أن يظهر الحبل أو الاعتراف فيكون الامام أول من يرمي، وتمامه في الفتح. قوله: (مقتضاه الخ) قال في الفتح: واعلم أن مقتضى هذا أنه لو امتنع الامام لا يحل للقوم رجمه ولو أمرهم لعلمهم بفوات شرط الرجم، وهو منتف برجم ماعز للقطع بأنه عليه الصلاة والسلام لم يحضره.
174 ويمكن الجواب بأن حقيقة ما دل عليه قول علي هو أنه يجب على الامام أمر الشهود بالابتداء احتيالا لثبوت دلالة الرجوع وعدمه، وأن يبتدئ هو في صورة الاقرار لينكشف للناس عدم تساهله في بعض شروط القضاء والحد، فإذا امتنع ظهرت أمارة الرجوع وامتنع الحد لظهور الشبهة، وهذا منتف في حقه عليه الصلاة والسلام، فلم يكن عدم رجمه دليلا على سقوط الحد، ومقتضى ما ذكر أنه لو بدأ الشهود فيما إذا ثبت بالشهادة يجب أن يثني الامام، فلو لم يثن سقط الحد لاتحاد المأخذ فيهما اه. ملخصا. وقوله ومقتضى ما ذكر الخ، هو الذي نقله المصنف عن الكمال. ورده في النهر بأنه إنما يتم لو سلم وجوب حضور الامام كالشهود وهو غير لازم كما في إيضاح الاصلاح لابن كمال. قلت: ما ذكره ابن كمال لم يعزه لاحد كما مر، وما ذكره المحقق صاحب الفتح هو ظاهر المتون والدليل، فلا يعدل عنه إلا بنقل صريح معتبر. ثم رأيت في الذخيرة ما نصه: تجب البداءة من الشهود ثم من الامام ثم من الناس، فافهم. قوله: (لكن سيجئ الخ) أي في كتاب القضاء. وهذا الاستدراك في غير محله، لأنه ليس في ذلك أن القاضي امتنع من البداءة بالرجم، بل المراد أن الحاكم إذا ثبت عنده الحد بالحجة: أي بالبينة أو الاقرار وأمر الناس بالرجم لهم أن يرجموا بالشرط المتقدم وإن لم يحضروا مجلس الحكم ولم يعاينوا الحجة. وقيل لا، لفساد الزمان. قال في غرر الأذكار: والأحسن التفصيل بأن القاضي إذا كان عالما عادلا وجب ائتماره بلا تفحص، وإن كان عادلا لا جاهلا سئل عن كيفية قضائه، فإذا أخبر بما يوافق الشرع يؤتمر قوله، وإن كان ظالما لا يقبل قوله عالما كان أو جاهلا اه. قوله: (ويكره للمحرم الرجم) كذا في البحر عن المحيط. وفيه عن الزيلعي وغيره أنه لا يقصد مقتله، فإن بغيره كفاية، وظاهره أنه إذا لم يقصد مقتلا لا يكره كما يفيد ما قدمناه عن القهستاني أيضا، ثم إن محل الكراهة إذا لم يكن المحرم شاهدا. ففي الجوهرة: لو شهد أربعة على أبيهم بالزنا وجب عليهم أنم يبتدئوا بالرجم، وكذا الاخوة وذو الرحم. ويستحب أن لا يتعمدوا مقتلا، وأما ابن العم فلا بأس أن يتعمد مقتله لان رحمه لم يكمل فأشبه الأجنبي. وقوله يستحب الخ يفيد أن الكراهة تنزيهية تأمل. قوله: (وإن فعل لا يحرم الميراث) نص عليه في كافي الحاكم. قال في الجوهرة ولو شهد على أبيه بالزنا أو بالقصاص لم يحرم الميراث. قوله: (وصح أنه عليه الصلاة والسلام صلى على الغامدية) أخرجه الستة إلا البخاري. وأما أنه صلى على ماعز ففيه تعارض، وتمامه في الفتح. قوله: (بدلالة النص) هو قوله تعالى: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * (سورة النساء: الآية 52) نزلت في الإماء. وإذا ثبت فيهن للرق ثبت في الذكور الأرقاء دلالة، إذ لا يشترط فيها أولوية المسكوت عنه بالحكم بل تكفي المساواة. نهر. قوله: (وذكر الزيلعي الخ) فيكون دخول الذكور ثابتا بعبارة النص لا بدلالته. قوله: (لكنه عكس القاعدة) وهي تغليب الذكور على الإناث. ووجه العكس هنا كما أفاده في الفتح هو
175 كون الداعية فيهن أقوى، ولذا قدمت الزانية على الزاني في الآية. قوله: (لقولهم ركنه) أي ركن الحد، وفيه تأمل. بل الظاهر أن الركون هو الضرب أو الرجم. تنبيه: في كافي الحاكم: يقام الحد على العبد إذا أقر بالزنا أو بغيره مما يوجبه وإن كان مولا غائبا وكذا في القطع والقصاص، وإن قال بعد عتقه زنيت وأنا عبد لزمه حد العبيد اه. قوله: (في الصحاح الخ) تفسير لما وقع في عبارة المتون كالقدوري والكنز وغيرهما بسوط لا ثمرة له، إشارة إلى أن ما ذكره المصنف هو المراد بالثمرة لأنه المشهور في الكتب كما قاله في معراج الدراية. ورجح في المغرب أن المراد بها ذنبه. وذكر في الفتح من رواية أنس أنه كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين حتى يلين ثم يضرب به فالمراد أن لا يضرب وفي طرفه يبس لأنه يجرح أو يبر، فكيف إذا كان فيه عقدة. والحاصل أنه يجتنب كل من الثمرة بمعنى العقدة، وبمعنى الفرع الذي يصير به ذنبين تعميما للمشترك في النفي، ولو تجوز بالثمرة فيما يشاكل العقد ليعم المجاز ما هو يابس الطرف على ما ذكرنا لكان أولى، فإنه لا يضرب بمثله حتى يدق رأسه فيصير متوسطا اه. ملخصا. قوله: (بين الجارح وغير المؤلم) بأن يكون مؤلما غير جارح، ولو كان المجلود ضعيف الخلقة فخيف هلاكه يجلد جلدا ضعيفا يحتمله. فتح. قوله: (وفرق جلده الخ) لان جمعه على عضو واحد قد يفسده، وضرب ما استثنى قد يؤدي إلى الهلاك حقيقة أو معنى بإفساد بعض الحواس الظاهرة أو الباطنة. قوله: (قيل وصدره الخ) قائله بعض المشايخ، وهو رواية عن أبي يوسف، وفيه نظر، بل الصدر من المحامل والضرب بالسوط المتوسط عددا يسيرا لا يقتل في البطن، فكيف بالصدر؟ نعم إذا فعل بالعصا كما يفعل في زماننا ببيوت الظلمة ينبغي أن لا يضرب البطن. فتح. قوله: (خمسين متوالية) قيد بالتوالي ليحصل بها الألم، ولذا: قال في الجوهرة أيضا: ولا يجوز أن يفرقه في كل يوم سوطا أو سوطين لأنه لا يحصل به الإيلام. قوله: (وقال علي رضي الله تعالى عنه) لفظه كما في الفتح عن مصنف عبد الرزاق يضرب الرجل قائما، والمرأة قاعدة في الحدود اه. فقوله: والتعازير الخ ليس منه. قوله: (غير ممدود على الأرض) لان مبنى الحد على التشهير زجرا للعامة والقيام أبلغ فيه، والمرأة مبني أمرها على الستر، وإن امتنع الرجل ولم يقف لا بأس بربطه بأسطوانة أو يمسك. فتح. قوله: (وكذا لا يمد السوط) أفاد أن قوله: غير ممدود يحتمل أن يعود إلى السوط أيضا: أي ضربا غير ممدود، ومد السوط فيه تفسيران: قيل بأن يرفعه الضارب فوق رأسه، وقيل أن يمده على جسد المضروب بعد وقوعه عليه وفيه زيادة ألم. قال في الفتح: وكل ذلك لا يفعل. فلفظ ممدود معمم في جميع معانيه لأنه في النفي فجاز تعميمه اه: أي في مد الرجل على الأرض ومد السوط بمعنييه،
176 وهذا بناء على مختار صاحب الهداية وشمس الأئمة في جواز تعميم المشترك في النفي، وكذا الجمع بين الحقيقة والمجاز في النفي، وهو خلاف المشهور في كتب الأصول كما بيناه في حواشينا على شرح المنار. قوله: (ولا يجوز الحفر له) لعله أخذ من قول الهداية وغيرها: إن الربط والامساك غير مشروع، وأما الحفر للمرأة فلكونه أستر لها. قلت: وينبغي تقييده بما لو ثبت الحد بالاقرار ليكون متمكنا من الرجوع بالهرب، بخلاف ما لو ثبت بالبينة. تأمل. قوله: (ولا يربط الخ) إلا إذا امتنع كما مر. قوله: (ولا جمع بين جلد ورجم) للقطع بأنه لم يجمع بينهما (ص)، ولان الجلد يعرى عن المقصود مع الرجم. فتح. قوله: (أي تغريب في البكر) أي في غير المحصن، وقوله عليه الصلاة والسلام: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام منسوخ كشطره الآخر، وقوله عليه الصلاة والسلام: والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة بحر. وتمام تحقيقه في الفتح. قوله: (وفسره) أي فسر النفي المروي في حديث آخر كرواية البخاري من قول أبي هريرة: إن رسول الله (ص) قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد. قوله: (وهو أحسن الخ) فيه أنه مخالف لروايات التغريب، وقولهم: إن في النفي فتح باب الفتنة لانفرادها عن العشيرة وعمن تستحي منه، ولقول علي: حسبهما من الفتنة أن ينفيا. وروى عبد الرزاق قال: غرب عمر رضي الله عنه ربيعة بن أمية بن خلف في الشراب إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر، فقال عمر: لا أغرب بعد مسلما، كما في الفتح، ولعل المراد أن فعل الحبس أحسن من فعل التغريب فليس المراد تفسير الوارد بذلك بقرينة التعليل، فتأمل. قوله: (لأنه يعود على موضوعه بالنقض) أي لان المقصود من إقامة الحد المنع عن الفساد وفي التغريب فتح باب الفساد كما علمت، ففيه نقض وإبطال للمقصود منه شرعا، فكأنه شبه المقصود الأصلي بالموضوع وهو محل العرض المختص به أو بموضوع العلم، وهو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية كبدن الانسان لعلم الطب. تأمل. مطلب: في الكلام على السياسة قوله: (إلا سياسة وتعزيرا) أي أنه ليس من الحد، ويؤيده ما قدمناه من حديث البخاري من عطف وإقامة حد على نفي عام كما أوضحه في الفتح. وفيه أيضا: لو غلب على ظن الإما مصلحة في التغريب تعزيرا فله أن يفعله، وهو محمل الواقع للنبي (ص)، وأصحابه كما غرب عمر نصر بن الحجاج لافتتان النساء بجماله، والجمال لا يوجب نفيا، وعلى هذا كثير من مشايخ السلوك المحققين رضي الله عنا بهم وحشرنا معهم يغربون المريد إذا بدا منه قوة نفس ولجاج لتنكسر نفسه وتلين، مثل هذا المريد أو من هو قريب منه هو الذي ينبغي أن يقع عليه رأي القاضي في التغريب، أما من لم يستح وله حال تشهد عليه بغلبة النفس فنفيه يوسع طرق الفساد ويسهلها عليه اه.
177 تنبيه: أشار كلام الفتح إلى أن السياسة لا تختص بالزنا، وهو ما عزاه الشارح إلى النهر. وفي القهستاني: السياسة لا تختص بالزنا بل تجوز في كل جناية، والرأي فيها إلى الامام على ما في الكافي، كقتل مبتدع يتوهم منه انتشار بدعته وإن لم يحكم بكفره كما في التمهيد، وهي مصدر ساس الوالي الرعية: أمرهم ونهاهم كما في القاموس وغيره، فالسياسة استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة، فهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كل منهم في ظاهره لا غير، ومن العلماء ورثة الأنبياء على الخاصة في باطنهم لا غير كما في المفردات وغيرها اه. ومثله في الدر المنتقى. قلت: وهذا تعريف للسياسة العامة الصادقة على جميع ما شرعه الله تعالى لعباده من الأحكام الشرعية ، وتستعمل أخص من ذلك مما فيه زجر وتأديب ولو بالقتل، كما قالوا في اللوطي والسارق والخناق: إذا تكرر منهم ذلك حل قتلهم سياسة، وكما مر في المبتدع، ولذا عرفها بعضهم بأنها تغليظ جناية لها حكم شرعي حسما لمادة الفساد، وقوله لها حكم شرعي معناه: أنها داخلة تحت قواعد الشرع وإن لم ينص عليها بخصوصها، فإن مدار الشريعة بعد قواعد الايمان على حسم مواد الفساد لبقاء العالم، ولذا قال في البحر: وظاهر كلامهم أن السياسة هي فعل شئ من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي اه. وفي حاشية مسكين عن الحموي: السياسة شرع مغلظ، وهي نوعان: سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها. وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم، وتدفع كثيرا من المظالم، وتردع أهل الفساد، وتوصل إلى المقاصد الشرعية، فالشريعة توجب المصير إليها والاعتماد في إظهار الحق عليها، وهي باب واسع، فمن أراد تفصيلها فعليه بمراجعة كتاب معين الحكام للقاضي علاء الدين الأسود الطرابلسي الحنفي اه. قلت: والظاهر أن السياسة والتعزير مترادفان، ولذا عطفوا أحدهما على الآخر لبيان التفسير كما وقع في الهداية والزيلعي وغيرهما، بل اقتصر في الجوهرة على تسميته تعزيرا، وسيأتي أن التعزير تأديب دون الحد، من العزر بمعنى الرد والردع، وأنه يكون بالضرب وغيره، ولا يلزم أن يكون بمقابلة معصية، ولذا يضرب ابن عشر سنين على الصلاة، وكذلك السياسة كما مر في نفي عمر لنصر بن الحجاج، فإنه ورد أنه قال لعمر: ما ذنبي يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا ذنب لك، وإنما الذنب لي حيث لا أطهر دار الهجرة منك، فقد نفاه لافتتان النساء به وإن لم يكن بصنعه، فهو فعل لمصلحة وهي قطع الافتتان بسببه في دار الهجرة التي هي من أشرف البقاع، ففيه رد وردع عن منكر واجب الإزالة. وقالوا: إن التعزير موكول إلى رأي الامام، فقد ظهر لك بهذا أن باب التعزير هو المتكفل لاحكام السياسة وسيأتي بيانه، وبه علم أن فعل السياسة يكون من القاضي أيضا، والتعبير بالامام ليس للاحتراز عن القاضي بل لكونه هو الأصل، والقاضي نائب عنه في تنفيذ الاحكام كما مر في قوله: فيسألهم الامام، وبدأ الامام برجمه ونحو ذلك. وفي الدر المنتقى عن قوله: (معين الحكام): للقضاة تعاطي كثير من هذه الأمور، حتى إدامة الحبس والاغلاظ على أهل الشر بالقمع لهم، والتحليف بالطلاق وغيره، وتحليف الشهود إذا ارتاب منهم. ذكره في التاترخانية. وتحليف المتهم لاعتبار حاله، أو المتهم بسرقة يضربه ويحبسه الوالي والقاضي اه. وسيأتي في باب التعزير أن
178 للقاضي تعزير المتهم، وصرح الزيلعي قبيل الجهاد أن من السياسة عقوبته إذا غلب على ظنه أنه سارق وأن المسروق عنده، فقد أجازوا قتل النفس بغلبة الظن، كما إذا دخل عليه رجل شاهرا سيفه وغلب على ظنه أنه يقتله، وسيأتي تمام ذلك في كتاب السرقة. قوله: (إلا أن يقع اليأس من برئه فيقام عليه) أي بأن يضرب ضربا خفيفا يحتمله. وفي الفتح: ولو كان المرض لا يرجى زواله كالسل، أو كان ضعيف الخلقة فعندنا وعند الشافعي يضرب بعثكال فيه مائة شمراخ دفعة، وتقدم في الايمان أنه لا بد من وصول الكل إلى بدنه، ولذا قيل لا بد أن تكون مبسوطة اه. والعثكال والعثكول: عنقود النخل. قوله: (لا قبله أصلا) أي سواء كان حدها الجلد والرجم، كي لا يؤدي إلى هلاك الولد لأنه نفس محترمة لا جريمة منه. فتح. قوله: (إلا إذا لم يكن الخ) هذه رواية عن الامام اقتصر عليها صاحب المختار. قال في البحر: وظاهره أنها هي المذهب. وفي النهر: ولعمري إنها من الحسن بمكان اه. وفي حديث الغامدية أنه صلى الله عليه وسلم رجمها بعد ما فطمته وفي حديث آخر قال: لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه، فقال له رجل من الأنصار: إلي رضاعه، فرجمها قال في الفتح: وهذا يقتضي أن الرجم عند الوضع، بخلاف الأول، والطريقان في مسلم، وهذا أصح طريقا الخ. قوله: (فحتى يستغني) عبارة الفتح حتى تفطمه. قوله: (حبسها سنتين) أي إذا ثبت زناها بالبينة كما مر. ط. مطلب: شرائط الاحصان قوله: (وشرائط إحصان الرجم) الإضافة بيانية: أي الشرائط التي هي الاحصان، فالاحصان هو الأمور المذكورة فهي أجزاؤه، وقيد بالرجم لان إحصان القذف غير هذا كما سيأتي. فتح ملخصا. قوله: (عقل وبلوغ) بدل من قوله: والتكليف وبيان له. واعتر ض بأن التكليف شرط لكون الفعل زنا، لان فعل الصبي والمجنون ليس بزنا أصلا. وأجاب في البحر بأنه إنما جعله شرط الاحصان لأجل قوله كونهما بصفة الاحصان اه. يعني أنه شرط باعتبار أن الزاني لو كان رجلا مثلا فلا يرجم إلا إذا كان قد وطئ زوجة له مكلفة، فكونها مكلفة شرط في كونه محصنا لا في كون فعله الذي فعله مع الأجنبية زنا، ولذا لم يجلد به إذا لم تكن زوجته مكلفة ولا يرجم لعدم إحصانه. قوله: (والاسلام) لحديث: من أشرك بالله فليس بمحصن ورجمه (ص) اليهوديين إنما كان بحكم التوراة قبل نزول آية الرجم ثم نسخ. بحر. وتحقيقه في الفتح، وخالف في هذا الشرط أبو يوسف والشافعي. قوله: (والوطئ) أي الايلاج وإن لم ينزل كما في الفتح وغيره. قوله: (وكونه بنكاح صحيح) خرج الفاسد كالنكاح بغير شهود فلا يكون به محصنا ط. وينبغي أن يزيد اتفاقا لما سيذكره المصنف قبيل حد الشرب أنه لو كان بلا ولي لا يكون محصنا عند
179 الثاني. تأمل. قوله: (حال الدخول) متعلق بقوله صحيح. قال في الفتح: يعني تكون الصحة قائمة حال الدخول، حتى لو تزوج من علق طلاقها بتزوجها يكون النكاح صحيحا، فلو دخل بها عقيبه لا يصير محصنا لوقوع الطلاق قبله اه. وتبعه في النهر. قلت: ومقتضاه أن الوطئ حصل في نكاح لكنه غير صحيح مع أنه لم يحصل في النكاح أصلا، فالأولى أن يكون احترازا عما لو وطئ في نكاح موقوف على الإجازة ثم أجازت المرأة العقد أو ولي الصغيرة فلا يكون بهذا الوطئ محصنا وإن كان العقد صحيحا لأنه وطئ في عقد لم يصح إلا بعده لا في حالة الوطئ. تأمل. قوله: (وكونهما) أي الزوجين المفهومين من قوله: والوطئ بنكاح صحيح وفي هذا الحل إصلاح لعبارة المتن. فإنها لا تفيد اشتراط إحصان كل منهما لإحصان الآخر، وفيه خلاف الشافعي. قلت: وقد يكون أحدهما محصنا دون الآخر، كما لو خلا بها وأقر بأنه وطئها أو بأنها كانت مسلمة وأنكرت، فإذا زنى يرجم لأنه محصن بإقراره كما سيأتي قبيل حد الشرب. قوله: (فلو نكح أمة الخ) تفريع على الشرط الأخير: أي لو نكح الحر أمة أو العبد حرة ووطئها لم يكن واحد منهما محصنا إلا أن يطأها بعد العتق في الصورتين، فحينئذ يحصل لكل منهما الاحصان بهذا الوطئ لاتصاف كل منهما بصفة الاحصان وقته، حتى لو زنى أحدهما بعد هذا الوطئ يرجم، بخلاف الوطئ الحاصل قبل العتق. وكذا لو دخل الحر المكلف المسلم بمنكوحته الكافرة أو المجنونة أو الصغيرة لم يكن أحدهما محصنا إلا أن يطأها ثانيا بعد إسلامها أو إفاقتها أو بلوغها. وكذا لو كان الزوج صبيا أو مجنونا أو كافرا وهي حرة مكلفة مسلمة، حتى لو دخل بها الزوج وهو كذلك ثم زنت لا ترجم لعدم إحصانها. وصورة كون زوج المسلمة كافرا كما في الفتح أن يكونا كافرين فتسلم هي فيطأها قبل عرض القاضي الاسلام عليه وإبائه فإنهما زوجان ما لم يفرق القاضي بينهما بإبائه اه. تنبيه: اشتراط إحصان كل من الزوجين للرجم لا ينافي قولهم كما يأتي قبيل حد الشرب إذا كان أحد الزانيين محصنا دون الآخر يرجم المحصن ويجلد غير المحصن لان المراد أن الرجل إذا كان محصنا الاحصان المذكور بشروطه ثم زنى بامرأة فإنه يرجم، ثم المرأة المزني بها إذا كانت محصنة مثله ترجم أيضا، وإلا فتجلد، وكذا المرأة إذا كانت محصنة الاحصان المذكور ثم زنت برجل. قوله: (حتى لو زنى ذمي بمسلمة الخ) أطلق الذمي فشمل لو كان له زوجة أدخل بها أولا، وكون المزني بها مسلمة غير قيد، وإنما لم يرجم لعدم إحصانه لكونه غير مسلم وقت الفعل وإن صار محصنا بعد إسلامه كما يفهم من الاطلاق، فيفيد أنه لا بد في الرجم من كونه مسلما وقت الزنا وكذا الحرية، حتى لو أسلم أو أعتق بعد الزنا ثم صار محصنا لا يرجم بل يجلد، فالمراد بهذا التفريع بيان هذه الفائدة مع تأويل ما وقع في فتاوى قارئ الهداية كما أفاده في النهر، حيث قال بعد تقرير شرائط الاحصان: وهذا يقتضي أن الذمي لو زنى بمسلمة ثم أسلم لا يرجم. ولا يعارضه ما في فتاوى قارئ الهداية من أنه لو زنى أو سرق ثم أسلم إن ثبت ذلك بإقراره أو بشهادة المسلمين لا يدرأ عنه الحد، وبشهادة أهل الذمة لا يقام عليه الحد لأنه أراد بالحد هنا الجلد اه. قوله: (فلو
180 ارتدا ثم أسلما الخ) عزاه ابن الكمال إلى شرح الطحاوي، ومثله في الفتح، وقيد بارتدادهما معا في الفتح: أي ليعود النكاح بعودهما إلى الاسلام بلا تجدد عقد آخر. بقي لو ارتد أحدهما: ففي النهر: وعن محمد لو لحقت الزوجة بدار الحرب مرتدة وسبيت لا يبطل إحصان الزوج، كذا في المحيط اه. وهو ظاهر لما يأتي من أنه لا يجب بقاء النكاح لبقاء الاحصان، وظاهره أنه لا يبطل إحصانها وإن عادت مسلمة، ولذا قال: لو أسلم لم يعد إلا بالدخول بعد: أي لا بد من تحقق شروط الاحصان عند وطئ آخر بعد الاسلام. فعلم أن الردة تبطل اعتبار الوطئ بالنكاح الصحيح، وإذا بطل اعتباره بطل الاحصان، سواء كان المرتد كلا منهما معا أو أحدهما، لكن إذا ارتد أحدهما ثم أسلم لا يصير محصنا إلا بتجديد عقده عليها أو على غيرها ويطؤها بعده وهما بصفة الاحصان فيعود له إحصان جديد، لان الردة أبطلت الاحصان السابق. قوله: (وقيل بالوطئ بعده) نسبه في النهر والبحر إلى أبي يوسف. قوله: (واعلم الخ) ذكر هذه المسألة في الدرر. قوله: (فلو نكح في عمره مرة) أي ودخل بها. درر. قوله: (ثم طلق) عبارة الدرر: ثم زال النكاح، وهي أعم لشمولها زوال النكاح بموتها أو ردتها أو نحو ذلك. قوله: (ونظم بعضهم الخ) نقله القاضي زين الدين بن رشيد صاحب العمدة عن الفاكهاني المالكي كما في التتائي، ويوجد في بعض النسخ شروط الحصانة في ستة اه ط. أقول: وهذا هو الصواب، لان الشطر الأول الذي ذكره الشارح من بحر السريع والبقية من بحر المتقارب، فافهم. وقوله في آخر الأبيات فلا يرجما بالياء المثناة التحتية كما رأيناه في النسخ، وينبغي أن يكون بالفوقية، ولا ناهية، وأصله لا ترجمن بنون التوكيد المخففة قلبت ألفا، إذ لو كانت لا نافية وجب الرفع، ولعل اقتصار الناظم على الشروط الستة لكونها مذهب المالكية وزيد عليها عندنا كونهما بصفة الاحصان وقت الوطئ وعدم الارتداد فصارت ثمانية، ويزاد كون العقد صحيحا فتصير تسعة، وقد غيرت هذا النظم جامعا للتسعة فقلت: شرائط الاحصان تسع أتت * متى اختل شرط فلا ترجما بلوغ وعقل وحرية * ودين (1) وفقد ارتدادهما ووطئ بعقد صحيح لمن * غدت مثله في الذي قدما
(1) قوله: (ودين الخ) وجه بخطه في هامش نسخة بدل هذا الشرط * ودين يدوم به مسلما * ولعله نسخة أخرى ا ه. 181 باب الوطئ الذي يوجب الحد، والذي لا يوجبه قوله: (لقيام الشبهة) علة لقوله لا يوجبه. قوله: (لحديث) علة لما فهم من العلة الأولى، وهو أن الحد لا يثبت عند قيام الشبهة. وطعن بعض الظاهرية في الحديث بأنه لم يثبت مرفوعا. والجواب أن له حكم الرفع، لان إسقاط الواجب بعد ثبوته بالشبهة خلاف مقتضى العقل. وأيضا في إجماع فقهاء الأمصار على الحكم المذكور كفاية، ولذا قال بعضهم: إن الحديث متفق عليه، وأيضا تلقته الأمة بالقبول. وفي تتبع المروي عن النبي (ص) وعن أصحابه من تلقين ماعز وغيره الرجوع احتيالا للدرء بعد الثبوت ما يفيد القطع بثبوت الحكم، وتمامه في الفتح. قوله: (ثلاثة أنواع) يأتي بيانها. قوله: (في المحل) هو الموطوءة كما في العيني والشلبي وغيرهما، فقوله الآتي أي الملك بمعنى المملوك. قوله: (وبرهن) أي على أنها أمة ولده أو أمة أبويه مثلا. قوله: (وكذا يسقط بمجرد دعواها) أي دعوى الشبهة، وهذا يغني عما قبله لانفهامه منه بالأولى. قوله: (إلا في دعوى الاكراه الخ) قلت: الظاهر في وجه الفرق أن الاكراه لا يخرج الفعل عن كونه زنا، وإنما هو عذر مسقط للحد وإن لم يسقط الاثم، كما يسقط القصا ص بالاكراه على القتل دون الاثم فلا يقبل قوله بمجرد دعواه، بخلاف دعواه شبهة من الشبهة الثلاث لأنه ينكر السبب الموجب للحد، فإن دعواه أنه تزوجها أو أنها أمة ولده إنكار للوطئ الخالي عن الملك وشبهته، فلذا قبل قوله بلا برهان. تأمل. والظاهر أن لزوم البرهان على الاكراه خاص بما إذا ثبت زناه بالبينة لا بإقراره. قوله: (لا حد بلازم) أي ثابت. مطلب في بيان شبهة المحل قوله: (بشبهة المحل) هو الموطوءة كما مر، وهي المنافية للحرمة ذاتا، على معنى أنا لو نظرنا إلى الدليل مع قطع النظر عن المانع يكون منافيا للحرمة. نهر. يعني أن النظر إلى ذات الدليل ينفي الحرمة ويثبت الحل مع قطع النظر عن المانع، كما في القهستاني. وحاصله أنها وجد فيها دليل مثبت للحل لكنه عارضه مانع، فأورث هذا الدليل شبهة في حل المحل والإضافة على معنى في. وقال الزيلعي: أي لا يجب الحد بشبهة وجدت في المحل وإن علم حرمته، لان الشبهة إذا كانت في الموطوءة ثبت فيها الملك من وجه فلم يبق معه اسم الزنا فامتنع الحد على التقادير كلها، وهذا لان الدليل المثبت للحل قائم وإن تخلف عن إثباته حقيقة لمانع فأورث شبهة، فلهذا سمي هذا النوع شبهة في المحل، لأنها نشأت عن دليل موجب للحل في المحل، بيانه قوله عليه الصلاة والسلام: أنت ومالك لأبيك يقتضي الملك، لان اللام فيه
182 للملك اه: أي وقد عارضه مانع من إرادة حقيقة الملك وهو الاجماع على عدم إرادته حقيقة فثبتت الشبهة عملا باللام بقدر الامكان. قوله: (أي الملك) بمعنى المملوك، فلا ينافي تفسيره أيضا بالموطوءة، فافهم: أي شبهة كون المحل مملوكا له أو المصدر بمعنى المالكية: أي كونه مالكا له. قوله: (وتسمى شبهة حكمية) لكون الثابت فيها شبهة الحكم بالحل. قوله: (أي الثابت حكم الشرع محله) بنصب الثابت على أن ذلك تفسير لقوله شبهة حكمية أو يجره على أنه تفسير لقوله: بشبهة المحل وضمير حله للمحل. وعبارة الفتح: وشبهة في المحل، وتسمى شبهة حكمية وشبهة ملك: أي الثابت شبهة حكم الشرع بحل المحل، فأسقط الشارح لفظ شبهة ولا بد منه، لان نفس حكم الشرع بحله لم يثبت، وإنما الثابت شبهته: يعني أنها هي التي ثبت فيها شبهة الحكم بالحل لا حقيقته لكون دليل الحل عارضه مانع كما مر. قوله: (ولو ولده حيا) مبالغة على قوله: وولده ولده ج. وتمام عبارة الفتح: وإن لم يكن له ولاية تملك مال ابن ابنه حال قيام ابنه، وتقدمت هذه المسألة في باب نكاح الرقيق ثم في الاستيلاد اه. وسنذكر أنه لا يثبت فيها النسب من الجد إذا كان ولده حيا. قوله: (لحديث الخ) رواه ابن ماجة عن جابر بسند صحيح، وتمامه في الفتح، وذكر فيه قصة. قوله: (ولو خلعا خلا عن مال) أما لو كانت بغير لفظ الخلع فهي داخلة بالأولى، وقد يكون الخلع خلا عن مال، لأنه لو كان على مال لم يكن من هذا القسم بل يكون من شبهة الفعل الآتية، فلا ينتفي عنه الحل إلا إذا ظن الحل، كما في المطلقة ثلاثا، لأنه لم يقل أحد إن المختلعة على مال تقع فرقتها طلاقا رجعيا، وإنما اختلف الصحابة في كونها فسخا أو طلاقا: يعني بائنا، فالحرمة ثابتة على كل حال، وبهذا يعرف خطأ من بحث. وقال: ينبغي جعلها من الشبهة الحكمية، هذا حاصل ما حققه في فتح القدير، ويشهد له قوله في الهداية: والمختلعة والمطلقة على مال بمنزلة المطلقة الثلاث لثبوت الحرمة بالاجماع، ومثله في البحر عن البدائع. وبه يعلم أن ما نقله قبله عن جامع النسفي من أنه لا حد وإن علم الحرمة لاختلاف الصحابة في كونه بائنا محمول على ما إذا كان الخلع بلا مال، كما أن ما في المجتبى من أن المختلعة ينبغي أن تكون كالمطلقة ثلاثا لحرمتها إجماعا، محمول على ما إذا كان بمال توفيقا بين كلامهم، فافهم. قوله: (وإن نوى بها ثلاثا) أي بالكنايات فلا يحد بوطئها في العدة وإن قال علمت أنها حرام لتحقق الاختلاف، لان دليل المخالف قائم وإن كان غير معمول به عندنا. أفاده في الفتح. ثم قال: وفي هذه المسألة يقال مطلقة ثلاث وطئت في العدة وقال علمت حرمتها لا يحد. قوله: (الممهورة) أي التي جعلها مهرا لزوجته. قوله: (قبل تسليمها لمشتر وزوجة) لف ونشر مرتب، لأنهما في ضمان البائع أو الزوج و تعودان إلى ملكه بالهلاك قبل التسليم وكان مسلطا على الوطئ بالملك واليد، وقد بقيت اليد فتبقى الشبهة. زيلعي. قوله: (وكذا بعده في الفاسد) الأولى أن يقول: وكذا في الفاسد ولو بعده: أي بعد التسليم. قال في البحر: أما قبله فلبقاء الملك، وأما بعده فلان له حق الفسخ فله حق الملك اه.
183 وقد يقال: إن وطئ البائع في الفاسد قبل التسليم ليس مما نحن فيه، لأنه وطئ في حقيقة الملك لا فشبهته، فقوله بعده للاحتراز عما قبله. تأمل. قوله: (ووطئ الشريك الخ) لان ملكه في البعض ثابت فتكون الشبهة فيها أظهر. زيلعي. وهذا إذا لم يكن أعتقها أحد الشريكن، وإلا ففيه تفصيل مذكور في الخانية. قوله: (ووطئ جارية مكاتبه وعبده الخ) لان له حقا في كسب عبده فكان شبهة في حقه، زيلعي، وأما غير المديون فهو على ملك سيده. قوله: (ووطئ جارية من الغنيمة) أي وطئ أحد الغانمين قبل القسمة كما في البحر عن البدائع. قال ح: وسيأتي في كتاب السرقة عن الغاية بحثا: عدم قطع من سرق من المغنم وإن لم يكن حق فيه، لأنه مباح الأصل فصار شبهة فكان ينبغي الاطلاق هنا أيضا. تأمل اه. قلت: وفيه أن ما كان مباح الأصل هو ما يوجد في دار الاسلام تافها مباحا كالصيد والحشيش، فهذا لا يقطع به وإن ملك وسرق من حرز، وجارية المغنم ليست كذلك، وإلا لزم أن يقطع بها ولو بعد الاحراز والقسمة، وكذا لو زنى بها. تأمل. قوله: (ووطئ جاريته قبل الاستبراء) هذه من زيادات الفتح. وفيه أن الملك فيها كامل من كل وجه، إلا أنه منع من وطئه لها خوف اشتباه النسب، والكلام في وطئ حرام سقط فيه الحد لشبهة الملك، وهذه فيها حقيقة الملك فكانت كوطئ الزوجة الحائض والنفساء والصائمة والمحرمة مما منع من وطئها لعارض الأذى أو إفساد العبادة مع قيام الملك، إلا أن يراد بشبهة الملك ملك الوطئ لا ملك الرقبة، فليتأمل. قوله: (والتي فيها خيار للمشتري) أي إذا وطئها البائع واقتصر على ذكر المشتري، لأنه يعلم منه ما إذا كان الخيار للبائع بالأولى، لأنه لم يحد إذا كان للبائع، لبقاء ملكه، وإن كان للمشتري فلان المبيع لم يخرج عن ملك بائعه بالكلية كما في البحر. أفاده ط. وقد يقال: إن المناسب أن لا يذكر خيار البائع، لان وطأه في حقيقة الملك لا في شبهته نظير ما مر، فكان الأولى ما ذكره الشارح، ويفهم منه ما إذا كان الخيار لهما أو لأجنبي، فافهم. وفي التتارخانية: ولو باع جارية على أنه بالخيار فوطئها المشتري أو كان الخيار للمشتري فوطئها البائع فإنه لا يحد، علم بالحرمة أو لم يعلم. قوله: (والتي هي أخته رضاعا) أي ووطئ أمته التي هي أخته رضاعا. قلت: ومثلها أمته المجوسية والتي تحته أختها لوجود الملك فيهما أيضا مع أن حرمتهم غير مؤبدة. تأمل. قوله: (من لم يحرم به) أي بالمذكور من الردة وما بعدها، أما الردة فقد تقدم في كتاب النكاح أن مشايخ بلخ أفتوا بعدم الفرقة بردتها، وأما فيما بعدها فلخلاف الشافعي رحمه الله تعالى اه ح. قوله: (وغير ذلك) منه ما ذكرناه من المجوسية والتي تحته أختها. قوله: (فدعوى الحصر) أي المفهوم من قول الهداية وغيرها: والشبهة في المحل في ستة مواضع.
184 مطلب في بيان شبهة الفعل قوله: (بشبهة الفعل) أي الشبهة في الفعل الذي هو الوطئ حيث كما قد يشتبه على حرمته لا في محله وهو الموطوءة، لان حرمة المحل هنا مقطوع بها إذا لم يقم فيه دليل ملك عارضه غيره فلم يكن في حل المحل شبهة أصلا. قوله: (أي شبهة في حق من حصل له اشتباه) هو معنى قول المصنف إن ظن حله لان من ظن الحل فقد اشتبه عليه الامر، ولذا قال في الفتح: إنها تتحقق في حق من اشتبه عليه الحل والحرمة، إذ لا دليل في السمع يفيد الحل، بل ظن غير الدليل دليلا، كما يظن أجارية زوجته تحل له، لظنه أنه استخدام، واستخدامها حلال، فلا بد من الظن وإلا فلا شبهة أصلا لفرض أن لا دليل أصلا لتثبت الشبهة في نفس الامر، فلو لم يكن ظنه الحل ثابتا لم تكن شبهة أصلا اه. قوله: (إن ظن حله) شرط لقوله: ولا حد الخ فنفي الحد هنا مشروط بظن الحل، لما علمت أن هذا الظن هو الشبهة لعدم دليل قائم تثبت به الشبهة، فلو لم يظن الحل شبهة أصلا بخلاف ما مر، فإن الشبهة فيه جاءت من دليل حل المحل فلا حاجة فيه إلى ظن الحل، فلذا انتفى الحد فيه سواء ظن الحل أو لا. قوله: (العبرة لدعوى الظن الخ) أي لا للظن نفسه فإنه يحد إن لم يدع وإن حصل له الظن، ولا يحد إن ادعى وإن لم يحصل له الظن. ابن كمال. وفيه تورك على عبارة المصنف، لكن لا يخفى أن الظن أمر باطني لا يعلمه القاضي إلا بدعوى صاحبه، فقوله: إن ظن حله أي إن علم القاضي أنه ظن الحل يدرأ عنه الحد، وذلك لا يكون إلا بدعواه وإخباره. قوله: (ولو ادعاه أحدهما الخ) لان الشبهة إذا تمكنت في الفعل من أحد الجانبين تتعدى إلى الجانب الآخر ضرورة. بحر. قوله: (كوطئ أمة أبويه الخ) لان بين الانسان وبين أبويه وزوجته وسيده انبساطا في الانتفاع بمالهم واستخدام جواريهم، فكان مظنة حل الوطئ على توهم أنه من الاستخدام، وكذا بقاء أثر الفراش في المعتدة من وجوب النفقة وحرمة تزوج أختها مظنة لتوهم حل وطئها، وقيد بالأمة لما في الخانية: لو زنى بامرأة الأب أو الجد فإنه يحد وإن قال ظننت أنها تحل لي. قوله: (ومعتدة الثلاث) هذا إذا لم ينو الثلاث بالكنايات إذ لنواها بها كان من شبهة المحل كما قدمه عن النهر. قوله: (ولو جملة) أي ولو كان تطليقه الثلاث بلفظ واحد فلا يسقط عنده الحد، إلا أن ادعى ظن الحل، وكذا لو أوقع الثلاث متفرقة بالطريق الأولى إذ لم يخالف فيه أحد، لان القرآن ناطق بانتفاء الحل بعد الثالثة فلم يبق شبهة في حل المحل، ولا اعتبار بخلاف من أنكر وقوع الجملة لمخالفته للقطعي، وهو إجماع الصحابة الذي تقرر في زمن عمر، لكن يشكل ما في نكاح الهداية من أن الحد لا يجب بوطئ المطلقة بائنا واحدة أو ثلاثا مع العلم بالحرمة على إشارة كتاب الطلاق. وعلى عبارة كتاب الحدود يجب، لان الملك قد أزال حق الحل فيتحقق الزنا اه. ووفق في البحر بحمل إشارة كتاب الطلاق على ما إذا أوقع الثلاث جملة، وحمل عبارة الحدود على ما إذا أوقعها متفرقة، لان إيقاعها جملة خالف فيه الظاهرية: أي فيكون من شبهة المحل، فلا يحد وإن اعتقد الحرمة لشبهة الدليل واعترضه ح بأن المصرح به في الفتح وغيره
185 الجزم بأنها من شبهة الفعل وعدم اعتبار الخلاف بعد انعقاد الاجماع، وبأن الإشارة لا تعارض العبارة. قلت: على أنه يمكن التوفيق بوجه آخر، وهو حمل الإشارة على ما إذا كان الطلاق البائن بلفظ الكنايات والعبارة على ما إذا كان بلفظ الصريح، والله أعلم. قوله: (في رواية كتاب الحدود) أي أن محمدا ذكرها في كتاب الحدود من مسائل شبهة الفعل، وذكر في كتاب الرهن أنها من شبهة المحل. قال في البحر: والحاصل أنه إذا ظن الحل فلا حد باتفاق الروايتين، والخلاف فيما إذا علم الحرمة، والأصح وجوبه، وذكر في الايضاح وجوبه وإن ظن الحل، وهو مخالف لعامة الروايات. مطلب: الحكم المذكور في بابه أولى من المذكور في غير بابه قال في الدر المنتقى: واستفيد منه أن الحكم المذكور في بابه أولى من المذكور في غير بابه، لأنه كأنه استطراد، هكذا كان. أفادنيه والدي فليحفظ. قوله: (وهي المختار) وفي الهداية: وهي الأصح، وتبعه الشارحون، لان عقد الرهن لا يفيد ملك المتعة بحال، لأنه إنما يفيد له الملك بعد الهلاك فيصير به مستوفيا لحقه، لكنه بعد الهلاك لا يملك المتعة: أي الوطئ. ومقتضى هذا وجوب الحد وإن ظن الحل، لكن لما كان الاستيفاء سببا لملك المال، وملك المال سببا لملك المتعة في الجملة حصل الاشتباه. ذخيرة. قوله: (المستعير للرهن) اللام للتعليل: أي الذي استعار أمة ليرهنها لا للتعدية حتى يكون المعنى استعار أمة مرهونة من المرتهن اه ح. والمناسب أن يقول: لا للتقوية، لان اسم الفاعل هنا متعد بنفسه، تقول أنا مستعير فرسا، فإذا قلت مستعير للفرس كانت زائدة لتقوية العامل، كقوله تعالى: * (مصدقا لما معهم) * (سورة البقرة: الآية 19) ولعل وجه كون المستعير بمنزلة المرتهن هو أنه إذا استعار شيئا ليرهنه بكذا ثم هلك عند المرتهن صار مستوفيا لدينه ووجب مثل الدين للمعير على المستعير، لأنه صار قاضيا دينه بالرهن كما تقرر في محله، فإذا غرم مثله للمعير صار مالكا له فكان بمنزلة المرتهن. تأمل. قوله: (وسيجئ) أي في هذا الباب. قوله: (وكذا المختلعة) أي على مال، لأنه لو كان خلعا خلا عن مال كان من شبهة المحل كما قدمه عن النهر. قوله: (يثبت في الأولى) هذا في غير الجد إذا وطئ جارية ابن ابنه وابنه حي، لان الجد لا يتملكها حال حياة الأب فلا يثبت النسب بدعوى الجد، نعم إن صدقه ابن الابن عتق لزعمه أنه عمه، وما في النهاية من أنه يثبت نسبه غلط كما حققه في الفتح. قوله: (لتمحضه زنا) لأنه لا شبهة ملك فيه، بل سقط الحد لظنه فضلا من الله تعالى وهو راجع إليه: أي إلى الواطئ لا إلى المحل، فكأن المحل ليس فيه شبهة حل فلا يثبت النسب بهذا الوطئ، ولذا لا تثبت به عدة لأنه لا عدة من الزنا. فتح. قوله: (بشرطه) أي بشرط الثبوت، والمناسب إسقاطه كما يظهر قريبا. قوله: (بأن تلد الخ) بدل من قوله: بشرطه قال ح: ويحمل على وطئ سابق على الطلاق كما تقدم في باب ثبوت النسب. ولا نقول: إنه انعقد من هذا الوطئ الحرام حيث أمكن حمله على الحلال. قوله: (لا لأكثر)
186 ومثل الأكثر تمام السنتين ح. قوله: (كما مر في بابه) من أنه لا يثبت النسب في المطلقة ثلاثا بعد سنتين إلا بدعوة ح. قلت وتحصل من هذا أنه إذ ادعى الولد يثبت النسب، سواء ولدت لأقل من سنتين أو لأكثر وإن لزم الوطئ في العدة لوجود شبهة العقد، وأما بدون الدعوى فلا يثبت إلا إذا ولدت لأقل من سنتين حملا على أنه بوطئ سابق على الطلاق، فقول المصنف بشرطه لا محل له، لان كلامه فيما إذا ادعى النسب وفيه يثبت مطلقا كما علمت، وهو الذي حرر في الفتح وتبعه في البحر. قوله: (بالأولى) لأنها أقل من الثلاث ط. فإن حرمة الثلاث تزيل حل المحلية ولذا لا تحل له إلا بعد زوج آخر. قوله: (وإلا في وطئ امرأة الخ) الاستثناء في هذه مبني على أنها من شبهة الاشتباه: أي شبهة الفعل، وعليه مشى الزيلعي، وكذا صاحب البحر أولا، وقيل إنها شبهة محل، وذكر في الفتح أولا أنه الأوجه لان قولهن هي زوجتك دليل شرعي مبيح للوطئ لقبول قول الواحد في المعاملات، ولذا حل وطئ من قالت أرسلني مولاي هدية إليك. ثم قال: والحق أنه شبهة اشتباه، لان الدليل المعتبر فيها ما يقتضي ثبوت الملك لا ما يطلق شرعا مجرد الوطئ. اه ملخصا. فليتأمل. قوله: (وقال النساء) الجمع غير قيد كما يأتي. قوله: (فيثبت نسبه بالدعوة بحر) لفظ بالدعوة الخ يوجد في بعض النسخ: وهو غير لازم لان أصل الكلام فيه. مطلب في بيان شبهة العقد قوله: (بشبهة العقد) أي ما وجد فيه العقد صورة لا حقيقة، لان الشبهة كما مر ما يشبه الثابت وليس بثابت، فخرج ما وجد فيه العقد حقيقة، ولذا قال في التاترخانية: وإذا كان الوطئ بملك النكاح أو بملك يمين والحرمة بعارض آخر فذلك لا يوجب الحد نحو الحائض والنفساء والصائمة صوم الفرض والمحرمة والموطوءة بشبهة والتي ظاهر منها أو آلى منها فوطئها في العدة لا حد عليه، وكذا الأمة المملوكة إذا كانت محرمة عليه برضاع أو مصاهرة أو لكون أختها مثلا في نكاحه أو هي مجوسية أو مرتدة فلا حد عليه وإن علم الحرمة اه. قوله: (كوطئ محرم نكحها) أي عقد عليها، أطلق في المحرم فشمل المحرم نسبا ورضاعا وصهرية، وأشار إلى أنه لو عقد على منكوحة الغير أو معتدته أو مطلقته الثلاث أو أمة على حرة أو تزوج مجوسية أو أمة بلا إذن سيدها أو تزوج العبد بلا إذن سيده أو تزوج خمسا في عقد فوطئهن أو جمع بين أختين في عقد فوطئهما أو الأخيرة لو كان متعاقبا بعد التزوج فإنه لا حد، وهو بالاتفاق على الأظهر. أما عنده فظاهر، وأما عندهما فلان الشبهة إنما تنتفي عندهما إذا كان مجمعا على تحريمه وهي محرمة على التأبيد. بحر. قلت: وهذا هو الذي حرره في فتح القدير وقال: إن الذين يعتمد على نقلهم وتحريرهم كابن المنذر ذكروا أنه إنما يحد عندهما في ذات المحرم لا في غير ذلك كمجوسية وخامسة ومعتدة، وكذا عبارة الكافي للحاكم تفيده حيث قال: تزوج امرأة ممن لا يحل له نكاحها فدخل بها لا حد عليه، وإن فعله على علم لم يحد أيضا، ويوجع عقوبة في قول أبي حنيفة. وقالا: إن علم بذلك فعليه الحد
187 في ذوات المحارم اه. فعمم في المرأة على قوله ثم خص على قولهما بذوات المحرم. قوله: (وقالا الخ) مدار الخلاف على ثبوت محلية النكاح للمحارم وعدمه، فعنده هي ثابتة على معنى أنها محل لنفس العقد لا بالنظر إلى خصوص عاقد لقبولها مقاصده من التوالد فأورث شبهة، ونفياها على معنى أنها ليست محلا لعقد هذا العاقد فلم يورث شبهة، وتمامه في الفتح والنهر. قوله: (إن علم الحرمة حد) أما إن ظن الحل فلا يحد بالاجماع ويعزر، كما في الظهيرية وغيرها. مطلب: إذا استحل المحرم على وجه الظن لا يكفر، كما لو ظن علم الغيب وعلم من مسائلهم هنا أن من استحل ما حرمه الله تعالى على وجه الظن لا يكفر، وإنما يكفر إذا اعتقد الحرام حلالا، ونظيره ما ذكره القرطبي في شرح مسلم أن ظن الغيب جائز كظن المنجم والرمال بوقوع شئ في المستقبل بتجربة أمر عادي فهو ظن صادق، والممنوع ادعاء علم الغيب. والظاهر أن ادعاء ظن الغيب حرام لا كفر، بخلاف ادعاء العلم، وسنوضحه في الردة. بحر. قوله: (لكن في القهستاني الخ) الاستدراك على قوله: في جميع الشروح فإن المضمرات من الشروح. وفيه أن القهستاني ذكر عن المضمرات أنه قال: والصحيح الأول، وأنه في موضع آخر قال: إذا تزوج بمحرمه يحد عندهما، وعليه الفتوى اه. على أن ما في عامة الشروح مقدم. وكذلك في الفتح نقل عن الخلاصة أن الفتوى على قولهما، ثم وجهه بأن الشبهة تقتضي تحقق الحل من وجه وهو غير ثابت، وإلا وجبت العدة والنسب، ثم دفع ذلك بأن من المشايخ من التزم وجوبهما، ولو سلم عدم وجوبهما لعدم تحقق الحل من وجه، فالشبهة لا تقتضي تحقق الحل من وجه، لان الشبهة ما يشبه الثابت وليس بثابت، فلا ثبوت لما له شبهة الثبوت بوجه، ألا ترى أن أبا حنيفة ألزم عقوبته بأشد ما يكون، وإنما لم يثبت عقوبة هي الحد فعرف أنه زنا محض إلا أن فيه شبهة فلا يثبت نسبه اه ملخصا. وحاصله أن عدم تحقق الحل من وجه في المحارم لكونه زنا محضا يلزم منه عدم ثبوت النسب والعدة، ولا يلزم منه عدم الشبهة الدارئة للحد. ولا يخفى أن في هذا ترجيحا لقول الامام. قوله: (وحرر في الفتح الخ) صوابه في النهر، فإنه بعد ما ذكر ما قدمناه عن الفتح قال: وهذا إنما يتم بناء على أنها شبهة اشتباه. قال في الدراية: وهو قول بعض المشايخ. والصحيح أنها شبهة عقد، لأنه روى عن محمد أنه قال: سقوط الحد عنه لشبهة حكمية فيثبت النسب، وهكذا ذكر في المنية اه. وهذا صريح بأن الشبهة في المحل وفيها النسب على ما مر اه. كلا النهر. قلت: وفي هذه زيادة تحقيق لقول الامام لما فيه من تحقيق الشبهة حتى ثبت النسب، ويؤيده ما ذكره الخير الرملي في باب المهر عن العيني ومجمع الفتاوى أنه يثبت النسب عنده خلافا لهما. قوله: (وفي المجتبى الخ) مثله في الذخيرة. قوله: (ظانا الحل) أما لو اعتقده يكفر كما مر. قوله: (ويعزر) أي إجماعا كما في الذخيرة، لكنه مخالف لما في الهداية من قوله: ولكن يوجع عقوبة إذا كان
188 علم بذلك فقيد العقوبة بما إذا علم، ومثله ما مر عن كافي الحاكم. وفي الفتح: لم يجب عليه الحد عند أبي حنيفة وسفيان الثوري وزفر وإن قال علمت أنها علي حرام، ولكن يجب الحد ويعاقب عقوبة هي أشد ما يكون من التعزير سياسة لا حدا مقدرا شرعا إذا كان عالما بذلك. وإن لم يكن عالما لا حد ولا عقوبة تعزير اه. وقد يجاب بأن قوله ولا عقوبة تعزير المراد به نفي أشد ما يكون، فلا ينافي أن يعزر بما يليق بحاله حيث جهل أمرا لا يخفى عادة. تأمل. قوله: (خلافا لهما) أي في ذات المحرم فقط كما مر. قوله: (فظهر أن تقسيمها الخ) إن أراد التقسيم من حيث الحكم فهي اثنان عند الكل، غايته أن حكم شبهة العقد عند الامام حكم شبهة المحل. وعندهما: حكم شبهة الفعل، وإن أراد التقسيم من حيث المفهوم فهي اثنان أيضا، لان شبهة العقد منها ما هو شبهة الفعل كمعتدة الثلاث كما صرح به في النهر في باب ثبوت النسب، ومنها ما هو شبهة المحل كمسألة المتن اه ح. قوله: (وحد بوطئ أمة أخيه الخ) أي وإن قال ظننت أنها تحل لي، لأنه لا شبهة في الملك ولا في الفعل لعدم انبساط كل في مال الآخر، فدعوى ظنه الحل غير معتبرة. ومعنى هذا أنه علم أن الزنا حرام، لكنه ظن أن وطأه هذه ليس زنا محرما فيعارض ما مر عن المحيط من أن شرط وجوب الحد أن يعلم أن الزنا حرام. فتح. قوله: (سوى الولاد) بالكسر مصدر ولدت المرأة ولادا وولادة: أي سوى قرابة الولادة: أي قرابة الأصول أو الفروع فلا حد فيها، لكن لا يحد في قرابة الأصول إذا ظن الحل كما مر. قوله: (وجدت على فراشه) يعني في ليلة مظلمة كما في الخانية. شرنبلالية. فيعلم حكم النهار بالأولى. قوله: (إلا إذا دعاها) يعني الأعمى، بخلاف البصير كما في الخانية، وهو ظاهر عبارة الزيلعي والفتح أيضا. ثم اعلم أن ما ذكره المصنف والشارح هو المذكور في المتون والشروح، وعزاه في التاترخانية إلى المنتقى والأصل، لكنه قال بعد ذلك: وفي الظهيرية رجل وجد في بيته امرأة في ليلة ظلماء فغشيها وقال ظننت أنها امرأتي لا حد عليه، ولو كان نهارا يحد. وفي الحاوي: وعن زفر عن أبي حنيفة فيمن وجد في حجلته أو في بيته امرأة فقال ظننت أنها امرأتي، إن كان نهارا يحد، وإن كان ليلا لا يحد. وعن يعقوب عن أبي حنيفة أن عليه الحد ليلا كان أو نهارا، قال أبو الليث: وبرواية زفر يؤخذ اه. قلت: ومقتضاه أنه لا حد على الأعمى ليلا كان أو نهارا. قوله: (وجاز) أي العطف على ضمير الرفع المتصل. قوله: (لا يحد الحربي الخ) أي خلافا لأبي يوسف، فعنده يحد الحربي المستأمن أيضا. وقال محمد: لا يحد واحد منهما، غير أنه قال في العكس: وهو ما لو زنى ذمي بمستأمنة كقول الامام من أن الذمي يحد.
189 والحاصل أن الزانيين إما مسلمان أو ذميان أو مستأمنان، أو الرجل مسلم والمرأة ذمية، أو مستأمنة أو بالعكس، أو الرجل ذمي والمرأة مستأمنة أو بالعكس، فهي تسع صور. والحد واجب عند الامام في الكل إلا في ثلاث: إذا كانا مستأمنين، أو أحدهما. أفاده في البحر. مطلب في وطئ الدابة قوله: (وتذبح ثم تحرق) أي لقطع امتداد التحدث به كلما رؤيت وليس بواجب كما في الهداية وغيرها وهذا إذا كانت مما لا يؤكل، فإن كانت تؤكل جاز أكلها عنده. وقالا: تحرق أيضا، فإن كانت الدابة لغير الواطئ يطالب صاحبها أن يدفعها إليه بالقيمة ثم تذبح، هكذا قالوا: ولا يعرف ذلك إلا سماعا فيحمل عليه. زيلعي ونهر. قوله: (الظاهر أنه يطالب ندبا الخ) أي قولهم: يطالب صاحبها أن يدفعها إلى الواطئ ليس على طريق الجبر. وعبارة النهر: والظاهر أنه يطالب على وجه الندب، ولذا قال في الخانية: كان لصاحبها أيدفعها إليه بالقيمة اه. وعبارة البحر: والظاهر لا يجبر على دفعها. تنبيه: لو مكنت امرأة قردا من نفسها فوطئها كان حكمها كإتيان البهائم. جوهرة: أي في أنها لا حد عليها بل تعزر. وهل يذبح القرد أيضا، مقتضى التعليل بقطع امتداد التحدث نعم، فتأمل. قوله: (خبر الواحد كاف الخ) جملة معترضة بين القول ومقوله، والأولى ذكرها بعد هي عرسك لئلا يوهم أنها مقولة القول، والمراد أن تعبير المصنف كالكنز بقيل أولى من تعبير القدوري بقلن. مطلب فيمن وطئ من زفت إليه تنبيه: مقتضى هذا كله أنه لا يسقط الحد بمجرد الزفاف، وأنه لا بد من أن ينضم إليه الاخبار بأنها زوجته، ويلزم عليه أن من زفت إليه زوجته ليلة عرسه ولم يكن يعرفها أنه لا يحل له وطؤها ما لم تقل له واحدة أو أكثر إنها زوجتك، وهو خلاف الواقع بين الناس، وفيه حرج عظيم لأنه يلزم منه تأثيم الأمة. والظاهر أن يحل وطؤها بدون إخبار، ولا سيما إذ أحضرها النساء من أهله وجيرانه إلى بيته وجليت على المنصة (1) ثم زفت إليه، فإن احتمال غلط النساء فيها وأنها غيرها أبعد ما يكون، ومع هذا لو فرض الغلط وقد وطئها على ظن أنها زوجته وأنها تحل له فوجوب الحد عليه إذا لم يقل له أحد إنها زوجتك في غاية البعد أيضا، إذ لا شك أن هذه الشبهة أقوى من شبهة العقد على أمه أو بنته وظنه حلها له، وأقوى من ظنه حل أمة أبويه ونحوها، وكذا من وجدها على فراشه ليلا على ما صححه أبو الليث. ورأيت في الخانية: رجل زفت إليه غير امرأته ولم يكن رآها قبل ذلك فوطئها كان عليه المهر ولا حد عليه اه. وظاهره أن الاخبار غير شرط. وأظهر منه ما في كافي الحاكم الشهيد: رجل تزوج فزفت إليه أخرى فوطئها لا حد عليها ولا على قاذفه.
(1) قوله: (المنصة) بسكر الميم وبالصاد المهملة المشددة: هو الكرسي الذي تقف عليه العروس في جلائها مصباح ا ه منه. 190 رجل فجر بامرأة ثم قال حسبتها امرأتي قال: عليه الحد، وليست هذه كالأولى لان الزفاف شبهة، ألا ترى أنها إذا جاءت بولد ثبت نسبه منه، وإن جاءت هذه التي فجر بها بولد لم يثبت نسبه منه اه. فقوله لان الزفاف شبهة صريح في أن نفس الزفاف شبهة مسقطة للحد بدون إخبار، فهذا نص الكافي، وهو الجامع لكتب ظاهر الرواية، فالظاهر أن ما في المتون رواية أخرى، أو هو محمول على ما إذا لم نقم قرينة ظاهرة من عرس تجتمع فيه النساء أو من إرسال من تأتي بها إليه أو نحو ذلك مما يزيد على الاخبار، فلو لم يكن شئ من ذلك، كما إذا تزوج امرأة ثم بعد مدة أدخلت عليه امرأة في بيته ولم يعلم أنها التي عقد عليها أو غيرها، ولكنه ظن أنها هي فوطئها فهنا لا بد من إخبار واحدة أو أكثر بأنها زوجته، وإلا لزمه الحد، هذا ما ظهر لي، ولم أر من تعرض له، والله تعالى أعلم. قوله: (وعليه مهرها) أي ويكون لها كما قضى به علي رضي الله عنه، وهو المختار، لان الوطئ كالجناية عليها لا لبيت المال كما قضى به عمر رضي الله عنه، وكأنه جعله حق الشرع عوضا عن الحد، وتمامه في الزيلعي وغيره. قوله: (بذلك قضى عمر) كذا وقع في الدرر، وصوابه علي. وفي العزمية أنه سهو ظاهر. مطلب في وطئ الدبر قوله: (أو بوطئ دبر) أطلقه فشمل دبر الصبي والزوجة والأمة فإنه لا حد عليه مطلقا عند الامام. منح ويعزر. هداية. قوله: (حد) فهو عندهما كالزنا في الحكم فيجلد جلدا إن لم يكن أحصن، ورجما إن أحصن. نهر. مطلب في حكم اللواطة قوله: (بنحو الاحراق الخ) متعلق بقوله يعزر. وعبارة الدرر فعند أبي حنيفة يعزر بأمثال هذه الأمور. واعترضه في النهر بأن الذي ذكره غيره تقييد قتله بما إذا اعتاد ذلك. قال في الزيادات: والرأي إلى الامام فيما إذا اعتاد ذلك، إن شاء قتله، وإن شاء ضربه وحبسه. ثم نقل عبارة الفتح المذكورة في الشرح وكذا اعترضه في الشرنبلالية بكلا الفتح. وفي الأشباه من أحكام غيبوبة الحشفة: ولا يحد عند الامام إلا إذا تكرر فيقتل على المفتى به اه. قال البيري: والظاهر أنه يقتل في المرة الثانية لصدق التكرار عليه اه. ثم ظاهر عبارة الشارح أنه يعزر بالاحراق ونحوه ولو في عبده ونحوه، وهو صريح ما في الفتح حيث قال: ولو فعل هذا بعبده أو أمته أو زوجته بنكاح صحيح أو فاسد لا يحد إجماعا، كذا في الكافي، نعم فيه ما ذكرنا من التعزير والقتل لمن اعتاده. قوله: (والتنكيس الخ) قال في الفتح: وكان مأخذ هذا أن قوم لوط أهلكوا بذلك حيث خملت قراهم ونكست بهم، ولا شك في اتباع الهدم بهم وهم نازلون. قوله: (وفي الحاوي) أي الحاوي القدسي. وعبارته: وتكلموا في هذا التعزير من الجلد ورميه من أعلى موضع، وحبسه في أنتن بقعة وغير ذلك سوى الإخصاء والجب، والجلد أصح اه. وسكت عليه في البحر والنهر، فتأمل. قوله:
191 (التقييد بالامام الخ) فيه كلام قدمناه قبل هذا الباب. قوله: (الاستمناء حرام) أي بالكف إذا كان لاستجلاب الشهوة، أما إذا غلبته الشهوة وليس له زوجة ولا أمة ففعل ذلك لتسكينها فالرجاء أنه لا وبال عليه كما قاله أبو الليث، ويجب لو خاف الزنا. قوله: (كره) الظاهر أنها كراهة تنزيه، لان ذلك بمنزلة ما لو أنزل بتفخيذ أو تبطين. تأمل. وقدمنا عن المعراج في باب مفسدات الصوم: يجوز أن يستمني بيد زوجته أو خادمته، وانظر ما كتبناه هناك. قوله: (ولا شئ عليه) أي من حد وتعزير، وكذا من إثم على ما قلناه. مطلب: لا تكون اللواطة في الجنة قوله: (ولا تكون اللواطة في الجنة) قال السيوطي: قال ابن عقيل الحنبلي: جرت مسألة بين أبي علي بن الوليد المعتزلي وبين أبي يوسف القزويني في ذلك، فقال ابن الوليد: لا يمنع أن يجعل ذلك من جملة اللذات في الجنة لزوال المفسدة، لأنه إنما منع في الدنيا لما فيه من قطع النسل وكونه محلا للأذى وليس في الجنة ذلك ولهذا أبيح شرب الخمر لما ليس فيه من السكر وغاية العربدة وزوال العقل فلذلك لم يمنع من الالتذاذ بها. فقال أبو يوسف: الميل إلى الذكور عاهة، وهو قبيح في نفسه، لأنه محل لم يخلق للوطئ، ولهذا لم يبح في شريعة، بخلاف الخمر وهو مخرج الحدث، والجنة نزهت عن العاهات. فقال ابن الوليد: العاهة هي التلويث بالأذى، فإذن لم يبق إلا مجرد الالتذاذ اه كلامه. رملي على المنح. قوله: (حرمتها عقلية) الظاهر أن المراد بالحرمة هنا القبح إطلاقا لاسم المسبب على السبب: أي قبحها عقلي، بمعنى أنه يدرك بالعقل وإن لم يرد به الشرع كالظلم والكفر، لان مذهبنا أنه لا يحرم بالعقل شئ: أي لا يكون العقل حاكما بحرمته، وإنما ذلك لله تعالى، بل العقل مدرك لحسن بعض المأمورات وقبح بعض المنهيات فيأتي الشرع حاكما بوفق ذلك فيأمر بالحسن وينهى عن القبح. وعند المعتزلة: يجب ما حسن عقلا ويحرم ما قبح وإن لم يرد الشرع بوجوبه أو حرمته. فالعقل عندهم هو المثبت، وعندنا المثبت هو الشرع والعقل آلة لادراك الحسن والقبح قبل الشرع. وعند الأشاعرة: لاحظ للعقل قبل الشرع بل العقل تابع للشرع، فما أمر به الشرع يعلم بالعقل أنه حسن، وما نهى عنه يعلم أنه قبيح، وتمام أبحاث المسألة يعلم من كتب الأصول ومن حواشينا على شرح المنار. قوله: (وقيل سمعية) أي لا يستقل العقل بإدراك قبحها قبل ورود الدليل السمعي. قوله: (فتوجد) أي يمكن أن توجد. قوله: (وقيل يخلق الله تعالى الخ) هذا خارج عن محل النزاع، لان الكلام في الاتيان في الدبر. قوله: (والصحيح الأول) هو أنه لا وجولها في الجنة. قوله: (لحرمتها) أي قبحها كما مر. قوله: (وتزول حرمته الخ) وجه آخر
192 لبيان أشدية اللواطة، وهو أن وطئ الذكر لا يمكن زوال حرمته، بخلاف وطئ الأنثى فإنه يمكن بتزوجها أو شرائها. قوله: (لأنه مطهر على قول) أي قول كثير من العلماء وأن كان خلاف مذهبنا كما مر. قوله: (يكفر مستحلها) قدم الشارح في باب الحيض الخلاف في كفر مستحل وطئ الحائض ووطئ الدبر، ثم وفق بما في التتارخانية عن السراجية: اللواطة بمملوكه أو مملوكته أو امرأته حرام، إلا أنه لو استحله لا يكفر. قاله حسام الدين اه: أي فيحمل القول بكفره على ما إذا استحل اللواطة بأجنبي، بخلاف غيره، لكن في الشرنبلالية أن هذا يعلم ولا يعلم: أي لئلا يتجرأ الفسقة عليه بظنهم حله. تتمة: للواطة أحكام أخر: لا يجب بها المهر ولا العدة في النكاح الفاسد ولا في المأتي بها لشبهة، ولا يحصل بها التحليل للزوج الأول، ولا تثبت بها الرجعة ولا حرمة المصاهرة عند الأكثر، ولا الكفارة في رمضان في رواية. ولو قذف بها لا يحد خلافا لهما، ولا يلاعن خلافا لهما. بحر. وهو مأخوذ من المجتبى. ويزاد ما في الشرنبلالية عن الشراج: يكفي في الشهادة عليها عدلان لا أربعة خلافا لهما. قوله: (إلا إذا زنى الخ) يعني أن ما في المتن خاص بما إذا خرج من عسكر من له ولاية إقامة الحدود فدخل دار الحرب وزنى ثم عاد، أو كان مع أمير سرية أو أمير عسكر فزنى ثمة، أو كان تاجرا أو أسيرا. أما لو زنى مع عسكر من له ولاية إقامة الحد فإنه يحد، بخلاف أمير العسكر أو السرية، لأنه إنما فوض لهما تدبير الحرب لا إقامة الحدود، وولاية الامام منقطعة ثمة كما في الفتح. شرنبلالية. قوله: (لا عليه ولا عليها) لان فعل الرجل أصل في الزنا والمرأة تابعة له، وامتناع الحد في حق الأصل يوجب امتناعه في حق التبع. نهر. وكذا لا عقر عليه، لأنه لو لزمه لرجع به الولي عليها لأمرها له بمطاوعتها له، بخلاف ما لو زنى الصبي بصبية أو بمكرهة فإنه يجب عليه العقر كما في الفتح. شرنبلالية. قوله: (والحق وجوب الحد) أي كما هو قولهما وهذا بحث لصاحب الفتح، وسكت عليه في النهر والمتون والشروح على قول الإمام. قوله: (ولا بالزنا بإكراه) هذا ما رجع إليه الامام، وكان أولا يقول: إن الرجل يحد لأنه لا يتصور إلا بانتشار الآلة، وهو آية الطواعية، بخلاف المرأة فلا تحد إجماعا، وأطلق فشمل الاكراه من غير السلطان على قولهما المفتى به من تحققه من غيره، وهو اختلاف عصر وزمان، وتمامه في البحر. قال ط: والمراد أنه لا يجب على الزاني المكره، فلو زنى مكرها بمطاوعة وجب عليها الحد كما في حاشية الشلبي. قوله: (ولا بإقرار إن أنكره الآخر) أي لو أقر أحدهما بالزنا أربع مرات في أربع مجالس وأنكر الآخر، سواء ادعى المنكر النكاح أو لم يدعه لا يحد المقر خلافا لهما في الثانية لانتفاء الحد عن المنكر بدليل موجب للنفي عنه فأورث شبهة في حق المقر، لان الزنا فعل واحد يتم بهما، فإذا تمكنت فيه شبهة تعدت إلى طرفيه، لأنه ما أطلق بل أقر بالزنا بمن درأ الشرع الحد عنه، بخلاف ما لو أطلق وقال: زنيت فإنه لا موجب شرعي يدفعه، ومثله لو أقر بالزنا بغائبة لأنه لم ينتف في حقها بما يوجب النفي وهو
193 الانكار، ولذا لو حضرت وأقرت تحد، فظهر أن الاعتبار للانكار للغيبة. فتح ملخصا. قلت: ويظهر من هذا أن السكوت لا يقوم مقام الانكار. تأمل، نعم تقدم أنه لو أقر بالزنا بخرساء لا يحد لاحتمال أنها لو كانت تتكلم لابد ت مسقطا، وقدمنا في الباب السابق الفرق بينهما وبين الغائبة. تنبيه: حيث سقط الحد يجب لها المهر وإن أقرت هي بالزنا وادعى النكاح، لأنه لما سقط الحد صار ت مكذبة شرعا، ثم لو أنكرت الزنا ولم تدع النكاح وادعت على الرجل حد القذف فإنه يحد له ولا يحد للزنا، وتمامه في الفتح. قوله: (وكذا لو قال اشتريتها ولو حرة) أي ولو كانت حرة لا يحد، لأنه لم يقر بالزنا حيث ادعى الملك. وفي كافي الحاكم: زنى بأمة ثم قال اشتريتها شراء فاسدا، أو على أن للبائع فيه الخيار، أو ادعى صدقة أو هبة وكذبه صاحبها ولم يكن له بينة درئ عنه الحد اه. وفي التتارخانية عن شرح الطحاوي: شهد عليه أربعة بالزنا وأثبتوه ثم ادعى شبهة فقال ظننت أنها امرأتي لا يسقط الحد، ولو قال هي امرأتي أو أمتي لا حد عليه ولا على الشهود اه. وفي البحر: لو ادعى أنها زوجته فلا حد وإن كانت زوجة للغير، ولا يكلف إقامة البينة للشبهة، كما لو ادعى السارق أن العين ملكه سقط الحد بمجرد دعواه اه وتقدمت هذه متنا في الباب السابق. قلت: وانظر وجه الفرق بين قوله ظننت أنها امرأتي وقوله هي امرأتي، ولعل وجهه أن قوله ظننت يدل على إقراره بأنها أجنبية عنه فكان إقرارا بالزنا بأجنبية، بخلاف قوله هي امرأتي أو اشتريتها ونحوه فإنه جازم به وبأن فعله غير زنا، فتأمل. بقي هنا شئ وهو أن الشبهة في هذه المسائل وفي مسألة المتن التي قبلها لم أر من ذكر أنها من أي أقسام الشبه الثلاثة، وظاهر كلامهم أنها خارجة عنها. ووجهه أنه في هذه المسائل يدعي حقيقة الملك الذي لو ثبت لم يكن وطؤه فيه محرما، بخلاف تلك الأقسام، والظاهر أن النسب هنا لا يثبت وأن الفعل تمحض زنا، وإنما سقط الحد لشبهة صدقه في دعواه الملك بالعقد أو بالشراء ونحوه، وبهذا لا يثبت النسب لان الملك ثابت لغيره، وعلى هذا فيمكن دخولها في شبهة الفعل وهي شبهة الاشتباه، لان مرجعها إلى أنه اشتبه عليه الامر بظنه الحل، والله سبحانه أعلم. قوله: (وفي قتل أمة بزناها) هذا عندهما. وأما عند أبي يوسف: فعليه القيمة لا الحد، لأنه لم يبق زنا حيث اتصل بالموت كما في المحيط. قهستاني. قلت: وصحح في الخانية قول أبي يوسف، لكن المتون والشروح على الأول، بل ما ذكر عن أبي يوسف هو رواية عنه لا قوله، وهي خلاف ظاهر الرواية عنه كما أوضحه في الفتح. قوله: (الحد بالزنا والقيمة بالقتل) أشار إلى توجيه وجوب الحد والقيمة بأنهما جنايتان مختلفتان بموجبين مختلفين ط. قوله: (ولو أذهب عينها) كذا في البحر وغيره، والأظهر عينيها بالتثنية ليلزم كل القيمة لكنه مفرد مضاف فيعم بقرينة قوله الجثة العمياء. قوله: (فأورث شبهة) أي في ملك المنافع تبعا فيندرئ عنه الحد بخلاف ما مر، فإن الجثة فائتة بالقتل فلا تملك بعد الموت، وتمامه في الفتح. قوله: (وتفصيل ما لو أفضاها في الشرح) أي شرح المصنف.
194 وحاصله أنه إن أفضاها وهي كبيرة مطاوعة بلا دعوى شبهة حد، ولا عقر عليه لرضاها به، ولا مهر لوجوب الحد، وإن كان مع دعوى شبهة فلا حد ويجب العقر، وإن كانت مكرهة ولم يدع شبهة لزمه الحد لا المهر، وضمن ثلث الدية إن استمسك بولها، وإلا فكلها لتفويته جنس المنفعة على الكمال، وإن ادعى شبهة فلا حد، ثم إن استمسك فعليه ثلث الدية، ويجب المهر في ظاهر الرواية، وإن لم يستمسك فكل الدية ولا مهر، خلافا لمحمد. وإن أفضاها وهي صغيرة، فإن كان يجامع مثلها فكالكبيرة، إلا في حق سقوط الأرش برضاها، وإلا فلا حد ولزمه ثلث الدية والمهر كاملا إن استمسك بولها، وإلا فكل الدية دون المهر، خلافا لمحمد لدخول ضمان الجزء لضمان الكل، كما لو قطع أصبع إنسان ثم كفه قبل البرء اه. قوله: (فلا حد عليه اتفاقا) لأنه ملكها بالضمان فأورث شبهة في ملك المنافع أخذا مما مر، وهذا إذا لم تمت. ففي الجوهرة: ولو غصب أمة فزنى بها فماتت من ذلك أو غصب حرة ثيبا فزنى بها فماتت من ذلك. قال أبو حنيفة: عليه الحد في الوجهين مع دية الحرة وقيمة الأمة، أما الحرة فلا إشكال فيها لأنها لا تملك بدفع الدية، وأما الأمة فإنها تملك بالقيمة، إلا أن الضمان وجب بعد الموت والميت لا يصلح تملكه. قوله: (كما لو زنى بحرة) تقدمت متنا في الباب السابق عند قوله وندب تلقينه. قوله: (لا يسقط الحد) أي في المسألتين لعدم الشبهة وقت الفعل كما ذكره الشارح هناك. وقوله اتفاقا ذكره في: الفتح عن جامع قاضيخان في المسألة الأخيرة، وقدم الشارح أنه الأصح، ومفاده الخلاف. وذكر في البحر عن المحيط: لو تزوج المزني بها أو اشتراها لا يسقط الحد في ظاهر الرواية لأنه لا شبهة له وقت الفعل اه. ثم ذكر في أول هذا الباب عن الظهيرية خلافا في المسألتين، هو أنه لا حد فيهما عنده بل عند أبي يوسف. وروى الخلاف بالعكس. وروى الحسن عن الامام أنه لا حد في الشراء بل في التزوج، لأنه بالشراء يملك عينها، بخلاف التزوج. قلت: ومسألة الغصب الثانية التي ذكرها المصنف توافق ظاهر الرواية. قوله: (أما بتمكينه) أي تمكين الخليفة ولي الحق من الاستيفاء. قوله: (وبه علم الخ) لأنه لم يشترط القضاء هنا، فلو قتل الولي القاتل قبل القضاء لم يضمن وكذا لو أخذ ماله من غاصبه، بخلاف ما لو قتل أحد الزاني قبل القضاء برجمه فإنه يضمن كما مر، لان القضاء شرطه. قوله: (ولا ولاية لاحد عليه) أي ليستوفيه. وفائدة الايجاب الاستيفاء، فإذا تعذر لم يجب. وأورد عليه ما المانع من أن يولي غيره الحكم بما يثبت عنده كما في الأموال، قيل ولا مخلص إلا إن ادعى أن قوله تعالى: * (فاجلدوا) * (سورة النور: الآية 2) يفهم أن الخطاب للامام أن يجلد غيره، وقد يقال أين دليل إيجاب الاستنابة. فتح. والله سبحانه أعلم.
195 باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها تقدم أن الزنا يثبت بالاقرار والبينة، وقدم كيفية ثبوته بالأول، لان الثاني أندر نادر لضيق شروطه. وأيضا لم يثبت عنده (ص) ولا عند أصحابه بعده إلا بالاقرار كما في الفتح. قوله: (شهدوا بحد متقادم) أي بسبب حد لأنه المشهود به لا نفس الحد اه ح: أي ففي التعبير تساهل كما في الفتح. قوله: (للتهمة) لان الشاهد مخير بين أداء الشهادة والستر، فالتأخير إن كان لاختيار الستر فالاقدام على الأداء بعده لعداوة حركته فيتهم فيها وإن كان لا للستر يصير فاسقا آثما فتيقنا بالمانع، بخلاف الاقرار لان الانسان لا يعادي نفسه. هداية. وأورد على قوله يصير فاسقا بأن ذلك لو كان الأداء واجبا، وليس كذلك، إلا أن يجاب بأن سقوط الوجوب لأجل الستر فإذا أدى لم يوجد موضع الرخصة المسقطة للوجوب. تأمل. قوله: (إذ فهي حق العبد الخ) أي وإن كان الغالب فيه حق الله تعالى اه ح. قال في الهداية: فحد الزنا والشرب والسرقة خالص حقه تعالى حتى يصح الرجوع عنها بعد الاقرار فيكون التقادم فيه مانعا. وحد القذف فيه حق العبد، لما فيه من دفع العار عنه، ولهذا لا يصح رجوعه بعد الاقرار، والتقادم غير مانع في حقوق العباد، ولان الدعوى فيه شرط، فيحمل تأخيرهم على انعدام الدعوى فلا يوجب تفسيقهم، بخلاف السرقة لان الدعوى ليست بشرط للحد لأنه خالص حقه تعالى على ما مر، وإنما تشترط للمال. هداية. وحاصله أن في السرقة أمرين: الحد والمال، وإنما تشترط الدعوى للزوم المال لا للزوم الحد، ولذا ثبت المال بها بعد التقادم لأنه لا يبطل به، بخلاف الحد. قوله: (ويضمن المال الخ) عطف على قوله: لم تقبل قال في البحر: وقولهم بضمان المال مع تصريحهم بوجود التهمة في شهادتهم مع التقادم مشكل، لأنه لا شهادة للمتهم ولو بالمال، إلا أن يقال: إنها غير محققة، وإنما الموجود الشبهة اه: أي إنما سقط الحد لاحتمال العداوة، وذلك غير محقق لكنه يصير شبهة يسقط بها الحد دون المال. قوله: (لأنه حق العبد) ولا تأخير الشهادة لتأخير الدعوى لا يوجب فسقا، وينبغي أنهم لو أخروا الشهادة لا لتأخير الدعوى أن لا تقبل في حق المال أيضا كما في الفتح. نهر. قوله: (لانتفاء التهمة) لان الانسان لا يعادي نفسه كما مر. قوله: (إلا في الشرب) فإن التقادم فيه يبطل الاقرار عند أبي حنيفة وأبي يوسف. بحر عن غاية البيان. وأما عند محمد فلا يبطله، وسيجئ تصحيحه في بابه. قوله: (هو الأصح) اعلم أن التقادم عند الامام مفوض إلى رأي القاضي في كل عصر، لكن الأصح ما عن محمد أنه مقدر بشهر، وهو مروي عنهما أيضا. وقد اعتبره محمد في شرب الخمر أيضا. وعندهما: هو مقدر بزوال الرائحة، وجزم به في الكنز في بابه، فظاهره كغيره أنه المختار. فعلم أن الأصح اعتبار الشهر إلا في الشرب. بحر. وبه ظهر أن ما ذكره المصنف ليس قول محمد على إطلاقه، بل هو ماش على قولهما في الشرب، وعلى قول محمد في غيره، فافهم.
196 قوله: (وقيل لا) أقول هذا هو المذهب، لأنه هو المذكور في كافي الحاكم الشهيد، حيث قال: وإذا شهد الشهود على رجل بزنا قديم لم آخذ بشهادتهم ولا أحدهم اه. ولذا قال الكرخي: إنه الظاهر: أي ظاهر الرواية. وعلله في العناية بأن عددهم متكامل وأهلية الشهادة موجودة وذلك بمنع أن يكون كلامهم قذفا. قوله: (بغائبة) أي والشهود يعرفونها، إذ لا حد عليه بعدم معرفتها كما يأتي. شرنبلالية. قوله: (ولو على سرقة) مثله القذف كما يشير إليه تعليله ح. قوله: (لشرطية الدعوى الخ) أي أنها شرط للعمل بالبينة، لان الشهادة بالسرقة تتضمن الشهادة بملك المسروق للمسروق منه فلا تقبل بلا دعوى، وليست شرطا لثبوت الزنا عند القاضي، ولا يقال: يحتمل أن الغائبة لو حضرت تدعي النكاح فيسقط الحد. لأنا نقول: دعواها النكاح شبهة واحتمال دعواها ذلك شبهة الشبهة فلا تعتبر، وإلا أد إلى نفي كل حد لان ثبوته بالبينة أو الاقرار. ويحتمل أن يرجع المقر أو الشهود، وذلك لا يعتبر، لان نفس هذا الرجوع شبهة واحتماله شبهة الشبهة. أفاده في الفتح. قوله: (حد) لأنه لا يخفى عليه من له فيها شبهة فإنه كما لا يقر على نفسه كاذبا لا يقر على نفسه حال الاشتباه، فلما أقر بالزنا كان فرع علمه أنها لم تشتبه عليه، وصار معنى قوله لم أعرفها: أي باسمها ونسبها، ولكن علمت بأنها أجنبية، فكان هذا كالمنصوص عليه، بخلاف الشاهد فإنه يجوز أن يشهد على من تشتبه عليه فلا يكون قول الشاهد لا أعرفها موجبا للحد: فتح. قوله: (لاحتمال أنها امرأته أو أمته) لو قال لاحتمال أن يكون له فيها شبهة لكان أعم اه ح. وفي كافي الحاكم: وإن قال المشهود عليه إن التي رأوها معي ليست لي بامرأة ولا خادم لم يحد أيضا لتصور أن تكون أمة ابنه أو منكوحته نكاحا فاسدا. بحر. قوله: (كاختلافهم في طوعها) بأن شهد اثنان أنه أكرهها وآخران أنها طاوعته لم يحدا عنده. وقالا: يحد الرجل لاتفاقهم على أنه زنى، وتفرد اثنان منهم بزيادة جناية وهي الاكراه، وله أنه زناءان مختلفان لم يكمل في كل نصاب، لان زناها طوعا غير مكرهة فلا حد، ولا الطوع يقتضي اشتراكهما في الفعل والكره يقتضي تفرده فكانا غيرين ولم يوجد في كل نصاب. ثم إن اتفاق الشهود على النسبة إلى الزنا بلفظ الشهادة مخرج لكلامهم من أن يكون قذفا، وتمامه في الزيلعي. قوله: (ولو على كل زنا أربعة) راجع لقوله: أو في البلد كما اقتضاه كلام الشراح في تصويرهم المسألة وتعليلهم بامتناع فعل واحد في ساعة واحدة في مكانين متباينين فتيقنا بكذب أحد الفريقين. وظاهره أنه لو شهد أربعة بالطوع وأربعة بالاكراه يحدان، وبه جزم محشي مسكين معللا بعدم التيقن بكذب أحد الفريقين حيث لم يذكروا وقتا واحدا، وجزم ج بأن لا حد لما مر أول الباب السابق من أن الحد يسقط في دعوى الاكراه إذا برهن. قال: ومعلوم أن ذلك بعد ثبوت الحد عليه بالبينة، والبينة المثبتة للحد لا بد وأن تشهد بالطوع اه. قلت: هذا إنما يظهر إذا ذكروا وقتا واحدا، وإلا فيمكن حمله على فعلين: أحدهما بالاكراه، والآخر بالطوع. وأما ما مر في الباب السابق فهو فيما إذا شهد أربعة على زناه طوعا وأقام شاهدين
197 على الاكراه في ذلك الفعل بعينه لا مطلقا فيندرئ الحد عنه للشبهة، فافهم، والله سبحانه أعلم. قوله: (وإلا) بأن اتحد الوقت وتقارب المكانان، أو اختلف الوقت وتباعد المكانان، أو تقاربا. ح. قوله: (في زاويتي بيت) أي جانبيه. قوله: (لامكان التوفيق) بأن يكون ابتداء الفعل في زاوية والانتهاء في أخرى بالاضطراب والحركة. بحر. لا يقال: هذا توفيق لإقامة الحد الواجب درؤه بأن التوفيق مشروع صيانة للقضاء عن التعطيل، إذ لو شهد أربعة قبلوا مع احتمال شهادة كل منهم في اقحام الشارح لفظة " لكن " غير ظاهر، لان الواو في كلام المصنف واو الحال والجملة حالية، وكذا قوله بعده " ولكن هم عميان " كما أفاده ط. قوله: (لم يحد أحد) أي من الشهود والمشهود عليهما في المسائل الثلاث. أما الأولى: فلان الزنا لا يتحقق مع بقاء البكارة ونحوه فلا يحدان لظهور الكذب، ولا الشهود لان ثبوت البكارة ونحوها بقول امرأة أو أكثر حجة في إسقاط الحد لا في إيجابه. وأما الثانية: فلم يحد لاشتراط العدالة لثبوت الزنا، ولا الشهود، سواء علم فسقهم في الابتداء أو ظهر بعده، لان الفاسق من أهل الأداء والتحمل وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق، ولذا لو قضى بشهادته ينفذ عندنا فيثبت بشهادتهم شبهة الزنا فسقط الحد عنهم، ولذا لا يحد القاذف لو أقام أربعة من الفساق على زنا المقذوف. وأما الثالثة: فلان الشهادة على الشهادة لا تجوز في الحدود لزيادة الشبهة باحتمال الكذب في موضعين في الأصول وفي الفروع، ولا يحد الفروع لان الحاكي للقذف غير قاذف وكذا الأصول بالأولى، ولو شهدوا بعد الفروع لرد شهادتهم من وجه برد شهادة الفروع اه. ملخصا من البحر. قوله: (فوجد مجبوبا) وجه عدم حد الشهود فيه يؤخذ مما عللوا به أيضا في البكارة والرتق وهو تكامل عددهم ولفظ الشهادة ثم رأيته كذلك في الدرر، فافهم. وأيضا سيأتي أن المجبوب لا حد على قاذفه، وبه علل المسألة هنا الحاكم في الكافي. قوله: (عميان) أي أو عبيد أو صبيان أو مجانين أو كفار. نهر. قوله: (حدوا القذف) أي دون المشهود عليه لعدم أهلية الشهادة فيهم أو عدم النصاب فلا يثبت الزنا. قوله: (وأرش جلده) أي إذا كان جرحه الجلد كما في الهداية. قوله: (خلافا لهما) حيث قال: إن الأرش في بيت المال لأنه ينتقل فعل الجلاد للقاضي وهو عامل للمسلمين فتجب الغرامة في مالهم. وله أن الفعل الجارح لا ينتقل للقاضي لأنه لم يأمر به فيقتصر على الجلاد، إلا
198 أنه لا يجب عليه الضمان في الصحيح كيلا يمتنع الناس عن الإقامة مخافة الغرامة. ابن كمال. وعلى هذا الخلاف إذا رجع الشهود لا يضمنون عنده. وعندهما يضمنون، وتمامه في الهداية والنهر. وفي العزمية عن بعض شرح الهداية: ومعرفة الأرش أن يقوم المحدود عبدا سليما من هذا الأثر فينظر ما ينقص به القيمة: ينقص من الدية بمثله اه. قلت: لكن قوله: ينقص من الدية بمثله لا محل له، بل الظاهر أن يقال: فينظر ما ينقص به القيمة يؤخذ من الشهود. وبيانه أنه لو فرض أن قيمته سليما ألف وقيمته بهذه الجراحة تسعمائة تكون الجراحة نقصته مائة هي الأرش فيرجع على الشهود بها. قوله: (فقط) قيد لقوله: ويحد من رجع أي يحد الراجع فقد حد القذف دون الباقين لبقاء شهادتهم. قوله: (وغرم ربع الدية) لان التألف بشهادته ربع الحق، وكذا لو رجع الكل حدوا وغرموا الدية. نهر. وقول البحر: وغرموا ربع الدية صوابه جميع الدية كما قاله الرملي. قوله: (وإن رجع قبله) أي الرجم سواء كان قبل القضاء أو بعده. نهر. قوله: (حدوا للقذف) أي حد الشهود كلهم. أما إذا كان قبل القضاء فهو قول علمائنا الثلاثة لأنهم صاروا قذفة. ك، أما بعده فهو قولهما وقال محمد: يحد الراجع فقط لان الشهادة تأكدت بالقضاء فلا تنفسخ إلا في حق الراجع. ولهما أن الامضاء من القضاء، ولذا سقط الحد عن المشهود عليه. نهر. قوله: (لان الامضاء الخ) هذا التعليل فيما إذا كان الرجوع بعد القضاء واقتصر عليه لعدم الخلاف عند الثلاثة فيما قبله، فافهم. ومعناه أن إمضاء الحد من تمام القضاء به. وثمرته تظهر أيضا فيما إذا اعترضت أسباب الجرح أو سقوط إحصان المقذوف أو عزل القاضي كما في المعراج. قوله: (حدا وغرما ربع الدية) أما الحد فلانفساخ القضاء بالرجم في حقهما. وأما الغرم فلان المعتبر بقاء من بقي لا رجوع من رجع. وقد بقي من يبقى ببقائه ثلاثة أرباع الدية فيلزمهما الربع. فإن قيل: الأول منهما حين رجع لم يلزمه شئ فكيف يجتمع عليه الحد والضمان بعد ذلك برجوع غيره؟ قلنا: وجد منه الموجب للحد والضمان وهو قذفه وإتلافه بشهادته، وإنما امتنع الوجوب لمانع وهو بقاء من يقوم بالحق، فإذا زال المانع برجوع الثاني ظهر الوجوب. ح عن الزيلعي. قوله: (ولو رجع الثالث ضمن الربع) وكذا الثاني والأول. بحر عن الحاوي القدسي. قوله: (ولو رجع الخمسة) أي معا لا مرتبا. قوله: (وضمن المزكي) أفرده لأنه لا يشترط العدد في التزكية كما في الفتح: أي ضمن من زكى شهود الزنا إذا رجع عن التزكية وتؤخذ الدية من ماله لا من بيت المال، خلافا لهما، لان الشهادة إنما تصير حجة بالتزكية فكانت في معنى علة العلة فيضاف الحكم إليها، بخلاف شهود الاحصان إذا رجعوا لأنه محض الشرط. قوله: (إن ظهروا) أي شهود الزنا. قوله: (عبيدا أو كفارا) بيان لقوله: غير أهل أشار به إلى أن المراد به كونهم غير أهل للأداء وإن كانوا أهلا للتحمل. قوله: (وهذا الخ) تورك على المصنف حيث ترك كالكنز قيد الرجوع
199 أخذا بظاهر كلام المنظومة، وقد حقق المقام في الفتح، فراجعه. قوله: (بحرية الشهود وإسلامهم) أي وعدالتهم، وقيد بالاخبار بذلك ليكون تزكية سواء كان بلفظ الشهادة أو بلفظ الاخبار، لأنه لو أخبر بأنهم عدول ثم ظهروا عبيدا لم يضمن اتفاقا لأنها ليست تزكية، والقاضي قد أخطأ حيث اكتفى بهذا القدر. بحر. قوله: (وإلا) أي وإن لم يرجع بل استمر على تزكيته قائلا هم أحرار مسلمون، وكذا لو قال أخطأت. فتح. قوله: (ولا يحدون) أي الشهود، وكذا لا يضمنون. بحر. قوله: (لأنه لا يورث) لأنهم قذفوا حيا وقد مات فلا يورث كما في الفتح. قلت: ولا يرد عليه المسألة المتقدمة، وهي ما إذا رجع أحد الأربعة بعد الرجم لما مر من انقلاب شهادته بالرجوع قذفا: أي لأنها وقعت كانت معتبرة شهادة ثم انفسخت فصارت قذفا للحال كما حققه في الفتح هناك. قوله: (كما لو قتل الخ) هكذا عبر في الدرر. واعترض بأنه يوهم أن الضامن هو المزكي. وليس كذلك بل هو القاتل، فالتشبيه بين الضمانين فقط لا مع ما أسند إليهما. والأوضح قول الوقاية ضمن الدية: من قتل المأمور برجمه أو زكى شهود زناه فظهروا عبيدا أو كفارا اه. قوله: (بعد التزكية) قيد به لان المراد بالامر ه الكامل، وهو أن يكون بعد استيفاء ما لا بد منه نهر، ويأتي محترزه. قوله: (فظهروا كذلك) أما لو لم يظهروا كذلك فلا شئ على القاتل لكنه يعزر لافتيائه على الامام. بحر عن الفتح. وقدمه الشارح أول الحدود عن النهر بحثا. قوله: (غير أهل) بدل من قوله كذلك. قوله: (يضمن الدية) أي في ماله لأنه عمد والعاقلة لا تعقل العمد، وتجب في ثلاث سنين لأنه وجب بنفس القتل فيجب مؤجلا كالدية. فتح. قوله: (استحسانا) والقياس وجوب القصاص لأنه قتل نفسا محقونة الدم عمدا بفعل لم يؤمر به، إذ المأمور به الرجم فلا يصير فعله منقولا إلى القضاء. قوله: (لشبهة صحة القضاء) أي ظاهرا لأنه حين قتله كان القضاء بالرجم صحيحا ظاهرا فأورث شبهة الإباحة. قوله: (قبل الامر) أي قبل القضاء بالرجم كما عبر في الفتح، لان المراد بالامر الكامل كما مر. قوله: (أو بعده) أي بعد الامر قبل التزكية خطأ من القاضي. بحر. قوله: (اقتص منه) أي في العمد ووجب في الخطأ الدية على عاقلته في ثلاث سنين. بحر. قوله: (كما يقتص الخ) التشبيه من حيث وجوب القصاص فقط. وأفاد الفرق بين المسألتين من حيث وجوب القصاص هنا وإن لم يظهر الشهود عبيدا، وذلك أن المقتضي بقتله قصاصا حق الاستيفاء منه للولي، بخلاف المقضي برجمه. قوله: (زيلعي من الردة) أي من باب الردة وهذا العزو كذلك وقع في البحر، وعزاه في النهر إلى الزيلعي من الدية. قوله: (وإن رجم) بالبناء للمفعول: أي من أمر القاضي برجمه لو رجمه أحد. قوله: (فديته في بيت المال) قال في البحر: لم أر هل الدية تؤخذ حالا أو مؤجلة. قوله: (فنقل فعله إليه) أي إلى الامام، لان الراجم فعل ما أمره به وقد ظهر عدم صحة الامر فنقل فعله إلى الامام وهو عامل للمسلمين فتجب
200 الغرامة في مالهم، بخلاف ما إذا قتله بغير الرجم، لأنه لم يأتمر أمره فلم ينقل فعله إليه، كما أفاده في الفتح. مطلب: المواضع التي يحل فيها النظر إلى عورة الأجنبي قوله: (لاباحته لتحمل الشهادة) ومثله نظر القابلة والخافضة والختان والطبيب. وزاد في الخلاصة: من مواضع حل النظر للعورة عند الحاجة: الاحتقان والبكارة في العنة والرد بالعيب. فتح. قلت: وكذا لو ادعى الزاني بكارتها، ونظمتها بقولي: ولا تنظر لعورة أجنبي * بلا عذر كقابلة طبيب وختان وخافضة وحقن * شهود زنا بلا قصد مريب وعلم بكارة في عنة أو * زنا أو حين رد للمعيب قوله: (وإن أنكر الاحصان) أي استجماع شرائطه المتقدمة، كأن أنكر النكاح والدخول فيه والحرية. قوله: (فشهد عليه رجل وامرأتان) أشار به إلى أنه يقبل شهادة النساء في الاحصان عندنا، وفيه خلاف زفر والأئمة الثلاثة. وكيفية الشهادة به أن يقول الشهود تزوج امرأة وجامعها أو باضعها. ولو قالوا دخل بها يكفي عندهما، لأنه متى أضيف إلى المرأة بحرف الباء يراد به الجماع. وقال محمد: لا يكفي، وتمامه في الزيلعي والفتح. قوله: (أو ولدت زوجته منه) أي إذا ولدت في مدة يتصور أن يكون منه جعل واطئا شرعا، لان الحكم بثبوت النسب منه حكم بالدخول بها ولهذا يعقب الرجعة. زيلعي. قلت: ظاهرة ثبوت الاحصان ولو كان ثبوت النسب بحكم الفراش كتزوج مشرقي بمغربية، وفيه نظر، لكن في الفتح أن الفرض أنهما مقران بالولد، ومثله في شرح الشلبي. تأمل. قوله: (قبل الزنا) متعلق بولدت. والظاهر أنه غير قيد كما يعلم من تعليل الزيلعي المذكور آنفا، حتى لو ولدت بعد الزنا لدون ستة أشهر يثبت نسبه ويعلم أنه وقت الزنا كان واطئا لزوجته. تأمل. قوله: (فهو محصن بإقراره) أي مؤاخذة له بإقراره، فلا يقال: إنها بإنكارها الوطئ لم تصر محصنة فلا يكون هو محصنا أيضا. قوله: (وبه استغنى الخ) وجه الاستغناء أنه إذا كان أحدهما محصنا دون الآخر علم أن كل واحد منهما إذا زنى يحد بما يستوجبه، فالمحصن يرجم وغيره يجلد كما أفاده التفريع: نعم ما في بعض النسخ أعم، لأنه يشمل ما لو كان عدم إحصان أحدهما ببكارته، ولعله أشار إلى هذا بقوله فتأمل. لا يقال: ما في بعض النسخ غير صحيح كما توهم، لان شرط الرجم إحصان كل ولم يوجد. لأنا نقول: شرط الرجم إحصان كل من الزوجين لا الزانيين، فيرجم من زنى بامرأة إذا كان فيه شروط الاحصان التي منها دخوله بامرأة محصنة مثله. وأما المرأة المزني بها فلا يشترط لرجمه أن تكون محصنة، بل إحصانها شرط لرجمها هي، فإن كانت محصنة مثله رجمت معه، وإلا جلدت، وهذا ظاهر نبهنا عليه عند الاحصان أيضا، فافهم.
201 والحاصل أن الزانيين إما محصنان فيرجمان، أو غير محصنين فيجلدان، أو مختلفان فيرجم المحص ويجلد غيره. قوله: (لشبهة الخلاف) أي خلاف العلماء والاخبار في صحته فلم تكن صحته قطعية، وهذه المسألة نقلها في البحر عن المحيط كذلك، فيحتمل أن يكون إسنادها إلى أبي يوسف لكونه هو الذي خرجها، لا لكون غيره قائلا بخلافه، ويحتمل أن يكون فيها خلافهما، والأول أظهر لعدم ذكر المخالف. تأمل، والله سبحانه أعلم. باب حد الشرب أخره عن الزنا لان الزنا أقبح منه وأغلظ عقوبة، وقدمه على حد القذف لتيقن الجريمة في الشارب دون القاذف لاحتمال صدقه، وتأخير حد السرقة لأنه لصيانة الأموال التابعة للنفوس. بحر. قوله: (فلو ارتد فسكر الخ) أقول: ذكر في الدر المنتقى أن المرتد لا يحد للشرب سواء شرب قبل ردته أو فيها فأسلم اه. ومثله في كافي الحاكم، وسيذكر الشارح في حد القذف عن السراجية لو اعتقد الذمي حرمة الخمر فهو كالمسلم: أي فيحد. قوله: (لأنه لا يقام على الكفار) يعني أنه لما شرب في ردته لم يكن أهلا لقيام حد الشرب عليه لأنه لا يقام على الكفار، وإذا كان وقت الشرب غير موجب للحد لا يحد بعد الاسلام، بخلاف ما إذا زنى أو سرق ثم أسلم فإنه يحد له لوجوبه قبله كما يفيده ما في البحر عن الظهيرية، فافهم. قوله: (حد في الأصح) أفتى به الحسن، واستحسنه بعض المشايخ. والمذهب أنه إذا شرب الخمر وسكر منه أنه لا يحد كما في النهر عن فتاوى قارئ الهداية، ومشى في المنظومة المحبية على الأول كما ذكره الشارح في الدر المنتقى. قلت: وعبارة الحاكم في الكافي من الأشربة: ولا حد على الذمي في الشراب اه. ولم يحك فيه خلافا وهو بإطلاقه يشمل ما لو سكر منه. قوله: (لحرمة السكر في كل ملة) هذا ذكره قارئ الهداية. قلت: ولي فيه نظر، فإن الخمر لم تكن محرمة في صدر الاسلام، وقد كان الصحابة يشربونها وربما سكروا منها كما جاء صريحا. فمن ذلك ما في الفتح عن الترمذي عن علي رضي الله تعالى عنه صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت: * (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) * ونحن نعبد ما تعبدون قال: فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (سورة النساء: الآية 34) الآية اه. فلو كان السكر حراما لزم تفسيق الصحابة. ثم رأيت في تحفة ابن حجر قال: وشربها المسلمون أول الاسلام، قيل استصحابا لما كان قبل الاسلام. والأصح أنه بوحي، ثم قيل المباح الشرب لا غيبة العقل لأنه حرام في كل ملة. وزيفه المصنف: يعني النووي، وعليه فالمراد بقولهم بحرمته في كل
202 ملة أنه باعتبار ما استقر عليه أمر ملتنا اه. وهذا مؤيد لما بحثته، لكن في جوابه الأخير نظر. قوله: (فلا يحد أخرس) سواء شهد الشهود عليه أو أشار بإشارته المعهودة وأفاد أن الأعمى يحد كما في البحر. قوله: (للشبهة) لأنه لو كان ناطقا يحتمل أن يخبر بما لا يحد به كإكراه أو غص بلقمة. قال في البحر: ولو قال المشهود عليه بشرب الخمر: ظننتها لبنا أو لا أعلم أنها خمر لم يقبل، فإن قال ظننتها نبيذا قبل، لأنه بعد الغليان والشدة يشارك الخمر في الذوق والرائحة. قوله: (طائع) مكرر مع قول المتن طوعا. ح. قوله: (غير مضطر) فلو شرب للعطش المهلك مقدار ما يرويه فسكر لم يحد لأنه بأمر مباح. وقالوا: لو شرب مقداره وزيادة ولم يسكر حد كما في حالة الاختيار. قهستاني. وبه صرح الحاكم في الكافي. قوله: (شرب الخمر) هي النئ من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد. فإن لم يقذف فليس بخمر عند الامام خلافا لهما، وبقولهما أخذ أبو حفص الكبير. خانية. ولو خلط بالماء: فإن كان مغلوبا حد، وإن كان الماء غالبا لا يحد إلا إذا سكر. نهر. مطلب في نجاسة العرق ووجوب الحد بشربه وفي أشربة القهستاني: من قال إنها لم تبق خمرا بالطبخ لم يحد شاربها إلا إذا سكر، وعلى هذا ينبغي أن لا يحد شارب العرق ما لم يسكر. ومن قال إنها بقيت خمرا فالحكم عنده بالعكس، وإليه ذهب الامام السرخسي، وعليه الفتوى، كما في تتمة الفتاوى اه. قلت: علم بهذا أن المعتمد المفتى به أن العرق لم يخرج بالطبخ والتصعيد عن كونه خمرا فيحد بشرب قطرة منه وإن لم يسكر. وأما إذا سكر منه فلا شبهة في وجوب الحد به، وقد صرح في منية المصلي بنجاسته أيضا فلا يغرنك ما أشاعه في زماننا بعض الفسقة المولعين بشربه من أنه طاهر حلال، كأنه قاله قياسا على ما قالوه في ماء الطابق: أي الغطاء من زجاج ونحوه فإنه قياس فاسد، لان ذاك فيما لو أحرقت نجاسة في بيت فأصاب ماء الطابق ثوب إنسان تنجس قياسا لا استحسانا، ومثله حمام فيها نجاسات فعرق حيطانها وكواتها وتقاطر، فإن الاستحسان فيها عدم النجاسة للضرورة لعدم إمكان التحرز عنه. والقياس النجاسة لانعقاده من عين النجاسة. ولا شك أن العرق المستقطر من الخمر هو عين الخمر تتصاعد مع الدخان وتقطر من الطابق بحيث لا يبقى منها إلا أجزاؤها الترابية، ولذا يفعل القليل منه في الاسكار أضعاف ما يفعله كثير الخمر، بخلاف المتصاعد من أرض الحمام ونحوه فإنه ماء أصله طاهر خالط نجاسة، مع احتمال أن المتصاعد نفس الماء الطاهر. ويمكن أن يكون هذا وجه الاستحسان في طهارته، وعلى كل فلا ضرورة إلى استعمال العرق الصاعد من نفس الخمر النجسة العين ولا يطهر بذلك، وإلا لزم طهارة البول. ونحوه إذا استقطر في إناء ولا يقول به عاقل. وقد طلب مني أن أعمل بذلك رسالة وفيما ذكرناه كفاية. قوله: (بلا قيد سكر) تصريح بما أفاده قوله ولو قطرة، إشارة إلى أن هذا هو المقصود من المبالغة للتفرقة بين الخمر وغيرها من باقي الأشربة، وإلا فلا يحد بالقطرة الواحدة لان الشرط قيام الرائحة. ومن شرب قطرة خمر لا يوجد منه رائحتها عادة، نعم يمكن الحد به على قول محمد الآتي من أنه لو أقر بالشرب لا يشترط قيام الرائحة، بخلاف ما إذا ثبت ذلك بالشهادة. هذا ما ظهر لي، ولم أر من تعرض له، فتأمل. قوله: (أو سكر من نبيذ ما) أي من أي شراب كان غير الخمر إذا
203 شربه لا يحد به إلا إذا سكر به، وعبر بما المفيدة للتعميم إشارة إلى خلاف الزيلعي حيث خصه بالأنبذة الأربعة المحرمة بناء على قولهما. وعند محمد: ما أسكر كثيره فقليله حرام، وهو نجس أيضا. قالوا: وبقول محمد نأخذ. وفي طلاق البزازية: لو سكر من الأشربة المتخذة من الحبوب والعسل المختار في زماننا لزوم الحد اه. نهر. قلت: وما ذكره الزيلعي تبع فيه صاحب الهداية، لكنه في الهداية من الأشربة ذكر تصحيح قول محمد، فعلم أن ما مشى عليه هنا غير المختار كما في الفتح. وقد حقق في الفتح قول محمد: إن ما أسكر كثيره حرم قليله، وأنه لا يلزم من حرمة قليله أنه يحد به بلا إسكار كالخمر خلافا للأئمة الثلاثة، وأن استدلالهم على الحد بقليله بحديث مسلم كل مسكر خمر وبقول عمر في البخاري: الخمر ما خامر العقل وغير ذلك لا يدل على ذلك، لأنه محول على التشبيه البليغ كزيد أسد، والمراد به ثبوت الحرمة، ولا يلزم منه ثبوت الحد بلا إسكار، وكون التشبيه خلاف الأصل أوجب المصير إليه قيام الدليل عليه لغة وشرعا، ولا دليل لهم على ثبوت الحد بقليله سوى القياس ولا يثبت الحد به، نعم الثابت الحد بالسكر منه، وقد أطال في ذلك إطالة حسنة، فجزاه الله خيرا، ويأتي حكم البنج والأفيون والحشيش. قوله: (بكونه في دارنا) أي ناشئا فيها. قوله: (لما قالوا الخ) تعليل لتفسير العلم الحكمي بكونه في دارنا، لكن بالمعنى الذي ذكرناه لا بمجرد الكون في دارنا، وإلا لم يوافق التعليل المعلل. ويوضح المقام ما في كافي الحاكم الشهيد من الأشربة حيث قال: وإذا أسلم الحربي وجاء إلى دار الاسلام ثم شرب الخمر قبل أن يعلم أنها محرمة عليه لم يحد، وإن زنى أو سرق أخذ بالحد ولم يعذر بقوله لم أعلم. وأما المولود بدار الاسلام إذا شرب الخمر وهو بالغ فعليه الحد ولا يصدق أنه لم يعلم. قوله: (قلت يرد عليه الخ) أي على ما يفهم من قولهم لحرمته: أي الزنا في كل ملة حيث جعلوه وجه الفرق بين الشرب والزنا، فإنه يفهم منه أن الشرب لا يحرم في كل ملة مع أنه مناف لما مر من حرمته كذلك. ودفع بأن المحرم في كل ملة هو السكر لا نفس الشرب، والمراد التفرقة بين الشرب والزنا. قلت: وفيه نظر، فإن قولهم فشرب الخمر جاهلا بالحرمة لا يحد أعم من أن يكون سكر من هذا الشرب أو لا، بل المتبادر السكر، ولو كان المراد الشرب بلا سكر لكان الواجب تقييده، أو كان يقال فشرب قطرة نعم قد يدفع أصل الايراد بمنع حرمة السكر في كل ملة لما قدمناه، فافهم. تتمة: لو شرب الحلال ثم دخل الحرم حد، لكن لو التجأ إلى الحرم لم يحد لأنه قد عظمه، بخلاف ما إذ شرب في الحرم لأنه قد استخفه. قهستاني عن العمادي. ويأتي أنه لو شرب في دار الحرب لا يحد. فعلم من مجموع ذلك أنه لا يحد للشرب عشرة: ذمي على المذهب، ومرتد وإن شرب قبل ردته وإن أسلم بعد الشرب وصبي، ومجنون وأخرس ومكره، ومضطر لعطش مهلك، وملتجئ إلى الحرم، وجاهل بالحرمة حقيقة وحكما، ومن شرب في غير دارنا، وبه يعلم شروط الحد هنا. قوله: (بعد الإفاقة) أي الصحو من السكر، وهو متعلق بقوله يحد مسلم. قوله: (فظاهره أنه يعاد) جزم به في البحر. قال في الشرنبلالية: وفيه تأمل اه. وبين وجهه فيما نقل عنه بأن الألم
204 حاصل وإن لم يكن كاملا ويصدق عليه أنه حد فلا يعاد بعد صحوه اه. قلت: وفيه نظر، لما في الفتح: ولا يحد السكران حتى يزول عنه السكر تحصيلا لمقصود الانزجار، وهذا بإجماع الأئمة الأربعة، لان غيبوبة العقل أو غلبة الطرب تخفف الألم. ثم ذكر حكاية. حاصلها: أن السكران وضع على ركبته جمرة حتى طفئت وهو لا يلتفت إليها حتى أفاق فوجد الألم. قال: وإذا كان كذلك فلا يفيد الحد فائدته إلا حال الصحو، وتأخير الحد لعذر جائز اه. وحينئذ فلا يلزم من أن الامام لو أخطأ فحده قبل صحوه أن يسقط الواجب عليه من إقامة الحد بعد الصحو. ولا يرد أنه لو قطع يسار السارق لا تقطع يمينه أيضا للفرق الواضح، فإن الانزجار حاصل باليسار أيضا وإن كان الواجب قطع اليمين، ولأنه لو قطعت اليمين أيضا يلزم تفويت المنفعة من كل وجه وذلك إهلاك، ولذا لا يقطع لو كانت يسراه مقطوعة أو إبهامها. قوله: (إذا أخذ الشارب) شرط تقدم دليل جوابه وهو قوله: يحد مسلم الخ وضمير أخذ يعود عليه، وهو المراد بالشارب، والمراد أخذه إلى الحاكم. قوله: (وريح ما شرب الخ) قال في الفتح: فالشهادة بكل منهما: أي من شرب الخمر والسكر من غيره مقيدة بوجود الرائحة، فلا بد مع شهادتهما بالشرب أن يثبت عند الحاكم أن الريح قائم حال الشهادة، وهو بأن يشهدا به وبالشرب أو يشهد به فقط فيأمر القاضي باستنكاهه فيستنكه ويخبر بأن ريحها موجود اه. قوله: (وهو مؤنث سماعي) الأولى وهي لعوده إلى الريح، ولكنه ذكر ضميرها لتذكير الخبر، والمؤنث السماعي هو ما لم يقترن لفظه بعلامة تأنيث، ولكنه سمع مؤنثا بالاسناد إن كان رباعيا كهذه العقرب قتلتها، وبه أو بالتصغير إن كان ثلاثيا كعينة في تصغير عين وهذه النار أضرمتها، وذلك في ألفاظ محصورة. قوله: (لبعد المسافة) أفاد أن زوالها المعالجة دواء لا يمنع الحد كما في حاشية مسكين معزيا إلى المحيط. قوله: (ولا يثبت الشرب بها) لأنها قد تكون من غيره كما قيل: يقولون لي انكه قد شربت مدامة * فقلت لهم لا بل أكلت السفرجلا وانكه بوزن امنع، ونكه من بابه: أي أظهر رائحة فمك. فتح. قوله: (بالرائحة) بدل من قوله بها. قوله: (ولا بتقايئها) مصدر تقايأ اه ح. لاحتمال أنه شربها مكرها أو مضطرا فلا يجب الحد بالشك، وأشار إلى أنه لو وجد سكران لا يحد من غير إقرار ولا بينة لاحتمال ما ذكرنا، أو أنه سكر من المباح. بحر. لكنه يعزر بمجرد الريح أو السكر كما في القهستاني. قوله: (رجلين) احتراز عن رجل وامرأتين، لان الحدود لا تثبت بشهادة النساء للشبهة كما في البحر. قوله: (يسألهما الامام) أشار إلى ما في البحر عن القنية من أنه ليس لقاضي الرستاق أو فقيهه أو المتفقهة أو أئمة المساجد إقامة حد الشرب إلا بتولية الامام. قوله: (عن ماهيتها) لاحتمال اعتقادهم أن باقي الأشربة خمر. قوله: (لاحتمال الاكراه) لكن لو قال: أكرهت لا يقبل، لأنهم شهدوا عليه بالشرب طائعا وإلا لم
205 تقبل شهادتهم، وتمامه في البحر. قوله: (لاحتمال التقادم) هذا مبني على قول محمد بأن التقادم مقدر بالزمان وهو شهر، وإلا فالشرط عندهما أن يؤخذ والريح موجودة كما مر. أفاده في البحر، فالتقادم عندهما مقدر بزوال الرائحة وهو المعتمد كما مر في الباب السابق. والحاصل أن التقادم يمنع قبول الشهادة اتفاقا، وكذا يمنع الاقرار عندهما لا عند محمد، ورجح في غاية البيان قوله، وفي الفتح أنه الصحيح. قال في البحر: والحاصل أن المذهب قولهما، إلا أن قول محمد أرجح من جهة المعنى اه. قوله: (من السكر) بفتح السين والكاف: وهو عصير الرطب إذا اشتد، وقيل كل شراب أسكر. عناية. قلت: وهذا ظاهر على قولهما إنه لا يحد بالسكر من الأشربة المباحة، وكذا على قول محمد إنه يحد لعدم توافق الشاهدين على المشروب، كما لو شهد اثنان أنه زنى بفلانة واثنان أنه زنى بفلانة غيرها. تأمل. قوله: (ظهيرية) ومثله في كافي الحاكم. قوله: (أو بإقراره) عطف على قوله: بشهادة رجلين وقدر الشارح يثبت لطول الفصل. قال في البحر: وفي حصره الثبوت في البينة والاقرار دليل على أن من يوجد في بيته الخمر وهو فاسق أو يوجد القوم مجتمعين عليها ولم يرهم أحد شربوها لا يحدون وإنما يعزرون، وكذا الرجل معه ركوة من الخمر اه. بل تقدم أنه لو وجد سكران لا يحد بلا بينة أو إقرار، بل يعزر. قوله: (مرة) رد لقول أبي يوسف: إنه لا بد من إقراره مرتين. بحر. ولم يتعرض لسؤال القاضي المقر عن الخمر: ما هي؟ وكيف شربها؟ وأين شرب؟ وينبغي ذلك كما في الشهادة، ولكن في قول المصنف وعلم شربه طوعا إشارة إلى ذلك. شرنبلالية. تأمل. قوله: (متعلق بيحد) أي تعلقا معنويا لأنه مفعول مطلق عامله يحد. قوله: (كما مر) فلا يضرب الرأس والوجه، ويضرب بسوط لا ثمرة له، وينزع عنه ثيابه في المشهور إلا الإزار احتراز عن كشف العورة. بحر. وفي شرح الوهبانية: والمرأة تحد في ثيابها. قوله: (فلو أقر سكران) أي أقر على نفسه بالحدود الخالصة حقا لله تعالى كحد الزنا والشرب والسرقة لا يحد، إلا أنه يضمن المسروق، بخلاف حد القذف لان فيه حق العبد، والسكران كالصاحي فيما فيه حقوق العباد عقوبة له، لأنه أدخل الآفة على نفسه، فإذا أقر بالقذف سكران حبس حتى يصحو فيحد للقذف ثم يحبس حتى يخف عنه الضرب فيحد للسكر، وينبغي أن يقيد حده للسكر بما إذا شهد عليه به وإلا فبمجرد سكره لا يحد لاقراره بالسكر، وكذا يؤاخذ بالاقرار بسبب القصاص وسائر الحقوق من المال والطلاق والعتاق وغيرها فتح ملخصا. وقوله: عقوبة له الخ يدل على أنه لو سكر مكرها أو مضطرا لا يؤاخذ بحقوق العباد أيضا. قوله: (أو أقر كذلك) أي بعد زوال ريحها، وهذا على
206 قولهما: إن التقادم يبطل الاقرار وإنه مقدر بزوال الرائحة. قوله: (فيعمل الرجوع فيه) لاحتمال صدقه وأنه كاذب في إقراره. وإذا أقر وهو سكران يزيد احتمال الكذب فيدرأ عنه الحد أيضا. قوله: (ثم ثبوته الخ) هذا بيان لدليلهما على اشتراط قيام الرائحة وقت الاقرار، فعند عدم قيامها ينتفي الحد لعدم ما يدل عليه، لان الاجماع لم يكمل إلا بقول من اشترط قيامها، لكن قدمنا تصحيح قول محمد بعدم الاشتراط وبيانه في الفتح. قوله: (والسكران الخ) بالحقيقة السكر الذي هو شرط لوجوب الحد في الشرب ما سوى الخمر من الأشربة. ولمكان السكر متفاوتا اشترط الامام أقصاه درءا للحد، وذلك بأن لا يميز بين شئ وشئ، لان ما دون ذلك لا يعري عن شبهة الصحو، نعم وافقهما الامام في حق حرمة القدر المسكر من الأشربة المباحة فاعتبر فيها اختلاط الكلام، وهذا معنى قوله في الهداية: والمعتبر في القدر المسكر في حق الحرمة ما قالاه إجماعا أخذا بالاحتياط اه. وذكر في الفتح أنه ينبغي أن يكون قوله كقولهما أيضا في السكر الذي لا يصح معه الاقرار بالحدود، لأنه يكون أدرأ للحدود، وكذا في الذي لا تصح معه الردة، إذ لو اعتبر فيه أقصاه لزم أن تصح ردته فيما دونه مع أنه يجب أن يحتاط في عدم تكفير المسلم، والامام إنما اعتبر أقصى السكر للاحتياط في درء حد السكر، واعتبار الأقصى هنا خلاف الاحتياط. هذا حاصل ما في الفتح. قلت: لكن ينبغي أن تصح ردته فيما دون الأقصى بالنسبة إلى فسخ النكاح لان فيه حق العبد، وفيه العمل بالاحتياط أيضا كما لا يخفى. قوله: (ولو ارتد السكران لم يصح) أي لم يصح ارتداده: أي لم يحكم به. قال في الفتح: لان الكفر من باب الاعتقاد أو الاستخفاف، ولا اعتقاد للسكران ولا استخفاف لأنهما فرع قيام الادراك. وهذا في حق الحكم، أما فيما بينه وبين الله تعالى، فإن كان في الواقع قصد أن يتكلم به ذاكرا لمعناه كفر، وإلا لا اه. وقد علمت آنفا ما المراد بالسكر هنا. قوله: (فلا تحرم عرسه) أي بسبب الردة في حالة السكر، أما لو طلقها فإنه يقع كما يأتي بيانه. قوله: (وهذه الخ) يعني أن حكم السكران من محرم كالصاحي، إلا في سبع: لا تصح ردته ولا إقراره بالحدود الخالصة، ولا إشهاده على شهادة نفسه، ولا تزويجه الصغير بأكثر من مهر المثل أو الصغيرة بأقل، ولا تطليقه زوجة من وكله بتطليقها حين صحوه، ولا بيعه متاع من وكله بالبيع صاحيا، ولا رد الغاصب عليه ما غصب منه قبل سكره، هذا حاصل ما في الأشباه. ونازعه محشيه الحموي في الأخيرة بأن المنقول في العمادية أن حكم السكران فيها كالصاحي، فيبرأ الغاصب من الضمان بالرد عليه، وفي مسألة الوكالة بالتطليق بأن الصحيح الوقوع نص عليه في الخانية والبحر اه. وقدمناه أول كتاب الطلاق، وكتبنا هناك عن التحرير أن السكران إن كان سكره بطريق محرم لا يبطل تكليفه، فتلزمه الاحكام، وتصح عباراته من الطلاق والعتاق والبيع والاقرار، وتزويج الصغار من كف ء
207 والاقراض والاستقراض، لان العقل قائم، وإنما عرض فوات فهم الخطاب بمعصيته فبقي في حق الاثم ووجوب القضاء، ويصح إسلامه كالمكره لا ردت لعدم القصد اه، وقدم الشارح هناك أنه اختلف التصحيح في طلاق من سكر مكرها أو مضطرا، وقدمنا هناك أن الراجح عدم الوقوع، وقدمنا آنفا عن الفتح أنه كالصاحي فيما فيه حقوق العباد عقوبة له. مطلب في البنج والأفيون والحشيشة قوله: (لكن دون حرمة الخمر) لان حرمة الخمر قطعية يكفر منكرها بخلاف هذه. قوله: (لا يحد بل يعزر) أي بما دون الحد كما في الدر المنتقى عن المنح، لكن فيه أيضا عن القهستاني عن متن البزودي أنه يحد بالسكر من البنج في زماننا على المفتى به اه. تأمل. قال في المنح: وفي الجواهر: ولو سكر من البنج وطلق: تطلق زجرا، وعليه الفتوى اه. وقد تقدم عن قاضيخان تصحيح عدم الوقوع فليتأمل عند الفتوى اه. وتقدم أول الطلاق عن تصحيح العلامة قاسم أنه إذا سكر من البنج والأفيون يقع زجرا، وعليه الفتوى، وقدمنا هناك عن النهر أنه صرح في البدائع وغيرها بعدم الوقوع لأنه لم يزل عقله بسبب هو معصية. والحق التفصيل: إن كان للتداوي فكذلك، وإن للهو وإدخال الآفة قصدا فينبغي أن لا يتردد في الوقوع اه. قلت: ويدل عليه للأول تعليل البدائع، وللثاني تعليل العلامة قاسم، وقدمنا هناك أيضا عن الفتح أن مشايخ المذهبين من الحنفية والشافعية اتفقوا على وقوع طلاق من غاب عقله بالحشيش وهي ورق القنب بعد أن اختلفوا فيها قبل أن يظهر أمرها من الفساد. قوله: (إن البنج مباح) قيل هذا عندهما. وعند محمد: ما أسكر كثيره فقليله حرام، وعليه الفتوى كما يأتي اه. أقول: المراد بما أسكر كثيره الخ: من الأشربة، وبه عبر بعضهم إلا لزم تحريم القليل من كل جامد إذا كان كثيره مسكرا كالزعفران والعنبر، ولم أر من قال بحرمتها، حتى أن الشافعية القائلين بلزوم الحد بالقليل مما أسكر كثيره خصوه بالمائع. وأيضا لو كان قليل البنج أو الزعفران حراما عند محمد لزم كونه نجسا لأنه قال: ما أسكر كثيره فإن قليله حرام نجس، ولم يقل أحد بنجاسة البنج ونحوه.، وفي كافي الحاكم من الأشربة: ألا ترى أن البنج لا بأس بتداويه، وإذا أراد أن يذهب عقله لا ينبغي أن يفعل ذلك اه. وبه علم أن المراد الأشربة المائعة، وأن البنج ونحوه من الجامدات إنما يحرم إذا أراد به السكر وهو الكثير منه دون القليل المراد به التداوي ونحوه، كالتطبب بالعنبر وجوزة الطيب، ونظير ذلك ما كان سميا قتالا كالمحمودة وهي السقمونيا ونحوها من الأدوية السمية، فإن استعمال القليل منها جائز، بخلاف القدر المضر فإنه يحرم، فافهم واغتنم هذا التحرير. قوله: (لأنه حشيش) لا معنى لهذا التعليل، وليس في عبارة العناية اه ح. قلت: وكذا ليس هو في عبارة النهر، ويمكن الجواب بأنه إشارة إلى ما قلناه، فالمراد التعليل بأنه من الجامدات لا من المائعات التي فيها الخلاف في أن قليلها حرام أو لا، فافهم. قوله: (أقيم عليه بعض الحد) أي حد الزنا أو السرقة أو الشرب كما في الكافي.
208 قلت: وأما حد القذف ففيه تفصيل سيأتي في آخر الباب الآتي. قوله: (ثم أخذ الخ) أقحم الشارح هذه المسألة بين كلامي المصنف إشارة إلى أن استئناف الحد للشرب الثاني لا يتقيد بما إذا أقيم عليه بعض الحد، فحول العبارة عن أصلها وكملها بما يناسبها، وأتى بلو في قوله ولو شرب الخ ليجعله مسألة مستأنفة، ولا يخفى ما فيه من حسن الصناعة. قوله: (لما مر الخ) أي في أثناء الباب السابق: وقال في الهداية هناك: إن التقادم كما يمنع قبول الشهادة في الابتداء يمنع الإقامة بعد القضاء، حتى لو هرب بعد ما ضر أأدخل بعض الحد ثم أخذ بعد ما تقادم الزمان لم يحد، لان الامضاء من القضاء في باب الحدود. قلت: لكن هذا ظاهر في حد الزنا والسرقة، فإن التقادم مقدر فيهما بشهر كما مر، أما في الشرب فإنه مقدر عندهما بزوال الرائحة، وعند محمد بشهر أيضا والمعتمد قولهما كما مر، وقيام الرائحة إنما يشترط عند الاقرار أو عند الرفع إلى الحاكم، إلا لبعد المسافة، ولا يحد إلا بعد الصحو كما مر، ولم يشترطوا قيام الرائحة عند إقامة الحد، بل الصحو مظنة زوالها، فإذا كان عدم إكمال الحد بسبب زوال الرائحة على قولهما يلزم أن لا يقام عليه الحد إلا مع قيام الرائحة، ولم نر من قال بذلك. فالظاهر أن هذا تفريع على قول محمد فقط، ولا يصح أن يقال: إنه مفرع على قولهما أيضا بأن تفرض المسألة فيما إذا أقر بالشرب فهرب، لان التقادم يبطل الاقرار عندهما كما تقدم لرجوع المحذور، فإنه يلزم عليه أن المقر لا يحد إلا إذا بقيت الرائحة موجودة، وإن لم يرجع عن إقراره الصادر عند قيام الرائحة. وأيضا فالهرب رجوع عن الاقرار فلا حاجة معه إلى التقادم، هذا ما ظهر لي، فتأمله. قوله: (ولو شرب أو زنى ثانيا) أي قبل إكمال الحد كما هو صورة المتن أو قبل إقامة شئ منه. ففي الصورتين يحد حدا كاملا بعد الفعل الأخير، ويدخل ما بقي من الأول في الثاني، بخلاف ما إذا أقيم عليه حد الشرب فشرب ثانيا، أو حد الزنا فزنى ثانيا فإنه يحد للثاني، حدا آخر، وبخلاف ما إذا اختلف الجنس، وسيجئ تمام الكلام على ذلك في باب القذف. قوله: (وإلا لا) أي لا يضمن لان فعلها غير مضاف إليه. قوله: (مصنف عمادية) أي نقله المصنف عن العمادية ح. باب حد القذف قوله: (وشرعا الرمي بالزنا) الأولى ما في العناية من أنه نسبة المحصن إلى الزنا صريحا أو دلالة، إذ الحد إنما هو في المحصن. نهر. قلت: لكن الاحصان شرط الحد، وله شروط أخر ستذكر، والكلام في الحقيقة الشرعية المشروطة بما يأتي. وينبغي أن يقيد أيضا بكونه على سبيل التعبير والشتم ليخرج شهادة الزنا. قوله: (لكن في النهر الخ) عزاه في النهر إلى الحليمي من الشافعية معللا بأن الايذاء في قذف هؤلاء
209 دونه في الحرة الكبيرة المتسترة، وذكره في البحر بحثا غير معزي. ونقل أيضا عن شرح جمع الجوامع أن القذف في الخلو صغيرة عند الشافعية، قال: وقواعدنا لا تأباه لان العلة فيه لحوق العار، وهو مفقود في الخلوة. واعترضه في النهر بأنه في الفتح استدل للاجماع بآية: * (والذين يرمون المحصنات) * (سورة النور: الآية 4) وبحديث: اجتنبوا السبع الموبقات وعد منها قذف المحصنات، أي وهذا صادق على قذف المحصنة في الخلوة بحيث لم يسمعه أحد. واعترضه أيضا الباقاني في شرح الملتقى بأن المذكور في شرح جمع الجوامع عن ابن عبد السلام أنه ليس بكبيرة موجبة للحد لانتفاء المفسدة. وقال محشيه اللقاني: إن المحقق من هذه العبارة نفي إيجاب الحد لا نفي كونه كبيرة أيضا لتوجه النفي على القيد. وقال الزركشي أيضا: إن هذا ظاهر فيما إذا كان صادقا دون الكاذب لجراءته على الله تعالى: أي فهو كبيرة وإن كان في الخلوة. وقال الشارح في شرح الملتقى: قلت الذي حررته في شرح منظومة والد شيخنا تبعا لشيخنا النجم الغزي الشافعي: إنه من الكبائر وإن كان صادقا ولا شهود له عليه، ولو من الوالد لولده أو لولد لولده إن لم يحد به يعزر ولو غير محصن، وشرط الفقهاء الاحصان إنما هو لوجوب الحد لا لكونه كبيرة. وقد روى الطبراني عن واثلة عن النبي (ص) أنه قال: من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار. ثم من المعلوم ضرورة أن قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها كفر سواء كان سرا أو جهرا، وكذا القول في مريم، وكذا الرمي باللواطة اه: أي إنه من الكبائر أيضا، وسيأتي بيان حكمه في باب التعزير. قوله: (كمية) أي قدرا وهو ثمانون سوطا إن كان حرا ونصفها إن كان القاذف عبدا. بحر. قوله: (فيثبت برجلين) بيان لقوله: وثبوتا وأشار إلى أنه لا مدخل فيه لشهادة النساء كما مر، وكذا الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي. ويثبت أيضا: بإقرار القاذف مرة كما في البحر، ولا يستحلف على ذلك، ولا يمين في شئ من الحدود إلا أنه يستحلف في السرقة لأجل المال، فإن أبى ضمن المال ولم يقطع. وإذا اختلف الشاهدان في الزمان لم تبطل شهادتهما عنده كما في الاقرار بالمال أو بالطلاق أو العتاق، وعندهما لا يحد القاذف وإن شهد أحدهما بالقذف والآخر على الاقرار به لم يحد اتفاقا استحسانا، وكذا تبطل لو اختلفا في اللغة التي قذف بها أو شهد أحدهما أنه قال يا ابن الزانية والآخر أنه قال لست لأبيك اه. ملخصا من كافي الحاكم. قوله: (عن ماهيته) أي حقيقته الشرعية المارة. قوله: (وكيفيته) أي اللفظ الذي قذف به اه ح. قلت: فيه أن هذا اللفظ ركن القذف، والكيفية الحالة والهيئة، كما يقال: كيف زيد؟ فتقول صحيح أو سقيم، وقد مر تفسير السؤال عن الكيفية في الشهادة على الزنا بالطوع أو الاكراه. فالظاهر أن يقال هنا كذلك، إذ لو أكره القاذف على القذف لم يحد، لكن ظاهر ما في الكافي أن السؤال عن هذا غير لازم حيث قال: وإن جاء المقذوف بشاهدين فشهدا أنه قذفه سئلا عن ماهيته وكيفيته، فإن لم يزيدا على ذلك لم تقبل، فإن القذف يكون بالحجارة ويغير الزنا، وإن قالا نشهد
210 أنه قال يا زاني قبلت شهادتهما وحددت القاذف اه. فظاهره أن السؤال عن الماهية والكيفية إنما هو إذا شهد بالقذف، أما لو شهدا بأنه قال يا زاني لا يلزم السؤال عن ذلك أصلا، إذ لو كان مكرها لبيناه فليتأمل. وعلى هذا فيمكن أن يراد بالكيفية أنه صريح أو كناية، فتأمل. وفي حاشية مسكين عن الحموي: وينبغي أن يسألهما عن المكان لاحتمال قذفه في دار الحرب أو البغي، وعن الزمان لاحتمال قذفه في صباه لا لاحتمال التقادم لأنه لا يبطل به، بخلاف سائر الحدود، ثم رأيت الأول في البدائع اه. قوله: (إلا إذا شهدا الخ) تكلمنا عليه آنفا. قوله: (كما يحبسه لشهود) الأولى لشاهد بصيغة المفرد. قال في النهر فإن لم يعرف عدالتهما حبسه القاضي حتى يسأل عنهما، وكذا لو أقام شاهدا واحدا عدلا وادعى أن الثاني في المصر حبسه يومين أو ثلاثة، ولو زعم أن له بينة في المصر حبسه إلى آخر المجلس. قالوا: والمراد بالحبس في الأولين حقيقته، وفي الثالث الملازمة. قوله: (ولا يكلفه) أي لا يأخذ منه كفيلا إلى المجلس الثاني. وقال أبو يوسف: يأخذه. نهر. وسيأتي توضيحه في عبارة المتن. قوله: (ويحد الحر الخ) أي الشخص الحر، فلا ينافي قوله: ولو ذميا أو امرأة فافهم، ولم أر من تعرض لشروط القاذف، وينبغي أن يقال: إن كان عاقلا بالغا ناطقا طائعا في دار العدل، فلا يحد الصبي بل يعزر، ولا المجنون إلا إذا سكر بمحرم، لأنه كالصاحي فيما فيه حقوق العباد كما مر، ولا المكره ولا الأخرس لعدم التصريح بالزنا كما صرح به ابن الشلبي عن النهاية، ولا القاذف في دار الحرب أو البغي كما مر. وأما كونه عالما بالحرمة حقيقة أو حكما بكونه ناشئا في دار الاسلام فيحتمل أن يكون شرطا أيضا، لكن في كافي الحاكم: حربي دخل دار الاسلام بأمان فقذف مسلما لم يحد في قول أبي حنيفة الأول ويحد في قوله الأخير، وهو قول صاحبيه اه. فظاهره أنه يحد ولو في فور دخوله، ولعل وجهه أن الزنا حرام في كل ملة فيحرم القذف به أيضا فلا يصدق بالجهل، هذا ما ظهر لي، ولم أر من تعرض لشئ منه. قوله: (ولو ذميا) الأولى ولكافرا ليشمل الحربي المستأمن كما علمته آنفا، وسيذكره المصنف أيضا. قوله: (قاذف المسلم الحر الخ) بيان لشروط المقذوف. قوله: (الثابتة حريته) أي بإقرار القاذف أو بالبينة إذا أنكر القاذف حريته، وكذا لو أنكر حرية نفسه وقال أنا عبد، وعلى حد العبيد كان القول قوله. بحر عن الخانية. قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن المقذوف مسلما حرا، بأن كان كافرا أو مملوكا، وكذا من ليس بمحصن إذا قذفه بالزنا فإنه يعزر ويبلغ به غايته كما سيذكره في بابه. قوله: (البالغ العاقل) خرج الصبي والمجنون لأنه لا يتصور منهما الزنا، إذ هو فعل محرم، والحرمة بالتكليف. وفي الظهيرية: إذا قذف غلاما مراهقا فادعى الغلام البلوغ بالسن أو بالاحتلام لم يحد القاذف بقوله. بحر. فهذا يستثنى من قولهم: لو راهقا وقالا بلغنا صدقا، وأحكامهما أحكام البالغين. شرنبلالية. قوله: (العفيف عن فعل الزنا) زاد الشارح في باب اللعان وتهمته، واحترز به عن قذف ذات ولد ليس له أب معروف، ويأتي أنه لا يحد قاذفها لان التهمة موجودة، فينبغي ذكر هذا القيد هنا، ولم أر من ذكره.
211 ثم اعلم أن الزنا في الشرع أعم مما يوجب الحد، وما لا يوجبه وهو الوطئ في غير الملك وشبهته، حتى لو وطئ جارية ابنه لا يحد للزنا ولا يحد قاذفه بالزنا، فدل على أن فعله زنا وإن كان لا يحد به كما قدمناه عن الفتح أول الحدود. وأما لو وطئ جاريته قبل الاستبراء فليس بزنا، لأنه فحقيقة الملك كوطئ زوجته الحائض، وإنما هو وطئ محرم لعارض، والزنا لا بد أن يكون وطئا محرما لعينه كما يأتي بيانه عند قوله: أو رجل وطئ في غير ملكه ولهذا قال مسكين: قوله عفيفا عن الزنا احتراز عن الوطئ الحرام في الملك، فإنه لا يخرج الواطئ عن أن يكون محصنا اه. فما قيل إنه لا يصح أن يراد بالزنا هنا المصطلح ولا غيره: غير صحيح، فافهم. قوله: (فينقص عن إحصان الرجم بشيئين) الأولى شيئين بدون الباء الجارة لان نقص يتعدى بنفسه. أفاده ط. هذا، وقدمنا أن شروط الاحصان تسعة فتدبره. قوله: (وبقي من الشروط الخ) قلت: بقي منها أيضا على ما في شرح الوهبانية: أن لا يكون أم ولده الحرة الميتة، وأن لا يكون أم عبدة الحرة الميتة، وأن يطلب المقذوف الحد، وأن لا يموت قبل أن يحد القاذف لان الحدود لا تورث. قوله: (أن لا يكون) أي المقذوف وولد القاذف. قوله: (أو أخرس) لأنه لا بد فيه من الدعوى، وفي إشارة الأخرس احتمال يدرأ به الحد. قوله: (أو مجبوبا) هو مقطوع الذكر والأنثيين جميعا كما فسروه في باب العنين، ولا يخفى أن مقطوع الذكر وحده مثله اه ح. ووجهه أن الزنا منه لا يتصور فلم يلحقه عار بالقذف لظهور كذب القاذف. تأمل. قوله: (أو خصيا) بفتح الخاء: من سلت خصيتاه وبقي ذكره، والشارح تبع في التعبير به صاحب النهر، وهو وهم سري من ذكر المجبوب لتقارنهما في الخيال. قال في المحيط: بخلاف ما لو قذف خصيا أو عنينه، لان الزنا منهما متصور لان لهما آلة الزنا اه ح. قوله: (أو ملك فاسد) كذ في شرح الوهبانية عن النتف، وتبعه المصنف في المنح، وهو خلاف نص المذهب. ففي كافي الحاكم: رجل اشترى جارية شراء فاسدا فوطئها ثم قذفه إنسان قال على قاذفه الحد اه. ومثله في القهستاني، وكذا في الفتح قال: لأن الشراء الفاسد يوجب الملك، بخلاف النكاح الفاسد لا يثبت فيه ملك، فلذا يسقط إحصانه بالوطئ فيه فلا يحد قاذفه اه. ونحوه في ح عن المحيط. قلت: وقد يجاب بأن المراد بالملك الفاسد ما ظهر فيه فساد الملك بالاستحقاق. ففي الخانية: اشترى جارية فوطئها ثم استحقت فقذفه إنسان لا يحد. قوله: (حتى لو ارتد) وكذا لو زنى أو وطئ وطئا حراما أو صار معتوها أو أخرس أو بقي كذلك لم يحد القاذف كافي الحاكم. تنبيه: ذكر في النهر عن السراجية أنه لو قذف خنثى بلغ مشكلا لا يحد. قال: ووجهه أن نكاحه موقوف وهو لا يفيد الحل اه. واعترضه الحموي بأنه لا دخل للنكاح البات المفيد للحل في إيجاب حد القذف حتى يترتب على عدمه عدم وجوب الحد، وإنما ذاك في حد الزنا بالرجم اه. قلت: مراد النهر أن الخنثى لو تزوج ودخل فقذفه آخر لا يحد لأنه وطئ في غير ملكه، إذ لا
212 يصح النكاح إلا إذا زال الاشكال. قوله: (بصريح الزنا) بأي لسان كان. شرنبلالية وغيرها. واحترز عما لو قال وطئك فلان وطئا حراما أو جامعك حراما فلا حد. بحر. وكذا لو قال فجرت بفلانة أو عرض فقال لست بزان كما في الكافي. وفيه: وإن قال قد أخبرت بأنك زان أو أشهدني رجل على شهادته إنك زان، أو قال اذهب فقل لفلان إنك زان فذهب الرسول فقال له ذلك عنه لم يكن في شئ من ذلك حد. قوله: (على ما في الظهيرية) ويخالفه ما في الفتح عن المبسوط: أنت أزنى من فلان أو أزنى الناس لا حد عليه. وعلله في الجوهرة بأن معناه أنت أقدر الناس على الزنا. ونقل في الفتح أيضا عن الخانية أنت أزنى الناس أو أزنى من فلان عليه الحد، وفي أنت أزنى مني لا حد عليه اه. قلت: ووجه ما في الظهيرية ظاهر لان فيه النسبة إلى الزنا صريحا. وما في المبسوط ناظر إلى احتمال التأويل، وما في الخانية من التفرقة مشكل. وقد يوجه بأن قوله أنت أزنى من فلان فيه نسبة فلان إلى الزنا وتشريك المخاطب معه في ذلك القذف، بخلاف أنت أزنى مني لان فيه نسبة نفسه إلى الزنا وذلك غير قذف فلا يكون قذفا للمخاطب لأنه تشريك له فيما ليس بقذف. قوله: (عن شرح المنار) أي لابن ملك في بحث الكناية اه. قلت: ومثله في المغرب حيث قال: النيك من ألفاظ الصريح في باب النكاح، ومنه حديث ماعز أنكتها قال: نعم. قوله: (لم يحد) الظاهر أن ذكر لم سبق قلم. قال في المحيط: ولو قال لغيره: يا زانئ برفع الهمزة: ذكر في الأصل أنه إذا قال عنيت به الصعود على شئ أنه لا يصدق ويحد من غير ذكر خلاف، لأنه نوى ما لا يحتمله لفظه، لأن هذه الكلمة مع الهمز إنما يراد به الصعود إذا ذكر مقرونا بمحل الصعود، يقال زانئ الجبل وزانئ السطح، أما غير مقرون بمحل الصعود إنما يراد به الزنا، إلا أن العرب قد تهمز اللين وقد تلين الهمزة، فقد نوى ما لا يحتمله فلا يصدق اه ح. قلت: وقوله من غير ذكر خلاف صريح بالخلاف في كافي الحاكم فقال: وقال محمد: لا حد عليه، ومثله في الخانية، فما ذكره الشارح قول محمد، فافهم. قوله: (أو بقوله زنأت في الجبل) أي وإن قال عنيت به الصعود خلافا لمحمد فلا يحد عنده لأنه حقيقة في الصعود عنده. قوله: (بالهمز) فلو أتى بالياء المثناة حد اتفاقا، وكذا لو حذف الجبل كما أفاده في غاية البيان، ولو قال عن الجبل، قيل لا يحد وجزم في المبسوط بأنه يحد. قال في الفتح: وهو الأوجه، لان حالة الغضب تعين تلك الإرادة وكونها فوقه، وتعين الصعود مسلم في غير حالة السباب. نهر. وفي البحر عن غاية البيان، وهو المذهب عنده. قوله: (فلا حد) للكذب، ولان فيه نفي الزنا لان نفي الولادة نفي للوطئ. بحر. وكذا لو نفاه عن أمه فقط للصدق لان النسب ليس لامه. بحر. قوله: (لأبيه المعروف) أي الذي يدعى له، وكذا لست من ولد فلان أو لست لأب أو لم يلدك أبوك، بخلاف
213 لست من ولادة فلان فإنه ليس بقذف. بحر عن الظهيرية. وبه علم أن التقييد بأبيه المعروف احتراز عما لو نفاه عن شخص معين غير أبيه لا عما لو نفاه عن أب مطلق شامل لأبيه وغيره. قال في البحر: وأشار المصنف إلى أنه لو قال إنك ابن فلان لغير أبيه فالحكم كذلك من التفصيل اه. قوله: (لأنها المقذوفة في الصورتين) لان نفي نسبه من أبيه يستلزم كونه زانيا، فلزم أن أمه زنت مع أبيه فجاءت به من الزنا. نهر ونحوه في الفتح. قلت: وفيه نظر، بل يستلزم كون المقذوف هو الام وحدها كما صرح به أو لا، أما زنا الأب فغير لازم لأنه إذا ولد على فراش أبيه وقد نفى القاذف نسبه عن أبيه لزم منه أن أمه زنت برجل آخر، لان المراد بالأب أبوه المعروف الذي يدعى له كما مر، نعم يصح ذلك لو أريد بالأب من خلق هو من مائه فحينئذ يكون قذفا للام ولمن علقت به من مائه لا للأب المعروف، لكنه يخالف قوله قبله: لأبيه المعروف هذا ما ظهر لي فتأمله. قوله: (لا الطالب) هو الذي يقع القدح في نسبه كما يأتي، والمراد به هنا الابن، وهذا إذا كانت المقذوفة ميتة، فلو حية فالطالب هي، وعلى كل فالشرط إحصانها لا إحصان ابنها. قوله: (في غضب) إذ في الرضا يراد به المعاتبة بنفي مشابهته له في أسباب المروءة. هداية. قوله: (يتعلق بالصور الثلاث) فيه رد على البحر، حيث لم يقيده بالغضب في الثانية بل أطلق فيها تبعا لظاهر عبارة الهداية، لكن أولها الشراح فأجروا التفصيل في الكل. وذكر في شرح الوهبانية أنه ظاهر المذهب والاعتماد عليه، وتمام تحقيقه في النهر. قوله: (بطلب المقذوف المحصن) لعل المراد به المحصن في نفس الامر: وإلا فاشتراط الاحصان علم مما مر، فيكون إشارة إلى ما بحثه في القنية حيث نقل أنه إذا كان غير عفيف في السر له مطالبة القاذف ديانة، ثم قال: وفيه نظر، لأنه إذا كان زانيا لم يكن قذفه موجبا للحد، وأيده في النهر بأن رفع العار مجوز لا ملزم وإلا لامتنع عفوه عنه وأجبر على الدعوى، وهو خلاف الواقع اه. قلت: بل في التتارخانية: وحسن أن لا يرفع القاذف إلى القاضي ولا يطالبه بالحد، وحسن من الامام أن يقول له قبل الثبوت: أعرض عنه ودعه اه. فحيث كان الطلب غير لازم، بل يحسن تركه فكيف يحل طلبه ديانة إذا كان القاذف صادقا. قوله: (لأنه حقه) عبارة النهر: لان فيه حقه من حيث دفع العار عنه اه. وهذه العبارة أولى لان فيه حق الشرع أيضا، بل هو الغالب فيه كما أوضحه في الهداية وشروحها. قوله: (ولو المقذوف غائبا الخ) ذكر هذا التعميم في التتارخانية نقلا عن المضمرات، واعتمده في الدرر وقال: ولا بد من حفظه فإنه كثير الوقوع. منح. قلت: ولعله يشير إلى ضعف ما في حاوي الزاهدي: سمع من أناس كثيرة أن فلانا يزني بفلانة فتكلم ما سمعه منهم لآخر مع غيبة فلان لا يجب حد القذف لأنه غيبة لا رمي وقذف بالزنا، لان الرمي والقذف به إنما يكون بالخطاب كقوله يا زاني أو يا زانية. قوله: (حال القذف) احتراز عن حال الحد، لما في البحر عن كافي الحاكم: غاب المقذوف بعد ما ضر أأدخل بعض الحد لم يتم إلا وهو حاضر لاحتمال العفو اه. وسينبه عليه الشارح. قوله: (وإن لم يسمعه أحد نهر) لم أره في النهر هنا، وإنما ذكره أول الباب عن البلقيني الشافعي، وقدمنا الكلام عليه. قوله: (وإن أمره
214 المقذوف بذلك) أي بالقذف، لان حق الله تعالى فيه غالب ولذا لم يسقط بالعفو كما يأتي، بخلاف ما لو قال لآخر اقتلني فقتله حيث يسقط القصاص لأنه حقه، ويصح عفوه عنه. قوله: (وينزع عنه الفرو والحشو) لأنهما يمنعان وصول الألم، ومقتضى هذا أنه لو كان عليه ثوب ذو بطانة غير محشو لا ينزع. والظاهر أنه إن كان فوق قميص نزع لأنه يصير من القميص كالحشو أو قريبا منه، كذا في الفتح. قوله: (بخلاف حد شرب وزنا) فإنه فيهما يجرد من ثيابه كما مر. قوله: (لصدقه) لان معناه الحقيقي نفي كونه مخلوقا من مائه. واعترضهم في الفتح بأن في نفيه عن أبيه احتمال هذا مع احتمال المجاز وهو نفي المشابهة، وقد حكموا حالة الغضب فجعلوها قرينة على إرادة المعنى الثاني المجازي، ونفيه عن جده له معنى مجازي أيضا وهو نفي المشابهة، ومعنى آخر وهو نفي كونه أبا أعلى له بأن لا يكون أبوه مخلوقا من مائه بل زنت به جدته، وحالة الغضب تعين هذا الأخير، إذ لا معنى لاخباره في حالة الغضب بأنك لتخلق من ماء جدك، ولا مخلص إلا أن يوجد إجماع فيه على نفي التفصيل كالاجماع على ثبوته هناك اه. ملخصا. قلت: وقد يجاب بالفرق، وهو أن نفيه عن أبيه قذ ف صريح لأنه المعنى الحقيقي، وحالة الغضب تنفي احتمال المجاز وهو المعاتبة بنفي المشابهة في الأخلاق، فقد ساعدت القرينة الحقيقة، بخلاف نفيه عن جده فإن معناه الحقيقي ليس قذفا بل هو صدق، لكن القرينة وهي حالة الغضب تدل على إرادة القذف، فيلزم منه العدول عن الحقيقة إلى المجاز لاثبات الحد، وهو خلاف القاعدة الشرعية من أنه يحتاط في درئه لا في إثباته، على أنه لا مانع من أن يأتي في حالة الغضب بكلام موهم للشتم والسب بظاهره ويريد به معناه الحقيقي، احتيالا لدرء الحد عنه، ولصيانة ديانته من إرادة المنكر والزور الذي هو من السبع الموبقات، بل حال المسلم يقتضي ذلك، بخلاف نفيه عن أبيه، فإنه قذف صريح بحقيقته مع زيادة القرينة كما قلنا، ففي العدول عنه تفويت حق المقذوف بلا موجب، هذا ما ظهر لي، فتدبره. قوله: (وبنسبته إليه) أي إلى جده بأن قال له أنت ابن فلان لجده. قوله: (لأنهم آباء مجازا) أما الجد فلانه الأب الاعلى، وأما الخال فلما أخرجه الديلمي في الفردوس عن ابن عمر مرفوعا: الخال والد من لا والد له. وأما العم، فلقوله تعالى: * (وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) * (سورة البقرة الآية 331) فإن إسماعيل كان عما ليعقوب عليهم السلام. وأما الراب فللتربية، وقيل: في قول نوح: * (ابني من أهلي) * (سورة هود: الآية 54) إنه كان ابن امرأته. أفاده في الفتح. قوله: (ولا بقوله: يا ابن ماء السماء) لأنه يراد به التشبيه في الجود والسماحة، لان ماء السماء لقب به عامر بن حارثة الأزدي، لأنه في وقت القحط كان يقيم ماله مقام القطر فهو كالسماء عطاء وجودا، وتمام في الفتح. قوله: (وفيه نظر) لان حالة الغضب تأتي عن قصد التشبيه كما قاله ابن كمال. قلت: وقد أورد هذا في الفتح سؤالا. وأجاب عنه بأنه لما لم يعهد استعماله لنفي النسب يمكن أن يجعل المراد به في حالة الغضب التهكم به عليه كما قلنا في قوله لست بعربي، لما لم يستعمل للنفي يحمل في حالة الغضب على سبه بنفي الشجاعة والسخاء ليس غير اه.
215 قلت: واستعمال مثل ذلك في التهكم سائغ لغة وشائع عرفا، كما يقال في حال الخصام يا ابن النبي يا ابن الكرام يا كامل يا مؤدب ونحو ذلك مما لا يقصد حقيقته، فافهم. تنبيه: قال في الفتح: وقد ذكر أنه لو كان هناك رجل اسمه ماء السماء وهو معروف يحد في حال السباب: بخلاف ما إذ لم يكن اه. وأقره في البحر والنهر. قلت: لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يكن ذلك الرجل مشهورا بالكرم ونحوه، وإلا فهو أصل المسألة، إذ لا فرق بين كونه حيا أو ميتا، ولا خصوصية أيضا لهذا الاسم، بل مثله كل اسم مشهور بصفة جميلة أو قبيحة، فابن ماء السماء والنبطي مثالان، هذا ما ظهر لي. قوله: (يا نبطي) النبط: جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق، ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم، والجمع أنباط مثل سبب وأسباب، الواحد نباطي بفتح النون وضمها وبزيادة الألف. مصباح. تنبيه: في البحر أن ظاهر كلامهم أنه لا يحد في هذه المسائل سواء كان في حالة الغضب أو الرضا. قوله: (في النهر الخ) عبارته: ينبغي أن يعزر به: أي بقوله يا نبطي، لان النسبة إلى الأخلاق الدنيئة تجعل شتما في الغضب، ويؤيده ما في المبسوط: لو قال لهاشمي لست بهاشمي عزر، وعلى هذا لو نسبه لغير قبيلته أو نفاه عنها. قوله: (وفيه) أي في النهر عن التتارخانية عن أبي يوسف. قوله: (يا حمل الزنا) الظاهر أنه محرك الميم بقرينة ما قبله وما بعده: وهو ولد الضأن في السنة الأولى، والسخلة تطلق على الذكر والأنثى من أولاد الضأن ساعة تولد، والجمع سخال، وتجمع أيضا على سخل مثل تمرة وتمر. مصباح. قوله: (قذف) لأن هذه الألفاظ تنبئ عن الولادة فكانت بمعنى يا ولد الزنا. قوله: (بخلاف يا كبش الزنا) لأنه لا ينبئ عن ذلك، أو لأنه يطلق على سيد القوم وقائدهم كما في القاموس. قوله: (يا حرام زاده) لان معناه المتولد من الوطئ الحرام فيعم حالة الحيض، كما سيذكره الشارح مع دفع ما يرد عليه في باب التعزير. قوله: (وفيها) أي في القنية. قوله: (فلا حد) أي على قاذف الولد بقوله يا ولد الزنا. قوله: (لأنه ليس بزنا) لان الزنا إدخال رجل ذكره. فتح. قوله: (فيراد زنيت وأخذت البدل) أي بلا استئجار. قال في البحر: فإن قيل بل معناه زنيت بدرهم استؤجرت عليه، فينبغي أن لا يحد في قول أبي حنيفة. قلنا: هذا محتمل أيضا فيتقابل المحتملان ويبقى قوله زنيت. قوله: (لعدم العرف بأخذه للمال) هكذا علل في الفتح والنهر، وفيه نظر فإنه كما يحتمل أن يكون هو الآخذ يحتمل أن يكون هو الدافع، بل هو الأظهر بقرينة العرف، وهو أن الرجل يدفع المال بمقابلة الزنا، نعم قد يأخذ على اللواطة به بدلا، لكن الكلام في الزنا، واللواطة غيره، فتأمل، ويؤيد ما قلنا ما في البحر: ولو قال لرجل زنيت ببعير أو بناقة أو ما أشبه ذلك لا حد عليه، لأنه نسبه إلى إتيان البهيمة، فإن قال بأمة أو دار أو ثوب فعليه الحد، كذا في الخانية والظهيرية اه. قوله: (وإنما يطلبه) أي الحد. قوله: (بسبب) متعلق بالقدح.
216 قوله: (وهم الأصول والفروع) شمل الأصول الجد، ولا يخالفه قول الخانية: لو قال جدك زان لا حد عليه، لما في الظهيرية من أنه لا يدري أي جد هو. وفي الفتلان في أجداده من هو كافر فلا يكون قاذفا ما لم يعين مسلما، بخلاف أنت ابن ابن الزاني لأنه قذف لجده الأدنى، وشمل أيضا الام فتطالب بقذف ولدها، ويستثنى من الأصول أبو الأم وأم الام، وما في الفتح عن الخانية من ذكره أبا الأب بدل أبي الام سبق قلم، فإن الموجود في الخانية أبو الأم. وخرج الأخ والعم والعمة والمولى كما في الخانية، أفاد ذلك كله في البحر. قلت: والمراد بالأخ والعم أخو الميت وعمه. قوله: (محجوبا) كالجد أو ابن الابن مع وجود الأب أو الابن ط. قوله: (أو رق أو كفر) لأنه لا يشترط إحصان الطالب كما مر. قوله: (أو ولد بنت) فله المطالبة بقذف جده، وعن محمد خلافه، والمذهب الأول لان الشين يلحقه، إذ النسب ثابت من الطرفين. بحر: أي طرف الأب وطرف الام. قلت: ويشكل استثناء أبي الام وأم الام من الأصول كما مر، فليس لهما الطلب بقذف ولد البنت، وهنا أثبتوا لابن البنت الطلب بقذف أحدهما. ويمكن دفع الاشكال بكون الاستثناء المار مبنيا على قول محمد، فليتأمل. إلى ص. مطلب في الشرف من الام ثم إن المراد بالنسب الجزئية فإنها مبنى ثبوت حق المطالبة هنا كما في الفتح، وإلا فالنسب للأب فقط، فليس فيه دليل على أن ابن الشريفة شريف، ولذا قال الشارح في باب الوصية للأقارب من كتاب الوصايا: إن الشرف من الام فقط غير معتبر كما في أواخر فتاوى ابن نجيم، وبه أفتى شيخنا الرملي، نعم له مزية في الجملة اه. وسيأتي تمامه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (ولو مع وجود الأقرب) مرتبط بقوله: وإنما يطلبه الخ ودخل المساوي بالأولى. قوله: (للحوقهم العار) من إضافة المصدر إلى مفعوله، والعار بالرفع فاعل المصدر. ط. قوله: (بسبب الجزئية) أي كون الميت جزءا منهم أو كونهم جزءا منه. ط. قوله: (في الغائب) أي في قذف الغائب، وكذا في الحاضر بالأولى. قوله: (للتداخل الآتي) أي في آخر الباب، وأشار إلى أن هذه المسألة من فروع تلك، فكان المناسب ذكرها هناك. قوله: (ليس بقيد) أي في التداخل، فإن عليه حدا واحدا وإن كانا حيين. قوله: (بل فائدته في المطالبة) أي في ثبوت المطالبة للابن، بخلاف ما إذا كانا حيين فإن الطلب لهما. ط عن المنح. قوله: (فجاء بها) الذي رأيته في المبسوط: فأتى بها، والظاهر أنه بالبناء للمجهول لما في التتارخانية وغيرها: إن من مواضع الخطأ أنه ضربها بغير خصم، وهذا يقتضي أن
217 الرجل المذكور لم يرفعها إليه. قوله: (على إقرار المعتوهة) وإقرارها هدر. مبسوط. قوله: (وألزمها الحد) والمعتوهة ليست من أهل العقوبة. مبسوط: أي لا يلزمها الحد، ولو ثبت عليها ذلك بالبينة فإلزامها به خطأ من حيث ذاته، وكونه بإقرارها خطأ آخر، فافهم. قوله: (وحدها حدين) ومن قذف جماعة لا يقام عليه إلا حد واحد. مبسوط. قوله: (وأقامهما معا) ومن اجتمع عليه حدان لا يوالي بينهما كما يأتي قريبا. قوله: (وفي المسجد) وليس للامام أن يقيم الحد في المسجد. مبسوط. قوله: (وقائمة) وإنما تضرب المرأة قاعدة. مبسوط. قوله: (وبلا حضرة وليها) وإنما يقام الحد على المرأة بحضرة وليها، حتى إذا انكشف شئ من بدنها في اضطرابها ستر الولي ذلك عليها. مبسوط. فالمراد بالولي من يحل نظره إليها من زوج أو محرم. قوله: (وقال في الدرر الخ) ومثله في الفتح والبحر. قوله: (غير محصن) يأتي محترزة قريبا. قوله: (بخلاف المتحد) فإنه يتداخل كما مر آنفا، ويأتي آخر الباب بيانه. قوله: (ولا يوالي) الظاهر أنه مبني للمجهول ليناسب قوله قبله يقام عليه الكل ويحتمل بناؤه للفاعل، وكذا قوله: فيبدأ لكنه خلاف المتبادر من عبارة الشارح حيث لم يفسره بالامام، بل فسر به الضمير البارز فقط، وإلا كان المناسب تقديمه، فافهم. قوله: (لحق العبد) أي لما فيه من حق العبد وإن كان الغالب فيه حق الله تعالى. قوله: (ولو فقأ) أي فقأ عين رجل. نهر. والذي يظهر أن المراد به ذهاب البصر. رملي: أي لا إذهاب الحدقة لأنه لا يمكن فيه القصاص، إذ المراد أنه لو فعل مع هذه الجنايات ما يوجب القصاص فيما دون النفس من إذهاب البصر ونحوه فيبدأ به لأنه خالص حق العبد، ثم بالقذف لأنه مشوب بحقه. قوله: (لو محصنا) أما لو غير محصن فإنه يخير لأنه يقام عليه الكل، ولا يلغى شئ كما مر. قوله: (ولغا غيرها) هو حد السرقة والشرب، لأنه محض حق الله تعالى وقد فات محله. قوله: (وضمن للسرقة) يغني عنه ما ذكره بعده، وقيد بالضمان لأنه لا يقطع لان القطع حقه تعالى. قوله: (وترك ما بقي) أي حد السرقة والشرب كما لو لم يوجد مع القتل غيرهما. قال في النهر: ومتى اجتمعت الحدود لحق الله تعالى وفيها قتل نفس قتل: وترك ما سوى ذلك، لان المقصود الزجر له ولغيره، وأتم ما يكون باستيفاء النفس والاشتغال بما دونه لا يفيد اه. وفي أحكام الدين من الأشباه ما نصه: ولم أر إلى الآن ما إذا اجتمع قتل القصاص والردة والزنا، وينبغي تقديم القصاص قطعا لحق العبد، وما إذا اجتمع قتل الزنا والردة، وينبغي تقديم الرجم لان به يحصل مقصودهما، بخلاف ما إذا قدم قتل الردة فإنه يفوت الرجم اه. قوله: (لعدم
218 قطعه) فإن الضمان إنما يسقط لضرورة القطع ولم يوجد. نهر. قوله: (وعبد) الواو بمعنى أو فلذا أفرد الضمير بعده. تأمل. قوله: (أي أصله وإن علا) ذكرا كان أو أنثى، فلا يطالب أباه أو جده وإن علا وأمه وجدته وإن علت. بحر. قوله: (بقذف أمه) أي الميتة. نهر. فلو حية كانت المطالبة لها كما مر. قال في البحر: وأشار إلى أنهما: أي الولد والعبد لا يطالبان بقذفهما بالأولى اه: أي بقذف الأب والمولي لهما. قوله: (المحصنة) علم منه أنه لا بد أن تكون حرة. قوله: (أو نحوه) أي كالأم وغيرها مما يقع القدح في نسبه كما مر بيانه. قوله: (ملك الطلب) أي حيث لم يكن مملوكا للقاذف، فسقوط حق بعضهم لا يوجب سقوط حق الباقين. بحر: وقيد بقوله للقاذف بأنه لو كان مملوكا لغيره له الطلب، كما أفاده أبو السعود الأزهري. قوله: (عزر) ذكره في النهر بحثا أخذا مما في القنية لو قال لآخر يا حرامي زاده لا يحد، ولو قاله الولد لوالده يعزر، فإذا وجب التعزير بالشتم فبالقذف أولى، فقوله في البحر: وفي نفسي منه شئ لتصريحهم بأن الوالد لا يعاقب بسبب ولده، فإذا كان لقذف لا يوجب عليه شيئا فالشتم أولى اه ممنوع. نهر. ووجه المنع أن الأولوية بالعكس كما علمته، ولا يلزم من سقوط الحد بالقذف سقوط التعزير به لسقوط الحد بشبهة الأبوة لكون الغالب فيه حق الله تعالى، بخلاف التعزير، ولأنه لا يلزم من سقوط الاعلى سقوط الأدنى، لكن لا يخفى أن قولهم لا يعاقب الوالد بسبب ولده يشمل التعزير لأنه عقوبة، فبقي توقف صاحب البحر على حاله. وقد يجاب بأن القاضي لم يعاقبه لأجل ولده بل لمخالفته أمر الله تعالى. قوله: (ولا إرث فيه) أي إذا مات المقذوف قبل إقامة الحد على القاذف أو بعد إقامة بعضه بطل الحد، وليس لوارثه إقامته، وهذا بخلاف ما إذا كان المقذوف ميتا، فإن الطلب يثبت لأصوله وفروعه أصالة لا بطريق الإرث، وتمامه في البحر. قوله: (خلافا للشافعي) الأولى ذكره بعد قوله فيه وعنه لان الخلاف في الكل، ومبني الخلاف أن الغالب في حد القذف حق الشرع عندنا وعنده حق العبد، فعنده يورث ويصح الرجوع عنه والعفو والاعتياض نظرا إلى جانب حق العبد، وعندنا بالعكس نظرا إلى جانب حقه تعالى، وبيان تحقيق ذلك في الفتح. قوله: (ولا اعتياض) مقتضاه أن القاذف إذا دفع شيئا للمقذوف ليسقط حقه رجع به قال المولى سري الدين في حواشي الزيلعي: وهل يسقط الحد إن كان ذلك بعد ما رفع إلى القاضي؟ لا يسقط وإن كان قبله سقط، كذا في فصول العمادي اه. قلت: ينبغي أن يكون العفو عن هذا التفصيل، ولا ينافيه قولهم إنه لا يبطل بالعفو لحمله على ما بعد المرافعة. أبو السعود. أقول: والمنقول خلافه. ففي الخانية: ولا يسقط هذا الحد بالعفو ولا بالابراء بعد ثبوته، وكذا إذا عفى قبل الرفع إلى القاضي اه. قوله: (ولا صلح) فلا يجب المال، وسقوط الحد على التفصيل السابق أفاده المصنف.
219 وأورد أن الصلح هو الاعتياض فلا وجه لذكره بعده. وأجيب بأن الاعتياض يعم عقد البيع، بخلاف الصلح. ط. قوله: (ولا عفو) فلا يسقط الحد بعد ثبوته، إلا أن يقول المقذوف لم يقذفني أو كذب شهودي، فيظهر أن القذف لم يقع موجبا للحد، لا أنه وقع ثم سقط، وهذا كما إذا صدقه المقذوف. فتح. قوله: (فيه) متعلق برجوع، وقوله وعنه متعلق باعتياض وما بعده، ففيه لف ونشر مرتب. قوله: (نعم لو عفا الخ) فيه رد على بعض معاصري صاحب البحر حيث توهم من عدم صحة العفو أن القاضي يقيم الحد عليه مع عفو المقذوف متمسك س بقول الفتح: لا يصح العفو ويحد. قال في البحر: وهو غلط فاحش. ففي المبسوط: لا يكون للامام أن يستوفيه، لان الاستيفاء عند طلبه وقد تركه، إلا إذا عاد وطلب فحينئذ يقيم الحد، لان العفو كان لغوا فكأنه لم يخاصم اه. قال: فتعين حمل ما في الفتح على ما إذا عاد وطلب اه. قوله: (وكذا الخ) دليل آخر لصاحب البحر استدل به على الرد المذكور، وهو ما في كافي الحاكم: لو غاب المقذوف بعد ما ضرب الحد لم يتم الحد إلا وهو حاضر لاحتمال العفو، فالعفو الصريح أولى. قوله: (حدا) أي المبتدئ والمجيب، لان كلا منهما قذف صاحبه، أما الأول فظاهر، وكذا الثاني لان معناه لا بل أنت زان، إذ هي كلمة عطف يستدرك به الغلط فيصير المذكور في الأول خبرا لما بعد بل بحر. ولا يحدان إلا بطلبهما ولو بعد العفو والاسقاط كما مر، وقرره في البحر خلافا لما يوهمه كلام الفتح. قوله: (لغلبة حق الله تعالى) فلو جعل قصاصا يلزم إسقاط حقه تعالى وهو لا يجوز. بحر. قلت: ولعل اشتراط الطلب ولو بعد الثبوت بالنظر إلى ما فيه من حق العبد. قوله: (مثلا) أي من كل لفظ غير موجب لحد. قوله: (ما سيجئ) أي في باب التعزير. قوله: (أو تضاربا) أي ولو في غير مجلس القاضي كما يفيده كلام البحر والتعليل المذكور. قوله: (لم يتكافآ) فيعزرهما ويبدأ بتعزير المبتدئ منهما لأنه أظلم كما سيجئ. قوله: (لهتك مجلس الشرع) أي هتك احترامه فلم يكن ذلك محض حقهما حتى يعتبر التساوي فيه، وقوله: ولتفاوت الضرب علة لقوله: أو تضاربا ففيه لف ونشر مرتب. تنبيه: لو تشاتما بين يدي القاضي هل له العفو عنهما؟ قال في النهر: لم أره، والظاهر لا، بخلاف قوله أخذت الرشوة من خصمي وقضيت علي فقد صرحوا بأن له أن يعفو والفرق بين اه. مطلب: هل للقاضي العفو عن التعزير؟ قلت: وفيه نظر، لأنهما إذا تشاتما استويا حقهما لكنهما أخلا بحرمة مجلس القاضي فبقي مجرد حقه فصار بمنزلة قوله أخذت الرشوة فله العفو. يدل عليه ما في الولوالجية: لو تشاتما بين يديه ولم ينتهيا بالنهي، إن حبسهما وعزرهم فهو حسن، لئلا يجترئ بذلك غيرهما فيذهب ماء وجه القاضي، وإن عفى عنهما فهو حسن، لان العفو مندوب إليه في كل أمر اه. وسنذكر في التعزير الاختلاف في أن الامام هل له العفو والتوفيق؟ لصاحب القنية بأن له ذلك في الواجب حقا لله تعالى، بخلاف
220 ما كان لجناية على العبد فإن العفو فيه للمجني عليه، والظاهر أن تشاتمهما عند القاضي. وقوله أخذت الرشوة اجتمع فيه حق الشرع مع حق العبد وهو القاضي، وترجح فيه حقه فكان حق عبد، كما يفيده كلام الولوالجية، وإلا لم يكن له العفو. تأمل. قوله: (ولو قاله لعرسه) أي لو قال لزوجته يا زانية. قوله: وهو من أهل الشهادة) قيد به لأنه إذا لم يكن أهلا لها لا يكون موجب قذفه لعانا ب حدا فيحد اه. ح عن إيضاح الاصلاح لابن كمال: أي فيحد كل منهما بطلبهما، كما لو قاله لغير عرسه وهو المسألة المارة. قوله: (فردت به) أي بذلك اللفظ بأن قالت بل أنت. قوله: (ولا لعان) لأنها لما حدت في القذف لم تبق أهلا للعان لأنه شهادة، ولا شهادة للمحدود في قذف. قوله: (الأصل الخ) جواب عما قد يقال لم قدم حدها حتى سقط اللعان مع أنه لو قدم اللعان لا يسقط حد القذف عنها، لان حد القذف يجري على الملاعنة كما في الفتح. قوله: (واللعان في معنى الحد) استئناف لبيان دخول المسألة تحت هذا الأصل، فافهم. قوله: (ولذا) أي لكونه في معنى الحد. قوله: (بدئ بالحد الخ) الأولى أن يقول: فبدئ بالحد ينفي اللعان، لان البداءة بالحد موقوفة على مخاصمة الام أولا فيسقط اللعان لأنه بطلت شهادة الرجل، أما لو خاصمت المرأة أولا فلاعن القاضي بينهما ثم خاصمت الام يحد الرجل للقذف كما في البحر. قوله: (ولو قالت في جوابه) أي في جواب قول الزوج لها يا زانية. قوله: (للشك) لأنه يحتمل أنها أرادت به ما قبل النكاح فتحد لقذفها، ولا لعان لتصديقها إياه أو ما كان معه بعد النكاح، وأطلقت عليه زنا للمشاكلة فيجب اللعان دون الحد لوجود القذف منه وعدمه منها، والحكم بتعيين أحدهما بعينه متعذر، فوقع الشك في كل من وجوب اللعان والحد فلا يجب واحد منهما بالشك، حتى لو زال الشك بأن قالت قبل أن أتزوجك أو كانت أجنبية حدت فقط وهو ظاهر اه. نهر وغيره. قوله: (قيد بالخطاب) أي بكاف الخطاب فافهم. قوله: (حد وحده) في بعض النسخ: حد وحدت، وهو تحريف لان الذي في الخانية أن قوله أنت أزنى مني ليس بقذف لما قدمناه من أن معناه أنت أقدر على الزنا، نعم على ما مر عن الظهيرية من أنه قذف تحد هي أيضا. وقد يقال: إن الحد عليها وحدها، لأنه إذا كان قذفا يكون تصديقا له في أنها زانية على ما هو الأصل في أفعل التفضيل من اقتضائه المشاركة والزيادة. تأمل. قوله: (ولو كان ذلك) أي المذكور من قوله يا زانية وردها بقوله زنيت بك. قوله: (حدت) لزوال الشك كما مر. قوله: (لتصديقها) علة لقوله دونه أي لا يحد هو أيضا لأنها صدقته. قوله: (يلاعن) لان النسب لزمه بإقراره، وبالنفي بعده صار قاذفا لزوجته فيلاعن. نهر قوله: (وإن عكس) بأن نفاه أولا ثم أقر به قبل اللعان حد، لأنه لما أكذب نفسه بطل اللعان الذي كان وجب بنفي الولد، لأنه ضروري صير إليه ضرورة التكاذب بين الزوجين فكان خلفا عن الحد، فإذا بطل صير إلى الأصل. قوله: (لاقراره) أي سابقا ولاحقا، واللعان يصح بدون قطع النسب كما يصح بدون
221 الولد.. بحر. قوله: (فهدر) أي لا يتعلق به حد ولا لعان. بحر. قوله: (لأنه أنكر الولادة) وبه لا يصير قاذفا، ولذا لو قال لأجنبي لست بابن فلان وفلانة وهما أبواه لا يجب عليه شئ. زيلعي. قوله: (لان الهاء تحذف للترخيم) كذا علله في الفتح، وعلله في الجوهرة بأن الأصل في الكلام التذكير. قوله: (قلنا الأصل الخ) قد علمت أن هذا تعليل المسألة الوفاقية، وعلل لهذه في الجوهرة وغيرها بأنه أحال كلامه فوصف الرجل بصفة المرأة. وقال في الفتح: ولهما أنه رماه بما يستحيل منه فلا يحد، كما لو قذف مجبوبا، وكما لو قال أنت محل للزنا لا يحد، وكون التاء للمبالغة مجاز، بل هي لما عهد لها من التأنيث. ولو كان حقيقة فالحد لا يجب بالشك. قوله: (في بلد القذف) أي لا في كل البلاد. بحر. وهذا أعم من مجهول النسب، لأنه من لا يعرف له أب في مسقط رأسه. شرنبلالية. قوله: (أو من لاعنت بولد) أي سواء كان حيا أو ميتا، وهذا إذا قطع القاضي نسب الولد وألحقه بأمه وبقي اللعان، فلو لاعنت بغير ولد أو لاعنت بولد ولم يقع نسبه أو بطل اللعان بإكذاب الزوج نفسه ثم قذفها رجل وجب الحد. أفاده في البحر. قوله: (لأنه) أي الولد في المسألتين أمارة: أي علامة الزنا ففاتت العفة. قوله: (أو بقذف رجل وطئ في غير ملكه الخ) الأصل فيه أن من وطئ وطئا حراما لعينه لا يحد قاذفه، لان الزنا هو الوطئ المحرم لعينه، وإن كان محرما لغيره يحد قاذفه لأنه ليس بزنا، فالوطئ في غير ملكه من كل وجه أو من وجه حرام لعينه، وكذا الوطئ في الملك، والحرمة مؤبدة بشرط ثبوتها بالاجماع أو بالحديث المشهور عند أبي حنيفة لتكون ثابتة من غير تردد، بخلاف ثبوت المصاهرة بالمس والتقبيل لان فيها خلافا، ولا نص فيها بل هي احتياط. أما ثبوتها بالوطئ فهو بنص: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) * (سورة النساء: الآية 22) ولا يعتبر الخلاف مع النص، فإن كانت الحرمة مؤقتة فالحرمة لغيره، وتمامه في الهداية وشروحها. قوله: (كأمة ابنه) مثل له في الفتح بقوله: كوطئ الحرة الأجنبية والمكرهة، فالموطوءة إذا كانت مكرهة يسقط إحصانها، فلا يحد قاذفها لان الاكراه يسقط الاثم ولا يخرج الفعل عن كونه، فكذا يسقط إحصانها كما يسقط إحصان المكره الواطئ. قوله: (كأمة مشتركة) أي بين الواطئ وغيره. قوله: (أو في ملكه المحرم أبدا) إسناد الحرمة إلى الملك من إسناد ما للمسبب إلى سببه، لان المحرم هو المتعة والملك سببها. واحترز بقوله: أبدا عن الحرمة المؤقتة، ويأتي أمثلتها قريبا، وترك اشتراط ثبوت الحرمة بالاجماع. قوله: (في الأصح) احتراز عن قول الكرخي كالأئمة الثلاثة: إنه يحد قاذفه لقيام الملك فكان كوطئ أمته المجوسية. وجه الصحيح أن الحرمة في المجوسية ونحوها يمكن ارتفاعها فكانت مؤقتة، بخلاف حرمة الرضاع فلم يكن المحل قابلا للحل أصلا فكيف يجعل حراما لغيره؟ فتح. قوله: (لفوات العفة) تعليل للمسائل الثلاث: أي وإذا زالت العفة زال الاحصان، والنص إنما أوجب الحد على من رمى
222 المحصنات، وفي معناه المحصنين رميه رمي غير المحصن ولا دليل يوجب الحد فيه، نعم هو محرم بعد التوبة فيعزر. فتح. قوله: (أو بقذف من زنت في كفرها) الأنوثة غير قيد كما في الفتح، وأطلقه فشمل الحربي والذمي، وما إذا كان الزنا في دار الاسلام أو في دار الحرب، وما إذا قال له زنيت وأطلق ثم أثبت أنه زنى في كفره أو قال له زنيت وأنت كافر فهو كما قال لمعتق زنيت وأنت عبد، بحر. وما ذكره من شمول الاطلاق والاسناد إلى وقت الكفر هو المتبادر من إطلاق المصنف كالكنز والهداية والزيلعي والاختيار وغيرها. ويخالفه ما في الفتح من أن المراد قذفها بعد الاسلام بزنا كان في نصرانيتها، بأن قال زنيت وأنت كافرة، كما لو قال قذفتك بالزنا وأنت أمة فلا حد عليه، لأنه إنما أقر أنه قذفها في حال لو علمنا منه صريح القذف لم يحد، لان الزنا يتحقق من الكافر ولذا يقام عليه الحد حدا لا الرجم، ولا يسقط الحد بالاسلام، وكذا العبد اه. وتبعه في الشرنبلالية. ومقتضاه أنه لو قال زنيت وأطلق يحد، إلا أن يقال: أنه يحد مع الاطلاق إذا لم يكن زناه في كفره ثابتا، فلو كان ثابتا لا يحد، ولذا قيده في البحر بقوله: ثم أثبت أنه زنى في كفره، وهو المفهوم من كلام المصنف كغيره حيث جعل موضوع المسألة قذف من زنت في كفرها، فمقتضاه ثبوت الزنا في حال كفرها، وأما لو قال قذفتك وأنت أمة فلا يحتاج إلى ثبوت زناها لما مر من التعليل. قوله: (مات عن وفاء) وكذا لو مات عن غير وفاء بالأولى لموته عبدا. بحر. قوله: (في حريته) أي التي هي شرط الاحصان قوله: (وحد الخ) شروع في محترز قوله: أو في ملكه المحرم أبدا فإن الحرمة في هذه المذكورات مؤقتة، ومثل الحائض المظاهر منها والصائمة صوم فرض، ومثل الأمة المجوسية الأمة المتزوجة والمشتراة شراء فاسدا، لأن الشراء الفاسد يوجب الملك، بخلاف المنكوحة نكاحا فاسدا فإن الملك لا يثبت فيه فلذا يسقط إحصانه بالوطئ فيه فلا يحد قاذفه كما في الفتح. قوله: (ومسلم) بالجر وفي بعض النسخ ومسلما بالنصب، فالأول عطف على لفظ واطئ والثاني على محله. قوله: (لثبوت ملكه فيهن) أي في هذه المسائل ففي بعضها ملك نكاح وفي بعضها ملك يمين، وحرمة المتعة فيها ليست مؤبدة بل مؤقتة كما علمت فكان الوطئ فيها حراما لغيره لا لعينه فلم يكن زنا، لان الزنا ما كان بلا ملك. قوله: (وفي الذخيرة خلافهما) وأصله أن تزوج المجوسي له حكم الصحة عنده، وحكم البطلان عندهما. غاية البيان. قوله: (مستأمن) بكسر الميم الثانية كما يأتي في بابه. قوله: (لأنه التزم الخ) أي وحد القذف فيه حق العبد كما مر. قوله: (بخلاف حد الزنا والسرقة) أي فلا يلزمه خلافا لأبي يوسف. قوله: (فيحد في الكل) أي اتفاقا قوله: (غاية) أي غاية البيان. قوله: (لكن الخ) استدرك على قوله: إلا الخمر فإنه بإطلاقه شامل لما إذا سكر منه، فافهم. قوله: (أيضا) أي كما يحد للزنا والسرقة، لكن قدمنا أن المذهب أنه لا يحد. قوله: (وفي
223 السراجية الخ) تقييد لقوله: إلا الخمر. قوله: (حد) أي إذا لم يتقادم على ما مر بيانه، في الباب السابق. قوله: (لا) أي لا يحد، شهادتهم قامت على مسلم فلم تقبل. قوله: (على زناه) أي زنا بالمقذوف. قوله: (لسقوط إحصانه) لا محل لذكره هنا، لان جواب المسألة هو قول المصنف حد المقذوف، فالكلام في حد المقذوف لا في حد القاذف، وقدمنا قريبا عن الفتح أن الزنا يتحقق من الكافر ويقام عليه حد الجلد لا الرجم، ولا يسقط الحد بالاسلام، وقدمه الشارح أيضا عند بيان شروط الاحصان، نعم هذا التعليل يناسب سقوط الحد عن القاذف، وإذا كان جواب المسألة حد المقذوف يلزم منه سقوط الحد عن القاذف فلم يكن التعليل خارجا عن المناسبة من كل وجه، كيف والباب معقود لحد القاذف دون المقذوف، فافهم. قوله: (كما مر) أي نظير ما مر من كونه في أربعة مجالس. قوله: (وقد حرر في البحر الخ) أي في باب حد الزنا، وذكر مثله هنا في الشرنبلالية عن البدائع. والحاصل أن تعبير الدرر بالاقرار لا يناسب قوله: حد المقذوف وإنما يناسب لو قال سقط الحد عن القاذف وهو الأولى، لان الباب معقود له لا لحد المقذوف. قال في الفتح: فإن شهد رجلان أو رجل وامرأتان على إقرار المقذوف بالزنا يدرأ عن القاذف الحد، وعن الثلاثة: أي الرجل و المرأتين، لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فكأنا سمعنا إقراره بالزنا اه. ونحوه ما يذكره الشارح قريبا عن الملتقط، فقوله لا تعتبر أصلا الخ: أي بالنسبة إلى حد المقذوف. مطلب: لا تسمع البينة مع الاقرار إلا في سبع قوله: (لا تسمع مع الاقرار إلا في سبع) في وارث مقر بدين على الميت فتسمع للتعدي: أي تعدي الحكم بالدين إلى باقي الورثة، وفي مدعى عليه أقر بالوصاية فبرهن الوصي، وفي مدعى عليه أقر بالوكالة فيثبتها الوكيل دفعا للضرر. وفي الاستحقاق: إذا أقر المستحق عليه ليتمكن من الرجوع على بائعه، وفيما لو خوصم الأب بحق عن الصبي فأقر لا يخرج عن الخصومة فتسمع البينة عليه، بخلاف الوصي وأمين القاضي، وفيما لو أقر الوارث للموصى له، وفيما لو آجر دابة بعينها من رجل ثم من آخر فبرهن الأول على المؤجر تقبل وإن كان مقرا له اه. ملخصا. قوله: (حد المقذوف) أي دون القاذف كما علمت وترك التصريح به لظهوره. قوله: (بحد متقادم) تقدم بيانه في باب الشهادة على الزنا. قوله: (وإن عجز عن البينة للحال الخ) أما لو أقام شاهدين لم يزكيا أو شاهدا واحدا وادعى أن الثاني في المصر فإنه يحبسه ثلاثة أيام للتزكية أو لاحضار آخر كما قدمناه أول الباب. قوله: (إلى قيام المجلس) أي مقدار قيام القاضي من مجلسه. فتح. قوله: (ولا يكفل الخ)
224 لان سبب وجوب الحد ظهر عند القاضي، فلاح يكون له أن يؤخر الحد لتضرر المقذوف بتأخير دفع العار عنه وإلى آخر المجلس قليل لا يتضرر. وفي قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد: يكفل، فلذا يحبس عندهما في دعوى الحد والقصاص، ولا خلاف أنه لا يكفل بنفس الحد والقصاص. وكان أبو بكر الرازي يقول: مراد أبي حنيفة أن القاضي لا يجبره على إعطاء الكفيل، فأما إذا سمحت نفسه به فلا بأس، لان تسليمه نفسه مستحق عليه، والكفيل بالنفس إنما يطالب بهذا القدر. فتح. قوله: (درئ الحد الخ) لا الفاسق فيه نوع قصور وإن كان من أهل الأداء والتحمل، ولذا لو قضى بشهادته نفذ عندنا، فيثبت بشهادتهم شبهة الزنا فيسقط الحد عنهم وعن القاذف، وكذا عن المقذوف لاشتراط العدالة في الثبوت. وأما لو كانوا عميانا أو عبيدا أو محدودين في قذف أو كانوا ثلاثة فإنهم يحدون للقذف دون المشهود عليه لعدم أهلية الشهادة فيهم أو عدم النصاب كما تقدم في باب الشهادة على الزنا. قلت: والظاهر أن القاذف يحد أيضا، لان الشهود إذا حدوا مع أنهم إنما تكلموا على وجه الشهادة لا على وجه القذف يحد القاذف بالأولى ولم أره صريحا، وهذا بخلاف شهادة الاثنين على الاقرار كما مر قريبا. قوله: (يكتفي بحد واحد الخ) أفاد أن الحد وقع بفعل المتكرر، إذ لو حد للأول ثم فعل الثاني يحد حدا آخر للثاني سواء كان قذفا أو زنا أو شربا كما صرح به في الفتح وغيره. بحر. لكن استثنى ما إذا قذف المحدود ثانيا المقذوف الأول كما يأتي قريبا. قوله: (اتحد جنسها) بأن زنا أو شرب أو قذف مرارا. كنز وكذا السرقة. بحر. قوله: (كما بيناه) أي عند قوله: اجتمعت عليه أجناس مختلفة الخ. قوله: (بكلمة) مثل أنتم زناة. نهر. ومثله يا ابن الزانيين كما مر أول الباب. قوله: (إلا سوطا) احتراز عما لو تمم الحد ثم قذف رجلا آخر فإنه يحد ثانيا. قوله: (في المجلس) لم أر من صرح بمحترزه. قوله: (ولا شئ للثاني للتداخل) والأصل أنه متى بقي عليه من الحد الأولى شئ فقذف آخر قبل تمامه ضرب بقية الأول ولم يحد للثاني. جوهرة. قلت: وقيد ذلك في البحر والنهر بما إذا حضرا جميعا، لما في المحيط والتبيين: لو ضرب للزنا أو للشرب بعض الحد فهرب ثم زنى أو شرب ثانيا حد حدا مستأنفا، ولو كان ذلك في القذف، فإن حضر الأول والثاني جميعا أو الأول كمل الأول، ولا شئ للثاني للتداخل، وإن حضر الثاني وحده يجلد حدا مستقبلا للثاني ويبطل الأول لعدم دعواه اه: أي لعدم دعوى الأول تكميل الحد الواجب له لأنه بمنزلة العفو ابتداء، فكما لا يقام له الحد ابتداء إلا بطلبه كذلك لا يكمل له إلا بطلبه، هذا ما ظهر لي، فتأمل. والحاصل أنه إنما يكتفي بتكميل الحد الأول إن طلب المقذوف الأول وحده أو مع الثاني فلو طلب الثاني وحده: حد له حدا مستقبلا كحد الزنا والشرب.
225 وبه علم أن شرط تكميل الأول حضور الأول فقط، وأن التداخل قد يكون بتداخل الثاني فيما بقي من الأول، وقد يكون بتداخل ما بقي من الأول في الثاني وذلك فيما يحد به حدا مستقبلا كما علمت آنفا، ومر أيضا قبيل هذا الباب في قول المصنف: أقيم عليه بعض الحد فهرب وشرب ثانيا يستأنف فما ظنه بعض المحشين من التعارض بين ما مر وما هنا فهو خطأ لما علمت من اختلاف الموضوع. قوله: (وما إذا قذف الخ) معطوف كسابقه على قوله: ما إذا اتحد. قوله: (فعتق) بالبناء للفاعل لأنه لازم لا يتعدى إلا بالهمزة. ط عن ابن الشحنة. قوله: (فإن آخذه الثاني) أي طالبه في أثناء الحد أو بعد تمامه ط. قوله: (ثم قذفه) أي قذف المقذوف أو لا، بخلاف ما إذا قذف شخصا آخر بعد حده للأول فإنه يحد للثاني كما قدمناه. قوله: (لان المقصود الخ) قال في البحر: لا يخفى ما فيه فإنه بالحد الأول لم يظهر كذبه في إخبار مستقبل، بل فيما أخبر به ماضيا قبل الحد، ولهذا قال في الفتح: وصار كما لو قذف شخصا فحد به ثم قذفه بعين ذلك الزنا، بأن قال أنا باق على نسبتي إليه الزنا الذي نسبته إليه لا يحد ثانيا، فكذا هذا، أما لو قذفه بزنا آخر حد به اه. لكن في الظهيرية: ومن قذف إنسانا فحد ثم قذفه ثانيا لم يحد. والأصل فيه ما روى: أن أبا بكرة لما شهد على المغيرة بالزنا وجلده عمر لقصور العدد بالشهادة كان يقول بعد ذلك في المحافل: أشهد أن المغيرة لزان، فأراد عمر أن يحده ثانيا فمنعه علي فرجع إلى قوله وصارت المسألة إجماعا اه. فظهر أن المذهب إطلاق المسألة كما ذكره الزيلعي اه. ما في البحر. وتبعه في النهر: أي المذهب أنه شامل لما إذ قذفه بعين الزنا الأول أو بزنا آخر، خلافا لما قاله في الفتح. قلت: والذي يظهر لي أن الصواب ما في الفتح، وأنه إذا صرح بنسبته إلى زنا غير الأول يحد ثانيا كما لو قذف شخصا آخر لأنه لم يظهر كذبه في القذف الثاني، بخلاف ما إذا حد ثم قذفه بالزنا الأول أو أطلق لحمل إطلاقه على الأول، لان المحدود بالقذف يكرر كلامه بعد القذف لاظهار صدقه فيما حد بسببه كما فعله أبو بكرة، فإن قوله: أشهد إن المغيرة لزان لم يرد به زنا آخر، وبه ظهر أن ما في الظهيرية لا ينافي ما في الفتح فلا يصلح للاستدراك به عليه. قوله: (ومفادة الخ) أي مفاد ما مر عن الزيلعي من انتفاء الحد ثانيا حيث اتحد المقذوف أنه لو تعدد يحد، وقدمنا التصريح به عن الفتح وغيره، فإذا قذف شخصا بالزنا فحد له ثم قال له يا ابن الزانية فإنه يحد ثانيا، وإن كانت أم المقذوف ميتة وكان الطلب له لان الثاني قذف لامه، وكذا يحد بالأولى لو كانت الام حية فخاصمته. قوله: (إن التعزير يتعدد الخ) جزم به مع أن المصنف قال: لم أر من صرح به لكنه يؤخذ من كلامهم اه ط. والمراد التعزير الذي هو حق العبد كما يفيده التعليل، وسيأتي تمام الكلام على ذلك عند قول المصنف في الباب الآتي وهو حق العبد. قوله: (قلنا) أي في وجه الاستحسان بإبداء الفارق
226 وهو أن حد الزنا أو الشرب ليس له مطالب مخصوص فكان استيفاؤه للقاضي ابتداء والقاضي مندوب: أي مأمور بالدرء: أي درء الحد بالستر عليه كما مر في الشاهد للخبر، وهو حديث: من رأى عورة فسترها كن كمن أحيا موءودة فإذا أعرض القاضي عما ندب إليه وأراد استيفاءه لحقته تهمة بذلك، فلم يجز له استيفاؤه، بخلاف حد القذف والقود فإن له مطالبا وهو المقذوف وولي المقتول، حتى قيل إن إقامة التعزير لصاحبه كالقصاص كما نقله في المجتبى فلم يوجد من القاضي تهمة فيه، فكان له استيفاؤه فيما بينه وبين الله تعالى، لان القضاء ليس شرطا لاستيفاء القصاص بل للتمكين كما مر قبيل باب الشهادة على الزنا، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل فتأمله، والله سبحانه أعلم. باب التعزير لما ذكر الزواجر المقدرة شرع في غير المقدرة، وأخرها لضعفها، وألحقه بالحدود مع أن منه محض حق العبد لما أنه عقوبة، وتمامه في النهر. قوله: (هو لغة التأديب مطلقا) أي بضرب وغيره دون الحد أو أكثر منه. ويطلق على التفخيم والتعظيم، ومنه: * (وتعزروه وتوقروه) * (سورة الفتح: الآية 9) فهو من أسماء الأضداد. قوله: (غلط) لان هذا وضع شرعي لا لغوي، إذ لم يعرف إلا من جهة الشرع، فكيف نسب لأهل اللغة الجاهلين بذلك من أصله؟ والذي في الصحاح بعد تفسيره بالضرب: ومنه سمى ضرب ما دون الحد تعزيرا، فأشار إلى أن هذه الحقيقة الشرعية منقولة عن الحقيقة اللغوية بزيادة قيد هو كون ذلك الضرب دون الحد الشرعي فهو كلفظ الصلاة والزكاة ونحوهما المنقولة لوجود المعنى اللغوي فيها وزيادة، وهذه دقيقة مهمة تفطن لها صاحب الصحاح وغفل عنها صاحب القاموس، وقد وقع له نظير ذلك كثيرا وهو غلط يتعين التفطن له اه. نهر عن ابن حجر المكي. وأجيب بأنه لم يلتزم الألفاظ اللغوية فقط، بل يذكر المنقولات الشرعية والاصطلاحية، وكذا الألفاظ الفارسية تكثيرا للفوائد، وفيه نظر لان كتابة موضوع لبيان المعاني اللغوية، فحيث ذكر غيرها كان عليه التنبيه عليه لئلا يوقع الناظر في الاشتباه. قوله: (تأديب دون الحد) الفرق بين الحد والتعزير أن الحد مقدر والتعزير مفوض إلى رأي الامام، وأن الحد يدرأ بالشبهات والتعزير يجب معها، وأن الحد لا يجب على الصبي والتعزير شرع عليه. والرابع أن الحد يطلق على الذمي والتعزير يسمى عقوبة له لان التعزير شرع للتطهير تتارخانية. وزاد بعض المتأخرين أن الحد مختص بالامام والتعزير يفعله الزوج والمولى وكل من رأى أحدا يباشر المعصية، وأن الرجوع يعمل في الحد لا في التعزير، وأنه يحبس المشهود عليه حتى يسأل عن الشهود في الحد لا في التعزير، وأن الحد لا تجوز الشفاعة فيه وأنه لا يجوز للامام تركه أنه قد يسقط بالتقادم بخلاف التعزير، فهي عشرة. قلت: وسيجئ غيرها عند قوله: وهو حق العبد. قوله: (أكثره تسعة وثلاثون سوطا) لحديث من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين وحد الرقيق أربعون فنقص عنه سوطا، وأبو يوسف اعتبر أقل حدود الأحرار، لان الأصل الحرية فنقص سوطا في رواية عنه. وظاهر الرواية عنه تنقيص خمسة كما روى عن علي. ويجب تقليد الصحابي فيما لا يدرك بالرأي لكنه غريب عن علي، وتمامه في الفتح. وفي
227 الحاوي القدسي قال أبو يوسف: أكثره في العبد تسعة وثلاثون سوطا، وفي الحر خمسة وسبعون سوطا، وبه نأخذ اه. فعلم أن الأصح قول أبي يوسف. بحر. قلت: يحتمل أن قوله: وبه نأخذ ترجيح للرواية الثانية عن أبي يوسف على الرواية الأولى لكون الثانية هي ظاهر الرواية عنه، ولا يلزم من هذا ترجيح قوله: على قولهما الذي عليه متون المذهب مع نقل العلامة قاسم تصحيحه عن الأئمة، ولذا لم يعول الشارح على ما في البحر، وعن أبي يوسف أنه يقرب كل جنس إلى جنسه، فقرب اللمس والقبلة من حد الزنا، وقذف غير المحصن أو المحصن بغير الزنا من حد القذف صرفا لكل نوع إلى نوعه. وعنه أنه يعتبر على قدر عظم الجرم وصغره. زيلعي. قوله: (وأقله ثلاثة) أي أقل التعزير ثلاث جلدات وهكذا ذكره القدوري، فكأنه يرى أن ما دونها لا يقع به الزجر، وليس كذلك بل يختلف ذلك باختلاف الاشخاص، فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه فيكون مفوضا إلى رأي القاضي، يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه على ما بينا تفاصيله، وعليه مشايخنا رحمهم الله تعالى. زيلعي، ونحوه في الهداية. قال في الفتح: فلو رأى أنه ينزجر بسوط واحد اكتفى به، وبه صرح في الخلاصة. ومقتضى الأول أنه يكمل له ثلاثة لأنه حيث وجب التعزير بالضرب، فأقل ما يلزم أقله، إذ ليس وراء الأقل شئ ثم يقتضي أنه لو رأى أنه إنما ينزجر بعشرين كانت أقل ما يجب فلا يجوز نقصه عنها، فلو رأى أنه لا ينزجر بأقل من تسعة وثلاثين صار أكثره أقل الواجب، وتبقى فائدة تقدير الأكثر بها أنه لو رأى أنه لا ينزجر إلا بأكثر منها يقتصر عليها، ويبدل ذلك الأكثر بنوع آخر وهو الحبس مثلا. قوله: (لو بالضرب) يعني أن تقدير التعزير بما ذكر إنما هو فيما لو رأى القاضي تعزيره بالضرب فليس له الزيادة على الأكثر، فلا ينافي ما يأتي من أن التعزير ليس فيه تقدير، بل هو مفوض إلى رأي القاضي، لان المراد تفويض أنواعه من ضرب ونحوه، كما يأتي. قوله: (على أربع مراتب) تعزير أشراف الاشراف، وهم العلماء والعلوية بالأعلام، بأن يقول له القاضي بلغني أنك تفعل كذا فينزجر به. وتعزير الاشراف، وهم نحو الدهاقين بالأعلام والجر إلى باب القاضي والخصومة في ذلك. وتعزير الأوساط، وهم السوقة بالجر والحبس. وتعزير الأخساء بهذا كله وبالضرب اه.. ومثله في الفتح عن الشافي والزيلعي عن النهاية، ويأتي الكلام عليه. والدهاقين: جمع دهقان بكسر الدال وقد نضم وهو معرب يطلق على رئيس القرية، والتاجر ومن له مال وعقار. مصباح. قوله: (وكله مبني الخ) أي كل ما ذكر من المراتب الأربعة، ولا يصح أن يرجع إلى ما في المتن أيضا، لان ما ذكر فيه من التقدير لا فرق فيه بين القول بالتفويض وعدمه كما علمت، فافهم. ثم إن ما ذكره من أنه مخالف للقول بالتفويض هو ما فهمه في البحر حيث قال: وظاهره أنه ليس مفوضا إلى رأي القاضي، وأنه ليس له التعزير بغير المناسب لمستحقه، وظاهر الأول: أي القول بالتفويض: أن له ذلك اه. قلت: وفيه كلام نذكره قريبا. قوله: (فإن من كان الخ) سنذكر ما يؤيده قريبا. قوله: (ولا يفرق الضرب فيه) بل يضرب في موضع واحد لأنه جرى فيه التخفيف من حيث العدد، فلو خفف
228 من حيث التفريق أيضا يفوت المقصود من الانزجار. قوله: (وقيل يفرق) ذكره محمد في حدود الأصل، والأول ذكر في أشربة الأصل. قوله: (ووفق الخ) فليس في المسألة روايتان، بل اختلاف الجواب لاختلاف الموضوع، وهذا التوفيق مذكور في شروح الهداية والكنز. قوله: (وإلا لا) أي إن لم يبلغ الأكثر، بل كان بالأدنى كثلاث ونحوها، لأنه لا يفسد العضو كما في الفتح، وبه علم أن المراد بالأقصى الأكثر أو ما قاربه مما يخشى من جمعه على عضو واحد إفساده، فافهم. قال الزيلعي: ويتقي المواضع التي تتقى في الحدود: أي كالرأس والمذاكير. قوله: (ويكون) أي التعزير به: أي بالضرب الخ وليس مراده حصر أنواعه فيما ذكر كما يفيده قوله الآتي، ويكون بالنفي. عن البدائع. قلت: ويكون أيضا بالتشهير والتسويد لشاهد الزور كما سنذكره آخر الباب. قوله: (وبالصفع) هو أن يبسط الرجل كفه فيضرب بها قفا الانسان أو بدنه، فإذا قبض كفه ثم ضربه فليس بصفع بل يقال ضربه بجمع كفه. مصباح. قوله: (فيصان عنه أهل القبلة) وإنما يكون لأهل الذمة عند أخذ الجزية منهم. مطلب في التعزير بأخذ المال قوله (لا بأخذ مال في المذهب) قال في الفتح: وعن أبي يوسف يجوز التعزير للسلطان بأخذ المال. وعندهما وباقي الأئمة: لا يجوز اه. ومثله في المعراج، وظاهره أن ذلك رواية ضعيفة عن أبي يوسف. قال في الشرنبلالية: لولا يفتى بهذا لما فيه من تسليط الظلمة على أخذ مال الناس فيأكلونه اه. ومثله في شرح الوهبانية عن ابن وهبان. قوله (وفيه الخ) أي في البحر، حيث قال: وأفاد في البزازية أن معنى التعزير بأخذ المال على القول به إمساك شئ من مله عند مدة لينزجر ثم يعيده الحاكم إليه، لا أن يأخذه الحاكم لنفسه أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة، إذ لا يجوز لاحد من المسلمين أخذ مال أحد بغير سبب شرعي. وفي المجتبى لم يذكر كيفية الاخذ، وأرى أن يأخذها فيمسكها، فإن أيس من توبته يصرفها إلى ما يرى. وفي شرح الآثار: التعزير بالمال كان في ابتداء الاسلام ثم نسخ اه. والحاصل أن المذهب عدم التعزير بأخذ المال، وسيذكر الشارح في الكفالة عن الطرسوسي أن مصادرة السلطان لأرباب الأمور لا تجوز إلا لعمان بيت المال: أي إذا كان يزدها لبيت المال. قوله: (والتعزير ليس فيه تقدير) أي ليس في أنواعه، وهذا حاصل قوله قبله (ويكون به وبالصفع الخ). قال في الفتح: وبما ذكرنا من تقدير أكثره يعرف ما ذكر من أنه ليس في التعزير شئ مقدر بل مفوض إلى رأي الامام: أي من أنواعه، فإنه يكون بالضرب وبغيره. أما إذا اقتضى رأيه الضرب في خصوص الواقعة فإنه حينئذ فإنه لا يزيد على تسعة وثلاثين اه.
229 قلت: نعم له الزيادة تمن نوع آخر، يضم إلى الضرب الحبس كما يذكره المصنف، وذلك يختلف باختلاف الجناية والجناني. قال الزيلعي. وليس في التعزير شئ مقدر، وإنما هو مفوض إلى رأي الامام على ما تقتضي جنايتهم، فإن العقوبة فيه تختلف باختلاف الجناية، فينبغي أن يبلغ غاية التعزير في الكبيرة، كما إذا أصاب من الأجنبية كل محرم سوى الجماع السارق المتاع في الدار ولم يخرجه، وكذا ينظر في أحوالهم، فإن من الناس من ينزجر باليسر، ومنهم من لا ينزجر إلا بالكثير. وذكر في النهاية التعزير على مراتب إلى آخر ما مر عن الدرر. أقول: وظاهر عبارته أن قوله: وذكر في النهاية الخ، بيان لقوله: وكذا ينظر في أحوالهم الخ: أي أن أحوال الناس على أربع الناس على أربع مراتب، فلا يكون ما في النهاية والدرر مخالفا للقول بالتفويض، وحينئذ فيكون المراد بالمرتبة الأولى وهي أشراف الاشراف من كان ذا مروءة صدرت منه الصغيرة على سبيل الزلة ولندور، فلذا قالوا تعزيره بالأعلام، لأنه في العادة لا يفعل ما يقتضي التعزير بما فوق ذلك، ويحصل انزجاره بهذا القدر من التعزير، فلا ينافي أنه على قدر الجناية أيضا، حتى لو كان من الاشراف لكنه تعدى طوره ففعل اللواطة أو وجد مع الفسقة في مجلس الشرب ونحوه لا يكتفي بتعزيره بالأعلام فيما يظهر لخروجه عن المروءة، لان المراد بها كما في الفتح وغيره الدين الصلاح، وسيأتي آخر الباب أنه لو تكرر منه الفعل يضر التعزير، فهذا صريح في أنه بالتكرار لم يبق ذا مروءة، وهذا مؤيد لما قدمه عن النهر من أنه لو ضرب غيره فأدماه لا يكفي تعزيره بالأعلام الخ. ثم رأيت في الشرنبلالية عين ما بحثته، حيث قال: ولا يخفى أن هذا: أي الاكتفاء بتعزيره بالأعلام إنما هو مع ملاحظة السبب فلا بد أن يكون مما يبلغ به أدنى الحد، كما إذا أصاب من أجنبية غير الجماع اه. فهذا صريح في أن من كان من الاشراف يعزر على قدر جنايته، وأنه لا يكتفي فيه بالأعلام إذا كانت جنايته فاحشة تسقط بها مروءته، فقد ثبت بما قلنا عدم مخالفة ما في الدور للقول بتفويضه للقاضي، أو أن المعتبر حال الجناية والجاني. خلافا لما فهمه في البحر كما قدمناه فاغتنم هذا التحرير المفرد. قوله (وعليه مشايخنا) قدمنا عبارة الزيلعي عند قوله: (وأقله ثلاثة) مطلب يكون التعزير بالقتل قوله: (ويكون التعزير بالقتل) رأيت في الصارم المسلول للحافظ ابن تيمية أن من أصول الحنفية أن ما لا قتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل والجماع في غير القبل إذا تكرر فللامام أن يقتل فاعله، وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأي المصلحة في ذلك، ويحملون ما جاء عن النبي (ص) وأصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم على أنه رأي ى المصلحة في ذلك ويسمونه القتل سياسة. وكان حاصله أن له أن يعزر بالقتل في الجرائم التي عظمت بالتكرار وشرع القتل في جنسها، ولهذا أفتى أكثر هم بقتل من أكثر من سب النبي (ص) من أهل الذمة وإن أسلم بعد أخذه، وقالوا يقتل سياسة اه. وسيأتي اتمامه في فصل الجزية إن شاء الله تعالى: گ، ومن ذلك ما سيذكره المصنف من أن للامام قتل السارق سياسة: أي إن تكرر مه. وسيأتي أيضا قبيل كتاب الجهاد من تكرر الخنق منه في المصر قتل به سياسة لسعيه، بالفساد، وكل من كان كذلك يدفع شره القتل. وسيأتي أيضا في
230 باب الردة أن الساحر أو الزنديق الداعي إذا أخذ قبل توبته ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل، ولو أخذ بعدها قبلت وأن الخناق لا توبة له. وتقدم كيفية تعزير اللوطي. بالقتل. قوله: (مع امرأة) ظاهره أن المراد الخلوة بها إن لم ير منه فعلا قبيحا كما يدل عليه ما يأتي عن منية المفتي كما تعرفه، فافهم. فوله: (فلها قتله) أي إن لم يمكنها التخلص منه بصياح أو ضرب وإلا لم تكن مكرهة، فالشرط الآتي معتبر هنا أيضا كما هو ظاهر. ثم رأيته في كراهية شرح الوهبانية، ونصه: ولو استكره رجل امرأة لها قتله، وكذا الغلام، فإن قتله فدمه هدر إذا لم يستطع منعه إلا بالقتل اه. فافهم. قوله: (إن كان يعلم) شرط للقتل الذي تضمنه قوله كمن وجد رجلا. قوله: (ومفاده الخ) توفيق بين العبارتين حيث اشترط في لاولى العلم بأنه لا ينزجر بغير القتل ولم يشترط في الثانية، فوفق بحمل الأولى على الأجنبية والثانية على غيرها، وهذا بناء على أن المراد بقوله في الأولى (مع امرأة) أي يزني بها، ويأتي الكلام عليه. قوله (مطلقا) زاده المصنف على عبارة المنية متابعة لشيخه صاحب البحر قوله: (بما في البزازية وغيرها) أي كالخانية، ففيها. لو رأى رجلا يزني بامرأته أو امرأة آخر وهو محصن فصاح به فلم يهرب ولم يمتنع عن الزنا حل له قتله ولا قصاص عليه اه. قوله (فيحمل على المقيد) أي يحمل قول المنية قتلهما جميعا على ما إذا عدم الانزجار بصياح أو ضرب. قلت: وقد ظهر لي في التوفيق، وجه آخر، وهو أن الشرط المذكور إنما هو فيما إذا وجد رجلا مع امرأة لا تحل له قبل أن يزني بها فهذا لا يحل قتله إذا علم أنه ينزجر بغير القتل، سواء كانت أجنبية عن الواجد أو زوجة له أو محرما منه. أما إذا وجده يزني بها فله مطلقا، ولذا قيد في المنية بقوله: وهو يزني، أطلق قوله: قتلهما جميعا، وعليه فقول الخانية الذي قدمنا آنفا فصاح به غير قيد، ويدل عليه أيضا عبارة المجتبى الآتية، ثم رأيت في جنايات الحاوي الزاهدي ما يؤيده أيضا، حيث قال: رجل رأى رجلا مع امرأة يزني بها أو بقبلها أو يضمها إلى نفسه وهي مطاوعة فقتله أو قتلهما لا ضمان عليه، ولا يحرم من ميراثها إن أثبته بالبينة أو بالاقرار، ولو رأى رجلا مع امرأة في مفازة خالية، أو رآه مع محارمه هكذا ولم ير منه الزنا ودواعيه: قال بعض المشايخ: حل قتلهما. وقال بعضهم: لا يحل حتى يرى منه العمل: أي الزنا ودواعيه، ومثله، في خزانة الفتاوى اه. وفي سرقته البزازية: لو رأى في منزله رجلا معه أهله أو جاره يفجر وخاف إن أخذه أن يقهره فهو في سعة من قتله، ولو كانت مطاوعة له قتلهما، فهذا صريح في أن الفرق من حيث رؤية الزنا وعدمها. تأمل. قوله (مطلقا) أي بلا فرق أجنبية وغيرها قوله (وهو الحق) مفهومه أن مقابله
231 باطل، ولم يظهر من كلامه ما يقتضي بطلانه، بل ما نقله بعده عن المجتبى يفيد صحته، وقد علمت مما قررناه من ينفق به كلامهم، وأما كون ذلك من الامر بالمعروف لا من الامر بالمعروف لا من الحد فلا يقتضي اشتراط العلم بعدم الانزجار. تأمل. قوله (بلا شرط إحصان الخ) رد على ما في الخانية من قوله: وهو محصن، كما قدمناه، وجزم به الطرسوسي. قال في النهر: ورده ابن وهبان بأنه ليس من الحد، بل من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو حسن، فإن هذا المنكر، حيث تعين القتل طريقا في إزالته فلا معنى لاشتراطه الاحصان، ولذا أطلقه البزازي اه. قلت: ويدل عليه أن الحد لا يليه إلا الامام: (وفي المجتبى الخ) عزاه بعضهم أيضا إلى جامع الفتاوى وحدود البزازية. وحاصله أنه لا يحل ديانة لإقضاء فلا يصدقه إلا ببينة. والظاهر أنه يأتي هنا التفصيل المذكور في السرقة، وهو ما في البزازية وغيرها إن لم يكن لصاحب الدار بينه، فإن لم يكن المقتول معروفا بالشر والسرقة قتل صاحب الدار قصاص وإن كان متهما به فكذلك قياسا. وقي المقتول معروفا بالشر والسرقة قتل صاحب الدار لان دلالة الحال أورثت شبهة في القصاص لا في المال قوله: قوله (وعلى هذا القياس الخر) هو من تتمة عبارة المجتبى، وأقره في البحر والنهر ولذا مشى على المصنف، قوله (المكابر) أي الآخذ علانية بطريق الغلبة والقهر. قال قي المصباح: كابرته مكابرة: غالبته قوله: (وقطاع الطريق) أي إذا كان مسافر ورأي كما يفيده ما بعده. قوله: وإن لم يقطع عليه بل على غيره، لما فيه من تخليص الناس من شره وإذا كما يفيده ما بعده. قوله (جميع الكبائر) أي أهلها. وظاهر أن المراد بها المتعدي ضررها إلى الغير، فيكون قوله: (والأعونة والسعاة) عطف تفسير أو عطف خاص على عام، فيشمل ممن عم ضرره ولا ينزجر بغير القتل. قوله: وقاطع الطريق واللص واللوطي والخناق ونحوم ممن عم ضرره ولا ينزجر بغير القتل. قوله: (والأعونة) كأنه جمع معين أو عوان بمعناه، والمراد به الساعي إلى الحكام بالافساد فعطف السعادة عليه عطف تفسير. وفي رسالة أحكام السياسة عن جمع النسفي: سئل شيخ الاسلام عن قتل الأعونة والظلمة والسعادة في أيام الفترة؟ قال: بياح قتلهم لأنهم ساعون في الأرض بالفساد، فقيل: إنهم يمتنعون عن ذلك في أيام الفترة ويختفون، قال ذلك: امتناع ضرورة * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) * (الانعام) كما نشاهد. قال: وسألنا الشيخ أبا شجاع عنه، فقال: يباح قتله ويثاب قاتله ه. قوله: (أفتى الناصحي الخ) لعل الوجوب النظر للامام ونوابه والإباحة والإباحة بالنظر الغير هم ط. قوله: (ويكون بالنفي عن البلد) ومنه ما مر من نفي الزاني البكر. ونفى عمر رضي الله عنه نصر بن حجاج لافتتان النساء بجماله. وفي النهر عن شرح البخاري للعيني أن من آذي الناس ينفي عن البلد. قوله (وبالهجوم
232 الخ) من باب قعد: الدخول على غفلة بغتة. قال في أحكام السياسة وفي المنتقى: وإذا سمع في داره صوت المزامير فأدخل عليه لأنه لما سمع الصوت فقد أسقط حرمة داره. وفي حدود البزازية وغصب النهاية وجناية الدراية: ذكر الصدر الشهيد عن أصحابنا أنه يهدم البيت على من اعتاد الفسق وأنواع الفساد في داره، حتى لا بأس بالهجوم على بيت المفسدين. وهجم عمر رضي الله عنه على نائحة في منزلها وضربها بالذرة حتى سقط خمارها، فقيل له فيه، فقال: (لا حرمة لها بعد اشتغالها بالمحرم، والتحقت بالإماء). وروى أن الفقيه أبا بكر البلخي خرج إلى الرستاق وكانت النساء على شط كاشفات الرؤوس والذراع، فقيل له: فعلت هذا؟ لا حرمة لهن، إنما الشك في إيمانهن، كأنهن حربيات، وهكذا في جنايات مجمع الفتاوى. وذكر في كراهية البزازية عن الواقعات الحسامية: ويقدم إبلاء العذر عن مظهر الفسق بداره، فإن كف فيها وإلا حبسه الامام أو أدبه أسواطا أو أزعجه من داره، إذا الكل يصلح تعزيرا. وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أحرق بيت الخمار. وعن الصفار الزاهدي الامر الامر بتخريب دار الفاسق. قوله: (وإن ملحوها) أي تكسر وإن قال أصحابها نلقي فيها ملحا لأجل تخليلها. وفي كراهية البزازية: قال قي العيون وفتاوى النسفي: إنه يكسر دنان الخمر، ولا يضمن الكاسر، ولا يكتفي بإلقاء الملح، وكذا من أراق خمور أهل الذمة وكسر دنانها وشق زقاقها إن كانوا أظهروها بين المسلمين لا يضمن، لأنهم لما أظهروها بيننا فقد أسقطوا حرمتها. وفي سير العيون: يضمن إلا إذا كان إماما يرى ذلك لأنه مختلف فيه، وفي المسلم يضمن الزق. مسلم في منزله دن خمر اتخاذها خلا يضمن الدن عند الثاني، وإن لم يرد الاتخاذ لا يضمن عند الثاني. وذكر الخصاف أن الكسر لو بإذن الامام لا يضمن. وأصله فيمن كسر بربطا لمسلم، والفتوى على قولها في عدم الضمان. اه. قوله: (ولم ينقل إحراق بيته) تقدم نقله عن عمر في بيت الخمار، فالمراد أنه لم ينقل عن علمائنا، لكن ما مر عن الصفار يفيده. قوله: (ويقيمه الخ) أي التعزير الواجب حقا لله تعالى لأنه من باب إزالة المنكر، والشارع ولي كل أحد قي ذلك قال (ص): (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه) الحديث، بخلاف الحدود لم يثبت توليتها إلا للولاة، وبخلاف التعزير الذي يجب حقا للعبد بالقذف ونحوه فإنه لتوقفه على الدعوى لا يقيمه إلا الحاكم إلا أن يحكما فيه اه. قوله (قنية) هذا العزو لقوله: (حال مباشرة المعصية) وأما قوله: (يقيمه كل مسلم) فقد صرح به في الفتح وغيره. قوله (وأما بعده الخ) تصريح بالمفهوم. قال في القنية لأنه لو عزوه حال كونه مشغولا بالفاحشة فله ذلك، لأنه نهى عن المنكر وكل واحد مأمور به، وبعد الفراغ ليس بنهي، لان النهي عما مضى لا يتصور فيتمحص تعزيرا وذلك إلى الامام اه. وذكر قبله أن للمحتسب أن يعزر المعزر إن عزره بعد الفراغ منها. قوله: (لكن في الفتح الخ) وعليه فما في القنية محمول على ما إذا كان حقا لله تعالى أو حقا
233 لعبد وحكما فيه. قوله (لا يقيمه إلا الامام) وقيل لصاحب الحق كالقصاص. وجه الأول أن صاحب الحق قد يسرف فيه غلظا، بخلاف القصاص لأنه مقدر كما في البحر عن المجتبى. قوله: (ولم يتكافئا) عطف على يعزران، وفيه إشارة إلى الجواب عما يتوهم من إطلاق قول مجمع الفتاوى الآتي: جاز المجازاة بمثله الخ. والجواب أن ذلك فيما تمحض حقا لهما وأمكن فيه التساوي، كما لو قال له يا خبيت فقال بل أنت، بخلاف الضرب فإنه يتفاوت، وبخلاف التشاتم عند القاضي فإن فيه هتك مجلس الشرع كما مر في الباب السابق، وقدمنا تمامه. قوله (جاز المجازاة بمثله) فيه إشارة إلى اشتراط إمكان التساوي وتمحض كونه حقا لهما كما قلنا، إذا بدون ذلك لا مماثلة. قوله: (إذا احتيج لزيادة تأديب) وذلك بأن يرى أن أكثر الضرب في التعزير وهو تسعة وثلاثون لا ينزجر بها، أو هو في شك من انزجاره بها يضم إليه الحبس، لان الحبس صلح تعزيرا بانفراده، حتى لو رأى أن لا يضربه ويحبسه أياما عقوبة فعل. فتح. قال. ط وصح القيد في السفهاء الدعار وأهل الافساد. حموي عن المفتاح. قوله: (وضربه أشد) أي أشد من ضرب حد الزنا. ويؤخذ من التعليل أن هذا فيما إذا عزر بما دون أكثره، وإلا فتسعة وثلاثون من أشد الضرب فوق ثمانين حكما فضلا عن أربعين مع تنقيص، واحد من الأشدية فيفوت المعنى الذي لأجله نقص، فوق ثمانين حكما فضلا قطلوبغا. شرنبلالية. وإطلاق الأشدية شامل لقوته وجمعه في عضو واحد فلا يفرق الضرب فيه وقد مر الكلام فيه أول الباب، وأشار إلى أنه يجرد من ثيابه كما في غاية البيان ويخالفه ما في الخانية: يضرب التعزير قائما بثيابه وينزع الفرد والحشو ولا يمد في العزير اه. والظاهر الأول لتصريح المبسوط به. بحر. وتقدم معنى المد في حد الزنا. قوله (فلا يخفف وصفا) كي لا يؤدي إلى فوات المقصود. بحر: أي الانزجار. قوله: (ثم حد الزنا) بالرفع لحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، والأصل، ثم ضرب الزنا ط قوله: (لا بالقياس) رد على صدر الشريعة كما نبه عليه ابن كمال في هامش الايضاح. قوله: (الضعف سببه) أي فسببه محتمل وسبب حد الشرب متيقن به وهو الشرب، والمراد أن الشرب متيقن السببية للحد لا متيقن الثبوت لأنه بالبينة أو الاقرار وهما لا يوجبان اليقين. بحر. وهو مأخوذ من الفتح. تأمل. قوله: (وعزر كل مرتكب منكر الخ) وهذا هو الأصل في وجوب التعزير كما في البحر عن شرح الطحاوي. مطلب التعزير قد يكون بدون معصية وظاهره أن المراد حصر أسباب التعزير فيما ذكر مع أنه قد يكون بدون معصية كتعزير الصبي
234 والمتهم كما يأتي، وكنفي من خيف فتنة بجماله مثلا، كما مر في نفي عمر رضي الله تعالى عنه نصر بن حجاج. وذكر في البحر أن الحاصل وجوبه بإجماع الأمة الكل مرتكب معصية ليس فيها حد مقدر، كنظر محرم ومس محرم وخلوة محرمة وأكل ربا ظاهر اه. قلت: وهذه الكلية غير منعكسة، لأنه قد يكون في معصية فيها حد كزنا غير المحصن فإنه يجلد حدا، وللامام نفيه سياسة وتعزيزا كما مر في بابه. وروى أحمد أن النجاشي الشاعر جئ به إلى علي رضي الله تعالى عنه وقد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين ثم ضربه من الغد عشرين، لكن ذكر في الفتح أنه ضربه العشرين فوق الثمانين لفطره في رمضان كما جاء في رواية أخرى أنه قال له: ضربناك العشرين، بجراءتك على الله وإفطارك في رمضان اه. فالتعزير فيه من جهة أخرى غير جهة الحد. قوله (إلا إذا كان الكذب ظاهرا الخ) سيأتي الكلام فيه. قوله. (لأنه غيبة) ظاهره لزوم التغزير وإن لم يعلم صاحب الحق، لكن مر عن الفتح أن ما يجب حقا للعبد يتوقف على الدعوى. قوله: (وكل ما ارتكب معصية) لعله ذكره مع إغناء ما قبله عنه ليقيد أن المراد بالمنكر ما لا حد فيه. قال في الفتح: ويعزر من شهد شرب الشاربين والمجتمعون على شبه الشرب وإن لم يشربوا، ومن معه ركوة خمر، والمفطر، في رمضان يعزر ويحبس، وكذا المسلم يبيع الخمر ويأكل الربا. والمغنى، والمخنث، والنائحة يعزرون ويحبسون حتى حدثوا توبة، ومن يتهم بالقتل والسرقة يحبس ويخلد في السجن إلى أن يظهر التوبة، وكذا من قبل أجنبية أو عانقها أو مسها بشهوة اه. قوله: (فيعزر بشتم ولده) فيه كلام لصاحب البحر تقدم في حد القذف. قوله: (وكل من ليس بمحصن) أي إحصان القذف. ط. وحاصله أن من لم يحد قاذفه لعدم إحصانه يعزر قاذفه، فلا يلزم من سقوط الحد لعدم الاحصان سقوط التعزير، قوله: (ويبلغ به غايته) أي تسعة وثلاثون سوطا، وهذا معطوف على قوله: (فيعزر) ومقتضاه بلوغ الغاية في شتم ولده ولى كذلك. قوله (محرما غير جماع) الذي في الفتح والبحر وغيرها: كل محرم غير جماع. ومفاد أنه لا يبلغ الغاية، بمجرد لمس أو تقبيل، وهو خلاف ما يفيده كلام الشارح. قوله: (وفيما عداها) أي ما عدا هذه المواضع الثلاث لا يبلغ غاية التعزير، واقتصر عليها تبعا للبحر. وزاد بعضهم غيرها. منها ما في الدرر، قيل تارك الصلاة يضرب حتى يسيل منه الدم. وفي الحجة: لو ادعى الامام أنه كان مجوسا لا يصدق إلا أنه يضرب ضربا شديدا. اه. أي ولا يلزم القوم إعادة الصلاة. وفي الخانية: من وطئ غلاما يعزر أشد التعزير، وفي التتار خانية: إن المرأة إذا ارتدت تجبر على الاسلام وتضرب خمسة وسبعين اه: أي على قول أبي يوسف أن أكثره ذلك، أما على قولهما فأكثره تسعة وثلاثون. قوله: (أي بشتم) إطلاق القذف على الشتم مجاز شرعي، حقيقة الغوية. بحر قوله: (مسلم ما) أي سواء كان عدلا أو مستورا،
235 وسيأتي أن الذمي كالمسلم. قوله (أو علم القاضي بفسقه) هذا لم يذكره في الفتح، بل ذكر في النهر عن الخانية، ولعله مبني على القول المرجوع من أن للقاضي أن يقضي بعلمه. تأمل. قوله: (بلا بيان سببه) مثل أنه فاسق، وهذا تفسر لقوله، (مجرد) واحترز به عما لو بين سببا شرعا كتقبيل أجنبية كما ذكره بعد. مطلب في الجرح المجرد قلت: وهذا مخالف لما ذكروه الشهادات من أن الشهادة لا تقبل على جرح مجرد عن إثبات حق لله تعالى أو للعبد، مثل أن يشهدوا على شهود المدعي بأنهم فسقة أو زناة أو أكله الربا أو شربة الخمر أو على إقرار هم شهدوا بروز، وتقبل لو شهدوا على الجرح المركب مثل إنهم زنوا ووصفوا الزنا أو شربوا الخمر أو سرقوا مني كذا ولم يتقادم العهد، أو إني صالحتهم بكذا من المال على أن لا يشهدوا علي بالباطل وأطلب رد المال منهم، ففي هذا إثبات حق لله تعالى وهو الحد غاية أن عادتهم فعل الزنا أو نحو، فهو جرح مجرد.، وقد قال في القنية هنا: إن الشهادة على الجرح المجرد لا تصح، بل تصح، إذا ثبت فسقه في ضمن ما تصح فيه الخصومة كجرح الشهود اه. فهذا يفيد أن ما بين سببه كتقبيل أجنبية مثلا جرح مجرد لأنه ليس في ضمن ما تصح فه الخصومة، ولهذا أورد الظاهر بأن مرادهم بحقه تعالى الحد لا التعزير لأنه يسقط بالتوبة، فليس في وسع القاضي إلزامه به، بخلاف الحد، فإنه لا يسقط بها. قلت: والتحقيق، أنه يفرق بين البابين بأن المراد بالمجرد هنا ما لم يبين سببه، وغير المجرد ما بين له سبب موجب لحق الله تعالى من حد أو تعزير أو لحق العبد، والمراد بالمجرد في باب الشهادة ما لم يوجب حدا أو حق عبد وغير المجر دما ثبت في ضمن تصح فيه الخصومة من حق لله تعالى أو للعبد. ووجه الفرق أن المقصود هنا إسقاط التعزير عن القاذف بإثبات ما يوجب صدقه لا إثبات فسق المقذوف ابتداء فلذا اكتفى ببيان السبب الموجب لفسقه، ولم يكتف بالمجرد عنه لاحتمال ظن الشاهدين ما ليس بموجب للفسق مفسقا. وأما في باب الشهادة فإن المقصود إثبات فسق الشاهد ابتداء لان القاضي يبحث أولا عن عدالته ليقبل شهادته، فإذا برهن الخصم على جرحه كان المقصود إثبات فسقه لتسقط عدالته، لان الجرح مقدم على التعديل وإثبات الفسق مقصودا إظهار الفاحشة. وقد قالوا: إنه مفسق لشهود الجرح فلا تقبل شهادتهم إلا إذا كان في ضمن إثبات حق تصح فيه الخصومة، لأنه لم يصر مقصودا بإظهار الفاحشة بل يثبت ضمنا، ولا يدخل في الحق هنا التعزير لما مر عن المصنف. فالحاصل أن ما يوجب التعزير جرح مجرد في باب الشهادة لا هنا فيقبل هنا بعد سببه لا هناك لما علمت، ويدل على ما قلنا ما صرحوا به هناك من أن الجرح المجرد إنما لا يقبل لو كن جهرا لأنه إظهار للفاحشة أما لو كان سرا فإنه يقبل، وكذا ما صرحوا به أيضا من أنه لا يقبل من أنه لا يقبل إذا كان بعد التعديل كما اعتمده المصنف ومشى عليه هناك، فلو كان قبله قبل. والظاهر أن علة قبله
236 أنه يكون خبرا بفسق الشهود لئلا يقبل شهادتهم، ولذا يقبل الجرح سرا من واحد ولو كان شهادة لم يقبل، ولهذا لو عدلوا بعد الجرح تثبت عدالتهم وتقبل شهادتهم، ولو الجرح سرا شهادة مقبولة لسقوط عن حيز الشهادة ولم يبق لهم مجال التعديل، فثبت أنه إخبار لا شهادة، ونظيره سؤال القاضي المزكين عن المشهورة، فصار الحاصل أن الجرح المجرد لا يقبل في باب الشهادة إذا كان على وجه الشهادة جهرا بعد التعديل وإلا قبل. وأما في باب التعزير يقبل بعد بيان سببه. ويخرج بذلك عن كونه مجردا. تنبيه: سيأتي أن التعزير، يثبت بشهادة المدعي مع آخر وبشهادة عدل إذا كان في حقوقه تعالى لأنه من باب الاخبار، وظاهر كلامه هنا أنه لابد من شاهدين غيره، لأنه تعزير القاذف ثبت حقا لمقذوف، فإذا ادعى القاذف فسق المقذوف لا يكفي شهادته لنفسه فلا بد من إقامة البينة على صدق القاذف ليسقط عن التعزير الثابت حقا للمقذوف بخلاف ما كان حقا لله تعالى هذا ما ظهر لي في هذا المقام والسلام. قوله: (وأراد إثباته) أي لاسقاط الحد عنه: قوله: (لثبوت الحد) أي فكان الجرح ثابتا ضمنا لا قصدا فلم يكن مجردا لكن المناسب التعليل ببيان السبب، ويؤيد ما مر قبل هذا الباب عن الملتقط من أنه لو أقام أربعة فساقا يدرأ الحد عن القاذف والمقذوف والشهود، فعلم أن ثبوت الحد غير لازم، وهذا مؤيد لما حققناه آنفا يدرأ الحد عن القاذف والمقذوف والشهود، فعلم ما لم يثبت ضمنا. قوله: (حتى لو بينوا الخ) تفريح على قوله: (بلا بيان سببه). قوله (وكذا في جرح الشاهد) قد علمت الفرق بين البابين قوله (ويبغي الخ) قاله صاحب البحر قوله: (ليعزره) أي يعزر المقذوف ويسقط التعزير عن القاذف. قوله: (سأل القاضي المشتوم) أي ولا يطلب من الشاتم البينة في مثل هذا كمال في البحر. قوله: (من الفرائض) أراد بها ما يشتمل الواجبات كما ذكره بعد. قوله: (ثبت فسقه) وينبغي أن يلزم التعزير، لما مر من أنه يعزر كل مرتكب معصية لاحد فيها. قوله: (بيا كافر) لم يقيد بكون المشتوم بذلك مسلما لما يذكره بعد. قوله: (إن اعتقد المسلم كافرا نعم) أي يكفر إن اعتقده كافرا لا بسبب مكفر. قال في الذخيرة. المختار للفتوى أنه إن أراد الشتم ولا يعتقده كفرا لا يكفر، وإن اعتقده كفرا فخاطبه بهذا بناء على اعتقاده أنه كافر يكفر، لأنه لما اعتقد المسلم كافر فقد اعتقد دين الاسلام كفرا اه. قوله. (كفر) أي لان إجابته إقرار بأنه كافر فيؤاخذ به لرضاه بالكفر ظاهرا، إلا إذا كان مكرها. وأما فيما بينه وبين الله تعالى، فإن كان متأولا بأنه كافر بالطاغوت مثلا فلا يكفر. قوله: (فيكون محتملا) قال في الشرنبلالية: ويرجح خلافه حالة السب، فلذا أطلقه في الهداية وغيرها. قوله: (يا فاجر) يستعمل في عرف الشرع بمعنى الكافر
237 والزاني، وفي عرفنا اليوم بمعنى كثير الخصام والمنازعة. قال في البحر، أفاد بعظه يا فاجر على يا فاسق التعاير بينهما، ولذا قال في القنية: لو أقام مدعي الشتم شاهدين سهدا أحدهما أنه قال له يا فاسق والآخر على أنه قال له يا فاجر لا تقبل هذه الشهادة اه. قوله: (يا مخنث) بفتح النون، أما بكسرها فمرادف للوطي. نهر وقيل المخنث من يؤتى كالمرأة، وعليه اقتصر في الدار المنتقى. ونقل بعض المحشين عن الإشارات أن كسر النون أفصح والفتح أشهر، وهو من خلقه خلق النساء في حركاته وسكناته وهيئاته وكلامه، فإن كان خلقة فلا ذم فيه، ومن يتكلفه فهو المذموم. قوله (يا خائن) هو الذي يخون فيما في يده من الأمانات. أبو السعود عن المحمود. قوله (يا سفيه) هو خائن) هو الذي يخون فيها في يده من الأمانات. أبو السعود عن المحمودي قوله (يا سفيه) هو المبذر المسرف، وفي عرفنا اليوم بمعنى بذي اللسان قوله: (يا بليد) إنما يعذر لأنه يستعمل بمعنى الحيث الفاجر. نهر عن السراج. قلت: وهو في العرف اليوم بمعنى قليل فينبغي أن لا يعزر به. ثم رأيت في الفتح، قال: وأنا أظن أنه يشبه يا أبله ولم يعزروا به. قوله (يا أحمق) بمعنى ناقص العقل سيئ الأخلاق. قوله: (يا مباحي) هو من يعتقد أن الأشياء كلها مباحة. قوله: (يا عواني) هو الساعي إلى الحالم بالناس ظلما. قوله (أو هزل) عبارة الفتح: قلت: أو هزل من تعود بالهزل بالقبيح اه. قوله: (يا زنديق يا منافق) الأول هو من لا يتدين بدين، والثاني هو من يبطن الكفر ويظهر الاسلام كما سيذكره ف = الردة عن الفتح. قوله: (يا رافضي) قال في البحر: ولا يخفى أن قوله يا رافضي بمنزلة يا كافر أو يا مبتدع فيعزر، لان الرافضي كافر إن كان يسب الشيخين مبتدع إن فضل عليا عليهما من غير سب كما في الخلاصة اه. قلت: وفي كفر الرافضي بمجرد السب كلام سنذكره إن شاء الله تعالى في باب المرتد، نعم لو كان يقذف السيدة عائشة رضي الله عنها فلا شك في كفره. (يا مبتدعي) أهل البدعة: كل من قال قولا خالف فيه اعتقاد أهل السنة والجماعة. قوله (يالص) بكسر اللام وتضم. در منتقى. قوله: (إلا أن يكون لصا) الأولى أن يقول: إلا أن يكون كذلك، لئلا يوهم اختصاصه باللص، إذا لا فرق بين الكل كما بحثه في اليعقوبية: وقال: إنه لا تصريح به اه. قلت ويدل له قوله في الفتح. بما إذا قاله لرجل صالح، أما لو قال لفاسق أو للص يا لص أو لفاجر يا فاجر لا شئ عليه، والتعليل يفيد ذلك وهو قولنا إنه آذاه بما ألحق به من الشين، فإن ذلك إنما يكون فيمن لم يعلم اتصافه بهذه، أما من علم فإن الشين، قد ألحقه بنفسه قبل قول القائل اه. كلام الفتح. قلت ويظهر من هذا وكذا من قول المصنف السابق: إلا أن يكون معلوم الفسق) أن المراد المجاهر المشتهر بذلك فلا يعزر شاتمه بذلك كما لو اغتابه فيه، بخلاف غيره لان فيه إيذاءه بما يعلم اتصافه به، وتقدم أنه يعزر بالغيبة وهي لا تكون إلا بوصفه بما فيه، وإلا كانت بهتانا، فإذا عزر بوصفه بما فيه مما لم يتجاهر به ففي شتمه به في الأولى، لأنه أشد في الايذاء والإهانة، هذا
238 ما ظهر لي فتأمله. قوله (كما مر) أي عند قوله: " يا فاسق ". قوله: (ما لم يخرج الدعوى) قيد للزوم التعزير بالإخبار عن هذه الأوصاف: يعني أنه إذا ادعى عند الحاكم أن فلانا فعل كذا مما هو من حقوق الله تعالى فإن المدعي لا يعزر إذا لم يكن على وجه السب والانتقاص، بل يعزر المدعى عليه لما سيذكر الشارح عن كفالة النهر أن كل تعزر لله تعالى يكفي فيه خبر العدل، وكذا لو ادعى عليه سرقة أو ما يوجب كفرا وعجز عن إثباته، بخلاف دعوى الرنا كما يأتي، و الفرق وجود النص على حده للقذف إذا لم يأت بأربعة من الشهداء. قوله (يا ديوث) بتثليث الدال ط. ومثله القواد في عرف مصر و الشام. فتح. قوله (يا قرطبان) معرب قلتبان. درر. ومثله يا كشخان، وهو ألحق خلافا لما في الكنز من. أنه لا تعزير فيه كما في الفتح، وهو الخاء المعجمة كما في القاموس خلافا لما في البحر والنهر من. أنه بالمهملة. قوله (مرادف ديوث) قال الزيلعي: هو الذي يرى مع امرأته أو محرمه رجلا فيدعنه خاليا بها. وقيل هو المتسبب للجمع بين اثنين لمعنى غير ممدوح. وقيل هو الذي يبعث امرأته مع غلام بالغ، أو مع مزارعه طلى الضيعة، أو يأذن لهما بالدخول عليها في غيبته. قول: (بمعنى معرص) في بعض النسخ " معرس " بالسين. قال في النهر بعد ما مر عن الزيلعي: وعلى كل تقدير فهو المعنى المعرس بكسر الراء والسين المهملة، والعوام يلحنون فيه فيفتحون الراء ويأتون بالصاد. قال العيني. قوله) عزر بطلب الولد) لأنه هو المقصود بالشم، والظاهر أن له الطلب وإن كان أصله حيا، بخلاف قوله يا ابن الزانية، وأنه يعزر أيضا بطلب الأصل. تأمل. قوله: (وأنه يعزر الخ) عطف على قوله: " أنه إذا شتم " أي أن في كلام المصنف إيماء أيضا إلى أن موجبه التعزير الحد. قوله: (لا يقال الخ) حاصله أنه كان ينبغي أن يوجب الحد لا التعزير. قوله: (يسقط الحد) أي حد الزنا لشبهة العقد، فلم يكن قاذفا بالزنا الخالي عن الملك وشبهته، فلا يجد القاذف أيضا لكنه يعزر. وكتب ابن كمال بهامش شرحه هنا أن النسبة إلى فعل لا يجب الحد بذلك الفعل: لا يوجب الحد اه. فافهم قوله: (وهو ظاهر) لعل وجهه أنه صار حقيقة عرفية بمعنى الزانية، فهو قذف بصريح الزنا، ولأن القحبة لا تلتزم عقد الإجارة الذي هو علة سقوط الحد عند الامام. قوله: (يا من يعلب بالصبيان) أي معهم. نهر. والظاهر أن المراد به ف - العرف من يفعل معهم القبيح بقرينة الشتم. قوله: (فيعم حالة الحيص) أي فلم يكن قذفا بصريح الزنا، فلا
239 يوجب الحد بل التعزير. قوله: (ويبالغ في تعزيره) أي فيما إذا عرف بالدياثة، وقوله: " أو بلا عن " أي فيما إذا أقر بها، ففيه لف ونشر مشوش كما تفيده عبارة المنح عن جواهر الفتاوى، لأنه إذا لاعن لا يحتاج إلى التعزير، وإذا أكذب نفسه يلزمه الحد كما في الجواهر أيضا. واعترض بأن الديوث من لا يغار على أهل أو محرمه، فهو ليس بصريح الزنا فكيف الزنا فكيف يجب اللعان بإقراره بالدياثة؟. قلت: الظاهر أن المراد إقراره بمعناها لا بلفظها. أي بأن قال كنت أدخل الرجال على زوجتي يزنون بها. قوله (تلزمه كفارة يمين) لأنه علق رجوعه على الكفر فينعقد يمينا كما مر في بابه، وأشار إلى أنه لا يصير كافرا برجوعه، لكن هذا إذا علم أنه برجوعه لا يصير كافرا، وإلا كفر لرضاه بالكفر كما مر في محله، وإلى أنه لا يلزمه كفارة في المسألة الأولى لأنه ليس كل رافضي كافرا كما مر، فلم يكن تعليقا على الكفر. قوله: (لظهور كذبه) أي يقينا كما في الهداية. وفي البحر عن الحاوي القدسي: الأصل أن كل سب عاد شينه إلى الساب فإنه لا يعزر، فإن عاد الشين فيه إلى المسبوب عزر اه. وإنما يعود شينه إلى الساب لظهور كذبه. قوله: (واستحسن الهداية: وقيل في عرفنا لأنه بعد شينا. وقيل إن كان المسبوب من الاشراف كالفقهاء والعلوية يعزر لأنه يلحقهم الوحشة بذلك، وإن كان من العامة لا يعزر، وهذا أحسن اه. والحاصل أن ظاهر الرواية أنه لا يعزر مطلقا، ومختار الهنداني أنه يعزر مطلقا، والتفصيل المذكور كما في الفتح وغيره. قال السيد أبو السعود: وقوي شيخنا ما اختاره الهندواني بأنه الموافق للضابط: كل من ارتكب منكرا أو آذى مسلما بغير حق بقول أو بعفل أو إشارة يلزمه التعزير. قلت: ويؤيده الألفاظ لا يقصد بها حقيقة اللفظ حتى يقال بظهور كذبه، ولولا النظر إلى ما فيها من الأذى لما قيل بالتعزير بها في حق الأشراف، وإلا فظهور الكذب فيها موجود في حق الكل، فينبغي أن يلحق بهم من كان في معناهم ممن يحصل له بذلك الأذى والوحشة، بل كثير من أصحاب الأنفس الأبية يحصل له من الوحشة أكثر من الفقهاء والعلوية. وقد يجاب بأن المراد بالأشراف من كان كريم النفس حسن الطبع، وذكر الفقهاء والعلوية لأن الغالب فيهم ذلك، فمن كان بهذه الصفة يلحقه الشين بهذه الألفاظ المراد لازمنها من نحو البلادة وخبث الطباع، وإلا فلا، لأنه هو الذي الحق الشين بنفسه فلا يعتبر لحوق الوحشة به، كما لو قيل لفاسق يا فاسق، فيرجع إلى ما استحسنه في الهداية وغيرها. ثم رأيت الشارح في الشارح في شرح الملتقى قال: ولعل المراد بالعلوي كل منق، وإلا بالتخصيص عير ظاهر، بل قال الفقيه أبو جعفر: إنه في الأخسة، أما في الأشراف فالتعزير. اه. فافهم.
240 تنبيه: ذكر في شرحه على الملتقى أيضا أنه لو على وجه المزاح يعزر، فلو بطريق الحقارة كفر، لأن إهانة أهل العلم كفر على المختار. فتاوى بديعية. فتاوى بديعية. لكنه يشكل بما في الخلاصة أن سب الختنين ليس بكفر اه، والمراد بالختنين عثمان وعلى رضى الله تعالى عنهما. قوله (يا أبله) بمعنى الغافل. قوله: (وأبوه ليس كذلك) أي ليس بحجام، وكذا لا تعزير لو كان كذلك بالأولى. قوله: (وأوجب الزيلعي الخ) كأنه لعدم ظهور الكذب في يا ابن الحجام لموت أبيه: فالسامعون لا يعلمون كذبه فلحقه الشين بخلاف قوله يا حجام لأنهم يشاهدون صنعته. بحر. ودفعه في النهر بأن التفرقة تحكم، لأن بتعزيره غير مقيد بموت أبيه اه. قلت: والذي رأيته في الزيعلي هكذا: ومن الألفاظ التي لا توجب التعزير قوله يا رستاقي ويا ابن الأسود ويا بن الحجام وهو ليس كذلك اه. فقول وليس كذلك: أي ليس بهذه الصفة، فليس المراد نفي الحكم المذكور كما فهمه الشارح وعيره، فافهم. قوله: (لأنه عرفا بمعنى المؤجر) قال مله خسروا: المؤاجر يستعمل فيمن يؤجر أهله للزنا، لكنه ليس معناه الحقيقي المتعارف، بل بمعنى المؤجر. قوله: (يا بغا) هو بالباء الموحدة والغين المعجمة المشددة ويقال باغا، وكأنه انتزع من البغاء. بحر عن المغرب. قوله: هو المأبون) أي الذي لا يقدر على تركه أن يؤتى في دبره لدودة ونحوها. بحر. قلت: لكن قال المصنف في شرحه تبعا الدرر: إن البغا من شتم العوام يتفوهون به ولا يعرفون ما يقولون اه. وهذا المناسب لما مشى عليه تبعا للمتون، من أنه تعزير فيه. أما على تفسيره بالمأبون فلا، ولذا قال في البحر بعد ما نقل عن المغرب إنه المأبون: وينبغي أن يجب التعزير فيه اتفاقا، لأنه ألحق الشين به لعدم ظهور الكذب فيه، ثم استشهد لذلك بما صرح به في الظهيرية من وجوب التعزير في يا معفوج: وهو المأتي في الدبر، معللا بأنه ألحق الشين به، بل البغا أقوى، لان الأبنة عيب شديد. قلت: وحاصله أن المأبون هو الذي يطلب أن يؤتى، بخلاف المعفوج وهو بالعين المهملة والفاء والجيم، وفسره في التتار خانية بالمضرب في الدبر. وفى القاموس: عفج يعفج: ضرب. وجاريته جامعها. قوله: (يعزر فيهما) أي في يا مؤاجر وبايغا بناء على أن عرفهم استعمال مؤاجر فيمن يؤاجر أهله للزنا، وبغا في المأبون، وهذا مؤيد لما بحثه في البحر. قلت: ولا يستعمل في عرفنا اللفظان في الشتم، فينبغي عدم التعزير فيهما كما عليه المتون. قوله: (وفي ولد الحرام) هذا ذكره في النهر بحثا، حيث قال: وينبغي أن يعزر في ولد الحرام، بل أولى من " حرام زاده " ولم يذكر في النهر عبارة الملتقط، ففي كلام الشارح إيهام. قوله: (والضابط الخ) قال ابن كمال: فخرج بالقيد الأول النسبة إلى الأمور الخلقية، فلا يعزر في يا حمار ونحوه، فإن معناه الحقيقي غير مراد، بل معناه المجازي كالبليد، وهو أمر خلقي، وبالقيد الثاني النسبة إلى ما لا يحرم الشرع، فلا يعزر في يا حجام ونحوه مما يعد عارا في العرف، ولا يحرم في الشرع، والقيد الثالث إلى ما لا يعد عارا، فلا يعزر في يا لاعب النرد ونحوه مما يحرم في الشرع اه.
241 قلت: وهذا الضابط مبني على ظاهر الرواية، وقد علمت تفصيل الهداية. قوله: (بسكون الحاء) أي مع ضم أوله في الموضعين. قوله: (وفي يا ساحر) رأيته في البحر بالخاء المعجمة. تأمل. قوله: (يا مقامر) من قامرة مقامرة وفمارا فقمره: إذا راهبة فغلبه، كما في القاموس. قوله: (وفي الملتقى الخ) هذا بمعنى ما مر عن الهداية الزيلعي، لكنه في الملتقى ذكره بعد جميع ما مر من الألفاظ. وعبارة الهداية والزيلعي توهم أنه هذا التفصيل في نحو حمار وخنزير مما يتيقن فيه بكذب القائل فأعاده الشارح آخرا لدفع هذا الايهام، فافهم. قوله: (ادعى سرقة) ذكر في البحر هذه المسألة عن القنية، وذكر الثانية عن فتاوى قارئ الهداية، وقوله بخلاف دعوى الزنا من كلام الفنية، وأشار الشارح إلى المسألتين بقوله فيما تقدم " ما لم تخرج محرج الدعوى " وقدمنا أنه دخل في دلك دعوى ما يوجب التعزير حقا لله تعالى. قوله: (لما مر) أي قبيل هذا الباب من أنه مندوب للدرء: أي مأمور بالستر، فإذا لم يقدر عن إثباته كان مخالفا للأمر. وذكرنا الفرق فيما تقدم بورود النص على جلده إذا لم يأت أربعة شهداء. وأما ما في البحر عن القنية من الفرق بأن دعوى الزنا لا يمكن إثباتها إلا بنسبته إلى الزنا، بخلاف دعوى السرقة، دعوى السرقة فإن المقصود منها إثبات المال ويمكنه إثباته بدون نسبته إلى. السرقة فلم يكن قاصدا نسبته إلى السرقة، ففيه نظر، لاقتضائه عكس الحكم (1) المذكور فيهما. ثم رأيت الخير الرملي نبه على ذلك أيضا أوضحته فيما علقته على البحر، فافهم. قوله (وهو أي التعزير الخ) لما كان ظاهر كلام المصنف كالزيلعي وقاضيخان أن كل تعزير حق العبد، مع أنه قد يكون حق الله تعالى كما يأتي، زاد الشارح قوله " غالب فيه " تبعا للدرر وشرح المصنف، فصار قوله: " حق العبد " مبتدأ، وقوله: " غالب فيه " خبره، والجملة خبر قوله: " غالب فيه " خبره، والجملة خبر قوله: " وهو " والمراد كما أفاده ح أن أفراده التي هي أكثر من أفراده التي هي حق الله، وليس المراد أن الحقين اجتمعا فيه، وحق العبد غالب كما قيل بعكسه في حد القذف اه. قلت: هذا وإن دفع الإيراد المار لكن المتبادر خلافه، وهو أنه اجتمع فيه الحقان وحق العبد غالب فيه عكس حد القذف، وقد دفع الشارح الإيراد بقوله بعده " ويكون أيضا حقا لله تعالى ". فعلم أن المراد بالأولى: ما كان حقا للعبد، وأن فيه حق الله تعالى أيضا، ولكن حق العبد غالب فيه على عكس حد القدف. وبيان ذلك أن جميع ما مر من ألفاظ القذف والشتم الموجبة للتعزير منهي عنها شرعا. قال
(1) قوله: (لاقتضائه عكس الحكم) لان المال حيث أمكن اثباته بدون نيبته إلى السرقة يصير بدعواها ظاهرا قاصدا نسبته إليها والا لعمل عناه إلى دعوى المال: بخلاف دعوى الزنا لأنه لا يمكن اثباتها الا بنسبة الزنا إليه فلم يكن. 242 تعالى: * (ولا تنابزوا بالألقاب) * [الحجرات: 11] فكان فيها حق الله تعالى وحق العبد وغلب حق العبد لحاجته، ولذا لو عفا سقط التعزير، بخلاف حد القذف، فإنه بالعكس كما مر، وربما تمحض حق العبد كما إذا شتم الصبي رجلا، فإنه غير مكلف بحق الله تعالى، هذا ما ظهر لي في تحقيق هذا المحمل، فافهم. مطلب فيما لو شتم رجلا بألفاظ متعددة تنبيه: ذكر ابن المصنف في حواشيه على الأشباه أنه يؤخذ من كونه حق عبد جواب حادثه القوت: هي أن رجلا شتم آخر بألفاظ متعددة من ألفاظ الشتم الموجب للتعزيز، وهو أنه يعزر لكل واحد منها، لأن حقوق العباد لا تداخل فيها، بخلاف الحدود ولم أر من صرح به، لكن كلامهم يفيده، نعم التعزير الذي هو حق الله تعالى ينبغي القول فيه بالتداخل اه. وأصل البحث الوالدة المصنف، وجزم الشارح كما مر قبيل هذا الباب. قلت: ومقتضى هذا تعدده أيضا لو شتم جماعة بلفظ واحد، مثل أنتم فسقة أو بألفاظ بخلاف حد القذف كما مر هناك. قوله: (والتكفيل) أي أخذ كفيل بنفس الشاتم ثلاثة أيام قال المشتوم لي عليه بينة حاضرة كما في كافي الحاكم. قوله: (زيلعي) تمام عبارة الزيعلي: " وشرع في حق الصبيان " اه. وسيأتي متنا. قوله: (واليمين) يعني إذا أنكر، أنه سبه يحلف ويقضي عليه بالنكول. فتح. قوله: (لا بالله ما قلت) أي لا يحلفه بالله ما قلت له يا فاسق، لاحتمال أنه قال ذلك، ورد عليه المشتوم بمثله، أو عفى عنه، أو أنه فاسق في نفس الأمر ولا بينة للشاتم، ففي ذلك كله ليس عليه. للمشوم حق التعزيز الذي يدعي: كما لو على آخر أنه استقرض منه كذا وأنكر، فإنه يحلفه ما له عليك الألف الذي يدعي، لاحتمال أنه استقرض وأوفاه. وأبراه المدعى. قوله (وشهادة رجل وامرأتين) صرح به الزيلعي، وكذا في التتارخانية عن المنتقى. ويخالفه ما في الجوهرة: لا تقبل في التعزير شهادة النساء مع الرجال عنده، لأنه عقوبة كالحد والقصاص. وعند هما تقبل لأنه حق آدمي اه. أفاده الشرنبلالي. قلت: ومقتضى هذا أنه لا تقبل فيه الشهادة على الشهادة أيضا عنده، مع أنه جزم الزيلعي، وكذا في الفتح والبحر عن الخانية بأنها تقبل، فلهذا جزم المصنف بقبولها في الموضعين. قوله (كما في حقوق العباد) أي كما في باقي ما. قوله: (ويكون أيضا حقا الله تعالى) أي خالصا له تعالى كتقبيل أجنبية وحضور مجلس فسق. قوله: (فلا عفو فيه) كذا قاله في فتح القدير، لكن في القنية عن مشكل الآثار أن إقامة التعزير إلى الامام عن أئمتنا الثلاثة والشافعي، والعفور إليه أيضا. قال الطحاوي: وعندي أن العفور للمجني عليه لا للامام. قال صاحب القنية: ولعل قالوه في التعزير الواجب حقا لله تعالى، وما قاله الطحاوي فيما إذا جنب على إنسان اه. فهذا مخالف لما في فتح كما في البحر والنهر. قلت: لكن ذكر في الفتح أول الباب أن ما نص عليه من التعزير كما في وطء جارية امرأته أو المشتركة وجب امتثال الأمر فيه، وما لم ينص عليه إذا رأى الامام المصلحة أو علم أنه لا ينزجر إلا
243 به: وجب، لأنه زاجر مشروع لحقه تعالى كالحد، وما علم أنه انزجر بدونه: لا يجب اه. فعلم أن قولهم: إن العفو فيه للإمام بمعنى تفويضه إلى رأيه، إن ظهر له المصلحة فيه أقامه، وإن ظهر عدمها أو علم انزجاره بدونه يتركه، وبه تندفع المخالفة، فافهم المخالفة، فافهم. قوله: (ولا يمين) عطف على قوله فلا عفو، وهذا أخذه في النهر من قولهم في الأول واليمين فقال: وهو ظاهر في أن ما كان منه حق الله تعالى لا يحلف فيه الخ؟ قوله: (كما لو ادعى عليه أنه قبل أخته) أي أي أخت نفسه. والذي في النهر: أجنبية، وهو المناسب، لأنها لو كانت أخت المدعي فالظاهر أنه يكون حق عبد لأنه يلحقه بذلك عار شديد يحمله على الغيرة لمحارمه كما لا يخفى، إلا أن يراد أخت المقبل. قوله (ويجوز إثباته الخ) عطف على قوله: " فلا عفو " فهو من التفريع أيضا على كونه حق الله تعالى. قوله (لو معه آخر) كذا في الفتح، ويأتي أنه يكفي فيه أخبار عدل واحد، وعليه فلو كان المدعى عدلا يكفي وحده. قوله: (وعيرها) كالخانية والكافي. (ذا مروءة) قال محمد رحمه الله: والمروءة عندي في الدين والصلاة حكما في الفتح وغيره. قوله (فتح) أقول: اختصر عبارة الفتح اختصارا مخلا تبع فيه النهير، فإنه في الفتح ذكر أولا أما وجب من التعزير حقا لله تعالى لا يجوز للإمام تركه. ثم استشكل عليه ما في الخانية، وهو ما نقله الشارح عن القنية فقال: إنه يجب أن يكون في حقوق الله تعالى الخ: أي وإذا كان كذلك ناقض قوله أولا: إنه لا يجوز للإمام تركه. ثم أجاب عنه بأن ما ذكر عن القنية والخانية سواء حمل على أنه من حقوق الله تعالى أو من حقوق العباد لا يناقض ما مر، لأنه إذا كان المدعى عليه ذا مروءة فقد حصل تعزيزه بالجر إلى باب القاضي والدعوى، ويكون قوله: " ولا يعزر " معناه لا يعزر بالضرب في أو مرة، فإن عاد عزره بالضرب اه. ملخصا. وبه تعلم أن الشارح اقتصر على محل الاستشكال المخالف لقوله أولا، فلا عفو فيه وترك المقصود من الجواب، فافهم. أقول: ويظهر لي دفع المناقضة من وجه آخر، وهو أن ما وجب حقا لله تعالى لا يجوز للإمام تركه إلا إذا علم انزجار الفاعل كما مر. ولا يخفى أن الفاعل هذا كان ذا مروءة في الذين والصلاح يعلم من حاله الانزجار من أول الأمر، لأنما وقع منه لا يكون عادة إلا عن سهو وغفلة، ولذا لم يعزر في أول مرة ما لم يعد، بل يوعظ لتذكر إن كان ساهيا، وليتعلم إن كان جاهلا يدون حر إلى باب القاضي، ويؤيد هذا ما سيذكره الشارح آخر الباب من بناء على استثناء ذوي الهيئات من وجوب التعزير. قوله: (يفي أنه من باب الاخبار) أي فلا يحتاج إلى لفظ الشهادة ولا إلى مجلس القضاء، كما في كفالة النهر، فهذا يخالف ما مر من اشتراط الشهادة. قلت: لكن غاية ما أفاده فرع الظهيرية أنه لا يأثم من أعلم السلطان به وظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين كون السلطان عادلا أو جائرا يخشى منه قتله، لما مر أنه يباح قتل كل مؤذ: أي إذا لم ينزجر. ولا يخفى أنه ليس في هذا تعرض لثبوت تعزيره بمجرد الإخبار عند السلطان، فضلا عن
244 ثبوته عند القاضي. على أنه يكن أن يراد بإعلام السلطان: الشهادة على عنده، تأمل. مطلب في تعزير المتهم قوله: (للقاضي تعزير المتهم) ذكروا في كتاب الكفالة أن التهمة تثبت بشهادة مستورين أو واحد عدل فظاهر أنه لو شهد عند الحاكم واحد مستور وفاسق بفساد شخص: ليس للحاكم حبسه، بخلاف ما إذا كان عدلا أو مستورين فإن له حبسه. بحر. قلت: ومثلهما لو كان المتهم مشهورا بالفساد فيكفي فيه علم القاضي كما أفاده كلام الشارح. وفي رسالة " دده أفندي " في السياسة عن الحافظ ابن قيم الجوزية الحنبلي: ما علمت أحدا من أئمة المسلمين يقول إن هذا المدعى عليه بهذه الدعوى وما أشبهها يحلف ويرسل لا حبس، وليس تحليفه وإرساله مذهبا لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولو حلفنا كل واحد منهم وأطلقناه مع العلم باشتهاره بالفساد في الأرض وكثرة سرقاته وقلنا لا نأخذه إلا بشاهدي عدل كان مخالفا للسياسة الشرعية. ومن ظن أن الشرع تحليفه وإرساله فقد غلط غلطا فاحشا، لنصوص رسول لله صلى الله عليه وسلم ولإجماع الأجل هذا الغلط الفاحش تجرأ الولاة على مخالفة على الشرع، وتوهموا أن السياسة الشرعية قاصرة عن سياسة الخلق ومصلحة الأمة، فتعدوا حدود الله تعالى وخرجوا من الشرع إلى أنواع من الظلم والبدع في السياسة، على وجه لا يجوز، وتمامه فيها. وفي هذا تصريح بأن ضرب المتهم بسرقة من السياسة، وبه صرح الزيلعي أيضا كما سيأتي في السرقة. وبه علم أن للقاضي فعل السياسة ولا يختص بالإمام كما قدمناه في حد الزنا مع تعريف السياسة. قوله: (وإن لم يثبت) أي ما اتهم به، أما نفس التهمة: أي كونه من أهلها فلا بد من ثبوتها كما علمت. قوله: (يكفي فيه خبر العدل) مخالف لما قدمه من أنه يجوز إثباته بمدع شهد به لو معه آخر، وهو مصرح به في الفتح، ولعله محمول على عدم العدالة. قوله: (يقضي فيها بعلمه اتفاقا) وأما ما ذهب إليه المتأخرون وهو المفتى به من. أنه لا يقضي بعلمه في زماننا فيجب حمله على ما كان من حقوق العباد، كذا في كفالة النهر، وفيه كلام كتبناه في قضاء البحر حاصله أن ما ذكره غير صحيح، وسيأتي تمامه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (كما مر) الذي مر تقييده بما إذا بين سببه كتقبيل أجنبية وعناقها، وقد فسر المجرد بما لم يبين سببه، فالمراد بالمجرد هنا ما لم يكن في ضمن ما تصح به الدعوى، وقدمنا الكلام فيه، فافهم. قوله: (وعليه) أي على ما ذكر من. أنه من باب الإخبار، وأنه يكفي فيه خبر العدل. قوله: (من المحاضر) جمع محضر، والمراد به هنا ما يعرض على السلطان ونحوه في شكاية متول أو حاكم، ويثبت فيه خصوص أعيان البلدة وختمهم، ويسمى في عرفنا عرض محضر. قوله (يعمل به الخ) قال في كفالة النهر. وظاهره أن الإخبار كما يكون باللسان يكون بالبنان، فإذا كتب إلى السلطان بذلك ليزجره جاز، وكان له أن يعتمد عليه حيث كان معروفا بالعدالة. قوله (فقد أخطأ) والفرع
245 المتقدم: أي عن الظهيرية ينادي بخطئه. نهر. قوله: (وفي كفالة العيني الخ) ذكره في البحر في هذا الباب، ومثله في الخانية. قوله: (وأؤدبه) الظاهر أن المراد به الضرب، ويحتمل أنه عطف تفسير. ط. قوله: (والسرقة وضرب الناس) الظاهر أن الواو بمعنى " أو " لصدق التعليل على كل فرد بخصوصه ط. قوله: (حتى يتوب) المراد حتى تظهر أمارات توبته، إذ لا وقوف لنا على حقيقتها، ولا يقدر بستة أشهر إذ قد تحصل التوبة قبلها، وقد لا تظهر بعدها، كذا حققه الطرسوسي، وأقره ابن الشحنة. قوله: (وتقييد مسائل الشتم) أي الواقع في الكنز والهداية، وهذا ذكره في البحر والنهر. الذي في الفتح الاقتصار على ما قبله من المسألة، وتعليلها. ذكر ذلك آخر الباب. قوله: (ولعل وجهه ما مر في يا فاسق) أي من أنه ألحق الشين بنفسه قبل قول القائل، وأشار بقوله: " فتأمل " إلى ضعف هذا الوجه، فإنه وإن كان ألحقه بنفسه لكنا التزمنا بعقد الذمة معه أن لا تؤذيه اه ح. وقد يقال: إنه وصفه بما هو فيه، فهو صادق كقوله للفاسق يا فاسق مع أنه قد يشق عليه، إلا أن يفرق بأن اليهودي مثلا لا يعتقد في نفسه أنه كافر، فتأمل. قوله: (يعزر المولى عبده) قال في الفتح: وإذا أساء العبد الأدب حل لمولاه تأديبه، وكذا الزوجة. قوله: (لما سيجئ) أي من أن الصغر لا يمنع وجوب التعزير. قوله (الشرعية الخ) احترازا عما لو أمرها بنحو لبس الرجال أو بالوشم، وعما لو كانت لا تقدر عليها لمرض وإحرام أو عدم ملكها أو نحو ذلك. قوله: (وتركها غسل الجنابة) أي إن كانت مسلمة، بخلاف الذمية لعدم خطابها به ويمنعها من الخروج إلى الكنائس. ط عن حاشية الشلبي. قوله: (وعلى الخروج من المنزل) أي بغير إذنه بعد إيفاء المهر. قوله: (لو بغير حق) فلو بحق فلها الخروج بلا إذنه، وتقدم بيانه في النفقات. قوله: (لو طاهرة الخ) أي وكانت خاليه عن صوم فرض. ط عن المفتاح. قوله: (ويلحق بذلك الخ) أشار إلى أن تعزير الزوج لزوجته ليس خاصا بالمسائل الأربعة المذكورة في المتون، ولذا قال في الولوالجية. له ضربها على هذه الأربعة وما في معناها، وهو صريح الضابط الآتي أيضا، وكذا ما نقلناه آنفا عن الفتح من أن له تأديب العبد والزوجة على إساءة الأدب، لكن على القول بأنه لا يضربها لترك الصلاة يخص الجواز بما لا تقصر منفعته عليها كما يفيده التعليل الآتي هناك. قوله (ما لو ضربت ولدها الخ) هذا ذكرها في البحر بحثا أخذ من مسألة ضرب الجارية وقال: فإن ضرب الدابة إذا كان ممنوعا فهذا
246 أولى. قوله (غيره) بفتح الغين المعجمة ط، وهو منصوب على الحالية أو المصدرية أو التمييز، تأمل. قوله (ولا تتعظ بوعظه) مفاده أنه لا يعزرها أو مرة ط. قوله (أو شتمته الخ) سواء شتمها ولا، على قوله العامة. بحر. وثبوت للزوج بما ذكر إلى قوله: " والضابط " غير مصرح به وإنما أخذه في البحر والنهر من قول البزازية وغيرها. لو قال لها إن ضربتك بلا جناية فأمر ك بيدك فشتمته الخ فضربها لا يكون الأمر بيدها، لأن ذلك كله جناية. قال في النهر: وهو ظاهر في أنه له تعزيرها في هذه المواضع اه. قلت: وفيه أنه إذا كان ذلك جناية علق عليها الأمر لا يلزمه منه أن يكون موجبه التعزير، إذ لو زنت أو سرقت فضربها لم يصر الأمر بيدها لكونه ضربا بجناية، مع أن هذه الجناية لا توجب التعزير، فالأولى الاقتصار عل الضابط. قوله: (ولو بنحو يا حمار) ينبغي على ظاهر الرواية عدم التعزير في يا حمار يا أبه، وعلى القول الثاني من أنه يعزر وإن كان المقول له ن الأشراف، وإلا لا ينبغي أن يفصل في الزوج إلا أن يفرق بين الزوجة إلا أن يفرق بين الزوجة وبين الزوجة وغيرها، والموضع يحتاج إلى تدبر وتأمل. نهر. قلت: يظهر لي الفرق بينهما، إذ لا شك أن هذا إساءة الأدب. تأمل. قوله: (أو كلمته أو شتمته) الضمير لغير المحرم. قوله: (والضابط الخ) عزاه في البحر إلى البدائع من فصل القسم بين النساء، قال. وهو شامل لما كان متعلقا بلا زوج وبغيره اه أي سواء كان جناية على الزوج أو غيره. قوله: (ولا على ترك الصلاة) عطف على قوله: " وليس منه الخ " لأنه في معنى لا يضربها على طلب نفقتها ط.. قوله: (تبعا للدرر) وكذا ذكره في النهاية تبعا لكان في الحاكم كما في البحر. وفيه القنية: ولا يجوز ضرب أختها الصغيرة التي ليس لها ولي بترك الصلاة إذا بغلت عشرا. قوله (واستظهره) أي ما في الكنز والملتقي من أن له ضربها على ترك الصلاة، وبه قال كثير كما في البحر. قوله: (والأب يعزر الابن عليه) أي على ترك الصلاة. ومثلها الصوم كما صرحوا به، وتعليل القنية الآتي يفيد أن الأم كالأب. والظاهر أن الوصي كذلك، وأن المراد بالابن الصغير بقرينة ما بعده: أما الكبير فكالأجنبي، نعم قدم الشارح في الحضانة عن البحر أنه إذا لم يكن مأمونا على نفسه فله ضمنه لدفع فتنة أوعار وتأديبه إذا وقع منه شئ. فرع: في فصول العلامي: إذا رأى منكرا من والدية يأمرها مرة، فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما، فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه من أمر هما. له أم أرملة تخرج إلى غيرها فخاف ابنها عليها الفساد ليس له منعها، بل يرفع
247 أمرها للحاكم ليمنعها أو يأمره بمنعها. قوله (ابن سبع) تبع فيه النهر. والذي قدمه في كتاب الصلاة أمر ابن سبع وضرب ابن عشر اه ح. وهكذا ذكره القهستاني عن الملتقط، والمراد ضربه بيد لا بخشبه كما تقدم هناك. قوله: (ويحلق به الزوج) فله ضرب زوجته الصغيرة على الصلاة كالأب. قوله: (وفي القنية الخ) وفيها عن الروضة: ولو أمر غيره بضرب عبده حل للمأمور ضربه خلاف الحر. قال: فهذا تنصيص على عدم جواز ضرب ولد الآمر بأمره، بخلاف المعلم، لأن المأمور يضربه نيابة عن الأب لمصلحة، والمعلم يضربه بحكم الملك بتمليك أبيه لمصلحة الولد اه. وهذا إذا لم يكن الضرب فاحشا كما يأتي في قريبا. قوله: (فيجري بين الصبيان) أي يشرع في حقهم كما عبر الزيلعي، وهل يضرب تعزيرا بمجرد عقل أو إذا بلغ عشرا كما في ضربه على الصلاة؟ لم أره: نعم في البحر عن القنية: مراهق عالما فعليه التعزير اه. والظاهر أن المراهقة غير قيد. تأمل. تنبيه: في شهادات البحر: لم أر حكم الصبي إذا وجب التعزير عليه للتأديب فبلغ. ونقل الفخر الرازي عن الشافعية سقوطه لزجره بالبلوغ، مقتضى ما في اليتيمة من كتاب السير أن الذمي إذا وجب التعزير عليه فأسلم لم يسقط عنه اه. قال الخير الرملي: لا وجه لسقوطه خصوصا إذا كان حق آدمي. قوله: (وهذا لو كان حق عبد الخ) بهذا وفق صاحب المجتبى بين قول السرخسي: إن الصغر لا يمنع وجوب التعزير، وقول الترجمان: يمنع بحمل الأولى على حق العبد والثاني على حقه تعالى، كما إذا شرب الصبي أو زنى أو سرق، وأقره في البحر والنهر، وتبعهم المصنف. قلت، لكن يشكل عليه ضربه على ترك الصلاة، بل ورد أنه تضرب الدابة على النفار لا على العثار، فتأمل. قوله: (من حد أو عزر) أي من حده الإمام أو عزره كما في الهداية. قوله: (فدمه هدر) أي عندنا ومالك وأحمد، خلافا للشافعي، لأن الإمام مأمور بالحد والتعزير، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة، وتمامة في الفتح والتبيين. قلت: ومقتضى التعليل بالأمر أن ذلك غير خاص بالإمام، فقد مر أن لكل مسلم إقامة التعزير حال مباشرة المعصية لأنه مأمور بإزالة المنكر، إلا أن يفرق بأنه يكنه الرفع إلى الإمام فلم تتعين قوله: (فيتغير بشرط السلامة) أي كالمرور في الطريق ونحوه. وأورد ما لو جامع امرأة فماتت أو أفضاها، فإنه لا يضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنه مباح. وأجيب بأنه يضمن الجهر بذلك، فلو وجبت الدية لوجب ضمانان بمضمون واحد. نهر. قوله: (قال المصنف) أخذه من كلام شيخه في الحبر. قوله: (وبهذا) أي التعليل المذكور. قوله:
248 (ضربا فاحشا) قيد به لأنه ليس له أنه يضربها في التأديب، ضربا فاحشا، وهو الذي يكسره العظم أو يخرق الجلد أو يسوده في التتار خانية. قال في البحر: وصر حوا بأنه إذا صرفها بغير حق وجب عليه التعزير اه: أي وان لم يكن فاحشا قوله: (ويضمنه لو مات) ظاهر تقييد الضمان بما إذا كان الضرب فاحشا، ويخالفه إطلاق الضمان في الفتح وغيره حيث قال: وذكر الحاكم لا يضرب امرأته على ترك الصلاة ويضرب ابنه، وكذا المعلم إذا أدب الصبي. فمات منه يضمن عندنا والشافعي اه. قال في الدر المنتقى: يضمن المعلم بضرب الصبي. قوال مالك وأحمد، لا يضمن الزوج ولا المعلم في التعزير، ولا الأب في التأديب، ولا الجد ولا الوصي لو بضرب معتاد، وإلا ضمنه بإجماع الفقهاء اه. لكن سيأتي في الجنايات قبيل باب الشهادة في القتل تفصيل، وهو الضمان، في ضرب التأديب لا وفي ضرب لا تعليم لأنه واجب، ما لم يكن ضربا غير معتاد فإنه موجب للضمان. مطلقا، وسيأتي تمامه هناك. قوله:) وعن الثاني الخ) عبارة الزيلعي هكذا: وروى عن أبي يوسف أن القاضي إذا لم يزد في التعزير على مائة لا يجب عليه الضمان إذا كان يرى ذلك، لأنه قد ورد: أكثر ما عزروا به مائة فإن زادت على مائة فمات يجب نصف الدية على بيت المال، لأن ما ذاد على المائة غير مأذون فيه، فحصل القتل بفعل مأذون فيه وبفعل غير مأذون فيه فيتنصف اه. فعلم أن الكلام في القاضي الذي يرى ذلك اجتهادا أو تقليدا، وقدمنا أن أول الباب استدلال أئمتنا بحديث. " من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين " ومقتضى ما قررنا هناك وجوب الضمان إذا تعدى بالزيادة مطلقا، وأن هذه الرواية غير معتمدة عند الكل، فافهم. قوله: (وتعزر خمسة وسبعين) جرى على ظاهر الرواية عن أبي يوسف، وقدمنا ترجيح قولهما: إذا لا يبلغ التعزير أربعين قوله: (ولا تتزوج بغيره) بل تقدم أنها تجبر على تجديد النكاح بمهر يسير، وهذه إحدى روايات ثلاث تقدمت في الطلاق. الثانية أنها لا تبين ردا لقصدها السيئ الثالثة ما في النوادر من أنه يتملكا رقيقة إن كان مطرفا ط. مطلب فيما إذا ارتجل إلى غير مذهبه. قوله (ارتحل إلى مذهب الشافعي يعزر) أي إذا كان ارتحاله لا لغرض محمود شرعا، لما في التتارخانية: حكى أن رجلا من أصحاب أبي حنيفة، خطب إلى رجل من أصحاب الحديث ابنته في عهد أبي بكر الجوزجاني، فأبى إلا أن يترك مذهبه فيقرأ خلف الإمام، ويرفع يديه عند الانحطاط ونحو ذلك فأجابه فزوجه، فقال الشيخ بعد ما سئل عن هذه وأطرق رأسه: النكاح جائز، ولكن أخاف عليه أن يذهب ايمانه وقت النزع لأنه استخف بمذهبه الذي هو حق عنده وتركه لأجل لأجل جيفة منتنة، ولو أن رجلا برئ من مذهبه باجتهاد وضح له كان محمودا مأجورا. أما انتقال غيره من غير دليل، بل ما يرغب من عرض الدنيا وشهوتها فهو المذموم الآثم المستوجب للتأديب والتعزير،
249 لارتكابه المنكر في الدين واستخفافه بدينه ومذهبه اه. ملخصا. وفيها عن الفتاوى النسفية: الثبات على مذهب أبي حنيفة خير وأولى، قال: وهذه الكلمة أقرب إلى الألفة اه. وفي آخر التحرير للمحقق ابن الهمام: مسألة لا يرجع فيما قلد فيه: أي عمل به اتفاقا، وهل يقلد غيره في غيره؟ المختار نعم للقطع بأنهم كانوا يستفتون مرة واحدا ومرة غيره غير ملتزمين مفتيا واحدا، فلو التزم مذهبا معينا كأبي حنيفة والشافعي: فقيل يلزم، وقيل مثل من لم يلتزم وهو الغالب على الظن لعدم ما يوجبه شرعا اه. ملخصا. قال شارحه المحقق ابن أمير حاج: بل الدليل الشرعي اقتضى العمل بقول المجتهد وتقليده فيه فيما احتاج إليه وهو: (فاسألوا أهل الذكر) [النحل: 34] والسؤال إنما يتحقق عند طلب حكم الحادثة المعينة، فإذا ثبت عنده قول المجتهد وجب عمله به، وأما التزامه فلم يثبت من السمع اعتباره ملزما إنما ذلك في الندب، ولا فرق في ذلك بين أن يلتزمه بلفظه أو بقلبه. على أن قول القائل مثلا قلدت فلانا فيما أفتى به تعليق التقليد والوعد به، ذكره المصنف اه. مطلب العامي لا مذهب له قلت: وأيضا قالوا: العامي لا مذهب له، بل مذهبه مفتيه، وعلله في شرح التحرير بأن المذهب إنما يكون لمن يكون لمن له نوع نظر واستدلال وبصر بالمذهب على حسبه، أو لمن قرأ كتابا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقوله. وأما غير ممن قال أنا حنفي أو شافعي لم يصر وإنما أطلنا في ذلك لئلا يغتر بعض الجهلة بما يقع في الكتب من إطلاق بعض العبارات الموهمة. خلاف المراد فيحملهم على تنقيص الأئمة المجتهدين، فإن العلماء حاشاهم الله تعالى أن يريدوا الازدراء بمذهب الشافعي أو غيره، بل يطلعون تلك العبارات بالمنع من الانتقال خوفا من التلاعب بمذاهب المجتهدين، نفعنا الله تعالى بهم، وأماتنا على حبهم آمين. يدل لذلك ما في القنية رامزا لبعض كتب المذهب: ليس للعامي أن يتحول من مذهب إلى مذهب، ويستوي فيه الحنفي والشافعي اه: وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام ذلك في فصل القبول من الشهادات. قوله: (قذف بالتعريض) كأن قال أنا لست بزان يعزر، لأن لحد سقط للشبهة، وقد ألحق الشين بالمخاطب، لأن المعنى بل أنت زان فيعزر، وظاهر التقييد بالقذف أنه لو شتم بالتعريض لا يعزر (فله قيمه النقصان) أي له قدر ما نقص من قيمتها، ولم يذكر أنه يحد أو لا يحد أو لا لعلمه مما مر في بابه، وتقدم قبيل باب الشهادة على الزنا زنى بأمة فقتلها أنه الحد والقيمة بالقتل، وفي إقضائها تفصيل طويل. قوله: (إن حلف خصمه) أي عند عدم البرهان. قوله: (حتى يتوب أو يموت) عبارة غيره: حتى
250 يردها. وفي النهدية وغيرها: قال محمد: أحبسه أبدا حتى يردها أو يموت. قوله (يعزر على الورع البارد الخ) قال في التتار خانية: روى أن رجلا وجد تمرة ملقاة فأخذها و عرفها مرارا ومراده إظهار ورعه وديانته، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: كلها يا بارد الورع، فإن ورع يبغضه الله تعالى. وضربه بالدرة. اه. قلت: وبه علم أن المراد ما كان على وجه الرياء كما الرياء كما أفاده بقوله " البارد " فافهم. فلو كان من أهل الورع فهو ممدوح كما نقل أن امرأة سألت بعض الأئمة عن الغزل على ضوء العسس حين يمر على بيتها فقال من أنت؟ فقالت: من أنت؟ فقالت: أنا أخت بشر الحافي، فقال ها: لا تفعلي فإن الورع خروج من بيتكم قوله: (التعزير لا يسقط بالتوبة) لما مر أن الذمي إذا لزمه التعزير فأسلم لم يسقط عنه، لكن هذا مقيد بما إذا كان حقا لعبد، أما ما وجب حقا لله تعالى فإن يسقط كما في شهادات البحر. حموي على الأشباه. قوله: (قلت قد قدمناه لأصحابنا الخ) تقدم ذلك عند قوله: " والشهادة على الشهادة " وهذا جواب لقول الأشباه: ولم أره لأصحابنا اه. قلت: وفي كفالة كافي الحاكم الشهيد: وإذا كان المدعى عليه رجلا له مروءة وخطر استحسنت أن لا أحبسه ولا أعزره إذا كان ذلك أول ما فعل. ذكر عن الحسن رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى ولله عليه وسلم " تجافوا عن عقوبة ذي المروءة إلا في الحدود " اه. وقال البيري: وفي الأجناس عن كفالة الأصل: لو ادعى قبل إنسان شتيمة فاحشة أو أنه ضربه عزر أسواطا، وإن كان المدعى عليه رجلا له مروءة وخطر استحسنت أنه لا يعزر إذا كان أول ما فعل. وفي نوادر ابن رستم عن محمد: وعظ حتى لا يعود إليه، فإن عاد وتكرر منه ضرب التعزير. قلت لمحمد: والمروءة عندك في الدين والصلاح؟ قال نعم. وفي التمرتاشي: إن كان له خطر ومروءة، فالقياس أن يعزر، وفي الاستحسان لا، إن كان أول ما فعل، فإن فعل أي مرة أخرى علم أنه لم يكن ذا مروءة والمروة مروءة شرعية وعقلية رسمية اه. ملخصا. تنبيه: قال ابن حجر في الفتاوى الفقهية. جاء الحديث من طرق كثيرة من رواية جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفه، منها " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود " وفسرهم الشافعي بأنهم الذين لا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة فيترك. وقيل هم أصحاب الصغائر. وقيل الذين إذا وقع منهم الذنب تابوا، والأول أظهر وأمتن اه. ملخصا. قلت وقول أئمتنا: إذا كان أول ما فعل، يشير إلى التفسير الأول، كذا ما مر من تفسير المروءة. قوله: (في حديث اتق الله لا تأتي الخ) لفظ الجامع الصغير " اتق الله يا أبا الوليد " وقوله: " لا تأتي " أصله " لئلا تأتي " فحذف اللام، كذا في المناوي ح.
251 قلت: ومقتضاه أن تأتي منصوب بأن المضمرة بعد اللام المقدرة مع أن شرط إضمار " أن " عدم وجود " لا " بعدها، مثل لنعلم أي الحزبين فلو وجدت امتنع الإضمار مثل لئلا يعلم إلا أن يقال سوغ ذلك عدم التصريح باللام التعليلة، لكنه يتوقف على كون الرواية بالنصف، وإلا فالأظهر أنه نفى بمعنى النهي مثل: (فلا رفث ولا فسوق) [البقرة: 197] أو نهي والياء الإشباع، وعلى كل فهو نهي عن المسبب، والمراد لنهى عن السبب مثل: (ولا تقتلوا أنفسكم) [النساء: 92] (لا يفتننكم الشيطان) أي لا تفعلوا سبب القتل والفتنة، وهنا المراد النهي عن منع زكاة المواشي أو السرقة التي هي سبب الإتيان بما ذكر. وعلى هذا التقرير يظهر في الحديث نكات لطيفة لا تخفى على المتأمل، فافهم. قوله: (له رغاء الخ) الرغاء صوت الإبل، كما أن الخوار صوت البقر. والثؤاج بالثاء المثلثة المضمومة وبعدها همزة مفتوحة ممدودة مفتوحة ممدودة ثم جيم: صوت الغنم ط. قوله: (قال يؤخذ منه) عبارة المناوي: قال ابن المنير: " أظن أن الحكام أخذوا بتجريس السارق ونحوه من هذا الحديث ونحوه " اه ح. والتجريس بالقوم: التسميع بهم قاموس. قلت: وهو معنى التشهير الذي ذكروه عندنا في شاهد الزور. ففي التتار خانية: قال أبو حنيفة في المشهور: يطاف به ويشهر، ولا يضرب، وفي السراجبة: وعليه الفتوى. وفي جامع التعابي، التشهير أن يطاف به في كتاب أنه يشهر على قولهما بغير الضرب. والذي روى عن عمر أنه يسخم وجه فتأويله عند السرخسي أنه بطريق السياسة إذا رأى المصلحة، وعند الشيخ الإمام أنه التفضيح والتشهير فإنه يسمى سوادا اه. ملخصا. وسيأتي تمامه قبيل باب الرجوع عن الشهادة إن شاء الله تعالى، والله سبحانه أعلم.
252 كتاب السرقة عقب به الحدود لأنه منها مع الضمان.. قال: وكأنهم ترجموا لها بالكتاب دون الباب لاشتمالها على بيان حكم الضمان الخارج عن الحدود فكانت غيرها من وجه، فأفردت عنها بكتاب متضمن لأبواب. تأمل. قال القهستاني: وهو نوعان، لأنه إما أن يكون ضررها بذي المال أو به وبعامة المسلمين، فالأول يسمى بالسرقة الصغرى والثاني بالكبرى، بين حكمها في الآخر لأنها أقل وقوعا وقد اشتركا في التعريف وأكثر الشروط اه: أي لان المعتبر في كل منهما أخذ المال خفية، لكن الخفية في الصغرى هي الخفية عن عين المالك أو من يقوم مقامه كالمودع والمستعير. وفي الكبرى عن عين الامام الملتزم حفظ طرق المسلمين وبلادهم كما في الفتح، والشروط تعلم مما يأتي. قوله: (هي لغة أخذ الشئ الخ) أفاد أنها مصدر وهي أحد خمسة، ففي القاموس: سرق منه الشئ يسرق: أي من باب ضرب سرقا محركة وككتف، وسرقة محركة: أي ككلمة وكفرجة: أي بضم فسكون، وسرقا بالفتح أي مع السكون، والاسم السرقة بالفتح وكفرجة وكتف اه. موضحا. قوله: (خفية) بضم الخاء وكسرها ط عن المصباح. قوله: (مجاز) أي من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق. قوله: (وشرعا باعتبار الحرمة الخ) يعني أن لها في الشرع تعريفين: تعريفا باعتبار كونها محرمة، وتعريفا باعتبار ترتب حكم شرعي عليها، وهو القطع، ومر نظيره في الزنا. قوله: (أخذه كذلك) أي أخذ الشئ خفية. قوله: (أخذ مكلف) شمل الاخذ حكما، وهو أن يدخل جماعة من اللصوص منزل رجل ويأخذوا متاعه ويحملوه على ظهر واحد، ويخرجوه من المنزل، فإن الكل يقطعون استحسانا، وسيأتي. بحر. وأخرج الصبي والمجنون لان القطع عقوبة وهما ليسا من أهلها، لكنهما يضمنان المال كما في البحر. قوله: (أو عبدا) فهو كالحر هنا، لان القطع لا يتنصف، بخلاف الجلد. قوله: (أو كافرا) الأولى أو ذميا لما في كافي الحاكم أن الحربي المستأمن إذا سرق في دار الاسلام لم يقطع في قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: أقطعه. قوله: (أو مجنونا حال إفاقته) الأولى أن يقول: أو مجنونا في غير حال أخذه، لان قوله: ولو أنثى الخ تعميم للمكلف فيصير المعنى أخذ مكلف ولو كان ذلك المكلف مجنونا في حال إفاقته، ولا يخفى ما فيه، فإنه في حال الإفاقة عاقل لا مجنون، إلا أن يجعل حال إفاقته ظرفا لاخذ، فكأنه قال: أخذ مجنون في حال إفاقته، فيصدق عليه أخذ مكلف، وإنما سماه مجنونا نظرا إلى حاله في غير وقت الاخذ، فيرجع إلى ما قلنا. تأمل. والحاصل كما في البحر والنهر أنه إذا كان يجن ويفيق، فإذا سرق في حال إفاقته قطع، وإلا فلا اه. بقي لو جن بعد الاخذ هل يقطع أم تنتظر إفاقته؟ قال السيد أبو السعود: ظاهر ما قدمه في قوله: النهر من أنه يشترط لإقامة الحد كونه من أهل الاعتبار يقتضي اشتراط إفاقته، إلا أن يفرق بين الجلد والقطع بأن الذي يحصل به الجلد لا فائدة فيه قبلها لزوال الألم قبل الإفاقة، بخلاف القطع اه.
253 قلت: لكن في حد الشرب من البحر: إذا أقر السكران بالسرقة ولم يقطع لسكره أخذ منه المال، ثم قال شهدوا عليه بالشرب وهو سكران قبلت، وكذا بالزنا وهو سكران، كما إذا زنى وهو سكران وكذا بالسرقة وهو سكران، ويحد بعد الصحو ويقطع اه. فهذا يفيد اشتراط صحوه، إلا أن يفرق بين الجنون والسكر بأن السكر له غاية، بخلاف الجنون، لكن الظاهر انتظار إفاقته لإندراء الحد بالشبهة، وهي هنا احتمال إبداء ما يسقطه إذا أفاق كما لا يقطع الأخرس لذلك. تأمل. قوله: (ناطق بصير) زاد في البحر هنا قيدا آخر، وهو كونه صاحب يد يسرى ورجل يمنى صحيحتين، وسيأتي في فصل القطع. قوله: (لجهله بمال غيره) يعني أن مقتضى حاله ذلك. قوله: (عشرة دراهم) لما رواه أبو حنيفة مرفوعا: لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم ورجح هذه على رواية ربع دينا ورواية ثلاثة دراهم لان الاخذ بالأكثر أحوط احتيالا للدرء كما بسطه في الفتح، وأطلق الدراهم فانصرفت إلى المعهودة، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل كما في الزكاة. بحر. ومثله في الهداية وغيره. وبحث فيه الكمال بأن الدراهم كانت في زمنه (ص) مختلفة: صنف عشرة وزن خمسة، وصنف وزن ستة، وصنف وزن عشرة فمقتضى ترجيحهم الأكثر فيما مر ترجيحه لنا أيضا، وتمامه في الشرنبلالية. قوله: (ولم يقل مضروبة) أي مع أن ذلك شرط للقطع في ظاهر الرواية. قوله: (جياد) فلو سرق زيوفا أو نبهرجة أو ستوقة فلا قطع، إلا أن تكون كثيرة قيمتها نصاب من الجياد. بحر. قوله: (أو مقدارها) أي قيمة، فلو سرق نصف دينار قيمته النصاب قطع عندنا. بحر. وهو عطف على عشر اه ح. قوله: (فلا قطع بنقرة) هي القطعة المذابة من الذهب والفضة قاموس، والمراد الثاني ط. وهذا محترز كون العشرة مضروبة. ومثله ما لو سرق أقل من وزن عشرة فضة تساوي عشرة مسكوكة لا يقطع لأنه مخالف للنص في محل النص، وهو أن يسرق فضة وزن عشرة كذا في الفتح، فأفاد أن الفضة غير المسكوكة يعتبر فيها الوزن والقيمة: أي كونها وزنها عشرة تساو عشرة مسكوكة، فلا قطع لو نقص الوزن عن عشرة وإن بلغ قيمة المسكوكة كمسألتنا هذه، ولا في عكسه كمسألة النقرة. قوله: (ولا بدينار) محترز قوله: أو قيمتها. وأفاد به أن غير الدراهم يقوم بها وإن كان ذهبا كما في الفتح. قوله: (وقت السرقة ووقت القطع) فلو كانت قيمته يوم السرقة عشرة فانتقص وقت القطع لم يقطعه، إلا إذا كان النقص لعيب حدث أو لفوات بعض العين كما في الفتح والنهر. قوله: (ومكانه) فلو سرق في بلد ما قيمته فيها عشرة فأخذ في أخرى وقيمته فيها أقل لا يقطع. (فتح). قوله: (بتقويم عدلين) حال من قوله أو مقدارها. قوله: (عند اختلاف المقومين) أي بأن قومه عدلان بنصاب وعدلان آخران بأقل منه. وأما لو اختلفوا بعد اتفاقهم على النصاب فإنه لا يضر كما هو ظاهر. قوله: (إلا إذا كان وعاء لها عادة) لان القصد فيه يقع على سرقة الدراهم، ألا ترى أنه لو كيسا فيه دراهم كثيرة يقطع وإن كان الكيس يساوي درهما. بحر.
254 وفهم منه أنه لو علم بما في الثوب يقطع كما صرح به في المبسوط، لان المعتبر ظهور قصد النصاب، وكون المسروق كيسا فيه دلالة القصد، ولا يقبل قوله لم أقصد لم أعلم، كما في الفتح، فإقراره بالعلم بما في الثوب فيه دلالة القصد بالأولى. قوله: (ولا ينتظر) أي إذا طلب المالك تضمينه فله ذلك في الحال لوجود سببه لأنه يقدر على تسليمه للحال فصار مستهلكا. قوله: (خفية) خرج به الاخذ مغالبة أو نهبا، فلا قطع به لو كان في المصر نهارا وإن دخل خفية استحسانا. نهر. قوله: (وابتداء فقط لو ليلا) حتى لو دخل البيت ليلا خفية ثم أخذ المال مجاهرة ولو بعد مقاتلة من في يده قطع. بحر. قوله: (وهل العبرة) أي في الخفية لزعم السارق أن رب الدار لم يعلم به أم لزعم أحدهما، وإن كان رب الدار فيه خلاف. ويظهر ذلك فيما لو ظن السارق أن رب الدار علم به مع أنه لم يعلم، فالخفية هنا في زعم ر أأدخل الدار لا في زعم السارق. ففي الزيلعي: لا يقطع لأنه جهر في زعمه. وفي الخلاصة والمحيط والذخيرة: يقطع اكتفاء بكونها خفية في زعم أحدهما، أما لو زعم اللص أنه لم يعلم به مع أنه عالم يقطع اكتفاء بزعمه الخفية، وكذا لو لم يعلما اتفاقا. وأما لو علما فلا قطع بالمسألة رباعية، كما أفاده في البحر. قوله: (من صاحب يد صحيحة) حتى لو سرق عشرة وديعة عند رجل ولو لعشرة رجال يقطع. فتح. قوله: (فلا يقطع السارق من السارق) هكذا أطلقه الكرخي والطحاوي، لان يده ليست يد أمانة ولا ملك فكان طائعا، قلنا نعم، لكن يده يد غصب والسارق منه يقطع. والحق ما في نوادر هشام عن محمد: إن قطعت الأولى لم أقطع الثاني، وإن درأت عنه الحد قطعته، ومثله في أمالي أبي يوسف، كذا في الفتح. نهر. وعلى هذا التفصيل مشى المصنف في الباب الآتي. تنبيه: في كافي الحاكم: ولا يقطع السارق من مال الحربي المستأمن. قوله: (مما لا يتسارع إليه الفساد) سيأتي هذا في المتن مع أشياء أخر لا يقطع بها، فإذا كان مراده استيفاء الشروط كان عليه ذكى الباقي. تأمل. قوله: (متقوما مطلقا) أي عند أهل كل دين. ط. قوله: (فلا قطع بسرقة خمر مسلم) هذه العبارة مع التطويل لا تشمل سرقة المسلم خمر الذمي، ولو قال فلا قطع بسرقة خمر لكان أخصر وأشمل اه ح. قوله: (بدائع) تمام عبارتها على ما في البحر: فلو سرق بعض تجار المسلمين من البعض في دار الحرب ثم خرجوا إلى دار الاسلام فأخذ السارق، لا يقطعه الامام اه. قلت: وظاهره أن الحكم كذلك لو سرق في دار البغي ثم خرجوا إلى دار العدل. تأمل. ولم يذكر سرقة أهل العدل من أهل البغي وعكسه. وفي كافي الحاكم: رجل من أهل العدل أغار على عسكر البغي ليلا فسرق من رجل منهم
255 مالا فجاء به إلى إمام العدل: لا يقطعه، لان لأهل العدل أخذ أموالهم على وجه السرقة ويمسكه إلى أن يتوبوا أو يموتوا، وفي العكس لو أخذ بعد ذلك فأتى به إمام أهل العدل لم يقطعه أيضا لأنه محارب يستحل هذا اه. ملخصا. قوله: (من حرز) هو على قسمين: حرز بنفسه، وهو كل بقعة معدة للاحراز ممنوع من الدخول فيها إلا بإذن كالدور والحوانيت والخيم والخزائن والصناديق. أو بغيره، وهو كل مكان غير معد للاحراز وفيه حافظ كالمساجد والطرق والصحراء. وفي القنية: لو سرق المدفون في مفازة يقطع بحر. قلت: وجزم المقدسي بضعف ما في القنية كما نذكره في النباش. قوله: (بمرة واحدة) فلو أخرج بعضه ثم دخل وأخرج باقيه ليقطع زيلعي وغيره. قلت: وهذا لو أخرجه إلى خارج الدار لما في الجوهرة: ولو دخل دارا فسرق من بيت منها درهما فأخرجه إلى صحنها ثم عاد فسرق درهما آخر وهكذا حتى سرق عشرة فهذه سرقة واحدة، فإذا أخرج العشرة من الدار قطع، وإن خرج في كل مرة من الدار ثم عاد حتى فعل ذلك عشر مرات لم يقطع، لأنها سرقات اه. ومثله في التتارخانية، لكن ذكر في الجوهرة أيضا: لو أخرج نصابا من حرز مرتين فصاعدا، إن تخلل بينهما اطلاع المالك فأصلح النقب أو أغلق الباب، فالإخراج الثاني سرقة أخرى فلا يجب القطع إذا كان المخرج في كل دفعة دون النصاب، وإن لم يتخلل ذلك قطع اه. ومثله في النهر عن السراج قبيل فصل القطع، فقوله: وإن لم يتخلل ذلك قطع، يقتضي أنه لو أخرج بعض النصاب إلى خارج الدار ثم عاد قبل اطلاع المالك وإصلاحه النقب أو إغلاقه الباب أنه يقطع، وهو خلاف ما أطلقه هو وغيره من عدم القطع كما علمت، لأنه لم يصدق عليه أنه في كل مرة أخرج نصابا من حرز بل بعض نصاب، نعم اطلاع المالك له اعتبار في مسألة أخرى ذكرها في الجوهرة أيضا، وهي لو نقب البيت ثم خرج ولم يأخذ شيئا إلا في الليلة الثانية، إن كان ظاهرا وعلم به رب المنزل ولم يسده لم يقطع، وإلا قطع اه. ووجهه ظاهر، وهو أنه لو علم به ولم يسده لم يبق حرزا وإلا بقي حرزا، إذ لو لم يبق حرزا لزم أن لا تتحقق سرقته بعد هتك الحرز. قوله: (اتحد مالكه أم تعدد) فلو سرق واحد من جماعة قطع، ولو سرق اثنان نصابا من واحد فلا قطع عليهما، فالعبرة للنصاب في حق السارق لا المسروق منه بشرط أن يكون الحرز واحدا، فلو سرق نصابا من منزلين فلا قطع والبيوت من دار واحدة بمنزلة بيت واحد، حتى لو سرق من عشرة أنفس في دار كل واحد في بيت على حدة من كل واحد منهم درهما قطع، بخلاف ما إذا كانت الدار عظيمة فيها حجر كما في البدائع. بحر. وستأتي مسألة الحجر. قوله: (لا شبهة ولا تأويل فيه) أخرج بالأول السرقة من دار أبيه ونحوه وبالثاني سرقة مصحف لتأويل أخذه للقراءة. أفاده ط. قوله: (وثبت ذلك الخ) لا يصح كون ذلك جزءا من التعريف، بل هو شرط للقطع كما أفاده بقوله فيقطع إن أقر مرة أو شهد رجلان الخ. تأمل. قوله: (وإليه رجع الثاني) أي أبو يوسف، وكان أولا يقول: لا يقطع إلا إذا أقر مرتين في مجلسين مختلفين كما في الزيلعي. قوله: (ومن المتأخرين من أفتى بصحته) مقتضى صنيعه أن ذلك صحيح في حق القطع، ولا يخفى ما فيه لان
256 القطع حد يسقط بالشبهة، والانكار أعظم شبهة مع أنه سيأتي أنه لا قطع بنكول عن اليمين، وأنه لو أقر ثم هرب لا يتبع، فيتعين حمل ما ذكره على صحته في حق الضمان. قوله: (أو شهد رجلان) فلا يقبل رجل وامرأتان للقطع بل للمال، وكذا الشهادة على الشهادة كما في كافي الحاكم. قوله: (ولو عبدا) تعميم للضمير في عليه المقدر بعد قوله: أو شهد رجلان وسيأتي الكلام على سرقة العبد في الباب الآتي. قوله: (وسألهما الامام كيف هي) ليعلم أنه أخرج من الحرز أو نول من هو خارج، وأين هي ليعلم أنها ليست في دار الحرب، وكم هي؟ ليعلم أنها نصاب أم لا. قوله: (زاد في الدرر) نقله في البحر أيضا عن الهداية وقال: السؤال عن الماهية لاطلاقها على استرقاق السمع والنقص من أركان الصلاة، وعن الزمان لاحتمال التقادم. زاد في الكافي أنه يسألهما عن المسروق، إذ سرقة كل مال لا توجب القطع. قوله: (وممن سرق) ليعلم أنه ذو رحم محرم منه أم لا. قوله: (وبيناها) أي المذكورات، وهو عطف على قوله: وسألهما. قوله: (احتيالا) علة للسؤال. قوله: (ويحبسه حتى يسأل عن الشهود) أي عن عدالتهم. قال في الشرنبلالية: يشير إلى ما قاله الكمال: إن القاضي لو عرف الشهود بالعدالة له قطعه اه. ولعله على القول بأن القاضي يقضي بعلمه وهو خلاف المختار الآن اه. وهذا اشتباه، فإن قضاءه بالقطع بالبينة لا بعلمه، وعلمه بعدالة الشهود المتوقف عليها القضاء بالقطع ليس قضاء به. حموي. قلت: على أنه مر في الباب السابق أن في حقوقه تعالى يقضي القاضي بعلمه اتفاقا، وقد صرح في البحر عن الكشف بأن وجوب القطع حق الله تعالى على الخلو ص. قوله: (لعدم الكفالة في الحدود) لأنه إذا جاء أخذ الكفيل بالنفس لا يحبس. قوله: (إلا الزمان) لان تقادم العهد لا يمنع صحة الاقرار بها. نوح عن المبسوط والمحيط. واعترضه الحموي بأنه يجوز أن تكون السرقة في صباه فلا يحد. قلت: لكن قال في حاوي الزاهدي: لو ثبتت السرقة بالاقرار لا يلزم السؤال عن زمانها حتى قال في أسنع لو قال سرقت في زمان الصبا يقطع ولا يلتفت إلى قوله اه. وفي لفظ أسن رمز لكتاب الاسرار. قوله: (إلا المكان) المناسب، وإلا المكان بالعطف لأنه في الفتح استثنى الزمان والمكان. قوله: (تحريف) أي لجواز أن يكون في دار الحرب، والمراد أن ذكر المكان في عبارة الفتح غير صحيح. قوله: (وكذا لو رجع أحدهم) أي أحد السارقين المقرين. قوله: (أو قال) أي أحد السارقين. قوله (أو شهدا على إقراره) أي إقرار السارق. قوله: (فلا قطع) أي في المسائل الثلاث،
257 أما في الأوليين فلانه إذا سقط عن البعض لشبهة سقط عن الباقين كما في الكافي، والرجوع ودعوى الملك شبهة. وأما في الثالثة فلان جحود الاقرار بمنزلة الرجوع، وهو لو أقر صريحا يصح رجوعه، فكذا لو شهدا على إقراره، والسكوت في باب الشهادة جعل إنكارا حكما كما ذكره المصنف. قوله: (ونقله شارح الوهبانية الخ) حاصل ما نقله عن المبسوط أنه لو أقر ثم هرب لم يقطع ولو في فوره، لان الهرب دليل الرجوع، ولو رجع لا يقطع، فكذا إذا هرب بل يضمن المال. وأما لو هرب بعد الشهادة ولو قبل الحكم، فإن أخذ في فوره قطع، وإلا لا، فإن حد السرقة لا يقام بالبينة بعد التقادم، والعارض في الحدود بعد القضاء قبل الاستيفاء كالعارض قبل القضاء اه. وبه ظهر أنه قول المصنف تبعا للظهيرية فإن في فوره لا يقطع صوابه ولو في فوره ليعلم أنه بعد التقادم لا يقطع أيضا. وأجيب بأنه قيد بالفورية ليصح قوله، بخلاف الشهادة لأنه بعد التقادم لا يخالف الاقرار الشهادة في عدم القطع. على أنه إذا كان لا يقطع بالهرب في فور الاقرار لا يقطع بعد التقادم فيه بالأولى كما أفاده ح. لكن لا يخفى ما في العبارة من الايهام، والعبارة المحررة عبارة كافي الحاكم، وهي: وإذا أقر بالسرقة ثم هرب لم يطلب وإن كان ذلك بشهود طلب ما دام في فور ذلك. قوله: (ولا قطع بنكول) أي نكول السارق عن الحلف عند القاضي. قوله: (لاقراره على نفسه) علة للزوم المال في المسألتين لان النكول إقرار معنى، وإقرار السيد على عبد يوجب توجه المطالبة على نفسه. أفاده ط. قوله: (ونقل) أي في القهستاني ومثله في الذخيرة، وهو تأييد لما قبله حيث سماه: جورا شبيها بالعدل. مطلب: ترجمة عصام بن يوسف قوله: (عن عصام) هو عصام بن يوسف من أصحاب أبي يوسف ومحمد، ومن أقران محمد بن سماعة وابن رستم وأبي حفص البخاري. قوله: (إنه سئل) أي سأله حبان بن جبلة أمير بلخ. رملي. قوله: (سارق ويمين) تعجب من طلب اليمين منه فإنه لا يبالي لاقدامه على ما هو أشد جناية، لكن الشرع لم يعتبر هذا. قوله: (فقال) أي عصام. قوله: (ما رأيت جورا الخ) سماه جورا باعتبار الصورة تعزير المتهم وقدمنا بيانه. قوله: (بصحة إقراره بها مكرها) أي في حق الضمان لا في حق القطع كما قدمناه. قوله: (وعن الحسن) هو ابن زياد، من أصحاب الإمام. قوله: (يحل ضربه الخ) لم يصرح الحسن به، بل هو مفهوم كلامه.
258 مطلب: في جواز ضرب السارق حتى يقر قال في البحر: وسئل الحسن بن زياد: أيحل ضرب السارق حتى يقر؟ قال: ما لم يقطع اللحم لا يتبين العظم، ولم يزد على هذا اه كلام البحر. وهو ضرب مثل: أي ما لو لم يعاقب لا تظهر السرقة، ففي عبارة الشارح سقط من الكاتب أو من قلمه بدليل أنه في شرحه على الملتقى ذكر عبارة الحسن على وجهها فلم يكن ما هنا تصرفا منه بسوء فهمه، إذ لم نعهد هذا الشارح الفاضل وصل في البلادة إلى ما زعمه من هو مولع بالاعتراض عليه، فافهم. قوله: (عن ابن العز) أي في كتابه التنبيه على مشكلات الهداية حيث قال: الذي عليه جمهور الفقهاء في المتهم بسرقة ونحوها أن ينظر، فإما أن يكون معروفا بالبر لم تجز مطالبته ولا عقوبته. وهل يحلف؟ قولان. ومنهم من قال يعزر متهمه، وإما أن يكون مجهول الحال فيحبس حتى يكشف أمره، قيل شهرا، وقيل باجتهاد ولي الأمر ، وإن كان معروفا بالفجور، فقالت طائفة: يضربه الوالي أو القاضي. وقالت طائفة: يضربه الوالي دون القاضي. ومنهم من قال: لا يضربه، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم أمر الزبير بن العوام أن يمس بعض المعاهدين بالعذاب لما كتم إخباره بالمال الذي كان صلى الله عليه قد عاهدهم عليه، وقال له: أين كنز حيي بن أخطب؟ فقال: يا محمد أنفذته النفقات والحروب، فقال: المال كثير والمسألة أقرب، وقال للزبير: دونك هذا، فمسه الزبير بشئ من العذاب فدلهم على المال وهو الذي يسع الناس وعليه العمل الخ، وتمامه في المنح. قوله: (ثم نقل) أي المصنف، وقوله جواز ذلك أي جواز ضر أأدخل المتهم حيث قال نقلا عن الزيلعي. ومنها: أي ومن السياسة ما حكي عن الفقيه أبي بكر الأعمش أن المدعى عليه إذا أنكر فللامام أن يعمل فيه بأكبر رأيه، فإن غلب على ظنه أنه سارق وأن المسروق عنده عاقبه، ويجوز ذلك، كما لو رآه الامام مع الفساق في مجلس الشرب، وكما لو رآه يمشي مع السراق، وبغلبة الظن أجازوا قتل النفس، كما إذا دخل عليه رجل شاهرا سيفه وغلب على ظنه أنه يقتله اه. قوله: (لغلبة الفساد) تمام عبارة النهر: وكيف يؤتى للسارق ليلا بالبينة بل ولا في النهار اه: يعني لا يتوقف على أقامت البينة تعزير المتهم، وقدمنا هناك عن ابن القيم حكاية الاجماع على ذلك، وقد سمعت آنفا تصريح الزيلعي بأن هذا من السياسة، وبه يعلم أن للقاضي فعل السياسة. قوله: (ويحمل ما في التجنيس) وهو ما قدمه المصنف من أنه لا يفتى بعقوبة السارق. قوله: (لو كسر سنه) بضم أوله مبنيا للمجهول، وأصل العبارة: لو شكا للوالي بغير حق فأتى بقائد فضرب المشكو عليه فكسر سنه أو يده الخ. قوله: (كالمال) أي كما يضمن لو غرمه الوالي مالا. قوله: (لا لو حصل) أي لا يضمن الأرش لو حبسه الوالي فهرب وتسور جدار السجن
259 فحصل ما ذكر من كسر سنه أو يده أو مات بضرب القائد. قوله: (كان للورثة أخذ الشاكي بدين أبيهم) الظاهر أنه لا ينافي ما مر عن القنية لتعليله بظهور تعديه هنا: أي حيث ظهرت السرقة على يد آخر، بخلاف ما مر. تأمل. قوله: (لتعديه في هذا التسبب) قال في الذخيرة بعد عزوه المسألة لمجموع النوازل: قيل هذا الجواب مستقيم في حق الغرامة أصله السعاية غير مستقيم في حق الدية لأنه صعد السطح باختياره: وقيل: هو مستقيم في الدية أيضا لأنه مكره على الصعود للفرار من حيث المعنى اه. وقوله أصله السعاية: أي أن الأصل في ذلك تضمينهم الساعي إذا كان بغير حق. قوله: (وسيجئ في الغصب) حيث قال متنا وشرحا: لو سعى إلى سلطان بمن يؤذيه والحال أنه لا يدفع بلا رفع إلى السلطان أو سعى بمن يباشر الفسق ولا يمتنع بنهيه، أو قال لسلطان قد يغرم وقد لا يغرم أنه قد وجد كنزا فغرمه السلطان شيئا لا يضمن في هذه المذكورات، ولو غرم السلطان البتة بمثل هذه السعاية ضمن، وكذا يضمن لو سعى بغير حق عند محمد زجرا له: أي للساعي، وبه يفتى وعزر، ولو الساعي عبدا طولب بعد عتقه، ولو مات الساعي فللمسعى به أن يأخذ قدر الخسران من تركته هو الصحيح. جواهر الفتاوى. ونقل المصنف أنه لو مات المشكو عليه بسقوطه من سطح لخوفه غرم الشاكي ديته، لا لو مات بالضرب لندوره، وقد مر في باب السرقة اه. قلت: أنت خبير بان ذكره مطلب في ضمان الساعي ثم حاصل ما ذكره من ضمان الساعي أنه لو سعى بحق لا يضمن، ولو بلا حق: فإن كان السلطان يغرم بمثل هذه السعاية البتة يضمن، وإن كان قد يغرم وقد لا يغرم لا يضمن. والفتوى على قول محمد من ضمان الساعي بغير حق مطلقا ويعزر، بل قدمنا إباحة قتله، بل أفتى بعض مشايخ المذهب بكفره. قوله: (يسرقه مني) المناسب عطفه ب أو لأنه مسألة ثانية. ففي كافي الحاكم: أو قال لم يسرقه مني وإنما كنت أودعته. قوله: (فلا يقطع) أما لو قال عفوت عنه لم يبطل القطع. كافي الحاكم: أي لان القطع محض حقه تعالى فلا يملك إسقاطه، بخلاف ما قبله لأنه ثبت في ضمن ثبوت حق العبد، وقد بطل بإقراره فبطل ما في ضمنه. تأمل. قوله: (وندب تلقينه) المناسب ذكره عند قوله: إن أقر بها أي ندب للامام أن يلقنه. كافي، لما أخرجه أبو داود أنه (ص) أتي بلص قد اعترف ولم يوجد معه متاع، فقال (ص): ما إخالك سرقت، قال: بلى يا رسول الله، فأعادها عليه الصلاة والسلام مرتين أو ثلاثا، فأمر به فقطع وتمامه في الفتح. قوله: (في حقهما) متعلق بلا قطع ح: أي لا قطع في حق الكافر ولا في حق المسلم، ولعل وجهه أنها سرقة واحدة، فلما بطلت الشهادة في حق المسلم بطلت في حق
260 الكافر. وأما الضمان فلا شك في انتفائه عن المسلم، وهل يضمن الكافر حصته منها؟ الظاهر نعم. قلت: وفي كافي الحاكم: لو شهد رجلان على رجلين بسرقة وأحد السارقين غائب قطع الحاضر، فإن جاء الغائب لم يقطع حتى تعاد عليه تلك البينة أو غيرها فيقطع اه. فلينظر الفرق بين المسألتين، ولعل وجهه أن الكافر ليس أهلا للشهادة على المسلم، بخلاف شهادة المسلم على الغائب فإن المانع من قبولها الغيبة لا عدم الأهلية. قوله: (تشارك جمع) أي في دخول الحرز بقرينة قوله: وإن أخذ المال بعضهم. قال في الفتح: وإنما وضعها في دخول الكل، لأنه لو دخل بعضهم لكنهم اشتركوا بعد ذلك في فعل السرقة لا يقطع إلا الداخل إن عرف بعينه، وإن لم يعرف عزروا كلهم وأبد حبسهم إلى أن تظهر توبتهم اه. وقيد بقوله: وأصاب كلا نصاب لأنه لو أصابه أقل لم يقطع، بل يضمن ما أصابه من ذلك. جوهرة. قوله: (استحسانا) والقياس أن يقطع الحامل وحده وهو قول زفر والأئمة الثلاثة. فتح. قوله: (أو محرم) أي ذو رحم محرم من المسروق منه. بحر. قوله: (لم يقطع أحد) أطلقه فشمل ما إذا تولى الاخذ الكبار العقلاء، خلافا لأبي يوسف، كما في الزيلعي. قوله: (لا قطع) هذا قول أبي حنيفة الأول، وقوله الأخير: يقطع كما يأتي قريبا، وبه صرح في التتارخانية وغيرها. قوله: (سوى رجم) في بعض النسخ سوى جلد وهي الصواب، وإن كان الأول هو الذي في الفتح والبحر والنهر نقلا عن كافي الحاكم، فقد رده في الشرنبلالية بأنه مخالف لما قدموه في حد الزنا بالرجم من أنه إذا غاب الشهود أو ما توا سقط الحد فيتجه استثناء الجلد فإنه يقام حال الغيبة والموت، بخلاف الرجل اشتراط بداءة الشهود به. وعبارة كافي الحاكم في الحدود مصرحة بذلك، وكذلك عبارته في السرقة، ونصها: وإذا كان: أي المسروق منه حاضرا والشاهدان غائبان لم يقطع أيضا حتى يحضروا. وقال أبو حنيفة بعد ذلك: يقطع، وهو قول صاحبيه، وكذلك الموت، وكذلك هذا في كل حد وحق سوى الرجم، ويمضي القصاص وإن لم يحضروا استحسانا لأنه من حقوق الناس اه. فهذا تصريح الحكم في الحدود والسرقة بما قلنا، فليتنبه له اه. قلت: والظاهر أن نسخة الكافي التي وقعت لصاحب الفتح سقط منها قوله: وقال أبو حنيفة إلى قوله: وكذلك الموت فوقع الخلل في اشتراط حضور الشاهدين وفي استثناء الرجم، لان الاستثناء وقع من القول الأخير الذي رجع إليه الامام فكان العمل عليه، لان ما رجع عنه المجتهد بمنزلة المنسوخ، ولذا صرح في شرح الوهبانية بتصحيح قوله الأخير، فجزى الله تعالى الشرنبلالي
261 خيرا على هذا التنبيه الحسن. قوله: (تصحيح خلافه) أي خلاف قوله لا قطع، وهذا هو الصواب كما علمت. قوله: (ويقطع بساج) قال الزمخشري: الساج خشب أسود رزين يجلب من بلاد الهند ولا تكاد الأرض تبليه، والجمع سيجان مثل نار ونيران. وقال بعضهم: الساج يشبه الأبنوس، وهو أقل سوادا منه. مصباح. قوله: (وقنا) بالفتح والقصر: هو الرمح. قوله: (بفتح الباء) كذا في البحر عن الطلبة، ومثله في الفتح والنهر. ورأيت في المصباح ضبطه بضمهما وقال: إنه خشب معروف، وهو معرب، ويجلب من الهند، واسمه بالعربية سأسم بهمزة وزان جعفر. قوله: (وعود) بالضم الخشب، جمعه عيدان وأعواد وآلة من المعازف. قاموس. قلت: والمراد هنا الأول وهو الطيب لان آلة اللهو لا قطع بها كما يأتي قوله: (وأدهان) جمع دهن كزيت وشيرج. قوله: (وورس) نبت أصفر يزرع باليمن ويصبغ به، قيل هو صنف من الكركم، وقيل يشبهه. مصباح. قوله: (وصندل) خشب معروف طيب الرائحة. قوله: (وفصوص خضر) قيد الخضر اتفاقي. در منتقى. قوله: (وزبرجد) جوهر معروف، ويقال هو الزمرد. مصباح. قوله: (ولعل) بالتخفيف: ما يتخذ منه الحبر الأحمر غير الزنجفر والدودة، ويطلق على نوع من الزمرد ط. وفي بعض النسخ: لعلع، وهو شجر حجازي كما في القاموس. تأمل. قوله: (غير مركب) احترز به عن باب الدار المركب فإنه لا يقطع به كما يأتي، ثم إنه يشترط للقطع هنا أن يكون به الحرز وأن يكون خفيفا لا يثقل حمله على الواحد، لأنه لا يرغب في سرقة الثقيل من الأبواب كما في الهداية والزيلعي. قال في الفتح: ونظر فيه بأن لا ينافي ماليته ولا ينقصها، وإنما تقل فيه رغبة الواحد لا الجماعة، ولو صح هذا امتنع القطع في فردة حمل من قماش ونحوه، وهو منتف، ولذا أطلق الحاكم في الكافي القطع اه. وأجيب بأنه إنما يرد لو لم يقل الثقيل من الأبواب. قلت: لا يخفى أن هذا هو منشأ النظر، فافهم. قوله: (ولو متخذين) أي الاناء والباب، أشار به إلى أن قوله: من خشب غير قيد، لان المراد ما دخلته الصنعة فالتحق بالأموال النفيسة، بخلاف الأواني المتخذة من الحشيش والقصب فلا قطع بها، لان الصنعة لم تغلب فيها حتى لا تتضاعف قيمتها ولا تحرز، حتى لو غلبت كأواني اللبن والماء من الحشيش في بلاد السودان، يقطع بها لما ذكرنا، وكذا الحصر البغدادية لغلبة الصنعة على الأصل. أفاده في البحر ومثله في الزيلعي. قوله: (ولا يوجد في دار العدل الخ) الأولى التعبير بدار الاسلام. قال في الفتح: فأما كونها توجد في دار الحرب فليس شبهة في سقوط القطع، لان سائر الأموال حتى الدنانير والدراهم مباحة في دار الحرب، ومع هذا يقطع فيها في دارنا اه. قوله: (لا يقطع بتافه الخ) أي إذا سرق من حرز لا شبهة فيه بعد أن أخذ وأحرز وصار مملوكا. فتح. قوله: (يوجد مباحا في دارنا) أي يوجد جنسه مباحا في الأصل بصورته الأصلية، بأن لم يحدث فيه صنعة متقومة غير مرغوب فيه، فخرج
262 بصورته: الأبواب والأواني من الخشب، وبغير مرغوب فيه: نحو المعادن من الذهب والصفر واليواقيت واللؤلؤ ونحوها من الأحجار فيقطع لكونها مرغوبا فيها. وعلى هذا نظر بعضهم في الزرنيخ: بأنه ينبغي القطع به لاحرازه في دكاكين العطارين كسائر الأموال، بخلاف الخشب، لأنه إنما يدخل الدور للعمارة فكان إحرازه ناقصا، بخلاف الساج والأبنوس. واختلف في الوسمة والحناء، والوجه القطع لاحرازه عادة في الدكاكين، كذا في الفتح، ومفاده اعتبار العادة في الاحراز. قوله: (لا يحرز عادة) احتراز عن الساج والأبنوس. قلت: وقد جرت العادة إحراز بعض الخشب كالمخروط والمنشور دفوفا وعواميد ونحو ذلك، فينبغي القطع به كما يفيده ما مر. تأمل. قوله: (ولو مليحا) بتشديد اللام، ودخل فيه الطري بالأولى. قوله: (وطير) لان الطير يطير فيقل إحرازه. فتح. قوله: (وصيد) هو الحيوان الممتنع المتوحش بأصل خلقته إما بقوائمه أو بجناحيه، فالسمك ليس منه. ابن كمال. قوله: (وزرنيخ) بالكسر فارسي معرب. مصباح. قوله: (ومغرة) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وتحرك: الطين الأحمر، وظاهر كلام الصحاح والقاموس أن التسكين هو الأصل والتحريك خلافه، وظاهر المصباح العكس. نوح. قوله: (ونورة) بضم النون حجر الكلس، ثم غلبت على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره، ويستعمل لإزالة الشعر. مصباح، وكذا ضبطها بالضم في القاموس. قوله: (وخزف وزجاج) الخزف: كل ما عمل من طين وشوي بالنار حتى يكون فخارا قاموس. قال في الفتح: ولا يقطع في الآجر والفخار لان الصنعة لا تغلب فيها على قيمتها. وظاهر الرواية في الزجاج أنه لا يقطع لأنه يسرع إليه الكسر فكان ناقص المالية. وعن أبي حنيفة: يقطع كالخشب إذا صنع منه الأواني اه. وفي الزيلعي: ولا قطع في الزجاج لان المكسور منه تافه والمصنوع منه يتسارع إليه الفساد اه. قلت: وظاهره أنه لا يقطع في الزجاج وإن غلبت عليه الصنعة، وهل يقال مثله في الصيني و والبلور مع أنه قد يبلغ بالصنعة نصبا كثيرة، ومفهوم علة الفخار أنه يقطع به. تأمل. قوله: (وكل مهيأ لاكل) أما غير المهيأ مما لا يتسارع إليه الفساد كالحنطة والسكر فإنه يقطع فيه إجماعا كما في الفتح. قوله: (مطلقا) ولو غير مهيأ لأنه عن ضرورة ظاهرا وهي تبيح التناول. فتح. قوله: (وفاكهة رطبة) كالعنب والسفرجل والتفاح والرمان وأشباه ذلك ولو كانت محروزة (1) في حظيرة عليها باب مقفل. وأما الفواكه اليابسة كالجوز واللوز فإنه يقطع فيها إذا كانت محرزة. جوهرة. قوله: (وثمر على شجر) لأنه لا إحراز فيما على الشجر ولو كان الشجر في حرز، لما في كافي الحاكم، وإن سرق التمر من رؤوس النخل في حائط محرز أو حنطة في سنبلها لم تحصد لم يقطع، فإن أحرز التمر
(1) قوله: (ولو كانت محروزة) هكذا بخطه، ولعل صوابه محرزة لأنه من أحرز، كما يدل عليه سابق الكلام ولاحقه ا ه. 263 في حظيرة عليها باب أو حصدت الحنطة وجعلت في حظيرة فسرق منها قط، وكذلك إن كانت في صحراء وصاحبها يحفظها اه. قوله: (وأشربة مطربة) أي مسكرة. والطرب: استخفاف العقل من شدة حزن وجزع حتى يصدر عنه ما لا يليق، كما تراه من صياح الثكالى وضرب خدودهن وشق جيوبهن، أو شدة سرور توجب ما هو معه من الثمالي. ثم الشراب إن كان حلوا فهو مما يتسارع إليه الفساد، أو مرا: فإن كان خمرا فلا قيمة لها، أو غيره ففي تقويمه خلاف، ولتأول السارق فيه الإراقة، فتثبت شبهة الإباحة، وتمامه في الفتح. وشمل ما إذا كان السارق مسلما أو ذميا كما في البحر. قوله: (ولو الاناء ذهبا) أي على المذهب، لان الاناء تابع ولم يقطع في المتبوع، فكذا في التبع. وفي رواية عن أبي يوسف أنه يقطع، وهو قول الأئمة الثلاثة، ورجحه في الفتح فيما تعاين ذهبيته بأن الظاهر أن كلا مقصود بالأخذ، بل أخذ الاناء أظهر. واستشهد بما في التجنيس: سرق كوزا فيه عسل وقيمة الكوز تسعة وقيمة العسل درهم يقطع، وهو نظير ما تقدم فيمن سرق ثوبا لا يساوي عشرة مصرور عليه (1) عشرة يقطع إذا علم أن عليه مالا، بخلاف ما إذا لم يعلم اه. ملخصا. وأقره في البحر. قوله: (وآلات لهو) أي بلا خلاف لعدم تقومها عندهما حتى لا يضمن متلفها. وعنده وإن ضمنها لغير اللهو إلا أن يتأول آخذها للنهي عن المنكر. فتح. قوله: (وصليب) هو بهيئة خطين متقاطعين، ويقال لكل جسم صليب. فتح. قوله: (وشطرنج) بكسر الشين، فتح. قيل هو عربي، وقيل معرب، وهو داخل في آلات اللهو، وكذا النرد بفتح النون. قوله: (لتأويل الكسر الخ) علة للثلاثة، وعن أبي يوسف: يقطع بالصليب لو في يد رجل في حرز لا شبهة فيه، لا لو في مصلاهم لعدم الحرز وجوابه ما قلنا من تأويل الإباحة. فتح. قلت: لكن هذا التأويل يظهر فيما لو كان السارق ذميا. ثم رأيت في الذخيرة ذكرها هذا التفصيل عن أبي يوسف في الذمي. ووجهه ظاهر لان مصلاهم بمنزلة المسجد. فلذا لم يقطع، بخلاف الحرز فيقطع لأنه لا تأويل له، إلا أن يقال: تأويل غيره يكفي في وجود الشبهة فلا يقطع. تأمل. وفي النهر: ولو سرق دراهم عليها تمثال قطع، لأنه إنما أعد للتمول فلا يثبت فيه تأويل. قوله: (لأنه حرز لا محرز) أفاد أن الكلام في الباب الخارج، فلو دخل الدار فهو محرز فيقطع به. أفاده ط. قلت: وهذا إذا لم يكن ثقيلا على ما مر عن الهداية في غير المركب. وظاهره أن باب المسجد حرز وليس كذلك، فالأولى تعليل الهداية بقوله: ولا يقطع في أبواب المسجد لعدم الاحراز، فصار كباب الدار، بل أولى، لأنه يحرز بباب الدار ما فيها، ولا يحرز بباب المسجد ما فيه حتى لا يجب القطع بسرقة متاعه اه. زاد في البحر: وكذا أستار الكعبة وإن كانت محرزة لعدم المالك. تنبيه: قال في فخر الاسلام: لو اعتاد سرقة أبوا أأدخل المسجد يجب أن يعزر ويبالغ فيه ويحبس
(1) قوله: (مصرور عليه) هكذا بخطه، ولعل صوابه مصرورا بالنصب صفة لقوله ثوبا ا ه مصححه. 264 حتى يتوب. قال في البحر: وينبغي أن يكون كذلك سارق البزابيز من الميض اه. قال ط: وكذا سارق نعال المصلين اه. قلت: بل كل سارق انتفى عنه القطع لشبهة ونحوها. تأمل. قوله: (ومصحف) مثلث الميم قاموس، والضم أشهر مصباح، لان الآخذ يتأول في أخذه القراءة والنظر فيه، ولأنه لا مالية له على اعتبار المكتوب وإحرازه لأجله لا للجلد والأوراق. هداية. والاطلاق يشمل الكافر وغير القارئ. قوله: (ولو محليين) قال نوح أفندي في حاشية الدرر: هذا اللفظ في أكثر النسخ باليائين، ولكن الصواب أن يكون بياء واحدة كما يظهر من الصرف اه. ومثله في شرح درر البحار. قوله: (لان الحلية تبع) وعن أبي يوسف: يقطع في المصحف المحلى. وعنه أنه يقطع إذا بلغت الحلية نصابا كما قال في حلية الصبي. قال في الفتح: والخلاف في صبي لا يمشي ولا يتكلم، فلو كان يمشي ويتكلم ويميز لا قطع إجماعا لأنه في يد نفسه، وكان أخذه خداعا ولا قطع في الخداع. قوله: (يعبر عن نفسه) فالمراد بالكبير المميز المعبر عن نفسه بالغا كان أو صبيا. بحر. قوله: (لأنه إما غصب) أي إن أخذه بالقهر أو خداع: أي إن أخذه بالحيلة وكلاهما غير سرقة. ط. قوله: (ودفاتر) جمع دفتر بالفتح وقد يكسر: جماعة الصحف المضمومة. قاموس. قوله: (فكمصحف) أي في تأويل أخذها للقراءة، وكون المقصود ما فيها ولا مالية له. قوله: (وإلا فكطنبور) أي في تأويل أخذها لإزالة ما فيها نهيا عن المنكر. والحاصل: إنه يقطع بكتب علوم شرعية أو غيرها. قال القهستاني: فيشمل: أي الدفتر المصحف وكتب العلوم الشرعية والآداب ودواوين فيها حكمة دون ما فيها أشعار مكروهة وكتب العلوم الحكمية فإنهما داخلان في آلات لهو كما أشار إليه في الزاد وغيره اه. ثم نقل قولا آخر بالقطع بكتب الأدب والشعر، لكن قال في الفتح والبحر: شمل مثل كتب السحر ومثل كتب العربية. واختلف في غيرها: أي غير كتب الشريعة من العربية والشعر، فقيل ملحقة بدفاتر الحساب فيقطع فيها. وقيل بكتب الشريعة لان معرفتها قد تتوقف على اللغة والشعر، والحاجة وإن قلت كفت في إيراث الشبهة اه. فتعليل القول الثاني يفيد ترجيحه ثم قال: ومقتضى هذا أنه لا يختلف في القطع بكتب السحر والفلسفة لأنه لا يقصد ما فيها لأهل الديانة فكانت سرقة صرفا اه. زاد في النهر: وينبغي أن ينظر في الآخذ لكتب السحر والفلسفة، فإن كان مولعا بذلك لا يقطع للقطع بأن المقصود ما فيها اه. قلت: لكن كلام الفتح يخالفه، لأنه جعل كون الديانة لا يقصدونها علة لكونها سرقة صرفا، ومعلوم أن السارق لا يلزم أن يكون من الذين لا يقصدونها، بل الغالب أن يكون غيرهم من أهل الشر كالسحرة ونحوهم. فعلم أن الشبهة المسقطة للقطع لا يلزم وجودها في السارق، وإلا كانت علة حقيقة لا شبهة العلة، لان الشبهة ما يشبه الثابت وهو ليس بثابت، وإلا لزم ثبوت التفصيل المذكور في كتب الشريعة أيضا، وكذا في آلات اللهو والطعام في سنة القحط، ولم نر من عرج عليه، نعم قدمنا عن الذخيرة في الصليب ما يفيده عند أبي يوسف، فليتأمل. قوله: (بخلاف العبد
265 الصغير) لأنه مال منتفع به إن كان يمشي ويعقل، أو بعرضية أن يصير كذلك إن كان خلافه، وتمامه في النهر. قوله: (والماضي حسابها) أي الذي لم يبق لاحد فيه علقة فلم يبق إلا كاغد، فإذا بلغت قيمته نصابا قطع، كذا في تصحيح العلامة قاسم. قوله: (وكلب وفهد) عطف على مالا قطع فيه بقرينة تنكيره، ولو قال وبكلب وفهد كما صنع في الوافي لكان أحسن. حموي. وشمل كلب الصيد والماشية لأنه يوجد من جنسه مباح الأصل، ولاختلاف العلماء في ماليته فأورث شبهة. بحر. ط. قوله: (في وديعة) أي تحت يده. قوله: (أي أخذ قهرا) أي على وجه العلانية. قوله: (أي اختطاف) أي علانية أيضا، فالنهب والاختلاس: أخذ الشئ علانية، إلا أن يفرق بينهما من جهة سرعة الاخذ في جانب الاختلاس، بخلاف النهب فإن ذلك غير معتبر فيه. ط عن أبي السعود. قوله: (لانتفاء الركن) وهو الحرز في الخيانة والاخذ خفية فيما بعدها ط. قوله: (ونبش) أي لا قطع على النباش: وهو الذي يسرق أكفان الموتى بعد الدفن. (بحر). لان الحرز بالقبر أو الميت باطل لأنه لا يحفظ نفسه، والصحراء ليست حرزا، حتى لو دفن بها مال فسرق لم يقطع. فما في القنية من أنه لو سرق المدفون بالمفازة قطع ضعيف. مقدسي. قوله: (في الأصح) لاختلال الحرز بحفر القبر، وقيل يقطع إذا كان مقفلا. قهستاني. قوله: (ولو اعتاده) أي اعتاد النبش. وفيه إشارة إلى الجواب عما استدل به أبو يوسف والأئمة الثلاثة من حديث من نبش قطعناه بحمله على السياسة، وتمام تحقيقه في الفتح. قوله: (ومال عامة) وهو مال بيت المال فإنه مال المسلمين وهو منهم، وإذا احتاج ثبت له الحق فيه بقدر حاجته فأورث شبهة والحدود تدرأ بها. بحر. قوله: (ومشترك (1)) أي بين السارق وبين ذي اليد. قوله: (وحصر مسجد الخ) أي وإن كانت محرزة كما في البحر. قوله: (ومال وقف) ذكره في البحر بحثا فقال: وأما مال الوقف فلم أر من صرح به، ولا يخفى أنه لا يقطع به، وقد عللوا عدم القطع فيما لو سرق حصر المسجد ونحوها من حرز بعدم المالك، وتبعه في النهر. وقال: ولو قيل إن كان الوقف على العامة فماله كبيت المال، وإن كان على قوم محصورين فلعدم المالك حقيقة لكان حسنا اه. ولا يخفى جريان العلة الثانية فيهما، لكن رده المقدسي والرملي بأنهم صرحوا بأنه يقطع بطلب متولي الوقف، وسيأتي التصريح به في الباب الآتي، وصرح به أيضا ابن مالك في شرح المنار في بحث الخاص. قلت: ولذا والله أعلم علل في الفتح لعدم القطع في حصر المسجد بعدم الحرز: أي لكون
(1) قوله: (المحشي ومشترك) كذا بالأصل المقابل على خطه. والذي في الشرح: أو مشترك بأو لا بالواو كما ترى ا ه مصححه. 266 المسجد غير حرز ومفاده أنه يقطع لو سرقها من حرز. والظاهر أن وجهه كون الوقف يبقى على ملك الواقف حكما عند الامام، وهذا في أصل الوقف. وأما الغلة فقد صرحوا بأنها ملك المستحقين، لكن ينبغي أن يقال: إن كان السارق له حق في الغلة لا يقطع بسرقته منها، سواء كان وقفا على العامة أو على قوم محصورين لثبوت الشركة، وكذا وقف المسجد إذا كان للسارق وظيفة فيه، بخلاف سرقته لحصره وقناديله إذ حقه في الغلة لا في الحصر. تأمل. مطلب في أخذ الدائن من مال مديونه من خلاف جنسه قوله: (ومثل دينه) أي مثله جنسا لا قدرا ولا صفة كما أفاده ما بعده. قوله: (ولو دينه مؤجلا) لأنه استيفاء لحقه، والحال والمؤجل سواء في عدم القطع استحسانا، لان التأجيل لتأخير المطالبة والحق ثابت فيصير شبهة دارئة وإن لم يلزمه الاعطاء الآن. ولا فرق بين كون المديون المسروق منه مماطلا أو لا خلافا للشافعي، وتمامه في الفتح. قوله: (أو زائدا عليه أو أجود) بأنت خبير بأن الضمير في زائد أو أجود عائد على الدين، وفي عليه على المسروق، فالمناسب للتعميم أن يقال: أو أنقص منه أو أردأ، فيعلم حكم الزائد والأجود بالأولى. والحاصل أنه لو سرق أكثر من دينه لا يقطع لأنه يصير شريكا في ذلك المال بمقدار حقه كما في الفتح، وعلى قياسه يقال فيما لو سرق الأجود. تأمل. قوله: (لان النقدين جنس واحد حكما) ولهذا كان للقاضي أن يقضي بها دينه من غير رضا المطلوب. بحر. قلت: وهذا موافق لما صرحوا به في الحجر. ومفاده أنه ليس للدائن أخذ الدراهم بدل الدنانير بلا إذن المديون ولا فعل حاكم، وقد صرح في شرح تلخيص الجامع في باب اليمين في المساومة بأن له الاخذ وكذا في حظر المجتبى، ولعله محمول على ما إذا لم يمكنه الرفع للحاكم، فإذا ظفر بمال مديونه له الاخذ ديانة بل له الاخذ من خلاف الجنس على ما نذكره قريبا. قوله: (ومنه الحلي) أي بسبب ما فيه من الصياغة التحق بالعرض. قوله: (ما لم المسألة مشكله، فلتحرر. قوله لا يكون رهنا أو قضاء لدينه إلا بإذن مالكه، فكأنه ادعى أخذه فلا يقطع. وفى الفتح: عن أبي يوسف: لا يقطع بالعروض لان له الاخذ عند بعض العلماء. قلنا: هذا قول لا يستند إلى دليل ظاهر، فلا تصير شبهه دارئة إلا إذا ادعى الرهن أو القضاء. مطلب: يعذر العمل بمذهب الغير عند لضرورة قوله: (وأطلق الشافعي أخذ خلاف الجنس) أي النقود أو العروض، لان النقود يجوز أخذها عندنا على ما قررناه آنفا قال القهستاني: وفيه إيماء إلى أن له أن يأخذ من خلاف جنسه عند المجانسة في المالية، وهذا أوسع فيجوز الاخذ به وإن لم يكن مذهبنا، فإن الانسان يعذر في العمل به عند الضرورة كما في الزاهدي اه. قلت: وهذا ما قالوا أنه لا مسند له، لكن رأيت في شرح نظم الكنز للمقدس من كتاب الحجر. قال: ونقل جد والدي لامه الجمال الأشقر في شرحه للقدوري أن عدم جواز الاخذ من
267 خلاف الجنس كان في زمانهم لمطاوعتهم في الحقوق. والفتوى اليوم على جواز الاخذ عند القدرة من أي مال كان لا سيما في ديارنا لمداومتهم للعقوق: عفاء على هذا الزمان فإنه زمان عقوق لا زمان حقوق وكل رفيق فيه غير مرافق وكل صديق فيه غير صدوق قوله: (بخلاف سرقته من غريم أبيه) سقط من بعض النسح لفظ غريم وهو خطأ. قوله: (لا) أي لا يقطع، لان له ولاية أخذ دين ابنه الصغير. بقي لو لم يكن له ولاية لسوء اختياره أو لكونه رقيقا. واستظهر ط أنه كذلك، ويظهر لي خلافه. تأمل. قوله: (كسرقة شئ الخ) أي إذا سرق شيئا فقطع فيه فرده إلى مالكه ثم سرقه ثانيا ولم يتغير المسروق عن الحالة الأولى لا يقطع، والقياس أنه يقطع، وهو رواية عن أبي يوسف وقول الأئمة الثلاثة، وبيانه في الفتح. قوله: (أما لو تبدل العين) كما لو كان غزلا فسرقه فقطع فيه فرده ثم نسج فسرقه فإنه يقطع. وعلى هذا الصوف والقطن والكتان. وكل عين أحدث المالك فيه صنعا بعد القطع لو أحدثه الغاصب ينقطع به حق المالك. بحر. قوله: (كالبيع) أي لو باعه المالك م من السارق ثم اشتراه منه فسرقه يقطع ثانيا عند مشايخ بخارى. وقال مشايخ العراق: لا يقطع. وظاهر الفتح اعتماد الثاني، وذكر في النهر ما يؤيد الأول. قوله: (على ما في المجتبى) أشار به إلى ما ذكرنا من الخلاف، وهذا لقول ذكره في المجتبى جازما به بلا حكاية خلاف كما ذكره المصنف في شرحه. قوله: (أو من ذي رحم محرم) ترجم في الهداية والكنز لهذه المسائل بقوله: فصل في الحرز، وهو كما في النهر لغة: الموضع الذي يحرز فيه شئ. وشرعا: ما يحفظ فيه المال عادتا كالدار وإن لم يكن لها أبواب أو كان وهو مفتوح، لان البناء لقصد الاحراز، وكالحانوت ولخيمة والشخص اه. ومثله في الفتح. لكن قوله: وإن لم يكن لها باب الخ، فيه كلام سنذكره عند مسأله الفشاش. قوله: (فسقط كلام الزيلعي) حيث قال وقوله لا برضاع لا حاجة إلى إخراجه لأنه لم يدخل في ذي الرحم المحرم. ورده في البحر بأن هذا الظن منه أنه متعلق بالرحم، وليس كذلك، بل متعلق بالمحرم اه ح. قلت: لا يظن بالزيلعي أنه ظن ذلك لان لرحم وهو القرابة النسبية لا تكون بالرضاع أصلا حتى يظن أن قوله لا برضاع تقييد له، بل مبنى كلامه على أن المراد بالمحرم ما تكون محرميته من النسب كما هو المتبادر وكما عبر به في الهداية حيث قال: ذي رحم محرم منه، فقوله: منه أي من الرحم تصريح بالمراد، وعليه فلا يدخل فيه ابن العم الذي هو أخ رضاعا لأنه محرم من الرضاع لا من الرحم. ثم رأيت عبارة الكنز التي شرح عليها الزيلعي بلفظ منه كعبارة الهداية، فتعين ما قلناه وسقط ما سواه فافهم. قوله: (بخلاف ماله إذا سرق من بيت غيره) أي سرق مال رحمه المحرم من بيت أجنبي فإنه يقطع لوجود الحرز.
268 وفى الفتح لما في القطع من القطيعة. وأجاب في البحر بأن القطع حق الشرع لاحقه فلا يكون قطيعة. واعترضه في النهر بأنه مشترك الالزام، بأنه لو سرق من بيت رحمه المحرم يقطع ولا يلزم القطيعة لم ذكر. قلت: أنت خبير بأنه لا يصح القول بالقطع فيه لقيام لمانع وهو عدم الحرز، بخلاف بيت الأجنبي، نعم ينبغي تقييده بغير قرابة الولاد، فلا يقطع في الولاية للشبه في ماله على ما مر كما في التبيين والبحر والنهر. قوله: (اعتبارا للحرز وعدمه) أي قطع في المسألة الأخيرة اعتبارا للحرز ولم يقطع فيما قبلها اعتبارا لعدمه، ففيه لف ونشر مشوش. وعن هذا قال البرجندي: الظاهر أنه لا دخل للقرابة، بل المعتبر الحرز، ففي كل موضع كان له أن يدخل فيه بلا مانع ولا حشمة ولا يقطع، سواء كان بينهما قرابة أو لا. قال الحموي: فيه نظر، فإن الصديقين يدخل أحدهما بيت الآخر بلا مانع ولا حشمة مع أنه يقطع، فظهر أن القرابة المحرمية مدخلا. واعترضه الشيخ أبو السعود بأن هذا فيما لم يؤذن له بدخوله، حتى لو سرق من محل جرت عادته بدخوله لم يقطع اه. قلت: لكن المنقول في الهداية وغيرها قطع الصديق لأنه عاداه في السرقة، ولم يفصلوا بين جريان عادة في الدخول وعدمه، ويأتي له مزيد بيان عقيبه. قوله: (ابن كمال) حيث قال: المرضع التي شأنها الارضاع، والمرضعة التي هي في حال الرضاع ملقمة ثديها للصبي، كذا في الكشاف، فمن قال هنا مرضعة لم يصب اه. لأنه لا يمكن ان يسرق منها في حال إرضاعها له. قوله: (لما مر) أي من اعتبار الحرز. وعن أبي يوسف: لا يقطع لدخوله عليها بلا استئذان وحشمة، بخلاف الأخت رضاعا لانعدام هذا المعنى فيها عاده. وجه الظاهر أنه لا قرابة بينهما والمحرمية بدون القرابة لا تحترم. فتح. قلت: وإذا كان القطع في السرقة من أمه رضاعا مع الدخول بلا استيذان وحشمة فكذا في الصديق. وبه ظهر أن للقرابة المحرمية دخلا، وكذا قولهم لأنه عاداه في السرقة يفيد الفرق وهو زوال الصداقة، بخلاف القرابة. تأمل. والله تعالى اعلم. قوله: (ولا بسرقة من زوجته) أي ولو من وجه كالمبتوتة المعتدة في منزل على حدة، ولو سرق بعد انقضاء العدة قطع. كافي الحاكم. قوله: (وإن تزوجها بعد القضاء) بالقطع لوجود الشبهة قبل الامضاء. وأفاد أنه لا فرق بين كونه زوجها وقت السرقة أو بعدها قبل انقضاء القطع أو بعده، وفى الأخير خلاف أبى يوسف، ولو سرق أحدهما من الآخر فطلقها قبل الدخول لم يقطع أيضا كما في النهر. قوله: (من حرز خاص له) يعنى بأن كان خارج مسكنها صرح به في الهداية والبحر والشرنبلالية. فالضمير في له عائد على المسروق لا على السارق، فأفهم. قوله: (أو عرسه) أي زوجه سيده وشريكه مثلا. قال في ا لبحر: والعبد في هذا ملحق بمولاه حتى لا يقطع في سرقة لا يقطع فيها المولى كالسرقة من أقارب المولى وغيرهم لأنه
269 مأذون بالدخول عادة في بيت هؤلاء لإقامة المصالح قوله: (ولا من مكاتبة) لان له حقا في أكسابه. نهر. قوله: (وختنه وصهره) ختنه: زوج كل ذي رحم محرم منه، وصهره: كل ذي رحم محرم من امرأته وهذا عند الامام. وقالا: يقطع لعدم الشبهة في ملك البعض لأنها تكون بالقرابة وهي منتفية. وله أن العادة جارية في دخول بعضهم منازل البعض بلا استئذان فتمكنت الشبهة في الحرز، وتأخير الزيلعي لدليله مؤذن بترجيحه. نهر. وفي كافي الحاكم: لا يقطع السارق من امرأة أبيه وزوج ابنته وابن امرأته وأبويها استحسانا. قوله: (ومغنم الخ) علله في الهداية بقوله: لان فيه نصيبا، وذكر ان ذلك مأثور عن علي رضي الله عنه حكما وتعليلا. هو أنه أتى برجل سرق من المغنم فقال له فيه نصيب وهو خائن فلم يقطعه وكان قد سرق مغفرا، ورواه عبد الرزاق والدارقطني، وهذا ظاهر في أن لكلام فيمن له فيه استحقاق، وبه صرح في الفتح، لكن في النهر قال في الحواشي السعدية: وهذا التعليل يدل على أنه لو لم يكن له فيه نصيب يقطع، لكن الرواية مطلقة في مختصر القدوري وشرح الطحاوي، فلا بد من تعليل آخر اه. وفى غاية البيان: ينبغي أن يكون ا لمراد من السارق من له نصيب فيه، أما من لا نصيب له فيقطع، اللهم إلا أن يقال: إنه مباح الأصل وهو على صورته لم يتغير فصار شبهه. وفى كلام المصنف: يعنى صاحب الكنز ما يومئ إلى اعتبار الاطلاق، حيث قدم أنه لا قطع في المال المشترك، وإذا كان له حق فيه كان من المشترك، فذكره هنا ليس إلا لإفادة التعميم اه. قلت: ما ذكر من إطلاق الرواية قد يدع يأنه يخصصه التعليل المأثور الذي جعلوه دليل الحكم، وإلا لزم إثبات حكم بلا دليل، وما ذكره في غاية البيان من أنه مباح الأصل فيه نظر، لان مباح الأصل ما يكون تافها ويوجد مباحا في دار الاسلام كالصيد والحشيش كما مر، والمغنم قد يكون من أعز الأموال. وايضاحكم مباح الأصل أنه لا يقطع به وإن ملك وسرق من حرز، والمغنم ليس كذلك قطعا. نعم قال القهستاني بعد التعليل المأثور: ولا يخفى أن الآخذ إن كان من العسكر فالمغنم داخل في ما ل الشركة وإلا ففي مال العامة اه. وهذا في غاية الحسن، فإن خمس المغنم لذوي الحاجة من العامة. ومن سرق من مال التامة لا يقطع لأنه يستحق منه عند الحاجة فأورث شبهة كما عللوا به كما قدمناه عن البحر. قوله: (في وقت جرت العادة بدخوله) لو سرق ليلا لان الاذن يختص بالنهار. بحر. وفيه إشارة إلى أنه لو اعتاد الناس دخوله في بعض الليل فهو كالنهار كما في المضمرات. قهستاني، والى ذلك إذا كان الباب مفتوحا. ففي الحاوي الزاهدي: ولو سرق من حمام أو خان أو رباط أو حوانيت التجار وبابها مغلق يقطع وإن كان نهارا في الأصح اه. قوله: (وبيت أذن ف دخوله) فلا قطع بالسرقة منه في الوقت المأذون بالدخول فيه. ط. قوله: (ينبغي أن يقطع) بالبحث لصاحب البحر وتبعه من بعده ط. قوله: (لا يعتبر الحرز بالحافظ الخ) فلو سرق شيئا من الحمام وصاحبه عنده أو المسروق تحته لا يقطع،
270 بخلاف المسجد. والفرق أن الحمام بنى للاحراز كان حرزا كالبيت فلا يعتبر الحافظ، والمسجد لم يبن لاحراز الأموال فيعتبر الحافظ كالطريق والصحراء، وتمامه في الزيلعي. وأفاد أن الحرز نوعان كما قدمنا عند قوله من حرز. قوله: (به يفتى) زاد في الفتح: وهو ظاهر ا لمذهب، ومقابله القول بأنه يقطع عنده لو سرق من الحمام في وقت الاذن إذا كان ثمة حافظ، ولا يقطع عندهما. قوله: فيقطع بسرقة لؤلؤة من اصطبل) لأنه الحرز كما قدمناه كل بقعة معدة للاحراز ممنوع من الدخول فيها إلا بإذنه. ولا يخفى ان الأصل كذلك، وهذا بخلاف الوديعة فإنه يعتبر فيها حرز مثلها، حتى لو وضع المودع اللؤلؤ في للإصطبل يضمن كما حققناه في تنقيح الفتاوى الحامدية من الوديعة، وسنذكر هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (والأول هو المذهب عندنا) إن كان أعاد لأجل نسبة إلى المجتبى كان أخصر عزوه إليه عقب عبارة المتن، ولعل المراد إفادة الحصر بالجملة المعرفة الطرفين، فإنه زائدة على ما في المتن فافهم. قوله: (لكن جزم على القهستاني الخ) لم ينسبه القهستاني إلى أحد يعتمد عليه، وما مشى عليه المصنف قال فيه شمس الأئمة السرخسي: هو المذهب عندنا كما نقله في الذخيرة وغيرها وقد قال في الفتح: انه هو الصحيح كما ذكره الكرخي. ثم قال: ونقل الأسبيجابي عن بعض أصحابنا ان كل شئ يعتبر بحرز مثله. فعلم أن ما في القهستاني قول البعض وان المذهب المصحح خلافه، ولعل قوله: إنه المذهب سبق نظر، فليس في المسألة اختلاف تصحيح، فافهم. قوله: (ولا يقطع قفاف) بقاف وفائين بينهما ألف. قوله: (هو من يسرق الدراهم) الذي في المغرب وغيره: هو الذي يعطى الدراهم لينقذها فيسرقها بين أصابعه ولا يشعر به صاحبه. قوله: (بالفاء) أي وبشينين معجمتين بينهما ألف. قوله: (لغلق الباب) بالتحريك، وجمعه أغلاق كسبب وأسباب. مصباح. قوله: (نهارا) لعل وجهه أن يكون مجاهرا وشرط القطع الخفية، بخلاف ما إذا كان ليلا. قال الزيلعي: ولو كان باب ا لدار مفتوحا في النهار فسرق لا يقطع لأنه مكابرة لا سرقة، ولو كان في الليل بعد انقطاع انتشار الناس قطع اه. زاد في الذخيرة عن أبي العباس أنه سوى في الليل بين ما إذا كان الباب المفتوح مردودا أو غير مردود في أنه يقطع فيهما. وفرق بينهما في النهار في أنه لو مردودا قطع، وإلا لا اه. قلت: ومسألة الفشاش مذكورة في كافي الحاكم، وهي تدل على أنه لا يقطع في النهار بلا فرق بين كونه مردودا أو لا، لأنه إذا لم يقطع بفتحه نهارا وهو مقفل، فإذا كان مفتوحا مردودا أو لا فهو كذلك بالأولى، فلذا أطلق الزيلعي عدم القطع كما علمت، ثم ذكر بعده مسألة الفشاش المذكورة. وبهذا علم أن ما قدمنا عن النهر عند قوله: أو من ذي رحم ليس على إطلاقه، فتدبر. قوله: (قطع) أي لظنه الخفية، وأما لو علم فلا يقطع، لأنه مجاهر. قوله: (من السطح) أي إذا صعد
271 إليه أو تناوله من داخل الدار، واحترز به عما لو سرق ثوبا بسط على حائط إلى السكة، بخلاف ما إذا كان إلى الدار فإنه يقطع كما في البحر. قوله: (أي بحيث يراه) أفاد أنه ليس المراد بالعندية الحضور بل الاطلاع عليه. قوله: (ولو الحافظ نائما) عبر بالحافظ لأنه أعم من أن يكون هو رب المتاع أو غيره، وأطلق النائم فشمل ما إذا نام مضطجعا أو لا، وما إذا كان المتاع تحت رأسه أو تحت جنبه أو بين يديه حالة النوم هو الصحيح. وقيل باشتراط كونه تحت رأسه أو جنبه. فتح. قال في النهر: ونبه بقوله: عنده إلى أنه لو كان لابسا له لم يقطع. وقيل يقطع، حكاه في المجتبى اه. وبسطه في البحر. وفصل الزيلعي بين النائم وغيره، فيقطع في الأول لأنه أخذ خفية، لا في الثاني لأنه اختلاس، وذلك حيث قال: وفي المحيط لو سرق ثوبا عليه وهو رداؤه أو قلنسوة أو طرف منطقة أو سيفه أو سرق من امرأة حليا عليها لا يقطع لأنها خلسة وليست بخفية سرقة، ولو سرق من رجل نائم قلادة عليه وهو لابسها أو ملاءة له وهو لابسها أو واضعها قريبا منه بحيث يكون حافظا لها قطع لأنه أخذها بخفية وسرا ولها حافظ وهو النائم اه. قوله: (ولو من بعض بيوت الدار) أي لا فرق بين أن يسرق من البيت الذي أضافه فيه أو من بيت آخر فيها. قوله: (لاختلال الحرز) لان الدار مع جميع بيوتها حرز واحد، فبالاذن فيها اختل الحرز في جميع بيوتها. بحر. قوله: (لشبهة عدم الاخذ) لان الدار وما فيها في يد صاحبها فتح. وفيه أيضا أن المحرز بالمكان لا يجب القطع فيه إلا بالاخراج، لقيام يد المالك قبل الاخراج من داره فلا يتحقق الاخذ إلا بإزالة يده وذلك بالاخراج من حرزه، بخلاف المحرز بالحافظ فإنه يقطع كما أخذه لزوال يد المالك بمجرد الاخذ فتتم السرقة فيجب موجبها اه. قوله: (بخلاف الغصب) يعني أن هذا في حق القطع لسقوط الحد بالشبهة، بخلاف ضمان الغصب، يعني لو هلك ما سرقه ولم يخرجه. قال في الفتح: قال بعضهم: لا ضمان عليه إذا تلف المسروق في يده قبل الاخراج من الدار ولا قطع عليه. والصحيح أنه يضمن لوجود التلف على وجه التعدي، بخلاف القطع، لان شرطه هتك الحرز ولم يوجد اه. قوله: (المتسعة جدا) أي التي فيها منازل، وفي كل منزل مكان يستغني به أهله عن الانتفاع بصحن الدار وإنما ينتفعون به انتفاع السكة، وإلا فهي المسألة السابقة التي لا بد فيها من الاخراج من الدار. بحر. ونحو في الزيلعي وفي الكافي: يقطع إذا كانت دار واحدة عظيمة فيها مقاصير كل مقصورة مسكن على حيالها اه. والمقصورة: الحجرة بلسان أهل الكوفة. معراج. قوله: (أو أغار) المراد دخل مقصورة على غرة فأخذ بسرعة، يقال: أغار الفرس والثعلب في العدو أسرع. بحر. قوله: (من أهل الحجر) حال من فاعل أغار. قوله: (لان كل حجرة حرز) علة للمسألتين، إذ لكل مقصورة باب وغلق على حدة ومال كل واحد محرز بمقصورته، فكانت المنازل بمنزلة دور في محلة، وإن كانت الدار صغيرة بحيث لا يستغني أهل المنازل عن الانتفاع بصحن الدار بل ينتفعون به انتفاع المنازل فهي بمنزلة مكان واحد، فلا يقطع الساكن فيها ولا المأذون له بالدخول فيها إذا سرق من بعض
272 مقاصيرها. زيلعي. قوله: (في الطريق) أي بحيث يراه لأنه باق في يده فصار كأنه أخرجه معه، وإلا فلا قطع فيه عليه وإن خرج وأخذه لأنه صار مستهلكا له قبل خروجه بدليل وجوب الضمان عليه، كما لو ذبح الشاة في الحرز. جوهرة. قوله: (ثم أخذه) أشار إلى أنه لا يشترط للقطع الاخذ على فور الالقاء اه ط. قوله: (يعتاده السراق) إما لتعذر الخروج مع المتاع أو ليمكنه الدفع أو الفرار. زيلعي. قوله: (فاعتبر الكل فعلا واحدا) أي كل من النقب والدخول والالقاء والاخذ حيث لم يعترض عليه يد معتبرة، وهذا جواب عن قول زفر: إنه لا يقطع لان الالقاء غير موجب له. قوله: (ولو لم يأخذه) أي بأن خرج وتركه، وقوله: أو أخذه غيره أي قبل خروجه. قوله: (فهو مضيع) فعليه ضمانه. قوله: (لان سيره يضاف إليه) أما لو خرج بلا سوق ولا زجر لم يقطع، لان للدابة اختيارا فما لم يفسد اختيارها بالحمل والسوق لا ينقطع نسبة الفعل إليها كما في البحر. قوله: (لما مر) أي من أن الاخراج يضاف إليه. ط. قوله: (قوة جريه) في بعض النسخ بقوة جريه. قوله: (لأنه أخرجه) أي لأن الماء أخرجه بسبب إلقائه فيه. قوله: (ويشكل على الأخير) أي ما لو ألقاه في الماء وأخرجه بقوة جريه، والاستشكال لصاحب النهر. قلت: وقد يدفع بأن الطائر فعله يضاف إليه لان للدابة اختيارا كما مر، فإذا لم يزجره بل طار بنفسه فقد عرض على فعل السارق فعل مختار فلم يضف إليه. نظيره ما إذا خرج الحمار بنفسه بلا سوق في المسألة المارة، وكذا ما يأتي في الغصب لو حل قيد عبد غيره أو رباط دابته أو فتح باب إصطبلها أو قفص طائره فذهبت لا يضمن، فافهم. قوله: (بعدم القطع) هو خلاف ما صححه في المبسوط، ومشى عليه المصنف تبعا للزيلعي والفتح والنهاية. وفي الفتح: إنه قول الأئمة الثلاثة فيرجع على ما جزم به الحدادي صاحب الجوهرة ولا سيما بعد اتضاح الجواب بما قلناه. قوله: (وإن نقب ثم ناوله آخر الخ) جواب الشرط قوله الآتي: لا يقطع وأفاد أنه لا يقطع المناول ولا المتناول، لان الأول لم يوجد منه الاخراج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه، والثاني لم يوجد منه هتك الحرز فلم تتم السرقة من كل واحد، وأطلقه فشمل ما إذا أخرج الداخل يده وناول الخارج أو أدخل الخارج يده فتناول من يد الداخل وهو ظاهر المذهب. بحر. قوله: (أو أدخل يده في بيت وأخذ) أي من غير دخول في البيت، وقيد بالبيت احترازا عن الصندوق ونحوه كما يأتي. قوله: (ويسمى اللص الظريف) مأثور عن علي رضي الله عنه مع تفسيره بمن يدخل يده في نقب البيت كما في الزيلعي. قوله: (لم يقطع في الصحيح) ذكره أيضا في الفتح والبحر، ولينظر الفرق
273 بين هذه المسألة ومسألة ما لو ألقاه في الطريق ثم أخذه حيث لم يعتبر الكل فعلا واحدا كما اعتبر هناك، مع أنه في المسألتين لم يوجد اعتراض يد معتبرة على المال قبل خروج السارق، ولعل الفرق أنه هناك تحقق إخراج المال خفية قبل خروجه، أما هنا فلا، ثم لما خرج وأخذه من النقب لم يأخذه من حرز فصار كما إذا أدخل يده في بيت وأخذ. تأمل. قوله: (أو طر صرة خارجة) الصرة: هي الخرقة التي يشد فيها الدراهم، يقال صررت الدراهم أصرها صرا: شددتها، والمراد لكم المشدودة التي فيها الدراهم نهر. فقوله من نفس الكم بيان لقوله: صرة ولذا زاد لفظ نفس لئلا يتوهم أنها من غيره. وحاصل صور المسألة أربعة. قال في غرر الاحكام: اعلم أن الصرة إن جعلت نفس الكم، فأما إن جعل الدراهم داخل الكم والرباط من خارج أو بالعكس، وعلى التقديرين، فإما إن طر أو حال الرباط، فإن طر والرباط من خارج فلا قطع، وإن طر والرباط من الداخل بأن أدخل يده في الكم فقطع موضع الدراهم فأخذها من الكم قطع للاخذ من الحرز، وإن حل الرباط وهو خارج قطع، لأنه حينئذ لا بد أن يدخل يده في الكم فيأخذ الدراهم، وإن حل الرباط وهو داخل لا يقطع لأنه لما حل الرباط في الكم بقي الدراهم خارج الكم وأخذها من خارج، وعند أبي يوسف والأئمة الثلاثة: يقطع في الوجوه كلها لان الكم حرز اه. وتمام تحقيقه في الفتح. قوله: (بفتح القاف) صوابه بكسرها كما في شرحه على الملتقى والمنح وغيرها والطلبة والقاموس. ط. قوله: (أو حملا عليه) أي على البعير، فلو على الأرض فهي مسألة الجوالق الآتية. قوله: (لان السائق الخ) تعليل على النشر المشوش، فقوله: لان السائق والقائد راجع لقوله: أو من قطار وقوله: والراعي راجع لقوله: من مرعى ط. قوله: (لم يقصدوا للحفظ) بل يقصد الراعي لمجرد الرعي والسائق والقائد وكذا الراكب: يقصدون قطع المسافة ونقل الأمتعة. وعند الأئمة الثلاثة كل من الراكب والسائق حافظ حرز، فيقطع في أخذ الحمل. والحمل والجوالق والشق ثم الاخذ، وأما القائد فحافظ للجمل الذي زمامه بيده فقط عندنا. وعندهم إذا كان بحيث يراها إذ التفت إليها حافظ للكل محرزة عندهم بقوده. فتح. وبه علم أن القائد ليس على إطلاقه عندنا لأنه حافظ ما زمامه بيده، ولم أر التصريح به في غير هذه العبارة. تأمل. قوله: (وإن كان معها حافظ) أي مع ما ذكر من بعير المرعى والقطار والحمل، وإطلاق محمد عدم القطع في مواشي المرعى محمول على عدم الحافظ، ولو كان الحافظ هو الراعي اختلف المشايخ. ففي البقالي: لا يقطع، وهو الذي في المنتقى عن أبي حنيفة، وأطلق خواهر زاده ثبوت القطع مع الحافظ. ويمكن التوفيق بأن الراعي لم يقصد لحفظها من السراق، بخلاف غيره. فتح. وفي المجتبى: وكثير من المشايخ أفتوا بما قاله البقالي. نهر. قوله: (وإن شق الحمل) أي جوالقا على الأرض أو على ظهر جمل. قهستاني. وإنما قطع لان صاحب المال اعتمد الجوالق فكان هاتكا للحرز، بخلاف ما إذا أخذ الجوالق بما فيه، وكذا لو سرق من الفسطاط فإنه يقطع، ولو سرق نفس
274 الفسطاط لا يقطع. بحر. ويأتي بيانه. قوله: (فسرق منه) أي أخرج منه بيده ما قيمته عشرة دراهم فصاعدا، فلو خرج الشئ بنفسه ثم أخذه لا يقطع، لان الاخراج من الحرز شرط. قهستاني. وفي حاشية نوح أفندي: قيد بالأخذ من الحمل، لأنه إذا لم يأخذ منه بالذات بل أخذ من الأرض ما سقط منه بسبب شقه لا يقطع لأنه لم يأخذ من الحرز اه. ومثله في اليعقوبية. قلت: ويشكل عليه ما لو نقب فدخل وألقى شيئا في الطريق ثم أخذه فإنه يقطع كما مر، إلا أن يجاب بأن الالقاء في الطريق هناك معتاد كما مر بخلافه هنا، فتأمل. قوله: (أو سرق جوالقا الخ) معناه إذا كان الجوالق في موضع ليس بحرز كالطريق والمفازة والمسجد ونحوه حتى يكون محرزا بصاحبه. فتح. قوله: (بضم الجيم) أي مع فتح اللام وكسرها، وبكسر الجيم واللام: الوعاء المعروف وجمعه كصحائف وجواليق وجوالقات. قاموس ونحوه في الصحاح. وفيهما أن القاف والجيم لا يجتمعان في كلمة إلا معربة أو صوتا. قوله: (وربه يحفظه) أي يحفظ المسروق من الحيوان والحمل والمتاع مالكه أو غيره. قوله: (قهستاني): أي فلا يلزم أن يكون الحافظ رب الجمل أو الجمل ابن كمال. وأفاد أن هذه الجملة الحالية قيد في مسألة القطار أيضا، وهو ما أفاده الشارح أولا بقوله: وإن كان معها حافظ وهذا بخلاف مسألة الشق فقد قال السيد أبو السعود: إنه يجب فيها القطع مطلقا، فإن الجوالق غير محرز، فاعتبر الحافظ وما فيه محرز به، ففي شقه وأخذ ما فيه يقطع وإن لم يكن معه حافظ للاخذ من الحرز، وفي أخذه بجملته لا يقطع إلا أن يكون معه من يحفظه، وكأنهم إنما تركوا التنبيه على ذلك لوضوحه اه ملخصا قوله: (أو بقربه) أي بحيث يراه كما مر. قوله: (أو أدخل يده) وكذا لو أدخل شيئا آخر يعلق بالمتاع. قهستاني. قوله: (في صندوق) بالضم وقد يفتح، جمعه صناديق كعصفور وعصافير. قاموس. وفي المصباح أن الفتح عامي. قوله: (أو في جيبه) جيب القميص ونحوه بالفتح: طوقه قاموس، وكذا قال في المصباح: جيب القميص بالفتح ما على النحر، والجمع أجياب وجيوب، والمراد بالجيب هنا ما يشق بجانب الثوب لتحفظ فيه الدراهم، وهل إطلاق الجيب عليه عربي أو عرفي. حموي. وفي حاشية أبي السعود أن الاخذ من العمامة أو الحزام كالأخذ من الجيب. قوله: (أو كمه) أي بأن وضع شيئا في داخل الكم من غير ربط، وإلا فهي مسألة الطر. تأمل. قوله: (فهتكه) الهتك: الخرق والشق. قوله: (فسطاطا) هو الخيمة قوله: (لم يقطع) لأنه ليس محرزا، بل ما فيه محرز به. فلذا قطع فيما فيه دونه، فتح. ونظيره ما لو سرق الجوالق كما مر. قوله: (ولو ملفوفا) أي ولو كان ملفوفا عنده يحفظه. فتح. قوله: (قطع) أي إذا أخذه من حرز هو مكان أو حافظ. قوله: (فتبعها أخرى) أي خرجت من الحرز بنفسها من غير سوقه ولا إخراجه. قوله: (قطع المحمول فقط) لأنه لا عبرة للحامل، ألا ترى أن محلف أن لا يحمل طبقا فحمل حامل الطبق لم يحنث. جوهرة.
275 قلت: ولذا لو جلس على المصلى طائر عليه نجاسة لا تفسد صلاته، ومثله صبي يستمسك بنفسه، بخلاف من يستمسك لان المصلى يصير حاملا للصبي والنجاسة. قوله: (لكونه إقرارا بالسرقة الخ) المسألة منقولة في الفتح وغيره معللة بأن الإضافة على الحال والنصب على الاستقبال، وما هنا علل به في شرح الوهبانية عن التجنيس. قلت: وتحقيق المقام: أن اسم الفاعل لا ينصب المفعول إلا إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فلو بمعنى الماضي مثل أنا ضارب زيد أمس وجبت إضافته وتسمى إضافة محضة والعامل تجوز إضافته، وتسمى غير محضة لأنها على نية العمل والقطع عن الإضافة كما قرر في محله. وبه ظهر أن اسم الفاعل حل الإضافة يحتمل أن يكون بمعنى الماضي أو الحال أو الاستقبال: لا، لكن لما كان الأصل فيما كان بمعنى الحال أو الاستقبال هو العمل، فالأصل في المضاف أن يكون بمعنى الماضي، فيكون إقرارا بأنه سرق الثوب في الماضي، ويلزم منه أن يكون متصفا بسرقته أيضا في الحال فيقطع. أما إذا نصب الثوب لزم أن يكون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن حمل على الحال لزم القطع، وأن حمل على الاستقبال لم يلزم، فلا يقطع بالشك وتعين حمله على الاستقبال، فيكون عدة بأنه سوف يسرق هذا الثوب لا إقرارا بأنه هو سارقه في الحال: أي هذه السرقة المدعى بها، فافهم. ووقع في شرح الوهبانية هنا كلام غير محرر، فتدبر. قوله: (قلت في شرح الوهبانية الخ) وعبارته قلت: والقطع المذكور بإصراره وعدم رجوعه، أما لو رجع قبل رجوعه كما تقدم، وينبغي أن لا يجري في هذا الاطلاق، لان العوام لا يفرقون بين العالم والجاهل، اللهم إلا أن يقال: يجعل هذا شبهة في درء الحد، وفيه بعد، والله أعلم اه. أقول: معناه أنه ينبغي أن يكون التفصيل السابق في حق العالم، أما الجاهل فلا يفرق بين كونه بمعنى الماضي أو الحال، وإنما يقصد الاقرار فيقطع مطلقا، إلا أن يجعل الاعراب شبهة دارئة في حقه فلا يقطع إذا نون، وفيه بعد، لان التنوين دليل عدم إرادة الاقرار، هذا ما ظهر لي، فتأمل. قوله: (وهذا إن عاد) ظاهره ولو في المرة الثانية، لكن قيد بعضهم بما إذا سرق بعد القطع مرتين. وفي حاشية السيد أبي السعود: رأيت بخط الحموي عن السراجية ما نصه: إذا سرق ثالثا ورابعا للامام أن يقتله سياسة لسعيه في الأرض بالفساد اه. قال الحموي: فما يقع من حكام زماننا من قتله أول مرة زاعمين أن ذلك سياسة جور وظلم وجهل، والسياسة الشرعية عبارة عن شرع
276 مغلظ اه. قوله: (قلت وقدمنا الخ) فيه كلام قدمناه هناك وفي هذا الباب عند تعزير المتهم، والله سبحانه أعلم. باب كيفية القطع وإثباته لما كان القطع حكم السرقة ذكره عقبها لان حكم الشئ يعقبه. بحر. قوله: (تقطع يمين السارق) أي ولو كانت شلاء أو مقطوعة الأصابع أو الابهام، وإن كانت اليمنى مقطوعة قبل ذلك قطعت رجله اليسرى فإن كانت رجله اليسرى مقطوعة قبل ذلك: لم يقطع، ويضمن السرقة ويحبس حتى يتوب. جوهرة. قوله: (من زنده) بفتح الزاي وسكون النون. قوله: (هو مفصل رسغ) الإضافة بيانية. قال في النهر: من مفصل الزند وهو الرسغ: قال الجوهري: الزند موصل طرف الذراع، وهما زندان الكوع والكرسوع، فالكوع طرف الزند الذي يلي الابهام. والكرسوع: طرف زند الذي يلي الخنصر اه ح. قوله: (وتحسم) بالحاء المهملة: أي تكوى بزيت مغلي ونحوه. نهر. ومثله في المغرب. وقال مسكين: الحسم الكي بحديدة محماة لئلا يسيل دمه. قوله: (وجوبا) أي كما يفيده قول الهداية، لأنه لو لم يحسم يؤدي إلى التلف. فتح. وقد صرح به القهستاني. قوله: (إلا في حر وبرد شديدين) وإلا في حال مرض. مفتاح، وقيده في البناية بالمرض الشديد. أفاده ط عن الحموي قوله: (فلا يقطع) إنما ذكره ليفيد أن الاستثناء من قوله: تقطع لا من قوله: تحسم وإن قرب ذكره. ط. قوله: (ليتوسط الامر) أي أمر الحر والبرد. قوله: (ومؤنته) أي مؤنة القطع: أي ما ينفق فيه، وبينها بقوله: كأجرة حداد أي من يباشر الحد وهو القطع هنا، وقوله: وكلفة حسم يشمل ثمن الزيت، وكذا ثمن حطب وأجرة إناء يغلي فيه الزيت. تنبيه: يسن عند الشافعي وأحمد تعليق يده في عنقه، لأنه عليه الصلاة والسلام أمر به وعندنا ذلك مطلق للامام إن رآه، ولم يثبت عنه (ص) في كل من قطعه ليكون سنة. فتح. قوله: (كالسارق) محل هذه الكلمة عقب قوله: على المتمرد. قال في شرح الوهبانية: قيل أجرة المشخص: أي المحضر للخصوم في بيت المال، وقيل: على المتمرد كالسارق إذا قطعت يده، فأجرة الحداد والدهن الذي تحسم به العروق على السارق لأنه المتسبب اه ح. قوله: (من الكعب) أي لا من نصف القدم من معقد الشراك خلافا للروافض. قوله: (إن عاد) أي بعد ما قطعت يمينه، وإلا بأن
277 سرق مرات قبل القطع تقطع يمينه للكل لأنه يكتفي بحد واحد لجنايات اتحد جنسها كما تقدم بيانه قبيل باب التعزير. قوله: (حتى يتوب الخ) أي أو يموت فتح. وفي القهستاني: ومدة التوبة مفوضة إلى رأي الامام، وقيل ممتدة إلى أن يظهر سيما الصالحين في وجهه، وقيل يحبس سنة، وقيل إلى أن يموت، كما في الكفاية اه. قوله: (ثالثا ورابعا) أي اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى. قوله: (إن صح حمل على السياسة أو نسخ) أشار إلى ما قاله الامام الطحاوي: تتبعنا هذه الآثار فلم نجد لشئ منها أصلا. قال في الفتح: وفي المبسوط الحديث غير صحيح. ولئن سلم يحمل على الانتساخ، لأنه كان في الابتداء تغليظ في الحدود كقطع أيدي العرنيين وأرجلهم وسمر أعينهم. ثم قال في الفتح بعد نقله: بل مذهبنا عن علي وابن عباس وعمر أن هذا قد ثبت ثبوتا لا مرد له، وبعيد أن يقطع (ص) أربعة السارق ثم يقتله ولا يعلمه مثل علي وابن عباس وعمر من الصحابة الملازمين، ولو غابوا لا بد من علمهم عادة فامتناع علي رضي الله تعالى عنه إما لضعف ما مر أو لعلمه بأن ذلك ليس حدا مستمرا، بل من رأى الامام قتله لما شاهد فيه من السعي بالفساد في الأرض وبعد الطباع عن الرجوع، فله قتله سياسة، فيفعل ذلك القتل المعنوي اه: أي أن قطع أربعته قتل معنى، فإذا رأى أن له قتله سياسة فله قتله معنى، وهذا يشير إلى ما قدمناه من أن له قتله سياسة في الثالثة: تأمل. قوله: (كمن سرق الخ) أي كما لا يقطع بل يحبس حتى يتوب من سرق الخ، لان القطع حينئذ تفويت جنس المنفعة بطشا، وذلك إهلاك، وفوت الإصبعين منها يقوم مقام فوت الابهام في نقصان البطش، بخلاف فوت واحدة غير الابهام، لم قيد باليسرى؟ لان اليمنى لو كانت شلاء أو ناقصة الأصابع قطع في ظاهر الرواية، لان استيفاء الناقص عند تعذر الكامل جائز. نهر. قوله: (أو رجله اليمنى مقطوعة) قيد بقطعها لان المقطوع لو كان هو الأصابع منها: فإن استطاع المشي قطعت يده، وإلا لا كما في البحر عن السراج، وقيد باليمنى لأنه لو كانت رجله اليسرى مقطوعة قطع. قال في كافي الحاكم: وإن كانت رجله اليسرى شلاء قطعت يده اليمنى اه. فلو يده اليمنى أيضا مقطوعة لم يقطع كما قدمناه أول الباب. قوله: (لم يقطع) أي لم يقطع يده اليمنى في جميع ما ذكر كما نص عليه في غاية البيان، خلافا لما يوهمه كلام العيني والنهر، حيث قالا: لا تقطع رجله اليسرى اه. وأجاب ابن الشلبي بأنه محمول على ما إذا سرق ثانيا، والحال أن رجله اليمنى مقطوعة فإنه حينئذ لا تقطع رجله اليسرى. قال: وهذا الحمل صحيح، لكنه بعيد مخالف لما يقتضيه سياق الكلام. قوله: (لأنه إهلاك) أي بتفويت جنس منفعة البطش أو المشي، لأنه إذا لم يكن له يد ورجل من طرف واحد لم يقدر على المشي أصلا، بخلاف ما إذا كان من طرفين فإنه حينئذ يضع العصا تحت إبطه. ابن كمال. قوله: (ولا يضمن) غير أن يؤدب. نهر: أي إن كان عمدا. بحر من الفتح: قوله: (ولو عمدا) هذا
278 عند الامام. وقالا: إنه يضم في العمد أرش اليسار. وقال زفر: يضمن مطلقا: أي في العمد والخطأ، والمراد بالخطإ هو الخطأ في الاجتهاد من القاطع في أن قطعها يجزى نظرا إلى إطلاق النص. أما الخطأ في معرفة اليمين من اليسار فلا يجعل عفوا لأنه يعيد بعيد يتهم به مدعيه: وقيل يجعل عفوا. قال في المصفى: هو الصحيح، والقياس ما قاله زفر. نهر. قوله: (في الصحيح) ظاهره أنه تصحيح لقول الامام في شموله العمد والخطأ، وهذا لم يذكره في النهر، وإنما الذي فيه تصحيح القول بجعل الخطأ عفوا على التفسير الثاني من تفسيري الخطأ كما سمعت من عبارة النهر، نعم ظاهر الرواية وغيرها اعتماد قول الإمام وهو ظاهر إطلاق المتون، فافهم. قوله: (إذا أمر بخلافه) أي بأن أمره الحاكم بقطع اليمين فقطع اليسرى، أما لو أطلق وقال أقطع يده ولم يعين اليمنى فلا ضمان على القاطع اتفاقا لعدم المخالفة، إذ اليد تطلق عليهما، وكذا لو أخرج السارق يده فقال هذا يميني لأنه قطعه بأمره. بحر. تنبيه: لم يبين المصنف أن هذا القطع وقع حدا أم لا، قيل نعم فلا ضمان على السارق لو استهلك العين، وقيل لا فيضمن في العمد والخطأ كما في البحر والنهر. قوله: (لأنه أتلف وأخلف الخ) أي فلا يعد إتلافا، كمن شهد على غيره يبيع ماله بمثل قيمته ثم رجع. هداية. إنما قلنا إنه أخلف لان اليمنى كانت على شرف الزوال فكانت كالفائتة فأخلفها إلى خلف استمرارها. بخلاف ما لو قطع رجله اليمنى: أي حيث يضمن، لأنه وإن امتنع به قطع يده لكن لم يعوضه من جنس ما أتلف عليه من المنفعة، لان منفعة البطش ليست من جنس منفعة المشي، وأما إن قطع رجله اليسرى فلانه لم يعوض عليه شيئا. فتح. قوله: (وكذا لو قطعه غير الحداد) أي بعد أمر القاضي الحداد، أما إذا صدر ذلك قبل الامر أصلا فهو ما ذكره بعد. ط. والحاصل أن القاضي إذا أمر الحداد بقطعه فقطع اليسرى الحداد أو غيره لا يضمن. قوله: (في الأصح) قال في الفتح: احتراز عما ذكر الأسبيجابي، في شرحه لمختصر الطحاوي حيث قال: هذا كله إذا قطع الحداد بأمر السلطان. ولو قطع يساره غيره، ففي العمد القصاص، وفي الخطأ الدية. قوله: (ولو قطعه أحد الخ) قال في شرح الطحاوي: من وجب عليه القطع في السرقة فلم يقطع حتى قطع قاطع يمينه، فهذا لا يخلو إما أن يكون قبل الخصومة أو بعدها، قبل القضاء أو بعده، فإن كان قبل الخصومة فعلى قاطعه القصاص في العمد، والأرش في الخطأ، وتقطع رجله اليسرى في السرقة، وإن كان بعد الخصومة قبل القضاء، فكذلك الجواب، إلا أنه لا تقطع رجله في السرقة لأنه لما خوصم كان الواجب في اليمنى وقد فاتت فسقط، وإن كان بعد القضاء فلا ضمان على القاطع وكان قطعه من السرقة حتى لا يجب الضمان على السارق فيما استهلك من مال السرقة
279 أو سرق هي في يده اه. ط عن حاشية الشلبي على الزيلعي. قال: فقول المصنف: وسقط القطع الخ تبع فيه شيخه في بحره وقد علمت ما فيه، إلا أن يحب على ما إذا كان القطع بعد الخصومة. قوله: (قصاصا) احترز به عن القطع للسرقة فإنه لا يقطع ثانيا لاتحاد الجنس ط: أي فيقع هذا القطع عن السرقتين السابقتين بخلاف ما إذا سرق بعد القطع كما مر. قوله: (قطعت رجله اليسرى) لأنها المحل وقت القطع اه. ح. قوله: (لا القطع على الظاهر) قال في البحر: وأشار الشمني إلى أنه لا بد من الطلبين، لكن في الكشف الكبير أن وجوب القطع حق الله تعالى على الخلوص ولذا لا يملك المسروق منه الخصومة بدعوى الحد وإثباته ولا يملك العفو بعد الوجوب ولا يورث عنه اه. فقد صرح بأنه لا يملك طلب القطع إلا أن يقال إنه لا يملكه مجردا عن طلب المال. والظاهر أن الشرط إنما هو طلب المال وتشترط حضرته عند القطع لا طلبه القطع إذ هو حقه تعالى فلا يتوقف على طلب العبد اه. وفي النهر: والظاهر ما جرى عليه الشارح الزيلعي وغيره من الاكتفاء بدعوى المال. قوله: (على المذهب) وروى عن أبي يوسف أنه في الاقرار لا تشترط المطالبة كما في الفتح. قوله: (لان الخصومة الخ) أفاد أن حد السرقة لا يثبت بدعوى الحسبة. تأمل. قوله: (قلت لكنه مخالف لما قدمه) أي في الباب السابق في قوله: وشرط للقطع حضور شاهديها وقته. قوله: (بما يفيد ترجيح الأول) أي ما تقدم من اشتراط الحضور، وفيه نظر، بل مفاده ترجيح ما هنا، فإن الذي حرره هو ما نقله عن كافي الحاكم من أن ما هنا هو قول الإمام الأخير فيكون الأول مرجوعا عنه، ولذا صحح ما هنا في شرح المنظومة الوهبانية كما حررناه فيما تقدم، فافهم. قوله: (وكل من له يد صحيحة ملك الخصومة) شمل المالك والأمين والضامن كالغاصب، فإنه يجب عليه حفظ المغصوب كالأمين فيملك الخصومة، لأنه لا يقدر على إسقاط الضمان عن نفسه إلا بذلك، كما أفاده في الفتح، وشمل ما إذا كان المالك حاضرا أو غائبا كما في النهر عن السراج. قوله: (ثم فرع عليه) الأولى ثم مثل له ط. قوله: (متول) أي متولي الوقف كما في الزيلعي والفتح، وعبر في البحر بمتولي المسجد، وهذا يرد ما بحثه في البحر في الباب السابق من أنه لا قطع بسرقة مال الوقف، وقدمنا الكلام فيه هناك. قوله: (وقابض على سوم الشراء) لأنه إن سمى الثمن كان مضموما عليه، وإلا كان
280 أمانة بمنزلة المودع، وعلى كل فيده صحيحة ومثل من ذكر كما في الفتح وغيره: المستعير والمستأجر والمضارب والمستبضع. قوله: (بأن باع درهما بدرهمين) الأحسن قول النهر: باع عشرة بعشرين وقبضها فسرقت اه. لتحقق النصاب الموجب للقطع اه. ح. قوله: (لأن الشراء فاسدا) أي الذي منه الربا بمنزلة المغصوب في أن كلا منهما مضمون على ذي اليد بالقيمة. قوله: (بخلاف معطي الربا) مخالف لقوله: ويقطع بطلب المالك لو سرق منهم. قوله: (لأنه بالتسليم لم يبق له ملك ولا يد) فيه نظر، لما في الأشباه من أن الربا لا يملك فيجب عليه رد عينه ما دام قائما، حتى لو أبرأه صاحبه لا يبرأ منه لان رد عينه القائمة حق الشرع اه. وبه علم أن صاحب الربا في عبارة المصنف والذي قبضه لم يملكه بل بقي على ملك المعطي، فصار المعطي مالكا والقابض ذا يد فتصح مطالبة كل منهما بمنزلة المغصوب، كما هو صريح عبارة المصنف الآتية تبعا للكنز، ولصاحب النهر هنا كلام غير محرر فراجعه وتدبر. قوله: (ولا قطع بسرقة اللقطة) هذا لم يصرح به في الخانية، وإنما يفهم منها كما بحثه في البحر. وعبارة الخانية رجل التقط لقطة فضاعت منه فوجدها في يد غيره فلا خصومة بينه وبين ذلك الرجل، بخلاف الوديعة، فإن في الوديعة يكون للمودع أن يأخذها من الثاني، لان لقطة الثاني كالأول في ولاية أخذ اللقطة، وليس الثاني كالأول في إثبات اليد على الوديعة اه، قال في البحر: فينبغي أن لا يقطع بطلب الملتقط كما لا يخفى اه. وتبعه أخوه في النهر، وكذا المقدسي. واعترضه السيد أبو السعود بأن نفي الخصومة بين الملتقط الأول والثاني لا يدل على أنه لا خصومة بين الملتقط والسارق منه. اه. قلت: أي لان الملتقط يده يد أمانة حتى لا يتمكن أحد من أخذها منه، ولو دفعها لآخر له أن يستردها منه، ولو ذكر أحد علامتها ولم يصدقه الملتقط أنها له لا يجبر على دفعها إليه، فلو لم تكن له يد صحيحة لم يكن له شئ من ذلك، وهذا يدل على أن له مخاصمة السارق منه، بخلاف ما إذا ضاعت منه فالتقطها غيره، فإن يد الأول زالت بإثبات يد مثل يده عليها، لان الثاني له ولاية أخذها فليس للأول بعد زوال يده مخاصمة الثاني. وأما الوديعة إذا ضاعت من المودع فإن له مخاصمة ملتقطها، إذ ليس له إثبات يد عليها كالمودع، ولعل وجه الفرق بين المودع والملتقط الأول، مع أن كلا منهما يده يد أمانة، إن يد المودع أقوى لأنها بإذن المالك فكانت يده يد المالك، بخلاف يد الملتقط، والله تعالى أعلم. قوله: (سرق منه) بالبناء للمجهول والجملة صفة لسارق، وقوله: بعد القطع أي قطع السارق الأول، وقوله: لم يقطع أي السارق الثاني، وقوله: لان يده أي يد السارق الأول. قوله: (كما يأتي آنفا) أي قريبا وهو بكسر النون، ويجوز في أوله المد والقصر،
281 وقرئ بهما كما في القاموس. قوله: (ويقطع بطلب المالك) شمل ما إذا حضر المسروق منه أو لم يحضر. وعن محمد أنه لا بد من حضوره، وظاهر الرواية الأول كما في النهر والزيلعي. قوله: (أي من الثلاثة) هم المودع والغاصب وصاحب الربا. زيلعي وغيره. ولا يخفى أن المراد بالمالك في مسألة الربا هو المعطي لأنه باق على ملكه، فهذا صريح في أنه يقطع السارق بطلبه خلافا لما قدمه عن الشمني، ومثل الثلاثة غيرهم ممن مر، كما في الفتح وغيره. قوله: (وكذا بطلب الراهن) أي إذا كانت العين قائمة وقد قضى الدين، أما إذا لم يقضه أو استهلك السارق العين فلا قطع بخصومته، لأنه قبل الايفاء لا حق له في المطالبة بالعين، وبالاستهلاك صار المرتهن مستوفيا لدينه. قال الزيلعي: وينبغي أن يقطع بخصومته فيما إذا زادت قيمة الراهن على دينه بما يبلغ نصابا، لان له المطالبة بما زاد كالوديعة، وارتضاه في الفتح، وهو المذكور في غاية البيان نهر: أي أن له مطالبة السارق بعد الهلاك بما زاد، كما عبر به الزيلعي، فليس المراد أن له مطالبة المرتهن، إذ ليس له ذلك. قوله: (لا بطلب المالك الخ) أي لا يقطع السارق الثاني بطلب الخ. قوله: (لو سرق) قيد لطلب المالك ولطلب السارق. قوله: (بعد القطع) أي قطع الأول. قوله: (لسقوط عصمته) أي المال لأنه لا ضمان على السارق بعد ما قطعت يمينه كما يذكره المصنف. قال في الفتح: وقال مالك والشافعي في قول: يقطع بخصومة المالك، لأنه سرق نصابا من حرز لا شبهة فيه. ولنا أن المال لما لم يجب على السارق ضمانه كان ساقط التقوم في حقه، وكذا في حق المالك لعدم وجوب الضمان له، فيد السارق الأول ليست يد ضمان ولا أمانة ولا ملك، فكان المسروق مالا غير معصوم، فلا قطع فيه اه. قوله: (أو بعد ما درئ بشبهه) كدعواه أنه ملكه ونحو ذلك كما يأتي. واعترض بأن هذا يغني عن قوله: قبل القطع وفيه أن المتبادر من قوله: قبل القطع كون القطع لازما له، وهذا ساقط عنه بشبهة، نعم يعلم حكم الساقط بالأولى، لكنه تابع الهداية لزيادة الايضاح، فافهم. قوله: (فإن له) أي للسارق الأول. قوله: (لان سقوط التقوم ضرورة القطع الخ) كذا في الهداية، وهو برفع ضرورة على أنه خبر أن أو بنصبه على أنه مفعول لأجله، والخبر محذوف: أي ثابت لضرورة القطع: أي أنه أمر ضروري للقطع: أي أنه يلزم من وجوب القطع سقوط التقوم لا ينفك عن القطع ولا يوجد بدونه، لأن عدم سقوطه ينافي وجوب القطع كما يأتي بيانه، هذا ما ظهر لي. وفي هذا التعليل إشارة إلى الرد على ما قاله الكرخي والطحاوي من إطلاق عدم القطع، سواء قطع الأول أو لا، كما قدمناه أول كتاب السرقة. قلت: ومفهوم هذا التعليل أن المراد بقوله: قبل القطع ما إذا لم يقطع الأول أصلا، ويدل عليه ما يأتي من أنه لا فرق في عدم الضمان بين هلاك العين واستهلاكها قبل القطع أو بعده، فإذا لم
282 تكن مضمونة بالاستهلاك قبل القطع: يعني ثم قطع تحقق سقوط التقوم. فعلم أن التقوم لا يسقط إلا إذا لم يوجد قطع أصلا. تأمل. قوله: (فصار كالغاصب) أي في أن له يدا صحيحة هي يد الضمان. قوله: (ثم بعد القطع الخ) أي قطع السارق الأول، والأولى ذلك هذا قبل قوله: بخلاف ما إذا سرق الخ. قوله: (روايتان) إحداهما له استرداد المسروق من السارق الثاني لحاجته إلى الرد الواجب عليه، والأخرى لا، لان يده ليست يد ضمان ولا أمانة ولا ملك. فتح. قوله: (واختار الكمال الخ) أي اختار أن القاضي يرده من يد الثاني إلى المالك إن كان حاضرا، وإلا حفظه له كما يحفظ أموال الغيب، ولا يرده إلى الأول ولا يبقيه مع الثاني لظهور خيانة كل منهما. قوله: (ورده قبل الخصومة) أي الدعوى والشهادة المترتبة عليها أو الاقرار، وقيد بالرد قبل الخصومة لأنه لو رده بعدها سواء قضى بالقطع أو لا فإنه يقطع. نهر. قوله: (ولو حكما كأصوله ولو في غير عياله) أي كوالده وجده ووالدته وجدته، لان لهؤلاء شبهة الملك فيثبت به شبهة الرد، بخلاف ما إذا رده إلى عيال أصوله، لأنه شبهة الشبهة، وهي غير معتبرة، ومن الرد الحكمي الرد إلى فروعه وكل ذي رحم محرم منه إن كانوا في عياله، والرد إلى مكاتبه وعبده. بحر، وكذا إلى زوجته وأجيره مشاهرة، وهو الذي يسمى غلامه أو مسانهة. فتح. وتمامه فيه. قوله: (أو ملكه بعد القضاء بالقطع) لان الامضاء من القضاء في الحدود أي فالملك الحادث في هذه الحالة كالملك الحادث قبل القضاء، لان القاضي لما لم يمض صار كأنه لم يقض، فلا يستوفي القطع كما قبل القضاء، وهذا لان القاضي لا يخرج عن عهدة القضاء في باب الحدود بمجرد قوله: قضيت بل بالاستيفاء جلدا أو رجما أو قطعا، فلا جرم كان الامضاء من القضاء، بخلاف حقوق العباد فإنه ثمة بمجرد قوله: قضيت يخرج عن عهدة القضاء، وإن السارق لو قطع بعد الملك قطع في ملك نفسه اه. ط عن الشلبي. قوله: (ولو بهبة مع قبض) هكذا وقع التقييد بالقبض في الهداية. ولقائل أن يقول: لا يشترط القبض لان الهبة تقطع الخصومة، لأنه ما كان يهب ليخاصم فليتأمل. شرنبلالية. قلت: وهو بحث مخالف للمنقول من أنه غير معقول فهو غير مقبول، وذلك أن الخصومة قد وجدت، لان الكلام فيما بعد القضاء بالقطع، لكنهم عدوا ملك المسروق بعد القضاء شبهة، والهبة بدون قبض لا تفيد الملك فلم توجد الشبهة، ولم يقل أحد باشتراط خصومة أخرى بعد القضاء بالقطع، بل طلبه القطع غير شرط على الظاهر كما مر، نعم يشترط حضوره عنده القطع كما تقدم، فافهم. قوله: (أو ادعى أنه ملكه) أي بعد ما ثبتت السرقة عليه بالبينة أو بالاقرار. بحر. قوله: (للشبهة) هي احتمال صدقه ولذا صح رجوعه بعد الاقرار. قوله: (أو نقصت قيمته) أي بعد القضاء، لان كمال النصاب لما كان شرطا يشترط قيامه عند الامضاء لما ذكرنا. قوله: (بنقصان السعر) أي لا بنقصان العين، لأن العين لو نقصت فإنه يقطع لأنه مضمون عليه فكمل النصاب عينا ودينا، كما إذا استهلكه كله، أما نقصان السعر فغير مضمون فافترقا. بحر. والمراد بنقصان العين فوات بعضها أو
283 حدوث عيب فيها، كما قدمناه أول كتاب السرقة. قوله: (في بلد الخصومة) أي وإن كان في البلد التي سرق فيها لم ينقص لما قدمه أول السرقة من أن المعتبر القيمة وقت السرقة ووقت القطع ومكانه. قوله: (أقرا بسرقة نصاب) أي أقر اثنان أنهما سرقا نصابا: أي جنسه، إذ لا بد أن يصيب كلا منهما نصاب كما قدمه المصنف. قوله: (لم يقطعا) أي المدعي والآخر لأنها سرقة واحدة فلا تكون موجبة للقطع وغير موجبة. قوله: (قطع المقر) أي وحده، لان إقراره على غيره لم يصح بتكذيبه فلم توجد الشركة في السرقة. قوله: (لان شبهة الشبهة لا تعتبر) قال الزيلعي: وكان أبو حنيفة أولا يقول لا يجب عليه القطع لان الغائب ربما يدعي الشبهة عند حضوره، ثم رجع وقال: يقطع لان سرقة الحاضر تثبت بالحجة فلا يعتبر الموهوم، لأنه لو حضر وادعى كان شبهة واحتمال الدعوى شبهة الشبهة فلا تعتبر اه. ح قوله: (ولو أقر عبد مكلف الخ) أما لو كان صغيرا لم يقطع، ويرد المال لو قائما وكان مأذونا، وإن هالكا يضمن، وإن كان محجورا وصدقه المولى برد المال إلى المسروق منه لو قائما، ولو هالكا فلا ضمان ولا بعد العتق. بحر. قوله: (قطع) لان إقرار العبد على نفسه وبالحدود والقصاص صحيح من حيث إنه آدمي لأنه لا تهمة فيه، وإذا صح بالقطع صح بالمال بناء عليه، ولا فرق بين كون العبد مأذونا أو لا، صدقه المولى أو لا، وتمامه في البحر. قوله: (لو قائمة) فلو مستهلكة فلا ضمان ويقطع اتفاقا. بحر. قوله: (كما لو قامت عليه بينة بذلك) أي فإنه يقطع بالطريق الأولى ويرد المال إلى المسروق منه. بحر. قوله: (ولا غرم على السارق) التعبير بالغرم يفيد أن المسروق غير باق فلو قائما يؤمر بالرد، فقول المصنف بعد ويرد العين تصريح بمفهوم قوله: ولا غرم ط. قوله: (وغيرها) كالهداية. قوله: (ورواه الكمال بعد قطع يمينه) عزاه إلى الدارقطني، لكن عزاه العلامة نوح إلى الدارقطني أيضا بلفظ المتن، والمعنى واحد فإن ما مصدرية، وأعل الحديث بالارسال وبجهالة بعض رواته، وجوابه مبسوط في الفتح وحاشية نوح على الدرر، واستدلوا بعد الحديث بالمعقول أيضا. قال في الفتح: ولان وجوب الضمان ينافي القطع لأنه يتملكه بأداء الضمان مستندا إلى وقت الاخذ، فتبين أنه أخذ ملكه فلا يقطع في ملكه لكن القطع ثابت قطعا، فما يؤدي إلى انتفائه وهو الضمان فهو المنتفي. قوله: (لبقائها على ملك مالكها) ولذا قال في الايضاح: قال أبو حنيفة /: لا يحل للسارق الانتفاع بها بوجه من الوجوه، وكذا لو خاطها قميصا لا يحل له الانتفاع به لأنه ملكه بوجه محظور، وقد تعذر إيجاب القضاء به فلا يحل الانتفاع، كمن دخل دار الحر أأدخل بأمن وأخذ شيئا من أموالهم لم يلزمه الرد قضاء ويلزمه ديانة،
284 وكالباغي إذا أتلف مال العادل ثم تاب. فتح. قوله: (في الظاهر من الرواية) وفي رواية الحسن: لا يظهر سقوط العصمة في حق الاستهلاك. قوله: (لكنه يفتى الخ) قال في الفتح: وفي المبسوط: روى هشام عن محمد أنه إنما يسقط الضمان عن السارق قضاء لتعذر الحكم بالمماثلة، فأما ديانة فيفتى بالضمان للحقوق والخسران والنقصان للمالك من جهة السارق. قوله: (قبل القطع) يعني ثم قطع، لان انتفاء الضمان إنما هو بسبب القطع كما علمت، وقدم الشارح أيضا أن سقوط التقوم ضرورة القطع. قوله: (أو بعده) لكن يفرق بينهما بما في الكافي لو كان قبل القطع، فإن قال المالك أنا أضمنه لم يقطع عندنا، وإن قال أنا أختار القطع يقطع ولا يضمن اه. قال في البحر: لأنه في الأولى تضمن رجوعه عن دعوى السرقة إلى دعوى المال. قوله: (فللمالك تضمينه) أي تضمين المشتري أو الموهوب له ثم يرجع المشتري على السارق بالثمن لا بالقيمة تتارخانية عن المحيط. وفيها عن شرح الطحاوي: لو قطع ثم استهلكه غيره كان للمسروق منه أن يضمنه قيمته اه. ومثله في النهر عن السراج. وظاهره أن غير المشتري والموهوب له مثلهما، لكن ذكر في التتارخانية أيضا: لو أودع عند غيره فهلك الأصل فيه أن كل موضع لو ضمنه المالك له أن يرجع على السارق فليس له أن يضمنه، وفي كل موضع لو ضمنه لا يرجع على السارق فله أن يضمنه، والذي يرجع عليه المودع والمستأجر والمرتهن اه. قلت: ووجهه ظاهر، لان يثبت فيه الرجوع على السارق يلزم منه أن يكون مضمونا على السارق بعد القطع من أنه غير مضمون عليه، بخلاف ما لا رجوع فيه عليه، لكن هذا التفصيل ظاهر في الهلاك، ولذا فرض المسألة فيما لو أودعه فهلك، بخلاف الاستهلاك فإن المستهلك متعد فلا رجوع له على السارق أصلا بلا فرق بين كونه مشتريا أو مودعا أو مستأجرا، نعم للمشتري الرجوع بالثمن على السارق لأنه لما استهلكه وضمن قيمته ملكه من وقت الاستهلاك فيرجع على السارق بما دفعه إليه من الثمن لا بالقيمة، لظهور أن ما دفعه إليه لا يملك قبضه فيرجع به لا بما ضمن، فاغتنم تحرير هذا المحل فإنه من فيض المولى عز وجل. قوله: (ولو قطع الخ) أي لو سرق سرقات فقطع في أحدها بخصومة صاحبها وحده فهو: أي ذلك القطع بجميعها، ولا يضمن شيئا لأرباب تلك السرقات عنده، وقالا: يضمن كلها إلا التي قطع فيها، فإن حضروا جميعا وقطعت يده بخصومتهم لا يضمن شيئا من السرقات بالاتفاق. فتح. قوله: (ثم أخرجه) فلو شقه بعد الاخراج قطع اتفاقا. نهر. وهو مفهوم بالأولى. قوله: (قطع) أي عندهما خلافا لأبي يوسف. ومحل الخلاف ما إذا شقه فاحشا وهو ما يفوت به بعض العين وبعض المنفعة على الأصح، واختار المالك تضمين النقصان وأخذ الثوب قطع عندهما خلافا له. أما إذا اختار تضمين القيمة وترك الثوب فلا قطع اتفاقا، أما اليسير وهو ما يتعيب به فقط فيقطع فيه اتفاقا. نهر. قوله: (فله تضمين القيمة) أي من غير خيار.
285 بحر: أي ليس له تضمين النقصان والقطع. قوله: (فيملكه) أي السارق، فصار كما إذا ملكه إياه لهبة بعد القضاء لا يقطع على ما تقدم. فتح. قوله: (وهل يضمن الخ) أي فيما إذا شقه نصفين ولم يكن إتلافا ح. قوله: (صحح الخبازي لا) أي لا يضمن كيلا يجتمع القطع مع الضمان. قوله: (وقال الكمال الحق نعم) حيث قال: والحق ما ذكر في عامة الكتب الأمهات أنه يقطع ويضمن النقصان، إلى أن قال: ووجوب ضمان النقصان لا يمنع القطع، لان ضمان النقصان وجب بإتلاف ما فات قبل الاخراج، والقطع بإخراج الباقي فلا يمنع، كما لو أخذ ثوبين وأحرق أحدهما في البيت وأخرج الآخر وقيمته نصاب. قوله: (ومتى اختار تضمين القيمة) أي فيما إذا كان الشق فاحشا، إذ لو كان يسيرا يقطع بالاتفاق كما قدمناه. قال في الهداية: إذ ليس له اختيار تضمين كل القيمة. قوله: (لما مر) أي قريبا من أنه يملكه مستندا إلى وقت الاخذ. قوله: (فذبحها فأخرجها) قيد بالاخراج بعد الذبح، لأنه لو أخرجها حية وقيمتها عشرة ثم ذبحها يقطع وإن انتقصت قيمتها بالذبح. ط عن الحموي. قوله: (من الحجرين) أي الذهب والفضة. قوله: (دراهم) مفعول فعل. قوله: (لتقوم الصنعة عندهما خلافا له) وأصل الخلاف في الغاصب هل يملك الدراهم والدنانير بهذه الصنعة أم لا، بناء على أنها متقومة أم لا، ثم وجوب القطع عنده لا يشكل لأنه لم يملكها على قوله. وأما على قولهما فقيل لا يجب القطع لأنه ملكها قبله، وقيل يجب لأنه صار بالصنعة شيئا آخر فلم يملك عينه، وعلى هذا الخلاف إذا اتخذه حليا أو آنية زيلعي. قوله: (فهي للسارق اتفاقا) لأن هذه الصنعة بدلت العين والاسم بدليل أنه تغير بها حكم الربا حيث خرجت عن كونها موزونة، بخلاف مسألة الذهب والفضة لبقاء الاسم مع بقاء العين كما كانت حكما، حتى لا يصح بيع آنية فضة وزنها عشرة بأحد عشر، كذا يفاد من الفتح. قوله: (فقطع) إنما قطع باعتبار سرقة الثوب الأبيض وهو لم يملكه أبيض بوجه ما والمملوك للسارق إنما هو المصبوغ، وكذا يقطع بالحنطة وإن ملك الدقيق. بحر. قوله: (لا رد) أي حال قيامه ولا ضمان: أي حال استهلاكه، وهذا عندهما. وقال محمد: يرد الثوب ويأخذ ما زاد الصبغ، لان عين ما له قائم من كل وجه. ولهما أن الصبغ قائم صورة ومعنى، بدليل أن المسروق منه لو أخذ الثوب يضمن الصبغ، وحق المالك قائم صورة لا معنى بدليل أنه غير مضمون على السارق. نهر. قوله: (خلافا لما في الاختيار) أي من أنه لو صبغه بعد القطع يرده، وهو مخالف لقول الهداية: فإن سرق ثوبا فقطع فصبغه أحمر لم يؤخذ منه، ولقول محمد سرق الثوب فقطع يده
286 وقد صبغ الثوب أحمر لم يؤخذ منه، فإنه دليل على أنه لا فرق بين أن يصبغه قبل القطع أو بعده. زيلعي. وتبعه في البحر والنهر. قلت: لكن قول محمد: وقد صبغه، جملة حالية، فمن أين يفيد كون الصبغ بعد القطع. ثم رأيت سعد جلبي اعترض الزيلعي بأن عبارة الهداية ليست كما نقله. اه. قلت: لان عبارة الهداية هكذا: فإن سرق ثوبا فصبغه أحمر ثم قطع الخ، فعبارة الهداية مساوية لعبارة المصنف والكنز. وقد ذكر الزيلعي أن ما في الكنز ذكر مثله في المحيط والكافي، ولا يخفى أن هذه العبارة تؤيد ما في الاختيار ولم يبق لدعوى الزيلعي دليل، فالاعتماد على ما قالوه لا على ما قاله، فتنبه. قوله: (خلافا للثاني) لان السواد زيادة عنده كالحمرة. وعند محمد زيادة أيضا كالحمرة، ولكنه لا يقطع حق المالك. وعند أبي حنيفة: السواد نقصان ولا يوجب انقطاع حق المالك، هداية. قوله: (وهو اختلاف زمان الخ) فإن الناس كانوا لا يلبسون السواد في زمنه ويلبسونه في زمنهما. فتح. قوله: (سرق في ولاية سلطان الخ) ذكره مع تعليله في الدرر. وقال في الشرنبلالية: ذكره في الفيض. وفي مختصر الظهيرية معزوا إلى الامام الاجل الشهيد. قوله: (إذ لا ولاية له الخ) أي في وقت السرقة، إذ لا شك أنهما في وقت الدعوى تحت يده، وهل كذلك بقية الحدود والقصاص أيضا؟ لم أره، والله سبحانه وتعالى أعلم. باب قطع الطريق أي قطع المارة عن الطريق فهو من الحذف والإيصال، أو المراد بالطريق المارة من إطلاق المحل على الحال أو الإضافة على معنى في: أي قطع في الطريق: أي منع الناس المرور فيه، أخره عن السرقة لأنه ليس سرقة مطلقة، لان المتبادر منها الاخذ خفية عن الناس، وأطلق عليها اسمها مجازا لضرب من الاخفاء وهو الاخفاء عن الامام ومن نصبهم لحفظ الطريق، ولذا لا يطلق عليه اسمها إلا مقيدة بالكبرى ولزوم التقييد من علامات المجاز كما في الفتح، وسميت كبرى لعظم ضررها لكونه على عامة المسلمين أو لعظم جزائها. قوله: (من قصده) أي قصد قطع الطريق، وعبر بمن ليفيد أنه لا يشترط كون القاطع جماعة فيشمل ما إذا كان واحدا له منعة بقوته ونجدته، كما في القهستاني والفتح، وشمل العبد، وكذا المرأة في ظاهر الرواية إلا أنها لا تصلب كما سيأتي. قوله: (ولو في المصر ليلا) أي بسلاح أو بدونه وكذا نهارا لو بسلاح كما سيأتي، هذا هو رواية عن أبي يوسف أفتى بها المشايخ دفعا لشر المتغلبة المفسدين، كما في القهستاني عن الاختيار وغيره،
287 ومثله في البحر. أما ظاهر الرواية فلا بد أن يكون في صحراء دارنا على مسافة السفر فصاعدا دون القرى والأمصار ولا ما بينهما، كما في القهستاني. وفي كافي الحاكم: وإن قطعوا الطريق في دار الحرب على تجار مستأمنين أو في دار الاسلام في موضع غلب عسكر الخوارج ثم أتى بهم الامام لم يمض الحدود عليهم. قوله: (وهو معصوم) أي بالعصمة المؤبدة وهو المسلم أو الذمي. قهستاني. والعصمة: الحفظ، والمراد عصمة دمه وماله بالاسلام أو عقد الذمة. وفي حاشية السيد أبو السعود: مفاده لو قطع الطريق مستأمن لا يحد، وبه صرح في شرح النقاية معللا بأنه لا يخاطب بالشرائع. وحكى في المحيط اختلاف المشايخ فيه. قوله: (فلو على المستأمنين فلا حد) لكن يلزمه التعزير والحبس باعتبار إخافة الطريق وإخفاؤه ذمة المسلمين. فتح. قال في الشرنبلالية: ويضمن المال لثبوت عصمة مال المستأمن حالا وإن لم يكن على التأييد، ومحل عدل الحد بالقطع على المستأمن فيما إذا كان منفردا، أما إذا كان مع القافلة فإنه يحد ولا يصير شبهة، بخلاف اختلاط ذي الرحم بالقافلة، كما في الفتح اه. قلت: لكن لو لم يقع القتل والاخذ إلا في المستأمن فلا حد، كما في الفتح أيضا. تنبيه: قد علم من شروط قطع الطريق كونه ممن له قوة ومنعة، وكونه في دار العدل، ولو في المصر ولو نهارا إن كان بسلاح، وكون كل من القاطع والمقطوع عليه معصوما، ومنها كما يعلم مما يأتي كون القطاع كلهم أجانب لأصحاب الأموال، وكونهم عقلاء بالغين ناطقين، وأن يصيب كلا منهم نصاب تام من المال المأخوذ، وأن يؤخذوا قبل التوبة. ثم اعلم أن القطع يثبت بالاقرار مرة واحدة. وعند أبي يوسف بمرتين، ويسقط الحد برجوعه لكن يؤخذ بالمال إن أقر به يثبت بشهادة اثنين بمعاينته أو بالاقرار به، فلو لأحدهما بالمعاينة والآخر بالاقرار لا تقبل، ولو قالا: قطعوا علينا وعلى أصحابنا، لا تقبل لأنهما شهدا لأنفسهما، ولو شهدا أنهم قطعوا على رجل من عرض الناس وله ولي يعر ف أو لا يعرف إلا بمحضر من الخصم، وتمامه في الفتح آخر الباب. قوله: (حبس) وما في الخانية من أنه يعزر ويخلى سبيله، خلاف المشهور، فتح، وأفاد أيضا أن الحبس في بلده لا في غيرها خلافا لمالك. قوله: (وهو المراد بالنفي في الآية) لأن النفي من جميع الأرض محال وإلى بلد أخرى فيه إيذاء أهلها فلم يبق إلا الحبس، والمحبوس يسمى منفيا من الأرض، لأنه لا ينتفع بطيبات الدنيا ولذاتها، ولا يجتمع بأقاربه وأحبابه. قال في الفتح: قال صالح بن عبد القدوس فيما ذكره الشريف في الغرر: خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها * فلسنا من الاحياء (1) فيها ولا الموتى إذا جاء السجان يوما لحاجة * عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا قوله: (وظاهر أن المراد الخ) أي وليس المراد ما قاله بعض السلف أن الامام مخير في هذه
(1) قوله: (فلسنا من الاحياء الخ) أنشده الزيلعي بلفظ * فلسنا من الأموات فيها ولا الأحياء * وهذا أحسن، وأنشده بعضهم * فلسنا من الموتى فيها ولا الاحياء * ولا يخفى انه غير موزون. 288 الا جزية الأربعة، إذ من المقطوع به أنها أجزية على جناية القطع المتفاوتة خفة وغلظا، ولا يجوز أن يترتب على أغلظها أخف الا جزية المذكورة، وعلى أخفها أغلظ الا جزية، لأنه مما يدفعه قواعد الشرع والعقل، فوجب القول بالتوزيع على أحوال الجنايات لأنها مقابلة بها فاقتضت الانقسام. فتقدير الآية أن يقتلوا: أن قتلوا، أو يصلبوا: أن قتلوا وأخذوا المال، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف: إن أخذوا المال، أو ينفوا، إن أخافوا، وتمامه في الفتح والزيلعي. قوله: (بعد التعزير) أي بالضرب، وإلا فالحبس تعزير أيضا كما مر في بابه. قوله: (أو يموت) عطف على يتوب. قوله: (وإن أخذ) أي القاطع أي جنسه السابق بالواحد والأكثر. قوله: (وأصاب منه كلا نصاب) أي أصاب كل واحد منهم نصاب السرقة الصغرى. قوله: (إن كان صحيح الأطراف) حتى لو كانت يسراه شلاء لم تقطع يمينه، وكذا لو كانت رجله اليسرى ولو كان مقطوع اليمنى لم تقطع له يد، وكذا الرجل اليسرى. نهر. ومفهومه أنه لو كانت يده اليمنى شلاء أو رجله اليسرى أو كلاهما قطع كما سبق في السرقة الصغرى من أن استيفاء الناقص عند تعذر الكامل جائز فالمراد بقوله: إن كان صحيح الأطراف غير المستحقة للقطع أو الجمع لما فوق الواحد، أو يراد بالصحيح ما يقابل المقطوع دون الأشل. أفاده السيد أبو السعود. قوله: (لئلا يفوت نفعه) علة لقوله: من خلاف ط. قوله: (فلذا لا يعفوه ولي) أي لكونه حدا خالص حق لله تعالى لا يسع فيه عفو غيره، فمن عفا عنه عصى الله تعالى. فتح. قال: وفي فتاوى قاضيخان: وإن قتل ولم يأخذ المال يقتل قصاصا، وهذا يخالف ما ذكرناه، إلا أن يكون معناه: إذا أمكنه أخذ المال فلم يأخذ شيئا ومال إلى القتل، فإنا سنذكر في نظيرها أنه يقتل قصاصا، خلافا لعيسى بن أبان اه. والمراد بما سيذكره ما يأتي أنه من الغرائب. قلت: لكن ما أول به عبارة الخانية بعيد، والأقرب تأويلها بأن المراد بقوله ولم يأخذ المال: أي النصاب، بل أخذ ما دونه وتصير المسألة حينئذ عين المسألة الآتي أنها من الغرائب. قوله: (ولا يشترط الخ) أي فيقتل القاتل والمعين، سواء قتل بسيف أو حجر أو عصا كما يأتي. قوله: (وبهذا الحل) هو قوله: بمخالفة أمره ح. قوله: (عن تقدير مضاف) أي في قوله تعالى * (يحاربون الله) * وتقدير المضاف: أولياء الله اه ح. قلت: والأحسن عباد الله ليشمل الذمي، كما نبه عليه في الفتح. والحاصل أنه لما كان المخالفة والعصيان سببا للمحاربة أطلقت المحاربة عليها من إطلاق السبب على المسبب. قوله: (خير الامام بين ستة أحوال) ترك السابع من الأقسام العقلية وهو ما إذا اقتصر على القطع، لأنه لا يجوز اه ح.
289 أقول: الأقسام العقلية عشرة: لأنه إما أن يقتصر على القطع، أو القتل أو الصلب، أو يفعل الثلاثة فهذه أربعة، أو يفعل اثنين منها القطع ثم القتل، أو عكسه والقطع، ثم الصلب أو عكسه، والقتل ثم الصلب أو عكسه، فهذه ستة مع الأربعة بعشرة، لكن القطع بعد القتل غير مفيد، كالزاني إذا مات في أثناء الجلد كما في الزيلعي، ومثله القطع بعد الصلب. قوله: (إن شاء قطع من خلاف ثم قتل) أي بلا صلب خلافا لمحمد أنه لا يقطع، ولما عن أبي يوسف أنه لا يترك الصلب. قوله: (ويصلب حيا) أي فيما إذا اختار الامام صلبه أو فيما إذا قلنا بلزومه على قول أبي يوسف، كذا في الفتح. أما فيما إذا اختار الجمع بين القتل والصلب، فلا بد أن يكون القتل سابقا، وإلا لم يبق فرق بين الجمع والاقتصار على الصلب. قوله: (في الأصح) وعن الطحاوي أنه يقتل ثم يصلب توقيا عن المثلة، ويأتي جوابه قريبا. قوله: (وكيفيته في الجوهرة) وهي أن تغرز خشبة في الأرض ثم يربط عليها خشبة أخرى عرضا فيضع قدميه عليها ويربط من أعلاها خشبة أخرى ويربط عليها يديه. قوله: (ويبعج بطنه برمح) كذا في الهداية وغيرها. وفي الجوهرة: ثم يطعن بالرمح ثديه الأيسر ويخضخض بطنه إلى أن يموت. وفى الاختيار: تحت ثديه الأيسر، ولا يرد أن في الصلب مثلة، وهي منسوخة منهي عنها لان الطعن بالرمح معتاد، فلا مثلة فيه، ولو سلم فالصلب مقطوع بشرعيته فتكون هذه المثلة الخاصة بمستثناة من المنسوخ قطعا. أفاده في الفتح. وفيه أيضا: ولا يصلى على قاطع الطريق كما علم من باب الشهيد. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية لئلا يتأذى الناس برائحته. قوله: (من أخذ مال) أي إن كان هالكا كما يفيده قوله: لا يضمن وذلك لسقوط عصمته بالقطع كما مر في السرقة الصغرى، أما لو كان المال باقيا يرده إلى مالكه كما في الملتقى. قوله: (وتجري الأحكام المذكورة) من حبس وتعزير، أو قطع فقط، أو تخيير. ط. قوله: (بمباشرة بعضهم) لأنه جزاء المحاربة وهي تتحقق بأن يكون البعض ردءا للبعض. هداية. قوله: (وحجر) مبتدأ خبره كسيف. قوله: (لهم) أي لقطاع الطريق احترازا عن غيرهم فإنه لا يقتل بالقتل بحجر وعصا، لكن القتل هنا ليس بطريق القصاص بل هو حد، وعن هذا قال في النهر: إن هذه الجملة كالتي قبلها معلومة من قوله قتل حدا، إلا أنه أراد زيادة الايضاح. قوله: (إن انضم إلى الجرح أخذ) لم يتقدم للجرح ذكر، فالأولى تعبير الكنز وغيره بقوله: وإن أخذ مالا وجرح قطع الخ. قوله: (وإن جرح فقط) جواب الشرط قوله الآتي فلا حد كما سينبه عليه الشارح، وهذا شروع في ست مسائل لا حد فيها، وحيث سقط الحد يؤاخذ بحقوق العباد من قصاص أو مال، كما يأتي. قوله: (ولم يأخذ نصابا) أي بأن لم يأخذ شيئا أصلا، أو أخذ ما دون النصاب، لأنه لما كان الاخذ الموجب للحد هو
290 النصاب كان ما دونه بمنزلة العدم كما في البحر، وتقدم أن الشرط أن يصيب كل واحد نصاب: أي إذا كانوا جماعة، ومثل ما دون النصاب الأشياء التي لا قطع فيها كالتافه، وما يتسارع إليه الفساد، كما نبه عليه الزيلعي. قوله: (ولو كان) مع هذا الاخذ أي أخذ ما دون النصاب المفهوم من قوله: ولم يأخذ نصابا فافهم. قوله: (لان المقصود هنا المال) أي أنه المقصود في قطع الطريق، وهذا جواب عن طعن عيسى بن أبان في المسألة أن القتل وحده يوجب الحد فكيف يمتنع مع الزيادة؟ قال الزيلعي: وجوابه أن قصدهم المال غالبا فينظر إليه لا غير، بخلاف ما إذا اقتصروا على القتل، لأنه تبين أن مقصدهم القتل دون المال فيحدون، فعدت هذه من الغرائب اه. قلت: وبيانه أن قطع الطريق سمي سرقة كبرى، لان مقصود القطاع غالبا أخذ المال، وأما القتل فإنما هو وسيلة إلى أخذ المال، لكن إذا أخافوا فقط أو قتلوا فقط رتب عليه الشرع حدا فيتبع لأنه تبين أنه المقصود دون المال. أما إذا وجد مع ذلك أخذ مال ظهر أن مقصودهم ما هو المقصود الأصل وهو المال فحينئذ ينظر إليه: فإن بلغ نصابا لكل منهم وجب الحد لوجود شرطه، وإلا فلا حد لعدمه، وحيث لا حد وجب موجب القتل من قصاص أو دية ووجب ضمان المال، فافهم. قوله: (أو قتل عمدا) قيد بالقتل ليعلم حكم أخذ المال بالأولى. بحر. قوله: (ومن تمام توبته رد المال الخ) أي لينقطع به خصومة صاحبه، ولو تاب ولم يرده لم يذكره في الكتاب. واختلفوا فيه فقيل: لا يسقط الحد كسائر الحدود، وقيل يسقط، أشار إليه محمد في الأصل، لان التوبة تسقط الحد في السرقة الكبرى بخصوصها للاستثناء في النص، فلا يصح قياسها على باقي الحدود مع معارضة النص. فتح. وظاهره ترجيح القول الثاني، فقول الشارح: فقيل لا حد فيه نظر لأنه يفيد ضعفه. والظاهر أن هذا الخلاف عند عدم التقادم لما في النهر عن السراج: لو قطع الطريق وأخذ المال ثم ترك ذلك وأقام في أهله زمانا ثم قدر عليه درئ عنه الحد، لأنه لا يستوفي مع تقادم العهد اه. قال في النهر: وبه علم أن مجرد الترك ليس توبة بل لا بد أن تظهر عليه سيماها التي لا تخفى. قوله: (أو كان منهم غير مكلف) أي صبي أو مجنون لأنها جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة، وأنه لا يثبت الحكم كالعامد والمخطئ إذا اشتركا في القتل حيث لا يجب القود. وعن أبي يوسف: يحد الباقون لو باشر العقلاء. زيلعي. قوله: (أو أخرس) أي خلافا لأبي يوسف. زيلعي. قوله: (أو كان ذو رحم محرم) كان تامة وذو فاعل، والمراد به أحد القطاع، وقوله: من أحد المارة متعلق بمحرم، والعلة فيه كما فيما قبله، وشمل ما إذا كان المال مشتركا بين المقطوع عليهم أو لا، لكن لم يأخذوا إلا من ذي الرحم المحرم، وما إذا أخذوا منه أو من غيره فلا يحدون في الأصح، كما في النهر وغيره. تنبيه: لو كان في القافلة مستأمن لا يمتنع الحد، مع أن القطع عليه وحده يمنعه كما قدمناه، والفرق كما في الفتح أن الامتناع في حق المستأمن إنما كان لخلل في عصمة نفسه وماله وهو أمر يخصه، أما هنا فهو لخلل في الحرز، والقافلة حرز واحد فيصير كأن القريب سرق مال القريب وغير
291 القريب من بيت القريب. قوله: (أو شريك مفاوض) أي ولو كان في المقطوع عليهم شريك مفاوض لبعض القطاع لا يحدون. فتح. ومقتضاه أن شريك العنان ليس كذلك، وينبغي أنه لو كان مال الشركة معه في القافلة أنهم لا يحدون لاختلال الحرز. تأمل. قوله: (أو قطع بعض المارة) أي القافلة وبه عبر في الكنز وهو أظهر، وإنما لم يقطع لان الحرز واحد وهو القافلة، فصار كسارق سرق متاع غيره وهو معه في دار واحدة. فتح. قوله: (وأقره المصنف) وكذا في الزيلعي والقهستاني عن الاختيار والفتح عن شرح الطحاوي. قوله: (وللولي القود الخ) أي في المسائل المذكورة. وحاصله أنه إذا لم يجب الحد لم يصيروا قطاعا فيضمنون ما فعلوا من قتل عمد أو شبهة عمد أو خطأ أو جراحة، ورد المال لو قائما، وقيمته لو هالكا أو مستهلكا، فتقييده بالقود يعلم منه حكم المال بالأولى، أو يراد بالأرش ما يشمل ضمان المال، والمراد بالولي: من له ولاية المطالبة فيشمل صاحب المال ويشمل المجروح أيضا في أولى المسائل المذكورة. وبه اندفع اعتراض البحر على الهداية بأن ذلك للمجروح لا لوليه، لأنه إن أفضى الجرح إلى القتل ينبغي أن يحجب الحد اه: أي لو مات بالجراحة يرجع إلى الحالة الثالثة، وهي ما لو قتل فقط فينبغي أن يحد، فلا يكون لوليه القود. قوله: (في ظاهر الرواية) كذا نص عليه في المبسوط وهو اختيار الطحاوي خلافا للكرخي من أن المرأة كالصبي، وهو ضعيف الوجه، مع مصادمته لاطلاق القرآن، فالعجب ممن عدل عن ظاهر الرواية كصاحب الدراية والتجنيس والفتاوى الكبرى وغيرهم، وتمامه في الفتح. قوله: (هو المختار) قال في الشرنبلالية: هذا غير ظاهر الرواية. قوله: (قتلن) أي قصاصا لا حدا بدليل قوله: وضمن المال وهذا بناء على أن المرأة لا تكون قاطعة طريق. قال في الشرنبلالية: هو كذلك مبني على خلاف ظاهر الرواية، كما في الفتح اه ح. قلت: فكان ينبغي للشارح عدم ذكر هذين الفرعين لمخالفتهما لما مشى عليه المصنف من ظاهر الرواية. قوله: (ويجوز أن يقاتل دون ماله) أي تحت ماله أو فوقه أو قدامه أو وراءه، فإن لفظ دون يأتي لمعان المناسب منها ما ذكرنا، وقال بعضهم: على ماله. قوله: (وإن لم يبلغ نصابا) أي نصاب السرقة وهو عشرة دراهم كما في منية المفتي. وفي التجنيس: دخل اللص دارا وأخرج المتاع فله أن يقاتله ما دام المتاع معه لقوله عليه الصلاة والسلام. قاتل دون مالك فإن رمى به ليس له أن يقتله لأنه لا يتناوله الحديث. وفي البزازية وغيرها: رجل قتله رب الدار، فإن برهن أنه كابره فدمه هدر، وإلا فإن لم يكن المقتول معروفا بالسرقة والشر قتل به قصاصا، وإن كان منهما تجب الدية في ماله استحسانا، لان دلالة الحال أورثت شبهة في القصاص لا في المال. وفي الفتح: أخذ
292 اللصوص متاع قوم فاستغاثوا بقوم فخرجوا في طلبهم، فإن كان أرباب المتاع معهم أو غابوا لكن يعرفون مكانهم ويقدرون على رد المتاع عليهم: حل لهم قتال اللصوص، وإن كانوا لا يعرفون مكانهم ولا يقدرون على الرد: لا يحل، وتمامه فيه. قوله: (بكسر النون) أي ككتف وتسكن للتخفيف، ومثله الحلف والحلف، وفعله من باب قتل. مصباح. قوله: (في المصر) وكذا في غيره كما في شرح الشلبي عن الجامع الصغير، فهو قيد اتفاقي، بل غير المصر يعلم بالأولى، وإنما قيد به لئلا يتوهم أنه لا يكون كذلك في المصر كما في قطع الطريق. قوله: (أي خنق مرارا) أراد مرتين فصاعدا بقرينة قوله الآتي: وإلا بأن خنق مرة وفي البحر: قيد بتعدده لأنه لو خنق مرة واحدة فلا قتل عند الامام. قوله: (سياسة) قدمنا الكلام عليها في حد الزنا. قوله: (وكل من كان كذلك) كاللوطي والساحر والعواني والزنديق والسارق كما قدمناه في أوائل باب التعزير. قوله: (عند غير أبي حنيفة) أي عند صاحبيه ومن وافقهما من باقي الأئمة، أما عند أبي حنيفة فتجب الدية على عاقلته كما في البحر، والله سبحانه أعلم. بسم الله وبحمده، والصلاة والسلام على نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه وجنده. وبعد: فيقول مؤلفه أفقر العباد إلى عفو مولاه يوم التناد، محمد أمين الشهير بابن عبدين، خادم العلوم الشرعية، في دمشق الشام المحمية قد نجز تسويد هذا النصف المبارك، بعون الله جل وتبارك، من الحاشية المسماة رد المحتار، على الدر المختار في صفر الخير سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف، من هجرة نبينا محمد الذي تم به الألف، (ص) وشرف وعظم، فجاء بحمد الله تعالى مكملا فرعا وأصلا، ردا للمحتار على الدر المختار اسما وفعلا، لاشتماله على تنقيح عبارته، وتوضيح رموزه وإشاراته، والاعتناء ببيان ما هو الصحيح المعتمد وما هو معترض ومنتقد، وتحرير المسائل المشكلة، والحوادث المعضلة، التي لم يوضح كثيرا منها أحد قبل ذلك، ولا سلك مهامه بيانها سالك، مشحونا بذخائر زبر المتقدمين، وخلاصة كتب المتأخرين، ورسائلهم المؤلفة في الحوادث الغريبة، الجامعة للفوائد العجيبة، كرسائل العلامة ابن نجيم الأربعين، ورسائل العلامة الشرنبلالي الستين، وكثير من رسائل العلامة على القاري خاتمة الراسخين، ورسائل سيدي عبد الغني النابلسي الحبر المتين، ورسائل العلامة قاسم خاتمة المجتهدين، وحواشي البحر والمنح والأشباه وجامع الفصولين للفهامة الشيخ خير الدين، وفتاويه الخيرية، وفتاوى ابن الشلبي والرحيمي، والشيخ إسماعيل، والفتاوى الزينية والتمرتاشية، والحامدية، وفتاوى غيرهم من المفتين، وتحويرات شيوخنا ومشايخهم المعتبرين، وما من به الله تعالى على عبده من الرسائل التي ناهزت الثلاثين، وما حررته ونقحته في كتابي تنقيح الفتاوى الحامدية الذي هو بهجة الناظرين، وغير ذلك من كتب السادة الأخيار المعتمدين، مع بيان ما وقع من سهو أو غلط في كتب الفتاوى وكتب الشارحين، ولا سيما ما وقع في البحر والنهر والمنح والأشباه والدرر وكتب المحشين، حتى صار بحمد الله تعالى عمدة المذهب، والطراز المذهب، ومرجع القضاة والمفتين، كما يعلمه من غاص بأفكاره في تياره من
293 العلماء العاملين، الخالين عن دار الحسد المضني للجسد الصادقين المنصفين. فدونك كتابا قد أعملت فيه الفكر، وألزمت فيه الجفن والسهر، وغرست فيه من فنون التحرير أفنانا، وفتقت فيه عن عيون المشكلا ت أجفانا، وأودعت فيه من كنوز الفوائد، عقود الدرر الفرائد، وبسطت فيه من أنفع المقاصد، أحسن الموائد، وجلوت فيه على منصة الانظار، عرائس أبكارها الأفكار، وكشفت فيه بتوضيح العبارات، قناع المخدرات، ولم أكتف بتلويح الإشارات، عن تنقيح كشف تحرير الخفيات، فهو يتيمة الدهر، وغنيمة أهل العصر، وما ذاك إلا بمحض إنعام المولى، الذي هو بكل حمد وشكر أحق وأولى، حيث أبرز هذه الجواهر المكنونة، والدرر الفرائد المصونة، في ميمون أيام خليفة الله في أرضه، القائم بواجب حقه وفرضه، رافع ألوية الشريعة البديعة ومؤيدها، وموطد أبنيتها المنيعة والرفيعة ومشيدها، المجاهد في سبيل الله حق جهاده، والقاطع لدابر الكافرين بحده واجتهاده، الذي ابتسمت ثغور البلاد ببارقات مرهفاته وبكت عيون ذوي العناد بقاهرات عزماته، وأبدع نظام كتائب الجيوش بآرائه السديدة، ورفع أفئدة الأكاسرة القياصرة بقوة بطشته الشديدة، يكاد سنا برق طلعته يذهب بالابصار، وغصن رأفته يميس لينا كميس الأغصان ذات الأزهار، وتكاد صواعق سطوته تزيح صم الجبال، ومواكب كتائب حوزته تفني عدد الرمال، من أنام الأنام في أيامه في ظل الأمان، ورعى الرعية في مراعي الرعاية والاحسان، وأنار بنوار رياض أمنه بلاد المسلمين، فضاء صدورهم بنور اليقين، وأزاح غيوم غمومهم بردع المشركين، فلاح فلاح قلوبهما لناظرين، راح وراح غفلاتهم بإيقاظ النائمين، فصاح ألسنتهم بالدعاء له كل حين: خليفة خلفت أنوار غرته شمس الضحى ونداه يخلف الديما سالت فواضله للمعتفي نعما * صالت نواضله للمعتدي نقما السلطان الأعظم، والخاقان الأفخم، تاج ملوك العرب والعجم، ظل الله في أرضه للأمم، محمود الذات، ممدوح الصفات، لا زالت دعائم سلطنته قائمة، وعيون الحوادث عنها نائمة، ولا برحت رياض عزته مخضرة بديم الديمومة والأبود، ورياحين ذريته، ريانة بطلاوة التأبيد والخلود، ولا زالت أعيان دولته من علمائه وقضاته ووزرائه، يزيل نبراس آرائهم دجى الجور بسناه وسنائه، ولا فتئت نجوم جنوده الساطعة في أفلاك سمائه، شهبا ثواقب على مردة أعدائه، آمين آمين آمين. وهذا، وقد نجز هذا السفر المسفر عن روض أريض مزهر، مقابلة وتصحيحا بحسب الامكان، سوى ما شد بعروض سهو أو نسيان، لا تخلو عنه جبلة الانسان، وذلك برسم من أمر باستكتابه، رغبة في نيل رضا مولاه وثوابه الامام الهمام، علي القدر والمقام، من امتطى الجوزاء بزمام، وصال في مواكب العز وحام، واشتهر اشتهار البدر في الظلام، قاضي قضاة الاسلام، منفذ القضايا والاحكام بالإتقان والاحكام، ذي الخيرات الحميدة، والمآثر الفريدة التي لا ترام، مولانا عبد الحليم أفندي كجه جي زادة القاضي سابقا بدمشق الشام، دام في عز وإنعام، ومجد واحترام، بجاه من هو للأنبياء ختام، وآله وصحبه السادة الكرام، عليه وعليهم الصلاة والسلام، في البدء والختام. كتبه أسير وصمة ذنبه، الراجي عفو ربه محمد أمين الشهير بابن عابدين، غفر الله تعالى له ولوالديه ولكل المسلمين، آمين، آمين، آمين.
294 كتاب الجهاد هذا الكتاب يعبر عنه بالسير والجهاد والمغازي، فالسير جمع سيرة وهي فعلة بكسر الفاء من السير، فتكون لبيان هيئة السير وحالته، إلا أنها غلبت في لسان الشرع على أمور المغازي وما يتعلق بها كالمناسك على أمور الحج، وقالوا: السير الكبير فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب كقولهم صلاة الظهر، وسير الكبير خطأ كجامع الصغير وجامع الكبير. بحر. مطلب في فضل الجهاد قلت: والسير الكبير والسير الصغير كتابان للإمام محمد بن الحسن رحمه الله تعالى على صيغة جمع سيرة لا على صيغة المفرد. هذا وفضل الجهاد عظيم، كيف وحاصله بذل أعز المحبوبات وهو النفس، وإدخال أعظم المشقات عليه تقربا بذلك إلى الله تعالى، وأشق منه قصر النفس على الطاعات على الدوام، ومجانبة هواها، ولذا قال (ص) وقد رجع من غزاة رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ويدل عليه أنه (ص) أخره في الفضيلة عن الصلاة على وقتها في حديث ابن مسعود: قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله، ولو استزدته لزادني رواه البخاري، وجاء تأخيره عن الايمان في حديث أبي هريرة المتفق عليه قال: سئل رسول الله (ص): أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور ويجب أن يعتبر كل من الصلاة والزكاة مرادة بلفظ الايمان من عموم المجاز. ولا ترد في أن المواظبة على أداء فرائض الصلاة في أوقاتها أفضل من الجهاد، لأنها فرض عين وتتكرر، ولان الجهاد ليس إلا للايمان وإقامة الصلاة، فكان حسنا لغيره والصلاة حسنة لعينها وهي المقصود منه، وتمام تحقية ذلك ما ورد في فضل الجهاد المذكور في الفتح. مطلب: المواظبة على فرائض الصلاة في أوقاتها أفضل من الجهاد قلت: وقد نص على ذلك الامام السرخسي في شرح السير الكبير حيث قال عن أبي قتادة: أن رسول الله (ص) قام يخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر الجهاد فلم يدع شيئا أفضل من الجهاد إلا الفرائض يريد به الفرائض التي تثبت فريضتها عينا وهي الأركان الخمسة، لان فرض العين آكد من فرض الكفاية، والثواب بحسب آكدية الفرضية، فلهذا استثنى الفرائض. مطلب في تكفير الشهادة مظالم العباد ثم ذكر أحاديث في أن الشهيد تكفر خطاياه، إلا الدين. وقال: إذا كان محتسبا صابرا مقبلا. قال وفيه بيان شدة الامر في مظالم العباد. وقيل كان هذا في الابتداء حين نهى (ص) عن الاستدانة لقلة ذات يدهم وعجزهم عن قضائه، ولهذا كان لا يصلي على مديون لم يخلف مالا، ثم نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا أو عيالا فهو علي وورد نظيره فيلا الحج أنه (ص) دعا لامته بعرفات، فاستجيب له إلا المظالم، ثم دعا بالمشعر الحرام فاستجيب له حتى المظالم، فنزل جبريل عليه السلام يخبره أنه تعالى يقضي عن بعضهم حق البعض فلا يبعد مثل ذلك في حق الشهيد المديون.
295 مطلب فيمن يريد الجهاد مع الغنيمة ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأل النبي (ص) فقال: رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يريد عرض الدنيا، فقال عليه الصلاة والسلام: لا أجر له الحديث. قال: ثم تأويله من وجهين: أحدهما: أن يرى أنه يريد الجهاد ومراده في الحقيقة المال، فهذا كان حال المنافقين ولا أجر له، أو يكون معظم مقصوده المال، وفي مثله قال عليه الصلاة والسلام للذي استؤجر على الجهاد بدينارين: إنما لك دينارك في الدنيا والآخرة وأما إذا كان معظم مقصوده الجهاد، ويرغب معه في الغنيمة فهو داخل في قوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (سورة البقرة: الآية 891) يعني التجارة في طريق الحج، فما أن لا يحرم ثواب الحج فكذا الجهاد. قوله: (لاتحاد المقصود) وهو إخلاء الأرض من الفساد. ح. قوله: (ووجهه الترقي) أي من الحدود إلى الجهاد. قوله: (غير خفي) لان الحدود إخلاء عن الفسق والجهاد إخلاء عن الكفر. ح. قوله: (مصدر جاهد) أي بذل وسعه وهذا عام يشمل المجاهد بكل أمر بمعروف، ونهي عن منكر. ح. قلت: فلم يذكر الشارح معناه لغة بل بين تصريفه. قوله: (وقتال من لم يقبله) أي قتاله مباشرة أو لا، فتعريف ابن كمال تفصيل لاجمال هذا. ح. قوله: (في القتال) أي في أسبابه وأنواعه من ضرب وهدم وحرق وقطع أشجار ونحو ذلك. قوله: (أو معاونة الخ) أي وإن لم يخرج معهم بدليل العطف. ط. قوله: (أو تكثير سواد) السواد العدد الكثير وسواد المسلمين جماعتهم. مصباح. قوله: (أو غير ذلك) كمداواة الجرحى وتهيئة المطاعم والمشارب. ط. مطلب في الرباط وفضله قوله: (ومن توابعه الرباط الخ) قال السرخسي في شرح السير الكبير: والمرابطة المذكورة في الحديث: عبارة عن المقام في ثغر العدو لإعزاز الدين ودفع شر المشركين عن المسلمين. وأصل الكلمة من ربط الخيل، قال الله تعالى: * (ومن رباط الخيل) * (سورة الأنفال: الآية 06) والمسلم يربط خيله حيث يسكن من الثغر ليرهب العدو به، وكذلك يفعله عدوه ولهذا سمي مرابطة اه. واشترط الامام مالك أن يكون غير الوطن، ونظر فيه الحافظ ابن حجر بأنه قد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدو، ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى الثغور. قوله: (هو المختار) لان مأذونه لو كان رابطا فكل المسلمين في بلادهم مرابطون. وتمامه في الفتح. قلت: لكن لو كان الثغر المقابل للعدو لا تحصل به كفاية الدفع إلا بثغر وراءه فهما رباط كما لا يخفى. قوله: (وصح الخ) هذا لم يذكره في الفتح حديثا واحدا، لأنه قال: والأحاديث في فضله كثيرة: منها ما في صحيح مسلم من حديث سلمان رضي الله عنه سمعت رسول الله (ص) يقول:
296 رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه أجري عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن الفتان زاد الطبران وبعث يوم القيامة شهيدا وروى الطبراني بسند ثقات في حديث مرفوع: من مات مرابطا أمن الفزع الأكبر ولفظ ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع وعن أبي أمامة عنه عليه الصلاة والسلام قال: إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة، ونفقته الدينار والدرهم منه أفضل من سبعمائة دينار ينفقه في غيره اه. قوله: (أجرى عليه عمله ورزقه) قال السرخسي وقوله: أجرى عليه عمله نمى له عمله، وذلك في كتاب الله تعالى: * (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) * (سورة النساء: الآية 001) وقال عليه الصلاة والسلام: من مات في طريق الحج كتب له حجة مبرورة في كل سنة فهذا هو المراد أيضا في كل من مات مرابطا، إنه يجعل بمنزلة المرابط إلى فناء الدنيا فيما يجري له من الثواب، لان نيته استدامة الرباط لو بقي حيا إلى فناء الدنيا، والثواب بحسب النية اه. قلت: ومقتضاه أن المراد بإجراء العلم دوام ثواب الرباط كما صرح به في حديث آخر ذكره السرخسي ومن قتل مجاهدا أو مات مرابطا فحرام على الأرض أن تأكل لحمه ودمه ولم يخرج من الدنيا، حتى يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وحتى يرى مقعده من الجنة وزوجته من الحور العين وحتى يشفع في سبعين من أهل بيته ويجري له أجرى الرباط إلى يوم القيامة وظاهره أن من مات مرابطا يكون حيا في قبره كالشهيد، وبه يظهر معنى إجراء رزقه عليه. مطلب في بيان من يجري عليهم الاجر بعد الموت] تنبيه: قال الشارح في شرحه على الملتقى: قد نظم شيخنا الشيخ عبد الباقي الحنبلي المحد ث ثلاثة عشر ممن يجري عليه الاجر بعد الموت على ما جاء في الأحاديث وأصلها للحافظ الأسيوطي رحمه الله تعالى، فقال: إذا مات ابن آدم جاء يجري * عليه الاجر عد ثلا ث عشر علوم بثها ودعاء نجل * وغرس النخل والصدقات تجري وراثة مصحف ورباط ثغر * وحفر البئر أو إجراء نهر وبيت للغريب بناه يأوي * إليه أو بناء محل ذكر وتعليم لقرآن كريم * شهيد للقتال لأجل بر كذا من سن صالحة ليقفى * فخذها من أحاديث بشعر مطلب المرابط لا يسأل في القبر كالشهيد قوله: (وأمن الفتان) ضبط أمن بفتح الهمزة وكسر الميم بلا واو، وأومن بضم الهمزة وبزيادة واو، وضبط الفتان بفتح الفاء: أي فتان القبر، وفي رواية أبي داود في سننه وأمن من فتان القبر وبضمها جمع فاتن. قال القرطبي: وتكون للجنس: أي كل ذي فتنة. قلت: أو المراد فتان القبر من إطلاق صفة الجمع على اثنين أو على أنهم أكثر من اثنين، فقد
297 ورد أن فتان القبر ثلاثة أو أربعة، وقد استدل غير واحد بهذا الحديث على أن المرابط لا يسأل في قبره كالشهيد علقمي على الجامع الصغير. قوله: (هو فرض كفاية) قال في الدر المنتقى: وليس بتطوع أصلا هو الصحيح، فيجب على الامام أن يبعث سرية إلى دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين، وعلى الرعية إعانته إلا إذا أخذ الخراج، فإن لم يبعث كان كل الاثم عليه، وهذا إذا غلب على ظنه أنه يكافئهم وإلا فلا يباح قتالهم، بخلاف الامر بالمعروف. قهستاني عن الزاهدي اه. قوله: (إذا حصل المقصود بالبعض) هذا القيد لا بد منه لئلا ينتقض بالنفير العام، فإنه معه مفروض لغيره مع أنه فرض عين لعدم حصول المقصود بالبعض. نهر. قلت: يعني أنه يكون فر ض عين على من يحصل به المقصود وهو دفع العدو، فمن كان بحذاء العدو إذا لم يمكنهم مدافعته يفترض عينا على من يليهم، وهكذا كما سيأتي، ولا يخفى أن هذا عند هجوم العدو أو عند خوف هجومه، وكلامنا في فريضته ابتداء، وهذا لا يمكن أن يكون فرض عين إلا إذا كان بالمسلمين قلة والعياذ بالله تعالى بحيث لا يمكن أن يقوم به بعضهم، فحينئذ يفترض على كل واحد منهم عينا. تأمل. قوله: (ولعله قدم الكفاية) أي الذي هو فرض كفاية على فرض العين، وهو الآتي في قوله: وفرض عين إن هجم العدو. قوله: (لكثرته) أي كثرة وقوعه. قوله: (وأما قوله تعالى الخ) جواب عما يرد على قوله: ابتداء وعلى عدم تقييده بغير الأشهر الحرم. ثم اعلم أن الامر بالقتال نزل مرتبا، فقد كان (ص) مأمورا أولا بالتبليغ، والاعراض، * (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) * (سورة الحجر: الآية 49) ثم بالمجادلة بالأحسن * (ادع إلى سبيل ربك) * (سورة النحل: الآية 521) الآية ثم أذن لهم بالقتال * (أذن للذين يقاتلون) * (سورة الحج: الآية 93) الآية، ثم أمروا بالقتال إن قاتلوهم * (فإن قاتلوكم فاقتلوهم) * (سورة البقرة: الآية 191) ثم أمروا به بشرط انسلاخ الأشهر الحرم * (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين) * (سورة التوبة: الآية 5) ثم أمروا به مطلقا * (وقاتلوا في سبيل الله) * (سورة البقرة: الآية 091) واستقر الامر على هذا. سرخسي ملخصا. يعني في جميع الأزمان والأماكن، سوى الحرم كما في القهستاني عن الكرماني. ثم نقل عن الخانية أن الأفضل أن لا يبتدأ به في الأشهر الحرم اه. والمراد بقوله: سوى الحرم إذا لم يدخلوا فيه للقتال، فلو دخلوه للقتال حل قتالهم فيه لقوله تعالى: * (حتى يقاتلوكم فيه) * (سورة البقرة: الآية 191) وتمامه في شرح السير. قوله: (إن قام به البعض) هذه الجملة وقعت موقع التفسير لفرض الكفاية. فتح. مطلب في الفرق بين فرض العين وفرض الكفاية وحاصله: أن فرض الكفاية ما يكفي فيه إقامة البعض عن الكل، لان المقصود حصوله في نفسه من مجموع المكلفين كتغسيل الميت وتكفينه ورد السلام، بخلاف فرض العين، لان المطلوب إقامته من كل عين: أي من كل ذات مكلفة بعينها، فلا يكفي فيه فعل البعض عن الباقين، ولذا كان أفضل كما مر، لان العناية به أكثر، ثم إن فر ض الكفاية إنما يجب على المسلمين العالمين به سواء كانوا كل المسلمين شرقا ومغربا أو بعضهم. قال القهستاني: وفيه رمز إلى أن فرض الكفاية على كل واحد من العالمين به بطريق البدل، وقيل: إنه فرض على بعض غير معين، والأول المختار لأنه
298 لو وجب على البعض لكان الآثم بعضا مبهما وذا غير مقبول، وإلى أنه قد يصير بحيث لا يجب على أحد، وبحيث يجب على بعض دون بعض، فإن ظن كل طائفة من المكلفين أن غيرهم قد فعلوا سقط الواجب عن الكل، وإن لزم منه أن لا يقوم به أحد، وإن ظن كل طائفة أن غيرهم لم يفعلوا وجب على الكل، وإن ظن البعض أن غيرهم أتى به وظن آخرون أن غيرهم ما أتى به وجب على الآخرين دون الأولين، وذلك لا الوجوب ها هنا منوط بظن المكلف، لان تحصيل العلم بفعل الغير وعدمه في أمثال ذلك في حيز التعسر، فالتكليف به يؤدي إلى الحرج. وتمامه في مناهج العقول، وإلى أنه لم يجب على الجاهل به، وما في حواشي الكشاف للفاضل التفتازاني: إنه يجب عليه أيضا فمخالف للمتداولات اه. قوله: (في زمن ما) مفهومه أنه إذا قام به البعض في أي زمن سقط عن الباقين مطلقا، وليس كذلك ط. لما تقدم من أنه يجب على الامام في كل سنة مرة أو مرتين وحينئذ فلا يكفي فعله في سنة عن سنة أخرى. قوله: (من المكلفين) أي العالمين به كما مر، ونظيره أنه لو مات واحد من جماعة مسافرين في مفازة، فإنما يجب تكفينه والصلاة عليه كفاية على باقي رفقائه العالمين به دون غيرهم. قوله: (وإياك الخ) كذا في شرح ابن كمال، ومثله في الحواشي السعدية. قوله: (بقيام أهل الروم مثلا) إذ لا يندفع بقتالهم الشر عن الهنود المسلمين. نهر عن الحواشي السعدية، ثم قال فيها: وقوله تعالى: * (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * (سورة التوبة: الآية 321) يدل على أن الوجوب على أهل كل قطر، ثم قال في موضع آخر. والآية تدل على أن الجهاد فرض على كل من يلي الكفار من المسلمين على الكفاية، فلا يسقط بقيام الروم عن أهل الهند، وأهل ما وراء النهر مثلا كما أشرنا إليه اه. قال في النهر: ويدل عليه ما في البدائع، ولا ينبغي للامام أن يخلي ثغرا من الثغور من جماعة من المسلمين فيهم غناء وكفاية لقتال العدو، فإن قاموا به سقط عن الباقين، وإن ضعف أهل ثغر عن مقاومة الكفرة وخيف عليهم من العدو، فعلى من وراءهم من المسلمين الأقرب فالأقرب أن ينفروا إليهم، وأن يمدوهم بالسلاح والكراع والمال لما ذكرنا: إنه فرض على الناس كلهم ممن هو من أهل الجهاد، ولكن سقط الفرض عنهم لحصول الكفاية بالبعض فما لم يحصل لا يسقط اه. قلت: وحاصله أن كل موضع خيف هجوم العدو منه فرض على الامام أو على أهل ذلك الموضع حفظه، وإن لم يقدروا فرض على الأقرب إليهم إعانتهم إلى حصول الكفاية بمقاومة العدو، ولا يخفى أن هذا غير مسألتنا وهي قتالنا لهم ابتداء، فتأمل. قوله: (بل يفرض على الأقرب فالأقرب الخ) أي يفرض عليهم عينا، وقد يقال كفاية بدليل أنه لو قام الابعد حصل المقصود فيسقط عن الأقرب، لكن هذا ذكره في الدرر فيما لو هجم العدو. وعبارة الدرر: وفرض عين إن هجموا على ثغر من ثغور الاسلام، فيصير فرض عين على من قرب منهم، وهم يقدرون على الجهاد. ونقل صاحب النهاية عن الذخيرة أن الجهاد إذا جاء النفير إنما يصير فرض عين على من يقرب من العدو، فأما من وراءهم يبعد من العدو فهو فرض كفاية عليهم، حتى يسعهم تركه إذا لم يحتج إليهم، فإن احتيج إليهم بأن عجز من كان يقرب من العدو عن المقاومة مع العدو أو لم
299 يعجزوا عنها، لكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا، فإنه يفترض على من يليهم فرض عين كالصلاة والصوم، لا يسعهم تركه ثم وثم إلى أن يفترض على جميع أهل الاسلام شرقا وغربا على هذا التدريج، ونظيره الصلاة على الميت، فإن من مات في ناحية من نواحي البلد فعلى جيرانه وأهل محلته أن يقوموا بأسبابه وليس على من كان يبعد من الميت أن يقوم بذلك، وإن كان الذي يبعد من الميت يعلم أن أهل محلته يضيعون حقوقه أو يعجزون عنه كان عليه أن يقوم بحقوقه، كذا هنا اه. مطلب: طاعة الوالدين فرض عين قوله: (لا يفرض على صبي) في الذخيرة للأب أن يأذن للمراهق بالقتال، وإن خاف عليه القتل. وقال السعدي: لا بد أنه لا يخاف عليه، فإن خاف قتله لم يأذن له. نهر. قوله: (وبالغ له أبوان) مفاده أنهما لا يأثمان في منعه، وإلا لكان له الخروج حتى يبطل عنهما الاثم، مع أنهما في سعة من منعه إذا كان يدخلهما من ذلك مشقة شديدة، وشمل الكافرين أيضا أو أحدهما إذا كره خروجه مخافة ومشقة، وإلا بل لكراهة قتال أهل دينه، فلا يطيعه ما لم يخف عليه الضيعة، إذ لو كان معسرا محتاجا إلى خدمته فرضت عليه ولو كافرا، وليس من الصواب ترك فرض عين ليتوصل إلى فرض كفاية، ولو مات أبواه فأذن له جده لأبيه وجدته لامه ولم يأذن له الآخران: أي أبو الأم وأم الأب فلا بأس بخروجه لقيام أب الأب وأم الام مقام الأب والام عند فقدهما، والآخران كباقي الأجانب إلا إذا عدم الأولان. فالمستحب: أن لا يخرج إلا بإذنهما، ولو لم أم أم وأم أب، فالاذن لام الام بدليل تقدمها في الحضانة، ولان الأخرى لا تقوم مقام الأب، ولو له أب وأم أ أأدخل لا ينبغي الخروج بلا إذنها لأنها كالأم لان حق الحضانة لها، وأما غير هؤلاء كالزوجة والأولاد والأخوات والأعمام فإنه يخرج بلا إذنهم، إلا إذا كانت نفقتهم واجبة عليهم وخاف عليهم الضيعة اه. ملخصا من شرح السير الكبير. قوله: (لان طاعتهما فرض عين) أي والجهاد لم يتعين فكان مراعاة فرض العين أولى، كما في التجنيس، وأخذ منه في البحر كراهة الخروج بلا إذنهما، واعترض على قول الفتح: إنه يحرم. قلت: وفيه نظر، فإن الأولى هنا بمعنى الأقوى والأرجح: أي إن الأقوى مراعاة فرض العين لقوته ورجحانه على فرض الكفاية، فحيث ثبت أنه فرض كان خلافه حراما، ولذا قال السرخسي: فعليه أن يقدم الأقوى، نعم قدمنا آنفا عنه في الجد والجدة الفاسدين أن المستحب أن لا يخرج إلا بإذنهما. قوله: (وقال عليه الصلاة والسلام الخ) دليل آخر على تقديم الوالدين، وقدمنا الحديث المتفق عليه وفيه تقديم برهما على الجهاد، وفي صحيح البخاري في الرجل الذي جاء يستأذن النبي (ص) في الجهاد قال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد وذكر بعضهم أن ذلك الرجل هو جاهمة بن عباس بن مرداس ثم رأيت في شرح سير الكبير قال: وذكر عن ابن عباس بن مرداس أنه قال: يا رسول الله إني أريد الجهاد، قال: ألك أم؟ قال: نعم، قال: الزم أمك الخ. قوله: (تحت رجل أمك) هو في معنى حديث الجنة تحت أقدام الأمهات ولعل المراد منه والله تعالى أعلم تقبيل رجلها، أو هو كناية عن التواضع لها وأطلقت الجنة على سبب دخولها. قوله: (فيه خطر) كالجهاد وسفر البحر والخطر بالخاء المعجمة والطاء المهملة المفتوحتين الاشراف على
300 الهلاك كما في ط عن القاموس. قوله: (ومالا خطر) كالسفر للتجارة والحج والعمرة يحل بلا إذن، إلا إن خيف عليهما الضيعة. سرخسي. قوله: (ومنه السفر في طلب العلم) لان أولى من التجارة إذا كان الطريق آمنا ولم يخف عليهما الضيعة. سرخسي. قوله: (ومفاده الخ) أي تعليل عدم وجوبه كفاية على العبد والمرأة بكونه حق المولى، والزوج: أي حق مخلوق فيقدم على حق الخالق، لاحتياج المخلوق واستغناء الخالق تعالى يفيد وجوبه كفاية على المرأة لو أمرها به الزوج لارتفاع المانع من حق الخالق تعالى، وكذا غير المزوجة لعدم المانع من أصله ومثله العبد لو أمره به مولاه لكن سكت عنه لظهور وجوبه كفاية على العبد بإذن مولاه، بخلاف المرأة ولو غير مزوجة، لأنها ليست من أهل القتال لضعف بنيتها، قال في الهداية في فصل قسمة الغنيمة: ولهذا: أي لعجزها عن الجهاد لم يلحقها فرضه، ولأنها عورة كما في القهستاني عن المحيط قال: فلا يخص المزوجة كما ظن به ظهر الفرق وهو أعدم، وجوبه على العبد لحق المولى، فإذا زال حقه بإذنه ثبت الوجوب، بخلاف المرأة فإنه ليس لحق الزوج بل لكونها ليست من أهله ولذا لم يجب على غير المزوجة. قوله: (وفي البحر الخ) مراد صاحب البحر مناقشة الفتح في دعواه الوجوب على المرأة لو أمرها الزوج، بناء على أن المراد وجوبه عليها بسبب أمره لها، وفيه أن مراده الوجوب بأمره تعالى لا بأمر الزوج، بل هو إذن وفك للحج كما أفاده ح. وقد علمت عدم وجوبه عليها أصلا، إلا إذا هجم العدو كما يأتي. قوله: (أي أعرج) نقله في الفتح عن ديوان الأدب، وهو المناسب لقوله: وأقطع وفي المغرب أنه الذي أقعده الداء عن الحركة، وعند الأطباء هو الزمن، وقيل المقعد المتشنج الأعضاء، والزمن: الذي طال مرضه اه. قوله: (وأقطع) هو المقطوع اليد، والجمع قطعان كأسود وسودان. صحاح. قوله: (لعجزهم) لقوله تعالى: * (ليس على الأعمى حرج) * (سورة النور: الآية 16) فإنها نزلت في أصحاب الاعذار. زيلعي. وفيه إشعار بأن من عجز عنه لسبب من الأسباب لم يفرض عليه كما أشير إليه في الاختيار. قهستاني. قوله: (ومديون بغير إذن غريمه) أي ولو لم يكن عنده وفاء، لأنه تعلق به حق الغريم تجنيس، فلو أذن له الدائن ولم يبرئه فالمستحب الإقامة لقضاء الدين لان البدء بالأوجب أولى، فإن خرج فلا بأس. ذخيرة. ولو الدائن غائبا فأوصى بقضاء دينه إن مات فلا بأس بالخروج لو له وفاء، وإلا فالأولى الإقامة لقضاء دينه. هندية. وكذا لو كان عنده وديعة ربها غائب فأوصى إلى رجل بدفعها إلى ربها فله الخروج. بحر عن التتارخانية. قوله: (لو بأمره) أي لأنه حينئذ يثبت له الرجوع بما يؤدي عنه، بخلاف ما إذا كفله لا بأمره، فإنه لا رجوع للكفيل عليه، فلا يحتاج إلى استئذانه بل يستأذن الدائن فقط. قوله: (ولو بالنفس) لان له عليه حقا بتسليم نفسه إليه إذا طلب منه، وقد صرحوا بأن للكفيل بالنفس منعه من السفر، وتمامه في النهر على خلاف ما بحثه في البحر. قوله: (فله الخروج) أي بلا إذن الكفيل لعدم توجه المطالبة بقضاء الدين لكن الأفضل الإقامة لقضائه. ذخيرة. قوله: (إن علم) أي بطريق الظاهر. ذخيرة.
301 قوله: (فليس له الغزو الخ) لما كان المتن صادقا بجواز خروجه، زاد قوله: فليس الخ ليفيد أنه لا يخرج ط. قلت: وظاهر التعليل بخوف ضياعهم جواز خروجه لو كان في البلدة من يساويه. تأمل. قوله: (وعمم في البزازية السفر) يعني أطلقه حيث قال: أراد السفر. قوله: (ولا يخفى أن المقيد) وهو منعه عن سفر الغزو ويفيد غيره بالأولى: أي يفيد منعه عن سفر غير الغزو بالأولى، لان الغزو فرض كفاية، فإذا منع منه يمنع من غيره سفر التجارة وحج النفل. وأما السفر لحج الفرض أو الغزو إذا هجم العدو، فهو غير مراد قطعا فلا حاجة إلى استثنائه، على أن في دعوى الأولوية نظرا لان منعه من السفر الغزو لما فيه من الخطر، ولا يلزم منه منعه مما لا خطر فيه كما مر في سفر الابن بلا إذن الأب فإنه يمنع عن سفره للجهاد للتجارة وطلب العلم لما قلنا. وأما ما في البزازية فقد يقال: إن المراد به السفر الطويل أو على قصد الرحيل، فإن فيه ضياعهم بخلاف غيره، فافهم. قوله: (وفرض عين) أي على من يقرب من العدو، فإن عجزوا أو تكاسلوا فعلى من يليهم، حتى يفترض على هذا التدريج على كل المسلمين شرقا وغربا كما مر في عبارة الدرر عن الذخيرة: قال في الفتح: وكان معناه إذا دام الحرب بقدر ما يصل الأبعدون ويبلغهم الخبر، وإلا فهو تكليف ما لا يطاق، بخلاف إنقاذ الأسير وجوبه على الكل متجه من أهل المشرق والمغرب ممن علم، ويجب أن لا يأثم من عزم على الخروج، وقعوده لعدم خروج الناس، وتكاسلهم أو قعود السلطان أو منعه اه. وفي البزازية: مسلمة سبيت بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها من الأسر ما لم تدخل دار الحرب. وفي الذخيرة: يجب على من لهم قوة اتباعهم لاخذ ما بأيديهم من النساء والعزراري وإن دخلوا دار الحرب ما لم يبلغوا حصونهم، ولهم أن لا يتبعوهم للمال. قوله: (إن هجم العدو) أي دخل بلدة بغتة، وهذه الحالة تسمى النفير العام. قال في الاختيار: والنفير العام أن يحتاج إلى جميع المسلمين. قوله: (فيخرج الكل) أي كل من ذكر من المرأة والعبد والمديون وغيرهم. قال السرخسي: وكذلك الغلمان الذين لم يبلغوا إذا أطاقوا القتال فلا بأس بأن يخرجوا ويقاتلوا في النفير العام وإن كره ذلك الآباء والأمهات. قوله: (المدنف) بالبناء للمجهول: أي الذي لازمه المرض. وفي ح عن جامع اللغة: الدنف: المرض الملازم، وفي المصباح: دنف دنفا من باب تعب فهو دنف: إذا لازمه المرض وأدنفه المرض، وأدنف هو يتعدى ولا يتعد اه. قوله: (وشرط لوجوبه القدرة على السلاح) أي وعلى القتال وملك الزاد والراحلة كما في قاضيخان وغيره. قهستاني. وقدمنا عنه اشتراط العلم أيضا. قوله: (لا أمن الطريق) أي من قطاع أو محاربين، فيخرجون إلى النفير، ويقاتلون بطريقهم أيضا حيث أمكن، وإلا سقط الوجوب لان الطاعة بحسب الطاقة. تأمل.
302 مطلب: إذا علم أنه يقتل يجوز له أن يقاتل بشرط أن ينكي فيهم، وإلا فلا، بخلاف الامر بالمعروف قوله: (لم يلزمه القتال) يشير إلى أنه لو قاتل حتى قتل جاز، لكن ذكر في شرح السير أنه لا بأس أن يحمل الرجل وحده وإن ظن أنه يقتل إذا كان يصنع شيئا بقتل أو بجرح أو بهزم فقد فعل ذلك جماعة من الصحابة بين يدي رسول الله (ص) يوم أحد ومدحهم على ذلك، فأما إذا علم أنه لا ينكي فيهم فإنه لا يحل له أن يحمل عليهم، لأنه لا يحصل بحملته شئ من إعزاز الدين، بخلاف نهي فسقة المسلمين عن منكر إذا علم أنهم لا يمتنعون بل يقتلونه، فإنه لا بأس بالاقدام، وإن رخص له السكوت لان المسلمين يعتقدون ما يأمرهم به فلا بد أن يكون فعله مؤثرا في باطنهم، بخلاف الكفار. قوله: (ويقبل خبر المستنفر) أي طالب النفر وهو الخروج للغزو. أفاده الشلبي، ويقبل خبر العبد فيه كما في شرح الملتقى ط. قوله: (لأنه خبر يشتهر في الحال) أي فلا يكون الوجوب مبنيا على خبر الفاسق فقط، أو المراد أن خوف الاشتهار قرينة على صدقه. تأمل. قوله: (وكره الجعل) بضم الجيم وهو ما يجعل للانسان في مقابلة شئ يفعله، والمراد هنا أن يكلف الامام الناس بأن يقوي بعضهم بعضا بالكراع أي الخيل والسلاح وغير ذلك من النفقة والزاد. نهر. وعلل الكراهة في الهداية بقوله: لأنه يشبه الاجر ولا ضرورة إليه، لان مال بيت المال معد لنوائب المسلمين اه. والثاني: يوجب ثبوت الكراهة على الامام فقط والأول يوجبها على الغازي، وعلى الإما كراهة تسببه في المكروه كما في الفتح، وظاهره أن الكراهة تحريمية لقول الفتح: إن حقيقة الاجر على الطاعة حرام فما يشبهه مكروه اه. قيل: إن هذا إنما يظهر على قول المتقدمين. قلت: لا يخفى فساده بل هو على قول الكل، لان المتأخرين إنما أجازوا الاجر على أشياء خاصة نصوا عليها من الطاعات وهي: التعليم والاذان والإمامة لا على كل طاعة، وإلا لشمل نحو الصوم والصلاة، ولا قائل به كما نبهنا عليه غيره مرة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في الإجارات، وأوضحناه في رسالتنا شفاء العليل وبل الغليل في أخذ الأجرة على الحتمات والتهاليل فافهم. قوله: (ومفاده الخ) أي مفاد تفسير الفئ بما ذكر من وجود شئ الخ، ونحوه في الذخيرة وغاية البيان، وقيد بقوله: هنا لان حقيقة الفئ كما في الفتح ما يؤخذ بغير قتال كالخراج والجزية. أما المأخوذ بقتال فيسمى غنيمة كما يأتي في الفصل الآتي، ولا تتقيد الكراهة بوجود الفئ فقط، وهو الحق كما في المنح والبحر. وقال لجواز الاستقراض من بقية الأنواع، ولذا لم يذكر الفئ في بعض المعتبرات، وإنما ذكر مال بيت المال اه. وسيأتي في آخر فصل الجزية بيان مصارف بيت المال، وتقدمت منظومة في باب العشر من كتاب الزكاة. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يوجد شئ في بيت المال لا يكره الجعل للضرورة. قوله: (لدفع الضرر الاعلى) وهو تعدي شر الكفار إلى المسلمين. فتح. قوله: (بالأدنى) وهو الجعل المذكور، فيلتزم الضرر الخاص لدفع الضرر العام. تنبيه: من قدر على الجهاد بنفسه وماله لزمه، ولا ينبغي له أخذ الجعل، ومن عجز عن
303 الخروج وله مال ينبغي أن يبعث غيره عنه بماله، وعكسه إن أعطاه الامام كفايته من بيت المال لا ينبغي له أن يأخذ من غير جعلا، وإذا قال القاعد للغازي: خذ هذا المال لتغزو به عني لا يجوز، لأنه استئجار على الجهاد بخلاف قوله: فاغز به، ومثله الحج، وللغازي أن يترك بعض الجعل لنفقة عياله، لأنه لا يتهيأ له الخروج إلا به، وتمامه في البحر. قوله: (دعوناهم إلى الاسلام) أي ندبا إن بلغتهم الدعوة، وإلا فوجوبا ما لم يتضمن ضررا كما يأتي. قوله: (فإن أسلموا) أي بالتلفظ بالشهادتين على تفصيل ذكره في البحر هنا، وسيذكره الشارح في آخر باب المرتد مع التبري عن دينه، لو كان كتابيا على ما سيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى، وقد يكون الاسلام بالفعل كالصلاة بالجماعة والحج، وتمامه في البحر. وتقدم ذلك منظوما في أول كتاب الصلاة وأشبعنا الكلام عليه ثمة. قوله: (فيها) أي فبالخصلة الكاملة أخذوا ونعمت الخصلة. قوله: (ولو محلا لها) بأن لم يكونوا مرتدين ولا من مشركي العرب كما يأتي بيانه في فصل الجزية. قال في النهر: وينبغي للامام أن يبين لهم مقدار الجزية ووقت وجوبها والتفاوت بين الغني والفقير في مقدارها. قوله: (فلهم مالنا من الانصاف الخ) أي المعاملة بالعدل والقسط. والانتصاف: الاخذ بالعدل. قال في المنح: والمراد أنه يجب لهم علينا ويجب لنا عليهم، لو تعرضنا لدمائهم وأموالهم أو تعرضوا لدمائنا وأموالنا ما يجب لبعضنا على بعض عند التعرض اه. وفي البحر: وسيأتي في البيوع استثناء عقدهم على الخمر والخنزير فإنه كعقدنا على العصير والشاة، وقدمنا أن الذمي مؤاخذ بالحدود والقصاص إلا حد الشرب، ومر في النكاح لو اعتقدوا جوازه بلا مهر أو شهود أو في عدة لتركهم وما يدينون، بخلاف الربا اه. قوله: (فخرج) أي بالتقييد بالإنصاف والانتصاف. مطلب في أن الكفار مخاطبون ندبا قوله: (إذ الكفار لا يخاطبون بها عندنا) الذي تحرر في المنار وشرحه لصاحب البحر أنهم مخاطبون بالايمان، وبالعقوبات سوى حد الشرب، والمعاملات. وأما العبادات فقال السمرقنديون: إنهم غير مخاطبين بها أداء واعتقادا. قال البخاريون: إنهم غير مخاطبين بها أداء فقط. وقال العراقيون: إنهم مخاطبون بهما فيعاقبون عليهما وهو المعتمد اه ح. قوله: (ويؤيده) أي يؤيد ما ذكر من التقييد بالأنصاف والانتصاف، أو يؤيد خروج العبادات. وحاصله: أن لهم حكمنا في العقوبات والمعاملات إلا ما استثنى دون الايمان والعبادات فلا نطالبهم بهما وإن عوقبوا عليهما في الآخرة. قوله: (ولا يحل لنا الخ) لان بالدعوة يعلمون أنا ما نقاتلهم على أموالهم وسبي عيالهم فربما يجيبون إلى المقصود بلا قتال، فلا بد من الاستعلام. فتح. فلو قاتلهم قبل الدعوة أثم للنهي، ولا غرامة لعدم العاصم وهو الدين أو الاحراز بالدار، فصار كقتل النسوان والصبيان. بحر. قوله: (من لا تبلغه) الأولى من لم ط. قوله: (بفتح الدال) قال في شرحه على الملتقى: الدعوة هنا بفتح الدال، وكذا في الدعوة إلى الطعام، وأما في النسب فبالكسر، كذا قاله الباقاني، لكن ذكره غيره أنها في دار الحرب بالضم. قوله: (وهو) أي الاسلام.
304 قوله: (لا ينبغي الخ) الظاهر أنه بمعنى لا يحل كما يأتي نظيره. قوله: (خلافا لما نقله المصنف) الأولى تقديمه على قوله: بقي الخ أي لا يحل في زماننا أيضا، خلافا لما نقله المصنف عن الينابيع من أن ذلك في ابتداء الاسلام، وأما الآن فقد فاض واشتهر، فيكون الامام مخيرا بين البعث إليهم وتركه له. قال في الفتح: ويجب أن المدار غلبة ظن أن هؤلاء لم تبلغهم الدعوة: قوله: (إلا إذا تضمن ذلك ضررا) ذكروا هذا الاستثناء في الاستحباب مع إمكانه في الوجوب أيضا ط. زاد في شرح الملتقى عن المحيط: أن يطمع فيهم ما يدعوهم إليه ط. قوله: (كأن يستعدون الخ) المناسب إسقاط النون لأنه منصوب بأن المصدرية. قوله: (بنصب المجانيق) أي على حصونهم، لأنه عليه الصلاة والسلام نصبها على الطائف. رواه الترمذي. نهر. وهو جمع منجنيق بفتح الميم عند الأكثر وإسكان النون الأولى وكسر الثانية، فارسية معربة، تذكر وتأنيثها أحسن، وهي آلة ترمى بها الحجارة الكبار. قلت: وقد تركت اليوم للاستغناء عنها بالمدافع الحادثة. قوله: (وحرقهم) أراد حرق دورهم وأمتعتهم، قاله العيني. والظاهر أن المراد حرق ذاتهم بالمجانيق، وإذا جازت محاربتهم بحرقهم فما لهم أولى. نهر. وقوله: بالمجانيق: أي برمي النار بها عليهم، لكن جواز التحريق والتغريق مقيد كما في شرح السير بما إذا لم يتمكنوا من الظفر بهم بدون ذلك، بلا مشقة عظيمة، فإن تمكنوا بدونها فلا يجوز، لان فيه إهلاك أطفالهم ونسائهم ومن عندهم من المسلمين. قوله: (إلا إذا غلب الخ) كذا قيد في الفتح إطلاق المتون، وتبعه في البحر والنهر، وعلله بأنه إفساد في غير محله الحاجة وما أبيح إلا لها، ولا يخفى حسنه لان المقصود كسر شوكتهم وإلحاق الغيظ بهم، فإذا غلب الظن بحصول ذلك بدون إتلاف وأنه يصير لنا لا نتلفه. قوله: (ونحوه) كرصاص، وقد استغنى به عن النبل في زماننا. قوله: (سئل ذلك النبي) كذا نقله في النهر عن أبي الليث: أي بأن نقول له هل نرمي أم لا، ونعمل بقوله، ولم يذكر ما إذا لم يمكن سؤاله. قوله: (وما أصيب منهم) أي إذا قصدنا الكفار بالرمي، وأصبنا أحدا من المسلمين الذين تترس الكفار بهم لا نضمنه، وذكر السرخسي أن القول للرامي بيمينه في أنه قصد الكفار لا لولي المسلم المقتول أنه تعمد قتله. قوله: (لان الفروض لا تقرن بالغرامات) أي كما لو مات المحدود بالجلد، أو القطع وأورد المضطر إلى أكل مال الغير فإنه مضمون، وأجاب عنه في الفتح بأن المذهب عندنا أنه لا يجب عليه أكله فلم يكن فرضا، فهو كالمباح يتقيد بشرط السلامة كالمرور في الطريق. قوله: (ولو أخرج واحد ما) أراد بالاخراج ما يعم الخروج وزاد لفظ ما للتعميم، فالمراد أي رجل كان لا بقيد
305 كونه مسلما أو ذميا في نفس الامر أو بتغليب الظن، ولذا قال محمد: ولو أخرج واحد من عرض الناس. قوله: (لجواز كون المخرج هو ذاك) فصار في كون المسلم في الباقي شك، بخلاف الحالة الأولى فإن كون المسلم والذمي فيهم معلوم بالفرض، فوقع الفرق. فتح. قلت: ونظير هذه المسألة ما لو تنجس بعض الثوب فغسل طرفا منه ولو بلا تحر فإنه يصح أن يصلي به إذا لم يبق متيقن النجاسة، وهذا يرد على قولهم: اليقين لا يزول بالشك، وقدمنا تحقيق المسألة في الطهارة عن شرح المنية. قوله: (ويحرم الاستخفاف به) زاد ذلك وإن استلزمه ما قبله، لان ذلك علة النهي، فإن إخراجه يؤدي إلى وقوعه في يد العدو، وفي ذلك تعريض لاستخفافهم به، وهو حرام، خلافا لقول الطحاوي: إن ذلك إنما كان عند قلة المصاحف كي لا تنقطع عن أيدي الناس، وأما اليوم فلا يكره. قوله: (وامرأة) أي وعن إخراج أمرة، فهو معطوف على ما. قوله: (هو الأصح) احتراز عن قول الطحاوي المذكور. قوله: (إلا في جيش) أقله عند الامام أربعمائة، وأقل السرية عنده مائة كما رأيته في الخانية، وكذا قال في الشرنبلالية نقلها عنها وعن العناية، خلافا لما في البحر عن الخانية من أن أقل السرية مائتان وتبعه في النهر. قال في الشرنبلالية: وما قاله ابن زياد من أن أقل السرية أربعمائة، وأقل الجيش أربعة آلاف قاله من تلقاء نفسه، نص عليه الشيخ أكمل الدين اه. وفي الفتح: ينبغي أن يكون العسكر العظيم اثني عشر الف لقوله عليه الصلاة والسلام: لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة. قلت: والتقييد بالقلة لأنها قد تغلب بسبب آخر كخيانة الامراء في زمانا. تتمة: في الخانية: لا ينبغي للمسلمين أن يفروا إذا كانوا اثني عشر ألفا، وإن كان العدو أكثر، وذكر الحديث. ثم قال: والحاصل أنه إذا غلب على ظنه أنه يغلب لا بأس بأن يفر ولا بأس للواحد إذا لم يكن معه سلاح أن يفر من اثنين لهما سلاح، وذكر قبله: ويكره للواحد القوي أن يفر من الكافرين والمائة من المائتين في قول محمد، ولا بأس أن يقر الواحد من الثلاثة والمائة من ثلاثمائة. قوله: (لكن الخ) قال في الفتح، ثم الأولى في إخراج النساء العجائز للطب والمداواة والسقي (1) دون الشواب، ولو احتيج إلى المباضعة فالأولى إخراج الإماء دون الحرائر. مطلب: لفظ ينبغي يستعمل في المندب وغيره عند المتقدمين قوله: (ونهينا عن غدر الخ) عدل عن قول الهداية وغيرها، وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا لان المشهور عند المتأخرين استعمال ينبغي بمعنى يندب ولا ينبغي بمعنى يكره تنزيها، وإن كان
(1) وفي السير الكبير: لا بأس لأهل الثغور باتخاذ النساء والذراري ان كانوا بحيث إذا نزل بهم العدو قدروا على دفعه أو على أن يخرجوهم إلى ارض الاسلام ا ه منه. 306 في عرف المتقدمين استعماله في أعم من ذلك وهو في القرآن كثير * (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) * (سورة الفرقان: الآية 81) قال في المصباح: وينبغي أن يكون كذا معناه يجب أو يندب بحسب ما فيه من الطلب اه. مطلب في بيان نسخ المثلة قوله: (عن غدر) أن نقض عهد وغلول بضم الغين: الخيانة من المغنم قبل قسمته، ومثله بضم الميم اسم مصدر مثل به من باب نصر: أي قطع أطرافه وشوه به، كذا في جامع اللغة ح. قوله: (أما قبله فلا بأس بها) قال الزيلعي: وهذا حسن، ونظيره الاحراق بالنار، وقيد جوازها قبله في الفتح بما إذا وقعت قتالا كمبارز ضرب فقطع أذنه ثم ضرب ففقأ عينه ثم ضرب فقطع يده وأنفه ونحو ذلك اه. وهو ظاهر في أنه لو تمكن من كافر حال قيام الحرب ليس له أن يمثل به، بل يقتله، ومقتضى ما في الاختيار أن له ذلك كيف وقد علل بأنها أبلغ في كبتهم وأضر بهم. نهر. تنبيه: ثبت في الصحيحين وغيرهما النهي عن المثلة، فإن كان متأخرا عن قصة العرنيين فالنسخ ظاهر وإن لم يدر فقد تعارض محرم ومبيح، فيقدم المحرم ويتضمن الحكم بنسخ الآخر، وأما من جنى على جماعة بأن قطع أنف رجل وأذني رجل ويدي آخر ورجلي آخر وفقأ عيني آخر فإنه يقتص منه لكل، لكن يستأنى بكل قصاص إلى برء ما قبله، فهذه مثلة ضمنا لا قصدا، وإنما يظهر أثر النهي والنسخ فيمن مثل بشخص حتى قتله، فمقتضى النسخ أن يقتل به ابتداء ولا يمثل به. فتح ملخصا. قوله: (وغير مكلف) كالصبي والمجنون. قوله: (وشيخ خر: فإن) أصل المتن وشيخ فان لكن زاد الشارح لفظة خر فيكون عطف خاص على عام. قال في الفتح: ثم المراد بالشيخ الفاني: الذي لا يقتل من لا يقدر على القتال، ولا الصياح عند التقاء الصفين ولا على الاحبال، لأنه يجئ منه الولد فيكثر محارب المسلمين. ذكره في الذخيرة. زاد الشيخ أبو بكر الرازي أنه إذا كان كامل العقل نقتله، ومثله نقتله إذا ارتد، والذي لا نقتله الشيخ الفاني الذي خرف وزال عن حدود العقلاء والمميزين، فهذا لا نقتله، ولا إذا ارتد اه. قلت: ومقتضى كلام الرازي أنه إذا كان كامل العقل يقتل وإن لم يقدر على القتال والصياح والاحبال ومقتضى ما في الذخيرة أنه إذا لم يقدر على ذلك لا يقتل، وإن كان كامل العقل، وهذا هو الموافق لما في شرح السير الكبير، وهذا الظاهر، لأنه إذا كان عاقلا لكنه لا يقدر على شئ مما ذكر يكون في معنى المرأة والراهب، بل أولى. فصار الحاصل: أن الشيخ الفاني إن كان خرفان زائل العقل لا يقتل، وإن كان له صياح ونسل لأنه في حكم المجنون، وإن كان عاقلا لا يقتل أيضا إن لم يقدر على القتال ونحوه، وبه تعلم ما في كلام الشارح من عدم الانتظام، وكان عليه أن يقول: وشيخ فان، لا صياح ولا نسل له، أو خرفان لا يعقل فلا يقتل، ولا إذا ارتد. والمراد بمن لا صياح له: من لا يحرض على القتال بصياحه عند التقاء الصفين. قوله: (ومقعد وزمن) وكذا من في معناهما كيابس الشق ومقطوع اليمنى أو من خلاف، لكن نظر فيه الشرنبلالية بأنه لا ينزل عن رتبة الشيخ القادر على الاحبال أو الصياح اه.
307 قلت: ومثله يقال في المرأة والصبي والأعمى. وقد يجاب بأنه يندفع ما يحذر منهم بإخراجهم إلى دارنا لما يأتي من أن لا يقتل يحمل إلى دارنا، سوى الشيخ الفاني عادم النفع بالكلية، وتمامه فيما علقناه على البحر. قوله: (وراهب الخ) قال في الفتح وفي السير الكبير، لا يقتل الراهب في صومعته، ولا أهل الكنائس الذين لا يخالطون الناس، فإن خالطوا قتلوا كالقسيس، والذي يجن ويفيق يقتل في حال إفاقته وإن لم يقاتل: قال في الجوهرة: وكان يجوز قتل الأخرس والأصم وأقطع اليد اليسرى أو إحدى الرجلين لأنه يمكنه أن يقاتل راكبا، وكذا المرأة إذا قاتلت. قوله: (إلا أن يكون الخ) قال في الفتح استثناء من حكم عدم القتل: ولا خلاف في هذا لاحد، وصح أمره عليه الصلاة والسلام بقتل دريد بن الصمة وكان عمره مائة وعشرين عاما أو أكثر وقد عمي لما جئ به في جيش هوازن للرأي، وكذا يقتل من قاتل من كل من قلنا: إنه لا يقتل كالمجنون والصبي والمرأة، إلا أن الصبي والمجنون يقتلان في حال قتالهما، أما غيرهما من النساء والرهبان وغيرهم فإنهم يقتلون إذا قاتلوا بعد الأسر، والمرأة الملكة تقتل وإن لم تقاتل، وكذا الصبي الملك، لان في قتل الملك كسر شوكتهم، وقيد في الجوهرة الصبي الملك بما إذا كان حاضرا. قوله: (في الحرب) متعلق برأي ومال على تأويل المال بالانفاق. قوله: (ثم لا يتركونهم الخ) أي ينبغي أن لا يتركوا من ذكر ممن لا يقتل، بل يحملونهم إلى دار الاسلام إذا كان بالمسلمين قوة على ذلك لما ذكر، ولئلا يولد لهم فيكون في تركهم عون على المسلمين، وكذلك الصبيان يبلغون فيقاتلون، وأما الشيخ الفاني الذي لا يقاتل ولا يلقح ولا رأي له: فإن شاءوا تركوه إذ لا نفع فيه للكفار، أو حملوه ليفادى به أسرى المسلمين على قول من يرى المفاداة، وعلى القول الآخر: لا فائدة في حمله، ومثله العجوز التي لا تلد. منح عن السراج ملخصا. والمعتمد القول بالمفاداة كما سيذكره في الباب الآتي، وكذلك الرهبان وأصحاب الصوامع إذا كانوا لا يتزوجون. بحر: أي ولا يخالطون، وبه وفق بعض المشايخ بين هذا ورواية أنهم يقتلون. إفادة القهستاني عن المحيط. قوله: (وسيجئ) أي في الباب الآتي. قوله: (وفيه فراغ قلبنا) أي باندفاع شره عنا لاشتهار قتله بذلك. قوله: (وقد حمل الخ) وكذا فعل عبد الله بن أنيس بسفيان بن عبد الله ومحمد بن مسلمة بكعب بن الأشرف، كما بسطه السرخسي وقال: عليه أكثر مشايخنا لو فيه غيظهم وفراغ قلبنا بأن يكون المقتول من قواد المشركين أو عظماء المبارزين اه. قوله: (وعبارة الخانية الخ) قال في النهر: ولم أر نبش قبور أهل الذمة ويجب أن يقال: إن تحقق ذلك ولم يكن له وارث إلا بيت المال جاز نبشه، ثم نقل ما في الخانية وقال: هذا يعم الذمي اه. لكن لا يخفى أن ما في الخانية ليس فيه التقييد بتحقق المال، بل الظاهر أن المراد
308 عند توهم ذلك لأنه عند التحقق يجوز النبش في المسلم لحق آدمي كسقوط متاع أو تكفين بثوب مغصوب أو دفن مال معه ولو درهما كما في جنائز البحر، فافهم قوله: (أن يبدأ أصله المشرك) لأنه يجب عليه إحياؤه بالانفاق فيناقضه الاطلاق في إفتائه. هداية. والأولى التعليل بأنه كان سبب إيجاده لما يأتي قريبا قيد بالبدء احترازا عما لو قصد الأصل قتله كما يأتي، وبالأصل احترازا عن الفرع المشرك وإن سفل، فللأب أن يبتدئ بقتله وكذا سائر القرابات كما في البحر والنهر، وعدل عن تعبير الكنز بالأب، لان أمه وأجداده وجداته من قبل الأب والام كالأب. قوله: (كما لا يبدأ قريبه الباغي) أشار إلى فائدة التقييد بالمشرك، وهي أنه لو كان المحارب باغيا لا يتقيد بكونه أصلا، بل يعم الأخ وغيره. قال في البحر: لأنه يجب عليه إحياؤه بالانفاق عليه لاتحاد الدين، فكذا بترك القتل اه. قلت: ومفاده تقييد القريب بالرحم المحرم، لأنه لا يجب عليه أن ينفق على غيره، لكن يراد أنه يجب عليه الانفاق على فرعه المشرك. ويجاب بأن ذاك في غير الحربي، لأنه لا يجب الانفاق على الأصول والفروع الحربيين كما مر في بابه، لكن يلزم منه أن يكون له بدء أصله بالقتل، وأن لا يصح التعليل المار عن الهداية بأنه يجب عليه إحياؤه بالانفاق كما أورده في الحواشي السعدية، فالأولى التعليل بما ذكره في شرح السير أن الأب كان سبب إيجاده فلا يكون سبب إعدامه بالقصد إلى قتله كما قدمناه. قوله: (بل يشغله) أي بالمحاربة بأن يعرقب فرسه، أو يطرحه عنها أو يلجئه إلى مكان ولا ينبغي أن ينصرف عنه ويتركه. نهر. قوله: (فإن فقد قتله) أي إذا لم يكن ثمة غيره قتله، كذا قاله في النهر، ولم أره لغيره. وعبارة الزيلعي: وإن لم يكن ثمة من يقتله لا يمكنه من الرجوع، حتى لا يعود حربا على المسلمين، ولكنه يلجئه إلى مكان يستمسك به حتى يجئ غيره فيقتله. قوله: (ولو قتله فهدر) أي باطل لا دية فيه ولا قصاص، نعم عليه التوبة والاستغفار كما في شرح الملتقى. قوله: (لجواز الدفع مطلقا) أي ولو كان الأب مسلما فإنه إذا أراد قتل ابنه ولا يتمكن من التخلص منه إلا بقتله كان له قتله لتعينه طريقا لدفع شره، فهنا أولى، ولو كانا في سفر وعطشا ومع الابن ماء يكفي لنجاة أحدهما كان للابن شربه ولو كان الأب يموت، وينبغي أنه لو سمع أباه المشرك يذكر الله تعالى أو رسوله بسوء أن يكون له قتله لما روي أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه حين سمعه يسب النبي (ص) وشرف وكرم، فلم ينكر النبي (ص) ذلك كذا في الفتح. قوله: (بمال منهم) ويصرف مصارف الخراج والجزية إن كان قبل النزول بساحتهم بل برسول أما إذا نزلنا بهم فهو غنيمة نخمسها ونقسم الباقي. نهر. قوله: (أو منا) أي بمال نعطيه لهم إن خاف الامام الهلاك على نفسه والمسلمين بأي طريق كان نهى. لقوله تعالى: * (وإن جنحوا للسلم) * (سورة الأنفال: الآية 16) أي ما لو قال في المصباح والسلم بالكسر والفتح: الصلح، يذكر ويؤنث، والآية مقيدة برؤية المصلحة إجماعا لقوله تعالى: * (ولا تهنوا (1) وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون) * (سورة محمد: الآية 53) أفاده في الفتح.
(1) قوله: (ولا تهنوا) التلاوة (فلا تهنوا) واما الآية التي فيها. ولا تهنوا. فهي آية أخرى ا ه مصححه. 309 قوله: (أن نعلمهم بنقض الصلح) أفاد شرطا زائدا على المتن، وهو إعلامهم به لان نبذ العهد نقضه، لكن لا يجوز قتالهم أيضا حتى يمضي عليهم زمان يتمكن فيه ملكهم من إنفاذ الخبر إلى أطراف مملكته، حتى لو كانوا خربوا حصونهم للأمان، وتفرقوا في البلاد فلا بد أن يعودوا إلى مأمنهم ويعمروا حصونهم كما كانت توقيا عن الغدر، وهذا لو نقض قبل مضي المدة، أما لو مضت فلا ينبذ إليهم، ولو كان الصلح بجعل فنقضه قبل المدة رد عليهم بحصته لأنه مقابل بالأمان في المدة فيرجعون بما لم يسلم لهم الأمان فيه. زيلعي. قوله: (لفعله عليه الصلاة والسلام بأهل مكة) تبع فيه الهداية، ورده الكمال حيث قال: وأما استدلالهم بأنه (ص) نقض الموادعة التي كانت بينه وبين أهل مكة، فالأليق جعله دليلا لقوله الآتي: (وإن بدءوا بخيانة قاتلهم)، ولم ينبذ إليهم إذا كان باتفاقهم، لأنهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه، وإنما قلنا هذا لأنه (ص) لم يبدأ أهل مكة، بل هم بدءوا بالغدر قبل مضي المدة فقاتلهم، ولم ينبذ إليهم بل سأل الله تعالى أن يعمي عليهم حتى يبغتهم، هذا هو المذكور لجميع أهل السير والمغازي، وتمامه في ح. قوله: (ولو بقتال) أي ولو كانت خيانة ملكهم بقتال أهل منعة بإذنه: أي لا فرق بين قتاله بنفسه أو بقتال بعض أتباعه بإذنه. قوله: (انتقض حقهم فقط) أي حق المقاتلين ذوي المنعة بلا إذن ملكهم. قال الزيلعي: فلا ينتقض في حق غيرهم. لان فعلهم لا يلزم غيرهم وإن لم يكن لهم منعة لم يكن نقضا للعهد اه: أي بأن قاتل واحد منهم مثلا ثم ترك القتال يبقى عهده. قوله: (بلا مال) أي بلا أخذه منهم لأنه في معنى الجزية: وهي لا تقبل منهم. نهر. ولم يذكر صلحهم على أخذهم المال منا، ولا شك في جوازه عند الضرورة كما في أهل الحرب، ولكن هل يلزم إعلامهم بنقض العهد قبل انقضاء مدته أم لا لكونهم يجبرون على الاسلام بخلاف أهل الحرب؟ فليراجع. قوله: (لأنه غير معصوم) لأنه يصير فيئا للمسلمين إذا ظهروا. فتح. قوله: (بعد وضع الحرب أوزارها) أي أثقالها، والمراد بعد انتهائها وإنما يرد عليهم، لأنه ليس فيئا، إلا أنه لا يرده حال الحرب لأنه إعانة لهم. فتح. قوله: (ولم نبع الخ) أراد به التمليك بوجه كالهبة. قهستاني. بل الظاهر أن الايجار والإعارة كذلك، أفاده الحموي، لان العلة منع ما فيه تقوية على قتالنا كما أفاده كلام المصنف. قوله: (يحرم) أي يكره كراهة تحريم. قهستاني. قوله: (كحديد) وكسلاح مما استعمل للحرب، ولو صغيرا كالإبرة، وكذا ما في حكمه من الحرير والديباج، فإن تمليكه مكروه لأنه يصنع منه الراية. قهستاني. قوله: (وعبيد) لأنهم يتوالدون عندهم فيعودون حربا علينا مسلما كان الرقيق أو كافرا. قوله: (ولا نحمله إليهم) أي لبيع ونحوه فلا بأس لتاجرنا أن يدخل دارهم بأمان ومعه سلاح لا يريد بيعه منهم إذا علم أنهم لا يتعرضون له، وإلا فيمنع عنه كما في المحيط. قهستاني. وفي كافي الحاكم: لو جاء الحربي بسيف
310 فاشترى مكانه قوسا أو رمحا أو فرسا لم يترك أن يخرج، وكذا لو استبدل بسيفه سيفا خيرا منه فإن كان مثله أو دونه لم يمنع، والمستأمن كالمسلم في ذلك إلا إذا خرج بشئ من ذلك فلا يمنع من الرجوع به اه. نهر. قوله: (ولو بعد صلح) تعميم للبيع والحمل. قال في البحر: لان الصلح على شرف الانقضاء أو النقض. قوله: (فجاز استحسانا) أي اتباعا للنص، لكن لا يخفى أن هذا إذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى الطعام فلو احتاجوه لم يجز. قوله: (ولا نقتل من أمنه الخ) أي إذا أمن رجل حر أو امرأة حرة كافرا أو جماعة أو أهل حصن أو مدينة: صح أمانهم، ولم يجز لاحد من المسلمين قتالهم، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: المسلمون تتكافأ دماؤهم أي لا تزيد دية الشريف على دية الوضيع ويسعى بذمتهم أدناهم أي أقلهم عددا وهو الواحد، وتمامه في الفتح: فهو مشتق من الأدنى الذي هو الأقل كقوله تعالى: * (ولا أدنى من ذلك ولا أكثر) * (سورة المجادلة: الآية 7) فهو تنصيص على صحة أمان الواحد، أو من الدنو وهو القرب كقوله تعالى: * (فكان قاب قوسين أو أدنى) * (سورة النجم: الآية 9) فهو دليل على صحة أمان المسلم في ثغر بقرب العدو، أو من الدناءة فهو تنصيص على صحة أمان الفاسق. أفاده السرخسي. بحث الأمان قوله: (أذن لهما في القتال) أي إذا كان الصبي والعبد مأذونين في القتال صح أمانهما في الأصح اتفاقا. قهستاني عن الهداية. خلافا لما نقله ابن الكمال عن الاختيار. در منتقى. قوله: (بعد معرفة المسلمين ذلك) أي كون ذلك اللفظ أمانا. قلت: والظاهر أن الشرط معرفة المتكلم به، وإذا ثبت الأمان به ثبت في حق غيره أيضا من المسلمين ولو لم يعرف معناه، فافهم. قوله: (فلا أمان لو كان بالبعد منهم) أشار إلى أن المراد السماع ولو حكما لما نقله ط عن الهندية: لو نادوهم من موضع يسمعون وعلم أنهم لم يسمعوا بأن كانوا نياما أو مشغولين بالحرب فذلك أمان. قوله: (كتعال) قال السرخسي: استدل عليه محمد بحديث عمر رضي الله تعالى عنه أيما رجل من المسلمين أشار إلى رجل من العدو أن تعال فإنك إن جئت قتلتك فأتاه فهو آمن وتأويله إذا لم يفهم أو لم يسمع قوله إن جئت قتلتك، أما لو علم وسمع فهو فئ. قوله: (إلى السماء) لان فيه بيان إني أعطيتك ذمة إله السماء سبحانه وتعالى أو أنت آمن بحقه. سرخسي. قوله: (ولو نادى المشرك) بالرفع على الفاعلية: أي لو طلب المشرك الأمان منا صح لو ممتنعا: أي في موضع يمنعه عن وصولنا إليه. قال في البحر: وإن كان في موضع ليس بممتنع وهو ماد سيفه أو رمحه فهو فئ اه. قلت: ومفاده أنه كان ممتنعا يصير آمنا بمجرد طلبه الأمان وإن لم نؤمنه، وليس كذلك، بل هذا إذا ترك منعته ولا وجاء إلينا طالبا، ففي شرح السير: ولو كان في منعة بحيث لا يسع المسلمون كلامه ولا يرونه فانحط إلينا وحده بلا سلاح، فلما كان بحيث نسمعه نادى بالأمان، فهو آمن،
311 بخلاف ما إذا أقبل سالا سيفه مادا برمحه نحونا فلما قرب استأمن فهو فئ، لان البناء على الظاهر فيما يتعذر الوقوف على حقيقته جائز، ولو في إباحة الدم كما لو دخل بيته إنسان ليلا، ولم يدر أنه سارق أو هارب، فلو عليه سيما اللصوص له قتله، وإلا فلا ثم. قال: والحاصل أن من فارق المنعة عند الاستئمان فإنه يكون آمنا عادة، والعادة تجعل حكما إذا لم يوجد التصريح بخلافه، ولو وجدنا حربيا في دارنا فقال: دخلت بأمان لم يصدق، وكذا لو قال: أنا رسول الملك إلى الخليفة، إلا إذا أخرج كتابا يشبه أن يكون كتاب ملكهم، وإن احتمل أنه مفتعل، لان الرسول آمن كما جرى به الرسم جاهلية وإسلاما، ولا يجد مسلمين في دارهم ليشهدا له، فلو لم يصحبه دليل ولا كتاب فأخذه مسلم فهو فئ لجماعة المسلمين عند أبي حنيفة، كمن وجد في عسكرنا في دار الحرب فأخذه واحد، لكنه هناك يخمس رواية واحدة، وهنا فيه روايتان، وعند محمد: هو فئ لمن أخذه كالصيد والحشيش. وفي إيجاب الخمس فيه روايتان عن محمد أيضا اه. ملخص. قوله: (وصح طلبه الخ) هذا غلط، وعبارة البحر: لو طلب الأمان لأهله لا يكون هو آمنا، بخلاف ما إذا طلب لذراريه فإن يدخل تحت الأمان اه. فإنها صريحة في أنه يصح طلب الأمان لأهله وذراريه جميعا في غير أنه لا يدخل في الأول، ويدخل في الثاني اه ح. قلت: وظاهره أن الكلام فيما لو قال آمنوا أهلي أو قال آمنوا ذراري فيدخل الطالب في الثاني دون الأول، ووجه الفرق خفي، أما لو قال أمنوني على أهلي أو على ذراري أو على متاعي، أو قال أمنوني على عشرة من أهل الحصن دخل هو أيضا، لأنه ذكر نفسه بضمير الكناية وشرط ما ذكره معه، لان على للشرط لما نص على ذلك السرخسي مع فروع أخر ذكرت بعضها ملخصة فيما علقته على البحر. مطلب: لو قال على أولادي ففي دخول أولاد البنات روايتان قوله: (ويدخل في الأولاد أولاد الأبناء الخ) أي لو قال أمنوني على أولادي دخل فيه أولاده لصلبه، وأولادهم من قبل الذكور دون أولاد البنات، لأنهم ليسوا بأولاده، هكذا ذكر محمد ها هنا. وذكر الخصاف عن محمد أنهم يدخلون لقوله عليه الصلاة والسلام حين أخذ الحسن والحسين أولادنا أكبادنا. ووجه الرواية الأولى: أن هذا مجاز بدليل قوله تعالى: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * (سورة الأحزاب: الآية 04) أو هو خاص بأولاد فاطمة، كما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: كل الأولاد ينتمون إلى آبائهم، إلا أولاد فاطمة فإنهم ينسبون إلي، أنا أبوهم لكنه حديث شاذ، وهو مخالف لما تلونا. مطلب: لو قال على أولاد أولادي يدخل أولاد البنات ولو قال على أولاد أولادي دخل أولاد البنات، لان اسم ولد الولد حقيقة لمن ولده ولدك، وابنتك ولدك، فما ولدته ابنتك يكون ولد ولدك حقيقة، بخلاف الأول، لان ولدك من حيث الحكم من ينسب إليك، وذلك أولاد الابن دون أولاد البنت. سرخسي. وذكر في الذخيرة أن فيه روايتين أيضا، وسيأتي تمام تحقيق ذلك في الوقف إن شاء الله تعالى. مطلب في دخول أولاد البنات في الذرية روايتان تنبيه: سكت الشارح عن دخول أولاد البنات في الذراري في البحر: أن فيه روايتين أيضا،
312 وكذا قال السرخسي، وذكر وجه رواية عدم الدخول أن أولاد البنات من ذرية آبائهم لا من ذرية قوم الام، ووجه رواية الدخول أن الذرية اسم للفرع المتولد من الأصل، والأبوان أصلان للولد، ومعنى الأصلية والتولد في جانب الام أرجح، لان الولد يتولد منها بواسطة ماء الفحل، ثم ذكر فيه حكاية (1). قوله: (ولو غار عليهم) أي على من أمنهم بعض العسكر الأول. قوله: (وعلى الواطئ المهر) أي مهر المثل ط. قوله: (والولد حر) أي من غير قيمة وهو مسلم أيضا تبعا لأبيه، كما في البحر. قوله: (يعني بعد ثلاث حيض) وفي زمان الاعتداد يوضعن على يد عدل، والعدل امرأة عجوز ثقة لا الرجل. بحر. قوله: (وينقض الامام الأمان) ويعلمهم بذلك كما مر. قوله: (قهستاني). قوله: (يؤدب) أي لو علم أنه منهي شرعا، وإلا فجهله عذر في دفع العقوبة عنه. قهستاني. قوله: (إلا إذا أمره به مسلم) بأن قال له أمنهم فقال الذمي: قد أمنتكم أو أن فلانا المسلم أمنكم فيصح في الوجهين: أما لو قال له المسلم: قل لهم إن فلانا أمنكم فيصح في الوجه الثاني، لأنه أدى الرسالة على وجهها، دون الأول، لأنه خالف لأنه إنشاء عقد منه وهو لا يملكه، بخلاف قول المسلم له أمنهم، لان الذمي صار مالكا للأمان بهذا الامر، فيكون فيه بمنزلة مسلم آخر، وتمامه في شرح السرخسي. وصرح أيضا بأنه يصح سواء كان الآمر أمير العسكر أو رجلا غيره من المسلمين، لان أمان الذمي إنما لا يصح لتهمة ميله إليهم، وتزول التهمة إذا أمره مسلم به، بخلاف ما لو أمره بالقتال إذ لا يتعين به معنى الخيرية في الأمان اه. وبه ظهر أن ما في الزيلعي وغيره من تقييد الآمر بكونه أمير العسكر قيد اتفاقي لأنه الأغلب، فافهم. قوله: (وأسير وتاجر) لأنهما مقهوران تحت أيديهم فلا يخافون، والأمان يختص بمحل الخوف. بحر. ثم نقل في البحر عن الذخيرة: أنه لا يصح أمانه في حق باقي المسلمين حتى كان لهم أن يغيروا عليهم، أما في حقه فصحيح، ويصير كالداخل فيهم بأمان فلا يأخذ شيئا من أموالهم بلا رضاهم: وكذا معنى عدم صحة أمان العبد المحجور: أي في حق غيره، أما في حق نفسه فصحيح بلا خلاف اه. قلت: والظاهر أن التاجر المستأمن كذلك. تنبيه: ذكر في شرح السير: لو أمنهم الأسير ثم جاء بهم ليلا إلى عسكرنا فهم فئ، لكن لا تقتل رجالهم استحسانا، لأنهم جاؤوا للاستئمان لا للقتال كالمحصور إذا جاء تاركا للقتال، بأن ألقى السلاح وناد بالأمان فإنه يأمن القتل. قوله: (محجورين عن القتال) فلو مأذونين فيه صح في الأصح
(1) قوله ثم ذكر فيه حكاية حيث قال وفيه حكاية يحيى بن يعمر فان الحجاج أمر به ذات يوم فادخل عليه وهم بقتله فقال له: لنقر ان على آية من كتاب الله تعالى نصا على العلوية من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم أو لأقتلنك ولا أريد قوله تعالى: (ندع أبناءنا وأبناءكم) فتلا قوله تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان) إلى أن قال (وزكريا ويحيى وعيسى) ثم قال: فعيسى من ذرية نوح من قبل الأب أو من قبل الام، فبهت الحجاج ورده بجميل ا ه منه. 313 اتفاقا، كما قدمنا. قوله: (وفي الخانية الخ) عبارتها: حربي له عبد كافر فأسلم العبد، ثم خدم مولاه، كانت الخدمة أمانا اه. وفيه أن تعليلهم عد جواز أمان الأسير والتاجر، بأنهما مقهوران تحت أيديهم يقتضي عدم صحة هذا الفرع، فتأمل اه ح. قلت: يتعين حمل قوله: كانت الخدمة أمانا، على معنى كونه أمانا في حق العبد نفسه، لا في حق باقي المسلمين، نظير ما قدمناه عن الذخيرة في الأسير والعبد، المحجور، ويدل عليه تعبير الخانية بالحربي: أي في دار الحر أأدخل من غير ذكر خروج ولا قتال، إذ المسألة ذكرها في الخانية في فصل إعتاق الحربي العبد المسلم، فافهم، والله أعلم. باب المغنم وقسمته لما ذكر القتال وما يسقطه شرع في بيان ما يحصل به. قوله: (والفئ ما نيل منهم بعد) أي بعد الحر أأدخل هذا لا يشمل هدية أهل الحرب بلا تقدم قتال. مطلب: بيان معنى الغنيمة والفئ قال في الهندية: الغنيمة اسم لما يؤخذ من أموال الكفرة بقوة الغزاة وقهر الكفرة، والفئ: ما أخذه منهم من غير قتال كالخراج والجزية. وفي الغنيمة الخمس دون الفئ، وما يؤخذ منهم هدية أو سرقة أو خلسة أو هبة، فليس بغنيمة، وهو للآخذ خاصة. قلت: لكن في شرح السير الكبير: لو وادع الامام قوما من أهل الحرب سنة على مال دفعوه إليه جاز لو خيرا للمسلمين، ثم هذا المال ليس بفئ ولا غنيمة حتى لا يخمس، ولكنه كالخراج يوضع في بيت المال، لان الغنيمة اسم لمال مصاب بإيجاف الخيل والركاب، والفئ اسم لما يرجع من أموالهم إلى أيدينا بطريق القهر، وهذا رجع إلينا بطريق المراضاة، فيكون كالجزية، والخراج يوضع في بيت المال اه. ومقتضاه أن ما أخذ بالقتال والحرب غنيمة، وما أخذ بعده مما وضع عليهم قهرا كالجزية والخراج: فئ، وما أخذ منهم بلا حرب ولا قهر كالهدية والصلح فهو: لا غنيمة ولا فئ، وحكمه حكم الفئ لا يخمس ويوضع في بيت المال، فتأمل. قوله: (إذا فتح الامام بلدة صلحا) ويعتبر في صلحه الماء الخراجي والعشري، فإن كان ماؤهم خراجيا صالحهم على الخراج، وإلا فعلى العشر. أفاده القهستاني ط. قوله: (وكذا من بعده) فلا يغيره أحد، لأنه بمنزلة نقض العهد ط. قوله: (أي قهرا) كذا في الهداية: واتفق الشارحون على أن هذا ليس تفسيرا له لغة، لأنها من عنا يعنو عنوة: ذل وخضع، لكن نقل في البحر عن قوله: (القاموس) أن العنوة: القهر. واعترضه في النهر بأن صاحب القاموس: لا يميز بين الحقيقي والمجازي، بل يذكر المعاني جملة: أي يذكر المعاني الاصطلاحية مع اللغوية بلا تمييز.
314 قلت: لكن نقل صاحب النهر في أول باب العشر والخراج عن الفارابي، أنه من الأضداد، يطلق على الطاعة والقهر، وكذا في المصباح: عنا يعنو عنوة: إذا أخذ الشئ قهرا، وكذا إذا أخذه صلحا فهو من الأضداد، وفتحت مكة عنوة: أي قهرا اه. قوله: (قسمها بين الجيش) أي مع رؤوس أهلها استرقاقا وأموالهم بعد إخراج خمسها لجهاته. فتح. قوله: (أو أقر أهلها عليها) أي من عليهم برقابهم وأرضهم وأموالهم، ووضع الجزية على الرؤوس، والخراج على أراضيهم من غير نظر إلى الماء الذي تسقى به: أهو ماء العشر كماء السماء والعيون والأودية والآبار، أو ماء الخراج كالأنهار التي شقتها الأعاجم، لأنه ابتداء التوظيف على الكافر، وأما المن عليهم برقابهم وأرضهم فمكروه، إلا أن يدفع إليهم من المال ما يتمكنون به من إقامة العمل والنفقة على أنفسهم وعلى الأراضي إلى أن يخرج الغلال، وإلا فهو تكليف بما لا يطاق، وأما المن عليهم برقابهم مع المال دون الأرض، أو برقابهم فقط، فلا يجوز لأنه إضرار بالمسلمين بردهم حربا علينا. فتح. قوله: (والأول أولى) عبارة الاختيار قالوا: والأول أولى، وعبر في الفتح والبحر بقيل. قوله: (ووضع عليهم الخراج) أي على أرضهم. قوله: (وضع العشر لا غير) لأنه ابتداء وضع على المسلمين. منح. تنبيه: للشرنبلالي رسالة سماها (الدرة اليتيمة في الغنيمة) حاصلها: أن تخيير الامام بين ما ذكر مخالف لاجماع الصحابة على ما فعله عمر من عدم قسمة الأراضي بين الغانمين، وعدم أخذ الخمس منها كما نقله علماؤنا وأقروه. قلت: وقد يجاب بأن ما فعله عمر إنما فعله لأنه كان هو الأصلح إذ ذاك كما يعلم من القصة، لا لكونه هو اللازم، كيف وقد قسم (ص) خيبر بين الغانمين، فعلم أن الامام مخير في فعل ما هو الأصلح فيفعله. قوله: (وقتل الأسارى) بضم الهمزة وفتحها. قاموس. والسماع الضم لا غير، كما ذكره الرضي وغيره من المحققين: أي قتل الذين يأخذهم المقاتلين، سواء كانوا من العرب أو العجم فلا تقتل النساء ولا الذراري بل يسترقون لمنفعة المسلمين. قهستاني. قوله: (إن لم يسلموا) فلو أسلموا تعين الأسر. قوله: (أو استرقهم) وإسلامه لا يمنع استرقاقهم، ما لم يكن قبل الاخذ، كذا في الملتقى وشرحه. قوله: (ذمة لنا) أي حقا واجبا لنا عليهم من الجزية والخراج، فإن الذمة الحق والعهد والأمان، ويسمى أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم، كما قال ابن الأثير، وقد ظن أن المعنى ليكونوا أهل ذمة لنا. قهستاني. قوله: (إلا مشركي العرب والمرتدين) فإنهم لا يسترقون ولا يكونون ذمة لنا، بل إما الاسلام أو السيف. قوله: (كما سيجئ) أي في فصل الجزية. قوله: (قلنا نسخ الخ) أي بآية: * (اقتلوا المشركين) * (سورة التوبة: الآية 5) من سورة براءة فإنها آخر سورة نزلت. فتح.
315 وأما ما روي أنه عليه الصلاة والسلام من على أبي عزة الجمحي يوم بدر فقد كان قبل النسخ، ولذا لما أسره يوم أحد قتله. وذكر محمد جوابا آخر، وهو أنه كان من مشركي العرب، ولا يؤسرون، فليس في المن عليه إبطال حق ثابت للمسلمين، ونحن نقول به فيهم وفي المرتدين، وإن رأى الامام النظر للمسلمين في المن على بعض الأسارى، فلا بأس أيضا، لأنه عليه الصلاة والسلام من على ثمامة بن أثال الحنفي بشرط أن يقطع الميرة عن أهل مكة، ففعل ذلك حتى قحطوا. شرح ا لسير ملخصا. وقد نقل في الفتح أن قول مالك وأحمد كقولنا، ثم أيد مذهب الشافعي بما مر من قصة الجمحي ونحوها، وقد علمت جوابه. قوله: (وحرم فداؤهم الخ) أي إطلاق أسيرهم بأخذ بدل منهم: إما مال، أو أسير مسلم، فالأول لا يجوز في المشهور، ولا بأس به عند الحاجة على ما في السير الكبير. وقال محمد: لا بأس به لو بحيث لا يرجى منه النسل كالشيخ الفاني كما في الاختيار. وأما الثاني فلا يجوز عنده، ويجوز عندهما، والأول الصحيح كما في الزاد، لكن في المحيط أنه يجوز في ظاهر الرواية، وتمامه في القهستاني. وذكر الزيلعي أيضا عن السير الكبير: أن الجواز أظهر الروايتين عن أبي حنيفة، وذكر في الفتح أنه قولهما وقول الأئمة الثلاثة، وأنه ثبت عن رسول الله (ص) في صحيح مسلم وغيره: أنه فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين، وفدى بامرأة ناسا من المسلمين كانوا أسروا بمكة. قلت: وعلى هذا فقول المتون حرم فداؤهم مقيد بالفداء بالمال عند عدم الحاجة، أما الفداء بالمال عند الحاجة أو بأسرى المسلمين فهو جائز، قوله: (بعد تمام الحرب الخ) عبارة الدرر وصدر الشريعة: وأما الفداء فقبل الفراغ من الحرب جاز بالمال لا بالأسير المسلم، وبعده لا يجوز بالمال عند علمائنا، ولا بالنفس عند الامام، وعند محمد: يجوز، وعن أبي يوسف روايتان، وعند الشافعي: يجوز مطلقا اه. قلت: وهذا التفصيل خلاف الظاهر من كلامهم كما علمت، ولذا قال ابن كمال بعد ذكره نحو ما نقلناه عنهم: وهذا البيان ظاهر في عدم الفرق بين أن يكون ذلك قبل وضع الحرب أوزارها أو بعده اه. وتبعه في النهر. قوله: (واتفقوا أنه لا يفادى بنساء وصبيان) إذ الصبيان يبلغون فيقاتلون والنساء يلدن فيكثر نسلهم. منح. ولعل المنع فيما إذا أخذ البدل مالا، وإلا فقد جوزوا دفع أسراهم فداء لأسرنا، مع أنهم إذا ذهبوا إلى دارهم يتناسلون ط. قوله: (وخيل وسلاح) أي إذا أخذناهما منهم فطلبوا المفاداة بمال لم يجز أن نفعل، لان فيه تقوية يختص بالقتال فيجوز من غيره ضرورة. منح ط. قوله: (إلا إذا أمن على إسلامه) أي وطابت نفسه بدفعه فداء، لأنه يفيد تخليص مسلم من غير إضرار لمسلم آخر. فتح. تنبيه: في القنية: أراد في دار الحرب أيشتري أسارى وفيهم رجال ونساء وعلماء وجهال، فالأولى تقديم الرجال والجهال. قال: وجوابه إن كان منصوصا من السلف فسمعا وطاعة، وإلا فقضية الدليل تقديم الناس صيانة لأبضاع المسلمات،
316 قلت: والعلماء احتراما للعلم اه. وعلل البزازي تأخير العالم لفضله لأنه لا يخدع، بخلاف الجاهل. در منتقى. وقد يقال: يقدم الرجا للانتفاع بهم في القتال ط. وهذا ظاهر فيما إذا اضطر إليهم، وإلا فصيانة الابضاع مقدمة على ذلك للانتفاع. تأمل. قوله: (للعلم به) علة لسقوطه من المتن. قوله: (بالأولى) لأنه إذا حرم المن وهو الاطلاق يحرم الاطلاق مع الرد إلى الدار. قوله: (وحرم عقر دابة الخ) أي إذا أراد الامام العود ومعه مواشي أهل الحرب ولم يقدر على نقلها إلى دارنا لا يعقرها كما نقل عن مالك، لما فيه من المثلة بالحيوان. فتح. وفي المغرب: عقر الناقة بالسيف: ضرب قوائمها. قوله: (قوله: إذ لا يعذب بالنار إلا ربها) علة لمفهوم قوله بعده: وهو عدم إحراقها قبل الذبح وفي صحيح البخاري. فإنه لا يعذب بها إلا الله وأخرج البزار في مسنده عن عثمان بن حبان قال: كنت عند أم الدرداء رضي الله عنها فأخذت برغوثا فألقيته في النار فقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يعذب بالنار إلا رب النار فتح ملخصا. ولا يرد هذا على ما مر من جواز حرق أهل الحرب عند قتالهم، لان ذاك مقيد بما إذا لم يمكن الظفر بهم بدونه كما قدمناه عن شرح السير، فافهم. وأورد المحشي على جواز إحراقها بعد الذبح أنه يقتضي أن الميت لا يتألم مع أنه ورد أنه يتألم بكسر عظمه. قلت: قد يجاب بأن هذا خاص ببني آدم لأنهم يتنعمون ويعذبون في قبورهم، بخلاف غيرهم من الحيوانات، وإلا لزم أن لا ينتفع بعظهما ونحوه، ثم رأيت ط ذكر نحوه. قوله: (ولا وجه إلى إبقائهم) لئلا يعودوا حربا علينا، لأن النساء بهن النسل والصبيان يبلغون فيصيرون حربا علينا. الولوالجية، واعترضه في الفتح بأن تركهم كذلك أشد من القتل المنهي عنه في حقهم. قال: اللهم إلا أن يضطروا إلى ذلك بسبب عدم الحمل والميرة فيتركوا ضرورة اه. وهو عجيب، فإن الولوالجي صرح بأن ذلك عند عدم إمكان الاخراج مطلقا، والمسألة في المحيط أيضا. بحر وفيه نظر، فإن مراد الفتح أن تركهم في أرض خربة بلا طعام ولا شراب أشد من القتل، فحيث لم يمكن إخراجهم فليتركوا في مكانهم بلا مباشرة السبب في إهلاكهم. قوله: (إبقاء للنسل) أي لتتناسل بعد رجوع عسكرنا فتؤذي أهل الحرب. قوله: (يحرقن بالنار) أي إذا لم يمكن دفنهن بمحل يخفى عليهم ولم تطل المدة بحيث يتفسخن ط. مطلب في قسمة الغنيمة قوله: (ولا تقسم غنيمة ثمة) على المشهور من مذهب أصحابنا، لأنهم لا يملكونها قبل الإحراز، وقيل تكره تحريما. در، منتقى، قوله: (أو لحاجة الغزاة) وكذا لو طلبوا القسمة من الامام
317 وخشي الفتنة كما في الهندية عن المحيط. قوله: (فتصح) أي وتثبت الاحكام لا فتح: أي من حل الوطئ والبيع والعتق والإرث، بخلاف ما قبل القسمة بدون اجتهاد أو احتياج، ولو بعد الاحراز بدارنا. قال في الدر المنتقى: والذي قرره في المنح كغيره أنه لا ملك بعد الاحراز بدارنا أيضا إلا بالقسمة، فلا يثبت بالاحراز ملك لاحد، بل يتأكد الحق، ولهذا لو أعتق واحد من الغانمين عبدا بعد الاحراز لا يعتق، ولو كان له ملك ولو بشركة لعتق وحكم استيلاد الجارية بعد الاحراز قبل القسمة وبعدها سواء، نعم لو قسمت الغنيمة على الرايات أو العرافة فوقعت جارية بين أهل راية صح استيلاء أحدهم وعتقه للشركة الخاصة حيث كانوا قليلا كمائة فأقل، وقيل كأربعين، والأولى تفويضه للامام اه. ملخصا. وتمام الكلام فيه. والحاصل كما في الفتح عن المبسوط: أن الحق يثبت عندنا بنفس الاخذ ويتأكد بالاحراز ويملك بالقسمة كحق الشفعة يثبت بالبيع ويتأكد بالطلب ويتم الملك وبالاخذ، وما دام الحق ضعيفا لا تجوز القسمة اه. ويبتنى على هذا ما يأتي في المتن من عدم جواز البيع بل القسمة، ومن استحقاق المدد لا من مات قبلها كما يأتي بيانه. قلت: وهذا كله إذا لم يظهر عسكرنا على البلد، فلو ظهروا عليها وصارت بلد إسلام صارت الغنيمة محرزة بدارنا ويتأكد الحق فتصح القسمة كما يأتي التنبيه عليه قريبا. قوله: (فتحل) عبر بالحل وفيما قبله بالصحة، لأنه ليس المراد هنا قسمة التمليك بل الايداع ليحملوها إلى دار الاسلام ثم يرجعها منهم ويقسمها كما في الجوهرة وغيرها، فليست قسمة حقيقية حتى توصف بالصحة. قوله: (حمولة) بفتح الحاء: كل ما احتمل عليه من حمار وغيره، سواء كانت عليه أحمال أو لم تكن اه. قوله: (روايتان) قال في الفتح: والأوجه أنه إن خاف تفرقهم لو قسمها قسمة الغنيمة يفعل هذا، وإن لم يخف قسمها قسمة الغنيمة في دار الحرب لأنها تصح للحاجة، وفي إسقاط الاكراه وإسقاط الأجرة ا ه. وقوله: يفعل هذا أي جبرهم بأجر المثل. قوله: (فإذا تعذر) أي القسم للإيداع بسبب عدم الاجبار على إحدى الروايتين أو لم يوجد عندهم حمولة على الرواية الأخرى قسمها بينهم حينئذ اه ح. قوله: (ولم تبع الغنيمة قبلها) أي قبل القسمة، سواء كان في دار الحرب أو بعد الاحراز في دارنا. شرنبلالية. لأنها لا تملك قبل القسمة كما علمت. قال في الفتح: وهذا ظاهر في بيع الغزاة، وأما بيع الامام لها فذكر الطحاوي أنه يصح لأنه مجتهد فيه: يعني أنه لا بد وأن يكون الامام رأى المصلحة في ذلك، وأقله تخفيف إكراه الحمل عن الناس أو عن البهائم ونحوه وتخفيف مؤنته عنهم فيقع عن اجتهاد في المصلحة فلا يقع جزافا فينعقد بلا كراهة مطلقا اه. وبه يظهر ما في قوله: لا للامام ولا لغيره قوله: جوهرة نص عبارتها: ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة، لأنه لا ملك لاحد فيها قبل ذلك، وإنما أبيح لم بالطعام والعلف للحاجة، ومن أبيح له تناول شئ لم يجز له بيعه كمن أباح طعاما لغيره اه. فقوله: وإنما أبيح لهم الخ، جواب سؤال تقديره: كيف لا يجوز البيع مع أنه يجوز لهم الانتفاع بالطعام والعلف كما يأتي؟ والجواب ظاهر، ولا يخفى أنه ليس المراد
318 بيع شئ بطعام، وإن كان الظاهر أن الحكم كذلك. قوله: (ومدد لحقهم ثمة) أي إذا لحق المقاتلين في دار الحرب جماعة يمدونهم وينصرونهم شاركوهم في الغنيمة، لما مر من أن المقاتلين لم يملكوها قبل القسمة. وذكر في التاترخانية أنه لا تنقطع مشاركة المدد لهم إلا بثلاث إحداها: إحراز الغنيمة بدارنا. الثانية: قسمتها في دار الحرب الثالثة: بيع الامام لها ثمة، لان المدد لا يشارك الجيش في الثمن ا. قال في الشرنبلالية: وتقييده بقوله: ثمة أي في دار الحرب، إشارة إلى أنه لو فتح العسكر بلدا بدار الحرب، واستظهروا عليه ثم لحقهم المدد لم يشاركهم لأنه صار بلد الاسلام، فصارت الغنيمة محرزة بدار الاسلام. نص عليه في الاختيار اه. قلت: وكذا في شرح السير، وزاد أن مثله لو وقع قتال أهل الحرب في دارنا فلا شئ للمدد. تنبيه: قال في البحر: وأفاد المصنف أن المقاتل وغيره سواء، حتى يستحق الجندي الذي لم يقاتل لمرض أو غيره، وأنه لا يتميز واحد على آخر شئ حتى أمير العسكر، وهذا بلا خلاف، كذا في الفتح وفي المحيط. والمتطوع في الغزو وصاحب الديوان سواء. قوله: (لا سوقي) هو الخارج مع العسكر للتجارة. نهر. قوله: (أسلم ثمة) عائد على الحربي والمرتد، وأفرد الضمير للعطف ب أو، وزاد في الفتح: التاجر الذي دخل بأمان ولحق العسكر وقاتل. قوله: (ولو مات بعد أحدهما) أي بعد القسمة أو البيع بناء على ما قدمناه عن الطحاوي من أن للامام بيع الغنيمة. قوله: (أو بعد الاحراز بدارنا) قال في الدر المنتقى: وينبغي أن يزاد رابع هو التنفيل فسيجئ أنه يورث عنه وإن كان مات بدار الحرب وإن لم يثبت له الملك فيه، وفيها يلغز: أي مال يورث ولا يملكه مورثه؟ ولم أر من نبه على ذلك هنا فلينظر اه. قلت: وفي التتارخانية عن المضمرات: ومن مات في دار الحرب من الغانمين بعد القسمة أو الاحراز بدارنا أو بعد بيع الامام الغنائم في دارنا أو في دار الحرب ليقسم الثمن بينهم أو بعد ما نفل لهم شيئا تحريضا أو بعد ما فتح الدار وجعلها دار إسلام فإنه يورث نصيبه، وإن مات قبل واحد من هذه أأدخل عد إصابة الغنيمة لا يورث اه. والظاهر أنه يملك ما قبضه بالتنفيل ثمة، ففي كلام الدر المنتقى نظر، فتدبر. قوله: (لتأكد ملكه) علة لقوله: أو بعد الاحراز بدارنا فيورث نصيبه إذا مات في دارنا قبل القسمة للتأكد لا الملك لأنه لا ملك قبل القسمة، وهذا لان الحق المتأكد يورث كحق الرهن والرد بالعيب، بخلاف الضعيف كالشفعة وخيار الشرط. فتح. قوله: (استحسانا) لعل وجهه تعسر النقص. مطلب في أن معلوم المستحق من الوقف: هل يورث؟ قوله: (وما في البحر من قياس الوقف) أي غلة الوقف فإنه قال: إنهم صرحوا بأن معلوم المستحق لا يورث بعد موته على أحد القولين، ولم أر ترجيحا وينبغي التفصيل، فمن مات بعد خروج الغلة وإحراز الناظر لها قبل القسمة يورث نصيبه لتأكد الحق فيه كالغنيمة بعد الاحراز بدارنا، وإن مات قبل الاحراز في يد المتولي لا يورث. قوله: (رده في النهر) حيث قال: أقول في الدرر
319 والغرر عن فوائد صاحب المحيط: للامام والمؤذن وقف فلم يستوفيا حتى ماتا سقط لأنه في معنى الصلة، وكذا القاضي، وقيل لا يسقط لأنه كالأجرة اه. وجزم في البغية بأنه يورث، بخلاف رزق القاضي. وأنت خبير بأن ما يأخذه القاضي ليس صلة كما هو ظاهر ولا أجرا، لان مثل هذه العبادة لم يقل أحد بجواز الاستئجار عليها، بخلاف ما يأخذه الامام والمؤذن، فإنه لا ينفك عنهما، فبالنظر إلى الأجرة يورث ما يستحق إذا استحق غير مقيد بظهور الغلة وقبضها في يد الناظر، وبالنظر إلى الصلة لا يورث وإن قبضه الناظر قبل الموت، وبهذا عرف أن القياس على الغنيمة غير صحيح، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الوقف إن شاء الله تعالى. أقول: لم يف بما وعد من بيانه في الوقف، وقوله: إن ما يأخذه القاضي ليس صلة، مخالف لما في الهداية وغيرها قبيل باب المرتد كما سيأتي، نعم ما يأخذه الامام ونحوه فيه معنى الصلة ومعنى الأجرة، والظاهر أن ذلك منشأ الخلاف المحكي في الدرر، لكن ما جزم به الغنيمة (1) يقتضي ترجيح جانب الأجرة، وهو ظاهر، لا سيما على ما أفتى به المتأخرون من جواز الأجرة على الاذان والإمامة والتعليم، وعلى هذا مشى الامام الطرسوسي في: أنفع الوسائل على أن المدرس ونحوه من أصحاب الوظائف إذا مات في أثناء السنة يعطى بقدر ما باشر ويسقط الباقي. قال: بخلاف الوقف على الأولاد والذرية، فإنه إذا مات مستحق منهم في حقه وقت ظهور الغلة، فإن مات بعد ظهورها ولو لم يبد صلاحها صار ما يستحقه لورثته، وإلا سقط اه. وتبعه في الأشباه وأفتى به الفتاوي الخيرية، فليكن العمل عليه من التفصيل. والفرق بين كون المستحق مثل المدرس أو من الأولاد، والله تعالى أعلم. ثم رأيت الشيخ إسماعيل في شرحه على الدرر نقل قبيل باب المرتد مثل ذلك عن المفتي أبي السعود، وأن المدرس الثاني يستحق الوظيفة من وقت إعطاء السلطان فتلحق الأيام التي قبل المباشرة بأيام المباشرة حيث كان الاخذ عن ميت لأنها من مبادئ أيام المباشرة كأيام التعطيل اه. تنبيه: ظهر من كلام الطرسوسي أن معلوم المدرس ونحوه يورث عنه بقدر ما باشر وإن لم تظهر الغلة وأن معلوم المستحق في وقف الذرية يورث عنه بموته بعد ظهور الغلة وإن لم يقبضها الناظر على خلاف ما مر عن البحر، وينبغي أن تكون الغلة بعض قبض الناظر لها ملكا للمستحقين وإن لم تقسم حيث كانوا مائة فأقل، قياسا على الغنيمة إذا قسمت على الرايات قبل أن تقسم على الرؤوس، فقد مر قريبا أنها تملك للشركة الخاصة. فالحاصل: أن غلة الوقف بعد ظهورها تورث لأنه تأكد فيها حق المستحقين وبعد إحرازها بيد الناظر صارت ملكا لهم وهي في يده أمانة لهم يضمنها إذ استهلكها وأهلكت بعد امتناعه عن قسمتها إذا طلبوا القسمة، وإذا كانت حنطة أو نحوها يصح شراء الناظر حصة أحدهم منها، هذا ما ظهر لي. ويؤيده ما سيأتي في الحوالة إن شاء الله تعالى عن البحر حيث جعل الحوالة على الناظر من المستحق كالحوالة على المودع، والله سبحانه أعلم. قوله: (أي للغانمين) أي ممن له سهم أو رضخ. شرنبلالية. ويأخذ الجندي ما يكفيه ومن معه من عبيده ونسائه وصبيانه الذين دخلوا معه. بحر. قوله: (لا غير) فشرج التاجر والداخل لخدمة الجندي بأجر، إلا أن يكون قد خبز الحنطة أو
(1) قوله: (الغنية) هكذا بخطه بغين معجمة فنون والذي سبق بخطه البغية بموحدة بغين. ليحرر ا ه مصححه. 320 طبخ اللحم، فلا بأس به حينئذ لأنه ملكه بالاستهلاك ولو فعلوا لا ضمان عليهم. بحر. قوله: (بعلف) ولا بأس بعلف دوابه البر إذا لم يوجد الشعير. در منتقى. قوله: (وطعام) أطلقه فشمل المهئ للاكل وغيره حتى يجوز لهم ذبح المواشي، ويردون جلودها في الغنيمة. بحر. قوله: (ودهن) بالضم لما يدهن به أما بالفتح فهو مصدر، والأول هنا أولى لتناسق المعطوفات خلافا للعيني، كما أفاده في النهر. والمراد بالدهن ما يؤكل لقول الزيلعي: إن ما لا يؤكل عادة لا: يجوز له تناوله مثل الأدوية والطيب ودهن البنفسج وما أشبه ذلك اه. ولا شك أنه لو تحقق بأحدهم مرض يحوجه إلى استعمالها جاز كما بحثه في الفتح وصرح به في المحيط. بحر. قوله: (وقيد في الوقاية الخ) قال في الدر المنتقى: اعلم أنه ذكر في فتح القدير أن استعمال السلاح والكراع والفرس إنما يجوز بشرط الحاجة بأن مات فرسه أو انكسر سيفه، أما إذا أراد أن يوفر سيفه وفرسه باستعمال ذلك فلا يجوز، ولو فعل أثم ولا ضمان عليه إن تلف، وأما غير السلاح ونحوه مما مر كالطعام فشرط في السير الصغير الحاجة إلى التناول من ذلك وهو القياس، ولم يشترطها في السير الكبير وهو الاستحسان، وبه قالت الأئمة الثلاثة، فيجوز لكل من الغني والفقير تناوله اه. ملخصا. وهكذا ذكره في الشرنبلالية، ولا يخفى ترجيح الاستحسان ها هنا. قلت: وهو ما اختاره الماتن: يعني صاحب الملتقى، وهو الحق كما علمت اه. قال في النهر: ولو احتاج الكل إلى السلاح والثياب قسمها حينئذ، بخلاف السبي إذا احتيج إليه ولو للخدمة لكونه من فضول الحوائج اه. وفسر الحاجة بالفقر. قلت: والظاهر أنها أعم، إذ لو كان غنيا ولا يجد ما يشتريه فهو كذلك. قوله: (فإن نهى لم يبح) والحاصل منع الانتفاع بسلاح ودواب ودواء إلا لحاجة، وحل المأكول مطلقا إلا لنهي الامام، فالمنع مطلقا كمنع استباحة الفرج مطلقا، لان الفرج لا يحل إلا بالملك، ولا ملك قبل الاحراز بدارنا ولو أمته المأسورة، بخلاف امرأته المأسورة ومدبرته وأم ولده إن لم يطأهن الحربي كما سيجئ، فليحفظ. در منتقى. لكن في البحر ينبغي أن يقيد النهي عن المأكول والمشروب بما إذا لم تكن حاجة، فإن كانت لا يعمل نهيه اه. قوله: (ولا بيع وتمول) أي لا ينتفع بالكل بالبيع في دار الحرب قبل القسمة أصلا احتيج إليه أولا، ولا التمول لعدم الملك، وإنما أبيح الانتفاع للحاجة، والمباح له لا يملك البيع. در. منتقى. والمراد بالتمول أن يبقى ذلك الشئ عنده يجعله مالا له، ولذا قال القهستاني: وإذا استعمل السلاح ونحوه يرده إلى المغنم. قوله: (رد ثمنه) أي إذا أجازه الامام لأنه بيع الفضولي. نهر. قوله: (فإن قسمت) أي الغنيمة تصدق به: أي بالثمن لأنه لقلته لا تمكن قسمته فتعذر إيصاله إلى مستحقه فيتصدق به كاللقطة، كما في الفتح. قوله: (لو غير فقير) فلو فقيرا يأكله. بحر. قوله: (مالا يملكه أهل الحرب) أي شيئا غير مملوك لهم لكن يخص منه ما يترك فيه العامة لما في البحر لو حش الجندي الحشيش في دار الحرب أو استقى الماء وباعه طلب له ثمنه. قوله: (فهو مشترك) أي بين الغانمين فلا يختص به الآخذ. بحر. قوله: (أجازه) أي وأخذ الثمن ورده
321 في الغنيمة وقسمه بين الغانمين. بحر. قوله: (وإلا) صادق بصورتين: إحداهما لو كان المبيع قائما. والثانية: لو كان البيع أنفع من الثمن، والظاهر أنه فيهما يفسخ البيع ويرد المبيع للغنيمة، مع أنه إذا كان قائما والثمن أنفع لهم أجازه كما في البحر، فيتعين حمل قوله: أو الثمن أنفع على معنى: أو لم يهلك والثمن أنفع. قوله: (وبعد الخروج منها) أي من دار الحرب (لا): أي لا ينتفع بشئ مما ذكر لزوال المبيح، ولان حقهم قد تأكد حتى يورث نصيبهم. بحر. زاد في الكنز وغيره: وما فضل رده: أي والذي فضل في يده مما أخذه قبل الخروج من دار الحرب ورده الآخذ إلى الغنيمة بعد الخروج إلى دارنا لزوال الحاجة التي هي مناط الإباحة، وهذا التعليل يفيد أنه لو كان فقيرا أكله بالضمان كم في المحيط، هذا كله قبل القسمة، أما بعدها: فإن كان غنيا وكانت العين قائمة تصدق بها وبقيمتها لو هالكة، وإن كان فقيرا انتفع بها. نهر. قوله: (ومن أسلم منهم) أي في دار الحرب، لان المستأمن إذا أسلم في دار الاسلام، ثم ظهرنا على داره، فجميع ما خلفه فيها من الأولاد الصغار والمال فئ، لان التباين قاطع للعصمة وللتبعية. بحر. قوله: (قبل مسكه) قيد به، لأنه لو أسلم بعده فهو عبد، لأنه أسلم بعد انعقاد سبب الملك فيه. بحر. وقيد في البحر وتبعه في النهر بقيد آخر وهو قوله: ولم يخرج إلينا وفيه كلام يأتي قريبا. قوله: (فإن كانوا أخذوا) أي قبل إسلامه. قوله: (أو أودعه معصوما) قيد بالوديعة لان ما كان غصبا في يد مسلم أو ذمي فهو فئ عند الامام، خلافا لهما. بحر. قوله: (سوى طفله) كذا نقله في النهر عن الفتح، مع أنه في الفتح قال بعده: وما أودعه مسلما أو ذميا ليس فيئا، فقد نظر إلى صدر كلامه الموهم ولم ينظر إلى عجزه، وستأتي المسألة في المستأمن متنا حيث قال: وإن أسلم ثمة فجاءنا فظهر عليهم فطفله حر مسلم ووديعته مع معصوم له وغيره فئ، ومن ثم قال الزيلعي هناك: إن حكم المسألتين واحد، وبه ظهر أن تقييد البحر بقوله: ولم يخرج إلينا، غير صحيح. قوله: (لا ولده الكبير) لأنه كافر حربي، ولا تبعية، وكذا زوجته. بحر. ومفاده أي المراد بالكبير البالغ، وأن الصغير يتبعه ولو كان يعبر عن نفسه، خلافا لما قيل: إنه لا يتبعه في الاسلام، إلا إذا كان صغيرا لا يعبر عن نفسه كما قدمناه في الجنائز، وسنذكره أيضا في فصل استئمان الكافر فاغتنم ذلك، فإنه أخطأ فيه كثير. قوله: (وحملها) لأنه جزء منها فيرق برقها والمسلم محل للتملك تبعا لغيره، بخلاف المنفصل، لأنه حر لانعدام الجزئية عند ذلك. بحر. قوله: (وعقاره) وكذا ما فيه من زرع لم يحصد، لأنه في يد أهل الدار، إذ هو من جملة دار الحرب فلم يكن في يده إلا حكما. نهر. قوله: (وعبده المقاتل) لأنه لما تمرد على مولاه خرج من يده وصار تبعا لأهل داره. بحر. قوله: (قبل الاسلام أو بعده) لعله لانعقاد سبب الملك فيه للمسلمين، والاسلام لا يمنع الرق السابق عليه ط.
322 قوله: (وقالا لآخذه) أي هو لمن أخذه خاصة، وقدمنا قبل هذا الباب عن شرح السير نسبة هذا القول لمحمد. قوله: (وفي الخمس) أي في وجوب الخمس روايتان عن الامام وكذا عن محمد كما قدمناه. قوله: (استأجره لخدمة سفره الخ) هذه من مسائل الفصل الآتي، ووجهها غير ظاهر، فإن أجير الغازي للخدمة لا سهم له لاخذه على خروجه مالا، إلا إذا قاتل وترك العمل كما في شرح السير، وفيه لو دخل دار الحرب فارسا ثم دفع فرسه لرجل ليقاتل عليه على أن سهم الفرس لصاحبه جاز، لأنه لو لم يشرط ذلك كان سهم فرسه له، ولو كان ذلك قبل الدخول فسهم الفرس لمن أدخله دار الحرب لان السبب وهو الانفصال فارسا قد انعقد له ويكون لصاحب الفرس عليه أجر مثل أجر فرسه اه. ملخصا. فتأمل، والله سبحانه وتعالى أعلم. مطلب: مخالفة الأمير حرام فصل في كيفية القسمة لما فرغ من بيان الغنيمة شرع في بيان قسمتها، وأفردها بفصل لكثرة شعبها، وهو جعل النصيب الشائع معينا. نهر. قال في الملتقى وينبغي للامام أن يعرض الجيش عند دخول دار الحرب، ليعلم الفارس من الراجل. قال في شرحه: وأن يكتب أسماءهم، وأن يؤمر عليهم من كان بصيرا بأمور الحرب وتدبيرها ولو من الموالي وعليهم طاعته لان مخالفة الأمير حرام، إلا إذا اتفق الأكثر أنه ضرر فيتبع اه. قوله: (المعتبر في الاستحقاق) أي استحقاق الغانمين لأربعة أخماس الغنيمة، لان خمسها يخرجه الامام لله تعالى كما سيجئ قال تعالى: * (فإن لله خمسه وللرسول) * (سورة الأنفال: الآية 14) در. منتقى. قوله: (وقت المجاوزة) برفع وقت على أنه خبر المبتدأ. قوله: (أي الانفصال من دارنا) أي مجاوزة الدرب، وهو الحد الفاصل بين دار الاسلام ودار الحرب. نهر. قوله: (فلو دخل دار الحرب فارسا) هو من معه فرس، ولو في سفينة كما في الشرنبلالية عن الاختيار وغيره لأنه تأهب للقتال على الفرس، والمتأهب للشئ كالمباشر له. قوله: (فنفق) كفرح ونصر: نفد وفنى. قاموس ط. وشمل ما لو قتل فرسه وأخذ منه القيمة كما في البحر، ومثله ما لو أخذه العدو كما في شرح السير واحترز به عما لو باعه قبل القتال فإنه يستحق سهم راجل كما يأتي. قوله: (استحق سهمين) سهم لنفسه وسهم لفرسه، وهذا عنده، وعندهما ثلاثة أسهم له سهم ولفرسه سهمان، لأنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك على ما رواه البخاري وغيره، وحمله أبو حنيفة على التنفيل توفيقا بين الروايات. ملتقى وشرحه. وإذا كان حديث في البخاري وحديث آخر في غيره رجاله رجال الصحيح، أو رجال روى عنهم البخاري، كان الحديثان متساويين، والقول بأن الأول أصح تحكم لا نقول له، مع أن الجمع وإن كان أحدهما أقوى أولى من إبطال الآخر، وتمامه في الفتح. قوله: (ولا يسهم لغير فرس واحد) وعند أبي يوسف: يسهم لفرسين، وما روى فيه يحمل
323 على التنفيل أيضا. در. منتقى. بقوله: (صالح للقتال) اعترض بأن هذا يغني عن قوله: صحيح كبير وفيه أنه لا يلزم من كونه صحيحا كبيرا صلاحيته للقتال، لجواز كونه حرونا أو لا يجري فلا يصلح للكر والفر. أفاده ط. لكن مراد المعترض أن كلام المتن يغني عما زاده الشارح، فالأولى الجواب بأنه زاد ذلك تفسيرا لقول المتن صالح للقتال نعم كان الأولى تأخيره عنه كما فعله في الشرنبلالية، فافهم. تنبيه: يشترط في الفرس أن لا يكون مشتركا، فلا سهم لفرس مشترك للقتال عليه، إلا إذا استأجر أحد الشريكين حصة الآخر قبل الدخول. در منتقى. واستفيد منه أنه لا يشترط أن يكون الفرس ملكه، فيشمل المستأجر والمستعار، وكذا المغصوب، كما يأتي. قوله: (لا لو مهرا فكبر) أي بأن طال المكث في دار الحرب، حتى بلغ المهر وصار صالحا للركوب فقاتل عليه لا يستحق سهم الفرسان. بحر. قوله: (وكأن الفرق الخ) هو لصاحب البحر، ولا يظهر إذا كان المرض بينا. أفاده ط. قلت: وقد ذكر الفرق الامام السرخسي، وهو أن المريض كان صالحا للقتال عليه إلا أنه تعذر لعارض على شرف الزوال، فإذا زال صار كأن لم يكن، بحذف المهر فإنه ما كان صالحا، وإنما صار صالحا في دار الحرب، ويوضحه أن الصغيرة لا نفقة لها على زوجها، لأنها لا تصلح لخدمة الزوج، بخلاف المريضة لأنها كانت صالحة، ولكن تعذر ذلك لعارض اه. ملخصا. قوله: (قبل دخوله) أي في الحد الفاصل بين دارنا ودار الحرب. قوله: (ثم أخذه) أي في المسائل المذكورة: أي أخذه قبل القتال فله سهمان استحسانا، لأنه التزم مؤنة الفرس من حين خروجه من أهله وقاتل عليه، فلا يحرم سهمه بعارض غصب ونحوه فيما بين ذلك، أما لو قاتل عليه الغاصب حتى غنموا وخرجوا فله سهم الفارس، إذ لا فرق بين الفرس المغصوب والمملوك، ولصاحب الفرس سهم راجل إلا إذا أصابوا غنائم بعد أخذه فرسه فله منها سهم فارس، وللغاصب سهم راجل كما لو كان الغصب بعد دخول دار الحرب. وتمامه في شرح السير. قوله: (فله سهمان) وكذا لو جاوزه: أي جاوز الدرب مستأجرا أو مستعيرا وحضر به: أي حضر به الوقعة، وكذا الغاصب، لكن يستحقه من وجه محظور فيتصدق به. جوهرة. وفي المنح: لو رجع الواهب فالموهوب له فارس فيما أصابه قبل الرجوع، وراجل فيما أصابه بعده، والراجع راجل مطلقا اه. در منتقى: أي لأنه جاوز الدرب راجلا باختياره كالمؤجر والمعير بخلاف المغصوب منه. قوله: (لا لو باعه) أي باختياره، فلو مكرها فله سهم فارس، كما في البحر وكالبيع ما لو رهنه أو آجره أو وهبه. بحر. قوله: (ولو بعد تمام القتال) تبع في هذا المصنف حيث قال: وفي فتح القدير: لو باعه بعد الفراغ من القتال لا يسقط عند البعض. قال المصنف: يعني صاحب الهداية: الأصح أنه يسقط لأنه ظهر أن قصده التجارة وهو غلط في النقل، عن الفتح، وهذه عبارة الفتح: ولو باعه بعد الفراغ من القتال لم يسقط سهم الفارس
324 بالاتفاق، وكذا إذا باعه حال القتال لا يسقط عند البعض. قال المصنف: الأصح أنه يسقط لأنه ظهر أن قصده التجارة اه. ومثله في التبيين والجوهرة، وعبارة القهستاني موافقة له فلا معنى للاستدراك اه ح ملخصا. قلت: والظاهر أنه سقط من نسخة المصنف ما بين لفظتي القتال فحصل الاختلال، فاستدراج الشارح عليه في محله، نعم كان الأولى له مراجعة عبارة الفتح، فافهم. قوله: (ولتحفظ هذه القيود) أي المذكورة في قوله: ولا يسهم لغير فرس واحد صحيح كبير صالح للقتال كما هو صريح عبارته في شرحه على الملتقى، وأصل ذلك للمصنف فإنه بعد أن قيد المتن قوله: صالح للقتال قال: إن صاحب الكنز وغيره من أصحاب المتون أخل بما ذكرنا من القيد، وإن العجب من أصحاب المتون فإنهم يتركون في متونهم قيودا لا بد منها، وهي موضوعة لنقل المذهب، فيظن من يقف على مسائله الاطلاق، فيجري الحكم على إطلاقه، وهو مقيد فيرتكب الخطأ في كثير من الاحكام في الافتاء والقضاء اه. فافهم. قوله: (وذمي) ولو أسلم أو بلغ المراهق قبل القسمة والخروج إلى دار الاسلام يسهم له كما في شرح السير، والظاهر أن العبد إذا أعتق كذلك. قوله: (ورضخ لهم) أي يعطون قليلا من كثير، فإن الرضيخة هي الاعطاء كذلك، والكثير السهم فالرضخ لا يبلغ السهم. فتح. قوله: (عندنا) وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد أنه من أربعة الأخماس. فتح. قوله: (إذا باشروا القتال) شمل المرأة فإنها يرضخ لها إذا قاتلت أيضا، واطلاق مباشرة القتال في العبد، فشمل ما إذا قاتل بإذن سيده أو بدونه كما في الفتح، وبه صرح في شرح السير الكبير، وقال: القياس أنه إذا قاتل بلا إذن المولى لا يرضخ له كمستأمن قاتل بلا إذن الإمام، والاستحسان أنه يرضخ، لأنه غير محجور عما يتمحض منفعة، وهو نظير القياس والاستحسان في العبد المحجور إذا آجر نفسه وسلم من العمل اه. ملخصا. وبه ظهر أن قوله في الولوالجية: إن العبد إذا كان مع مولاه يقاتل بإذنه يرضخ له غير قيد خلافا لما فهمه في البحر، ولم أر من نبه عليه فتنبه، وظهر به أيضا أن قوله في اليعقوبية: ينبغي أن يسهم للعبد المأذون بحث مخالف للمنقول. تنبيه: اقتصر المصنف على المذكورين، لان الأجير لا يسهم له ولا يرضخ لعدم اجتماع الاجر والنصيب من الغنيمة، إلا إذا قاتل فإنه يسهم له. بحر: أي بخلاف المذكورين فإنهم إذا قاتلوا يرضخ ولا يسهم لهم. قوله: (أو تداوي الجرحى) هذا داخل فيما قبله، مع أنه يوهم التخصيص بهذا النوع، فالأولى أن يقول بدله: أو تطبخ أو تخبز للغزاة كما في شرح السير، ومثل ذلك السقي ومناولة السهام كما في الفتح. والحاصل: أن المراد حصول منفعة منها للغزاة احترازا عما إذا خرجت لخدمة زوجها مثلا: قوله: (عند الحاجة) أما بدونها فلا، لأنه لا يؤمن غدره. مطلب في الاستعانة بمشرك قوله: (وقد استعان عليه الصلاة والسلام الخ) ذكر في الفتح أن في سنده ضعفا، وأن جماعة
325 قالوا: لا يجوز لحديث مسلم أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى بدر فلحقه رجل مشرك فقال: ارجع فلن أستعين بمشرك الحديث. وروى رجلان ثم قال: وقال الشافعي رده عليه الصلاة والسلام المشرك والمشركين كان في غزوة بدر، ثم إنه عليه الصلاة والسلام استعان في غزوة خيبر بيهود من بني قينقاع، وفي غزوة حنين بصفوان بن أمية، وهو مشرك، فالرد إن كان لأجل أنه كان مخيرا بين الاستعانة وعدمها فلا مخالفة بين الحديثين، وإن كان لأجل أنه مشرك فقد نسخه ما بعد. قوله: (فيزاد على السهم) أي إذا كان في دلالته منفعة عظيمة للمسلمين فيرضخ له على قدر ما يرى الامام ولو أكثر من سهام الفرسان. شرح السير. قوله: (لأنه كالأجرة) أشار إلى الفرق بين ما إذا قاتل الذمي حيث لا يبلغ في الرضخ له السهم وما إذا دل حيث تصح الزيادة، وهو أن ما يدفع له في هذه الحالة ليس رضخا، بل قائم مقام الأجرة، بخلاف ما إذا قاتل فإنه لا يبلغ به السهم لأنه عمل عمل الجهاد، ولا يسوى في عمله بين من يؤجر عليه ومن لا يقبل منه. أفاده في الفتح. تنبيه: قال في الحواشي اليعقوبية: وجه لتخصيص حكم الدلالة على الطريق بالذمي، لان العبد أيضا إذا دخل يعطى له أجر الدلالة بالغا ما بلغ، إلا أن تمنع إرادة التخصيص، فليتأمل اه. قوله: (سوا) أي في القسم فلا يفضل أحدها على الآخر. فتح. وهو خبر عن قول المصنف: والبراذين والعتاق وعلى حل الشارح خبر لمبتدأ محذوف: أي هذه الأربعة سواء، لأنه قدر لكل واحد منها على انفراده خبرا، فلا يصلح أن يكون خبرا عنها جميعا، ولا يخفى أن ما زاده الشارح من الهجين بوزن عجين، والمقرف بوزن محسن يفهم حكمه بالأولى لأنه فوق البراذين. قوله: (لا يسهم للراحلة) هي المركوب من الإبل ذكرا كان أو أنثى، والتاء فيها للوحدة أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية، والجمل يختص بالذكر ط. قوله: (لعدم الإرهاب) أي تخويف العدو إذ لا تصح للكر والفر. مطلب في قسمة الخمس قوله: (والخمس الباقي) أي الباقي بعد أربعة أخماس الغانمين. قوله: (عندنا) وأما عند الشافعي فيقسم أخماسا: سهم لذوي القربى وسهم للنبي (ص) يخلفه فيه الامام ويصرفه إلى مصالح المسلمين، والباقي للثلاثة للآية. زيلعي. قوله: (لليتيم) أي بشروط فقره، وفائدة ذكره دفع توهم أن اليتيم لا يستحق من الغنيمة شيئا لان استحقاقها بالجهاد، واليتيم صغير فلا يستحقها، ومثله ما في التأويلات للشيخ أبي منصور لما كان فقراء ذوي القربى يستحقون بالفقر، فلا فائدة في ذكرهم في القرآن. أجاب بأن أفهام بعض الناس قد تفضي إلى أن الفقير منهم لا يستحق، لأنه من قبيل الصدقة، ولا تحل لهم. بحر. قوله: (والمسكين) المراد منه ما يشمل الفقير. قوله: (وجاز صرفه الخ) علله في البدائع بأن ذكر هؤلاء الأصناف لبيان المصارف، لا لايجاب الصرف إلى كل صنف منهم شيئا، بل لتعيين المصرف، حتى لا يجوز الصرف إلى غير هؤلاء اه. شرنبلالية. قوله: (وقد حققته في شرح الملتقى) ونصه. والخمس الباقي من المغنم كالمعدن والركاز يكون مصرفها لليتامى
326 المحتاجين والمساكين وابن السبيل، فتقسم عندنا أثلاثا، هذه الأموال الثلاثة لهؤلاء الأصناف الثلاثة خاصة، غير متجاوز عنهم إلى غيرهم، فتصرف لكلهم أو لبعضهم، فسبب استحقاقهم احتياج بيتم أو مسكنة أو كونه ابن السبيل، فلا يجوز الصرف لغنيهم، ولا لغيرهم كما في الشرنبلالية والقهستاني. قلت: ونقلت فيما علقته على التنوير عن المنية أنه لو صرف للغانمين لحاجتهم جاز اه. ولعله باعتبار الحاجة فلا تنافي حينئذ، فتنبه اه. أقول: لا معنى للترجي بعد تصريح المنية بقوله: لحاجتهم اه ح. قوله: (من بني هاشم) بيان لذوي القربى، وفيه قصور، لان المراد بهم هنا بنو هاشم وبنو المطلب، لأنه عليه الصلاة والسلام وضع سهم ذوي القربى فيهم، وترك بني نوفل وبني عبد شمس مع أن قرابتهم واحدة، لان عبد مناف الجد الثالث للنبي (ص) له أولاد. هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس. بحر. والمطلب عم الجد الأول وهو عبد المطلب بن هاشم. قوله: (أي من الأصناف الثلاثة) وكذا الضمير في عليهم راجع إليهم، والضمير الثاني يغني عن الأول، ولكن زاده مع ما فيه من الركاكة ليفيد أن ذوي القربى إذا كانوا من الأصناف الثلاثة يقدمون على من كان منهم ممن ليس من ذوي القربى، فيتيم ذوي القربى مقدم على يتيم غيرهم، وهكذا قال في الدر المنتقى: والأوضح أن يقال: خمس الغنيمة والمعدن للمحتاج وذوو القربى منه أولى. قوله: (لجواز الخ) علة لقوله: وقدم أي لان غير ذوي القربى يحل له أخذ الصدقة لدفع حاجته بخلافهم فليس في تقديمهم إضرار بغيرهم. قوله: (ولا حق لأغنيائهم عندنا) وعند الشافعي: يستوي فيه فقيرهم وغنيهم ويقسم بينهم للذكر كالأنثيين، لأنه لم يفرق في الآية بين الفقير والغني، ولنا أن الخلفاء الراشدين قسموه كما قلناه بمحضر من الصحابة، فكان إجماعا والنبي (ص) كان يعطيهم للنصرة، لا للفقر لقوله (ص): إنهم لم يزالوا معي هكذا في الجاهلية والاسلام، وشبك بين أصابعه حين أعطى بني هاشم والمطلب لأنهم قاموا معه حين أرادت قريش قتله عليه الصلاة والسلام، ودخل بنو نوفل وعبد شمس في عهد قريش، ولو كان لأجل القرابة لما خصهم، لان عبد شمس ونوفلا أخوان لهاشم: لأبيه وأمه، والمطلب كان أخاه لأبيه فكان أقرب (1). والمراد بالنصرة كونهم معه يؤانسونه بالكلام، والمصاحبة لا بالمقاتلة، ولذا كان لنسائهم فيه نصيب، ثم سقط ذلك بموته عليه الصلاة والسلام لعدم تلك العلة، وهي النصرة، فيستحقونه بالفقر. زيلعي ملخصا. وحاصله أنه كما سقط سهمه (ص) بموته عندنا سقط سهم ذوي القربى بموته أيضا لفقد علة استحقاقهم، حتى قال الطحاوي: لا يستحق فقيرهم أيضا، لكن الأول وهو قول الكرخي أظهر، وقد حقق في الفتح قسمة الخلفاء الراشدين أثلاثا كما قلنا، لا أخماسا كما قال الشافعي، فراجعه. تنبيه: في الشرنبلالية عن البدائع تعطى القرابة كفايتهم اه. وفيها عن الجوهرة أنه يقسم بينهم للذكر كالأنثيين.
(1) قوله: (فكان أقرب) هكذا بخطه ولعل الصواب فكانا اي عبد شمس ونوفل تأمل ا ه مصححه. 327 قلت: واعترضه في الدر المنتقى بأنهم ذكروا هذا عن الشافعي لا عندنا. قلت: على أنه ينافيه ما في البدائع. قوله: (وما نقل المصنف) حيث قال: وفي الحاوي القدسي، وعن أبي يوسف: الخمس يصرف إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وبه نأخذ اه. وهذا يقتضي كما نبه عليه شيخنا: يعني صاحب البحر أن الفتوى على الصرف إلى الأغنياء فليحفظ اه. قوله: (نظر فيه في النهر) حيث قال: وأقول فيه نظر، بل هو ترجيح لاعطائهم، وغاية الامر أنه سكت عن اشتراط الفقر فيهم للعلم به اه. وأنت إذا تأملت كلام الحاوي رأيته شاهدا لما في البحر، وهذه عبارته: وأما الخمس فيقسم ثلاثة أسهم: سهم اليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل يدخل فقراء ذوي القربى فيهم، ويقدمون، ولا يدفع لأغنيائهم شئ، وعن أبي يوسف أن الخمس يصرف إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وبه نأخذ اه. إذ لو كان كما قاله في النهر لكانت رواية أبي يوسف عين ما قبلها، فتدبر اه ح. قلت: لكن أنت خبير بأن هذه الرواية عن أبي يوسف: وهي خلاف المشهور عنه، والمتون والشروح أيضا على خلافها، فالواجب اتباع المذهب في هذه المسألة الذي اعتنى الشراح وغيرهم بتأييد أدلته والجواب عما ينافيه، فهذا أقوى ترجيح ولا يعارضه ترجيح الحاوي، ثم رأيت العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي نبه على نحو ما قلته في شرحه على الدرر والغرر. قوله: (وذكره تعالى) أي قوله تعالى: * (فإن الله خمسه) * (سورة الأنفال: الآية 14). قوله: (لأنه حكم علق بمشتق وهو الرسالة) عبارة النهر: وهو الرسول، فيكون مبدأ الاشتقاق علة وهو الرسالة رسول بعده اه: أي كما لو قيل: إذا لقيت عالما فأكرمه، وإذا لقيت فاسقا فأهنه، فإنه علق فيه الامر بالاكرام والإهانة على مشتق، وهو عالم وفاسق، فيدل على أن ما اشتق منه ذلك الوصف: أعني العلم والفسق: علة الحكم: أي أكرمه لعلمه وأهنه لفسقه، وبه يظهر ما في عبارة الشرح، ثم إن هذا أغلبي لما علمت من أن قوله تعالى: * (ولذي القربى) * (سورة الأنفال: الآية 14) ليس علته القرابة عندنا بل النصرة، إلا أن يقال: مرادهم نفي كون العلة مجرد القرابة، بل العلة قرابة خاصة مقيدة بالنصرة على الوجه المار، فتدبر. مطلب في أن رسالته (ص) باقية بعد موته تنبيه: قدمنا عن الشافعي رحمه الله تعالى أن سهمه (ص) يخلفه فيه الامام بعده: أي بناء على أنه (ص) كان يستحقه لامامته، وعندنا لرسالته، ولا رسول بعده: أي لا يوصف بعده أحد بهذا الوصف فلذا سقط بموته، بخلاف الإمامة والقيام بأمور الأمة، وبهذا التقرير اندفع ما أورده المقدسي على قولهم: ولا رسول بعده من أنهم إن أرادوا أن رسالته مقصورة على حياته فممنوع، إذ قد صرح في منية المفتي بأن رسالة الرسول لا تبطل بموته، ثم قال: ويمكن أن يقال: إنها باقية حكما بعد موته، وكان استحقاقه بحقيقة الرسالة لا بالقيام بأمور الأمة اه. ولا يخفى ما في كلامه من إيهام انقطاع حقيقتها بعده (ص)، فقد أفاد في الدر المنتقى أنه خلاف الاجماع. قلت: وأما ما نسب إلى الامام الأشعري إمام أهل السنة والجماعة من إنكار ثبوتها بعد الموت، فهو افتراء وبهتان، والمصرح به في كتبه وكتب أصحابه خلاف ما نسب إليه بعض أعدائه، لان الأنبياء
328 عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم، وقد أقام النكير على افتراء ذلك الامام العارف أبو القاسم القشيري في كتابه شكاية السنة وكذا غيره، كما بسط ذلك الإمام ابن السبكي في طبقاته الكبرى في ترجمة الامام الأشعري. قوله: (كالصفي) بفتح الصاد وكسر الفاء والياء المشددة. نهر: أي كما سقط الصفي بموته (ص). قوله: (يصطفيه لنفسه) أي قبل قسمة الغنيمة، وإخراج الخمس. نهر. كما اصطفى ذا الفقار وهو سيف منبه بن الحجاج حين قتله علي رضي الله تعالى عنه، وكما اصطفى صفية بنت حيي بن اخطب من غنيمة خيبر. رواه أبو داود في سننه والحاكم. فتح. وفي الشرنبلالية قال في طلبة الطلبة: وكان النبي (ص) لا يستأثر بالصفي زيادة على سهمه. قوله: (ومن دخل دارهم بإذن الامام) ولو واحدا من أهل الذمة. ط عن الشلبي. قوله: (أو منعة) في المصباح: هو في منعة بفتح النون: أي في عز قومه، فلا يقدر عليه من يريده. قال الزمخشري: وهي مصدر مثل الانفة والعظمة، أو جمع مانع وهم العشيرة والحماة وقد تسكن في الشعر لا غير خلافا لمن أجازه مطلقا. قوله: (خمس) أي يأخذ الامام خمسه والباقي لهم. قال في الفتح: لان على الامام أن ينصرهم حيث أذن لهم، كما أن عليه أن ينصر الجماعة الذين لهم متعة إذا دخلوا بغير إذنه تحاميا عن توهين المسلمين والدين فلم يكونوا مع نصرة الامام متلصصين، فكان المأخوذ قهرا غنيمة. قوله: (ما أخذوا) بضمير الجمع. مر. إعادة لمعنى من كما روعي لفظها في قوله: فأغار. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يدخلوا بإذن الامام ولم يكونوا ذوي منعة بأن دخلوا بلا إذنه وهم ثلاثة فأقل، كما أفاده في الفتح. قال: وعن أبي يوسف أنه قدر الجماعة التي لا منعة لها بسبعة، والتي لها منعة بعشرة. قوله: (لأنه اختلاس) من خلست الشئ خلسا من باب ضرب: اختطفته بسرعة على غفلة. مصباح. قوله: (وفي المنية الخ) أفاد به تقدير المنعة. قوله: (وإلا جاز) لان الخمس في الثاني واجب بقول الامام، فله أن يبطله بقوله بخلافه في الأول، ولذا لو دخلوا بغير إذنه خمس ما أخذوه. بحر عن المحيط. وحاصله: أنهم إذا لم يكن لهم منعة لا يجب الخمس، إلا إذا أذن فيكون قد وجب بسبب قوله: فله أن يبطله، بخلاف ما إذا كانت لهم منعة فإنه يجب، وإن لم يأذن لهم فلم يجب بقوله: فليس له إبطاله. وفي النهر عن التتارخانية: لو كان بعضهم بإذنه وبعضهم بلا إذنه ولا منعة لهم فالحكم في كل واحد منهم حالة الاجتماع كما في حالة الانفراد، وإن كان لهم منعة يجب الخمس اه. قوله: (وندب للامام) وكذا لأمير السرية، إلا إذا نهاه الامام، فليس له ذلك إلا برضا العسكر، فيجوز من الأربعة الأخماس. بحر. مطلب في التنفيل قوله: (أن بنفل) التنفيل: إعطاء الامام الفارس فوق سهمه وهو من النفل، ومنه النافلة للزائد على الفرض، ويقال لولد الولد كذلك، ويقال نفله تنفيلا ونفله بالتخفيف نفلا لغتان فصيحتان. فتح. قوله: (وقت القتال) قيد به القدوري، ولا بد منه لأنه بعده لا يملكه الامام، وقيل: ما داموا
329 في دار الحرب بملكه، كذا في السراج، وقد يؤيد هذا القيل أن قوله (ص): من قتل قتيلا فله سلبه إنما كان بعد الفراغ من حنين، ولم أر جوازه قبل المقاتلة. نهر. قلت: وفيه نظر، لان المنقول أن ذلك كان عند الهزيمة تحريضا للمسلمين، على الرجوع إلى القتال. وفي القهستاني: إن في قوله: وقت القتال، إشارة إلى أنه يجوز التنفيل قبله بالأولى، وإلى أنه لا يجوز بعده، لكن بعد القسمة لأنه استقر فيه حق الغانمين اه. ففيه التصريح بجوازه قبله، وعزاه ح إلى المحيط وقوله: لكن بعد القسمة، الظاهر أنه مبني على القيل المار عن السراج، ويؤيده قول المتون: وينفل بعد الاحراز من الخمس فقط، فإن مفهومه أنه قبل الاحراز بدارنا يجوز من الكل، لكن الظاهر أن هذا المفهوم غير معتبر، لأنه وقع التصريح بخلافه، ففي المنبع عن الذخيرة: لا خلاف أن التنفيل قبل الإصابة، وإحراز الغنيمة قبل أن تضع الحرب أوزارها جائز، ويوم الهزيمة، ويوم الفتح لا يجوز، لان القصد به التحريض على القتال، ولا حاجة إليه إذا انهزم العدو، وأما بعد الاحراز فلا يجوز إلا من الخمس إذا كان محتاجا اه. ملخصا. وفي متن الملتقى، ومتن المختار: وللامام أن ينفل قبل إحراز الغنيمة وقبل أن تضع الحرب أوزارها فقولهم: وقيل أن تضع الحرب أوزارها فائدته دفع توهم الجواز بعد انتهاء الحرب، لان قولهم قبل إحراز الغنيمة يشمل ما بعد الإصابة: أي إصابة العسكر الغنيمة بالهزيمة وانتهاء الحرب مع أنه غير مراد كما بينه عطف هذه الجملة. وفي الفتح التنفيل إنما يجوز عندنا قبل الإصابة، فقد ظهر ضعف ما في السراج، مع أن صاحب السراج لم يعول عليه في مختصره الجوهرة حيث قال عن الخجندي: التنفيل: إما أن يكون قبل الفراغ من القتال أو بعده، فإن كان بعده لا يملكه الامام، لأنه إنما جاز لأجل التحريض على القتال، وبعد الفراغ منه لا تحريض اه.. قلت: وكل ما ورد من التنفيل بعد القتال فهو محمول عندها على أنه من الخمس كما بسطه السرخسي. مطلب: الاقتباس من القرآن جائز عندنا تنبيه: قولهم أن تضع الحرب أوزارها اقتباس من القرآن، وبه يستدل على جوازه عندنا كما بسطه الشارح في الدر المنتقى، فراجعه. قوله: (وتحريضا) أي ترغيبا في القتال. مطلب في قولهم اسم الفاعل حقيقة في الحال قوله: (سماه قتيلا لقربه منه) أي من القتل، ففيه مجاز الأول مثل أعصر خمرا، لكن قال الزركشي: قولهم: اسم الفاعل حقيقة في الحال: أي حال التلبس بالفعل لا حال النطق، فإن حقيقة الضارب والمضروب لا تتقدم على الضرب ولا تتأخر عنه، فهما معه في زمن واحد ومن هذا ظهر أن قوله عليه الصلاة والسلام: من قتل قتيلا فله سلبه أن قتيلا حقيقة، وأن ما ذكروه من أنه سمى قتيلا باعتبار مشارفته للقتل لا تحقيق فيه اه. وصرح القرافي في شرح التنقيح، بأن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به، أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة مطلقا: يعني سواء كان بمعنى الحال أو الاستقبال أو الماضي إجماعا، وحينئذ فلا مجاز. أبو السعود عن الحموي. وقوله: إذا كان محكوما به كقولك زيد قائم فإنه حكم به على زيد، بخلاف جاء القائم فإنه جعل متعلق الحكم بالمجئ، ففي الأول لا بد من أن
330 يكون متصفا بالقيام حال النطق، حتى يصح الحكم عليه بالصفة، وإلا كان مجازا، بخلاف الثاني فإن قولك: جاء القائم غدا، حكم بالمجئ على ذات القائم غدا أي على من يسمى قائما غدا: أي حال التلبس بالصفة، ومنه من قتل قتيلا أي شخصا يسمى قتيلا عند تحقق القتل فيه، فافهم. قوله: (أو يقول من أخذ شيئا فهو له) هذا الفرع منقول في حواشي الهداية، وللكمال فيه كلام سنذكره مع جوابه عند قول الشارح: وجاز التنفيل بالكل. قوله: (وقد يكون بدفع مال) كأن يقول له: خذ هذه المائة واقتل هذا الكافر. تأمل. ولم أره. قوله: (وترغيب مآل) الظاهر أنه بهمزة ممدودة والإضافة على معنى في: أي ترغيب في المآل مثل: إن قتلت قتيلا فلك ألف درهم، لكن يشترط أن لا يصرح بالاجر، كما سنذكره قريبا. قوله: (فالتحريض الخ) جواب عما يورد على قوله: وندب للامام الخ. وحاصله: أن التحريض الواجب قد يكون بالترغيب في ثواب الآخرة أو في التنفيل، فهو واجب مخير، وإذا كان التنفيل أدعى الخصال إلى المقصود يكون هو الأولى، فصار المندوب اختيار إسقاط الواجب به لا هو في نفسه بل هو واجب مخير. فتح ملخصا. وفيه رد لقول العناية: إن الامر في الآية مصروف لمن الوجوب لقرينة. قوله: (ولا يخالفه) أي لا يخالف قول المصنف: وندب. مطلب: كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب قوله: (بل يستعمل في المندوب) يظهر لي أن محله في موضع يتوهم فيه البأس: أي الشدة كما هنا، فإن فيه تخصيص الفارس بزيادة مع قطع الخمس، بل استعمل نظيره في القرآن في الواجب كما في قوله تعالى: * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * (سورة البقرة: الآية 851) فنفى الجناح لما كانوا يعتقدونه من حرمة السعي بين الصفا والمروة. قوله: (قاله المصنف) أي تبعا للفتح وغيره. قوله: (ولذا) أي لكونه مندوبا لا خلاف الأولى. قوله: (استحسانا) والقياس عدمه، لان غيره يستحق بإيجابه وهو لا يملك الايجاب لنفسه، كالقاضي لا يملك القضاء لنفسه وجه الاستحسان أنه أوجب النفل للجيش وهو واحد منهم. قوله: (فلا يستحقه) لأنه في الأول خصهم بقوله: منكم فلا يتناوله الكلام، وفي الثاني: هو متهم بتخصيصه نفسه. قوله: (إلا إذا عمم بعده) أي إذا قال: إن قتلت قتيلا فلي سلبه، ولم يقتل أحدا حتى قال: ومن قتل منكم قتيلا فله سلبه، فقتل الأمير قتيلا استحقه، لان التنفيل صار عاما باعتبار كلاميه، ولا فرق بين كونه بكلامين أو بكلام واحد، لان الأول لم يصح للتهمة بالتخصيص وقد زالت بالثاني. أفاده السرخسي. وحاصله: أن التعميم حصل بمجموع الكلامين لا بالثاني فقط، فافهم. قوله: (ويستحقه) أي السلب. قوله: (وغيره) كالتاجر والمرأة والعبد. بحر. قوله: (أي التنفيل) أي تنفيل الامام بقوله: من قتل قتيلا إنما يكون في مباح القتل: أي وإن كان لفظ قتيلا نكرة لكنه مقيد بمن يباح قتله،
331 فيدخل فيه أجير لهم وتاجر منهم وعبد يخدم مولاه ومرتد أو ذمي لحق بهم ومريض أو مجروح وإن لم يستطع القتال، وشيخ فإن له رأي أو يرجى نسله لان قتله مباح، نعم لو قتل مسلما كان يقاتل في صفهم لم يكن له سلبه، لأنه وإن كان مباح الدم لكن سلبه ليس بغنيمة كأهل البغي، إلا إذا كان سلبه للمشركين أعاروه إياه. سرخسي. وما ذكره في الدر المنتقى عن البرجندي عن الظهيرية من أنه يستحق السلب بقتل من لم يقاتل استحسانا لم أره في الظهيرية، بل الذي فيها عدم الاستحقاق كما عزاه إليها القهستاني، فافهم. قوله: (ممن لم يقاتل) حتى لو قاتل الصبي فله سلبه، لأنه مباح الدم، وكذا المرأة كما في شرح السير. قوله: (ويعم كل قتلا في تلك السنة) الأولى السفرة كما عبر في البحر والنهر، وفي شرح السير: لو نفل فدار الحرب قبل القتال يبقى حكمه إلى أن يخرجوا من دار الحرب، حتى لو رأى مسلم مشركا نائما فقتله فله سلبه، كما لو قتله في الصف أو بعد الهزيمة، أما لو نفل بعد ما اصطفوا للقتال فهو على ذلك القتال حتى ينقضي ولو بقي أياما. قوله: (وإن مات الوالي أو عزل) في شرح السير: لو جاء مع المدد أمير وعزل الأمير الأول بطل تنفيله، فيما يستقبل لزوال ولايته بالعزل، أما لو لم يقدم أمير بل مات أميرهم فأمر عليهم غيره لم يبطل حكم تنفيل الأول لان الثاني قام مقامه، إلا إذا أبطله الثاني، أو كان الخليفة قال لهم: إن مات أميركم فأميركم فلان فيبطل تنفيل الأول، لان الثاني نائب الخليفة بتقليده من جهته، فكأنه قلده ابتداء، فينقطع حكم رأي الأول برأي فوقه اه. ملخصا. وحاصله: بطلانه بالعزل، وكذا بالموت إذا نصب غيره بعده من جهة الخليفة لا من جهتهم، وهو خلاف ما في الشرح تبعا للبحر والنهر. قوله: (لأنه نكرة في سياق الشرط) فيه أن النكرة في سياق الشرط إنما تعم في اليمين المثبت، لان الحلف على نفيه دون المنفى ك إن لم أكلم رجلا لأنه على الاثبات كأنه قال لأكلمن رجلا، كما في التحرير ح. قلت: ذكر في التحرير أيضا: أنه قد يظهر عموم النكرة من المقام وغيره علمت نفس وتمرة خير من جرادة، وأكرم كل رجل اه. وهنا كذلك كما يأتي تلوه، فافهم. قوله: (بخلاف إن قتلت قتيلا) أي فقتل المخاطب قتيلين مثلا لا يعم الكل، بل له سلب الأول فقط استحسانا، والقياس أنه كالأول لأنه علق استحقاقه بشرط يتكرر، فلا ينتهي بقتل الأول. وجه الاستحسان أنه في الأول لما لم يعين إنسانا بعينه فقد خرج الكلام عنه عاما، ألا ترى أنه يتناول جميع المخاطبين، فكما يعم جماعتهم يعم جماعة المقتولين، وحقيقة معنى الفرق أن مقصود الامام من تحريشهم المبالغة في النكاية في المشركين، ولا فرق في ذلك بين أن يكون القاتل للعشرة مثلا عشرة من المسلمين أو واحدا منهم. وأما الثاني فالمقصود فيه معرفة جلادة ذلك الرجل، وذلك يتم بدون إثبات العموم في المقتولين اه. ملخصا من شرح السير الكبير. وقد خطر لي هذا الفرق قبل رؤيته، ولله تعالى الحمد. وحاصله: يرجع إلى أن العموم في أحدهما استفيد من قرينة المقام كما نبهنا عليه آنفا، فافهم.
332 قوله: (ولو قال إن قتلت ذلك الفارس الخ) أقول: هذا إذا صرح بكونه أجرا، وإلا فهو تنفيل لما في السير الكبير للسرخسي، ولو قال الأمير لمسلم حر أو عبد: إن قتلت ذلك الفارس من المشركين، فلك علي أجر مائة دينار، فقتله لم يكن له أجر، لأنه لما صرح بالاجر لا يمكن حمل كلامه على التنفيل، والاستئجار على الجهاد لا يجوز وإن قال ذلك لذمي، فكذلك عندهما، وعند محمد: جاز، وأصل جواز الاستئجار على القتل عنده لا عندهما، لأنه إزهاق الروح، وليس من عمله، ولو كان الاسرى قتلى فقال من قطع رؤوسهم فله أجر عشرة دراهم، ففعل ذلك مسلم أو ذمي استحقه، لان ذلك ليس من عمل الجهاد، ولو أراد قتل الاسرى فاستأجر عليه مسلما أو ذميا فهو على الخلاف اه. ملخصا. وهذا صريح بأنه لو لم يصرح بالاستئجار يكون تنفيلا، ويشهد له فروع كثيرة في السير الكبير أيضا منها: من جاء بألف درهم فله ألفان، فجاء رجل بألف لم يكن له غيرها، بخلاف من جاء بأسير فهو له وخمسمائة درهم فإنه يعطى ذلك، لان المقصود هنا نكاية العدو، وفيما قبله لا مقصود إلا المال، ولو قال: من قتل الملك فله عشرة آلاف دينار صح، وإن لم يحصل بقتله مال. قال حين اصطفوا للقتال: من جاء برأس فله مائة دينار فهو على رأس الرجال دون السبي، لان المقصود في هذه الحالة التحريض على القتال اه. ففي هذه الفروع ذكر مال معلوم، وقد جعل تنفيلا لا إجارة لعدم التصريح بها، فقد ظهر أن ما ذكره الشارح تبعا للنهر عن المنية، وكذا ما نقله ح عن قاضيخان، ليس على إطلاقه. وأما القول بأن الاستئجار على الطاعات جائز عند المتأخرين، ففيه أنهم أجازوه في مسائل خاصة للضرورة، وليس الجهاد منها، ولا يصح حمل كلامهم على كل عبادة كما نبهنا عليه سابقا، فافهم. قوله: (ولو نفل السرية الخ) من فروع قوله: وسماع القاتل الخ. قوله: (هي قطعة من الجيش الخ) قد علمت ما فيه قبل هذا الباب. قوله: الربع) أي ربع الغنيمة: أي بأن جعل لهم ربعها يأخذونه دون بقية العسكر زيادة على سهامهم. قوله: (فلهم النفل) أي للسرية، والأولى أن يقول: فلها لئلا يتوهم عود الضمير على العسكر. قوله: (استحسانا) والقياس أنه لا نفل لهم، لان المقصود التحريض، ولا يحصل إذا لم يسمعه أحد منهم، وتكلم الأمير بذلك في عسكر كتكلمه ليلا مع عياله. وجه الاستحسان أن ما يتكلم به في عسكره يفشو عادة، وأن عادة الملوك التكلم بين خواصهم، وتمامه في شرح السير. مطلب مهم في التنفيل العام بالكل أو بقدر منه قوله: (وجاز التنفيل بالكل) بأن يقول للسرية: ما أصبتم فهو لكم سوية بينكم. قوله: (أو بقدر منه) بأن يقول: ما أصبتم فلكم ثلثه سوية بينكم بعد الخمس، أو يقول قبل الخمس: أي لكم ثلثه بعد إخراج الخمس أو قبل إخراجه: أي ثلث الأربعة الأخماس أو ثلث الكل. قوله: (والفرق في الدرر) أي الفرق بين جواز التنفيل المذكور للسرية، وعدم جوازه للعسكر، لكنه لم يذكر في الدرر في الفرق إلا التنفيل بالكل، لأنه يعلم منه الفرق في التنفيل بقدر منه، وعبارة الدرر هكذا في النهاية عن السير الكبير: أن الامام إذا قال لأهل العسكر جميعا ما أصبتم فلكم نفلا بالسوية بعد الخمس
333 فهذا لا يجوز، وكذا إذا قال: ما أصبتم فلكم، ولم يقل بعد الخمس، فإن فعله مع السرية جاز، وذلك أن المقصود من التنفيل التحريض على القتال، وإنما يحصل ذلك بتخصيص البعض بشئ، وفي التعميم إبطال تفضيل الفارس على الراجل وإبطال الخمس أيضا إذا لم يستثن اه. قلت: وما ذكره من صحته للسرية صرح به في الهداية والاختيار والزيلعي. لكن نقل في البحر عن الكمال التسوية بين العسكر والسرية في عدم الصحة حيث قال: لو قال للعسكر كل ما أخذتم فهو لكم بالسوية بعد الخمس أو للسرية: لم يجز، لان فيه إبطال السهمين اللذين أوجبهما الشرع، إذ فيه تسوية الفارس بالراجل، وكذا لو قال: ما أصبتم فهو لكم ولم يقل بعد الخمس، لان فيه إبطال الخمس الثابت بالنص. ذكره في السير الكبير. قال الكمال: وهذا بعينه يبطل ما ذكرناه من قوله: من أصاب شيئا فهو له، لاتحاد اللازم فيهما، وهو بطلان السهمين المنصوصين بالتسوية، بل وزيادة حرمان من لم يصب شيئا أصلا بانتهائه، فهو أولى بالبطلان، والفرع المذكور من الحواشي وبه أيضا ينتفي ما ذكر: أي صاحب الهداية من قوله: إنه لو نفل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى المصلحة. وفيه زيادة إيحاش الباقين وزيادة الفتنة اه. وتبعه في النهر. أقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق: لا تنافي بين ما نقله الجماعة وما نقله الكمال بحمل الأول على السرية المبعوثة من دار الحرب، والثاني على المبعوثة من دار الاسلام، وبه يندفع ما أورده الكمال على الفرع المنقول عن الحواشي وغيره، كما يعلم مما ذكره الامام السرخسي في السير الكبير في مواضع متفرقة منه. وحاصله: أن السرية إن كانت مبعوثة من دار الحرب بأن دخل الامام مع الجيش ثم بعث سرية ونفل لهم ما أصابوا جاز، لأنهم قبل التنفيل لا يختصون بما أصابوا، وهذا التنفيل للتخصيص على وجه التحريض، وإن كانت السرية مبعوثة من دار الاسلام لم يكن له ذلك، وكذا لو نفل لهم الثلث بعد الخمس، أو قبل الخمس كان باطلا، لأنه ما خص بعضهم بالتنفيل، وليس مقصوده إلا إبطال الخمس أو إبطال تفصيل الفارس على الراجل، فلا يجوز، كما لو قال: لا خمس عليكم فيما أصبتم، أو الفارس والراجل سواء فيما أصبتم فإنه يكون باطلا، فكذا كل تنفيل لا يفيد إلا ذلك باطل، بخلاف قوله: من قتل قتيلا فله سلبه، ومن أصاب منكم شيئا فهو له دون باقي أصحابه، فإنه يجوز لان فيه معنى التخصيص للتحريض، لان القاتل يختص بالنفل، دون باقي أصحابه، وهذا وإن كان فيه إبطال الخمس عن الأسلاب، لكن المقصود منه التحريض، وتخصيص القاتلين بإبطال شركة العسكر عن الأسلاب ثم يثبت إبطال الخمس عنها تبعا، وقد يثبت تبعا ما لا يثبت قصدا كالشرب والطريق في البيع والوقف في المنقول يثبت تبعا للعقار، وإن كان لا يثبت قصدا، ويوضحه أن الامام لو ظهر على بلدة له أن يجعلها خراجا، ويبطل منها سهام من أصابها والخمس، ولو أراد قسمتها بين الغانمين ويجعل حصة الخمس خراجا لمقاتلة الأغنياء لم يكن له ذلك لأنه إبطال الخمس مقصودا، فلا يجوز، وفي الأول يثبت إبطاله تبعا لابطال حق الغانمين في الغنيمة، فيجوز وإن كان في الموضعين تخلص المنفعة للمقاتلة اه. ملخصا من مواضعه. والذي تحرر منه ومما مر: أن تنفيل كل العسكر بكل المأخوذ أو ثلثه مثلا بعد إخراج الخمس أو قبله لا يصح وكذا تنفيل السرية المبعوثة من دارنا لأنها بمنزلة العسكر، والتنفيل هو تخصيص
334 بعض المقاتلين بزيادة للتحريض، وهذا ليس كذلك، لأنه جعل كل المأخوذ أو ثلثه بين كل المقاتلين سوية بينهم، فصار المقصود منه إبطال التفاوت بين الفار س والراجل، وإبطال الخمس أيضا إن لم يستثنه بأن لم يقل بعد الخمس وإبطال ذلك مقصودا لا يصح، بخلاف السرية المبعوثة من الجيش في دار الحرب، لان معنى التنفيل موجود فيها لان المراد تمييزها من بين العسكر بجميع المأخوذ أو بثلثه لأجل تحريضها على القتال، وإن لزم منه إبطال التفاوت، والخمس لكونه ضمنا لا قصدا فصار بمنزلة قوله للعسكر: من قتل منكم قتيلا فله سلبه، فإنه تخصيص للبعض منهم، وهو القاتل، بزيادة على الباقي وإن لزم منه ما ذكر، بخلاف قوله لكل العسكر: ما أصبتم فهو لكم، لأنه بمنزلة قوله ذلك للسرية المبعوثة من دار الاسلام، لعدم المشارك لها فليس فيه تخصيص بعض دون بعض، فلا يصح كما قررناه، وبهذا التقرير ظهر صحة الفرع المنقول من حواشي الهداية وهو: من أصاب شيئا فهو له، لأنه تخصيص للمصيب بما أصابه، فهو بمنزلة قوله من قتل قتيلا فله سلبه، بخلاف قوله ما أصبتم فهو لكم، أو كل ما أخذتم، فهو لكم بالسوية، لأنه تشريك محض بجميع المأخوذ بين جميع العسكر أو السرية، لان معناه قسمة جميع ما يأخذه كل واحد بينهم سوية، فصار المقصود منه إبطال التفاوت، والخمس لا يصح إبطال ذلك قصدا كما علمت، وكذا ظهر صحة قوله لو نفل بجميع المأخوذ جاز أي بأن قال من أصاب شيئا فهو له، بخلاف ما أصبتم فهو لكم، لما علمت من أنه تشريك لا تخصيص، ولا يرد عليه قوله إن فيه إبطال السهمين أي التفاوت بين الفارس والراجل، وكذا إبدال الخمس لما علمت من أن ذلك جائز إذا كان ضمنا لا قصدا، وهنا حيث وجد تخصيص كل آخذ بما أخذه للتحريض، فقد تحقق معنى التنفيل وإن لزم منه حرمان من لم يصب شيئا. فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنه من فيض المولى عز وجل، قوله: (ولا ينفل بعد الاحراز هنا) وكذا قبل الاحراز بعد الإصابة، كما أوضحناه عند قوله وندب للامام أن ينفل وقت الفتال. قوله: (لجوازه لصنف واحد) أشار به إلى أنه يشترط أن يكون التنفيل المذكور لاحد الأصناف الثلاثة، فلا يجوز لغني كما صرح به الزيلعي والقهستاني وغيرهما، وما بحثه في البحر رده في النهر وغيره. قوله: (وسلبه) بفتحتين بمعنى المسلوب والجمع أسلاب. قوله: (ما معه من مركبه وثيابه) ومن ذهب وفضة في حقيبته أو وسطه، وخاتم وسوار ومنطقة في الصحيح نهر عن الحقائق. قوله: (لاما على دابة أخرى) ولا ما كان مع غلامه أو في خيمته. نهر. قوله: (حكمه قطع حق الباقين) أي باقي الغانمين، وحينئذ فلا خمس فيما أصابه لاحد، ويورث عنه، ولو مات بدار الحرب. شرنبلالية فليحفظ. در. منتقى. قلت: ومن حكمه قطع التفاوت أيضا فيستوي فيه الفارس والراجل كما قدمنا عن شرح السير. قوله: (لا الملك قبل الاحراز) هذا عندهما وعند محمد يثبت ووجوب الضمان بالاتلاف. هداية وغيرها قلت. والظاهر أن المراد بنفي ثبوت الملك عندهما نفي تمامه، وإلا فكيف يورث مال لم يملكه مورثه، ولم أر من نبه عليه. در. منتقى. قوله: (لم يحل له وطؤها ولا بيعها) أي قبل
335 الاحراز خلافا لمحمد كما مر. قوله: (لم تحل له إجماعا) أي حتى يخرجها ثم يستبرئها ط عن الشلبي. قوله: (والسلب للكل) أي لكل الجند إن لم ينفل الامام به للقاتل وخصه الشافعي رحمه الله بالقاتل. در. منتقى. قوله: (لحديث الخ) ذكر في الفتح أن الحديث ضعيف، ولا يضر ضعفه لأنا نستأنس به لاحد محتملي حديث السلب أي قوله عليه الصلاة والسلام: من قتل قتيلا فله سلبه بحمله على التنفيل وليس كل ضعيف باطلا، وقد تضافرت أحاديث ضعيفة تفيد أن حديث السلب ليس نصبا (1) عاما مستمرا، والضعيف إذا تعددت طرقه يرتقي إلى الحسن، فيغلب الظن بأنه تنفيل، وتمام تحقيق المقال فيه. قوله: (حيث وقع الاشتباه في قسمتهم) الأولى في قسمتهن بضمير النسوة لعوده إلى الإماء، إلا أن يقال أنه عائد إلى الغزاة وفيه بعد، ثم الواقع الآن أنه لا تقسم غنيمة أصلا كما ذكره في الجواب. قوله: (وقع التنفيل الكلي) أي بقول السلطان: كل من أخذ شيئا فهو له، أما لو قال كل ما أصبتم فهو لكم، فإنه لا يصح كما مر، والمراد وقوعه لأي عسكر كان، في أي غزوة كانت، وإلا خالفه ما مر من أنه يعم كل قتال في تلك السنة ما لم يرجعوا، لكن يبقى النظر فيما بعد موت السلطان المنفل على هذا الوجه أو بعد عزله وتولية غيره، هل يبقى الأول العام أم لا؟ ويتعين عدمه ما لم ينفل الثاني مثله؟ وهكذا إلى وقتنا هذا، فقد ذكر في الخيرية أن أمر السلطان لا يبقى بعد موته، وما قيل من أن كل سلطان من سلاطين آل عثمان نصرهم الله تعالى، يؤخذ عليه عهد من قبله: لا ينفع كما أوضحت ذلك في كتابي تنبيه الولاة والحكام على شاتم خير الأنام. مطلب في حكم الغنيمة المأخوذة بلا قسمة في زماننا قوله: (فبعد إعطاء الخمس لا تبقى شبهة) قد علم مما قدمناه قريبا عند قوله: وجاز التنفيل بالكل أنه لا يلزم إعطاء الخمس في التنفيل العام المقصود منه التخصيص دون التشريك، كما لا يلزم فيه تفاوت الفارس والراجل لسقوط ذلك ضمنا لا قصدا، على أن الواقع في زماننا عدم القسمة، وعدم إعطاء الخمس فكيف تنتفي الشبهة على فرض لزوم الخمس، بل الشبهة باقية من حيث أنا لا نعلم أن سلطان زماننا هل نفل تنفيلا عاما أم لا، ولا يقال: إن عدم القسمة اليوم دليل على وجود التنفيل، لان جيوش زماننا يأخذون ما تصل إليه أيديهم سلبا ونهبا، حتى من بلاد الاسلام ولو ظهر مالكه المسلم لا يدفعه إليه إلا بثمنه فليس في حالهم ما يقتضي حملهم على الكمال، وكذا حكام هذا الزمان وأمراء الجيوش: لا ينفلون ولا يقسمون، ولا يخمسون، فالظاهر أن ما يؤخذ من الغنائم اليوم حكمه حكم الغلول، وقد ذكر في شرح السير الكبير أن الغال إذا ندم وأتى بما غله إلى الامام بعد تفرق الجيش، فإن شاء رده عليه وأمره بصرفه إلى مستحقيه، وإن شاء أخذه
(1) قوله: (نصبا) كذا بالأصل المقابلي على خط المؤلف ولعل الصواب (نصا) ا ه مصححه. 336 منه ودفع خمسه لمستحقه ويكون الباقي كاللقطة، فإن لم يقدر على أهله (1) تصدق به أو جعله موقوفا في بيت المال وكتب عليه أمره، وإن لم يأت به الغال إلى الامام إن لم يقدر على رده إلى أهله فالمستحب له أن يتصدق به، وإن قدر فالحكم فيه كاللقطة ودفعه إلى الامام أحب كما في اللقطة، فيعطي الخمس منه لأهله، وذكر أيضا أن بيع الغازي سهمه قبل القسمة باطل كإعتاقه. مطلب في وطئ السراري في زماننا وفي حاوي الزاهدي: اشترى جارية مأسورة لم يؤد منها الخمس من الأمير ينفذ، ويحل وطؤها، وإن اشتراها ممن وقعت في سهمه نفذ في أربعة أخماسها ولا يحل له وطؤها اه: أي إذا قسمت ولم تخمس، وأنما حل في بيع الأمير بناء على أن له البيع قبل الاحراز، كما مر، ويكون الخمس حينئذ واجبا في الثمن لا فيها فيحل وطؤها، فإذا لم يوجد تنفيل ولا قسمة ولا شراء من أمير الجيش: لا يحل الوطئ بوجه أصلا، لكن لا نحكم على كل جارية بعينها من الغنيمة بأنها لم يوجد فيها شئ من ذلك، لاحتمال أن من أخذها اشتراها من الأمير، فارتفع تيقن الحرمة وبقيت الشبهة القوية، فإن الظاهر محال الجيوش في زماننا عدم الشراء، ولا ترتفع الشبهة بعقده عليها لأنها حيث كانت مشتركة بين الغانمين وأصحاب الخمس، لم يصح تزويجها نفسها، فالأحوط ما نقله بعض الشافعية عن بعض أهل الورع: أنه كان إذا أراد التسري بجارية شراها ثانيا من وكيل بيت المال. قلت: أي لأنه إذا حصل اليأس من معرفة مستحقها من الغانمين صارت بمنزلة اللقطة، واللقطة من مصارف بيت المال، لكن إذا كان المشتري فقيرا: له تملكها. مطلب: فيمن له حق في بيت المال وظفر بشئ من بيت المال ونقل في القنية عن الامام الوبري أن من له حظ في بيت المال ظفر بما له وجه لبيت المال فله أن يأخذه ديانة اه. ونظمه في الوهبانية وفي البزازية قال الإما الحلواني: إذا كان عنده وديعة فمات المودع بلا وارث: له أن يصرف الوديعة إلى نفسه في زماننا: لأنه لو أعطاها لبيت المال لضاعت، لأنهم لا يصرفونه مصارفه، فإذا كان من أهله صرفه إلى نفسه، وإلا صرفه إلى المصرف اه. وقدم الشارح هذا في باب العشر من كتاب الزكاة، وظاهره أن من له حظ في بيت المال بكونه فقيرا أو عالما أو نحو ذلك، ووجد ما مرجعه إلى بيت المال من أي بيت من البيوت الأربعة الآتية في آخر الجزية له أخذه ديانة بطريق الظفر في زمانا، ولا يتقيد أخذه بأن يكون مرجع المأخوذ إلى البيت الذي يستحق منه، وإلا فمصرف تركه بلا وارث ولقطة هو لقيط فقير وفقير لا ولي له. وقوله: فإذا كان من أهله: أي من أهل بيت المال غير مقيد بكونه من أهل ذلك البيت، كما هو ظاهر كلام الوبري أيضا، لأنه لو تقيد بذلك لزم أن لا يأخذ مستحق شيئا، لان بيت المال في زماننا غير منتظم، وليس فيه بيوت مرتبة، ولو رد ما وجده إلى بيت المال لزم ضياعه لعدم صرفه الآن في
(1) قوله: (فان لم يقدر على أهله الخ) هكذا بخطه، ولعله سقط من قلمه شئ والأصل فان لم يقدر على رده إلى أهله الخ ا ه مصححه. 337 مصارفه كما حررناه في باب العشر من الزكاة، فعلى هذا إذا اشترى جارية من الغنيمة: فإن كان ممن يستحق من الخمس، جاز له صرفها إلى نفسه بطريق استحقاقه من الخمس، وإن لم يكن مستحقا منه وله استحقاق من غيره كالعالم الغني ينبغي له أن يملكها لفقير مستحق من الخمس، ثم يشتريها منه أو يملكه خمسها فقط، ثم يشتريه منه لأنه لو صرفها إلى نفسه يبقى فيها الخمس فلا يحل له وطؤها، لكن قد يقال: إن الغنيمة بعد الاحراز صارت مشتركة بين الغانمين، وأصحاب الخمس، وقد مر أن من مات بعد الاحراز يورث نصيبه، ولكن لما جهلت أصحاب الحقوق وانقطع الرجاء من معرفتهم صار مرجعها إلى بيت المال، وانقطعت الشركة الخاصة، وصار ت من حقوق بيت المال، كسائر أموال بيت المال المستحقة لعامة المسلمين استحقاقا، لا بطريق الملك، لان من مات وله حق في بيت المال لا يورث حقه منه، بخلاف الغنيمة المحرزة قبل جهالة مستحقيها، وتفرقهم فإنها شركة خاصة، وحيث صار مرجعها بيت المال لم يبق فيها حق الخمس أيضا، فلمن يستحق من بيت المال أن يتملكها لنفسه، هذا ما ظهر لي. وقد رأيت رسالة لمحقق الشافعية السيد السمهودي قال فيها: وقد كان شيخنا الوالد قد شرى لي للتسري، فذاكر شيخنا العلامة محقق العصر الجلال المحلي في أمر الغنائم والشراء من وكيل بيت المال فقال له شيخنا الوالد: نحن نتملكها بطريق الظفر لما لنا من الحق الذي لا نصل إليه في بيت المال، لان تلك الجارية على تقدير كونها من غنيمة لم تقسم قسمة شرعية قد آل الامر فيها إلى بيت المال، لتعذر العلم بمستحقيها، فقال شيخنا المحلي: نعم لكم فيه حقوق من وجوه اه. وهذا موافق لما نقلناه عن القنية وعن البزازية، والله سبحانه وتعالى أعلم. باب استيلاء الكفار لما فرغ من بيان حكم استيلائنا عليهم شرع في بيان حكم استيلاء بعضهم على بعض، وحكم استيلائهم علينا. فتح. وبه ظهر أنه من إضافة المصدر إلى فاعله لا إلى مفعوله أيضا، لأنه هو ما فرغ من بيانه، فافهم. قوله: (على بعضهم بعضا) تبع في هذا التعبير صاحب النهر، وصوابه بعضهم على بعض كما قال ح أو إسقاط لفظ بعضا كما قال ط. قوله: (بدار الحرب) أفاد إطلاقه أنه لا يشترط الاحراز بدار المالك، حتى لو استولى كفار الترك والهند على الروم وأحرزوها بالهند، ثبت الملك لكفار الترك ككفار الهند كما في الخلاصة. قهستاني ونحوه في البحر. ويأتي ما يؤيده، لكن ذكر ابن كمال أن الإحراز هنا غير شرط، وإنما هو مخصوص في المسألة الآتية وهي قوله: وإن غلبوا على أموالنا الخ على ما أفصح عنه صاحب الهداية اه: أي حيث أطلق هنا، وقيد بالاحراز في الآتية، وذكر في الشرنبلالية مثل ما ذكره ابن كمال، فتأمل. قوله: (لاستيلائه على مباح) أي فيملكه هو بمباشرة سببه كالاحتطاب والاصطياد. قوله: (ولو سبي الخ) ذكر المسألة بتعليلها في الدرر عن واقعات الصدر الشهيد، ولم يذكر أموال أهل الذمة لأنها كأموالنا فتملك بالاحراز، وقوله: من دارنا: الظاهر أنه احتراز عما لو لحق الذمي بدار الحرب فسبى منها، أما لو دخل دارهم على نية العود، فالظاهر أنه لا يملك بالسبي لبقاء عهد الذمة، فله حكمنا. تأمل. قوله:
338 (من ذلك السبي للكافر) فسر اسم الإشارة بما ذكر ليفيد أنه راجع إلى المسألة الأولى دون مسألة الذمي، لأنهم إذا لم يملكوا الذمي إذا سبوه لم نملكه منهم، فافهم. قوله: (اعتبارا بسائر أملاكهم) أي كما نملك باقي أملاكهم وشمل ما إذا كان بيننا وبين المسببين موادعة، لأنا لم نغدرهم إنما أخذنا مالا خرج عن ملكهم، ولو كان بيننا وبين كل من الطائفتين موادعة كان لنا أن نشتري من السابين لما ذكرنا، إلا إذا اقتتلوا بدارنا، لأنهم لم يملكوه لعدم الاحراز فيكون شراؤنا غدرا بالآخرين، لأنه على ملكهم، وتمامه في البحر عن الفتح. وقوله: لم يملكوه لعدم الاحراز، يدل على اشتراط الاحراز في المسألة المارة، كما ذكرناه. مطلب فيما لو باع الحربي ولده تنبيه: في النهر عن منية المفتي إذا باع الحربي هناك ولده من مسلم عن الامام لأنه لا يجوز ولا يجبر على الرد. وعن أبي يوسف أنه يجبر إذا خاصم الحربي. ولو دخل دارنا بأمان مع ولده فباع الولد: لا يجوز في الروايات اه: أي لان في إجازة بيع الولد نقض أمانه كما في ط عن الولوالجية. قوله: (ولو عبدا مؤمنا) وكذا الكافر بالأولى، وكان الأولى التعبير بالقن ليخرج المدبر والمكاتب وأم الولد، فإنهم لا يملكونهم كما سيذكره المصنف، ومثل العبد الأمة كما في الدرر. مطلب: يلحق بدار الحرب المفازة والبحر الملح قوله: (وأحرزوها بدارهم) ويلحق بها البحر الملح ونحوه كمفازة ليس وراءها بلاد إسلام، نقله بعضهم عن الحموي. وفي حاشية أبي السعود عن شرح النظم الهاملي: سطح البحر له حكم دار الحرب اه. وفي الشرنبلالية قبيل باب العشر: سئل قارئ الهداية عن البحر الملح أمن دار الحرب أو الاسلام؟ أجاب: إنه ليس من أحد القبيلين لأنه لا قهر لاحد عليه اه. قال في الدر المنتقى هناك: لكن قدمنا في باب نكاح الكافر أن البحر الملح ملحق بدار الحرب. قوله: (ملكوها) هو قول مالك وأحمد أيضا، فيحل الاكل والوطئ لمن اشتراه منهم كما في الفتح لقوله تعالى: * (للفقراء المهاجرين) * (سورة الحشر: الآية 8) سماهم فقراء، فدل على أن الكفار ملكوا أموالهم التي هاجروا عنها، ومن لا يصل إلى ماله ليس فقيرا، بل هو ابن سبيل، ولذا عطفوا عليهم في آية الصدقات، وهذا مؤيد لما ورد من طرق كثيرة، وإن كانت ضعيفة تفيد هذا الحكم بلا شك، كما أوضحه وأطال في تحقيقه ابن الهمام. قوله: (لا للاستيلاء الخ) رد على الهداية حيث ذكر أن عند الشافعي لا يملكونها، لان الاستيلاء محظور، فلا يفيد الملك. ولنا أن الاستيلاء ورد على مال مباح، لان العصمة في المال إنما ثبتت على منافاة الدليل، وهو قوله تعالى: * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) * (سورة البقرة: الآية 92) فإنه يقتضي إباحة الأموال وعدم العصمة، لكنها ثبتت لضرورة تمكن المالك من الانتفاع، فإذا زالت المكنة بالاستيلاء وتباين الدارين عاد مباحا كما كان اه. موضحا من العناية والفتح.
339 مطلب في أن الأصل في الأشياء الإباحة قوله: (لما أن الصحيح الخ) حاصله أن هذا التعليل المار عن الهداية مبني على أن الأصل في الأشياء الإباحة وهو رأي المعتزلة، والصحيح من مذهب أهل السنة أن الأصل فيها الوقف حتى يرد الشرع، بل الوجه أن العصمة ثابتة بخطاب الشرع عندنا، فلم تظهر العصمة في حقهم، وعند الشافعي هم مخاطبون بالشرائع، فظهرت العصمة في حقهم، فلا يملكونها بالاستيلاء، هذا حاصل ما في المنبع شرح المجمع. أقول: وفيه نظر من وجوه: الأول: أن ما مر عن الهداية ليس مبنيا على أن الأصل الإباحة، لان الخلاف المذكور فيه إنما هو قبل ورود الشرع، وصاحب الهداية إنما أثبت الإباحة بعد ورود الشرع بمقتضى الدليل: يعني أن مقتضى الدليل إباحتها، لكن ثبتت العصمة بعارض، وقد صرح بذلك في أصول البزدوي حيث قال بعد ورود الشرع: الأموال على الإباحة بالاجماع ما لم يظهر دليل الحرمة، لان الله تعالى أباحها بقوله: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * (سورة البقرة: الآية 92). الثاني: أن الكفار مخاطبون بالايمان وبالعقوبات سوى حد الشرب وبالمعاملات، وإنما الخلاف في العبادات كما قدمناه أوائل الجهاد. الثالث: أن قوله: فلم تظهر العصمة في حقهم: أي هو مباح لهم، ففيه رجوع إلى القول بالإباحة كما أفاده ط. الرابع: أن نسبة الإباحة إلى المعتزلة مخالف لما في كتب الأصول، ففي تحرير ابن الهمام: المختار الإباحة عند جمهور الحنفية والشافعية اه. وفي شرح أصول البزدوي للعلامة الأكمل: قال أكثر أصحابنا وأكثر أصحاب الشافعي إن الأشياء التي يجوز أن يرد الشرع بإباحتها وحرمتها قبل وروده على الإباحة، وهي الأصل فيها حتى أبيح لمن لم يبلغه الشرع أن يأكل ما شاء، وإليه أشار محمد في الاكراه حيث قال: أكل الميتة وشرب الخمر لم يحرما إلا بالنهي، فجعل الإباحة أصلا والحرمة بعارض النهي، وهو قول الجبائي وأبي هاشم وأصحاب الظاهر. وقال بعض أصحابنا وبعض أصحاب الشافعي ومعتزلة بغداد: إنها على الحظر. وقالت الأشعرية وعامة أهل الحديث: إنها إلى الوقف، حتى إن من لم يبلغه الشرع يتوقف ولا يتناول شيئا، فإن تناول لم يوصف فعله بحل ولا حرمة. وقال عبد القاهر البغدادي: تفسيره لا يستحق ثوابا ولا عقابا وإليه مال الشيخ أبو منصور اه. وبسط أدلة الأقوال فيه. قوله: (ويفترض علينا اتباعهم) أي لاستنفاد أموالنا ما داموا في دار الاسلام، فإن دخلوا دار الحرب لا يفترض، والأولى الاتباع، بخلاف الذراري يفترض اتباعهم مطلقا. بحر عن المحيط. وقوله: مطلقا أي، وإن دخلوا دار الحرب، لكن ما لم يبلغوا حصونهم كما قدمناه أول الجهاد عن الذخيرة. قوله: (فإن أسلموا تقرر ملكهم) أي لا سبيل لأربابها عليها بحر عن شرح الطحاوي، وعبر الشارح بالتقرر، لان ملكهم بعد الاحراز قبل الاسلام، على شرف الزوال
340 إذا غلبنا عليهم، وبهذا التعبير صح ذكر هذه المسألة في شرح قوله: وإن غلبوا على أموالنا الخ ليفيد أنه قوله: ملكوها أي ملكا على شرف الزوال، وإلا كان المناسب ذكرها عند قوله: وملكنا ما نجده من ذلك الخ بأن يقول: إلا أن كانوا أسلموا التقرر ملكهم. تأمل. قوله: (أما قبله) أي قبل الاحراز. قوله: (مطلقا) أي قبل القسمة أو بعدها. قوله: (فمن وجد ملكه) الإضافة للعهد: أي الذي يملكه الكفار، فلو دخل في دارنا حربي بأمان وسرق من مسلم طعاما أو متاعا وأخرجه إلى دارهم ثم اشتراه مسلم وأخرجه إلى دارنا أخذه مالكه بلا شئ، وكذا لو أبق عبد إليهم اشتراه مسلم، كما في المحيط وغيره. قهستاني. قوله: (كما حققه في الدرر) أي رادا على ما وقع في شرح المجمع لمصنفه من حمل القسمة على القسمة بين الكفار، حيث قال: إنه مخالف لجميع الكتب كما لا يخفى على أولي الابصار. قوله: (بلا شئ) تفسير لقوله: مجانا. قوله: (بالقيمة) أي قيمته يوم أخذ الغنائم. قهستاني. وفيه أيضا أنه لو مات الملك لا سبيل لوارثه، لان الخيار لم يورث اه: أي لأنه مخير بين أخذه بالقيمة وتركه، لكن نقل السائحاني عن الخانية لو مات المأسور منه بعد إخراج المشتري من العدو، لورثته أخذه على قول محمد: لا لبعض الورثة، وعن أبي يوسف: ليس للورثة أخذه. تنبيه: في الشرنبلالية عن الجوهرة: لو كان عبدا فأعتقه من وقع في سهمه نفذ عتقه وبطل حق المالك، وإن باعه أخذه مالكه بالثمن، وليس له نقض البيع. قوله: (جبرا للضررين الخ) لان المالك القديم يتضرر بزوال ملكه عنه بلا رضاه، ومن وقع العين في نصيبه يتضرر بالأخذ منه مجانا، لأنه استحقه عوضا عن سهمه في الغنيمة، فقلنا بحق الاخذ بالقيمة جبرا للضررين بالقدر الممكن، وقبل القسمة: الملك فيه للعامة، فلا يصيب كل فرد منهم ما يبالي بفوته فلا يتحقق الضرر اه. درر. قوله: (ولو قبلها الخ) مكرر بما قبله ط. قوله: (الذي اشتراه) الضمير المستتر عائد إلى تاجر، لأنه وإن تأخر في اللفظ لكنه متقدم في المعنى، لأنه في جواب الشرط، فإن التقدير: ولو اشتراه منهم تاجر أخذه بالثمن الذي اشتراه به. قوله: (وبالقيمة لو اتهبه منهم) لأنه ثبت له ملك خاص فلا يزال إلا بالقيمة. بحر. وفيه إشارة إلى أنه لو مثليا لا فائدة في أخذه كما مر. قوله: (أو ملكه بعقد فاسد) أي فإنه يأخذه بالقيمة لو قيميا. قوله: (ليس لمالكه أخذه) أي بالخمر والخنزير، بل يأخذه بقيمة نفسه، كما نقله في النهر عن السراج الوهاج، وحينئذ لا معنى للاستدراك، بل كان عليه أن يقول: لو ملكه بعقد فاسد كما لو شراه بخمر أو خنزير اه ح. قلت: لكن صاحب السراج قال في الجوهرة: وإن اشتراه بخمر أو خنزير أخذه بقيمة الخمر، وإن شاء تركه اه. إلا أن يحمل هذا على ما إذا كان البيع مثليا، وما في السراج على ما إذا كان قيميا. تأمل. ولم يذكر: هل له أخذه بقيمة الخنزير؟ والظاهر نعم يجعل قيمة الخنزير قائمة مقام
341 المبيع لا مقام الخنزير كما ذكروه في الشفعة، فيما اشترى دارا بخنزير وشفيعها مسلم يأخذها بقيمة الخنزير وتكون قائمة مقام الدار، فتأمل. قوله: (وكذا لو شراه الخ) أي ليس لمالكه أخذه وهذا تقييد لقول المتن وبالثمن الخ. قوله: (فلو بأقل قدرا) كما لو كان التاجر اشترى قفيز بر بنصف قفيز منه. قوله: (أو أردأ وصفا) كإن اشترى قفيزا جيدا بأردأ منه، وكذا لو بالعكس. قوله: (وليس بربا لأنه فداء) أي لا عوض، وهذا راجع إلى قوله فلو بأقل قدرا، أما الأردأ وصفا: بعد التماثل في القدر، ولا يتوهم كونه ربا لان جيدها ورديئها سواء. قوله: (وإن وصلية) أي واصلة ما بعدها بما قبلها لا شرطية. قوله: (فقأ عينه) المناسب أن يرسم ففئ بالياء مبنيا للمجهول وصورة المسألة: إذا أخذ الكفار عبدا ودخلوا به دار الحرب، فاشتراه رجل وأخرجه إلى دار الاسلام ففقئت عينه وأخذ أرشها، فإن المولى يأخذه بالثمن الذي أخذه به المشتري من العدو، ولا يأخذ الأرش لان الملك فيه صحيح، فكان الأرض حاصلا في ملكه، ولو أخذه فإنما يأخذه بمثله لان الأرش دراهم أو دنانير، وتمامه في العناية. قوله: (أو فقأها المشتري) أشار به إلى قول البحر: إنه لا فرق في الفاقئ، بين أن يكون المشتري أو غيره. قوله: (لان الأوصاف الخ) أي والعين كالوصف، لأنها بها يحصل وصف الابصار وقد كانت في ملك صحيح فلا يقابلها شئ منه، والعقر كالأرش. نهر. قوله: (والقول للمشتري الخ) لأنه ينكر استحقاق الاخذ بما يدعيه المالك القديم كالمشتري مع الشفيع. قوله: (لان البينة مبينة) أي مظهرة وهو علة لمقدر، وهو إما عند وجود البرهان من أحدهما فيقبل لان الخ. قوله: (أيضا) أي كما أن بينة المالك تقبل إذا برهن وحده كما علم مما قبله. قوله: (خلافا للثاني) فإن البينة عنده بينة المشتري، ولا يخفى أن الأوجه الأول، لان البينة لاثبات خلاف الظاهر، والظاهر مع من يكون القول قوله، وهو المشتري، فبينة المالك أقوى لإثباتها خلافه، هذا ما ظهر لي، فافهم. قوله: (وإن تكرر الأسر والشراء) قيد بالتكرار لان المشتري الأول لو وهبه كان لمولاه أخذه من الموهوب له بقيمته كما لو وهبه الكافر لمسلم. فتح. قوله: (لو ورد الأسر على ملكه) أي على ملك المشتري الأول فكان الاخذ له، حتى لو أبى أن يأخذه لم يلزم المشتري الثاني إعطاؤه للأول. فتح. قوله: (ثم يأخذ المالك القديم) أي ثم بعد أخذ المشتري الأول من المشتري الثاني إذا أراد المالك الأول أن يأخذه من المشتري الأول: يأخذه بالثمنين. قوله: (وقبل أخذ الأول) الظرف متعلق بما بعده وهو قوله: لا يأخذه القديم قال في النهر: أي لا يأخذه المالك القديم من الثاني، ولو كان الأول غائبا أو حاضرا أبى عن أخذه، لان الأسر ما ورد على ملكه. قوله: (كي لا
342 يضيع الثمن) أي على المشتري الأول. قوله: (ومدبرنا) ظاهر في المدبر المطلق، أما المقيد فهل يملكونه أو لا؟ وفي تعليل المصنف بأن الاستيلاء إنما يكون سببا للملك إذا لاقى محلا قابلا للملك إشارة إلى ملكهم المقيد. قوله: (شرنبلالية). قوله: (فيأخذه مالكه) ولو في يد تاجر اشتراه منه أو واحد من العسكر. نهر. قوله: (تؤدي قيمته) أي لمن وقفي سهمه. مطلب في قولهم: إن أهل الحرب أرقاء قوله: (ونملك عليهم جميع ذلك) فلو أهدى ملكهم لمسلم هدية من أحرارهم ملكه، إلا إذا كان قرابة له، ولو دخل دارهم مسلم بأمان ثم اشترى من أحدهم ابنه، ثم أخرجه إلى دارنا قهرا: ملكه، وهل يملكه في دارهم؟ خلاف، والصحيح، لا: كما في المحيط: وفيه إشعار بأن الكفار في دارهم أحرار، وليس كذلك فإنهم أرقاء فيها وإن لم يكن ملك لاحد عليهم على ما في المستصفى وغيره. قهستاني ملخصا. در. منتقى. قلت: لكن قدمنا في العتق أن المراد بكونهم أرقاء: أي بعد الاستيلاء عليهم، أما قبله فهم أحرار لما في الظهيرية، لو قال لعبده: نسبك حر أو أصلك حر، إن علم أنه سبي لا يعتق، وإلا عتق. قال: وهذا دليل على أن أهل الحرب أحرار اه. وما في المحيط دليل عليه أيضا. قوله: (ولو ند) أي نفر من باب ضرب مصدره الندود كما في البحر عن المغرب. قوله: (إذ لا بد للعجماء) أي للدابة لكونها لا تعقل. قوله: (وإن أبق إليهم قن الخ) أي سواء كان لمسلم أو ذمي، قيد بقوله: إليهم لأنهم لو أخذوه من دار الاسلام ملكوه اتفاقا، وبقوله: مسلم احترازا عن المرتد كما يأتي، وفي العبد الذمي إذا أبق قولان كما في الفتح، وبقوله: قهرا لما في شرح الوقاية من أن الخلاف فيما أخذوه قهرا وقيدوه، أما إذا لم يكن قهرا فلا يملكونه اتفاقا. نهر. قوله: (لا) أي لا يملكونه، فيأخذه المالك القديم بلا شئ، سواء كان موهوبا منهم للذي أخرجه أو مشتري أو مغنوما، لكن لو أخذه بعد القسمة بعوض الامام المأخوذ منه من بيت المال، وتمامه في الفتح. قوله: (لظهور يده على نفسه) لأنه آدمي مكلف له يد على نفسه، وإنما سقط اعتبار يده لتمكين المولى من الانتفاع وقد زالت يد المولى بمجرد دخوله دار الحرب فظهرت يد العبد على نفسه وصار معصوما بنفسه فلم يبق محلا للتملك، بخلاف ما إذا أخذوه من دارنا، لان يد المولى قائمة حكما لقيام يد أهل الدار، وتمامه في الفتح. قوله: (ملكوه اتفاقا) لعدم اليد والعصمة ط. قوله: (وأخذ غيره بالثمن مجانا (1)) أي عند الامام، وعندهما بالثمن أيضا اعتبارا لحالة الاجتماع
(1) قوله: (واخذ غيره بالثمن مجانا) هكذا بخطه والذي في الشرح (بالثمن) فقط بدون زيادة كلمة مجانا على أنه لا معنى للجمع بينهما تأمل ا ه مصححه. 343 بالانفراد، ولا تكون يده على نفسه مانعة من استيلاء الكفار على مانعه لقيام الرق المانع للملك بالاستيلاء لغيره. بحر، ونظر فيه في الفتح بأن ملكهم ما معه لاباحته، وإنما يصير مباحا إذا لم تكن عليه يد لاحد وهذا عليه يد العبد. قوله: (وعتق عبد مسلم) أي عند أبي حنيفة، ومثله ما لو أسلم في يده، كما في العناية. مطلب: إذا شرى المستأمن عبدا ذميا يجبر على بيعه قوله: (لأنه) أي المستأمن يجبر على بيعه: أي بيع العبد الذمي الذي شراه ولا يمكن من إدخاله دار الحرب كما في الزيلعي عن النهاية عن الايضاح. قوله: (إقامة لتباين الدارين الخ) هذا وجه قول الإمام، وقالا: لا يعتق، لان الإزالة كانت مستحقة بطريق معين وهو البيع، وقد انقطعت ولاية الجبر عليه، فبقي في يده عبدا، وله أن تخلص المسلم عن ذل الكافر واجب، فيقام الشرط، وهو تباين الدارين مقام العلة وهو الاعتاق تخليصا له، كما يقام مضي الثلاث حيض مقام التفريق فيما إذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب. ابن كمال. قوله: (كما لو استولوا عليه الخ) ذكر هذا الفرع في الدرر، لكن ذكر في البزازية وكذا في التتارخانية من الملتقط: عبد أسره أهل الحرب وألحقوه بدارهم، ثم أبق منهم، يرد إلى سيده. وفي رواية: يعتق اه. وظاهره أن المرجح عدم العتق، وهو ظاهر لان سيده المسلم له حق استرداده كما يوضحه ما يأتي عقبه. قوله: (قيد بالمستأمن الخ) عبارة النهر هكذا: قيد بشراء المستأمن، لان الحربي لو أسر العبد المسلم وأدخله داره لا يعتق عليه اتفاقا، للمانع عنده من عمل المقتضى عمله، وهو حق استرداده المسلم اه. وبه يظهر ما في عبارة الشارح من الخلل. قوله: (لمانع حق استرداده) الإضافة بيانية: أي لمانع هو حق استرداد المولى المسلم عبده. حاصله: الفرق من جهة الامام بين هذه المسألة وما قبلها، وهو أن كلامنا فيمن ملكه الحربي في دارنا ووجب إزالته عن ملكه، وهنا لم يملكه قبل إدخاله دارهم، فكان للمولى حق استرداده، فلو أعتقناه على الحربي حين أحرزه أبطلنا حق استرداد المسلم إياه جبرا، فكان ذلك مانعا من عمل المقتضى عمله: أي من تأثير تباين الدارين في الاعتاق. قوله: (كعبد لهم الخ) أي كما يعتق عبد الخ، وهذا على قوله خلافا لهما. قوله: (أسلم ثمة) أي في دار الحرب وهو قيد اتفاقي، إذ لو خرج مراغما لمولاه فأسلم في دارنا فالحكم كذلك، بخلاف ما إذا خرج بإذن مولاه أو بأمره لحاجة، فأسلم في دارنا، فإن حكمه أن يبيعه الامام، ويحفظ ثمنه لمولاه الحربي. بحر. قوله: (أو إلى عسكرنا ثمة) لا يعلم فيه خلاف بين أهل العلم. فتح. قوله: (أو اشتراه مسلم الخ) أي يعتق خلافا لهما، لان قهر مولاه زال حقيقة بالبيع، وكان إسلامه يوجب إزالة قهره عنه، إلا أنه تعذر الخطاب بالإزالة فأقيم ماله أثر في زوال الملك مقام الإزالة. بحر. قوله: (أو عرضه على البيع الخ) لأنه لما عرضه فقد رضي بزوال ملكه. فتح. قوله: (ففي هذه التسع صور) أقول: بل
344 هي إحدى عشرة صورة، إلا أن العبد الذي اشتراه المستأمن وأدخله دارهم إما مسلم أو ذمي، وقوله كما لو استولوا عليه: أي على العبد المسلم أو الذمي. اه ح. قلت: مسألة الاستيلاء قد علمت ما فيها، نعم يزاد مسألة ما لو خرج مراغما لمولاه. قوله: (ولا ولاء لاحد عليه الخ) عزاه في الدرر إلى غاية البيان عن شرح الطحاوي، واعترض بأن الذي في شرح الطحاوي: ولا يثبت ولاء العبد الخارج إلينا مسلما لاحد، لان هذا عتق حكمي اه. فقد خصه بالخارج إلينا. قلت: لكن العذر لصاحب الدر أن العتق حكمي في الكل، فالظاهر عدم الفرق. قوله: (لو قال الحربي الخ) الذي تقدم من المسائل صح فيه العتق بلا إعتاق، وهذه بالعكس، لان العتق لم يصح فيه مع صريح الاعتاق، والمراد بالحربي من كان منشؤه دار الحرب، سواء أسلم هناك أو بقي على حربيته احترازا عن مسلم دخل دار الحرب، فاشترى عبدا حربيا فأعتقه، فالاستحسان أنه يعتق بلا تخلية وله الولاء، كما حررناه أول باب العتق، فراجعه. قوله: (آخذا بيده) أي لم يخل سبيله. قوله: (لا يعتق عند أبي حنيفة) حتى لو أسلم والعبد عنده فهو ملكه، وعندهما: يعتق لصدور ركن العتق من أهله، بدليل صحة إعتاقه عبدا مسلما في دار الحرب في محله لكونه مملوكا. قوله: (لأنه معتق ببيانه) أي بتصريحه بلسانه مسترق ببنانه: أي بيده، وهذا وجه قول الإمام. قال الزيلعي: وهذا لان الملك كما يزول يثبت باستيلاء جديد وهو أخذه له بيده في دار الحرب، فيكون عبدا له، بخلاف المسلم، لأنه ليس بمحمل التملك بالاستيلاء اه. والله سبحانه أعلم. باب المستأمن بكسر الميم: اسم فاعل بقرينة التفسير، ويصح بالفتح اسم مفعول والسين والتاء للصيرورة: أي من صار مؤامنا. أفاده ط. قوله: (دار غيره) المراد بالدار: الإقليم المختص بقهر ملك إسلام أو كفر، لا ما يشمل دار السكنى حتى يرد أنه غير مانع، فافهم. قوله: (حرم تعرضه لشئ الخ) شمل الشئ أمته المأسورة لأنها من أملاكهم بخلاف زوجته وأم ولده ومدبرته لعدم ملكهم لهن وكذا ما أسروه من ذراري المسلمين، فله تخليصهم من أيديهم إذا قدر، أفاده في البحر. تنبيه: في كافي الحاكم وإن بايعهم الدرهم بدرهمين نقدا أو نسيئة أو بايعهم بالخمر والخنزير والميتة فلا بأس بذلك، لان له أن يأخذ أموالهم برضاهم في قولهما: ولا يجوز شئ من ذلك في قول أبي يوسف اه. قوله: (إذ المسلمون عند شروطهم) لأنه ضمن بالاستئمان أن لا يتعرض لهم، والغدر حرام، إلا إذا غدر به ملكهم فأخذ ماله أو حبسه أو فعل غيره بعلمه ولم يمنعه، لأنهم هم الذين نقضوا العهد. بحر. قوله: (فلو أخرج الخ) تفريع لكون الملك حراما على حرمة التعرض كما أشار إليه بقوله: للغدر فافهم. قوله: (فيتصدق به) لحصوله بسبب محظور، وهو الغدر، حتى
345 لو كان جارية لا يحل له وطؤها ولا للمشتري منه، بخلا ف المشتراة شراء فاسدا، فإن حرمة وطئها على المشتري خاصة، وتحل للمشتري منه لأنه يباع بيعا صحيحا فانقطع به حق البائع الأول في الاسترداد، وهنا الكراهة للغدر والمشتري الثاني كالأول فيه، وتمامه في الفتح وفيه: لو تزوج امرأة منهم ثم أخرجها إلى دارنا قهرا ملكها فينفسخ النكاح ويصح بيعه لها، وإن طاوعته لا يصح بيعها لأنه لم يملكها، وقيدوا إخراجها كرها بما إذا أضمر في نفسه أنه يخرجها ليبيعها، ولا بد منه إذ لو أخرجها لاعتقاده أن له أن يذهب بزوجته إذا أوفاها المعجل ينبغي أن لا يملكها اه. قوله: (قيد بالاخراج لأنه لو غصب الخ) يعني: ولم يخرجه لأنه محترز القيد، وعبارته في الدر المنتقى: قيد بالاخراج لأنه لو لم يخرجه وجب رده عليهم للغدر. قوله: (وإن أطلقوه) أي تركوه في دارهم. فتح. قوله: (لأنه لا يباح إلا بالملك) ولا ملك قبل الاحراز بدارنا. قوله: (إلا إذا وجد) أي الأسير ومثله التاجر كما قدمناه. وفي قوله: امرأته إشارة إلى بقاء النكاح، سواء سبيت الزوجة قبل زوجها أو بعده، لكن في فتاوى قارئ الهداية أن المأسورة تبين. شرنبلالية. ثم نقل في النكاح ما يفيد أنها لا تبين، لعدم تباين الدارين. قال: فليتأمل فيما في فتاوى قارئ الهداية. در، منتقى. قوله: (بخلاف الأمة) أي القنة المأثورة، فلا يحل له وطؤها مطلقا لأنها مملوكة لهم. بحر. قوله: (تجب العدة) فلا يجوز وطؤهن حتى تنقضي عدتهن. بحر. قوله: (للشبهة) أي شبهة الملك، ففي البحر في غير هذا الموضع عن المحيط: لأنهم باشروا الوطئ على تأويل الملك فتجب العدة ويثبت النسب اه. قوله: (فإن أدانه التاجر) الذي دخل دار الحرب بأمان. قوله: (ببيع أو قرض) ظاهره شمول الدين للقرض، وهو موافق لما في المغرب، مخالف لما في القاموس. وفي طلبة الطلبة ما حاصله: أن من قصر المداينة على البيع بالدين شدد فقال أدان من باب الافتعال: ومن أدخل فيه القرض ونحوه مما يجب في الذمة بالعقد أو الاستهلاك خفف، وتمامه في النهر. قوله: (وبعكسه) أي بأن أدان حربيا. قوله: (لأنه ما التزم الخ) قال الزيلعي: لان القضاء يستدعي الولاية ويعتمدها، ولا ولاية وقت الإدانة أصلا، إذ لا قدرة للقاضي فيه على من هو في دار الحرب، ولا وقت القضاء على المستأمن، لأنه التزم حكم الاسلام فيما مضى من أفعاله، وإنما التزمه فيما يستقبل، والغصب فدار الحرب سبب يفيد الملك، لأنه استيلاء على مال مباح غير معصوم، فصا كالإدانة، وقال أبو يوسف: يقضي بالدين على المسلم دون الغصب، لأنه التزم أحكام الاسلام حيث كان. وأجيب بأنه إذا امتنع في حق المستأمن امتنع في حق المسلم أيضا تحقيقا للتسوية بينهما اه. ملخصا. قال في الفتح: ولا يخفى ضعفه، فإن وجوب التسوية بينهما ليس في أن يبطل حق أحدهما بلا موجب، لوجوب إبطال حق الآخر بموجب، بل إنما ذلك في الاقبال
346 والإقامة والإجلاس ونحو ذلك. قوله: (لأنه غدر) لأنه التزم بالأمان أن لا يغدرهم، ولا يقضى عليه لما ذكرنا. زيلعي: أي من أنه استيلاء على مال مباح. والحاصل: أن الملك حصل بالاستيلاء فلا يقضى عليه بالرد. لكنه بسبب محظور وهو الغدر، فأورث خبثا في الملك، فلذا يفتى بالرد: ديانة، فافهم. قوله: (لما بينا) في قوله: لأنه ما التزم حكم الاسلام الخ. قوله: (ككونه مكتوفا أو مغلولا) أو مع عدد من المسلمين. بحر. قوله: (لوقوعه صحيحا) أي والولاية ثابتة حالة القضاء لالتزامهما الاحكام بالاسلام. بحر. قوله: (للتراضي) علة لكونه صحيحا. قوله: (لما مر) أي أول الباب السابق، ولا يؤمر بالرد، لان ملكه صحيح لا خبث فيه. نهر. أي لأنه لا غدر فيه، بخلاف المستأمن. قوله: (لسقوط القود) أي في العمد، لأنه لا يمكن استيفاء القود إلا بمنعة، ولا منعة دون الامام وجماعة المسلمين، ولم يوجد ذلك في دار الحرب. بحر. قوله: (كالحد) أي كسقوط الحد لو زنى أو سرق لعدم الولاية. قوله: (فيهما) أي في العمد والخطأ. قوله: (لتعذر الصيانة) علة لقوله في: ماله أي لا على العاقلة، لان وجوب الدية على العاقلة بسبب تركهم صيانته عن القتل، ولا قدرة لهم عليها مع تباين الدارين، وهذا في الخطأ، فكان ينبغي أن يزيد: ولان العواقل لا تعقل العمد. قوله: (لاطلاق النص) هو قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) * (سورة النساء: الآية 29) بلا تقييد بدار الاسلام أو الحرب. درر. قوله: (لما مر) أي من إطلاق النص. قوله: (ولا شئ في العمد أصلا) أي لا كفارة لأنها لا تجب في العمد عندنا، ولا قود لما ذكره، وهذا عنده، وقالا: في الأسيرين الدية في الخطأ والعمد، وتمامه في البحر. قوله: (لأنه بالأسر الخ) بيان للفرق من جهة الامام بين المستأمنين والأسيرين، وذلك أن الأسير صار تبعا لهم بالقهر حتى صار مقيما بإقامتهم ومسافرا بسفرهم كعبيد المسلمين، فإذا كان تبعا لهم فلا يجب بقتله دية كأصله وهو الحربي فصار كالمسلم الذي لم يهاجر إلينا، وهو المراد بقوله: كقتل مسلم من أسلم ثمة: أي في دار الحرب، فإنه لا يجب بقتل إلا الكفارة في الخطأ، لأنه غير متقوم لعدم الاحراز بالدار، فكذا هذا لبطلان الاحراز الذي كان في دارنا بالتبعية لهم في دارهم، وأما المستأمن فغير مقهور لامكان خروجه باختياره فلا يكون تبعا لهم، وتمامه في الزيلعي. قوله: (فسقطت عصمته المقومة) هي ما توجب المال أو القصاص عند التعرض، والمؤثمة ما توجب الاثم، والأولى تثبت بالاحراز، بالدار كعصمة المال لا بالاسلام عندنا، فإن الذمي م كفره يتقوم بالاحراز، والثانية بكونه آدميا، لأنه خلق لإقامة الدين، ولا يتمكن من ذلك إلا بعصمة نفسه
347 بأن لا يتعرض له أحد، ولا يباح قتله إلا بعارض. أفاده الزيلعي. قوله: (كقتل مسلم أسيرا) أفاد أن تصوير المسألة بالأسيرين غير قيد، بالمعتبر كون المقتول أسيرا، لان المناط كون المقتول صار تبعا لهم بالقهر كما علمت، سواء كان القاتل مثله أو مستأمنا، فلو كان بالعكس بأن قتل الأسير مستأمنا فالظاهر أنه كقتل أحد المستأمنين صاحبه، كما بحثه ح. قوله: (ولو ورثته مسلمون ثمة) كذا في غالب النسخ، وكان حقه أن يقول: مسلمين لأنه خبر كان المقدرة بعد لو. وفي بعض النسخ المسلمون فهو صفة لورثته، وخبر كان قوله: قمة والله سبحانه أعلم. فصل في استئمان الكافر قوله: (ولا يمكن حربي مستأمن الخ قيد بالمستأمن لأنه لو دخل دارنا بلا أمان: كان وما معه فيئا، ولو قال دخلت بأمان إلا أن يثبت، ولو قال: أنا رسول الملك، فلو معه كتاب بعلامة تعرف كان آمنا، ولو دخل الحرم فهو فئ عنده، وقالا: لا يؤخذ، ولكن لا يطعم ولا يسقى ولا يؤذي ولا يخرج. ولو قال مسلم: أنا أمنته لم يصدق إلا أن يشهد رجلان غيره، وسواء أخذ قبل الاسلام أو بعده عند الامام، وقالا: إن أسلم فهو حر ولا يختص به الآخذ عنده، وظاهر قولهما إنه يختص به. اه. ملخصا من الفتح والبحر وقدمنا بعضه قبل باب المغنم. قال الرملي: ويؤخذ مما ذكر جواب حادثة الفتوى: وهو أنه يخرج كثيرا من سفن أهل الحرب جماعة منهم للاستقاء من الأنهر التي بالسواحل الاسلامية فيقع فيهم بعض المسلمين فيأخذهم اه: أي فيكون فيئا لجماعة المسلمين عند الامام. وفي كونه يخمس عنه روايتان كما قدمناه قبل المغنم. قوله: (لئلا يصير عينا لهم الخ) العين: هو الجاسوس، والعون: الظهير على الامر، والجمع أعوان. عناية. قال الرملي: هذه العلة تنادي بحرمة تمكينه سنة بلا شرط وضع الجزية عليه إن هو أقامها. تأمل اه. قوله: (من قبل الامام) أي أو نائبه ط. قوله: (قيد اتفاقي) أي بالنسبة للأقل لا للأكثر، فلا يجوز تحديدا أكثر من سنة بقرينة قوله السابق: لا يمكن الخ ط. قوله: (وقيل نعم) أي يكون ذميا والأولى إبدال نعم بلا: أي لا يكون شرطا. قوله: (وبه جزم في الدرر) أي نقلا عن النهاية، عن المبسوط، لكن عبارة المبسوط: ينبغي للامام أن يتقدم إليه فيأمره إلى أن قال: وإن لم يقدر له مدة فالمعتبر الحول. قال في الفتح: وليس بلازم: أي لا يلزم من هذا أن قول الإمام له ذلك غير شرط، فإنه يصدق بقوله له: إن أقمت طويلا منعتك من العود، فإن أقام سنة منعه من العود، وفي هذا اشتراط التقدم، غير أنه لم يوقت له مدة خاصة، والوجه أن لا يمنعه حتى يتقدم اه. وأقره في البحر والنهر.
348 وحاصل: أن ما في المبسوط غير صحيح في عدم الاشتراط، فلا ينافي تصريح العتابي بالاشتراط، وهو ما يشير إليه قول الهداية، لأنه لما أقام سنة بغير تقدير الامام الخ، وبه يستغنى عن قول السعدية: فلعل فيه روايتين، فافهم. وعليه فابتداء المدة من وقت التقدم، لا من وقت الدخول. قوله: (ولا جزية عليه في حول المكث) لأنه إنما صار ذميا بعده فتجب في الحول الثاني. بحر. قوله: (إلا بشرط أخذها منه فيه) أي في الحول: أي بأن قال له: إن أقمت حولا أخذت منك الجزية. فتح. مطلب في أحكام المستأمن قبل أن يصير ذميا وإذا صار ذميا يجري القصاص الخ أما قبل صيرورته ذميا فلا قصاص بقتله عمدا بل الدية. قال في شرح السير: الأصل أنه يجب على الامام نصرة المستأمنين ما داموا في دارنا، فكان حكمهم كأهل الذمة، إلا أنه لا قصاص على مسلم أو ذمي بقتل مستأمن، ويقتص من المستأمن بقتل مثله، ويستوفيه وارثه إن كان معه، وذكر أيضا أن المستأمن في دارنا إذا ارتكب ما يوجب عقوبة لا يقام عليه إلا ما فيه حق العبد من قصاص، أو حد قذف. وعند أبي يوسف: يقام عليه كل ذلك إلا حد الخمر كأهل الذمة. ولو أسلم عبد المستأمن أجبر على بيعه، ولم يترك يخرج به، ولو دخل مع امرأته ومعهما أولاد صغار، فأسلم أحدهما أو صار ذميا فالصغار تبع له، بخلاف الكبار، ولو إناثا لانتهاء التبعية بالبلوغ عن عقل، ولا يصير الصغير تبعا لأخيه أو عمه أو جده ولو الأب ميتا في ظاهر الرواية. وفي رواية الحسن: يصير مسلما بإسلام جده، والصحيح الأول، إذ لو صا مسلما إسلام الجد الأدنى، لصار مسلما بإسلام الاعلى، فيلزم الحكم بالردة لكل كافر، لأنهم أولاد آدم ونوح عليهما السلام، ولو أسلم في دارنا وله أولاد صغار في دارهم لم يتبعوه إلا إذا أخرجوا إلى دارنا قبل موت أبيهم اه. ملخصا. وسنذكر عنه أن تبعية الصغير تثبت وإن كان ممن يعبر عن نفسه، وذكر في موضع آخر أن المستأمن لو قتل مسلما ولو عمدا أو قطع الطريق أو تجسس أخبارنا، فبعث بها إليهم أو زنى بمسلمة أو ذمية كرها، أو سرق لا ينتقض عهده اه. ملخصا. وحاصله أن المستأمن في دارنا قبل أن يصير ذميا حكمه حكم الذمي، إلا في وجوب القصاص بقتله، وعدم المؤاخذة بالعقوبات غير ما فيه حق العبد، وفي أخذ العاشر منه العشر، وقدمنا قبل هذا الباب أنه التزم أمر المسلمين فيما يستقبل. مطلب: ما يؤخذ من النصارى زوار بيت المقدس لا يجوز أقول: وعلى هذا فلا يحل أخذ ماله بعقد فاسد، بخلاف المسلم المستأمن في دار الحرب، فإن له أخذ ما لهم برضاهم، ولو بربا أو قمار، لان مالهم مباح لنا، إلا أن الغدر حرام، وما أخذ برضاهم ليس غدرا من المستأمن، بخلاف المستأمن منهم في دارنا، لان دارنا محل إجراء الأحكام الشرعية ، فلا يحل لمسلم في دارنا أن يعقد مع المستأمن إلا ما يحل من العقود مع المسلمين، ولا يجوز أن يؤخذ منه شئ لا يلزمه شرعا وإن جرت به العادة، كالذي يأخذ من زوار بيت المقدس، كما قدمناه في باب العاشر عن الخير الرملي. وسيأتي تمامه في الجزية.
349 مطلب مهم فيما يفعله التجار من دفع ما يسمى سوكرة وتضمين الحربي ما هلك في المركب وبما قررناه يظهر جواب ما كثر السؤال عنه في زماننا: وهو أنه جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبا من حربي يدفعون له أجرته، ويدفعون أيضا مالا معلوما لرجل حربي مقيم في بلاده، يسمى ذلك المال: سوكرة، على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره، فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم، وله وكيل عنه مستأمن في دارنا، يقيم في بلاد السواحل الاسلامية بإذن السلطان، يقبض من التجار مال السوكرة، وإذا هلك من مالهم في البحر شئ يؤدي ذلك المستأمن للتجار بدله تماما، والذي يظهر لي: أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله، لان هذا التزام ما لا يلزم. فإن قلت: إن المودع إذا أخذ أجرة على الوديعة يضمنها إذا هلكت. قلت: ليست مسألتنا من هذا القبيل، لان المال ليس في يد صاحب السوكرة، بل في يد صاحب المركب، وإن كان صاحب السوكرة هو صاحب المركب يكون أجيرا مشتركا قد أخذ أجرة على الحفظ وعلى الحمل، وكل من المودع والأجير المشترك لا يضمن ما لا يمكن الاحتراز عنه كالموت والغرق ونحو ذلك. فإن قلت: سيأتي قبيل باب كفالة الرجلين قال لآخر: اسلك هذا الطريق فإنه آمن، فسلك وأخذ ماله لم يضمن، ولو قال: إن كان مخوفا وأخذ مالك فأنا ضامن: ضمن، وعلله الشارح هناك بأنه ضمن الغار صفة السلامة للمغرور نصا اه: أي بخلاف الأولى، فإنه لم ينص على الضمان بقوله: فأنا ضامن، وفي جامع الفصولين: الأصل أن المغرور إنما يرجع على الغار لو حصل الغرور في ضمن المعاوضة، أو ضمن الغار صفة السلامة للمغرور فيصار كقول الطحان لرب البر: جعله في الدلو فجعله فيه، فذهب من النقب إلى الماء، وكان الطحان عالما به يضمن، إذ غره في ضمن العقد وهو يقتضي السلامة اه. قلت: لا بد في مسألة التغرير من أن يكون الغار عالما بالخطر كما يدل عليه مسألة الطحان المذكورة وأن يكون المغرور غير عالم، إذ لا شك أن رب البر لو كان عالما بنقب الدلو يكون هو المضيع لما له باختياره، ولفظ المغرور ينبئ عن ذلك لغة لما في القاموس: غيره غرا وغرورا فهو مغرور وغرير: خدعه وأطمعه بالباطل فاغتر هو اه. ولا يخفى أن صاحب السوكرة لا يقصد تغرير التجار، ولا يعلم بحصول الغرق هل يكون أم لا. وأما الخطر من اللصوص والقطاع فهو معلوم له وللتجار، لأنهم لا يعطون مال السوكرة عند شدة الخوف طمعا في أخذ بدل الهالك، فلم تكن مسألتنا من هذا القبيل أيضا، نعم: قد يكون للتاجر شريك حربي في بلاد الحرب، فيعقد شريكه هذا العقد مع صاحب السوكرة في بلادهم، ويأخذ منه بدل الهالك ويرسله إلى التاجر، فالظاهر أ هذا يحل للتاجر أخذه لأن العقد الفاسد جرى بين حربيين في بلاد الحرب، وقد وصل إليه مالهم برضاهم فلا مانع من أخذه، وقد يكون التاجر في بلادهم، فيعقد معهم هناك، ويقبض البدل في بلادنا أو بالعكس، ولا شك أنه في الأولى إن حصل بينهما خصام في بلادنا لا نقضي للتاجر بالبدل، وإن لم يحصل خصام ودفع له البدل وكيله المستأمن هنا يحل له أخذه، لأن العقد الذي صار في بلادهم لا حكم له، فيكون قد أخذ مال حربي برضاه. وأما في صورة العكس، بأن كان العقد
350 في بلادنا والقبض في بلادهم، فالظاهر أنه لا يحل أخذه، ولو برضا الحربي لابتنائه على العقد الفاسد الصادر في بلاد الاسلام، فيعتبر حكمه، هذا ما ظهر لي في تحرير هذه المسألة فاغتنمه فإنه لا تجده في غير هذا الكتاب. قوله: (وتحرم غيبته كالمسلم) لأنه بعقد الذمة وجب له مالنا، فإذا حرمت غيبة المسلم حرمت غيبته، بل قالوا: إن ظلم الذمي أشد. قوله: (ويأخذوه ببينة) في بعض النسخ ويأخذونه وهو المناسب لعدم ما يقتضي حذف النون. قوله: (ولو من أهل الذمة الخ) قال في الفتح: فأقاموا بينة من أهل الذمة قبلت استحسانا، لأنهم لا يمكنهم إقامتها من المسلمين لان أنسابهم في دار الحرب لا يعرفها المسلمون فصار كشهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال، فإذا قالوا: لا نعلم له وارثا غيرهم دفع إليهم المال، وأخذ منهم كفيلا لما يظهر في المآل من ذلك قيل هو قولهما لا قول أبي حنيفة، كما في المسلمين، وقيل بل قوله جميعا، ولا يقبل كتاب ملكهم ولو ثبت أنه كتابه اه: أي لان شهادته وحده لا تقبل، فكتابه بالأولى. قوله: (بعد الحول) أي بعد المدة التي عينها له الامام حولا أو أقل أو أكثر. قوله: (كما يفيده الاطلاق) كذا بحثه في البحر، وتبعه في النهر، وهذا ظاهر إن خيف عدم عوده، وإلا فلا كما يفيده التعليل الآتي. قوله: (لان عقد الذمة لا ينقض) لكونه خلفا عن الاسلام. بحر. وعبارة الزيلعي، لان في عوده ضررا بالمسلمين بعوده حربا علينا، وبتوالده في دار الحرب وقطع الجزية اه. ولا يخفى أن المفهوم منه أن المراد بالعود اللحاق بدارهم بلا رجوع. قوله: (ومفاده منع الذمي أيضا) كذا في النهر، وهو مصرح به في الفتح حيث قال: وتثبت أحكام الذمي في حقه من منع الخروج إلى دار الحرب الخ. قلت: والمراد الخروج على وجه اللحاق بهم، إذ لو خرج لتجارة مع أمن عوده عادة لا يمنع كالمسلم بقرينة التعليل المار، فتدبر. ثم رأيت في شرح السير الكبير أن الذمي لو أراد الدخول إليهم بأمان فإنه يمنع أن يدخل فرسا معه أو سلاحا، لأن الظاهر من حاله أنه يبيعه منهم، بخلاف المسلم إلا أن يكون معروفا بعدواتهم، ولا يمنع من الدخول بتجارة على البغال والحمير والسفن لأنه للحمل، لكن يستحلف أنه لم يرد بيع ذلك منهم. قوله: (كما يمنع) الأولى أن يقول كما يصير ذميا، كما قال الإمام محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير إذا دخل الحربي دار الاسلام بأمان فاشترى أرض خراج، فوضع عليه الخراج فيها كان ذميا اه. قال السرخسي: فيوضع عليه خراج رأسه، ولا يترك أن يخرج إلى داره لان خراج الأرض لا يجب إلا على من هو من أهل دار الاسلام فكان ذميا. وفي الهداية: وإذا لزمه خراج الأرض، فبعد ذلك تلزمه الجزية لسنة مستقبلة، لأنه يصير ذميا بلزوم الخراج فتعتبر المدة من وقت وجوبه. قوله: (بأن ألزم به وأخذ منه) الظاهر أن المراد بالأخذ استحقاق الاخذ منه، وهو معنى الوضع عليه في عبارة الإمام محمد، فليس المراد به الاخذ بالفعل، بل هو تأكيد لرد ما قيل إنه يصير ذميا بمجرد الشراء، وهو خلاف ظاهر الرواية، لأنه قد يشتريها للتجارة. قال في الفتح: والمراد بوضعه إلزامه به وأخذه منه عند حلول وقته، وهو بمباشرة
351 السبب، وهو زراعتها أو تعطيلها مع التمكن منها إذا كانت في ملكه أو زراعتها بالإجارة وهي في ملك غيره إذا كان خراج مقاسمة، فإن يؤخذ منه لا من المالك فيصير به ذميا، بخلاف ما إذا كان على المالك اه: أي بأن كان خراجا موظفا: أي دراهم معلومة، فإنه على مالك الأرض، فلا يصير به المستأجر ذميا لأنه لا يؤخذ منه، أما خراج المقاسمة: وهو ما يكون جزءا من الخارج كنصفه أو ثلثه فإنه يؤخذ من المستأجر، لكن هذا على قولهما، أما على قوله فإن الخراج مطلقا على المالك، وكذا الخلاف في العشر، وقد صرح بذلك السرخسي، وهو الموافق لما تقدم في باب العشر، وقدمنا ترجيح قول الإمام هناك، ففي إطلاق الفتح نظر: لايهامه أن ذلك متفق عليه عندنا ولم ينبه على ذلك في البحر والنهر. فتدبر. قوله: (كخراج الرأس) أي في أنه إذا التزمه صار ملتزما المقام في دارنا. بحر. قوله: (أو صار لها الخ) أي تصير ذمية بذلك، وظاهره أن النكاح حادث بعد دخولها دارنا، وليس بشرط، فإنهما لو دخلا دارنا ثم صار الزوج مسلما أو ذميا، فهو كذلك كما أفاده في البحر، وقيد بالكتابية، لأنها لو كانت مجوسية وأسلم زوجها يعرض القاضي عليها الاسلام، فإن أسلمت، وإلا فرق بينهما، ولها أن ترجع بعد انقضاء عدتها، كما في شرح السير. قوله: (لتبعيتها له) المراد بالتبعية كونها التزمت المقام معه كما في البحر، وهذا شامل للزوج المسلم والذمي، فافهم. قوله: (وإن لم يدخل بها) فالشرط مجرد عقده عليها كما أشار إليه الزيلعي. بحر. قوله: (لا عكسه) أي لا يصير المستأمن ذميا إذا نكح ذمية، لأنه يمكنه طلاقها فيرجع إلى بلده، فلم يكن ملتزما المقام، وكذا لو دخلا بأمان فأسلمت. بحر. وما في الهداية في آخر كتاب الطلاق من أنه يصير ذميا بالتزوج في دارنا غلط من الكاتب مخالف للنسخة الأصلية. أفاده في النهر. قوله: (على ما مر عن الدرر) أي من أنه لا يشترط قول الإمام: إن أقمت سنة وضعنا علينا الجزية. قوله: (ومنه الخ) أي من حكم المهر علم حكم غيره من الدين فإن للدائن منعه من الرجوع أيضا، فإذا منعه ومضى حول: صار ذميا. قوله: (فإن رجع المستأمن) ظاهره أنه لا فرق بين كونه قبل الحكم بكونه ذميا أو بعده، لان الذمي إذا لحق بدار الحرب صار حربيا كما سيأتي. بحر. قوله: (فأسر) أي من غير ظهور على دراهم بأن وجده مسلم فأسره. قوله: (بمعنى غلب) الأولى تأخيره عن قوله: عليهم لقول المغرب: ظهر عليه غلب. قوله: (فأخذوه) احتراز عما لو هرب كما يأتي. قوله: (سقط دينه) لان إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة، وقد سقطت، ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة فيختص به فيسقط، ولا طريق لجعله فيئا لأنه الذي يؤخذ قهرا، ولا يتصور ذلك في الدين. نهر، وهذا معنى قوله الآتي: لسبق يده فهو علة للكل. قوله: (وسلمه) أي لو أسلم إلى مسلم دراهم على شئ. قوله: (وما غصب منه) ذكره في البحر بحثا، وبنى عليه في النهر السلم
352 والأجرة. قوله: (وصار ماله) أفاد أن الدين ليس ماله لأنه ملك المديون، وللمالك حق المطالبة به ليستوفي مثله لا عينه. قوله: (كوديعته) أي عند مسلم أو ذمي. ملتقى. قال ط: وكذا غيره بالأولى. وفي البحر: وإنما صارت وديعته غنيمة لأنها في يده تقديرا، لان يد المودع كيده فيصير فيئا تبعا لنفسه، وإذا صار ماله غنيمة لا خمس فيه وإنما يصرف كما يصرف الخراج، والجزية لأنه مأخوذ بقوة المسلمين بلا قتال، بخلاف الغنيمة. قوله: (واختلف في الرهن) فعند أبي يوسف: للمرتهن بدينه، وعند محمد: يباع ويستوفي دينه والزيادة فئ للمسلمين، وينبغي ترجيحه لان ما زاد على قدر الدين في حكم الوديعة. بحر. ورده في النهر بأن تقديم قول أبي يوسف يؤذن بترجيحه، وهذا لان الوديعة إنما كانت فيئا لما مر أنها في يده حكما، ولا كذلك الرهن اه. وأجاب الحموي: بأنه على تسليم أن التقديم يفيد الترجيح دائما فيفيد أرجحية الأول فيما إذا كان الرهن قدر الدين، أما الزيادة فقد صرحوا في كتاب الرهن بأنها أمانة غير مضمونة، وكذا قال ح: الحق ما في البحر، وذكر نحو ذلك. قوله: (وجب التسليم إليه) لان ماله لا يصيره فيئا إلا بأسره أو بقتله ولم يوجد أحدهما ط. قوله: (وعليه) أي على ما ذكر من وجوب التسليم، ووجه البناء أن طلب غريمه كطلبه بوكيله، أو رسوله، وهذه المسألة ذكرها في البحر بحثا فقال: ولم أر حكم ما إذا كان على المستأمن دين لمسلم أو ذمي أدانه له في دارنا ثم رجع، ولا يخفى أنه باق لبقاء المطالبة، وينبغي أن يوفي من ماله المتروك، ولو صارت وديعته فيئا اه. ولا يخفى أن فيما ذكره الشارح تبعا للنهر من بناء المسألة على ما قبلها تقوية للبحث، وقد علمت وجهه. وقال في النهر، فإن كانت الوديعة من غير جنس الدين: باعها القاضي ووفى منها، وقد أفتيت بذلك اه. قوله: (فماله له) وكذا دينه، ويلزم من ذلك أنه لو أرسل من يأخذه وجب تسليمه، كما لا يخفى. قوله: (له ثمة) أي في دار الحرب عرس بالكسر: أي زوجة. قوله: (وأولاد) أي ولو صغارا، لان الصغير إنما يتبع أباه في الاسلام عند اتحاد الدار. بحر: أي ولو حكما لما في شرح التحرير، وكذا يتبعه إذا كان المتبوع في دار الحرب، والتابع في دار الاسلام اه: أي لان المسلم في دار الحرب من أهل دارنا. مطلب مهم: الصبي يتبع أحد أبويه في الاسلام وإن كان يعقل، ما لم يبلغ: وخلافه خطأ تنبيه: في شرح السير الكبير: لو دخل الصغير الذي يعبر عن نفسه دارنا لزيارة أبويه: فإن كانا ذميين فله الرجوع إلى دار الحرب، بخلاف ما إذا كانا مسلمين أو أحدهما، فإنه يصير مسلما تبعا للمسلم منهما، لان الذي يعبر عن نفسه في حكم التبعية في الاسلام كالذي لا يعبر عن نفسه. قال: وبهذا تبين خطأ من يقول من أصحابنا: إن الذي لا يعبر (1) عن نفسه لا يصير مسلما تبعا لأبويه، فقد نص محمد ها هنا على أنه يصير مسلما اه.
(1) قوله: (لا يعبر) لفظة لا هنا زائدة كما لا يخفى ا ه ناجى ا ه منه. 353 والحاصل: أنه تنقطع تبعية الولد في الاسلام لاحد أبويه ببلوغه عاقلا كما صرح به السرخسي قبل ذلك، ومقتضاه أنه لو بلغ مجنونا تبقى التبعية، وبه ظهر ما في فتاوى العلامة ابن الشلبي من أن الصبي إذا عقل لا يصير مسلما بإسلام أحد أبويه، فقد علمت أن هذا القول خطأ، وقد نبهنا على ذلك في باب نكاح الكافر، وفي باب الجنائز عند قوله: كصبي سبي مع أحد أبويه. وبقي ما لو ادعى الابن البلوغ، وبرهن وادعى أبوه أنه قاصر وبرهن أيضا يريد القاضي أهل الخبرة، وأما لو كانت الدعوى بعد مضي مدة تقدم بينة الأب إنه قاصر، ليجعل الابن مسلما كما أفتى له الرحيمي، وأطال في تحقيقه في فتاواه، في أواخر كتاب الدعوى. قوله: (ثم ظهرنا عليهم) أي على دارهم. قوله: (فكله) أي كما ذكر من عرسه وما بعدها. قوله: (ولو سبي طفله الخ) قال في البحر: ولو سبى الصبي في هذه المسألة وصار في دار الاسلام، فهو مسلم تبعا لأبيه، لأنهما اجتمعا فدار واحدة، بخلاف ما قبل إخراجه وهو فئ على كل حال اه. لكن في العزمية قوله: ولو سبي: أي مع أمه، فإنه لو سبي بدونها لا تظهر فائدة التبعية بالأب، فإنه يحكم بإسلامه بتبعية الدار على ما مر في كتاب الصلاة اه: أي في فصل الجنائز. قوله: (لاتحاد الدار) لأنه لما أسلم في دار الحرب تبعه طفله. درر. فالمراد بالدار دار الحرب، فافهم، وذلك لان ما ثبت يكون باقيا ما لم يوجد مزيل، ومثله لو لم يسلم بل بعث إلى الامام: إني ذمة لكم أقيم في دار الحرب، وأبعث بالخراج كل سنة جاز، ويكون الأب أحق به لما قلنا، لان الذمي لا يملك بالقهر، وكذا لو أسلم الأب في دارنا أو صار ذميا، ثم رجع حتى ظهرنا على دارهم تبعه طفله ولا سبيل عليه، وتمامه في شرح السير، قوله: (وغيره) أي غير ما ذكر من الطفل والوديعة مع معصوم وهو أولاده الكبار وعرسه وعقاره ووديعته مع حربي. درر قوله: (لعدم النيابة) أي نيابة الغاصب عنه قوله: (وللامام حق أخذ دية الخ) زاد لفظ: حق إشارة إلى ما في البحر من أن أخذه الدية ليس لنفسه، بل ليضعها في بيت المال، وهو المقصود من ذكرها هنا، وإلا فحكم القتل الخطأ معلوم، ولذا لم ينص على الكفارة لما سيأتي في الجنايات قوله: (ودية مستأمن أسلم هنا) أما إذا لم يكن مستأمنا أو لم يسلم لا شئ على قاتله كما في شرح مسكين، وتقدم قبيل هذا الفصل ما لو أسلم في دار الحرب فقتله مسلم قوله: (له القتل قصاصا) لان الدية وإن كانت أنفع للمسلمين من قتله لكن قد تعود عليهم من قتله منفعة أخرى، وهي أن ينزجر أمثاله عن قتل المسلمين. بحر قوله: (أو الدية صلحا) أي برضا القاتل، لان موجب العمد هو القود. بحر. وحاصله: أن للامام أن يقتل أو يصالح على الدية إن رضي القاتل بالصلح، والظاهر أنه ليس له الصلح على أقل من الدية، كما يفيده التعليل الآتي إلا إذا لم يمكن إثبات القتل عليه كما في وصي اليتيم. تأمل. قال في الشرنبلالية وهل إذا طلب الامام الدية ينقلب القصاص ما لا كما في الولي؟ فلينتظر اه.
354 قلت: الظاهر: نعم، لقول الفتح: وإنما كان للسلطان ذلك: أي القتل أو الصلح لأنه هو ولي المقتول. قال عليه الصلاة والسلام السلطان ولي من لا ولي له اه. قوله: (نظرا) لحق العامة فإن ولايته. عليهم نظرية، وليس من النظر إسقاط حقهم بلا عوض. فتح.. وفيه أيضا أنه لو كان المقتول لقيطا للامام أن يقتل القاتل عندهما، خلافا لأبي يوسف، وتمامه فيه قوله: (أو من وجب عليه قود) أي في النفس، أما فيما دونها فيقتص منه في الحرم إجماعا، ذكره الشارح في الجنايات ط قوله: (التجأ بالحرم) فيه، ذكره الشارح في الجنايات، ولو قتل في البيت لا يقتل فيه وفي شرح السير: لو كانوا جماعة دخلوا الحرم للقتال فلا بأس أن نقاتلهم لقوله تعالى: * (حتى يقاتلوكم فيه) * (سورة البقرة: الآية 191) لا حرمة الحرم لا تلزمنا تحمل أذاهم كالصيد إذا صال على إنسان في الحرم. جاز قتله دفعا لاذاه ولو قاتلوا في غيره، ثم انهزموا ودخلوا فيه لا نتعرض لهم إلا إذا كانت لهم فئة في الحرم، وصارت لهم منعة، لان المتلجئ إلى فئة محارب، وجميع ما ذكر في أهل الحرب هو كذلك في الخوارج والبغاة اه. مطلب فيما تصير به دار الاسلام دار حرب، وبالعكس قوله: (لا تصير دار الاسلام دار حرب الخ) أي بأن يغلب أهل الحرب على دار من دورنا أو ارتد أهل مصر وغلبوا وأجروا أحكام الكفر أو نقض أهل الذمة العهد وتغلبوا على دارهم، ففي كل من هذه الصور لا تصير دار حرب، إلا بهذه الشروط الثلاثة، وقالا: بشرط واحد لا غير، وهو إظهار حكم الكفر وهو القياس. هندية. ويتفرع على كونها صارت دار الحرب: أن الحدود والقود لا يجري فيها، وأن الأسير المسلم يجوز له التعرض لما دون الفرج، وتنعكس الاحكام إذا صارت دار الحرب دار الاسلام، فتأمل ط... وفي شرح درر البحار قال بعض المتأخرين: إذا تحققت تلك الأمور الثلاثة في مصر المسلمين، ثم حصل لأهله الأمان، ونصب فيه قاض مسلم ينفذ أحكام المسلمين: عاد إلى دار الاسلام، فمن ظفر من الملاك الأقدمين بشئ من ماله بعينه فهو له بلا شئ، ومن ظفر به بعدما باعه مسلم أو كافر من مسلم أو ذمي أخذه بالثمن إن شاء، ومن ظفر به بعدما وهبه مسلم، أو كافر لمسلم أو ذمي وسلمه إليه أخذه بالقيمة إن شاء اه. قلت: حاصله أنه لما صار دار الحرب صار في حكم ما استولوا عليه في دارهم. قوله: (بإجراء أحكام أهل الشر ك) أي على الاشتهار وأن لا يحكم فيها بحكم أهل الاسلام. هندية. وظاهره أنه لو أجريت أحكام المسلمين، وأحكام أهل الشرك لا تكون دار حرب ط. قوله: (وباتصالها بدار الحرب) بأن لا يتخلل بينهما بلدة من بلاد الاسلام. هندية ط. وظاهره أن البحر ليس فاصلا، بل قدمنا في باب استيلاء الكفار أن بحر الملح ملحق بدار الحرب، خلافا لما في فتاوى قارئ الهداية. قلت: وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز وبعض البلاد التابعة كلها دار إسلام، لأنها وإن كانت لها حكام دروز أو نصارى، ولهم قضاة على دينهم وبعضهم يعلنون بشتم الاسلام والمسلمين، لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا، وبلاد الاسلام محيطة ببلادهم من كل
355 جانب وإذا أراد ولي الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها. قوله: (بالأمان الأول أي الذي كان ثابتا قبل استيلاء الكفار للمسلم بإسلامه وللذمي بعقد الذمة. هندية ط. تتمة: ذكر في أول جامع الفصولين: كل مصر فيه وآل مسلم من جهة الكفار يجوز منه إقامة الجمع والأعياد وأخذ الخراج وتقليد القضاء وتزويج الايامي لاستيلاء المسلم عليهم، وأما طاعة الكفرة فهي موادعة ومخادعة، وأما في بلاد عليها ولاة كفار فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد، ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين، ويجب عليهم طلب وآل مسلم اه. وقدمنا نحوه في باب الجمعة عن البزازية. قوله: (وهذا) أي قوله حربي أو مرتد إلى آخر الباب. وقوله: لمجئ بعضه أي المسألة الأولى فإنها ستجئ في الجنايات. وقوله: ووضوح باقيه أي مسألة الدار، وفى وضوحها نظر، والله سبحانه أعلم. باب العشر والخراج والجزية شروع فيما على المستأمن في أرضه من الوظائف المالية إذا صار ذميا بعد الفراغ عما به يصير ذميا، وذكر العشر معه تتميما لوظيفة الأرض، وقدمه لما فيه من معنى العبادة. نهر. وألحق به الجزية لان المصرف واحد. قوله: (أرض العرب) في مختصر تقويم البلدان: جزيرة العرب خمسة أقسام: تهامة، ونجد، وحجاز، وعروض. ويمن. فأما تهامة فهي الناحية الجنوبية من الحجاز، وأما نجد فهي الناحية التي بين الحجاز والعراق، وأما الحجاز فهو جبل يقبل من اليمن حتى يتصل بالشام، وفيه المدينة وعمان، وأما العروض فهو اليمامة إلى البحرين. وإنما سمي الحجاز حجازا لأنه حجز بين نجد واليمامة. قال الواقدي: الحجاز من المدينة إلى تبوك، ومن المدينة إلى طريق الكوفة، وما وراء ذلك إلى أن يشارف البصرة، فهو نجد، ومن المدينة إلى طريق مكة إلى أن يبلغ هبط العرج حجاز أيضا، وما وراء ذلك إلى مكة وجدة فهو تهامة، وما كان بين العراق وبين وجرة وغمرة الطائف فهو نجد، وما وراء وجرة إلى البحر فهو تهامة، وما بين تهامة ونجد فهو حجاز اه. قوله: (وهي من حد الشام) نظم بعضهم حدها طولا وعرضا بقوله: جزيرة هذه الاعراب حدت * بحد علمه للحشر باقي فأما الطول عند محققيه * فمن عدن إلى ربو العراق وساحل جدة إن سرت عرضا * إلى أرض الشآم بالاتفاق قوله: (وما أسلم أهله) أي والأرض التي أسلم أهلها، وذكر الضمير هنا وفيما سيأتي مراعاة للفظ ما نهر. قوله: (عنوة) بالفتح قال الفارابي: وهو من الأضداد يطلق على الطاعة والقهر وهو المراد هنا. نهر. قوله: (وقسم بين جيشنا) احترز به عما إذا قسم بين قوم كافرين غير أهله، فإنه
356 خراجي كما في النتف، ولو قال: بيننا لشمل ما إذا قسم بين المسلمين غير الغانمين، فإنه عشري لان الخراج لا يوظف على المسلم ابتداء. ذكره القهستاني. در. منتقى. قوله: (والبصرة أيضا) والقياس أن تكون خراجية عند أبي يوسف، لأنها بقرب أرض الخراج، لكنه ترك القياس بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. در. منتقى، وغيره. وحاصله: أنه سيأتي أن ما أحياه مسلم يعتبر قرية عند أبي يوسف. وعند محمد: يعتبر الماء، والمعتمد الأول، والبصرة أحياها المسلمون لأنها بنيت في أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهي في حيز أرض الخراج، فقياس قول أبي يوسف أن تكون خراجية. قوله: (لأنه أليق بالمسلم) أي لما فيه من معنى العبادة، وكذا هو أخف حيث يتعلق بنفس الخارج، وهذا علة لما أسلم أهله أو قسم بين جيشنا، وأما أرض العرب فلانه لم ينقل عنه (ص) ولا عن أحد من الخلفاء أخذ خراج من أراضيهم، وكما لا رق عليهم لا خراج على أراضيهم. نهر. وتمامه في الفتح. قوله: (وحررناه في شرح الملتقى) نصه وفي دار جعلت بستانا خراج إن كانت لذمي مطلقا، خلافا لهما أو لمسلم سقاها بمائه أي الخراج، وإن سقاها بماء العشر فعشر، ولو أن المسلم أو الذمي سقاها مرة بماء العشر ومرة بماء الخراج، فالمسلم أحق بالعشر والذمي بالخراج كما في المعراج. واستشكل الباقاني وجوب الخراج على المسلم ابتداء فيما إذا سقاها بماء الخراج، بل عليه العشر بكل حال. وفي الغاية عن السرخسي: وهو الأظهر. وأجاب في البحر بأن الممنوع وضع في الخراج عليه جبر، أما باختياره فيجوز كما هنا، وكما لو أحيا مواتا بإذن الامام وسقاها بماء الخراج فعليه الخراج اه ح. وسيأتي الكلام على ماء العشر والخراج. قوله: (وسواد قرى العراق) أي عراق العرب. درر. في القاموس: سواد البلد قراها، وإنما سمي به لخضرة أشجاره وكثرة زروعه والعراق بالكسر اسم البصرة، والكوفة وبغداد ونواحيها. در. منتقى. وعليه فقوله: قرى بدل من سواد أو تفسير على إسقاط أي التفسيرية، والاحتراز بعراق العرب عن عراق العجم، وهو من الغرب أدربيجان (1) ومن الجنوب شئ من العراق، وخورستان ومن الشرق مفازة خراسان وفارس، ومن الشمال بلاد الديلم وقرفين كما في تقويم البلدان. قوله: (قرية من قرى الكوفة) الذي في تقويم البلدان أنه ماء لبني تميم، وهو أول ماء يلقي الانسان بالبادية إذا سار من قادسية الكوفة يريد مكة اه. ولعله أراد بالقرية القادسية المذكورة، ويؤيده أنه في تقويم البلدان جعلها الحد، فإنه قال: وامتداد العراق طولا وشمالا وجنوبا من الحديثة على دجلة إلى عبدان، وامتداده عرضا غربا وشرقا من القادسية إلى حلوان. قوله: (بضم فسكون) أي بضم الحاء وسكون اللام. قوله: (من الثعلبة)
(1) قوله: (أدربيجان) هكذا بخطه بالدال المهملة وذكرها في المصباح في الألف مع الذال المعجمة وما يثلثهما، وذكر فيها نسبطين اولهما فتح الهمزة والراء وسكون الذال بينهما وثانيهما ضم الهمزة والذال واسكان الراء ا ه مصححه. 357 الذي رأيته في غيره: الثعلبية بياء النسبة. قوله: (غلط) لأنها من منازل البادية بعد العذيبة بكثير، كما نقل عن ذخيرة العقبى. قوله: (حصن صغير بشط البحر) أي بحر فارس وهو يدور بها فلا يبقى منها في البر إلا القليل، وهي عن البصرة مرحلة ونصف، كذا في تقويم البلدان. قوله: (وبالأيام الخ) قال في تقويم البلدان: والسائر من تكريت، وهي على النهاية الشمالية للعراق إلى عبدان، وهي على النهاية الجنوبية له على تقويس الحد الشرقي مسافة شهر، وكذلك من تكريت إلى عبدان إذا سار على تقويس الحد الغربي: أعني من تكريت إلى الأنبار إلى واسط إلى البصرة إلى عبادان، فيكون دور العراق مسافة شهرين، وطوله على الاستقامة من تكريت إلى عبدان نحو عشرين مرحلة، وعرض العراق من القادسية إلى حلوان نحو إحدى عشرة مرحلة اه. تأمل. وهذا تحديد العراق بتمامه، وأما تحديد سواده، ففي البحر عن البناية عن شرح الوجيز: طول سواد العراق مائة وستون فرسخا وعرضه ثمانون فرسخا ومساحته ستة وثلاثون ألف جريب اه. قوله: (إلا مكة) فإنها وإن فتحت عنوة، لكنها عشرية لأنها من جزيرة العرب كما مر. قوله: (سواء أقر أهله عليه الخ) أشار إلى أن قول المصنف: تبعا للكنز وأقر أهله عليه ليس بشرط في كونها خراجية، بل الشرط عدم قسمتها، صرح بذلك في شرح الطحاوي كما في النهر، ولم يقيد كونها خراجية بأن تسقى بماء الخراج لأنه لا فرق بينه وبين ما إذا سقيت بماء العشر، كما إذا قسمت بين المسلمين، فإنها عشرية، وإن سقيت بماء الخراج، وإنما التفصيل في الفرق بين ما يسقى بماء العشر أو بماء الخراج في الأرض المحياة لمسلم، التي لم تقسم ولم يقر أهلها عليها، كما حققه في البحر تبعا للفتح وغيره، ويأتي بتمامه. قوله: (لأنه أليق بالكافر) لأنه يشبه الجزية لما فيه من معنى العقوبة، ولان فيه تغليظا حيث يجب وإن لم يزرع، بخلاف العشر لتعلقه بعين الخارج لا بالأرض. مطلب في أن أرض العراق والشام ومصر عنوة خراجية مملوكة لأهلها قوله: (وأر ض السواد) أي سواد العراق: أي قراه، وكذا كل ما فتح عنوة وأقر أهله عليه أو صولحوا ووضع الخراج على أراضيهم: فهي مملوكة لأهلها. در. منتقى. قلت: وكذا أرض الشام ومصر فتحت عنوة على الصحيح، وأقر أهلها عليها بالخراج، فقد قال أبو يوسف في كتاب الخراج: وهذه الأرضون إذا قسمت فهي أرض عشر، وإن تركها الامام في أيدي أهلها الذين قهروا عليها فهو حسن، فإن المسلمين افتتحوا أرض العراق والشام ومصر، ولم يقسموا شيئا من ذلك، بل وضع عمر رضي الله عنه عليها الخراج، وليس فيها خمس. اه ملخصا. فقد أفاد أنها مملوكة لأهلها. مطلب في جواز بيع الأراضي المصرية والشامية قوله: (ويجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها) أي بالرهن والهبة، لان الامام إذا فتح أرضا عنوة له أن يقر أهلها عليها، ويضع عليها الخراج وعلى رؤوسهم الجزية فتبقى الأرض مملوكة لأهلها، وقدمناه قبل باب قسمة الغنائم. فتح. قال في الدرر المنتقى: وتورث عنهم إلى أن لا يبقى منهم
358 أحد، فينتقل الملك لبيت المال الخ، ويأتي تمامه. قوله: (ويجب الخراج في أرض الوقف) أي الأرض الخراجية، كما يأتي تقييده في قوله: لو خراجية الخ. والحاصل: أن الأرض تبقى وظيفتها بعد الوقف كما كانت قبله. مطلب: أراضي المملكة والحوز: لا عشرية ولا خراجية قوله: (فلا عشر ولا خراج) لم يذكر في البحر العشر، وإنما قال بعدما حقق: إن الخراج ارتفع عن أراضي مصر، لعودها إلى بيت المال بموت ملاكها، قال: فإذا اشتراها إنسان من الامام بشرطه شراء صحيحا ملكها، ولا خراج عليها، فلا يجب عليها الخراج، لان الامام قد أخذ البدل للمسلمين، فإذا وقفها سالمة من المؤن، فلا يجب الخراج فيها، وتمامه فيما كتبناه في التحفة المرضية في الأراضي المصرية اه. نعم ذكر العشر في تلك الرسالة فقال: إنه يجب أيضا لأنه لم ير فيه نقلا. قلت: ولا يخفى ما فيه لأنهم قد صرحوا بأن فرضية العشر ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول، وبأنه زكاة الثمار والزروع، وبأنه يجب في الأرض الغير الخراجية، وأنه يجب فيما ليس بعشري ولا خراجي كالمفاوز والجبال، وبأن سبب وجوبه الأرض النامية بالخارج حقيقة، بأن يجب في أرض الصبي والمجنون والمكاتب، لأنه مؤنة الأرض، وبأن الملك غير شرط فيه، بل الشرط ملك الخارج، فيجب في الأراضي الموقوفة لعموم قوله تعالى: * (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) * (سورة البقرة: الآية 762) وقوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * (سورة الأنعام: الآية 141) وقوله (ص): ما سقت السماء ففيه العشر، وما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر ولان العشر يجب في الخارج لا في الأرض، فكان ملك الأرض وعدمه سواء، كما في البدائع ولا شك أن هذه الأرض المشتراة وجد فيها سبب الوجوب وهو الأرض النامية وشرطه وهو ملك الخارج، ودليله وهو ما ذكرنا. وقول المتن: يجب العشر في مسقى سماء وسيح الخ، فالقول بعدم الوجوب في خصوص هذه الأرض يحتاج إلى دليل خاص ونقل صريح، ولا يلزم من سقوط الخراج المتعلق بالأرض سقوط العشر المتعلق بالخارج، على أنه قد ينازع في سقوط الخراج، حيث كانت من أرض الخراج أسقيت بمائه، بدليل أن الغازي الذي اختط له الامام دارا لا شئ عليه فيها، فإذا جعلها بستانا وسقاها بماء العشر فعليه العشر، أو بماء الخراج فعليه الخراج كما يأتي، مع أن الواقع الآن في كثير من القرى أو المزارع الموقوفة أنه يؤخذ منها للميري النصف أو الربع أو العشر، وقد نبهنا على ذلك في باب العشر من كتاب الزكاة. قوله: (لو كانت الأرض خراجية) شرط لقوله: ويجب الخراج وقوله: والعشر عطف على الخراج. قوله: (وقالوا الخ) هو مصرح به في الهداية وغيرها. والحاصل: الاتفاق على أنها خراجية، وإنما اختلف العلماء في أنها فتحت عنوة أو صلحا،
359 ولا يؤثر في كونها خراجية لأنها تكون خراجية إذا لم يسلم أهلها، سواء فتحت عنوة ومن على أهلها بها، أو صلحا ووضع عليهم الجزية، كما مر آنفا. مطلب: لا شئ على زراع الأراضي السلطانية من عشر أو خراج سوى الأجرة قوله: (المأخوذ الآن من أراضي مصر أجرة لا خراج) وكذا أراضي الشام كما يأتي عن (فضل الله الرومي) وقال في الدر المنتقى: فيؤجرها الامام، ويأخذ جميع الأجرة لبيت المال، كدار صارت لبيت المال، واختار السلطان استغلالها، وإن اختار بيعها فله ذلك، إما مطلقا أو لحاجة، فثبت أن بيع الأراضي المصرية وكذا الشامية صحيح مطلقا، إما من مالكها (1) أو من السلطان، فإن كان من مالكها. انتقلت بخراجها وإن من السلطان فإن لعجز مالكها عن زراعتها فكذلك، وإن لموت مالكها فقدمنا أنها صارت لبيت المال، وإن الخراج سقط عنها، فإذا باعها الامام لا يجب على المشتري خراج، سواء وقفها أو أبقاها. قلت: وهذا نوع ثالث: يعني لا عشرية ولا خراجية من الأراضي تسمى أرض المملكة، وأراضي الحوز، وهو من مات أربابه بلا وارث وآل لبيت المال، أو فتح عنوة وأبقى للمسلمين إلى يوم القيامة، وحكمه على ما في التتارخانية أنه يجوز للامام دفعه للزراع بأحد طريقتين: إما بإقامتهم مقام الملاك في الزراعة وإعطاء الخراج، وإما بإجارتها لهم بقدر الخراج، فيكون المأخوذ في حق الامام خراجا، ثم إن كان دراهم فهو خراج موظف، وإن كان بعض الخارج فخراج مقاسمة، وأما في حق الاكراه فأجرة لا غير. لا عشر ولا خراج، فلما دل الدليل على عدم لزوم المؤنتين العشر والخراج في أراضي المملكة، والحوز كان المأخوذ منها أجرة لا غير اه. ما في الدر المنتقى ملخصا. مطلب: لا شئ على الفلاح لو عطلها، ولو تركها لا يجبر عليها قلت: فعلى هذا لا شئ على زراعها من عشر أو خراج، إلا على قولهما بأن العشر على المستأجر، كما مر في بابه، على أنك علمت أن المأخوذ ليس أجرة من كل وجه، بل هو في حق الامام خراج ولا يجتمع عشر مع خراج. تأمل. ثم رأيت في الخيرية: الزارع في الأرض الوقف عامل بالحصة وهو المستأجر وليس عليه خراج. قال في الإسعاف: وإذ دفع المتولي الأرض مزارعة فالخراج أو العشر من حصة أهل الوقف، لأنها إجارة معنى، وبمثله نقول: إذا كانت الأرض لبيت المال وتدفع مزارعة للمزارعين، فالمأخوذ منهم بدل إجازة لا خراج، كما صرح به الكمال وغيره، ومما هو مصرح به أن خراج المقاسمة لا يلزم بالتعطيل، فلا شئ على الفلاح لو عطلها وهو غير مستأجر لها، ولا جبر عليه بسببها، وبه علم أن بعض المزارعين إذا ترك الزراعة وسكن مصرا فلا شئ عليه، فما تفعله الظلمة من الاضرار به: حرام، صرح به في البحر والنهر اه ملخصا. لكن إذا كان المأخوذ من المزارعين كالربع أو الثلث، من الغلة بدل إجارة كما مر، يلزم أن يكون استئجار الأرض ببعض الخارج منها، وهو فاسد لجهالته، فما وجه الجواز هنا؟ قال في الدر المنتقى: والجواب ما قلنا: إنه جعل في حق الامام خراجا وفي حق الأكرة أجرة لضرورة عدم صحة الخراج
(1) قوله: (اما في مالكها) اي الذي تملكها يوم الفتح أو ممن ورثه أو من شراء منه أو من وارثه ا ه منه. 360 حقيقة وحكما لما مر اه: أي لعدم من يجب عليه بسبب موت أهلها، وصيرورتها لبيت المال. قلت: لكن يمكن جعلها مزارعة كما مر في كلام الخيرية: وهي في معنى الإجارة، لا إجارة حقيقة، ولهذا قال في الفتح إن المأخوذ بدل إجارة. مطلب: القول لذي اليد أن الأرض ملكه وإن كانت خراجية ثم اعلم أن أراضي بيت المال المسماة بأراضي المملكة وأراضي الحوز إذا كانت في أيدي زراعها لا تنزع من أيديهم ما داموا يؤدون ما عليها، ولا تورث عنهم إذا ماتوا، ولا يصح بيعهم لها، ولكن جرى الرسم في الدولة العثمانية أن من مات عن ابن انتقلت لابنه مجانا، وإلا فلبيت المال، ولو له بنت أو أخ لأب له أخذها بالإجارة الفاسدة، وإن عطلها متصرف ثلاث سنين أو أكثر بحسب تفاوت الأرض: تنزع منه وتدفع لآخر، ولا يصح فراغ أحدهم عنها لآخر بلا إذن السلطان أو نائبه، كما في شرح الملتقى، وتمام الكلام على ذلك قد بسطناه في تنقيح الفتاوى الحامدية. قوله: (ألا ترى أنها ليست مملوكة للزراع الخ) هذا من كلام الفتح، وأقره في البحر. قلت: لكن عدم ملك الزارع في الأراضي الشامية غير معلوم لنا، إلا في نحو القرى والمزارع الموقوفة أو المعلوم كونها لبيت المال، أما غيرها فنراهم يتوارثونها ويبيعونها جيلا بعد جيل. وفي شفعة الفتاوى الخيرية: سئل في أخوة لهم أراض مغروسة، ولرجل أرض مغروسة مجاورة لها، وطريق الكل واحد، باع الرجل أرضه هل لهم أخذها بالشفعة ولا يمنع من ذلك كونها خراجية؟ أجاب: نعم، لهم الاخذ بالشفعة، وكونها خراجية لا يمنع ذلك، إذ الخراج لا ينافي الملك. ففي التتارخانية وكثير من كتب المذهب: وأرض الخراج مملوكة، وكذلك أرض العشر يجوز بيعها وأيقافها، وتكون ميراثا كسائر أملاكه، فتثبت فيها الشفعة. وأما الأراضي التي حازها السلطان لبيت المال ويدفعها للناس مزارعة لا تباع فلا شفعة فيها، فإذا ادعى واضع اليد الذي تلقاها شراء أو إرثا أو غيرهما من أسباب الملك أنها ملكه، وأنه يؤدي خراجها، فالقول له أو على من يخاصمه في الملك البرهان إن صحت دعواه عليه شرعا، واستوفيت شروط الدعوى، وإنما ذكرت ذلك لكثرة وقوعه في بلدنا حرصا على نفع هذه الأمة بإفادة هذا الحكم الشرعي الذي يحتاج إليه كل حين، والله تعالى أعلم اه. ما في الخيرية. ولا يخفى أنه كلام حسن جار على القواعد الفقهية، وقد قالوا: إن وضع اليد والتصرف من أقوى ما يستدل به على الملك، ولذا تصح الشهادة بأنه ملكه، وفي رسالة الخراج لأبي يوسف: وأيما قوم من أهل الخراج أو الحرب بادوا فلم يبق منهم أحد، وبقيت أرضهم معطلة، ولا يعرف أنها في يد أحد، ولا أن أحدا يدعي فيها دعوى، وأخذها رجل فحرثها وغرس فيها وأدى عنها الخراج أو العشر فهي له، وهذه الموات التي وصفت لك، وليس للامام أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف اه. وقدمنا عنه أيضا أن أر ض العراق والشام ومصر عنوية خراجية تركت لأهلها الذين قهروا عليها. وفي شرح السير للسرخسي: فإن صالحوهم على أراضيهم، مثل أرض الشام مدائن وقرى، فلا ينبغي للمسلمين أن يأخذوا شيئا من دورهم وأراضيهم، ولا أن ينزلوا عليهم منازلهم، لأنهم أهل عهد وصلح اه. فإذا كانت مملوكة لأهلها فمن أين يقال إنها صارت لبيت المال باحتمال أن أهلها كلهم ماتوا بلا وارث؟ فإن هذا الاحتمال لا ينفي الملك الذي كان ثابتا،
361 وقد سمعت التصريح في المتن تبعا للهداية، بأن أرض سواد العراق مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها، وتصرفهم فيها، وكذلك أرض مصر والشام كما سمعته، وهذا على مذهبنا ظاهر، وكذا عند من يقول: إنها وقف على المسلمين، فقد قال الامام السبكي: إن الواقع في هذه البلاد الشامية والمصرية أنها في أيدي المسلمين، فشك أنها لهم إما وقفا وهو الأظهر من جهة عمر رضي الله عنه، وإما ملكا وإن لم يعرف من انتقل منه إلى بيت المال، فإن من بيده شئ لم يعرف من انتقل إليه منه يبقى في يده، ولا يكلف بينة. ثم قال: ومن وجدنا في يده أو ملكه مكانا منها فيحتمل أنه أحيى، أو وصل إليه وصولا صحيحا اه. مطلب: ليس للامام أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف قال المحقق ابن حجر المكي في فتاواه الفقهية بعد نقله كلام السبكي: فهذا صريح في أنا نحكم لذوي الاملاك والأوقاف ببقاء أيديهم على ما هي عليه، ولا يضرنا كون أصل الأراضي ملكا لبيت المال، أو وقفا على المسلمين، لان كل أرض نظرنا إليها بخصوصها، لم يتحقق فيها أنها من ذلك الوقف ولا الملك، لاحتمال أنها كانت مواتا وأحييت، وعلى فرض تحقق أنها من بيت المال، فإن استمرار اليد عليها والتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم أو النظار فيما تحت أيديهم الأزمان المتطاولة قرائن ظاهرة أو قطعية على اليد المفيدة، لعدم التعرض لمن هي تحت يده وعدم انتزاعها منه. قال السبكي: ولو جوزنا الحكم برفع الموجود المحقق: أي وهو اليد بغير بينة، بل بمجرد أصل مستصحب، لزم تسليط الظلمة على ما في أيدي الناس. ثم قال ابن حجر بعد كلام طويل: إذا تقرر ذلك بان لك واتضح اتضاحا لا يبقى معه ريبة: أن الأراضي التي في أيدي الناس بمصر والشام المجهول انتقالها إليهم تقر في يد أربابها، ولا يتعرض لهم فيها بشئ أصلا، لان الأئمة إذا قالوا في الكنائس المبنية للكفر إنها تبقى، ولا يتعرض لها عملا بذلك الاحتمال الضعيف: أي كونها كانت في برية، فاتصلت بها عمارة المصر، فأولى أن يقولوا ببقاء تلك الأراضي بيد من هي تحت أيديهم، باحتمال أنها كانت مواتا فأحييت، أو أنها انتقلت إليهم بوجه صحيح. اه. مطلب فيما وقع من الملك الظاهر بيبرس من إرادته انتزاع العقارات من ملاكها لبيت المال وقد أطال رحمه الله تعالى في ذلك إطالة حسنة ردا على من أراد انتزاع أوقاف مصر وإقليمها، وإدخالها في بيت المال، بناء على أنها فتحت عنوة، وصارت لبيت المال، فلا يصح وقفها. قال: وسبقه إلى ذلك الملك الظاهر بيبرس، فإنه أراد مطالبة ذوي العقارات بمستندات تشهد لهم بالملك، وإلا انتزعها من أيديهم متعللا بما تعلل به ذلك الظالم، فقام عليه شيخ الاسلام الامام النووي رحمه الله تعالى، وأعلمه بأن ذلك غاية الجهل والعناد، وأنه لا يحل عند أحد من علماء المسلمين، بل من في يده شئ فهو ملكه، لا يحل لاحد الاعتراض عليه، ولا يكلف إثباته ببينة، ولا زال النووي رحمه الله تعالى يشنع على السلطان ويعظه إلى أن كف عن ذلك، فهذا الحبر الذي اتفقت علماء المذاهب على قبول نقله والاعتراف بتحقيقه وفضله نقل إجماع العلماء على عدم المطالبة بمستند عملا باليد الظاهر فيها أنها وضعت بحق اه. قلت: فإذا كان مذهب هؤلاء الاعلام أن الأراضي المصرية والشامية أصلها وقف على المسلمين أو لبيت المال ومع ذلك لم يجيزوا مطالبة أحد يدعي شيئا أنه ملكه بمستند يشهد له بناء
362 على احتمال انتقاله إليه بوجه صحيح، فكيف يصح على مذهبنا بأنها مملوكة لأهلها أقروا عليها بالخراج، كما قدمناه؟ أنه يقال: إنها صارت لبيت المال، وليست مملوكة للزراع، لاحتمال موت المالكين لها شيئا فشيئا بلا وارث، فإن ذلك يؤدي إلى إبطال أوقافها وإبطال المواريث فيها، وتعدي الظلمة على أرباب الأيدي الثابتة المحققة في المدد المطاولة بلا معارض ولا منازع، ووضع العشر أو الخراج عليها لا ينافي ملكيتها كما مر، وهو صريح قول المصنف وغيره هنا: إن أرض سواد العراق خراجية وإنها مملوكة لأهلها، واحتمال موت أهلها بلا وار ث لا يصلح حجة في إبطال اليد المثبتة للملك، فإنه مجرد احتمال لم ينشأ عن دليل، ومثله لا يعارض المحقق الثابت، فإن الأصل بقاء الملكية، واليد أقوى دليل عليها، فلا تزول إلا بحجة ثابتة، وإلا لزم أن يقال مثل ذلك في كل مملوك بظاهر اليد، مع أنه لا يقول به أحد. وقد سمعت نقل الامام النووي الاجماع على عدم التعرض، مع أن مذهبه أن تلك الأراضي في الأصل غير مملوكة لأهلها بل هي وقف، أو ملك لبيت المال، فعلى مذهبنا بالأولى، واحتمال كون أهلها ماتوا بلا وارث بعد الامام النووي أبعد البعد، وهذا ابن حجر المكي بعد النووي بمئات من السنين وقد سمعت كلامه. والحاصل في الأراضي الشامية والمصرية ونحوها: أن ما علم منها كونه لبيت المال بوجه شرعي فحكمه ما ذكره الشارح عن الفتح، وما لم يعلم فهو ملك لأربابه والمأخوذ منه خراج لا أجرة، لأنه خراجي في أصل الوضع، فاغتنم هذا التحرير، فإنه صريح الحق الذي يعض عليه بالنواجذ، وإنما أطلت في ذلك لأني لم أر من تعر ض لذلك هنا، بل تبعوا المحقق الكمال في ذلك والحق أحق أن يتبع، ولعل مراد المحقق ومن تبعه الأراضي التي علم كونها لبيت المال، والله تعالى أعلم. مطلب في السلطان وشرائه أراضي بيت المال قوله: (وعلى هذا) أي على كونها صارت لبيت المال. قوله: (من وكيل بيت المال) متعلق بشراؤه، وهو من نصبه الامام قيما على بيت المال، وأما البيع فيصح بيعه بنفسه، بخلاف الشراء، فإن وصي اليتيم لا يصح شراؤه مال اليتيم، فلذا قيد الشراء بكونه من الوكيل وفي الخانية والخلاصة: فإن أراد السلطان أن يأخذها لنفسه يبيعها من غيره، ثم يشتري من المشتري اه. وفي التجنيس: إذا أراد السلطان أن يشتريها لنفسه أمر غيره أن يبيعها من غيره ثم يشتريها لنفسه من المشتري، لان هذا أبعد من التهمة اه. قوله: (لأنه كوكيل اليتيم) أي كوصيه وسماه وكيلا مشاكلة. قوله: (فلا يجوز إلا لضرورة) أي بأن احتاج بيت المال لكن نازعه صاحب البحر في رسالته بإطلاق ما مر آنفا ن الخانية والخلاصة، فإنه يدل على جواز البيع للامام مطلقا، وبما في الزيلعي من أن للامام ولاية عامة، وله أن يتصرف في مصالح المسلمين والاعتياض ع المشترك العام جائز من الامام، ولهذا لو باع شيئا من بيت المال صح بيعه، فقوله: شيئا نكرة في سياق الشرط يعم العقار وغيره لحاجة وغيرها. قوله: (زاد في البحر) أي زاد على قوله: إلا لضرورة قوله: أو رغب في العقار الخ وعبر عن هذه الزيادة في التحفة المرضية بقوله: أو مصلحة فافهم. قلت: وسنذكر آخر الباب أن للامام أن يقطع من بيت المال الأرض لمن يستحق، وأن هذا
363 تمليك رقبتها كما سنحققه، وعلى هذا فيمكن شراؤها من المستحق. قوله: (على قول المتأخرين) أي في وصي اليتيم أنه ليس له بيع العقار إلا في المسائل السبع الآتية، وهو المفتى به. وعند المتقدمين: له البيع مطلقا، واختاره الاسيبجابي وصاحب المجمع وكثير، كما في التحفة المرضية. قوله: (في سبع مسائل) ونصه: وجاز بيعه عقار صغير من أجنبي لا من نفسه بضعف قيمته أو لنفقة الصغير، أو دين الميت أو وصية مرسلة لا إنفاذ لها إلا منه، أو تكون غلبته لا تزيد على مؤنته، أو خوف خرابه أو نقصانه، أو كونه في يد متغلب اه ح. قوله: (فضل الله الرومي) في بعض النسخ الرضي ولعله تحريف. قوله: (بأن غالب أراضينا) الظاهر أن المراد الأراضي الشامية، ويحتمل أن يكون المراد الأراضي الرومية، ويؤيده الأول ما قدمناه عن الدر المنتقى من قوله: وكذا الشامية حيث جعلها مثل المصرية، وكان هذا مأخوذ من كلام الفتح المار وقد علمت ما فيه. قوله: (كالعارية) وجه الشبه بينهما عدم تصرف من هي في يده تصرف الملاك من البيع ونحوه اه ح. فلا ينافي ما مر عن التتارخانية من أنها تكون في أيديهم بالأجرة بقدر الخراج، وسيذكر الشارح أن من أقطعه السلطان أرضا فله إجارتها. قوله: (ثم يشتريها منه) يعني من المشتري كما قدمنا التصريح به في عبارة التجنيس، وظاهر هذا أنه لا تشترط الضرورة في صحة البيع والشراء كما مر. قوله: (وإذا لم يعرف الحال في الشراء الخ) أي لم يعرف أنه شراء صحيح، وجد فيه المسوغ الشرعي، بناء على ما مر عن الفتح من أنه لا يجوز إلا لضرورة. قوله: (فالأصل الصحة) حملا لحال المسلم على الكمال. قوله: (وبه عرف الخ) هذا كله أيضا من كلام النهر، وأصله لصاحب البحر. مطلب في وقف الأراضي التي لبيت المال ومراعاة شروط الواقف وحاصله أن من اشترى أرضا مما صار لبيت المال فقد ملكها، وإن لم يعرف حال الشراء حملا على الصحة ولا خراج عليها بناء على ما مر، من أنها لما مات ملاكها بلا ورثة عادت لبيت المال وسقط خراجها لعدم من يجب عليه، فإذا باعها الامام لم يجب على المشتري خراجها لقبض الامام ثمنها، وهو بدل عينها. وتقدم أيضا أنه لا عشر عليها أيضا، وقدمنا ما في ذلك، وحيث ملكها بالشراء صح وقفه لها، وتراعى شروط وقفه. قال في: التحفة المرضي: سواء كان سلطانا أو أميرا أو غيرهما. وما ذكره الجلال السيوطي من أنه لا يراعى شروطه إن كان سلطانا أو أميرا، وأنه يستحق ريعه من يستحق في بيت المال، من غير مباشرة للوظائف، فمحمول على ما إذا وصلت إلى الواقف بإقطاع السلطان إياه من بيت المال، كما لا يخفى اه. وحاصله أن ما ذكره السيوطي لا يخالف ما قلنا، لأنه محمول على ما إذا لم يعرف شراء الواقف لها من بيت المال، بل وصلت إليه بإقطاع السلطان لها: أي بأن جعل له خراجها مع بقاء عينها لبيت المال، فلم يصح وقفه لها، ولا تلزم شروطه، بخلاف ما إذا ملكها ثم وقفها كما قلنا.
364 مطلب: أوقاف الملوك والامراء لا يراعى شرطها قلت: لكن بقي ما إذا لم يعرف شراؤه لها ولا عدمه، والظاهر أنه لا يحكم بصحة وقفها، لأنه لا يلزم من وقفه لها أنه ملكها، ولهذا قال السيد الحموي في حاشية الأشباه قبيل قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام ما نصه: وقد أفتى علامة الوجود المولى أبو السعود مفتي السلطنة السليمانية بأن أوقاف الملوك والامراء لا يراعى شرطها، لأنها من بيت المال أو ترجع إليه، وإذا كان كذلك يجوز الاحداث إذا كان المقرر في الوظيفة أو المرتب من مصاريف بيت المال اه. ولا يخفى أن المولى أبا السعود أدرى بحال أوقاف الملوك. ومثله ما سيذكره الشارح في الوقف عن المحبية عن المبسوط من: أن السلطان يجوز له مخالفة الشرط إذا كان غالب جهات الوقف قرى ومزارع، لان أصلها لبيت المال اه: يعني إذا كانت لبيت المال، ولم يعلم ملك الواقف لها، فيكون ذلك إرصادا لا وقفا حقيقة: أي أن ذلك السلطان الذي وقفه أخرجه من بيت المال، وعينه لمستحقيه من العلماء والطلبة، ونحوهم عونا لهم على وصولهم إلى بعض حقهم من بيت المال. مطلب: على ما وقع للسلطان برقوق من إرادته نقض أوقاف بيت المال ولذا لما أراد السلطان نظام المملكة برقوق في عام نيف وثمانين وسبعمائة: أن ينقض هذه الأوقاف لكونها أخذت من بيت المال، وعقد لذلك مجلسا حافلا حضره الشيخ سراج الدين البلقيني والبرهان ابن جماعة وشيخ الحنفية الشيخ أكمل الدين شارح الهداية، فقال البلقيني: ما وقف على العلماء والطلية لا سبيل إلى نقضه، لان لهم في الخمس أكثر من ذلك، وما وقف على فاطمة وخديجة وعائشة ينقض، ووافقه على ذلك الحاضرون، كما ذكره السيوطي في النقل المستور (1) في جواز قبض معلوم الوظائف بلا حضور. ثم رأيت نحوه في شرح الملتقى، ففي هذا صريح بأن أوقاف السلاطين من بيت المال إرصادات، لا أوقاف حقيقة، وأن ما كان منها على مصاريف بيت المال لا ينقض، بخلاف ما وقفه السلطان على أولاد أو عتقائه مثلا، وأنه حيث كانت أرصادا لا يلزم مراعاة شروطها لعدم كونها وقف صحيحا، فإن شرط صحته ملك الواقف، والسلطان بدون الشراء من بيت المال لا يملكه. وقد علمت موافقة العلامة الأكمل على ذلك، وهو موافق لما مر عن المبسوط، وعن المولى أبي السعود، ولما سيذكره الشارح في الوقف عن النهر: من أن وقف الإقطاعات لا يجوز إلا إذا كانت أرضا مواتا، أو ملكا للامام فأقطعها رجلا، وهذا خلاف ما في التحفة المرضية عن العلامة قاسم من أن وقف السلطان لأرض بيت المال صحيح. قلت: ولعل مراده أنه لازم لا يغير إذا كان على مصلحة عامة، كما نقل الطرسوسي عن قاضيخان من أن السلطان لو وقف أرضا من بيت مال المسلمين على مصلحة عامة للمسلمين جاز. قال ابن وهبان: لأنه إذا أبده على مصرفه الشرعي فقد منع من يصرفه من أمراء الجور في غير مصرفه اه. فقد أفاد أن المراد من هذا الوقف تأبيد صرفه على هذه الجهة المعينة التي عينها السلطان مما هو مصلحة عامة، وهو معنى الأرصاد السابق، فلا ينافي ما تقدم، والله سبحانه أعلم. قوله: (بإذن الامام قيد به لان الاحياء يتوقف على إذنه. ط عن المنح. قوله: (كما مر) أنه إذ قاتل
(1) قوله: (في النقل المستور) هكذا بالأصل المقابل على خطه ولعله المسطور فليحرر. 365 مع المسلمين أو دلهم على الطريق يرضخ له. ط. قوله: (خراجي) لأنه ابتداء وضع على الكافر وهو أليق به كما مر. قوله: (اعتبر قربه) أي قرب ما أحياه إن كان إلى أرض الخراج أقرب كانت خراجية، وإن كان إلى العشر أقرب فعشرية. نهى. وإن كانت بينهما فعشرية مراعاة لجانب المسلم. ط. وعند أبي يوسف: واعتبر محمد الماء، فإن أحياها بماء الخراج فخراجية، وإلا فعشرية. بحر. وبالأول يفتى. د. منتقى. قوله: (ما قارب الشئ يعطى حكمه) استئناف قصد به التعليل كفناء الدار لصاحبها الانتفاع به، وإن لم يكن ملكا له، ولذا لا يجوز إحياء ما قرب من العامر. بحر. قوله: (وكل منهما الخ) تبع في هذا صاحب الدرر، وهو مخالف لما في الهداية والتبيين والكافي وغيرها، من أن اعتبار الماء فيما لو جعل المسلم داره بستانا. قال في الكافي: لان المؤنة في غير المنصوص عليه تدور مع الماء فإن كانت تسقى بماء بئر أو عين فهي عشرية، وإن كانت تسقى بأنهار الأعاجم فخراجية ولو بهذا مرة وبهذا مرة، فالعشر أحق بالمسلم اه. ومقتضاه أن المنصوص على أنه عشري كأرض العرب ونحوها أو على أنه خراجي كأرض السواد ونحوها: لا يعتبر فيه الماء، وعن هذا قال في الفتح بعد كلام: والحاصل: أن التي فتحت عنوة إن أقر الكفار عليها لا يوظف عليهم إلا الخراج ولو سقيت بماء المطر، وإن قسمت بين المسلمين لا يوظف إلا العشر، وإن سقيت بماء الأنهر. وكل أرض لم تفتح عنوة بل أحياها مسلم: إن كان يصل إليها ماء الأنهار فخراجية، أو ماء عين ونحوه فعشرية، وهذا قول محمد وهو قول أبو حنيفة اه. فتحصل أن الماء يعتبر فيما لو أحيا مسلم أرضا أو جعل داره بستانا، بخلاف المنصوص على أنه عشري أو خراجي، وقدمنا عن الدر المنتقى أن المفتى به قول أبي يوسف: إنه يعتبر القرب، وهو ما مشى عليه المصنف أولا كالكنز وغيره، وقدمه في متن الملتقى، فأراد ترجيحه على قول محمد. وقال ح: وهو المختار كما في الحموي على الكنز عن شرح قراحصاري وعليه المتون، واعتبار الماء قول محمد. قال في الشرنبلالية: قوله وكل منهما الخ فيه مخالفة لقوله قبله: وما أحياه مسلم يعتبر بقربه لأنه اعتبر الحيثمة، وهنا اعتبر الماء، وعلمت أن ذاك قول أبي يوسف، وهذا قول محمد اه. قوله: (بماء العشر) هو ماء السماء والبئر والعين والبحر الذي لا يدخل تحت ولاية أحد، وماء الخراج هو ماء أنها حفرتها الأعاجم، وكذا سيحون، وجيحون، ودجلة، والفرات، خلافا لمحمد. والحاصل أنه ما كان عليه يد الكفرة ثم حويناه قهرا وما سواه عشري، وتمامه فيما قدمناه في باب العشر. مطلب في خراج المقاسمة قوله: (خراج مقاسمة الخ) هذا إنما يوضع ابتداء على الكافر كالموظف، فإذا فتح بلدة ومن على أهلها بأرضها له أن يضع الخراج عليها مقاسمة أو موظفا، بخلاف ما إذا قسمها بين الجيش فإنه يضع العشر. قال الخير الرملي: خراج المقاسمة كالموظف مصرفا وكالعشر ما أخذ إلا فرق فيه
366 بين الرطاب والزرع والكرم والنخل المتصل وغيره فيقسم الجميع على حسب ما تطيق الأرض من: النصف، أو الثلث، أو الربع، أو الخمس، وقد تقرر أن خراج المقاسمة كالعشر لتعلقه بالخارج، ولذا يتكرر بتكرر الخارج في السنة وإنما بفارقه في المصرف، فكل شئ يؤخذ منه العشر أو نصفه يؤخذ منه خراج المقاسمة، وتجري الاحكام التي قررت في العشر وفاقا وخلافا، فإذا علمت ذلك علمت ما يزرع في بلادنا وما يغرس، فإذا غرس رجل في أرضه زيتونا أو كرما أو أشجارا يقسم الخارج كالزرع ولا شئ عليه قبل أن يطعم، بخلاف ما إذا غرس في الموظف، ولو أخذها مقاطعة على دراهم معينة بالتراضي ينبغي الجواز، وكذا لو وقع على عداد الأشجار، لان التقدير يجب أن يكون بقدر الطاقة من أي شئ كان، ولان تقدير خراج المقاسمة مفوض لرأي الامام، وكل من الأنواع الثلاثة يفعل في بلادنا، فبعض الأرض تقسم ثمار أشجارها، ويأخذ مأذون السلطان منها ثلثا أو ربعا ونحوه، وبعضها يقطع عليه دراهم معينة، وبعضها بعد أشجارها، ويأخذ على كل شجرة قدرا معينا، وكل ذلك جائز عند الطاقة والتراضي على أخذ شئ في مقابله خراج المقاسمة لمن يستحقه، ولا شك أن أراضي بلادنا خراجية، وخراجها مقاسمة، كما هو مشاهد، وتقديره مفوض إلى رأي الامام اه. ويأتي تمام الكلام. قلت: لكن مر أن المأخوذ الآن من أراضي مصر والشام: أجرة لا عشر ولا خراج، والمراد الأراضي التي صارت لبيت المال لا المملوكة أو الموقوفة كما قدمناه، لكن هذه الأجرة بدل الخراج كما مر ويأتي. قوله: (يتعلق بالتمكن من الانتفاع) بيان لكونه واجبا في الذمة: أي أنه يجب في ذمته بمجرد تمكنه من الانتفاع بالأرض لا بعين الخارج حتى لو تمكن من الزراعة وعطلها وجب، بخلاف ما لم يتمكن كما سيذكره المصنف. قوله: (كما وضع الخ) تمثيل لخراج الوظيفة. قوله: (على السواد) أي قرى العراق. قوله: (بذراع كسرى) احترز عن ذراع العام وهو ست قبضات. فتح. والقبضة أربع أصابع. قوله: (بالفدان) بالتثقيل آلة الحرث، ويطلق على الثورين يحرث عليهما في قران، وجمعه فدادين، وقد يخفف فيجمع على أفدنة وفدن. مصباح. والمراد هنا الأرض، وهو في عرف الشام نوعان: روماني، وخطاطي، ومساحة كل معروفة عند الفلاحين. قوله: (وعلى الأول المعول بحر) وأصله في الفتح وقال: إن الثاني يقتضي أن الجريب يختلف قدره في البلدان، ومقتضاه أن يتحد الواجب مع اختلاف المقادير، فإنه قد يكون عرف بلد فيه مائة ذراع وعرف أخرى فيبين خمسون ذراعا. قوله: (يبلغه الماء) صفة لجريب، قيد به لما يأتي من أنه لا خراج إن غلب الماء على أرضه أو انقطع، وبه علم أن المراد الماء الذي تصير به الأرض صالحة للزراعة، فصار كقول الكنز جريب صلح للزراعة. قوله: (صاعا) مفعول وضع وهو القفيز الهاشمي الذي ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه، كما في الهداية وغيره، وهو ثمانية أرطال أربعة أمناء، وهو صاع رسول الله (ص)، وينسب إلى الحجاج فيقال صاع حجاجي، لان الحجاج أخرجه بعد ما فقد، كما في ط عن الشلبي. قوله: (من بر أو شعير أي فهو بخير في إعطاء الصاع من الشعير أو البر، كما
367 في النهاية معزيا إلى فتاوى قاضيخان. والصحيح أنه مما يزرع في تلك الأرض كما في الكافي، شرنبلالية، ومثله في البحر. وبقي ما إذا عطلها، والظاهر أن الامام بخير. تأمل. قوله: (ودرهما) هو وزن سبعة كما في الزكاة. بحر. وهو أن يكون وزنه أربعة عشر قيراطا. جوهرة قوله: (الرطبة) بالفتح، والجمع الرطاب: وهي القثاء والخيار والبطيخ والباذنجان، وما جرى مجراه، والبقول غير الرطاب مثل الكراث. شرنبلالية. قوله: (متصلة) يعني أنه يشترط في تلك الأشجار التي للعنب والتمر وغيرهما أن يكون متصلا بعضها ببعض بحيث لا يمكن أن يزرع بينها. أفاده في شرح الملتقى، فلو كانت متفرقة في جوانب الأرض ووسطها مزروع فلا شئ فيها، كما لا شئ في غرس أشجار غير مثمرة. بحر ط. وقوله: فلا شئ فيها: أي في الأشجار المتفرقة بل يجب في الأرض، لأنها إذا كانت متفرقة فهي بستان فيجب بقدر الطاقة على ما يأتي، أو الماد لا شئ فيها مقدر. تأمل. وقوله كما لا شئ في غرس الخ، هذا إذا لم يقصد شغل أرضه بها، فلو استنمى أرضه بقوائم الخلاف وما أشبهه أو القصب أو الحشيش كان فيه العشر كما قدمناه في بابه عن البدائع وغيرها. تأمل. ضعفها أي ضعف الخمسة وهو عشرة دراهم لما فيه من الأثمار، فإن كانت لم تثمر بعد ففيها خراج الزرع كما في الخانية. در. منتقى. قوله: (ولما سواه) أي سوى ما ذكر من الأشباه الثلاثة الموظف عليها. قوله: (مما ليس فيه توظيف عمر) قصد به إصلاح المتن فإن ظاهره أن الزعفران والبستان فيه توظيف عمر كما هو قضية العطف، مع أنه ليس كذلك. قوله: (يحوطها) أي يرعاها ويحفظها، أو هو بتشديد الواو: أي دار عليها حائط. قال في المصباح: حاطه يحوطه حوطا: رعاه، وحوط حوله تحويطا: أدار عليه نحو التراب حتى جعله محيطا له اه. قوله: (فلو ملتفة الخ) في المصباح: التف النبات بعضه ببعض: اختلط. ثم اعلم أن حاصل ما ذكره من الفرق بين البستان والكرم، هو أن ما كانت أشجار ملتفة فهو كرم، وما كانت متفرقة فهو بستان، وقد عزاه في البحر إلى الظهيرية، ومثله في كافي النسفي، ومقتضاه ان الكرم لا يختص بشجر جريب الأرض التي فيها أشجار مثمرة بحيث لا يمكن زراعتها لم يذكر في ظاهر الرواية. وروى عن أبي يوسف أنه قال إذا كان النخل ملتفا جعلت عليه الخراج بقدر ما يطيق، ولا
368 أزيد على جريب الكرم عشرة دراهم. قوله: (لان التنصيف الخ) علة لقوله: وغاية الطاقة نصف الخارج فلا ينافي أنه يجوز النقص عنه، فافهم. مطلب: لا يحول خراج الموظف إلى خراج المقاسمة، وبالعكس قوله: (فلا يزاد عليه في خراج المقاسمة) ترك ما لم يوظف مع أن الكلام فيه، فكان عليه أن يقول: فلا يزاد عليه فيه ولا في خراج المقاسمة ولا في الموظف الخ. أفاده ح. قلت: وقد يجاب بأن قوله: والتنصيف الخ يفيد أن يجوز وضع النصف أو الربع أو الخمس فيصير خراج مقاسمة لأنه جزء من الخارج وهو غير الموظف، فقوله في خراج مقاسمة: أراد به هذا النوع، وقوله: ولا في الموظف الخ أراد به النوع الأول، فافهم. قوله: (ولا في الموظف على مقدار ما وظفه عمر) وكذا إذا فتحت بلدة بعد عمر فأراد الامام أن يضع على ما يزرع حنطة درهمين وقفيزا وهي تطيقه ليس له ذلك عند أبي حنيفة، وهو الصحيح، لان عمر رضي الله تعالى عنه لم يزد لما أخبر بزيادة الطاقة. أفاد في البحر عن الكافي. قال ط: وهذا نص صريح في حرمة ما أحدثه الظلمة على الأرض من الزيادة على الموظف، ولو سلم أن الأراضي آلت لبيت المال وصارت مستأجرة اه: أي لما قدمناه عن التاترخانية من أن الامام يدفعها للزراع بأحد طريقين: إما بإقامتهم مقام الملاك في الزراعة وإعطاء الخراج، وإما بإجارتها لهم بقدر الخراج، فقوله: بقدر الخراج يدل على عدم الزيادة. قلت: لكن المأخوذ الآن من الأراضي الشامية التي آلت إلى بيت المال بوجب البراءة والدفاتر السلطانية، وكذا من الأوقاف شئ كثير، فإن منها ما يؤخذ منه نصف الخارج، ومنها الربع، ومنها العشر والظاهر أنه خراج مقاسمة في أصل الوضع فيأخذ بقدره إذا صار بدل أجرة، ولعل ما مر من التوظف كان على سواد العراق فقط، والموضوع على الأراضي الشامية كان خراج مقاسمة فبقي المأخوذ قدره، وقدمنا التصريح عن الخير الرملي بأنه خراج مقاسمة. قوله: (وإن أطاقت) تعميم لقوله: ولا يزاد عليه الخ فيشمل ما لم يوظف كما صرح في قوله: وغاية الطاقة نصف الخارج ويشمل خارج المقاسمة كما نص عليه في النهر، وكذا الموظف من عمر رضي الله تعالى عنه كما في البحر. أو من إمام بعده كما مر، فافهم. مطلب: لا يلزم جميع خراج المقاسمة إذا لم تطق لكثرة المظالم قوله: (وجوازا عند الإطاقة) اعلم أن قول المصنف وغيره: وينقص مما وظف إن لم تطق: يفهم منه أنها إن أطاقت لا ينقص منه، وهو مخالف لما في الدراية من جواز النقصان عند الإطاقة. قال في النهر: ولو قيل بوجوبه عند عدم الإطاقة وبجوازه عند الإطاقة لكان حسنا، وعليه يحمل ما في الدراية، فتدبره اه. وحينئذ فالمفهوم مقول المصنف: إن لم تطق أنه لا يجب التنقيص عند الإطاقة فلا ينافي جوازه، فقول الشارح وجوبا قيد لقول المصنف: وينقص مما وظف لا لقوله في الشرح فينقص لنصف الخراج وقوله: وجوازا عطف على وجوبا فكأنه قال: وينقص
369 وجوبا مما وظف إن لم تطق، وجوازا إن أطاقت، وهذا كلام لا غبار عليه، وبه سقط ما قيل إن مقتضى هذا العطف أن الخارج من الكلام مثلا لو بلغ ألف درهم جاز أخذ خمسمائة ولا قائل به، والمراد أنه إن بلغ الخارج ضعف الموظف أو أكثر جاز للامام أن ينقص عن الموظف اه. ووجه السقوط أن هذا إنما يرد لو كان قوله: وجوبا قيد لقوله: فينقص إلى نصف الخارج فيصير معنى قوله: وجواز أنه ينقص إلى نصف الخارج جوازا عند الإطاقة، ولا موجب لهذا الحل، فافهم. قوله: (وينبغي أن لا يزاد على النصف الخ) هذا في خراج المقاسمة ولم يقيد به لانفهامه من التعبير بالنصف والخمس، فإن خراج الوظيفة ليس فيه جزء معين. تأمل. قال في النهر: وسكت عن خراج المقاسمة، وهو إذ من الامام عليهم بأراضيهم ورأي أن يضع عليهم جزءا من الخارج كنصف أو ثلث أو ربع، فإنه يجوز ويكون حكمه حكم العشر، ومن حكمه أن لا يزيد على النصف، وينبغي أن لا ينقص عن الخمس. قاله الحدادي اه. وبه علم أن قول الشارح: وينبغي مذكور في غير محله لان الزيادة على النصف غير جائزة كما مر التصريح به في قوله: ولا يزاد عليه وكأن عدم النقيص عن الخمس غير منقول، فذكره الحدادي بحثا. لكن قال الخير الرملي: يجب أن يحمل على ما إذا كانت تطيق، فلو كانت قليلة الريع كثيرة المؤن ينقص، إذ يجب أن يتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة كما في أرض العشر، ثم قال: وفي الكافي: وليس للامام أن يحول الخراج الموظف إلى خراج المقاسمة. أقول: وكذلك عكسه فيما يظهر من تعليله، لأنه قال: لان فيه نقص العهد، وهو حرام اه. قلت: صرح بالعكس القهستاني: وقدمنا على الرملي أن المأخوذ من الأراضي الشامية خراج مقاسمة، وكتبنا أن ما صار منها لبيت المال تؤخذ أجرته بقدر الخراج ويكون المأخوذ في حق الامام خراجا، فحيث كان كذلك تعتبر فيه الطاقة، وبه يعلم أن ما يفعله أهل التيمار والزعامات من مطالبية أهل القرى بجميع ما عينه لهم السلطان على القرى كالقسم من النصف ونحوه طلم محض، لان ذلك المعين في الدفاتر السلطانية مبني على أنه كان لا يؤخذ من الزراع، سوى ذلك القسم المعين، والفاضل عنه يبقى للزراع، والواقع في زماننا خلافه، فإن ما يؤخذ منهم الآن ظلما مما يسمى بالذخائر وغيرها شئ كثير ربما يستغرق جميع الخارج من بعض الأراضي، بل يؤخذ منهم ذلك وإن لم تخرج الأرض شيئا، وقد شاهدنا مرارا أن بعضهم يتنزل عن أرضه لغيره بلا شئ لكثرة ما عليها من الظلم، وحينئذ فمطالبته بالقسم ظلم على ظلم، والظلم يجب إعدامه، فلا يجوز مساعدة أهل التيمار على ظلمهم، بل يجب أن ينظر إلى ما تطيقه الأراضي، كما أفتى به الخير الرملي، ونقل بعض الشراح عن شمس الأئمة من سيرة الأكاسرة: إذا أصاب زرع بعض الرعية آفة عوضوا له ما أنفقه في الزراعة من بيت مالهم، وقالوا: التاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح، فإذا لم يعطه الامام شيئا فلا أقل من أن لا يغرمه الخراج. قوله: (فعليه خراج الأرض) كذا في البحر عن شرح الطحاوي. قال ط: والأولى خراج الزرع كما نقله الشارح عن جميع الفتاوى في باب زكاة الأموال: أي فيدفع صاعا ودرهما. قوله: (إلى أن يطعم) بضم أوله وكسر ثالثه مبني للفاعل. قال في المصباح: أطعمت الشجرة بالألف أدرك تمرها. قوله: (فعليه خراج الكرم) أي دائما لأنه صار إلى
370 الأدنى مع قدرته على الاعلى. قال في الفتاوى الهندية: قالوا: من انتقل إلى أخس الامرين من غير عذر فعليه خراج الاعلى، كمن له أرض الزعفران فتركه وزرع الحبوب فعليه خراج الزعفران، وكذا لو كان له كرم فقطع وزرع الحبوب فعليه خراج الكرم، وهذا شئ يعلم ولا يفتى به كي يطمع الظلمة في أموال الناس كذا في الكافي ح. قال في الفتح: إذ يدعي كل ظالم أن أرضه كانت تصلح لزراعة الزعفران ونحوه وعلاجه صعب اه. قوله: (وإذا أطعم) معطوف عن قوله: إلى أن يطعم قال في البحر وفي شرح الطحاوي: لو أنيت أرضه كرما فعليه خراجها إلى أن يطعم، فإذا أطعم، فإن كان ضعف وظيفة الكلام ففيه وظيفة الكرم، وإن كان أقل فنصفه إلى أن ينقص عن قفيز ودرهم، فإن نقص فعليه قفيز ودراهم اه. والقفيز صاع كما مر، وهذا بناء على أنها كانت للزراعة، فلو للرطبة فالظاهر لزوم خمسة دراهم، فلذا قال الشارح: ولا ينقص عما كان. تأمل. قوله: (وكل ما يمكن الخ) مكرر مع ما تقدم ح. قوله: (على المسناة) قال في جامع اللغة: المسناة: العرم، وهو ما يبنى للسيل ليرد الماء اه ح. وحاصله: أنها ما يبنى حول الأرض ليرد السيل عنها، وتسمى حافتا النهر مسناة أيضا، والظاهر أن الحكم فيها كذلك، لان ذلك ليس محل الزرع فلا يسمى شاغلا للأرض فيكون تابعا لها. قوله: (قوم) أراد باسم الجمع الاثنين مجازا بقرينة قوله: أحدهما وواو الجمع في شروا باعتبار صورة اسم الجمع ج. قوله: (وفيها كرم) أراد به الجنس، كالذي بعده بقرينة الجمع فيما يأتي ح. قوله: (فشرى) عطف على شروا عطف مفصل على مجمل ح. قوله: (فلو معلوما) أي علم حصة الكروم وحصة الأراضي من الخراج المأخوذ. قوله: (وإلا كأن كان جملة) في بعض النسخ بأن كان جملة: أي بأن كان خراج الضيعة يؤخذ جملة من غير بيان لحصة الكروم وحصة الأراضي. قوله: (فإن لم تعرف الخ) يعني لم يعرف أحد أن الكروم كانت أراضي، ولا أن الأراضي كانت كروما ح. قوله: ( قسم بقدر الحصص) أي ينظر إلى خراج الكروم والأراضي، فإذا عرف ذلك يقسم جملة خراج الضيعة عليها: على قدر حصصها. ح عن الخانية. قلت: والظاهر أن المراد أن ينظر إلى خراجهما خراج وظيفة بأن ينظركم جريبا فيهما، فإذا بلغ خراج الكروم مائة درهم مثلا وخراج الأراضي مائتين يقسم جملة خراج الضيعة عليها ثلاثة: ثلثه على الكروم، وثلثاه على الأراضي. قرية المراد أهلها فلذا قال: خراجهم. قوله: (إن لم يعلم الخ) أي إن كان لا يعلم أن خراج أراضيهم كان على التساوي أم لا ترك كما كان. تنبيه: في الخيرية: سئل في المسجد قرية له أرض لم يعرف عليها خراج من قديم الزمان ويريد السباهي المتكلم على القرية أن يأخذ عليها خراجا. أجاب: ليس له ذلك والقديم يبقى على قدمه، وحمل أحوال المسلمين على الصلاح واجب. قوله: (ولا خراج الخ) أي خراج الوظيفة
371 وكذا خراج المقاسمة والعشر بالأولى لتعلق الواجب بعين الخارج فيهما، ومثل الزرع والرطب والكرم ونحوهما. خيرية. قوله: (ما يمكن الزرع فيه ثانيا) قال في الكبرى: والفتوى أنه مقدر بثلاثة أشهر. نهر. ويمكن احتراز عنها خرج ما لا يمكن كالجراد، كما في البزازية. قوله: (كأنعام) وكقردة وسباع ونحو ذلك. بحر. قوله: (وفأر ودودة) عبارة ومنه يعلم أن الدودة والفأرة إذا أكلا الزرع لا يسقط الخراج اه. قلت: لا شك أنهما مثل الجراد في عدم إمكان الدفع، وفي النهر لا ينبغي التردد في كون الدودة آفة سماوية، وأنه لا يمكن الاحتراز عنها. قال الخير الرملي: وأقول: إن كان كثيرا غالبا لا يمكن دفعه بحيلة يجب أن يسقط به، وإن أمكن دفعه لا يسقط، هذا هو المتعين للصواب. قوله: (أو هلك الخارج بعد الحصاد) مفهومه أنه لو هلك قبله يسقط الخراج لكن يخالفه التفصيل المذكور فيما لو أصاب الزرع آفة فإن الزرع اسم للقائم في أرضه، فحيث وجب الخراج بهلاكه بآفة يمكن الاحتراز عنها علم أنه يجب قبل الحصاد إلا أن يحمل الهلاك هنا على ما إذا كان بما لا يمكن الاحتراز عنه فتندفع المخالفة. وقدمنا في باب العشر من الزكاة الاختلاف في وقت وجوبه. فعنده يجب عند ظهور الثمرة والامن عليها من الفساد، وإن لم يستحق الحصاد إذا بلغت حدا ينتفع به، وعند الثاني عند استحقاق الحصاد، وعند الثالث إذا حصدت وصارت في الجرين، فلو أكل منها بعد بلوغ الحصاد قبل أن تحصد: ضمن عندهما لا عند محمد، ولو بعد ما صارت في الجرين لا يضمن إجماعا ومر تمامه هناك. قوله: (وقبله يسقط) أي إلا إذا بقي من السنة ما يتمكن فيه من الزراعة كما يأخذ مما سلف ط. قال الخير الرملي: ولو هلك الخارج في خراج المقاسمة قبل الحصاد أو بعده فلا شئ عليه لتعلقه بالخارج حقيقة، وحكمه حكم الشريك شركة الملك فلا يضمن إلا بالتعدي، فاعلم ذلك فإنه مهم ويكثر وقوعه في بلادنا. وفي الخانية ما هو صريح في سقوطه في حصة رب الأرض بعد الحصاد ووجوبه عليه في حصة الأكار معللا بأن الأرض في حصته بمنزلة المستأجرة اه. قوله: (إن فضل عما أنفق) ينبغي أن يلحق بالنفقة على الزرع ما يأخذه الاعراب وحكم السياسة ظلما كما يعلم مما قدمناه. قوله: (أخذ منه مقدار ما بينا) أي إن بقي ضعف الخراج كدرهمين وصاعين، يجب الخراج، وإن بقي أقل من مقدار الخراج يجب نصفه، وأشار الشارح إلى هذا بقوله: وتمامه في الشرنبلالية فإنه مذكور فيها. أفاده ح. قوله: (مصنف. سراج) على حذف العاطف أو على معنى مصنف عن السراج. قوله: (وكذا حكم الإجارة) أي لو استأجر أرضا فغلب عليها الماء أو انقطع لا تجب الأجرة، وأما لو أصاب الزرع آفة فإنما يسقط أجرة ما بقي من السنة بعد الهلاك لا ما قبله، لان الأجرة يجب بإزاء المنفعة شيئا فشيئا، فيجب أجر ما استوفى لا غيره، فيفرق بين هذا وبين الخراج فإنه يسقط كما في البحر عن الولوالجية. قلت: لكن في إجارة البزازية عن المحيط: الفتوى على أنه إذا بقي بعد هلاك الزرع مدة لا
372 يتمكن من الزراعة لا يجب الاجر، وإلا يجب إذا تمكن من زراعته مثل الأول أو دونه فبالضرر، وكذا لو منعه غاصب اه. والخراج كذلك كما علمت. قوله: (فإن عطلها صاحبها) أي عطل الأرض الصالحة للزراعة. در. منتقى. قلت: في الخانية: له في أرض الخراج أرض سبخة لا تصلح للزراعة أو لا يصلها الماء، إن أمكنه إصلاحها ولم يصلح فعليه الخراج، وإلا فلا اه. ومن التعطيل من وجه ما لو زرع الأخس مع قدرته على الاعلى، كما مر. قلت: ويستثنى من التعطيل ما ذكره في الإسعاف في فصل أحكام المقابر والربط: لو جعل أرضه مقبرة أو خانا للغلة أو مسكنا سقط الخراج عنه، وقيل لا يسقط والصحيح هو الأول اه. وعليه مشى في المنظومة المحبية. مطلب فيما لو عجز المالك عن زراعة الأرض الخراجية وبقي ما لو عجز مالكها عن الزراعة لعدم قوته وأسبابه فللامام أن يدفعها لغيره مزارعة ليأخذ الخراج من نصيب المالك ويمسك الباقي لمالك، وإن شاء أجرها وأخذ الخراج من الأجرة، وإن شاء زرعها من بيت المال، فإن لم يتمكن باعها وأخذ الخراج من ثمنها. قال في النهاية: وهذا بلا خلاف لأنه من باب صرف الضرر العام بالضرر الخاص. وعن أبي يوسف يدفع للعاجز كفايته من بيت المال قرضا ليعمل فيها. زيلعي. وفي الذخيرة: لو عادت قدرة مالكها ردها الامام عليه إلا في البيع. قوله: (يجب الخراج) أما في التعطيل فلان التقصير جاء من جهته، وأما فيما بعده فلان الهراج فيه معنى المؤنة فإن مكن إبقاؤه على المسلم، وقد صح أن الصحابة اشتروا أراضي الخراج وكانوا يؤدون خراجها، وتمامه في الفتح. قوله: (لا يجب شئ) لأنه إذا منع ولم يقدر على دفعه لم يتمكن من الزراعة، ولان خراج المقاسمة يتعلق بعين الخارج مثل العشر، فإذا لم يزرع مع القدرة لو يوجد الخارج، بخلاف خراج الوظيفة، لأنه يجب في الذمة بمجرد التمكن من الزراعة. مطلب: لو رحل الفلاح من قرية لا يجبر على العود قوله: (وقد علمت الخ) حاصله دفع ما يتوهم من قولهم: لو عطلها صاحبها يجب الخراج أنه لو ترك الزراعة لعذر أو لغيره، أو رحل من القرية يجبر على الزراعة والعود، وليس كذلك: أما أولا فلما علمت من قولهم إن الامام يدفعها لغيره مزارعة أو بالأجرة، أو يبيعها ولم يقولوا بإجبار صاحبها، وأما ثانيا فلما مر من أن الأراضي الشامية خراجها مقاسمة لا وظيفة فلا يجب بالتعطيل أصلا، وأما ثالثا فلأنها لما صارت لبيت المال صار المأخوذ منها أجرة بقدر الخراج، والأجرة لا تلزم هنا بدون التزام، إما بعقد الإجارة أو بالزراعة قال الخير الرملي في حاشية البحر أقول: رأيت بعض أهل العلم أفتى بأنه إذا رحل الفلاح من قريته ولزم خراب القرية برحيله أنه يجبر على العود، وربما اغتر به بعض الجهلة، وهو محمول على ما إذا رحل لا عن ظلم وجور ولا عن ضرورة بل تعنتا وأمر السلطان بإعادته للمصلحة وهي صيانة القرية عن الخراب، ولا ضرر عليه في العود، وأما ما يفعله الظلمة الآن من الالزام بالرد إلى القرية
373 مع التكاليف الشاقة والجور المفرط فلا يقول به مسلم، وقد جعل الحصني الشافعي في ذلك رسالة أقام بها الطامة على فاعل ذلك، فارجع إليها إن شئت اه. قوله: (كي لا يتجرى الظلمة) قال في العناية: ورد بأنه كيف يجوز الكتمان وأنهم لو أخذوا كان في موضعه لكونه واجبا؟ أجيب بأنا لو أفتينا بذلك لادعى كل ظالم في أرض ليس شأنها ذلك أنها قبل هذا كانت تزرع الزعفران فيأخذ خراج ذلك وهو ظلم وعدوان اه. قوله: (باع أرضا خراجية الخ) هذا إذا كانت فارغة، لكن اختلفوا في اعتبار ما يتمكن المشتري من زراعته، فقيل الحنطة والشعير، وقيل أي زرع كان، وفي أنه هل يشترط إدراك الربع بكماله أو لا. وفي واقعات الناطفي أن الفتوى على تقديره بثلاثة أشهر، وهذا منه اعتبار لزرع الدهن وإدراك الريع، فإن ريع الدهن يدرك في مثل هذه المدة. وأما إذا كانت الأرض مزروعة فباعها مع الزرع: فإن كان قبل بلوغه فالخراج على المشتري مطلقا، وإن بعد بلوغه وانعقاد حبه فهو كما لو باعها فارغة، ولو كان لها ريعان خريفي وربيعي وسلم أحدهما للبائع والآخر للمشتري فالخراج عليهما، ولو تداولتها الأيدي ولم تمكث في ملك أحدهما ثلاثة أشهر فلا خراج على أحد اه. من التاترخانية ملخصا. قوله: (عناية) لم أجده فيها، وإنما عزاه في البحر إلى البناية وهي شرح الهداية للعيني. قوله: (ولا يؤخذ العشر الخ) أي لو كان له أرض خراجها موظف لا يأخذ منها عشر الخارج، وكذا لو كان خراجها مقاسمة من النصف ونحوه، وكذا لو كانت عشرية لا يؤخذ منها خراج لأنهما لا يجتمعان، ولذا لم يفعله أحد من الخلفاء الراشدين، وإلا لنقل، وتمامه في الفتح. قوله: (ولا يتكرر الخراج الخ) قال في الفتح: فالخراج له شدة من حيث تعلقه بالتمكن، وله خفة باعتبار عدم تكرره في السنة ولو زرع فيها مرارا والعشر له شدة وهو تكرره بتكرر خروج الخارج وخفة بتعلقه بعين الخارج، فإذا عطلها لا يؤخذ شئ اه. قلت: ومن ذلك أن الخراج يسقط بالموت وبالتداخل كالجزية، وقيل لا كالعشر، وسيأتي تمام الكلام عليه في الفصل الآتي. قوله: (أو وهبه له) بأن أخذه منه ثم أعطاه إياه. قوله: (عند الثاني) أي عند أبي يوسف. وقال محمد: لا يجوز. بحر. ولم يظهر لي وجه قول محمد إن كان مرادة أنه لا يجوز ولو كان مصرفا للخراج. قوله: (وحل له لو مصرفا) أعاده لان قوله: جاز أي جاز ما فعله السلطان
374 بمعنى أنه لا يضمن ولا يلزم من ذلك حله لرب الأرض. وفي القنية: ويعذر في صرفه إلى نفسه إن كان مصرفا كالمفتي والمجاهد والمعلم والمتعلم والذاكر والواعظ عن علم، ولا يجوز لغيرهم، وكذا إذا ترك عمال السلطان الخراج لاحد بدون علمه اه. قوله: (خلاف المشهور) أي مخالف لما نقله العامة عن أبي يوسف: نهر. قوله: (لا يجوز إجماعا) لعل وجهه أن العشر مصرفه مصرف الزكاة، لأنه زكاة الخارج، ولا يكون الانسان مصرفا لزكاة نفسه، بخلاف الخراج، فإنه ليس زكاة ولذا يوضع على أرض الكافر هذا ما ظهر لي. تأمل. قوله: (معزيا للبزازية) وذلك حيث قال: وفي البزازية: السلطان إذا ترك العشر لمن هو عليه جاز، غنيا كان أو فقيرا، لكن إن كان المتروك له فقيرا فلا ضمان على السلطان، وإن كان غنيا ضمن السلطان العشر للفقراء من بيت مال الخراج لبيت مال الصدقة اه. قلت: وينبغي حمله على ما إذا كان الغني من مستحقي الخراج، وإلا فينبغي أن يضمن السلطان ذلك من ماله. تأمل. وقدمنا في باب العشر عن الذخيرة مثل ما في البزازية. وقال في الدر المنتقى: ثم رأيت في البرجندي في بيان مصرف الجزية، وكذا لو جعل العشور للمقاتلة جاز لأنه مال حصل بقوتهم اه. فليحفظ. وليكن التوفيق اه: أي بحمل القول بالمنع على غير المقاتلة والقول بالجواز عليهم. قلت: لكن قوله: لو جعل العشور للمقاتلة ليس صريحا في جعل عشور أراضيهم. تأمل. قوله: (وفي النهر) من هنا إلى قوله: وفي الأشباه من كلام النهر. قوله: (يعلم من قول الثاني) أي بجواز ترك الخراج وهبته لمن هو مصرف له. مطلب في أحكام الاقطاع من بيت المال قوله: (حكم الإقطاعات الخ) قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في كتاب الخراج: وللامام أن يقطع كل موات وكل ما ليس فيه ملك لاحد، ويعمل بما يرى أنه خير للمسلمين، وأعم نفعا. وقال أيضا: وكل أرض ليست لاحد، ولا عليها أثر عمارة فأقطعها رجلا فغمرها فإن كانت في أرض الخراج أدى عنها الخراج، وإن كانت عشرية ففيها العشر. وقال في ذكر القطائع: إن عمر اصطفى أموال كسرى، وأهل كسرى، وكل من فر عن أرضه أو قتل في المعركة، وكل مفيض ماء أو أجمة، فكان عمر يقطع من هذا لمن أقطع. قال أبو يوسف: وذلك بمنزلة بيت المال الذي لم يكن لاحد، ولا في يد وارث، فللامام العادل أن يجيز منه ويعطي من كان له عناء في الاسلام، ويضع ذلك موضعه، ولا يحابي به فكذلك هذه الأرض، فهذا سبيل القطائع عند في أرض العراق، وإنما صارت القطائع يؤخذ منها العشر لأنها بمنزلة الصدقة اه. قلت: وهذا صريح في أن القطائع قد تكون من الموت، وقد تكون من بيت المال لمن هو من مصارفه، وأنه يملك رقية الأرض، ولذا قال يؤخذ منها العشر، لأنها بمنزلة الصدقة، ويدل له قوله أيضا: وكل من أقطعه الولاة المهديون أرضا من أرض السواد وأرض العرب والجبال من الأصناف التي ذكرنا أن للامام أن يقطع منها، فلا يحل لمن بعده من الخلفاء أن يرد ذلك، ولا يخرجه من يد من هو في يده وارث أو مشتر، ثم قال: والأرض عندي بمنزلة المال، فللامام أن يجيز
375 من بيت المال من له عناء في الاسلام، ومن يقوى به على العدو ويعمل في ذلك بالذي يرى أنه خير للمسلمين وأصلح لأمرهم، وكذلك الأرضون يقطع الامام منها من أحب من الأصناف اه. فهذا يدل على أن للامام أن يعطي الأرض من بيت المال، على وجه التمليك لرقبتها كما يعطي المال، حيث رأى المصلحة، إذ لا فرق بين الأرض والمال في الدفع للمستحق فاغتنم هذه الفائدة، فإني لم أر من صرح بها، وإنما المشهور في الكتب أن الاقطاع تمليك الخراج مع بقاء رقبة الأرض لبيت المال. قوله: (وحينئذ) أي حين إذا كانت رقبتها ببيت المال وهذا ظاهر، وأما إذا كانت رقبتها للمقطع له كما قلنا، فلا شك في صحة بيعه وغيره. مطلب في إجارة الجندي ما أقطعه له الامام قوله: (نعم له إجازته الخ) قال ابن نجيم في رسالته في الإقطاعات: وصرح الشيخ قاسم في فتوى رفعت له بأن للجندي أن يؤجر ما أقطعه له الامام، ولا أثر لجواز إخراج الامام له أثناء المدة، كما لا أثر لجواز موت المؤجر في أثناء المدة، ولا لكونه ملك منفعة لا في مقابلة مال، لاتفاقهم على أن من صولح على خدمة عبد سنة، كان للمصالح أن يؤجره، إلى غير ذلك من النصوص الناطقة بإبحار ما ملكه من المنافع، لا في مقابلة مال فهو نظير المستأجر، لأنه ملك منفعة الاقطاع بمقابلة استعداده لما أعد له، وإذا مات المؤجر أو أخرج الامام الأرض عن المقطع تنفسخ الإجارة لانتقال الملك إلى غير المؤجر، كما لو انتقل الملك في النظائر التي خرج عليها إجارة الاقطاع وهي إجارة المستأجر، وإجارة العبد الذي صولح على خدمته مدة وإجارة، الموقوف عليه الغلة، وإجارة العبد المأذون، وإجارة أم الولد اه. تنبيه: المراد بهذه الإجارة إجارة الأرض للزراعة، لكن إذا كان للأرض زراع واضعون أيديهم عليها ولهم فيها حرث، وكيس ونحوه مما يسمى كردارا ويؤدون ما عليها لا تصح إجارتها لغيرهم، أما إذا لم يكن لها زارع مخصوصون، بل يتواردها أناس بعد آخرين ويدفعون ما عليها من خراج المقاسمة، فله أن يؤجرها لمن أراد، لكن الواقع في زماننا المستأجر يستأجرها لأجل أخذ خراجها لا للزارعة ويسمى ذلك التزاما، وهو غير صحيح كما أفتى به الخير الرملي في كتاب الوقف، وكذا في كتاب الإجارة في عدة مواضع، فراجعه. قوله: (وانتقل من أقطع له في زمن سلطان آخر) كذا في عبارة النهر، والظاهر أن قوله: انتقل بمعنى مات، ولو عبر به لكان أولى. قوله: (هل يكون لأولاده) أي هل تصير الأرض لأولاد المقطع له: عملا يقول السلطان ولأولاده؟ فإنه بمعنى إن مات عن أولاد فلأولاده من بعده فهو تعليق معنى. مطلب في بطلان التعليق بموت المعلق قوله: (ومقتضى قواعدهم الخ) حاصل الجواب: أنها لا تكون لأولاده لبطلان التعليق المذكور بموت السلطان المعلق.
376 مطلب: في صحة تعليق التقرير في الوظائف قال في الأشباه من كتاب الوقف: يصح تعليق التقرير في الوظائف أخذا من تعليق القضاء، والامارة بجامع الولاية، فلو مات المعلق بطل التقرير، فإذا قال القاضي: إن مات فلان أو شغرت وظيفة كذا فقد قررتك فيها: صح، وقد ذكره في أنفع الوسائل تفقها وهو فقه حسن اه. أقول: قدم الشارح في فضل كيفية القسمة في التنفيل أنه يعم كل قتال في تلك السنة ما لم يرجعوا وإن مات الوالي أو عزل ما لم يمنعه الثاني، ومقتضى هذا أن التعليق لا يبطل لموت المعلق، فإن قوله من قتل قتيلا فله سلبه فيه تعليق استحقاق السلب على القتل، لكن قدمنا هناك عن شرح السير الكبير خلافه وهو أنه يبطل التنفيل بعزل الأمير، وكذا بموته إذا نصب غيره من جهة الخليفة لا من جهة العسكر. قوله: (ولو أقطعه السلطان أرضا مواتا) أي من أراضي بيت المال حيث كان المقطع له من أهل الاستحقاق، فيملك رقبتها كما قدمناه أو من غير بيت المال، والمراد من أهل الاستحقاق، فيملك رقبتها كما قدمناه أو من غير بيت المال، والمراد بإقطاعه أنه له بإحيائها على قول أبي حنيفة من اشتراط إذنه بصحة الاحياء، وهذا لا يختص بكون المحيي مستحقا من بيت المال، بل لو كان ذميا ملك ما أحياه. قوله: (أو ملكها السلطان) أي بإحياء أو شراء من وكيل بيت المال. قوله: (ثم أقطعها له) يعني وهبها له. قوله: (جاز وقفه لها) وكذا بيعه ونحوه، لأنه ملكها حقيقة. قوله: (والأرصاد الخ): الرصد: الطريق، ورصدته رصدا من باب قتل: قعدت له على الطريق، وقعد فلان بالمرصد كجعفر، وبالمرصاد بالكسر، وبالمرتصد أيضا: أي بطريق الا رتقا أأدخل والانتظار، وربك لك بالمرصاد: أي مراقبك، فلا يخفى عليه شئ من فعالك ولا تفوته. مصباح. ومنه سمى إرصاد السلطان بعض القرى والمزارع من بيت المال على المساجد والمدارس ونحوها لمن يستحق من بيت المال كالقراء والأئمة والمؤذنين ونحوهم، كأن ما أرصده قائم على طريق حاجاتهم يراقبها، وإنما لم يكن وقفا حقيقة لعدم ملك السلطان له، بل هو تعيين شئ من بيت المال على بعض مستحقيه، فلا يجوز لمن بعده أن يغيره ويبدله كما قدمنا ذلك مبسوطا. قوله: (بصحة إجارة المقطع) تقدم آنفا وذكرنا عبارة العلامة قاسم، والله سبحانه أعلم. فصل في الجزية هذا هو الضرب الثاني من الخراج، وقدم الأول لقوته لوجوبه، وإن أسلموا بخلاف الجزية، أو لأنه الحقيقة إذ هو المتبادر عند الاطلاق ولا يطلق على الجزية إلا مقيدا: أي فيقال خراج الرأس، وهذا أمارة المجاز، وبنيت على فعلة دلالة على الهيئة التي هي الاذلال عند الاعطاء. نهر. وتسمى جالية من جلوت عن البلد يجدء بالفتح والمد: خرجت، وأجليت مثله، والجالية: الجماعة، ومنه قيل لأهل الذمة الذين جلاهم عمر رضي الله عنه عن جزيرة العرب: الجالية، ثم نقلت الجالية إلى الجزية التي أخذت منهم، ثم استعملت في كل جزية تؤخذ. وإن لم يكن صاحبها أجلى عن وطنه فقيل: استعمل فلان على الجالية، والجمع الجوالي. مصباح. فإطلاقها على الجزية مجاز
377 بمرتبتين؟. قوله: (لأنها جزت عن القتل) أي قضت وكفت عنه، فإذا قبلها سقط عنه القتل. بحر. أو لأنها وجبت عقوبة على الكفر كما في الهداية. قال في الفتح: ولهذا سميت جزية وهي والجزاء واحد، وهو يقال على ثوا أأدخل الطاعة وعقوبة المعصية. قوله: (والجمع جزي) وفي لغة جزيات مصباح. قوله: لا يقدر ولا يغير) أي لا يكون له تقدير من الشارع بل كل ما يقع الصلح عليه يتعين ولا يغير بزيادة ولا نقص. درر. وذلك كما صالح عليه الصلاة والسلام أهل نجران، وهم قوم نصارى بقرب اليمن على ألفي حلة في العام، وصالح عمر رضي الله تعالى عنه نصارى بني تغلب على أن يؤخذ من كل واحد منهم ضعف ما يؤخذ من المسلم من المال الواجب، فلزم ذلك وتقدم تفصيله في الزكاة فتح. قوله: (وما وضع بعد ما قهروا الخ) هذا الوضع والتقدير لا يشترط فيه رضاهم كما في الفتح. قوله: (على فقير معتمل) ظاهره أن القدرة على العمل شرط في حق الفقير فقط لقوله الآتي: وفقير غير معتمل وليس كذلك، بل هو شرط في حق الكل، ولذا قال في البناية وغيرها: لا يلزم الزمن منهم وإن كان مفرطا في اليسار، وكذا لو مرض نصف السنة، كما في شرح الزيلعي، فلو حذف الفقير لكان أولى. بحر: أي لو حذفه من قوله الآتي: فيمن لا يوضع عليه الجزية وفقير غير معتمل بأن يقول وغير معتمل ليشمل الفقير وغيره، لا من قوله هنا على فقير معتمل كما فهمه في النهر، فاعترضه بأنه لو اقتصر على قوله: ومعتمل لما أفاد اشتراط القدرة على العمل في حق الغني، كيف وقد قابله اه. قلت: الاعتمال: الاضطراب في العمل وهو الاكتساب، والمراد القدرة عليه حتى لو لم يعمل مع قدرته وجبت، كمن عطل الأرض، كما في الفتح. وقال: قيد بالإعتمال لأنه لو كان مريضا في نصف السنة فصاعدا لا يجب عليه شئ اه. وبه ظهر أن التقييد بالمعتمل هنا واقع في محله، وأن قوله الآتي: لا توضع على زمن وأعمى وفقير غير معتمل تصريح بمفهوم القيد هنا، وأن عطف الفقير والأعمى على الزمن عطف خاص على عام، لان المراد بالزمن العاجز فلو اقتصر عليه لأغناه لشموله الفقير وغيره، وقد يقال: إن غير المعتمل أعم، لأنه يشمل ما إذا كان سالم الآلات صحيح البدن، لكنه لا يقدر على الكسب لخرقه وعدم معرفته معرفة يكتسب منها، وعلى هذا فتكون القدرة على العمل شرطا في الفقير فقط، إذ لا شك أن غير الفقير توضع عليه إذا كان صحيحا غير زمن، ولا أعمى، وإن لم يكن معتملا بهذا المعنى المذكور فيتعين تفسير غير المعتمل بما ذكرنا ليندفع الاستدراك على عبارات المتون، ثم رأيت في القهستاني ما يؤيده حيث قال: وفيه إشارة إلى أن الفقير هو الذي يعيش بكسب يده في كل يوم، فلو فضل على قوته وقوت عياله أخذت منه، وإلا فلا، وإلى أن غيره من لا حاجة له إلى الكسب للنفقة في الحال. قوله: (وهذا للتسهيل الخ) الإشارة إلى قوله: في كل شهر درهم وقوله: في كل شهر درهمان وقوله: في كل شهر
378 أربعة وفي القهستاني عن المحيط: إنها تجب في أوله عندهم لأنها جزاء القتل، وبعقد الذمة يسقط الأصل، فوجب خلفه في الحال، إلا أنه يخاطب بأداء الكل عنده في آخر الحول تخفيفا، وبأداء قسط شهرين عند أبي يوسف آخرهما، وقسط شهر عند محمد في آخره اه. ومثله في التاترخانية، فما ذكره الشارح تبعا للهداية قول محمد. والحاصل: أنها تجب في أول العام وجوبا موسعا كالصلاة وإنما يجب الأداء في آخره أو في آخر كشهرين أو شهر للتسهيل والتخفيف عليه. قوله: (واعتبر أبو جعفر العرف: حيث قال: ينظر إلى عادة كل بلد في ذلك، ألا ترى أن صاحب خمسين ألفا يبلغ يعد من المكثرين وفي البصرة وبغداد لا يعد مكثرا. وذكره عن أبي نصر محمد بن سلام. فتح. قوله: (وهو الأصح) صححه في الولوالجية أيضا. قال في الدر المنتقى: والصحيح في معرفة هؤلاء عرفهم، كما في الكرماني وهو المختار كما في الاختيار، وذكره القهستاني واعترف في المنح تبعا للبحر بأنه: أي التجديد لم يذكر في ظاهر الرواية، ولا يخفى أن الأول: أي اعتبار العرف أقرب لرأي صاحب المذهب، وأقره في الشرنبلالية. وفي شرح المجمع وغيره: وينبغي تفويضه للامام: أي كما هو رأي الامام، وفي التاترخانية: إنه الأصح فتبصر اه: يعني أن رأي الامام أن المقدرات التي لم يرد بها نص لا تثبت بالرأي، بل تفوض إلى رأي المبتلي كما قال في الماء الكثير وفي غسل النجاسة وغير ذلك. قوله: (ويعتبر وجود هذه الصفات في آخر السنة الخ) قال في البحر: وينبغي اعتبارها في أولها لأنه وقت الوجوب اه. ورده في النهر بأنهم اعتبروا وجودها في آخرها، لأنه وقت وجوب الأداء، ومن ثم قالوا: لو كان في أكثر السنة غنيا أخذ ولو اعتبر الأول لوجب إذا كان في أولها غنيا فقيرا في أكثرها أن يجب جزية الأغنياء وليس كذلك،، نعم الأكثر كالكل اه. واعترضه محشي مسكين، بأن ما أورده على اعتبار الأول مشترك الالزام، إذ هو وارد أيضا على اعتبار الآخر لاقتضائه وجوب جزية الأغنياء إذا كان غنيا في آخرها فقيرا في أكثرها اه. قلت: وحاصله أنه إذا كان المعتبر الوصف الموجود في أكثر السنة فلا فرق بين كونه في أولها أو آخرها، وعلى هذا فمن اعتبر آخرها أراد إذا كان ذلك الوصف موجودا في أكثرها، وعلى هذا فلا اعتبار لخصوص الأول أو الآخر، لكن سيذكر المصنف أن المعتبر في الأهلية وعدمها وقت الوضع، بخلاف الفقير إذا أيسر بعد الوضع، حيث توضع عليه. وحاصله على وجه يحصل به التوفيق بينه وبين اعتبار أكثر السنة: أن من كان من أهلها وقت الوضع وضعت عليه، وذلك بأن يكون حرا مكلفا وإلا لم توضع عليه، وإن صار أهلا بعده كما سيأتي، ومن كان أهلا وقت الوضع لكن قام به عذر لم توضع عليه إلا إذا زال العذر بعده كالفقير إذا أيسر والمريض إذا صح، لكن بشرط أن يبقى من السنة أكثرها، وعلى هذا فيعتبر أول السنة لتعرف الأهل من غيره، وبعد تحقق الأهلية لا يعتبر أولها في حق تغير الأوصاف، بل يعتبر أكثرها فيه كما إذا كان مريضا في أولها، فإن صح بعده وجبت، وإلا فلا، وكذا لو كان فقيرا غير معتمل، ثم صار فقيرا معتملا أو متوسطا أو غنيا في أكثرها، وعلى هذا يحمل ما في الولوالجية
379 وغيرها من أن الفقير لو أيسر في آخر السنة أخذت منه اه: أي إذا أيسر أكثرها، وعلى هذا عكسه بأن كان غنيا في أولها فقيرا في آخرها اعتبر ما وجد في أكثرها، لكن ما مر من أنه يؤخذ في كل شهر قسط يؤخذ ممن كان غنيا في أولها شهرين مثلا قسط شهرين دون الباقي لما في القهستاني عن المحيط، يسقط الباقي في جزية السنة إذا صار شيخا كبيرا أو فقيرا أو مريضا نصف سنة أو أكثرها اه. وأشار إلى أن ما نقص عن نصف سنة لا يجعل عذرا، ولذا قال في الفتح: إنما يوظف على المعتمل إذا كان صحيحا في أكثر السنة، وإلا فلا جزية عليه، لان الانسان لا يخلو عن قليل مرض، فلا يجعل القليل منه عذرا وهو ما نقص عن نصف العام اه. هذا ما ظهر لي في تحرير هذا المحل، والله تعالى أعلم. قوله: (وتوضع على كتابي) أي ولو عربيا. فتح. والكتابي من يعتقد دينا سماويا: أي منزلا بكتاب كاليهود والنصارى. قوله: (السامرة) فاعل يدخل وهم فرقة من اليهود وتخالف اليهود في أكثر الاحكام، ومنهم السامري الذي وضع العجل وعبده مصباح. قوله: (والأرمن) نسبة على خلاف القياس إلى أرمينية بكسر الهمزة والميم بينهما راء ساكنة وبفتح الياء الثانية بعد النون وهي ناحية بالروم كما في المصباح. قوله: (تؤخذ منهم عنده خلافا لهما) أي بناء على أنهم من النصارى أو من اليهود، فهم من أهل الكتاب عنده، وعندهما يعبدون الكواكب فليسوا من الكتابيين بل كعبدة الأوثان، كما في الفتح والنهر. قال ح: أقول: ظاهر كلامهم إن الصائبة من العرب، إذ لو كانوا من العجم لما تأتى الخلاف لما علمت أن العجمي تؤخذ منه الجزية لو مشركا اه. قلت: ويؤيده ما نقله السائحاني عن البدائع من أنه عندهما تؤخذ منهم الجزية إذا كانوا من العجم لأنهم كعبدة الأوثان اه. قوله: (ومجوسي) من يعبد النار. فتح. قوله: (على مجوس هجر) بفتحتين. قال في الفتح بلدة في البحرين اه. وفي المصباح: وقد أطلقت على ناحية بلاد البحرين وعلى جميع الأقاليم، وهو المراد بالحديث اه. وفيه أيضا البحران على لفظ التثنية موضع بين البصرة وعمان وهو من بلاد نجد. قوله: (ووثني عجمي) الوثن: ما كان منقوشا في حائط ولا شخص له، والصنم: ما كان على صورة الانسان، والصليب: ما لا نقش له ولا صورة، ولكنه يعبد. منح. عن السراج ومثله في البحر، لكن ذكر قبله الوثن: ما له جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جوهر ينحت، والجمع أوثان، وكانت العرب تنصبها وتعبدها اه. وفي المصباح: الوثن الصنم، سواء كان من خشب أو حجر أو غيره اه. والعجمي خلاف العربي. قوله: (لجواز استرقاقه الخ) وإنما لم تضرب الجزية على النساء والصبيان، مع جواز استرقاقهم لأنهم صاروا اتباعا لأصولهم في الكفر، فكانوا أتباعا في حكمهم فكانت الجزية عن الرجل وأتباعه في المعنى إن كان له أتباع، وإلا فهي عنه خاصة. فتح. قوله: (لان المعجزة في حقه أظهر) لان القرآن نزل بلغتهم فكان كفرهم والحالة هذه أغلظ من كفر العجم. فتح. وأورد في النهر: أن هذا يشمل ما إذا كان كتابيا اه: أي فيخالف ما مر من أنها توضع عليه.
380 قلت: والجواب أنه وإن شمله، لكن خص بقوله تعالى: * (من الذين أوتوا الكتاب) * (سورة التوبة: الآية 92) اه. ثم رأيته في الشرنبلالية. قوله: (فلا يقبل منهما) أي من العربي الوثني والمرتد إلا الاسلام، وإن لم يسلما قتلا بالسيف، وفي الدر المنتقى عن البرجندي أن نسبة القبول إلى السيف مسامحة. قوله: (ولو ظهرنا عليهم، فنساؤهم وصبيانهم فئ) لان أبا بكر رضي الله تعالى عنه استرق بني حنيفة وصبيانهم لما ارتدوا، وقسمهم بين الغانمين. هداية. قال في الفتح: إلا أن ذراري المرتدين ونساءهم يجبرون على الاسلام بعد الاسترقاق، بخلاف ذراري عبدة الأوثان: لا يجبرون اه: أي وكذا نساؤهم، والفرق أن ذراري المرتدين تبع لهم فيجبرون مثلهم، وكذا نساؤهم لسبق الاسلام منهن. مطلب: الزنديق إذا أخذ قبل التوبة يقتل ولا تؤخذ منه الجزية تنبيه: قال في الفتح: قالوا لو جاء زنديق قبل أن يؤخذ فأخبر بأنه زنديق وتاب تقبل توبته، فإن أخذ ثم تاب لا تقبل توبته ويقتل، لأنهم باطنية يعتقدون في الباطن خلاف ذلك، فيقتل ولا تؤخذ منه الجزية اه. وسيأتي في باب المرتد أن هذا التفصيل هو المفتى به. وفي القهستاني: ولا توضع على المبتدع، ولا يسترق وإن كان كافرا، لكن يباح قتله إذا أظهر بدعته، ولم يرجع عن ذلك، وتقبل توبته. وقال بعضهم: لا تقبل توبة الإباحية والشيعة والقرامطة والزنادقة من الفلاسفة، وقال بعضهم: إن تاب المبتدع قبل الاخذ والاظهار تقبل، وإن تاب بعدهما لا تقبل، كما هو قياس قول أبي حنيفة كما في التمهيد السالمي اه. قال في الدرر المنتقى: واعتمد الأخير صاحب التنوير. قوله: (وصبي) ولا مجنون. فتح. قوله: (وامرأة) إلا نساء بني تغلب فإنها تؤخذ من نسائهم كما تؤخذ من رجالهم لوجوبه بالصلح كذلك، كما سيأتي. قوله: (وابن أم ولد) صورته: استولد جارية لها ولد قد ملكه معها فإن الولد يتبع أمه في الحرية والتدبير والاستيلاد. تنبيه: قال في الدر المنتقى: سقط من نسخ الهداية لفظ ابن وتبعه القهستاني، بل زاد وأمه ولا ينبغي فإن من المعلوم أن لا جزية على النساء الأحرار، فكيف بأم الولد، وإنما المراد ابن أم الولد. قوله: (وفقير غير معتمل) تقدم الكلام عليه. قوله: (لأنه لا يقتل الخ) الأصل أن الجزية لاسقاط القتل فمن لا يجب قتله لا توضع عليه الجزية، إلا إذا أعانوا برأي أو مال فتجب الجزية كما في الاختيار وغيره. در. منتقى وقهستاني. قوله: (وجزم الحدادي بوجوبها) أي إذا قدر على العمل حيث قال: قوله ولا على الرهبان الذين لا يخالطون الناس: هذا محمول على أنهم إذا كانوا لا يقدرون على العمل، أما إذا كانوا يقدرون فعليهم الجزية، لان القدرة فيهم موجودة، وهم الذين ضيعوها، فصار كتعطيل أرض الخراج اه. وبه جزم في الاختيار أيضا كما في الشرنبلالية، قال في النهر: وجعله في الخانية ظاهر الرواية حيث قال: ويؤخذ من الرهبان والقسيسين في ظاهر الرواية، وعن محمد أنها لا يؤخذ اه. قوله: (ونقل ابن كمال أنه القياس) فيه نظر، لأنه قال في شرح قوله: ولا على راهب لا يخالط فأما الرهبان وأصحاب الصوامع الذين يخالطون الناس فقال محمد: كان أبو
381 حنيفة يقول بوضع الجزية إذا كانوا يقدرون على العمل، وهو قول أبي يوسف. قال عمرو بن أبي عمر: قلت لمحمد: فما قولك؟ قال: القياس ما قال أبو حنيفة، كذا في شرح القدوري للأقطع اه. وبه علم أن هذا في المخالط على أن هذه الصيغة من محمد تفيد اختيار قول أبي حنيفة ولا تفيد أن مقابله هو الاستحسان الذي يقدم على القياس، ووجه كونه هو القياس أنا لو ظهرنا على دار الحرب لنا أن نقتل الراهب المخالط، بخلاف غير المخالط، وقد مر أن من لا يقتل لا توضع الجزية عليه، وهذا القياس هو مفهوم ما جرى عليه أصحاب المتون فيكون هو المذهب، وما مر عن الخانية يمكن حملة عليه، فلا يلزم أن يكون ظاهر الرواية، فافهم. قوله: (لم توضع عليه) لان وقت الوجوب أول السنة عند وضع الامام، فإن الامام يجدد الوضع عند رأس كل سنة لتغير أحوالهم ببلوغ الصبي وعتق العبد وغيرهما فإذا احتلم وعتق العبد بعد الوضع فقد مضى وقت الوجوب، فلم يكونا أهلا للوجوب، ولوالجية. قوله: (بخلاف الفقير) أي غير المعتمل إذا أيسر بالعمل فإنها توضع عليه ط. قوله: (لان سقوطها لعجزه) لان الفقير أهل لوضع الجزية كما في الاختيار: أي لكونه حرا مكلفا، لكنه معذور بالفقر، فإذا زال أخذت منه، لكن إن بقي من الحول أكثره على ما قدمنا تحريره. قوله: (كما طعن الملحدة) أي الطاعنين (1) في الدين، قال في المصباح: ألحد الرجل في الدين لحدا وألحد إلحادا: طعن. قوله: (إنما هي عقوبة لهم) ولأنها دعوة إلى الاسلام بأحسن الجهات، وهو أن يسكن بين المسلمين فيرى محاسن الاسلام، فيسلم مع دفع شره في الحال: قهستاني. قوله: (فإذا جاز إمهالهم) أي تأخيرهم بلا جزية للاستدعاء إلى الايمان: أي لأجل دعائهم إليه بمحاربتهم وقتالهم بدونها فيها أولى: أي فإمهالهم للاستدعاء إلى الايمان بالجزية أولى، لان مخالطتهم للمسلمين ورؤيتهم حسن سيرتهم تدعوهم إلى الاسلام كما علمت، فيحصل المقصود بلا قتال فيكون أولى، هذا ما ظهر لي في تقرير كلامه، وقد صرح أبو يوسف في كتاب الخراج بأنه لا يجوز ترك واحد بلا جزية، فعلم أن المراد ما قررناه، فتأمل. قوله: (تعالى الخ) لا حاجة إلى سوق الدليل النقلي هنا، لان الملحد معترض على مشروعية هذا الحكم من أصله. قوله: (ونصارى نجران) بلدة من بلاد همدان من اليمن. مصباح. وفي الفتح: روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: صالح رسول الله (ص) أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر، والنصف في رجب. قوله: (ثم فرع عليه) أي على كونها عقوبة على الكفر. قوله: (ولو بعد تمام السنة) يجب أن تحمل البعدية على المقارنة للتمام،
(1) قوله: (اي الطاعنين) هكذا بخطه ولعل الأصوب الطاعنون كما لا يخفى ا ه مصححه. 382 لأنه لو أسلم بعد التمام بمدة فالسقوط بالتكرار قبل الاسلام، لا بالاسلام اه. خ. قلت: لكن تحقق التكرار بدخول السنة الثانية فيه خلاف كما تعرفه. قوله: (ويسقط المعجل) على تقدير مضاف: أي يسقط رده، فالسقوط هنا عن الامام لا عنه، بخلاف الواقع في المتن. قوله: (فيرد عليه سنة) أي لو عجل لسنتين، لأنه أدى خراج السنة الثانية، قبل الوجوب، فيرد عليه، أما لو عجل لسنة في أولها فقد أدى خراجها بعد الوجوب. قال في الولوالجية: وهذا على قول من قال بوجوب الجزية في أول الحول كما نص عليه في الجامع الصغير، وعليه الفتوى. قوله: (والموت) أي ولو عند تمام السنة في قولهم جميعا كما في الفتح. قوله: (والتكرار) أي بدخول السنة ولا يتوقف على مضيها في الأصح كما يأتي قريبا وسقوطها بالتكرار قول الإمام، وعندها، لا تسقط كما في الفتح. قوله: (وبالعمى والزمانة الخ) أي لو حدث شئ من ذلك، وقد بقي عليه شئ لم يؤخذ كما فالولوالجية والخانية: أي لو بقي عليه شئ من أقساط الأشهر وكذا لو كان لم يدفع شيئا، لكن قدمنا عن القهستاني عن المحيط تقييد سقوط الباقي بما إذا دامت هذه الاعذار نصف سنة فأكثر، ومثله ما ذكره الشارح أو الفصل عن الهداية فافهم. هذا وفي التتارخانية قال في المنتقى قال أبو يوسف: إذا أغمي عليه أو أصابته زمانة وهو موسر أخذت منه الجزية، قال الامام الحاكم أبو الفضل: على هذه الرواية يشترط للاخذ أهلية الوجوب في أول الحول، وعلى رواية الأصل شرطها من أوله إلى آخره اه. ملخصا. قلت: وحاصله أنه على رواية المنتقى يشترط وجود الأهلية في أوله فقط فلا يضر زوالها بعده، وعلى رواية الأصل يشترط عدم زوالها، وهو ما مشى عليه المصنف، وليس المراد عدم الزوال أصلا، بل المراد أن لا يستمر العذر نصف سنة فأكثر، فلا ينافي ما مر، فتدبر. قوله: (لا يستطيع العمل) راجع لقوله: فقيرا وما بعده. قوله: (والأصح الخ) وقيل لا بد من مضي الثانية ليتحقق الاجتماع. قوله: (بعكس خراج الأرض) فإن وجوبه بآخر الحول لان به يتحقق الانتفاع. قوله: (ويسقط الخراج) أي خراج الأرض. قوله: (وقيل لا) جزم به في الملتقى. قوله: (بحر) أقره في النهر أيضا. قوله: (وعزاه في الخانية) حيث قال: فإن اجتمع الخراج فلم يؤد سنين عند أبي حنيفة يؤخذ بخراج هذه السنة، ولا يؤخذ بخراج السنة الأولى، ويسقط ذلك عنه كما قال في الجزية، ومنهم من قال: لا يسقط الخراج بالاجماع، بخلاف الجزية، وهذا إذا عجز عن الزراعة فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل اه. قلت: وقد ترك المصنف والشارح هذا القيد وهو العجز عن الزراعة: أي في السنة الأولى، وعلى هذا فلا محل لذكر الخراج هنا، لأنه لا يجب إلا بالتمكين من الزراعة، فإذا لم يجب لا يقال إنه
383 سقط، ويظهر أن الخلاف المذكور لفظي يحمل القول الأول على ما إذا عجز، والثاني على ما إذا لم يعجز، إذ لا يتأتى الوجوب مع العجز كما مر في الباب السابق، ولذا قال: فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل، وعلى هذا فلم يبق في المسألة قولان، لكنه خلاف الظاهر من كلامهم، فإن الخلاف محكي في كثير من الكتب، وقد علمت أنه لا يتأتى الخلاف مع العجز، فالظاهر أن الخلاف عند عدمه، وعليه فالمناسب إسقاط هذا القيد، ولذا ذكر في الخانية هذه في المسألة باب العشر بدونه، ولم يذكر أيضا القول الثاني، فاقتضى كلامه اعتماد قول الإمام: إنه لا يؤخذ بخراج السنة الأولى، لكن في الهندية عن المحيط ذكر صدر الاسلام عن أبي حنيفة روايتين، والصحيح أنه يؤخذ اه. وجزم به في الملتقى كما قدمناه، وبه ظهر أن كلا من القولين مروي عن صاحب المذهب، والمصر بتصحيحه عدم السقوط، فكان هو المعتمد، ولذا جزم به في متن الملتقى، وذكر في العناية الفرق بينه وبين الجزية بأن الخراج في حالة البقاء مؤنة من غير التفات إلى معنى العقوبة، ولذا لو شرى مسلم أرضا خراجية لزم خراجها، فجاز أن لا يتداخل، بخلاف الجزية فإنها عقوبة ابتداء وبقاء والعقوبات تتداخل اه. وبه اندفع ما في البحر. قوله: (وفيها الخ) أي في الخانية، ومحل ذكر هذه المسألة الباب السابق، وقد ذكرها في باب العشر وقدمنا الكلام عليها. قوله: (في الأصح) أي من الروايات، لان قبولها من النائب يفوت المأمور به من إذلاله عند الاعطاء، قال تعالى: * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * (سورة التوبة: الآية 92) فتح. قوله: (والقابض منه باعد) وتكون يد المؤدي أسفل ويد القابض أعلى. هندية. قوله: (ويقول الخ) هذا في الهداية أيضا، لكن لم يجزم به كما فعله الشارح، بل قال: وفي رواية: يأخذ بتلبيبه وبهزه هزا ويقول: أعط الجزية يا ذمي اه. ومفاده عدم اعتمادها، وفي غاية البيان والتلبيب بالفتح: ما على موضع اللبب من الثياب، واللبب: موضع القلادة من الصدر. قوله: (يا عدو الله كذا في غاية البيان، والذي في الهداية والفتح والتبيين يا ذمي. قوله: (ويصفعه في عنقه) الصفع أن يبسط الرجل كفه فيضرب بها قفا الانسان أو بدنه، فإذا قبض كفه ثم ضربه فليس بصفع، بل يقال ضربه بجمع مصباح.. وما ذكره من المصنف نقله في التتارخانية، ونقله أيضا في النهر عن شرح الطحاوي، وقد حكاه بعضهم بقيل. قوله: (لا يا كافر) مفادة المنع من قول يا عدو الله، بل ومن الاخذ بالتلبيب والهز والصفع، إذا لا شك بأنه يؤذيه، ولهذا رد بعض المحققين من الشافعية ذلك بأنه لا أصل له في السنة ولا فعله أحد من الخلفاء الراشدين. قوله: (ويأثم القائل إن أذاه به) مقتضاه أنه يعزر لارتكاب الاثم. بحر. وأقره المصنف، لكن نظر فيه في النهر. قلت: ولعل وجه ما مر في يا فاسق من أنه هو الذي ألحق الشين بنفسه قبل قول القائل. أفاده الشارح في التعزير ط. قلت: لكن ذكرنا الفرق هناك، فافهم.
384 مطلب في أحكام الكنائس والبيع قوله: (ولا يجوز أن يحدث) بضم الياء وكسر الدال وفاعله الكافر ومفعوله بيعة كما يقتضى قول الشارح، ولا صنما. وفي نسخة ولا يحدثوا أي أهل الذمة اه. ح. ومن الاحداث نقلها إلى غير موضعها كما في البحر وغيره. ط. قوله: (بيعة) بالكسر معبد النصارى واليهود، كذلك الكنيسة، إلا أنه غلب البيعة على معبد النصارى، والكنيسة على اليهود. قهستاني. وفي النهر وغيره: وأهل مصر يطلقون الكنيسة على متعبدهما، ويخصان اسم الدير بمعبد النصارى. قلت: وكذا أهل الشام. در. منتقى. والصومعة بيت يبنى برأس طويل ليتعبد فيه بالانقطاع عن الناس بحر. قوله: (ولا مقبرة) عزاه المصنف إلى الخلاصة، ثم ذكر ما يخالفه عن جواهر الفتاوى، ثم قال: والظاهر الأول، ومن ثم عولنا عليه في المختصر. مطلب: لا يجوز إحداث كنيسة في القرى، ومن أفتى بالجواز فهو مخطئ، ويحجر عليه قوله: (ولو قرية في المختار) نقل تصحيحه في الفتح عن شرح شمس الأئمة السرخسي في الإجارات، ثم قال: إنه المختار، وفي الوهبانية: إنه الصحيح من المذهب الذي عليه المحققون، إلى أن قال: فقد علم أنه لا يحل الافتاء بالاحداث في القرى لاحد من أهل زماننا بعدما ذكرنا من التصحيح، والاختيار للفتوى وأخذ عامة المشايخ، ولا يلتفت إلى فتوى من أفتى بما يخالف هذا، ولا يحل العمل به ولا الاخذ بفتواه، ويحجر عليه في الفتوى، ويمنع، لان ذلك منه مجرد اتباع هوى النفس، وهو حرام، لأنه ليس له قوة الترجيح، لو كان الكلام مطلقا، فكيف مع وجود النقل بالترجيح والفتوى، فتنبه لذلك، والله الموفق. مطلب: تهدم الكنائس من جزيرة العرب ولا يمكنون من سكناها قال في النهر: والخلاف في غير جزيرة العرب، أما هي فيمنعون من قراها أيضا لخبر لا يجتمع دينان في جزيرة العرب اه. قلت: الكلام في الاحداث مع أن أرض العرب لا تقر فيها كنيسة ولو قديمة فضلا عن إحداثها، لأنهم لا يمكنون من السكنى بها للحديث المذكور، كما يأتي، وقد بسطه في الفتح وشرح السير الكبير، وتقدم تحديد جزيرة العرب أول الباب المار. مطلب في بيان أن الأمصار ثلاثة، وبيان إحداث الكنائس فيها تنبيه: في الفتح: قيل الأمصار ثلاثة: ما مصره المسلمون: كالكوفة، والبصرة وبغداد، وواسط، ولا يجوز فيه إحداث ذلك إجماعا. وما فتحه المسلمون عنوة فهو كذلك، وما فتحوه صلحا، فإن وقع على أن الأرض لهم جاز الاحداث، وإلا فلا إلا إذا شرطوا الاحداث اه. ملخصا. وعليه فقوله: ولا يجوز أن يحدثوا، مقيد بما إذا لم يقع الصلح على أن الأرض لهم أو على الاحداث، لكن ظاهر الرواية أنه لا استثناء فيه كما في البحر والنهر. قلت: لكن إذا صالحهم على أن الأرض لهم فلهم الاحداث، لا إذا صار مصرا للمسلمين بعد: فإنهم يمنعون من الاحداث بعد ذلك، ثم لو تحول المسلمون من ذلك المصر إلا نفرا يسيرا فلهم الاحداث أيضا، فلو رجع المسلمون إليه لم يهدموا ما أحدث قبل عودهم كما في شرح السير
385 الكبير، وكذا قوله: وما فتح عنوة فهو كذلك، ليس على إطلاقه أيضا بل هو فيما قسم بين الغانمين أو صار مصرا للمسلمين، فقد صرح في شرح السير بأنه لو ظهر على أرضهم وجعلهم ذمة لا يمنعون من إحداث كنيسة، لان المنع مختص بأمصار المسلمين التي تقام فيها الجمع والحدود، فلو صارت مصرا للمسلمين منعوا من الاحداث، ولا تترك لهم الكنائس القديمة أيضا، كما لو قسمها بين الغانمين لكن لا تهدم، بل يجعلها مساكن لهم، لأنها مملوكة لهم، بخلاف ما صالحهم عليها قبل الظهور عليهم، فإنه يترك لهم القديمة ويمنعهم من الاحداث بعدما صارت من أمصار المسلمين اه. ملخصا. مطلب: لو اختلفنا معهم في أنها صلحية أو عنوية فإن وجد أثر وإلا تركت بأيديهم تتمة: لو كانت لهم كنيسة في مصر فادعوا أنا صالحناهم على أرضهم، وقال المسلمون: بل فتحت عنوة، وأراد منعهم من الصلاة فيها وجهل الحال لطول العهد سأل الامام الفقهاء وأصحاب الاخبار، فإن وجد أثرا عمل به، فإن لم يجد أو اختلفت الآثار جعلها أرض صلح، وجعل القول فيها لأهلها، لأنها في أيديهم وهم متمسكون بالأصل، وتمامه في شرح السير. قوله: (ويعاد المنهدم) هذا في القديمة التي صالحناهم على إبقائها قبل الظهور عليهم. قال في الهداية: لان الأبنية لا تبقى دائما، ولما أقرهم الامام فقد عهد إليهم الإعادة، إلا أنهم لا يمكنون من نقلها، لأنه إحداث في الحقيقة اه. مطلب: إذا هدمت الكنيسة ولو بغير وجه لا تجوز إعادتها قوله: (أشباه) حيث قال في فائدة نقل السبكي: الاجماع على أن الكنيسة إذا هدمت ولو بغير وجه لا يجوز إعادتها. ذكره السيوطي في حسن المحاضرة. قلت: يستنبط منه أنها إذا قفلت لا تفتح ولو بغير وجه، كما وكذلك في عصرنا بالقاهرة في كنيسة بحارة زويلة قفلها الشيخ محمد بن إلياس قاضي القضاة، فلم تفتح إلى الآن حتى ورد الامر السلطاني بفتحها، فلم يتجاسر حاكم على فتحها، ولا ينافي ما نقله السبكي قول أصحابنا: يعاد المنهدم، لان الكلام فيما هدمه الامام لا فيما تهدم، فليتأمل اه. قال الخير الرملي في حواشي البحر أقوال: كلام السبكي عام فيما هدمه الامام وغيره. في كلام الأشباه يخص الأول. والذي يظهر ترجيحه العموم لان العلة فيما يظهر أن في إعادتها بعد هدم المسلمين استخفافا بهم وبالاسلام، وإخمادا لهم وكسرا لشوكتهم، ونصرا للكفر وأهله، غاية الأمر أن فيه افتياتا على الامام فيلزم فاعله التعزير، كما إذا أدخل الحربي بغير إذن يصح أمانه ويعزر لإفتياته، بخلاف ما إذا هدموها بأنفسهم فإنها تعاد كما صرح به علماء الشافعية، وقواعدنا لا تأباه لعدم العلة التي ذكرناها فيستثنى من عموم كلام السبكي اه. مطلب: ليس المراد من إعادة المنهدم أنه جائز نأمرهم به بل المراد نتركهم وما يدينون تنبيه: ذكر الشرنبلالي في رسالة في أحكام الكنائس عن الامام السبكي معنى قولهم لا نمنعهم من الترميم ليس المراد أنه جائز نأمرهم به، بل بمعنى نتركهم وما يدينون، فهو من جملة المعاصي التي يقرون عليها كشرب الخمر ونحوه، ولا نقول: إن ذلك جائز لهم، فلا يحل للسلطان
386 ولا للقاضي أن يقول لهم افعلوا ذلك ولا أن يعينهم عليه، ولا يحل لاحد من المسلمين أن يعمل لهم فيه، ولا يخفى ظهوره وموافقته لقواعدنا. مطلب: لم يكن من الصحابة صلح مع اليهود ثم نقل عن السراج البلقيني في كنيسة لليهود ما حاصله: أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عند فتح النواحي لم يكن منهم صلح مع اليهود أصلا اه. قلت: وهذا ظاهر، فإن البلاد كانت بيد النصارى، ولم تزل اليهود مضروبة عليهم الذلة، ثم رأيت في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي كتب عند قول الشارح في خطبة الامام بجامع بني أمية ما نصه: ثم نقض أهل الذمة عهدهم في وقعة التتار وقتلوا عن آخرهم، فكنائسهم الآن موضوعة بغير حق اه. مطلب مهم: حادثة الفتوى في أخذ النصارى كنيسة مهجورة لليهود ويؤخذ من هذا حكم حادثة الفتوى الواقعة في عام ثمانية وأربعين بعد المائتين والألف قريبا من كتابتي لهذا المحل، وهي أن كنيسة لفرقة من اليهود تسمى اليهود القرايين مهجورة من قديم لفقد هذه الفرقة وانقطاعهم في دمشق، فحضر يهودي غريب هو من الفرقة إلى دمشق، فدفع له النصارى دراهم معلومة، وأذن لهم في بنائها، وأن يجعلوها معبدا لهم، وصدق لهم على ذلك جماعة من اليهود لقوة شوكة النصارى في ذلك الوقت، وبلغني أن الكنيسة المذكورة في داخل حارة لليهود مشتملة على دور عديدة، وأن مراد النصارى شراء الحارة المذكورة وإدخالها للكنيسة، وطلبوا فتوى على صحة ذلك الاذن، وعلى كونها صارت معبدا للنصارى، فامتنعت من الكتابة. مطلب فيما أفتى به بعض المتهورين في زماننا وقلت: إن ذلك غير جائز، فكتب لهم بعض المتهورين طمعا في عرض الدنيا أن ذلك صحيح جائز. فقويت بذلك شوكتهم، وعرضوا ذلك على ولي الأمر ليأذن لهم بذلك حيث وافق غرضهم الحكم الشرعي، بناء على ما أفتاهم به ذلك المفتي، ولا أدري (1) ما يؤول إليه الامر وإلى الله المشتكى. ومستندي فيما قلته أمور: منها ما علمته من أن اليهود لا عهد لهم، فالظاهر أن كنائسهم القديمة أقرت مساكن لا معابد، فتبقى كما أبقيت عليه، وما علمته أيضا من أن أهل الذمة نقضوا عهدهم لقتالهم المسلمين مع التتار الكفار فلم يبق لهم عهد في كنائسهم، فهي موضوعة الآن بغير حق، ويأتي قريبا عند قوله: وسب النبي (ص) أن عهد أهل الذمة في الشام مشروط بأن لا يحدثوا بيعة ولا كنيسة، ولا يشتموا مسلما، ولا يضربوه، وأنهم إن خالفوا فلا ذمة لهم. ومنها: أن هذه كنيسة مهجورة انقطع أهلها وتعطلت عن الكفر فيها، فلا تجوز الإعانة على تجديد الكفر فيها، وهذا إعانة على ذلك بالقدر الممكن حيث تعطلت عن كفر أهلها. وقد نقل الشرنبلالي في رسالته عن الامام القرافي: أنه أفتى بأنه لا يعاد ما انهدم من الكنائس،
(1) قوله: (ولا أدري الخ) قلت: آل الامر بعد سنة إلى أن شرعوا في عمارتها على أحسن ما أرادوا مع غصب أماكن حولها اخذوها من المسلمين قهرا، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. 387 وأن من ساعد على ذلك فهو راض بالكفر، والرضا بالكفر كفر اه. فنعوذ بالله من سوء المنقلب. ومنها: أن عداوة اليهود للنصارى أشد من عداوتهم لنا، وهذا الرضا والتصديق ناشئ عن خوفهم من النصارى لقوة شوكتهم كما ذكرناه. ومنها: أنها إذا كانت معينة لفرقة خاصة ليس لرجل من أهل تلك الفرقة أن يصرفها إلى جهة أخرى، وإن كان الكفر ملة واحدة عندنا كمدرسة موقوفة على الحنفية مثلا لا يملك أحد أن يجعلها لأهل مذهب آخر وإن اتحدت الملة. ومنها: أن الصلح العمري الواقع حين الفتح مع النصارى إنما وقع على إبقاء معابدهم التي كانت لهم إذ ذاك، ومن جملة الصلح معهم كما علمته آنفا أن لا يحدثوا كنيسة ولا صومعة، وهذا إحداث كنيسة لم تكن لهم بلا شك، واتفقت مذاهب الأئمة الأربعة على أنهم يمنعون عن الاحداث كما بسطه الشرنبلالي بنقله نصوص أئمة المذاهب، ولا يلزم من الاحداث أن يكون بناء حادثا، لأنه نص في شرح السير وغيره على أنه لو أرادوا أن يتخذوا بيتا لهم معدا للسكنى كنيسة يجتمعون فيه يمنعون منه، لان فيه معارضة للمسلمين وازدراء بالدين اه: أي لأنه زيادة معبد لهم عارضوا به معابد المسلمين، وهذه الكنيسة كذلك جعلوها معبدا لهم حادثا، فما أفتى به ذلك المسكين خالف فيه إجماع المسلمين، وهذا كله مع قطع النظر عما قصدوه من عمارتها بأنقاض جديدة وزيادتهم فيها، فإنها لو كانت كنيسة لهم يمنعون من ذلك بإجماع أئمة الدين أيضا، ولا شك أن من أفتاهم وساعدهم وقوى شوكتهم يخشى عليه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى. قوله: (عن النقض) بالضم ما انتقض من البنيان، قاموس. قوله: (وتمامه في شرح الوهبانية) ذكر عبارته في النهر حيث قال: قال في عقد الفرائد: وهذا: أي قولهم: من غير زيادة يفيد أنهم لا يبنون ما كان باللبن بالآجر، ولا ما كان بالآجر بالحجر، ولا ما كان بالجريد وخشب النخل بالنفي والساج، ولا بياض لم يكن: قال: ولم أجد في شئ من الكتب المعتمدة أن لا تعاد إلا بالنقض الأول، وكون ذلك مفهوم الإعادة شرعا ولغة غير ظاهر عندي، على أنه وقع في عبارة محمد: يبنونها. وفي إجارة الخانية: يعمروا وليس فيها ما يشعر باشتراط النقض الأول. مطلب في كيفية إعادة المنهدم من الكنائس وفي الحاوي القدسي: وإذا انهدمت البيع والكنائس لذوي الصلح إعادتها باللبن والطين إلى مقدار ما كان قبل ذلك، ولا يزيدون عليه، ولا يشيدونها بالحجر والشيد والآجر، وإذا وقف الامام على بيعه جديدة أو بنى منها فوق ما كان في القديم خربها، وكذا ما زاد في عمارتها العتيقة اه. ومقتضى النظر أن النقض الأول حيث وجد كافيا للبناء الأول لا يعدل عنه إلى آلة جديدة، إذ لا شك في زيادة الثاني على الأول حينئذ اه. قوله: (وأما القديمة الخ) مقابل قوله: ولا يحدث بيعة ولا كنيسة وكان الأولى ذكره قبل قوله: ويعاد المنهدم لان إعادة المنهدم إنما هي في القديمة دون الحادثة. قوله: (في الفتحية) أراد بها المفتوحة عنوة بقرينة مقابلتها بالصلحية. قوله: (بحر) عبارته: قال في فتح القدير: واعلم أن البيع والكنائس القديمة في السواد لا تهدم على الروايات كلها، وأما
388 في الأمصار فاختلف كلام محمد، فذكر في العشر والخراج تهدم القديمة، وذكر في الإجارة لا تهدم، وعمل الناس على هذا، فإنا رأينا كثيرا منها توالت عليها أئمة وأزمان وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها، فكان متوارثا من عهد الصحابة، وعلى هذا لو مصرنا برية فيها أو كنيسة فوقع داخل السور ينبغي أن لا يهدم، لأنه كان مستحقا للأمان قبل وضع السور، فيحمل ما في جوف القاهرة من الكنائس على ذلك، فإنها كانت فضا فأدار العبيديون عليها السور، ثم فيها الآن كنائس ويبعد من إمام تمكين الكفار من إحداثها جهارا، وعلى هذا أيضا فالكنائس الموضوعة الآن في دار الاسلام غير جزيرة العرب كلها ينبغي أن لا تهدم لأنها إن كانت في الأمصار قديمة، فلا شك أن الصحابة أو التابعين حين فتحوا المدينة علموا بها وبقوها، وبعد ذلك ينظر: فإن كانت البلدة فتحت عنوة حكمنا بأنهم بقوها مساكن لا معابد فلا تهدم ولكن يمنعون من الاجتماع فيها للتقرب، وإن عرف أن فتحت صلحا حكمنا بأنهم أقروها معابد فلا يمنعون من ذلك فيها بل من الاظهار اه. قلت: وقوله: فوقع داخل السور، ينبغي أن لا يهدم ظاهره أنه لم يره منقولا، وقد صرح به في الذخيرة وشرح السير، وقوله: وبعد ذلك ينظر الخ، قدمنا ما لو اختلف في أنها فتحية أو صلحية ولم يعلم من الآثار والاخبار تبقى في أيديهم، قوله: (خلافا لما في القهستاني) أي عن التتمة من أنها في الصلحية تهدم في المواضع كلها في جميع الروايات. مطلب في تمييز أهل الذمة في الملبس قوله: (ويميز الذمي الخ) حاصله: أنهم لما كانوا مخالطين أهل الاسلام فلا بد من تمييزهم عنا كي لا يعامل معاملة المسلم من التوقير والاجلال، وذلك لا يجوز، وربما يموت أحدهم فجأة في الطريق ولا يعرف فيصلى عليه، وإذا وجب التمييز وجب أن يكون بما فيه صغار لا إعزاز، لان إذلالهم لازم بغير أذى من ضرب أو صفع بلا سبب يكون منه، بل المراد اتصافه بهيئة وضيعة، فتح. قوله: (ومركبه) مخالفة الهيئة فيه إنما تكون إذا ركبوا من جانب واحد، وغالب ظني أني سمعته من الشيخ الأخ كذلك. نهر. قلت: وهو كذلك، ففي رسالة العلامة قاسم في الكنائس، وقد كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن يختموا أهل الذمة بالرصاص ويركبوا على الأكف عرضا. قوله: (وسلاحه) تبع فيه الدرر، وهو مناف لقوله تبعا لغيره من أصحاب المتون، ولا يعمل بسلاح إلا أن يحمل على ما إذا استعان بهم الامام، أو المراد من تمييزه في سلاحه بأن لا يحمل سلاحا، وهو بعيد. تأمل. قوله: (إلا إذا استعان بهم الامام الخ) لكنه يركب في هذه الحالة بإكاف لا بسرج، كما قال بعضهم. نهر. قوله: (وذب) بالذال المعجمة: أي دفع وطرد العدو. قوله: (وجاز بغل) أي إن لم يكن فيه عز وشرف، وتمامه في شرح الوهبانية. قوله: (وهذا) أي جواز ركوبه لبغل أو حمار، وكان ينبغي تأخير هذه الجملة كلها عن قوله: ويركب سرجا كالأكف. قوله: (إلا لضرورة) كما إذا خرج إلى قرية أ كان مريضا. فتح. قوله: (والمعتمد أن لا يركبوا) كتب بعضهم هنا أن الصواب يركبون بالنون، كما
389 هو عبارة الأشباه لعدم الناصب والجازم، وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن. أقول: هذا التصويب خطأ محض، لان المخففة من الثقيلة التي لا تنصب المضارع شرطا أن تقع بعد فعل اليقين أو ما ينزل منزلته نحو: * (علم أن سيكون) * (سورة المزمل: الآية 02) * (أفلا يرون أن لا يرجع) وهذه ليست كذلك بل هي المصدرية الناصبة نحو: * (وأن تصوموا خير لكم) * (سورة البقرة: الآية 481). قوله: (مطلقا) أي ولو حمارا. قوله: (في المجامع) أي في مجامع المسلمين إذا مر بهم. فتح. قوله: (كالأكف) بضمتين جمع إكاف مثل حمار وحمر. مصباح. فكان الأولى التعبير بالاكاف المفرد. قوله: (كالبرذعة) بدل من قوله: كالأكف قال في المصباح: البرذعة بالذال والدال: حلس يجعل تحت الرحل، والجمع البراذع، هذا هو الأصل. وفي عرف زماننا هي للحمار ما يركب عليه بمنزلة السرج للفرس اه. فالمراد هنا المعنى العرفي لا اللغوي. قوله: (ولا يعمل بسلاح) أي لا يستعمله، ولا يحمله لأنه عز، وكل ما كان كذلك يمنعون عنه. قلت: ومن هذا الأصل تعرف أحكام كثيرة. در. منتقى.. قوله: (ويظهر الكستيج) بضم الكاف وبالجيم كما في القهستاني: فارسي معرب معناه: العجز والذل كما في النهر، فيشمل القلنسوة والزنار والنعل لوجود الذل فيها، ولقوله في البحر: وكستيجات النصارى قلنسوة سوداء من اللبد مضربة وزنار من الصوف اه. فتعبيره بخصوص الزنار بيان لبعض أنواعه اه. ح. قوله: ( الزنار) بوزن تفاح وجمعه زنانير. مصباح، وفي البحر عن المغرب أنه خيط غليظ بقدر الإصبع يشده الذمي فوق ثيابه. قال القهستاني: وينبغي أن يكون من الصوف أو الشعر، وأن لا يجعل له حلقة تشده كما يشد المسلم المنطقة، بل يعلقه على اليمين أو الشمال كما في المحيط. قوله: (ولو زرقاء أو صفراء) أي خلافا لما في الفتح من أنه إذا كان المقصود العلامة يعتبر في كل بلدة متعارفها، وفي بلادنا جعلت العلامة في العمامة فألزم النصارى بالأزرق واليهود بالأصفر، واختص المسلمون بالأبيض. قال في النهر: إلا أنه في الظهيرية قال: وأما لبس العمامة والزنار الإبريسم فجفاء في حق أهل الاسلام ومكسرة لقلوبهم، وهذا يؤذن بمنع التمييز بها، ويؤيده ما ذكره في التاترخانية: حيث صرح بمنعهم من القلانس الصغار، وإنما تكون طويلة من كرباس مصبوغة بالسواد مضربة مبطنة، وهذا في العلامة أولى، وإذا عرف هذا فمنعهم من لبس العمائم هو الصواب الواضح بالتبيان، فأيد الله سلطان زماننا، ولسعادته أبد ولملكه شيد ولامره سدد إذ منعهم من لبسها اه. قلت: وهذا هو الموافق لما ذكره أبو يوسف في كتاب الخراج من إلزامهم لبس القلانس الطويلة المضربة، وأن عمر كان يأمر بذلك ومنعهم من لبس العمائم. تنبيه: قال في الفتح: وكذا تؤخذ نساؤهم بالزي في الطرق فيجعل على ملاءة اليهودية خرقة صفراء وعلى النصرانية زرقاء، وكذا في الحمامات اه: أي فيجعل في أعناقهن طوق الحديد كما في الاختيار. قال في الدر المنتقى: قلت: وسيجئ أن الذمية في النظر إلى المسلمة كالرجل الأجنبي
390 في الأصح، فلا تنظر أصلا إلى المسلمة فليتنبه لذلك اه. ومفاده منعهن من دخول حمام فيه مسلمة، وهو خلاف المفهوم من كلامهم هنا، تأمل. قوله: (وإنما تكون طويلة سوداء) ظاهره أن الضمير للعمامة وليس كذلك، بل هو للقلنسوة، لان المقصود منعهم من العمامة ولو غير طويلة وإلزامهم بالقلنسوة الطويلة كما علمته، فكان الصواب أن يقول: إنما يلبس قلنسوة طويلة سوداء والقلنسوة هي التي يدخل فيها الرأس، والعمامة ما يدار عليها من منديل ونحوه. قوله: (الإبريسم) بكسر الهمزة والراء وفتح السين وهو الحرير. قال في المصباح: الحريرة واحدة الحرير وهو الإبريسم. قوله: (كصوف مربع) لعله الفرجية، فإنه الآن من خصوصيات أهل القرآن والعلم. ط. قوله: (وأبراد رقيقة) البرد نوع من الثياب مخطط كما في النهاية. قوله: (وتمامه في الفتح) حيث قال: بل ربما يقف بعض المسلمين خدمة لهم خوفا من أن يتغير خاطره منه، فيسعى به عند مستكتبه سعاية توجب له منه الضرر. ثم قال: وتجعل مكاعبهم خشنة فاسدة اللون، ولا يلبسون طيالسة كطيالسة المسلمين ولا أردية كأرديتهم، هكذا أمروا، واتفقت الصحابة على ذلك اه. وقال أيضا: ولا شك في وقوع خلاف هذا في هذه الديار اه. قلت: وفي هذه السنة في البلاد الشامية استأسدت اليهود والنصارى على المسلمين، ولله در القائل: أحبابنا نوب الزمان كثيرة * وأمر منها رفعة السفهاء فمتى يفيق الدهر من سكراته * وأرى اليهود بذلة الفقهاء؟ قوله: (وينبغي أن يلازم الصغار أي الذل والهوان، والظاهر أن ينبغي هنا بمعنى يجب. قال في البحر: وإذا وجب عليهم إظهار الذل والصغار مع المسلمين وجب على المسلمين عدم تعظيمهم، لكن قال في الذخيرة: إذا دخل يهودي الحمام إن خدمه المسلم طمعا في فلوسه فلا بأس به، وإن تعظيما له: فإن كان ليميل قلبه إلى الاسلام فكذلك، وإن لم ينو شيئا مما ذكرنا كره. وكذا لو دخل ذمي على مسلم فقام له ليميل قلبه إلى الاسلام فلا بأس، وإن لم ينو شيئا أو عظمة لغناه كره اه. قال الطرسوسي: وإن قام تعظيما لذاته وما هو عليه: كفر، لان الرضا بالكفر كفر، فكيف بتعظيم الكفر اه. قلت: وبه علم أنه لو قام له خوفا من شره، فلا بأس أيضا، بل إذا تحقق الضرر فقد يجب وقد يستحب على حسب حال ما يتوقعه. قوله: (ويتضيق عليه في المرور) بأن يلجئه إلى أضيق الطريق، وعبارة الفتح: ويضيق عليهم في الطريق. قوله: (ويجعل على داره علامة) لئلا يقف سائل فيدعو له بالمغفرة أو يعامله في التضرع معاملة المسلمين، فتح. قوله: (لأنهما من أرض العرب)
391 أفاد أن الحكم غير مقصور على مكة والمدينة، بل جزيرة العرب كلها كذلك، كما عبر به في الفتح وغيره، وقدمنا تحديدها، والحديث المذكور قاله عليه الصلاة والسلام في مرضه الذي مات فيه، كما أخرجه في الموطأ وغيره وبسطه في الفتح. قوله: (ولا يطيل) فيمنع أن يطيل فيها المكث حتى يتخذ فيها مسكنا، لان حالهم في المقام في أرض العرب مع التزام الجزية كحالهم في غيرها بلا جزية، وهناك لا يمنعون من التجارة، بل من إطالة المقام، فكذلك في أرض العرب. شرح السير. وظاهره أن حد الطول سنة. تأمل. قوله: (فالظاهر أنه ورد فيه ما استقر عليه الحال) أي فيكون المنع هو المعتمد في المذهب. قلت: لكن الذي ذكره أصحاب المتون في كتاب الحظر والإباحة أن الذمي لا يمنع من دخول المسجد الحرام وغيره. وذكر الشارح هناك أن قول محمد والشافعي وأحمد المنع من المسجد الحرام، فالظاهر أن ما في السير الكبير هو قول محمد وحده دون الامام، وأن الأصحاب المتون على قول الإمام ، ومعلوم أن المتون موضوعة لنقل ما هو المذهب فلا يعدل عما فيها، على أن الامام السرخسي ذكر في شرح السير الكبير أن أبا سفيان جاء إلى المدينة، ودخل المسجد، ولذلك قصة: قال: فهذا دليل لنا على مالك رحمة الله تعالى بمنعه المشرك من أن يدخل شيئا من المساجد، ثم قال: إن الشافعي قال: يمنعون من دخول المسجد الحرام خاصة للآية: * (إنما المشركون نجس) * (سورة التوبة: الآية 82) فأما عندنا لا يمنعون كما لا يمنعون عن دخول سائر المساجد، ويستوي في ذلك الحربي والذمي الخ قوله: (وفي الخانية الخ) كان أولى تقديمه على مسألة الاستيطان، ثم إن ظاهره أن نسائهم تميز بالكستيج دون العبيد، مع أنه ليس في عبارة الخانية ذكر النساء أصلا، ونصها: ولا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجات، وهكذا نقله عنها في البحر والنهر. وعبارة النهر قالوا: ويجب تميز نساؤهم أيضا عن نسائنا في الطرقات والحمامات، وفي الخانية: ولا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجات اه. مطلب في سكنى أهل الذمة المسلمين في المصر قوله: (الذمي إذا اشترى دارا الخ) قال السرخسي في شرح السير: فإن مصر الامام في أراضيهم للمسلمين كما مصر عمر رضي الله عنه البصرة والكوفة، فاشترى بها أهل الذمة دورا وسكنوا مع المسلمين لم يمنعوا من ذلك، فإنا قبلنا منهم عقد الذمة ليقفوا على محاسن الدين، فعسى أن يؤمنوا، واختلاطهم بالمسلمين والسكن معهم يحقق هذا المعنى، وكان شيخنا الامام شمس الأئمة الحلواني يقول: هذا إذا قلوا وكان بحيث لا تتعطل جماعات المسلمين ولا تتقلل الجماعة بسكناهم بهذه الصفة، فإما إذا كثروا على وجه يؤدي إلى تعطيل بعض الجماعات أو تقليلها منعوا من ذلك وأمروا أن يسكنوا ناحية ليس فيها للمسلمين جماعة، وهذا محفوظ عن أبي يوسف في الأمالي اه.. قوله: (أي أراد شراءها) إنما فسره بها لقوله بعد لا ينبغي أن تباع منه. قوله:
392 (وقيل لا يجبر إلا إذا كثر) نقله في البحر عن الصغرى بعد أن نقله عن الخانية، بلا تقييد بالكثرة، ولكن لم يعبر عنه بقيل، ولا يخفى أن هذا القيد يصلح توفيقا بين القولين، وهذا قول شمس الأئمة الحلواني كما علمته آنفا ومشى عليه في الوهبانية وشرحها، وكذا قال الخير الرملي: إن الذي يجب أن يعول عليه التفصيل، فلا نقول بالمنع مطلقا ولا بعدمه مطلقا، بل يدور الحكم على القلة والكثرة، والضرر والمنفعة، وهذا هو الموافق للقواعد الفقهية، فتأمل. قوله: (فأجاب الخ) هذا الجواب مبني على اختيار الحلواني وغيره. قال ط: ولم يجب عن المسؤول عنه وجوابه أنهما يستحقان الوظيفة لقيامهما بالعمل اه. قلت: وإنما تركه لظهوره وتنبيها على ما هو الأهم فهو من أسلوب الحكيم كما في قوله تعالى: * (يسألونك عن الأهلة) * (سورة البقرة: الآية 981) الآية. قوله: (ففي الخانية الخ) أي والاستخدام المذكور ينافي الاستخفاف. قوله: (وإذا تكارى الخ) شروع في الكراء بعد الفراغ من الشراء، وظاهر كلام المصنف الفرق بينهما، وهو مبني على القول بالجبر على البيع مطلقا، وقد علمت أن المعول عليه القول بالتفصيل، فلا فرق بين الكراء والشراء، بل أصل العبارة المذكورة إنما هو في الشراء كما نقلناه آنفا في السرخسي. قوله: (في المصر) الظاهر أنه غير قيد بعد اعتبار الشرط المذكور. قوله: (ليس فيها مسلمون) هو في معنى ما مر من قوله: ليس فيها للمسلمين جماعة لان من شأن المسلمين إقامة الجماعة. قوله: (لكن رده الخ) وعبارته كما رأيته في حاشية الحموي وغيرها. قوله: (في محلة خاصة) هذا اللفظ لم أجده لاحد، وإنما الموجود في الكتب أن الجواز مقيد بما ذكره الحلواني بقوله: هذا إذا قلوا بحيث لا تتعطل بسبب سكناهم جماعات المسلمين ولا تتقلل، أما إذا تعطلت أو تقللت، فلا يمكنون من السكنى فيها، ويسكنون في ناحية ليس فيها للمسلمين جماعة فكأن المصنف فهم من الناحية المحلة، وليس كذلك، بل قد صرح التمرتاشي في شرح الجامع الصغير بعد ما نقل عن الشافعي يؤمرون ببيع دورهم في أمصار المسلمين والخروج
393 عنها، وبالسكنى خارجها لئلا تكون لهم منعة كمنعة المسلمين بمنعهم عن أن تكون لهم محلة خاصة حيث قال بعد ما ذكرناه نقلا عن النسفي: والمراد: أي بالمنع المذكور عن الأمصار أن يكون لهم في المصر محلة خاصة يسكنونها ولهم فيها منعة كمنعة المسلمين، فأما سكناهم بينهم وهم مقهورون فلا كذلك اه. قلت: وقوله: بمنعهم متعلق بقوله: صرح وقوله حيث قال: أي التمرتاشي: وحاصل كلامه أن المحلة من جملة المصر، مع أن الحلواني قال: لا يمكنون من السكنى فيها: أي في المصر ويسكنون في ناحية الخ. فهو صريح بأنه إذا لزم تقليل الجماعة يسكنون في ناحية خارجة عن المصر فهي غير المحلة، وصريح كلام التمرتاشي أيضا منعهم عن أن يكون لهم محلة خاصة في المصر، وإنما يسكنون بينهم مقهورين: يعني إذا لم يلزم تقليل الجماعة، فتحصل من مجموع كلام الحلواني والتمرتاشي أنه إذا لزم من سكناهم في المصر تقليل الجماعة أمروا بالسكنى في ناحية خارج المصر ليس فيها جماعة للمسلمين، وإن لم يلزم ذلك يسكنون في المصر بين المسلمين مقهورين لا في محلة خاصة في المصر، لأنه يلزم منه أن يكون لهم في مصر المسلمين منعة كمنعة المسلمين، بسبب اجتماعهم في محلتهم، فافهم. قوله: (إنهم يؤمرون) مفعول نقل. ط. قوله: (نقلا) حال من فاعل صرح بتأويل اسم الفاعل اه. ح. قوله: (والمراد) الأوضح أن يقول: بأن المراد ويكون متعلقا بصرح ط. قوله: (ولهم فيها منعة) الواو للحال، والمنعة بفتح النون جمع مانع: أي جماعات يمنعونهم من وصول غيرهم إليهم. أفاده ح. وقوله: عارضة صفة منعة وعروضها إنما هو بسبب اجتماعهم في محلة خاصة، وقوله: فأما سكناهم الخ مقابلة: أي أن سكناهم بين المسلمين، لا في محلة خاصة، بل متفرقين بينهم وهم مقهورون لهم، فلا كذلك: أي فلا يكون ممنوعا. مطلب في منعهم عن التعلي في البناء على المسلمين تنبيه: قال في الدر المنتقى: وكذا يمنعون عن التعلي في بنائهم على المسلمين، ومن المساواة عند بعض العلماء، نعم يبقى القديم كما في الوهبانية وشروحها، وفي المنظومة المحبية: ويمنع الذمي من أن يسكنا * أو أن يحل منزلا عالي البنا إن كان بين المسلمين يسكن * بل أهل ذمة على ما بينوا قلت: ومقتضى النظم الذي ذكره: المنع ولو البناء قديما، لأنه علق المنع على السكنى لا على التعلية في البناء، لكن سئل في الخيرية عن طبقة ليهودي راكبة على بيت لمسلم، يريد المسلم منعه من سكناها، ومن التعلي عليه فأجاب: بأنه ليس للمسلمين ذلك، فقد جوزوا إبقاء دار الذمي العالية، على دار المسلم وسكناها إذا ملكها ما لم تنهدم فإنه لا يعيدها عالية كما كانت، وممن
394 صرح بذلك ابن الشحنة في شرح النظم الوهباني، وكثير من علمائنا اه. وذكر في جواب سؤال آخر: أنه إذا كان التعلي للتحفظ من اللصوص، لا يمنع منه، لأنهم نصوا على أنهم ليس لهم رفع بنائهم على المسلمين، وعلة المنع مقيدة بالتعلي على المسلمين، فإذا لم يكن ذلك بل للتحفظ، فلا يمنعون كما هو ظاهر اه. وقال قارئ الهداية في فتاواه: أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين، فما جاز للمسلم فعله في ملكه جاز لهم، وما لا فلا، وإنما يمنع من تعلية بنائه إذا حصل لجاره ضرر كمنع وضوء وهواء. قال: هذا هو ظاهر المذهب، وذكر القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج أن للقاضي منعهم من السكنى بين المسلمين، بل يسكنون منعزلين. قال قارئ الهداية: وهو الذي أفتى به أنا اه. أي لأنه إذا كان له منعهم من السكنى بيننا، فله منعهم من التعلي بالأولى. وذكر في جواب آخر: لا يجوز لهم أن يعلوا بناءهم على بناء المسلمين، ولا أن يسكنوا دارا عالية البناء بين المسلمين، بل يمنعون أن يسكنوا محلات المسلمين اه. وهذا ميل منه إلى ما نقله عن أبي يوسف، وأفتى به أولا أيضا، والظاهر أن قوله: هذا هو ظاهر المذهب، يرجع إلى قوله: أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين، ولما كان لا يلزم منه أن يكونوا مثلهم فيما فيه استعلاء على المسلمين أفتى في الموضعين بالمنع لما قدمه الشارح عن الحاوي من أنه ينبغي أن يلازم الصغار فيما يكون بينه وبين المسلمين في كل شئ، ولا يخفى أن استعلاءه في البناء على جيرانه المسلمين خلاف الصغار، بل بحث في الفتح أنه إذا استعلى على المسلمين حل للامام قتله، ولا يخفى أن لفظ استعلى يشمل ما بالقول وما بالفعل، وبهذا التقرير اندفع ما ذكره في الخيرية مخالفا لما قدمناه عنه من قوله: إن ما أفتى به قارئ الهداية من ظاهر المذهب أقوى مدركا للحديث الشريف الموجب، لكونهم لهم ما لنا وعليهم ما علينا فإن قارئ الهداية لم يفت به بل أفتى في الموضعين بخلافه كما سمعت. والحديث الشريف لا يفيد أن لهم ما لنا من العز والشرف، بل في المعاملات من العقود ونحوها، للأدلة الدالة على إلزامهم الصغار وعدم التمرد على المسلمين، وصرح الشافعية بأن منعهم عن التعلي واجب، وأن ذلك لحق الله تعالى وتعظيم دينه، فلا يباح برضا الجار المسلم اه. وقواعدنا لا تأباه فقد مر أنه يحرم تعظيمه، ولا يخفى أن الرضا باستعلائه تعظيم له، هذا ما ظهر لي في هذا المحل، والله تعالى أعلم. مطلب فيما ينتقض به عهد الذمي وما لا ينتقض قوله: (وينتقض عهدهم الخ) لأنهم بذلك صاروا حربا علينا، وعقد الذمة ما كان إلا لدفع شر حرابتهم فيعرى عن الفائدة فلا يبقي ولا يبطل أمان ذريته بنقض عهده. فتح. قوله: (بالغلبة على موضع) أي قرية أو حصن. فتح. قوله: (للحرب) أي لأجل حربنا، وفي بعض النسخ للحراب بزيادة الألف، واحترز بالغلبة المذكورة عما لو كانوا من أهل البغي يعنونهم على القتال، فإنه لا ينتقض عهدهم، كما ذكره الزيلعي وغيره في باب البغاة. قوله: (أو باللحاق بدار الحرب) لا يبعد أن يقال: انتقاله إلى المكان الذي تغلبوا فيه كانتقاله إلى دار الحرب بالاتفاق، إن لم يكن ذلك المكان مواخما لدار الاسلام: أي بأن كان متصلا بدار الحرب، وإلا فعلى قولهما كما في الفتح. قوله: (أو بالامتناع عن قبول الجزية) أي بخلاف الامتناع عن أدائها على ما يأتي، لكن الامتناع عن
395 قبولها إنما يكون عند ابتداء وضعها، وهو حينئذ لم يكن له عهد ذمة حتى ينتقض، ويمكن تصويره فيمن دخل في عقد الذمة تبعا ثم صار أهلا كالمجنون والصبي، فإذا أفاق أو بلغ أول الحول توضع عليه فإذا امتنع انتقض عهده. أفاده ط. قوله: (أو يجعل نفسه طليعة للمشركين) هذا مما زاده في الفتح أيضا، لكن لم يذكره هنا بل ذكره في النكاح في باب نكاح المشرك. قوله: (بأن يبعث ليطلع الخ) صورته: أن يدخل مستأمن ويقيم سنة، وتضرب عليه الجزية وقصده التجسس على المسلمين ليخبر العدو ط. قوله: (فلو لم يبعثوه) بأن كان ذميا أصليا وطرأ عليه هذا القصد. ط. قوله: (وعليه يحمل كلا المحيط) حيث قال: لو كان يخبر المشركين بعيوب المسلمين أو يقاتل رجلا من المسلمين ليقتله لا يكون نقضا للعهد، وهذا التوفيق لصاحب البحر، وأقره في النهر وغيره، ويشعر به تعبير الفتح بالطليعة، فإن الطليعة واحدة الطلائع في الحرب، وهم الذين يبعثون ليطلعوا على أخبار العدو كما في البحر عن المغرب. قوله: (في كل أحكامه) فيحكم بموته باللحاق، وإذا تاب تقبل توبته وتعود ذمته وتبين منه زوجته الذمية التي خلفها في دار الاسلام إجماعا، ويقسم ماله بين ورثته. فتح. وتمامه في البحر. قوله: (والمرتد يقتل) لان كفره أغلظ. بحر. قوله: (والمرتد يجبر على الاسلام) أما المرتدة فإنها تسترق بعد اللحاق: رواية واحدة وقبله في رواية. بحر. قوله: (بقوله نقضت العهد) لأنه لا ينتقض عهده بالقول بل بالفعل كما مر، بخلاف الأمان للحربي. قلت: ولعل وجه الفرق أن أمان الحربي على شرف الزوال لتمكنه من العود متى أراد، فهو غير لازم، بخلاف عهد الذمة فهو لازم لا يصح الرجوع عنه، ولذا لا يمكن من العود إلى دار الحرب فيجبره الامام على الجزية ما دام تحت قهره، بخلاف ما إذا لحق بدارهم أو غلبوا على موضع أو جعل نفسه طليعة أو امتنع عن قبول الجزية، لأنه في الأولين صار حربا علينا، كما مر، وفي الثالث: أنه لم يقصد العهد بل جعله علم وصلة إلى إصراره بنا، وفي الرابع: لم يوجد منه ما يدفع عنه القتل بخلاف ما إذا امتنع عن أدائها، ولذا قال الزيلعي وغيره: لان الغاية التي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها، والالتزام باق فيأخذها الامام منه جبرا اه. وبهذا اندفع ما استشكله في النهر من أنه لو امتنع عن قبولها نقض عهده، وليس ذلك إلا بالقول. وجه الدفع أن الانتقاض لم يجئ من قوله لا أقبل، بل من عدم وجود ما يدفع عنه القتل وهو التزام أدائها، بخلاف امتناعه عن أدائها بقوله: لا أؤديها، فإنه قول وجد بعد التزامها الدافع للقتل، ولا يزول ذلك الالتزام به، وكذا بقوله: نقضت العهد لما قلنا، من أنه لازم لا يملك فسخه صريحا، ولا دلالة ما دام تحت قهرنا، فافهم. واندفع به أيضا ما أورده في الدرر من أن امتناعه عن أدائها بقوله لا أعطيها ينافي بقاء الالتزام، لما قلنا من لزوم ذلك الالتزام، وأنه لا يملك نقضه صريحا، فكذا دلالة بالأولى فيجبر على أدائها ما دام مقهورا في دارنا، ثم رأيت الحموي أجاب بنحوه، والله تعالى أعلم. قوله: (بل عن قبولها) أي بل ينتقض عهده بالإباء عن قبولها، وقدمنا تصويره، وقد علمت آنفا وجه الفرق بين
396 المسألتين. قوله: (ونقل العيني) حيث قال: وفي رواية مذكورة في واقعات حسام أن أهل الذمة إذا امتنعوا عن أداء الجزية ينتقض العهد، ويقاتلون، وهو قول الثلاثة اه. ولا يخف ضعفها رواية ودراية. بحر. قلت: أما وجه الضعف رواية فلانه خلاف الرواية المشهورة في المذهب المنصوصة في المتون وغيرها وأما الدراية أي الضعف من حيث المعنى، فلما علمت من بقاء الالتزام الدافع للقتل فتؤخذ منهم جبرا، ويمكن تأويل ما في الواقعات بما إذا كانوا جماعة تغلبوا على موضع هو بلدهم أو غيرها وأظهروا العصيان والمحاربة، فإنها حينئذ لا يمكن أخذها منهم إلا بالقتال. تأمل. قوله: (ولا بالزنا بمسلمة) بل يقام عليه موجبه، وهو الحد، وكذا لو نكحها لا ينقض عهده، والنكاح باطل، ولو أسلم بعده ويعزران وكذا الساعي بينهما. بحر. قوله: (وإفتان مسلم) مصدر أفتن الرباعي اه ح. قلت: لكن الذي رأيناه في النسخ افتتان بتاءين، وفي المصباح: فتن المال الناس من باب ضرب: استمالهم، وفتن في دينه وافتتن أيضا بالبناء للمفعول: مال عنه اه. ومقتضاه (1): أن الافتتان متعد لا لازم. تأمل. مطلب في حكم سب الذمي النبي (ص) قوله: (وسب النبي (ص)) أي إذا لم يعلن، فلو أعلن بشتمه أو اعتاده قتل، ولو امرأة وبه يفتى اليوم. در. منتقى. وهذا حاصل ما سيذكره الشارح هنا، وقيده الخير الرملي بقيد آخر حيث قال: أقول هذا إن لم يشترط انتقاضه به، أما إذا شرط انتقض به كما هو ظاهر اه. قلت: وقد ذكر الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج في صلح أبي عبيدة، مع أهل الشام أنه صالحهم، واشترط عليهم حين دخلها على أن يترك كنائسهم، وبيعهم على أن لا يحدثوا بناء بيعة، ولا كنيسة، وأن لا يشتموا مسلما، ولا يضربوه الخ، وذكر العلامة قاسم من رواية الخلال والبيهقي وغيرهما كتاب العهد وفى آخره: فلما أتيت عمر بن الخطاب بالكتاب زاد. فيه: وأن لا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا لهم ذلك علينا، وعلى أهل ملتنا وقبلنا عنهم الأمان، فإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا، وقد حل لكم منا ما يحل لكم من أهل المعاندة والشقاق. وفي رواية الخلال: فكتب عمر أن أمض لها ما سألوه، وألحق فيه حرفين اشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم: أن لا يشتروا شيئا من سبايانا، ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده اه. وقد ذكر الشرنبلالي في رسالته كتاب العهد بتمامه، ثم قال: وقد اعتمد الفقهاء ذلك من كل مذهب كما نقله القاضي بدر الدين القرافي اه. ثم ذكر الشرنبلالي أنه انتقض عهدهم بإحداث ذلك الدير: أي الذي أحدثوه في زمنه، وألف فيه الرسالة المذكورة، ثم قال بعد ذكره ما ألحقه عمر رضي الله تعالى عنه: إن هذا دليل لما قاله الكمال بن الهمام من نقض العهد بتمردهم واستعلائهم على المسلمين.
(1) قوله: (ومقتضاه الخ) وجه ذلك أن تصريحه بان افتتن مبني للمجهول يقتضي انه متعد لا لازم لان المبني للمجهول لا يكون من اللازم ا ه منه. 397 قلت: ولعلهم لم يقيدوا بهذا القيد لظهوره كما تقدم عن الرملي، لان المعلق على أمر لا يوجد بدونه، ولان مرادهم بيان أن مجرد عقد الذمة لا ينتقض بما ذكروه من السب ونحوه، والجهاد ماض إلى يوم القيامة وليس كل إمام إذا فتح بلدة يشترط هذا الشرط الذي شرطه عمر، فلذا تركوا التصريح به على أن ما شرطه عمر على الشام ونحوها لا يجري حكمه على كل ما فتحه من البلاد ما لم يعلم اشتراطه عليهم أيضا. فصار الحاصل: أن عقد الذمة لا ينتقض بما ذكروه ما لم يشترط انتقاضه به، فإذا اشترط انتقض: وإلا فلا إلا إذا أعلن بالشتم أو اعتاده لما قدمناه، ولما يأتي عن المعروضات وغيرها ولما ذكره ط عن الشلبي عن حافظ الدين النسفي إذا طعن الذمي في دين الاسلام طعنا ظاهرا جاز قتله، لان العهد معقود معه على أن لا يطعن، فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة اه. لكن مقتضى هذا التعليل اشتراط عدم الطعن بمجرد عقد الذمة، وهو خلاف كلامهم، فتأمل. تنبيه: قيد الشافعية الشتم بما لا يتدينون به (1). ونقله في حاشية السيد أبي السعود عن الذخيرة بقوله: إذا ذكره بسوء يعتقده ويتدين به بأن قال إنه ليس برسول أو قتل اليهود بغير حق أو نسبه إلى الكذب: فعند بعض الأئمة لا ينتقض عهده، أما إذا ذكره بما لا يعتقده ولا يتدين به كما لو نسبه إلى الزنا أو طعن في نسبه اه. قوله: (المقارن له) أي لعهد الذمة. قوله: (فالطارئ) أي بالسب. قوله: (فلو من مسلم قبل) أي إن لم يتب لا مطلقا، خلافا لما ذكره في الدرر هنا والبزازية وغيرهما، فإنه مذهب المالكية لا مذهبنا، كما سيأتي تحريره، فافهم. قوله: (ويؤدب الذمي ويعاقب الخ) أطلقه فشمل تأديبه وعقابه بالقتل، إذا اعتاده، وأعلن به كما يأتي، ويدل عليه ما قدمناه آنفا عن حافظ الدين وجميع الظلمة وجميع الكبائر، وأنه أفتى الناصحي بقتل كل مؤذ. ورأيت في كتاب الصارم المسلول لشيخ الاسلام ابن تيمية الحنبلي ما نصه: وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا: لا ينتقض العهد بالسب، ولا يقتل الذمي بذلك، لكن يعزر على إظهار ذلك كما يعزر على إظهار المنكرات التي ليس لهم فعلها من إظهار أصواتهم بكتابهم ونحو ذلك، وحكاه الطحاوي عن الثوري، ومن أصولهم: يعني الحنفية أن ما لا قتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل والجماع في غير القبل إذا تكرر، فللامام أن يقتل فاعله، وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك، ويحملون ما جاء عن النبي (ص) وأصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم، على أنه رأى المصلحة فذلك ويسمونه القتل سياسة. وكان حاصله: أن له أن يعزر بالقتل في الجرائم التي تعظمت بالتكرار، وشرع القتل في
(1) قلت ومذهب الشافعية ما في المنهاج وشرحه لابن حجر ولو زنى بمسلمة أو أصابها بنكاح، أو دل أهل الحرب على عورة للمسلمين أو فتن مسلما عن دينه أو طعن في الاسلام أو القرآن أو ذكر جهرا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو القرآن أو نبيا بسوء مما لا يدينون به فالأصح انه ان شرط انتقاض العهد به انتقض لمخالفة الشرط والا يشرط ذلك أو شك هل شرط أولا على الأوجه فلا ينتقض لأنها لا تخل بمقصود العقد وصحح في أصل الروضة ان لا نقض مطلقا وضعف انتهى منه. 398 جنسها، ولهذا أفتى أكثرهم بقتل من أكثر من سب النبي (ص) من أهل الذمة وإن أسلم بعد أخذه، وقالوا يقتل سياسة، وهذا متوجه على أصولهم اه. فقد أفاد أنه يجوز عندنا قتله إذا تكرر منه ذلك وأظهره، وقوله: وإن أسلم بعد أخذه، لم أر من صرح به عندنا، لكنه نقله عن مذهبنا وهو ثبت فيقبل. قوله: (قال العيني الخ) قال في البحر: لا أصل له في الرواية اه. ورده الخير الرملي لا يلزم من عدم النقض عدم القتل، وقد صرحوا قاطبة بأنه يعزر على ذلك ويؤدب، وهو يدل على جواز قتله زجرا لغيره، إذ يجوز الترقي في التعزير إلى القتل، إذا عظم موجبه ومذهب الشافعي كمذهبنا على الأصح. قال ابن السبكي: لا ينبغي أن يفهم من عدم الانتقاض أنه لا يقتل، فإن ذلك لا يلزم اه. وليس في مذهبنا ما ينفي قتله خصوصا إذا أظهر ما هو الغاية في التمرد، وعدم الاكتراث والاستخفاف واستعلى على المسلمين على وجه صار متمردا عليهم اه. ونقل المقدسي ما قاله العيني، ثم قال: وهو مما يميل إليه كل مسلم، والمتون والشروح خلافه. أقول: ولنا أن نؤدب الذمي تعزيرا شديدا بحيث لو مات كان دمه هدرا اه. قلت: لكن هذا إذا أعلن بالسب وكان مما لا يعتقده كما علمته آنفا. قوله: (وتبعه ابن الهمام) حيث قال: والذي عندي أن سبه عليه الصلاة والسلام أو نسبة مالا ينبغي إلى الله تعالى إن كان مما لا يعتقدونه كنسبة الولد (1) إلى الله تعالى وتقدس عن ذلك إذا أظهره يقتل به، وينتقض عهده، وإن لم يظهره ولكن عثر عليه، وهو يكتمه فلا، وهذا لأنه الغاية في التمرد والاستخفاف بالاسلام والمسلمين، فلا يكون جاريا على العقد الذي يدفع عنه القتل وهو أن يكون صاغرا ذليلا، إلى أن قال: وهذا البحث منا يوجب أنه إذا استعلى على المسلمين على وجه صار متمردا عليهم يحل للامام قتله أو يرجع إلى الذل والصغار اه. قال في البحر: وهو بحث خالف فيه أهل المذهب اه. وقال الخير الرملي: إن ما بحثه في النقض مسلم مخالفته للمذهب، وأما ما بحثه في القتل فلا اه: أي لما علمته آنفا من جواز التعزير بالقتل، ولما يأتي من جواز قتله إذا أعلن به. قوله: (وبه أفتى شيخنا) أي بالقتل لكن تعزيرا كما قدمناه عنه، وينبغي تقييده بما إذا ظهر أنه معتاده كما قيده به في المعروضات، أو بما إذا أعلن به كما يأتي، بخلاف ما إذا عثر عليه وهو يكتمه كما مر عن ابن الهمام. قوله: (وبه أفتى) أي أبو السعود مفتي الروم، بل أفتى به أكثر الحنفية إذا أكثر السب، كما قدمناه عن الصارم المسلول وهو معنى قوله: إذا ظهر أنه معتادة ومثله ما إذا أعلن به كما مر، وهذا معنى قول ابن الهمام: إذا أظهره يقتل به، فلم يكن كلامه مخالفا للمذهب، بل صرح به محرر المذهب الإمام محمد كما يأتي. قوله: (بأنه يقتل) لم يقيده بما إذا اعتاده كما قيد به أولا، فظاهره أنه يقتل مطلقا، وهو موافق لما أفتى به الخير الرملي ولما مر عن العيني والمقدسي، لكن علمت تقييده بالإعلان، أو بما في الصارم المسلول من اشتراط التكرار. قوله: (لسبه للأنبياء) المراد
(1) قوله: (كنسبة الولد) تمثيل المنفى ان ما يعتقدونه ا ه منه. 399 الجنس، وإلا فهو قد سب نبيا واحدا. قوله: (ويؤيده) أي يؤيد قتل الكافر الساب. قوله: (في أحاديثه) الجار والمجرور خبر مقدم وما في قوله: ما نصه نكرة موصوفة بمعنى شئ مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر خبر إن ونصه مصدر بمعنى منصوصه مرفوع على أنه مبتدأ، وقوله: والحق الخ هذه الجملة إلى آخرها أريد بها لفظها في محل رفع، على أنها خبر نصه، وجملة هذا المبتدأ وخبره في محل رفع على أنها صفة لما الواقعة مبتدأ، وجملة ما وخبرها المقدم خبر أن في قوله: أن ابن كمال والمعنى: أن ابن كمال شئ منصوصه، والحق الخ ثابت في أحاديثه الأربعينية، فافهم. قوله: (حيث قال الخ) بيانه أن هذا استدلال من الإمام محمد رحمه الله تعالى، على جواز قتل المرأة إذا أعلنت بالشتم فهو مخصوص من عموم النهي عن قتل النساء، من أهل الحرب كما ذكره في السير الكبير، فيدل على جواز قتل الذمي المنهي عن قتله بعقد الذمة، إذا أعلن بالشتم أيضا، واستدل لذلك في شرح السير الكبير بعدة أحاديث منها: حديث أبي إسحاق الهمداني قال: جاء رجل إلى رسول الله (ص) قال: سمعت امرأة من يهود وهي تشتمك والله يا رسول الله إنها لمحسنة إلي فقتلتها، فأهدر النبي (ص) دمها. قوله: (تغلبي وتغلبية) بكسر اللام على الأصل ومنهم من يفتحها. مصباح. نسبة إلى تغلب بن وائل بن ربيعة بوزن تضرب: قوم تنصروا في الجاهلية وسكنوا بقرب الروم امتنعوا عن أداء الجزية، فصالحهم عمر على ضعف زكاتنا، فهو وإن كان جزية في المعنى إلا أنه لا يراعى فيه شرائطها من وصف الصغار، وتقبل من النائب بل شرائط الزكاة وأسبابها، ولذا أخذت من المرأة لأهليتها لها، بخلاف الصبي والمجنون فلا يؤخذ من مواشيهم وأموالهم كما في النهر. قوله: (إلا الخراج) أي خراج الأرض، فإنه يؤخذ من طفلهم والمجنون لأنه وظيفة الأرض وليس عبادة. بحر. قوله: (ضعف زكاتنا) فيأخذ الساعي من غنمهم السائمة من كل أربعين شاة شاتين، ومن كل مائة وإحدى وعشرين أربع شياة، وعلى هذا من الإبل والبقر. نهر. ولا شئ عليهم في بقية أموالهم ورقتهم كما في الإتقاني: يعني إلا إذا مروا على العاشر فإنه يؤخذ منهم ضعف ما يأخذ من المسلمين. ط عن الحموي. قوله: (كمولى القرشي) يعني أن معتق التغلبي كمعتق القرشي في أن كلا منهما لا يتبع أصله، حتى توضع الجزية والخراج عليهما وإن لم يوضعا على أصلهما تخفيفا والمعتق لا يلحق أصله في التخفيف، ولذا لو كان لمسلم مولى نصراني وضعت عليه الجزية، وتمامه في الفتح. قوله: (وحديث الخ) جواب سؤال وهو أن ما عللتم به من أن المعتق لا يلحق أصله في التخفيف معارض للنص. والجواب: أن الحديث المذكور غير مجري على عمومه
400 بالاجماع، فإن مولى الهاشمي لا يلحقه في الكفاءة للهاشمية ولا في الإمامة، وإذا كان عاما مخصوصا يصح تخصيصه أيضا بما ذكرنا من العلة، وتمامه في الفتح. مطلب في مصارف بيت المال قوله: (ومصرف الجزية والخراج الخ) لان العشر مصرفه مصرف الزكاة كما مر. قوله: (وإنما يقبلها الخ) ترك قيدا آخر: ذكره في الجوهرة، وهو أن يكون المهدي لا يطمع في إيمانه لو ردت هديته، فلو طمع في إيمانه بالرد لا يقبل منه. قوله: (وما أخذ منهم بلا حرب) فيه أن ما قبله مأخوذ بلا حرب لكن فسره في النهر بالمأخوذ صلحا على ترك القتال قبل نزول العسكر بساحتهم. قوله: (مصالحنا) نبه بذلك عن أنه لا يخمس ولا يقسم بين الغانمين. نهر. وهو جمع مصلحة بفتح الميم واللام: ما يعود نفعه إلى الاسلام. ط عن القهستاني. قوله: (كسد ثغور) أي حفظ المواضع التي ليس وراءها إسلام، وفيه إشعار بأنه يصرف إلى جماعة يحفظون الطريق في دار الاسلام عن اللصوص. قهستاني. قوله: (وبناء قنطرة وجسر) القنطرة: ما بني على الماء للعبور، والجسر بالفتح والكسر: ما يعبر به النهر وغيره، مبنيا كان أو غيره كما في المغرب، ومثله بناء مسجد وحوض، ورباط وكري أنهار عظام غير مملوكة كالنيل وجيحون. قهستاني. وكذا النفقة على المساجد كما في زكاة الخانية، فيدخل فيه الصرف على إقامة شعائرها من وظائف الإمامة والاذان ونحوهما. بحر. قوله: (وكفاية العلماء) هم أصحاب التفسير والحديث، والظاهر أن المراد بهم من يعلم العلوم الشرعية، فيشمل الصرف والنحو وغيرهما. حموي عن البرجندي ط. وفي التعبير بالكفاية إشعار بأنه لا يزاد عليها وسيأتي بيانه، وكذا يشعر باشتراط فقرهم، لكن في حظر الخانية سئل علي الرازي عن بيت المال هي للأغنياء فيه نصيب؟ قال: لا، إلا أن يكون عاملا أو قاضيا، وليس للفقهاء فيه نصيب إلا فقيه فرغ نفسه لتعليم الناس الفقه أو القرآن اه. قال في البحر: أي بأن صرف غالب أوقاته في العلم، وليس مراد الرازي الاقتصار على العامل أو القاضي، بل أشار بهما إلى كل من فرغ نفسه لعمل المسلمين، فيدخل فيه المفتي والجندي، فيستحقان الكفاية مع الغني اه. وذكر قبله عن الفتح أن طالب العلم قبل أن يتأهل عامل لنفسه لكن ليعمل بعده للمسلمين. قوله: (والعمال) من عطف العام على الخاص، لما في القهستاني أنه بالضم والتشديد جمع عامل، وهو الذي يتولى أمور رجل في ماله وعمله كما قال ابن الأثير، فيدخل فيه المذكر والواعظ بحق وعلم كما في المنية، وكذا الوالي وطالب العلم والمحتسب والقاضي والمفتي والمعلم بلا أجر كما في المضمرات. قوله: (وشهود قسمة) بالسين المهملة: أي الذين يشهدون بالقسمة بين الورثة والشركاء واستيفاء حقوقهم، وفي نسخة وشهود قيمة بالياء المثناة التحتية: أي الذين يشهدون على التقويم عند الاختلاف في القيمة ط. قوله: (ورقباء سواحل) جمع رقيب من رقبته أرقبه من باب قتل: أي حفظته، والسواحل جمع ساحل، وهو شاطئ البحر. مصباح. فالمراد
401 الذين يحفظون السواحل، والمرابطون في الثغور أو أعم، فافهم. قوله: (ورزق المقاتلة) الرزق بالكسر اسم من الرزق بالفتح: ما ينتفع به. قاموس. وقال الراغب: الرزق يقال للعطاء الجاري دينيا كان أو دنيويا، وللنصيب، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به. قهستاني ط. قوله: (أي ذراري من ذكر الخ) لان العلة تعم الكل كما صرح به القهستاني ومن له مسكين وغيرهما، وعبارة الهداية والكافي توهم تخصيصهم بالمقاتلة، وبه صرح شارح المجمع. قال في الشرنبلالية: قال في البحر: وليس كذلك، وتبعه في المنح. در. منتقى. وفسر الذراري في شرح درر البحار بالزوجة والأولاد. مطلب: من له استحقاق في بيت المال يعطى ولده من بعده قوله: (لم أره) نقل الشيخ عيسى السفطي في رسالته ما نصه: قال أبو يوسف في كتاب الخراج: إن من كان مستحقا في بيت المال وفرض له استحقاقه فيه فإنه يفرض لذريته أيضا تبعا له، ولا يسقط بموته. وقال صاحب الحاوي: الفتوى على أنه يفرض لذراري العلماء، والفقهاء والمقاتلة، ومن كان مستحقا في بيت المال لا يسقط ما فرض لذراريهم بموتهم اه ط. قلت: لكن قول المتون الآتي ومن مات في نصف الحول حرم من العطاء ينافي ذلك، إلا أن يجاب بأن ما يجري على الذراري عطاء مستقل خاص بالذراري لا عطاء الميت بطريق الإرث بين جميع الورثة. تأمل. لكن ما مر عن الحاوي لم أره في الحاوي القدسي، ولا في الحاوي الزاهدي، وراجعت مواضع كثيرة من كتاب الخراج فلم أره فيه، والله أعلم. نعم قال الحموي في رسالته: وقد ذكر علماؤنا أنه يفرض لأولادهم تبعا ولا يسقط بموت الأصل ترغيبا اه. وذكر العامة المقدسي أن إعطاءهم بالأولى لشدة احتياجهم، سيما إذا كانوا يجتهدون في سلوك طريق آبائهم اه. مطلب: من له وظيفة توجه لولده من بعده ونقل العلامة البيري عن الخزانة عن مبسوط فخر الاسلام: إذا مات من له وظيفة في بيت المال لحق الشرع وإعزاز الاسلام كأجر الإمامة والتأذين وغير ذلك مما فيه صلاح الاسلام والمسلمين وللميت أبناء يراعون ويقيمون حق الشرع وإعزاز الاسلام كما يراعي ويقيم الأب فللامام أن يعطي وظيفة الأب لأبناء الميت لا لغيرهم، لحصول مقصود الشرع، وانجبار كسر قبولهم اه. مطلب: تحقيق مهم في توجيه الوظائف للابن قال البيري أقول: هذا مؤيد لما هو عرف الحرمين الشريفين ومصر والروم من غير نكير من إبقاء أبناء الميت ولو كانوا صغارا على وظائف آبائهم مطلقا من إمامة وخطابة وغير ذلك عرفا مرضيا لي لان فيه إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على بذل الجهد في الاشتغال بالعلم، وقد أفتى بجواز ذلك طائفة من أكابر الفضلاء الذين يعول على إفتائهم اه. قلت: ومقتضاه تخصيص ذلك بالذكور دون الإناث، وأنت خبير بأن الحكم يدور مع علته، فإن العلة هي إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على تحصيل العلم، فإذا اتبع الابن طريقة والده في الاشتغال في العلم، فذلك ظاهر، أما إذا أهمل ذلك واشتغل باللهو واللعب أو في أمور الدنيا جاهلا غافلا معطلا للوظائف المذكورة، أو ينيب غيره من أهل العلم بشئ قليل ويصرف باقي ذلك في شهواته، فإنه لا يحل لما فيه من أخذ وظائف العلماء وتركهم بلا شئ يستعينون به على العلم كما
402 هو الواقع في زماننا، فإن عامة أوقاف المدارس والمساجد والوظائف في أيدي جهلة أكثرهم لا يعلمون شيئا من فرائض دينهم، ويأكلون ذلك بلا مباشرة ولا إنابة بسبب تمسكهم بأن خبز الأب لابنه، فيتوارثون الوظائف أبا عن جد كلهم جهلة كالانعام، ويكبرون بذلك فرآهم وعمائمهم، ويتصدرون في البلدة حتى أدى ذلك إلى اندراس المدارس والمساجد، وأكثرها صار بيوتا باعوها أو بساتين استغلوها فمن أراد أن يطلب العلم لا يجد له مأوى يسكنه ولا شيئا يأكله فيضطر إلى أن يترك العلم ويكتسب. ووقع في زماننا أن رجلا من أكابر دمشق مات عن ولد أجهل منه لا يقرأ ولا يكتب، فوجهت من وظائفه تولية مسجد ومدرسة على رجلين من أعلم علماء دمشق، فذهب ولده وعزلهما عن ذلك بالرشوة. وفي أواخر الفن الثالث من الأشباه: إذا ولى السلطان مدرسا ليس بأهل لم تصح توليته. چ وفي البزازية: السلطان إذا أعطى غير المستحق فقد ظلم مرتين: بمنع المستحق، وإعطاء غيره اه. ففي توجيه هذه الوظائف لأبناء هؤلاء الجهلة ضياع العلم والدين، وإعانتهم على إضرار المسلمين، فيجب على ولاة الأمور توجيهها على أهلها ونزعها من أيدي غير الأهل، وإذا مات أحد من أهلها توجه على ولده، فإن لم يخرج على طريقة والده يعزل عنها وتوجه للأهل، إذ لا شك أن غرض الواقف إحياء ما أوقفه من ذلك، فكل ما كان فيه تضييعه فهو مخالف لغرض الشرع، والواقف هذا هو الحق الذي لا محيد عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قوله: (فهذا) أي ما ذكر من المصالح. وقوله: مصرف جزية وخراج أي ونحوهما مما ذكر معهما. قوله: (مر في الزكاة) أي في باب المصرف. قوله: (مر في السير) أي في فصل كيفية القسمة. قوله: (وبقي رابع) تقدم هذا مع الثلاثة التي قبله نظما لابن الشحنة في آخر باب العشر من كتاب الزكاة، وقدمنا الكلام عليها. قوله: (وفقير بلا ولي:) أي ليس له من تجب نفقته عليه. قال في البحر: يعطون منه نفقتهم وأدويتهم ويكفن به موتاهم ويعقل به جنايتهم اه. تنبيه: قال في الاحكام: العلماء يستحقون من النوع الأول بالعمل مع الغني، ومن النوع الثاني بصفة الفقر ونحوها، ومن النوع الثالث بأحد صفات مستحقيه، ومن النوع الرابع بصفة المرض ونحوه، ومن خص استحقاقهم بالأول نظر إلى محض صفة العلم اه. قوله: (بيتا يخصه) فلا يخلط بعضه ببعض، لان لكل نوع حكما يختص له. زيلعي. قوله: (ليصرفه للآخر) أي لأهله. قال الزيلعي: ثم إذا حصل من ذلك النوع شئ رده في المستقرض منه، إلا أن يكون المصروف من الصدقات أو من خمس الغنيمة على أهل الخراج وهم فقراء، فإنه لا يرد فيه شيئا لأنهم مستحقون للصدقات بالفقر، وكذا في غيره إذا صرفه إلى المستحق اه. قوله: (ويعطى بقدر الحاجة الخ) الذي في الزيلعي هكذا: ويجب على الامام أن يتقي الله تعالى ويصرف إلى كل مستحق قدر حاجته من غير زيادة، فإن قصر في ذلك كان الله تعالى عليه حسيبا اه وفي البحر عن القنية كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يسوي في العطاء من بيت المال، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يعطيهم على قدر الحاجة والفقه والفضل، والاخذ بهذا في زماننا أحسن فتعتبر الأمور الثلاثة اه. أي فله أن
403 يعطي الأحوج أكثر من غير الأحوج، وكذا الأفقه والأفضل أكثر من غيرهما، وظاهره أنه لا تراعى الحاجة في الأفقه والأفضل، وإلا فلا فائدة في ذكرهما، ويؤيده أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يعطي من كان له زيادة فضيلة من علم أو نسب أو نحو ذلك أكثر من غيره، وفي البحر أيضا عن المحيط: والرأي إلى الامام من تفضيل وتسوية من غير أن يميل في ذلك إلى هوى، وفيه عن القنية: وللامام الخيار في المنع والاعطاء في الحكم اه. قلت: ومثله في كتاب الخراج لأبي يوسف الذي خاطب به هارون الرشيد حيث قال: فأما الزيادة أرزاق القضاة والعمال والولاة والنقصان مما يجري عليهم، فذلك إليك: من رأيت أن تزيده من الولاة والقضاة في رزقهم فزدهم، ومن رأيت أن تحط رزقه حططت. قوله: (هو المفتي اليوم) لأنهم كانوا يحفظون القرآن ويعلمون أحكامه ط. قوله: (ممن ذكر) أي ممن يقوم بمصالح المسلمين، كالقضاة والغزاة ونحوهم. زيلعي. قوله: (في نصف الحول) المراد به ما قبل آخره بقرينة قوله: ولو في آخره ط. قوله: (حرم من العطاء) هو ما يثبت في الديوان باسم كل ممن ذكرنا، من المقاتلة وغيرهم، وهو كالجامكية في عرفنا إلا أنها شهرية، والعطاء سنوي. فتح. قوله: (لأنه صلة) ولذا سمي عطاء فلا يملك قبل القبض فلا يورث ويسقط بالموت. فتح. قوله: (في زماننا) قال في العناية: وفي الابتداء كان يعطي كل من كان له ضرب مزية في الاسلام كأزواج النبي (ص) وأولاده والمهاجرين والأنصار. قوله: (القاضي والمفتي والمدرس) عبارة البحر مثل القاضي، والمفتي والمدرس: وهي أولى لشمولها نحو المقاتلة اه ح. قلت: وهي عبارة الهداية أيضا: قوله: (أو بعد تمامه) هذا مفهوم بالأولى، لأنه إذا استحب الصرف إلى القريب قبل التمام فبعده أولى. قوله: (فيندب الوفاء له) قال في الفتح: والوجه يقتضي الوجوب، لان حقه تأكد بإتمام عمله في السنة، كما قلنا: إنه يورث سهم الغازي بعد الاحراز بدار الاسلام لتأكد الحق حينئذ، وإن لم يثبت له ملك، وقول فخر الاسلام في شرح الجامع الصغير: وإنما خص نصف السنة لان عند آخرها يستحب أن يصرف ذلك إلى ورثته، فأما قبل ذلك فلا، إلا على قدر عنائه يقتضي أن يعطي حصته من العام اه. قوله: (قيل يجب الخ) عبارة الزيلعي: قيل يجب رد ما بقي من السنة، وقيل على قياس قول محمد في نفقة الزوجة يرجع، وعندهما: لا يرجع: هو يعتبره بالانفاق على امرأة ليتزوجها وهما يعتبرانه بالهبة اه. ونقل في الشرنبلالية تصحيح وجوب الرد عن الهداية والكافي، ولكني لم أره فيهما في هذا المضوع، فليراجع. مطلب فيما إذا مات المؤذن أو الامام قبل أخذ وظيفتهما قوله: (فإنه سقط الخ) حاصله، أن ما يأخذه الامام والمؤذن من الوقف بمنزلة ما يأخذه
404 القاضي ونحوه من بيت المال، نظرا إلى أنه في معنى الصلة لا تملك إلا بالقبض كما مر. قوله: (وقيل لا يسقط الخ) أي ما يأخذه الامام والمؤذن. قال وفي الشرنبلالية: جزم في البغية تلخيص القنية بأنه يورث، بخلا ف رزق القاضي كما في الأشباه والنظائر اه. قلت: ووجهه ما أشار إليه الشارح تبعا للدرر بقوله: لأنه كالأجرة أي فيه معنى الأجرة ومعنى الصلة، فليس أجرة من كل وجه، لكن وجه الأجرة فيه أرجح لجواز أخذ الأجرة على الاذان والإمامة والتعليم كما أفتى به المتأخرون، بخلاف القضاء وغيره من الطاعات. فإنه لا يجوز أصلا، ولعل وجه القول الأول ترجيح معنى الصلة في الكل بناء على أصل المذهب من عدم جواز الأجرة على شئ من الطاعات، لكن الفتوى على قول المتأخرين فلذا جزم في البغية بالقول الثاني، وفرق بين الامام والقاضي كما قدمناه قبيل فصل في كيفية القسمة، وقدمنا هناك عن الطرسوسي وغيره أن المدرس ونحوه إذا مات في أثناء السنة يعطي بقدر ما باشر فقط، بخلاف الوقف على الأولاد والذرية، فإن المعتبر فيهم ظهور الغلة فمن مات بعد ظهورها استحق لا قبله، وقدمنا هناك أيضا عن المفتي أبي السعود مثل ذلك، وأن المدرس الثاني يستحق الوظيفة من وقت توجيه السلطان. قوله: (وهذا) أي قوله: والمؤذن الخ وقد نقله في الدر عن فوائد صاحب المحيط. قوله: (وتمامه في الدرر) قال فيها وفي فوائد صدر الاسلام طاهر بن محمود: قرية فيها أراضي الوقف على إمام المسجد يصرف إليه غلتها وقت الادراك، فأخذ الامام الغلة وقت الادراك وذهب عن تلك القرية لا يسترد منه حصه ما بقي من السنة، وهو نظير موت القاضي وأخذ الرزق، ويحل للامام أكل ما بقي من السنة إن كان فقيرا، وكذلك الحكم في طلبة العلم في المدارس، والله سبحانه أعلم. باب المرتد شروع في أحكام الكفر الطارئ بعد بيان الأصلي: أي الذي لم يسبقه إيمان. قوله: (وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان) هذا بالنسبة إلى الظاهر الذي يحكم به الحاكم، وإلا فقد تكون بدونه كما لو عرض له اعتقاد باطل أو نوى أن يكفر بعد حين. أفاده ط. قوله: (بعد الايمان) خرج به الكافر إذا تلفظ بمكفر، فلا يعطي حكم المرتد ط. نعم قد يقتل الكافر ولو امرأة إذا أعلن بشتمه (ص) كما مر في الفصل السابق. قوله: (هو تصديق الخ) معنى التصديق قبول القلب وإذعانه لما علم بالضرورة أنه من دين محمد (ص) بحيث تعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال، كالوحدانية والنبوة والبعث والجزاء، ووجوب الصلاة والزكاة وحرمة الخمر ونحوها اه. ح عن شرح المسايرة. قوله: (وهل هو فقط) أي وهل الايمان التصديق فقط، وهو المختار عند جمهور الأشاعرة، وبه قال الماتريدي ح عن شرح المسايرة. قوله: (أو مع الاقرار) قال في المسايرة: وهو منقول عن أبي حنيفة، ومشهور عن أصحابه وبعض المحققين من الأشاعرة وقال: الخوارج هو
405 التصديق مع الطاعة، ولذا كفروا بالذنب لانتفاء جزء الماهية. وقال الكرامية: هو التصديق باللسان فقط، فإن طابق تصديق القلب فهو مؤمن ناج، وإلا فهو مؤمن مخلد في النار اه. ح. قلت: وقد حقق في المسايرة أنه لا بد في حقيقة الايمان من عدم ما يدل على الاستخفاف من قول أو فعل، ويأتي بيانه. قوله: (والاقرار شرط) هو من تتمة القول الأول ح. أما على القول الثاني فهو شطر، لأنه جزء من ماهية الايمان، فلا يكون بدونه مؤمنا لا عند الله تعالى ولا في أحكام الدنيا، لكن بشرط أن يدرك زمنا يتمكن فيه من الاقرار، وإلا فيكفيه التصديق اتفاقا، كما ذكره التفتازاني في شرح العقائد. قوله: (لاجراء الاحكام الدنيوية) أي من الصلاة عليه، وخلفه والدفن في مقابر المسلمين والمطالبة بالعشور والزكوات ونحو ذلك ولا يخفى أن الاقرار لهذا الغرض لا بد أن يكون على وجه الاعلان والاظهار على الامام وغيره من أهل الاسلام، بخلاف ما إذا كان لاتمام الايمان فإنه يكفي مجرد التكلم وإن لم يظهر على غيره، كذا في شرح المقاصد. قوله: (بعد الاتفاق) أي بعد اتفاق القائلين بعدم اعتبار الاقرار. قال في شرح المسايرة: واتفق القائلون بعدم اعتبار الاقرار على أنه يلزم المصدق أنه يعتقد أنه متى طولب به أتى به، فإن طولب به فلم يقر به فهو - أي كفه عن الاقرار - كفر عناد، وهذا ما قالوا: إن ترك العناد شرط، وفسروه به: أي فسروا ترك العناد بأن يعتقد أنه متى طولب بالاقرار أتى به اه. بقي ما لو لم يعتقد ذلك بأن كان خالي الذهن، أو اعتقد أنه متى طولب به لا يأتي به، لكنه عندما طولب به أتى به، فهل يكفي نظرا لحصول المقصود أو لا يكفي نظرا لاشتراطهم الاعتقاد السابق؟، أقول: الظاهر أن المراد بالاشتراط المذكور نفي اعتقاد عدمه: فليحرر اه ح أي لا يعتقد أنه متى طولب به لا يقر، وفي شرح المقاصد وشرح التحرير ما يفيده، ونصه: ثم الخلاف فيما إذا كان قادرا، وترك التكلم لا على وجه الاباء، إذ العاجز كالأخرس مؤمن اتفاقا، والمصر على عدم الاقرار مع المطالبة به كافر وفاقا، لكون ذلك من أمارات عدم التصديق، ولهذا أطبقوا على كفر أبي طالب. اه. فظهر أن خالي الذهن لو أتى به عند المطالبة مؤمن لعدم الاصرار على عدم الاقرار، ومن اعتقد عدم الاتيان به عندها ليس مؤمنا، فلو أتى به عندها كان ذلك: إيمانا مستأنفا، هذا ما ظهر لي. قوله: (من هزل بلفظ كفر) أي تكلم به باختياره غير قاصد معناه، وهذا لا ينافي ما مر من أن الايمان هو التصديق فقط أو مع الاقرار، لان التصديق وإن كان موجودا حقيقة لكنه زائل حكما، لان الشارع جعل بعض المعاصي أمارة على عدم وجوده كالهزل المذكور، وكما لو سجد لصنم أو وضع مصحفا في قاذورة فإنه يكفر وإن كان مصدقا، لان ذلك في حكم التكذيب، كما أفاده في شرح العقائد، وأشار إلى ذلك بقوله: للاستخفاف فإن فعل ذلك استخفافا واستهانة بالدين فهو أمارة عدم التصديق، ولذا قال في المسايرة: وبالجملة فقد ضم إلى التصديق بالقلب، أو بالقلب واللسان في تحقيق الايمان أمورا الاخلال بها إخلال بالايمان اتفاقا، كترك السجود لصنم وقتل نبي والاستخفاف به، وبالمصحف والكعبة، وكذا مخالفة أو إنكار ما أجمع عليه بعد العلم به، لان ذلك دليل على أن التصديق مفقود، ثم حقق أن عدم الاخلال بهذه الأمور أحد أجزاء مفهوم الايمان، فهو حينئذ التصديق والاقرار وعدم الاخلال بما ذكر، بدليل أن بعض هذه الأمور تكون مع تحقق التصديق
406 والاقرار، ثم قال: ولاعتبار التعظيم المنافي للاستخفاف كفر الحنفية بألفاظ كثيرة، وأفعال تصدر من المتهتكين لدلالتها على الاستخفاف بالدين كالصلاة بلا وضوء عمدا، بل بالمواظبة على ترك سنة استخفافا بها بسبب أنه فعلها (ص) زيادة، أو استقباحها، كمن استقبح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه أو إحفاء شاربه اه. قلت: ويظهر من هذا أن ما كان دليل الاستخفاف يكفر به، وإن لم يقصد الاستخفاف، لأنه لو وقف على قصده لما احتاج إلى زيادة عدم الاخلال بما مر، لان قصد الاستخفاف مناف للتصديق. قوله: (فهو ككفر العناد) أي ككفر من صدق بقلبه وامتنع عن الاقرار بالشهادتين عنادا ومخالفة، فإنه أمارة على عدم التصديق، وإن قلنا: إن الاقرار ليس ركنا. قوله: (والكفر لغة الستر) ومنه سمي الفلاح كافرا، لأنه يستر البذر في الأرض، ومنه كفر النعمة وهو موجود في المعنى الشرعي لأنه ستر ما وجب إظهاره. قوله: (تكذيبه (ص)) المراد بالتكذيب عدم التصديق الذي مر: أي عدم الاذعان والقبول، لما علم مجيئه به (ص) ضرورة: أي علما ضروريا لا يتوقف على نظر واستدلال،. وليس المراد التصريح بأنه كاذب في كذا، لان مجرد نسبة الكذب إليه (ص) كفر، وظاهر كلامه تخصيص الكفر بجحد الضروري فقط، مع أن الشرط عندنا ثبوته على وجه القطع وإن لم يكن ضروريا، بل قد يكون استخفافا من قول: أو فعل كما مر، ولذا ذكر في المسايرة أن ما ينفي الاستسلام أو يوجب التكذيب فهو كفر، فما ينفي الاستسلام كل ما قدمناه عن الحنفية: أي مما يدل على الاستخفاف، وما ذكر قبله من قتل نبي إذ الاستخفاف فيه أظهر، وما يوجب التكذيب جحد كل ما ثبت عن النبي (ص) ادعاؤه ضرورة، وأما ما لم يبلغ حد الضرورة كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت بإجماع المسلمين، فظاهر كلام الحنفية الإكفار بجحده، فإنهم لم يشرطوا سوى القطع في الثبوت، ويجب حمله على ما إذا علم المنكر ثبوته قطعا، لان مناط التكفير وهو التكذيب أو الاستخفاف عند ذلك يكون، أما إذا لم يعلم فلا، إلا أن يذكر له أهل العلم ذلك فيلج اه. مطلب في منكر الاجماع وهذا موافق لما قدمناه عنه من أنه يكفر بإنكار ما أجمع عليه بعد العلم به، ومثله ما في نور العين عن شرح العمدة أطلق بعضهم أن مخالف الاجماع يكفر، والحق أن المسائل الاجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخمس وقد لا يصحبها، فالأول يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الاجماع اه. ثم نقل في نور العين عن رسالة الفاضل الشهير حسام جلبي من عظماء علماء السلطان سليم بن بايزيد خان ما نصه: إذا لم تكن الآية أو الخبر المتواتر قطعي الدلالة أو لم يكن الخبر متواترا، أو كان قطعيا لكن فيه شبهة، أو لم يكن الاجماع إجماع الجميع أو كان، ولم يكن إجماع الصحابة أو كان، ولم يكن إجماع جميع الصحابة، أو كان إجماع جميع الصحابة، ولم يكن قطعيا بأن لم يثبت بطريق التواتر، أو كان قطعيا لكن كان إجماعا سكوتيا، ففي كل من هذه الصور لا يكون الجحود كفرا، يظهر ذلك لمن نظر في كتب الأصول، فاحفظ هذا الأصل فإنه ينفعك في استخراج فروعه حتى تعرف منه صحة ما قيل، إنه يلزم الكفر في موضع كذا، ولا يلزم في موضع آخر اه. تنبيه: في البحر والأصل أن من اعتقد الحرام حلالا فإن كان حراما لغيره كمال الغير لا يكفر،
407 وإن كان لعينه: فإن كان دليله قطعيا كفر، ولا فلا. وقيل التفصيل في العالم، أما الجاهل فلا يفرق بين الحرام لعينه ولغيره، وإنما الفرق في حقه أن ما كان قطعيا كفر به. وإلا فلا يكفر إذا قال: الخمر ليس بحرام، وتمامه فيه. قوله: (بل أفردت بالتأليف) من أحسن ما ألف فيها ما ذكره في آخر نور العين، وهو تأليف مستقل، ومن ذلك كتاب الاعلام في قواطع الاسلام لابن حجر المكي، ذكر فيه المكفرات عند الحنفية والشافعية وحقق فيه المقام، وقد ذكر في البحر جملة من المكفرات. مطلب: ما يشك أنه ردة لا يحكم بها قوله: (قال في البحر الخ) سبب ذلك ما ذكره قبله بقوله وفي: جامع الفصولين روى الطحاوي من أصحابنا: لا يخرج الرجل من الايمان إلا جحود ما أدخله فيه، ثم ما تيقن أنه ردة يحكم بها، وما يشك أنه ردة لا يحكم بها، إذ الاسلام الثابت لا يزول بالشك مع أن الاسلام يعلو، وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الاسلام مع أنه يقضي بصحة إسلام المكره. أقول: قدمت هذا ليصير ميزانا فيما نقلته في هذا الفصل من المسائل، فإنه قد ذكر في بعضها: أنه كفر، مع أنه لا يكفر على قياس هذه المقدمة، فليتأمل اه. ما في جامع الفصولين. وفي الفتاوى الصغرى: الكفر شئ عظيم فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر اه. وفي الخلاصة وغيرها: إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنعه، فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم. زاد في البزازية: إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل ح. وفي التتارخانية: لا يكفر بالمحتمل، لان الكفر نهاية في العقوبة فيستدعي نهاية في الجناية ومع الاحتمال لا نهاية اه. والذي تحرر أنه لا يفتي بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على مجمع حسن، أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة، فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتي بالتكفير فيها، وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشئ منها اه. كلام البحر باختصار. قوله: (والطوع) أي الاختيار احترازا عن الاكراه، ودخل فيه الهازل كما مر، لأنه يعد مستخفا لتعمده التلفظ به، وإن لم يقصد معناه. وفي البحر عن الجامع الصغير: إذا أطلق الرجل كلمة الكفر عمدا لكنه لم يعتقد الكفر: قال بعض أصحابنا: لا يكفر لان الكفر يتعلق بالضمير ولم يعقد الضمير على الكفر، وقال بعضهم: يكفر، وهو الصحيح عندي لأنه استخف بدينه اه. ثم قال في البحر والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده كما صرح به في الخانية، ومن تكلم بها مخطئا أو مكرها لا يكفر عند الكل، ومن تكلم بها عامدا عالما كفر عند الكل، ومن تكلم بها اختيارا جاهلا بأنها كفر ففيه اختلاف اه. قوله: (ومعتوه) عزاه في نهر إلى السراج، وهو الناقص العقل، وقيل المدهوش من غير جنون، كذا في المغرب. وفي أحكامات الأشباه أن حكمه حكم الصبي العاقل، فتصح العبادات منه ولا تجب وقيل هو كالمجنون، وقيل كالبالغ العاقل اه.
408 قلت: والأول هو الذي صرح به الأصوليون، ومقتضاه أن تصح ردته لكنه لا يقتل كما هو حكم الصبي العاقل. تأمل. ثم رأيت في الخانية قال: وأما ردة المعتوه فلم تذكر في الكتب المعروفة. قال مشايخنا: هو في حكم الردة بمنزلة الصبي اه. قوله: (وموسوس) بالكسر ولا يقال بالفتح، ولكن موسوس له أو إليه: أي تلقى إليه الوسوسة. وقال الليث: الوسوسة حديث النفس، وإنما قيل موسوس لأنه يحدث بما في ضميره، وعن الليث لا يجوز طلاق الموسوس، قال: يعني المغلوب في عقله، وعن الحاكم: هو المصاب في عقله إذا تكلم يتكلم بغير نظام، كذا في المغرب. قوله: (وصبي لا يعقل) قدر عقله في فتاوى قارئ الهداية بأن يبلغ سبع سنين. نهر. وسيأتي آخر الباب. قوله: (وسكران) أي ولو من محرم لما في أحكامات الأشباه أن السكران من محرم كالصاحي إلا في ثلاث: الردة، والاقرار بالحدود الخالصة، والاشهاد على شهادة نفسه الخ، قوله: (ومكره عليها) أي على الردة، والمراد الاكراه بملجئ من قتل أو قطع عضو أو ضرب مبرح فإنه يرخص له أن يظهر ما أمر به على لسانه وقلبه مطمئن بالايمان، ولا تبين زوجته استحسانا كما سيجئ في بابه. قوله: (فليسا بشرط) هذا في الذكورة بالاتفاق وأما في البلوغ فعندهما خلافا لأبي يوسف كما يأتي آخر الباب ح. قوله: (فإنه يقتل ولا يعفى عنه) قيده في البحر بما إذا كان سكره بسبب محظور باشره مختارا بلا إكراه، وإلا فهو كالمجنون اه ح. قلت: وما جزم به الشارح من أنه لا يعفى عنه: أي إن تاب سيأتي ما يخالفه. قوله: (من ارتد) أي عن الاسلام، فلو أن اليهودي تنصر أو تمجس أو النصراني تهود أو تمجس لم يجبر على العود لما كان عليه، لان الكفر كله ملة واحدة كما في البرجندي وغيره. در منتقى، وسيذكره المصنف. قوله: (الحاكم) أي الامام أو القاضي. بحر. قوله: (لبلوغه الدعوة) مصدر مضاف للمفعول، والدعوة فاعل اه ح. قال في البحر: وعرض الاسلام هو الدعوة إليه، ودعوة من بلغته الدعوة غير واجبة. قوله: (بيان لثمرة العرض) الظاهر أن ثمرة العرض: الاسلام والنجاة من القتل، وأما هذا فهو ثمرة التأجيل ثلاثة أيام، لان من انتقل عن الاسلام والعياذ بالله تعالى لا بد له غالبا من شبهة فتكشف له إن أبداها في هذه المدة. تأمل. قوله: (وقيل ندبا) أي وإن استمهل، وظاهر الرواية الأول، وهو أنه لا يمهل بدون استمهال كما في البحر. قوله: (إن استمهل) أي بعد العرض للتفكر قهستاني. قوله: (وإلا قتله) أي بعد عرض الاسلام عليه وكشف شبهته ط. قوله: (إلا إذا رجى إسلامه) أي فإنه يمهل، وهل هو حينئذ واجب أو مستحب؟ محل تردد، والظاهر الثاني. تأمل. قوله: (لكنه يضرب الخ) أي إذا ارتد ثانيا ثم تاب ضربه الامام وخلى سبيله، وإن ارتد ثالثا ثم تاب ضربه ضربا وجيعا وحبسه حتى تظهر عليه آثار التوبة ويرى أنه مخلص ثم خلى سبيله، فإن عاد فعل به هكذا. بحر عن التاترخانية. وفي الفتح: فإن ارتد بلد إسلامه ثانيا قبلنا توبته أيضا. وكذا ثالثا
409 ورابعا، إلا أن الكرخي قال: فإن عاد بعد الثالثة يقتل إن لم يتب في الحال ولا يؤجل، فإن تاب ضربه ضربا وجيعا ولا يبلغ به الحد، ثم يحبسه ولا يخرجه حتى يرى عليه خشوع التوبة وحال المخلص فحينئذ يخلى سبيله، فإن عاد بعد ذلك فعل به كذلك أبدا ما دام يرجع إلى الاسلام. قال الكرخي: هذا قول أصحابنا جميع: إن المرتد يستتاب أبدا، وما ذكره الكرخي مروي في النوادر، قال: إذا تكرر ذلك منه يضرب ضربا مبرحا ثم يحبس إلى أن تظهر توبته ورجوعه اه. وذلك لاطلاق قوله تعالى:) * فإن تابوا وأقاموا الصلاة) * (سورة التوبة: الآية 5) الآية. وعن ابن عمر وعلي: لا تقبل توبة من تكررت ردته كالزنديق، وهو قول مالك وأحمد والليث وعن أبي يوسف: لو فعل ذلك مرارا يقتل غيلة، وفسره بأن ينتظر فإذا أظهر كلمة الكفر قتل قبل أن يستتاب لأنه ظهر منه الاستخفاف اه. باختصار. وحاصله أن ظاهر قوله وكذا ثالثا ورابعا أنه لو استمهل بعد الرابعة يؤجل ولا يحبس بعد التوبة. والذي نقله عن الكرخي أنه لا يؤجل بعد الرابعة بل يقتل إلا أن تأد أأدخل فإنه يضرب ويحبس كما هو رواية النوادر وعن ابن عمر وغيره: يقتل ولا توبة له مثل الزنديق. قوله: (عن آخر حدود الخانية) ونصه: وحكى أنه كان ببغداد نصرانيان مرتدان، إذا أخذا تابا، وإذا تركا عادا إلى الردة. قال أبو عبد الله البلخي: يقتلان ولا تقبل توبتهما اه. أقول: الظاهر أن البلخي اختار قول ابن عمر، ولا يصح بناؤه على رواية النوادر المارة عن الفتح كما لا يخفى، فافهم. قوله (بلا توبة) أي بلا قبول توبة، وليس المراد أنه يقتل إن لم يثبت، لأنه لا نزاع فيه. قوله: (وإلا قتل) أي ولو عبدا فيقتل وإن تضمن قتله إبطال حق المولى، وهذا بالاجماع لاطلاق الأدلة. فتح. قال في المنح: وأطلق فشمل الامام وغيره، لكن إن قتله غيره أو قطع عضوا منه بلا إذن الإمام أدبه الامام اه. وسيأتي متنا وشرحا استثناء أربعة عشر لا يقتلون. قوله: (لحديث الخ) رواية أحمد والبخاري وغيرهما. زيلعي. قوله: (بعد نطقه بالشهادتين) كذا قيده في العناية والنهاية، وعزاه القهستاني إلى المبسوط والايضاح وغيرهما وقال: وإنما لم يذكره لان ذلك معلوم لكن مقتضى ما في الفتح عدم اعتماده، لأنه عبر عنه بقيل وكأنه تابع ظاهر المتون، وهو مفاد كلام الزيلعي، ويؤيده ما سيذكره في المتن من أن إنكاره الردة توبة ورجوع. وقد يوق بحمل ما هو ظاهر المتون على الاسلام المنجي في الدنيا عن القتل. وما في الشروح من اشتراط النطق بالشهادتين أيضا محمول على الاسلام الحقيقي النافع في الدنيا والآخرة. تأمل وذكر في الفتح أن الاقرار بالبعث والنشور مستحب. قوله: (على وجه العادة) أي بدون التبري. قال في البحر: وأفا باشتراط التبري أنه لو أتى بالشهادتين على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قال، إذ لا يرتفع بهما كفره، كذا في البزازية وجامع الفصولين اه. قلت: وظاهره اشتراط التبري وإن لم ينتحل دينا آخر بأن كان كفره بمجرد كلمة ردة، والظاهر
410 خلافه، وأن اشتراط التبري فيمن انتحل دينا آخر إنما هو شرط لاجراء أحكام الدنيا عليه، أما بالنسبة لاحكام الآخرة فيكفيه التلفظ بالشهادتين مخلصا، كما يدل عليه ما نذكره في إسلام العيسوية. قوله: (لما مر) أي من أن العرض مستحب، ويكره تحريما عند من أوجبه. أفاده في شرح الملتقى ط. قوله: (قيد بإسلام المرتد) أي في قوله: وإسلامه. مطلب في أن الكفار خمسة أصناف، وما يشترط في إسلامهم قوله: (لان الكفار) أي بكفر أصلي والمرتد كفره عارض. قوله: (كالدهرية) بضم الدال نسبة إلى الدهر بفتحها، سموا بذلك لقولهم: * (وما يهلكنا إلا الدهر) * (سورة الجاثية: الآية 42) ح. قوله: (كالثنوية) وهم المجوس القائلون بإلهين أو كالمجوس كما في أنفع الوسائل ومقتضاه أنهم غيرهم، وهو الذي حققه ابن كمال باشا نقلا عن الآمدي مع مشاركة الكل في اعتقاد أن أصل العالم النور والظلمة: أي النور المسمى يزدان وشأنه خلق الخير. والظلمة المسماة أهر من وشأنها خلق الشر. قوله: (كالفلاسفة) أي قوم منهم كما في النهر، وإلا فجمهور الفلاسفة يثبتون الرسل على أبلغ وجه لقولهم بالايجاب اه ح. أي باللزوم والتوليد لا بالاختيار لانكارهم كونه تعالى مختارا، وينكرون كونها بنزول الملك من السماء وكثيرا مما علم بالضرورة مجئ الأنبياء كحشر الأجساد والجنة والنار. والحاصل أنهم وإن أثبتوا الرسل لكن لا على الوجه الذي يثبته أهل الاسلام كما ذكره في شرح المسايرة فصار إثباتهم بمنزلة العدم، وعليه فيصح إطلاق الشارح. تأمل. قوله: (كالوثنية) فيه أن الوثنية لا ينكرون الصانع تعالى كما لا يخفى ح. قال في شرح السير: وعبدة الأوثان كانوا يقرون بالله تعالى، قال تعالى: * (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) * (سورة الزخرف: الآية 78) ولكن كانوا لا يقرون بالوحدانية. قال تعالى: * (إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) * (سورة الصافات: الآية 53) اه. وهذا زاده في الدرر على ما في البدائع، وتبعه الشارح. والظاهر أن صاحب البدائع أدخله في الثنوية لأنهم جعلوا مع الله تعالى معبودا ثانيا وهو أصنامهم، فهم منكرون للوحدانية كالمجوس، وحكمهم في الاسلام واحد كما تعرفه. قوله: (كالعيسوية) هم قوم من اليهود ينسبون إلى عيسى الأصفهاني اليهودي ح. قلت: وعبارة البدائع: وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة، لكنهم ينكرون عموم رسالة رسولنا (ص) وهم اليهود والنصارى. قال في النهر: وليس المراد كل النصارى بل طائفة منهم في العراق يقال لهم العيسوية، صرح بذلك في المحيط والخانية اه. قوله: (فيكتفي في الأولين الخ) عبارة البدائع: فإن كان من الصنف الأول أو الثاني فقال لا إله إلا الله يحكم بإسلامه، لان هؤلاء يمتنعون عن الشهادة أصلا، فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم، وكذلك إذا قال أشهد أن محمدا رسول الله، لأنهم يمتنعون عن كل واحدة من كلمتي الشهادة، فكان الاتيان بواحدة منهما أيتهما كانت دلالة الايمان اه: أي ويلزم من الايمان بإحداهما الايمان بالأخرى، وهذا صريح في أن الثنوية ينكرون الرسالة فهم كالوثنية، فيكتفي في الكل بإحدى الكلمتين، وبه صرح
411 في أنفع الوسائل فقال: إن عبدة الأوثان والنيران والمشرك في الربوبية والمنكر للوحدانية كالثنوية إذا قال الواحد منهم لا إله إلا الله يحكم بإسلامه، وكذا لو قال أشهد أن محمدا رسول الله أو قال أسلمنا أو آمنا بالله. اه. وذكر قبله عن المحيط أن الكافر إذا أقر بخلاف ما اعتقد يحكم بإسلامه، ونحوه في شرح السير الكبير. وبه علم أن ما في شرح المسايرة لابن أبي شريف الشافعي من أنه يكتفي في الثنوي والوثني بالشهادتين بدون تبري فهو على مذهبه: أو المراد به إحداهما، فافهم. قوله: (وفي الثالث بقول محمد رسول الله) فلو قال لا إله إلا الله يحكم بإسلامه لأنه منكر الرسالة، ولا يمتنع عن هذه المقالة، ولو قال أشهد أن محمدا رسول الله يحكم بإسلامه، لأنه يمتنع عن هذه الشهادة، فكان الاقرار بها دليل الايمان. بدائع. ومقتضاه أن الاتيان بالثانية يكفيه، لان المدار على الاقرار بخلاف معتقده. قوله: (وفي الرابع بأحدهما) علله في الدرر بأنه لا منكر للامرين جميعا، فبأيهما شهد دخل في دين الاسلام اه. وهذا التعليل موافق لما قدمناه عن البدائع، وبه صرح أيضا في شرح السير الكبير، وزاد أنه لو قال أنا مسلم فهو مسلم، لان عبدة الأوثان لا يدعون هذا الوصف لأنفسهم، بل يبرؤون على قصد المغايظة للمسلمين، وكذا لو قال أنا على دين محمد، أو على الحنفية أو على دين الاسلام وقد علمت أن هذا الرابع داخل في الأولين، والحكم في الكل واحد، وهو الاكتفاء بأحد اللفظين عن الآخر، وأن ما مر عن شرح المسايرة لا يدفع المنقول عندنا، فافهم. مبحث في اشتراط التبري مع الاتيان بالشهادتين قوله: (وفي الخامس بهما في التبري الخ) ذكر ابن الهمام في المسايرة أن اشتراط التبري لاجراء أحكام الاسلام عليه لا لثبوت الايمان فيما بينه وبين الله تعالى، فإنه لو اعتقد عموم الرسالة وتشهد فقط كان مؤمنا عند الله تعالى اه. ثم إن الذي في البدائع: لو أتى بالشهادتين لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ عن الدين الذي هو عليه وزاد على المحيط: لا يكون مسلما حتى يتبرأ من دينه مع ذلك، ويقر أنه دخل في الاسلام، لأنه يحتمل أنه تبرأ من اليهودية ودخل في النصرانية، فإذا قال مع ذلك: ودخلت في الاسلام يزول هذا الاحتمال. وقال بعض مشايخنا: إذا قال: دخلت في الاسلام يحكم بإسلامه وإن لم يتبرأ مما كان عليه، لأنه يدل على دخول حادث منه في الاسلام اه. ومثله في شرح السير الكبير. قلت: اشتراط قوله ودخلت في دين الاسلام ظاهر فيما إذا تبرأ من دينه فقط، إلا إذا تبرأ من كل دين يخالف دين الاسلام فلا يحتاج إليه لعدم الاحتمال المذكور، فلذا لم يذكره الشارح مع صيغة التبري التي ذكرها. والظاهر أنه لو أتى بالشهادتين وصرح بتعميم الرسالة إلى بني إسرائيل وغيرهم أو قال أشهد أن محمدا رسول الله إلى كافة الخلق الإنس والجن: يكفي عن التبري أيضا، كما صرح به الشافعية. تنبيه: قال في الفتح: إن اشتراط التبري إنما هو فيمن بين أظهرنا منهم، وأما من في دار الحر أأدخل لو حمل عليه مسلم فقال محمد رسول الله فهو مسلم، أو قال: دخلت في دين الاسلام أو دين محمد (ص) فهو دليل إسلامه، فكيف إذا أتى بالشهادتين، لان في ذلك الوقت ضيقا، وقوله هذا إنما أراد به الاسلام الذي يدفع عنه القتل الحاضر، فيحمل عليه ويحكم به بمجرد ذلك اه.
412 قلت: وإنما اكتفى عليه الصلاة والسلام بالشهادتين، لان أهل زمنه كانوا منكرين لرسالته أصلا كما يأتي. ثم اعلم أنه يؤخذ من مسألة العيسوي أن من كان كفره بإنكار أمر ضروري كحرمة الخمر مثلا أنه لا بد من تبرئه مما كان يعتقده لأنه كان يقر بالشهادتين معه فلا بد من تبرئه منه كما صرح به الشافعي، وهو ظاهر. قوله: (فيستفسر من جهل حاله) ذكر ذلك في النهر بعد أن ذكر أنه ليس كل اليهود والنصارى كذلك بل طائفة منهم يقال لهم العيسوية، فقال: وعلى هذا فينبغي أن يستفسر الآتي بالشهادتين منهم إن جهم حاله اه: أي فإن ادعى أنه عيسوي يعتقد تخصيص الرسالة بغير بني إسرائيل لا يصح إسلامه إلا بالتبري، وإن ادعى أنه ينكرها مطلقا اكتفى بالشهادتين، فافهم. قوله: (بل عمم في الدرر الخ) في البحر أو الجهاد عن الذخيرة: أما اليهود والنصارى فكان إسلامهم في زمنه عليه الصلاة والسلام بالشهادتين لأنهم كانوا ينكرون رسالته (ص)، وأما اليوم ببلاد العراق فلا يحكم بإسلامه بهما ما لم يقل تبرأت عن ديني ودخلت في دين الاسلام، لأنهم يقولون: إنه رسول إلى العرب والعجم لا إلى بني إسرائيل كذا صرح به محمد اه. وفي شرح السير للسرخسي: وأما اليهود والنصارى اليوم بين ظهراني المسلمين إذا أتى واحد منهم بالشهادتين لا يكون مسلما، لأنهم جميعا يقولون هذا: ليس من نصراني ولا يهودي عندنا نسأله إلا قال هذه الكلمة، فإذا استفسرته قال رسول الله إليكم لا إلى بني إسرائيل، ثم قال: ولو قال أنا مسلم لم يكن مسلما بهذا، لان كل فريق يدعي ذلك لنفسه، فالمسلم هو المستسلم للحق، وكل ذي دين يدعي أنه منقاد للحق، وكان شيخنا الامام يقول: إلا المجوس في ديارنا، فإن من يقول منهم أنا مسلم يصير مسلما، لأنهم يأبون هذه الصفة لأنفسهم ويسبون به أولادهم ويقولون يا مسلمان اه. قلت: وما عزاه إلى شيخه: يعني الامام الحلواني جزم به في محل آخر، وقدمنا عنه قريبا في الوثني أنه يصير مسلما بقوله: أنا مسلم أو على دين محمد أو الحنيفية أو الاسلام، فعلى هذا يقال كذلك في اليهود والنصارى في بلادنا، فإنهم يمنعون من قول أنا مسلم، حتى أن أحدهم إذا أراد منع نفسه عن أمر يقول: إن فعلته أكون مسلما. فإذا قال: أنا مسلم طائعا فهو دليل إسلامه وإن لم يسمع منه النطق بالشهادتين، كما صرح به في شرح السير فيمن صلى بجماعة فإنه يحكم بإسلامه، وبأنه يحكم بالاسلام بمجرد سيما المسلمين في حق الصلاة عليه إذا مات، وكذا يمتنعون من النطق بالشهادتين أشد الامتناع، فإذا أتى بهما طائعا يجب الحكم بإسلامه لأنه فوق السيما، إذ لا شك أن محمدا إنما اشترط التبري بناء على ما كان في زمنه من إقرارهم بالرسالة، على خلاف ما كان في زمن النبي (ص) من إنكارها، فإذا أنكروها في زماننا وامتنعوا من النطق بالشهادتين يجب أن يرجع الامر إلى ما كان في زمنه (ص)، إذ لم يبق وجه للعدول عنه. على أن محمدا إنما حكم على ما كان في بلاد العراق لا مطلقا كما يوهمه ما في الدرر، وعن هذا ذكر العلامة قاسم أنه سئل عن سامري أتى بالشهادتين ثم رجع فأجاب بما حاصله أنه ينظر في اعتقاده، فإنهم ذكروا أن بعض اليهود يخصص رسالة نبينا (ص) بالعرب، وهذا لا يكفيه مجرد الشهادتين، بخلاف من ينكر الرسالة أصلا، وبعض من أعمى الله قلبه جعلهم فرقة واحدة في جميع
413 البلاد حتى حكم في نصراني منكر للرسالة تلفظ بالشهادتين ببقائه على النصرانية لم يتبرأ اه. ملخصا. والحاصل: أن الذي يجب التعويل عليه أنه إن جهل حاله يستفسر عنه، وإن علم كما في زماننا، فالامر ظاهر، وهذا وجه ما يأتي عن قارئ الهداية. قوله: (لان التلفظ به صار علامة على الاسلام الخ) أفاد بقوله: صار إلى أن ما كان في زمن الإمام محمد تغير، لأنهم في زمنه ما كانوا يمتنعون عن النطق بها فلم تكن علامة الاسلام فلذا شرط معها التبري. أما في زمن قارئ الهداية فقد صارت علاقة الاسلام، لأنه لا يأتي بها إلا المسلم كما في زماننا هذا، ولذا نقل في البحر أول كتاب الجهاد كلام قارئ الهداية ثم أعقبه بقوله: وهذا المصير إليه في ديار مصر بالقاهرة، لأنه لا يسمع من أهل الكتاب فيها الشهادتان، ولذا قيده محمد بالعراق اه. ومثله في شرح العلامة المقدسي. ونقل أيضا في الدر المنتقى كلام قارئ الهداية، ثم قال: وبه أفتى أحمد بن كمال باشا. وفي شرح الملتقى لعبد الرحمن أفندي داماد: وأفتى البعض في ديارنا بإسلامه من غير تبر وهو المعمول له اه. فليحفظ اه. وقد أسمعناك آنفا ما فيه الكفاية. مطلب: الاسلام يكون بالفعل كالصلاة بجماعة خاتمة: اعلم أن الاسلام يكون بالفعل أيضا كالصلاة بجماعة أو الاقرار بها أو الاذان في بعض المساجد أو الحج وشهود المناسك لا الصلاة وحده ومجرد الاحرام. بحر. وقدم الشارح ذلك نظما في أول كتا أأدخل الصلاة، وقدمنا الكلام عليه مستوفى، وذكرنا هناك أنه لا فرق في الاسلام بالفعل بين العيسوي وغيره، والمراد أنه دليل الاسلام فيحكم على فاعل ذلك به، وإلا فحقيقة الاسلام المنجية في الآخرة لا بد فيها من التصديق الجازم مع الاقرار بالشهادتين أو بدونه على الخلاف المار. قوله: (لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن) ظاهره أنه لا يفتى به من حيث استحقاقه للقتل ولا من حيث الحكم ببينونة زوجته. وقد يقال: المراد الأول فقط، لان تأويل كلامه للتباعد عن قتل المسلم بأن يكون قصد ذلك التأويل، وهذا لا ينافي معاملته بظاهر كلامه فيما هو حق العبد وهو طلاق الزوجة وملكها لنفسها، بدليل ما صرحوا به من أنهم إذا أراد أن يتكلم بكلمة مباحة فجرى على لسانه كلمة الكفر خطأ بلا قصد لا يصدقه القاضي، وإن كان لا يكفر فيما بينه وبين ربه تعالى، فتأمل ذلك وحرره نقلا، فإني لم أر التصريح به، نعم سيذكر الشارح أن ما يكون كفرا اتفاقا يبطل العمل والنكاح، وما فيه خلاف يؤمر بالاستغفار والتوبة وتجديد النكاح اه. وظاهره أنه أمر احتياط. مطلب: في حكمن شتم دين مسلم ثم إن مقتضى كلامهم أيضا أنه لا يكفر بشتم دين مسلم: أي لا يحكم بكفره لامكان التأويل. ثم رأيته في جامع الفصولين حيث قال بعد كلام: أقول: وعلى هذا ينبغي أن يكفر من شتم دين مسلم، ولكن يمكن التأويل بأن مراده أخلاقه الرديئة ومعاملته القبيحة لا حقيقة دين الاسلام، فينبغي أن لا يكفر حينئذ، والله تعالى أعلم اه. وأقره في نور العين ومفهومه أنه لا يحكم بفسخ النكاح،
414 وفيه البحث الذي قلناه. وأما أمره بتجديد النكاح فهو لا شك فيه احتياطا، خصوصا في حق الهمج الأرذال الذين يشتمون بهذه الكلمة، فإنهم لا يخطر على بالهم هذا المعنى أصلا. وقد سئل في الخيرية عمن قال له الحاكم أرض بالشرع فقال لا أقبل، فأفتى مفت بأنه كفر وبانت زوجته فهل يثبت كفره بذلك؟ فأجاب: بأنه لا ينبغي للعالم أن يبادر بتكفير أهل الاسلام، إلى آخر ما حرره في البحر. وأجاب قبله في مثله بوجوب تعزيره وعقوبته. قوله: (ولو رواية ضعيفة) قال الخير الرملي: أقول ولو كانت الرواية لغير أهل مذهبنا، ويدل على ذلك اشتراط كون ما يوجب الكفر مجمعا عليه اه. قوله: (كما حرره في البحر) قدمنا عبارته قبيل قوله: وشرائط صحتها. قوله: (وجوه) أي احتمالات لما مر في عبارة البحر عن التتارخانية أنه لا يكفر بالمحتمل. قوله: (وإلا) أي وإن لم تكن له نية ذلك الوجه الذي يمنع الكفر بأن أراد الوجه المكفر، أو لم تكن له نية أصلا لم ينفعه تأويل المفتي لكلامه وحمله إياه على المعنى الذي لا يكفر، كما لو شتم دين مسلم وحمل المفتي الدين على الأخلاق الرديئة لنفي القتل عنه فلا ينفعه ذلك التأويل فيما بينه وبين ربه تعالى، إلا إذا نواه. قوله: (وينبغي التعوذ بهذا الدعاء صباحا ومساء) تدخل أوراد الصباح من نصف الليل الأخير، والمساء من الزوال، هذا فيما عبر فيه بهما. وأما إذا عبر باليوم والليلة فيعتبران تحديدا من أولهما، فلو قدم المأمور به فيهما عليه لا يحصل له الموعود به. أفاده بعض من كتب على الجامع الصغير السيوطي. ط. قلت: ولم أر في الحديث ذكر صباحا ومساء، بل فيه ذكر ثلاثا كما في الزواجر عن الحكيم الترمذي أفلا أدلك على ما يذهب الله به عنك صغار الشرك وكباره، تقول كل يوم ثلاث مرات: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم، وأستغفرك بما لا أعلم وعند أحمد والطبراني أيها الناس اتقوا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل، وقالوا: كيف نتقيه يا رسول الله؟ قال قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه. مطلب: توبة اليأس مقبولة دون إيمان اليأس قوله: (وتوبة اليأس مقبولة دون إيمان اليأس) هو بالمثناة التحتية ضد الرجاء وقطع الطمع عن الحياة، وعلل قبولها في الدرر تبعا للبزازية بأن الكافر أجنبي غير عارف بالله تعالى وابتدأ إيمانا وعرفانا، والفاسق له حالة البقاء، والبقاء أسهل من الابتداء. والدليل على قبولها مطلقا قوله تعالى: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) * (سورة الشورى: الآية 52) اه. وقد أطال في آخر البزازية في هذه المسألة، ونقل قبله القول بعدم قبول كل منهما، وعزاه أيضا إلى الحنفية والمالكية والشافعية، وانتصر له منلا علي القاري في شرح بدء الأمالي وقدمنا ذلك مبسوطا في أول باب صلاة الجنائز.
415 مطلب: أجمعوا على كفر فرعون وأما إيمان اليأس، فذهب أهل الحق أنه لا ينفع عند الغرغرة، ولا عند معاينة عذاب الاستئصال، لقوله تعالى: * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * (سورة غامر: الآية 58) ولذا أجمعوا على كفر فرعون، كما رواه الترمذي في تفسير سورة يونس، وإن خالف في ذلك الامام العارف المحقق سيدي محيي الدين بن عربي في كتابه الفتوحات. قال العلامة ابن حجر في الزواجر: فإنا وإن كنا نعتقد جلالة قائله فهو مردود، فإن العصمة ليست إلا للأنبياء، مع أنه نقل عن بعض كتبه أنه صرح فيها بأن فرعون مع هامان وقارون في النار. وإذا اختلف كلام إمام فيؤخذ بما يوافق الأدلة الظاهرة ويعرض عما خالفها، ثم أطال في بيان رده. مطلب في استثناء قوم يونس وذكر أيضا أنه يستثنى من إيمان اليأس قوم يونس عليه السلام، لقوله تعالى: * (إلا قوم يونس) * (سورة يونس: الآية 89) الآية، بناء على أن الاستثناء متصل، وأن إيمانهم كان عند معاينة عذاب الاستئصال، وهو قول بعض المفسرين بجعله كرامة وخصوصية لنبيهم، فلا يقاس عليها. مطلب في إحياء أبوي النبي (ص) بعد موتهما ألا ترى أن نبينا (ص) قد أكرمه الله تعالى بحياة أبويه له حتى آمنا به في حديث صححه القرطبي وابن ناصر الدين حافظ الشام وغيرهما، فانتفعا بالايمان بعد الموت على خلاف القاعدة إكرما لنبيه (ص)، كما أحيا قتيل بني إسرائيل ليخبر بقاتله. وكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى، وكذلك نبينا (ص) أحيا الله تعالى على يديه جماعة من الموتى. وقد صح أن الله تعالى رد عليه (ص) الشمس بعد مغيبها حتى صلى علي كرم الله وجهه العصر، فكما أكرم بعود الشمس والوقت بعد فواته، فكذلك أكرم بعود الحياة ووقت الايمان بعد فواته. وما قيل إن قوله تعالى: * (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) * (سورة البقرة: الآية 911) نزل فيهما لم يصح، وخبر مسلم أبي وأبوك في النار كان قبل علمه اه. ملخصا وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب نكاح الكافر. قوله: (وفيها أيضا شهد نصرانيان الخ) هذا ساقط من بعض النسخ، وسيذكره بعد قوله: وكل مسلم ارتد الخ. قوله: (على ما مر) أي عن الخانية معزيا للبلخي، لكن قدمنا أن المروي عن أصحابنا جميعا خلافه. مطلب مهم: في حكم ساب الأنبياء قوله: (الكافر بسب نبي) في بعض النسخ والكافر، بواو العطف، وهو المناسب. قوله: (فإنه يقتل حدا) يعني أن جزاءه القتل على وجه كونه حدا، ولذا عطف عليه قوله: ولا تقبل توبته لان الحد لا يسقط بالتوبة، فهو عطف تفسير، وأفاد أنه حكم الدنيا، أما عند الله تعالى فهي مقبولة كما في البحر.
416 ثم اعلم أن هذا ذكره الشارح مجاراة لصاحب الدرر والبزازية، وإلا فسيذكر خلافه ويأتي تحقيقه. قوله: (مطلقا) أ سواء جاء تائبا بنفسه أو شهد عليه بذلك. بحر. قوله: (لأنه حق عبد (1)) فيه أن حق العبد لا يسقط إذا طالب به كحد القذف، فلا بد هنا من دليل يدل على أن الحاكم له هذه المطالبة ولم يثبت، وإنما الثابت أنه (ص) عفا عن كثيرين ممن آذوه وشتموه قبل إسلامهم، كأبي سفيان وغيره. قوله: (وتمامه في الدرر) حيث قال نقلا عن البزازية. وقال ابن سحنون المالكي: أجمع المسلمون أن شاتمه كافر، وحكمه القتل، ومن شك في عذابه وكفره: كفر اه. قلت: وهذه العبارة مذكورة في الشفاء للقاضي عياض المالكي، نقلها عنه البزازي وأخطأ في فهمها، لان المراد بها ما قبل التوبة، وإلا لزم تكفير كثير من الأئمة المجتهدين القائلين بقبول توبته وسقوط القتل بها عنه. على أن من قال يقتل وإن تاب يقول: إنه إذا تاب لا يعذب في الآخرة كما صرحوا به، وقدمناه آنفا فعلم أن المراد ما قلناه قطعا. قوله: (والديك ووالدي الذين خلفوك) بكسر الدال على لفظ الجمع فيهما أو في أحدهما. قوله: (فيعم حضرة الرسالة) أي صاحبها (ص)، وعليه لا يختص الحكم بالشريف بل غيره مثله، لان آدم عليه السلام أبو جميع الناس ونوح الأب الثاني. قوله: (باحتمال العهد) المفهوم من العبارة السابقة أنهما يقولان بأنه لا يعم وإن لم يتحقق عهد. قوله: (فلا كفر) أي لوجود الخلاف في عمومه وتحقق الاحتمال فيه. قوله: (لكن صرح في آخر الشفاء الخ) هذا استدراك على ما في فتاوى المصنف. وعبارة الشفاء هكذا: قال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي (ص) يقتل، وممن قال ذلك مالك بن أنس والليث وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي، وهو مقتضى قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ولا تقبل توبته عند هؤلاء، وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلم، لكنهم قالوا: هي ردة. وروى مثله الوليد بن مسلم عن مالك: وروى الطبراني مثله عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن ينقصه (ص) أو برئ منه أو كذبه اه.
(1) قوله: (قوله لأنه حق عبد) هكذا بخطه، والذي في الشارح (لأنه حق الله تعالى) والأول حق عبد ا ه مصححه. 417 وحاصله أنه نقل الاجماع على كفر الساب، ثم نقل عن مالك ومن ذكر بعده أنه لا تقبل توبته. فعلم أن المراد من نقل الاجماع على قتله قبل التوبة. ثم قال: وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه الخ: أي قال إنه يقتل: يعني قبل التوبة لا مطلقا، ولذا استدرك بقوله لكنهم قالوا هي ردة: يعني ليست حدا ثم ذكر أن الوليد روى عن مالك مثل قول أبي حنيفة، فصار عن مالك روايتان في قبول التوبة وعدمه، والمشهور عنه العدم ولذا قدمه. وقال في الشفاء في موضع آخر: قال أبو حنيفة وأصحابه: من برئ من محمد (ص) أو كذب به فهو مرتد حلال الدم إلا أن يرجع اه. فهذا تصريح بما علم من عبارته الأولى. وقال في موضع بعد أن ذكر عن جماعة من المالكية عدم قبول توبته: وكلام شيوخنا هؤلاء مبني على القول بقتله حدا لا كفرا. وأما على رواية الوليد عن مالك ومن وافقه على ذلك من أهل العلم فقد صرحوا أنه ردة، قالوا: ويستتاب منها، فإن تاب نكل وإن أبى قتل، فحكموا له بحكم المرتد مطلقا، والوجه الأول أشهر وأظهر اه: يعني أن قول مالك بعدم قبول التوبة أشهر وأظهر مما رواه عنه الوليد، فهذا كلام الشفاء صريح في أن مذهب أبي حنيفة وأصحابه القول بقبول التوبة كما هو رواية الوليد عن مالك، وهو أيضا قول الثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلم: أي بخلاف الذمي إذا سب فإنه لا ينقض عهده عندهم كما مر تحريره في الباب السابق. ثم إن ما نقله عن الشافعي المشهور عنه، والمشهور قبول التوبة على تفصيل فيه. قال الامام خاتمة المجتهدين الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه: السيف المسلول على من سب الرسول: حاصل المنقول عند الشافعية أنه متى لم يسلم قتل قطعا، ومتى أسلم: فإن كان السب قذفا فالأوجه الثلاثة هل يقتل أو يجلد أو لا شئ؟ وإن كان غير قذف فلا أعرف فيه نقلا للشافعية غير قبول توبته. وللحنفية في قبول توبته قريب من الشافعية، ولا يوجد للحنفية غير قبول التوبة. وأما الحنابلة فكلامهم قريب من كلام المالكية. والمشهور عن أحمد عدم قبول توبته، وعنه رواية بقبولها، فمذهبه كمذهب مالك سواء. هذا تحرير المنقول في ذلك اه. ملخصا. فهذا أيضا صريح في أن مذهب الحنفية القبول وأنه لا قول لهم بخلافه، وقد سبقه إلى نقل ذلك أيضا شيخ الاسلام تقي الدين أحمد بن تيمية الحنبلي في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص) كما رأيته في نسخة منه قديمة عليها خط حيث قال: وكذلك ذكر جماعة آخرون من أصحابنا: أي الحنابلة أنه يقتل ساب الرسول (ص)، ولا تقبل توبته، سواء كان مسلما أو كافرا، وعامة هؤلاء لما ذكروا المسألة قالوا خلافا لأبي حنيفة والشافعي، وقولهما: أي أبي حنيفة والشافعي وإن كان مسلما يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كالمرتد. وإن كان ذميا، فقال أبو حنيفة: لا ينقض عهده، ثم قال بعد ورقة: قال أبو الخطاب: إذا قذف أم النبي (ص) لا تقبل توبته، وفي الكافر إذا سبها ثم أسلم روايتان. وقال أبو حنيفة والشافعي: تقبل توبته في الحالين اه. ثم قال في محل آخر: قد ذكرنا أن المشهور عن مالك وأحمد أنه لا يستتاب ولا يسقط القتل عنه، وهو قول الليث بن سعد. وذكر القاضي عياض أنه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي. وحكي عن مالك وأحمد أنه تقبل توبته، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبته المرتد اه. فهذا صريح كلام القاضي عياض في الشفاء والسبكي وابن تيمية وأئمة مذهبه، على أن مذهب الحنفية قبول التوبة بلا حكاية قول آخر عنهم، وإنما حكوا الخلاف في بقية
418 المذاهب، وكفى بهؤلاء حجة لو لم يوجد النقل كذلك في كتب مذهبنا التي قبل البزازي ومن تبعه، مع أنه موجود أيضا كما يأتي في كلام الشارح قريبا، وقد استوفيت الكلام على ذلك في كتاب سميته تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أخذ أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام. قوله: (ومفاده قبول التوبة) أقول: بل هو صريح، ونص في ذلك كما علمته. قوله: (والبزازي تبع صاحب السيف المسلول) الذي قاله البزازي: إنه يقتل حدا، ولا توبة له أصلا، سواء بعد القدرة عليه والشهادة، أو جاء تائبا من قبل نفسه كالزنديق لأنه حد وجب، فلا يسقط بالتوبة ولا يتصور فيه خلاف لاحد، لأنه تعلق به حق العبد إلى أن قال: ودلائل المسألة تعرف في كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول اه. وهذا كلام يقتضي منه غاية العجب، كيف يقول لا يتصور فيه خلاف لأحد بعد ما وقع فيه الأئمة المجتهدين مع صدق الناقلين عنهم كما أسمعناك وعزوه المسألة إلى كتاب الصارم المسلول وهو ابن تيمية الحنبلي يدل على أنه لم يتصفح ما نقلناه عنه من التصريح بأن مذهب الحنفية والشافعية قبول التوبة في مواضع متعددة، وكذلك صرح به السبكي في السيف المسلول والقاضي عياض في الشفاء كما سمعته، مع أن عبارة البزازي بطولها أكثرها مأخوذ من الشفاء. فقد علم أن البزازي قد تساهل غاية التساهل في نقل هذه المسألة، وليته حيث لم ينقلها عن أحد من أهل مذهبنا بل استند إلى ما في الشفاء والصارم، أمعن النظر في المراجعة حتى يرى ما هو صريح في خلاف ما فهمه ممن نقل المسألة عنهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم. فلقد صار هذا التساهل سببا لوقوع المتأخرين عنه في الخطأ حيث اعتمدوا على نقله وقلدوه في ذلك، ولم ينقل أحد منهم المسألة عن كتاب من كتب الحنفية، بل المنقول قبل حدوث هذا القول من البزازي في كتبنا وكتب غيرنا خلافه. قوله: (وقد صرح في النتف الخ) أقول: ورأيت في كتاب الخراج لأبي يوسف ما نصه: وأيما رجل مسلم سب رسول الله (ص) أو كذبه أو عابه أو تنقصه فقد كفر بالله تعالى وبانت منه امرأته، فإن تاب وإلا قتل، وكذلك المرأة، إلا أن أبا حنيفة قال: لا تقتل المرأة وتجبر على الاسلام اه. وهكذا نقل الخبر الرملي في حاشية البحر: أن المسطور في كتب المذهب أنها ردة، وحكمها حكمها، ثم نقل عبارة النتف ومعين الحكام: والعجب منه أنه أفتى بخلافه في الفتاوى الخيرية. رأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني في هذا المحل: والعجب كل العجب حيث سمع المصنف كلام شيخ الاسلام: يعني ابن عبد العال، ورأي هذه النقول كيف لا يشطب متنه عن ذلك. وقد أسمعني بعض مشايخي رسالة حاصلها أنه لا يقتل بعد الاسلام، وأن هذا هو المذهب اه. وكذلك كتب شيخ مشايخنا الرحمتي هنا على نسخته أن مقتضى كلام الشفاء وابن أبي جمرة في شرح مختصر البخاري في حديث إن فريضة الحج أدركت أبي الخ أن مذهب أبي حنيفة والشافعي حكمه حكم المرتد، وقد علم أن المرتد تقبل توبته كما نقله هنا عن النتف وغيره، فإذا كان هذا في ساب الرسول (ص) ففي ساب الشيخين أو أحدهما بالأولى، فقد تحرر أن المذهب كمذهب الشافعي قبول
419 توبته، كما هو رواية ضعيفة عن مالك، وأن تختم قتله مذهب مالك، وما عداه فإنه إما نقل غير أهل المذهب أو طرة مجهولة لم يعلم كاتبها، فكن على بصيرة في الاحكام، ولا تغتر بكل أمر مستغرب وتغفل عن الصواب، والله تعالى أعلم اه. وكذلك قال الحموي في حاشية الأشباه نقلا عن بعض العلماء: إن ما ذكره صاحب الأشباه من عدم قبول التوبة قد أنكره عليه أهل عصره، وأن ذلك إنما يحفظ لبعض أصحاب مالك، كما نقله القاضي عياض وغيره. أما على طريقتنا فلا اه. وذكر في آخر كتاب نور العين أن العلامة النحرير الشهير ب حسام جلبي ألف رسالة في الرد على البزازي وقال في آخرها: وبالجملة قد تتبعنا كتب الحنفية فلم نجد القول بعدم قبول توبة الساب عندهم سوى ما في البزازية، وقد علمت بطلانه ومنشأ غلطه أول الرسالة اه. وسيذكر الشارح عن المحقق المفتي أبي السعود التصريح بأن مذهب الامام الأعظم أنه لا يقتل إذا تاب ويكتفي بتعزيره، فهذا صريح المنقول عمن تقدم على البزازي ومن تبعه، ولم يستند هو ولا من تبعه إلى كتاب من كتب الحنفية، وإنما استند إلى فهم أخطأ فيه حيث نقل عمن صرح بخلاف ما فهمه كما قدمناه، وإن أردت زيادة البيان في المقام فارجع إلى كتابنا تنبيه الولاة والحكام. قوله: (وهو ظاهر في قبول توبته) المراد بقول التوبة في الدنيا بدفع القتل عنه، أما قبولها في الآخرة فهو محل وفاق، وأصرح منه ما قدمناه عن كتاب الخراج لأبي يوسف، فإن تاب وإلا قتل. قوله: (كذلك) أي يكون شاتما لنبي، لكن قوله يا ابن مائة كلب: إن قاله لشريف فهو ممكن فجرى فيه الخلاف في قول توبته وعدمه، وإلا فقد يكون له مائة أب ليس فيهم نبي. على أنه يمكن أن يكون مراده أنه اجتمع على أن المشتوم مائة كلب أو ألف خنزير، فلا يدخل أجداده في ذلك، وحيث احتمل التأويل فلا يحكم بالكفر عندنا كما مر. قوله: (وإن شتم الملائكة كالأنبياء) هو مصرح به عندنا، فقالوا: إذا شتم أحدا من الأنبياء أو الملائكة كفر، وقد علمت أن الكفر بشتم الأنبياء كفر ردة، فكذا الملائكة، فإن تاب فيها وإلا قتل. قوله: (فليحرر) قد علمت تحريره بما قلنا. قوله: (هل للشافعي أن يحكم بقبول توبته) أي في إسقاط القتل عنه، وهو مبني على ما ذكره البزازي، وقد علمت أن أهل المذهب قائلون بقبول توبته، فلا وجه لما ذكره. اه. ط. ولذا قال الرحمتي: قد علمت أن هذا ليس مذهبا للحنفية كما نطقت به كتبهم ونقله عنهم الأئمة كالقاضي عياض وابن أبي حمزة. قوله: (لأنها حادثة أخرى الخ) يعني أن حكم الحنفي بكفره بناء على أن مذهبه عدم قبول التوبة لا يرفع الخلاف في عدم قبو ل التوبة، لأن عدم قبولها حادثة أخرى لم يحكم بها الحنفي فيسوغ للشافعي الحكم ب قبولها، وإن قال الحنفي حكمت بالكفر
420 وموجبه، لان موجب الكفر القتل إن لم يتب وهو المتفق عليه، ولا يلزم منه القتل أيضا إن تاب على أنه له موجبات أخر من فسخ النكاح وحبط العمل وغير ذلك، فلا يكون قول الحنفي حكمت بموجبه حكما بقتله، وإن تاب فللشافعي أن يحكم بعدم قتله إذا تاب. والعجب من الشارح حيث نقل صريح ما في كتب المذهب من أن الحنفي كالشافعي في قبول توبته كيف جارى صاحب النهر في هذه المسألة، فكان الصواب أن يبدل الحنفي بالمالكي أو الحنبلي. قوله: (سؤالا) مفعول رأيت. وفي بعض النسخ سؤال بالرفع وهو تحريف. قوله: (فأجاب بأنه يكفر الخ) قال السائحاني: أقول هذا لا يصدر عن أبي السعود، لان كلام القائل يحتمل أن كل الأحاديث الموجودة ليست صدقا لان فيها الموضوع، وهذا الاحتمال أقر أأدخل من غيره. وتقدم عن الدرر: إذا كان في المسألة وجوه توجب الكفر ووجه واحد يمنعه فعلى المفتي الميل لما يمنعه. وقوله: والثاني أي إلحاق الشين يفيد الزندقة. أقول: لا إفادة فيه، لان الزندقة أن لا يتدين بدين اه. وكتب ط. نحوه قوله: (فبعد أخذ الخ) تفريع على كونه صار زنديقا. وحاصل كلامه أن الزنديق لو تاب قبل أخذه: أي قبل أن يرفع إلى الحاكم تقبل توبته عندنا، وبعده: لا اتفاق، وورد الامر السلطاني للقضاة بأن ينظروا في حال ذلك الرجل إن ظهر حسن توبته بعمل بقول أبي حنيفة، وإلا فبقول باقي الأئمة، وأنت خبير بأن هذا مبني على ما مشى عليه القاضي عياض من مشهور مذهب مالك وهو عدم قبول توبته، وأن حكمه حكم الزنديق عندهم، وتبعه البزازي كما قدمناه عنه، وكذا تبعه في الفتح، وقد علمت أن صريح مذهبنا خلافه كما صرح به القاضي عياض وغيره. قوله: (وليكن التوفيق) أي يحمل ما مر عن النتف وغيره من أنه يفعل به ما يفعل بالمرتد على ما إذا تاب قبل أخذه، وحمل ما في البزازية على ما بعد أخذه، وأنت خبير بأن هذا التوفيق غير ممكن لتصريح علمائنا بأن حكمه حكم المرتد، ولا شك أن حكم المرتد غير حكم الزنديق، ولم يفصل أحد منهم هذا التفصيل، ولان البزازي ومن تابعه قالوا: إنه لا توبة له أصلا سواء بعد القدرة عليه والشهادة، أو جاء تائبا من قبل نفسه كما هو مذهب المالكية والحنابلة، فعلم أنهما قولان مختلفان، بل مذهبان متباينان. على أن الزنديق الذي لا تقبل توبته بعد الاخذ هو المعروف بالزندقة الداعي إلى زندقتكما يأتي، ومن صدرت منه كلمة الشتم مرة عن غيظ أو نحوه
421 لا يصير زنديقا بهذا المعنى. قوله: (وهو الذي ينبغي التعويل عليه) قلت: الذي ينبغي التعويل عليه ما نص عليه أهل المذهب فإن اتباعنا له واجب ط. قوله: (رعاية لجانب حضرة المصطفى (ص)) أقول رعاية جانبه في اتباع ما ثبت عنه عند المجتهد. قوله: (لكن في النهر الخ) قال السيد الحموي في حاشية الأشباه: حكي عن عمر بن نجيم أن أخاه أفتى بذلك، فطلب منه النقل فلم يوجد إلا على طرة الجوهرة، وذلك بعد حرق الرجل اه. مطلب مهم: في حكم سب الشيخين وأقول: على فرض ثبوت ذلك في عامة نسخ الجوهرة لا وجه له يظهر، لما قدمناه من قبول توبة من سب الأنبياء عندنا، خلافا للمالكية والحنابلة، وإذا كان كذلك فلا وجه للقول بعدم قبول توبة من سب الشيخين بل، لم يثبت ذلك عن أحد من الأئمة فيما أعلم اه. ونقله عنه السيد أبو السعود الأزهري في حاشية الأشباه اه. أقول: نعم نقل في البزازية عن الخلاصة أن الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر، وإن كان يفضل عليا عليهما فهو مبتدع اه. وهذا لا يستلزم عدم قبول التوبة. على أن الحكم عليه بالكفر مشكل لما في الاختيار: اتفق الأئمة على تضليل أهل البدع أجمع وتخطئتهم، وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفرا، لكن يضلل الخ. وذكر في فتح القدير أن الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويكفرون الصحابة حكمهم عند جمهور الفقهاء وأهل الحديث حكم البغاة. وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون. قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم، وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء. وذكر في المحيط أن بعض الفقهاء لا يكفر أحدا من أهل البدع. وبعضهم يكفرون البعض، وهو من خالف ببدعته دليلا قطعيا ونسبه إلى أكثر أهل السنة، والنقل الأول أثبت، وابن المنذر أعرف بنقل كلام المجتهدين، نعم يقع في كلام أهل المذهب تكفير كثير، ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم، ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا اه. ومما يزيد ذلك وضوحا ما صرحوا به في كتبهم متونا وشروحا من قولهم: ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف وتقبل شهادة أهل الأهواء، إلا الخطابية. وقال ابن ملك في شرح الجمع: وترد شهادة من يظهر سب السلف لأنه يكون ظاهر الفسق، وتقبل من أهل الأهواء الجبر والقدر والرفض والخوارج (1) والتشبيه، والتعطيل اه. وقال الزيلعي: أو يظهر سب السلف: يعني الصالحين منهم وهم الصحابة والتابعون، لأن هذه الأشياء تدل على قصور عقله وقلة مروءته، ومن لم يمتنع عن مثلها لا يمتنع عن الكذب عادة، بخلاف ما
(1) قوله: (والخوارج) هكذا بخطه، ولعل الأنسب ما قبله وما بعده ان يقول والخروج تأمل ا ه مصححه. 422 لو كان يخفي السب اه. ولم يعلل أحد لعدم قبول شهادتهم بالكفر كما ترى، نعم استثنوا الخطابية لأنهم يرون شهادة الزور لأشياعهم أو للحالف، وكذا نص المحدثون على قبول رواية أهل الأهواء، فهذا فيمن يسب عامة الصحابة ويكفرهم بناء على تأويل له فاسد. فعلم أن ما ذكره في الخلاصة من أنه كافر: قول ضعيف مخالف للمتون والشروح، بل هو مخالف لاجماع الفقهاء كما سمعت. وقد ألف العلامة منلا علي القاري - رسالة في الرد على الخلاصة - وبهذا تعلم قطعا أن ما عزى إلى الجوهرة من الكفر مع عدم قبول التوبة على فرض وجوده في الجوهرة: باطل لا أصل له ولا يجوز العمل به، وقد مر أنه كان في المسألة خلاف ولو رواية ضعيفة، فعلى المفتي أن يميل إلى عدم التكفير، فكيف يميل هنا إلى التكفير المخالف للاجماع فضلا عن ميله إلى قتله وإن تاب، وقد مر أيضا أن المذهب قبول توبة ساب الرسول (ص) فكيف ساب الشيخين. والعجب من صاحب البحر حيث تساهل غاية التساهل في الافتاء بقتله مع قوله: وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشئ من ألفاظ التكفير المذكورة في كتاب الفتاوى، نعم لا شك في تكفير من قذف السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، أو أنكر صحبة الصديق، أو اعتقد الألوهية في علي، أو أن جبريل غلط في الوحي، أو نحو ذلك من الكفر الصريح المخالف للقرآن، ولكن لو تاب تقبل توبته، هذا خلاصة ما حررناه في كتابنا تنبيه الولاة والحكام وإن أردت الزيادة فارجع إليه واعتمد عليه ففيه الكفاية لذوي الدراية. قوله: (ويكفينا الخ) هذا مرتبط بقوله: وهذا يقوي القول الخ ط. والمراد بالامر: الامر السلطاني، وقد علمت ما فيه. والحاصل أنه لا شك ولا شبهة في كفر شاتم النبي (ص) وفي استباحة قتله، وهو المنقول عن الأئمة الأربعة، وإنما الخلاف في قبول توبته إذا أسلم. فعندنا - وهو المشهور عند الشافعية - القبول. وعند المالكية والحنابلة عدمه، بناء على أن قتله حدا أو لا؟ وأما الرافضي ساب الشيخين بدون قذف للسيدة عائشة ولا إنكار لصحبة الصديق ونحو ذلك فليس بكفر فضلا عن عدم قبول التوبة، بل هو ضلال وبدعة، وسيأتي تمامه في أول باب البغاة إن شاء الله تعالى. مطلب في حال الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي نفعنا الله تعالى به قوله: (للشيخ محيي الدين بن العربي) هو محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي العارف الكبير ابن عربي، ويقال ابن العربي. ولد سنة 065 ومات في ربيع سنة 186 ودفن بالصالحية. وحسبك قول زروق وغيره من الفحول ذاكرين بعض فضله، هو أعرف بكل فن من أهله، وإذا أطلق الشيخ الأكبر في عرف القوم فهو المراد، وتمامه في ط عن طبقات المناوي. قوله: (بعض المتصلفين) أي المتكلفين. قوله: (تيقنا الخ) لعل تيقنه بذلك بدليل ثبت عنده أو بسبب عدم اطلاعه على مراد الشيخ فيها، وأنه لا يمكن تأويلها، فتعين عنده أنها مفتراة عليه، كما وقع للعارف
423 4 الشعراني أنه افترى عليه بعض الحساد في بعض كتبه أشياء مكفرة وأشاعها عنه حتى اجتمع بعلماء عصره وأخرج لهم مسودة كتابه التي عليها خطوط العلماء فإذا هي خالية عما افترى عليه هذا: ومن أراد شرح كلماته التي اعترضها المنكرون فليرجع إلى كتاب الرد المتين على منتقص العارف محيي الدين لسيدي عبد الغني النابلسي. قوله: (فيجب الاحتياط الخ) لأنه إن ثبت افتراؤها فالامر ظاهر، وإلا فلا يفهم كل أحد مراده فيها، فيخشى على الناظر فيها من الانكار عليه أو فهم خلاف المراد. وللحافظ السيوطي رسالة سماها تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي ذكر فيها أن الناس افترقوا فيه فرقتين: الفرقة المصيبة تعتقد ولايته، والأخرى بخلافها. ثم قال: والقول الفصل عندي فيه طريقة لا يرضاها الفرقتان، وهي اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه. فقد نقل عنه أنه قال: نحن قوم يحرم النظر في كتبنا وذلك أن الصوفية تواطؤوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها بين الفقهاء، فمن حملها على معانيها المتعارفة كفر، نص على ذلك الغزالي في بعض كتبه، وقال: إنه شبيه بالمتشابه في القرآن والسنة، كالوجه واليد والعين والاستواء. وإذا ثبت أصل الكتاب عنه فلا بد من ثبوت كل كلمة لاحتمال أن يدس فيه ما ليس منه من عدو أو ملحد أو زنديق وثبوت أنه قصد بهذه الكلمة المعنى المتعارف، وهذا لا سبيل إليه، ومن ادعاه كفر، لأنه من أمور القلب التي لا يطلع عليها إلا الله تعالى. وقد سأل بعض أكابر العلماء بعض الصوفية: ما حملكم على أنكم اصطلحتم على هذه الألفاظ التي يستشنع ظاهرها، فقال: غيرة على طريقنا هذا أن يدعيه من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس أهله، والمتصدي للنظر في كتبه أو إقرائها لم ينصح نفسه ولا غيره من المسلمين، ولا سيما إن كان من القاصرين عن علوم الظاهر فإنه يضل ويضل، وإن كان عارفا فليس من طريقتهم إقرار المريدين لكتبهم، ولا يؤخذ هذا العلم من الكتب اه. ملخصا. وذكر في محل آخر: سمعت أن الفقيه العالم العلامة عز الدين بن عبد السلام كان يطعن في ابن عربي ويقول: هو زنديق، فقال له يوما بعض أصحابه: أريد أن تريني القطب، فأشار إلى ابن عربي، فقال له أنت تطعن فيه، فقال: حتى أصون ظاهر الشرع، أو كما قال اه. وللمحقق ابن كمال باشا فتوى قال فيها بعد ما أبدع في مدحه: وله مصنفات كثيرة: منها فصوص حكمية وفتوحات مكية بعض مسائلها مفهوم النص والمعنى وموافق للامر الإلهي والشرع النبوي، وبعضها خفي عن إدراك أهل الظاهر دون أهل الكشف والباطن، ومن لم يطلع على المعنى المرام يجب عليه السكوت في هذا المقام، ولقوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * سورة الإسراء: الآية 63). قوله: (شيخ الطريقة حالا وعلما) الطريقة: هي السيرة المختصة بالسالكين إلى الله تعالى: من قطع المنازل والترقي في المقاما ت، والحال عند أهل الحق معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اجتلاب ولا اكتساب، من طرب أو حزن أو قبض أو بسط، أو هيبة، ويزول بظهور صفات النفس، سواء تعقبه المثل أم لا، فإذا دام وصار ملكه يسمى مقاما،
424 فالأحوال مواهب، والمقامات تحصل ببذل المجهود، والعلم هو الاعتقاد الجزم المطابق للواقع، ومنه فعلي وهو ما لا يؤخذ من الغير، وانفعالي ما أخذ من الغير اه. من تعريفات السيد الشريف قدس سره. قوله: (وإمام الحقيقة) هي مشاهدة الربوبية بالقلب، ويقال هي سر معنوي لا حد له ولا جهة، وهي الطريقة والشريعة متلازمة، لان الطريق إلى الله تعالى لها ظاهر وباطن، فظاهرها الشريعة والطريقة وباطنها الحقيقة، فبطون الحقيقة في الشريعة والطريقة كبطون الزبد في لبنه، لا يظفر من اللبن بزبده بدون مخضه، والمراد من الثلاثة إقامة العبودية على الوجه المراد من العبد اه. من الفتوحات الإلهية للقاضي زكريا. قوله: (حقيقة ورسما) الحقيقة ضد المجاز. والرسم الأثر أو بقيته أو مالا شخص له من الآثار جمعه أرسم ورسوم. قاموس. والمراد أنه الامام من جهة الحقيقة ونفس الامر، ومن جهة الأثر الظاهر للبصر. قوله: (فعلا واسما) أي أحيا آثارها من جهة الفعل والاسم حتى صارت المعارف فاعلة أفعالها ومشهورة بين الناس. قوله: (إذا تغلغل الخ) هذا بيت من بحر البسيط. والتغلغل الدخول والاسراع. والفكر: بالكسر ويفتح إعمال النظر في الشئ. والخاطر: الهاجس. قاموس. وهو ما يخطر في القلب من تدبير أمر. مصباح. قوله: (عباب) كغراب معظم السيل وكثرته وموجه. والدلاء جمع دلو: أي لا يتغير بأخذ الدلاء منه، لأنها لا تصل إلى أسفله لكثرته. قوله: (تتقاصى عنه الأنواء) التقاصي بالقاف والصاد المهملة: التباعد. والأنواء جمع نوء وهو النجم. واستناءه: طلب نوءه: أي عطاءه. قاموس: أي أنه سحاب تتباعد عن مطره وفيضه النجوم التي يكون المطر وقت طلوعها، أو تتباعد عنه عطايا الناس: أي لا تشبهه. قوله: (الآفاق) جمع أفق بضم وبضمتين الناحية وما ظهر من نواحي الفلك. قاموس. قوله: (وهو يقينا) مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أيقنه، جملة معترضة بين المبتدأ والخبر ط. قوله: (وناطق بما كتبته) المراد أنه مقر به وأن الأول طابق الفعل ط. والجملة عطف على أصفه. قوله: (ما أنصفته) يقال أنصفته إنصافا. عاملته بالعدل والقسط. مصباح. قوله: (وما علي) ما استفهامية أو نافية: أي وما علي شئ. قوله: (يظن الجهل) أي يظن الجهل في غيره فهو مفعول أول، أو يظن الظن الجهل فهو مفعول مطلق، وقوله: عدوانا أي ظلما مفعول لأجله أو حال، وهذا أولى مما قيل: إن الجهل بمعنى المجهول مفعول أول، وعدوانا مفعول ثان: أي ذا عدوان، فافهم. قوله: (برهانا) هو الحجة. قاموس. فهو حال مؤكدة ط. قوله: (من مناقبه) جمع منقبة وهي المفخرة. قاموس ط قوله: (إلا لعلي) أي لكن أخاف وأشفق اني زدت من جهة النقصان والتقصير في حقه، فنقصانا تمييز لا مفعول زدت لئلا يرد عليه ما قيل في زاد النقص أنه لا مناسبة بين الزيادة والنقص حتى يتسلط أحدهما على الآخر.
425 مطلب في الساحر والزنديق قوله: (والكافر بسبب اعتقاد السحر) في الفتح: السحر حرام بلا خلاف بين أهل العلم، واعتقاد إباحته كفر. وعن أصحابنا ومالك وأحمد: يكفر الساحر بتعلمه وفعله، سواء اعتقد الحرمة أو لا ويقتل، وفيه حديث مرفوع حد الساحر ضربة بالسيف يعني القتل. وعند الشافعي: لا يقتل ولا يكفر إلا إذا اعتقد إباحته. وأما الكاهن، فقيل هو الساحر، وقيل هو العراف الذي يحدث ويتخرص، وقيل من له من الجن من يأتيه بالاخبار. وقال أصحابنا: إن اعتقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر، لا إن اعتقد أنه تخييل. وعند الشافعي: إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب وأنها تفعل ما يلتمسه: كفر. وعند أحمد حكمه كالساحر، في رواية يقتل، وفي رواية إن لم يتب، ويجب أن لا يعدل عن مذهب الشافعي في كفر الساحر والعراف وعدمه. وأما قتله فيجب ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد في الأرض، لا بمجرد علمه إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره اه. وحاصله أنه اختار أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد مكفرا، وبه جزم في النهر، وتبعه الشارح، وأنه يقتل مطلقا إن عرف تعاطيه له، ويؤيده ما في الخانية: اتخذ لعبة ليفرق بين المرء وزوجه. قالوا: هو مرتد ويقتل إن كان يعتقد لها أثرا ويعتقد التفريق من اللعبة لأنه كافر اه. وفي نور العين عن المختارات: ساحر يسحر ويدعي الخلق من نفسه يكفر ويقتل لردته. وساحر يسحر وهو جاحد لا يستتاب منه ويقتل إذا ثبت سحره دفعا للضرر عن الناس. وساحر يسحر تجربة ولا يعتقد به لا يكفر. قال أبو حنيفة: الساحر إذا أقر بسحره أو ثبت بالبينة يقتل ولا يستتاب منه، والمسلم والذمي والحر والعبد فيه سواء. وقيل يقتل الساحر المسلم لا الكتابي، والمراد من الساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا الذي يعتقد الاسلام. والسحر في نفسه، حق: أمر كائن إلا أنه لا يصلح إلا للشر والضرر بالخلق، والوسيلة إلى الشر شر فيصير مذموما اه. والفرق بين الثلاثة: أن الأول مصرح بما هو كفر. والثاني لا يدري كيف يقول كما وقع التعبير به في الخانية لأنه جاحد، ويعلم منه أن الأول لا يستتاب: أي لا يمهل طلبا للتوبة لأنها لا تقبل منه في دفع القتل عنه بعد أخذه كما يأتي دفعا للضرر عن الناس كقطاع الطريق والخناق وإن كانوا مسلمين. وبه علم أن الثالث وإن كان لا يكفر لكنه يقتل أيضا للاشتراك في الضرر، وأن تقييد الشارح بكونه كافرا بسبب اعتقاد السحر غير قيد، بل يقتل ولو كان كافرا أصليا أو لم يكفر باعتقاده، نعم لما كان كلام المصنف في المسلم الذي ارتد قيد بذلك. وعلم به وبما نقلناه عن الخانية أنه لا يكفر بمجرد عمل السحر ما لم يكن فيه اعتقاد أو عمل فهو مكفر، ولذا نقل في تبيين المحارم عن الامام أبي منصور: أن القول بأنه كفر على الاطلاق خطأ ويجب البحث عن حقيقته. فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الايمان فهو كفر، وإلا فلا اه. والظاهر أن ما نقله في الفتح عن أصحابنا مبني على أن السحر لا يكون إلا إذا تضمن كفرا. ويأتي تحقيقه وقدمنا في خطبة الكتاب تعداد
426 أنواع السحر، وتمام بيان ذلك في رسالتنا المسماة سل الحسام الهندي لنصرة مولانا خالد النقشبندي. قوله: (لسعيها الخ) أي لا بسبب اعتقادها الذي هو ردة، لان المرتدة لا تقتل عندنا، ومقابل لأصح ما في المنتقى أنها لا تقتل بل تحبس وتضرب كالمرتدة، كما في الزيلعي. مطلب في الفرق بين الزنديق والمنافق والدهري والملحد قوله: (وكذا الكافر بسبب الزندقة) قال العلامة ابن كمال باشا في رسالته: الزنديق في لسان العرب يطلق على من ينفي الباري تعالى، وعلى من يثبت الشريك، وعلى من ينكر حكمته. والفرق بينه وبين المرتد العموم الوجهي لأنه قد لا يكون مرتدا، كما لو كان زنديقا أصليا غير منتقل عن دين الاسلام، والمرتد قد لا يكون زنديقا، كما لو تنصر أو تهود، وقد يكون مسلما فيتزندق. وأما في اصطلاح الشرع فالفرق أظهر لاعتبارهم فيه إبطال الكفر والاعتراف بنبوة نبينا (ص)، على ما في شرح المقاصد، لكن القيد الثاني في الزنديق الاسلامي بخلاف غيره. والفرق بين الزنديق والمنافق والدهري والملحد مع الاشتراك في إبطان الكفر: أن المنافق غير معترف بنبوة نبينا (ص). والدهري كذلك مع إنكاره إسناد الحوادث إلى الصانع سبحانه وتعالى. والملحد: وهو من مال عن الشرع القويم إلى جهة من جهات الكفر، من ألحد في الدين: حاد وعدل لا يشترط فيه الاعتراف بنبوة نبينا (ص) ولا بوجود الصانع تعالى، وبهذا فارق الدهري أيضا، ولا إضمار الكفر، وبه فارق المنافق، ولا سبق الاسلام وبه فارق المرتد، فالملحد أوسع فرق الكفر حدا: أي هو أعم من الكل اه. ملخصا. قلت: لكن الزنديق باعتبار أنه قد يكون مسلما وقد يكون كافرا من الأصل. لا يشترط فيه الاعتراف بالنبوة، وسيأتي عن الفتح تفسيره بمن لا يتدين بدين. ثم بين حكم الزنديق فقال: اعلم أنه لا يخلو، إما أن يكون معروفا داعيا إلى الضلال أو لا. والثاني ما ذكره صاحب الهداية في التجنيس من أنه على ثلاثة أوجه: إما أن يكون زنديقا من الأصل على الشرك، أو يكون مسلما فيتزندق، أو يكون ذميا فيتزندق، فالأول يترك على شركه إن كان من العجم: أي بخلاف مشرك العرب فإنه لا يترك. والثاني يقتل إن لم يسلم لأنه مرتد. وفي الثالث (1) يترك على حاله لان الكفر ملة واحدة اه. والأول: أي المعروف الداعي لا يخلو من أن يتوب بالاختيار ويرجع عما فيه قبل أن يؤخذ أو لا. والثاني يقتل دون الأول اه. وتمامه هناك. قوله: (لا توبة له) تصرحي بوجه الشبه، والمراد بعدم التوبة أنها لا تقبل منه في نفي القتل عنه كما مر في الساب، ولذا نقل البيري عن الشمني بعد نقله اختلاف الرواية في القبول وعدمه أن الخلاف في حق الدنيا، أما فيما بينه وبين الله تعالى فتقبل توبته بلا خلاف فهو. ونحوه في رسالة ابن كمال. قوله: (لكن في حظر الخانية الخ) استدراك على الفتح حيث لم يذكر هذا التفصيل. ونقل في النهر عن الدراية رواية في القبول وعدمه، ثم قال: وينبغي أن يكون هذا التفصيل محمل الروايتين اه. قوله: (المعروف) أي بالزندقة الداعي: أي الذي يدعو الناس إلى زندقته اه ح.
(1) قوله: (وفي الثالث) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف، والمناسب خذف " في " كالأول والثاني قبله ا ه مصححه. 427 فإن قلت: كيف يكون معروفا داعيا إلى الضلال، وقد اعتبر في مفهومه الشرعي أن يبطن الكفر؟. قلت: لا بعد فيه، فإن الزنديق يموه كفره ويروج عقيدته الفاسدة، ويخرجها في الصورة الصحيحة، وهذا معنى إبطال الكفر، فلا ينافي إظهاره الدعوى إلى الضلال وكونه معروفا بالاضلال اه. ابن كمال. قوله: (إن الخناق توبة له) أفاد بصيغة المبالغة أن من خنق مرة لا يقتل. قال المصنف قبيل الجهاد: ومن تكرر الخنق منه في المصر قتل به، وإلا لا اه ط. قلت: ذكر الخناق هنا استطرادي، لان الكلام في الكافر الذي لا تقبل توبته، والخناق غير كافر. وإنما لا تقبل توبته لسعيه في الأرض بالفساد، ودفع ضرره عن العباد، ومثله قطاع الطرق. مطلب في الكاهن والعراف قوله: (الكاهن قبل كالساحر) في الحديث من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد أخرجه أصحاب السنن الأربعة، وصححه الحاكم عن أبي هريرة. والكاهن كما في مختصر النهاية للسيوطي. من يتعاطى الخبر عن الكائنات في المستقبل ويدعي معرفة الاسرار. والعراف: المنجم. وقال الخطابي: هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق والضالة ونحوهما اه. والحاصل أن الكاهن من يدعي معرفة الغيب بأسباب وهي مختلفة، فلذا انقسم إلى أنواع متعددة كالعراف، والرمال، والمنجم: وهو الذي يخبر عن المستقبل بطلوع النجم وغروبه، والذي يضرب الحصى والذي يدعي أن له صاحبا من الجن يخبره عما سيكون، والكل مذموم شرعا، محكوم عليهم وعلى مصدقهم بالكفر. وفي البزازية: يكفر بادعاء علم الغيب وبإتيان الكاهن وتصديقه. وفي التتارخانية: يكفر بقوله أنا أعلم المسروقات أو أنا أخبر عن إخبار الجن إياي اه. قلت: فعلى هذا أرباب التقاويم من أنواع الكاهن لادعائهم العلم بالحوادث الكائنة. وأما ما وقع لبعض الخواص كالأنبياء والأولياء بالوحي والإلهام فهو بإعلام من الله تعالى فليس مما نحن فيه اه. ملخصا من حاشية نوح من كتاب الصوم. مطلب في دعوى علم الغيب قلت: وحاصله أن دعوى علم الغيب معارضة لنص القرآن فيكفر بها، إلا إذا أسند ذلك صريحا أو دلالة إلى سبب من الله تعالى كوحي أو إلهام، وكذا لو أسنده إلى أمارة عادية بجعل الله تعالى. قال صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل: وأما علم النجوم فهو في نفسه حسن غير مذموم، إذ هو قسمان: حسابي وإنه حق وقد نطق به الكتاب، قال تعالى: * (الشمس والقمر بحسبان) * (سورة الرحمن: الآية 5) أي سيرهما بحسبان. واستدلالي بسير النجوم وحركة الأفلاك على الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره، وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض على الصحة والمرض، ولو لم يعتقد بقضاء الله تعالى أو ادعى علم الغيب بنفسه يكفر اه. وتمام تحقيق هذا المقام يطلب من رسالتنا: سلي الحسام الهندي. قوله: (الداعي إلى الالحاد) قدمنا عن ابن كمال بيانه. قوله: (والإباحي) أي الذي يعتقد إباحة المحرمات وهو معتقد الزنادقة. ففي فتاوى قارئ الهداية: الزنديق هو الذي يقول ببقاء الدهر
428 ويعتقد أن الأموال والحرم مشتركة اه. وفي رسالة ابن كمال عن الامام الغزالي في كتاب التفرقة بين الاسلام والزندقة ومن جنس ذلك ما يدعيه بعض من يدعي التصوف أنه بلغ حالة بينه وبين الله تعالى أسقطت عنه الصلاة وحل له شرب المسكر والمعاصي وأكل مال السلطان، فهذا مما لا أشك في وجوب قتله، إذ ضرره في الدين أعظم، ويفتح به باب من الإباحة لا ينسد، وضرر هذا فوق ضرر من يقول بالإباحة مطلقا، فإنه يمتنع عن الاصغاء إليه لظهور كفره. أما هذا فيزعم أنه لم يرتكب إلا تخصيص عموم التكليف بمن ليس له مثل درجته في الدين، ويتداعى هذا إلى أن يدعي كل فاسق مثل حاله اه. ملخصا. مطلب في أهل الأهواء إذا ظهرت بدعتهم وفي نور العين عن التمهيد: أهل الأهواء إذا ظهرت بدعتهم بحيث توجب الكفر فإنه يباح قتلهم جميعا إذا لم يرجعوا ولم يتوبوا، وإذا تابوا وأسلموا تقبل توبتهم جميعا إلا الإباحية والغالية والشيعة من الروافض والقرامطة والزنادقة من الفلاسفة لا تقبل توبتهم بحال من الأحوال، ويقتل بعد التوبة وقبلها، لأنهم لم يعتقدوا بالصانع تعالى حتى يتوبوا ويرجعوا إليه. وقال بعضهم: إن تاب قبل الاخذ والاظهار تقبل توبته، وإلا فلا، وهو قياس قول أبي حنيفة، وهو حسن جدا: فأما في بدعة لا توجب الكفر فإنه يجب التعزير بأي وجه يمكن أن يمنع من ذلك، فإن لم يمكن بلا حبس وضرب يجوز حبسه وضربه، وكذا لو لم يمكن المنع بلا سيف إن كان رئيسهم ومقتداهم جاز قتله سياسة وامتناعا. والمبتدع لو له دلالة ودعوة للناس إلى بدعته ويتوهم منه أن ينشر البدعة وإن لم يحكم بكفره جاز للسلطان قتله سياسة وزجرا، لان فساده أعلى وأعم حيث يؤثر في الدين والبدعة لو كانت كفرا يباح قتل أصحابها عاما، ولو لم تكن كفرا يقتل معلمهم ورئيسهم زجرا وامتناعا اه. قوله: (الذي لا يتدين بدين) يحتمل أن يكون المراد به الذي لا يستقر عن دين، أو الذي يكون اعتقاده خارجا عن جميع الأديان. والثاني هو الظاهر من كلامه الذي سنذكره عنه، وقدمنا عن رسالة ابن كمال تفسيره شرعا بمن يبطن الكفر وهذا أعم. قوله: (وتمامه فيه) أي في الفتح حيث قال: ويجب أن يكون حكم المنافق في عدم قبولنا توبته كالزنديق، لان ذلك في الزنديق لعدم الاطمئنان إلى ما يظهر من التوبة إذا كان يخفي كفره الذي هو عدم اعتقاده دينا، والمنافق مثله في الاخفاء. وعلى هذا فطريق العلم بحاله إما بأن يعثر بعض الناس عليه أو يسره إلى من أمن إليه اه. مطلب: حكم الدروز والتيامنة والنصيرية والإسماعيلية تنبيه: يعلم مما هنا حكم الدروز والتيامنة، فإنهم في البلاد الشامية يظهرون الاسلام والصوم والصلاة مع أنهم يعتقدون تناسخ الأرواح، وحل الخمر والزنا، وأن الألوهية تظهر في شخص بعد شخص، الحشر والصوم والصلاة والحج، ويقولون المسمى به غير المعنى المراد، ويتكلمون في جناب نبينا (ص) كلمات فظيعة. وللعلامة المحقق عبد الرحمن العمادي فيهم فتوى مطولة، وذكر فيها أنهم ينتحلون عقائد النصيرية والإسماعيلية الذين يلقبون بالقرامطة، والباطنية الذين ذكرهم صاحب المواقف. ونقل عن علماء المذاهب الأربعة أنه لا يحل إقرارهم في ديار الاسلام بجزية ولا غيرها، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم، وفيهم فتوى في الخيرية أيضا فراجعها.
429 مطلب: جملة من لا تقبل توبته والحاصل أنهم يصدق عليهم اسم الزنديق والمنافق والملحد. ولا يخفى أن إقرارهم بالشهادتين مع هذا الاعتقاد الخبيث لا يجعلهم في حكم المرتد لعدم التصديق، ولا يصح إسلام أحدهم ظاهرا إلا بشرط التبري عن جميع ما يخالف عن الاسلام، لأنهم يدعون الاسلام ويقرون بالشهادتين وبعد الظفر بهم لا تقبل توبتهم أصلا. وذكر في التتارخانية أنه سئل فقهاء سمرقند عن رجل يظهر الاسلام والايمان ثم أقر بأني كنت أعتقد مع ذلك مذهب القرامطة وأدعو إليه والآن تبت ورجعت وهو يظهر الآن ما كان يظهره قبل من الاسلام والايمان، قال أبو عبد الكريم ابن محمد: قتل القرامطة واستئصالهم فرض. وأمن هذا الرجل الواحد، فبعض مشايخنا قال: يتغفل ويقتل: أي تطلب غفلته في عرفا مذهبه. وقال بعضهم: يقتل بلا استغفال، لان من ظهر منه ذلك ودعا الناس لا يصدق فيما يدعي بعد من التوبة، ولو قبل منه ذلك لهدموا الاسلام وأضلوا المسلمين من غير أن يمكن قتلهم، وأطال في ذلك، وتقل عدة فتاوى عن أئمتنا وغيرهم بنحو ذلك، لكن تقدم اعتماد قبول التوبة قبل الاخذ لا بعده. قوله: (لكن في حظر الخانية أي في كتاب الحظر والإباحة منها والاستدراك على قول الفتح أولا: أي أو لم يعتقد تحريمه، وقدمنا أنه في الفتح نقل ذلك عن أصحابنا، وأنه اختار أنه لا يكفر ما لم يعتقد ما يوجب الكفر لكنه يقتل، ولعل ما نقله عن الأصحاب مبني على أن السحر لا يتم إلا بما هو كفر، كما يفيده قوله تعالى: * (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) * (سورة البقرة: الآية 201) وعلى هذا فغير المكفر لا يسمى سحرا، ويؤيد ما قدمناه عن المختارات من أن المراد بالساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا من يعتقد الاسلام: أي بأن لم يفعل أو يعتقد ما ينافي الاسلام، ولذا قال هنا: ولا يعتقده، فقد علم أنه يسمى ساحرا ما لم يعتقد أو يفعل ما هو كفر، والله سبحانه أعلم. مطلب: جملة من لا يقتل إذا ارتد قوله: (فالمستثنى أحد عشر) أي من قوله: وكل مسلم ارتد فتوبته مقبولة إلا أحد عشر: من تكررت ردته، وساب النبي (ص)، وساب أحد الشيخين، والساحر، والزنديق، والخناق، والكاهن، والملحد، والإباحي، والمنافق، ومنكر بعض الضروريات باطنا اه ط. قلت: لكن الساحر لا يلزم أن يكون مرتدا بأن يكون مسلما أصليا فعلى ذلك فإنه يقتل ولو كافرا كما مر، والخناق غير كافر، وإنما يقتل لسعيه بالفساد كما قدمناه. وأما الزنديق الداعي والملحد وما بعده فيكفي فيه إظهاره للاسلام وإن كان كافرا أصليا، فعلم أن المراد بيان جملة من لا تقبل توبته سواء كان مسلما ارتد أولم يرتد، أو كان كافرا أصليا، وعليه فكان المناسب ذكر قطاع الطريق، وكذا أهل الأهواء كما مر عن التمهيد، وكذا العواني كما مر في باب التعزير، وكذا كل من وجب عليه حد زنا أو سرقة أو قذف أو شرب. وأما ذكر ساب النبي (ص) أو أحد الشيخين فقد علمت ما فيه. قوله: (المرأة) يستثنى منها المرتدة بالسحر كما مر، وهو الأصح كما في البحر. قوله: (والخنثى) أي المشكل فإنه إذا ارتد لم يقتل ويحبس ويجبر على الاسلام. بحر عن التتارخانية.
430 قوله: (ومن إسلامه تبعا) صوابه تبع اه ح. قال في البحر عن البدائع: صبي أبواه مسلمان حتى حكم بإسلامه تبعا لأبويه فبلغ كافرا ولم يسمع منه إقرار باللسان بعد البلوغ لا يقتل لانعدام الردة منه، إذ هي اسم للتكذيب بعد سابقة التصديق، ولم يوجد منه التصديق بعد البلوغ، حتى لو أقر بالاسلام ثم ارتد: يقتل، ولكنه في الأولى يحبس لأنه كان له حكم الاسلام قبل البلوغ تبعا، والحكم في أكسابه كالحكم في أكساب المرتد لأنه مرتد حكما اه. قوله: (والصبي إذا أسلم) أي استقلالا بنفسه لا تبعا لأبويه، وإلا فهو المسألة المارة، وأطلق عدم قتله فشمل ما بعد البلوغ. ففي البحر: لو بلغ مرتد لا يقتل استحسانا لقيام الشبهة باختلاف العلماء في صحة إسلامه، وسيأتي الكلام في إسلامه وردته. وبقي مسألة أخرى ذكرها في البحر والفتح عن المبسوط، وهي ما لو ارتد الصبي في صغره. فعلم أن الأولى فيما إذا ارتد حال البلوغ: أي قبل أن يقر بالاسلام. قوله: (والمكره على الاسلام) لان الحكم بإسلامه من حيث الظاهر، لان قيام السيف على رأسه ظاهر في عدم الاعتقاد فيصير شبهة في إسقاط القتل. فتح، وفيه بعد نقله هذه المسائل عن المبسوط، قال: وفي كل ذلك يجبر على الاسلام، ولو قتله قاتل قبل أن يسلم لا يلزمه شئ. قوله: (ثم رجعا) لان الرجوع شبهة الكذب في الشهادة. قوله: (ومن ثبت إسلامه بشهادة رجل وامرأتين) هذا على رواية النوادر كما ستراه. ح. قوله: (وقيل تقبل) يوهم أن المسألة الأولى اتفاقية وليس كذلك، ويمكن إرجاعه للمسألتين في. قوله: (ولو على نصرانية قبلت اتفاقا) لان المرتدة لا تقتل، بخلاف المرتد ولكنها تجبر على الاسلام، وهذا كله قول الإمام. وفي النوادر: تقبل شهادة رجل وامرأتين على الاسلام وشهادة نصرانيين على نصراني أنه أسلم، وهذا هو الذي في آخر كراهية الدرر كما في ح. واعتمد قاضيخان قول الإمام بعدم القتل بشهادة النساء وإن كان يجبر على الاسلام، لان أي نفس كانت لا تقتل بشهادة النساء. ط عن نوح أفندي. قوله: (من ولدته المرتدة بيننا) لأنه يجبر على الاسلام كأمه، لكنه لا يقتل، كمن كان إسلامه تبعا لأبويه ولم يصف الاسلام فبلغ كافرا كما مر، وقوله: بيننا أي المسلمين غير قيد لما سيأتي من أن الزوجين لو ارتدا معا فولدت ولدا يجبر بالضرب على الاسلام وإن حبلت به ثمة قوله: (والسكران إذا أسلم) يعني فإن إسلامه يصح، فإن ارتد لا يقتل كالصبي، العاقل إذا ارتد. بحر عن التتارخانية. قلت: أي إن ارتد بعد صحوه لا يقتل لان في إسلامه شبهة. قوله: (لان إسلامه حكمي) أي بتبعية الدار كما سيأتي في بابه. قوله: (وفي الاستحسان يصح) وهو المعمول به. رملي. وهو الصواب. ط، عن بعض العلماء. قلت: ووجهه أن الحربي إنما يقاتل على الاسلام أصالة فلا يتأتى فيه قياس واستحسان،
431 بخلاف الذمي فإنه بعد التزام الذمة لا يقاتل عليه، فالقياس أن لا يصح إسلامه بالاكراه: كما لا تصح ردة المسلم به. وفي الاستحسان يصح، لكن لو ارتد لا يقتل وتقدم وجهه. قوله: (فالمستثنى أربعة عشر) لان المكره تحته ثلاثة: الحربي والذمي والمستأمن، وشهادة نصرانيين على نصراني أو نصرانية صورتان، والباقي ظاهر. قوله: (لان إنكاره توبة ورجوع) ظاهره ولو بدون إقرار بالشهادتين، وهو ظاهر قول المتون أول الباب وإسلامه أن يتبرأ عن الأديان حيث لم يذكر والاقرار بالشهادتين. ويحتمل أن يكون المراد الانكار مع الاقرار بهما، ويؤيده ما في كافي الحاكم، وإذا رفعت المرتدة إلى الامام فقالت: ما ارتددت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، كان هذا توبة منها اه. تأمل. ثم رأيت في البيري على الأشباه قال: كون مجرد الانكار توبة غير مراد بل ذلك مقيد بثلاثة قيود. قال في الذخيرة عن بشر بن الوليد: إذا جحد المرتد الردة وأقر بالتوحيد وبمعرفة رسول الله (ص) وبدين الاسلام فهذا منه توبة اه. قوله: (كحبط عمل) يأتي الكلام عليه. قوله: (وبطلان وقف) أي الذي وقفه حال إسلامه، سواء كان على قربة ابتداء أو على ذريته ثم على المساكين لأنه قربة ولا بقاء لها مع وجود الردة، وإذا عاد مسلما لا يعود وقفه إلا بتجديد منه، وإذا مات أو قتل أو لحق كان الوقف ميراثا بين ورثته. بحر عن الخصاف. قوله: (وبينونة زوجة) وتكون فسخا عندهما. وقال محمد: فرقة بطلاق ولو هي المرتدة فبغير طلاق إجماعا، ثم إذا تاب وأسلم ترتفع تلك البينونة. بيري عن شرح الطحاوي. وأقره السيد أبو السعود في حاشية الأشباه. قلت: والظاهر أن قوله ترفع أصله لا ترتفع فسقطت لفظة لا النافية من قلم الناسخ، وإلا فهو مخالف لفروعهم الكثيرة المقررة في باب نكاح الكافر وغيره، المصرحة بلزوم تجديد النكاح، ومنها ما يأتي قريبا، وصرح في البحر عن العناية أن البينونة لا تتوقف على إسلامه كبطلان وقفه فإنه لا يعود صحيحا بإسلامه. تأمل. قوله: شرط في قوله السابق) فيمتنع القتل ط. قوله: (كما مر) قدمنا ما فيه. قوله: (وقد رأيت من يغلط في هذا المحل) أي حيث فهم أن الشهادة لا تقبل أصلا حتى في بقية الأحكام المذكورة. قوله: (فالمستثنى أربعة عشر) صوابه خمسة عشر، لان هذا زائد على ما تقدم. والوجه فيه أنه لم يتب حقيقة وإنما تاب حكما بجعل إنكاره توبة فهو داخل في المسلم الذي ارتد ولم يتب ط. قوله: (وأولاده أولاد زنا) كذا في فصول العمادي، لكن ذكر في نور العين ويجدد بينهما النكاح إن رضيت زوجته بالعود إليه وإلا فلا تجبر، والمولود بينهما قبل تجديد النكاح بالوطئ بعد الردة يثبت نسبه منه، لكن يكون زنا اه. قلت: ولعل ثبوت النسب لشبهة الخلاف فإنها عند الشافعي لا تبين منه. تأمل. قوله:
432 (والتوبة) أي تجديد الاسلام. قوله: (وتجديد النكاح) أي احتياطا كما في الفصول العمادية. وزاد فيها قسما ثالثا فقال: وما كان خطأ من الألفاظ ولا يوجب الكفر فقائله يقر على حاله، ولا يؤمر بتجديد النكاح، ولكن يؤمر بالاستغفار والرجوع عن ذلك. وقوله احتياطا: أي يأمره المفتي بالتجديد ليكون وطؤه حلالا باتفاق، وظاهره أنه لا يحكم القاضي بالفرقة بينهما، وتقدم أن المراد بالاختلاف ولو رواية ضعيفة ولو في غير المذهب. قوله: (بخلاف المرتدة) أي فإنها تسترق بعد اللحاق بدار الحرب وتجبر على الاسلام بالضرب والحبس ولا تقتل، كما صرح به في البدائع، ولا يكون استرقاقها مسقطا عنها الجبر على الاسلام كما لو ارتدت الأمة ابتداء فإنها تجبر على الاسلام. بحر. قوله: (ويزول ملك المرتد الخ) أي خلافا لهما. وفى البدائع: لا خلاف أنه إذا أسلم فأمواله باقية على ملكه، وأنه إذا مات أو قتل أو لحق: تزول عن ملكه، وإنما الخلاف في زوالها بهذه الثلاثة مقصورا على الحال عندهما ومستندا إلى وقت وجود الردة عنده وتظهر الثمرة في تصرفاته، فعندهما نافذة قبل الاسلام، وعنده موقوفة لوقوف أملاكه اه. قيد بالملك لأنه لا توقف في إحباط طاعته وفرقة زوجته وتجديد الايمان، فإن الارتداد فيها عمل عمله، كذا في العناية. وتقدم أن من عباداته التي بطلب وقفه وأنه لا يعود بإسلامه، وكذا لا توقف في بطلان إيجاره واستئجاره ووصيته وإيصائه وتوكيله ووكالته، وتمامه في البحر. قلت: ويستثنى من فرقة الزوجة ما لو ارتدا معا، فإنه يبقى النكاح كما صرح به في العناية. وفي البحر: وأفاد أن الكلام في الحر، ولذا قال في الخانية: وتصرف المكاتب في ردته نافذ في قولهم. زاد في النهر عن السراج: وكسبه حال الردة لمولاه. قوله: (فإن أسلم الخ) جملة مفسرة لما قبلها ط. قوله: (ورث كسب إسلامه وارثه المسلم) أشار إلى أن المعتبر وجود الوارث عند الموت أو القتل أو الحكم باللحاق، وهو رواية محمد عن الامام، وهو الأصح، وروى عنه اعتبار وقت الردة، وروى اعتبارهما معا، فعلى الأصح لو كان له ولد كافر أو عبد يوم الردة فعتق أو أسلم بعدها قبل أحد الثلاثة ورثه، وكذا لو ولد من علوق حادث بعدها إذا كان مسلما تبعا لامه بأن علق من أمة مسلمة، وتمامه في البحر، لكن قوله أو الحكم باللحاق خلاف الأصح، فإن الأصح وهو ظاهر الرواية اعتبار وجود الوارث عند اللحاق، وروى عند الحكم به كما في شرح السير الكبير. قوله: (ولو زوجته) لأنه بالردة كأنه مرض مرض الموت لاختياره سبب المرض بإصراره على الكفر مختارا حتى قتل. نهر. قوله: (بشرط العدة) قال في النهر هذا يقتضي أن غير المدخول بها لا ترث لصيرورتها بالردة أجنبية، وليست الردة موتا حقيقيا، بدليل أن المدخولة إنما تعتد بعد موته بالحيض لا بالأشهر، فلا تنتهض سببا للإرث، والإرث وإن استند إلى الردة لكن يتقرر عند الموت. هذا حاصل ما في الفتح اه. قوله: (بعد قضاء دين إسلامه الخ) هذا: أعني قضاء دين إسلامه من كسب
433 الاسلام، ودين الردة من كسبها، رواه زفر عن الامام. وروى أبو يوسف عنه أنه من كسب الردة، إلا أن لا يفي فيقضي الباقي من كسب الاسلام. وروى الحسن عنه أنه من كسب الاسلام، إلا أن لا يفي فيقتضي الباقي من كسب الردة. قال في البدائع والولوالجية: وهو الصحيح، لان دين الميت إنما يقضي من ماله وهو كسب إسلامه، فأما كسب الردة فلجماعة المسلمين، فلا يقتضي منه الدين إلا لضرورة فإذا لم يف تحققت. نهر. فما في المتن تبعا للكنز ضعيف كما في البحر. قلت: لكن الحكم عليه بالضعف غير مسلم، فإنه جرى عليه أصحاب المتون كالمختار والوقاية والمواهب والملتقى، وهي موضوعة لنقل المذهب كما صرحوا به. تنبيه: في القهستاني: هذا إذا كان له كسبان، وإلا قضى مما كان بلا خلاف، وهذا أيضا إذا ثبت الدين بغير الاقرار وإلا ففي كسب الردة. قوله: (وكسب ردته فئ) أي للمسلمين فيوضع في بيت المال. قهستاني. والمراد ما اكتسبه قبل اللحاق. أما ما اكتسبه في دار الحرب فهو لابنه الذي ارتد ولحق معه إذا مات مرتدا لأنه اكتسبه وهو من أهل الحرب وهم يتوارثون فيما بينهم، فلو لحق معه ابن مسلم ورث كسب إسلامه فقط، وتمامه في شرح السير. قوله: (وقالا ميراث أيضا) لان زوال ملكه عندهما مقصور على الحال كما مر. قوله: (ككسب المرتدة) فإنه لورثتها، ويرثها زوجها المسلم إن ارتدت وهي مريضة لقصدها إبطال حقه، وإن كانت صحيحة لا يرثها، لأنها لا تقتل، فلم يتعلق حقه بمالها بالردة، بخلاف المرتد. والحاصل أن زوجة المرتد ترث منه مطلقا وزوج المرتدة لا يرثها، إلا إذا ارتدت وهي مريضة. بحر. وسيأتي أيضا. قوله: (وإن حكم بلحاقه) كان الأولى للمصنف أن يذكر الحكم باللحاق أولا كما عبر الشارح ويقول: وعتق مدبره الخ، عطفا على ورث لئلا يوهم اختصاص العتق بالحكم باللحاق وإن كان يفهم منه أن الموت والقتل مثله فإنه تطويل بلا فائدة، كما أفاده ح. قوله (من ثلث ماله) الظاهر أن المراد به كسب الاسلام ح. وبه جزم ط بناء على ما مر من الصحيح. قوله: (وحل دينه) لأنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الاسلام فصار كالموت، إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بالقضاء لاحتمال العود. وإذا تكرر موته تثبت الأحكام المتعلقة به كما ذكر. نهر. قوله: (ويؤدي مكاتبه) أي يؤدي بدل كتابته. قوله: (والولاء للمرتد) أي لورثته ابتداء فيرثه العصبة بنفسه، بخلاف ما إذا كان للورثة فإنه يدخل فيه الإناث ط. قوله: (وينبغي الخ) اعلم أن بعضهم لا يشترط القضاء باللحاق، بل يكتفي بالقضاء بحكم من أحكامه، وعامتهم على أنه يشترط القضاء به سابقا على القضاء بالأحكام. أفاده في المجتبى ونحوه في الفتح. وظاهره أن القضاء باللحاق قصدا صحيح، وينبغي أنه لا يصح إلا في ضمن دعوى حق للعبد، لان اللحاق كالموت، ويوم الموت لا يدخل تحت القضاء، فينبغي أن لا يدخل اللحاق تحت القضاء قصدا. بحر. قال في النهر: وأقول ليس معنى الحكم بلحاقه سابقا على هذه الأمور: أن يقول ابتداء حكمت بلحاقه، بل إذا ادعى مدبر مثلا على وارثه أنه لحق بدار الحرب مرتدا، وأنه عتق بسببه
434 وثبت ذلك عند القاضي حكم أولا بلحاقه ثم يعتق ذلك المدبر كما يعرف ذلك من كلامهم اه. ونحوه في شرح المقدسي. والحاصل: أن ما في المجتبى من الخلاف معناه أنه لو حكم القاضي بعتق المدبر يكفي عند البعض لثبوت اللحاق ضمنا، وأما عند العامة فلا بد من حكمه أولا باللحاق لأنه السبب، وفي كونه في حكم الموت خلاف الشافعي، فلشبه الخلاف لا بد من الحكم به أولا ثم بالعتق، وليس المراد أنه يحكم باللحاق قبل دعوى المدبر مثلا حتى يرد ما قاله في البحر، فقول الشارح: إلا في ضمن دعوى حق العبد معناه أن يسبق دعوى حق العبد، فيحكم به أولا ثم بما ادعاه العبد لأنه الذي في النهر، وليس المراد أنه يكتفي عن الحكم به بالحكم بما ادعاه ليثبت الحكم باللحاق في ضمن الحكم الأول، فافهم. قوله: (واعلم الخ) بيان لتصرفه حال ردته بعد بيان حكم أملاكه قبل ردته. بحر. قوله: (على أربعة أقسام) نافذ اتفاقا، باطل اتفاقا، موقوف اتفاقا، موقوف عنده نافذ عندهما ط. قوله: (ما لا يعتمد تمام ولاية) قال الزيلعي: لأنها لا تستدعي الولاية ولا تعتمد حقيقة الملك حتى صحت هذه التصرفات من العبد مع قصور ولايته اه ط. قوله: (الاستيلاد) صورته: إذا جاءت بولد، فادعاه، ثبت نسبه منه ويرث ذلك الولد مع ورثته، وتصير أم ولد له، بحر. ط. قوله: (والطلاق) أي ما دامت في العدة، لان الحرمة بالردة غير متأبدة لارتفاعها بالاسلام فيقع طلاقه عليها في العدة، بخلاف حرمة المحرمية فإنها لا غاية لها فلا يفيد لحقق الطلاق فائدة. فتح. من باب نكاح الكافر. وقدمنا هنا ك عن الخانية أن طلاقه إنما يقع قبل لحوقه، فلو لحق بدار الحرب فطلق امرأته لا يقع الا إذا عاد مسلما وهي في العدة، فطلقها. وأورد أنه كيف يتصور طلاقه وقد بانت بردته. وأجيب بأنه لا يلزم من وقوع البينونة امتناع الطلاق، وقد سلف أن المبانة يلحقها الصريح في العدة. بحر: أي ولو كان الواقع بذلك الصريح بائنا كالطلاق الثلاث أو على مال، وكذا لو قال أنت طالق بائن، وأما قولهم إن البائن لا يلحق البائن فذاك إذا أمكن جعله إخبارا عن الأول، حتى لو قال أبنتك بأخرى يقع كما تقدم في الكنايات، فافهم. قوله: (وتسليم الشفعة والحجر) قال في البحر: ولا يمكن توقف التسليم لان الشفعة بطلت به مطلقا. وأما الحجر فيصح بحق الملك، فبحقيقة الملك الموقوف أولى اه. قلت: ومفهومه أن له قبل إسلامه الاخذ بالشفعة. والذي في شرح السير أن ذلك قول محمد. وفي قول أبي حنيفة: لا شفعة له حتى يسلم، فلو لم يسلم ولم يطلب بطلت شفعته لتركه الطلب بعد التمكن بأن يسلم. قوله: (ما يعتمد الملة) أي ما يكون الاعتماد في صحته على كون فاعله معتقدا ملة من الملل ط: أي والمرتد لا ملة له أصلا، لأنه لا يقر على ما انتقل إليه، وليس المراد ملة سماوية لئلا يرد النكاح، فإن نكاح المجوسي والوثني صحيح وملة لهما سماوية، بل المراد الأعم. قوله: (النكاح) أي ولو لمرتدة مثله قوله: (والذبيحة) الأولى والذبح لأنه من التصرفات. قوله: (والصيد) أي بالكلب والبازي ومثله الرمي. بحر. قوله: (والشهادة) أي أداؤها، لا تحملها ط.
435 وذكر في الأشباه عن شهادات الولوالجية أنه يبطل ما رواه لغيره من الحديث، فلا يجوز للسامع منه أن يرويه عنه بعد ردته اه. ولكن كلامنا فيما فعله في ردته وهذا قبلها. قوله: (الإرث) فلا يرث أحدا ولا يرثه أحد مما اكتسبه في ردته، بخلاف كسب إسلامه فإنه يرثه ورثته كما مر لاستناده إلى ما قبلها فهو إرث مسلم من مثله والكلام في إرث المرتد، فافهم. قوله: (ما يعتمد المساواة) أي بين المتعاقدين في الدين. وهو المفاوضة فإذا فاوض مسلما توقفت اتفاقا، فإن أسلم نفذت، وإن هلك بطلت، وتصير عنانا من الأصل عندهما، وتبطل عنده. بحر عن الخانية. قوله: (أو ولاية متعدية) أي إلى غيره. قوله: (ويتوقف منه عند الامام) بناء على زوال الملك كما سلف. نهر. قوله: (وينفذ عندهما) إلا أنه عند أبي يوسف تصح كما تصح من الصحيح، لأن الظاهر عوده إلى الاسلام. وعند محمد: كما تصح من المريض لأنها تفضي إلى القتل ظاهرا. ط عن البحر. قوله: (والصرف والسلم) من عطف الخاص لأنهما من عقود المبايعة ط. قوله: (والهبة) هي من قبيل المبادلة إن كانت بعوض كما في النهر، ومن قبيل التبرع إن لم تكن ح. قوله: (والرهن) لأنه مضمون عند الهلاك بالدين فهو معاوضة مآلا. قوله: (والصلح عن إقرار) أي فيكون مبادلة. وأما إذا كان عن إنكار أو سكوت فالمذكور في كتاب الصلح أنه معاوضة في حق المدعي، وفداء يمين وقطع نزاع في حق الآخر. ومقتضاه أنه إن كان المرتد مدعيا فهو داخل في عقود المبادلة، وإن كان المدعي عليه يدخل في عقد التبرع. أفاده ط. لكن في كونه تبرعا نظر، لأنه لم يدفع المال مجانا، بل مفاداة ليمينه، فهو خارج عن مبادلة المال بالمال وعن عقد التبرع. تأمل. قوله: (لأنه مبادلة حكمية) وجهه ما قالوا إن الدين يقضي بمثله وتقع المقاصة، فقابض الدين أخذ بدل ما تحقق في ذمة المدين: ط. قوله: (والوصية) أي التي في حال ردته، أما التي في حال إسلامه فالمذكور في ظاهر الرواية من المبسوط وغيره أنها تبطل قربة كانت أو غير قربة من غير ذكر خلاف، وتمامه في الشرنبلالية عن الفتح. قوله: (وبقي الخ) لما فرغ من ذكر المنقول في الأقسام الأربعة ذكر أشياء لم يصرحوا بها، فافهم. قوله: (ولا شك في بطلانهما) أما الأمان فلانه لا يصح من الذمي، فمن المرتد أولى. وأما العقل فلان المرتد لا ينصر ولا ينصر والعقل بالنصرة ح. قوله: (فينبغي عدم جوازها) عبارة النهر: فلا ينبغي التردد في جوازها منه اه. فلفظة عدم من سبق القلم. قوله: (بطل ذلك كله الإشارة ترجع إلى المتوقف اتفاقا والمتوقف عند الامام. ط. قوله: (فكأنه لم يرتد) فلا يعتق مدبره وأم ولده، ولا تحل ديونه، وله إبطال ما تصرف فيه الوارث لكونه فضوليا. بحر. وما مع وارثه يعود لملكه بلا قضاء ولا رضا من الوارث. در منتقى. قلت: وكذا يبطل ما تصرف فيه بنفسه بعد اللحاق قبل الحكم به، كما لو أعتق عبده الذي في
436 دار الاسلام أو باعه من مسلم في دار الحرب ثم رجع تائبا قبل الحكم بلحاقه فما له مردود عليه وجميع ما صنع فيه باطل، لأنه باللحاق زال ملكه، وإنما توقف على القضاء دخوله في ملك وارثه، فتصرفه بعد اللحاق صادف مالا غير مملوك له فلا ينفذ، وإن عاد إلى ملكه بعد كالبائع بشرط خيار المشتري إذا تصرف في المبيع لا ينفذ، وإن عاد إلى ملكه بفسخ المشتري، نعم لو أقر بحرية العبد أو بأنه لفلان صح، لأنه ليس بإنشاء التصرف بل هو إقرار لازم، كما لو أقر بعبد الغير ثم ملكه اه. ملخصا من شرح السير الكبير. قوله: (وكما لو عاد بعد الموت الحقيقي) أي لو أحيا الله تعالى ميتا حقيقة وأعاده إلى دار الدنيا كان له أخذ ما في يد ورثته بحر. إلا أنه ذكره بعد عود من حكم بلحاقه، وكذا ذكره الزيلعي، فكان على الشارح ذكره بعد قوله: وإن جاء بعده كما أفاده ح. قوله: (بقضاء أو رضا) لان بقضاء القاضي بلحاقه صار المال ملكا لورثته فلا يعود إلا بالقضاء، ألا ترى أن الوارث لو أعتق العبد بعد رجوع المرتد قبل القضاء برد المال عليه نفذ عتقه ولم يضمن للمرتد شيئا، كما لو أعتقه قبل رجوع المرتد، وبهذا يستدل على أنه لا ينفذ عتق المرتد، لان العتق يستدعي حقيقة الملك. شرح السير، ونقله في البحر عن التتارخانية، وبه جزم الزيلعي. قوله: (ولو في بيت المال لا) قال في النهر: وفي قوله: وإرثه إيماء إلى أنه لا حق له فيما وجده من كسب ردته، لان أخذه ليس بطريق الخلافة عنه بل لأنه فئ، ألا ترى أن الحربي لا يسترد ماله بعد إسلامه، وهذا وإن لم نره مسطورا إلا أن القواعد تؤيده اه. وأصل البحث لصاحب البحر. وظاهره أن ما وضع في بيت المال لعدم الوارث له أخذه، ففي كلام الشارح إيهام كما أفاده السيد أبو السعود. قوله: (أو أزاله الوارث عن ملكه) سواء كان بسبب يقبل الفسخ كبيع أو هبة، أو لا يقبله كعتق أو تدبير واستيلاد فإنه يمضي ولا عود له فيه ولا يضمنه اه. فتح. قوله: (وله ولاء مدبره وأم ولده) أفاد أنهم لا يعودون في الرق، لان القضاء بعتقهم قد صح، والعتق بعد نفاذه لا يقبل البطلان. فتح. قوله: (ومكاتبه له) مبتدأ وخبر. قوله: (إن لم يؤد) أي إلى الورثة بدل الكتابة فيأخذها من المكاتب: وأما إن أداه إليهم فلا سبيل له عليه، لأنه عتق بأداء المال والعتق لا يحتمل الفسخ، ويؤخذ منهم المال لو قائما، وإلا لا ضمان عليهم كسائر أمواله: بحر. مطلب: المعصية تبقى بعد الردة قوله: (والمعصية تبقى بعد الردة) نقل ذلك مع التعليل قبله في الخانية عن شمس الأئمة الحلواني. قال القهستاني: وذكر التمرتاشي أنه يسقط عند العامة ما وقع حال الردة وقبلها من المعاصي، ولا يسقط عند كثير من المحققين اه. وتمامه فيه. قلت: والمراد أنه يسقط عند العامة بالتوبة والعود إلى الاسلام للحديث الاسلام يجب ما قبله. وأما في حال الردة فيبقى ما فعله فيها أو قبلها إذا مات على ردته، لأنه بالردة ازداد فوقه ما هو أعظم منه فكيف تصلح ماحية له، بل الظاهر عود معاصيه التي تاب منها أيضا، لان التوبة طاعة
437 وقد حبطت طاعاته وبدل له ما في التتارخانية عن السراجية: من ارتد ثم أسلم ثم كفر ومات فإنه يؤاخذ بعقوبة الكفر الأول والثاني، وهو قول الفقيه أبي الليث اه. ثم لا يخفى أن هذا الحديث يؤيد قول العامة: ولا ينافيه وجوب قضاء ما تركه من صلاة أو صيام ومطالبته بحقوق العباد لان قضاء ذلك كله ثابت في ذمته، وليس هو نفس المعصية وإنما المعصية إخراج العبادة عن وقتها وجنايته على العبد فإذا سقطت هذه المعصية لا يلزم سقوط الحق الثابت في ذمته، كما أجاب بعض المحققين بذلك عن القول بتكفير الحج المبرور الكبائر، والله سبحانه وتعالى أعلم. قوله: (وما أدى منها فيه يبطل) في التتارخانية معزيا إلى التتمة: قيل له: لو تاب تعود حسناته؟ قال: هذه المسألة مختلفة، فعند أبي علي وأبي هاشم وأصحابنا أنه يعود. وعند أبي القاسم الكعبي: لا، ونحن نقول: إنه لا يعود ما بطل من ثوابه، لكنه تعود طاعاته المتقدمة مؤثرة في الثواب بعد. اه. بحر. مطلب: لو تاب المرتد، هل تعود حسناته؟ وفي شرح المقاصد للمحقق التفتازاني في بحث التوبة: ثم اختلفت المعتزلة في أنه إذا سقط استحقاق عقاب المعصية بالتوبة هل يعود استحقا ثواب الطاعة الذي أبطلته تلك المعصية؟ فقال أبو علي وأبو هاشم: لا، لان الطاعة تنعدم في الحال، وإنما يبقى استحقاق الثواب وقد سقط والساقط لا يعود. وقال الكعبي: نعم لان الكبيرة لا تزيل الطاعة وإنما تمنع حكمها، وهو المدح والتعظيم فلا تزيل ثمرتها، فإذا صارت بالتوبة كأن لم تكن ظهرت ثمرة الطاعة كنور الشمس إذا زال الغيم. وقال بعضهم - وهو اختيار المتأخرين -: لا يعود ثوابه السابق لكن تعود طاعته السالفة مؤثرة في استحقاق ثمراته وهو المدح، والثواب في المستقبل بمنزلة شجرة احترقت بالنار أغصانها وثمارها ثم انطفأت النار، فإنه يعود أصل الشجرة وعروقها إلى خضرتها وثمرتها اه. وهذا يفيد أن الخلاف بين أبي علي وأبي هاشم، وبين الكعبي على عكس ما مر، وأن الخلاف في إحباط الكبائر للطاعات لان هؤلاء الجماعة من المعتزلة. وعندهم أن الكبيرة تخرج صاحبها من الايمان لكنها لا تدخله في الكفر، وإن كان يخلد في النار، ويلزم من إخراجه من الايمان حبط طاعاته، فالكبيرة عندهم من هذه الجهة بمنزلة الردة عندنا، فيصح نقل الخلاف المذكور إلى الردة تأمل. قوله: (إلا الحج) لان سببه البيت المكرم وهو باق، بخلاف غيره من العبادات التي أداها لخروج سببها: ولهذا قالوا: إذا صلى الظهر مثلا ثم ارتد ثم تاب في الوقت يعيد الظهر لبقاء السبب وهو الوقت، ولذا اعتراض اقتصاره على ذكر الحج وتسميته قضاء، بل هو إعادة لعدم خروج السبب. قوله: (لأنه بالردة الخ) علة لقوله: ولا يقضي ولقوله: إلا الحج ط. قوله: (أصاب مالا) أي أخذ، وقوله: أو شيئا أي فعل شيئا الخ. ط قوله: (يعني المال المسروق لا الحد) الأولى ذكره عند قول المصنف يؤاخذ به وليس ذلك في عبارة الخانية ولا هو محل إيهام، لان قوله: أو حد مرفوع عطفا على فاعل يجب لا منصوب عطفا على مفعول أصاب حتى يحتاج للتأويل. قوله: (وأصله) أي القاعدة
438 فيما ذكر. ط. قوله: (أنه يؤاخذ بحق العبد) أي لا يسقط عنه بالردة، إلا إذا كان ممن لا يقتل بها كالمرأة ونحوها إذا لحقت بدار الحرب فسبيت فصارت أمة يسقط عنها جميع حقوق العباد، إلا القصاص في النفس فإنه لا يسقط. بيري عن شرح الطحاوي. قوله: (ففيه التفصيل) وهو أنه يقضي ما ترك من عبادة في الاسلام كما مر. وأما الحدود. ففي شرح السير: لو أصاب المسلم مالا أو ما يجب به القصاص أو حد القذف ثم ارتد أو أصابه وهو مرتد ثم لحق ثم تاب فهو مأخوذ به لا، لو أصابه بعد اللحاق ثم أسلم. وما أصابه المسلم من حدود الله تعالى في زنا أو سرقة أو قطع طريق ثم ارتد أو أصابه بعد الردة ثم لحق ثم أسلم فهو موضوع عنه إلا أنه يضمن المال المسروق والدم في قطع الطريق بالقصاص أو الدية لو خطأ على العاقلة لو قبل الردة، وفي ماله لو بعدها. وما أصابه من حد الشرب ثم ارتد ثم أسلم قبل اللحاق لا يؤاخذ به، وكذا لو أصابه وهو مرتد محبوس في يد الامام ثم أسلم، لان الحدود زواجر عن أسبابها فلا بد من اعتقاد المرتكب حرمة السبب، ويؤخذ بما سواه من حدوده تعالى لاعتقاده حرمة السب وتمكن الامام من إقامته لكونه في يده، فإن لم يكن في يده حين أصابه ثم أسلم قبل اللحاق لا يؤخذ به أيضا اه. ملخصا. قوله: (أو الدية) أي على عاقلته إن أصاب ذلك قبل الردة، وفي ماله إن أصابه بعدها كما مر. قوله: (وحاربنا زمانا) تأكيد لقوله ثم لحق وكذا بدون ذلك بالأولى. قوله: (أخبر ت بارتداد زوجها) أي من رجلين أو رجل وامرأتين على رواية السير. وعلى رواية كتاب الاستحسان: يكفي خبر الواحد العدل، لان حل التزوج وحرمته أمر ديني، كما لو أخبر بموته. والفرق على الرواية الأولى أن ردة الرجل يتعلق بها استحقاق القتل كما في شرح السير الكبير للسرخسي. ونقل المصنف عنه أن الأصح رواية الاستحسان، ومثله في الشرنبلالية معللا بأن المقصود الاخبار بوقوع الفرقة لا إثبات الردة. قوله: (أو تطليقه ثلاثا) ينبغي أن يكون البائن مثله، وظاهره أنها في الرجعي لا يجوز لها التزوج ولعله لاحتمال المراجعة وليحرر ط. قوله: (فأتاها بكتاب) ظاهره أن غير الثقة لو لم يأتها بكتاب لا يحل لها وإن كان أكبر رأيها صدقه. تأمل. قوله: (لا بأس بأن تعتد) أي من حين الطلاق أو الموت لا من حين الاخبار فيما يظهر. تأمل. ثم لا يخفى أنه إذا ظهرت حياته أو أنكر الطلاق أو الردة ولم تقم عليه بينة شرعية ينفسخ النكاح الثاني وتعود إليه. قوله: (تحبس) لم يذكر ضربها في ظاهر الرواية. وعن الامام أنها تضرب في كل يوم ثلاثة أسواط. وعن الحسن تسعة وثلاثين إلى أن تموت أو تسلم، وهذا قتل معنى لان
439 موالاة الضرب تفضي إليه، كذا في الفتح. واختار بعضهم أنها تضرب خمسة وسبعين سوطا، وهذا ميل إلى قول الثاني في نهاية التعزير. وقال في الحاوي القدسي: وهو المأخوذ به في كل تعزير بالضرب. نهر. وجزم الزيلعي بأنها تضرب في كل ثلاثة أيام. وظاهر الفتح تضعيف ما مر، والظاهر اختصاص الضرب والحبس بغير الصغيرة تأمل، وسنذكر ما يؤيده. قوله: (ولا تقتل) يستثنى الساحرة كما تقدم، وكذا من أعلنت بشتم النبي (ص) كما مر في الجزية. قوله: (خلافا للشافعي) أي وباقي الأئمة، والأدلة مذكورة في الفتح. قوله: (لا يضمن شيئا) لكنه يؤدب على ذلك لارتكابه ما لا يحل. بحر. قوله: (وليس للمرتدة التزوج بغير زوجها) في كافي الحاكم: وإن لحقت بدار الحرب كان لزوجها أن يتزوج أختها قبل أن تنقضي عدتها، فإن سببت أو عادت مسلمة لم يضر ذلك نكاح الأخت وكانت فيئا إن سبيت وتجبر على الاسلام، وإن عاد ت مسلمة كان لها أن تتزوج من ساعتها اه. وظاهره أن لها التزوج بمن شاءت، لكن قال في الفتح: وقد أفتى الدبوسي والصفار وبعض أهل سمرقند بعدم وقوع الفرقة بالردة ردا عليها، وغيرهم مشوا على الظاهر ولكن حكموا بجبرها على تجديد النكاح مع الزوج ويضرب خمسة وسبعين سوطا، واختاره قاضيخان للفتوى اه. قوله: (وعن الامام) أي في رواية النوادر كما في الفتح. قوله: (ولو أفتى به الخ) في الفتح: قيل ولو أفتى بهذه لا بأس به فيمن كانت ذات زوج حسما لقصدها السيئ بالردة من إثبات الفرقة. قوله: (وتكون قنة للزوج بالاستيلاء) قال في الفتح: قيل وفي البلاد التي استولى عليها التتر وأجروا أحكامهم فيها ونفوا المسلمين كما وقع في خوارزم وغيرها إذا استولى عليها الزوج بعد الردة ملكها لأنها صارت دار حرب في الظاهر من غير حاجة إلى أن يشتريها من الامام اه. وحاصله قوله: (وفي الفتح الخ) هذا ذكره في الفتح قبل الذي نقلناه عنه وحاصله آنفا أنها إذا ارتدت في دار الاسلام صارت فيئا للمسلمين فتسترق على رواية النوادر بأن يشتريها من الامام أو يهبها له. أما لو ارتدت فيما استولى عليه الكفار وصار دار حرب فله أن يستولي عليها بنفسه بلا شراء ولا هبة، كمن دخل دار الحرب متلصصا وسبى منهم، وهذا ليس مبنيا على رواية النوادر لان الاسترقاق وقع في دار الحرب لا في دار الاسلام قوله: (وصح تصرفها) أي لا تتوقف تصرفاتها من مبايعة ونحوها، بخلاف المرتد، نعم يبطل منها ما يبطل من تصرفاته المارة. قوله: (لأنها لا تقتل) فلم تكن ردتها سببا لزوال ملكها فجاز تصرفها في مالها بالاجماع. بحر عن البدائع. قال المقدسي: فلو كانت ممن يجب قتلها كالساحرة والزنديقة ينبغي أن تلحق بالمرتد. قوله: (وأكسابها مطلقا لورثتها) أي سواء كانت كسب إسلام أو كسب ردة. قال في النهر تبعا للبحر: وينبغي أن يلحق بها من لا يقتل إذا ارتد لشبهة في إسلامه كما مر. قوله: (لو مريضة) لأنها تكون
440 فارة كما قدمناه. قوله: (لو صحيحة) أي لو ارتدت حال كونها صحيحة. قوله: (فلم تكن فارة) لأنها إذا كانت لا تقتل لم تكن ردتها في حكم مرض الموت فلم تكن فارة فلا يرثها لأنها بانت منه وقد ماتت كافر، بخلاف ردته لأنها في حكم مرض الموت مطلقا فترثه مطلقا. قوله: (فتأمل) ما ذكره في الزواهر مفهوم مما قبله، وقدمنا التصريح به عن البحر، وتقدم متنا في باب طلاق المريض أيضا فلم يظهر وجه الامر بالتأمل، نعم يوجد في بعض النسخ قبل قوله: قلت ما نصه: ويرثها زوجها المسلم استحسانا إن ماتت في العدة وترث المرتدة زوجها المرتد اتفاقا. خانية. قلت: وفي الزواهر الخ، وعليه فالامر بالتأمل وارد على إطلاق قول الخانية ويرثها زوجها المسلم، والله سبحانه أعلم. قوله: (ولدته لأقل من نصف حول) أي من وقت الارتداد ط. قوله: (أي الكتابية) فسره به ليعم اليهودية ط. قوله: (إلا إذا جاءت به لأكثر الخ) استثناء من قوله: يرثه أما إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر كان العلوق في حالة الاسلام فيكون مسلما يرث المرتد. درر. قوله: (بالجبر عليه) أي على الاسلام، فالظاهر من حاله أن يسلم درر: أي بخلاف ما إذا اتبع أمه الكتابية لأنها لا تجبر عليه. قوله: (وظهر عليه) بالبناء للمجهول: أي غلب وقهر. قوله: (فئ) أي غنيمة يوضع في بيت المال لا لورثته. بحر. قوله: (لان المرتد لا يسترق) بل يقتل إن لم يسلم. ولا يشكل كون ماله فيئا دون نفسه لان مشركي العرب كذلك. بحر. قوله: (بلا مال) متعلق يلحق. بقي ما إذا لحق ببعض ماله ثم رجع ولحق بالباقي، ومقتضى النظر أن ما لحق به أولا فئ، وما لحق به ثانيا لورثته اه ح. قوله: (في ظاهر الرواية) لان عوده وأخذه ولحاقه ثانيا يرجح جانب عدم العود ويؤكده، فيتقرر موته، وما احتيج للقضاء باللحاق لصيرورته ميراثا إلا ليترجح عدم عوده فتقرر إقامته ثمة فيتقرر موته، فكان رجوعه ثم عوده ثانيا بمنزلة القضاء. وفي بعض روايات السير جعله فيئا، لان بمجرد اللحاق لا يصير المال ملكا للورثة، والوجه ظاهر الرواية، كذا في الفتح تبعا للنهاية والعناية وفخر الاسلام من أن ظاهر الرواية الاطلاق، واعتمده في الكافي، وبه سقط إشكال الزيلعي على النهاية. أفاده في البحر. قوله: (وحكمه) أي حكم المالك القديم إذا وجد ملكه في الغنيمة ما مر في الجهاد من التفصيل المذكور. قوله: (لعدم الفائدة) أي في أخذه ودفع
441 مثله. قوله: (لحق بدارهم) أي بدار أهل الحرب. قوله: (فجاء المرتد مسلما) يعني قبل أداء البدل للابن، إذ لو كان بعده يكون الولاء للابن، وقيد بالكتابة لان الابن إذا دبره ثم جاء الأب مسلما فإن الولاء للابن دون الأب كما في البحر عن التتارخانية، وكأن الفرق أن الكتابة تقبل الفسخ بالتعجيز فلم تكن في معنى العتق من كل وجه، بخلاف التدبير. نهر. قوله: (كلاهما للأب) قال في البحر: أشار به إلى أنه لا يملك فسخ الكتابة لصدورها عن ولاية شرعية، وقد صرح به الزيلعي، وقدمنا عن الخانية أنه يملك إبطال كتابة الوارث قبل أداء جميع البدل، إلا أن يقال: إن مرادهم أنه لا يملك فسخها بمجرد مجيئه من غير أن يفسخها، أما إذا فسخها انفسخت إلا أن جعلهم الوارث كالوكيل من جهته يأباه اه. قوله: (فلحق) أما لو قتل بعد اللحاق ثم جاء تائبا فلا شئ عليه، وكذا لو غصب أو قذف لصيرورته في حكم أهل الحرب. بحر. قوله: (فديته في كسب الاسلام) هذا بناء على رواية الحسن المصححة كما قدمناه من أن دين المرتد يقضي من كسب إسلامه، إلا أن لا يفي، فمن كسب ردته كما يظهر من عبارة البحر، وهذا خلاف ما مشى عليه المصنف كغيره في الدين. قوله: (عن الخانية) صوابه عن التتارخانية: وفيه رد على قول الفتح: لو لم يكن له إلا كسب ردة فقط فجنايته هدر عنده خلافا لهما. قال في البحر والظاهر أنه سهو، ثم قال: وإن كان له الكسبان قالا: يستوفي منهما. وقال الامام: من كسب الاسلام أولا، فإن فضل شئ استوفى من كسب الردة. قوله: (وكذا) ظاهره أن الإشارة إلى ما قبله من وجوبه في كسب الاسلام إن كان الخ وهو صريح عبارة النهر عن الفوائد الظهيرية، لكن في الشرنبلالية عن فوائد الظهيرية: وإن ثبت ذلك بإقراره فعندهما: يستوفي من الكسبين جميعا، وعنده: من كسب الردة، لان الاقرار تصرف منه فيصح في ماله وكسب الردة ماله عنده اه. ومثله في البحر عن التتارخانية. قوله: (كجنايتهم في غير الردة) فيخير السيد بين الدفع والفداء، والمكاتب موجب جنايته في كسبه، وأما الجناية عليهم فهدر. أفاده في البحر. وأما جناية المدبر فستأتي في الجنايات ط. قوله: (فارتد) أفاد أن الردة بعد القطع، فلو قبله لا يضمن قاطعه، إذ لو قتله لا يضمن كما مر. قوله: (والعياذ بالله) مبتدأ وخبر، أو بالنصب مفعول مطلق: أي نعوذ العياذ بالله تعالى. قوله: (ومات منه) أي من القطع: أي مات مرتدا، فلو مسلما فيأتي. قوله: (نصف الدية) أي ضمن دية اليد فقط وذلك نصف دية النفس، ولا يضمن بالسراية إلى النفس شيئا. قوله: (لوارثه) إنما كانت له لأنها بمنزلة كسب الاسلام ط. قوله: (لان السراية الخ) تعليل للمسألة الأولى. وعلل الثانية في الهداية بأنه صا ميتا تقديرا، والموت يقطع السراية، وإسلامه حياة حادثة في التقدير فلا يعود حكم الجناية الأولى اه. وإنما سقط القصاص لاعتراض الردة. قوله: (لأنه في الخطأ على العاقلة) الضمير يرجع إلى ما ذكر من
442 ضمان نصف الدية، وفيه أن العاقلة لاتعقل الأطراف فليتأمل ط. أقول: لم نر من قال ذلك، وإنما المصرح به أن العاقلة لا تعقل ما دون نصف عشر الدية، والواجب هنا نصف الدية فتتحمله العاقلة بلا شبهة. قوله: (كلها) هذا عندهما، وعند محمد: النصف. بحر. قوله: (ارتد القاطع) لما بين حكم المقطوع المرتد أراد بيان حكم القاطع المرتد ط. قوله: (لفوات محل القود) مقتضاه عدم الفرق في القاطع بين أن يرتد أو لا ط. قلت: وقد صرحوا في الجنايات بأن موت القاتل قبل المقتول مسقط للقود. قوله: (فالدية على العاقلة) لأنه حين القطع كان مسلما وتبين أن الجناية قتل. بحر. قوله: (ولا عاقلة لمرتد) اعتراض بأنه لا محل له هنا، بل محله عند قوله: مرتد قتل رجلا خطأ. قلت: أشار بذكره هنا إشارة خفية كما هو عادته شكر الله تعالى سعيه إلى فائدة التقييد بكون الردة بعد القطع في قوله: ارتد القاطع وهي ما لو كان القطع في حال الردة فإنه لا شئ على العاقلة فإنه لا عاقلة للمرتد، فاستغنى بالتعليل عن التصريح بالمعلل لانفهامه مما قبله، ولا تنس قوله في خطبة الكتاب فربما خالفت في حكم أو دليل فحسبه من لا اطلاع له ولا فهم عدولا عن السبيل الخ، فافهم. قوله: (وأخذ بماله) أي أسر مع ماله الذي اكتسبه في زمن ردته. نهر. قوله: (فبدل مكاتبته لمولاه الخ) أما على أصلهما فظاهر، لان كسب الردة ملكه إذا كان حرا فكذا إذا كان مكاتبا، وأما عنده فلان المكاتب إنما يملك أكسابه بالكتابة والكتابة لا تتوقف بالردة، فكذا أكسابه. بحر. قوله: (ولحقا فولد ت) وكذا إذا ولدت قبل الردة ثم لحقا به أو أحدهما إلى دار الحرب فإنه خرج عن الاسلام لأنه كان بالتبعية لهما أو للدار، وقد انعدم الكل فيكون الولد فيئا، ويجبر على الاسلام إذا بلغ كالأم، فإن كان الأب ذهب به وحده والام مسلمة في دار الاسلام لم يكن الولد فيئا لأنه بقي مسلما تبعا لامه. بحر. قوله: (فالولدان فئ كأصلهما) هذا ظاهر في الولد، فإن أمه تسترق والولد يتبع أمه في الحرية والرق. أما ولد الولد فلا يتبعها لأنه لا يتبع الجد كما يأتي وهذه جدة في حكم الجد، ولا أباه لان أباه تبع والتبع لا يستتبع غيره كما يأتي. وأجيب بأنه تبع لامه الحربية، وفيه أنه قد تكون أمه ذمية مستأمنة، فالمناسب كون العلة في كونه فيئا أن حكمه حكم الحربي كما يأتي، فافهم. قوله: (والولد الأول يجبر بالضرب) أي والحبس. نهر. أي بخلاف أبويه فإنهما يجبران بالقتل. قوله: (وإن حبلت به ثمة) أشار إلى أنها لو حبلت به في دار الاسلام يجبر بالأولى. وبه يظهر أن تقييد الهداية بالحبل في دار الحرب غير احترازي. أفاده في البحر. قوله: (لتبعيته لأبويه) أي في الاسلام والردة هما يجبران، فكذا هو وإن اختلفت كيفية الجبر ط. قوله:
443 (لعدم تبعية الجد) ولعدم تبعيته لأبيه، لان ردة أبيه كانت تبعا والتبع لا يستتبع، خصوصا وأصل التبعية ثابتة على خلاف القياس، لأنه لم يرتد حقيقة، ولذا يجبر بالحبس لا بالقتل، بخلاف أبيه. بحر. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية وفي رواية الحسن عنه أنه يتبع الجد. وجه الأول أنه لو تبع الجد لكان الناس كلهم مسلمين تبعا لآدم وحواء عليهما السلام ولم يوجد في ذريتهما كافر غير مرتد، وتمامه في الزيلعي. والمسائل التي يخالف فيها الجد الأب ثلاث عشرة ستأتي في الفرائض، وذكر في البحر منها هنا إحدى عشرة ذكرها المحشي. قوله: (فحكمه كحربي) في أنه يسترق وتوضع عليه الجزية أو يقتل. وأما الجد فيقتل لا محالة لأنه المرتد بالأصالة أو يسلم. بحر عن الفتح. قوله: (لأنه مسلم) أي تبعا لأبيه، ولا يتبع أمه في الرف لعدم تحقق الملك عليها وقت ولادته، بخلاف ما إذا ولدته بعد السبي ط. مطلب في ردة الصبي وإسلامه قوله: (وإذا ارتد صبي عاقل صح) سواء كان إسلامه بنفسه أو تبعا لأبويه ثم ارتد قبل البلوغ فتحرم عليه امرأته ولا يبقى وارثا. قهستاني. ولكن لا يقتل كما مر لان القتل عقوبة وهو ليس من أهلها في الدنيا، ولكن لو قتله إنسان لم يغرم شيئا كالمرأة إذا ارتدت لا تقتل ولا يغرم قاتلها، كما في الفتح عن المبسوط. قوله: (خلافا للثاني) فلا تصح عنده لأنه ضرر محض. وفي التتارخانية عن الملتقى أن الامام رجع إليه، ومثله في الفتح. قوله: (ولا خلاف في تخليده في النار) فالخلاف إنما هو في أحكام الدنيا فقط. بحر. لان العفو عن الكفر دخول الجنة مع الشرك خلاف حكم الشرع والعقل كما في الأصول. قهستاني. قوله: (كإسلامه) فتترتب عليه أحكامه من عصمة النفس والمال وحل الذبح ونكاح المسلمة والإرث من المسلم. قهستاني قوله: (فإنه يصح اتفاقا) أي من أئمتنا الثلاثة، وإلا فقد خالف في صحة إسلامه زفر والشافعي كما في الفتح. فإن قيل: هو غير مكلف. قلنا: إنما يلزم إذا قلنا بوجوبه عليه قبل البلوغ كما عن أبي منصور والمعتزلة، وأنه يقع مسقطا للواجب، لكنا إنما نختار أنه يصح ليترتب عليه الاحكام الدنيوية والأخروية فتح. قوله: (ويجبر عليه بالضرب) أي والحبس كما مر. قلت: والظاهر أن هذا بعد بلوغه، لما مر أن الصبي ليس من أهل العقوبة، ولما في كافي الحاكم: وإن ارتد الغلام المراهق عن الاسلام لم يقتل، فإن أدرك كافرا حبس ولم يقتل. قوله: (وقيل الذي يعقل الخ) قال في الفتح: بين: أي صاحب الهداية أن الكلام في الصبي الذي يعقل الاسلام. زاد في المبسوط كونه بحيث يناظر ويفهم ويفحم اه.
444 قلت: والظاهر أن ما ذكره المصنف بيان لقوله: يعقل الاسلام ومعنى تمييزه المذكور أن يعرف أن الصدق مثلا حسن والكذب قبيح يلام فاعله، وأن العسل حلو والصبر مر، ومعنى كونه بحيث يناظر أن يقول: إن المسلم في الجنة والكافر في النار، وإذا قيل له: لا ينبغي لك أن تخالف دين أبويك، يقول: نعم لو كان دينهما حقا، أو نحو ذلك. ولا يخفى أن ابن سبع لا يعقل ذلك غالبا، ويحتمل أن يكون المراد المناظرة ولو في أمر دنيوي، كما لو اشترى شيئا ودفع إلى البائع الثمن وامتنع البائع من تسليم المبيع قائلا لا أسلمه إلا إلى أبيك لأنك قاصر فيقول له لم أخذت مني الثمن، فإن لم تسلمني المبيع ادفع لي الثمن، فهذا ونحوه من ابن سبع غالبا، وعليه يتحد القولان. تأمل. قوله: (وقد رأيت بفتح تاء المخاطب. قوله: (وسنه سبع) وقيل ثمان وهو الصحيح، وأخرجه البخاري في تاريخه عن عروة، وقيل عشر أخرجه الحاكم في المستدرك، وقيل خمسة عشر وهو مردود، وتمام ذلك مبسوط في الفتح، وهو أول من أسلم من الصبيان الأحرار، ومن الرجال الأحرار أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، وتمام تحقيق ذلك في الدر المنتقى، ونقل عبارته المحشي. قوله: (حتى قال الخ) ذكر في القاموس في مادة ودق. قال المازني: لم يصح أن عليا رضي الله تعالى عنه تكلم بشئ من الشعر غير هذين البيتين. تلكم قريش تمناني لتقتلني، الخ. وصوبه الزمخشري اه. ومقتضاه أن نسبة ما هنا إليه لم تصح. قوله: (ظاهر كلامهم نعم اتفاقا) فائدة وقوعه فرضا عدم فرضية تجديد إقرار آخر بعد البلوغ. قال في الفتح: ومقتضى الدليل أنه يجب عليه بعد البلوغ. ثم قال: لكنهم اتفقوا على أن لا يجب على الصبي بل يقع فرضا قبل البلوغ. أما عند فخر الاسلام فلانه يثبت أصل الوجوب به على الصبي بالسبب، وهو حدوث العالم وعقلية دلالته دون وجوب الأداء لأنه بالخطاب وهو غير مخاطب، فإذا وجد بعد السبب وقع الفرض كتعجيل الزكاة. وأما عند شمس الأئمة: لا وجوب أصلا لعدم حكمه وهو وجوب الأداء، فإذا وجد وجد، فصار كالمسافر يصلي الجمعة يسقط فرضه وليست الجمعة فرضا عليه، لكن ذلك للترفيه عليه بعد سببها، فإذا فعل تم اه. مطلب: هل يجب على الصبي الايمان؟ قوله: (وفي التحرير الخ) هذا قول ثالث. وعبارة التحرير في الفصل الرابع: وعن أبي منصور الماتريدي وكثير من مشايخ العراق والمعتزلة إناطة وجوب الايمان به: أي بعقل الصبي وعقابه بتركه. ونفاه باقي الحنفية دراية لقوله عليه الصلاة والسلام رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل ورواية لعدم انفساخ نكاح المراهقة بعدم وصف الايمان اه. موضحا من شرحه لابن أمير حاج. وقال في أول الفصل الثاني: وزاد أبو منصور إيجابه على الصبي العاقل. ونقلوا عن أبي حنيفة: لو لم يبعث الله تعالى للناس رسولا لوجب عليهم معرفته
445 بعقولهم. وقال البخاريون: لا تعلق لحكم الله تعالى بفعل المكلف قبل البعثة والتبليغ كالأشاعرة، وهو المختار وحكموا بأن المراد من رواية: لا عذر لاحد في الجهل بخالقه، لما يرى من خلق السماوات الأرض وخلق نفسه بعد البعثة، وحينئذ فيجب حمل الوجوب في قول الإمام لوجب عليهم مطلب معرفته على معنى ينبغي، وتمامه في شرحه المذكور. قوله: (لو مات بعده) أي بعد العقل. أأدخل في معنى درويش درويشان قوله: (كفر بعضهم) لان معناه جميع الأشياء مباحة فيدخل فيه ما لا تجوز إباحته فيكون مبيح الحرام وهو كفر، وهذا باطل، لان معناه مسكنة المساكين أو فقر الفقراء فكأنه قال تمسكنا بمسكنة المساكين أو افتقرنا إليك بفقر الفقراء، ولا دلالة فيه قط على ما ذكر، كذا في البزازية. ونازعه في نور العين بأن ما ذكره من المعنى هو معناه الوضعي، أما العرفي الذي جرى عليه اصطلاح الملاحدة والقلندرية فهو أن جميع الأشياء مباحة لك. فالحق أن يكفر القائل إن كان من تلك الفئة، أو أراد ما أرادوه، أو لم يعلم معناه لكنه قاله تقليدا وتشبيها بهم أو يخشى عليه الكفر فيجدد وجوبا أو احتياطا إيمانه، وإن قاله غير عالم ولا متأمل فهو مخطئ يلزمه أن يستغفر، وغاية الامر أن لا يرخص في التكلم بأمثال هذه المقالة اه. ملخصا. قوله: (قيل بكفره) لعل وجهه أنه طلب شيئا لله تعالى والله تعالى غني عن كل شئ، والكل مفتقر ومحتاج إليه، وينبغي أن يرجح عدم التكفير فإنه يمكن أن يقول: أردت أطلب شيئا إكراما لله تعالى اه. شرح الوهبانية. قلت: فينبغي أو يجب التباعد عن هذه العبارة، وقد مر أن ما فيه خلاف يؤمر بالتوبة والاستغفار وتجديد النكاح، لكن هذا إن كان لا يدري ما يقول، أما إن قصد المعنى الصحيح فالظاهر أنه لا بأس به. قوله: (ليس يكفر) فإن الحضور بمعنى العلم شائع * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) * (سورة المجادلة: الآية 7) والنظر بمعنى الرؤية * (ألم يعلم بأن الله يرى) * (سورة العلق: الآية 41) فالمعنى: يا عالم من يرى. بزازية. مطلب في مستحل الرقص قوله: (ومن يستحل الرقص قالوا بكفره) المراد به التمايل والخفض والرفع بحركات موزونة كما يفعله بعض من ينتسب إلى التصوف. وقد نقل في البزازية عن القرطبي إجماع الأئمة على حرمة هذا الغناء وضرب القضيب والرقص. قال: ورأيت فتوى شيخ الاسلام جلال الملة والدين الكرماني أن مستحل هذا الرقص كافر، وتمامه في شرح الوهبانية. ونقل في نور العين عن التمهيد أنه فاسق لا كافر. ثم قال: التحقيق القاطع للنزاع في أمر الرقص والسماع يستدعي تفصيلا ذكره في عوارف المعارف وإحياء العلوم، وخلاصته ما أجاب به العلامة النحرير ابن كمال باشا بقوله: ما في التواجد إن حققت من حرج ولا التمايل إن أخلصت من باس فقمت تسعى على رجل وحق لمن دعاه مولاه أن يسعى على الرأس
446 الرخصة فيما ذكر من الأوضاع، عند الذكر والسماع، للعارفين الصارفين أوقاتهم إلى أحسن الأعمال، السالكين المالكين لضبط أنفسهم عن قبائح الأحوال، فهم لا يستمعون إلا من الاله، ولا يتشاقون إلا له، إن ذكروه ناحوا وإن شكروه باحوا، وإن وجدوه صاحوا، وإن شاهدوه استراحوا، وإن سرحوا في حضرة قربه ساحوا، إذا غلب عليهم الوجد بغلباته، وشربوا من موارد إرادته، فمنهم من طرقتهم طوارق الهيبة فخر وذاب، ومنهم من برقت له بوارق اللطف فتحرك وطاب، ومنهم من طلع عليه الحب من مطلع القرب فسكر وغاب، هذا ما عن لي في الجواب، والله تعالى أعلم بالصواب. ومن يك وجده وجدا صحيحا * فليحتج إلى قول المغني له من ذاته طرب قديم * وسكر دائم من غير دن مطلب في كرامات الأولياء قوله: (ومن لولي الخ) من مبتدأ وقال صلته وجهول خبره ولولي متعلق بيجوز، وطي مبتدأ خبره يجوز وأصل التركيب: ومن قال طي مسافة يجوز لولي جهول، وهذا قول الزعفراني، والقائل بكفره هو ابن مقاتل ومحمد بن يوسف ط. قوله: (وإثباتها الخ) قال في البزازية: وقد ذكر علماؤنا أن ما هو من المعجزات الكبار: كإحياء الموتى، وقلب العصا حية، وانشقاق القمر، وإشباع الجمع من الطعام، وخروج الماء من بين الأصابع لا يمكن إجراؤه كرامة للولي، وطي المسافة من لقوله عليه الصلاة والسلام: زويت لي الأرض فلو جاز لغيره لم يبق فائدة للتخصيص، لكن في كلام القاضي أبي زيد ما يدل على أنه ليس بكفر اه. قلت: ويدل له ما قالوا فيمن كان بالمشرف وتزوج امرأة بالمغرب فأتت بولد يلحقه، فتأمل. وفي التتارخانية أن هذه المسألة تؤيد الجواز. وقد قال العلامة التفتازاني بعد أن حكى عن أكثر المعتزلة المنع من إثبات الكرامات للأولياء، وأن الأستاذ أبا إسحاق يميل إلى قريب من مذهبهم، وحكى ما قدمناه، وأن إمام الحرمين قال: المرضي عندنا تجويز جميلة خوارق العادات في معرض الكرامات. ثم قال: نعم قد يرد في بعض المعجزات نص قاطع، على أن أحدا لا يأتي بمثله أصلا كالقرآن، ثم ذكر بقية الأقوال، ثم قال: والانصاف ما ذكره الامام النسفي حين سئل عما يحكى أن الكعبة كانت تزور واحدا من الأولياء، هل يجوز القول به فقال: نقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جاز عند أهل السنة. قلت: النسفي هذا هو الامام نجم الدين عمر مفتي الإنس والجن، رأس الأولياء في عصره اه. من شرح الوهبانية. وتمامه فيه، والله سبحانه أعلم. باب البغاة أخره لقلة وجوده، ولبيان حكم من يقتل من المسلمين بعد من يقتل من الكفار. بحر. قلت: ولم يترجم له بكتاب إشارة إلى دخوله تحت كتاب الجهاد، لان القتال معهم في سبيل الله تعالى ولذا كان المقتول منا شهيدا كما سيأتي، إذا لا يختص الجهاد بقتال الكفار، وبه اندفع ما
447 في النهر. قال في الفتح: والبغاة جمع باغ، وهذا الوزن مطرد في كل اسم فاعل معتل اللام كغزاة ورماة وقضاة اه. وإنما جمعه لأنه قلما يوجد واحد يكون له قوة الخروج. قهستاني. قوله: (البغي لغة الطلب الخ) عبارة الفتح: البغي في اللغة: الطلب، بغيت كذا: أي طلبته. قال تعالى حكاية ذلك ما كنا نبغ ثم اشتهر في العرف في طلب ما لا يحل من الجور والظلم. والباغي في عرف الفقهاء: الخارج على أمام الحق (1) اه. لكن في المصباح: بغيته أبغيه بغيا: طلبته، وبغى على الناس بغيا: ظلم واعتدى فهو باغ والجمع بغاة، وبغى: سعى في الفساد، ومنه الفرقة الباغية لأنها عدلت عن القصد، وأصله من بغى الجرح: إذا ترامى إلى الفساد اه. وفي القاموس: الباغي: الطالب، وفئة باغية: خارجة عن طاعة الإمام العادل اه. قال في البحر: فقوله في فتح القدير: الباغي في عرف الفقهاء الخارج عن إمام الحق تساهل، لما علمت أنه في اللغة أيضا اه. قلت: قد اشتهر أن صاحب القاموس يذكر المعاني العرفية مع المعاني اللغوية، وذلك مما عيب به عليه، فلا يدل ذكره لذلك أنه معنى لغوي، ويؤيده أهل اللغة لا يعرفون معنى الإما الحق الذي جاء في الشرع بعد اللغة، نعم قد يعترض على الفتح بأن كلامه يقتضي اختصاص البغي بمعنى الطلب، وأن استعماله في الجور والظلم معنى عرفي فقط، وقد سمعت أنه لغوي أيضا. وقد يجاب بأن مراده بقوله: ثم اشتهر في العرب الخ العرف اللغوي، وأن الأصل: ومدار اللفظ على معنى الطلب، لكن ينافيه قول المصباح: وأصله من بغى الجرح الخ، فتأمل. قوله: (وشرعا هم الخارجون) عطفه على ما قبله يقتضي أن يكون التقدير والبغي شرعا هم الخارجون هو فاسد، كما أفاده ح، فكان المناسب أن يقول: فالبغاة عرفا: الطالبون لما لا يحل من جور وظلم، وشرعا الخ. أفاده ط. ويمكن أن يكون على تقدير مبتدأ: أي والبغاة شرعا الخ. قوله: (على الإمام الحق) الظاهر أن المراد به ما يعم المتغلب، لأنه بعد استقرار سلطنته ونفوذ قهره لا يجوز الخروج عليه كما صرحوا به، ثم رأيت في الدر المنتقى قال: إن هذا في زمانهم، وأما في زماننا فالحكم للغلبة، لان الكل يطلبون الدنيا فلا يدرى العادل من الباغي كما في العمادية اه. وقوله: بغير حق أي في نفس الامر، وإلا فالشرط اعتقادهم أنهم على حق بتأويل وإلا فهم لصوص، ويأتي تمام بيانه. قوله: (وتمامه في جامع الفصولين) حيث قال في أول الفصل الأول: بيانه أن المسلمين إذا اجتمعوا على إمام وصاروا آمنين به فخرج عليه طائفة من المؤمنين، فإن فعلوا ذلك لظلم ظلمهم به فهم ليسوا من أهل البغي وعليه أيترك الظلم وينصفهم، ولا ينبغي للناس أن يعينوا الامام عليهم لان فيه إعانة على الظلم، ولا أن يعينوا تلك الطائفة على الامام أيضا لان فيه إعانة على خروجهم على الامام، وإن لم يكن ذلك لظلم ظلمهم ولكن لدعوى الحق والولاية فقالوا: الحق معنا فهم أهل البغي، فعلى كل من يقوى على القتال أن ينصروا إمام المسلمين على هؤلاء الخارجين، لأنهم ملعونون
(1) قوله: (عن امام الحق) الذي في عبارة الفتح على امام الحق كما نقله هو قبل ذلك بأسطر، والخطب سهل ا ه مصححه. 448 على لسان صاحب الشرع، قال عليه الصلاة والسلام: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها فإن كانوا تكلموا بالخروج لكن لم يعزموا على الخروج بعد، فليس للامام أن يعترض لهم، لان العزم على الجناية لم يوجد بعد، كذا ذكر في واقعات اللامشي، وذكر، القلانسي في تهذيبه قال بعض المشايخ: لولا علي رضي الله عنه ما درينا القتال مع أهل القبلة، وكان علي ومن تبعه من أهل العدل وخصمه من أهل البغي، وفي زماننا الحكم للغلبة ولا تدري العادلة والباغية كلهم يطلبون الدنيا اه ط. لكن قوله: ولا أن يعينوا تلك الطائفة على الامام، فيه كلام سيأتي. قوله: (قطاع طريق) وهم قسمان: أحدهما الخارجون بلا تأويل بمنعة وبلا منعة، يأخذون أموال المسلمين ويقتلونهم ويخيفون الطريق. والثاني قوم كذلك، إلا أنهم لا منعة لهم لكن لهم تأويل، كذا في الفتح، لكنه عد الأقسام أربعة، وجعل هذا الثاني قسما منهم مستقلا ملحقا بالقطاع من جهة الحكم. وفي النهر: هنا تحريف فتنبه له. قوله: (وبغاة) هم كما في الفتح قوم مسلمون خرجوا على إمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم اه. والمراد خرجوا بتأويل وإلا فهم قطاع كما علمت. وفي الاختيار: أهل البغي كل فئة لهم منعة يتغلبون ويجتمعون ويقاتلون أهل العدل بتأويل ويقولون الحق معنا ويدعون الولاية اه. قوله: (وخوارج وهم قوم الخ) الظاهر أن المراد تعريف الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه، لان مناط الفرق بينهم وبين البغاة هو استباحتهم دماء المسلمين وذراريهم بسبب الكفر، إذ لا تسبى الذراري ابتداء بدون كفر، لكن الظاهر من كلام الاختيار وغيره أن البغاة أعم، فالمراد بالبغاة ما يشمل الفريقين، ولذا فسر في البدائع البغاة بالخوارج لبيان أنهم منهم وإن كان البغاة أعم، وهذا من حيث الاصطلاح، وإلا فالبغي والخروج متحققان في كل من الفريقين على السوية، ولذا قال علي رضي الله تعالى عنه في الخوارج: إخواننا بغوا علينا. قوله: (لهم منعة) بفتح النون: أي عزة في قومهم فلا يقدر عليهم من يريدهم مصباح. قوله: (بتأويل) أي بدليل يؤولونه على خلاف ظاهره، كما وقع للخوارج الذين خرجوا من عسكر علي عليه بزعمهم أنه كفر هو ومن معه من الصحابة، حيث حكم جماعة في أمر الحرب الواقع بينه وبين معاوية وقالوا: إن الحكم إلا الله، ومذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر، وأن التحكيم كبيرة لشبه قامت لهم استدلوا بها مذكورة مع ردها في كتب العقائد. مطلب في أتباع عبد الوهاب الخوارج في زماننا قوله: (ويكفرون أصحاب نبينا (ص)) علمت أن هذا غير شرط في مسمى الخوارج، بل هو بيان لمن خرجوا على سيدنا علي رضي الله تعالى عنه، وإلا فيكفي فيهم اعتقادهم كفر من خرجوا عليه، كما وقع في زماننا في اتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم، حتى كسر الله تعالى شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف. قوله: (كما حققه في الفتح) حيث قال:
449 وحكم الخوارج عند جمهور الفقهاء والمحدثين حكم البغاة. وذهب بعض المحدثين إلى كفرهم. قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم، وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء. مطلب في تكفير الخوارج وأهل البدع وقد ذكر في المحيط أن بعض الفقهاء لا يكفر أحدا من أهل البدع. وبعضهم يكفر من خالف منهم ببدعته دليلا قطعيا ونسبه إلى أكثر أهل السنة، والنقل الأول أثبت، نعم يقع في كلام أهل مذهب تكفير كثير، لكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم. مطلب: لا عبرة بغير الفقهاء: يعني المجتهدين ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا، وابن المنذر أعرف بنقل مذاهب المجتهدين اه. لكن صرح في كتابه المسايرة بالاتفاق على تكفير المخالف فيما كان من أصول الدني وضرورياته: كالقول بقدم العالم، ونفي حشر الأجساد، ونفي العلم بالجزئيات، وأن الخلاف في غيره كنفي مبادئ الصفات، ونفي عموم الإرادة، والقول بخلق القرآن الخ. وكذا قال في شرح منية المصلي: إن ساب الشيخين ومنكر خلافتهما ممن بناه على شبهة له لا يكفر، بخلاف من ادعى أن عليا إله وأن جبريل غلط، لان ذلك ليس عن شبهة واستفراغ وسع في الاجتهاد بل محض هوى اه. وتمامه فيه. قلت: وكذا يكفر قاذف عائشة ومنكر صحبة أبيها، لان ذلك تكذيب صريح القرآن كما مر في الباب السابق. قوله: بخلاف المستحل بلا تأويل) أي من يستحل دماء المسلمين وأموالهم ونحو ذلك، مما كان قطعي التحريم ولم يبنه على دليل كما بناه الخوارج كما مر، لأنه إذا بناه على تأويل دليل من كتاب أو سنة كان في زعمه اتباع الشرع لا معارضته ومنابذته، بخلا ف غيره. قوله: (والامام) أي الإمام الحق الذي ذكره أولا ولم يذكر شروطه استغناء بما قدمه في باب الإمامة من كتاب الصلاة، وقدمنا الكلام عليها هناك، فراجعها. مطلب: الامام يصير إماما بالمبايعة أو بالاستخلاف ممن قبله قوله: (يصير إماما بالمبايعة) وكذا باستخلاف إمام قبله، وكذا بالتغلب والقهر كما في شرح المقاصد. قال في المسايرة: ويثبت عقد الإمامة إما باستخلاف الخليفة إياه كما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وإما ببيعه جماعة من العلماء أو من أهل الرأي والتدبير. وعند الأشعري: يكفي الواحد من العلماء المشهورين من أولي الرأي بشرط كونه بمشهد شهود لدفع الانكار إن وقع. وشرط المعتزلة خمسة. وذكر بعض الحنفية اشتراط جماعة دون عدد مخصوص اه. ثم قال: لو تعذر وجود العلم والعدالة فيمن تصدى للإمامة وكان في صرفه عنها إثارة فتنة لا تطاق حكمنا بانعقاد إمامته كي لا تكون كمن يبني قصرا ويهدم مصرا، وإذا تغلب آخر على المتغلب وقعد مكانه انعزل الأول وصار الثاني إماما وتجب طاعة الامام عادلا كان أو جائرا إذا لم يخالف الشرع، فقد علم أنه يصير إماما بثلاثة أمور، لكن الثالث في الامام المتغلب وإن لتكن فيه شروط الإمامة، وقد يكون بالتغلب مع المبايعة وهو الواقع في سلاطين الزمان نصرهم الرحمن. قوله: (وبأن ينفذ حكمه) أي يشترط مع وجود
450 المبايعة نفاذ حكمه، وكذا هو شرط أيضا مع الاستخلاف فيما يظهر، بل يصير إماما بالتغلب ونفاذ الحكم والقهر بدون مبايعة أو استخلاف كما علمت. قوله: (فلا يفيد) أي لا يفيد عزله. مطلب فيما يستحق به الخليفة العزل قوله: (وإلا ينعزل به) أي إن لم يكن له قهر ومنعه ينعزل به: أي بالجور. قال في شرح المقاصد: ينحل عقد الإمامة بما يزول به مقصود الإمامة كالردة والجنون المطبق، وصيرورته أسيرا لا يرجى خلاصه، وكذا بالمرض الذي ينسبه المعلوم، وبالعمي والصمم والخرس، وكذا بخلعه نفسه لعجزه عن القيام بمصالح المسلمين وإن لم يكن ظاهرا بل استشعره من نفسه، وعليه يحمل خلع الحسن نفسه. وأما خلعه لنفسه بلا سبب ففيه خلاف، وكذا في انعزاله بالفسق. والأكثرون على أنه لا ينعزل، وهو المختار من مذهب الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى. وعن محمد روايتان، ويستحق العزل بالاتفاق اه. وقال في المسايرة: وإذا قلد عدلا ثم جار وفسق لا ينعزل، ولكن يستحق العزل إن لم يستلزم فتنة اه. وفي المواقف وشرحه: إن للأمة خلع الامام وعزله بسبب يوجبه، مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين كما كان لهم نصبه وإقامته لانتظامها وإعلائها، وإن أدى خلعه إلى فتنة احتمل أدنى الضرتين اه. قوله: (فإذا خرج جماعة مسلمون) قيد بذلك لان أهل الذمة إذا غلبوا على بلدة صاروا أهل حرب كما مر، ولو قاتلونا مع أهل البغي لم يكن ذلك نقضا للعهد منهم، وهذا لا يرد على المصنف لأنهم أتباع للبغاة المسلمين. نهر: أي فلهم حكمهم بطريق التبعية. قوله: (عن طاعته) أي طاعة الامام، وقيده في الفتح بأن يكون الناس به في أمان والطرقات آمنة اه. ومثله ما ذكره عن الدرر، وجهه أنه إذا لم يكن كذلك يكون عاجزا أو جائرا ظالما يجوز الخروج عليه وعزله إن لم يلزم منه فتنة كما علمته آنفا. قوله: (وغلبوا على بلد) الظاهر إن ذكر البلد بيان للواقع غالبا، لان المدار على تجمعهم وتعسكرهم، وهو لا يكون إلا في محل يظهر فيه قهرهم والغالب كونه بلدة، فلو تجمعوا في برية فالحكم كذلك. تأمل. قوله: (أي إلى طاعته) أشار إلى أنه على تقدير مضاف. قوله: (وكشف شبهتهم استحبابا) أي بأن يسألهم عن سبب خروجهم، فإن كان لظلم منه أزاله، وإن لدعوى أن الحق معهم والولاية لهم فهم بغاة فلو قاتلهم بلا دعوة جاز، لأنهم علموا ما يقاتلون عليه كالمرتدين وأهل الحرب بعد بلوغ الدعوة. بحر. قوله: (فإن تحيزوا مجتمعين) أي مالوا إلى جهة مجتمعين فيها أو إلى جماعة، وهذا في معنى قوله: وغلبوا على بلد فكان أحدهما يغني عن الآخر على ما قلنا. قوله: (حل لنا قتالهم بدءا) هذا اختيار لما نقله خواهر زاده عن أصحابنا أنا نبدؤهم قبل أن يبدؤونا، لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم (ربما) لا يمكنه الدفع، فيدار على الدليل ضرورة دفع شرهم. ونقل القدوري أنه لا يبدؤهم حتى يبدؤوه. وظاهر كلامهم أن المذهب الأول، بحر. ولو اندفع شرهم بأهون من القتل وجب بقدر ما يندفع به شرهم. زيلعي.
451 مطلب في وجوب طاعة الامام قوله: (افترض عليه إجابته) والأصل فيه قوله تعالى: * (وأولي الأمر منكم) * (سورة النساء: الآية 95) وقال (ص): اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع وروى مجدع وعن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: عليكم بالسمع والطاعة لكل من يؤمر عليكم ما لم يأمركم بمنكر ففي المنكر لا سمع ولا طاعة، ثم إذا أمر العسكر بأمر فهو على وجه: إن علموا أنه نفع بيقين أطاعوه، وإن علموا خلافه كأن كان لهم قوة وللعدو مدد يلحقهم لا يطيعونه، وإن شكوا لزمهم إطاعته، وتمامه في الذخيرة. قوله: (وإلا لزم بيته) أي إن لم يكن قادرا، وعليه يحمل ما روي عن جماعة من الصحابة، أنهم قعدوا في الفتنة، وربما كان بعضهم في تردد من حل القتال. والمروي عن أبي حنيفة من قول الفتنة: إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة ويقعد في بيته محمول على ما إذا لم يكن لهم إمام. وما روى إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار محمول على اقتتالهما حمية وعصبية كما يتفق بين أهل قريتين ومحلتين، أو لأجل الدنيا والملك، وتمامه في الفتح. قوله: (وفي المبتغى الخ) موافق لما مر من جامع الفصولين، ومثله في السراج، لكن في الفتح: ويجب على كل من أطاق الدفع أن يقاتل مع الامام، إلا أن أبدوا ما يجوز لهم القتال كان ظلمهم أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه، بل يجب أن يعينوهم حتى ينصفهم ويرجع عن جوره، بخلاف ما إذا كان الحال مشتبها أنه ظلم مثل تحميل بعض الجبايات التي للامام أخذها وإلحاق الضرر بها لدفع ضرر أعم منه اه. قلت: ويمكن التوفيق بأن وجوب إعانتهم إذا أمكن امتناعه عن بغيه، وإلا فلا كما يفيده قول المبتغى، ولا يمتنع عنه. تأمل. قوله: (ولو طلبوا الموادعة) أي الصلح من ترك قتالهم ط. قوله: (ولا يؤخذ منهم شئ) أي على الموادعة لأنهم مسلمون، ومثله في المرتدين. قوله: (لا نقتل رهونهم) أي وإن وقع الشرط على أن أيهما غدر يقتل الآخرون الرهن، لأنهم صاروا آمنين بالموادعة أو بإعطاء الأمان لهم حين أخذناهم رهنا، والغدر من غيرهم لا يؤاخذون به، والشرط باطل، وتمامه في الفتح. قوله: (أو يصيروا ذمة لنا) أو بمعنى إلا، فلذلك حذف النون ح. قوله: (أجهز على جريحهم) بالبناء للمفعول فيه وفي اتبع. قوله: (أي أتم قتله) في المصباح: جهزت على الجريح من
452 باب نفع، وأجهزت إجهازا: أتممت عليه وأسرعت قتله. قوله: (واتبع موليهم) اي هاربهم لقتله أو أسره كي لا يلحق هو أو الجريح بفئته. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن لهم فئة يلحقون بها لا يجهز ولا يتبع. قوله: (إن شاء قتله) أي إن كان له فئة وإلا لا كما في القهستاني عن المحيط. قال في الفتح: ومعنى هذا الخيار أن يحكم نظره فيما هو أحسن الامرين في كسر الشوكة لا بهوى النفس والتشفي. قوله: (كنساء وشيوخ) أدخلت الكاف الصبيان والعميان كما في البحر ط. قوله: (ما لم يقاتلوا) أي فيقتلون حال القتال وبعد الفراغ إلا الصبيان والمجانين. بحر. قوله: (ولا يقتل) أي يكره له كما في الفتح. قوله: (ما لم يرد قتله) فإذا أراده فله دفعه ولو بقتله، وله أن يتسبب ليقتله غيره كعقر دابته، بخلاف أهل الحرب فله أن يقتل محرمه منهم مباشرة إلا الوالدين. بحر: أي فإنه لا يجوز له قتل الوالدين الحربيين مباشرة، بل له منعهما ليقتلهما غيره إلا إذا أراد قتله ولا يمكن دفعه إلا بالقتل فله قتلهما مباشرة كما مر أول الجهاد. والحاصل أن المحرم هنا كالوالدين، بخلاف أهل الحرب، فإن له قتل المحرم فقط. والفرق كما في الفتح أنه اجتمع في الباغي حرمتان: حرمة الاسلام، وحرمة القرابة. وفي الكافر حرمة القرابة فقط. قوله: (ولم تسب لهم ذرية) أي أولاد صغار، وكذا النساء، لان الاسلام يمنع الاسترقاق ابتداء كما في الزيلعي. قوله: (وبيع الكراع أولى) بضم الكاف، من تسمية الشئ باسم بعضه، لما في المصباح أن الكراع من الغنم والبقر مستدق الساعد بمنزلة الوظيف من الفرس، وهو مؤنث يجمع على أكرع والأكرع على أكارع. قال الأزهري: الأكارع للدابة قوائمها. قوله: (لأنه أنفع) أي أنفع من إمساكه والانفاق عليه من بيت المال، أو للرجوع على صاحبه كما يفيده كلام البحر. قوله: (وألقى السلاح) فعل ماض معطوف على قال. قوله: (فمتى ألقاه الخ) قال في الفتح: وما لم يلق السلاح في صورة من الصور كان له قتله، ومتى ألقاه كف عنه، بخلاف الحربي لا يلزمه الكف عنه بإلقاء السلاح. قوله: (فلا شئ فيه) أي لا دية ولا قصاص إذا ظهرنا عليهم. فتح. قوله: (لكونه مباح الدم) ألا ترى أن العادل إذا قتله لا يجب عليه شئ، ولان القصاص لا يستوفى إلا بالولاية وهي بالمنفعة، ولا ولاية لامامنا عليهم فلم يجب شئ وصار كالقتل في دار
453 الحرب. وعند الأئمة الثلاثة يقتل به فتح. (فلا إثم أيضا). أخذه في النهر من ظاهر كلام الفتح ومثله في البحر، فتأمله قوله: (وقتلانا شهداء) أي فيصنع بهم ما يصنع بالشهداء كما في. قوله: (بل يكفنون) أي بعد أن يغسلوا كما في البحر ح. قوله: (لأنها مثلة) أي لأن هذه الهيئة: أو أنثه لتأنيث الخبر: أي والمثلة منهي عنهما. قوله: (وجوزه بعض المتأخرين) لمنع كونه مثلة. قال في البحر: ومنعه في المحيط في رؤوس البغاة، وجوزه في رؤوس أهل الحرب. قوله: (إن لم يجر الخ) أي بأن أخرجهم إمام العدل قبل تقرر حكمهم لأنه حينئذ لم تنقطع ولاية الامام فوجب القود. فتح. قوله: (وإن جرى لا) أي لا يقتل به ولكن يستحق عذاب الآخرة. فتح. قوله: (مطلقا) يفسره ما بعده. قال في البحر: إذا قتل عادل باغيا فإنه يرثه، ولا تفصيل فيه لأنه قتله بحق فلا يمنع الإرث. وأصله أن العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم، لأنه مأمور بقتالهم دفعا لشرهم، كذا في الهداية ونحوه في البدائع. وفي المحيط: العادل لو أتلف مال الباغي يضمن لأنه معصوم في حقنا. ووفق الزيلعي بحمل الأول على إتلافه حال القتال بسبب القتال، إذ لا يمكنه أن يقتلهم إلا بإتلاف شئ من أموالهم كالخيل، وأما في غير هذه الحالة فلا معنى لمنع الضمان لعصمة أموالهم اه. ملخصا. قلت: ويظهر لي التوفيق بوجه آخر، وهو حمل الضمان على ما قبل تحيزهم وخروجهم أو بعد كسرهم وتفرق جمعهم، أما إذا تحيزوا لقتالنا مجتمعين فإنهم غير معصومين بدليل حل قتالنا لهم، ويدل عليه تعليل الهداية بالامر بقتالهم، إذ لا يؤمر بقتالهم إلا في هذه الحالة. فلو أتلف العادل منهم شيئا في هذه الحالة لا يضمنه لسقوط العصمة، بخلاف غيرها فإنه يضمن لأنه حينئذ معصوم في حقنا، ولم أر من ذكر هذا التوفيق، والله تعالى الموفق. قوله: (وبالعكس) أي إذا قتل باغ عادلا. قوله: (وقت قتله) متعلق بقوله: أنا على باطل فكان عليه أن يذكره عقبه، إذ لا يلزم قوله ذلك وقت قتله، بل اللازم اعتقاد ذلك وقته، لكن قد يأتي لفظ قال بمعنى اعتقد تأمل. وعبارة البحر: وإن قال قتلته وأنا أعلم أني على باطل لم يرثه. اتفاقا أي من أبي يوسف وصاحبيه. قوله: (لعدم الشبهة) وهي التأويل باعتقاد كونه على حق. قوله: (ورثه) أي خلافا لأبي يوسف لأنه أتلف بتأويل فاسد، والفاسد منه ملحق بالصحيح إذا ضمت إليه المنعة في حق الدفع كما في منعة أهل الحرب وتأويلهم. والحاصل أن نفي الضمان منوط بالمنعة مع التأويل، فلو تجردت المنعة عن التأويل كقوم تغلبوا على بلدة فقتلوا واستهلكوا الأموال بلا تأويل ثم ظهر عليهم أخذوا بجميع ذلك، ولو انفرد التأويل عن المنعة بأن انفرد واحد واثنان فقتلوا وأخذوا عن تأويل ضمنوا إذا تابوا وقدر عليهم،
454 وتمامه في الفتح والزيلعي. وفي الاختيار: وما أصاب كل واحد من الفريقين من الآخر من دم أو جراحة أو استهلاك مال فهو موضوع لا دية فيه ولا ضمان ولا قصاص، وما كان قائما في يد كل واحد من الفريقين للآخر فهو لصاحبه. قال محمد رحمه الله تعالى: إذا تابوا أفتيهم أن يغرموا، ولا أجبرهم على ذلك لأنهم أتلفوه بغير حق، فسقوط المطالبة لا يسقط الضمان فيما بينه وبين الله تعالى، وقال أصحابنا: ما فعلوه قبل التحيز والخروج وبعد تفرق جمعهم يؤخذون به لأنهم من أهل دارنا، ولا منعة لهم كغيرهم من المسلمين، أما ما فعلوه بعد التحيز لا ضمان فيه لما بيننا اه. قلت: فتحصل من ذلك كله أن أهل البغي إذا كانوا كثيرين ذوي منعة وتحيزوا لقتالنا معتقدين حله بتأويل سقط عنهم ضمان ما أتلفوه من دم أو مال دون ما كان قائما، ويضمنون كل ذلك إذا كانوا قليلين لا منعة لهم أو قبل تحيزهم أو بعد تفرق جمعهم، وتقدم أن ما أتلفه أهل العدل لا يضمنونه، وقيل يضمنونه وقدمنا التوفيق. قوله: (تبطل ديانته) أي تأويله الذي كان يتدين به وأسقطنا ضمانه بسببه، فإذا رجع ظهر أنه لا تأويل له فلا يرث ويضمن ما أتلف. وفي عامة النسخ ديانة بدون ضمير، وهو تحريف، والموافق لما في ابن كمال عن غاية البيان هو الأول. قوله: (عمدا) ليس في كلام الفتح، ولكن حمله عليه في النهر لأنه المراد بدليل التعليل. ثم قال في النهر: وينبغي أن لا يرث منه، وهذه ترد على إطلاق المصنف. قوله: (كما في المستأمن) أي كما لو قتل المسلم مستأمنا في دارنا. فتح. قوله: (لبقاء شبهة الإباحة) علة لعدم وجوب القصاص المفهوم من وجوب الدية اه ح. مطلب في كراهة بيع ما تقوم المعصية بعينه قوله: (تحريما) بحث لصاحب البحر حيث قال: وظاهر كلامهم أن الكراهة تحريمية لتعليلهم بالإعانة على المعصية ط. قوله: (من أهل الفتنة) شمل البغاة وقطاع الطريق واللصوص. بحر. قوله: (إن علم) أي إن علم البائع أن المشتري منهم. قوله: (لأنه إعانة على المعصية) لأنه يقاتل بعينه، بخلاف ما لا يقاتل به إلا بصنعة تحدث فيه كالحديد ونظيره كراهة بيع المعازف لان المعصية تقام بها عينها، ولا يكره بيع الخشب المتخذة هي منه، وعلى هذا بيع الخمر لا يصح ويصح بيع العنب، والفرق في ذلك كله ما ذكرنا. فتح. ومثله في البحر عن البدائع، وكذا في الزيلعي لكنه قال بعده: وكذا لا يكره بيع الجارية المغنية والكبش النطوح والديك المقاتل والحمامة الطيارة، لأنه ليس عينها منكرا وإنما المنكر في استعمالها المحظور اه. قلت: لكن هذه الأشياء تقام المعصية بعينها، لكن ليست هي المقصود الأصلي منها، فإن عين الجارية للخدمة، مثلا والغناء عارض فلم تكن عين المنكر، بخلاف السلاح فإن المقصود الأصلي منه هو المحاربة به فكان عينه منكرا إذا بيع لأهل الفتنة، فصار المراد بما تقام المعصية به ما كان عينه منكر بلا عمل صنعة فيه، فخرج نحو الجارية المغنية لأنها ليست عين المنكر، ونحو الحديد والعصير لأنه وإن كان يعمل منه عين المنكر لكنه بصنعة تحدث فلم يكن عينه، وبهذا ظهر أن بيع الأمرد ممن يلوط به مثل الجارية المغنية فليس مما تقوم المعصية بعينه، خلافا لما ذكره
455 المصنف والشارح في باب الحظر والإباحة، ويأتي تمامه قريبا. قوله: (يكره لأهل الحرب) مقتضى ما نقلناه عن الفتح عدم الكراهة، إلا أن يقال: المنفي كراهة التحريم والمثبت كراهة التنزيه، لان الحديد وإن لم تقم المعصية بعينه لكن إذا كان بيعه ممن يعمله سلاحا كان فيه نوع إعانة. تأمل. قوله: (نهر) عبارته: وعرف بهذا أنه لا يكره بيع ما لم تقم المعصية به كبيع الجارية المغنية والكبش النطوح والحمامة الطيارة والعصير والخشب الذي يتخذ منه المعازف، وما في بيوع الخانية من أنه يكره بيع الأمرد من فاسق يعلم أنه يعصي به مشكل. والذي جزم به في الحظر والإباحة أنه لا يكره بيع جارية ممن يأتيها في دبره أو بيع الغلام من لوطي وهو الموافق لما مر. وعندي أن ما في الخانية محمول على كراهة التنزيه والمنفي هو كراهة التحريم، وعلى هذا فيكره في الكل تنزيها، والذي إليه تطمئن النفس لأنه تسبب في الإعانة، ولم أر من تعرض لهذا، والله تعالى الموفق اه. قوله: (ينفذ) بالتشديد مبنيا للمجهول. قوله: (لو عادلا) أي لو كان حكم قاضيهم عادلا: أي على مذهب أهل العدل. قال في الفتح: وإذا ولى البغاة قاضيا على مكان غلبوا عليه فقضى ما شاء ثم ظهر أهل العدل فرفعت أقضيته إلى قاضي العدل نفذ منها ما هو عدل، وكذا ما قضى برأي بعض المجتهدين، لان قضاء القاضي في المجتهدات نافذ وإن كان مخالفا لرأي قاضي العدل اه. قوله: (ولو كتب قاضيهم الخ) محله إذا كان من أهل العدل، وإلا لا يقبل كتابه لفسقه كما في الفتح. وأفاد صحة تولية البغاة القضاء كما سيأتي في بابه، والله سبحانه أعلم
456 كتاب اللقيط أي كتاب لقط اللقيط. قهستاني، والأولى قول الحموي كتاب في بيان أحكام اللقيط، لان الكتاب معقود لبيان ما هو أعم من لقطه كنفقته وجنايته وإرثه وغير ذلك ط. قوله: (عقبه مع اللقطة بالجهاد) تبع في هذا التعبير صاحب النهر، وفيه قلب، وصوابه عقب الجهاد به مع اللقطة ط. قلت: لكن في المصباح: كل شئ جاء بعد شئ فقد عاقبه وعقبه تعقيبا، ثم قال: وعقبت زيدا عقبا من باب قتل وعقوبا جئت بعده، ثم قال: والسلام يعقب التشهد: أي يتلوه، فهو عقيب اه. فعلى هذا إذا قلت أعقبت زيدا عمرا كان معناه: جعلت زيدا تاليا لعمرو، لان زيدا فاعل في الأصل كما في ألبست زيدا جبة، وكذا تقول أعقبت السلام التشهد: أي أتيت بالسلام بعد التشهد، ومثله أعقبت السلام بالتشهد بزيادة الباء، وعليه فقوله عقب اللقيط بالجهاد معناه: أتى به عقب الجهاد فلا قلب فيه، هذا ما ظهر لي. قوله: (لعرضيتهما) بفتح العين والراء اه ح: أي لتوقع عروض الهلاك والزوال فيهما: أي كما أن الأنفس والأموال في الجهاد على شرف الهلاك، وإنما قدمه عليهما لكونهما فرضا لاعلاء كلمة الله تعالى والالتقاط مندوب. قوله: (ما يلقط) أي يرفع من الأرض. فتح. قوله: (ثم غلب) أي في اللغة كما هو ظاهر المغرب والمصباح، فهو كاستعمالهم اللفظ بمعنى الملفوظ ثم تخصيصه بما يلفظه الفم من الحروف. قوله: (باعتبار المآل) لأنه يؤول أمره إلى الالتقاط في العادة، وظاهره أنه مجاز لغوي بعلاقة الأول مثل (أعصر خمرا وانظر ما قدمناه في باب كيفية القسمة عند قوله: سماه قتيلا الخ. قوله: (وشرعا اسم لحي مولود الخ) كذا في البحر، وظاهر الفتح اتحاد المعنى الشرعي واللغوي، وعلى ما هنا فالمغايرة بينهما بزيادة قيد الحياة وهو غير ظاهر، لان الميت كذلك فيما يظهر حتى يحكم بإسلامه تبعا للدار فيغسل ويصلى عليه، ولو وجد قتيلا في محلة تجب فيه الدية والقسامة كما سنذكره. تأمل. والمراد به ما كان من بني آدم كما نقل عن الإتقاني وقيد بقوله: طرحه أهله احترازا عن الضائع. قوله: (خوفا من العيلة) بالفتح: الفقر. مصباح. قوله: (فرارا من تهمة الريبة) التهمة: بفتح الهاء وسكونها: الشك والريبة. مصباح. وفيه أيضا: الريبة: الظن والشك، لكن المراد بها هنا الزنا. قوله: (مضيعة) أي طارحه أو تاركه حتى ضاع أي هلك. قوله: (إن غلب على ظنه هلاكه) بأن وجده في مفازة ونحوها من المهالك، وليس مراد الكنز من الوجوب الاصطلاحي بل الافتراض، فلا خلاف بيننا وبين باقي الأئمة كما قدم توهم. بحر. قال في النهر: وفيه إيماء إلى أنه يشترط في الملتقط كونه مكلفا، فلا يصح التقاط الصبي والمجنون، ولا يشترط كونه مسلما عدلا رشيدا لما سيأتي من أن التقاط الكافر صحيح والفاسق أولى، وأن العبد المحجور عليه يصح التقاطه أيضا، فالمحجور عليه بالسفه
457 أولى اه. ويأتي قريبا تمام الكلام على المحجور. قوله: (وإلا فمندوب) قال في البحر: وينبغي أن يحرم طرحه بعد التقاطه، لأنه وجب عليه بعد التقاطه حفظه فلا يملك رده إلى ما كان عليه. قوله: (وهو حر) أي في جميع أحكامه حتى يحد قاذفه، لان الأصل في بني آدم الحرية لأنهم أولاد خيار المسلمين آدم وحواء وإنما عرض الرق بعروض الكفر لبعضهم، وكذا الدار دار الأحرار. فتح. وشمل ما إذا كان الواجد حرا أو عبدا أو مكاتبا ولا يكون تبعا للواجد والولوالجية. وفي المحيط: لو وجده المحجور ولا يعرف إلا بقوله قال المولى كذبت بل هو عبدي فالقول للمولى، لأنه ذو اليد إذا لا يد للعبد على نفسه وإن كان العبد مأذونا فالقول له لان له يدا، وتمامه في البحر. قوله: (مسلم تبعا للدار) أفاد أن المعتبر في ثبوت إسلامه المكان، سواء كان الواجد مسلما أو كافرا، وفيه خلاف سيأتي. قوله: (إلا بحجة رقه) يستثنى منه ما لو كان الملتقى عبدا محجورا وادعى مولاه أنه عبده كما مر آنفا، وكذا لو ادعاه الملتقط الحر إن لم يكن أقر بأنه لقيط كما في البحر. قوله: (على خصم وهم الملتقط) هذا إذا كان اللقيط صغيرا، فلو كبيرا يثبت رقه بإقامة البينة عليه وبإقراره أيضا كما في القهستاني عن النظم لكن إقراره يقتصر عليه ويأتي بيانه في الفروع. قوله: (وما يحتاج إليه) عبارة المتون: ونفقته في بيت المال. قال في البحر: ولو قال وما يحتاج إليه كان أولى، لما في المحيط من أن مهره إذا زوجه السلطان في بيت المال، وإن كان له مال ففي ماله اه. قوله: (من نفقة وكسوة الخ) في النهر: قد مر أن النفقة اسم للطعام والشراب والكسوة والسكنى. قوله: (ودواء) ذكره في النهر بحثا لأنه أولى من التزويج. قوله: (إذا زوجه السلطان) أي أو وكيله، وقيد به لان الملتقط لا يملك تزويجه كما يأتي. والظاهر أن تزويج السلطان له مقيد بالحاجة، كما لو احتاج إلى خادم فزوجه امرأة تخدمه أو نحو ذلك، وإلا ففيه الاتفاق من بيت المال بلا ضرورة. والظاهر أن نفقة زوجته في بيت المال أيضا، فتأمل. قوله: (إن برهن على التقاطه) لأنه عساه ابنه والوجه أن لا يتوقف على البينة بل ما يرجح صدقه لأنها لم تقم على خصم حاضر، ولذا قال في المبسوط: هذه لكشف الحال، والبينة لكشف الحال مقبولة وإن لم تقم على خصم. فتح. تنبيه: أفاد أنه لو أنفق الملتقط من ماله فهو متبرع إلا إذا أذن له القاضي بشرط الرجوع، وسيأتي تمامه في اللقطة. قوله: (ولو دية) قال في الفتح: حتى لو وجد اللقيط قتيلا في محلة كان على أهلها ديته لبيت المال وعليهم القسامة، وكذا إذا قتله الملتقط أو غيره خطأ فالدية على عاقلته لبيت المال، ولو عمدا فالخيار إلى الامام اه: أي بين القتل والصلح على الدية، وليس له العفو. بحر. قوله: (كجنايته) أي على غيره. مطلب في قولهم: الغرم بالغنم قوله: (لان الغرم بالغنم) تعليل لقوله كجنايته. قال في المصباح: والغنم بالغرم: أي مقابل به، فكما أن المالك يختص بالغنم ولا يشاركه فيه أحد فكذلك يتحمل الغرم ولا يتحمل معه أحد،
458 وهذا معنى قولهم: الغرم مجبور بالغنم اه. قوله: (وليس لاحد أخذه منه قهرا) لأنه ثبت حق الحفظ له لسبق يده، وينبغي أن ينتزع منه إذا لم يكن أهلا لحفظه كما قالوا في الحاضنة، وكما يفيده قول الفتح الآتي إلا بسبب يوجب ذلك. بحر. قلت: وكذا يفيده ما سيأتي من أنه يثبت نسبه من ذمي، ولكن هو مسلم فينزع من يده قبيل عقل الأديان. والظاهر أن النزع فيه واجب، كما لو كان الملتقط فاسقا يخشى عليه منه الفجور باللقيط فينزع منه قبيل حد الاشتهاء ولا ينافيه ما في الخانية من أنه إذا علم القاضي عجزه عن حفظه بنفسه وأتى به إليه فإن الأولى له أن يقبله اه، لأنه إذا لم يرد بالأولى الوجوب فوجهه أنه إذا لم يقبله منه بعد ما أتى به إليه علم أمانته وديانته وأنه حيث لم يقبله منه يدفعه هو إلى من يحفظه فلم يتعين القاضي لاخذه منه، بخلاف ما إذا كان يخشى عليه من الملتقط، وبه اندفع ما في النهر. قوله: (في الفتح لا) حيث قال: لا ينبغي للامام أن يأخذ من الملتقط إلا بسبب يوجب ذلك، لان يده سبقت إليه فهو أحق منه. قوله: (وحرر في النهر نعم) حيث قال: وأقول المذكور في المبسوط أن للامام الأعظم أن يأخذه بحكم الولاية العامة إلا أنه لا ينبغي له ذلك، وهو الذي ذكره في الفتح. قوله: (وهذا) أي عدم أخذه من الملتقط. قوله: (لأنه أنفع للقيط) لأنه يعلمه أحكام الاسلام ولأنه محكوم له بالاسلام، فكان المسلم أولى بحفظه. أفاده في البحر. قلت: وهذا إذا لم يعقل الأديان وإلا نزع من الكافر ولو كان هو الملتقط وحده كما يأتي. تأمل. قوله: (ولو استويا) بأن كانا مسلمين أو كافرين. قوله: (فالرأي للقاضي) وينبغي أن يرجح ما هو أنفع للقيط. نهر. بأن يقدم العدل على الفاسق والغني على الفقير، بل ظاهر تعليل الخانية بأنه أنفع للقيط عدم اختصاص الترجيح بالاسلام فيعم ما ذكر، فيقضي به للعدل والغنى حيث كان هو الأنفع، ولذا قال في البحر: وهو يفيد أنه إن أمكن الترجيح اختص به الراجح اه. وعلى هذا يحمل قوله ولو استويا: أي في صفات الترجيح كلها. قوله: (استحسانا) والقياس أن لا تصح دعواهما، أما الملتقط فلتناقضه، وأما غيره فلان فيه إبطال حق ثابت بمجرد دعوى: أعني الحفظ للملتقط وحق الولد للعامة. وجه الاستحسان أنه إقرار للصبي بما ينفعه والتناقض لا يضر في دعوى النسب، وإبطال حق الملتقط ضمنا ضرورة ثبوت النسب، وكم من شئ يثبت ضمنا لا قصدا، ألا ترى أن شهادة القابلة بالولادة تصح ثم يترتب عليها استحقاقه للإرث، ولو شهدت عليه ابتداء لم يصح. نهر. قوله: (لو حيا) أي لو كان اللقيط حيا وهو مرتبط بقوله: بمجرد دعواه. قوله: (وإلا فبالبينة) أي وإن كان اللقيط ميتا وترك مالا أو لم يترك فادعى رجل بعد موته أنه ابنه لا يصدق إلا بحجة. بحر عن الخانية: أي لاحتمال ظهور مال له، ولعل وجه الفرق أن دعوى الحي تتمحض للنسب، بخلاف الميت لاستغنائه عنه بالموت فصارت دعوى الإرث، ثم رأيته صريحا في الفتح. وأيضا فإنه
459 في دعوى الحي غير متهم لاقراره على نفسه بوجوب النفقة. تأمل. قوله: (ومن اثنين مستويين) أي إذا ادعياه معا فلو سبق أحدهما فهو ابنه ما لم يبرهن الآخر، وقيد الاستواء، إذ لو كان لأحدهما مرجح، فهو أولى كملتقط وخارج فيحكم به للملتقط ولو ذميا وبإسلام الولد، ولو خارجين يقدم من برهن على من لم يبرهن، والمسلم على الذمي، والحر على العبد، والذمي الحر على العبد المسلم، أفاده في البحر. وكأن الشارح ترك التقييد بالمعية لكون الأسبق له مرجح وهو السبق لعدم المنازع، ومن المرجح وصف أحدهما علامة كما يأتي. قوله: (كولد أمة مشتركة) أي فإنه لو ادعاه كل من الشريكين أو الشركاء معا ثبت من الكل، فهو تشبيه لمسألة المتن بهذه كما نبه عليه في الدر المنتقى لا تقييد لما في المتن بما إذا ادعاه كل من الملتقطين من جارية مشتركة، خلافا لما فهمه في البحر من عبارة الخانية كما نبه عليه في النهر، ولذا قال بعده: ولا يشترط اتحاد الام، وبه صرح في التتارخانية كما يأتي. قوله: (وعبارة المنية) مبتدأ ومضاف إليه، وقوله: ادعاه الخ بدل من عبارة، وقوله: ظاهرة خبر المبتدأ، ومثل ما في المنية ما في الفتح حيث قال: ولا يلحق بأكثر من اثنين عند أبي يوسف، وهو رواية عن أحمد. وعند محمد: لا يلحق بأكثر من ثلاثة. وفي شرح الطحاوي: وإن كان المدعي أكثر من اثنين، فعن أبي حنيفة أنه جوزه إلى خمسة اه. قال في البحر: ولم أر توجيه هذه الأقوال. قوله (ولا يشترط اتحاد الام) لما في النهر عن التتارخانية: لو عين كل واحد منهما امرأة أخرى قضى بالولد بينهما، وهل يثبت نسب الولد من المرأتين على قياس قوله: يثبت وعلى قولهما: لا. قوله: (لكن في القهستاني الخ) استدراك على ما في المنية، وعبارة القهستاني هكذا: وفيه: أي في قول النقاية: ولو رجلين إشارة إلى أنه لو ادعاه أكثر من رجلين لم يثبت منه، وهذا عند أبي يوسف. وأما عند محمد فيثبت من الثلاث لا الأكثر. وعند أبي حنيفة: يثبت من الأكثر اه. فقوله: من الأكثر يشمل ما فوق الخمسة، لكن حيث قيده غيره بالخمسة يحمل إطلاقه عليه لأنه صريح. قوله: (ولو رجلا وامرأتين) لعله أتى بالمبالغة إشارة إلى أن قوله الآتي: فلا بد من شهادة رجلين ليس المراد به الحصر في الرجلين بل المراد به نصاب الشهادة فهو نفي لقبول شهادة الفرد، فلا ينافي قبول شهادة رجل وامرأتين لان الشهادة على النسب لا يشترط فيها الرجال، بخلاف نحو الحدود والقود، فافهم. قوله: (على الغير) أي على الزوج لأنه يلزم من ثبوته منها ثبوته منه لان الولد للفراش. قوله: (فلا بد من شهادة رجلين) ذكر في النهر أن هذا يخالف ما في المنية من أنها تصدق ولو ادعت أنه ابنها منه اه. وذكر في الخانية الفرق بين هذا وبين قبول دعوى الرجل بلا بينة، وهو أن في قبول قول الرجل دفع العار عن اللقيط، وليس ذلك في دعوى المرأة فلا يقبل قولها بلا بينة اه. ولذا قبل قولها بتصديق الزوج وشهادة القابلة، لأنه يثبت نسبه من الزوج فيندفع عنه العار: أي
460 عاره بكونه لا أب له فإنه مظنة كونه ابن زنا. قوله: (خلافا لهما) فعندهما لا يكون لواحدة منهما، لكن عن محمد روايتان: أحداهما كقول الامام كما في البحر عن البدائع. قوله: (الكل من الخانية) أي ما ذكر من مسائل دعوى المرأة والمرأتية. قوله: (وإن ادعاه خارجان) أي لا بد لأحدهما عليه، وقيد به لما في البحر من أن ظاهر ما في الفتح تقديم ذي اليد على الخارج ذي العلامة. قوله: (أي بجسده) أي كشامة وسلعة. قوله: (لا بثوبه) لان الثوب غير ملازم له فلا يفيد التعيين ط. قلت: وهذا ذكره في النهر أخذا من مفهوم قول القدوري بجسده. قوله: (ووافق) قيد به لأنه لو لم يوافق فلا ترجيح وهو ابنهما وكذا لو أصاب في البعض دون البعض أو وصفا ولم يصب واحد منهما أما لو أصاب أحدهما دون الآخر فهو لمن أصاب. بحث عن الظهيرية. قوله: (وسبقه) أي لو كانت دعوى أحدهما سابقة على الآخر كان ابنه ولو وصف الثاني علامة لثبوته في وقت لا منازع له فيه اه. فتح. فعلم أن المراد السبق في الدعوى لا في وضع اليد، لان الكلام في الخارجين فافهم. قوله: (وحريته) ذكره في النهر بحثا. قوله: (وسنه إن أرخا، فإن اشتبه فبينهما) هذا يوجد في بعض النسخ. قال في البحر: وفي الظهيرية: رجلان ادعياه وأرخت بينة كل منهما يقضي لمن يشهد له سن الصبي، فلو السن مشتبها فعلى قولهما يسقط اعتبار التاريخ ويقضي لهما. وعلى قوله، وفي رواية كذلك، وفي أخرى لأسبقهما تاريخا. وفي التتارخانية: يقضي به بينهما في عامة الروايات، وهو الصحيح اه. ملخصا. وحيث كانت العلامة مرجحة فالظاهر اعتبارها هنا أيضا فيقضي به لذي العلامة. قال في الفتح: وكلما لم يترجح دعوى واحد من المدعيين يكون ابنا لهما. وعند الشافعي يرجع إلى القافة. قوله: (قضى لهما) لأنه لم يظهر ترجيح أحدهما على الآخر فاستويا، كما لو وصف به وصفا ولم يصب واحد منهما كما مر، فافهم. قوله: (وإلا فلمن ادعى أنه ابنه) مقتضاه ولو ظهر أنه أنثى، وهو مخالف للمسائل المارة، ولذا قال المقدسي: ينبغي أنه لمن وافق. قلت: على أن الذي رأيته في التتارخانية: وإن لم يكن مشكلا وحكم بكونه ابنا فهو الذي يدعي أنه ابنه اه. وهذا لا إشكال فيه، والشارح تبع في التعبير صاحب البحر، وفيه اختصار مخل. قوله: (قضى به للمسلم) لان الذميين شهدا على ذمي والمسلمين على مسلم فصحت الشهادتان وترجح المسلم اه ح. قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يثبت نسبه، لان فيه نفي إسلامه الثابت بالدار. وجه الاستحسان أن دعواه تضمنت شيئين: النسب وهو نفع للصغير ونفي الاسلام الثابت بالدار وهو ضرر به، وليس من ضرورة ثبوت النسب من الكافر الكفر لجواز مسلم هو ابن كافر، بأن أسلمت أمه فصححنا دعواه فيما ينفعه دون ما يضره. فتح. قوله: (ما لم يبرهن) وذكر ابن سماعة عن محمد: لو عليه زي أهل الشرك كالصليب ونحوه فهو ابنه وهو نصراني. فتح. قوله:
461 (بمسلمين) فلو أقام بينة من أهل الذمة لا يكون ذميا، لأنا حكمنا بإسلامه فلا يبطل هذا الحكم بهذه البينة لأنها شهادته قامت في حق الدين على مسلم فلا تقبل. بحر عن الخانية. قوله: (أو عكسه) أي مسلم في مكانهم. قوله: (فظاهر الرواية اعتبار المكان) أي في الصورتين في بعض نسخ المبسوط: اعتبر الواجد، وفي بعضها: اعتبر الاسلام: أي ما يصير به الولد مسلما نظرا له، ولا ينبغي أن يعدل عن ذلك. وقيل يعتبر بالسيما والزي. فتح. وعلى ما رجحه في الفتح يصير مسلما في ثلاث صور وذميا في صورة واحدة وهي ما لو وجده ذمي في مكانهم وهو ظاهر الكنز وغيره. وقال في البحر أيضا: ولا يعدل عنه. قوله: (لسبقه) أي سبق المكان على يد الواجد. قوله: (وهو حر) أي إلا بحجة رقه كما قدمه المصنف. قوله: (عند محمد) وقال أبو يوسف: يكون عبدا لأنه يستحيل أن يكون الولد حرم بين رقيقين. قلنا: لا يستحيل لجواز عتقه قبل الانفصال وبعده، فلا تبطل الحرية بالشك. زيلعي. وتمامه في النهر. قوله: (لثبوته من الجانبين) فيه أن النسب يثبت من جانب الام أيضا سواء كانت الأمة زوجة له أو مملوكة له، فالمراد ثبوت أحكامه كما عبر به الزيلعي: أي كالإرث وحق الحضانة ووجوب النفقة ونحو ذلك، وهذا مختص بالحرة فكانت هذه البينة أكثر إثباتا. قوله: (عملا بالظاهر) أورد عليه أن الظاهر يصلح للدفع لا للاثبات. قلنا نعم يدفع بهذا الظاهر دعوى ملك غيرة عنه، ثم يثبت ملكه بقيام يده مع حريته المحكوم بها. أفاده في الفتح. قوله: (ولو فوقه أو تحته) دخل فيه الدراهم الموضوعة عليه، وينبغي أن تكون الدراهم التي فوق فراشه أو تحته كلباسه ومهاده ودثاره، بخلاف المدفونة تحته ولم أره. بحر. قوله: (أو دابة) بالنصب عطفا على فوقه أي ولو كان ذلك المال دابة هو عليها اه ح. قوله: (لا ما كان بقربه) في بعض النسخ لامكان بقربه وعليها كتب ح فقال الظاهر أنه سقط لفظ في والأصل لا في مكان بقربه عطفا على فوقه اه. قال في النهر: وبه عرف أن الدار التي هو فيها: وكذا البستان لا يكون له بالأولى اه. وقد توقف فيه في البحر بعد أن نقل عن الشافعية أن الدار له وفي البستان وجهان. قوله: (لأنه مال ضائع) قال في الفتح: أي لا حافظ له ومالكه وإن كان معه فلا قدرة له على الحفظ، وللقاضي ولاية صرف مثله إليه لغير الواجد بأمره، والقول له في نفقة مثله وقيل له صرفه عليه بغير أمر القاضي. قوله: (ولو قرر القاضي ولاء للملتقط صح) أي بأن يقول له: جعلت ولاء هذا اللقيط لك ترثه إذا مات وتعقل عنه إذا جنى. قوله: (لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه) فإن من العلماء من قال: إن الملتقط يشبه المعتق من حيث إنه أحياه كالمعتق، فعلى هذا لا يكون متبرعا بالانفاق بغير أمر
462 القاضي إذا أشهد ليرجع كالوصي. بحر من كتاب اللقطة ط. قوله: (نعم له الخ) ظاهره أن له ذلك ولو بعد ما قرر القاضي ولاءه للملتقط، والظاهر خلافه لأنه تأكد بالقضاء، وقد راجعت عبارة الخانية فرأيته ذكر المسألة الثانية ولم يذكر مسألة تقرير القاضي. قوله: (ما لم يعقل عنه بيت المال) فإن جنى ثم عقل عنه تقرر إرثه له، لان الغنم بالغرم. قوله: (ويدفعه في حرفة) ينبغي أن يقال: ما قيل في وصي اليتيم أنه يعلمه العلم أولا، فإن لم يجد فيه قابلية سلمه لحرفة. نهر. قوله: (ويقبض هبته وصدقته) أي ما وهبه له الغير أو تصدق به عليه إذا كان فقيرا. قوله: (وليس له ختنه) الظاهر أن هذا لو بدون إذن السلطان أو نائبه، فلو أذن صح لان ولايته له كما يأتي، لذا كان لوصي اليتيم أن يختنه. قوله: (ولو علم الختان الخ) نقله في البحر عن الذخيرة بقيل. قوله: (ولا ينفذ للملتقط عليه نكاح) لأنه يعتمد الولاية من القرابة والملك والسلطنة، ولا وجود لواحد منها. نهر. وقدم الشارح أن مهره في بيت المال إذا زوجه السلطان. قوله: (وبيع) أي بيع ماله، وكذا شراء شئ ليستحق الثمن دينا عليه، لان الذي إليه ليس إلا الحفظ والصيانة، وما من ضروريات ذلك اعتبارا بالام فإنها لا يجوز لها ذلك، مع أنها تملك تزويجه عند عدم العصبة، وتمامه في الفتح. قوله: (في الأصح) لأنه يملك إتلاف منافعه ولا يملك تمليكها فأشبه العم، بخلاف الام لأنها تملك إتلاف منافعه بالاستخدام والإعارة بلا عوض فبالعوض بالإجارة أولى. فتح. وقوله ولا يملك تمليكها يشمل ما إذا آجره ليأخذ الأجرة لنفسه أو للقيط، بل المتبادر الثاني لان الأول معلوم من قوله: لا يملك إتلاف منافعه. وعليه فيشكل قول القهستاني لا يجوز أن يؤجره ليأخذ الأجرة لنفسه مع أنه خلاف إطلاق المتون. وعلى هذا فلا يصح أن يحمل مقابل الأصح من جواز إيجاره على ما إذا آجره ليأخذ الأجرة لنفسه توفيقا بين القولين، فافهم. قوله: (لو باع الخ) أي اللقيط بعد بلوغه. قوله: (وسلم) قيد في وهب وتصدق، لان به يحصل الملك للموهوب له والمتصدق عليه. قوله: (لا يصدق في إبطال شئ من ذلك) مفهومه أنه يصدق في إقراره بالرق لزيد، وهذا إذا كان زيد يدعيه وكان قبل أن يقضي عليه بما لا يقضي به إلا على الأحرار كالحد الكامل ونحوه، فلو بعد القضاء بنحو ذلك لا يقبل، لان فيه إبطال حكم الحاكم، ولأنه مكذب شرعا فهو كما لو كذبه زيد، ولو كانت اللقيطة امرأة لها زوج كانت أمة للمقر له، ولا تصدق في إبطال النكاح، ولو كان رجلا عليه مهر لزوجته لا يصدق في إبطاله لأنه دين ظهر وجوبه اه. فتح. ملخصا، وتمامه في البحر. وفيه عن التتارخانية، إذا أقر أنه عبد لا يصدق على إبطال شئ كان فعله إلا النكاح، لأنه زعم أنه لم يصح لعدم إذن من يزعم أنه مولاه فيؤاخذ بزعمه، بخلاف المرأة لا يبطل نكاحها اه. قوله: (ومجهول نسب كلقيط) أي فيما ذكر من الاقرار لا في جميع أحكامه كما لا يخفى، وهذه المسألة ستأتي في آخر كتاب الاقرار بتفاصيلها إن شاء الله تعالى، والله سبحانه أعلم.
463 كتاب اللقطة تقدم وجه تقديم اللقيط عليها. وقال في العناية: هما متقاربان لفظا ومعنى، وخصص اللقيط ببني آدم واللقطة بغيرهم للتمييز بينهما، وقدم الأول لشرف بني آدم. قوله: (بالفتح) أي فتح القاف مع ضم اللام وبفتحهما كما في القاموس. قوله: (وتسكن) قال الأزهري: الفتح قول جميع أهل اللغة وحذاق النحويين. وقال الليث: هي بالسكون، ولم أسمعه لغيره. ومنهم من يعد السكون من لحن العوام. مصباح قوله: (اسم وضع للمال الملتقط) فهو حقيقة لا مجاز، وهذا هو المتبادر من كتب اللغة، لكن اختار في الفتح أنها مجاز لأنها بالفتح وصف مبالغة للفاعل كهمزة ولمزة لكثير الهمز واللمز، وبالسكون للمفعول كضحكة وهزأة لمن يضحك منه ويهزأ به، وإنما قيل للمال لقطة بالفتح، لان الطباع في الغالب تبادر إلى التقاطه لأنه مال فصار باعتبار أنه داع إلى أخذه لمعنى فيه كأنه الكثير الالتقاط مجازا، وإلا فحقيقته الملتقط الكثير الالتقاط، وما عن الأصمعي وابن الاعرابي أنه بالفتح اسم للمال أيضا محمول على هذا اه. قوله: (وشرعة مال يوجد ضائعا) الظاهر أنه مساو للمعنى اللغوي المذكور، ومثله قول المصباح: الشئ الذي تجده ملقى فتأخذه، ويدل عليه أن ابن كمال لم يذكر المعنى اللغوي، هو ظاهر كلام الفتح أيضا. وعليه فلا يلزم في حقيقتها عدم معرفة المالك ولا عدم الإباحة. أما الأول فلانه إذا وجب رده إلى مالكه الذي ضاع منه لا يخرج عن كونه لقطة. وأما كونها يجب تعريفها فذا ك إذا لم يعرف مالكها، إذ لا يلزم اتحاد الحكم في جميع أفراد الحقيقة كالصلاة وغيرها. وأما المباح كالساقط من حربي فكذلك، ومثله ما يلقط من الثمار كجوز ونحوه كما يأتي، فهو يسمى لقطة شرعا ولغة وإن لم يجب تعريفه ولا رده إلى مالكه. وبه علم مغايرة هذا التعريف لما بعده، ولا ضرر في ذلك، فافهم. قوله: (مال يوجد الخ) فخرج ما عرف مالكه فليس لقطة بدليل أنه لا يعرف بل يرد إليه، وبالأخير مال الحربي. لكن يرد عليه ما كان محرزا بمكان أو حافظ فإنه داخل في التعريف، فالأولى أن يقال: هو مال معصوم معرض للضياع. بحر. وأقول: الحرز بالمكان ونحوه خرج بقوله يوجد: أي في الأرض ضائعا، إذ لا يقال في المحرز ذلك. على أنه في المحيط جعل عدم الاحراز من شرائطها وعرفها بما يأتي، وهذا يفيد أن عدم معرفة المالك ليس شرطا في مفهومهما. نهر. قوله: (رفع شئ الخ) هذا تعريف لها بالمعنى المصدري: أعني الالتقاط لأنه لازمها، وهذا يقع في كلامهم كثيرا، ومنه الأضحية فإنها اسم لما يضحى به. وعرفوها شرعا بذبح حيوان مخصوص الخ وهذا التعريف يخرج ما كان مباحا. قوله: (لا للتمليك) الأولى لا للتملك. قوله: (وفيه أنه أمانة لا لقطة الخ) فيه نظر، فإن اللقطة أيضا أمانة، وعدم وجوب تعريفه لا يخرجه عن كونه لقطة كما قدمنا، لأنه وإن علم مالكه فهو مال ضائع: أي لا حافظ له نظير ما مر في المال الذي يوجد مع اللقيط. وفي القاموس: ضاع الشئ صار مهملا، ولهذا ذكر في النهر أن هذا الفرع يدل على ما استفيد من هذا التعريف من أن عدم معرفة المالك
464 ليس شرطا في مفهومهما. قوله: (ندب رفعها) وقيل الأفضل عدمه. والصحيح الأول، وهو قول عامة العلماء خصوصا في زماننا، كما في شرح الوهبانية. قلت: ويمكن التوفيق بالأمن وعدمه. قوله: (إن أمن على نفسه تعريفها) أي عدم تعريفها كما لا يخفى اه ح: أي لان الامن مما يخاف منه والمخوف عدم التعريف لا التعريف، إلا أن يدعي تضمين أمن على نفسه معنى وثق منها. تأمل. قوله: (وإلا) أي وإن لم يأمن بأن شك، فلا ينافي ما في البدائع لأنه فيما إذا أخذها لنفسه، فإذا تيقن من نفسه منعها من صاحبها فرض الترك، وإذا شك ندب. أفاده ط. لكن إن أخذها لنفسه لم يبرأ من ضمانها إلا بردها إلى صاحبها كما في الكافي. قوله: (لأنها كالغصب) أي حكما من جهة الحرمة والضمان، وإلا فحقيقة الغصب رفع اليد المحقة ووضع المبطلة، ولا يد محقة هنا. تأمل. قوله: (ووجب أي فرض) ظاهره أن المراد الفرض القطعي الذي يفكر منكره، وفيه نظر. علم أنه في الفتح لم يفسر الوجوب بالافتراض كما فعل الشارح، بل قال: وإن غلب على ظنه ذلك: أي ضياعها إن لم يأخذها ففي الخلاصة يفترض الرفع اه. تأمل. قوله: (فتح وغيره) أي كالخلاصة والمجتبى، لكن في البدائع أن الشافعي قال: إنه واجب وهو غير سديد، لان الترك ليس تضييعا بل امتناع عن حفظ غير ملتزم كالامتناع عن قبول الوديعة اه. وأشار في الهداية إلى التبري من الوجوب بقوله: وهو واجب إذا خاف الضياع على ما قالوا: بحر ملخصا. وجزم في النهر بأن ما في البدائع شاذ وأن ما في الخلاصة جرى عليه في المحيط والتتارخانية والاختيار وغيرها اه. قلت: وكذا في شرح الوهبانية تبعا للذخيرة. قوله: (عند خوف ضياعها) المراد بالخوف غلبة الظن كما نقلناه آنفا عن الفتح، وهذا إذا أمن على نفسه، وإلا فالترك أولى كما في البحر عن المحيط. تأمل. قوله: (كممر) أي في اللقيط من قوله: التقاطه فرض كفاية إذا غلب على ظنه هلاكه لو لم يرفعه، ولو لم يعلم به غيره ففرض عين اه. وينبغي هذا التفصيل هنا حموي. قوله: (فلو تركها) أي وقد أمن على نفسه وإلا فالترك أفضل ط. قوله: (ظاهر كلام النهر لا) الأولى أن يقول: استظهر في النهر لا، وأصله لصاحب البحر استدلالا بما في جامع الفصولين: لو انفتح زق فمر به رجل فلو لم يأخذه برئ، ولو أخذه ثم تر ك ضمن لو مالكه غائبا لا لو حاضرا، وكذا لو رأى ما وقع من كم رجل اه. فقوله وكذا يدل على أنه لا يضمن بترك أخذه، لكنه يدل على أنه لو أخذه ثم تركه يضمنه، وهو خلاف ما يأتي قريبا عن الفتح، والفرق بينه وبين الزق أن الزق إذا انفتح ثم تركه بعد أخذه لا بد من سيلان شئ منه فالهلاك فيه محقق، بخلاف الواقع من الكم لو تركه بعد أخذه لاحتمال أن يلتقطه أمين غيره. تنبيه: أفاد أنه لا يلزم من الاثم الضمان، واستدل له في البحر بما قالوا: لو منع المالك عن أمواله حتى هلكت يأثم ولا يضمن اه. قلت: وكذا لو حل دابة مربوطة ولم يذهب بها فهربت أو فتح باب قفص فيه طير أو دار فيها
465 دواب فذهبت فلا يضمن، بخلاف ما إذا حل حبلا علق فيه شئ أشق زقا فيه زيت كما في كافي الحاكم، لان السقوط والسيلان محقق بنفس الحل والشق، بخلاف ذهاب الدواب أو الطير فإنه بفعلها لا بنفس فتح الباب، ومثله ترك اللقطة بعد أخذها، فإن هلاكها ليس بالترك بل بفعل الآخذ بعده، وكذا لو تركه قبل أخذها بالأولى، بخلاف ترك الزق المنفتح بعد أخذه فإن سيلانه بتركه، أما لو تركه قبل أخذه فإنه لا ينسب سيلانه إليه أصلا. قوله: (لما في الصيرفية الخ) ذكر الزاهدي هذا الفرع بلفظ: رأى حماره. قال الخير الرملي: فلو الحمار لغيره أفتيت بعدم الضمان اه. ولا يخفى ظهور الفرق بين حماره وحمار غيره، فإنه إذا كان الحمار له وتركه صار الفعل منسوبا إليه والنفع عائدا عليه، بخلاف حمار غيره فإنه وإن كان الاتلاف محققا وهو يشاهده لكنه لا ينتفع به فهو كما لو رأى زقا منفتحا كما مر، وإذا لم يضمن هنا لا يضمن بترك اللقطة بالأولى لعدم تحقق التلف به كما قلنا، فافهم. قوله: (لم يضمن في ظاهر الرواية) هذا إذا أخذها ليعرفها فلو ليأكلها لا يبرأ ما لم يردها إلى ربها كما في نور العين عن الخانية، وقدمناه عن كافي الحاكم وأطلقه فشمل ما إذا ردها قبل أن يذهب بها أو بعده. قال في الفتح: وقيده بعض المشايخ بما إذا لم يذهب بها، فلو بعده ضمن، وبعضهم ضمنه مطلقا، والوجه ظاهر المذهب اه. وشمل أيضا ما لو خاف بإعادتها الهلاك، وهو مؤيد لما استظهره في النهر كما مر. قوله: (وصح التقاط صبي وعبد) أي ويكون التعريف إلى ولي الصبي كما في المجتبى. وينبغي أن يكون التعريف إلى مولى العبد كالصبي بجامع الحجر فيهما، أما المأذون والمكاتب فالتعريف إليهما. نهر. وصح أيضا التقاط الكافر لقول الكافي: لو أقام مدعيها شهودا كفارا على ملتقط كافر قبلت اه. وعليه فتثبت الاحكام من التعريف والتصدق بعده أو الانتفاع، ولم أره صريحا. بحر. قوله: (لا مجنون الخ) مأخوذ من قوله في النهر: ينبغي أن لا يتردد في اشتراط كونه عاقلا صاحيا فلا يصح التقاط المجنون الخ، لكن الشارح زاد عليه المعتوه، وقدمنا أول باب المرتد أن حكمه حكم الصبي العاقل، ومقتضاه صحة التقاطه. تأمل. قال ط: وفائدة عدم صحة التقاط المجنون ونحوه أنه بعد الإفاقة ليس له الاخذ ممن أخذها منه. ومفاد التعليل تقييد الصحة في الصبي بالعقل اه. قوله: (فإن أشهد عليه) ظاهر المبسوط اشتراط العدلين فتح. قوله: (ويكفيه) أي في الاشهاد أن يقول الخ، وكذا قوله عندي ضالة أو شئ فمن سمعتموه الخ، ولا فرق بين كون اللقطة واحدة أو أكثر لأنها اسم جنس، ولا يجب أن يعين ذهبا أو فضة خصوصا في هذا الزمان فتح. وقوله أو شئ يدل على أنه لا يشترط التصريح بكونه لقطة، وبه صرح في البحر عن الولوالجية. قوله: (ينشد) في المصباح نشد ت الضالة نشدا من باب قتل طلبتها: وكذا إذا عرفتها والاسم نشدة ونشدان بكسرهما وأنشدتها بالألف عرفتها. قوله: (وعرف) معطوف على أشهد فظاهره أن الاشهاد لا يكفي لنفي الضمان، وهكذا شرط في المحيط لنفي الضمان الاشهاد وإشاعة التعريف. وحكى فيه في الظهيرية اختلافا. فقال الحلواني: يكفي عن التعريف إشهاده عند الاخذ بأنه أخذها ليردها وهو المذكور في السير. ومنهم من قال: يأتي على أبواب المساجد وينادي.
466 وحاصله أن الاشهاد لا بد منه على قول الإمام باتفاقهم، والخلا ف في أنه هل يكفي عن التعريف بعده أو لا؟ ولم يقل أحد إن التعريف بعد الاخذ يكفي عن الاشهاد وقت الاخذ خلافا لما فهمه في الفتح، هذا حاصل ما في البحر والنهر. قوله: (أي نادى عليها الخ) أشار إلى أن المراد بالتعريف الجهر به كما في الخلاصة لا كما فعله بعضهم حيث دلى رأسه في بئر خارج المصر فنادى عليها فاتفق أن صاحبها كان هناك فسمعه كما حكاه السرخسي. ومر أن لقطة الصبي يعرفها وليه، زاد في القنية: أو وصيه. وهل للملتقط دفعها إلى غيره ليعرفها؟ فقيل: نعم إن عجل، وقيل لا ما لم يأذن القاضي. بحر ملخصا. وفي القهستاني: له دفعها لأمين، وله استردادها منه، وإن هلكت في يده لم يضمن. قوله: (وفي المجامع) أي محلات الاجتماع كالأسواق وأبواب المساجد. بحر. وكبيوت القهوات في زماننا. قوله: (إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها) لم يجعل للتعريف مدة اتباعا للسرخسي، فإنه بنى الحكم على غالب الرأي، فيعرف القليل والكثير إلى أن يغلب على رأيه أن صاحبه لا يطلبه، وصححه في الهداية، وفي المضمرات والجوهرة، وعليه الفتوى، وهو خلاف ظاهر الرواية من التقدير بالحول في القليل والكثير كما ذكره الأسبيجابي، وعليه قيل يعرفها كل جمعة وقيل كل شهر، وقيل كل ستة أشهر. بحر. قلت: والمتون على قول السرخسي، والظاهر أنه رواية أو تخصيص لظاهر الرواية بالكثير. تأمل. قال في الهداية: فإن كانت شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان يكون إلقاؤه إباحة، حتى جاز الانتفاع به بلا تعريف، ولكنه يبقى على ملك مالكه، لان التمليك من المجهول لا يصح. وفي شرح السير الكبير: لو وجد مثل السوط والحبل فهو بمنزلة اللقطة، وما جاء في الترخيص في السوط فذاك في المنكسر ونحوه مما لا قيمة له ولا يطلبه صاحبه بعد ما سقط منه، وربما ألقاه مثل النوى وقشور الرمان وبعر الإبل وجلد الشاة الميتة. أما ما يعلم أن صاحبه يطلبه فهو بمنزلة اللقطة والدابة العجفاء التي يعلم أن صاحبها تركها إذا أخذها إنسان فعليه ردها استحسانا، لان صاحبها إنما تركها عجزا فلا يزول ملكه عنها بذلك، والسوط إنما ألقاه رغبة عنه لقدرته على حمله، ولو ادعى على صاحب الدابة أنك قلت من أخذها فهي له فالقول لصاحبها بيمينه، إلا إذا نكل أو برهن الآخذ فهي له، وإن لم يكن حاضرا حين هذه المقالة وبعد صحة الهبة إذا سمنت الدابة في يده فليس للواهب الرجوع، لان الزيادة المتصلة تمنع الرجوع اه. ملخصا. قوله: (كانت أمانة) جواب قوله: فإن أشهد الخ. قوله: (مع التمكن منه) أي من الاشهاد، أما لو لم يجد من يشهده عند الرفع أو خاف أنه لو أشهد عنده يأخذه منه الظالم فتركه لا يضمن. بحر عن الخانية. قوله: (أو لم يعرفها) مبني على ما مر من أن الاشهاد لا يكفي عن التعريف. قوله: (إن أنكر ربها) أما لو صدقه فلا ضما إجماعا. بحر. قوله: (وبه نأخذ الخ) وكذا ذكر الطحاوي كما في النهر عن الإتقاني. قال في البحر: وفي الوالوالجية: محل الاختلاف فيما إذا اتفقا على كونها لقطة، لكن اختلفا هل التقطها للمالك أو لا. أما إذا اختلفا في كونها لقطة فقال المالك أخذتها غصبا وقال الملتقط
467 لقطة وقد أخذتها لك، فالملتقط ضامن بالاجماع. قوله: (ولو من الحرم) لاطلاق قوله عليه الصلاة والسلام: اعرف عفاصها أي وعاءها، ووكاءها: أي رباطها وعرفها سنة وأما قوله عليه الصلاة والسلام في مكة: ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد فقال في الفتح: لا يعارضه، لان معناه: لا يحل إلا لمن يعرف ولا يحل لنفسه، وتخصيص مكة حينئذ لدفع وهم سقوط التعريف بها بسبب أن الظاهر أن ما وجد بها من لقطة فالظاهر أن للغرباء وقد تفرقوا، فلا يفيد التعريف فيسقط. قوله: (ولقطة ولقطة) أي لا فرق بينهما: أي في وجوب أصل التعريف ليناسب قوله: إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها فإنه يقتضي تعريف كل لقطة بما يناسبها، بخلاف ما مر عن ظاهر الرواية من التعريف حولا للكل. قوله: (فينتفع الرافع) أي من رفعها من الأرض: أي التقطها وأتى بالفاء، فدل على أنه إنما ينتفع بها بعد الاشهاد والتعريف إلى أن غلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها، والمراد جواز الانتفاع بها والتصدق، وله إمساكها لصاحبها، وفي الخلاصة: له بيعها أيضا وإمساك ثمنها، ثم إذا جاء ربها ليس له نقض البيع لو بأمر القاضي، وإلا فلو قائمة له إبطاله، وإن هلكت، فإن شاء ضمن البائع وعند ذلك ينفذ بيعه في ظاهر الرواية، وله دفعها للقاضي فيتصدق بها أو يقرضها من ملئ أو يدفعها مضاربة، والظاهر أن له البيع أيضا. وفي الحاوي القدسي: الدفع إلى القاضي أجود ليفعل الأصلح. وفي المجتبى: التصدق بها في زماننا أولى، وينبغي التفصيل بين من يغلب على الظن ورعه وعدمه نهر ملخصا. تنبيه: ظاهر كلامهم متونا وشروحا أن حل الانتفاع للفقير بعد التعريف لا يتوقف على إذن القاضي، ويخالفه ما في الخانية من أنه لا يحل ذلك للفقير بلا أمره عند عامة العلماء. وقال بشر: يحل اه. بحر. ومثله في الشرنبلالية عن البرهان، نعم في الهداية والعناية جواز الانتفاع للغني بإذن الامام لأنه مجتهد فيه، ويأتي قريبا عن النهر. وفي النهر: معنى الانتفاع بها صرفها إلى نفسه كما في الفتح، وهذا لا يتحقق ما بقيت في يده لا تملكها كما توهمه في البحر، لأنها باقية على ملك صاحبها ما لم يتصرف بها، حتى لو كانت أقل من نصاب وعنده ما تصير به نصابا حال عليه الحول تحت يده لا يجب عليه زكاة اه. قلت: مقتضاه أنها لو كانت ثوبا فلبسه لا يملكها مع أنه يصدق عليه أنه صرفها إلى نفسه، فمراد البحر التصرف لها على وجه التملك، فلو دراهم يكون بإنفاقها وغيرها بحسبه، فهو احتراز عن التصرف بطريق الإباحة على ملك صاحبها، ولذا قال: وإنما فسرنا الانتفاع بالتملك لأنه ليس المراد الانتفاع بدونه كالإباحة لذا ملك بيعها وصرف الثمن إلى نفسه كما في الخانية اه. قوله: (لو فقيرا) قيد به، لان الغني لا يحل له الانتفاع بها إلا بطريق القرض، لكن بإذن الامام. نهر،. قوله: (على فقير) أي ولو ذميا لا حربيا كما في شرح السير. قال في النهر: قالوا ولا يجوز على غني ولا على طفله الفقير وعبده، ولو فعل ينبغي أن لا يتردد في ضمانه. قوله: (وفرعه) الضمير عائد إلى الغني المفهوم من قوله: وإلا تصدق به فلا بد أن يراد بفرعه الكبير الفقير، لما علمت من أنه لا يجوز على طفل الغني، ولو فقيرا. قوله: (توضع في بيت المال) للنوائب. بحر ط. قوله: (وفي القنية
468 الخ) عبارتها: وما يتصدق به الملتقط بعد التعريف وغلبة ظنه أنه لا يوجد صاحبه لا يجب إيصاؤه، وإن كان يرجو وجود المالك وجب الايصاء اه. والمراد الايصاء بضمانها إذا ظهر صاحبها ولم يجز تصدق الملتقط لا الايصاء بعينها قبل التصدق بها، لكنه مفهوم بالأولى فلذا عمم الشارح. وفي النهر: ثم إذا أمسكها وحضرته الوفاة أوصى بها ثم الورثة يعرفونها. قال في الفتح: ومقتضى النظر أنهم لو لم يعرفوها حتى هلكت وجاء صاحبها أنهم يضمنون لأنهم وضعوا أيديهم على اللقطة ولم يشهدوا: أي لم يعرفوا. قال في البحر: وقد يقال: إن التعريف عليهم غير واجب حيث عرفها الملتقط اه. قلت: الظاهر أن كلام الفتح فيما إذا لم يشهد الملتقط ولم يعرفها بناء على ما قدمناه عنه من أن الشرط التعريف قبل هلاكها لا الاشهاد وقت الاخذ، وتقدم ما فيه. قوله: (بعد التصدق) أراد به ما يشمل انتفاع الملتقط بها إذا كان فقيرا كما في البحر. قوله: (أو تضمينه) فيملكها الملتقط من وقت الاخذ ويكون الثواب له خانية. قوله: (إجازتها) الأولى إجازته: أي إجازة فعل الملتقط. قوله: (الصبي كبالغ) أي في اشتراط الاشهاد. قال في البحر: وفي القنية: وجد الصبي لقطة ولم يشهد يضمن كالبالغ اه. قلت: والمراد ما يشمل إشهاد وليه أو وصيه. قوله: (ثم لأبيه أو وصيه التصدق) أي بعد الاشهاد والتعريف كما في القنية. قال في البحر: وكذا له تمليكها للصبي لو فقيرا بالأولى. قوله: (وضمانها في مالهما) كذا بحثه في شرح منظومة ابن وهبان للمصنف حيث قال: ينبغي على قول أصحابنا إذا تصدق بها الأب أو الوصي ثم ظهر صاحبها وضمنها أن يكون الضمان في مالهما دون الصبي اه. قلت: قد يؤيد بحثه بما يأتي من أن للملتقط تضمين القاضي. تأمل. وبه يندفع بحث البحر بأن في تصدقهم بها إضرارا بالصغير إذا حضر المالك والعين هالكة من يد الفقير. قوله: (ولو تصدق بأمر القاضي) مرتبط بقوله: أو تضمينه لان أمر القاضي يزيد على تصدقه بنفسه. قوله: (وأيهما ضمن لا يرجع به على صاحبه) فإن ضمن الملتقط ملكها الملتقط من وقت الاخذ ويكون الثواب له. خانية. وبه علم أن الثواب موقوف. بحر. قوله: (أو ضال) الضال: هو الانسان، والضالة الحيوان الضائع من ذكر أو أنثى، ويقال لغير الحيوان ضائع ولقطة. مصباح. فعلم أن الضالة بالتاء تشمل الانسان الضائع وغيره من الحيوان، وبدون تاء خاص بالانسان، وهو المناسب هنا لعطفه على البهيمة. قوله: (أصلا) أي سواء التقطه من مكان قريب أو بعيد، بخلاف الآبق كما يأتي. وفي كافي الحاكم: وإن عوضه شيئا فحسن. قوله: (فله أجر مثله) علله في المحيط بأنها إجارة فاسدة.
469 واعترضه في البحر بأنه لا إجارة أصلا لعدم من يقبل، وأجاب المقدسي بحمله على أنه قال ذلك لجمع حضر. قلت: يؤيده ما في إجارات الولوالجية: ضاع له شئ فقال من دلني عليه فله كذا، فالإجارة باطلة لان المستأجر له غير معلوم والدلالة ليست بعمل يستحق به الاجر فلا يجب الاجر، وإن خصص بأن قال لرجل بعينه أن دللتني عليه فلك كذا، أن مشى له ودله يجب أجر المثل في المشي، لان ذلك عمل يستحق بعقد الإجارة إلا أنه غير مقدر بقدر فيجب أجر المثل، وإن دله بلا مشي فهو والأول سواء اه. وبه ظهر أنه هنا إن خصص فالإجارة فاسدة لكون مكان الرد غير مقدر فيجب أجر المثل، وإن عمم فباطلة ولا أجر، فقوله: كإجارة فاسدة الأولى ذكره بصيغة التعليل كما فعل في المحيط. قوله: (وندب التقاط البهيمة الخ) وقال الأئمة الثلاثة: إذا وجد البقر والبعير في الصحراء فالترك أفضل، لان الأصل في أخذ مال الغير الحرمة وإباحة الالتقاط مخافة الضياع، وإذا كان معها ما تدفع به عن نفسها كالقرن مع القوة في البقر والرفس مع الكدم في البعير والفرس يقل ظن ضياعها ولكنه يتوهم. ولنا أنها لقطة يتوهم ضياعها فيستحب أخذها وتعريفها صيانة لأموال الناس كالشاة، وقوله عليه الصلاة والسلام: في ضالة الإبل، ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر، فذرها حتى يجدها ربها أجاب عنه في المبسوط بأنه كان إذ ذاك لغلبة أهل الصلاح والأمانة، وأما في زماننا فلا يأمن وصول يد خائنة إليها بعده، ففي أخذها إحياؤها وحفظها فهو أولى، ومقتضاه إن غلب على ظنه ذلك أن يجب الالتقاط، وهذا حق، فإنا نقطع بأن مقصود الشارع وصولها إلى ربها، فإذا تغير الزمان وصار طريق التلف فحكمه عنده بلا شك خلافه وهو الالتقاط للحفظ، وتمامه في الفتح. قوله: (وكره الخ) قال في البحر: وبه علم أن التقاط البهيمة على ثلاثة أوجه، لكن ظاهر الهداية أن صورة الكراهة إنما هي عند الشافعي لا عندنا اه. قلت: وهو أيضا ظاهر ما قدمناه آنفا عن الفتح. قوله: (وكدم) بفتح الكاف وسكون الدال فعله من باب ضرب وقتل وهو العض بأدنى الفم. قوله: (إن ظن أنها ضالة) أي غلب على ظنه بأن كانت في موضع لم يكن بقربه بيت مدر أو شعر أو قافلة نازلة أو دواب في مراعيها. بحر عن الحاوي. قوله: (إلا إذا قال له قاض الخ) أي بعد إقامة البينة من الملتقط كما شرطه في الأصل وصححه في الهداية، لاحتمال أن يكون غصبا في يده، والبينة لكشف الحال لا للقضاء فلا يشترط لها خصم، وصرح في الظهيرية بأن الملتقط كذلك، وإن قال لا بينة لي يقول له بين يدي ثقات أنفق عليها إن كنت صادقا، وقدمنا أن القاضي لو جعل ولاء اللقيط للملتقط جاز، لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه فعليه لا يكون متبرعا بالانفاق بلا أمره إذا أشهد ليرجع كالوصي. بحر ملخصا. قوله: (لم يكن دينا في الأصح) لان الامر متردد بين الحسبة والرجوع، فلا يكون دينا بالشك. بحر. قوله: (لا ما زعمه ابن الملك) من أنه
470 إذا لم يأمره بالانفاق فادعاه به بلوغه وصدقه اللقيط رجع عليه ح. قوله: (نهر) أصله للبحر. قوله: (والمديون) أي الذي يثبت للملتقط الرجوع عليه بما أنفقه بقول القاضي أنفق لترجع. قوله: (أو سيده) أي إن ظهر له سيد بإقراره. بحر. قوله: (أو هو بعد بلوغه) فلو مات صغيرا يرجع على بيت المال كما في القهستاني عن النظم. قوله: (وإن كان لها نفع) بأن كانت بهيمة يحمل عليها كالحمار والبغل. قوله: (بإذن الحاكم) الذي في الملتقى وغيره أنه يؤجرها القاضي، لكن لا يخفى أن إذنه كفعله قوله: (منه) أي من بدل الإجارة. قوله: (كالضال) أي العبد الذي ضل عن سيده. قوله: (بخلاف الآبق) فإنه لا يؤجره القاضي لأنه يخاف عليه أن يأبق، كذا في التبيين، وسوى بينهما في الهداية بقوله: كذلك يفعل العبد الآبق. بحر. ووفق المقدسي في شرحه بحمل ما في الهداية على ما إذا كان معه علامة تمنع من الإباق كالراية. ونقل الشرنبلالي عنه وجها آخر، وهو حمله على ما إذا كان المستأجر ذا قوة ومنعة لا يخاف عليه أو على الايجار مع إعلام المستأجر بحاله ليحفظ غاية الحفظ اه. قال في البحر: ولم أر حكم اللقيط إذا صار مميزا ولا مال له هل يؤجره القاضي للنفقة أو لا؟. قوله: (ولو الانفاق أصلح الخ) قالوا: إنما يأمر بالانفاق يومين أو ثلاثة على قدر ما يرى رجاء أن يظهر مالكها، فإذا لم يظهر يأمر ببيعها لان دارة النفقة مستأصلة فلا نظر في الانفاق مدة مديدة. هداية. قوله: (وله منعها من ربها ليأخذ النفقة) فإن لم يعطه باعها القاضي وأعطى نفقته ورد عليه الباقي، ولا فرق بين أن يكون الملتقط أنفق من ماله أو استدل بأمر القاضي ليرجع على صاحبها كما في الحاوي، وقد صرحوا في نفقة الزوجة المستدانة بإذن القاضي أن المرأة تتمكن من الحوالة عليه بغير رضاه، وقياسه هنا كذلك. بحر. قوله: (فإن هلكت بعد حبسه) أي مع الملتقط اللقطة عن صاحبها سقطت النفقة لأنها تصير كالرهن. قال في النهر: ولم يحك المنصف في الكافي تبعا لصاحب الهداية فيه خلافا فيفهم أنه المذهب، وجعله القدوري في تقريبه قول زفر، وعند أصحابنا: لا يسقط لو هلك بعده، وعزاه في الينابيع إلى علمائنا الثلاثة اه. قلت: وظاهر الفتح اعتماد ما ذكره القدوري، فإنه قال: إنه المنقول، وكذا نقل في الشرنبلالية عن خط العلامة قاسم أن ما في الهداية ليس بمذهب لاحد من علمائنا الثلاثة، وإنما هو قول زفر ولا يساعده الوجه، ثم نقل عن المقدسي أنه يمكن أن يكون عن علمائنا فيه روايتان، أو اختار في الهداية قول زفر فتأمله اه. وعلى ما في الهداية جرى في الملتقى والدرر والنقاية وغيرها. قوله: (جبرا عليه) أفاد أن المراد بعدم الدفع عدم لزومه كما في البحر. قوله: (بلا بينة) أراد بها القضاء بها. بحر. قوله: (فإن بين علامة) أي مع المطابقة، ومر في اللقيط أن الإصابة في بعض العلامات لا تكفي. وظاهر قول التتارخانية: أصاب في علامات اللقطة كلها أنه شرط، ولم أر ما لو بين كل
471 من المدعيين وأصابا، وينبغي حل الدفع لهما. بحر. قوله: (بين أولا) لكن هل يجبر: قيل نعم كما لو برهن، وقيل لا كالوكيل يقبض الوديعة إذا صدقه المودع. ودفع الفرق بأن المالك هنا غير ظاهر والمودع في مسألة الوديعة ظاهر فتح. تتمة: دفع بالتصديق أو بالعلامة وأقام آخر بينة أنها له، فإن قائمة أخذها، وإن هالكة ضمن أيها شاء، فإن ضمن القابض لا يرجع على أحد أو الملتقط فكذلك في رواية، وفي أخرى: يرجع وهو الصحيح، لأنه وإن صدقه إلا أنه بالقضاء عليه صار مكذبا شرعا فبطل إقراره. نهر عن الفتح. قوله: (لان يده أحق) لعل وجهه كونها أسبق وأن له حق تملكها بعد التعريف لو فقيرا، ويفهم منه بالأولى أنه لو انتزعها من يده آخر له أخذها منه كما قالوا في اللقيط، وهو خلاف ما في الوالوالجية حيث سوى بين مسألتي الضياع والانتزاع في أنه لا خصومة له، ولا يخفى أن ما في السراج يشملها. قوله: (جهل أربابها) يشمل ورثتهم، فلو علمهم لزمه الدفع إليهم لان الدين صار حقهم. وفي الفصول العلامية: من له على آخر دين فطلبه ولم يعطه فمات رب الدين لم تبق له خصومة في الآخرة عند أكثر المشايخ، لأنها بسبب الذين وقد انتقل إلى الورثة. والمختار أن الخصومة في الظلم بالمنع للميت، وفي الدين للوارث. قال محمد ابن الفضل: من تناول مال غيره بغير إذنه ثم رد البدل على وارثه بعد موته برئ عن الدين وبقي حق الميت لظلمه إياه، ولا يبرأ عنه إلا بالتوبة والاستغفار والدعاء له اه. قوله: (فعليه التصدق بقدرها من ماله) أي الخاص به أو المتحصل من المظالم اه ط. وهذا إن كان له مال. وفي الفصول العلامية: لو لم يقدر على الأداء لفقره أو لنسيانه أو لعدم قدرته، قال شداد والناطفي رحمهما الله تعالى: لا يؤاخذ به في الآخرة إذا كان الدين ثمن متاع أو قرضا، وإن كان غصبا يؤاخذ به في الآخرة، وإن نسي غصبه، وإن علم الوارث دين مورثه والدين غصب أو غيره فعليه أن يقضيه من التركة، وإن لم يقض فهو مؤاخذ به في الآخرة، وإن لم يجد المديون ولا وارثه صاحب الدين ولا وارثه فتصدق المديون أو وارثه عن صاحب الدين برئ في الآخرة. مطلب فيمن عليه ديون ومظالم جهل أربابها قوله: (كمن في يده عروض لا يعلم مستحقيها) يشمل ما إذا كانت لقطة علم حكمها، وإن كانت غيرها فالظاهر وجوب التصدق بأعيانها أيضا. قوله: (سقط عنه المطالبة الخ) كأنه والله تعالى أعلم لأنه بمنزلة المال الضائع والفقراء مصرفه عند جهل أربابه، وبالتوبة يسقط إثم الاقدام على الظلم ط. قوله: (يجب عليه أن يتصدق بمثله) المختار أنه لا يلزمه ذلك في القهستاني عن الظهيرية، وكذا في البحر والنهر عن الولوالجية.
472 مطلب فيمن مات في سفره فباع رفيقه متاعه قوله: (جاز لرفيقه الخ) الظاهر أنه احتراز عن الأجنبي، إذ الرفيق في السفر مأذون بذلك دلالة، كما قالوا في جواز إحرامه عن رفيقه إذا أغمي عليه، وكذا إنفاقه عليه. وهذه المسألة وقعت لمحمد رحمه الله تعالى في سفره: مات بعض أصحابه فباع كتبه وأمتعته، فقيل له: كيف تفعل ذلك ولست بقاض، فقال: * (والله يعلم المفسد من المصلح) * (سورة البقرة: الآية 022) يعني أن ذلك من المصلح المأذون فيه عادة، فإنه لو حمل متاعه إلى أهله يحتاج إلى نفقة ربما استغرقت المتاع، لكن للورثة الخيار. ففي أدب الأوصياء عن المحيط عن المنتقى: مات في السفر فباع رفقاؤه تركته وهم في موضع ليس فيه قاض. قال محمد: جاز بيعهم وللمشتري الانتفاع بما اشتراه منهم، ثم إذا جاء الوارث إن شاء أجاز البيع وإن شاء أخذ ما وجده من المتاع وضمن ما لم يجد، كاللقطة إذا جاء صاحبها يأخذها، فإن لم يجد فله أن يضمن الذي أصابها وله أن يجيز التصدق اه. مطلب فيمن وجد حطبا في نهر أو وجد جوزا أو كمثري قوله: (إن له قيمة فلقطة) وقيل إنه كالتفاح الذي يجده في الماء. وذكر في شرح الوهبانية ضابطا، وهو أن ما لا يسرع إليه الفساد ولا يعتاد رميه كحطب وخشب فهو لقطة إن كانت له قيمة ولو جمعه من أما كمتفرقة في الصحيح، كما لو وجد جوزة ثم أخرى وهكذا حتى بلغ ماله قيمة. بخلاف تفاح أو كمثري في نهر جار فإنه يجوز أخذه وإن كثر لأنه مما يفسد لو ترك، وبخلاف النوى إذا وجد متفرقا وله قيمة فيجوز أخذه، لأنه مما يرمي عادة فيصير بمنزلة المباح، ولا كذلك الجوز، حتى لو تركه صاحبه تحت الأشجار فهو بمنزلته. قوله: (ما لم يكن كثيرا) ذكر الضمير على تأويل التركة بالمتروك، والظاهر أن المراد بالكثير ما زاد على خمسة دراهم لما في البحر عن الخلاصة والولوالجية: مات غريب في دار رجل ومعه قدر خمسة دراهم فله أن يتصدق على نفسه إن كان فقيرا كاللقطة. وفي الخانية: ليس له ذلك لأنه ليس كاللقطة. قال في البحر: والأول أثبت، وصرح به في المحيط. قوله: (فإن لم يجدهم فله لو مصرفا) هذا ذكره في النهر وهو زائد على ما نقله في البحر عن الحاوي القدسي، وقد راجعت الحاوي فلم أجده فيه أيضا. قوله: (محضنة) بالحاء المهملة والضاد المعجمة في المصباح: حضن الثائر بيضه إذا جثم عليه. قوله: (أي برج) في المصباح: برج الحمام مأواه. قوله: (اختلط بها أهلي لغيره) المراد بالأهلي ما كان مملوكا. قوله: (لا ينبغي له أن يأخذه) لأنه ربما يطير فيذهب إلى محله الأصلي، فلا ينافي ما مر أن اللقطة يندب أخذها. أفاده ط. قوله: (لأنه ملك الغير) لان ولد الحيوان يتبع أمه. قوله: (وإذا
473 لم يملك الفرخ) أي ولم يعلم مالكه. قوله: (وفي الوهبانية الخ) نقل بالمعنى، وترك مما في الوهبانية قيد كون الثمار مما لا يبقى، وكون ذلك في بستان احتراز عن القرى والسواد. وحاصل ما في شرحها عن الخانية وغيرها أن الثمار إذا كانت ساقطة تحت الأشجار، فلو في المصر لا يأخذ شيئا منها ما لم يعلم أن صاحبها أباح ذلك نصا أو دلالة، لأنه في المصر لا يكون مباحا عادة، وإن كان في البستان، فلو الثمار مما يبقى ولا يفسد كالجوز واللوز لا يأخذه ما لم يعلم الإذن ، ولو مما لا يبقى، فقيل كذلك، والمعتمد أنه لا بأس به إذا لم يعلم النهي صريحا أو دلالة أو عادة، وإن كان في السواد والقرى، فلو الثمار مما يبقى لا يأخذ ما لم يعلم الإذن ولو مما لا يبقى اتفقوا على أن له الاخذ ما لم يعلم النهي، ولو كان الثمر على الشجر فالأفضل أن لا يؤخذ ما لم يؤذن له، إلا في موضع كثير الثمار يعلم أنهم لا يشحون بمثل ذلك فله الاكل دون الحمل. قوله: (وفي الجوز ينكر) لأنه مما يبقى ولا يرمي عادة، بخلاف التفاح والكمثرى، لأنه لو ترك يفسد، وبخلاف النوى، لأنه مما يرى كما مر بيانه في مسألة الحطب. مطلب: ألقى شيئا وقال من أخذه فهو له فروع: ألقى شيئا وقال: من أخذه فهو له، فلمن سمعه أو بلغه ذلك القول أن يأخذه، وإلا لم يملكه لأنه أخذه إعانة لمالكه ليرده عليه، بخلاف الأول لأنه أخذه على وجه الهبة وقد تمت بالقبض. ولا يقال: إنه إيجاب لمجهول فلا يصح هبة. لأنا نقول: هذه جهالة لا تفضي إلى المنازعة والملك يثبت عند الاخذ. وعنده هو متعين معلوم، أصله: أنه عليه الصلاة والسلام قرب بدنات ثم قال: من شاء اقتطع. مطلب: له الاخذ من نثار السكر في العرس ويقرره أن مجرد الالقاء من غير كلام يفيد هذا الحكم، كمن ينثر السكر والدراهم في العرس وغيره، فمن أخذ شيئا ملكه، لان الحال دليل على الاذن، وعلى هذا لو وضع الماء والجمد على بابه يباح الشرب منه لمن مر به من غني أو فقير، وكذا إذا غرس شجرة في موضع لا ملك فيه لاحد وأباح للناس ثمارها، وكل ذلك مأخوذ من الحديث اه. ملخصا من شرح السير الكبير. مطلب: من وجد دراهم في الجدار أو استيقظ وفي يده صرة وفي التتارخانية عن الينابيع: اشترى دارا فوجد في بعض الجدار دراهم. قال أبو بكر: إنها كاللقطة. قال الفقيه: وإن ادعاه البائع رد عليه، وإن قال: ليست لي فهي لقطة اه. وفيها سأل رجل عطاء رحمه الله تعالى عمن بات في المسجد فاستيقظ وفي يده صرة دنانير؟ قال: إن الذي صرها في يدك لا يريد إلا أن يجعلها لك. وفي البحر: وجد في البادية بعيرا مذبوحا قريب الماء لا بأس بالاكل منه إن وقع في قلبه أن مالكه أباحه.
474 مطلب: أخذ صوف ميتة أو جلدها وعن الثاني: طرح ميتة فأخذ آخر صوفها له الانتفاع به وللمالك أخذه منه، ولسلخ الجلد ودبغه للمالك أن يأخذه ويرد عليه ما زاد الدبغ فيه. وفي الخانية وضعت ملاءتها ووضعت الأخرى ملاءتها ثم أخذت الأولى ملاءة الثانية لا ينبغي للثانية الانتفاع بملاءة الأولى، فإن أرادت ذلك قالوا: ينبغي أن تتصدق بها على بنتها الفقيرة بنية كون الثواب لصاحبتها إن رضيت، ثم يستوهب الملاءة من البنت لأنها بمنزلة اللقطة. مطلب: سرق مكعبه ووجد مثله أو دونه وكذلك الجواب في المكعب إذا سرق اه. وقيده بعضهم بأن يكون المكعب الثاني كالأول أو أجود، فلو دونه له الانتفاع به بدون هذا التكلف، لان أخذ الأجود وترك الأدون دليل الرضا بالانتفاع به، كذا في الظهيرية وفيه مخالفة للقطة من جهة جواز التصدق قبل التعريف وكأنه للضرورة اه. ملخصا. قلت: ما ذكر من التفصيل بين الأدون وغيره إنما يظهر في المكعب المسروق، وعليه لا يحتاج إلى تعريف، لان صاحب الأدون معرض عنه قصدا، فهو بمنزلة الدابة المهزولة التي تركها صاحبها عمدا بل بمنزلة إلقاء النوى وقشور الرمان. أما لو أخذ مكعب غيره وترك مكعبه غلطا لظلمة أو نحوها ويعلم ذلك بالقرائن فهو في حكم اللقطة لا بد من السؤال عن صاحبه بلا فرق بين أجود وأدون، وكذا لو اشتبه كونه غلطا أو عمدا لعدم دليل الاعراض، هذا ما ظهر لي فتأمله. فائدة (1): ذكر ابن حجر في حاشية الايضاح عن بعض الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم ما نصه: إذا ضاع منك شئ فقل: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، أجمع بيني وبين كذا ويسميه باسمه، فإنه مجرب. قال النووي: وقد جربته فوجدته نافعا لوجود الضالة عن قرب غالبا. ونقل عن بعض مشايخه مثل ذلك ا ه. والله سبحانه أعلم.
(1) قرر الزيادي ان الانسان إذا ضاع له شئ وأراد ان يرده الله سبحانه عليه، فليقف على مكان عال مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة يهدي ثوابها النبي صلى الله عليه وسلم ثم يهدي ثواب ذلك لسيدي أحمد بن علوان ويقول: يا سيدي أحمد يا بن علوان ان لم ترد علي ضالتي والا نزعتك من ديوان الأولياء فان الله تعالى يرد على من قال ذلك ضالته ببركته أجهوري مع زيادة، كذا في حاشية شرح المنهج الداودي رحمه الله ا ه منه. 475 كتاب الآبق اسم فاعل، من أبق كضرب وسمع ومنع. قاموس. والأكثر الأول. مصباح، ومصدره أبق ويحرك، وإباق ككتاب وجمعه ككفار وركع. قاموس. قوله: (مناسبته) أي مناسبة الآبق للقيط واللقطة عرضية التلف أي الهلاك والزوال أي زوال يد المالك: أي توقع عروض الامرين أو أحدهما في الثلاثة وهو وجه ذكرها عقب الجهاد، فإن الأنفس والأموال فيه على شرف الزوال كما مر. واعترض في الفتح بأن عرضية ذلك في الآبق بفعل فاعل مختار، فالأولى ذكره عقب الجهاد. وأجاب في البحر بأن خوف التلف من حيث الذات في اللقيط أكثر من اللقطة فذكرا عقبه، وأما التلف في الآبق فمن حيث الانتفاع للمولى لامن حيث الذات لأنه لو لم يعد إلى مولاه لا يموت، بخلاف اللقيط فإنه لصغره إن لم يرفع يموت فالأنسب ترتيب المشايخ. قوله: (والإباق انطلاق الرقيق تمردا) وهو في اللغة: الهرب كما في المغرب. والتمرد: الخروج عن الطاعة احترز به عن الضال: وهو المملوك الذي ضل عن الطريق إلى منزل سيده بلا قصد. قوله: (من مؤجره) بفتح الجيم اه ح: أي مستأجره، ولو عبر لكان أولى ط. قوله: (ومودعه) بفتح الدال اه ح. قوله: (ووصيه) أي الوصي عليه بأن مات سيده عن أولاد صغار وأقام هو أو القاضي عليهم وصيا، فإن العبد يكون داخلا تحت وصايته. قوله: (أخذه فرض إن خاف ضياعه) أي إن غلب على ظنه ذلك، وهذا ذكره في البحر أخذا من عبارة البدائع، ويأتي ما فيه. وذكر في الفتح بحثا فتبعه المصنف. قوله: (ويندب أخذه إن قوي عليه) عبارة كافي الحاكم: وإذا وجد عبدا آبقا وهو قوي على أخذه قال: يسعه تركه، وأحب إلي أن يأخذه فيرده على صاحبه اه. ومفهومه أن قيد القوة على أخذه تأكيد لإفادة جواز الترك وأنه لا يجب أخذه بل يندب، فهو في الحقيقة لدفع توهم الوجوب عند القوة عليه. وبه اندفع ما أورد على المصنف من أن هذا الشرط لا يخص ما نحن فيه بل هو عام في سائر التكليف. على أن كون القدرة شرطا عاما لا يوجب عدم ذكرها في معرض بيان الاحكام. قال تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (سورة آل عمران: الآية 79) ولم يصرح باشتراط عدم خوف ضياعه لعلمه من قوله: فرض إن خاف ضياعه فافهم. قوله: (لما في البدائع الخ) تعليل لقوله: أخذه فرض إن خاف ضياعه الخ وقد تبع في ذلك البحر. واعترضه في النهر بأنه قدم عن البدائع أن القول بفرضية أخذ اللقطة عند خوف الضياع قول الشافعي، فقول البدائع هنا: إن حكم أخذ الآبق كحكم اللقطة لا يدل على فرضية أخذه عندنا، نعم في الفتح: يمكن أن يجري فيه التفصيل في اللقطة بين أن يغلب على ظنه تلفه على المولى إن لم يأخذه مع قدرة تامة عليه فيجب أخذه، وإلا فلا اه. قلت: لكن تقدم أن ما نسبه في البدائع إلى الشافعي مذهبنا، فقوله هنا: حكمه كحكم اللقطة يفيد أنه إذا كان أخذها واجبا يكون أخذه مثلها، وقد صرح في غير البدائع بأن أخذها واجب
476 فأخذ الآبق كذلك، فليتأمل. قوله: (واستوثق منه بكفيل إن شاء) قال في الفتح: ثم إذا دفعه إليه عن بينة ففي أولوية أخذ الكفيل وتركه روايتان اه. وظاهره أن ذلك في حق القاضي، وهو صريح ما في كافي الحاكم. قال ط: وذكر العلامة نوح: قيل رواية عدم أخذ الكفيل أصح لأنه لما أقام البينة أنه له حرم تأخيره لان الدفع في هذه الصورة واجب اه. قلت: لكن في التتارخانية أن رواية الاخذ أحوط. قوله: (أيضا) أي مع الاستيثاق منه بكفيل. قوله: (بوجه) كبيع أو هبة بنفسه أو بوكيله. قوله: (دفع إليه بكفيل) أخذه الكفيل هنا رواية واحدة كما في الفتح. قال في التتارخانية: ولم يذكر في الكتاب أن القاضي يتخير في الدفع إليه أو يجب عليه الدفع، وقد اختلف المشايخ فيه اه. قلت: ينبغي وجوب الدفع في صورة إقرار العبد وعدمه في صورة ذكر العلامة. تأمل. قوله: (مخافة جعله) أي أخذ جعله. قوله: (بذلك) أي بإباقه. قوله: (فإن طالت المدة) سيأتي أن القاضي يحبس الآبق تعزيرا. وفي التتارخانية يحبسه إلى أن يجئ طالبه، ويكون هذا الحبس بطريق التعزير وينفق عليه في مدة الحبس من بيت المال. ثم قال: فإن لم يجئ له طالب وطال ذلك باعه بعد ما حبسه ستة أشهر ويدفع الثمن إلى صاحبه إذا وصف حليته وعلامته اه. وجواز بيعه ظاهر على أنه لا يؤجره خوف إباقه كما مر في اللقطة ويأتي. قوله: (ولو علم مكانه) في الحواشي اليعقوبية ينبغي أن يكون هذا إذا تعذر إيصاله إلى مالكه وخيف تلفه. وقد ذكر في القنية أن ملال الغائب لا يباع إذا علم مكان الغائب لامكان إيصاله اه. نهر. قلت: قد يكون إيصاله إلى مالكه موجبا لكثرة النفقة فيتضرر مالكه، وقد لا يمكن معه أخذ ما أنفقه عليه القاضي. قوله: (وأمسك من ثمنه ما أنفق منه) الضمير في منه للقاضي، والمراد ما أنفقه من بيت المال: أي يمسك قدر ما أنفق ليرده إلى بيت المال. قوله: (أو علم) بتشديد اللام: أي وصف علامته. وفي المصباح: علمت له علامة بالتشديد وضعت به أمارة يعرفها. قوله: (دفع باقي الثمن إليه) نقل في التتارخانية عن التهذيب أنه لا يدفع إليه الثمن إلا بالبينة ولا يكتفي بالحلية. ونقل عن الكافي أنه يجوز أن يكتفي بها. قلت: يمكن التوفيق بأن الأول في وجوب الدفع والثاني في جوازه. قوله: (عن إعطاء الاذن) أي لواحد الآبق. قوله: (فحينئذ فلا يصح الخ) لأنه لا يصح بيعه بلا إذن القاضي، وحيث كان
477 القاضي ممنوعا من إعطاء الاذن لا يصح إذنه لأنه يستفيد الولاية من السلطان، ولكن هذا المنع السلطاني لا يبقى بعد موت السلطان المانع على ما أفاده الخير الرملي في فتاواه. تأمل. قوله: (فكذلك) أي لا يصح بيع القاضي لان تصرفه منوط بالمصلحة وخصوصا بعد ورود الامر له بذلك. قوله: (لم يصدق في نقضه) أي لم يصدق في زعمه المذكور في حق نقض البيع، وإلا فهو مؤاخذ بإقراره على نفسه. قوله: (إلا أن يكون عنده ولد منها) أي ولد ولدته في ملكه فيدعي أنه ولده منها فيصدق عليه ويثبت النسب ويفسخ البيع اه. كافي الحاكم الشهيد. قوله: (أو يبرهن على ذلك) أي على ما زعمه من التدبير ونحوه. وأفاد أن ما ذكره المصنف محمول على ما إذا كان مجرد دعوى بلا برهان. وبه اندفع ما في البحر من اللقطة من أن عدم تصديقه مشكل، لأنه: أي المالك لو باع بنفسه ثم قال هو مدبر أو مكاتب أو أم ولد وبرهن قبل برهانه، لان التناقض في دعوى الحرية وفروعها لا يمنع اه. قال في النهر: فيحمل على ما إذا لم يبرهن اه. وبه أجاب المقدسي أيضا. قوله: (واختلف في الضال) الأولى للمصنف ذكر هذا بعد قوله: ويندب إن قوي عليه لئلا يوهم أن الاختلاف في نقض البيع. قوله: (قيل الخ) وعليه فهو مما خالف فيه الآبق، ويخالفه أيضا في أنه لا جعل لراده، وأنه لا يحبس، وأنه يؤجره وينفق عليه من أجرته كاللقطة كما في البحر وسيأتي. قوله: (ولو عرف بيته الخ) يشير إلى أن محل الاختلاف ما إذا لم يعلم الواجد مولاه ولا مكانه. قال في الفتح: أما إذا علم فلا ينبغي أن يختلف في أفضلية أخذه ورده. قوله: (صدق) أي بيمينه كافي. قوله: (من مدة سفر) الظاهر أن المعتبر في هذه المسافة ما بين مكان الاخذ ومكان سيد العبد، سواء أبق من مكان سيده أو غيره، كما يشعر به قول الهداية: ومن رد الآبق على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا فقد اعتبر مكان الرد ومكان المولى، وعليه فلو خرج في حاجة لمولاه مسافة يومين ثم أبق منها مسافة يوم فأخذه رجل ورده على مولاه فله أربعون درهما اعتبارا لمكان المولى. والظاهر أيضا كما أفاده ط أن المعتبر في مكان المولى المكان الذي يحصل فيه الرد عليه، حتى لو لحقه المولى وقد سار يوما فلقيه الواجد بعد ما سار يومين فله جعل اليومين فقط. قوله: (ولو صبيا أو عبدا الخ) جملة معترضة بين اسم إن وخبرها، وهو قوله: ممن يستحق الجعل ودخل في هذا التعميم ما إذا تعدد الراد كاثنين، فيشتركان في الأربعين إذا رداه إلى مولاه، وما إذا رداه بنفسه أو بنائبه، كما إذا دفعه إلى رجل وأمره أن يأتي به إلى مولاه وأن يأخذه منه الجعل، وما إذا اغتصبه منه
478 رجل وجاء به إلى مولاه وأخذ جعله ثم جاء الآخذ وبرهن أنه أخذه من مسيرة سفر فله الجعل، ويرجع المولى على الغاصب بما دفعه إليه لأنه أخذه بغير حق. قوله: (ممن يستحق الجعل) بأن لم يكن ممن يعمل متبرعا، بخلاف المتبرع أما لوجوب ذلك العمل عليه كالسلطان أو أحد نوابه، أو لكونه يحفظ مال سيد العبد كوصي اليتيم وعائله أو لكونه ممن جرت العادة برده عليه تبرعا، أما لاستعانة به لأنه ممن في عياله، أو لزوجية أو بنوة أو شركة. قوله: (وشحنة) هو حافظ المدينة اه ح. قوله: (وخفير) هو بمعنى المعاهد: أي من يعاهدك على النصرة، ولعل المراد به من ينصبه الحاكم في الطريق لدفع القطاع عن المسافرين، ثم رأيت نقلا عن الحموي أن المراد به هنا الحارس. قوله: (وعائله) أي من يعول اليتيم ويربيه في حجره بلا وصاية. قوله: (فقال نعم) كذا شرطه في التتارخانية معللا بأنه قد وعد له الإعانة. بحر. قال المقدسي: والظاهر أنه ليس بشرط لأن الظاهر منه التبرع بالعمل حيث لم يشرط عليه جعلا اه. قلت: وفيه نظر، فإن عدم شرط الجعل لا يدل على التبرع، وإلا لزم شرطه في كل المواضع، بخلاف ما إذا استعان به ووعده الإعانة فإن إجابته بالقول لما طلب دليل التبرع. تأمل. قوله: (أو كان في عياله) عطف على استعان، وشمل أحد الأبوين إذا رد عبد الابن فلا جعل له إذا كان في عيال الابن كحكم بقية المحارم، كما في الهداية وشروحها. كفاية البيان والمعراج والفتح والعناية. وكذا في البزازية والجوهرة والقهستاني والنهر، على خلاف ما في البحر والمنح، حيث سوى بين الأبوين والابن، ومثله قول الحاوي القدسي، إذا كان الراد في عيال مالك الغلام لا جعل له، وإلا فله الجعل سواء كان أجنبيا أو ذا رحم إلا الوالدين والمولودين. قوله: (وابن) عطف على سلطان ح. قوله: (مطلقا) أي سواء كان الابن في عيال الأب وأحد الزوجين في عيال الآخر أو لا. قال الزيلعي: لان رد الآبق على المولى نوع خدمة للمولى وخدمة الأب مستحقه على الابن فلا تقابل بالاجر، وكذا خدمة أحد الزوجين الآخر اه ح. قوله: (وشريك) لان عمله يكون في حصته وحصة شريكه بلا تمييز فلا أجر له، كمن استأجر شريكه على حمل الحمل المشترك بينهما لا يستحق أجرا، ومنه ما في الولوالجية: لوجاء به وارث الميت، إن أخذه وسار به ثلاثة أيام وسلمه في حياة المولى يستحق الجعل إن لم يكن في عياله، وإن سلمه بعد موته وليس ولد المولى ولا في عياله وكان معه وارث آخر. قال محمد: له الجعل في حصة شركائه. وقال أبو يوسف: لا. وقيل قول أبي حنيفة كقول محمد اه. ملخصا. قلت: ولعل وجه الخلاف أنه إن نظر إلى أن العمل الموجب للجعل وهو سير ثلاثة أيام حصل في حياة المولى قبل أن يصير الراد شريكا وجب الجعل، وإن نظر إلى أن الاستحقاق بالتسليم وهو لم يحصل إلا بعد الموت والاشتراك لم يجب الجعل، ويؤيد الثاني عدم استحقاق الجعل في موت مولى أم الولد والمدبر كما يأتي قريبا. تأمل. قوله: (ووهبانية) كذا في بعض النسخ. والذي رأيته في عدة نسخ ورهبان وهكذا رأيته معزيا إلى نسخة الشارح وهو الصواب، لان الشارح عزاه الولوالجية، والذي رأيته فيها: ورهبان وشحنة، وهكذا رأيته في التجنيس:
479 والظاهر أنه في عرفهم اسم لنوع ممن يرهب منه من أهل الولايات بقرينة ذكره مع الشحنة، وحينئذ يتم قول الشارح فالمستثنى أحد عشر، فإن به يتم العدد، فافهم. قوله: (أربعون درهما) بوزن سبعة مثاقيل. فتح. وإن أنفق أضعافها بغير أمر القاضي كافي الحاكم. أما لو أنفق بأمره فإن له الأربعين مع جميع ما أنفق فلا يستحق الأربعين فقط، إلا إذا كان إنفاقه بغير أمر القاضي، وبه سقط اعتراضه في الدر المنتقى على شارح الوهبانية بأن تعبيره بلفظ غير من سبق القلم. قوله: (فبطل صلحه فيما زاد عليها) لأنه زيادة على ما ثبت بالنص كما بطل صلح القاتل فيما زاد على الدية. قال في البحر: بخلاف الصلح على الأقل لأنه حط منه. قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يكون له شئ إلا بالشرط، كما إذا رد بهيمة ضالة أو عبدا ضالا. وجه الاستحسان أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعوا على أصل الجعل. واختلفوا في مقداره، فأوجبنا الأربعين في مدة السفر وما دونها فيما دونه جمعا بين الروايتين. نهر. قوله: (ولو رد أمة الخ) اعلم أنه في كافي الحاكم عمم أولا في وجوب الجعل في رد الآبق فقال بالغا أو غير بالغ. ثم قال: وإذا أبقت الأمة ولها صبي رضيع فردها رجل كان له جعل واحد، فإن كان ابنها غلاما قد قارب الحلم فله الجعل ثمانون درهما اه. قال في الفتح: لان من لم يراهق لم يعتبر آبقا اه. ومقتضاه أن المراد بقوله: أو غير بالغ هو المراهق. ووفق في البحر بين عبارتي الكافي بأن الولد إن كان مع أحد أبويه اشترط كونه مراهقا: أي اشترط ذلك لوجوب جعل آخر لرد الولد، وإن لم يكن مع أحدهما لا يشترط أن يكون مراهقا، لكن يشترط عقله لقول التتارخانية: وما ذكر من الجواب في الصغير محمول على ما إذا كان يعقل الإباق، وإلا فهو ضال لا يستحق له الجعل اه. ووفق في النهر بأن قوله: قد قارب الحلم غير قيد، لقول شارح الوهبانية: اتفق الأصحاب أن الصغير الذي يجب الجعل برده في قول محمد هو الذي يعقل الإباق. وحاصله أنه لا يشترط كونه مراهقا في وجوب الجعل برده سواء كان مع أحد أبويه أو وحده، بل الشرط أن يعقل الإباق، فبحث النهر إنما هو تقييد الولد في مسألة الكافي بكونه يعقل الإباق إشارة إلى أنه المراد من قوله: قد قارب الحلم. قوله: (لثبوته بالنص) فلا يحط منه لنقصان القيمة، كصدقة الفطر لا يحط منها لو كانت قيمة الرأس أنقص من صدقة الفطر. قاله العيني. وقال محمد: يقضي بقيمته إلا درهما، لان المقصود إحياء مال المالك فلا بد أن يسلم له شئ تحقيقا للفائدة. وذكر صاحب البدائع والأسبيجابي الامام مع محمد فكان هو المذهب. بحر. والذي عليه المتون مذهب أبي يوسف كما لا يخفى، فينبغي أن يعول عليه لموافقته للنص والله تعالى أعلم منح ط. قوله: (إن أشهد الخ) شرط لاستحقاق الجعل المذكور، وهذا عند التمكن من الاشهاد، وإلا فلا يشترط، والقول قوله في أنه لم يتمكن منه كما صرح به في التتارخانية. بحر. وفي الكافي: أخذه رجل فاشتراه منه رجل وجاء به فلا جعل له لأنه لم يأخذه ليرده، وكذلك الهبة والوصية والميراث، وإن أشهد حين اشتراه أنه إنما اشتراه ليرده على صاحبه لأنه لا يقدر عليه إلا بالشراء فله الجعل اه. ويكون متبرعا بالثمن. نهر. قوله: (بقسطه) أي بأن تقسم الأربعون على
480 الأيام لكل يوم ثلاثة عشر وثلث. نهر. قوله: (يرضخ له) يقال رضخ له كمنع وضرب أعطاه عطاء غير كثير قاموس، واعتبار رأي الحاكم عند عدم الاصطلاح على شئ ط. قوله: (به يفتى) أي بالرضخ برأي الحاكم. قوله: (ولو من المصر) تعميم لقوله: ومن أقل وعنه أنه لا شئ له. قهستاني عن المضمرات. لكن الأول هو المذكور في الأصل وهو الصحيح. بحر. قوله: (كقن في الجعل) أي في وجوبه، وهذا إذا رد المدبر وأم الولد في حياة المولى كما أفاده ما بعده. قوله: (لعقتهم بموته) فيقع رد حر لا مملوك، وهذا في أم الولد ظاهر، وكذا في المدبر لو يخرج من الثلث لأنه حينئذ يعتق بالموت اتفاقا، وإلا فكذلك عندهما. وعنده يصير كالمكاتب لأنه يسعى في قيمته ليعتق، ولا جعل في رد المكاتب، وتمامه في الفتح. قوله: (وإن أبق منه) وكذا لو مات في يده. نهر. قوله: (ثم إنه أبق) أي في حال استعماله، أما لو بعد فراغه وعزمه على أن يرده إلى صاحبه فينبغي عدم الضمان لعوده إلى الوفاق ط. قوله: (ويلزم مريد الرد قيمته) أي إذا أبق منه أو مات في يده، سواء أشهد أنه أخذه ليرده أو لا كما هو ظاهر لأنه غير مقيد عند إنكار المولى إباقه. قوله: (ما لم يبين إباقه) أي بإقامة البينة على إباقه، أو على إقرار المولى به. زيلعي. قوله: (في الوجهين) أي فيما إذا أبق منه بعد الاشهاد أو قبله. قال في المنح: أما الأول فلانه لم يرده إلى مولاه، وأما الثاني فلانه بترك الاشهاد صار غاصبا. قوله: (خلافا للثاني في الثاني) أي في قوله: وضمن لو قبله فإنه لا يضمن عند أبي يوسف وإن لم يشهد، والأولى ذكر الخلا ف قبل قوله: ولا جعل له لئلا يوهم أن الخلاف في الجعل وليس كذلك، لان أبا يوسف وإن أوجب الجعل بدون إشهاد لكن لا بد فيه أن يرده على مولاه، والكلام فيما إذا أبق أو مات قبل الرد، فافهم. قوله: (أو بيع العبد فيه) أي إن لم يدفع صاحب الرقبة الجعل. والظاهر أن الذي يبيعه هو القاضي. قوله: (على من يستقر له
481 الملك) وهو المولى إن اختار قضاء دينه أو الغرماء إن اختار بيعه في الدين فيجب الجعل في الثمن، وفي كلامه تسامح لان الملك لم يستقر لهم فيه بل في ثمنه، وإنما استقر ملكه للمشتري ولا شئ عليه كما في الفتح. قوله: (جنى خطأ) أي قبل الإباق أو بعده قبل الاخذ كما يفيده قوله: لا في يد الآخذ واحترز به عما لو جنى في يد الآخذ فلا جعل له على أحد كما لو قتل عمدا ثم رده. قوله: (على من سيصير له) وهو المولى إن اختار فداءه، أو الأولياء إن اختار دفعه إليهم، فلو دفع المولى الجعل ثم قضى عليه بالدفع إلى الأولياء له الرجوع على المدفوع إليه بالجعل. بحر عن المحيط. تأمل. قوله: (على غاصبه) لأنه أحياه له لتبرأ ذمته بدفعه، وظاهره لزوم الجعل له ولو رده إلى مالكه، ويحرر ط. قوله: (وهو ترك التصرف) أي تصرفه بما يمنع رجوع الواهب في هبته. قوله: (عبد صبي) بالإضافة: أي جعل عبد الصبي في مال الصبي. قوله: (كنفقة لقطة) لأنه لقطة حقيقة فإذا أنفق عليه الآخذ بلا أمر القاضي كان متبرعا، وبإذنه كان له الرجوع بشرط أن يقول على أن ترجع على الأصح. بحر. قوله: (وله حبسه لدين نفقته) فإن طالت المدة ولم يجئ صاحبه باعه القاضي وحفظ ثمنه كما قدمناه. بحر. قلت: وله حبسه أيضا للجعل. قال في الكافي: ولمن جاء بالآبق أن يمسكه حتى يأخذ الجعل، فإن مات في يده بعد ما قضى له القاضي بإمساكه بالجعل فلا ضمان عليه ولا جعل، وكذلك لو مات قبل أن يرفعا إلى القاضي. قوله: (وقيل يؤجره للنفقة) تقدم الكلام عليه في اللقطة. قوله: (بخلاف اللقطة والضال) فإن الدابة اللقطة تؤجر لينفق عليها من أجرتها الضال لا يحبس، وظاهره أنه يؤجره لينفق عليه من أجرته، وبه صرح في كتاب اللقطة. قوله: (ثم بعدها يبيعه القاضي) أي ويرد لبيت المال ما أنفقه منه كما قدمناه ح، والله سبحانه أعلم.
482 كتاب المفقود مناسبته للآبق أن كلا منهما فقده أهله وهم في طلبه، وأخر عنه لقلة وجوده. قوله: (هو غائب الخ) أفاد أن قول الكنز هو غائب لم يدر موضعه معناه لم تدر حياته ولا موته. قال في البحر: فالمدار إنما هو على الجهل بحياته وموته لا على الجهل بمكانه، فإنهم جعلوا منه كما في المحيط المسلم الذي أسره العدو ولا يدري أحي أم ميت مع أن مكانه معلوم وهو دار الحرب، فإنه أعم من أن يكون عرف أنه في بلدة معينة من دار الحرب أو لا اه. لكن في الملتقى وغيره: هو غائب لا يدري مكانه ولا حياته ولا موته، قيل فهذا صريح في اشتراط جهل المكان فيكون التعويل عليه. قلت: الظاهر أن علم المكان يستلزم العلم بالموت والحياة غالبا وعدمه عدمه، فالعطف للتفسير، ولو علم مكانه من دار الحرب مع تحقق الجهل بحاله وعدم إمكان الاطلاع عليه لا شك في أنه مفقود، فافهم. قوله: (فيتوقع قدومه) أي يطلب أو ينتظر وقوعه، وقوله: قدومه بدل اشتمال من الضمير في يتوقع العائد إلى قوله: غائب لا نائب فاعل، لان حذفه لا يجوز. قوله: (ومرتد لم يدر ألحق أم لا) أي فإنه يوقف ميراثه كما يوقف ميراث المسلم كافي الحاكم، لأنه إذا جهل لحاقه لا يمكن الحكم به، بخلاف ما إذا علم فإنه يحكم به ويكون موتا حكما فيقسم ميراثه على ما مر في بابه. قوله: (وهو في حق نفسه حي) مقابله قوله الآتي: وميت في حق غيره. وحاصله أنه يعتبر حيا في حق الاحكام التي تضره وهي المتوقفة على ثبوت موته ويعتبر ميتا فيما ينفعه ويضر غيره، وهو ما يتوقف على حياته لان الأصل أنه حي وأنه إلى الآن كذلك استصحابا للحال السابق، والاستصحاب حجة ضعيفة تصلح للدفع لا للاثبات: أي تصلح لدفع ما ليس بثابت لا لاثباته. قوله: (نزعه) أي نزع مال المفقود، قوله: (لما سيجئ الخ) فيه أن ما هنا أودعه بنفسه وما يجئ في مال مورثه ط. قلت: لكن يأتي قريبا أنه لو كان وكيل له حفظ ماله: أي لأنه لا ينعزل بفقد الموكل كما يأتي، لكن نقل ابن المؤيد عن جامع الفصولين: لو أخذ القاضي وديعة المفقود ممن هي بيده ووضعها عند ثقة لا بأس به اه. وهذا يخالف ما في المعروضات، إلا أن يقال: ما فيها هو في حق أمين بيت المال، فليس له ذلك وإن كان المفقود لا وارث له إلا بيت المال، لان الوارث حقيقة ليس له ذلك فأمين بين المال بالأولى وما نقلناه إنما هو في القاضي الذي له ولاية حفظ مال الغائب. والظاهر أنه محمول على ما إذا رأى المصلحة في ذلك، بأن كان من المال بيده غير ثقة إلا فهو عبث تأمل. قوله: (ولا تنفسخ إجارته) لأنها وإن كانت تفسخ بموت المؤجر أو المستأجر لكنه لم يثبت موته. قوله: (المقر بها) بالبناء للمجهول: أي التي أقر بها غرماؤه، قيد له لما في النهر:
483 ويخاصم في دين وجب بعقده بلا خلاف، لا فيما وجب بعقد المفقود، ولا في نصيب له في عقار أو عرض في يد رجل، ولا في حق من الحقوق إذ جحده من هو عنده أو عليه لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه وإنما هو وكيل من جهة القاضي وهو لا يملك الخصومة بلا خلاف. قوله: (ويقوم عليه) أعم مما قبله لأنه يشمل الحفظ وغيره كحصاد ودياس مثلا. قوله: (عند الحاجة الخ) متعلق بقوله: ونصب القاضي وهذا بحث ذكره في البحر، أصله أنه إنما ينصب إذا لم يكن له وكيل في الحفظ أقامه الغائب قبل فقده، لأنه لا ينعزل بفقده، لما في التجنيس: جعل داره بيد رجل ليعمرها أو دفع ماله ليحفظه وفقد الدافع فله الحفظ لا التعمير إلا بإذن الحاكم، لأنه لعله مات ولا يكون الرجل وصيا اه. وأجاب في النهر بأن الظاهر أنه: أي وكيل المفقود لا يملك قبض ديونه التي أقر بها غرماؤه ولا غلاته، وحينئذ فيحتاج إلى النصب، وكأن هذا هو السر في إطلاقهم نصب الوكيل اه. قلت: وفيه نظر، لان مراد البحر أن القاضي إنما ينصب له من يأخذ حقه ويحفظ ماله إذا لم يكن له وكيل في ذلك، لان وكيله لا ينعزل بفقده، وقول النهر: الظاهر أنه لا يملك قبض ديونه الخ غير مسلم إلا بنقل صريح، لأنه إذا لم ينعزل وقد وكله بذلك فما المانع له منه؟ فلذا والله أعلم لم يعول الشارح على كلامه. قوله: (ليس بخصم فيما يدعي على المفقود) ولا فيما يدعي له كما علمته. قال في البحر: وكذا ليس للورثة ما ذكر لأنهم يرثونه بعد موته ولم يثبت. ثم نقل عن البزازية: ما ت عن ابنين أحدهما مفقود فزعم ورثة المفقود أنه حي وله الميراث والابن الآخر بزعم موته لا خصومة بينهما، لان ورثة المفقود اعترفوا أنه لا حق لهم في التركة فكيف يخاصمون عمهم اه. لان اعترافهم بحياته اعتراف بأن الحق له. قوله: (ونحوه) أي نحو ما ذكر من رد بعيب أو مطالبة لاستحقاق. بحر. قوله: (بلا خلاف) لما فيه من تضمن الحكم على الغائب وإنما الخلاف المعروف بينهم فيمن وكله المالك بقبض الدين هل يملك الخصومة أم لا؟ فعنده يملكها وعندهما: لا اه ح عن الزيلعي. مطلب: قضاء القاضي ثلاثة أقسام قوله: (لم ينفذ) اعلم أن قضاء القاضي ثلاثة أقسام: قسم يرد بكل حال، وهو ما خالف النص أو الاجماع. وقسم يمضي بكل حال، حتى لو رفع إلى قاض آخر لا يراه نفذه وأمضاه ولا يبطله، وهو ما يكون الخلاف فيه لا في نفس القضاء بل في سببه. وأمثلته كثيرة: منها لو قضى شافعي بشهادة المحدودين بعد التوبة أو قضى لامرأة بشهادة زوجها وأجنبي نفذ، ولو رفع إلى حنفي لزمه تنفيذه لان الاختلاف في سبب القضاء، وهو أن شهادة هؤلاء هل تصير حجة للحكم أم لا، أما نفسه الحكم فلا اختلاف فيه. والقسم الثالث: الحكم المجتهد فيه، وهو ما يقع الخلاف فيه في نفس الحكم، فقيل ينفذ أيضا، وقيل لا ينفذ إلا إذا نفذه قاض آخر، فإذا نفذه الثاني نفذ، حتى لو
484 رفع إلى ثالث أمضاه، وإذا أبطله الثاني فليس لأحد أن يجيزه، وهذا هو الصحيح. وبعضهم صحح الأول، وذلك كما لو قضى لولده على أجنبي أو لامرأته بشهادة رجلين، لان نفس القضاء مختلف في. واختلفوا فيما لو قضى على الغائب: فقيل هو من هذا القسم فلا ينفذ إلا بتنفيذ قاض آخر، وهو ما نقله عن الزيلعي والكمال، بناء على أن الاختلاف في نفس القضاء على الغائب. وقيل هو من القسم الثاني فينفذ بلا توقف على تنفيذ قاض آخر، وهو ما نقله عن الخلاصة بناء على أن الاختلاف لا في نفس القضاء بل في سببه، وهو أن البينة هل تكون حجة من غير خصم حاضر أو لا؟. قوله: (يعني لو القاضي مجتهدا) ومثله ما لو كان مقلد المجتهد، وهذا ترجيح لما حققه في البحر من كتا أأدخل القضاء من أن الخلاف في نفاذ القضاء على الغائب، محله ما إذا كان مذهب القاضي صحة هذا القضاء، بخلاف القاضي الحنفي، وسيأتي في القضاء إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك. قوله: (ولا يبيع القاضي ما لا يخاف فساده) منقولا كان أو عقارا، لان القاضي لا ولاية له على الغائب إلا في الحفظ، وفي البيع ترك حفظ الصورة بلا ملجئ، وما يخاف عليه الفساد كالثمار ونحوها يبيعه، لأنه تعذر حفظ صورته ومعناه فينظر للغائب بحفظ معناه اه. من الهداية والفتح. وفي جامع الفصولين وشرح الوهبانية: للقاضي بيع مال المفقود والأسير من المتاع والرقيق والعقار إذا خيف عليه الفساد، وليس له بيعها لنفقة عيالهما، وإن باعها لخوف الضياع فصارت دراهم أو دنانير يعطي النفقة منها بطريقة اه. وفيه شراه فغاب قبل قبضه غيبة منقطعة ولا يدري أين هو جاز للقاضي بيع المبيع وإبقاء الثمن للبائع لو كان المبيع منقولا لا لو عقارا. وعلى هذا لو رهن المديون وغاب غيبة منقطعة فرفع المرتهن الامر للقاضي ليبيع الرهن بدينه ينبغي أن يجوز كما في هذه المسألة اه. قلت: ومسألة بيع المبيع ذكرها المصنف في متفرقات البيوع، وذكر في النهر هناك أنه لو غاب بعد قبض المبيع ليس للقاضي بيعه، ومسألة بيع الرهن ذكرها الشارح في كتاب الرهن، ومقتضى قياس هذه على المسألة الأولى تخصيص الرهن بكونه منقولا. تأمل. قوله: (مأمورون بالبيع) أي أمرهم السلطان بذلك. أقول: كيف يتجه هذا الامر مع مخالفته لما ذكره المصنف تبعا لما في كتب المذهب كالهداية وغيرها وكافي الحاكم الشهيد بلا حكاية خلاف. إلا أن يقال: إنه إذن للقضاة بالحكم على مذهب الغير، لكن في حكم القاضي بخلاف مذهبه كلام مذكور في كتاب القضاء، على أن أمر قضاة زمانه لا يسري على غيرهم كما حرره. في الخيرية. قوله: (وينفق) أي الوكيل المنصوب. نهر: أي ينفق
485 من مال المفقود لحاصل في بيته والواصل من ثمن ما يتسارع إليه الفساد ومن مال مودوع عند مقر ودين على مقر، وتمامه في الفتح والبحر. قوله: (ولادا) نصب على التمييز. نهر. قوله: (وهم أصوله وفروعه) أعاد الضمير بالجمع على القريب لأنه يصدق على الواحد والأكثر، والمراد الأصول وإن علوا والفروع وإن سفلوا، ولم يشترط الفقر في الأصول استغناء بما مر في النفقات، وإنما ينفق عليهم لان وجوب النفقة لهم ولا يتوقف على القضاء فكان إعانة لهم، بخلاف غير الولاد من الأخ ونحوه فإن وجوبها يتوقف عليه، فكان قضاء على الغائب وهو لا يجوز، وهذا الاطلاق مقيد بالدراهم والدنانير والتبر لان حقهم في المطعوم والملبوس، فإن لم يكن ذلك في ماله احتيج إلى القضاء بالقيمة وهي النقدان، وقد علمت أنه على الغائب لا يجوز إلا في الأب، فإن له بيع العرض لنفقته استحسانا كما في المبسوط، وقدم المصنف في النفقات أن لهؤلاء أخذ النفقة من مودعه ومديونه المقرين بالنكاح والنسب إذا لم يكونا ظاهرين عند القاضي، فإن ظهرا لم يشترط أو أحدهما اشترط الاقرار بما خفي هو الصحيح، فإن أنكر الوديعة والدين لم ينتصب أحد من هؤلاء خصما فيه والمسألة بفروعها مرت نهر: أي مرت في النفقات. مطلب في الافتاء بمذهب مالك في زوجة المفقود قوله: (خلافا لمالك) فإن عنده تعتد زوجة المفقود عدة الوفاة بعد مضي أربع سنين، وهو مذهب الشافعي القديم، وأما الميراث فمذهبهما كمذهبنا في التقدير بتسعين سنة، أو الرجوع إلى رأي الحاكم. وعند أحمد: إن كان يغلب على حاله الهلاك كمن فقد بين الصفين أو في مركب قد انكسر أو خرج لحاجة قريبة فلم يرجع ولم يعلم خبره فهذا بعد أربع سنين يقسم ماله وتعتد زوجته، بخلاف ما إذا لم يغلب عليه الهلاك كالمسافر لتجارة أو لسياحة فإنه يفوض للحاكم في رواية عنه، وفي أخرى: يقدر بتسعين من مولده كما في شرح ابن الشحنة، لكنه اعترض على الناظم بأنه لا حاجة للحنفي إلى ذلك: أي لان ذلك خلاف مذهبنا فحذفه أولى. وقال في الدر المنتقى: ليس بأولى، لقول القهستاني: لو أفتى به في موضع الضرورة لا بأس به على ما أظن اه. قلت: ونظير هذه المسألة عدة ممتدة إلى الطهر التي بلغت برؤية الدم ثلاثة أيام ثم امتد طهرها فإنها تبقى في العدة إلى أن تحيض ثلاث حيض. وعند مالك: تنقضي عدتها بتسعة أشهر. وقد قال في البزازية: الفتوى في زماننا على قول مالك. وقال الزاهدي: كان بعض أصحابنا يفتون به للضرورة. واعترضه في النهر وغيره بأنه لا داعي إلى الافتاء بمذهب الغير لامكان الترافع إلى مالكي يحكم بمذهبه، وعلى ذلك مشى ابن وهبان في منظومته هناك، لكن قدمنا أن الكلام عند تحقق الضرورة حيث لم يوجد مالكي يحكم به. قوله: (وميت في حق غيره) معطوف على قوله: وهو في حق نفسه حي كما مر. قوله: (وللمفقود بنتان وأبناء) الظاهر أنه بالمد جمع ابن، إذ لا يصح أن يكون مفردا منصوبا. وفي بعض النسخ وابنان بصيغة المثنى، وفي بعضها وابن بصيغة المفرد، والكل صحيح. قوله: (والتركة في البنتين) أي بنتي الرجل الميت. واعلم أن في هذه المسألة ست صور والمذكور هنا صورة واحدة منها.
486 وحاصل الصور أن المال، إما أن يكون في يد أجنبي أو في يد البنتين أو في يد أولاد الابن، وعلى كل إما أن ينفقوا على الفقد أو ينكره من في يده المال ويدعي أنه مات، وأحكام الكل مبينة في الفتح، فراجعه إن شئت. قول: (أي لا ينزعه من يد البنتين) بل يقضي لهما بالنصف ميراثا ويوقف النصف في أيديهما على حكم ملك الميت، فإن ظهر المفقود حيا دفع إليه، وإن ظهر ميتا أعطى البنتان سدس كل المال من ذلك النصف والثلث الباقي لأولاد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين. فتح. قوله: (ولا يستحق الخ) أي لا يحكم باستحقاقه للوصية بعد موت الموصي ولا بعدمه، بل يوقف إلى ظهور الحال، فإن ظهر إلى آخر ما سيذكره المصنف. قوله: (إلى موت أقرانه) هذا ليس خاصا بالوصية، بل هو حكمه العام في جميع أحكامه من قسمة ميراثه وبينونة زوجته وغير ذلك. قوله: (في بلده) هو الأصح. بحر. وقيل: المعتبر موت أقرانه من جميع البلاد، فإن الأعمار قد تختلف ف طولا وقصرا بحسب الأقطار بحسب إجرائه سبحانه العادة، ولذا قالوا: الصقالبة أطول أعمارا من الروم، لكن في تعرف موت أقرانه من البلاد حرج عظيم، بخلافه من بلده فإنما فيه نوع حرج محتمل. فتح. قوله: (على المذهب) وقيل يقدر بتسعين سنة بتقديم التاء من حين ولادته، واختاره في الكنز، وهو الأرفق. هداية. وعليه الفتوى. ذخيرة. وقيل بمائة، وقيل بمائة وعشرين، واختار المتأخرون ستين سنة، واختار ابن الهمام سبعين لقوله عليه الصلاة والسلام: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين فكانت المنتهى غالبا. وذكر في شرح الوهبانية أنه حكاه في الينابيع عن بعضهم. قال في البحر: والعجب كيف يختارون خلاف ظاهر المذهب مع أنه واجب الاتباع على مقلد أبي حنيفة. وأجاب في النهر بأن التفحص عن موت الاقران غير ممكن أو فيه حرج، فعن هذا اختاروا تقديره بالسن اه. قلت: وقد يقال: لا مخالفة بل هو تفسير لظاهر الرواية وهو موت الاقران، لكن اختلفوا، فمنهم من اعتبر أطول ما يعيش إليه الاقران غالبا، ثم اختلفوا فيه هل هو تسعون أو مائة أو مائة وعشرون، ومنهم وهم المتأخرون اعتبروا الغالب من الأعمار، أي أكثر ما يعيش إليه الاقران غالبا لا أطوله فقدروه بستين، لان من يعيش فوقها نادر والحكم للغالب، وقدره ابن الهمام بسبعين للحديث لأنها نهاية هذا الغالب، ويشير إلى هذا الجواب قوله في الفتح بعد حكاية الأقوال: والحاصل أن الاختلاف ما جاء إلا من اختلاف الرأي في أن الغالب هذا في الطول أو مطلقا اه. قوله: (واختار الزيلعي تفويضه للامام) قال في الفتح: فأي وقت رأى المصلحة حكم بموته. قال في النهر: وفي الينابيع: قيل يفوض إلى رأي القاضي، ولا تقدير فيه في ظاهر الرواية. وفي القنية: جعل هذا رواية عن الامام اه. قلت: والظاهر أن هذا غير خارج عن ظاهر الرواية أيضا، بل هو أقرب إليه من القول بالتقدير، لأنه فسره في شرح الوهبانية بأن ينظر ويجتهد ويفعل ما يغلب على ظنه فلا يقول بالتقدير، لأنه لم يرد الشرع بل ينظر في الاقران وفي الزمان والمكان ويجتهد، ثم نقل عن مغني الحنابلة حكايته عن الشافعي ومحمد، وأنه المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف. وقال الزيلعي: لأنه
487 يختلف باختلاف البلاد، كذا غلبة الظن تختلف باختلاف الاشخاص، فإن الملك العظيم إذا انقطع خبره يغلب على الظن في أدنى مدة أنه قد مات اه. ومقتضاه أن يجتهد ويحكم القرائن الظاهرة الدالة على موته، وعلى هذا يبتني على ما في جامع الفتاوى حيث قال: وإذا فقد في المهلكة فموته غالب فيحكم به، كما إذا فقد في وقت الملاقاة مع العدو أو مع قطاع الطريق، أو سافر على المرض الغالب هلاكه، أو كان سفره في البحر وما أشبه ذلك حكم بموته، لأنه الغالب في هذه الحالات وإن كان بين احتمالين، واحتمال موته ناشئ عن دليل لا احتمال حياته، لان هذا الاحتمال كاحتمال ما إذا بلغ المفقود مقدار ما لا يعيش على حسب ما اختلفوا في مقدار نقل من الغنية اه. ما في جامع الفتاوى. وأفتى به بعض مشايخ مشايخنا وقال: إنه أفتى به قاضي زاده صاحب بحر الفتاوى، لكن لا يخفى أنه لا بد من مضي مدة طويلة حتى يغلب على الظن موته لا بمجرد فقده عند ملاقاة العدو أو سفر البحر ونحوه، إلا إذا كان ملكا عظيما فإنه إذا بقي حيا تشتهر حياته، فلذا قلنا: إن هذا مبني على ما قاله الزيلعي: تأمل. قوله: (وطريق قبول البينة) فيه إيهام أنه يحتاج إلى بينة على موت أقرانه وليس بمراد، بل المراد ما إذا قامت بينة على موته حقيقة. ففي النهر عن التتارخانية: ثم طريق موته إما بالبينة أو موت الاقران. وطريق قبول هذه البينة أن يجعل القاضي الخ. قوله: (أو ينصب عليه قيما) أي إذا لم يكن له وكيل يحفظ ماله ينصب عنه مسخرا لاثبات دعوى موته من زوجته أو أحد ورثته أو غريمه. قوله: (بقضاء الخ) هو أحد قولين. قال القهستاني: وفي الفاء من قوله: فتعتد عرسه دلالة على أنه يحكم بموته بمجرد انقضاء المدة فلا يتوقف على قضاء القاضي كما قال شرف الأئمة. وقال نجم الأئمة القاضي عبد الرحيم: نص على أنه يتوقف عليه كما في المنية اه، وما قاله شرف الأئمة موافق للمتون سائحاني. قلت: لكن المتبادر من العبارة أن المنصوص عليه في المذهب الثاني. ثم رأيت عبارة الواقعات عن القنية أن هذا: أي ما روى عن أبي حنيفة من تفويض موته إلى رأي القاضي نص على أنه إنما يحكم بموته بقضاء الخ. قوله: (فإن ظهر قبله) هذه القبلية لا مفهوم لها وإن ذكرها الكثيرون سائحاني، ولذا قال في البحر: وإن علم حياته في وقت من الأوقات يرث من مات قبل ذلك الوقت من أقاربه اه. لكن لو عاد حيا بعد الحكم بموت أقرانه قال ط: إذا أحيا والمرتد إذا أسلم ثم بعد رقمه رأيت المرحوم أبا السعود نقله عن الشيخ شاهين ونقل أن زوجته له والأولاد للثاني اه. تأمل. قوله (فله ذلك القسط) أي الموقوف له من الوصية وكذا الإرث كما علمت. قوله: (وبعده) أي بعد موت أقرانه، وهو متعلق بقوله: يحكم لا بقوله: ظهر لأنه يصير المعنى وإن ظهر حيا بعد موت أقرانه يحكم بموته الخ، وهو فاسد كما لا يخفى. قوله: (فتعتد منه عرسه للموت) أي عدة الوفاة ويرد قسطه من
488 الوصية إلى ورثة الموصي. قوله: (بين من يرثه الآن) أي حين حكم بموته لا من مات قبل ذلك الوقت من ورثته. زيلعي. وكذا يحكم بعتق مدبريه وأمهات أولاده في ذلك الوقت. بحر. قوله: (من حين فقده) أي مال لم تعلم حياته في وقت كما مر. قوله: (عند موته) أي موت المورث. قوله: (حجة دافعة) فتدفع ثبوت حق لغيره في ماله. قوله: (لا مثبتة) فلا يثبت له حق في مال غيره. قوله: (ولو كان مع المفقود وارث يحجب به الخ) أي يحجب ذلك الوارث بالمفقود، ويظهر هذا من المثال السابق حيث لم يعط أولاد الابن المفقود شيئا قبل ظهور حياته لحجبهم به، وأعطي البنتان النصف فقط دون الثلثين، ووقف لهما السدس ولأولاد الابن الثلث إلى ظهور موته، فإن ظهر حيا أخذ النصف الموقوف. قوله: (كالحمل) فإنه لو كان معه وارث لا يتغير إرثه بحال يعطي كل نصيبه، وإن كان ينقص حقه به يعطي الأقل، وإن كان يسقط به لا يعطي شيئا، فلو ترك ابنا وزوجته حاملا تعطى الزوجة الثمن لأنه لا يتغير، والابن نصف الباقي لأنه أقل من كل الباقي على تقدير موت الحمل، ومن ثلثي الباقي على تقدير كون الحمل أنثى، ولو ترك زوجة حاملا وأخا شقيقا أو عما لا يعطي شيئا لاحتمال ذكورة الحمل. قوله: (ولذا حذفه) أي حذف قوله: ولو كان مع المفقود وارث الخ. قوله: (فرع الخ) عزاه في الدرر إلى فصول العمادي. قوله: (ويبيعهما) في شرح الوهبانية عن القنية: فقدت مولاها ولا تجد نفقة وخيف عليها الفاحشة فللقاضي أن يبيعها أو يؤجرها من امرأة ثقة، وليس له تزويجها اه. والله سبحانه أعلم.
489 كتاب الشركة قيل مشروعيتها ثابتة بالكتاب والسنة والمعقول. واختلفوا في النص المفيد لذلك. قال في الفتح: ولا شك أن مشروعيتها أظهر ثبوتا، إذ التوارث والتعامل بها من لدن رسول الله (ص) وهلم جرا متصل لا يحتاج فيه لاثبات حديث بعينه. قوله: (من حيث الأمانة) فإن مال أحد الشريكين أمانة في يد الآخر، كما أن مال المفقود أمانة في يد الحاضر. بحر. وجعل في الفتح هذه مناسبة عامة فيهما وفي الآبق واللقيط واللقطة. قوله: (بل قد تحقق في ماله) هذه مناسبة خاصة، بيانها أنه لو مات أبوه عنه وعن ابن آخر فإن مال المفقود من التركة على تقدير حياته مشترك: أي مختلط مع مال أخيه. قوله: (بكسر فسكون في المعروف) كذا في الفتح: أي المشهور فيها كسر الشين وسكون الراء. قال في النهر: ولك فتح الشين مع كسر الراء وسكونها. قوله: (لغة الخلط) قال في الفتح: هي لغة خلط النصيبين بحيث لا يتميز أحدهما، وما قيل اختلاط النصيبين تساهل، لأنها اسم المصدر، والمصدر الشرك مصدر شركت الرجل أشركه شركا، فظهر أنها فعل الانسان وفعله الخلط. وأما الاختلاط فصفة للمال تثبت عن فعلهما ليس له اسم من المادة، وتمامه فيه. قلت: لكن الشركة قد تتحقق بالاختلاط كما يأتي، فيلزم أن لا يكون لها اسم. تأمل. إلا أن يقال: إن أهل اللغة لا يسمونها شركة. قوله: (سمي بها العقد) عبارة الزيلعي: ثم يطلق اسم الشركة على العقد مجازا لكونه سببا له. قوله: (لأنها سببه) الضمير الأول عائد إلى العقد بتأويل الشركة، والثاني إلى الخلط اه ح. والأظهر تذكير الضميرين كعبارة الزيلعي، أو يقول: لأنه سببها: أي لأن العقد سبب الشركة التي حقيقتها الخلط فالعلاقة السببية، من إطلاق اسم المسبب على سببه. قال في الفتح: فإذا قيل شركة العقد بالإضافة فهي إضافة بيانية. قوله: (وشرعا الخ) ظاهر كلامهم اتحاد اللغوي والشرعي، فإنها في الشرع تطلق على الخلط وكذا على العقد مجازا. تأمل. بدليل تقسيمهم لها إلى شركة عقد وشركة ملك. والثانية: تكون بالخلط أو الاختلاط، إلا أن يقال: المراد تعريف شركة العقد فقط لأنها التي فصلت أنواعها إلى أربعة من مفاوضة وغيرها. تأمل. قوله: (في شركة العين) أي الملك فإنها في مقابلة العقد الذي هو عرض غير عين، وقوله: اختلاطهما أي اختلاط المالين بحيث لا يتميز أحدهما، وعبر بالاختلاط تبعا للفتح مع أن مقتضى ما مر التعبير بالخلط. تأمل قوله: (اللفظ المفيد له) أي لعقد الشركة، وهو الايجاب والقبول ولو معنى كما سيأتي. قوله: (كون الواحد الخ) كذا في البحر عن المحيط. والظاهر أن المراد بالواحد المعقود عليه احترازا عن المباحات والنكاح والوقف، لما سيأتي من قوله: وشرطها كون المعقود عليه قابلا للوكالة فإن المراد من قبوله الاشتراط. قوله: (وهي ضربان) أي الشركة من حيث هي لا بقيد كونها شركة عقد ففيه شبه الاستخدام وإلا كان من تقسيم الشئ إلى نفسه وإلى غيره. قوله: (شركة ملك) أي
490 اختصاص فالإضافة بمعنى الباء كما في المغرب. قهستاني. قوله: (أو حفظا) دخوله في الملك المفسر بالاختصار ظاهر، والمقصود بيان اشتراكهما في الحفظ وثبوت الحق لهما الواحد فقط، ولا يلزم من ذكر مسألة في باب جريان جميع أحكام الباب فيها كالدين المشترك فإنه لا تجري فيه جميع أحكام العين، فافهم. قوله: (هبه الريح) حقه أن يقال هبت به الريح لما في القاموس: الهب والهبوب ثوران الريح، وهبه هبا وهبة بالفتح وهبة بالكسر قطعة اه. فقد جعل المتعدي بمعنى القاطع وهو غير مراد هنا كما لا يخفى. مطلب: الحق أن الدين يملك قوله: (على ما هو الحق) قال في الفتح: إن بعضهم ذكر من شركة الاملاك الشركة في الدين، فقيل مجاز لان الدين وصف شرعي لا يملك. وقد يقال: بل يملك شرعا، ولذا جاز هبته ممن عليه. وقد يقال: إن الهبة مجاز عن الاسقاط، ولذا لم تجز من غير من عليه. والحق ما ذكروا من ملكه، ولذا ملك ما عنه من العين الاشتراك حتى لو دفع الخ اه. وقوله: ملك ما عنه الخ أي لو صالح أحدهما عن نصيبه على عين كثوب مثلا ملكه مشتركا بينه وبين الآخر، وتمامه في الصلح قبيل التخارج. قوله: (وإن من حيل اختصاصه) أي اختصاص الآخذ بما أخذ دون شريكه، وهذه الحيلة مذكورة في الفتح أيضا وسيأتي غيرها في الصلح. قوله: (بإرث) متعلق بقوله: يملك متعدد ط. قوله: (بأي سبب كان الخ) هو مفهوم قوله بإرث أو بيع فإن الأول جبري والثاني اختياري، ومن الأول ما لو اختلط مالهما بلا صنع من أحدهما، ومن الثاني ما لو ملكا عينا بهبة أو استيلاء على مال حربي، أو خلطا مالهما بحيث لا يتميز كما يأتي، أو قبلا وصية بعين لهما كما في البحر. قوله: (ولو متعاقبا) مرتبط بقوله: أن يملك متعدد ط. قوله: (ثم أشرك فيه آخر) سيذكر المصنف مسألة الاشراك آخر الشركة. قوله: (في الامتناع) الأولى حذفه لأنه أجنبي في التصرف لا في الامتناع عنه، إلا أن يقال: قوله: أجنبي أي كأجنبي، ويكون هذا بيانا لوجه الشبه ط. قوله: (عن تصرف مضر) احترز به الغير المضر كالانتفاع ببيت وخادم وأرض في غيبة شريكه على ما سيأتي بيانه. قوله: (فصح له بيع حصته) تفريع على التقييد بمال صاحبه ط. قوله: (إلا في صورة الخلط) والاختلاط فإنه لا يجوز البيع من غير شريكه بلا إذنه. والفرق أن الشركة إذا كانت بينهما من الابتداء، بأن اشتريا حنطة أو ورثاها كانت كل حبة مشتركة بينهما فبيع كل منهما نصيبه شائعا جائز من الشريك والأجنبي، بخلاف ما إذا كانت بالخلط أو الاختلاط كان كل حبة مملوكة بجميع أجزائها ليس للآخر فيها شركة، فإذا باع نصيبه من
491 غير الشريك لا يقدر على تسليمه إلا مخلوطا بنصيب الشريك فيتوقف على إذنه، بخلاف بيعه من الشرك للقدرة على التسلم اه. فتح وبحر. قلت: ومثل الخلط والاختلاط بيع ما فيه ضرر على الشريك أو البائع أو المشتري، كبيع الحصة من البناء أو الغراس. وبيع بيت معين من دار مشتركة كما يأتي تحريره. قوله: (بفعلهما) احتراز عما إذا كان بفعل أحدها بلا إذن الآخر، فإن الخالط يملك مال الآخر ويكون مضمونا عليه بالمثل للتعدي. قوله: (كحنطة بشعير) ومثله حنطة بحنطة بالأولى لتعزر التمييز، وفي الأول يتعسر. قوله: (وكبناء وشجر وزرع مشترك) صنيعه يقتضي أن هذا من قبيل الخلط وليس كذلك، وإنما توقف البيع فيه من الأجنبي على إذن شريكه لتضرر الشريك بالقلع والهدم كما سيأتي تفصيله اه ح. قلت: ويمكن الجواب بأن قوله: وكبناء معطوف على قول المصنف في صورة الخلط فيكون استثناء صورة أخرى وهي ما في بيعه ضرر كما قلنا. قوله: (ونحوه في فتاوى ابن نجيم) أي في كتاب البيع حيث أفتى بأنه لو باع أحد الشريكين في البناء حصته لأجنبي لا يجوز، ولشريكه جاز، وأفتى أيضا بأنه لو باع حصته من الزرع لأجنبي بلا رضا شريكه لا يجوز، ومفاده تقييد الأول أيضا بما إذا لم يرض الشريك أفاده ح. وفي الخيرية صرحوا بأن بيع الحصة في البناء والغرس لغير الشريك لا يجوز. قوله: (وفيها بعد ورقتين أن المبطخة كذلك) ونصه: سئل في مبطخة بين شريكين باع أحدهما حصته لأجنبي بثمن معلوم بدون رضا شريكه هل يجوز البيع أم لا؟ أجاب لا يجوز البيع اه. والمراد بالمبطخة: البطيخ المزروع لا أرض البطيخ، إذ بيعه مع الأرض جائز، والمراد أيضا ما إذا باعه قبل النضج لان فيه ضررا على الشريك بالقطع. قال في جامع الفصولين: باع نصيبه من المبطخة برضا شريكه، فلو ضره لقطع لم يجز البيع ونصيب البائع المشتري ما لم يفسخ البيع ولشريكه أن لا يرضى بعد الإجازة، إذ في قلعه ضرر والانسان لا يجبر على تحمل الضرر اه. ومفاده أن البيع فاسد قبل الفسخ لقوله: ونصيب البائع للمشتري الخ يعني إذا قبض المبيع. مطلب مهم في بيع الحصة الشائعة من البناء أو الغراس قوله: (لكن فيها الخ) أفتى بمثله في الفتاوى الخيرية، واستند إلى ما في فتاوى ابن نجيم، وبين وجه ذلك حيث قال: سئل فيما إذا باع أحد الشركاء حصته في الغراس في الأرض المحتكرة من أجنبي وأعلمه بما على الحصة من الحكر هل يجوز بيعه لكونه لا مطالب له بالقلع فلا يتضرر أم لا؟ أجاب: نعم يجوز بيعه لعدم الضرر بعدم التكليف بالقلع. ففي فتاوى الشيخ زين بن نجيم: إذا باع أحد الشريكين في البناء والغراس في الأرض المحتكرة حصته من أجنبي هل يجوز البيع منه أم لا؟ أجاب: نعم يجوز، وكذا من الشريك، والله أعلم اه. ووجه عدم المطالبة في الأرض المحتكر بالقلع كما هو ظاهر اه. ما في الخيرية. وبه ظهر أنه لا مخالفة بين هذا وما تقدم لان مناط الفساد حصول الضرر، فافهم. ولذا قال الطرطوسي
492 بعد كلام: فتحرر لنا من هذه النقول أن بيع الحصة من الزرع والثمرة والمبطخة بغير الأرض من الأجنبي أو من أحد شريكيه لا يجوز، فلو رضي الشريك: قيل لا يجوز أيضا، وقيل يجوز. ويظهر لي التوفيق بحمل الأول على ما إذا قصد المشتري إجبار الشريك على القلع، والثاني على ما إذا لم يقصد ذلك، ويفهم هذا التوفيق من تعليل المحيط لعدم الجواز بقوله: لان فيه ضررا، والانسان لا يجبر على تحمل الضرر وإن رضي به اه. كما قالوا فيما إذا باع نصف زرعه من رجل لا يجوز، لان المشتري يطالبه بالقلع فيتضرر البائع فيما لم يبعه وهو النصف الآخر كبيع الجذع في السقف. ثم إذا طلب المشتري القلع يجاب إليه نظرا للشريك، لكن إن طلب هو أو البائع النقض فسخ البيع لأنه فاسد، وإن سكت إلى وقت الادراك انقلب جائزا لزوال المانع، وذكر في الخانية أن نصيب البائع يكون للمشتري ما لم ينقض البيع اه. وأما بيع هذه المذكورات من الشريك كأرض بينهما فيها زرع لهما لم يدرك، فباع أحدهما نصيبه من الزرع لشريكه بدون الأرض، ففي رواية يجوز، وفي أخرى لا، وعليها جواب عامة الأصحاب، ولكنها تحمل على ما فيه ضرر بالقلع كبيع رب الأرض من الأكار حصته من الزرع أو الثمرة فلا يجوز، لأنه يكلف الأكار القلع فيتضرر. أما لو باع الأكار لرب الأرض فإنه يجوز اتفاقا، والدليل قول المحيط: لان البائع يطالبه بالقلع ليفرغ نصيبه من الأرض، ولا يمكن ذلك إلا بقلع الكل فيتضرر المشتري فيما لم يشتره وهو نصيب نفسه اه. كلام الطرسوسي ملخصا. ثم حرر أن حكم الغراس كالزرع، وهذا كله فيما إذا لم يدرك الزرع والثمر، وإلا جاز لعدم الضرر بالقلع كما سيذكره الشارح عن الفتاوى: إذا بلغت الأشجار أوان القطع جاز الشراء وإلا فسد، ومثله الزرع كما في بيوع البحر عن الولوالجية. والحاصل أن ما بلغ أوان قطعه يصح بيع الحصة منه للشريك ولغيره ولو بلا إذن الشريك لعدم الضرر، وإلا لم يجز بيعه من الأجنبي بلا إذن الشريك، فلو بإذنه لم يجز إن كان مراد المشتري إجبار الشريك على القلع، وإلا بأن سكت إلى وقت الادراك يجوز، وعلى هذا ما كان في الأرض المحتكرة لأنه معد للبقاء لا للقطع فلا يتضرر أحدهما، فلو أراد القطع قبل بلوغ أوانه لا يجاب إلى ذلك، وإذا طلب أحدهما فسخ البيع يجاب لأنه فاسد، وإنما ينقلب جائزا إذا سكت إلى وقت الادراك. وأما البناء فذكر الطرسوسي أنه إما أن تكون الأرض لهم أو لغيرهما أو لأحدهما، فإن كانت لهما ففي المحيط أنه لو باع أحدهما حصته من البناء فقط لأجنبي لم يجز ولو بإذن الشريك، لان للبائع مطالبته بالهدم، وكذا لكان الكل له فباع نصفه من رجل لان المشتري يطالبه بالهدم فيتضرر البائع فيما لم يبعه. ولو باع من شريكه في رواية جاز، وفي أخرى لا، واختارها أبو الليث لان البائع يطالبه بتفريغ نصيبه من الأرض. وإن كانت الأرض لغيرهما ففي البدائع والخلاصة: لو باع الأجنبي لم يجز لأنه لا يمكنه تسليمها إلا بضرر وهو نقض البناء، ومقتضاه أنه لشريكه يجوز، لكن ينبغي حمله على ما لا ضرر فيه، كما لو استعارها للبناء مدة، ومضت المدة لان البائع لا حق له في الأرض فلا يمكنه مطالبة المشتري بالقلع، بخلاف الأرض المستأجرة لبقاء حقه في الأرض إلا أن يؤجره نصيبه منها قبل البيع، وكذا لو كانت الأرض مغصوبة لان البناء غير مستحق للبقاء بل للقلع، فهو كالمقلوع حقيقة فيصح بيعه ولو لأجنبي، ومثله الأحكار التي يدفع لها كل سنة مبلغ معلوم بلا
493 إجارة شرعية فينبغي أن يكون كالمغصوبة لأنه مستحق للقلع، وإن كانت الأرض لأحدهما فإن باع أحدهما لأجنبي لا يجوز، وإن لشريكه ينبغي الجواز سواء كان البائع صاحب الأرض أو الآخر، لان البناء هنا لا يكون إلا بطريق الإباحة فهو مستحق القلع، بخلاف الزرع في أرض أحدهما فإنه بطريق المزارعة وهي عقد لازم، فالزرع مستحق البقاء، فلذا لم يصح بيع صاحب الأرض حصته في الزرع للمزارع، وصح العكس س لعدم الضرر، هذا خلاصة ما حرره الطرطوسي في أنفع الوسائل. قلت: والعرف الآن في العمارة أنها تبنى في أرض الوقف أو أرض بيت المال بعد استئجار أرض الوقف مدة طويلة على مذهب من يراها، فإذا باع حصته من البناء لأجنبي بعدما أحكره الحصة من الأرض أو فرغ له عن حق تصرفه في الأرض السلطانية بإذن المتكلم عليها صح لعدم الضرر، وكذا لو تأخر الأحكار أو الفراغ عن البيع لارتفاع المفسد كما مر فيما لو باع حصته من الشجر قبل الادراك ولم يطلب القلع إلى الادراك، وعلى هذا فما مر عن البدائع والخلاصة من عدم الجواز للأجنبي ينبغي حمله على ما إذا كانت الأرض مستعارة بقرينة التعليل، وذلك لان المشتري غير مستعير ولا بد من تسليم المبيع فلا بد من الهدم، وفيه ضرر على الشريك، بخلاف ما إذا كانت في أرض وقف أو أرض سلطانية لأنه يمكنه تسليم المبيع مع الأرض فيقوم المشتري مقام البائع إذا كان قصده إبقاء البناء وتزول علة الفساد التي ذكرها وهذا ما استند إليه الخير الرملي في علة الجواز تبعا لابن نجيم كما مر، لكنه سوى بين الغراس والبناء، فيحمل ما مر من عدم الجواز في الغراس الذي لم يبلغ أوان القطع على ما إذا كانت الأرض للبائع، وقد استوفينا الكلام على هذه المسائل في كتابنا العقود الدرية تنقيح الفتاوى الحامدية فراجعه. قوله: (فتنبه) أشار به إلى وجه التوفيق الذي ذكرناه بين كلامي ابن نجيم. قوله: (فلا يجوز بيعه إلا بإذنه) راجع إلى قوله: إلا في صورة الخلط وما بعده اه ح. وقد سقط في بعض النسخ من هنا إلى قوله: والاختلاط. قوله: (فللآخر أن يبطل البيع) كذا في غالب كتب المذهب معللين بتضرر الشريك بذلك عند القسمة، إذ لو صح في نصيبه لتعين نصيبه فيه، فإذا وقعت القسمة للدار كان ذلك ضررا على الشريك، إذ لا سبيل إلى جمع نصيب الشريك فيه والحال هذه، لان نصفه للمشتري ولا جمع نصيب البائع فيه لفوات ذلك ببيعه النصف، وإذا سلم الامر من ذلك انتفى ذلك وسهل طريق القسمة، كذا في الخيرية من البيع. قوله: (باع أحدهما نصيبه) أي من البناء فقط كما هو صريح العمادية، أما بيع النصيب من الدار بتمامها فلا مانع من جوازه. أفاده ح. قوله: (بشرط القلع أو الهدم) أي قلع الأخشاب أو هدم البناء والعمارة. والذي في ح عن العمادية والهدم بالواو. قوله: (كشرط إجارة في البيع) أي كما لو باع البناء واشترط عليه إجارة الأرض وهو مفسد للعقد لان فيه منفعة لاحد المتعاقدين. قوله: (باع أحدهم نصيبه) أي من الشجر، وبه عبر في شرح الملتقى ط. قوله: (قد انتهت أوان القطع) الأولى قد انتهى أوان
494 قطعها، وهذا إنما يظهر في شجر يراد منه القطع، بخلاف ما يراد منه الثمر ط. قوله: (حتى لا يضرها) أي لا يضر الأشجار. وفي نسخة لا يضرهما بضمير التثنية: أي لا يضر الشريك والمشتري. قوله (وللمشتري أن يقطع) أي بعد القسمة ط. قوله: (وفي النوازل) هو عين ما ف الفتاوى ط لكن أعاده، لان فيه التصريح بقوله: بلا أرض وبقوله: بلا إذن شريكه. ومفاده أنه لو باع نصيبه من الأرض والشجر يصح، وإن لم يبلغ أوان القطع لأنه ليس لأحدهما أن يطالب شريكه بالقلع، لان ما تحته ملكه فلا يتضرر أحدهما كما في أنفع الوسائل عن المحيط، وأنه لو باع بإذن شريكه أو من الشريك نفسه أنه يصح أيضا، وتقدم الكلام عليه. قوله: (وفيها الخ) هي مسألة الواقعات ط. قوله: (والاختلاط بلا صنع من أحدهما) كما إذا انشق الكيسان فاختلط ما فيهما من الدراهم ط عن الشلبي. قوله: (لعدم شيوع الشركة الخ) يشير إلى الفرق الذي قدمناه عن الفتح والبحر. قوله: (حيث يصح بيع حصته) أي من غير شريكه ط. قوله: (كما بسطه المصنف في فتاويه) حاصل ما بسطه، هو ما قدمناه من ذكر الفرق بين المشترك بالخلط والاختلاط والمشترك بغيرهما كإرث ونحوه وأنه لا يشترط في صحة البيع الاقرار عند التسليم لاتفاقهم على صحة بيع مشاع لا يمكن إفرازه كالحمام والطاحون والعبد والدابة. قوله: (ثم الظاهر أن البيع) أي الواقع في قول المصنف: فصح له بيع حصته الخ وهذا مأخوذ من البحر، لكن إخراج المشترك عن الملك بهبة يشترط له كونه غير قابل للقسمة كبيت صغير وحمام وطاحون أما قابلها فلا يصح ما لم يقسم فيصير كالمشترك بخلط أو اختلاط، وبعد القسمة لا حاجة إلى إذن الشريك. تأمل. قوله: (وتمامه في الرسالة المباركة، إلى قوله: وأما الانتفاع) ساقط من بعض النسخ. قال في النهر: وباقي الاحكام في الأشياء المشتركة بيناه مستوفي في الرسالة المباركة في الأشياء المشتركة فعليك بها تزدد بها بهاء، فإنها لمن ابتلي بالافتاء نافعة، وأنوار القبول عليها ساطعة. قوله: (وزاد الواني) أي محشي الدرر حيث قال: قوله إلا في صورة الخلط الاختلاط اعترض عليه بأنه ينبغي أن يشير إلى استثناء صورة الشفعة أيضا، فإنهما لو ورثا أرضا لا يجوز أن يبيع أحد الوارثين حصته من الأرض من غير شريكه إلا بإذنه، ولا يخفى أن هذه الصورة غير خارجة عن صورة الاختلاط اه. وفيه تأمل. بل هذه الصورة من الشركة بسبب جبري، فإذا آلت إليهما بالإرث جاز لكل التصرف في حصته وإن كان لشريكه الشفعة ط.
495 قلت: ويؤيده أن قوله إلا في صورة الخلط، والاختلاط استثناء من صحة البيع بلا إذن الشريك. وحاصله توقف الصحة على إذن الشريك، وهذا لا يتأتى في الشفعة، فإن بيع الحصة من الدار صحيح وإن كان للشريك حق التملك بالشفعة، فإنه إذا ادعى الشفعة يتملكها ملكا جديدا، وإن سكت يبقى ملك المشتري على حاله سواء أذن أو لا. قوله: (وأما الانتفاع الخ) محترز قوله عن تصرف مضر. قوله: (ففي بيت وخادم الخ) قال في جامع الفصولين: وفي الكرم يقوم عليه، فإذا أدركت الثمرة يبيعه ويأخذ حصته ويقف حصة الغائب، فإذا قدم الغائب أجاز بيعه أو ضمنه القيمة، ولو أدى الخراج فمتبرع. أرض بينهما زرع أحدهما كلها: تقسم الأرض بينهما، فما وقع في نصيبه أقر، وما وقع في نصيب شريكه أمر بقلعه وضمن نقصان الأرض، هذا إذا لم يدرك الزرع، فلو أدرك أو قرب يغرم الزارع لشريكه نقصان نصفه لو انتقصت، لأنه غاصب في نصيب شريكه اه.. قلت: هذا إذا كالشريك حاضرا كما قيده في الخانية، لان قسمة الأرض لا تكون مع الغائب، ولأنه لا يكون غاصبا في صورة الغيبة، وإلا لم يكن له زراعتها، نعم يمكن كونه غاصبا لو كانت الزراعة تنقصها، لقوله في الفصولين: ويفتى بأنه لو علم أن الزرع ينفع الأرض ولا ينقصها فله أن يزرع كلها، ولو حضر الغائب فله أن ينتفع بكل الأرض مثل تلك المدة لرضا الغائب في مثله دلالة، ولو علم أن الزرع ينقصها أو الترك ينفعها ويزيدها قوة فليس للحاضر أن يزرع فيها شيئا أصلا، إذ الرضا لم يثبت، وكذا لو مات أحدهما فللشريك أن يزرع اه. قلت: وفي القنية لا يلزم الحاضر في الملك المشترك أجر، وليس للغائب استعماله بقدر تلك المدة، لان المهيأة بعد الخصومة اه. وهذا موافق لما سيأتي آخر الباب عن المنظومة المحبية، لكنه مخالف لما مر ولما ذكره في تنوير البصائر عن الخانية أن الدار كالأرض وأن للغائب أن يسكن مثل ما سكن شريكه، وأن المشايخ استحسنوا ذلك، وهكذا روى عن محمد، وعليه الفتوى اه. وسيأتي تمامه في الغصب. قوله: (ينتفع بالكل) في الخانية: للحاضر أن يسكن كل الدار بقدر حصته، وفي رواية: له أن يسكن منها قدر حصته، ولو خاف أن تخرب الدار له أن يسكن كلها. والفرق بين الروايتين أن الرواية المشهورة أنه لو كان له نصف الدار مثلا يسكنها كلها مدة بقدر حصته كنص ف سنة ويتركها نصف سنة. وعلى الرواية الثانية يسكن نصفها فقط، وهذا إذا لم يخف خرابها بالترك، فلو خاف يسكنها كلها دائما. وذكر في الفصولين وكذا في الخادم: يستخدمه الحاضر بحصته، ومقتضاه أنه يستخدمه يوما ويتركه يوما بقدر حصة الغائب، فإطلاق الشارح في محل التقييد. قوله: (بخلاف الدابة) لتفاوت الناس في الركوب لا السكنى والاستخدام فصولين، وهذا ظاهر إذا كان يسكن وحده، أما لو كان له أولاد وعيال كثيرون لا شك أن السكنى تتفاوت أكثر من الركوب، وكذا الاستخدام يتفاوت بكثرة الأعمال والاشغال، فليتأمل. وأفاد في شرح الوهبانية أن المنع في الركوب خاصة لا في غيره كالحرث ونحو. قوله: (أي واقعة بسبب العقد) أشار به إلى أن
496 الإضافة من الإضافة إلى السبب وهي أقوى الإضافات، وقد سلف عن الكمال أن الإضافة للبيان ط. قوله: (قابلة للوكالة) يغني عنه قول المصنف بعد وشرطها كون المعقود عليه قابلا للوكالة ط. قوله: (الايجاب والقبول) كأن يقول أحدهما شاركتك في كذا ويقبل الآخر، ولفظ كذا كناية عن الشئ أعم من أن يكون خاصا كالبزر والبقل، أو عاما كما إذا شاركه في عموم التجارات. بحر. قوله: (ولو معنى) يرجع إلى كل من الايجاب والقبول ط. قوله: (كما لو دفع له ألفا) أي وقبل الآخر وأخذها وفعلا انعقدت الشركة. بحر. وقوله وأخذها عطف تفسير، لان المراد القبول معنى وهو بنفس الاخذ. مطلب: شركة العقد قوله: (وشرطها الخ) أفاد أن كل صور عقود الشركة تتضمن الوكالة، وذلك ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركا بينهما، فيتحقق حكم عقد الشركة المطلوب منه وهو الاشتراك في الربح، إذ لو لم يكن كل منهما وكيلا عن صاحبه في النصف وأصيلا في الآخر لا يكون المستفاد مشتركا لاختصاص المشتري بالمشتري. فتح. قوله: (كاحتطاب) واحتشاش واصطياد وتكد، فإن الملك في كل ذلك يختص بمن باشر السبب. فتح. قوله: (وحكمها الشركة في الربح) الواو للحال ط: أي فيلزم انتفاء حكمها لو لم يربح غير المسمى، ويحمل كون الواو للعطف على قوله: وشرطها. مطلب: اشتراط الربح متفاوتا صحيح، بخلاف اشتراط الخسران تنبيه: ويندب الاشهاد عليها، وذكر محمد كيفية كتابتهم فقال: هذا ما اشترك عليه فلان وفلان اشتراكا على تقوى الله تعالى وأداء الأمانة، ثم يبين قدر رأس مال كل منهما، ويقول ذلك كله في أيهما يشتريان به ويبيعان جميعا وشتى، ويعمل كل منهما برأيه ويبيع بالنقد والنسيئة، وهذا وإن ملكه كل بمطلق عقد الشركة، إلا أن بعض العلماء يقول: لا يملكه إلا بالتصريح به، ثم يقول: فما كان من ربح فهو بينهما على قدر رؤوس أموالهما، وما كان من وضيعة أو تبعة فكذلك، ولا خلاف أن اشتراط الوضيعة بخلاف قدر رأس المال باطل، واشتراط الربح متفاوتا عندنا صحيح فيما سيذكر، فإن اشترطا التفاوت فيه كتباه كذلك، ويكتب التاريخ كي لا يدعي أحدهما لنفسه حقا فيما اشتراه الآخر قبل التاريخ. فتح. قوله: (وهي) أي شركة العقد، وقوله: أربعة خبر عنه، وقول المصنف: إما مفاوضة مع ما عطف عليه بدل منه. تأمل. قوله: (وكل من الأخيرين) أي التقبل والوجوه فهي حينئذ ستة ولا يخفى ما فيه من الركاكة فكان عليه أن يقول وهي ستة: شركة بالمال
497 وباعمال ووجوه، وكل إما مفاوضة أو عنان كما قال الشيخان الطحاوي والكرخي، وجرى عليه الزيلعي وغيره، نعم ما فعله الشارح حسن من حيث إن قول المصنف إما مفاوضة وإما عنان خاص بشركة المال بدليل قوله بعده: وإما تقبل وأما وجوه فقد دفع ما يوهمه المتن من أن الأخيرين لا يكونان مفاوضة ولا عنانا، فافهم. وسنذكر أن شروط المفاوضة في المواضع الثلاثة مختلفة، وأن الظاهر أنها في الأخيرين مجاز. مطلب: في شركة المفاوضة قوله: (من التفويض) أي من الفوض الذي منه فاض الماء: إذا عم. فتح. ولذا قال في الهداية: لأنها شركة عامة في جميع التجارات. وفي القاموس: المفاوضة الاشتراك في كل شئ: المساواة اه. لكنها في الاصطلاح أخص لأنه لا يلزم فيها مساواتهما في العقار والعروض كما أفاده ط. قوله: (إن تضمنت وكالة وكفالة) أي بأن يكون كل واحد منهما فيما وجب لصاحبه بمنزلة الوكيل، وفيما وجب عليه بمنزلة الكفيل عنه خانية. وقد اعترض ذكر الوكالة بأنه لا فائدة فيه لأنه لا يختص المفاوضة. وأجاب في النهر بأنه لا بدع في ذكر شرط الشئ وإن كان شرطا لآخر اه. على أن الشرط مجموع الوكالة والكفالة، وهذا خاص بالمفاوضة. قوله: (لصحة الوكالة بالمجموع ضمنا) جواب عما أورد من أن الوكالة بالمجهول لا تصح. وأورد أيضا أن الكفالة لا تصح بدون قبول المكفول له وهو هنا مجهول. وأجيب بمثل ما أ جاب به الشارح فكان عليه أن يذكر الكفالة أيضا، لكن قال في البحر عقب الجواب المذكور: على أن الفتوى في الكفالة على الصحة: أي بلا توقف على القبول، وسبقه إلى هذا في الدرر، فالاعتراض بها ساقط من أصله فلذا لم يذكرها الشارح، لكن فيه اشتباه، وهو أن الواقع هنا جهالة المكفول له. ولا خلاف في أن العلم به شرط، وإنما الخلاف في اشتراط قبول الكفالة، فقيل يشترط وعليه المتون وصححوه، وقيل غير شرط وصحح أيضا. قوله: (تصح به الشركة) صفة لقوله: مالا احترز به عما لو اختص أحدهما بملك عرض أو عقار كما يأتي أو دين كما في الخانية: أي قبل قبضه، فلو قبضه بطلت وانقلبت عنانا، إذ تشترط المساواة ابتداء وبقاء كما يأتي. قوله (كما حققه الواني) أخذا من كونها عبارة عن المساواة في جميع ما تتعلق به الشركة، وقال: فلذا لم يتعرضوا له. قلت: في الخانية ويشترط المساواة في الربح أيضا. قوله: (يستلزم في الدين) لان الكافر إذا اشترى خمرا أو خنزيرا لا يقدر المسلم أن يبيعه وكالة من جهته، فيفوت شرط التساوي في التصرف. ابن كمال. قوله: (مع الكراهة) لان الكافر لا يهتدي إلى الجائز من العقود. يزلعي. قوله: (ومسلم وكافر) أفاد أنها تصح بين ذميين كنصراني ومجوسي كما في الخانية. قوله: (لعدم المساواة) فإن العبد لا يملك التصرف والكفاية إلا بإذن المولى، بخلاف الحر والصبي لا يملك الكفالة أصلا
498 ويملك التصرف بإذن الولي، بخلا ف البالغ والكافر يقدر على تمليك الخمر وتملكها، بخلاف المسلم. أفاده في الدر والنهر. وفي عبارة ح هنا سقط فتنبه. قوله: (وأفاد) أي بالدلالة الأولوية. قوله: (لعدم أهليتهما للكفالة) أي ولو بإذن الولي. نهر. قوله: (ولا مأذونين) ولا مكاتبين نهر ولا بين حر ومكاتب، ولا بين مجنون وعاقل. ح عن الهندية. قوله: (لتفاوتهما قيمة) أي فإنهما وإن كانا أهلا للكفالة بالاذن، إلا أنهما يتفاضلان فيها لأنهما يتفاوتان قيمة فلم يتحقق كون كل منهما كفيلا بجميع ما لزم صاحبه. نهر. لأنه إذا استغرق الدين رقبتهما يتعلق بقيمتهما فيلزم مطالبة الأكثر قيمة بأكثر من الآخر. قوله: (ولا يشترط ذلك في العنان) جملة حالية احترز بها عما يشترط في العنان أيضا كعدم اشتراط دراهم معلومة من الربح لأحدهما فلا تكون عنانا أيضا. قوله: (كما مر) في قوله: وإن صحت عنانا ح. قوله: (لاستجماع شرائطه) أي شرائط العنان. قوله: (كما سيتضح) أي في قوله: فتصح من أهل التوكيل وإن لم يكن أهلا للكفالة ح. قوله: (لتساويهما ملة الخ) جواب عما استدل به لأبي يوسف على جوازها بين مسلم وكافر بإبداء الفارق. قال في الفتح: وأما الحنفي والشافعي فالمساواة بينهما ثابتة، لان الدليل على كونه ليس مالا متقوما قائم، وولاية الالزام بالمحاجة ثابتة باتحاد الملة والاعتقاد فلا يجوز التصرف فيه للشافعي كالحنفي اه: أي بخلاف الكافر، فإن الدليل على منع بيع الخمر والخنزير وإن كان قائما لكنه لم يلتزم ملتنا حتى نلزمه بالدليل. قوله: (وإن لم يعرفا معناها) لان لفظها علم على تمام المساواة في أمر الشركة، فإذا ذكراه تثبت أحكامها إقامة للفظ مقام المعنى. فتح. قوله: (أو بيان جميع مقتضياتها) بأن يقول أحدهما وهما حران بالغان مسلمان أو ذميان: شاركتك في جميع ما أملك من نقد وقدر ما تملك على وجه التفويض العام من كل منا للآخر في التجارات والنقد والنسيئة، وعلى أن كلا ضامن عن الآخر ما يلزمه من أمر كل بيع. فتح. مطلب: فيما يقع كثيرا في الفلاحين ما صورته شركة مفاوضة تنبيه: يقع كثيرا في الفلاحين ونحوهم أن أحدهم يموت فتقوم أولاده على تركته بلا قسمة ويعملون فيها من حرث وزراعة وبيع وشراء واستدانة ونحو ذلك، وتارة يكون كبيرهم هو الذي يتولى، مهماتهم ويعملون عنده بأمره، وكل ذلك على وجه الاطلاق والتفويض، لكن بلا تصريح بلفظ المفاوضة ولا بيان جميع مقتضياتها مع كون التركة أغلبها أو كلها عروض لا تصح فيها شركة العقد، ولا شك أن هذه ليست شركة مفاوضة، خلافا لما أفتى به في زماننا من لا خبرة له، بل هي شركة ملك كما حررته في تنقيح الحامدية. ثم رأيت التصريح به بعينه في فتاوى الحانوتي، فإذا كان سعيهم واحدا ولم يتميز ما حصله كل واحد منهم بعمله يكون ما جمعوه مشتركا بينهم بالسوية، وإن اختلفوا في العمل والرأي كثرة وصوابا، كما أفتى به في الخيرية، وما اشتراه أحدهم لنفسه يكون له ويضمن حصة شركائه من ثمنه إذا دفعه من المال المشترك، وكل ما استدانه أحدهم يطالب به وحده.
499 وقد سئل في الخيرية من كتاب الدعوى عن إخوة أشقاء عائلتهم وكسبهم واحد وكل مفوض لأخيه جميع التصرفات ادعى أحدهم أنه اشترى بستانا لنفسه. فأجاب: إذا قامت البينة على أنه من شركة المفاوضة تقبل وإن كتب في صك التبايع أنه اشترى لنفسه اه. ملخصا. ويأتي تمام الكلام في أول الفصل الآتي. قوله: (استحسانا) والقياس أن يكون الطعام المشترى والكسوة المشتراة بينهما لأنهما من عقود التجارة فكان من جنس ما يتناوله عقد الشركة. زيلعي. قوله: (لان المعلوم الخ) لان كلا منهما لم يقصد بالمفاوضة أن تكون نفقته ونفقة عياله على شريكه ولا يتمكن من تحصيل حاجته إلا بالشراء فصار كل منهما مستثنيا هذا القدر من تصرفه، والاستثناء المعلوم بدلالة الحال كالاستثناء المشروط. درر. قوله: (ما كان من حوائجه) شمل شراء بيت السكنى والاستئجار للسكنى أو للركوب لحاجته كالحج وغيره وكذا الادام. بحر. قوله: (ولو جارية للوطئ) لكن هنا لا يرجع شريكه عليه بشئ من ثمنها المؤدي من مال الشركة. قوله: (كما يأتي) أي في الفصل الآتي قوله: (أيهما شاء) أي المشتري بالأصالة وصاحبه بالكفالة. درر. قوله: (بما أدى) الأولى حذفه ليشمل ما لو أدى المشتري، نعم يفهم ذلك دلالة. وفي ط عن الشليب قال في الينابيع: وإن نقد الثمن من مال الشركة ضمن نصفه لصاحبه، فإذا وصل إلى يده بطلت المفاوضة لأنه فضل مال شريكه، والفضل في المال يبطل المفاوضة. قوله: (بقدر حصته) بدل من قوله: بما أدى. قوله: (إن أدى من مال الشركة) وإن أدى من غيره وهو ملك له لا يرجع بطلت المفاوضة إن كان من جنس ما تصح فيه الشركة، لأنه بدخوله في ملكه زاد ملكه، وإلا فلا تبطل، كما إذا دفع عرضا كما لا يخفى ط. قوله: (وكل دين لزم أحدهما الخ) يستثنى ما إذا كان الدائن الشريك، لما في الظهيرية: لو باع أحدهما من صاحبه ثوبا ليقطعه قميصا لنفسه أو أمة ليطأها أو طعاما لأهله جاز البيع، بخلاف ما إذا باعه شيئا من الشركة لأجل التجارة اه. ففي صورة الجواز لزمه الثمن ولم يلزم شريكه. أفاده في البحر. قلت ويكون الثمن نصفه له ونصفه لشريكه كما ذكره الحاكم في الكافي، وإنما جاز البيع لان ذلك مما يختص به المشتري، فلا يقع مشتركا بينهما حيث اشتراه لنفسه، بخلا ف ما إذا اشتراه للتجارة فإنه لا يصح لأنه لا يفيد، إذ لو صح عاد مشتركا بينهما كما كان، ولهذا قال في الكافي: وإن كان لأحدهما عبد ميراث فاشتراه الآخر للتجارة جاز وكان بينهما اه. ووجهه أن الشراء هنا مفيد لأنه لم يكن مشتركا قبل الشراء، هذا ما ظهر لي. قوله: (بتجارة كثمن المشتري في بيع جائز وقيمته في فاسد، سواء كان مشتركا أو لنفسه، وأجرة ما استأجره لنفسه أو لحاجة التجارة، وكذا مهر المشتراة الموطوءة لأحدهما إذا استحقت، فللمستحق أن يأخذ أيهما شاء بالعقر لأنه وجب بسبب التجارة، بخلاف المهر في النكاح) بحر. قوله: (واستقراض) هو ظاهر الرواية، وليس لأحدهما الاقراض في ظاهر الرواية. بحر. وسيأتي تمام الكلام عليه. قوله: (وغصب) المراد به ما يشبه
500 ضمان التجارة، فيدخل فيه الاستهلاك والوديعة المجحودة أو المستهلكة، وكذا العارية لان تقرر الضمان في هذه المواضع يفيد له تملك الأصل فيصير في معنى التجارة بحر. وعليه فالأولى أن يقول بتجارة أوما يشبهها كاستقراض وغصب الخ، وخرج ما لا يشبه ضمان التجارة كمهر وبدل خلع وجناية كما يأتي. قوله: (وكفالة بمال بأمره) هذا قول الإمام. وقالا: لا يلزم الآخر لأنها تبرع، وله أنها تبرع ابتداء ومعاوضة انتهاء، لان للكفيل تضمين المكفول عنه لو كانت بأمره، بخلاف كفالة النفس ولأنها تبرع ابتداء وانتهاء، وكذا كفالة المال بلا أمر، فلا يلزم صاحبه في الصحيح لانعدام معنى المعاوضة، تمامه في الفتح. قوله: (ولو لزومه) أي لزوم ما ذكر من الثلاثة بإقراره. أي فإنه يكون عليهما، لأنه أخبر عن أمر يملك استئنافه. بحر عن المحيط. وسنذكر في الفروع أن إقراره بالاستقراض يلزمه خاصة، ويأتي تمامه، وما ذكره من لزومه بالاقرار في شركة المفاوضة، أما العنان فلا يمضي إقراره على شريكه بل على نفسه على تفصيل سنذكره عند قول المصنف: لا إقراره بدين. قوله: (لمن لا تقبل شهادته له) كأصوله وفروعه وامرأته. وعندهما يلزم شريكه أيضا إلا لعبده ومكاتبه. (بحر). قوله: (ولو معتدته) أي عن نكاح، فلو أعتق أم ولده ثم أقر لها بدين يلزمهما وإن كانت في عدته، لان شهادته لها جائزة، بخلاف المعتدة عن نكاح في ظاهر الرواية. بحر. قوله: (وخلع) على تقدير مضاف: أي بدل خلع، كما لو عقدت امرأة شركة مفاوضة مع آخر ثم خالعت زوجها على مال لا يلزم شريكها، وكذا لو أقرت ببدل الخلع. فتح. قوله: (وجناية) أي أرش جناية على الآدمي، أما الجناية على الدابة أو الثوب فيلزم شريكه في قول الإمام ومحمد، لما أنه يملك المجني عليه بالضمان. نهر عن الحدادي. قوله: (وكل ما لا تصح الشركة فيه) كالصلح عن دم العمد وعن النفقة. بحر. قوله: (وفائدة اللزوم الخ) بيان لوجه الفرق بين ما يلزم أحد الشريكين بمباشرة الآخر وما لا يلزمه. قوله: (أنه إذا ادعى على أحدهما) أي ادعى عليه بيعا أو نحوه فله تحليف الآخر: أي الذي لم يباشر العقد، لكن يحلف المباشر على البت أي القطع بأن يحلف إني ما بعتك مثلا لأنه فعل نفسه ويحلف الآخر على العلم، بأن يحلف إني لا أعلم أن شريكي باعك، وإنما يحلف الآخر لان الدعوى على أحدهما دعوى عليهما. قال في البحر: ولو ادعى عليهما يستحلف كل واحد البتة، لان كل واحد منهما يستحلف على فعل نفسه، فأيهما نكل عن اليمين يمضي الامر عليهما، لان إقرار أحدهما كإقرارهما اه. وهذا لو كان كل من المدعى عليهما مباشرين كما يفيده التعليل، فلو كان المباشر أحدهما يحلف الآخر على العلم لأنه فعل غيره كما لا يخفى. قوله: (ولو ادعى على الغائب) أي على فعل الغائب، بأن ادعى على الحاضر بأن شريكك الغائب باعني كذا. قوله: (له تحليف الحاضر على علمه) لأنه فعل غيره. بحر. قوله: (له تحليفه البتة) لأنه يستحلفه على فعل نفسه. بحر. قال ح: أي اليمين البتة، فالبتة قائم مقام المفعول المطلق المحذوف قيام الصفة مقام الموصوف اه. قال في البحر: ولو ادعى على أحدهما أرش جراحة خطأ واستحلفه البتة لم يكن له تحليف الآخر، وكذا المهر والخلع والصلح عن دم العمد،
501 لأن هذه الأشياء غير داخلة تحت الشركة فلا يكون فعل أحدهما كفعلهما. قوله: (وبطلت إن وهب الخ) لو قال: وبطلت إن ملك أحدهما الخ، لكان أخصر وأفود لشموله ما ذكره الشارح من الصدقة والإيصاء. ط عن أبي السعود. قوله: (مما يجئ) أي في قوله: ولا تصح مفاوضة وعنان بغير النقدين الخ ط. قوله: (ووصل ليده) مقتضاه اشتراط ذلك في الموروث أيضا. ورده في الشرنبلالية بأن الملك حصل بمجرد موت المورث اه ح. وهو محمول على النقد العين، بخلاف الدين لقول الزيلعي: ولو ورث أحدهما دينا وهو دراهم أو دنانير لا تبطل حتى تقبض لان الدين لا تصح الشركة فيه. أفاده ط عن أبي السعود. قوله: (كعرض) أدخلت الكاف الديون فإنها لا تبطل بها إلا بالقبض. ط عن البحر. قوله: (بما ذكر) أي بملك أحدهما ما تصح فيه الشركة ط. قوله: (صارت عنانا) لعدم اشتراط المساواة فيها. ط عن المنح. قوله: (ذكر فيهما المال) لا حاجة إليه لان الكلام في شركة الأموال اه ح. أي لما قدمنا من أن قوله: إما مفاوضة وإما عنان خاص بشركة المال بدليل عطفه عليه قوله: وتقبل ووجوه. وقد تابع الشارح النهر والدرر. قوله: (بغير النقدين) فلا تصحان بالعرض ولا بالمكيل والموزون والعدد المتقارب قبل الخلط بجنسه، وأما بعده فكذلك في ظاهر الرواية فيكون المخلوط شركة ملك وهو قول الثاني. وقال محمد: شركة عقد، وأثر الخلاف يظهر في استحقاق المشروط من الربح، وأجمعوا أنها عند اختلاف الجنس لا تنعقد. نهر. قوله: (والفلوس النافقة) أي الرائجة، وكان يغني عنه ما بعده من التقييد بجريان التعامل، والجواز بها هو الصحيح لأنها أثمان باصطلاح الكل فلا تبطل ما لم يصطلح على ضده. نهر. قوله: (والتبر والنقرة) في المغرب: التبر ما لم يضرب من الذهب والفضة، والنقرة القطعة المذابة منهما اه. زاد في المصباح: وقيل الذوب هي التبر، فما ذكره الشارح يصلح تفسيرا لهما لاخذ عدم الضرب في كل منهما، لكن الفرق بينهما أن التبر لم يذب في النار. تأمل. قوله: (إن جرى التعامل بهما) قيد بذلك زيادة على ما في الكنز ليوافق الرواية المصححة كما أوضحه في البحر. قوله: (وصحت) أي شركة الأموال سواء كانت مفاوضة أو عنانا بقرينة قوله: ثم عقداها مفاوضة أو عنانا ط. قوله: (إن باع كل منهما الخ) لأنه بالبيع صار بينهما شركة ملك حتى لا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر ثم بالعقد بعده صارت شركة عقد فيجوز لكل منهما التصرف. زيلعي. قوله: (بنصف عرض الآخر) وكذا لو باعه بالدراهم ثم عقد الشركة في العرض الذي باعه جاز أيضا. زيلعي وبحر. وقوله: الذي باعه يعني الذي باع نصفه بالدراهم. قوله: (وهذا) أي بيع النصف بالنصف. قوله: (بقدر ما تثبت به الشركة) أوضحه في النهاية بأن تكون قيمة عرض أحدهما أربعمائة وقيمة عرض
502 الآخر مائة، فإنه يبيع صاحب الأقل أربعة أخماس عرضه بخمس عرض الآخر فيصير المتاع كله أخماسا ويكون الربح كله بينهما على قدر رأس ماليهما اه. ورده الزيلعي بأن هذا الحمل غير محتاج إليه، لأنه يجوز أن يبيع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال الآخر وأن تفاوتت قيمتهما حتى يصير المال بينهما نصفين، وكذا العكس جائز، وهو ما إذا كانت قيمتهما متساوية فباعاه على التفاوت، بأن باع أحدهما ربع ماله بثلاثة أرباع مال الآخر، فعلم بذلك أن قوله: باع نصف ماله الخ وقع اتفاقا أو قصدا ليكون شامل للمفاوضة والعنان، لان المفاوضة شرطها التساوي، بخلاف العنان اه. وأقره في البحر ولا يخفى ما فيه، فإن ما صوره في النهاية هو الواقع عادة لان صاحب الأربعمائة مثلا لا يرضى في العادة ببيع نصف عرضه بنصف عرض صاحب المائة حتى يصير العرضان بينهما نصفين وإن أمكن ذلك، لكن مطلق الكلام يحمل على المتعارف، ولذا حملوا ما في المتون من بيع النصف بالنصف على ما إذا تساويا قيمة، فافهم. قوله: (اتفاقي) أي لم يقصد ذكره لفائدة، وقد علمت أن فائدته موافقته للعادة وشموله للمفاوضة: أي نصا، بخلاف ما إذا قال باع بعض عرضه ببعض عرض الآخر، فإنه وإن شمل المفاوضة أيضا لكن لا يشملها إلا إذا أريد بالبعض النصف دون الأقل والأكثر فافهم، نعم هو اتفاقي بالنظر إلى جواز بيع نصفه بالدراهم كما مر. مطلب: لا تصح الشركة بمال غائب قوله: (ولا تصح بمال غائب) بل لا بد من كونه حاضرا، والمراد حضوره عند عقد الشراء لا عند عقد الشركة، فإنه لو لم يوجد عند عقدها يجوز، ألا ترى أنه لو دفع إلى رجل ألفا وقال أخرج مثلها واشتر بها والحاصل بيننا أنصافا ولم يكن المال حاضرا وقت الشركة فبرهن المأمور على أنه فعل ذلك وأحضر المال وقت الشراء جاز. بحر عن البزازية. ومثله في الفتح وغيره، لكن نقل في البحر أيضا عن القنية ما يفيد فسادها بالافتراق بلا دفع ثم انعقادها وقت حضور المال. فرع: دفع إلى رجل ألفا وقال اشتر بها بيني وبينك نصفين والربح لنا والوضيعة علينا فهلك المال قبل الشراء ويضمن وبعده ضمن المشتري النصف بحر عن الذخيرة. قلت: ووجهه أنه لما أمره بالشراء نصفين صار مشتريا للنصف وكالة عن الآمر وللنصف أصالة عن نفسه وقد أوفى الثمن من مال الآمر فيضمن حصة نفسه، والظاهر أن هذه شركة ملك لا شركة عقد كما سيتضح قبيل الفروع وليست مضاربة لما قلنا، فتنبه لذلك فإنه يقع كثيرا. قوله: (على موجب الشركة) أي من البيع والشراء بالمال والربح به. مطلب: في شركة العنان قوله: (وإما عنان) مأخوذ من عن كذا: عرض: أي ظهر له أن يشاركه في البعض من ماله، وتمامه في النهر. قوله: (من أهل التوكيل) أي توكيل غيره، فتصح من الصبي المأذون بالتجارة، وفي حكمه المعتوه. قوله: (لكونها لا تقتضي الكفالة) أي بخلاف المفاوضة كما مر، فلو ذكر
503 الكفالة مع توفر باقي شروط المفاوضة انعقدت مفاوضة، وإن لم تكن متوفرة كانت عنانا ثم هل تبطل الكفالة؟ يمكن أن يقال تبطل وأن يقال لا تبطل، لان المعتبر فيها: أي في العنان عدم اعتبار الكفالة لا اعتبار عدمها. قال فالفتح: وقد يرجح الأول بأنها كفالة بمجهول فلا تصح إلا ضمنا، فإذا لم تكن مما تتضمنها الشركة لم يكن ثبوتها إلا قصدا اه. نهر. قلت: لكن في الخانية: ولا يكون في شركة العنان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه إذا لم يذكر الكفالة بخلاف المفاوضة اه. ومقتضاه أنه يكون كفيلا إذا ذكر الكفالة، وهذا ترجيح للاحتمال الثاني، ولعل وجهه أن الكفالة متى ذكرت في عقد الشركة تثبت تبعا لها وضمنا لا قصدا، لان الشركة لا تنافي الكفالة بل تستدعيها، لكنها لا تثبت فيها إلا باقتضاء اللفظ لها كلفظ المفاوضة أو بذكرها في العقد. تأمل. قوله: (ولذا) أي لكونها لا تقتضي الكفالة، ومقتضاه أنها لو اقتضتها لم تصح خاصة: أي في نوع من أنواع التجارة ولا مؤقتة بوقت خاص. قال ح: وهذا يقتضي أن المفاوضة لا تكون خاصة مع أنها تكون كما صرح به في البحر اه. مطلب: في توقيت الشركة روايتان ثم إذا وقتها فهل تتوقت بالوقت حتى لا تبقى بعض مضيه؟ فيه روايتان كما في توقيت الوكالة، وتمامه في البحر عن المحيط ولم يذكر ترجيحا، وجزم في الخانية بأنها تتوقت حيث قال: والتوقيت ليس بشرط لصحة هذه الشركة والمضاربة، وإن وقتا لذلك وقتا بأن قال ما اشتريت اليوم فهو بيننا صح التوقيت، فما اشتراه بعد اليوم يكون للمشتري خاصة، وكذا لو وقت المضاربة لأنها والشركة توكيل والوكالة مما يتوقف اه. لكن سيذكر الشارح في كتاب الوكالة عن البزازية الوكيل إلى عشرة أيام وكيل في العشرة وبعدها في الأصح. تأمل. قوله: (ومع التفاضل في المال دون الربح) أي بأن يكون لأحدهما ألف وللآخر ألفان مثلا واشترطا التساوي في الربح، وقوله عكسه أي بأن يتساوى المالان ويتفاضلا في الربح، لكن هذا مقيد بأن يشترط الأكثر للعامل منهما أو لأكثرهما عملا، أما لو شرطاه للقاعد أو لأقلهما عملا، فلا يجوز كما في البحر عن الزيلعي والكمال. قلت: والظاهر أن هذا محمول على ما إذا كان العمل مشروطا على أحدهما. وفي النهر: اعلم أنهما إذا شرطا العمل عليهما إن تساويا مالا وتفاوتا ربحا جاز عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر، والربح بينهما على ما شرطا وإن عمل أحدهما فقط: وإن شرطاه على أحدهما، فإن شرطا الربح بينهما بقدر رأس مالهما جاز، ويكون مال الذي لا عمل له بضاعة عند العامل له ربحه وعليه وضيعته، وإن شرطا الربح للعامل أكثر من رأس ماله جاز أيضا على الشرط ويكون مال الدافع عند العامل مضاربة، ولو شرطا الربح للدافع أكثر من رأس ماله لا يصح الشرط ويكون مال الدافع عند العامل بضاعة لكل واحد منهما ربح ماله والوضيعة بينهما على قدر رأس مالهما أبدا. هذا حاصل ما في العناية اه. ما في النهر. قلت: وحاصل ذلك كله أنه إذا تفاضلا في الربح، فإن شرطا العمل عليهما سوية جاز: ولو تبرع أحدهما بالعمل وكذا لو شرطا العمل على أحدهما وكان الربح للعامل بقدر رأس ماله أو أكثر ولو كان الأكثر لغير العامل أو لأقلهما عملا لا يصح، وله ربح ماله فقط، وهذا إذا كان العمل مشروطا كما يفيده قلوه: إذا شرطا العمل عليهما الخ فلا ينافي ما ذكره الزيلعي في كتاب
504 المضاربة من أنه إذا أراد رب المال أن يجعل المال مضمونا على المضارب أقرضه كله إلا درهما منه وسلمه إليه وعقد شركة العنان ثم يدفع إليه الدرهم ويعمل فيه المستقرض، فإن ربح كان بينهما على ما شرطا، وإن هلك هلك عليه اه. ورأيت مثله في آخر مبسوط السرخسي. ووجه عدم المنافاة أن العمل هنا لم يشرط على أحد في عقد الشركة بل تبرع به المستقرض، فيجوز لصاحب الدرهم الواحد أن يأخذ من الربح بقدر ما شرط من نصف أو أكثر أو أقل وإن لم يكن عاملا، ويؤيد هذا التوفيق ما ذكره في البحر قبيل كتاب الكفالة في بحث ما لا يبطل بالشرط الفاسد، حيث قال ما نصه: قوله والشركة بأن قال شاركتك على أن تهديني كذا، ومن هذا القبيل ما في شركة البزازية: لو شرطا العمل على أكثرهما مالا والربح بينهما نصفين لم يجز الشرط والربح بينهما أثلاثا اه. وقد وقعت حادثة توهم بعض حنفية العصر أنها من هذا القبيل، وليس كذلك، متفاضلا في المال وشرطا الربع بينهما نصفين ثم تبرع أفضلهما مالا بالعمل، فأجبت بأن الشرط صحيح لعدم اشتراط العمل على أكثرهما مالا، والتبرع ليس من قبيل الشر، والدليل عليه ما في بيوع الذخيرة: اشترى حطبا في قرية شراء صحيحا وقال موصولا بالشراء من غير شرط في الشراء حمله إلى منزلي لا يفسد العقد، لان هذا ليس بشرط في البيع، بل هو كلام مبتدأ بعد تمام البيع فلا يوجب فساده اه. هذا كلام صاحب البحر وهو صريح فيما ذكرناه من التوفيق، والله تعالى الموفق. وبقي ما يقع كثيرا، وهو أن يدفع رجل إلى آخر ألفا يقرضه نصفها ويشاركه على ذلك، على أن الربح ثلثاه للدافع وثلثه للمستقرض فهنا تساويا في المال دون الربح وهي صورة العكس. وصريح ما مر عن الزيلعي والكمال أنه لا يصح للدافع أخذ أكثر من نصف الربح، إلا إذا كان هو العامل، فلو كان العامل هو المستقرض كما هو العادة كان له نصف الربح بقدر ماله، لكنه محمول على ما إذا شرط العمل عليه، وإن لم يشرط صح التفاضل كما علمت من التوفيق. ومما يكثر وقوعه أيضا أنه يكون لأحدهما ألف فيدفع له آخر ألفين ليعمل بالكل ويشرط الربح أثلاثا، وهذا جائز أيضا حيث كان الربح بقدر رأس المال كما مر في عبارة النهر، فلو شرطا الربح أرباعا مع اشتراط العمل لم يصح، كما يفيده التقييد بكونه بقدر رأس مالهما، ومثله قول الظهيرية، وإن اشترطا الربح على قدر رأس مالهما أثلاثا والعمل من أحدهما كان جائزا. تنبيه: علم مما مر أن العمل لو كان مشروطا وعليهما لا يلزم اجتماعهما عليه كما هو صريح قوله: وإن عمل أحدهما فقط، ولذا قال في البزازية: اشتركا وعمل أحدهما في غيبة الآخر فلما حضر أعطاه حصته ثم غاب الآخر وعمل الآخر فلما حضر الغائب أبى أن يعطيه حصته من الربح، إن كان الشرط أن يعملا جميعا وشتى فما كان من تجارتهما من الربح فبينهما على الشرط عملا أو عمل أحدهما، فإن مرض أحدهما ولم يعمل وعمل الآخر فهو بينهما اه. والظاهر أن عدم العمل من أحدهما لا فرق أن يكون بعذر أو بدونه كما صرح بمثله في البزازية في شركة التقبل معللا بأن العقد لا يرتفع بمجرد امتناعه واستحقاقه الربح بحكم الشرط في العقد لا العمل اه. ولا يخفى أن العلة جارية هنا.
505 مطلب: في تحقيق حكم التفاضل في الربح قوله: (وإن تفاوتت قيمتهما) راجع لخلاف الجنس والوصف، واحترز به عن المفاوضة فإنه لا بد فيها متساوي القيمة فيهما في ظاهر الرواية كما في البحر، فافهم. قوله: (والربح على ما شرطا) أي من كونه بقدر رأس المال أو لا، لكنه محمول على ما علمته من التفصيل المار، وأعاده مع قوله: مع التفاصيل في المال دون الربح للتصريح بأن هذا الشرط صحيح، فافهم، نعم ذكره بين المتعاطفات غير مناسب، وقيد بالربح لان الوضيعة على قدر المال وإن شرطا غير ذلك كما في الملتقى وغيره. قوله: (ومع عدم الخلط) فيه إشعار بأن المفاوضة يشترط فيها الخلط، وهذا قياس، وفي الاستحسان لا يشترط كما في المبسوط وغيره. ح عن القهستاني. قوله: (لاستناد الشركة في الربح إلى العقد لا المال) لأن العقد يسمى شركة، ولا بد من تحقق معنى الاسم فيه فلم يكن الخلط شرطا. بحر - فلو كان لأحدهما مائة درهم وللآخر مائة دينار فاشتريا بها فهو على قدر المال، وكذا لو اشتريا بالدراهم متاعا ثم بالدنانير آخر فوضعا: أي خسرا في أحدهما وربحا في الآخر فهو على قدر مالهما اه. ملخصا من كافي الحاكم. قوله: (فلم يشترط الخ) تفريع على قوله: ومع التفاضل وما عطف عليه. قوله: (فقط) قيد للمشتري أي ولا يطالب شريكه الآخر. قوله: (لعدم تضمن الكفالة) هذا إذا لم يذكر الكفالة كما قدمناه عن الخانية. مطلب: في دعوى الشريك أنه أدى الثمن من ماله قوله: (ويرجع إلى شريكه بحصته منه) أي بحصة شريكه من الثمن، لان المشتري وكيل عنه في حصته، فيرجع عليه بحسابه إن أدى من مال نفسه، وإن من مال الشركة لم يرجع، وإن كان شراؤه لا يعر ف إلا بقوله فعليه الحجة، لأنه يدعي وجوب المال في ذمة الآخر وهو ينكر، والقول للمنكر بيمينه كما في المنح ونحوه في الزيلعي. وبقي ما لو صدقه في الشراء للشركة وكذبه في دعوى الأداء من مال نفسه. قال الخير الرملي في حاشية المنح: والذي يظهر أن القول للمشتري، لأنه لما صدقه الآخر في الشراء ثبت الشراء للشركة وبه يثبت نصف الثمن بذمته، ودعواه أنه دفع من مال الشركة دعوى وفائه فلا تقبل بلا بينة، ولذا قالوا: إذا لم يعرف شراؤه إلا بقوله فعليه الحجة لأنه يدعي وجو أأدخل المال في ذمة الآخر وهو ينكر، وهنا ليس منكرا بل مقر بالشراء الموجب لتعلق الثمن بذمته، وله تحليفه أنه ما دفعه من مال الشركة اه. ثم لا يخفى أنه في صورة ما إذا كذبه في الشراء للشركة: إن كان ما اشتراه هالكا فظاهر، وإن كان قائم فهو له، وإن كذبه في أصل الشراء وادعى أنه من أعيان فالقول للمشتري إن كان المال في يده، لما سيأتي في الفروع أنه لو قال ذو اليد استقرضت ألفا فالقول له، ويأتي بيانه. مطلب: ادعى الشراء لنفسه وأما لو ادعى الشراء لنفسه لا للشركة. ففي الخانية: اشترى متاعا فقال الآخر هو من شركتنا وقال المشتري هو لي خاصة اشتريته بمالي لنفسي قبل الشركة فالقول له بيمينه بالله ما
506 هو من شركتنا، لأنه حر يعمل لنفسه فيما اشترى اه. والظاهر أن قوله قبل الشركة احتراز عن الشراء حال الشركة، ففيه تفصيل ذكره في البحر عن المحيط، وهو أنه لو من جنس تجارتهما فهو للشركة، وإن أشهد عند الشراء أنه لنفسه لأنه في النصف بمنزلة الوكيل بشراء شئ معين، وإن لم يكن من تجارتهما فهو له خاصة اه. قلت: ويخالفه ما في فتاوى الهداية: إن أشهد عند الشراء أنه لنفسه فهو له، وإلا فإن نقد الثمن من مال الشركة فهو للشركة اه. لكن اعترض بأنه لم يستند لنقل فلا يعارض ما في المحيط. وقد يجاب بحمله على ما إذا لم يكن من جنس تجارتهما. تأمل. وبقي شئ آخر يقع كثيرا، وهو ما لو اشترى أحدهما من شريكه لنفسه هل يصح أم لا لكونه اشترى ما يملك بعضه؟ والذي يظهر لي أنه يصح، لأنه في الحقيقة اشترى نصيب شريكه بالحصة من الثمن المسمى وإن أوقع الشراء في الصورة على الكل. ثم رأيت في الفتح من باب البيع الفاسد، لو ضم ماله إلى مال المشتري وباعهما بعقد واحد صح في ماله بالحصة من الثمن على الأصح، وقيل لا يصح في شئ اه. ملخصا. ورأيت في بيوع الصيرفية أيضا: اشترى نصف دار مشاعا ثم اشترى جميعها ثانيا، قال: يجوز في النصف الباقي، وفي فتاوى الصغرى: لا يجوز اه. قوله: (وإلا) أي إن لم يبق مال الشركة: أي لم يكن في يده مال ناض بل صار مال الشركة أعيانا وأمتعة فاشترى بدراهم أو دنانير نسيئة فالشراء له خاصة دون شريكه، لأنه لو وقع على الشركة صار مستدينا على مال الشركة وأحد شريكي العنان لا يملك الاستدانة إلا أن يأذن له في ذلك. بحر عن المحيط. مطلب: فيما يبطل الشركة قوله: (وتبطل بهلاك المالين الخ) لان المعقود عليه فيها هو المال، ويبطل العقد بهلاك المعقود عليه كما في البيع، وسيذكر المصنف تمام المبطلات في الفصل الآتي. قوله: (أو أحدهما قبل الشراء) لأنها لما بطلت في الهالك بطلت فيما يقابله لأنه ما رضي بشركة صاحبه في ماله إلا بشركته في ماله. قوله: (والهلاك على مالكه) فلا يرجع بنصف الهالك على الشريك الآخر حيث بطلت الشركة ولو الهلاك في يد الآخر، لان المال في يده أمانة، بخلاف ما لو هلك بعد الخلط لأنه يهلك على الشركة لعدم التمييز. ط عن الإتقاني. قال: وظاهره أنه إذا تميز الخلط كدراهم بدنانير فهو كعدم الخلف اه. وفي كافي الحاكم: لو خلف الدراهم كان الهالك منها عليهما والباقي بينهم، إلا أن يعرف كل شئ من الهالك أو الباقي من مال أحدهما بعينه فيكون ذلك لا وعليه، والباقي من الهالك والقائم بينهما على قدر ما اختلف ولم يعرف اه. ملخصا. قوله: (وإن اشترى أحدهما) بيان لمفهوم تقييد الهلاك بما قبل الشراء بعده أي بعد الشراء، ونبه بزيادته على أن الواو هنا للترتيب احترازا عما لو هلك قبله كما يأتي. قوله: (فالمشتري بينهما) لقيام الشركة وقت الشراء فلا يتغير الحكم بهلاك مال آخر بعد ذلك. بحر. قوله: (شركة عقد على ما شرطا) أي من
507 الربح وأيهما باع جاز بيعه، وهذا عند محمد. وعند الحسن بن زياد: هي شركة ملك فلا يصح تصرف أحدهما إلا في نصيبه، وظاهر كلام كثير ترجيح قول محمد كما فالنهر. قوله: (ورجع على شريكه بحصته منه) لأنه وكيل في حصة شريكه وقد قضى الثمن من ماله فيرجع عليه بحسابه. وفي المحيط: لأحدهما مائة دينار قيمتها الف وخمسمائة وللآخر ألف درهم وشرطا الربح والوضيعة على قدر المال فاشترى الثاني جارية ثم هلكت الدنانير فالجارية بينهما وربحها أخماسا: ثلاثة أخماسه للأول، وخمساه للثاني، لان الربح يقسم على قدر ماليهما يوم الشراء، ويرجع الثاني على الأول بثلاثة أخماس الألف لأنه وكيل عنه بالشراء في ثلاثة أخماس الجارية وقد نقد الثمن من ماله، ولو كان على عكسه رجع صاحب الدنانير على الآخر بخمسي الثمن أربعون دينارا، ولو اشترى كل واحد منهما بماله غلاما وقبضا وهلكا يهلكان من مالهما، لان كل واحد حين اشترى كانت الشركة بينهما قائمة اه. بحر ملخصا. قوله: (لقيام الشركة الخ) علة لكون المشتري بينهما كما مر، وأما علة الرجوع فكونه وكيلا كما علمت. قوله: (بأن قال) الأولى قالا: كما في عبارة النهر. وأفا بهذا التصوير أنه ليس المراد من التصريح بالوكالة ذكر لفظها بل ما يشمل معناها. قوله: (كل منهما) الأولى كل منا. أفاده ح. قوله: (بماله هذا) قيد به لان فرض المسألة في عقد الشركة على مال مخصوص لا لكونه قيدا في ثبوت الوكالة صريح، فافهم. مطلب: اشتركا على أن ما اشتريا من تجارة فهو بيننا قال في الولوالجية: رجل قال لغيره: ما اشتريت من شئ فهو بيني وبينك، أو اشتركا على أن ما اشتريا من تجارة فهو بيننا يجوز، ولا يحتاج فيه إلى بيان الصفة والقدر والوقت، لان كلا منهما صار وكيلا عن الآخر في نصف ما يشتريه، وغرضه بذلك تكثير الربح، وذلك لا يحصل إلا بعموم هذه الأشياء اه. وسيأتي تمامه في الفصل. قلت: وهذه الشركة تقع في زماننا كثيرا يكون أحد الشريكين في بلدة والآخر في بلدة يشتري كل منهما ويرسل إلى الآخر ليبيع ويشتري لكنها شركة ملك والغالب أنهما يعقدان بينهما شركة عقد بمال متساو أو متفاضل منهما ويجعلان الربح على قدر رأس المال ويقتسمان ربح الشركتين كذلك، وهذا صحيح في شركة العقد لا في شركة الملك، لان الربح فيها على قدر الملك، فإذا شرطا الشراء بينهما مناصفة يكون الربح كذلك، إلا إذا شرطا الشراء على قدر مال شركة العقد فيكون الربح على قدر المال في الشركتين، فتنبه لذلك فإنه يقع كثيرا ويغفل عنه. قوله: (لا الربح) فإنه يكون بقدر المال. قوله: (لصيرورتها الخ) علة لقوله: لا الربح وقوله: لبقاء الوكالة علة لقوله: مشترك بينهما ح. قوله: (ولم يتصادقا على الوكالة) عبارة ابن كمال: ولم ينصا على الوكالة فيها ط.
508 قوله: (كما مر) أي في قوله: وعدم ما يقطعها الخ وأشار به إلى أن التصريح بفسادها بما ذكر مفرع على ما قدمه من أنه يشترط فيها عدم ما يقطعها فليس ذلك تكرارا محضا، فافهم. وبيان القطع أن اشتراط عشرة دراهم مثلا من الربح لأحدهما يستلزم اشتراط جميع الربح له على تقدير أن لا يظهر ربح إلا العشرة، والشركة تقتضي الاشتراك في الربح وذلك بقطعها فتخرج إلى القرض أو البضاعة كما في الفتح. قوله: (لا لأنه شرط الخ) يعني أن علة الفساد ما ذكر من قطع الشركة، وليست العلة اشتراط شرط فاسد فيها، لان الشركة لا تفسد بالشروط الفاسدة، والمصرح به أن هذه الشركة فاسدة، فقوله: قلت الخ تأييد لقوله: لا لأنه شرط الخ. وأما قوله: وظاهره أي ظاهر قوله لعدم فساده بالشروط فلا محل له للاستغناء عنه بما قبله. قوله: (ويكون الربح على قدر المال) أي وإن اشترط فيه التفاضل، لان الشركة لما فسدت صار المال مشتركا شركة ملك والربح في شركة الملك على قدر المال وسيأتي في الفصل أنها لو فسدت وكان المال كله لأحدهما فللآخر أجر مثله. قوله: (ولكل من شريكي العنان الخ) هذا كله عند عدم النهي. ففي الفتح: وكل ما كان لأحدهما إذا نهاه عنه شريكه لم يكن له فعله، ولهذا لو قال له اخرج لدمياط ولا تجاوزها فجاوزها فهلك المال ضمن حصة شريكه، لأنه نقل حصته بغير إذنه، وكذا لو نهاه عن بيع النسيئة بعدما كان أذن له فيه اه. قلت: وسيأتي في المضاربة أنه إذا صار المال عروضا لا يصح نهي المضارب عن البيع نسيئة لأنه لا يملك عزله في هذه الحالة. وظاهره أن الشركة ليست كذلك لأنه يملك فسخها مطلقا كما سيأتي في الفصل. قوله: (ويبضع الخ) في القاموس: الباضع الشريك اه. والمراد هنا دفع المال لآخر ليعمل فيه على أن يكون الربح لرب المال ولا شئ للعامل. بحر. قوله: (ويعير) فلو أعار دابة فعطبت تحت المستعير فالقياس أن يضمن المعير نصف شريكه، ولكني أستحسن أن لا أضمنه، وهذا قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وكذلك لو أعار ثوبا أو دارا أو خادما بحر عن كافي الحاكم. قوله: (ويضارب) أي يدفع المال مضاربة وهو الأصح. أما إذا أخذ مالا مضاربة، فإن أخذه ليتصرف فيما ليس من تجارتهما فالربح له خاصة، وكذا فيما هو من تجارتهما إذا كان بحضرة صاحبه، ولو مع غيبته أو مطلقا كان الربح بينهما نصفه لشريكه ونصفه بين المضارب ورب المال، كذا في المحيط. نهر. وقوله أو مطلقا: أي عن التقييد بكونه من تجارتهما. قوله: (لأنها) أي المضاربة دون الشركة لكون الوضيعة تلزم الشريك ولا تلزم المضارب فتتضمن الشركة المضاربة. فتح. قوله: (ويوكل) لان التوكيل بالبيع والشراء من أعمال التجارة والشركة انعقدت لها، بخلاف الوكيل صريحا بالشراء ليس له أنه يوكل به لأنه عقد خاص طلب به شراء شئ بعينه فلا يستتبع مثله. فتح. قوله: (ولو نهاه المفاوض الآخر) التقييد بالمفاوض ويكون النهي عن التوكيل اتفاقيا لما مر أن كل ما كان لأحدهما فعله يصح نهي الآخر عنه ط.
509 أقول: سياق كلام البحر يقتضي أن هذا خاص بالمفاوضة، خلافا لما فهمه ح كما يعلم من مراجعة البحر. لكن يخالفه ما في الخانية في فصل العنان: ولو وكل أحدهما رجلا في بيع أو شراء وأخرجه الآخر عن الوكالة صار خارجا عنها، فإن وكل البائع رجلا يتقاضى ثمن ما باع فليس للآخر أن يخرجه عن الوكالة اه. أي ليس لأحدهما قبض ثمن ما باعه الآخر ولا المخاصمة فيه كما يأتي قريبا، فكذا ليس له إخراج وكيله بالقبض ثم لا يخفى أن الضمير المنصوب في قول الشارح: ولو نهاه عائد إلى الوكيل كما هو صريح عبارة الخانية، لا إلى الموكل حتى يكون النهي عن التوكيل ويكون التقييد فيه اتفاقيا، فافهم. قوله: (ويبيع بما عز وهان) أي له أن يبيع بثمن زائد وناقص، قيد بالبيع لأن الشراء لا يجوز إلا بالمعروف كما في الرملي عن المنح عن الجوهرة، وسيذكر الشارح في كتاب الوكالة أن الوكيل له البيع بما قل أو كثر وبالعرض، وخصاه بالقيمة والنقود، وبه يفتى. بزازية اه. ومقتضاه أن المفتى به هنا كذلك لكن ذكر العلامة قاسم هناك تصحيح قول الإمام وإنه أصح الأقاويل، فافهم. وفي البحر عن البزازية: وإن باع أحدهما متاعا ورد عليه فقبله جاز ولو بلا قضاء، وكذا لو حط أو أخر من عيب وإن بلا عيب جاز في حصته، وكذا لو وهب، ولو أقر بعيب في متاع باعه جاز عليهما اه. ويأتي تمام ذلك قبيل قوله: وهو أمين. قوله: (وبنقد ونسيئة) متعلق بقوله: يبيع. وأما الشراء، فإن لم يكن في يده دراهم ولا دنانير من الشركة فاشترى بدراهم أو دنانير فهو له خاصة، لأنه لو وقع مشتركا تضمن إيجاب مال زائد على الشريك وهو لم يرض بالزيادة على رأس المال. والولوالجية. ومفاده أنه لو رضي وقع مشتركا لأنه يملك الاستدانة بإذن شريكه كما قدمناه عن البحر عن المحيط، ومنه ما سيأتي قبيل الفروع عن الأشباه، ويأتي تمامه، وما مر من التفصيل في الشراء إنما هو في شركة العنان، أما في المفاوضة فهو عليهما مطلقا كما في الخانية قوله: (خلافا للأشباه) الذي فيها هو ما نقله عقبه عن الظهيرية. قوله: (ومؤنة السفر الخ) أي ما أنفقه على نفسه من كرائه ونفقته وطعامه وإدامه من جملة رأس المال في رواية الحسن عن أبي حنيفة. قال محمد: وهذا استحسان، فإن ربح تحسب النفقة من الربح وإن لم يربح كانت من رأس المال. الخانية. قوله: (لا يملك الشريك) أي شريك العنان بقرينة قوله: أما المفاوضة الخ. وفي الخانية من فصل العنان: ولو شارك أحدهما شركة عنان، فما اشتراه الشريك الثالث كان نصفه له ونصفه بين الشريكين، وما اشتراه الذي لم يشارك فهو بينه وبين شريكه نصفين، ولا شئ منه للشريك الثالث اه. ومثله في الولوالجية. وفيها: ولو أخذ مالا مضاربة فهو له كما لو آجر نفسه اه. ولكن فيه تفصيل قدمناه قريبا. قوله: (ولا الرهن) قال في الفتح: أي رهن عين من مال الشركة فإن رهن بدين عليهما لم يجز وضمن، ولو ارتهن بدين لهما لم يجز على شريكه، فإن هلك الرهن في يده وقيمته والدين سواء ذهب بحصته ويرجع شريكه بحصته على المطلوب ويرجع المطلوب بنصف قيمة الرهن على المرتهن، وإن شاء شريك المرتهن ضمن شريكه حصته من الدين لان هلاك الرهن في يده كالاستيفاء اه. قوله: (أو يكون هو) أي الراهن العاقد أي الذي تولى عقد المبايعة.
510 قال في الخانية: ولمن ولي المبايعة أن يرهن بالثمن اه ط. قوله: (في موجب) بكسر الجيم ح. قوله: (وحينئذ) أي حين إذا كان الراهن هو العاقد بنفسه. قال في النهر: وإقراره بالرهن والارتهان عند ولايته العقد صحيح اه ط. أما لو ولي العقد غيره أو كانا ولياه لا يجوز إقراره في حصة شريكه، وهل يجوز في حصة نفسه فهو على الخلاف، ولا يصح إقراره بعدما تناقضا الشركة إذا كذبه الآخر. تتارخانية. قوله: (ولا الكتابة) لأنه ليس من عادة التجار. بحر. قوله: (فله كل ذلك) أي المذكور من الشركة والرهن الخ. قوله: (ولو فاوض) أي المفاوض. قوله: (وإلا تنعقد عنانا) وما خصه من الربح يكون بينه وبين شريكه ط. قوله: (ولا يجوز لهما تزوج العبد) أي عبد التجارة. واحترز بالعبد عن الأمة، فإن لاحد المتفاوضين تزويجها كما في الخانية: ولا يزوج العبد ولو من أمة التجارة استحسانا ط عن الهندية. قوله: (ولا الهبة) يستثنى منه هبة ثمن ما باعه. ففي البحر عن الظهيرية لو باع أحد المتفاوضين عينا من تجارتهما ثم وهب الثمن من المشتري أو أبرأه منه جاز، خلافا لأبي يوسف، ولو وهب غير البائع جاز في حصته إجماعا اه. قلت: لكنه في الأولى يضمن نصيب صاحبه كوكيل البيع إذا فعل ذلك كما في الخانية. قوله: (ونحوه) أي مما ليس من جنس ما يؤكل ويهدى عادة بقرينة ما بعده. قوله: (فلم يجز) أي ما ذكر من الهبة في حصة شريكه، بل جاز في حصته إن وجد شرط الهبة من التسليم والقسمة فيما يقسم وكذا الاعتاق، وتجري فيه أحكام عتق أخذ الشريكين المقررة في بابه. قوله: (وجاز في نحو لحم الخ) محترز قوله: أي لثوب ونحوه. مطلب: يملك الاستدانة بإذن شريكه قوله: (ولا القرض) أي الاقراض في ظاهر الرواية، أما الاستقراض فقدم أنه يجوز، ويأتي تمامه في الفروع. قوله: (إذنا صريحا) فلو قال اعمل برأيك لا يكفي. قوله: (وفيه الخ) ومثله ما في البحر عن البزازية: ولو قال كل منهما للآخر اعمل برأيك فلكل منهما أن يعمل ما يقع في التجارة: كالرهن والارتهان، والسفر والخلط بماله، والشركة بمال الغير لا الهبة والقرض، وما كان إتلافا للمال أو تمليكا من غير عوض فإنه لا يجوز ما لم يصرح به نصا. قوله: (لان الشركة) أي مطلقها. قوله: (وصح بيع شريك مفاوض) انظر هل المفاوض قيد في كلام المصنف. ط عن
511 الحموي. قوله: (لا يصح إقراره بدين أي لمن لا تقبل شهادته له، أما لغيره فيقبل كما سبق في قوله: وكل دين لزم أحدهما الخ. وهذا إنما هو في شريك المفاوضة، أما شريك العنان ففيه تفصيل. قال في الخانية: ولو أقر أحد شريكي العنان بدين في تجارتهما لزم المقر جميع ذلك إن كان هو الذي وليه، وإن أقر أنه ولياه لزمه نصفه، وإن أقر أن صاحبه وليه لا يلزمه شئ بخلاف الشركة المفاوضة فإن كل واحد منهما يكون مطالبا بذلك اه. ونحوه في الفتح. وحاصله أن إقرار أحد شريكي العنان بدين في تجارتهما لا يمضي على الآخر، وإنما يمضي على نفسه على التفصيل المذكور. أما شريك المفاوضة فيمضي عليهما مطلقا فافهم، لكن سيأتي في الفروع أنه لو قال أحد الشريكين استقرضت ألفا فالقول له إن المال في يده، ويأتي الكلام عليه. قوله: (وفي الخلاصة) استدراك على المتن بأن العين كالدين اه ح. لكن ما في المتن في المفاوضة وهذا في العنان. قوله: (بجارية) أي في يده من الشركة أنها لرجل تتارخانية. قوله: (ليس للآخر أخذ ثمنه) أفاد أن للمديون أن يمتنع من الدفع إليه، فإن دفع برئ من حصة القابض ولم يبرأ من حصة الآخر. فتح. وكذا لا يجوز تأجيله الدين لو العاقد غيره أو هما عند أبي حنيفة. وعندهما يجوز في نصيبه، ولو أجله العاقد جاز في النصيبين عندهما. وعند أبي يوسف: في نصيبه فقط، وأصله الوكيل بالبيع إذا أبرأ عن الثمن أو حط أو أجله يصح عندهما، خلافا: لأبي يوسف، إلا أن هناك يضمن لموكله عندهما لا هنا. بحر عن المحيط. مطلب: أقر بمقدار الربح ثم ادعى الخطأ قوله: (في مقدار الربح) فلو أقر بمقداره ثم ادعى الخطأ فيه لا يقبل قوله، كذا نقله أبو السعود عن إقرار الأشباه ط. قلت: لكن في حاوي الزاهدي قال الشريك ربحت عشرة ثم قال لا بل ربحت ثلاثة فله أن يحلفه أنه لم يربح عشرة اه. ومقتضاه أن القول له بيمينه، لكن لا يخفى أن الأوجه ما في الأشباه لأنه برجوعه متناقض فلا يقبل منه، وما في الأشباه عزاه إلى كافي الحاكم فهو نص المذهب فلا يعارضه ما في الحاوي. قوله: (والضياع) أي ضياع المال كلا أو بعضا ولو من غير تجارة ط. قوله: (مستدلا بما في وكالة الولوالجية) عبارة الولوالجية: ولو وكل بقبض وديعة ثم مات الموكل فقال الوكيل قبضت في حياته وهلك وأنكرت الورثة أو قال دفعته إليه صدق، ولو كان دينا لم يصدق، لان الوكيل في الموضعين حكى أمرا لا يملك استئنافه، لكن من حكى أمرا لا يملك استئنافه: إن كان فيه إيجاب الضمان على الغير لا يصدق، وإن كان فيه نفي الضمان عن نفسه صدق، والوكيل بقبض الوديعة فيما يحكي ينفي الضمان عن نفسه فصدق، والوكيل بقبض الدين فيما يحكى يوجب الضمان على الميت وهو ضمان مثل المقبوض فلا يصدق اه.
512 مطلب: في قبول قوله دفعت المال بعد موت الشريك أو الموكل قلت: أي أن الوكيل بقبض الدين إذا قال: قبضته من المديون وهلك عندي أو قال دفعته للموكل الميت لا يصدق بالنسبة إلى براءة المديون، لان في ذلك إلزام الضمان على الميت، فإن الديون تقضى بأمثالها فيثبت للمديون بذمة الدائن مثل ما للدائن بذمته فيلتقيان قصاصا. وأما بالنسبة إلى الوكيل نفسه فيصدق لأنه أمين، وبموت الموكل لم ترتفع أمانته، وإن بطلت وكالته فلا يضمن ما قبضه ولا يرجع عليه المديون، وقد أوضح المسألة في الخيرية أول كتاب الوكالة، فافهم. قوله: (كل من حكى أمرا الخ) فإن الوكيل هنا حكى أمرا وهو قبض الوديعة أو الدين في حياة الموكل وهو لا يملك استئنافه بعد موت الموكل: أي لو كان لم يقبض في حياته وأراد استئناف القبض بعد موته لم يملكه، لأنه انعزل عن الوكالة. قوله: (التقييد بالمكان صحيح الخ) ظاهر التفريع أن التنصيص على المكان بلا نهي لا يكون تقييدا، وعبارة البزازية: التقييد بالمكان صحيح، حتى لو قال: اخرج إلى خوارزم ولا تجاوزه صح، فلو جاوزه ضمن. وفي الجوهرة من المضاربة. وألفاظ التخصيص والتقييد أن يقول: خذ هذا مضاربة بالنص على أن تعمل به في الكوفة أو فاعمل به في الكوفة ما إذا قال واعمل به في الكوفة بالواو لا يكون تقييدا، فله أن يعمل في غيرها لان الواو حرف عطف ومشورة وليست من حروف الشرط اه. فأفاد أن مجرد التنصيص لا يكفي، بل لا بد من أمر يفيد التقييد كالشرط وكالنهي. قوله: (وفي الأشباه الخ) أعم منه ما قدمناه عن الفتح من أن كل ما كان لأحدهما إذا نهاه عنه شريكه لم يكن له فعله. قوله: (جاز) أي النهي. قوله: (بموته مجهلا الخ) في حاوي الزاهدي: مات الشريك ومال الشركة ديون على الناس ولم يبين ذلك بل مات مجهلا يضمن كما لو مات مجهلا للعين اه: أي عين مال الشركة الذي في يده ومثله بقية الأمانات، لكن إذا علم أن وارثه يعلمها لا يضمن، ولو ادعى الوارث العلم وأنكر الطالب فإن فسرها الوارث وقال: هي كذا وهلكت صدق، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتا أأدخل الوديعة. قوله: (والقول بخلافه غلط) وهو عدم تضمين المفاوض. قوله: (وسيجئ في الوديعة) سيجئ هناك بضع عشرة موضعا يضمن فيها الأمين بموته مجهلا. قوله: (خلافا للأشباه) حيث جرى في كتاب الأمانات على ما هو الغلط. قوله: (في المحيط) صوابه في البحر: فإن الحادثتين وقعتا لصاحب البحر سئل عنهما وأجاب بما ذكر، ثم قال: ولم أر فيهما إلا ما قدمته: أي ما مر عن
513 الخانية. قوله: (فإن أجاز فالربح لهما) وإن لم يجز فالبيع في حصته باطل. قوله: (فأجبت أنه غاصب) أي كما هو صريح ما قدمه عن الخانية من قوله ضمن حصة شريكه. قوله: (بالاخراج) فينظر. ففي مضاربة الجوهرة عند قول القدوري: وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز أن يتجاوز ذلك، فإن خرج إلى غير ذلك البلد أو دفع المال إلى من أخرجه لا يكون مضمونا عليه بمجرد الاخراج حتى يشتري به خارج البلد، فإن هلك المال قبل التصرف فلا ضمان عليه، وكذا لو أعاده إلى البلد عادت المضاربة كما كانت على شرطها، وإن اشترى به قبل العود صار مخالفا ضامنا، ويكون ذلك لأنه تصرف بغير إذن صاحب المال فيكون له ربحه وعليه وضيعته لا يطيب له الربح عندهما، خلافا لأبي يوسف، وإن اشترى ببعضه وأعاد بقيته إلى البلد ضمن قدر ما اشترى به، ولا يضمن قدر ما أعاد اه. والظاهر أن الشركة كذلك. قوله: (فينبغي أن لا يكون الربح على الشرط) أي بل يكون له كما علمته منقولا. قوله: (ومقتضاه فساد الشركة) أي مقتضى الجواب بأنه صار غاصبا وبأن الربح لا يكون على الشرط، ولكن هذا بعد التصرف في المال لا بمجرد الاخراج، فلو عاد قبل التصرف تبقى الشركة كما علمت. فافهم. قوله: (فأجاب الخ) حيث قال: إن القول قول الشريك والمضارب في مقدار الربح والخسران مع يمينه ولا يلزمه أن يذكر الامر مفصلا، والقول قوله في الضياع والرد إلى الشريك اه. مطلب: فيما لو ادعى على شريكه خيانة مبهمة قلت: بقي ما لو ادعى على شريكه خيانة مبهمة، ففي قضاء الأشباه لا يحلف. ونقل الحموي عن قارئ الهداية أنه يحلف وإن لم يبين مقدارا، لكن إذا نكل عن اليمين لزمه أن يبين مقدار ما نكل فيه. ثم قال: وأنت خبير بأن قارئ الهداية لم يستند إلى نقل، فلا يعارض ما نقله في الأشباه عن الخانية. قوله: (ومثله المضارب والوصي والمتولي) سيذكر الشارح في الوقف عن القنية أن المتولي لا تلزمه المحاسبة في كل عام، ويكتفي القاضي منه بالاجمال لو معروفا بالأمانة ولو متهما يجبره على التعيين شيئا فشيئا، ولا يحبسه بل يهدده، ولو اتهمه يحلفه اه. والظاهر أنه يقال مثل ذلك في الشريك والمضارب والوصي فيحمل إطلاقه على غير المتهم: أي الذي لم يعرف بالأمانة. تأمل. قوله: (نهر) يغني عنه قوله أولا وفيه. قوله: (إلى سحت المحصول) السحت: بالضم وبضمتين الحرام، أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه من العار ط عن القاموس، إذ لا يجوز للقاضي الاخذ على نفس المحاسبة لأنها واجبة عليه، نعم لو كتب سجلا أو تولى قسمة وأخذ أجر المثل له ذلك كما حرره في البحر من الوقف. مطلب في شركة التقبل قوله: (وإما تقبل) عطف على قوله: إما مفاوضة. قوله: (وتسمى شركة صنائع) جمع صناعة كرسالة ورسائل وهي كالصنعة حرفة الصانع وعمله. قوله: (وأعمال وأبدان) لان العمل يكون منهما
514 غالبا بأبدانهما. قوله: (إن اتفق صانعان الخ) أشار إلى أنه لا بد من العقد أو لا، بأن يتفقا على الشركة قبل التقبل، لما سيأتي قبيل الفروع لو تقبل ثلاثة عملا بلا عقد شركة فعمله أحدهم فله ثلث الاجر ولا شئ للآخرين، وسيأتي بيانه، والمراد عقد الشركة على التقبل والعمل، لما في البحر عن القنية: اشترك ثلاثة من الحمالين على أن يملا أحدهم الجوالق ويأخذ الثاني فمها ويحملها الثالث إلى بيت المستأجر والاجر بينهم بالسوية فيه فاسدة. قال: فسادها لهذه الشروط، فإن شركة الحمالين صحيحة إذا اشتركوا في التقبل والعمل جميعا اه. أي وهنا لم يذكر التقبل أصلا، بل مجرد العمل مقيدا على كل واحد بنوع منه، لكن لا يشترط كون التقبل منهما معا، لما في البحر أيضا: لو اشتركا على أن يتقبل أحدهما المتاع ويعمل الآخر أو يتقبله أحدهما ويقطعه ثم يدفعه إلى الآخر للخياطة بالنصف جاز، كذا في القنية، لكن من شرط عليه العمل فقط لو تقبل جاز، فلو شرط على من عليه العمل أن لا يتقبل لا يجوز لأنه عند السكوت جعل إثباتها اقتضاء ولا يمكن ذلك مع النفي، كذا في المحيط اه. قلت: وبه علم أن الشرط عدم نفي التقبل عن أحدهما لا التنصيص على تقبل كل منهما، ولا على عملهما لأنه إذا اشتركا على أن يتقبل أحدهما ويعمل الآخر بلا نفي كان لكل منهما التقبل والعمل لتضمن الشركة الوكالة. قال في البحر: وحكمها أن يصير كل واحد منهما وكيلا عن صاحبه بتقبل الأعمال، والتوكيل به جائز سواء كان الوكيل يحسن مباشرة ذلك العمل أو لا. قوله: (فلا يلزم اتحاد صنعة ومكان) تفريع الأول على كلام المصنف ظاهر. وأما الثاني فمن حيث إنه لم يقيد بالمكان. ووجه عدم اللزوم كما في الفتح أن المعنى المجوز لشركة التقبل من كون المقصود تحصيل الربح لا يتفاوت بين كون العمل في دكاكين أو دكان، وكون الأعمال من أجناس أو جنس. قوله: (على أن يتقبلا الأعمال) أي محلها كالثياب مثلا، فإن العمل عرض لا يقبل القبول. أفاده القهستاني. وعلمت أن التنصيص على تقبل كل منهما أو على عمله غير شرط. وفي النهر أن المشترك فيه إنما هو العمل، ولذا قالوا: من صور هذه الشركة أن يجلس آخر على دكانه فيطرح عليه العمل بالنصف، والقياس أن لا يجوز، لان من أحدهما العمل ومن الآخر الحانوت، واستحسن جوازها لان التقبل من صاحب الحانوت عمل اه. ومنها ما في البحر عن البزازية لأحدهما آلة القصارة للآخر بيت اشتركا على أن يعملا في بيت هذا والكسب بينهما جاز، وكذا سائر الصناعات، ولو من أحدهما أداة القصارة والعمل من الآخر فسدت والربح للعامل وعليه أجر مثل الأداة اه. ونظير هذه الأخيرة مسائل ستأتي في الفصل قبيل قوله: وتبطل الشركة الخ. قوله: (التي يمكن استحقاقها) أي التي يستحقها المستأجر بعقد الإجارة. وزاد في البحر قيد أن يكون العمل حلالا لما في البزازية: لو اشتركا في عمل حرام لم يصح اه. وأنت خبير بأن الحرام لا يستحق بالاجر، فافهم. قوله: (ومنه) الأولى ومنها: أي الأعمال المذكورة. قوله: (على المفتى به) أي الذي هو قول المتأخرين من جواز الأجرة على التعليم، وكذا على الاذان والإمامة، فافهم. قوله: (بخلاف شركة دلالين) فإن عمل الدلالة لا يمكن استحقاقه بعقد الإجارة، حتى لو استأجر دلالا يبيع له أو يشتري فالإجارة
515 فاسدة إذا لم يبين له أجلا كما صرح به في إجارة المجتبى ح. قوله: (ومغنين) لان الغناء حرام ح. قوله: (وشهود محاكم) لعدم صحة الاستئجار على الشهادة ح. قوله: (وقراء مجالس وتعاز) يحتمل أنه عطف تفسير أو مغاير وهو بفتح التاء المثناة فوق وبعين مهملة بعدها ألف ثم زاي جمع تعزية: وهي المأتم بالهمزة والتاء المثناة الفوقية الذي يصنع للأموات، لان عادتهم القراءة بصوت واحد يشتمل على التمطيط وعلى قطع بعض الكلمات والابتداء من أثناء الكلمة، ولأنه استئجار على القراءة. والذي أجازه المتأخرون إنما هو الاستئجار على التعليم خلافا لمن توهم خلافه، كما سيأتي في الإجارات إن شاء الله تعالى. وفي القنية: ولا شركة القراء بالزمزمة في المجالس والتعازي لأنها غير مستحقة عليهم اه. وفي القاموس: الزمزمة: الصوت البعيد له دوي وتتابع صوت الرعد. وذكر ابن الشحنة أن ابن وهبان بالغ في النكير على إقرارهم على هذا في زمانه وعلى القراءة بالتمطيط، ومنه من جواز سماعها وأطنب في إنكارها، وتمامه في ح. قوله: (ووعاظ) أي شركة وعاظ فيما يتحصل لهم بسب الوعظ لأنه غير مستحق عليهم ط. قوله: (وسؤال) بتشديد الهمزة جمع سائل: وهو الشحاذ اه ح. قوله: (لان التوكيل بالسؤال لا يصح) وما لا تصح فيه الوكالة لا تصح فيه الشركة كما مر. قوله: (مطلقا) أي سواء شرطا الربح على السواء أو متفاضلا، وسواء تساويا في العمل أو لا، وقيل إن شرطا أكثر الربح لأدناهما عملا لا يصح. والصحيح الجواز. أفاده في البحر: وهذا إذا لم تكن مفاوضة، إذ لا تكون المفاوضة إلا مع التساوي كما يأتي. قوله: (لأنه ليس بربح الخ) اعلم أن التفاضل في الربح عند اشتراط التساوي في العمل لا يجوز قياسا، لأن الضمان بقدر ما شرط عليه من العمل فالزيادة عليه ربح ما لم يضمن، فلم يجز العقد كما في شركة الوجوه. ويجوز استحسانا لان ما يأخذه ليس ربحا لان الربح إنما يكون عند اتحاد الجنس، وهنا رأس المال عمل والربح مال فلم يتحد الجنس، فكان ما يأخذه بدل العمل والعمل يتقوم بالتقويم إذا رضيا بقدر معين، فيقدر بقدر ما قوم به فلم يؤد إلى ربح ما لم يضمن، بخلاف شركة الوجوه حيث لا يجوز فيها التفاوت في الربح عند التساوي في المشتري، لان جنس المال وهو الثمن الواجب في ذمتهما متحد والربح يتحقق في الجنس المتحد، فلو جاز زيادة الربح كان ربح ما لم يضمن، وتمامه في العناية. قوله: (فيطالب كل واحد منهما بالعمل الخ) هذا ظاهر فيما إذا كانت مفاوضة، أما إذا أطلقاها أو قيداها بالعنان فثبوت هذين الحكمين استحسان، وفيما سواهما فهي باقية على مقتضى العنان، ولذا لو أقر بدين من ثمن مبيع مستهلك أو أجر أجير أو دكان لمدة مضت لا يصدق إلا ببينة، لان نفاذ الاقرار على الآخر موجب المفاوضة ولم ينصا عليها، فلو كان المبيع لم يستهلك أو المدة لم تمض فإنه يلزمهما كما في المحيط اه ح ملخصا. قوله: (ويبرأ دافعها) أنث الضمير وإن عاد على الاجر لتأويله بالأجرة ط. قوله: (والحاصل الخ) ما مر من قوله: ويكون الكسب بينهما إنما هو في الكسب الحاصل من عملهما، وما هنا في الحاصل من عمل أحدهما: أي لا فرق بين أن يعملا أو يعمل أحدهما سواء كان عدم عمل الآخر لعذر أو لا، لان العامل معين القابل والشرط مطلق العمل الخ ما ذكره.
516 مطلب شركة الوجوه قوله: (وإما وجوه) ويقال لها شركة المفاليس. قهستاني. قوله: (نوعا أو أنواعا) أفاد أنها تكون خاصة وعامة كما في النهر، ولذا حذف المصنف المفعول. قوله: (أي بسبب وجاهتهما) أفاد وجه التسمية، لان من لا مال له لا يبيعه الناس نسيئة إلا إذا كان له جاه ووجاهة وشرف عندهم. وأفاد الكمال أن الجاه مقلوب الوجه بوضع الواو موضع العين، فوزنه عقل إلا أن الواو انقلبت ألفا للموجب لذلك، وقيل ضيفت إلى الوجوه لأنها تتبدل فيها الوجوه لعدم المال. قوله: (بالنسيئة) هو على حل الشارح متعلق بقوله: اشتريا وقصده بذلك دفع ما يوهمه المتن من كونه مطلوبا ليشتريا ويبيعا، وليس كذلك بل هو مطلوب لقوله: يشتريا فكان ينبغي للمصنف ذكره عقبه لأنه لا مال لهما، فشراؤهما يكون بالنسيئة، أما البيع فهو أعم. قوله: (ويكون كل منهما عنانا ومفاوضة بشرطه) فصورة اجتماع شرائط المفاوضة في التقبل كما في المحيط: أن يشترط الصانعان على أن يتقبلا جميعا الأعمال، وأن يضمنا جميعا على التساوي، وأن يتساويا في الريح والوضيعة، وأن يكون كل منهما كفيلا عن صاحبه فيما لحقه بسبب الشركة ا ه. وصورتها في الوجوه كما في النهاية: أن يكون الرجلان من أهل الكفالة، وأن يكون ثمن المشتري بينهما نصفين، وأن يتلفظا بلفظ المفاوضة. زاد في الفتح: ويتساويا في الربح، ويكفي ذكر مقتضيات المفاوضة عن التلفظ بها كما سلف، وتمامه في البحر: ولا يخفى أنه إذا فقد منها شرط كانت عندنا. وفي القهستاني أن شروط المفاوضة في المواضع الثلاثة قد اختلفت، ولم يتعرض في المتداولات إلى أنها في كل منها حقيقة، والظاهر أنها في الأول: أي في المال حقيقة وفي الباقيين مجاز ترجيحا على الاشتراك. قوله: (من مناصفة المشتري) أي في المفاوضة والعنان، وقوله: أو مثالثته أي في العنان. قهستاني. قوله: (لئلا يؤدي الخ) علة لمفهوم ما قبله، وهو أنه لا يجوز أن يكون الربح مخالفا لقدر الملك. وعبارة الكنز: وإن شرطا مناصفة المشتري أو مثالثته فالريح كذلك، وبطل شرط الفضل اه. قال في النهر: لان استحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان وهو على قدر الملك في المشتري فكان الربح الزائد عليه ربح ما لم يضمن، بخلاف العنان فإن التفاضل في الربح فيها مع التساوي في المال صحيح، لأنها في معنى المضاربة من حيث أن كلا منهما يعمل في مال صاحبه فالتحقت بها. قوله (بخلاف العنان) أي في شركة الأموال، وكذا في شركة التقبل فإنه يجوز فيها التفاضل كما قدمناه، لان المأخوذ فيها ليس بربح بل بدل عمل
517 كما مر تقريره، فافهم. قوله: (بمال) كما في شركة الأموال وفي المضاربة في حق رب المال. قوله: (أو عمل) كالمضارب في المضاربة. قوله: (أو تقبل) عبارة الدرر: أو ضمان، وكذا في البحر وغيره، وذلك كمن أجلس على دكانه تلميذا يطرح عليه العمل بالنصف، وكما في شركة الوجوه فإن الربح فيها بقدر الضمان والزائد عليه ربح ما لم يضمن فلا يجوز كما مر. قال في الدرر: ولهذا لو قال لغيره تصرف في مالك على أن لي بعض ربحه لا يستحق شيئا لعدم هذه المعاني، والله سبحانه أعلم. فصل في الشركة الفاسدة ما في هذا الفصل مسائل متفرقة من كتاب الشركة، فكان الأولى أن يترجم بها وإن كانت الزيادة على ما في الترجمة لا تضر. قوله: (واصطياد) جعله من المباح، وذلك مقيد بما إذا لم يكن للتلهي أو يتخذه حرفة، وإلا فلا يحل كما في الأشباه، وسيأتي تمام الكلام على ذلك في بابه. قوله: (وطلب معدن من كنز المعدن: ما وضع في الأرض خلقة، والكنز: ما وضعه بنو آدم، والركاز يعمهما، فلو قال: وطلب معدن وكنز جاهلي كما فعل في الهندية لكان أولى، لان الكنز الاسلامي لقطة ط. قوله: (من طين مباح) فإن كان الطين أو النورة أو سهلة الزجاج مملوكا فاشتركا على أن يشتريا ذلك ويطبخاه ويبيعاه جاز، وهو كشركة الوجوه كذا في الخلاصة معزيا إلى الشافي، وتبعه البزازي والعيني. والمذكور في الفتح أن هذا من شركة الصنائع، والأول أظهر. نهر. قوله: (وما حصله أحدهما) أي بدون عمل من الآخر. قوله: (وما حصلاه معا الخ) يعني ثم خلطاه وباعه، فيقسم الثمن على كيل أو وزن ما لكل منهما، وإن لم يكن وزنيا ولا كيليا قسم على قيمة ما كان لكل منهما، وإن لم يعرف مقدار ما كان لكل منهما صدق كل واحد منهما إلى النصف لأنهما استويا في الاكتساب وكأن المكتسب في أيديهما، فالظاهر أنه بينهما نصفان، والظاهر يشهد له في ذلك، فيقبل قوله ولا يصدق على الزيادة على النصف إلا ببينة، لأنه يدعي خلاف الظاهر ا ه. فتح. مطلب اجتمعا في دار واحدة واكتسبا ولا يعلم التفاوت فهو بينهما بالسوية تنبيه: يؤخذ من هذا ما أفتى به في الخيرية فزوج امرأة وابنها اجتمعا في دار واحدة وأخذ كل منهما يكتسب على حدة ويجمعان كسبهما ولا يعلم التفاوت ولا التساوي ولا التمييز. فأجاب بأنه بينهما سوية، وكذا لو اجتمع إخوة يعلمون في تركة أبيهم ونما المال فهو بينهم سوية، ولو اختلفوا في العمل والرأي ا ه. وقدمنا أن هذا ليس شركة مفاوضة ما لم يصرحا بلفظها أو بمقتضياتها مع استيفاء شروطها، ثم هذا في غير الابن مع أبيه، لما في القنية الأب وابنه يكتسبان في صنعة واحدة ولم يكن لهما شئ فالكسب كله للأب إن كان الابن في عياله لكونه معينا له، ألا ترى لو غرس شجرة تكون للأب ثم ذكر خلافا في المرأة مع زوجها إذا اجتمع بعملهما أموال كثيرة، فقيل
518 هي للزوج وتكون المرأة معينة له، إلا إذا كان لها كسب على حدة فهو لها، وقيل بينهما نصفان. وفي الخانية: زوج بنيه الخمسة في داره وكلهم في عياله، واختلفوا في المتاع فهو للأب وللبنين الثياب التي عليهم لا غير، فإن قالوا هم أو امرأته بعد موته إن هذا استفدناه بعد موته فالقول لهم، وإن أقروا أنه كان يوم موته فهو ميراث من الأب. قوله: (بإعانة صاحبه) سواء كانت الإعانة بعمل كما إذا أعانه في الجمع والقلع أو الربط أو الحمل أو غيره أو بآلة، كما لو دفع له بغلا أو راوية ليستقي عليها أو شبكة ليصيد بها: حموي وقهستاني ط. قوله: (لا يجاوز به) بفتح الواو على البناء للمفعول، وقوله: نصف ثمن ذلك بالرفع لأنه هو النائب عن الفاعل ا ه. فتح: أي يعطي أجر المثل لو كان مثل نصف الثمن أو أقل، فلو أكثر لا يزاد على نصف الثمن لأنه رضي بنصف الثمن، ثم التعبير بنصف الثمن وقع في كافي الحاكم والهداية وغيرهما. قال ط: وذكر في النقاية أن أجر المثل لا يزاد على نصف القيمة، لان المعين وصاحب العدة يطلبان أجر المثل عند تمام العمل، فربما لا يتيسر البيع عند تمام العمل فكيف يفرض نصف ثمنه حتى يطلب؟ حموي. وفي القهستاني: ولا يزاد على نصف القيمة: أي قيمة المباح يوم الاخذ إن كان له قيمة، وإلا فينبغي أن يكون الحكم فيه التخمين والقياس ا ه. قوله: (يؤذن باختياره) قال في العناية: وكذا تقديم دليل أبي يوسف على دليل محمد في المبسوط دليل على أنهم اختاروا قول محمد ا ه: أي لان الدليل المتأخر يتضمن الجواب عن الدليل المتقدم، وهذه عادة صاحب الهداية أيضا أنه يؤخر دليل القول المختار، وعبارة كافي الحاكم تؤذن أيضا باختيار قول محمد حيث قال: فله أجر مثله لا يجاوز نصف الثمن في قول أبي يوسف. وقال محمد: له أجر مثله بالغا ما بلغ، ألا ترى أنه لو أعانه عليه فلم يصب شيئا كان له أجر مثله ا ه. ونقل ط عن الحموي عن المفتاح أقول محمد هو المختار للفتوى. وعن غاية البيان أن قول أبي يوسف استحسان ا ه. مطلب يرجح القياس قلت: وعليه فهو من المسائل التي ترجح فيها القياس على الاستحسان. قوله: (والربح الخ) حاصله أن الشركة الفاسدة إما بدون مال أو به من الجانبين أو من أحدهما، فحكم الأولى أن الربح فيها للعامل كما علمت والثانية بقدر المال، ولم يذكر أن لأحدهم أجرا لأنه لا أجر للشريك في العمل بالمشترك كما ذكروه في قفيز الطحان والثالثة لرب المال وللآخر أجر مثله. قوله: (فالشركة فاسدة) لأنه في معنى بع منافع دابتي ليكون الاجر بيننا فيكون كله لصاحب الدابة، لان العاقد عقد العقد على ملك صاحبه بأمره، وللعاقد أجرة مثله لأنه لم يرض أن يعمل مجانا. فتح. تنبيه: لم يذكروا ما لو كانت الدابة بين اثنين دفعها أحدهما للآخر على أن يؤجرها ويعمل عليها على أن ثلثي الاجر للعامل والثلث للآخر وهي كثيرة الوقوع، ولا شك في فسادها لان المنفعة كالعروض لا تصح فيها الشركة، وحينئذ فالاجر بينهما على قدر ملكهما، وللعامل أجر مثل عمله، ولا يشبه العمل في المشترك حتى نقول لا أجر له، لان العمل فيما يحمل وهو لغيرهما،
519 تأمل، وتمامه في حواشي المنح للخير الرملي، ويأتي قريبا ما يؤيده. قوله: (وكذلك السفينة والبيت) أي مثل الدابة. وفي البحر عن القنية: له سفينة فاشترك مع أربعة على أن يعملوا بسفينته وآلاتها والخمس لصاحب السفينة والباقي بينهم بالسوية فهي فاسدة، والحاصل لصاحب السفينة، وعليه أجر مثلهم ا ه. قوله: (ولو لأحدهما بغل وللآخر بعير) أي وقد اشتركا على أن كلا يؤجر ما لكل واحد والحاصل بينهما فهو باطل أيضا، لان معنى هذا أن كلا قال لصاحبه بع منافع دابتك ودابتي على أن ثمنه بيننا، ثم إن آجراهما بأجر معلوم صفقة واحدة في عمل معلوم قسم الاجر على مثل أجر البغل ومثل أجر الجمل، بخلاف ما لو اشتركا على أن يتقبلا الحمولات المعلومة بأجرة معلومة ولم يؤجرا البغل والجمل كانت صحيحة لأنها شركة التقبل والاجر بينهما نصفان، ولا يعتبر زيادة حمل الجمل على حمل البغل، كما لا يعتبر في شركة التقبل زيادة عمل أحدهما كصباغين لأحدهما آلة الصبغ وللآخر بيت يعمل فيه، وإن أجر البغل أو البعير بعينه كان كل الاجر لصاحبه لأنه هو العاقد، فلو أعانه الآخر على التحميل والنقل كان له أجر مثله. فتح. قوله: (على مثل أجر البغل) الأولى أجر مثل البغل، وقوله: والبعير أي وأجر مثل البعير، فلو البعير يؤجر بضعف ما يؤجر به البغل مثلا فلصاحب البعير ثلثا الاجر ولصاحب البغل ثلثه ط. وإن آجر كل واحد منهما دابته وشرطا عملهما في الدابة أو علم أحدهما من السوق والحمل وغير ذلك كان الاجر مقسوما بينهما على قدر أجر مثل دابتهما وعلى مقدار أجر عملهما كما قبل الشركة اه. قال الخير الرملي: وهو مؤيد لما قلنا. فرع: أعطى بذر الفيل رجلا ليقوم عليه فيعلفه بالأوراق على أن ما حصل فهو بينهما فالفيلق لصاحب البذر لأنه حصل من بذره، وللرجل الذي قام عليه قيمة الأوراق وأجر مثله على صاحب البذر، وعلى هذا دفع البقرة بالعلف ليكون الحادث بينهما نصفين، فما حدث فهو لصاحب البقرة وللآخر مثل علفه وأجر مثله التتارخانية. قوله: (أي شركة العقد) أما شركة الملك فلا تبطل، وقول الدرر وتبطل الشركة مطلقا فالاطلاق فيه بالنظر للمفاوضة والعنان ط. قلت: والمراد أن شركة الملك لا تبطل: أي لا يبطل الاشتراك فيها، بل يبقى المال مشتركا بين الحي وورثة الميت كما كان، وإلا فلا يخفى أن شركة الميت مع الحي بطلت بموته. تأمل. قوله: (بموت أحدهما) لأنها تضمن الوكالة: أي شرط لها ابتداء وبقاء، لأنه لا يتحقق ابتداؤها إلا بولاية التصرف لكل منهما في مال الآخر، ولا تبقى الولاية إلا ببقاء الوكالة، وبه اندفع ما قيل الوكالة تثبت تبعا، ولا يلزم من بطلان التبع بطلان الأصل. فتح فلو كانوا ثلاثة فمات أحدهم حتى انفسخت في حقه لا تنفسخ في حق الباقيين. بحر عن الظهيرية. قوله: (بأن قضى بلحاقه مرتدا) حتى لو عاد مسلما لم يكن بينهما شركة، وإن لم يقض بلحاقه انقطعت على سبيل التوقف بالاجماع، فإن عاد مسلما قبل الحكم بقيت، وإن مات أو قتل انقطعت ولو لم يلحق وانقطعت
520 المفاوضة على التوقف هل تصير عنانا عنده لا وعندهما نعم. بحر عن الولوالجية ملخصا. قوله: (بإنكارها أي ويضمن حصة الآخر لان جحود الأمين غصب. كافي البحر سائحاني. قوله: (وبقوله لا أعمل معك) هذا في المعنى فسخ فكان الأولى تأخيره عن قوله: ويفسخ أحدهما. وفي البحر عن البزازية: اشتركا واشتريا أمتعة ثم قال أحدهما لا أعمل معك بالشركة وغاب فباع الحاضر الأمتعة فالحاصل للبائع وعليه قيمة المتاع، لان قوله لا أعمل معك فسخ للشركة معه وأحدهما يملك فسخها وإن كان المال عروضا، بخلاف المضاربة هو المختار ا ه. قوله: (بخلاف المضاربة) والفرق أن مال الشركة في أيديهما معا وولاية التصرف إليهما جميعا فيملك كل نهي صاحبه عن التصرف في ماله نقدا كان أو عروضا، بخلاف مال المضاربة لأنه بعدما صار عروضا ثبت حق المضاربة فيه لاستحقاقه ربحه وهو المنفرد بالتصرف فلا يملك رب المال نهيه ا ه. فتح. قوله: (خلافا للزيلعي) حيث قيد فسخ أحدهما الشركة يكون المال دراهم أو دنانير، فأفاد عدمه لو عروضا كما في المضاربة، وهو قول الطحاوي. وصرح في الخلاصة بأن أحد الشريكين لا يملك فسخ الشركة إلا برضى صاحبه قال في الفتح: وهذا غلط، وقد صحح هو: أي صاحب الخلاصة انفراد الشريك بالفسخ والمال عروض ا ه. ووفق في البحر بين كلامي الخلاصة. واعترضه في النهر، وأجبنا عنه فيما علقناه على البحر. قوله: (ويتوقف الخ) تقييد للمتن. قوله: (لأنه عزل قصدي) لأنه نوع حجر، فيشترط علمه دفعا للضرر عنه. فتح. قوله: (وبجنونه مطبقا) فالشركة قائمة إلى أن يتم إطباق الجنون فتنفسخ، فإذا عمل بعد ذلك فالربح كله للعامل والوضيعة عليه، وهو كالغصب لمال المجنون فيطيب له ربح ماله لا ما ربح من مال المجنون، فيتصدق به. بحر عن التتارخانية. قال ط: وظاهره أنه لا يحكم بالفسخ إلا بإطباق الجنون، وهو مقدر بشهر أو بنصف حول على الخلاف. قوله: (لكنه يتصدق الخ) والظاهر أنه يقال مثل ذلك فيما إذا تصرف أحدهما بالمال في صور بطلان الشركة المارة، فإن الربح يكون للعامل ويتصدق بما ربح من مال الآخر. قوله: (ولم يزك أحدهما الخ) لان الاذن بينهما في التجارة والزكاة ليست منها، ولان أداء الزكاة من شرطه النية، وعند عدم الإذن لا نية له فلا تسقط عنه لعدمها. ط عن الحموي. قوله: (وأديا معا) أي أدى كل منهما عن نفسه وعن شريكه ح. وصورته كما قال ابن كمال: بأن أدى كل منهما بغيبة صاحبه واتفق أداؤهما في وقت واحد. قوله: (وتقاصا) أي إن كانت مفاوضة أو عنانا تساويا فيها ط. قوله (أو رجع) أي بالزيادة إن كانت عنانا لم يتساو فيها المالان ط. قوله: (اشترى أحد المتفاوضين) قيل
521 التقييد بالمتفاوضين اتفاق، وفيه نظر لان قوله: وللبائع أخذ كل بثمنها لا يشمل العنان لعدم تضمنها الكفالة. وأيضا فإن شريك العانان له أن يشتري ما ليس من جنس تجارتهما، ويقع الشراء له ويطالب بالثمن، وكذا يقع الشراء له إذا اشترى من جنس تجارتهما بعدما صار المال عروضا كما مر قبيل قول المصنف: وتبطل بهلاك المالين. قوله: (بإذن الآخر) قيد به، لأنه لو اشتراها للوطئ بلا إذن كانت شركة. بحر. قوله: (للوطئ) متعلق بالشراء، وقوله: الهبة بالنصب مفعول تضمن. قوله: (وقالا يلزمه نصف الثمن) لأنه أدى دينا عليه خاصة من مال مشترك فيرجع عليه صاحبه بنصيبه. بحر. والمتون على قول الإمام. قوله: (وللبائع الخ) لأنه دين وجب بسبب التجارة بحر. والمراد بالتجار الشراء فإنه من أنواعها كما مر في قوله: وكل دين لزم أحدهما بتجارة فافهم. قوله: (وعقرها) يرجع إلى المستحق. قال ح: فهو نشر مرتب. قوله: (للكفالة) متعلق بتضمن، واللام فيه للتقوية، وهي الداخلة على معمول المتعدي بنفسه إذا كان محمولا على الفعل أو متأخرا عن معموله، وما هنا من الأول، فافهم. قوله: (ومن اشترى) بمعنى المفرد، لما في الفتح: لو اشترى اثنان عبدا فأشركا فيه آخر فالقياس أن يكون له نصفه ولكل من المشتريين ربعه، لان كلا صار مملكا نصف نصيبه. وفي الاستحسان: له ثلثه لأنهما حين أشركاه سوياه بأنفسهما فكأنه اشترى العبد معهما ا ه. قوله: (إن قبل القبض لم يصح) قال في الفتح: اعلم أن ثبوت الشركة فيما ذكرنا كله ينبني على صيرورة المشتري بائعا للذي أشركه وهو استفاد الملك منه، فانبنى على هذا أن من اشترى عبدا فلم يقبضه حتى أشرك فيه رجلا لم يجز، لأنه بيع ما لم يقبض، ولو أشركه بعد القبض ولم يسلمه إليه حتى هلك لم يلزمه ثمن، ويعلم أنه لا بد من قبول الذي أشركه، لان لفظ أشركتك صار إيجابا للبيع ا ه. قلت: ومثله قوله في الذخيرة اشترى شيئا ثم أشرك آخر فيه فهذا بيع النصف بنصف الثمن الذي اشتراه به ا ه. ومقتضاه أنه يثبت فيه بقية أحكام البيع من ثبوت خيار العيب والرؤية ونحوه، وأنه لا بد من علم المشتري بالثمن في المجلس، وهو خلاف المتبادر من قول المصنف: وإن بعده صح الخ فتأمل. قوله: ولزمه نصف الثمن) بناء على أن مطلق الشركة يقتضي التسوية، قال الله تعالى * فهم شركاء في الثلث) * (النساء: 21) إلا أن يبين خلافه. فتح. قوله: (ثم لقيه آخر) أما لو أشرك اثنين صفقة واحدة، كان العبد بينهم أثلاثا. فتح وكافي. قوله: (فإن كان القائل) أي الثاني. قوله: (فله ربعه) أي ربع جميع العبد، لأنه طلب منه الاشراك في نصيبه ونصيبه النصف. بحر. قوله: (لكون مطلوب شركته في كامله) لأنه حيث لم يعلم بمشاركة الأول يصير طالبا لشراء النصف وقد أجابه إليه.
522 تنبيه: لا يخفى أن هذه الشركة شركة ملك. وفي التتارخانية عن التتمة: سئل والدي عن أحد شريكي عنان اشترى بما في يده من المال عروضا ثم قال لأجنبي أشركتك في نصيبي مما اشتريت قال يصير شريكا له شركة ملك. قوله: (اشتريت اليوم الخ) ذكر اليوم غير قيد كما في الهندية وفي كافي الحاكم: وإن اشتركا بلا مال على أن ما اشتريا من الرقيق فهو بينهما جاز، وكذلك لو قالا في هذا الشهر فخصا العمل والوقت، فإن قال أحدهما اشتريت متاعا فهلك مني وطالب شريكه بنصف ثمنه لم يصدق، فإن برهن على الشراء والقبض ثم ادعى الهلاك صدق بيمينه، وإن شرط الربح أثلاثا بطل الشرط والربح بينهما نصفان، ولا يستطيع أحدهما الخروج من الشركة إلا بمحضر من صاحبه ا ه. ملخصا. زاد في البحر عن الظهيرية: وليس لواحد منهما أن يبيع حصة الآخر مما اشترى إلا بإذن صاحبه لأنهما اشتركا في الشراء لا في البيع ا ه. فأفاد أن هذه شركة ملك لا عقد، وقدمنا عن الولوالجية: اشتركا على أن ما اشتريا من تجارة فهو بيننا يجوز، ولا يحتاج فيه إلى بيان الصفة والقدر والوقت، لان كلا منهما صار وكيلا عن الآخر في نصف ما يشتريه، وغرضه تكثير الربح، وذلك لا يحصل إلا بعموم هذه الأشياء. وفي التتارخانية عن المنتقى قال هشام: سمعت أبا يوسف يقول في رجل قال لآخر معي عشرة آلاف فخذها شركة تشتري بيني وبينك قال: هو جائز والربح والوضيعة عليهما ا ه. قوله: (ولا شئ للآخرين) لأنهم لما لم يكونوا شركاء كان على كل منهم ثلث العمل، لان المستحق على كل منهم ثلثه بثلث الاجر، فإذا عمل أحدهم الكل صار متطوعا في الثلثين فلا يستحق الاجر ا ه ح عن البحر. قال ابن وهبان: هذا في القضاء، أما في الديانة فينبغي أن يوفيه بقية الأجرة، لأن الظاهر من حال العامل أنه إنما عمل الجميع على الظن أن يعطيه جميع الأجرة فلا ينبغي أن يخيب ظنه. قوله: (القول لمنكر الشركة) أي إذا كان المال في يده فادعى عليه آخر أنه شاركه مفاوضة فالقول للجاحد مع يمينه وعلى المدعي البينة، لان يدعي العقد واستحقاق ما في يده وهو منكر. فتح. قوله: (وبرهن الورثة الخ) أي إذا مات أحد المفاوضين والمال في يد الحي فبرهن الورثة على المفاوضة لم يقض لهم بشئ مما في يد الحي، لأنهما شهدا بعقد علم ارتفاعه بالموت، ولأنه لا حكم فيما شهدا به على المال الذي في يده في الحال، لان المفاوضة فيما مضى لا توجب أن يكون المال الذي في يده في الحال من شركتهما، إلا أن يبرهنوا أنه كان في يده في حياة الميت أو أنه من شركتهما، فإنه حينئذ شهدوا بالنصف للميت وورثته خلفاؤه. فتح. قوله: (برهنوا على الإرث) يعني والمال في أيديهم كما في الفتح. قوله: (قضى له بنصفه) أي ترجيحا لبينته على بينتهم لأنه خارج يدعي نصف المال على ذي اليد بعقد المفاوضة مع المورث. قوله: (تصرف أحد الشريكين في البلد الخ) تخصيص أحدهما بكونه تصرف في البلد والآخر في السفر مبني على كونه صورة الواقعة، أو ليفيد أن القول لذي اليد وإن لم يعلم صاحبه بما صنع.
523 مطلب إذا قال الشريك استقرضت ألفا فالقول له إن المال بيده قوله: (فالقول له إن المال في يده) لأنه حينئذ أمين، فقد ادعى أن الألف حق الغير، بخلاف ما إذا لم يكن في يده لأنه يدعي دينا عليه، فلو قال لي في هذا المال الذي في يدي كذا يقبل أيضا كما يقبل أنه للغير. تأمل. وهي واقعة الفتوى، وبه أفتيت. رملي على المنح. وأفتى أيضا في الخيرية فيما إذا قال الذي في يده المال كنت استدنت من فلان كذا للشركة ودفعت له دينه بأن القول قوله بيمينه، واستدل له بما في المنح عن جواهر الفتاوى، وهو ما ذكره الشارح هنا، ويؤيده ما في الحامدية عن محيط السرخسي في فصل ما يجوز لاحد شريكي العنان: لو استقرض أحدهما مالا لزمهما لان الاستقراض تجارة ومبادلة معنى، لأنه يملك المستقرض ويلزمه رد مثله فشابه المصارفة أو الاستعارة، وأيهما كان نفذ على صاحبه ا ه. ومثله في الولوالجية، وكذا في الخانية من فصل شركة العنان. لكن في الخانية أيضا قال أحد شريكي العنان إني استقرضت من فلان ألف درهم للتجارة لزمه خاصة دون صاحبه، لان قوله لا يكون حجة لالزام الدين عليه، وإن أمر أحدهما صاحبه بالاستدانة لا يصح الامر ولا يملك الاستدانة على صاحبه ويرجع المقرض عليه لا على صاحبه، لان التوكيل بالاستدانة توكيل بالاستقراض وهو باطل، لأنه توكيل بالتكدي إلا أن يقول الوكيل للمقرض إن فلانا يستقرض منك ألف درهم فحينئذ يكون المال على الموكل لا على الوكيل ا ه. أي لأنه يكون حينئذ رسولا والمستقرض هو المرسل، وكذا لو قال في الولوالجية: وإن أذن كل منهما لصاحبه بالاستدانة عليه لزم خاصة، فكان للمقر ض أن يأخذه منه وليس له أن يرجع على شريكه، وهو الصحيح لان التوكيل بالاستقراض باطل فصار الاذن وعدمه سواء ا ه. قلت: ويظهر من هذا أن في المسألة قولين: أحدهما ما مر عن المحيط من أن لكل من شريكي العنان الاستقراض لأنه تجارة: أي مبادلة معنى. والثاني عدم الجواز ولو بصريح الاذن، وهو الصحيح لموافقته لقولهم: إن التوكيل بالاستقراض باطل لأنه توكيل بالتكدي. وبيانه أن الاستقراض تبرع ابتداء فكان في معنى التكدي: أي الشحاذة. ويتفرع على ذلك أنه لو استقرض بالاذن وهلك القرض يهلك عليهما على القول الأول. وعلى الثاني يهلك على المستقرض، لكن لا يخفى أن هذا لا ينافي ما مر عن الجواهر. لان ما استقرضه أحدهما يملكه المستقرض لعدم صحة الاذن فينفذ عليه، فإذا أخذ المال ووضعه في مال الشركة وكان المال في يده يصدق فله أخذ نظيره، لما قدمه المصنف أن الشريك أمين في المال فيقبل قوله: بيمينه. وأما قوله: وليس له أن يرجع على شريكه فذاك فيما إذا هلك القرض، فلا ينافي قبول قوله إن بعض هذا المال قرض وأراد أخذ نظيره، إذ لا رجوع في ذلك على الشريك، وكذا لا ينافي ما قدمناه عند قوله: لا يصح إقراره بدين من أنه يلزم المقر جميع الدين إن كان هو الذي وليه الخ لما قلنا، نعم يشكل عليه ما مر هناك في الشرح من أنه لو أقر بجارية في يده م الشركة أنها لرجل لم يجز في حصة شريكه، إلا أن يجاب بأن المراد ما إذا علم ببينة أو إقرار أنها من المال المشترك بينهما إذ لا يصدق على شريكه بل إقراره يقتصر عليه، هذا ما ظهر لي في هذا المقام فاغتنم تحريره والسلام. قوله: (ودفعوه) أي الثمن المفهوم من البيع التزاما والمصنف صرح به ا ه ح. قوله: (فدسه في التراب) أي تراب الكرم
524 الحصين بباب وغلق، ولو في الأرض المملوكة لم يضمن إن جعل علامة، وإلا ضمن كالوضع في المفازة مطلقا جامع الفصولين. والفرق بين الكرم والأرض أن الكرم مطلوب لأجل الثمار فلا بد من كونه حرزا، وأما الأرض فليست مقصودة. سائحاني، فافهم. قوله: (أقرضه نصفه) يحتمل أن يكون الاقراض بعد إفرازه أو قبله، فإن قرض المشاع جائز بالاجماع كما في جامع الفصولين. مطلب: دفع ألفا على أن نصفه قرض ونصفه مضاربة أو شركة وفي مضاربة التتارخانية: ولو قال خذ هذه الألف على أن نصفها قرض على أن تعمل بالنصف الآخر على أن يكون الربح لي جاز ولا يكره، فإن تصرف بالألف وربح كان بينهما على السواء والوضيعة عليهما، لان نصف الألف صار ملكا للمضارب بالقرض والنصف الآخر بضاعة في يده، وإن على أن نصفها قرض ونصفها مضاربة بالنصف جاز ولم يذكر الكراهة هنا ا ه. قلت: ويظهر عدم الكراهة في الثاني بالأولى، والظاهر أن الشركة كالمفاوضة لو دفع ألفا نصفها قر ض على أن يعمل بالألف بالشركة بينهما والربح بقدر المالين مثلا، وأنه لا كراهة في ذلك لأنه ليس قرضا جر نفعا. قوله: (فطلب رب المال حصته) أي مما كان من الشركة منح، والمراد أنه طلب مال القرضة، فإن صبر إلى أن يصير مال الشركة ناضا: أي دراهم ودنانير يأخذ ما أقرضه من جنسه، وإن لم يصبر لنضه أخذ متاعا بقيمة الوقت، والظاهر أنه مقيد برضا شريكه، وإلا فله دفع قرضه من غير المتاع إن كان له غيره أو يأمره القاضي ببيعه، وإنما قلنا: إن المراد مال القرض، لأنه لو كان المراد قسمة حصته من مال الشركة فإنه يقوم بقيمته يوم اشترياه ويكون الربح بينهما على قدره، كما نقله في البحر عن الينابيع. قوله: (بينهما متاع الخ) لو كان بينهما بعير حمل عليه أحدهما بأمر شريكه فسقط في الطرق فنحره: إن كان ترجي حياته ضمن، وإلا فلا، ولو نحره أجنبي يضمن مطلقا وهو الأصح، وكذا الشاة لو ذبحها الراعي على هذا التفصيل، ولو ذبحها غيره يضمن. ط ملخصا عن الهندية. قوله: (دابة مشتركة) أي بين حاضر وغائب ط. قوله: (قال البيطارون) جمع بيطار: معالج الدواب. قاموس ط. قوله: (لم يضمن) أي إذا هلكت لأنه اعتمد على خبر أهل المعرفة، ومفهومه أنه لو فعله من تلقاء نفسه ضمن ط. قوله: (سكن أحدهما الخ) تقدمت مسائل الانتفاع بالمشترك في غيبة شريكه أول الباب عند قوله: إلا في الخلط والاختلاط وقدمنا الكلام عليه. قوله: (طاحون مشتركة) المراد بها كل ما لا يقسم ط. قوله: (عمرها) بصيغة الامر: أي قال للآخر عمرها معي، فافهم. قوله: (لم يرجع) لان شريكه يجبر على أن يفعل معه كما
525 يعلم من الضابط الآتي: قوله: (فليس بمتطوع) مخالف لما قبله وللضابط. قوله: (فهو متطوع) لأنه يجبر على الانفاق وعلى أداء الخراج ط. مطلب مهم فيما إذا امتنع الشريك من العمارة والانفاق في المشترك قال في جامع الفصولين: جاز الجبر على الانفاق في قن وزرع ودابة مشتركة، ولم يجبر ذو السفل على البناء لأنه في الأول يصير الممتنع عن النفقة متلفا حقا قائما لشريكه فيجبر، بخلاف الثاني لان حق ذي العلو فائت، إذ حقه قرار العلو على السفل ولم يبقيا، لكن يأتي في الحائط المشترك: لو انهدم وعرصته عريضة، قيل: لا يجبر، وقيل: يجبر، وهو الأشبه لتضرر الشريك، فعلى هذا القول ينبغي أن يجبر ذو السفل على البناء ا ه. ملخصا. وذكر قبيله في قن أو زرع بينهما فغاب أحدهما وأنفق الآخر يكون متبرعا، بخلاف ذي العلو مع أن كلا لا يصل إلى إحياء حقه إلا بالانفاق. والفرق أن الأول غير مضطر، لا نص شريكه لو حاضرا يجبره القاضي على الانفاق، ولو غائبا يأمر القاضي الحاضر به ليرجع على الآخر، فلما زال الاضطرار كان متبرعا أما ذو العلو فمضطر في بناء السفل، إذ القاضي لا يجبره لو حاضرا فلا يأمر غيره لو غائبا، والمضطر ليس بمتبرع ا ه ملخصا. وحاصله: أن في الجبر على الانفاق على القن والزرع قولين، وأنه ينبغي أن يكون ذو السفل كذلك. قوله: (والضابط الخ) نقل هذا الضابط في متفرقات قضاء البحر عن الامام الحلواني. قلت: ولا بد من تقييده بما إذا كان مريد الانفاق مضطرا إلى إنفاق شريكه معه فيقال: إذا كان أحدهما مضطرا إلى الانفاق معه وأنفق بلا إذن الآخر فإن كان الآخر الممتنع يجبر على الفعل معه فهو متطوع لتمكنه من رفعه إلى القاضي ليجبره وإلا لا: أي وإن لم يجبر الممتنع لا يكون متطوعا. فالأول كما في الثلاث التي ذكرها الشارح وكما في قن وزرع ودابة على أحد القولين، والثاني كما في سفل انهدم، فإن صاحبه لا يجبر على البناء على ما مر، فذو العلو مضطر إلى البناء وصاحبه لا يجبر، فإذا أنفق ذو العلو لا يكون متبرعا، ومثله الحائط المنهدم إذا كان عليه حمولة الآخر على ما يأتي بيانه، بخلاف ما إذا كان مريد الانفاق غير مضطر وكان صاحبه لا يجبر كدار يمكن قسمتها وامتنع الشريك من العمارة فإنه لا يجبر فلو أنفق عليها الآخر بلا إذنه فهو متبرع لأنه غير مضطر، إذ يمكنه أن يقسم حصته و يعمرها كما صرح به في الخانية، ويعلم مما يأتي من التقييد بما لا يقسم أيضا، وبه علم أنه لا بد من التقييد بالاضطرار كما قلنا، وإلا لزم أن لا يكون متبرعا حيث أمكنته القسمة. وعلى هذا يحمل ما في جامع الفصولين حيث قال: والتحقيق أن الاضطرار يثبت فيما لا يجبر صاحبه لا فيما يجبر، ففي الأول يرجع لا في الثاني لو فعله بلا إذن، وهذا يخلصك عن الاضطراب الواقع في هذا الباب ا ه ملخصا، فافهم هذا. وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي: حمام بين رجلين أو دولاب ونحوه مما تفوت بقسمته المنفعة المقصودة احتاج إلى المرمة وامتنع أحدهما منها. قال بعضهم: يؤجرها القاضي ليرمها بالأجرة أو
526 يأذن لأحدهما بالإجارة ويأخذ المرمة منها. وقال بعضهم: أن القاضي يأذن لغير الآبي بالانفاق ثم يمنع صاحبه من الانتفاع به حتى يؤدي حصته، والفتوى على هذا القول اه. ومثله في الخيرية عن الخانية. قلت: وهذا زيادة بيان لما سكت عنه الضابط المذكور، وهو أنه إذا اضطر ورفع الامر إلى القاضي ليجبره ثم امتنع تعنتا أو عجزا يأذن القاضي للمضطر ليرجع، بقي أنه لم يذكر بماذا يرجع. وفي جامع الفصولين: حائط بينهما وهي وخيف سقوطه فأراد أحدهما نقضه وأبى الآخر يجبر على نقضه. ولو هدما حائطا بينهما فأبى أحدهما عن بنائه يجبر، ولو انهدم لا يجبر، ولكنه يبني الآخر فيمنعه حتى يأخذ نصف ما أنفق بأمر القاضي ونصف قيمة البناء لو أنفق بلا أمر القاضي ا ه. ونقل هذا الحكم فشرح الوهبانية عن الذخيرة في مسألة انهدام السفل وقال: إنه الصحيح المختار للفتوى، فعلم أن هذا فيما لا يجبر عليه كالحائط والسفل، أما ما يجبر عليه مثل ما لا يقسم ولا بد فيه عند الامتناع من إذن القاضي كما علمت، خلافا لما سيأتي عن الأشباه. وبه يظهر لك ما في قسمة الخيرية، حيث سئل في عقار لا يقبل القسمة كالطاحون والحمام، إذا احتاج إلى مرمة وأنفق أحد الشريكين من ماله، أجاب: لا يكون متبرعا ويرجع بقيمة البناء بقدر حصته كما حققه في جامع الفصولين، وجعل الفتوى عليه في الولوالجية، قال في جامع الفصولين معزيا إلى فتاوى الفضلي: طاحونة لهما أنفق أحدهما في مرمتها بلا إذن الآخر لم يكن متبرعا، إذ لا يتوصل إلى الانتفاع بنصيبه إلا به ا ه. فراجع كتب المذهب، فإن في هذه المسألة وقع تحير واضطراب في كلام الأصحاب ا ه ملخصا. قلت: ما نقله في جامع الفصولين عن الفضلي قال عقبه أقول: ينبغي أن يكون على تفصيل قدمته ا ه. قلت: أراد بالتفصيل ما مر من إناطة الرجوع وعدمه على الجبر وعدمه. وحاصله أنه لم يرض بما في فتاوى الفضلي، لان الشريك في الطاحون يجبر لكونها مما لا يقسم فلا يرجع المعمر بلا إذنه وبلا أمر القاضي. ويمكن تأويل كلام الفضلي بحمله على ما إذا أنفق بأمر القاضي أو هو قول آخر كما يأتي. وأما ما في الولوالجية فقد ذكره في مسألة السفل، وهو ما قدمناه آنفا عن شرح الوهبانية عن الذخيرة بعينه، وهذه المسألة لا يجبر فيها الشريك فيرجع عليه المعمر وإن عملا بلا إذنه كما علمت ولا تقاس عليها مسألة الطاحون. مطلب في الحائط إذا خرب وطلب أحد الشريكين قسمته أو تعميره والذي تحصل (1) في هذا المحل أن الشريك إذا لم يضطر إلى العمارة مع شريكه بأن أمكنه القسمة فأنفق بلا إذنه فهو متبرع، وإن اضطر وكان الشريك يجبر على العمل معه فلا بد من إذنه أو
(1) قوله: (والذي تحصل الخ) قد نظمت هذا الحاصل لتسهيل حفظه فقلت: وان يعمر الشريك المشترك * بدون اذن للرجوع ما ملك ان لم يكن لذاك مضطرا بان * أمكنه قسمة ذلك السكن أما إذا اضطر لذا وكان من * أنى على التعمير يجبر فان فباذنه أو اذن قاض يرجع * وفعله بدون ذا تبرع ثم إذا اضطر ولا جبركما * في السفل والجدار يرجع بما أنفقه ان كان بالاذن بنى * لذا والا فبقيمة البنا ا ه منه. 527 أمر القاضي فيرجع بما أنفق، وإلا فهو فمتبرع إن اضطر وكان شريكه لا يجبر، فإنه أنفق بإذنه أو بأمر القاضي رجع بما أنفق أو لا فبالقيمة، فاغتنم تحرير هذا المقام الذي هو مزلة أقدام الافهام. قوله: (وصي وناظر) قال في وصايا الخانية: جدار بين دار صغيرين عليه حمولة يخاف عليه السقوط ولكل صغير وصي فطلب أحد الوصيين مرمة الجدار وأبى الآخر، وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل: يبعث القاضي أمينا ينظر فيه إن علم أن في تركه ضررا عليهما أجبر الآبي أن يبني مع صاحبه وليس هذا كإباء أحد المالكين، لان ثمة الآبي رضي بدخول الضرر عليه فلا يجبر، أما هنا الوصي أراد إدخال الضرر على الصغير فيجبر أن يرم مع صاحبه ا ه. قلت: ويجب أن يكون الوقف كمال اليتيم، فإذا كانت الدار مشتركة بين وقفين واحتاجت إلى المرمة فأرادها أحد الناظرين وأبى الآخر يجبر على التعمير من مال الوقف، وقد صارت حادثة الفتوى، كذا في متفرقات قضاء البحر ح. قلت: بقي لو كانت الشركة بين بالغ ويتيم، وينبغي أنه لو كان الضرر على البالغ لا يجبر وصي اليتيم بخلاف العكس، وكذا لو بين يتيمين والضرر على أحدهما، بأن كانت حمولة الجدار له فينبغي أن يجبر وصي المتضرر لو امتنع، وكذا يقال في الواقف مع الملك. تأمل. قوله: (وضرورة تعذر قسمة) الإضافة للبيان ط. قوله: (ككرى نهر) أي تعديله. قوله: (فإن كان الحائط يحتمل القسمة) أي يحتمل أساسه القسمة، بأن كان عريضا. وفي المسألة تفصيل، لأنه إما أن يكون عليه حمولة أو لا، ففي الثاني إن طلب أحدهما القسمة وأبى الآخر فقيل: لا يجبر مطلقا، وقيل: يجبر لو عرصته عريضة، وبه يفتى. وإن طلب أحدهما البناء لا القسمة: فلو عريضة لا يجبر الآبي، ولو غير عريضة: قبل: لا يجبر أيضا، وقيل: يجبر وهو الأشبه، وإن بنى أحدهما قيل: لا يرجع لو عريضة لأنه غير مضطر فيه وفي الأول، وهو هو ما إذا كان عليه حمولة، فإما أن تكون الحمولة لهما أو لأحدهما، فإن كانت لهما فإن طلب أحدهما قسمة عرصة الحائط لا يجبر الآخر ولو عريضة، إذ لكل منهما حق في كامل العرصة وهو وضع الجذوع على جميع الحائط. وإن طلب أحدهما البناء: قيل: لا يجبر الآبي لو عريضة، وقيل: مطلقا، وقيل: يجبر مطلقا، وبه يفتى، إذ في عدم الجبر تعطيل حق شريكه، وهو وضع الجذوع على جميع الحائط، ولو بنى بلا إذن، قيل: لو عريضة لا يرجع وقيل: يرجع، وهو الصحيح لأنه مضطر، كما لو كانت غير عريضة، لكن مر أن الفتوى على أن شريكه يجبر على البناء ولا اضطرار فيما يجبر عليه كما مر تحقيقه، فينبغي أن يفتى بأنه متبرع، وإن كانت الحمولة لأحدهما وطلب صاحبها القسمة يجبر الآبي لو عريضة، وهو الصحيح وبه يفتى، ولو أراد ذو الحمولة البناء وأبى الآخر فالصحيح أنه يجبر، ولو بنى فالصحيح أنه يرجع لما مر أنه مضطر، ولو
528 بناه الآخر والعرصة عريضة فهو متبرع، ثم في كل موضع لم يكن الباني متبرعا كان له منع صاحبه من الانتفاع إلى أن يرد عليه ما أنفق أو قيمة البناء على ما مر، فلو قال صاحبه: أنا لا أتمتع بالمبنى، قيل: لا يرجع الباني، وقيل: يرجع اه. جامع الفصولين ملخصا. قوله: (وإلا أجبر) أي وإن لم يحتمل القسمة أجبر الآبي على البناء وهو الأشبه كما مر. قوله: (كحمام الخ) أي إذا احتاج إلى مرمة أو قدر أو نحوه، بخلاف ما إذا خرب وصار صحراء، لأنه يمكن قسمته كما في جامع الفصولين. قوله: (بلا إذن شريكه) أي في الأرض بأن كانت مشتركة بينهما نصفين. قوله: (لم يجز) لأنه بيع معنى فلا يصح في معدوم. قوله: (وإن أراد) عن غير الزارع. قوله: (يقاسمه) أي يقاسمه الأرض المشتركة بينهما. قوله: (فيقلعه) أي يقلع الزرع من نصيبه من الأرض. ونظير هذا ما قالوا فيما لو بنى في دار مشتركة وطلب الآخر رفع البناء فإنه يقاسمه الدار ويأمره بهدم ما خرج من البناء في حصته. قوله: (ويضمن الزارع نقصان الأرض بالقلع) أي نقصان نصف الأرض لو انتقصت لأنه غاصب في نصيب شريكه. شرح الملتقى. قوله: (والصواب نقصان الزرع) هذا من عند الشارح، لأنه عبارة المجتبى انتهت عند قوله: نقصان الأرض بالقلع كما وجدته في نسخة معتمدة من نسخ المجتبى، ولا وجه لتصويب الشارح، فإن نقصان الزرع بإرادة مالكه على الخصوص. أما نقصان الأرض بالقلع فمضر للشريك لكونها ملكهما، فإن القسمة وقعت على الزرع فقط لا على الأرض أيضا، وهذا ما ظهر لي، فتأمل ا ه ح. قلت: في عبارته قلب، والصواب أن يقول: فإن القسمة وقعت على الأرض فقط لا على الزرع أيضا. على أن ما فهمه من كلام الشارح غير متعين، ويبعد من هذا الشارح الفاضل أن يفهم هذا الفهم العاطل، بل مراده أن الصواب أن يقول: ويضمن الزارع نقصان الأرض بالزرع، لكنه اختصر العبارة فقال: نقصان الزرع من إضافة المصدر إلى فاعله: أي ما نقصها الزرع. ووجه التصويب أن الأرض ينقصها الزرع لا القلع لأنها تحرث لأجل الزرع، فإذا زرعت ونبت الزرع تحتاج إلى حرث آخر، بل بعض أنواع الزرع يعطل الأرض بحيث لا يمكن زراعتها حتى تترك عامين أو أكثر. أما نفس القلع فليس ضرر الأرض منه، فافهم. قوله: (وإلا بنى ثم أجره ليرجع) أي آجره بإذن القاضي ليأخذ ما أنفقه من الأجرة، وهذا أحد قولين، والثاني أن القاضي يأذن له بالانفاق ثم يمنع صاحبه من الانتفاع به حتى يؤدي حصته، وقدمنا عن شرح الوهبانية للشرنبلالي أن الفتوى على هذا القول، وعبارة الأشباه كما ذكره الشارح في آخر القسمة: وإلا بنى ثم آجره ليرجع بما أنفق لو بأمر قاض وإلا فبقيمته البناء وقت البناء ا ه. وقدمنا أن هذا التفصيل فيما لا يجبر فيه الشريك. قوله: (باع شريك الخ) أي شركة الملك، وهذه المسألة تقدمت متنا أول الباب عند قوله: وكل أجنبي في
529 مال صاحبه الخ قوله: (وهلكا) أي الفرس والألف فيه للاطلاق، والمراد أنه هلك بيد المشتري. قوله: (وكان ذا) أي البيع المقرون بالتسليم، إذ البيع وحده لا يوجب الضمان لعدم تحقق الغصب به كما ذكروه في كتاب الغصب، وفي البزازية قال: بعت الوديعة وقبضت ثمنها لا يضمن ما لم يقل دفعتها إلى المشتري. قوله: (فإن يشاؤوا الخ) أي الشركاء، وفي الحامدية عن فتاوى قارئ الهداية والمنح: لهما دابة فباع أحدهما نصيبه وسلمها إلى المشتري بغير إذن شريكه فهلكت عند المشتري فالشريك يخير بين أن يضمن شريكه أو المشتري، فإن ضمن الشريك جاز بيعه فنصف الثمن له، وإن ضمن المشتري رجع بنصف الثمن على بائع والبائع لا يرجع بما ضمن على أحد كما هو حكم الغاصب ا ه. وبه علم أن مبنى الضمان هو التسليم إلى المشتري بدون إذن الشركاء لا مجرد البيع كما قلنا، فافهم. ووجه الخيار هو أن البائع كالغاصب والمشتري كغاصب الغاصب. قوله: (وإن يكن كل شريك آجر الخ) هذه المسألة سئل عنها الامام الفضلي وأجاب فيها بعدم الرجوع. ثم قال: يحتمل أن يقال المستأجر يقوم مقام مؤجره فيما أنفق فيرجع على مؤجره، وهو: أي مؤجره على شريكه. ويحتمل أن يقال: المستأجر إنما رجع على مؤجره بالامر، وأمره إنما يجوز على نفسه لا على غيره، فالمستأجر متبرع في نصيب شريكه فلا يرجع على أحد ا ه. وناقشه في جامع الفصولين بقوله: أقول: لو رم المؤجر بنفسه، فلو كان له الرجوع على شريكه ينبغي أن يرجع المستأجر على مؤجره وهو على شريكه لصحة الامر إذا أمر فيما له فعله فكأنه رم بنفسه، فلا معنى لقوله: وأمره إنما يجوز على نفسه لا على غيره، ولو لم يكن له الرجوع إذا رم بنفسه لم يجز أمره على حق شريكه فلا رجوع، فلا يفيد قوله: يقوم مقام مؤجره. فالحاصل أن أحد الاحتمالين باطل، إلا أن يكون قولان في رجوع المؤجر لو رم بنفسه. والظاهر أن فيه قولين على ما يظهر مما تقدم، ولو رمه المؤجر بنفسه يتأتى فيه يكون رجوعه على التفصيل ا ه. قلت: وهو كلام وجيه، لكن تقدم عن فتاوى الفضلي أنه لو أنفق في مرمة الطاحون لمك يكن متبرعا: أي بناء على أن الآبي لا يجبر، وهو مخالف للضابط المتقدم كما قدمنا تحريره، فالظاهر أن كلام الفضلي هنا مبني على ما ذكره في فتاواه فيرجع لو رم بنفسه أو رم مأمورة وهو المستأجر، لأنه أمر بما يملك فعله فيرجع المستأجر عليه وهو يرجع على شريكه، أما عدم رجوع المستأجر على شريك المؤجر فظاهر لأنه أجنبي عنه. وقد كتب الشرح هنا على الهامش عند قوله: فلا رجوع صاح للمستأجر الخ ما نصه: قلت: ظاهره أنه يرجع على الآذان. بقي بم يرجع بكله أو بحصته فليراجع ا ه. قلت: صريح عبارة الفضلي المارة أنه يرجع على الآذان وهو المؤجر، وأنه يرجع بالكل على الاحتمال الأول وبحصة المؤجر فقط على الاحتمال الثاني لأنه جعله متبرعا في نصيب الشريك،
530 وإذا قلنا بأنه يثبت للشريك الرجوع فالظاهر أن مأموره يرجع عليه بالكل، أما على مقتضى الضابط المار فلا رجوع للشريك ويرجع المأمور عليه بحصته فقط، والله تعالى أعلم. قوله: (لو واحد من الشريكين سكن الخ) قدمنا الكلام على هذه المسألة أول الباب قبيل شركة العقد. قوله: (بأجرة السكنى) أي ولو معدا للاستغلال لأنه سكن بتأويل ملك فلا أجر عليه، نعم لو كان وقفا أو مال يتيم يلزمه أجر شريكه على ما اختاره المتأخرون، وهو المعتمد كما سيأتي في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى. قوله: (لكنه الخ) هذا في غير الوقف، لان الوقف لا تجري فيه القسمة ولا المهايأة، كما يأتي والله سبحانه وتعالى أعلم.
531 كتاب الوقف هو مصدر وقفت أقف: حبست ومنه الموقف لحبس الناس فيه للحساب وأوقفت لغة رديئة حتى ادعى المازني أنها لم تعرف من كلام العرب. قال الجوهري: وليس في الكلام أوقفت إلا حرفا واحدا أوقفت على الأمر الذي كنت عليه ثم اشتهر في الموقوف فقيل هذه الدار وقف ولذا جمع على أوقاف وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمت وإنما حبس أهل الإسلام وفي وقف المنية الرباط أفضل من العتق نهر قوله إدخال غيره معه في ماله) هذا في الشركة ظاهر وأما في الوقف فلا يتم إلا إذا وقف على نفسه وغيره وما في النهر أوضح حيث قال مناسبته بالشركة باعتبار أن المقصود بكل منهما الانتفاع بما يزيد على أصل المال إلا أنه في الشركة على ملك صاحبه وفي الوقف يخرج عنه عند الأكثر ا ه ح قوله: (على حكم ملك الواقف) قدر لفظ حكم تبعا للإسعاف والشرنبلالية ليكون تعريفا للوقف اللازم المتفق عليه. أما غير اللازم فإنه باق على ملك الواقف حقيقة عنده ولذا قال القهستاني وشرعا عنده حبس العين ومنع الرقبة المملوكة بالقول عن تصرف الغير حال كونها مقتصرة على ملك الوقف فالرقبة باقية على ملكه في حياته وملك لورثته بعد وفاته بحيث يباع ويوهب ثم قال ويشكل بالمسجد فإنه حبس على ملك الله تعالى بالإجماع اللهم إلا أن يقال إنه تعريف للوقت المختلف فيه اه. والحاصل أن المصنف عرف الوقف المختلف والشارح قدر الحكم اختيار اللازم المتفق عليه ولكل جهة هو موليها لكن جهة الشارح أرجح من حيث إن المصنف قال هو حبس العين وذلك لا يناسب تعريف غير اللازم إذ لا حبس فيه لأنه غير ممنوع عن بيعه ونحوه بخلاف اللازم فإنه محبوس حقيقة وكثيرا ما تخفى رموز هذا الشرح الفاضل على الناظرين خصوصا من هو مولع بالاعتراض عليه فافهم. مطلب لو وقف على الأغنياء وحدهم لم يجز قوله: (ولو في الجملة) فيدخل فيه الوقف على نفسه ثم على الفقراء وكذا الوقف على الأغنياء ثم الفقراء لما في النهر عن المحيط لو وقف على الأغنياء وحدهم لم يجز لأنه ليس بقربة أما لو جعل آخره للفقراء فإنه يكون قربة في الجملة اه. وبهذا التعميم صار التعريف جامعا واستغنى عما زاده فيه الكمال وتبعه ابن كمال من قوله أو صرف منفعتها إلى من أحب وقال إن الوقف يصح لمن يحب من الأغنياء بلا قصد القربة وهو وإن كان لا بد في آخره من القربة بشرط التأبيد كالفقراء ومصالح المسجد لكنه يكون وقفا قبل انقراض الأغنياء بلا تصدق اه. أفاده في النهر وأجاب في البحر أيضا بأنه قد يقال إن الوقف على الغني تصدق بالمنفعة لأن الصدقة تكون على الأغنياء أيضا وإن كانت مجازا عن الهبة عند بعضهم وصرح في الذخيرة بأن في التصدق على الغني نوع قربة دون قربة الفقير اه.
532 واعترضه ح بأن هذا النوع من القربة لو كفى في الوقف لصح الوقف على الأغنياء من غير أن يجعل آخره للفقراء وعلمت تصريح المحيط بأنه لا يصح وسيأتي قبيل الفصل قلت: والجواب الصحيح أن الوقف تصدق ابتداء وانتهاء إذ لا بد من التصريح بالتصدق على وجه التأبيد أو ما يقوم مقامه كما يأتي تحقيقه ولكنه إذا جعل أوله على معنيين صار كأنه استثنى ذلك من الدفع إلى الفقراء كما صرحوا به ولذا لو وقف على بنيه ثم على الفقراء ولم يوجد إلا ابن واحد يعطى النصف والنصف الباقي للفقراء لأن ما بطل من الوقف على الابن صار للفقراء لأن الوقف خرج عن ملك الواقف بقوله صدقة موقوفة أبدا فقد ابتدأه بالصدقة وختمه بها كما قاله الخصاف فعلم أنه صدقة ابتداء ولا يخرجه عن ذلك اشتراط صرفه لمعين قوله والأصح أنه عنده جائز الخ) قال في الإسعاف وهو جائز عند علمائنا أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله تعالى. وذكر في الأصل: كان أبو حنيفة لا يجيز الوقف فأخذ بعض الناس بظاهر هذا اللفظ وقال لا يجوز الوقف عنده والصحيح أنه جائز عند الكل وإنما الخلاف بينهم في اللزوم وعدمه فعنده يجوز جواز ولو رجع عنه حال حياته جاز مع الكراهة ويورث عنه ولا يلزم إلا بأحد أمرين إما أن يحكم به القاضي أو يخرجه مخرج الوصية وعندهما يلزم بدون ذلك وهو قول عامة العلماء وهو الصحيح ثم إن أبا يوسف يقول يصير وقفا بمجرد القول لأنه بمنزلة الإعتاق عنده وعليه الفتوى وقال محمد لا إلا بأربعة شروط ستأتي اه. ملخصا وبحث في الفتح بأنه إذا لم يزل ملكه عنده قبل الحكم فلفظ حبس لا معنى له لأن التصرف فيه متى شاء فلم يحدث الوقف إلا مشيئة التصدق بالمنفعة وله أن يترك ذلك متى شاء وهذا القدر كان ثابتا قبل الوقف فلم يفد لفظ الوقف شيئا وحينئذ فقول من أخد بظاهر ما في الأصل صحيح ونظر فيه في البحر بأن سلب الفائدة مطلقا غير صحيح لأنه يصح الحكم ويحل للفقير أن يأكل منه ويثاب الواقف به ويتبع شرطه ويصح نصب المتولي عليه وقوله من أخذ بظاهر اللفظ غير صحيح لأن ظاهره عدم الصحة أصلا ولم يقل به أحد وإلا لزم أن لا يصح الحكم به اه. قلت:: بل ذكر في الإسعاف أنه عنده يكون نذرا بالتصدق حيث قال وحكمه ما ذكر في تعريفه فلو قال أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة جاز لازما عند العلماء وعند أبي حنيفة يكون نذرا بالصدقة بغلة الأرض يبقي ملكه على حاله فإذا مات يورث عنه ا ه أي فيجب عليه التصدق بغلته قوله على حكم ملك الله تعالى) قدر لفظ حكم ليفيد أن المراد أنه لم يبق على ملك الواقف ولا انتقل إلى ملك غيره بل صار على حكم ملك الله تعالى الذي لا ملك فيه لأحد سواه وإلا فالكل ملك الله تعالى واستحسن في الفتح قول مالك رحمه الله أنه حبس العين على ملك الواقف فلا يزول عنه ملكه لكن لا يباع ولا يورث ولا يوهب مثل أم الولد والمدير وحققه بما لا مزيد عليه قلت: والظاهر أن هذا مراد شمس الأئمة السرخسي حيث عرفه بأنه حبس المملوك عن التمليك من الغير فإن الحبس يفيد أنه باق على ملكه كما كان وأنه لا يباع ولا يوهب. قوله:
533 (وصرف منفعتها على من أحب) عبر به بدل قوله والتصدق بالمنفعة لأنه أعم وإلى التعميم أشار بقوله: " ولو غنيا " أفاده ح لكن علمت أن الوقف على الأغنياء وحدهم لا يجوز فالمناسب التعبير بالتصدق بالمنفعة لا أن يراد صرف منفعتها على وجه التصدق قوله فيلزم) تفريع على ما أفاده التعريف من خروج العين عن ملك الواقف لثبوت التلازم بين اللزوم والخروج عن ملكه باتفاق أئمتنا الثلاثة كما قوله: (وعليه الفتوى) أي على قولهما يلزمه قال في الفتح والحق ترجح ذكره في الفتح قول عامة العلماء بلزومه لأن الأحاديث والآثار متظافرة على ذلك واستمر عمل الصحابة والتابعين ومن بعدهم على ذلك فلذا ترجح خلاف قوله اه ملخصا قوله ببر الأحباب) أي من يحب برهم ونفعهم من قريب أو فقير أجنبي قوله يعني بالنية) قيد للثواب إذ لا ثواب إلا بالنية قوله من أهلها) وهو المسلم العاقل وأما البلوغ فليس بشرط لصحة النية والثواب بها بل هو شرط هنا لصحة التبرع قوله لأنه مباح الخ) يعني قد يكون مباحا كما عبر في البحر المراد أنه ليس موضوعا للتعبد به كالصلاة والحج بحيث لا يصح من الكافر أصلا بل التقرب به موقوف على نية القربة فهو بدونها مباح حتى يصح من الكافر كالعتق والنكاح لكن العتق أنفذ منه حتى صح مع كونه حراما كالعتق للصنم بخلاف الوقف فإنه لا بد فيه من أن يكون في صورة القربة وهو معنى ما يأتي في قوله ويشترط أن يكون قربة في ذاته إذ لو اشترط كونه قربة حقيقة لم يصح من الكافر هذا ما ظهر لي فتأمل قوله فيتصدق بها أو بثمنها) خلط الشارح مسألة النذر بالوقف بمسألة ما لو كانت صيغة الوقف نذرا مع أن حكمهما مختلف فأما النذر به فقال في البحر والثالث المنذور كما لو قال إن قدم ولدي فعلي أن أقف هذه الدار على ابن السبيل فقدم فهو نذر يجب الوفاء به فإن وقفه على ولده وغيره ممن لا يجوز دفع زكاته إليهم جاز في الحكم ونذره باق وإن وقفه على غيرهم سقط وإنما صح النذر لأن من جنسه واجبا فإنه يجب أن يتخذ الإمام للمسلمين مسجدا من بيت المال أو من مالهم إن لم يكن لهم بيت مال كذا في فتح القدير وأما مسألة ما لو كانت صيغة الوقف نذرا فقال في البحر قبل هذا التاسع لو قال هي للسبيل إن تعارفوه وقفا مؤبدا للفقراء كان كذلك وإلا سئل فإن قال أردت الوقف صار وقفا لأنه محتمل لفظه أو قال أردت معنى صدقة فهو نذر فيتصدق بها أو بثمنها وإن لم ينو كانت ميراثا ذكره في النوازل اه. ح قلت: صيغة النذر بالوقف التي ذكرها في البحر غير متعينة فليكن الشارح أشار إلى صيغة غيرها تشمل المسألتين كأن قال إن قدم ولدي فعلي أن أجعل هذه الدار للسبيل وحينئذ فإن أراد بالسبيل الصدقة كانت كذلك وقد ذكر حكمها بقوله فيتصدق بها أو بثمنها وإن أراد الوقف أو كان متعارفا كانت وقفا وقد أفاد حكمها بقوله ولو وقفها الخ ودقة نظر الشارح وإيجازه في التعبير يفوق ذلك كما لا يخفى على من مارس كتابه فافهم قوله جاز في الحكم) أي صح الوقف في حكم الشرع لصدوره من أهله في محله وصح تعيينه الموقوف عليه لكنه لا يسقط به النذر لأن الصدقة الواجبة لا بد أن تكون لله تعالى على الخلوص وصرفها إلى من لا تجوز شهادته له فيه نفع
534 له فلم تخلص لله تعالى كما لو صرف إليه الكفارة أو الزكاة وقعت صدقة وبقيت في ذمته قوله (وبهذا) أي بما ذكر من أنه يكون قربة بالنية ومباحا بدونها وواجبا بالنذر قوله: (وحكمه) أي الأثر المترتب عليه قوله: (ما مر في تعريفه) أي من أنه تصدق بالمنفعة قوله (ومحله المال المتقوم) أي بشرط أن يكون عقارا أو منقولا فيه تعامل كما سيأتي بيانه ثم رأيت هذا مسطورا في الإسعاف مطلب قد يثبت الوقف بالضرورة قوله: (وركنه الألفاظ الخاصة) وهي ستة وعشرون لفظا على ما بسطه في البحر ومنها ما في الفتح حيث قال فرع يثبت الوقف بالضرورة وصورته أن يوصي بغلة هذه الدار للمساكين أبدا أو لفلان وبعده للمساكين أبدا فإن الدار تصير وقفا بالضرورة والوجه أنها كقوله إذ مت فقد وقفت داري على كذا اه. أي فهو من المعلق بالموت وسيأتي الكلام عليه وأنه كوصية من الثلث وذكر في البحر منها لو قال اشتروا من غلة داري هذه كل شهر بعشرة دراهم خبزا وفرقوه على المساكين صارت الدار وقفا اه. وعزاه للذخيرة وبسط الكلام عليه في أنفع الوسائل وقال لا أعلم في المسألة خلافا بين الأصحاب. قلت: ومقتضاه أن الدار كلها تصير وقفا من ثلث ماله ويصرف منها الخبز إلى ما عينه الواقف والباقي إلى الفقراء لأنهم مصرف الوقف في الأصل ما لم ينص على غيرهم ونظيره ما قدمناه لو وقف على أولاده وليس له إلا ولد واحد فله النصف والباقي للفقراء وقد سألت عن نظير هذه المسألة في رجل أوصى بأن يؤخذ من غلة داره كل سنة كذا دراهم يشتري بها زيت لمسجد كذا ثم باع الورثة الدار وشرطوا عل المشتري دفع ذلك المبلغ في كل سنة للمسجد فأفتيت بعدم صحة البيع وبأنها صارت وقفا حيث كانت تخرج من الثلث قوله: (واكتفى أبو يوسف بلفظ موقوفة الخ) أي بدون ذكر تأبيد أو ما يدل عليه كلفظ صدقة أو لفظ المساكين ونحوه كالمسجد وهذا إذا لم يكن وقفا على معين كزيد أو أولاد فلان فإنه لا يصح بلفظ موقوفة لمنافاة التعيين للتأبيد ولذا فرق بين موقوفة وبين موقوفة على زيد حيث أجار الأول دون الثاني نعم تعيين المسجد لا يضر لأنه مؤبد وسيأتي تمامه قال في البحر لا يصح أي موقوفة فقط إلا عند أبي يوسف فإنه يجعلها بمجرد هذا اللفظ موقوفة على الفقراء وإذا كان مفيدا لخصوص المصرف أعني الفقراء لزم كونه مؤبدا لأن جهة الفقراء لا تنقطع قال الصدر الشهيد ومشايخ بلخ يفتون بقول أبي يوسف ونحن نفتي به أيضا لمكان العرف لأن العرف إذا كان يصرفه إلى الفقراء كان كالتنصيص عليهم اه. قلت وهذا بناء على أن ذكر التأبيد أو ما يدل عليه غير شرط عنده كما سيأتي بيانه قوله (وشرطه شرط سائر التبرعات) أفاد أن الواقف لا بد أن يكون مالكه وقت الوقف ملكا باتا ولو بسبب فاسد وأن لا محجورا عن التصرف حتى لو وقف الغاصب المغصوب لم يصح وإن ملكه
535 بعد بشراء أو صلح ولو أجاز المالك وقف فضولي جاز وصح وقف ما شراه فاسدا بعد القبض وعليه القيمة للبائع وكالشراء الهبة الفاسدة بعد القبض بخلاف ما لو اشتراه بخيار البائع فوقفها وإن أجاز البائع بعده وينقض وقف استحق بملك أو شفعة وإن جعله مسجدا ووقف مريض أحاط دينه بماله بخلاف صحيح وسيأتي تمامه مع حكم وقف المرهون قبيل الفصل وكذا وقف محجور لسفه أو دين كذا أطلقه الخصاف قال في الفتح وينبغي أنه إذا وقفها المحجور لسفه على نفسه ثم على جهة لا تنقطع أن يصح على قول أبي يوسف وهو الصحيح عند المحققين وعند الكل إذا حكم به الحاكم اه. قال في البحر وهو مدفوع بأن الوقف تبرع وهو ليس من أهله وفي النهر يمكن أن يجاب بأن الممنوع التبرع على غيره لا على نفسه كما هنا واستحقاق الغير له إنما هو بعد موته قوله: (وإن يكون قربة في ذاته) أي بأن يكون من حيث النظر إلى ذاته وصورته قربة والمراد أن يحكم الشرع بأنه لو صدر من مسلم يكون قربة حملا على أنه قصد القربة لكنه يدخل فيه ما لو وقف الذمي على حج أو عمرة مع أنه لا يصح ولو أجرى الكلام على ظاهره لا يدخل فيه وقف الذمي على الفقراء لأنه لا قربة من الذمي ولو حمل على أن المراد ما كان قربة في اعتقاد الواقف يدخل فيه وقف الذمي على بيعة مع أنه لا يصح فتعين أن هذا شرط في وقف المسلم فقط، بخلاف الذمي لما في البحر وغيره أن شرط وقف الذمي أن يكون قربة عندنا وعندهم كالوقف على الفقراء أو على مسجد القدس بخلاف الوقف على بيعة فإنه قربة عندهم فقط أو على حج أو عمرة فإنه قربة عندنا فقط فأفاد أن هذا شرط لوقف الذمي فقط لأن وقف المسلم لا يشترط كونه قربة عندهم بل عندنا كوقفنا ولا على حج وعمرة بخلافه على بيعة فإنه غير قربة عندنا بل عندهم قوله (معلوما) حتى لو وقف شيئا من أرضه ولم يسمه لا يصح ولو بين بعد ذلك وكذا لو قال وقفت هذه الأرض أو هذه نعم لو وقف جميع حصته من هذه الأرض ولم يسم السهام جاز استحسانا ولو قال وهو ثلث جميع الدار فإذا هو النصف كان الكل وقفا كما في الخانية نهر أي كل النصف وفي البحر عن المحيط وقف أرضا فيها أشجار واستثناها لا يصح لأنه صار مستثنيا الأشجار بمواضعها فيصير الداخل تحت الوقف مجهولا قوله منجزا) مقابلة المعلق والمضاف قوله: (لا معلقا) كقوله إذا جاء غدا أو إذا جاء رأس الشهر أو إذا كلمت فلانا فأرضي هذه صدقة موقوفة أو إن شئت أو أحببت يكون الوقف باطلا لأن الوقف لا يحتمل التعليق بالخطر لكونه مما لا يحلف به كما لا يصح تعليق الهبة بخلاف النذر لأنه يحتمله ويحلف به فلو قال إن كلمت فلانا إذا قدم أو إن برئت من مرضي هذا فأرضي صدقة موقوفة يلزمه التصدق بعينها إذا وجد الشرط لأن هذا بمنزلة النذر واليمين إسعاف قوله: (إلا بكائن) أو موجود للحال فلا ينافي عدم صحته معلقا بالموت قال في الإسعاف ولو قال إن كانت هذه الأرض في ملكي فهو صدقة موقوفة فإن كانت في ملكه وقت التكلم صح الوقف وإلا فلا لأن التعليق بالشرط الكائن تنجيز قوله: (ولا مضافا) يعني إلى ما بعد الموت فقد نقل في البحر أن محمدا نص في السير الكبير أنه إذا أضيف إلى ما بعد الموت يكون باطلا عند أبي حنيفة اه. نعم سيأتي في الشرح أنه يكون وصية لازمة من الثلث بالموت لا قبله أما لو قال داري صدقة موقوفة غدا فإنه صحيح كما جزم به في جامع الفصولين وأقره في البحر والنهر وسيذكره المصنف قبيل باب الصرف فمراد الشارح بالمضاف الأول فلا غلط
536 في كلامه فافهم قوله: (ولا مؤقتا) كما إذا وقف داره يوما أو شهرا قاله الخصاف وفصل هلال بين أن يشترط رجوعها إليه بعد الوقت فيبطل وإلا فلا وظاهر الخانية اعتماده بحر نهر ويأتي تمامه عند قول المصنف وإذا وقت بطل قوله: (ولا بخيار شرط) معلوما كان أو مجهولا عند محمد وصححه هلال إسعاف وفي ط عن الهندية وصح اشتراطه ثلاثة أيام عند الثاني ومحل الخلاف في غير وقف المسجد حتى لو اتخذ مسجدا على أنه بالخيار جاز والشرط باطل اه. قوله (ولا ذكر معه اشتراط بيعه الخ) في الخصاف لو قال على أن لي إخراجها من الوقف إلى غيره أو على أن أهبها أو أتصدق بثمنها أو على أن أهبها لمن شئت أو على أن أرهنها متى بدا لي وأخرجها عن الوقف بطل الوقف ثم ذكر أن هذا في غير المسجد أما المسجد لو اشترط إبطاله أو بيعه صح وبطل الشرط. قلت: ولو اشترط في الوقف استبداله صح وسيأتي بيانه. تتمة: لا يشترط قبول الموقوف عليه لو غير معين كالفقراء فلو لشخص بعينه وآخره للفقراء اشترط قبوله في حقه فإن قبله فالغلة له وإن رده فللفقراء ومن قبل ليس له الرد بعده ومن رده أول الأمر ليس له القبول بعده وتمام الفروع في الإسعاف والبحر ولا يشترط أيضا وجود الموقوف عليه حين الوقف حتى لو وقف على مسجد هيأ مكانه قبل أن يبنيه فالصحيح الجواز كما سيأتي ولا تحديد العقار بل الشرط كونه معلوما خلافا لما يوهمه كلام القنية والفتح نعم هو شرط الشهادة وسنذكر تمامه عند قوله ولو وقف العقار ببقرة قوله بطل وقفه) هو المختار جامع الفصولين وغيره. مطلب في وقف المرتد والكافر قوله: (فقتل أو مات) أما إن أسلم صح كما في البحر قوله: (أو ارتد المسلم بطل وقفه) ويصير ميراثا سواء قتل على ردته أو مات أو عاد إلى الإسلام إلا إن عاد الوقف بعد عوده إلى الإسلام ويصح وقف المرتدة لأنها لا تقتل بحر وفي هذه المسألة الاغتفار في الابتداء لا في البقاء عكس القاعدة فإن الردة المقارنة للوقف لا تبطله بل يتوقف بخلاف الطارئة فإنه تبطله بتا اه ط. وسيأتي تمام الكلام على ذلك قبيل الفصل الآتي قوله: (ولا يصح وقف مسلم أو ذمي على بيعة) أما في المسلم فلعدم كونه قربة في ذاته وأما في الذمي فلعدم كونه قربة عندنا وعنده كما مر أفاده ح. لكن هذا إذا لم يجعل آخره للفقراء لما في لفتح لو وقف أي الذمي على بيعة مثلا فإذا خربت يكون للفقراء كان للفقراء ابتداء ولو لم يجعل آخره للفقراء كان ميراثا عنه نص عليه الخصاف في وقفه ولم يحك فيه خلافا اه ومثله في الإسعاف ويظهر منه أن في عبارة البحر سقطا حيث قال: ولو وقف على بيعة فإذا خربت كان للفقراء لم يصح وكان ميراثا لأنه ليس بقربة عندنا اه قلت: وينبغي أن يصح وقفا على الفقراء مطلقا على قول أبي يوسف المفتى به وهو عدم اشتراط التصريح بالتأبيد كما مر ويأتي إلا أن يجاب بأن التقييد بالبيعة ينافي التأبيد كما قدمناه قريبا فتأمل. قوله: (أو حربي) لأنا قد نهينا عن برهم ط قوله: (قيل أو مجوسي) أشار إلى أن الصحيح
537 صحة الوقف عليه ابتداء كما اختاره في القنية وفي الإسعاف لو وقف نصراني مثلا على مساكين أهل الذمة جز صرفها لمساكين اليهود والمجوس لكونهم من أهل الذمة ولو عين مساكين أهل دينه تعينوا ولو صرفها القيم إلى غيرهم ضمن وإن كان أهل الذمة ملة واحدة لتعين الوقف بمن يعينه الواقف. مطلب شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع قوله: (على المذهب) فيه رد على الطرسوسي حيث شنع على الخصاف بأنه جعل الكفر سبب الاستحقاق والإسلام سبب الحرمان قال في الفتح ولا نعلم أحدا من أهل المذهب تعقب الخصاف غيره وهذه للبعد من الفقه فإن شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع وهو مالك فله أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية وله أن يخص صنفا من الفقراء ولو كان الوضع في كلهم قربة ولا شك أن التصدق على أهل الذمة قربة حتى جاز أن يدفع إليهم صدقة الفطر والكفارات عندنا فكيف لا يعتبر شرطه في صنف دون صنف من الفقراء أرأيت لو وقف على فقراء أهل الذمة ولم يذكر غيرهم أليس يحرم منه فقراء المسلمين ولو دفع المتولي إلى المسلمين ضمن فهذا مثله والإسلام ليس سببا للحرمان بل الحرمان لعدم تحقق سبب تملكه لهذا المال وهو إعطاء الواقف المالك اه قوله: (والملك يزول) أي ملك الواقف فيصير الوقف لازما للاتفاق على التلازم بين اللزوم والخروج عن ملكه كما قدمناه عن الفتح قوله (بأربعة) هذا على قول الإمام لكن فيه أنه بالثاني والثالث لا يزول الملك فيه عند الإمام حتى كان له الرجوع عنه ما دام حيا كما سينبه عليه الشارح قوله: (بإفراز مسجد) عبر بالإفراز لأنه لو كان مشاعا لا يصح إجماعا وأفاد أنه يلزم بلا قضاء قوله: (وبقضاء القاضي) أي قضائه بلزومه كما في الفتح وعبر في موضع آخر قبله بقوله أي بخروجه عن ملكه وكل صحيح لما قدمناه عنه آنفا من التلازم بين الخروج واللزوم تنبيه: قال العلامة ابن الغرس في الفواكه البدرية قالوا: القضاء بصحة الوقف لا يكون قضاء بلزومه وتوجيهه أن الوقف جائز غير لازم عند الإمام لازم عندهما فإذا قضى القاضي بصحته احتمل أن يكون قضى بذلك على مذهبه ولا معنى للجواز هاهنا إلا الصحة ولا يلزمها اللزوم فيحتاج في لزوم الوقف إلى التصريح بذلك وفيه نظر وجهه أن الإمام لم يقل بكون الوقف جائزا غير لازم مطلقا بل هو عنده لازم إذا علقه الواقف بالموت أو قضى به القاضي ولا شك أن القضاء بصحة الوقف قضاء بالوقف فيكون القضاء بصحته مقتضيا للزومه فلا يحتاج إلى التصريح باللزوم وفي القضاء به فليتأمل اه كلام ابن الغرس. وحاصله: أن القضاء بصحته كالقضاء بلزومه أو بخروجه عن ملكه وفيه نظر لأنهم اتفقوا على صحة الوقف بمجرد القول وإنما الخلاف في اللزوم فالإمام لا يقول به وقد تقرر أن كل مجتهد فيه إذا حكم به حاكم يراه نفذ حكمه وصار مجمعا عليه فليس لحاكم غيره نقضه والوقف من هذا القبيل فإذا حكم بلزومه حاكم يراه لزم اتفاقا وارتفع الخلاف أما لو حكم بأصل الصحة فلا لأنها ليست محل الخلاف ولا نسلم أنها تستلزم اللزوم وإلا لم يكن خلاف فيه مع أنه ثابت فقولهم يلزم عند الإمام بالقضاء معناه بالقضاء بلزومه أو بخروجه عن ملكه كما مر أما لو حكم بالصحة بأن
538 وقع النزاع فيها فقط بأن ادعى عبده تعليق عتقه على وقفه أرضه فأنكر المولى صحة الوقف لكونه علقه بشرط مثلا فأثبت العبد أنه علقه بكائن فحكم الحاكم بصحته فهو صحيح ولا يستلزم اللزوم لأنه ليس محل النزاع هذا ما يظهر للفكر الفاتر فتدبره قوله: (لأنه مجتهد فيه) أي أنه يسوغ فيه الاجتهاد والاختلاف بين الأئمة فيكون الحكم فيه رافعا للخلاف كما قلنا وهذا تعليل لزوال الملك ولزومه عند الإمام القائل بعدم ذلك فافهم قوله: (وصورته) أي صورة قضاء القاضي بلزومه قوله: (إن يسلمه) أي يسلم الواقف وقفه بعد أن نصب له متوليا قوله: (ثم يظهر الرجوع) أي يدعي عند القاضي أنه رجع عن وقفه ويطلب رده إليه لعدم لزومه ويمتنع المتولي من رده إليه فيحكم القاضي بلزومه فيلزم عند الإمام أيضا لارتفاع الخلاف بالقضاء قوله لا المحكم) فإن الصحيح أن بحكمه لا يرتفع الخلاف وللقاضي أن يبطله بحر عن الخانية ومثله في الإسعاف خلافا لما صححه في الجوهرة. تنبيه: قال في الإسعاف: ولو كان الواقف مجتهدا يرى لزوم الوقف فأمضى رأيه فيه وعزم على زوال ملكه عنه أو مقلدا فسأل فأفتى بالجواز فقبله وعزم على ذلك لزم الوقف ولا يصح الرجوع فيه وإن تبدل رأي المجتهد وأفتى المقلد بعدم اللزوم بعد ذلك اه فهذا مما يزاد على ما يلزم به الوقف لكن قال في النهر بعد نقله له الظاهر ضعفه اه أي لمخالفته لقول المتون يزول بقضاء القاضي وأيضا فإن العبرة لرأي الحاكم فإذا رفع إليه حكم يحكم فيه برأيه لا برأي الخصم والظاهر أن ما في الإسعاف صحيح بالنسبة إلى الديانة لأن المجتهد إذا تغير رأيه لا ينقض ما أمضاه أولا وكذا المقلد في حادثة ليس له الرجوع فيها بتقليده مجتهدا آخر أما لو رفعت حادثة ذلك المجتهد أو المقلد إلى حاكم آخر فإنه يحكم برأي نفسه كما قلنا ولذا قال ولا يصح الرجوع فيه ولم يقل ولا يصح الحكم بخلافه فاغتنم هذا التحرير قوله (وسيجئ) أي في أول الفصل الآتي قوله (إن البينة تقبل بلا دعوى) أي في الوقف لأن حكمه هو التصدق بالغلة وهو حق الله تعالى وفي حقوق الله تعالى يصح القضاء بالشهادة من غير دعوى بحر عن المحيط وأشار بهذا إلى أن ما مر من تصويره بالدعوى غير لاك لكن قال الخير الرملي والكلام في الحكم الرافع للخلاف لا الحكم بثبوت أصله فإنه غير محتاج إلى الدعوى عند البعض وأما الحكم باللزوم عند دعوى عدمه فلا يرفع الخلاف إلا بعد تمام الدعوى فيه ليصير في حادثة إذ المتنازع فيه حينئذ اللزوم وعدمه فيرفع الخلاف قوله قضاء على الكافة الخ) أي لا على المقضي عليه فقط كما في دعوى الملك فإنه لو ادعى على ذي اليد أن هذا ملكه وحكم به القاضي تسمع دعوى رجل آخر على المدعي بأنه ملكه بخلاف ما إذا حكم لإنسان بالحرية ولو عارضة أو بنكاح امرأة أو بنسب أو بولاء عتاقة فإنه لا يسمع دعوى آخر عليه فإنه في هذه الأربعة قضاء على كافة الناس كما أفاده في البحر وسيجئ في باب الاستحقاق قوله ورجحه المصنف) حيث قال وينبغي أنه يفتى به ويعول عليه لما فيه من صون الوقف عن التعرض إليه بالحيل والتلابيس أبي والدعاوى المفتعلة
539 قصدا لإبطاله ولما فيه من النفع للوقف وقد صرح صاحب الحاوي القدسي بأنه يفتي بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه حتى نقضت الإجارة عند الزيادة الفاحشة نظرا للوقف وصيانة لحق الله تعالى وإبقاء للخيرات اه ط قوله (إن المعتمد الثاني) قال شيخنا حفظه الله تعالى ينبغي الإفتاء بهذا إن عرف الواقف بالحيل لأنه قد يقف عقاره غيره ويقضي القاضي بلزومه لدفع دعوى مالكه وإلا فيفتى بالأول اه وهو حسن وفيه جمع بين القولين قوله: (أو بالموت الخ) معطوف على قوله بقضاء ومقتضاه أنه يزول الملك به وهو ضعيف كما أشار إليه الشارح قال في الهداية وهذا أي زوال الملك في حكم الحاكم صحيح لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه أما في تعليقه بالموت فالصحيح أنه لا يزول ملكه إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبدا فيصير بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدا فيلزمه اه والحاصل: أنه إذا علقه بموته فالصحيح أنه وصية لازمة لكن لم يخرج عن ملكه فلا يتصور التصرف فيه ببيع ونحوه بعد موته لما يلزم من إبطال الوصية وله أن يرجع قبل موته كسائر الوصايا وإنما يلزم بعد موته بحر ومثله في الفتح. ومحصل هذا: أن المعلق بالموت لا يكون وقفا في الصحيح فلا يزول به الملك قبل الموت ولا بعده بل يكون وصية لازمة بعده حتى لا يجوز التصرف به لا قبله حتى جاز له الرجوع عنه وهذا معنى قول الشارح فالصحيح أنه كوصية الخ فإنه قصد به تحويل كلام المصنف لأن كلامه فيما يزول به الملك لا فيما يلزم ولا ينافي هذا ما قدمناه من الاتفاق على التلازم بين اللزوم والخروج عن الملك لأن ذاك في الوقف وأما المعلق بالموت فليس وقفا كما علمت فلا يلزم من لزومه وصية أن يخرج عن الملك قوله (فالصحيح أنه كوصية) قد علمت أنه تحويل لكلام المصنف لا تفريع قال في الفتح وإنما كان هذا هو الصحيح لما يلزم على مقابله من جواز تعليق الوقف والوقف لا يقبل التعليق بالشرط اه واعترضه الحموي بأنه تعليق بكائن وهو كالمنجز قلت: قدمنا أن المراد بالكائن المحقق وجوده للحال فافهم قوله ولو لوارثه الخ) أي يلزم من الثلث ولو كان وقفا على وارثه وإن ردوه أي الورثة الموقف عليهم أو وارث آخر. مطلب في وقف المريض وفي البحر عن الظهيرية امرأة وقفت منزلا في مرضها على بناتها ثم على أولادهن وأولاد أولادهن أبدا ما تناسلوا فإذا انقرضوا فللفقراء ثم ماتت في مرضها وخلفت بنتين وأختا لأب والأخت لا ترضى بما صنعت ولا مال لها سوى المنزل جاز الوقف في الثلث ولم يجز في الثلثين فيقسم الثلثان بين الورثة على قدر سهامهم ويوقف الثلث فما خرج من غلته قسم بين الورثة كلهم على قدر سهامهم ما عاشت البنتان فإذا ماتتا صرفت الغلة إلى أولادهما وأولاد أولادهما كما شرطت الواقفة لا حق للورثة في ذلك.
540 رجل وقف دارا له في مرضه على ثلاث بنات له وليس له وارث غيرهن قال الثلث من الدار وقف (1) والثلثان مطلق يصنعن بهما ما شئن قال الفقيه أبو الليث هذا إذا لم يجزن أما إذا أجزن صار الكل وقفا عليهن اه وهذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد إسعاف أي لأنه مشاع حيث وقفه على الثلاثة ولم يقسمه كما يفهم من كلام الإسعاف قوله: (لكنه يقسم) أي إذا ردوه يقسم الثلث الذي صار وقفا أي تقسم غلته كالثلثين فتصرف مصرف الثلثين على الورثة كلهم ما دام الموقوف عليه حيا أما إذا مات تقسم غلة الثلث الموقوف على من يصير له الوقف كما علمت وبقي ما لو مات بعض الموقوف عليهم فإنه ينتقل سهمه إلى ورثته ما بقي أحد من الموقوف عليه حيا كما في الإسعاف قوله: (فقول البزازية) عبارتها أرضي هذه موقوفة على ابني فلان فإن مات فعلى ولدي وولد ولدي ونسلي ولم تجز الورثة فهي إرث بين كل الورثة ما دام الابن الموقوف عليه حيا فإذا مات صار كلها للنسل اه قوله أي حكما) اعلم أن خبر المبتدأ وهو قول مدلول أي التفسيرية فكأنه قال مفسر بالإرث حكما وحكما تمييز عن الإرث المقدر. وحاصله أن المراد أنه إرث من جهة الحكم أي من حيث إنه يقسم كالإرث على الفريضة الشرعية ما دام الموقوف عليه حيا وإلا ففي الحقيقة الثلث وقف والباقي ملك قوله: (فلا خلل في عبارته) أي عبارة البزازي وهذا جواب عن قول البحر هي عبارة غير صحيحة لما مر عن الظهيرية أن الثلثين ملك والثلث وقف وأن غلة الثلث تقسم على الورثة ما دام الموقوف عليه حيا اه. قلت والظاهر أن الاعتراض على عبارة البزازي من وجهين الأول ما مر من قوله فهي إرث وجوابه ما علمت من أنها إرث حكما أي حصة الوقف فقط والثاني قوله فإذا مات صار كلها للنسل فإنه غير صحيح أيضا لأن الذي يصير للنسل هو الثلث الموقوف أما الثلثان فهما ملك للورثة حيث لم يجيزوا والذي يظهر في الجواب عن الوجهين أن الضمير في قوله فهي إرث راجع إلى غلة الثالث الموقوف وكذا ضمير قوله صار كلها للنسل أو يقال مراده ما إذا كانت الأرض كلها تخرج من الثلث فإنها حينئذ تصير كلها وقفا وحيث لم يجيزوا تقسم غلتها كالإرث ثم بعد موت الابن تصير كلها للنسل يؤيد ما قلنا ما في البزازية أيضا وقف أرضه في مرضه على بعض ورثته فإن أجاز الورثة فهو كما قالوا في الوصية لبعض ورثته وإلا فإن كانت تخرج من الثلث صارت الأرض وقفا وإلا فمقدار ما خرج من الثلث يصير وقفا ثم تقسم جميع غلة الوقف ما جاز فيه الوقف وما لم يجز على فرائض الله تعالى ما دام الموقوف عليه أو أحدهم في الإحياء فإذا انقرضوا كلهم تصرف غلة الأرض إلى الفقراء إن لم يوص الواقف إلى واحد من ورثته ولو مات أحد من
(1) قوله: (قال الثلث من الدار وقف الخ) أي لأن الوقف في المرض وصية تنفذ من الثلث فقط إلا بإجازة لكن صرحوا بأن الوصية للوارث لا تجوز ولعل مرادهم إن وجد المنازع وهو الوارث الآخر لتعلق حقه، فإن لم يوجد تجوز بلا إجازة لكن قد يقال إذا لم يوجد غيره فلم لا يجوز في الكل بل توقف جوازها في الثلثين على الإجازة؟ وقد يجاب بأن الشارع لم يجعل للموصى حقا فيما زاد على الثلث فلم تجز في الزائد وإن كانت للوارث بلا منازع إلا إذا أجازها، هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم اه منه. 541 الموقوف عليهم من الورثة وبقي الآخرون فإن الميت في قسمة الغلة ما دام الموقوف عليهم أحياء كأنه حي فيقسم ثم يجعل سهمه ميراثا لورثته الذين لا حصة لهم من الوقف اه بقي لو وقفها في مرضه ثم مات عن زوجة ولم تجز ففي البحر ينبغي أن يكون لها السدس والباقي وقف لما في وصايا البزازية لو مات عن زوجة وأوصى بكل ماله لرجل فإن أجازت فالكل له وإلا فالسدس لها وخمسة الأسداس له لأن الموصى له يأخذ الثلث أو لا بقي أربعة تأخذ الربع والثلاثة الباقية له فحصل له خمسة من ستة اه ولا شك أن الوقف في مرض الموت وصية اه قوله: (فاعتبروا الوارث الخ) قال في البحر والحاصل أن المريض إذا وقف على بعض ورثته ثم على أولادهن ثم على الفقراء فإن أجاز الوارث الآخر كان الكل وقفا واتبع الشرط وإلا كان الثلثان ملكا بين الورثة والثلث وقفا مع أن الوصية للبعض لا تنفذ في شئ لأنه لم يتمحض للوارث لأنه بعده لغيره فاعتبر الغير بالنظر إلى الثلث واعتبر الوارث بالنظر إلى غلة الثلث الذي صار وقفا فلا يتبع الشرط ما دام الوارث حيا وإنما تقسم غلة هذا الثلث على فرائض الله تعالى فإذا انقرض الوارث الموقوف عليه اعتبر شرطه في غلة الثلث اه قوله: (بالنظر للغلة) ولهذا الاعتبار قسموها كالثلثين اه ح قوله: (والوصية) بالنصب عطفا على قوله الوارث أي واعتبروا الوصية بالنظر للغير وكان حق العبارة أن يقول واعتبروا الغير بالنظر إلى الوصية أي إلى لزومها ط قوله: (وإن ردوا) أي الورثة أي بقيتهم ط وكذا لو رد كلهم كما قدمناه عن الظهيرية قوله: (وإن لم تنفذ لوارثه) الأوضح أن يقول لعدم نفاذها للوارث ويكون علة لقوله والوصية بالنظر للغير يعني إنما اعتبر الغير في لزوم الوصية لعدم نفاذها للوارث ط قوله لأنها لم تتمحض له) علة لقوله واعتبروا الوصية ح قوله (فافهم) أمر بالفهم لدقة المقام. ثم اعلم أن ما ذكره الشارح من قوله قلت إلى هنا ليس هذا محله لأن خروج الملك بالقضاء أو بالتعليق بالموت تفريع على قول الإمام أو بيان لمسألة إجماعية كما يأتي عن النهر وما ذكره هنا مصور في مسألة الوقف في المرض فكان عليه أن يذكره آخر الباب عند الكلام على وقف المريض لأن ذكره هنا يوهم أن الوقف في المرض يلزم عند الإمام نظير التعليق بالموت وليس كذلك ففي البحر عن الهداية ولو وقف في مرض موته قال الطحاوي هو بمنزلة الوصية بعد الموت والصحيح أنه لا يلزم عند أبي حنيفة وعندهما يلزم إلا أنه يعتبر من الثلث والوقف في الصحة من جميع المال اه. والحاصل أن ما ذكره الشارح صحيح من حيث الحكم لكنه على قولهم وظاهر كلامهم اعتماده أما على قول الإمام الذي الكلام فيه فلا في الصحيح كما علمته من عبارة البحر والعجب ممن نقل صدر عبارة البحر المذكورة ولم ينظر تمامها فافهم ثم هذا بخلاف ما إذا أوصى أن تكون وقفا بعد وفاته فإن له الرجوع لأنه وصية بعد الموت والذي نجزه في مرضه يصير وقف الصحة إذا برئ من مرضه فافترقا كما في الخصاف قوله أو بقوله الخ) ذكر الحياة والموت غير قيد لإغناء التأبيد عنه قال في الإسعاف لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة جاز عند عامة العلماء إلا أن محمد اشترط التسليم إلى المتولي واختاره جماعة وعند الإمام يكون نذرا بالصدقة بغلة الأرض
542 ويبقى ملكه على حاله فإذا مات تورث عنه اه قوله: (فإنه جائز عندهم) أي عند أئمتنا الثلاثة وهذا أيضا تحويل لكلام المصنف عن ظاهره اصطلاحا له لأن كلامه فيما يزول به الملك عند الإمام قوله: (لكن الخ) أفاد أنه عند الصاحبين جائز لازم تأمل قوله: (وله الرجوع) أي مع الكراهة كما قدمناه عن الإسعاف قوله: (جاز من الثلث) ويكون كالعبد الموصي بخدمته لإنسان فالخدمة له والرقبة على ملك مالكها فلو مات الموصى له يصير العبد ميراثا لورثة المالك إلا أن في الوقف لا يتوهم انقطاع الموصى لهم وهم الفقراء فتتأبد هذه الوصية إسعاف ودرر قوله ففي هذين الأمرين) أي فيما إذا علقه بالموت وفيما إذا قال وقفتها في حياتي وبعد مماتي وقد استوى الأمران من حيث إنهما يفيدان الخروج واللزوم بموت الواقف بخلاف الأمر الأول والرابع وهما ما إذا حكم به حاكم أو أفرزه مسجدا فإنهما يفيدان الخروج واللزوم في حياته بلا توقف على موته كما في الشرنبلالية فاللزوم فيهما حالي وفي الآخرين مآلي قوله: (له الرجوع) الظاهر أن هذا على قوله أما على قولهما فالظاهر أنه وقف لازم لكن ينافيه ما قدمناه في تعليقه بالموت من أنه لا يكون وقفا في الصحيح بل هو وصية لازمة بعد الموت لا قبله فله الرجوع قبله لما يلزم على جعله وقفا من جواز تعليقه والوقف لا يقبل التعليق تأمل نعم لا تعليق في المسألة الثانية فاللزوم فيها ظاهر عندهما قوله: (لو غير مسجل) أي محكوم به فأطلق التسجيل وهو الكتابة في السجل وأراد ملزومه وهو الحكم لأنه في العرف إذا حكم بشئ كتب في السجل ط قوله: (منظور فيه) لأن في هذين الأمرين له الرجوع بلا اشتراط فقر ولا فسخ قاض على قول الإمام كما علمته وسيأتي تمام الكلام على ذلك قبيل الفصل عند قول المصنف أطلق القاضي بيع الوقف غير المسجل لوارث الواقف فباع صح ولو لغيره لا. مطلب شروط الوقف على قولهما قوله: (ولا يتم الوقف الخ) شروع في شروطه على القول بلزومه كما أشار إليه الشارح بعد قوله: (لأن تسليم الخ) وليشمل تسليمه إلى الموقوف عليهم كما في العزمية عن الخانية قوله (ففي المسجد بالإفراز) أي والصلاة فيه وسيأتي وفي المقبرة بدفن واحد فصاعدا بإذنه وفي السقاية بشرب واحد وفي الخان بنزول واحد من المارة لكن السقاية التي تحتاج إلى صب الماء فيها والخان الذي ينزله الحاج بمكة والغزاة بالثغر لا بد فيهما من التسليم إلى المتولي لأن نزولهم يكون في السنة مرة فيحتاج إلى من يقوم بمصالحه وإلى من يصب الماء فيها إسعاف قوله: (وفي غيره) أي غير المسجد ونحوه مما ذكرناه وفي القهستاني أن التسليم ليس بشرط إذا جعل الواقف نفسه قيما ولا يعتبر التسليم للمشرف لأنه حافظ لا غير اه لكن نبه أن من شرط
543 التسليم وهو محمد لم يصحح تولية الواقف نفسه ومن صححها وهو أبو يوسف لم يشترطه تأمل (1). قوله: (ويفرز) أي بالقسمة وهذا الشرط وإن كان مفرعا على اشتراط القبض لأن القسمة من تمامه إلا أنه نص عليه إيضاحا وأبو يوسف لما لم يشترط التسليم أجاز وقف المشاع والخلاف فيما يقبل القسمة أما ما لا يقبلها كالحمام والبئر والرحى فيجوز اتفاقا إلا في المسجد والمقبرة لأن بقاء الشركة يمنع الخلوص لله تعالى نهر وفتح قوله: (فلا يجوز وقف مشاع القسم الخ) شمل ما لو استحق جزء من الأرض شائع فيبطل في الباقي لأن الشيوع مقارن كما في الهبة بخلاف ما لو رجع الوارث في الثلثين بعد موت الواقف في مرضه وفي المال ضيق لأنه شيوع طارئ ولو استحق جزء معين لم يبطل في الباقي لعدم الشيوع بحر عن الهداية ولو بينهما أرض وقفاها ودفعاها معا إلى قيم واحد جاز اتفاقا لأن المانع من الجواز عند محمد هو الشيوع وقت القبض لا وقت العقد ولم يوجد هاهنا لوجودهما معا منهما وكذا لو وقف كل منهما نصيبه على جهة وسلماه معا لقيم واحد لعدم الشيوع وقت القبض وكذا لو اختلفا في وقفيهما له جهة وقيما واتحد زمان تسليمهما مالهما أو قال كل منهما لقيمه اقبض نصيبي مع نصيب صاحبي لأنهما صارا كمتول واحد بخلاف ما لو وقف كل واحد وحده وسلم لقيمه وحده فلا يصح عند محمد لوجود الشيوع وقت العقد وتمكنه وقت القبض إسعاف وفيه أيضا وقفت دارها على بناتها الثلاث ثم على الفقراء ولا مال لها غيرها ولا وارث غيرهن فالثلث وقف والثلثان ميراث لهن وهذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد اه أي لأنه مشاع (2) حيث لم تقسمه بينهن. مطلب في الكلام على اشتراط التأبيد قوله: (ويجعل آخره لجهة قربة لا تنقطع) يعني لا بد أن ينص على التأبيد عند محمد خلافا لأبي يوسف اه ح ويأتي بيانه وهذا في غير المسجد إذ لا مخالفة لمحمد في لزومه بل هو موافق للإمام فيه وتمامه في الشرنبلالية قوله: (هذا بيان) أي ما ذكره المصنف تبعا للكنز وغيره من قوله ولا يتم حتى يقبض وأشار إلى ما في النهر حيث قال قلت هذا مناف لقوله أو لا والملك يزول بالقضاء إذ مفاده أنه لا يزول بغيره ولو توفرت هذه الشروط. قلت: الأولى أن يحمل ما قاله أولا على مسألة إجماعية هي أن الملك بالقضاء يزول أما إذا خلا عن القضاء فلا يزول إلا بعد هذه الشروط عند محمد (3)، واختاره المصنف تبعا لعامة المشايخ وعليه الفتوى وكثير من المشايخ أخذوا بقول أبي يوسف وقالوا إن عليه الفتوى ولم يرجح أحد
(1) قوله: (وهو أبو يوسف لم يشترط تأمل) قال شيخنا: لكن يأتي في الشارح نقل الإجماع عن الزيلعي على صحة جعل الواقف نفسه قيما، لكن ناقش الزيلعي العلامة قاسم في حكاية الإجماع ونقل المحشي انتصار صاحب النهر الزيلعي بأن عن محمد في هذه المسألة روايتين فحكاية الإجماع صحيحة على إحداهما وعلى هذه الرواية يحمل كلام القهستاني اه. (2) قوله: (أي لأنه مشاع الخ) فيه أن هذا الشيوع طار، وهو لا يقتضي بطلان الوقف عنه محمد فهذا التعليل غير مستقيم. (3) قال شيخنا: والظاهر أن علة بطلان هذا الوقف عند محمد عدم التسليم إلى المتولي وقول المحشي حيث لم يقسمه الخ غير ظاهر فليتأمل فيه، فإنه لم يقل أحد باشتراط القسمة بين الموقوف عليهم اه. 544 قول الإمام: وبهذا التقرير اندفع ما في البحر كيف مشى أولا على قول الإمام وثانيا على قول غيره وهذا مما لا ينبغي يعني في المتون الموضوعة للتعليم اه قوله (لأنه كالصدقة) أي فلا بد من القبض والإفراز اه ح قوله: (وجعله أبو يوسف كالإعتاق) فلذلك لم يشترط القبض والإفراز اه ح، أي فيلزم عنده بمجرد القول كالإعتاق بجامع إسقاط الملك قال في الدرر والصحيح أن التأبيد شرط اتفاقا لكن ذكره ليس بشرط عند أبي يوسف وعند محمد لا بد أن ينص عليه اه وصححه في الهدية أيضا وقال في الإسعاف لو قال وقفت أرضي هذه على ولد زيد وذكر جماعة بأعيانهم لم يصح عند أبي يوسف أيضا لأن تعيين الموقوف عليه يمنع إرادة غير بخلاف ما إذا لم يعين لجعله إياه على الفقراء ألا ترى أنه فرق بين قوله موقوفة وبين قوله موقوفة على ولدي فصحح الأول دون الثاني لأن مطلق قوله موقوفة يصرف إلى الفقراء عرفا فإذا ذكر الولد صار مقيدا فلا يبقى العرف فظهر بهذا أن الخلاف بينهما في اشتراط ذكر التأبيد وعدمه إنما هو في التنصيص عليه أو على ما يقوم مقامه كالفقراء ونحوهم. مطلب التأبيد معنى شرطه اتفاقا وأما التأبيد معنى فشرط اتفاقا على لصحيح وقد نص عليه محققو المشايخ اه قلت: ومقتضاه أن المقيد باطل اتفاقا لكن ذكر في البزازية أن عن أبي يوسف في التأبيد روايتين الأولى أنه غير شرط حتى لو قال وقفت على أولادي ولم يزد جاز الوقف وإذا انقرضوا عاد إلى ملكه لو حيا وإلا فإلى ملك الوارث والثاني أنه شرط لكن ذكره غير شرط حتى تصرف الغلة بعد الأولاد إلى الفقراء اه ومقتضاه أنه على الرواية الأولى يصح كل من الوقف والتقييد وعلى الثانية يصح الوقف ويبطل التقييد لكن ذكر في البحر أن ظاهر المجتبى والخلاصة أن الروايتين عنه فيما إذا ذكر لفظ الصدقة أما إذا ذكر لفظ الوقف فقط لا يجوز اتفاقا إذا كان الموقوف عليه معينا اه مطلب مهم فرق أبو يوسف بين قوله موقوفة وقوله فموقوفة على فلان قلت: ويشهد له ما في الذخيرة لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة فهي وقف بلا خلاف إذا لم يعين إنسانا فلو عين وذكر مع لفظ الوقف لفظ صدقة بأن قال صدقة موقوفة على فلان جاز ويصرف بعده إلى الفقراء ثم ذكر بعده عن المنتقى أنه يجوز ما دام فلان حيا وبعده يرجع إلى ملك الواقف أو إلى ورثته بعده اه وفيها أيضا لو عين كوقفتها ابن علي فلان لا يجوز اه فهذا يدل على أن الروايتين عن أبي يوسف فيما إذا ذكر لفظ صدقة مع موقوفة وعين الموقوف عليه أما إذا لم يعينه يجوز بلا خلاف وإذا أفرد موقوفة وعين لا يجوز بلا خلاف خلافا لما في البزازية حيث جعل الروايتين فيه فإنه يقتضي صحة الوقف ويخالفه أيضا كلام الإسعاف وقوله في الهداية وقيل إن التأبيد شرط الإجماع إلا أن عند أبي يوسف لا يشترط ذكره لأن لفظ الوقف والصدقة منبئ عنه ولهذا قال في الكتاب وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم وهذا هو الصحيح وعند محمد ذكره شرط الخ فقوله لأن لفظ الوقف والصدقة يفيد أن الكلام في ذكرهما معا لا في ذكر لفظ الوقف فقط ويوضحه ما في الخانية لو قال صدقة موقوفة على فلان صح ويصير تقديره صدقة موقوفة على الفقراء لأن محل الصدقة الفقراء إلا أن غلتها تكون لفلان ما دام حيا ولو قال موقوفة
545 على فقراء قرابتي وعلى ولدي لا يصح لأنهم ينقطعون فلا يتأبد الوقف وبدون التأبيد لا يصح إلا أن يجعل آخره للفقراء فرق أبو يوسف بين قوله موقوفة وبين قوله موقوفة على ولدي فيصح الأول لا الثاني اه أي لأن الثاني ذكر مقيدا بالموقوف عليه المعين وذلك ينافي التأبيد حيث لم يصرح به ولا بما في معناه بخلاف ما إذا قال موقوفة فقط لانصرافه إلى الفقراء عرفا فهو مؤبد وكذا صدقة موقوفة على فلان فإنه وإن قيد بمعين لكنه مطلق لأن الصدقة للفقراء فكأنه قال وبعد فلان فعلى الفقراء فيكون مؤبدا لكن إذا لم يقيد بمعين فهو مؤبد بلا خلاف فيصح عند محمد أيضا كما مر لعدم منافي التأبيد أصلا ولذا قال في الخانية لو قال موقوفة ولم يزد لا يجوز إلا عند أبي يوسف ويكون وقفا على المساكين ولو قال موقوفة صدقة أو صدقة موقوفة ولم يزد جاز عند أبي يوسف ومحمد وهلال وقيل لا ما لم يقل وآخرها للمساكين أبدا والصحيح الجواز لأن محل الصدقة في الأصل الفقراء فلا يحتاج إلى ذكر الأبد أيضا اه. فهذا صريح في أن التصريح بالصدقة تصريح بالتأبيد فيجوز عندهما بلا خلاف إن لم يعين فلو عين لم يجز عند محمد وجاز عند أبي يوسف ثم بعد انقطاعه يعود إلى الفقراء كما صححه في الهداية وعليه المتون كالقدوري والملتقى والنقاية وغيرها أو يعود إلى ملك الواقف أو ورثته وسيذكر الشارح تصحيحه لكن نقل في الذخيرة أن هذا القول مذكور في شرح الطحاوي وشرح السرخسي وأن بعض المشايخ قالوا إنه خطأ. قلت: ويؤيده ما مر عن الإسعاف من أن التأبيد معنى شرط اتفاقا وإذا عاد إلى الملك لم يكن مؤبدا إلا لفظا ومعنى. والحاصل أنه لا خلاف عندهما في صحة الوقف مع عدم تعيين الموقوف عليه إذا ذكر لفظ التأبيد وأما في معناه كالفقراء وكلفظ صدقته موقوفة وكموقوفة لله تعالى وكموقوفة على وجوه البر لأنه عبارة عن الصدقة وكذا موقوفة على الجهاد أو على أكفان الموتى أو حفر القبور كما في الخانية وغيرها وأنه لا خلاف في بطلانه لو اقتصر على لفظ موقوفة مع التعيين كموقوفة على زيد خلافا لما في البزازية وإنما الخلاف بينهما لو اقتصر بلا تعيين أو جمع مع التعيين كصدقة موقوفة على فلان فعند أبي يوسف يصح ثم يعود إلى الفقراء وهو المعتمد وقيل يعود إلى الملك والمراد بالمعين ما يحتمل الانقطاع كأولاد زيد أو فقراء قرابة فلان وهم يحصون وفي الذخيرة عن وقف الخصاف قال جعلت الأرض صدقة موقوفة على فلان وولده وولد ولده وأولاده أولادهم فإذا سمى من ذلك ثلاث بطون فهي وقف مؤبد (1) إلى يوم القيامة وبقي ما إذا وقف على عمارة مسجد معين فقيل يصح عند أبي يوسف لتأبده مسجد إلا عند محمد (2) وقيل يصح اتفاقا.
(1) قوله: (فهي وقف مؤبد الخ) فيه أن هذا وقف ما يحتمل الانقطاع فكيف يكون مؤبدا، لكن قال شيخنا سيأتي أنه لو قال وقفت داري على أولادي اقتصر على البطن الأول وإذا قال على أولاد أولادي اقتصر على البطن الثاني وإذا ذكر البطن الثالث تناول جميع البطون إلى يوم القيامة فلعل مراده بقوله مؤبد يعني على أولاده وليس المراد أنه بعد انقراضهم ينتقل مؤبدا على الفقراء وهو كلام حسن. (3) قوله: (إلا عند محمد الخ) أي يعود المسجد إلى مالك الواقف بعد الانهدام وقوله وقيل يصح اتفاقا قال شيخنا هذا هو الصحيح لأن عود المسجد إن ملك الواقف عند محمد مقيد بعدم وجود ربع يعمر به وقد وجد الربع الموقوف اه. 546 وفي البحر عن المحيط أنه المختار فاغتنم تحرير هذا المحل فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب والحمد لله تعالى ملهم الصواب قوله: (واختلف الترجيح) مع التصريح في كل منهما بأن الفتوى عليه لكن في الفتح أن قول أبي يوسف أوجه عند المحققين قوله: (بطل اتفاقا) هذا إذا شرط رجوعه بعد الوقت وإلا فهو باطل أيضا عند الخصاف صحيح مؤبد عند هلال كما في الإسعاف وظاهر ما في الخانية اعتماده كما في البحر ووجهه أنه إذا قال صدقة موقوفة يوما أو شهرا فهو مثل ما لو وقفه على معين فينبغي أن يجري فيه الخلاف المار بين محمد وأبي يوسف فيصح عند الثاني لأن لفظ صدقة يفيد التأبيد فيلغو التوقيت أما إذا شرط رجوعه إليه بعد مضي الوقت فقد أبطل التأبيد فيبطل الوقف نعم ذكر في الإسعاف عن هلال أنه لو قال صدقة موقوفة بعد موتي سنة يصح مؤبدا إلا إذا قال فإذا مضت السنة فالوقف باطل فهو كما شرط فتصير الغلة للمساكين سنة والأرض ملك لورثته لأنه باشتراط البطلان خرجت من الوقف المضاف اللازم بعد الموت إلى الوصية المحضة قوله: (وعليه فلو وقف على رجل) أي مقرونا بلفظ صدقة وإلا لم يجز اتفاقا كما حققناه قريبا ثم إن هذا لا يصح بناؤه على بطلان الوقف الموقت بل هو مبني على صحته فكان عليه أن يذكره بعد كلام الخانية بل الأولى ذكره قبل قوله وإذا وقته ليكون تفريعا على قول أبي يوسف لكنه على إحدى الروايتين عنه وقد علمت أنه خلاف المعتمد لمخالفته لما نص عليه محققو المشايخ ولما في المتون من أنه بعد موت الموقوف عليه يعود للفقراء لأنه لو عاد للملك لم يكن موقتا لا لفظا ولا معنى والتأبيد معنى متفق عليه في الصحيح كما مر فلذا أفاد في النهر ضعف ما هنا وإن نقل في الفتح عن الأجناس أنه به يفتى قوله: (قلت وجزم في الخانية الخ) استدراك على قول الدر بطل اتفاقا وعبارة الشرنبلالي أقول يرد عليه أي على الدرر ما في الخانية رجل وقف داره يوما أو شهرا أو وقتا معلوما ولم يزد على ذلك جاز الوقف ويكون وقفا أبدا اه. قلت: وعلى ما حملنا عليه كلام الدرر لا يرد ما في الخانية لأن المراد به ما إذا لم يشترط رجوعه إليه بقرينة قوله ولم يزد على ذلك وبه تعلم أنه لا محل لقول الشارح مطلقا لأنه ليس في كلامه ما يفسر الإطلاق بل ربما يفيد أنه يجوز وإن شرط رجوعه إليه مع أنه يبطل اتفاقا كما علمت وقد قال في الخانية عقب عبارته المذكورة ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة شهرا فإذا مضى شهر فالوقف باطل كان الوقف باطلا في قول هلال لأن الوقف لا يجوز إلا مؤبدا فإذا كان التأبيد شرطا لا يجوز مؤقتا اه وإنما قيد بقوله في قول هلال لأنه على قول الخصاف باطل مطلقا كما علمت آنفا وقيد الصيغة بقوله صدقة موقوفة لأنه بدون لفظ صدقة أو ما يقوم مقامها لا يصح كما مر وبه يظهر أن قوله وقف داره يوما ليس صيغة الوقف بل حكاية عند صيغته قول الواقف أرضي صدقة موقوفة ونحوه قوله: (فإذا تم ولزم) لزومه على قول الإمام بأحد الأمور الأربعة المارة عندهما بمجرد القول ولكنه عند محمد لا يتم إلا بالقبض والإفراز والتأبيد لفظا وعند أبي يوسف بالتأبيد
547 فقط ولو معنى علم مما مر قوله: (لا يملك) أي لا يكون مملوكا لصاحبه ولا يملك أي لا يقبل التمليك لغيره بالبيع ونحوه لاستحالة تمليك الخارج عن ملكه ولا يعار ولا يرهن لاقتضائهما أي الملك درر ويستثنى من عدم تمليكه ما لو اشترط الواقف استبداله وسيأتي الكلام عليه وعلى بيع الوقف إذا افتقر الواقف لم يكن مسجلا ويستثنى من عدم الإعارة ما لو كان دارا موقوفة للسكنى لأن من له السكنى له الإعارة كما صرح به في البحر وغيره بخلاف الموقوف للاستغلال قال في الإسعاف ومن وقف دوره للاستغلال ليس له أن يسكنها أحد بلا أجر اه وفي شرح الملتقى وجاز بيع المصحف المخرق وشراء آخر بثمنه قوله: (فبطل الخ) لا يصح تفريعه على قوله ولا يرهن لأنه في رهن الوقف لا في الرهن به بل هو تفريع على قوله ولا يملك فافهم ووجهه أن الرهن حبس شئ مالي بحق يمكن استيفاؤه منه كالدين والأعيان المضمونة بالمثل والقيمة حتى لو هلك الرهن صار المرتهن مستوفيا حقه لو مساويا للرهن ولا يخفى أن الاستيفاء إنما يتأتى فيما يمكن تمليكه، والوقف لا يمكن تمليكه فلا يصح الرهن به، ولأنه أمانة عند المستعير وهو غير مضمون. مطلب في شرط واقف الكتب أن لا تعار إلا برهن قال في الأشباه في القول في الدين معزيا إلى السبكي فرع حدث في الأعصار القريبة وقف كتب شرط الواقف أن لا تعار إلا برهن أو لا تخرج أصلا والذي أقول في هذا إن الرهن لا يصح بها لأنها غير مضمونة في يد الموقوف عليه ولا يقال لها عارية أيضا بل الآخذ لها إن كان من أهل الوقف استحق الانتفاع ويده عليها يد أمانة فشرط أخذ الرهن عليها فاسد وإن أعطى كان رهنا فاسدا ويكون في يد خازن الكتب أمانة هذا إن أريد الرهن الشرعي وإن أريد مدلوله لغة وأن يكون تذكرة فيصح الشرط لأنه غرض صحيح وإذا لم يعلم مراد الواقف فالأقرب الحمل على اللغوي تصحيحا لكلامه وفي بعض الأوقاف يقول لا تخرج إلا بتذكرة فيصح ويكون المقصود أن تجويز الواقف الانتفاع مشروط بذلك ولا نقول إنها تبقى رهنا بل له أخذها فيطالبه الخازن برد الكتاب وعلى كل فلا تثبت له أحكام الرهن ولا بيعه ولا بدل الكتاب الموقوف بتلفه إن لم يفرط اه. ملخصا قال في الأشباه بعد نقله وقول أصحابنا لا يصح الرهن بالأمانات شامل للكتب الموقوفة والرهن بالأمانات باطل فإذا هلك لم يجب شئ بخلاف الرهن الفاسد فإنه مضمون كالصحيح وأما وجوب اتباع شرطه وحمله على المعنى اللغوي فغير بعيد اه وسيأتي تمام الكلام على جواز نقل الكتب قبيل قوله ويبدأ من غلته بعمارته. مطلب سكن دارا ثم ظهر أنها وقف يلزمه أجرة ما سكن قوله: (لزم أجر المثل) بناء على المفتى به عند المتأخرين من أن منافع العقار تضمن إذا كان وقفا أو ليتيم أو معدا للاستغلال كما سيأتي في الفصل عند قول المصنف يفتى بالضمان الخ وبه أفتى الرملي وغيره وجزم به في الفتح آخر الباب وعلى هذا فما ذكره في القنية أيضا من أنه لو سكن الدار سنين يدعي الملك ثم استحقت للوقف لا تلزمه أجرة ما مضى ا ه. ضعيف كما جزم به
548 في البحر لأنه مبني على قول المتقدمين ووجوب الأجرة قول المتأخرين كما نص عليه في الإسعاف أفاده الخير الرملي ولو بنى المشتري أو غرس فسيأتي حكمه مسألة ابن النقار في سوادة الفصل الآتي قوله: (ولا يقسم إلا عندهما الخ) أي إذا قضى قاض بجواز وقف المشاع ونفذ قضاؤه وصار متفقا عليه كسائر المختلفات فإن طلب بعضهم القسمة فعنده لا يقسم ويتهايؤون، وعندهما يقسم إلا إذا كانت بين الواقف والمالك وأجمعوا أن الكل لو كان موقوفا على الأرباب فأرادوا القسمة لا يقسم كذا في المحيط درر وهذا معنى قول المصنف إلا عندهما إذا كانت بين الواقف والمالك لا الموقوف عليهم. مطلب في التهايؤ في أرض الوقف بين المستحقين قوله: (بل يتهايؤون) قال في فتاوى ابن الشلبي القسمة بطريق التهايؤ وهو التناوب في العين الموقوفة كما إذا كان الموقوف أرضا مثلا بين جماعة فتراضوا على أن كل واحد منهم يأخذ له من الأرض الموقوفة قطعة معينة يزرعها لنفسه هذه السنة ثم في السنة الأخرى يأخذ كل منهم قطعة غيرها فذلك سائغ ولكنه ليس بلازم فلهم إبطاله وليس ذلك في الحقيقة بقسمة إذ القسمة الحقيقية أن يختص ببعض من العين الموقوفة على الدوام ا ه. ونحوه في البحر عن الإسعاف ومقتضاه أنه ليس لهم استدامة هذه القسمة بل يجب عليهم نقضها واستبدال الأماكن بعضها ببعض إذ لو استديمت هذا صارت من القسمة الممنوعة بالإجماع تأديها في طول الزمان إلى دعوى الملكية أو دعوى كل منهم أو بعضهم أن ما في يده موقوف عليه بعينه ولا يخفى ما في ذلك من الضرر ثم لا يخفى أن ما قيل من أن المهايأة في الوقف لا يمكن إبطالها لأنه لا يكون إلا بطلب القسمة والقسمة في الوقف متعذرة فهو ممنوع بل يمكن نقضها وإبطالها بإعادته كما كان أو باستبدال الأماكن كما قلنا ولو ثبت عدم إمكان إبطالها لبطل ما نقلوه من الإجماع على أن الوقف لا يقسم أي قسمة مستدامة فقد ظهر لك أن هذا كلام ناشئ عن عدم التدبر لمخالفته للإجماع فتدبر. مطلب فيما إذا ضاقت الدار على المستحقين بقي ما لو كان الموقوف دار شرط الواقف سكناها لأولاده ونسائه قال في الإسعاف تكون سكناها لهم ما بقي منهم أحد فلو لم يبق إلا واحد وأراد أن يؤجرها أو ما فضل عنه منها ليس له ذلك وإنما له السكنى فقط ولو كثرت أولاد الواقف وضاقت الدار عليهم ليس لهم أن يؤجروها ثم وإنما تسقط سكناها على عددهم ومن مات منهم بطل ما كان له من سكناها ويكون لمن بقي منهم ولو كانوا ذكورا وإناثا وأراد كل من الرجال والنساء أن يسكنوا معهم نساءهم وأزواجهن معهن جاز لهم ذلك إن كانت الدار ذات مقاصير وحجر يغلق على كل واحد باب وإن كانت دارا واحدة لا يمكن أن تسقط بينهم لا يسكنها إلا من جعل لهم الواقف السكنى دون غيرهم من نساء الرجال ورجال النساء اه. أي لأن الواقف قصد صيانتهم وسترهم فلو سكن زوج امرأة معها ولها في هذه الدار أخوات مثلا كان فيه بذلة لهن بدخول الرجل عليهن كما في الخصاف بخلاف ما إذا كان لكل منهم حجرة لها باب يغلق فإن لكل أن يسكن بأهله وحشمه وجميع من معه كما في الخصاف أيضا وقدمنا في السرقة أن المقصورة الحجرة بلسان أهل الكوفة وإنه ذكر
549 محمد فيما لو أخرج السارق السرقة إلى صحن الدار أنه إن كان فيها مقاصير فأخرجها من مقصورة إلى صحن الدار قطع قال في الفتح هناك أي كانت الدار عظيمة فيها بيوت كل بيت يسكنه أهل بيت على حدتهم ويستغنون به استغناء أهل المنازل بمنازلهم عن صحن الدار وإنما ينتفعون به انتفاعهم بالسكنة عبد اه. وهل المراد هنا بالحجرة كذلك الظاهر نعم كما يفيده قول الخصاف لكل أن يسكن في حجرة بأهله وحشمه وجميع من معه. ثم قد صرح الخصاف بأنه إذا لم يكن فيها حجر لا تقسم ولا يقع فيها مهايأة بينهم وظاهره أنه لو كان فيها حجر لا تكفيهم فهي كذلك أي يسكنها المستحقون فقط دون نساء الرجال ورجال النساء ولذا قال في الفتح بعد نقله كلام الخصاف وعن هذا تعرف أنه لو سكن بعضهم فلم يجد الآخر موضعا يكفيه لا يستوجب أجرة حصته على الساكنين بل إن أحب أن يسكن معه في بقعة من تلك الدار بلا زوجة أو زوج وإلا ترك المتضيق وخرج أو جلسوا معا كل في بقعة إلى جنب الآخر ثم ذكر أن الخصاف لم يخالفه أحد فيما ذكر كيف وقد نقلوا إجماعهم على الأصل المذكور أي على قولهم لو كان الكل وقفا على أربابه وأرادوا القسمة لا يجوز التهايؤ ا ه. لكن هذا يشكل على قول الشارح بل يتهايؤون والتوفيق كما أفاده الخير الرملي بحمل ما في الخصاف وغيره من عدم جواز القسمة والتهايؤ على قسمة التملك جبرا وما في الشرح تبعا للإسعاف وغيره على قسمة التراضي بلا لزوم ولذا قالوا ولمن أبى منهم بعد ذلك إبطاله. مطلب في قسمة الواقف مع شريكه قوله: (فيقسم المشاع) فإذا تقاسم الواقف مع شريكه فوقع نصيب الواقف في موضع لا يلزمه أن يقفه ثانيا لأن القسمة تعيين الموقوف وإذا أراد الاجتناب عن الخلاف يقف المقسوم ثانيا بحر عن الخلاصة أي إذا لم يكن محكوما بصحته إذ بعد الحكم لم يبق خلاف. مطلب قاسم وجمع حصة الوقف في أرض واحدة جاز وفي البحر عن الظهيرية ولو كانت له أرضون ودور بينه وبين آخر فوقف نصيبه ثم أراد أن يقاسم شريكه ويجمع الوقف كله في أرض واحدة ودار واحدة فإنه جائز في قول أبي يوسف وهلال ا ه. مطلب لو كان في القسمة فضل دراهم من الوقف صح لا من الشريك وفي الفتح ولو كان في القسمة فضل دراهم بأن كان أحد النصفين أجود فجعل بإزاء الجودة دراهم فإن كان الآخذ للدراهم هو الواقف بأن كان غير الموقوف هو الأحسن لا يجوز لأنه يصير بائعا بعض الوقف وإن كان الآخذ شريكه بأن كان نصيب الوقف أحسن جاز لأن الواقف مشتر لا بائع فكأنه اشترى بعض نصيب شريكه فوقفه ا ه. لكن في الإسعاف وما اشتراه ملك له ولا يصير وقفا ومثله في الخانية وكذا في البحر عن الظهيرية تأمل. مطلب إذا وقف كل نصف على حدة صارا وقفين قوله (إن اختلفت جهة وقفهما) أي بأن كان كل وقف منهما على جهة غير الجهة الأخرى لكن هذا التقييد مخالف لما في الإسعاف حيث قال ولو وقف نصف أرضه على جهة معينة جعل
550 الولاية عليه لزيد في حياته وبعد مماته ثم وقف النصف الآخر على تلك الجهة أو غيرها وجعل الولاية عليه لعمره في حياته وبعد وفاته يجوز لهما أن يقتسما ويأخذ كل واحد منهما النصف فيكون في يده لأنه لما وقف كل نصف على حدة صارا وقفين وإن اتحدت الجهة كما لو كانت لشريكين فوقفاها كذلك اه. قوله (فالقاضي يقسمه مع الواقف) أي بأن يأمر رجلا بأن يقاسمه وله طريق آخر كما في الفتح وهو أن يبيع نصيبه الثاني من رجل ثم يقاسم المشتري ثم يشتري ذلك منه إن أحب وهذا لأن الواحد لا يصلح أن يكون مقاسما ومقاسما اه. قوله (به أفتى قارئ الهداية) حيث قال نعم تجوز القسمة ويفرز الوقف من الملك ويحكم بصحتها ويجوز للورثة بيع ما صار إليهم بالقسمة وإذا قسم بينهم من هو عالم بالقسمة إن شاء عين جهة الوقف وجهة الملك بقوله والأولى أن يقرع بين الجزءين نفيا للتهمة عن نفسه اه. قوله (فلا يقسم الوقف بين مستحقيه إجماعا) وكذا لا يجوز التهايؤ فيه جبرا كما حررناه آنفا قوله (وبعضهم جوز ذلك) هذا ضعيف لمخالفته الإجماع قوله لأن المهايأة إنما تكون بعد الخصومة) مفهومه ثبوت المهايأة له بعد الخصومة في المستقبل وقد علمت أنه لا مهايأة في الوقف نعم هذا في الملك كما مر قبيل الوقف نظما قوله (لزمه أجر حصة شريكه) لأنه لما استعمله بالغلبة صار غاصبا ومنافع الوقف مضمونة على المفتى به بخلاف المسألة التي قبل هذه لأن الساكن فيها غير غاصب كما أفاده في النهر والخير الرملي خلافا لما توهمه في البحر قوله (ولو وقفا على سكناهما) أي وإن كان من له السكنى ليس له الإيجار كما قدمناه عن الإسعاف لأن هذا تضمين لا إيجار قصدي قوله (بخلاف الملك المشترك) أي بين بالغين فلو أحدهما يتيما وسكنه الآخر لزمه أجر حصة اليتيم قوله (ولو معدا للإجارة) لأنه سكنه بتأويل ملك كما يأتي في الغصب اه. ح قوله (ولو بعضه ملك وبعضه وقف) جملة المبتدأ والخبر وما عطف عليها خبر كان المقدرة بعد لو واسمها مستتر فيها عائد على المكان المستعمل المحدث عنه والولوع أنه بالاعتراض يمنع الاهتداء إلى طريق الصواب فافهم قوله (ويأتي في الغصب) في بعض النسخ بدون واو على أنه جواب لو الأخيرة لكن نسخ إثباتها أحسن لأن غالب ما ذكر هنا من مسائل الغصب يأتي في بابه وإن كانت الأخيرة لم تذكر فيه نصا لكنها معلومة لأنهم نصوا هناك على تضمين منافع الوقف ولم يقيدوه بما إذا لم يكن بعضه ملكا على أنه في الغصب قال أما في الوقف إذا سكنه أحدهما بالغلبة بلا إذن لزم
551 الآخر اه. فقوله إذا سكنه أحدهما أي أحد الشريكين يشمل الشريك في الملك أو في الوقف واحترز بالغلبة عما إذا لم يجد شريك الوقف موضعا يسكن فيه فخرج باختياره كما مر وأما إذا كانت الدار كلها وقفا فإن الساكن يلزمه أجرها ولو كانت تأويل ملك كما إذا اشتراها ثم ظهر أنها وقف كما قدمنا قوله (ويزول ملكه عن المسجد الخ) اعلم أن المسجد يخالف سائر الأوقاف في عدم اشتراط التسليم إلى المتولي عند محمد وفي منع الشيوع عند أبي يوسف وفي خروجه عن ملك الواقف عند الإمام وإن لم يحكم به حاكم كما في الدرر وغيره قوله (والمصلى) شمل مصلى الجنازة ومصلي العيد قال بعضهم يكون مسجدا حتى إذا مات لا يورث عنه وقال بعضهم هذا في مصلى الجنازة أما مصلى العيد لا يكون مسجدا مطلقا وإنما يعطي له حكم المسجد في صحة الاقتداء بالإمام وإن كان منفصلا عن الصفوف وفيما سوى ذلك فليس له حكم المسجد وقال بعضهم يكون مسجدا حال أداء الصلاة لا غير وهو والجبانة سواء ويجنب هذا المكان عما يجنب عنه المساجد احتياطا اه خانية وإسعاف والظاهر ترجيح الأول لأنه في الخانية يقدم الأشهر قوله (بالفعل) أي بالصلاة فيه ففي شرح الملتقى أنه يصير مسجدا بلا خلاف ثم قال عند قول الملتقى وعند أبي يوسف يزول بمجرد القول ولم يرد أنه لا يزول بدونه لما عرفت أنه يزول بالفعل أيضا بلا خلاف اه. مطلب في أحكام المسجد قلت وفي الذخيرة وبالصلاة بجماعة يقع التسليم بلا خلاف حتى أنه إذا بنى مسجدا وأذن للناس بالصلاة فيه جماعة فإنه يصير مسجدا ا ه ويصح أن يراد بالفعل الإفراز ويكون بيانا للشرط المتفق عليه عند الكل كما قدمناه من أن المسجد لو كان مشاعا لا يصح إجماعا وعليه فقوله عند الثاني مرتبط بقول المتن بقوله جعلته مسجدا وليست الواو فيه بمعنى أو فافهم لكن عنده لا بد من إفرازه بطريقة ففي النهر عن القنية جعل وسط داره مسجدا وأذن للناس بالدخول والصلاة فيه إن شرط معه الطريق صار مسجدا في قولهم جميعا وإلا فلا عند أبي حنيفة وقالا يصير مسجدا ويصير الطريق من حقه من غير شرط كما لو آجر أرضه ولم يشترط الطريق اه. وفي القهستاني ولا بد من إفرازه أي تمييزه عن ملكه من جميع الوجوه فلو كان العلو مسجدا والسفل حوانيت أو بالعكس لا يزول ملكه لتعلق حق العبد به كما في الكافي. تنبيه وذكر في البحر أن مفاد كلام الحاوي اشتراط كون أرض المسجد ملكا للباني اه لكن ذكر الطرسوسي جوازه على الأرض المستأجرة أخذا من جواز وقف البناء كما سنذكره هناك وسئل في الخيرية عمن جعل بيت شعر مسجدا فأفتى به لا يصح قوله (وشرط محمد والإمام الصلاة فيه) أي مع الإفراز كما علمته واعلم أن الوقف إنما احتيج في لزومه إلى القضاء عند الإمام لأن لفظه لا ينبئ عن الإخراج عن الملك بل عن الإبقاء فيه لتحصل الغلة على ملكه فيتصدق بها بخلاف قوله جعلته مسجدا فإنه لا ينبئ عن ذلك ليحتاج إلى القضاء بزواله فإذا أذن بالصلاة فيه قضى العرف بزواله عن ملكه ومقتضى هذا أنه لا يحتاج إلى قوله وقفت ونحوه وهو كذلك وأنه لو قال وقفته مسجدا ولم يأذن بالصلاة فيه ولم يصل فيه أحد أنه لا يصير مسجدا
552 بلا حكم وهو بعيد كذا في الفتح ملخصا ولقائل أن يقول إذا قال جعلته مسجدا فالعرف قاض وماض بزواله عن ملكه أيضا غير متوقف على القضاء وهذا هو الذي ينبغي أن لا يتردد فيه نهر. قلت يلزم على هذا (1) أن يكتفي فيه بالقول عنده وهو خلاف صريح كلامهم تأمل وفي الدر المنتقى وقدم في التنوير والدرر والوقاية وغيرها قول أبي يوسف وعلمت أرجحيته في الوقف والقضاء اه. قوله (بجماعة) لأنه لا بد من التسليم عندهما خلافا لأبي يوسف وتسليم كل شئ بحبسه ففي المقبرة واحدة وفي السقاية بشربه وفي الخان بنزوله كما في الإسعاف واشتراط الجماعة لأنها المقصودة من المسجد ولذا شرط أن تكون جهرا بأذان وإقامة وإلا لم يصر مسجدا قال الزيلعي وهذه الرواية هي الصحيحة وقال في الفتح ولو اتحد الإمام والمؤذن وصلى فيه وحده صار مسجدا بالاتفاق لأن الأداء على هذا الوجه كالجماعة قال في النهر وإذ قد عرفت أن الصلاة فيه أقيمت مقام التسليم علمت أنه بالتسليم إلى المتولي يكون مسجدا دونها أي دون الصلاة وهذا هو الأصح كما في الزيلعي وغيره وفي الفتح وهو الأوجه لأن بالتسليم إليه يحصل تمام التسليم إليه تعالى وكذا لو سلمه إلى القاضي أو نائبه كما في الإسعاف وقيل لا واختاره السرخسي اه. قوله وقيل يكفي واحد) لكن لو صلى الواقف وحده فالصحيح أنه لا يكفي لأن الصلاة إنما تشترط لأجل القبض للعامة وقبضه لنفسه لا يكفي فكذا صلاته فتح وإسعاف قوله (وجعله في الخانية ظاهر الرواية) وعليه المتون كالكنز والملتقى وغيرهما وقد علمت تصحيح الأول وصححه في الخانية أيضا وعليه اقتصر في كافي الحاكم فهو ظاهر الرواية أيضا قوله إن الباني الخ) المتبادر من العبارة (2) أن المراد باني المسجد أو لا لكن المناسب أن يراد مريد البناء الآن وفي ط عن الهندية مسجد مبني أراد رجل أن ينقضه ويبنيه أحكم ليس له ذلك لأنه لا ولاية له مضمرات إلا أن يخاف أن ينهدم إن لم يهدم تتارخانية وتأويله إن لم يكن الباني من أهل تلك المحلة وأما أهلها فلهم أن يهدموه ويجددوا أبو بناءه ويفرشوا الحصير ويعلقوا القناديل لكن من مالهم لا من مال المسجد إلا بأمر القاضي خلاصة ويضعوا وهو حيضان الماء للشرب والوضوء إن لم يعرف للمسجد بان فإن عرف فالباني أولى وليس لورثته منعهم من نقضه والزيادة فيه ولأهل المحلة تحويل باب المسجد خانية وفي جامع الفتاوى لهم تحويل المسجد إلى مكان آخر إن تركوه بحيث لا يصلى فيه ولهم بيع مسجد عتيق لم يعرف بانيه وصرف ثمنه في مسجد آخر اه. سائحاني اه. قلت وفي الهندية آخر الباب الأول من إحياء الموات نقلا عن الكبرى أراد أن يحفر بئرا في
(1) قوله: (قلت يلزم على هذا الخ) فيه أن الإذن بالصلاة قول أيضا على أن قوله جعلته مسجدا صرح من الإذن بالصلاة فيه وفرق شيخنا بين القولين بأن الإذن بالصلاة يقتضي التسليم إلى العامة ويفيد جعله مسجدا أيضا وشرط الإمام الفعل ليس إلا لما فيه من التسليم وقد وجد في الإذن دون قوله جعلته مسجدا اه. (2) قوله: (المتبادر من العبارة الخ) وجه التبادر أن موضوع المسألة في أن مريد الهدم والبناء هم أهل المحلة وحيث كان الموضوع ذلك لا يصح التفصيل بقوله فإن كان الباني من أهل تلك المحلة الخ فعلى كل حال لا تخلو العبارة عن محذور اه. 553 مسجد من المساجد إذا لم يكن في ذلك ضرر بوجه من الوجوه وفيه نفع من كل وجه فله ذلك كذا قال هنا وذكر في باب المسجد قبل كتاب الصلاة لا يحفر ويضمن والفتوى على المذكور هنا اه. وقد ذكر في البحر جملة وافية من أحكام المسجد فراجعه قوله (وإذا جعل تحته سردابا) جمعه سراديب بيت يتخذ تحت الأرض لغرض تبريد الماء وغيره كذا في الفتح وشرط في المصباح أن يكون ضيقا نهر قوله (أو جعل فوقه بيتا الخ) ظاهره أنه لا فرق بين أن يكون البيت للمسجد أو لا إلا أنه يؤخذ من التعليل أن محل عدم كونه مسجدا فيما إذا لم يكن وقفا على مصالح المسجد وبه صرح في الإسعاف فقال وإذا كان السرداب أو العلو لمصالح المسجد أو كانا وقفا عليه صار مسجدا اه. شرنبلالية. قال في البحر وحاصله أن شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا لينقطع حق العبد عنه لقوله تعالى {وأن المساجد لله} (الجن 18) بخلاف ما إذا كان (1) السرداب والعلو موقوفا لمصالح المسجد فهو كسرداب بيت المقدس هذا هو ظاهر الرواية وهناك روايات ضعيفة مذكورة في الهداية اه. قوله (كما لو جعل الخ) ظاهره أنه لا خلاف فيه مع أن فيه خلافهما أيضا كما قدمناه عن القنية ونحوه في الهداية فكان المناسب ذكر قوله خلافا لهما بعد هذه المسألة ليكون راجعا للمسائل الثلاث قوله (وأذن للصلاة) اللام للتعليل لا صلة أذن والأوضح وأذن للناس بالصلاة فيه والمراد الإذن مع الصلاة إذا لو لم يصل فيه أحد لا يصح في المسجد الفرز فهنا أولى كما لا يخفى قوله (أما لو تمت المسجدية) أي فالقول على المفتى به أو بالصلاة فيه على قولهما ط وعبارة التاترخانية وإن كان حين بناه خلى بينه وبين الناس ثم جاء بعد ذلك يبني لا يترك اه. وبه علم أن قوله في النهر وأما لو تمت المسجدية ثم أراد هدم ذلك البناء فإنه لا يمكن من ذلك الخ فيه نظر لأنه ليس في عبارة التتارخانية ذكر الهدم وإن كان الظاهر أن الحكم كذلك قوله (فإذا كان هذا في الواقف الخ) من كلام البحر والإشارة إلى المنع من البناء قوله (ولو على جدار المسجد) مع أنه لم يأخذ من هواء المسجد شيئا اه ط ونقل في البحر قبله ولا يوضع الجذع على جدار المسجد وإن كان من أوقافه اه. قلت وبه علم حكم ما يصنعه بعض جيران المسجد من وضع جذوع على جداره فإنه لا يحل ولو دفع الأجرة قوله (ولا أن يجعل الخ) هذا ابتداء عبارة البزازية والمراد بالمستغل فيه أن يؤجر منه شئ
(1) قوله: (بخلاف ما إذا كان الخ) هذه العبارة توهم أنه لا يكون مسجدا إذا كان العلو والسفل موقوفا وهو خلاف ما صرح به في الإسعاف، ولنل في العبارة كلاما سقط من قلم الناسخ ترتب عليه قوله بخلاف الخ اه. 554 لأجل عمارته وبالسكنى محلها وعبارة البزازية على ما في البحر ولا مسكنا وقد رد في الفتح ما بحثه في الخلاصة من أنه لو احتاج المسجد إلى نفقة تؤجر قطعة منه بقدر ما ينفق عليه بأنه غير صحيح قلت وبهذا علم أيضا حرمة إحداث الخلوات في المساجد كالتي في رواق المسجد الأموي ولا سيما ما يترتب على ذلك من تقذير المسجد بسبب الطبخ والغسل ونحوه ورأيت تأليفا مستقلا في المنع من ذلك. مطلب فيما لو خرب المسجد أو غيره قوله (ولو خرب ما حوله) أي ولو مع بقائه عامرا وكذا لو خرب وليس له ما يعمر به وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر قوله (عند الإمام والثاني) فلا يعود ميراثا ولا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر سواء كانوا يصلون فيه أو لا وهو الفتوى حاوي القدسي وأكثر المشايخ عليه مجتبى وهو الأوجه فتح اه. بحر قال في الإسعاف وذكر بعضهم أن قول أبي حنيفة كقول أبي يوسف وبعضهم ذكره كقول محمد قوله وعاد إلى الملك عند محمد ذكر في الفتح ما معناه أنه يتفرع على الخلاف المذكور ما إذا انهدم الوقف وليس له من الغلة ما يعمر به فيرجع إلى الباني أو ورثته عند محمد خلافا لأبي يوسف لكن عند محمد إنما يعود إلى ملكه ما خرج عن الانتفاع المقصود للواقف بالكلية كحانوت احترق ولا يستأجر بشئ ورباط وحوض محلة خرب وليس له ما يعمر به وأما ما كان معدا للغلة فلا يعود إلى الملك إلا نقضه وتبقى ساحته وقفا تؤجر ولو بشئ قليل بخلاف الرباط ونحوه فإنه موقوف للسكنى وامتنعت بانهدامه أما دار الغلة فإنها قد تخرب وتصير كوما وهي بحيث لو نقل نقضها يستأجر أرضها من يبني أو يغرس ولو بقليل فيغفل عن ذلك وتباع لواقفها إن مع أنه لا يرجع إليه منها إلا النقض واستند في ذلك للخانية وغيرها وظاهر كلامه اعتماده قوله (وعن الثاني الخ) جزم به في الإسعاف حيث قال ولو خرب المسجد وما حوله وتفرق الناس عنه لا يعود إلى ملك الواقف عند أبي يوسف فيباع نقضه بإذن القاضي ويصرف ثمنه إلى بعض المساجد اه. قوله (ومثله حشيش المسجد الخ) أي الحشيش الذي يفرش بدل الحصر كما يفعل في بعض البلاد كبلاد الصعيد كما أخبرني به بعضهم قال الزيلعي وعلى هذا حصير المسجد وحشيشه إذا استغنى عنهما يرجع إلى مالكه عند محمد وعند أبي يوسف ينقل إلى مسجد آخر وعلى هذا الخلاف الرباط والبئر إذا لم ينتفع بهما اه. وصرح في الخانية بأن الفتوى على قول محمد قال في البحر وبه علم أن الفتوى على قول محمد في آلات المسجد وعلى قول أبي يوسف في تأبيد المسجد اه. والمراد بآلات المسجد نحو القنديل والحصير بخلاف أنقاضه لما قدمنا عنه قريبا من أن الفتوى على أن المسجد لا يعود ميراثا ولا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر قوله (وكذا الرباط) هو الذي يبنى للفقراء بحر عن المصباح قوله (إلى أقرب مسجد أو رباط الخ) لف ونشر مرتب وظاهره أنه لا يجوز صرف وقف مسجد خرب
555 إلى حوض وعكسه وفي شرح الملتقى يصرف وقفها لأقرب مجانس لها اه. ط قوله (تفريع على قولهما) أي قوله فيصرف الخ مفرع على قول الإمام وأبي يوسف إن المسجد إذا خرب يبقى مسجدا أبدا لكن علمت أن المفتى به قول أبي يوسف إنه لا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر كما مر عن الحاوي نعم هذا التفريع إنما يظهر على ما ذكره الشارح من الرواية الثانية عن أبي يوسف وقدمنا أنه جزم بها في الإسعاف وفي الخانية رابط بعيد استغنى عنه المارة وبجنبه رباط آخر قال السيد الإمام أبو الشجاع تصرف غلته إلى الرباط الثاني كالمسجد إذا خرب واستغنى عنه أهل القرية فرفع ذلك إلى القاضي فباع الخشب وصرف الثمن إلى مسجد آخر جاز وقال بعضهم يصير ميراثا وكذا حوض العامة إذا خرب اه. ونقل في الذخيرة عن شمس الأئمة الحلواني أنه سئل عن مسجد أو حوض خرب ولا يحتاج إليه لتفرق الناس عنه هل للقاضي أن يصرف أوقافه إلى مسجد أو حوض آخر فقال نعم ومثله في البحر عن القنية وللشرنبلالي رسالة في هذه المسألة اعترض فيها ما في المتن تبعا للدرر ما مر عن الحاوي وغيره ثم قال وبذلك تعلم فتوى بعض مشايخ عصرنا بل ومن قبلهم كالشيخ الإمام أمين الدين بن عبد العال والشيخ الإمام أحمد بن يونس الشلبي والشيخ زين بن نجيم والشيخ محمد الوفائي فمنهم من أفتى بنقل بناء المسجد ومنهم من أفتى بنقله ونقل ماله إلى مسجد آخر وقد مضى الشيخ الإمام محمد بن سراج الدين الحانوتي على القول المفتى به من عدم نقل المسجد ولم يوافق المذكورين اه. ثم ذكر الشرنبلالي أن هذا في المسجد بخلاف حوض وبئر ورباط ودابة وسيف بثغر وقنديل وبساط وحصير مسجد فقد ذكر في التاترخانية وغيرها جواز نقلها اه. مطلب في نقل أنقاض المسجد ونحوه قلت لكن الفرق غير ظاهر فليتأمل والذي ينبغي متابعة المشايخ المذكورين في جواز النقل بل فرق بين مسجد أو حوض كما أفتى به الإمام أبو شجاع والإمام الحلواني وكفى بهما قدوة ولا سيما في زماننا فإن المسجد أو غيره من رباط أو حوض إذا لم ينقل يأخذ أنقاضه اللصوص والمتغلبون كما هو مشاهد وكذلك أوقافه يأكلها النظار أو غيرهم ويلزم من عدم النقل خراب المسجد الآخر المحتاج إلى النقل إليه وقد وقعت حادثة سألت عنها في أمير أراد أن ينقل بعض أحجار مسجد خراب في سفح قاسيون بدمشق ليبلط حدثنا بها صحن الجامع الأموي فأفتيت بعدم الجواز متابعة للشرنبلالي ثم بلغني أن بعض المتغلبين أخذ تلك الأحجار لنفسه فندمت على ما أفتيت به ثم رأيت الآن في الذخيرة قال وفي فتاوى النسفي سئل شيخ الإسلام عن أهل قرية رحلوا وتداعى مسجدها إلى الخراب وبعض المتغلبة يستولون على خشبه وينقلونه إلى دورهم هل لواحد لأهل المحلة (1) أن يبيع الخشب بأمر القاضي ويمسك الثمن ليصرفه إلى بعض المساجد أو إلى هذا المسجد قال نعم وحكى أنه وقع مثله في زمن سيدنا الإمام الأجل في رباط في بعض الطرق خرب ولا ينتفع المارة به وله أوقاف عامرة فسئل هل يجوز نقلها إلى رباط آخر ينتفع
(1) قوله: (هلى لواحد لأهل المحلة الخ) هكذا بخطه ولعل الأولى من أهل المحلة تأمل اه مصححه. 556 الناس به قال نعم لأن الواقف غرضه انتفاع المارة ويحصل ذلك بالثاني اه. قوله (فلو قبله) أي قبل التسجيل الذي هو الحكم لا مجرد التسليم الذي في صدر العبارة لكن هذا إنما يظهر على قول الإمام بعد لزوم الوقف قبل الحكم ولذا لم يذكر التسجيل في الخانية حيث قال وقف ضيعة في صحته على الفقراء وأخرجها من يده إلى المتولي ثم قال لوصيه عند الموت أعط من غلتها لفلان كذا ولفلان كذا فجعله لأولئك باطل لأنها صارت للفقراء أو فلا يملك إبطال حقهم إلا إذا شرط في الوقف أن يصرف غلتها إلى من شاء اه. والمراد ببطلانه أنه لا يكون حقا لازما لفلان في غلة الوقف فلو كان فلان فقيرا لا يلزم إعطاؤه بل له أن يعطي غيره قوله (لكن سيجئ) أي آخرا الفصل الآتي وفيه كلام سيأتي قوله (اتحد الواقف والجهة) بأن وقف وقفين على المسجد أحدهما على العمارة والآخر إلى إمامه أو مؤذنه والإمام والمؤذن إلا لا يستقر لقلة المرسوم للحاكم الدين أن يصرف من فاضل وقف المصالح والعمارة إلى الإمام والمؤذن باستصواب أهل الصلاح من أهل المحلة إن كان الوقف متحدا لأن غرضه إحياء وقفه وذلك يحصل بما قلنا بحر عن البزازية وظاهره اختصاص ذلك بالقاضي دون الناظر قوله (بسبب خراب وقف أحدهما) أي خراب أماكن أحد الوقفين قوله (بأن بنى رجلان مسجدين) الظاهر أن هذا من اختلافهما معا أما اختلاف الواقف ففيما إذا وقف رجلان وقفين على مسجد قوله (لا يجوز له ذلك) أي الصرف المذكور لكن نقل في البحر بعد هذا عن الولوالجية مسجد له أوقاف مختلفة لا بأس للقيم أن يخلط غلتها كلها وإن خرب حانوت منها فلا بأس بعمارته من غلة حانوت آخر لأن الكل للمسجد ولو كان مختلفا لأن المعنى يجمعهما اه. ومثله في البزازية تأمل. تنبيه قال الخير الرملي أقول ومن اختلاف الجهة ما إذا كان الوقف منزلين أحدهما للسكنى والآخر للاستغلال فلا يصرف أحدهما للآخر وهي واقعة الفتوى اه. مطلب في وقف المنقول تبعا للعقار قوله (ولو وقف العقار) هو الأرض مبنية أو غير مبنية فتح وفي القاموس هو الضيعة وهو المناسب لقوله ببقرة الخ نهر قوله (عبيده الحراثون) الأكرة الحراثون من أكرت الأرض حرثتها واسم الفاعل أكار للمبالغة مصباح والمراد أنهم إذا كانوا عبيده صح وقفهم تبعا للأرض وكذا آلات الحراثة كما في البحر قوله (صح استحسانا الخ) فإنه قد يثبت من الحكم تبعا ما لا يثبت مقصودا كالشرب في البيع والبناء في الوقف وهذا قول أبي يوسف ومحمد معه لأنه أجازه إفراد بعض المنقول بالوقف فالتبع أولى قال في الإسعاف ويدخل في وقف الأرض ما فيها من الشجر والبناء دون الزرع والثمرة كما في البيع ويدخل أيضا للشرب والطريق كالإجارة ولو جعلها
557 مقبرة وفيها أشجار عظام وأبنية لا تدخل ولو زاد في وقف الأض بحقوقها وجميع ما فيها ومنها وعلى الشجرة ثمرة قائمة يوم الوقف قال هلال لا تدخل قياسا وفي الاستحسان يلزمه التصدق بها على وجه النذر لا الوقف وذكر الناطفي إذا قال بحقوقها تدخل في الوقف وهذا أولى خصوصا إذا زاد بجميع ما فيها ومنها ولو وقف دارا بجميع ما فيها وفيها حمامات يطرن أو بيتا وفيه كورات عسل يدخل الحمام والنحل تبعا للدار والعسل كما لو وقف ضيعة وذكر ما فيها من العبيد الدواليب وآلات الحراثة اه. ملخصا وقوله وذكر ما فيها الخ يفيد عدم الدخول بلا ذكره وبه صرح في الفتح وقد اختصر في البحر عبارة الإسعاف اختصارا مخلا. مطلب لا يشترط التحديد في وقف العقار تنبيه لم يذكر المصنف لصحة الوقف اشتراط تحديد العقار لأن الشرط كونه معلوما وقول الفتح إذا كانت الدار مشهورة معروفة صح وقفها وإن لم تحدد استغناء بشهرتها عن تحديدها اه. ظاهره اشتراط التحديد ولا يخفى ما فيه بل ذلك شرط لقبول الشهادة بوقفيتها وتمامه في البحر وقال في (أنفع الوسائل) بعدما قسم مسألة التحديد إلى سبع صور وأما الصورة الثالثة أي ما لو لم يحددها أصلا وهم لا يعرفونها فقال الخصاف فيها الوقف باطل إلا أن تكون مشهورة وقال هلال الشهادة باطلة ولا شك أن الأول يحتاج إلى تأويل بمعنى أن الشهادة باطلة كما قال هلال وغيره ولا يجوز العمل بظاهره لأن الوقف لا يشترط لصحته التحديد في نفس الأمر ولا يجوز الحكم بإبطاله بمجرد قول الشهود لم يحددها لنا ولا نعرفها ولا هي مشهورة اه. ملخصا قوله (وجاز وقف القن على مصالح الرباط) ظاهره جواز وقفه استقلالا ويؤيده أنه ذكره في الفتح عن الخلاصة في مسائل وقف المنقول الذي جرى فيه التعامل فكان ينبغي للشارح ذكره بعد قول المصنف ومنقول فيه تعامل لئلا يتوهم أن المراد أنه وقفه تبعا للرباط كما توهمه في البحر حيث قال وأما وقف العبيد تبعا للمدرسة والرباط فسيأتي أنه جوزه بعض المشايخ ا ه مع أنه فيما سيأتي إنما ذكر ما في الفتح عن الخلاصة قوله (ونفقته) أي وإن لم يشرطها الواقف وفي الإسعاف لو شرطها من الغلة ثم مرض بعضهم استحقها إن شرط إجراءها عليهم ما داموا أحياء وإن قال لعملهم لا يجري شئ على من تعطل عن العمل ولو باع العاجز واشترى بثمنه عبدا مكانه جاز اه. وقال في موضع آخر وكذلك الدواليب والآلات يبيعها ويشتري بثمنها ما هو أصلح للوقف قوله (وجنايته في مال الوقف) وعلى المتولي ما هو الأصلح من الدفع أو الفداء ولو فداه بأكثر من أرش الجناية كان متطوعا في الزائد فيضمنه من ماله وإن فداه أهل الوقف كانوا متطوعين ويبقى العبد على ما كان عليه من العمل إسعاف قوله (لا قود فيه) كأن وجهه أن في القود ضرر الوقف بفوات البدل اه. ح والظاهر أن محل ما ذكر فيما إذا رضي القاتل بدفع البدل أما إذا لم يرض إلا بتسليم نفسه للقصاص فإنه لا يجبر لأن القصاص عندنا هو الأصل ط قوله (بل تجب قيمته) كما لو قتل خطأ ويشتري به المتولي عبدا ويصير وقفا كما لو قتل المدبر خطأ وأخذ مولاه قيمته فإنه يشتري بها عبدا ويصير مدبرا وقد صرح به في الذخيرة عن الخصاف. بحر.
558 مطلب في وقف المشاع المقضي به قوله (كما صح وقف مشاع في بجوازه) ويصير بالقضاء متفقا عليه والخلاف في وقف المشاع مبني على اشتراط التسليم وعدمه لأن القسمة من تمامه فأبو يوسف أجازه لأنه لم يشترط التسليم ومحمد لم يجزه لاشتراطه التسليم كما مر عند قوله ويفرز وقدمنا أن محل الخلاف فيما يقبل القسمة بخلاف ما لا يقبلها فيجوز اتفاقا إلا في المسجد والمقبرة وقدمنا بعض فروع ذلك قوله (لأنه مجتهد فيه) أي يسوغ فيه الاجتهاد لعدم مخالفته لنص أو إجماع. مطلب مهم إذا حكم الحنفي بما ذهب إليه أبو يوسف أو محمد لم يكن حاكما بخلاف مذهبه قوله (فللحنفي المقلد الخ) أفاد أن المراد بقوله قضى بجوازه ما يشمل قضاء الحنفي وإنما خصه بالتفريع لئلا يتوهم أن المراد به من مذهب آخر لأن إمام مذهبنا غير قائل به لكن لما كان قول أصحابه غير خارج عن مذهبه صح حكم مقلده به ولذا قال في الدرر من كتاب القضاء عند الكلام على قضاء القاضي بخلاف مذهبه أن المراد به خلاف أصل المذهب كالحنفي إذا حكم على مذهب الشافعي وأما إذا حكم الحنفي بما ذهب إليه أبو يوسف أو محمد أو نحوهما من أصحاب الإمام فليس حكما بخلاف رأسه اه. فقد أفاد أن أقوال أصحاب الإمام غير خارجة عن مذهبه فقد نقلوا عنهم أنهم ما قالوا قولا إلا هو مروي عن الإمام كما أوضحت ذلك في شرح منظومتي في رسم المفتي. مطلب مهم في إشكال وقف المنقول على النفس وبهذا يرتفع الإشكال المشهور الذي ذكره الإمام الطرسوسي في أنفع الوسائل والعلامة ابن الشلبي في فتاواه وهو أن وقف الإنسان على نفسه أجازه أبو يوسف ومنعه محمد كما سيأتي ووقف المنقول كالبناء بدون أرض والكتب والمصحف منعه أبو يوسف وأجازه محمد فوقف المنقول على النفس لا يقول به واحد منهما فيكون الحكم به ملفقا من قولين والحكم الملفق باطل بالإجماع كما مر أول الكتاب وبه يندفع ما أجاب به الطرطوسي من أنه في منية المفتي أفاد جواز الحكم الملفق وتمام ذلك مبسوط في كتابنا تنقيح الحامدية في الباب الأول من الوقف قوله (لاختلاف الترجيح) فإن كلا من قول أبي يوسف وقول محمد صحح بلفظ الفتوى كما مر. مطلب فيما إذا كان في المسألة قولان مصححان قوله (قولان مصححان) أي وقد تساويا في لفظي التصحيح وإلا فالأولى الأخذ بما هو آكد في التصحيح كما لو كان أحدهما بلفظ الصحيح والآخر بلفظ عليه الفتوى فإن الثاني أقوى وكذا لو كان أحدهما في المتون أو كان ظاهر الرواية أو كان عليه الأكثر أو كان هو الأرفق فإنه إذا صحح هو ومقابله كان الأخذ به أولى كما قدمناه في أول الكتاب قوله (بأحدهما) أي بأي واحد منهما أراد لكن إذا قضى بأحدهما في حادثة ليس له القضاء فيها بالقول الآخر نعم يقضي به في حادثة غيرها وكذا المفتي وينبغي أن يكون مطمح نظره إلى ما هو الأرفق والأصلح وهذا معنى قولهم:
559 إن المفتي يفتي بما يقع عنده من المصلحة أي المصلحة الدينية لا مصلحته الدنيوية. مطلب في وقف المنقول قصدا قوله (كل منقول قصدا) أما تبعا للعقار فهو جائز بلا خلاف عندهما كما مر لا خلاف في صحة وقف السلاح والكراع أي الخيل للآثار المشهورة والخلاف فيما سوى ذلك فعند أبي يوسف لا يجوز وعند محمد يجوز ما فيه تعامل من المنقولات واختاره أكثر فقهاء الأمصار كما في الهداية وهو الصحيح كما في الإسعاف وهو قول أكثر المشايخ كما في الظهيرية لأن القياس قد يترك بالتعامل ونقل في المجتبى وإن عن السير جواز وقف المنقول مطلقا عند محمد وإذا جرى فيه التعامل عند أبي يوسف وتمامه في البحر والمشهور الأول قوله (وقدوم) بفتح أوله وضم ثانيه مخففا ومثقلا. مطلب في وقف الدراهم والدنانير قوله (بل ودراهم ودنانير) عزاه في الخلاصة إلى الأنصاري وكان من أصحاب زفر وعزاه في الخانية إلى زفر حيث قال وعن زفر شرنبلالية وقال المصنف في المنح ولما جرى التعامل في زماننا في البلاد الرومية وغيرها في وقف الدراهم والدنانير دخلت تحت قول محمد المفتى به في وقف كل منقول فيه تعامل كما لا يخفى فلا يحتاج على هذا إلى تخصيص القول بجواز وقفها بمذهب الإمام زفر من رواية الأنصاري والله تعالى أعلم وقد أفتى مولانا صاحب البحر بجواز وقفها ولم يحك خلافا اه. ما في المنح قال الرملي لكن في إلحاقها بمنقول فيه تعامل نظر إذ هي مما ينتفع بها مع بقاء عينها على ملك الواقف وإفتاء صاحب البحر بجواز وقفها بلا حكاية خلاف لا يدل على أنه داخل تحت قول محمد المفتى به في وقف منقول فيه تعامل لاحتمال أنه اختار قول زفر وأفتى به وما استدل به في المنح من مسألة البقرة الآتية ممنوع بما قلنا إذ ينتفع بلبنها وسمنها مع بقاء عينها لكن إذا حكم به حاكم ارتفع الخلاف اه. ملخصا قلت إن الدراهم لا تتعين بالتعيين فهي وإن كانت لا ينتفع بها مع بقاء عينها لكن بدلها قائم مقامها لعدم تعينها فكأنها باقية ولا شك في كونها من المنقول فحيث جرى فيها تعامل دخلت فيما أجازه محمد ولهذا لما مثل محمد بأشياء جرى فيها التعامل في زمانه قال في الفتح إن بعض المشايخ زادوا أشياء من المنقول على ما ذكره محمد لما رأوا جريان التعامل فيها وذكر منها مسألة البقرة الآتية ومسألة الدراهم والمكيل حيث قال ففي الخلاصة وقف بقرة على أن ما يخرج من لبنها وسمنها يعطى لأبناء السبيل قال إن كان ذلك في موضع غلب ذلك في أوقافهم رجوت أن يكون جائزا وعن الأنصاري وكان من أصحاب زفر فيمن وقف الدراهم أو ما يكال أو ما يوزن أيجوز ذلك قال نعم قيل وكيف قال يدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه وما يكال أو يوزن يباع ويدفع ثمنه لمضاربة أو بضاعة قال فعلى هذا القياس إذا وقف كرا من الحنطة على شرط أن يقرض للفقراء الذين لا بذر لهم ليزرعوه لأنفسهم ثم يؤخذ منهم بعد الإدراك قدر القرض ثم يقرض لغيرهم من الفقراء أبدا على هذا السبيل يجب أن يكون جائزا قال ومثل هذا كثير في الري وناحية دوما وند اه. وبهذا ظهر صحة ما ذكره المصنف من إلحاقها بالمنقول المتعارف على قول محمد المفتى به وإنما خصوها بالنقل عن زفر لأنها لم تكن متعارفة إذ
560 ذاك ولأنه هو الذي قال بها ابتداء قال في النهر ومقتضى ما مر عن محمد عدم جواز ذلك أي وقف الحنطة في الأقطار المصرية لعدم تعارفه بالكلية نعم وقف الدراهم والدنانير تعورف في الديار الرومية اه. قوله: (ومكيل) معطوف على قول المصنف ودراهم قوله: (ويدفع ثمنه مضاربة أو بضاعة) وكذا يفعل في وقف الدراهم والدنانير وما خرج من الربح يتصدق به في جهة الوقف وهذا هو المراد في قول الفتح عن الخلاصة ثم يتصدق بها فهو على تقدير مضاف أي بربحها وعبارة الإسعاف ثم يتصدق بالفضل قوله: (فعلي هذا) أي القول بصحة وقف المكيل قوله (وجنازة) بالكسر النعش وثيابها ما يغطى به الميت وهو في النعش ط. مطلب في التعامل والعرف قوله: (لأن التعامل يترك به القياس) فإن القياس عدم صحة وقف المنقول لأن من شرط الوقف التأبيد والمنقول لا يدوم والتعامل كما في البحر عن التحرير هو الأكثر استعمالا وفي شرح البيري عن المبسوط أن الثابت بالعرف كالثابت بالنص اه. وتمام تحقيق ذلك في رسالتنا المسماة (نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف) وظاهر ما مر في مسألة البقرة اعتبار العرف الحادث فلا يلزم كونه من عهد الصحابة وكذا هو ظاهر ما قدمناه آنفا من زيادة بعض المشايخ أشياء جرى التعامل فيها وعلى هذا فالظاهر اعتبار العرف في الموضع أو زمان الذي اشتهر فيه دون غيره فوقف الدراهم متعارف في بلاد الروم دون بلادنا ووقف الفأس والقدوم كان متعارفا في زمن المتقدمين ولم نسمع به في زماننا فالظاهر أنه لا يصح الآن ولئن وجد نادرا لا يعتبر لما علمت من أن التعامل هو الأكثر استعمالا فتأمل قوله: (لحديث الخ) رواه أحمد في كتاب السنة ووهم من عزاه للمسند من حديث أبي وائل عن ابن مسعود وهو موقوف حسن وتمامه في حاشية الحموي عن المقاصد الحسنة للسخاوي قوله: (ومتاع) ما يتمتع به فهو عطف عام على خاص فيشمل ما يستعمل في البيت من أثاث المنزل كفراش وبساط وحصير لغير مسجد والأواني والقدور نعم تعورف وقف الأواني من النحاس ونص المتقدمون على وقف الأواني والقدور والمحتاج إليها في غسل الموتى قوله: (وهذا) أي جواز وقف المنقول المتعارف قوله (وألحق في البحر السفينة بالمتاع) أي فلا يصح لكن قال شيخ مشايخنا السائحاني إنهم تعاملوا وقفها فلا تردد في صحته اه. وكأنه حدث بعد صاحب البحر وألحق في المنح وقف البناء بدون الأرض وكذا وقف الأشجار بدونه لأنه منقول فيها تعامل وتمامه في الدر المنتقى وسيأتي عند قول المصنف بني على أرض الخ قوله جاز وقف الأكسية الخ) قلت وفي زماننا قد وقف بعض المتولين على المؤذنين الفراء شتاء ليلا فينبغي الجواز سيما على ما مر عن الزاهدي فتدبر شرح الملتقى أي ما
561 ذكره الزاهدي في المجتبى من جواز وقف المنقول مطلقا عند محمد ولا يخفى أن هذا في وقف نفس الأكيسة أما لو وقف عقارا وشرط أن يشتري من ريعه أكسية للفقراء أو المؤذنين فلا كلام فيه كما أفاده ط. مطلب متى ذكر للوقف مصرفا لا بد أن يكون فيهم تنصيص على الحاجة قوله: (إن يحصون جاز) هذا الشرط مبني على ما ذكره شمس الأئمة من الضابط وهو أنه إذا ذكر للوقف مصرفا لا بد أن يكون فيهم تنصيص على الحاجة حقيقة كالفقراء أو استعمالا بين الناس كاليتامى والزمني لأن الغالب فيهم الفقر فيصح للأغنياء والفقراء منهم إن كانوا يحصون وإلا فلفقرائهم فقط ومتى ذكر مصرفا يستوي فيه الأغنياء والفقراء فإن كانوا يحصون صبح باعتبار أعيانهم وإلا بطل وروى عن محمد أن ما لا يحصى عشرة وعن أبي يوسف مائة وهو المأخوذ به عند البعض وقيل أربعون وقيل ثمانون والفتوى أنه مفوض إلى رأي الحاكم إسعاف وبحر قوله (وإن وقف على المسجد جاز) ظاهره أنه لا يشترط فيه كون أهله ممن يحصون لأن الوقف على المسجد لا على أهله كما هو المتبادر من المقابلة ولعل وجهه أنه يصير كالتنصيص على التأبيد بمنزلة الوقف على عمارة مسجد معين فإنه يصح في المختار لتأبده مسجدا كما قدمناه عند قوله: (ويجعل آخره لجهة قربة قوله ولا يكون محصورا على هذا المسجد) هذا ذكر في الخلاصة بقوله وفي موضع آخر ولا يكون الخ أي وذكر في كتاب آخر فهو قول آخر مقابل لقوله ويقرأ فيه فإن ظاهره أنه يكون مقصورا على ذلك المسجد وهذا هو الظاهر حيث كان الواقف عين ذلك المسجد فلما فعله صاحب الدر حيث نقل العبارة عن الخلاصة وأسقط منها قوله وفي موضع آخر غير مناسب لإيهامه أنه من تتمة ما قبله إلا أن يكون قد فهم أن قوله ويقرأ فيه محمول على الأولوية فيكون ما في موضع آخر غير مخالف له تأمل لكن في القنية سبل مصحفا في مسجد بعينه للقراءة ليس له بعد ذلك أن يدفعه إلى آخر من غير أهل تلك المحلة للقراءة قال في النهر وهذا يوافق القول الأول لا ما ذكر في موضع آخر اه. فهذا يفيد أنهما قولان متغايران خلافا لما فهمه في الدرر وتبعه الشارح قوله: (وبه عرف حكم الخ) الحكم هو ما بينه بعد قوله فإن وقفها الخ ط قوله (لم يجز نقلها) ولا سيما إذا كان الناقل ليس منهم نهر ومفاده أنه عين مكانها بأن بنى مدرسة وعين وضع الكتب فيها لانتفاع سكانها. مطلب في حكم الوقف على طلبة العلم قوله: (وإن على طلبة العلم الخ) ظاهره صحة الوقف عليهم لأن الغالب فيهم الفقر كما علم من الضابط المار آنفا وفي البحر قال شمس الأئمة فعلى هذا إذا وقف على طلبة العلم في بلدة كذا يجوز لأن الفقر غالب فيهم فكان الاسم منبئا عن الحاجة ثم ذكر الضابط المار قلت ومقتضاه أنهم إذا كانوا لا يحصون يختص بفقرائهم فعلى هذا وقف المصحف في المسجد والكتب في المدارس لا يحل لغير فقير وهو خلاف المتبادر من عبارة الخلاصة والقنية في
562 المصحف وقد يقال إن هذا مما يستوي في الانتفاع به الغني والفقير كما سيأتي من أن الوقف على ثلاثة أوجه منها ما يستوي فيه الفريقان كرباط وخان ومقابر وسقاية وعلله في الهداية بأن أهل العرف يريدون فيه التسوية بينهم ولأن الحاجة ذاعية وقال وهنا كذلك فإن واقف الكتب يقصد نفع الفريقين ولأنه ليس كل غني يجد كل كتاب يريده خصوصا وقت الحاجة إليه. مطلب في نقل كتب الوقف من محلها قوله: (ففي جواز النقل تردد) الذي تحصل من كلامه أنه إذا وقف كتبا وعين موضعها فإن وقفها على أهل ذلك الموضع لم يجز نقلها منه لا لهم ولا لغيرهم وظاهره أنه لا يحل لغيرهم الانتفاع بها وإن وقفها على طلبة العلم فلكل طالب الانتفاع بها في محلها وأما نقلها منه ففيه تردد ناشئ مما قدمه عن الخلاصة من حكاية القولين من أنه لو وقف المصحف على المسجد أي بلا تعيين أهله قيل يقرأ فيه أي يختص بأهله المترددين إليه وقيل لا يختص به أي فيجوز نقله إلى غيره وقد علمت تقوية القول الأول بما مر عن القنية وبقي ما لو عمم الواقف بأن وقفه على طلبة العلم لكنه شرط أن لا يخرج من المسجد أو المدرسة كما هو العادة وقدمنا عند قوله ولا يرهن عن الأشباه أنه لو شرط أن لا يخرج إلا برهن لا يبعد وجوب اتباع شرطه وحمل الرهن على المعنى اللغوي تبعا لما قاله السبكي ويؤيده ما قدمناه قبيل قوله والملك يزول عن الفتح من قوله إن شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع وهو مالك فله أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية وله أن يخص صنفا من الفقراء وكذا سيأتي في فروع الفصل الأول أن قولهم شرط الواقف كنص الشارع أي في المفهوم والدلالة ووجوب العمل به. قلت: لكن لا يخفى أن هذا إذا علم أن الواقف نفسه شرط ذلك حقيقة أما مجرد كتابة ذلك على ظهر الكتب كما هو العادة فلا يثبت به الشرط وقد أخبرني بعض قوام مدرسة أن واقفها كتب ذلك ليجعل حيلة لمنع إعارة من يخشى منه الضياع والله سبحانه أعلم. مطلب يبدأ من غلة الوقف بعمارته قوله: (ويبدأ من غلته بعمارته) أي الصرف إلى المستحقين قال القهستاني العمارة بالكسر مصدر أو اسم ما يعمر به المكان بأن يصرف إلى الموقوف عليه حتى يبقى على ما كان عليه دون الزيادة إن لم يشترط ذلك ك ما في الزاهدي وغيره فلو كان الوقف شجرا يخاف هلاكه كان له أن يشتري من غلته قصيلا فيغرزه لأن الشجر يفسد على امتداد الزمان وكذا إذا كانت الأرض سبخة لا ينبت فيها شئ كان له أن يصلحها كما في المحيط اه. مطلب دفع المرصد مقدم على الدفع للمستحقين ومثله في الخانية وغيرها ودخل في ذلك دفع المرصد الذي على الدار فإنه مقدم على الدفع للمستحقين كما في فتاوى تلميذ الشارح المرحوم الشيخ إسماعيل وهذه فائدة جليلة قل من تنبه لها فإن المرصدين على الوقف لضرورة تعميره فإذا وجد في الوقف مال ولو في كل سنة شئ حتى تتخلص رقبة الوقف ويصير يؤجر بأجرة مثله لزم الناظر ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
563 مطلب كون التعمير من الغلة إن لم يكن الخراب بصنع أحد وذكر في البحر أن كون التعمير من غلة الوقف إذا لم يكن الخراب بصنع أحد ولذا قال في الولوالجية رجل آخر دار الوقف فجعل المستأجر رواتها مربطا للدواب وخربها يضمن لأنه فعل بغير إذن اه. مطلب عمارة الوقف على الصفة التي وقفه تنبيه لو كان الوقف على معين فالعمارة في ماله كما سيأتي بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة التي وقفه فإن خرب يبني كذلك ولا تجوز الزيادة بلا رضاء ولو كان على الفقراء فكذلك وعند البعض تجوز والأول أصح هداية ملخصا وبه علم أن عمارة الوقف زيادة على ما في زمن الواقف لا تجوز بلا رضا المستحقين وظاهر قوله بقدر ما يبقى الخ منع البياض والحمرة (1) على الحيطان من مال الوقف إن لم يكن فعله الواقف وإن فعله فلا منع بحر. مطلب يبدأ بعد العمارة بما هو أقرب إليها قوله: (ثم ما هو أقرب لعمارته الخ) أي فإن انتهت عمارته وفضل من الغلة شئ يبدأ بما هو أقرب للعمارة وهو عمارته المعنوية التي هي قيام شعائره قال في الحاوي القدسي والذي يبدأ به من ارتفاع الوقف أي من غلته عمارته شرط الواقف أولا ثم ما هو أقرب إلى العمارة وأعم للمصلحة كالإمام للمسجد والمدرس للمدرسة يصرف إليهم إلى قدر كفايتهم ثم السراج والبساط كذلك إلى آخر المصالح هذا إذا لم يكن معينا فإن كان الوقف معينا على شئ يصرف إليه بعد عمارة البناء اه. قال في البحر والسراج بالكسر القناديل ومراده مع زيتها والبساط بالكسر أيضا الحصير ويلحق بهما معلوم خادمهما وهو الوقاد والفراش فيقدمان وقوله إلى آخر المصالح أي مصالح المسجد يدخل فيه المؤذن والناظر ويدخل تحت الإمام الخطيب لأنه إمام الجامع اه. ملخصا ثم لا يخفى أن تعبير الحاوي بثم يفيد تقديم العمارة على الجميع كما هو إطلاق المتون فيصرف إليهم الفاضل عنها خلافا لما يوهمه كلام البحر نعم كلام الفتح الآتي يفيد المشاركة ويأتي بيانه فافهم قوله: (بقدر كفايتهم) أي لا بقدر استحقاقهم المشروط لهم والظاهر أن قول الحاوي هذا إذا لم يكن معينا إلخ راجع إليه كما فهمه في شرح الملتقى وقال إن فرض المسألة فيما إذا كان الوقف على جملة المستحقين بلا تعيين قدر لكل فلو به فلا ينبغي جعل الحكم كذلك اه. أي بل يصرف إلى كل منهم القدر الذي عينه الواقف ثم قال في شرح الملتقى ويمكن أن يقال لا فرق بين التعيين وعدمه لأن الصرف إلى ما هو قريب من العمارة كالعمارة وهي مقدمة مطلقا ويقويه تجويزهم مخالفة شرط الواقف في سبعة مسائل منها الإمام لو شرط له ما لا يكفيه يخالف شرطه اه. قلت: وهذا مأخوذ من البحر حيث قال والتسوية بالعمارة تقتضي تقديمهما أي الإمام والمدرس عند شرط الواقف إنه إذا ضاق ريع الوقف قسم الريع عليهم بالحصة وإن هذا الشرط لا يعتبر اه.
(1) قوله: (منع الياس والحمرة الخ) قال شيخنا وقد رأيت تقييد ذلك بما إذا لم يورث البياض والحمرة زيادة في الأجرة فإن كان كذلك فلا منع ثم قال وهو تقييد حسن ويظهر أن الزيادة في أماكنه كذلك اه. 564 والحاصل أن الوجه يقتضي أن ما كان قريبا من العمارة يلحق بها في التقديم على بقية المستحقين وإن شرط الواقف قسمة الريع على الجميع بالحصة أو جعل لكل قدرا وكان ما قدره للإمام ونحوه لا يكفيه فيعطى قدر الكفاية لئلا يلزم تعطيل المسجد فيقدم أولا العمارة الضرورية ثم الأهم فالأهم من المصالح والشعائر بقدر ما يقوم به الحال فإن فضل شئ يعطى لبقية المستحقين إذ لا شك أن مراد الواقف انتظام حال مسجده أو مدرسته لا مجرد انتفاع أهل الوقف وإن لزم تعطيله خلافا لما يوهمه كلام الحاوي المذكور ولكن يمكن إرجاع الإشارة في قول الحاوي هذا إذا لم يكن معينا الخ إلى صدر عبارته يعني أن الصرف إلى ما هو أقرب إلى العمارة كالإمام ونحوه إنما هو فيما إذا لم يكن الوقف معينا على جماعة معلومين كالمسجد والمدرسة أما لو كان معينا كالدار الموقوفة على الذرية أو الفقراء فإنه بعد العمارة يصرف الريع إلى ما عينه الواقف بلا تقديم لأحد على أحد فاغتنم هذا التحرير قوله (كذلك) أي بقدر الكفاية لا بقدر الشرط وأما قوله الآتي فيعطوا المشروط وقوله فلهم أجرة عملهم فيأتي الكلام فيه قوله: (لثبوته اقتضاء) لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدا ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء بحر ومثلها ما هو قريب منها كما قررناه آنفا. مطلب في قطع الجهات لأجل العمارة قوله: (وتقطع الجهات) أي تمنع من الصرف إليها وعبارة الفتح وتقطع الجهات الموقوف عليها للعمارة إن لم يخف ضرر بين فإن خيف قدم اه. أي إن لم يخف بقطعه ضرر كإمام ونحوه يقدم أي على بقية المستحقين ممن ليس في قطعهم ضرر بين لا على العمارة فافهم إلا أن يكون المراد العمارة الغير الضرورية فإن الإمام يقدم عليها ويحتمل أن المراد من قوله قدم أنه لا يقطع بقرينة صدر العبارة لكن يصير مفاده أن من في قطعه ضرر بين يساوي العمارة فيصرف أولا إليها وإليه وهو خلاف المفاد من التعبير بثم في عبارة الحاوي كما مر فإما أن يراد بثم معنى الواو كما هو مفاد كلام البحر أو يراد بالعمارة فيما مر الضرورية كرفع سقف أو جدار فيصرف الريع إليها أولا كما هو مفاد المتون ثم الفاضل إلى الجهات الضرورية الأهم فالأهم دون غيرها كالشاهد والجابي وخازن الكتب ونحوهم ويراد بما في الفتح العمارة الغير الضرورية فتقدم الجهات الضرورية عليها أو تشاركها إذا كان الريع يكفي كلا منهما ثم لا يخفى أنه لو احتيج قطع الكل للعمارة الضرورية قدمت على جميع الجهات إذ ليس من النظر خراب المسجد لأجل إمام ومؤذن. فالحاصل أن الترتيب المستفاد من عبارة الحاوي بالنظر إلى تقديم العمارة الضرورية على جميع الجهات والمشاركة المفادة من عبارة الفتح بالنظر إلى غير الضرورية أو إذا كان في الريع زيادة على الضرورية ثم رأيت في حاشية الأشباه التصريح بحمل ما في الحاوي على ما قلنا قوله (فيعطي المشروط لهم) برفع المشروط نائب فاعل يعطي وفي بعض النسخ فيعطلوا بالجزم بحذف النون عطفا على قدموا ونصب المشروط مفعول ثان واعترض بأن ما ذكره تابع في النهر وهو خلاف ما مر من أنهم يعطون بقدر كفايتهم وخلاف ما في البحر من أخذ قدر الأجرة.
565 قلت لا يخفى عليك أن قول الفتح المار وتقطع الجهات الخ معناه أن من يخاف بقطعه ضرر بين لا يقطع معلومه المشروط له بل يقدم ويأخذه بخلاف غيره من المستحقين كالناظر والشاد والمباشر ونحو ذلك فإنه يقطع ولا يعطي شيئا أي إلا إذا عمل زمن العمارة فله قدر أجرته فقط لا المشروط فإنه في الفتح قال بعد قوله قدم وأما الناظر فإن كان المشروط له من الواقف فهو كأحد المستحقين فإذا قطعوا للعمارة قطع إلا أن يعمل كالفاعل والبناء ونحوهما فيأخذ قدر أجرته وإن لم يعمل لا يأخذ شيئا اه. ولهذا قال في النهر وأفاد في البحر أن مما يخاف بقطعه الضرر البين الإمام والخطيب فيعطيان المشروط لهما أما المباشر والشاد إذا عملا زمن العمارة فإنما يستحقان بقدر أجرة عملهما لا المشروط اه. لكن الظاهر أن قوله وأفاد في البحر سبق قلم صوابه وأفاد في الفتح لأن ما ذكره هو مفاد كلام الفتح كما علمته وأما ما في البحر فإنه خلاف هذا لأنه بعد ما ذكر كلام الفتح قال فظاهره أن من عمل من من المستحقين زمن العمارة يأخذ قدر أجرته لكن إذا كان مما لا يمكن ترك عمله إلا بضرر بين كالإمام والخطيب ولا يراعى المعلوم المشروط زمن العمارة فعلى هذا إذا عمل المباشر والشاد زمن العمارة يعطيان بقدر أجرة عملهما فقط وأما ما ليس في قطعه ضرر بين فإنه لا يعطي شيئا أصلا زمن العمارة اه. وأنت خبير بأن ما نسبه إلى ظاهر الفتح خلاف الظاهر فإن ظاهر الفتح أن من لا يقطع يعطى المشروط الأجر ومن يقطع وهو من ليس في قطعه ضرر بين لا يعطى ثم ذكر أن الناظر ممن يقطع وأنه إذا عمل فله قدر أجرته أي لا ما شرطه له الواقف فأفاد أن من يقطع كالناظر لا يعطى شيئا إلا إذا عمل وهذا كله كما ترى مخالف لما فهمه في البحر من أن من لا يقطع كالإمام له الأجر إذا عمل ومن يقطع لا يعطى شيئا أصلا أي لا أجرا ولا مشروطا وإن عمل وفيه أيضا أنه جعل للشاد والمباشر أجرة إذا عملا ومقتضاه أنهما من الشعائر التي لا تقطع وهو خلاف ما صرح به نفسه بعد نحو ثلاث أوراق نعم هو موافق لما بحثه في الأشباه من أنه ينبغي أن يلحق بهؤلاء يعني الإمام والمدرس والخطيب والمؤذن والميقاتي صلى والناظر وكذا الشاد والكاتب والجاني زمن العمارة اه. لكن رد في النهر ما في الأشباه بأنه مخالف لصريح كلامهم كما مر بل الناظر وغيره إذا عمل زمن العمارة كان له أجر مثله كما جرى عليه في البحر وهو الحق اه. ومراده بما جرى عليه في البحر ما نقله عن الفتح ومراده بقوله بل الناظر وغيره أي من ليس في قطعه ضرر بين ووجه مخالفته للمنقول أن هؤلاء لهم أجرة عملهم إذا عملوا زمن العمارة فإلحاقهم محمد بالإمام وأخويه يقتضي أن لهم المشروط وليس كذلك كما دل عليه كلام الفتح وبه ظهر خلل ما في البحر وصحة ما ذكره الشارح تبعا للنهر خلافا لمن نسبهما إلى عدم الفهم فافهم نعم في عبارة البحر والنهر خلل من وجه آخر وهو أن كلامهما مبني على أن المراد بالعمل في عبارة الفتح عمله في وظيفته وهو بعيد لأنه إذا عمل في وظيفته وأعطى قدر أجرته لم يقطع بل صدق عليه أنه قدم كغيره ممن في قطعه ضرر كالإمام وهذا خلاف ما مر من تقديم الأهم فالأهم وأيضا من لم يعمل عمله المشروط لا يعطى شيئا أصلا ولو كان في قطعه ضرر فلا فرق بينه وبين غيره فيتعين حمل العمل في كلام الفتح على العمل في التعمير وعبارة الفتح صريحة في ذلك فإنه قال إلا أن يعمل كالفاعل والبناء ونحوهما فيأخذ قدر أجرته اه. لكن هو مقيد بما إذا عمل بأمر القاضي لما في جامع
566 الفصولين لو عمل المتولي في الوقف بأجر جاز ويفتي بعدمه إذ لا يصلح مؤجرا ومستأجرا وصح لو أمره الحاكم أن يعمل فيه اه. وعليه كما في القنية إذا عمل القيم في عمارة المسجد والوقف كعمل الأجير لا يستحق أجرا محمول على ما إذا كان بلا أمر الحاكم والظاهر أن الناظر غير قيد بل كل من عمل في التعمير من المستحقين له أجرة عمله وإنما نصوا على الناظر لأنه لا يصلح مؤجرا ومستأجرا أو مستأجرا لنفسه فإذا كان بأمر الحاكم كان الحاكم هو المستأجر له بخلاف غيره من المستحقين فإن المستأجر له هو الناظر فلا شبهة في استحقاقه الأجرة كالأجنبي. وحيث حملنا كلام الفتح على ما قلنا صار حاصله أن من في قطعه ضرر بين لا يقطع زمن التعمير أي بل يبقى على ما شرط له الواقف وأما غيره فيقطع ولا يعطى شيئا أصلا وإن عمل في وظيفته نعم يعطي لكل أجرة عمله إذا عمل في العمارة ولو هو الناظر لكن لو بأمر الحاكم وبهذا التقرير سقط ما قدمناه عن النهر في الرد على الأشباه إذ لا أجرة على العمل في غير التعمير ثم الظاهر أن المراد بالمشروط ما يكفيه لأن المشروط له من الواقف لو كان دون كفايته وكان لا يقوم بعمله إلا بها يزاد عليه ويؤيده ما سيأتي في فروع الفصل الأول أن للقاضي الزيادة على معلوم الإمام إذا كان لا يكفيه وكذا الخطيب. قلت: بل الظاهر أن كل من في قطعه ضرر بين فهو كذلك لأنه في حكم العمارة فهو مثل ما لو زادت أجرة الأجيرة في التعمير وأما لو كان المشروط له أكثر من قدر الكفاية فلا يعطى إلا الكفاية في زمن التعمير لأنه لا ضرورة إلى دفع الزائد المؤدي إلى قطع غيره فيصرف الزائد إلى من يليه من المستحقين وعلى هذا يحصل التوفيق بين ما مر عن الحاوي من أنهم يعطون بقدر كفايتهم وبين ما استفيد من الفتح من أنهم يعطون المشروط. والحاصل مما تقرر وتحرر أنه يبدأ بالتعمير الضروري حتى لو استغرق جميع الغلة صرفت كلها إليه ولا يعطى أحد ولو إماما أو مؤذنا فإن فضل عن التعمير شئ يعطى ما كان أقرب إليه مما في قطعه ضرر بين وكذا لو كان التعمير غير ضروري بأن كان لا يؤدي تركه إلى خراب العين لو أخر إلى غلة السنة القابلة فيقدم الأهم فالأهم ثم من لا يقطع يعطي المشروط له إذا كان قدر كفايته وإلا يزاد أو ينقص ومن لم يكن في قطعه ضرر بين قدمت العمارة عليه وإن أمكن تأخيرها إلى غلة العام القابل كما هو مقتضى إطلاق المتون ولا يعطى شيئا أصلا وإن باشر وظيفته ما دام الوقف محتاجا إلى التعمير وكل من عمل المستحقين في العمارة فله أجرة عمله لا المشروط ولا قدر الكفاية فهذا غاية ما ظهر لي في تحرير هذا المقام الذي زلت فيه أقدام الأفهام قوله: (وأما الناظر والكاتب الخ) قد علمت ما في هذا الكلام وما ادعاه في النهر أنه الحق مخلفا لما في الأشباه بما حررناه آنفا قوله: (ضمن) هذا إذا كان في تأخير التعمير خراب عين الوقف وإلا فيجوز الصرف للمستحقين وتأخير العمارة للغلة الثانية إذا لم يخف ضرر بين فإن خيف قدم كما في الزواهر عن البحر در منتقى قوله (الظاهر لا) قياسا على مودع الابن إذا أنفق على الأبوين بلا إذنه ولا إذن القاضي فإنه يضمن بلا رجوع عليهما لأنه بالضمان تبين أنه دفع مال نفسه وأنه متبرع بحر وفيه
567 نظر بل له الرجوع (1) ما دام المدفوع قائما لو هلك لأنه هبة نهر. أقول لا وجه لجعله هبة بل هو دفع مال يستحقه غير المدفوع إليه على ظن أنه يستحقه المدفوع إليه فينبغي الرجوع قائما أو مستهلكا كدفع الدين المظنون بخلاف مودع الابن فإنه مأمور بالحفظ رملي ملخصا ونحوه في شرح المقدسي ونقل ط نحوه عن البيري والحاصل أن الظاهر الرجوع مطلقا لا عدمه مطلقا ولا التفصيل قوله: (وما قطع الخ) في الأشباه إذا حصل تعمير الوقف في سنة وقطع معلوم المستحقين كله أو بعضه فما قطع لا يبقى دينا لهم على الوقف إذ لا حق لهم في الغلة زمن التعمير وفائدته لو جاءت الغلة في السنة الثانية وفاض شئ بعد صرف معلومهم هذه السنة لا يعطيهم الفاضل عوضا عما قطع اه. قوله (قدر العمارة) أي القد ر الذي يغلب على ظنه الحاجة إليه حموي ويصرف الزيادة على ما شرط الواقف أشباه قوله: (ولا غلة) أي والحال أنه لا غلة للأرض حين يحدث حدث قوله (فليحفظ الفرق الخ) قال في الأشباه فيفرق بين اشتراط تقديم العمارة كل سنة والسكوت عنه فإنه مع السكوت تقدم العمارة عند الحاجة إليها ولا يدخر لها عند عدم الحاجة إليها ومع الاشتراط تقدم عند الحاجة ويدخر لها عند عدمها ثم يفرق الباقي لأن الواقف إنما جعل الفاضل عنها للفقراء اه. ط قوله: (لو زاد المتولي دانقا) صورته استأجر المتولي رجلا في عمارة المسجد بدرهم ودانق وأجرة مثله درهم ضمن جميع الأجرة من ماله لأنه زاد في الأجر أكثر مما يتغابن فيه الناس فيصير مستأجرا لنفسه فإذا نقض الأجر من مال المسجد كان ضامنا بحر عن الخانية والدانق سدس الدرهم والمدار على ما لا يتغابن فيه أي ما لا يقبل الناس الغبن فيه إذا ما دونه يسير لا يمكن الاحتراز عنه قوله (وفي شرحها) خبر مقدم وجملة قوله الشعائر الخ قصد بها لفظها مبتدأ مؤخر قوله: (في وقف المصالح) أي فيما لو وقف على مصالح المسجد قوله: (يعبر) من العبور بمعنى الدخول قوله التي تقدم) أي على بقية المستحقين بعد العمارة الضرورية قوله: (إمام وخطيب الخ) ظاهره أن جميع من ذكر يكون في قطعه ضرر بين وخصه في النهر بالخطيب فقط بشرط أن يتحد في البلد كمكة والمدينة ولم
(1) قوله: (بل له الرجوع الخ) مقتضى هذا أن تكون مسألة الوديعة عليها كذلك مع أن أحدا من الفقهاء لم يفصل في عدم رجوع المودع بل اتفقت كلمتهم على إطلاق عدم الرجوع والفرق غير ظاهر شيخنا ثم قال ويظهر لي أن مسألة الوديعة من قبيل قضاء الدين عن الأجنبي لأن النفقة دين على الابن المودع وقد يتبرع المودع بالدفع إلى الأبوين وقضاء الدين عن المودع من مال نفسه بالقسمان اه. 568 يوجد من يخطب حسبة بإذن الإمام اه. وفيه نظر كما في الحموي قوله مباشر) انظر ما المراد به قوله: (وشاهد) قيل المراد به كاتب الغيبة المعروف بالنقطجي لأن بعرف أهل الشام قوله: (وشاد) هو الملازم للمسجد مثلا لتفقد حاله من تنظيف ونحوه ط وقيل هو المسمى بالدعجي. قلت: ويؤيده ما في القاموس الإشادة رفع الصوت بالشئ وتعريف الضالة والإهلال والشيادة فقال الدعاء بالأيل صلى الله عليه وسلم وذلك الطيب بالجلد اه. قوله: (ومزملاتي) هو الشاوي بعرف أهل الشام در منتقى. وقيل هو في عرف أهل مصر من ينقل الماء من الصهريج إلى الجرار وفي القاموس مزملة كمعظمة التي يبرد فيها الماء قوله: (قاله في البحر) أي قال ما مر من قوله الشعائر إلى هنا قوله: (قلت ولا تردد) رد على قول البحر ويقع الاشتباه إلخ قوله قوله انتهى) أي كلام الشرنبلالي في شرح الوهبانية قوله: (لو مدرس المدرسة) ولا يكون مدرسها من الشعائر إلا إذا لازم التدريس على حكم الشرط أما مدرسو زماننا فلا أشباه ولو أنكر الناظر ملازمة المدرس فالقول للمدرس بيمينه وكذا لورثته لقيامهم مقامه وكذا كل ذي وظيفة وتمامه في حاشية الرملي عند قول البحر السادسة. مطلب فيمن لم يدرس لعدم وجود الطلبة وفي الحموي سئل المصنف عمن لم يدرس لعدم وجود الطلبة فهل يستحق المعلوم أجاب إن فرغ نفسه للتدريس بأن حضر المدرسة المعينة لتدريسه استحق المعلوم لإمكان التدريس لغير الطلبة المشروطين قال في شرح المنظومة المقصود من المدرس يقوم بغير الطلبة بخلاف الطالب فإن المقصود لا يقوم بغيره اه وسيأتي قبيل الفرع أنه لو درس في غيرها لتعذره فيها ينبغي أن يستحق العلوفة وفي فتاوى الحانوتي يستحق المعلوم عند قيام المانع من العمل ولم يكن بتقصيره سواء كان ناظرا أو غيره كالجاني. مطلب في استحقاق القاضي والمدرس الوظيفة في يوم البطالة قوله: (وينبغي إلحاقه ببطالة القاضي الخ) قال في الأشباه وقد اختلفوا في أخذ القاضي ما رتب له في بيت المال في يوم بطالته فقال في المحيط إنه يأخذ لأنه يستريح لليوم الثاني وقيل لا اه. وفي المنية القاضي يستحق الكفاية من بيت المال في يوم البطالة في الأصح وفي الوهبانية أنه أظهر فينبغي أن يكون كذلك في المدرس لأن يوم البطالة للاستراحة وفي الحقيقة تكون للمطالعة والتحرير عند ذوي المهمة ولكن تعارف الفقهاء في زماننا بطالة طويلة أدت إلى أن صار الغالب البطالة وأيام التدريس قليلة اه. ورده البيري بما في القنية إن كان الواقف قدر للدرس لكل يوم مبلغا فلم يدرس يوم الجمعة أو الثلاثاء لا يحل له أن يأخذ ويصرف أجر هذين اليومين إلى مصارف المدرسة من المرمة وغيرها بخلاف ما إذا لم يقدر لكل يوم مبلغا فإنه يحل له الأخذ وإن
569 لم يدرس فيهما للعرف بخلاف غيرهما من أيام الأسبوع حيث لا يحل له أخذ الأجر عن يوم لم يدرس فيه مطلقا سواء قدر له أجر كل يوم أو لا اه ط. قلت: هذا ظاهر فيما إذا قدر لكل يوم درس فيه مبلغا أما لو قال يعطى المدرس كل يوم كذا فينبغي أن يعطى ليوم البطالة المتعارفة بقرينة ما ذكره في مقابله من البناء على العرف فحيث كانت البطالة معروفة في يوم الثلاثاء والجمعة وفي رمضان والعيدين يحل الأخذ وكذا لو بطل في يوم غير معتاد لتحرير درس إلا إذا نص الواقف على تقييد الدفع باليوم الذي يدرس فيه كما قلنا وفي الفصل الثامن عشر من التتارخانية قال الفقيه أبو الليث ومن يأخذ الأجر من طلبة العلم في يوم لا درس فيه أرجو أن يكون جائزا وفي الحاوي إذا كان مشغلا بالكتابة والتدريس اه. قوله (وسيجئ) أي عن نظم الوهبانية بعد قوله مات المؤذن والإمام قوله: (على من له السكنى) أي على من يستحقها ومفاده أنه لو كان بعض المستحقين غير ساكن فيها يلزمه التعمير مع الساكنين لأن تركه لحقه لا يسقط حق الوقف فيعمر معهم وإلا تؤجر حصته كما يأتي قوله: (من ماله) فإذا رم حيطانها بالآجر أو أدخل فيها جذعا ثم مات ولا يمكن نزع ذلك فليس للورثة نزعه بل يقال لمن له السكنى بعده اضمن لورثته قيمة البناء فإن أبى أو جرت الدار وصرفت الغلة إليهم بقدر قيمة البناء ثم أعيدت السكنى إلى من له السكنى وليس له أن يرضى بالهدم والقلع وإن كان ما رم الأول مثل تجصيص الحيطان وتطيين السطوح وشبه ذلك لم يرجع الورثة بشئ بحر عن الظهيرية أي لأن ما لا يمكن أخذ عينه فهو في حكم الهالك بخلاف الآجر والجذع ولو بنى الأول ما يمكن رفعه بلا ضرر أمر الورثة برفعه وليس للثاني تملكه بلا رضاهم كما في الإسعاف وفي البحر عن القنية لو بنى واحد من الموقوف عليهم بعض الدار وطين البعض وجصص البعض وبسط فيه الآجر فطلب الآخر حصته ليسكن فيها فمنعه حتى يدفع حصة ما أنفق ليس له ذلك والطين والجص صار تبعا للوقف وله نقض الآجر إن لم يضر. مطلب في عمارة من له السكنى قوله: (لا من الغلة) لأن من له السكنى لا يملك الاستغلال بلا خلاف واختلف في عكسه والراجح الجواز كما حرره الشرنبلالي في رسالة ويأتي تمامه قريبا قوله: (إذ الغرم بالغنم) أي المضرة بمقابلة المنفعة قوله بقدر الصفة التي وقفها الواقف) هذا موافق لما قدمناه عن الهداية عند قوله يبدأ من غلته بعمارته والظاهر أن المراد منه منع الزيادة بلا رضاه كما يفيده تمام عبارة الهداية وكذا ما يأتي عن الزيلعي فلا ينافي ما في الإسعاف من أنه يقال له رمها مرمة لا غنى عنها وهي ما يمنع من خرابها ولا يلزمه أزيد من ذلك اه. فلا يلزمه إعادة البياض والحمرة ولا إعادة مثل ما خرب في الحسن والنفاسة هذا ما ظهر لي قوله: (ولو أبي من له السكنى) أي كلهم أو بعضهم فيؤجر حصته الآبي ثم يردها إليه كما في القهستاني والدر المنتقى والإسعاف قوله
570 (عمر الحاكم) أي أو المتولي قهستاني قال في البحر ولو قالوا عمرها المتولي أو القاضي لكان أولى قوله: (كعمارة الواقف) أتى به مع علمه مما تقدم للاستثناء ط قوله ولم يزد في الأصح) يشير إلى أن فيه خلافا لكن هذا ذكره الزيلعي في الموقوف على الفقراء وقدمناه أيضا عن الهداية وكلامنا الآن في الموقوف على معين أي كذرية الواقف ونحوهم ممن عين لهم السكنى وظاهر كلامهم أنه لا خلاف في عدم الزيادة فيه. مطلب فيما لو آجر من له السكنى قوله: (ولا تصح إجارة من له السكنى) أي إذا لم يكن متوليا ولو زادت على قدر حاجته ولا مستحق غيره كما قدمناه عند قوله ولا يقسم وقدمنا هناك ما لو ضاقت على المستحقين وكذا لا تصح إجارة من له الغلة في البحر وسيأتي في قول المصنف والموقوف عليه الغلة لا يملك الإجارة بقي لو آجر ولم تصح ينبغي أن تكون للوقف بحر لكن قال الحانوتي إنه غاصب وصرحوا بأن الأجرة للغاصب اه. قلت: هذا مبني على مذهب المتقدمين والمفتى به ضمان منافع الوقف كما سيأتي قبيل قوله يفتي بالضمان في غصب عقار الوقف فإذا كانت الغلة أو السكنى له وحده ينبغي أن تكون الأجرة له وإلا فللكل تأمل. مطلب لا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر ولو من قبله قوله: (بل المتولي أو القاضي) ظاهره أن للقاضي الإجارة ولو أبى المتولي إلا أن يكون المراد التوزيع فالقاضي يؤجرها إن لم يكن لها متول أو كان وأبى الأصلح وأما مع حضور المتولي فليس للقاضي ذلك بحر وفي الأشباه في قاعدة الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة بعد أن ذكر فروعا وعلى هذا لا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر ولو من قبله اه. قال الرملي وسيأتي أن ولاية القاضي متأخرة عن المشروط له ووصيه تنبه اه. ومفاده أنه ليس له الإيجار مع حضور المتولي وأيده الرملي في محل آخر واستند له بالقاعدة المارة لكنه نقل بعده عن أوقاف هلال أن القاضي إذا آجر دار الوقف أو وكيله بأمره جاز قال وظاهره إطلاق الجواز مع وجود المتولي ووجهه ظاهر اه. لكن في فتاوى الحانوتي أن تنصيصهم على أن القاضي محجور عن التصرف في مال اليتيم عند وصي الميت أو القاضي يقتضي بالقياس عليه أنه هنا كذلك فلا يؤجر إلا إذا لم يكن متول أو كان وامتنع اه. وعليه يحمل كلا م هلال. تنبيه لم يذكر الشارحون حكم العمارة من المتولي أو القاضي وفي المحيط أنها لصاحب السكنى لأن الأجرة بدل المنفعة وهي كانت له فكذا بدلها والقيم إنما آجر لأجله اه. ومقتضاه أنه لو مات تكون ميراثا كما لو عمرها بنفسه بحر قوله: (رعاية للحقين) حق الوقف وحق صاحب السكنى لأنه لو لم يعمرها تفوت السكنى أصلا بحر قوله: (فلا عمارة على من له الاستغلال
571 الخ) مفهوم قول المتن فعمارة على من له السكنى وهذا معلوم أيضا من قوله يبدأ من غلة الوقف بعمارته وعطف عليه قوله ولو دارا الخ. مطلب من له السكنى لا يملك الاستغلال واختلف في عكسه قوله (لأنه لا سكنى له) قال في البحر وظاهر كلام المصنف وغيره أن من له الاستغلال لا يملك السكنى ومن له السكنى لا يملك الاستغلال كما صرح به في البزازية والفتح أيضا بقوله وليس للموقوف عليهم الدار سكناها بل الاستغلال كما وليس للموقوف عليهم السكنى بل الاستغلال اه. وما في الظاهرية من أن العمارة على من يستحق اللغة محمول على أن العمارة في غلتها ولما كانت غلتها له صار كأن العمارة عليه اه. قلت ويؤيده أن الخصاف سوى بين المسألتين لكنه فرق بينهما في محل آخر بأن من له الاستغلال له السكنى لأن سكناه كسكنى غيره بخلاف العكس لأنه يوجب فيها حقا لغيره ومن له الاستغلال إذا سكن لا يوجب حقا لغيره وادعى الشرنبلالي في رسالة أن الراجح هذا كما قدمته قريبا وتمامه فيما علقته على البحر. مطلب وقف الدار عند الإطلاق يحمل على الاستغلال لا على السكنى تنبيه يفهم من كلام الفتح المذكور أن الواقف إذا أطلق ولم يقيد بكونها للسكنى أو للاستغلال أنها تكون للاستغلال وفي الفتاوى الخيرية المصرح بها في كتبنا أن الواقف إذا أطلق الوقف فهو على الاستغلال لا السكنى قال في النظم الوهباني: ومن وقفت دار عليه فما له سوى * الأجر والسكنى بها لا تقرر (1) ثم ذكر عبارة شرحه لابن الشحنة وأن المسألة من التجنيس وفتاوى الخاصي وذكر في الخيرية في محل آخر. مطلب من له الاستغلال لا يملك السكنى وبالعكس والحاصل أن الواقف إذا أطلق أو عين الاستغلال كان للاستغلال وإن قيد بالسكنى تقيد بها وإن صرح بهما كان لهما جريان على كون شرط الواقف كنص الشارع وهذا كما ترى خلاف ما رجحه الشرنبلالي وسيذكر الشارح القولين عند قول المنصف والموقوف عليه الغلة لا يملك الإجارة قوله: (فلو سكن) أي من له الغلة على القول بأنه لا سكنى له قوله لعدم الفائدة) لأنها إذا أخذت منه دفعت إليه حيث لم يكن له شريك في الغلة كما في البحر قوله: (ولو هو المتولي) أي لو كان الساكن في دار الغلة هو المتولي قوله ينبغي الخ) البحث لصاحب النهر قوله (نصب متوليا ليعمرها) الظاهر أنه لا حاجة لنصب متول لما مر من أنه لو أبى من له السكنى أو عجز عمر الحاكم إلا أن يراد أنه ينصب متوليا مطلقا لا لخصوص التعمير لظهور خيانة الأول بما فعل فليتأمل قوله (ولو شرط الواقف غلتها له) أي للموقوف عليه الدار قوله (صحا) أي الوقف
(1) قوله: (لا تتقرر) هكذا بخطه ولعله لا تقرر بتاء واحدة ليصح الوزن وليحرر اه مصححه. 572 والشرط المذكور لكن أصل العبارة في التتارخانية فالوقف جائز مع هذا الشرط اه. هذا يحتمل أن يكون المراد جواز الوقف مقترنا بهذا الشرط ولا يلزم منه صحة هذا الشرط تأمل قوله (الظاهر لا) هذا خلاف ما استظهره في البحر حيث قال وظاهره أنه يجبر على عمارتها وقياسه أن الموقوف عليه السكنى كذلك اه. واستوضح في النهر لما استظهره بقول الهداية فيما مر ولا يجبر الممتنع على العمارة لما فيه من إتلاف ماله فأشبه امتناع صاحب البذر في المزارعة ولا يكون امتناعه منه رضا ببطلان حقه لأنه في حيز التردد اه. قال في النهر وأنت خبير بأن هذا بإطلاقه يشمل ما لو شرط عليه الواقف المرمة لأنها حيث كانت عليه كان في إجباره إتلاف ماله اه. واعترض بأن الجبر فائدة صحة الشرط وإلا فلا ثمرة له. قلت: علمت أن صحة الشرط صريحة في عبارة التتارخانية وتعليل الهداية شامل للشرط وغيره فهو دليل على عدم صحته فافهم على أن هذا الشرط لا ثمرة له لأن الغلة حيث كانت للموقوف عليه فلا فرق تعميره منها أو من غيرها فإذا امتنع عن العمارة من ماله يؤجرها المتولي ويعمرها من غلتها لأنها موقوفة للغلة، ولو كان هو المتولي وامتنع من عمارتها ينصب غيره ليعمرها أو يعمرها الحاكم كما مر نعم قد تظهر الثمرة فيما إذا كانت غلتها لا تفي بعمارتها فإن قلنا بصحة الشرط لزمه أن يعمرها من ماله وهو بعيد لما علمته من كلام الهداية ولأن كلام الواقف لا يصلح ملزما له بتعميرها إذ لا ولاية له على المستحق قوله: (لم أره) قال في الفتح بعد هذا والحال فيها يؤدي إلى أن تصير نقصا على الأرض كرماد تسفوه الرياح اه. أي لو تركت بلا عمارة تصير هكذا قوله: (أو يردها لورثة الواقف) قال في البحر وهو عجيب لأنهم صرحوا باستبدال الوقف إذا خرب وصار لا ينتفع به وهو شامل للأرض والدار قال في الذخيرة وفي المنتقى قال هشام سمعت محمدا يقول الوقف إذا صار بحيث لا ينتفع به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره وليس ذلك إلا للقاضي اه. وأما عود الوقف بعد خرابه إلى ملك الواقف أو ورثته فقد قدمنا ضعفه. فالحاصل: أن الموقوف عليه السكنى إذا امتنع من العمارة ولم يوجد مستأجر باعها القاضي واشترى بثمنها ما يكون وقفا لكن الظاهر كلام المشايخ أن محل الاستبدال عند التعذر إنما هو الأرض لا البيت وقد حققناه في رسالة الاستبدال اه. كلام البحر واعترضه الرملي بأن كلام المنتقى المذكور شامل للأرض والبيت فالفرق بينهما غير صحيح قوله: (فلو هو الوارث لم أره) قيل هذا عجيب من الشارح بعدما رأى كلام البحر خصوصا وقد أقره في النهر من أن الحكم هو الاستبدال فقط وهو لا يختلق بالوارث وغيره وبه ظهر ضعف ما في فتاوى قارئ الهداية اه. قلت: بل هو عجيب من المعترض بعد قول البحر لكن ظاهر كلام المشايخ الخ نعم يرد عليه ما قاله الرملي وكذا ما قدمنا عن الفتح عند قوله وعاد إلى الملك عند محمد من أن دار الغلة إذا خربت إنما يعود إلى الملك عنده نقضها دون ساحتها لأن ساحتها يمكن استغلالها ولو بشئ قليل بخلاف غير المعد للغلة كرباط أو حوض خرب فهذا يعود إلى الملك كله عند محمد.
573 مطلب في الوقف إذا خرب ولم يمكن عمارته قوله (وفي فتاوى قارئ الهداية الخ) حيث قال سئل عن وقف انهدم ولم يكن له شئ يعمر منه ولا أمكن إجارته ولا تعميره هل تباع أنقاضه من حجر وطوب وخشب أجاب إذا كان الأمر كذلك صح بيعه بأمر الحاكم ويشتري بثمنه وقف مكانه فإذا لم يمكن رده إلى ورثة الواقف إن وجدوا ولا يصرف للفقراء اه. قلت: الظاهر أن البيع مبني على قول أبي يوسف والرد إلى الورثة أو إلى الفقراء على قول محمد وهو جمع حسن حاصله أنه يعمل بقول أبي يوسف حيث أمكن وإلا فبقول محمد تأمل. تتمة قال في الدر المنتقى في كلام المصنف إشارة إلى أن الخان لو احتاج إلى المرمة آجر بيتا أو بيتين وأنفق عليه وفي رواية يؤذن للناس بالنزول سنة ويؤجر سنة أخرى ويرم من أجرته وقال الناطقي القياس في المسجد أن يجوز إجارة سطحه لمرمته محيط وفي البرجندي والظاهر أن حكم عمارة أوقاف المسجد والحوض والبئر وأمثالها حكم الوقف على الفقراء اه. قوله: (نقضه) بتثليث النون على ما ذكره البرجندي أي المنقوض من خشب وحجر وآجر وغيرها شرح الملتقى قوله: (إن احتاج) بأن أحضرت المؤن (1) أو كان المنهدم لقلته لا يختل بالانتفاع فيؤخره للاحتياج وإلا فبالانهدام وقد تتحقق الحاجة فلا معنى للشرط حينئذ نبه عليه في الفتح وأغفله في البحر نهر قوله (ليحتاج) الأولى للاحتياج كما عبر في الكنز قوله: (فيبيعه) فعلى هذا يباع النقض في موضعين عند تعذر عوده عند خوف هلاكه بحر ويزاد ما في الفتح حيث قال واعلم أن عدم جواز بيعه إلا إذا تعذر الانتفاع به إنما هو فيما إذا ورد عليه وقف الواقف أما إذا اشتراه المتولي من مستغلات الوقف فإنه يجوز بيعه بلا هذا الشرط لأن في صيرورته وقفا خلافا والمختار أنه لا يكون وقفا فللقيم أن يبيعه متى شاء لمصلحة عرضت اه. وستأتي المسألة في الفصل الآتي متنا قوله (لا العين) لأنها حق المالك أو حق الله تعالى على الخلاف ومنه يؤخذ عدم جواز قسمة حصر المسجد العتيقة بين المستحقين وكذا ما بقي من شمع رمضان وزيته للإمام والوقادين. حموي إلا إذا كان العرف في ذلك الموضع أن الإمام أو المؤذن يأخذه بلا صريح إذن الدافع فله ذلك كما في البحر عن القنية ط. قلت: وشجر الوقف ليس له حكم العين لما في البحر عن الفتح سأل أبو القاسم الصفار عن شجرة وقف يبس بعضها وبقي بعضها قال ما يبس منها فسبيله سبيل غلتها (2) وما بقي متروك على
(1) قوله: (بأن أحضرت المؤن الخ) هذه صورة عدم الاحتجاج لا صورة الاحتياج كما صنع المحشي تأمل اه. (2) قوله: (فسبيله سبيل غلتها الخ) نقل شيخنا عن وقف هلال من باب وقف الدار أو الأرض على معينين أن ما يبس من الشجر المثمر حكمه حكم النقض، ثم قال ويحمل كلام الصفار على شجرة غير مثمرة لأنها تزرع الغلة ابتداء بخلاف المثمرة فإنه يقصد الاستغلال بثمر فلا مخالفة بين كلامي هلال والصفار اه ويوافق ما هنا ما نقله البزازي عن الفضلي. 574 حالها وفي البزازية عن الفضلي إن لم تكن مثمرة يجوز بيعها قبل القلع لأنه غلتها والمثمرة لا تباع إلا بعد القلع كبناء الوقف اه. وفي جامع الفصولين غصب وقفا فنقض فما يؤخذ بنقصه يصرف إلى مرمته لا إلى أهل الوقف لأنه بدل الرقبة وحقهم في الغلة لا في الرقبة اه. قوله (جعل شئ) بالبناء للمفعول وشئ نائب فاعل والأصل ما فسر به الشارح وكان المناسب ذكر هذه المسائل فيما مر من الكلام على المسجد قوله: (أي جعل الباني) ظاهره أن أهل المحلة ليس لهم ذكر ذلك وسنذكر ما يخالفه. مطلب في جعل شئ من المسجد طريقا قوله: (من الطريق) أطلق في الطريق فعم (1) النافذ وغيره وفي عبارتهم ما يؤيده ط وتمامه فيه قوله: (لضيقه ولم يضر بالمارين) أفاد أن الجواز بهذين الشرطين ط قوله (جاز) ظاهره أنه يصير له حكم المسجد وقد قال في جامع الفصولين المسجد الذي يتخذ من جانب الطريق لا يكون له حكم المسجد بل هو طريق بدليل أنه لو رفع حوائطه عاد طريقا كما كان قبله اه. شرنبلالية. قلت: الظاهر أن هذا في مسجد جعل كله من الطريق والكلام فيما أدخل من الطريق في المسجد وهذا لا مانع من أخذه حكم المسجد حيث جعل منه كمسجد مكة والمدينة وقد مر قبيل الوتر والنوافل في بحث أحكام المسجد أن ما ألحق بمسجد المدينة ملحق به في الفضيلة نعم تحري الأول أولى اه. فافهم قوله (كعكسه) فيه خلاف كما يأتي تحريره وهذا عند الاحتياج كما قيده في الفتح فافهم قوله: (لتعارف أهل الأمصار في الجوامع) لا نعلم ذلك في جوامعنا نعم تعارف الناس المرور في مسجد له بابان وقد قال في البحر وكذا يكره أن يتخذ المسجد طريقا وأن يدخله بلا طهارة اه. نعم يوجد في أطراف صحن الجوامع رواقات بعد مسقوفة للمشي فيها وقت المطر ونحوه لأجل الصلاة أو للخروج من الجامع لا لمرور المارين مطلقا كالطريق العام ولعل هذا هو المراد فمن كان له حاجة إلى المرور في المسجد يمر في ذلك الموضع فقط ليكون بعيدا عن المصلين وليكون أعظم حرمة لمحل الصلاة فتأمل قوله: (حتى الكافر) اعترض بأن الكافر لا يمنع من دخول المسجد حتى المسجد الحرام فلا وجه لجعله غاية هنا. قلت: في البحر عن الحاوي ولا بأس أن يدخل الكافر وأهل الذمة المسجد الحرام وبيت المقدس وسائر المساجد لمصالح المسجد وغيرها من المهمات ا ه ومفهومه أن في دخوله لغير مهمة بأسا وبه يتجه ما هنا فافهم قوله: (كما جاز الخ) قال في الشرنبلالية فيه نوع استدراك بما
(1) قوله: (أطلق في الطريق فعم الخ) لكن التعليل بقوله لأنهما للمسلمين يخص النافذ فإن المراد به لعموم المسلمين وغير النافذ ليس كذلك بل هو لأناس مخصوصين فيكون حكمه حكم الأرض المملوكة بجوار مسجد ضيق ويأتي حكمها اه. 575 تقدم إلا أن يقال ذاك في اتخاذ بعض الطريق مسجدا وهذا في اتخاذ جميعها ولا بد من تقييده بما إذا لم يضر كما تقدم ولا شك أن الضرر ظاهر في اتخاذ جميع الطريق مسجدا لإبطال حق العامة من المرور المعتاد لدوابهم وغيرها فلا يقال به إلا بالتأويل بأن يراد بعض الطريق لا كله فليتأمل اه. وأجيب بأن صورته ما إذا كان لمقصد طريقان واحتاج العامة إلى مسجد فإنه يجوز جعل أحدهم مسجدا وليس فيه إبطال حقهم بالكلية قوله لا عكسه) يعني لا يجوز أن يتخذ المسجد طريقا وفيه نوع مدافعة لما تقدم إلا بالنظر للبعض والكل شرنبلالية. قلت: إن المصنف قد تابع صاحب الدرر مع أنه في جامع الفصولين نقل أو لا جعل شيئا من المسجد طريقا ومن الطريق مسجدا جاز ثم رمز لكتاب آخر لو جعل الطريق مسجدا يجوز لا جعل المسجد طريقا لأنه لا تجوز الصلاة في الطريق فجاز جعله مسجدا ولا يجوز المرور في المسجد فلم يجز جعله طريقا اه. ولا يخفى أن المتبادر أنهما قولان في جعل المسجد طريقا بقرينة التعليل المذكور ويؤيده ما في التتارخانية عن فتاوى أبي الليث وإن أراد أهل المحلة أن يجعلوا شيئا من المسجد طريقا للمسلمين فقد قيل ليس لهم ذلك وأنه صحيح ثم نقل عن العتابية عن خواهر زاده إذا كان الطريق ضيقا والمسجد واسعا لا يحتاجون إلى بعضه تجوز الزيادة في الطريق من المسجد لأن كلها للعامة اه. والمتون على الثاني فكان هو المعتمد لكن كلام المتون في جعل شئ منه طريقا وأما جعل كل المسجد طريقا فالظاهر أنه لا يجوز قولا واحدا نعم في التتارخانية سئل أبو القاسم عن أهل مسجد أراد بعضهم أن يجعلوا المسجد رحبة والرحبة مسجدا أو يتخذوا له بابا أو يحلوا بابه عن موضعه وأبى البعض ذلك قال إذا اجتمع أكثرهم وأفضلهم ليس للأقل منعهم اه. قلت: ورحبة المسجد ساحته فهذا إن كان المراد به جعل بعضه رحبة فلا إشكال فيه وإن كان المراد جعل كله فليس فيه إبطاله من كل جهة لأن المراد تحويله بجعل الرحبة مسجدا بدله بخلاف جعله طريقا تأمل ثم ظاهر ما نقلناه أن تقييد الشارح أولا بالباني وثانيا بالإمام غير قيد نعم في التتارخانية وعن محمد في مسجد ضاق بأهله لا بأس بأن يلحق به من طريق العامة إذا كان واسعا وقيل يجب أن يكون بأمر القاضي وقيل إنما يجوز إذا فتحت البلدة عنوة لا لو صلحا قوله: (لجواز الصلاة في الطريق) فيه أن الصلاة في الطريق مكروهة كالمرور في المسجد فالصواب لعدم جواز (1) الصلاة في الطريق كما قدمناه عن جامع الفصولين يعني أن فيه ضرورة وهي أنهم لو أرادوا الصلاة في الطريق لم يجز فكان في جعله مسجدا ضرورة بخلاف جعل المسجد طريقا لأن المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا فلم يجز لأنه يلزم المرور في المسجد ولا يخفى أن المتبادر من هذا كون المراد مرور أي مار ولو غير جنب وهذا يؤيد أن هذا قول آخر وقد علمت ترجيح خلافه وهو جواز جعل شئ منه مسجدا وتسقط حرمة المرور فيه للضرورة لكن لا تسقط عنه جميع أحكام المسجد فلذا لم يجز المرور فيه لجنب ونحوه كما مر فافهم قوله: (وتؤخذ أرض) في
(1) قوله: (فالصواب لعدم جواز الخ) رأيت بخط شيخنا على هامش نسخته ما نصه فيه أن المراد بالطريق الذي جارت الصلاة فيه الطريق الذي جعل مسجدا ومثل هذا يقال في قوله لا المرور في المسجد اه. 576 الفتح ولو ضاق المسجد وبجنبه أرض وقف عليه أو حانوت جاز أن يؤخذ ويدخل فيه اه. زاد في البحر عن الخانية بأمر القاضي وتقييده بقوله وقف عليه أي على المسجد يفيد أنها لو كانت وقفا على غيره لم يجز لكن جواز أخذ المملوكة كرها يفيد الجواز بالأولى لأن المسجد لله تعالى والوقف كذلك ولذا ترك المصنف في شرحه هذا القيد وكذا في جامع الفصولين تأمل قوله (بالقيمة كرها) لما روى عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما ضاق المسجد الحرام أخذوا أرضين بكره من أصحابها بالقيمة وزادوا في المسجد الحرام بحر عن الزيلعي قال في نور العين ولعل الأخذ كرها ليس في كل مسجد ضاق بل الظاهر أن يختص بما لم يكن في البلد مسجد آخر إذ لو كان فيه مسجد آخر يمكن دفع الضرورة بالذهاب إليه نعم فيه حرج لكن الأخذ كرها أشد حرجا منه ويؤيد ما ذكرنا فعل الصحابة إذ لا مسجد في مكة سوى المسجد الحرام ا ه. مطلب في اشتراط الواقف الولاية لنفسه قوله (جاز بالإجماع) كذا ذكره الزيلعي وقال لأن شرط الواقف معتبر فيراعى لكن الذي في القدوري أنه يجوز على قول أبي يوسف وهو قول هلال أيضا وفي الهداية أنه ظاهر الرواية وقد رد العلامة قاسم على الزيلعي دعواه الإجماع بأن المنقول أن اشتراطها يفسد الوقف عند محمد كما في الذخيرة ونازعه في النهر وأطال وأطاب. وحاصل: ما ذكره أن فيه اختلاف الرواية عن محمد واختلاف المشايخ في تأويل ما نقل عنه وإن هلالا أدرك بعض أصحاب أبي حنيفة لأنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين ولفظ المشايخ يقال على من دونه اه. مطلب في ترجمة هلال الرائي البصري وفي الفتح هلال الرائي هو هلال بن يحيى بن مسلم البصري نسب إلى الرأي لأنه كان علي مذهب الكوفيين ورأيهم وهو من أصحاب يوسف بن خالد البصري ويوسف هذا من أصحاب أبي حنيفة وقيل إن هلالا أخذ العلم عن أبي يوسف وزفر ووقع في المبسوط والذخيرة وغيرهما الرازي وفي المغرب هو تحريف لأنه من البصرة لا من الري والرازي نسبة إلى الري وهكذا في صحيح مسند أبي حنيفة وغيره اه. قوله (خلافا لما نقله المصنف) أي عن السراجية من أنه لا يصح هذا الوقف عند محمد وبه يفتى قوله: (وسيجئ) أي في الفصل الآتي وهو قول المتن ولاية نصب القيم إلى الواقف ثم لوصيه ثم للقاضي. مطلب يأثم بتولية الخائن قوله: (وينزع وجوبا) مقتضاه إثم القاضي بتركه والإثم بتولية الخائن ولا شك فيه بحر لكن ذكر في البحر أيضا عن الخصاف أن له عزله أو إدخال غيره معه وقد يجاب بأن المقصود رفع ضرره عن الوقف فإذا ارتفع بضم آخر إليه حصل المقصود قال في البحر قدمنا أنه لا يعزله القاضي
577 بمجرد الطعن في أمانته بل بخيانة ظاهرة ببينة وأنه إذا أخرجه وتاب وأناب أعاده وأن امتناعه من التعمير خيانة وكذا لو باع الوقف أو بعضه أو تصرف تصرفا جائزا علما به اه. وقوله لا يعزله القاضي بمجرد الطعن الخ سيذكره الشارح في الفروع ويأتي الكلام قريبا على حكم عزل القاضي بلا حجة وسيأتي في الفصل قبيل قوله باع دارا حكم عزل الواقف للناظر. مطلب فيما يعزل به الناظر تنبيه إذا كان ناظرا على أوقاف متعددة وظهرت خيانته في بعضها أفتى المفتي أبو السعود بأنه يعزل من الكل. قلت: ويشهد قولهم في الشهادة أن الفسق لا يتجزئ وفي الجواهر القيم إذا لم يراع الوقف يعزله القاضي وفي خزانة المفتين إذا زرع القيم لنفسه يخرجه القاضي من يده قال البيري يؤخذ من الأول أن الناظر إذا امتنع من إعارة الكتب الموقوفة كان للقاضي عزله ومن الثاني لو سكن الناظر دار الوقف ولو بأجر المثل له عزله لأنه نص في خزانة الأكمل أنه لا يجوز له السكنى ولو بأجر المثل اه. وفي الفتح أن ينعزل بالجنون المطبق سنة لا أقل ولو برئ عاد إليه النظر قال في النهر والظاهر أن هذا في المشروط له النظر أما منصوب القاضي فلا وفي البيري أيضا عن أوقاف الناصحي الواقف على قوم ولا يوصل إليهم ما شرط لهم ينزعه القاضي من يده ويوليه غيره اه. وينعزل المتولي من قبل الواقف بموت الواقف على قول أبي يوسف المفتى به لأنه وكيل عنه إلا إذا جعله قيما في حياته وبعد موته كما في البحر قوله (لو الواقف) أي لو كان المتولي هو الواقف قوله فغيره بالأولى) قال في البحر واستفيد منه أن للقاضي عزل المتولي الخائن غير الواقف بالأولى. مطلب في شروط المتولي قوله: (غير مأمون الخ) قال في الإسعاف ولا يولى إلا أمين قادر بنفسه أو بنائبه لأن الولاية مقيدة بشرط النظر وليس من النظر تولية الخائن لأنه يخل بالمقصود وكذا تولية العاجز لأن المقصود لا يحصل به ويستوي فيه الذكر والأنثى وكذا الأعمى والبصير وكذا المحدود في قذف إذا تاب لأنه أمين وقالوا من طلب التولية على الوقف لا يعطى له وهو كمن طلب القضاء لا يقلد اه. والظاهر أنها شرائط الأولوية لا شرائط الصحة وأن الناظر إذا فسق استحق العزل ولا ينعزل كالقاضي إذا فسق لا ينعزل على الصحيح المفتى به. مطلب في تولية الصبي ويشترط للصحة بلوغه وعقله لا حريته وإسلامه لما في الإسعاف لو أوصى إلى الصبي تبطل في القياس مطلقا وفي الاستحسان هي باطلة ما دام صغيرا فإذا كبر تكون الولاية له ولو كان عبدا يجوز قياسا واستحسانا لأهليته في ذاته بدليل أن تصرفه الموقوف لحق المولى ينفذ عليه بعد العتق لزوال المانع بخلاف الصبي ثم الذمي في الحكم كالعبد فلو أخرجهما القاضي ثم عتق العبد وأسلم الذمي لا تعود إليهما اه. بحر ملخصا ونحوه في النهر وفي فتاوى العلامة الشلبي وأما الإسناد للصغير فلا يصح بحال لا على سبيل الاستقلال بالنظر ولا على سبيل المشاركة لغيره لأن النظر على الوقف من باب الولاية والصغير يولى عليه
578 لقصوره فلا يصح أن يولي على غيره اه. وفي أنفع الوسائل عن وقف هلال لو قال ولايتها إلى ولدي وفيهم الصغير والكبير يدخل القاضي مكان الصغير رجلا وإن شاء أقام الكبار مقامه ثم نقل عنه ما مر عن الإسعاف بهذه النقول صريحة بأن الصبي لا يصلح ناظرا وأما ما في الأشباه في أحكام الصبيان من أن الصبي يصلح وصيا وناظرا ويقيم القاضي مكانه بالغا إلى بلوغه كما في منظومة ابن وهبان من الوصايا اه. ففيه أنه لم يذكر في المنظومة قوله ناظرا ثم رأيت شارح الأشباه نبه على ذلك أيضا وأما ما ذكره الشارح في باب الوصي عن المجتبى ومن أنه لو فوض ولاية الوقف للصبي صح استحسانا ففي أن ما ذكره صاحب المجتبى صرح به نفسه في الحاوي بقوله ولو أوصى إلى صبي في وقفه فهو باطل في القياس ولكن استحسن أن تكون الولاية إليه إذا كبر اه. وهذا هو ما مر عن الإسعاف نعم رأيت في أحكام الصغار للاستروشني عن فتاوى رشيد الدين قال القاضي إذا فوض التولية إلى صبي يجوز إذا كان أهلا للحفظ وتكون له ولاية التصرف كما أن القاضي يملك الصبي وإن كان الولي لا يأذن اه. وعليه فيمكن التوفيق بحمل ما في الإسعاف وغيره على غير الأهل للحفظ بأن كان لا يقدر على التصرف أما القادر عليه فتكون توليته من القاضي إذنا له في التصرف وللقاضي أن يأذن للصغير وإن لم يأذن له وليه. مطلب فيما شاع في زماننا من تفويض نظر الأوقاف للصغير وبهذا نعلم أن ما شاع في زماننا من تفويض نظر الأوقاف لصغير لا يعقل وحكم القاضي الحنفي بصحة ذلك خطأ محض ولا سيما إذا شرط الواقف تولية النظر للأرشد فالأرشد من أهل الوقف فإنه حينئذ إذا ولى بالغ عاقل رشيد وكان من أهل الوقف أرشد منه لا تصح توليته لمخالفتها شرط الواقف فكيف إذا كان طفلا لا يعقل وثم بالغ رشيد إن هذا لهو الضلال البعيد واعتقادهم أن خبز الأب لابنه لا يفيد لما فيه من تغيير حكم الشرع ومخالفة شرط الواقف وإعطاء الوظائف من تدريس وإمامة وغيرها إلى غير مستحقها كما أوضحت ذلك في الجهاد في آخر فصل الجزية كيف ولو أوصى الواقف بالتولية لابنه لا تصح ما دام صغيرا حتى يكبر فتكون الولاية له كما مر وكذلك اعتقادهم أن الأرشد إذا فوض وأسند في مرض موته لمن أراد صح لأن مختار الأرشد أرشد فهو باطل لأن الرشد في أمور الوقف صفة قائمة بالرشيد لا تحصل به بمجرد اختيار غيره له كما لا يصير الجاهل عالما بمجرد اختيار الغير له في وظيفة التدريس وكل هذه أمور ناشئة عن الجهل واتباع العادة المخالفة لصريح الحق بمجرد تحكيم العقل المختل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قوله (أو كان يصرف ماله في الكيمياء) لأنه استقرئ من أحوال متعاطيها أنها تستجره إلى أن يخرج من جميع ما في يده وقد ترتب عليه ديون بهذا السبب فلا يبعد أن يجره الحال إلى إضاعة مال الوقف ط قوله: (وإن شرط عدم نزعه) هي من المسائل السبع التي يخالف فيها شرط الواقف على ما في الأشباه وستأتي ط قوله: (كالوصي) فإنه ينزع وإن شرط الموصي عدم نزعه وإن خان ط. مطلب في عزل الناظر قوله: (فلو مأمونا تصح تولية غيره) قال في شرح الملتقى إلى الأشباه لا يجوز للقاضي عزل الناظر لمشروط له النظر بلا خيانة ولو عزله لا يصير الثاني متوليا ويصح عزل الناظر بلا خيانة لو
579 منصوب القاضي أي لا الواقف وليس للقاضي الثاني أن يعيده وإن عزله الأول بلا سبب لحمل أمره على السداد إلا أن تثبت أهليته اه. وأما الواقف فله عزل الناظر مطلقا به يفتى ولو لم يجعل ناظرا فنصبه القاضي لم يملك الواقف إخراجه كذا في فتاوى صاحب التنوير اه. بتصرف والتفصيل المذكور في عزل الناظر نقله في البحر عن القنية وذكر المرحوم الشيخ شاهين عن الفصل الأخير من جامع الفصولين إذا كان للوقف متول من جهة الواقف أو من جهة غيره من القضاة لا يملك القاضي نصب متول آخر بلا سبب موجب لذلك وهو ظهور خيانة الأول أو شئ آخر اه. قال وهذا مقدم على ما في القنية اه. أبو السعود قال وكذا الشيخ خير الدين أطلق في عدم صحة عزله بلا خيانة وإن عزله مولانا السلطان فعم إطلاقه ما لو كان منصوب القاضي اه ط. قلت: وذكر في البحر كلاما عن الخانية ثم قال عقبه وفيه دليل على أن للقاضي عزل منصوب قاض آخر بغير خيانة إذا رأى المصلحة اه. وهذا داخل تحت قول جامع الفصولين أو شئ آخر كما دخل فيه ما لو عجز أو فسق وفي البيري عن حاوي الحصيري عن وقف الأنصاري فإن لم يكن من يتولى من جيران الواقف وقرابته إلا برزق ويفعل واحد من غيرهم بلا رزق فذلك إلى القاضي ينظر فيما هو الأصلح لأهل الوقف اه. مطلب لا يصح عزل صاحب وظيفة بلا جنحة أو عدم أهلية تنبيه قال في البحر واستفيد من عدم صحة عزل الناظر بلا جنحة عدمها لصاحب وظيفة في وقف بغير جنحة وعدم أهلية واستدل على ذلك بمسألة غيبة المتعلم من أنه لا تؤخذ حجرته ووظيفته على حالها إذا كانت غيبته ثلاثة أشهر فهذا مع الغيبة فكيف مع الحضرة والمباشرة وستأتي مسألة الغيبة وحكم الاستنابة في الوظائف قبيل قول المصنف ولاية نصف القيم إلى الواقف وفي آخر الفن الثالث من الأشباه إذا ولى السلطان مدرسا ليس بأهل لم تصح توليته لأن فعله مقيد بالمصلحة خصوصا إن كان المقرر عن مدرس أهل فإن الأهل لم ينعزل وصرح البزازي في الصلح بأن السلطان إذا أعطى غير المستحق فقد ظلم مرتين بمنع المستحق وإعطاء غير المستحق اه. ملخصا مطلب في النزول عن الوظائف وذكر في البحر أيضا أن المتولي لو عزل نفسه عند القاضي ينصب غيره ولا ينعزل بعزل نفسه حتى يبلغ القاضي ومن عزل نفسه لفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيرها ثم إن كان المنزول له غير أهل لا يقرره القاضي ولو أهلا لا يجب عليه تقريره وأفتى العلامة قاسم بأن من فرغ لإنسان عن وظيفته سقط حقه وإن لم يقرر الناظر المنزول له اه. فالقاضي بالأولى وقد جرى التعارف بمصر الفراغ بالدراهم ولا يخفى ما فيه وينبغي الإبراء العام بعده اه. ما في البحر ملخصا لكن لا ينافي هذا ما يأتي في الفصل من أن المتولي إذا أراد إقامة غيره مقامه لا يصح إلا في مرض موته وسيأتي تمام الكلام عليه مع الجواب عنه هناك.
(1) قوله: (فالقاضي بالأول الخ) أي فحصول الفراغ أمام القاضي كاف في العزل بالأولى وليس المراد أن القاضي ينعزل بالفراغ بالأولى لعدم ظهورتك الأولوية اه. 580 مطلب لا بد بعد الفراغ من تقرير القاضي في الوظيفة وذكر صاحب البحر في بعض رسائله أن ما ذكره العلامة قاسم لم يستند فيه إلى نقل وأنه خولف في ذلك أي فلا بد من تقرير القاضي وسئل في الخيرية عما إذا قرر السلطان رجلا في وظيفة كانت لرجل فرغ لغيره عنها بمال أجاب بأنها لمن قرره السلطان لا للمفروغ له إذ الفراغ لا يمنع تقريره سواء قلنا بصحته المتنازع فيها أو بعدمها الموافق للقواعد الفقهية كما حرره العلامة المقدسي ثم رأيت صريح المسألة في شرح منهاج الشافعية لابن حجر معللا بأن مجرد الفارغ سبب ضعيف لا بد من انضمام تقرير الناظر إليه اه. ملخصا. مطلب لو قرر القاضي رجلا ثم قرر السلطان آخر فالمعتبر الأول وأفتى في الخيرية أيضا بأنه لو قرر القاضي رجلا ثم قرر السلطان آخر فالعبرة لتقرير القاضي كالوكيل إذا نجز ما وكل فيه ثم فعله الموكل. مطلب الناظر المشروط له التقدير مقدم على القاضي وأفتى أيضا بأن الناظر المشروط له التقرير لو قرر شخصا فهو المعتبر دون تقرير القاضي أخذا من القاعدة المشهورة وهي أن الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة وبه أفتى العلامة قاسم وأما إذا لم يشترط الواقف له التقرير فالمعتبر تقرير القاضي اه. مطلب للمفروغ له الرجوع بمال الفراغ وأفتى في الخيرية أيضا بأنه لو فرغ عن الوظيفة بمال فللمفروغ له الرجوع بالمال لأنه اعتياض عن حق مجرد وهو لا يجوز صرحوا به قاطبة قال ومن أفتى بخلافه فقد أفتى بخلاف المذهب لبنائه على اعتبار العرف الخاص وهو خلاف المذهب والمسألة شهيرة وقد وقع فيها للمتأخرين رسائل واتباع الجادة أولى والله أعلم وكتب على ذلك أيضا كتابة حسنة في أول كتاب الصلح من الخيرية فراجعها وسيأتي تمام الكلام على ذلك في أول كتاب البيوع وحاصله جواز أخذ المال بلا رجوع. مطلب في اشتراط الغلة لنفسه قوله: (وجاز جعل غلة الوقف لنفسه الخ) أي كلها أو بعضها وعند محمد لا يجوز بناء (1) على اشتراطه التسليم إلى متول وقيل هي مسألة مبتدأة أي غير مبنية على ذلك وهو أوجه ويتفرع على الخلاف ما لو وقف على عبيده وإمائه صحح عند أبي يوسف لا عند محمد وأما اشتراط الغلة لمدبريه وأمهات أولاده فالأصح صحته اتفاقا لثبوت حريتهم بموته فهو كالوقف على الأجانب وثبوته لهم حال حياته تبع لما بعدها وقيد بجعل الغلة لنفسه لأنه لو وقف على نفسه قيل لا يجوز وعن أبي يوسف جوازه وهو المعتمد وما في الخانية من أنه لو وقف على نفسه
(1) قوله: (وعنه محمد لا يجوز بناء الخ) لعل وجه البناء أن محمدا لما قال باشتراط التسليم منع صحة الولاية لنفسه وما ذاك إلا لما بقي من تعلق حق المولى بالوقف أعني التكلم عليه وإذا كان الأمر كذلك في جعل الولاية لنفسه فبالأولى يكون جعل الغلة لنفسه مبطلا لبقاء حق الواقف أقوى من حق التكلم فاشتراط التسليم ملحوظ فيه انقطاع حق الواقف اه. 581 وعلى فلان صح نصفه وهو حصة فلان وبطل حصة نفسه ولو قال ثم على فلان لا يصح شئ منه مبني على القول الضعيف بحر ملخصا لكنه لم يستند في تضعيفه واعتماد الجواز إلى نقل صريح ولعله بناه على عدم الفرق بين جعل الغلة لنفسه والوقف على نفسه إذ ليس المراد من الوقف على شخص سوى صرف الغلة إليه لأن الوقف تصدق بالمنفعة فحينئذ يكون التصحيح المنقول في صحة الأول شاملا لصحة الثاني وهو ظاهر ويؤيده قول الفتح ويتفرع على الخلاف ما لو وقف على عبيده وإمائه الخ مع أن الخلاف المذكور في جعل الغلة لنفسه. مطلب في الوقف على نفس الواقف قوله: (أو الولاية) مفاده محمد مع أنه قدم أن اشتراط الولاية لنفسه جائز بالإجماع لكن لما كان في دعوى الإجماع نزاع كما قدمناه مع التوفيق بأن عن محمد روايتين إحداهما توافق قول أبي يوسف والأخرى تخالفه فدعوى الإجماع مبنية على الرواية الأولى ودعوى الخلاف على الثانية فلا خلل في النقلين فلذا مشى الشارح عليهما في موضعين مشيرا إلى صحة كل من العبارتين فافهم قوله: (وعليه الفتوى) كذا قاله الصدر الشهيد وهو مختار أصحاب المتون ورجحه في الفتح واختار مشايخ بلخ وفي البحر عن الحاوي أنه المختار للفتوى ترغيبا للناس في الوقف وتكثيرا للخير. مطلب في استبدال الوقف وشروطه قوله: (وجاز شرط الاستبدال به الخ) اعلم أن الاستبدال على ثلاثة وجوه الأول أن يشرطه الواقف لنفسه أو لغيره أو لنفسه وغيره فالاستبدال فيه جائز على الصحيح وقيل اتفاقا والثاني أن لا يشرط سواء شرط عدمه أو سكت لكن صار بحيث لا ينتفع به بالكلية بأن لا يحصل منه شئ أصلا أو لا يفي بمؤنته فهو أيضا جائز على الأصح إذا كان بإذن القاضي ورأيه المصلحة فيه والثالث أن لا يشرطه أيضا ولكن فيه نفع في الجملة وبدله خير منه ريعا ونفعا وهذا لا يجوز استبداله على الأصح المختار كذا حرره العلامة قنالي زاده في رسالته الموضوعة في الاستبدال وأطنب فيها عليه الاستدلال وهو مأخوذ من الفتح أيضا كما سنذكره عند قول الشارح لا يجوز استبدال العامر إلا في أربع ويأتي بقية شروط الجواز وأفاد صاحب البحر في رسالته في الاستبدال أن الخلاف في الثالث إنما هو في الأرض إذا ضعفت عن الاستغلال بخلاف الدار إذا ضعفت بخراب بعضها ولم تذهب أصلا فإنه لا يجوز حينئذ الاستبدال على كل الأقوال قال ولا يمكن قياسها على الأرض فإن الأرض إذا ضعفت لا يرغب غالبا في استئجارها بل في شرائها أما الدار فيرغب في استئجارها مدة طويلة لأجل تعميرها للسكنى على أن باب القياس مسدود في زماننا وإنما للعلماء النقل من الكتب المعتمدة كما صرحوا به قوله: (أرضا أخرى) مفعول به للاستبدال وعمل المصدر المقرون بأل قليل قوله: (حينئذ) أي حين إذ كان الفتوى على قول أبي يوسف وأشار بهذا إلى أن اشتراط الاستبدال مفرع على القول بجواز اشتراط الغلة لنفسه ولهذا قال في البحر وفرع في الهداية على الاختلاف بين الشيخين شرط والاستبدال لنفسه فجوزه أبو يوسف وأبطله محمد وفي الخانية الصحيح قول أبي يوسف اه. وذكر في الخانية في موضع آخر صحة الشرط إجماعا ووفق بينهما صاحب البحر في رسالته بحمل الأول على ما إذا ذكر الشرط بلفظ البيع
582 والثاني على ما إذا ذكره (1) بلفظ الاستبدال بقرينة تعبير الخانية بذلك وإلا فهو مشكل اه. قوله (أو شرط بيعه) ظاهره أنه لا فرق بين ذكره بلفظ الاستبدال أو البيع وهو خلاف التوفيق المذكور آنفا قوله: (ويشتري بثمنه أرضا) أي وأن يشتري على حد قوله للبس عباءة وتقر عيني وقيد به لأن شرط البيع فقط يفسد الوقف كما مر أول الباب لأنه لا يدل على إرادة الاستبدال إلا بذكر الشراء. وفي فتاوى الكازروني عن الشرنبلالي أنه سئل عن واقف شرط لنفسه الاستبدال والبيع فأجاب بأن الوقف باطل لأنه لما شرط البيع بعد الاستبدال كان عطف مغاير وأطلق البيع ولم يقل واشترى بالثمن ما يكون وقفا مكانها فأبطل الوقف لقول الخصاف لو اشترط بيع الأرض ولم يقل استبدل بثمنها ما يكون وقفا مكانها فالوقف باطل اه. قوله: (إذا شاء) كذا وقع في عبارة الدرر ولم يذكره في البحر والفتح وأكثر الكتب التي رأيتها نعم رأيته معزيا للذخيرة والظاهر أنه قيد للبيع لا للشراء فكان المناسب ذكره قبل قوله ويشتري لئلا يوهم أنه قيد للشراء فيلزم منه اشتراط البيع وإن لم يرد أن يشتري بثمنه غيره وهو مفسد للوقف كما علمته، هذا ما ظهر لي ولم أر من نبه عليه. قوله: (وإن لم يذكرها) أي الشرائط. قال في البحر: ولو شرط أن يبيعها ويشتري بثمنها أرضا أخرى ولم يزد، صح استحسانا وصارت الثانية وقفا بشرائط الأولى، ولا يحتاج إلى الإيقاف كالعبد الموصي بخدمته إذا قتل خطأ واشترى بثمنه عبدا آخر ثبت حق الموصى له في خدمته. مطلب في اشتراط الإدخال والإخراج قوله: (ثم لا يستبدلها بثالثة) قال في الفتح إلا أن يذكر عبارة تفيد له ذلك دائما وكذلك ليس للقيم الاستبدال إلا أن ينص له عليه وعلى وزان هذا الشرط لو شرط لنفسه أن ينقص من المعاليم إذا شاء ويزيد ويخرج من شاء ومن استبدل (2) به كان له ذلك وليس لقيمه أن يجعله له وإذا أدخل وأخرج مرة فليس له ثانيا إلا بشرطه ولو شرطه للقيم ولم يشرطه لنفسه كان له أن يستبدل بنفسه اه. وذكر في البحر فروعا مهمة فلتراجع قوله: (ولو للمساكين آل) أي رجع وهذه المبالغة لم يذكرها في الدرر قال ح ولم يظهر لي وجهها قوله: (بدون الشرط) دخل فيه ما لو اشترط عدمه كما سيذكره الشارح في شرح الوهبانية عن الطرسوسي أنه لا نقل فيه لكنه مقتضى قواعد المذهب لأنهم قالوا إذا شرط الواقف أن لا يكون للقاضي أو السلطان كلام في الوقف أنه
(1) قوله: (والثاني على ما إذا ذكره الخ) يعني أن صورة الإجماع هي ما ذكر فيها لفظ الاستبدال وفيه أن شرط الاستبدال مفرع على جعل الغلة لنفسه المختلف في صحته فيكون شرط الاستبدال مختلفا في صحته أيضا فكيف يحكى قاضيخان الاجماع على صحته والعجب من صنيع المحش حيث صرح في أول العبارة بالتفريع وهنا يجعل الاستبدال صورة الإجماع ويمكن أن يقال إنه تقدم أن في مسألة جعل الولاية لنفسه روايتين عن محمد فلعل جعل الغلة لنفسه كذلك وهو الظاهر وحيث كان كذلك يكون مسألة الاستبدال المفرعة عليها مثلها جزما وتكون حكاية الإجماع على إحدى الروايتين والخلاف على الأخرى وتقدم نظير ذلك اه. (2) قوله: (ومن استبدل به الخ) الصواب حذف من وجعل الفعل بصيغة المستقبل عطفا على سابقه اه. 583 شرط باطل وللقاضي الكلام لأن نظره أعلى وهذا شرط فيه تفويت المصلحة للموقوف عليهم وتعطيل للوقف فيكون شرطا لا فائدة فيه للوقف ولا مصلحة فلا يقبل اه. بحر قوله: (وشرط في البحر الخ) عبارته وقد اختلف كلام قاضيخان في موضع جوزه للقاضي بلا شرط الواقف حيث رأى المصلحة فيه وفي موضع منع منه ولو صارت الأرض بحال لا ينتفع بها والمعتمد أنه بلا شرط يجوز للقاضي بشرط أن يخرج عن الانتفاع بالكلية وأن لا يكون هناك ريع للوقف يعمر به وأن لا يكون البيع بغبن فاحش وشرط في الإسعاف أن يكون المستبدل قاضي الجنة المفسر بذي العلم والعمل لئلا يحصل التطرق إلى إبطال أوقاف المسلمين كما هو الغالب في زماننا اه. ويجب أن يزاد آخر في زماننا وهو أن يستبدل بعقار لا بدراهم ودنانير فإنا قد شاهدنا النظار يأكلونها وقل أن يشترى بها بدلا ولم نر أحدا من القضاة فتش على ذلك مع كثرة الاستبدال في زماننا اه. مطلب في شروط الاستبدال وحاصله أنه يشترط له خمسة شروط أسقط الشارح منها الثاني والثالث لظهورهما لكن في الخامس كلام يأتي قريبا وأفاد في البحر زيادة شرط سادس وهو أن لا يبيعه ممن لا تقبل شهادته له ولا ممن له عليه دين حيث قال وقد وقعت حادثتان للفتوى. إحداهما باع الوقف من ابنه الصغير فأجبت بأنه لا يجوز اتفاقا كالوكيل بالبيع باع من ابنه الصغير والكبير كذلك خلافا لهما كما عرف في الوكالة. ثانيتهما باع من رجل له على المستبدل دين وباعه الوقف بالدين وينبغي أن لا يجوز على قول أبي يوسف وهلال لأنهما لا يجوزان البيع بالعروض فالدين أولى اه. وذكر عن القنية ما يفيد شرطا سابعا حيث قال وفي القنية مبادلة دار الوقف بدار أخرى إنما يجوز إذا كانتا في محلة واحدة أو محلة الأخرى خيرا وبالعكس لا يجوز وإن كانت المملوكة أكثر مساحة وقيمة وأجرة لاحتمال خرابها في أدون المحلتين لدناءتها وقلة الرغبة فيها اه. وزاد العلامة قنالي زاده في رسالته ثامنا وهو أن يكون البدل والمبدل من جنس واحد لما في الخانية لو شرط لنفسه استبدالها بدار لم يكن له استبدالها بأرض وبالعكس أو بأرض البصرة تقيد اه. فهذا فيما شرطه لنفسه فكذا يكون شرطا فيما لو لم يشترطه لنفسه بالأولى تأمل ثم قال والظاهر عدم اشتراط اتحاد الجنس في الموقوفة للاستغلال لأن المنظور فيها كثرة الريع وقلق المرمة والمؤنة فلو استبدل الحانوت بأرض تزرع ويحصل منها غلة قدر أجرة الحانوت كان أحسن لأن الأرض أدوم وأبقى وأغنى عن كافة الترميم والتعمير بخلاف الموقوفة للسكن لظهور أن قصد الواقف الانتفاع بالسكن اه. ولا يخفى أن هذه الشروط فيما لم يشترط الواقف استبداله لنفسه أو غيره فلو شرطه لا يلزم خروجه عن الانتفاع ولا مباشرة القاضي له ولا عدم ريع يعمر به كما لا يخفى فاغتنم هذا التحرير قوله: (ولو بالدراهم والدنانير) رد لما مر عن البحر من اشتراط كون البدل عقارا. وحاصله أن اشتراط ذلك إنما هو لكون الدراهم يخشى عليها أكل النظار لها وإذا كان المشروط كون المستبدل قاضي الجنة لا يخشى ذلك.
584 قلت وفيه نظر لأن قاضي الجنة شرط للاستبدال فقط لا للشراء بالثمن أيضا فقد يستبدل قاضي الجنة بالدراهم ويبقيها عنده أو عند الناظر ثم يعزل القاضي ويأتي في السنة الثانية من لا يفتش عليها فتضيع نعم ذكر في البحر أن صريح كلام قاضيخان جوازه بالدراهم ولكن قال قارئ الهداية وإن كان للوقف ريع ولكن يرغب شخص في استبداله إن أعطى مكانه بدلا أكثر ريعا منه في صقع أحسن من صقع الوقف جاز عند أبي يوسف والعمل عليه وإلا فلا فقد عين العقار للبدل فدل على منعه بالدراهم اه. واعترضه الخير الرملي بأنه كيف يخالف قاضيخان مع صراحته مع صراحته بالجواز بما قال قارئ الهداية مع أنه ليس فيه تعرض للاستبدال بالدرهم لا ينفي ولا إثبات اه. قلت: لا يخفى أن قوله إن أعطى مكانه بدلا الخ يدل على نفي الجواز بدون العقار بل صرح به في قوله وإلا فلا نعم يرد على البحر أن كلام قارئ الهداية لا يعارض كلام قاضيخان لأنه فقيه النفس والجواب أن صاحب البحر لم ينكر كون المنقول في الذهب ما قاله قاضيخان ولكن مراده أن هذا المنقول كان في زمنهم وأن ما قاله قارئ الهداية مبني على تغير الزمان ويدل على أن مراده هذا قوله فيما سبق ويجب أن يزاد آخر في زماننا الخ ولا شك أن هذا هو الاحتياط ولا سيما إذا كان المستبدل من قضاة هذا الزمن وناظر الوقف غير مؤتمن نعم ما أفتى به قارئ الهداية من جواز الاستبدال إذا كان للوقف ربع مخالف لما مر في الشروط من اشتراط خروجه عن الانتفاع بالكلية ويأتي تمام الكلام عليه قريبا قوله: (وكذا لو شرط عدمه) معطوف على قول المتن: وأما بدون الشرط وقدمنا عن الطرطوسي أن هذا لا نقل فيه بل قواعد المذهب تقتضيه. مطلب يجوز مخالفة شرط الواقف في مسائل قوله: (وهي إحدى المسائل السبع) الثانية شرط أن القاضي لا يعزل الناظر فله عزل غير الأهل الثالثة شرط أن لا يؤجر وقفه أكثر من سنة والناس لا يرغبون في استئجار سنة أو كان في الزيادة نفع للفقراء فللقاضي المخالفة دون الناظر الرابعة لو شرط أن يقرأ على قبره فالتعيين باطل أي على القول بكراهة القراءة على القبر والمختار خلافه الخامسة شرط أن يتصدق بفاضل الغلة على من يسأل في مسجد كذا فللقيم التصدق على سائل غير ذلك المسجد أو خارج المسجد أو على من لا يسأل السادسة لو شرط للمستحقين خبزا ولحما معينا كل يوم فللقيم دفع القيمة من النقد وفي موضع آخر لهم طلب المعين وأخذ القيمة أي فالخيار لهم لا له وذكر في الدر المنتقى أنه الراجح السابعة تجوز الزيادة من القاضي على معلوم الإمام إذا كان لا يكفيه وكان عالما تقيا وهذه الأخيرة سيذكرها الشارح في فروع الفصل الآتي ويأتي الكلام عليها هناك وزاد عليها أخرى وهي جواز مخالفة السلطان الشروط إذا كان أصل الوقف لبيت المال قوله: (وزاد ابن المصنف في زواهره) أي في حاشيته زواهر الجواهر على الأشباه والنظائر ونص عبارة أنفع الوسائل هكذا إذا نص الواقف على أن أحدا لا يشارك الناظر في الكلام على هذا الوقف ورأى القاضي أن يضم إليه مشارفا يجوز له ذلك كالوصي إذا ضم إليه غيره حيث يصح اه. وهذا حاصل ما يأتي عن المعروضات.
585 قلت وأوصلها في الدر المنتقى إلى إحدى عشرة فراجعه وزاد البيري مسألتين الأولى ما إذا شرط أن لا يؤجر بأكثر من كذا وأجر المثل أكثر والثانية لو شرط أن لا يؤجر لمتجوه أي لصاحب جاه فآجره منه بأجرة معجلة واعترض بأن العلة الخوف على رقبة الواقف كما هو مشاهد قلت: وينبغي التفصيل بين الخوف على الأجرة والخوف على الوقف ففي الأول يصح بتعجيل الأجرة قوله: (وفيها) أي في الأشباه. مطلب لا يستبدل العامر إلا في أربع قوله: (إلا في أربع) الأولى لو شرطه الواقف الثانية إذا غصبه غاصب وأجرى عليه الماء حتى صار بحرا فيضمن القيمة ويشتري المتولي بها أرضا بدلا الثالثة أن يجحده الغاصب ولا بينة: أي وأراد دفع القيمة فللمتولي أخذها ليشتري بها بدلا الرابعة أن يرغب إنسان فيه ببدل أكثر غلة وأحسن صقعا فيجوز على قول أبي يوسف وعليه الفتوى كما في فتاوى قارئ الهداية قال صاحب النهر في كتابه إجابة السائل قول قارئ الهداية والعمل على قول أبي يوسف معارض مما قاله صدر الشريعة نحن لا نفتي به وقد شاهدنا في الاستبدال ما لا يعد ويحصى فإن ظلمة القضاة جعلوه حيلة لإبطال أوقاف المسلمين وعلى تقديره فقد قال في الإسعاف المراد بالقاضي هو قاضي الجنة المفسر بذي العلم والعمل اه. ولعمري أن هذا أعز من الكبريت الأحمر وما أراه إلا لفظا يذكر فالأحرى فيه السد خوفا من مجاوزة الحد والله سائل كل إنسان اه. قال العلامة البيري بعد نقله أقول وفي فتح القدير والحاصل أن الاستبدال إما عن شرط الاستبدال أو لا عن شرطه فإن كان لخروج الوقف عن انتفاع الوقوف عليهم فينبغي أن لا يختلف فيه وإن كان لا لذلك بل اتفق أنه أمكن أن يؤخذ بثمنه ما هو خير منه مع كونه منتفعا به فينبغي أن لا يجوز لأن الواجب إبقاء الوقف على ما كان عليه دون زيادة ولأنه لا موجب لتجويزه لأن الموجب في الأول الشرط وفي الثاني الضرورة ولا ضرورة في هذا إذ لا تجب الزيادة بل نبقيه كما كان اه. أقول ما قاله هذا المحق هو الحق الصواب اه. كلام البيري وهذا ما حرره العلامة القنالي الذي كما قدمناه قوله: (قلت لكن الخ) استدراك على الصورة الرابعة المذكورة قوله (بمنع استبداله) أي استبدال العامر إذا قل ريعه ولم يخرج عن الانتفاع بالكلية وهو الصورة الرابعة بقرينة قوله تبعا لترجيح صدر الشريعة فإن الذي رجحه هو هذه الصورة كما علمته آنفا قوله: (فالمتولون الخ) لا يخفى ما في هذه العبارة من الركاكة والظاهر أنها معربة من عبارة تركية.
586 وحاصلها أنه ورد الأمر بعدم العلم بهذا الشرط فإذا كان المتولي من الأمراء لا يستقل بنفسه بل يعرض أمر الوقف على الدولة العلية أي على السلطان لقرب الأمير منه فيتصرف بالوقف برأي السلطان على مقتضى الشرع الشريف وإن كان المتولي ممن دون الأمراء في الرتبة وهو من لا وصول له بنفسه إلى السلطان يعرض أمر الوقف برأي الأمراء على القضاة ليتصرف معهم على وفق المشروع من المواد الحادثة ولا يخالف المتولي للقاضي إذا أمره بالمشروع ولا القاضي المتولي إذا كان تصرف المتولي على وفق المشروع قوله: (فالواقفون الخ) حاصله أن الواقفين إذا شرطوا هذا الشرط ولعنوا من يداخل الناظر من الأمراء والقضاة كانوا هم الملعونين لأنهم أرادوا بهذا الشرط أنه مهما صدر من الناظر من الفساد لا يعارضه أحد وهذا شرط مخالف للشرع وفيه تفويت المصلحة للموقوف عليهم وتعطيل الوقف فلا يقبل كما قدمناه عن أنفع الوسائل قوله (بنى على أرض الخ) كان المناسب للمصنف ذكر هذه المسألة عند قوله ومنقول فيه تعامل لما تقرر أن البناء والغراس من قسم المنقول ولذا لا تجري فيه الشفعة كما سنحققه في بابها ولزم من ذكرها هنا الفصل بين مسائل الاستبدال والبيع. مطلب في وقف البناء بدون أرض قوله: (ثم وقف البناء قصدا) احترز به عن وقفه تبعا للأرض فإنه جائز بلا نزاع ثم اعلم أن العلامة قاسما أفتى بأنه لا يصح وقف البناء بدون أرض وعزاه في الأصل للإمام محمد وإلى هلال بن يحيى البصري والخصاف وإلى الواقعات والمضمرات وقال يحتمل هذا المنع أن يكون لا لعدم التعارف بل لأن غير المنقولات تبقى بنفسها مدة طويلة فتكون متأبدة بخلاف البناء فإنه لا بقاء له بدون الأرض فلا يتم التخريج فثبت أنه باطل بالاتفاق والحكم به باطل اه. مخلصا. قلت: لكن في البحر عن الذخيرة وقف البناء من غير وقف الأصل لم يجز هو الصحيح لأنه منقول وقفه غير متعارف وإذا كان أصل البقعة موقوفا على جهة قربة فبنى عليها بناء ووقف بناءها على جهة قربة أخرى اختلفوا فيه اه. مطلب مناظرة ابن الشحنة مع شيخه العلامة قاسم في وقف البناء فهذا صريح بأن علة عدم الجواز كونه غير متعارف لا لما ذكره العلامة قاسم فحيث تعورف وقفه جاز وعن هذا خالفه تلميذه العلامة حتى عبد البر بن الشحنة بعدما جرى بينهما كلام في مجلس السلطان الملك الظاهر سنة 872 (1) وقال إن الناس من زمن قديم نحو مائتي سنة وإلى الآن على
(1) قوله: (سنة 282) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف وفيه نظر فإن وفاة الملك الظاهر في سنة 676 كما يعلم من مراجعة الخطط للمقريزي اه مصححه. 587 جوازه والأحكام به من القضاة العلماء متواترة والعرف جار به فلا ينبغي أن يتوقف فيه اه. ورده العلامة محمد بن ظهيرة القرشي كما في فتاوى الكازروني بما حاصله أنه خالف نصوص المذهب على عدم جوازه وخالف شيخه الذي أجمع علماء عصره من المذاهب الأربعة علمه وقبول قوله وأنه اعتمد على قول مرجوح وأنه احتج بالعرف وعمل القضاة والعرف لا يصادم المنقول وحكم القضاة بالمرجوح لا ينفذ اه. قلت: لا يخفى عليك أن المفتى به الذي عليه المتون جواز وقف المنقول المتعارف وحيث صار وقف البناء متعارفا كان جوازه موافقا للمنقول ولم يخالف نصوص المذهب على عدم جوازه لأنها مبنية على أنه لم يكن متعارفا كما دل عليه كلام الذخيرة المار ويأتي قريبا نص الخصاف على جوازه إذا كان البناء في أرض محتكرة هذا والذي حرره في البحر أخذا من قول الظهيرية وأما إذا وقفه على الجهة التي كانت البقعة وقفا عليها جاز اتفاقا تبعا للبقعة أن قول الذخيرة لم يجز هو الصحيح مقصور على ما عدا صورة الإنفاق وهو ما إذا كانت الأرض ملكا أو وقفا على جهة أخرى قال وقصره الطرسوسي على الملك وهو غير ظاهر اه. قلت: وهو كذلك فإن شرط الوقف التأبيد والأرض إذا كانت ملكا لغيره فللمالك استردادها وأمره بنقض البناء وكذا لو كانت ملكا له فإن لورثته بعده ذلك فلا يكون الوقف مؤبدا وعلى هذا فينبغي أن يستثني من أرض الوقف ما إذا كانت معدة لاحتكار لو لأن البناء يبقى فيها كما إذا كان وقف البناء على جهة وقف الأرض فإنه لا مطالب لنقضه والظاهر أن هذا وجه جواز وقفه إذا كان متعارفا ولهذا أجازوا وقف بناء قنطرة على النهر العام وقالوا إن بناءها لا يكون ميراثا وقال في الخانية إنه دليل على جواز وقف البناء وحده يعني فيما سبيله البقاء كما قلنا وبه يتضح الحال ويزول الإشكال ويحصل التوفيق بين الأقوال قوله: (وقيل صح وعليه الفتوى) أخذه من إطلاق ما نقله قارئ الهداية فقد قال في البحر إن ظاهره أنه لا فرق بين أن تكون الأرض ملكا أو وقفا لكنه مخالف لما حرره كما علمته آنفا ولما يأتي عن فتاواه وقد علمت ما فيه من منافاته للتأبيد وعن هذا نص في الخانية وغيرها على أنه لا يجوز وقف البناء في أرض عارية أو إجارة كما يأتي فيجب حمل كلام قارئ الهداية على غير الملك قوله: (وأقره المصنف) ليس في عبارته التصريح بالملك شارح الوهبانية فليس في كلامه تصريح بترجيحه فإنه قال نظما وتجويز إيقاف البنا دون أرضه * ولو تلك ملك الغير بعض يقرر قوله (والصحيح الصحة) أي إذا كانت الأرض محتكرة كما علمت وعن هذا قال في أنفع الوسائل إنه لو بنى في الأرض الموقوفة المستأجرة مسجدا أنه يجوز قال وإذا جاز فعلى من يكون حكره والظاهر أنه يكون على المستأجر ما دامت المدة باقية فإذا انقضت ينبغي أن يكون من
588 بيت مال الخراج وأخواته ومصالح المسلمين قوله: (لو الأرض وقفا) مبني على ما مشى عليه المتن. مطلب في زيادة أجرة الأرض المحتكرة قوله: (في الأرض المحتكرة) أصل الحكر المنع بحر عن الخطط وفي الخيرية الاستحكار عقد إجارة يقصد به استبقاء الأرض مقررة للبناء والغرس أو لأحدهما قوله فأجاب نعم) أي يجوز بيعه ووقفه أما البيع فقدمنا الكلام عليه محررا في أول كتاب الشركة وأما وقف المأجور ففي البحر يصح ولا تبطل الإجارة فإذا انقضت أو مات أحدهما صرف إلى جهات الوقف اه. وأما وقف المرهون فسيأتي بيانه قبيل الفصل وأما وقف الشجر فهو كوقف البناء وفي البزازية غرس شجرة ووقفها إن غرسها على أرض مملوكة (1) يجوز وقفها تبعا للأرض وإن بدون أصلها لا يجوز وإن كانت في أرض موقوفة إن وقفها على تلك الجهة جاز كما في البناء وإن وقفها على جهة أخرى فعلى الخلاف المذكور في وقف البناء اه. قوله (أو إجارة) يستثنى منه ما ذكره الخصاف من أن الأرض إذا كانت متقررة للاحتكار فإنه يجوز بحر قال في الإسعاف وذكر في أوقاف الخصاف أن وقف حوانيت الأسواق يجوز إن كانت الأرض بإجارة في أيدي الذين بنوها لا يخرجهم السلطان عنها من قبل أنا رأيناها في أيدي أصحاب البناء توارثوها وتقسم بينهم لا يتعرض لهم السلطان فيها ولا يزعجهم وإنما له غلة يأخذها منهم وتداولها خلف عن سلف ومضى عليها الدهور وهي في أيديهم يتبايعونها ويؤجرونها وتجوز فيها وصاياهم ويهدمون بناءها ويعيدونه ويبنون غيره فكذلك الوقف فيها جائز اه. وأقره في الفتح وذكر أيضا أنه مخصص لإطلاق قوله أو إجازة وقد علمت وجهه وهو بقاء التأبيد وهو مؤيد لما قلنا من تخصيص الوقف لما إذا كانت الأرض محتكرة مطلب في وقف الكردار والكدك تتمة: في البزازية: وقف الكردار بدون. الأرض لا يجوز كوقف البناء بلا أرض اه. وفي مزارعة الخيرية الكردار هو أن يحدث المزارع في الأرض بناء أو غراسا أو كبسا بالتراب صرح به غالب أهل الفتاوى اه. قلت: فعلى هذا ينبغي التفصيل في الكردار فإن كان كبسا بالتراب فلا يصح وقفه وإن كان بناء أو غرسا ففيه ما مر في وقف البناء والشجر ومن الكردار ما يسمى الآن كدكا عنه في حوانيت الوقف ونحوها من وقوف مركبة في الحانوت وإغلاق على وجه القرار ومنه ما يسمى قيمة في البساتين وفي الحمامات وقد أوضحناه في تنقيح الحامدية والظاهر أنه لا يصح وقفه لعدم العرف
(1) قوله: (إن غرسها على أرض مملوكة الخ) في البحر عن الظهيرية ما نصه وإذا غرس شجرة ووقفها إن غرسها في أرض غير موقوفة لا يخلو إن وقفها بموضعها من الأرض تبعا للأرض بحكم الاتصال إلى آخر العبارة وبهذا تعلم ما في عبارة المحشي اه. 589 الشائع بخلاف وقف البناء والشجر فإنه مما شاع وذاع في عامة البقاع قوله: (وأما الزيادة في الأرض المحتكرة الخ) محل ذكر هذا المسائل في أول الفصل الآتي عند ذكر إجارة الوقف. والحاصل: أن مستأجر أرض الوقف إذا بنى فيها ثم زادت أجرة المثل زيادة فاحشة فإما أن تكون الزيادة بسبب العمارة والبناء أو بسبب زيادة أجرة الأرض في نفسها ففي الأول لا تلزمه الزيادة لأنها أجرة عمارته وبنائه وهذا لو كانت العمارة ملكه أما لو كانت للوقف كما لو بنى بأمر الناظر ليرجع على الوقف تلزمه الزيادة ولهذا قيد بالمحتكرة يكون وفي الثاني تلزمه الزيادة أيضا كما يأتي بيانه في الفصل قوله: (أمر برفع العمارة) ينبغي تقييده بما إذا لم يضرر رفعه بالأرض أخذا مما بعده قوله: (وتؤجر لغيره) لأن النقصان عن أجر المثل لا يجوز من غيره ضرورة بحر. مطلب في استيفاء العمارة بعد فراغ مدة الإجارة بأجر المثل قوله: (وإلا تترك في يده بذلك الأجر) لأن فيها ضرورة بحر عن المحيط وظاهر التعليل تركها بيده ولو بعد فراغ مدة الإجارة لأنه لو أمر برفعها لتؤجر من غيره يلزم ضرره وحيث كان يدفع أجرة مثلها لم يوجد ضرر على الوقف فتترك في يده لعدم الضرر على الجانبين وحينئذ فلو مات المستأجر كان لورثته الاستبقاء أيضا إلا إذا كان فيه ضرر على الوقف بوجه ما بأن كان هو أو وارثه مفلسا أو سيئ المعاملة أو متغلبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر كما في حاشية الخير الرملي من الإجارات وأفتى به في فتاواه الخيرية لكنه مخالف لإطلاق المتون والشروح من أنه بعد فراغ المدة يؤمر بالرفع والتسليم وبه أفتى في الخيرية أيضا قبيل باب ضمان الأجير في خصوص الأرض المحتكرة. قلت: لكن ينبغي تخصيص إطلاق المتون والشروح وإخراج الأرض المعدة للاحتكار من هذا الإطلاق ليتوافق كلامهم ويؤيد ذلك ما مر عن الخصاف من صحة وقف البناء في الأرض المحتكرة وقدمنا وجهه وهو أن البناء عليها يكون على وجه الدوام فيبقى التأبيد المشروط لصحة الوقف ومثل ذلك غالب القرى التي هي وقف أو لبيت المال فإن أهلها إذا علموا أن بناءهم وغراسهم عمر يقلع كل سنة وتؤخذ القرية من أيديهم وتدفع لغيرهم لزم خرابها وعدم من يقوم بعمارتها ومثل ذلك أصحاب الكردار في البساتين ونحوها وكذا أصحاب الكدك في الحوانيت ونحوها فإن إبقاءها في أيديهم سبب لعمارتها ودوام استغلالها ففي ذلك نفع للأوقاف وبيت المال ولكن كل ذلك بعد كونهم يؤدون أجرة مثلها بلا نقصان فاحش وهذا خلاف الواقع في زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهذا خلاصة ما حررته في رسالتي المسماة (تحرير العبارة فيمن هو أحق بالإجارة) فعليك بها فإنها بديعة في بابها مغنية لطلابها ولله تعالى الحمد قوله: (وفيه) أي في البحر وعزاه إلى المحيط وغيره قوله: (لو زيد عليه) أي من غير أن يزيد أجر المثل في نفسه فتاوى الخيرية ويدل له قوله الآتي والظاهر أنه لا تقبل الزيادة الخ فظهر أن المراد زيادة متعنت فافهم قوله (تفسح عند رأس الشهر) أي قبل دخوله لأنه إذا استأجر مشاهرة كل شهر بكذا تصح
590 في الشهر الأول فقط وكلما دخل شهر صحت فيه قوله (أو يتملكه القيم) هذا فيما إذا ضر رفع البناء فكان عليه أن يقول فإن لم يضر رفع وإن ضر لا بل يتملكه القيم الخ وعبارة البحر ينظر إن كانت أجرته مشاهرة إذا جاء رأس الشهر كان للقيم فسخ الإجارة ثم ينظر إن كان رفع البناء لا يضر بالوقف فله رفعه لأنه ملكه وإن كان يضر به فليس له رفعه لأنه وإن كان ملكه فليس له أن يضر بالوقف ثم إن رضي المستأجر أن يتملكه القيم للوقف بالقيمة مبنيا أو منزوعا أيهما كان أخف يتملكه القيم وإن لم يرض لا يتملك لأن التملك بغير رضاه لا يجوز فيبقى إلى أن يخلص ملكه اه (1).. قلت: سيأتي في كتاب الإجارات إنه إن ضر يتملكه القيم لجهة الوقف جبرا على المستأجر كما في عامة الشروح فيعول عليها لأنها لنقل المذهب بخلاف نقول الفتاوى اه. وذكر مثله في المنح هناك وحاصله أنهم في الفتاوى كالمحيط والخانية والعمادية جعلوا الخيار للمستأجر ولو كان القلع يضر وأصحاب الشروح جعلوا الخيار للناظر إن ضر وإلا فللمستأجر ولا يخفى أن كلا مما في الفتاوى والشروح مخالف لما مر من قوله وإلا تترك في يده كما نبهنا عليه آنفا وعلمت التوفيق على التحقيق قوله: (والظاهر أنه لا تقبل الزيادة الخ) حاصله أنها مثل المشاهرة فإنه في المشاهرة لا تقبل الزيادة أيضا بل يصير إلى انتهاء الشهر. والحاصل أنه لا تقبل الزيادة في كل الصور حيث لم تزد أجرة مثله في ذاتها للزوم العقد وعدم موجب الفسخ (2) فلو قال والظاهر أنها كذلك لكان أحصر وأولى أفاده الخير الرملي في حاشية البحر. مطلب مهم في وقف الإقطاعات قوله وأما وقف الإقطاعات الخ) هي ما يقطعه الإمام أي يعطيه من الأراضي رقبة أو منفعة لمن له حق في بيت المال. وحاصل ما ذكره صاحب البحر في رسالته التحفة المرضية في الأراضي المصرية أن الواقف لأرض من الأراضي لا يخلو إما أن يكون مالكا لها من الأصل بأن كان من أهلها حين يمن الإمام على أهلها أو تلقى الملك من مالكها بوجه من الوجوه أو غيرهما فإن كان الأول فلا خفاء في صحة وقفه لوجود ملكه وإن كان الواقف غيرهما فلا يخلوا إما إن وصلت إلى يده بإقطاع السلطان إياها له أو بشراء من بيت المال من غير أن تكون ملكه فإن كان الأول فإن كانت مواتا أو ملكا
(1) قوله: (فيبقى إلى أن يخلص الخ) أي يبقى البناء في الأرض إلى أن يخلص ملك الباني ويؤجرها القيم ببنائها لكن بإذنه ثم يقسم الأجر على مثل قيمة أجر الأرض ومثل أجر البناء ونقل شيخنا عن الزملي أن الظاهر أن القيم لا يعطى الباني شيئا بل يكون كل الأجر جهة الوقف اه. (2) قوله: (وهدم موجب الفسخ) أي الآن وإلا فهي تفسخ في آخر المدة اه. 591 للسلطان صح وقفها وإن كانت من حق بيت المال لا يصح قال الشيخ قاسم إن من أقطعه السلطان أرضا من بيت المال ملك المنفعة بمقابلة ما أعد له فله إجارتها وتبطل بموته أو إخراجه من الإقطاع لأن للسلطان أن يخرجها منه اه. وإن وصلت الأرض إلى الواقف بالشراء من بيت المال بوجه مسوغ فإن وقفه صحيح لأنه ملكها ويراعي فيها شروطه سواء كان سلطانا أو أميرا أو غيرهما وما ذكره السيوطي من أنه لا يراعي فيها الشرائط إن كان سلطانا أو أميرا فمحمول على ما إذا وصلت إلى الواقف بإقطاع السلطان من بيت المال أو بناء على أصل في مذهبه وإن كان الواقف لها السلطان من بيت المال من غير شراء فأفتى العلامة قاسم بأن الوقف صحيح أجاب به حين سئل عن وقف السلطان جقمق فإنه أرصد أرضا من بيت المال على مصالح مسجد وأفتى بأن سلطانا آخر لا يملك إبطاله اه. حاصل ما في الرسالة. قلت: وما أفتى به العلامة قاسم مشكل لما تقدم من أنها إن كانت من حق بيت المال لا يصح وكذا ما سيذكره الشارح في فروع الفصل الآتي عن المبسوط من أن للسلطان مخالفة شرط الواقف إذا كان غالب جهات الوقف قرى ومزارع لأن أصلها لبيت المال أي فلم تكن وقفا حقيقة بل هي أرصاد أخرجها الإمام من بيت المال وعينها لمن يستحق منه من العلماء ونحوهم كما أوضحناه في باب العشر والخراج والجزية وقدمنا هناك أنه إذا لم يعلم شراؤه لها ولا عدمه فالظاهر أنه لا يحكم بصحة وقفها لأن شرطه الملك ولم يعلم ولا يلزم علمه من وقفه لها لأن الأصل بقاؤها لبيت المال كما يفيده المذكور عن المبسوط. مطلب في أوقاف الملوك والأمراء ولهذا أفتى المولى أبو السعود بأن أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها لأنها من بيت المال أو تؤول إليه اه. وأما ذكره في النهر هناك من قوله وإذا لم يعرف الحال في الشراء من بيت المال فالأصل هو الصحة فالظاهر أن معناها إذ علم الشراء ولكن لم يعلم حاله هل هو صحيح أم لا لعدم وجود شرطه لأنه لا يصح الشراء من بيت المال إلا إذا كان بالمسلمين حاجة كما مر هناك فيحمل على الأصل وهو الصحة فافهم ولعل مراد العلامة قاسم بقوله إن الوقف صحيح: أي لازم لا ينقص على وجه الأرصاد المقصود منه وصول المستحقين إلى حقوقهم ولم يرد حقيقة الوقف وقدمنا تمام ذلك هناك فراجعه قوله: (يجعلونها مشتراة صورة) أي بدون شرائطه المسوغة لعدم احتياج بيت المال إلى بيعها في هذه الدولة العثمانية أعز الله بها الإسلام والمسلمين ومقتضاه أنه لا يكون وقفا حقيقة بل هو إرصاد كما علمته مما حررناه آنفا فلم يكن مما جهل حال شرائه حتى يحمل على الصحة فافهم قوله (لمصلحة عمت) كالوقف على المسجد بخلافه على معين وأولاده فإنه لا يصح وإن جعل آخره للفقراء كما أوضحه العلامة عبد البر بن الشحنة ط قوله (ويؤجر) لأن بيت المال معد لمصالح المسلمين فإذا أبده على مصرفه الشرعي يثاب لا سيما إذا كان يخاف عليه أمراء الجور الذين يصرفونه في غير مصرفه الشرعي فيكون قد منع من يجئ منهم ويتصرف ذلك التصرف ذكره العلامة عبد البر ط ومفاده أنه إرصاد لا وقف حقيقة كما قدمناه.
592 قوله: (قلت الخ) أصله ما في الخانية لو أن سلطانا أذن لقوم أن يجعلوا أرضا من أرضي بلدة حوانيت موقوفة على المسجد أو أمرهم أن يزيدوا في مسجدهم قالوا إن كانت البلدة فتحت عنوة ينفذ لأنها تصير ملكا للغانمين فيجوز أمر السلطان فيها وإذا فتحت صلحا تبقى على ملك ملاكها فلا ينفذ أمره فيها اه. قلت ومفاد التعليل أن المراد بالمفتوحة عنوة التي لم تقسم بين الغانمين إذ لو قسمت صارت ملكا لهم حقيقة فتأمل. مطلب في إطلاق القاضي بيع الوقف للواقف أو لوارثه قوله: (أطلق القاضي) أي أجاز ط عن الواني قوله: (بيع الوقف) أي كله أو بعضه كما أفتى به المولى أبو السعود فقال إن لم يكن مسجلا وباعه برأي الحاكم يبطل وقفية ما باعه والباقي على ما كان كما نقله عنه المصنف في المنح قوله: (غير المسجل) معنى قولهم مسجلا أي محكوما بلزومه بأن صار اللزوم حادثة وقع التنازع فيها فحكم القاضي باللزوم بوجهه الشرعي رملي وسمي مسجلا لأن المحكوم به يكتب في سجل القاضي قوله: (وكان حكما ببطلان الوقف) الضمير في كان عائد إلى إطلاق القاضي وعبارة البزازية كان حكما بصحة بيع الوقف اه. والظاهر أن الحكم (1) ببطلان الوقف يكون بعد بيعه تأمل قوله (كما حققه المصنف) حيث ذكر أن هذا ليس مبنيا على قول الإمام فقط بعدم لزوم الوقف قبل التسجيل بل هو صحيح على قولهما أيضا لوقوعه في فصل مجتهد فيه كما صرح به في البزازية ويؤيده قول قارئ الهداية إذا رجع الواقف عما وقفه قبل الحكم بلزومه صح عنده لكن الفتوى على خلافه وأنه يلزم بلا حكم ومع ذلك إذا قضى بصحة الرجوع قاض حنفي صح ونفذ فإذا وقفه ثانيا على جهة أخرى وحكم به حاكم صح ولزم وصار المعتبر الثاني لتأبده بالحكم اه. وبه يندفع ما ذكره العلامة قاسم ومن تبعه من عدم النفاذ معللا بأنه قضاء بالمرجوح اه. وليس كذلك لما في السراجية من تصحيح أن المفتي يفتي بقول الإمام على الإطلاق ثم بقول أبي يوسف ثم بقول محمد ثم بقول زفر والحسن بن زياد ولا يتخير إذا لم يكن مجتهدا وقول الإمام مصحح أيضا فقد جزم به بعض أصحاب المتون ولم يعولوا على غيره ورجحه ابن كمال في بعض مؤلفاته وإذا كان في المسألة قولان مصححان يجوز القضاء والإفتاء بأحدهما هذا حاصل ما ذكره المصنف وفيه نظر فإن كتب المذهب مطبقة على ترجيح قولهما بلزومه بلا حكم وبأني المفتى به وفي الفتح أنه الحق كما مر فعلى المفتي
(1) قوله: (والظاهر أن الحكم الخ) فيه أن يقتضي اشتراط تقدم الدعوى والمنازعة والأمر ليس كذلك بل مجرد الإذن كنف في صحته البيع وإبطال الواقف اه. 593 والقاضي العمل به وأما قوله جزم به بعض أصحاب المتون الخ ففيه أنهم ذكروا أولا قول الإمام لكون المتون موضوعة لنقل مذهبه ثم ذكروا قولهما وفرعوا عليه وأما قول السراجية إن المفتي يفتي بقول الإمام على الإطلاق ولا يتخير فذاك في غير ما صرح أهل المذهب بترجيح خلافه ولذا قال إذا لم يكن مجتهدا ولا شك أن أهل الاجتهاد في المذهب رجحوا قولهما فعلينا اتباع ترجيحهم وإلا كان عبثا كما رجحوا قولهما في المزارعة والحجر فثبت أن قوله مرجوح والقضاء بالمرجوح غير صحيح وأما ما أفتى به قارئ الهداية فقد أفتى نفسه بخلافه وقال لكن الفتوى على قولهما أنه لا يشترط للزومه شئ مما شرطه أبو حنيفة فعلى هذا الوقف هو الأول وما فعله ثانيا لا اعتبار به إلا إن شرطه في وقفه اه. وعن هذا قال في البحر ولو قضى الحنفي بصحة بيعه فحكمه باطل لأنه لا يصح إلا بالصحيح المفتى به فهو معزول بالنسبة إلى القول الضعيف ولذا قال في القنية فالبيع باطل ولو قضى القاضي بصحته وقد أفتى به العلامة قاسم وأما ما أفتى به قارئ الهداية من صحة الحكم ببيعه قبل الحكم بوقفه فمحمول على أن القاضي مجتهد أو سهو منه اه. فافهم. تنبيه صريح كلام القنية المذكور أن البيع باطل لا فاسد قال المقدسي في شرحه وقد وقع فيه اختلاف وأفتى بعض مشايخ العصر بفساده ورتب عليه ملك المشتري إياه والصحيح أنه باطل وقد بينا ذلك في رسالة لما وقع الاختلاف في البلاد الرومية وأفتى مفتيها بسريان الفساد إذا بيع ملك ووقف صفقة واحدة وخالفه شيخنا السيد الشريف محيي الدين الشهير بمعلول أمير وألف جماعة من المصريين رسائل في ذلك حتى الشافعية كالشيخ ناصر الدين الطبلاوي لما وقع بين قاضي القضاة نور الدين الطرابلسي وقاضي القضاة محيي الدين بن إلياس اه. قوله: (وأفتى به) أي المصنف في فتاواه قوله: (تبعا لشيخه) أي صاحب البحر في فتاواه وقد علمت أنه في بحره ما ارتضاه قوله: (لكن حمله في النهر) أي تبعا للبحر كما علمت ومثل القاضي المجتهد من قلد مجتهدا يراه أفاده ح. مطلب بيع الوقف باطل لا فاسد قوله: (لا يصح بيعه) يفيد أن إطلاق القاضي بيع الوقف لغير الوارث حكم ببطلان الوقف ويعود إلى ملك الوارث غايته أن بيع غير الوارث باطل لأنه باع ملك الغير لكن ينبغي أن يكون البيع صحيحا موقوفا على إجازة الوارث كما لا يخفى اه. ح لكن ليس في كلام الشارح ما يوجب البطلان لأن قوله لا يصح وقوله لا يجوز لا يقتضيه وليس في كلامه أيضا ما يقتضي بطلان الوقف بمجرد إطلاق القاضي بيعه لغير الوارث وقوله لأنه إذا بطل يعني بعد البيع قوله: (لما في العمادية باع القيم الخ) ينبغي أن يكون هذا في صورة الاستبدال اه. ح وعليه فالمراد بالمسوغ الشرعي وجود شرائط الاستبدال وقيد بأمر القاضي لأن الاستبدال إذا لم يشرطه الواقف لا يجوز لغير القاضي كما مر.
594 مطلب في الوقف إذا انقطع ثبوته قوله (وأما المسجل الخ) ظاهره أنه مقابل قول المتن غير المسجل فيكون المراد به المحكوم بلزومه وهذا لا شبهة في عدم صحة بيعه ما لم يصل إلى حال يجوز استبداله وأما لو انقطع ثبوته ففي الخصاف أن الأوقاف التي تقادم أمرها ومات شهودها فما كان لها رسوم في دواوين القضاة وهي في أيديهم أجريت على رسومها الموجودة في دواوينهم استحسانا إذا تنازع أهلها فيها وما لم يكن لها رسوم في دواوين القضاة القياس فيها عند التنازل أن من أثبت حقا حكم له به اه. وسيأتي تمامه في الفروع. مطلب الوقف في مرض الموت قوله: (الوقف في مرض موته كهبة فيه) أي في مرض الموت أقول إلا أنه إذا وقف على بعض الورثة ولم يجزه باقيهم لا يبطل أصله وإنما يبطل ما جعل من الغلة لبعض الورثة دون بعض فيصرف على قدر مواريثهم عن الواقف ما دام الموقوف عليه حيا ثم يصرف بعد موته إلى من شرطه الواقف لأنه وصية ترجع إلى الفقراء وليس كوصية لوارث ليبطل أصله بالرد نص عليه هلال رحمه الله تعالى فتنبه لهذه الدقيقة شرنبلالية وقدمنا تمام الكلام عليه عند قول المصنف أو بالموت قوله: (من الثلث مع القبض) خبر ثان عن قوله الوقف أو متعلق بمحذوف وعبارة الدرر فيعتبر من الثلث ويشترط فيه ما يشترط فيها من القبض والإفراز اه. وأصله في الخانية حيث قال فيها قال الشيخ الإمام ابن الفضل الوقف على ثلاثة أوجه إما في الصحة أو في المرض أو بعد الموت فالقبض والإفراز شرط في الأول كالهبة دون الثالث لأنه وصية وأما الثاني فكالأول وإن كان يعتبر من الثلث كالهبة في المرض وذكر الطحاوي أنه كالمضاف إلى ما بعد الموت وذكر السرخسي أن الصحيح أنه كوقف الصحة حتى لا يمنع الإرث عند أبي حنيفة ولا يلزم إلا أن يقول في حياتي وبعد مماتي اه. ملخصا وبه علم أن المراد بالقبض قبض المتولي وهو مبني على قول محمد باشتراط التسليم والإفراز كما مر بيانه وإن الخلاف في كون وقف المرض كوقف الصحة أو كالمضاف إلى ما بعد الموت ثمرته في كونه لا يلزم على قول الإمام فإذا مات يورث عنه كوقف الصحة أو يلزم فلا يورث كالمضاف وحيث مشى الشارح على ترجيح قول أبي يوسف بعدم اشتراط القبض كان الأولى له حذف قوله مع القبض ولئلا يوهم أن المراد قبض الموقوف عليه قوله (أو أجازه الوارث) أي وإن لم يخرج من الثالث قوله وإلا بطل) إلا أن يظهر له مال آخر إسعاف وخانية قوله (ولو أجاز البعض) أي بعض الورثة جاز بقدره أي نفذ مما زاد على الثلث ما أجازه وبطل باقي ما زاد وصورته لو كان ماله تسعة ووقف في مرضه ستة ومات عن ثلاثة أولاد فأجاز أحدهم نفذ في واحد فيصح الوقف من أربعة وسيأتي في كتاب الوصايا لو أجاز البعض ورد البعض جاز على المجيز بقدر حصته وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قوله: (وبطل وقف راهن معسر) فيه مسامحة والمراد أنه سيبطل ففي الإسعاف وغيره لو وقف المرهون بعد تسليمه صح وأجبره القاضي
595 على دفع ما عليه إن كان موسرا وإن كان معسرا أبطل الوقف وباعه فيما عليه اه. وكذا لو مات فإن عن وفاء عاد إلى الجهة وإلا بيع وبطل الوقف كما في الفتح قوله: (ومريض مديون بمحيط) أي بدين محيط بماله فإنه يباع وينقص الوقف. بحر. ويأتي محترز المحيط. وفي ط عن الفواكه البدرية: الدين المحيط بالتركة مانع من نفوذ الإعتاق والإيقاف والوصية بالمال والمحاباة في عقود العوض في مرض الموت إلا بإجازة الدائنين، وكذا يمنع من انتقال الملك إلى الورثة فيمنع تصرفهم إلا بالإجازة اه. قوله: (بخلاف صحيح) أي وقف مديون صحيح فإنه يصح ولو قصد به المماطلة، لأنه صادف ملكه كما في أنفع الوسائل عن الذخيرة. قال في الفتح: وهو لازم لا ينقصه أرباب الديون إذا كان قبل الحجر بالاتفاق لأنه لم يتعلق حقهم في حال صحته اه. وبه أفتى في الخيرة من البيوع، وذكر أنه أفتى به ابن نجيم، وسيأتي فيه كلام عن المعروضات. قوله: (لو قبل الحجر) أما بعده فلا يصح، وقدمنا أول الباب عند قوله: " وشرطه شرط سائر التبرعات " عن الفتح أنه لو وقفه على نفسه، ثم على جهة لا تنقطع ينبغي أن يصح على قول أبي يوسف المصحح: وعند الكل إذا حكم به حاكم اه. ونقدم هناك الكلام عليه. وحاصله أن وقفه على نفسه ليس تبرعا (1) بقي أن عدم صحة وقف المحجور إنما يظهر على قولهما بصحة حجر السفيه أما على قوله فلا لأنه لا يرى صحة حجره فيبقى تصرفه نافذا وعن هذا حكم بعض القضاة بصحة وقفه لأن القضاء بحجره لا يرفع الخلاف لوقوع الخلاف في نفس القضاء كما صرح به في الهداية فيصح الحكم بصحة تصرفه عند الإمام فيصح وقفه لكن الحكم بلزومه مشكل لأن الإمام وإن قال بصحة تصرفه لكنه لا يقول بلزوم الوقف والقائل بلزومه لا يقول بصحة تصرف المحجور فيصير الحكم بلزوم وقفه مركبا من مذهبين هذا حاصل ما ذكره في أنفع الوسائل وأجاب عنه بأنه في منية المفتي جواز الحكم الملفق وقدمنا ما فيه عند الكلام على وقف المشاع (2). قوله: (فإن شرط وفاء دينه) أي وقفه على نفسه وشرط وفاء دينه منه كما في فتاوى ابن نجيم وحذفه الشارح استغناء بالمقابل وهو قوله ولو وقفه على غيره اه. ح قوله: (يوفى من الفاضل عن كفايته) إي إذا فضل من غلة الوقف شئ عن قوته فللغرماء أن يأخذوا منه لأن الغلة بقيت على ملكه ذخيرة قوله: (لو له ورثة) أي ولم يجيزوا فقوله وإلا أي وإن لم يكن له ورثة أو كان وأجازوا اه. ح قوله: (فلو باعها القاضي) أي في صورة المحيط اه ح. قوله: (أي
(1) قوله: (ليس تبرعا) أي وهو إنما يحجر عن التبرع قال شيخنا وفيه نظر فإنه وإن لم يكن متبرعا بالغلة لكنه تبرع بما هو أعظم منها وهو العين فحينئذ يكون وقفه باطلا على رأي مصحح الحجر اه. (2) قوله: (على وقف المشاع) حاصل ما تقدم إن التلفيق الممنوع إنما هو التلقين بين مذهبين أجنبيين فحينئذ لا يكون هذا الحكم باطلا خصوصا وقد قيل أن كل قول المصاحبين مروى عن الإمام اه. وعلى هذا ما في المتية. 596 وإلا فيبطل) بالبناء للمجهول وهذا تصريح بالمفهوم أي وإن لم يمت عن مال يفي بما عليه من الدين فإن الوقف يغير أي يبطله القاضي ويبيعه للدين قال الشرنبلالي في شرح الوهبانية وهذا يخالف عتق العبد الرهن لا يباع ويسعى في الدين إن لم يزد على قيمته ولا يبطل العتق وبحث فاضل فقال ينبغي أن لا يبطل الوقف ويؤخذ من غلته لوفاء الدين كسعاية العبد إذا لم يقدر بزمن والجامع بينهما التحرير فإن الوقف تحرير عن البيع وتعلق حق الغير يقضى من ريعه كسعاية العبد بل إنه أمكن إذ قد يموت العبد قبل أداء السعاية والعقار باق رعاية للمصلحة فليتأمل اه. ما في شرح الوهبانية. قلت: وفيه نظر لظهور الفرق بين الوقف والعبد فإن العتق عقد لازم واستهلاك للرهن من كل وجه بخلاف الوقف فإنه حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة عند الإمام ولهذا يدوم الثواب بدوامه لبقائه على ملكه وقد وقع الخلاف في عوده إلى ملك الواقف بعد خرابه وفي جواز بيعه إذا أطلقه القاضي للواقف أو وارثه كما مر بخلاف العبد بعد العتق فإنه لا خلاف في عدم عوده إلى الملك فلذا كان الوقف موقوفا على الفكاك فإذا افتكه نفذ وإن لم يفتكه حتى مات وترك مالا فإنه يفتك منه وإن لم يترك ما لا يبطل لتعذر الفكاك من العين بدونه والمنفعة كالكسب خارجة عن الرهن فإن الذي كان للمرتهن فيه حق الحبس إنما هو العين وأما العبد فلا يمكن رده بعد العتق إلى الملك بوجه فلذا يستسعى ولأن العتق من أول الأمر صدر منجزا غير موقوف بخلاف الوقف هذا ما ظهر لي قوله: (أو للغلة يمهل) حكاية قول آخر فليست أو فيه للتخيير لكن علمت أن هذا القول بحث غير منقول وأنه قياس مع الفارق غير مقبول قوله: (قلت لكن الخ) استدراك على قوله صحح اه. ح والأقرب أنه استدراك على ما في الوهبانية فإنه في معناه أيضا. مطلب في وقف الراهن والمريض المديون قوله: (فأجاب لا يصح ولا يلزم الخ) هذا مخالف لصريح المنقول كما قدمناه عن الذخيرة والفتح إلا أن يخصص بالمريض المديون و عبارة الفتاوى الإسماعيلية لا ينفذ القاضي هذا الوقف ويجبر الواقف على بيعه ووفاء دينه والقضاء ممنوعون عن تنفيذه كما أفاده المولى أبو السعود اه. وهذا التعبير أظهر وحاصله أن القاضي إذا منعه السلطان عن الحكم به كان حكمه باطلا لأنه وكيل عنه وقد نهاه الموكل صيانة لأموال الناس ويكون جبره على بيعة من قبيل إطلاق القاضي بيع وقف لم يسجل وقد مر الكلام فيه وينبغي ترجيح بطلان الوقف بذلك للضرورة قوله: (أو للأغنياء ثم الفقراء) أما للأغنياء فقط فلم يجز لأنه ليس بقربة كما مر أول الباب قوله: (كمساجد
597 الخ) وكذا مصاحف مساجد وكتب مدارس كما هو ظاهر ما مر عند قوله ومنقول فيه تعامل قوله: (لاحتياج الكل لذلك) أي للنزول في الخان والشرب من السقاية الخ زاد في الهداية أن الفارق بين الموقوف للغلة وبين هذا هو العرف فإن أهل العرب يريدون بذلك في الغلة للفقراء وفي غيرها التسوية بينهم وبين الأغنياء قوله: (بخلاف الأدوية) أي الموقوفة في التيمارخانة فإن الحاجة إليها دون الحاجة إلى السقاية فإن العطشان لو ترك شرب الماء يأثم ولو ترك المريض التداوي لا يأثم أفاده ح عن المنح قوله: (فيدخل الأغنياء تبعا) هذا في التعميم أما في التنصيص فهم مقصودون: اه. ح قوله (وبأنه أخرجه من يده) أي سلمه إلى المتولي على قول محمد بأن ذلك شرط وقوله صحيح يغني عنه لأن صحة الوقف باستيفاء شروطه قوله: (ووارثه يعلم خلافه) أي أنه لم يقفه ولم يخرجه من يده درر قوله: (قضاء) أما في الديانة فتسمع دعواه: يعني يسوغ له السعي في إبطاله وأخذه لنفسه حيث علم أن إقرار مورثه كاذب في نفس الأمر وأنه باق على ملكه لأن الحكم بجوازه إنما هو بناء على ما أقر به لا على نفس الأمر. مطلب في وقف المرتد قوله: (وتبطل أوقاف امرئ بارتداده الخ) لذكره هنا ومحله أول الباب وقد ذكره هناك عن الفتح. وحاصله مسألتان إحداهما ولو وقف ثم ارتد والعياذ بالله تعالى بطل وقفه وإن عاد إلى الإسلام ما لم يعد وقفه بعد عوده لحبوط عمله بالردة ونظر فيه ابن الشحنة في شرحه بأن الحبوط في إبطال الثواب لا فيما تعلق به حق الفقراء وأجاب الشرنبلالي في شرحه بما في الإسعاف من أنه لما جعل آخره للمساكين وذلك قربة فبطل اه. قلت: وهذا الجواب غير ملاق للسؤال وإنما ذكره في الإسعاف جوابا عن سؤال آخر وهو أنه إذا وقفه على قوم بأعيانهم لم يكن قربة فأجاب بما ذكر. فالجواب الصحيح أن الوقف على الفقراء قربة باقية إلى حال الردة والردة تبطل القربة التي قارنتها كما لو ارتد في حال صلاته أو صومه بخلاف ما إذا ارتد بعد صلاته أو صيامه فإنه لا يبطل نفس الفعل بل ثوابه فقط وأما حق الفقراء فإنما هو في الصدقة فقط فإذا بطل التصدق الذي هو معنى الوقف بطل حقهم ضمنا وإن كان لا يمكن إبطاله قصدا كما يبطل في خراب الوقف وخروجه عن المنفعة هذا ما ظهر لي فافهم. الثانية لو وقف في حال ردته فهو موقوف عند الإمام فإن عاد إلى الإسلام صح وإلا بأن مات أو قتل على ردته أو حكم بلحاقه بطل ولا رواية فيه عن أبي يوسف وعند محمد يجوز منه
(1) قول: (الشارح أقر بوقف صحيح) برفع صحيح فاعل أقر لإخراج المريض فإن وقفه إنما ينفذ من الثلث اه. 598 ما يجوز من القوم الذين انتقل إلى دينهم ويصح وقف المرتدة لأنها لا تقتل إلا أن يكون على حج أو عمرة ونحو ذلك فلا يجوز كما في شرح الوهبانية ملخصا قوله: (فحال ارتداد) منصوب على الظرفية متعلق باسم لا وأجدر أي أحق خبرها والمعنى لا يكون الوقف حال الردة أحق بالبطلان من الوقف قبلها بل ذاك أحق بالبطلان لعدم توقفه هذا ما ظهر لي فافهم والله سبحانه أعلم. فصل هذا الفصل مشتمل على بيان أحكام إجارة الوقف وغصبه والشهادة عليه والدعوى به والمتولي عليه وما يتبع ذلك وزاد فيه الشارح فروعا مهمة وفوائد جمة قوله: (يراعى شرط الوقف في إجازته) أي وغيرها لما سيأتي في الفروع من أن شرط الواقف كنص الشارح كما سيأتي بيانه إلا في مسائل تقدمت قوله: (فلم يزد القيم الخ) يعني إذا شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من سنة والناس لا يرغبون في استئجارها وكانت إجارتها أكثر من سنة أنفع للفقراء فليس للقيم أن يؤجرها أكثر من سنة بل يرفع الأمر للقاضي حتى يؤجرها لأن له ولاية النظر للفقراء والغائب والميت وإن لم يشترط الواقف فللقيم ذلك بلا إذن القاضي كما في المنح عن الخانية ولو استثنى فقال لا تؤجر أكثر من سنة إلا إذا كان أنفع للفقراء فللقيم ذلك إذا رآه خيرا بلا إذن القاضي إسعاف قوله (لفقير) أي فيما إذا كان الوقف على الفقراء ومثله الوقف على المسجد وكذا الوقف على أولاد الواقف لأن منهم الفقير والغائب بل ومن لم يخلق عند الإجارة قوله: (وغائب وميت) فإنه يحفظ اللقطة ومال المفقود ومال الميت إلى أن يظهر له وارث أو وصي قوله: (وقيل تقيد بسنة) لأن المدة إذا طالت تؤدي إلى إبطال الوقف فإن من رآه يتصرف بها تصرف الملاك على طول الزمان يظنه مالكا إسعاف قوله: (مطلقا) أي في الدار والأرض ح قوله: (وبثلاث سنين في الأرض) أي إذا كان لا يتمكن المستأجر من الزراعة فيها إلا في الثلاث كما قيده المصنف تبعا للدرر حيث قال يعني أن الأرض إن كانت مما تزرع في كل سنتين مرة أو في كل ثلاث كان له أن يؤجرها مدة يتمكن فيها من الزراعة اه. ومثله في الإسعاف وكذا في الخانية لكن ذكر فيها بعد ذلك قوله وعن الإمام أبي حفص البخاري أنه كان يجيز إجارة الضياع ثلاث سنين فإن آجر أكثر اختفلوا فيه وأكثر مشايخ بلخ لا يجوز وقال غيرهم يرفع الأمر إلى القاضي حتى يبطله وبه أخذ الفقيه أبو الليث اه. وظاهره جواز الثلاث بلا تفصيل تأمل وأن مختار الفقيه جواز الأكثر ولكن للقاضي إبطالها: أي إذا كان أنفع للوقف ثم رأيت الشرنبلالي اعترض على الدرر بأنه أخرج المتن عن ظاهره والفتوى على إطلاق المتن كما أطلقه شارح المجمع وهو قول الإمام أبي حفص الكبير اه. واعلم أن المسألة فيها ثمانية أقوال ذكرها العلامة قنالي زاده في رسالته أحدها: قول
599 المتقدمين عدم تقدير الإجارة بمدة ورجحه في أنفع الوسائل والمفتى به ما ذكره المصنف خوفا من ضياع الوقت كما علمت قوله (إلا إذا كانت المصلحة بخلاف ذلك) هذا أحد الأقوال الثمانية وهو ما ذكره الصدر الشهيد من أن المختار أنه لا يجوز في الدور أكثر من سنة إلا إذا كانت المصلحة في الجواز وفي الضياع يجوز إلى ثلاث سنين إلا إذا كانت المصلحة في عدم الجواز وهذا أمر يختلف باختلاف المواضع واختلاف الزمان اه. وعزاه المصنف إلى أنفع الوسائل وأشار الشارح إلى أنه لا يخالف ما في المتن لأن أصل عدول المتأخرين عن قول المتقدمين بعدم التوقيت إلى التوقيت إنما هو بسبب الخوف على الوقف فإذا كانت المصلحة الزيادة أو النقص اتبعت وهو توفيق حسن. ومن فروع ذلك ما في الإسعاف دار لرجل فيها موضع وقف بمقدار بيت واحد وليس في يد المتولي شئ من غلة الوقف وأراد صاحب الدار استئجارها مدة طويلة قالوا إن كان لذلك الموضع مسلك إلى الطريق الأعظم لا يجوز له أن يؤجره مدة طويلة لأن فيه إبطال الوقف وإن لم يكن له مسلك جاز اه. وفي فتاوى قارئ الهداية إذا لم تحصل عمارة الوقف إلا بذلك يرفع الأمر للحاكم ليؤجره أكثر اه. أي إذا احتيج إلى عمارته من أجرته يؤجره الحاكم مدة طويلة بقدر ما يعمر به. تنبيه محل ما ذكر من التقييد ما إذا كان المؤجر غير الواقف لما في القنية آجر الواقف عشر سنين ثم مات بعد خمس وانتقل إلى مصرف آخر انتقضت الإجارة (1) ويرجع بما بقي في تركة الميت اه. تأمل. مطلب أرض اليتيم وأرض بيت المال في حكم أرض الوقف ثم إن أرص مع اليتيم في حكم أرض الوقف كما ذكره في الجوهرة وأفتى به صاحب البحر والمصنف كذا أرض بيت المال كما أفتى به في الخيرية وقال من كتاب الدعوى إن أراضي بيت المال جرت على رقبتها أحكام الوقوف المؤبدة قوله: (لو احتيج لذلك) أي للإيجار قبل إلى مدة زائدة عن التقدير المذكور أي بأن لم تحصل عمارة الوقف إلا بذلك كما ذكرناه آنفا عن قارئ الهداية.. قوله: (يعقد عقودا) أي عقودا مترادفة كل عقد سنة بكذا خانية والظاهر أن هذا في الدار أما في الأرض فيصح كل عقد ثلاث سنين وصورة ذلك أين يقول آجرتك الدار الفلانية سنة تسع وأربعين بكذا وآجرتك إياها سنة خمسين بكذا وآجرتك إياها سنة إحدى وخمسين بكذا وهكذا إلى تمام المدة. مطلب في لزوم الأجرة المضافة تصحيحان قوله: (والثاني لا) أي لا يكون لازما وأراد بالثاني ما عدا العقد الأول لأن جميع ما عداه مضاف لكن قال قاضيخان وذكر شمس الأئمة السرخسي أن الإجارة المضافة تكون لازمة في
(1) قوله: (انقضت الإجارة الخ) هذا خلاف المعتمد والأصح عدم انتقاضها في الوقت بموت المؤجر ولو هو الواقف اه. 600 إحدى الروايتين وهو الصحيح وأيضا اعترض قاضيخان قولهم إن احتاج القيم إلى تعجيل الأجرة يعقد عقودا مترادفة بأنهم أجمعوا على أن الأجرة لا تملك في الإجارة المضافة باشتراط التعجيل أي فيكون للمستأجر الرجوع بما عجله من الأجرة فلا يكون هذا العقد مفيدا لكن أجاب العلامة قنالي زادة بأن رواية عدم لزوم الإجارة المضافة مصححة عند أيضا وبأن قاضيخان نفسه أجاب في كتاب الإجارات برواية الملك هنا للحاجة وهذا ينافي دعواه الإجماع هنا. قلت: وقد ذكر الشارح في أواخر كتاب الإجارة أن رواية عدم اللزوم تأيدت بأن عليها الفتوى أي فتكون أصح التصحيحين لأن لفظ الفتوى في التصحيح أقوى لكن أنت خبير بأن رواية عدم اللزوم هنا لا تنفع لأنه يثبت للمستأجر الفسخ فيرجع بما عجله من الأجرة وإن قلنا إنها تملك بالتعجيل فينبغي (1) هنا ترجيح رواية اللزوم للحاجة نظير ما قاله قاضيخان في رواية الملك. مطلب في الإجارة الطويلة بعقود قوله: (الفتوى على إبطال الإجارة الطويلة ولو بعقود) أي لتحقق المحذور المار فيها وهو أن طول المدة يؤدي إلى إبطال الوقف كما في الذخيرة. قلت: لكن الكلام هنا عند الحاجة فإذا اضطر إلى ذلك لحاجة عمارة الوقف بتعجيل أجرة سنين مستقبلة يزول المحذور الموهوم عند وجود الضرر المتحقق فالظاهر تخصيص بطلان هذه الإجارة بما عدا هذه الصورة وهو جعلها حيلة لتطويل المدة فتدبر ثم رأيت ط نقل عن الهندية أن بعض الصكاكين أرادوا بهذه الإجارة إبقاء الوقف في يد المستأجر أكثر من سنة فقال الفقيه أبو جعفر إنا نبطلها صيانة للوقف وعليه الفتوى كذا في المضمرات اه. ملخصا وأنت خبير بأن هذا دليل على ما قلنا من أن إبطالها عند عدم الحاجة فلا يناسب ذكره هنا فافهم. مطلب لا يصح إيجار الوقف بأقل من أجرة المثل إلا عن ضرورة قوله: (فلا يجوز بالأقل) أي لا يصح إذا كان بغبن فاحش كما يأتي قال في جامع الفصولين إلا عن ضرورة وفي فتاوى الحانوتي شرط إجارة الوقف بدون أجرة المثل إذا نابته نائبة أو كان دين اه. مطلب في استئجار الدار لمرصد حديث بدون أجرة المثل قلت: ويؤخذ منه ومما عزاه للأشباه جواز إجارة الدار التي عليها مرصد بدون أجرة المثل ووجه ذلك أن المرصد دين على الوقف ينفقه المستأجر لعمارة الدار لعدم مال حاصل في الوقف
(1) قوله: (فينبغي الخ) فيه أنه لا حاجة حينئذ العقود بل يكفي عقد فقد وجد المحظور في كل من الروايتين قال شيخنا ويمكن أن نختار رواية اللزوم ولا نسلم قول المحشي إنها لا تنفع لأنه إذا فسخ المستأجر بعد صرف الناظر ما أخذه منه يكون ماله دينا على الوقف يأخذه عند حصول غلة فهنا قد وجد الفسخ ومع ذلك قد حصلت المنفعة للوقف في الجملة اخ. 601 فإذا زادت أجرة مثلها بعد العمارة التي صارت للوقف لا تلزمه الزيادة لأنه إذا أراد الناظر إيجار هذه الدار لمن يدفع ذلك المرصد لصاحبه لا يرضى باستئجارها ولم بأجرة مثلها الآن لكن أفتى في الخيرية بلزوم الأجرة الزائدة ولعله محمول على ما إذا كان في الوقف مال وأراد الناظر دفع المرصد منه فحينئذ لا شك في لزوم الزيادة فتأمل قوله: (ولو هو المستحق) الضمير راجع للمؤجر وعبارة قارئ الهداية سئل عن مستحق لوقف عليه هو ناظره آجره بدون أجرة المثل هل يصح ذلك فأجاب لا يجوز ذلك وإن كان هو المستحق لما يصل إليه (1) من الضرر للوقف بالأجرة اه. أي لاحتمال موته فيضر بمن بعده من المستحقين وربما يتضرر الوقف أيضا الآن إذا كان محتاجا للتعمير وأما ما يوجد في بعض نسخ الشرح من قوله لجواز أن يموت قبل انقضاء المدة وتفسخ هذه الإجارة اه. فهو غير ظاهر لأنها لا تفسخ بموت الناظر على أن الضرر إنما هو في إبقائها بالأجرة القليلة لا في فسخها لأنها إذا فسخت تؤجر بأجر المثل فلا يتضرر أحد تأمل ولا يجوز إرجاع الضمير في قوله ولو هو المستحق إلى المستأجر إذ الظاهر أنه لا ضرر فيه على أحد بعده لانفساخها بموته فافهم قوله: (إلا بنقصان يسير) هو مت يتغابن الناس فيه إسعاف أي ما يقبلونه ولا يعدونه غبنا. مطلب ليس للناظر الإقالة قوله: (لا يفسخ العقد) أي لو طلب المستأجر فسخه لا يجيبه الناظر للزوم الضرر على الوقف قال في الفتح وليس له الإقالة إلا إن كانت أصلح للوقف. مطلب فيما زاد أجر المثل بعد العقد قوله: (ولو زاد أجره) أي بعد العقد على أجر مثله أي الذي كان وقت العقد وقيد في الحاوي القدسي الزيادة بالفاحشة قال في البحر وهو يدل على عدم نقضها باليسيرة ولعل المراد بالفاحشة ما لا يتغابن الناس فيها كما مر في طرف النقصان والواحد في العشرة يتغابن الناس فيه كما ذكروه في كتاب الوكالة وهذا قيد حسن يجب حفظه فإذا كانت أجرة دار عشرة مثلا وزاد أجر مثلها واحدا فإنها لا تنقض كما لو آجرها المتولي بتسعة فإنها لا تنقض بخلاف الدرهمين في الطرفين اه. قلت: لكن نقل البيري وغيره عن الحاوي الحصيري أن الزيادة الفاحشة مقدارها نصف ما آجر به أو لا اه. وأنت خبير بأن هذا يرد ما بحثه في البحر نعم في إجارات الخيرية ما يفيد أن المراد بها قدر الخمس وهو عين ما بحثه في البحر وفي الخلاصة إن آجره المتولي بأجر مثله أو بقدر ما يتغابن الناس فيه فإنه لا تنفسخ الإجارة وإن جاء آخر وزاد في الأجرة درهمين في عشرة فهو يسير حتى لو آجر بثمانية وأجر مثله عشرة لا تنفسخ اه. فهذا صريح في أ ن الخمس قليل في طرفي الزيادة والنقصان فلا تنفسخ به الإجارة لكن في وكالة البحر عن السراج أن ما يتغابن الناس فيه
(1) قوله: (لما يصل إليه الخ) أي إلى المستحق لكن لا بالمعنى الأول يعني المؤجر بل بمعنى المستحق الآتي ففيه استخدام اه. 602 نصف العشر أو أقل فلو أكثر فلا ثم نقل بعده تفصيلا وهو أن ما يتغابن الناس فيه في العروض نصف العشر وفي الحيوان العشر وفي العقار الخمس وما خرج عنه فهو مما لا يتغابن فيه ووجهه كثرة التصرف في العروض وقلته في العقار وتوسطه في الحيوان وكثرة الغبن لقلة التصرف فهذا يؤيد بحث البحر هنا وعليه عمل الناس اليوم وانظر ما جامع الفصولين آخر الفصل السابع والعشرين فإنه نقل التفصيل ثم قال وقيل ما لا يدخل تحت تقويم المقومين مما ليس له قيمة معلومة فلو علمت كفحم شراه بيسير الغبن لا ينفذ على الموكل وبه يفتى ونقل الخير الرملي في حاشيته عليه عن البحر والمنح وغيرهما أن الأخير هو الصحيح. قلت: والظاهر أن القول بالتفصيل بيان لهذا القول تأمل. تنبيه حرر في البحر أن طريق علم القاضي بالزيادة أن يجتمع رجلان من أهل البصر والأمانة فيؤخذ بقولهما معا عند محمد وعندهما قول الواحد يكفي اه. قوله: (قيل يعقد ثانيا) أي مع المستأجر الأول كما نبه عليه بعده وقوله به أي بأجر المثل والمراد أنه يجدد العقد بالأجرة الزائدة والظاهر أن قبول المستأجر الزيادة يكفي عن تجديد العقد قوله: (في الأشباه الخ) هو عين ما في المتن لكنه نقله لأمور سكت عنها المتن أولها أنه ليس المراد بالزيادة ما يشمل زيادة تعنت أي إضرار من واحد أو اثنين فإنها غير مقبولة بل المراد أن تزيد في نفسها عند الكل كما صرح به الإسبيجابي وأفاد أن الزيادة من نفس الوقف لا من عمارة المستأجر بماله لنفسه كما في الأرض المحتكرة لأجل العمارة كما مر قبل الفصل ثانيها التصحيح بأنه به يفتى فإنه أقوى ثالثها أنه لا ينفسخ العقد بمجرد الزيادة بل يفسخه المتولي كما حرره في أنفع الوسائل وقال فإن امتنع يفسخه القاضي رابعها أنه قبل الفسخ لا يجب إلا المسمى وإنما تجب الزيادة بعده قوله (وقيل لا يعقد به ثانيا) أي لا يفسخ ولا يعقد بناء على أن أجر المثل يعتبر وقت العقد وهذا رواية فتاوى سمرقند وعليها مشى في التجنيس لصاحب الهداية والإسعاف والأولى رواية شرح قد الطحاوي بناء على أن الإجارة تنعقد شيئا فشيئا والوقف يجب له النظر قوله: (والمستأجر الأول أولى الخ) تقييد لقوله يعقد ثانيا والمراد إذا كان مستأجرا إجارة صحيحة وإلا فلا حق له وتقبل الزيادة ويخرج كما في البحر وقوله إذا قبل الزيادة أي الزيادة المعتبرة عند الكل كما مر بيانها فإن قبلها فهو الأحق وإلا آجرها من الثاني إذا كانت الأرض خالية من الزراعة وإلا وجبت الزيادة على المستأجر الأول من وقتها إلى أن يستحصد الزرع لأن شغلها بملكه يمنع من صحة إيجارها لغيره فإذا استحصد فسخ وأجر من غيره وكذا لو كان بنى فيها أو غرس لكن هنا يبقى إلى انتهاء العقد لأنه لا نهاية معلومة للبناء والغراس بخلاف الزرع فإذا انتهى العقد فقد مر بيانه قبل الفصل في قوله وأما حكم الزيادة في الأرض المحتكرة الخ وقدمنا أن المناسب ذكرها هنا. مطلب مهم في معنى قولهم المستأجر الأول أولى تنبيه قد علم مما قررناه أن قولهم إن المستأجر الأول أولى إنما هو فيما إذا زادت أجرة المثل في أثناء المدة قبل فراغ أجرته وقد قبل الزيادة أما إذا فرغت مدته فليس بأولى إلا إذا كان له
603 فيها حق القرار وهو المسمى بالكردار على ما قدمناه مبسوطا في مسألة الأرض المحتكرة من أن له الاستبقاء بأجرة المثل دفعا للضرر عنه مع عدم الضرر على الوقف وأن هذا مستثنى من إطلاق عبارات المتون والشروح المفيدة لوجوب القلع والتسليم بعد مضي مدة الإجارة فهذا وجه كونه أحق بالاستئجار من غيره وأما وجهه في مسألة زيادة أجرة المثل في أثناء المدة فهو أن مدة إجارته قائمة لم تنقض وقد عرض في أثنائها ما يسوغ الفسخ وهو الزيادة العارضة فإذا قبلها ورضي بدفعها كان أولى من غيره لزوال ذلك المسوغ في أثناء مدته فلا يسوغ فسخها وإيجارها لغيره بل تؤجر منه بالزيادة المذكورة إلى تمام مدته ثم يؤجرها ناظر الوقف لمن أراد وإن قبل المستأجر الأول الزيادة لزوال علة الأحقية وهي بقاء مدة إجارته إلا إذا كان له فيها حق القرار فهو أحق من غيره ولو بعد تمام المدة لهذه العلة الأخرى كما علمت وبهذا ظهر أن المستأجر لأرض الوقف ونحوها من حانوت أو دار إذا لم يكن له فيها حق القرار المسمى بالكردار لا يكون أحق بالاستئجار بعد فراغ مدة استئجاره سواء زادت أجرة المثل أو لا وسواء قبل الزيادة أو لا خلافا لما يفهمه أهل زماننا من أنه أحق من غيره مطلقا ويسمونه ذا اليد ويقوله إنه متى قبل الزيادة العارضة لا تؤجر لغيره ويحكمون بذلك ويفتون به مع كونه مخالفا لما أطبقت عليه كتب المذهب من متون وشروح وفتاوى بل مستندهم إطلاق عبارة المصنف هنا وهو باطل قطعا لما علمت من أنه مصور في زيادة أجرة المثل قبل انتهاء مدة (1) الإجارة كما هو صريح عباراتهم ولم يقل أحد بإطلاقه ولا يخفى مع ذلك ما فيه من الفساد وضياع الأوقاف حيث لزم من إبقاء أرض الوقف بيد مستأجر واحد مدة مديدة تؤديه إلى دعوى تملكها مع أنهم منعوا من تطويل مدة الإجارة خوفا من ذلك كما علمته وهذا خلاصة ما ذكرته في رسالتي المسماة بتحرير العبارة فيمن هو أولى بالإجارة، وبمراجعتها بين يظهر لك العجب العجاب وتقف على حقيقة الصواب والحمد لله المنعم الوهاب. مطلب الموقوف عليه لا يملك الإجارة قوله: (لا يملك الإجارة) لأنه يملك المنافع بلا بدل فلم يملك تمليكها ببدل وهو الإجارة وإلا لملك أكثر مما يملك بخلاف الإعارة ط قوله ولا الدعوى لو غصب منه الوقف) ظاهره أنه لا يملك دعوى العين فقط مع أن دعوى الغلة كذلك ففي جامع الفصولين ادعى الموقوف عليه أنه وقف عليه لو ادعاه بإذن القاضي يصح وفاقا وبغير إذنه ففيه روايتان والأصح أنه لا يصح لأن له حقا في الغلة لا غير فلا يكون خصما في شئ آخر ولو كان الموقوف عليه جماعة فادعى أحدهم أنه وقف بغير إذن القاضي لا يصح رواية واحدة ومستحق غلة الوقف لا يملك دعوى غلة الوقف وإنما يملكه المتولي اه.
(1) قوله: (في زيادة أجرة المثل قبل انتهاء مدة الخ) قال شيخنا لكن رأيت في بعض شروح الأشياء ما نصه يعرض المؤجر الزيادة بعد تمام المدة على المستأجر الأول فإن قبلها وإلا أجر من غيره ومع ذلك لو أجر لغيره بدون عرض صح اه. فهذا يؤيد ما عليه العمل اليوم اه. (2) قوله: (وإلا الملك أكثر مما يملك الخ) أي وهذا ممنوع حيث لم تملك العين من كل وجه بخلاف ما إذا ملكت من كل وجه ألا ترى الموهوب له بدون عوض أو الوارث مثلا حيث يملك البيع والهبة بعوض اه. 604 مطلب في دعوى الموقوف عليه فأفاد أن دعوى الموقوف عليه في الغلة كدعوى عين الوقف لكن تعليله للأصح بأن له حقا في الغلة لا غير يفيد صحة دعواه بها وقد يجاب بأن عدم سماع دعواه في الغلة إذا كان الموقوف عليهم جماعة بخلاف ما إذا كان واحدا وادعى بها لأنه يريد إثبات حقه فقط ويؤيده قوله بعد ما مر. ولو كان الوقف على رجل معين قيل يجوز أن يكون هو المتولي بغير إطلاق القاضي إذ الحق لا يعدوه ويفتى بأنه لا يصح لأن حقه أخذ الغلة لا التصرف في الوقف اه. فإذا كان حقه أخذ الغلة وغصبها غاصب ينبغي أن لا يتردد في سماع دعواه عليه ليصل إلى حقه وفي فتاوى الحانوتي والحق أن الوقف إذا كان على معين تصح الدعوى منه وظاهر سماعها على عين الوقف أيضا ولذا قال في نور العين إن الغلة نماء الوقف فبزوال الوقف تزول الغلة فيصير كأن الموقوف عليه ادعى شطر حقه فينبغي أن تكون رواية الصحة هي الأصح اه. واستشهد في البزازية لهذه الرواية بعدة مسائل عن الخصاف. قلت: وكذا في الإسعاف ادعى أحد الموقوف عليهم على واحد منهم أنه باع الوقف من الغاصب وسلمه إليه وبرهن أو نكل الآخر يقضى عليه بقيمته ويشتري بها ضيعة توقف كالأول اه. وفي التتارخانية عن المحيط أرض في يد رجل يزعم أنها ملكه فادعى قوم أنه وقفها عليهم: قبلت بينتهم وحكمت عليه بالوقف وأخرجتها من يده قال وهذه المسألة تصريح بأن الدعوى من الموقوف عليه صحيحة اه. قلت: وبقي ما لو ادعى رجل على المتولي بأنه من الموقوف عليهم وأن له حقا في غلة الوقف أو بأن حقه فيها كذا أكثر مما كان يعطيه وينبغي عدم التردد أيضا في سماعها لأنه يزيد مجرد إثبات حقه ويؤيده ما في الإسعاف لو منع الواقف أهل الوقف ما سمى لهم فطالبوه به ألزمه القاضي بدفع ما في يده من غلته اه. وكذا ما سيذكره الشارح بعد صفحة عن المصنف والخانية وذكر في البزازية في الفصل السادس من الوقف عدة مسائل من هذا القبيل منها دعواه أنه من فقراء القرابة فراجعه وسيذكر المصنف أن بعض المستحقين ينتصب خصما عن الكل إذا كان أصل الوقف ثابتا وهو صريح في صحة دعوى أحد الموقوف عليهم ولم يقيدوه بإذن القاضي فيحمل ما مر من عدم سماعها رواية واحدة على ما إذا لم يكن أصل الوقف ثابتا وهذا مؤيد لما قلناه من صحة دعواه على المتولي بأنه من الموقوف عليهم أو باستحقاقه فتأمل هذا. واعلم أن عدم ملكه الدعوى في عين الوقف لا ينافي قبول الشهادة لأنها تقبل حسبة وإن لم تصح الدعوى كما سيذكره المصنف قريبا ويأتي بيانه بل سيأتي متنا أنه لو باع دارا ثم ادعى أني كنت وقفتها أو قال وقف علي لم يصح ولو أقام بينة قبلت ويأتي تمام الكلام عليه. مطلب إذا كان الوقف على معين قيل يجوز أن يكون هو المتولي قوله: (إلا بتولية) أي بأن يكون متوليا من قبل أو ينصبه القاضي متوليا ليسمع دعواه كما في البزازية وفيها أيضا أنه تصح دعوى الواقف قوله (أو إذن قاض) بالدعوى والإيجار قوله: (ولو وقف على رجل معين الخ) هذا في الدعوى وقد علمت بيانه وأما في الإيجار فلم يذكره في
605 العمادية على هذا الوجه بل قال الموقوف عليهم لم يملكوا إجارة الوقف وقال الفقيه أبو جعفر: لو كان الأجر كله للموقوف عليه بأن كان لا يحتاج إلى العمارة ولا شريك معه في الغلة فحينئذ يجوز في الدور والحوانيت وأما الأراضي فإن شرط الواقف تقديم العشر والخراج وسائر المؤن وجعل للموقوف عليه الفاضل لم يكن له أن يؤجرها لأنه لو جاز كان كل الأجر له بحكم العقد فيفوت شرط الواقف ولو لم يشترط يجب أن يجوز ويكون الخراج والمؤن عليه اه. ونحوه في الإسعاف. مطلب في إيجار الموقوف عليه إذا كان معينا فقد علم صحة إيجار الموقوف عليه إذا كان معينا بهذه الشروط ويشترط أيضا أن يؤجر بأجرة المثل وإلا لم يصح كما مر عن قارئ الهداية. قلت: وينبغي عدم التردد في صحة إيجاره إذا شرط الواقف التولية والنظر للموقوف عليهم أو للأرشد منهم وكان هو الأرشد أو لم يوجد غيره لأنه حينئذ يكون منصوب الواقف قوله (وهل يملك السكنى الخ) قدمنا بيان ذلك عند قول المتن ولو أبى أو عجز أمر الحاكم بأجرتها قوله: (كما غلط فيه بعضهم) منشأ غلطه أنه وقع في عبارة الخلاصة لزمه فأرجع ذلك البعض الضمير للمتولي مع أنه للمستأجر كما نبه عليه العلامة قاسم في فتاواه مستندا إلى النقول الصريحة. مطلب إذا آجر المتولي بغبن فاحش كان خيانة لكن قال في البحر أن يكون ذلك خيانة من المتولي لو عالما بذلك وذكر الخصاف أن الواقف أيضا إذا آجر بالأقل مما لا يتغابن الناس فيه لم تجز ويبطلها القاضي فإن كان الواقف مأمونا وفعل ذلك على طريق السهو والغفلة أقره القاضي في يده وأمره بإجارتها بالأصلح وإن كان غير مأمون أخرجها من يده وجعلها في يد من يثق بدينه وكذا إذا آجرها الواقف سنين كثيرة ممن يخاف أن يتلف في يده يبطل القاضي الإجارة ويخرجها من يد المستأجر اه. فإذا كان هذا في الواقف فالمتولي أولى اه. قوله: (لكل منهما) الأولى منهم ليدخل المتولي ط قوله: (وعليه تسليم زود السنين (1) الماضية) لا ينافي هذا ما مر من أن الإجارة ما لم تفسخ كان على المستأجر المسمى لأن موضوعه فيما إذا آجر أو لا بأجرة المثل ثم زاد الأجر في نفسه ط أي فالإجارة وقعت من ابتدائها صحيحة بخلاف ما هنا قوله (لا غرامة عليه) وعليه الحرمة ولا يعذر وكذا أهل المحلة قال في الأشباه عن القنية لا يعذر أهل المحلة في الدور والحوانيت المسبلة إذا أمكنهم رفعه قال في شرح الملتقى فيأثم كلهم بنفس السكوت فما بالك بالمتولي والجابي والكاتب إذا تركوها ولا
(1) قوله: (السنين) فيه أن مصدر زاد الزيد بالباء اه. 606 سيما لأجل الرشوة نعوذ بالله تعالى اه. ط قوله بمال الساكن) يعني وكان من جنس حقه ط عن الحموي قوله: (قضاء وديانة) مرتبط بقوله أخذ ط قوله ما منافعه مضمونة) أي على الغاصب ط قوله: (أو معد) أي للاستغلال قوله: (فعلى المستأجر المسمى) يعني للغاصب كما يفيده ما بعده العلامة البيري الصواب أن هذا مفرع على قول المتقدمين أما على ما عليه المتأخرون فعلى الغاصب أجر المثل اه. أي إن كان ما قبضه من المستأجر أجر المثل أو دونه فلو أكثر يرد الزائد أيضا لعدم طيبه له كما حرره الحموي وتبعه السيد أبو السعود. قلت: وينبغي على قول المتأخرين المفتى به وتضمين منافع مال الوقف واليتيم والمعد أن له تضمين المستأجر أيضا تمام أجر المثل كما لو آجره المتولي بدون أجر المثل كما مر تأمل قوله: (لتأويل العقد) ليس هذا في عبارة الأشباه ط قوله في غصب عقار الوقف) بأن كان أرضا أجرى عليها الماء حتى صارت لا تصلح للزراعة قوله وغصب منافعه) يشمل ما لو عطله ولم ينتفع به كما يدل عليه قوله أو إتلافها فإن الأصل في العطف المغايرة فإن إتلافها بالاستعمال ولذا قال كما لو سكن الخ ويدل عليه أيضا ما سيأتي في الغصب من قول المصنف تبعا للدرر لا تضمن منافع الغصب استوفاها أو عطلها إلا في ثلاث فمقتضاه ضمانها فيها بالاستيفاء أو التعطيل فقول الشرنبلالية هناك وينظر ما لو عطل المنفعة هل يضمن الأجرة كما لو سكن اه. لا محل له نعم وقع في الخصاف لو قبض المستأجر الأرض في الإجارة الفاسدة ولم يزرع لا أجر عليه وكذلك الدار إذا قبضها ولم يسكنها اه. لكنه مبني على قول المتقدمين كما صرح به في الإسعاف ومفاده لزوم الأجرة بالتمكن في الفاسدة على قول المتأخرين وسيذكره الشارح في أوائل الإجارات عن الأشباه قوله أو أسكنه المتولي) أي أسكن فيه غيره إلا إذا كان موقوفا للسكنى وانحصرت فيه فإن له إعارته ولو سكنه المتولي بنفسه ولم يكن للسكنى فإنه يلزمه أجر المثل بل قدمنا عن خزانة المفتين أنه لو زرع الوقف لنفسه يخرجه القاضي من يده. مطلب سكن المشتري دار الوقف قوله: (كان على الساكن أجر المثل) حتى لو باع المتولي دار الوقف فسكنها المشتري ثم أبطل القاضي البيع كان على المشتري أجرة المثل فتح وبه أفتى الرملي وغيره كما قدمناه وما في الإسماعيلية من الإفتاء بخلافه تبعا للقنية فهو ضعيف كما صرح به في البحر ودخل ما لو كان الوقف مسجدا أو مدرسة سكن فيه فتجب فيه أجرة المثل كما أفتى به في الحامدية قال وأفتى
(1) قوله: (يشمل ما لو عطله الخ) هذا التعبير يقتضي أن الغصب صورة أخرى غير مسألة التعطيل ولعل صورة غصب العين بإجراء الماء عليها من صور غصب المنافع أيضا لما فيه من التعطيل ضمنا اه. 607 به الجد والعم والرملي والمقدسي وكذا ما لو كان بعضه ملكا وسكنه الشريك كما مر أول الشركة قوله: (وكذا منافع مال اليتيم) دخل فيه ما لو سكنته أمه مع زوجها فيلزم الزوج الأجرة وكذا شريك اليتيم كما سيأتي تحريره في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى وكذا ما لو شراها أحد ثم ظهر أنها ليتيم كما في جامع الفصولين قوله فيما اختلف العلماء فيه) حتى نقضوا الإجارة عند الزيادة الفاحشة نظرا للوقف وصيانة لحق الله تعالى كما في الحاوي القدسي أيضا أي مع أن في المسألة قولين مصححين وكذا أفتوا بالضمان في غصب عقاره ومنافعه مع أن العقار لا يضمن بالغصب عندهما بل عند محمد وزفر والشافعي وكذا في مسائل كثيرة منها عدم استبدال ما قل ريعه وكذا صحة الوقف على النفس وعدم صحة الإجارة مدة طويلة كما مر والتتبع ينفي الحصر فافهم قوله ومتى قضى بالقيمة) أي بأن غصب أرضا وأجرى عليها الماء حتى صارت بحرا لا تصلح للزراعة إسعاف وقدمنا عن جامع الفصولين لو غصب وقفا فنقص مما يؤخذ بنقصه يصرف إلى مرمته لا إلى أهل الوقف لأنه بدل الرقبة وحقهم في الغلة لا في الرقبة اه. قوله: (فيكون وقفا بدل الأول) أي بلا توقف على تلفظ بوقفه كما في معين المفتي وغيره كذا في شرح الملتقى ط. قوله: (حسبة) الحسبة بالكسر الأجر كما في القاموس أي لقصد الأجر لا لإجابة مدع أفاده ط. مطلب المواضع التي تقبل فيها الشهادة حسبة بلا دعوى قوله: (أربعة عشر) وهي الوقف وطلاق الزوجة وتعليق طلاقها وحرية الأمة وتدبيرها والخلع وهلال رمضان والنسب لكن في البحر خلافه وحد الزنا وحد الشرب والإيلاء والظهار وحرمة المصاهرة ودعوى المولى نسب العبد اه. قلت ويزاد الشهادة بالرضاع كما مشى عليه المصنف في بابه قوله: (منها الوقف) أي الشهادة بأصله لا بريعه أشباه وأما الدعوى به أو بريعه فقد مر الكلام عليها ويأتي قريبا ويأتي بيان المراد بأصله قوله: (وهذا التفصيل) أي بين ما إذا كان الوقف على معينين فلا تقبل وبين ما إذا قامت على أنه للفقراء أو للمسجد ونحوه فتقبل قوله وفي التتارخانية) هو عين التفصيل اه. ح قوله: (لكن بحث فيه ابن الشحنة الخ) أي بحث في الإطلاق المذكور في المتن اه. ح والأصوب إبداله بابن وهبان ويعود الضمير إلى التفصيل قال المصنف في المنح نقلا عن الخانية وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم لا تقبل البينة عليه بدون الدعوى اه. قال
608 ابن وهبان وهذا التفصيل غير محتاج إليه لأن الوقف وإن كان على قوم بأعيانهم فآخره لا بد وأن يكون لجهة بر لا تنقطع كالفقراء وغيرهم فالشهادة تقبل بحقهم إما حالا أو مآلا اه. قال ابن الشحنة التفصيل لا بد منه لأن البينة إذ قامت بأن هذا وقف يستحقه قوم بأعيانهم لا بد فيه من الدعوى لثبوت استحقاقهم وتناولهم قول وإن كان آخره ما ذكر بخلاف ما إذا قامت على أنه وقف على الفقراء أو المسجد أو نحو ذلك اه. قال المصنف أقول ما ذكر ابن وهبان ظاهر جدا وما ذكره ابن الشحنة لا ينتهض حجة عليه لأن كلام ابن وهبان في أن ثبوت أصل الوقف لا يحتاج إلى الدعوى مطلقا وإن كان المستحق لا يدفع له شئ على تقدير عدم دعواه وكلام ابن الشحنة في ثبوت الاستحقاق للموقوف عليه المعين ولا شك في توقفه على الدعوى اه. قلت: لكن في الحادي عشر من دعوى البزازية باع أرضا ثم ادعى أنه كان وقفها أو قال وقف علي فإن لم تكن له بينة وأراد تحليف البائع (1) لا يحلف لعدم صحة الدعوى للتناقض وإن برهن قال الفقيه أبو جعفر يقبل ويبطل البيع لعدم اشتراط الدعوى في الوقف كما عتق الأمة وبه أخذ الصدر والصحيح أن الإطلاق غير مرضي فإن الوقف لو حق الله تعالى فالجواب ما قاله وإن حق العبد لا بد فيه من الدعوى اه. وأنت خبير بأن الوقف لا بد أن يكون فيه حق الله تعالى إما حالا أو مآلا وهذا التصحيح للتفصيل المار عن الخانية يقتضي أن المنظور إليه الحال لا المآل وإلا لم يصح قوله وإن حق العبد الخ وهذا خلاف ما قاله ابن وهبان حيث جعل الوقف كله حقا لله تعالى باعتبار المآل ومؤيد لما قاله ابن الشحنة حيث اعتبر فيه الحال لكن قد يقال التحقيق أن الوقف من حيث هو حق الله تعالى لأنه تصدق بالمنفعة فلا تشترط له الدعوى لكن إذا كان أوله على معين وأريد إثبات استحقاقه اشترط له الدعوى وإن ثبت أصل الوقف بدونها فثبت ما قاله المصنف وهذا في الحقيقة تحقيق وتلفيق بين القولين وتوفيق بنظر دقيق لكن لو كان المدعي هو البائع لا يمكن إثبات استحقاقه لأنه متناقض فلا تصح دعواه وتبقى البينة مسموعة لإثبات أصل الوقف ويأتي له زيادة بيان عند قوله باع دارا قوله: (إلا بتولية) أي أو بإذن قاض قوله: (كما مر) أي عن العمادية لكن فيه أن ما مر في دعوى عين الوقف لو غصبه غاصب أما دعوى المستحق استحقاقه من غلة الوقف فلا شبهة في صحتها ولا تحتاج إلى التدبر أفاده ح. قلت: قدمنا التصريح بأن مستحق غلة الوقف لا يملك الدعوى بها وهو مشكل يحتاج إلى التدبير وقدمنا بيانه وقوله فلا شبهة الخ مؤيد لما قدمناه قوله: (لنا شاهد حسبة في أربعة عشر) هذا مكرر بما تقدم فالأولى الاقتصار على ما بعده أفاده ط قوله: (وليس لنا مدع حسبة) بتنوين
(1) قوله: (وأراد تحليف البائع) كذا عبارة البزازية والظاهر أن صوابه المشتري اه. منه. 609 مدع ونصب حسبة على التمييز وفي بعض النسخ مدعي بالياء فهو مضاف وحسبة مجرور به قوله قوله: (والمفتى به لا) أي لا تسمع دعواه فلا يحلف الخصم لو أنكر كما قدمناه آنفا عن البزازية لكن لو أقام بينة تقبل بطريق الحسبة كما علمت تحريره قوله: (فالأجنبي أولى) قال في الأشباه عقب هذا: وظاهر كلامهم أنها لا تسمع من غير الموقوف عليه اتفاقا اه. أي لأن الخلاف مذكور في دعوى الموقوف عليه هل تسمع أم لا والمفتى به لا فظاهره أن الأجنبي لا تسمع دعواه اتفاقا اه. لكن قال العلامة البيري بل الظاهر من كلامهم أن الخلاف فيه أيضا لأن محل النزاع كون المحل قابلا لدعوى الحسبة أم لا فمن قال بأنه قابل جوز ذلك من الموقوف عليه كما لا يخفى اه. وحينئذ يتجه ما مر من التفصيل فإذا كانت الدعوى لإثبات عين الوقف يكون حق الله تعالى فتسمع فيه الدعوى حسبة من الموقوف عليه وغيره إلا إذا باع الوقف ثم ادعى فلا تسمع دعواه وأما البينة فإنها تقبل مطلقا إلا إذا كانت لإثبات غلة الوقف فلا تقبل بلا دعوى صحيحة وتقدم الكلام فيه ثم لا يخفى أن شاهد الحسبة لا بد أن يدعي ما يشهد به إن لم يوجد مدع غيره وعلى هذا فكل ما تقبل فيه الشهادة حسبة يصدق عليه أنه تقبل فيه الدعوى حسبة وهذا ينافي ما مر عن الأشباه إلا أن يكون مراده أنه لا يسمى مدعيا أو أن مدعي الحسبة لا يحلف له الخصم عند عدم البينة فلا يتحقق بدون الشهادة فلذا نفاه فليتأمل وفي الفصولين وفي عتق الأمة والطلاق قيل يحلف وقيل لا. تنبيه شاهد الحسبة إذا أخرها لغير عذر لا تقبل لفسقه أشباه عن القنية وقال ابن نجيم في رسالته المؤلفة فيما تسمع في الشهادة حسبة ومقتضاه أن الشاهد في الوقف كذلك قوله: (وقد مر) أي عدم سماع الدعوى من الموقوف عليه لو غصب منه الوقف إلا بتولية مع زيادة قوله ولو الوقف على معين ولا يخفى أن الدعوى على الغاصب دعوى أصل الوقف أي لا دعوى الغلة فافهم قوله: (لئلا يكون إثباتا للمجهول) هذا بناء على قول الإمام إن الوقف حبس أصل الملك على ملك الواقف فلا بد من ذكره أفاده المصنف ط قوله وفي العمادية تقبل) أي من غير بيان الواقف وهو قول أبي يوسف وعليه مشايخ بلخ كأبي جعفر وغيرهم وعليه اقتصر الخصاف ومقتضى كون الفتوى على قول أبي يوسف في الوقف أنه يفتى بقوله هنا أفاده في المنح ط وفي الخيرية وقف قديم مشهور لا يعرف واقفه استولى عليه ظالم فادعى المتولي أنه وقف على كذا مشهور وشهدا بذلك فالمختار أنه يجوز اه. وعزاه إلى جامع الفصولين وفي الإسعاف عن الخانية وتصح دعوى الوقف والشهادة به من غير بيان الواقف. مطلب في دعوى الوقف بلا بيان الواقف وبلا بيان أنه وقف وهو يملكه تنبيه ذكر في الإسعاف لو ادعى أن هذه الأرض وقفها فلان علي وذو اليد يجحد ويقول هي ملكي لا يصح وإن شهدت البينة أنها كانت في يده يوم وقفها لأن الإنسان قد يقف ما لا يملكه
610 وهو بيده بإجارة أو إعارة اه. ملخصا ومفاده أنه يشترط بعد بيان الواقف بيان أنه وقفه وهو يملكه وهذا ظاهر في نحو هذه الدعوى وكذا لو اختلفا في أنه وقفه قب أن يملكه أو بعد ما باعه أما لو اختلفا في أن فلانا وقفه أو لا أو كان وقفا قديما مشهورا فباعه أحد أو استولى عليه ظالم فهذا شرط للحكم بصحة الوقف لا للحكم بنفس الوقف ففي فتاوى قارئ الهداية سئل هل يشترط في صحة حكم الحاكم بوقف أو بيع أو إجارة ثبوت ملك الواقف أو البائع أو المؤجر وحيازته أم لا أجاب إنما يحكم بالصحة إذا ثبت أنه مالك لما وقفه أو أن له ولاية الإيجار أو البيع لما باعه بملك أو نيابة وكذا في الوقف وإن لم يثبت شئ من ذلك لا يحكم بالصحة بل بنفس الوقف والإجارة والبيع اه. قوله: (لإثبات أصله) متعلق بالشهادة بالشهرة فقط ح وفي المنح كل ما يتعلق بصحة الوقف ويتوقف عليه فهو من أصله وما لا يتوقف عليه فهو من الشرائط. مطلب في الشهادة على الوقف بالتسامع قوله: (وإن صرحوا به) بأن قالوا عند القاضي نشهد بالتسامع درر وفي شهادات الخيرية الشهادة على الوقف بالسماع أن يقول الشاهد أشهد به لأني سمعته من الناس أو بسبب أني سمعته من الناس ونحوه قوله: (أي بالسماع) أشار به إلى تأويل الشهرة بالسماع فساغ تذكير الضمير فأفاد أنهما شئ واحد ط. وفي حاشية نوح أفندي الشهادة بالشهرة أن يدعي المتولي أن هذه الضيعة وقف على كذا مشهور ويشهد الشهود بذلك والشهادة بالتسامع أن يقول الشاهد أشهد بالتسامع اه. ولا يخفى أن المال واحد وإن اختلفت المادة فافهم قوله: (في المختار الخ) هذا مخالف لما في المتون من الشهادات ففي الكنز وغيره ولا يشهد بما لم يعاين إلا النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القاضي وأصله الوقف فله أن يشهد بها إذا أخبره بها من يثق به ومن في يده شئ سوى الرقيق لك أن تشهد له وإن فسر للقاضي أنه يشهد بالتسامع أو بمعاينة اليد لا تقبل قال العيني وإن فسر للقاضي أنه يشهد بالتسامع في موضع يجوز بالتسامع أو فسر أنه يشهد له بالملك بمعاينة اليد يعني برؤيته في يده لا تقبل لأن القاضي لا يزيد علما بذلك فلا يجوز له أن يحكم الخ ومثله في الزيلعي مبسوطا وفي شهادات الخيرية الشهادة على الوقف بالسماع فيها خلاف والمتون قاطبة قد أطلقت القول بأنه إذا فسر أنه يشهد بالسماع لا تقبل وبه صرح قاضيخان وكثير من أصحابنا اه. ومثله في فتاوى شيخ الإسلام علي أفندي مفتي الروم اه. ملخصا من مجموعة شيخ مشايخنا منلا علي التركماني. قلت: لكن تقدم أنه يفتى بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه كما أشار إلى وجهه تبعا للدرر بقوله حفظا للأوقاف القديمة الخ وذكر المصنف عن فتاوى رشيد الدين أنه تقبل وإن صرحا بالتسامع لأن الشاهد ربما يكون سنه عشرين سنة وتاريخ الوقف مائة سنة فيتيقن القاضي أنه يشهد بالتسامع لا بالعيان فإذا لا فرق بين السكوت والإفصاح أشار إليه ظهير الدين
611 المرغيناني وهذا بخلاف ما تجوز فيه الشهادة بالتسامع فإنهما إذا صرحا به لا تقبل اه. أي بخلاف غير الوقف من الخمسة المارة فإنه لا يتيقن فيها (1) بأن الشهادة بالتسامع فيفرق فيها بين السكوت والإفصاح. والحاصل أن المشايخ رجحوا استثناء الوقف منها للضرورة وهي حفظ الأوقاف القديمة عن الضياع ولأن التصريح بالتسامع فيه لا يزيد على الإفصاح به والله سبحانه أعلم قوله (لإثبات شرائطه) المراد من الشرائط أن يقولوا إن قدرا من الغلة لكذا ثم يصرف الفاضل إلى كذا بعد بيان الجهة بحر من الشهادات وقوله بعد بيان الجهة متعلق بقوله أن يقولوا لأن بيان الجهة هو بيان المصرف ويأتي أنه من الأصل لا من الشرائط فالمراد من الشرائط ما يشرطه الواقف في كتاب وقفه لا الشرائط التي يتوقف عليها صحة الوقف كالملك والإفراز والتسليم عند القائل به ونحو ذلك مما مر أول الباب قوله في الأصح) وعليه الفتوى هندية عن السراجية ط قوله: (وأقره الشرنبلالي) وعزاه إلى العلامة قاسم. مطلب في حكم الوقف القديم المجهولة شرائطه ومصارفه قوله: (وقواه في الفتح بقولهم الخ) حيث قال في كتاب الشهادات وأنت إذا عرفت قولهم ذلك لم تتوقف عن تحسين ما في المجتبى لأن ذلك هو معنى الثبوت بالتسامع اه. أي لأن الشهادة بالتسامع هي أن يشهد بما لم يعاينه والعمل بما في دواوين القضاة عمل بما لم يعاين وأيضا قولهم المجهولة شرائطه ومصارفه يفهم منه أن ما لم يجهل منها يعمل بما علم منها وذلك العلم قد لا يكون بمشاهدة الواقف بل بالتصرف القديم وبه صرح في الذخيرة حيث قال سئل شيخ الإسلام عن وقف مشهور اشتبهت مصارفه وقدر ما يصرف إلى مستحقيه قال ينظر إلى المعهود من حاله فيم سبق من الزمان من أن قوامه كيف يعملون فيه وإلى من يصرفونه فيبني على ذلك لأن الظاهر أنهم كانوا يفعلون ذلك على موافقة شرط الواقف وهو المظنون بحال المسلمين فيعمل على ذلك اه. فهذا عين الثبوت بالتسامع وفي الخيرية إن كان للوقف كتاب في ديوان القضاة المسمى في عرفنا بالسجل وهو في أيديهم اتبع ما فيه استحسانا إذا تنازع أهله فيه وإلا ينظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من الزمان من أن قوامه كيف كانوا يعملون وإن لم يعلم الحال فيما سبق رجعنا إلى القياس الشرعي وهو أن من أثبت بالبرهان حقا حكم له به اه. لكن قولهم المجهولة شرائطه الخ يقتضي أنها لو علمت ولو بالنظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من تصرف القوام لا يرجع إلى ما في سجل القضاة وهذا عكس (1) ما في الخيرية فتنبه لذلك.
(1) قوله: (فإنه لا يتيقن فيها الخ) حتى لو تيقن أن الشهادة بالتسامع في غسر الوقف لا يحكم بها القاضي أفاده شيخنا وقال هكذا رأيته عن بعضهم اه. (1) قوله: (وهذا عكس الخ) يمكن أن يدعي عدم حصول العكس بحمل ما في الخيرية على عدم وجود كتاب لذلك الوقف اه. 612 مطلب أحضر صكا فيه خطوط العدول والقضاة لا يقضى به تنبيه: ذكر في الخانية والإسعاف ادعى على رجل في يده ضيعة أنها وقف وأحضر صكا فيه خطوط العدول والقضاة الماضين وطلب من القاضي القضاء بذلك الصك قالوا ليس للقاضي ذلك لأن القاضي إنما يقضي بالحجة والحجة إنما هي البينة أو الإقرار أما الصك فلا يصلح حجة لأن الخط يشبه الخط وكذا لو كان على باب الدار لوح مضروب ينطق بالوقف لا يجوز للقاضي أن يقضي ما لم يشهد الشهود اه. قلت: وهذا بظاهره ينافي (1) ما هن من العلم بما في دواوين القضاة والجواب أن العمل بما فيها استحسان كما في الإسعاف وغيره وما ذكرناه عن الخانية محله إذا لم يكن للصك وجود في سجل القضاة أما لو وجد فيه فإنه يعمل به كما في حواشي الأشباه ومثله ما قدمناه من قول الخيرية إن كان للواقف كتاب الخ ووجهه ظاهر لأنه إذا كان له كتاب موافق لما في سجل القضاة يزداد به قوة ولا سيما إذا كان الكتاب عليه خطوط القضاة الماضين. مطلب لا يعتمد على الخط إلا في مسائل فعلى هذا فقول الأشباه في أول كتاب القضاء لا يعتمد على الخط ولا يعمل به إلا في كتاب أهل الحرب بطلب الأمان إلى الإمام وفي دفتر السمسار والصراف والبياع يستثنى منه أيضا هذه المسألة كما أفاده البيري فتصير المسائل المستثناة ثلاثا وتمام بيانها في كتابنا تنقيح الفتاوى الحامدية من كتاب الدعوى فراجعه فإنه مهم. مطلب في البراءات السلطانية والدفاتر الخاقانية ثم أعلم أنه ذكر في الأشباه أنه يمكن أن يلحق بكتاب أهل الحرب البراءات السلطانية بالوظائف إن كانت العلة أنه لا يزور قال العلامة البيري والظاهر هذا ويشهد له ما في الزكاة إذا قال أعطيتها وأظهر البراءة يجوز العمل به وعلل بأن الاحتيال في الخط نادر كما في المصفى اه. قلت: وهذا يؤيد ما ذكره الشارح في رسالة عملها في الدفتر الخاقاني المعنون بالطرة السلطانية المأمونة من التزوير إلى أن قال فلو وجد في الدفاتر أن المكان الفلاني وقف على المدرسة الفلانية مثلا يعمل به من غير بينة قال وبذلك يفتي مشايخ الإسلام كما هو مصرح به في بهجة عبد الله أفندي وغيرها اه. لكن أفتى في الخيرية بأنه لا يثبت الوقف بمجرد وجوده في الدفتر السلطاني لعدم الاعتماد على الخط فتأمل قوله: (والمدعى أعم) أي من كونه للضرورة أو غيرها ولكن فيه نظر فإن الكلام في جهل الشرائط كما علمت إذ عند علمها لا حاجة إلى إثباتها فالكلام عند الضرورة لا أعم فكلام الكمال أتم فافهم قوله: (وبيان المصرف من أصله) مبتدأ
(1) قوله: (وهذا بظاهره ينافي الخ) فرق شيخنا بين هذه المسألة وبين مسألة العمل بما في الدواوين بأن مسألة العمل قد وجد فيها التصادق على ثبوت أصل الوقف فالعمل بالخط إنما هو في مجرد الشرائط بخلاف ما هنا فإنه لو فرض صحة الحكم بالصك يكون قد حكم بالخط في أصل الوقف خصوصا والوقف في يد مدع الملك أي فيلزم إبطال حق ذي اليد بمجرد الخط اه. 613 وخبر أي فتقبل الشهادة على المصرف بالتسامع كالشهادة على أصله لأن المراد بأصله كل ما تتوقف عليه صحته وإلا فهو من الشرائط كما قدمناه وكونه وقفا على الفقراء أو على مسجد كذا تتوقف عليه صحته بخلاف اشتراط صرف غلته لزيد أو للذرية فهو من الشرائط لا من الأصل ولعل هذا مبني على قول محمد باشتراط التصريح في الوقف بذكر جهة لا تنقطع وتقدم ترجيح قول أبي يوسف بعدم اشتراط التصريح به فإذا كان ذلك غير لازم في كلام الواقف فينبغي أن لا يلزم في الشهادة بالأولى لعدم توقف الصحة عليه عنده ويؤيده هذا ما في الإسعاف والخانية لا تجوز الشهادة على الشرائط والجهات بالتسامع اه. ولا يخفى أن الجهات هي بيان المصارف فقد ساوى بينها وبين الشرائط إلا أن يراد بها الجهات التي لا يتوقف صحة الوقف عليها وفي التتارخانية وعن أبي الليث تجوز الشهادة في الوقف بالاستفاضة من غير الدعوى وتقبل الشهادة بالوقف وإن لم يبينوا وجها ويكون للفقراء اه. وفي جامع الفصولين ولو ذكروا الواقف لا المصرف تقبل لو قديما ويصرف إلى الفقراء اه. وهذا صريح فيما قلنا من عدم لزومه في الشهادة والظاهر أنه مبني على قول أبي يوسف وعليه فلا يكون بيان المصرف من أصله فلا تقبل فيه الشهادة بالتسامع كما سمعت نقله عن الخانية والإسعاف والظاهر أن هذا إذا كان المصرف جهة مسجد أو مقبرة أو نحوهما أما لو كان للفقراء فلا يحتاج إلى إثباته بالتسامع لما علمت من أنه يثبت بالشهادة على مجرد الوقف فإذا ثبت الوقف بالتسامع يصرف إلى الفقراء بدون ذكرهم كما علم من عبارة التتارخانية والفصولين هذا ما ظهر لي في هذا المحل وقد ذكر الخير الرملي في حاشية المنح توفيقا آخر بين ما ذكره المصنف وبين ما نقلناه عن الإسعاف والخانية بحمل جواز الشهادة على ما إذا لم يكن الوقف ثابتا على جهة بأن ادعى على ذي يد يتصرف بالملك بأنه وقف على جهة كذا فشهدوا بالسماع وحمل عدم الجواز على ما إذا كان أصله ثابتا على جهة فادعى جهة غيرها وشهدوا عليها بالسماع للضرورة في الأول دون الثاني لأن أصل جواز الشهادة فيه بالسماع للضرورة والحكم يدور مع علته وجازت إذ قدم قال وقد رأيت شيخنا الحانوتي أجاب بذلك اه. ملخصا. مطلب فيمن ينتصب خصما عن غيره قوله: (وبعض مستحقيه) مبتدأ أو مضاف إليه وقوله ينتصب خصما عن الكل خبر المبتدأ ويأتي بيانه وكذا بعض نظار الوقف لما في الحادي عشر من التتارخانية وقف أرضه على قرابته فادعى رجل أنه منهم والواقف حي فهو خصمه وإلا فالقيم ولو متعددا وإن ادعى على واحد جاز ولا يشترط اجتماعهم ولا يكون خصما وارث الميت ولا أحد أرباب الوقف قوله: (وكذا بعض الورثة) أي يقوم مقام جميعهم فيما للميت أو عليه ويأتي تمامه قريبا قوله: (قلت الخ) استدراك على قوله ولا ثالث لهما قوله: (وكذا لو ثبت إعساره في وجه أحد الغرماء) فإنه ينصب خصما عن بقيتهم فلا يحبس لهم ط قوله (كما سيجئ) لم أره في فصل الحبس من كتاب القضاة ولا في كتاب الحجر فلعله ذكره في غيرهما فليراجع قوله: (وقالوا تقبل بينة الإفلاس بغيبة المدعي)
614 هذا تأييد لقبولها في وجه أحد الغرماء لا بيان لموضع آخر مما نحن فيه حتى يرد عليه أنه لا محل لذكره هنا لعدم انتصاب أحد عن أحد فيه فافهم قوله: (وكذا بعض الأولياء المتساوين) كذا خبر مقدم وبعض الأولياء مبتدأ مؤخر وجملة يثبت الخ استئناف بياني يعني أن رضا بعض الأولياء المتساوين بنكاح غير الكف ء قبل العقد أو بعده كرضا الكل لأن حق الاعتراض ثبت لكل واحد من الأولياء كملا وهذا على ظاهر الرواية أما على المفتى به فالنكاح باطل من أصله لفساد الزمان كما تقدم في باب الولي اه. ح أي أن تزويجها نفسها لغير كف ء باطل إذا كان لها ولي لم يرض به قبل العقد ولا يفيد رضا بعده وإن لم يكن لها ولي فهو صحيح كما مر في بابه ثم حيث ثبت الحق لكل من الأولياء كملا فإذا رضي أحدهما فكأنه قام مقام غيره في الرضا حتى لا يثبت لغيره حق الاعتراض ولو قال يثبت الاعتراض وكذا الإنكاح في الصغير لكان أولى قوله: (وكذا الأمان) يعني أمان واحد من المسلمين لحربي كأمان جميعهم كما تقدم في السير اه. ح قوله (والقود) يعني إذا عفا واحد من أولياء المقتول سقط القود كما إذا عفا جميعهم اه. ح. قلت: وكذا استيفاء (1) القود فسيأتي في الجنايات أن للكبار القود قبل كبر الصغار خلافا لهما والأصل أن كل ما لا يتجزأ إذا وجد سببه كاملا يثبت لكل على الكمال كولاية إنكاح وأمان إلا إذا كان الكبير أجنبيا عن الصغير فلا يملك القود حتى يبلغ الصغير إجماعا زيلعي وذلك كابن للمتوفى صغير وامرأته وهي غير أم الصغير اه. ط قوله (وولاية المطالبة الخ) قال المصنف من باب ما يحدثه الرجل في الطريق من نحو الكنيف والميزاب ولكل واحد من أهل الخصومة ولو ذميا منعه ابتداء ومطالبته بنقضه ورفعه بعده أي بعد البناء سواء كان فيه ضرر أو لا إذا بنى لنفسه بغير إذن الإمام ولم يكن للمطالب مثله اه. فقوله بإزالة الضرر ليس بقيد بل يقوم أحد من له الخصومة بالمطالبة وإن لم يضر اه. ط قوله: (والتتبع يقتضي عدم الحصر) يعني أنه زاد ما ذكر ولم يحصر المواضع بعدد لأنه يمكن التتبع الزيادة عليها خلافا لما فعله في الأشباه وقد زاد البيري مسألة وهي قال محمد رحمه الله تعالى لو قال سالم وبزيغ وميمون أحرار وأقام واحد منهم البينة على ذلك ثم جاء غيره لا يعيد البينة لأنه إعتاق واحد اه. قلت: ويزاد أيضا ما في الفصل الرابع من جامع الفصولين برهن على رجل أنه باعه وفلانا الغائب قنا بكذا يقضى على الحاضر بنصف ثمنه لا على الغائب إلا أن يحضر ويعيد البينة عليه ولو كان قد ضمن كل منهما ما على الآخر من الثمن جاز ويقضى عليهما فلا حاجة إلى إعادة البينة على الغائب اه. وسيأتي في كتاب القضاء أنه لا يقضى على غائب ولا له إلا في مواضع منها أن يكون ما يدعى على الغائب سببا لما يدعى على الحاضر كما إذا برهن على ذي اليد أنه اشترى الدار
(1) قوله: (قلت وكذا استيفاء الخ) أي حيث كان بعض مستحقي القود صغير لا غائبا حتى لا ينافي قولهم في الجنايات: ولا يقود حاضر بحجته * إذا أخوه غاب عن خصومته وفرق شيخنا بين الغائب والحاضر بأن احتمال العفو من الغائب شبهة بخلافه في الصغير فإنه شبهة الشبهة لأن احتمال العفو منه بعد احتمال البلوغ أي وهي غير معتبرة في الدرء اه. 615 من فلان الغائب فحكم على الحاضر كان ذلك حكما على الغائب أيضا حتى لو حضر وأنكر لم يعتبر قال الشارح هناك وله صور كثيرة ذكر منها في المجتبى) تسعا وعشرين. مطلب في انتصاب بعض الورثة خصما عن الكل قوله: (ثم إنما ينتصب الخ) قال في جامع الفصولين ادعى بيتا إرثا لنفسه ولإخوته الغيب وسماهم وقال الشهود لا نعلم له وارثا غيرهم تقبل البينة في ثبوت البيت للميت إذ أحد الورثة خصم عن الميت فيما يستحق له وعليه ألا ترى أنه لو ادعى على الميت دين بحضرة أحدهم يثبت في حق الكل وكذا لو ادعى أحدهم دينا على رجل للميت وبرهن ثبت في حق الكل وأجمعوا على أنه لا يدفع إلى الحاضر إلا نصيبه يعني في البيت مشاعا غير مقسوم ثم قالا يؤخذ نصيب الغائب ويوضع عند عدل وقال أبو حنيفة لا يؤخذ وأجمعوا على أن ذا اليد لو مقرا لا يؤخذ منه نصيب الغائب هذا في العقار أما في النقلي فعندهما يوضع عند عدل وعنده قيل كذلك وقيل لا يؤخذ كما لو كان مقرا ولو مات عن ثلاثة بنين فغاب اثنان وبقي ابن والدار في يده غير مقسومة فادعى رجل كلها ملكا مرسلا أو الشراء من أبيهم يقول يحكم له بالك ولو برهن على أحدهم أن الميت غصب شيئا وبعضه بيد الحاضر وبعضه بيد وكيل الغائب قضى على الحاضر بدفع ما بيده دون وكيل الغائب. فالحاصل أن أحد الورثة خصم عن الميت في عين هو في يد هذا الوارث لا فيما ليس بيده حتى لو ادعى عليه عينا من التركة ليست في يده لا يسمع وفي دعوى الدين ينتصب أحدهم خصما عن الميت ولو لم يكن بيده شئ من التركة اه. ملخصا وتمام الكلام فيه من الفضل الرابع. مطلب بعض المستحقين ينتصب خصما عن الكل قوله (وينتصب خصما عن الكل) أي كل المستحقين وكذا بعض النظار كما قدمناه والمسألة في المحيط والقنية وقف بين أخوين مات أحدهما وبقي في يد الحي وأولاد الميت فبرهن الحي على أحدهم أن الواقف بطنا بعد بطن والباقي غيب والواقف واحد يقبل وينتصب خصما عن الباقين ولو برهن الأولاد أن الوقف مطلق علينا وعليك فبينة الأولى أولى قوله: (وهذا الخ) وعليه فلا منافاة بين ما هنا وما قدمه من أن الموقوف عليه لا يملك الدعوى لأن ذاك فيما إذا لم يكن الوقف ثابتا وأراد إثبات إنه وقف ومر تقريره. مطلب اشترى بمال الوقف دارا للوقف يجوز بيعها قوله: (اشترى بمال الوقف) أي بغلة الوقف كما عبر به في الخانية وهو أولى احترازا عما لو اشترى ببدل الوقف فإنه يصير وقفا كالأول على شروطه وإن لم يذكر شيئا كما مر في بحث
616 الاستبدال وقيده في الفتح بما إذا لم يحتج الوقف إلى العمارة وهو ظاهر إذ ليس له الشراء كما ليس له الصرف إلى المستحقين كما مر وفي البحر عن القنية إنما يجوز الشراء بإذن القاضي لأنه لا يستفاد الشراء من مجرد تفويض القوامة إليه فلو استدان في ثمنه وقع الشراء له اه. قلت: لكن في التاترخانية قال الفقيه ينبغي أن يكون ذلك بأمر الحاكم احتياطا في موضع الخلاف قوله: (ويجوز بيعها في الأصح) في البزازية بعد ذكر ما تقدم وذكر أبو الليث في الاستحسان يصير وقفا وهذا صريح في أنه المختار اه. رملي. قلت: وفي التتارخانية المختار أنه يجوز بيعها إن احتاجوا إليه. مطلب في الإمام والمؤذن إذا مات في أثناء السنة قوله: (كالقاضي) فإنه يسقط حقه إلا إذا مات في آخر السنة فيستحب الصرف لورثته كما في الهداية قبيل باب المرتد قوله: (وقيل لا يسقط) أي بل يعطى بقدر ما باشر ويصير ميراثا عنه كما يأتي قوله: (قلت قد جزم في البغية الخ) أي فجزمه به يقتضي ترجيحه قلت ووجهه ما سيذكره في مسألة الجامكية أن لها شبه الأجرة وشبه الصلة ثم إن المتقدمين منعوا أخذ الأجرة على الطاعات وأفتى المتأخرون بجوازه على التعليم والأذان والإمامة فالظاهر أن من نظر إلى مذهب المتقدمين رجح شبه الصلة فقال بسقوطها بالموت لأن الصلة لا تملك قبل القبض ومن نظر إلى مذهب المتأخرين رجح شبه الأجرة فقال بعدم السقوط وحيث كان مذهب المتأخرين هو المفتى به جزم في البغية بالثاني بخلاف رزق القاضي فإنه ليس له شبه بالأجرة أصلا إذ لا قائل بأخذ الأجرة على القضاء. مطلب إذا مات المدرس ونحوه يعطى بقدر ما باشر بخلاف الوقف على الذرية وعلى هذا مشى الطرسوسي في أنفع الوسائل على أن المدرس ونحوه من أصحاب الوظائف إذا مات في أثناء السنة يعطى بقدر ما باشر ويسقط الباقي وقال بخلاف الوقف على الأولاد والذرية فإنه يعتبر فيهم وقت ظهور الغلة فمن مات بعد ظهورها ولو لم يبد صلاحها صار ما يستحقه لورثته وإلا سقط اه. وتبعه في الأشباه وأفتى به في الخيرية وهو الذي حرره المرحوم مفتي الروم أبو السعود العمادي وهذا خلاصة ما قدمناه في كتاب الجهاد في قبيل فصل القسمة وقبيل باب المرتد ولو كان الوقف يؤجر أقساطا فتمام كل قسط بمنزلة طلوع الغلة فمن وجد وقته استحق كما أفتى به الحانوتي تبعا للفتح وبما قررناه ظهر سقوط ما نقله البيري عن شيخ الشيوخ الديري من أنه ينبغي أن يعمل بهذا القول وهو عدم السقوط بالموت في حق المدرس والطلبة لا في حق المؤذن والإمام لأن الأذان والإمامة من فروض الكفاية فلا تكون بمقابلة أجرة اه. ملخصا فإن المتأخرين أفتوا بأخذ الأجرة على الثلاثة.
617 مطلب إذا مات من له شئ من الصر والحب يستحق نصيبه تنبيه ذكر البيري أيضا أنه سئل العلامة ابن ظهيرة القرشي الحنفي إذا كان للميت شئ من الصر والحب وورد ذلك عن السنين الماضية في حياته (1) وفي السنة التي مات فيها هل يستحقه بقسطه أجاب نعم يستحق نصيبه منه وإن كان مبرة من السلطان صار نصيبه في حكم المحلول وذكر الإمام أبو الليث في النوازل أنه يكون لورثته اه. ويؤيده ما في البزازية عن محمد قوم أمروا أن يكتبوا مساكين مسجدهم فكتبوا ورفعوا أساميهم وأخرجوا الدراهم على عددهم فمات واحد من المساكين قال يعطى وارثه إن مات بعد رفع اسمه اه. ومنه يعلم حكم الأمانات الواصلة لأهل مكة المشرفة والمدينة المنورة على وجه الصلة والمبرة ثم يموت المرسل إليه وقد أفتيت بدفع ذلك لولده بيري قوله: (وإن آجرها الإمام لا) أي لا يسقط معلومه تنزيلا لعقده منزلة القبض تأمل لكن تقدم أن الموقوف عليه الغلة أو السكنى لا يملك الإجارة والظاهر أن هذا الفرع مبني على القول الأول بالسقوط. مطلب فيما إذا قبض المعلوم وغاب قبل تمام السنة قوله (أخذ الغلة) أي قبض معلوم السنة بتمامها كما في البحر قال في الهندية إمام المسجد رفع الغلة وذهب قبل مضي السنة لا يسترد منه الصلة والعبرة بوقت الحصاد فإن كان يؤم في المسجد وقت الحصاد يستحق كذا في الوجيز وهل يحل للإمام أكل حصة ما بقي من السنة إن كان فقيرا يحل وكذا الحكم في طلبة العلم يعطون في كل سنة شيئا مقدرا من الغلة وقت الإدراك فأخذ واحد منهم قسطه وقت الإدراك فتحول عن تلك المدرسة كذا في المحيط اه. وقوله والعبرة بوقت بوقت الحصاد ظاهره المنافاة لما قدمناه عن الطرسوسي لكن أجاب في البحر بأن المراد أن العبرة به فيما إذا قبض معلوم السنة قبل مضيها لا لاستحقاقه بلا قبض قال مع أنه نقل في القنية عن بعض الكتب أنه ينبغي أن يسترد من الإمام حصة ما لم يؤم فيه قال ط قلت وهو الأقرب لغرض الواقف اه. قلت: وينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن ذلك مقدرا لكل يوم لما قدمنا عن القنية إن كان الواقف قدر للمدرس لكل يوم مبلغا فلم يدرس يوم الجمعة أو الثلاثاء لا يحل أجر هذين اليومين وتقدم تمامه قبيل قوله ولو دارا فعمارته على من له السكنى قوله: (فصار كالجزية) أي إذا مات الذمي في أثناء السنة لا يؤخذ منه الجزية لما مضى من الحول ويحتمل أن المراد أنه إذا عجلها أثناء السنة ثم أسلم أو مات لا تسترد ط: قوله (ونظم ابن شحنة الغيبة الخ) أقول حاصل ما في شرحه تبعا للبزازية أنه إذا غاب عن المدرسة فإما أن يخرج من المصر أو لا فإن خرج مسيرة سفر ثم رجع ليس له طلب ما مضى من معلومه بل يسقط وكذا لو سافر لحج ونحوه وإن لم يخرج لسفر
(1) قوله: (في حياته) متعلق بالماضية وقوله: يستحق نصيبه منه أي من الوارد المفهوم من ورد اه. 618 بأن خرج إلى الرستاق فإن أقام خمسة عشر يوما فأكثر فإن بلا عذر كالخروج للتنزه فكذلك وإن لعذر كطلب المعاش فهو عفو إلا أن تزيد غيبته على ثلاثة أشهر فلغيره أخذ حجرته ووظيفته أي معلومه وإن لم يخرج من المصر فإن اشتغل بكتابة علم شرعي فهو عفو وإلا جاز عزله أيضا واختلف فيما إذا خرج للرستاق وأقام دون خمسة عشر يوما ليغر عذر فقيل يسقط وقيل لا هذا حاصل ما ذكره ابن الشحنة في شرحه. وملخصه: أنه لا يسقط معلومه الماضي ولا يعزل في الآتي إذا كان في المصر مشتغلا بعلم شرعي أو خرج لغير سفر وأقام دون خمسة عشر يوما بلا عذر على أحد القولين أو خمسة عشر فأكثر لكن لعذر شرعي كطلب المعاش ولم يزد على ثلاثة أشهر وأنه يسقط الماضي ولا يعزل لو خرج مدة سفر ورجع أو سافر لحج ونحوه أو خرج للرستاق لغير عذر ما لم يزد على ثلاثة أشهر وأنه يسقط الماضي ويعزل لو كان في المصر غير مشتغل بعلم شرعي أو خرج منه وأقام أكثر من ثلاثة أشهر ولو لعذر قال الخير الرملي وكل هذا إذا لم ينصب نائبا عنه وإلا فليس لغيره أخذ وظيفته اه. ويأتي قريبا حكم النيابة هذا وفي القنية من باب الإمامة إمام يترك الإمامة لزيارة أقربائه في الرساتيق أسبوعا أو نحوه أو لمصيبة أو لاستراحة لا بأس به ومثله عفو في العادة والشرع اه. وهذا مبني على القول بأن خروجه أقل من خمسة عشر يوما بلا عذر شرعي لا يسقط معلومه وقد ذكر في الأشباه في قاعدة العادة محكمة عبارة القنية هذه وحملها على أنه يسامح أسبوعا في كل شهر واعترضه بعض محشيه بأن قوله في كل شهر ليس في عبارة القنية ما يدل عليه. قلت والأظهر ما في آخر شرح منية المصلي للحلبي أن الظاهر أن المراد في كل سنة. تنبيه: ذكر الخصاف أنه لو أصاب القيم خرس أو عمى أو جنون أو فالج أو نحوه من الآفات فإن أمكنه الكلام والأمر والنهي والأخذ والإعطاء فله أخذ الأجر وإلا فلا قال الطرسوسي ومقتضاه أن المدرس ونحوه إذا أصابه عذر من مرض أو حج بحيث لا يمكنه المباشرة لا يستحق المعلوم على نفس المباشرة فإن وجدت استحق المعلوم وإلا فلا وهذا هو الفقه اه. ملخصا. قلت: ولا ينافي هذا ما مر من المسامحة بأسبوع ونحوه لأن القليل مغتفر كما سومح بالبطالة المعتادة على ما مر بيانه في محله قوله: (ومنه) أي من النظم لأن ابن الشحنة نظم في هذه المسألة خمسة أبيات فاقتصر الشارح على بيتين منها قوله (مطلقا) أي سواء كان له منه بد أو لا لكن بعد كونه مسيرة سفر كما أفاده بقوله والحكم في الشرع يسفر بفتح الياء من السفر قال ناظمه والمراد بقولنا في الشرع يسفر أي من يعد مسافرا شرعا لكن اعترضه ط بقول القاموس السافر والمسافر لا فعل له.
619 مطلب في الغيبة التي يستحق بها العزل عن الوظيفة وما لا يستحق قوله: (قلت وهذا) أي التفصيل المذكور في الغيبة إنما هو فيما إذا قال وقفت هذا على ساكني مدرستي وأطلق أما لو شرط شرطا تبع كحضور الدرس أياما معلومة في كل جمعة فلا يستحق المعلوم إلا من باشر خصوصا إذا قال من غاب عن الدرس قطع معلومه فيجب اتباعه وتمامه في البحر قوله: (أما فيهما) أي في فرض الحج وصلة الرحم قوله (والمعلوم) بالنصب عطفا على العزل قوله: (لا تجز استنابة الفقيه) لا ناهية وتجز مجزوم بها بضم أوله وكسر ثانيه ولا الثانية تأكيد للأولى وقوله سائر الأرباب أي أصحاب الوظائف وقوله فذا من باب أي عدم جواز الاستنابة إن لك يكن عذر من باب أولى وقد تابع الناظم في هذا ما فهمه الطرسوسي من كلام الخصاف المار آنفا قال فإنه لم يجعل له الاستنابة مع قيام الأعذار المذكورة فإنها لو جازت لقال ويجعل له من يقوم مقامه إلى زوال عذره واعترضه في البحر بأن الخصاف صرح بأن للقيم أن يوكل وكيلا يقوم مقامه وله أن يجعل به من المعلوم شيئا وكذا في الإسعاف وهذا كالتصريح بجواز الاستنابة لأن النائب وكيل بالأجرة وفي القنية استخلف الإمام خليفة في المسجد ليؤم فيه زمان غيبته لا يستحق الخليفة من أوقاف الإمامة شيئا إن كان الإمام أم أكثر السنة اه. وفي الخلاصة أن الإمام يجوز استخلافه بلا إذن بخلاف القاضي وعلى هذا لا تكون وظيفته شاغرة وتصح النيابة. مطلب مهم في الاستنابة في الوظائف قال في البحر وحاصل في ما في القنية أن النائب لا يستحق شيئا من الوقف لأن الاستحقاق بالتقرير ولم يوجد ويستحق من الأصيل الكل إن عمل أكثر السنة وسكت عما يعينه الأصيل للنائب كل شهر في مقابلة عمله والظاهر أنه يستحق لأنها إجارة وقد وفى العمل بناء على قول المتأخرين المفتى به من جواز الاستئجار على الإمامة والتدريس وتعليم القرآن وعلى القول بعدم جواز الاستنابة إذا لم يعمل الأصيل وعمل النائب كانت الوظيفة شاغرة ولا يجوز للناظر الصرف إلى واحد منهما ويجوز للقاضي عزله وعمل الناس بالقاهرة على الجواز وعدم اعتبارها شاغرة مع وجود النيابة. ثم قال فالذي تحرر جواز الاستنابة في الوظائف اه. ويؤيده ما مر في الجمعة من ترجيح جواز استنابة الخطيب قال الخير الرملي في حاشيته ما تقدم عن الخلاصة ذكره في كتاب القضاء من الكنز والهداية وكثير من المتون والشروح والفتاوى ويجب تقييد جواز الاستنابة بوظيفة تقبل الإنابة كالتدريس بخلاف التعلم وحيث تحرر الجواز فلا فرق بين أن يكون المستناب مساويا له في الفضيلة أو فوقه أو دونه كما هو ظاهر ورأيت لمتأخري الشافعية من قيده بالمساوئ وبما فوقه وبعضهم قال بجوازه مطلقا ولو دونه وهو الظاهر والله تعالى أعلم اه. وقال في الخيرية بعد نقل حاصل ما في البحر والمسألة وضع فيها رسائل ويجب العمل بما عليه الناس وخصوصا مع العذر وعلى ذلك جميع المعلوم للمستنيب وليس للنائب إلا الأجرة التي استأجره بها اه.
620 قلت وهذا اختيار لخلاف ما أفتى به علامة الوجود المفتي أبو السعود من اشتراط العذر الشرعي وكون الوظيفة مما يقبل النيابة كالإفتاء والتدريس وكون النائب مثل الأصيل أو خيرا منه وأن المعلوم بتمامه يكون للنائب ليس للأصيل منه شئ ا ه ونقله البيري وقال إنه الحق لكنه نقل عن الشيخ بدر الدين الشهاوي الحنفي مثل ما في البحر وعن شيخ مشايخه القاضي علي بن ظهيرة الحنفي اشتراط العذر. مطلب فيما إذا شرط المعلوم المباشر الإمامة لا يستحق المستنيب قلت: أما اشتراط العذر فله وجه وأما كون النائب مثل الأصيل أو خيرا منه فهو بعيد حيث وجدت في النائب أهلية تلك الوظيفة إلا أن يراد مثله في الأهلية ويشير إليه ما في فتاوى ابن الشلبي حيث سئل عن الناظر إذا ضعفت قوته عن التحدث على الوقف هل له أن يأذن لغيره فيه بقية حياته وهل له النزول عن النظر أجاب نعم له استنابة من فيه العدالة والكفاية ولا يصح نزوله عن النظر المشروط له ولو عزل نفسه لم ينعزل اه. وأما كون المعلوم للنائب فينافيه ما مر عن البحر من أن الاستحقاق بالتقرير ولا سيما إذا باشر الأصيل أكثر السنة فصريح ما مر عن القنية أنه لا يستحق النائب شيئا أي إلا إذا شرط له الأصيل أجرة أما إذا كان المباشر هو النائب وحده وشرط الواقف المعلوم لمباشر الإمامة أو التدريس مثلا فلا خفاء في اختصاصه بالمعلوم بتمامه وكتبت في تنقيح الحامدية عن المحقق الشيخ عبد الرحمن أفندي العمادي أنه سئل فيما إذا كان لمؤذني جامع مرتبات في أوقاف شرطها واقفوها لهم في مقابلة أدعية يباشرونها للواقفين المذكورين وجعل جماعة من المؤذنين لهم نوابا عنهم في ذلك فهل يستحق النواب المباشرون للأذان والأدعية والمزبورة المرتبات المرقومة دون الجماعة المذكورين الجواب نعم. مطلب فيما إذا أجر ولم يذكر جهة توليته قوله: (والمتولي لو وقف أجرا الخ) في الإسعاف الناظر إذا آجر أو تصرف تصرفا آخر وكتب في الصك آجر وهو متول على هذا الوقف ولم يذكر أنه متول من أي جهة قالوا تكون فاسدة اه. قلت: وهذا مشكل إذ لو كان متوليا في نفس الأمر من جهة الواقف أو القاضي يصح إيجاره والظاهر أن المراد فساد كتابة الصك لأن الصكوك تبنى على زيادة الإيضاح ولأنه لا يمكن للحاكم أن يحكم بصحة إيجاره وباقي تصرفاته ما لم يصح نصبه مما له ولاية ذلك يؤيده ما في السابع والعشرين من جامع الفصولين لو كان الوصي أو المتولي من جهة الحاكم فالأوثق أن يكتب في الصكوك والسجلات وهو الوصي من جهة حاكم له ولاية نصب الوصية والتولية لأنه لو اقتصر على قوله وهو الوصي من الحاكم ربما يكون من حاكم ليس له ولاية نصب الوصي فإن القاضي لا يملك نصب الوصي والمتولي إلا إذا كان ذكر التصرف في الأوقاف والأيتام منصوصا عليه في منشوره فصار كحكم نائب القاضي فإن لا بد أن يذكر وأن فلانا القاضي مأذون بالإنابة تحرزا عن هذا الوهم اه. قال في البحر ولا شك أن قول السلطان جعلتك قاضي القضاة كالتنصيص على هذه الأشياء في المنشور كما صرح به في الخلاصة في مسألة استخلاف القاضي اه. قوله: (بحسب
621 التقليد) متعلق بقوله يختلف قوله: (فقس كل التصرفات) أي على الإجارة وذلك كالبيع والشراء وقوله كي لا تلتبس أي الأحكام وهو علة لقوله ما جوزوا ط قوله: (سماها الضبابة) اسمها كشف الضبابة في القاموس الضباب بالفتح ندى كالغيم أو سحاب رقيق كالدخان ط. مطلب ولاية نصب القيم إلى الوقف ثم لوصيه ثم للقاضي قوله (ولاية نصب القيم إلى الواقف) قال في البحر قدمنا أن الولاية للواقف ثابتة مدة حياته وإن لم يشترطها وإن له عزل المتولي وإن من ولاه لا يكون له النظر بعد موته أي موت الواقف إلا بالشرط على قول أبي يوسف. مطلب الأفضل في زماننا نصب المتولي بلا إعلام القاضي وكذا وصي اليتيم ثم ذكر عن التتارخانية ما حاصله أن أهل المسجد لو اتفقوا على نصب رجل متوليا لمصالح المسجد فعند المتقدمين يصح ولكن الأفضل كونه بإذن القاضي ثم اتفق المتأخرون إن الأفضل أن لا يعلموا القاضي في زماننا لما عرف من طمع القضاة في أموال الأوقاف وكذلك إذا كان الواقف على أرباب معلومين يحصى عددهم إذا نصبوا متوليا وهم من أهل الصلاح اه. قلت: ذكروا مثل هذا في وصي اليتيم وأنه لو تصرف في ماله أحد من أهل السكة من بيع أو شراء جاز في زماننا للضرورة وفي الخانية إنه استحسان وبه يفتى وأما ولاية نصب الإمام والمؤذن فسيذكرها المصنف. مطلب الوصي يصير متوليا بلا نص قوله: (ثم لوصيه) فلو موته وصيا ولم يذكر من أمر الوقف شيئا تكون ولاية الوقف إلى الوصي بحر ومقتضى قولهم وصي القاضي كوصي الميت إلا في مسائل إن وصي القاضي هنا كذلك لعدم استثنائه من الضابط المذكور أفاده الرملي. قلت ووصي الوصي كالوصي كما يأتي قوله: (كان وصيا في كل شئ) هو ظاهر الرواية وهو الصحيح تتارخانية قوله: (خلافا للثاني) فعنده إذا قال له أنت وصيي في أمر الوقف فهو وصي في الوقف فقط وهو قول هلال أيضا وجعل في الخانية أبا يوسف مع أبي حنيفة فكان عنه روايتان إسعاف وفي التاترخانية إنه قول محمد أيضا وجعل ما في الخانية ظاهر الرواية عن أبي يوسف فكان الأولى أن يقول خلافا لمحمد وأن يحذف قوله فقط قوله: (ما لم يخصص) بأن يقول وقفت أرضي على كذا وجعلت ولايتها لفلان وجعلت ولايتها لفلان وجعلت فلانا وصيي في تركاتي وجميع أموري فحينئذ ينفرد
622 كل منهما بما فوض إليه إسعاف ولعل وجهه (1) أن تخصيص كل منهما بشئ في مجلس واحد قرينة على عدم المشاركة لكن في أنفع الوسائل عن الذخيرة ولو أوصى لرجل في الوقف وأوصى إلى آخر في ولده كانا وصيين فيهما جميعا عند أبي حنيفة وأبي يوسف اه. تأمل. مطلب نصب متوليا ثم آخر اشتركا قوله: (فلو وجد كتابا وقف الخ) أي كتابان لوقف واحد وهذا الجواب أخذه في البحر من عبارة الإسعاف المذكورة ثم قال ولا يقال إن الثاني ناسخ كما تقدم عن الخصاف في الشرائط أي من أنه لو شرط أن لا تباع ثم قال في آخره على أن له الاستبدال كان له لأن الثاني ناسخ للأول لأنا نقول إن التولية من الواقف خارجة عن حكم سائر الشرائط لأن له فيها التغيير والتبديل كلما بدا له من غير شرط في عقدة الوقف على قول أبي يوسف وأما باقي الشرائط فلا بد من ذكرها في أصل الوقف اه. وفيه نظر بل تعليله يدل على خلافه فتأمل نعم ذكر أنفع الوسائل عن الخصاف إذا وقف أرضين على كل أرض على قوم وجعل ولاية كل أرض إلى رجل ثم أوصى بعد ذلك إلى زيد فلزيد أن يتولى مع الرجلين فإن أوصى زيد إلى عمرو فلعمرو مثل ما كان لزيد قال في أنفع الوسائل فقد جعل وصي الوصي بمنزلة الواقف حتى جعل له أن يشارك من جعل الواقف النظر له اه. وفي أدب الأوصياء عن التتارخانية أوصى إلى رجل ومكث زمانا فأوصى إلى آخر فهما وصيان في كل وصاياه سواء تذكر إيصاءه إلى الأول أو نسي لأن الوصي عندنا لا ينعزل ما لم يعزله الموصي حتى لو كان بين وصيتيه عن مدة سنة أو أكثر لا ينعزل الأول عن الوصاية اه. وقد قالوا إن الوقف يستقى من الوصية نعم في القنية لو نصب القاضي قيما آخر لا ينعزل الأول إن كان منصوبا من الواقف فلو من جهته ويعلمه وقت نصب الثاني ينعزل ومفاده الفرق بين الواقف والقاضي في نصب الثاني ففي الواقف يشارك وفي القاضي يختص الثاني وينعزل الأول إن كان يعلمه وقت نصب الثاني فاغتنم هذا التحرير. مطلب طالب التولية لا يولى قوله: (طالب التولية لا يولى) كمن طلب القضاء لا يقلد فتح وهل المراد أنه لا ينبغي أو لا يحل استظهر في البحر الأول تأمل قوله: (إلا المشروط له النظر) بأن قال جعلت نظر وقفي لفلان والظاهر أن مثله ما لو شرطه للذكور من الموقوف عليهم ولم يوجد غير ذكر واحد وأما لو انحصر الوقف في واحد لا يلزم أن يكون هو الناظر عليه بلا شرط الواقف كما قدمناه عن جامع الفصولين عند قوله الموقوف عليه لا يملك الإيجار ولا الدعوى. مطلب التولية خارجة عن حكم سائر الشرائط قوله: (بعد موت الواقف الخ) قيد به لأنه لو مات قبله قال في المجتبى ولاية النصب
(1) قوله: (ولعل وجهه الخ) لا حاجة إليه بل هذا مفرع على قول محمد ويصح تفريعه على قولهما وأيضا هذا الفرع منقول عن الإسعاف وليس فيه العزو إلى أحد من الأئمة اه. 623 للواقف وفي السير الكبير قال محمد النصب للقاضي اه. وفي الفتاوى الصغرى الرأي للواقف لا للقاضي فإن كان الواقف ميتا فوصيه أولى من القاضي فإن لم يكن أوصى فالرأي للقاضي اه. بحر ومفاده أنه لا يملك التصرف في الوقف مع وجود المتولي ومنه الإيجار كما حررناه عند قول المصنف ولو أبى أو عجز عمر الحاكم بأجرتها الخ ويؤيده قوله في البحر بعد ما نقلناه عنه. مطلب ولاية القاضي متأخرة عن المشروط له ووصيه فأفاد أن ولاية القاضي متأخرة عن المشروط له ووصيه فيستفاد منه عدم صحة تقرير القاضي في الوظائف في الأوقاف إذا كان الوقف شرط التقرير للمتولي وهو خلاف الواقع في القاهرة في زماننا وقبله بيسير اه. وأفتى في الخيرية بهذا المستفاد وقال وبه أفتى العلامة قاسم كما قدمناه عند قول المنصف ينزع لو غير مأمون قوله: (ولم يوص) أي المشروطة له قال في البحر إذا مات المتولي المشروط له بعد الواقف فالقاضي ينصب غيره وشرط في المجتبى أن لا يكون المتولي أوصى به لآخر عند موته فإن أوصى لا ينصب القاضي اه. قلت: وهذا إذا لم يكن الواقف شرط بعد المتولي المذكور إلى آخر أنه يصير مشروطا أيضا ويأتي بيانه قريبا. مطلب المراد القضاة في كل موضع ذكروا القاضي في أمور الأوقاف قوله (للقاضي) قيده في البحر بقاضي القضاة أخذا من عبارة الفصولين التي قدمناها قبل ورقة ثم قال وعلى هذا فقولهم في الاستدانة بأمر القاضي المراد به قاضي القضاة وفي كل موضع ذكروا القاضي في أمور الأوقاف بخلاف قولهم وإذا رفع إليه حكم قاض أمضاه فإنه أعم كما لا يخفى اه. مطلب نائب القاضي لا يملك إبطال الوقف قال في الخيرية وهو صريح في أن نائب القاضي لا يملك إبطال الوقف وإنما ذلك خاص بالأصل الذي ذكر له السلطان في منشوره نصب الولاة والأوصياء وفوض له أمور الأوقاف وينبغي الاعتماد عليه وإن بحث فيه شيخنا الشيخ محمد بن سراج الدين الحانوتي لما في إطلاق مثله للنواب في هذا الزمان من الاختلال والمسألة لا نص فيها بخصوصها فيما اطلعنا عليه وكذا فيما اطلع عليه شيخنا المذكور وصاحب البحر وإنما استخرجها تفقها اه. ونقل في حاشيته على البحر عبارة شيخه الحانوتي بطولها وأقرها ومن جملتها ومما يدل على عدم اختصاص قاضي القضاة باستبدال الوقف بل يجوز من نائبه أيضا أن نائبه قائم مقامه ولذا كان المفهوم من كلامهم أنه إذا شرط في منشوره تزويج الصغائر والصغار كان لمنصوبه ذلك وعبارة ابن الهمام في ترتيب الأولياء في النكاح ثم السلطان ثم القاضي إذا شرط في عهده ذلك ثم من نصبه القاضي اه. ملخصا. تنبيه. قدمنا عن البحر أن المتولي ينعزل بموت الواقف إلا إذا جعله قيما في حياته وبعد موته وذكر في القنية إذا مات القاضي أو عزل يبقى ما نصه على حاله قياسا على نائبه في القضاء اه. قال في أنفع الوسائل وينبغي أن يحمل على ما إذا عمم له الولاية في حياته وبعد وفاته لأن القاضي بمنزلة الواقف اللهم إلا أن يقال إن ولاية القاضي أعم وفعله حكم وحكمه لا يبطل
624 بموته ولا عزله وتمامه فيه لكنه ذكر أن ولاية الوقف للقاضي وإن لم يشرطها السلطان في تقليده ولم يعزه إلى أحد وهو خلاف المنقول في جامع الفصولين) قوله: (إذ لا ولاية لمستحق) تعليل لما فهم من حصر الولاية بمن ذكر قوله (كما مر) أي من قوله والموقوف عليه الغلة لا يملك الإجارة بتولية وقدمناه قريبا. مطلب لا يجعل الناظر من غير أهل الوقف قوله (وما دام أحد الخ) المسألة في كافي الحاكم ونصها لا يجعل القيم فيه من الأجانب ما وجد في ولد الواقف وأهل بيته من يصلح لذلك فإن لم يجد فيهم من يصلح لذلك فجعله إلى أجنبي ثم صار فيهم من يصلح له صرفه إليه اه. ومفاده تقديم أولاد الواقف وإن لم يكن الوقف عليهم بأن كان على مسجد أو غيره ويدل له التعليل الآتي وفي الهندية عن التهذيب والأفضل أن ينصب من أولاد الموقوف عليه وأقاربه ما دام يوجد أحد منهم يصلح لذلك اه. والظاهر أن مراده بالموقوف عليه من كان من أولاد الواقف فلا ينافي ما قبله ثم تعبيره بالأفضل يفيد أنه لو نصب أجنبيا مع وجود من يصلح من أولاد الواقف يصح فافهم ولا ينافي ذلك ما في جامع الفصولين من أنه لو شرط الواقف كون المتولي من أولاده وأولادهم ليس للقاضي أن يولي غيرهم بلا خيانة لو فعل لا يصير متوليا اه. لأنه فيما إذا شرطه الواقف وكلامنا عند عدم الشرط ووقع قريبا من أواخر كتاب الوقف من الخيرية ما يفيد أنه فهم عدم الصحة مطلقا كما هو المتبادر من لفظ لا يجعل فتأمل وأفتى أيضا بأن من كان من أهل الوقف لا يشترط كونه مستحقا بالفعل بل يكفي كونه مستحقا بعد زوال المانع وهو ظاهر ثم لا يخفى أن تقديم من ذكر مشروط بقيام الأهلية فيه حتى لو كان خائنا يولي أجنبي حيث لم يوجد فيهم أهل لأنه إذا كان الواقف نفسه يعزل بالخيانة فغيره بالأولى. مطلب إذا قبل الأجنبي النظر مجانا فللقاضي نصيبه تنبيه قدمنا عن البيري عن حاوي الحصيري عن وقف الأنصاري أنه إذا لم يكن من يتولى الوقف من جيران الوقف وقرابته إلا برزق ويقبل واحد من غيرهم بلا رزق فللقاضي أن ينظر الأصلح لأهل الوقف قوله: (ومن قصده) أي قصد الواقف وعبارة الإسعاف أو لأن من قصد الواقف نسبة الوقف إليه وذلك فيما ذكرنا. مطلب للناظر أن يوكل غيره قوله: (أراد المتولي إقامة غيره مقامه) أي بطريق الاستقلال أما بطريق التوكيل فلا يتقيد بمرض الموت وفي الفتح للناظر أن يوكل من يقوم بما كان إليه من أمر الوقف ويجعل له من جعله شيئا وله أن يعزله ويستبدل به أو لا يستبدل ولو جن انعزل وكيله ويرجع إلى القاضي في النصب اه. وشمل كلام المصنف المتولي من جهة القاضي أو الواقف كما في أنفع الوسائل عن التتمة وقال وهو أعم من قوله في القنية للمتولي أن يفوض فيما فوض إليه إن عمم القاضي التفويض إليه وإلا فلا اه. فإن ظاهره أن هذا الحكم في المتولي من جهة القاضي فقط قوله
625 (وصحته) عطف تفسير أراد به بيان أن المراد بالحياة ما قابل المرض وهو الصحة لا ما يشملهما فافهم. قوله (إن كان التفويض له بالشرط عاما صح) لم يظهر لي معنى قوله بالشرط ولعل المراد به اشتراط الواقف أو القاضي ذلك له وقت النصب ومعنى العموم كما في أنفع الوسائل أنه ولاه وأقامه مقام نفسه وجعل له أن يسنده ويوصي به إلى من شاء ففي هذه الصورة يجوز التفويض منه في حال الحياة وفي حالة المرض المتصل بالموت اه. قوله: (ولا يملك عزله الخ) هذا ذكره الطرسوسي بحثا وقال بخلاف الواقف فإن له عزل القيم وإن لم يشرطه والقيم لا يملكه كالوكيل إذا أذن له الموكل في أن يوكل فوكل حيث لم يملك العزل وكالقاضي على إذا أذن له السلطان في الاستخلاف فاستخلف شخصا لا يملك عزله إلا إن شرط السلطان العزل وأطال في ذلك فراجعه إن شئت قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن التفويض له عاما لا يصح قوله فإن فوض في صحته الأولى حذفه لأن الكلام في الصحة وحينئذ فقوله وإن في مرض موته مقابل لقوله في حياته وإنما صح إذا فوض في مرض موته وإن لم يكن التفويض له عاما لما في الخانية من أنه بمنزلة الوصي (1) وللوصي أن يوصي إلى غيره اه. وسيذكر الشارح في كتاب الإقرار عن الأشباه الفعل في المرض أحط رتبة من الفعل في الصحة إلا في مسألة إسناد الناظر النظر لغيره بلا شرط فإنه في مرض الموت صحيح لا في الصحة كما في التتمة وغيرها اه. ووجهه ما علمته من أنه بمنزلة الوصي ولما كان الوصي له عزل من أوصى إليه ونصب غيره أتجه قوله وينبغي أن يكون له العزل والتفويض كالإيصاء بخلاف الإسناد في حال الصحة لأنه في حال الصحة كالوكيل ولا يملك الوكيل العزل كما مر. مطلب في الفرق بين تفويض الناظر في صحته وبين فراغه عنه تنبيه صرحوا بصحة الفراغ عن النظر وغيره من الوظائف وأفتى العلامة قاسم بسقوط حق الفارغ بمجرد لكنه لم يتابع على ذلك فلا بد من تقرير الماضي كما قدمناه عند قوله وينزع له غير مأمون وأنت خبير بأن هذا شامل للفراغ في حال الصحة والمرض فينافي ما هنا من عدم صحة التفويض في حال الصحة بلا تعميم وتوقفت في ذلك مدة وظهر لي الآن الجواب بأن الفراغ مع التقرير من القاضي عزل لا تفويض ويدل عليه قوله في البحر إذا عزل نفسه عند القاضي فإنه ينصب غيره ولا ينعزل بعزل نفسه ما لم يبلغ القاضي ثم قال ومن عزل نفسه الفراغ عن وظيفة النظر لرجل عند القاضي الخ فهذا صريح فيما قلناه ولله الحمد وبه ظهر أن قولهم هنا لا يصح إقامة المتولي غيره مقامه في حياته وصحته مقيد بما إذا لم يكن عند القاضي أما لو كان عند القاضي كان عزلا لنفسه وتقرير القاضي للغير نصب جديد وهي مسألة الفراغ بعينها وبهذا يتجه عدم
(1) قوله: (لما في الخانية من أنه بمنزلة الوصي الخ) فيه أن هذا قياس مع الفارق لأن كلامنا الآن في تفويض المتولى بمعنى فراغه هن النظر ونزوله عنه لآخر لا في إيصاء بالنظر حتى يصح القياس على الوصي اه أي لأن الإيصاء جعل الغير وصيا بعد الموت والتفويض جعل الغير متوليا في الحال فافترقا اه. 626 سقوط حق الفارغ قبل تقرير القاضي خلافا لما أفتى به العلامة قاسم إذ لو سقط قبله انتقض (1) قولهم لا تصح إقامته في صحته بخلافه بعد تقرير القاضي لأنه بعده يصير عزلا لنفسه عن الوظيفة ولا يرد أن العزل يكفي فيه مجرد علم القاضي كما مر فلا حاجة إلى التقرير لأن الفراغ عزل خاص (2) مشروط فإنه لم يرض بعزل نفسه إلا لتصير الوظيفة لمن نزل له عنها فإذا قرر القاضي المنزول له تحقق الشرط فتحقق العزل وبهذا تجمع كلماتهم فاغتنم هذا التحرير فإنه فريد قوله (قال) أي صاحب الأشباه قوله: (فأجبت إن فوض الخ) أي أخذا مما مر آنفا من الفرق بين حال الصحة والمرض لكن فيه أن مقتضى كلام الواقف عدم الإذن بإقامة غيره مقامه لا في الصحة ولا في المرض حيث شرط انتقاله كن بعده للحاكم وكذا نقل الحموي أنه يجب انتقاله للحاكم ولو فوض في مرضه لأن في التفويض تفويت العمل بالشرط المنصوص عليه من الواقف اه. ونقل السيد أبو السعود أن هذه المسألة مما لم يطلع على نص فيها اه. مطلب شرط الواقف النظر لعبد الله ثم لزيد ليس لعبد الله أن يفرض لرجل آخر قلت: بل هي منصوصة في أنفع الوسائل عن أوقاف هلال ونصه إذا شرط الواقف ولاية هذه الصدقة إلى عبد الله ومن عبد الله إلى زيد فمات عبد الله وأوصى إلى رجل أيكون للوصي ولاية مع زيد قال لا يجوز له ولاية مع زيد اه. ولا يخفى أن قوله فمات عبد الله وأوصى إلى رجل يقتضي أن ذلك في المرض فما قيل إنه محمول على حالة الصحة فلا ينافي ما في الأشباه مردود بل العمل بالمتبادر من المنقول ما لم يوجد نقل صريح بخلافه ولم يستند في الأشباه إلى نقل حتى يعدل عن هذا المنقول الواجب العمل به لأنه مقتضى نص الواقف وهذا ما حرره سيدي عبد الغني النابلسي ردا على الأشباه وبذلك أفتى العلامة الحانوتي أيضا فيمن شرط النظر للأرشد من ذريته ففرغ الأرشد لزوج بنته ومات فقال ينتقل لمن بعده عملا بشرط الواقف وتمامه في فتاواه وفي فتاوى الشيخ إسماعيل التفويض المخالف لشرط الواقف لا يصح فإذا شرط للإرشاد ففوض الأرشد في المرض لغير الأرشد وظهرت خيانته يولي القاضي الأرشد اه. وقوله وظهرت خيانته أي خيانة المفوض حيث خالف في تفويضه ذلك شرط الواقف وما اشتهر على الألسنة من أن مختار الأرشد أرشد قدمنا رده عند قوله وينزع لو غير مأمون الخ وتمام ذلك في كتابنا تنقيح
(1) قوله: (إذ لو سقط قبله انتقض الخ) لا انتقاض لأن المنفى الإقامة بمعنى التولية والذي أفتى به العلامة قاسم إنما هو صحة الفراغ وعزل الفارغ ولم يقع في كلامه التعرض لصحة التولية ولا تلازم بين صحة الفراغ والتولية أي لا يلزم من صحة فراغه لغيره بمعنى عزله لنفسه صحة تولية المفروغ له اه. (2) قوله: (لأن الفراغ عزل خاص الخ) هذا يفيد عدم صحة توليه غير المنزول له لأن الفارغ لم يرض لعزل نفسه إلا لتصير الوظيفة لمن نزل له لأن عزل مشروط بالصيرورة المذكورة مع أنه تقدم المحشي أنه يصح العزل ولا يتعين على القاضي تولية المفروغ له بل له أن يولي غيره اه. 627 الفتاوى الحامدية قوله: (شرط مرتبا) أي رتب له من ريع الوقف دراهم أو غيرها قوله: (وفيها) أي في الأشباه. مطلب للواقف عزل الناظر قوله: (للواقف عزل الناظر مطلقا) أي سواء كان بجنحة أو لا وسواء كان شرط له العزل أو لا وهذا عند أبي يوسف لأنه وكيل عنه وخالفه محمد كما في البحر أي لأنه وكيل الفقراء عنده وأما عزل القاضي للناظر فقدمنا الكلام عليه عند قوله وينزع له غير مأمون الخ قوله: (به يفتى) والذي في التجنيس والفتوى على قول محمد أي بعدم العزل عند عدم الشرط وجزم به في تصحيح القدوري للعلامة القاسم وكذلك المؤلف أي ابن نجيم في رسائله وهو من باب الاختلاف في الاختيار اه. بيري أي فيه اختلاف التصحيح. قلت: وهو مبني على الاختلاف في اشتراط التسليم إلى المتولي فإنه شرط عند محمد فلا تبقى للواقف ولاية إلا بالشرط وغير شرط عند أبي يوسف فتبقى ولايته فاختلاف التصحيح هنا مبني على اختلافه هناك. مطلب في عزل الواقف المدرس والإمام وعزل الناظر نفسه قوله (ولم أر حكم عزله لمدرس وإمام ولاهما) أقول وقع التصريح بذلك في حق الإمام والمؤذن ولا ريب أن المدرس كذلك بلا فرق ففي لسان الحكام عن الخانية إذا عرض للإمام والمؤذن عذر منعه من المباشر ستة أشهر للمتولي أن يعزله ويولي غيره وتقدم ما يدل على جواز عزله إذا مضى شهر بيري أقول إن هذا العزل لسبب مقتض والكلام عند عدمه ط. قلت: وسيذكر الشارح عن المؤيدة التصريح بالجواز لو غيره أصلح ويأتي تمام الكلام عليه وقدمنا عن البحر حكم عزل القاضي لمدرس ونحوه وهو أنه لا يجوز إلا بجنحة وعدم أهلية قوله: (فنصب القاضي) عبارة الأشباه فنصب القاضي له قيما وقضى بقوامته وظاهر أن القضاء شرط لعدم إخراج الواقف له وذكر البيري أن منصوب الواقف كذلك إذا قضى القاضي بقوامته لا يملك الواقف إخراجه وعزاه للأجناس قوله: (إن علم الواقف أو القاضي صح) فهو كالوكيل إذا عزل نفسه وقدمنا تمام الكلام على عزل نفسه وفراغه لآخر وظاهر هذا أنه ينعزل بلا عزل لكن في الأشباه في بحث ما يقبل الإسقاط قال وفي القنية الناظر المشروط له النظر إذا عزل نفسه لا ينعزل إلا أن يخرجه الواقف أو القاضي اه. تأمل. مطلب فيمن باع دارا ثم ادعى أنها وقف قوله (ثم باعها المشتري من آخر) ليس هذا قيدا بل ذكره ليفيد أنه لا فرق في قبول البينة بين بقائه في يد المشتري الأول أو خروجه عنها إلى آخر أو لأنه صورة واقعة سئل عنها ابن نجيم فيمن يملك عقارا فباعه من آخر وباعه المشتري من آخر ومضى على ذلك مدة سنين ثم أظهر البائع
628 مكتوبا شرعيا بإيقاف العقار قبل البيع فأجاب تسمع دعواه وتقبل بينته وإذا ثبت بطل البيع اه. قوله: (أو قال وقف علي) يشير إلى أنه لا فرق بين أن يكون هو الواقف أو غيره رملي قوله: (لم تصح) أي الدعوى للتناقض وهو الصحيح كما في الخانية قوله: (فلا يحلف المشتري) لأن التحليف يترتب على دعوى صحيحة أفاده في الهندية ط قوله: (أو أبرز حجة شرعية) أي كتاب وقف له أصل في ديوان القضاة الماضين كما قدمناه عند قوله وتقبل فيه الشهادة حسبة لا الدعوى الخ وفي القنية أما الكتاب الشرعي الذي وجد في يد الخصم هل يدفع الدعوى والفتوى على أنه يدفع ويعمل القضاة بكتاب القضاة الماضين اه. وظاهر كلامهم أن هذا خاص بالوقف القديم قوله (قبلت) أي البينة لأن الدعوى وإن بطلت للتناقض بقيت الشهادة وهي مقبولة في الوقف من غير دعوى هندية ط. قوله: (ويلزم أجر المثل فيه) أي يلزم المشتري لأن منافع الوقف مضمونة وإن كانت بشبهة ملك كما مر وقدمنا أن هذا هو الصحيح قوله: (لا في الملك) يستثنى منه ملك اليتيم فإنه كالوقف وأما المعد للاستغلال فإنه مضمون أيضا لكنه إذا سكنه بتأويل ملك كسكنى شريك أو مشتر أو بتأويل عقد رهن فإنه لا يضمن بخلاف عقار الوقف أو اليتيم فإنه مضمون مطلقا كما سيأتي في الغصب قوله: (وليس للمشتري حبسه بالثمن) لأن الحبس بمنزلة الرهن والوقف لا يرهن ط. مطلب من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه إلا في تسع مسائل قوله (وهي) أي مسألة المتن إحدى المسائل السبع المذكورة في قضاء الأشباه أنها تسع الأولى اشترى عبدا قبضه ثم ادعى أن البائع باعه قبله من فلان الغائب بكذا وبرهن يقبل لأنه برهن على إقرار البائع أنه ملك الغائب الثانية وهب جارية واستولدها الموهوب له ثم ادعى الواهب أنه كان دبرها أو استولدها وبرهن يقبل ويستردها والعقر لأن التناقض فيما هو من حقوق الحرية لا يمنع صحة الدعوى حملا على أنه فعل وندم الثالثة باعه ثم ادعى أنه كان أعتقه وفي الفتح التناقض لا يضر في الحرية وفروعها اه. وظاهره قبول دعوى البائع التدبير والاستيلاد فالهبة مثال الرابعة اشترى أرضا ثم ادعى أن بائعها كان جعلها مقبرة أو مسجدا الخامسة اشترى عبدا ثم ادعى أن البائع كان أعتقه وبرهن يقبل عند الثاني لا عندهما السادسة مسألة المتن السابعة باع الأب مال ولده ثم ادعى الغبن الفاحش إلا إذا أقر أنه باعه بثمن المثل الثامنة إذا باع الوصي ثم ادعى كذلك التاسعة المتولي على الوقف كذلك قال في القنية بعد ذكر هذه الثلاثة وكذا كل من باع ثم ادعى الفساد وشرط العمادي التوفيق بأنه لم يكن عالما به وذكر فيها اختلافا اه. ما في الأشباه ملخصا مع زيادة. مطلب باع عقارا ثم ادعى أنه وقف قوله: (واعتمد في الفتح والبحر الخ) أي في باب الاستحقاق من كتاب البيع فإنه في الفتح
629 جزم به حيث قال هناك باع عقارا ثم برهن أنه وقف لا يقبل لأن مجرد الوقف لا يزيل الملك بخلاف الإعتاق ولو برهن أنه وقف محكوم بلزومه يقبل اه. وجزم به المصنف هناك في متنه وقال في شرحه هنا ينبغي أن يعول عليه في الإفتاء والقضاء اه. قال ط وهذا إنما يتأتى على قول الإمام أما على المفتى به من أنه يتم بلفظ الوقف ونحوه اه. على أن الوقف يلزم عند الإمام أيضا إذا كان مضافا إلى الموت أو كان في الحياة وبعد الموت قوله: (وفي العمادية لا تقبل الخ) مخالف لما في شرح المصنف حيث قال ولو أقام بينة قبلت على المختار كما تقدم في العمادية وبه صرح في الخلاصة والبزازية وفي خزانة الأكمل تقبل البينة وينقض البيع قال وبه نأخذ اه. قوله: (وصوبه الزيلعي) حيث قال وإن أقام البينة على ذلك قيل تقبل وقيل لا تقبل وهو أصوب وأحوط قوله (قلت قد قدمنا) أي عن المصنف عند قوله وتقبل فيه الشهادة بدون الدعوى قوله: (مطلقا) أي سواء كان على معين ابتداء أو على الفقراء وهو المراد من قوله هو حق الله تعالى وقدمنا تمام الكلام عليه قوله (تسمع دعواه وبينته) يعني الدعوى المقرونة بالبينة أما الدعوى المجردة عن البينة فلا تسمع حتى لا يحلف المشتري كما مر وقد صرح في الخانية بعدم سماعها في الصحيح. والحاصل أن المعتمد سماع البينة دون الدعوى المجردة وهو ما ذكره المصنف في المتن هنا وقدمنا عن شرحه ترجيحه وفي الخيرية أجاب لا تسمع دعواه ولكن إذا أقام البينة اختلفوا فيه والأصح القبول نص عليه في الخلاصة وكثير من الكتب وعللوه بأن الوقف حق الله تعالى فتسمع فيه البينة بدون الدعوى وفرق بعضهم بين المسجل فتقبل وبين غيره فلا تقبل والأصح ما قدمنا أنه الأصح وإذا ثبت أنه وقف وجبت الأجرة له في تلك المدة اه. الشارح في مسائل شتى آخر الكتاب تقبل على الأصح خلافا لما صوبه الزيلعي اه. قلت ويظهر لي أن التحقيق هو التفصيل والتوفيق وذلك أن البائع إذا ادعى فإن كان هو الموقوف عليه تقبل بينته على إثبات أصل الوقف ولا يعطى شيئا من الغلة لعدم صحة دعواه وقد مر عند قوله وتقبل فيه الشهادة بدون الدعوى تحقيق ما ذكره المصنف في شرحه من أن ثبوت أصل الوقف لا يحتاج للدعوى وأن المستحق لا يدفع له شئ بلا دعوى حينئذ فإذا كان البائع هو المستحق لا تسمع دعواه لتناقضه بخلاف ما إذا كان المدعي غيره من المستحقين لعدم التناقض منهم وأما إذا كان الوقف على الفقراء أو على المسجد فتقبل البينة ويثبت الوقف فلا فرق بين كون المدعي هو البائع أو غيره والله سبحانه أعلم. تنبيه بقي ما لو اشترى دارا ثم ادعى المشتري أنها وقت تسمع دعواه على البائع لو هو
630 المتولي (1) وإلا نصب القاضي له متوليا وعلى قول أبي جعفر وغيره وإن لم تسمع الدعوى على غير المتولي للتناقض تقبل الشهادة بدون الدعوى وتمام ذلك في الخيرية في الثلث الثالث من كتاب الوقف قوله: (الباني أولى) وكذا ولده وعشيرته أولى من غيرهم أشباه قوله (بنصب الإمام والمؤذن) أما في العمارة فنقل في أنفع الوسائل أن الباني أولى أي بلا تفصيل (2). قوله: (إلا إذا عين القوم أصلح ممن عينه) لأن منفعة ذلك ترجع إليهم أنفع الوسائل قوله: (أو على مكان هيأه الخ) فيه نظر فإن المكان موجود فيكون وقفا على موجود والذي في المنح عن العمادية هيأ موضعا لبناء مدرسة وقبل أن يبني وقف على هذه المدرسة وقفا لشرائطه وجعل آخره للفقراء الخ وقيد بتهيئة المكان لأنه لو وقف على مسجد سيعمره لا ولم يهيئ مكانه لم يصح الوقف كما أفتى به مفتي دمشق المحقق عبد الرحمن أفندي العمادي قوله: (وتصرف الغلة للفقراء الخ) أقول هذا الوقف يسمى منقطع الأول قال في الخانية ولو قال أرضي صدقة موقوفة على من يحدث لي من الولد وليس له ولد يصح فإذا أدركت الغلة تقسم على الفقراء وإن حدث له ولد بعد القسمة تصرف الغلة التي توجد بعد ذلك إلى هذه الولد لأن قوله صدقة موقوفة وقف على الفقراء وذكر الولد الحادث للاستثناء كأنه قال إلا إن حدث لي ولد فغلتها له ما بقي اه. ومنه ما في الإسعاف وقف على ولده وليس له إلا ولده ابن تصرف الغلة لولد الابن إلى أن يحدث للواقف ولد لصلبه فتصرف إليه اه. وقد يكون منقطع الوسط ومنه ما في الخانية وقف على ولديه ثم على أولادهما أبدا ما تناسلوا قال ابن الفضل إذا مات أحدهما عن ولد يصرف نصف الغلة إلى الباقي والنصف إلى الفقراء فإذا مات الآخر يصرف الجميع إلى أولاد أولاد الواقف لأن مراعاة شرط الواقف لازم والواقف إنما جعل أولاد الأولاد بعد انقراض البطن الأول فإذا مات أحدهما يصرف النصف إلى الفقراء اه. مطلب في الوقف المنقطع الأول والمنقطع الوسط تنبيه علم من هذا أن منقطع الأول ومنقطع الوسط يصرف إلى الفقراء ووقع في الخيرية خلافه حيث قال في تعليل جواب ما نصه للانقطاع الذي صرحوا به بأنه يصرف إلى الأقرب للواقف لأنه أقرب لغرضه على الأصح اه. وهذا سبق قلم فإن ما ذكره مذهب الشافعي فقد قال نفسه في محل آخر من الخيرية والمنقطع الوسط فيه خلاف قيل يصرف إلى المساكين وهو المشهور عندنا والمتظافر على ألسنة علمائنا ثم قال بعد أسطر في جواب سؤال آخر وفي منقطع الوسط الأصح صرفه إلى الفقراء وأما مذهب الشافعي فالمشهور أنه يصرف إلى أقرب الناس إلى
(1) قوله: (فتسمع دعواه على البائع لو هو المتولي) الظاهر أن مرجع الضمير المشتري فإن المعروف من كلامهم اشتراط التولية في المدعي لا في المدعى عليه حتى يصح رجوعه على البائع، لكن قول أبي جعفر وإن لم تسمع الدعوى على غير المتولي يفيد أن مرجع الضمير في عبارتنا هو البائع. وعبارة الخيرية كذلك اه. تأمل. (2) قوله: (أي بلا تفصيل) قال شيخنا: مقتضى التعليل المذكور في مسألة المؤذن والإمام جريانه في مسألة العمارة أيضا بل ربما كان التفصيل في العمارة أولى اه. 631 الواقف اه. قوله: (ينبغي الخ) وفي فتاوى الحانوتي بعد كلام فعلم أنه إذا شرط الوقف المعلوم لأحد أنه يستحقه عند قيام المانع من العمل ولم يكن بتقصيره سواء كان ناظرا أو غيره كالجابي اه. قوله: (أرصد الإمام أرضا) أي أخرجها من بيت المال وعينها لهذه الجهة والإرصاد ليس بوقف حقيقة لعدم الملك بل يشبهه كما قدمناه (قوله يعني فيصح) عبارة النهر بعده وهذا لم أره في كلام علمائنا إلا أنه في الخلاصة قال المسجد إذا خرب أو الحوض إذا خرب ولم يحج إليه لتفرق الناس عنه صرفت أوقافه في مسجد آخر أو حوض آخر اه. وعلى هذا فيلزم المرصد عليه أن يديرها لسقي الدواب وتسبيل الماء كما كانت ولا يتوهم من كونه إرصادا على المالك أن لا يلزم ذلك فتدبره اه. كلام النهر. وحاصله أن المنقول عندنا أن الموقوف عليه إذا خرب يصرف وقفه إلى مجانسه فتصرف أوقاف المسجد إلى مسجد آخر وأوقاف الحوض إلى حوض آخر والإرصاد نظير الوقف فحيث استغنى عن الساقية الأولى وأرصد وكيل الإمام الأرض على الساقية الثانية المملوكة وكان ذلك إرصادا على مالكها يلزم المالك أن يدير تلك الأرض أي غلتها وخراجها إلى سقي الدواب ونحوها ليكون صرفا إلى ما يجانس الأول كما في الوقف لأن وكيل الإمام لم يرصدها ما لينتفع المالك بخراجها كيفما أراد بل ليكون لسقي الماء كما كانت حين أرصدها الإمام أولا وظاهر هذا أنه لا يلزم المالك إرادة خراج الأرض على ساقيته التي أرصد عليها وكيل الإمام بل عليها أو على ساقية أخرى إذ لا يلزمه بالإرصاد أو المذكور أن يسبل ملكه كما لا يخفى وبهذا التقرير ظهر لك أن الضمير في قوله إدارتها كما كانت عائد إلى الأرض المرصدة لا إلى الساقية كما لا يخفى وإلا لزم أن يجعل ساقيته سبيلا للناس جبرا ولا يقوله أحد فافهم قوله: (لما في الحاوي الخ) حاصله أن ما خرب تصرف أوقافه إلى مجانسه فكذا الإرصاد فهو استدلال على قوله تلزم إدارتها أي الأرض المرصدة كما كانت أي بأن يصرف خراجها في تسبيل الماء كما قررناه والمقصود إلحاق الإرصاد بالوقف لأنه نظيره ولا يضر كون النقل فيما ذكره من وقف إلى وقف وفي الحادثة من وقف إلى ملك فافهم. مطلب وقف بيتا على عتيقة فلان والباقي على عتقائه هل يدخل فلان معهم قوله (في الثاني) متعلق بيدخل أي في الوقف الثاني الموقوف على الذرية والعقب ثم على
632 العتقاء والمراد هل يشارك عتيقة فلان بقية العتقاء فيما آل إليهم لكونه منهم أو لا يدخل لكون الواقف خصه بوقف على حدة قوله: (مذكور في الذخيرة) عبارتها لو جعل نصف غلة أرضه لفقراء قرابته والنصف الآخر للمساكين فاحتاج فقراء قرابته هل يعطون من نصف المساكين قال هلال لا وهو قول إبراهيم بن خالد السمتي وقال إبراهيم بن يوسف وعلي بن أحمد الفارسي وأبو جعفر الهنداوني يعطون اه. نهر قوله (لكن في الخانية الخ) استدراك على قوله اختلف الإفتاء فإن المراد به إفتاء بعض علماء الروم يعني حيث وجد تصريح الخانية بالأصح فلا وجه للاختلاف بل يلزمه متابعة الأصح بعد عبارة الخانية وقال في النهر هذا ملخص رسالة كبيرة لمولانا قاضي القضاة علي جلبي وضعها حين نقض حكم مولانا محمد شاه بأدرنه وكل منهما رد على صاحبه وقد علمت ما هو المعتمد فاعتمده والله سبحانه الموفق اه. مطلب وقف النصف على ابنه زيد والنصف على امرأته ثم على أولاده يدخل زيد فيهم قلت: وقد رأيت في الخانية صريح الواقعة وهو وقف ضيعة نصفها على امرأته ونصفها على ولد زيد على أنه إن ماتت المرأة فنصيبها لأولاده ثم ماتت المرأة فالنصف لابنه زيد ونصيب المرأة لسائر الأولاد ولزيد لأنه جعل نصيب بعد موتها لأولاده وزيد منهم أيضا اه. ملخصا ولم يحك فيه خلافا. وأما مسألة الوصية المذكورة هنا فقد ذكر في الولوالجية فيها تفصيلا فقال إن أوصى للكل دفعة واحدة لا يأخذ وإن أوصى له ثم أوصى بوصايا أخر ثم أوصى في آخره للفقراء بكذا فله الأخذ لأنه في الأول لما قال بمرة واحدة ميزه بينه وبين الفقراء فلا يصح الجمع اه. وأفتى الحانوتي في الوقف بمثله قياسا عليه فيمن وقف ثلثي كذا على طائفة والثلث على الفقراء فراجعه لكن ما نقلناه عن الخانية يخالفه فإن ظاهره أنه وقف الكل دفعة واحدة وهو ظاهر ما نقله الشارح عنها أيضا فالظاهر عدم التفصيل (1) في الوقف والوصية والله سبحانه أعلم. مطلب استأجر دارا فيها أشجار قوله: (لم يأكل) أي بل يبيعها المتولي ويصرفها في مصالح الوقف بحر قوله: (إن غرس للسبيل) وهو الوقف على العامة بحر قوله (وإلا) أي وإن لم يغرسها للسبيل بأن غرسها أو لم يعلم غرضه بحر عن الحاوي وهذا محل الاستدلال على قوله الظاهر أنه إذا لم يعلم شرط الواقف لم يأكل وهو ظاهر فافهم وأصله لصاحب البحر حيث قال ومقتضاه أي مقتضى ما في الحاوي أنه في البيت الموقوف إذا لم يعرف الشرط أن يأخذها المتولي ليبيعها ويصرفها في مصالح
(1) قوله: (فالظاهر عدم التفصيل) فيه أن هذا الظاهر مخالف لقاعدة حمل المطلق على المقيد عند اتحاد الحادثة وقد أتحدث فيجب حمل ما في الخانية على ما إذا كان عقد واحد، وقد رأيت في الهندية عن المحيط ما يفيد ذلك حيث قال بعد نقل عبارة الذخيرة المارة يجب أن يكون جواب هلال فيما إذا كان عقد واحد اه. 633 الوقف ولا يجوز للمستأجر الأكل منها اه. وضمير يبيعها للثمار لا للأشجار لما في البحر عن الظهيرية شجرة وقف في دار وقف خربت ليس للمتولي أن يبيع الشجرة ويعمر الدار ولكن يكري الدار ويستعين بالكراء عمارة الدار لا بالشجرة اه. فهذا مع خراب الدار فكيف يجوز بيعها مع عمارها ثم الظاهر أنه في مسألتنا يدفع الشجرة على وجه المساقاة للمستأجر قال في الإسعاف ولو كان في أرض الوقف شجر فدفعه معاملة بالنصف مثلا جاز اه. ثم ظاهر كلام البحر أن هذه الأشجار في الدار لا تمنع صحة استئجارها لأنها لا تعد شاغلة لأنها لا تخل بالمقصود وهو السكنى بخلاف الأشجار في الأرض لأن ظلها يمنع الانتفاع بالزراعة ولهذا شرطوا أن يتقدم عقد المساقاة على الأشجار وستأتي مسألة غرس المستأجر والمتولي. مطلب في قولهم شرط الواقف كنص الشارع قوله: (قولهم شرط الواقف كنص الشارع) في الخيرية قد صرحوا بأن الاعتبار في الشروط لما هو الواقع لا لما كتب في مكتوب الوقف فلو أقيمت بينة لما لم يوجد في كتاب الوقف عمل بها بلا ريب لأن المكتوب خط مجرد ولا عبرة به لخروجه عن الحجج الشرعية اه. ط. مطلب بيان مفهوم المخالفة قوله: (أي في المفهوم والدلالة الخ) كذا عبر في الأشباه والذي في البحر عن العلامة قاسم في الفهم والدلالة وهو المناسب لأن المفهوم عندنا غير معتبر في النصوص والمراد به مفهوم المخالفة المسمى دليل الخطاب وهو أقسام مفهوم الصفة والشرط والغاية والعدد واللقب أي الاسم الجامد كثوب مثلا والمراد بعدم اعتباره في النصوص أن مثل قولك أعط الرجل العالم أو أعط زيدا إن سألك أو أعطه إلى أن يرضى أو أعطه عشرة أو أعطه ثوبا لا يدل على نفي الحكم عن المخالف للمنطوق بمعنى أنه لا يكون منهيا عن إعطاء الرجل الجاهل بل هو مسكوت عنه وباق على العدم الأصلي حتى يأتي دليل يدل على الأمر بإعطائه أو النهي عنه وكذا في البواقي وتمام الكلام على ذلك في كتب الأصول. مطلب بيان مفهوم المخالفة نعم المفهوم معتبر عندنا في الروايات في الكتب ومنه قوله في أنفع الوسائل مفهوم التصنيف حجة اه. أي لأن الفقهاء يقصدون بذكر الحكم في المنطوق نفيه عن المفهوم غالبا كقولهم تجب الجمعة على كل ذكر حر بالغ عاقل مقيم فإنهم يريدون بهذه الصفات نفي الوجوب عن مخالفها ويستدل به الفقيه على نفي الوجوب على المرأة والعبد والصبي الخ وقد يقال إن مراده بقوله في المفهوم إنه لا يعتبر مفهومه كما لا يعتبر في نصوص الشارع. مطلب لا يعتبر المفهوم في الوقف وفي البيري نحن لا نقول بالمفهوم في الوقف كما هو مقرر ونص عليه الإمام الخصاف وأفتى به العلامة قاسم اه. وبه صرح في الخيرية أيضا أي فإذا قال وقفت على أولادي الذكور يصرف إلى الذكور منهم بحكم المنطوق وأما الإناث فلا يعطي لهن لعدم ما يدل على الإعطاء إلا إذا دل في كلامه دليل على إعطائهن فيكون مثبتا لإعطائهن ابتداء لا بحكم المعارضة لكن نقل
634 البيري في محل آخر عن المصفى وخزانة الروايات والسراجية أن تخصيص الشئ بالذكر يدل على نفي ما عداه في متفاهم الناس وفي المعقولات وفي الروايات. مطلب المفهوم معتبر في عرف الناس والمعاملات والعقليات قلت: وكذا قال ابن أمير حاج في شرح التحرير عن حاشية الهداية للخبازي عن شمس الأئمة الكردي أن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه في خطابات الشارع أما في متفاهم الناس وعرفهم وفي المعاملات والعقليات بدل اه. قال في شرح التحرير وتداوله المتأخرون وعليه ما في خزانة الأكمل والخانية لو قال مالك علي أكثر من مائة درهم كان إقرارا بالمائة اه. فعلم أن المتأخرين على اعتبار المفهوم في غير النصوص الشرعية وتمام تحقيق ذلك في شرحنا على منظومتنا في رسم المفتي وحيث كان المفهوم معتبرا في متفاهم الناس وعرفهم وجب اعتباره في كلام الواقف أيضا لأنه يتكلم على عرفه وعن هذا قال العلامة قاسم ونص أبو عبد الله الدمشقي في كتاب الوقف عن شيخه شيخ الإسلام قول الفقهاء نصوصه كنص الشارع يعني في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشرع أم لا اه. قال العلامة قاسم قلت وإذا كان المعنى ما ذكر فما كان من عبارة الواقف من قبيل المفسر لا يحتمل تخصيصا ولا تأويلا يعمل به وما كان من قبيل الظاهر كذلك وما احتمل وفيه قرينة حمل عليها وما كان مشتركا لا يعمل به لأنه لا عموم له عندنا ولم يقع فيه نظر المجتهد ليترجح أحد مدلوليه وكذلك ما كان من قبيل المجمل إذا مات الواقف وإن كان حيا يرجع إلى بيانه هذا معنى ما أفاده اه. قوله: (ووجوب العمل به) هذا مخالف لما نقلناه آنفا مع أنه في البحر نقله أيضا وقال عقبه فعلى هذا إذا ترك صاحب الوظيفة مباشرتها في بعض الأوقات المشروط عليه فيها العمل لا يأثم عند الله تعالى غايته أنه لا يستحق المعلوم اه. نعم في الأشباه جزم بما ذكره الشارح وقواه في النهر وعزاه في قضاء البحر إلى شرح المجمع. قلت: ويظهر لي عدم التنافي وذلك أن عدم وجوب العمل به من حيث ذاته بدليل أنه لو ترك الوظيفة أصلا وباشرها غيره لم يأثم وهذا لا شبهة فيه ووجوب العمل به باعتبار حل تناول المعلوم بمعنى أنه لو لم يعمل به وتناول المعلوم أثم لتناوله بغير حق قوله: (الكل من النهر) مبتدأ وخبر أي كل هذه الفروع مأخوذ من النهر. مطلب الجامكية في الأوقاف قوله (الجامكية) هي ما يرتب في الأوقاف لأصحاب الوظائف كما يفيده كلام البحر عن ابن الصائغ وفي الفتح الجامكية كالعطاء وهو ما يثبت في الديوان باسم المقاتلة أو غيرهم إلا أن العطاء سنوي والجامكية شهرية.
635 مطلب فيما لو مات المدرس أو عزل قبل مجئ الغلة قوله: (أي في زمن المباشرة الخ) يعني أن اعتبار شبهها بالأجرة من حيث حل تناولها للأغنياء إذ لو كانت صدقة محضة لم تحل لمن كان غنيا ومن حيث إن المدرس لو مات أو عزل في أثناء السنة قبل مجئ الغلة وظهورها من الأرض يعطي بقدر ما باشر ويصير ميراثا عنه كالأجير إذا مات في أثناء المدة ولو كانت صلة محضة لم يعط شيئا لأن الصلة لا تملك قبل القبض بل تسقط بالموت قبله بخلاف القاضي إذا مات في أثناء المدة فإنه يسقط رزقه لأنه ليس فيه شبه الأجرة لعدم جواز أخذ الأجرة على القضاء أما على التدريس وهو التعليم فأجازه المتأخرون وبخلاف الوقف على الأولاد والذرية فإن من مات منهم قبل ظهور الغلة سقط أيضا لأنه صلة محضة كما حرره الطرسوسي وتقدم تمامه عند قول المصنف مات المؤذن والإمام ولم يستوفيا وظيفتهما الخ قوله: (لا نسترد المعجلة) أي لو قبض جامكية السنة بتمامها ومات في أثناء السنة لا يسترد حصة ما بقي لأن الصلة تملك بالقبض ويحل له لو فقيرا كما قدمه الشارح ولو كانت أجرة محضة استرد منه ما بقي قوله (فإنه لا يصح على الأغنياء ابتداء) لأنه لا بد أن يكون صدقة من ابتدائه لأن قوله صدقة موقوفة أبدا ونحوه شرط لصحته كما مر تحريره وأشرنا إليه أول الباب وبينا أن اشتراط صرف الغلة لمعين يكون بمنزلة الاستثناء من صرفه إلى الفقراء فيكون ذلك المعين قائما مقامهم فصار في معنى الصدقة عليه لقيامه مقامهم هذا غاية ما وصل إليه فهمي في هذا المحل فليتأمل قوله: (وتمامه فيها) قدمنا حاصله قوله: (يكره إعطاء نصاب لفقير الخ) لأنه صدقة فأشبه الزكاة أشباه قوله: (إلا وقف على فقراء قرابته) أي فلا يكره لأنه كالوصية أشباه ولأنه وقف على معينين لا حق لغيرهم فيه فيأخذونه قل أو كثر قوله: (لبعض العلماء الفقراء) متعلق بالمرتب فإن كان ذلك المرتب بشرط الواقف فلا شبهة في جواز ما رتبه وإن كثر وإن كان من جهة غيره كالمتولي فلا يجوز النصاب هذا ما ظهر لي وفي حاشية الحموي المرتب إعطاء شئ لا في مقابلة خدمة بل لصلاح المعطي أو علمه أو فقره ويسمى في عرف الروم الزوائد اه. مطلب ليس للقاضي أن يقرر وظيفة في الوقف إلا النظر قوله: (ليس للقاضي أن يقرر وظيفة في الوقف الخ) يعني وظيفة حادثة لم يشرطها الواقف أما لو قرر في وظيفة مشروطة جاز إلا إذا شرط الواقف التقرير للمتولي كما قدمناه عن الخيرية وقال الخير الرملي في حاشية البحر وهذا أي عدم التقرير بغير شرط إذا لم يقل وقف على مصالحه فلو قال يفعل القاضي كل ما هو من مصالحه اه. وهذا أيضا في غير أوقاف الملوك والأمراء أما هي فهي أوقاف صورية لا تراعى شروطها كما أفتى به المولى أبو السعود ويأتي قريبا
636 في الشرح عن المبسوط قوله: (إلا النظر على الوقف) اعلم أن عدم جواز الأحداث مقيد بعدم الضرورة كما في فتاوى الشيخ قاسم أما ما دعت إليه الضرورة واقتضت المصلحة كخدمة الربعة الشريفة وقراءة العشر والجباية وشهادة الديوان فيرفع إلى القاضي ويثبت عنده الحاجة فيقرر من يصلح لذلك ويقدر له أجر مثله أو يأذن للناظر في ذلك قال الشيخ قاسم والنص في مثل هذا في الولوالجية أبو السعود على الأشباه وعليه فالاقتصار على النظر فيه نظر كما أفاد ط. قلت: لكن في الذخيرة وغيرها ليس للقاضي أن يقرر فراشا في المسجد بلا شرط الواقف قال في البحر إن في تقريره مصلحة لكن يمكن أن يستأجر المتولي فراشا والممنوع تقريره في وظيفة تكون حقا له ولذا صرح في الخانية بأن للمتولي أن يستأجر خادما للمسجد بأجرة المثل واستفيد منه عدم صحة تقرير القاضي بلا شرط في شهادة ومباشرة وطلب بالأولى اه. مطلب المراد من العشر للمتولي أجر المثل قوله: (بأجر مثله) وعبر بعضهم بالعشر والصواب أن المراد من العشر أجر المثل حتى لو زاد على أجر مثله رد الزائد كما هو مقرر معلوم ويؤيده أن صاحب الولوالجية بعد أن قال جعل القاضي للقيم عشر غلة الوقف فهو أجر مثله ثم رأيت في إجابة السائل ومعنى قول القاضي للقيم عشر غلة الوقف أي التي هي أجر مثله لا ما توهمه أرباب الأغراض الفاسدة الخ بيري على الأشباه من القضاء. قلت: وهذا فيمن لم يشرط له الواقف شيئا وأما الناظر بشرط الواقف فله ما عينه له الواقف ولو أكثر من أجل المثل كما في البحر ولو عين له أقل فللقاضي أن يكمل له أجر المثل بطلبه كما بحثه في أنفع الوسائل ويأتي قريبا ما يؤيده وهذا مقيد لقوله الآتي ليس للمتولي أخذ زيادة على ما قرر له الواقف أصلا. مطلب في زيادة القاضي في معلوم الإمام قوله (تجوز الزيادة من القاضي الخ) أي إذا اتحد الواقف والجهة كما مر في المتن وفي البحر عن القنية قبيل فصل أحكام المسجد يجوز صرف شئ من وجوه مصالح المسجد للإمام إذا كان يتعطل لو لم يصرف إليه يجوز صرف الفاضل عن المصالح للإمام الفقير بإذن القاضي ولو زاد القاضي في مرسومه من مصالح المسجد والإمام مستغن وغيره يؤم بالمرسوم المعهود تطيب له الزيادة لو عالما تقيا ولو نصب إمام آخر له أخذ الزيادة إن كانت لقلة وجود الإمام لا لو كانت لمعنى في الأول كفضيلة أو زيادة حاجة اه. فعلم أنه تجوز الزيادة إذا كان يتعطل المسجد بدونها أو كان فقيرا أو عالما تقيا فالمناسب العطف بأو في قوله وكان عالما تقيا وأما ما في قضاء البحر لو قضى بالزيادة لا ينفذ فهو محمول على ما إذا فقدت منه الشروط المذكورة كما أجاب به بعضهم ومقتضى التقييد بالقاضي أن المتولي ليس له أن يزيد للإمام قوله (ثم قال) أي في الأشباه قوله: (يلحق بالإمام) الظاهر أنه يلحق به كل من في قطعه ضرر إذا كان المعين لا يكفيه كالناظر والمؤذن ومدرس
637 المدرسة والبواب ونحوهم إذا لم يعملوا بدون الزيادة يؤيده ما في البزازية إذا كان الإمام والمؤذن لا يستقر لقلة المرسوم للحاكم الدين أن يصرف إليه من فاضل وقف المصالح والعمارة باستصواب أهل الصلاح من أهل المحلة لو اتحد الواقف لأن غرضه إحياء وقفه لا لو اختلف أو اختلفت الجهة بأن بنى مدرسة ومسجدا وعين لكل وقفا وفضل من غلة أحدهما لا يبدل شرطه. مطلب للسلطان مخالفة الشرط إذا كان الوقف من بيت المال قوله: (ونقل) أي صاحب المحبية عن المبسوط أي مبسوط خواهر زاده والذي في الأشباه بعد ما نقل عن ينبوع السيوطي ما يفيد أن الوظائف المتعلقة بأوقاف الأمراء والسلاطين إن كان لها أصل من بيت المال أو ترجع إليه يجوز لمن كان بصفة الاستحقاق من عالم بعلم شرعي وطالب علم كذلك أن يأكل مما وقفوه غير مقيد بما شرطوه ما نصه وقد اغتر بذلك كثير من الفقهاء في زماننا فاستباحوا تناول معاليم الوظائف بغير مباشرة ومخالفة الشروط والحال أن ما نقله السيوطي عن فقهائهم إنما هو فيما بقي لبيت المال ولم يثبت له ناقل أما الأراضي التي باعها السلطان وحكم بصحة بيعها ثم وقفها المشتري فإنه لا بد من مراعاة شرائطه ولا فرق بين أوقاف الأمراء والسلاطين فإن للسلطان الشراء من وكيل بيت المال وهي جواب الواقعة التي أجاب عنها المحقق ابن الهمام في فتح القدير فإنه سئل عن الأشرف برسباي أنه اشترى من وكيل بيت المال أرضا وقفها فأجاب بما ذكرناه وأما إذا وقف السلطان من بيت المال أرضا للمصلحة العامة فذكر في الخانية جوازه ولا يراعى ما شرطه دائما اه. فحينئذ ينبغي التفصيل فيما نقله في المحبية فإن كان السلطان اشترى الأراضي والمزارع من وكيل بيت المال يجب مراعاة شرائطه وإن وقفها من بيت المال لا تجب مراعاتها اه. ط. قلت ويفهم من قول الأشباه إنما هو فيما بقي من بيت المال ولم يثبت له ناقل الخ أنه إنما يراعى شروطه إذا ثبت الناقل وهو كون الواقف ملكها بشراء أو إقطاع رقبة بأن كانت مواتا لا ملك لأحد فيها فأقطعها السلطان لمن له حق في بيت المال أما بدون ثبوت الناقل فلا لأنها بعدما علم أنها من بيت المال فالأصل بقاؤها على ما كانت فيكون وقفها أرصادا وهو ما يفرزه الإمام من بيت المال ويعينه لمستحقيه من العلماء ونحوهم عونا لهم على وصولهم إلى بعض حقهم من بيت المال فتجوز مخالفة شرطه لأن المقصود وصول المستحق إلى حقه وعن هذا قال المولى أبو السعود مفتي دار السلطنة إن أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها لأنها من بيت المال أو ترجع إليه (1) اه. قلت والمراد من عدم مراعاة شرطها أن للإمام أو نائبه أن يزيد فيها وينقص ونحو ذلك وليس المراد أنه يصرفها عن الجهة المعينة بأن يقطع وظائف العلماء ويصرفها إلى غيرهم فإن بعض الملوك أراد ذلك ومنعهم علماء عصرهم وقد أوضحنا ذلك كله في باب العشر والخراج وقدمنا
(1) قوله: (أو ترجع إليه) صورته اشترى الإمام مملوكا لبيت المالي ودفع ثمنه منه ثم أعتقه ثم اشترى هذا العتيق أشياء ووقفها فهذا الوقف لا تراعي شروطه لرجوعه لبيت المال لعدم صحة إعتاق الإمام فإن تصرفه في بيت المال مشروط بالمصلحة اه. 638 شيئا منه قبيل الفصل عند قوله وأما وقف الاقطاعات ولا يقاس على ذلك أوقاف غير الملوك والأمراء بل تجب مراعاة شروطهم لأن أوقافهم كانت أملاكا لهم. مطلب يصح تعليق التقرير في الوظائف قوله: (يصح تعليق التقرير التقرير في الوظائف) هذا ذكره في أنفع الوسائل تفقها أخذا من جواز تعليق القضاة والإمارة بجامع الولاية فلو مات المعلق بطل التقرير وهو نفقة حسن أشباه. قلت: ودليله من السنة ما في صحيح البخاري من أنه أمر في غزوة موتة زيد بن حارثة وقال إن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة الحديث ثم رأيت الإمام السرخسي في شرح السير الكبير ذكر الحديث دليلا على ذلك وقال فيه أيضا ما حاصله لو جاء مع المدد أمير وعزل الأمير الأول بطل تنفيله فيما يستقبل لزوال ولايته بالعزل لا لو مات أميرهم فأمورا كان عليهم غيره لأن الثاني قائم مقامه إلا إذا أبطله الثاني أو كان الخليفة قال لهم إن مات أميركم فأميركم فلان فإنه يبطل تنفيل الأول لأن الثاني نائب الخليفة بتقليده من جهته فكأنه قلده ابتداء فينقطع رأي الأول برأي فوقه اه ملخصا. وحاصله بطلان تنفيل الأمير بعزله وكذا بموته إذا نصب غيره من جهة الخليفة لا من جهة العسكر إلا إذا أبطله الثاني ولا يخفى أن التنفيل بقوله من قتل قتيلا فله سلبه فيه تعليق استحقاق النفل بالقتل ففيه دليل على قوله فلو مات المعلق بطل التقرير ويدل أيضا على بطلانه بالعزل بقي هل له الرجوع قبل الموت أو الشغور فالذي حرره في أنفع الوسائل أنه لا يصح عزله لأن المعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط والتعليق ليس بسبب للحال عندنا وفرق بين هذه المسألة وبين ما لو وكله وكالة مرسلة ثم قال له كلما عزلتك فأنت وكيل في ذلك وكالة مستقبلة ثم قال عزلتك في تلك الوكالة كلها فروي عن محمد أنه ينعزل عن المعلقة وعن أبي يوسف لا ينعزل ووجه الفرق أن التعليق عند محمد حصل في ضمن الوكالة المنجزة فصار المجموع سببا وقد يثبت ضمنا ما لا يثبت قصدا فلا يمكن أن يقول هنا بصحة العزل لأنه قصدي فيبقى جواب محمد وجواب أبي يوسف هنا واحدا في أنه لا يصح العزل هذا خلاصة ما أطال به. قلت: لكن علمت أن للأمير الثاني إبطال التنفيل والظاهر أن الأول كذلك فكذا يقال هنا لو رجع عن التعليق يصح لأنه قبل موت فلان ليس عزلا بلا جنحة لأنه لا يتقرر في الوظيفة إلا بعد موت فلان وقبله لم يثبت له استحقاق فيها إذا لو ثبت لم يبطل التقرير بموت المعلق فافهم قوله (أو شغرت) بفتح الشين والغين المعجمتين أي خلت عن العمل والبلد الشاغر الخانية عن النصر والسلطان ط. مطلب ليس للقاضي عزل الناظر قوله: (ليس للقاضي عزل الناظر) لأن الواقف له عزله ولو بلا جنحة به يفتى
(1) قوله: (موثقة) بضم الميم وتسهيل الواو وفتح المثناة الفوقية اسم لأرض بجهة الشام اه. 639 كما قدمناه عند قوله وينزع لو غير مأمون وقدمنا هناك عن الأشباه أنه لا يجوز للقاضي عزل الناظر المشروط له النظر بلا خيانة ولو عزله لا يصير الثاني متوليا ويصح عزله لو منصوب القاضي وأنه في جامع الفصولين قال لا يملك القاضي عزله مطلقا إلا لموجب وتقدم تمامه وأنه في البحر أخذ منه عدم العزل لصاحب وظيفة إلا بجنحة أو عدم أهلية وقدمنا هناك أيضا بعض موجبات العزل وأحكام الفراغ والتقرير في الوظائف. مطلب للقاضي أن يدخل مع الناظر غيره بمجرد الشكاية قوله: (حتى يثبتوا عليه خيانة) نعم له أن يدخل معه غيره بمجرد الشكاية والطعن كما حرره في أنفع الوسائل أخذا من قول الخصاف إن طعن عليه في الأمانة لا ينبغي إخراجه إلا بخيانة ظاهرة وأما إذا أدخل معه رجلا فأجره باق وإن رأى الحاكم أن يجعل ذلك الرجل منه شيئا فلا بأس وإن كان المال قليلا فلا بأس أن يجعل للرجل رزقا من غلة الوقف ويقتصد فيه اه. ملخصا وسيأتي حكم تصرفه عند قوله ولو ضم القاضي للقيم ثقة الخ قوله: (وكذا الوصي) أي وصي الميت ليس للقاضي عزله بمجرد الشكاية بخلاف الوصي من جهة القاضي كما سيأتي في بابه آخر الكتاب قوله: (إذا آجر إنسانا) أي وامتنع عن مطالبته بزازية قوله: (ولو فرط في خشب الوقف الخ) وعلى هذا إذا قصر المتولي في عين ضمنها إلا فيما كان في الذمة كما في البحر فلو ترك بساط المسجد بلا نفض حتى أكلته الأرضة ضمن إن كان له أجرة وكذا خازن الكتب الموقوفة كما في الصيرفية ط عن الحموي والبيري. مطلب في الاستدانة على الوقف قوله: (لا تجوز الاستدانة على الوقف أي إن لم تكن بأمر الواقف وهذا بخلاف الوصي فإن له أن يشتري لليتيم شيئا بنسيئة بلا ضرورة لأن الدين لا يثبت ابتداء إلا في الذمة واليتيم له ذمة صحيحة وهو معلوم فتتصور مطالبته أما الوقف فلا ذمة له والفقراء وإن كانت لهم ذمة لكن لكثرتهم لا تتصور مطالبتهم فلا يثبت إلا على القيم وما وجب عليه لا يملك قضاء من غلة للفقراء ذكره هلال وهذا هو القياس لكنه ترك عند الضرورة كما ذكره أبو الليث (1) وهو المختار أنه إذا لم يكن من الاستدانة بد تجوز بأمر القاضي إن لم يكن بعيدا عنه لأن ولايته أعم في مصالح المسلمين وقيل تجوز مطلقا للعمارة والمعتمد في المذهب الأول أما ما له منه بد كالصرف على المستحقين فلا كما في القنية إلا الإمام والخطيب والمؤذن فيما يظهر لقوله في جامع الفصولين لضرورة مصالح المسجد اه. وإلا للحصر والزيت بناء على القول بأنهما من
(1) قوله: (كما ذكره أبو الليث الخ) الذي ذكره أبو الليث هو أنه إذا لم يكن من الاستدانة بد تجوز بأمر القاضي فعلى فحق التركيب هكذا والمختار كما ذكره أبو الليث. أنه إذا الخ وعبارة البحر قال الصدر الشهيد والمختار ما ذكره أبو الليث إذا لم يكن الخ اه. 640 المصالح وهو الراجح هذا خلاصة ما أطال به في البحر قوله: (الأول أذن القاضي) فلو ادعى الإذن فالظاهر أنه لا يقبل إلا ببينة وإن كان المتولي مقبول القول لما أنه يريد الرجوع في الغلة وهو إنما يقبل قوله فيما في يده وعلى هذا فإذا كان الواقع أنه لم يستأذن يحرم عليه الأخذ من الغلة لأنه بلا إذن متبرع بحر قوله (الثاني أن لا تتيسر إجارة العين الخ) أطلق الإجارة فشمل الطويلة منها ولو بعقود فلو وجد ذلك لا يستدين أفاده البيري وما سلف من أن المفتى به بطلان الإجارة الطويلة فذاك عند عدم الضرورة كما حررناه سابقا فافهم قوله: (والاستدانة القرض والشراء نسيئة) صوابه الاستقراض اه ح. وتفسير الاستدانة كما في الخانية أن لا يكون للواقف غلة فيحتاج إلى القرض والاستدانة أما إذا كان للواقف غلة فأنفق من مال نفسه لإصلاح الوقف كان له أن يرجع بذلك في غلة الوقف اه. ومفاده أن المراد بالقرض الإقراض من ماله لا الاستقراض من مال غيره لدخوله في الاستدانة. مطلب في إنفاق الناظر من ماله على العمارة وفي فتاوى الحانوتي الذي وقفت عليه في كلام أصحابنا أن الناظر إذا أنفق من مال نفسه على عمارة الوقف ليرجع في غلته له الرجوع ديانة لكن لو ادعى ذلك لا يقبل منه بل لا بد أن يشهد أنه أنفق ليرجع كما في الرابع والثلاثين من جامع الفصولين وهذا يقتضي أن ذلك ليس من الاستدانة على الوقف وإلا لما جاز إلا بإذن القاضي ولم يكف الإشهاد اه. قلت: لكن ينبغي تقييد ذلك بما إذا كان للوقف غلة وإلا فلا بد من إذن القاضي كما أفاده ما ذكرناه عن الخانية ومثله قوله في الخانية أيضا لا يملك الاستدانة إلا بأمر القاضي وتفسير الاستدانة أن يشتري للوقف شيئا وليس في يده شئ من الغلة أما لو كان في يده شئ فاشترى للوقف من ماله نفسه ينبغي أن يرجع ولو بلا أمر قاض اه. وما ذكرناه في إنفاقه بنفسه يأتي مثله في إذنه للمستأجر أو غيره بالإنفاق فليس من الاستدانة. مطلب في إذن الناظر للمستأجر بالعمارة وفي الخيرية سئل في علية جارية في وقف تهدمت فأذن الناظر لرجل بأن يعمرها من ماله فما الحكم فيما صرفه من ماله بإذنه أجاب اعلم أن عمارة الوقف بإذن متوليه ليرجع بما أنفق يوجب الرجوع باتفاق أصحابنا وإذا لم يشترط الرجوع ذكر في جامع الفصولين في عمارة الناظر بنفسه قولين وعمارة مأذونة كعمارته فيقع فيها الخلاف وقد جزم في القنية والحاوي بالرجوع وإن لم يشترطه إذا كان يرجع معظم العمارة إلى الوقف اه. قلت: وفي الفصل الثاني من إجارات التتارخانية عن الحاوي سئل عمن آجر منزلا لرجل وقفه والده عليه وعلى أولاده وأنفق المستأجر في عمارته بأمر المؤجر قال إن كان للمؤجر ولاية على الوقف يرجع بما أنفق على الوقف وإلا كان المستأجر متطوعا ولا يرجع على المؤجر اه. وظاهره مع ما مر عن الخيرية أنه يرجع وإن لم يكن في يد القيم مال من غلة الوقف وهو خلاف ما قدمناه عن الخانية فيما لو أنفق من مال نفسه فلعل ما هنا مبني على رواية أنه لا يشترط في الاستدانة إذن القاضي وإلا فهو مشكل فليتأمل وإذا قلنا ببنائه على ذلك فعلى هذا ما
641 يفعل في زماننا في إثبات المرصد من تحكيم قاض حنبلي يرى صحة إذن الناظر للمستأجر بالعمارة الضرورية بلا أمر قاض غير لازم قوله (فوق قيمته) أي شراء بثمن مؤجل فوق ما يباع بثمن حال لأن قيمة المؤجل فوق قيمة الحال قوله: (ويكون الربح) أي ما ربحه بائع المتاع بسبب التأجيل. مطلب لو اشترى القيم العشرة بثلاثة عشر فالربح عليه قوله: (الجواب نعم) كذا حرره ابن وهبان أشباه لكن في القنية لو لم يكن فيه غلة للعمارة في الحال فاستقرض العشرة بثلاثة عشر في السنة واشترى من المقرض شيئا يسيرا دنانير يرجع في غلته العشرة وعليه الزيادة اه. قال في البحر وبه اندفع ما ذكره ابن وهبان من أنه لا جواب للمشايخ فيها اه. ومثله في شرح المقدسي وكذا نقل البيري عن التتارخانية مثل ما في القنية وقال وهذا الذي نفتي به ومنشأ ما حرره ابن وهبان عدم الوقوف على تحريف الحكم ممن تقدمه والعجب من المصنف أي صاحب الأشباه كيف اختاره ورضي به (1) اه. قوله: (وكذبه) أي الغير. قوله: (ثم ملكها) أي المقر ولو بسبب جبري أشباه قوله: (صارت وقفا) مؤاخذة له بزعمه أشباه. مطلب في المصادقة على الاستحقاق قوله: (يعمل بالمصادقة على الاستحقاق الخ) أقول اغتر كثير بهذا الإطلاق وأفتوا بسقوط الحق بمجرد الإقرار والحق الصواب أن السقوط مقيد بقيود يعرفها الفقيه قال العلامة الكبير الخصاف أقر فقال غلة هذه الصدقة لفلان دوني ودون الناس جميعا بأمر حق واجب ثابت لازم عرفته ولزمني الإقرار له بذلك قال أصدقه على نفسه وألزم ما أقر به ما دام حيا فإذا مات رددت الغلة إلى من جعلها الواقف له لأنه لما قال ذلك جعلته كأن الواقف هو الذي جعل ذلك للمقر له وعلله أيضا بقوله لجواز أن الواقف إن له أن يزيد وينقص وأن يخرج وأن يدخل مكانه من رأى فيصدق زيد على حقه اه. أقول ويؤخذ من هذا أنه لو علم القاضي أن المقر إنما أقر بذلك لأخذ شئ من المال من المقر له عوضا عن ذلك لكي يستبد بالوقف أن ذلك الإقرار غير مقبول لأنه إقرار خال عما يوجب تصحيحه مما قاله الإمام الخصاف وهو الإقرار الواقع في زماننا فتأمله ولا قوة إلا بالله بيري أي لو علم أنه جعله لغيره ابتداء لا يصح كما أفاده الشارح بعد قوله: (وإن خالفت كتاب الوقف) حملا على أن الواقف رجع عما شرطه وشرط ما أقر به المقر ذكره الخصاف في باب مستقل أشباه. أقول لم أر شيئا منه في ذلك الباب وإنما الذي فيه ما نقله البيري آنفا وليس فيه التعليل
(1) قوله: (كيف اختاره ورضي به) أعلم أن تصرف الناظر في الوقف مشروط بالمصلحة، حتى لو اشترى ما يساوي عشرة بخمسة عشر لا ينفذ هذا التصرف على الوقف وحينئذ يكون ما ذكره ابن وهبان غير معارض بنقول المحشي لحصول الغبن الفاحش في شراء الشئ الهسبر بالثلاثة دنانير فينفذ الشراء إلى على المتولي وأما العشرة فقد تم القرض فيها على الوقف بعقد على حدة بخلاف ما ذكره ابن وهبان فإنه إنما اشتراه بقيمة فقط وإن زادت على قيمة في الحال اه. 642 بأنه رجع عما شرطه ولذا قال الحموي إنه مشكل لأن الوقف إذا لزم لزم ما في ضمنه من الشروط إلا أن يخرج على قول الإمام بعدم لزومه قبل الحكم ويحمل كلامه على وقف لم يسجل اه ملخصا. قلت: ويؤيده ما مر عن الدرر قبيل قول المصنف اتحد الواقف والجهة وهذا التأويل يحتاج إليه بعد ثبوت النقل عن الخصاف والله تعالى أعلم قوله: (لكن في حق المقر خاصة) فإذا كان الوقف على زيد وأولاده ونسله ثم على الفقراء فأقر زيد بأن الوقف عليهم وعلى هذا الرجل لا يصدق على ولده ونسله في إدخال النقص عليهم بل تقسم الغلة على زيد وعلى من كان موجودا من ولده ونسله فما أصاب زيدا منها كان بينه وبين المقر له ما دام زيد حيا فإذا مات بطل إقراره ولم يكن للمقر له حق وإن كان الوقف على زيد ثم من بعده على الفقراء فأقر زيد بهذا الإقرار لهذا الرجل شاركه الرجل في الغلة ما دام حيا فإذا مات زيد كانت للفقراء ولم يصدقه زيد عليهم وإن مات الرجل المقر له وزيد حي فنصف للفقراء والنصف لزيد فإذا مات زيد صارت الغلة كلها للفقراء اه. خصاف ملخصا. قلت وإنما عاد نصف الغلة للفقراء إذا مات المقر له مع أن استحقاق الفقراء بعد موت زيد في هذه الصورة الأخيرة لأن إقراره المذكور يتضمن الإقرار بأنه لا حق له في النصف الذي أقر به للرجل فلا يرجع إليه بعد موت الرجل فيرجع إلى الفقراء لعدم من يستحقه غيرهم هذا ما ظهر لي. ويؤخذ منه أنه لو كان الوقف على زيد وأولاده وذريته ثم على الفقراء كما في الصورة الأولى فمات الرجل المقر له ويرجع ما كان يأخذه إلى الفقراء لا إلى زيد لإقراره بأنه لا حق له فيه ولا إلى أولاده لأنه لم يقر لهم به ولم ينقص عليهم شيئا من حقهم وكذا لو كان الوقف على زيد ثم من بعده على أولاده وذريته ثم على الفقراء ثم مات الرجل المقر له يرجع ما كان يأخذه إلى الفقراء لا إلى زيد لما قلنا ولا إلى أولاده أنهم لا يستحقون شيئا إلا بعد موته فصارت المسألة في حكم منقطع الوسط الذي بيناه قبيل الفروع كما حررناه في تنقيح الحامدية فاغتنم هذه الفائدة السنية. مطلب في المصادقة على النظر قوله: (أو النظر) أفاد أن الإقرار بالنظر بريع الوقف أي غلته فلو أقر الناظر أن فلانا يستحق معه نصف النظر مثلا يؤاخذ بإقراره ويشاركه فلان في وظيفته ما داما حيين بقي لو مات أحدهما فإن كان هو المقر فالحكم ظاهر وهو بطلان الإقرار وانتقال النظر لمن شرطه له الواقف بعده وأما لو مات المقر له فهي مسألة تقع كثيرا وقد سئلت عنها مرارا والذي يقتضيه النظر بطلان الإقرار أيضا لكن لا تعود الحصة المقر بها إلى المقر لما مر وإنما يوجهها القاضي للمقر أو لمن أراد من أهل الوقف لأنا صححنا إقراره حملا على أن الواقف هو الذي جعل ذلك للمقر له كما مر عن الخصاف فيصير كأنه جعل النظر لاثنين قال في الأشباه وما شرطه لاثنين ليس لأحدهما الانفراد وإذا مات أحدهما أقام القاضي غيره وليس للحي الانفراد إلا إذا أقامه القاضي كما في الإسعاف اه. ولا يمكن هنا القول بانتقال ما أقر به إلى المساكين كما قلنا في الإقرار بالغلة إذ لا حق لهم في النظر وإنما حقهم في الغلة فقط هذا ما حررته في تنقيح الحامدية ولم أر من نبه عليه فاغتنمه قوله: (صح) أي الإقرار المذكور والمراد أنه يؤاخذ بإقراره
643 حيث أمكن تصحيحه أما لو كان في نفس الأمر أقر كاذبا لا يحل للمقر له شئ مما أقر به كما صرحوا في غير هذا المحل إذ الإقرار إخبار لا تمليك على أن التمليك هنا غير صحيح. مطلب في جعل النظر أو الريع لغيره قوله (ولو جعله لغيره لا) أي لا يصير لغيره لأن تصحيح الإقرار إنما هو معاملة له بإقراره على نفسه من حيث ظاهر الحال تصديقا له في إخباره مع امكان تصحيحه حملا على أن الواقف هو الذي جعل ذلك للمقر له كما مر أما إذا قال المشروط له الغلة أو النظر جعلت ذلك لفلان لا يصح لأن ليس له ولاية إنشاء ذلك من تلقاء نفسه وفرق بين الإخبار والإنشاء نعم لو جعل النظر لغيره في مرض موته يصح إن لم يخالف شرط الواقف لأنه يصير وصيا عنه وكذا لو فرغ عنه لغيره وقرر القاضي ذلك الغير يصح أيضا لأنه يملك عزل نفسه والفراغ عزل ولا يصير المفروغ له ناظرا بمجرد الفراغ بل لا بد من تقرير القاضي كما حررناه سابقا فإذا قرر القاضي المفروغ له صار ناظرا بالتقرير لا بمجرد الفراغ وهذا غير الجعل المذكور هنا فافهم وأما جعل الريع لغيره فقال ط: إن كان الجعل بمعنى التبرع بمعلومه لغيره بأن يوكله ليقبضه له ثم يأخذه لنفسه فلا شبهة في صحة التبرع به وإن كان بمعنى الإسقاط فقال في الخانية إن الاستحقاق المشروط كإرث لا يسقط بالإسقاط اه. قلت: ما عزاه للخانية الله أعلم بثبوته فراجعها نعم المنقول في الخانية ما سيأتي وقد فرق في الأشباه في بحث ما يقبل الإسقاط من الحقوق بين إسقاطه لمعين وغير معين وذكر ذلك في جملة مسائل كثر السؤال عنها ولم يجد فيها نقلا فقال إذا أسقط لمشروط له الريع لا لأحد لا يسقط كما فهمه الطرسوسي بخلاف ما إذا أسقط حقه حقه لغيره اه. أي فإنه يسقط لكنه ذكر أنه لا يسقط مطلقا في رسالته المؤلفة في بيان ما يسقط من الحقوق وما لا يسقط أخذا مما في شهادات الخانية من كان فقيرا من أصحاب المدرسة يكون مستحقا للوقف استحقاقا لا يبطل بإبطاله فلو قال أبطلت حقي كان له أن يأخذه اه. قلت: لكن لا يخفى أن ما في الخانية إسقاط لا لأحد نعم ينبغي عدم الفرق إذ الموقوف عليه الريع إنما يستحقه بشرط الواقف فإذا قال أسقطت حقي منه لفلان أو جعلته له يكون مخالفا لشرط الواقف حيث أدخل في وقفه ما لم يرضه الواقف لأن هذا إنشاء استحقاق بخلاف إقراره بأنه يستحقه فلان فإنه إخبار يمكن تصحيحه كما مر ثم رأيت الخير الرملي أفتى بذلك وقال بعد نقل ما في شهادات الخانية وهذا في وقف المدرسة فكيف في الوقف على الذرية المستحقين بشرط الواقف من غير توقف على تقرير الحاكم وقد صرحوا بأن شرط الواقف كنص الشارع فأشبه الإرث في عدم قبوله الإسقاط وقد وقع لبعضهم في هذه المسألة كلام يجب أن يحذر اه. مطلب لا يكفي صرف الناظر لثبوت الاستحقاق قوله: (ولا يكفي صرف الناظر الخ) أي لو ادعى رجل أنه من ذرية الواقف متمسكا بأن الناظر كان يدفع له الاستحقاق لا يكفي بل لا بد من إثبات نسبه وفي الخيرية في جواب سؤال أن الشهادة بأنه هو وأبوه وجده متصرفون في أربعة قراريط لا يثبت به المدعي كمن ادعى حق المرور
644 أو رقبة الطريق على آخر وبرهن أنه كان يمر في هذه لا يستحق به شيئا كما صرح به غالب علمائنا والشاهد إذا فسر للقاضي أنه يشهد معاينة اليد لا تقبل شهادته وأنواع التصرف كثيرة فلا يحل الحكم بالاستحقاق في غلة الوقف بالشهادة بأنه هو وأبوه وجده متصرفون فقد يكون تصرفهم بولاية أو وكالة أو غصب أو نحو ذلك ومما صرحوا به أن دعوى بنوة العم تحتاج إلى ذكر نسبة الأب والأم إلى الجد ليصير معلوما لأن انتسابه بهذه النسبة ليس بثابت عند القاضي فيشترط البيان ليعلم لأنه يحصل العلم للقاضي بدون ذكر الجد والمقصود هنا العلم بالنسبة إلى الواقف وكونه ابن عم فلان لا يتحقق به استحقاق من وقف الجد الأعلى لتحقق العمومة بأنواع منها العم للأم اه. قلت: هذا ظاهر فيما إذا أراد إثبات أنه من ذرية الواقف بمجرد كونه ابن عم فلان الذي هو من ذرية الواقف فحينئذ لا بد من إثبات نسبه إلى الجد الجامع وأما لو ادعى أنه من ذرية الواقف المستحقين للوقف فالظاهر أنه يكفي إثبات ذلك بدون ذكر النسب إذا كان الوقف على الذرية لأنه يحصل المقصود بذلك لأنه لا يختلف ذلك بخلاف بنوة العم لأنه قد يكون ابن عم للمتوفى ولا يكون من ذرية الواقف لكونه ابن عم لأم تأمل وسيأتي أنه لو وقف على فقراء قرابته لا بد من إثبات القرابة وبيان جهتها قوله (وسيجئ في دعوى ثبوت النسب) في الفروع حيث قال الشارح ولو أحضر رجلا ليدعي عليه حقا لأبيه وهو مقر به أو لا فله إثبات نسبه عند القاضي بحضرة ذلك الرجل ط. مطلب متى ذكر الواقف شرطين متعارضين يعمل بالمتأخر قوله: (متى ذكر الواقف شرطين متعارضين الخ) في الإسعاف لو كتب أول كتاب الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يملك ثم قال في آخره على أن لفلان بيعه والاستبدال بثمنه ما يكون وقفا مكانه جاز بيعه ويكون الثاني ناسخا للأول ولو عكس على أن لفلان بيعه والاستبدال به ثم قال آخره لا يباع ولا يوهب ولا يجوز بيعه لأنه رجوع عما شرطه أولا وهذا إذا تعارض الشرطان أما إذا لم يتعارضا وأمكن العمل بهما وجب كما ذكره البيري في القاعدة التاسعة من الأشباه وما ذكروه داخل تحت قولهم شرط الواقف كنص الشارع فإن النصين إذا تعارضا عمل بالمتأخر منهما ط. قوله: (الوصف بعد الجمل الخ) سيذكر الشارح هذه المسألة عن نظم المحبية مع ما يناسبها وسيأتي الكلام على ذلك. مطلب مهم في قول الواقف على الفريضة الشرعية قوله: (متى وقف) أي على أولاده لأنه منشأ الجواب المذكور كما تعرفه وبه يظهر فائدة التقييد بقوله حال صحته قوله: (كما حققه مفتي دمشق الخ) أقول حاصل ما ذكره في الرسالة المذكورة أنه ورد في الحديث أنه قال سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا أحدا لآثرت النساء
645 على الرجال رواه سعيد في سننه وفي صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير اتقوا الله وعدلوا في أولادكم فالعدل من حقوق الأولاد في العطايا والوقف عطية فيسوي بين الذكر والأنثى لأنهم فسروا العدل في الأولاد بالتسوية في العطايا حال الحياة وفي الخانية ولو وهب شيئا لأولاده في الصحة وأراد تفضيل البعض على البعض روى عن أبي حنيفة لا بأس به إذا كان التفضيل لزيادة فضل في الدين وإن كانوا سواء يكره وروى المعلى عن أبي يوسف أنه لا بأس به إذا لم يقصد الإضرار وإلا سوى بينهم وعليه الفتوى وقال محمد يعطى للذكر ضعف الأنثى وفي التتارخانية معزيا إلى تتمة الفتاوى قال ذكر في الاستحسان في كتاب الوقف وينبغي للرجل أن يعدل بين أولاده في العطايا والعدل في ذلك التسوية بينهم في قول أبي يوسف وقد أخذ أبو يوسف حكم وجوب التسوية من الحديث وتبعه أعيان المجتهدين وأوجبوا التسوية بينهم وقالوا يكون آثما في التخصيص وفي التفضيل وليس عند المحققين من أهل المذهب فريضة شرعية في باب الوقف إلا هذه بموجب الحديث المذكور والظاهر من حال المسلم اجتناب المكروه فلا تنصرف الفريضة الشرعية في باب الوقف إلا إلى التسوية والعرف لا يعارض النص هذا خلاصة ما في هذه الرسالة وذكر فيها أنه أفتى بذلك شيخ الإسلام محمد الحجازي الشافعي والشيخ سالم السنهوري المالكي والقاضي تاج الدين الحنفي وغيرهم اه. قلت: وقد كنت قديما جمعت في هذه المسألة رسالة سميتها العقود الدرية في قول الواقف على الفرضية الشرعية حققت فيها المقام وكشفت عن مخدراته ذلك اللثام بما حاصله أنه صرح في الظهيرية بأنه لو أراد أن يبر أولاده فالأفضل عند محمد أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وعند أبي يوسف يجعلهما سواء وهو المختار ثم قال في الظهيرية قبيل المحاضر والسجلات عند الكلام على كتابة صك الوقف إن أراد الوقف على أولاده يقول للذكر مثل حظ الأنثيين وإن شاء يقول الذكر والأنثى على السواء ولكن الأول أقرب إلى الصواب وأجلب للثواب. مطلب مراعاة غرض الواقفين واجبة والعرف يصلح مخصصا وهكذا رأيته في نسخة أخرى بلفظ الأول أقرب إلى الصواب فهذا نص صريح في التفرقة بين الهبة والوقف فتكون الفريضة الشرعية في الوقف هي المفاضلة فإذا أطلقها الواقف انصرفت إليها لأنها هي الكاملة المعهودة في باب الوقف وإن كان الكامل عكسها في باب الصدقة فالتسوية بينهما غير صحيحة على أنهم صرحوا بأن مراعاة غرض الواقفين واجبة وصرح الأصوليون بأن العرف يصلح مخصصا والعرف العام بين الخواص والعوام أن الفريضة الشرعية يراد بها المفاضلة وهي إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين ولذا يقع التصريح بذلك لزيادة التأكيد في غالب كتب الأوقاف بأن يقول يقسم بينهم على الفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين ولا تكاد تسمع أحدا يقول على الفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثى لأنه غير المتعارف بينهم في هذا اللفظ. وفي الأشباه في قاعدة العادة محكمة أن ألفاظ الواقفين تبنى على عرفهم كما في وقف فتح القدير ومثله في فتاوى ابن حجر ونقل التصريح بذلك على جماعة من أهل مذهبه وفي جامع الفصولين مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف وقدمنا نحوه عن العلامة قاسم وقد مر وجوب العمل بشرط الواقف فحيث شرط القسمة كذلك وكان عرفه بهذا اللفظ المفاضلة
646 وجب العمل بما أراده ولا يجوز صرف اللفظ عن مدلوله العرفي لأنه صار حقيقة عرفية في هذا المعنى والألفاظ تحمل على معانيها الحقيقية اللغوية إن لم يعارضها نقل في العرف إلى معنى آخر فلفظ الفريضة الشرعية إذا كان معناه لغة أو شرعا التسوية وكان معناه في العرف المفاضلة وجب حمله على المعنى العرفي كما علمت ولو ثبت أن المفاضلة في الوقف مكروهة كما في الهبة وأن النص الوارد في الهبة وارد في الوقف أيضا نقول إن هذا الواقف أراد المفاضلة وارتكب المكروه فلا يكون في ذلك تقديم العرف على النص بل فيه إعمال النص بإثبات الكرامة فيما فعله وإعمال لفظه بحمله على مدلوله العرفي فإن النص لا يغير الألفاظ عن معانيها المرادة بل يبقى اللفظ على مدلوله العرفي وهو المفاضلة لأنه صار علما عليها وهي فريضة شرعية في ميراث الأولاد فإذا ذكرها في وقفه على أولاده وجب العمل بمراده وهذا كله بعد تسليم أن المفاضلة في الوقف مكروهة كما في الهبة وقد سمعت التصريح بخلافه عن الظهيرية. وقد وقع سؤال في أواخر كتاب الوقف من الفتاوى الخيرية فيه ذكر الفريضة الشرعية مع عدم التصريح بأن للذكر مثل حظ الأنثيين فأجاب فيه بالقسمة بالمفاضلة وأجاب في الخيرية قبله في سؤال آخر بذلك أيضا وبه أفتى مفتي دمشق المرحوم الشيخ إسماعيل تلميذ الشارح وكذا شيخ مشايخنا السائحاني ورأيت مثل في فتاوى الشهاب أحمد بن الشلبي الحنفي شيخ صاحب البحر ووافقه عليه الشهاب أحمد الرملي الشافعي في فتاويه ورأيت مثل ذلك في فتاوى شيخ الإسلام محقق الشافعية السراج البلقيني ومثله في فتاوى المصنف وعزاه أيضا إلى المقدسي والطبلاوي كما يأتي قريبا فكل هؤلاء الأعلام أفتوا بما هو المتعارف من معنى هذا اللفظ وكفى بهم قدوة وهذا خلاصة ما ذكرته في الرسالة المذكورة ومن أراد زيادة على ذلك فليرجع إليها وليعتمد عليها ففيها المقنع لمن يتدبر ما يسمع ولله الحمد قوله: (ونحوه في فتاوى المصنف) هذا عجيب بل الذي فيها خلافه وهو انصراف الفريضة الشرعية إلى إلى القسمة بالمفاضلة حيث وجد ذكور وإناث نعم وقع في السؤال الذي سئل عنه المصنف أنه آل الوقف إلى أخي الميت لأمه وأخيه الشقيق فأجاب بأنها تقسم الغلة بينهما نصفين لا قسمة الميراث أي لا يعطى للأخ للأم السدس والباقي للشقيق وقال إن هذا هو الموافق لغالب أحوال الواقفين وهو قصد التفاوت بين الذكر والأنثى فإذا قال على حكم الفريضة ينزل على الغالب المذكور ثم قال وقد أجاب بهذا الجواب شيخ الإسلام عمدة الأنام مفتي الوقت بالقاهرة المحروسة هو الشيخ نور الدين المقدسي وشيخ الإسلام محمد الطبلاوي مفتي الديار المصرية اه. وحاصل كلامه أنه حيث وجد ذكور فقط كما في واقعة السؤال من أخوين أحدهما لأم والآخر شقيق يحمل لفظ الفريضة الشرعية على القسمة بالسوية لا على قسمة الميراث بينهما لأن الغالب من أحوال الواقفين إرادة التفاوت بين الذكر والأنثى فيحمل هذا اللفظ على الغالب إذا وجد ذكر وأنثى لا إذا كانا ذكرين. قلت: وهذا لا شك فيه وهو صريح فيما قلنا من حمل اللفظ المذكور على معناه العرفي وكأن الشارح نظر إلى قوله في صدر الجواب تقسم الغلة بينهما نصفين ولم ينظر إلى باقيه مع أن الضمير في بينهما راجع للأخوين لا إلى ذكر وأنثى وقد وقع لابن المنقار في رسالته نظير ما وقع
647 للشارح فإنه نقل عن الحافظ السيوطي فتوى استدل بها على كلامه مع أنها دالة على خلاف مرامه. فإن حاصلها أن واقفا شرط انتقال نصيب من مات من غير ولد إلى أقرب الطبقات إليه فمات شخص عن ابن عم وبنتي عم فأجاب بانتقال النصيب إلى الثلاثة وأن قوله بالفريضة الشرعية محمول على تفضيل الذكر على الأنثى فقط فلا يختص به ابن العم وإن كان عصبة. وحاصله حمل الفريضة الشرعية على المفاضلة لا على التسوية ولا على قسمة الميراث من كل وجه وهذا عين ما أجاب به المصنف والله الموفق فافهم قوله: (وللمتولي أجر مثله) أي أجر مثل المكان المذكور في مدة وضع المشتري يده على القول المختار كما في البزازية وغيرها فتاوى المصنف. مطلب فيما لو اشترى دار الوقف وعمر أو غرس فيها قوله: (فذلك لهما) هكذا عبارة فتاوى المصنف ونصها وإذا زاد المشتري في المكان المذكور زيادة هي مال متقوم كالبناء والغرس فلذلك لهما ولهما المطالبة به فيسلك معهما فيه طريقا يظهر نفعها لجهة الوقف ويعظم وقعها اه. والظاهر أن يقول فذلك له أي للمشتري والمراد بالأنفع للوقف أنه كان القلع والتسليم للمشتري أنفع للوقف يفعل وإلا بأن كان القلع يضر بالوقف يتملكه الناظر للوقف كما مر في بناء المستأجر تأمل. مطلب إذا هدم المشتري أو المستأجر دار الوقف ضمن قلت: وهذا إذا كان النقض ملك المشتري فلو بناه بنقض الوقف فهو للوقف وبقي لو هدمه ففي البحر عن المحيط لو هدم المشتري البناء إن شاء القاضي ضمن البائع قيمة البناء فينفذ بيعه أو ضمن المشتري ولا ينفذ البيع ويملك المشتري البناء بالضمان ويكون الضمان للوقف لا للموقوف عليهم اه. والمراد بالبناء نقضه وهذا إذا لم تمكن إعادته وإلا أمر كما سنذكره في الغصب وبقي أيضا لو هدمه وبناه على غير صفته ففي الحامدية عن فتاوى المفتي أبي السعود يلزم المشتري قلع ما بناه وقيمة ما قلعه اه. قلت: هذا إن لم يكن البناء الثاني أنفع للوقف ففي فتاوى قارئ الهداية سئل إذا استأجر شخص دارا وقفا ثم إنه هدمها وجعلها طاحونا أو فرنا أو غيره ما يلزمه أجاب ينظر القاضي إن كان ما غيرها إليه أنفع لجهة الوقف أخذ منه الأجرة وبقي ما عمر لجهة الوقف وهو متبرع بما أنفقه في العمارة ولا يحسب له الأجرة وإن لم يكن أنفع ولا أكثر ريعا ألزم بهدم ما صنع وإعادة الوقف إلى الصفة التي كان عليها بعد تعزيره بما يليق بحاله اه. قوله: (وفي البزازية الخ) الذي في فتاوى المصنف وكذا له الرجوع بقيمة البناء على البائع إذا نقض المستحق البناء بلا قيد كما في البزازية نقلا عن الذخيرة وفيها نقلا عن الجامع أنه إنما يرجع على البائع بقيمة مبنيا إذا كان المشتري سلم النقض إلى البائع، وأما إذا أمسك النقض لا يرجع على البائع بشئ اه. ما في فتاوى المصنف. وقوله بلا قيد أي قيد التسليم المقيد به في العبارة الثانية ومثله ما سيذكره الشارح في باب الاستحقاق عن المنية شرى دارا وبنى فيها فاستحقت رجع الثمن وقيمة البناء مبنيا على البائع إذا سلم النقض إليه يوم تسليمه وإن لم يسلم فبالثمن لا غير اه. وقوله يوم تسليمه متعلق بالقيمة
648 حتى لو أنفق في البناء عشرة آلاف وسكن في الدار حتى تغير البناء وتهدم بعضه لم يرجع إلا بقيمته يوم يسلم البناء للبائع ولو غلا حتى صار بعشرين ألفا يرجع بقيمته يوم يسلم ولا ينظر إلى ما أنفق كذا في الخانية وبه ظهر أن قول الشارح بعد نقضه متعلق بيرجع لا بقيمة وأشار به إلى أنه إنما يرجع بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه إلى البائع فلا يرجع بقيمة جص وطين كما سيذكره في باب الاستحقاق فافهم قوله: (بخلاف ما لو استحق المبيع) هذا لم يذكر في فتاوى المصنف ولا في البزازية كما سمعت والصواب إسقاطه لأن ما نحن فيه من استحقاق المبيع وهذا يوهم الفرق بين ما لو استحق الوقف وما لو استحقه مالك ولم نر من فرق بينهما والمصنف لم يفرق بينهما كما علمت من عبارته في الفتاوى فافهم. مطلب في الوقف إذا انقطع ثبوته قوله: (لو انقطع ثبوته الخ على أنه وقف بالشهرة ولكن جهلت شرائطه ومصارفه بأن لم يعلم حاله ولا تصرف قوامه السابقين كيف كانوا يعملون وإلى من يصرفونه فحينئذ ينظر إلى ما في دواوين القضاة فإن لم يوجد فيها لا يعطى أحد ممن يدعي فيه حقا ما لم يبرهن فإن لم يبرهن يصرف للفقراء لأن الوقف في الأصل لهم وقد علم مجرد كونه وقفا ولم يثبت فيه حق لغيرهم فيصرف إليهم فقط وهذا معنى قولهم يجعلها القاضي موقوفة أن يظهر الحال وقدمنا تمام تحقيق هذه المسألة عند قوله وبيان المصرف من أصله فافهم قوله: (أو وارثه) أي إن مات مالكه أو لبيت المال إن لم يكن له وارث قوله (فلو وقفه السلطان) أي بعد ما صار لبيت المال بموت أربابه وقدمنا أن هذا إرصاد لا وقف حقيقي قوله: (عاما) كالمسجد والمقبرة والسقاية ومثله ما وظفه في مسجد ونحوه للعلماء ونحوهم ممن له حق في بيت المال فلا يجوز لأحد إبطاله نعم للسلطان مخالفة شرط واقفه بزيادة ونقص ونحو ذلك لا بصرفه عن جهته إلى غير جهته كما مر عند قوله ونقل عن المبسوط قوله: (ولو لجهة خاصة) كذريته أو عتقائه قوله: (لا يصح) لأن فيه تعطيل حق بقية المسلمين وقد بسط المقام في شرح الوهبانية فراجعه قوله: (فظاهر كلامهم قبولها) كما لو شهد بوقف مدرسة وهو صاحب وظيفة بها فتاوى المصنف وكذا شهادة أهل المحلة بوقف عليها وأبناء السبيل بوقف على أبناء السبيل وهذا في الشهادة بأصل الوقف لا فيما يرجع إلى الغلة كشهادة بإجارة ونحوها فلا تقبل لأن له حقا فيها فكان متهما كما في شهادات البحر وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى قبيل قوله والأجير الخاص ووجه القبول أن الشهادة تقبل في الوقف حسبة بدون الدعوى كما مر قوله: (بل يهدده) يومين أو ثلاثة فإن فعل وإلا يكتفي منه باليمين. بحر.
649 مطلب في محاسبة المتولي وتحليفه قوله: (ولو اتهمه يحلفه) أي وإن كان أمينا كالمودع بدعي هلاك الوديعة أو ردها قيل إنما يستحلف إذا ادعى عليه شيئا معلوما وقيل يحلف على كل حال بحر عن القنية. قلت: وسيأتي قبيل كتاب الإقرار أنه لا تحليف على حق مجهول إلا في ست إذا اتهم القاضي وصي يتيم ومتولي وقف وفي رهن مجهول ودعوى سرقة وغصب وخيانة مودع اه. قوله: (قلت وقدمنا الخ) استدراك على قوله ولو متهما يجبره على التعيين وقد يجاب بحمل ما قدمه على ما إذا كان معروفا بالأمانة. مطلب في قبول قول المتولي في ضياع الغلة وتفريقها قوله (بلا يمين) مخالف لما في البحر عن وقف الناصحي إذا آجر الواقف أو قيمة أو وصيه أو أمينه ثم قال قبضت الغلة فضاعت أو فرقتها على الموقوف عليهم وأنكروا فالقول له مع يمينه اه. ومثله في الإسعاف وكذا في شرح الملتقى عن شروط الظهيرية ثم قال وسيجئ في العارية أنه لا يضمن ما أنكروه بل يدفعه ثانيا من مال الوقف اه. وفي حاشية الخير الرملي الفتوى على أنه يحلف في هذا الزمان اه. مطلب إذا كان الناظر مفسدا لا يقبل بيمينه قلت: بل نقل في الحامدية عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بأنه إن كان مفسدا مبذرا لا يقبل قوله بصرف مال الوقف بيمينه وفيها القول في الأمانة قول الأمين مع يمينه إلا أن يدعي أمرا يكذبه الظاهر فحينئذ تزول الأمانة وتظهر الخيانة فلا يصدق بيري عن أحكام الأوصياء وعلى هذا لو ظهرت خيانة ناظر لا يصدق قوله ولو بيمينه وهي كثيرة الوقوع اه. وفيها عن فتاوى الشلبي بعد كلام ومن اتصف بهذه الصفات المخالفة للشرع التي صار بها فاسقا لا يقبل قوله فيما صرفه إلا ببينة اه. وبقي هل يقبل قول الناظر الثقة بعد العزل أيضا ذكر الحموي في حاشية الأشباه من كتاب الأمانات أن ظاهر كلامهم القبول لأن العزل لا يخرجه عن كونه أمينا وأطال فيه فراجعه وبه أفتى المصنف قياسا على الوصي لو ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه أنفق كذا فإنه يقبل وعللوه بأنه أسنده إلى حالة منافية للضمان قوله: (في وقفه) أي وقف الواقف المعلوم من المقام قوله: (قبل قوله) أي ولو بعد موتهم كما في شرحه على الملتقى قوله: (لا يقبل قوله) لأن ما يأخذه الإمام ونحوه ليس مجرد صلة بل فيه شوب الأجرة كما مر قوله (قال المصنف) أي في فتاواه لكن قال في كتابه تحفة الأقران غير أن العلماء على الإفتاء بخلافه اه. وفي حاشية الخير الرملي والجواب عما قاله
650 أبو السعود أنها ليس لها حكم الأجرة من كل وجه ومقتضى ما قاله أبو السعود أنه يقبل قوله في حق براءة نفسه لا في حق صاحب الوظيفة لأنه أمين فيما في يده فيلزم الضمان في الوقف لأنه عامل له وفيه ضرر بالوقف فالإفتاء بما قاله العلماء متعين وقوله يعني المصنف هو تفصيل في غاية الحسن في غير محله إذ يلزم منه تضمين الناظر إذا دفع لهم بلا بينة لتعديه اه. قلت: وفيه نظر بل الضمان على الوقف لأنه عامل له ولا تعدي منه أصلا لأنه دفع حقا لمن يستحقه فأين التعدي إذا لم يشهد وإلا لزم أنه يضمن أيضا في مسألة استئجاره شخصا للبناء إذا دفع له الأجرة بلا بينة ولذا قال في الحامدية بعد نقله كلام الخير الرملي قلت تفصيل أبي السعود في غاية الحسن باعتبار التمثيل بالأجرة فهي مثلها وقول العلماء يقبل قوله في الدفع إلى الموقوف عليهم محمول على غير أرباب الوظائف المشروط عليهم العمل ألا ترى أنهم إذا لم يعملوا لا يستحقون الوظيفة فهي كالأجرة لا محالة وهو كأنه أجير فإذا اكتفينا بيمين الناظر يضيع عليه الأجر لا سيما نظار هذا الزمان وقال المولى عطاء الله أفندي في مجموعته سئل شيخ الإسلام زكريا أفندي عن هذه المسألة فأجاب بأنه إن كانت الوظيفة في مقابلة الخدمة فهي أجرة لا بد للمتولي من إثبات الأداء بالبينة وإلا فهي صلة وعطية يقبل في أدائه قول المتولي مع يمينه وإفتاء من بعده من المشايخ الإسلامية إلى هذا الزمان على هذا متمسكين بتجويز المتأخرين الأجرة في مقابلة الطاعات اه. قوله: (قلت وسيجئ الخ) حيث قال وأما إذا ادعى الصرف إلى وظائف المرتزقة فلا يقبل قوله في حقهم لكن لا يضمن ما أنكروه له بل يدفعه ثانيا من مال الوقف كما بسط في حاشية أخي زادة اه. قلت وسيجئ قبله في الوديعة حكم ما لو مات الناظر مجهلا غلات الوقف فراجعه قوله (في الأصح) ذكر مثله في البحر عن القنية معللا (1) بأن المعزول آجرها للوقف لا لنفسه خلافا لما أفتى به في فتاواه كما نبه عليه الرملي قوله: (قال المصنف والذي ترجح عندي لا) أي لا تصح مصادقته وأخذ المصنف ذلك من قوله في الولوالجية من حكى أمرا لا يملك استئنافه إن كان فيه إيجاب الضمان على الغير لا يصدق وإن كان فيه نفي الضمان عن نفسه صدق قال وحكاية المتولي ذلك فيه إيجاب الضمان على جهة الوقف فينبغي عدم تصديقه وهذا ما ترجح عندي في الجواب اه. قلت: وهذا يشمل المعزول والمنصوب فذكر المعزول غير قيد وأصرح مما ذكره المصنف ما في دعوى البزازية لا ينفذ إقرار المتولي على الوقف ومثله في السابع من العمادية وفي فتاوى
(1) قوله: (معللا الخ) فيه أن هذا التعليل لا ينتج إذا القبض من حقوق الوقف وهي ترجع للعاقد ألا ترى الوكيل لو عقد ثم مات قالوا وصيه أولى بالقبض وكذا لو عزل تكون ولاية القبض له لأن العهدة عليه قال شيخنا ورأيت في الفتاوى تعليلا منتجا ونصه لأنه ربما يتقاعد المعزول عن تحصيل الأجرة فيضيع مال الوقف اه. 651 الحانوتي من الإجارة التصادق غير صحيح لأنه إقرار منه على الوقف وإقرار الناظر على الوقف غير صحيح قوله: (ليس للمتولي الخ) فيه كلام يأتي قريبا. مطلب فيما يأخذه المتولي من العوائد العرفية قوله: (ويجب صرف الخ حاصل ما ذكره المصنف أنه سئل عن قرية موقوفة يريد المتولي أن يأخذ من أهاليها ما يدفعونه بسبب الوقف من العوائد العرفية من سمن ودجاج وغلال يأخذونها لمن يحفظ الزرع ولمن يحضر تذريته فيدفع المتولي لهما منها يسيرا ويأخذ الباقي مع ما ذكر لنفسه زيادة على معلومه فأجاب جميع ما تحصل من الوقف من نماء وغيره مما هو من تعلقات الوقف يصرف في مصارفه الشرعية كعمارته ومستحقيه اه. ملخصا لكن أفتى في الخيرية بأنه إذا كان في ريع الوقف عوائد قديمة معهودة يتناولها الناظر بسعيه له طلبها لقول الأشباه عن إجارات الظهيرية والمعروف عرفا كالمشروط شرطا فهو صريح في استحقاقه ما جرت به العادة اه ملخصا. مطلب في تحرير حكم ما يأخذه المتولي من عوائد قلت: ويؤيده ما في البحر من جواز أخذ الإمام فاضل الشمع في رمضان إذا جرت به العادة وقد ظهر لي أنه لا ينافي ما ذكره المصنف لأن هذا في المتعارف أخذه من ريع الوقف بأن تعورف مثلا أن هذا الوقف يأخذه متوليه عشر ريعه فحيث كان قديما يجعل كأن الواقف شرطه له وما ذكره المصنف فيما يأخذه المتولي من أهل القرية كالذي يهدى له من دجاج وسمن فإن ذلك رشوة وكالذي يأخذه من الغلال المذكورة التي جعلت للحافظ فافهم لكن الذي يظهر أن الغلال إذا كانت من ريع الوقف يجب صرفها في مصارف الوقف وأما مثل الدجاج فيجب رده على أصحابه وهو ما أشار إليه بقوله ويجب على الحاكم أمر المرتشي برد الرشوة على الراشي. مطلب فيما يسمى خدمة وتصديقا في زماننا نعم إن كان ما يأخذه منهم تكملة أجر المثل يجب صرفه في مصارف الوقف وذلك كما يقع في زماننا كثيرا أن المستأجر إذا كان له كدك أو كردار في دكان أو عقار لا يستأجر إلا بدون أجر المثل ويدفع للناظر دراهم تسمى خدمة لأجل أن يرضى الناظر بالإجارة المذكورة فهي في الحقيقة من أجرة المثل فلو قلنا يردها على المستأجر يلزم ضرر الوقف ولا تحل للناظر لأنه عامل للوقف بما شرطه له الواقف أو القاضي وقد صرحوا أيضا بأن الناظر إذا لم يمكنه أخذ الأجرة من المستأجر وظفر بمال المستأجر فله أخذ قدر الأجرة منه فهذه الخدمة إن كانت رشوة لا يجب ردها على الراشي حيث لم يمكنه أخذ أجرة المثل منه بل عليه صرفها في مصارف الوقف وبهذا علم حكم ما يفعله النظار في زماننا من أخذهم ما يسمونه تصديقا فيما إذا مات صاحب الكدك أو الكردار فيأخذ الناظر من ورثته دراهم ليصدق لهم على انتقال ذلك إليهم وكذا إذا اشترى أحد ذلك يأخذ من المشتري درهم فإن كان ذلك تكملة أجر المثل فأخذه جائز إن صرفه في مصارفه وإلا فلا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قوله: (ويجب على الحاكم الخ) لم أجده في نسختي من فتاوى المصنف قوله: (غب
(1) قوله: (وغلال يأخذونها الخ) عبارة الفتاوي يأخذها اه. 652 الدعوى الشرعية) الغب بالكسر عاقبة الشئ كما في القاموس ط وهو متعلق بقوله يجب لأن وجوب الحكم على الحاكم بعد الدعوى الشرعية فإذا ادعى الراشي على المرتشي بما دفعه إليه وثبت ذلك وجب على الحاكم أمر المرتشي برد الرشوة فافهم قوله: (قلت لكن الخ) استدراك على قول المصنف في فتاواه ليس للمتولي أخذ زيادة على ما قرره له الواقف. قلت: والجواب أن كلام المصنف فيمن شرط له الواقف شيئا معينا وما سيجئ في الوصايا ومر أيضا عقب مسألة الجامكية فيمن نصبه القاضي ولم يشرط له الواقف شيئا كما قدمناه لكن قدمنا أيضا عن أنفع الوسائل بحثا أن الأول لو عين له الواقف أقل من أجر المثل فللقاضي أن يكمل له أجر المثل بطلبه فهذا مقيد لإطلاق المصنف كما قدمناه هناك. مطلب في أحكام الوقف على فقراء قرابته قوله (لو وقف على فقراء قرابته الخ) سيأتي تفسير القرابة والفقر في آخر الفصل الآتي وفي البزازية وقف على فقراء قرابته فجاء رجل وادعى أنه من أقرباء الواقف وهو فقير كلف أن يبرهن على الفقر وأنه من أقارب الواقف وأنه لا أحد تجب عليه نفقته وينفق عليه والفقر وإن كان أمرا أصليا يثبت بظاهر الحال لكن الظاهر يكفي للدفع لا للاستحقاق وإنما شرط عدم المنفق لأنه بالإنفاق عليه يعد غنيا في باب الوقف وشرط لزومه لأنه لو لم يكن واجبا عليه فالظاهر ترك الإنفاق فيكون فقيرا قال هلال ولا بد أيضا أن يسأل عنه في السر ثم يستحلفه بالله ما لك مال ولا لك أحد تجب نفقتك عليه وإن برهن على ما ذكرنا فأخبر عدلان بغناه فهما أولى والخبر والشهادة هنا سواء لأنه ليس بشهادة حقيقة بل هو خبر ولو قالا لا نعلم أحدا تجب نفقته عليه كفى ولو زعم البعض أنه غني إن ادعى أن له مالا يصير به غنيا له أن يحلفه على أنه ليس بغني وليس له تحليف المتولي لأنه لو أقر لا يلزم شئ فإذا أنكر لا يحلف والخصم في ذلك هو الواقف لو حيا وإلا فمن الوقف في يده ولو أحد الوصيين دون الوارث وأصحاب الوقف فإن برهن على المتولي بأنه قريب الواقف لا يقبل حتى يبرهن على نسب معلوم كالإخوة لأبوين أو لأب أو لأم لا على الأخوة المطلقة أو العمومة وإن قالوا لا نعلم به وارثا آخر أعطاه وإلا يتأنى زمانا ثم يدفع إليه ويأخذ كفيلا عندهما كما في الميراث وإذا أراد الرجل إثبات قرابة ولده أو فقره فله ذلك لو صغيرا بخلاف الكبار فإنهم يثبتون فقرهم بأنفسهم ووصي الأب مثله فإن لم يكون فللأم أو العم إثبات ذلك لو الصغير في حجرهما استحسانا لأنه تمحض نفعا له فأشبه قبول الهبة اه. ملخصا وتمام الفروع فيها فراجعها وسيأتي آخر الفصل الآتي ما له تعلق بما هنا قوله (من حين الوقف عليه) أي من حين وجود شرط كونه من أهل الوقف وهو الفقر والقرابة لا من
653 حين القضاء قال في الإسعاف فإن شهدا له بالفقر بعد مجئ الغلة لا يدخل فيها وإنما يدخل فيما يحدث منها بعد الشهادة إلا أن يشهدا له في وقف ويسند فقره إلى زمن سابق فإنه يقضى له بالاستحقاق من مبدأ الزمن الأول وإن طال اه. مطلب إذا قال ما دامت عزبا فتزوجت وطلقت ينقطع حقها قوله: (أجاب نعم) أي ينقطع حقها بالتزوج إلا أن يشترط أن من مات زوجها أو طلقها عاد حقها إسعاف وفتح وفي لسان الحكام لابن الشحنة أن جده أجاب كذلك وأن الكافيجي خالفه وقال يعود الدوام كما كان بالفرق ووقع النزاع بين يدي السلطان وأن جده أخرج النقول فوافقه الحاضرون قوله: (فلا شئ له إلا أن يشرط الخ) بخلاف ما لو وقف على من يسكن بغداد من فقراء قرابته فانتقل بعضهم وسكن الكوفة ثم عاد إليها وسكن فإنه يعود حقا (2) لأن النظر هاهنا إلى حالهم يوم قسمة غلة الوقف ألا ترى أنه لو افتقر (3) الأغنياء واستغنى الفقراء تكون الغلة لمن افتقر دون من استغنى ولو لم ينظر إلى حالهم يوم القسمة لربما لزم دفع الغلة إلى الأغنياء دون الفقراء وتمامه في الإسعاف فافهم. مطلب فيما إذا قضى بدخول ولد البنت قوله: (قضى بدخول ولد البنت) أي في صورة الوقف على أولاد أولاده قوله: (لا الماضي لو مستهلكة) لأن الحكم وإن كان يستند إلى وقت الوقف لكن في حق الموجود وقت الحكم وغلات تلك السنين معدومة كالحكم بفساد النكاح بغير ولي لا يظهر في الوطآت إلى الماضية والمهر حتى لو كان غلات السنين الماضية قائمة يستحق أولاد البنات حصتهم منها شرح الوهبانية عن القنية ملخصا لكن تقدم آنفا في الوقف لفقراء قرابته أنه من قضى له استحقه من حين الوقف عليه وفي قضاء الخيرية لو ثبت أن الوقف سوية بين زيد وعمرو وكان زيد يتناول زيادة عما يخصه مدة سنين أجاب لعمرو الرجوع عليه بما تناوله زائدا عن حقه المدة الماضية والقضاء هنا
(2) قوله: فإنه يعود حقه الخ) صرح في البحر بعدم العود فيما لو وقف على فقراء قرابته المقيمين ببلدة كذا فخرج بعضهم قال لا يعود حقه بالعود فلعله يفرق بين الفعل واسم الفاعل وقد أشكلت الفروع في هذا المحل وتضاربت تضاربا كليا فليحرر اه. (3) قوله: (ألا ترى أنه لو افتقر الخ) عبارة الإسعاف ألا ترى أنه لو وقف على فقراء قرابته وفيهم الغني والفقير تصرف الغلة الفقير ثم إنه لو افتقر الأغنياء الخ اه. 654 مظهر ومعين لكونه كاشفا فيستند لا مثبت وعامل حتى يقتصر كما قرره أصحاب الأصول والفروع أيضا اه. مطلب أثبت واحد أنه من الذرية يرجع بما يخصه في الماضي وفي فتاوى ابن نجيم سئل عن واقف وقف على ذريته ففرق الناظر الغلة سنين على جماعة منهم ثم أثبت واحد أنه منهم وقضى به على الناظر فطالبه بما يخصه في الماضي فهل له ذلك أجاب بأنه إن دفع إلى الجماعة بغير قضاء رجع بما يخصه على الناظر وإلا رجع على الجماعة أخذا من مسألة الوصي إذا قضى دين الميت بجميع التركة ثم ظهر دين آخر عليه فإنهم قالوا إن دفع بغير قضاء رجع الدائن عليه وإلا على الفارضين ولا ولا يعارضه ما في القنية لو قضى بدخول أولاد البنات الخ لأن دخولهم مختلف فيه بخلاف ما نحن فيه للاتفاق اه. وذكر ذلك بعينه في فتاوى الحانوتي وحاصله أن في دخول أولاد البنات في الوقف على أولاد أولاده خلافا كما سيأتي تحريره فإذا قضى بدخولهم فإنه وإن وقع دخولهم مستندا إلى وقت الوقف لكن بسبب الاختلاف صار الحكم مثبتا حقهم الآن في الغلة القائمة فلهم غلة سنة الحكم وغلة السنين الماضية إذا كانت قائمة للاستناد دون المستهلكة لشبهة الاقتصار بخلاف من لم يقع خلاف في دخوله ثم أثبت دخوله فإن القضاء به مظهر أنه منهم لا مثبت فيستند ولا يقتصر كما مر فتدبر قوله: (لأنه مفرد مضاف فيعم) أي الواحد والأكثر بخلاف بنيه و عبارة الإسعاف لأن أقل الجمع هنا اثنان واسم الولد يصدق على الواحد فلهذا اختلفا في الحكم اه. مطلب من وقف على أولاده هل يشمل الواحد أولا تنبيه في البحر ولو وقف على أولاده وليس له إلا واحد وعلى بنيه وليس له إلا ابن واحد كان النصف له والنصف للفقراء هكذا سوى بينهما في الخانية وفرق بينهما في فتح القدير فقال في الأولاد يستحق الواحد الكل وفي البنين لا يستحق الكل وقال كأنه مبني على العرف وقد علمت أن المنقول خلافه اه. قلت: والحاصل أنه لا فرق بين أولاده وبنيه في أن الواحد يستحق النصف فقط لأن اللفظ جمع أقله في الوقف اثنان كالوصية بخلاف ولده فإن الواحد يستحق الكل لما مر وما ذكره في الفتح مشى عليه في أيمان الأشباه حيث قال الجمع لا يكون للواحد إلا في مسائل وقف على أولاده وليس له إلا واحد فله كل الغلة بخلاف بنيه الخ وقال في الدر المنتقى آخر الوقف وأما ما في الأشباه فقد عزاه للعمدة وكذا ذكره في التتارخانية وغيرها فلم يبق الكلام إلا في التوفيق. فأقول وبالله التوفيق قد لاح لي أنه لا يبعد أن يحمل كلام الخانية على ما إذا وقف على أولاده وله ولدان ثم على الفقراء فمات واحد وبقي واحد وقت وجود الغلة كما يفيده قوله وله ولد وقت وجود الغلة فيندفع عن الأشباه الاشتباه فتدبر ولا قوة إلا الله اه. قلت: ويكفي في التوفيق ما مر عن الفتح من ابتنائه على العرف إذ لا شك أن من وقف على أولاده وأولادهم يريد أنه لو بقي منهم واحد يأخذ الوقف كله وبما تقرر علمت أن ما في الفتح منقول أيضا.
655 مطلب في إقالة المتولي عقد الإجارة قوله (للمتولي الإقالة لو خيرا) كذا في البحر عن جامع الفصولين وقال في الأشباه إقالة الناظر عقد الإجارة جائزة إلا في مسألتين الأولى إذا كان العاقد ناظرا قبله كما فهم من تعليلهم الثانية إذا كان الناظر تعجل الأجرة كما في القنية ومشى عليه ابن وهبان اه. لكن في شرح الوهبانية للشرنبلالي أقول هذا ليس ليس فيه تحرير فإن قبض الأجرة وعدمه ليس فيه نظر للخير وعدمه بل النظر إنما هو لما فيه مصلحة وهو الذي في البحر عن جامع الفصولين المتولي يملك الإقالة لو خيرا وإطلاقه يشمل القبض وعدمه ويشمل إقالة عقد ناظر قبله ويؤيده مسألة هي لو باع القيم دارا اشتراها بمال الوقف فله أن يقبل البيع مع المشتري إذا لم يكن البيع بأكثر من ثمن المثل وكذا إذا عزل ونصب غيره فللمنصوب إقالته بلا خلاف كذا في البحر وفي الأشباه المتولي على الوقف لو آجر الوقف ثم أقال ولا مصلحة لم يجز على الوقف فالمنظور إليه المصلحة وعدمها ولذا قال في الدرر إذا باع المتولي أو الوصي شيئا بأكثر من قيمته لا تجوز إقالته اه. مع أن المبيع إذا عاد ترجع ماليته على ما كانت عليه والعين المؤجرة لا تبقى الأجرة بمضي الزمن إلا بالاستئجار فيفوت النفع الذي لزم بالاستئجار فكان عدم صحة الإقالة مع فوات النفع ألزم من إقالة البيع خصوصا وقد تربو المضرة باحتياج العين التي كانت مؤجرة لمؤنة كطعام ومرمة بها اه. قوله (وخصاه بالنقود) بناء على أن الناظر وكيل يتصرف بالعرض وبالنقد وبالنسيئة عنده وعندهما بالنقود كما سيأتي في كتاب الوكالة كذا قيل والمسألة نظمها في الوهبانية. مطلب للمستأجر غرس الشجر قوله: (للمستأجر غرس الشجر الخ) كذا في الوهبانية وأصله في القنية يجوز للمستأجر غرس الأشجار والكروم في الأراضي الموقوفة إذا لم يضر بالأرض بدون صريح الإذن من المتولي دون حفر الحياض. مطلب إنما يحل للمتولي الإذن فيما يزيد الوقف به خيرا وإنما يحل للمتولي الإذن فيما يزيد الوقف به خيرا ثم قال قلت وهذا إذا لم يكن لهم حق قرار العمارة فيها أما إذا كان يجوز الحفر والغرس والحائط من ترابها لوجود الإذن في مثلها دلالة اه. ولا يخفى أن قوله قلت الخ محله عدم الضرر بالأرض كما يعلم بالأولى من قوله وإنما يحل الخ ثم اعلم أن العادة في زماننا أن الناظر لا يمكن المستأجر من الغراس إلا بإذنه إذا لم يكن له في الأرض حق القرار المسمى بمشد المسكة فينبغي أنه لا يملك ذلك بدون إذنه ولا سيما وفيه ضرر على الوقف لأن الأنفع أن يغرس الناظر للوقف أو يأذن للمستأجر بالمناصبة وهي أن يغرس على أن الغراس بينه وبين الوقف كما هو العادة ولا شك أنه أنفع من غرسه لنفسه فقط. مطلب في حكم بناء المستأجر في الوقف بلا إذن قوله (وما بناه مستأجر أو غرسه فله) أي إذا بناه من ماله بلا إذن الناظر ثم إذا لم يضر رفعه بالبناء القديم رفعه وإن ضر فهو المضيع ماله فليتربص إلى أن يتخلص من تحت البناء ثم يأخذه
656 ولا يكون بناؤه مانعا من صحة الإجارة من غيره إذ لا يد له عليه حيث لا يملك رفعه ولو اصطلحوا على أن يجعله للوقف بثمن لا يجاوز أقل القيمتين منزوعا فيه أو مبنيا صح جامع الفصولين. وفي حاشيته للخير الرملي أقول ظاهره اشتراط الرضا إذ الصلح لا يكون إلا عنه مع أنهم صرحوا في الإجارة إذا مضت المدة وكان القلع يضر بالأرض يتملكه المؤجر بأقل القيمتين جبرا وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين الوقف والملك إذ لا وجه للفرق بينهما في ذلك فيحمل الصلح في كلامه على مجرد الإخبار بالصحة لا على أنه شرط متعين في ذلك اه. وفي الخانية طرح فيها السرقين وغرس الأشجار ثم مات فالأشجار لورثته ويؤمرون بقلعها ولا رجوع لهم بما زاد السرقين في الأرض عندنا ا ه وقدمنا مسألة استبقاء المستأجر العمارة في الأرض المحتكرة قبل الفصل عند قول الشارح وأما الزيادة في الأرض المحتكرة قدمنا مسألة العمارة بإذن الناظر عند مسألة الاستبدال. مطلب في حكم المتولي وغيره في أرض الوقف قوله: (والمتولي بناؤه الخ) اعلم أن البناء في أرض الوقف فيه تفصيل فإن كان الباني المتولي عليه فإن كان بمال الوقف فهو وقف سواء بناه للوقف أو لنفسه أو أطلق وإن من ماله للوقف أو أطلق فهو وقف إلا إذا كان هو الواقف وأطلق فهو له كما في الذخيرة وإن بناه من ماله لنفسه وأشهد أنه له فهو له كما في القنية و المجتبى وإن لم يكن متوليا فإن بنى بأذن المتولي ليرجع فهو وقف وإلا فإن بنى للوقف فوقف وإن لنفسه أو أطلق فله رفعه إن لم يضر وتمامه في ط عن الأشباه وحواشيها وفي الخانية ولو غرس في المسجد يكون للمسجد لأنه لا يغرس فيه لنفسه قوله (ما لم يشهد أنه لنفسه قبله) أي قبل البناء وهو متعلق بيشهد وهذا إذا بناه من ماله كما علم مما مر قبله وقيد بالإشهاد تبعا لجامع الفصولين وغيره لكن صرح الخصاف بأن القول قوله إذا اختلف هو وأهل الوقف بأن قال زرعتها لنفسي ببذري ونفقتي وقالوا بل لنا لأن البذر له فما حدث منه فهو له بمنزلة الواقف فيما يزرع له قال الخصاف وأرى إخراجه من يده بما فعل ويضمن نقصان الأرض اه. ومثله في الخانية وهو صريح أيضا بأنه يكون خيانة منه يستحق بها العزل وكأنه في البحر لم يره حيث قال وينبغي أن يكون خيانة وقدمنا عند قوله وينزع وجوبا لو خائنا عن شرح الأشباه للبيري أنه يؤخذ مما ذكرناه أن الناظر لو سكن دار الوقف ولو بأجر المثل للقاضي عزله لأنه نص في خزانة الأكمل أنه لا يجوز له السكنى ولو بأجر المثل. مطلب لو آجر المتولي لابنه أو أبيه لم يجز إلا بأكثر من أجر المثل قوله: (ولو آجر لابنه) أي الكبير إذ الصغير تبع له شرح الوهبانية وفي جامع الفصولين لو باع القيم مال الوقف أو آجر ممن لا تقبل شهادة له لم يجز عند أبي حنيفة وكذا الوصي وقيل الوصي كمضارب وفيه المتولي إذا آجر دار الوقف من ابنه البالغ أو أبيه لم يجز عند أبي حنيفة إلا بأكثر من أجر المثل كبيع الوصي لو بمثل قيمته صح عندهما ولو خيرا لليتيم صح عند أبي
657 حنيفة وكذا متول آجر من نفسه لو خيرا صح وإلا لا ومعنى الخير مر في بيع الوصي من نفسه وبه يفتى اه. والذي مر هو قوله في شراء مال الصغير جاز للوصي ذلك لو خيرا وتفسيره أن يأخذ بخمسة عشر ما يساوي عشرة أو يبيع منه بعشرة ما يساوي خمسة عشر وبه يفتى اه. قوله: (كعبده اتفاقا) وكذا لو لنفسه قوله (هذا لو باشر بنفسه) أما لو ذهب إلى القاضي فآجره صح شرح الوهبانية عن الخانية. قلت: ويشكل عليه ما مر عند قوله ولاية نصب القيم إلى الواقف ثم لوصيه ثم للقاضي من أن القاضي لا يملك التصرف مع وجود المتولي والجواب أنه لا يملك ذلك على ما فيه من النزاع عند صحة تصرف المتولي بنفسه وهنا لا يصح وقدمنا عند الكلام على قطع الجهات للتعمير أن المتولي لو عمل كالفاعل والبناء فله قدر أجرته لو أمره الحاكم وإلا فلا إذ لا يصلح مؤجرا ومستأجرا وهذه العلة جارية هنا وقدمنا أيضا أول الفصل إذا شرط الواقف أن لا تؤجر الأرض أكثر من سنة وكانت إجارتها أكثر أنفع للفقراء فليس للقيم أن يؤجرها أكثر بل يرفع الأمر للقاضي ليؤجرها لأن له ولاية النظر للفقراء فافهم قوله: (وكذا الوصي) أي من قبل الأب بخلاف وصي القاضي فإنه لا يصح بيعه ولا شراؤه مال اليتيم ولو خيرا كما سيأتي في بابه والإجارة بيع المنافع أفاده ط قوله (بخلاف الوكيل) فإنه لا يعقد مع من ترد شهادته له للتهمة عند الإمام إلا إذا أطلق له الموكل كما سيأتي في بابها أفاده ط قوله: (أي لكونه يعمل بالمرسل) هو من سقط منه (1) الصحابي ط وهذا التعليل ذكره في شرح الوهبانية بقوله وفي حفظي تعليله بكونه يعمل إلخ ولكني لم أظفر له الآن اه. قلت: ووجهه أنه عمل بكل الأحاديث حيث لم يترك العمل بهذين فصار أحق بإطلاق هذا اللفظ عليه والظاهر أن هذا عند عدم العرف أما إذا تعورف إطلاقه على من غلب عليه هذا العلم حتى اشتهر به وصار يطلق عليه أنه من أهل الحديث تعين حمله على عرف الواقف كما قدمناه في مسألة ابن المنقار قوله: (وجاز على حفر القبور والأكفان) هو المفتى به كما في البحر عن الفتاوى وفي شرح الوهبانية أن الصحة أظهر. مطلب في الوقف على الصوفية والعميان قوله: (لا على الصوفية والعميان في الأصح) فإنه وقع فيه خلاف قال في شرح الوهبانية عن الخلاصة بعد حكاية الخلاف وأخرج الإمام علي السعدي الرواية من وقف الخصاف أنه لا يجوز على الصوفية والعميان فرجعوا إلى جوابه اه. قلت: لكن في الإسعاف قال شمس الأئمة إذا ذكر مصرف فيهم تنصيص على الحاجة
(1) قوله: (هو من سقط الخ) هكذا بخطه والذي في حاشية ط هو ما سقط الخ وهي أولى اه مصححه. 658 فهو صحيح وإن استوى فيه الأغنياء والفقراء فإن يحصون (1) صح وإلا بطل إلا إن كان في لفظه ما يدل على الحاجة عرفا كاليتامى فالوقف عليهم صحيح ويصرف لفقرائهم فهذا الضابط يقتضي صحة الوقف على الزمني والعميان وقراء القرآن والفقهاء وأهل الحديث ويصرف لفقرائهم لإشعار الأسماء بالحاجة استعمالا لأن العمى والاشتغال بالعلم يقطع عن الكسب فيغلب فيهم الفقر وهو أصح مما سيأتي في باب الباطل أنه باطل على هؤلاء اه ومقتضاه أنه يصح على الصوفية أيضا لأن الفقر فيهم أغلب من العميان بل اصطلاحهم تسميتهم بالفقراء وهذا إن كانت العلة ما ذكر وإلا ففي التتارخانية عن الإمام أبي اليسر أن الصوفية أنواع فمنهم قوم يضربون بالمزامير ويشربون الخمور إلى أن قال فيهم إذا كانوا بهذه المثابة كيف يصح الوقف عليهم اه فأفاد أن العلة أن منهم من لا يصح الوقف عليهم فلا يكون قربة ويحتمل أن المراد لا يصح الوقف على هذا النوع منهم إذا عينهم الواقف وهذا وإن كان خلاف ظاهر العبارة لكنه من حيث المعنى أظهر لأن لفظ الصوفية إنما يراد به في العادة من كانوا على طريقة مرضية أما غيرهم فليسوا منهم حقيقة وإن سموا أنفسهم بهذا الاسم فإذا أطلق الاسم لا يدخلون فيه فيصح الوقف ويستحقه أهل ذلك الاسم حقيقة وحينئذ تكون علة الصحة ما مر من غلبة وصف الفقر عليهم فاغتنم هذا التحرير قوله: (وفي النهر عن الإسعاف إلخ) تخصيص لما أفتى به أبو السعود قوله: (فهو أولى) أي الأعلم بأمور الوقف أولى ومثله لو استويا في الديانة والسداد والفضل والرشاد فالأعلم بأمر الوقف أولى بحر عن الظهيرية. مطلب في شرط التولية للأرشد فالأرشد قوله: (وكذا لو شرطه لأرشدهم) فيقدم بعد الاستواء فيه الأسن ولو أنثى كما في الإسعاف والأعلم بأمور الوقف وأفتى في الإسماعيلية بتقديم الرجل على الأنثى والعالم على الجاهل أي بعد الاستواء في الفضيلة والرشد قال في البحر والظاهر أن الرشد صلاح المال وهو حسن التصرف وفيه عن الإسعاف ولو قال الأفضل فالأفضل فأبى الأفضل القبول أو مات يكون لمن يليه على الترتيب ذكره الخصاف وقال هلال القياس أن يدخل القاضي بدله رجلا ما دام حيا فإن مات صارت الولاية لمن يليه في الفضل ولو كان الأفضل غير موضع أقام رجلا مقامه وإذا مات تنتقل لمن يليه فيه وإذا صار أهلا بعده ترد الولاية إليه وكذا لو لم يكن فيهم أهل أقام القاضي أجنبيا إلى أن يصير فيهم أهل ولو صار المفضول منهم أفضل ممن كان أفضلهم تنتقل الولاية إليه فينظر في كل وقت إلى أفضلهم كالوقف على الأفقر فالأفقر اه ملخصا. مطلب إذا صار غير الأرشد أرشد قلت: وبه علم عدم صحة ما أفتى به في الحامدية أنه إذا أثبت أحدهم أرشديته أنه لا تقبل
(1) قوله: (فإن يحصون) لعلى صوابه يحصوا بحذف النون اه مصححه. 659 بينة آخر أنه صار أرشد واستند لما في حاوي السيوطي أن العبرة لمن فيه هذا الوصف في الابتداء لا في الأثناء وبينت الجواب في تنقيحها وذكرت فيه تفصيلا أخذا من القواعد المذهبية وهو أنه إذا ادعى آخر الأرشدية قبل الحكم بها للأول وتعارضت البينتان اشتركا في التولية لما مر من أن أفعل التفضيل ينتظم الواحد والأكثر وأنه لا سبيل إلى ترجيح إحدى البينتين على الأخرى قبل الحكم وإن كان بعده وقصر الزمن لا تسمع الثانية لترجح الأولى بالحكم بها فتلغو الثانية وأما إذا طال بحيث يمكن أن يصير الثاني أرشد فكذلك، إلا إذا شهدت الثانية بأن صاحبها صار الآن أرشد من الأول والله تعالى أعلم اه ثم رأيت التصريح بذلك في فتاوى الشيخ قاسم حيث قال إذا قامت بينة أخرى بالأرشدية لغيره فلا بد من تصريحها بأن هذا أمر تجدد وذكر قبله أن الشهادة بالأرشدية تحتاج أن يكون الأولاد وأولاد الأولاد معلومين محصورين ليكون المشهود له أرشد من غيرهم قوله: (ولو ضم القاضي للقيم ثقة) تقدم عند قول الشارح ليس للقاضي عزل الناظر بمجرد شكاية المستحقين أنه يضمه إليه إذا طعن في أمانته بدون إثبات خيانة وإلا عزله وتقدم تمام الكلام عليه هناك قوله (وإلا فله ذلك) قد يقال إنه إذا ضمه إليه للطعن في أمانته وكان للأصيل الاستقلال بالتصرف لم يبق فائدة لضمه إليه إلا أن يصور فيما إذا ضمه إليه إعانة له لا لطعن ولا لخيانة. تأمل. مطلب ليس للمشرف التصرف قوله: (ليس للمشرف التصرف) بل له الحفظ لأن التصرف في مال الوقف مفوض إلى المتولي خانية والظاهر أن المراد بالحفظ حفظ مال الوقف عنده لكن قال في الفتح وهذا يختلف بحسب العرف في معنى المشرف اه ومقتضاه أنه لو تعورف تصرفه مع المتولي اعتبر ويحتمل أن يراد بالحفظ مشارفته للمتولي عند التصرف لئلا يفعل ما يضر ويؤيده ما ذكروه في مشرف الوصي ففي الخانية قال الإمام الفضلي يكون الوصي أولى بإمساك المال ولا يكون المشرف وصيا وأثر كونه مشرفا أنه لا يجوز تصرف الوصي إلا بعلمه وفي أدب الأوصياء عن فتاوى الخاصي وبقول الفضلي يفتى وأنت خبير بأن الوقف يستقى من الوصية ومسائله تنزع منها وعن هذا أفتى في الحامدية بأنه ليس للمتولي التصرف في أمور الوقف بدون إذن المشرف واطلاعه. مطلب القيم والمتولي والناظر بمعنى واحد وفي الخيرية إن كان الناظر بمعنى المشرف فقد صرحوا بأن الوصي لا يتصرف إلا بعلم المشرف وفيها سئل في وقف له ناظر ومتول هل لأحدهم التصرف بلا علم الآخر أجاب لا يجوز والقيم والمتولي والناظر في كلامهم بمعنى واحد اه. قلت: هذا ظاهر عند الأفراد أما لو شرط الواقف متوليا وناظرا عليه كما يقع كثيرا فيراد بالناظر المشرف وعن هذا أجبت في حادثة بأنه ليس للمتولي الإيجار بلا علم الناظر خلافا لما في الفتاوى الرحيمية من أنه لو آجر المتولي إجارة شرعية بأجرة المثل لا يملك الناظر معارضته لأنه
660 في معنى المشرف تأمل وأفتى في الإسماعيلية بأنه ليس للناظر معارضة المتولي إلا أن يثبت أن نظارته بشرط الواقف اه. قلت: وفيه نظر إذ لو نصبه القاضي ناظرا على المتولي لثبوت خيانته لم يستقل المتولي بالتصرف كما مر عن النهر بل مثله ما لو نصبه عليه للطعن في أمانته كما بحثناه آنفا تأمل قوله (ليس للمتولي أن يستدين إلخ) مكرر مع ما تقدم قوله: (إذا كان مسجلا) مبني على قول الإمام إن الوقف لا يلزم قبل الحكم والتسجيل ومر أن المفتى به قولهما. مطلب لا يجوز الرجوع عن الشروط قوله: (وإن كانوا أصلح) الذي رأيته في فتاوى مؤيد زاده إذا لم يكونوا أصلح أو في أمرهم تهاون فيجوز للواقف الرجوع عن هذا الشرط اه وهكذا نقله عنها في شرحه على الملتقى ثم نقل عن الخلاصة لا يجوز الرجوع عن الوقف إذا كان مسجلا ولكن يجوز الرجوع عن الموقوف عليه وتغييره وإن كان مشروطا كالمؤذن والإمام والمعلم إن لم يكونوا أصلح أو تهاونوا في أمرهم فيجوز للواقف مخالفة الشرط اه. قال ط أقول وبالله تعالى التوفيق إن ما ذكره من المؤذن والإمام إن لم يكونوا أصلح ليس من الرجوع وإنما مخالفة للشرط لكونها أنفع للوقف بنصب غيرهم ممن يصلح فهو كما إذا شرط أن لا ينزع من الولاية فخان فإنه ينزع ولا يعتبر هذا الشرط ويولي غيره وكما إذا شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة ولا رغبة فيما عينه فإنه يخالف وما كان ينبغي للشارح أن يفرد هذا بفرع مستقل لأنه يوهم أنه يجوز له الرجوع في جميع الشروط وليس كذلك اه. قلت: قد أجاد فيما أفاد أعطاه مولاه غاية المراد وحاصله أنه لو شرط الواقف أن يكون الإمام أو المؤذن أو المعلم شخصا معينا يصح الرجوع عنه لو كان متهاونا في مباشرة وظيفته أو كان غيره أصلح فهو في الحقيقة تغيير كما عبر به في الخلاصة أي تغيير الشخص المعين بغيره للمصلحة الراجعة إلى المسلمين فهو نظير ما قدمه المصنف من قوله الباني أولى بنصب الإمام والمؤذن في المختار إلا إذا عين القوم أصلح ممن عينه وبه ظهر الجواب عما نقله الشارح عن الأشباه من قوله ولم أر حكم عزله لمدرس وإمام ولاهما وهو أنه جائز للمصلحة إذا كانا مشروطين في أصل الوقف فبدونه بالأولى وقد ظهر أنه ليس المراد أنه يجوز للواقف الرجوع عن شروط الوقف كما فهمه الشارح حتى تكلف في شرحه على الملتقى للجواب عما قدمه عن الدرر قبيل قول المصنف اتحد الواقف والجهة من أنه ليس له إعطاء الغلة لغير من عينه لخروج الوقف عن ملكه بالتسجيل اه. فإنه صريح في عدم صحة الرجوع عن الشروط ولا يخالفه ما في المؤيدية على ما علمت ويدل عليه قوله في البحر إن التولية خارجة عن حكم سائر الشروط لأن له فيها التغيير كلما بدا له وأما باقي الشرائط فلا بد من ذكرها في أصل الوقف اه. وفي الإسعاف: ولا
661 يجوز له أن يفعل إلا ما شرط وقت العقد اه. وفيه لو شرط في وقفه أن يزيد في وظيفة من يرى زيادته أو ينقص من وظيفة من يرى نقصانه أو يدخل معهم من يرى إدخاله أو يخرج من يرى إخراجه جاز ثم إذا فعل ذلك ليس له أن يغيره لأن شرطه وقع على فعل يراه فإذا رآه وأمضاه فقد انتهى ما رآه اه. وفي فتاوى الشيخ قاسم وما كان من شرط معتبر في الوقف فليس للواقف تغييره ولا تخصيصه تقرره ولا سيما بعد الحكم اه. فقد ثبت أن الرجوع عن الشروط لا يصح إلا التولية ما لم يشرط ذلك لنفسه فله تغيير المشروط مرة واحدة إلا أن ينص على أنه يفعل ذلك كلما بدا له وإلا إذا كانت المصلحة اقتضته فاغتنم هذا التحرير قوله: (فإنها) (1) أي الكناية كما يعلم مما بعده والمراد بها الضمير وتسمية الضمير كناية اصطلاح الكوفيين أفاده ط قوله: (لأقرب المكنيات) أي لأقرب المذكورات التي يمكن أن يكون الضمير كناية عنها. مطلب في أن الأصل عود الضمير إلى أقرب مذكور قوله: (بمقتضى الوضع) أي الأصل وهو عود الضمير إلى أقرب مذكور إليه. قلت: وهذا الأصل عند الخلو عن القرائن. مطلب فيما إذا قال على أولادي وأولاد أولادي الذكور ولذا قال في الخيرية سئل عمن وقف على ولده حسن وعلى من يحدث له من الأولاد ثم على أولاده الذكور ثم على أولاده الإناث وأولادهن ثم حدث للواقف ولد اسمه محمد ثم مات حسن المذكور فهل الضمير في يحدث له راجع إلى حسن لأنه أقرب مذكور أم إلى الواقف فيدخل محمد فأجاب مفتي الحنفية بمصر مولانا الشيخ حسن الشرنبلالي بأنه راجع إلى الواقف ثم قال في الخيرية إن هذا مما لا يشك ذو فهم فيه إذ هو الأقرب إلى غرض الواقف مع صلاحية اللفظ له. مطلب إذا كان للفظ محتملان تعين أحدهما بغرض الواقف وقد تقرر في شروط الواقفين أنه إذا كان للفظ محتملان تعين أحدهما بالغرض وإذا أرجعنا الضمير إلى حسن لزم حرمان ولد الواقف لصلبه واستحقاق أولاد أولاد البنات وفيه غاية البعد ولا تمسك بكونه أقرب مذكور لما ذكرنا من المحظور وهذا لغاية ظهوره غني عن الاستدلال اه. قوله (وكذلك مسائل ثلاث) أي يعتبر فيها الأقرب وإن لم يكن هناك ضمير فإن الثانية والثالثة لا ضمير فيهما ط قوله: (فالهاء لعمرو فقط) أي فلا يدخل نسل زيد زاد الإمام الخصاف فإن قال على عبد الله وزيد وعمرو ونسلهما فالغلة لعبد الله وزيد وعمرو ونسل زيد وعمرو دون نسل عبد الله اه. قوله: (فالذكور راجع لولد الولد فحسب) أي فقط أي للمضاف المعطوف دون
(1) قوله: (فإنها الخ) هكذا بخطه والذي في نسخ الشارح فالهاء وهو الأوفق بما يأتي لا سيما ولا مرجع في الشارح الضمير في قوله فإنها اه. مصححه. 662 المضاف إليه دون المعطوف عليه فقوله على ولدي بقي شاملا للذكور والإناث من صلبه وقوله وولد ولدي الذكور يختص بالذكور من أولاد الذكور والإناث أي بالمضاف فقط لأنه أقرب مذكور ولا يقال المضاف إليه أقرب مذكور لأنا نقول الأصل عود الضمير على المضاف كما إذا قلت جاء غلام زيد وأكرمته أي الغلام لأنه المحدث عنه والمضاف إليه ذكر معرفا للمضاف غير مقصود بالحكم ويحتمل أن يكون قوله فحسب احترازا عن رجوعه للمضاف إليه فقط فلا ينافي رجوعه للمعطوف عليه أيضا وهذا وإن كان بعيدا من فحوى العبارة لكنه هو الموافق لما نص عليه هلال بقوله قلت أرأيت إن قال على ولدي وولد ولدي الذكور قال فهي لمن كان ذكرا من ولده وولد ولده قال الذكور من ولد البنين والبنات قال نعم اه. فقد جعله قيدا للمعطوف والمعطوف عليه دون المضاف إليه ومثله في الإسعاف ونصه ولو قال على ولدي وولد ولدي الإناث يكون للإناث من ولده دون ذكورهم والإناث من ولد الذكور والإناث وهن فيهما سواء اه. وهو المتبادر من كلام الخصاف أيضا لكن يأتي أن الوصف ينصرف إلى ما يليه عندنا وهو مؤيد للاحتمال الأول في عبارة جواهر الفتاوى ومقتضى كلام الأشباه أنه قيد للمضاف إليه فقط وتمام تحرير المقام في كتابنا تنقيح الحامدية فراجعه. مطلب إذا تقدم القيد يكون لما قبل العاطف قوله: (وعكسه وقفت إلخ) عكس مبتدأ والجملة بعده أريد بها لفظها خبر والمراد أنه عكس ما قبله في كون القيد فيه متقدما فيكون لما قبل العاطف بخلاف ما تقدم فإن القيد فيه متأخر فيكون لما بعد العاطف فالضمير في قوله لأنه أقرب وفي قوله فيصرف عائد للقيد وهو لفظ بني لا لعمرو كما وهم ومقتضى كلامه أن الوصف يعود إلى ما يليه سواء تأخر أو تقدم فإذا قال على فقراء أولادي أو جيراني ينصرف إلى الأول فقط وكذا لو قال على ذكور أولادي وأولادهم فيدخل فيه الإناث من أولاد الذكور يؤيده أن الأصل العطف على المضاف ولم أر ما لو توسط الوصف مثل على أولادي الذكور وأولاد أولادي والظاهر انصرافه للأول فقط فيخص الذكور لصلبه ويعم الذكور والإناث من أولاد أولاده الذكور والإناث نعم لو قال وأولادهم يخص الذكور والإناث من أولاد الذكور لعود الضمير إليهم وفي الإسعاف لو قال على الذكور من ولدي وعلى أولادهم فهي للذكور من ولده لصلبه ولولد الذكور إناثا كانوا أو ذكورا دون بنات الصلب فلا تعطى البنت الصلبية وتعطى بنت أختها ولو قال على ذكور ولدي وذكور ولدي يكون للذكور من ولده لصلبه وللذكور من ولد ولده ويكون الذكور من ولد البنين والبنات فيه سواء ولا يدخل أنثى من ولده ولا ولد ولده ولو قال على ولدي وعلى أولاد الذكور من ولدي يكون على ولده لصلبه الذكور والإناث وعلى الذكور والإناث من ولد الذكور من ولده ولا يدخل بنات الصلب (1) اه. قوله هذا هو الصحيح) راجع لأصل المسألة ومقابله القول بأن الكناية تنصرف
(1) قوله: (ولا يدخل بنات الصلب) أي لا يدخلن في الوالدين: أي لا يستحق أولادهن في هذا الوقف شيئا، وليس المراد نفي دخولهن أنفسهم في الوقف حتى ينافي التعميم في الولد كما توهم اه. 663 للواقف لا لابنه كما أفاده كلام المنح قبيل هذا الفصل والظاهر أن الخلاف في باقي المسائل كذلك. مطلب الوصف بعد جمل يرجع إلى الأخير عندنا قوله: (قلت وقدمنا) أي في هذا الفصل حيث قال الوصف بعد الجمل يرجع إلى الأخير عندنا إلخ ويأتي قريبا وهذا تأييد لقوله فالذكور راجع لولد الولد فحسب لكن علمت مخالفته لكلام هلال والإسعاف قوله: (عندنا) وعند الشافعي للجميع إن لم يعطف بثم كما مر ويأتي قوله (من باب المحرمات) أي في كتاب النكاح قوله: (وهو الأصل) أي انصراف الشرط إلى المتعاطفين عندنا وعند الشافعية قوله: (في الشرط المصرح به) مثل فلانة طالق وفلانة إن دخلت الدار فيكون دخول الدار شرطا لطلاقهما لا للمعطوف فقط اه. ط قوله: (والاستثناء بمشيئة الله تعالى) لأنه شرط حقيقة وإن سمي استثناء عرفا واحترز به عن الاستثناء بإلا ففي التلويح إذا ورد الاستثناء عقيب جمل معطوف بعضها على بعض بالواو فلا خلاف في جواز رده إلى الجميع والأخير خاصة وإنما الخلاف في الظهور عند الإطلاق فذهب الشافعي أنه ظاهر في العود إلى الجميع وذهب بعضهم إلى التوقف وبعضهم إلى التفصيل ومذهب أبي حنيفة أنه ظاهر في العود إلى الأخيرة اه. والمراد بالتفصيل هو أنه إن استقلت الثانية عن الأول بالإضراب عنها فللأخيرة وإلا فللجميع واحترز بالجمل عن الاستثناء عقيب مفردات فإنه للكل اتفاقا كما في شرح التحرير مثال الأول وقفت داري على أولادي ووقفت بستاني على إخوتي إلا إذا خرجوا ومثال الثاني وقفت داري على أولادي وأولادهم إلا إذا خرجوا قوله: (فتصرف إلى ما يليه) أي إلى ما يلي العاطف وهو المعطوف المتأخر وهو الأوجه من صرفها للجميع كما في تحرير ابن الهمام قوله: (نحو جاء زيد وعمرو العالم) لا يخفى أن الوصف هنا لا يمكن صرفه للجميع وإن أمكن للأول لكنه غير محل الخلاف فالمناسب تمثيل ابن الهمام بقوله كتميم وقريش الطوال فعلوا فإن الطوال جمع طويل يمكن صرفه للمتعاطفين وللأخير فقط والثاني مذهبنا وهو الأوجه كما علمت والأول مذهب الشافعي قال في جمع الجوامع وشرحه الصفة كالاستثناء في العود إلى كل المتعدد على الأصح ولو تقدمت نحو وقفت على أولادي وأولادهم المحتاجين ووقفت على محتاجي أولادي وأولادهم فيعود الوصف في الأول إلى الأولاد مع أولادهم وفي الثاني إلى أولاد الأولاد مع الأولاد وقيل لا أما المتوسطة نحو وقفت على أولادي المحتاجين وأولادهم فالمختار اختصاصها بما وليته ويحتمل أن يقال تعد إلى ما وليها أيضا اه. مطلب الشرط والاستثناء يرجع إلى الكل اتفاقا لا الوصف فإنه للأخير عندنا تنبيه حاصل ما مر أن كلا من الشرط والاستثناء والوصف يعود إلى المتعاطفين جميعا عند الشافعي وكذا عندنا إلا الوصف فإلى الأخير فقط لكن علمت مخالفته لما قدمناه عن هلال وغيره.
664 مطلب على أن من مات عن ولد من قبيل الشرط وقد سئل المصنف عمن وقف على أولاده وعددهم على الفريضة الشرعية وليس للإناث حق إلا إذا كن عازبات ثم على أولاد الموقوف عليهم ثم على أولادهم ونسلهم على أن من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده فهل هذا الشرط راجع للكل أو للجملة الثانية المعطوفة بثم وما بعدها لطول الفصل بين الأولى والثانية وهو قوله ليس للإناث حق إلخ أجاب صرح أصحابنا بأن قوله على أن كذا من قبيل الشرط لما فيها من معنى اللزوم ووجود الجزاء يلازمه وجود الشرط كما قال تعالى {يبايعنك على أن لا يشركن} (الممتحنة 12) أي بشرط أن لا يشركن وبأن الشرط إذا تعقب جملا يرجع إلى الكل بخلاف الصفة والاستثناء فإلى الأخير عندنا ولم يفرق أصحابنا بين العطف بالواو والعطف بثم وعلى هذا فيعود نصيب من مات عن ولد لولده عملا بالشرط المذكور وهو الموافق لغرض الواقفين اه. ملخصا وظاهره أن طول الفصل المذكور لا يضر أيضا قوله: (إن كان إذا العطف بواو) قال العراقي في فتاواه وقد أطلق أصحابنا في الأصول والفروع العطف ولم يقيدوه بأداة وممن حكى الإطلاق إمام الحرمين والغزالي والشيخان وزاد بعضهم على ذلك فجعل ثم كالواو كالمتولي حكاه عنه الرافعي ومثل إمام الحرمين المسألة بثم ثم قيدها بطريق البحث بما إذا كان ذلك بالواو وتمامه فيه حموي قوله: (إلى الأخير) متعلق برجعا إذا الذي هو جواب أما. مطلب في تحرير الكلام على دخول أولاد البنات قوله (ولو على البنين وقفا يجعل إلخ) يعني لو قال على بني وله بنون وبنات يدخل فيه البنات لأن البنات إذا جمعن مع البنين ذكرن بلفظ التذكير ولو له بنات فقط أو قال على بناتي وله بنون لا غير فالغلة للمساكين ولا شئ لهم وتمامه في الإسعاف وهذا البيت يغني عنه البيتان الأخيران قوله: (وولد الابن كذاك البنت) أي كذاك ولد البنت فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على جره اه ح. أي لو وقف على ذريته يدخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات قوله: (لو وقف الوقف على الذرية) أي لو قال على ذرية زيد أو قال على نسله أبدا ما تناسلوا يدخل فيه ولده وولد ولده وولد البنين وولد البنات في ذلك سواء خصاف قوله: (من غير ترتيب إلخ) أي إن لم يرتب بين البطون تقسم الغلة يوم تجئ على عددهم من الرجال والنساء والصبيان من ولده لصلبه والأسفل درجة بالسوية بلا تفضيل ثم كلما مات أحد منهم سقط سهمه وتنقض القسمة وتقسم بين
665 من يكون موجودا يوم تأتي الغلة أما لو رتب بأن قال يقدم البطن الأعلى على الذين يلونهم ثم الذين يلونهم بطنا بعد بطن اعتبر شرطه وتمامه في الخصاف قوله: (ولو على أولاده الخ) اعلم أنهم ذكروا أن ظاهر الرواية المفتى به عدم دخول أولاد البنات في الأولاد مطلقا أي سواء قال على أولادي بلفظ الجمع أو بلفظ اسم الجنس كولدي وسواء اقتصر على البطن الأول كما مثلنا أو ذكر البطن الثاني مضافا إلى البطن الأول المضاف إلى ضمير الواقف كأولادي وأولاد أولادي أو العائد على الأولاد كأولادي وأولادهم على ما في أكثر الكتب وقال الخصاف يدخلون في جمع ما ذكر وقال علي الرازي إن ذكر البطن الثاني بلفظ اسم الجنس المضاف إلى ضمير الواقف كولدي وولد ولدي لا يدخلون وإن بلفظ الجمع المضاف إلى ضمير الأولاد كأولادي وأولاد أولادهم دخلوا وقال شمس الأئمة السرخسي لا يدخلون في البطن الأول رواية واحدة وإنما الخلاف في البطن الثاني وظاهر الرواية الدخول لأن ولد الولد اسم لمن ولده ولده وابنته ولده فمن ولدته بنته يكون ولد ولده حقيقة بخلاف ما إذا قال على ولدي فإن ولد البنت لا يدخل في ظاهر الرواية لأن اسم الولد يتناول ولده لصلبه وإنما يتناول ولد الابن لأنه ينسب إليه عرفا وهو اختيار لقول هلال وصححه في الخانية مستندا لكلام محمد في السير الكبير وفي الإسعاف أنه الصحيح وجزم به قاضي القضاة نور الدين الطرابلسي وتلميذه الشلبي وابن الشحنة وابن نجيم والحانوتي وغيرهم من المتأخرين وكذا الخير الرملي في موضع من فتاواه وخالف في موضع آخر وتمام تحرير ذلك وترجيح ما جنح إليه المتأخرون في كتابي تنقيح الحامدية وقدمنا في الجهاد بعض ذلك. ثم رأيت في فتاوى الكازروني جوابا مطولا للعلامة الشيخ علي المقدسي ملخصه أن المحقق ابن الهمام قال في الفتح ولو ضم إلى الولد ولد الولد فقال على ولدي وولد ولدي اشترك الصلبيون وأولاد بنيه وأولاد بناته كذا اختاره هلال والخصاف وصححه في الخانية وأنكر الخصاف رواية حرمان أولاد البنات وقال لم أجد من يقول برواية ذلك عن أصحابنا وإنما روى عن أبي حنيفة فيمن أوصى بثلث ماله لولد زيد فإن وجد له ولد ذكور وإناث لصلبه يوم موت الموصي كان بينهم وإن لم يكن له ولد لصلبه بل ولد ولد من أولاد الذكور والإناث كان لأولاد الذكور دون أولاد الإناث فكأنهم قاسوه على ذلك وفرق شمس الأئمة بينهما بالفرق المشهور المذكور في الخانية وغيرها أي ما قدمناه عنه فهذا ابن الهمام المعروف بالتحقيق عند الخاص والعام قد اعتمد على هؤلاء الأئمة العظام أما هلال فإنه تلميذ أبي يوسف وأما الخصاف فقد شهد له بالفضل شمس الأئمة الحلواني فقال إن الخصاف إمام كبير في العلوم يصح الاقتداء به وقد اقتدى به أئمة الشافعية وأما قاضيخان وشمس الأئمة فما في الطبقات يغني عن التطويل وإذا كان مثل الإمام الخصاف لم يجد من يقوم برواية حرمان أولاد البنات في صورة ولدي وولد ولدي يعلم أن الصورة التي بلفظ الجمع ليس فيها اختلاف رواية قطعا بل دخول أولاد البنات فيها رواية
666 واحدة فعن هذا قال شيخ مشايخنا السري ابن الشحنة ينبغي أن تصحح رواية الدخول قطعا لأن فيها نص محمد عن أصحابنا والمراد بهم أبو حنيفة وأبو يوسف وقد انضم إلى ذلك أن الناس في هذا الزمان لا يفهمون سوى ذلك ولا يقصدون غيره وعليه عملهم وعرفهم مع كونه حقيقة اللفظ وقد وقع لشيخ مشايخنا الصدر الأجل المولى ابن كمال باشا مثل ما وقع ابن الهمام من الاعتماد على هؤلاء الأئمة العظام. قال ويقطع عرق شبهة الاختلاف في صورة أولاد أولادي ما نقله في الذخيرة عن شمس الأئمة السرخسي أن أولاد البنات يدخلون رواية واحدة وإنما الروايتان فيما إذا قال آمنوني على أولادي اه. وبهذا البيان اتضح أن ما وقع في بعض الكتب ك التجنيس والواقعات والمحيط الرضوي من ذكر الخلاف في العبارة المذكورة من قبيل نقل الخلاف في إحدى الصورتين قياسا على الأخرى مع قيام الفرق بينهما وما ذكروه في التعليل من أن ولد البنت ينسب لأبيه لا يساعدهم لأنه إن أريد أن الولد لا ينسب إلى الأم لغة وشرعا فلا وجه له إذ لا شبهة في صحة قول الواقف وقفت على أولاد بناتي وإن أريد لا ينسب إليها عرفا فلا يجدي نفعا في عدم دخول ولد البنت في الصورة المذكورة لما عرف أن دخوله فيها بحكم العبارة لا بحكم العرف والدخول بحكم العرف إنما هو في صورتي الوجه الأول وهما ولدي وأولادي والتعليل المذكور ينطلق عليهما وقد ذكر شيخ الإسلام ابن الشحنة أن العرف موافق للحقيقة اللغوية فيجب المصير إليه والتعويل عليه اه. وقد أجاب العلامة الحانوتي بمثل ما قاله المقدسي قوله يشترك الإناث والذكور) أي عند الاجتماع تغليبا للمذكر على المؤنث. مطلب في مسألة السبكي الواقعة في الأشباه في نقض القسمة والدرجة الجعلية قوله: (ومما يكثر وقوعه إلخ) اعلم أن هذه المسألة وقع فيها اختلاف واشتباه ولا سيما على صاحب الأشباه ولما رأيت الأمر كذلك جمعت فيها حين وصولي إلى هذا المحل رسالة سميتها (الأقوال الواضحة الجلية في مسألة نقض القسمة ومسألة الدرجة الجعلية) وكنت ذكرت شيئا من ذلك في كتاب تنقيح الحامدية وأوضحت فيه المسألتين بما تقر به العين فمن أراد الوقوف على حقيقة الأمر فليرجع إلى هذين التأليفين هذا فإن ذلك يستدعي كلاما طويلا ولنذكر لك خلاصة ذلك باختصار. وذلك أنه إذا وقف على أولاده ثم على أولادهم وهكذا مرتبا بين البطون وشرط أن من مات عن ولد فنصيبه لولده أو عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته ومن مات قبل استحقاقه لشئ وله ولد قام ولده مقامه واستحق ما كان يستحق لو بقي حيا فمات الواقف أو غيره عن عشرة أولاد مثلا ثم مات أحدهم عن ولد يعطى سهمه لولده عملا بالشرط فلو مات بعده آخر عن ولد وعن ولد ولد مات والده في حياة أبيه فهل يعطى هذا الولد مع عمه حصة جده لأن الواقف جعل درجته درجة أبيه وهي درجته الجعلية فيشارك أهل الطبقة الأولى وهي درجة عمه أو لا يعطى له شيئا (1) أفتى
(1) قوله: (أو لا يعطى له شيئا) هكذا بخطه، ولعل الأوفق حذف كلمة له، اللهم إلا أن يجعل الجار والمجرور نائب فاعل يعطي على قلة لوجود المفعول به، أو يقرأ بالبناء الفاعل تأمل اه مصححه. 667 السبكي بعدم المشاركة وخص العم بحصة أبيه بناء على أن المتوفى في حياة والده لا يسمى موقوفا عليه ولا من أهل الوقف وإنما يعمل بشرطه الأول وهو كل من مات عن ولده فنصيبه لولده فكلما مات واحد من العشرة يعطى سهمه لولده دون ولد ولده الذي مات قبل الاستحقاق إلى أن يموت العاشر من الطبقة العليا فإذا مات هذا العاشر عن ولد لا يعطى نصيبه لولده بل تنقض القسمة ويقسم على البطن الثاني قسمة مستأنفة ويبطل قول الواقف من مات عن ولده فنصيبه لولده ويرجع إلى العمل بقوله ثم على أولادهم حيث رتب بين الطبقات وبعد ذلك فكل من مات من البطن الثاني عن ولده فنصيبه لولده وهكذا إلى أن يموت آخر هذه الطبقة الثانية فتبطل القسمة وتستأنف قسمة أخرى على الطبقة الثالثة وهكذا إلى آخر الطبقات كما نص عليه الخصاف وغيره. لكن السبكي قسم على الموتى من كل طبقة عند استئناف القسمة وأعطى حصة كل ميت لأولاده وأما الخصاف فقسم على عدد أهل الطبقة التي تستأنف القسمة عليها ولم ينظر إلى أصولهم فهذا خلاصة ما قاله السبكي وخالفه الجلال السيوطي فاختار أن ولد من مات قبل الاستحقاق يقوم مقام والده عملا بالشرط ويستحق من جده مع أعمامه وأنه إذا مات أحد من أعمامه عن غير ولد استحق معهم أيضا لأن عدم كونه من أهل الوقف ممنوع بل صريح قول الواقف ومن مات من أهل الوقف قبل استحقاقه أنه منهم فأهل الوقف يشمل المستحق ومن كان بصدد الاستحقاق وأنه إذا مات آخر من في الطبقة عن ولد يعطى سهمه لولده (1). وحاصله أنه خالفه في شيئين أحدهما أن أولاد المتوفى في حياة والده لا يحرمون مع بقاء الطبقة الأولى بل يستحقون معهم عملا باشتراط الدرجة الجعلية ثانيهما أنه إذا انقرضت الطبقة لا تنقض القسمة كما هو صريح إعطائه سهم آخر من مات من الطبقة لولده فقوله في الأشباه أنه وافق السبكي على نقض القسمة غير صحيح. ثم إن صاحب الأشباه قال إن مخالفته للسبكي في أولاد المتوفى في حياة أبيه واجبة وأما نقض القسمة بعد انقراض كل بطن فقد أفتى به بعض علماء العصر وعزوه للخصاف ولم يتنبهوا للفرق بين صورتي الخصاف والسبكي فإن صورة السبكي ذكر فيها العطف بكلمة ثم بين الطبقات وصورة الخصاف قال فيها وقف على ولده وولد ولده ونسلهم مرتبا أي قائلا على أن يبدأ بالبطن الأعلى ثم بالذين يلونهم ثم الذين يلونهم بطنا بعد بطن فصدر مسألة الخصاف اقتضى اشتراك البطن الأعلى مع الأسفل وقوله على أن يبدأ بالبطن الأعلى إخراج بعد الدخول وصدر مسألة السبكي اقتضى عدم الاشتراك للعطف بثم لا بالواو فنقض القسمة خاص بمسألة الخصاف
(1) قوله: (يعطي سهمه لولده) ولا تنقض القسمة إذ لا فائدة في نقضها، لأن السبكي إنما نقضها لأجل إدخال ولد من مات والده قبل الاستحقاق، والسيوطي أدخله في درجة أبيه: فلو قال بنقض القسمة لم يكن هناك فائدة لأنه إذا نقض ينقض كالسبكي. بمعنى أنه يقسم أو لا على الأصول الأموات، ويعطي نصيب كل منهم لولده ويعد من مات قبل الاستحقاق مع الأصول المقسوم عليهم، ويعطي لولده الذي من درجة أبيه فالداعي القسمة إنما هو إعطاء من كان محروما ولا يحرم في رأي السيوطي، فلا داعي النقض، لأن الظاهر اتفاقهما على معنى القسمة لإنهما مذهبان اه. 668 دون مسألة السبكي فكيف يصح أن يستدل بكلام الخصاف على مسألة السبكي وحاصله أنه إن عبر بالواو بين الطبقات مرتبا بعده بأن يبدأ بالبطن الأعلى تنقض القسمة عند انقراض كل بطن كما قاله الخصاف وإن عبر بثم لا يصح القول بنقض القسمة خلافا للسبكي بل كلما مات أحد عن ولد يعطى سهمه لولده في جميع البطون هذا خلاصة ما قاله في الأشباه وقد رد عليه جميع من جاء بعده حتى إن العلامة المقدسي ألف في الرد عليه رسالة مستقلة ذكرها الشرنبلالي في مجموع رسائله وحقق فيها عدم الفرق في نقض القسمة بين العطف بثم والعطف بالواو المقترنة بما يفيد الترتيب وقال قد أفتى بذلك جماعة من أفاضل الحنفية والشافعية منهم السري عبد البر بن الشحنة الحنفي ونور الدين المحلي الشافعي وبرهان الدين الطرابلسي الحنفي ونور الدين الطرابلسي الحنفي وشهاب الدين الرملي الشافعي والبرهان بن أبي شريف الشافعي وعلاء الدين الإخميمي وغيرهم. قلت: وأفتى بذلك أيضا العلامة ابن الشلبي في سؤال مرتب بثم وقال الصواب نقض القسمة كما اقتضاه صريح كلام الخصاف ولا أعلم أحدا من مشايخنا خالفه في ذلك بل وافقه جماعة من الشافعية وغيرهم اه. وقد أيد العلامة ابن حجر في فتاواه القول بنقض القسمة على نحو ما مر عن الخصاف ونقل مثله عن الإمام البلقيني وغيره في صورة الترتيب بثم فقد تحرر بهذا أن الصواب القول بنقض القسمة بلا فرق بين العرف بثم أو بالواو المقترنة بما يفيد الترتيب وأن اشتراط الدرجة الجعلية معتبر لكن الذي عليه جمهور العلماء قيام من مات في حياة والده قيام والده في الاستحقاق من سهم جده وأما دخوله في الاستحقاق من عمه ونحوه ممن هو في درجة أبيه المتوفى قبل الاستحقاق فقد وقع فيه معترك عظيم بين العلماء فمنهم من قال بدخوله في الموضعين وهو اختيار السيوطي كما مر ووافقه جماعة كثيرون واعتمده الشرنبلالي وألف فيه رسالة تبع فيها العلامة المقدسي وأفتى جماعة كثيرون من أئمة المذاهب الأربعة بعدم دخوله في الثاني وهو الذي حققته في الرسالة وفي تنقيح الحامدية والله سبحانه أعلم فاغتنم توضيح هذا المحل وأشكر مولاك عز وجل قوله: (أفتى السبكي بالمشاركة وخالفه السيوطي) العبارة مقلوبة كما ظهر لك مما قررناه فإن السبكي أفتى بعدم المشاركة وبنقض القسمة والسيوطي خالفه في الأمرين لا في أحدهما خلافا الأشباه قوله: (وهذه المخالفة واجبة) أي يجب القول بمشاركته لأهل درجة أبيه على التفصيل الذي قلناه أو مطلقا قوله: (فبالواو) أي المقترنة بما يفيد الترتيب بين الطبقات وقوله يشارك صوابه تنقض القسمة قوله: (بخلاف ثم) فإن القسمة لا تنقض فيها بانقراض كل طبقة وقد علمت أن الصواب نقض القسمة في الموضعين قوله: (ولقد أفتيت إلخ) أفتى بمثله الحانوتي قوله: (بأنه ينتقل نصيبها لهما) أي إذا وجد في كلام الواقف ما يدل على
669 انتقال نصيب الميت لولده قوله: (وفي الإسعاف الخ) هذا كله إلى الفصل ساقط من بعض النسخ ويدل على أنه لم يوجد في أصل النسخة ما فيه من التكرار بإعادة الحادثة التي أفتى بها قوله: (إلا أن يكون أزواجهن من ولد ولده) استثناء من قوله دون الإناث وهذا دليل ما أفتى به وهو مراده من قوله كما يعلم من الإسعاف وهذا يؤيد سقوط هذه الجملة من أصل النسخة قوله: (كل من يرجع إلخ) توضيح لما قبله ط وسيذكر في الفصل الآتي تفسير العقب والنسل والآل والجنس ويأتي الكلام عليه والله سبحانه أعلم. فصل فيما يتعلق في وقف الأولاد ما قدمه عن جواهر الفتاوى وما بعده إلى هنا من متعلقات هذا الفصل فكان المناسب ذكره فيه. قوله: (وعبارة المواهب) أي مواهب الرحمن للعلامة برهان الدين إبراهيم الطرابلسي صاحب الإسعاف قوله: (في الوقف على نفسه أي في فصل الوقف على نفسه وظاهره أن جميع ما ذكره عبارة المواهب وليس كذلك لأن أكثر ما ذكره هنا لم يذكر في المواهب قوله: (جعل ريعه لنفسه إلخ) تقدم في قول المتن وجاز جعل غلة الوقف لنفسه عند الثاني قوله: (ثم وثم) حكاية لما يذكره الواقف من العطف بثم في وقفه كقوله ثم بعدي على أولادي ثم على أولادهم وهذا لا مدخل له في نقل الخلاف لأن الخلاف في جعله الريع لنفسه لا لأولاده ونحوهم نعم من جعل الوقف على النفس باطلا أبطل ما عطف عليه أيضا قوله: (كجعله لولده) متعلق بقوله جاز لكن لا بقيد كونه عند الثاني كما علمت قوله: (ولكن يختص بالصبي) أي بالبطن الأول إن وجد فلا يدخل فيه غيره من البطون لأن لفظ ولدي مفرد وإن عم معنى بخلاف أولادي بلفظ الجمع على ما يأتي قوله (ويعم الأنثى) أي كالذكر لأن اسم الولد مأخوذ من الولادة وهي موجودة فيهما درر وإسعاف قوله: (ما لم يقيد بالذكر) في بعض النسخ بالذكور وهي كذلك في الدرر قوله
670 (ويستقل به الواحد) أي بأن كان له أولاد حين الوقف فماتوا إلا واحدا أو لم يكن له إلا واحد فإن ذلك الواحد يأخذ جميع غلة الوقف لأن لفظ ولدي مفرد مضاف فيعم بخلاف الواقف على بنيه فإن الواحد يستحق نصفها والنصف الآخر للفقراء لأن أقل الجمع اثنان كما في الإسعاف وقد مر في الفروع قوله: (فإن انتفى الصلبي) أي مات والأولى التعبير به قوله: (دون ولد الولد) لاقتصاره على البطن الأول ولا استحقاق بدون شرط إسعاف وإنما صرف للفقراء لانقطاع الموقوف عليه كما في الدرر وهذا يسمى منقطع الوسط كما قدمناه قوله: (فيختص بولد الابن) أي لا يشاركه في الغلة من دونه من البطون ويكون ولد الابن عند عدم الصلبي بمنزلة الصلبي درر أي لأنه ينسب إليه وفي الخصاف فإن لم يكن له ولد لصلبه ولا ولد ولد وكان له ولد وولد ولد فالغلة له ولمن كان أسفل من البطون والفرق بينه وبين الصلبي حيث لم يدخل مع الصلبي من هو أسفل أنه لما نزل إلى ثلاثة أبطن فقد صاروا مثل الفخذ والقبيلة كما لو قال لولد العباس بن عبد المطلب فهو لمن ينسب إلى العباس اه. ملخصا قوله (ولو أنثى) لأن لفظ الولد يعمها كما قدمه آنفا قوله: (في الصحيح) وهو ظاهر الرواية وبه أخذ هلال لأن أولاد البنات ينسبون إلى آبائهم لا آباء أمهاتهم بخلاف من الابن درر وقوله بخلاف ولد الابن أي فإنه يدخل فيه ولد البنت وقدمنا تحريره قوله: (ولو زاد ولد ولدي فقط) أي مقتصرا على البطن الأول والثاني قوله: (اقتصر عليهما) أي على البطنين قال في الدرر يشتركون في الغلة ولا يقدم الصلبي على ولد الابن لأنه سوى بينهما أي حيث لم يذكر ما يدل على الترتيب بخلاف ما إذا رتب كما يأتي ثم قال في الدرر ثم إذا انقرض الأولاد وأولادهم في الصورتين المذكورتين أي صورة الاقتصار على البطن الأول وصورة زيادة الثاني صرفت الغلة إلى الفقراء لانقطاع الموقوف عليه اه. أي لأنه في الصورتين لا يدخل البطن الثالث حيث لم يذكر الولد بلفظ الجمع قوله: (ولو زاد البطن الثالث) بأن قال على ولدي وولد ولدي وولد ولد ولدي درر قوله: (عم نسله) أي صرف إلى أولاده ما تناسلوا لا للفقراء ما بقي واحد من أولاده وإن سفل درر قوله: (ويستوي الأقرب والأبعد) أي يشترك جميع البطون في الغلة لعدم ما يدل على الترتيب وعلله الخصاف بأنه لما سمى ثلاثة أبطن صاروا بمنزلة الفخذ وتكون الغلة لهم ما تناسلوا قال ألا ترى أنه لو قال على ولد زيد وزيد قد مات وبيننا وبينه ثلاثة أبطن أو أكثر أن هؤلاء بمنزلة الفخذ والغلة لمن كان من ولد زيد وولد ولده ونسلهم أبدا قوله: (إلا أن يذكر ما يدل على الترتيب) بأن يقول الأقرب فالأقرب أو يقول على ولدي ثم على ولد ولدي أو يقول بطنا بعد بطن فحينئذ يبدأ بما بدأ به الوقف درر قوله: (كما لو قال الخ) مرتبط بقوله عم نسله وعبارة الدرر كذا أي صرف إلى أولاده ما تناسلوا لا الفقراء إذا قال على ولدي وأولاد أولادي أو قال ابتداء على أولادي يستوي فيه الأقرب والأبعد إلا أن يذكر ما يدل على الترتيب كما مر اه. قال محشيه عزمي زاده قوله أو قال ابتداء الخ هذا مخالف لما في الخانية رجل وقف أرضا على أولاده وجعل آخره للفقراء فمات بعضهم قال هلال يصرف
671 الوقف إلى الباقي فإن ماتوا يصرف إلى الفقراء لا إلى ولد الولد اه. وهو موافق لما في الخلاصة والبزازية وخزانة الفتاوى وخزانة المفتين والنتف. مطلب لو قال على أولادي بلفظ الجمع هل يدخل كل البطون نعم قال في الاختيار شرح المختار لو قال على أولادي يدخل فيه البطون كلها لعموم اسم الأولاد ولكن يقدم البطن الأول فإذا انقرض فالثاني ثم من بعدهم يشترك جميع البطون فيه على السواء قريبهم وبعيدهم اه. وقد استفتى عن ذلك بعض العلماء من المولى أبي السعود وأدرج في سؤاله عبارة واقعة في بعض الكتب موافقة لما مر عن الاختيار فأجاب عنه المولى المذكور بما حاصله إن هذه المسألة قد خطأ فيها رضي الدين السرخسي في محيطه واعتمد عليه صاحب الدرر اه. وما قاله حق مطابق للكتب المعتبرة كما تحققت وخلافه شاذ ثم إن ما في الدرر غير موافق لذلك القول الشاذ أيضا لأن مؤدى كلامهم تقديم البطن الأول ثم البطن الثاني ثم الاشتراك بين الأقرب والأبعد بخلاف ما يدل عليه كلام الدرر من استواء الأقرب والأبعد أولا وآخرا اه. ما في العزمية ملخصا وأفاد أن قول المفتي أبي السعود واعتمد عليه صاحب الدرر فيه نظر لأن كلام الدرر غير موافق لكل من القولين لكن جزم بمثله في فتح القدير والمقدسي في شرحه والأشباه في قاعدة الأصل الحقيقية نعم ما في الخانية وغيرها ذكره الخصاف أيضا. مطلب وقف على أولادهم وسماهم قوله: (ولكن سماهم) فقال على فلان وفلان وفلان وجعل آخره للفقراء درر. قلت: فلو كان أولاده أربعة وسمى منهم ثلاثة لم يدخل المسكوت عنه فلو قال ثم على أولادهم لم يدخل أولاد المسكوت عنه لعود الضمير في أولادهم إلى المسمين بخلاف ما إذا قال ثم على أولاد أولادي فإنهم يدخلون لأنه لم يضف إليهم ويدل عليه ما في الإسعاف لو قال على ولدي وأولادهم وأولاد أولادهم وله أولاد مات بعضهم قبل الوقف يكون على الأحياء وأولادهم فقط دون أولاد من مات قبل الوقف لأن الوقف لا يصح إلا على الأحياء ومن سيحدث دون الأموات وقد أعاد الضمير إلى أولاد الأحياء يوم الوقف دون غيرهم ولو قال على ولدي وولد ولدي وأولادهم دخلوا لقوله وولد ولدي فإن ولد من مات قبله ولد ولده اه ملخصا. فروع مهمة: قال على ولدي المخلوقين ونسلي فحدث له ولد لصلبه يدخل بقوله ونسلي بخلاف ما إذا قال ونسلهم فإن الحادث لا يدخل هو ولا أولاده ولو قال على ولدي المخلوقين ونسلهم وكل ولد يحدث لي فإنه يدخل الحادث دون أولاده ولو قال على ولدي المخلوقين ونسلهم ونسل من يحدث لي دخل أولاد الحادث دونه. ولو قال على ولدي المخلوقين وعلى أولاد أولادهم ونسلهم يدخل أولاد أولاده (1) بقوله ونسلهم وإن تجاوزهم ببطن بخلاف ما إذا قال على ولدي المخلوقين وعلى نسل أولادهم اه. ملخصا من الخصاف قوله: (صرف نصيبه للفقراء) لأنه وقف على كل واحد منهم
(1) قوله: (يدخل أولاده أولاده الخ) ويكون فيه إرجاع الضمير لغير القريب: قال شيخنا: ورأيت بعض المفتين خص القاعدة بالضمير المفرد، قال: وأما ضمير الجمع فيرجع الجميع، واستدل بهذا الفزع على ذلك اه. 672 بخلاف ما إذا وقف على أولاده ثم للفقراء أي ولم يسم الأولاد فمات بعضهم فإنه يصرف إلى الباقي لأنه وقف على الكل لا على كل واحد أفاده في الدرر قوله: (لم يختص ابنها) أي المتولي من الوقف بل يكون نصيبها لجميع الأولاد درر لكن مقتضى ما قدمناه في بيان المنقطع أن يصرف نصيبها إلى الفقراء تأمل قوله: (دخل الإناث على الأوجه) لأن جمع الذكور عند الاختلاط يشمل الإناث كما سلف ط قوله (لا يدخل البنون) وكذا لا تدخل الخنثى في الصورتين (1) لأنا لا نعلم ما هو هندية ط قوله: (فالغلة للمساكين) ولا شئ للبنات أو البنين لعدم صدق كل منهما على مدلول الآخر برهان ط قوله: (ويكون وقفا منقطعا) أي منقطع الأول قوله: (فإن حدث ما ذكر) أي بأن ولد له بنون في الأول أو بنات في الثاني عاد الوقف إليه أي إلى الحادث. مطلب في بيان طلوع الغلة الذي أنيط به الاستحقاق قوله: (ويدخل في قسمة الغلة الخ) قال في الفتح ثم المستحق من الولد كل من أدرك خروج الغلة عالقا في بطن أمه حتى لو حدث ولو بعد خروج الغلة بأقل من ستة أشهر استحق ومن حدث إلى تمامها فصاعدا لا يستحق لأنا نتيقن بوجود الأول في البطن عند خروج الغلة فاستحق فلو مات قبل القسمة كان لورثته وهذا في ولد الزوجة أما لو جاءت أمته بولد لأقل من ستة أشهر فاعترف به لا يستحق لأنه متهم في الإقراء على الغير أعني باقي المستحقين بخلاف ولد الزوجة فإنه حين يولد ثابت النسب قوله (مذ طلوع الغلة) قال في الفتح وخروج الغلة التي هي المناط وقت انعقاد الزرع حبا وقال بعضهم يوم يصير الزرع متقوما ذكره في الخانية وهذا في الحب خاصة وفي وقف الخصاف يوم طلعت الثمرة وينبغي أن يعتبر وقت أمانه العاهة كما في الحب لأنه بالانعقاد يأمن العاهة وقد اعتبر انعقاده وأما على طريقة بلادنا من إجارة أرض الوقف لمن يزرعها لنفسه بأجرة تستحق على ثلاثة أقساط كل أربعة أشهر قسط فيجب اعتبار إدراك القسط فهو كإدراك الغلة فكل من كان خلوقا قبل تمام الشهر الرابع حتى تم وهو مخلوق استحق هذا القسط ومن لا فلا اه. قوله: (لدون سنتين) أي من وقت الإبانة والعتق وإن كان لأكثر من ستة أشهر من وقت وجود الغلة لحكم الشرع بوجود الحمل قبل الطلاق والعتق لحرمة الوطء في العدة فيكون موجودا عند طلوع الغلة اه. ح قوله: (لثبوت نسبه بلا حل وطئها) هو معنى قولنا لحكم الشرع الخ
(1) (قوله وكذا لا تدخل الخنثى في الصورتين) أي صورة الوقف على البنات والتي قبلها: أي الوقف على البنين الشامل للذكر والأنثى، هذا هو المراد بالصورتين كما صرح به ط. قال شيخنا: لا وجه لحرمانه في صورة الوقف على البنين الشامل للذكر والأنثى لأنه لا يخرج عنهما ثم قال شيخنا: ينبغي أن يراد بالصورتين الصورة التي كتب عليها المحشي والتي بعدها: أي ما لو وقف على بنين وله بنات فقط أي فلا تدخل الخنثى في هذه الصورة اه. 673 وهو تعليل لقوله إلا إذا ولدت أي يدخل في قسمة الغلة إذا ولدت مبانته الخ والمراد دخوله في كل غلة خرجت في هذه المدة لتحقق وجوده عندها قوله (فلو يحل) أي وطؤها بأن كانت أم ولد غير معتقة أو زوجة أو معتدة رجعي قوله (فلا) أي لا يدخل إلا إذا ولدت لدون لستة أشهر من قوت الغلة ط. قوله (وتقسم بينهم بالسوية) يغني عنه قوله سابقا ويستوي الأقرب والأبعد الخ ط. مطلب قال للذكر كأنثيين ولم يوجد إلا ذكور فقط أو إناث فقط قوله: (وإن قال للذكر كأنثيين الخ) فيه اختصار وأصله ما في الإسعاف ولو قال بطنا بعد بطن للذكر مثل حظ الأنثيين فإن جاءت الغلة والبطن الأعلى على ذكور وإناث يكون بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وإن ذكورا فقط وإناثا فقط فبالسوية من غير أن يفرض ذكر مع الإناث أو أنثى مع الذكور بخلاف ما لو أوصى بثلث ماله لولد زيد بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وكانوا ذكورا فقط أو إناثا فقط فإنه يفرض مع الذكور أنثى ومع الإناث ذكر ويقسم الثلث عليهم فما أصابهم أخذوه وما أصاب المضموم إليهم يرد إلى ورثة الموصي والفرق أن ما يبطل من الثلث يرجع ميراثا إلى ورثة الموصي وما يبطل من الوقف لا يرجع ميراثا وإنما يكون للبطن الثاني وأنه لا حق له ما دام أحد من البطن الأعلى باقيا فعلم أن مراده بقوله للذكر مثل حظ الأنثيين إنما هو على تقدير الاختلاط لا مطلقا وعلى هذا أمور الناس ومعانيهم اه. قوله (فرض ذكر) كذا في كثير من النسخ وفي بعضها ذكرا بالنصب فيكون فرض مبنيا للفاعل قوله: (فالغلة لجميع ولده الخ) لأنه لم يرتب بين البطون ولم يفضل بين الذكور والإناث قوله: (ونصيب الميت لولده أيضا) أي ما أصاب الميت يأخذه ولده منضما إلى نصيبه لأنه استحقه من وجهين إسعاف وكذا يقال لو رتب بين البطون وشرط انتقال نصيب الميت لولده كما بسطه في الإسعاف قوله: (بالإرث) الأولى حذفه والاقتصار على ما بعده لأنه ليس إرثا حقيقة ولذا لو كان ولد الميت ذكرا وأنثى استحقه سوية نعم هو شبيه بالإرث من حيث انتقال نصيب الأصل إلى فرعه. مطلب مهم فيما لو شرط عود نصيب من مات لا عن ولد لأعلى طبقة قوله (ولو قال الخ) أي في صورة الترتيب بين البطون طبقة بعد طبقة كما صوره الخصاف وتبعه في الإسعاف وقوله أو سكت معطوف على قوله لو قال. والحاصل أن إذا رتب بين البطون لا يعطى للبطن الثاني ما لم ينقرض الأول إلا إذا شرط بعد ذلك أن من مات عن ولد فنصيبه لولده فيعطى لولده وإن كان من البطن الثاني فإن سكت عن بيان نصيبه لا يعطي لولده بل يرجع لأصل الغلة فيقسم على جميع المستحقين وكذا إذا بين نصيب من مات عن غير ولد بأن شرط عوده لأعلى طبقة أو لمن في درجته وطبقته أو لمن دونه اتبع شرطه فإن لم يوجد ما شرطه عاد نصيب ذلك الميت لأصل الغلة فيقسم على الجميع لا على الفقراء لأنه شرط تقديم النسل عليهم فلا حق لهم ما بقي أحد من نسله وكذلك لو سكت عن نصيب من مات فإنه يرجع إلى أصل الغلة.
674 قلت وبهذا ظهر لك أنه لو شرط عود نصيب من مات عن غير ولد إلى من في درجته الأقرب فالأقرب منهم كما هو الغالب في الأوقاف ولم يوجد في الدرجة أحد يرجع نصيبه إلى أصل الغلة لا إلى أعلى طبقة كما أفتى به كثيرون منهم الرملي ولا إلى الأقرب من أي طبقة كانت كما أفتى به آخرون منهم الرملي أيضا لأنه إنما اشترط الدرجة واشترط الأقرب من أهل الدرجة فإذا لم يوجد في الدرجة أحد لم يوجد شرطه فتلغو الأقربية أيضا وحيث لم يوجد الشرط يرجع نصيبه إلى أصل الغلة إذ لا فرق بين قوله لأعلى طبقة وقوله لمن في درجته فمن أفتى بخلاف ذلك فقد خالف ما نص عليه الخصاف وتبعه في الإسعاف ولم يستند أحد منهم إلى نقل يعارض ذلك فتعين الرجوع إلى المنصوص عليه كما أوضحت ذلك في تنقيح الحامدية بما لم أسبق إليه ثم بعد أيام من تحرير هذا المقام ورد علي السؤال من طرابلس الشام مضمونه أنه وجد في درجة المتوفى أولاد عم وفي الدرجة التي تحتها أولاد أخت وفيه فتاوى جماعة من أهل العصر تبعا لما في الخيرية بانتقال نصيب المتوفى إلى أولاد الأخت لأنهم أقرب نسبا وإن كانوا أنزل درجة وأفتيت بعوده لأولاد العم تبعا لما في الحامدية ولما نقله فيها عن البهنسي شارح الملتقى لأن الواقف إنما اشترط عود النصيب للأقرب من أهل درجة المتوفى لا إلى مطلق أقرب وأوضحت ذلك غاية الإيضاح في رسالة سميتها غاية المطلب في شرط الواقف عود النصيب إلى أهل درجة المتوفى الأقرب فالأقرب وبينت فيها ما وقع في جواب الرملي من الأوهام قوله (ولو أنثى) ذكر هلال روايتين في دخول أولاد البنات في النسل وكذا قاضيخان وصاحب المحيط ورجح كلا مرجحون كما يفيده كلام العلامة عبد البر اه ط. قوله: (والعقب للولد وولده من الذكور) أي أبدا ما تناسلوا فكل من يرجع بنسبه إلى الواقف بالآباء فهو من عقبه وكل من كان أبوه من غير الذكور من ولد الواقف فليس من عقبه إسعاف. مطلب في النسل والعقب والآل والجنس وأهل البيت والقرابة والأرحام والأنساب قوله: (كل من يناسبه) أي بآبائه إسعاف وهو مفاعلة من النسب أي من يداخله في نسبه بمحض الآباء إلى أقصى أب في الإسلام وهو الذي أدرك الإسلام أسلم أو لم يسلم فكل من يناسبه إلى هذا الأب من الرجال والنساء والصبيان فهو من أهل بيته كما في الإسعاف وكذا من آله وجنسه والمراد من كان موجودا منهم حال الوقف أو حدث بعد ذلك لأقل من ستة أشهر من مجئ الغلة كما في الفتح وقيل يشترط إسلام الأب الأعلى ففي العلوي أقصى أب له أدرك الإسلام هو أبو طالب فيدخل أولاده عقيل وجعفر وعلي أما على القول الآخر لا يدخل إلا أولاد علي لأنه
675 أول أب أسلم كما في التتارخانية قوله: (من قبل أبويه) أي من جهة أي واحد منهما قوله (خلافا لمحمد فعدهم منها) أي عد محمد من القرابة من علا من جهة أبويه ومن سفل من جهة ولده ويوهم هذا التعبير ضعفه مع أنه في الإسعاف قال وهو ظاهر الرواية عنهما وروى عنهما أنهم لا يدخلون. مطلب يعتبر في لفظ القرابة المحرمية والأقرب فالأقرب وقال ويدخل فيه المحارم وغيرهم من أولاد الإناث وإن بعدوا عندهما وعند أبي حنيفة تعتبر المحرمية والأقرب فالأقرب للاستحقاق اه. قلت: وقول الإمام هو الصحيح كما في القهستاني وغيره وعليه المتون في كتاب الوصايا ومحل الخلاف إذا لم يقل الأقرب فالأقرب لأنهم قالوا لو قال على أقاربي أو أقربائي أو أرحامي أو أنسابي أنه لا يكون لأقل من اثنين عند أبي حنيفة وعندهما يطلق على الواحد أيضا قال في شرح درر البحار وشرح المجمع الملكي عن الحقائق إذا ذكر مع هذه الألفاظ الأقرب فالأقرب لا يعتبر الجمع اتفاقا لأن الأقرب اسم فرد خرج تفسيرا للأول ويدخل فيه المحرم وغيره ولكن يقدم الأقرب لصريح شرطه اه. ونحوه في الذخيرة قوله: (وإن قيده بفقرائهم) أما لو قال من افتقر منهم قال محمد تكون لمن كان غنيا منهم ثم افتقر ونفيا اشتراط تقدم الغني ولو قال من احتاج منهم فهي لكل من يكون محتاجا وقت وجود الغلة سواء كان غنيا ثم احتاج أو كان محتاجا من الأصل ومثله المسكين والفقير إسعاف قوله: (وهو المجوز لأخذ الزكاة) أي الفقر هنا المجوز الخ لكن ذكر في الإسعاف بعده أنه لو كان ولد غني تجب نفقته عليه لا يدخل في الوقف بل قدمنا في الفروع عند قوله لو وقف على فقراء قرابته أنه لا بد أن يكون له أحد تجب نفقته عليه لأنه بالإنفاق عليه يعد غنيا في باب الوقف وذكر في الإسعاف أن الأصل أن الصغير يعد غنيا بغنى أبويه وجديه فقط والرجل والمرأة بغنى فروعهما وزوجها فقط وهذا مذهب أصحابنا قال الخصاف والصواب عندي إعطاؤهم وإن كان تفرض نفقتهم على غيرهم ورده هلال وتمامه فيه قوله: (فلو تأخر صرفها سنين الخ) لو وقف على أولاده فاستحقاق الغلة يعتبر يوم حدوث الغلة على قول عامة المشايخ لا يوم الوقف فالموجود منهم يوم الوقف والمولود بعده سواء إذا كان موجودا يوم حدوث الغلة وكذا لو وقف على فقراء قرابته فمن كان فقيرا يوم حدوث الغلة يعطى له ولو استغنى بعده أو كان غنيا قبله اه. وفي التتارخانية المستحق للغلة من كان فقيرا يوم تجئ الغلة عند هلال وبه نأخذ وفي الخانية وعليه الفتوى ثم ذكر بعده أن الخصاف يعتبر يوم القسمة لا يوم طلوع الغلة وقال في الفتح وفي وقف الخصاف لو اجتمعت عدة سنين بلا قسمة حتى استغنى قوم وافتقر آخرون ثم قسمت يعطى من كان فقيرا يوم القسمة ولا أنظر إلى من كان فقيرا يوم الغلة ثم استغنى اه. وبهذا ظهر لك أن قوله شارك المفتقر وقت القسمة الخ لا يتمشى على قول هلال ولا على قول الخصاف لأنه يقتضي أن من كان غنيا وقت الغلة ثم افتقر وقت القسمة يستحق مع من كان غنيا
676 وقت القسمة فقيرا وقت الغلة واستحقاق الأول ظاهر على قول الخصاف والثاني على قول هلال فالظاهر أن الصواب أن يقال لا يشارك بلا النافية فيكون كل من المسألتين على قول هلال المفتى به ويدل عليه قوله فلو تأخر الخ فإنه مفرع على قوله قبله يعتبر الفقر وقت وجود الغلة قوله: (لأن الصلات الخ) بكسر الصاد جمع صلة وهو تعليل لما فهم من اختصاص الاستحقاق بمن كان فقيرا وقت وجود الغلة بناء على ما قلنا من أن الصواب لا يشارك بلا النافية وهذا مؤيد له أيضا وبيان التعليل حينئذ أن من كان فقيرا وقت الغلة في هذه السنين يستحق غلة كل سنة ولا يصير غنيا بما يستحقه لأنه صلة لا تملك إلا بالقبض فإذا جاء يوم القسمة وكان غنيا يأخذ ما استحقه في السنين الماضية بصفة الفقر لأن طرو الغنى لا يبطل ذلك كما لو مات بعد طلوع الغلة فإن نصيبه منها لا يبطل بالموت بل يصير ميراثا لورثته قوله: (فلا حظ له) أي من هذه الغلة التي خرجت وهو حمل في بطن أمه قوله (لعدم احتياجه) لأن الفقير هو المحتاج والحمل غير محتاج بخلاف الوقف على أولاده فإنه يدخل الحمل لتعلق الاستحقاق بالنسب وهنا بالفقر قوله: (وقيل يستحق) هذا قول الخصاف والأول قول هلال. مطلب تفسير في الصالح قوله: (ولو قيده بصلحائهم) الصالح من ولم يكن مهتوكا ولا صاحب ريبة وكان مستقيم الطريقة سليم الناحية كامن الأذى قليل الشر ليس بمعاقر للنبيذ ولا ينادم عليه الرجال ولا قذافا للمحصنات ولا معروفا بالكذب فهذا هو الصلاح عندنا ومثله أهل العفاف والخير والفضل، ومن كان أمره على خلاف ما ذكرنا فليس هو من أهل الصلاح ولا العفاف. إسعاف. مطلب المراد بالأقرب فالأقرب قوله: (أو بالأقرب فالأقرب) أقرب الناس رحما لا الإرث والعصوبة كما في الخيرية وذكر في أنفع الوسائل أن أبا يوسف لم يعتبر لفظ أقرب في التقديم بل سوى بينه وبين الأبعد ثم قال وبالجملة إنه ضعيف لأنه يلزم منه إلغاء صيغة أفعل بلا دليل وإلغاء مقصود الواقف من تقديم الأقرب اه. فالمعتمد اعتبار الأقربية وهو المشهور وبه أفتى في الخيرية لكن أفتى في موضع آخر بخلافه حيث شارك جميع أهل الدرجة في وقف اشترط فيه تقديم الأقرب من أهل الدرجة والظاهر أنه ذهول منه عن هذا الشرط وإلا فهو ضعيف كما علمت وفي الإسعاف لو قال على أقرب الناس مني أو إلي ثم على المساكين وله ولد وأبوان فهي للولد ولو أنثى لأنه أقرب إليه من أبويه ثم تكون للمساكين دون أبويه لأنه لم يقل للأقرب فالأقرب ولو له أبوان فهي بينهما نصفين ولو له أم وإخوة فللأم وكذا لو له أم وجدة لأب ولو له جد لأب وإخوة فللجد على قول من يجعله بمنزلة الأب وعلى القول الآخر للإخوة لأن من ارتكض معه في رحم أو خرج معه من صلب أقرب إليه ممن بينه وبينه حائل ولو له أب وابن ابن فللأب لأنه أقرب من النافلة ولو له بنت بنت وابن ابن ابن فلبنت البنت لأن الوقف ليس من قبيل الإرث ولو قال على أقرب قرابة مني
677 وله أبوان وولد لا يدخل واحد منهم في الوقف إذ لا يقال لهم قرابة ولو قال على أقاربي على أن يبدأ بأقربهم إلي نسبا أو رحما ثم من يليه وله أخوان أو أختان يبدأ بمن لأبويه ثم بمن لأب ولو كان أحدهما لأب والآخر لأم يبدأ بمن لأبيه عنده وقالا هما سواء والخال أو الخالة لأبوين أولى من العم لأم أو لأب كعكسه والعم أو العمة لأبوين مقدم على الخال أو الخالة عند أبي حنيفة وعلى القول الآخر هما سواء ومن الأب منهما أولى ممن لأم عنده وعندهما سواء وحكم الفروع إذا اجتمعوا متفرقين كحكم الأصول وعندهما قرابته من جهة أبيه أو من جهة أمه سواء ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلطين ويقدم الأقرب فالأقرب منهم عملا بشرط الواقف اه. ملخصا وتمامه فيه. تنبيه: قد علم مما ذكرناه أن لفظ الأقرب لا يختص بالقرابة ما لم يقيد بها بأن يقول الأقرب من قرابتي أما لو قال على أقرب الناس مني يشمل القرابة وغيرها ولذا يدخل فيه الأبوان مع أنهما ليسا من القرابة وعلى هذا فلو قال على أن من مات عن غير ولد عاد نصيبه إلى من في درجته يقدم الأقرب فالأقرب في ذلك ووجد في درجته أولاد عم وفي الدرجة التي تحتها ابن أخت يصرف إلى أولاد عمه دون ابن أخته خلافا لما أفتى به في الخيرية حيث صرفه لابن الأخت لكونها أقرب وكون أولاد العم ليسوا رحما محرما ولا يخفى أنه خطأ لأن الأقرب لا يخص الرحم المحرم لأنه أعم من القرابة كما علمت وانظر ما قدمناه قبل ورقة عن الحقائق يظهر لك الحق قوله: (أو فالأحوج) قال الحسن في رجل أوصى بثلثه للأحوج فالأحوج من قرابته وكان فيهم من يملك مائة درهم مثلا ومن يملك أقل منها يعطى ذو الأقل إلى أن يصير معه مائة درهم ثم يقسم الباقي بينهم جميعا بالسوية قال الخصاف الوقف عندي بمنزلة الوصية إسعاف قوله: (أو بمن جاوره) لو قال على فقراء جيراني فهي عنده للفقير الملاصقة داره لداره الساكن هو فيها لتخصيصه الجار بالملاصق فيما لو أوصى لجيرانه بثلث ماله والوقف مثلها وبه قال زفر ويكون لجميع السكان في الدور الملاصقة له الأحرار والعبيد والذكور والإناث والمسلمون وأهل الذمة سواء وبعد الأبواب وقربها سواء ولا يعطى القيم بعضا دون بعض بل يقسمها على عدد رؤوسهم وعندهما تكون للجيران الذين يجمعهم محلة واحدة وتمام الكلام على ذلك في الإسعاف قوله: (ومن أحوجه حوادث زمانه) من هنا كتاب البيوع ساقط من بعض النسخ والظاهر سقوطه من نسخة الأصل خصوصا المسائل الآتية فإنها لا ارتباط لها بكتاب الوقف والظاهر أن الشارح لما انتهى إلى هنا بقي معه بياض ورق هو آخر الجزء فكتب فيه هذه المسائل لا على أنها من الكتاب فألحقها الناسخ به ويدل على ذلك أن الشارح في كتاب الدعوى ذكر عدة مسائل التي لا يحلف فيها المنكر ثم قال ولولا خشية التطويل لسردتها وهو وذكر نحوه قبل كتاب الدعوى وإلا كان الأولى أن يقول قدمتها في محل كذا لكن قوله في الآخرة فاغتنم هذا المقام فإنه من جواهر هذا الكتاب يقتضي أن مراده
678 جعلها منه إلا أن تكون هذه العبارة من حملة ما نقله عن زواهر الجواهر لا من كلامه والله سبحانه أعلم. قوله: (قول الأشباه) أي صاحبها ط. مطلب ذكر مسائل استطرادية خارجة عن كتاب الوقف قوله: (إلا في إحدى وأربعين) عبارة الأشباه وقد ذكرت في الشرح أن المستثنى اثنان وأربعون مسألة وبينتها مفصلة وكذا قال الشارح في كتاب الشهادات إلا في اثنين وأربعين وزاد ابن المصنف ثلاثة عشر أخر تركتها خشية التطويل قوله: (في الشرح المحال عليه) يعني البحر قوله (وشهد الآخر أنه أقر بألف درهم تقبل) هو قول أبي يوسف ورجحه الصدر وقالا لا تقبل ومثلها كما في خزانة الأكمل إذا شهد أحدهما بالطلاق والآخر بإقراره به وزاد في الولوالجية ما لو شهد أحدهما على قرض مائة درهم والآخر على الإقرار بذلك ط قوله: (بالردية) الأنسب بالرداءة اه. ح قوله: (يقضي بالبخارية بلا خلاف) ومثله لو شهد أحدهما بألف بيض والآخر بألف سود والمدعي يدعي الأفضل تقبل على الأقل ووجهه في المسائل الثلاث أنهما اتفقا على الكمية وانفرد أحدهما بزيادة وصف ولو كان المدعي يدعي الأقل لا تقبل إلا إن وفق بالإبراء وتمامه في فتح القدير بحر قوله (الرابعة الخ) ذكر في البحر أنه لا يشترط في الموافقة لفظا أن يكون بعين ذلك بل إما بعينه أو مرادفه حتى لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالعطية يقبل اه. وحينئذ لا وجه للاستثناء لكن قال في البحر بعد ذلك وقد خرج عن ظاهر قول الإمام مسائل وإن أمكن رجوعها إليه في الحقيقة وحينئذ فالاستثناء فيه مبني على ظاهر قول الإمام لا على ما هو التحقيق في المقام حموي. قوله: (الخامسة الخ) فيها ما تقدم في التي قبلها حموي قوله: (تقبل على الثلث) وهكذا الحكم لو شهد أحدهما بالكل والآخر بالنصف فإنه يقضي بالنصف المتفق عليه حموي ومحله ما إذا كان المدعي يدعي الأكثر ولا فرق بين كون المدعى عليه يقر بالوقف وينكر الاستحقاق أو ينكرهما وأقيمت البينة بما ذكر. ط قوله: (السابعة ادعى الخ) لأن في البيع يتحد الإنشاء ولفظ الإقرار جامع الفصولين وفي البحر لا خصوصية لبيع الوفاء ولا للبيع بل كل قول كذلك بخلاف الفعل والنكاح من الفعل قوله: (أنها كانت له تقبل) لأن الأصل بقاء ما كان على ما عليه
679 كان ط قوله: (ادعى ألفا مطلقا) أي غيره مقيد بقرض ولا وديعة قال في البحر وإن ادعى أحد السببين لا تقبل لأنه أكذب شاهده كذا في البزازية قوله: (فشهد أحدهما على إقراره بألف قرض الخ) بخلاف ما إذا شهد أحدهما بألف قرض والآخر بألف وديعة فإنها لا تقبل بحر عن البزازية. قلت: ولعل وجهه أن القرض فعل والإيداع فعل آخر بخلاف الشهادة على الإقرار بالقرض والإقرار بالوديعة فإن الإقرار بكل منهما قول وهو جنس واحد والمقر به وإن كان جنسين لكن الوديعة مضمونة عند الإنكار والشهادة إنما قامت بعد الإنكار فكانت شهادة كل منهما قائمة على إقراره بما يوجب الضمان تأمل ثم رأيت في البزازية علل بقوله لاتفاقهما على أنه وصل إليه منه الألف وقد جحد فصار ضامنا قوله (والآخر أنه هبة) الذي في البحر أنه وهبه قوله: (جاز) لأن هبة الدين من المديون والتصدق به عليه وتحليله منه إبراء له ط بخلاف ما إذا شهد أحدهما على الهبة والآخر على الصدقة لا تقبل بحر عن البزازية تأمل قوله: (ادعى الهبة) أي أن الدائن وهبه الدين والوجه فيها ما ذكر في سابقتها ط قوله وثبت الإبراء) لأنه أقلهما فلا يرجع الكفيل الأصيل بزازية أي لأن إبراء الطلب للكفيل لا يوجب رجوع الكفيل على الأصيل بخلاف هبة الطالب الكفيل فافهم قوله (شهد أحدهما على إقراره أنه أخذ منه) صورتها ادعى رجل عبدا في يد رجل فأنكره المدعى عليه فبرهن المدعي بما ذكر فإنها تقبل ومثله يقال في الصورة الآتية ط. ووجه القبول اتفاق الشاهدين على الإقرار بالأخذ لكن بحكم الوديعة أو الأخذ مفردا بزازية قوله: (الخامسة عشرة شهد أحدهما أنها ولدت منه الخ) الظاهر أن صورتها فيما لو علق طلاقها على الحبل فإن الولادة يلزمها الحبل فقد اتفق الشاهدان عليه ولا يصح تصويرها بالتعليق على الحبل (1) فإن الحبلى قد لا تلد لموتها أو لموت الولد في بطنها فافهم قوله: (السادسة عشرة شهد أحدهما أنه أقر أن الدار له) هذه الصورة ذكرت في بعض النسخ مرتين السادسة عشرة والسابعة عشرة فالمناسب ما في بعض النسخ موافقا لما في البحر السادسة عشرة شهد أحدهما أنها ولدت منه ذكرا والآخر أنثى تقبل ولكنها متحدة مع الخامسة عشرة في التصوير ولذا عطفها عليها في البزازية بأو فالمناسب أن يذكر بدلها ما في البزازية عن الأقضية شهد أحدهما أنه أقر أنه غصب من
(1) قوله: (ولا يصح تصويرها بالتعليق على الحبل) هو عين ما أثبته أو لا بقوله الظاهر أن صورتها فيما لو علق طلاقها على الحبل فلعل الصواب في الثاني إبدال الحبل بالولادة، وليحرر اه مصححه. 680 فلان كذا والآخر أنه أقر بأنه أخذه منه تقبل اه. قوله: (أنه أقر) أي أن المدعى عليه أقر أن الدار له أي للمدعي قوله (والآخر أنه سكن فيها) أي أن المدعي سكن فيها شهادة بثبوت يد المدعي عليها والأصل في اليد الملك فقد وافقت الأولى تأمل وقوله: (والآخر في الطعام يقبل) لأن الإذن في نوع يعم الأنواع كلها لأنه لا يتخصص بنوع كما ذكروه في المأذون ط قوله (بخلافه في الطرق) قال في الأشباه والأصح القبول فيهما قوله: (إزادي) كلمة فارسية بمعنى حر. قال ط: وفي نسخ زيادة لام بين الدال والياء قوله: (طلقت) لأن الكلام يتكرر فيمكن أنها كلمته في الوقتين قوله: (والآخر أنه طلقها أمس) أي في اليوم الذي قبل يوم الشهادة لا قبل يوم التعليق لأن المعلق عليه طلاق مستقبل قوله (يقضي بطلقتين ويملك الرجعة) لأنه لا يحتاج إلى قوله البتة في ثلاث بحر عن العيون لأبي الليث وبيانه أن الثلاث طلاق بائن فقوله البتة لغو فكأنه لم يذكره وانفرد بذكره الشاهد الثاني فصار الاختلاف بين الشاهدين في مجرد العدد وقد اتفقا على الثنتين فيقضى بهما وتلغو الثالثة لانفراد أحدهما بها كما لغا لفظ البتة لذلك فلذا كان الطلاق رجعيا فافهم ولكن الظاهر أن قبول الشهادة هنا مبني على قول محمد لأنه في البزازية عزاه إليه وعند أبي حنيفة لا تقبل أصلا لما في البحر عن الكافي شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل عنده. وعندهما تقبل على ألف إذا كان المدعي يدعي ألف إذا كان المدعي يدعي ألفين وعلى هذا المائة والمائتان والطلقة والطلقتان والطلقة والثلاث ثم ذكر في البحر بعد ورقة مستدركا على ما في البزازية أن ما في الكافي هو المذهب قوله: (شهد أحدهما أنه عتق بالعربية الخ) هذا لفظ الشاهد ولم يذكر أنه قال أنت حر ولم يذكر الآخر أنه قال أنت أزاد فلا تكون مكررة مع العشرين ط تأمل قوله: (اختلفا في مقدار المهر يقضى بالأقل) كذا في البزازية وفي جامع الفصولين شهد ببيع أو إجارة أو طلاق أو عتق على مال واختلفا في قدر البدل لا تقبل إلا في النكاح تقبل ويرجع في المهر إلى مهر المثل وقالا: لا تقبل في النكاح أيضا اه بحر. قلت: الظاهر أن هذا فيما إذا أنكر الزوج النكاح من أصله وكذا البيع ونحوه وما ذكره الشارح فيما إذا اتفقا على النكاح واختلفا في قدر المهر ووجه عدم القبول في البيع ونحوه أن العقد بألف مثلا غير العقد بألفين وكذا النكاح على قولهما وعلى قوله باستثناء النكاح أن المال فيه
681 غير مقصود ولذا صح بدون ذكره بخلاف البيع ونحوه وينبغي أن يكون ما ذكره الشارح على الخلاف المار آنفا عن الكافي قوله: (تقبل في دار اجتمعا عليه) أي فيما اتفق عليه الشاهدان من الخصومة في دار كذا دون ما زاده الآخر قال في جامع الفصولين إذ الوكالة تقبل التخصيص وفيما اتفقا عليه تثبت الوكالة لا فيما تفرد به أحدهما فلو ادعى وكالة معينة فشهد بها والآخر بوكالة عامة ينبغي أن تثبت المعينة اه. قوله: (قبلا) إذا شهدا بوقف بات لأن حكم المرض ينتقض فيما لا يخرج من الثلث وبهذا لا تمتنع الشهادة بحر عن جامع الفصولين قال في الإسعاف ثم إن خرجت من ثلث ماله كانت كلها وقفا وإلا فبحسابه ولو قال أحدهما وقفها في صحته وقال الآخر جعلها وقفا بعد وفاته لم تقبل وإن خرجت من الثلث لأن الثاني شهد بأنها وصية وهما مختلفان اه. قوله (ادعى مالا فشهد أحدهما أن المحتال عليه أحال غريمه بهذا المال) سقط منه شئ يوجد في بعض النسخ وهو وشهد الآخر أنه كفل عن غريمه بهذا المال تقبل وهذه المسألة نقلها في البحر عن القنية لكن عبارة القنية فشهد أحدهما أن المحتال عليه احتال عن غريمه بهذا المال الخ قال ط: اعلم أن الغريم يطلق على الدائن وهو المراد بالأول وعلى المديون وهو المراد بالثاني وصورته ادعى زيد على عمرو مالا فأقام زيد شاهدين شهد أحدهما أن عمرا محال عليه يعني أن دائنه أحال زيدا عليه بما له عليه من الدين وشهد الثاني أن عمرا كفل عن مديون زيد بهذا المال. وحاصله أن المال على عمرو غير أن أحد الشاهدين شهد أن المال لزمه بطريق الإحالة عليه والآخر شهد أن المال لزمه بطريق الكفالة والله تعالى أعلم بالصواب وستأتي هذه الصورة في كلام الشيخ صالح إلا أنه قال يقضي بالكفالة لأنها الأقل اه. لكن هذا التصوير لا يوافق عبارة الشارح والموافق لها ما لو كان لزيد على عمرو ألف مثلا فأحال عمرو زيدا بالألف على بكر ودفعها بكر ثم ادعى بها بكر على عمرو فشهد أحد الشاهدين بما ذكر وشهد الآخر أن بكرا كفل عمرا بإذنه وأنه دفع الألف لزيد وعلى هذا فغريمه في كلام الشارح بالرفع فاعل أحال والمراد به عمرو المديون لأنه المحيل لزيد على بكر وهذا معنى قول القنية إن المحتال عليه احتال عن غريمه: أي أن بكرا قبل الحوالة عن غريمه عمرو قوله: (شهد أحدهما أنه باعه بشرط الخيار) أي والآخر بلا شرط كما يوجد في بعض النسخ قوله: (يقبل فيهما) أي في هذه المسألة والتي قبلها لكن في التي قبلها صرح بقوله تقبل فلا حاجة إلى قوله فيهما والمراد أنه يثبت البيع وإن لم يثبت الأجل والشرط قوله: (جازت شهادتهما) أي على أصل الوكالة بالخصومة قوله (والآخر أنه جرأه) في باب الألف المقصورة من الصحاح الجري الوكيل والرسول اه. وعلل القبول في شرح
682 أدب القاضي للخصاف بقوله لأن الجراية والوكالة سواء والجري والوكيل سواء فقد اتفق الشاهدان في المعنى واختلفا في اللفظ وأنه لا يمنع قوله (والآخر أنه أوصى إليه بقبضه في حياته تقبل) لأن الوصاية في الحياة وكالة كما أن الوكالة بعد الموت وصاية كما صرحوا به فالمراد (1) بالوصاية هنا الوكالة حقيقة لتقييدها بقوله في حياته فافهم قوله: (التاسعة والثلاثون الخ) قال في جامع الفصولين لو اختلف الشاهدان في زمان أو مكان أو إنشاء وإقرار بأن شهد أحدهما على إنشاء والآخر على إقرار فإن كان هذا الاختلاف في فعل حقيقة وحكما يعني في تصرف فعلي كجناية وغصب أو في قول ملحق بالفعل كنكاح لتضمنه فعلا وهو إحضار الشهود يمنع قبول الشهادة وإن كان الاختلاف في قول محض كبيع وطلاق وإقرار وإبراء وتحرير أو في فعل ملحق بالقول وهو القرض لا يمنع القبول وإن كان القرض لا يتم إلا بالفعل وهو التسليم لأن ذلك محمول على قول المقرض أقرضتك فصار كطلاق وتحرير وبيع اه. قلت: ووجهه أن القول إذا تكرر فمدلوله واحد فلم يختلف بخلاف الفعل وإطلاق الإقرار يفيد أن الوقف غير قيد. قوله: (الحادية والأربعون) مكررة مع السابعة والعشرين ح قوله: (تكون وقفا على الفقراء) لاتفاق الشاهدين على الوقف وهو صدقة قوله قلت) من كلام الشيخ صالح وما قبله من الشرح المحال عليه وهو البحر قوله: (منها لو اختلفا في تاريخ الرهن) في جامع الفصولين الشهادة بعقد تمامه بالفعل كرهن وهبة وصدقة يبطلها الاختلاف في زمان ومكان إلا عند محمد اه. ونقل الخلاف هنا على العكس كما ترى إن ثم قال في جامع الفصولين ولو شهدا برهن واختلفا في زمانه أو مكان وهما يشهدان على معاينة القبض تقبل شراء وهبة وصدقة لأن القبض قد
(1) قال في الوهابية: حوالية إبراء ضمان وصية * وكالة القذف الرهان المحرر طلاق شراء بيع القرض دين * اختلاف المكان الوقت ليس يؤثر وفي الغضب والقتل النكاح جناية * إذا اختلفا في واحد يتقرر اه. منه. 683 يكون غير مرة اه. فعلم أن الاختلاف في الشهادة على مجرد العقد قوله (ومنها لو اتفق الشاهدان على الإقرار الخ) هذه من اختلاف الشهادة على الإقرار في المكان والتي بعدها في الزمان وهما مكررتان مع التاسعة والثلاثين والأربعين لأنهما وإن كانتا في الإقرار بالوقف وهاتان في الإقرار بالمال فإن كل إقرار كذلك كما مر فافهم قوله: (أن المرأة التي كانت له الخ) بهذا تعين أن المطلقة الآن هي بنت فلان حيث لم يكن في نكاحه غيرها أفاده ط قوله: (قبل هذا التطليق) أي الذي وقع فيه التعيين من أحد الشاهدين ط قوله: (ومنها ادعى ملك داره) الأولى دار بلا ضمير وهذه المسألة مكررة مع الثامنة قوله: (ومنها ادعى ألفين الخ) في بعض النسخ ألفا والصواب إسقاط كل منهما (1) والاقتصار على قوله ألفا وخمسمائة قال في الكنز فإن شهد أحدهما بالألف والآخر بألفين لم تقبل وإن شهد الآخر بألف وخمسمائة والمدعي يدعي ذلك قبلت على ألف قال في البحر: لاتفاقهما على الألف لفظا ومعنى وقد انفرد أحدهما بخمسمائة بالعطف والمعطوف غير المعطوف عليه فيثبت ما اتفقا عليه بخلاف الألف والألفين لأن لفظ الألف غير لفظ الألفين ولم يثبت واحد منهما وتمامه فيه قوله: (وشهد أحدهما الخ) أي زاد في شهادته أنه قضاه منها خمسمائة لم تقبل هذه الزيادة ما لم يشهد معه بها آخر ولا يكون ذلك تكذيبا لشاهد القضاء لأنه لم
(1) قوله: (والصواب إسقاط كل منهما الخ) حاصل القول هنا أن الإمام شرط لصحة الدعوى أن يدل لفظ كل من الشاهدين على ما شهد به الآخر دلالة مطابقية، وأن يدل كلام المدعي على المشهود به. ولو دلالة تضمنية واكتفى محمد بالضمنية في كلا الدلالتين، ولم يقل أحد باشتراط المطابقية في دلالة كلام المدعى على المشهود به كما ظن العلامة المحشي، فذكر ما ذكر من التصويب بالنسبة لصورة دعوى الألفين التي شهد فيها أحد الشهود بألف والآخر بأل وخمسمائة فإنه يقضي بالألف إجماعا لوجود دلالة كلام كل من الشاهدين على ما شهد به الآخر بطريق المطابقة وتضمن المدعى المشهود به اه. 684 يكذبه فيما شهد له بل فيما شهد عليه قوله: (خلافا لهما) استظهر صدر الشريعة قولهما وهذا إذا لم يذكر المدعي لونها ذكره الزيلعي ط قوله: (شهد أحدهما بكفالة) مكررة مع التاسعة والعشرين ط. قوله: (تقبل في الحوالة (1) لأنها أقل) وهذان اللفظان جعلا كلفظة واحدة ألا ترى أن الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة والحوالة بشرط أن لا يبرأ كفالة جامع الفصولين. قلت: ووجه كون الكفالة أقل أنها ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة فلا يثبت الدين في ذمة الكفيل بخلاف الحوالة فإنه يثبت في ذمة المحال عليه وتثبت مطالبته أيضا فقد اتفق الشاهدان على ثبوت المطالبة واختلفا في ثبوت الدين قوله: (ومنها شهد أحدهما أنه وكله بطلاقها الخ) مكررة مع السادسة والعشرين لأن في كل منهما تثبت الوكالة فيما اتفقا عليه لا فيما اختلفا فيه لقبول الوكالة التخصيص كما قدمناه قوله: (وهي فيه) أي هذه المسألة في جامع الفصولين قوله: (تقبل في الوكالة لا في العزل) فهي نظير ما لو شهدا بألف وزاد أحدهما أن المطلوب قضاه منها خمسمائة والطالب ينكر قوله: (عوضا عن الدستيمان) بالدال والسين المهملتين وفي أكثر النسخ الاستيمان بالألف واللام قبل السين والذي في جامع الفصولين هو الأول وهو ما يدفعه الزوج للمرأة لأجل الجهاز وتقدم بيانه في باب المهر قوله: (لأن كل بائع الخ) أي والزوج هنا باعها الدار بالدستيمان ط. قوله: (وشهد بالعقد) الأولى إسقاط الواو كما رأيته مصلحا في نسخة جامع الفصولين فيكون جوابا لما وهو أولى من جعل جوابها قوله فاختلف لأن اقتران جوابها بالفاء قليل قوله: (تقبل لاتفاقهما) أي
(1) قوله: (تقبل في الحوالة) كذا بخطه: والذي في نسخ الشارح تقبل في الكفالة، ويؤيده قوله بعد ذلك قلت ووجه كون الكفالة أقل الخ تأمل اه مصححه. 685 لأن كلا منهما شهد على القول لأن قول أحدهما دفعها عوضا بمعنى باعها والآخر شهد على الإقرار بذلك والإقرار بالبيع يصلح لإنشائه وبالعكس قال في جامع الفصولين ادعى شراء وشهد أحدهما به والآخر أنه أقر به تقبل لأن لفظ الشراء يصلح للإقرار وللابتداء فقد اتفقا على أمر واحد ثم قال لو ادعى الغصب وشهد أحدهما به والآخر بالإقرار به لا تقبل اه. أي لأن أحدهما شهد بفعل والآخر بقول. مطلب المواضع التي يكون فيها السكوت كالقول قوله: (عد منها سبعة وثلاثين) 1 سكوت البكر عند استثمار وليها قبل التزويج 2 سكوتها عند قبض مهرها 3 سكوتها إذا بلغت بكرا فلا خيار لها بعده 4 حلفت أن لا تتزوج فزوجها أبوها فسكتت حنثت 5 سكوت المتصدق عليه قبول لا الموهوب له 6 سكوت المالك عند قبض الموهوب له أو المتصدق عليه إذن 7 سكوت الوكيل قبول ويرتد برده 8 سكوت المقر له قبول ويرتد برده 9 سكوت المفوض إليه القضاء أو الولاية قبول وله رده 10 سكوت الموقوف عليه قبول ويرتد برده وقيل لا 11 سكوت أحد المتبايعين في بيع التلجئة حين قال صاحبه قد بدا لي أن أجعله بيعا صحيحا والتلجئة أن يتواضعا على إظهار البيع عند الناس لكن بلا قصده 12 سكوت المالك القديم حين قسم ماله بين الغانمين رضا 13 سكوت المشتري بالخيار حين رأى العبد يبيع ويشتري يسقط الخيار بخلاف سكوت البائع بالخيار 14 سكوت البائع الذي له حق حبس المبيع حين رأى المشتري قبض المبيع إذن بقبضه صحيحا كان البيع أو فاسدا 15 سكوت الشفيع حين علم بالبيع 16 سكوت المولى حين رأى عبده يبيع ويشتري إذن في التجارة أي فيما بعد ذلك التصرف لا فيه 17 لو حلف المولى لا يأذن له فسكت حنث في ظاهر الرواية 18 سكوت القن وانقياده عند بيعه أو رهنه أو دفعه بجناية إقرار برقه إن كان يعقل بخلاف سكوته عند إجارته أو عرضه للبيع أو تزويجه أي لأن الرهن محبوس بالدين ويستوفى منه عند الهلاك فصار كالبيع 19 لو حلف لا ينزل فلانا في داره وهو نازل في داره فسكت حنث لا لو قال أخرج منها فأبى الخروج فسكت أي لأن النزول مما يمتد فلدوامه حكم الابتداء بخلاف الخروج فإنه الانفصال من داخل إلى خارج 20 سكوت الزوج عند ولادة المرأة وتهنئته إقرار به فلا يملك نفيه 21 سكوت المولى عند ولادة أم ولده إقرار به أي بخلاف سكوته عند ولادة قنته 22 السكوت قبل البيع عند الإخبار بالعيب رضا بالعيب إن كان المخبر عدلا لا لو فاسقا عنده وعندهما رضا ولو فاسقا 23 سكوت البكر عند إخبارها بتزويج الولي على هذا الخلاف 24 سكوته عند بيع زوجته أو قريبه عقارا إقرار بأنه ليس له على ما أفتى به مشايخ سمرقند خلافا لمشايخ بخارى فلينظر المفتي أي لاختلاف التصحيح كما سيذكره الشارح، لكن المتون على الأول فقد مشى عليه في الكنز والملتقى آخر الكتاب في مسائل شتى واحترز بالبيع عن نحو الإجارة والرهن 25 رآه يبيع عرضا أو دارا فتصرف فيه المشتري زمانا وهو ساكت تسقط دعواه أي أن الأجنبي كالجار مثلا لا يجعل سكوته مسقطا لدعواه بمجرد رؤية البيع بل لا بد من سكوته أيضا عند رؤيته تصرف المشتري فيه زرعا وبناء بخلاف الزوجة والقريب فإن مجرد سكوته عند
686 البيع يمنع دعواه 26 أحد شريكي العنان قال للآخر إني أشتري هذه الأمة لنفسي خاصة فسكت الشريك لا تكون لهما أي بل للمشتري أما في المفاوضة فلا بد من النطق 27 سكوت الموكل حين قال له الوكيل بشراء معين أريد شراءه لنفسي فشراه كان له 28 سكوت ولي الصبي العاقل إذا رآه يبيع ويشتري إذن 29 سكوته عند رؤية غيره يشق زقه حتى سال ما فيه رضا لكن اعترض بما في الأشباه أيضا لو رأى غيره يتلف ماله فسكت لا يكون إذنا بإتلافه 30 سكوت الحالف لا يستخدم مملوكه إذا خدمه بلا أمره ولم ينهه حنث 31 دفعت في تجهيزها لبنتها أشياء من أمتعة الأب وهو ساكت ليس له الاسترداد 32 أنفقت الأم في جهازها ما هو معتاد فسكت لأب لم تضمن الأم 33 باع جارية وعليها حلي ولم يشترط ذلك للمشتري لكن تسلمها وذهب بها والبائع ساكت كان بمنزلة التسليم فكان الحلي له 34 القراءة على الشيخ وهو ساكت ينزل منزلة نطقه في الأصح 35 سكوت المدعى عليه ولا عذر به إنكار وقيل لا ويحسب أي قيل لا يكون إنكارا ولا إقرارا فيحبس عند الثاني كما لو قال لا أقر ولا أنكر وبه أفتى صاحب البحر 36 سكوت المزكي عند سؤاله عن الشاهد تعديل 37 سكوت الراهن عند قبض المرتهن العين المرهونة اه. ملخصا مع زيادات. قوله: (وزاد في تنوير البصائر) أي حاشية الأشباه والنظائر للشرف الغزي قوله: (كقوله لساكن داره) أي ساكنها بإعارة أو غصب مثلا قوله: (وذكره المؤلف) أي مؤلف الأشباه قوله قال المؤلف الخ) بيان لقوله سكوت المودع قوله: (فإنه قبول دلالة) أي فيضمن بالتعدي قوله (عند قوله) أي قول صاحب الأشباه قوله: (لما في البزازية) أي في آخر الفصل الخامس عشر من كتاب الدعوى إذا باع عقارا وامرأته أو وولده حاضر ساكت إلى أن قال بعد حكايته اختلاف الفتوى ما نصه وفي الفتاوى يتأمل المفتي في ذلك فإن رأى المدعي الساكت الحاضر ذا حيلة أفتى بعدم السماع لكن الغالب على أهل الزمان الفساد فلا يفتى إلا بما اختاره أئمة خوارزم اه. قوله: (في القريب والزوجة) على تقدير مضاف أي في حضورهما كما يعلم مما نقلناه عن البزازية فافهم قوله: (فليتأمل عند الفتوى) أي بسبب اختلاف التصحيح بأن ينظر في المدعي هل هو ذو حيلة أو لا لكن قدمنا أن المتون على عدم السماع ووجهه ما نقلناه آنفا عن البزازية من غلبة الفساد. قلت: لكن لا يلزم من غلبة الفساد أن لا يوجد من يعلم حاله بالصلاح وعدم التزوير تأمل قوله: (من سكوت الجار عند تصرف المشتري) أي وعند البيع فسكوته عند البيع فقط لا يمنع دعواه بخلاف الزوجة والقريب كما قدمناه وليس لهذا مدة محدودة وأما عدم سماع الدعوى بعد
687 مضي خمس عشرة سنة إذا تركت بلا عذر فذاك في غير هذه الصورة مع أنه منع سلطاني فيكون القاضي معزولا عن سماعها ولولا ذلك المنع تسمع ما لم يمض ثلاث وثلاثون سنة على ما نقله في الفواكه البدرية عن المبسوط من عدم سماعها إذا تركت هذه المدة بلا عذر كما أوضحته في تنقيح الحامدية ثم إن من لم تسمع دعواه لمانع لا تسمع دعوى وارثه بعده كما في البزازية وغيرها قوله: (وعزيناه للبزازي) أي عزى ما في متفرقات التنوير قوله: (فالعجب من صاحب الجواهر الجواهر الخ) أي الشيخ صالح ابن صاحب تنوير الأبصار. والحاصل أنه في البزازية ذكر أولا المسألة السابقة آنفا ثم ذكر هذه ثم إن صاحب زواهر الجواهر أراد الاستدراك على الأشباه بزيادة صور أخرى فنقل عن البزازية المسألة الأولى وترك هذه مع أنها مذكورة في البزازية فكأنه نظر إلى أول العبارة وترك آخرها. قلت: لا عجب أصلا بل إنما ترك هذه لكونها مذكورة في الأشباه فإنها المسألة الخامسة والعشرون والمقصود الزيادة على الأشباه قوله: (لو تزوجت من غير كف ء الخ) هذه مبنية على ظاهر الرواية وأما على رواية الحسن المفتى بها فلا ينعقد النكاح ط قوله: (لأن قبول التهنئة دليل الإجازة) أي دليل على أن سكوته وقت التزويج كان رضا وإجازة وبهذا يظهر أنه لا يلزم أن يكون قبول التهنئة بدون قول فافهم قوله: (ومنها أن الوكالة تثبت بالصريح الخ) الأولى أن يقول تثبت بالسكوت كما تثبت بالصريح وفي نسخة كما تثبت بالصريح تثبت بالسكوت وهي أوضح والمراد بالوكالة التوكيل كما يفيده التمثيل وإلا فقد عد من جملة المسائل المزيد عليها وهو السابع منها سكوت الوكيل قبول والمراد به التوكيل لا التوكيل تأمل قوله: (فكيف تكون الخ) اختلفت النسخ في هذه العبارة. فالذي في أغلب النسخ فكيف يكون أن فيه تقييده بكونه من أهل العلم والصلاح فعدها من الزوائد وفي بعضها لكون باللام ونعدها رسول بالنون بدل الفاء وعليه فقوله لكون علة لقوله نعدها والمعنى كيف نعدها من الزوائد لأجل كونه قيد المزكي بكونه من أهل العلم والصلاح.
688 وحاصله الاعتراض على صاحب زواهر الجواهر بأن قول الأشباه سكوت المزكي عند السؤال عن الشاهد تعديل مقيد بكونه من أهل العلم والصلاح فلا يكون بزيادة هذا القيد زاد عليه مسألة أخرى وفي بعض النسخ فكيف تكون من الزوائد إلا أن يقال فيه تقييده بكونه من أهل العلم والصلاح فعدها من الزوائد اه وعليه فهو اعتذار لا اعتراض قوله: (بعلامة قع عت) الأول بالقاف والعين المهملة رمز للقاضي عبد الجبار والثاني بالعين المهملة والتاء رمز لعلاء الدين الترجماني اه. ح قوله: (من الدنانير) أي التي يبعثها الزوج إلى أبي الزوجة بمقابلة الجهاز وهي المسماة في عرفهم بالدستيمان كما قدمناه وقدمنا تحقيقه في باب المهر واختلاف التصحيح والتوفيق بين ما إذا كان من جملة المسمى في المهر أو كان المسمى غيره ففي الثاني له المطالبة بالجهاز لا في الأول فافهم قوله: (نج) بالنون والجيم كما رأيته في نسخة مصححة من القنية وهو رمز لنجم الأئمة الحكيمي وبعد هذا الرمز يفتي بأنه وجد في بعض نسخ الشارح فح بالفاء والحاء وبعده يعني مضارع عني وهو تحريف قوله: (ولو سكت الخ) هو المقصود من ذكر هذه المسألة قوله ومنها إذا أبرأه فسكت) أطلقه فشمل سائر الديون وقيده في مداينات الأشباه نقلا عن البدائع بغير بدل الصرف والسلم ففيهما يتوقف على القبول أي لأن الإبراء عنهما يوجب انفساخ عقدهما فلا ينفرد أحد المتعاقدين به لأنه يوجب فوات القبض المستحق وزاد الحموي ثالثة وهي ما لو أبرأ الطالب الأصيل فإنه يتوقف على قبوله أو موته قبل القبول لأنه قبول حكما. قوله: (وهي تعلم من الأشباه) حيث قال ولو رأى المرتهن الراهن يبيع الرهن لا يبطل الرهن ولا يكون رضا في رواية اه. قال الزيلعي والمذهب ما روى الطحاوي عن أصحابنا أنه رضا ويبطل الرهن اه. من حاشية الفتال. قال ح واعلم أن البائع في عبارة الأشباه هو الراهن وفي عبارة الشارح وهو المرتهن كما لا يخفى لكن الحكم لا يختلف لما يأتي أن الرهن لا يبيعه أحدهما إلا برضا الآخر اه. تتمة زاد بعضهم ما إذا استأجر أحد الوصيين أو أحد الورثة بحضرة الوصيين من يحمل
689 الجنازة إلى المقبرة والآخر حاضر ساكت والسكوت على البدعة والمنكر فإنه رضا أي مع القدرة على الإزالة وإلا كفاه الإنكار بالقلب وما لو أوصى لرجل فسكت في حياته فلما مات باع الوصي بعض التركة أو تقاضى دينه فهو قبول للوصاية كما عزاه الحموي إلى معين الحكام وزاد البيري ما لو غزلت امرأته قطنه أو نسجت غزله ليس له تضمينها قيمته محلوجا أو مغزولا وإن ويعد سكوته رضا وكذا لو عجن العجين أو أضجع شاة فجاء إنسان وخبزه أو ذبحها يكون السكوت كالأمر دلالة قوله: (قول الأشباه يحلف المنكر في إحدى وثلاثين) صوابه لا يحلف كما يوجد في بعض النسخ وفي بعضها يحلف المنكر إلا في إحدى وثلاثين قوله: (بيناها في الشرح) أي في البحر. مطلب في المواضع التي لا يحل فيها المنكر قوله: (على الأشياء بتقديم المثناة على السين كالتي بعدها اه. ح وهي ما سيأتي في كتاب الدعوى من قوله ولا تحليف في نكاح أنكره هو أو هي ورجعة جحدها هو أو هي بعد عدة وفئ إيلاء أنكره أحدهما بعد المدة واستيلاد تدعيه الأمة ورق نسب وولاء أن ادعى على مجهول أنه قنه أو ابنه وبالعكس وحد ولعان. والحاصل أن المفتى به التحليف في الكل إلا في الحدود اه. وأفاد أن ما ذكر من عدم التحليف في هذه التسعة على قول الإمام خلاف المفتى به قوله: (وفي تزويج البنت) عطف على التسعة أي وذكر عدم الاستحلاف في تزويج البنت اه. ح أي إذا ادعى عليه أنه زوجه ابنته صغيرة أو كبيرة وهي مسألة واحدة وإلا زادت على العدد المذكور ط قوله: (وعندهما يستحلف الأب في الصغيرة) يوجد في بعض النسخ لا يستحلف والذي في البحر بدون لا وهي الصواب قوله: (وفي دعوى الدائن الإيصاء) أي دعواه على رجل أنك وصي الميت فادفع لي ديني من تركته قوله: (وفي دعوى الدين على الوصي) أي دعواه على الوصي الثابتة وصيانته بأن لي على الميت كذا ولا بينة للمدعي فلا يحلف الوصي إذا أنكر الدين قوله: (في المسألتين كالوصي) أي إذا ادعى الدائن على الوكيل بالوكالة فأنكرها أو ادعى عليه الدين وهو ثابت الوكالة فأنكره ففي المسألتين لا يحلف كالوصي فيهما قوله كل اشترى منه) أي ادعى كل منهما أنه اشترى منه ذلك الشئ
690 وعبارة البحر الشراء بالمد قوله: (لا يحلفه) لأنه لما أقر به لأحدهما صار له فإذا نكل عن اليمين لا يصير للآخر فلا يحلف لعدم الفائدة قوله: (لو أنكرهما) أي أنكر دعواهما قوله: (فحلف لأحدهما) بتشديد اللام مبنيا للمجهول أي طلب القاضي تحليفه لأحدهما قوله: (لم يحلف للآخر) لأن نكوله بمنزلة إقرار به للأول قوله: (وفيما إذا ادعى كل منهما أنه رهنه وقبضه) أي ادعى كل منهما أن ذا اليد رهن عندي هذا الشئ وقبضته منه قوله: (فأقر بالرهن وأنكر البيع الخ) أما لو أقر بالبيع وأنكر الرهن فالظاهر أنه لا يحلف بالأولى لأنه لما أقر بالبيع صار ملك المشتري فلا يملك الإقرار بعده بالرهن لأنه إقرار على الغير وفائدة التحليف النكول الذي هو بمنزلة الإقرار قوله: (لا يحلف للمشتري) لعل وجهه أنه لو طلب تحليفه فنكل حتى صار نكوله إقرارا بالبيع لا يكون له فائدة لأن المرتهن يمكنه فسخ البيع (2) وكذا يقال في المسألة بعده ولكن هذا بناء على القول بأن للمرتهن والمستأجر فسخ البيع ولكن المعتمد خلافه وإنما لهما حبس الرهن والمأجور تأمل قوله: (فأقر بها) أي بالإجارة وفي بعض فأقر بهما أي بالرهن في الصورة الأولى وبالإجارة في هذه والأولى أولى قوله: (وأنكره) أي أنكر البيع قوله (ويقال لمدعيه الخ) أي مدعي الشراء في الصورتين وهذا إذا أثبت الشراء وإلا فما فائدة هذا القول لكن فيه أن الكلام فيما إذا أنكر وليس للمدعي بينة لا إن طلب التحليف عند العجز عن البينة إلا أن يقال وجد بينة بعد قوله: (أو فك الرهن) معطوف على انقضاء وفيه لف ونشر مشوش قوله: (فأقر لأحدهما لا يحلف) لأن كلا منهما يدعي الملك فإذا أقر به لأحدهما ثبت ولا يصدق بعده بنكوله فلا فائدة في التحليف قوله: (أو نكل)
(1) (2) قوله: (لأن المرتهن يمكنه فسخ البيع) فيه نظر، إذ بمجرد ملك المرتهن أو المستأجر الفسخ لا تنتقي الفائدة، إذ يحتمل أنهما لا يفسخان فتوجد الفائدة، ويكفي للتحليف احتمال الفائدة فينبغي الرجوع إلى ما كتبناه على قول الشارح لا يحلف المشتري اه. 691 لأنه بمنزلة الإقرار قوله: (الغصب منه) أي من المدعي قوله يحلف للثاني) لأنه لو أقر للثاني بالغصب يؤاخذ به لأنه إقرار على نفسه فيحلف رجاء نكوله لكن يلزمه للثاني ضمان المغصوب بالمثل أو القيمة لا رد عين ما في يده لأنه صار للأول فلا يملك إخراجه عنه وكذا يقال فيما بعده قوله: (كما لو ادعى الخ) لأنه بإنكار الوديعة أو العارية صار غاصبا قوله ويحلف ما له عليك كذا ولا قيمته) أي يحلف في مسألة الغصب وما بعدها لما علمت من أنه بالإنكار يصير غاصبا قوله: (ولا قيمته وهي كذا وكذا) الظاهر أن المراد التحليف على مقدار القيمة إذا ادعى أنها أقل لأنه لما أقر به للأول وثبت له لا يمكنه تسليمه للثاني لو أقر له به أيضا بالنكول فيكون الواجب القيمة وإن لم يقل ولا قيمته فتأمل قوله (وفيما إذا ادعى البائع رضا الموكل الخ) أي لو باع لوكيل رجل بالشراء ثم أراد الوكيل رده عليه بعيب فادعى البائع على الوكيل أن الموكل رضي بالعيب لم يحلف الوكيل وهو المشتري ويحتمل أن يراد ما إذا أراد الموكل رده بعيب فادعى البائع على الموكل أنك رضيت بالعيب وكان ينبغي أن يعدها صورة أخرى مع أنه في الخلاصة جعلهما صورتين كما يأتي قوله (وفيما إذا أنكر توكيله له بالنكاح) أي لو زوجه رجل فأنكر توكيله لأنه في الحقيقة إنكار للنكاح وقد مر قوله لا يمين على واحد منهما) لأنه لو عمل ما اتفقا عليه فللمتصنع أخذه وتركه كما هو مذكور آخر السلم فمن باب أولى إذا اختلفا ط قوله: (لا يستحلف المديون) لأنه لو نكل يلزمه الدفع وهو ضرر به إذ قد يصدق الموكل الوكيل عند حضوره فيضيع عليه ما دفعه إن هلك عند الوكيل من غير تعد كما يعلم باب الوكالة بالخصومة ط قوله (انتهى) أي ما في الخانية قوله (وبه علم الخ) من كلام الشرح المحال عليه وهو البحر قوله (تساهل وقصور) لاقتصاره على استثناء ثلاث ط وهذه الثلاث تقدمت الأولى منها فقط في المسائل المارة قوله فإذا أقر الوكيل) أي برضا الموكل ط قوله: (الثانية لو ادعى على الآمر رضاه) أي
692 رضا الآمر فافهم وصورتها اشترى الوكيل شيئا فظهر به عيب فأراد الآمر أي الموكل رده بالعيب فادعى البائع على الآمر أنك رضيت بالعيب لا يحلف الآمر أي لأن الرد به يثبت للوكيل ما دام حيا ولوصيه من بعده لا للموكل كما أوضحه في شرح الوهبانية وتمام الكلام على هذه الصورة فيه فراجعه قوله: (وإن أقر لزمه) أي لزم الوكيل إقراره أي مقتضى إقراره وهو ترك المخاصمة معه وليس المراد أنه يلزم الموكل ما أقر به وكيله أفاده ط ومثله في نور العين قوله: (وزدت على الواحد والثلاثين السابقة) هذا من كلام البحر وهو عجيب فإن ما نقله عن الخلاصة من المسائل الثلاث فيه مسألتان وهما الثانية والثالثة لم يذكرهما في المسائل السابقة فتصير المسائل ثلاثة وثلاثين قوله: (البائع إذا أنكر قيام العيب للحال) أي لو ادعى المشتري إباق العبد مثلا لم يحلف بائعه على أنه لم يأبق عند المشتري حتى يبرهن المشتري لتتوجه الخصومة على البائع فإن برهن يحلف البائع بالله ما أبق عندك قوله: (ولو أقر به) أي بقيام العيب للحال أي بأنه أبق عند المشتري لزمه إقراره أي حكم إقراره وهو أنه صار خصما حتى يحلف على أنه ما أبق عندك أيضا وليس المراد أنه بمجرد إقراره بإباقه عند المشتري يلزمه لأنه لا بد من وجوده عند البائع أيضا حتى يثبت الرد قوله: (كما مر في خيار العيب) أي مر في البحر فإنه ذكر هذه المسائل في كتاب الدعوى لا هنا قوله: (ضمن ما تلف بها) أي بشهادته قوله: (والسارق إذا أنكرها) أي أنكر السرقة قوله (لا يستحلف للقطع) قيد به لأنه يستحلف لأجل إثبات المال كما مر عن عصام حين سأله أمير بلخ عن سارق ينكر فقال عصام عليه اليمين قوله: (وكذا قال الإسبيجابي) عبارة البحر وذكر الإسبيجابي قوله (ولا يستحلف الأب إلى الخ) أي لو جنى الصبي جناية فأنكر أبوه أو وصيه أو ادعى أحد جدار المسجد أو الدار الموقوفة وأنه أنفق على الوقف شيئا بإذن المتولي السابق قوله (إلا إذا ادعى عليهم العقد) بأن ادعى على أحدهم أنه آجر كذا من مال الوقف أو الصبي مثلا وأنكر فإنه يحلف لمن ادعى الاستئجار ط قوله: (انتهى) أي ما في الشرح المحال عليه ط قوله: (قلت) من كلام الشرف الغزي ط قوله: (وفي فتاوى الفضلي الخ) الذي يظهر خلافه ولذ قدمه الشارح وجزم به غير واحد في باب الإقرار اه. سائحاني. قلت: وفي الأشباه من فن الحيل إذا ادعى عليه شيئا باطلا فالحيلة لمنع اليمين أن يقر به
693 لابنه أو لأجنبي وفي الثاني خلاف اه. ومقتضاه أنه لا خلاف في الأول وهو مباين لقول الفضلي عليه اليمين في قولهم جميعا وذكر في جامع الفصولين أن بعض المشايخ سووا بين الصغير والأجنبي دفعا للحيل وبعضهم فرقوا بينهما بأن إقراره للغائب يتوقف عمله على تصديقه فلا يملك العين بمجرد الإقرار فلا تسقط اليمين بخلاف إقراره للصغير قوله: (والمدعي أرض) جملة حالية والظاهر أنه غير قيد وفي بعض النسخ أرضا وفي بعضها المدعى عليه أرض وكلاهما تحريف قوله: (ضمن الولد قيمة الأرض) أي للمدعي اه. ح قوله: (وهذا بمنزلة ما لو أقر لغائب لم يظهر جحوده ولا تصديقه) جملة لم يظهر الخ صفة لغائب ويوجد في بعض النسخ بعد قوله لغائب ما نصه أي رجل ادعى على آخر أن ما في يده ملكي فقال المدعى عليه هو لفلان الغائب مثلا لم يظهر جحوده ولا تصديقه والظاهر أنها هامش ألحقت بالأصل في غير محلها قوله: (لا تسقط عنه اليمين) أي فيحلف للمدعى فإن نكل قضى به عليه وينتظر قدوم الغائب فإن صدق المدعي فيها وإلا دفع له وضمن قيمته للمدعي ط قوله (قلت) من كلام الشرف الغزي قوله (وعلى الأول) أي القول بعد التحليف قوله: (إلى قول المصنف) أي صاحب الأشباه وهو ما مر آنفا عن الإسبيجابي قوله وفيه تأمل) لعل وجهه أن قول المصنف فيما تحقق أنه مال الصبي وهنا لم يعرف أنه ماله إلا بإقرار الأب ويمكن أنه أقر تحيلا لدفع الدعوى عنه ط قوله: (فأنكر المشتري الشراء) يعني وأقر أنها لابنه كما ذكره عن النوازل وإلا فمجرد إنكار الشراء لا يدفع عند التحليف بل يحلف فإن نكل قضى بها عليه كما ذكروه في كتاب الشفعة قوله: (أو قر أن الدار) الصواب العطف بالواو لا بأو ولما علمت وفي جامع الفصولين ادعى شفعة بجوار فقال خصمه هذه الدار لابني هذا الطفل صح إقراره لابنه إذ الدار في يده واليد دليل الملك فكان مقرا على نفسه فصح وليس للشفيع تحليفه بالله ما أنا شفيعها لأن إقرار الأب بالشفعة على ابنه لم يجز فلا يفيد التحليف وهذا من جملة الحيل في الخصومات ولو برهن الشفيع على الشراء كان الأب خصما لقيامه مقام الابن قوله: (الثالثة مكررة مع قول البحر وفيما إذا كان في يد رجل شئ فادعاه رجلان كل
694 الشراء منه نعم في هذه زيادة الدعوى في الملك المرسل كما في الزواهر اه. ح قوله (فالقول للأب بلا يمين) لأن الثمن مال الصبي ولا يستحلف في مال الصبي كما مر قوله: (فالقول للسارق ولا يمين عليه) الظاهر أن عدم اليمين إذا كانت الدعوى بعد القطع أما لو كانت قبله فعليه اليمين لأنه لا يسقط تقوم المسروق إلا بالقطع فيكون قبله مضمونا عليه وإن سقط الضمان بالقطع بعد تأمل قوله: (ويستوي حكمه) وهو عدم الضمان قوله: (فيما استهلكه قبل القطع) يعني ثم قطع بعد الاستهلاك أما لو استهلكه ولم يقطع بعد بقي مضمونا عليه لعدم ما يسقط تقومه قوله: (فإن قال السارق قد هلك الخ) هذا محل الاستدلال على المسألة وعبر بالهلاك مع أن الكلام في الاستهلاك لأنه لا فرق بينهما ولأنه لازم الاستهلاك قوله: (ولا يمين عليه) لأنكر ينكر الرد كما ذكره في كتاب الهبة ط قوله: (السابعة) تقدمت هي والثامنة في جملة الإحدى والثلاثين المارة. أفاده ح قوله: (فالقول له بلا يمين) لأن الأصل في الهبة أن تكون بلا عوض ط قوله: (فالقول له بدون اليمين) لعل وجهه أن إقدام البائع على بيعه اعتراف منه بالإذن فلا تسمع دعواه لتناقضه وكذا يقال فيما بعده قوله: (فقال القاضي أبرأتني منه) أي من ذلك العيب قوله: (لأن قوله على
695 وجه الحكم) فيه أن الحكم القولي يحتاج إلى الدعوى وظاهره كما قال ط إن البينة لا تقبل عليه قوله: (لو كبيرة بكرا) (1) أما لو كانت كبيرة ثيبا فإن الأب ليس له قبض مهرها من الزوج بلا إذنها قوله: (على العلم بذلك) أي على أنه لا يعلم أنها ثيب قوله: (فادعى أن لها زوجا) أي ليردها على البائع بخيار العيب لأن ذلك ينقص عليه منفعة وهي استمتاعه بها قوله وقال) أي المدعى عليه هو أي الشاهد قوله: (فأقر بها) أي ادعى أنه أقر بها قوله: (وإنما يحلف على نفس الحق) أي لأنه قد يكون أقر كاذبا ففي إلزامه بالحلف على الإقرار إضرار به ثم لا يخفى أنه لا فائدة في ذكر هذه المسألة لأنه يحلف اتفاقا وإنما الخلاف فيما يحلف عليه قوله بل لنفسك) أي قرضا أو غصبا فهو مضمون عليك بالهلاك قوله: (لا يحلف المدعى عليه) بل يكون القول للدافع فقوله قال القاضي بيان لحكم المسألة ط قوله: (بل يبرهن الابن عليهما) أي على أنه ابنه وأن أباه مات قوله وقيل يستحلف على العلم) أي على أنه ما يعلم أني ابنه وأنه مات
(1) قوله: (لو كبيرة بكرا) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح لو صغيرة أو كبيرة بكرا فليحرر اه. 696 قوله: (الصحيح قول الثاني) في بعض النسخ القول الثاني وهي أولى لأن الثاني قولهما لا قول أبي يوسف فقط وحيث كان الصحيح التحليف فلا فائدة في استثناء هذه المسألة وكذا التي بعدها قوله: (ثم خرج من دعواه ذلك) أي من نفس دعواه بمعنى أنه تركها أو من مكان دعواه بذلك قوله: (والصحيح أنه) أي مدعي المال يستحلف على دعواه أي دعوى المدعى عليه أنه أبرأه عن الدعوى كما يحلف على دعوى التحليف جامع الفصولين أي على دعواه أن المدعي حلفني على هذه الدعوى عند فلان القاضي قوله: (وأراد استحلافه على السبب) أي سبب الضمان وهو الخرق لا يحلفه على السبب بأن يقول والله ما خرقته لأنه قد يخرقه بإذنه أو على ملكه ثم باعه له مخروقا ولا بينة له بل يحلفه لا ضمان له عليه بهذا الخرق أفاده ط قوله: (فائدة) سقط من بعض النسخ وهو الظاهر قوله: (وبهذه مع ما قبلها صارت اثنين وخمسين) أقول بل هي ثمانية وخمسون في الخانية إحدى وثلاثون وزاد في البحر ستة وفي تنوير البصائر أربع عشرة وفي الزواهر سبعة اه ح. قلت: بل هي ستون بزيادة الثانية والثالثة من المسائل الثلاث التي اقتصر عليهما في الخلاصة كما نبهنا عليه وبمسألة الجهالة الآتية تصير إحدى وستين وزدت عليها ثماني مسائل من جامع الفصولين: الشاهد لو أنكر الشهادة لا يحلف المدعى عليه لو قال كذب الشاهد وأراد تحليف المدعي ما يعلم أنه كاذب لا يحلف ادعى عليه عتق أمته أو طلاق زوجته قيل يحلف وقيل لا فليتأمل عند الفتوى ادعيا امرأة وقال كل منهما تزوجتها فأقرت لأحدهما وأنكرت للآخر لا تحلف له وفاقا وكذا لو لم تقر ولكن حلفت لأحدهما فنكلت لا تحلف للآخر بالغة زوجها وليها فادعى الزوج رضاها وأنكرت لا تحلف وكذا لو زوجها رجل لآخر ثم ادعت المرأة به فأنكر لا يحلف ادعى كل منهما أنه في يده ولا بينة وأراد أحدهما تحليف الآخر بالله ما تعلم أنه في يدي قيل يحلف وقيل لا اه. فصارت تسعة وستين والحمد لله رب العالمين قوله: (تمنع الاستحلاف أيضا) كما لو ادعى على شريكه خيانة مبهمة. قوله: (إلا إذا اتهم القاضي الخ) زاد في الأشباه أربعة غير هاتين الأولى إذا ادعى المودع على المودع خيانة مطلقة فإنه يحلفه كما في القنية الثانية الرهن المجهول الثالثة في دعوى الغصب الرابعة في دعوى السرقة اه.
697 مطلب القاضي إذا قضى في مجتهد فيه نفذ قضاؤه إلا في مسائل قوله: (قول الأشباه القاضي إذا قضى الخ) عبارته مع زيادة تفسير للتوضيح القاضي إذا قضى في مجتهد نفذ قضاؤه إلا في مسائل نص أصحابنا فيها على عدم النفاذ لو قضى ببطلان الحق بمضي المدة أي خلافا لمن قال إذا لم يخاصم ثلاث سنين وهو في المصر بطل حقه لأنه قول مهجور فلا ينفذ قضاء القاضي فيه إذا رفع إلى آخر أبطله وجعل المدعي على حقه كما في الخانية. قلت: والظاهر أنه ليس المراد من هذا القول بطلان الحق في الآخرة بل بطلان الدعوى به لكن كونه مهجورا ليس على إطلاقه بل هو معمول عندنا (1) حيث قامت قرينة على بطلان الدعوى كما تقدم في مسائل السكوت من عدم سماع الدعوى إذا سكت عند بيع القريب أو أحد الزوجين أو سكت مع الاطلاع على تصرف المشتري أو سكت ثلاثا وثلاثين سنة مطلقا فتنبه لذلك قال أو بالتفريق للعجز على الإنفاق غائبا على الصحيح لا حاضرا أي فإنه إذا حكم شافعي على الزوج الحاضر بالفرقة لعجزه عن النفقة نفذ حكمه عندنا بخلاف الغائب لأن عجزه غير معلوم فلا ينفذ في الصحيح كما في الذخيرة لظهور مجازفة الشهود وقدمنا تمام الكلام على في النفقة فافهم قال أو بصحة نكاح مزنية أبيه أو ابنه لم يصح عند أبي يوسف أي لأن حرمته منصوص عليها في الكتاب العزيز لأن النكاح لغة الوطء وعند محمد ينفذ لأن هذا النص ظاهر والتأويل فيه سائغ قال أو بصحة نكاح أم مزنيته أو بنتها أي على الخلاف السابق وستأتي في عبارة الزواهر في القسم الثاني قال أو بنكاح المتعة أي لأنها منسوخة وقد صح رجوع ابن عباس عن القول بجوازها قال أو بسقوط المهر بالتقادم أي بأن لم تخاصم زوجها فيه حتى مضت مدة طويلة ثم خاصمته يبطل حقها في الصداق والقاضي لا يلتفت إلى خصومتها شرح أدب القضاء فلو قضى عليها ببطلانه لم ينفذ قال أو بعدم تأجيل العنين أي فلو رفع قضاؤه لقاض أبطله وأجل الزوج حولا خانية قال أو بعدم صحة الرجعة بلا رضاها أي لمخالفته لقوله تعالى {وبعولتهن أحق بردهن} قال أو بعدم وقوع الثلاث على الحبلى أو بعدم وقوعها قبل الدخول أو بعدم الوقوع على الحائض أو بعدم وقوع ما زاد على الواحدة أو بعدم وقوع الثلاث بكلمة أي لمخالفته قوله تعالى {فإن طلقها فلا تحل له} لأن المراد به الطلقة الثالثة فمن قال لا يقع شئ أو تقع واحدة فقد أثبت الحل للزوج الأول بدون الزوج الثاني وهو خلاف الكتاب فلا ينفذ القضاء به شرح أدب القضاء. قلت: فما ذكر في الفتاوى المنسوبة إلى ابن كمال باشا من وقوع طلقة واحدة لا يعول عليه ومن أفتى به من أهل عصرنا فهو جاهل كما أوضحته في إفتاء طويل قال أو بعدم وقوعه على الموطوءة عقبه في عبارته في البحر أو بعدم وقوع الطلاق في طهر جامعها فيه قال أو بنصف الجهاز لمن طلقها قبل الوطء بعد المهر والتجهيز أي لو طلقها قبل الدخول بعد ما قبضت المهر
(1) قوله: (بل هو معمول عندنا) هكذا بخطه سقط من قلمه كلمة به ما لم يجعل من باب الحذف والإيصال فليتأمل اه مصححه. 698 وتجهزت به فقضى القاضي للزوج بنصف الجهاز لرأيه أن الزوج بدفع المهر رضي بتصرفها فيه فصار كأن الزوج اشتراه بنفسه وساقه إليها ثم طلقها قبل الدخول فله نصفه لم ينفذ لأنه قضاء بخلاف النص لأنه تعالى جعل له نصف المفروض أي المسمى في العقد والجهاز غير مسمى فلا ينتصف اه. ملخصا من حاشية الأشباه عن المحيط قال أو بشهادة بخط أبيه أي شهادته على شئ بسبب رؤيته بخط أبيه قال في شرح أدب القضاء صورته أن الرجل إذا مات فوجد ابنه خط أبيه في صك وعلم يقينا أنه خط أبيه يشهد بذلك الصك لأن الابن خليفة الميت في جميع الأشياء لكن هذا قول مهجور الخ. قلت: وزاد في البحر بعد هذه المسألة أو بشاهد ويمين أو في الحدود والقصاص بشهادة رجل وامرأتين أو بما في ديوانه وقد نسي وبشهادة شاهد على صك لم يذكر ما فيه إلا أنه يعرف خطه وخاتمه أو بشهادة من شهد على قضية مختومة من غير أن تقرأ عليه وبقضاء المرأة في حد أو قود اه. لكن صرح في الفصولين بنفاذه في هذه المواضع وإنما حكي خلافا في الأول فقط ولعله أسقطها من الأشباه لهذا والله تعالى أعلم قال أو في قسامة بقتل أي قضى فيما فيه القسامة بالقتل وصورته كما في شرح أدب القضاء ما قاله بعض العلماء إذا كان بين المدعى عليه والقتيل عداوة ظاهرة ولا يعرف له عداوة على غير المدعى عليه وبين دخوله في المحلة ووجود القتيل مدة قريبة فالقاضي يحلف الولي على دعواه فإذا حلف قضى له بالقصاص وهو خلاف السنة وإجماع الصحابة بل فيه الدية والقسامة عندنا قال أو بالتفريق بين الزوجين بشهادة المرضعة أو قضى لولده أي لأنه قضاء لنفسه من وجه أما لو قضى بشهادة الابن لأبيه أو بالعكس ففيه خلاف بين الصحابة ثم وقع الإجماع على بطلانه فينفذ قضاؤه عند أبي يوسف بناء على أن الإجماع المتأخر لا يرفع الخلاف السابق عنده وعند محمد لا ينفذ بناء على أنه يرفعه عنده فلم يكن قضاء في فصل مجتهد فيه قال أو رفع إليه حكم صبي أو عبد أو كافر أي لو قضى بما حكم به هؤلاء لا ينفذ لأن حكمهم غير نافذ قال أو الحكم بحجر سفيه يعني لو حجر القاضي على سفيه فأطلقه آخر جاز وبطل قضاء الأول فليس لقاض ثالث أن ينفذه لأن الأول ليس قضاء بل فتوى لعدم المقضي له ولئن كان قضاء فنفسه مجتهد فيه فلا يكون حجة ما لم يمضه قاض آخر كما لو قضى المحدود في قذف لا يكون حجة ما لم يتصل به الإمضاء من قاض آخر هذا حاصل ما في شرح أدب القضاء من باب الحجر وبه علم أنه كان عليه أن يقول أو الحكم بحجر سفيه أبطله قاض آخر فإنه حينئذ لو رفع إلى ثالث لا ينفذه أما لو أجازه الثاني لزم الثالث تنفيذه فافهم قال أو بصحة بيع نصيب الساكت من قن حرره أحدهما أي حرره أحد الشريكين معسرا كما في البحر أي لو باع الساكت نصفه وقضى القاضي به ثم اختصموا إلى آخر فإنه يبطله لأن الصحابة اتفقوا على أنه لا يجوز استدامة الرق فيه كما في شرح أدب القضاء قال أو ببيع مبروك التسمية عمدا أي عند الثاني وهو الأصح وقالا ينفذ كما في خزانة الأكمل قال أو ببيع أم الولد على الأظهر وقيل ينفذ على الأصح أي الأظهر عدم النفاذ عند محمد لأنه اختلف فيه بين الصحابة ثم وقع الإجماع على عدم جوازه وبه يرتفع الخلاف السابق عنده كما مر وعندهما لا يرتفع فينفذ البيع وذكر السرخسي أن الأكثر على عدم النفاذ وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب التدبير فراجعه
699 فإنه مهم قال أو ببطلان عفو المرأة عن القود أي لو قتل زوجها أو أبوها عمدا فعفت على القاتل فأبطله من لا يرى للنساء حقا في القصاص ثم قبل القود رفع إلى قاض آخر فإنه لا ينفذه ويحكم بصحة العفو وبطلان القود لمخالفته للجمهور وإن كان بعد القود فالقاضي الثاني لا يتعرض بشئ لكن ذكر في شرح أدب القضاء أن هذا التفصيل غير سديد بل السديد أنه بعد القود يلزمه أي القائد القصاص لو عالما لأنه قتل شخصا محقون الدم ولو جاهلا فالدية قال أو بصحة ضمان الخلاص أي بأن قال البائع أو أجنبي للمشتري إن استحقت الدار المشتراة من يدك فأنا ضامن لك استخلاصها بالبيع أو بالهبة وأسلمها إليك فهذا الضمان باطل لأنه ضمن ما ليس له قدرة على الوفاء به والقائل بأنه يصح لم يستند إلى قياس صحيح فالقضاء به باطل وفسر أبو يوسف ومحمد الخلاص بالرجوع بالثمن عند الاستحقاق فهو والدرك والعهدة واحد عندهما وحينئذ فالقضاء به صحيح وإذا رفع إلى آخر لا يبطله وتمامه في شرح أدب القضاء قال أو بزيادة أهل المحلة في معلوم الإمام من أوقاف المسجد أي إذا كانت بلا موجب وإلا فقد ذكرنا في فروع الفصل الأول من كتاب الوقف أنه يجوز للقاضي زيادة مرسوم الإمام إذا كان يتعطل المسجد بدونها أو كان فقيرا أو عالما تقيا قال أو بحل المطلقة ثلاثا بمجرد عقد الثاني أي بلا دخول كما هو قول سعيد بن المسيب لأنه مخالف للآثار المشهورة كما في القنية نعم في قضاء الفتح عن الفصول إذا طلقها الثاني بعد الدخول ثم تزوجها ثانيا في العدة ثم طلقها قبل الدخول فتزوجها الأول قبل انقضاء العدة وحكم بصحته نفذ إذ للاجتهاد فيه مساغ وهو صريح قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} الآية وهو مذهب زفر اه. وقدمنا الكلام على هذه المسألة في الطلاق فراجعه قال أو بعدم ملك الكافر مال المسلم بإحرازه بدراهم أي دار أهل الحرب لأنه لم يثبت فيه اختلاف بين الصحابة كما في فتح القدير فكان القضاء به مخالفا لإجماعهم قال أو ببيع درهم بدرهمين يدا بيد أي لو قضى ببيع الفضة بالفضة متفاضلا مع القابض كما هو قول ابن عباس لم يصح إذ لم يوافقه غيره لا عليه قال أو بصحة صلاة المحدث أي لو قال إن صليت صلاة صحيحة فأمرك بيدك فرعف في أثناء صلاته وقضى قاض بصحتها وبأنه صار أمر المرأة بيدها فللحنفي إبطاله لعدم وجود الشرط المأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام من قاء أو رفف وقال في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن عل صلاته ما لم يتكلم كما في حاشية الأشباه عن تنوير الأذهان فتأمل قال أو بقسامة على أهل محلة بتلف المال أي إذا تلف مال إنسان في محلة فقضى بضمانهم بالقسامة قياسا على النفس فهو باطل لمخالفته للإجماع فللثاني أن ينقضه كما في شرح أدب القضاء قال أو بحد القذف بالتعريض أي كقوله أما أنا فلست بزان وقال به عمر رضي الله تعالى عنه وهو قول مهجور خالفه فيه علي رضي الله تعالى عنه فللقاضي الثاني أن يبطله ويجعل ذلك المحدود مقبول الشهادة كما في شرح أدب القضاء قال أو بالقرعة في معتق البعض أي في مريض أعتق بعض عبيده بغير عينه لكن صرح الخصاف في أدب القضاء بنفاذه نعم نقل في تنوير الأذهان عن المحيط أنه ينفذ لأنه مجتهد فيه وعن أبي يوسف لا ينفذ لأن استعمال القرعة نوع قمار قال أو بعدم تصرف المرأة في مالها بغير إذن زوجها لم ينفذ في الكل أي في كل هذه المسائل هذا ما حررته من البزازية والعمادية والصيرفية والتتارخانية اه. كلام الأشباه بزيادات
700 توضحه مع ذكر المسائل التي زادها في البحر وذكر في البحر أيضا عقب ذلك عن السبكي أن القضاء ينقض عند الحنفية إذا كان حكما لا دليل عليه. مطلب ما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص والحكم به حكم بلا دليل وما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص وهو حكم لا دليل عليه سواء كان نصه في الوقف نصا أو ظاهرا اه. وهذا موافق لقول مشايخنا كغيرهم شرط الواقف كنص الشارع فيجب اتباعه كما صرح به في شرح المجمع للمصنف اه. قوله: (الأول ما لم يختلف مشايخنا فيه) أي في نقصه وكذا هو مرجع الضمير بعده وأراد بالمشايخ الإمام وصاحبيه وأراد بالأصحاب في قوله واختلف أصحابنا فيه الصاحبين ط. مطلب المراد بأصحابنا أئمتنا الثلاثة وبالمشايخ من لم يدرك الإمام قلت: لكن المشهور إطلاق أصحابنا على أئمتنا الثلاثة أبي حنيفة وصاحبيه كما ذكره في شرح الوهبانية وأما المشايخ ففي وقف النهر عن العلامة قاسم أن المراد بهم في الاصطلاح من لم يدرك الإمام قوله (والثالث ما لا نص فيه عن الإمام) أي لا نص فيه ظاهر يعتمد عليه فلا ينافي قوله الآتي في قسم الثالث إذا حكم بالشاهد واليمين في الأموال ثم رفع إلى حاكم يرى خلافه نقضه عند الثاني وعن الإمام لا أفاده ط قوله: (وتعارضت فيه تصانيفهم) أي تصانيف الأصحاب بمعنى أهل المذهب. مطلب قضايا القضاة على ثلاثة أقسام قال في جامع الفصولين قضايا القضاة على ثلاثة أقسام الأول حكمه بخلاف نص وإجماع وهذا باطل فلكل من القضاة نقضه إذا رفع إليه وليس لأحد أن يجيزه الثاني حكمه فيما اختلف فيه وهو ينفذ وليس لأحد نقضه والثالث حكمه لشئ يتعين فيه الخلاف بعد الحكم فيه أي يكون الخلاف في نفس الحكم فقيل نفذ وقيل توقف على إمضاء آخر فلو أمضاه يصير كالقاضي الثاني إذا حكم في مختلف فيه فليس للثاني نقضه فلو أبطله الثاني بطل وليس لأحد أن يجيزه اه. ط وسيأتي تمام الكلام على هذه الثلاثة في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى قوله: (وتعذر على البائع ردها) أي إلى المشتري قوله: (في المواضع) أي المساكن والخطة أي المحلة والذرع أي عدد الأذرع اه ح. قوله: (كقول عثمان البستي) هذا خلاف ما في الزواهر فإن الذي فيها أن عثمان
701 البستي قال إذا رفع إلى قاض آخر أبطله الخ قوله: (لمخالفته لنص الحديث) هو ما ورد أنه عليه الصلاة والسلام كان يقضي بالشفعة في كل ربع وحائط فلا يعمل بخلاف من خالف في ذلك ط قوله: (إذا قضى بعد ثبوته) في بعض النسخ بعد توبته أي بعد أن تاب وهي أظهر لأن القضاء بشئ لا يكون إلا بعد ثبوته عند القاضي لكن كل من النسختين غير موجود في الزواهر على ما نقله المحشي أبو السعود عنها. قلت: والصواب قبل توبته لأن الكلام فيما ينقض ولا ينفذه أحد وهذا ليس كذلك لما في شرح أدب القضاء وأما المحدود في القذف إذا قضى قبل التوبة فالقاضي الثاني يبطل قضاءه لا محالة حتى لو نفذه ثم رفع إلى قاض ثالث فله أن ينقضه لأنه لا يصلح قاضيا بالإجماع فكان القضاء الثاني مخالفا للإجماع فكان باطلا وأما إذا كان بعد التوبة لا ينفذ قضاؤه عندنا لكن لقاض آخر أن ينفذه حتى لو نفذه ثم رفع إلى ثالث ليس للثالث أن يبطله اه. قوله: (ومنه ما لو حكم أعمى الخ) في جامع الفصولين ولو أمضى حكم الأعمى نفذ إذ في أهلية شهادته خلاف ظاهر ولو رفع حكمه إلى قاض لا يرى جواز قضائه أبطله إذ نفس الحكم مجتهد فيه اه. وحاصله أنه من القسم الثالث من الأقسام المارة آنفا عن جامع الفصولين فيتوقف على إمضاء قاض ثان فإن أمضاه الثاني نفذ فليس لثالث إبطاله وإن أبطله الثاني بطل فهو نظير حكم المحدود بعد التوبة وعلمت ما فيه قوله: (لأنه ليس من أهل الشهادة) علة للمسألتين قبله ط قوله: (وكذا ما أداه النائم في نومه) يعني إذا أدى النائم شهادة فقضى بها ورفع لقاض آخر نقضه ط قوله: (في شجاج الحمام) قال الشارح في الشهادات وكذا لا تقبل شهادة الصبيان فيما يقع في الملاعب ولا شهادة النساء فيما يقع في الحمامات وإن مست الحاجة لمنع الشرع عما يستحق به السجن وملاعب الصبيان وحمامات النساء فكان التقصير مضافا إليهم لا إلى الشرع بزازية وصغرى وشرنبلالية لئلا يهدر الدم اه. لكن في الحاوي تقبل شهادة النساء في القتل في الحمام بحكم الدية لئلا يهدر الدم اه. فليتنبه عند الفتوى اه. ط قوله: (ومنه الحكم بإجارة المديون في دينه) أي لو حكم للدائن بأن يؤجر مديونه ليستوفي دينه من أجرته لا ينفذ لمخالفته لقوله تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} نعم قالوا إنه لو كان له كسب يفضل عن حاجته يأمره الحاكم بدفع الفاضل هذا وقد أسقط الشارح من عبارة الزواهر مسألة قبل هذه وهي قوله ومنه إذا قال الرجل لامرأته كلي أو اشربي يريد الطلاق فقضى عليه القاضي بذلك وفرق بينهما ثم رفع إلى من لا يراه نقضه قوله: (ومنه القضاء بخط شهود أموات) لأن الشاهد لا بد من نطقه بالشهادة فالحكم بالخط حكم بلا
702 شهادة فهو باطل قوله (نسيئة) وكذا مع التفاضل كما مر قوله: (نقضه) لأنه لا شهادة لكافر على مسلم قوله (أمضى النقض) عبارة الزواهر ثم رفع النقض إلى آخر أمضى النقض اه. أي حملا لحكمه بالنقض على الصحة بأن علم الناقض أن الحكم الأول باطل فعد هذه هنا بالنظر إلى هذا تأمل قوله: (ثم ظهر فيه عيب) قيده في شرح أدب القضاء بالجنون فإن بعضهم قال يرد العبد به مطلقا لأنه إنما يكون من نقصان يتمكن من أصل الخلقة فيكون من عند البائع قوله: (التي لم يدخل بها) صفة للمرأة قوله: (الآية) تتمتها {من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} النساء 23) قوله: (لم ينقض عنده خلافا للثاني) كذا في الزواهر ويظهر لي أن العبارة مقلوبة والصواب ينقض عنده بإسقاط لم لأن ما ذكره هو المسألة الأصولية وهي أن الإجماع اللاحق هل يرفع الخلاف السابق فعندهما لا وعند محمد نعم فإذا حكم بالقول المتروك أي الذي تركه أهل الإجماع فعندهما لا ينقض حكمه لعدم ارتفاع الخلاف السابق فكان حكما في محل مجتهد فيه وعند محمد ينقض لارتفاع الخلاف فيكون حكما مخالفا للإجماع ومثله ما قدمناه من شهادة الابن لأبيه أو بالعكس ومن مسألة بيع المدبر فتدبر قوله: (ومنه إذا وطئ أم امرأته الخ) في شرح أدب القضاء لو وطئ أم امرأته أو بنتها فخاصمته زوجته إلى قاض يرى أن الحرام لا يحرم الحلال فقضى بها لزوجها ثم رفعته إلى قاض يرى أن ذلك يحرمها على زوجها فليس للثاني أن يبطل قضاء الأول لأن هذا مما اختلف فيه الصحابة والعلماء فإذا قضى نفذ قضاؤه بالإجماع فإذا قضى الثاني بخلافه كان قضاؤه مخالفا للإجماع ثم هل يحل للزوج المقام معها فلو جاهلا وقضى بالمرأة له حل بلا شبهة لا لو قضى بتحريمها ولو عالما فإن قضى عليه بأن كان هو لا يرى تحريمها والقاضي قضى بتحريمها نفذ القضاء عليه فلا يحل له المقام معها وإن قضى له بأن كان هو يرى تحريمها وقضى له بحلها فعند أبي يوسف كذلك وعندهما يحل اه ملخصا. ورأيت بهامشه بخط بعض العلماء عند قوله فإذا قضى نفذ قضاؤه بالإجماع ما نصه ذكر في الواقعات الصغرى أن نفاذ القضاء مختلف فيه عند أبي يوسف لا ينفذ وللثاني أن يبطله وعند محمد: ينفذ وليس للثاني ذلك فكان النفاذ المجمع عليه موقوفا على قضاء ثان بصحة قضاء الأول اه. ورأيت نحوه في جامع الفصولين من حكاية الخلاف المذكور قوله: (وإن عالما لا يحل
703 له المقام) أي إن عالما بحرمتها معتقدا لها وقضى له بالحل قوله: (وذكر ذلك مطلقا) أي بلا حكاية خلاف قوله (فالظاهر أن ذلك مذهبه) أي مذهب صاحب المنتقى قوله: (أو قول الإمام) قد علمت أنه قول أبي يوسف قوله: (لمخالفته لنص ولا تنكحوا) أي ما نكح آباؤكم من النساء وهذا لا يصلح دليلا على ما قبله بل إنما يصلح دليلا لمسألة ذكرها في جامع الفصولين وعبارته: ولو قضى بجواز نكاح مزنية الأب للابن أو الابن للأب لا ينعقد عند أبي يوسف إذ الحادثة نص عليها في الكتاب اه ط. مطلب في قضاء القاضي بخلاف مذهبه قوله: (ومنه إذا قضى بخلاف مذهبه الخ) في قضاء البحر لو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه ناسيا نفذ عليه وفي العامد روايتان وعندهما لا ينفذ في الوجهين واختلف الترجيح قال في الفتح والوجه الآن أن يفتى بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى باطل وأما الناسي فلأن المقلد ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره هذا كله في القاضي المجتهد فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم اه. وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى قوله: (وقال القاسم بن معن حجر) أي الحبس حجر ط. قلت: والقاسم هذا من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى أخذ عنه محمد بن الحسن كما في طبقات عبد القادر قوله: (فلو حكم الثاني) أي الحاكم الثاني بأنه حجر نفذ ولا ينقض مفاده أن هذا من القسم الثالث من الأقسام التي قدمناها عن جامع الفصولين قوله: (إذا حكم بالشاهد واليمين) قال في جامع الفصولين ذكر في بعض المواضع أنه ينفذ وفي بعضها لا ينفذ وفي أقضية الجامع أنه يتوقف على إمضاء قاض آخر اه ط. قوله: (وعن الإمام لا) تقدم أن هذا القسم لا نص فيه عن الإمام وتقدم جوابه. قوله: (لأنه مما يستشنعه الناس) أي يعدونه أمرا شنيعا لأنها بنته حقيقة ولغة لوجود الجزئية وإنما قطع الشرع نسبتها إليه فقط إذ الجزئية لا تنتفي بالزنا ثم إنه لم يذكر فيه خلافا ومقتضى عده من القسم الثالث وجود الخلاف فيه قوله: (ثم مات المعتق) بكسر التاء
704 والذي بعده بفتحها ط قوله: (إنما الولاء لمن أعتق) لأن إنما تفيد قصر الولاء على من أعتق ومن أحكام الولاء الإرث قوله: (ولا يلزم) أي لا يلزمنا أن نقول مولى الموالاة كذلك أي أنه يكون إرثه من أحد الجانبين فقط كما قلنا في ولاء العتاقة لأنه أي الولاء المفهوم من مولى الموالاة مستحق بالعقد لأن صورته أن يعقد رجلان مجهولا النسب عقد الموالاة بينهما على أن من مات منهما قبل صاحبه عن غير وارث ورثه الآخر وهذا العقد قائم بهما أي وجد منهما فيتوارثان به من الطرفين بخلاف ولاء العتاقة فإن سببه الإعتاق وهو قائم بالمعتق فقط كالزوجية فإنها من أسباب الميراث والإرث ثابت بها من الطرفين لقيام عقدها بهما معا فيتوارثان بها وإن اختلف مقدار الإرث بها من جهة أخرى وهي تفضيل الزوج على الزوجة بذكورته وكونه قواما عليها والله سبحانه أعلم قوله: (فاغتنم هذا المقام) أي فز به بلا مشقة كما في القاموس حيث قال غنم بالكسر غنما بالضم وبالفتح وبالتحريك وغنيمة وغنمانا بالضم الفوز بالشئ بلا مشقة اه. والاغتنام افتعال منه فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم وله الحمد على ما علم وفهم وصلى الله وبارك وسلم على عبده ورسوله المعظم وعلى آله وصحبه ومن في سلكه انتظم لا سيما إمامنا الأعظم وقدوتنا المقدم وأصحابه ومشايخ مذهبه المحكم وأتباعه ذوو المقام الأفخم والمصنف ذو الفضل المسلم والشارح الذي أتقن مسائله وأحكم ووالدينا (1) ومشايخنا وأهالينا ومن أسدى إلينا معروفا وأكرم ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين وتقبل مني هذا العمل وبلغني في إكماله غاية الأمل، وجنبني فيه عن الخطأ والخلل واجعله سببا لغفران الذنب والزلل ولحسن الختام عند انتهاء الأجل والحمد لله رب العالمين.
(1) قوله: (ووالدينا) مقتضى قوله وأتباعهم ذوو الخ أن يقول هنا ووالدونا الخ بالرفع إلا أن يجعل معطوفا على ما قبل لا سيما على ما فيه اه مصححه. 705