بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: حاشية رد المحتار المؤلف: ابن عابدين الجزء: 5 الوفاة: 1252 المجموعة: فقه المذهب الحنفي تحقيق: إشراف : مكتب البحوث والدراسات الطبعة: جديدة منقحة مصححة سنة الطبع: 1415 - 1995 م المطبعة: الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان ردمك: ملاحظات: المكتبة التجارية - مصطفى أحمد الباز حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين ويليه تكملة ابن عابدين لنجل المؤلف طبعة جديدة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الجزء الخامس دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
1 جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فاكس - تلكس: 41391 فكر ص. أأدخل 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001
2 كتاب البيوع قوله: (لما فرغ الخ) بيان للمناسبة بين جملة ما تقدم وجملة ما يأتي مع بيان المناسبة بين خصوص الوقف والبيع، والمراد بالعبادات: ما كان المقصود منها في الأصل تقرب العبد إلى الملك المعبود، ونيل الثواب والجود، كالأركان الأربعة ونحوها، وبالمعاملات: ما كان المقصود منها الأصل قضاء مصالح العباد كالبيع والكفالة والحوالة ونحوها، وكون البيع أو الشراء قد يكون واجبا لعارض لا يخرجه عن كونه من المعاملات، كما لا تخرج الصلاة مع الرياء عن كون أصل الصلاة عبادة. ثم إن ما تقدم غير مختص بالعبادات بل هو حقوقه تعالى، وهي ثلاثة: عبادات، وعقوبات، وكفارات، فالمعاملات في مقابلة حقوقه تعالى. وأورد في الفتح أنه لا يخفى شروعه في المعاملات من زمان فإن ما تقدم من اللقطة واللقيط والمفقود من المعاملات. قال في النهر: وكان النكاح أولى بالذكر من اللقيط ونحوه ا ه. قلت: وفيه نظر ظاهر، فإن النكاح وإن كان في المعاملات لكنه من العبادات أيضا، بل المقصود الأصلي منه العبادة، وهي تحصين النفس عن المحرما ت وتكثير المسلمين، بل قالوا: إن التخلي له أفضل من التخلي للنوافل. وقد يقال الأولى إيراد الشركة، لان كلا من اللقطة واللقيط: أي التقاطهما مندوب إليه من حيث هو، وقد يجب فلذا ذكر في حقوقه تعالى، وكذا رد الآبق وأما المفقود فإنه ذكر فيها لمناسبة اقتضته، وكذا اللقطة ونحوها والشركة، كما ذكروا في المعاملات بعض العبادات كالأضحية لمناسبتها للذبائح، والقرض لمناسبته للبيع. تأمل. قوله: (لكن لا إلى مالك) أي الإزالة في الوقف لا تنتهي إلى مالك فهو في حكم ملك الله تعالى وهذا قولهما، وقال الامام: هو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة ط. قوله: (فكانا كبسيط ومركب) أي والبسيط مقدم على المركب في الوجود فقدم عليه في الذكر. قال ط: وإنما لم يكن البيع مركبا حقيقة، لان الإزالة أمر اعتباري لا يتحقق منه (1) تركيب. قوله: (وجمع الخ) لما كان البيع في الأصل مصدرا والمصدر لا يجمع لأنه
(1) قوله: (منها) بخطه ولعل الأصوب (فيها) تأمل ا ه مصححه. 3 اسم للحدث كالقيام والقعود وقد جمعه تبعا للهداية أجابوا عنه بأنه قد يراد به المفعول، فجمع باعتباره كما يجمع المبيع: أي فإن أنواع المبيعات كثيرة مختلفة، أو أنه بقي على أصله مرادا به المعنى لكنه جمع باعتبار أنواعه، فإن البيع الذي هو الحدث إن اعتبر من حيث هو فهو أربعة: نافذ إن أفاد الحكم للحال، وموقوف إن إفاده عند الإجازة، وفاسد إن أفاده عند القبض، وباطل إن لم يفده أصلا. وإن اعتبر من حيث تعلقه بالمبيع فهو أربعة أيضا، لأنه إما أن يقع على عين بعين، أو ثمن بثمن: أي يكون المبيع فيه من الأثمان: أي النقود، أو ثمن بعين، أو عين بثمن. ويسمى الأول مقايضة، والثاني صرفا، والثالث سلما، وليس للرابع اسم خاص، فهو بيع مطلق، وإن اعتبر من حيث تعلقه بالثمن أو بمقداره فهو أربعة أيضا، لأنه إن كان بمثل الثمن الأول مع زيادة فمرابحة، أو بدون زيادة فتولية، أو أنقص من الثمن فوضيعة، أو بدون زيادة ولا نقص فمساومة. وزاد في البحر خامسا وهو الاشراك: أي أن يشرك غيره فيما اشتراه: أي بأن يبيعه نصفه مثلا، وتركه الشارح لأنه غير خارج عن الأربعة، وقد يعتبر من حيث تعلقه بوصف الثمن ككونه حالا أو مؤجلا، وبما قررناه ظهر لك أن قوله باعتبار كل من البيع والمبيع ليس المراد اعتبار المبيع وحده: أي بدون تعلق بيع به، حتى يرد أنه إذا أريد كل منهما بانفراده يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن جمع البيع باقيا على مصدريته نظرا إلى أنواعه حقيقة، بخلاف جمعه منقولا إلى اسم المفعول فإنه مجاز، ووجه عدم الورود أن المراد جمعه باعتبار حقيقته، لكن نظرا إلى ذاته منفردا أو متعلقا بغيره لا منقولا إلى اسم المفعول، فافهم، قوله: (أنواعا أربعة) خبر الكون، وقوله: (نافذ الخ) بيان للأنواع الأربعة في كل واحد من الثلاثة على طريق اللف والنشر المرتب، وقد علمت بيانها. ثم إن تقسيم الأول إلى ما ذكر هو ما مشى عليه في الحاوي، وظاهره أن الموقوف من قسم الصحيح وهو أحد طريقين للمشايخ، وهو الحق. ومنهم من جعله قسيما للصحيح وعليه مشى الزيلعي، فإنه قسمه إلى صحيح وباطل وفاسد وموقوف، وتمام تحقيقه في أول البيع الفاسد من البحر ويأتي قريبا استثناء بيع المكره. وقوله: (هو لغة مقابلة شئ بشئ) أي على وجه المبادلة، ولو عبر بها بدل المقابلة لكان أولى كما فعل المصنف فيما بعده، وظاهره شمول الإجارة، لان المنفعة شئ باعتبار الشرع أنها موجودة حتى صح الاعتياض عنها بالمال، وكذا باعتبار اللغة، تأمل. مطلب في تعريف المال والملك والمتقوم قوله: (مالا أولا) الخ، المراد بالمال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة، والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم، والتقوم يثبت بها بإباحة الانتفاع به شرعا، فما يباح بلا تمول لا يكون مالا كحبة حنطة وما يتمول بلا إباحة انتفاع لا يكون متقوما كالخمر، وإذا عدم الأمران لم يثبت واحد منهما كالدم. بحر ملخصا عن الكشف الكبير. وحاصله أن المال أعم من المتمول (1)، لان المال ما يمكن ادخاره ولو غير مباح كالخمر،
(1) قوله: (أعم من المتمول الخ) لعل الصواب المتقوم تأمل ا ه. 4 والمتقوم ما يمكن ادخاره مع الإباحة، فالخمر مال لا متقوم، فلذا فسد البيع بجعلها ثمنا، وإنما لم ينعقد أصلا بجعلها مبيعا لان الثمن غير مقصود بل وسيلة إلى المقصود، إذ الانتفاع بالأعيان لا بالأثمان، ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثمن، فبهذا الاعتبار صار الثمن من جملة الشروط بمنزلة آلات الصناع، وتمام تحقيقه في فصل النهي من التلويح، ومن هذا قال في البحر: ثم اعلم أن البيع وإن كان مبناه على البدلين لكن الأصل فيه المبيع دون الثمن، ولذا تشترط القدرة على المبيع دون الثمن وينفسخ بهلاك المبيع دون الثمن ا ه. وفي التلويح أيضا من بحث القضاء: والتحقيق أن المنفعة ملك لا مال، لان الملك ما من شأنه أن يتصرف فيه بوصف الاختصاص، والمال ما من شأنه أن يدخر للانتفاع وقت الحاجة، والتقويم يستلزم المالية عند الامام والملك عند الشافعي، وفي البحر عن الحاوي القدسي، المال اسم لغير الآدمي، خلق لمصالح الآدمي وأمكن احرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار والعبد وإن كان فيه معنى المالية لكنه ليس بمال حقيقة حتى لا يجوز قتله وإهلاكه ا ه. قلت: وفيه نظر، لان المال المنتفع به في التصرف على الوجه الاختيار والقتل والاهلاك ليس بانتفاع، ولان الانتفاع بالمال يعتبر في كل شئ بما يصلح له، ولا يجوز إهلاك شئ من المال بلا انتفاع أصلا كقتل الدابة بلا سبب موجب. قوله: (بدليل وشروه بثمن بخس) أي باعوه: أي إخوة يوسف بثمن ناقص وقيل: باعوه بعشرين درهما، فالآية دليل على أن البيع لا يلزم كون المبيع فيه مالا، لان الحر لا يملك. قلت: وفيه أن أهل اللغة في الجاهلية كانوا يسترقون الأحرار ويبيعونهم، فلا تدل الآية على أن البيع لغة لا يشترط فيه المالية، على أن الظاهر أن الحر يملك قبل شرعنا، بدليل: * (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) * ثم رأيت ذلك في القهستاني من البيع الفاسد حيث قال: إن الحر كان مالا في شريعة يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حتى استرق السارق كما في شرح التأويلات، فلا ينبغي أن يقال: إنه لم يكن مالا عند أحد ا ه. فالأولى الاستدلال بمثل: * (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم فاستبشروا ببيعكم) * (التوبة: 111) * (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) * (البقرة: 61) ونحوه، ولا يخفى أن دعوى المجاز في ذلك خلاف الأصل، فافهم. وبهذا ظهر أن تعريفه لغة بما ذكره الشارح تبعا للمحيط أولى مما في الفتح عن فخر الاسلام من أن البيع لغة مبادلة المال بالمال، لكن يرد على الأول أنه يدخل فيه النكاح، إلا أن يراد بالمقابلة ما يكون على وجه التمليك حقيقة. تأمل. قوله: (وهو من الأضداد) أي من الألفاظ التي تطلق على الشئ وعلى ضده، كما في قوله تعالى: * (وكان وراءهم ملك) * أي قدامهم. قال في الفتح: يقال : باعه إذا أخرج العين من ملكه إليه، وباعه أي اشتراه ا ه. وكذا الشراء بدليل: * (وشروه بثمن بخس) * فيطلق كل منهما على الآخر. وفي المصباح: والبيع من الأضداد مثل الشراء، ويطلق على كل واحد من المتعاقدين أنه بائع، لكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة، قوله: (ويستعمل متعديا) أي بنفسه إلى مفعولين. قوله: (وبمن للتأكيد) كبعت من زيد الدار، وظاهر الفتح أنها للتعدية، لأنه قال: ويتعدى بنفسه وبالحرف. قوله: (وباللام) أي قليلا. وعبارة ابن القطاع على ما في المصباح: وربما دخلت اللام مكان من، تقول: بعتك الشئ وبعت لك فهي زائدة اه.
5 قوله: (يقال بعتك الشئ) مثال للمعتدي بنفسه وترك مثال التعدي بمن. قوله: (وباع عليه القاضي) أفاد أنه يتعدى بعلى أيضا في مقام الاجبار والالزام. قوله: (مبادلة شئ) مصدر مضاف إلى مفعوله الأول والفاعل محذوف، والأصل أن يتبادل المتبايعان شيئا مرغوبا فيه بمثله، فشيئا مفعول أول وبمثله مفعول ثان بواسطة الحرف، فافهم. قوله: (مرغوب فيه) أي ما من شأنه أن ترغب إليه النفس وهو المال، ولذا احترز به الشارح عن التراب والميتة والدم فإنها ليست بمال، فرجع إلى قول الكنز والملتقى: مبادلة المال بالمال، ولذا فسر الشارح كلام الملتقى في شرحه بقوله: أي تمليك شئ مرغوب فيه بشئ مرغوب فيه، فقد تساوى التعريفان فافهم، نعم زاد في الكنز بالتراضي. مطلب في بيع المكره والموقوف وأورد عليه أنه يخرج بيع المكره مع أنه منعقد، وأجاب في شرح النقاية بأن من ذكره أراد تعريف البيع النافذ، ومن تركه أراد الأعم، واعترضه في البحر بأن بيع المكره فاسد موقوف لا موقوف فقط كبيع الفضولي كما يفهم من كلام شارح النقاية. قلت: لكن قدمنا أن الموقوف من قسم الصحيح، ومقتضاه أن بيع المكره كذلك، لكن صرحوا في كتاب الاكراه أنه يثبت به الملك عند القبض للفساد، فهو صريح في أنه فاسد وإن خالف بقية العقود الفاسدة في أربعة صور (1) سيذكرها المصنف هناك، وأفاد في المنار وشرحه أنه ينعقد فاسدا لعدم الرضا الذي هو شرط النفاذ، وأنه بالإجازة يصح ويزول الفساد، وبه علم أن الموقوف على الإجازة صحته، فصح كونه فاسدا موقوفا، وظهر أن الموقوف منه فاسد كبيع المكره، ومنه صحيح كبيع عبد أو صبي محجورين. وأمثلته كثيرة ستأتي في باب بيع الفضولي. والحاصل أن الموقوف مطلقا بيع حقيقة، والفاسد بيع أيضا وإن توقف حكمه، وهو الملك على القبض، فلا يناسب ذكر التراضي في التعريف، ولذا قال في الفتح: إن التراضي ليس جزء مفهوم البيع الشرعي، بل شرط ثبوت حكمه شرعا ا ه: أي لأنه لو كان جزء مفهومه شرعا لزم أن يكون بيع المكره باطلا وليس كذلك، بل هو فاسد كما علمت، وأنت خبير بأن التعريف شامل للفاسد بسائر أنواعه كما ذكره في النهر لأنه بيع حقيقة، وإن توقف حكمه على القبض، فالتقييد بالتراضي لاخراج بعض الفاسد وهو بيع المكره غير مرضي، لأنه إذا كان المراد تعريف مطلق البيع يكون غير جامع لخروج هذا منه، وإن أريد تعريف البيع الصحيح فليس بمانع لدخول أكثر البياعات الفاسدة فيه. ثم اعلم أن الخمر مال كما قدمناه عن الكشف والتلويح وإن كان غير متقوم مع أن بيعه باطل في حق المسلم، بخلاف البيع به فإنه فاسد، ومر الفرق، وأما ما في البحر عن المحيط من أنه غير مال فالظاهر أنه أراد بالمال المتقوم توفيقا بين كلامهم، وحينئذ فيرد على تعريف المصنف كالكنز، فافهم. ويرد على تعريف المصنف فقط الإجارة والنكاح. قال ط: فإن فيهما مبادلة مال مرغوب فيه بمرغوب فيه، ولا يخرجان بقوله على وجه مخصوص، لان المراد به الايجاب والقبول والتعاطي اه.
(1) قوله: (في أربعة صور) هكذا بخطه والأصوب تجريد العدد من التاء القاعدة المعلومة ا ه صححه. 6 إلا أن يجاب بأن المراد بالمرغوب فيه المال كما قررناه أو لا، والمنفعة غير مال كما مر، أو يقال: إن المبادلة هي التمليك كما في النهر عن الدراية: أي التمليك المطلق، والمنفعة في الإجارة والنكاح مملوكة ملكا مقيدا، فافهم قوله: (على وجه مفيد) هذا التقييد غير مفيد، إذ غايته أنه أخرج ما لا يفيد كبيع درهم بدرهم اتحد وزنا وصفة وهو فاسد، وقد علمت شمول التعريف لجميع أنواع الفاسد، فلا فائدة في إخراج نوع منه كما قلناه في بيع المكره، نعم لو كان بيع الدرهم بالدرهم باطلا فهو تقييد مفيد، ولكن بطلانه بعيد لوجود المبادلة بالمال، فتأمل. قوله: (أي بإيجاب أو تعاط) بيان للوجه المخصوص، وأراد الايجاب ما يكون بالقول بدليل المقابلة فيشمل القبول، وإلا لم يخرج التبرع من الجانبين على ما قاله ط، فتأمل. قوله: (فخرج التبرع من الجانبين الخ) قال المصنف في المنح: ولما كان هذا يشمل مبادلة رجلين بمالهما بطريق التبرع أو الهبة بشرط العوض فإنه ليس ببيع ابتداء وإن كان في حكمه بقاء، أراد إخراج ذلك فقال: على وجه مخصوص ا ه. قلت: وهذا صريح في دخولهما تحت المبادلة على خلاف ما في النهر ووجهه أنه لو تبرع لرجل بشئ ثم الرجل عوض عليه بشئ آخر بلا شرط فهو تبرع من الجانبين مع المبادلة لكن من جانب الثاني، وهذا يوجد كثيرا بين الزوجين يبعث إليها متاعا وتبعث له أيضا وهو في الحقيقة هبة، حتى لو ادعى الزوج العارية رجع، ولها أيضا الرجوع لأنها قصدت التعويض عن هبة، فلما لم توجد الهبة بدعوى العارية لم يوجد التعويض عنها فلها الرجوع كما سيأتي في الهبة، وكذا لو وهبه شيئا على أن يعوضه عنه شيئا معيبا فهو هبة ابتداء مع وجود المبادلة المشروطة، فافهم. قوله: استويا وزنا) أما إذا لم يستويا فيه فالبيع فاسد لربا الفضل لا لعدم الفائدة، وقوله: وصفة خرج ما اختلفا فيها مع اتحاد الوزن ككون أحدهما كبيرا والآخر صغيرا أو أحدهما أسود والآخر أبيض. قلت: والمسألة مذكورة في الفصل السادس من الذخيرة: باع درهما كبيرا بدرهم صغير أو درهما جيدا بدرهم ردئ، جاز لان لهما فيه غرضا صحيحا، أما إذا كانا مستويين في القدر والصفة اختلفوا فيه. قال بعض المشايخ: لا يجوز، وإليه أشار محمد في الكتاب، وبه كان يفتي الحاكم الإمام أبو أحمد ا ه. قوله: (ولا مقايضة أحد الشريكين) أي المستويين: والمتبادر من التعبير بالشريكين أن الدار مشاعة بينهما، أما لو كانت حصة كل منهما مفروزة عن الأخرى فالظاهر جواز المقايضة، لأنه قد يكون رغبة كل منهما فيما في يد الآخر فهو بيع مفيد، بخلاف المشاعة، فافهم. قوله: (ولا إجارة السكنى بالسكنى) لان المنفعة معدومة فيكون بيع الجنس نسيئة وهو لا يجوز. ط عن حاشية الأشباه. قوله: (ويكون) أي البيع منح، والأظهر إرجاع الضمير إلى قوله على وجه مخصوص، فهو بيان له وإلا كان تكرارا. تأمل. قوله: (وهما ركنه) ظاهره أن الضمير للايجاب والقبول، ويحتمل إرجاعه للقول والفعل كما يفيده قول البحر. وفي البدائع: ركنه المبادلة المذكورة، وهو معنى ما في الفتح من أن ركنه الايجاب والقبول الدالان على التبادل أو ما يقوم مقامهما من التعاطي، فركنه الفعل الدال على الرضا بتبادل الملكين من قول أو فعل ا ه. وأراد
7 بالفعل أو لا ما يشمل فعل اللسان. وبالفعل ثانيا غيره، وقوله الدال على الرضا: أي بالنظر إلى ذاته وإن كان ثم ما ينافي الرضا كإكراه، وظاهر كلام المصنف أن الايجاب والقبول غير البيع مع أن ركن الشئ عينه، وإذا أرجعنا الضمير في قوله: يكون إلى قوله: على وجه الخصوص لا يرد ذلك، وكذا إذا أريد بالبيع حكمه وهو الملك، وها هنا أبحاث رائقة مذكورة في النهر. قوله: (وشرطه أهلية المتعاقدين) أي بكونهما عاقلين، ولا يشتر البلوغ والحرية. مطلب: شرائط البيع أنواع أربعة وذكر في البحر أن شرائط البيع أربعة أنواع: شرط انعقاد، ونفاذ، وصحة، ولزوم. فالأول أربعة أنواع: في العاقد، وفي نفس العقد، وفي مكانه، وفي المعقود عليه. فشرائط العاقد اثنان. العقل، العدد، فلا ينعقد بيع مجنون وصبي لا يعقل، ولا وكيل من الجانبين، إلا في الأب ووصيه والقاضي، وشراء العبد نفسه من مولاه بأمره، والرسول من الجانبين، ولا يشترط فيه البلوغ ولا الحرية، فيصح بيع الصبي أو العبد لنفسه موقوفا ولغيره نافذا، ولا الاسلام والنطق والصحو. وشرط العقد اثنان أيضا: موافقة الايجاب للقبول، فلو قبل غير ما أوجبه أو بعضه أو بغير ما أوجبه أو ببعضه لم ينعقد إلا في الشفعة، بأن (1) باع عبدا وعقارا فطلب الشفيع العقار وحده، وكونه بلفظ الماضي، وشرط مكانه واحد، وهو اتحاد المجلس. وشرط المعقود عليه ستة: كونه موجودا مالا متقوما مملوكا في نفسه، وكون الملك البائع فيما يبيعه لنفسه، وكونه مقدور التسليم فلم ينعقد بيع المعدوم وماله خطر العدم كالحمل واللبن في الضرع والثمر قبل ظهوره، وهذا العبد فإذا هو جارية، ولا بيع الحر والمدبر وأم الولد والمكاتب ومعتق البعض والميتة والدم، ولا بيع الخمر والخنزير في حق مسلم وكسرة خبز، لان أدنى القيمة التي تشترط لجواز البيع فلس، ولا بيع الكلأ ولو في أرض مملوكة له، والماء في نهر أو بئر، والصيد والخطب والحشيش قبل الاحراز، ولا بيع ما ليس مملوكا له وإن ملكه بعده، إلا السلم والمغصوب لو باعه الغاصب ثم ضمن قيمته وبيع الفضولي فإنه منعقد موقوف، وبيع الوكيل فإنه نافذ، ولا بيع معجوز التسليم كالآبق والطير في الهواء والسمك في البحر بعد أن كان في يده، فصارت شرائط الانعقاد أحد عشر. قلت: صوابه تسعة (2). وأما الثاني: وهو شرائط النفاذ فاثنان: الملك أو الولاية، وأن لا يكون في البيع حق لغير البائع فلم ينعقد بيع (3) الفضولي عندنا، أما شراؤه فنافذ. قلت: أي لم ينعقد إذا باعه لأجل نفسه لا لأجل مالكه، لكنه على الرواية الضعيفة. والصحيح انعقاده موقوفا كما سيأتي في بابه. والولاية إما بإنابة المالك كالوكالة، والشارع كولاية
(1) قوله: (لم ينعقد الا في الشفعة بان الخ) وذلك لان العقد بالنسبة للعقار يتحول إلى الشفيع، ولذا لو ظهر بالمبيع عيب يرجع به على البائع، فهذا الاعتبار كان الشفيع قابلا بعض ما أوجبه البائع ا ه. (2) قوله: (قلت صوابه تسعة) اي للاستغناء بذكر المال عن قيد الوجود فان المال اسم لما تميل إليه النفس ويدخر للحاجة وهو لا يكون الا موجودا ولا غناء كون الملك للبائع عن كونه مملوكا في نفسه ا ه. (3) قوله: (فلم ينعقد بيع الخ) عبارة البحر: فلم ينفذ، وهو المناسب للتفريع تأمل ا ه. 8 الأب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي ثم وصيه، ولا ينفذ بيع مرهون ومستأجر، وللمشتري فسخه إن لم يعلم لا لمرتهن ومستأجر. وأما الثالث، وهو شرائط الصحة فخمسة وعشرون: منها عامة ومنها خاصة، فالعامة لكل بيع شروط الانعقاد المارة، لان ما لا ينعقد لا يصح، وعدم التوقيت، ومعلومية المبيع، ومعلومية الثمن بما يرفع المنازعة فلا يصح بيع شاة من هذا القطيع وبيع الشئ بقيمته أو بحكم فلان، وخلوه عن شرط مفسد كما سيأتي في البيع الفاسد والرضا والفائدة، ففسد بيع المكره وشراؤه وبيع ما لا فائدة فيه وشراؤه كما مر، والخاصة معلومة الاجل في البيع المؤجل ثمنه، والقبض في بيع المشتري (1) المنقول، وفي الدين، ففسد بيع الدين قبل قبضه كالمسلم فيه ورأس المال وبيع شئ بدين على غير البائع وكون البدل مسمى في المبادلة القولية، فإن سكت عنه فسد وملك بالقبض والمماثلة بين البدلين في أموال الربا، والخلو عن شبهة الربا، ووجود شرائط السلم فيه، والقبض في الصرف قبل الافتراق، وعلم الثمن الأول في مرابحة، وتولية وإشراك ووضيعة. وأما الرابع، وهو شرائط اللزوم بعد الانعقاد والنفاذ فخلوه من الخيارات الأربعة المشهورة، وباقي الخيارات الآتية في أول باب خيار الشرط، فقد صارت جملة الشرائط ستة وسبعين ا ه ملخصا أي لان شرائط الانعقاد أحد عشر على ما قاله أولا، وشرائط النفاذ اثنان، وشرائط الصحة خمسة وعشرون، صارت ثمانية وثلاثين، وهي كلها شرائط اللزوم مع زيادة الخلو من الخيارات، لكن بذلك تصير الجملة سبعة وسبعين، نعم تنقص ثمانية على ما قلنا من أن الصواب أن شرائط الانعقاد تسعة فيسقط منها اثنان، ومن شرائط الصحة اثنان ومن شرائط اللزوم أربعة فتصير الجملة تسعة وستين. نعم يزاد في شروط المعقود عليه إذا لم يرياه الإشارة إليه أو إلى مكانه كما سيأتي في باب خيار الرؤية، وسيأتي تمام الكلام عليه عند قوله: وشرط الصحة معرفة قدر مبيع وثمن. قوله: (ومحله المال) فيه نظر، لما مر من أن الخمر مال مع أن بيعه باطل في حق المسلم، فكان عليه إبداله بالمتقوم وهو أخص من المال كما مر بيانه، فيخرج ما ليس بمال أصلا كالميتة والدم، وما كان مالا غير متقوم كالخمر فإن ذلك غير محل للبيع. قوله: (وحكمه ثبوت الملك) أي في البدلين لكل منهما في بدل، وهذا حكمه الأصلي، والتابع وجوب تسليم المبيع والثمن، ووجوب استبراء الجارية على المشتري، وملك الاستمتاع بها، وثبوت الشفعة لو عقارا، وعتق المبيع لو محرما من البائع، بحر. وصوابه من المشتري. قوله: (وحكمته نظام بقاء المعاش والعالم) حقه أن يقول: بقاء نظام المعاش الخ، فإنه سبحانه وتعالى خلق العالم على أتم نظام وأحكم أمر معاشه أحسن إحكام، ولا يتم ذلك إلا بالبيع والشراء إذ لا يقدر أحد أن يعمل لنفسه كل ما يحتاجه، لأنه إذا اشتغل بحرث الأرض وبذر القمح وخدمته وحراسته وحصده، ودراسته وتذريته وتنظيفه وطحنه وعجنه لم يقدر على أن يشتغل بيده ما يحتاج ذلك من آلات الحراثة والحصد ونحوه، فضلا عن اشتغاله فيما يحتاجه من ملبس ومسكن فاضطر إلى شراء ذلك، ولولا الشراء لكان يأخذه بالقهر أو بالسؤال إن أمكن،
(1) قوله: (والقبض في بيع المشتري الخ) اي يشترط قبض منقول اشتراه لصحة بيعه، فلو اشترى منقولا ولم يقبضه فباعه لا يصح بيعه ا ه. 9 وإلا قاتل صاحبه عليه، ولا يتم مع ذلك بقاء العالم. قوله: (مباح) هو ما خلا عن أوصاف ما بعده. قوله (مكروه) كالبيع بعد النداء في الجمعة. قوله: (حرام) كبيع خمر لمن يشربها. قوله: (واجب) كبيع شئ لمن يضطر إليه. قوله: (والسنة) فإنه عليه الصلاة والسلام باع واشترى وأقر أصحابه على ذلك أيضا. قوله: (والقياس) عبارة البحر: والمعقول ا ه ح، لأنه أمر ضروري يجزم العقل بثبوته كباقي الأمور الضرورية المتوقف عليها انتظام معاشه وبقائه، فافهم. قوله: (فالايجاب الخ) هذه الفاء الفصيحة، وهي المفصحة عن شرط مقدر: أي إذا أردت معرفة الايجاب والقبول المذكورين، وفي الفتح: الايجاب الاثبات لغة لأي شئ كان، والمراد هنا إثبات الفعل الخاص الدال على الرضا الواقع أو لا، سواء وقع من البائع أو من المشتري، كأن يبتدئ المشتري فيقول اشتريت منك هذا بألف والقبول الفعل الثاني، وإلا فكل منهما إيجاب أي إثبات فسمى الثاني بالقبول تمييزا له عن الاثبات الأول ولأنه يقع قبولا ورضا بفعل الأول ا ه. قوله: (والقبول) في بعض النسخ: فالقبول بالفاء، فهو تفريع على تعريف الايجاب، ولذا قال المصنف لما ذكر أن الايجاب ما ذكر أولا علم أن الايجاب (1) هو ما ذكر ثانيا من كلام أحدهما، أفاده ط. قوله: (ما يذكر ثانيا من الآخر) أي من العاقد الآخر والتعبير بيذكر لا يشمل الفعل، وعرفه في الفتح بأنه الفعل الثاني كما مر، وقال: لأنه أعم من اللفظ، فإن من الفروع ما لو قال كل هذا الطعام بدرهم فأكله، تم البيع وأكله حلال والركوب واللبس بعد قول البائع: أركبها بمائة وألبسه بكذا رضا بالبيع. مطلب القبول قد يكون بالفعل وليس من صور التعاطي وكذا إذا قال بعتكه بألف فقبضه ولم يكن شيئا كان قبضه قبولا، بخلاف بيع التعاطي فإنه ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقط، ففي جعل الأخيرة من صور التعاطي كما فعل بعضهم نظر ا ه. وذكر في الخانية أن القبض يقوم مقام القبول، وعليه فتعريف القبول بالقول لكونه الأصل. قوله: (الدال على التراضي) الأولى أن يقول الرضا كما عبر به في الفتح والبحر، لان التراضي من الجانبين لا يدل عليه الايجاب وحده، بل هو مع القبول. أفاده ح. قوله: (قيد به اقتداء بالآية) وهي قوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (النساء: 92). قوله: (وبيانا للبيع الشرعي) استظهر في الفتح أن التراضي لا بد منه في البيع اللغوي أيضا، فإنه لا يفهم من باع زيد عبده لغة إلا أنه استبدله بالتراضي ا ه. ونقل مثله القهستاني عن إكراه الكفاية والكرماني وقال: وعليه يدل كلام الراغب خلافا لشيخ الاسلام. قوله: (ولذا لم يلزم بيع المكره) قدمنا أن بيع المكره فاسد موقوف على إجازة البائع، وأن البيع المعرف يشمل سائر أنواع البيع الفاسد، وأن قول الكنز: البيع مبادلة المال بالمال بالتراضي عير مرضي لأنه يخرج بيع المكره مع أنه داخل. وأجيب عنه بما ذكره الشارح بأنه قيد به اقتداء بالآية: أي لا للاحتراز، لكن قوله: وبيانا للبيع الشرعي إن أراد به البيع المقابل اللغوي. يرد عليه ما علمته من اعتبار التراضي في البيع اللغوي، وأنه لا يعتبر في البيع الشرعي، إذ
(1) قوله: (علم أن الايجاب الخ) هكذا بخطه، وصوابه علم أن القبول الخ كما هو ظاهر ا ه مصححه. 10 لو كان جزء مفهومه لزم أن يكون بيع المكره باطلا لا فاسدا، بل التراضي شرط لثبوت حكمه شرعا وهو الملك كما قدمناه عن الفتح، وإن أراد بالشرعي الخالي عن الفساد فالتقييد بالتراضي لا يخرج بقية البيوع الفاسدة، بل التعريف شامل لها، ثم لا يخفى أن هذا كله إنما يتأتى في عبارة الكنز حيث جعل فيها التراضي قيدا في التعريف. أما قول المصنف الدال على التراضي فلا، لكونه ذكره صفة للايجاب، فهو بيان للواقع، فإن الأصل فيه أن يكون دليلا على الرضا، ولكن لا يلزم منه وجود الرضا حقيقة فلا يخرج به بيع المكره. تأمل. مطلب في حكم البيع مع الهزل قوله: (ولم ينعقد مع الهزل الخ) الهزل في اللغة: اللعب. وفي الاصطلاح: هو أن يراد بالشئ ما لم يوضع له، ولا ما صح له اللفظ استعارة، والهازل يتكلم بصيغة العقد مثلا باختياره ورضاه، لكن لا يختار ثبوته الحكم ولا يرضاه، والاختيار: هو القصد إلى الشئ وإرادته. والرضا: هو إيثاره واستحسانه، فالمكره على الشئ يختاره ولا يرضاه، ومن هنا قالوا: إن المعاصي والقبائح بإرادة الله تعالى لا برضاه: * (إن الله لا يرضى لعباده الكفر) * كذا في التلويح. وشرطه: أي شرط تحقق الهزل واعتباره في التصرفات أن يكون صريحا باللسان مثل أن يقول: إني أبيع هازلا، ولا يكتفي بدلالة الحال، إلا أنه لا يشترط ذكره في العقد، فيكفي أن تكون المواضعة سابقة على العقد، فإن تواضعا على الهزل بأصل البيع، أي توافقا على أنهما يتكلمان بلفظ البيع عند الناس ولا يريدانه واتفقا على البناء: أي على أنهما لم يرفعا الهزل ولم يرجعا عنه، فالبيع منعقد لصدوره من أهله في محله، لكنه يفسد البيع لعدم الرضا بحكمه فصار كالبيع بشرط الخيار أبدا، لكنه لا يملك بالقبض لعدم الرضا بالحكم، حتى لو أعتقه المشتري لا ينفذ عتقه، هكذا ذكروا، وينبغي أن يكون البيع باطلا لوجود حكمه، وهو أنه لا يملك بالقبض. وأما الفاسد فحكمه أن يملك بالقبض حيث كان مختارا راضيا بحكمه، أما عند عدم الرضا به، فلا ا ه. منار وشرحه لصاحب البحر. فقول الشارح: ولم ينعقد مع الهزل الذي هو من مدخول العلة غير صحيح، لمنافاته ما تقدم من أنه منعقد لصدوره من أهله في محله، لكنه يفسد البيع لعدم الرضا بالحكم، إلا أن يحمل على نفي الانعقاد الصحيح أو يتمشى على البحث الذي ذكره بقوله وينبغي الخ ا ه ط. قلت: قد صرح في الخانية والقنية بأنه بيع باطل، وبه يتأيد ما بحثه في شرح المنار، وكثيرا ما يطلقون الفاسد على الباطل كما ستعرفه في بابه، لكن يرد على بطلانه أنهما لو أجازه جاز، والباطل لا تلحقه الإجازة، وأن الباطل ما ليس منعقد أصلا، والفاسد ما كان منعقدا بأصله لا بوصفه، وهذا منعقد بأصله لأنه مبادلة مال بمال دون وصفه، ولذلك أجاب بعض العلماء بحمل ما في الخانية على أن المراد بالبطلان الفساد كما في حاشية الحموي وتمامه فيها. قلت: وهذا أولى لموافقته لما في كتب الأصول من أنه فاسد، وأما عدم إفادته الملك بالقبض فلكونه أشبه البيع بالخيار لهما، وليس كل فاسد يملك بالقبض، ولذا قال في الأشباه: إذا قبض المشتري المبيع فاسدا ملكه إلا في مسائل: الأولى: لا يملكه في بيع الهازل كما في الأصول. الثانية: لو اشتراه الأب مما له لابنه الصغير أو باعه له كذلك فاسدا لا يملكه بالقبض حتى يستعمله، كذا في المحيط. الثالثة: لو كان مقبوضا في يد المشتري أمانة لا يملكه به اه. وذكر
11 الشارح مسألة بيع الهزل قبيل الكفالة وذكرها المصنف متنا في الاكراه. قوله: (ويرد على التعريفين) أي تعريفي الايجاب والقبول، حيث قيد الايجاب بكونه أولا والقبول بكونه ثانيا ط. قوله: (لكن في القهستاني الخ) ومثله في التجنيس لصاحب الهداية. قوله: (كما قالوا في السلام) أي لو رد على المسلم مع السلام فلا بد من الإعادة (1). قوله: (وعلى الأول) أي ويرد على التعريف الأول حيث قيد بكونه أولا، والمعتبر في التكرار هو الثاني. والجواب أن الايجاب الأول لما بطل صار الثاني أولا في التحقيق، على أن كلا من الإيجابين أول بالنسبة إلى القبول. أفاده ط. قوله: (تكرار الايجاب) أي قبل القبول. قوله: (مبطل للأول) وينصرف القبول إلى الايجاب الثاني، ويكون بيعا بالثمن الأول. بحر. وصوابه بالثمن الثاني كما هو ظاهر، ويعلم مما يأتي. قوله: (إلا في عتق وطلاق على مال) لم يذكر في الأشباه الطلاق بل ذكره في البحر. وقد اعترض البيري على الأشباه حيث اقتصر على العتق مع أن الولوالجي ذكر الطلاق أيضا، وذكر أنه روي عن أبي يوسف أنهما كالبيع، وأن ما روي عن محمد أصح ا ه. وفي البيري أيضا عن الذخيرة قال لغيره بعتك هذا بألف درهم، ثم قال: بعتكه بمائة دينار، فقال المشتري: قبلت، انصرف قبوله إلى الايجاب الثاني ويكون بيعا بمائة دينار، بخلاف ما لو قال لعبده: أنت حر على ألف درهم، أنت حر على مائة دينار، فقال العبد قبلت، لزمه المالان، والفرق أن الايجاب الثاني رجوع عن الايجاب الأول ورجوع البائع قبل قبول المشتري عامل، ألا ترى أنه لو قال: رجعت عن ذلك قبل قبول المشتري يعمل رجوعه، وإذا عمل رجوعه بطل الايجاب الأول وانصرف القبول إلى الايجاب الثاني. أما رجوع المولى عن إيجاب العتق ليس بعامل، ألا ترى أنه لو قال رجعت عن ذلك لا يعمل رجوعه، لان إيجاب العتق بالمال تعليق بالقبول والرجوع في التعليقات لا يعمل، فبقي كل من الايجاب الأول والثاني فانصرف القبول إليهما ا ه. قوله: (وسيجئ في الصلح) قال الشرح هناك: والأصل أن كل عقد أعيد فالثاني باطل، إلا في الكفالة والشراء والإجارة ا ه. وفيه أن هذا وما في النظم من تكرار العقد والكلام في تكرار الايجاب كما لا يخفى ا ه ح: أي لأن العقد اسم لمجموع الايجاب والقبول، وتكراره غير تكرار الايجاب الذي كلامه فيه. قوله: (وكل عقد بعد عقد جددا الخ) في التتارخانية قال: بعتك عبدي هذا بألف درهم بعتكه بمائة دينار فقال المشتري: قبلت. ينصرف إلى الايجاب الثاني، ويكون بيعا بمائة دينار ولو قال: بعتك هذا العبد بألف درهم وقبل المشتري ثم قال بعته منك بمائة دينار في المجلس أو في مجلس آخر وقال المشتري: اشتريت، ينعقد الثاني وينفسخ الأول، وكذا لو باعه بجنس الثمن الأول بأقل أو بأكثر نحو أن يبيعه منه بعشرة ثم باعه بتسعة أو بأحد عشر، فإن باع بعشرة لا ينعقد الثاني ويبقى الأول بحاله ا ه، فهذا مثال لتكرار الايجاب فقط ومثال لتكرار العقد. قوله: (فأبطل الثاني) أي إذا كان بمثل الثمن الأول كما
(1) قوله: (فلا بعد من الإعادة) اي إعادة الرد، وكانه مأخوذ من الفاء في قوله تعالى: (فحيوا بأحسن منها) الخ ا ه. 12 علمت لأنه سدى: أي لا فائدة فيه. قوله: (فالصلح بعد الصلح أضحى باطلا) هذا إذا كان الصلح على سبيل الاسقاط، أما إذا كان الصلح على عوض ثم اصطلحا على عوض آخر، فالثاني هو الجائز، ويفسخ الأول كالبيع، بيري عن الخلاصة عن المنتقى. قلت: الظاهر أن الصلح على سبيل الاسقاط بمعنى الابراء، وبطلان الثاني ظاهر، ولكنه بعيد الإرادة هنا، فالمناسب حمل الصلح على المتبادر منه، ويكون المراد به ما إذا كان بمثل العوض الأول بقرينة قوله كالبيع، وعليه فالظاهر أن حكمه كالبيع في التفصيل المار فيه. قوله: (كذا النكاح) أي فالثاني: باطل، فلا يلزمه المهر المسمى فيه إلا إذا جدده للزيادة فه المهر كما في القنية، بحر. قلت: ولكن قدمنا في أوائل باب المهر عن البزازية أن عدم اللزوم إذا جدد العقد للاحتياط، وقدمنا أيضا عن الكافي لو تزوجها في السر بألف ثم في العلانية بألفين ظاهر المنصوص في الأصل أنه يلزمه عنده الألفان، ويكون زيادة في المهر، وعند أبي يوسف: المهر هو الأول، إذ العقد الثاني لغو فيلغو من فيه، وعند الامام أن الثاني وإن لغا لا يلغو ما فيه من الزيادة ا ه. وذكر في الفتح هناك أن هذا إذا لم يشهد على أن الثاني هزل، وإلا فلا خلاف في اعتبار الأول، ثم ذكر أن بعضهم اعتبر ما في العقد الثاني فقط، وبعضهم أوجب كلا المهرين، وأن قاضيخان أفتى بأنه لا يجب بالعقد الثاني شئ ما لم يقصد به الزيادة في المهر، ثم وفق بينه وبين إطلاق الجمهور اللزوم بحمل كلامه على أنه لا يلزمه ديانة في نفس الامر إلا بقصد الزيادة، بل يلزمه قضاء لأنه يؤاخذ بظاهر لفظه إلا أن يشهد على الهزل ا ه. والحاصل: اعتماد قول الإمام الذي هو ظاهر المنصوص من لزوم الزيادة، وحينئذ فمعنى كون الثاني لغوا أنه لا ينفسخ الأول به. قوله: (ما عدا مسائلا) استثناء من قوله: فأبطل الثاني. قوله: (منها الشرا بعد الشراء) بقصر الشرا الأول للنظم. قال في الأشباه: أطلقه في جامع الفصولين، وقيده في ال القنية بأن يكون الثاني أكثر ثمنا من الأول أو أقل أو بجنس آخر، وإلا فلا يصح ا ه. قلت: فعلى ما في القنية لا فرق بين الشراء والبيع، ولذا أطلق العقد في البحر حيث قال: وإذا تعدد الايجاب والقبول انعقد الثاني وانفسخ الأول إن كان الثاني بأزيد من الأول أو أنقص، وإن كان مثله لم ينفسخ الأول. واختلفوا فيما إذا كان الثاني فاسدا هل يتضمن فسخ الأول ا ه. قال في النهر: ومقتضى النظر أن الأول لا ينفسخ ا ه. لكن جزم في جامع الفصولين والبزازية بأنه ينفسخ، وكذا قال في الذخيرة: إن الثاني وإن كان فاسدا فإنه يتضمن فسخ الأول، كما لو اشترى قلب فضة وزنه عشرة بعشرة وتقابضا ثم اشتراه منه بتسعة. وعلله البزازي بأن الفاسد ملحق بالصحيح (1) في كثير من الاحكام ا ه. رملي ملخصا. قوله: (كذا كفالة) قال في الخانية: الكفيل بالنفس إذا أعطى الطالب كفيلا بنفسه فمات الأصيل برئ الكفيلان، وكذا لو مات الكفيل الأول برئ الكفيل الثاني، كذا ذكره بعض الأفاضل. قال: وأشار بجواز تعددها إلى أن المكفول له لو أخذ من الأصيل كفيلا
(1) قوله: (ملحق بالصحيح الخ) اي فيعمل عمله. فكما ان الصحيح يبطل العقد الأول كذلك ما ألحق به وهو الفاسد ا ه. 13 آخر بعد الأول لم يبرأ الأول، كذا في حاشية السيد أبي السعود على الأشباه . تنبيه: زاد في الأشباه إن الإجارة بعد الإجارة من المستأجر الأول فسخ للأولى كما في البزازية. وقال البحر: وينبغي أن المدة إذا اتحدت فيهما واتحد الأجران لا تصح الثانية كالبيع. قوله: (إذ المراد الخ) تعليل لعدم بطلان الكفالة الثانية بأن المراد منها الحقيقة إذا أي حين كررت إنما هو زيادة التوثق بأخذ كفيل آخر، حتى يتمكن من مطالبة أيهما أراد. قوله: (وهما عبارة الخ) أي الايجاب والقبول معبر بهما عن كل لفظين الخ. قال الزيلعي: وينعقد بكل لفظ ينبني عن التحقيق (2) كبعت واشتريت ورضيت أو أعطيتك أو خذه بكذا ا ه. أو كل هذا الطعام بدرهم لي عليك فأكله ونحو ذلك من الافعال كما قدمناه عن الفتح قبل ورقتين، وينعقد ببيع معلق بفعل قلب كإن أردت فقال: أردت أو إن أعجبك أو وافقك فقال: أعجبني أو وافقني، وأما إن أديت إلي الثمن فقد بعتك، فإن أدى في المجلس صح ويصح الايجاب بلفظ الهبة وأشركتك فيه وأدخلتك فيه، وينعقد بلفظ الرد، بحر عن التتارخانية. قلت: وعبارتها: ولو قال أرد عليك هذه الأمة بخمسين دينارا وقبل الآخر ثبت البيع ا ه. وفي البحر: ويصح الايجاب بلفظ الجعل كقوله: جعلت لك هذا بألف، وتمامه فيه. قلت: وفي عرفنا يسمى بيع الثمار على الأشجار ضمانا، فإذا قال: ضمنتك هذه الثمار بكذا وقبل الآخر ينبغي أن يصح، وكذا تعارفوا في بيع أحد الشريكين في الدواب لشريكه الآخر لفظ المقاصرة، فيقول قاصرتك بكذا ومراده بعتك حصتي من هذه الدابة بكذا، فإذا قيل الآخر صح لأنها من ألفاظ التمليك عرفا. تنبيه: ظاهر قوله على لفظين (3) أنه لا ينعقد بالإشارة بالرأس، ويدل عليه ما في الحاوي الزاهدي في فصل البيع الموقوف: فضولي باع مال غيره فبلغه فسكت متأملا فقال ثالث هل أذنت لي في الإجازة؟ فقال: نعم، فأجازه ينفذ، ولو حرك رأسه بنعم فلا، لان تحريك الرأس في حق الناطق لا يعتبر ا ه. لكن قد يقال (4) إذا قال: بعني كذا بكذا فأشار برأسه نعم، فقال الآخر: اشتريت وحصل التسليم بالتراضي يكون بيعا بالتعاطي، بخلاف ما إذا لم يحصل التسليم من أحد الجانبين
(2) قوله: (وينعقد بكل لفظ ينبئ عن التحقيق) اي فالبيع لا يختص بلفظ وانما يثبت الحكم إذا وجد معنى التمليك والتملك بخلاف الطلاق والعتاق فإنه لا يعتبر المعنى فيهما وانما تعتبر الألفاظ الموضوعة لهما صريحا أو كناية ولا يشترط اي في البيع ان يشتمل القبول على الخطاب بعد ما صدر الايجاب بالخطاب فلو قال بعد قوله بعتك بكذا اشتريت ولم يقل منك صح بحر عن الفتح ا ه اي يكفي وجود الخطاب في الايجاب. (3) قوله: (عن لفظين) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح عن كل لفظين ا ه. (4) قوله: (لكن قد يقال الخ) فيه ان المعتبر انما هو التسليم ولا مدخل لتحريك الرأس فيه ولذا لو لم يحصل التسليم لا يتم البيع كما ذكره بعد فلا يصلح للاستدراك. 14 على ما يأتي من بيع التعاطي أنه لا بد من وجوده ولو من أحدهما، هذا ما ظهر لي. وفي الأشباه من أحكام الإشارة: وإن لم يكن معتقل اللسان لم تعتبر إشارته إلا في أربع: الكفر، والاسلام، والنسب، والافتاء الخ. قوله: (أو حالين) بتخفيف اللام. قوله: (لا يحتاج الأول) وهو الصادر بلفظين ماضيين. ط عن المنح، وكذا الماضي فيما لو كانا مختلفين. قوله: (بخلاف الثاني) فإنه يحتاج إليها وإن كان حقيقة للحال عندنا على الأصح (1) لغلبة استعماله في الاستقبال حقيقة أو مجازا. بحر عن البدائع. قوله: (وإلا لا) صادق بما إذا نوى الاستقبال أو لم ينو شيئا ط. قوله: (للحال) أي ولا يستعملونه للوعد والاستقبال ط. قوله: (فكالماضي) فلا يحتاج إلى النية، بحر ط. قوله: (وكأبيعك الآن) عطف على المستثنى ا ه ح. وهذا أولى بالحكم لأنه إذا علمت نية الحال فالتصريح به أولى ط. قوله: (وأما المتمحض للاستقبال) كالمقرون بالسين وسوف ط. قوله: (فكالامر) بأن قال المشتري: بعني هذا الثوب بكذا فيقول: بعت، أو يقول البائع اشتره مني بكذا، فيقول: اشتريته. قوله: (لا يصح أصلا) أي سواء نوى بذلك الحال أو لا، لكون الامر متمحضا للاستقبال، وكذا المضارع المقرون بالسين أو سوف. قوله: (كخذه بكذا الخ) قال في الفتح: فإنه وإن كان مستقبلا لكن خصوص مادته: أعني الامر بالأخذ يستدعي سابقة البيع، فكان كالماضي، إلا أن استدعاء الماضي سبق البيع بحسب الوضع واستدعاء خذ سبقه بطريق الاقتضاء، فهو كما إذا قال: بعتك عبدي هذا بألف فقال: فهو حر عتق، ويثبت باشتريت اقتضاء، بخلاف ما لو قال: هو حر بلا فاء لا يعتق. قوله: (كوجه وفرج) بأن قال: بعتك وجه هذا العبد أو فرج هذه الأمة، لأنه مما يعبر به عن الكل. قوله: (وكل ما دل الخ) تفصيل لقوله وهما عبارتان (2) عن كل لفظين الخ. قوله: (قبول) خبر قوله: وكل وظاهره أنه قبول سواء كان من البائع أو المشتري، وأنه لا يكون إيجابا مع أنه يكون من البائع فقط كما نبه عليه بقوله، ولكن في الولوالجية: ويكون إيجابا أيضا، قال في البحر: لو قال أتبيعني عبدك هذا بألف فقال: نعم، فقال: أخذته فهو بيع لازم، فوقعت كلمة نعم إيجابا، وكذا تقع قبولا فيما لو قال: اشتريت منك هذا بألف فقال: نعم، ا ه. ونحوه في الفتح. قوله: (لكن في الولوالجية الخ) ومثله ما في التتارخانية بعت منك هذا بألف فقال المشتري: قد فعلت، فهذا بيع، ولو قال: نعم لا يكون بيعا. وذكر في فتاوى سمرقندي أن من قال لغيره: اشتريت عبدك هذا بألف درهم فقال البائع: قد
(1) قوله: (على الاصبح الخ) مقابله ما في المحيط وشرح القدوري والتحرير انه لا يصح بالحال ا ه. (2) قوله: (وهما عبارتان الخ) هكذا بخطه بالتثنية والذي تقدم وهما عبارة بالافراد ا ه. 15 فعلت، أو قال: نعم، أو قال: هات الثمن صح البيع وهو الأصح اه. فهذا أيضا صريح في أنه لا يكون قبولا من المشتري. قوله: (لأنه ليس بتحقيق) لان قول المشتري نعم تصديق لقول البائع بعتك، ولا يتحقق البيع بمجرد قوله: بعتك، بخلاف قول البائع: نعم بعد قول المشتري اشتريت، لأنه جواب له فكأنه قال: نعم اشتريت مني، والشراء يتوقف على سبق البيع، هذا ما ظهر لي فتأمله، قوله: (وفي القنية الخ) استدراك أيضا على المتن بأنه يكون إيجابا أيضا كما نبهنا عليه، وعبارتها كما في البحر: كهل بعت مني بكذا أو هل اشتريت مني بكذا الخ، وظاهره أن نقد الثمن قائم مقام القبول، لان نعم بعد الاستفهام إيجاب فقط، فكان النقد بمنزلة قوله: أخذته أو رضيت، ولا يشترط في القبول أن يكون قولا كما نقلناه سابقا عن الفتح. قوله: (ولو قال بعته الخ) المناسب ذكر هذا الفرع عقب قوله الآني: إلا إذا كان بكتابة أو رسالة ووجه الجواز ما نقل عن المحيط أنه حين قال: بلغه فقد أظهر من نفسه الرضا بالتبليغ، فكل من بلغه التبليغ برضاه، فإن قبل صح البيع. قوله: (ولا يتوقف) أي بل يبطل ح. قوله: (شطر العقد) المراد به (3) الايجاب الصادر أولا. قوله: (فيه) أي البيع احتراز عن الخلع والعتق كما يأتي. قوله: (فبلغه) أي من غير أن يأمر أحدا بتبليغه كما في الخلاصة، أما لو أمر أحدا به فبلغه وقبل يصح، ولو كان المبلغ غير المأمور كما مر آنفا. قوله: (إلا إذا كان بكتابة أو رسالة) صورة الكتابة أن يكتب: أما بعد، فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا، فلما بلغه الكتاب قال في مجلسه ذلك: اشتريت، تم البيع بينهما. وصورة الارسال: أن يرسل رسولا فيقول البائع بعت هذا من فلان الغائب بألف درهم فاذهب يا فلان وقل له، فذهب الرسول فأخبره بما قال فقبل المشتري في مجلسه ذلك. وفي النهاية: وكذا هذا في الإجارة والهبة والكتابة. بحر. قلت: ويكون بالكتابة من الجانبين، فإذا كتب اشتريت عبدك فلانا بكذا فكتب إليه البائع قد بعت فهذا بيع كما في التتارخانية. قوله: (فيعتبر مجلس بلوغها) أي بلوغ الرسالة أو الكتابة. قال في الهداية: والكتابة كالخطاب، وكذا الارسال حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتابة وأداء الرسالة ا ه. وفي غاية البيان: وقال شمس الأئمة السرخسي في كتاب النكاح من مبسوطه: كما ينعقد النكاح بالكتابة ينعقد البيع وسائر التصرفات بالكتابة أيضا. وذكر شيخ الاسلام جواهر زاده في مبسوطه: الكتاب والخطاب سواء إلا في فصل واحد، وهو أنه لو كان حاضرا فخاطبها بالنكاح فلم تجب في مجلس الخطاب، ثم أجابت في مجلس آخر، فإن النكاح لا يصح. وفي الكتاب إذا بلغها وقرأت الكتاب
(3) قوله: (المراد به الخ) لأنه هو الذي يوصف بكونه يتوقف أولا لوقوعه متمما للعقد ا ه ط. 16 ولم تزوج نفسها منه في المجلس الذي قرأت الكتاب فيه ثم زوجت نفسها في مجلس آخر بين يدي الشهود وقد سمعوا كلامها وما في الكتاب يصح النكاح، لان الغائب إنما صار خاطبا لها بالكتاب، والكتاب باق في المجلس الثاني فصار بقاء الكتاب في مجلسه وقد سمع الشهود ما فيه في المجلس الثاني بمنزلة ما لو تكرر الخطاب من الحاضر في مجلس آخر، فأما إذا كان حاضرا لها فإنما صار خاطبا بالكلام، وما وجد من الكلام لا يبقى إلى المجلس الثاني، وإنما سمع الشهود في المجلس الثاني أحد شطري العقد اه. وحاصله: أن قوله: تزوجتك بكذا إذا لم يوجد قبول يكون مجرد خطبة منه لها، فإذا قبلت في مجلس آخر لا يصح، بخلاف ما لو كتب ذلك إليها لأنها لما قرأت الكتاب ثانيا وفيه قوله: تزوجتك بكذا، وقبلت عند الشهود صح العقد، كما لو خاطبها به ثانيا، وظاهره أن البيع كذلك، وهو خلاف ظاهر الهداية، فتأمل. ثم لا يخفى أن قراءة الكتاب صارت بمنزلة الايجاب من الكاتب، فإذا قبل المكتوب إليه في المجلس فقد صدر الايجاب والقبول في مجلس واحد، فلا حاجة إلى قوله إلا إذا كان بكتابة أو رسالة، نعم بالنظر إلى مجلس الكتابة يصح، فإنه لما كتب بعتك لم يلغ بل توقف على القبول، وإن كان ذلك القبول متوقفا على قراءة الكتاب، فافهم. قوله: (فله الرجوع) ليس المراد أن الموجب له الرجوع في هذه الصورة، فإن الايجاب إذا كان باطلا فلا معنى للرجوع عنه، بل المراد أن الموجب له الرجوع قبل قبول الحاضر. قال في المنح: ثم في كل موضع لا يتوقف شطر العقد، فإنه يجوز من العاقد الرجوع عنه، ولا يجوز تعليقه بالشرط لأنه عقد معاوضة، وفي كل موضع يتوقف كالخلع والعتق على مال لا يصح الرجوع، ويصح التعليق بالشرط لكونه يمينا من جانب الزوج والمولى معاوضة من جانب الزوجة والعبد ا ه ح. قوله: (لأنه يمين) أي من جانب الزوج والمولى، وذلك أن اليمين بغير الله تعالى ذكر الشرط والجزاء والخلع والعتق تعليق الطلاق والعتق بقبول المرأة والعبد، وهما من جانب المرأة والعبد معاوضة، فحيث كان يمينا من جانب الزوج والمولى امتنع الرجوع، وتمامه في العزمية. قوله: (أما الفعل) عطف على قوله وأما القول: قوله: (وهو التناول قاموس) قال في البحر: وهكذا في الصحاح والمصباح، وهو إنما يقتضي الاعطاء من جانب والاخذ من جانب لا الاعطاء من الجانبين كما فهم الطرسوسي: أي حيث قال: إن حقيقة التعاطي وضع الثمن، وأخذ المثمن عن تراض منهما من غير لفظ، وهو يفيد أنه لا بد من الاعطاء من الجانبين لأنه من المعاطاة وهي مفاعلة اه. قلت: وقوله من غير لفظ يفيد ما قدمناه عن الفتح من أنه لو قال: بعتكه بألف فقبضه المشتري ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا وليس من بيع التعاطي، خلافا لمن جعله منه، فإن التعاطي ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن. قوله: (في خسيس ونفيس) النفيس ما كثر ثمنه كالعبد، والخسيس ما قل ثمنه كالخبز. ومنهم من حد النفيس بنصاب السرقة فأكثر، والخسيس بما دونه، والاطلاق هو المعتمد. ط عن البحر.
17 قلت: ليس في البحر قوله: والاطلاق هو المعتمد. نعم ذكره في شمول التعاطي للخسيس والنفيس، فقال: وهو الصحيح المعتمد. قوله: (خلافا للكرخي) فإنه قال: لا ينعقد إلا الخسيس. ط عن القهستاني. وما في الحاوي القدسي من أن هذا هو المشهور فهو خلاف المشهور كما في البحر. قوله: (ولو التعاطي من أحد الجانبين) صورته أن يتفقا على الثمن ثم يأخذ المشتري المتاع، ويذهب برضا صاحبه من غير دفع الثمن، أو يدفع المشتري الثمن للبائع ثم يذهب من غير تسليم المبيع، فإن البيع لازم على الصحيح، حتى لو امتنع أحدهما بعده أجبره القاضي، وهذا فيما ثمنه غير معلوم. أما الخبز واللحم، فلا يحتاج فيه إلى بيان الثمن. ذكره في البحر. والمراد في صورة دفع الثمن فقط أن المبيع موجود معلوم، لكن المشتري دفع ثمنه ولم يقبضه ط. وفي القنية: دفع إلى بائع الحنطة خمسة دنانير ليأخذ منه حنطة وقال له: بكم تبيعها؟ فقال: مائة بدينار، فسكت المشتري، ثم طلب منه الحنطة ليأخذها فقال البائع: غدا أدفع لك ولم يجر بينهما بيع، وذهب المشتري فجاء غدا ليأخذ الحنطة وقد تغير السعر، فعلى البائع أن يدفعها بالسعر الأول. وقال رضي الله عنه: وفي هذه الواقعة أربع مسائل: إحداها الانعقاد بالتعاطي: الثانية الانعقاد في الخسيس والنفيس، وهو الصحيح. الثالثة: الانعقاد به من جانب واحد، الرابعة: كما ينعقد بإعطاء المبيع ينعقد بإعطاء الثمن ا ه. قلت: وفيها مسألة خامسة: أنه ينعقد به ولو تأخرت معرفة المثمن لكون دفع الثمن قبل معرفته. بحر. قوله: (لم ينعقد) أي وإن كان يعلم عادة السوقة أن البائع إذا لم يرض برد الثمن أو يسترد المتاع وإلا يكون راضيا به، ويصح خلفه لا أعطيها تطييبا لقلب المشتري فإنه مع هذا لا يصح البيع، قنية. مطلب: البيع بالتعاطي قوله: (كما لو كان) أي البيع بالتعاطي بعد عقد فاسد، وعبارة الخلاصة: اشترى رجل من وسائدي وسائد ووجوه الطنافس، وهي غير منسوجة بعد ولم يضربا له أجلا لم يجز، فلو نسج الوسائد ووجوه الطنافس وسلم إلى المشتري لا يصير هذا بيعا بالتعاطي لأنهما يسلمان بحكم ذلك البيع السابق وأنه وقع باطلا ا ه. وعبارة البزازية: والتعاطي إنما يكون بيعا إذا لم يكن بناء على بيع فاسد أو باطل سابق، أما إذا كان بناء عليه فلا ا ه. قوله: (لا ينعقد بهما البيع قبل متاركة الفاسد) يتفرع عليه ما في الخانية: لو اشترى ثوبا شراء فاسدا ثم لقيه غدا فقال: قد بعتني ثوبك هذا بألف درهم فقال: بلى، فقال: قد أخذته فهو باطل، وهذا على ما كان قبله من البيع الفاسد، فإن كانا تتاركا البيع الفاسد فهو جائز اليوم ا ه. قلت: لكن في النهاية والفتح وغيرهما عند قول الهداية: ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم الخ: البيع بالرقم فاسد، لان فيه زيادة جهالة تمكنت في صلب العقد وهي جهالة الثمن برقم لا يعلمه المشتري فصار بمنزلة القمار. وعن هذا قال شمس الأئمة الحلواني: وإن علم بالرقم في
18 المجلس لا ينقلب ذلك العقد جائزا، ولكن إن كان البائع دائما على الرضا فرضي به المشتري ينعقد بينهما عقد بالتراضي ا ه. وعبر في الفتح بالتعاطي، والمراد واحد، وسيأتي أيضا في باب البيع الفاسد أن بيع الآبق لا يصح، وأنه لو باعه ثم عاد وسلمه يتم البيع في رواية، وظاهر الرواية أنه لا يتم. قال في البحر هناك: وأولوا الرواية الأولى بأنه ينعقد بيعا بالتعاطي ا ه. وظاهر هذا عدم اشتراط متاركة الفاسد، وقد يجاب على بعد بحمل الاشتراط على ما إذا كان التعاطي بعد المجلس أما فيه فلا يشترط كما هنا، والفرق أنه بعد المجلس يتقرر الفساد من كل وجه فلا بد من المتاركة أما في المجلس، فلا يتقرر من كل وجه فتحصل المتاركة ضمنا. تأمل. ويحتمل وهو الظاهر أن يكون في المسألة قولان، وانظر ما يأتي عند قوله: وفسد في الكل في بيع ثلة الخ هذا، وما ذكره عن الحلواني في البيع بالرقم جزم بخلافة في الهندية آخر باب المرابحة، وذكر أن العلم في المجلس يجعل كابتداء العقد، ويصير كتأخير القبول إلى آخر المجلس، وبه جزم في الفتح هناك أيضا. قوله: (ففي بيع التعاطي بالأولى الخ) مأخوذ عن البحر حيث قال: ففي بيع التعاطي بالأولى، وهو صريح الخلاصة. والبزازية: إن التعاطي بعد عقد فاسد أو باطل لا ينعقد به البيع، لأنه بناء على السابق وهو محمول على ما ذكرناه ا ه. وقوله على ما ذكرناه: أي من أن عدم الانعقاد قبل متاركة الأول وهو معنى قول الشارح، فيحمل ما في الخلاصة وغيرها على ذلك، ومراده بما في الخلاصة ما قدمه من قوله كما لو كان بعد عقد فاسد، ونقلنا عبارتها وعبارة البزازية، وليس فيها التقييد بما قبل متاركة الأول، فقيده الشارح به تبعا للبحر لئلا يخالف كلام غيرها، فافهم. قوله: (وتمامه في الأشباه من الفوائد) أي في آخر الفن الثالث، وليس فيه زيادة على أصل المسألة، فلعله أراد ما كتب على الأشباه في ذلك الموضع أو ما أشبه هذه المسألة مما تفرع على الأصل المذكور. قوله: (إذا بطل المتضمن) بالكسر بطل المتضمن ب الفتح، فإنه لما بطل البيع الأول بطل ما تضمنه من القبض إذا كان قبل المتاركة. قال ح: وهو بدل من الفوائد بدل بعض من كل اه ط. وفي هذه القاعدة بحث سنذكره عند الكلام على بيع الثمرة البارزة. قوله: (فتحرر ثلاثة أقوال) هذا الاختلاف نشأ من كلام الإمام محمد، فإنه ذكر بيع التعاطي في مواضع، فصوره في موضع بالاعطاء من الجانبين، ففهم منه البعض أنه شرط وصوره في موضع بالاعطاء من أحدهما، ففهم البعض أنه يكتفي به، وصوره في موضع بتسليم المبيع، ففهم البعض أن تسليم الثمن لا يكفي. بحر عن الذخيرة ط. قوله: (وحررنا في شرح الملتقى الخ) عبارته عن البزازية: الإقالة تنعقد بالتعاطي أيضا من أحد الجانبين على الصحيح اه. وكذا الإجارة كما في العمادية، وكذا الصرف كما في النهر مستدلا عليه
19 بما في التتارخانية: اشترى عبدا بألف درهم على أن المشتري بالخيار، فأعطاه مائة دينار ثم فسخ البيع، فعلى قول الإمام: الصرف جائز ويرد الدراهم، وعلى قول أبي يوسف: الصرف باطل، وهي فائدة حسنة لم أر من نبه عليها ا ه. تتمة: طالب مديونه فبعث إليه شعيرا قدرا معلوما وقال: خذه بسعر البلد والسعر لهما معلوم كان بيعا، وإن لم يعلماه فلا. ومن بيع التعاطي تسليم المشتري ما اشتراه إلى من يطلبه بالشفعة في موضع لا شفعة فيه، وكذا تسليم الوكيل بالشراء إلى الموكل بعدما أنكر التوكيل. ومنه حكما ما إذا جاء المودع بأمة غير المودعة، وحلف حل للمودع وطؤها وكان بيعا بالتعاطي. وعن أبي يوسف: لو قال للخياط ليست هذه بطانتي فحلف الخياط أنها هي وسعه أخذها، وينبغي تقييده بما إذا كانت العين للدافع ومنه لو ردها بخيار عيب والبائع متيقن أنها ليست له فأخذها ورضي بها كما في الفتح، وعلى هذا فلا بد من الرضا في جارية الوديعة والبطانة، وتمامه في البحر. قوله: (ما يستجره الانسان الخ) ذكر في البحر أن من شرائط المعقود عليه أن يكون موجودا، فلم ينعقد بيع المعدوم. ثم قال: ومما تسامحوا فيه وأخرجوه عن هذه القاعدة ما في القنية: الأشياء التي تؤخذ من البياع على وجه الخرج كما هو العادة من غير بيع كالعدس والملح والزيت ونحوها ثم اشتراها بعدما انعدمت صح ا ه. فيجوز بيع المعدوم هنا ا ه. وقال بعض الفضلاء: ليس هذا بيع معدوم، إنما هو من باب ضمان المتلفات بإذن مالكها عرفا تسهيلا للامر ودفعا للحرج كما هو العادة، وفيه أن الضمان بالاذن مما لا يعرف في كلام الفقهاء، حموي. وفيه أيضا أن ضمان المثليات بالمثل لا بالقيمة، والقيميات بالقيمة لا بالثمن ط. قلت: كل هذا قياس، وقد علمت أن المسألة استحسان ويمكن تخريجها على فرض الأعيان، ويكون ضمانها بالثمن استحسانا، وكذا حل الانتفاع في الأشياء القيمية، لان قرضها فاسد لا يحل الانتفاع به، وإن ملكت بالقبض وخرجها في النهر على كون المأخوذ من العدس ونحوه بيعا بالتعاطي، وأنه لا يحتاج في مثله إلى بيان الثمن لأنه معلوم ا ه. واعترضه الحموي بأن أثمان هذه تختلف فيفضي إلى المنازعة ا ه. قلت: ما في النهر مبني على أن الثمن معلوم، لكنه على هذا لا يكون من بيع المعدوم، بل كلما أخذ شيئا انعقد بيعا بثمنه المعلوم. قال في الولوالجية: دفع دراهم إلى خباز فقال: اشتريت منك مائة من من خبز وجعل يأخذ كل يوم خمسة أمناء فالبيع فاسد، وما أكل فهو مكروه، لأنه اشترى خبزا غير مشار إليه، فكان المبيع مجهولا. ولو أعطاه الدراهم وجعل يأخذ منه كل يوم خمسة أمناء ولم يقل في الابتداء اشتريت منك يجوز، وهذا حلال، وأن كان نيته وقت الدفع والشراء، لأنه بمجرد النية لا ينعقد البيع، وإنما ينعقد البيع الآن بالتعاطي والآن المبيع معلوم فينعقد البيع صحيحا ا ه. قلت: ووجهه أن ثمن الخبز معلوم، فإذا انعقد بيعا بالتعاطي وقت الاخذ مع دفع الثمن قبله، فكذا إذا تأخر دفع الثمن بالأولى، وهذا ظاهر فيما كان ثمنه معلوما وقت الاخذ مثل الخبز واللحم: أما إذا كان ثمنه مجهولا فإنه وقت الاخذ لا ينعقد بيعا بالتعاطي لجهالة الثمن، فإذا تصرف فيه الآخذ وقد دفعه البياع برضاه بالدفع وبالتصرف فيه على وجه التعويض عنه لم ينعقد بيعا، وإن كان على
20 نية البيع لما علمت من أن البيع لا ينعقد بالنية، فيكون شبيه القرض المضمون بمثله أو بقيمته، فإذا توافقا على شئ بدل المثل أو القيمة برئت ذمة الآخذ، لكن يبقى الاشكال في جواز التصرف فيه إذا كان قيميا، فإن قرض القيمي لا يصح فيكون تصحيحه هنا استحسانا كقرض الخبز والخميرة ويمكن تخريجه على الهبة بشرط العوض، أو على المقبوض على سوم الشراء. ثم رأيته في الأشباه في القول في ثمن المثل حيث قال: ومنها لو أخذ من الأرز والعدس وما أشبهه، وقد كان دفع إليه دينارا مثلا لينفق عليه، ثم اختصما بعد ذلك في قيمته هل تعتبر قيمته يوم الاخذ أو يوم الخصومة؟ قال في التتمة: تعتبر يوم الاخذ، قيل له: لو لم يكن دفع إليه شيئا بل كان يأخذ منه على أن يدفع إليه ثمن ما يجتمع عنده. قال: يعتبر وقت الاخذ لأنه سوم حين ذكر الثمن ا ه. قوله: (بيع البراءات) جمع براءة، وهي الأوراق التي يكتبها كتا أأدخل الديوان على العاملين على البلاد بحظ كعطاء أو على الكارين بقدر ما عليهم، وسميت براءة لأنه يبرأ بدفع ما فيها ط. قوله: (بخلاف بيع حظوظ الأئمة) بالحاء المهملة والظاء المشالة جمع حظ، بمعنى: النصيب المرتب له من الوقف: أي فإنه يجوز بيعه، وهذا مخالف لما في الصيرفية فإن مؤلفها سئل عن بيع الحظ فأجاب: لا يجوز. ط عن حاشية الأشباه. قلت: وعبارة الصيرفية هكذا: سئل عن بيع الخط قال: لا يجوز، لأنه لا يخلو إما إن باع ما فيه أو عين الخط. لا وجه للأول لأنه بيع ما ليس عنده، ولا وجه للثاني لان هذا القدر من الكاغد ليس متقوما، بخلاف البراءة، لأن هذه الكاغدة متقومة ا ه. قلت: ومقتضاه أن الخط بالخاء المعجمة والطاء المهملة، وهذا لا يخالف ما ذكره الشارح، لان المراد بحظوظ الأئمة ما كان قائما في يد المتولي من نحو خبز أو حنطة قد استحقه الامام وكلام الصيرفية فيما ليس بموجود. قوله: (ثمة) أي هناك: أي في مسألة بيع حظوظ الأئمة، وأشار إليها بالبعيد لان الكلام كان في بيع البراءات، ولذا أشار إليها بلفظ هنا. قوله: (من المشرف) أي المباشر الذي يتولى قبض الخبز. قوله: (بخلاف الجندي) أي إذا باع الشعير المعين لعلف دابته من حاشية السيد أبي السعود. مطلب في بيع الاستجرار قوله: (وتعقبه في النهر) أي تعقب ما ذكر من مسألة بيع الاستجرار وما بعده، حيث قال: أقول الظاهر أن ما في القنية ضعيف، لاتفاق كلمتهم على أن بيع المعدوم لا يصح، وكذا غير المملوك، وما المانع من أن يكون المأخوذ من العدس ونحوه بيعا بالتعاطي، ولا يحتاج في مثله إلى بيان الثمن لأنه معلوم كما سيأتي. وحظ الامام لا يملك قبل القبض، فأنى يصح بيعه، وكن على ذكر مما قاله ابن وهبان في كتاب الشرب ما في القنية: إذا كان مخالفا للقواعد لا التفات إليه ما لم يعضده نقل من غيره ا ه. وقدمنا الكلام على بيع الاستجرار. وأما بيع حظ الامام فالوجه ما ذكره من عدم صحة بيعه. ولا ينافي ذلك أنه لو مات يورث عنه لأنه أجرة استحقها، ولا يلزم من الاستحقاق الملك، كما قالوا في الغنيمة بعد إحرازها بدار الاسلام: فإنها حق تأكد بالاحراز، ولا
21 يحصل الملك فيها للغانمين إلا بعد القسمة، والحق المتأكد يورث كحق الرهن والرد بالعيب، بخلاف الضعيف كالشفعة وخيار الشرط كما في الفتح. وعن هذا بحث في البحر هناك بأنه ينبغي التفصيل في معلوم المستحق بأنه إن مات بعد خروج الغلة وإحراز الناظر لها قبل القسمة يورث نصيبه لتأكد الحق فيه كالغنيمة بعد الاحراز، وإن مات قبل ذلك لا يورث، لكن قدمنا هناك أن معلوم الامام له شبه الصلة وشبه الأجرة، والأرجح الثاني، وعليه يتحقق الإرث ولو قبل إحراز الناظر، ثم لا يخفى أنها لا تملك قبل قبضها فلا يصح بيعها. مطلب في بيع الجامكية قوله: (وأفتى المصنف الخ) تأييد لكلام النهر. وعبارة المصنف في فتاواه: سئل عن بيع الجامكية: وهو أن يكون لرجل جامكية في بيت المال، ويحتاج إلى دراهم معجلة قبل أن تخرج الجامكية فيقول له رجل بعتني جامكيتك التي قدرها كذا بكذا أنقص من حقه في الجامكية فيقول له بعتك فهل البيع المذكور صحيح أم لا لكونه بيع الدين بنقد؟ أجاب إذا باع الدين من غير من هو عليه كما ذكر لا يصح. قال: مولانا في فوائده: وبيع الدين لا يجوز، ولو باعه من المديون أو وهبه (1) ا ه. قوله: (وفيها) الظاهر أن الضمير للقنية، ويحتمل عوده لفتاوى المصنف المفهومة من أفتى، وأما ضمير وفيها الآتية فللأشباه ا ه ح. مطلب: لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة قوله: (لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة على الملك) قال في البدائع: الحقوق المفردة لا تحتمل التمليك ولا يجوز الصلح عنها. أقول: وكذا لا تضمن بالاتلاف. قال في شرح الزيادات للسرخسي: وإتلاف مجرد الحق لا يوجب الضمان، لان الاعتياض عن مجرد الحق باطل، إلا إذا فوت حقا مؤكدا، فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان كحق المرتهن، ولذا لا يضمن بإتلاف شئ من الغنيمة أو وطئ جارية منها قبل الاحراز، لان الفائت مجرد الحق وأنه غير مضمون وبعد الاحراز بدار الاسلام، ولو قبل القسمة يضمن لتفويت حقيقة الملك، ويجب عليه القيمة في قتله عبدا من الغنيمة بعد الاحراز في ثلاث سنين، بيري. وأراد بقوله لتفويت حقيقة الملك: الحق المؤكد، إذ لا تحصل حقيقة الملك إلا بعد القسمة كما مر. قوله: (كحق الشفعة) قال في الأشباه: فلو صالح عنها بمال بطلت ورجع، ولو صالح المخيرة بمال لتختاره بطل ولا شئ لها، ولو صالح إحدى زوجتيه بمال لتترك نوبتها لم يلزم ولا شئ لها، وعلى هذا لا يجوز الاعتياض عن الوظائف في الأوقاف وخرج عنها حق القصاص (2). وملك النكاح وحق الرق فإنه يجوز الاعتياض عنها كما ذكره الزيلعي في الشفعة،
(1) قوله: (ولو باعه من المديون أو وهبه الخ) قال ط بقي ما إذا باعها من ملتزم عليه ميري للديوان، وقد وجه عليه والظاهر أن هذا بمنزلة الحوالة فان حاصله: ان الامام أو نائبه وجهه بماله على هذا الشخص فإذا اخذ منه بقدره لا يقال انه بيع ا ه (2) قوله: (وخرج عنها حق القصاص الخ) اي خرج عن القاعدة المذكورة التي هي قوله: لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة وليس المراد انه خرج عن الحقوق المجردة القصاص الخ بمعنى انه خرج عن أحكامها لان القصاص وما ذكر حقوق لا تضمن بالاتلاف الا ترى انه لو قتل القاتل شخصا لا يضمن لورثة مقتوله شيئا ا ه. 22 والكفيل بالنفس إذا صالح المكفول له بمال لا يصح ولا يجب، وفي بطلانها روايتان، وفي بيع حق المرور في الطريق روايتان، وكذا بيع الشرب إلا تبعا ا ه. مطلب في الاعتياض عن الوظائف والنزول عنها قوله: (وعلى هذا لا يجوز الاعتياض عن الوظائف بالأوقاف) من إمامة وخطابة وأذان وفراشة وبوابة، ولا على وجه البيع أيضا، لان بيع الحق لا يجوز كما في شرح الأدب وغيره. وفي الذخيرة: أن أخذ الدار بالشفعة أمر عرف، بخلاف القياس فلا يظهر ثبوته في حق جواز الاعتياض عنه ه. أقول: والحق في الوظيفة مثله والحكم واحد. بيري. قوله: (المذهب عدم اعتبار العرف الخاص) قال في المستصفي: التعامل (1) العام: أي الشائع المستفيض، والعرف المشترك لا يصح الرجوع إليه مع التردد ا ه. وفي محل آخر منه. ولا يصلح مقيدا، لأنه لما كان مشتركا كان متعارضا ا ه. بيري. وفي الأشباه عن البزازية: وكذا أي تفسد الإجارة لو دفع إلى حائك غزلا على أن ينسجه بالثلث، ومشايخ بلخ وخوارزم أفتوا بجواز إجارة الحائك للعرف، وبه أفتى أبو علي النسفي أيضا، والفتوى على جواب الكتاب، لأنه منصوص عليه فيلزم إبطال النص ا ه. فأفاد أن عدم اعتباره بمعنى أنه إذا وجد النص، بخلافه لا يصلح ناسخا للنص، ولا مقيدا له، وإلا فقد اعتبروه في مواضع كثيرة منها مسائل الايمان، وكل عاقد وواقف وحالف يحمل كلامه على عرفه، كما ذكره ابن الهمام. وأفاد ما مر أيضا أن العرف العام يصلح مقيدا، ولذا نقل البيري في مسألة الحائك المذكورة: قال السيد الشهيد: لا نأخذ باستحسان مشايخ بلخ، بل نأخذ بقول أصحابنا المتقدمين، لان التعامل في بلد لا يدل على الجواز ما لم يكن على الاستمرار من الصدر الأول، فيكون ذلك دليلا على تقرير النبي عليه الصلاة والسلام إياهم على ذلك، فيكون شرعا منه، فإذا لم يكن كذلك لا يكون فعلهم حجة إلا إذا كان كذلك من الناس كافة في البلدان كلها فيكون إجماعا، والاجماع حجة، ألا ترى أنهم لو تعاملوا على بيع الخمر والربا لا يفتى بالحل اه. قلت: وبه ظهر الفرق بين العرف الخاص والعام، وتمام الكلام على هذه المسألة مبسوط في رسالتنا المسماة: بنشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف. مطلب في النزول عن الوظائف بمال قوله: (وعليه فيفتى بجواز النزول عن الوظائف بما) قال العلامة العيني في فتاواه: ليس للنزول شئ يعتمد عليه، ولكن العلماء والحكام مشوا ذلك للضرورة، واشترطوا إمضاء الناظر لئلا يقع فيه نزاع اه. ملخصا من حاشية الأشباه للسيد أبي السعود. وذكر الحموي أن العيني ذكر في
(1) قوله: (قال في المستصفى التعامل الخ) عبارة ط ونقل العلامة البيري عن المستصفى، ان العبرة للتعامل العام اي الشائع المستفيض، قال والعرف المشترك لا يصح الرجوع إليه ا ه. 23 شرح نظم درر البحار في باب القسم بين الزوجات: أنه سمع من بعض شيوخه الكبار أنه يمكن أن يحكم بصحة النزول عن الوظائف الدينية قياسا على ترك المرأة قسمها لصحبتها، لان كلا منهما مجرد إسقاط اه. مطلب في العرف الخاص والعام وقلت: وقدمنا في الوقف عن البحر أن للمتولي عزل نفسه عند القاضي، وأن من العزل الفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيره، وأنه لا ينعزل بمجرد عزل نفسه، خلافا للعلامة قاسم، بل لا بد من تقرير القاضي المفروغ له لو أهلا، وأنه لا يلزم القاضي تقريره ولو أهلا، وأنه جرى العرف بالفراغ بالدراهم، ولا يخفى ما فيه، فينبغي الابراء العام بعده ا ه: لما فيه من شبهة الاعتياض عن مجرد الحق، وقد مر أنه لا يجوز وليس فيما ذكر عن العيني جوازه، لكن قال الحموي: وقد استخرج شيخ مشايخنا نور الدين على المقدسي صحة الاعتياض عن ذلك في شرحه على نظم الكنز من فرع في مبسوط السرخسي، وهو أن العبد الموصى برقبته لشخص وبخدمته لآخر لو قطع طرفه أو شج موضحة فأدى الأرش، فإن كانت الجناية تنقص الخدمة يشتري به عبد آخر يخدمه، أو يضم إليه ثمن العبد بعد بيعه فيشتري به عبد يقوم مقام الأول، فإن اختلفا في بيعه لم يبع، وإن اصطلحا على قسمة الأرض بينهما نصفين فلهما ذلك، ولا يكون ما يستوفيه الموصى له بالخدمة من الأرض بدل الخدمة لأنه لا يملك الاعتياض عنها، ولكنه إسقاط لحقه به، كما لو صالح موصى له بالرقبة على مال دفعه للموصى له بالخدمة ليسلم العبد له ا ه. قال: فربما يشهد هذا النزول عن الوظائف بمال ا ه. قال الحموي: فليحفظ هذا فإنه نفيس جدا ا ه. وذكر نحوه البيري عند قول الأشباه: وينبغي أنه لو نزل له وقبض المبلغ، ثم أراد الرجوع عليه لا يملك ذلك، فقال: أي على وجه إسقاط الحق إلحاقا له بالوصية بالخدمة والصلح عن الألف على خمسمائة، فإنهم قالوا: يجوز أخذ العوض على وجه الاسقاط للحق، ولا ريب أن الفارغ يستحق المنزول به (1)، استحقاقا خاصا بالتقرير ويؤيده ما في خزانة الأكمل: وإن مات العبد الموصى بخدمته بعد ما قبض الموصى له بدل الصلح فهو جائز ا ه. ففيه دلالة على أنه لا رجوع على النازل، وهذا الوجه هو الذي يطمئن به القلب لقربه ا ه. كلام البيري. ثم استشكل ذلك بما مر من عدم جواز الصلح عن حق الشفعة والقسم، فإنه يمنع جواز أخذ العوض هنا، ثم قال: ولقائل أن يقول هذا حق جعله الشرع لدفع الضرر، وذلك حق فيه صلة ولا جامع بينهما فافترقا، وهو الذي يظهر اه. وحاصله: أن ثبوت حق الشفعة للشفيع وحق القسم للزوجة وكذا حق الخيار في النكاح للمخيرة إنما هو لدفع الضرر عن الشفيع والمرأة، وما ثبت لذلك لا يصح الصلح عنه، لان صاحب الحق لما رضي علم أنه لا يتضرر بذلك فلا يستحق شيئا، أما حق الموصى له بالخدمة، فليس كذلك، بل ثبت له على وجه البر والصلة فيكون ثابتا له أصالة فيصح الصلح عنه إذا نزل عنه لغيره، ومثله ما مر عن الأشباه من حق القصاص والنكاح والرق حيث صح الاعتياض عنه، لأنه ثابت لصاحبه أصالة لا على وجه رفع الضرر عن صاحبه، ولا يخفى أن صاحب الوظيفة ثبت له الحق فيه
(1) قوله: (يستحق المنزول به) كذا رأيته والظاهر أن يقال: المنزول عنه ا ه من خط المؤلف. 24 بتقرير القاضي على وجه الأصالة لا على وجه رفع الضرر، فإلحاقها بحق الموصى له بالخدمة، وحق القصاص وما بعده أولى من إلحاقها بحق الشفعة والقسم وهذا كلام وجيه لا يخفى على نبيه، وبه اندفع ما ذكره بعض محشي الأشباه من أن المال الذي يأخذه النازل عن الوظيفة رشوة، وهي حرام بالنص، والعرف لا يعارض النص، وجه الدفع ما علمت من أنه صلح عن حق كما في نظائره، والرشوة لا تكون بحق. واستدل بعضهم للجواز بنزول سيدنا الحسن ابن سيدنا علي رضي الله تعالى عنهما، عن الخلافة لمعاوية على عوض، وهو ظاهر أيضا، وهذا أولى مما قدمناه في الوقف عن الخيرية من عدم الجواز، ومن أن للمفروغ له الرجوع بالبدل، بناء على أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص، وأنه لا يجوز الاعتياض عن مجرد الحق لما علمت من أن الجواز ليس مبنيا على اعتبار العرف الخاص، بلى على ما ذكرنا من نظائره الدالة عليه، وأن عدم جواز الاعتياض عن الحق ليس على إطلاقه. ورأيت بخط بعض العلماء عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بجواز أخذ العوض في حق القرار والتصرف، وعدم صحة الرجوع. وبالجملة فالمسألة ظنية، والنظائر المتشابهة للبحث فيها مجال وإن كان الأظهر فيها ما قلنا، فالأولى ما قاله في البحر من أنه ينبغي الابراء العام بعده، والله سبحانه وتعالى أعلم. تنبيه: ما قلنا في الفراغ عن الوظيفة يقال مثله في الفراغ عن حق التصرف في مشد مسكة الأراضي ويأتي بيانها قريبا، وكذا في فراغ الزعيم عن (1) تيماره، ثم إذا فرغ عنه لغيره ولم يوجهه السلطان للمفروغ له بل أبقاه على الفارغ أو وجهه لغيرهما ينبغي أن يثبت الرجوع للمفروغ له على الفارغ ببدل الفراغ، لأنه لم يرض بدفعه إلا بمقابلة ثبوت ذلك الحق له، لا بمجرد الفراغ وإن حصل لغيره، وبهذا أفتى في الإسماعيلية والحامدية وغيرهما، خلافا لما أفتى به بعضهم عن عدم الرجوع، لان الفارغ فعل ما وسعه وقدرته، إذ لا يخفى أنه غير مقصود من الطرفين، ولا سيما إذا أبقى السلطان والقاضي التيمار أو الوظيفة على الفارغ فإنه يلزم اجتماع العوضين في تصرفه وهو خلاف قواعد الشرع فافهم، والله سبحانه وتعالى أعلم. مطلب في خلو الحوانيت قوله: (وبلزوم خلو الحوانيت) عبارة الأشباه: أقول على اعتباره: أي اعتبار العرف الخاص ينبغي أن يفتي بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم، ويصير الخلو في الحانوت حقا له، فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره ولو كانت وقفا، وقد وقع في حوانيت الجملون في الغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها للتجار بالخلو، وجعل لكل حانوت قدرا أخذه منهم وكتب ذلك بمكتوب الوقف ا ه. وقد أعاد الشارح ذكر هذه المسألة قبيل كتاب الكفالة، ثم قال قلت: وأيده في زواهر الجواهر بما في واقعات الضريري: رجل في يده دكان فغاب فرفع المتولي أمره للقاضي، فأمره القاضي بفتحه وإجارته، ففعل المتولي ذلك وحضر
(1) قوله: (وكذا في فراغ الزعيم عن الخ) المراد به كبير القرية والتيمار هو الاستحقاق في الأراضي الميرية ا ه. 25 الغائب فهو أولى بدكانه، وإن كان له خلو فهو أولى بخلوه أيضا، وله الخيار في ذلك، فإن شاء فسخ الإجارة وسكن في دكانه، وإن شاء أجازها ورجع بخلوه على المستأجر، ويؤمر المستأجر بأداء ذلك إن رضي به، وإلا يؤمر بالخروج من الدكان ا ه. بلفظه اه. لكن قال السيد الحمو أقول: ما نقل عن واقعات الضريري من ذكر لفظة الخلو، فضلا عن أن يكون المراد بها ما هو المتعارف كذب، فإن الاثبات من النقلة كصاحب جامع الفصولين نقل عبارة الضريري ولم يذكر فيها لفظ الخلو، وهذا وقد اشتهر نسبة مسألة الخلو إلى مذهب الامام مالك، والحال أنه ليس فيه نص عنه ولا عن أحد من أصحابه، حتى قال البدر القرافي من المالكية: إنه لم يقع في كلام الفقهاء التعرض لهذه المسألة وإنما فيها فتيا للعلامة ناصر الدين اللقاني المالكي بناها على العرف وخرجها عليه، وهو من أهل الترجيح فيعتبر تخريجه وإن نوزع فيه، وقد انتشرت فتياه في المشارق والمغارب وتلقاها علماء عصره بالقبول ا ه. قلت: ورأيت في فتاوى الكازروني عن العلامة اللقاني: أنه لو مات صاحب الخلو يوفى منه ديونه ويورث عنه وينتقل لبيت المال عند فقد الوارث ا ه. هذا، وقد استدل بعضهم على لزومه وصحة بيعه عندنا بما في الخانية: رجل باع سكنى له في حانوت لغيره فأخبر المشتري أن أجرة الحانوت كذا فظهر أنها أكثر من ذلك، قالوا: ليس له أن يرد السكنى بهذا العيب ا ه. وللعلامة الشرنبلالي رسالة رد فيها على هذا المستدل بأنه لم يفهم معنى السكنى، لان المراد بها عين مركبة في الحانوت وهي غير الخلو. ففي الخلاصة: اشترى سكنى حانوت في حانوت رجل مركبا وأخبره البائع أن أجرة الحانوت كذا فإذا هي أكثر ليس له أن يرد، وفي جامع الفصولين عن الذخيرة: شرى سكنى في دكان وقف فقال المتولي: ما أذنت له: أي للبائع بوضعها فأمره: أي أمر المشتري بالرفع، فلو شراه بشرط القرار يرجع على بائعه (1)، وإلا فلا يرجع عليه بثمنه ولا بنقصانه ا ه. ثم نقل عن عدة كتب ما يدل على أن السكنى عين قائمة في الحانوت، ورد فيها أيضا على الأشباه بأن الخلو لم يقل به إلا متأخر من المالكية، حتى أفتى بصحة وقفه، ولزم منه أن أوقاف المسلمين صارت للكافرين، بسبب وقف خلوها على كنائسهم، وبأن عدم إخراج صاحب الحانوت لصاحب الخلو يلزم منه حجر الحر المكلف عن ملكه وإتلاف ماله، مع أن صاحب الخلو لا يعطي أجر المثل، ويأخذ هو في نظير خلوه قدرا كثيرا، بل لا يجوز هذا في الوقف. وقد نصوا على أن من سكن الوقف يلزمه أجر المثل، وفي ومنع الناظر من إخراجه تفويت نفع الوقف وتعطيل ما شرطه الواقف من إقامة شعائر مسجد ونحوها ا ه ملخصا. مطلب في الكدك قلت: وما ذكره حق خصوصا في زماننا هذا، وأما ما يتمسك به صاحب الخلو من أن اشترى خلوه بمال كثير، وأنه بهذا الاعتبار تصير أجرة الوقف شيئا قليلا فهو تمسك باطل، لان ما أخذه منه صاحب الخلو الأول لم يحصل منه نفع للوقف فيكون الدافع هو المضيع ماله، فكيف يحل له ظلم
(1) قوله: (يرجع على بائعه) اي لأن البيع إذا وقع بهذا الشرط يقع فاسدا والا فهو صحيح فلا رجوع له على البائع بشئ ا ه منه. 26 الوقف؟ بل يجب عليه دفع أجرة مثله، وإن كان له فيه شئ زائد على الخلو من بناء ونحوه مما يسمى في عرفنا بالكدك، وهو المراد من لفظ السكنى المار، فإذا لم يدفع أجرة مثله لم يؤمر برفعه، وإن كان موضوعا بإذن الواقف أو أحد النظار، ويرجع هذا إلى مسألة الأرض المحتكرة المنقولة في أوقاف الخصاف حيث قال: حانوت أصله وقف وعمارته لرجل وهو لا يرضى أن يستأجر أرضه بأجر المثل، قالوا: إن كانت العمارة بحيث لو رفعت يستأجر الأصل بأكثر مما يستأجر صاحب البناء كلف رفعه ويؤجر من غيره، وإلا يترك في يده بذلك الأجر ه. وقوله: وإلا يترك في يده يفيد أنه أحق من غيره، حيث كان ما يدفعه أجر المثل، فهنا يقال: ليس للمؤجر أن يخرجه ولا أن يأمره برفعه، إذ ليس في استبقائه ضرر على الوقف مع الرفق به بدفع الضرر عنه، كما أوضحناه في الوقف. وعن هذا قال في جامع الفصولين وغيره: بنى المستأجر أو غرس في أرض الوقف صار له فيها حق القرار، وهو المسمى بالكردار له الاستبقاء بأجر المثل اه. وفي الخيرية: وقد صرح علماؤنا بأن لصاحب الكردار حق القرار، وهو أن يحدث المزارع والمستأجر في الأرض بناء أو غرسا أو كبسا بالتراب بإذن الواقف أو الناظر فتبقى في يده ا ه. وقد يقال: إن الدراهم التي دفعها صاحب الخلو للواقف واستعان بها على بناء الوقف شبيهة بكبس الأرض بالتراب، فيصير له حق القرار فلا يخرج من يده إذا كان يدفع أجر المثل، ومثله ما لو كان يرم دكان الوقف، ويقوم بلوازمها من ماله بإذن الناظر، أما مجرد وضع اليد على الدكان ونحوها وكونه يستأجرها عدة سنين بدون شئ مما ذكر فهو غير معتبر، فللمؤجر إخراجها من يده إذا مضت مدة إجارته وإيجارها لغيره، كما أوضحناه في رسالتنا تحرير العبارة في بيان من هو أحق بالإجارة، وذكرنا حاصلها في الوقف، وعلى ما ذكرناه من أن صاحب الخلو المعتبر أحق من غيره، لو استأجر بأجر المثل يحمل ما ذكره في الخيرية من الوقف حيث سئل في الخلو الواقع في غالب الأوقاف المصرية والأوقاف الرومية في الحوانيت وغيرها، هل يصير حقا لازما لصاحب الخلو، ويجوز بيع سكناه وشراؤه، وإذا حكم به حاكم شرعي يمتنع على غيره من حكام الشرع الشريف نقضه؟ ثم ذكر في الجواب عبارة الأشباه وواقعات الضريري وما ذكرناه من مسألة الأرض المحتكرة ومسألة حق القرار ومسألة بيع السكنى. ثم قال: أقول: ليس الغرض بإيراد هذه الجمل القطع بالحكم، بل ليقع اليقين بارتفاع الخلاف بالحكم حيث استوفى شرائطه من مالكي يراه أو غيره صح ولزم وارتفع الخلاف خصوصا فيما للناس إليه ضرورة، لا سيما في المدن المشهورة كمصر ومدينة الملك فإنهم يتعاطونه ولهم فيه نفع كلي ويضر بهم نقضه وإعدامه، فلربما بفعله تكثر الأوقاف، ألا ترى ما فعله الغوري كما مر. ومما بلغني أن بعض الملوك عمر مثل ذلك بأموال التجار ولم يصرف عليه من ماله الدرهم والدينار، وكان (ص) يحب ما خفف عن أمته، والدين يسر ولا مفسدة في ذلك في الدين، ولا عار به على الموحدين، والله تعالى أعلم ا ه ملخصا. وممن أفتى بلزوم الخلو الذي يكون بمقابلة دراهم بدفعها للمتولي أو المالك العلامة المحقق عبد الرحمن أفندي العمادي صاحب هدية ابن العماد، وقال: فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه ولا إجارتها لغيره ما لم يدفع له المبلغ المرقوم، فيفتى بجواز ذلك للضرورة قياسا على بيع الوفاء الذي تعارفه المتأخرون احتيالا على الربا الخ. قلت: وهو مقيد أيضا بما قلنا بما إذا كان يدفع أجر المثل، وإلا كانت سكناه بمقابلة ما دفعه
27 من الدراهم عين الربا، كما قالوا فيمن دفع للمقرض دارا ليسكنها أو حمارا ليركبه إلى أن يستوفي قرضه أنه يلزمه أجرة الدار أو الحمار على أن ما يأخذه المتولي من الدراهم ينتفع به لنفسه، فلو لم يلزم صاحب الخلو أجر المثل للمستحقين يلزم ضياع حقهم، اللهم إلا أن يكون ما قبضه المتولي صرفه في عمارة الوقف، حيث تعين ذلك طريقا إلى عمارته ولم يوجد من يستأجره بأجرة المثل مع دفع ذلك المبلغ اللازم للعمارة فحينئذ قد يقال بجواز سكناه بدون أجرة المثل للضرورة، ومثل ذلك يسمى في زماننا مرصدا كما قدمناه في الوقف، والله سبحانه أعلم. بقي طريق معرفة أجر المثل، وينبغي أن يقال فيه: إنا ننظر إلى ما دفعه صاحب الخلو للواقف أو المتولي على الوجه الذي ذكرناه وإلى ما ينفقه في مرمة الدكان ونحوها، فإذا كان الناس يرغبون في دفع جميع ذلك لصاحب الخلو ومع ذلك يستأجرون الدكان بمائة مثلا، فالمائة هي أجرة المثل ولا ينظر إلى ما دفعه هو إلى صاحب الخلو السابق من مال كثير طمعا في أن أجرة هذه الدكان عشرة مثلا كما هو الواقع في زماننا، لان ما دفعه من المال الكثير لم يرجع منه نفع للوقف أصلا، بل هو محض ضرر بالوقف، حيث لزم منه استئجار الدكان بدون أجرتها بغبن فاحش، وإنما ينظر إلى ما يعود نفعه إلى الوقف فقط كما ذكرنا، نعم جرت العادة أن صاحب الخلو حين يستأجر الدكان بالأجرة اليسيرة يدفع للناظر دراهم تسمى خدمة، هي في الحقيقة تكملة أجرة المثل أو دونها، وكذا إذا مات صاحب الخلو أو نزل عن خلوه لغيره يأخذ الناظر من الوارث أو المنزول له دراهم تسمى تصديقا، فهذه تحسب من الأجرة أيضا، ويجب على الناظر صرفها إلى جهة الوقف كما قدمناه في كتاب الوقف في مسألة العوائد العرفية، والله سبحانه وتعالى أعلم. تنبيه: ذكر السيد محمد أبو السعود في حاشيته على الأشباه: أن الخلو يصدق بالعين المتصل اتصال قرار وبغيره، وكذا الجدك المتعارف في الحوانيت المملوكة ونحوها كالقهاوي، تارة يتعلق بماله حق القرار كالبناء بالحانوت، وتارة يتعلق بما هو أعم من ذلك، والذي يظهر أنه كالخلو في الحكم بجامع وجود العرف في كل منهما، والمراد بالمتصل اتصال قرار ما وضع لا ليفصل كالبناء، ولا فرق في صدق كل من الخلو والجدك به، وبالمتصل لا على وجه القرار كالخشب الذي يركب بالحانوت لوضع عدة الحلاق مثلا، فإن الاتصال وجد لكن لا على وجه القرار، وكذا يصدقان بمجرد المنفعة المقابلة للدراهم، لكن ينفرد الجدك بالعين الغير المتصلة أصلا كالبكارج والفناجين بالنسبة للقهوة والمقشة والفوط بالنسبة للحمام والشونة بالنسبة للفرن، وبهذا الاعتبار يكون الجدك أعم. بقي لو كان الخلو بناء أو غراسا بالأرض المحتكرة أو المملوكة يجري فيه حق الشفعة، لأنه لما اتصل بالأرض اتصال قرار التحق بالعقار ا ه. قلت: ما ذكره من جريان الشفعة فيه سهو ظاهر لمخالفته المنصوص عليه في كتب المذهب، كما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى، فافهم. هذا غاية ما تحرر لي في مسألة الخلو فاغتنمه فإنه مفرد، وقد أوضحنا الفرق في باب مشد المسكة من تنقيح الفتاوى الحامدية بين المشد والخلو والجدك والقيمة والمرصد المتعارفة في زماننا إيضاحا لا يوجد في غير ذلك الكتاب، والحمد لله الملك الوهاب. قوله: (وفي معين المفتي الخ) أفاد به أن الخلو إذا لم يكن عينا قائمة لا يصح
28 بيعه. قوله: (جاز) ترك قيدا ذكره في معين المفتي وهو قوله: إذا لم يشترط تركها (2) ا ه. ومثله في الخانية: أي لأنه شرط مفسد للبيع. قوله: (وإن كرابا أو كرى انهار) في المغرب: كرب الأرض كربا: قلبها للحرث من باب طلب، وكريت النهر كريا: حفرته. قوله: (ولا بمعنى مال) لعل المراد به التراب المسمى كبسا وهو ما تكبس به الأرض: أي تطم وتسوى، فتأمل: وفي ط: وهو كالسكنى في الأرض الموقوفة بطريق الخلو وكالجدك على ما سلف. مطلب في بيان مشد المسكة قوله: (ومفاده أن بيع المسكة لا يجوز) لأنها عبارة عن كراب (3) الأرض وكري أنهارها، سميت مسكة لان صاحبها صار له مسكة بها، بحيث لا تنزع من يده بسببها، وتسمى أيضا مشد مسكة، لان المشد من الشدة بمعنى القوة: أي قوة التمسك، ولها أحكام مبنية على أوامر سلطانية أفتى بها علماء الدولة العثمانية ذكرت كثيرا منها في بابها من تنقيح الفتاوى الحامدية، منها: أنها لا تورث، وإنما توجه للابن القادر عليها دون البنت، وعند عدم الابن تعطى للبنت فإن لم توجد فللأخ لأب، فإن لم يوجد فللأخت الساكنة في القرية، فإن لم توجد فللام. وذكر الشارح في خراج الدر المنتقى: أنها تنتقل للابن ولا تعطى البنت حصة، وإن لم يترك ابنا بل بنتا لا يعطيها ويعطيها صاحب التيمار لمن أراد وفي سنة ثمانية وخمسين وتسعمائة في مثل هذه الأراضي التي تحيا وتفلح بعمل وكلفة دراهم فعلى تقدير أن تعطى للغير بالطابو، فالبنات لما كان يلزم حرمانهن من المال الذي صرفه أبوهن ورد الامر السلطاني بالاعطاء لهن، لكن تنافس الأخت البنت في ذلك، فيؤتى بجماعة ليس لهن غرض، فأي مقدار قدروا به الطابو تعطيه البنات ويأخذن الأرض ا ه. ونقل في الحامدية أنه إذا وقع التفويض بلا إذن صاحب الأرض: يعني التيماري الذي وجه السلطان له أخذ خراجها لا تزول الأرض على يد المفوض حقيقة، فكانت في يد المفوض إليه عارية، وإذا كانت الأرض وقفا فتفويضا متوقف على إذن الناظر لا على إجازة التيمار، ولا تؤجر ممن لا مسكة له مع وجوده بدون وجه شرعي، وإذا زرع أجنبي فيها بلا إذن صاحب المسكة يؤمر بقلع الزرع ويسقط حق صاحبها منها بتركها ثلاث سنوات اختيارا ا ه. فافهم. قوله: (ولذا جعلوه) أي جعلوا بيعها، والمراد به الخروج عنها: يعني أن المسكة لما لم تكن مالا متقوما لا يمكن بيعها، فإذا أراد صاحبها
(2) قوله: (إذا لم يشترط تركها) اي ترك العمارة المباعة في الأرض وهو استحقاق البقاء في الأرض، وقوله لأنه شرط مفسد اي لأنه أمر زائد ليس من مقتضيات العقد وفيه نفع المشتري ا ه. (3) قوله: (لأنها عبارة عن كراب الخ) فيه انها عبارة عن التمسك الحاصل بسبب المكري والكراب لأنفس الكراب والسكري، والا لكان عدم جواز بيعها صريح كلام الولوالجية ا ه. 29 النزول عنها لغيره بعوض جعلوا ذلك بطريق الفراغ كالنزول عن الوظائف، وقدمنا عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بجوازه، وكأن الشارح لم يطلع على ذلك فأمر بتحريره، والله سبحانه أعلم. قوله: (وسنذكره في بيع الوفاء) أي قبيل كتاب الكفالة، والذي ذكره هناك هو النزول عن الوظائف ومسألة الخلو ولم يتعرض هناك للمسكة. مطلب في انعقاد البيع بلفظ واحد من الجانبين قوله: (وينعقد أيضا) أي كما ينعقد بإيجاب وقبول منهما أو بتعاط من الجانبين ط. قوله: (بلفظ واحد) ظاهره أنه لا يكون بالتعاطي هنا. قوله: (كما في بيع القاضي) أي بيعه مال اليتيم من يتيم آخر (1) أو شرائه له كذلك، أما عقده لنفسه فلا يجوز، لان فعله قضاء وقضاؤه لنفسه باطل. أفاده في البحر جامعا بذلك بين ما في البدائع من الجواز وما في الخزانة من عدمه ط. قوله: (والوصي) أي إذا اشترى لليتيم من مال نفسه أو لنفسه منه بشرطه المعروف، وقيده في نظم الزندويستي بما إذا لم يكن نصبه القاضي ا ه. فتح: أي لان وصي القاضي وكيل محض والوصي لا يملك البيع (2) أو الشراء لنفسه خلاصة، وأراد بالشرط المعروف الخيرية، وهي في الشراء من مال اليتيم لنفسه أو يكون ما يساوي عشرة بخمسة عشر، وفي البيع منه بالعكس وقيل: يكتفي بدرهمين في العشرة، والأول المعتمد كما قدمناه قبيل البيوع. قوله: والأب من طفله) ولا تشترط فيه الخيرية كما في البحر، وزاد فيمن يتولى العقد من الطرفين العبد إذا اشترى نفسه من مولاه بأمره والرسول من الجانبين، بخلاف الوكيل منهما اه. زاد في الدرر قوله: وكذا لو قال بعت منك هذا بدرهم فقبضه المشتري ولم يقع شيئا ينعقد البيع ا ه. وقال في العزمية: والظاهر أن هذا من باب التعاطي ا ه. وفيه نظر لان بيع التعاطي ليس فيه إيجاب، بل قبض بعد معرفة الثمن فقط كما قدمناه عن الفتح، وقدمنا عنه أن القبول يكون بالقول والفعل، وأن القبض قبول فحينئذ لم يوجد انفراد أحدهما بالعقد. قوله: (فإنه لوفور شفقته الخ) أي ووصى الأب نائبا عنه فله حكمه، ولذا سكت عنه، وأما القاضي فكذلك، قوله: (وتمامه في الدرر) ذكر فيها بعد عبارة الشارح ما نصه: فلم يحتج إلى القبول، وكان أصيلا في حق نفسه ونائبا عن طفله، حتى إذا بلغ كانت العهدة عليه دون أبيه، بخلاف ما إذا باع مال طفله من أجنبي، فبلغ كانت العهدة على أبيه، فإذا لزم عليه الثمن في صورة
(1) قوله: (اي بيع مال اليتيم من يتيم آخر الخ) أقول: ما نقل عن البائع مخالف لما هو منقول عن الأئمة المعتبرين كالفقيه أبي جعفر الطحاوي أحد المجتهدي في المسائل، والقاضي أبي جعفر الاستروشتي وغيرهما، ففي احكام الصغار نقلا عن القاضي أبي جعفر: القاضي إذا بتع مال أحد اليتيمين من الاخر وكذا الأب والوصي لو فعل لا يجوز بالاتفاق، وذكر رشيد الدين في فتاواه القاضي في بيع مال أحد الصغيرين من الاخر مثل الوصي بخلاف الأب وفي الحاصل من شرح الطحاوي، لا يجوز من الوصي بيع مال أحد اليتيمين من الاخر ويجوز ذلك من الأب إذا لم يفحش الغبن ا ه إذا علمت ذلك ظهر لك ان لا وجه لالحاقه بالأب هنا وكذلك الوصي فإنه وان جاز بيعه وشراؤه منه بشرط الخيرية لكن لا تكفي عبارته عن عبارتين كما هو مصرح به في الخانية والبزازية وغيرهما كتبه خوديمه عبد الغني الغنيمي، هكذا وجد بهامش نسخة المؤلف ا ه. (2) قوله: (والوصي لا يملك البيع الخ) لعل صوابه: والوكيل لا يملك الخ تأمل. 30 شرائه لا يبرأ عن الدين حتى ينصب القاضي وكيلا يقبضه للصغير فيرده على أبيه فيكون أمانة عنده ا ه. قوله: (قبل الآخر) بكسر الباء من القبول المقابل للايجاب، وقوله: (أو ترك عطف عليه): أي يخير الآخر بين القبول والترك في المجلس، ما دام الموجب على إيجابه، فلو رجع عنه قبل القبول بطل كما يأتي، ولا بد أيضا من كون القبول في المجلس، وكونه موافقا للايجاب كما نبه عليه وكونه في حياة الموجب. فلو مات قبله بطل، إلا في مسألة على ما فهمه في البحر ورده في النهر بأنه لا استثناء، فراجعه، وكونه قبل رد المخاطب الايجاب وكونه قبل تغير المبيع، فلو قطعت يد الجارية بعد الايجاب، وأخذ البائع أرشها لم يصح قبول المشترى، كما في الخانية. بحر. والظاهر أن التقييد بأخذ الأرش اتفاقي، نهر. قلت: ويؤيده قول التتارخانية: ودفع أرش اليد إلى البائع أو لم يدفع. قوله: (في المجلس) حتى لو تكلم البائع مع إنسان في حاجة فإنه يبطل. بحر. فالمراد بالمجلس ما لا يوجد فيه ما يدل على الاعراض، ولا أن يشتغل بمفوت له فيه، وأن لم يكن للاعراض. أفاده في النهر. فإن وجد بطل ولو اتحد المكان ط. قوله: (كل المبيع بكل الثمن) بيان لاشتراط موافقة القبول للايجاب بأن يقبل المشتري ما أوجبه البائع بما أوجبه، فإن خالفه بأن قبل غير ما أوجبه أو بعضه أو بغير ما أوجبه أو ببعضه لم ينعقد إلا في الشفعة، كما قدمناه في شروط العقد، وإلا فيما إذا كان الايجاب من المشتري فقبل البائع بأنقص من الثمن صح وكان خطأ أو كان من البائع فقبل المشتري بأزيد صح، وكان زيادة إن قبلها في المجلس لزمت، أفاده في البحر. وذكر أن هبة الثمن بعد الايجاب قبل القبول تبطل الايجاب، وقيل: لا ويكون إبراء، وسكوت المشتري عن الثمن مفسد للبيع ا ه. مطلب: ما يوجب اتحاد الصفقة وتفريقها قوله: (لئلا يلزم تفريق الصفقة) هي ضرب اليد على اليد في البيع، ثم جعلت عابرة عن العقد نفسه. مغرب. قال في البحر: ولا بد من معرفة ما يوجب اتحادها وتفريقها. وحاصل ما ذكروه أن الموجب إذا اتحد وتعدد المخاطب لم يجز التفريق بقبول أحدهما بائعا كان الموجب أو مشتريا، وعلى عكسه لم يجز القبول في حصة أحدهما، وإن اتحدا لم يصح قبول المخاطب في البعض فلم يصح تفريقها مطلقا في الأحوال الثلاثة لاتحاد الصفقة في الكل، وكذا إذا اتحد العاقدان، وتعدد المبيع كأن يوجب في مثلين أو قيمي ومثلي لم يجز تفريقها بالقبول في أحدهما إلا أن يرضى الآخر بذلك بعد قبوله في البعض ويكون المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالاجزاء كعبد واحد أو مكيل أو موزون، فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا وبطل الايجاب الأول، فإن كان مما لا ينقسم إلا بالقيمة كثوبين وعبدين لا يجوز (2)، فلو بين ثمن كل واحد فلا يخلو إما أن يكرر لفظ البيع، فالاتفاق على أنه صفقتان، فإذا قبل في أحدهما يصح كقوله: بعتك هذين العبدين هذا بألف
(2) قوله: (وعبدين لا يجوز) اي إذا لم يبين ثمن ما قبل فيه بان قال قبلت في أحدهما، أما إذا قال قبلت في هذا بكذا ورضي البائع فيجوز ا ه. 31 وبعتك هذا بألف، وإما أن لا يكرره وفصل الثمن فظاهر الهداية التعدد، وبه قال بعضهم ومنعه الآخرون، وحملوا كلامه على ما إذا كرر لفظ البيع. وقيل: إن اشتراط تكراره للتعدد استحسان، وهو قول الإمام وعدمه قياس وهو قولهما، ورجحه في الفتح بقوله: والوجه الاكتفاء بمجرد تفريق الثمن، لأن الظاهر أن فائدته ليس إلا بقصده بأن يبيع منه أيهما شاء، وإلا فلو كان غرضه أن لا يبيعهما منه إلا جملة لم تكن فائدة لتعيين كل ا ه. واعلم أن تفصيل الثمن إنما يجعلهما عقدين على القول به إذا كان الثمن منقسما عليهما باعتبار القيمة، أما إذا كان منقسما عليهما باعتبار الاجزاء كالقفيزين من جنس واحد، فإن التفصيل لا يجعله في حكم عقدين للانقسام من غير تفصيل، فلم يعتبر التفصيل كما في شرح المجمع للمصنف وهو تقييد حسن ا ه. ما في البحر وتمام الكلام فيه. قوله: (إلا إذا أعاد الايجاب والقبول) كأن قال اشتريت نصف هذا المكيل بكذا وقبل الآخر فيكون بيعا مستأنفا لوجود ركنية وبطل الأول. قوله: (أو رضي الآخر) أي بدون إعادة الايجاب، فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا كما مر. قوله: (كمكيل وموزون) أدخلت الكاف العبد الواحد كما سلف ذكره في عبارة البحر ط. ووجه الصحة أنه إذا كان الثمن (1) منقسما عليهما باعتبار الاجزاء تكون حصة كل بعض معلومة. قوله: (وإلا لا) أي وإن يكن الثمن منقسما عليهما كذلك بل كان منقسما باعتبار القيمة، كما إذا كان المبيع عبدين أو ثوبين لا يصح القبول لأحدهما، وإن رضي الآخر لجهالة ما يخص أحدهما من الثمن. قوله: (لعدم جواز البيع بالحصة ابتداء) صورته: ما إذا قال: بعت منك هذا العبد بحصته من الألف الموزع على قيمته وقيمة ذلك العبد الآخر، فإنه باطل لجهالة الثمن وقت البيع، كذا في فصل قصر العام من التلويح. عزمية. وقوله: ابتداء خرج به ما إذا عرض البيع بالحصة، بأن باعه الدار بتمامها (2) فاستحق بعضها ورضي المشتري بالباقي فإنه يصح لعروض البيع بالحصة انتهاء، وقد علمت أن محل عدم الجواز فيما إذا لم يكرر الثمن ولفظ البيع أو يفصل الثمن فقط على ما ذهب إليه صاحب الهداية ط. قوله: (كما حرره الواني) لم يذكر الواني في هذا المحل تحريرا ط. قوله: (أو بين ثمن كل) أي فيما إذا كان المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالقيمة كعبدين وثوبين. قوله: (وإن لم يكرر لفظ بعت) لأنه بمجرد تفصيل الثمن تتعدد الصفقة على ما هو ظاهر الهداية كما مر. قوله: (وهو المختار) تقدم وجه ترجيحه عن الفتح. مطلب: ما يبطل الايجاب سبعة قوله: (بطل الايجاب إن رجع الموجب الخ) قال في البحر: والحاصل أن الايجاب يبطل بما
(1) قوله: (اي وان يكن الثمن الخ) هكذا بخطه ولعل صوابه وان لا يمكن الخ بدليل الاضراب بعده تأمل ا ه مصححه. (2) قوله: (بان باعه الدار بتمامها الخ) فيه ان الدار كالعبد الواحد مما ينقسم الثمن عليه بالاجزاء فهو وان كان بيعا بالحصة الا انها معلومة فالظاهر أن يصور ببيع عبد ودار مثلا استحق أحدهما ورضي المشتري بأخذ الاخر بحصته، الا ان يقال المراد بقوله استحق بعضها، انه استحق بعض معين منها كبيت من مساكنها لا انه استحق جزء شائع منها كنصف وربع مثلا حتى تكون مما ينقسم الثمن عليه بالاجزاء ا ه. 32 يدل على الاعراض وبرجوع أحدهما عنه وبموت أحدهما، ولذا قلنا: إن خيار القبول لا يورث وبتغير المبيع بقطع يد وتخلل عصير وزيادة بولادة وهلاكه، بخلاف ما إذا كان بعد قلع عينه بآفة سماوية أو بعد ما وهب للمبيع هبة، كما في المحيط، وقدمنا أنه يبطل بهبة الثمن قبل قبوله فأصل ما يبطله سبعة فليحفظ ا ه. قوله: (قبل القبول) وكذا معه، فلو خرج القبول ورجع الموجب معا كان الرجوع أولى كما في الخانية، بحر. قوله: (وإن لم يذهب عن مجلسه على الراجح) وقيل: لا يبطل ما دام في مكانه. بحر. ويبطل بالقيام وإن كان لمصلحة لا معرضا كما في القنية. قال في النهر: واختلاف المجلس باعتراض ما يدل على الاعراض من الاشتغال بعمل آخر كأكل، إلا إذا كان لقمة وشرب، ألا إذا كان الاناء في يده ونوم، إلا أن يكونا جالسين وصلاة، إلا إتمام الفريضة، أو شفع نفلا، وكلام ولو لحاجة، ومشى مطلقا (1)، في ظاهر الرواية، حتى لو تبايعا وهما يمشيان أو يسيران ولو على دابة واحدة لم يصح. واختار غير واحد كالطحاوي أنه إن أجاب على فور كلامه متصلا جاز، وصححه في المحيط. وقال في الخلاصة: لو قبل بعد ما مشى خطوة أو خطوتين جاز. وفي مجمع التفاريق: وبه نأخذ. وفي المجتبى: المجلس المتحد أن لا يشتغل أحد المتعاقدين بغير ما عقد له المجلس، أو ما هو دليل الاعراض، والسفينة كالبيت فلا ينقطع المجلس بجريانها لأنهما لا يملكان إيقافهما أ ه. ملخصا ط. وفي الجوهرة: لو كان قائما فقعد لم يبطل. بحر. وكذا لو ناما جالسين لا لو مضطجعين أو أحدهما. فتح. تأمل. قوله: (فإنه كمجلس خيار المخيرة) أي التي ملكها زوجها طلاقها بقوله لها اختاري نفسك. وفي البحر عن الحاوي القدسي ويبطل مجلس البيع بما يبطل به خيار المخيرة ا ه. وهذا أولى لان خيارها يقتصر على مجلسها خاصة لا على مجلس الزوج، بخلاف البيع فإنه يقتصر على مجلسهما كما في البحر عن غاية البيان. قوله: (وكذا سائر التمليكات فتح) لم يذكر في الفتح إلا خيار المخيرة ط. وفي البحر: قيد بالبيع لأن الخلع والعتق على مال لا يبطل الايجاب فيه بقيام الزوج والمولى لكونه يمينا، ويبطل بقيام المرأة والعبد لكونه معاوضة في حقهما كما في النهاية ا ه. قوله: (خلافا للشافعي) وبقوله قال أحمد، وبقولنا قال مالك كما في الفتح. قوله: (وحديثه) أي الخيار أو الشافعي، وقد روى بروايات متعددة كما في الفتح: منها ما في البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يكون البيع خيارا ط. قوله: (محمول على تفرق الأقوال) هو أن يقول الآخر بعد الايجاب لا أشتري أو يرجع الموجب قبل القبول، وإسناد التفرق إلى الناس مرادا به تفرق أقوالهم كثير في الشرع والعرف، قال الله تعالى: * (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) * وقال (ص): أفرقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فتح. قوله: (إذ الأحوال ثلاثة الخ) لان حقيقة المتبايعين المشتغلان بأمر البيع، لا من تم البيع بينهما وانقضى، لأنه مجاز، والمتشاغلان: يعني المتساومين يصدق عند إيجاب أحدهما قبل قبول الآخر أنهما متبايعان،
(1) قوله: (ومشى مطلقا الخ) اي سواء اجابه على فور كلامه أو لا كما يدل عليه ما نقله عن الخلاصة ا ه. 33 فيكون ذلك هو المراد، وهذا هو خيار القبول، وهذا حمل إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى. لا يقال: هذا أيضا مجاز، لان الثابت قبل قبول الآخر بائع واحد لا متبايعان، لأنا نقول: هذا من المواضع التي تصدق الحقيقة فيها بجزء من معنى اللفظ، ولأنا نفهم من قول القائل زيد وعمرو هناك يتبايعان على وجه التبادر، إلا أنهما (1) مشتغلان بأمر البيع متراضيان فيه، فليكن هو المعنى الحقيقي، والحمل على الحقيقي متعين، فيكون الحديث لنفي توهم أنهما إذا اتفقا على الثمن وتراضيا عليه ثم أوجب أحدهما البيع يلزم الآخر من غير أن يقبل ذلك أصلا للاتفاق والتراضي السابق على أن السمع والقياس معضدان للمذهب. أما السمع فقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (المائدة: 1) وهذا عقد قبل التخيير، وقوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (النساء: 92) وبعد الايجاب والقبول تصدق تجارة عن تراض من غير توقف على التخيير، فقد أباح الله تعالى أكل المشتري قبل التخيير، وقوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * (البقرة: 282) أمر بالترفق بالشهادة حتى لا يقع التجاحد، والبيع يصدق قبل الخيار بعد الايجاب والقبول، فلو ثبت الخيار وعدم اللزوم قبله كان إبطالا لهذه النصوص، وأما القياس فعلى النكاح والخلع والعتق والكتابة كل منها عقد معاوضة يتم بلا خيار المجلس بمجرد اللفظ الدال على الرضا فكذا البيع، وتمامه في المنح والفتح ط. قوله: (مجاز لكون) أي باعتبار ما تؤول إليه عاقبته ط عن المنح مثل إني أراني أعصر خمرا.. قوله: (مجاز الكون) أي باعتبار ما كان عليه من قبل، مثل: * (وآتوا اليتامى أموالهم) * (النساء: 2). قوله: (وشرط لصحته معرفة قدر مبيع وثمن) ككر حنطة وخمسة دراهم أو أكرار حنطة، فخرج ما لو كان قدر المبيع مجهولا: أي جهالة فاحشة فإنه لا يصح، وقيدنا بالفاحشة لما قالوه لو باعه جميع ما في هذه القرية أو هذه الدار والمشتري لا يعلم ما فيها لا يصح لفحش الجهالة، أما لو باعه جميع في هذا البيت أو الصندوق أو الجوالق فإنه يصح، لان الجهالة يسيرة. قال في القنية: إلا إذا كان يحتاج معه إلى التسليم والتسلم، فإنه يصح بدون معرفة قدر المبيع، كمن أقر أن في يده متاع فلان غصبا أو وديعة ثم اشتراه جاز وإن لم يعرف مقداره ا ه. ومعرفة الحدود تغني عن معرفة المقدار. ففي البزازية: باعه أرضا وذكر حدودها لأذرعها طولا وعرضا جاز، وكذا إن لم يذكر الحدود، ولم يعرفه المشتري إذا لم يقع بينهما تجاحد، وفيها جهل البائع معرفة المبيع لا يمنع وجهل المشتري يمنع ا ه. وعلى هذا تفرع ما في القنية: لك في يدي أرض خربة لا تساوي شيئا في موضع كذا فبعها مني بستة دراهم فقال بعتها، ولم يعرفها البائع وهي تساوي أكثر من ذلك جاز، ولم يكن ذلك بيع المجهول (2)، لأنه لما قال لك في يدي أرض صار كأنه قال أرض كذا. وفي المجمع: لو باعه نصيبه من دار فعلم العاقدين شرط: أي عند الامام، ويجيزه: أي أبو يوسف مطلقا، وشرط: أي محمد علم المشتري وحده. وفي الخانية:
(1) قوله: (الا انهما الخ) لعل الصواب اسقاط الا أو زيادة لا قبل قوله نفهم تأمل ا ه مصححه. (2) قوله: (جاز ولم يكن ذلك بيع المجهول) قال الخير الرملي لم يذكر خيار الغبن البائع ولا شك ان له ذلك على ما عليه الفتوى حيث كان الغبن فاحشا التغرير وقد أفتيت به في مثل ذلك مرارا والله سبحانه اعلم ا ه. قلت: وبه صرح في الحاردي ا ه منه. 34 اشترى كذا كذا قربة من ماء الفرات. قال أبو يوسف: إن كانت القربة بعينها جاز لمكان التعامل، وكذا الرواية والجرة، وهذه استحسان. وفي القياس: لا يجوز إذا كان لا يعرف قدرها، وهو قول الإمام . وخرج أيضا ما لو كان الثمن مجهولا كالبيع بقيمته أو برأس ماله، أو بما اشتراه أو بمثل ما اشتراه فلان، فإن علم المشتري بالقدر في المجلس جاز، ومنه أيضا ما لو باعه بمثل ما يبيع الناس إلا أن يكون شيئا لا يتفاوت. نهر. قوله: (ووصف ثمن) لأنه إذا كان مجهول الوصف تتحقق المنازعة، فالمشتري يريد دفع الأدون والبائع يطلب الا رفع فلا يحصل مقصود شرعية العقد. نهر . تنبيه: ظاهر كلامه كالكنز يعطى أن معرفة وصف المبيع غير شرط، وقد نفى اشتراطه في البدائع في المبيع والثمن، وظاهر الفتح اثباته فيهما، ووفق في البحر بحمل ما في البدائع على المشار إليه أو إلى مكانه وما في الفتح على غيره، لكن حقق في النهر أن ما فهمه من الفتح وهم فاحش، لان كلام الفتح في الثمن فقط. قلت: وظاهره الاتفاق على اشتراط معرفة القدر في المبيع والثمن، وإنما الخلاف في اشتراط الوصف فيهما. وللعلامة الشرنبلالي رسالة سماها. (نفس المتجر بشراء الدرر) حقق فيها أن المبيع المسمى جنسه، لا حاجة فيه إلى بيان قدره ولا وصفه ولو غير مشار إليه أو إلى مكانه، لان الجهالة المانعة من الصحة تنتفي بثبوت خيار الرؤية، لأنه إذا لم يوافقه يرده فلم تكن الجهالة مفضية إلى المنازعة، واستدل على ذلك بفروع صححوا فيها البيع بدون بيان قدر ولا وصف: منها ما قدمناه من صحة (1) بيع جميع ما في هذا البيت أو الصندوق، وشراء ما في يده من غصب أو وديعة، وبيع الأرض مقتصرا على ذكر حدودها وشراء الأرض الخربة المارة عن القنية. ومنها: ما قالوا: لو قال: بعتك عبيدي وليس له إلا عبد واحد صح، بخلاف بعتك عبدا بدون إضافة، فإنه لا يصح في الأصح. ومنها: لو قال بعتك كرا من الحنطة، فإن لم يكن كل الكر في ملكه بطل، ولو بعضه في ملكه بطل في المعدوم وفسد في الموجود، ولو كله في ملكه لكن في موضعين أو من نوعين مختلفين، لا يجوز ولو من نوع واحد في موضع واحد جاز وإن لم يضف البيع إلى تلك الحنطة، وكذا لو قال: بعتك ما في كمي فعامتهم على الجواز وبعضهم على عدمه، وأول قول الكنز ولا بد من معرفة قدر ووصف ثمن، بأن لفظ قدر غير منون مضافا لما بعده من الثمن، مثل قول العرب: بعتك بنصف وربع درهم. قلت: ما ذكره من الاكتفاء بذكر الجنس عن ذكر القدر والوصف يلزم عليه صحة البيع في نحو: بعتك حنطة بدرهم ولا قائل به، ومثله بعتك عبدا أو دارا، وما قاله من انتفاء الجهالة بثبوت
(1) قوله: (منها ما قدمناه من صحة الخ) فيه ان الجهالة في بيع ما في البيت أو الصندوق يسيرة لا تفضي إلى المنازعة والمقصود اثبات جهالة فاحشة وقوله: وشراء ما في يده من غصب أو وديعة هذا أيضا لا يصلح دليلا للمدعي لان الجهالة فيه لم تعتبر لعدم الحاجة إلى التسليم والتسلم والمدعي وجود جهالة فيما يحتاج فيه إلى التسليم والتسلم على أن الجهالة المفضية إلى المنازعة انما هي جهالة المشتري قدر المبيع وليست موجودة هنا حيث كان المبيع في يده وقوله: وبيع الأرض مقتصرا على ذكر حدودها فيه أيضا ان القدر انما يعتبر في المقدرات الشرعية والعقارات لم يعتبر فيها الشرع سوى التحديد وقد وجد وبالجملة إذا تأملت جمع ما ساقه خرج جمعيه عن الصلاحية للاستدلال به على مدعاه ا ه. 35 خيار الرؤية مدفوع بأن خيار الرؤية قد يسقط برؤية بعض المبيع، فتبقى الجهالة المفضية إلى المنازعة، وكذا قد يبطل خيار الرؤية قبلها، بنحو بيع، أو رهن لما اشتراه كما سيأتي بيانه في بابها، ولذا قال المصنف هناك: صح البيع والشراء لما لم يرياه الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز أه. فأفاد أن انتفاء الجهالة بهذه الإشارة شرط جواز أصل البيع، ليثبت بعده خيار الرؤية، نعم صحح بعضهم الجواز بدون الإشارة المذكورة، لكنه محمول على ما إذا حصل انتفاء الجهالة بدونها، ولذا قال في النهاية هناك: صح شراء ما لم يره: يعني شيئا مسمى موصوفا أو مشارا إليه أو إلى مكانه وليس فيه غيره بذلك الاسم ا ه. وقال في العناية، قال صاحب الاسرار: لان كلامنا في عين هي بحالة لو كانت الرؤية حاصلة لكان البيع جائزا ا ه. وفي حاوي الزاهدي: باع حنطة قدرا معلوما، ولم يعينها لا بالإشارة، ولا بالوصف لا يصح ا ه. هذا، والذي يظهر من كلامهم تفريعا وتعليلا أن المراد بمعرفة القدر والوصف ما ينفي الجهالة الفاحشة، وذلك بما يخصص المبيع عن أنظاره، وذلك بالإشارة إليه لو حاضرا في مجلس العقد، وإلا فبيان مقداره مع بيان وصفه لو من المقدرات، كبعتك كر حنطة بلدية مثلا بشرط كونه في ملكه، أو ببيان مكانه الخاص كبعتك ما في البيت، أو ما في كمي أو بإضافته إلى البائع كبعتك عبدي، ولا عبد له غيره، أو ببيان حدود أرض، ففي كل ذلك تنتفي الجهالة الفاحشة عن المبيع، وتبقى الجهال اليسيرة التي لا تنافي صحة البيع، لارتفاعها بثبوت خيار الرؤية، فإن خيار الرؤية إنما يثبت بعد صحة البيع لرفع تلك الجهالة اليسيرة لا لرفع الفاحشة المنافية لصحته، فاغتنم تحقيق هذا المقام بما يرفع الظنون والأوهام، ويندفع به التناقض واللوم عن عبارات القوم. قوله: (كمصري أو دمشقي) ونظيره إذا كان الثمن من غير النقود كالحنطة لا بد من بيان قدرها ووصفها ككر حنطة بحيرية أو صعيدية، كما أفاده الكمال وحققه في النهر. قوله: (غير مشار إليه) أي إلى ما ذكر من المبيع والثمن، قال في البحر لان التسليم والتسلم واجب بالعقد، وهذه الجهالة مفضية إلى المنازعة فيمتنع التسليم والتسلم، وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز ا ه. قوله: (لا يشترط ذلك في مشار إليه) قال في البحر: وقوله غير مشار إليه قيد فيهما، لان المشار إليه مبيعا كان أو ثمنا لا يحتاج إلى معرفة قدره ووصفه، فلو قال: بعتك هذه الصبرة من الحنطة أو هذه الكورجة من الأرز والشاشات وهي مجهولة العدد، بهذه الدراهم التي في يدك وهي مرئية له فقبل، جاز ولزم، لان الباقي جهالة الوصف: يعني القدر، وهو لا يضر إذ لا يمنع من التسليم والتسلم ا ه. قوله: (ما لم يكن) أي المشار إليه ربويا قوبل بجنسه: أي وبيع مجازفة مثل بعتك هذه الصبرة من الحنطة بهذه الصبرة. قال في البحر: فإنه لا يصح لاحتمال الربا، واحتماله مانع كحقيقته. قوله: (أو سلما) أراد به المسلم فيه بقرينة ما بعده، لكنه لا حاجة لذكره، لان المسلم فيه مؤجل غير حاضر، فلا يصح أن يكون مشارا إليه والكلام فيه. قوله: (لو مكيلا أو موزونا) فلا تكفي الإشارة إليه كما في مذروع وحيوان خلافا لهما، لأنه ربما لا يقدر على تحصيل المسلم فيه، فيحتاج إلى رد رأس المال، وقد ينفق بعضه ثم يجد باقيه معيبا فيرده ولا يستبدله رب السلم في مجلس الرد فيفسخ العقد في المردود، ويبقى في غيره، فتلزم جهالة المسلم فيه فيما بقي
36 فوجب بيانه كما سيجئ في باب السلم. قوله: (خير) أي البائع، والذي في الفتح والبحر عدم التخيير. وعبارة الفتح: ولو قال: اشتريتها بهذه الصرة من الدراهم، فوجد البائع ما فيها بخلاف نقد البلد، فله أن يرجع بنقد البلد، لان مطلق الدراهم في البيع ينصرف إلى نقد البلد، وإن وجدها نقد البلد جاز ولا خيار للبائع، بخلاف ما لو قال اشتريت بما في هذه الخابية، ثم رأى الدراهم التي كانت فيها كان له الخيار وإن كانت نقد البلد لان الصرة يعرف مقدار ما فيها من خارجها. وفي الخانية: لا يعرف ذلك من الخارج فكان له الخيار، ويسمى هذا الخيار خيار الكمية لا خيار الرؤية لان خيار الرؤية لا يثبت في النقود ا ه ط. قوله: (وصح بثمن حال) بتشديد اللام، قال في المصباح: حل الدين يحل بالكسر حلولا ا ه. قيد بالثمن لان تأجيل المبيع المعين لا يجوز ويفسده. بحر. مطلب: في الفرق بين الأثمان والمبيعات واعلم أن كلا من النقدين ثمن أبدا، والعين الغير المثلى مبيع أبدا، وكل من المكيل والموزون الغير النقد والعددي المتقارب إن قوبل بكل من النقدين كان مبيعا، أو قوبل بعين، فإن كان ذلك المكيل والموزون المتقارب متعينا كان مبيعا أيضا، وإن كان غير متعين فإن دخل عليه حرف الباء مثل اشتريت هذا العبد بكر حنطة كان ثمنا، وإن استعمل استعمال المبيع وكان سلما مثل اشتريت منك كر حنطة بهذا العبد، فلا بد من رعاية شرائط السلم. غرر الأذكار شرح درر البحار. وسيأتي له زيادة بيان في آخر الصرف. قوله: (وهو الأصل) لان الحلول مقتضى العقد وموجبه، والأجل لا يثبت إلا بالشرط. بحر عن السراج. قوله: (لئلا يفضي إلى النزاع) تعليل لاشتراط كون الاجل معلوما، لان علمه لا يفضي إلى النزاع، وأما مفهوم الشرط المذكور وهو أنه لا يصح إذا كان الاجل مجهولا فعلته كونه يفضي إلى النزاع، فافهم. وسيذكر المصنف في البيع الفاسد بيان الاجل المفسد وغيره. مطلب في التأجيل إلى أجل مجهول تنبيه: من جهالة الاجل ما إذا باعه بألف على أن يؤدي إليه الثمن في بلد آخر، ولو قال إلى شهر على أن يؤدي الثمن في بلد آخر جاز بألف إلى شهر، ويبطل الشرط لان تعيين مكان الايفاء فيما لا حمل له ولا مؤنة غير صحيح، فلو له حمل ومؤنة يصح. ومنها اشتراط أن يعطيه الثمن (1) على التفاريق أو كل أسبوع البعض، فإن لم يشرط في البيع بل ذكر بعده لم يفسد، وكان له أخذ الكل جملة. وتمامه في البحر. وقوله: لم يفسد: أي البيع فيه كلام يأتي قريبا. قوله: (ولو باع مؤجلا) أي بلا بيان مدة بأن قال: بعتك بدرهم مؤجل. قوله: (صرف لشهر) كأنه لأنه المعهود في الشرع في السلم واليمين في ليقضين دينه آجلا. بحر. قوله: (به يفتى) وعند البعض لثلاثة أيام. بحر عن شرح المجمع. قلت: ويشكل على القولين أن شرط صحة التأجيل أن يعرفه العاقدان، ولذا لم يصح البيع بثمن مؤجل إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى إذا لم يدره العاقدان كما سيأتي في البيع الفاسد، وكذا
(1) قوله: (ومنها اشتراط ان يعطيه الثمن الخ) اي أتى بهذه الألفاظ المهمة اي لفظ التفاريق ولفظ البعض ا ه. 37 لو عرفه أحدهما دون الآخر، فتأمل. قوله: (فالقول لنا فيه) وهو البائع، لان الأصل الحلول كما مر. قوله: (إلا في السلم) فإن القول لمثبته لان نافيه يدعي فساده بفقد شرط صحته، وهو التأجيل ومدعيه يدعي صحته بوجوده، والقول لمدعي الصحة ط. قوله: (فلمدعي الأقل) لانكاره الزيادة ح. قوله: (والبينة فيهما) أي في المسألتين للمشتري لأنه يثبت خلاف الظاهر والبينات للاثبات ح. قوله: (فالقول والبينة للمشتري) لأنهما لما اتفقا على الاجل فالأصل بقاؤه فكان القول للمشتري في عدم مضيه، ولأنه منكر توجه المطالبة وهذا ظاهر. وأما تقديم بينته على بينة البائع فعلله في البحر عن الجوهرة بأن البينة مقدمة على الدعوى ا ه. وهو مشكل، فإن شأن البينة إثبات خلاف الظاهر، وهو هنا دعوى البائع على أن بينة المشتري على عدم المضي شهادة على النفي، وقد يجاب عن الثاني بأنه إثبات في المعنى، لان المعنى أن الاجل باق. تأمل. وحينئذ فوجه تقديم بينته كونها أكثر إثباتا، ويدل له ما سيأتي في السلم من أنهما لو اختلفا في مضي الاجل فالقول للمسلم إليه بيمينه، وإن برهنا فبينته أولى. وعلله في البحر بإثباتها زيادة الاجل. قال: فالقول قوله والبينة بينته. هذا، ولم يذكر الاختلاف في الثمن أو في المبيع، لأنه سيأتي في كتاب الدعوى في فصل دعوى الرجلين. قوله: (ويبطل الاجل بموت المديون) لان فائدة التأجيل أن يتجر فيؤدي الثمن من نماء المال، فإذا مات من له الاجل تعين المتروك لقضاء الدين، فلا يفيد التأجيل، بحر عن شرح المجمع، وصرح قبله بأنه لو مات البائع لا يبطل الاجل. قوله: (أو مجهولا) أي جهالة يسيرة بدليل التمثيل فيخرج ما لو أجله إلى أجل مجهول جهالة فاحشة كهبوب الريح. قوله: (صار مؤجلا) كذا جزم به المصنف في باب البيع الفاسد كما سيأتي متنا، وذكره في الهداية أيضا، وكذا في الزيلعي ومتن الملتقى والدرر وغيرها وعزاه في التاترخانية إلى الكافي. وفي الخانية: رجل باع شيئا بيعا جائزا وأخرج الثمن إلى الحصاد أو الدياس، قال: يفسد البيع في قول أبي حنيفة، وعن محمد: أنه لا يفسد البيع ويصح التأخير، لان التأخير بعد البيع تبرع، فيقبل التأجيل إلى الوقت المجهول، كما لو كفل بمال إلى الحصاد أو الدياس، وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي: هذا يشكل بما إذا أقرض رجلا، وشرط في القرض أن يكون مؤجلا لا يصح التأجيل، ولو أقرض ثم أخر لا يصح أيضا فكان الصحيح من الجواب ما قاله الشيخ الامام: إنه يفسد البيع، سواء أجله إلى هذه الأوقات في البيع أو بعده ا ه. قلت: وهذا تصحيح لخلاف ما قدمناه عن الهداية وغيرها، وفيه بحث، فإن إلحاق البيع بالقرض غير ظاهر، بدليل أن القرض لا يصح تأجيله أصلا، وإن كان الاجل معلوما وتأجيل البيع إلى أجل معلوم صحيح اتفاقا، على أن ذكر في التاسع والثلاثين من جامع الفصولين: الشرط الفاسد لو ألحق بعد العقد، هل يلتحق بأصل العقد عند أبي حنيفة؟ قيل: نعم، وقيل: لا هو الصحيح ا ه. ثم قال بعده: استأجر أرضا وشرط تعجيل الأجرة (1). إلى الحصاد أو الدياس يفسد العقد ولو لم
(1) قوله: (تعجيل الاجرة) هكذا بخطه ولعل صوابه تأجيل الاجرة بدليل قوله إلى الحصاد الخ وبدليل التنظير بالبيع في قوله كما في البيع الخ تأمل ا ه مصححه. 38 يشرطه في العقد بل بعده لا يفسد كما في البيع فإن الرواية، محفوظة أنه لو باع مطلقا ثم أجل الثمن إلى حصاد ودياس لا يفسد ويصح الاجل. تنبيه: على مما مر أن الآجال عن ضربين: معلومة، ومجهولة، والمجهولة على ضربين: متقاربة كالحصاد، ومتفاوتة كهبوب الريح، فالثمن العين يفسد بالتأجيل ولو معلوما، والدين لا يجوز لمجهول، لكن لو جهالته متقاربة وأبطله المشتري قبل محله وقبل فسخه للفساد انقلب جائزا لا لو بعد مضيه. أما لو متفاوتة وأبطله المشتري قبل التفرق انقلب جائزا كما في البحر عن السراج. هذا وذكر الشارح في البيع الفاسد عن العيني ما يوهم أن الأخير لا ينقلب جائزا وليس كذلك، فافهم. ونقل الشارح هناك تبعا للمصنف عن ابن كمال وابن ملك أن إبطاله قبل التفرق شرط في المجهول جهالة متقاربة كالحصاد وهو خطأ، كما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (فليس بتأجيل) لان مجرد الامر بذلك لا يستلزم التأجيل، تأمل. قوله: (إن أخل بنجم) حال من فاعل جعله بتقدير القول: أي جعله ربه نجوما قائلا إن أخل الخ ا ه ح. مطلب مهم في أحكام النقود إذا كسدت أو انقطعت أو غلت أو رخصت قوله: (قلت ومما يكثر وقوعه الخ) اعلم أنه إذا اشترى بالدراهم التي غلب غشها أو بالفلوس ولم يسلمها للبائع ثم كسدت بطل البيع، والانقطاع عن أيدي الناس كالكساد، ويجب على المشتري رد المبيع لو قائما ومثله أو قيمته لو هالكا، وإن لم يكن مقبوضا فلا حكم لهذا البيع أصلا، وهذا عنده، وعندهما: لا يبطل البيع، لان المتعذر التسليم بعد الكساد، وذلك لا يوجب الفساد لاحتمال الزوال بالرواج، لكن عند أبي يوسف: تجب قيمته يوم البيع، وعند محمد: يوم الكساد، وهو آخر ما تعامل الناس بها. وفي الذخيرة: الفتوى على قول أبي يوسف. وفي المحيط والتتمة والحقائق: وبقول محمد يفتي رفقا بالناس ا ه. والكساد: أن تترك المعاملة بها في جميع البلاد، فلو في بعضها لا يبطل، لكنه تتعيب إذا لم ترج في بلدهم، فيتخير البائع إن شاء أخذه وإن شاء أخذ قيمته. وحد الانقطاع أن لا يوجد في السوق، وإن وجد في يد الصيارفة والبيوت، هكذا في الهداية، والانقطاع كالكساد كما في كثير من الكتب، لكن قال في المضمرات: فإن انقطع ذلك فعليه من الذهب والفضة قيمته في آخر يوم انقطع، هو المختار ا ه. هذا، إذا كسدت وانقطعت، أما إذا غلت قيمتها أو انتقضت فالبيع على حاله ولا يتخير المشتري، ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع، كذا في فتح القدير وفي البزازية عن المنتقى: غلت الفلوس أو رخصت فعند الامام الأول والثاني: أولا ليس عليه غيرها. وقال الثاني ثانيا: عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض، وعليه الفتوى. وهكذا في الذخيرة والخلاصة عن المنتقى، ونقله في البحر وأقره. فحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من المعتبرات، فيجب أن يعول عليه إفتاء وقضاء، ولم أر من جعل الفتوى على قول الإمام. هذا خلاصة ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في رسالته بذل المجهود في مسألة تغير النقود وفي الذخيرة
39 عن المنتقى إذا غلت الفلوس قبل القبض أو رخصت. قال أبو يوسف، قولي وقول أبي حنيفة في ذلك سواء، وليس له غيرها، ثم رجع أبو يوسف وقال: عليه قيمتها من الدراهم، يوم وقع البيع ويوم وقع القبض ا ه. وقوله: يوم وقع البيع: أي في صورة البيع. وقوله: ويوم وقع القبض: أي في صورة القرض كما نبه عليه في النهر في باب الصرف. وحاصل ما مر: أنه على قول أبي يوسف المفتى به، لا فرق بين الكساد والانقطاع والرخص والغلاء في أنه تجب قيمتها يوم وقع البيع أو القرض لا مثلها. وفي دعوى البزازية، من النوع الخامس عشر، عن فوائد الامام أبي حفص الكبير: استقرض منه دانق فلوس حال كونها عشرة بدانق فصارت ستة بدانق، أو رخص وصار عشرون بدانق يأخذ منه عدد ما أعطى ولا يزيد ولا ينقص ا ه. قلت: هذا مبني على قول الإمام، وهو قول أبي يوسف أولا، وقد علمت أن المفتى به قوله ثانيا بوجوب قيمتها يوم القرض، وهو دانق: أي سدس درهم سواء صار الآن ستة فلوس بدانق أو عشرين بدانق، تأمل. ومثله ما سيذكره المصنف في فصل القرض من قوله: استقرض من الفلوس الرائجة والعدالى فكسدت فعليه مثلها كاسدة لا قيمتها ا ه. فهو على قول الإمام. وسيأتي في باب الصرف متنا وشرحا اشترى شيئا به: أي بغالب الغش، وهو نافق أو بفلوس نافقة، فكسد ذلك قبل التسليم للبائع بطل البيع كما لو انقطعت عن أيدي الناس، فإنه كالكساد وكذا حكم الدراهم، لو كسدت أو انقطعت بطل وصححاه بقيمة المبيع وبه يفتى رفقا بالناس. بحر وحقائق ا ه. وقوله: بقيمة المبيع، صوابه: بقيمة الثمن الكاسد، وفي غاية البيان: قال أبو الحسن: لم تختلف الرواية عن أبي حنيفة في قرض الفلوس إذا كسدت أن عليه مثلها. قال بشر: قال أبو يوسف: عليه قيمتها من الذهب يوم وقع القرض في الدراهم التي ذكرت لك أصنافها: يعني البخارية والطبرية واليزيدية. وقال محمد: قيمتها في آخر نفاقها. قال القدوري: وإذا قبت من قول أبي حنيفة في قرض الفلوس ما ذكرنا فالدراهم البخارية فلوس على صفة مخصوصة والطبرية واليزيدية. هي التي غلب الغش عليها فتجري مجرى الفلوس، فلذلك قاسها أبو يوسف على الفلوس ا ه. ما في غاية البيان. وما ذكره في القرض جاز في البيع أيضا. كما قدمناه عن الذخيرية من قوله يوم وقع البيع الخ. ثم اعلم أن الذي فهم من كلامهم أن الخلاف المذكور، إنما هو في الفلوس والدراهم الغالبة الغش، ويدل عليه أنه في بعض العبارات اقتصر على ذكر الفلوس، في بعضها ذكر العدالي معها، وهي كما في البحر عن البناية بفتح العين المهملة والدال وكسر اللام: دراهم فيها غش. وفي بعضها تقييد الدراهم بغالبة الغش، وكذا تعليلهم قول الإمام ببطلان البيع، بأن الثمنية بطلت بالكساد لان الدراهم التي غلب غشها إنما جعلت ثمنا بالاصطلاح، فإذا ترك الناس المعاملة بها بطل الاصطلاح فلم تبق ثمنا فبقي البيع بلا ثمن فبطل. ولم أر من صرح بحكم الدراهم الخالصة أو المغلوبة الغش، سوى ما أفاده الشارح هنا. وينبغي أنه لا خلاف في أنه لا يبطل البيع بكسادها، ويجب على المشتري مثلها في الكساد، والانقطاع والرخص والغلاء، أما عدم بطلان البيع، فلأنها ثمن خلقة فترك المعاملة بها لا يبطل ثمنيتها فلا يتأتى تعليل البطلان المذكور، وهو بقاء البيع بلا ثمن، وأما وجوب مثلها وهو ما وقع عليه العقد كمائة ذهب مشخص، أو مائة ريال فرنجي فلبقاء ثمنيتها أيضا وعدم بطلان تقومها، وتمام بيان ذلك في رسالتنا (تنبيه الرقود في أحكام النقود). وأما ما ذكره الشارح
40 من أنه تجب قيمتها من الذهب فغير ظاهر، لان مثليتها لم تبطل، فكيف يعدل إلى القيمة؟ وقوله: إذا لم يمكن الخ فيه نظر لان منع السلطان التعامل بها في المستقبل لا يستلزم منع الحاكم من الحكم على شخص بما وجب عليه منها في الماضي. وأما قوله: ولا يدفع قيمتها من الجديدة فظاهر، وبيانه أن كسادها عيب فيها عادة، لان الفضة الخالصة إذا كانت مضروبة رائجة تقوم بأكثر من غيرها، فإذا كانت العشرة من الكاسدة تساوي تسعة من الرائجة مثلا: فإن ألزمنا المشتري بقيمتها وهو تسعة من الجديدة يلزم الربا، وإن ألزمناه بعشرة نظرا إلى أن الجودة والرداءة في باب الربا غير معتبرة يلزم ضرر المشتري، حيث ألزمناه بأحسن مما التزم فلم يمكن إلزامه بقيمتها من الجديدة ولا بمثلها منها، فتعين إلزامه بقيمتها من الذهب، لعدم إمكان إلزامه بمثلها من الكاسدة أيضا لما علمت من منع الحكام منه لكن علمت ما فيه. هذا ما ظهر لي في هذا المقام، والله سبحانه وتعالى أعلم، وبقي ما لو وقع الشراء بالقروش كما هو عرف زماننا، ويأتي الكلام عليه قريبا، قوله: (أما ما غلب غشه الخ) أفاد أن كلامه السابق فيما كان خاليا عن الغش أو كان غشه مغلوبا، وأنه لا خلاف فيه على ما يفهم من كلامهم كما قررناه آنفا. قوله: (كما سيجئ في فصل القرض) صوابه في باب الصرف كما علم مما قدمناه. قوله: (وهذا) أي ما ذكره في المتن من صحة البيع بثمن مؤجل إلى معلوم. قوله: (بثمن دين الخ) أراد بالدين ما يصح أن يثبت في الذمة سواء كان نقدا أو غيره، وبالعين ما قابله، فيدخل في الدين الثوب الموصوف بما يعرفه لقوله في الفتح وغيره. إن الثياب كما تثبت مبيعا في الذمة بطريق السلم تثبت دينا مؤجلا في الذمة على أنها ثمن، وحينئذ يشترط الاجل، لا لأنها ثمن بل لتصير ملحقة بالسلم في كونها دينا في الذمة، فلذا قلنا: إذا باع عبدا بثوب موصوف في الذمة إلى أجل جاز، ويكون بيعا في حق العبد حتى لا يشترط قبضه في المجلس بخلاف ما لو أسلم الدراهم في الثوب، وإنما ظهرت أحكام المسلم فيه في الثوب حتى شرط فيه الاجل وامتنع بيعه قبل قبضه لإلحاقه بالمسلم فيه ا ه. فافهم. قوله: (وبخلاف جنسه) عطف على قوله: بثمن دين وفي بعض النسخ أو بدل الواو، والأولى أولى لان الشرط كل منهما لا أحدهما كما أفاده ط. وقوله: ولم يجمعهما قدر جملة حالية، والقدر: كيل أو وزن، وذلك كبيع ثوب بدراهم، واحترز عما لو كان بجنسه، وجمعهما قدر ككر بر بمثله أو كان بجنسه ولم يجمعهما قدر كثوب هروي بمثله أو كان بخلاف جنسه وجمعهما قدر ككر بر بكر شعير فإنه لا يصح التأجيل لما فيها من ربا النساء، فقول الشارح لما فيه من ربا النساء بالفتح: أي التأخير تعليل لمفهوم المتن، وهو عدم صحة التأجيل في الصور الثلاثة، أفاده ح. قلت: بقي شرط آخر، وهو أن لا يكون المبيع الكيلي أو الوزني هالكا، فقد ذكر الخير الرملي أول البيوع عن جواهر الفتاوى له على آخر حنطة غير السلم فباعها منه بثمن معلوم إلى شهر لا يجوز، لأنه بيع الكالئ بالكالئ، وقد نهينا عنه، وإن باعها ممن عليه ونقد المشتري الثمن في المجلس جاز فيكون دينا بعين ا ه. وذكر المسألة في المنح قبيل باب الربا، ومثله كل مكيل وموزون وكالبيع الصلح، ففي الثلاثين من جامع الفصولين: ولو غصب كر بر فصالحه وهو قائم على دراهم
41 مؤجلة جاز، وكذا الذهب والفضة وسائر الموزونات، ولو صالحه على كيل مؤجل لم يجز، إذ الجنس بانفراده يحرم النساء، ولو كان البر هالكا لم يجز الصلح على شئ من هذا نسيئة، لأنه دين بدين، إلا إذا صالح على بر مثله أو أقل منه مؤجلا جاز، لأنه عين حقه، والحط جائز لا لو على أكثر للربا والصلح على بعض حقه في الكيلي والوزني حال قيامه لم يجز ا ه. وفي البزازية، الحيلة في جواز بيع الحنطة المستهلكة بالنسيئة، أن يبيعها بثوب ويقبض الثوب ثم يبيعه بدراهم إلى أجل ا ه. أقول: وتجري هذه الحيلة في الصلح أيضا وهي واقعة الفتوى، ويكثر وقوعها ا ه. قوله: (فمذ سقوط الخيار عنده) أي عند أبي حنيفة، لان ذلك وقت استقرار البيع. قوله: (مذ تسلم) متعلق بأجل. قوله: أ ه لمنع اللام للتعليل أو للتوقيت متعلقة بما تعلق به قوله: وللمشتري. قوله: (تحصيلا لفائدة التأجيل) وهي التصرف في المبيع وإيفاء الثمن من ربحه مثلا. قوله: (فلو معينة) كسنة كذا، ومثله إلى رمضان مثلا. قوله: (لان التقصير منه) تعليل للثانية، أما الأولى فلكونه لما عين تعين حقه فيما عينه فلا يثبت في غيره. قوله: (والثمن المسمى قدره لا وصفه) لما كان قول المصنف: ينصرف مطلقه موهما أن المراد بالمطلق، ما لم يذكر قدره ولا وصفه بقرينة قوله أولا وشرط لحصته معرفة قدر ووصف ثمن، دفع ذلك بأن المراد المطلق عن تسمية الوصف فقط. مطلب: يعتبر الثمن في مكان العقد وزمنه قوله: (مجمع الفتاوى) فإنه قال معزيا إلى بيوع الخزانة: باع عينا من رجل بأصفهان بكذا من الدنانير فلم ينقد الثمن حتى وجد المشتري ببخارى، يجب عليه الثمن بعيار أصفهان، فيعتبر مكان العقد ا ه. منح. قلت: وتظهر ثمرة ذلك إذا كانت مالية الدينار مختلفة في البلدين، وتوافق العاقدان على أخذ قيمة الدينار لفقده أو كساده في البلدة الأخرى، فليس للبائع أن يلزمه بأخذ قيمته التي في بخارى إذا كانت أكثر من قيمته التي في أصبهان، وكما يعتبر مكان العقد يعتبر زمنه أيضا كما يفهم مما قدمناه في مسألة الكساد والرخص، فلا يعتبر زمن الايفاء: لان القيمة فيه مجهولة وقت العقد. وفي البحر عن شرح المجمع: لو باعه إلى أجل معين شرط أن يعطيه المشتري أي نقد يروج يومئذ كان البيع فاسدا. قوله: (كذهب شريفي وبندقي) فإنهما اتفقا في الرواج لكن مالية أحدهما أكثر، فإذا باع بمائة ذهب مثلا ولم يبين صفته فسد للتنازع، لان البائع يطلب الأكثر مالية والمشتري يدفع الأقل. قوله: (مع الاستواء في رواجها) أما إذا اختلفت رواجا مع اختلاف ماليتها أو بدونه فيصح، وينصرف إلى الأروج، وكذا يصح لو استوت مالية ورواجا، لكن يخير المشتري بين أن يؤدي أيهما شاء.
42 والحاصل: أن المسألة رباعية، وأن الفساد في صورة واحدة: وهي الاختلاف في المالية فقط، والصحة في الثلاث الباقية كما بسطه في البحر، ومثل في الهداية مسألة الاستواء في المالية والرواج بالثنائي والثلاثي، واعترضه الشراح بأن مالية الثلاثة أكثر من الاثنين. وأجاب في البحر بأن المراد بالثنائي ما قطعتان منه بدرهم، وبالثلاثي ما ثلاثة منه بدرهم. مطلب مهم في حكم الشراء بالقروش في زماننا قلت: وحاصله: أنه إذا اشترى بدرهم فله دفع درهم كامل أو دفع درهم مكسر قطعتين، أو ثلاثة حيث تساوى الكل في المالية والرواج، ومثله في زماننا الذهب يكون كاملا ونصفين وأربعة أرباع، كلها سواء في المالية والرواج، بل ذكر في القنية في باب المتعارف بين التجار كالمشروط برمز عت: باع شيئا بعشرة دنانير واستقرت العادة في ذلك البلد أنهم يعطون كل خمسة أسداس مكان الدينار واشتهرت بينهم، فالعقد ينصرف إلى ما تعارفه الناس فيما بينهم في تلك التجارة، ثم رمز فك جرت العادة فيما بين أهل خوارزم، أنهم يشترون سلعة بدينار ثم ينقدون ثلثي دينار محمودية أو ثلثي دينار وطسوج نيسابورية قال: يجري على المواضعة ولا تبقى الزيادة دينا عليهم ا ه. ومثله في البحر عن التتارخانية، ومنه يعلم حكم ما تعورف في زماننا من الشراء بالقروش، فإن القرش في الأصل قطعة مضروبة من الفضة تقوم بأربعين قطعة من القطع المصرية المسماة في مصر نصفا، ثم إن أنواع العملة المضروبة تقوم بالقروش، فمنها ما يساوي عشرة قروش، ومنها أقل، ومنها أكثر، فإذا اشترى بمائة قرش، فالعادة أنه يدفع ما أراد إما من القروش أو مما يساويها من بقية أنواع العملة من ريال أو ذهب، ولا يفهم أحد أن الشراء وقع بنفس القطعة المسماة قرشا، بل هي أو ما يساويها من أنواع العملة المتساوية في الرواج المختلفة في المالية، ولا يرد أن صورة الاختلاف في المالية مع التساوي في الرواج: هي صورة الفساد من الصور الأربع، لأنه هنا لم يحصل اختلاف مالية الثمن حيث قدر بالقروش، وإنما يحصل الاختلاف إذا لم يقدر بها، كما لو اشترى بمائة ذهب وكان الذهب أنواعا كلها رائجة مع اختلاف ماليتها، فقد صار التقدير بالقروش في حكم ما إذا استوت في المالية والرواج، وقد مر أن المشتري يخير في دفع أيهما شاء، قال في البحر: فلو طلب البائع أحدهما للمشتري دفع غيره، لان امتناع البائع من قبول ما دفعه المشتري ولا فضل تعنت ا ه. بقي هنا شئ وهو أنا قدمنا أنه على قول أبي يوسف المفتى به: لا فرق بين الكساد والانقطاع والرخص والغلاء في أنه تجب قيمتها يوم وقع البيع أو القرض إذا كانت فلوسا أو غالبة الغش، وإن كان فضة خالصة أو مغلوبة الغش تجب قيمتها من الذهب يوم البيع على ما قاله الشارح، أو مثلها على ما بحثناه، وهذا إذا اشترى بالريال أو الذهب، مما يراد نفسه، أما إذا اشترى بالقروش المراد بها ما يعم الكل كما قررناه، ثم رخص بعض أنواع العملة أو كلها واختلفت في الرخص، كما وقع مرارا في زماننا، ففيه اشتباه، فإنها إذا كانت غالبة الغش، وقلنا تجب قيمتها يوم البيع، فهنا لا يمكن ذلك لأنه ليس المراد بالقروش نوع معين (1)، من العملة حتى نوجب قيمته، وإذا قلنا: إن الخيار للمشتري في تعيين نوع منها كما كان الخيار له قبل أن ترخص، فإنه كان مخيرا في دفع أي نوع أراد، فإبقاء الخيار له
(1) قوله: (نوع معين) هكذا بخطه وصوابه نوعل معينا بالنصب لأنه ليس ا ه مصححه. 43 بعد الرخص يؤدي إلى النزاع والضرر، فإن خياره قبل الرخص لا ضرر فيه على البائع، أما بعده ففيه ضرر، لان المشتري ينظر إلى الأنفع له والأضر على البائع فيختاره، فإن كان يساوي عشرة إذا صار نوع منه بثمانية ونوع منه بثمانية ونصف، يختار ما صار بثمانية فيدفعه للبائع، ويحسبه عليه بعشرة كما كان يوم البيع، وهذا في الحقيقة دفع ما كان يوم البيع لا قيمته. لان قيمة كل نوع تعتبر بغيره، فحيث لم يمكن دفع القيمة لما قلنا ولزم من إبقاء الخيار للمشتري، لزوم الضرر (1) للبائع حصل الاشتباه في حكم المسألة كما قلنا، والذي حررته في رسالتي تنبيه الرقود أنه ينبغي أن يؤمر المشتري بدفع المتوسط رخصا لا بالأكثر رخصا ولا بالأقل، حتى لا يلزم اختصاص الضرر به ولا بالبائع، لكن هذا إذا حصل الرخص لجميع أنواع العملة، أما لو بقي منها نوع على حاله، فينبغي أن يقال بإلزام المشتري الدفع منه، لان اختياره دفع غيره يكون تعنتا بقصده إضرار البائع مع إمكان غيره، بخلاف ما إذا لم يمكن بأن حصل الرخص للجميع، فهذا غاية ما ظهر لي في هذه المسألة، والله سبحانه أعلم قوله: (إلا إذا بين في المجلس) قال في البحر: فإذا ارتفعت الجهالة ببيان أحدهما في المجلس ورضي الآخر صح لارتفاع المفسد قبل تقرره فصار كالبيان المقارن. قوله: (هو في عرف المتقدمين الخ) كذا قاله في الفتح: واستدل له بحديث الفطرة: كنا نخرج على عهد رسول الله (ص) صاعا من طعام، أو صاعا من شعير. لكن قال في البحر وفي المصباح: الطعام عند أهل الحجاز البر خاصة، وفي العرف اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يشرب وجمعه أطعمة ا ه. والمراد به في كلام المصنف الحبوب كلها لا البر وحده ولا كل ما يؤكل بقرينة قوله: كيلا وجزافا ا ه. قوله: (كيلا وجزافا) منصوبان على الحال لأنهما بمعنى اسم الفاعل أو المفعول، فافهم. قوله: (مثلث الجيم الخ) أي يجوز في جيمه الحركات الثلاث في القاموس الجزاف، والجزافة مثلثتين، والمجازفة: الحدس في البيع والشراء معرب كزاف ا ه. والحدس: الظن والتخمين. وحاصله ما في المغرب: من أنه البيع والشراء بلا كيل ولا وزن. ونقل ط. أن شرط جوازه أن يكون مميزا مشارا إليه، قوله: (إذا كان بخلاف جنسه) أما بجنسه فلا يجوز مجازفة، لاحتمال التفاضل، إلا إذا ظهر تساويهما في المجلس. بحر. حتى لو لم يحتمل التفاضل، كأن باع كفة ميزان من فضة بكفة منها جاز وإن كان مجازفة، كما في الفتح، والمجازفة فيه بسبب أنه لا يعرف قدرها. قوله: (لشرطية معرفته) لاحتمال أن يتفاسخا السلم فيريد المسلم إليه دفع ما أخذ، ولا يعرف ذلك إلا بمعرفة القدر ط. قوله: (ومن المجازفة البيع الخ) صرح بأنه من المجازفة، مع أن ظاهر المتن أنه ليس منها بقرينة العطف. والأصل فيه المغايرة لأنه على صورة الكيل والوزن وليس به حقيقة. أفاده من النهر قوله (وللمشتري الخيار فيهما) أفاد أن البيع جائز غير لازم وهذا الخيار خيار كشف
(1) قوله: (لزوم الضرر) الأولى حذف قوله لزوم كما لا يخفى ا ه مصححه. 44 الحال، بحر. وفي رواية: لا يجوز البيع والأول أصح وأظهر كما في الهداية، وأول في الفتح قوله: لا يجوز بأنه لا يلزم توفيقا بين الروايتين: أي فلا حاجة إلى التصحيح لارتفاع الخلاف، فاعتراض البحر عليه بأنه خلاف ظاهر الهداية غير ظاهر. وفي البحر عن السراج: ويشترط لبقاء عقد البيع على الصحة بقاء الاناء والحجر على حالهما، فلو تلفا قبل التسليم فسد البيع، لأنه لا يعلم مبلغ ما باعه منه ا ه. قوله: (وهذا إذا لم يحتمل الاناء النقصان) بأن لا ينكبس ولا ينقبض كأن يكون من خشب أو حديد، أما إذا كان كالزنبيل والجوالق فلا يجوز إلا في قرب الماء استحسانا للتعامل. نهر. قوله: (والحجر التفتت) هذا مروي عن أبي يوسف حتى لا يجوز بوزن هذه البطيخة ونحوها، لأنها تنقص بالجفاف، وعول بعضهم على ذلك، وليس بشئ، فإن البيع بوزن حجر بعينه لا يصح إلا بشرط تعجيل التسليم، ولا جفاف يوجب نقصانا في ذلك الزمان، وما قد يعرض من تأخره يوما أو يومين ممنوع، بل لا يجوز ذلك كما لا يجوز في السلم، وكل العبارات تفيد تقييد صحة البيع في ذلك بالتعجيل، وتمامه في الفتح. قال في البحر: وهو حسن جدا، وقواه في النهر أيضا: قوله: (كبيعه الخ) عبر في الفتح وغيره بقوله: وعن أبي جعفر باعه من هذه الحنطة قدر ما يملا الطشت جاز، ولو باعه قدر ما يملا هذا البيت لا يجوز ا ه. قوله: (وصح فيما سمى) أشار به إلى أن الصاع ليس بقيد، حتى لو قال كل صاعين أو كل عشرة بدرهم صح في اثنين أو عشرة، وعلى هذا فقول المتن: صاع بدل من ما بدل بعض من كل، وفيه من الحزازة ما لا يخفى ا ه ح. قوله: (في بيع صبرة) هي الطعام المجموع، سميت بذلك لإفراغ بعضها على بعض، ومنه قيل للسحاب فوق السحاب صبر. قاله الأزهري، وأراد صبرة مشارا إليها كما سيأتي، وليست قيدا، بل كل مكيل أو موزون أو معدود من جنس واحد إذا لم تختلف قيمته كذلك، نهر. وقيد بصبرة احترازا عن صبرتين من جنسين، كما في الغرر. وقال في شرحه الدرر: أي لا يصح البيع عنده في القدر المسمى إذا بيع صبرتان من جنسين كصبرتي بر وشعير كل قفيز أو قفيزين بكذا حيث لم يصح البيع عنده في قفيز واحد لتفاوت الصبرتين، وعندهما يصح فيهما أيضا. وذكر في المحيط والايضاح أن العقد يصح على قفيز واحد منهما ا ه. وقوله: يصم: أي عنده كما في الكافي، وقوله منهما: أي من الصبرتين من جنسين: أي من كل واحدة نصف قفيز كما نبه عليه شراح الهداية. عزمية. قوله: (كل صاع بكذا) قيل: بجر كل بدل من صبرة، وقيل: مبتدأ وخبر والجملة صفة صبرة ا ه: أي على تقدير القول: أي مقول فيها كل صاع بكذا، ويحتمل كون الجملة صفة لبيع وكونها في محل نصب على الحال بإضمار القول أيضا. قوله: (مع الخيار للمشتري) أي دون البائع. نهر وفي البحر: ولم يذكر المصنف الخيار على قول الإمام، قالوا: وله الخيار في الواحد كما إذا رآه ولم يكن رآه وقت البيع، ثم نقل عن غاية البيان أن لكل منهما الخيار قبل الكيل، وذلك لان الجهالة قائمة أو لتفرق الصفقة، ثم قال: وصرح في البدائع بلزوم البيع في الواحد، وهذا هو الظاهر، وعندهما البيع في الكل لازم ولا خيار ا ه. قوله: (لتفرق الصفقة عليه) استشكل على قول الإمام، لأنه قائل بانصرافه إلى الواحد فلا تفريق. وأجاب في المعراج بأن انصارفه إلى الواحد مجتهد فيه والعوام لا علم لهم بالمسائل
45 الاجتهادية، فلا ينزل عالما فلا يكون راضيا، كذا في الفوائد الظهيرية. وفيه نوع تأمل ا ه بحر. ولعل وجه التأمل أنه يلزم عليه أن من علم أن العقد منصرف إلى الواحد لم يثبت له الخيار لعدم تفرق الصفقة عليه، مع أن كلامهم شامل للعالم وغيره، وعن هذا كان الظاهر ما مر عن البدائع من لزوم البيع في الواحد. قوله: (ويسمى خيار التكشف) أي تكشف الحال بالصحة في واحد، وهو من الإضافة إلى السبب ط. قوله: (إن كيلت في المجلس) وله الخيار أيضا كما في الفتح والتبيين والنهر، قوله: (لزوال المفسد) وهو جهالة المبيع والثمن. قوله: (قبل تقرره) أي قبل ثبوته بانقضاء المجلس ط. قوله: (أو سمى جملة قفزانها) وكذا لو سمى ثمن الجميع ولم يبين جملة الصبرة، كما لو قال: بعتك هذه الصبرة بمائة درهم كل قفيز بدرهم، فإنه يجوز في الجميع اتفاقا، بحر. والحاصل: أنه إن لم يسم جملة المبيع وجملة الثمن صح في واحد، وإن سمى أحدهما صح في الكل كما لو سمى الكل، ويأتي بيان ما لو ظهر المبيع أزيد أو أنقص، وبقي ما إذا باع قفيزا مثلا من الصبرة، والظاهر أنه يصح بلا خلاف للعلم بالمبيع، فهو كبيع الصبرة كل قفيز بكذا إذا سمى جملة قفزانها، ولذا أفتى في الخيرية بصحة المبيع بلا ذكر خلاف، حيث سئل فيمن اشترى غرائر معلومة من صبرة كثيرة، فأجاب بأنه يصح ويلزم، ولا جهالة مع تسمية الغرائر ا ه. قوله: (بلا خيار لو عند العقد) صرح به ابن كمال، والظاهر أن التسمية قبل العقد في مجلسه كذلك. قوله: (وبه لو بعده الخ) الضمير الأول للخيار والثاني للعقد. قال ح: أي وصح في الكل بالخيار للمشتري لو سمى جملة قفزانها بعد العقد في المجلس. قوله: (أو بعده) أي بعد المجلس. قوله: (عندهما): راجع لقوله: أو بعده لكن لا خيار للمشتري في هذه الصورة عندهما خلافا لما تقتضيه عبارته. أفاده ح. قلت: فكان الأصوب أن يقول: لا بعده وصح عندهما. وعبارة الملتقى مع شرحه: لا يصح لو زالت الجهالة بأحدهما بعد ذلك: أي المجلس لتقرر المفسد، وقالا: يصح مطلقا ا ه. ولا يخفى أن عدم الصحة عنده إنما هو فيما زاد على صاع، أما فيه فالصحة ثابتة وإن لم توجد تسمية أصلا كما تفيده عبارة المتن. قوله: (وبه يفتى) عزاه في الشرنبلالية إلى البرهان، وفي النهر عن عيون المذاهب، وبه يفتى، لا لضعف دليل الامام بل تيسيرا ا ه. وفي البحر: وظاهر الهداية ترجيح قولهما لتأخيره دليلهما كما هو عادته ا ه. قلت: لكن رجح في الفتح قوله وقوي دليله على دليلهما، ونقل ترجيحه أيضا العلامة قاسم عن الكافي والمحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، ولعله من حيث قوة الدليل فلا ينافي ترجيح قولهما من حيث التيسير، ثم رأيته في شرح الملتقى أفاد ذلك، وظاهره ترجيح التيسير على قوة الدليل، قوله: (فإن رضي) تفريع على قوله: وبه لو بعده في المجلس، قوله: (الظاهر نعم) هو رواية محمد عن الامام، استظهرها في النهر على رواية أبي يوسف عنه أنه لا يجوز إلا بتراضيهما. قوله: (وفسد في الكل) أي عنده خلافا لهما، لان الافراد إذا كانت متفاوتة لم يصح في شئ، بحر: أي لا في واحد ولا في أكثر، بخلاف مسألة الصبرة، وسيأتي ترجيح قولهما، وهذا شروع في حكم القيميات بعد بيان حكم المثليات كالصبرة ونحوها من كل مكيل وموزون. قوله: (بفتح) أي بفتح الثاء
46 المثلثة، أما بضمها فالكثير من الناس أو من الدراهم، وبكسرها الهلكة كما في القاموس. قوله: (وثوب) أي يضره التبعيض، أما في الكرباس فينبغي جوازه في ذراع واحد كما في الطعام الواحد، بحر عن غاية البيان. قلت: ووجهه ظاهر، فإن الكرباس في العادة لا يختلف ذراع منه عن ذراع، ولذا فرض القهستاني المسألة فيما يختلف في القيمة وقال: فإن الذراع من مقدم البيت أو الثوب أكثر قيمة من مؤخرة ا ه. فأفاد أن ما لا يختلف مقدمه ومؤخره فهو كالصبرة. قوله: (كل شاة) أما لو قال شاتين بعشرين، وسمى الجملة مائة مثلا كان باطلا إجماعا وإن وجده كما سمى، لان كل شاة لا يعرف ثمنها إلا بانضمام غيرها إليها. قاله الحدادي، وفي الخانية: ولو كان ذلك في مكيل أو موزون أو عددي متقارب جاز. نهر. قوله: (وإن علم) أي بعد العقد كما يفيده ما يأتي. قوله: (ولو رضيا الخ) في السراج: قال الحلواني: الأصح أن عند أبي حنيفة إذا أحاط علمه بعدد الأغنام في المجلس لا ينقلب صحيحا، لكن لو كان البائع على رضاه ورضى المشتري ينعقد البيع بينهما بالتراضي، كذا في الفوائد الظهيرية، ونظيره البيع بالرقم ا ه بحر. وفي المجتبى: ولو اشترى عشر شياه من مائة شاة أو عشر بطيخات من وقر فالبيع باطل، وكذا الرمان، ولو عزلها البائع وقبلها اشترى جاز استحسانا، والعزل والقبول بمنزلة إيجاب وقبول ا ه. ومثله في التتارخانية وغيرها. قال الخير الرملي: وفيه نوع إشكال، وهو أنه تقدم أن التعاطي بعد عقد فاسد لا ينعقد به البيع ا ه. وانظر ما قدمناه من الجواب عند الكلام على بيع التعاطي. مطلب: البيع بالرقم قوله: (ونظيره البيع بالرقم) بسكون القاف: علامة يعرف بها مقدار ما وقع به البيع من الثمن، فإذا لم يعلم المشتري ينظر إن علم في مجلس البيع نفذ، وإن تفرقا قبل العلم بطل. درر من باب البيع الفاسد. وتعقبه في الشرنبلالية بأن النافذ لازم، وهذا فيه الخيار بعد العلم بقدر الثمن في المجلس، وبأن قوله: بطل غير مسلم لأنه فاسد، يفيد الملك بالقبض وعليه وقيمته، بخلاف الباطل. وأجيب عن الأول بأنه ليس كل نافذ لازما، فقد شاع أخذهم النافذ مقابلا للموقوف ا ه. وفي الفتح: أن البيع بالرقم فاسد، لان الجهالة تمكنت في صلب العقد وهو جهالة الثمن (1) بسبب الرقم، وصارت بمنزلة القمار للخطر الذي فيه أنه سيظهر كذا وكذا، وجوازه فيما إذا علم في المجلس بعقد آخر هو التعاطي كما قاله الحلواني ا ه. وانظر ما قدمناه في بحث البيع بالتعاطي. قوله: (ولو سمى الخ) أي في صلب العقد، فلا ينافي قوله: وإن علم عدد الغنم في المجلس الخ. قال في البحر: قيد بعدم تسمية ثمن الكل، لأنه لو سمى كما إذا قال: بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم
(1) قوله: (وهو جهالة الثمن) هكذا بخطه والصواب وهي بالتأنيث اي الجهالة ا ه مصححه. 47 وكل ذراع بدرهم، فإنه جاز في الكل اتفاقا، كما لو سمى جملة الذرعان أو القطيع ا ه. مطلب: الضابط في كل قوله: (والضابط لكلمة كل الخ) اعلم أنهم ذكروا فروعا في كل ظاهرها التنافي، فإنهم تارة جعلوها مفيدة للاستغراق، وتارة للواحد، وتارة لا تفيد شيئا منهما، فاقتحم صاحب البحر في ذكر ضابط يحصر الفروع المذكورة بعد تصريحهم، بأن لفظ كل لاستغراق أفراد ما دخلته من المنكر وأجزائه في المعرف. قلت: ولذا صح قولك كل رمان مأكول، بخلاف قولك كل الرمان مأكول، لان بعض أجزائه كقشرة غير مأكول. قوله: (إن لم تعلم نهايتها) أما إن علمت فالامر فيها واضح، كما إذا قال كل زوجة لي طالق، وله أربع زوجات مثلا فإن كلا تستغرقها ا ه ح: أي بلا تفصيل. قوله: (فإن لم تؤد للجهالة) أي المفضية إلى المنازعة، والأولى قول البحر: فإن لم تفض الجهالة إلى منازعة. قوله: (كيمين وتعليق) عطف تفسير، وعبارة البحر كمسألة التعليق والامر بالدفع عنه، وذكر قبله مسألة التعليق وقال: إنها للكل اتفاقا، كما إذا قال كل امرأة أتزوجها أو كلما اشتريت هذا الثوب أو ثوبا فهو صدقة أو كلما ركبت هذه الدابة أو دابة، وفرق أبو يوسف بين المنكر والمعين في الكل، وتمامه في الزيلعي من التعليق. وفي الخانية: كلما أكلت اللحم فعلي درهم، فعليه بكل لقمة درهم، وذكر مسألة الامر بالدفع فيما إذا أمر رجلا بأن يدفع لزوجته نفقة فقال: ادفع عني كل شهر كذا، فدفع المأمور أكثر من شهر لزم الآمر. قوله: (وإلا) أي بأن أدت للجهالة المفضية إلى المنازعة. قوله: (فإن لم تعلم) أي لم يمكن علمها كما في البحر، ففي عبارته تسامح. قوله: (كإجارة) صورته: آجرتك داري كل شهر بكذا صح في شهر واحد، وكل شهر سكن أوله لزمه. قوله: (وكفالة) صورته: إذا ضمن لها نفقتها كل شهر أو كل يوم، لزمه نفقة واحدة عند الامام، خلافا لأبي يوسف. بحر. قوله: (وإقرار) صورته: إذا قال لك على كل درهم، ولو زاد من الدراهم فقياس قول الإمام عشرة، وقالا: ثلاثة. بحر. تنبيه: زاد في البحر هنا قسما آخر، وعبارته: ثم رأيت بعد ذلك في آخر غصب الخانية من مسائل الابراء لو قال: كل غريم لي فهو في حل، قال ابن مقاتل: لا يبرأ غرماؤه، لان الابراء إيجاب الحق للغرماء، وإيجاب الحقوق لا يجوز إلا لقوم بأعيانهم، وأما كلمة كل في باب الإباحة فقال في الخانية من ذلك الباب. لو قال كل إنسان تناول من مالي فهو له حلال، قال محمد بن سلمة: لا يجوز، من تناوله ضمن. وقال أبو نصر محمد بن سلام: هو جائز نظرا إلى الإباحة، والإباحة للمجهول جائزة، ومحمد جعله إبراء عما تناوله، والابراء للمجهول باطل، والفتوى على قول أبي نصر ا ه. ويمكن أن يقال في الضابط بعد قوله فهو على الواحد اتفاقا إن لم يكن فيه إيجاب حق لاحد، فإن كان لم يصح ولا في واحد كمسألة الابراء ا ه. كلام البحر. قوله: (وإلا) أي بأن علمت في المجلس، والمراد أمكن علمها فيه كما قدمناه عن البحر في قوله: فإن لم تعلم وحينئذ فلا يرد أن الغنم إن علمت في صلب العقد صح في الكل، وإن الصبرة إن علمت في المجلس صح في
48 الكل أيضا، فافهم. قوله: (كالغنم) أدخلت الكاف كل معدود متفاوت ط. قوله: (وإلا) بأن لم تتفاوت. قوله: (وصححاه فيهما في الكل) أي وصحح الصاحبان العقد في الثلة والصبرة في كل الغنم وكل الاقفزة ا ه ح.: أي سواء علم في المجلس أو لا، والأولى إرجاع ضمير فيهما إلى المثلي والقيمي، ليشمل المذروع وكل معدود متفاوت. وعبارة مواهب الرحمن هكذا: وبيع صبرة مجهولة القدر كل صاع بدرهم وثلة أو ثوب كل شاة أو ذراع بدرهم صحيح في واحدة في الأولى، فاسد في كل الثانية والثالثة، وأجازه في الكل كما لو عم في المجلس بكيل. أقول: وبه يفتى ا ه. وعبارة القهستاني. وهذا كله عنده، وأما عندهما فنفذ في الكل في الصورتين: أي صورتي المثلي والقيمي بلا خيار للمشتري إن رآه، وعليه الفتوى كما في المحيط وغيره ا ه. قوله: (وإن باع صبرة الخ) قيل: هذا مقابل قوله: وفي صاع في بيع صبرة. قلت: وفيه نظر، بل مقابله قوله وصح في الكل إن سمى جملة قفزانها، وما هنا بيان لذلك المقابل تفصيل له، فافهم. قوله: (على أنها مائة قفيز) قيد بكونه بيع مكايلة، لأنه لو اشترى حنطة مجازفة في البيت، فوجد تحتها دكانا خير بين أخذها بكل الثمن وتركها، وكذا لو اشترى بئرا من حنطة على أنها كذا وكذا ذراعا فإذا هي أقل وإذا كان طعاما في حب فإذا نصفه تبن يأخذه بنصف الثمن، لان الحب وعاء يكال فيه، فصار المبيع حنطة مقدرة والبيت والبئر لا يكال بهما، وشمل ما إذا كان المسمى مشروطا بلفظ أو بالعادة، لما في البزازية: اتفق أهل بلدة على سعر الخبز واللحم، وشاع على وجه لا يتفاوت، فأعطى رجل ثمنا واشترى وأعطاه أقل من المتعارف إن من أهل البلدة يرجع بالنقصان فيهما من الثمن، وإلا رجع في الخبز لأنه فيه متعارف، فيلزم الكل لا في اللحم فلا يعم ا ه بحر. قوله: (أخذ الأقل بحصته أو فسخ) أطلق في تخييره عند النقصان في المثلي، وذكر له في البحر قيدين: الأول عدم قبضه كل المبيع أو بعضه، فإن قبض الكل لا يخير كما في الخانية: يعني بل يرجع في النقصان. والثاني عدم كونه مشاهدا له لما في الخانية: اشترى سويقا على أن البائع لته بمن من السمن وتقابضا والمشتري ينظر إليه فظهر أنه لته بنصف من جاز البيع ولا خيار للمشتري، لان هذا مما يعرف بالعيان، فإذا عاينه انتفى الغرر، كما لو اشترى صابونا على أنه متخذ من كذا جرة من الدهن فظهر أنه متخذ من أقل، والمشتري ينظر إلى الصابون وقت الشراء، وكذا لو اشترى قميصا على أنه متخذ من عشرة أذرع وهو ينظر إليه، فإذا هو من تسعة جاز البيع ولا خيار للمشتري ا ه. واعترض في النهر الأول بأن الموجب للتخيير إنما هو تفريق الصفقة، وهذا القدر ثابت فيما لو وجده بعد القبض ناقصا إلا أن يقال: إنه بالقبض صار راضيا بذلك، فتدبره ا ه. قلت: هذا ظاهر إذا علم بنقصه قبل القبض، وإلا فلا يكون راضيا فينبغي التفصيل. تأمل. واعترض في النهر أيضا الثاني، بأن الكلام في مبيع ينقسم أجزاء الثمن فيه على أجزاء المبيع، وما في الخانية ليس منه لتصريحهم بأن السويق قيمي لما بين السويقين من التفاوت الفاحش بسبب القلي، وكذا الصابون كما في جامع الفصولين، وأما الثوب فظاهر، وعلى هذا فما سيأتي من أنه
49 يخير في نقص القيمي بين أخذه بكل الثمن أو تركه مقيدا بما إذا لم يكن مشاهدا، فتدبره ا ه. قلت: وينبغي أن يكون هذا فيما يمكن معرفة النقصان فيه بمجرد المشاهدة، وذلك إنما يظهر فيما يفحش نقصانه، فإذا شاهده يكون راضيا به، ثم إن الظاهر من كلام الخانية أنه عند المعاينة يلزم البيع بكل الثمن بلا خيار، وكلامنا في التخيير بين الفسخ وأخذ الأقل بحصته لا بكل الثمن، فلذا جعل في النهر عدم المشاهدة قيدا في القيمي لا في المثلي: أي أنه في القيمي يأخذ الأقل بكل الثمن بلا خيار إذا كان مشاهدا، وعن هذا لم يذكره الشارح هنا بل في القيمي. قوله: (ليس في تبعيضه ضرر) خرج ما في تبعيضه ضرر لما في الخانية: لو باع لؤلؤة على أنها تزن مثقالا فوجدها أكثر سلمت للمشتري، لان الوزن فيما يضره التبعيض وصف بمنزلة الذرعان في الثوب ا ه. وفيها القول للمشتري في النقصان، وإن وزنه له البائع ما لم يقر بأنه قبض منه المقدار ا ه. نهر. قوله: (وما زاد للبائع) راجع إلى قوله أو أكثر. قال في النهر: وقيده الزاهدي بما لا يدخل تحت الكيلين أو الوزنين، أما ما يدخل فلا يجب رده. واختلف في قدره: فقيل نصف درهم في مائة، وقيل: دانق في مائة لا حكم له. وعن أبي يوسف: دانق في عشر كثير، وقيل: ما دون حبة عفو في الدينار وفي القفيز المعتاد في زماننا نصف من ا ه. مطلب: المعتبر ما وقع عليه العقد وإن ظن البائع أو المشتري أنه أقل أو أكثر قوله: (على قدر معين) فما زاد عليه لا يدخل في العقد فيكون للبائع. بحر. ومفاده: أن المعتبر ما وقع عليه العقد من العدد، وإن كان ظن البائع أو المشتري أنه أقل أو أكثر، ولذا قال في القينة: عد الكواغد فظنها أربعة وعشرين وأخبر البائع به ثم أضاف العقد إلى عينها ولم يذكر العدد ثم زادت على ما ظنه فهي حلال للمشتري. ساومه الحنطة كل قفيز بثمن معين وحاسبوا فبلغ ستمائة درهم، فغلطوا وحاسبوا المشتري بخمسمائة، وباعوها منه بالخمسمائة، ثم ظهر أن فيها غلطا لا يلزمه إلا خمسمائة. أفرز القصاب أربع شياه، فقال بائعها هي بخمسة كل واحدة بدينار وربع، فجاء القصاب بأربعة دنانير، فقال: هل بعت هذه بهذا القدر والبائع يعتقد أنها خمسة صح البيع. قال: وهذا إشارة إلى أنه لا يعتبر ما سبق أن كل واحدة بدينار وربع ا ه. وأقره في البحر. قوله: (وإن باع المذروع) كثوب وأرض. در منتقى. قوله: (على أنه مائة ذراع) بيان للمثلية، والأولى أن يزيد بمائة درهم لتتم المماثلة. قوله: (إلا إذا قبض المبيع أو شاهده الخ) قدمنا قريبا أن صاحب البحر ذلك ذكر في بيع المثلي، كالصبرة إذا ظهر المبيع ناقصا، وأنه في النهر بحث في الأول بأنه لا فرق بين ما قبل قبض أو بعده، وفي الثاني بأنه مسلم في نقص القيمي دون المثلي، فلذا ذكر الشارح ذلك في المذروع لأنه قيمي، وترك ذكره في المثلي وكأنه لم يعتبر ما بحثه في النهر في الأول، وهو اعتبار القبض، وقدمنا أنه ينبغي التفصيل، وأن سقوط الخيار بالمشاهدة ينبغي أن يكون فيما يدرك نقصانه بالمشاهدة، قوله: (وأخذ الأكثر) أي قضاء، وهل تحل له الزيادة ديانة؟ فيه خلاف نقله في البحر عن المعراج.
50 قلت: وظاهر إطلاق المتون اختيار الحل. وفي البحر: عن الغمدة لو اشترى حطبا على أنه عشرون وقرا فوجده ثلاثين طابت له الزيادة في الذرعان. قال في البحر: وهو مشكل، وينبغي أن يكون من قبيل القدر، لان الحطب لا يتعيب بالتبعيض، فينبغي أن تكون الزيادة للبائع خصوصا إن كان من الطرفاء التي تعور ف وزنها بالقاهرة ا ه. قوله: (لان الذرع وصف الخ) بيان لوجه الفرق بين القدر في المثليات من مكيل وموزون وبين الذرع في القيميات، حيث جعل القدر أصلا والذرع وصفا، وبنوا على ذلك أحكاما منها ما ذكروه هنا من مسألة بيع الصبرة على أنها مائة قفيز بمائة وبيع المذروع كذلك، وقد اختلفوا في وجه الفرق، على أقوال: منها ما ذكره الشارح هنا، وكذا في شرحه على الملتقى حيث قال: قلت: وإنما كان الذرع وصفا دون المقدار، لان التشقيص يضر الأول دون الثاني، وقالوا: ما تعيب بالتشقيص والزيادة والنقصان وصف، وما ليس كذلك أصل، وكا ما هو وصف في المبيع لا يقابله شئ من الثمن الخ. قوله: (إلا إذا كان مقصودا بالتناول) أي تناول المبيع له، كأنه جعل كل ذراع مبيعا ط. قوله: (لصيرورته) أي الذرع أصلا: أي مقصودا كالقدر في المثليات. قوله: (بإفراده) الباء للسببية. قوله: (كل ذراع بدرهم) بنصب كل حال من الأثر لتأوله بالمشتق: أي مذروعا كل ذراع بدرهم. قوله: (أو فسخ) حاصله: أن له الخيار في الوجهين. أما في النقصان فلتفرق الصفقة، وأما في الزيادة فلدفع التزام الزائد من الثمن، وهو قول الإمام وهو الأصح. وقيل: الخيار فيما تتفاوت جوانبه كالقميص والسراويل، وأما فيما لا تتفاوت كالكرباس فلا يأخذ الزائد لأنه في المعنى المكيل، كذا في شرح الملتقى ط. وقدمنا وجه كونه في معنى المكيل، وأنه جزم به في البحر عن غاية البيان ويأتي أيضا، وكذا يأتي في كلام المصنف ما إذا كانت الزيادة أو النقصان بنصف ذراع، ففيه تفصيل، وفيه خلاف. تنبيه: قال في الدرر: إنما قال في الأولى: أو ترك. وقال ها هنا: أو فسخ، لان البيع لما كان ناقصا في الأولى لم يوجد المبيع فلم ينعقد البيع حقيقة، وكان أخذ الأقل بالأقل كالبيع بالتعاطي. وفي الثانية وجد المبيع مع زيادة هي تابعة في الحقيقة، فتدبر ا ه. قوله: (من مائة ذراع) قيد به وإن كان فاسدا عنده بين جملة ذرعانها، أو لا لدفع قول الخصاف: إن محل الفساد عنده فيما إذا لم يسم جملتها، فإنه ليس بصحيح وليصح قوله: لا أسهم، فإنه لو لم يبين جملة السهام كان فاسدا اتفاقا، وحينئذ يكون الفساد فيما إذا لم يبين جملة الذرعان مفهوما أولويا. أفاده في البحر. قوله: (من دار أو حمام) أشار إلى أنه لا فرق بين ما يحتمل القسمة وما لا يحتملها ح. قوله: (وصححاه الخ) ذكر في غاية البيان نقلا عن الصدر الشهيد، والامام العتابي أن قولهما بجواز البيع إذا كانت الدار مائة ذراع، ويفهم هذا من تعليلهما أيضا حيث قالا: لان عشرة أذرع من مائة ذراع عشر الدار، فأشبه عشرة أسهم من مائة سهم، وله أن البيع وقع على قدر معين من الدار لا على شائع، لان الذراع في الأصل اسم لخشبة يذرع بها، واستعير ههنا لما يحله، وهو معين لا مشاع،
51 لان المشاع لا يتصور أن يذرع، فإذا أريد به ما يحله، وهو معين لكنه مجهول الموضع بطل العقد. درر. قلت: ووجه كون الموضع مجهولا أنه لم يبين أنه من مقدم الدار أو من مؤخرها وجوانبها تتفاوت قيمة فكان المعقود عليه مجهولا جعالة مفضية إلى النزاع فيفسد، كبيع بيت من بيوت الدار، كذا في الكافي. عزمية. قوله: (على الصحيح الخ) حاصله: أنه إذا سمى جملة الذرعان صح، وإلا فقيل: لا يجوز عندهما للجهالة، والصحيح الجواز عندهما لأنها جهالة بيدهما: أي المتبايعين إزالتها بأن تقاس كلها فيعلم نسبة العشرة منها فيعلم المبيع. فتح. قوله: (لشيوع السهم) لان السهم اسم للجزء الشائع، فكان المبيع عشرة أجزاء شائعة من مائة سهم كما في الفتح: أي فهو كبيع عشرة قراريط مثلا من أربعة وعشرين، فإنه شائع في كل جزء من أجزاء الدار، بخلاف الذراع كما مر. قوله: (فبيع بالتعاطي) بناء على أنه لا يلزم في صحته متاركة العقد الأول، وقدمنا الكلام عليه. قوله: (اشترى عددا) أي معدودا، وقوله: من قيمي بيان له، واحترز به عن المثلي كالصبرة وقد مر حكمها، وبالعددي عن المذروع ومر حكمه أيضا، فما قيل إن الأولى أن يقول: اشترى قيميا على أنه كذا، لان كذا عبارة عن العدد مدفوع، فافهم. قوله: (على أنه كذا) بأن قال: بعتك ما في هذا العدل، على أنه عشرة أثواب بمائة درهم. نهر. وفسر الشراء في كلام الكنز بالبيع، فلذا صوره به وهو غير لازم. قوله: (للجهالة) أي جهالة الثمن في النقصان، لأنه لا تنقسم أجزاؤه على أجزاء المبيع القيمي، فلم يعلم للثواب الناقص حصة معلومة من الثمن المسمى لينقص ذلك القدر منه، فكان الناقص من الثمن قدرا مجهولا فيصير الثمن مجهولا، وجهالة المبيع في فصل الزيادة لأنه يحتاج إلى رد الزائد فيتنازعان في المردود. نهر. قوله: (مشمرا) قيد به، لأنه لو باع أرضا على أنه فيها كذا نخلة فوجدها المشتري ناقصة جاز البيع، ويخير المشتري إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء ترك، لان الشجر يدخل في بيع الأرض تبعا ولا يكون له قسط من الثمن، وكذا لو باع دارا على أن فيها كذا بيتا فوجدها ناقصة جاز البيع، ويخير على هذا الوجه. بحر عن الخانية. قوله: (فسد) لان الثمر له قسط من الثمن فإذا كانت الواحدة غير مثمرة لم يدخل المعدوم في البيع فصارت حصة الباقي مجهولة فيكون هذا ابتداء عقد في الباقي بثمن مجهول، فيفسد البيع. بحر عن الخانية. قوله: (كما لو باع) تنظير لا تمثيل، وقوله: عدلا بكسر العين، في المغرب: عدل الشئ: مثله من جنسه وفي المقدار أيضا، ومنه عدلا الحمل ا ه، فعدل الحمل ما يساوي العدل الآخر في مقداره، وهذا شامل للوعاء وما فيه من الثياب ونحوها، والمراد به هنا الثياب. قوله: (فسد) لأنه يؤدي إلى التنازع في المستثنى، بخلاف ما إذا كان معينا. قوله: (ولو بين الخ) راجع إلى قوله: اشترى عددا من
52 قيمي. قوله: (ونقص ثوب) الأول أن يقول ثوبا كما قال في طرف الزيادة، فيكون في نقص ضمير يعود إلى القيمي، وثوبا تمييز، وعلى جعله فاعل نقص يحتاج إلى تقدير ضمير مجرور بمن يعود على القيمي. فتدبر. قوله: بقدره أي بما سوى قدر الناقص. فتح ونهر. والأول بقدر ما سوى الناقص أو بقدر الموجود المعلوم من المقام أو بقدر القيمي المذكور الذي نقص ثوبا، وهذا أقرب بناء على ما قلنا من أن الأولى نصب ثوبا فيتحد مرجع الضمير في نقص وفي بقدره، قوله: (لجهالة المزيد) فتقع المنازعة في تعيين العشرة المبيعة من الأحد عشر كما في النهر. قوله: (ولو رد الزائد) أي إلى البائع إن كان حاضرا، وقوله أو عزله: أي أفرزه وأبقاه عنده إن كان البائع غائبا. قوله: (خلاف) مذكور في الشرح والنهر. لم يذكر في النهر (1) خلافا، وإنما ذكره في شرح المصنف وعبارته. قلت: وفي البزازية اشترى عدلا على أنه كذا فوجده أزيد والبائع غائب يعزل الزائد، ويستعمل الباقي، لأنه ملكه ا ه. وكأنه استحسان، وإلا فالبيع فاسد لجهالة المزيد. وقد صرح في الخانية والقنية بأن محمدا قال فيه: استحسن أن يعزل ثوبا من ذلك، ويستعمل البقية، وفيها قبله: اشترى شيئا فوجده أزيد يدفع الزيادة إلى البائع والباقي حلال له في المثليات، وفي ذوات القيم لا يحل له حتى يشتري منه الباقي، إلا إذا كانت تلك الزيادة مما لا تجري فيها الضنة فحينئذ يعذر ا ه. وهو يقتضي عدم الحل عند غيبة البائع بالأولى فهو معارض لما تقدم ا ه. ما في شرح المصنف، وهو مأخوذ من البحر. ويمكن دفع المعارضة بحمل الثاني على القياس، فلا ينافي ما مر أنه استحسان ويظهر منه ترجيح ما مر، لكن ذكروا الاستحسان في صورة غيبة البائع. قال في الخانية: فإن غاب البائع قالوا: يعزل المشتري من ذلك ثوبا ويستعمل الباقي وهذا استحسان أخذ به محمد نظرا للمشتري ا ه: لأنه عند غيبة البائع يلزم الضرر على المشتري بعدم الانتفاع بالمبيع إلى حضور البائع، وربما لا يحضر أو تطول غيبته فلذا استحسن محمد عزل ثوب واستعمال الباقي نظرا للمشتري، وهذا لا يجري في صورة حضرة البائع لامكان تجديد العقد معه، فالظاهر بقاؤه على القياس، وبه ظهر أنه لا معارضة بين الكلامين، وأن ما ذكره الشارح من إجراء الخلاف في الصورتين غير محرر، فافهم. قوله: (وجاز بيع ذراع منه نهر) عبارة النهر: قيدنا بتفاوت جوانبه، لأنها لو لم تتفاوت كالكرباس لا تسلم له الزيادة لأنه بمنزلة الموزون، حيث لا يضره النقصان، وعلى هذا قالوا: يجوز بيع ذراع منه ا ه. قوله: (في عشرة وزيادة نصف) أي فيما إذا ظهر أنه عشرة ونصف. قوله: (لأنه أنفع) كما لو اشتراه معيبا فوجده سالما. نهر: أي حيث لا خيار له. قوله: (في تسعة ونصف) أي في نقصانه نصفا عن العشرة. قوله: (وقال محمد الخ) يوجد قبل هذا في بعض
(1) قوله: (لم يذكر في النهر الخ) سياق هذا الكلام يقتضي ان قوله مذكور في الشرح والنهر من عبارة الشارح ولعلها نسخته والا فنسخ الشارح التي بيدي ليس فيها قوله مذكور وليحرر ا ه مصححه. 53 النسخ: وقال أبو يوسف: يأخذه في الأولى بأحد عشر بالخيار، وفي الثانية بعشرة به. قوله: (وفي الثاني بتسعة ونصف به) لان من ضرورة مقابلة الذراع بالدرهم مقابلة نصفه فيجري عليه حكمهما. درر. وقوله: به أي بالخيار، لان في الزيادة نفعا يشوبه ضرر بزيادة الثمن عليه، وفي النقصان فوات وصف مرغوب فيه. نهر قوله: (وهو) أي قول محمد: أعدل الأقوال. قال الإتقاني: وفي غاية البيان: وبه نأخذ. قوله: (لكن صحح القهستاني وغيره الخ) وفي الفتح عن الذخيرة: قول أبي حنيفة أصح ا ه. وفي تصحيح العلامة قاسم عن الكبرى أنه المختار. قوله: (فعليه الفتوى) تفريع على ما ذكر من تصحيحه، ومشى المتون عليه، لأنه إذا اختلف التصحيح لقولين وكان أحدهما قول الإمام أو في المتون أخذ بما هو قول الإمام لأنه صاحب المذهب، وبما في المتون لأنها موضوعة لنقل المذهب، وهنا اجتمع الأمران فافهم. والله سبحانه وتعالى أعلم. فيما يدخل في البيع تبعا وما لا يدخل فيه ما يصح استثناؤه من البيع ومسائل أخرى قوله: (الأصل الخ) في المصباح أصل الشئ: أسفله وأساس الحائط: أصله حتى قيل: أصل كل شئ ما يستند وجود ذلك الشئ إليه ا ه. وفيه أيضا القاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط، وهو الامر الكلي المنطبق على جميع جزئياته ا ه. فالمراد هنا أن الأصل الذي يستند إليه معرفة هذا الفصل، هو أن مسائله مبنية على قاعدتين، ولا يخفى أن هذا تركيب صحيح، فافهم. قوله: (على قاعدتين) الأولى: أن يقول على ثلاث قواعد كما في الدرر، وقال: والثالث أن ما لا يكون من القسمين إن كان من حقوق المبيع، ومرافقه يدخل في المبيع بذكرها وإلا فلا ا ه. وقد ذكره الشارح بقوله: وما لم يكن من القسمين الخ أفاده ط. قوله: (يعني كل ما هو متناول اسم المبيع) أشار به إلى أن البناء في كلام المصنف مثال لا قيد، وكذا الدار ط. قوله: (اتصال قرار الخ) فيدخل الحجارة المخلوقة والمثبتة في الأرض والدار لا المدفونة، يدل عليه قولهم: لو اشترى أرضا بحقوقها وانهدم حائط منها فإذا فيه رصاص أو ساج أو خشب: إن من جملة البناء كالذي يكون تحت الحائط يدخل، وإن شاء مودعا فيه فهو للبائع، وإن قال البائع ليس لي فحكمه حكم اللقطة، فقولهم شيئا مودعا يدخل فيه الأحجار المدفونة، ويقع كثيرا في بلادنا أنه يشتري الأرض أو الدار، فيرى المشتري فيها بعد حفرها أحجار المرمر والكذان والبلاط، والحكم فيه إن كان مبنيا فللمشتري، وإن موضوعا لا على وجه البناء فللبائع، وهي كثيرة الوقوع فاغتنم ذلك. بقي لو ادعى البائع أنها كانت مدفونة فلم تدخل، والمشتري أنها مبنية فقد يقال يتحالفان، لأنه يرجع إلى الاختلاف في قدر المبيع، وقد يقال: يصدق البائع لان اختلافهما في تابع لم يرد عليه العقد والتحالف، على خلاف
54 القياس فيما ورد عليه العقد، فلا يقاس عليه غيره، والبائع ينكر خروجه عن ملكه والأصل بقاء ملكه. فتأمل ا ه. ملخصا من حاشية المنح للخير الرملي. قوله (وهو ما وضع لا لان يفصله البشر الخ) فيدخل الشجر كما يأتي، لاتصالها بها اتصال قرار إلا اليابس، لأنه على شرف القلع كما يأتي، ولا يدخل الزرع لأنه متصل لان يفصل، فأشبه متاعا فيها كما في الدرر، إنما يدخل المفتاح لأنه تبع للغلق المتصل، فهو كالجزء منه إذ لا ينتفع به إلا به، بخلاف مفتاح القفل كما يأتي. والحاصل: أنه قد يدخل بعض المنقول المنفصل إذا كان تبعا للمبيع بحيث لا ينتفع به إلا به فيصير كالجزء، كولد البقرة الرضيع بخلاف ولد الأتان، وقد يدخل عرفا كقلادة الحمار وثياب العبد، قوله: (وما لا فلا) تبع فيه الدرر، والمناسب إسقاطه ليصح التفصيل في قوله: وما لم يكن من القسمين الخ تأمل. قوله: (فإن من حقوقه ومرافقه) المرافق هي الحقوق في ظاهر الرواية، فهو عطف مرادف، والحق ما هو تبع للمبيع ولا بد له منه ولا يقصد إلا لأجله، كالطريق والشرب للأرض كما سيأتي في باب الحقوق إن شاء الله تعالى، قوله: (دخل بذكرها) أي بذكر الحقوق والمرافق. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن من حقوقه ومرافقه لا يدخل وإن ذكرها فلا يدخل الثمر بشراء شجر، لأنه وإن كان اتصاله خلقيا فهو للقطع لا للبقاء فصار كالزرع، إلا إذا قال بكل ما فيها أو منها، لأنه حينئذ يكون من المبيع كما في الدرر. قوله: (فيدخل البناء والمفاتيح الخ) وكذا العلو والكنيف كما في الدرر. وقوله الآتي: في بيع دار متعلق بيدخل: أي إذا باعها بحدودها يدخل ما ذكر وإن لم يقل بكل حق لها أو بمرافقها كما في الدرر. قال: لان الدار اسم لما يدار عليه الحدود، والعلو منها، وكذا البناء. ثم قال: لا يدخل في بيعها الظلة والطريق والشرب والمسيل إلا به: أي بكل حق لها ونحوه. أما الظلة فلأنها مبنية على هواء الطريق فأخذت حكمه. وأما الطريق والشرب والمسيل فلأنها خارجة عن الحدود، لكنها من الحقوق فتدخل بذكرها، وتدخل في الإجارة بلا ذكرها لأنها تعقد للانتفاع، ولا يحصل إلا به، بخلاف البيع، لأنه قد يكون للتجارة ا ه. قلت: وذكر في الذخيرة أن الأصل أن ما لا يكون من بناء الدار ولا متصلا بها لا يدخل، إلا إذا جرى العرف في أن البائع لا يمنعه عن المشتري، فالمفتاح يدخل استحسانا لا قياسا لعدم اتصاله، وقلنا بدخوله بحكم العرف ا ه ملخصا. ومقتضاه: أن شرب الدار يدخل في ديارنا دمشق المحمية للتعارف، بل هو أولى من دخول السلم المنفصل في عرف مصر القاهرة، لان الدار في دمشق إذا كان لها ماء جار وانقطع عنها أصلا لم ينتفع بها، وأيضا إذا علم المشتري أنه لا يستحق شربها بعقد البيع لا يرضى بشرائها إلا بثمن قليل جدا بالنسبة إلى ما يدخل فيها وشربها. وتمام الكلام على ذلك في رسالتنا المسماة نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف. قوله: (المتصلة أغلاقها الخ) جمع غلق بفتحتين: أي ما يغلق على الباب. قال في الفتح: المراد بالغلق ما نسميه ضبة، وهذا إذا كانت مركبة لا إذا كانت موضوعة في الدار ا ه. هذا، وإنما اقتصر على ذكر المفاتيح للعلم بدخول الاغلاق المتصلة بالأولى، لان دخول المفاتيح بالتبعية لها، فافهم، قوله: (كضبة وكيلون) قيل: الأول هو المسمى بالسكرة، والثاني المسمى بالغال. قوله: (لا القفل) بضم فسكون:
55 أي لا يدخل سواء ذكر الحقوق أو لا، وسواء كان الباب مغلقا أو لا، وسواء كان المبيع حانوتا أو بيتا أو دارا كما في الخانية. بحر. قوله: (لعدم اتصاله) وإنما تدخل الألواح، وإن كانت منفصلة لأنها في العرف كالأبواب المركبة، والمراد بهذه الألواح ما تسمى بمصر دراريب الدكان، وقد ذكر فيها عدم الدخول فلا يعود عليه ا ه. فتح: أي لأنها لا ينتفع بالدكان إلا بها. قوله: (والسلم المتصل) في عرف القاهرة ينبغي دخوله مطلقا، لان بيوتهم طبقات لا ينتفع بها بدونه، ولا يرد عدم دخول الطريق من أنه لا انتفاع إلا به، لان ملك رقبتها قد يقصد للاخذ بشفعة الجوار، ولهذا دخل في الإجارة بلا ذكر كما سيأتي. بحر: أي لان إجارة الأرض لا يقصد بها إلا الانتفاع برقبتها فلذا دخل الطريق فيها، بخلاف البيع، لكن لا يخفى أن هذا ناقض للجواب، لان لقائل أن يقول في بيوت القاهرة: لا يدخل السلم الموضوع، لأنه قد يقصد بشراء البيت الاخذ بالشفعة: أي أن يأخذ بالشفعة ما يجاوره، فلم يكن المقصود الانتفاع برقبته حتى يدخل فيه السلم تبعا، تأمل. قوله: (المتصلة) هذا يغني عن قوله قبله: المتصل لأنه نعت للثلاثة المذكورة، ولو جعل نعتا للسرير والدرج لكان المناسب أن يقول: المتصلان. قال في البحر: ويدخل الباب المركب لا الموضوع، ولو اختلفا فيه فادعاه كل: فلو مركبا متصلا بالبناء فالقول للمشتري، ولو مقلوعا فلو الدار بيد البائع فالقول له، وإلا فللمشتري ا ه. قلت: وبه علم حكم أبواب الشبابيك، وذلك أن الأبواب التي كلها من الدف تدخل إن كانت مركبة متصلة، والتي من البلور لا تدخل إلا إذا كانت متصلة أيضا، لان غير المتصلة توضع وترفع. تأمل. وأما الدف الذي يفرش في إيوان البيوت لدفع العفن والنداوة فالظاهر أنه كالسرير المسمى بالتخت فيعتبر فيه الاتصال وعدمه، ولكن قد يقال: إن السرير ينقل ويحول، وأما هذا فإنه لا ينقل من محله فهو في حكم المتصل، فليتأمل. قوله: (لو أسلفها مبنيا) أي فيدخل الحجر الاعلى استحسانا، وهذا في ديارهم، أما في ديار مصر لا تدخل الرحى، لأنها بحجريها تنقل وتحول ولا تبنى، فهي كالباب الموضوع لا يدخل بالاتفاق فتح. قوله: (والبكرة) أي بكرة البئر التي عليها فتدخل مطلقا لأنها مركبة بالبئر ا ه. بحر. وظاهر التعليل أنها لو لم تكن مركبة بأن كانت مشدودة بحبل أو موضوعة بخطاف في حلقة الخشبة التي على البئر أنها لا تدخل، ويحرر. وفي الهندية: والبكرة والدلو الذي في الحمام لا يدخل، كذا في محيط السرخسي. قال السيد أبو القاسم: في عرفنا للمشتري كذا في مختارات الفتاوى ا ه. وهذا يقتضي أن المعتبر العرف ط. قوله: (في بيعها أي الدار) وهو متعلق بقوله: فيدخل كما قدمناه، قوله: (وكذا بستانها) أي الذي فيها ولو كبيرا لا لو خارجها وإن كان بابه فيها، قاله أبو سليمان، وقال الفقيه أبو جعفر: يدخل لو أصغر منها ومفتحه فيها لا لو أكبر أو مثلها. وقيل: إن صغر دخل وإلا لا، وقيل: يحكم الثمن ا ه. فتح. قوله: (كما سيجئ في باب الاستحقاق) صوابه في باب الحقوق وعبارته: وكذا البستان الداخل، وإن لم يصرح بذلك، لا البستان الخارجي إلا إذا كان أصغر منها فيدخل تبعا، ولو مثلها أو أكثر فلا إلا بالشرط. زيلعي وعيني ا ه. وبذلك جزم أيضا في البحر والنهر هناك. قوله: (ويدخل في بيع الحمام القدور) جمع
56 قدر بالكسر: آنية يطبخ فيها. مصباح. والظاهر أن المراد بها قدر النحاس التي يسخن فيها الماء، وتسمى حلة، أو المراد الفساقي التي ينزل إليها الماء، ويغتسل منها وتسمى أجرانا، لكن إن كانت متصلة فلا كلام، أما إن كانت منفصلة موضوعة. فإن كانت كبيرة لا تنقل ولا تحول، فالظاهر أنها كالمتصلة وألا فلا، تأمل. قال في الفتح: وأما قدر الصباغين والقصارين وأجاجين الغسالين وخوابي الزياتين وحبابهم ودنانهم وجذع القصار الذي يدق عليه المثبت كل ذلك في الأرض، فلا يدخل وإن قال بحقوقها. قلت: ينبغي أن تدخل كما إذا قال بمرافقها ا ه. أقول: بل في التتارخانية عن الذخيرة أنه على قياس مسألة البكرة والسلم ما كان مثبتا في البناء من هذه الأشياء ينبغي أن يدخل في البيع ا ه: أي وإن لم يقل بحقوقها. قوله: (وفي الحمار إكافه) في القاموس: إكاف الحمار ككتاب وغراب: بردعته، وهي الحلس تحت الرحل، وقد تنقط داله ا ه. وظاهر كلام الفقهاء أنه غيره، والعرف أنها الخشب فوق البردعة. بحر. قوله: (لا لو من الحمريين) جمع حمري وهو من يبيع الحمير، وكأنه لان عادتهم التجارة فيها مجردة عن الأكاف ط. قلت: ويؤيده قوله في التتارخانية: وهذا بحسب العرف، وفيها أيضا إذا باع حمارا موكفا دخل الأكاف والبردعة بحكم العرف. وفي الظهيرية: هو المختار، وإن لم يكن عليه بردعة ولا إكاف دخلا أيضا، كذا اختاره الصدر الشهيد. وبعضهم قالوا: إذا كان عريانا لا يدخل شئ. وفي الخانية أن ابن الفضل قال: لا يدخل ولم يفصل بين كونه موكفا أو لا، وهو الظاهر، ثم إذا دخلا لا يكون لهما حصة من الثمن كما في ثياب الجارية. قوله: (وتدخل قلادته عرفا) في الظهيرية: باع فرسا دخل العذار بحكم العرف، والعذار والمقود واحد ا ه. لكن في الخانية: لا يدخل المقود في بيع الحمار، لأنه ينقاد بدونه، بخلاف الفرس والبعير. قال في الفتح: وليتأمل في هذا. قوله: (في الأتان الخ) الفرق أن البقرة لا ينتفع بها إلا بالعجل، ولا كذلك الأتان. ظهيرية. قوله: (وتدخل ثياب عبد وجارية الخ) هذا إذا بيعا في الثياب المذكورة، وإلا دخل ما يستر العورة فقط، ففي البحر: لو باع عبدا أو جارية كان على البائع من الكسوة ما يواري عورته، فإن بيعت في ثياب مثلها دخلت في البيع ا ه. ومثله في الفتح. ودخول ثياب المثل بحكم العرف كما مر في التتارخانية، وحينئذ فالمدار على المعرف. قوله: (يعطيهما هذه أو غيرها) أي يخير البائع بين أن يعطى ما عليهما أو غيره ، لان الداخل بالعرف كسوة المثل، ولهذا لم يكن لها حصة من الثمن، حتى لو استحق ثوب منها لا يرجع على البائع بشئ، وكذا إذا وجد بها عيبا ليس له أن يردها. زيلعي. زاد في البحر: ولو هلكت الثياب عند المشتري، أو تعيبت ثم رد الجارية بعيب ردها بجميع الثمن ا ه. وقول الزيلعي: لا يرجع على البائع بشئ. قال بعض الفضلاء: يعني من الثمن، وأما رجوعه بكسوة مثلها فثابت له كما يعلم من كلامهم ا ه. وفي التتارخانية: وكذلك إذا وجد بالجارية عيبا ردها ورد معها ثيابها وإن لم يجد بالثياب عيبا ا ه. وعليه فما في الزيلعي من قوله: لو وجد بالجارية عيبا كان له أن يردها بدون تلك الثياب، فمعناه كما في البحر: إذا هلكت، وإلا لزم حصولها للمشتري بلا مقابل، وهو
57 لا يجوز. قوله: (أو قبضها) أي المشتري، وسكت: أي البائع، لأنه كالتسليم. منح عن الصيرفية، وفي التاترخانية: فأما سلم البائع الحلى لها فهو لها، وإن سكت عن طلبه وهو يراه، فهو كما لو سلم لها. وفيها عن المحيط: باع عبدا معه مال: فإن سكت عن ذكر المال جاز البيع والمال للبائع هو الصحيح، ولو باعه مع ماله وسمى مقداره، فإن كان الثمن من جنسه لا بد أن يكون الثمن أزيد من مال العبد ليكون بإزاء مال العبد قدره من الثمن، والباقي بإزاء العبد، وتمامه فيها. قوله: (ويدخل الشجر الخ) قال في المحيط: كل ماله ساق ولا يقطع أصله كان شجرا يدخل تحت بيع الأرض بلا ذكر، وما لم يكن بهذه الصفة لا يدخل بلا ذكر لأنه بمنزلة الثمرة ا ه. عن الهندية. قوله: (قيد للمسألتين) الأولى البناء وما عطف عليه والثانية الشجر ط. قوله: (مثمرة كانت أو لا الخ) لان محمدا لم يفصل بينهما، ولا بين الصغيرة والكبيرة، فكان الحق دخول الكل، خلافا لمن قال: إن غير المثمرة لا تدخل إلا بالذكر، لأنها لا تغرس للقرار بل للقطع إذا كبر خشبها، فصارت كالزرع، ولمن قال: إن الصغيرة لا تدخل. فتح. وفي التتارخانية عن المحيط: إن هذا أصح: أي عدم التفصيل ا ه. قلت: لكن في الذخيرة إن العرائس والأشجار والأبنية تدخل، لأنها ليس بنهايتها مدة معلومة فتكون للتأبيد فتتبع الأرض، بخلاف الزرع والثمر، لان لقطعها غاية معلومة فكانت كالمقطوع ا ه. ملخصا. ومقتضاه أن غير المثمر المعد للقطع كالزرع، إلا أن يقال: إنه ليس له نهاية معلومة. قوله: (لأنها على شرف القلع) فهي كحطب موضوع فيها. فتح. قوله: (كالبناء) أشار بذكره إلى أن العلة في دخول الشجر: هي العلة في دخول البناء، وهي أنهما وضعا للقرار ط. قوله: (فلو فيها صغار الخ) نقله في الفتح عن الخانية. ويأتي قريبا ما يفيد أن صغرها وقطعها في كل سنة غير قيد. قوله: (وإن من وجه الأرض لا) أي لا تدخل، لأنها تكون حينئذ كالثمرة كما يعلم مما نذكره قريبا. قوله: (وتمامه في شرح الوهبانية) حاصله: أنه في الواقعات صرح بأن القصب لا يدخل بلا شرط لأنه ما يقطع فكان بمنزلة الثمرة. وأخذ الطرسوسي من التعليل بالقطع أن الحور ونحوه مما يقطع في أوقات معروفة لا يدخل. ونازعه تلميذه ابن وهبان بأن القصب يقطع في كل سنة، فكان كالثمرة، بخلاف خشب الحور فلا وجه للإلحاق ا ه. لكن في الواقعات أيضا: لو فيها أشجار تقطع في كل ثلاث سنين، فلو تقطع من الأصل تدخل، ولو من وجه الأرض فلا، لأنها بمنزلة الثمرة. قال ابن الشحنة: فيه إشارة إلى أن العلة كونه يباع شجرا بأصله فلا يكون، كالثمرة بخلاف المقطوع من وجه الأرض مع بقاء أصله لأنه كالثمرة ا ه. قلت: والحاصل: أن الشجر الموضوع للقرار، وهو الذي يقصد للثمر يدخل، إلا إذا يبس وصار حطبا كما مر، أما غير المثمر المعد للقطع، فإن لم يكن له نهاية معلومة (1) فلا يدخل أيضا،
(1) قوله: (نهاية معلومة فلا يدخل الخ) لعل الصواب اسقاط لا تأمل ا ه. 58 بخلاف ما أعد للقطع في زمن خاص كأيام الربيع أو في كل ثلاث سنين فهو على التفصيل المذكور، ولا يخفى أن الحور بالمهملتين ليس لقطعه نهاية معلومة، والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا، واعلم أنه نقل في البحر وكذا في شرح الوهبانية عن الخانية: أنه لو باع أرضا فيها رطبة أو زعفران أو خلاف يقلع في كل ثلاث سنين أو رياحين أو بقول. قال الفضلي: ما على وجه الأرض بمنزلة الثمر لا يدخل بلا شرط، وما في الأرض من أصولها يدخل، لان أصولها للبقاء بمنزلة البناء، وكذا لو كان فيها قصب أو حشيش أو حطب نابت يدخل أصوله، لا ما على وجه الأرض. واختلفوا في قوائم الخلاف، والصحيح أنها لا تدخل ا ه. وفي شرح الوهبانية: إن هذا التفصيل أنسب لمقتضى قواعدهم ا ه. قوله: (دخل الوثائل الخ) الوثل: بالتحريك: الحبل من الليف، والوثيل نبت، كذا في جامع اللغة ا ه ح. وهو المنقول عن القنية. وفي نسخة: الوتائر، وهو جمع وتيرة، وهي ما يوتر بالأعمدة من البيت كالوترة محركة، كذا في القاموس: ثم قال: وترها يترها. علق عليها ا ه. فالمراد: ما يعلق عليه الكرم، والذي وقع فيما رأيته من نسخ المنح يدخل الوتائر المشدودة على الأوتار المنصوبة في الأرض ا ه ط. قلت: والذي رأيته في الشرح وكذا في المنح: الوتائد المشدودة على الأوتاد الخ، بالدال المهملة في الموضعين: تأمل. قوله: (وكذا الأعمدة المدفونة في الأرض) قال في المنح: تقييده بالمدفونة يفيد أن الملقاة على الأرض لا تدخل، لأنها بمنزلة الحطب الموضوع في الكرم، وصارت المسألة واقعة الفتوى، فيفتى بالدخول في المبيع وإن كانت مدفونة، وهي المسماة في ديارنا ببرابير الكرم ا ه. مطلب: كل ما دخل تبعا لا يقابله شئ من الثمن قوله: (وفي النهر الخ) قال فيه: ولذا قال في القنية: اشترى دارا فذهب بناؤها لم يسقط شئ من الثمن، وإن استحق أخذ الدار بالحصة، ومنهم من سوى بينهما ا ه. ونحو ذلك ثياب الجارية كما سلف ط. وفي الكافي: رجل له أرض بيضاء ولآخر فيها نخل، فباعهما رب الأرض بإذن الآخر بألف وقيمة كل واحد خمسمائة، فالثمن بينهما نصفان، فإن هلك النخل قبل القبض بآفة سماوية خير المشتري بين الترك وأخذ الأرض بكل الثمن، لان النخل كالوصف والثمن بمقابلة الأصل لا الوصف، فلذا لا يسقط شئ من الثمن ا ه. وقيده في البحر بما إذا لم يفصل ثمن كل، فلو فصل سقط قسط النخل بهلاكها كما في تلخيص الجامع. تنبيه: في حاشية السيد أبي السعود: استفيد من كلامهم: أنه إذا كان لباب الدار المبيعة كيلون من فضة لا يشترط أن ينقد من الثمن ما يقابله قبل الافتراق لدخوله في البيع تبعا، ولا يشكل بما سيأتي في الصرف من مسألة الأمة مع الطوق والسيف المحلى، لان دخول الطوق والحلية في البيع لم يكن على وجه التبعية، لكون الطوق غير متصل بالأمة والحلية وإن اتصلت بالسيف، إلا أن السيف اسم للحلية أيضا كما سيأتي في الصرف، فكانت من مسمى السيف، إذا علم هذا ظهر أنه في بيع الشاش ونحوه إذا كان فيه علم لا يشترط نقد ما قابل العلم من الثمن قبل الافتراق، خلافا
59 لمن توهم ذلك من بعض أهل العصر، لان العلم لم يكن من مسمى المبيع، فكان دخوله على وجه التبعية، فلا يقابله حصة من الثمن ا ه. قلت: وما ذكره في الكيلون غير مسلم، وسنذكر تحرير المسألة في باب الصرف إن شاء الله تعالى. قوله: (ولا يدخل الزرع الخ) إطلاقه يعم إذا ما إذا لم ينبت، لأنه حينئذ يمكن أخذه بالغربال ، وما إذا عفن واختار الفضلي وتبعه في الذخيرة أنه حينئذ يكون للمشتري، لأنه لا يجوز بيعه على الافراد، وبالاطلاق أخذ أبو الليث. نهر. وقال في الفتح: واختار الفقيه أبو الليث أنه لا يدخل بكل حال كما هو إطلاق المصنف ا ه. قوله: (إلا إذا نبت ولا قيمة له) ذكر في الهداية قولين في هذه المسألة بلا ترجيح، وذكر في التجنيس: أن الصواب الدخول كما نص عليه القدوري والأسبيجابي، والخلاف مبني على الاختلاف في جواز بيعه قبل أن تناله المشافر والمناجل (1). قال في الفتح: يعني أن من قال لا يجوز بيعه قال يدخل، ومن قال يجوز قال: لا يدخل، ولا يخفى أن كلا من الاختلافين مبني على سقوط تقومه وعدمه، فإن القبول بعدم جواز بيعه وبعدم دخوله في البيع كلاهما مبني على سقوط تقومه، والأوجه جواز بيعه على رجاء تركه، كما يجوز بيع الجحش كما ولد رجاء حياته فينتفع به في ثاني الحال ا ه. ما في الفتح. وظاهره اختيار عدم الدخول، لاختياره جواز بيعه، وبه صرح في السراج حيث قال: لو باعه بعدما نبت ولم تنله المشافر والمناجل، ففيه روايتان، والصحيح أنه لا يدخل إلا بالتسمية، ومنشأ الخلاف هل يجوز بيعه أو لا؟ الصحيح الجواز ا ه. والحاصل: أن الصور أربع، لأنه إما أن يكون بعد النبات أو قبله، وعلى كل إما أن يكون له قيمة أو لا، ولا يدخل في الكل، لكن وقع الخلاف فيما ليس له قيمة قبل النبات أو بعده، ففي الثانية الأصح الدخول كما ذكره الشارح بل علمت أنه الصواب، وظاهر الفتح اختيار عدمه، وبه صرح في السراج، وكذا في الأولى اختلف الترجيح فاختار الفضلي الدخول، واختار أبو الليث عدمه كما قدمناه عن النهر والفتح، واقتصار الشارح على استثناء الثانية فقد يفيد ترجيح ما اختاره أبو الليث في الأولى، لكن قدمنا عن الفتح أن اختيار أبي الليث إنه لا يدخل بكل حال كما هو إطلاق المصنف: يعني صاحب الهداية، وظاهره عدم الدخول في الصور الأربع وقد وقع في البحر ههنا خلل في فهم كلام السراج المتقدم، وفي بيان الخلاف في الصور المذكورة، والصواب ما ذكرناه كما أوضحته فيما علقته، فافهم. تنبيه: قيد بالبيع لأنه في رهن الأرض يدخل الشجر والثمر والزرع، وفي وقفها يدخل البناء والشجر لا الزرع، وكذا لو أقر بأرض عليها زرع أو شجر دخل، ولا يدخل الزرع في إقالة الأرض، وتمامه في البحر. قوله: (ولا الثمر في بيع الشجر) الثمر بمثلثة: الحمل الذي تخرجه الشجرة وإن لم يؤكل، فيقال ثمر الأراك والعوسج والعنب. مصباح، وفي الفتح: ويدخل في الثمرة الورد
(1) قوله: (قبل ان تناله المشافر والمناجل) اي قبل ان يمكن اكل الدواب له وتناوله بمشافرها وقبل ان يمكن حصده بالمناجل فان مشفر البعير شفته جمعها مشافر والمنجل ما يحصد به الزرع جمعه مناجل ا ه منه. 60 والياسمين ونحوهما من المشمومات. نهر. وشمل ما إذا بيع الشجر مع الأرض أو وحده كان له قيمة أو لا. بحر. قوله: (ليفيد أنه لا فرق) أي بين أن يسمى الزرع والثمر بأن يقول بعتك الأرض وزرعها أو بزرعها أو الشجر وثمره أو معه أو به، وبين أن يخرجه مخرج الشرط فيقول بعتك الأرض على أن يكون زرعها لك أو بعتك الشجر على أن يكون الثمر لك، كذا في المنح ا ه ح. ومثله في البحر. مطلب: المجتهد إذا استدل بحديث كان تصحيحا له قوله: (وخصه بالثمر) أي خص ذكر الشرط بمسألة الثمر دون مسألة الزرع مع إمكان العكس اتباعا للحديث المذكور الذي استدل به الإمام محمد، على أنه لا فرق بين كون الثمر مؤبرا أو لا. التأبير: التلقيح، وهو أن يشق الكم وبذر فيه من طلع النخل ليصلح إناثها، والكم بالكسر: وعاء الطلع. وأما حديث الكتب الستة. من باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع فلا يعارضه، لان مفهوم الصفة غير معتبر عندنا، وما قيل من أن الحديث الأول غريب ففيه أن المجتهد إذا استدل بحديث كان تصحيحا له كما في التحرير وغيره. نعم، يرد ما في الفتح أم حمل المطلق على المقيد هنا واجب، لأنه في حادثة واحدة في حكم واحد، ثم أجاب عنه بأنهم قاسوا الثمر على الزرع، كما قال في الهداية: إنه متصل للقطع لا للبقاء، وهو قياس صحيح، وهم يقدمون القياس على المفهوم إذا تعارضا. مطلب في حمل المطلق على المقيد واعترض في البحر قوله إن حمل المطلق على المقيد واجب الخ، بأنه ضعيف، لما في النهاية من أن الأصح أنه لا يجوز لا في حادثة ولا في حادثتين، حتى جوز أبو حنيفة التيمم بجميع أجزاء الأرض بحديث جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ولم يحمل هذا المطلق على المقيد، وهو حديث التراب طهور ا ه. أقول: أجبت عنه فيما علقته على البحر بأن المقيد هنا لا ينفي الحكم عما عداه، لان التراب لقب، ومفهوم اللقب غير معتبر إلا عند فرقة شاذة ممن اعتبر المفاهيم، فليس مما يجب فيه الحمل، فلا دلالة في ذلك على أنه لا يحمل في حادثة عندنا، كيف وحمل المطلق على المقيد عند اتحاد الحكم والحادثة مشهور عندنا مصرح به في متن المنار والتوضيح والتلويح وغيرها، فما استند إليه من كلام النهاية غير مسلم، فافهم. قوله: (ويؤمر البائع بقطعهما) أي فيما إذا باع أرضا فيها زرع لم يسمه أو شجرا عليه ثم لم يشترطه حتى بقي الزرع والثمر على ملك البائع. قوله: (الزرع والثمر) بدل من ضمير التثنية، وقوله: الأرض والشجر بدل من المبيع. قوله: (عند وجوب تسليمهما) أي تسليم الأرض والشجر وذلك عند نقد المشتري الثمن. قوله: (لم يؤمر به) أي بالقطع لعدم وجوب التسليم. قوله: (وإن لم يظهر صلاحه) الأولى صلاحهما أي الزرع والثمر وهو المناسب لقوله: بقطعهما. قوله: (لان ملك المشتري مشغول الخ) علة لقوله: ويأمر البائع بقطعهما الخ،
61 وفي النهر عن جامع الفصولين: باع شجرا عليه ثمر أو كرما عليه عنب لا يدخل الثمر، فلو استأجر الشجرة (1) من المشتري ليترك عليه الثمر لم يجز، ولكن يعار إلى الادراك، فلو أبى المشتري يخير البائع إن شاء أبطل البيع أو قطع الثمر ا ه. وسيذكره الشارح آخر الباب فتأمله مع قول المتون، ويؤمر البائع بالقطع فإنه ينافي التخيير المذكور، ولعله قول آخر فليحرر. قوله: (وما في الفصولين) أي جامع الفصولين لابن قاضي سماوة جمع فيه بين فصولي العمادي والاستروشني ط. قوله: (محمول على ما إذا رضي المشتري) أي رضي بإبقاء الزرع بأجر مثل الأرض، وإلا أمر البائع بالقلع توفيقا بين كلامهم، وأما إذا نقضت المدة في الإجارة فللمستأجر أن يبقى الزرع بأجر المثل إلى انتهائه لأنها للانتفاع، وذلك بالترك دون القلع، بخلاف الشراء لأنه لملك الرقبة فلا يراعي فيه إمكان الانتفاع. بحر. مطلب في بيع الثمر والزرع والشجر مقصودا قوله: (ومن باع ثمرة بارزة) لم فرغ من بيع الثمر تبعا للشجر شرع في بيعه مقصودا، ولم يذكر حكم بيع الزرع والشجر مقصودا. قال في الدرر: لا يصح بيع الزرع قبل صيرورته بقلا لأنه ليس بمنتفع به وتابع للأرض، فيكون كالوصف، فلا يجوز إيراد العقد عليه بانفراده، وإن باع على أن يتركه حتى يدرك لم يجز، وكذا الرطبة والبقول، ويجوز بيع حصته من شريكه مطلقا: أي سواء بلغ أوان الحصاد أو لا، ومن غيره بغير إذنه إن لم يفسخ إلى الحصاد فإنه حينئذ ينقلب إلى الجواز، كما إذا باع الجذع في السقف ولم يفسخ البيع حتى أخرجه وسلمه ا ه. ويأتي في المتن بيع البر في سنبله. وفي البحر عن الظهيرية: اشترى شجرة للقلع يؤمر بقلعها بعروقها، وليس له حفر الأرض إلى انتهاء العروق بل يقلعها على العادة، إلا أن شرط البائع القطع على وجه الأرض، أو يكون في القلع من الأصل مضرة للبائع ككونها بقرب حائط أو بئر فيقطعها على وجه الأرض، فإن قطعها أو قلعها فنبت مكانها أخرى، فالنبات للبائع، إلا إذا قطع من أعلاها فهي للمشتري. سراج، ولو اشترى نخلة ولم يبين أنها للقلع أو للقرار، قال أبو يوسف: لا يملك أرضها وأدخل محمد ما تحتها وهو المختار، وإن اشتراها للقطع لا تدخل الأرض اتفاقا، وإن للقرار تدخل اتفاقا وإن باع نصيبا له من شجرة بلا إذن الشريك جاز إن بلغت أوان قطعها وإلا فلا ا ه. وقدمنا في الشركة حكم بيع الحصة الشائعة من ثمر أو زرع أو شجر مفصلا موضحا، فراجعه. قوله: (أما قبل الظهور) أشار إلى أن البروز بمعنى الظهور، والمراد به انفراك الزهر عنها وانعقادها ثمرة وإن صغرت. قوله: (ظهر صلاحها أو لا) قال في الفتح: لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر، ولا في عدم جوازه بعد الظهور قبل بدو الصلاح بشرط الترك، ولا في جوازه قبل بدو الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به، ولا في الجواز بعد بدو الصلاح، ولكن بدو الصلاح عندنا أن تؤمن العاهة والفساد. وعند الشافعي: هو ظهور النضج وبدو الحلاوة، والخلاف إنما هو في بيعها قبل بدو الصلاح على
(1) قوله: (فلو استأجر الشجرة) هكذا بخطه. والأول الشجر بلا تاء ليناسب سابقه ولا حقه ا ه مصححه. 62 الخلاف في معناه، لا بشرط القطع، فعند الشافعي ومالك وأحمد: لا يجوز، وعندنا: إن كان بحال لا ينتفع به في الاكل ولا في علف الدواب فيه خلاف بين المشايخ. قيل: لا يجوز، ونسبه قاضيخان لعامة مشايخنا، والصحيح أنه يجوز لأنه مال منتفع به في ثاني الحال إن لم يكن منتفعا به في الحال، والحيلة في جوازه باتفاق المشايخ أن يبيع الكمثري أول ما تخرج مع أوراق الشجر فيجوز فيها تبعا للأوراق كأنه ورق كله، وإن كان بحيث ينتفع به ولو علفا للدواب فالبيع جائز باتفاق أهل المذهب إذا باع بشرط القطع أو مطلقا ا ه. قوله: (لا يصح في ظاهر المذهب) قال في الفتح: ولو اشتراها مطلقا: أي بلا شرط قطع أو ترك فأثمرت ثمرا آخر قبل القبض فسد البيع، لأنه لا يمكنه تسليم المبيع لتعذر التمييز فأشبه هلاكه قبل التسليم، ولو أثمرت بعد القبض يشتركان فيه للاختلاط، والقول قول المشتري في مقداره مع يمينه، لأنه في يده، وكذا في بيع الباذنجان والبطيخ إذا حدث بعد القبض خروج بعضها اشتركا كما ذكرنا ا ه. ومقتضاه أنها لو أثمرت بعد القبض يصح في البيع في الموجود وقت البيع، فإطلاق المصنف تبعا للزيلعي محمول على ما إذا باع الموجود والمعدوم كما يفيده ما يأتي عن الحلواني، وما ذكره في الفتح من التفصيل محمول على ما إذا باع الموجود فقط، وعلى هذا فقول الفتح عقب ما قدمناه عنه: وكان الحلواني يفتي بجوازه في الكل الخ، لا يناسب التفصيل الذي ذكره، لأنه لا وجه لجواز البيع في الكل إذا وقع البيع على الموجود فقط، فاغتنم هذا التحرير. قوله: (وأفتى الحلواني بالجواز) وزعم أنه مروي عن أصحابنا، وكذا حكي عن الامام الفضلي، وقال: استحسن فيه لتعامل الناس وفي نزع الناس عن عادتهم حرج. قال في الفتح: وقد رأيت رواية في نحو هذا عن محمد في بيع الورد على الأشجار، فإن الورد متلاحق، وجوز البيع في الكل وهو قول مالك ا ه. قال الزيلعي: وقال شمس الأئمة السرخسي: والأصح أنه لا يجوز، لان المصير إلى مثل هذه الطريقة عند تحقق الضرورة ولا ضرورة هنا، لأنه يمكنه أن يبيع الأصول على ما بينا، أو يشتري الموجود ببعض الثمن، ويؤخر العقد في الباقي إلى وقت وجوده أو يشتري الموجود بجميع الثمن، ويبيح له الانتفاع بما يحدث منه، فيحصل مقصودهما بهذا الطريق، فلا ضرورة إلى تجويز العقد في المعدوم مصادما للنص. وهو ما روى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم ا ه. قلت: لكن لا يخفى تحقق الضرورة في زماننا، ولا سيما في مثل دمشق الشام كثيرة الأشجار والثمار، فإنه لغلبة الجهل على الناس لا يمكن إلزامهم بالتخلص بأحد الطرق المذكورة، وإن أمكن ذلك بالنسبة إلى بعض أفراد الناس لا يمكن بالنسبة إلى عامتهم وفي نزعهم عن عادتهم حرج كما علمت، ويلزم تحريم أكل الثمار في هذه البلدان إذ لا تباع إلا كذلك، والنبي (ص) إنما رخص في السلم للضرورة مع أنه بيع المعدوم، فحيث تحققت الضرورة هنا أيضا أمكن إلحاقه بالسلم بطريق الدلالة، فلم يكن مصادما للنص، فلذا جعلوه من الاستحسان، لان القياس عدم الجواز، وظاهر كلام الفتح الميل إلى الجواز، ولذا أورد له الرواية عن محمد، بل تقدم أن الحلواني رواه عن أصحابنا، وما ضاق الامر إلا اتسع، ولا يخفى أن هذا مسوغ للعدول عن ظاهر الرواية كما يعلم من رسالتنا المسماة نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف فراجعها. قوله: (لو الخارج أكثر)
63 ذكر في البحر عن الفتح أن ما نقله شمس الأئمة عن الامام الفضلي لم يقيده عنه بكون الموجود وقت العقد أكثر، بل قال عنه: أجعل الموجود أصلا، وما يحدث بعد ذلك تبعا. قوله: (ويقطعها المشتري) أي إذا طلب البائع تفريغ ملكه، وهذا راجع لأصل المسألة. قوله: (جبرا عليه) مفاده أنه لا خيار للمشتري في إبطال البيع إذ امتنع البائع عن إبقاء الثمار على الأشجار، وفيه بحث لصاحب البحر والنهر سيذكره الشارح آخر الباب. قوله: (فسد) أي مطلقا كما يرشد إليه التفصيل في القول المقابل له، فافهم. وعلل في البحر الفساد بأنه شرط لا يقتضيه العقد وهو شغل ملك الغير. قوله: (كشرط القطع على البائع) في البحر عن الولوالجية: باع عنبا جزافا وكذا الثوم في الأرض والجزر والبصل فعلى المشتري قطعه إذا خلى بينه وبين المشتري، لان القطع إنما يجب على البائع إذا وجب عليه الكيل أو الوزن، ولم يجب لأنه لم يبع مكايلة ولا موازنة. قوله: (وبه يفتى) قال في الفتح: ويجوز عند محمد استحسانا، وهو قول الأئمة الثلاثة، واختاره الطحاوي لعموم البلوى. قوله: (بحر عن الاسرار) عبارة البحر: وفي الاسرار الفتوى على قول محمد، وبه أخذ الطحاوي. وفي المنتقى: ضم إليه أبا يوسف، وفي التحفة والصحيح: قولهما. قوله: (لكن في القهستاني عن المضمرات) حقه أن يقول عن النهاية، لان عبارة القهستاني مع المتن وشرط تركها على الشجر والرضا به يفسد البيع عندهما، وعليه الفتوى كما في النهاية، ولا يفسد عند محمد إن بدا صلاح بعض وقرب صلاح الباقي، وعليه الفتوى كما في المضمرات ا ه. وما نقله القهستاني عن المضمرات مخالف لما في الهداية والفتح والبحر وغيرها من حكاية الخلاف في الذي تناهى صلاحه، فإنه صريح في تناهي الصلاح لا في بدوه، وأيضا المتبادر منه صلاح الكل. تأمل. قوله: (فتنبه) أشار به إلى اختلاف التصحيح وتخيير المفتي في الافتاء بأيهما شاء، لكن حيث كان قول محمد هو الاستحسان يترجح على قولهما. تأمل. قوله: (قيد باشتراط الترك) أي قيد المصنف الفساد به. قوله (مطلقا) أي بلا شرط ترك أو قطع، وظاهره ولو كان الترك متعارفا، مع أنهم قالوا المعروف عرفا كالمشروط نصا، ومقتضاه فساد البيع وعدم حل الزيادة. تأمل. قوله: (طلب به الزيادة) هي ما زاد في ذات المبيع، فلا ينافي ما قدمناه من أنه لو أثمرت ثمرا آخر، فإن قبل القبض فسد البيع أو بعده يشتركان فيه، لان ذاك في الزيادة على المبيع مما لم يقع عليه البيع، وهذا في زيادة ما وقع عليه البيع كما أفاده في النهر. وحاصله: أن المراد هنا الزيادة المتصلة لا المنفصلة. قوله: (تصدق بما زاد في ذاتها) لحصوله بجهة محظورة. بحر. وتعرف الزيادة بالتقويم يوم البيع والتقويم يوم الادراك، فالزيادة تفاوت ما بينهما. ط، عن العيني. قوله: (لم يتصدق بشئ) نعم عليه إثم غصب المنفعة. فتح. قوله: (بطلت الإجارة) وإن عين المدة. در منتقى. فإن أصل الإجارة مقتضى القياس فيها البطلان، إلا أن الشرع أجازها للحاجة فيما فيه تعامل، ولا تعامل في إجارة الأشجار المجردة فلا يجوز، وكذا
64 لو استأجر أشجارا ليجفف عليها ثيابه لم يجز. ذكره الكرخي. فتح. قوله: (لترك الزرع) الأولى تعبير الهداية وغيرها بقوله: إلى أن يدرك الزرع: أي إلى وقت إدراكه بلا ذكر مدة. قوله: (ولم تطب الزيادة) أي الزيادة على الثمرة وعلى ما غرم من أجرة المثل ط. عن العيني. مطلب: فساد المتضمن يوجب فساد المتضمن قوله: (كما حررناه في شرحه) ونصه لفساد الاذن بفساد الإجارة، وفساد المتضمن يوجب فساد المتضمن، بخلاف الباطل فإنه معدوم شرعا أصلا ووصفا، فلا يتضمن شيئا فكانت مباشرته عبارة عن الاذن ا ه ح. وحاصل الفرق كما في الفتح وغيره: أن الفاسد له وجود لأنه فائت الوصف دون الأصل، فكان الاذن ثابتا في ضمنه فيفسد، بخلاف الباطل فإنه لا وجود له أصلا فلم يوجد إلا الاذن، ولا يخفى أن هذا (1) الفرق ينافي ما مر أول البيوع من أن البيع بعد عقد فاسد أو باطل لا ينعقد قبل متاركة العقد الأول، وينافي فروعا أخر مذكورة في آخر الفن الثالث من الأشباه عند قوله: فائدة إذا بطل الشئ بطل ما في ضمنه فراجعها متأملا. قوله: (والحيلة) في أن يطيب للمشتري ما زاد في ذات المبيع وما لم يكن بارزا وقت العقد. قوله: (أن يأخذ) أي المشتري. قوله: (معاملة) أي مساقاة لمدة معلومة كما في القنية. قوله: (على أن له الخ) أي للبائع. قال في شرحه على الملتقى: وينبغي أن يقول المشتري للبائع بعد ما دفع الثمن: أخذت منك هذا الشجر معاملة على أن لك جزءا من ألف جزء ولي ألف جزء إلا جزءا: أي من الثمر. ذكره الشمني، وفيه أن المشتري قد أخذ الثمر شراء فكيف يأخذه معاملة، إلا أن يقال: إنه دفع له الثمن على وجه التبرع ويكون الاعتبار على عقد المعاملة ا ه. قلت: الشراء إنما وقع على البارز وقت العقد والمعاملة لأجل طيب ما لم يبرز بعد وطيب ما زاد (2) في ذات البارز، نعم هذه الحيلة إنما تتأتى إذا لم يكن الشجر وقفا أو ليتيم لعدم الحظ والمصلحة في أخذه جزءا من ألف جزء والباقي للمشتري، كما ذكر الشارح نظيره في أول كتاب الإجارة. قوله: (وأن يشتري الخ) هذه حيلة ثانية، وبيانها أن المشري إما أن يكون مما يوجد شيئا فشيئا وقد وجد بعضه، أو لم يوجد منه شئ كالباذنجان والبطيخ والخيار، أو يوجد كله لكنه لم
(1) قوله: (ولا يخفى ان هذا الخ) قال شيخنا لا منافاة أصلا، فان فساد البيع بالتعاطي بعد البطل لا يقتضي اعتباره لأنا انما حكمنا ببطلانه قبل المتاركة لافهام حالهما ان هذا التسليم بحكم العقد السابق زعما منهما اعتباره وثبوت حكم له وليس في هذا ما يدل على اعتبارنا له، وقوله ينافي فروعا أخر الخ. لتنظر تلك الفروع فلعلها من هذا القبيل فيتم ما قاله الشارح من التعليل ا ه. (2) قوله: (وطيب ما زاد الخ) حاصله ان اشترى الثمر الذي تناهى بروزه ولم يتم صلاحه، فالحيلة في ابقائها اخذ الأشجار مساقاة وفيه ان عقد المساقاة حينئذ يكون واردا على ما هو مملوك له، فيحتاج حينئذ لما أجاب به في شرح الملتقي في هذا دون ما لم يتناه بروزه. 65 يدرك كالزرع والحشيش، أو يكون وجد بعضه دون بعض كثمر الأشجار المختلفة الأنواع. ففي الأول يشتري الأصول ببعض الثمن ويستأجر الأرض مدة معلومة بباقي الثمن، لئلا يأمره البائع بالقلع قبل خروج الباقي أو قبل الادراك. وفي الثاني يشتري الموجود من الحشيش والزرع، ويستأجر الأرض كما قلنا. وفي الثالث يشتري الموجود من الثمر بكل الثمن، ويحل له البائع ما سيوجد، لان استئجار الأرض لا يتأتى هنا لان الأشجار باقية على ملك البائع وقيامها في الأرض مانع من صحة استئجار الأرض، إلا أن يأخذها أو لا معاملة كما مر، لأنها تصير في تصرفه أو تكون الأشجار على المسناة فإنها حينئذ لا تمنع صحة إجارة الأرض كما يعلم من بابها، ومسألة الاحلال تتأتى في الأول والثاني أيضا. قوله: (ببعض الثمن) تنازع فيه يشتري الأول ويشتري الثاني في المسألتين. وقوله: ويستأجر الأرض راجع للمسألتين أيضا كما علم مما قررناه. قوله: (وفي الأشجار الموجود) أي وفي ثمار الأشجار يشتري الموجود منها. قوله: (فإن خاف الخ) قال في جامع الفصولين: أقول: كتبت في لطائف الإشارات أنهم قالوا: قال وكلتك بكذا على أني كلما عزلتك فأنت وكيلي صح، وقيل: لا، فإذا صح يبطل العزل (1) عن المعلقة قبل وجود الشرط عند أبي يوسف، وجوزه محمد فيقول في عزله: رجعت عن الوكالة المعلقة وعزلتك عن الوكالة المنجزة ا ه رملي. وحاصله: أنه على قول محمد يمكن الرجوع هنا عن الاحلال بأن يقول: رجعت عن الاحلال المعلق وعن المنجز، فيتعين حينئذ الاحتيال بالعاملة على الأشجار كما مر. قوله: (في الترك ) المناسب في الاكل، لان فرض المسألة أنه أحل له ما يوجد في المستقبل، والترك إنما يناسب الموجود، إلا أن يدعي أن المراد ما يوجد من الزيادة في ذات المبيع الموجود. تتمة: اشترى الثمار على رؤوس الأشجار، فرأى من كل شجرة بعضها يثبت له خيار الرؤية. بحر. ثم ذكر حكم بيع المغيب في الأرض وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في أول البيع الفاسد. قوله: (ما جاز إيراد العقد عليه الخ) هذه قاعدة مذكورة في عامة المعتبرات مفرع عليها مسائل منها ما ذكر هنا. منح. قوله: (صح استثناؤه منه) أي من العقد كما هو مصرح به في عبارة الفتح، وهذا أولى من جعل الضمير في منه راجعا للمبيع المعلوم من المقام فافهم، ولا يصح إرجاعه إلى ما لأنها واقعة على المستثنى، فيلزم استثناء الشئ من نفسه كما لا يخفى. قال في الفتح: وبيع قفيز من صبرة جائز فكذا استثناؤه، بخلاف استثناء الحمل من الجارية أو الشاة وأطراف الحيوان لا يجوز، كما لو باع هذه الشاة إلا أليتها أو هذا العبد إلا يده، فيصير مشتركا متميزا، بخلاف ما لو كان مشتركا على الشيوع فإنه جائز ا ه: أي كبيع العبد إلا نصفه مثلا، لأنه غير متميز في جزء بعينه بل شائع في جميع أجزائه فيجوز. قوله: (يصح إفرادها) بأن يوصي بها وحدها بدون
(1) قوله: (يبطل العزل الخ) اي لان المعلقة لا تتحقق الا بوجود الشرط وهو العزل عن المنجزة فقبل وجود شرط المعلقة لا يصح العزل عنها. فقوله قبل وجود الشرط، اي شرط المعلقة ا ه. 66 الرقبة ا ه ح. قوله: (دون الاستثناء (1)) بأن يوصى له بعبد دون خدمته ا ه ح. وقيد بالخدمة لان الحمل يصح استثناؤه في الوصية، حتى يكون الحمل ميراثا والجارية وصية، والفرق أن الوصية أخت الميراث، والميراث يجري فيما في البطن، بخلاف الخدمة والغلة كالخدمة. بحر من البيع الفاسد. قوله: (وشاة معينة من قطيع) أما لو غير معينة فلا يجوز كثوب غير معين من عدل، أفاده في البحر. قوله: (وأرطال معلومة) أفاد أن محل الاختلاف الآتي ما إذا استثنى معينا، فإن استثنى جزءا كربع وثلث فإنه صحيح اتفاقا كما في البحر عن البدائع. قلت: وجهه أن ما يقدر بالرطل شئ معين، بخلاف الربع مثلا فإنه غير معين، بل هو جزء شائع كما قلنا آنفا، ونظيره ما قدمناه عند قوله: وفسد بيع عشرة أذرع من مائة ذراع من دار لا أسهم وقيد بالأرطال، لأنه لو استثنى رطلا واحدا جاز اتفاقا لأنه استثناء القليل من الكثير، بخلاف الأرطال لجواز أن لا يكون إلا ذلك القدر فيكون استثناء الكل من الكل، بحر عن البناية. ومقتضاه أنه لو علم أنه يبقى أكثر من المستثنى يصح، ولو المستثنى أرطالا على رواية الحسن الآتية وهو خلاف ما يدل عليه كلام الفتح من تعليل هذه الرواية بأن الباقي بعد إخراج المستثنى ليس مشارا إليه ولا معلوم الكيل المخصوص فكان مجهولا، وإن ظهر آخرا أنه بقي مقدار معين لان المفسد هو الجهالة القائمة ا ه. ومقتضاه الفساد باستثناء الرطل الواحد أيضا على هذه الرواية. تأمل. قوله: (لصحة إيراد العقد عليها) أي على القفيز والشاة المعينة والرطال المعلومة، وهو تعليل لقوله: فصح أفاد به دخول من ذكر تحت القاعدة المذكورة. قوله: (ولو الثمر على رؤوس النخل) فيصح إذا كان مجذوذا بالأولى لأنه محل وفاق. قوله: (على الظاهر) متعلق بقوله: فصح ومقابل ظاهر الرواية رواية الحسن عن الامام أنه لا يجوز، واختاره الطحاوي والقدوري، لان الباقي بعد الاستثناء مجهول، وفي الفتح: أنه أقيس بمذهب الامام في مسألة بيع الصبرة، وأجاب عنه في النهر، فراجعه. قوله: (بغير سنبل البر) متعلق ببيع، والباء فيه للبدل، قال الخير الرملي في حاشية البحر: وسيأتي في الربا أن بيع الحنطة الخالصة بحنطة في سنبلها لا يجوز، ويجب تقييده بما إذا لم تكن الحنطة الخالصة أكثر من التي في سنبلها، وقد صرح بذلك في الخانية ويعلم يذلك أنه يجوز بيع التي في سنبلها معه بالأخرى التي في سنبلها معه صرفا للجنس إلى خلافة ا ه. وبه ظهر أن قول المصنف كبيع بر في سنبله إن أراد به بيع الحب فقط كما يشعر به قول الشارح الآتي: وعلى البائع إخراجه فتقييده بقوله: بغير سنبل البر احتراز عما إذا باعه باعه بسنبل البر: أي بالبر مع سنبله، فإنه لا يجوز إذا لم يكن الحب الخالص أكثر، أما إذا كان أكثر، يكون الزائد بمقابلة التبن فيجوز، وإن أراد به بيع البر مع السنبل، فلا يصح تقييده بقوله: بغير سنبله لما علمت من جواز بيعه بمثله بأن يجعل الحب في أحدهما بمقابلة التبن في الآخر. قوله: (لاحتمال الربا) تعليل للمفهوم، وهو أنه لو بيع بسنبل البر لا يجوز لاحتمال أن يكون البر الذي بيع وحده مساويا للبر الذي بيع مع سنبله، أو
(1) قوله: (دون الاستثناء) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح دون استثنائها، ولعلها نسخة أخرى كتب عليها ا ه. 67 أقل فيكون الفضل ربا إلا إذا علم أن ما بيع وحده أكثر كما قلنا آنفا. قوله: (وباقلاء) هو القول. بحر. على وزن فاعلاء يشدد فيقصر، ويخفف فيمد الواحدة باقلاة في الوجهين. مصباح. قوله: (في قشرها الأول) وكذا الثاني بالأولى، لان الأول فيه خلاف الشافعي. قوله: (فعلى البائع إخراجه (1)) في البزازية: لو باع حنطة في سنبلها لزم البائع الدوس والتذرية. بحر. وكذا الباقلاء وما بعدها. قوله: (إلا إذا باع بما فيه) عبارته في الدر المنتقى: إلا إذا بيعت بما هي فيه ا ه. وهي أوضح: يعني إذا باع الحنطة بالتبن لا يلزم البائع تخليصه ط. قوله: (الوجه نعم) لأنه لم يره. فتح. وأقره في البحر والنهر. قوله: (وإنما بطل الخ) قال في الفتح: وأورد المطالبة بالفرق بين ما إذا باع حب قطن في قطن بعينه، أو نوى تمر في تمر بعينه: أي باع ما في هذا القطن من الحب، أو ما في هذا التمر من النوى فإنه لا يجوز مع أنه أيضا في غلافه أشار أبو يوسف إلى الفرق بأن النوى هناك معتبر عدما هالكا في العرف، فإنه يقال: هذا تمر وقطن. ولا يقال: هذا نوى في تمره، ولا حب في قطنه. ويقال: هذه حنطة في سنبلها، وهذا لوز وفستق في قشره، ولا يقال: هذه قشور فيها لوز، ولا يذهب إليه وهم، وبما ذكرنا يخرج الجواب عن امتناع بيع اللبن في الضرع، واللحم والشحم في الشاة، والالية والأكارع والجلد فيها، والدقيق في الحنطة، والزيت في الزيتون، والعصير في العنب ونحو ذلك حيث لا يجوز، لان كل ذلك منعدم في العرف. لا يقال: هذا عصير وزيت في محله، وكذا الباقي ا ه. قوله: (من نوى الخ) نشر مرتب ط. قوله: (لأنه من تمام التسليم) إذ لا يتحقق تسليم المبيع إلا بكيله ووزنه ونحوه ومعلوم أن الحاجة إلى هذا باع مكايلة أو موازنة، ونحوه إذ لا يحتاج إلى ذلك في المجازفة، وكذا صب الحنطة في وعاء المشتري على البائع. فتح. قوله: (وأجرة وزن ثمن ونقده) أما كون أجرة وزن الثمن على المشتري فهو باتفاق الأئمة الأربعة، وأما الثاني فهو ظاهر الرواية، وبه كان يفتي الصدر الشهيد، وهو الصحيح كما في الخلاصة، لأنه يحتاج إلى تسليم الجيد وتعرفه بالنقد كما يعرف المقدار بالوزن، ولا فرق بين أن يقول دراهمي منقودة أو لا، هو الصحيح، خلافا لمن فصل، وتمامه في النهر. قوله: (وقطع ثمر) في الفتح عن الخلاصة: وقطع العنب المشري جزافا على المشتري، وكذا كل شئ باعه جزافا كالثوم والبصل والجزر إذا خلى بينها وبين المشتري، وكذا قطع الثمر: يعني إذا خلى بينها وبين المشتري ا ه. قوله: (إلا إذا قبض البائع الثمن الخ) أي فإن أجرة النقد على البائع لأنه من تمام التسليم، وشرط لثبوت الرد، إذ لا تثبت زيادته إلا بنقده. قال في البحر: وأما أجرة نقد الدين فعلى المديون إلا إذا قبض رب الدين، ثم ادعى عدم النقد فالأجرة على رب الدين لأنه بالقبض دخل في ضمانه. قوله: (فبقدره) أي فيرد من الأجرة
(1) قوله: (فعلى البائع الخ) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح وعلى الخ بالواو ا ه مصححه. 68 بقدر ما ظهر زيفا، فيرد نصف الأجرة إن ظهر نصف الدراهم زيوفا، وما عزاه إلى البزازية رأيته أيضا في الخانية والولوالجية، ورأيت منقولا عن المحيط أنه لا أجر له بظهور البعض زيوفا لأنه لم يوف عمله ولا ضمان عليه. قوله: (فأجرته على البائع) وليس له أخذ شئ من المشتري، لأنه هو العاقد حقيقة شرح الوهبانية، وظاهره أنه لا يعتبر العرف هنا لأنه لا وجه له. قوله: (يعتبر العرف) فتجب الدلالة على البائع أو المشتري أو عليهما بحسب العرف. جامع الفصولين. قوله: (إن أحضر البائع السلعة) شرط لالزام المشتري بتسليم الثمن أولا، والشرط أيضا كون الثمن حالا، وأن لا يكون في البيع خيار للمشتري، فلا يطالب بالثمن قبل حلول الأجل ولا قبل سقوط الخيار. وأفاد أن للبائع حبس المبيع حتى يستوفي كل الثمن، فلو شرط دفع المبيع قبل نقد الثمن فسد البيع لأنه لا يقتضيه العقد. وقال محمد: لجهالة الاجل، فلو سمى وقت تسليم المبيع جاز وله الحبس وإن بقي منه درهم كما في البحر. وفي الفتح والدر المنتقى: لو هلك المبيع بفعل البائع أو بفعل المبيع أو بأمر سماوي، بطل البيع ويرجع بالثمن لو مقبوضا، وإن هلك بفعل المشتري: فعليه ثمنه إن كان البيع مطلقا أو بشرط الخيار له، وإن كان الخيار للبائع أو كان البيع فاسدا لزمه ضمان مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميا، وإن هلك بفعل أجنبي فالمشتري بالخيار، إن شاء فسخ البيع فيضمن الجاني للبائع ذلك، وإن شاء أمضاه ودفع الثمن واتبع الجاني، ويطيب له الفضل إن كان الضمان من خلاف الثمن، وإلا فلا ا ه. مطلب في حبس المبيع لقبض الثمن وفي هلاكه وما يكون قبضا تنبيه: للبائع حبس المبيع إلى قبض الثمن ولو بقي منه درهم، ولو المبيع شيئين بصفقة واحدة وسمى لكل ثمنا فله حبسهما إلى استيفاء الكل، ولا يسقط حق الحبس بالرهن ولا بالكفيل، ولا بإبرائه عن بعض الثمن حتى يستوفي الباقي، ويسقط بحوالة البائع على المشتري بالثمن اتفاقا، وكذا بحوالة المشتري البائع به على رجل عند أبي يوسف، وعند محمد: فيه روايتان، وبتأجيل الثمن بعد البيع وبتسليم البائع المبيع قبل قبض الثمن فليس له بعده رده إليه، بخلاف ما إذا قبضه المشتري بلا إذنه إلا إذا رآه ولم يمنعه من القبض فهو إذن، وقد يكون القبض حكميا. قال محمد: كل تصرف يجوز من غير قبض إذا فعله المشتري قبل القبض لا يجوز، وكل ما لا يجوز إلا بالقبض كالهبة إذا فعله المشتري قبل القبض جاز، ويصير المشتري قابضا ا ه. أي لان قبض الموهوب له يقوم مقام قبض المشتري، ومن القبض ما لو أودعه المشتري عند أجنبي أو أعاره وأمر البائع بالتسليم إليه لا لو أودعه أو أعاره أو أجره من البائع أو دفع إليه بعض الثمن وقال تركته عندك رهنا على الباقي، ومنه ما لو قال للغلام: تعالى معي وامش فتخظى أو أعتقه أو أتلف المبيع أو أحدث فيه عيبا أو أمر البائع بذلك ففعل أو أمره بطحن الحنطة فطحن أو وطئ الأمة فحبلت، ومنه ما لو اشترى دهنا ودفع قارورة يزنه فيها فوزنه فيها بحضرة المشتري فهو قبض، وكذا بغيبته في الأصح، وكذا كل مكيل أو موزون إذا دفع له الوعاء فكاله أو وزنه فيه بأمره، ومنه ما لو غصب شيئا ثم اشتراه صار قابضا، بخلاف الوديعة والعارية إلا إذا وصل إليه بعد التخلية، ولو اشترى ثوبا أو حنطة فقال للبائع
69 بعه، قال الامام الفضلي: إذا كان قبل القبض والرؤية كان فسخا وإن لم يقل البائع: نعم، لان المشتري ينفرد بالفسخ في خيار الرؤية، وإن قال بعه لي: أي كن وكيلا في الفسخ فما لم يقبل البائع لا يكون فسخا، وكذا لو بعد القبض والرؤية لكن يكون وكيلا بالبيع سواء قال بعه أو بعه لي، هذا كله ملخص ما في البحر. قوله: (أو ثمن بمثله) المراد بالثمن النقود من الدارهم والدنانير لأنها خلقت أثمانا ولا تتعين بالتعيين. قوله: (سلما معا) لاستوائهما في التعيين في الأول وفي عدمه في الثاني، أما في بيع سلعة بثمن فإنما تعين حق المشتري في المبيع، فلذا أمر بتسليم الثمن أولا ليتعين حق البائع أيضا تحقيقا للمساواة. قوله: (ما لم يكن الخ) الظرف الذي نابت عنه ما المصدرية الظرفية متعلق بقوله: ويسلم الثمن فكان المناسب ذكره عقب قوله: إن أحضر البائع السلعة بأن يقول: ولم يكن دينا الخ. قوله: (كسلم وثمن مؤجل) تمثيل لما إذا كان أحد العوضين دينا، فالأول مثال المبيع لان المراد بالسلم المسلم فيه، والثاني مثال الثمن. قوله: (ثم التسليم) أي في المبيع والثمن ولو كان البيع فاسدا كما في البحر ط. مطلب فيما يكون قبضا للمبيع قوله: (على وجه يتمكن من القبض) فلو اشترى حنطة في بيت ودفع البائع المفتاح إليه وقال: خليت بينك وبينها فهو قبض، وإن دفعه ولم يقل شيئا لا يكون قبضا، وإن باع دارا غائبة فقال: سلمتها إليك، فقال: قبضتها لم يكن قبضا، وإن كانت قريبة كان قبضا: وهي أن تكون بحال يقدر على إغلاقها وإلا فهي بعيدة وفي جمع النوازل: دفع المفتاح في بيع الدار تسليم إذا تهيأ له فتحه بلا كلفة، وكذا لو اشترى بقرا في السرح فقال البائع اذهب واقبض، وإن كان يرى بحيث يمكنه الإشارة إليه يكون قبضا، ولو اشترى ثوبا فأمره البائع بقبضه فلم يقبضه حتى أخذه إنسان: إن كان حين أمره بقبضه أمكنه من غير قيام صح التسليم، وإن كان لا يمكنه إلا بقيام لا يصح، ولو اشترى طيرا أو فرسا في بيت وأمره البائع بقبضه ففتح الباب فذهب، إن أمكنه أخذه بلا عون كان قبضا، وتمامه في البحر. مطلب في شروط التخلية وحاصله: أن التخلية قبض حكما لو مع القدرة عليه بلا كلفة، لكن ذلك يختلف بحسب حال المبيع، ففي نحو حنطة في بيت مثلا فدفع المفتاح إذا أمكنه الفتح بلا كلفة قبض، وفي نحو دار فالقدرة على إغلاقها قبض: أي بأن تكون في البلد فيما يظهر، وفي نحو بقر في مرعى فكونه بحيث يرى ويشار إليه قبض، وفي نحو ثوب، فكونه بحيث لو مد يده تصل إليه قبض، وفي نحو فرس أو طير في بيت إمكان أخذه منه بلا معين قبض. قوله: (بلا مانع) بأن يكون مفرزا غير مشغول بحق غيره، فلو كان المبيع شاغلا كالحنطة في جوالق البائع لم يمنعه. بحر. وفي الملتقط: ولو باع دارا وسلمها إلى المشتري وله فيها متاع قليل أو كثير، لا يكون تسليما حتى يسلمها فارغة وكذا لو باع أرضا وفيها زرع ا ه. وفي البحر عن القنية: لو باع حنطة في سنبلها فسلمها كذلك لم يصح كقطن في فراش، ويصح تسليم ثمار الأشجار وهي عليها بالتخلية وإن كانت متصلة بملك البائع. وعن الوبري: المتاع لغير البائع لا يمنع، فلو أذن له بقبض المتاع والبيت صح وصار المتاع وديعة عنده اه.
70 مطلب: اشترى دارا مأجورة لا يطالب بالثمن قبل قبضها قلت: ويدخل في الشغل بحق الغير ما لو كانت الدار مأجورة، فليس للبائع مطالبة المشتري بالثمن، لعدم القبض وهي واقعة الفتوى، سئل عنها ورأيت نقلها في الفصل الثاني والثلاثين من جامع الفصولين: باع المستأجر ورضي المشتري أن لا يفسخ الشراء إلى مضي مدة الإجارة ثم يقبضه من البائع، فليس له مطالبة البائع بالتسليم قبل مضيها ولا للبائع مطالبة المشتري بالثمن ما لم يجعل المبيع بمحل التسليم، وكذا لو شرى غائبا لا يطالبه بثمنه ما لم يتهيأ المبيع للتسليم ا ه. قوله: (ولا حائل) بأن يكون في حضرته ا ه ح. وقد علمت بيانه. قوله: (أن يقول خليت الخ) الظاهر أن المراد به الاذن بالقبض لا خصوص لفظ التخلية، لما في البحر: ولو قال البائع للمشتري بعد البيع خذ لا يكون قبضا، ولو قال خذه يكون تخلية إذا كان يصل إلى أخذه ا ه. وفي الفروع المارة ما يدل عليه أيضا. قوله: (أو كان بعيدا) أي وإن قال: خليت الخ كما مر، والمراد بالبعيد مالا يقدر على قبضه، بلا كلفة ويختلف باختلاف المبيع كما قررناه، أو المراد به حقيقته، ويقاس عليه ما شابهه. قوله: (وهو لا يصح به القبض) أي الاقرار المذكور ولا يتحقق به القبض، وقيد بالقبض لأن العقد في ذاته صحيح، غير أنه لا يجب على المشتري دفع الثمن لعدم القبض. قوله: (على الصحيح) وهو ظاهر الرواية، ومقابله ما في المحيط وجامع شمس الأئمة أنه بالتخلية يصح القبض، وإن كان العقار بعيدا غائبا عنهما عند أبي حنيفة خلافا لهما، وهو ضعيف كما في البحر. وفي الخانية: والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية لأنه إذا كان قريبا يتصور فيه القبض الحقيقي في الحال، فتقام التخلية مقام القبض، أما إذا كان بعيدا لا يتصور القبض في الحال، فلا تقام التخلية مقام القبض ا ه. هذا ثم إن ما ذكره الشارح هنا نقل مثله في أواخر الإجارات عن وقف الأشباه. ثم قال: قلت: لكن نقل محشيها ابن المصنف في زواهر الجواهر عن بيوع فتاوى قارئ الهداية أنه متى مضى مدة يتمكن من الذهاب إليها والدخول فيها كان قابضا، وإلا فلا، تنبيه ا ه. قلت: لكن أنت خبير بأن هذا مخالف للروايتين، ولا يمكن التوفيق بحمل ظاهر الرواية عليه، لان المعتبر فيها القرب الذي يتصور معه حقيقة القبض كما علمته من كلام الخانية. قوله: (وكذا الهبة والصدقة) أي لا تكون تخلية البعيد فيهما قبضا. قال في البحر: وعلى هذا تخلية البعيد في الإجارة غير صحيحة فكذا الاقرار بتسلمها ا ه. قلت: ومفاده أن تخلية القريب في الهبة قبض، لكن هذا في غير الفاسدة كما في الخانية حيث قال: أجمعوا على أن التخلية في البيع الجائز تكون قبضا، وفي البيع الفاسد روايتان، والصحيح أنه قبض، وفي الهبة الفاسدة كالهبة في المشاع الذي يحتمل القسمة لا تكون قبضا باتفاق الروايات. واختلفوا في الهبة الجائزة: ذكر الفقيه أبو الليث أنه لا يصير قابضا في قول أبي يوسف، وذكر شمس الأئمة الحلواني أنه يصير قابضا ولم يذكر فيه خلافا ا ه. تتمة: في البزازية قبض المشتري المشري قبل نقذه بلا إذن البائع فطلبه منه فخلى بينه وبين البائع لا يكون قبضا حتى يقبضه بيده، بخلاف ما إذا خلى البائع بينه وبين المشتري: اشترى بقرة
71 مريضة وخلاها في منزل البائع قائلا: إن هلكت فمني وماتت فمن البائع لعدم القبض، وكذا لو قال للبائع سقها إلى منزلك فاذهب فتسلمها فهلكت حال سوق البائع، فأن ادعى البائع التسليم فالقول للمشتري. قال المشتري للعبد: اعمل كذا أو قال للبائع: مره يعمل كذا، فعمل فعطب العبد هلك من المشتري لأنه قبض. قال المشتري للبائع: لا أعتمدك على المبيع فسلمه إلى فلان يمسكه حتى أدفع لك الثمن، ففعل البائع وهلك عند فلان هلك من البائع لان الامساك كان لأجله. اشترى وعاء لبن خائر في السوق فأمر البائع بنقله إلى منزله فسقط في الطريق، فعلى البائع إن لم يقبضه المشتري، اشترى في المصر حطبا فغصبه غاصب حال حمله إلى منزله فمن البائع، لان عليه التسليم في منزل الشاري بالعرف، قال للبائع زنه له وأبعثه مع غلامك أو غلامي ففعل وانكسر الوعاء في الطريق فالتلف من البائع، إلا أن يقول ادفعه إلى الغلام، لأنه توكيل للغلام والدفع إليه كالدفع إلى المشتري ا ه. قوله: (لسقوط حقه بالتسليم) فيه أن التسليم موجود أيضا فيما لو وجده رصاصا أو ستوقة، الأولى التعليل بما في المنح بأنه استوفى أصل حقه فلا يكون له حق نقض التسليم ا ه: أي لان الزيوف دراهم لكنها معيبة، ومثلها النبهرجة كما في المنية، بخلاف الرصاص والستوقة فإنها ليست دراهم فلم يوجد قبض الثمن أصلا فله نقض التسليم، وأفاد أن هذا لو سلم المبيع، أما لو قبضه المشتري بلا إذن البائع فله نقضه في الزيوف وغيرها كما في البزازية. قوله: (كما لو وجدها) الأولى وجده: أي الثمن المحدث عنه. قوله: (أو مستحقا) أي بأن أثبت رجل أن المقبوض حقه فيثبت للبائع استرداد السلعة لانتقاض الاستيفاء،. قوله: (وكالمرتهن) عبارة منية المفتي: والمرتهن يسترد في الوجوه كلها ا ه. أي: في الزيوف والرصاص وغيرها: أي لو قبض دينه وسلم الرهن لراهنه ثم ظهر ما قبضه زيوفا أو رصاصا أو ستوقة أو مستحقا فإنه يسترد الرهن. تنبيه: لو تصرف المشتري في المبيع بعد قبضه بيعا أو هبة ثم وجد البائع الثمن كذلك لا ينقض التصرف لان تصرف المشتري بعد القبض بإذن البائع كتصرفه، وإن كان قبضه بعد نقد الثمن بلا إذن البائع وتصرف فيه ثم وجد الثمن كذلك ينقض من التصرفات ما يحتمل النقض ولا ينقض ما لا يحتمل النقض. بزازية. وما يحتمل النقض كالبيع والهبة، وما لا يحتمله كالعتق وفروعه. قوله: (وإلا) أي وإن لم تكن قائمة سواء كانت هالكة أو مستهلكة. درر. قوله: كما لو علم بذلك أي بأنها زيوف لأنه يكون راضيا بها فلا يكون له رد ولا استرداد. قوله: (وقال أبو يوسف يرد مثل الزيوف الخ) لان الرجوع بالنقصان باطل لاستلزامه الربا، ولا وجه لابطال حقه في الجودة لعدم رضاه. درر قال في الحقائق نقلا عن العيون: إن ما قاله أبو يوسف حسن وأدفع للضرر، ولذا اخترناه للفتوى ا ه. وكذلك صرح في المجمع بأنه المفتى به. عزمية. قوله: (كما لو كانت رصاصا أو ستوقة) فإنها ترد اتفاقا. درر. وظاهر إطلاقه أنها ترد ولو علم بها وقت القبض لأنها ليست من جنس الأثمان ط.
72 مطلب: لو اشترى شيئا ومات مفلسا قبل قبضه فالبائع أحق قوله: (ومات مفلسا) أي ليس له مال يفي بما عليه من الديون سواء فلسه القاضي أو لا. قوله: (فالبائع أسوة للغرماء) أي يقتسمونه، ولا يكون البائع أحق به. درر. قوله: (فإن البائع أحق به) الظاهر أن المراد أنه أحق بحبسه عنده حتى يستوفي الثمن من مال الميت أو يبيعه القاضي ويدفع له الثمن، فإن وفى بجميع دين البائع فيها، وإن زاد دفع الزائد لباقي الغرماء، وإن نقص فهو أسوة للغرماء فيما بقي له، وليس المراد بكونه أحق به أنه يأخذه مطلقا، إذ لا وجه لذلك، لان المشتري ملكه وانتقل بعد موته إلى ورثته وتعلق به حق غرمائه، وإنما كان أحق من باقي الغرماء لأنه كان له حق حبس المبيع إلى قبض الثمن في حياة المشتري، فكذا بعد موته: وهذا نظير ما سيذكره المصنف في الإجارات، من أنه لو مات المؤجر وعليه ديون فالمستأجر أحق بالدار من غرمائه: أي إذا كانت الدار بيده وكان قد دفع الأجرة وانفسخ عقد الإجارة بموت المؤجر فله حبس الدار وهو أحق بثمنها، بخلاف ما إذا عجل الأجرة ولم يقبض الدار حتى مات المؤجر فإنه يكون أسوة لسائر الغرماء، ولا يكون له حبس الدار كما في جامع الفصولين: وكذا ما سيأتي في البيع الفاسد: لو مات بعد فسخه فالمشتري أحق به من سائر الغرماء فله حبسه حتى يؤخذ ماله، هكذا ينبغي حل هذا المحل، وبه ظهر جواب حادثة الفتوى، سئلت عنها وهي: ما لو مات البائع مفلسا بعد قبض الثمن وقبل تسليم المبيع للمشتري يكون المشتري أحق به، لأنه ليس للبائع حق حبسه في حياته، بل للمشتري جبره على تسليمه ما دامت عينه باقية، فيكون له أخذه بعد موت البائع أيضا، إذ لا حق للغرماء فيه بوجه، لأنه أمانة عند البائع، وإن كان مضمونا بالثمن لو هلك عنده، ومثله الراهن، فإن الراهن أحق به من غرماء المرتهن، والله سبحانه أعلم. قوله: (باع نصف الزرع الخ) صورة المسألة: رجل له أرض دفعها لأكار: أي فلاح، ودفع له البذر أيضا على أن يعمل الأكار فيها ببقرة بنصف الخارج فعمل وخرج الزرع فباع الأكار نصفه لرب الأرض جاز البيع، أما لو رب الأرض باع نصفه للاكار فلا يجوز لأنه يأمره بقلع ما باعه، ولا يمكن إلا بقلع الكل فيتضرر المشتري بقلع نصيبه الذي كان له قبل الشراء مستحقا للبقاء في الأرض إلى وقت الادراك، نعم إذا كان البذر من الأكار ويكون مستأجرا الأرض بنصف الخارج فليس لرب الأرض أمره بقلع ما باعه، فينبغي أن يجوز البيع لعدم الضرر. وهذه من مسائل بيع الحصة الشائعة من الزرع، وقدمنا الكلام عليها وعلى نظائرها أو كتاب الشركة. قوله: (قال في النهر الخ) أصله لصاحب البحر. وحاصل البحث أنه ينبغي على قياس هذا: أنه لو باع ثمرة بدون الشجر ولم يرض البائع
73 بإعارة الشجر أن يتخير المشتري أيضا، إن شاء أبطل البيع أو قطعها، لان في القطع إتلاف المال وفيه ضرر عليه، لكن تقدم تصريح المتن كغيره من المتون بقوله ويقطعها المشتري في الحال. وأيضا فما نقله عن جامع الفصولين مخالف أيضا لتصريح المصنف كغيره في بيع الشجر وحده أو الأرض وحدها بقوله: ويؤمر البائع بقطعهما: أي الزرع والثمر، وتسليم المبيع وإن لم يظهر صلاحه كما نبهنا عليه هناك، فافهم. والله سبحانه أعلم. باب خيار الشرط من إضافة الشئ إلى سببه، لان الشرط سبب للخيار. فإن الأصل في العقد اللزوم من الطرفين ولا يثبت لأحدهما اختيار الامضاء أو الفسخ ولو في مجلس العقد عندنا إلا باشتراط ذلك. قوله: (مبين في الدرر) حيث قال بعدما ترجم بباب خيار الشرط والتعيين: وقدمهما على باقي الخيارات لأنهما يمنعان ابتداء الحكم، ثم ذكر خيار الرؤية لأنه يمنع تمام الحكم، وأخر خيار العيب لأنه يمنع لزوم الحكم. وخيار الشرط أنواع: فاسد وفاقا، كما إذا قال: اشتريت على أني بالخيار، أو على أني بالخيار أياما أو أبدا، وجائز وفاقا، وهو أن يقول: على أني بالخيار ثلاثة أيام فما دونها. ومختلف فيه، وهو أن يقول: على أني بالخيار شهرا أو شهرين، فإنه فاسد عند أبي حنيفة وزفر والشافعي، جائز عند أبي يوسف ومحمد ا ه. وفي البحر: فرع: لا يصح تعليق خيار الشرط، بالشرط، فلو باعه حمارا على أنه إن لم يجاوز هذا النهر فرده يقبله وإلا لا لم يصح، وكذا إذا قال: ما لم يجاوز به إلى الغد، كذا في النية أه. قوله: (الثلاثة المبوب لها) أي التي ذكر لكل واحد منها باب، وهي خيار الشرط، وخيار الرؤية، وخيار العيب. قوله: (وخيار تعيين) هو أن يشتري أحد الشيئين أو الثلاثة على أن يعين أيا شاء، وهو المذكور في هذا الباب في قول المصنف: باع عبدين على أنه بالخيار في أحدهما الخ. قوله: (وغبن) وهو ما يأتي في المرابحة في قوله: (ولا رد بغبن فاحش في ظاهر الرواية) ويفتي بالرد إن غره: أي غر البائع المشتري، أو بالعكس، أو غره الدلال، وإلا فلا. قوله: (ونقد) هو ما يأتي قريبا في قوله: فإن اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن الخ. قوله: (وكمية) هو ما مر أول البيوع فيما لو اشترى بما في هذه الخابية الخ. وقدمنا بيانه. قوله: (واستحقاق) هو ما سيذكره في باب خيار العيب في قوله: (استحق بعض المبيع) فإن كان استحقاقه قبل القبض للكل خير في الكل، وإن بعده خير في القيمي لا في غيره. قوله: (وتغرير فعلي) أما القولي فهو ما مر في قوله: وغبن والفعلي كالتصرية، وهي أن يشد البائع ضرع الشاة ليجتمع لبنها فيظن المشتري أنها غزيرة اللبن. والخيار الوارد فيها أنه إذا حلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر، وبه أخذ الأئمة الثلاثة وأبو يوسف، وعندهما: يرجع بالنقصان فقط إن شاء، وسيأتي تمام الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى في خيار العيب عند قوله: اشترى جارية لها لبن. قوله: (وكشف حال) هو ما مر
74 أول البيوع فيما إذا اشترى بوزن هذا الحجر ذهبا أو بإناء أو حجر لا يعرف قدره، فقد ذكر الشارح هناك أن للمشتري الخيار فيهما، وقدمنا عن البحر هناك أن هذا الخيار خيار كشف الحال، ومنه ما ذكره بعده في بيع صبرة كل صاع بكذا، ومر الكلام عليه. قوله: (وخيانة مرابحة وتولية) هو ما سيأتي في المرابحة في قوله: فإن ظهر خيانة في مرابحة بإقرار أو برهان على ذلك أو نكوله عن اليمين أخذه المشتري بكل ثمنه أو رده لفوات الرضا وله الحط قدر الخانية في التولية لتتحقق التولية. قال ح: وينبغي أن تكون الوضيعة كذلك. قوله: (وفوات وصف مرغوب فيه) هو ما يذكره في هذا الباب في قوله: اشترى عبدا بشرط خبزه أو كتبه الخ. مطلب في هلاك بعض المبيع قبل قبضه قوله: (وتفريق صفقة بهلاك بعض مبيع) أي هلاكه قبل القبض، وقيد بالبعض لان هلاك الكل قبل قبضه فيه تفصيل قدمناه قبيل هذا الباب. وحاصله كما في جامع الفصولين: أنه إن كان بآفة سماوية أو بفعل البائع أو بفعل المبيع يبطل البيع وإن بفعل أجنبي يتخير المشتري، إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أجاز وضمن المستهلك ا ه. وذكره في البزازية أيضا. ثم قال: وإن هلك البعض قبل قبضه سقط من الثمن قدر النقض سواء كان نقصان قدر أو وصف، وخير المشتري بين الفسخ والامضاء، وإن بفعل أجنبي فالجواب فيه كالجواب في جميع المبيع، وإن بآفة سماوية: إن نقصان قدر طرح عن المشتري حصة الفائت من الثمن وله الخيار في الباقي، وإن نقصان وصف لا يسقط شئ من الثمن، لكنه يخير بين الاخذ بكل الثمن أو الترك، والوصف ما يدخل تحت البيع بلا ذكر كالأشجار والبناء في الأرض والأطراف في الحيوان والجودة في الكيلي والوزني، وإن بفعل العقود عليه فالجواب كذلك. وتمام الكلام فيها فراجعه. قوله: (وظهور المبيع مستأجرا أو مرهونا) أي ولو اشترى دارا مثلا فظهر أنها مرهونة أو مستأجرة يخير بين الفسخ وعدمه، وظاهره أنه لو كان عالما بذلك لا يخير، وهو قول أبي يوسف. وقالا: يتخير ولو عالما، وهو ظاهر الرواية كما في جامع الفصولين، وفي حاشيته للرملي: وهو الصحيح، وعليه الفتوى كما في الولوالجية ا ه. وكذا يخير المرتهن والمستأجر بين الفسخ وعدمه، وهو الأصح كما في جامع الفصولين. لكن في حاشيته للرملي عن الزيلعي أن المرتهن ليس له الفسخ في أصح الروايتين. وفي العمادية أن المستأجر له ذلك في ظاهر الرواية. وذكر شيخ الاسلام أن الفتوى على عدمه، وسيأتي في فصل الفضولي أن من الموقوف بيع المرهون والمستأجر والأرض في مزارة الغير على إجازة مرتهن ومستأجر ومزارع أه. فإن أجاز المستأجر أو المرتهن فلا خيار للمشتري، وإن لم يجز فالخيار للمشتري في الانتظار والفسخ، وسيأتي تمامه في فصل الفضولي. قوله: (أشباه) قال فيها: وكلها يباشرها العاقدان إلا التحالف فإنه لا ينفسخ به، وإنما يفسخه القاضي، وكلها تحتاج إلى الفسخ، ولا ينفسخ شئ منها بنفسه ا ه ح. قوله: (ويفسخ بإقالة وتحالف) لا يخفى أن الكلام في الخيار لا في مجرد الفسخ، لكن قد يجاب بأنه لو أقال أحدهما الآخر فالآخر بالخيار بين القبول وعدمه، وكذا يخير كل منهما بين الحلف وعدمه، فلو اختار عدم الحلف
75 يلزمه دعوى صاحبه. وصورة التحالف أن يختلفا في قدر ثمن أو مبيع أو فيهما ويعجزا عن البينة ولم يرض واحد منهما بدعوى الآخر تحالفا وفسخ القاضي البيع بطلب أحدهما، والمسألة مبسوطة في باب دعوى الرجلين من كتاب الدعوى. قوله: (صح شرطه) أي شرط الخيار المذكور، وصرح بفاعل صح إشارة إلى أن ضمير صح الواقع في عبارة الكنز وغيره عائد إلى المضاف إليه في الترجمة. قال في البحر: والظاهر أن الضمير يعود إلى الخيار، وفي الوقاية والنقاية: صح خيار الشرط فأبرزه، والأولى ما في الاصطلاح: صح شرط الخيار، لان الموصوف بالصحة شرط الخيار لا نفس الخيار ا ه. فالضمير على الأول في كلام البحر عائد إلى المضاف، وعلى الأخير إلى المضاف إليه، وبه جزم في النهر فقال: الضمير في صح يعود إلى المضاف إليه بقرينة صح، ولقد أفصح المصنف عنه في الخلع حيث قال: وصح شرط الخيار لها في الخلع لا له، ومن غفل عن هذا ما قال ا ه. قلت: فيه نظر، فإن الشرط الواقع في الترجمة عام بقرينة الإضافة، ولقولهم إنه من إضافة الحكم إلى سببه: أي الخيار الواقع بسبب الشرط، فلا يصح عود الضمير إلى الشرط المذكور، لان الموصوف بالصحة، شرط خاص وهو شرط الخيار الذي أفصح عنه في الخلع، وأين العام من الخاص؟ وما في الاصلاح لا يصلح دليلا على عوده إلى الشرط، بل هو تركيب آخر صحيح في نفسه. والأحسن ما استظهره في البحر من عوده إلى الخيار، لكن بقيد وصفه بالمشروطية، فإنه في الأصل من إضافة الموصوف إلى صفته: أي الخيار المشروط وهذا لا ينافي كون الشرط سببا للحكم، كما أفاده الحموي. وقد يقال: إن خيار الشرط مركب إضافي صار علما في اصطلاح الفقهاء على ما يثبت لاحد المتعاقدين من الاختيار بين الامضاء والفسخ، وكذا خيار الرؤية وخيار التعيين وخيار العيب، كما صار الفاعل والمفعول به ونحو ذلك من التراجم علما في اصطلاح النحويين على شئ خاص عندهم، وعلى هذا يعود الضمير في صح إلى هذا المركب الإضافي، وهو ما أفصح عنه في الوقاية والنقاية كما مر، فكان ينبغي للمصنف متابعتهما لخلوه من التكليف والتعسف. قوله: (ولو وصيا) وكذا لو وكيلا. قال في البحر: ولو أمره ببيع مطلق فعقد بخيار له أو للآمر أو لأجنبي صححاه، ولو أمره ببيع بخيار للآمر فشرطه لنفسه لا يجوز ولو أمره بشراء بخيار للآمر فاشتراه بدون الخيار نفذ الشراء عليه دون الآمر للمخالفة، بخلاف ما إذا أمره ببيع بخيار فباع باتا حيث يبطل أصلا ا ه ملخصا ط. وسيذكر الشارح الفرق بين الفرعين الأخيرين. قوله: (ولغيرهما) ويثبت الخيار لهما مع ذلك الغير أيضا، كما سيأتي في قول المصنف: ولو شرط المشتري الخيار لغيره صح الخ. قوله: (ولو بعد العقد) ربما يتوهم اختصاصه بقوله: ولغيرهما مع أنه جار في الأقسام الثلاثة ، فلو قدمه وقال صح شرطه، ولو بعد العقد لكان أولى ا ه ح. فلو قال أحدهم بعد البيع ولو بأيام: جعلتك بالخيار ثلاثة أيام، صح إجماعا بحر. قوله: (لا قبله) فلو قال جعلتك بالخيار في البيع الذي نعقده ثم اشترى مطلقا لم يثبت. بحر عن التتارخانية. قوله: (أو بعضه) لا فرق في ذلك بين كون الخيار للبائع أو للمشتري، ولا بي أن يفصل الثمن أو لا، لان نصف الواحد لا يتفاوت. ط عن النهر. قوله: (كثلثه أو ربعه) مثله ما إذا كان المبيع متعددا وشرط الخيار في معين
76 منه مع تفصيل الثمن كما يأتي قبيل خيار التعيين اه ح. قوله: (ولو فاسدا) أي ولو كان العقد الذي شرط فيه الخيار فاسدا وكان الأقعد في التركيب أن يقول صح شرطه ولو بعد العقد ولو فاسدا كما لا يخفى ح. وفائدة اشتراطه في الفاسد مع أن لكل منهما الفسخ بدونه ما قيل إنه يثبت لمن اشترط ولو بعد القبض، ولا يتوقف على القضاء به أو الرضا ا ه. قلت: وفيه نظر، لأنه إن كان الضمير في قوله: ولا يتوقف الخ عائد إلى الخيار فهو لا يتوقف على ذلك مطلقا، أو إلى فسخ البيع الفاسد فكذلك، نعم تظهر الفائدة في أنه لو كان الخيار للبائع أو لهما وقبضه المشتري بإذن البائع لا يدخل في ملك المشتري مع أنه لولا الخيار ملكه بالقبض، فافهم. قوله: (فالقول لنا فيه) لأنه خلاف الأصل كما في البحر وهو مكرر مع ما يأتي متنا ا ه ح. قوله: (على المذهب) وعند محمد: القول لمدعيه والبينة للآخر عن البحر. قوله: (ثلاثة أيام) لكن إن اشترى شيئا مما يتسارع إليه الفساد، ففي القياس: لا يجبر المشتري على شئ، وفي الاستحسان: يقال له إما أن تفسخ البيع أو تأخذ المبيع، ولا شئ عليك من الثمن حتى تجيز البيع أو يفسد المبيع عندك دفعا للضرر من الجانبين. بحر عن الخانية. تنبيه: اعلم أن الخيار في العقود كلها لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام إلا في الكفالة في قول الإمام . زاد في البزازية: وللمحتال، وكذا في الوقف، لان جوازه على قول الثاني وهو غير مقيد عنده بالثلاث. در منتقى. وتمامه في النهر. قوله: (وفسد عند إطلاق) أي عند العقد. أما لو باع بلا خيار ثم لقيه بعد مدة فقال له: أنت بالخيار فله الخير ما دام في المجلس بمنزلة قوله لك الإقالة كما في البحر عن الولوالجية وغيرها، وحمل عليه قول الفتح: لو قال له: أنت بالخيار فله خيار المجلس فقط. قال في النهر: ولم أر من فرق بينهما، ويظهر لي أن المفسد في الثاني أن الاطلاق وقت العقد مقارن فقوي عمله وفي الأول بعد التمام فضعف وقد أمكن تصحيحه بإمكان الخيار له في المجلس ا ه. تنبيه: قدمنا عن الدرر أنه لو قال علي أتى بالخيار أياما فهو فاسد، واعترض في الشرنبلالية بأن قولهم لو حلف لا يكلمه أياما يكون على ثلاثة، ومقتضاه أن يكون هنا كذلك تصحيحا لكلام العاقل عن الالغاء، وإلا فما الفرق. قلت: قد يجاب بأن أياما في الحلف يصح أن يراد منه الثلاثة والعشرة مثلا، لكن اقتصر على الثلاثة لأنها المتيقن، وذلك لا ينافي صحة إرادة ما فوقها، حتى لو نوى الأكثر حنث، بخلافه هنا فإن الثلاثة لازمة بالنص البتة، ولفظ أياما صالح لما فوقها وما فوقها مفسد للعقد فلا ينفعنا حمله على الثلاثة لأنه لا يقطع الاحتمال. قوله: فلكل فسخه شمل من له الخيار منهما والآخر، وهذا على القول بفساده ظاهر، وكذا على القول الآتي بأنه موقوف. قال في الفتح: ذكر الكرخي نصا عن أبي حنيفة: أن البيع موقوف على إجازة المشتري وأثبت للبائع حق الفسخ قبل الإجازة، لان لكل من المتعاقدين حق الفسخ في البيع الموقوف ا ه. قوله: (خلافا لهما) فعندهما: يجوز إذا سمى مدة معلومة. فتح. قوله: (غير أنه يجوز إن أجاز في الثلاثة) وكذا لو أعتق
77 العبد أو مات العبد المشتري أو أحدث به ما يوجب لزوم البيع ينقلب البيع جائزا عند أبي حنيفة، وتمامه في البحر عن الخانية. قوله: (في الثلاثة) ولو في ليلة الرابع. قهستاني. قوله: (فينقلب صحيحا الخ) لأنه قد زال المفسد قبل تقرره، وذلك أن المفسد ليس هو شرط الخيار بل وصله بالرابع، فإذا أسقطه تحقق زوال المعنى المفسد قبل مجيئه فيبقى العقد صحيحا. ثم اختلفوا في حكم هذا العقد في الابتداء، فعند مشايخ العراق حكمه الفساد ظاهرا، إذ الظاهر دوامهما على الشرط، فإذا أسقطه تبين خلاف الظاهر فينقلب صحيحا، وقال مشايخ خراسان والامام السرخسي وفخر الاسلام وغيرهما من مشايخ ما وراء النهر: هو موقوف، وبالاسقاط قبل الرابع ينعقد صحيحا، وإذا مضى جزء من الرابع فسد العقد الآن وهو الأوجه، كذا في الظهيرية والذخيرة، فتح ملخصا، وتمامه فيه، ولكن الأول ظاهر الرواية، بحر ومنح. وفي الحدادي: فائدة الخلاف تظهر في أن الفاسد يملك إذا اتصل به القبض، والموقوف لا يملك إلا أن يجيزه المالك، ونظر فيه بأن الفاسد أيضا لا يملك إلا بإذن البائع كما في المجمع. والأولى أن يقال: إنها تظهر في حرمة المباشرة وعدمها، فتحرم على الأول لا على الثاني. نهر. قلت: وفي التنظير نظر، فإن الملك في الفاسد يحصل بقبض المبيع بإذن البائع، فالمتوقف فيه على إذن البائع هو القبض لا نفس الملك. وأما الموقوف كبيع الفضولي فإن الملك يتوقف فيه على إجازة المالك البيع فتبقى ثمرة الخلاف ظاهرة، لكن ما قدمناه قريبا عن الخانية من أنه لو أعتق العبد ينقلب جائزا يشمل ما قبل القبض مع أن قوله ينقلب جائزا إنما يناسب القول بأنه فاسد لا موقوف، فيفيد حصول الملك قبل القبض، ويؤيده ما مر من أن حكمه عند مشايخ العراق الفساد ظاهرا، فيدل على أنه لا فساد في نفس الامر، ولذا قال في الفتح: إن حقيقة القولين أنه لا فساد قبل الرابع بل هو موقوف، ولا يتحقق الخلاف لا بإثبات الفساد على وجه يرتفع شرعا بإسقاط الخيار قبل مجئ الرابع، كما هو ظاهر الهداية. قوله: (في لازم) أخرج به الوصية، فلا محل للخيار فيها لان للموصي الرجوع فيها ما دام حيا، وللموصي له القبول وعدمه، أفاده ط. ومثلها العارية والوديعة. قوله: (يحتمل الفسخ) أخرج ما لا يحتمله كنكاح وطلاق وخلع وصلح عن قود. واستشكل في جامع الفصولين النكاح بفسخه بالردة وملك أحدهما الآخر فإنه فسخ بعد التمام، أما فسخه بعدم الكفاءة والعتق والبلوغ فهو قبل التمام. قلت: قد يجاب بأن المراد بما يحتمل الفسخ ما يحتمله بتراضي المتعاقدين قصدا، وفسخ النكاح بالردة والملك ثبت تبعا. قوله: (كمزارعة ومعاملة) أي مساقاة وهذان ذكرهما في البحر بحثا فقال: وينبغي صحته في المزارعة والمعاملة لأنهما إجارة مع أنه جزم بذلك في الأشباه. قال الحموي: يحتمل أنه ظفر بالمنقول بعد ذلك، فإن تصنيف البحر سابق. قوله: (وإجارة) فلو فسخ في اليوم الثالث هل يجب عليه أجر يومين؟ أفتى صط أنه لا يجب، لأنه لم يتمكن من الانتفاع بحكم الخيار، لأنه لو انتفع يبطل خياره، جامع الفصولين. قوله: (وقسمة) لأنها بيع من وجه. قوله: (وصلح على مال) احترز به عن صلح عن قود، لأنه لا يحتمل الفسخ كما مر. قوله: (ورهن) كان
78 ينبغي تقديمه على الخلع أو تأخيره عن العتق، لان قول المتن: على مال راجع للخلع أيضا، ولا يصح رجوعه للرهن كما لا يخفى وكان ينبغي أن يذكر الطلاق على مال أيضا لأنه معاوضة من جانب المرأة كالخلع، وكما أن العتق على مال معاوضة من جانب العبد ا ه ح. قوله: (لزوجة وراهن وقن) لأن العقد في جانبهم لازم يحتمل الفسخ، بخلاف الزوج والسيد فإن العقد من جانبهما وإن كان لازما لكنه لا يحتمل الفسخ، لأنه يمين. وبخلاف المرتهن فإن العقد من جانبه غير لازم أصلا، وحينئذ فيجب ذكرهم في المقابل ا ه ح. أي فيما لا يصح فيه الخيار. ويمكن أن يقال: إن الخلع والعتق على مال داخلان في قوله الآتي: ويمين تأمل. وقوله: لازم يحتمل الفسخ: أي قبل تمامه بالقبول، أما بعد القبول من الزوجة والراهن والقن فلا يحتمله. قوله: (ككفالة) أي بنفس أو مال وشرط الخيار للمكفول له أو للكفيل. بحر. وقدمنا أن الخيار في الكفالة والحوالة يصح أكثر من ثلاثة أيام. قوله: (وحوالة) إذا شرط للمحتال أو المحال عليه لأنه يشترط رضاه ط. قوله: (وإبراء) بأن قال: أبرأتك على أني بالخيار، ذكره فخر الاسلام من بحث الهزل. بحر. قال ط: لكن نقل الشريف الحموي عن العمادية: لو أبرأه من الدين على أنه بالخيار فالخيار باطل، ولعل في المسألة خلافا ا ه. قلت: وبالثاني جزم الشارح في أول كتاب الهبة وعزاه إلى الخلاصة. قوله: (ووقف) فيه أنه لا يحتمل الفسخ. تأمل. قوله: (عند الثاني) لأنه عنده لازم. وعند محمد: وإن كان كذلك، لكنه اشترط أن لا يكون فيه خيار شرط ولو معلوما، وقدمنا في الوقف أن الخلاف في غير المسجد، فلو فيه صح الوقف وبطل الخيار. قوله: (فهي ستة عشر) أي مع البيع. قوله: (لا في نكاح الخ) لأنها لا تحتمل الفسخ. قوله: (وطلاق) أي بلا مال لما عرفت، وينبغي أن يكون الخلع بلا مال مثله ا ه ح. قوله: (وإقرار الخ) عبارته مع المتن في كتاب الاقرار: أقر بشئ على أنه بالخيار ثلاثة أيام لزمه بلا خيار، لان الاقرار إخبار فلا يقبل الخيار، وإن صدقه المقر له في الخيار إلا إذا أقر بعقد بيع وقع بالخيار له فيصح باعتبار العقد إذا صدقه أو برهن الخ. قوله: (ووكالة ووصية) فلا خيار فيهما لعدم اللزوم من الطرفين ولزوم الوكالة في بعض الصور نادر. أفاده ط. وهذان زادهما في النهر بحثا أخذا مما مر في قوله: في لازم. قوله: (فهي تسعة) يزاد عاشر وهو الهبة، لما سيذكره المصنف في بابها من أن حكمها عدم صحة خيار الشرط فيها الخ. مطلب: المواضع التي يصح فيها خيار الشرط والتي لا يصح قوله: (وقد كنت غيرت ما نظمه في النهر) فإن نظم النهر كان هكذا: والصلح والخلع مع الحوالة * والوقف والقسمة والإقالة وليس في هذا التغيير كبير فائدة مع أنهما لم يستوفيا الأقسام كما قاله ح: أي لأنهما أسقطا من القسم الأول المزارعة والمعاملة والكتابة، ومن الثاني الوصية، لكن الظاهر أن إسقاط الكتابة ذهول، وأما ما عداها فلكونه بحثا كما علمته مما مر.
79 قلت: وقد كنت نظمت، جميع مسائل القسمين مشيرا إلى البحث منها مع زيادة الهبة في القسم الثاني فقلت: يصح خيار الشرط في ترك شفعة * وبيع وإبراء ووقف كفاله وفي قسمة خلع وعتق إقالة * وصلح عن الأموال ثم الحوالة مكاتبة رهن كذاك إجارة * وزيد مساقاة مزارعة له وما صح في نذر نكاح ألية * وفي سلم صرف طلاق وكاله وإقرار إيهاب وزيد وصية * كما مر بحثا فاغتنم ذي المقالة قوله: (والخلع) بالرفع خبره كذا، ولا يصح جعل كذا خبرا عن القسمة لأنه مجرور بالعطف على ما قبله، نعم يصح متعلقا بمحذوف حالا من الخلع. مطلب: خيار النقد قوله: (على أنه أي المشتري الخ) وكذا لو نقد المشتري الثمن على أن البائع إن رد الثمن إلى ثلاثة فلا بيع بينهما صح أيضا، والخيار في مسألة المتن للمشتري لأنه المتمكن من إمضاء البيع وعدمه، وفي الثاني للبائع، حتى لو أعتقه صح ولو أعتقه المشتري لا يصح. نهر. تنبيه: ذكر في البحر هنا بيع الوفاء تبعا للخانية قائلا لأنه من أفراد مسألة خيار النقد أيضا، وذكر فيه ثمانية أقوال، ذكره الشارح آخر البيوع قبيل كتاب الكفالة، وسيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (فلو لم ينقد في الثلاث فسد) هذا لو بقي المبيع على حاله. قال في النهر: ثم لو باعه المشتري ولم ينقد الثمن في الثلاث جاز البيع وكان عليه الثمن، وكذا لو قتلها في الثلاث أو مات أو قتلها أجنبي خطأ وغرم القيمة، ولو وطئها وهي بكر أو ثيب أو جنى عليها أو حدث بها عيب لا بفعل أحد ثم مضت الأيام ولم ينقد خير البائع، إن شاء أخذها مع النقصان ولا شئ له من الثمن، وإن شاء تركها وأخذ الثمن، كذا في الخانية ا ه. قوله: (فنفذ عتقه الخ) أي وعليه قيمته. بحر عن الخانية. وهذا تفريع على قوله فسد. قال في النهر: واعلم أن ظاهر قوله: فلا بيع يفيد أنه إن لم ينفذ في الثلاث ينفسخ. قال في الخانية: والصحيح أنه يفسد ولا ينفسخ، حتى لو أعتقه بعد الثلاث نفذ عنقه إن كان في يده ا ه. وأما عتقه قبل مضي الثلاث فينفذ بالأولى، كما لو باعه كما مر لأنه بمعنى خيار الشرط، قوله: (وإن اشترى كذلك) أي على أنه إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام. قوله: (لا يصح) والخلاف السابق في أنه فاسد أو موقوف ثابت هنا. نهر عن الذخيرة. قوله: (خلافا لمحمد) فإنه جوزه إلى ما سمياه. قوله: (فلو ترك التفريع) أي في قوله:
80 فإن اشترى فإن الالحاق يقتضي المغايرة والتفريع يقتضي أنه من فروعه. قال في الدرر: لم يذكره بالفاء كما ذكره في الوقاية إشارة إلى أنه ليس من صور خيار الشرط حقيقته ليتفرع عليه بل أورده عقيبه لأنه في حكمه معنى ا ه. قال محشيه خادمي أفندي: أقول الواقع في الزيلعي كونها من صوره، وقد قال صدر الشريعة في وجه إدخال الفاء: إنه فرع مسألة خيار الشرط، لأنه إنما شرع ليدفع بالفسخ الضرر عن نفسه سواء كان الضرر تأخير أداء الثمن أو غيره، على أن قوله لأنه في حكمه يصلح أن يكون علة مصححة لدخول الفاء: قوله: (ولا يخرج مبيع عن ملك البائع مع خياره) لأنه يمنع الحكم، وفي قوله: عن ملك البائع إيماء إلى أن البائع هو المالك، فلو كان فضوليا كان اشتراط الخيار له مبطلا للبيع، لان الخيار له بدون الشرط (1) كما في فروق الكرابيسي. ولا يرد الوكيل بالبيع إذا باع بشرط الخيار له لأنه كالمالك حكما، نهر. قوله: (فقط) قيد به وأن كان الحكم كذلك إذا كان الخيار لهما، لان المصنف سيذكره صريحا، وإلا لزم التكرار، فافهم. قوله: (فيهلك) بكسر اللام ط. قوله: (على المشتري بقيمته) لان البيع ينفسخ بالهلاك لأنه كان موقوفا، ولا نفاذ بدون بقاء المحل فبقي مقبوضا بيده على سوم الشراء وفيه القيمة، كذا في الهداية. ولا فرق في مسألة المصنف بين هلاكه في مدة الخيار مع بقائه أو بعدما فسخ البائع البيع كما في جامع الفصولين. وأما إذا هلك في يده بعد المدة بلا فسخ فيها فإنه يهلك بالثمن لسقوط الخيار، ولو ادعى هلاكه في يد المشتري ووجوب القيمة وادعى المشتري إباقه من يده فالقول به بيمينه، لأن الظاهر حياته ويتم البيع، ولو ادعى البائع الإباق والمشتري الموت فالقول للبائع بيمينه، كذا في (السراج). بحر. قوله: (إذا قبضه بإذن البائع) وكذا بلا إذنه بالأولى ط. وأما إذا هلك في يد البائع انفسخ البيع ولا شئ عليهما كما في المطلق عنه، وإن تعيب في يد البائع فهو على خياره، لان ما انتقض بغير فعله لا يكون مضمونا عليه ولكن المشتري يتخير، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء فسخ كما في البيع المطلق، وإذا كان العيب بفعل البائع ينتقص المبيع فيه بقدره، لان ما يحدث بفعله يكون مضمونا عليه ويسقط به حصته من الثمن. بحر عن الزيلعي. ويأتي حكم تعيبه في يد المشتري. قوله: (يوم قبضه) ظرف لقيمته ح. قوله: (فإنه بعد بيان الثمن مضمون بالقيمة) أطلقه فشمل بيان الثمن من البائع أو المساوم، وخصه الطرسوسي في أنفع الوسائل بالثاني. ورده في البحر بأنه خطأ لما في الخانية: طلب منه ثوبا ليشتريه فأعطاه ثلاثة أثواب وقال هذا بعشرة وهذا بعشرين وهذا بثلاثين فأحملها فأي ثوب ترضى بعته منك فحمل فهلكت عند
(1) قوله: (لان الخيار له بدون الشرط) فيه انه يكون حينئذ اشتراطا لشئ من مقتضيات العقد وهو لا يقتضي البطلان. وأجاب شيخنا بما حاصله: انه لما كان الخيار ثابتا له بدون الشرط تعين صرف ما ثبت بالشرط ال نفس العقد لا الحكم الذي هو المحل الأصلي للخيار لشغله بالخيار الأول صونا لكلام العاقل عن الالغاء والعقد لا يقبل التعليق بالشرط ا ه. 81 المشتري. قال الإمام ابن الفضل: إن هلكت جملة أو متعاقبا ولا يدري الأول وما بعده ضمن ثلث الكل، وإن عرف الأول لزمه ذلك الثوب والثوبان أمانة، وإن هلك اثنان ولا يعلم أيهما الأول ضمن نصف كل منهما ورد الثالث لأنه أمانة، وإن نقص الثالث ثلثه أو ربعه لا يضمن النقصان، وإن هلك واحد فقط لزمه ثمنه ويرد الثوبين ا ه ملخصا. قال في البحر: فهذا صريح في أن بيان الثمن من جهة البائع يكفي للضمان ا ه. وأجاب العلامة المقدسي بأن مراد الطرسوسي أنه لا بد من تسمية الثمن من الجانبين حقيقة أو حكما، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فبأن يسمى أحدهما ويصدر من الآخر ما يدل على الرضا به. ثم قال: ومن نظر عبارة الطرسوسي وجدها تنادي بما ذكرناه ا ه. مطلب في المقبوض على سوم الشراء قلت: وبيان ذلك أن المساوم إنما يلزمه الضمان إذا رضي بأخذه بالثمن المسمى على وجه الشراء، فإذا سمى الثمن البائع وتسلم المساوم الثوب على وجه الشراء يكون راضيا بذلك، كما أنه إذا سمى هو الثمن وسلم البائع يكون راضيا بذلك، فكأن التسمية صدرت منهما معا، بخلاف ما إذا أخذه على وجه النظر لأنه لا يكون ذلك رضا بالشراء بالثمن المسمى. قال في القنية: سم عن أبي حنيفة قال له: هذا الثوب لك بعشرة دراهم فقال: هاته حتى أنظر فيه أو قال حتى أريه غيري، فأخذه على هذا وضاع لا شئ عليه، ولو قال: هاته، فإن رضيته أخذته فضاع فهو على ذلك الثمن ا ه. قلت: ففي هذا وجدت التسمية من البائع فقط، لكن لما قبضه المساوم على وجه الشراء في الصورة الأخيرة صار راضيا بتسمية البائع فكأنها وجدت منهما، أما في الصورة الأولى والثانية فلم يوجد القبض على وجه الشراء، بل على وجه النظر منه أو من غيره فكأنه أمانة عنده فلم يضمنه. ثم قال في القنية ط.: أخذ منه ثوبا وقال: إن رضيته اشتريته فضاع فلا شئ عليه، وإن قال: إن رضيته أخذته بعشرة فعليه قيمته، ولو قال صاحب الثوب هو بعشرة فقال المساوم: هاته حتى أنظر إليه وقبضه على ذلك وضاع لا يلزمه شئ. قلت: ووجهه أنه في الأول لم يذكر الثمن من أحد الطرفين فلم يصح كونه مقبوضا على وجه الشراء وإن صرح المساوم بالشراء، وفي الثاني لما صرح بالثمن على وجه الشراء صار مضمونا، وفي الثالث وإن صرح البائع بالثمن لمن المساوم قبضه على وجه النظر لا على وجه الشراء فلم يكن مضمونا، وبهذا ظهر الفرق بين المقبوض على سوم الشراء والمقبوض على سوم النظر فافهم، واغتنم تحقيق هذا المحل. قوله: (مضمون بالقيمة) أي إذا هلك، أما إذا استهلكه فمضمون بالثمن كما حققه الطرسوسي، وإن رده في البحر بأنه غير صحيح، لما في الخانية: إذا أخذ ثوبا على وجه المساومة بعد بيان الثمن فهلك في يده كان عليه قيمته، وكذا لو استهلكه وارث المشتري بعد موت المشتري ا ه. قال: والوارث كالمورث، فقد أجاب في النهر بقوله: لا نسلم إنه غير صحيح، إذ الطرسوسي لم يذكره تفقها بل نقلا عن المشائخ، صرح به في المنتقى. وعلله في المحيط بأنه صار راضيا بالمبيع حملا لفعله على الصلاح والسداد، وعزاه في الخزانة أيضا إلى المنتقى غير أنه قال: في القياس تجب القيمة اه. كلام النهر. قلت: وما نقله في البحر عن الخانية لا دلالة فيه على ما يدعيه بل فيه ما ينافيه لان قوله:
82 وكذا لو استهلكه وارث المشتري، يفيد أنه لو استهلكه المشتري نفسه كان الواجب الثمن لا القيمة. ووجهه أيضا ظاهر لما علمته من تعليل المحيط. والفرق بينه وبين استهلاك الوارث أن العاقد هو المشتري، فإذا استهلكه كان راضيا بإمضاء عقد الشراء بالثمن المذكور، بخلاف ما إذا استهلكه وارثه، لان الوارث غير العاقد، بل العقد انفسخ بموته فبقي أمانة في يد الوارث فيلزمه القيمة دون الثمن، فقوله في البحر: والوارث كالمورث غير مسلم. ثم رأيت الطرسوسي نقل عن المنتقى ما يفيد ذلك وهو قوله: ولو قال البائع: رجعت عما قلت أو مات أحدهما قبل أن يقول لمشتري: رضيت، انتقض جهة البيع، فإن استهلكه المشتري بعد ذلك فعليه قيمته، كما في حقيقة البيع لو انتقض يبقى المبيع في يده مضمونا، فكذا هنا ا ه. فهذا صريح بانفساخ العقد بموته، فكيف يلزم الوارث الثمن باستهلاكه، فافهم واغتنم. قوله: (بالغة ما بلغت) رد على الطرسوسي حيث قال: وظاهر كلام الأصحاب أنها تجب بالغة ما بلغت، ولكن ينبغي أن يقال: لا يزاد بها على المسمى كما في الإجارة الفاسدة. قال في النهر: وفيه نظر، بل ينبغي أن تجب بالغة ما بلغت، وقد صرحوا بذلك في البيع الفاسد، فكذا هنا ا ه. قوله: (ولو شرط المشتري) أي مريد الشراء وهو المساوم. قوله: (ولو في يد الوكيل الخ) قال في البحر عن الخانية: الوكيل بالشراء إذا أخذ الثوب على سوم الشراء فأراه الموكل فلم يرض به ورده عليه فهلك عند الوكيل، قال الإمام ابن الفضل: ضمن الوكيل قيمته ولا يرجع بها على الموكل إلا أن يأمره بالأخذ على سوم الشراء، فحينئذ إذا ضمن الوكيل رجع على الموكل ا ه. مطلب: المقبوض على سوم النظر قوله: (أما على سوم النظر) بأن يقول: هاته حتى أنظر إليه أو حتى أريه غيري، ولا يقول: فإن رضيته أخذته. وقوله: (مطلقا) أي سواء ذكر الثمن أو لا ا ه ح عن النهر. ولا يخفى أن عدم ضمانه إذ أهلك. أما لو استهلكه القابض فإنه يضمن قيمته. وقدمنا وجه الفرق بينه وبين المقبوض على سوم الشراء، وفي حكمه المقبوض على سوم الشراء إذا لم يبين الثمن أو مات أحد العاقدين قبل الرضا أو رجع عما قال، كما قدمناه آنفا عن المنتقى. وقدمنا أول المسألة ما لو قبض ثلاثة أثواب وسمى ثمن كل واحد بعينه ليشتري أحدها فهلك واحد منها فإنه يضمنه دون الآخرين، وتقدم تفصيله. هل هذا خاص بما إذا كانت ثلاثة لتكون مما فيه خيار التعيين الآتي بيانه أو أعم؟ والظاهر الثاني (1) لو كانت أكثر، فلا شك أن واحدا منها مقبوض على سوم الشراء وإن كان فاسدا، والباقي (2) على سوم النظر فهو أمانة، بخلاف الأول. فتأمل. قوله: (وعلى سوم الرهن بالأقل من قيمته ومن الدين) أي إذا سمى
(1) قوله: (والظاهر الثاني) قال شيخنا: يلزمه بيان الفرق بين هذه المسألة وبين المقبوض على سوم الشراء بدون بيان الثمن فإنه حكم فيها بعدم الضمان مع أنه مقبوض على سوم الشراء الفاسد كهذه، إذ الظاهر أن علة عدم الضمان فيها هي فساد الشراء وهو موجود هنا ا ه. (2) قوله: (وان كان فاسدا والباقي الخ) اي لان خيار التعيين لا يصح في الزائد على الثلاث لثبوته على خلاف القياس فيها، فيتقيد بالثلاث لجمعه الأوصاف الثلاثة وهي الاعلى والأوسط والأدون، وماذا يكون أصل القياس لاندفاع الحاجة بالثلاث ا ه. 83 قدر الدين، فلا ينافي ما سيذكره المصنف في كتاب الرهن من قوله: المقبوض على سوم الرهن إذا لم يبين المقدار ليس بمضمون على الأصح ا ه. وفي البزازية: الرهن بالدين الموعود مقبوض على سوم الرهن مضمون بالموعود، بأن وعده أن يقرضه ألفا فأعطاه رهنا وهلك قبل الاقراض يعطيه الألف الموعود جبرا، فإن هلك هذا في يد المرتهن أو العدل ينظر إلى قيمته يوم القبض والدين (1). وعن الثاني أقرضني وخذا هذا ولم يسم القرض فأخذ الرهن ولم يقرضه حتى ضاع يلزمه قيمة الرهن ا ه. وما عن الثاني مقابل الأصح المذكور. قوله: (وعلى سوم القرض الخ) في البحر عن جامع الفصولين: وما قبض على سوم القرض مضمون بما ساوم كمقبوض على حقيقته بمنزلة مقبوض على سوم البيع، إلا أن في البيع يضمن القيمة وهنا يهلك الرهن بما ساومه من القرض ا ه. وقوله: يهلك الرهن بما ساومه من القرض: أي إذا كانت قيمته مثل الرهن لا أقل، فلا ينافي ما تقدم من أنه يضمن بالأقل، وبه ظهر أن ما في قوله وما قبض نكرة موصوفة بمعنى الرهن، فتكون هذه عين المسألة التي قبلها كما يعلم مما نقلناه عن البزازية في تصوير المسألة السابقة، فافهم. قوله: (وعلى سوم النكاح الخ) يعني لو قبض أمة غيره ليتزوجها بإذن مولاها فهلكت في يده ضمن قيمتها. جامع الفصولين. قال محشيه الخير الرملي: أقول تقدم أن ما بعث مهرا بعد الخطبة، وهو قائم أو هالك يسترد، فهو صريح أيضا في أن ما قبض على سوم النكاح من المهر مضمون ولو لم يسم المهر ا ه. تنبيه: ظاهر كلامهم وجوب قيمة الأمة ولو لم يكن المهر مسمى، يحتاج إلى وجه الفرق بينه وبين المقبوض على سوم الشراء أو سوم الرهن، فإنه لا يضمن إلا بعد بيان الثمن أو بيان القرض. وقد أطال الكلام فيه السيد الحموي في حاشية الأشباه من النكاح ولم يأت بطائل. قوله: (ويخرج عن ملكه أي البائع) فلو أعتقه لم يصح عتقه، ولو كان حلف إن بعته فهو حر لم يعتق لخروجه عن ملكه. بحر قوله: (مع خيار المشتري فقط) شمل ما إذا كان الخيار لهما وأسقط البائع خياره بأن أجاز البيع كما في البحر. قال ح: ومثله ما إذا جعل المشتري الخيار لأجنبي. قوله: (فيهلك بيده بالثمن) لان الهلاك لا يعري عن مقدمة عيب يمنع الرد فيهلك وقد انبرم البيع فيلزم الثمن، بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع لان تيبه في هذه الحالة لا يمنع الرد فيهلك والعقد موقوف فيبطل، نهر. وإذا بطل العقد يضمن القيمة. مطلب في الفرق بين القيمة والثمن والفرق بين الثمن والقيمة أن الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان، سواء زاد على القيمة أو نقص، والقيمة ما قوم به الشئ بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان. قوله: (كتعيبه فيها) أي في يد المشتري، وهذا تشبيه بالهلاك في الصورتين: أعني في صورة ما إذا كان الخيار للبائع أو للمشتري، فإن التعيب المذكور كالهلاك يوجب القيمة في الأولى والثمن في الثانية. منح. وشمل ما إذا عيبه المشتري أو أجنبي أو تعيب بآفة سماوية أو بفعل المبيع، وكذا بفعل البائع (2) عند محمد
(1) قوله: (والدين) معطوف على قوله قيمته: اي ينظر إلى قيمته والدين فيضمن بالأقل منهما ا ه منه. (2) قوله: (وكذا بفعل البائع الخ) عبارة ط: هكذا أو بفعل المبيع أو البائع عندهما. وقال محمد: لا يسقط خيار المشتري بتعييب البائع ا ه وهي الصواب، تأمل. 84 فلا يسقط به خيار المشتري، فإن أجاز البيع ضمن البائع النقصان، وعندهما يلزم البيع بحر: أي ويرجع بالأرش على البائع كما ذكره بعد. تنبيه: ذكر حكم الهلاك والنقصان عند المشتري، ولم يذكر حكم الزيادة عنده. وحاصله: أنها متصلة أو منفصلة ومتولدة من الأصل كالولد والسمن والجمال والبرء من المرض أو غير متولدة كالصبغ والعقر والكسب والبناء فيمتنع الفسخ إلا في المنفصلة الغير المتولدة. بحر عن التتارخانية. قوله: (لا يرتفع) يأتي محترزة. قوله: (فيلزمه قيمته) أي لو هلك، ولو قال فللبائع في المسألة الأولى فسخ البيع الخ لكان أولى، لان المطلوب بيان ما يلزم بالتعيب في المسألتين، أما ما يلزم بالهلاك فيهما فهو مصرح به في المتن. قوله: (لشبهة الربا) لان الجودة في المال الربوي غير معتبرة، لكن قال في الخلاصة من الغصب: إذا غصب قلب فضة وهو بالضم السوار، وإن شاء المالك أخذه مكسورا، وإن شاء تركه وأخذ قيمته من الذهب. قال في العناية: إذا لو أوجبنا مثل القيمة من جنسه أدى إلى الربا، أو مثل وزنه أبطلنا حق المالك في الجودة والصنعة ا ه. وذكر الزيلعي هناك فيما لو نقص المغصوب الربوي: يخير المالك بين أن يمسك العين ولا يرجع على الغاصب بشئ، وبين أن يسلمها ويضمن مثلها أو قيمتها، لان تضمين النقصان متعذر لأنه يؤدي إلى الربا ا ه. وبه علم أن الخيار للمالك بين إمساك العين بلا رجوع بالنقصان وبين دفعها تضمين مثلها: أي مثل وزنها، لأنه رضي بإبطال حقه في الجودة وبين تضمين قيمتها: أي من خلاف الجنس. وفي مسألتنا إذا كان الخيار للبائع في بيع الربوي وعيبه المشتري واختار البائع الفسخ ليس له أخذ نقصان العيب لأنه يؤدي إلى الربا، وينبغي أن يكون له الخيارات المذكورة. تأمل. قوله: (في الثانية) أي ما كان الخيار فيها للمشتري. قوله: (ولو يرتفع) مقابل قوله: بعيب لا يرتفع. قوله: (فهو على خياره) أي فله الفسخ في مدة الخيار ورد المبيع على بائعه. قوله: وإلا أي وإن لم يزل المرض في المدة لزم العقد، لأنه لا يمكنه رده في المدة معيبا لتضرر البائع، ولو زال بعد مضي المدة لزم العقد بمضيها. قوله: (ابن كمال) ومثله في البحر والجوهرة. قوله: (ولا يملكه المشتري) أي فيما إذا كان الخيار له فقط، لكن في الخانية يصح إعتاقه ويكون إمضاء. وفي السراج: تجب النفقة عليه بالاجماع، ولو تصرف فيه في مدة الخيار جاز تصرفه ويكون إجازة منه، وفي جامع الفصولين: لو رهن بالثمن رهنا جاز الرهن به مع أنه ذكر فيه أنه لو أبرأه البائع عن الثمن لم يجز إبراؤه عند أبي يوسف ا ه. فينبغي أن لا يصح الرهن أيضا. والجواب أن الابراء يعتمد الدين ولا دين له عليه، لان الثمن باق على ملك المشتري، بخلاف الرهن بدليل صحته بالدين الموعود به، لكن في المعراج أن عدم صحة الرهن (1) بالثمن قياس، والاستحسان صحته لأنه إبراء بعد وجود السبب وهو البيع، وتمامه في البحر. وفيه عن الخلاصة أن زوائد المبيع موقوفة، إن تم البيع كانت للمشتري، وإن
(1) قوله: (ان عدم صحة الرهن الخ) عبارة المعراج كما في البحر ان عدم صحته قياس الخ، فالضمير البارز راجع للابراء كما لا يخفى ا ه. 85 فسخ كانت للبائع. قوله: (خلافا لهما) حيث قالا: إنه يملكه. قوله: (لئلا يصير سائبة) أي شيئا لا مالك له بعد دخوله في الملك، وهذا دليل لقولهما إنه يملكه بعد خروجه من ملك البائع: أي أنه لو لم يملكه لزم أن يخرج عن ملك البائع لا إلى مالك فيكون كالسائبة ولا عهد لنا به في الشرع: يعني في المعاوضات لئلا يرد نحو التركة المستغرقة بالدين فإنها تخرج من ملك الميت ولا تدخل في ملك الورثة ولا الغرماء، وتمامه في النهر والفتح. قوله: (قلنا) أي من طرف الامام، وهو جواب بمنع كونه كالسائبة. قوله: (والثاني موجود هنا) هو علقة الملك: أي للبائع، إذا قد يرد عليه فيعود إليه حقيقة ملكه، وللمشتري أيضا إذ قد يسقط خياره فيكون له ط. قوله: (ويلزمكم الخ) استدلال للامام بطريق النقض الاجمالي لدليل الخصم باستلزامه الفساد من وجهين: الأول: ما في النهر أنه لو دخل في ملك المشتري مع كون الثمن لم يخرج من ملكه لزم اجتماع البدلين في حكم ملك أحد المتعاقدين حكما للمعاوضة ولا أصل له في الشرع. يعني في باب المعاوضة فإنها تقتضي المساواة بينهما في تبادل ملكيهما، فلا يرد ما لو غصب المدبر وأبق من يده فإنه يضمن قيمته ولا يخرج به عن ملك المالك، فيجتمع العوضان في ملك لأنه ضمان جناية لا معاوضة. والثاني: ما في الفتح من أن خيار المشتري شرع نظرا له ليتروى فيقف على المصلحة، فلو أثبتنا الملك بمجرد البيع مع خياره ألحقناه نقيض مقصوده، إذ ربما كان المبيع من يعتق عليه فيعتق بلا اختياره فيعود شرع الخيار على موضوعه بالنقض إذا كان مفوتا للنظر، وذلك لا يجوز. قوله: (ولا يخرج شئ منهما الخ) فإن تصرف البائع جاز وكان فسخا، وكذا إن تصرف المشتري في الثمن إن كان عينا وتصرف كل منهما فيما اشتراه باطل، وأيهما هلك قبل التسليم بطل البيع، فإن هلك بعده بطل أيضا ولزم قيمته. منح. قوله: (عن مالكه) لا حاجة إليه ط. قوله: (وأيهما أجاز بطل خياره فقط) أي وصار العقد باتا من جانبه والآخر على خياره، وإن لم يوجد منهما إجازة ولا فسخ حتى مضت المدة لزم البيع، ولو أجاز أحدهما وفسخ الآخر بطل البيع بينهما، سواء سبق الفسخ أو الإجازة أو كانا معا: ولا عبرة للإجازة بكل حال اه منح. وحاصله: أنه إذا أجاز أحدهما فالآخر على خياره، فإن أجاز أيضا تم العقد، وإن فسخ بطل، وإن سكتا حتى مضن المدة لزم العقد. قوله: (وهذا الخلاف) أي المذكور بين الامام وصاحبيه في مسألة خيار المشتري، وهو أن المبيع لا يدخل في ملك المشتري عنده ويدخل عندهما، والتفريع في المسائل الآتية على قوله. قوله: (بقي النكاح) لأنه لم يملكها عنده، وإذا سقط الخيار بطل: أي النكاح للتنافي: أي بين ثبوت المتعة بملك اليمين وبالعقد. وعندهما انفسخ النكاح لدخولها في ملك الزوج، فإذا فسخ المشتري البيع رجعت إلى مولاها بلا نكاح عليها عندهما. وعنده تستمر زوجته كما
86 في الفتح. قال في البحر: وعلى هذا لو اشترى زوجته فاسدا وقبضها يفسد النكاح، ثم إذا فسخ البيع للفساد لا يرتفع فساد النكاح. قوله: (لا يعتبر استبراء) أي عنده، وعندهما يعتبر، ولو ردت بحكم الخيار إلى البائع لا يجب الاستبراء عنده، وعندهما يجب إذا ردت بعد القبض. بحر. وهي المسألة الآتية في رمز الفاء. قوله: (فلا يعتق محرمه) أي إذا اشترى قريبه المحرم لا يعتق عليه في مدة الخيار عنده حتى تنقضي المدة ولم يفسخ. وعندهما يعتق لأنه ملكه. قوله: (فله ردها) لأنه حيث لم يملكها عنده كان وطؤه لها في مدة الخيار بالنكاح لا بملك اليمين فلا يمتنع الرد، لأنه لم يكن دليل الرضا بالبيع، بخلاف وطئ غير منكوحته كما سيأتي. وعندهما يمتنع، لان الوطئ حصل في الملك وقد بطل النكاح فكان دليل الرضا، قوله: (إلا إذا نقصها) أي الوطئ ولو ثيبا فيمتنع الرد. نهر وفتح. ومقتضاه أن دواعي الوطئ ليست كالوطئ لعدم التنقيص بها فلا يجري فيها الخلاف (1) المذكور، بخلافها في غير المنكوحة، فإن دواعيه مثله فتكون دليل الرضا بالبيع فيمتنع الرد اتفاقا كما سيأتي. وعلى هذا فيشكل ما في شرح منلا مسكين (2)، معه أنه يمتنع الرد عند الامام لو قبلها أو مسها أو مسته بشهوة، وكذا لو وطئها غير الزوج في يده ا ه. ووجه الأخير ظاهر، لان وطئ غيره موجب للعقر وهو زيادة منفصلة متولدة من المبيع بعد القبض فتمنع الرد كما مر ويأتي. تنبيه: قال في البحر: ولم أر حكم حل وطئ المبيعة بخيار، أما إذا كان الخيار للبائع فينبغي حله له لا للمشتري وإن كان للمشتري ينبغي أن يحل لهما، ونقله في المعراج عن الشافعي ا ه. ولا يخفى أن هذا في غير منكوحته. ثم اعلم أن هذه المسألة غير مكررة مع الأولى المرموز لها بالألف وإن كان موضوعهما بشراء الأمة المنكوحة لان المقصود من الأولى شراءها لا يبطل نكاحها، ومن هذه أن وطئ زوجها لا يمنعه من ردها كما نبه عليه ط. وهو ظاهر. قوله: (من الوديعة عند بائعه الخ) أي إذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع ثم أودعه عند البائع فهلك في يده في تلك المدة هلك من مال البائع عنده لارتفاع القبض بالرد لعدم الملك. وعندهما من مال المشتري لصحة الايداع باعتبار قيام
(1) قوله: (فلا يجري فيها الخلاف) صوابه التفصيل، لان الخلاف جار وان لم تنقص كالوطء الغير المنقص ا ه. (2) قوله: (وعلى هذا فلا يشكل ما في شرح منلا مسكين الخ) عبارة الشارح المذكور: ولو اشترى منكوحته فوطئها له ردها عند أبي حنيفة خلافا لهما، هذا لو ثيبا فلو بكرا يمتنع الرد عنده أيضا، وكذا لو قبلها أو مسها أو مسته بشهوة، وكذا لو وطئها غيره في يده ا ه. فقد فهم العلامة المحشي ان قوله: وكذا لو قبلها الخ، تابع لقوله: يمتنع الرد، فاستشكل وليس كذلك، بل هو معطوف على قوله: فوطئها، الذي هو محل الخلاف، وعليه فلا اشكال أفاده شيخنا، نعم يبقى الاشكال في عد صورة وطء الغير من محال الخلاف، مع أنه ليس فيها الا الايجاب العقر وهو زيادة منفصلة غير متولدة، والعجب من العلامة المحشي كيف استظهر وجه امتناع الرد فيها مع تصريحه في التنبيه السابق عند قول المصنف: فيهلك بيده الثمن، بعدم الرد في الزيادة المذكورة، وقيده أبو السعود في حاشيته على منلا مسكين بما إذا عيبها الوطء، وحينئذ يمتنع الرد قولا واحدا أيضا، فلا ينبغي عده في مسائل الخلاف ا ه. 87 الملك. وتمامه في البحر. قوله: (لعدم الملك) علة للعلة. قوله: (لو ولدت) أي بالنكاح. بحر. قوله: (لم تصر أم ولد) أي للمشتري لعدم الملك خلافا لهما. بحر. قوله: (لزم العقد الخ) أي اتفاقا، وتصير أم ولد للمشتري إذا ادعاه. بحر عن ابن كمال، لان تعيب المبيع في مدة الخيار بعد قبضه له مبطل لخياره. قوله: (إذا ولدت الخ) أي في يد المشتري فيوافق ما قبله ط. قوله: (ولم تنقصها الولادة) مقتضاه أن الولادة قد لا تكون نقصانا، وهو خلاف الاطلاق السابق، ويؤيد السابق ما في البزازية: اشتراها وقبضها ثم ظهر ولادتها عند البائع لامن البائع وهو لا يعلم، وفي رواية المضاربة عيب مطلقا، لان التكسر الحاصل بالولادة لا يزول أبدا وعليه الفتوى. وفي رواية إن نقصتها الولادة عيب، وفي البهائم ليست بعيب إلا أن توجب نقصانا، وعليه الفتوى ا ه. وسيذكر الشارح في خيار العيب عن البزازية خلاف ما نقلناه عنها، وهو تحريف كما سنوضحه هناك. قوله: (فهو للبائع بعد الفسخ) لأنه عنده لم يحدث على ملك المشتري، وعندهما للمشتري لحدوثه على ملكه. بحر. قال ط: وأما إذا لم يفسخ فالزوائد تبع للمبيع كما سلف. قوله: (فلا استبراء على البائع) لأنه إنما يجب بتجديد الملك ولم يوجد حيث لم تدخل في ملك غيره فكأنه لم يزل ملك البائع. ابن كمال. قوله: (لكن عبار ابن الكمال وأسلم المشتري) وكذا في الفتح وغيره فيكون هو المراد من لفظ أحدهما. في عبارة العيني: لأنه لو أسلم البائع لا تظهر فيه ثمرة الخلاف لبقاء الخيار إجماعا كما في الزيلعي، حيث قال: لو اشترى ذمي من ذمي خمرا على أنه: أي المشتري بالخيار، ثم أسلم المشتري في مدة الخيار بطل الخيار عندهما، لأنه ملكها فلا يملك تمليكها بالرد وهو مسلم. وعنده يبطل البيع لأنه لم يملكها فلا يملك تملكها بإسقاط الخيار وهو مسلم. ولو أسلم البائع والخيار للمشتري بقي على خياره بالاجماع، ولو ردها المشتري عادت إلى ملك البائع، لأن العقد من جانب البائع بات، فإن أجازه صار له، وإن فسخ صار الخمر للبائع والمسلم من أهل أن يتملك الخمر حكما كما في الإرث، ولو كان الخيار للبائع فأسلم هو بطل البيع، لان البيع لم يخرج عن ملكه والمسلم لا يقدر أن يملك الخمر، ولو أسلم المشتري لا يبطل العقد والبائع على خياره، لأن العقد من جهة المشتري بات، فإن أجاز العقد صار له، لان المسلم من أهل أن يملك الخمر حكما، وإن فسخه كان للبائع، وهذا كله فيما إذا أسلم أحدهما بعد القبض والخيار لأحدهما، فلو قبل القبض بطل البيع في الصور كلها سواء كان البيع باتا أو بخيار لأحدهما أو لهما، لان للقبض شبها بالعقد من حيث إنه يفيد ملك التصرف فلا يملكه بعد الاسلام
88 اه ملخصا. قوله: (من المأذون الخ) أي إذا اشترى عبد مأذون شيئا بالخيار وأبرأه بائعه عن ثمنه في مدة الخيار بقي خياره، لأنه لما لم يملكه كان رده في المدة امتناعا عن التملك وللمأذون ولاية ذلك، فإنه إذا وهب له شئ فله ولاية أن لا يقبله. درر. عندهما: يبطل خياره، لأنه لما ملكه كان الرد منه تمليكا بغير عوض وهو ليس من أهله، وهذا يقتضي صحة الابراء، وقدمنا أنه لا يصح عند أبي يوسف قياسا، ويصح عند محمد استحسانا. بحر. قوله: (كل ذلك) أي المذكور من أحكام المسائل العشر. قوله: (لم يعتق) لأنه عنده لم يملكه فلم يوجد الشرط. وعندهما وجد فيعتق لأنه ملكه، وأما لو قال: إن اشتريت بدل قوله إن ملكت فإنه يعتق اتفاقا لوجود الشرط وهو الشراء، فيكون كالمنشئ للعتق بعده فيسقط الخيار، فتح وبحر. قوله: (واستدامة السكنى الخ) صورتها: اشترى دارا على أنه بالخيار وهو ساكنها بإجارة أو إعارة فاستدام سكناها. قال خواهر زادة: استدامتها اختيار عندهما لملك العين، وعنده ليس باختيار. فتح. ومثله خيار العيب وخيار الشرط في القسمة، ولو ابتدأ السكنى بطل خياره. وتمامه في البحر. قوله: (فأحرم) أي وهو في يده بطل البيع عنده ويرده إلى البائع، وعندهما: يلزم المشتري ولو كان الخيار للبائع ينتقض بالاجماع، ولو كان للمشتري فأحرم المشتري له أن يرده. بحر. وعبارة الفتح: ولو كان للمشتري فأحرم البائع للمشتري أن يرده، وهي الصواب. قوله: (بعد الفسخ) متعلق بما تعلق به. قوله: (للبائع) أي تثبت للبائع بعد الفسخ لأنها لم تحدث على ملك المشتري وعندهما للمشتري لأنها حدثت على ملكه كما في الفتح. ثم لا يخفى أن الزوائد تعم المتصلة والمنفصلة متولدة أو غيرها. وليس بصحيح هنا لما قدمناه عن التتارخانية من أن حدوثها عند المشتري يمنح الفسخ بالخيار، إلا إذا كانت منفصلة عير متولدة كالكسب، فهذه يتأتى فيها إجراء الخلاف لامكان الفسخ فيها، أما في بقية الصور الثلاث فلا، بل هي للمشتري قطعا لحدوثها على ملكه حيث امتنع بها الفسخ ولزمه البيع. ثم رأيت في جامع الفصولين: ذكر مسائل الزيادة كما قدمنا من امتناع الفسخ في الكل إلا في صورة المنفصلة الغير المتولدة وأن الخلاف فيها فقط، وحينئذ فإطلاق الزوائد هنا ليس مما ينبغي، بل المراد به الصورة المذكورة وهي مسألة الكسب التي رمز لها بالكاف. فكان على الشارح إسقاط هذه لتكرارها مع إيهامها خلاف المراد كما ظنه من قال: إن الزوائد تعم المتصلة والمنفصلة فيستغني بها عن الكاف المشار بها إلى الكسب ا ه فافهم. قوله: (فسد) أي البيع عنده لعجزه عن تملكه بإسقاط خياره، ويتم عندهما لعجزه عن رده بفسخه. فتح. قوله: (خلافا لهما) راجع للمسائل الخمس
89 المزيدة، فافهم قوله: (ويضم الرمز للرمز) كذا في بعض النسخ: أي يضم الرمز المزيد بلفظ تتصدر للرمز السابق، وفي بعض النسخ ويضم لرمز الرمز بجر الأول باللام والثاني بالإضافة، وهذه النسخة ألطف وعليها ففي يضم ضمير يعود للرمز المزيد، ويكون المراد بالرمز المجرور باللام الرمز السابق عن العيني، وبالرمز المجرور بالإضافة شرح الكنز للعيني، فإن اسمه الرمز. وفي ط: فيصير المعنى اسحق عزك: أي امحقه بتواضعك وعظم لله تعالى في قلبك، فامتثل أمره ونهيه، وعظم الناس بإنزالهم منزلتهم تصير صدرا: أي مقدما ومقربا عند الله تعالى وعند الناس قوله: (ولم أره لاحد) أي لم ير الرمز بتتصدر، وإلا فالمسائل في المنح والبحر ط قوله: (أجاز من له الخيار) أي أجاز بالقول أو بالفعل كالاعتاق والوطئ ونحوهما كما يأتي. وفي جامع الفصولين: إذا قال أجزت شراءه أو شئت أخذه أو رضيت أخذه بطل خياره، ولو قال: هويت أخذه أو أحببت أو أردت أو أعجبني أو وافقني لا يبطل لو اختار الرد أو القبول بقلبه، فهو باطل لتعلق الاحكام بالظاهر لا بالبطن قوله: (ولو مع جهل صاحبه) أي العاقد معه، أما لو كان للمشتريين ففسخ أحدهما بعيبه الآخر لم يجز كما في جامع الفصولين قوله: (لهما) أي لكل من المتعاقدين قوله: (فليس للآخر الإجازة) أي إلا إذا قبل الأول إجازته، يدل عليه ما في جامع الفصولين: باعه بخيار ففسخه في المدة انفسخ، فإن قال بعده: أجزت، وقبل المشتري جاز استحسانا، ولو كان الخيار للمشتري فأجاز ثم فسخ وقبل البائع جاز وينفسخ ا ه. فيكون الأول بيعا آخر كما سيذكره الشارح، والثاني: إقالة قوله: (لان المفسوخ لا تلحقه الإجازة) فيه إشكال سيذكره الشارح مع جوابه قوله: (لا يصح إلا إذا علم الآخر) هذا عندهما. وقال أبو يوسف: يصح، وهو قول الأئمة الثلاثة. قال الكرخي: وخيار الرؤية على هذا الخلاف، وفي العيب: لا يصح فسخه بدون علمه إجماعا، ولو أجاز البيع بعد فسخه قبل أن يعلم المشتري جاز وبطل فسخه. ذكره الأسبيجابي: يعني عندهما. وفيه يظهر أثر الخلاف فيما إذا باعه بشرط أنه إذا غاب فسخ فسد البيع عندهما خلافا لأبي يوسف، ورجح قوله في الفتح. نهر قوله: (فلو لم يعلم) أي في مدة الخيار، سواء علم بعدها أو لم يعلم أصلا قوله: (أن يستوثق بكفيل) الذي في العيني: أن يأخذ منه وكيلا: يعني إذا بدا له الفسخ رده عليه ا ه. ومثله في البحر وغيره ح قوله: (أو يرفع الامر للحاكم لينصب الخ) في العمادية: وهذا أحد قولين، وقيل: لا ينصب لأنه ترك النظر لنفسه بعدم أخذ الوكيل فلا ينظر القاضي إليه. وتمامه في النهر قوله: (لصحته بالفعل بلا علمه) مثال الفسخ بالفعل يتصرف البائع في مدة الخيار تصرف الملاك، كما إذا أعتق المبيع أو باعه أو كان جارية فوطئها أو قبلها، أو أن يكون الثمن عينا فتصرف فيه المشتري تصرف الملاك فيما إذا كان الخيار للمشتري، صرح به الأكمل في العناية وغيره من المشايخ. منح. والمراد بقوله أن يتصرف البائع الخ: أن يكون الخيار له وتصرف كذلك فيكون فسخا حكميا لأنه دليل استبقاء المبيع على ملكه. وأما لو كان الخيار
90 للمشتري وفعل ما ذكر فإنه يتم البيع كما يأتي قوله: (كما أفاده الخ) أي أفاد الفعل الذي يصح به الفسخ: يعني أن أمثلة الفسخ بالفعل تستفاد من قوله المذكور، وإن لم يكن المذكور من أمثلة الفسخ بل من أمثلة التمام والإجازة. قال في الفتح: وجميع ما قدمنا أنه إجازة إذا صدر من المشتري من الافعال فهو فسخ إذا صدر من البائع ا ه. وقد أفاد الشارح ذلك بقوله الآتي: لو فعل البائع ذلك كان فسخا والمراد به الاعتاق وما بعده، وحينئذ فليس في كلامه غلط بل هو من رموزه التي تخفى على المعترضين، فافهم قوله: (وتم العقد الخ) أي تحصل الإجازة بواحد مما ذكر، وهو كلام موهم، فإن في بعضها يكون إجازة سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري وهو الموت ومضي المدة، وفي بعضها: إذا كان للمشتري وهو الاعتاق وتوابعه، فلو للبائع كان فسخا. أفاده في البحر قوله: (بموته) أي موت من له الخيار بائعا كان أو مشتريا، لان موت غيره لا يتم به العقد بل الخيار باق لمن شرط له، فإن أمضى العقد مضى وإن فسخه انفسخ كما في الفتح. نهر. وفي جامع الفصولين: لو الخيار لهما فمات أحدهما لزم البيع من جهته والآخر على خياره. وفيه أيضا: وكيل البيع أو الوصي باع بخيار أو المالك باع بخيار لغيره فمات الوكيل أو الوصي أو الموكل أو الصبي أو من باع بنفسه أو من شرط له الخيار، قال محمد: يتم البيع في كل ذلك، لان لكل منهم حقا في الخيار والجنون كالموت ا ه. وكذا الاغماء. وتمامه في النهر قوله: (ولا يخلفه الوارث) لأنه ليس إلا مشيئته وإرادة، ولا يتصور انتقاله والإرث فيما يقبل الانتقال. هداية قوله: (كخيار رؤية) نص على ذلك في الغرر والوقاية والنقاية ومختصرها والملتقى والاصلاح والبحر والنهر وكذا في الهداية والفتح من باب خيار الرؤية، ولم أر من ذكر فيه خلافا، وعليه فما في فرائض شرح البيري عن شرح المجمع لابن الضياء من أن الصحيح أن خيار الرؤية يورث فهو غريب، ولعل أصل العبارة لا يورث. تأمل قوله: (وتغرير ونقد) لم يذكرهما في الدرر، بل ذكر المصنف الأول منهما في المنح بحثا، وذكر الثاني في النهر بحثا أيضا. ووجه ذلك أن الحقوق المجردة لا تورث، وكأن الوجه لما قوي عند الشارح جزم به. وقد رأيت مسألة النقد في شرح البيري عن خزانة الأكمل نص على أنه لو مات قبل نقد الثمن بطل البيع وليس لوارثه نقده. وأما مسألة التغرير فقد وقع فيها اضطراب، فنقل الشارح في آخر باب المرابحة على المقدسي أنه أفتى بمثل ما بحثه المصنف هنا، ذكر أن المصنف ذكر في شرح منظومته الفقهية أن خيار التغرير يورث كخيار العيب، وأن ابن المصنف أيده، وسنذكر إن شاء الله تعالى ما فيه هناك. نعم بحث الخير الرملي أيضا في حاشية البحر أنه يورث قياسا على خيار فوات الوصف المرغوب فيه كشراء عبد على أنه خباز وقال: إنه به أشبه لأنه اشتراه بناء على قول البائع، فكان شارطا له اقتضاء وصفا مرغوبا فبان بخلافه. وقد اختلف تفقه الشيخ علي المقدسي والشيخ محمد الغزي في هذه المسألة لأنهما لم يراها منقولة، ومال الشيخ علي لما قلته فقال: والذي أميل إليه أنه مثل خيار العيب: يعني فيورث ا ه. وبه علم أن ما نقله الشارح عن المقدسي مخالف لما نقله عنه الرملي، لكن سيأتي في المرابحة أنه لو ظهر له خيانة في المرابحة له رده، ولو هلك المبيع قبل رده أو حدث به ما يمنع من الرد لزمه جميع الثمن وسقط خياره، وعللوه هناك بأنه مجرد خيار لا يقابله شئ من الثمن كخيار الرؤية والشرط، بخلاف خيار العيب لان المستحق فيه جزء فائت فيسقط ما يقابله. وأخذ منه في البحر هناك أن خيار ظهور الخيانة لا
91 يورث كما سنذكره هناك. ولا يخفى أن التغرير أشبه بظهور الخيانة في المرابحة، فكان إلحاقه به أولى من إلحاقه بالوصف المرغوب، لان الوصف المرغوب بمنزلة جزء من المبيع فيقابله جزء من الثمن حيث كان الوصف مشروطا، فإذا فات يسقط ما يقابله كخيار العيب، وليس في التغرير شئ من ذلك بل هو مجرد خيار لا يقابله شئ من الثمن مثل خيار الخيانة في المرابحة، وبه يعلم أن الأرجح أنه لا يورث كما جزم به الشارح، والله سبحانه أعلم قوله: (لان الأوصاف لا تورث) هذا التعليل إنما يناسب التعبير بأن خيار الشرط ونحوه لا يورث، كما وقع في الدرر والوقاية، والشارح إنما عبر بأنه لا يخلفه الوارث لأنه أضبط، لان ما لا يورث قد يخلفه الوارث فيه كخيار العيب، فكان الأولى التعليل بأن الأوصاف لا تنتقل كما مر عن الهداية: أي فإن خيار الشرط مجرد مشيئة وإرادة، وذلك وصف لصاحب الخيار، فلا يمكن انتقاله إلى الوارث لا بطريق الإرث ولا بطريق الخلافة، ومثله خيار الرؤية والتغرير. ولا يخفى أن هذا لا يتأتى في خيار النقد، لان نقد الثمن (1) فعل لا وصف، وهذا يرجح أنه كخيار العيب. تأمل. تتمة: في شرح البيري عن شرح المجمع لابن الضياء: وأجمعوا أن خيار القبول لا يورث، وكذا خيار الإجازة في بيع الفضولي ا ه. والمراد بخيار القبول خيار المجلس، وهو أن يقبل في مجلس العقد بعد إيجاب الموجب قوله: (وفوات الوصف المرغوب فيه) هذا غير موجود في الدرر، نعم ذكره في البحر والنهر. ووجهه ظاهر لأنه في معنى العيب قوله: (فيخلفه الوارث فيها الخ) لان المورث استحق المبيع سليما من العيب، فكذا الوارث، وكذا خيار التعيين يثبت للوارث ابتداء لاختلاطه ملكه بملك غيره لا أن يورث الخيار هداية. ويدل على أن ذلك ليس بطريق الإرث ما في الدرر من أن الوارث يثبت له الخيار فيما تعيب في يد البائع بعد موت المورث وإن لم يثبت للمورث ا ه. وفي غاية البيان: الدليل على أن هذا الخيار للوارث غير ما كان للمورث أن المشتري كان له أن يختار أحدهما أو يردهما، وليس للوارث أن يردهما، وخيار المشتري كان مؤقتا وللورثة يثبت غير موقت ا ه قوله: (ومضي المدة) أي مدة الخيار قبل الفسخ أي سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري، لأنه لم يثبت الخيار إلا فيها فلا بقاء له بعدها. بحر. قوله: (وإن لم يعلم) أي بمضيها قوله: (لمرض أو إغماء) مشى على ما هو التحقيق من أن الاغماء والجنون لا يسقطان الخيار، إنما المسقط له مضي المدة من غير اختيار، ولذا لو أفاق فيها وفسخ جاز. بحر قوله: (والاعتاق) ولو بشرط وجد في المدة. بحر (ولو لبعضه) أي لبعض العبد المبيع. قال في النهر: وقد أغفلوه هنا قوله: (وتوابعه) كالكتابة والتدبير قوله: (إلا في الملك) أي ملك المباشر للفعل بطريق الأصالة قوله: (كإجارة) تمثيل لقوله لا ينفذ إلا في الملك. قال في البحر: وأشار بالاعتاق إلى كل تصرف لا يفعل إلا في الملك، كما إذا باعه أو وهبه وسلمه، أو رهن أو أجر وإن لم يسلم على الأصح، أو أبرأه من الثمن أو اشترى به شيئا أو ساومه به، أو حجم العبد أو سقاه
(1) قوله: (لان نقد الثمن الخ) فيه ان الكلام في الخيار المتعلق به وهو وصف بلا ريب فلا ينتقل ا ه. 92 دواء أو حلق رأسه، أو سقى زرع الأرض أو حصده، أو عرض المبيع للبيع، أو أسكن في الدار ولو بلا أجر، أو رم منها شيئا، أو بنى بناء أو طينة أو هدمه، أو حلب البقرة أو شق أوداج الدابة أو بزغها لا لو قص حوافرها أو أخذ من عرفها، أو استخدم الخادم مرة، أو ليس الثوب مرة، أو ركب الدابة مرة، أو أمر الأمة بإرضاع ولده لأنه استخدام، والاستخدام ثانيا إجازة إلا إذا كان في نوع آخر ا ه ملخصا. وبقي ما لو زاد المبيع، في يد المشتري، وقدمنا حكمه عند قوله: كتعيبه قوله: (ونظر إلى فرج الخ) تمثيل لقوله: أو لا يحل إلا في الملك. وأورد أن مقتضى الضابط تعميم النظر إلى كل ما لا يحل. قلت: وفيه نظر، لان الضابط في تصرف لا يحل الخ لا في فعل، ومطلق النظر وإن كان فعلا لكنه ليس بتصرف، إلا إذا كان إلى الفرج الداخل فإنه تصرف حكما بمنزلة الوطئ بدليل ثبوت حرمة المصاهرة به، فافهم. قال في البحر: واعلم أن دواعي الوطئ كالوطئ، فإذا اشترى غير زوجته بالخيار فقبلها بشهوة أو لمسها بها أو نظر إلى فرجها بها سقط خياره، وحدها انتشار آلته أو زيادته، وقيل بالقلب وإن لم ينتشر فلو بلا شهوة لم يسقط في الكل ا ه. وقيد بغير زوجته، إذ لو شرى زوجته ووطئها لم يسقط خياره لعدم دلالته على الرضا، إلا إذا نقصها كما قدمه الشارح. قوله: (بشهوة) فلو بغيرها لم يسقط، لان ذلك يحل في غير الملك في الجملة، لان الطبيب والقابلة يحل لهما النظر. فتح. قوله: (والقول لمنكر الشهوة) عبارة الفتح: ولو أنكر الشهوة في هذه: أي في الدواعي كان القول قوله، لأنه ينكر سقوط خياره، وكذا إذا فعلت الجارية ذلك سقط خياره في قول أبي حنيفة، وقال محمد: لا يكون فعلها البتة إجازة للبيع والمباضعة ولو مكرها اختيار، إنما يلزم سقوط الخيار في غير المباضعة إذا أقر بشهوتها ا ه. وبه علم أنه في المباضعة منها أو منه لا يصدق في عدم الشهوة، ولذا قال في البحر: لو ادعى عدم الشهوة في التقبيل في الفم لم يقبل: أي لان التقبيل على الفم لا يخلو من الشهوة عادة فالمباضعة بالأولى. قوله: (ومفاده) أي مفاد ما ذكر من الضابط. قال في النهر بعد قوله كان إجازة: لان هذا الفعل وإن احتيج إليه للامتحان إلا أنه لا يحل في غير الملك بحال. قوله: (ولو وجدها ثيبا الخ) أي لو اشتراها على أنها بكر فوطئها فوجدها ثيبا يردها بهذا العيب: أي عيب الثيوبة لفوات الوصف المرغوب وهو البكارة، أما لو لم يشترطها فلا رد أصلا، كما سيأتي في خيار العيب. ثم اعلم أن التفصيل بين اللبث وعدمه خلاف ما يفيده الضابط، إذ لا شك أن الوطئ لا يحل في غير الملك سواء كانت ثيبا ألا بكرا، فلا فرق فيه بين اللبث وعدمه، وعبارة النهر لا غبار عليها حيث قال: وقد قالوا بأنه لو وجدها ثيبا الخ، فإن قوله وقد قالوا: استدراك على ما ذكره من المفاد: أي ما قالوه من التفصيل خلاف هذا المفاد، وما استدرك به ذكره في القنية. ثم رمز بعده وقال: والوطئ يمنع الرد، وهو المذهب ا ه. وبه علم أن مفاد الضابط هو المذهب فلا وجه للاستدراك عليه، على أن هذا الضابط إنما هو في خيار الشرط، وهذه المسألة من مسائل خيار العيب. قوله: (وسيجئ في بابه) أي في باب خيار العيب. والذي سيجئ حكاية أقوال في
93 المسألة، وقد علمت ما هو المذهب، وعليه مشى المصنف هناك، فافهم. قوله: (ولو فعل البائع ذلك) أي التصرف الذي لا ينفذ أو لا يحل إلا في الملك وكان الخيار له ط. قوله: (وطلب الشفعة بها) صورته: أن يشتري دارا بشرط الخيار له ثم تباع دار بجوارها فيطلب الشفعة بسبب الدار التي اشتراها سقط خياره فيها وتم البيع. قوله: (بخلاف خيار رؤية وعيب) فإنه إذا اشترى دارا ولم يرها فبيعت دار بجنبها فأخذها بالشفعة فله أن يرد الدار بخيار الرؤية. درر وكذا بخيار العيب. قوله: (من المشتري) متعلق بطلب أو به وبالإعتاق. قوله: (إذا كان الخيار له) ظاهره أنه لو كان للبائع (1) يبقى خياره بعد طلب الشفعة لان ملكه باق بخياره، بخلاف المشتري لأنه لا ملك له مع خياره فطلبه الشفعة دليل التملك، لأنهم عللوا المسألة بأنه لا يكون إلا بالملك، فكان دليل الإجازة فتضمن سقوط الخيار ا ه فافهم. قوله: (أو البائع الخ) هو مذكور في غاية البيان عن الجامع الصغير وعبارته: اعلم أن أحد العاقدين إذا اشترط الخيار لغيرهما كان البيع جائزا بهذا الشرط ا ه. وصرح به منلا مسكين عن السراجية والكافي وقال: إن التقييد بالمشتري اتفاقي، ونقله الحموي عن المفتاح ويأتي قريبا عن البحر. قوله: (الخيار) أي خيار الشرط، لان خيار العيب والرؤية لا يثبت لغير العاقدين. بحر عن المعراج. قوله: (عاقدا كان أو غيره) تعميم للغير، لكن قال ح: الأولى أن يراد بالغير الأجنبي، لان مسألة ما إذا جعل المشتري الخيار للبائع أو العكس قد ذكرت أول الباب في قوله: ولأحدهما أيضا فيما إذا جعل المشتري الخيار للبائع لا يكون الخيار لهما بل للبائع فقط، وفي العكس يكون الخيار للمشتري فقط، فكيف يصح قوله فإن أجاز أحدهما الخ؟ ولذلك قال في البحر: ولو قال المصنف ولو شرط أحد المتعاقدين الخيار لأجنبي صح لكان أولى، ليشمل ما إذا كان الشارط البائع أو المشتري، وليخرج اشتراط أحدهما للآخر، فإن قوله: لغيره صادق بالبائع وليس بمراد، ولذا قال في المعراج: والمراد من الغير هنا غير العاقدين ليتأتى فيه خلاف زفر ا ه. قلت: ومثله في الفتح، وبه زال تردد صاحب النهر حيث قال: ولم أر ما لو اشترطه المشتري للبائع هل يكون نائبه عنه أيضا؟ محل تردد، فتدبره ا ه. قوله: (صح استحسانا) والقياس أن لا يصح، وهو قول زفر. قوله: (إن وافقه الآخر) قيد به لأنه محل الصحة على الاطلاق، وهو مفاد التفصيل
(1) قوله: (ظاهره انه لو كان البائع الخ) فيه ان لا شفعة انما شرعت لدفع ضرر الملاك بجار السوء على الدوام، فطلب الشفعة من البائع يكون دليل الاستبقاء، إذ لولا إرادة استدامة ملكه ما طلب الشفعة. ولا يقال انه أراد بطلب الشفعة دفع الضرر في مدة الخيار لأنها لقصرها لم يتحقق فيها الضرر، خصوصا وقد قالوا في تعليلهم لدفع ضرر الملاك على الدوام. ومما يفيد ان طلب البائع الشفعة فسخ قولهم: كلما كان إجازة إذا فعله المشتري يكون فسخا إذا فعله البائع فتأمل وأنصف ا ه. 94 الذي بعده. قوله: (لعدم المزاحم) لان الأسبق ثبت حكمه قبل المتأخر فلم يعارضه، وإن كان المتأخر أقوى فالفسخ. قوله: (ولو كانا معا) بأن خرج الكلامان معا كما في السراج، وهذا قد يتعسر. والظاهر أنه يكفي عدم العلم بالسابق منهما. نهر. قوله: (في الأصح) صححه قاضيخان معزيا للمبسوط، وفي رواية ترجيح تصرف العاقدين لقوته، لان النائب يستفيد الولاية منه، وقيل: هو قول محمد، وما في الكتاب قول أبي يوسف، بحر. قوله: (والمفسوخ لا يجاز) أي فصار الفسخ أقوى لكونه لا ينقض الإجازة، فلذا كان أحق. قوله: (بل بيع ابتداء) وعليه فقوله: وإعادة العقد بمعنى عقده ثانيا بالايجاب والقبول، أو بالتعاطي. أفاده ط. قوله: (باع عبدين الخ) أراد بهما القيميين احترازا عن قيمي أو مثليين، إذ في القيمي الواحد إذا شرط الخيار في نصفه يصح مطلقا، وفي المثليين كذلك لعدم التفاوت. بحر عن الزيلعي. وفي النهر: الظاهر أن القيميين ليسا بقيد، إذ لو كانا مثليين أو أحدهما مثليا والآخر قيميا وفصل وعين فالحكم كذلك فيما ينبغي ا ه. قلت: هذا لا يرد ما قبله من كونه قيد احترازيا، إذ المراد الاحتراز عما عدا القيميين لصحته مع التفصيل والتعيين وبدونهما، ولذا قال: يصح مطلقا، لأنه في القيميين لا يصح بدونهما، فعلم أنه مع التفصيل والتعيين يصح في القيميين وغيرهما، فتدبر، نعم ينبغي تقييد المثليين بما إذا كانا من جنس واحد، إذ لو تفاوتا كبر وشعير صارا كالقيميين في اشتراط التفصيل والتعيين، ليقع العلم بالمبيع والثمن. تأمل. قوله: (على أنه بالخيار) أي ثلاثة أيام كما في الهداية. قوله: (إن فصل الخ) كقوله: بعتك هذين العبدين كل واحد بخمسمائة على أني بالخيار في هذا ثلاثة أيام. قوله: (وإلا يعين ولا يفصل) كقوله: بعتك هذين بألف على أني بالخيار في أحدهما. قوله: (أو عين فقط) أي عين من فيه الخيار فقط: أي ولم يفصل الثمن كقوله: بعتك هذين بألف على أني بالخيار في هذا. قوله: (أو فصل فقط) كقوله: بعتك هذين ألف كل واحد بخمسمائة على أني بالخيار. قوله: (لجهالة المبيع والثمن) أي فيما إذا لم يعين ولم يفصل، لان الذي في الخيار لا ينعقد البيع فيه في حق الحكم فكأنه خارج عن البيع، والبيع إنما هو في الآخر، وهو مجهول لجهالة من فيه الخيار، ثم ثمن المبيع مجهول لان الثمن لا ينقسم في مثله على المبيع بالاجزاء، كذا في الفتح. قوله: (أو أحدهما) أي الثمن فيما إذا عين ولم يفصل أو المبيع فيما إذا فصل ولم يعين. قوله: (الأنواع الأربع) أي الصور ط. قوله: (لم يجز) لأنه أمره ببيع لا يزيل الملك بدون رضاه وقد خالف ط.
95 مطلب في خيار التعيين قوله: (وصح خيار التعيين) أي بأن يقع البيع على واحد لا بعينه، بخلاف المسألة السابقة فليست من خيار التعيين لوقوع البيع فيها على العبدين، وأما قول الهداية هنا: ومن اشترى ثوبين فالمراد أحد الثوبين، كما نبه عليه في العناية وغيرها. وفي الفتح: المراد أن يشتري أحد ثوبين أو ثلاثة غير معين على أن يأخذ أيهما شاء على أنه بالخيار ثلاثة أيام (1) فيما يعينه بعد تعيينه المبيع، أما إذا قال: بعتك عبدا من هذين بمائة ولم يذكر قوله على أنك بالخيار في أيهما شئت لا يجوز اتفاقا، كقوله: بعتك عبدا من عبيدي، وإن اشترى أحد أربعة لا يجوز ا ه. وقد استفيد من هذه العبارة أمور: الأول أن خيار التعيين إنما يكون البيع فيه على واحد من اثنين أو ثلاثة لا بعينه وهو ما قلناه. الثاني أنه لا يكون في واحد من أربعة كما يأتي. الثالث أنه لا بد أن يقول بعد قوله: بعتك أحد هذين العبدين على أنك بالخيار في أيهما شئت، أو على أن تأخذ أيهما شئت ليكون نصا في خيار التعيين. وقال في البحر: لأنه لو لم يذكر هذه الزيادة يكون فاسدا لجهالة المبيع، فإن قبضهما وماتا عنده ضمن نصف قيمة كل واحد منهما، وإن مات أحدهما قبل الآخر لزمه قيمة الآخر (2)، كذا في المحيط ا ه. الرابع أنه لا بد أيضا من ذكر خيار الشرط، بأن يقول على أنك بالخيار ثلاثة أيام: أي إذا عين واحدا منهما بحكم خيار التعيين يكون له فيه خيار الشرط، وهذا الرابع فيه خلاف يأتي. قوله: (لا في المثليات) أي التي من جنس واحد. بحر. قوله: (ولو للبائع) صورته أن يقول المشتري اشتريت منك أحد هذين الثوبين على أن تعطيني أحدهما. نهر، فله أن يلزم المشتري أيهما شاء، إلا إذا تعيب أحدهما فليس له أن يلزمه المعيب إلا برضاه، فإذا ألزمه إياه ولم يرض به ليس له أن يلزمه الآخر بعد ذلك، ولو هلك أحدهما في يده كان له أن يلزمه الباقي، وأما إذا كان الخيار للمشتري، فالمبيع لازم في أحدهما، إلا أن يكون معه خيار شرط والمبيع مضمون بالثمن وغيره أمانة، فإذا هلك أحدهما تعين هو مبيعا والآخر أمانة، ولو هلكا معا ضمن نصف كل، ولو اختلفا في الهالك أولا فالقول للمشتري بيمينه وبينة البائع أولى، ولو تعيبا معه فالخيار بحاله، ولو متعاقبا نعين الأول مبيعا، ولو باعهما المشتري ثم اختار، أحدهما صح بيعه فيه، وتمامه في البحر. قوله: (لأنه قد يرث الخ) جواب من صاحب البحر عما أورده في الفتح من أن جواز خيار التعيين للحاجة إلى اختيار ما هو الأوفق والرفق. فيختص بالمشتري، لأن المبيع كان مع البائع قبل البيع، وهو أدرى بما لاءمه منه ا ه. واعترض الحموي الجواب، بأن ما ذكره من صورة الإرث صورة نادرة والاحكام لا تناط بنادر.
(1) قوله: (على أنه بالخيار ثلاثة أيام الخ) ظاهره انه لو عين بعد ثلاث أيام من وقت العقد يكون له خيار الشرط ما يفيد ان ابتداء مدة خيار الشرط من وقت البيع فإنه قال: ولو مضت الثلاثة قبل رد شئ وتعيينه بطل خيار الشرط ولزم البيع في واحد، وحينئذ يقدر مضاف قبل ثلاث هو تمام، ويكون المعنى على أنه بالخيار تمام ثلاثة أيام ا ه. (2) قوله: (لزمه قيمة الاخر) صوابه قيمة الأول لما مر ويأتي من أنه إذا هلك أحدهما تعين مبيعا ا ه. 96 قلت: وقد يجاب أيضا بأن الانسان ما دام المبيع في ملكه لا يتأمل فيما يلائمه، وإنما يحتاج إلى التأمل بعد البيع، وأيضا كثيرا ما يحتاج إلى رأي غيره، فافهم. قوله: (ومدته كخيار الشرط) أي ثلاثة أيام، ظاهر كلام البحر أن هذا مبني على القول بأنه يشترط معه خيار الشرط، فقد ذكر في البحر أن شمس الأئمة صحح الاشتراط وفخر الاسلام صحح عدمه، ورجحه في الفتح، لكن ذكر قاضيخان أن الاشتراط قول الأكثر، ثم قال البحر: وإذا لم يذكر خيار الشرط على هذا القول فلا بد من تأقيت خيار التعيين بالثلاث عنده، وبأي مدة معلومة كانت عندهما، كذا في الهداية ا ه. لكن قوله على هذا القول ليس في الهداية، والمتبادر من كلام الهداية أن اشتراط التوقيت مبني على ما صححه فخر الاسلام، ويأتي عن الفتح ما يدل عليه. ثم اعلم أن اشتراط التوقيت نازع فيه الزيلعي فقال: إذا لم يذكر خيار الشرط فلا معنى لتوقيت خيار التعيين، بخلاف خيار الشرط، فإن التوقيت فيه يفيد لزوم العقد عند مضي المدة، وفي خيار التعيين لا يمكن ذلك لأنه لازم في أحدهما قبل مضي الوقت، ولا يمكن تعينه بمضي الوقت بدون تعينه فلا فائدة لشرط ذلك. والذي يغلب على الظن أن التوقيت لا يشترط فيه ا ه. وأجاب في الحواشي السعدية بأن له فائدة هي أن يجبر على التعيين بعد مضي الأيام الثلاثة، وأقره في النهر، وهو معنى قوله في الشرنبلالية: بل له فائدة هي دفع ضرر البائع لما يلحقه من مطل المشتري التعيين إذا لم يشترط فيفوت على البائع نفعه وتصرفه فيما يملكه ا ه. وأبدى في البحر فائدة أخرى وهي أنه يمكن ارتفاع العقد فيهما: أي في الثوبين مثلا بمضي المدة من غير تعيين، بخلاف مضيها في خيار الشرط فإنه إجازة لكل خيار ما يناسبه ا ه. قلت: لكنه يستند إلى نقل في ذلك، ولو كان كذلك لما خفي على الزيلعي. قوله: (ولا يشترط معه خيار شرط في الأصح) غير أنهما إن تراضيا على خيار الشرط فيه ثبت حكمه، وهو جواز رد كل من الثوبين إلى ثلاثة أيام، ولو بعد تعيين الثوب الذي في البيع، ولو رد أحدهما كان بحكم خيار التعيين، ويثبت البيع في الآخر بخيار الشرط، ولو مضت الثلاثة قبل رد شئ وتعيينه بطل خيار الشرط وانبرم البيع في أحدهما، وعليه أن يعين، ولو مات المشتري قبل الثلاثة ثم بيع أحدهما وعلى الوارث التعيين، لان خيار الشرط لا يورث، والتعيين ينتقل إلى الوارث ليميز ملكه عن ملك غيره على ما ذكرنا، وإن لم يتراضيا على خيار الشرط معه لا بد من توقيت خيار التعيين بالثلاثة عند أبي حنيفة. فتح وتمامه فيه. وقوله: وإن لم يتراضيا الخ: معطوف على قوله: إن تراضيا. وظاهره أن اشتراط توقيت خيار التعيين مبني على القول بأنه لا يشترط أن يكون مع خيار التعيين خيار الشرط، لا على القول بالاشتراط، خلافا لما يفيده كلام البحر المار وهو ظاهر، لان خيار الشرط موقت فلا حاجة إلى توقيت التعيين أيضا. قوله: (فرضي أحدهما) قال في البحر: ذكر الرضا: إذ لو ورد أحدهما لا يجيزه الآخر، ولم أره صريحا، ولكن قولهم لو رده أحدهما لرده معيبا يدل عليه ا ه. قوله: (أو دلالة) كبيع وإعتاق. قوله: (بعد رؤية الآخر) أي ورضاه به، لان مجرد
97 الرؤية لا يوجب تمام البيع ط. قوله (لضرر البائع الخ) علة لعدم الرد في المسائل الثلاث، ووجه كون الشركة عيبا أنه صار لا يقدر على الانتفاع به إلا بطريق المهايأة. وتمامه في الفتح: قوله: (صفقة واحدة) قيد به، إذا لو كان العقد صفقتين فلكل الرد والإجازة مخالفا للآخر لرضا المشتري بعيب الشركة كما لا يخفى ط. قوله: (للبائعين) بدل من قوله: لهما. قوله: (فليس لأحدهما الانفراد إجازة) أي بعد ما رد الآخر، وقوله أو ردا: أي ليس لأحدهما الانفراد، ردا بعد ما أجازه الآخر ا ه ح. ثم لا يخفى أن التفريع غير ظاهر، فكان الأولى أن يقول: ولو رد أحدهما في المسألتين لا يجيزه الآخر فليس لأحدهما الخ. وهذا ما ذكره في البحر بقوله: لو باعا ليس لأحدهما الانفراد إجازة أو ردا، لما في الخانية: اشترى عبدا من رجلين صفقة واحدة على أن البائعين بالخيار، فرضي أحدهما بالبيع ولم يرض الآخر لزمهما البيع في قول أبي حنيفة ا ه. وأنت خبير بأن ما في الخانية لا يدل على قوله أو ردا، فالظاهر أنه بحث منه كما بحث مثله في المسألة السابقة. قوله: (مجمع) لم أره فيه، نعم قال في شرحه لابن ملك: قيد بالمشترين لان البائع لو اثنين والمشتري واحدا وفي البيع خيار شرط أو عيب فرد المشتري نصيب أحدهما دون الآخر بحكم الخيار جاز اتفاقا، كذا في جامع المحبوبي ا ه. ومثله في شرح المنظومة وغرر الأذكار، ولا يخفى هذه المسألة غير ما في المتن لأن هذه في رد المشتري وتلك في رضا أحد البائعين، وهذه وفاقية وتلك خلافية، كما مر عن الخانية. قوله: (بشرط خبزه) أي صريحا أو دلالة كما يأتي بيانه، وسيأتي آخر الباب بيان الوصف الذي يصح شرطه وما لا يصح. قوله: (أي حرفته كذلك) لأنه لو فعل هذا الفعل أحيانا لا يسمى خبازا. بحر عن المعراج. قوله: (بأن لم يوجد الخ) أي ليس المراد النهاية في الجودة، بل أدنى الاسم بأن يفعل من ذلك ما يسمى به الفاعل خبازا أو كاتبا، لان كل واحد لا يعجز في العادة عن أن يكتب على وجه تتبين حروفه، وأن يخبز مقدار ما يدفع الهلاك عن نفسه، وبذلك لا يسمى خبازا ولا كاتبا. بحر عن الذخيرة. وبه ظهر أن المناسب إبدال قول الشارح اسم الكاتب والخباز، ولذا قال في الفتح: أعني الاسم المشعر بالحرفة. قوله: (أخذه بكل الثمن) لان الأوصاف لا يقابلها شئ من الثمن ما لم تكن مقصودة. در منتقى. وقصد الوصف بإفراده بذكر الثمن كما مر فيما لو باع المذروع كل ذراع بكذا. قوله: (لم يجبر على القبض) لان الاختلاف وقع في وصف عارض، والأصل فيه العدم، والقول قول من يدعي الأصل، والقول للبائع في أنها بكر لأنها صفة أصلية والوجود فيها أصل. وتمامه في البحر. قوله: (ورجع بالتفاوت) فإن كان بقدر العشر رجع بعشر الثمن. بحر عن الذخيرة. قال ط: أي يعتبر التفاوت من الثمن، فإن هذا البيع صحيح لا نظر فيه للقيمة. قوله: (في الأصح) وهو ظاهر الرواية، وفي رواية: لا رجوع
98 بشئ بحر. قوله: (شاة على أنها حامل) قيد بالشاة لان اشتراط الحمل في الأمة فيه تفصيل سيذكره الشارح في الفروع الآتية: قوله: (قدرا) بفتح القاف: أي يكتب مقدار كذا من الورق أو من الأسطر مثلا. قوله: (فسد) أي البيع. قوله: (لأنه شرط فاسد) لأنه شرط زيادة مجهولة لعدم العلم بها. فتح: أي لان ما في البطن والضرع لا تعلم حقيقته. قوله: (جاز) أي على رواية الطحاوي، ويفسد على رواية الكرخي: شرنبلالية. وجزم بالأول في الفتح والدرر. قوله: (لأنه وصف) الأولى أن يزيد مرغوب لأنه ليس كل وصف يصح اشتراطه كما سيذكره في الضابط آخر الباب. مطلب فيما لو اختلفا في الخيار أو في مضيه أو في الاجل أو في الإجازة أو في تعيين المبيع قوله: (والقول للمنكر الخ) لان الخيار لا يثبت إلا بالشرط فكان من العوارض، فيكون القول لمن ينفيه كما في دعوى الاجل. درر. قوله: (والمضي) أي إذا اختلفا في مضي المدة فالقول لمنكره لأنهما تصادقا على ثبوت الخيار، ثم ادعى أحدهما السقوط بمضي المدة فالقول للمنكر. درر. قوله: (والإجازة) أي إجازة البيع ممن له الخيار، كما إذا ادعى البائع على المشتري بالخيار أنه أجاز البيع وأنكر المشتري فالقول قوله، لان البائع يدعي سقوط الخيار ووجوب الثمن وهو ينكر ط. قوله: (والزيادة) أي إذا اختلفا في قدر الاجل فالقول لمن يدعي أخصر الوقتين، لان الآخر يدعي زيادة شرط عليه وهو ينكر. درر. وتقدم أول البيوع عند قوله: وصح بثمن حال ومؤجل أنه لو اختلفا في الاجل: أي في أصله فالقول لنا في إلا في السلم، وسيأتي في باب خيار العيب ما لو اختلفا بعد التقابض في عدد المبيع أو عدد المقبوض فالقول للمشتري، لان القول للقابض مطلقا قدرا أو صفة أو تعيينا، فلو جاء ليرده بخيار شرط أو رؤية فقال البائع ليس هو المبيع فالقول للمشتري في تعيينه، ولو بخيار عيب فللبائع الخ. وسيأتي الكلام عليه هناك، وكذا في آخر خيار الرؤية. وبقي ما إذا اختلفا في تعيين المبيع الذي فيه خيار الشرط عند إجازة من له الخيار العقد، وقد ذكره في البحر في آخر باب خيار الرؤية عن الظهيرية ثم قال: والحاصل أن السلعة لو مقبوضة فالقول للمشتري سواء كان الخيار له أو للبائع، وإلا فلو الخيار للمشتري فالقول للبائع وعكسه فالقول للمشتري. مطلب: اشترى جارية على أنها بكر ثم اختلفا تنبيه: واشترى جارية على أنها بكر ثم اختلفا قبل القبض أو بعده فقال البائع: بكر للحال والمشتري ثيب، فإن القاضي يريها النساء، فإن قلن بكر لزم المشتري بلا يمين البائع لان شهادتهن تأيدت هنا بأن الأصل البكارة، وإن قلن ثيب لم يثبت حق الفسخ لأنه حق قوي وشهادتهن ضعيفة لم تتأيد بمؤيد، لكن يثبت حق الخصومة لتتوجه اليمين على البائع، فيحلف بالله لقد سلمتها بحكم البيع وهي بكر، فإن نكل ردت عليه وإلا لزم المشتري. وعنهما في رواية: أنها ترد بشهادتهن قبل القبض بلا يمين البائع، ولو قال سلمتها إليك وهي بكر وزالت في يدك فالقول قوله، لان الأصل البكارة، ولا يريها القاضي النساء لان البائع مقر بزوال البكارة. فتح ملخصا، وسنذكر لهذا مزيد
99 تحقيق وبيان في خيار العيب عند قول الشارح: واعلم أن العيوب أنواع وهذا إذا علم أنها ثيب بغير الوطئ، فلو به فلا يردها بل يرجع بالنقصان، كما سيأتي هناك عند قول المصنف: اشترى جارية الخ. قوله: (قائلا بأنها) ضمن قائلا معنى ادعى فعداه بالباء. قوله: (وجاز للبائع وطئها) لان المشتري لما ردها رضي بتمليكها من البائع بذلك الثمن فكان للبائع أن يتملكها. درر. وعلى هذا القياس القصار إذا رد الثوب الآخر على رب الثوب، وكذا الإسكافي. تاترخانية. قلت: وهذا إذا لم يعلم أن الثوب المردود ثوب غير القصار. قوله: (وانعقد بيعا بالتعاطي) أفاد ذلك وجوب الاستبراء على البائع ط. قوله: (ولو قال البائع للمشتري عند رده) هذه المسألة مؤخرة عن موضعها ا ه ح. قوله: (لكنه نسي عندك) أي وقد ينسى في تلك المدة. بحر. وهذا القيد هو محل التوهم، إذ لو قصرت المدة فكذلك بالأولى. قوله: (لغير المبيع قبل قبضه) هذا التعليل يناسب ما لو نسي بعد العقد، أما لو قبله فالعلة كون الوصف مشروطا دلالة. قال في البحر: واعلم أن اشتراط الوصف المرغوب فيه: إما أن يكون صريحا، أو دلالة، لما في البدائع في خيار العيب والجهل بالطبخ والخبز في الجارية ليس بعيب لكونه حرفة كالخياطة، إلا أن يكون ذلك شرطا في العقد، وإن لم يكن مشروطا وكانت تحسن الطبخ والخبز في يد البائع ثم نسيت في يده فاشتراها له ردها، لأن الظاهر أنه إنما اشتراها رغبة في تلك الصفة فصارت مشروطة دلالة، وهو كالمشروط نصا ا ه. والظاهر أن هذا إذا كان المشتري عالما بتلك الصفة، لكن يشكل على هذا ما في الحاوي الزاهدي: لو قال أشتري منك هذه البقرة على أنها ذات لبن وقال البائع: أنا أبيعها كذلك، ثم باشر العقد مرسلا من غير شرط ثم وجدها بخلاف ذلك ليس له الرد ا ه. فإن هذا صريح في أنه لا بد من ذكر الشرط في صلب العقد ولا تكفي الدلالة، ولعله قول آخر. تأمل. قوله: (أن الأوصاف لا يقابلها شئ من الثمن) لا ينافيه ما تقدم من الرجوع بالتفاوت عند التقويم، لان ذلك فيما إذا امتنع الرد ا ه ح: أي لدفع ضرر المشتري فهو ضروري. قوله: (لا خيار للمشتري) أي خيار فوات الوصف المرغوب، لان قوله: بما فيها لم يذكر على وجه الشرط، وهذا لا ينافي ثبوت خيار الرؤية وثبوت خيار التغرير، تأمل. ثم رأيت بعض المحشين نقل عن المحيط أن وجه عدم الخيار أنه لم يشترط هذه الأشياء في البيع، ولم يجعلها صفة للمبيع، بل أخبر عن وجودها فيه وجودها فيه، وانعدام ما ليس بمشروط في البيع ولا صفة للمبيع لا يوجب الخيار، أما قوله: بأجذاعها وأبوابها فله الخيار لأنه جعلها صفة للدار فالبيع يتناول الموصوف بصفته فإذا لم يجده بتلك الصفة فله الخيار اه.
100 وأفاد أنه لو ذكر على وجه الشرط يثبت له الخيار الآخر أيضا، لما في جامع الفصولين: باع أرضا على أن فيه نخلا أو دارا على أن فيه بيوتا ولم يكن فإنه يجوز العقد ويخير المشتري أخذه بكل الثمن أو ترك. والأصل فيه أن ما يدخل في العقد بلا شرط إذا شرط وعدم فإن العقد يجوز، وما لا يدخل بلا شرط إذا شرط ولم يوجد لم يجز ا ه. فافهم. قوله: (شرى دارا الخ) قال في الفتح: واعلم أنه إذا شرط في المبيع ما يجوز اشتراطه ووجده بخلافه، فتارة يكون البيع فاسدا وتارة يستمر على الصحة ويثبت للمشتري الخيار، وتارة يستمر صحيحا ولا خيار للمشتري، وهو ما إذا وجده خيرا مما شرطه، وضابطه إن كان المبيع من جنس المسمى ففيه الخيار والثياب أجناس: أعني الهروي والإسكندري والكتان والقطن، والذكر مع الأنثى في بني آدم جنسان، وفي سائر الحيوانات جنس واحد، والضابط فحش التفاوت في الأغراض وعدمه ا ه: أي ضابط اختلاف الجنس وعدمه فحش التفاوت وفي المقاصد وعدمه. قوله: (فسد) أي لفحش التفاوت فيكون اختلف الجنس، وعند اختلاف الجنس لا يعتبر كونه خيرا مما شرطه كالمصبوغ بزعفران، ولذا ذكر في الفتح من أمثلة الفاسد: لو اشترى دارا على أن لا بناء ولا نخل فيها فإذا فيها بناء أو نخل، أو على أنه عبد فإذا هو جارية، فافهم. نعم علل في البزازية الفساد في اشتراط أن لا بناء فيها بأنه يحتاج إلى النقض، ويشكل مسألة الشجرة التي لا تثمر فإنه لا يظهر اختلاف الجنس فيها، فالظاهر ما في البزازية: باع أرضا على أن فيها كذا شجرا مثمرا بثمرها فوجد فيها نخلة لا تثمر فسد، لان الثمرة لها قسط من الثمن بالذكر وسقط حصة المعدوم ولا يعلم كم الباقي من الثمن، فأشبه شراء شاة مذبوحة فإذا فخذها مقطوعة ا ه. تأمل. قوله: (جاز وخير) أي لاتحاد الجنس لكون الذكر والأنثى في غير الآدمي جنسا واحدا، وإنما خير لكون الأنثى في الحيوانات خيرا من الذكر، فقد فات الوصف المرغوب فيخير. قال في الفتح: وكذا على أنه ناقة فكان جملا، أو لحم معز فكان لحم ضأن، أو على عكسه فله الخيار ا ه: أي لان ذلك جنس واحد ولذا لم يفرق بينهما في الزكاة. قوله: (وبعكسه) بأن اشتري على أنه بغل فإذا هو بغلة، وكذا على أنه حمار أو بعير فإذا هو أتان أو ناقة، أو جارية على أنها رتقاء أو حبلى أو ثيب فإذا هو بخلافه جاز، ولا خيار له لأنه صفة أفضل من المشروطة، وينبغي في مسألة البعير والناقة أن يكون في العرب وأهل البوادي الذين يطلبون الدر والنسل، أما أهل المدن والمكارية فالبعير أفضل. فتح. وذكر في باب البيع الفاسد أن صاحب الهداية ذكر أنه لو باع عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب خير، مع أن صناعة الكتابة أشرف عند الناس، وكان صاحب الهداية من المشايخ الذين لا يفرقون بين كون الصفة التي ظهرت أشرف أو لا. وذهب آخرون إلى أن الخيار فيما إذا كان الموجود أنقص، وصحح الأول لفوات غرض المشتري، بخلاف ما إذا اشترى عبدا على أنه كافر فإذا هو مسلم فلا خيار له، لان الاستخدام لا يتفاوت بين مسلم وكافر، بخلاف تعيين الخبز أو الكتابة، فإنه يفيد أن حاجته هذا الوصف ا ه ملخصا. ومفاده تصحيح ثبوت الخيار وإن ظهر الوصف أفضل من المشروط، ألا إذا لم يحصل التفاوت بين الوصفين في الغرض المقصود للمشتري كالعبد
101 المسلم والكافر. قوله: (فليحفظ الضابط) هو ما قدمناه أولا عن الفتح. مطلب: البيع لا يبطل بالشرط في اثنين وثلاثين موضعا قوله: (البيع لا يبطل بالشرط في اثنين وثلاثين موضعا) هي شرط رهن معلوم بإشارة أو تسمية، فإن أعطاه الرهن في المجلس جاز استحسانا. وشرط كفيل حاضر أو غائب وحضر قبل الافتراق وكفل، فلو غائبا وكفل حين علم فسد. وشرط إحالة المشتري للبائع على غيره بالثمن استحسانا، وفسد على أن يحيل البائع بالثمن على المشتري. وشرط إشهاد على البيع، وشرط خيار الشرط إلى ثلاثة أيام، وشرط نقد، على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما. وشرط تأجيل الثمن إلى أجل معلوم. وشرط البراءة من العيوب ويبرأ البائع من كل عيب. وشرط قطع الثمار المبيعة: أي على المشتري فإنه يقتضيه العقد تفريعا لملك البائع عن ملكه. وشرط تركها على النخيل بعد إدراكها على المفتى به. وشرط وصف مرغوب فيه كما مر. وشرط تسليم المبيع حتى يسلم الثمن وشرط رده بعيب وجد فيه. وشرط كون الطريق لغير المشتري، وشرط عدم خروج المبيع عن ملكه في غير الآدمي، أما لو اشترى عبدا على أن لا يبيعه أو لا يخرجه عن ملكه فسد. وشرط إطعام المشتري المبيع إلا إذا عين ما يطعم الآدمي كأن شرط أن يطعم العبد المبيع خبيصا فيفسد. وشرط حمل الجارية على التفصيل الذي ذكره الشارح بعد. وشرط كونها مغنية لأنه عيب شرعا فيكون براءة من العيب، فإن لم يجدها مغنية فلا خيار له لأنه وجدها سالمة من العيب، وإن شرط المشتري ذلك على وجه الرغبة فسد البيع لشرطه ما هو محرم، ونظيره ما في البزازية: لو شراه على أنه فحل فإذا هو خصي له الرد، ولو عكس قال الامام: الخصاء في العبد عيب، فإذا بان فحلا صار كأنه شرط العيب فبان سليما، وقال الثاني: الخصي أفضل لرغبة الناس فيه فيخير ا ه. وجزم في الفتح بقول الثاني، ومقتضاه جريان ذلك في الأمة المغنية، وشرط كون البقرة حلوبا. وشرط كون الفرس هملاجا بسكر الهاء: أي سهل السير بسرعة. وشرط كون الجارية ما ولدت، فلو ظهر أنها كانت ولدت له الرد، قلت: وظاهره أنه لا يرد بدون هذا الشرط مع أنه ذكر في البزازية أنه لو قبضها ثم ظهر ولادتها عند البائع لا من البائع وهو لم يعلم فهو عيب مطلقا، لان التكسر الحاصل بالولادة لا يزول أبدا، وعليه الفتوى. وفي رواية: إن نقصتها الولادة عيب، وفي البهائم ليس بعيب إلا إن نقصها، وعليه الفتوى. وشرط إيفاء الثمن في بلد آخر وهذا لو كان الثمن مؤجلا إلى شهر مثلا فالبيع جائز والشرط باطل، إلا أن يكون له مؤنة فيتعين، أما لو غير مؤجل فالبيع فاسد لأنه يصير أجلا مجهولا وشرط الحمل إلى منزل المشتري فيما له حمل لو بالفارسية، أما في العربية فإنه يفرق فيها بين الايفاء والحمل والعقد يقتضي الأول لا الثاني فيفسد البيع. وشرط حذو النعل. وشرط خرز الخلف. وشرط جعل رقعة على ثوب اشتراه من خلقاني. وشرط كون الثوب سداسيا فإذا وجده خماسيا أخذه بكل الثمن أو ترك لأنه اختلاف نوع لا جنس فلا يفسد. وشرط كون السويق ملتوتا بمن سمن. وشرط كون الصابون متخذا من كذا جرة من الزيت ففيهما لو كان ينظر إلى المبيع وقبضه ثم ظهر أنه متخذ من أقل مما ذكر من السمن أو الزيت جاز البيع بلا خيار، لان هذا مما يعرف بالعيان فإذا عاينه انتفى الغرر، ومثله ما لو اشترى قميصا على أنه متخذ من عشرة أذرع وهو ينظر إليه فظهر من تسعة جاز بلا خيار،
102 قلت: ويشكل عليه مسألة السداسي، على أن كونه مما يعرف بالعيان غير ظاهر إلا إذا فحش التفاوت. وشرط بيع العبد إلا إذا قال: من فلام بأن قال: بعتك العبد على أن تبيعه من فلان فإنه يفسد لان له طلبا. وشرط جعلها بيعة المشتري ذمي بأن اشترى دارا من مسلم على أن يتخذها بيعة جاز البيع وبطل الشرط، وكذا بيع العصير على أن يتخذه خمرا، إنما جاز لان هذا الشرط لا يخرجها عن ملك المشتري ولا مطالب له، بخلاف اشتراط أن يجعلها المسلم مسجدا فإنه يخرج عن ملكه إلى الله تعالى، وكذا بشرط أن يجعلها ساقية أو مقبرة للمسلمين أو أن يتصدق بالطعام على الفقراء فإنه يفسد. وشرط رضا الجيران بأن اشترى دارا على أنه إن رضي الجيران أخذها، قال الصفار: لا يجوز، وقال أبو الليث: إن سمى الجيران وقال إلى ثلاثة أيام جاز. ا ه ط ملخصا مع بعض زيادة. قوله: (شرط أنها مغنية) هذه والتي بعدها تقدمتا في مسائل الأشباه. قوله: (ولو شرط حبلها) أي الأمة، بخلاف الشاة فإنه مفسد كما قدمه المصنف، لان الولد زيادة مرغوبة وإنها موهومة لا يدري وجودها فلا يجوز خانية. قوله: (على الأكثر) أي على قول أكثر الفقهاء. قوله: (لا ما فيه غرر) كبيع الشاة على أنها حامل. قوله: (إلا أن لا يرغب فيه) لان اشتراطه يكون لمعنى البراءة من وجوده كما في حبل الأمة. قوله: (ما يعرف بالعيان) كمسألة السويق والصابون كما مر في مسائل الأشباه. قوله: انتفى الغرر فليس له أن يرده إذا ظهر، بخلاف ما اشتراط، والله سبحانه أعلم. باب خيار الرؤية قدمه على خيار العيب لأنه يمنع تمام الحكم وذاك يمنع لزومه واللزوم بعد التمام، والرد بخيار الرؤية فسخ قبل القبض وبعده، ولا يحتاج إلى قضاء ولا رضا البائع وينفسخ بقوله رددت، إلا أنه لا يصح الرد إلا بعلم البائع خلافا للثاني، وهو يثبت حكما لا بالشرط، ولا يتوقت، ولا يمنع وقوع الملك المشتري، حتى لو تصرف فيه جاز تصرفه وبطل خياره ولزمه الثمن، وكذا لو هلك في يده أو صار إلى حال لا يملك فسخه بطل خياره، كذا في السراج. بحر. قوله: (من إضافة المسبب إلى السبب) الذي ذكر في الفتح والبحر أن الرؤية شرط ثبوت الخيار وعدم الرؤية هو السبب لثبوت الخيار عند الرؤية ا ه. قوله: (ظاهر) كذا في أغلب النسخ، ولا يناسبه التعليل بعده، وفي بعض النسخ ظاهر البطلان، وفي بعضها غير ظاهر وبه عبر في الدر المنتقى، وعزاه مع التعليل بعده إلى البهنسي. قوله: (لما سيجئ الخ) يعني والشئ لا يثبت قبل شرطه، وفيه أن هذا
103 يرد أيضا على ما ذكره، لان المسبب لا يتقدم على سببه وسيأتي جوابه قريبا، وهو أنه بسبب آخر، وبيانه كما قال ح: إن حق الفسح قبلها ليس من نتائج الخيار له، بل بحكم أنه عقد غير لازم لأنه لم يقع منبرما فجاز فسخه لضعف فيه، كما حققه في العناية، وسيذكره الشارح ا ه. قوله: (في أربعة مواضع) أي لا غيرها كما في الفتح. قوله: (الشراء للأعيان) أي اللازم تعيينها، ولا تثبت دينا في الذمة، والمراد الشراء الصحيح، لما في البحر عن جامع الفصولين: إن خيار الرؤية وخيار العيب لا يثبتان في البيع الفاسد ا ه: أي لوجوب فسخه بدونهما، قوله: والقسمة في الشرنبلالية عن العيون أن قسمة الأجناس المختلفة يثبت فيها الخيارات الثلاث: خيار الشرط والعيب والرؤية، وقسمة ذوات الأمثال كالمكيلات والموزونات يثبت فيها خيار العيب، وقسمة غير المثليات كالثياب من نوع واحد، والبقر والغنم يثبت فيها خيار العيب وكذا الشرط والرؤية على رواية أبي سليمان، وهو الصحيح وعليه الفتوى، وعلى رواية أبي حفص لا ا ه. قوله: (فليس في ديون ونقود) في بعض النسخ في ديون القود وفي بعضها في دين العقود والأولى أولى، وعطف النقود على الديون من عطف الخاص على العام. قال في الفتح: وعرف من هذا: أي قصره على المواضع الأربعة أنه لا يكون في الديون، فلا يكون في المسلم فيه، ولا في الأثمان الخالصة: كالدراهم والدنانير، بخلاف ما إذا كان المبيع إناء من أحد النقدين فإن فيه الخيار ا ه. قال في البحر: وأما رأس مال السلم إذا كان عينا فإنه يثبت الخيار فيه للمسلم إليه. قوله: (وعقود لا تنفسخ) قال في الفتح: ومحله كل ما كان في عقد ينفسخ بالفسخ، لا فيما لا ينفسخ كالمهر، ويدل الصلح عن القصاص، وبدل الخلع وإن كانت أعيانا لأنه يفيد فيها، لان الرد لما لم يوجب الانفساخ بقي العقد قائما، وقيامه يوجب المطالبة بالعين لا بما يقابلها من القيمة، فلو كان له أن يرده كان له أن يرده أبدا. قوله: (لما لم يرياه) أي العاقدان. قال في البحر: أراد بما لم يره ما لم يره وقت العقد ولا قبله، والمراد بالرؤية العلم بالمقصود من باب عموم المجاز فصارت الرؤية من أفراد المعنى المجازي، فيشمل ما إذا كان المبيع مما يعرف بالشم كالمسك، وما اشتراه بعد رؤيته فوجده متغيرا، وما اشتراه الأعمى. وفي القنية: اشترى ما يذاق فذاقه ليلا ولم يره سقط خياره ا ه. قوله: (أي المبيع) أي الذي لم يرياه بأن كان مستورا. قوله: (فلو لم يشر إلى ذلك الخ) عبارة الفتح هكذا: وفي المبسوط الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز، فلو لم يشر إليه ولا إلى مكانه لا يجوز بالاجماع ا ه. لكن إطلاق الكتاب يقتضي جواز البيع، سواء سمى جنس المبيع أو لا، وسواء أشار إلى مكانه أو إليه وهو حاضر مستور أو لا، مثل أن يقول بعت منك ما في كمي، بل عامة المشايخ قالوا: إطلاق الجواب يدل على الجواز عنده، وطائفة قالوا: لا يجوز لجهالة المبيع من كل وجه. والظاهر أن المراد بالاطلاق ما ذكره شمس الأئمة وغيره كصاحب الاسرار والذخيرة لبعد القول
104 بجواز ما لم يعلم جنسه أصلا، كأن يقول: بعتك شيئا بعشرة اه. كلام الفتح. وحاصله التوفيق بين ما قاله عامة المشايخ وما قاله بعضهم بحمل إطلاق الجواب على ما قاله شمس الأئمة وغيره من لزوم الإشارة إليه أو إلى مكانه، إذا لا يصح بيع ما لم يعلم جنسه أصلا: أي لا بوصف ولا بإشارة، ولذا قال صاحب الهداية: يعني شيئا مسمى موصوفا أو مشارا إليه أو إلى مكانه وليس فيه غيره بذلك الاسم ا ه. فأفاد أن لزوم الإشارة عند عم تسمية الجنس والوصف، فالتسمية كافية عن الإشارة، حتى لو قال: بعتك كر حنطة بلدية بكذا، والكر في ملكه من نوع واحد في موضع واحد جاز البيع، وكذا الإضافة في مثل بعتك عبدي وليس له غيره، وذكر الحدود في مثل بعتك الأرض الفلانية، والمدار على نفي الجهالة الفاحشة ليصح البيع كما حققنا ذلك بما لا مزيد عليه أول البيوع عند قوله: وشرط لصحته معرفة قدر مبيع وثمن فتذكره بالمراجعة فإنه ينفعك هنا، وبهذا التقرير سقط ما في الحواشي السعدية من قوله: أقول في كون الإشارة إلى المبيع أو إلى مكانه شرط الجواز، سيما بالاجماع كلام، فليتأمل ا ه. لما علمت من أن الإشارة ليست شرطا دائما بل عند عدم معرف آخر يرفع الجهالة، فافهم. قوله: (وفي حاشية أخي زاده) أي حاشيته على صدر الشريعة. قال في المنح: وفي حاشية أخي زادة ذكر هذا البحث، ثم قال: وقال عامة مشايخنا إطلاق الجواب يدل على جوازه وهو الأصح، وقال بعضهم لا يجوز وصحح، ويؤيده ما في جامع الفصولين من الفصل الثالث: يشترط كون المبيع حاضرا موجودا مهيأ مقدور التسليم، وما في المبسوط من أن الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز، حتى لو لم يشر إليه أو إلى مكانه لا يجوز بالاجماع ا ه. وفي العناية: قال القدوري: من اشترى شيئا لم يره فالبيع جائز، معناه أن يقول: بعتك الثوب الذي في كمي هذا أو هذه الجارية المنتقبة، وكذلك العين الغائب المشار إلى مكانه، وليس في ذلك المكان بذلك الاسم غير ما سمي، والمكان معلوم باسمه والعين معلومة. قال صاحب الاسرار: لان كلامنا في عين هي بحالة لو كانت الرؤية حاصلة لكان البيع جائز ا ه. ما في المنح ملخصا، ولا يخفى أن حاصله تقييد إطلاق الجواب بما قاله في المبسوط وغيره كما مر عن فتح القدير، وهو محمل إطلاق المتون كعبارة القدوري المذكورة. قوله: (أي للمشتري) كان ينبغي للمصنف التصريح به لأنه لم يتقدم له ذكر مع إيهام عود الضمير للبائع وإن كان يرتفع بقوله الآتي: ولا خيار لبائع. قوله: (إذا رآه) أي علم به كما قدمناه. قوله: (إلا إذا حمله البائع الخ) في البحر عن جامع الفصولين: شراه وحمله البائع إلى بيت المشتري فرآه ليس له الرد، لأنه لو رده يحتاج إلى الحمل فيصير هذا كعيب حدث عند المشتري ومؤنة رد المبيع بعيب أو بخيار شرط أو رؤية على المشتري، ولو شرى متاعا وحمله إلى موضع فله رده بعيب ورؤية لو رده إلى موضع العقد، وإلا فلا ا ه. وظاهره أنه إنما يرده لو رده إلى موضع العقد فيما لو حمله المشتري، بخلاف البائع، وهو خلاف ما نقله الشارح عن الأشباه، والذي يظهر عدم الفرق، وإن ما ذكره من قوله لأنه لو رده الخ غير ظاهر، لأنه لا يناسبه قوله بعده ومؤنة الرد على المشتري، فافهم، ثم رأيت صاحب نور العين اعترض التعليل المذكور بما ذكرته، ثم إنه يستفاد من كلام الفصولين أن ما أنفقه البائع على تحميله إلى منزل المشتري لا يلزم المشتري إذا رد عليه المبيع إلى محل العقد، لان البائع متبرع بما أنفقه، لان الواجب عليه التسليم في محل العقد دون التحميل، وبه يظهر جواب حادثة الفتوى: اشترى حديدا لم يره وشرط على
105 البائع تحميله إلى بلدة المشتري ثم رآه فلم يرض به وأراد فسخ البيع لخيار الرؤية أو بفساد العقد بسبب الشرط المذكور. والجواب أنه يلزمه تحميله إلى بلدة البائع ليرده عليه، وإن كان الرد بسبب الفساد، لما صرح به في جامع الفصولين أيضا من أن مؤنة رد المبيع فاسدا بعد الفسخ على القابض. قوله: (وإن رضي بالقول قبله) قيد بالقول، لأنه لو أجازه بالفعل بأن تصرف فيه يزول خياره كما في الشرنبلالية عن شرح المجمع. قوله: (أي قبل أن يراه) أشار إلى أن الضمير المذكور في قبله عائد إلى المعنى المصدري، لا إلى لفظ الرؤية المفهوم من قوله: إذا رآه لأنه مؤنث. تأمل. وأجاب في البحر بأنه ذكر الضمير للمعنى، أي لان المراد من الرؤية العلم كما مر. قوله: لان خياره معلق بالرؤية بالنص أي بحديث: من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه، إن شاء أخذه، وإن شاء تركه قال في الدرر: وفيه أن هذا استدلال بمفهوم الشرط، ونحن لا نقول به ا ه. قلت: وجوابه أن الأصل في العقد اللزوم فلا يثبت الخيار إلا بدليله، والنص إنما أثبته عند الرؤية فيبقى ما وراءها على الأصل، فالحكم ثابت بدليل الأصل لا بمفهوم الشرط. وهذا معنى قول الشارح: ولا وجود للمعلق قبل الشرط وقال في الفتح: والمعلق بالشرط عدم قبل وجوده، والاسقاط لا يتحقق قبل الثبوت ا ه: أي إذا كان الخيار معلقا بالرؤية كان عدما قبلها فلا يصح إسقاطه بالرضا، فافهم. قوله: (لعدم لزوم البيع) بيان للفرق بين الفسخ والإجازة، فإنها غير لازمة قبل الرؤية، وهو لازم مع استوائهما في التعليق بالشرط في الحديث المار، وذلك أن الفسخ له سبب آخر وعدم لزوم هذا العقد، وما لا يلزم فللمشتري فسخه ولم يثبت للإجازة سبب آخر فبقيت على العدم، وحاصله أنه غير لازم قبل الرؤية لجهالة المبيع، وإذا رآه حدث له سبب آخر لعدم لزومه وهو الرؤية، ولا مانع من اجتماع الأسباب على مسبب واحد أفاده في البحر. قوله: (غير مؤقت بمدة) تفسير للاطلاق. قوله: (وهو الأصح) وقيل: مؤقت بوقت إمكان الفسخ بعد الرؤية، حتى لو تمكن منه ولم يفسخ سقط خياره. بحر. قوله: (هو مبطل خيار الشرط) كتعيب في يده وتعذر رد بعضه وتصرف لا يفسخ كالاعتاق وتوابعه أو يوجب حقا للغير كالبيع المطلق: أي عن شرط الخيار للبائع والرهن والإجارة قبل الرؤية وبعدها وما لا يوجب حقا للغير بخيار: أي للبائع والمساومة والهبة بلا تسليم بطل بعدها لا قبلها ملتقى. وفي جامع الفصولين: باع بخيار لا يبطل به خيار الرؤية إلا في رواية، وبخيار المشتري يبطل، وكذا لو باع بيعا فاسدا وهلك بعض المبيع عند المشتري بطل خياره، لان خيار الرؤية يمنع تمام الصفقة، فإذا تعذر رد بعضه بهلاك أو عيب بطل خياره ولو عرض بعضه بعد الرؤية على البيع أو قال: رضيت ببعضه بطل خياره، وكذا خيار العيب، وكذا لو رآه فقبضه رسوله ا ه، قال في نور العين: مسألة عرض بعضه على البيع ليست وفاقية، لما في الخانية: لو عرض بعضه على البيع بعد الرؤية بطل خياره عند محمد، لا عند أبي يوسف ا ه.
106 قلت: صاحب الخانية يقدم الأشهر، فتدبر، قوله: (مطلقا) أي قبل الرؤية وبعدها كما علمت. قوله: (ومفيد الرضا) نقل لعبارة الدرر بالمعنى، لأنه قال: ويبطله ما لا يوجب حق الغير كالبيع بالخيار والمساومة والهبة بلا تسليم بعد الرؤية لا قبلها لأن هذه التصرفات لا تزيد على صريح الرضا، وهو إنما يبطله بعد الرؤية، وأما التصرفات الأولى فهي أقوى، لان بعضها لا يقبل الفسخ وبعضها أوجب حق الغير فلا يملك إبطاله ا ه. ثم اعلم أنه في الكنز اقتصر على قوله: ويبطل بما يبطل به خيار الشرط، فأورد عليه في البحر: الاخذ بالشفعة والعرض على البيع، والبيع بخيار للبائع، والإجارة، والاسكان بلا أجر والرضا بالمبيع قبل الرؤية، فإنها تبطل خيار الشرط دون خيار الرؤية ا ه. لكن الصواب إسقاطه. قوله: والإجارة فإنها توجب حقا للغير، وقد علمت أن مسألة العرض خلافية. ثم إن ما أورده في البحر احترز عنه الشارح بقول: ومفيد الرضا بعد الرؤية لا قبلها فإن هذه الأشياء لا تبطل خيار الرؤية قبل الرؤية لأنها تفيد الرضا، وصريح الرضا قبلها لا يبطله، فلذا قال: بعد الرؤية لا قبلها لكن يبقى إيراد البحر واردا على قوله: وهو مبطل خيار الشرط مطلقا فإن هذه الأشياء تبطل خيار الشرط، فيتوهم أنها تبطل خيار الرؤية قبلها وبعدها، مع أنها لا تبطله قبلها لما علمت، ولا يفيد قوله: ومفيد الرضا الخ لان بعض ما يبطل خيار الشرط يفيد الرضا، كالعتق والبيع ونحوهما من التصرفات ويبطل خيار الرؤية قبلها وبعدها. تنبيه: عد في البحر مما يبطل خيار الرؤية قبض المبيع ونقد الثمن بعد الرؤية. زاد في جامع الفصولين: كذا لو رآه فقبضه رسول ا ه. وحمله إلى بيت المشتري فإذا رآه ليس له رده ما لم يرده إلى موضع العقد كما مر بيانه، وكذا لو اشترى أرضا لم يرها وأعارها فزرعها المستعير، وكذا لو شرى عدل ثياب فليس واحدا بطل خياره في الكل ا ه. قوله: (فله الاخذ بالشفعة الخ) تفريع على قوله: لا قبلها أي إذا كان مفيد الرضا لا يبطل خيار الرؤية قبل الرؤية، فلو شرى دارا ولم يرها فبيعت دار بجنبها فله أخد الثانية بالشفعة، ولا يبطل خياره في الأولى حتى إذا رآها ولم يرض بها فله ردها بخيار الرؤية. قوله: (درر من خيار الشرط) وكذا ذكره الشارح هناك عن المعراج بقوله: بخلاف خيار رؤية وعيب. تنبيه: إنما عزا ذلك إلى الدرر من خيار الشرط مع أنه في الدرر ذكره في هذا الباب متنا بقوله: كذا طلب الشفعة بما لم يره، لأنه جعله مبطلا لخيار الرؤية قبل الرؤية، وهو غير صحيح. قوله: (خوف الغرر) أي غرر البائع بسبب اعتماده على شرائه فلا يطلب لسلعته مشتريا آخر ط. قوله: (ولا خيار البائع ما يره في الأصح) بأن ورث عينا فباعها لا خيار له بالاجماع السكوتي. در منتقى: أي وقع الحكم بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم يرو عن أحد منهم خلافه، فكان إجماعا سكوتيا كما بسطه في الفتح، وهو قول الإمام المرجوع إليه كما في البحر، وبه ظهر أن قوله: في الأصح لا محل له لايهامه أن مقابله صحيح مع أن ما رجع عنه المجتهد لم يبق قولا له
107 لأنه في حكم المنسوخ. قوله: (وكفى رؤية ما يؤذن بالمقصود) لان رؤية جميع المبيع غير مشروط لتعذره فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود. هداية. والمراد أن رؤية ذلك قبل الشراء كافية في سقوط خياره بعده، لأنه قد اشترى ما رأى فلا خيار له، وليس المراد أنه لو اشترى قبل الرؤية ثم رأى ذلك يسقط خياره كما توهمه بعض الطلبة، فاستشكله بأن خيار الرؤية غير موقت، وأنه إذا رآه بعد الشراء لا يسقط إلا بقول أو فعل بدل على الرضا، فكيف يسقط بمجرد رؤية ما يؤذن بالمقصود؟ أفاده في النهر ويشير إليه الشارح. ولا شك أنه توهم ساقط، وإلا لزم أن لا يثبت خيار الرؤية بعد الشراء إلا قبل الرؤية بعده، ولا قائل به مع أن الرؤية بعد الشراء شرط ثبوت الخيار على ما مر. قوله: (كوجه صبرة) المراد بها ما تتفاوت آحاده. قال في الفتح: فإن دخل في البيع أشياء، فإن كانت الآحاد لا تتفاوت كالمكيل والموزون، وعلامته أن يعرض بالنموذج فيكتفي برؤية واحد منها في سقوط الخيار، إلا إذا كان الباقي أردأ مما رأى فحينئذ يكون له الخيار: أي خيار العيب لا خيار الرؤية. ذكره في الينابيع. وعلل في الكافي بأنه إنما رضي بالصفة التي رآها لا بغيرها، ومفاده أنه خيار الرؤية وهو مقتضى سوق كلام المصنف: أي صاحب الهداية، والتحقيق أنه خيار عيب إذا كان اختلاف الباقي يوصله إلى حد العيب، وخيار رؤية إذا كان لا يوصله إلى اسم المعيب بل الدون، وقد يجتمعان فيما إذا اشترى ما لم يره فلم يقبضه حتى ذكر له البائع به عيبا ثم أراه المبيع في الحال ا ه. وأقره في البحر. والحاصل: أنه إذا كان الباقي أردأ مما رأى لا تكفي رؤية بعضه: أي لا يسقط بها الخيار مطلقا، وإنما يسقط بها خيار الرؤية فقط، ويبقى خيار العيب على ما في الينابيع، أو يبقى معها خيار الرؤية على ما في الكافي والتحقيق التفصيل، وهو أنه أن كان الباقي معيبا يبقى الخياران، وإلا فخيار الرؤية فقط، وبهذا التقرير سقط ما في النهر حيث قال: وعندي أن ما في الكافي هو التحقيق، وذلك أن هذه الرؤية إذا لم تكن كافية، فما الذي أسقط خيار رؤيته حتى انتقل منه إلى خيار العيب فتدبره ا ه. وهذا اعتراض على ما في الينابيع. والجواب أنها قد أسقطت خيار الرؤية، وإنما لم تكن كافية في لزوم المبيع لأنه يبقى معها خيار العيب كما قررنا به كلام الينابيع وعلمت ما هو التحقيق. ثم قال في الفتح: ثم السقوط برؤية البعض إذا كان في وعاء واحد، فلو في أكثر فقيل كذلك، وقيل لا بد من رؤية كل وعاء، والصحيح الأول لان رؤية البعض تعرف حال الباقي، هذا إذا ظهر أن ما في الوعاء الآخر مثله أو أجود، فلو أردأ فهو على خياره ا ه. تنبيه: قال في جامع الفصولين: فإن قال المشتري لم أجد الباقي على تلك الصفة، وقال البائع: هو على تلك الصفة فالقول للبائع والبينة للمشتري ا ه. ومثله في الخانية. ولا يخفى أن هذا إذا هلك النموذج الذي رآه وادعى المشتري مخالفة الباقي، أما لو كان موجودا فإنه يعرض على من له خيرة بذلك فيتضح الحال، لكن بقي شئ، وهو أن هذا إنما يظهر لو كان المبيع حاضرا مستورا بكيس أو نحوه، أما لو كان غائبا وأحضر له البائع النموذج وهلك ثم أحضر له الباقي فادعى المشتري أنه ليس على الصفة التي رآها في النموذج فينبغي أن يكون القول للمشتري، لأنه منكر ضمنا كون ذلك هو المبيع، بخلاف ما إذا كان حاضرا لاتفاقهما على أنه المبيع، وإنما الاختلاف في الصفة، وبهذا ظهر أن ما بحثه الرملي في حواشيه على الفصولين من أنه لو هلك النموذج
108 فالقول للمشتري لانكاره كون الباقي هو المبيع ضمنا محمول على ما لو كان غائبا كما قلنا، وإلا خالفه صريح المنقول كما علمت، فاغتنم هذا التحرير، قوله: (ورقيق) أي ووجه رقيق أو أكثر (1) كما في السراج عبدا كان أو أمة، لان سائر الأعضاء في العبيد والإماء تبع للوجه، ولذا تفاوتت القيمة، إذا فرض تفاوت الوجه مع تساوي الأعضاء، ودل كلامه أنه لو نظر لسائر أعضائه غير الوجه لا يسقط خياره، وبه صرح في السراج. نهر. ولا تشترط رؤية الكفين واللسان والأسنان والشعر عندنا. بحر. قوله: (تركب) احتراز عن شاة اللحم أو القنية أو البقرة الحلوب أو الناقة كما في النهر ويأتي حكمها. قوله: (وكفلها) أي مع كفلها بفتحتين بمعنى العجز، وأفاد أن رؤية القوائم غير شرط وهو الصحيح. نهر. قوله: (في الأصح) هو قول أبي يوسف، واكتفى محمد برؤية الوجه. نهر. قوله: (وظاهر ثوب مطوي الخ) لان البادي يعرف ما في الطي، فلو شرط فتحه لتضرر البائع بتكسر ثوبه ونقصان بهجته، وبذلك ينقص ثمنه عليه إلا أن يكون له وجهان فلا بد من رؤيتهما، أو يكون في طيه ما يقصد بالرؤية كالعلم، قيل: هذا في عرفهم، أما في عرفنا فما لم ير باطن الثوب لا يسقط خياره لأنه استقر اختلاف الباطن والظاهر في الثياب، وهو قول زفر. وفي المبسوط الجواب على ما قال زفر فتح وبحر. قلت: ومقتضى التعليل الأخير أنه لو لم يختلف سقط الخيار إلا إذا ظهر باطنه أردأ من ظاهره فله الخيار على ما مر، وبقي شئ لم أر من نبه عليه، وهو ما لو كان المبيع أثوابا متعددة وهي من نمط واحد لا تختلف عادة بحيث يباع كل واحد منها بثمن متحد، ويظهر لي أنه يكفي رؤية ثوب منها، إلا إذا ظهر الباقي أردأ، وذلك لأنها تابع بالنموذج في عادة التجار، فإذا كانت ألوانا مختلفة ينظرون من كل لون إلى ثوب واحد، بل قد يقطعون من كل لون قطعة قدر الإصبع ويلصقون القطع في ورقة، فيعلم حال جميع الأثواب برؤية هذه الورقة ويكون طول الثوب وعرضه معلوما، فإذا وجدت الأثواب كلها على الحال المرئي والمعلوم بلا تفاوت بينها ينبغي أن يسقط خيار الرؤية، لأنها حينئذ تكون بمنزلة العددي المتقارب كالجوز والبيض، إذ لا شك أنه قد يحصل تفاوت بين جوزة وجوزة ولكنه يسير لا ينقص الثمن، فإذا كان نوع من الثياب على هذا الوجه لا يختلف ثوب منها عن ثوب اختلافا ينقص الثمن عادة كان كذلك، ولا سيما إذا كانت الثياب من سدى واحد، لأنه داخل تحت قول الهداية وغيرها أنه يكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود. وفي الزيلعي: لو كان أشياء لا تتفاوت آحاده كالمكيل والموزون، وعلامته أن يعرض بالنموذج يكتفي برؤية بعضه لجريان العادة بالاكتفاء بالبعض في الجنس الواحد ولوقوع العلم به بالباقي، إلا كان إذا كان الباقي أردأ فله الخيار فيه وفيما رأى، وإن كان آحاده تتفاوت وهو الذي لا يباع بالنموذج كالثياب والدواب والعبيد فلا بد من رؤية كل واحد من أفراده، لأنه برؤية بعضها لا يقع العلم بالباقي للتفاوت ا ه: أي للتفاوت الفاحش بين عبد وعبد وثوب وثوب، لكنه جعل المناط في الفرق تفاوت الآحاد وعدمه وعرضه في العرف بالنموذج وعدمه، فيدل على أنه لو كان نوع من الثياب لا تتفاوت آحاده، ويعرض بالنموذج في العادة كما قلنا فهو في حكم المكيل والموزون. وذكر في الهداية أنه يجوز
(1) قوله: (اي ووجه رقيق أو أكثر) عبارة ط. وكذا إذا نظر إلي أكثر الوجه لأنه كرؤية جميعه ا ه. 109 السلم في المذروعات لأنه يمكن ضبطها بذكر الذرع والصفة والصنعة لا في الحيوان، لان فيه تفاوتا فاحشا في المالية باعتبار المعاني الباطنة فيفضي إلى المنازعة، بخلاف الثياب لأنه مصنوع العباد، فقلما يتفاوت الثوبان إذا نسجا على منوال واحد ا ه. ومراده أنهما يتفاوتان قليلا كما في الفتح: أي بحيث لا يعتبر عادة ولا يفضي إلى المنازعة، فقد اغتفروا التفاوت اليسير في السلم الوارد على خلاف القياس لأنه بيع معدوم، فينبغي أن يقال هنا كذلك، ولهذا اكتفى في العددي المتقارب برؤية البعض في الصحيح خلافا للكرخي. هذا ما ظهر لي بحثا. قوله: (وقال زفر الخ) قال في النهر: قيل هذا قول زفر وهو الصحيح، وعليه الفتوى، واكتفى الثلاثة برؤية خارجها، وكذا برؤية صحتها، والأصح أن هذا بناء على عادتهم في الكوفة أو بغداد، فإن دورهم لم تكن متفاوتة إلا في الكبر والصغر، وكونها جديدة أو لا، فأما في ديارنا فهي متفاوتة. قال الشارح الزيلعي: لان بيوت الشتوية والصيفية والعلوية والسفلية مرافقها ومطابخها وسطوحها مختلفة، فلا بد من رؤية ذلك كله في الأظهر. وفي الفتح: وهذا هو المعتبر في ديار مصر والشام والعراق، وبهذا عرف أن كون ما في الكتاب قول زفر كما ظنه بعضهم غير واقع موقعه لأنه كان في زمانهم، ولم يكتف برؤية الخارج فكان مذهبه عدم الاكتفاء به مطلقا ا ه. كلام النهر. وحاصله: أن أئمتنا الثلاثة اكتفوا برؤية خارج البيوت وصحن الدار لكونها غير متفاوتة في زمنهم، وزفر كان في زمنهم وقد خالفهم، فعلم أنه قائل باشتراط رؤية داخلها وإن لم تتفاوت، وهذا خلاف ما صححوه من اشتراط رؤية داخلها في ديارنا لتفاوتها فيكون اختلاف عصر وزمان، أما خلاف زفر فهو اختلاف حجة وبرهان لا اختلاف عصر وزمان. قوله: (ومثله الكرم والبستان) فلا بد في البستان من رؤية ظاهره وباطنه، وفي الكرم لا بد من رؤية العنب من كل نوع شيئا، وفي الرمان لا بد من رؤية الحلو والحامض، وفي الثمار على رؤوس الأشجار تعتبر رؤية جميعها، بخلاف الموضوعة على الأرض. بحر. وذكر في فصل ما يدخل في البيع تبعا اشترى الثمار على رؤوس الأشجار فرأى من كل شجرة بعضه يثبت له خيار الرؤية (1) ا ه. وهذا ينافي ما ذكره في الكرم، ولعله يفرق بين ما إذا اشترى الشجر بثمره فيكفي أن يرى من كل نوع شيئا، وبين ما إذا اشترى الثمر مقصودا، فتأمل. قوله: (شاة قنية) هي التي تحبس في البيوت لأجل النتاج، من اقتنيته اتخذته لنفسي. قنية: أي للنسل لا للتجارة. بحر. فقوله: للدر والنسل تفسير لها. قوله: (مع ضرعها) قال في البحر بعد عزوه للظهيرية: فليحفظ، فإن في بعض العبارات ما يوهم الاقتصار على رؤية ضرعها ا ه. لكن في النهر الظاهر أنه لو اقتصر عليه كفاه كما جزم به غير واحد. قوله:
(1) قوله: (يثبت له خيار الرؤية) اي وتكون رؤية البعض كافية، بخلاف المسألة السابقة فإنه اشترط رؤية الجميع ولا يكفي رؤية البعض، وليس المراد ان رؤية البعض غير معتبرة، بل يكون له الخيار عند رؤية الجميع حتى لا يخالف العبارة السابقة ا ه. 110 (وشم مشموم) وفي دفوف المغازي لا بد من سماع صوتها، لان العلم بالشئ يقع باستعمال آلة إدراكه، ولا يسقط خياره حتى يدركه. زيلعي. قوله: (لوجود الحائل) فهو لم ير الدهن حقيقة. وفي التحفة: لو نظر في المرآة فرأى المبيع، قالوا: لا يسقط خياره، لأنه ما رأى عينه بل مثاله، ولو اشترى سمكا في ماء يمكن أخذه بلا اصطياد فرآه فيه، قيل: يسقط خياره لأنه رأى عين المبيع، وقيل: لا لأنه لا يرى في الماء على حاله، بل يرى أكبر مما كان، فهذه الرؤية لا تعرف المبيع. بحر. قوله: (وكفى رؤية وكيل قبض وشراء) فلا خيار له ولا لموكله، وهذا لو بشراء شئ لا بعينه. ففي المعين: ليس للوكيل خيار رؤية، وإذا شرى ما رآه موكله ولم يعلم به الوكيل فله الخيار إذا لم يره كما في جامع الفصولين، واحترز عما لو وكله بالرؤية مقصودا وقال: إن رضيته فخذه، لا يصح ولا تصير رؤيته كرؤية موكله، جامع الفصولين. قال في البحر: لأنها من المباحات لا تتوقف على توكيل إلا إذا فوض إليه الفسخ والإجازة لما في المحيط: وكله بالنظر إلى ما شراه ولم يره، إن رضي يلزم العقد، وإن لم يرض يفسخ يصح، لأنه جعل الرأي والنظر إليه فيصح، كما لو فوض الفسخ والإجازة إليه في البيع بشرط الخيار ا ه. قال في النهر: ودل كلامه أن رؤيته قبل التوكيل به لا أثر لها، فلا يسقط بها الخيار كما في الفتح وغيره. قوله: (لا رؤية رسول المشتري) سواء كان رسولا بالقبض أو بالشراء زيلعي. قوله: (وبيانه في الدرر) حيث قال: اعلم أن ها هنا وكيلا بالشراء ووكيلا بالقبض ورسولا. وصورة التوكيل بالشراء أن يقول: كن وكيلا عني بشراء كذا، وصورة التوكيل بالقبض أن يقول: كن وكيلا عني بقبض ما اشتريته وما رأيته. وصورة الرسالة أن يقول: كن رسولا عني بقبضه، فرؤية الوكيل الأول تسقط الخيار بالاجماع، ورؤية الثاني تسقط عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا قبضه ناظرا إليه فحينئذ ليس له ولا للموكل أن يرده إلا بعيب. وأما إذا قبضه مستورا ثم رآه فأسقط الخيار فإنه لا يسقط، لأنه لما قبضه مستورا انتهى التوكيل بالقبض الناقص فلا يملك إسقاطه قصدا لصيرورته أجنبيا، وإن أرسل رسولا بقبضه فقبضه بعدما رآه فللمشتري أن يرده. وقالا: الوكيل بالقبض والرسول سواء في أن قبضهما بعد الرؤية لا يسقط خيار المشتري ا ه ح. قال في الشرنبلالية: وفيه نظر لأنه لا خلاف في هذه الحالة، وما الخلاف إلا في نظر الوكيل بالقبض حالة قبضه لا في نظره السابق على قبضه ولا المتأخر عنه كما في التبيين ا ه ط. تنبيه: نقل في البحر عن الفوائد أن صورة الرسالة أن يقول: كن رسولا عني في قبضه أو أمرتك بقبضه أو أرسلتك لتقبضه، أو قل لفلان أن يدفع المبيع إليك، وقيل: لا فرق بين الرسول والوكيل في فصل الامر، بأن قال: اقبض المبيع فلا يسقط الخيار ا ه. وذكر في البحر من كتاب الوكالة عن البدائع أن الايجاب من الموكل أن يقول: وكلتك بكذا أو افعل كذا أو أذنت لك أن تفعل كذا ونحوه ا ه. فهذا صريح في أن الامر والاذن توكيل، لكن ذكر هناك عن الولوالجية ما يدل على أن الامر توكيل إذا دل على إنابة المأمور مناب الآمر، وسيأتي تحريره هناك إن شاء الله تعالى، وكتب هنا في تنقيح الحامدية بعض ذلك، فراجعه. قوله: (ولغيره) كأن يكون وصيا أو وكيلا.
111 مطلب: الأعمى كالبصير إلا في مسائل قوله: (إلا في اثنتي عشرة مسألة) قال في الأشباه: وهو كالبصير إلا في مسائل، منها: لا جهاد عليه ولا جمعة ولا جماعة ولا حج وإن وجد قائدا، ولا يصلح للشهادة مطلقا على المعتمد والقضاء والإمامة العظمى، ولا دية في عينه، وإنما الواجب الحكومة. وتكره إمامته إلا أن يكون أعلم القوم، ولا يصح عتقه عن كفارة، ولم أر حكم ذبحه وصيده وحضانته ورؤيته لما اشتراه بالوصف، وينبغي أن يكره ذبحه. أما حضانته فإن أمكنه حفظ المحضون كان أهلا، وإلا فلا، ويصلح ناظرا ووصيا، والثانية في منظومة ابن وهبان، والأولى في أوقاف هلال كما في الإسعاف ا ه. وقوله: ولا يصلح للشهادة مطلقا: أي ولو فيما تقبل فيه الشهادة بالتسامع، وقوله: ولا يصح عتقه، مصدر مضاف لمفعوله: أي أن يعتقه سيده عن كفارته، وقوله: ولم أر الخ: عبارته في البحر: ويكره ذبحه ولم أر حكم صيده ورميه واجتهاده في القبلة، وقوله ورؤيته لما اشتراه بالوصف رؤيته مبتدأ خبره قوله: بالوصف أي علمه بالمبيع المحتاج للرؤية بالوصف وقوله: ويصلح ناظرا ووصيا: ليس من المستثنيات، لأنه وافق فيه البصير. قوله: (وسقط خياره بحبس مبيع الخ) محمول على ما إذا وجد منه الجس ونحوه قبل الشراء، أما إذا اشترى قبل أن يوجد منه ذلك لا يسقط خياره بوجوده، بل يثبت باتفاق الروايات ويمتد إلى أن يوجد منه ما يدل على الرضا من قول أو فعل في الصحيح. شرنبلالية عن الزيلعي. قوله: (وكذا كل ما لا يعرف بجس الخ) ظاهره أن ما يعرف بالجس ونحوه لا يكفي فيه الوصف، وكذا عكسه، وأنه لا يشترط اجتماع الوصف والجس، لكن في المعراج: وعن أبي يوسف اعتبار الوصف في غير العقار. وقال أئمة بلخ: يمس الحيطان والأشجار. وعن محمد: يعتبر اللمس في الثياب والحنطة، ثم قال: وبالجملة ما يقف به على صفة المبيع فهو المعتبر، فحينئذ لا تختلف هذه الروايات في المعنى، لان الخيار ثابت للأعمى لجهله بصفات المبيع، فإذا زال ذلك بأي وجه كان يسقط خياره ا ه. تنبيه: في البحر عن البدائع: لا بد في الوصف للأعمى من كون المبيع على ما وصف له، ليكون في حقه بمنزلة الرؤية في حق البصير. قوله: (أو بنظر وكيله) أي وكيل الشراء أو القبض لا وكيل النظر، إلا إذا فوض إليه الفسخ والإجازة على ما مر. قوله: (بعد ذلك) أي من الجس ونحوه أو الوصف أو نظر الوكيل. قوله: (فلا خيار له) لأنه سقط فلا يعود إلا بسبب جديد، ولو اشترى البصير ثم عمى انتقل الخيار إلى الوصف. بحر. قوله: (لا أنها) أي الرؤية بهذه المذكورات. قوله: (كما غلط فيه بعضهم) أي بعض الطلبة، وقدمنا بيانه. قوله: (أو يتعيب) بالجزم عطفا على مدخول لم وهو يوجد لا على قول لان التعيب والهلاك ليسا من المشتري البتة، وإنما امتنع الرد بهلاك البعض، لأنه يلوم عليه تفريق الصفقة كما يأتي. قوله: (ولو قبل الرؤية) مبالغة على قوله: أو يتعيب
112 أو يهلك بعضه، وأما الفعل فمنه ما يسقط بعد الرؤية فقط، ومنه ما يسقط مطلقا ومر بيانه. قوله: (ولا عيب) لم يذكره في النهر بل في البحر عن الولوالجية: وبه سقط ما بحثه الحموي في شرحه أنه لو وجده بعد إخراجه منقطع الرائحة، فالظاهر أن له رده بخيار العيب لأنه بحث مخالف للمنقول بل وللمعقول، إذ كيف يسوغ الرد بعد حدوث عيب جديد. قوله: (ويدخل عليه عيبا ظاهرا) حتى لو لم يدخل كان له أن يرد بخيار العيب والرؤية جميعا. بحر. قوله: (لتفريق الصفقة) يأتي بيانه. واستفيد منه أنه لو رآهما فرضي بأحدهما أنه لا يرد الآخر. بحر. قوله: (قاصدا لشرائه عند رؤيته) فلو قصد شراءه ثم رآه لكنه عندها لم يقصد الشراء ثم شراه يثبت له الخيار للعلة المذكورة ط. قوله: (قال المصنف الخ) قال الخير الرملي: هو خلاف الظاهر من الرواية، وقد ذكره في جامع الفصولين أيضا بصيغة، وقيل: وهي صيغة التمريض، فكيف يعول عليه في متنه والمتون موضوعة لما هو الصحيح من المذهب؟ تأمل ا ه. كذا رده المقدسي بأنه مناف لإطلاقاتهم. قوله: (فلو لم يعلم به) كأن رأى جارية ثم اشترى جارية متنقبة لا يعلم أنها التي كان رآها ثم ظهرت إياها، فإن له الخيار لعدم ما يوجب الحكم عليه بالرضا، أو رأى ثوبا فلف في ثوب وبيع فاشتراه وهو لا يعلم أنه ذلك. فتح. قوله: (ولا يعرفه) أي الباقي. بحر. قوله: (وكذا لو كانا ملفوفين الخ) في البحر عن الظهيرية: لو رأى ثوبين ثم اشتراهما بثمن متفاوت ملفوفين فله الخيار، لأنه ربما يكون الأردأ بأكثر الثمين وهو لا يعلم ا ه: أي بأن اشترى أحدهما بعينه بعشرة والآخر بعينه بعشرين مثلا، فإنه لا يعلم وقت الشراء أن الذي قابله العشرون جيد أو ردئ، أما لو شرى أحدهما بعشرين ولم يعينه فسد البيع لجهالة المبيع، ولو اشترى كل واحد بعشرة فلا خيار له لأنه عالم بأوصاف المعقود عليه حالة الشراء حيث سوى بينهما في الثمن، لأنه دليل تساويهما في الوصف فيكون عالما بأوصاف المعقود عليه حالة الشراء. ذخيرة. وبه علم أن علة الخيار في الأولى هي جهل وصف المبيع وقت الشراء وإن تبين أن الثمن الأدنى للأعلى، فافهم. وأيضا فيه احتمال دخول الضرر على المشتري فيما لو ظهر الأحسن معيبا وكان ثمنه أقل فإنه يرده على البائع بالثمن الأقل ويبقى عليه الأدنى بالثمن الاعلى. قوله: (ولو سمى الخ) هذا تفصيل لمسألة الثوبين الملفوفين المذكورة في الشرح كما ظهر لك مما نقلناه عن الذخيرة، وقد
113 جعله المصنف تفصيلا لقوله: رأى ثيابا الخ والظاهر أن الحكم فيها كذلك. تأمل. قوله: (والقول للبائع الخ) هذا من تتمة قوله: فلا خيار له إلا إذا تغير فكان المناسب ذكره عقبه كما هو الواقع في كثير من الكتب، حتى في الهداية والملتقى والكنز والغرر. قوله: (عملا بالظاهر) فإن الظاهر أنه لا يبقى الشئ في دار التغير وهي الدنيا زمانا طويلا لم يطرقه التغير. قال محمد: أرأيت لو رأى جارية ثم اشتراها بعد عشر سنين أو عشرين وقال تغيرت أن لا يصدق، بل يصدقه لأن الظاهر شاهد له. قال شمس الأئمة، وبه يفتى الصدر الشهيد والامام المرغيناني فيقول: إن كان لا يتفاوت في تلك المدة غالبا فالقول للبائع، وإن كان التفاوت غالبا فالقول للمشتري. مثاله: لو رأى دابة أو مملوكا فاشتراه بعد شهر وقال: تغير فالقول للبائع، لان الشهر في مثله قليل. فتح. والمراد التغير بنقصان بعض الصفات كنقص الحسن أو القوة، لا بعروض عيب لان عروضه قد يكون في أقل من شهر، وبه يثبت خيار العيب. قوله: (لو اختلفا في أصل الرؤية) بأن قال له البائع: رأيت قبل الشراء وقال المشتري ما رأيته، وكذا لو قال له رأيت بعد الشراء ثم رضيت، فقال رضيت قبل الرؤية كما في البحر. قوله: (لأنه ينكر الرؤية) أي وهي أمر عارض والأصل عدمه. وبقي ما لو رأى النموذج وهلك ثم ادعى مخالفته للباقي وقدمنا بيانه. قوله: (في بيع بات) كذا في النهر والفتح. والظاهر أنه أراد به اللازم، وهو ما لا خيار فيه بقرينة المقابلة، ولذا قال ح: الظاهر أن الرد فيه بالإقامة ا ه. فافهم قوله: (والفرق) أي بين ما القول فيه للمشتري وما القول فيه للبائع مع الخيارات الثلاث، وبيانه ما في الفتح والنهر أن المشتري في الخيار ينفسخ العقد بفسخه بلا توقف على رضا الآخر بل على علمه، وإذا انفسخ يكون الاختلاف بعد ذلك في المقبوض والقول فيه للقابض ضمينا كان أو أمينا كالغاصب والمودع، وفي العيب لا ينفرد، لكنه يدعي ثبوت حق الفسخ فيما أحضره والبائع ينكره والقول قول المنكر ا ه. ثم اعلم أن هذا في الاختلاف في المردود عند الفسخ، أما لو اختلفا في تعيين ما فيه خيار الشرط عند الإجازة ممن له الخيار، فقد ذكره في البحر عن الظهيرية وقدمنا حاصله قبيل هذا الباب. قوله: (اشترى عدلا) بسكر العين هو أحد فردتي الحمل. قوله: (من متاع) هو ما يتمتع به من ثياب ونحوها، وهذا من القيميات، ولم أر من ذكر المثليات من مكيل وموزون. والظاهر أنه لا فرق بينهما في هذا الحكم، لأنه إذا كانت العلة تفريق الصفقة فهو غير جائز في المثلي أيضا كما قدمناه أول البيوع عند قوله: كل المبيع بكل الثمن وسيأتي حكم الرد بالعيب في المثليات في الباب الآتي عند قوله: أو كان المبيع طعاما فأكله أو بعضه. قوله: (ولم يره) قيد به ليمكن تأتي خيار الرؤية فيه، ولا ينافيه ذكر خيار العيب والشرط لأنهما قد يجتمعان مع خيار الرؤية، فافهم. قوله: (أو ليس) أي حتى تغير كافي الحكم. قال الخير الرملي: وكذا لو استهلكه أو هلك أو كان عبدا فمات أو أعتقه، كما صرح به في التتارخانية
114 ا ه. وفي الحاوي: اشترى أربعة برود على أن كلا منها ستة عشر ذراعا فباع أحدها ثم ذرع البقية فإذا هي خمس عشرة فله رد البقية. قوله: (بعد القبض) قيد به في الجامع الصغير، وكأن المصنف استغنى عنه بقوله: باع لان ما لم يقبض لا يصح بيعه ولا هبته. نهر: أي لا يصح بيعه لو منقولا، بخلاف العقار، وأفاد أنه قبل القبض لا فرق بين الخيارات الثلاث في أنه لا يرد الباقي كما يعلم مما يأتي. قوله: (رده) أي الباقي من العدل. قوله: (الأصل أن رد البعض) أي بعض المبيع كرد باقي العدل ورد أحد الثوبين فيما لو رأى أحدهما ثم رأى الآخر في مسألة المتن المارة وأمثال ذلك. قوله: (يوجب تفريق الصفقة) أي تفريق العقد، بأن يوجب الملك في بعض المبيع دون البعض، وقدمنا أول البيوع ما يوجب تفريقها وعدمه، وسمي العقد صفقة للعادة في أن المتبايعين يصفق كفه (2)، في كف الآخر. قوله: (يمنعان تمامها) فإن خيار الرؤية مانع من التمام، أما خيار الشرط فإنه مانع ابتداء، لكن ما يمنع الابتداء يمنع التمام، وأطلقه فشمل ما قبل القبض أو بعده، وذلك لان له الفسخ بغير قضاء ولا رضا، فيكون فسخا من الأصل لعدم تحقق الرضا قبله لعدم العلم بصفات المبيع، ولذا لا يحتاج إلى القضاة أو الرضا كما في الفتح. قوله: (وخيار العيب يمنعه) أي يمنع تمام الصفقة قبل القبض، ولذا يفسخ بقوله: رددت ولا يحتاج إلى رضا البائع ولا إلى القضاء، ولا يمنعه بعده، ولذا لو رده بعده لا ينفسخ إلا برضا البائع أو بحكم. قوله: (وهل يعود خيار الرؤية الخ) أي يأن عاد الثوب الذي باعه من العدل أو وهبه بسبب هو فسخ محض كالرد بخيار الرؤية أو الشرط أو العيب بالقضاء أو الرجوع في الهبة، فهو أي مشتري العدل على خياره فله أن يرد الكيل بخيار الرؤية لارتفاع المانع من الأصل وهو تفريق الصفقة، كما ذكره شمس الأئمة السرخسي، عن أبي يوسف: لا يعود، لان الساقط لا يعود كخيار الشرط إلا بسبب جديد، وصححه قاضيخان، وعليه اعتماد القدوري، وحقيقة الملحظ مختلفة، فشمس الأئمة لحظ البيع والهبة مانعا زال فيعمل المقتضي وهو خيار الرؤية عمله، ولحظه الثاني مسقطا فلا يعود بلا سبب وهذا أوجه لان نفس التصرف يدل على الرضا ويبطل الخيار قبل الرؤية وبعدها. فتح. وادعى في البحر أن الأول أوجه، ورده في النهر. قوله: (ليس للبائع مطالبته بالثمن قبل الرؤية) لعدم تمام العقد قبلها. قوله: (فلهما الخيار) أي باعتبار أن كلا منهما مشتر للعين التي باعها للآخر. قوله: (لم يبطل البيع
(2) قوله: (ان المتابعين يصفق كفه الخ) هكذا بخطه، ولعله سقط من قلمه لفظ أحد قبل قوله المتابعين تأمل ا ه مصححه. 115 في الجارية بحصة الألف) أي بل يبطل بحصة العبد، فإن كانت قيمته خمسمائة مثلا بطل البيع في ثلث الجارية وبقي في حصة الألف، وهي الثلثان منها. قوله: (لما ماء أنه لا خيار في الدين) أي مر أول الباب في قوله: فليس في ديون ونقود الخ وإذا لم يكن له خيار في الألف يبقى البيع لازما من الجارية بقدر الألف. قوله: (ثم يبيع الثوب مع الضيعة) أي ويسلمهما للمشتري لتتم الصفقة. قوله: (ثم المقر له يستحق الثوب) أي بإقامة البينة على إقرار البائع. والظاهر أن هذا مبني على القول بأن الاقرار يفيد الملك للمقولة، أما على المعتمد من عدمه فلا يحل ذلك ديانة فالأظهر في الحلية أن يبيع الثوب لانسان ثم يبيعه من الضيعة. تأمل قوله (للزوم تفريق الفقه) لأنه لما قبض الثوب والضيعة (2) تمت الصفقة، وتفريقها بعد التمام لا يجوز، بخلاف ما لو قبض أحدهما دون الآخر ثم استحق أحدهما له الخيار لتفرقها قبل التمام كما في الفتح وفي الدرر من فصل الاستحقاق: ولا يثبت له خيار العيب هنا، لان استحقاق الثوب لا يورث عيبا في الضيعة، بخلاف ما إذا كان المعقود عليه شيئا واحدا مما في تبعيضه ضرر كالدار والعبد فإنه بالخيار: إن شاء رضي بحصته من الثمن، وإن شاء رد. وكذا إذا كان المعقود عليه شيئين، وفي الحكم كشئ واحد فاستحق أحدهما كالسيف بالغمد والقوس بالوتر فله الخيار في الباقي ا ه. قوله: (إلا في الشفعة) ليس على إطلاقه لان الشفيع لو أراد أخذ بعض المبيع وترك الباقي لم يملك جبرا على المشتري لضرر تفريق الصفقة، وكذا لو كان المبيع في مصرين بيعتا صفقة واحدة ليس لشفيعهما أخذ إحداهما فقط، إلا على قول زفر، قيل: وبه يفتى. أما لو كان شفيعا لإحداهما له أخذها وحدها إحياء لحقه كما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى. ففي الفرع الأخير تفريق الصفقة للضرورة، وهذا هو المراد من قول الشارح في آخر الشفعة: لو كانت دار الشفيع ملاصقة لبعض المبيع كان له الشفعة فيما لاصقه فقط ولو فيه تفريق الصفقة ا ه. فالمراد بعض المبيع إحدى الدارين كما قيده محشي الأشباه
(2) قوله: (لأنه لما قبض الثوب والضيعة الخ) في هذه العبارة نظر ظاهر لا يخفى على المتأمل ا ه. 116 وغيره، بخلاف الدار الواحدة والعلة ما ذكرنا، فافهم. قوله: (شرى شيئين) أي قيميين، وهذه المسألة سيأتي تفصيلها في الباب الآتي. قوله (لما مر) أي قريبا من أن خيار العيب يمنع تمام الصفقة قبل القبض إلا بعده والله سبحانه وتعالى أعلم. باب خيار العيب تقدم وجه ترتيب الخيارات، والإضافة فيه من إضافة الشئ إلى سببه، والعيب والعيبة والعاب بمعنى واحد، يقال عاب المتاع: أي صار ذا عيب، وعابه زيد يتعدى ولا يتعدى فهو معيب ومعيوب أيضا على الأصل ا ه فتح. ثم إن خيار العيب يثبت بلا شرط، ولا يتوقف، ولا يمنع وقوع الملك للمشتري، ويورث، ويثبت في الشراء والمهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم العمد، وفي الإجارة ولو حدث بعد العقد والقبض، بخلاف البيع، وفي القسمة والصلح عن المال، وبسط ذلك في جامع الفصولين. قوله: (ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة) زاد في الفتح: مما يعد به ناقصا ا ه: أي لان ما لا ينقصه لا يعد عيبا: قال في الشرنبلالية: والفطرة الخلقة التي هي أساس الأصل (1) ألا ترى أنه لو قال (2): بعتك هذه الحنطة وأشار إليها فوجدها المشتري رديئة لم يكن علمها ليس له خيار الرد بالعيب، لان الحنطة تخلق جيدة ورديئة ووسطا والعيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة عن الآفات العارضة لها، فالحنطة المصابة بهواء منعها تمام بلوغها الادراك حتى صارت رقيقة الحب مغيبة كالعفن والبلل والسوس ا ه. قلت: وعن هذا قال في جامع الفصولين: لا يرد البر برادئته لأنها ليست بعيب، ويرد المسوس والعفن، وكذا لا يرد إناء فضة برداءته بلا غش، وكذا الأمة لا ترد بقبح الوجه وسواده، ولو كانت محترقة الوجه لا يستبين لها قبح ولا جمال فله ردها ا ه. وفيه واقعة: شرى فرسا فوجده كبير السن، قيل: ينبغي أن لا يكون له الرد إلا إذا شراه على أنه صغير السن، لما مر من مسألة حمار وجده بطئ السير ا ه. قوله: (وشرعا ما أفاده الخ) أي المراد في عرف أهل الشرع بالعيب الذي يرد به المبيع ما ينقص الثمن: أي الذي اشترى به كما في الفتح، قال: لان ثبوت الرد بالعيب لتضرر المشتري وما يوجب نقصان الثمن يتضرر به ا ه. وعبارة الهداية: وما أوجب نقصان الثمن في عادة التجارة فهو عيب، لان التضرر بنقصان المالية وذلك بانتقاص القيمة ا ه. ومفاده أن المراد بالثمن القيمة، لان الثمن الذي اشتراه به قد يكون أقل من قيمته بحيث لا يؤدي نقصانها بالعيب إلى نقصان الثمن به. والظاهر أن الثمن لما كان في الغالب مساويا للقيمة عبروا به. تأمل. والضابط عند الشافعية أنه المنقص للقيمة أو ما يفوت له غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه، فأخرجوا بفوات الغرض
(1) قوله: (هي أساس الأصل) الأساس والأصل بمعنى واحد، فالإضافة بيانية، والمذكور في عبارات المشايخ أساس الشئ، فكان الأولى له موافقتهم ا ه. (2) قوله: (الا ترى انه لو قال الخ)، هذا من كلام الشرنبلالي، وهو تنوير على ما في عبارته من تعريف العيب وتقييده بما قاله الكمال لا على ما ذكره المحشي من تعريف الفطرة فقط ا ه. 117 الصحيح ما لو بان فوات قطعة يسيرة من فخذه أو ساقه، بخلاف ما لو قطع من أذن الشاة ما يمنع التضحية فله ردها، وبالغالب ما لو كانت الأمة ثيبا من أن الثيابة تنقص القيمة، لكنه ليس الغالب عدم الثيابة ا ه. قال في البحر: وقواعدنا لا تأباه للمتأمل ا ه. قلت: ويؤيده ما في الخانية: وجد الشاة مقطوعة الأذن إن اشتراها للأضحية له الرد، وكذا كل ما يمنع التضحية، وإن لغيرها فلا ما لم يعده الناس عيبا، والقول للمشتري أنه اشتراها للأضحية لو في زمانها وكان من أهل أن يضحي ا ه. وكذا ما في البزازية: اشترى شجرة ليتخذ منها الباب فوجدها بعد القطع لا تصلح لذلك رجع بالنقص، إلا أن يأخذ البائع الشجرة، كما هي ا ه. فقد اعتبر عدم غرض المشتري عيبا موجبا للرد، ولكنه يرجع بالنقص لان القطع مانع من الرد، وفيها أيضا: اشترى ثوبا أو خفا أو قلنسوة فوجده صغيرا له الرد ا ه. أي لا يصلح لغرضه. وفيها: لو كانت الدابة بطيئة السير لا يرد إلا إذا شرط أنها عجول ا ه: أي لان بطء السير ليس الغالب عدمه، فإن كلا من البطء والعجلة يكون في أصل الفطرة السليمة. وفيها: اشترى دابة فوجدها كبيرة السن ليس له الرد إلا إذا شرط صغرها، وسيأتي أن الثيوبة ليست بعيب إلا إذا شرط عدمها: أي فله الرد لفقد الوصف المرغوب، وبما ذكرنا (1) من الفروع ظهر أن قولهم في ضابط العيب من ينقص الثمن عند التجارة مبين على الغالب، وإلا فهو غير جامع وغير مانع. أما الأول فلانه لا يشمل مسألة الشجرة والثوب والخف والقلنسوة وشاة الأضحية، لان ذلك وإن لم يصلح لهذا المشتري يصلح لغيره فلا ينقص الثمن مطلقا. وأما الثاني فلانه يدخل فيه مسألة الدابة والأمة الثيب فإن ذلك ينقص الثمن مع أنه غير عيب، فعلم أنه لا بد من تقييد الضابط بما ذكره الشافعية. والظاهر أنهم لم يقصدوا حصر العيب فيما ذكر، لان عبارة الهداية والكنز: وما أوجب نقصان الثمن عند التجار فهو عيب، فإن هذه العبارة لا تدل على أن غير ذلك لا يسمى عيبا، فاغتنم هذا التحرير. ثم اعلم أنه لا بد أن يكون العيب في نفس المبيع، لما في الخانية وغيرها: رجل باع سكنى له في حانوت لغيره فأخبر المشتري أن أجرة الحانوت كذا، فظهر أنها أكثر، قالوا ليس له الرد بهذا السبب، لان هذا ليس بعيب في البيع ا ه. قلت: المراد بالسكنى ما يبنيه المستأجر في الحانوت ويسمى في زماننا بالكدك كما مر أول البيوع، لكنه اليوم تختلف قيمته بكثرة أجرة الحانوت وقلتها، فينبغي أن يكون ذلك عيبا. تأمل. قوله: (من وجد بمشريه الخ) أطلقه فشمل ما إذا كان به عند البيع، أو حدث بعده في يد البائع. بحر.
(1) قوله: (وبما ذكرنا الخ) فيه انا لا نسلم ما استنتجه، بل التعريف جامع ومانع إذ لا يتصور غفلة المشايخ عنه من زمن الامام الا ان جاء، وقيده بكلام الغير. اما ما اورده على عدم المنع فمدفوع بما نقله ط من أن التعريف اللغوي ملحوظ في الشرع، إذ كبر سن الدابة وثيوبة الأمة يوجدان في الفطرة الأصلية، إذ ليس بقولهم ما تخلو المراد عند الفطرة السليمة انه يوجد خاليا من هذا الوصف، بل المراد انه لا يقال انه على الفطرة السليمة حيث كان متصفا بهذا الوصف، ولا شك انه يقال في الدابة الكبيرة والأمة الثيبة انهما على الفطرة الأصلية. واما ما اورده على عدم الجمع من الفروع، فلا نعلم أن الرد فيها بخيار العيب، بل الرد بسبب قواعد الوصف المرغوب، وقوله والظاهر أنهم لم يقصدوا حصر العيب غير مسلم، بل الحصر ملحوظ في التعاريف البتة، وقوله فان هذه العبارة الخ، ممنوع بأنها جملة موصولة وقعت خبرا عن العيب بأل العهدية فكيف لا تفيد الحصر ا ه. 118 بخلاف ما إذا كان قبله وزال ثم عاد عند المشتري، لما في البزازية: لو كان به عرج فبرأ بمعالجة البائع، ثم عاد عند المشتري، لا يرده وقيل: يرده إن عاد بالسبب الأول. تنبيه: لا بد في العيب أن يتمكن من إزالته بلا مشقة فخرج إحرام الجارية، ونجاسة ثوب لا ينقص بالغسل لتمكنه من تحليلها وغسله، وأن يكون عند البائع ولم يعلم به المشتري، ولم يكن البائع شرط البراءة منه خاصا أو عاما، ولم يزل قبل الفسخ، كبياض انجلى وحمى زالت. نهر. فالقيود خمسة، وجعلها في البحر ستة فقال: الثاني أن لا يعلم به المشتري عند البيع. الثالث أن لا يعلم به عند القبض وهي في الهداية ا ه. لكن قال في الشرنبلالية: إنه يقتضي أن مجرد الرؤية رضا، ويخالفه قول الزيلعي: ولم يوجد من المشتري ما يدل على الرضا به بعد العلم بالعيب ا ه. وكذا قول المجمع: ولم يرض به بعد رؤيته ا ه. قلت: صرح في الذخيرة بأن قبض المبيع مع العلم بالعيب رضا بالعيب، فما في الزيلعي والمجمع لا يخالف ما مر عن الهداية، لان ذاك جعل نفس القبض بعد رؤية العيب رضا، وما في الزيلعي صادق عليه، ويدل عليه أن الزيلعي قال: والمراد به عيب كان عند البائع وقبضه المشتري من غير أن يعلم به ولم يوجد من المشتري ما يدل على الرضا به بعد العلم بالعيب، فقوله وقبضه الخ، يدل على أنه لو قبضه عالما بالعيب كان قبضه رضا، فقوله ولم يوجد من المشتري الخ أعم مما قبله، أو أراد به ما لو علم بالعيب بعد القبض. تتمة: في جامع الفصولين: لو علم المشتري إلا أنه لم يعلم أنه عيب ثم علم، ينظر، إن كان عيبا بينا لا يخفى على الناس كالغدة ونحوها لم يكن له الرد، وإن خفي فله الرد، ويعلم منه كثير من المسائل ا ه. وفي الخانية: إن اختلف التجار فقال بعضهم: إنه عيب وبعضهم: لا، ليس له الرد إذا لم يكن عيبا بينا عند الكل ا ه. قوله: (ولو يسيرا) في البزازية: اليسير ما يدخل تحت تقويم المقومين، وتفسيره أن يقوم سليما بألف ومع العيب بأقل، وقومه آخر من العيب بألف أيضا. والفاحش ما لو قوم سليما بألف وكل قوموه مع العيب بأقل ا ه. قوله: (بكل تجارة) الأولى من كل تجارة. قال ح: يعني أنه يعتبر في كل تجارة أهلها، وفي كل صنعة أهلها. قوله: (أخذه بكل الثمن أو رده) أطلقه، فشمل ما إذا رده فورا أو بعد مدة، لأنه على التراخي كما سيذكره المصنف ونقل ابن الشحنة (1) عن الخانية: لو علم بالعيب قبل القبض فقال: أبطلت البيع بطل لو بحضرة البائع، وإن لم يقبل ولو في غيبته لا يبطل إلا بقضاء أو رضا ا ه. وفي جامع الفصولين: لو رده بعد قبضه لا ينفسخ إلا برضا البائع أو بحكم. قال الرملي: وقوله: إلا برضا البائع يدل على أنه لو وجد الرضا بالفعل كتسلمه من المشتري حين طلبه الرد ينفسخ البيع، لان من المقرر عندهم أن الرضا يثبت تارة بالقول وتارة بالفعل، وقدم في بيع التعاطي: لو ردها بخيار عيب والبائع متيقن أنها ليست له فأخذها ورضي فهي بيع
(1) قوله: (ونقل ابن الشحنة الخ) عبارته في شرح الوهبانية من فصل الرد بالعيب: رجل اشترى شيئا فعلم بعيب قبل القبض، فقال: أبطلت البيع، بطل البيع لو بمحضر من البائع وان لم يقبل البائع: وان قال ذلك في غيبة البائع لا يبطل البيع، وان علم بعيب بعد القبض فقال أبطلت البيع الصحيح، أنه لا يبطل الا بقضاء أو رضا ا ه. 119 بالتعاطي كما في الفتح. وفيه أيضا أن المعنى يقوم مقام اللفظ في البيع ونحوه اه. وأماما يقع كثيرا من أنه إذا اطلع على عيب يرد المبيع إلى منزل البائع ويقول: دونك دابتك لا أريدها فليس برد، وتهلك على المشتري ولو تعهدها البائع حيث لم يوجد بينهما فسخ قولا أو فعلا. قوله: (ما لم يتعين إمساكه) قيد للتخيير بين الاخذ والرد، فإذا وجد ما يمنع الرد تعير الاخذ، لكن في بعض الصور يرجع بنقصان العيب، وفي بعضها لا يرجع كما يأتي قريبا، وكذا سيأتي عند قول المصنف: حدث عيب آخر عند المشتري رجع بنقصانه. ومما يمنع الرد ما في الذخيرة: اشترى من آخر عبدا وباعه من غيره ثم اشتراه من ذلك الغير فرأى عيبا كان عند البائع الأول لم يرده على الذي اشتراه منه لأنه غير مفيد، إذ لو رده يرده الآخر عليه، ولا على البائع الأول لان هذا الملك غير مستفاد من جهته ا ه. ولو وهبه البائع الثمن ثم وجد بالمبيع عيبا، قيل: لا يرد وقيل: يرد، ولو قبل القبض يرده اتفاقا، خانية. ثم جزم بالقول الثاني، وجزم في البزازية بالأول، ومن ذلك ما في كافي الحاكم: اشتريا جارية فوجدا بها عيبا فرضي أحدهما لم يكن للآخر ردها عنده وله رد حصته عندهما. قوله: (كحلالين أحرما أو أحدهما) يعني إذا اشتراه أحد الحلالين من الآخر صيدا، ثم أحرما أو أحدهما، ثم وجد المشتري به عيبا امتنع رده ورجع بالنقصان ا ه ح عن البحر. فالمراد بتعين إمساكه عدم رده على البائع، فلا ينافي وجوب إرساله كما مر في الحج. قوله: (وقيمته ثلاثة آلاف) الظاهر أن المدار على الزيادة التي تركها يكون مضرا ا ه ط. قوله: (للاضرار الخ) قلت: قد يكون العيب مرضا يفضي إلى الهلاك فيجب أن يستثنى. مقدسي. وفيه نظر لان فرض المسألة فيما قيمته زائدة على ثمنه مع وجود ذلك العيب فيه، ومثله لا يكون عيبه مفضيا إلى الهلاك (1) تأمل. قوله: (بخلاف خيار الشرط والرؤية) أي حيث يكون لهم الرد لعدم تمام الصفقة كما في البحر ح. قوله: (وينبغي الرجوع بالنقصان) عبارة النهر: وفي مهر فتح القدير: لو اشترى الذمي خمرا وقبضها وبها عيب ثم أسلم سقط خيار الرد ا ه. وفي المحيط: وصي أو وكيل الخ. ثم قال في النهر: وينبغي الرجوع بالنقصان في المسألتين ا ه: أي مسألة مهر الفتح ومسألة المحيط. قوله: (كوارث الخ) أي فإنه يمتنع الرد ويرجع بالنقصان كما في البحر ح. قوله: (اشترى من التركة) أي بثمن من تركه الميت. قوله: (لا يرجع) أي الأجنبي على بائعه. قال في السراج: لأنه لما اشترى الثوب ملكه وبالتكفين يزول ملكه عنه (2). وزوال الملك بعفل مضمون يسقط الأرش. وأما ما في الوجه الأول فإن
(1) قوله: (ومثله لا يكون عيبه مفضيا إلى الهلاك) قال شيخنا: قد يكون عيبه مفضيا إلى الهلاك، بان يكون عبدا يساوي ألفا ثم اعتراه داء يفضي إلى الهلاك غالبا فنزلت قيمته إلى مائة مثلا وبيع بنصف القيمة بعد العيب فهذا قيمته أكثر من ثمنه وداؤه مفض إلى الهلاك، إذ ما دام حيا هم مال متقوم لتوهم شفاه، سبحانه من يحيي العظام وهي رميم. (2) قوله: (وبالتكفين يزول ملكه عنه) ناقشه شيخنا بما صرحوا به في الجنائز: لو تبرع بالكفن شخص لم يخرج الكفن بالتكفين عن ملك المتبرع، حتى لو افترس الميت سبع، فالكفن للمتبرع فينبغي المصير إلى ما قاله العلامة ط. وعبارته هكذا: قوله ولو تبرع بالكفن أجنبي لا يرجع، يعني لو اشترى كفنا من ماله تبرعا للميت ثم وجد به عيبا لا يرده ولا يرجع، والتعبير بالأجنبي اتفاقي. قال المقدسي في شرح الكنز: ولو اشترى كفنا لميت ثم وجد به عيبا لا يرد، كذا في الخلاصة وفي حاشيتها لتعلق حق الميت، ولا يرجع بنقص العيب لاحتمال ان يفترسه سبع فيعود الملك للمشتري فيتمكن من الرد، وما لم يقع يأس من الرد لا يرجع بنقصه ا ه فهذا صريح أيضا فيما قاله شيخنا من عدم زوال ملك المتبرع بالتكفين ا ه. 120 مقدار الكفن لا يملكه الوارث من التركة، فإذا اشتراه وكفن به لم ينتقل بالتكفين عن الملك الذي أوجبه القعد، وقد تعذر فيه الرد فرجع الأرش ا ه. ومثله في الذخيرة. قوله: (وهذه إحدى ست مسائل الخ) تبع في ذلك صاحب النهر حيث قال: لا يرجع بالنقصان في مسائل، ثم نقل ست مسائل عن البزازية ليس فيها التصريح بعدم الرجوع إلا في مسألة واحدة، وهي لو باع الوارث من مورثه فمات المشتري وورثه البائع ووجد به عيبا رد إلى الوارث (1) الآخر إن كان، فإن لم يكن له سواه لا يرد ولا يرجع بالنقصان، فافهم. وزاد في البحر مسألة أخرى عن المحيط: لو اشترى المولى من مكاتبه فوجد عيبا لا يرد ولا يرجع ولا يخاصم بائعه لكونه عبده ا ه. وسيأتي مسائل أخر في الشرح والمتن عند قول المصنف: حدث عيب آخر عند المشتري رجع نقصانه الخ. وذكر الشارح في كتاب الغصب مسألة أخرى عند قول المصنف: خرق ثوبا وهي ما لو شرى حياصة فضة مموهة بالذهب بوزنها فضة فزال تمويهها عند المشتري ثم وجد بها عيبا فلا رجوع بالعيب القديم لعتيبها بزوال التمويه ولا بالنقصان للزوم الربا. ومنها ما في البزازية: كل تصرف يدل على الرضا بالعيب بعد العلم به يمنع الرد والرجوع بالنقص. قوله: (معزيا للقنية) قال فيها: وفي تتمة الفتاوى الصغرى: باع عبدا وسلمه ووكل رجلا بقبض ثمنه فقال الوكيل: قبضته فضاع أو دفعته إلى الآمر وجحد الآمر كله فالقول للوكيل مع يمينه وبرئ المشتري من الثمن، فلو وجد به عيبا ورده لا يرجع بالثمن على البائع لعدم ثبوت القبض في زعمه، لا على الوكيل لأنه لا عقد بينهما وإنما هو أمين في قبض الثمن، وإنما يصدق في دفع الضمان عن نفسه، قال رضي الله عنه: وعرف به أنه إذا صدق الآخر الوكيل في الدفع إليه يرجع المشتري بعد الرد بالعيب بالثمن على الآمر دون القابض ا ه ح. قوله: (كالإباق) بالكسر اسم، يقال أبق أبقا من باب تعب وقتل وضرب وهو الأكثر كما في المصباح. وفي الجوهرة عن الثعالبي: الآبق: الهارب من غير ظلم السيد، فلو من ظلمه سمي هاربا، فعلى هذا الإباق عيب لا الهرب، أطلقه فشمل ما لو كان من المولى أو من مودعه أو المستعير منه أو المستأجر، وما إذا كان مسيرة سفر أو لا، خرج من البلدة أو لا. قال الزيلعي: والأشبه أن البلدة لو كبيرة كالقاهرة كان عيبا، وإلا لا بأن كان لا يخفى عليه أهلها أو بيوتها فلا يكون عيبا. نهر. ويأتي أنه لا بد من تكرره بأن يوجد عند البائع وعند المشتري. وقوله: (إلا إذا أبق من المشتري إلى البائع) وكذا لو أبق من الغاصب إلى المولى أو إلى غيره إذا لم يعرف بيت المالك، أو لم يقو على الرجوع (2) إليه. نهر قوله: (في البلدة) قيد به لما في النهر عن القنية: لو
(1) قوله: (ووجد به عيبا رد إلى الوارث الخ) الصواب اسقاط إلى ووصل الضمير بالفعل، اي رده الوارث الاخر على الوارث البائع ا ه. (2) قوله: (أو لم يقو على الرجوع الخ) اي بان عظمت المسافة بينه وبين المولى مثلا ا ه. 121 أبق من قرية المشتري إلى قرية البائع يكون عيبا. قوله: (ولم يختف) فلو اختفى عند البائع بكون عيبا لأنه دليل التمرد. قوله: (والأحسن أنه عيب) وقيل: لا مطلقا، وقيل: إن دام على هذا الفعل فعيب، لا لو مرتين أو ثلاثا، والظاهر أن غير الثور من البهائم كالثور ط. قوله: (قبل عوده من الإباق) ومثله قبل موته كما في البحر، فإن مات آبقا يرجع بنقصان العيب كما في الهندية، ومؤنة الرد على المشتري فيما له حمل ومؤنة. بحر. ويرده في موضع العقد زادت قيمته أو نقصت أو في موضع التسليم لو اختلف عن موضع العقد كما في الخانية. سائحاني. قوله: (ابن مالك قنية) في بعض النسخ وقنية بزيادة واو العطف وهي أحسن، وذكر المسألة أيضا في البحر عن جامع الفصولين. قوله: (والسرقة) سواء أوجبت قطعا أو لا كالنباش والطرار وأسبابها في حكمها، كما إذا نقب البيت، وإطلاقهم يعم الكبرى كما في الظهيرية. ح عن النهر. قوله: (إلا إذا سرق شيئا للاكل من المولى) أي فإنه لا يكون عيبا، بخلاف ما إذا سرق ليمنعه أو سرقه عن غير المولى ليأكله فإنه عيب فيهما، بحر فافهم. وظاهره قصر ذلك على المأكول، ويفيده قول البزازية: وسرقه النقد مطلقا عيب، وسرقة المأكولات للاكل من المولى لا يكون عيبا: قال في النهر: وينبغي أنه لو سرق من المولى زيادة على ما يأكله عرفا يكون عيبا. قوله: (أو يسيرا كفلس أو فلسين) جزم به الزيلعي، وظاهر ما في المعراج أنها قويلة، وأن المذهب الاطلاق، وعلى هذا القول ما دون الدرهم كذلك كما ذكره فيه. بحر. قوله: (ولو سرق الخ) ستأتي هذه المسألة أواخر الباب عند قول المصنف: قتل المقبوض أو قطع الخ وهي مذكورة في الهداية. قوله: (أيضا) أي بعد ما سرق عند البائع. قوله: (رجع بربع الثمن) سواء كانت السرقة متكررة عندهما، أو اتحدت عند أحدهما وتكررت عند الآخر كما يفيده التعليل. ووجه الرجوع بالربع أن دية اليد في الحر نصف دية النفس، وفي الرقيق نصف القيمة، وقد تلف هذا النصف بسببين: تحقق أحدهما عند البائع والآخر عند المشتري، فيتنصف الموجب فيرجع بنصف النصف وهو الربع، وأطلق فيه فشمل ما إذا طلب رب المال المسروق في السرقتين أو في إحداهما دون الأخرى وهذا التعليل يفيد اعتبار القيمة لا الثمن. وقد يقال: إنما عبر به نظرا إلى أن الغالب أن الثمن قدر القيمة ط. قوله: (رجع بثلاثة أرباع ثمنه) أي رجع المشتري عليه بذلك، لان ربع الثمن سقط عن البائع بالسرقة الثانية قوله: (أو أن يأكل الخ) قال في النهر: وفسره: أي التمييز بعضهم بأن يأكل ويشرب ويستنجي وحده، وهذا يقتضي أن يكون ابن سبع، لأنهم قدروه بذلك في الحضانة، لكن وقع التصريح في غير موضع بتقديره بخمس سنين فما فوقها، وما دون ذلك لا يكون عيبا ا ه. قلت: والفرق بين البابين أن المراد هنا على الادراك وهناك على الاستغناء عن النساء. تأمل. قوله: (وتمامه في الجوهرة) لم أر فيها زيادة على ما هنا، إلا أنه ذكر فيها التقدير الأول عند قوله: والبول في الفراش. والثاني عند قوله: والسرقة وظاهر البحر وغيره عدم الفرق بين الموضعين.
122 قوله: (لأنها) أي هذه العيوب الثلاثة. قوله: (لقصور عقل) يرجع إلى الإباق والسرقة، كما أن قوله بعده: لسوء اختيار يرجع إليهما أيضا ط. قوله: (فعند اتحاد الحالة الخ) تفريع على اختلافها صغرا وكبرا. قوله: (بأن ثبت إباقه) أي أو بوله أو سرقته. قوله: (عند بائعه) أو عند بائع بائعه. قوله: (ثم مشتريه) أفاد أنه لو ثبت عند البائع، ولم يعد عند المشتري لا يرد، وهو الصحيح كما في جامع الفصولين. قوله: (إن من نوعه) بأن حم في الوقت الذي كان يحم فيه عند البائع كما في النهر ح. قوله: (لو وجده يبول) أي وهو صغير وثبت بوله عند بائعه أيضا. قوله: (حتى رجع بالنقصان) أي نقصان البول، لأنه بالعيب الحادث امتنع الرد، فتعين الرجوع بالنقصان والظاهر أن العيب الحادث غير قيد، بل مثله ما لو أراد الرد فصالحه البائع عن العيب على شئ معلوم. ثم رأيت في النهر عن الخانية: اشترى جارية وادعى أنها لا تحيض واسترد بعض الثمن ثم حاضت، قالوا: إن كان البائع أعطاه على وجه الصلح عن العيب كان للبائع أن يسترد ذلك ا ه. وسيأتي آخر الباب تقييد الشارح ذلك بما إذا زال العيب بلا علاجه. قوله: (ينبغي نعم) نقل ذلك في الفتح عن والد صاحب الفوائد الظهيرية، وأنه قال: لا رواية فيه، وأنه استدل لذلك بمسألتين: إحداهما إذا اشترى جارية ذات زوج كان له ردها، ولو تعيبت بعيب آخر رجع بالنقصان، فلو أبانها زوجها كان للبائع أن يسترد النقصان لزوال ذلك العيب، فكذا فيما نحن فيه. والثانية إذا اشترى عبدا فوجده مريضا كان له الرد، ولو تعيب بعيب آخر رجع بالنقصان، فإذا رجع ثم برئ بالمداواة لا يسترد وإلا استرد، والبلوغ هنا لا بالمداواة فينبغي أن يسترد ا ه. قوله: (تلويح) قال في البحر: وفي التلويح: الجنون اختلال القوة المميزة بين الأشياء الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب انتهى. والاخصر اختلال القوة التي إدراك الكليات ا ه. وأشار بقوله والاخصر إلى أن المؤدى واحد، فما عزاه الشارح إلى التلويح نقل بالمعنى، فافهم. قوله: (ومعدنة القلب الخ) سئل علي رضي الله عنه من معدن العقل، فقال: القلب، وإشرافه إلى الدماغ، وهو خلاف ما ذكره الحكماء، وقول علي أعلى عند العلماء من بشرح بدء الأمالي للقاري. قوله: (وهو يختلف بهما) فلو جن في الصغر في يد البائع ثم عاوده في يد المشتري في الصغر أو في الكبر يرده لأنه عين الأول، لان سبب الجنون في حال الصغر والكبر متحد، وهو فساد الباطن: أي باطن الدماغ، وهذا معنى قول محمد رحمه الله تعالى: والجنون عيب أبدا، لا ما قيل إن معناه أنه لا تشترط المعاودة للجنون في يد المشتري فيرد بمجرد وجوده عند البائع فإنه غلط، لان الله تعالى قادر على إزالته بإزالة سببه، وإن كان قلما يزول،
123 فإذا لم يعاوده جاز كون البيع صدر بعد الإزالة، فلا يرد بلا تحقق قيام العيب فلا بد من المعاودة، وهذا هو الصحيح، وهو المذكور في الأصل والجامع الكبير، واختاره الأسبيجابي. فتح. قوله: (وقيل يختلف) فيكون مثل ما مر من الإباق ونحوه، فلا بد من تكرره في الصغر أو في الكبر وهذا قول ثالث، قوله: (ومقداره فوق يوم وليلة) جزم به الزيلعي، وقيل: هو عيب ولو ساعة، وقيل: المطبق. نهر. والمطبق بفتح الباء. بحر. ومر تعريفه في الصوم. قوله: (في الأصح) قد علمت أن مقابله غلط. قوله: (إلا في ثلاث الخ) فيه أن الكلام في معاودة الجنون وهذه ليست منه، وهي مستثناة من اشتراط المعاودة مطلقا. وعبارة البحر: الأصل أن المعاودة عند المشتري بعد الوجود عند البائع شرط للرد إلا في مسائل الخ. قوله: (والتولد من الزنا) بأن يكون الرقيق متولدا من الزنا، لكن هذا مما لا تمكن معاودته ط. قوله: (والولادة) قال في الفتح: إذا ولدت الجارية عند البائع لا من البائع أو عند آخر فإنها ترد على رواية كتاب المضاربة وهو الصحيح وإن لم تلد ثانيا عند المشتري، لان الولادة عيب لازم، لان الضعف الذي حصل بالولادة لا يزول أبدا، وعليه الفتوى. وفي رواية كتاب البيوع لا ترد ا ه. وقوله: لا من البائع لأنها ولدت منه صارت أو ولده فلا يصح بيعها. قال في الشرنبلالية: وقوله وإن لم تلد ليس المراد ما يوهم الرد بعد ولادتها عند المشتري لامتناعه بتعيبها عنده بالولادة ثانيا مع العيب السابق بها ا ه. قتل: هذا مسلم إن حصل بالولادة الثانية عيب زائد على الأول، فتأمل. قوله: (فتح) صوابه بحر لأنه في الفتح لم يذكر إلا الأخيرة. قوله: (واعتمده في النهر) حيث قال: وعندي أن رواية البيوع أوجه، لان الله تعالى قادر على إزالة الضعف الحاصل بالولادة. ثم رأيت في البزازية عن النهاية: الولادة ليست بعيب إلا أن توجب نقصانا، وعليه الفتوى ا ه. وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه ا ه كلام النهر. أقول: الذي رأيته في نسختين من البزازية، وكذا في غيرها نقلا عنها ما نصه: اشتراها وقبضها ثم ظهر ولادتها عند البائع لا من البائع وهو لا يعلم، في رواية المضاربة عيب مطلقا لان التكسر الحاصل بالولادة لا يزول أبدا، وعليه الفتوى، وفي رواية إن نقصتها الولادة عيب، وفي البهائم ليست بعيب إلا أن توجب نقصانا، وعليه الفتوى ا ه. فقوله: وفي البهائم كأنه وقع في نسخة صاحب النهر، وفي النهاية فظنه تصحيحا للرواية الثانية في مسألة الجارية، وهو تصحيف من الكاتب، بنى عليه ما زعمه وليس كذلك، فلم يكن في المسألة اختلاف تصحيح، بل التصحيح الثاني لولادة البهيمة، فافهم. قوله: (الحبل عيب الخ) نص على هذا التفصيل في كافي الحكام فصار الحبل في حكم الولادة على ما عرفته، وعلله في السراج بأن الجارية تراد للوطئ والتزويج والحبل يمنع من ذلك، وأما في البهائم فهو زيادة فيها. قوله: (وكذا الأدر) بفتح الهمزة والدال مع القصر، أما ممدود الهمزة فهو من به الأدر، وفعله كفرح والاسم الأدرة بالضم، وقوله: الأنثيين غير شرط،
124 بل انتفاخ أحدهما كاف فيما يظهر ط. قوله: (والعنين) الظاهر أن الياء زائدة من النساخ والأصل، والعنين بنونين، فيكون قوله: والخصي بكسر ففتح (1). وعبارة الخانية والعنة عيب، وكذا الخصي والأدرة. قوله: (عيب) مصدر يصدق بالمتعدد وغيره فلا ينافي جعله خبرا عن شيئين، وعلى كون النسخة والعنين والخصي بالتشدد فيهما يكون التقدير ذو أعيب. قوله: (فلا خيار له) لأنه الخصاء عند الامام في العبد عيب، فكأنه شرط العيب فبان سليما. وقال الثاني: الخصي أفضل لرغبة الناس فيه فيخير: بزازية. وجزم في الفتح بقول الثاني، ومقتضاه جريان الخلاف أيضا فيما لو شرى الجارية على أنها مغنية، لان الغناء عيب شرعا كالخصاء كما قدمناه قبيل خيار الرؤية. قوله: (والبخر) بالموحدة المفتوحة والخاء المعجمة من حد تعب. أما بالجيم: فانتفاخ ما تحت السرة، وهو عيب في الغلام أيضا. وفي الفتح: البخر الذي هو العيب الناشئ من تغير المعدة دون ما يكون لقلع في الأسنان فإن ذلك يزول بتنظيفها ا ه نهر. والقلح بالقاف والحاء المهملة محركا: صفرة الأسنان كما في القاموس، وهذا أولى مما قيل إنه بالفاء والجيم، وهو تباعد ما بين الأسنان. قوله: (والدفر) بفتح الدال المهملة والفاء وسكونها أيضا، أما بالذال المعجمة فبفتح الفاء لا غير، وهو حدة من طيب أو نتن. قال في العناية: منه قولهم: مسك أذفر وإبط ذفر، وهو مارد الفقهاء من قولهم: الذفر عيب في الجارية ا ه. وأصله في المغرب، إلا أن كونه مراد الفقهاء لا غير فيه نظر، إذ لا يشترط في كونه عيبا شدته، فالأولى كونه بالمهملة، فتدبر، نهر. قوله: (وكذا نتن الانف) الظاهر أنه يقال فيه: ذفر بالمعجمة ونتن ريح الإبط بهما، نهر. قوله: (كلها عيب فيها لا فيه) أي في الجارية لا في الغلام، لان الجارية قد يراد منها الاستفراش، وهذه المعاني تمنع منه، بخلاف الغلام لأنه للاستخدام وكذا التولد من الزنا، لان الولد يعير بالام التي هي ولد الزنا، كما في العزمية عن المعراج. قوله: خلاصة نص عبارتها: والأصح أن الأمرد وغيره سواء ا ه. وبه سقط ما في حاشية نوح أفندي والواني أنه في الخلاصة جعل البخر في الغلام الأمرد عيبا، فتدبر. قوله: (بأن يتكرر) لان اتباعهن مخل بالخدمة. درر. قوله: (واللواطة بها) أي بالمرأة بأن كانت تطلب من الناس ذلك. قوله: (عيب مطلقا) أي مجانا أو بأجرة لأنه يفسد الفراش. بحر. قوله: (وبه إن مجانا) الظاهر تقييده بما إذا تكرر. قوله: (لأنه دليل الابنة) في القاموس: الابنة بالضم: العقدة في العود والعيب ا ه. والمراد هنا عيب خاص، وهو داء في الدبر تنفعه اللواطة. قوله: (والكفر) لان طبع المسلم ينفر عن صحبته، ولأنه يمنع صرفه في بعض الكفارات فتختل الرغبة، فلو اشتراه على أنه كافر فوجده مسلما لا يرد لأنه زوال العيب. هداية. زاد في الشرنبلالية: أي ولو كان المشتري كافرا ذكره
(1) قوله: (فيكون له والخصي بكسر ففتح) يلزم عليه انه مقصور مع أنه ممدود ككساء كما في المصباح وبه تعلم ما في قوله بعد عبارة الخانية، وكذا الخصي تأمل ا ه مصححه. 125 في المنبع شرح المجمع والسراج الوهاج كذا بخط العلامة الشيخ على المقدسي ا ه: أي لان الاسلام خير محض، وإن شرط المشتري الكافر عدمه. قوله: (بحر بحثا) حيث قال: ولم أر ما لو وجده خارجا عن مذهب أهل السنة كالمعتزلي والرافضي، وينبغي أن يكون كالكافر، لان السني ينفر عن صحبته وربما قتله الرافضي، لان الرافضة يستحلون قتلنا ا ه. وأنت خبير بأن الصحيح في المعتزلة والرافضة وغيرهم من المبتدعة أنه لا يحكم بكفرهم وإن سبوا الصحابة أو استحلوا قتلنا بشبهة دليل كالخوارج الذين استحلوا قتل الصحابة، بخلاف الغلاة منهم كالقائلين بالنبوة لعلي والقاذفين للصديقة فإنه ليس لهم شبهة دليل فهم كفار كالفلاسفة كما بسطناه في كتابنا تنبيه الولاة والحكام على حكم شاتم خير الأنام وقدمنا بعضه في باب الردة، وبه ظهر مراد البحر غير الكافر منهم، ولذا شبهه بالكافر، وبه سقط اعتراض النهر بأن الرافضي الساب للشيخين داخل في الكافر، وكذا ما أجاب به بعضهم من أن مراد البحر المفضل لا الساب، فافهم. قوله: (عيب فيهما) أي في الجارية والغلام. قوله: (ولو المشتري ذميا، سراج) عبارة السراج على ما في البحر: الكفر عيب، ولو اشتراها مسلم أو ذمي. قال في البحر: وهو غريب في الذمي ا ه. وكذا قال في النهر: ولم أره في كلام غير السراج، كيف ولا نفع للذمي بالمسلم لأنه يجبر على إخراجه عن ملكه ا ه، يعني أنه لو ظهر مشري الذمي مسلما ليس له الرد كما قدمناه، مع أنه لا يمكن من إبقائه على ملكه، فإذا ظهر كافرا يكون عدم الرد بالأولى لأنه يبقى على ملكه فهو أنفع له من المسلم، فكيف يكون كفره عيبا في حق الذمي دون إسلامه، هذا تقرير كلامه فافهم. وقد يجاب بأن الاسلام نفع محض شرعا وعقلا فلا يكون عيبا في حق أحد أصلا، بخلاف الكفر فإنه أقبح العيوب شرعا وعقلا، فهو عيب محض في حق الكل، ولذا قال المصنف في المنح بعدما مر عن البحر. أقول: ليس بغريب، لما علم من أن العيب ما ينقص الثمن عند التجار، ولا شك أن الكفر بهذه المثابة، لان المسلم ينفر عنه وغيره لا يرغب في شرائه لعدم الرغبة فيه من الكل وهو أقبح العيوب، لان المسلم ينفر عن صحبته، ولا يصلح للاعتاق في بعض الكفارات فتختل الرغبة ا ه. قلت: ويؤيده أنها لو ظهرت مغنية له الرد، مع أن بعض الفسقة يرغب فيها ويزيد في ثمنها لأنه عيب شرعا، وكذا لو ظهر الأمرد أبخر ليس له الرد، مع أنه عيب عند بعض الفسقة، لكنه ليس بعيب شرعا، لأنه لا يخل بالاستخدام وإن أخل بغرض المشتري الفاسق، نعم يشكل عليه ما في الخانية: يهودي باع يهوديا زيتا وقعت فيه قطرات خمر جاز البيع، وليس له الرد لان هذا ليس بعيب عندهم ا ه تأمل. قوله: (وعدم الحيض) لان ارتفاع الدم واستمرار علامة الداء، لان الحيض مركب في بنات آدم، فإذا لم تحض فالظاهر أنه لداء فيها وذلك الداء هو العيب، وكذا الاستحاضة لداء فيها، زيلعي. قوله: (وعندهما خمسة عشر) وبقولهما يفتي ط. فانقطاع الحيض لا يكون عيبا إلا إذا كان في أوانه، أما انقطاعه في سن الصغر أو الإياس فلا اتفاقا، كما في البحر عن المعراج. قال في النهر: ويجب أن يكون معناه إذا اشتراها عالما بذلك. وفي المحيط: اشتراها على أنها تحيض فوجدها لا تحيض إن تصادقا على أنها لا تحيض بسبب الإياس فله الرد لأنه عيب، لأنه اشتراها للحبل والآيسة لا تحبل ا ه. قلت: ما في المحيط ظاهر، لأنه حيث اشترط حيضها كان فوات الوصف المرغوب، أما إذا لم
126 يشترطه فالظاهر أنها لا ترد لما قدمناه عن البزازية: لو وجد الدابة كبيرة السن لا ترد إلا إذا شرط صغرها، فتدبر. وفي القنية: وجدها تحيض كل ستة أشهر مرة فله الرد. قوله: (ويعرف بقولها الخ) قال في الهداية: ويعرف ذلك بقول الأمة، فترد إذا انضم إليه نكول البائع قبل القبض وبعده هو الصحيح ا ه. ومثله في متن الملتقى. وذكر الزيلعي تبعا للنهاية وغيرها من شروح الهداية أنه لا تسمع دعواه بأنه ارتفع حيضها إلا إذا ذكر سببه وهو الداء أو الحبل، فما لم يذكر أحدهما لا تسمع دعواه، ويعرف ذلك بقول الأمة لأنه لا يعرفه غيرها ويستحلف البائع مع ذلك فترد بنكوله لو بعد القبض، وكذا قبله في الصحيح. وعن أبي يوسف: ترد بلا يمين البائع. قالوا في ظاهر الرواية: لا يقبل قول الأمة فيه (1) كما في الكافي، والمرجع في الحبل إلى قول النساء، وفي الداء إلى قول الأطباء، واشترط لثبوت العيب قول عدلين منهم ا ه ملخصا، واعترضهم في الفتح بأن اشتراط ذكر السبب مناف لتقرير الهداية بأنه يعرف بقول الأمة، وكذا قال العتابي وغيره، وهو الذي يجب أن يعول عليه، إذ لو لزم دعوى الداء أو الحبل لم يتصور أن يثبت بقولها توجه اليمين على البائع، بل لا يرجع إلا إلى قول الأطباء أو النساء، ولذا لم يتعرض له فقيه النفس قاضيخان، فظهر أن اشتراطه قول مشايخ آخرين يغلب على الظن خطؤهم ا ه ملخصا، واعترضه في البحر بأن قاضيخان صرح أولا بالاشتراط نقلا عن الإمام ابن الفضل، ثم نقل عنه أيضا بعد صفحة ما عزاه صاحب الفتح إلى الخانية. ولا منافاة بين قولهم يعتبر قول الأمة وقولهم والمرجع إلى النساء في الحبل وإلى الأطباء في الداء، لان الأول إنما هو لأجل انقطاع الدم لتتوجه الخصومة إلى البائع، فإذا توجهت إليه بقولها وعين المشتري أنه عن حبل، رجعنا إلى النساء العالمات بالحبل لتتوجه اليمين على البائع، وإن عين أنه عن داء، رجعنا إلى قول الأطباء، كذلك كما لا يخفى ا ه. لكن قال في النهر: ورأيت في المحيط أن اشتراط ذكر السبب رواية النوادر، وعليه يحمل ما في الخانية ا ه. ومقتضاه تعيين الرجوع إلى قول الأمة، لكن ينافيه ما مر من قوله قالوا ظاهر الرواية أنه لا يقبل قولها فيه، إلا أن يقال: إن لفظ قالوا يشير إلى الضعف. ونقل العلامة المقدسي عن الرئيس الشيخ قاسم أنه ذكر عبارتي الخانية وقال: إن الثانية: أي التي اقتصر عليها في الفتح أوجه. قلت: وهذا ترجيح منه لما اختاره في الفتح، وأليه يشير كلام النهر أيضا. تنبيه: في صفة الخصومة في ذلك أما على ما ذكره الشراح فهي أنه بعد بيان السبب والرجوع إلى النساء أو الأطباء ومضي المدة الآتي بيانها يسأل القاضي البائع، فإن صدق المشتري ردها عليه، وإن قال هي كذلك للحال وما كانت كذلك عندي توجهت الخصومة على البائع لتصادقهما على قيامه للحال فللمشتري تحليفه، فإن حلف برئ وإلا ردت عليه، وإن أنكر الانقطاع للحال لا يستحلف عنده، وعندهما يستحلف. قال في النهاية ويجب كونه على العلم بالله ما يعلم انقطاعه عند المشتري، وتعقبه في الفتح بأنه لو حلف كذلك لا يكون إلا بارا، إذ من أين يعلم أنها لم تحض عند المشتري اه. وأما
(1) قوله: (لا يقبل قول الأمة فيه) الظاهر أن مرجع الضمير هو الرد، وهو مقتضى جعله مقابلا لقول أبي يوسف، وبهذا تعلم ما في قول المحشي الآتي، ولكن ينافيه ما مر من قوله قالوا الخ، إذ معنى الرجوع إلى قول الأمة الذي هو مقتضى كلام النهر، انما هو اعتبار قولها في توجه الخصومة على البائع. ولا منافاة بين هذا وبين قولهم لا يعتبر قول الأمة فيه: اي في الرد، بمعنى انها لا ترد بمجرد قولها لم أحض، فحينئذ لا حاجة إلى حمل صيغة، قالوا على التبري بالشعر بالضعف ا ه. 127 صفتها على ما صححه في الفتح فقال بأن يدعي الانقطاع للحال ووجوده عند البائع، فإن اعترف البائع به ردت عليه، وإن اعترف به للحال وأنكر وجوده عنده استخبرت الجارية، فإن ذكرت أنها منقطعة اتجهت الخصومة فيحلفه بالله ما وجده عنده، فإن نكل ردت عليه، وإن اعترف بوجوده عنده وأنكر الانقطاع للحال فاستخبرت فأنكرت الانقطاع لا يستحلف عنده، وعندهما يستحلف اه. قوله: (ولا تسمع في أقل من ثلاثة أشهر عند الثاني) اعلم أن الزيلعي ذكر هنا أيضا تبعا لشراح الهداية أنه لو ادعى انقطاعه في مدة قصيرة لا تسمع دعواه، وفي المديدة تسمع وأقلها ثلاثة أشهر عند أبي يوسف، وأربعة أشهر وعشر عند محمد، وعن أبي حنيفة وزفر أنها سنتان ا ه. وفي رواية: تسمع دعوى الحبل بعد شهرين وخمسة أيام، وعليه عمل الناس. بزازية وغيرها. وذكر في البحر أن ابتداء المدة من وقت الشراء، ورجح في الفتح ما في الخانية من تقديرها بشهر. ورد عليه في البحر بأنه خبط عجيب وغلط فاحش، لأنه لا اعتبار بما في الخانية مع صريح النقل عن أئمتنا الثلاثة، وأقره في النهر. قلت: وهو مدفوع، فقد قال في الذخيرة: أما إذا ادعى المشتري انقطاع حيضها وأراد ردها بهذا السبب لا يوجد لهذا رواية في المشاهير، ثم قال بعد كلام: ويحتاج بعد هذا إلى بيان الحد الفاصل بين المدة اليسيرة والكثيرة، قالوا: ويجب أن يكون هذا كمسألة مدة الاستبراء إذا انقطع الحيض، والروايات فيها مختلفة. ثم ذكر الروايات السابقة. فعلم أن ما ذكروه هنا من المدة إنما ذكروه بطريق القياس على مسألة استبراء ممتدة الطهر، وقد نبه على ذلك المحقق صاحب الفتح، ورد القياس بإبداء الفارق بين المسألتين، فإنه نقل ما في الخانية من تقدير المدة بشهر. ثم قال: وينبغي أن يعول عليه، وما تقدم هو خلاف بينهم في استبراء ممتدة الطهر، والروايات هناك تستدعي ذلك الاعتبار، فإن الوطئ ممنوع شرعا إلى الحيض لاحتمال الحبل فيكون ماؤه ساقيا زرع غيره، فقدره أبو حنيفة وزفر بسنتين لأنه أكثر مدة الحمل، وهو أقيس، وقدره محمد وأبو حنيفة في رواية بعد الوفاة، لاه يظهر فيها الحبل غالبا. وأبو يوسف بثلاثة أشهر لأنها عدة من لا تحيض. وفي رواية عن محمد: شهران وخمسة أيام، وعليه الفتوى. والحكم هنا ليس إلا كون الامتداد عيبا فلا يتجه إناطته بسنتين أو غيرهما من المدد ا ه ملخصا. فقد ظهر لك أنه لا يصلح في مسألتنا دعوى النقل عن أئمتنا الثلاثة، لان المنقول عنهم ذلك إنما هو في مسألة الاستبراء المذكورة، أما مسألة العيب فلا ذكر لها في المشاهير، وإنما اختلف المشايخ فيها قياسا على مسألة الاستبراء، والامام فقيه النفس قاضيخان اختار تقدير المدة بشهر لتتوجه الخصومة بالعيب المذكور، لأنه يظهر للقوابل أو للأطباء في شهر فلا حاجة إلى الأكثر، ورجحه خاتمة المحققين وهو من أهل الترجيح، فالقول بأنه خبط عجيب هو العجيب، فاغتنم هذا التحقيق، والله تعالى ولي التوفيق قوله: (والاستحاضة) بالجر عطفا على المضاف الذي هو عدم ط. قوله: (والسعال القديم) أي إذا كان عن داء، فأما القدر المعتاد منه فلا. فتح. وظاهره أن الحادث غير عيب ولو وجد عندهما، لكن المنظور إليه كونه عن داء لا القدم، ولذا قال في الفصولين: السعال عيب إن فحش وإلا فلا، أفاده في البحر. قوله: (والدين) لان ماليته تكون مشغولة به والغرماء مقدمون على المولى، وكذا لو في رقبته جناية. قال في السراج: لأنه يدفع فيها فتستحق رقبته بذلك، وهذا يتصور فيما لو حدثت بعد لعقد قبل القبض، فلو قبل العقد فبالبيع صار البائع مختارا للفداء (1)، ولو قضى المولى الدين قبل الرد
(1) قوله: (مختارا للفداء) اي إذا كان عالما به، والا فلا يكون بالبيع مختارا للفداء ا ه. 128 سقط الرد للزوال الموجب له ا ه. وكذا لو أبراه الغريم: بزازية: وفي القنية: الدين عيب إلا إذا كان يسيرا لا يعد مثله نقصانا. بحر. قوله: (لا المؤجل لعتقه) اللام بمعنى إلى، والمراد الذي تتأخر المطالبة به إلى ما بعد عتقه كدين لزمه بالمبايعة بلا إذن المولى. قوله: (لكن عمم الكمال) هو بحث منه مخالف للنقل. بحر. قوله: (وعلله بنقصان ولائه وميراثه) لم يظهر وجه نقصان الولاء إلا أن يراد نقصان الولاء بنقصان ثمرته وهي الميراث. تأمل ا ه ح. قوله: (كسبل) هو داء في العين يشبه غشاوة كأنها نسج العنكبوت بعروق حمر ا ه ح عن جامع اللغة. قوله: (وحوص) بفتحتين والحاء والصاد مهملتان: ضيق في آخر العين، وبابه ضرب. وعن جامع اللغة ونحوه في القاموس والمصباح. وفي الفتح. أنه نوع من الحول. قوله: (بثر) بضم الباء وتسكين المثلثة يفرق بينه وبين واحده بالتاء ويذكر لكونه اسم جنس ويؤنث نظرا إلى الجمعية، فإنه اسم جنس وضعا بمعنى استعمالا على المختار ط. قوله: (والأصبعان عيبان الخ) أي قطعهما، فلو باعها بشرط البراءة من عيب واحد في يدها فإذا هي مقطوعة أصبع واحدة برئ، لا لو إصبعين لأنهما عيبان، وإن كانت الأصابع كلها مقطوعة مع نصف الكف فهو عيب واحد، ولو مقطوعة الكف لا يبرأ، لان البراءة عن عيب اليد والعيب يكون حال قيامها لا حال عدمها كما في الخانية. ومفاده أنه لو لم يقل في يدها يبرأ مقطوعة الكف، وعليه يحمل كلام الشارح، وكان الأنسب ذكر هذه المسألة فيما سيأتي عند ذكر اشتراط البراءة. قوله: والشيب ومثله الشمط: وهو اختلاط البياض بالسواد، وعللوه بأنه في أوانه للكبر، وفي أوانه للداء. قال في جامع الفصولين: أقول: جعل الكبر هنا عيبا لا في عدم الحيض، حتى لو ادعى عدم الحيض للكبر لم يسمع على ما يدل عليه ما مر من قوله لا نسمع دعوى عدم الحيض، إلا أن يدعيه بحبل أو داء، وبينهما منافاة ا ه. قوله: (وشرب خمر جهرا) أي مع الادمان، فلو على الكتمان أحيانا فليس بعيب كما في جامع الفصولين: أي لأنه لا ينقص الثمن وإن كان عيبا في الدين. قوله: (إن عد عيبا) كقمار بنرد وشطرنج ونحوهما، لا إن كان لا يعد عيبا عرفا كقمار بجوز وبطيخ. جامع الفصولين. فالمدار على العرف. قوله: (لو كبيرين مولدين) بخلافه في الصغيرين. وفي الجليب من دار الحرب لا يكون عيبا مطلقا. قال في الخانية: وهذا عندهم، يعفي عدم الختان في الجارية المولدة. أما عندنا عدم الخفض في الجارية لا يكون عيبا. بحر. قوله: (وعدم نهق حمار) لأنه يدل على عيب فيه ط. قوله: (وقلة أكل دواب) احتراز عن الانسان فكثرته فيه عيب، وقيل: في الجارية عيب لا الغلام، ولا شك أنه لا فرق إذا أفرط. فتح. قوله: (ونكاح) أي في العبد والجارية. خانية. لان العبد يلزمه نفقة الزوجة، والجارية يحرم وطؤها على السيد قال في الخانية: وكذا لو كانت الجارية في العدة عن طلاق رجعي لا عن طلاق بائن والاحرام ليس بعيب
129 فيها، وكذا لو كانت محرمة عليه (1) برضاع أو صهرية، قوله: (وكذب ونميمة) ينبغي تقييدهما بالكثير المضر. قوله: (وترك صلاة) وكذا غيرها من الذنوب (2). بحر. قوله: (لكن في القنية الخ) يؤيده ما في جامع الفصولين رامزا إلى الأصل: الزنا في القن ليس بعيب لأنه نوع فسق فلا يوجب خللا ككونه آكل الحرام أو تارك الصلاة ا ه، فافهم. قوله: (ينبغي أن يتمكن من الرد الخ) أقره في البحر والنهر. وفي الولوالجية: والهتوع عيب، وهو مأخوذ من الهتعة، وهي دائرة بيضاء تكون في صدر الحيوان إلى جانب نحره يتشاءم به، فيوجب نقصانا في الثمن بسبب تشاؤم الناس ا ه، قوله: (لو على الذقن الخ) عبارة البحر: وكذا الحال إن كان قبيحا منقصا ا ه. وفي البزازية: والخال والثؤلول لو في موضع مخل بالزينة. أما في موضع لا يخل بها كتحت الإبط والركبة لا. قوله: (والعيوب كثيرة) منها الأدرة في الغلام والعفلة وهي ورم في فرج الجارية، والسن الساقطة والخضراء والسوداء ضرسا أو لا. واختلف في الصفرة ومنها الظفر الأسود إن نقص القيمة، وعدم استمساك البول، والحرن في الدابة: وهو أن تقف ولا تنقاد، والجموح: وهو أن لا تقف عند الإلجام، وخلع الرسن واللجام، وكذا لو اشترى كرما فوجد فيه ممرا أو مسيلا للغير أو كان مرتفعا لا يصل إليه الماء إلا بالسكر أو لا شرب له، بزازية: وذكر في البحر زيادة على ذلك، فراجعه. قوله: (حدث عيب آخر عند المشتري) من ذلك ما إذا اشترى حديدا ليتخذ منه آلات النجارين وجعله في الكور ليجربه بالنار فوجد به عيبا ولا يصلح لتلك الآلات يرجع بالنقصان ولا يرده (3)، ومنه أيضا بل الجلود أو الإبريسم فإنه عيب آخر يمنع الرد، وتمامه في البحر. قوله: (بغير فعل البائع) ومثله الأجنبي، فبقي كلام المصنف شاملا لما إذا كان بفعل المشتري أو بفعل المعقود عليه أو بآفة سماوية، ففي هذه الثلاث لا يرده بالعيب القديم، لأنه يلزم رده بعيبين، وإنما يرجع بحصة العيب إلا إذا رضي البائع به ناقصا، أفاده في البحر. قوله: (فلو به) أي بفعل البائع ومثله الأجنبي، وقوله: بعد القبض يغني عن قول المصنف: عند المشتري لكنه صرح به ليقابله بقوله: وأما قبله فافهم. قوله: (رجع بحصته) أي حصة العيب الأول، وامتنع الرد. بحر. قوله: (ووجب الأرش) أي أرش العيب الحادث بفعل البائع، فحينئذ يرجع على البائع بشيئين: الأول حصة العيب الأول من الثمن. والثاني أرش العيب الثاني ط. ولو كان العيب
(1) قوله: (وكذا لو كانت محرمة عليه) اي لا تكون معيبة فليس له الرد لان له الانتفاع بتزويجها وإذا كانت مطلقة بائنا ليس للزوج سبيل عليها. قال شيخنا: والظاهر أن الحرمة لرضاع أو مصاهرة عيب إذا كان الشراء للتسري فليتأمل. (2) قوله: (وكذا غيرها من الذنوب) هكذا بخطه ولعل الأولى وكذا غيره اي الترك أو وكذا غيرها من الفرائض مثلا تأمل ا ه. مصححه. (3) قوله: (ولا يرده الخ) اي لان الحديد ينقص بالوضع في النار والفضة مثله، بخلاف الذهب. أقول: الذهب ينقص بالنار إذا ذاب، اللهم الا ان يكون قبل الذوب، ولو حدد سكينا فرأى عيبه. فان حدده بحجر فله الرد. لا لو حدده بمبرد لأنه ينقص منه ا ه. 130 الثاني بفعل أجنبي رجع بالأرش عليه. قوله: (وأما قبله الخ) أي وأما إذا كان حدوث العيب الثاني بفعل البائع قبل القبض خير المشتري سواء وجد به عيبا أو لا بين أخذه: أي مع طرح حصة النقصان من الثمن وبين رده وأخذ كل الثمن، وكذا لو كان بآفة سماوية أو بفعل المعقود عليه فإنه يرده بكل الثمن، أو يأخذه يطرح عنه حصة جناية المعقود عليه، وكذا لو كان بفعل أجنبي فإنه يخير، لكنه إن اختار الاخذ يرجع بالأرش على الجاني وإن كان بفعل المشتري لزمه بجميع الثمن، وليس له أن يمسكه يطلب النقصان، أفاده في البحر. وقوله: ويطرح عنه حصة جناية المعقود عليه ظاهره أنه لا يطرح عنه شئ لو النقصان بآفة سماوية. ثم رأيت في جامع الفصولين قال: ولو بآفة سماوية، فإن كان النقصان قدرا يطرح عن المشتري حصته من الثمن وهو مخير في الباقي أخذه بحصته أو تركه ككون المبيع كيليا أو وزنيا أو عدديا متقاربا وفات بعض من القدر، وإن كان النقصان وصفا لا يطرح عن المشتري شئ من الثمن، وهو مخير أخذه بكل ثمنه أو تركه، والوصف ما يدخل في المبيع بلا ذكر كشجر وبناء في الأرض وأطراف في الحيوان وجوده في الكيلي والوزني، إذ الأوصاف لا قسط لها من الثمن إلا إذا ورد عليها الجناية أو القبض: يعني إذا قبض ثم استحق شئ من الأوصاف يرجع بحصته من الثمن ا ه. قوله: (بكل الثمن) متعلق بقوله: أو رده ولا يصح تعلقه أيضا بقوله: فله أخذه أفاده ح. قوله: (مطلقا) أي سواء وجد به عيبا أو لا ح. ومثله ما مر عن البحر. ولا يخفى أن المراد العيب القديم، وإلا فالكلام فيما إذا حدث به عيب، وأشار إلى أن حدوثه قبل القبض بفعل كاف في التخيير بين الاخذ والرد سواء كان به عيب قديم أو لا، فافهم. قوله: (فالقول للبائع) لا يناسب قوله: ولو برهن الخ فكان المناسب أن يقول أولا: ولو ادعى البائع حدوثه الخ. أفاده ح. قوله: (إلا في بلد العقد) الأولى أن يقول: في موضع العقد ليشمل ما لو نقله إلى بيته في بلد العقد، وأشار إلى أن تحميله بمنزلة حدوث عيب لما فيه من مؤنة الرد إلى موضع العقد، لكن هذا العيب غير مانع، لان مؤنة الرد على المشتري فلا ضرر فيه على البائع، وقدمنا الكلام على هذه المسألة أول باب خيار الرؤية، قوله: (رجع بنقصانه) بأن يقوم بلا عيب ثم مع العيب، وينظر في التفاوت، فإن كان مقدار عشر القيمة رجع بعشر الثمن، وإن كان أقل أو أكثر فعلى هذا الطريق، حتى لو اشتراه بعشرة وقيمته مائة وقد نقصه العيب عشرة رجع بعشر الثمن وهو درهم، قال البزازي: وفي المقايضة إن كان النقصان عشر القيمة رجع بنقصان ما جعل ثمنا: يعني ما دخل عليه الباء، ولا بد أن يكون المقوم اثنين يخبران بلفظ الشهادة بحضرة البائع والمشتري، والمقوم الأهل في كل حرفة، ولو زال الحادث كان له رد المبيع مع النقصان، وقيل: لا، وقيل: إن كان بدل النقصان قائما رد وإلا لا، وكذا في القنية، والأول بالقواعد أليق. نهر. قوله: (إلا فيما استثنى) أي من المسائل الست المتقدمة أول الباب ط. وقد علمت ما فيها، وكتبنا هناك مسائل أخر منها ما يأتي قريبا في كلام المصنف من مسألة البعير وغيرها. وفي فتح القدير: ثم الرجوع بالنقصان إذا لم يمتنع الرد بفعل مضمون (1) من جهة المشتري.
(1) قوله: (بفعل مضمون) اي لو حصل في ملك الغير، كما لو غصب مال شخص ووهبه أو باعه مثلا يكون مضمونا عليه والا فلا معنى، لان يقال تصرف الانسان في ملكه مضمون أو غير مضمون ا ه. 131 أما إذا كان بفعل من جهته كذلك كأن قتل المبيع أو باعه أو وهبه وسلمه أو أعتقه على مال أو كاتبه ثم اطلع على عيب فليس له الرجوع بالنقصان، وكذا إذا قتل عند المشتري خطأ، لأنه لما وصل البدل إليه صار كأنه ملكه من القاتل بالبدل، فكان كما لو باعه ثم اطلع على عيب لم يكن له حق الرجوع، ولو امتنع الرد بفعل غير مضمون له أن يرجع بالنقصان ولا يرد المبيع. قوله: (ومنه ما لو شراه تولية) هذه إحدى مسألتين ذكرهما في البحر بقوله: يستثنى مسألتان: أحداهما بيع التولية لو باع شيئا تولية ثم حدث به عيب عند المشتري وبه عيب قديم لا رجوع ولا رد، لأنه لو رجع صار الثمن الثاني أنقص من الأول، وقضية التولية أن يكون مثل الأول، والثانية لو قبض المسلم فيه فوجد به عيبا كان عند المسلم إليه وحدث به عيب عند رب السلم، قال الامام: يخير المسلم إليه إن شاء قبله معيبا بالعيب الحادث، وإن شاء لم يقبل، ولا شئ عليه من رأس المال ولا من نقصان العيب، لأنه لو غرم نقصان العيب من رأس المال كان اعتياضا عن الجودة (1) فيكون ربا ا ه ملخصا. قوله: (أو خاطه لطفله) الأولى أن يقول: أو قطعه لطفله لان من اشترى ثوبا فقطعه لباسا لطفله وخاطه صار مملكه له بالقطع قبل الخياطة، فإذا وجد به عيبا لا يرجع بنقصانه، أما لو كان الولد كبيرا يرجع بالعيب لأنه لا يصير ملكا له إلا بقبضه، فإذا خاطه قبل القبض امتنع الرد بالخياطة، فإذا حصل التمليك بعد ذلك بالتسليم لا يمتنع الرجوع بالنقصان، بناء على ما سيأتي من أن كل موضع للبائع أخذه معيبا لا يرجع بإخراجه عن ملكه، وإلا رجع، ففي الأول أخرجه عن ملكه قبل امتناع الرد، وفي الثاني بعده، إذ ليس للبائع أخذه معيبا بعد الخياطة كما يأتي، وتمامه في الزيلعي. وبما قررناه ظهر أن التقييد بالخياطة تبعا للهداية احترازي في الكبير، اتفاقي في الصغير، كما نبه عليه في البحر. قوله: (أو رضي به البائع) يعني أنه لو أراد الرجوع بنقصان العيب ورضي البائع بأخذه منه معيبا امتنع رجوع المشتري بالنقصان، بل إما أن يمسكه بلا رجوع وإما أن يرده. لا يقال: لا حاجة إلى هذه المسألة مع قول المتن: وله الرد برضا البائع لان ما في المتن لبيان أنه مخير بين الرجوع بالنقصان والرد برضا البائع. وهذا لا يدل على أن رضا البائع بالرد يبطل اختيار المشتري الرجوع بالنقصان، فلذا ذكر الشارح هذه المسألة مبطلات الرجوع، فلله دره بما حواه دره. فافهم. قوله: (وله الرد برضا البائع) لان في الرد إضرار بالبائع لكونه خرج عن ملكه سالما عن العيب الحادث، فتعين الرجوع بالنقصان، إلا أن يرضى بالضرر فيخير المشتري حينئذ بين الرد والامساك من غير رجوع بنقصان، وهذا المعنى لا يستفاد من المتن، فلو قال ولم يرجع بنقصان لكان أولى نهر.
(1) قوله: (كان اعتياضا عن الجودة) اي وهي وصف، والأوصاف لا يقابلها شئ من الثمن ما لم تقصد. وفيه ان هذا وجود في جميع المسائل التي حكم فيها بالرجوع، مثلا لو اشترى عبدا فوجده يبول وامتنع الرد بسبب حدوث عيب عند المشتري، قلنا له الرجوع بحصته من الثمن، ففي هذا ما يغرمه البائع انما هو في مقابلة الوصف وهو السلامة، فلم يكن السلم متميزا عن غيره في شئ من العلة. وأجاب شيخنا بما حاصله: ان الرجوع بنقصان العيب في معنى تمليك الوصف الفائت للبائع، والوصف كالجزء من المبيع فيكون تصرفا في المبيع قبل قبضه وهو لا يجوز في السلم ولو ممن هو عليه، بخلاف غيره من التصرفات، فثبت السلم متميزا عن غيره بذلك ا ه. 132 قلت: وقد أفاد الشارح هذا المعنى بذكر المسألة التي قبله كما قررناه آنفا، ثم إن مقتضى قولهم إلا أن يرضى بالضرر أن المشتري يرجع عليه بجميع الثمن كاملا، وبه صرح القهستاني حيث قال: غير طالب: أي البائع لحصة النقصان ا ه. فدل على أن البائع ليس له طلب حصة النقصان الحادث فيرد كل الثمن. ثم رأيته أيضا في حاشية نوح أفندي حيث قال: لسقوط حقه برضاه بالضرر فلا يرجع على المشتري بنقصان العيب الحادث ا ه. ولينظر الفرق بين هذا وبين ما قدمه الشارح عن العيني عند قوله: والسرقة. تنبيه: أشار المصنف باشتراط رضا البائع إلى فرع في القنية لو رد المبيع بعيب بقضاء أو بغير قضاء أو تقابلا ثم ظفر البائع بعيب حدث عند المشتري فللبائع الرد ا ه: يعني لعدم رضاه به أولا. وفي البزازية: رده المشتري بعيب وعلم البائع بحدوث عيب آخر عند المشتري رد على المشتري مع أرش العيب القديم أو رضي بالمردود ولا شئ به، وإن حدث فيه عيب آخر عند البائع رجع البائع على المشتري بأرش العيب الثاني، إلا أن يرضى أن يقبله بعيبه الثالث أيضا ا ه بحر. هذا، وسيذكر المصنف أنه يعود الرد بالعيب القديم بعد زوال العيب الحادث. قوله: (إلا لمانع عيب) أي إلا لعيب مانع من الرد، كما لو قتل المبيع عند المشتري رجلا خطأ ثم ظهر أنه قتل آخر عند البائع فقبله البائع بالجنايتين لا يجبر المشتري على ذلك، إنما يرجع بالنقصان على الجناية الأولى دفعا للضرر عنه، لأنه لو رده على بائعه كان مختارا للداء فيهما، وكما لو اشترى عصيرا فتخمر بعدم قبضه ثم وجد فيه عيبا لا يرده وإن رضي البائع، وإنما ترجع بالنقصان، كذا في النهر ح. قوله: (أو زيادة) أي أو إلا لزيادة مانعة، كما سيأتي في نحو الخياطة ح. مطلب في أنواع زيادة البيع ثم اعلم أن الزيادة في المبيع إما قبل القبض أو بعده، وكل منهما نوعان: متصلة ومنفصلة. والمتصلة نوعان: متولدة كسمن وجمال (1) فلا تمنع قبل القبض، وكذا بعده في ظاهر الرواية، وللمشتري الرجوع بالنقصان، وليس للبائع قبوله عندهما، وعند محمد: له ذلك، وغير متولدة كغرس وبناء وصبغ وخياطة فتمنع الرد مطلقا. والمنفصلة نوعان: متولدة كالولد والثمر والأرش، فقبل القبض لا تمنع، فإن شاء ردهما أو رضي بهما بجميع الثمن، وبعد القبص يمتنع الرد ويرجع بحصة العيب. وغير متولدة ككسب وغلة وهبة وصدقة، فقبل القبض لا تمنع الرد، فإذا رد فهي للمشتري بلا ثمن عنده ولا تطيب له. وعندهما للبائع ولا تطيب له، وبعد القبض لا تمنع الرد أيضا وتطيب له الزيادة، وتمامه في البحر عن القنية.
(1) قوله: (والمتصلة نوعان: متولدة كسمن وجمال الخ) حاصل الكلام في الزيادة المتصلة المتولدة انها لا تمنع الرد قبل القبض قولا واحدا. واما بعد القبض، فقال محمد هي كذلك، وقال الشيخان هي مانعة من الرد، فعلى هذا لو أراد المشتري الرجوع بالنقصان فقال البائع انا أقبل المبيع يكون له ذلك عند محمد خلافا لهما، هذا حاصل ما في البحر، وبه تعلم ما في عبارة المحشي من الاختصار المخل ا ه. 133 وحاصله أنه يمتنع الرد في موضعين في المتصلة الغير المتولدة مطلقا، وفي المنفصلة المتولدة لو بعد القبض كما في البزازية وغيرها، ووقع في الفتح أن المنفصلة المتولدة تمنع الرد، لكنه قال بعده: إنه قبل القبض يخير كما مر، وبعد القبض يرد المبيع وحده بحصته من الثمن. واعترضه في البحر بأنه سهو، إذ هذا التفصيل لا يناسب قوله تمنع الرد، وإنما يناسب الرد، وهو خلاف ما مر عن القنية والبزازية وغيرهما، وذكر نحوه في نور العين. وأجاب في النهر بأن قول الفتح تمنع الرد معناه: تمنع رد الأصل وحده. قلت: ولا يخفى ما فيه، فإن قول الفتح وبعد القبض يرد المبيع وحده ينافيه، وقد صرح في الذخيرة أيضا بأنه لا يرده، لان الولد يصير ربا لكونه صار للمشتري بلا عوض، بخلاف غير المتولدة كالكسب لأنه لم تتولد من المبيع بل من منافعه، فلم تكن مبيعة، فأمكن أن تسلم للمشتري مجانا، أما الولد فإنه مبيع من وجه لتولده من المبيع فله صفته، فلو سلم للمشتري مجانا كان ربا، ونحوه في الزيلعي. قوله: (كأن اشترى ثوبا) تمثيل لأصل المسألة لا للزيادة، قال في البحر: هو تكرار، لان رجوعه وجواز رده برضا بائعه في الثوب من أفراد ما قدمه، ولم تظهر فائدة لافراد الثوب إلا ليترتب عليه مسألة ما إذا خاطه فإنه يمتنع الرد ولو برضاه ا ه ط. قوله: (فقطعه) ووطئ الجارية كالقطع بكرا كانت أو ثيبا، نهر. وستأتي مسألة الجارية في المتن. قوله: (فاطلع على عيب) ذكر الفاء يفيد أن القطع لو كان بعد الاطلاع على العيب لا يرجع بالنقصان، ووجهه ظاهر فليراجع ا ه ح. ويشهد له قول المصنف الآتي واللبس والركوب والمداواة رضا بالعيب الخ. قوله: (فاسدا) الأولى فاسدة. قوله: (لا يرجع لإفساد ماليته) أشار به إلى الفرق بين هذه المسألة وما قبلها، وهو أن النحر إفساد للمالية لصيرورة المبيع به عرضة للنتن والفساد، ولذا لا يقطع السارق به فاختل معنى قيام المبيع كما في النهر ح. وعدم الرجوع قول الإمام. وفي الخانية وجامع الفصولين: لو اشترى بعيرا فلما أدخله داره سقط فذبحه فظهر عيبه يرجع بنقصانه عندهما، وبه أخذ المشايخ، كما لو أكل طعاما فوجد به عيبا، ولو علم عيبه قبل الذبح فذبحه لا يرجع ا ه. قال في البحر. وفي الواقعات: الفتوى على قولهما في الاكل فكذا هنا ا ه. قال الخير الرملي: ويجب تقييد المسألة بما إذا نحره وحياته مرجوه، أما إذا أيس من حياته فله الرجوع بالنقصان عند الامام أيضا، لان النحر في هذه الحالة ليس إفسادا للمالية. تأمل ا ه. قوله: (كما لا يرجع لو باع المشتري الثوب الخ) أي أخرجه عن ملكه والبيع مثال، فعم ما لو وهبه أو أقر به لغيره، ولا فرق بين ما إذا كان بعد رؤية العيب أو قبله (1). كما في الفتح، سواء كان ذلك لخوف تلفه أو لا، حتى لو وجد السمكة المبيعة معيبة وغاب البائع بحيث لو انتظره لفسدت فباعها لم يرجع أيضا بشئ كما في القنية، نهر. ثم اعلم أن البيع ونحوه مانع من الرجوع بالنقصان سواء كان بعد حدوث عيب عند المشتري أو
(1) قوله: (أو اقبله) هكذا بخطه، والأولى أو قبلها: اي رؤية العيب ا ه مصححه. 134 قبله، إلا إذا كان بعد زيادة كخياطة ونحوها كما يأتي، ولذا قال في المحيط: ولو أخرج المبيع عن ملكه بحيث لا يبقى لملكه أثر، بأن باعه أو وهبه أو أقر به لغيره ثم علم بالعيب لا يرجع بالنقصان، وكذا لو باع بعضه، وإن تصرف تصرفا لا يخرجه عن ملكه بأن آجره أو رهنه أو كان طعاما فطبخه أو سويقا فلته بسمن أو بنى في العرصة أو نحوه ثم علم بالعيب فإنه لا يرجع بالنقصان إلا في الكتابة بحر. لكن في جامع الفصولين: شراه فآجره فوجد عيبه فله نقض الإجارة بعيبه، بخلاف رهنه من غيره فإنه يرده بعد فكه ا ه. والظاهر (1) أن ما في المحيط من عدم رجوعه بالنقصان بعد الإجارة والرهن المراد به إذا رضيه البائع معيبا، فحينئذ لا يرجع بل يرده. تأمل. قوله: (أو بعضه) ظاهره أنه ليس له رد ما بقي لتعيبه بالقطع أو الشركة، وكذا ليس له الرجوع بنقصان الباقي كما يفيده ما نقلناه عن المحيط. ثم رأيت في القهستاني: لو باع بعضه لم يرجع بالنقصان بحصة ما باع، وكذا بحصة ما بقي على الصحيح ولم يرده عنده كما في المحيط ا ه. وهذا بخلاف ما لو كان أثوابا فباع بعضها فإن له رد الباقي كما مر متنا قبيل هذا الباب، وسيأتي أيضا في قوله: اشترى عبدين الخ وبخلاف ما لو كان المبيع طعاما ويأتي الكلام عليه. قوله: (لجواز رده مقطوعا لا مخيطا) يعني أن الرد بعد القطع غير ممتنع برضا البائع، فلما باعه المشتري صار حابسا للمبيع بالبيع فلا يرجع بالنقصان لكونه صار مفوتا للرد، بخلاف ما لو خاطه قبل العلم بالعيب ثم باعه، فإنه لا يبطل الرجوع بالنقصان لان الخياطة مانعة من الرد كما يأتي، فبيعه بعد امتناع الرد لا تأثير له، لأنه لم يصر حابسا له بالبيع كما أفاده الزيلعي وغيره، والأصل كما في الذخيرة أنه في كل موضع أمكن المشتري رد المبيع القائم في ملكه على البائع برضاه أو بدونه، فإذا أزاله عن ملكه ببيع أو شبهة لا يرجع بالنقصان، وفي كل موضع لا يمكنه رده على البائع، فإذا أزاله عن ملكه يرجع بالنقصان، ونحوه في الزيلعي، وبنى عليه مسألة ما لو خاط الثوب لطفله وقد مرت. قوله: (وخاطه) أشار به مع ما عطف عليه إلى الزيادة المتصلة الغير المتولدة، وقدمنا بيانها. قوله: (بأي صبغ كان) ولو أسود، وعند أبي حنيفة: السواد نقصان، فيكون للبائع أخذه وهو اختلاف زمان ا ه ح. قوله: (أولت السويق بسمن) أي خلطه به، ومثله لو اتخذ الزيت المبيع صابونا وهي واقعة الحال. رملي. قوله: (أو غرس أو بنى) أي في الأرض المبيعة ط. قوله: (ثم اطلع على عيب) أي في السويق أو الثوب بعد هذه الأشياء. منح. قال ح: وهو يفيد أن الزيادة لو كانت بعد الاطلاع على العيب لا يرجع بالنقصان ووجهه ظاهر، ويدل عليه أيضا قول مسكين: ولم يكن عالما وقت الصبغ واللت ا ه. قوله: (بسبب الزيادة) لأنه لا وجه للفسخ في الأصل دونها لأنها لا تنفك عنه، ولا وجه إليه معها لحق الشرع الخ. قوله: (لحصول الربا) فإن الزيادة حينئذ تكون فضلا مستحقا في عقد المعاوضة بلا مقابل، وهو معنى الربا أو شبهته، ولشبهة الربا حكم الربا. فتح. وبه اندفع ما
(1) قوله: (والظاهر الخ) لا حاجة إلى هذه التكلفات بعد ما نقل ط عبارة المحيط بالاثبات. قال شيخنا: وعلى الاثبات يكون ما في جامع الفصولين تقييدا لما في المحيط فإنه سكت فيه عن الرد. وأنت خبير بان عبارة المحيط لا يصح تقييدها الا بالنسبة لمسألة الرهن والإجارة كما وقع في الفصولين تأمل ا ه. 135 في الدر المنتقى عن الواني من قوله: وفيه أن حرمة الربا بالقدر والجنس وهما مفقودان ها هنا، فتأمل ا ه. ويوضح الدفع قوله في العزمية: إنه كلام غير محرر، فإن الربا ليس بمنحصر عندهم في الصورة المذكورة، لقولهم: إن الشروط الفاسدة من الربا، وهي في المعاوضات المالية وغيرها (1)، لان الربا هو الفضل الخالي عن العوض وحقيقة الشروط الفاسدة هي زيادة ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، ففيها فضل خال عن العوض وهو الربا كما في الزيلعي وغيره قبيل كتاب الصرف. قوله: (أي الممتنع رده في هذه الصور) أي صور الزيادة المتصلة من خياطة ونحوها. وأفاد امتناع الرد سابق على البيع بسبب الزيادة، فتقرر بها الرجوع بالنقصان قبل البيع فيبقى له الرجوع بعد البيع أيضا وإن كان البيع بعد رؤية العيب. قال في الفتح: وإذا امتنع الرد بالفسخ، فلو باعه المشتري رجع بالنقصان، لان الرد لما امتنع لم يكن المشتري ببيعه حابسا له. قوله: (بعد رؤية العيب) وكذا قبلها بالأولى ح. قوله: (قبل الرضا به صريحا أو دلالة) لم أر من ذكر هذا القيد هنا بعد مراجعة كثير من الكتب المذهب، وإنما رأيته في حواشي المنح للخير الرملي ذكره بعد قوله: أو مات العبد وهو في محله، كما تعرفه قريبا، أما هنا فلا محل له (2) لان العرض على البيع رضا بالعيب كما سيأتي، وهنا وجد البيع حقيقة ولم يمتنع الرجوع بالنقصان لتقرر الرجوع قبله كما علمته آنفا، فكأن الشارح رأى هذا القيد في حواشي شيخه فسبق قلمه فكتبه في غير محله، فتأمل. قوله: (أو مات العبد) لان الملك ينتهي بالموت، والشئ بانتهائه يتقرر، فكان بقاء الملك قائما والرد متعذر، وذلك موجب للرجوع، وتمامه في ح عن الفتح، قال في النهر: ولا فرق في هذا: أي موت العبد بين أن يكون بعد رؤية العيب أو قبلها ا ه. لكن إذا كان الموت بعد رؤية العيب لا بد أن يكون قبل الرضا به صريحا أو دلالة، كما ذكره الخير الرملي، ووجهه ظاهر لأنه إذا رأى العيب وقال: رضيت به أو عرضه على البيع أو استخدمه مرارا أو نحو ذلك مما يكون دلالة على الرضا امتنع رده والرجوع بنقصانه لو بقي العبد حيا، فكذا لو مات بالأولى. قوله: (المراد هلاك المبيع الخ) قال في النهر: ولو قال أو هلك المبيع لكان أفود، إذ لا فرق بين الآدمي وغيره، ومن ثم قال في الفصول، ذهب إلى بائعه ليرده بعيبه فهلك في الطريق هلك على المشتري ويرجع بنقصه. وفي القنية: اشترى جدارا مائلا فلم يعلم به حتى سقط فله الرجوع بالنقصان ا ه. وفي الحاوي: اشترى أثوابا على أن كل واحد منها ستة عشر ذراعا فبلغ بها إلى بغداد فإذا هي ثلاثة عشر فرجع بها ليردها فهلكت في الطريق يرجع بنقصان القيمة في ظاهر المذهب. قوله: (أو أعتقه) قال في الهداية: وأما الاعتاق فالقياس فيه أن لا يرجع، لان الامتناع بفعله فصار كالقتل. وفي
(1) قوله: (وهي في المعارضات المالية وغيرها) صوابه دون غيرها كما في الزيلعي، والمراد بالغير التبرعات والمعارضات الغير مالية كالنكاح ا ه. (2) قوله: (اما هنا فلا محل له الخ) غير ظاهر، إذ هو قيد مفيد الا ترى لو قال بعد ما خاطبه رضيت بالعيب، ثم باعه لا يكون له الرجوع قطعا، ولولا هذا القيد لم يعلم الحكم وكذا لو وجد الرضا دلالاة كأن سلم الثمن بتمامه بعد ما اطلع على العيب، واما قول المحشي لان العرض على البيع الخ، فهو غير محرر، لأنه بالخياطة تقرر ملكه فيه وتأكد بتلك الزيادة حقه في حصة العيب، وانما يكون البيع رضا فيما يمكن فيه الرد على البائع ا ه. 136 الاستحسان: يرجع لان العتق إنهاء الملك، لان الآدمي ما خلق في الأصل محلا للملك، وإنما ثبت الملك فيه مؤقتا إلى الاعتاق إنهاء كالموت، وهذا لان الشئ يتقرر بانتهائه فيجعل كأن الملك باق والرد متعذر، والتدبير والاستيلاد بمنزلته، لأنه تعذر النقل مع باء المحل بالامر الحكمي ا ه ح. قوله: (أو وقف) فإذا وقف المشتري الأرض ثم علم بالعيب رجع بالنقصان. وفي جعلها مسجدا اختلاف، والمختار الرجوع بالنقصان كما في جامع الفصولين. وفي البزازية: وعليه الفتوى، وما رجع به يسلم إليه، لان النقصان لم يدخل تحت الوقف ا ه نهر. قوله: (قبل علمه) ظرف لاعتقه وما بعده ا ه ح. والحاصل أن هلاك المبيع ليس كإعتاقه، فإنه إذا هلك المبيع يرجع بنقصان العيب سواء كان بعد العلم به أو قبله، وأما الاعتاق بعد العلم به فمانع من الرجوع بنقصانه بخلافه قبله، وليس إعتاقه كاستهلاكه، فإنه إذا استهلكه فلا رجوع مطلقا، إلا في الاكل عندهما. بحر ط. قوله: (أو كان المبيع طعاما فأكله) احترز بالاكل عن استهلاكه بغيره، ففي الذخيرة: قال القدوري: ولو اشترى ثوبا أو طعاما وأحرق الثوب أو استهلك الطعام ثم اطلع على عيب لا يرجع بشئ بالنقصان بلا خلاف ا ه. وكذا لو باعه أو وهبه ثم اطلع على عيب لم يرجع إجماعا كما في السراج، لكن في بيع بعضه الخلاف الآتي، وأراد بالطعام المكيل والموزون كما يعلم في الذخيرة والخانية. مطلب فيما لو أكل بعض الطعام قوله: (فأكله أو بعضه) أي ثم علم بالعيب كما في الهداية، وهذا يدل على أن الرجوع فيما إذا أطعمه عبده أو مديره أو أم ولده أو لبس الثوب حتى تخرق مقيد بما قبل العلم بالعيب، فلو أخر الشارح قوله: قبل علمه بعيبه عن قوله: أو لبس الثوب حتى تخرق ليكون قيدا في المسائل العشرة لكان أولى ح. قلت: ويؤيده أنه في الفتح قال بعد هذه المسائل: وفي الكفاية كل تصرف يسقط خيار العيب إذا وجده في ملكه بعد العلم بالعيب فلا رد ولا أرش لأنه كالرضا به. تنبيه: وقع في المنح: أو أكله بعد اطلاعه على العيب، وهو سبق قلم كما نبه عليه الرملي. قوله: (أو أطعمه عبده أو مدبره أو أم ولده) إنما يرجع في هذه المسائل لان ملكه باق كما في البحر: يعني أن العبد والمدبر وأم الولد إنما أكلوا الطعام على ملك السيد لأنهم لا يملكون، وإن ملكوا فكان ملكه باقيا في الطعام والرد متعذر كما قررناه في الاعتاق، بخلاف ما إذا أطعمه طفله وما عطف عليه مما سيأتي حيث لا يرجع، لان فيه حبس المبيع بالتمليك من هؤلاء فإنهم من أهل الملك ا ه ح. قوله: (فإنه يرجع بالنقصان استحسانا عندهما) الذي في الهداية والعناية والفتح والتبيين: أن الاستحسان عدم الرجوع، وهو قول الإمام فليحرر ا ه ح. قلت: ما ذكره الشارح من أن الاستحسان قولهما ذكره في الاختيار، وتبعه في البحر، وكذا نقله عنه العلامة قاسم، ونبه على أنه عكس ما في الهداية وسكت عليه، فلذا مشى عليه المصنف في متنه. وذكر في الفتح عن الخلاصة أن عليه الفتوى، وبه أخذ الطحاوي، لكن قال في الفتح بعده: أن جعل الهداية قول الإمام استحسانا مع تأخيره. وجوابه عن دليلهما يفيد مخالفته في كون الفتوى على قولهما اه.
137 قلت: ويؤيده أنه في الكنز والملتقى وغيرهما مشوا على قول الإمام. وفي الذخيرة: ولو لبس الثوب حتى تخرق من اللبس أو أكل الطعام لا يرجع عنده هو الصحيح خلافا لهما ا ه. والحاصل أنهما قولان مصححان، ولكن صححوا قولهما بأن عليه الفتوى، ولفظ الفتوى آكد ألفاظ التصحيح، ولا سيما هو أرفق بالناس كما يأتي فلذا اختاره المصنف في متنه، وهذا في الاكل، أما البيع ونحوه فلا رجوع فيه إجماعا كما علمت، ويأتي وجه الفرق. تنبيه: ظاهر كلام الشارح أن الخلاف جار في جميع المسائل التي ذكرها مع أنهم لم يذكروه إلا في أكل الطعام ولبس الثوب. إفادة ح. قلت: الظاهر جريان الخلاف في مسائل الاطعام أيضا، لأنه لو أكل الطعام لا يرجع عند الامام، فكذا إذا أطعمه عبده بالأولى. تأمل. قوله: (وعنهما يرد ما بقي ويرجع بنقصان ما أكل) هذه رواية ثانية عنهما في صورة أكل البعض، والأولى أنه يرجع بنقصان العيب في الكل، فلا يرد ما بقي، هكذا نقل عنهما القدوري في التقريب وتبعه في الهداية. وذكر في شرح الطحاوي أن الأولى قول أبي يوسف. والثانية قول محمد كما في الفتح: وأما عند الامام فلا يرد ما بقي ولا يرجع بنقصان ما أكل ولا ما بقي. في الذخيرة: والفتوى على قول محمد كما نقله في البحر عن الاختيار والخلاصة، ومثله في النهاية وغاية البيان وجامع الفصولين والخانية والمجتبى، فلذا اقتصر عليه الشارح، وهذا كله في أكل البعض. أما لو باع بعض المكيل والموزون، ففي الذخيرة أنه عندهما: لا يرد ما بقي ولا يرجع بشئ، وعن محمد: يرد ما بقي ولا يرجع بنقصان ما باع، هكذا ذكره في الأصل. وكان الفقيه أبو جعفر وأبو الليث يفتيان في هذه المسائل بقول محمد رفقا بالناس، واختاره الصدر الشهيد ا ه. وفي جامع الفصولين عن الخانية. وعن محمد: لا يرجع بنقص ما باع ويرد الباقي بحصته من الثمن، وعليه الفتوى ا ه. ومثله في الولوالجية والمجتبى والمواهب. والحاصل (1) أن المفتى به أنه لو باع البعض أو أكله يرد الباقي ويرجع بنقص ما أكل لا بنقص ما باع. والفرق كما في الولوالجية أنه بالاكل تقرر العقد، فتقرر أحكامه، وبالبيع ينقطع الملك فتنقطع أحكامه. قال: فصار بمنزلة ما لو اشترى غلامين فقبضهما وباع أحدهما ثم وجد بهما عيبا يرد ما بقي ولا يرجع بنقصان ما باع بالاجماع، فكذا هنا عند محمد ا ه. قلت: لكن سيذكر المصنف تبعا لغيره من المتون: لو وجد ببعض المكيل أو الموزون عيبا له رد كله أو أخذه، فإن مقتضاه أنه ليس له رد المعيب وحده. إلا أن يقال: إنه محمول على ما إذا كان كله باقيا في ملكه لم يتصرف في شئ منه بقرينة قوله: له رد كله فيفرق بين ما إذا بقي كله وبين ما إذا تصرف ببعضه ببيع أو أكل، أو يقال: هو مبني على قول غير محمد. تأمل. تنبيه: الطعام في عرفهم البر، والمراد به هنا هو وما كان مثله من مكيل وموزون كما علم مما
(1) قوله: (والحاصل الخ) أقول: قد نظمت هذه المسألة التي قبلها ليسهل حفظهما فقلت: وان يبيع كل المكيل أو أكل * ثم رأى عيبا فلا رجوع بل يرجع ان كان لبعض كلا * بنقصه. وان يبع بعضا فلا وما بقي عن أكل أو بيع يرد * عند محمد وذاك المعتمد ا ه. منه. 138 نقلناه آنفا عن الذخيرة، وفي البحر عن القنية: ولو كان غزلا فنسجه أو فليقا فجعله إبريسما ثم ظهر أنه كان رطبا وانتقص وزنه رجع بنقصان العيب، بخلاف ما إذا باع ا ه. وبه علم أن الاكل غير قيد، بل مثله كل تصرف لا يخرجه عن ملكه كما يعلم مما قدمناه عن المحيط. وتقدم حكم القيمي عند قوله: كما لا يرجع لو باع المشتري الثوب الخ. قوله: (ابن كمال) حيث قال: والخلاف فيما إذا كان الطعام في وعاء واحد أو لم يكن في وعاء، فإن كان في وعاءين فله رد الباقي بحصته من الثمن في قولهم، كذا في الحقائق والخانية ا ه. قلت: ولفظ الخانية: فإن كان في وعاءين فأكل ما في أحدهما أو باع ثم علم بعيب كان له أن يرد الباقي بحصته من الثمن في قولهم، لان المكيل والموزون بمنزلة أشياء مختلفة فكان الحكم فيه ما هو الحكم في العبدين والثوبين ونحو ذلك ا ه. ومقتضاه أنه لا خلاف في ثبوت رد المعيب وحده، نعم نقل العلامة قاسم في تصحيحه عن الذخيرة أن من المشايخ من قال: لا فرق بين الوعاء والأوعية ليس له أن يرد البعض بالعيب، وإطلاق محمد في الأصل يدل عليه، وبه كان يفتي شمس الأئمة السرخسي. ثم قال العلامة قاسم: والأول أقيس وأرفق. قوله: (وسيجئ) أي قبيل قوله: اشترى جارية لكن الذي سيجئ هو ترجيح عدم الفرق بين الوعاء والأكثر. قوله: (فعلى ما في الاختيار الخ) أي من قوله: وعنهما يرد ما بقي ويرجع الخ فإنه يفيد مطلب: يرجح أنه قياس لذكره له بعد قوله: فإنه يرجع بالنقصان استحسانا عندهما مطلب يرجح القياس وحاصله أن إحدى الروايتين عنهما استحسانا، والثانية قياس، فيكون ترجيح الثانية كما وقع في الاختيار والقهستاني من ترجيح القياس عن الاستحسان. وهذا تقرير كلام الشارح، وبه اندفع ما قيل: إن الشارح وافق هنا ما في الهداية وغيرها من أن القياس قولهما، فافهم، نعم ما فهمه الشارح على ما قررناه خلاف المفهوم من كلامهم، فقد قال في الهداية: وأما الاكل فعلى الخلاف، عندهما يرجع، وعنده لا يرجع استحسانا، وإن أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذا الجواب عنده. وعنهما: أنه يرجع بنقصان العيب في الكل. وعنهما: أنه يرد ما بقي ا ه. وقال في الاختيار: عندهما يرجع استحسانا، وعنده لا يرجع الخ، فإنه المفهوم من هذا أنه في الهداية جعل الرجوع بالنقصان عندهما قياسا، وعدمه وعنده استحسانا، وفي الاختيار بالعكس. وحاصله أن الرجوع بالنقصان عندهما: قيل إنه قياس، وقيل: إنه استحسان. ثم بعد قولهما بالرجوع بالنقصان ففي صورة أكل البعض عنهما روايتان: الأولى يرجع بنقصان الكل فلا يرد الباقي. والثانية يرجع بنقصان ما أكل فقط ويرد ما بقي. وأنت خبير بأنه ليس في هذا ما يفيد أن إحدى هاتين الروايتين قياس والأخرى استحسان كما فهمه الشارح، بل كل منهما قياس على ما في الهداية، والاستحسان قول الإمام بعدم الرجوع بشئ أصلا، وكل منهما استحسان على ما في الاختيار، والقياس قول الإمام المذكور، فتنبه. قوله: (ولو أعتقه على مال) أي لا يرجع لأنه حبس بدله وحبس البدل كحبس المبدل. وعنه أنه يرجع لأنه إنهاء للملك وإن كان بعوض. ح عن الهداية. وعند أبي
139 يوسف: يرجع في هذه المسائل. قوله: (أو كاتبه) وهي بمعنى الاعتاق على مال كما في البحر، والكلام فيه مغن عن الكلام فيها ح. قوله: (أو قتله) هو ظاهر الرواية عن أصحابنا، ووجهه أن القتل لم يعهد شرعا إلا مضمونا، وإنما سقط عن المولى بسبب الملك فصار كالمستفيد به عوضا، وهو سلامة نفسه عن القتل إن كان عمدا أو الدية إن كان خطأ فكأنه باعه. نهر. قوله: (طفله) ليس بقيد، بل المصرح به في البحر والفتح: الولد الصغير والكبير والعلة وهي أهلية الملك كما قدمناه تشملهما ا ه ح. قوله: (كذا ذكره المصنف) حيث قال: فلو أعتقه على مال أو قتله بعد اطلاعه على عيب. وقال محشية الرملي: صوابه قبل اطلاعه إذ هو محل الخلاف، إذ بعده لا يرجع إجماعا، ولهذا لم يقيد به الزيلعي وأكثر الشراح، وكأنه تبع العيني فيه وهو سهو. قوله: (في الرمز) أي شرح الكنز. قوله: (لكن ذكر في المجمع في الجميع) أي في جميع المسائل المذكورة، وهي: العتق على مال والكتابة والإباق، وهذا هو الصواب، لما علمت من أنه لا رجوع إجماعا لو بعد الاطلاع على العيب، لا لما قيل من أنه يلزم أن لا يبقى فوق بين هذه المسائل والمسائل المتقدمة فإنه ممنوع، إذ الفرق واضح وهو ثبوت الرجوع في المسائل المتقدمة وعدمه في هذه إجماعا، فافهم. قوله: (حتى العيني) أي في شرحه على نظم المجمع: أي فناقض كلامه في الرمز. قوله: (بالأولوية) أي لأنه إذا امتنع الرجوع إذا كانت هذه الأشياء قبل الاطلاع على العيب يمتنع بعد الاطلاع بالأولى لأنها دليل الرضا. قوله: (والأصل الخ) قدمنا بيانه عند قوله: لجواز رده مقطوعا لا مخيطا وقدمنا هناك بناءه على أصل آخر. (وفيه الخ) مكرر مع ما قدمه قريبا ح. قوله: (فوجده فاسدا الخ) لو قال: فوجده معيبا لكان أولى، لان من عيب الجوز: قلة لبه وسواده كما في البزازية وصرح في الذخيرة بأنه عيب لا فساد، واحترز بقوله: فوجده أي المبيع عما إذا كسر البعض فوجده فاسدا فإنه يرده أو يرجع بنقصه فقط ولا يقيس الباقي عليه، ولذا قال في الذخيرة: ولا يرد الباقي إلا أن يبرهن أن الباقي فاسدا ا ه. أفاده في البحر، وقوله فإنه يرده الخ: أي يرد ما كسر لو غير منتفع به أو يرجع بنقصه فقط لو ينتفع به. قوله: (إن لم يتناول منه شيئا) فلو كسره فذاقه ثم تناول منه شيئا لم يرجع بنقصانه لرضاه به، وينبغي جريان الخلاف فيما لو أكل الطعام. بحر. وأصل البحث للزيلعي. واعترضه ط بأن الخلاف في الطعام إذ علم بالعيب بعد
140 الاكل لا قبله. قوله: (نقصانه) أي له نقصان عيبه لا رده، لان الكسر عيب حادث. بحر وغيره. قلت: الكسر في الجوز (1) يزيد في ثمنه، فهو زيادة لا عيب، تأمل قوله: (إلا إذا رضي البائع به) أي بأخذه معيبا بالكسر، فلا رجوع للمشتري بنقصانه. قوله: (ولو علم) أي المشتري بعيبه قبل كسره: أي ولم يكسره. قال في النهر: فلو كسره بعد العلم بالعيب لا يرد لأنه صار راضيا ا ه. ونبه على ذلك الزيلعي أيضا فقال: لا يرده ولا يرجع بالنقصان، لان كسره بعد العلم به دليل الرضا انتهى، لكن الزيلعي ذكر هذا بعد قوله: وإن لم ينتفع به أصلا، واعترض بأن محله هنا، لأنه إن لم ينتفع به أصلا يرده (2). ويرجع بكل الثمن. قوله: (وإن لم ينتفع به أصلا) بأن كان البيض منتنا والقثاء مرا والجوز خاويا، وما في العيني أو مزنخا ففيه نظر، لأنه يأكله الفقراء، نهر. قلت: وكذا ينتفع باستخراج دهنه، لكن هذا لو كان كثيرا، بل قد يقال: ولو قليلا لأنه يباع لمن يستخرج دهنه فيكون له قيمة، إلا أن يكون جوزة أو جوزتين مثلا. قوله: (فله كل الثمن الخ) لأنه تبين بالكسر أنه ليس بمال، فكان البيع باطلا قبل هذا صحيح في الجوز الذي لا قيمة لقشره، أما إذا كان له قيمة بأن كان في موضع يباع فيه قشره يرجع بحصة اللب فقط، وقيل: يرده ويرجع بكل الثمن لان ماليته باعتبار اللب، وظاهر الهداية يفيد ترجيحه، وكذا في البيض. أما بيض النعامة إذ وجد فاسدا بعد الكسر فإنه يرجع بنقصان العيب. قال في العناية: وعليه جرى في الفتح أن هذا يجب أن يكون بلا خلاف، لان مالية بيض النعامة قبل الكسر باعتبار القشر وما فيه جميعا. قال ابن وهبان: وينبغي أن يفصل، بأن يقال هذا في موضع يقصد فيه الانتفاع بالقشر، أما إذا كان لا يقصد الانتفاع إلا بالمح بأن كان في برية والقشر لا ينتقل كان كغيره. قال الشيخ عبد البر: ولا يخفى عليك فساد هذا التفصيل، فإن هذا القشر مقصود بالشراء في نفسه ينتفع به في سائر المواضع، وما ذكره لا ينهض لأنه قد يتفق في كثير مما اتفقوا على صحة بيعه ولا يكون ذلك موجبا لفساد البيع ا ه. نهر. قوله: (ولو كان أكثره فاسدا جاز بحصته) أي بحصة الصحيح منه، وهذا عندهما، وهو الأصح كما في الفتح. وكذا في النهر عن النهاية. أما عنده فلا يصح في الصحيح منه أيضا، لأنه كالجمع بين الحر والعبد في صفقة واحدة. ووجه الأصح كما في الزيلعي أنه بمنزلة ما لو فصل ثمنه، لأنه ينقسم ثمنه على أجزائه كالمكيل والموزون لا على قيمته ا ه: بخلاف الحر مع العبد. تنبيه: عبر بالأكثر تبعا للعيني. واعترضه بأنه مختل، والصواب تعبير النهر وغيره بالكثير. قلت: وهو مدفوع لأنه إذا صح فيما يكون أكثره فاسدا يصح فيما يكون الكثير منه فاسدا بالأولى، نعم الأولى التعبير بالكثير ليفيد صحة البيع في الكل إذا كان الفاسد منه قليلا لأنه لا يمكن التحرز عنه، إذ لا يخلو عن قليل فاسد، فكان كقليل التراب في الحنطة فلا يرجع بشئ أصلا، وفي القياس: يفسد كما في الفتح. قال في النهر: والقليل ما لا يخلو عنه الجوز عادة كالواحد
(1) قوله: (قلت الكسر في الجوز الخ) فيه ان موضوع المسألة في الذي وجد فاسدا وهو إذا كسر ينكشف حاله فلا يرغب فيه، واما قبل الكسر فيرغب فيه لتوهم عدم الفساد ا ه. (2) قوله: (يرده) اي ولو بعد كسره، فلا يصح تقييده بما قبل الكسر كما فعل الزيلعي ا ه. 141 والاثنين في المائة، كذا في الهداية. وهو ظاهر في أن الواحد في العشرة كثير، وبه صرح في القنية. وقال السرخشي: الثلاثة عفو: يعني في المائة ا ه. وفي البحر: القليل الثلاثة وما دونها في المائة، والكثير ما زاد ا ه. وفي الفتح: وجعل الفقيه أبو الليث الخمسة والستة في المائة من الجوز عفوا ا ه. مطلب: وجد في الحنطة ترابا فرع: اشترى أقفزة حنطة أو سمسم فوجد فيه ترابا، إن كان يوجد مثله في ذلك عادة لا يرد، وإلا فإن أمكنة رد كل المبيع يرده، ولو أراد حبس الحنطة ورد التراب أو المعيب مميزا ليس له ذلك، فإن ميز التراب وأراد أن يخلطه ويرد إن أمكنه الرد على ذلك الكيل رد، وإلا بأن نقص من ذلك الكيل شئ لا، ورجع بنقصان الحنطة إلا أن يرضى البائع بأخذها ناقصة، بزازية. وفي الخانية: لو لم يعد ذلك التراب عيبا فلا رد، وإلا فإن لم يفحش يرد، وإن فحش خير المشتري بين أخذ الحنطة بحصتها من الثمن أو ردها وأخذ كل الثمن. قوله: (في المجتبى الخ) هذه من أفراد مسألة لا كل السابقة ط. فكان الأولى ذكرها هناك. قوله: (رده على بائعه) معناه: أن له أن يخاصم الأول ويفعل ما يجب أن يفعل عند قصد الرد، ولا يكون الرد عليه ردا على بائعه، بخلاف الوكيل بالبيع حيث يكون الرد عليه بالعيب القضاء ردا على موكله: لان البيع واحد، فإذا ارتفع رجع إلى الموكل. بحر، وتمامه فيه، وبخلاف الاستحقاق فإنه إذا حكم به على المشتري الأخير يكون حكما على كل الباعة كما سيأتي في بابه. قال في النهر: وهذا الاطلاق قيده في المبسوط بما إذا ادعى المشتري العيب عند البائع الأول، أما إذا أقام البينة أن العيب كان عند المشتري لم يشهدا أنه كان عند البائع الأول ليس للمشتري الأول أن يرده إجماعا، كذا في الفتح تبعا للدراية ا ه. وأقره في البحر أيضا. قلت: وهو مقيد أيضا بما إذا لم يعترف بالعيب بعد الرد. قال في الفتح: لو قال بعد الرد ليس به عيب لا يرده على البائع الأول بالاتفاق. قوله: (لو رد عليه بقضاء) شامل لما إذا أقر بالعيب وامتنع من القبول فرد عليه القاضي جبرا، كما إذ أنكر العيب فأثبته بالبينة أو النكول عن اليمين أو بالبينة على إقرار البائع بالعيب مع إنكاره الاقرار به فإنه يرد على بائعه في الصور الأربع لكون القضاء فسخا فيها، شرنبلالية. تنبيه: للبائع أن يمتنع عن القبول مع علمه بالعيب حتى يقضي عليه ليتعدى إلى بائعه. بحر عن البزازية. قوله: لأنه فسخ أي لان الرد بالقضاء فسخ من الأصل، فجعل البيع كأن لم يكن، غاية الأمر أنه أنكر قيام العيب لكنه صار مكذبا شرعا بالقضاء. هداية. والمراد أنه لا فسخ فيما يستقبل لا في الاحكام الماضية، بدليل أن زوائد المبيع للمشتري ولا يردها مع الأصل، وتمامه في البحر. وسيذكر الشارح آخر الباب أنه فسخ في حق الكل إلا في مسألتين الخ، ويأتي تمامه. مطلب: لا يرجع البائع على بائعه بنقصان العيب قوله: (ما لم يحدث به عيب آخر عنده) أي عند البائع الثاني، قيد لقوله: رده على بائعه وقوله: فيرجع تفريع على مفهوم المذكور: أي فإن حدث عيب آخر عند البائع الثاني ثم رده عليه
142 المشتري منه بالعيب القديم فلا يرده على بائعه، بل يرجع عليه بنقصان العيب القديم، لان العيب الحادث عنده يمنعه من الرد، وما قلناه من إرجاع ضمير عنده إلى البائع الثاني أصوب من إرجاعه إلى المشتري الثاني لئلا يخالف قول الإمام. لما في البحر: لو باعه فاطلع مشتريه على عيب قديم به لا يحدث مثله وحدث عنده عيب ورجع بنقصان العيب القديم، فعنده: لا يرجع البائع على بائعه بنقصان العيب القديم، وعندهما: يرجع، كذا ذكره الأسبيجابي، ومثله في الصغرى ا ه، فافهم. قوله: (وهذا) أي اشتراط القضاء للرد ا ه ح. قوله: (لو بعد قبضه) أي قبض المشتري الثاني المبيع ط. قوله: (فلو قبله الخ) أي فلو كان الرد قبل قبضه فللمشتري الأول أن يرده على البائع الأول مطلقا، سواء كان رده عليه بقضاء أو برضا المشتري الأول الذي هو البائع الثاني لان بيع المبيع قبل قبضه لا يجوز، فلا يمكن جعله بيعا جديدا في حق غيرهما فجعل فسخا من الأصل في حق الكل، فصار كما لو باع المشتري الأول للثاني بشرط الخيار له أو بيعا في خيار رؤية، فإنه إذا فسخ المشتري الثاني بحكم الخيار كان للأول أن يرده مطلقا، والفسخ بالخيارين لا يتوقف على قضاء. قال الزيلعي: وفي العقار اختلاف المشايخ على قول أبي حنيفة. والأظهر أنه بيع جديد في حق البائع الأول، لان العقار يجوز بيعه قبل القبض عنده فليس له أن يرده على بائعه كأنه اشتراه بعد ما باعه. وعند محمد: فسخ، لان لا يجوز بيعه قبل القبض عنده. وعند أبي يوسف: بيع في حق الكل ا ه من حاشية نوح أفندي. قوله: (وهذا) الإشارة إلى قوله: رده على بائعه. قوله: (فلا رد مطلقا) أي لا بقضاء ولا رضا، لان بيعه بعد رؤية العيب دليل الرضا به. قوله: (وهذا) أي اشتراط القضاء للرد. قوله: (في غير النقدين) قال في البحر: وقيد بالمبيع وهو العين احترازا عن الصرف فإنه يجعل فسخا إذ رد بعيب لا فرق بين القضاء والرضا، لأنه لا يمكن أنه يجعل بيعا جديدا، لان الدينار هنا لا يتعين في العقود، فإذا اشترى دينارا بدراهم ثم باع الدينار من آخر ثم وجد المشتري الثاني بالدينار عيبا ورده المشتري بغير قضاء فإنه يرده على بائعه لما ذكرنا. ووجهه في الكافي بأن المعيب ليس بمبيع بل المبيع السليم فيكون المبيع ملك البائع، فإذا رده على المشتري يرده على بائعه. أما هنا المبيعان موجودان. مطلب مهم: قبض من غريمه دراهم فوجدها زيوفا فردها عليه بلا قضاء وذكر في الظهيرية: وعلى هذا إذا قبض رجل دراهم على رجل وقضاها من غريمه فوجدها الغريم زيوفا فردها عليه بلا قضاء فله ردها على الأول ا ه. وما ذكره في الظهيرية أفتى به الخير الرملي تبعا لما في فتاوى قارئ الهداية وفتاوى ابن نجيم، وهذا إذا لم يكن أقر بقبض حقه أو الثمن أو الدين، فلو أقر بذلك ثم جاء ليرده لم يقبل منه لتناقضه، كما أوضح ذلك العلامة الطرسوسي في أنفع الوسائل، ولخصت ذلك في تنقيح الحامدية. وبقي ما إذا تصرف فيه القابض بعد علمه بعيبه فإنه لا يرده إذا رد عليه، لما في القنية برمز القاضي عبد الجبار: إذا أخذ من دينه دينارا فجعله في الروث ليروج أو جعل الدرهم في البصل ونحوه ليس له الرد، كما لو داوى عيب مشريه ليس له الرد ا ه فليحفظ، لكن سيذكر الشارح من موانع الرد العرض على البيع، إلا الدراهم إذا وجدها زيوفا فعرضها على البيع فليس برضا، وسيذكره
143 أيضا في آخر متفرقات البيوع. وعلله في البحر بأن حقه في الجياد فلم تدخل الزيوف في ملكه، لكن صرحوا بأنه لو تجوز بها ملكها وصارت عين حقه فصار الحاصل أنه لو رضي بها امتنع الرد، وإلا فله ردها وإن عرضها على البيع، وبه يظهر إن عرضها على البيع لا يكون دليل الرضا بها، فيحمل ما مر عن القنية على ما إذا رضي بها صريحا، فليتأمل. وسيأتي في متفرقات البيوع متنا وشرحا: لو قبض زيفا بدل جيد كان له على آخر جاهلا به، فلو علم وأنفقه كان قضاء اتفاقا، ونفق أو أنفقه فهو قضاء لحقه، فلو قائما رده اتفاقا. وقال أبو يوسف: إذا لم يعلم يرد مثل زيفه ويرجع بجيده استحسانا كما لو كانت ستوقة أو نبهرجه، واختار للفتوى ا ه. قوله: (ولو رده برضاه الخ) أي لو رد المشتري الثاني على الأول برضاه ليس له رده على بائعه سواء كان العيب يحدث مثله في المدة كالمرض أو لا كالإصبع الزائدة، لان الرد بالعيب بعد القبض إقالة، وهي بيع جديد في حق الثالث وفسخ في حق المتعاقدين، والبائع الأول ثالثهما فصار في حقه كأن المشتري الأول اشتراه من الثاني فلا خصومة له مع بائعه لا في الرد ولا في الرجوع بالنقصان، بخلاف الرد بقضاء القاضي فإنه فسخ في حق الكل لعموم ولايته، فيصير كأن البائع الأول لم يبعه. أفاده نوح أفندي. تنبيه: الوكيل بالبيع على هذا التفصيل فإذا رد عليه المبيع بقضاء لزم الموكل لو بدونه لزمه دون الموكل، وليس له أن يخاصم الموكل وإن كان العيب لا يحدث مثله هو الصحيح، لان الرد بلا قضاء في حق الموكل بمنزلة الإقالة، وتمامه في الخانية. قوله: (أو حط ثمن) فيما إذا حدث عنده عيب آخر فإنه يحط من الثمن نقصان العيب كما مر. قوله: (بعد قبضه المبيع) قيد اتفاقي، لان البائع له المطالبة بالثمن قبل تسليم المبيع، فإذا ادعى المشتري عيبا لم يجبر فصدق عدم الجبر قبل القبض أيضا. بحر واعترض بأنه لا يجبر وإن ثبتت المطالبة. قلت: وهو ممنوع، وإلا فما فائدة المطالبة، فافهم. قوله: (لم يجبر المشتري) لاحتمال صدقه. عيني. والأولى للشارح ذكر المشتري عقب قوله: ادعى لتنسحب الضمائر كلها عليه. قوله: (لاثبات العيب) أي إثبات وجوده عنده وعند البائع، فإذا أثبته كذلك رد المبيع على البائع أو قبله ودفع ثمنه. قوله: (أو يحلف بائعه على نفيه) أي نفي والعيب عنده: أي عند البائع. وقوله: وبدفع الثمن أي المشتري بعد أن حلف البائع، وقوله: إن لم يكن شهود مرتبط بقوله: ويحلفه (1) أو بقوله: ويدفع والأولى إسقاطه للعلم به من عطف أو يحلف على يبرهن. ثم اعلم أن المتبادر من هذا أن له تحليف البائع قبل إقامة البينة على قيام العيب للحال، وهذا قولهما ورواية ضعيفة عن الامام، والصحيح عنده ما ذكره عقبه في مسألة دعوى الإباق من أنه لا يحلف بائعه حتى يبرهن المشتري أنه أبق عنده كما يأتي بيانه وعن هذا أول الزيلعي قول الكنز: أو يحلف بائعه، بقوله: أي بعد إقامة المشتري البينة أنه وجد فيه عنده: أي عند المشتري، وأوله في البحر
(1) قوله: (مرتبط بقوله ويحلفه) هكذا بخطه، مع أن الذي في الشارح أو يحلف بائعه على نفيه كما في صدر القولة، فتأمل ا ه مصححه. 144 بما إذا أقر البائع بقيام العيب به، ولكن أنكر قدمه. واعترضه في النهر بأنه مما لا دليل في كلامه عليه، ثم قال: وقد ظهر لي أن موضوع هذه المسألة في عيب لا يشترط تكراره كالولادة، فإذا ادعاه المشتري ولا برهان له حلف بائعه، وقوله: بعده ولو ادعى إباقا بيان لم يشترط تكراره، وإلا كان الثاني حشوا، فتدبره، فإني لم أر من عرج عليه ا ه. قلت: وأشار إليه الشارح بقوله الآتي: مما يشترط الخ. قوله: (وإن ادعى غيبة شهوده) أي عدم حضورهم في المصر، أما لو قال لي بينة حاضرة أمهله القاضي إلى المجلس الثاني إذ لا ضرر فيه على البائع. بحر. قوله: (تقبل خلافا لهما فتح) عبارة الفتح: تقبل في قول أبي حنيفة. وعند محمد: لا تقبل، ولا يحفظ في هذا رواية عن أبي يوسف ا ه. وذكر قبله أنه لو قال لي بينة حاضرة ثم أتى بها تقبل بلا خلاف. قوله: (ولزم العيب بنكوله) أي لزمه حكمه، لان النكول حجة في المال لأنه بذل أو إقرار. قوله: (إباقا ونحوه الخ) احتراز عما لا يشترط تكرره وهو ثلاث: زنا الجارية، والتولد من الزنا، والولادة كما قدمه أول الباب، ففيها لا يشترط إقامة البينة على وجودها عند المشتري، بل يحلف عليها البائع ابتداء كما في البحر. قوله: (عندهما) أي عند البائع والمشتري. قوله: (وجنون) قيل هذا على القول الضعيف المنقول عن العيني فيما تقدم ا ه. قلت: الذي تقدم هو أن الجنون مما يختلف صغرا وكبرا، بمعنى أنه إذا وجد يد البائع في الصغر وفي يد المشتري في الكبر لا يكون عيبا كالإباق وأخويه، والكلام هنا في اشتراط المعاودة عند المشتري، وهو القول الأصح كما قدمه الشارح، وهذا غير ذاك كما لا يخفى ونبه عليه ط أيضا، فافهم. قوله: (لم يحلف بائعه) قال في البحر: أي إذا ادعى عيبا يطلع عليه الرجال ويمكن حدوثه فلا بد من إقامة البينة أولا على قيامه بالمبيع مع قطع النظر عن قدمه وحدوثه لينتصب البائع خصما، فإن لم يبرهن لا يمين على البائع عند الامام على الصحيح. وعندهما: يحلف على نفي العلم، وتمامه فيه. قوله: (إذا أنكر قيامه للحال) أما لو اعترف بذلك فإنه يسأل عن وجوده عنده، فإن اعترف به رده عليه بالتماس من المشتري، وإن أنكر طولب المشتري بالبينة على أن الإباق وجد عند البائع، فإن أقامها رده وإلا حلف. نهر. قوله: (إنه قد أبق عنده) أي عند المشتري نفسه، لان القول وإن كان قول البائع لكن إنكاره إنما يعتبر بعد قيام العيب به في يد المشتري ومعرفته تكون البينة. درر. قوله: (فإن برهن) أي المشتري على قيامه للحال. نهر. قوله: (حلف بائعه عندهما) صوابه اتفاقا، لان الخلاف في تحليف البائع إنما هو قبل برهان المشتري كما علمت، أما بعده فإنه يحلف اتفاقا لأنه انتصب خصما حين أثبت المشتري قيام العيب عنده عند الامام، فكذا عندهما بالأولى. قوله: (بالله ما أبق قط) عدل عن قول الكنز وغيره، بالله ما أبق عندك قط، بزيادة الظرف، لما قاله الزيلعي من أن فيه ترك النظر للمشتري، لأنه يحتمل أنه باعه وقد كان أبق عند غيره، وبه يرد عليه، فالأحوط أن يحلف ما أبق قط
145 أو ما يستحق عليك الرد من الوجه الذي ذكره، أو لقد سلمه وما به هذا العيب. قال في النهر: إلا أن كون حذف الظرف بالنظر إلى المشتري مسلم لا بالنظر إلى البائع، إذ يجوز أنه أبق عند الغاصب ولم يعلم منزل المولى ولم يقدر عليه، وقد مر أنه ليس بعيب، فالأحوط بالله ما يستحق عليك الرد الخ وما بعده. وفي البزازية: والاعتماد على المروي عن الثاني: بالله ما لهذا المشتري قبلك حق الرد بالوجه الذي يدعيه تحليفا على الحاصل ا ه. ولا يحلف بالله لقد باعه وما به هذا العيب، لان فيه ترك النظر للمشتري لجواز حدوثه بعد البيع قبل التسليم فيكون بارا مع أنه يوجب الرد. قيل: كيف يحلف على البتات مع أنه فعل الغير، والتحليف فيه إنما يكون على العلم، وأجيب بأنه فعل نفسه في المعنى وهو تسليم المعقود عليه سليما كما التزمه، قاله السرخسي. قال في الفتح: ومما تطارحناه أنه لو لم يبق عند البائع وأبق عند المشتري وكان أبق عند آخر قبل هذا البائع ولا علم للبائع بذلك فادعى المشتري بذلك وأثبته يرده به، ولو لم يقدر على إثباته له أن يحلفه على العلم، وكذا في كل عيب يرده في تكرره ا ه. والمطارحة إلقاء المسائل، وهي هنا ليست في أصل الرد كما ظنه في البحر فقال: إنه منقول في القنية، بل في تحليفه على عدم العلم أخذا من قولهم: إنما يحلف على البتات لادعائه العلم به، والغرض هنا أنه لا علم له به فتدبره ا ه ما في النهر ملخصا. وتمامه فيه. قوله: (وما جن) الأولى إسقاطه كما تعرفه. قوله: (وفي الكبير الخ) عطف على محذوف تقديره: هذا الكيفية في إباق الصغير وفي الكبير الخ ط. قوله: (لاختلافه صغرا وكبرا) فيحتمل أنه أبق عنده في الصغر فقط ثم أبق عند المشتري بعد البلوغ، وذلك لا يوجب الرد لاختلاف السبب على ما تقدم، فلو ألزمناه الحلف على ما أبق عنده قط أضررنا به وألزمناه مالا يلزمه، ولو لم يحلف أصلا أضررنا بالمشتري فيحلف كما ذكر، وكذا في كل عيب يختلف فيه الحال فيما بعد البلوغ وقبله بخلاف ما لا يختلف كالجنون فتح. فعلى هذا كان الأولى إسقاط قوله: وما جن لأنه لا يناسب قوله: وفي الكبير الخ. قوله: (خفي كإباق) أي من كل عيب لا يعرف إلا بالتجربة والاختبار كالسرقة والبول في الفراش والجنون والزنا. فتح. قوله: (وعلم حكمه) أي حكم رده مما ذكره المصنف أنفا. قوله: (للتيقن به) أي في يد البائع والمشتري. فتح. قوله: (إذا لم يدع الرضا به) أي رضا المشتري به، أو العلم به عند الشراء، أو الابراء منه، فإن ادعاه سأل المشتري، فإن اعترف امتنع الرد، وإن أنكر أقام البينة عليه، فإن عجز يستحلف ما علم به وقت البيع أو ما رضي ونحوه، فإن حلف رده، وإن نكل امتنع الرد. فتح قوله: (ككبد) أي كوجع كبد وطحال. فتح. وفي بعض النسخ ككبدي بياء النسب: أي كداء منسوب إلى كبد. قوله: (فيكفي قول عدل) أي لتوجه الخصومة. قال في الفتح: فإن اعترف به عندهما رده، وكذا إذا أنكر فأقام المشتري البينة أو حلف البائع فنكل، إلا إن ادعى الرضا فيعمل ما ذكرنا، وإن أنكره عند المشتري يريه طبيبين مسلمين عدلين، والواحد يكفي والاثنان أحوط، فإذا قال به ذلك يخاصمه في أنه كان عنده ا ه. واشترط العدلين منهم إنما هو للرد والواحد لتوجه الخصومة فيحلف البائع كما في البدائع، ولكن في أدب
146 القاضي ما يخالفه. بحر. قال في البزازية: وفي أدب القاضي الذي يرجع فيه إلى الأطباء لا يثبت في حق توجه الخصومة ما لم يتفق عدلان، بخلاف ما لا يطلع عليه الرجال حيث يثبت بقول المرأة الواحدة في حق الخصومة لا في حق الرد ا ه. قلت: الأول أظهر. لان العدلين يكتفي بهما للاثبات، فيكفي الواحد لتوجه الخصومة، ولذا جزم به في الخانية، حيث قال: إن أخبر بذلك واحد يثبت العيب في حق الخصومة والدعوى، وإن شهد عدلان أنه قديم كان عند البائع يرده على البائع. مطلب فيما لا يطلع عليه إلا النساء قوله: (فيكفي قول الواحدة) أي لاثبات العيب في حق الخصومة لا في الرد في ظاهر الرواية، خانية، وقد أشار إلى هذا بقوله: فيحلف البائع إذ لو ثبت الرد بقولها لم يحتج إلى التحليف، وهذا إذا كان بعد القبض بالاتفاق، كما في شرح الجامع لقاضيخان، فلو قبله ففيه اختلاف الروايات. ففي الخانية: إن آخر ما روى عن محمد وأبي يوسف أنه يرد بشهادتهن، إلا في الحبل فلا ترد بشهادتهن. وفي الذخيرة: الواحدة العدلة تكفي والثنتان أحوط، فإذا قالت واحدة عدلة أو اثنتان إنها حبلى يثبت العيب في حق توجه الخصومة، ثم إن قالت أو قالتا كان ذلك عند البائع، إن كان ذلك بعد القبض لا ترد، بل يحلف البائع لان شهادة النساء حجة ضعيفة، والعقد بعد القبض قوي، ولا يفسخ العقد القوي بحجة ضعيفة، وإن قبل القبض فكذلك لا رد بقول الواحدة. أما المثنى فقيل على قياس قوله لا ترد، وعلى قياس قولهما ترد. وذكر الخصاف أنها لا ترد في ظاهر رواية أصحابنا. وفي القدوري: إنه المشهور من قولهما، لان ثبوت العيب بشهادتهن ضروري، ومن ضرورة ثبوته توجه الخصومة دون الرد فيحلف البائع، فإن نكل تأيدت شهادتهن بنكوله فيثبت الرد. وروى الحسن عن الامام ثبوت الرد بشهادتهن إلا في الحبل، لأنه تعالى تولى علمه بنفسه ا ه ما في الذخيرة ملخصا. ثم ذكر روايات أخر. والحاصل أن شهادة الواحدة أو الثنتين يثبت بها العيب المذكور في حق توجه الخصومة لا في حق الرد سواء كان ذلك قبل القبض أو بعده في ظاهر الرواية عن علمائنا الثلاثة، وهو المشهور فكان هو المذهب المعتمد وإن اقتصر في كثير من الكتب على خلافه، وقدمنا ما يؤيد ذلك عن الفتح في آخر خيار الشرط، ولا ينافي ذلك ما اتفق عليه أصحاب المتون في أول كتاب الشهادة من قبول شهادة الواحدة في البكارة والعيوب والتي لا يطلع عليها إلا النساء، لان المراد به أن العيب يثبت بقولهن ليحلف البائع كما نص عليه في الهداية هناك، وهذا معنى قولهم هنا: يثبت في حق توجه الخصومة، فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، والحمد لله الملك الوهاب. قوله: (قلت وبقي خامس الخ) هذا الفرع مذكور في الفتح والبحر والنهر، لكنهم اقتصروا على عد الأنواع أربعة، فلما رأى الشارح مخالفة حكمه لهذه الأربعة جعله نوعا خامسا فكان من زياداته الحسنة، فافهم. قلت: ومن هذا النوع ما لو ادعى ارتفاع حيض الجارية، فقد صرحوا بأنه لا تقبل الشهادة عليه
147 لأنه لا يعلم إلا منها، وتتوجه الخصومة بقولها على ما اختاره في الفتح، نعم على ما اختاره غيره من أنه لا بد من دعوى المشتري أنه عن داء فيرجع فيه إلى شهادة الأطباء، أو عن حبل فيرجع إلى شهادة النساء لا يكون من هذا النوع بل من أحد النوعين قبله. مطلب فيما يحلف المشتري أنه لم يفعل مسقطا لخيار العيب فروع: لو أراد المشتري الرد ولم يدع البائع عليه مسقطا لم يحلف المشتري، وعند الثاني يحلف، وفي الخلاصة والبزازية: أن القاضي لا يستحلف الخصم بلا طلب المدعي، إلا في مسائل منها خيار العيب. وفي البدائع: لو أخبرت امرأة بالحبل وامرأتان بعدمه صحت الخصومة، ولا يقبل قول النافية. وفي التهذيب: برهن البائع أنه حدث عند المشتري وبرهن المشتري أنه كان معيبا في يد البائع تقبل بينه المشتري. بحر ملخصا. قوله: (قبل القبض للكل) ذكر الكل غير قيد، فإن قبض البعض حكمه كحكم ما إذا لم يقبض الكل كما ذكره المصنف عقبه، ولكن لما أفرد المصنف البعض بالذكر علم أن كلامه هنا في الكل، فلذا صرح به الشارح، نعم لو قال المصنف قبل القبض: ولو للبعض لاستغنى عن قوله بعده: وإن قبض أحدهما. قوله: (خير في الكل) أي في القيمي وغيره بقرينة قوله: وإن بعده خير في القيمي لا في غيره، فالمراد أنه يخير في الباقي بعد الاستحقاق بين إمساكه ورده، فليس المراد بالكل كل المبيع حتى يرد عليه أن البيع في البعض المستحق باطل، فافهم. قوله: (لتفرق الصفقة) أي تفرقها على المشتري قبل تمامها، لأنها قبل القبض لم يتم فلذا كان له الخيار. قوله: (وإن بعده الخ) أي وإن كان استحقاق البعض بعد القبض خير في القيمي لا في غيره، إذ لا يضره التبعيض. قوله: (كما سيجئ) لم أره في هذا الباب صريحا. تأمل. قوله: فلو استحق بيان لقوله فحكمه حكم ما قبل قبضهما وقوله: أو تعيب زيادة بيان، وإلا فالكلام في الاستحقاق، وأنا تعيب أحد الشيئين فسيذكره المصنف في قوله: اشترى عبدين الخ. مطلب في تخيير المشتري إذا استحق بعض المبيع تنبيه: حاصل ما ذكره المصنف في هذه المسائل ما في جامع الفصولين عن شرح الطحاوي: لو استحق بعض المبيع قبل قبضه بطل البيع في قدر المستحق، ويخير المشتري في الباقي، سواء أورث الاستحقاق عيبا في الباقي أو لا، لتفرق الصفقة قبل التمام، وكذا لو استحق بعد قبض بعض سواء استحق المقبوض أو غيره يخير لما مر من التفرق، ولو قبض كله فاستحق بعضه بطل البيع بقدره، ثم لو أورث الاستحقاق عيبا فيمل بقي يخير المشتري، ولو لو يورث عيبا فيه كثوبين، أو قنين استحق أحدهما أو كيلي أو وزني استحق بعضه ولا يضر تبعيضه، فالمشتري يأخذ الباقي بلا خيار ا ه. وفي النهر عن العناية: حكم العيب والاستحقاق سيان قبل القبض في جميع الصور: يعني فيما يكال ويوزن وغيرهما، وحكمهما بعد القبض كذلك إلا في المكيل والموزون. قوله: (وما في الحاوي) أي من أنه
148 إذا أمسكه بعد الاطلاع على العيب مع قدرته على الرد كان رضا ا ه ح. قوله: (كدليل الرضا) مما يأتي قريبا، وصريحه بالأولى. قوله: (وفي الخلاصة الخ) حيث قال: وجد به عيبا ولم يجد البائع ليرده فأطعمه وأمسكه ولم يتصرف فيه تصرفا يدل على الرضا فإنه يرده على البائع لو حضر، ولو هلك يرجع النقصان ا ه: أي ولا يرجع على بائعه بالثمن، وهذا إذا لم يرفع الامر إلى القاضي كما سيذكره المصنف. قوله: (واللبس والركوب الخ) أي لو اطلع على عيب في المبيع فلبسه أو ركبه لحاجته فهو رضا دلالة. ولو كان ركوبه للدابة لينظر إلى سيرها ولبسه الثوب لينظر إلى قدره كما في النهر وغيره. فإن قلت: إن فعل ذلك لا يبطل خيار الشرط فكذا خيار العيب، قلت: فرق في الذخيرة بأن خيار الشرط مشروع للاختبار واللبس والركوب مرة يراد به ذلك، بخلاف خيار العيب فإنه شرع للرد ليصل إلى رأس ماله عند العجز عن الوصول إلى الفائت فلا يحتاج إلى أن يختبر المبيع. تنبيه: أشار إلى أن الرضا بالعيب لا يلزم أن يكون بالقول. ثم إن الرضا بالقول لا يصح معلقا، لما في البحر عن البزازية: عثر على عيب فقال للبائع إن لم أرد إليك اليوم رضيت به. قال: محمد: القول باطل وله الرد. قوله: (والمداواة له أو به) أي أنه يشمل ما لو كان المبيع عبدا مثلا فداواه من عيبه أو كان دواء فداوى به نفسه أو غيره بعد اطلاعه على عيب فيه. مطلب فيما يكون رضا بالعيب قوله: (رضا بالعيب الذي يداويه فقط) قال في البحر: المداواة إنما تكون رضا بعيب داواه، أما إذا داوى المبيع من عيب قد برئ منه البائع وبه عيب آخر فإنه لا يمتنع رده كما في الولوالجية ا ه. وفي جامع الفصولين: شرى معيبا فرأى عيبا آخر فعالج الأول مع علمه بالثاني لا يرده، ولو عالج الأول ثم علم عيبا آخر فله رده ا ه. قالت: بقي ما لو اطلع على العيب بعد الشراء ولم يكن قد برئ البائع منه فداواه ثم اطلع على عيب آخر. وظاهر كلام الشارح أنه يرده، وهو الظاهر، كما لو رضي بالأول صريحا ثم رأى الآخر، إذ قد يرضى بعيب دون عيب، أو بعيب واحد لا بعيبين، تأمل. ثم رأيت في الذخيرة عن المنتقى عن أبي يوسف: وجد بالجارية عيبا فداواها، فإن كان ذلك دواء من ذلك العيب فهو رضا، وإلا فلا، إلا أن ينقصها ا ه. قوله: (ما لم ينقصه) كما إذا داوى يده الموجوعة فشلت أو عينه من بياض بها فاعورت فإنه يمتنع رده بعيب آخر لما حدث فيه من النقص عند المشتري ط. مطلب فيما يكون رضا بالعيب ويمنع الرد قوله: (بعد علم بالعيب) أي علمه بكون ذلك عيبا، ففي الخانية: لو رأى بالأمة قرحة ولم يعلم أنها عيب فشراها ثم علم عيب له ردها لأنه مما يشتبه على الناس فلا يثبت الرضا بالعيب ا ه. وقدمنا أنه لو كان مما لا يشتبه على الناس كونه عيبا ليس له الرد. وفي نور العين عن المنية: قال البائع بعد تمام البيع قبل القبض تعيب المبيع فاتهمه المشتري في إخباره ويقول إن غرضه أن أرد عليه فقبضه المشتري لا يكون رضا بالعيب ولا تصرفه إذا لم يصدقه، لكن الاحتياط أن يقول له: لا أعلم بذلك وأنا لا أرضى بالعيب، فلو ظهر عندي أرده عليك ا ه. قوله: (والأرش) أي نقصان العيب، قوله:
149 (ومنه العرض على البيع) ولو بأمر البائع، بأن قال له: اعرضه على البيع، فإن لم يشتر منك رده علي، ولو طلب من البائع الإقالة فأبى فليس بعرض فله الرد، ولو عرض بعض المبيع على البيع، أو قال: رضيت ببعضه بطل خيار الرؤية وخيار العيب، جامع الفصولين. وقدمنا عن الذخيرة أن قبض المبيع بعد العلم بالعيب رضا بالعيب، وفي جامع الفصولين: قبض بعضه رضا ثم نقل ليس برضا حتى يسقط خياره عند أبي يوسف ا ه. قلت: وهذا في غير المثلي، لما في البحر عن البزازية: لو عرض نصف الطعام على البيع لزمه النصف ويرد كالبيع ا ه. وسيذكر الشارح الكلام في الاستخدام. تتمة: نقل في البحر: من جملة ما يدل على الرضا بالعيب بعد العلم به الإجارة والعرض عليها والمطالبة بالغلة والرهن والكتابة، أما لو آجره ثم علم بالعيب فله نقضها للعذر ويرده، بخلاف الرهن فلا يرده إلا بعد الفكاك، ومنه إرسال ولد البقرة عليها ليرتضع منها وحلب لبنها أو شربه، وهل يرجع بالنقصان؟ قولان. وابتداء سكنى الدار لا الدوام عليها، وسقي الأرض وزراعتها، وكسح الكرم، والبيع كلا أو بعضا، والاعتاق، والهبة ولو بلا تسليم لأنها أقوى من العرض، ودفع باقي الثمن، وجمع غلات الضيعة، وكذا تركها لأنه تضييع، وليس منه أكل ثمر الشجر وغلة القن والدار وإرضاع الأمة ولد المشتري، وضرب العبد إن لم يؤثر الضرب فيه ا ه ملخصا. وفي الذخيرة: إذا أطلاه (1) بعد رؤية العيب أو حجمه أو جز رأسه فليس برضا. ثم ذكر تفصيلا في الحجامة بين كونها دواء لذلك العيب فهو رضا، وإلا فلا. وفيها: أمر رجلا ببيعه ثم علم أن به عيبا: فإن باعه الوكيل بحضرة الموكل ولم يقل شيئا فهو رضا بالعيب. قوله: (إلا الدراهم الخ) ذكر المسألة في الذخيرة وجامع الفصولين وغيرهما، وسيذكرها الشارح في آخر متفرقات البيوع عن الملتقط. ثم إنه ينبغي أن يذكر هنا أيضا ما امتنع رده قبل البيع بزيادة ونحوها، كما لولت السويق أو خاط الثوب ثم اطلع على عيب ثم باعه، فإن بيعه بعد رؤية العيب لا يكون رضا وله الرجوع بنقصانه، كما مر، فكذا لو عرضه البيع بالأولى. قوله: (فليس برضا) فلا يمنع الرد على المشتري، لان ردها لكونها خلاف حقه، لان حقه في الجياد فلم تدخل الزيوف في ملكه، بخلاف المبيع العين فإنه ملكه فالعرض رضا بعيبه. بحر. ومثل ذلك ما لو باعها ثم ردت عليه بلا قضاء فله ردها على بائعه كما قدمه الشارح عند قوله: باع ما اشتراه الخ وقدمنا تمام الكلام في ذلك. قوله: (كعرض ثوب الخ) محترز قوله: عل البيع والتشبيه في عدم الرضا. قوله: (قال نعم) الأولى فقال: نعم، عطفا على قال الأول. قوله: (لزم) جواب لو أي لزم البيع، ولا يمكنه رده بالعيب. قال في نور العين: وهذه تصلح حيلة من البائع لاسقاط خيار العيب عن مشتريه. قوله: (ولا تقرير لملكه) لفظ: لا مبتدأ وتقرير خبره، والضمير في ملكه للبائع، كأنه يقول: لا أبيعه لكونه ملكك لأني أرده عليك. وفي البزازية: وينبغي أن يقول بدل قوله: نعم الخ، يريد بذلك تنبيه المشتري على لفظ يتمكن به من الرد
(1) قوله: (إذا أطلاه) هكذا بخطه بالألف، ولعل صوابه طلاه بدونها كما يستفاد من القاموس والمصباح ا ه مصححه. 150 وهو لفظ لا ويحذره من مانع الرد وهو: نعم ط. وبه اندفع توقف المحشي في هذه العبارة، وكأنه فهم أن قوله: وينبغي أن يقول الخ أي يقول الناقل لحكم المسألة، فيصير المعنى: ولو قال له البائع: أتبيعه فقال: لا، لزم فينافي ما ذكره الشارح، وليس كذلك، بل ضمير يقول للمشتري أي ينبغي للمشتري أن يقول لا بدل قوله نعم لئلا يلزم البيع فيكون تحذيرا للمشتري فافهم، ثم إن الذي رأيته في البزازية وغالب نسخ البحر نقلا عنها ولا تقرير لمكنته: أي تمكنه من الرد على البائع، وعليه فالضمير للمشتري. قوله: (الركوب للرد على البائع) وكذا لو ركبه ليرده فعجز عن البينة فركبه جائيا فله الرد. بحر عن جامع الفصولين: أي له رده بعد ذلك إذا وجد بينة على كون العيب قديما لان ركوبه بعد العجز ليس دليل الرضا. قوله: (أو لشراء العلف لها) فلو ركبها لعلف دابة أخرى فهو رضا كما في الذخيرة. قوله: (لعجز أو صعوبة) أي لعجزه عن المشي أو صعوبة الدابة بكونها لا تنقاد معه. قوله: (وهل هو) أي قوله: ولا بد له منه. قوله: (واعتمده المصنف الخ) الذي في شرح المصنف والدرر والشمني والبحر جعله قيدا للأخيرين فقط، ولكن في كثير من النسخ واعتمد المصنف بلا ضمير، وهي الصواب، فقوله: وغيرهم بالجر عطفا على مجرور اللام في قوله: تبعا للدر الخ وقوله: الأول بالنصب مفعول اعتمده، أما على نسخة اعتمده بالضمير يكون قوله: وغيرهم مرفوعا، والتقدير: واعتمد غيرهم الأول، ومشى في الفتح على الأول. وفي الذخيرة على الثاني. قال: ويدل له ما ذكره محمد في السير الكبير أن جوالق العلف لو كان واحدا فركب لا يكون رضا، لأنه لا يمكن حمله إلا بالركوب، بخلاف ما إذا كان اثنين ا ه. لكن قال في الفتح: إن العذر المذكور في السقي يجري فيما إذا كان العلف في عدلين، فلا ينبغي إطلاق امتناع الرد فيه ا ه. وبقي قول ثالث هو ظاهر الكنز: وهو أنه غير قيد في الثلاثة، وظاهر الزيلعي اعتماده حيث عبر عن القولين بقيل. وفي الشرنبلالية عن المواهب: الركوب للرد أو للسقي أو لشراء العلف لا يكون رضا مطلقا في الأظهر ا ه. فافهم. قوله: (فالقول للمشتري) لأن الظاهر يشهد له ط. وكذا لو قال ركبتها للسقي بلا حاجة لأنها تنقاد وهي ذلول، ينبغي أن يسمع قول المشتري، لأن الظاهر أن مسوغ الركوب بلا إبطال الرد هو خوف المشتري من شئ مما ذكرنا، لا حقيقة الجموح والصعوبة، والناس يختلفون في تخيل أسباب الخوف، فرب رجل لا يخطر بخاطره شئ من تلك الأسباب وآخر بخلافه، كذا في الفتح. قوله: (فهو عذر) قال في الشرنبلالية: بعد نقله ويخالفه ما في البزازية: لو حمل عليه فاطلع على عيب في الطريق ولم يجد ما يحمله عليه ولو ألقاه في الطريق يتلف لا يتمكن من الرد، وقيل: يتمكن قياسا على ما إذا حمل عليه علفه. قلت: الفرق واضح، فإن علفه مما يقومه، إذ لولاه لا يبقى ولا كذلك العدل فكان من ضرورة الرد ا ه ما في البزازية. وهذا يفيد أن ما في الفتح ضعيف ا ه ط. قلت: وذكر الفرق أيضا في جامع الفصولين، ويؤيده ما في الذخيرة عن السير الكبير: اشترى
151 دابة في دار الاسلام وغزا عليها فوجد بها عيبا في دار الحرب ينبغي له أن لا يركبها، لان الركوب بعد العلم بالعيب رضا منه فلا يتمكن من ردها فليحترز منه، وإن لم يجد دابة غيرها، لان العذر الذي له غير معتبر فيما يرجع إلى البائع، والركوب لحاجته دليل الرضا ا ه ملخصا. وحاصله: أن الركوب دليل الرضا وإن كان لعذر، لان عذره ألزمه الرضا بالعيب لأنه لا يعتبر في حق البائع، وأنت خبير بأن هذا مخالف للقول الثالث الذي اعتمده الزيلعي وغيره كما قدمناه آنفا. وقد يجاب بأن العذر في ركوبها للسقي والعلف إنما هو لحق البائع إذ فيه حياتها، بخلاف العذر في مسألة السير الكبير والتي قبلها. مطلب مهم في اختلاف البائع والمشتري في عدد المقبوض أو قدره أو صفته قوله: (اختلفا بعد التقابض الخ) أي لو اشترى جارية مثلا فقبضها وأقبض الثمن ثم جاء ليردها بعيب واعترف به البائع، إلا أنه قال: بعتك هذه وأخرى معها فلك علي رد حصة هذه فقط من الثمن لا كله، وقال المشتري بعتنيها وحدها فاردد كل الثمن ولا بينة لهما، فالقول للمشتري لأنه قابض ينكر زيادة يدعيها البائع، ولان البيع انفسخ في المردود بالرد وذلك مسقط للثمن عنه، والبائع بدعي بعض الثمن بعد ظهور سبب السقوط والمشتري ينكر، وتمامه في الفتح. قوله: (ليتوزع الثمن الخ) علة لدعوى البائع وبيان لفائدتها على تقدير الرد: أي رد الثمن، لأنه على دعواه يلزمه رد بعضه كما قررناه. قوله: (أو في عدد المقبوض) أي بأن اتفقا على مقدار المبيع أنه الجاريتان وقبض البائع ثمنهما ثم جاء المشتري ليرد إحداهما فقال البائع قبضتهما وإنما تستحق حصة هذه وقال المشتري لم أقبض سواها. قوله: (والقول للقابض) وتقبل بينته لاسقاط اليمين عنه كالمودع إذا ادعى الرد أو الهلاك وأقام بينة تقبل. مع أن القول قوله والبينة لاسقاط اليمين مقبولة كذا في الذخيرة، من باب الصرف. بحر. قوله: (مطلقا) فسره ما بعده. قوله: (قدرا) أي قدر المبيع أو المقبوض كما مر، ومنه ما في النهر عن صلح الخلاصة: لو قال المشتري بعد قبض المبيع موزونا وجدته ناقصا إلا إذا سبق منه إقرار بقبض مقدار معين. قوله: (أو صفة) تبع في ذلك البحر عن العمادية، ويخالفه ما في الظهيرية حيث قال: وإن اختلفا في وصف من أوصاف المبيع فقال المشتري اشتريت منك هذا العبد على أنه كاتب أو خباز وقال البائع لم أشترط شيئا فالقول للبائع ولا يتحالفان ا ه. ومثله في الذخيرة والتاترخانية. وفي فتاوى قارئ الهداية: اختلفا في وصف المبيع فقال المشتري ذكرت لي أن هذه السلعة شامية فقال البائع: ما قلت إلا أنها بلدية، أجاب: القول للبائع بيمينه لان ينكر حق الفسخ، والبينة للمشتري لأنه مدع ا ه. وفي النهر عن الظهيرية: اشترى عبدين أحدهما بألف حالة والآخر بألف إلى سنة صفقة أو صفقتين فرد أحدهما بعيب ثم اختلفا فقال البائع: رددت مؤجل الثمن وقال المشتري: بل معجلة، فالقول للبائع سواء هلك ما في يد المشتري أو لا ولا تحالف ا ه. ويؤيده قوله الآتي: كما لو اختلفا في طول المبيع وعرضه على خلاف ما في النهر كما تعرفه، فافهم. قوله: (فلو جاء ليرده الخ) تفريع على قوله: تعيينا ومثله في البحر وغيره: لو اختلفا في الرق فالقول للمشتري. قوله: (فالقول للبائع)
152 والفرق أن المشتري في خيار الشرط والرؤية ينفسخ العقد بفسخه بلا توقف على رضا الآخر، بل على علمه على الخلاف، وإذا انفسخ يكون الاختلاف بعد ذلك اختلافا في المقبوض، فالقول فيه قول القابض، بخلاف الفسخ بالعيب (1) لا ينفرد المشتري بفسخه ولكنه يدعي ثبوت حق الفسخ في الذي أحضره والبائع ينكره، وكذا في الفتح من آخر خيار الرؤية. قلت: ومقتضى هذا التعليل أنه لو كان البيع فاسدا يكون القول في تعيين المبيع للمشتري، لأن العقد ينفسخ بفسخه بلا توقف على رضا الآخر، وهي واقعة الفتوى. قوله: (كما لو اختلفا في طول المبيع وعرضه) لم أر هذا في الفتح، وإنما ذكر المسألة التي قبله مع الفرق الذي نقلناه عنه، نعم ذكره في البحر عن الظهيرية مصرحا بأن القول للبائع. قلت: وهو الذي رأيته الظهيرية ومنتخبها للعيني، وكذا في الذخيرة والتاترخانية، فما نقله في النهر عن الظهيرية من أن القول للمشتري تحريف أو سبق قلم، فافهم، ونص الظهيرية: ابن سماعة عن محمد: رجل باع من آخر ثوبا مرويا فقبضه أو لم يقبضه حتى اختلفا فقال البائع بعته على أن ست في سبع وقال المشتري اشتريته على أنه سبع في ثمان فالقول قول البائع مع يمينه ا ه. تتمة: قال: بعتها وبها قرحة في موضع كذا فجاء المشتري ليردها بقرحة في ذلك فأنكر البائع أنها هذه القرحة بل القرحة برئت وهذه وغيرها، فالقول للمشتري. والحاصل أن البائع إذا نسب العيب إلى موضع وسماه فالقول للمشتري، وإن ذكره مطلقا فالقول للبائع. وتمامه في الذخيرة. خاتمة: باع ألف رطل من القطن ثم ادعى أنه لم يكن في ملكه يوم البيع قطن وعنده يوم الخصومة ألف رطل من القطن يقول: أصبته بعد البيع كان القول قوله: بيمينه كما في الخانية. قوله: (اشترى عبدين الخ) اعلم أن المبيع لا يخلو من كونه شيئا واحدا أو شيئين كواحد حكما من حيث لا يقوم أحدهما بلا صاحبة كمصراعي باب وزوجي خف أو شيئين بلا اتحاد حكما كثوبين وعبدين. ثم الحادث في المبيع نوعان: عيب، واستحقاق، والأحوال ثلاثة: قبل القبض، وبعده، وبعد قبض بعضه فقط. أما لو وجد في بعضه عيبا قبل قبض كله وكان العيب موجودا وقت البيع أو حدث بعده قبل قبضه فالمشتري مخير بين أخذ الكل بثمنه أو رد كله، لا المعيب وحده بحصته من الثمن وكذا ليس للبائع أن يقبل المعيب خاصة إلا إذا تراضيا على رد المعيب فقط وأخذ الباقي بحصته من الثمن فلهما ذلك، إذ الصفقة لا تتم قبل القبض بدليل انفساخ البيع برده بلا رضا ولا قضاء، ولو قبض بعضه فقط فوجد فيه أو فيما بقي عيبا فحكمه حكم الفصل الأول في كل ما مر، إذ الصفقة لا تتم بعد سواء كان المبيع واحدا أو أشياء، ولو قبض كله فوجد عيبا قديما أو حادثا بين شرائه وقبضه، فإن كان البيع واحدا كدار وكرم وأرض وثوب، أو كيليا أو وزنيا في وعاء واحد، أو صبرة
(1) قوله: (بخلاف الفسخ بالعيب الخ) قال شيخنا: ومقتضاه أيضا ان يكون القول للمشتري إذا حصل الاختلاف بعد اتفاقهم على الفسخ في مسألة خيار العيب ا ه. 153 واحدة، أو شيئين كشئ واحد حكما يخير بين أخذ كله ورد كله دون رد بعضه فقط، إذ فيه زيادة عيب هو الاشتراك في الأعيان، وإن كان شيئين أو أكثر بلا اتحاد حكما كثياب وعبيد، أو كيليا أو وزنيا في أوعية مختلفة، فللمشتري الرضا به بكل ثمنه أو رد المعيب فقط، ولا يرد كله إلا بتراض، ولا يرد المعيب إلا برضا أو قضاء، إذ الصفقة تمت فيصح تفريقها فيرد المعيب بحصته من الثمن غير معيب، إذ المبيع المعيب دخل في البيع سليما، وفي خيار شرط ورؤية ليس له رد بعضه فقط وإن قبض الكل لأنهما يمنعان تمام الصفقة، فهي قبل تمامها لا تحتمل التفريق، وإنما قلنا إنه يمنع تمام الصفقة لأنه يرد بلا قضاء ولا رضا، ولو قبض الكل، ومتى عجز عن رد البعض لزمه الكل، سواء كان المبيع واحدا أو أكثر. جامع الفصولين عن شرح الطحاوي. ثم ذكر بعد ذلك مسائل الاستحقاق وقد مرت. والحاصل: أنه لو جد العيب قبل قبض شئ من المبيع أو بعد قبض البعض فقط فليس له رد المعيب وحده بلا رضا البائع، وكذا لو بعد قبض الكل إلا إذا كان متعددا غير متحد حكما كثوبين وطعام في وعاءين على ما ذكرنا، بخلاف ما لو كان في وعاء واحد فإنه بمنزلة المبيع الواحد، وهذا ظاهر لو كان الطعام كله باقيا، فلو باع بعضه أو أكل بعضه فقدمنا في هذ الباب أن المفتى به قول محمد أن له أن يرد الباقي ويرجع بنقصان ما أكل لا ما باع، ومر بيانه هناك. قوله: (صفقة واحدة) منصوب على أنه حال من فاعل اشترى لتأوله بالمشتق: أي صافقا بمعنى عاقدا، أو على نزع الخافض: أي بصفقة أي عقد، واحترز به عما لو كان كل منهما بعقد على حدة فهو من قسم ما لو كان المبيع واحدا وقد علمته. قوله: (وقبض أحدهما) كذا لو لم يقبضهما كما مر. قوله: (رد المعيب) احتراز عما فيه خيار شرط أو رؤية كما مر. قوله: (لم يعلم به إلا بعد القبض) هذا لا يناسب إلا ما إذا وجد العيب في المقبوض كما لا يخفى ا ه ح. قلت: بل هو في غاية الخفاء، لان كلام الشارح يصدق على ما إذا قبض السليم ولم يعلم بعيب الآخر إلا بعد قبض المقبوض، ولذا قال في البحر: قيد بتراخي ظهور العيب عن القبض، لأنه لو وجد بأحدهما عيبا قبل القبض: فإن قبض المعيب منهما لزماه، أما المعيب فلوجود الرضا به، وأما الآخر فلانه لا عيب به، ولو قبض السليم منهما أو كانا معيبين وقبض أحدهما له ردهما جميعا، لأنه لا يمكن إلزام البيع في المقبوض دون الآمر لما فيه من تفريق الصفقة على البائع، ولا يمكن إسقاط حقه في غير المقبوض لأنه لم يرض به كذا في المحيط، فافهم. قوله: (كما لو قبض الخ) تشبيه بقوله: أخذهما أو ردهما والأولى عدم التقييد هنا بالقبض كما في الكنز ليشمل ما قبل القبض. قال في البحر: وما وقع في الهداية من أن المراد بعد القبض، فإنما هو ليقع الفرق بين القيميات والمثليات ا ه. فإن القيميات كعبدين له رد المعيب منهما بعد قبضهما، بخلاف المثليات كطعام في وعاء، أما قبل القبض فليس له رد المعيب في الكل، لكن هذه الاعتذار لا يتأتى في عبارة المصنف حيث أتى بكاف التشبيه. قوله: (ونحوه) أي من كل شيئين لا ينتفع بأحدهما بدون الآخر، وله أحكام ذكرها في
154 البحر عن المحيط، فراجعه. قوله: (فإن له رد كله أو أخذه) أي دون أخذ المعيب وحده، وهذا تصريح بما تضمنه التشبيه، وعلمت أن هذا لو كان كله باقيا، بخلاف ما لو باع البعض أو أكله، قوله: (ولو في وعاءين) أي إذا كانا من جنس واحد كتمر برني أو صيحاني أو لبانة أو حنطة صعيدية أو بحرية فإنهما جنسان يتفاوتان في الثمن والعجين، كذا حرره في فتح القدير. قوله: (على الأظهر ) وقيل: إذا كان في وعاءين يكون بمنزلة عبدين حتى يرد الوعاء الذي وجد فيه العيب وحده. زيلعي. وقدمنا عن العلامة قاسم أن هذا القول أرفق وأقيس ا ه. ولذا مشى عليه في شرح الطحاوي كما علمته آنفا. قوله: (أو قبلها ألا مسها بشهوة) قال في البزازية: قال التمرتاشي: قول السرخسي: التقبيل بشهوة يمنع الرد محمول على ما بعد العلم بالعيب. شرنبلالية. قلت: يخالف هذا الحمل ما في الذخيرة: إذا وطئها ثم اطلع على عيب لم يردها ويرجع بالنقصان سواء كانت بكرا أو ثيبا إلا أن يقبلها البائع كذلك، وكذا إذا كان قبلها بشهوة أو لمسها بشهوة، فإن وطئها أو قبلها بشهوة أو لمسها بشهوة بعد علمه بالعيب فهو رضا بالعيب فلا رد ولا رجوع بنقصان ا ه. وكذا ما في الخانية: لو قبضها فوطئها أو قبلها بشهوة ثم وجد بها عيبا لا يردها بل يرجع بنقصان العيب ا ه، ولا يرد قوله الآتي: لأنه استوفى ماءها لان دواعي الوطئ تأخذ حكمه في مواضع كما في حرمة المصاهرة، فافهم. قوله: (ولنا أنه استوفى ماءها وهو جزؤها) أي فإذا ردها صار كأنه أمسك بعضها، شرح المجمع، وعلل في شرح درر البحار (1) بأن الرد بعيب فسخ العقد من أصله، فيكون وطؤه في غير مملوكة له فيكون عيبا يمنع الرد، وهذا في الثيب، فالبكر يمتنع ردها بالعيب اتفاقا ا ه. قلت: وهذا التعليل أظهر، لأنه يشمل دواعي الوطئ. قوله: (ولو الواطئ زوجها) أي الزوج الذي كان من عند البائع، أما لو زوجها المشتري لم يكن له ردها وطئها أو لا، وإن رضي بها البائع لحصول الزيادة المنفصلة وهي المهر وأنها تمنع الرد كما مر (2)، كما لو وطئها أجنبي بشبهة في يد المشتري لوجوب العقر على الواطئ، بخلاف ما لو زنى بها فلا يرد ويرجع بالنقصان، إلا أن يرضى
(1) قوله: (وعلل في شرح درر البحار الخ) في هذا التعليل نظر، فان الرد بالعيب فسخ فيما يستقبل من الاحكام لا في الماضي منها، كما صرح به المحشي فيما كتبه على الفروع آخر الباب عند قول الشارح رد المبيع بعيب بقضاء وفسخ، وحينئذ فيكون الوطء في الملك فلا يكون عيبا. (2) قوله: (وانها تمنع الرد كما مر الخ) الضي مر له في التنبيه الذي ذكره في خيار الشرط عند قول المصنف ويخرج عن ملكه بخيار المشتري فيهلك بيده بالثمن مبقية الزيادة المنفصلة الغير المتوالدة لا تمنع الرد. وذكر في خيار العيب عن البحر عند قول الشارح: وله الرد برضا البائع الا لعيب أو زيادة انها لا تمنع الرد مطلقا: يعني قبل القبض أو بعده، وقوله كما لو وطئها أجنبي الخ مبني على فهمه في عبارة منلا مسكين التي نقلها في خيار الشرط ونقلنا هناك عن شيخنا تخطئته فيها ثم قال شيخنا في تقرير هذا المحل: ان العقر من الزيادة المتولدة وهي تمنع الرد، وضعف ما نقله المحشي في التنبيه السابق عن التتارخانية من عده من الزيادة الغير المتولدة، وصحح ما هنا ان عبارات المشايخ مصرحة بأنه من الزيادة المتوالدة، قال لأنه في مقابلة مائها وهي جزء حقيقة، وللبدل الحكم المبدل ا ه. 155 بها البائع كذلك لأنها تعيبت بعيب الزنا، كذا في الذخيرة. قوله: (إن ثيبا ردها) أي إذا لم ينقصها الوطئ وكان الزوج وطئها عند البائع أيضا، أما إذا لم يكن وطئها إلا عند المشتري لم يذكره محمد في الأصل. واختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه يردها. ذخيرة. قوله: (ورجع بالنقصان) كذا في الدرر، ومثله في البحر عن الظهيرية عند قول الكنز: ومن اشترى ثوبا فقطعه الخ. وعزاه في الشرنبلالية إلى البدائع وغيرها، ومثله أيضا ما ذكرناه آنفا عن الذخيرة والخانية. وفي كافي الحاكم: وطئها المشتري ثم وجد بها عيبا لا يردها به، ولكن تقوم وبها العيب وتقوم وليس بها عيب، فإن كان العيب ينقصها العشر يرجع بعشر الثمن ا ه ملخصا. وقال في الخلاصة: وفي الأصل رجل اشترى جارية ولم يبرأ من عيوبها فوطئها ثم وجد بها عيبا لا يملك ردها سواء كانت بكرا أو ثيبا نقصها الوطئ أو لا، بخلاف الاستخدام، وكذا لو قبلها أو لمسها بشهوة ويرجع بالنقصان إلا أن يقول البائع أنا أقبلها ا ه. فهذا نص المذهب. مطلب: الأصل للإمام محمد من كتب ظاهر الرواية وكافي الحاكم جمع فيه كتب ظاهر الرواية فإن الأصل للإمام محمد من كتب ظاهر الرواية وكافي الحاكم جمع فيه كتب ظاهر الرواية للإمام محمد كما ذكره في الفتح والبحر في مواضع متعددة، وبه سقط ما في الشرنبلالية حيث قال: وفي البزازية ما يخالفه حيث جوز الرجوع بالنقص مع اللمس والنظر ومنعه من الوطئ ا ه. قلت: وسقط به أيضا ما في البزازية أيضا من أن وطئ الثيب يمنع الرد والرجوع بالنقصان، وكذا التقبيل والمس بشهوة قبل العلم بالعيب وبعده، وكذا ما يأتي قريبا في الخانية، فافهم. قوله: (فبانت ثيبا) أي بوطئ المشتري. وفي الخانية من أول فصل العيوب: ولو اشترى جارية على أنها بكر، ثم قال: هي ثيب يريها القاضي النساء، إن قلن بكر كان القول للبائع بلا يمين، وإن قلن: ثيب فالقول للمشتري بيمينه، وإن وطئها المشتري، فإن زايلها كما علم أنها ليست بكرا بلا لبث وإلا لزمته، هكذا ذكر الشيخ أبو القاسم ا ه ومشى الشارح على هذا التفصيل في خيار الشرط عند قول المصنف وتم العقد بموته الخ، لكن علمت نص المذهب، ولهذا ذكر في القنية التفصيل المذكور عن أبي القاسم، ثم رمز لكتاب آخر الوطئ يمنع الرد وهو المذهب ا ه. قوله: (بل يرجع بأربعين درهما) فيه أن هذا العيب قد ينقص القيمة أقل من هذا القدر، وقد ينقصها أكثر منه، فما وجه هذا التعيين ط. قلت: قد يجاب بأن نقصان الثيوبة كان كذلك في زمانهم. قوله: (الثيوبة ليست بعيب الخ) لأنه ليس الغالب عدمها، فصارت كما لو شرى دابة فوجدها كبيرة السن كما حققناه أول الباب، نعم لو شرط البكارة ولم توجد كان له الرد، لأنه من باب فوات الوصف المرغوب، كما لو شرى العبد على أنه كاتب أو خباز، وهذا لو وجدها ثيبا بغير الوطئ وإلا فالوطئ يمنع الرد، ولو نزع بلا لبث على المذهب، كما علمت، فافهم. قوله: (إلا إذا قبلها البائع) أي رضي أن يأخذها بعد ما وطئها المشتري،
156 وهذا استثناء من قوله: ورجع بالنقصان. قوله: (ويعود الرد الخ) محل هذه الجملة عند قول المصنف سابقا حدث عيب آخر عند المشتري رجع بنقصانه ط. قوله: (لعود الممنوع) أشار به إلى أن الرد لم يسقط، وإنما منع منه مانع، إذ لو كان ساقطا لما عاد ط. قوله: (مع النقصان) أي الذي رجع به المشتري على البائع حين كان الرد ممنوعا ط. قوله: (على الراجح) بناء على أنه من زوال المانع، قيل: لا يرد لان الرد يسقط والساقط لا يعود، وقيل: إن كان بدل النقصان قائما ثبت له الرد، وإلا لا ط. قوله: (بمشرى البائع) الإضافة على معنى من: أي بمشرى منه. قوله: (وأثبته) أي المشتري. قوله: (فوضعه) أي القاضي عند عدل: أي عند أمين يحفظه لبائعه. وفي حاشية البحر للرملي: قد سئلت عن نفقة الدابة وهي عند العدل على من تكون فأجبت أخذا مما في الذخيرة في آخر النفقات أنه لا يفرض القاضي لها على أحد نفقة، لان الدابة ليست من أهل الاستحقاق والمشتري هو المالك، والمالك يفتي عليه ديانة بأن ينفق عليها ولا يجبره القاضي. قوله: (ينفذ على الأظهر) أي لو كان القاضي يرى ذلك كشافعي ونحوه، بخلاف الحنفي كما حرره في البحر، وقدمناه في كتاب المفقود: وسيأتي تمامه في القضاء إن شاء الله تعالى. قوله: (قتل العبد المقبوض أو قطع) قيد بكونه مقبوضا، لأنه لو قتل بعد البيع في يد البائع رجع المشتري بكل الثمن كما هو ظاهر، ولو قطع عند البائع ثم باعه فمات عند المشتري بسبب القطع. قال في البحر يرجع بالنقصان اتفاقا، وقيد بالقطع لأنه لو اشتراه مريضا فمات عند المشتري أو عبدا زنى عند البائع فجلد عند المشتري فمات رجع بالنقصان اتفاقا أيضا، وتمامه في البحر. قوله: (بسبب كان عند البائع) أي فقط، أما لو سرق عندهما فقطع بالسرقتين، فعندهما يرجع بنقصان السرقة الأولى. وعنده لا يرده بلا رضا البائع للعيب الحادث وهو السرقة الثانية، فإن رضيه رده المشتري ورجع بثلاثة أرباع الثمن وإلا أمسكه ورجع بربعه، لان اليد من الآدمي نصفه وقد تلفت بالسرقتين فيتوزع نصف الثمن بينهما فيسقط ما أصاب المشتري ويرجع بالباقي، وتمامه في الفتح، وقدم الشارح هذه المسألة عن العيني أول الباب. قوله: كقتل أو ردة أي كما لو قتل العبد رجلا عمدا أو ارتد والأولى أن يقول كقتل وسرقة ليكون بيانا لسبب القتل والقطع. قوله: (رد المقطوع وأخذ ثمنهما) قال في المبسوط: فإن مات من ذل القطع قبل أن يرده لم يرجع إلا بنصف الثمن. فتح. قوله: (أو أمسكه) الأولى تأخيره عن قوله: وأخذ ثمنها بأن يقول: وله أن يمسك المقطوع ويرجع بنصف ثمنه ط. قوله: (مجمع) عبارته: ولو وجد العبد مباح الدم فقتل عنده فله كل الثمن، ولو قطع بسرقة فهو مخير، إن شاء رد واسترد أو أمسك واسترد النصف، وقالا: يرجع بالنقصان فيهما. ولا يخفى أنها أحسن من عبارة المصنف. قوله: (رجع الباعة بعضهم على بعض) أي بكل الثمن كما في الاستحقاق عند أبي حنيفة لأنه أجراه مجرى الاستحقاق، وهذا إن اختار الرد،
157 فإن أمسكه يرجع بنصف الثمن فيرجع بعضهم على بعض بنصف الثمن. وعندهما يرجع الأخير بالنقصان على بائعه، ولا يرجع بائعه على بائعه لأنه بمنزلة العيب. أما رجوع الأخير فلانه لما لم يبعه لم يصر حابسا للمبيع فلا مانع من الرجوع، وأما بائعه فلا يرجع لأنه بالبيع صار حابسا له مع إمكان الرد، وقد علمت أن بيع المشتري للمعيب حبس للمبيع سواء علم أو لا فلا يمكنه الرد بعد ذلك. فتح. قوله: (لكونه كالاستحقاق) والعلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع. بحر. مطلب: في البيع بشرط البراءة من كل عيب قوله: (وصح البيع بشرط البراءة من كل عيب) بأن قال بعتك هذا العبد على أني برئ من كل عيب، ووقع في العيني لفظ فيه وهو سهو لما يأتي. نهر. قلت: ولا خصوصية لهذا اللفظ، بل مثله كل ما يؤدي معناه. مطلب: باعه على أنه كوم تراب أو حراق على الزناد أو حاضر حلال ومنه ما تعورف في زماننا فيما إذا باع دارا مثلا فيقول: بعتك هذه الدار على أنها كوم تراب، وفي بيع الدابة يقول مكسرة محطمة، وفي نحو الثوب يقول حراق على الزناد ويريدون بذلك أنه مشتمل على جميع العيوب، فإذا رضيه المشتري لا خيار له لأنه قبله بكل عيب يظهر فيه. وكذلك قوله: بعتك على أنه حاضر حلال ويراد بيع هذا الحاضر بما فيه من أي عيب كان سوى عيب الاستحقاق: أي لو ظهر غير حلال: أي مسروقا أو مغصوبا يرجع عليه المشتري، فهذا كله بمعنى البراءة من كل عيب. ونظيره ما في البحر: لو قبل الثوب بعيوبه يبرأ من الخروق وتدخل الرقع والرفو ا ه: أي لو كان فيه خرق لا يرده، وكذا لو وجده مرقوعا أو مرفوا، وهو من باب رفوت الثوب رفوا من باب قتل: أي أصلحته، ثم رأيت بعض المحشين ذكر أن العلامة إبراهيم البيري سئل عمن باع أمة وقال: أبيعك الحاضر المنظور يريد بذلك جميع العيوب. فأجاب: ليس للمشتري رد الأمة التي أبرأه عن جميع عيوبها ا ه ملخصا. قوله: (وإن لم يسم) أي لم يذكر أسماء العيوب. قوله: (خلافا للشافعي) حيث قال: لا يصح إلا أن يعد العيوب، لان في الابراء معنى التمليك، وتمليك المجهول لا يصح. زيلعي. قوله: (لعدم إفضائه إلى المنازعة) الأولى لعدم إفضائها لان الضمير للبراءة. قال في الفتح: ولنا أن الابراء إسقاط حتى يتم بلا قبول، كما لو طلق نسوته أو أعتق عبيده ولا يدري كم هم ولا أعيانهم، والاسقاط لا تبطله جهالة الساقط لأنها لا تفضي إلى المنازعة، وتمامه فيه. قوله: (فلا يرد العيب) أي موجود أو حادث. قوله: (بالموجود) لان البراءة تتناول الثابت وهو الموجود وقت العقد فقط. ولهما أن الملاحظ هو المعنى، والغرض من هذا الشرط إلزام العقد بإسقاط المشتري حقه عن وصف السلامة ليلزم على كل حال، ولا يطالب البائع بحال وذلك بالبراءة عن كل عيب يوجب للمشتري الرد والحادث بعد العقد كذلك فاقتضى الغرض المعلوم دخوله. فتح قوله: (كقوله من كل عيب به) فإنه لا يدخل فيه الحادث إجماعا. بحر. قوله: (ولو قال مما يحدث) أي باع بشرط البراءة من كل عيب وما يحدث بعد البيع قبل القبض. فتح. قوله: (صح عند الثاني الخ) هذا على رواية المبسوط، أما على رواية شرح الطحاوي: فلا يصح بالاجماع.
158 وأورد على الثانية أنه لو أبرأه عن كل عيب يدخل الحادث عند أبي يوسف بلا تنصيص فكيف يبطل مع التنصيص. وأجيب بمنع الاجماع لما علمت من رواية المبسوط، ولئن سلم فالفرق أن الحادث يدخل تبعا لتقرير عرضهما، وكم من شئ لا يثبت مقصودا ويثبت تبعا: أفاده في الفتح ونقل ط عن الحموي عن شرح المجمع أن الأصح وبه قطع الأكثرون أنه فاسد ا ه. فهذا تصحيح لرواية شرح الطحاوي، لكني لم أر ذلك في شرح المجمع الملكي فلعله في شرح آخر، فليراجع، نعم في البحر عن البدائع أن البيع بهذا الشرط فاسد عندنا، لان الابراء لا يحتمل الإضافة، وإن كان إسقاطا ففيه معنى التمليك، ولهذا لا يقبل الرد (1) فلا يحتمل الإضافة نصا كالتعليق فكان شرطا فاسدا فأفسد البيع ا ه. وظاهر قوله: عندنا أنه قول علمائنا الثلاثة موافقا لما في شرح الطحاوي، فقول النهر: إنه مبني على قول محمد غير ظاهر. قوله: (وقيل على ما في الباطن) من طحال أو فساد حيض. منح. قوله: (واعتمده المصنف) حيث قال: وهذا ما عولنا عليه في المختصر اعتمادا على ما هو معروف في العادة، وإلا فالمشهور من المذهب الأول، وإنما قيدنا بالعادة لان الداء في اللغة هو المرض سواء كان بالجوف أو بغيره ا ه. قلت: لكن عرفنا الآن موافق في اللغة. قوله: (فهي السرقة والإباق والزنا) هكذا روى عن أبي يوسف. فتح. وفي المصباح: غائلة العبد فجوره وإباقه ونحو ذلك. قوله: (بشرطه) أي بالبينة أو بإقرار البائع أو نكوله ا ه ح. ومن شروط الرد أن لا يزيد زيادة مانعة من الرد، ولا يوجد ما هو دليل الرضا بالعيب مما مر ولا برئ البائع من عيوبه. قوله: (لأنه مجاز عن الترويج) رواج المتاع نفاقه: أي أنه أراد رواجه ونفاقه عند المشتري. قال في المنح: لظهور أنه لا يخلو عن عيب ما فيتيقن القاضي بأن ظاهره غير مراد له ا ه. وفي الشرنبلالية عن المحيط: وهذا كمن قال لجاريته: يا زانية، يا مجنونة فليس بإقرار بالعيب ولكنه للشتيمة، حتى قيل لو قال ذلك في الثوب: أي قال لآخر اشتره فلا عيب به يكون إقرارا بنفي العيب، لان عيوب الثوب ظاهرة ا ه. قوله: (عبدي هذا آبق) أفاد باسم الإشارة أن العبد حاضر، وأن قوله آبق بمعنى الماضي، وهذا بخلاف ما إذا قال: بعتك على أنه آبق أو على أني برئ من إباقه المشتري الأول فإن الثاني يرده عليه كما سنوضحه عند قوله: باع عبدا الخ.
(1) قوله: (ولهذا لا يقبل الرد) لعلى الصواب اسقاط لا كما لا يخفى تأمل. 159 قوله: (فوجده المشتري الثاني آبقا) بأن أبق عنده أيضا، لان الإباق لا يكون عيبا إلا بتكرره. قوله: (لا يرده) أي على البائع الثاني. قوله: (إنه أبق عنده) أي عند البائع الأول المقر. قوله: (الموجود منه السكوت) يعني والسكوت ليس تصديقا منه لبائعه فيما أقر به فأما إذا قال البائع الثاني وجدته آبقا الآن صار مصدقا للبائع في إقراره بكونه آبقا. شرنبلالية. قوله: (اشترى جارية الخ) قال في شرح الوهبانية: وفي البزازية: اشترى مرضعا ثم اطلع بها على عيب ثم أمرها بالإرضاع له الرد لأنه استخدام، ولو حلب اللبن فأكله أو باعه لا يرد لان اللبن جزء منها فاستيفاؤه دليل الرضا: وفي الفتوى: الحلب بلا أكل أو بيع ولا يكون رضا، وحلب لبن الشاة رضا شرب أم لا. قوله: لأنه استخدام والاستخدام لا يكون رضا. خانية: أي في المرة الأولى ويكون رضا في الثانية كما يأتي قريبا، ومقتضاه أنه لو أمرها به ثانيا كان رضا لا لو أرضعته مرات بالامر الأول. تأمل. مطلب في مسألة المصراة قوله: (بخلاف الشاة المصراة) روي أن النبي (ص) قال: لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر متفق عليه. شرح التحرير. وتصروا بضم التاء وفتح الصاد من التصرية، وهي ربط ضرع الناقة أو الشاة وترك حلبها اليومين أو الثلاثة حتى يجتمع اللبن. قال الشارح في شرحه على المنار: وهو مخالف للقياس الثابت بالكتاب والسنة والاجماع من أن ضمان العدوان بالمثل أو القيمة والتمر ليس منهما فكان مخالفا للقياس، ومخالفته للكتاب والسنة إجماع المتقدمين فلم يعمل به لما مر، فيرد قيمة اللبن عند أبي يوسف. وقال أبو حنيفة: ويرجع على البائع بأرشها ا ه. وفي شرح التحرير: وقد اختلف العلماء في حكمها فذهب إلى القول بظاهر الحديث الأئمة الثلاثة وأبو يوسف على ما في شرح الطحاوي للاسبيجابي نقلا عن أصحاب الأمالي عند والمذكور عنه للخطابي وابن قديمة أنه يردها مع قيمة اللبن، ولم يأخذ أبو حنيفة ومحمد به لأنه مخالف للأصول ا ه. والحاصل كما في الحقائق أنه إذا اشتراها فحلبها فوجدها قليلة اللبن ليس له أن يردها عندنا. وعند الشافعي وغيره: له أن يردها مع اللبن لو قائما ومع صاع تمر لو هالكا، وهل يرجع بالنقصان عندنا؟ فعلى رواية الاسرار لا، وعلى رواية الطحاوي نعم. قال في شرح المجمع: وهو المختار، لان البائع بفعل التصرية غر المشتري فصار كما إذا غره بقوله إنها لبون. قوله: (في غير ذلك) أي في غير الارضاع. قوله: (فهو للاختبار) بالباء الموحدة: أي لأجل أن يختبره ويمتحنه ليعلم أنه مع العيب
160 يصلح له أم لا. قوله: (إلا على كره من العبد) مخالف لاطلاق ما مر أنه الاستحسان مع أن وجهه خفي. تأمل. قوله: (لما مر) أي قريبا في قوله: للتيقن بكذبه. قوله: (فله الرد الخ) كذا في الفتح. واستشكله في الشرنبلالية بما في المحيط: لو قال: علي أني برئ من إباقه أو على أنه آبق وقبله المشتري الأول على ذلك يرده الثاني عليه، لأنه ذكر هذا وصفا للايجاب أو شرطا فيه، والايجاب يفتقر إلى الجواب، والجواب يتضمن إعادة ما في الخطاب، فإذا قال المشتري قبل ذلك صار كأنه قال: اشتريت على أنه آبق فيكون اعترافا بكونه آبقا، بخلاف قوله: على أني برئ من الإباق لأنه لم يضف الإباق إلى العبد ولا وصفه به فلم يكن اعترافا بوجود الإباق للحال، لان هذا الكلام كما يحتمل التبري عن إباق موجود من العبد يحتمل التبري عن إباق سيحدث في المستقبل، فلا يصير مقرا بكونه آبقا للحال بالشك فلا يثبت حق الرد بالشك ا ه. وكتب الشرنبلالي في هامش الشرنبلالية أن حق العبارة في كلام الفتح لو قال: أنا برئ من كل عيب إلا إباقه لا يبرأ من إباقه فيرد به، ولو قال إلا الإباق فليس له الرد ا ه. وحاصله: أن عبارة المصنف والفتح مقلوبة لمخالفتها لما في المحيط. أقول: لا مخالفة ولا قلب أصلا، وذلك أن ما في المحيط فيما إذا اشتراه كذلك ثم باعه لآخر فللمشتري الآخر رده على الأول، بخلاف مسألة المصنف. وبيانه أنه إذا قال البائع إلا إباقه بإضافة الإباق إليه يكون إخبارا بإباقه ويكون المشتري راضيا به قبل الشراء فلا يرده بإباقه عنده، بخلاف إلا الإباق بلا إضافة ولا وصف، إذ ليس فيه إقرار بإباقه للحال فلم يوجد رضا المشتري به فله رده، فلو فرض أن هذا المشتري باعه لآخر فللآخر رده عليه في الصورة الأولى لا في الثانية، وهذا هو المذكور في المحيط، فتدبر. قوله: (لو برئ من كل حق له قبله دخل العيب لا الدرك) لان العيب حق له قبله للحال والدرك لا، كذا في الذخيرة. وبيانه: لو قال المشتري للبائع أبرأتك من كل حق لي قبلك ثم ظهر في المبيع عيب ليس له دعوى الرد به لان الرد بالعيب من جملة الحقوق الثابتة له وقد أبرأه منها، بخلاف ما لو اشترى رجل عبدا مثلا فضمن له آخر الدرك: أي ضمن له الثمن إذا ظهر العبد مستحقا ثم قال الشمتري للضامن أبرأتك من كل حق لي قبلك لا يدخل الدرك فلو استحق العبد كان للمشتري الرجوع على الضامن بالثمن، لأنه لم يكن له وقت الابراء حق الرجوع بالثمن لأنه يتوقف على وجود الاستحقاق ثم على القضاء للمستحق على البائع بالثمن، لان بمجرد الاستحقاق لا ينتقض البيع في ظاهر الرواية ما لم يقض له بالثمن على البائع فلم يجب على الأصيل رد الثمن فلا يجب على الكفيل كما في الهداية من الكفالة، فحيث لم يثبت ذلك الحق في الحال لم يدخل في الابراء المذكور. قوله: لعجز المشتري عن الاثبات اللام للتوقيت: أي حلف البائع وقت عجز المشتري، أما لو
161 برهن المشتري فإنه برده على البائع. قوله: (إن علم به) أي علم أن به عيبا بعد قوله ما ذكر. قوله: (لان المبطل للرجوع إزالته عن ملكه إلى غيره بإنشائه) أي بأن باعه أو أعتقه على مال أو كاتبه ثم اطلع على عيب لأنه صار حابسا له بحبس بدله، بخلاف ما إذا أعتقه بلا مال أو دبره أو استولد الأمة ثم اطلع على عيبه فإنه لا يبطل الرجوع بالنقصان، لان ذلك إنهاء للملك كما مر تقرير ذلك، لكن قد يبطل الرجوع بدون إزالة عن ملكه إلى غيره كما لو استهلكه فكلامه مبني على الغالب، فافهم. قوله: (أو إقراره) مثاله ما فرعه عليه بقوله: حتى لو باع الخ. قوله: (وصدقه فلان) فلو كذبه رده بالعيب لبطلان إقراره بتكذيبه. عزمية عن الكافي. قوله: (كأنه وهبه) قال في الكافي: ولا نعني به أنه تمليك، لكن التمليك يثبت مقتضى للاقرار ضرورة فجعل كأنه ملكه بعد الشراء ثم أقر به ا ه. عزمية. قوله: (قوله الغنيمة) أي لشئ مغنوم من الكفار. قوله: (بحر) ونصه: ثم اعلم أن الامام يصح بيعه للغنائم ولو في دار الحرب كما في التلخيص وشرحه، وقولهم: لا يصح بيعها قبل القسمة وفي دار الحرب محمول على غير الامام وأمينه ا ه. قلت: لكن قيد في الذخيرة بيع الامام بقوله لمصلحة رآها فأفاد قيدا آخر، وهو أنه لا يبيع لغير مصلحة. قوله: (قال المصنف الخ) رد على صاحب الدرر. قوله: (لان الأمين لا ينتصب خصما) المراد بالأمين ما يعم الامام ليوافق الدليل المدعي، لان الامام نفسه أمين بيت المال. عزمية. وبين في الذخيرة وجه كونه لا ينتصب خصما بأن بيع الامام خرج على وجه القضاء بالنظر للغانمين، فلو صار خصما خرج بيعه عن أن يكون قضاء لان القاضي لا يصلح خصما ا ه. قوله: (ولا يحلفه) أي لا يحلف منصوب الامام لو لم يكن عند المشتري بينة. قال في البحر: ولا يقبل إقراره بالعيب، ولا يمين عليه لو أنكر، وإنما هو خصم لاثباته بالبينة كالأب ووصيه في مال الصغير، بخلاف الوكيل بالخصومة إذا أقر على موكله في غير مجلس القضاء فإنه وإن لم يصح لكنه ينعزل به ا ه. قلت: لكن في الذخيرة فلو أقر منصوب الامام لم يصح إقراره، ويخرجه القاضي عن الخصومة وينصب للمشتري خصما آخر ا ه. ومقتضاه (2) أنه مثل الوكيل بالخصومة. تأمل. قوله: (ولا يصح نكوله وإقراره) المناسب أن يقول: ولا يصح نكوله لأنه إما بذل أو إقرار، ولا يصح بذله ولا إقراره ا ه
(2) قوله: (ومقتضاه الخ) لعل المماثلة في العزل بالاقرار لا في جميع احكامه، لان الوكيل بالخصومة إذا أقر في مجلس الحكم ينفذ اقراره على موكله، بخلاف المغصوب فان ظاهر قول الذخيرة لم يصح اقراره ويخرجه القاضي عن الخصومة ان الاقرار كان امام القاضي ا ه. 162 ح. وقوله: (ويرد النقص إلى محله) أي إن نقص الثمن الآخر عن الأول، إن كان المبيع من الأربعة أخماس يعطى منها وإن كان من الخمس يعطي منه، وكذا الزيادة توضع فيما كان المبيع منه. ح في الدرر. قوله: (لان الغرم بالغنم) المراد به هنا أن الغرم وهو رد النقص إلى المشتري بسبب الغنم وهو رد الفضل إلى محله. قوله: (الدراهم) الأولى دراهم بالتنكير ط. قوله: (لا يصح) إلا إذا حدث به عيب عند المشتري كما بحثه الخير الرملي. قلت، ويستثنى أيضا ما إذا لم يقر بالبائع بالعيب، لما في جامع الفصولين شراه بمائة وقبضه فطعن بعيب فتصالحا على أن يأخذه البائع ويرد مائة إلا واحدا، قال: إن أقر البائع أن العيب كان عنده فعليه رد باقي الثمن، وإلا ملك الباقي. وهو قول أبي يوسف ا ه. قوله: (لأنه لا وجه له غير الرشوة) في جامع الفصولين: لأنه ربا، ولصاحب البحر رسالة في الرشوة ذكر ط هنا حاصلها، ومحل الكلام عليها في القضاء، وسنذكره هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (ولو زال بمعالجة لا) أي لا يرجع، وعبر عنه في جامع الفصولين بقيل حيث قال: ولو قبض بدل الصلح وزال ذلك العيب، يرد بدل الصلح، وقيل: هذا لو زال بلا علاجه، فإن زال بعلاجه لا يرد ا ه. مطلب في الصلح عن العيب فرع: لو شرياه فوجدا عيبا فصالح أحدهما البائع من حصته فليس للآخر أن يخاصم، وهذا فرع مسألة أن رجلين لو شربا فوجدا عيبا ليس لأحدهما الرد بدون الآخر عنده وعندهما لكل منهما رد حصته. جامع الفصولين. قوله: (رضي الوكيل بالعيب) أي الوكيل بالشراء. قوله: (يساوي الثمن المسمى) أي الذي اشتراه به كما في الخانية عن المنتقى بعدما ذكر قولا آخر، وهو أنه إن كان قبل قبض المبيع لزم الموكل لو العيب يسيرا وإلا فيلزم الوكيل، أن اليسير ما لا يفوت جنس المنفعة كقطع يد واحدة وفق ء عين، بخلاف قطع اليدين وفق ء العينين فهو فاحش. وذكر أن السرخشي قال: إن ما لا يدخل تحت تقويم المقومين فاحش، بأن لا يقومه أحد من العيب بقيمة الصحيح، وأن ما في المنتقى قريب من هذا. ثم قال: وفي الزيادات إن رضي قبل القبض لزم الموكل، وإن بعده لزم الوكيل ولم يفصل بين اليسير والفاحش. والصحيح ما في المنتقى سواء كان قبل القبض أو بعده، لأنه يصير كأنه اشتراه مع العلم بالعيب، فإن كان لا يساوي ذلك الثمن لا يلزم الآمر ا ه فافهم. مطلب في جملة ما يسقط به الخيار تنبيه: قال في البحر: وإلى هنا ظهر أن خيار العيب يسقط بالعلم به وقت البيع، أو وقت القبض أو الرضا به بعدهما أو اشترط البراءة من كل عيب، أو الصلح على شئ أو الاقرار بأن لا عيب به إذا
163 عينه كقوله ليس بآبق فإنه إقرار بانتفاء الإباق، بخلاف قوله: ليس به عيب كما مر ا ه ملخصا. قوله: (لان الغش حرام) ذكر في البحر أول الباب بعد ذلك عن البزازية عن الفتاوى: إذا باع سلعة معيبة عليه البيان. وإن لم يبين، قال بعض مشايخنا: يفسق وترد شهادته، قال الصدر: لا نأخذ به ا ه. قال في النهر أي لا نأخذ بكونه يفسق بمجرد هذا لأنه صغيرة ا ه. قلت: وفيه نظر لان الغش من أكل أموال الناس بالباطل فكيف يكون صغيرة، بل الظاهر في تعليل كلام الصدر أن فعل ذلك مرة بلا إعلان لا يصير به مردود الشهادة وإن كان كبيرة كما في شرب المسكر. قوله: (الأولى الأسير إذا شرى شيئا الخ) عبارة الأشباه عن الولوالجية: اشترى الأسير المسلم من دار الحرب ودفع الثمن الخ، والمتبادر منه أن الأسير فاعل الشراء كما هو صريح عبارة الشارح، وليس كذلك بل هو مفعوله، لان نص عبارة الولوالجية هكذا: رجل اشترى الأسير من أهل الحرب وأعطاهم الزيوف والستوقة أو اشترى بعروض وأعطاهم العروض المغشوشة جاز، لان شراء الأحرار ليس بشراء ليجب عليه المال المسمى لكنه طريق لتخليصهم فكيفما استطاع تخليصهم له أن يفعل وعلى هذا قالوا: إذا اضطر المرء إلى إعطاء جعل العوان أجزأه أن يعطيه الزيوف والستوقة وينقص الوزن بدليل مسألة الأسير وهذا إذا كان الاسراء أحرارا، فإن كانوا عبيدا لا يسعه شئ من ذلك إذا دخل بأمان ا ه. ومثله في الخانية: رجل اشترى الاسراء من أهل الحرب جاز له أن يعطيهم الزيوف والمغشوش لان شراء الأحرار لا يكون شراء حقيقة، وإن كان الاسراء عبيدا لا يسعه ذلك ا ه. قوله: (في الجبايات) جمع جباية بالباء الموحدة قال في فتح القدير: الجبايات الموظفة على الناس ببلاد فارس على الضياع وغيرها للسلطان في كل يوم أو شهر أو ثلاثة أشهر فإنها ظلم. بيري. ونقل قبله ما قدمناه آنفا عن الولوالجية عن مسألة جعل العوان. قوله: (فسخ في حق الكل) أي المتابعين وغيرهما، وقد ذكر ذلك في البحر عند قول الكنز: ولو باع المبيع فرد عليه الخ. ثم أورد على ذلك مسائل منها: مسألة الحوالة المذكورة، ومنها أنه لو كان المبيع عقارا فرد بعيب لم يبطل حق الشفيع في الشفعة، ولو كان فسخا لبطلت الحوالة والشفعة، ثم ذكر أنه أجاب في المعراج بأنه فسخ فيما يستقبل، لا في الاحكام الماضية، بدليل أن زوائد المبيع للمشتري ولا يردها مع الأصل. قلت: وعليه فلا محل للاستثناء الذي ذكره الشارح. تأمل. قوله: (لو أحال البائع بالثمن) صورة المسألة كما في الذخيرة: باع عبدا من رجل بألف درهم ثم إن البائع أحال غريما على المشتري حوالة مقيدة بالثمن فمات العبد قبل القبض حتى سقط الثمن أو رد العبد بخيار رؤية أو بخيار شرط أو خيار عيب قبل القبض أو يعده لا تبطل الحوالة استحسانا لأنها تعتبر متعلقة بمثل ما أضيفت الحوالة إليه من الدين فلا تكون متعلقة بعين ذلك الدين وتعتبر مطلقة إذا ظهر أن الدين لم يكن واجبا وقت الحوالة، وقيد بما إذا أحال البائع لأنه إذا أحال المشتري البائع ثم رد المشتري بالعيب بقضاء فإن القاضي يبطل الحوالة. بيري.
164 قلت: ولم يذكر أن المشتري أحال البائع على آخر حوالة مقيدة، فظاهره أنها مطلقة، مع أنه صرح في الجوهرة من الحوالة بأن المطلقة لا تبطل بحال ولا تنقطع فيها المطالبة، مع أن المقيدة هنا بقيت والمطلقة بطلت، لكن بقاء المقيدة هنا استحسان كما علمت، والقياس بطلانها إذا ظهر بطلان المال الذي قيدت به وهو الثمن هنا، وإنما بطلت المطلقة هنا لبطلان المال الذي كان للمحتال وهو البائع، وإنما لا تبطل المطلقة ببطلان وما على المحال عليه. تأمل. قوله: (ثم رد المبيع) بالبناء للمجهول: أي رده المشتري على البائع: قوله: (من غير المشتري) أما لو باعه منه ثانيا جاز ط. ولا يرد عليه ما سيذكره المصنف في فصل التصرف في المبيع والثمن من أنه لو باع المنقول من بائعه قبل القبض لم يصح، لان ذاك فيما إذا كان العقد الأول باقيا بدليل ما ذكره في باب الإقالة من أنها فسخ في حقهما فيجوز للبائع بيعه من المشتري قبل قبضه. قوله: (وكان منقولا) احترازا عن العقار لجواز بيعه قبل قبضه خلافا لمحمد وزفر. أفاده ط. قوله: (لأنه ضمان العهدة) وهو باطل عند الامام للاشتباه كما سيأتي في الكفالة إن شاء الله تعالى، وهنا لما ضمن عيوبه يحتمل أن المراد أنه يداويه منها، ويحتمل أن يضمن له النقصان، أو أنه يضمن له الرد على البائع غير منازعة، فلذا كان الضمان فاسدا ط. قوله: (لأنه ضمان العيوب) أي وهو عنده ضمان الدرك كما في الهندية فهو كالمسألة المذكورة بعد ط. قوله: (ضمن الثمن) أي للمشتري، ولو مات عنده قبل أن يرده وقضى على البائع ينقصان العيب كان للمشتري أن يرجع على الضامن. مطلب في ضمان العيوب ولو ضمن له بحصة ما يجد من العيوب فيه من الثمن، فهو جائز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، فإن رده المشتري رجع على الضامن بذلك كما يرجع على البائع، ذخيرة. قوله: (لم يرده) لأنه عيب حدث عند المشتري ط. قوله: (وإن قبله) أي وإن حصلت الغلبة قبل القبض ط. قوله: (لتفرق الصفقة عليه) أي بهلاك بعض المبيع قبل قبضه بآفة سماوية، وقدمنا عن جامع الفصولين أنه يطرح عن المشتري حصة النقصان من الثمن وهو مخير في الباقي بين أخذه بحصته أو تركه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
165 باب البيع الفاسد أخره عن الصحيح لكون عقدا مخالفا للدين كما أوضحه في الفتح، وسيأتي أنه معصية يجب رفعها، وسيأتي في باب الربا أن كل عقد فاسد فهو ربا: يعني إذا كان فساده بالشرط الفاسد، وفي القاموس: فسد كنصر وقعد وكرم فسادا وفسودا ضد صلح فهو فاسد وفسيد، ولم يسمع انفسد ا ه. ونقل في الفتح أنه يقال للحم الذي لا ينتفع به لدود ونحوه باطل، وإذا أنتن وهو بحيث ينتفع به فسد اللحم، وفيه مناسبة للمعنى الشرعي، وهو ما كان مشروعا بأصله لا بوصفه، ومرادهم من مشروعية أصله كونه ما لا متقوما لا جوازه وصحته لان فساده يمنع صحته، أو أطلقوا المشروعية عليه نظرا إلى أنه لو خلا عن الوصف لكان مشروعا. وأما الباطل، ففي المصباح بطل الشئ يبطل بطلا وبطولا وبطلانا يضم الأوائل: فسد أو سقط حكمه فهو باطل، والجمع بواطل أو أباطيل ا ه. وفيه مناسبة للمعنى الشرعي وهو ما لا يكون مشروعا لا بأصله ولا بوصفه. وأما المكروه، فهو لغة: خلاف المحبوب، واصطلاحا: ما نهى عنه لمجاور كالبيع عند أذان الجمعة. وعرفه في البناية بما كان مشروعا بأصله ووصفه، لكن نهى عنه لمجاور، ويمكن إدخاله تحت الفاسد أيضا على إرادة الأعم وهو ما نهى عنه فيشمل الثلاثة كما في البحر. قوله: (المراد بالفاسد الممنوع الخ) قد علمت أن الفاسد مباين للباطل، لان ما كان مشروعا بأصله فقط يباين ما ليس بمشروع أصلا. وأيضا حكم الفاسد أنه يفيد الملك بالقبض والباطل لا يفيده أصلا، وتباين الحكمين دليل تباينهما، فإطلاق الفاسد في قولهم باب البيع الفاسد على ما يشمل الباطل لا يصح على حقيقته، فأما أن يكون لفظ الفاسد مشتركا بين الأعم والأخص أو يجعل مجازا عرفيا في الأعم لأنه خير من الاشتراك، وتمامه في الفتح. مطلب في أنواع البيع ثم اعلم أن البيع جائز وقد مر بأقسامه. وغير جائز، وهو ثلاثة: باطل، وفاسد، وموقوف، كذا في الفتح. وأراد بالجائز النافذ، وبمقابله غيره لا الحرام، إذ لو أريد ذلك لخرج الموقوف لما قالوه من أن بيع مال الغير بلا إذنه بدون تسليم ليس بمعصية. مطلب لبيع الموقوف من قسم الصحيح على أنه في المستصفى جعله من قسم الصحيح، حيث قال: البيع نوعان: صحيح، وفاسد. والصحيح نوعان: لازم، وغير لازم. نهر وذكر في البحر أن البيع المنهى عنه ثلاثة: باطل، وفاسد، ومكروه تحريما، وقد مرت. وما لا نهى فيه ثلاثة أيضا: نافذ لازم، ونافذ ليس بلازم، وموقوف، فالأول: ما كان مشروعا بأصله ووصفه ولم يتعلق به حق الغير ولا خيار فيه، والثاني: ما لم يتعلق به حق الغير، وفيه خيار. والموقوف: ما تعلق به الغير، وحصره في الخلاصة في خمسة عشر. قلت: بل أوصله في النهر إلى نيف وثلاثين كما سيأتي في باب بيع الفضولي. ثم قال في البحر: والصحيح يشمل الثلاثة، لأنه ما كان مشروعا بأصله ووصفه والموقوف كذلك فهو قسم منه، وهو
166 الحق لصدق التعريف وحكمه عليه فإن حكمه إفادة الملك بلا توقف على القبض، ولا يضر توقفه على الإجازة كتوقف ما فيه خيار على إسقاطه ا ه. قلت: ينبغي استثناء بيع المكره فإنه موقوف على إجازته مع أنه فاسد كما حققناه أول البيوع، وحررنا هناك أيضا أن أيضا ان بيع الهزل فاسد لا باطل، وإن كان لا يفيد الملك بالقبض لكونه أشبه البيع بالخيار، وليس كل فاسد يملك بالقبض كما سيأتي. قوله: (في ركن البيع) هو الايجاب والقبول، بأن كان من مجنون أو صبي لا يعقل، وكان عليه أن يزيد أو في محله: أعني لمبيع، فإن الخلل فيه مبطل بأن كان البيع ميتة أو دما أو حرا أو خمرا، كما في ط عن البدائع. قوله: (وما أورثه في غيره) أي في غير الركن، وكذا في غير المحل، وذلك بأن كان في الثمن بأن يكون خمرا مثلا، أو بأن كان من جهة كونه غير مقدور التسليم، أو فيه شرط مخالف لمقتضى العقد فيكون البيع بهذه الصفة فاسدا لا باطلا لسلامة ركنه ومحله عن الخلل، كما في ط عن البدائع. وبه ظهر أن الوصف ما كان خارجا عن الركن والمحل. تنبيه: في شرح مسكين: ثم الضابط في تمييز الفاسد من الباطل أن أحد العوضين إذا لم يكن مالا في دين سماوي فالبيع باطل، سواء كان مبيعا أو ثمنا، فبيع الميتة والدم والحر باطل، وكذا البيع به، وإن كان في بعض الأديان مالا دون البعض إن أمكن اعتباره ثمنا فالبيع فاسد، فبيع العبد بالخمر أو الخمر بالعبد فاسد، وأن تعين كونه مبيعا فالبيع باطل، فبيع الخمر بالدراهم أو الدراهم بالخمر باطل ا ه. قلت: وهذا الضابط يرجع إلى الفرق بينهما من حيث المحل فقط، وما مر من حيث الركن والمحل فهو أعم، فافهم. قوله: (بطل بيع ما ليس بمال) أي ما ليس بمال في سائر الأديان بقرينة قوله: والبيع به فإن ما يبطل سواء كان مبيعا أو ثمنا ما ليس بمال أصلا، بخلاف نحو الخمر فإن بيعه باطل إذا تعين كونه مبيعا، أو لو أمكن اعتباره ثمنا فبيعه فاسد كما علمته من الضابط المذكور آنفا، لان البيع وإن كان مبناه على البدلين لكن الأصل فيه المبيع دون الثمن، ولذا ينفسخ البيع بهلاك المبيع دون الثمن، ولان الثمن غير مقصود بل هو وسيلة إلى المقصود وهو الانتفاع بالأعيان. مطلب في تعريف المال قوله: (والمال) أي من حيث هو، لا المذكور قبله، لان التعريف المذكور يدخل فيه الخمر فهي مال وإن لم تكن متقومة، ولذا قال بعده: وبطل بيع مال غير متقوم كخمر وخنزير، فإن المتقوم هو المال المباح الانتفاع به شرعا. وقدمنا أول البيوع تعريف المال بما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة، وأنه خرج بالإدخار المنفعة، فهي ملك لا مال، لان الملك ما من شأنه أن يتصرف فيه بوصف الاختصاص كما في التلويح. فالأولى ما في الدرر من قوله: المال موجود يميل إليه الطبع الخ، فإنه يخرج بالموجود المنفعة فافهم. ولا يرد أن المنفعة تملك بالإجارة، لان ذلك تمليك لا بيع حقيقة ولذا قالوا: إن الإجارة لا بيع المنافع حكما: أي إن فيها حكم البيع وهو التمليك لا حقيقته، فاغتنم هذا التحرير. قوله: (فخرج التراب) أي القليل ما دام في محله، وإلا فقد يعرض له بالنقل ما يصير به مالا معتبرا أو مثله الماء، وخرج أيضا نحو حبة من حنطة والعذرة الخالصة، بخلاف المخلوطة بتراب، ولذا جاز بيعها كسرقين كما يأتي، وخرج أيضا المنفعة على ما ذكرنا آنفا. قوله: (والميتة) بفتح الميم وسكون
167 الياء: التي ماتت حتف أنفها لا بسبب، وبتشديد الياء المكسورة: التي لم تمت حتف أنفها بل بسبب غير الذكاة كالمنخنقة، والموقوذة. نوح أفندي: ولم أر هذا الفرق في القاموس ولا في المصباح ولا غيرهما، فراجعه. قوله: (ولا فرق في حق المسلم الخ) أما في حق الذمي فيراد بها الأول، وأما الثاني فاختلفت عباراتهم فيه، ففي التجنيس جعله قسما من الصحيح، لأنهم يدينونه ولم يحك خلافا، وجعله في الايضاح قول أبي يوسف، وعند محمد: لا يجوز، وجزم في الذخيرة بفساده، وجعله في البحر من اختلاف الروايتين. نهر. وعبارة البحر: وحاصله أن فيما لم يمت حتف أنفه بل بسبب غير الذكاة روايتين بالنسبة إلى الكافر في رواية الجواز، وفي رواية الفساد، وأما البطلان فلا، وأما في حقنا فالكل سواء ا ه، وذكر ط أن عدم الفرق في حقنا في المنخنقة مثلا إذا قوبلت بدراهم حتى تعين كونها مبيعا، أما إذا قوبلت بعين أمكن اعتبارها ثمنا فكان فاسدا بالنظر إلى العوض الآخر (1)، باطلا بالنظر إليها، وهذا ما اقتضاه الضابط السابق ا ه. قوله: (التي ماتت حتف أنفها) الحتف: الهلاك. يقال: مات حتف أنفه: إذا مات بغير ضرب ولا قتل، ومعناه: أن يموت على فراشه فيتنفس حتى ينقضي رمقه، ولهذا خص الانف. مصباح. قوله: (أو بخنق) مثل كتف ويسكن تخفيفا. مصباح. تنبيه: لم يذكروا دودة القرمز، أما إذا كانت حية فينبغي جريان الخلاف الآتي في دود القز وبزره وبيضه، وأما إذا كانت ميتة وهو الغالب فإنها على ما بلغنا تخنق في الكلس أو الخل، فمقتضى ما مر بطلان بيعها بالدراهم لأنها ميتة. وقد ذكر سيدي عبد الغني النابلسي في رسالة أن بيعها باطل، وأنه لا يضمن متلفها لأنها غير مال. قلت: وفيه أنها من أعز الأموال اليوم، ويصدق عليها تعريف المال المتقدم، ويحتاج إليها الناس كثيرا في الصباغ وغيره، فينبغي جواز بيعها كبيع السرقين والعذرة المختلطة بالتراب كما يأتي، مع أن هذه الدودة إن لم يكن لها نفس سائلة تكون ميتتها ظاهرة كالذباب والبعوض وإن لم يجز أكلها، وسيأتي أن جواز البيع يدور مع حل الانتفاع، وأنه يجوز بيع العلق للحاجة مع أنه من الهوام، وبيعها باطل ، وكذا بيع الحيات للتداوي. وفي القنية: وبيع غير السمك من دواب البحر لو له ثمن كالسقنقور وجلود الخز ونحوها يجوز، وإلا فلا، وجمل الماء: قيل يجوز حيا لا ميتا، والحسن أطلق الجواز اه فتأمل، ويأتي له مزيد بيان عند الكلام على بيع دود القز والعلق. قوله: (والبيع به) أي بما ليس بمال. قوله: (والمعدوم كبيع حق التعلي) قال في الفتح: وإذا كان السفل لرجل وعلوه لآخر فسقطا أو سقط
(1) قوله: (فكان فاسدا بالنظر إلى العوض الاخر) اي العين التي هي مال عندنا، وقوله باطلا بالنظر إليها: اي المنخنقة ووجه ذلك أن المبيع والثمن إذا كان كل منهما عينا يصح ان يكون كل منهما ثمنا ومبيعا حتى يثبت خيار الرجوع فيهما، فباعتبار كون العين التي هي مال عندنا مبيعا يكون البيع فاسدا لحصول الخلل في الثمن، وباعتبار كون المنخنقة هي المبيع يكون البيع باطلا لحصول الخلل في المحل. قال شيخنا: وانما يتم ما قاله ط إذا ثبت مالية المنخنقة في شرعها بان تدين ذلك نبي، ولا نظر لاعتقادهم أصلا لانهم ربما يعتقدون غير دين أنبيائهم، الا ترى يعتقدون بنبوة عيسى عليه الصلاة والسلام ولم يتدين ذلك نبي قط ا ه. 168 العلو وحده فباع صاحب العلو علوه لم يجز، لأن المبيع حينئذ ليس إلا حق التعلي، وحق التعلي ليس بمال، لان المال عين يمكن إحرازها وإمساكها ولا هو حق متعلق بالمال بل هو حق متعلق بالهواء، وليس الهواء مالا يباع، والمبيع لا بد أن يكون أحدهما، بخلاف الشرب حيث يجوز بيعه تبعا للأرض، فلو باعه قبل سقوطه جاز، فإن سقط قبل القبض بطل البيع لهلاك المبيع قبل القبض ا ه. والحاصل أن بيع العلو صحيح قبل سقوطه لا بعده، لان بيعه بعد سقوطه بيع لحق التعلي وهو ليس بمال، ولذا عبر في الكنز بقوله: وعلو سقط. وعبر في الدرر بحق التعلي لأنه المراد من قول الكنز وعلو سقط، كما علمته من عبارة الفتح، فالمراد من العبارتين واحد، فلذا فسر الشارح إحداهما بالأخرى دفعا لما يتوهم من اختلاف المراد منهما، فافهم. تنبيه: لو كان العلو لصاحب السفل فقال: بعتك علو هذا السفل بكذا صح ويكون سطح السفل لصاحب السفل وللمشتري حق القرار، حتى لو انهدم العلو كان له أن يبني عليه علوا آخر مثل الأول، لان السفل اسم لمبنى مسقف فكان سطح السفل سقفا للسفل. خانية. قوله: (لأنه معدوم) يغني عنه قول المصنف والمعدوم أفاده ط. قوله: (ومنه) أي من بيع المعدوم. مطلب في بيع المغيب في الأرض قوله: (بيع ما أصله غائب) أي ما ينبت في باطن الأرض، وهذا إذا كان لم ينبت أو نبت ولم يعلم وجوده وقت البيع، وإلا جاز بيعه كما يأتي قريبا، قوله: (وفجل) بضم الفاء وبضمتين . قاموس. قوله: (كورد وياسمين) فإنه يخرج بالتدريج ط. قوله: (وورق فرصاد) قيل: هو التوت الأحمر. وقال أبو عبيد: هو التوت، وفي التهذيب: قال الليث: الفرصاد: شجر معروف. مصباح. قوله: وبه أفتى بعض مشايخنا بالياء في مشايخ لا بالهمزة. قال القهستاني: وأفتى العقيلي وغيره بجوازه بتبعية الموجود إذا كان أكثر من المعدوم ا ه ط. قلت: وهو رواية عن محمد، وقدمنا الكلام عليه في فصل ما يدخل تبعا. قوله: (هذا إذا نبت الخ) الإشارة إلى قوله: ما أصله غائب وكان الأولى أن يقول: هذا إذا لم ينبت أو نبت ولم يعلم وجوده فإنه لا يجوز بيعه فيهما، كما في ط عن الهندية. قوله: (وله خيار الرؤية الخ) قال في الهندية: إن كان المبيع في الأرض مما يكال أو يوزن بعد القلع كالثوم والجزر والبصل فقلع المشتري شيئا بإذن البائع أو قلع البائع، إن كان المقلوع مما يدخل تحت الكيل أو الوزن إذا رأى المقلوع ورضي به لزم البيع في الكل وتكون رؤية البعض كرؤية الكل إذا وجد الباقي ذلك، وإن كان المقلوع شيئا يسيرا لا يدخل تحت الوزن لا يبطل خياره. قال في البحر: وإن كان يباع بعد القلع عددا كالفجل فقلع البائع أو قلع المشتري بإذن البائع لا يلزمه الكل، لأنه من العدديات المتفاوتة بمنزلة الثياب والعبيد، وإن قلعه بلا إذن البائع لزمه الكل إلا أن يكون ذلك شيئا يسيرا، وإن أبى كل القلع تبرع متبرع بالقلع أو فسخ القاضي العقد ا ه ط. مطلب في بيع أصل الفصفصة قلت: بقي شئ لم أر من نبه عليه، وهو ما يكون أصله تحت الأرض ويبقى سنين متعددة، مثل
169 الفصفصة تزرع في أرض الوقف تكون كالكردار للمستأجر في زماننا، فإذا باع ذلك الأصل وعلم وجوده في الأرض صح بيعه، لكنه لا يرى ولا يقصد قلعه لأنه أعد للبقاء، فهل للمشتري فسخ البيع بخيار الرؤية؟ الظاهر نعم، لان خيار الرؤية يثبت قبل الرؤية. تأمل. قوله: ما في ظهور الآباء من المني موافق لما في الدرر والمنح. وعبارة البحر: المضامين جمع مضمونة: ما في أصلاب الإبل، والملاقيح جمع ملقوح: ما في بطونها، وقيل: بالعكس. قوله: (والملاقيح الخ) يجب أن يحمل ههنا على ما سيكون (1) وإلا كان حملا، وسيأتي أن بيع الحمل فاسد لا باطل. درر. قلت: وفي فساده كلام سيأتي. قوله: (والنتاج بكسر النون) كذا ضبطه النووي واختاره المصنف: يعني صاحب الدرر، وضبطه الكاكي بفتح النون، وهو مصدر نتجت الناقة على البناء للمفعول، والمراد به هنا المنتوج، فسره الزيلعي والرازي ومسكين بحبل الحبلة وتبعهم المصنف. نوح. قوله: (حبل الحبلة) بالفتحتين فيهما. قال في المغرب: مصدر حبلت المرأة حبلا فهي حبلى، سمي به المحمول كما سمي بالحمل، وإنما أدخل عليه التاء للاشعار بمعنى الأنوثة، لان معناه النهي عن بيع ما سوف يحمله الجنين إن كان أنثى، ومن روى الحبلة بكسر الباء فقد أخطأ ا ه نوح. قوله: (وبيع أمة الخ) علله في الدرر بأنه بيع معدوم، ومقتضاه أن يكون معطوفا على قوله: حق التعلي أو قوله: والنتاج فكان الواجب إسقاط لفظ بيع نوح. قوله: (ذكر الضمير) أي أتى به مذكرا مع أن الأمة مؤنثة مراعاة لتذكير الخبر وهو عبد أو باعتبار الواقع. قوله: (وعكسه) بالرفع عطفا على قوله: بيع وبالجر عطفا على أمة ط. قوله: (بخلاف البهائم) كما إذا باع كبشا فإذا هو نعجة حيث ينعقد ويتخير. بحر. مطلب فيما إذا اجتمعت الإشارة مع التسمية قوله: والأصل الخ قال في الهداية: والفرق يبتني على الأصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد رحمه الله تعالى، وهو أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعتا، ففي مختلفي الجنس يتعلق العقد بالمسمى ويبطل لانعدامه، وفي متحدي الجنس يتعلق بالمشار إليه وينعقد لوجوده ويتخير لفوات الوصف، كمن اشترى عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب. وفي مسألتنا الذكر والأنثى من بني آدم جنسان للتفاوت في الأغراض، وفي الحيوانات جنس واحد للتقارب فيها ا ه. قال في البحر: والأصل المذكور متفق عليه هنا، ويجري في سائر العقود من النكاح والإجازة والصلح عن دم العمد والخلع والعتق على مال، وبه ظهر أن الذكر والأنثى في الآدمي جنسان في الفقه وإن اتحدا جنسا في المنطق لأنه الذاتي المقول على كثيرين مختلفين بمميز داخل، وفي الفقه المقول على كثيرين لا يتفاوت الغرض منها فاحشا. قال في
(1) قوله: (على ما سيكون) اي كا سيكون من المني الواقع في الرحم قبل ان يكون علقة أو مضغة مما لا يصدق عليه اسم الحمل، والا كان حملا ا ه. 170 الفتح: ومن المختلفي الجنس ما إذا باع فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج فالبيع باطل، ولو باعه ليلا على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر صح البيع ويخير. قوله: (ولو من كافر) نقله في البحر أيضا عن البزازية وأقره. قلت: وينبغي أن يجري فيه الخلاف المار فيما ماتت بسبب غير الذبح مما يدين به أهل الذمة، بل هذا بالأولى لأنه مما يدين به بعض المجتهدين، وكون حرمته بالنص لا يقتضي بطلان بيعه بين أهل الذمة لان حرمة المنخنقة بالنص أيضا، ولما اعتقدوا حلها لم نحكم ببطلان بيعها بينهم، نعم لو باع متروك التسمية عمدا مسلم يقول بحله كشافعي: نحكم ببطلان بيعه لأنه ملتزم لأحكامنا ومعتقد لبطلان ما خالف النص فنلزمه ببطلان البيع بالنص، بخلاف أهل الذمة لأنا أمرنا بتركهم وما يدينون، فيكون بيعه بينهم صحيحا أو فاسدا لا باطلا كما مر، ويؤيده ما مر في شركة المفاوضة من عدم صحتها بين مسلم وذمي لعدم التساوي في التصرف وتصح بين حنفي وشافعي، وإن كان يتصرف في متروك التسمية وعللوه بأن ولاية الالزام قائمة، ومعناه ما ذكرنا، فتدبر. قوله: (وكذا ما ضم إليه) قال في النهر: ومتروك التسمية عمدا كالذي مات حتف أنفه حتى يسري الفساد إلى ما ضم إليه، وكان ينبغي أن لا يسري لأنه مجتهد فيه كالمدبر فينعقد فيه البيع بالقضاء وأجاب في الكافي بأن حرمته منصوص عليها، فلا يعتبر خلافه ولا ينفذ بالقضاء. قوله: (وبيع الكراب وكرى الأنهار) في المصباح كربت الأرض من باب قتل كرابا بالكسر: قلبتها للحرث، وفيه أيضا: كرى النهر كريا من باب رمي حفرة فيه جديدة. قوله: ولولوالجية قال فيها: ولو كان لرجل عمارة في أرض رجل فباعها، إن كان بناء أو أشجارا جاز بيعه إذا لم يشترط تركها، وإن كان كرابا أو كرى الأنهار ونحوه فلم يكن ذلك بمال ولا بمعنى مال لا يجوز ا ه: يعني يبطل، فإنه داخل تحت قولنا: بطل بيع ما ليس بمال كما لا يخفى، وبعدم الجواز في الكراب وكرى الأنهار، ونحو ذلك صرح في الخانية معللا بأنه ليس بمال متقوم منح، وتقدمت المسألة أول البيوع مع الكلام على مشد المسكة وبيع البراءات والجامكية والنزول عن الوظائف، وأشبعنا الكلام على ذلك كله. قوله: (فإن بيع هؤلاء باطل) كذا في الهداية وأورد أنه لو كان باطلا لسرى البطلان إلى ما ضم إليها كالمضموم إلى الحر، وسيأتي أنه لا يسري، وقال بعضهم: فاسد. وأورد أنه يلزم أن يملكوا بالقبض مع أنهم لم يملكوا به اتفاقا. وأجيب عنهما بادعاء
171 التخصيص، وهو أن من الباطل ما لا يسري حكمه إلى المضموم لضعفه، ومن الفاسد ما لا يملك بالقبض. وذكر في الفتح أن الحق أنه باطل، ولا تخصيص لجواز تخلف بعض الافراد الخصوصية. قلت: وما ذكره الشارح يصلح بيانا للخصوصية، وذلك أن بيع الحر باطل ابتداء وبقاء لعدم محليته للبيع أصلا بثبوت حقيقة الحرية، وبيع هؤلاء باطل بقاء لحق الحرية فلذا لم يملكوا بالقبض، لا ابتداء لعدم حقيقتها فلذا جاز بيعهم من أنفسهم، ولا يلزم بطلان بيع قن ضم إليهم، لأنهم دخلوا في البيع ابتداء لكونهم محلا له في الجملة ثم خرجوا منه لتعلق حقهم، فيبقى القن بحصته من الثمن. وتمامه في الدرر. قوله: (وقول ابن الكمال) عبارته: البيع في هؤلاء باطل موقوف ينقلب جائزا بالرضا في المكاتب وبالقضاء في الآخرين لقيام المالية ا ه. قوله: (قبل البيع) وتنفسخ الكتابة في ضمنه، لان اللزوم كان لحقه وقد رضي بإسقاطه، أما إذا باعه بغير رضاه فأجازه لم يجز رواية واحدة ، لان إجازته لم تتضمن فسخ الكتابة قبل العقد، كذا في السراج. وفي الخانية: لو بيع بغير رضاه فأجاز بيع مولاه لم ينفذ في الصحيح من الرواية، وعليه عامة المشايخ. نهر. قلت: لكن ذكر في الهداية آخر الباب فيما لو جمع بين عبد ومدبر، وتبعه في البحر والفتح أن البيع في هؤلاء موقوف وقد دخلوا تحت العقد لقيام المالية، ولهذا ينفذ في المكاتب برضاه في الأصح، وفي المدبر بقضاء القاضي، وكذا في أم الولد عند أبي حنيفة وأبي يوسف ا ه. فقوله موقوف مخالف لقوله هنا باطل. وقوله: ينفذ في المكاتب برضاه في الأصح: مخالف للمذكور عن السراج والخانية، وبهذا يتأيد ما ذكره ابن المال. وقد يجاب بأن قوله ينفذ في المكاتب برضاه في الأصح أي رضاه وقت البيع فيكون موقوفا في الابتداء على رضاه، فلو لم يرض كان باطلا، وبهذا تنتفي المخالفة بين كلاميه، لكن هذا الجواب لا يتأتى في عبارة ابن الكمال، فتأمل. قوله: (قلت الأوجه الخ) أي إذا قضى بنفاذ بيع أم الولد قاض يراه لا ينفذ فإذا رفع إلى قاض آخر فأمضاه نفذ الأول وإن رده على ما قبل الامضاء، وما في الفتح على ما بعده. قوله: (ولد هؤلاء كهم) أي ولد أم الولد من غير سيدها، بأن زوجها فولدت بعد ما ولدت من سيدها وكذا ولد المدبر أو المكاتب المولود بعد التدبير والكتابة. وقوله: كهم أي
172 في حكمهم، وفيه إدخال الكاف على الضمير وهو قليل. قوله: (وبيع مبعض) أي معتق البعض كبيع الحر. قوله: (ابن كمال) ونصه التقوم على ما ذكر في التلويح ضربان: عرفي وهو بالاحراز، فغير المحرز كالصيد والحشيش ليس بمتقوم. وشرعي وهو بإباحة الانتفاع به وهو المراد ههنا منفيا ا ه: أي هو المراد بالتقوم المنفي هنا. قوله: (كخمر) قيد بها لان ما سواها من الأشربة المحرمة جائز عنده خلافا لهما. كذا في البدائع. نهر. قوله: (وميتة لم تمت حتف أنفها) هذا في حق المسلم، أما الذمي ففي رواية بيعها صحيح، وفي أخرى فاسد كما قدمناه عن البحر. وظاهره أن اختلاف الرواية في الميتة فقط، أما الخمر فصحيح. قوله: (ونحوه) كالجرح، والضرب من أسباب الموت سوى الذكاة الشرعية. قوله: (فإنها) أي الميتة المذكورة، أما التي ماتت حتف أنفها فعي غير مال عند الكل، فلذا بطل بيعها في حق الكل كما مر. قوله: (وهذا) أي الحكم المذكور ببطلان بلا تفصيل. قوله: (أي بالدين) أي ما يصح أن يثبت دينا في الذمة. قال ابن كمال: إنما قال بالدين دون الثمن لان الدين أعم منه،. والمعتبر المقابلة به دون الثمن. قوله: (بطل في الكل) لأن المبيع هو الأصل وليس محلا للتمليك فبطل فيه فكذا في الثمن، بخلاف ما إذا كان الثمن عينا فإنه مبيع من وجه مقصود بالتملك ولكن فسدت التسمية فوجبت قيمته دون الخمر المسمى. قوله: (بطل في الخمر) أي وفي أخويه كما يستفاد من المتن والزيلعي. سائحاني. قال في البحر: والحاصل أن بيع الخمر باطل مطلقا، وإنما الكلام فيما قابله فإن دينا كان باطلا أيضا وإن عرضا كان فاسدا ثم قال، وقيدنا بالمسلم لان أهل الذمة لا يمنعون من بيعها لاعتقادهم الحل والتمول، وقد أمرنا بتركهم وما يدينون، وكذا في البدائع ا ه ملخصا. وظاهره الحكم بصحة بيعها فيما بينهم ولو بيعت بالثمن، ويشهد له فروع ذكرها بعده. قوله: (بقيمته) لم يذكر ابن كمال القيمة وإن كانت مرادة ط. قوله: (ضم إلى حر) ولو مبعضا كمعتق البعض كما مر في باب عتق البعض. قوله: (لتكون كالحر) أي فلا تكون مالا أصلا، أما لو ماتت بخنق أو نحوه فهي مال غير متقوم كما مر آنفا فينبغي أن يصح البيع فيما ضم إليها كبيع قن ضم إلى مدبر. تأمل. قوله: (خلافا لهما) فعندهما إذا فصل ثمن كل جاز في القن والذكية بحصتها من الثمن، لان الصفقة (1) تصير متعددة معنى
(1) قوله: (لان الصفقة الخ) وللامام ان الصفقة متحدة، والحر والميتة لا يدخلان تحت العقد لأنهما ليسا بمال فكان القبول في الحر والميتة شرطا للبيع في القن والذكية، وهو شرط فاسد فيبطل البيع في القن والذكية ا ه. ط عن العلامة نوح أفندي، لكن مقتضى قوله فكان القبول الخ، ان يكون البيع فاسدا لا باطل فيوافق ظاهر النهاية، ولعل في المسألة قولين، ولا حاجة إلى حمل المحشي الفساد في عبارة النهاية وغيرها على البطلان، على أن تعليلهم البطلان بأنه بيع بالحصة ابتداء يقتضي الفساد، فالظاهر أن يحمل البطلان على الفساد لا العكس ا ه. 173 فلا يسري الفساد من إحداهما إلى الأخرى. قوله: (وظاهر النهاية يفيد أنه فاسد) أي ما ضم إلى الحر والميتة وهو القن والذكية، وعزاه القهستاني للمحيط والمبسوط وغيرهما. والظاهر أن المراد بالفاسد الباطل، فيوافق ما في الهداية وغيرها من التصريح بالبطلان. تأمل. قوله: (بخلاف بيع قن ضم إلى مدبر) كمكاتب وأم ولد كما في الفتح: أي فيصح في القن بحصته، لان المدبر محل للبيع عند البعض فيدخل في العقد ثم يخرج فيكون البيع بالحصة في البقاء دون الابتداء، وفائدة ذلك تصحيح كلام العاقل من رعاية حق المدبر ابن كمال. قلت: ومعنى البيع بالحصة بقاء إنه لما خرج المدبر صار القن مبيعا بحصته مع الثمن بأن يقسم الثمن على قيمته وقيمة المدبر فما أصا أأدخل القن فهو ثمنه، وهذا بخلاف ضم القن إلى الحر فإن فيه البيع بالحصة ابتداء، لان الحر لم يدخل في العقد لعدم ماليته. تنبيه: تقدم أن بيع المدبر ونحوه باطل لعدم دخوله في العقد، وههنا إنما دخل لتصحيح العقد فيما ضم إليه. قال في الهداية هناك: فصار كمال المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده، وإنما يثبت حكم الدخول فيما ضم إليه ا ه: أي إذا ضم البائع إليه مال نفسه وباعهما له صفقة واحدة يجوز البيع في المضموم بالحصة من الثمن المسمى على الأصح، وإن قيل إنه لا يصح أصلا في شئ. فتح. مطلب فيما إذا اشترى أحد الشريكين جميع الدار المشركة من شريكه قلت: علم من هذا ما يقع كثيرا، وهو أن أحد الشريكين في دار ونحوها يشتري من شريكه جميع الدار بثمن معلوم فإنه يصح على الأصح بحصة شريكه من الثمن، وهي حادثة الفتوى فلتحفظ. وأصرح من ذلك ما سيأتي في المرابحة في مسألة شراء رب المال من المضارب من أن الكل ماله. قوله: (أو قن غيره) معطوف على مدبر. قوله: (فإنه) أي المسجد العامر. قوله: (بخلاف الغامر المعجمة: الخراب) بجر الخراب على أنه بدل من الغامر، وكان الأولى أن يقول: وغيره أي من سائر الأوقاف. مطلب في بطلان بيع الوقف وصحة بيع الملك المضموم إليه وحاصله أن المسجد قبل خرابه كالحر ليس بمال من كل وجه، بخلافه بعد خرابه لجواز بيعه إذا خرب في أحد القولين فصار مجتهدا فيه كالمدبر فيصح بيع ما ضم إليه، ومثله سائر الأوقاف ولو عامرة فإنه يجوز بيعها عند الحنابلة ليشتري بثمنها ما هو خير منها كما في المعراج. قوله: (فكمدبر) أي فهو باطل أيضا. قال في الشرنبلالية: صرح رحمه الله تعالى ببطلان بيع الوقف، وأحسن بذلك إذ جعله في قسم البيع الباطل إذ لا خلاف في بطلان بيع الوقف لأنه لا يقبل التمليك والتملك، وغلط من جعله فاسدا، وأفتى به من علماء القرن العاشر ورد كلامه بجملة رسائل. ولنا فيه رسالة هي حساب الحكم متضمنة لبيان فساد قوله وبطلان فتواه ا ه. والغالط المذكور هو قاضي القضاة نور الدين الطرابلسي والعلامة أحمد بن يونس الشلبي كما ذكره الشرنبلالي في رسالته المذكورة. قوله: (ولو محكوما به الخ) قال في النهر: تكميل: قد علمت أن الأصح في الجمع بين الوقف والملك أنه يصح في الملك، وقيده بعض موالي الروم وهو مولانا أبو السعود جامع أشتات العلوم، تغمده الله تعالى برضوانه بما إذا لم يحكم بلزومه فأفتى بفساد البيع في هذه الصورة، ووافقه بعض علماء العصر من
174 المصريين، ومنهم شيخنا الأخ، إلا أنه قال في شرحه هنا: يرد عليه ما صرح به قاضيخان من أن الوقف بعد القضاء تسمع دعوى الملك فيه، ولى هو كالحر، بدليل أنه لو ضم إلى ملك لا يفسد البيع في الملك، وهكذا في الظهيرية، وهذا لا يمكن تأويله فوجب الرجوع إلى الحق وهو إطلاق الوقف، لأنه بعد القضاء وإن صار لازما بالاجماع، لكنه يقبل البيع بعد لزومه، إما بشرط الاستبدال على المفتى به من قول أبي يوسف، أو بورود غصب عليه ولا يمكن انتزاعه ونحو ذلك، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب ا ه. والحاصل أن ها هنا مسألتين: الأولى: أن بيع الوقف باطل ولو غير مسجد خلافا لمن أفتى بفساده، لكن المسجد العامر كالحر وغيره كالمدبر. المسألة الثانية: أنه إذا كان كالمدبر يكون بيع ما ضم إليه صحيحا ولو كان الوقف محكوما بلزومه، خلافا لما أفتى به المفتي أبو السعود. قوله: (فيصح) تفريع على قول المصنف فيصح الخ على وجه الترتيب. قوله: (لأنها) أي المدبر وقن الغير والوقف. قوله: (لم يصح) لما مر من أن المسجد العامر كالحر فيبطل بيع ما ضم إليه، لكن نقل في البحر عن المحيط أن الأصح الصحة في الملك، لان ما فيها من المساجد والمقابر مستثنى عادة ا ه: أي فلم يوجد ضم الملك إلى المسجد بل البيع واقع على الملك وحده. قوله: (لا يعقل) قيد به لان الصبي العاقل إذا باع أو اشترى انعقد بيعه، وشراؤه موقوفا على إجازة وليه إن كان لنفسه، ونافذا بلا عهدة عليه إن كان لغيره بطريق الولاية، ط عن المنح. وهذا إذا باع الصبي العاقل ماله أو اشترى بدون غبن فاحش، وإلا لم يتوقف لأنه حينئذ لا يصح من وليه عليه كما يأتي فلا يصح منه بالأولى. قوله: (شيئا) قدره للإشارة إلى أن الإضافة في بيع صبي من إضافة المصدر إلى فاعله ط. قوله: (جاز) أي بيعه ط. قوله: (كسرقين وبعر) في القاموس: السرجين والسرقين بكسرهما معربا سركين بالفتح، وفسره في المصباح بالزبل، قال ط: والمراد أنه يجوز بيعهما ولو خالصين ا ه. وفي البحر عن السراج: ويجوز بيع السرقين والبعر والانتفاع به والوقود به. قوله: (واكتفى في البحر) حيث قال كما نقله عنه في المنح: ولم ينعقد بيع النحل ودود القز إلا تبعا، ولا بيع العذرة خالصة بخلاف بيع السرقين والمخلوطة بتراب ا ه. قوله: (وشعر الانسان) ولا يجوز الانتفاع به لحديث: لعن الله الواصلة والمستوصلة وإنما يرخص (2) فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون النساء وذوائبهن. هداية. فرع: لو أخذ شعر النبي (ص) ممن عنده وأعطاه هدية عظيمة لا على وجه البيع فلا بأس به، سائحاني عن الفتاوى الهندية.
(2) قوله: (وانما يرخص الخ) كالاستثناء من الحديث، إذ ظاهره عموم اللعنة للواصلة والمستوصلة، فاستثنى منه الواصلة بما يتخذ من وبر الإبل فإنه جائز ا ه. 175 مطلب: الآدمي مكرم شرعا ولو كافرا قوله: (ذكره المصنف) حيث قال: والآدمي مكرم شرعا وإن كان كافرا، فإيراد العقد عليه وابتذاله به وإلحاقه بالجمادات إذلال له ا ه: أي وهو غير جائز وبعضه في حكمه، وصرح في فتح القدير ببطلانه ط. قلت: وفيه أنه يجوز استرقاق الحربي وبيعه وشراؤه وإن أسلم بعد الاسترقاق، إلا أن يجاب بأن المراد تكريم صورته وخلقته، ولذا لم يجز كسر عظام ميت كافر، وليس ذلك محل الاسترقاق والبيع والشراء، بل محله النفس الحيوانية، فلذا لا يملك بيع لبن أمته في ظاهر الرواية كما سيأتي، فليتأمل. قوله: (وبيع ما ليس في ملكه) فيه أنه يشمل بيع ملك الغير بوكالة أو بدونها مع أن الأول صحيح نافذ، والثاني صحيح موقوف. وقد يجاب بأن المراد بيع ما سيملكه قبل ملكه له، ثم رأيته كذلك في الفتح في أول فصل بيع الفضولي، وذكر أن سبب النهي في الحديث ذلك. قوله: (لبطلان بيع المعدوم) إذ من شرط المعقود عليه: أن يكون موجودا مالا متقوما مملوكا في نفسه، وأن يكون ملك البائع فيما يبيعه لنفسه، وأن يكون مقدور التسليم. منح. قوله: (وماله خطر العدم) كالحمل واللبن في الضرع (1) فإنه على احتمال عدم الوجود، وأما بيع نتاج النتاج فهو من أمثلة المعدوم، فافهم. قوله: (لا بطريق السلم) فلو بطريق السلم جاز، وكذا لو باع ما غصبه ثم أدى ضمانه كما قدمناه أول البيوع. قوله: (لانعدام الركن وهو المال) أي من أحد الجانبين فلم يكن بيعا وقيل: ينعقد لان نفيه لم يصح، لأنه نفى العقد فصار كأنه سكت عن ذكر الثمن، وفيه ينعقد البيع ويثبت الملك بالقبض كما يأتي قريبا، أفاده في الدرر. قوله: (لأنه أمانة) وذلك لأن العقد إذا بطل بقي مجرد القبض بإذن المالك وهو لا يوجب الضمان إلا بالتعدي. درر. قوله: (وصحح في القنية ضمانة الخ) قال في الدرر: وقيل: يكون مضمونا لأنه يصير كالمقبوض على سوم الشراء، وهو أن يسمى الثمن فيقول: اذهب بهذا فإن رضيت به اشتريته بما ذكر، أما إذا لم يسمه فذهب به فهلك عنده لا يضمن، نص عليه الفقيه أبو الليث، قيل: وعليه الفتوى. كذا في العناية ا ه. قال في العزمية: الذي يظهر من شروح الهداية عود الضميرين في عليه، وعليه إلى أن حكم المقبوض على سوم الشراء ذلك تعويلا على كلام الفقيه، إلا أن القول الثاني في مسألتنا مرجح على القول الأول ا ه. لكن في النهر واختار السرخسي وغيره أن يكون مضمونا بالمثل أو بالقيمة، لأنه لا يكون أدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء، وهو قول الأئمة الثلاثة.
(1) قوله: (واللبن في الضرع) اي وكذا التمر في الزرع قبل الظهر والبزر في البطيخ والنوى في التمر واللحم في الشاة الحية والشحم والالية فيها وأكارعها ورأسها والشيرج في السمسم ا ه. ط. 176 وفي القنية إنه الصحيح لكونه قبضه لنفسه فشابه الغضب. وقيل: الأول قول أبي حنيفة، والثاني قولهما، وتمامه فيه لقوله: (بغبن فاحش) المشهور في تفسيره أنه ما لا يدخل تحت تقويم المقومين. قوله: (ورجح) رجحه في البحر حيث قال: ينبغي أن يجري القولان في بيع الوقف المشروط استبداله أو الخراب الذي جاز استبداله إذا بيع بغبن فاحش، وينبغي ترجيح الثاني فيهما، لأنه إذا ملك بالقبض وجبت قيمته فلا ضرر على اليتيم والوقف ا ه. قلت: وينبغي ترجيح الأول حيث لزم الضرر (1) بأن كان المشتري مفلسا أو مماطلا. تأمل. مطلب: بيع المضطر وشراؤه فاسد قوله: (بيع المضطر وشراؤه فاسد) هو أن يضطر الرجل إلى طعام أو شراب أو لباس أو غيرها ولا يبيعها البائع إلا بأكثر من ثمنها بكثير، وكذلك في الشراء منه، كذا في المنح ا ه ح. وفيه لف ونشر غير مرتب، لان قوله كذا في الشراء منه: أي من المضطر مثال لبيع المضطر: أي بأن اضطر إلى بيع شئ من ماله ولم يرض المشتري إلا بشرائه بدون ثمن المثل بغبن فاحش. ومثاله: ما لو ألزمه القاضي ببيع ماله لإيفاء دينه، أو ألزم الذمي ببيع مصحف أو عبد مسلم ونحو ذلك، ولكن سيذكر المصنف في الاكراه: لو صادره السلطان ولم يعين بيع ماله فباع صح. قال الشارح هناك: والحيلة أن يقول من أين أعطى، فإذا قال الظالم بع كذا فقد صار مكرها فيه ا ه. فأفاد أنه بمجرد المصادرة لا يكون مكرها بل يصح بيعه، إلا إذا أمره بالبيع مع أنه بدون أمر مضطر إلى البيع حيث لا يمكنه غيره، وقد يجاب بأن هذا ليس فيه أنه باع بغبن فاحش عن ثمن المثل، نعم العبارة مطلقة فيمكن تقييدها بأنه إنما يصح لو باع بثمن المثل أو غبن يسير توفيقا بين العبارتين، فتأمل. مطلب في البيع الفاسد قوله: (وفسد الخ) شروع في البيع الفاسد بعد الفراغ من الباطل وحكمه. قوله: (ما سكت فيه عن الثمن) لان مطلق البيع يقتضي المعاوضة، فإذا سكت كان غرضه القيمة، فكأنه باع بقيمته فيفسد ولا يبطل. درر: أي بخلاف ما إذا صرح بنفي الثمن كما قدمه قريبا. (وعكسه) أي بيع الخمر بالعرض، بأن أدخل الباء على العرض فينعقد في العرض: أي لأنه أمكن اعتبار الخمر ثمنا وهي مال في الجملة، بخلاف بيع العرض بدم أو ميتة. قوله: (كما مر) أي في قوله: وإن بيعت بعين كعرض بطل في الخمر وفسد في العرض فيملكه بالقبض بقيمته وهذا في حق المسلم كما قدمناه. قوله: (ملك المشتري للعرض) قيد به لان المشتري لام الولد وأخويها لا يملكهم بالقبض لبطلان بيعهم بقاء كما مر. قوله: (لما مر أنهم مال في الجملة) أي فيدخلون في العقد، ولذا لا يبطل العقد فيما ضم
(1) قوله: (حيث لزم الضرر) اي إذا تبين لزوم الضرر باملاس المشتري أو مطله فيكون هذا تقييدا لترجيح العلامة صاحب البحر ا ه. 177 إلى واحد منهم وبيع معهم، ولو كانوا كالحر لبطل كما في الدرر. قوله: (وفسد بيع سمك لم يصد لو بالعرض الخ) ظاهره أن الفاسد بيع السمك وأنه يملك القبض. وفيه أن بيع ما ليس في ملكه باطل كما تقدم، لأنه بيع المعدوم، والمعدوم ليس بمال فينبغي أن يكون بيعه باطلا، وأن يكون الفاسد هو بيع العرض لأنه مبيع من وجه وإن دخلت عليه الباء ويكون السمك ثمنا فيصير كأنه باع العرض وسكت عن الثمن أو باعه بأم الولد، بل يمكن أن يقال: إن بيع العرض أيضا باطل، لان السمك ليس بمال فيكون كبيع العرض بميتة أو دم، لكن جعله كأم الولد أظهر لأنه مال في الجملة، فإنه لو صاده بعده ملكه، نعم هذا يظهر لو باع سمكة بعينها قبل صيدها، أما لو كانت غير معينة ثم صاد سمكة لم تكن عين ما جعلت ثمن العرض حتى يقال إنها ملكت بالصيد. والحاصل: أنه لو باع سمكة مطلقة بعرض ينبغي أن يكون البيع باطلا من الجانبين كبيع ميتة بعرض أو عكسه، ولو كانت السمكة معينة بطل فيها لأنها غير مملوكة، وفسد في العرض لان السمكة مال في الجملة، ومثلها ما لو كان البيع على لحم سمك لأنه مثلي، ولو باعها بدراهم بطل البيع لتعين كونها مبيعة وهي غير مملوكة، وهذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل، ولم أر من تعرض لشئ منه. قوله: (صدر الشريعة) حيث قال: ففي السمك الذي لم يصد ينبغي أن يكون البيع باطلا إذا كان بالدراهم والدنانير، ويكون فاسدا إذا كان بالعرض لأنه مال غير متقوم، لان التقوم بالاحراز، والاحراز منتف. قوله: (وله خيار الرؤية) ولا يعتد برؤيته وهو في الماء لأنه يتفاوت في الماء وخارجه. شرنبلالية. قوله: (إلا إذا دخل بنفسه الخ) استثناء منقطع من قوله: وإن أخذ بدونها صح يعني أنه لو صيد فألقي في مكان يؤخذ منه بدون حيلة كان صحيحا، وأما إذا دخل بنفسه ولم يسد مدخله يكون باطلا لعدم الملك بقرينة قوله: فلو سده ملكه فافهم. قوله: (فلو سده ملكه) أي فيصح بيعه إن أمكن أخذه بلا حيلة، وإلا فلا لعدم القدرة على التسليم. والحاصل كما في الفتح أنه إذا دخل السمك في حظيرة: فإما أن يعدها لذلك أو لا، ففي الأول يملكه وليس لاحد أخذه، ثم إن أمكن أخذه بلا حيلة جاز بيعه لأنه مملوك مقدور التسليم، وإلا لم يجز لعدم القدرة على التسليم، وفي الثاني: لا يملكه، فلا يجوز بيعه لعدم الملك، إلا أن يسد الحظيرة إذا دخل فحينئذ يملكه، ثم إن أمكن أخذه بلا حيلة جاز بيعه وإلا فلا، وإن لم يعدها لذلك لكنه أخذه وأرسله فيها ملكه، فإن أمكن أخذه بلا حيلة جاز بيعه لأنه مقدور التسليم، أو بحيلة لم يجز، لأنه وإن كان مملوكا فليس مقدور التسليم ا ه. مطلب في حكم إيجار البرك للاصطياد قوله: (ولم تجز إجارة بركة الخ) قال في النهر: اعلم أن في مصر بركا صغيرة كبركة الفهادة
178 تجتمع فيها الأسماك هل تجوز إجارتها لصيد السمك منها؟ نقل في البحر عن (الايضاح عدم جوازها. ونقل أولا عن أبي يوسف في كتاب الخراج عن أبي الزناد قال: كتبت إلى عمر بن الخطاب في بحيرة يجتمع فيها السمك بأرض العراق أنؤجرها؟ فكتب إلي أن افعلوا. وما في الايضاح بالقواعد الفقهية أليق ا ه. ونقل في البحر أيضا عن أبي يوسف عن أبي حنيفة عن حماد عن عبد الحميد بن عبد الرحمن أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن بيع صيد الآجام، فكتب إليه عمر: أنه لا بأس به، وسماه الحبس ا ه. ثم قال في البحر: فعلى هذا لا يجوز بيع السمك في الآجام إلا إذا كان في أرض بيت المال، ويلحق به أرض الوقف. وقال الخير الرملي: أقول: الذي علم مما تقدم عدم جواز البيع مطلقا، سواء كان في بحر أو نهر أو أجمة، وهو بإطلاقه أعم من أن يكون في أرض بيت المال أو أرض الوقف، وما تقدم عن كتاب الخراج غير بعيد أيضا عن القواعد، ومرجعه إلى إجارة موضع مخصوص لمنفعة معلومة هي الاصطياد، وما حدث به أبو حنيفة عن حماد مشكل فإنه بيع السمك قبل الصيد، ويجاب بأنه في آجام هيئت لذلك وكان السمك فيها مقدور التسليم، فتأمل واعتن بهذا التحرير، فإن المسألة كثيرة الوقوع ويكثر السؤال عنها ا ه. لكن قوله غير بعيد الخ فيه نظر، لان الإجارة واقعة على استهلاك العين، وسيأتي التصريح بأنه لا يصرح إجارة المراعي وهذا كذلك، ولذا جزم المقدسي بعدم الصحة. واعتراض البحر بما قلنا، والله أعلم. قوله: (وبيع طير) جمع طائر، وقد يقع على الواحد والجمع طيور وأطيار، بحر عن القاموس. قوله: (لا يرجع بعد إرساله من يده) أشار إلى أنه مملوك له ولكن علة الفساد كونه غير مقدور التسليم، فلو سلمه بعد البيع لا يعود إلى الجواز عند مشايخ بلخ. وعلى قول الكرخي يعود، وكذا عن الطحاوي، وأطلقه فشمل ما إذا كان الطير مبيعا أو ثمنا. بحر. قوله: (أما قبل صيده فباطل أصلا) ينبغي أن يجري فيه الكلام الذي ذكرناه في السمك. قوله: (صح) ذكره في الهداية والخانية، وكذا في الذخيرة عن المنتقى. بحر. قال في الفتح: لان المعلوم عادة كالواقع، وتجويز كونها لا تعود أو عروض عدم عودها لا يمنع جواز البيع كتجويز هلاك المبيع قبل القبض، ثم إذا عرض الهلاك انفسخ، كذا هنا إذا فرض وقوع عدم المعتاد من عودها قبل القبض انفسخ ا ه. قوله: (وقيل لا) في البحر والشرنبلالية أنه ظاهر الرواية. قوله: (ورجحه في النهر) حيث ذكر ما مر عن الفتح، ثم قال: وأقول فيه نظر، لان من شروط صحة البيع القدرة على التسليم عقبه، ولذا لم يجز بيع الآبق ا ه. قال ح: أقول: فرق ما بين الحمام الآبق فإن العادة لم تقض بعودة غالبا، بخلاف الحمام، وما ادعاه من اشتراط القدرة على التسليم عقبه، إن أراد به القدرة حقيقة فهو ممنوع وإلا لاشتراط حضور المبيع مجلس العقد وأحد لا يقول به، وإن أراد به القدرة حكما كما ذكره بعد هذا، فما نحن فيه كذلك لحكم العادة بعودة ا ه.
179 قلت: وهو وجيه، فهو نظير العبد المرسل في حاجة المولى فإنه يجوز بيعه، وعللوه بأنه مقدور التسليم وقت العقد حكما إذ الظاهر عوده، ولو أبق بعد البيع قبل القبل خير المشتري في فسخ العقد كما في البحر وهنا كذلك، لكن لينظر متى يحكم بفسخ العقد لعدم عود ذلك الطائر فإنه ما دام محتمل الحياة يحتمل عوده. تنبيه: في الذخيرة: باع برج حمام، فإن ليلا جاز، ولو نهارا فلا، لان بعضه يكون خارج البيت فلا يمكن أخذه إلا بالاحتيال ه. والظاهر أنه مبني على ظاهر الرواية، تأمل، وفيه ألغز بعضهم فقال: يا إماما في فقه نعمان أضحى * حائز السبق مفردا لا يجارى أي بيت يجوز بيعك إياه * بليل ولا يجوز نهارا؟ قوله: (وبيع الحمل) بسكون الميم. قوله: (وجزم في البحر ببطلانه) لنهيه (ص) عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة، لما فيه من الغرر، وتقدم أن بيع الثلاثة باطل (1)، وأعترض في اليعقوبية التعليل بالغرر، وهو الشك في وجوده بأنه ينبغي عليه أن لا يجوز بيع الشئ الملفوف الموصوف، لأنه يحتمل أن لا يوجد شئ أو وصفه المذكور مع تصريحهم بجوازه ا ه. قلت: فيه أنه لا غرر فيه لأنه يسهل الاطلاع عليه، بخلاف الحمل فتدبر: وفي البحر عن السراج: فلو باع الحمل وولدت قبل الافتراق وسلم لا يجوز. قوله: (لفساده بالشرط) لان ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه منه، والحمل لا يجوز إفراده بالبيع فكذا استثناؤه، لأنه بمنزلة الأطراف فصار شرطا فاسدا وفيه منفعة للبائع فيفسد البيع. مطلب: استثناء الحمل في العقود على ثلاث مراتب ثم استثناء الحمل في العقود على ثلاث مراتب. في وجه: يفسد العقد، والاستثناء كالبيع والإجارة والرهن لأنها تبطلها الشروط الفاسدة. وفي وجه: العقد جائز، والاستثناء باطل كالهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد. وفي وجه: يجوزان وهو الوصية، كما لو أوصى بجارية إلا حملها، وكذا لو أوصى بحملها لآخر صح، لان الوصية أخت الميراث والميراث يجري في الحمل، فكذا الوصية بخلاف الخدمة: زيلعي ملخصا: أي لو أوصى له بأمة إلا خدمتها لا يصح الاستثناء، لان الميراث لا يجري فيها والغلة كالخدمة. بحر. قوله: (بخلاف هبة ووصية) أي حيث يصح العقد فيهما، لكن الاستثناء باطل في الهبة جائز في الوصية كما علمت، فافهم. قوله: (وجزم البرجندي ببطلانه) قال صدر الشريعة:
(1) قوله: (وتقدم ان بيع الثلاثة باطل) اي في قول المصنف والمضامين والملاقيح والنتاج، وفسر الشارح هناك الملاقيح بما في البطن فيخالف ما هنا، لكن نقدم حمله على ما في البطن من المني قبل ان يطلق عليه اسم الحمل، وحينئذ فلا مخالفة لاختلاف الموضوع ا ه. 180 ذكروا في فساده علتين: إحداهما أنه لا يعلم أنه لبن أو دم أو ريح، وهذه تقتضي بطلان البيع لأنه مشكوك الوجود فلا يكون مالا، والأخرى أن اللبن يوجد شيئا فشيئا فيختلط ملك المشتري بملك البائع ا ه: أي وهذه تقتضي الفساد ط. قلت: مقتضى الفساد لا ينافي مقتضى البطلان بل بالعكس، لان ما يقتضي البطلان يدل على عدم المشروعية أصلا (1) فلذا جزم ببطلانه، فتأمل. قوله: (للغرر) لأنه لا يعلم وجوده، وينبغي أن يكون باطلا للعلة المذكورة، فهو مثل اللبن رملي. قلت: ويؤيده ما في التجنيس: رجل اشترى لؤلؤة في صدف، قال أبو يوسف: البيع جائز، وله الخيار إذا رآه وقال محمد: البيع باطل (2)، وعليه الفتوى ا ه. قال الزيلعي: بخلاف ما إذا باع تراب الذهب والحبوب في غلافها حيث يجوز لكونها معلومة ويمكن تجربتها بالبعض أيضا ا ه. قال في النهر: وينبغي أن يكون في ذلك الجوز الهندي. قوله: (وصوف على ظهر غنم) للنهي عنه، ولأنه قبل الجز ليس بمال متقوم في نفسه لأنه بمنزلة وصف الحيوان لقيامه به كسائر أطرافه، ولأنه يزيد من أسفل فيختلط المبيع بغيره كما قلنا في اللبن. زيلعي. قوله: (وجوزه الثاني) هو رواية عنه كما في الهداية. قوله: (لم ينقلب صحيحا) مقتضاه أنه وقع باطلا (3)، وإلا لصح بزوال المفسد كما سيتضح في بيع الآبق، وهو أيضا مقتضى التعليل بأنه ليس بمال متقوم، فكان على المصنف ذكره في الباطل، قوله: (وكذا كل ما اتصاله خلقي) بخلاف اتصال الجذع والثوب فإنه بصنع العباد بن ملك. قوله: (لما مر أنه معدوم عرفا) أي مر في فصل: ما يدخل في البيع تبعا عند قوله: كبيع بر في سنبلة وبيناه هناك بأنه هذا تمر وقطن، ولا يقال هذا نوى في تمره ولا حب في قطنه، ويقال هذه حنطة في سنبلها وهذا لوز وفستق في قشره، ولا يقال هذه قشور فيها لوز، قوله: (وإنما صححوا الخ) جواب عما استدل به أبو يوسف من جواز الصوف على ظهر الغنم كما في الكراث وقوائم الخلاف بالكسر وتخفيف اللام نوع من الصفصاف: أي مع أنها تزيد، والجواب كما في الزيلعي أنه أجيز في الكراث والقوائم للتعامل، إذ لا نص فيه فلا يلحق به المنصوص عليه ا ه. وأيضا فالقوائم تزيد من أعلاها:
(1) قوله: (أصلا) اي ووصفا والفساد يقتضي عدم مشروعية الوصف، فهو يؤكد مقتضى البطلان من جهة إفادته عدم مشروعية الوصف ينقلب صحيحا، ابن كمال لا ينافيه. هذا معنى كلام المحشي. وفيه ان الفساد كما يقتضي عدم مشروعية الوصف كذلك يقتضي مشروعية الأصل، والبطلان يقتضي عدم تلك المشروعية فكيف لا ينافيه؟ ولعل المخشي نظر إلى أن مشروعية الأصل في الفساد مسكوت عنها لكن يعكر عليه ملاحظتها في الشق الثاني فتأمل ا ه. (2) قوله: (باطل) اي الجهل وعدم القدرة على الاطلاع، إذ لا يمكن الاطلاع الا بكسر الصدف، إذ لا ينتفع به الا بالكسر فكان مثل غلاف الحبوب ا ه. (3) قوله: (مقتضاه انه وقع باطلا) فيه انه نقل الخلاف بين الكرخي والبلخيين في عود بيع الطير المرسل صحيحا بتسليمه مع الاتفاق على فساده، فكيف يكون القول بعدم الانقلاب إلى الصحة مقتضيا للبطلان حتى يتفرع الزام المصنف بذكره في الباطل، نعم هذا يتفرع على التعليل بأنه ليس بمال متقوم، إذ مقتضاه البطلان ا ه. 181 أي فلا يحصل اختلاط المبيع بغيره، بخلاف الصوف ويعرف ذلك بالخضاب كما أفاده الزيلعي. وفي البحر من فصل فيما يدخل في البيع تبعا عن الظهيرية: اشترى رطبة من البقول أو قثاء أو شيئا ينمو ساعة فساعة لا يجوز، كبيع الصوف، وبيع قوائم الخلاف يجوز وإن كان ينمو لان نموها من الأعلى، بخلاف الرطبات إلا الكراث للتعامل، وما لا تعامل فيه لا يجوز ا ه. قلت: وقوله: للتعامل علة لقوله: إلا الكراث فقط، وإلا فكون قوائم الخلاف، تنمو من الأعلى ، بخلاف الرطبات يفيد الجواز بلا حاجة إلى التعليل بالتعامل. وذكر في البحر هنا عن الفضلي تصحيح عدم الجواز في قوائم الخلاف لأنه وإن كان ينمو من أعلاه فموضع القطع مجهول، كمن اشترى شجرة للقطع لا يجوز لجهالة موضع القطع، لكن في الفتح أن منهم من منع، إذ لا بد للقطع من حفر الأرض، ومنهم من أجاز للتعامل. وفي الصغرى: القياس في بيع القوائم المنع، لكن جاز للتعامل، وبيع الكراث يجوز وإن كان ينمو من أسفله للتعامل أيضا، وبه يحصل الجواب عما استدل به الفضلي على المنع في القوائم لمن تأمل. نهر. قوله: (وشجر الصفصاف) أي قوائم شجره: أي أغصانه. قوله: (وفي القنية باع أوراق توت) أي مع أغصانها. قال في القنية: اشترى أوراق التوت ولم يبين موضع القطع لكنه معلوم عرفا صح، ولو ترك الأغصان له أن يقطعها في السنة الثانية، ولو باع أوراق توت لم يقطع قبل بسنة يجوز، وبسنتين لا يجوز لأنه بسنة يعلم موضع قطعها عرفا ا ه. قوله: (وجذع) هو القطعة من النخل أو غيره توضع عليها الأخشاب. نهر، لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر، ولو لم يكن معينا لا يجوز أيضا لما ذكرنا وللجهالة أيضا، هداية، فقوله: معين ليس للاحتراز عن الفساد بل لما ذكره بعده. قوله: (أما غير المعين) الأولى ذكره بعد قوله: فلو قطع وسلم ط. قوله: (فلا ينقلب صحيحا) قال في النهر: وذكر الزاهدي عن شرح الطحاوي أنه في غير المعين لا ينقلب بالتسليم صحيحا، وجزم به في إيضاح الاصلاح وهو ضعيف لأنه غير المعين معلل بلزوم الضرر والجهالة، فإذا تحمل البائع الضرر وسلمه زال المفسد وارتفعت الجهالة أيضا، ومن ثم جزم في الفتح بأنه يعود صحيحا ا ه. قلت: والذي نقله العلامة نوح عن الزاهدي عن شرح مختصر الطحاوي عكس ما نقله عنه في النهر، فليراجع، نعم عبارة ابن كمال في إيضاح الاصلاح أن غير المعين لا يعود صحيحا، وعزاه إلى الزاهدي في شرح القدوري. قوله: (ويضره التبعيض) وكالثوب المهيأ للبس: زيلعي، وأشار المصنف إلى عدم جواز بيع حلية من سيف أو نصف زرع لم يدرك لأنه لا يمكن تسليمه إلا بقطع جميعه، وكذا بيع فص خاتم مركب فيه، وكذا نصيبه من ثوب مشترك من غير شريكه وذراع من خشبة للضرر في
182 تسليم ذلك، ولا اعتبار بما التزمه من الضرر، لأنه إنما التزم العقد ولا ضرر فيه. بحر وفتح. وفي بيع نصف الزرع ونحوه كلام طويل قدمناه أول كتاب الشركة. قوله: (جاز) كما يجوز بيع قفيز من صبرة بحر. قوله: (لانتفاء المانع) علة للمسألتين. قوله: (وضربة القانص) من قنص قنصا على حد ضرب صاد كما في الصحاح بأن يقول: بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة مرة بكذا. نهر. قوله: (والغائص) بأن يقول أغوص غوصة فما أخرجته من اللآلئ فهو لك بكذا كما في تهذيب الأزهري، ومقتضاه المباينة بين القانص بالقاف والغائص بالغين، وفسر الزيلعي ضربة القانص بالقاف بما يخرج من الصيد بضربة الشبكة أو بغوص الصائد في الماء. قال في النهر: وهذا يوهم شمول القانص بالقاف للغائص والواقع ما قد علمته. وجعل في السراج القانص: صياد البر، والغائص: صياد البحر. والحق أن الصائد بالآلة وهو القانص بالقاف أعم من كونه في البحر أو البر، بخلاف الغائص اه. وحاصله أن القانص بالقاف: من يصطاد (1) الصيد برا أو بحرا وأما الغائص بالغين: فهو من يغوص لاستخراج اللآلئ مثلا. قوله: (كما مر) أي في قول المصنف: وبيع ما ليس في ملكه. قوله: (والمزابنة) من الزين: وهو الدفع، لأنها تؤدي إلى النزاع والمدافعة كما في البحر عن الفائق. قوله: (مثل كيله تقديرا) أي بأن يقدر الرطب الذي على النخل بمقدار مائة صاع مثلا بطريق الظن والحرز فيبيعه بقدره من التمر. قوله: (ومثله العنب) أي على الكرم. قوله: (ولشبهة الربا) لأنه بيع مكيل بمكيل من جنسه مع احتمال عدم المساواة بينهما بالكيل. قوله: (فلو لم يكن) أي ما بيع بالتمر المقطوع. قال في البحر: ثم اعلم أن تعريف المزابنة بأنها بيع الثمر بالتمر: أي بالمثلثة في الأول والمثناة في الثاني خلاف التحقيق، والأولى أن يقال: بيع الرطب بتمر الخ، لان الثمر بالمثلثة الشجر رطبا أو غيره، وإذا لم يكن رطبا جاز لاختلاف الجنس، ولو كان الرطب على الأرض كالتمر لم يجز بيعه متساويا عند العلماء إلا أبا حنيفة لما سيأتي في باب الربا ا ه. قوله: (فنهى عنها كلها) في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة زاد مسلم (2). أما الملامسة: كأن يلمس كل منهما ثوب صاحبه بغير تأمل ليلزم اللامس البيع من غير خيار له عند الرؤية، وهذا بأن يكون مثلا في ظلمة أو يكون الثوب مطويا مرئيا يتفقان على أنه
(1) قوله: (من يصطاد الخ) اي بالآلة، وقوله من يغوص: اي بنفسه، ففيهما التباين ا ه. (2) قوله: (زاد مسلم) اي أشياء أخر ذكرها في الفتح، فمفعول زاد محذوف، وقوله اما الملامسة الخ تفسير لما وقع في الحديث لا مفعول زاد كما وهم ا ه. 183 إذا لمسه فقد باعه منه وفساده لتعليق التمليك على أنه متى لمسه وجب البيع وسقط خيار المجلس. والمنابذة: أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر ولا ينظر كل واحد منهما إلى ثوب صاحبه على جعل النبذ بيعا، وهذه كانت بيوعا يتعارفونها في الجاهلية، وكذا إلقاء الحجر أن يلقى حصاة وثمة أثواب، فأي ثوب وقع عليه كان البيع بلا تأمل ورؤية ولا خيار بعد ذلك، ولا بد أن يسبق تراوضهما على الثمن، ولا فرق بين كون المبيع معينا أو غير معين. ومعنى النهي ما في كل من الجهالة وتعليق التمليك بالخطر فإنه في معنى إذا وقع حجري على ثوب فقد بعته منك أو بعتنيه بكذا أو إذا نبذته أو لمسته، كذا في الفتح. وذكر في الدرر أن النهي عن إلقاء الحجر ألحق بالأولين دلالة. قوله: (لوجود القمار) أي بسبب تعليق التمليك بأحد هذه الأفعال ا ه ح. قوله: (إن سبق ذكر الثمن) عبارة البحر: ولا بد في هذه البيوع أن يسبق الكلام منهما على الثمن ا ه: أي لتكون علة الفساد ما ذكر، وإلا كان الفساد لعدم ذكر الثمن إن سكتا عنه، لما مر أن البيع مع نفي الثمن باطل، ومع السكوت عنه فاسد. قوله: (وثوب من ثوبين) قيد بالقيمي، إذ بيع المبهم في المثلي جائز كقفيز من صبرة. قوله: (ضمن نصف قيمة كل) لان أحدهما مضمون بالقيمة لأنه مقبوض بحكم البيع الفاسد والآخر أمانة، وليس أحدهما بأولى من الآخر فشاعت الأمانة والضمان. بحر. قوله: (إذ الفاسد معتبر بالصحيح) أي ملحق به، فإنه لو كان البيع صحيحا بأن يقبض ثوبين على أنه بالخيار في أحدهما صح، فإذا هلكا ضمن نصف ثمن كل واحد، والقيمة في الفاسد كالثمن في البيع الصحيح كما في البحر. قوله: (لتعذر رده) أي رد ما هلك أولا فتعين مضمونا. بحر. قوله: (والقول للضامن) أي في تعيين الهالك، وذلك بأن اختلف الثوبان أو العبدان وادعى الضامن أن الهالك هو الأقل قيمة وعكس الآخر، ولو برهنا فبرهان البائع أولى فيما يظهر كما قدمنا التصريح به في خيار التعيين. قوله: (وهذا) أي الفساد فيما إذا باع ثوبين مثلا. قوله: (إذا لم يشترط خيار التعيين) أي فيما دون الأربعة، وقول البحر: فيما دون الثلاثة فيه قصور. قوله: (فلو شرط أخذ أيهما شاء) بنصب أخذ مصدرا على أنه مفعول به لشرط، بأن قال: بعتك واحدا منهما على أنك بالخيار تأخذ أيهما شئت فإنه يجوز استحسانا، وتقدم ذكر المسألة بفروعها في خيار الشرط. فتح. قوله: (لما مر) أي في باب خيار الشرط والتعيين. قوله: (والمراعي) في المصباح: الرعي بالكسر والمرعى بمعنى واحد، وهو ما ترعاه الدواب والجمع المراعي. بحر. قوله: (أي الكلأ) فسرها بالكلأ دفعا لوهم أن يراد مكان الرعي فإنه جائز. فتح. أي إذا كان مملوكا كما لا يخفى. والكلأ كجبل: العشب رطبه ويابسه. قاموس، قال في البحر: ويدخل فيه جميع أنواع ما ترعاه المواشي رطبا أو يابسا، بخلاف الأشجار، لان الكلأ ما لا ساق له والشجر له ساق فلا تدخل فيه، حتى يجوز بيعها إذا نبتت في أرضه لكونها ملكه، والكمأة كالكلأ ا ه. قوله: (أما بطلانها (1)) هذا
(1) قوله: (اما بطلانها) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح: اما بطلان بيعها، وهو المناسب لمقابلة قوله بعد وأما بطلان اجارتها، وليحرر ا ه. مصححه. 184 مخالف لسوق كلام المصنف، لان كلامه في ذكر الفاسد، فمراده أن بيعها فاسد، وبه صرح في شرحه، نعم قال بعد ذلك: وصرح منلا خسرو بفساد هذا البيع، وصرح في شرح الوقاية ببطلانه وعلله بعدم الاحراز ا ه. فكان المناسب شرح كلامه على وفق مرامه مع بيان القول الآخر، وكأن الشارح لما رأى القول بالفساد معللا بعدم الملك حمله على أن المراد به البطلان، لان بيع ما لا يملك باطل كما علم مما مر، لكنه لا يوافق غرض المصنف كما علمت. قوله: (فلعدم الملك) لاشتراك الناس فيه اشتراك إباحة لا ملك، ولأنه لا يحصل للمشتري فيه فائدة لأنه لا يتملكه بدون بيع. فتح. قوله: (لحديث الناس شركاء في ثلاث) أخرجه الطبراني بلفظ: المسلمون شركاء في ثلاث الخ، وكذا أخرجه ابن ماجة وفي آخره: وثمنه حرام أي ثمن كل واحد منها، وأخرجه أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة وابن عدي، قال الحافظ ابن حجر: ورجاله ثقات. نوح أفندي. ومعنى الشركة في النار: الاصطلاء بها وتجفيف الثياب، لا أخذ الجمر إلا بإذن صاحبه، وفي الماء سقي الدواب والاستقاء من الآبار والحياض والأنهار المملوكة، وفي الكلأ الاحتشاش ولو في أرض مملوكة، غير أن لصاحب الأرض المنع من دخوله، ولغيره أن يقول إن لي في أرضك حقا، فإما أن توصلني إليه أو تحشه أو تستقي وتدفعه لي، وصار كثوب رجل وقع في دار رجل إما أن يأذن للمالك في دخوله ليأخذه، وإما أن يخرجه إليه، فتح ملخصا. قوله: (وأما بطلان إجارتها) ما ذكره عن ابن الكمال من بطلان إجارتها مخالف لسوق كلام المصنف أيضا. وقال في فتح القدير: وهل الإجارة فاسدة أو باطلة؟ ذكر في الشرب أنها فاسدة حتى يملك الآجر الأجرة بالقبض وينفذ عتقه فيه ا ه. قال في النهر: فيحتاج إلى الفرق بين البيع والإجارة ا ه. قوله: (وهذا) أي بطلان بيع الكلأ. قوله: (وقيل لا) أي لا يملكه، وهو اختيار القدوري لان الشركة ثابتة، وإنما تنقطع بالحيازة وسوق الماء ليس بحيازة وعلى الجواز أكثر المشايخ، واختاره الشهيد. قال في الفتح: وعليه فلقائل أن يقول: ينبغي أن حافر البئر يملك الماء بتكلفه الحفر والطي لتحصيل الماء، كما يملك الكلأ بتكلفة سوق الماء إلى الأرض لينبت، فله منع المستقي وإن لم يكن في أرض مملوكة له ا ه. وأقول: يمكن أن يفرق بينهما بأن سقي الكلأ كان سببا في إنباته فنبت، بخلاف الماء فإنه موجود قبل حفره فلا يملكه بالحفر. نهر. مطلب: صاحب البئر لا يملك الماء وقال الرملي: إن صاحب البئر لا يملك الماء كما قدمه في البحر في كتاب الطهارة في شرح قوله: وانتفاخ حيوان عن الولوالجية فراجعه. وهذا ما دام في البئر، أما إذا أخرجه منها بالاحتيال كما في السواني فلا شك في ملكه له لحيازته له في الكيزان ثم صبه في البرك بعد حيازته. تأمل. ثم حرر الفرق بين ما في البئر وما في الحباب والصهاريج الموضوعة في البيوت لجمع ماء الشتاء بأنها أعدت لاحراز الماء فيملك ما فيها، فلو آجر الدار لا يباح للمستأجر ماؤها إلا بإباحة المؤجر ا ه ملخصا. قوله: (قال) أي العيني. قوله: (وبيع القصيل والرطبة) في المصباح قصلته قصلا من باب
185 ضرب: قطعته فهو قصيل ومقصول، ومنه القصيل وهو الشعير يجز إذا اخضر لعلف الدواب، والرطبة: الغضة خاصة قبل أن يجف والجمع رطاب مثل كلبة وكلاب، والرطب وزان قفل: المرعى الأخضر من بقول الربيع. وبعضهم يقول: الرطبة وزان: غرفة الخلا، وهو الغض من الكلأ. قوله: (وحيلته) أي حيلة جواز بيع الكلأ، وكذا إجارته. قال في البحر: والحيلة في جواز إجارته أن يستأجرها أرضا لإيقاف الدواب فيها أو لمنفعة أخرى بقدر ما يريد صاحبه من الثمن أو الأجرة فيحصل به غرضهما ا ه. وفي الفتح: والحيلة أن يستأجر الأرض ليضرب فيها فسطاطه أو ليجعله حظيرة لغنمه ثم يستبيح المرعى فيحصل مقصودهما. قوله: (كمقيل ومراح) المقيل: مكان القيلولة، وهي النوم نصف النهار. والمراح بالضم (2): حيث تأوي الماشية بالليل وبالفتح اسم الموضع. مطلب في بيع دودة القرمز قوله: (أي الإبريسم) في المصباح: القز معرب. قال الليث: هو ما يعمل منه الإبريسم، ولهذا قال بعضهم: القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق ا ه. وأما الخز فاسم دابة، ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها. بحر. قوله: (أي بزره) أي البزر الذي يكون منه الدود قهستاني. وهو بالزاي. قال في المصباح: بذرت الحب بذرا: أي بالذال المعجمة من باب قتل: إذا ألقيته في الأرض للزراعة. والبذر: المبذور. قال بعضهم: البذر في الحبوب كالحنطة والشعير: والبزر: أي بالزاي في الرياحين والبقول، وهذا هو المشهور في الاستعمال. ونقل عن الخليل كل حب يبذر فهو بذر وبزر، ثم قال في اجتماع الباء مع الزاي: البزر من البقل ونحوه بالكسر والفتح لغة، وقولهم لبيض الدود: بزر القز مجاز على التشبيه ببزر البقل لصغره. قوله: (وهو بزر الفيلق) هو المسمى الآن بالشرانق. قوله: (المحرز) قال في البحر: وهو معنى ما في الذخيرة إذا كان مجموعا، لأنه حيوان منتفع به حقيقة وشرعا فيجوز بيعه وإن كان لا يؤكل كالبغل والحمار. قوله: (وهذا) أي ما ذكره المصنف من جواز بيع الثلاث: وأما اقتصار صاحب الكنز على جواز الأولين دون النخل فلعل وجهه كما أفاده الخير الرملي أن إحرازه متعسر فترجح عنده قولهما. ولذا قال بعضهم: يجوز بيعه ليلا لا نهارا لتفرقه حال النهار في المراعي. وأما اعتذار البحر عنه بأنه لعله لم يطلع على أن الفتوى على قول محمد فهو بعيد. قوله: (بيع العلق) في المصباح: العلق شئ أسود شبيه الدود يكون في الماء يعلق بأفواه الإبل عند
(2) قوله: (والمراح بالضم) اي من راح ابله: ردها للمأوى وفتح الميم بهذا المعنى خطأ، بل هو اسم مكان من راح بدون الف لان اسم المكان والزمان والحدث من أراح مفعل بالضم لا غير وبدون الف بالفتح ا ه. وبهذا تعلم ما في عبارة المحشي ا ه. 186 الشرب. قوله: (وبه يفتى للحاجة) في البحر عن الذخيرة: إذا اشترى العلق الذي يقال له بالفارسية مرعل يجوز، وبه أخذ الصدر الشهيد لحاجة الناس إليه لتمول الناس له ا ه. أقول: العلق في زماننا يحتاج إليه للتداوي بمصه الدم، وحيث كان متمولا لمجرد ذلك دل على جواز بيع دودة القرمز، فإن تمولها الآن أعظم إذ هي من أعز الأموال، ويباع منها في كل سنة قناطير بثمن عظيم، ولعلها هي المرادة بالعلق في عبارة الذخيرة بقرينة التعليل، فتكون مستثناة من بيع الميتة كما قدمناه، ويؤيده أن الاحتياج إليه للتداوي لا يقتضي جواز بيعه كما في لبن المرأة، وكالإحتياج إلى الخرز بشعر الخنزير فإنه لا يسوغ بيعه كما يأتي، فعلم أن المراد به علق خاص متمول عند الناس، وذلك متحقق في دود القرمز، وهو أولى من دود القز وبيضه فإنه ينتفع به في الحال دود القز في المآل، والله سبحانه أعلم. قوله: (من الهوام) جمع هامة مثل دابة ودواب: وهي ماله: سم يقتل كالحية. قاله الأزهري. وقد يطلق على ما يؤذي ولا يقتل كالحشرات مصباح، والمراد هنا ما يشمل المؤذي وغيره مما لا ينتفع به بقرينة ما بعده. قوله: (فلا يجوز) بيعها باطل، ذكره قاضيخان ط. قوله: (كحيات) في الحاوي الزاهدي: يجوز بيع الحيات إذا كان ينتفع منها للأدوية، وما جاز الانتفاع بجلده أو عظمه: أي من حيوانات البحر أو غيرها. قال في الحاوي: ولا يجوز بيع الهوام كالحية والفأرة والوزغة والضب والسلحفاة والقنفذ وكل ما لا ينتفع به ولا بجلده وبيع غير السمك من دواب البحر، إن كان له ثمن كالسقنقور وجلود الخز ونحوها يجوز، وإلا فلا كالضفدع والسرطان وذكر قبله. ويبطل بيع الأسد والذئب وسائر الهوام والحشرات، ولا يضمن متلفها. ويجوز بيع البازي والشاهين والصقر وأمثالها والهرة ويضمن متلفها، لا بيع الحدأة والرخمة وأمثالهما ويجوز بيع ريشها ا ه. لكن في الخانية: بيع الكلب المعلم عندنا جائز، وكذا السنور وسباع الوحش والطير جائز معلما أو غير معلم، وبيع الفيل حائز. وفي القرد روايتان عن أبي حنيفة ا ه. ونقل السائحاني عن الهندية ويجوز بيع سائر الحيوانات سوى الخنزير وهو المختار ا ه. وعليه مشى في الهداية وغيرها من باب المتفرقات كما سيأتي. قوله: (والحاصل الخ) ويرد عليه شعر الخنزير (1) فإنه يحل الانتفاع به، ولا يجوز بيعه كما يأتي. وقد يجاب بأن حل الانتفاع به للضرورة، والكلام عند عدمها. قوله: (واعتمده المصنف) حيث قال: وهو ظاهر، فليكن المعول عليه. قوله: (وهو بينهما أنصافا) الضمير عائد إلى القز الخارج من البيض. والظاهر أن اشتراط كونه بينهما أنصافا إذا كان البيض منهما كذلك، فلو كان ثلثه من واحد والثلثان من آخر يكون القز بينهما أثلاثا اعتبارا بأصل الملك، كما لو زرعا أرضا ببذر منهما فالخارج على قدر البذر وإن شرطا خلافه. قوله: (بالعلف مناصفة) متعلق بدفع: أي دفع له
(1) قوله: (ويرد عليه شعر الخنزير الخ) كذلك يرد عليه ما اورده صاحب النهر على عبارة الكمال ابن الهمام المماثلة لهذه من أن الصحيح عند الامام جواز الانتفاع بالعذرة الخالصة مع عدم جواز بيعها بدون الخلط ا ه. 187 ذلك ليكون الخارج من البزر والبقرة والدجاج بينهما مناصفة بشرط أن يعلف ذلك من ورق التوت ونحوه. قوله: (فالخارج كله للمالك) أي الخارج: وهو القز واللبن والسمن والبيض كله للمالك، فإن استهلكه العامل ضمنه. قوله: (وعليه قيمة العلف) أي إن كان مملوكا. قوله: (وأجر مثل العامل) الظاهر أن له الاجر بالغا ما بلغ لجهالة التسمية، وانظر ما كتبناه في إجارات تنقيح الحامدية. قوله: (ومثله دفع البيض) قال في النهر: والمتعارف في أرياف مصر دفع البيض ليكون الخارج منه بالنصف مثلا، وهو على وزان دفع القز بالنصف، فالخارج كله لصاحب البيض وللعامل أجر مثله ا ه. قلت: ويتعارف الآن دفع المهر أو العجل أو الجحش ليربيه بنصفه فيبقى على ملك الدافع وللعامل أجر مثله وقيمة علفه. والحيلة فيه أن يبيعه نصف المهر بثمن يسير فيصير مشتركا بينهما. ويتعارف أيضا ما سيذكره المصنف في كتاب المساقاة، وهو دفع الأرض مدة معلومة ليغرسها وتكون الأرض والشجر بينهما فإنه لا يصح، والثمر والغرس لرب الأرض تبعا لأرضه، وللآخر قيمة غرسه يوم غرسه وأجر مثل عمله ا ه. قوله: (والآبق) أي المطلق (1)، وهو الذي أبق من يد مالكه ولم يزعم المشتري أنه عنده، فهذا بيعه فاسد أو باطل، على الخلاف الذي حكاه المصنف بعد، أما لو أبق من يد غاصبه وباعه المالك منه أو من يد مالكه وباعه ممن يزعم أنه عنده فبيعه صحيح كما يأتي. وأما لو باعه ممن يزعم أنه عند غيره. ففي النهر أن بيعه فاسد اتفاقا، وعلله في الفتح بأن تسليمه فعل غيره وهو لا يقدر على فعل غيره فلا يجوز، وفي النهر أيضا: خرج بالآبق المرسل في حاجة المولى فإنه يجوز بيعه لأنه مقدور التسليم وقت العقد حكما، إذ الظاهر عوده. قوله: (ولو وهبه لهما صح) والفرق أن شرط البيع القدرة على التسليم عقب البيع وهو منتف، وما بقي له من اليد يصلح لقبض الهبة لا لقبض البيع، لأنه قبض بإزاء مال مقبوض من مال الابن وهذا قبض ليس بإزائه مال من الولد فكفت تلك اليد له نظرا للصغير، لأنه لو عاد إلى ملك الصغير، هكذا في الفتح والتبيين، بحر. وفي عن الذخيرة تقييد صحة الهبة بما دام العبد في دار الاسلام. قوله: (وما في الأشباه تحريف نهر) اعترض من وجهين: الأول: أن ما في الأشباه موافق لما هنا، وهذا نصه: بيع الآبق لا يجوز إلا لمن يزعم أنه عنده ولو لولده الصغير كما في الخانية. الثاني: أنه في النهر لم يتعرض للأشباه، بل حكم بالتحريف على ما في بعض نسخ الخانية المنقول في البحر وهو جواز بيع الآبق لطفله لا هبته له، والمعول عليه النسخة الأخرى. قلت: الذي رأيته في الأشباه ولولد بدون لو وعليها كتب الحموي، واعترضها بما مر عن الفتح والتبيين، ولما كان ما في الأشباه معزيا إلى الخانية ورد عليها ما ورد على الخانية فساغ ذكرها بدل
(1) قوله: (اي المطلق الخ) اي الآبق في حقهما: اي البائع والمشتري. واما في الصور المستثنيات فالإباق ليس بمطلق لعدم اباقه في حق المشتري، وهذا معنى قول المحشي: وهو اي المطلق الذي ابق من يد مالكه ولم يزعم المشتري انه عنده، وينبغي ان يزاد أيضا ما لو زعم المشتري انه عند غيره فان حكمه يخالف المطلق للاتفاق على فساد بيعه، بخلاف ذلك لحصول الخلاف في بطلانه وفساده ا ه. 188 الخانية، لأنها أكثر تداولا في أيدي الطلبة من الخانية، فافهم. ثم اعلم أن في عبارة البحر هنا تناقضا، فإنه ذكر نسخة الخانية المحرفة وقال: إنه عكس ما ذكره الشارحون. ثم قال: إن الحق ما ذكره قاضيخان، لما في المعراج: لو باعه لطفله لا يجوز، ولو وهبه له جاز الخ. والصواب أن يقول: والحق خلاف ما ذكره قاضيخان، فتنبه. قوله: (إلا ممن يزعم أنه عنده) مفاده أن النظر لزعم المشتري أن الآبق عنده لأنه يزعم أن التسليم حاصل فانتفى المانع وهو عدم قدرة البائع على التسليم عقب البيع. قوله: (عنده) شامل لما إذا كان في منزله، أو كان يقدر على أخذه ممن هو عنده، فإن كان لا يقدر على الاخذ إلا بخصومة عند الحاكم لم يجز بيعه كما في السراج. نهر، وهذا مخالف لما قدمناه عن النهر من أنه لو باعه ممن يزعم أنه عند غيره فهو فاسد اتفاقا. وأجاب ط بحمل ما تقدم على ما إذا لم يقدر على أخذه إلا بخصومة ا ه. قلت: راجعت عبارة السراج فلم أر فيها قوله: ممن هو عنده ومثله في الجوهرة، وحينئذ فقوله (1) أو كان يقدر على أخذه: أي في حال إباقه قبل أن يأخذه أحد، أما إذا أخذه أحد فلا يجوز لما علمته من تعليل الفتح السابق، وقد صور المسألة في الفتح بما إذا كان ذلك الآخذ له معترفا بأخذه، فافهم: قوله: (وهل يصير قابضا الخ) أي لو اشتراه من زعم أنه عنده هل يصير قابضا في الحال، حتى لو رجع فوجده هلك بعد وقت البيع يتم القبض والبيع أم لا. قوله: (إن قبضه) أي قبض الآبق حين وجده لنفسه لا ليرده على سيده، وهذا يغني عنه قوله: أو قبضه ولم يشهد أي على أنه قبضه لسيده. قوله: (نعم) أي يصير قابضا، لان قبضه هذا قبض غصب وهو قبض ضمان كقبض البيع كما في الفتح. قوله: (وأن أشهد لا الخ) أي لا يصير قابضا، لان قبضه هذا قبض أمانة، حتى لو هلك قبل أن يصل إلى سيده لا يضمنه. فتح. قوله: (فلا ينوب عن قبض الضمان) أي عن قبض البيع فإنه مضمون بالثمن. قال في الفتح: فإن هلك قبل أن يرجع إليه انفسخ البيع ورجع بالثمن ا ه. وأشار بهذا إلى ما في البحر عن الذخيرة: إذا اشترى ما هو أمانة في يده من وديعة أو عارية لا يكون قابضا، إلا إذا ذهب إلى العين إلى مكان يتمكن من قبضها فيصير الآن قابضا بالتخلية، فإذا هلك بعده هلك من ماله، وليس للبائع حبس العين بالثمن لأنه صار راضيا بقبض المشتري دلالة ا ه ملخصا. قوله: (وإلا إذا أبق الخ) عطف على قوله: إلا ممن يزعم أن عنده. قوله: ذخيرة قال فيها: والأصل أن الإباق إنما يمنع جواز البيع إذا كان التسليم محتاجا إليه بأن أبق من يد المالك ثم باعه المالك، فأما إذا لم يكن محتاجا إليه كما في مسألتنا يجوز البيع ا ه. قوله: (يتم البيع) هو رواية عن أبي حنيفة ومحمد لقيام الملك والمالية في الآبق ولذا صح عتقه، وبه أخذ الكرخي وجماعة من المشايخ حتى أجبر البائع على تسليمه، لان صحة
(1) قوله: (وحينئذ فقوله الخ) لكن يعكر عليه قول السراج فان كان لا يقدر على أخذه الا بخصومة فإنه يقتضي خصما، وما هو الا من عنده الآبق الا ان يقال بخصومة مع الآبق نفسه بان كان متمردا وأنكر شراءه وسبق يد البائع عليه فحينئذ يحتاج لرفعه للحاكم حتى يلزمه بالانقياد معه ا ه. 189 البيع كانت موقوفة على القدرة على التسليم وقد وجدت قبل الفسخ، بخلاف ما إذا رجع بعد أن فسخ القاضي البيع أو تخاصما (1) فلا يعود صحيحا اتفاقا. فتح. قوله: (على القول بفساده) قال في الفتح: والحق أن الاختلاف فيه بناء على الاختلاف في أنه باطل أو فاسد وأنك علمت أن ارتفاع المفسد في الفاسد يرده صحيحا، لان البيع قائم مع الفساد، ومع البطلان لم يكن قائما بصفة البطلان بل معدوما فوجه البطلان عدم قدرة التسليم، ووجه الفساد قيام المالية والملك. قوله: (ورجحه الكمال) حيث قال: والوجه عندي أن عدم القدرة على التسليم مفسد لا مبطل، وأطال في تحقيقه. قوله: (وهو الأظهر من الرواية) قال في البحر: وأولوا تلك الرواية بأن المراد منها انعقاد البيع بالتعاطي الآن اه . قلت: وهذا ينافي ما تقدم أول البيوع من أن البيع لا ينعقد بعد بيع باطل أو فاسد إلا بعد متاركة الأول. قوله: (وبه كان يفتي البلخي) الذي في الفتح وهو مختار مشايخ بلخ: والثلجي، وبالثاء والجيم ط. قلت: والأول هو أبو مطيع البلخي من أصحاب أبي حنيفة، توفي سنة 179، والثاني هو محمد بن شجاع الثلجي من أصحاب الحسن بن زياد، توفي وهو ساجد سنة 632. قوله: (ولو في وعاء) أتى بلو إشارة إلى أنه غير قيد، وما في البحر من أن الأولى تقييده بذلك لان حكم اللبن في الضرع تقدم دفعه في النهر بأن الضرع خاص بذوات الأربع كالثدي للمرأة، فالأولى عدم التقيد ليعم ما قبل الانفصال وما بعده. قوله: (على الأظهر) أي ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف: جواز بيع لبن الأمة، لجواز إيراد البيع على نفسها، فكذا على جزئها. قلنا: الرق حل نفسها، فأما اللبن فلا رق فيه لأنه يختص بمحل تتحقق فيه القوة هي ضده وهو الحي، ولا حياة في اللبن فلا يكون محلا للعتق ولا للرق فكذا البيع، وأشار إلى أنه لا يضمن متلفه لكونه ليس بمال، وإلى أنه لا يحل التداوي به في العين الرمداء. وفيه قولان: قيل بالمنع، وقيل: بالجواز إذا علم فيه الشفاء كما في الفتح هنا. مطلب في التداوي بلبن البنت للرمد قولان وقال في موضع آخر: إن أهل الطب يثبتون نفعا للبن البنت للعين، وهي من أفراد مسألة الانتفاع بالمحرم للتداوي كالخمر، واختار في النهاية والخانية الجواز إذا علم فيه الشفاء ولم يجد دواء غيره. بحر. وسيأتي إن شاء الله تعالى تمامه في متفرقات البيوع، وكذا في الحظر والإباحة. قوله: (لنجاسة عينه) أي عين الخنزير: أي بجميع أجزائه. وأورد في الفتح (2). على هذا التعليل بين السرقين
(1) قوله: (أو تخاصما) قال شيخنا: ظاهره ان مجرد التخاصم قبل الفسخ مانع من انقلاب البيع صحيحا ويحرر، إذ لا وجه له يظهر ا ه. (2) قوله: (وأورد في الفتح) حيث قال لا ينبغي ان يعلل بطلان البيع بالنجاسة أصلا، فان بطلان البيع دائر مع حرمة الانتفاع اي وصحته مع حله وان كان نجسا، فان بيع السرقين جائز وهو نجس العين للانتفاع به ا ه. ورد في النهر التعليل بالانتفاع وعدمه لصحة البيع وبطلانه بحل الانتفاع بالعذرة مع عدم جواز بيعها ا ه. 190 فإنه جائز للانتفاع به مع أنه نجس العين ا ه. قال في النهر: بل الصحيح عن الامام أن الانتفاع بالعذرة الخالصة جائز كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكراهية ا ه: أي مع أنه لا يجوز بيعها خالصة كما مر. قوله: (فيبطل بيعه) نقله في الشرنبلالية أيضا عن البرهان، وفيه تورك على المصنف حيث عده في الفاسد، لكن قد يقال: إنه مال في الجملة حتى قال محمد بطهارته لضرورة الخرز به للنعال والاخفاف. تأمل. قوله: (لضرورة الخرز) فإن في مبدأ شعره صلابة قدر أصبع وبعده لين يصلح لوصل الخيط به. قهستاني ط. قوله: (وكره البيع) لأنه لا حاجة إليه للبائع. زيلعي. وظاهره أن البيع صحيح. وفيه أن جواز إقدام المشتري (2) على الشراء للضرورة لا يفيد صحة البيع، كما لو اضطر إلى دفع الرشوة لاحياء حقه جاز له الدفع وحرم على القابض، وكذا لو اضطر إلى شراء ماله من غاصب متغلب لا يفيد ذلك صحة البيع حتى لا يملك البائع الثمن. فتأمل. قوله: فلا يطيب ثمنه مقتضى ما بحثناه أنه لا يملكه. قوله: (على الصحيح) أي عند أبي يوسف، لان حكم الضرورة لا يتعداها وهي في الخرز فتكون بالنسبة إليه فقط كذلك، وما ذكر في بعض المواضع من جواز صلاة الخرازين مع شعر الخنزير وإن كان أكثر من قدر الدرهم ينبغي أن يخرج على القول بطهارته في حقهم. أما على قول أبي يوسف فلا وهو الوجه، فإن الضرورة لم تدعهم إلى أن يعلق بهم بحيث لا يقدرون على الامتناع منه ويجتمع في ثيابهم هذا المقدار. فتح. قوله: (خلافا لمحمد) راجع إلى قوله: ويفسد الماء أي فإنه لا يفسد عنده. قال الزيلعي: لان إطلاق الانتفاع به دليل طهارته ا ه. وهذا يفيد تقييد حل الانتفاع به بالضرورة ويفيد جواز بيعه، ولذا قال في النهر: وينبغي أن يطيب للبائع الثمن على قول محمد. قوله: (قيل هذا) أي الخلاف المذكور في نجاسته وطهارته، وأشار بقيل إلى ضعفه، إذ المنتوف يفسد الماء ولو من غير الخنزير لاتصال اللحم النجس بمحل النتف منه، ولو قيل: إن الخلاف في المجزوز، أما المنتوف فغير طاهر لكان له وجه. قوله: (وعن أبي يوسف الخ) مقابل قول المتن: وجاز الانتفاع به قال الزيلعي: والأول هو الظاهر، لان الضرورة تبيح لحمه، فالشعر أولى ا ه. قوله: (لأنه نجس) فيه أن النجاسة لا تنافي حل الانتفاع عند الضرورة كما علمت، لكن علل الزيلعي للكراهة بأن الخرز يتأتى بغيره، ومثله في الفتح، وحيث تأتي بغيره فلا ضرورة فلا يحل الانتفاع بالنجس. قال في الفتح: إلا أن يقال ذلك فرد تحمل مشقة في خاصة نفسه فلا يجوز أن يلزم العموم حرجا مثله اه.
(2) قوله: (وفيه ان جواز اقدام المشتري الخ) قال شيخنا: هذا بحث مصادم للمنقول في الكتب فلا يعمل به، فان صاحب العناية نقل الحكم هكذاعن قاضيخان، وكذا وجد الحكم في غيره من معتبرات المذهب ا ه. 191 وحاصله أن تأتي الخرز بغيره من شخص حمل نفسه مشقة في ذلك لا تزول به ضرورة الاحتياج إليه من عامة الناس. قوله: (ولعل هذا) أي حل الانتفاع به لضرورة الخرز. قوله: (أما في زماننا فلا حاجة إليه) للاستغناء عنه بالمخارز والإبر. قال في البحر: ظاهر كلامهم منع الانتفاع به عند عدم الضرورة بأن أمكن الخرز بغيره ط. قوله: (وجلد ميتة) قيد بها، لأنها لو كانت مذبوحة فباع لحمها أو جلدها جاز لأنه يطهر بالذكاة إلا الخنزير. خانية. قوله: (ولو بالعرض الخ) أي أن بيعه فاسد لو بيع بالعرض. وذكر في شرح المجمع قولين في فساد البيع وبطلانه. قلت: وما ذكره الشارح من التفصيل يصلح توفيقا بين القولين، لكنه يتوقف على ثبوت كونه مالا في الجملة كالخمر والميتة لا بحتف أنفها، مع أن الزيلعي علل عدم جواز بيعه بأن نجاسته من الرطوبة المتصلة به بأصل الخلقة فصار حكم الميتة. زاد في الفتح: فيكون نجس العين، بخلاف الثوب أو الدهن، المتنجس حيث جاز بيعه لعروض نجاسته، وهذا يفيد بطلان بيعه مطلقا، ولذا ذكر في الشرنبلالية عن البرهان أن الأظهر البطلان. تأمل. قوله: (اعتمادا على ما سبق) أي في قول المصنف تبعا للدرر وبطل بيع مال غير متقوم كخمر وخنزير وميتة تمت حتف أنفها بالثمن. قوله: (إلا جلد إنسان الخ) فلا يباع وإن دبغ لكرامته وفي الباقي لإهانته ولعدم عمل الدباغة فيه كما مر في محله. قوله: (وينتفع به) أي بالجلد بعد دبغه. قوله: (ولو جلد مأكول على الصحيح) وقال بعضهم: يجوز أكله لأنه طاهر كجلد الشاة المذكاة، أما جلد غير المأكول كالحمار لا يجوز أكله إجماعا، لان الدبغ فيه ليس بأقوى من الذكاة، وذكاته لا تبيحه فكذا دبغه. أفاده المصنف ط. قوله: (ونجيز بيع الدهن المتنجس) عبارة المجمع النجس لكن مراده المتنجس: أي ما عرضت له النجاسة، وأشار بالفعل المضارع المسند لضمير الجماعة إلى خلاف الشافعي كما هو اصطلاحه. قوله: (في غير الاكل) كالاستصباح والدباغة وغيرهما. ابن مالك. وقيدوا الاستصباح بغير المسجد. قوله: (بخلاف الودك) أي دهن الميتة لأنه جزؤها فلا يكون مالا. ابن ملك: أي فلا يجوز بيعه اتفاقا، وكذا الانتفاع به لحديث البخاري: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، قيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس قال: لا، هو حرام الحديث. قوله: (كعصبها وصوفها) أدخلت الكاف عظمها وشعرها وريشها ومنقارها وظلفها ومنقارها وحافرها، فإن هذه الأشياء طاهرة لا تحلها الحياة فلا يحلها الموت، ويجوز بيع عظم الفيل والانتفاع به
192 في الحمل والركوب والمقاتلة. منح ملخصا ط. قوله: (وفسد شراء ما باع الخ) أي لو باع شيئا وقبضه المشتري ولم يقبض البائع الثمن فاشتراه بأقل من الثمن الأول لا يجوز. زيلعي: أي سواء كان الثمن الأول حالا أو مؤجلا. هداية. وقيد بقوله: وقبضه لان بيع المنقول قبل قبضه لا يجوز ولو من بائعه كما سيأتي في بابه، والمقصود بيان الفساد بالشراء بالأقل من الثمن الأول. قال في البحر: وشمل شراء الكل أو البعض. قوله: (بنفسه أو بوكيله) تنازع فيه كل من شراء وباع. قال في البحر: وأطلق فيما باع فشمل ما باعه بنفسه أو وكيله وما باعه شيئا أصالة بنفسه أو وكيله أو وكالة، كما شمل الشراء لنفسه أو لغيره إذا كان هو البائع اه. فأفاد أنه لو باع شيئا أصالة بنفسه أو وكيله أو وكالة عن غيره ليس له شراؤه بالأقل لا لنفسه ولا لغيره، لان بيع وكيله بإذنه كبيعه بنفسه. والوكيل بالبيع أصيل في حق الحقوق، فلا يصح شراؤه لنفسه، لأنه شراء البائع من وجه، ولا لغيره لأن الشراء واقع له من حيث الحقوق، فكان هذا شراء ما باع لنفسه من وجه، كذا يفاد من الزيلعي أيضا. قوله: (من الذي اشتراه) متعلق بشراء، وخرج به ما لو باعه المشتري لرجل أو وهبه له أو أوصى له به ثم اشتراه البائع الأول من ذلك الرجل فإنه يجوز، لان اختلاف سبب الملك كاختلاف العين. زيلعي. ولو خرج عن ملك المشتري ثم عاد إليه بحكم ملك جديد كإقالة أو شراء أو وهبة أو إرث فشراء البائع منه بالأقل جائز، لا إن عاد إليه بما هو فسخ بخيار رؤية أو شرط قبل القبض أو بعده. بحر عن السراج. قوله: (ولو حكما) تعميم لقوله: من الذي اشتراه. قوله: (كوارثه) أي وارث المشتري: أي فلو اشترى من وارث مشتريه بأقل مما اشترى به الموروث لم يجز لقيام الوارث مقام المورث، بخلاف ما إذا اشترى وارث البائع بأقل مما باع به مورثه فإنه يجوز إن كان ممن تجوز شهادته له: والفرق أن وارث البائع إنما يقوم مقامه فيما يورث، وهذا مما لا يورث، ووارث المشتري قام مقامه في ملك العين. أفاده في البحر. قوله: (بالأقل من قدر الثمن) الأول وكالقدر الوصف، كما لو باع بألف إلى سنة فاشتراه به إلى سنتين. بحر قوله: (قبل نقد كل الثمن الأول) قيد به لان بعده لا فساد، ولا يجوز قبل النقد وإن بقي درهم. وفي القنية: لو قبض نصف الثمن ثم اشترى النصف بأقل من نصف الثمن لم يجز. بحر. قلت: وبه يظهر أن إدخال الشارح لفظة كل لا محل له، لأنه يفهم أن قبل نقد البعض لا يفسد، وهو خلاف الواقع. والحاصل أن نقد كل الثمن شرط لصحة الشراء لا لفساده، لأنه يفسد قبل نقد الكل أو البعض، فتأمل. قوله: (وإن رخص السعر) لان تغير السعر غير معتبر في حق الاحكام مما في حق الغاصب وغيره فعاد إليه المبيع كما خرج عن ملكه فيظهر الربح. زيلعي. قوله: (للربا) علة لقوله: لم يجز أي لان الثمن لم يدخل في ضمان البائع قبل قبضه، فإذا عاد إليه عين ماله بالصفة التي خرج عن ملكه وصار بعض الثمن قصاصا ببعض بقي له عليه فضل بلا عوض، فكان ذلك ربح ما لم يضمن وهو حرام بالنص. زيلعي. قوله: (كابنه وأبيه) وكعبده ومكاتبه، لان شراء هؤلاء كشراء البائع بنفسه لاتصال منافع المال بينهم، وهو نظير الوكيل في البيع إذا عقد مع هؤلاء. زيلعي: أي نظير ما لو باع
193 الوكيل من ابنه نحوه. ثم لا يخفى أن المراد شراء هؤلاء بالأقل لأنفسهم، أما لو اشتروا بالوكالة عن البائع لا يجوز ولو كانوا أجانب عنه كما مر في قول المصنف أو بوكيله. قوله: (في غير عبده ومكاتبه) فشراؤهما متفق على عدم جوازه. قال الزيلعي: لان كسب العبد لسيده، وله في كسب مكاتبه حق الملك فكان تصرفه كتصرفه. قوله: (جاز مطلقا) أي سواء كان الثمن الثاني أقل من الأول أو لا، لان الربح لا يظهر عند اختلاف الجنس ا ه منح. ولان المبيع لو انتقص يكون النقصان من الثمن في مقابلة ما نقص من العين سواء كان النقصان من الثمن بقدر ما نقص منها أو بأكثر منه. بحر عن الفتح. قوله: (كما لو شراه الخ) تشبيه في الجواز مع قطع النظر عن قوله مطلقا. قوله: (بأزيد أو بعد النقد) ومثل الازيد المساوي كما في الزيلعي، وهذا قول المصنف بالأقل قبل نقد الثمن. مطلب: الدراهم والدنانير جنس واحد في مسائل قوله: (والدراهم والدنانير جنس واحد) حتى لو كان العقد الأول بالدراهم فاشتراه بالدنانير وقيمتها أقل من الثمن الأول لم يجز استحسانا، لأنهما جنسان صورة وجنس واحد معنى، لان المقصود بهما واحد وهو الثمينة، فبالنظر إلى الأول يصح، وبالنظر إلى الثاني لا يصح، فغلبنا المحرم على المبيح. زيلعي ملخصا. قوله: (في ثمان مسائل) الذي في المنح عن العمادية أن المسائل سبع غير الأربعة المزيدة ا ه ح. وزاد الشارح مسألة المضاربة ابتداء. قوله: (منها هنا) من اسم بمعنى بعض مبتدأ مضاف إلى الضمير وهنا اسم مكان مجازي مبني على السكون لتضمنه معنى الإشارة في محل نصب بمحذوف خبر المبتدأ، لا يصح جعل منها خبرا عن هنا لأنه لتضمنه معنى غير مستقل لا يصح الابتداء به، ولو قال منها ما هنا لكان أولى ا ه ح. قلت: ما ذكره من عدم صحة الابتداء بهنا صحيح، لكن علته أنه من الظروف التي لا تتصرف كما في المغني لا ما ذكره، وإلا لزم لا يصح الابتداء بأسماء الإشارة كلها، فافهم. قوله: (وفي قضاء دين) صورته: عليه دين دراهم وقد امتنع من القضاء فوقع من ماله في يد القاضي دنانير كان له أن يصرفها بالدراهم حتى يقضي غريمه، ولا يفعل ذلك في غير الدنانير عند الامام، وعندهما غير الدنانير كذلك ط. قوله: (وشفعة) صورته: أخبر الشفيع أن المشتري اشترى الدار بألف درهم فسلم الشفيع الشفعة ثم تبين أنه قد اشتراها بدنانير قيمتها ألف درهم أو أكثر ليس له طلبها وسقطت بالتسليم الأول ط. قوله: (وإكراه) كما لو أكره على بيع عبده بألف درهم فباعه بخمسين دينارا قيمتها ألف درهم كان البيع على حكم الاكراه، لا لو باعه بكيلي أو وزني أو عرض والقيمة كذلك. قوله: (ومضاربة ابتداء وانتهاء وبقاء) لم يذكر ذلك التقسيم في العمادية، وإنما ذكر صورتين في المضاربة. إحداهما: ما إذا كانت المضاربة دراهم فمات رب المال أو عزل المضارب عن المضاربة وفي يده دنانير لم يكن للمضارب أن يشتري بها شيئا، ولكن يصرف الدنانير بالدراهم، ولو كان ما في يده عروض أو مكيل (1)، أو موزون له أن يحوله إلى رأس المال، ولو باع المتاع بالدنانير لم يكن له أن يشتري بها إلا الدراهم.
(1) قوله: (عروض أو مكيل الخ) هكذا بخطه، ولعل الأصوب عروضا الخ كما لا يخفى ا ه. 194 ثانيهما: لو كانت المضاربة دراهم في يد المضارب فاشترى متاعا بكيلي أو وزني لزمه، ولو اشترى بالدنانير فهو على المضاربة استحسانا عندهما ا ه ملخصا. فالصورة الأولى تصلح مثالا للانتهاء، والثانية للبقاء، لكن لم يظهر لي كون الأولى مما نحن فيه، إذا لو كانت الدراهم والدنانير فيها جنسا واحدا ما كان يلزمه أن يصرف الدنانير بالدراهم. تأمل. ثم رأيت الشارح في باب المضاربة جعلهما جنسين في هذه المسألة وهذا عين ما فهمته، ولله تعالى الحمد. أما مسألة المضاربة ابتداء فقد زادها الشارح. وقال ط: صورته: عقد معه المضاربة على ألف دينار وبين الربح فدفع له دراهم قيمتها من الذهب تلك الدنانير صحت المضاربة والربح على ما شرطا أو لا، كذا ظهر لي (1). قوله: (وامتناع مرابحة) صورته: اشترى ثوبا بعشرة دراهم وباعه مرابحة باثني عشر درهما ثم اشتراه أيضا بدنانير لا يبيعه مرابحة لأنه يحتاج إلى أن يحط من الدنانير ربحه، وهو درهمان في قول الإمام، ولا يدرك ذلك إلا بالحزر والظن، ولو اشتراه بغير ذلك من الكيلي أو الوزني أو العروض باعه مرابحة على الثمن الثاني ا ه. قوله: ولا يدرك الخ أي لأنه يحتاج إلى تقويم الدنانير بالدراهم وهو مجرد ظن، ومبنى المرابحة كالتولية والوضيعة على اليقين بما قام عليه لتنتفي شبهة ا ه ح. قوله: (ويزاد زكاة) فإنه يضم أحد الجنسين إلى الآخر ويكمل به النصاب ويخرج زكاة أحد الجنسين من الآخر ط. قوله: (وشركات) أي إذا كان مال أحدهما دراهم ومال الآخر دنانير فإنها تنعقد شركة العنان بينهما ط. قوله: (وقيم المتلفات) يعني أن المقوم: إن شاء قوم بدراهم، وإن شاء قوم بدنانير، ولا يتعين أحد الجنسين ط. قوله: (وأروش جنايات) كالموضحة يجب فيها نصف عشر الدية، وفي الهاشمة العشر، وفي المنقلة عشر ونصف عشر، وفي الجائفة ثلث الدية. والدية إما ألف دينار وعشرة آلاف درهم من الورق، فيجوز التقدير في هذه الأشياء من أي الجنسين ط. قوله: (وفي الخلاصة) الخ لا محل لهذه الجملة هنا، وستأتي بعينها في محلها، وهو فصل التصرف في المبيع والثمن عقب باب المرابحة ح. قوله: (كل عوض الخ) كالمنقول إذا اشتراه لا يجوز له التصرف فيه قبل قبضه بالبيع، بخلاف ما إذا أعتقه أو دبره أو وهبه أو تصدق به أو أقرضه من غير بائعه فإنه يصح على ما سيأتي. وقوله: (ينفسخ) أي العقد بهلاكه: أي هلاك العوض، والجملة صفة عقد. قال ط: أخرج به الثمن فإنه يجوز التصرف فيه بهبة أو بيع أو غيرهما قبل قبضه، سواء تعين بالتعيين كمكيل أو لا كنقود، لأن العقد لا ينفسخ بهلاكه، لان الأصل وهو المبيع موجود. ويأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى في محله. قوله: (وصح البيع فيما ضم إليه) أي إلى شراء ما باعه بأقل قبل نقد الثمن، منح. قوله: (ثم اشتراه مع شئ آخر بعشرة) وكذا لو اشتراهما بخمسة عشر كما في النهر والفتح. ويظهر منه أنه لو اشتراهما بخمسة مثلا: أي بأقل من
(1) قوله: (كذا ظهر لي) قال ط: ويمكن تصويرها بما رأيت في بعض التقارير عن العلامة عبد البر انه إذا كان رأس المال في المضاربة دنانيرفاشترى المضارب بها دراهم يملك رب المال نهيه عن شراء الأعيان، وذلك لان رب المال له فسخ المضاربة بغير رضا المضارب إذا لم يتضمن ابطال حق المضارب: اي فكأن الدنانير بتقية بعينها، بخلاف ما لو اشترى بها عروضا فان حق المضارب يثبت فيها فلا يملك نهيه الا ان صار المال نضا: اي نقودا ا ه. 195 الثمن الأول فهو كذلك بالأولى، فافهم. قوله: (لأنه طارئ) لأنه يظهر بانقسام الثمن أو المقاصة فلا يسري. زيلعي. قوله: (ولمكان الاجتهاد) أي فكان الفساد فيما بيع أو لا ضعيفا لاختلاف العلماء فيه فلا يسري، كما إذا اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر لا يفسد في الآخر لذلك، بخلاف الجمع بين حر وعبد، وتمامه في الفتح. لأنه إنما منع في الأول باعتبار شبهة الربا، فلو اعتبرت في المضموم لكان اعتبار الشبهة الشبهة وهي غير معتبرة. درر. قوله: (لان مقتضي العقد الخ) أي وهذا الشرط ليس مقتضي العقد فيفسد به، لان فيه نفعا لاحد العاقدين، لأنه قد يكون أكثر مما شرط أو أقل، قال ط: والحيلة في جوازه أن لا يعقد العقد إلا بعد وزنه تحريا للصحة، فيقول بعد الوزن: بعتك ما في هذا الظرف بكذا ويقول الآخر قبلت فيكون هذا من بيع الجزاف وهو صحيح. حموي عن شرح ابن الشلبي. قوله: (فإنه يجوز) فلو باع المشتري السلعة قبل أن يزن الظرف: عن أبي حنيفة: لا يجوز بيع المشتري. وقال أبو يوسف: يجوز. خانية. قوله: (كما لو عرف قدر وزنه) ببناء عرف للمجهول أي لو عرفاه وشرطا طرح قدره فإنه مقتضى العقد فيجوز. قوله: (وقدره) الواو بمعنى أو ط. قوله: (لأنه قابض أو منكر) لف ونشر مرتب، قال في البحر: لأنه إن اعتبر اختلافا في تعيين الزق المقبوض فالقول للقابض ضمينا كان أو أمينا، وإن اعتبر اختلافا في الزيت فهو في الحقيقة اختلاف في الثمن، فيكون القول للمشتري لأنه ينكر الزيادة. وإذا برهن البائع قبلت بينته. وأورد عليه مسألتان: إحداهما: لو باع عبدين ومات أحدهما عند المشتري وجاء بالآخر يرده بعيب واختلفا في قيمة الميت فالقول للبائع. والثانية: أن الاختلاف في الثمن يوجب التحالف. وأجيب عن الأول بأن القول فيه للبائع لانكاره الزيادة أيضا، وعن الثاني بأن التحالف عن خلاف القياس عند الاختلاف في الثمن قصدا، وهنا الاختلاف فيه تبع لاختلافهما في الزق المقبوض أهو هذا أو لا، فلا يوجب التحالف، كذا في الفتح، والزق: بالكسر الظرف.
196 مطلب في بيع الطريق قوله: (وصح بيع الطريق) ذكر في الهداية أنه يحتمل بيع رقبة الطريق وبيع حق المرور، وفي الثاني روايتان ا ه. ولما ذكر المصنف الثاني فيما يأتي علم أن مراده هنا الأول. ثم في الدرر عن التتارخانية: الطرق ثلاثة: طريق إلى الطريق الأعظم. وطريق إلى سكة غير نافذة، وطريق خاص في ملك إنسان، فالأخير لا يدخل في البيع بلا ذكره أو ذكر الحقوق أو المرافق، والأولان يدخلان بلا ذكر ا ه ملخصا. وحاصله: لو باع دارا مثلا دخل فيهما الأولان تبعا بلا ذكر، بخلاف الثالث: والظاهر أن المراد هنا هو الثالث، وقد علمت أيضا أن المراد بيع رقبة الطريق لا حق المرور، لان الثاني يأتي في كلام المصنف، فإذا كانت داره داخل دار رجل وكان له طريق في دار ذلك الرجل إلى داره، فإما أن يكون له فيها حق المرور فقط، وإما أن يكون له رقبة الطريق، فإذا باع رقبة الطريق صح، فإن حد فظاهر، وإلا فله بقدر عرض باب الدار العظمى كما يأتي. والفرق بين هذا الطريق والطريق الثاني وهو ما يكون في سكة غير نافذة إن هذا ملك للبائع وحده ولذا سمي خاصا، بخلاف الثاني فإنه مشترك بين جميع أهل السكة، وفيه أيضا حق للعامة كما يأتي بيانه قريبا، وقد اشتبه ذلك على الشرنبلالي فراجعه يظهر لك ما فيه بعد فهمك ما قررناه، والحمد لله. قوله: (وفي الشرنبلالية عن الخانية لا يصح) نقل في الشرنبلالية عن الخانية الصحة عن مشايخ بلخ فما هنا بناء عليه ا ه ح. قلت: عبارة الشرنبلالية هكذا: قوله: وصح بيع الطريق، يخالفه ما قال في الخانية، ولا يجوز بيع مسيل الماء وهبته، ولا بيع الطريق بدون الأرض، وكذلك بيع الشرب. وقال مشايخ بلخ: جائز، ويخالفه أيضا قوله الآتي في رواية الزيادات ا ه كلام الشرنبلالية، والمتبادر من قول الخانية: وقال مشايخ بلخ: جائز أن خلافهم في بيع الشرب: أي بدون أرض لا في جميع المسائل المذكورة بدليل فصله بقوله وكذلك الخ. وقد ذكر في الدرر خلافهم في مسألة الشرب فقط، ولم أر من ذكر خلافهم في بيع المسيل والطريق، فافهم. ثم اعلم أن ما ادعاه في الشرنبلالية من المخالفة غير مسلم، لان قول المصنف وصح بيع الطريق مراده به رقبة الطريق، بدليل تعليل الدرر بأنه عين معلوم، وبدليل ذكره بيع حق المرور بعده وإلا كان تكرارا، وقد تابعه المصنف هنا. ومراد الخانية ببيع الطريق بيع حق المرور بدليل قوله بدون الأرض، وقوله ويخالفه أيضا الخ غير مسلم حق المرور لا في بيع أيضا، لان رواية الزيادات إنما ذكرها في الدرر في بيع الطريق، فمن أين المخالفة؟ وما ذكره المصنف من جواز بيع الطريق وهبته مشى عليه في الملتقى أيضا بلا ذكر خلاف، وكذا في الهداية وغيرها، وإنما ذكروا اختلاف الرواية في بيع حق المرور كما يأتي. تنبيه: باع رقبة الطريق على أنه له: أي للبائع، حق المرور أو السفل على أن له إقرار العلو جاز. فتح. قبيل قوله: والبيع إلى النيروز. قوله: (ومن قسمة الوهبانية) خبر مقدم، والبيت مبتدأ مؤخر: أي هذا البيت منقول منها ط. قوله: (وليس لهم الخ) جملة، قال الامام: معترضة بين بعض المقول،
197 وهو خبر ليس المقدم واسمها المؤخر، والواو في ولم ينفذ للحال: أي والحال أن الدرب ليس بنافذ. قال ابن الشحنة: والمسألة من التتمة عن نوادر ابن رستم (1). قال أبو حنيفة في سكة غير نافذة: ليس لأصحابها أن يبيعونها ولو اجتمعوا على ذلك، ولا أن يقسموها فيما بينهم، لان الطريق الأعظم إذا كثر الناس فيه كان لهم أن يدخلوا هذه السكة حتى يخف هذا الزحام. قال الناطفي: وقال شداد في دور بين خمسة: باع أحدهم نصيبه من الطريق فالبيع جائز، وليس للمشتري المرور فيه إلا أن يشتري دار البائع، وإذا أرادوا أن ينصبوا على رأس سكنهم دربا ويسدوا رأس السكة ليس لهم ذلك، لأنها وإن كانت ملكا لهم ظاهرا لكن للعامة فيها نوع حق ا ه. ملخصا. ثم أفاد أن ما توهمه الناظم في شرحه من اختلاف الروايتين مدفوع، فإن ما ذكره ابن رستم في بيع الكل، وما ذكره في شداد في بيع البعض. والفرق أن الثاني لا يفضي إلى إبطال حق العامة، بخلاف الأول. هذا، وقد علمت ما قررنا سابقا أن ما في الوهبانية غير ما ذكره المصنف، لان مراد المصنف الطريق الخاص المملوك لواحد، وهذا طريق مشترك في سكة مشتركة. قوله: (وفي معاياتها) خبر مقدم، والبيت مبتدأ مؤخر، وجملة وارتضاه ألح معترضة، والضمير للوهبانية، وهي مفاعلة من عاياه: إذا سأله عن شئ يظن عجزه عن جوابه، من قولهم عيني عن جوابه: إذا عجز، وتمامه في ط (2) عن ابن الشحنة. قال السائحاني: والمعاياة عند الفرضيين كالألغاز عند الفقهاء والأحاجي عند أهل اللغة، لان ما يستخرج بالحزر يوقي الحجي: أي العقل والألغاز: جمع لغز بضم اللام، وقيل: بفتحها وبفتح الغين المعجمة. قوله: (وارتضاه في ألغاز الأشباه) حقه أن يذكر عند البيت الأول، فإن الذي في ألغاز الأشباه هكذا: أي شركاء فيما يمكن قسمته إذا طلبوها لم يقسم نقل السكة الغير النافذة ليس لهم أن يقتسموها وإن أجمعوا على ذلك ا ه. قوله: (ومالك أرض الخ) هي الأرض المملوكة من السكة الغير النافذة فإنه لا يملك بيعها من غير شريكه. قال: ولو باعها لبعض الشركاء هل يجوز؟ فيه نظر، ولم أقف على الجواب فيه ا ه. قلت: ظاهر قولهم أنه لا يجوز بيع الطريق يقتضي المنع مطلقا حالة الانفراد، وإنما يجوز بالتبعية فيما إذا باع الدار وطريقها. قاله عبد البر بن الشحنة. قلت: الذي تقدم في شداد جواز البيع، ثم عدم الجواز إنما هو على ما في الخانية. وقال مشايخ بلخ بالجواز ط. قلت: قدمنا الكلام على ما في الخانية، فافهم. قوله: (وإن لم يبين الخ) بيان لقوله: أولا وكان الأولى تقديمه على قوله: (وهبته) كما فعل في الدرر. قوله: (يقدر بعرض باب الدار العظمى)
(1) ابن رستم وهو أبو بكر المروزي أحد الاعلام تفقه على محمد بن الحسن وروى عنه النوادر وشداد هو ابن حكيم من أصحاب زفر مات سنة عشر ومائتين تراجم العلامة قاسم ا ه منه. (2) قوله (وتمامه في ط) حيث قال: وهو مباح إذا كان القصد منه تشحيذ الأذهان واستعمال القرائح، والأصل فيه سؤاله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم، عن الشجرة التي لا يسقط ورقها ذكره العلامة عبد البر ا ه. 198 عزاه في الدرر إلى النهاية ومثله في الفتح بزيادة قوله: وطوله إلى السكة النافذة. ثم قال في الدرر: وعلى التقديرين يكون عينا معلوما فيصح بيعه وهبته ا ه. قلت: والظاهر أن العظمى صفة لباب، وأنثها لاكتساب الباب التأنيث بإضافته إلى الدار المؤنثة، ومعناه أنه لو كان له دار في داخل جاره مثلا وطريق في دار الجار فباع الطريق وحده ولم يبين قدره كان للمشتري من دار الجار بعرض باب دار البائع، فلو كان لها بابان الأول أعظم من الثاني كان له بقدر الباب الأعظم، هذا ما ظهر لي، وفي القهستاني: وطريق الدار عرضه عرض الباب الذي هو مدخلها وطوله منه إلى الشارع ا ه. وفي الفتح عند قوله: ولو اشترى جارية إلا حملها الخ، ولو قال: بعتك الدار الخارجة على أن تجعل لي طريقا إلى داري هذه الداخلة فسد البيع، ولو قال: إلا طريقا إلى داري الداخلة جاز وطريقه بعرض باب الدار الخارجة ا ه. فرع: في الخانية: باع نخلة في أرض صحراء بطريقها من الأرض ولم يبين موضع الطريق. قال أبو يوسف: يجوز، وله أن يذهب إلى النخلة من أي النواحي شاء ا ه. فأفاد جواز بيع الطريق تبعا وإن لم يكن له ما يقدر به. تأمل. مطلب في بيع المسيل قوله: (لا بيع مسيل الماء) هذا أيضا يحتمل بيع رقبة المسيل وبيع حق التسييل كما في الهداية، ولكن لما قال المصنف بعده لا بيع حق التسييل علم أن مراده بيع رقبة المسيل. ووجه الفرق بينه وبين رقبة الطريق كما في الهداية أن الطريق معلوم، لان له طولا وعرضا معلوما كما مر. وأما المسيل فمجهول لأنه لا يدري قدر ما يشغله من الماء ا ه. قال في الفتح: ومن هنا عرف أن المراد ما إذا لم يبين مقدار الطريق والمسيل، أما لو بين حد ما يسيل فيه الماء أو باع أرض المسيل من نهر أو غيره من غير اعتبار حق التسييل فهو جائز بعد أن يبين حدوده ا ه. قوله: (تبعا للأرض) يحتمل أن يكون المراد تبعا لأرض الطريق، بأن باع الطريق وحق المرور فيه، وأن يكون المراد ما إذا كان له حق المرور في أرض غيره إلى أرضه فباع أرضه مع حق مرورها الذي في أرض الغير، والظاهر أن المراد الثاني، لان الأول ظاهر لا يحتاج إلى التنصيص عليه، ولقولهم إنه لا يدخل إلا بذكره أو بذكر كل حق لها، وهذا خاص بالثاني كما لا يخفى. قوله: (وبه أخذ عامة المشايخ) قال السائحاني: وهو الصحيح، وعليه الفتوى مضمرات ا ه. والفرق بينه وبين حق التعلي حيث لا يجوز هو أن حق المرور حق يتعلق برقبة الأرض، وهي مال هو عين، فيما يتعلق به له حكم العين. أما حق التعلي فمتعلق بالهواء وهو ليس بعين مال ا ه فتح. قوله: (وفي أخرى لا) قال في الدرر: وفي رواية الزيادات: لا يجوز، وصححه الفقيه أبو الليث بأنه حق من الحقوق، وبيع الحقوق بانفراده لا يجوز ا ه. وهذه الرواية التي توهم في الشرنبلالية مخالفتها لقول المصنف والدرر: وصح بيع الطريق، وقدمناه ما فيه. مطلب في بيع الشرب قوله: (وكذا بيع الشرب) أي فإنه يجوز تبعا للأرض بالاجماع، ووحده في رواية وهو اختيار مشايخ بلخ لأنه نصيب من الماء. درر. ومحل الاتفاق ما إذا كان شرب تلك الأرض، فلو شرب غيرها
199 ففيه اختلاف المشايخ كما في الفتح والنهر. قوله: (وظاهر الرواية فساده) إلا تبعا، وهو الصحيح كما في الفتح، وظاهر كلامهم أنه باطل. قال في الخانية: وينبغي أن يكون فاسدا لا باطلا، لان بيعه يجوز في رواية، وبه أخذ بعض المشايخ، وجرت العادة ببيعه في بعض البلدان فكان حكمه حكم الفاسد يملك بالقبض، فإذا باعه بعده: أي مع أرض له ينبغي أن يجوز، ويؤيده ما في الأصل: لو باعه بعبد وقبض العبد وأعتقه جاز عتقه، ولو لم يكن الشرب محلا للبيع لما جاز عتقه، كما لو اشترى بميتة أو دم فأعتقه لا يجوز ا ه. وأما ضمانه بالاتلاف بأن يسقي أرضه بشرب غيره فهو إحدى الروايتين، والفتوى على عدمه كما في الذخيرة، وهو الأصح كما في الظهيرية. وتمامه في النهر. قوله: (وسنحققه في إحياء الموات) حيث قال هو المصنف هناك: ولا يباع الشرب ولا يوهب، ولا يؤجر ولا يتصدق به، لأنه ليس بمال متقوم في ظاهر الرواية، وعليه الفتوى. ثم نقل عن شرح الوهبانية أن بعضهم جوز بيعه. ثم قال: وينفذ الحكم بصحة بيعه ا ه ط. قوله: (لا يصح بيع حق التسييل الخ) أي باتفاق المشايخ. ووجه الفرق بينه وبين حق المرور على رواية جوازه أن حق المرور معلوم لتعلقه بمحل معلوم وهو الطريق، أما التسييل، فإن كان على السطح فهو نظير حق التعلي، وبيع حق التعلي لا يجوز باتفاق الروايات، ومر وجهه، وهو ليس حقا متعلقا بما هو مال بل بالهواء وإن كان على الأرض، وهو أن يسيل الماء عن أرضه كي لا يفسدها فيمره على أرض لغيره فهو مجهول لجهالة محله الذي يأخذه، وتمامه في الفتح. قوله: (لأنه حق التعلي) أي نظيره. قوله: (بثمن مؤجل) أي ثمن دين، أما تأجيل المبيع والثمن العين فمفسد مطلقا كما سيذكره الشارح. قوله: (إلى النيروز) أصله نوروز عرب. وقد تكلم به عمر رضي الله تعالى عنه فقال: كل يوم لنا نوروز، حين كان الكفار يبتهجون به. فتح. قوله: (في الحوت) الذي في الحموي عن البرجندي: الجدي ط. قلت: وهذا أول فصل الشتاء، وما ذكره الشارح مذكور في القهستاني. قوله: (فإذا لم يبينا الخ ) أي إذا لم يبين العاقدان واحدا من السبعة فسد، أما إذا بيناه اعتبر معرفة وقته فإن عرف صح وإلا فسد وهو ما ذكره المصنف. قوله: (والمهرجان) بكسر الميم وسكون الهاء. ط عن المفتاح، وفي القهستاني أنه نوعان (2) عامة، وهو أول يوم من الخريف: أعني اليوم السادس عشر من مهرماه. وخاصة، وهو
(2) قوله: (نوعان) فهو مجهول فيفسد. وفي ط: النيروز في مصر زمن معلوم عندهم منفرد ليس بمتعدد، فيصح التاجيل إليه على ما يظهر ا ه. 200 اليوم السادس والعشرون منه. قوله: (فاكتفى بذكر أحدهما) ولكن إنما عبر المصنف بذلك كغيره لما قاله في السراج (2) أيضا: إن صوم النصارى غير معلوم وفطرهم معلوم، واليهود بعكسه ا ه. والحاصل أن المدار على العلم وعدمه، كما أفاده المصنف بقوله: إذا لم يدر المتعاقدان. قوله: (فلو عرفاه جاز) أي عرفه كل منهما، فلو عرفه أحدهما فلا. أفاده الرملي. قوله: (للعلم به) قال في الهداية. لان مدة صومهم بالأيام، فهي معلومة فلا جهالة ا ه. ومفاده أن صوم اليهود ليس كذلك. قال في الفتح: والحاصل أن المفسد الجهالة، فإذا انتفت بالعلم بخصوص هذه الأوقات جاز. قوله: (وهو خمسون يوما) كذا في الدرر عن التمرتاشي، وفي الفتح والنهر خمسة وخمسون يوما. وفي القهستاني: صوم النصارى سبعة وثلاثون يوما في مدة ثمانية وأربعين يوما، فإن ابتداء صومهم يوم الاثنين الذي يكون قريبا من اجتماع النيرين الواقع ثاني شباط من آذار، ولا يصومون يوم الأحد ولا يوم السبت إلا يوم السبت الثامن والأربعين، ويكون فطرهم: يعني يوم عيدهم يوم الأحد بعد ذلك. قوله: (والحصاد) بفتح الحاء وكسرها ومثله القطاف والدياس. فتح. قوله: (والدياس) هو دوس الحب بالقدم لينقشر، وأصله الدواس بالواو لأنه من الدوس قلبت ياء للكسرة قبلها. فتح. قوله: (قوله لأنها) أي المذكورات من قوله: إلى قدوم وما بعده. قوله: (ولو باع الخ) أفاد أن ما ذكر من الفساد بهذه الآجال إنما هو إذا ذكرت في أصل العقد، بخلاف ما إذا ذكرت بعده، كما لو ألحقا بعد العقد شرطا فاسدا، ويأتي تصحيح أنه لا يلتحق. قوله: (شمني) ومثله في الفتح. قوله: (صح التأجيل) كذا جزم به في الهداية والملتقى وغيرهما، وقدمنا تمام الكلام عليه أول البيوع عند قوله:
(2) قوله: (لما قاله في السراج الخ) هكذا ذكره في السراج لوبل بقيل جوابا عن مصنفه ثم رده. وأجاب بما نقله الشارح عنه وعبارته: فان قيل لم خص صوم النصارى بالذكر دون فطرهم وفطر اليهود دون صومهم؟ قيل لان صوم النصارى إلى آخر ما ذكره المحشي، ثم رجه بأنه لو أجل إلى صوم اليهود يكون الحكم كذلك لا يتفاوت صومهم وفطرهم، ثم أجاب بما ذكره الشارح. إذا علمت ذلك تعلم أن صنيع المحشي غير مرضي حيث جعل أحد الجوابين استدراكا على الاخر خصوصا والمستدرك به ضعيف كما علمت ا ه. 201 وصح بثمن حال ومؤجل إلى معلوم فراجعه. قوله: (ومتحملة في الدين) راجع إلى قوله: ولو باع مطلقا الخ يعني أن التأجيل بعد صحة العقد تأجيل دين من الديون فتتحمل فيه الجهالة اليسيرة، بخلافه في صلب العقد، لان قبول هذه الآجال شرط فاسد والعقد يفسد به، أفاده في الفتح. قوله: (والكفالة) فإنها تتحمل جهالة الأصل كالكفالة بما ذاب لك على فلان، والذوب غير معلوم الوجود فتحل جهالة الوصف وهو الاجل بالأولى، وتمامه في الفتح. قوله: (لا الفاحشة) كإلى هبوب الريح ونحوه كما يأتي. قال في النهر: وهذا يشير إلى أن اليسيرة ما كانت في التقدم والتأخر، والفاحشة ما كانت في الوجود كهبوب الريح، كذا في العناية ا ه. تنبيه: في الزاهدي: باعه بثمن نصفه نقد ونصفه إذا رجع من بلد كذا فهو فاسد. قوله: (أو أسقط المشتري الاجل) وجه الصحة أو الفساد كان للتنازع وقد ارتفع قبل تقرره، وأفاد أن له الحق يستبد بإسقاطه لأنه خالص حقه. وأما قول القدوري: تراضيا على إسقاطه، فهو قيد اتفاقي كما في الهداية. قوله: (قبل حلوله) قيد به لأنه لو أسقطه بعد حلوله لا ينقلب جائزا. منح: أي لو قال أبطلت التأجيل الذي شرطته في العقد لا يبطل ويبقى الفساد لتقرره بمضي الاجل وليس المراد إسقاط الاجل الماضي، فافهم. قوله: (وقبل فسخه) أي فسخ العقد: أما لو فسخه للفساد ثم أسقط الاجل لا يعود العقد صحيحا لارتفاعه بالفسخ. قوله: (وقبل الافتراق) هذا في الاجل المجهول جهالة متفاحشة كما يأتي فلا محل لذكره هنا، ولذا اعترضه الرملي بأن إطباق المتون على عدم ذكره صريح في عدم اشتراطه. وقول الزيلعي: لو أسقط المشتري الاجل قبل أخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج جاز البيع صريح بانقلابه جائزا ولو بعد أيام، ولو شرطنا قبل الافتراق لما صح قوله قبل أخذ الناس الخ، وإذا تتبعت كلامهم جميعا وجدته كذلك ا ه. ملخصا. قوله: (قوله ابن كمال وابن مالك) أقول: عزاه ابن كمال إلى شرح الطحاوي، وعزاه ابن ملك إلى الحقائق عن شرح الطحاوي وهو غير صحيح، فإن الذي رأيته في الحقائق وهو شرح المنظومة النسفية في باب ما اختص به زفر هكذا: اعلم أن البيع بأجل مجهول لا يجوز إجماعا، سواء كانت الجهالة متقاربة كالحصاد والدياس مثلا، أو متفاوتة كهبوب الريح وقدوم واحد من سفره، فإن أبطل المشتري الاجل المجهول المتقارب قبل محله وقبل فسخ العقد بالفساد انقلب البيع جائزا عندنا، وعند زفر: لا ينقلب، ولو مضت المدة قبل إبطال الاجل تأكل الفساد ولا ينقلب جائزا إجماعا، وإن أبطل المشتري الاجل المجهول المتفاوت قبل التفرق ونقد الثمن انقلب جائزا عندنا، وعند زفر: لا ينقلب جائزا، ولو تفرقا قبل الابطال تأكد الفساد ولا ينقلب جائزا إجماعا من شرح الطحاوي في أول السلم. قلت: ذكر أبو حنيفة الاجل المجهول مطلقا، وقد بينت أن إسقاط كل واحد مؤقت بوقت على حدة ا ه ما في الحقائق، وقدمنا مثله أول البيوع عن البحر عن السراج، ورأيته منقولا أيضا عن البدائع. وحاصله أن اعتبار إبطال الاجل قبل التفرق إنما هو في الاجل المجهول المتفاوت: أي المجهول جهالة متفاحشة، لا في المجهول المتقارب فإنهم لم يذكروه فيه. والظاهر أن ابن كمال تابع ابن ملك،
202 وأن نسخة الحقائق التي نقل منها ابن مالك فيها سقط، وتبعه أيضا المصنف والشارح، وهذا من جملة المواضع التي لم أر من نبه عليها ولله تعالى الحمد. تنبيه: قول الحقائق ونقد الثمن غير شرط في المجلس لما في التاسع والثلاثين من جامع الفصولين: أبطل المشتري الاجل الفاسد ونقد الثمن في المجلس أو بعده جاز البيع عندنا استحسانا. وقال زفر والشافعي: لم يجز، وتمامه فيه. قوله: (فلا ينقلب جائزا وإن أبطل الاجل) هذا يوهم أن المراد وإن أبطل الاجل قبل الافتراق وليس كذلك، لما علمت من صريح النقول أنه ينقلب جائزا، ولان العيني لم يذكر قوله قبل الافتراق، فتعين أن المراد: وإن أبطله قبل حلوله. قوله: (أو أمر المسلم الخ) عطف على كفل من قوله: كما لو كفل ط. قوله: (يبيع خمر أو خنزير) أي مملوكين له بأن أسلم عليهما ومات قبل أن يزيلهما وله وارث مسلم فيرثهما. فتح. قوله: (يعني صح ذلك) أي التوكيل وبيع الوكيل وشراؤه. بحر. قوله: (مع أشد كراهة) أي مع كراهة التحريم، فيجب عليه أن يخلل الخمر أو يريقها ويسيب الخنزير، ولو وكله ببيعهما يجب عليه أن يتصدق بثمنهما. نهر وغيره، وانظر لم لم يقولوا: ويقتل الخنزير مع أن تسييب السوائب لا يحل. قوله: (كما صح ما مر) وهو المعطوف عليه. منح: أي الكفالة وإسقاط الاجل: وأفاد بهذا أن قوله: أو أمر معطوف على قوله: كفل لئلا يتوهم عطفه على ما لا يصح وهو البيع إلى النيروز. قوله: (لان العاقد الخ) أي إن الوكيل في البيع يتصرف بأهلية نفسه لنفسه، حتى لا يلزمه أن يضيف العقد إلى الموكل وترجع حقوق العقد إليه وهو أهل لبيع الخمر وشرائها شرعا فلا مانع شرعا من توكله. فتح. قوله: (أمر حكمي) أي يحكم الشرع بانتقال ما ثبت للوكيل من الملك إليه فيثبت له كثبوت الملك الجبري له بموت مورثه. قوله: (وقالا لا يصح) أي يبطل كما في البرهان. قوله: (وهو الأظهر) لعل وجهه ما قاله في الفتح من أن حكم هذه الوكالة في البيع أن لا ينتفع بالثمن، وفي الشراء أن يسيب الخنزير ويخلل الخمر أو يريقها فبقي تصرفا بلا فائدة فلا يشرع مع كونه مكروها تحريما، فأي فائدة في الصحة؟ وأجاب في النهر بأنا لا نسلم عدم المشروعية، لأن عدم طيب الثمن لا يستلزم عدم الصحة، كما في شعر الخنزير إذا لم يوجد مباح الأصل جاز بيعه وإن لم يطلب ثمنه، وأما في الشراء فله فائدة في الجملة وهي تخليل الخمر ا ه. وتأمل ذلك مع ما قدمناه عند قوله: وشعر الخنزير الخ. مطلب في البيع بشرط فاسد قوله: (ولا بيع بشرط) شروع في الفساد الواقع في العقد بسبب الشرط لنهيه (ص) (1) عن بيع وشرط، ولكن ليس كل شرط يفسد البيع. نهر. وأشار بقوله: بشرط إلى أنه لا بد من كونه مقارنا
(1) قوله: (لنهيه صلى الله عليه وسلم) قال في الدرر: وانما فسد البيع بهذا الشرط لأنهما إذا قصدا المقابلة بين المبيع والشرط فقد خلا الشرط عن العوض وقد وجب البيع بالشرط فيه فكان شرطا مستحقا بعقد معاوضة خالية عن العوض فيكون ربا، وكل عقد بشرط الربا يكون فاسدا ا ه. ط. 203 للعقد، لان الشرط الفاسد لو التحق بعد العقد، قيل: يلتحق عند أبي حنيفة، وقيل: لا، وهو الأصح كما في جامع الفصولين في 93، لكن في الأصل أنه يلتحق عند أبي حنيفة وإن كان الالحاق بعد الافتراق عن المجلس، وتمامه في البحر. قلت: هذه الرواية الأخرى عن أبي حنيفة، وقد علمت تصحيح مقابلها وهي قولهما: ويؤيده ما قدمه المصنف تبعا للهداية وغيرها، من أنه لو باع مطلقا عن هذه الآجال ثم أجل الثمن إليها صح فإنه في حكم الشرط الفساد كما أشرنا إليه هناك، ثم ذكر في البحر أنه لو أخرجه مخرج الوعد لم يفسد. وصورته كما في الولوالجية: قال: اشتر حتى أبني الحوائط ا ه. قال في النهر بعد ما ذكر عبارة جامع الفصولين: وبهذا ظهر خطأ بعض حنفية العصر، إذ أفتى في رجل باع لآخر قصب سكر قدرا معينا وأشهد على نفسه بأنه يسقيه ويقوم عليه بأن البيع فاسد لأنه شرط تركه على الأرض، نعم الشرط غير لازم ا ه. قلت: وفي جامع الفصولين أيضا لو ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط على وجه العقد جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة فيجعل لازما لحاجة الناس تبايعا بلا ذكر شرطا الوفاء ثم شرطاه يكون بيع الوفاء، إذ الشرط اللاحق يلتحق بأصل العقد عند أبي حنيفة، ثم رمز أنه يلتحق عنده لا عندهما، وأن الصحيح أنه لا يشترط لالتحاقه مجلس العقد ا ه. وبه أفتى في الخيرية وقال: فقد صرح علماؤنا بأنهما لو ذكرا الشرط البيع بلا شرط ثم ذكرا على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد ا ه. قلت: فهذا أيضا مبني على خلاف ما مر تصحيحه، والظاهر أنهما قولان مصححان. مطلب في الشرط الفاسد إذا ذكر بعد العقد أو قبله تنبيه: في جامع الفصولين أيضا: لو شرط شرطا فاسدا قبل العقد ثم عقدا لم يبطل العقد ا ه. قلت: وينبغي الفساد لو اتفقا على بناء العقد عليه كما صرحوا به في بيع الهزل كما سيأتي آخر البيوع، وقد سئل الخير الرملي عن رجلين تواضعا على بيع الوفاء قبل عقده وعقد البيع خاليا عن الشرط. فأجاب بأنه صرح في الخلاصة والفيض والتتارخانية وغيرها بأنه يكون على ما تواضعا. قوله: (عطف على إلى النيروز) كذا في الدرر، لكن هذا ظاهر لو كان لفظة بيع ليست من المتن كعبارة الدرر. أما على كونها من المتن فالعطف على البيع في قوله: والبيع إلى النيروز. قوله: (الأصل الجامع) مبتدأ، وقوله: بسبب شرط خبره ا ه ح. والجملة في محل نصب بيعني، ويحتمل نصب الأصل على أنه مفعول يعني أي يعني المصنف الأصل الجامع في فساد العقد الخ ط. قلت: وفي كل من التوجيهين خفاء، وكان الأوضح أن يزيد الشارح لفظة ما قبل قوله: لا يقتضيه فتكون هي الخير، لأن الظاهر أن قوله: بسبب متعلق بفساد، وهذا ينافي كونه خبرا عن الأصل، ولان مراده أن يصير قوله: لا يقتضيه القعد الخ أصلا وضابطا، ولا يتم ذلك إلا بما قلنا نعم يحتمل كون الخبر بيع بشرط فل عليه ما قبله، ولا يصح كون ما قبله هو الخبر اقترانه بالواو العاطفة. قوله: (لا يقتضيه العقد ولا يلائمه) قال في البحر: معنى كون الشرط يقتضيه العقد أن يجب
204 بالعقد من غير شرط، ومعنى كونه ملائما أن يؤكد موجب العقد، كذا في الذخيرة. وفي السراج الوهاج: أن يكون راجعا إلى صفة الثمن أو المبيع كاشتراط الخبز والطبخ والكتابة ا ه ما في البحر. قوله: (وفيه نفع لأحدهما) الأولى قول الزيلعي، وفيه نفع لأهل الاستحقاق، فإنه أشمل وأحضر لشموله ما فيه نفع لأجنبي، فيوافق قوله الآتي: ولا نفع فيه لاحد ولاستغنائه عن قوله: أو لمبيع. تنبيه: المراد بالنفع ما شرط من أحد العاقدين على الآخر، فلو على أجنبي لا يفسد ويبطل الشرط، لما في الفتح عن الولوالجية: بعتك الدار بألف على أن يقرضني فلان الأجنبي عشرة دراهم فقبل المشتري لا يفسد البيع، لأنه لا يلزم الأجنبي، ولا خيار للبائع ا ه ملخصا. وفي البحر عن الملتقى قال محمد: كل شئ يشترطه المشتري على البائع يفسد به البيع، فإذا شرطه على أجنبي فهو باطل، كما إذا اشترى دابة على أن يهبه فلان لأجنبي كذا، وكل شئ يشترطه على البائع لا يفسد به البيع، فإذا شرطه على أجنبي فهو جائز وهو بالخيار، كما إذا اشترى على أن يحط عنه فلان الأجنبي كذا جاز البيع، فإن شاء أخذه بجميع الثمن أو ترك ا ه. قوله: (من أهل الاستحقاق) أي ممن يستحق حقا على الغير وهو الآدمي. بحر. قوله: (فلو لم يكن الخ) صرح بمحترز هذا القيد والذي بعده وإن كان يأتي لزيادة البيان. قوله: (قوله كشرط أن يقطعه) أي يقطع المبيع من حيث هو الصادق على الثوب أو العبد أو غيرهما، وبهذا ساغ عود الضمير عليه في قوله: أو يعتقه الخ. قوله: (مثال لما لا يقتضيه العقد) أي ولا يلائمه، ولم يذكر مثال ما يقتضيه العقد ولا يلائمه. قال في البحر: خرج عن الملائم للعقد ما لو اشترى أمة بشرط أن يطأها أو لا يطأها فالبيع فاسد، لان الملائم للعقد الاطلاق، وعن أبي يوسف: يجوز في الأول لأنه ملائم. وعند محمد: يجوز فيهما، لان الثاني إن لم يقتضيه العقد لا نفع فيه لاحد، فهو شرط لا طالب له ا ه. قوله: (وفيه نفع للمشتري) ومنه ما لو شرط على البائع طحن الحنطة أو قطع الثمرة، وكذا ما اشتراه على أن يدفعه البائع إليه قبل دفع الثمن أو على أن يدفع الثمن في بلد آخر، أو على أن يهب البائع منه كذا، بخلاف على أن يحط من ثمنه كذا، لان الحط ملحق بما قبل العقد ويكون البيع بما وراء المحطوط. بحر. قوله: (مثال لما فيه نفع للبائع) ومنه ما لو شرط البائع أن يهبه المشتري شيئا أو يقرضه أو يسكن الدار شهرا أو أن يدفع المشتري الثمن إلى غريم البائع، لسقوط مؤنة القضاء عنه، ولان الناس يتفاوتون في الاستيفاء، فمنهم من يسامح ومنهم من يماكس، أو على أن يضمن المشتري عنه ألفا لغريمه. بحر. قوله: (لما مر الخ) قال في العزمية على الدرر: لم يسبق منه شئ مثل هذا في باب خيار الرؤية ولا
205 في غيره، ولو سلم فلا مساس له بمسألتنا. قوله: (أو يعتقه) الضمير المستتر فيه وفيما بعده عائد على المشتري. قوله: (فإن أعتقه صح) أي انقلب جائزا عنده خلافا لهما، حتى يجب على المشتري الثمن وعندهما القيمة، بخلاف التدبير ونحوه، لان شرط العتق بعد وجوده يصير ملائما للعقد لأنه منه للملك والفاسد لا تقرر له فيكون صحيحا، ولا كذلك التدبير ونحوه لجواز أن يحكم قاض بصحة بيعه فيقرر الفساد. وأجمعوا على أنه لو أعتقه قبل القبض لا يعتق إلا إذا أمره البائع (1) بالعتق، لأنه صار قبض المشتري سابقا عليه، لان البائع سلطه عليه، وعلى أنه لو هلك في يد المشتري قبل العتق أو باعه أو وهبه يلزمه القيمة. نهر ملخصا. قوله: (مثال لما فيه نفع لمبيع يستحقه) لان العبد آدمي والآدمي من أهل الاستحقاق ومنه اشتراط أن لا يبيعه أو لا يهبه، لان المملوك يسره أن لا تتداوله الأيدي، وكذا بشرط أن لا يخرجه من مكة. وفي الخلاصة: اشترى عبدا على أن يبيعه جاز، وعلى أن يبيعه من فلان لا يجوز لان له طالبا. وفي البزازية: اشترى عبدا على أن يطعمه لم يفسد، وعلى أن يطعمه خبيصا فسد ا ه بحر. ونقل في الفتح أيضا عبارة الخلاصة وأقرها. والظاهر أن وجهها كون بيع العبد ليس فيه نفع له، فإذا شرط بيعه من فلان صار فيه نفع لفلان وهو من أهل الاستحقاق فيفسد. ووجه ما في البزازية إن إطعام العبد من مقتضيات العقد، بخلاف إطعامه نوعا خاصا كالخبيص. قوله: (ثم فرع على الأصل) أي ذكر فروعا مبنية عليه، وتقدم في آخر باب خيار الشرط أن البيع لا يفسد بالشرط في اثنين وثلاثين موضعا، فراجعها. قوله: (يقتضيه العقد) أي يجب به بلا شرط. قوله: (ولا نفع فيه لاحد) أي من أهل الاستحقاق للنفع، إلا فالدابة تنتفع ببعض الشروط، وشمل ما فيه مضرة لأحدهما. قال في النهر: كأن كان ثوبا على أن يخرقه أو جارية على أن لا يطأها أو دارا على أن يهدمها، فعند محمد: البيع جائز والشرط باطل. وقال أبو يوسف: البيع فاسد، كذا في الجوهرة. ومثل في البحر لما فيه مضرة بما إذا اشترى ثوبا على أن لا يبيعه ولا يهبه، والبيع في مثله جائز عندهما خلافا لأبي يوسف ا ه. قلت: فإطلاق المصنف مبني على قولهما، وشمل أيضا ما لا مضرة فيه ولا منفعة، قال في البحر: كأن اشترى طعاما أكله أو ثوبا بشرط لبسه فإنه يجوز ا ه. تأمل. قوله: (ولو أجنبيا) تعميم لقوله: لاحد وبه صرح الزيلعي أيضا. قوله: (فلو شرط الخ) تفريع على مفهوم التعميم المذكور، فإن مفهومه أنه لو كان فيه نفع لأجنبي يفسد البيع، كما لو كان لاحد المتعاقدين. قوله: (أو أن يقرضه) أي إن يقرض فلانا أحد العاقدين كذا، بأن شرط المشتري على البائع أن يقرض زيدا
(1) قوله: (الا إذا امره البائع) الصواب حذف الضمير، لان عبارة البحر فيها التصريح بان الامر بالعتق المشتري لا البائع. وعبارته: واجمعوا انه لو أعتقه قبل القبض لا يعتق. وافاد في الظهيرية ان المشتري لو امر البائع بالعتق قبل القبض فأعتق جاز فقد ملك المأمور ما لا يملك الآمر، وانما كان كذلك لأنه لما امره بالعتق فقد طلب منه تسليطه على القبض فإذا أعتق بأمره صار قبض المشتري سابقا عليه لان البائع سلطه عليه ا ه. 206 الأجنبي كذا من الدراهم أو شرط البائع على المشتري ذلك. قوله: (فالأظهر الفساد) وبه جزم في الفتح بقوله: وكذا إذا كانت المنفعة لغير العاقدين، ومنه إذا باع ساحة على أن يبني بها مسجدا أو طعاما على أن يتصدق به فهو فاسد ا ه. ومفاده أنه لا يلزم أن يكون الأجنبي معينا، وتأمله مع ما قدمناه آنفا عن الخلاصة، إلا أن يجاب بان المسجد والصدقة يراد بهما التقرب إلى الله تعالى وحده، وإن كانت المنفعة فيهما لعباده، فصار المشروط له معينا بهذا الاعتبار. تأمل. قوله: (وظاهر البحر ترجيح الصحة) حيث قال: وخرج أيضا ما إذا شرط منفعة لأجنبي، كأن يقرض البائع أجنبيا، فالبيع صحيح كما في الذخيرة عن الصدر الشهيد، وفيها: ذكر القدوري أنه يفسد كأن يقول اشتريت منك هذا على أن تقرضني أو تقرض فلانا ا ه. وفي القهستاني عن الاختيار جواز البيع وبطلان الشرط وفي المنح: واختار صاحب الوقاية تبعا لصاحب الهداية عدم الفساد ا ه. وله جزم في الخانية. قلت: لكن قد علمت أن ما نقله الشارح عن ابن ملك من التعميم للأجنبي، صرح به الزيلعي، وبه جزم في الفتح، وكذا في الخلاصة كما قدمناه آنفا. والحاصل: أنهما قولان في المذهب. قوله: (عبر ابن الكمال بيركب الدابة) وهو أحسن، لان المراد بقوله: ولا نفع فيه لاحد أي من أهل الاستحقاق، فالتقييد بأهل الاستحقاق للاحتراز عما فيه لغيرهم كالدابة في بيعها بشرط أن لا يركبها فإنه غير مفسد لأنها ليست بأهل لاستحقاق النفع. وأما اشتراط أن لا يبيعها فإنه ليس فيه نفع لها عادة ولا لغيرها، وذلك ليس محل التوهم ليحترز عنه، بخلاف ما فيه نفعها. قوله: (لكن يلائمه) عبر بدله في الفتح بما يتضمن التوثق بالثمن، وهو قريب مما قدمناه عن الذخيرة من تفسير الملائم بما يؤكد موجب العقد، فإن الثمن من موجبات العقد. قوله: (كشرط رهن معلوم) أي بالإشارة أو التسمية، فلو لم يكن معلوما بذلك لم يجز إلا إذا تراضيا على تعيينه في المجلس ودفعه إليه قبل أن يتفرقا أو يعجل الثمن ويبطلان الرهن، وإذا كان مسمى فامتنع عن تسليمه لم يجبر، وإنما يؤمر بدفع الثمن، فإن لم يدفعهما خير البائع في الفسخ. بحر. قوله: (وكفيل حاضر) أي وقبل الكفالة، وكذا لو غائبا فحضر وقبلها قبل التفرق، فلو بعده أو كان حاضرا فلم يقبل لم يجز، واشتراط الحوالة كالكفالة. بحر. قلت: في الخانية: ولو باع على أن يحيل البائع رجلا بالثمن على المشتري فسد البيع قياسا واستحسانا ولو باع على أن يحيل المشتري البائع على غيره بالثمن فسد قياسا وجاز استحسانا. قوله: (أي صرم) بفتح الصاد المهملة: وهو الأديم: أي الجلد. قوله: (سماه باسم ما يؤول) أي كتسمية العصير خمرا، وذلك أن قوله: على أن يحذوه أي يقطعه لا يناسب النعل، وإنما يناسب الجلد فإنه يقطع ثم يصير نعلا، وجوز في الفتح أن يكون حقيقة: أي اشترى نعل رجل واحدة على أن يحذوها: أي يجعل معها مثالا آخر ليتم نعلا الرجلين، ومنه: حذوت النعل بالنعل: قدرته بمثال قطعته. قال: ويدل عليه قوله: أو يشركه فجعله مقابلا لقوله: نعلا، ولا معنى لان يشتري أديما على أن يجعل له شراكا فلا بد أن يراد حقيقة النعل ا ه. وأجاب في النهر بأنه يجوز أن يراد بالنعل الصرم، وضمير يشركه للنعل بالمعنى الحقيقي على طريق الاستخدام اه.
207 قلت: إرادة الحقيقة أظهرت في عبارة الهداية حيث قال: على أن يحذوها أو يشركها بضمير التأنيث، لان النعل مؤنثة، أما على عبارة المصنف كالكنز من تذكير الضمير، فالأظهر إرادة المجاز وهو الجلد. قوله: (ومثله تسمير القبقاب) أصله للمحقق ابن الهمام حيث قال: ومثله في ديارنا شراء القبقاب على أن يستمر له سيرا. قوله: (استحسانا للتعامل) أي يصح البيع ويلزم للشرط استحسانا للتعامل. والقياس فساده، لان فيه نفعا لأحدهما وصار كصبغ الثوب، مقتضى القياس منعه لأنه إجارة عقدت على استهلاك عين الصبغ مع المنفعة، ولكن جوز للتعامل، ومثله إجارة الظئر، وللتعامل جوزنا الإستصناع مع أنه بيع المعدوم، ومن أنواعه شراء الصوف المنسوخ على أن يجعله البائع قلنسوة، أو قلنسوة بشرط أن يجعل البائع لها بطانة من عنده. وتمامه في الفتح. وفي البزازية: اشترى ثوبا أو خفا خلقا على أن يرقعه البائع ويسلمه صح ا ه. ومثله في الخانية: قال في النهر: بخلاف خياطة الثوب لعدم التعارف ا ه. قال في المنح: فإن قلت: نهى النبي (ص) عن بيع وشرط فيلزم أن يكون العرف قاضيا على الحديث. قلت: ليس بقاض عليه، بل على القياس، لان الحديث معلول بوقوع النزاع المخرج للعقد عن المقصود به وهو قطع المنازعة، والعرف ينفي النزاع فكان موافقا لمعنى الحديث، فلم يبق من الموانع إلا القياس والعرف قاض عليه ا ه ملخصا. قلت: وتدل عبارة البزازية والخانية، وكذا مسألة القبقاب على اعتبار العرف الحادث. ومقتضى هذا أنه لو حدث عرف في شرط غير الشرط في النعل والثوب والقبقاب أن يكون معتبرا إذا لم يؤد إلى المنازعة، وانظر ما حررناه في رسالتنا المسماة: نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف التي شرحت بها قولي: والعرف في الشرع له اعتبار * لذا عليه الحكم قد يدار قوله: (وهذا) أي التفصيل السابق. قوله: (إنما هو إذا (1) علقه بكلمة على) والظاهر من كلامهم أن قوله بشرط كذا بمنزلة على. نهر. قلت: يؤيده ما في القهستاني، حيث قيد الشرط بكون حرفه الباء وعلى دون إن اه. قال في النهر: ولا بد أن لا يقولها بالواو، حتى لو قال: بعتك بكذا وعلى أن تقرضني كذا فالبيع جائز ولا يكون شرطا وأن يكون الشرط في صلب العقد الخ، وقدمنا الكلام على الأخير. قوله: (بطل البيع) ظاهره ولو كان مضرا لا نفع فيه لاحد، وبه صرح القهستاني. قوله: (ووقته) بصيغة الماضي من التوقيت ط. قوله: (كخيار الشرط) أي كتوقيت خيار الشرط وهو ثلاثة أيام، وهذا منه، فإن خيار الشرط يصح لغير العاقدين. قوله: (وبحر من مسائل شتى) أي متفرقة جمع شتيت، والمسألة مذكورة
(1) قوله: (انما هو إذا الخ) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف، وكأن نسخة الشارح التي وقعت له هكذا (انما هو إذا علقه الخ) والموجود بالنسخ من الشارح التي بأيدينا ما بالهامش ا ه. مصححه. 208 في البحر في هذا الباب أيضا، وكذا في النهر والقهستاني. قوله: (وإذا قبض المشتري المبيع الخ) شروع في بيان أحكام البيع الفاسد، وشمل قبض وكيله والقبض الحكمي، لما قدمناه من أن أمر البائع بالعتق قبله صحيح لاستلزامه القبض، وهل التخلية قبض هنا؟ صحح في المجتبى والعمادية عدمه، وصحح في الخانية أنها قبض، واختاره في الخلاصة من البحر والنهر، وطحن البائع الحنطة بأمر المشتري كالعتق كما سيذكره الشارح ويأتي تمامه. قوله: (عبر ابن الكمال بإذن) أي ليعم بيع المكره إذ هو فاسد ولا رضا فيه كما حررناه أول البيوع. قوله: (بأن يأمره بالقبض) (1) أي وقبضه بحضرته أو غيبته ط. عن الإتقاني. قوله: (بأن قبضه في مجلس العقد بحضرته) تصوير للاذن دلالة، أما بعد المجلس فلا بد من صريح الاذن، إلا إذا قبض البائع الثمن وهو مما يملك به فإنه يكون إذنا بالقبض دلالة ا ه ح عن النهر. فإن كان مما لا يملك بالقبض كالخمر والخنزير، فلا بد من صريح الاذن كما أفاده الزيلعي. قوله: (وتقدم مع حكمه) أي في قوله: والبيع الباطل حكمه عدم ملك المشتري إياه إذا قبضه الخ. قوله: (وحينئذ) أي حين إذ خرج الباطل بقيد الفاسد. قوله: (كما مر) أي في أول الباب في قوله: والمراد بالفاسد الخ الممنوع مجازا عرفيا فيعم الباطل والمكروه. قوله: (حقق إخراجه) أي إخراج الباطل بذلك: أي بقوله: وكل من عوضيه مال. وتعقبه الحموي بأن من أفراد الباطل ما لا يخرج بهذا القيد وهو بيع الخمر والخنزير بالدراهم فإنه باطل، ومع أن كلا من عوضيه مال، وعلى هذا فلا بد من حذف هذا القيد لاقتضائه أن هذا الفرد من الباطل يكون فاسدا يملك بالقبض وليس كذلك ط. قلت: المراد المال المتقوم كما قيده به في النهر، ولا شك أن الخمر ونحوه غير متقوم، ويدل على هذا أنه في أول الباب قال: وبطل بيع ما ليس بمال والبيع به، فإن المراد به ما ليس بمال في سائر الأديان، والخمر والخنزير مال عند أهل الذمة، ولذا قال بعده: وبطل بيع مال غير متقوم كخمر وخنزير، فعلم أن المراد بالمال هنا المتقوم، وهو المال في سائر الأديان فلا يدخل فيه الخمر ونحوه، فافهم. قوله: (ولم ينهه) قيد لقوله: أو دلالة كما هو صريح الهداية وغيرها: أي إن الرضا بالقبض دلالة كما مر تصويره مقيد بما إذا لم ينهه عن القبض، لان الدلالة تلغو مع النهي الصريح، فافهم. قوله: (ولم يكن فيه خيار شرط) يوضحه قول الخانية: ويثبت خيار الشرط في البيع الفاسد كما يثبت في البيع الجائز، حتى لو باع عبد بألف درهم ورطل خمر على أنه بالخيار ثلاثة أيام وقبض المشتري العبد وأعتقه في الأيام الثلاثة لا ينفذ إعتاقه، ولولا خيار الشرط للبائع نفد إعتاق المشتري بعد القبض ا ه سائحاني. ومفاده صحة إعتاقه بعد مضي المدة لزوال الخيار وهو ظاهر. قوله: (ملكه) أي ملكا خبيثا حراما فلا يحل أكله ولا لبسه الخ. قهستاني. وأفاد أنه يملك عينه، وهو الصحيح المختار خلافا
(1) قوله: (بأن يأمره بالقبض) هذه الجملة ليست موجودة في نسخ الشارح التي بأيدينا ا ه. 209 لقول العراقيين إنه يملك التصرف فيه دون العين. وتمامه في البحر. قوله: (إلا في ثلاث) قلت: يزاد مثلها، وهي بيع المكاتب والمدبر وأم الولد على القول بفساده كما مر الخلاف فيه. قوله: (في بيع الهازل) أي على ما صرح به البزودي وصاحب المنار من أنه فاسد: وذكر في القنية أنه باطل فلا استثناء كما في البحر، وقد بسطنا الكلام عليه أول البيوع، وحققنا أن المراد من قول الخانية والقنية: إنه باطل: أي فاسد، بدليل أنهما لو أجازاه جاز، والباطل لا تلحقه الإجازة، وأنه منعقد بأصله لأنه مبادلة مال بمال لا بوصفه فافهم. قوله: (وفي شراء الأب من ماله لطفله الخ) وقعت هذه العبارة كذلك في البحر والأشباه عن المحيط، وصوابها: وفي شراء الأب من مال طفله لنفسه فاسدا أو بيعه من ماله لطفله كذلك، لان عبارة المحيط على ما في الفتح والنهر هكذا: باع عبدا من ابنه الصغير فاسدا أو اشترى عبده لنفسه فاسدا لا يثبت الملك حتى يقبضه ويستعمله ا ه. وبه اندفع توقف المحشي. قوله: (حتى يستعمله) لان قبض الأب حاصل فلا بد من الاستعمال حتى يتحقق قبض حادث، ولذا جمع في المحيط بين القبض والاستعمال، وعلى هذا فلا يلزم في صورة الشراء لطفله أن يكون الاستعمال في حاجة طفله، فافهم، قوله: (لا يملكه به) أي بالقبض. وفي الفتح عن جمع التفاريق: لو كان وديعة عنده وهي حاضرة ملكها. قال في النهر أقول: يجب أن يكون مخرجا على أن النخلية قبض، ولذا قيده بكونها حاضرة، وإلا فقد مر أن قبض الأمانة لا ينوب عن قبض المبيع ا ه: أي لان قبض المبيع مضمون بالثمن أو بالقيمة لو فاسدا وقبض الأمانة غير مضمون، وهو أضعف من المضمون فلا ينوب عنه، وقدمنا قريبا اختلاف التصحيح في كون التخلية قبضا في البيع الفاسد. قوله: (وإذا ملكه) مرتبط بقول المصنف ملكه ط. قوله: (تثبت كل أحكام الملك) فيكون المشتري خصما لم يدعيه لأنه يملك رقبته، نص عليه محمد رحمه الله، ولو باعه كان الثمن له، ولو أعتقه صح والولاء له، ولو أعتقه البائع لم يعتق، ولو بيعت دار إلى جنبها فالشفعة للمشتري. وتمامه في البحر. قوله: (ولا وطؤها) ذكر العمادي في فصوله خلافا في حرمة وطئها، فقيل: يكره ولا يحرم وقيل: يحرم. بحر: أي لان فيه إعراضا عن الرد الواجب، وفي حاشية الحموي: قيل: وهل إذا تزوجها يحل للزوج وطؤها؟ الظاهر نعم، وهل يطيب المهر للمشتري أم لا؟ محل نظر. قوله: (ولا أن يتزوجها منه البائع) المراد لا يصح، لأنها بصدد أن تعود إلى البائع نظرا إلى وجوب الفسخ فيصير ناكحا أمته، حموي. قوله: (ولا شفعة لجاره ولو عقارا) أي لو اشترى دارا شراء فاسدا وقبضها ولا يثبت للجار حق الشفعة. قال ط عن حاشية الأشباه للسيد أبي السعود: ولا لخليطه في نفس المبيع وشريكه في حق المبيع، لان حق البائع لم ينقطع لأنه على شرف الفسخ والاسترداد نفيا للفساد، حتى إذا سقط حق الفسخ بأن بنى المشتري فيها يثبت حق الشفعة ا ه. قوله: (ولا شفعة بها) هذا سبق نظر، لان الذي في الجوهرة هكذا: وإذا كان المشتري دارا فبيعت دار إلى جنبها ثبتت الشفعة للمشتري ا ه. ثم ذكر المسألة المارة فقال: ولا تجب فيها شفعة للشفيع ا ه. وفي الزيلعي والبحر وجامع الفصولين: لو اشترى دارا شراء فاسدا فبيعت بجنبها دار أخذها المشتري بالشفعة ا ه. نعم في شرح المجمع: لو اشترى دارا لا تجوز الشفعة بها اه.
210 ويجب أن تكون الباء بمعنى في ليوافق كلام غيره. ولا يمكن تأويل كلام الشارح بذلك لأنه يصير عين المسألة التي قبلها. قوله: (بمثله إن مثليا) وإن انقطع المثل فبقيمته يوم الخصومة كما أفتى به الرملي وعليه المتون في كتاب الغصب. قوله: (وإلا فبقيمته) يستثنى من ذلك العبد المبيع بشرط أن يعتقه المشتري، فإنه إذا أعتقه بعد القبض يلزمه الثمن كما قدمه الشارح. قوله: (يعني إن بعد هلاكه الخ) تقييد لضمانه بالمثل أو بالقيمة، لأنه إذا كان قائما بحاله كان الواجب رد عينه. قوله: (أو تعذر رده) عطف عام على خاص، لان تعذر الرد يكون بالهلاك وبتصرف قولي أو حسي مما يأتي قوله: (يوم قبضه) متعلق بقيمته. وقال محمد: قيمته يوم أتلفه لأنه بالاتلاف يتقرر. بحر عن الكافي. قوله: (لان به) أي بالقبض، والأولى لأنه ط. قوله: (فلا تعتبر الخ) تفريع على اعتبار قيمته يوم القبض لا يوم الاتلاف: أي لو زادت قيمته في يده فأتلفه لم تعتبر الزيادة كالغصب. قوله: (والقول فيها) أي في القيمة. منح. وفي البحر والجوهرة فيهما بضمير التثنية: أي في المثل والقيمة قوله: (للمشتري) أي مع يمينه والبينة للبائع. بحر. قوله: (لانكاره الزيادة) أي الزيادة في المثل أو القيمة التي يدعيها البائع. قوله: (ويجب على كل واحد الخ) عدل عن قول الكنز والهداية: ولكل منهما فسخه، لان اللام تفيد التخيير مع أن الفسخ واجب، وإن أجيب بأن اللام مثلها في وإن أسأتم فلها. أو أن المراد بيان أن لكل منهما ولاية الفسخ رفعا لتوهم أنه إذا ملك بالقبض لزم، لان الآية تقتضي كون اللام بمعنى على بخلافها هنا، ولان كون المراد بيان الولاية المذكورة يلزمه منه ترك بيان الوجوب مع أنه مراد أيضا، والتصريح بالوجوب يدل على المرادين فكان أولى. قوله: (فسخه) أي فسخ البيع الفاسد. قلت: وهذا في غير بيع المكره فإنهم صرحوا بأنه فاسد، وبأنه مخير بين الفسخ والامضاء، نعم يظهر الوجوب في جانب المكره بالكسر. قوله: (قبل القبض أو بعده) لكن إن كان قبله فلكل الفسخ بعلم صاحيه لا برضاه، وإن كان بعده: فإن كان الفساد في صلب العقد بأن كان راجعا إلى البدلين: المبيع والثمن، كبيع درهم بدرهمين، كالبيع بالخمر أو الخنزير فكذلك، وإن كان بشرط زائد كالبيع إلى أجل مجهول أو بشرط فيه نفع لأحدهما فكذلك عندهما لعدم اللزوم، وعند محمد لمن له منفعة الشرط، واقتصر في الهداية على قول محمد: ولم يذكر خلافا. بحر. وأفاد أن من عليه منفعة الشرط يفسخ بالقضاء والرضا على ما قال محمد: قهستاني. قوله: (ولكون امتناعا عنه) أي عن الفساد. قال في الهداية: وهذا قبل القبض ظاهر، لأنه لم يفد حكمه فيكون الفسخ امتناعا منه ا ه. فقوله: منه يحتمل عوده على الفساد أو على حكم البيع وهو الملك. تأمل. قوله: (ما دام المبيع بحاله) متعلق بقوله: وعلى كل واحد منهما فسخه واحترز به عما إذا عرض عليه ما تعذر به رده مما يمنع الفسخ كما يأتي بيانه. قوله: (ولذا) أي لوجوب وفع المعصية، والأولى عدم زيادة التعليل والاقتصار على عبارة المصنف ليصح التعليل بعده، وإلا كان التعليل الثاني عين الأول، إلا أن يفرق بأن الثاني أعم من الأول.
211 تأمل. قوله: (وإذا أصر أحدهما) عبارة المصنف في المنح: أي البائع والمشتري، وظاهره إن أصرا بضمير التثنية، وهو المرافق لما في البزازية، لما قدمناه قريبا من أن لكل الفسخ بعلم الآخر لا برضاه، فإصرار أحدهما لا يحتاج معه إلى فسخ القاضي. مطلب: رد المشتري فاسدا إلى بائعه فلم يقبله قوله: (وكل مبيع فاسد) وصف المبيع بالفساد لكونه محله. قوله: (كإعارة) وكوديعة ورهن. بحر. قوله: (وغصب) فيه أن الكلام في رد المشتري. والجواب أن المراد بالرد وقوعه في يد البائع كما أفاده ما بعده ط. قوله: (ووقع في يد بائعه) الظاهر أن هذا شرط في الرد الحكمي كما في المسائل المذكورة، أما لو رده عليه قصدا فلا لما في الخانية: رده المشتري للفساد فلم يقبله، فأعاده إلى منزله فهلك لا يضمنه. وقال بعضهم: هذا لو الفساد متفقا عليه، فلو مختلفا فيه ضمنه. والصحيح أنه يبرأ فيهما إلا إذا وضع بين يديه فلم يقبله فذهب به إلى منزله فإنه يضمنه ا ه. وذكر في البحر عن القنية أن الأشبه ما قاله بعضهم من التفصيل المذكور. قلت: لكن لا يخفى أن تصحيح قاضيخان مقدم، لأنه فقيه النفس. والحاصل: أن الرد صح مطلقا وإن لم يقع في يد البائع لكون الرد قصديا لا ضمنيا، وبه يخرج عن الضمان لأنه فعل الواجب عليه، لكن إذا وضعه بين يدي البائع حصل القبض أيضا بناء على أن التخلية قبض، وهو ما مر تصحيحه عن قاضيخان أيضا، فإذا ذهب به بلا إذنه صار غاصبا فيضمنه، بخلاف ما إذا ذهب به قبل التخلية المذكورة لعدم حصول القبض من البائع، فلم يصر غاصبا بالذهاب ولم يضمنه لوجود الرد الواجب عليه كما قلنا. وبه ظهر أن المراد بوقوعه في يده وقوعه فيها حقيقة أو حكما كالتخلية المذكورة، وأن هذا شرط في الرد الحكمي لا القصدي كما علمته، هذا ما ظهر لي فاغتنمه. قوله: (إن المستحق بجهة) كالرد للفساد هنا فإنه مستحق للبائع على المشتري، ومثله رد المغصوب على المغصوب منه. قوله: (بجهة أخرى) كالهبة ونحوها. قوله: (وإلا فلا) أي وإن لم يصل من جهة المستحق عليه بل وصل من جهة غيره فلا يعتبر، حتى أن المشتري فاسدا إذا وهب المشتري من غير بائعه أو باعه لرجل فوهبه الرجل من البائع الأول وسلمه لا يبرأ المشتري عن قيمته، ولم يعتبر العين واصلا إلى البائع بالجهة المستحقة لما وصل من جهة أخرى. جامع الفصولين. قوله: (فإن باعه الخ) محترز قوله: ما دام في يد المشتري وقيد ببيع المشتري لان البائع لو باعه بعد قبض المشتري وادعى أن الثاني كان فسخ الأول وقبضه وزعم المشتري الثاني أنه كان بعد الفسخ والقبض من الأول فالقول له لا للبائع، وينفسخ الأول بقبض الثاني. بحر عن البزازية. ومثله في جامع الفصولين. ولعل وجه انفساخ الأول أن المشتري نائب عن البائع في القبض لوجوب التسليم عليه فصار كأنه وقع في يد البائع، تأمل. وأفاد أن البيع ثابت. أما لو ادعى المشتري بيعه من
212 فلان الغائب وبرهن لا يقبل وللبائع أخذه ولو صدقه فله القيمة كما في جامع الفصولين. قوله: (لم يمتنع الفسخ) لان البيع فيهما ليس بلازم، ولم يدخل المبيع في ملك المشتري في صورة الخيار ط. تنبيه: عبر في الوقاية بقوله: فإن خرج عن ملك المشتري، وهو أحسن من قول المصنف فإن باعه لأنه يستغني به عما ذكره بعده. قوله: (كما علمت) من قول المصنف، وكل مبيع فاسد ط. قوله: (وفساده) أي فساد البيع الأول. قوله: (ينقض كل تصرفات المشتري) أي التي يمكن نقضها، بخلاف ما لا يمكن كالاعتاق فإنه يتعين فيه أخذ القيمة من المكره بالكسر، فافهم. قوله: (وسلم) قال في البحر: شرط في الهداية التسليم في الهبة لأنها لا تفيد الملك إلا به، بخلاف البيع. قوله: (أو استولدها) أفاد أنه لا يلزمه مع القيمة العقر، وقيل: عليه عقرها أيضا جامع الفصولين. قال: وظاهره أي ظاهر ما في المتن أن المراد استيلاد حادث، فلو كانت زوجته أولا استولدها ثم اشتراها فاسدا وقبضها هل يكون كذلك لملكه إياه؟ فليحرر ا ه. قلت: الظاهر بقاء الفسخ، لأنه حق الشرع، ولم يعرض عليه تصرف حادث يمنعه. تنبيه: نقل في النهر عن السراج أن التدبير كالاستيلاد، ومثله في القهستاني، لم يره في البحر منقولا فذكره بحثا. قوله: (بعد قبضه) الأولى ذكر آخر المسائل ط. قوله: (فلو قبله لم يعتق بعتقه) تخصيصه التفريع على العتق يوهم أن قوله: بعد قبضه متعلق بقوله: أو أعتقه فقط وليس كذلك، فكان الأظهر أن يقول: فلو قبله لم تنفذ تصرفاته المذكورة إلا إذا أعتقه البائع بأمر المشتري قوله: (وكذا لو أمره الخ) وفي جامع الفصولين: ولو برا، فخلطه البائع بطعام المشتري بأمره قبل قبضه صار قابضا وعليه مثله. بحر. قوله: (فيصير المشتري قابضا اقتضاء) ما يقدر لتصحيح الكلام كإعتق عبدك عني بألف فإنه يقتضي سبق البيع ليصح العتق عن الآمر وهنا كذلك، فإن صحة تصرف البائع عن المشتري تقتضي أن يقدر سابقا عليه، ولهذا قال في المنح عن الفصول العمادية: وإنما كان كذلك لأنه لما أمر البائع بالعتق فقد طلب أن يسلطه على القبض، وإذا أعتق البائع بأمره صار المشتري قابضا قبضا سابقا عليه ا ه فافهم. مطلب: يملك المأمور ما لا يملكه الآمر قوله: (ما لا يملكه الآمر) فإن الآمر وهو المشتري لا يصح إعتاقه بنفسه، ولا يجوز له الطحن والذبح، لكن الظاهر أن المأمور وهو البائع في مسألة الطحن والذبح لا يجوز له أيضا، لان الواجب عليه الفسخ رفعا للمعصية كما مر، في فعله ذلك تقريرها، فقد استوى الآمر والمأمور في ذلك، ولذلك ذكر في البحر مسألة الامر بالعتق فقط. ثم قال: وهذه عجيبة حيث ملك المأمور ما لم يملك الآمر ا ه. والظاهر أن البائع يأثم بالعتق أيضا لما قلنا، ولكن الذي ملكه هو دون الآمر إنما هو نفاذ العتق مع قطع النظر عن الاثم وعدمه كما في باقي تصرفات المشتري بعد القبض، هذا ما ظهر لي فتدبره.
213 تنبيه: لهذه المسألة نظير يملك المأمور فيه ما لا يملكه الآمر، وهو ما مر في قول المتن: أو أمر المسلم يبيع خمر أو خنزير أو شرائهما ذميا، أو أمر المحرم غيره ببيع صيده. قوله: (وما في الخانية الخ) أي حيث جعل العتق عن البائع والدقيق والشاة له أيضا، ومثله في البزازية أيضا. قوله: (كما بسطه العمادي) وأقره في جامع الفصولين. قوله: (وقفا صحيحا) فلو فاسدا كأن اشترط فيه بيعه عند الحاجة لا يمنع الفسخ ط. قوله: (وأخرجه عن ملكه) عطف لازم على قوله: وقفه. قوله: (وما في جامع الفصولين) حيث قال: ولو وقفه أو جعله مسجدا لا يبطل حق الفسخ ما لم يبن ا ه ح: أي فالمانع من الفسخ هو البناء. قوله: (غير صحيح) حمله في النهر على إحدى روايتين، وهو أولى من التغليط ح. وحمله في البحر على ما إذا لم يقض به، أما إذا قضى به فإنه يرتفع الفساد للزومه. قلت: لكن المسجد يلزم بدون القضاء اتفاقا. قوله: (أو رهنه) أي وسلمه لان الرهن لا يلزم بدونه. قوله: (أو أوصى به) أي ثم مات، لأنه ينتقل من ملكه إلى ملك الموصى له وهو ملك مبتدأ فصار كما لو باعه. منح. قوله: (أو تصدق به) أي وسلمه، لأنه لا يخرج عن ملك المتصدق بدون تسليم. قوله: (نفذ البيع الفاسد) أي لزم، وإلا فالأصل أن النافذ ما قابل الموقوف، واللازم ما لا خيار فيه، وهذا فيه خيار الفاسد، وبهذه التصرفات لزم. تأمل. ثم إن الشارح تبع المصنف حيث جعل فاعل نفذ هو البيع الفساد، والمفهوم من الهداية أن الفاعل ضمير يعود إلى ما ذكر من التصرفات. وقال في الفتح: فإذا أعتقه أو باعه أو وهبه وسلمه فهو جائز وعليه القيمة من أنه ملكه بالقبض فتنفذ تصرفاته فيه، وإنما وجبت القيمة لأنه انقطع حق الاسترداد لتعلق حق العبد به، والاسترداد حق الشرع وحق العبد مقدم لفقره، فقد فوت المكنة بتأخير التوبة ا ه ملخصا: أي أن الواجب عليه كان هو التوبة بالفسخ والاسترداد، وبتأخيره إلى وجود هذه التصرفات التي تعلق بها حق عبد يكون قد فوت مكنته من الاسترداد فتعين لزوم القيمة، ومقتضاه أن المعصبة تقررت عليه لا يخرج عن عهدتها إلا بالتوبة، وأن الفسخ قبل هذه التصرفات توبة كما يشير إليه الشارح: رفعا للمعصية. قوله: (إلا في أربع الخ) عبارة الأشباه: العقد الفاسد إذا تعلق به حق عبد لزم وارتفع الفساد إلا في مسائل: أجر فاسدا فأجر المستأجر صحيحا فللأول نقضها. المشتري من المكره لو باع صحيحا فللمكره نقضه. المشتري فاسدا إذا أجر فللبائع نقضه. وكذا إذا زوج ا ه. وأنت خبير بأن كلام المتن في تصرف المشتري فاسدا فلا يصح استثناء الأولى لعدم دخولها، وكذا الثانية لاحتراز المتن عنها، والصورة الثالثة والرابعة ذكرهما الشارح حيث قال: غير إجارة ونكاح ا ه ح. قلت: والضمائر في نقضه للعقد الأول بقرينة الاستثناء، وعليه فقوله وكذا إذا زوج: أي يكون للبائع نقض البيع لا التزويج، فلا ينافي ما يأتي تحريره. قوله: (وكذا كل تصرف قولي) عطف على قوله في جميع ما مر وأراد به نحو التدبير، وما لو جعل مهرا أو بدل صلح أو إجارة أو غير ذلك مما يخرجه عن ملكه كما تفيده عبارة النقاية التي نقلناها عند قوله: فإن باعه. قوله: (غير إجارة ونكاح)
214 أي فلا يمنعان الفسخ، لان الإجارة تفسخ بالأعذار، ورفع الفساد من الاعذار والنكاح ليس فيه إخراج عن الملك. بحر. قوله: (وهل يبطل نكاح الأمة) لما ذكر أن النكاح لا يمنع البائع من فسخ البيع أراد أن يبين أنه هل ينفسخ النكاح الذي عقده المشتري كما تنفسخ الإجارة أم لا. قوله: (المختار نعم ولوالجية) مخالفة لما صرح به في الفتح من عدم الانفساخ، وكذا في الزيلعي وغاية البيان عن التحفة. قال في المجتبى: إلا الإجارة وتزويج الأمة، لكن ا لاجارة تنفسخ بالاسترداد دون النكاح: وفي التتارخانية عن نوادر ابن سماعة: لو فسخ البيع للفساد وأخذ البائع الجارية مع نقصان التزويج ثم طلقها الزوج قبل الدخول رد البائع على المشتري ما أخذه من النقصان، وفي السراج: لا ينفسخ النكاح لأنه لا يفسخ بالأعذار وقد عقده المشتري وهي على ملكه. وقد نقل في البحر عبارة السراج. ثم قال: ويشكل عليه ما ذكره الولوالجي في الفصل الأول من كتاب النكاح: لو زوج الجارية المبيعة قبل قبضها وانتقض البيع فإن النكاح يبطل في قول أبي يوسف، وهو المختار، لان البيع متى انتقض قبل القبض انتقض من الأصل معنى فصار كأنه لم يكن فكان النكاح باطلا ا ه. إلا أن يحمل ما في السراج على قول محمد، أو يظهر بينهما فرق ا ه ما في البحر. وتبعه في النهر والمنح، وكتبت فيما علقته على البحر أن الفرق موجود، لان كلام الولوالجي فيما قبل القبض، وكلام السراج فيما بعد القبض المفيد للملك، ثم رأيت ط نبه على ذلك الفرق، وكذلك نبه عليه الخير الرملي في حاشية المنح حيث قال: العجب من ذلك مع أن ما في السراج فيما عقد بعد القبض، وما في الولوالجية قبل القبض كما هو صريح كل من العبارتين فكيف يستشكل بإحداهما على الأخرى، ولئن كان كلام السراج في البيع الفاسد وكلام الولوالجي في مطلق البيع، فقد تقرر أن فاسد البيع كجائزة في الاحكام، فتأمل ا ه. قلت: ويكفينا ما أسمعناك نقله عن كتب المذهب، على أن الظاهر أن كلام الولوالجية لا يمكن حمله على مطلق البيع، بل مراده البيع الفاسد، لأنه البيع الصحيح صورة إما أن ينتقض بالاستحقاق أو بالخيار أو بهلاك المبيع قبل قبضه، ولا فرق في الأولين بين ما قبل القبض وما بعده لعدم الملك أصلا، فتخصيصه الحكم بما قبل القبض دليل على أنه أراد البيع الفاسد، فإذا زوجها المشتري قبل القبض ثم فسخ العقد يظهر بطلان النكاح لكونه قبل الملك، بخلاف ما إذا زوجها بعده لأنه زوجها وهي في ملكه فلا ينفسخ النكاح بفسخ البيع. وأما إذا ماتت الجارية قبل قبضها في يد البائع فقد صرح في متفرقات بيوع البحر عن الفتح بأنه لا يبطل النكاح وإن بطل البيع. قوله: (كرجوع هبة) أي رجوع واهب في هبته بقضاء أو بدونه كما في البحر عن الفتح. قوله: (عاد حق الفسخ) لأن هذه العقود لم توجب الفسخ من كل وجه في حق الكل فصولين، وكذا لو فسخ البيع بعيب بعد قبضه بقضاء فللبائع حق الفسخ لو لم يقض بقيمته لزوال المانع، ولو رد بعيب بلا قضاء لا يعود حق الفسخ، كما لو اشتراه ثانيا، بحر. لان رده بلا قضاء عقد جديد في حق ثالث. قوله: (لا بعده) أي لو زال المانع بعد القضاء بالقيمة على المشتري لا يعود حق الفسخ، لان القاضي أبطل حق البائع في العين، ونقله إلى القيمة بإذن الشرع فلا يعود حقه إلى العين وإن ارتفع السبب، كما لو قضى على الغاصب بقيمة المغصوب بسبب الإباق ثم عاد العبد. ذخيرة ومراده بالقيمة ما يعم المثل. قوله: (بموت أحدهما)
215 وكذا بالإجارة والرهن كما علمته. قوله: (حتى يرد ثمنه) أي ما قبضه البائع من ثمن أو قيمة كما في الفتح. قوله: (المنقود) لأن المبيع مقابل به فيصير محبوسا به كالرهن. فتح. والمراد بالمنقود المقبوض احترازا عن الدين. قوله: (بخلاف ما لو شرى) أي بخلاف غير المنقود كما لو شرى الخ. قوله: (كإجارة ورهن) أي فاسدين ا ه ح. وقوله: وعقد صحيح قيل: صوابه: بخلاف عقد صحيح لما في النهر، أما إذا لم يكن الثمن منقودا، كما إذا اشترى من مدينة عبدا بدين سابق شراء فاسدا وقبضه بالاذن فأراد البائع أخذه بحكم الفساد ليس للمشتري حبسه لاستيفاء ماله عليه من الدين والإجارة الفاسدة، وكذا الرهن الفاسد على هذا بخلاف ما إذا كان العقد صحيحا في الأبواب الثلاثة ا ه. قلت: هذا بناء على ما فهمه المعترض وهو غير متعين، لأنه يمكن حمل كلام الشارح على وجه صحيح، وهو أن قوله: كإجارة ورهن راجع لأصل المسألة، وهو قوله: لا يأخذه حتى يرد الثمن المنقود فيكون المراد ما إذا كان بدل الإجارة والرهن منقودين. قال في البحر: وأشار المؤلف إلى أنه لو استأجر إجارة فاسدة ونقد الأجرة أو ارتهن رهنا فاسدا أو أقرض قرضا فاسدا وأخذ به رهنا كان له أن يحبس ما استأجر وما ارتهن حتى يقبض ما نقد اعتبارا بالعقد الجائز إذا تفاسخا ا ه. ونحوه في الفتح وعليه فقوله: وعقد صحيح قصد بذكره أن هذه العقود مثله إذا كان البدل فيها منقودا، فإنه إذا كان منقودا لا فرق بين العقد الصحيح والفاسد في ثبوت حق الحبس بعد الفسخ في الكل بل الفرق بينهما في غير المنقود. قال في جامع الفصولين برمز الخانية: شرى من مديونه فاسدا ففسخ ليس له حبس المبيع لاستيفاء دينه وكذا لو آجر دائنه إجارة فاسدة، ولو كان عقد البيع أو الإجارة جائزا فله الحبس لدينه ا ه. فأفاد أن له الحبس في العقد الجائز إذا كان البدل غير دين بالأولى فافهم. قوله: (والفرق في الكافي) أي الفرق بين الفاسد والصحيح إذا كان البدل غير منقود حيث يملك الحبس في الصحيح دون الفاسد هو ما ذكره في كافي النسفي. وحاصله: أنه لما وجب للمديون على المشتري مثل الدين صار الثمن قصاصا لاستوائهما قدرا ووصفا، فاعتبر بما لو استوفيا حقيقة فكان له حق الحبس، وفي الفساد لم يملك الثمن بل تجب قيمة المبيع عند القبض وهي قبله غير مقررة لاحتمالها السقوط بالفسخ ودين المشتري مقرر، والمقاصة إنما تكون عند الاستواء وصفا فلم يكن له حق الحبس ا ه. قوله: (فإن مات أحدهما) عبارة العيني، والزيلعي: فإن مات البائع، وهي أنسب لقول المصنف: فالمشتري أحق. قوله: (والمستقرض) بأن استقرض قرضا فاسدا وأعطى به رهنا. بحر. قوله: (فاسدا) حال من الكل، وفيه وصف العاقد بصفة عقده مجازا لأنه محله. قوله: (بعد الفسخ) نص على المتوهم، فإن الحكم كذلك قبل الفسخ بالأولى ط. قوله: (فالمشتري ونحوه) أي المستأجر والمقرض والمرتهن. وحاصله: أن الحي الذي بيده عين المبيع أو المستأجر أو الرهن أحق بما في يده من العين من
216 غرماء الآخر الميت حتى يقبض ما نقد. قال في الفتح: لأنه مقدم عليه: في حياته، فكذا على ورثته وغرمائه بعد وفاته، إلا أن الرهن مضمون بقدر الدين والمشتري بقدر ما أعطى، فما فضل فللغرماء ا ه. قال الرحمتي: لكن سيأتي في كتاب الإجارة أن الراهن فاسدا أسوة (1) الغرماء، وسيأتي آخر الرهن مثل ما هنا، ووفقنا بأن ما هنا وما يأتي في الرهن إذا كان سابقا على الدين، وما في الإجارة إذا كان الدين متقدما على الرهن ا ه. وسيأتي توضيحه في آخر الرهن إن شاء الله تعالى. تنبيه: لم يذكر ما إذا مات المشتري فاسدا. وفي الخلاصة والبزازية: لو مات المشتري فالبائع أحق من سائر الغرماء بماليته، فإن زاد شئ فهو للغرماء ا ه. ومعناه: أنه لو اشترى عبدا فاسدا وتقابضا ثم مات المشتري وعليه ديون وفسخ البائع البيع مع الورثة فالبائع، أحق بمالية العبد، وهي ما قبضه من المشتري حتى يسترد العبد المبيع، كما لو مات البائع فإن كانت قيمة العبد أكثر مما قبض فالزائد للغرماء، هذا ما ظهر لي فتأمله. قوله: (بل قبض تجهيزه) أي تجهيز البائع أو المؤجر وما بعده، بمعنى أنه لو مات وكان المبيع ثوبا مثلا احتيج لتكفينه به فللمشتري حبسه حتى يأخذ ماله. قال ط: والأولى أن يقول: بل من تجهيزه. مطلب في تعيين الدراهم في العقد الفاسد قوله: (بناء على تعين الدراهم) المراد بها ما يشمل الدنانير. وفي الأشباه: النقد لا يتعين في المعاوضات وفي تعيينه في العقد الفاسد روايتان، ورجح بعضهم تفصيلا بأن ما فسد من أصله: أي كما لو ظهر المبيع حرا أو أم ولد يتعين فيه لا فيما انتقض بعد صحته: أي كما لو هلك المبيع قبل التسليم والصحيح تعينه في الصرف بعد فساده وبعد هلاك المبيع، وفي الدين المشترك فيؤمر برد نصف ما قبض على شريكه، وفيما إذا تبين بطلان القضاء، فلو ادعى على آخر مالا وأخذه ثم أقر أنه لم يكن له على خصمه حق فعلى المدعي رد عين ما قبض ما دام قائما، ولا يتعين في المهر ولو بعد الطلاق قبل الدخول فترد مثل نصفه، ولذا لزمها زكاته ولو نصابا حوليا عندها، ولا في النذر والوكالة قبل التسليم، وأما بعده فالعامة كذلك، وتتعين في الأمانات والهبة والصدقة والشركة والمضاربة والغصب. وتمامه في جامع الفصولين ا ه. قوله: (المصنف وطاب للبائع ما ربح لا للمشتري) صورة المسألة ما ذكره محمد في الجامع الصغير: اشترى من رجل جارية بيعا فاسدا بألف درهم وتقابضا وربح كل منهما فيما قبض بتصدق الذي قبض الجارية بالربح ويطيب الربح للذي قبض الدراهم ا ه. وقول الشارح: وإنما طاب الخ أورده في صورة جواب عما استشكله صدر الشريعة وصاحب العناية والفتح والدرر والبحر والمنح وغيرهم، من أن المذكور في المتون من أن الربح يطيب للبائع في الثمن النقد هو الموافق للرواية المنصوصة في الجامع الصغير، وهو صريح في أن
(1) قوله: (ان الراهن أسوة) لعل صوابه ان المرتهن أسوة الغرماء، إذ لا معنى لكون الراهن أسوة للغرماء، فإنه مطلوب لا طالب ا ه. 217 الدراهم لا تتعين في البيع الفاسد، فيناقض قولهم: إن تعينها فيه هو الأصح، فإنه يقتضي أن الأصح أنه لا يطيب الربح للبائع فيما قبض، وقد أجاب العلامة سعدي جلبي في حاشية العناية بما أشار إليه الشارح، وهو أنه يطيب على كل من القولين، لأن عدم التعيين إنما هو في العقد الثاني الصحيح، لا في العقد الأول الفاسد ا ه. وبيانه أنه إذا باع فاسدا وقبض دراهم الثمن ثم فسخ العقد يجب رد تلك الدراهم بعينها على المشتري، لان الأصح تعينها في البيع الفاسد، فلو اشترى بها عبدا مثلا شراء صحيحا، طاب له ما ربح، لأنها لا تتعين في هذا العقد الثاني لكونه عقدا صحيحا حتى لو أشاء إليها وقت العقد له دفع غيرها، فعدم تعينها في هذا العقد الصحيح لا ينافي كون الأصح تعينها في العقد الفاسد. وقد أجاب العلامة الخير الرملي بمثل ما أجاب العلامة سعدي قبل اطلاعه عليه وقال: إني في عجب عجيب من فهم هؤلاء الاجلاء التناقض من مثل هذا مع ظهوره. قوله: (لا على الرواية الصحيحة) أي القائلة بعدم تعين الدراهم في العقد الفاسد ا ه ح. قوله: (في بيع يتعين بالتعيين) أراد بالبيع المبيع، وأشار بقوله: يتعين بالتعيين كالعبد مثلا إلى وجه الفرق بين طيب الربح للبائع لا للمشتري، وهو أن ما يتعين بالتعيين يتعلق العقد به فتمكن الخبث فيه والنقد لا يتعين في عقود المعاوضة، فلم يتعلق العقد الثاني بعينه، فلم يتمكن الخبث فلا يجب التصدق كما في الهداية، وإنما لم يتعين النقد لان ثمن المبيع يثبت في الذمة، بخلاف نفس المبيع لأن العقد يتعلق بعينه، ومفاد هذا الفرق أنه لو كان بيع مقايضة لا يطيب الربح لهما، لان كلا من البدلين مبيع من وجه، ولو كان عقد صرف يطيب لها، لكن قدمنا آنفا في الأشباه أن الصحيح تعينه في الصرف بعد فساده، وفي شرح البيري عن الخلاطي أنه الصحيح المذكور في عامة الروايات ا ه فافهم. قوله: (بأن باعه بأزيد) تصوير لظهور الربح فلا يطيب له ذلك الزائد عما اشترى به، وأفاد أن ذلك في أول عقد. وأما إذا أخذ الثمن واتجر وربح بعده أيضا يطيب له لعدم التعين في العقد الثاني كما نبه عليه ط، وهو ظاهر مما مر. قوله: (كما طاب الخ) صورته ما في الجامع الصغير أيضا: لو ادعى على آخر مالا فقضاه ثم تصادقا على أنه لم يكن له عليه شئ وقد ربح المدعي في الدراهم التي قبضها على أنها دينه يطيب له الربح، لان الدين وجب بالاقرار عند الدعوى ثم استحق بالتصادق وكان المقبوض بدل المستحق وهو الدين، وبدل المستحق مملوك ملكا فاسدا، بدليل أن من اشترى عبدا بجارية أو ثوب ثم أعتق العقد واستحقت الجارية يصح عتق العبد، فلو لم يكن بدل المستحق مملوكا لم يصح العتق، إذ لا عتق في غير الملك. وتمامه في الفتح. قوله: (لان بدل المستحق مملوكا) كذا فيما رأيته في عدة نسخ بنصب مملوكا وهو كذلك في بعض نسخ النهر، وفي بعضها بالرفع وهو الصواب على اللغة المشهورة في رفع خبر إن. قوله: (فيما يتعين) كالعروض لا فيما لا يتعين كالنقود، ومر بيانه. قوله: (كالغصب) وكالوديعة، فإذا تصرف الغاصب أو المودع في
218 العرض أو النقد يتصدق بالربح لتعلق العقد بمال غيره، وتمامه في الدرر. قوله: (وقال الكمال الخ) تقييد لما في المتن. قوله: (لا يملكه أصلا) لأنه متيقن أنه لا ملك له فيه فتح: أي فلا يطيب له ما ربح مطلقا سواء تعين أو لا. قوله: (وقواه في النهر) بتصريحهم في الاقرار بأن المقر له إذا كان يعلم أن المقر كاذب في إقراره لا يحل له أخذه عن كره منه، أما لو اشتبه الامر عليه حل له الاخذ عند محمد، خلافا لأبي يوسف، وحينئذ لا يطيب له ربحه، ويحمل الكلام ها هنا على ما إذا ظن أن عليه دينا بالإرث من أبيه ثم تبين أن وكيله أوفاه لأبيه فتصادقا على أن لا دين فحينئذ يطيب له وهذا فقه حسن فتدبره ا ه. ونقله عنه الرملي وأقره، وبه اندفع ما في البحر من أن ظاهر إطلاقهم خلاف ما في الفتح. قوله: (الحرام ينتقل) أي تنتقل حرمته وإن تداولته الأيدي وتبدلت الاملاك. ويأتي تمامه قريبا. قوله: (ولا للمشتري منه) فيكون بشرائه منه مسيئا لأنه ملكه بكسب خبيث، وفي شرائه تقرير للخبث ويؤمر بما كان يؤمر به البائع من رده على الحربي، لان وجوب الرد على البائع إنما كان لمراعاة ملك الحربي ولأجل غدر الأمان، وهذا المعنى قائم في ملك المشتري كما في ملك البائع الذي أخرجه، بخلاف المشتري شراء فاسدا إذا باعه من غيره بيعا صحيحا فإن الثاني لا يؤمر بالرد وإن كان البائع مأمورا به، لان الموجب للرد قد زال ببيعه، لان وجوب الرد بفساد البيع حكمه مقصور على ملك المشتري وقد زال ملكه بالبيع من غيره، كذا في شرح السير الكبير للسرخسي من الباب الخامس بعد المائة. مطلب: البيع الفاسد لا يطيب له ويطيب للمشتري منه قوله: (ويطيب للمشتري منه لصحة عقده) فيه أن عقد المشتري في المسألة الأولى صحيح أيضا، وقد ذكر هذا الحاكم في البحر معزيا للاسبيجابي بدون هذا التعليل، فكان المناسب إسقاطه. ثم اعلم أنه ذكر في شرح السير الكبير في الباب الثاني والستين بعد المائة أنه إن لم يرده يكره للمسلمين شراؤه منه لأنه ملك خبيث بمنزلة المشتري فاسدا إذا أراد بيع المشتري بعد القبض يكره شراؤه منه وإن نفذ فيه بيعه وعتقه لأنه ملك حصل له بسبب حرام شرعا ا ه. فهذا مخالف لقوله: ويطيب للمشتري وقد يجاب بأن ما أخرجه من دار الحرب لما وجب على المشتري رده على الحربي لبقاء المعنى الواجب على البائع رده تمكن الخبث فيه فلم يطب للمشتري أيضا كالبائع، بخلاف البيع الفاسد فإن رده واجب على البائع قبل البيع لا على المشتري، لعدم بقاء المعنى الموجب للرد كما قدمناه فلم يتمكن الخبث فيه فلذا طاب للمشتري، وهذا لا ينافي أن نفس الشراء مكروه لحصوله للبائع بسبب حرام، لان فيه إعراضا عن الفسخ الواجب، هذا ما ظهر لي. مطلب: الحرمة تتعدد قوله: (الحرمة تتعدد الخ) نقل الحموي عن سيدي عبد الوهاب الشعراني أنه قال في كتابه المتن: وما نقل عن بعض الحنفية من أن الحرام لا يتعدى ذمتين. سألت عنه الشهاب ابن الشلبي فقال: هو
219 محمول على ما إذا لم يعلم بذلك، أما لو رأى المكاس مثلا يأخذ من أحد شيئا من المكس ثم يعطيه آخر ثم يأخذ من ذلك الآخر آخر فهو حرام ا ه. مطلب فيمن ورث مالا حراما قوله: (إلا في حق الوارث الخ) أي فإنه إذا علم أن كسب مورثه حرام يحل له، لكن إذا علم المالك بعينه فلا شك في حرمته ووجوب رده عليه، وهذا معنى قوله: وقيده في الظهيرية الخ. وفي منية المفتي: مات رجل ويعلم الوارث أن أباه كان يكسب من حيث لا يحل ولكن لا يعلم الطالب بعينه ليرد عليه حل له الإرث، والأفضل أن يتورع ويتصدق بنية خصماء أبيه ا ه، وكذا لا يحل إذا علم عين الغصب مثلا وإن لم يعلم مالكه لما في البزازية: أخذ مورثه رشوة أو ظلما، إذا علم ذلك بعينه لا يحل له أخذه، وإلا فله أخذه حكما، أما في الديانة فيتصدق به بنية إرضاء الخصماء ا ه. والحاصل: أنه إن علم أرباب الأموال وجب رده عليهم، وإلا فإن علم عين الحرام لا يحل له ويتصدق به بنية صاحبه وإن كان مالا مختلطا مجتمعا من الحرام ولا يعلم أربابه ولا شيئا منه بعينه حل له حكما، والأحسن ديانة التنزه عنه. ففي الذخيرة: سئل الفقيه أبو جعفر عمن اكتسب ماله من أمراء السلطان ومن الغرامات المحرمات وغير ذلك هل يحل لمن عرف ذلك أن يأكل من طعامه؟ قال: أحب إلي في دينه أن لا يأكل ويسعه حكما إن لم يكن ذلك الطعام غصبا أو رشوة. وفي الخانية: امرأة زوجها في أرض الجور إن أكلت من طعامه ولم يكن عين ذلك الطعام غصبا فهي في سعة من أكله، وكذا لو اشترى طعاما أو كسوة من مال أصله ليس بطيب فهي في سعة من تناوله الاثم على الزوج ا ه. قوله: (وسنحققه ثمة) أي في كتاب الحظر والإباحة. قال هناك بعد ذكره ما هنا لكن في المجتبى: مات وكسبه حرام فالميراث حلال، ثم رمز وقال: لا نأخذ بهذه الرواية، وهو حرام مطلقا على الورثة فتنبه ا ه ح. ومفاده الحرمة وإن لم يعلم أربابه، وينبغي تقييده بما إذا كان عين الحرام ليوافق ما نقلناه، إذ لو اختلط بحيث لا يتميز يملكه ملكا خبيثا، لكن لا يحل له التصرف فيه ما لم يؤد بدله كما حققناه قبيل باب زكاة المال، فتأمل. مطلب في أحكام زيادة المبيع فاسدا قوله: (بنى أو غرس فيما اشتراه فاسدا) وكذا لو شرى فاسدا قاضبان نخل فغرسه وأطعم وإن شراه مطعما فكذلك عنده، وعند الثاني يقلعه إن لم يضر الأرض. ذخيرة. قوله: (لزمه قيمتهما) أي قيمة الدار والأرض. منح. والأولى إفراد الضمير لان العطف بأو، وعلله الكرخي في مختصره بأن البناء استهلاك عند الامام: أي ومثله الغرس لان البناء والغرس يقصد بهما الدوام وقد حصلا بتسليط من البائع فينقطع بهما حق الاسترداد كالبيع. قوله: (ورجحه) حيث قال: وقولهما أوجه، وكون البناء يقصد للدوام يمنع للاتفاق في الإجارة على إيجاب القلع، فظهر أنه قد يراد للبقاء وقد لا، فإن قال: إن المستأجر يعلم أنه يكلف القلع ففعله مع ذلك دليل على أنه لم يرد البقاء قلنا المشتري فاسدا أيضا يكلف القلع عندنا ا ه. قوله: (وتعقبه في النهر الخ) حيث قال: أقول: البناء الحاصل
220 بتسليط البائع إنما يقصد به الدوام، بخلاف الإجارة، وبهذا عرف أن محط الاستدلال إنما هو التسليط من البائع، وكل ما هو كذلك ينقطع به حق الاسترداد ا ه. قلت: وفيه أن المؤجر أيضا سلط المستأجر على الانتفاع بأرضه والمستأجر يملك البناء، فالأحسن الجواب بالفرق بين التسليطين بأن البائع سلطه على المبيع على وجه قد ينقطع به حق الاسترداد، بأن يخرجه عن ملكه ببيع ونحوه، أو بأن يفعل فيه ما يقصد به الدوام لجواز أن لا يطلب البائع الفسخ قبله، بخلاف المؤجر فإنه إنما سلطه في وقت خاص. وأما كون الفسخ حقا للشرع فلا يبطل بتسليط البائع فينقض بأنه قد بطل بإخراجه عن ملكه ببيع ونحوه وهو بتسليط البائع، فكذا هنا تقديما لحق العبد لفقره وكون البيع ونحوه تعلق به حق الغير فيقدم، وهنا تعلق به حق العاقد العاصي فلا يقدم قد يمنع بأن العاصي لم يبطل الشرع حقه، كمن غضب حجرا وجعله أس حائطه يضمن قيمته ولا يكلف بنقص الحائط، فالهم. قوله: (وكذا) أي ومثل البناء الغرس في امتناع الفسخ كل زيادة متصلة بالمبيع غير متولدة منه. قوله: (وجارية علقت منه) وجعله من الزيادة الغير المتولدة نظرا لماء الرجل ط. قوله: (فلو منفصلة كولد الخ) أي بأن ولدت من غير المشتري. وفي الجوهرة: لو كانت الزيادة متصلة غير متولدة كالصبغ والخياطة انقطع حق الفسخ، وإن كانت متولدة: أي كالسمن لا تمنع الفسخ، وكذا منفصلة متولدة، كالولد والعقر والأرش، ولو هلكت هذه الزوائد في يد المشتري لا يضمنها، وإن استهلكها ضمن، وإن هلك المبيع فقط فللبائع أخذها وأخذ قيمت المبيع يوم القبض، وأن كانت منفصلة غير متولدة كالكسب والهبة، فللبائع أخذ المبيع معها ولا تطيب له ويتصدق بها، وإن هلكت في يد المشتري لا يضمن، وكذا لو استهلكها عنده، وعندهما: يضمن، وإن استهلك المبيع فقط ضمنه والزوائد له لتقرر ضمان الأصل ا ه ملخصا. وبه علم أن الزيادة بأقسامها الأربع لا تمنع الفسخ، إلا المتصلة الغير المتولدة، أما المتصلة المتولدة كالسمن والمنفصلة المتولدة كالولد والغير المتولدة كالكسب فإنها لا تمنع الفسخ، وأنه يضمن المنفصلة المتولدة بالاستهلاك لا بالهلاك، وكذا غير المتولدة عندهما لا عنده، وهذا التقرير أيضا موافق لما في البحر عن جامع الفصولين. قوله: (سوى منفصلة غير متولدة) أي كالكسب، وهذا استثناء من قوله: ويضمنها باستهلاكها فإن هذه لا تضمن بالاستهلاك عند الامام كما علمته. مطلب: أحكام نقصان المبيع فاسدا قوله: (لو نقص الخ) شروع في حكم نقصان البيع فاسدا بعد بيان زيادته. قوله: (أخذه البائع من الأرش) أي أرش النقصان، ويجبر على ذلك لو أراده المشتري، لما في جامع الفصولين: لو قطع ثوبا شراه فاسدا ولم يخطه حتى أودعه عند بائعه يضمن نقص القطع لا قيمته لوصوله إلى ربه إلا قدر نقصه فوقع عن الرد المستحق. قال: هذا التعليل إشارة إلى أن المبيع فاسدا إذا نقص في يد المشتري لا يبطل حقه في الرد، إذ لو بطل لما كان الرد مستحقا عليه ا ه. فهو كما ترى ناطق بما قلنا. رملي.
221 تنبيه: لو زال العيب رجع المشتري على البائع بالأرش الذي دفعه إليه، كما لو ابيضت عين الجارية في يد المشتري فاسدا وردها مع نصف القيمة ثم ذهب البياض فعلى البائع رد الأرش كما في التاترخانية، ومثله ما قدمناه عنها فيما لو زوج المشتري الأمة ثم فسخ البيع وأخذ البائع نقصان التزويج ثم طلقها الزوج قبل الدخول بها رجع المشتري على البائع بما أخذ. قوله: (صار مستردا) حتى لو هلك عند المشتري ولم يوجد منه حبس عن البائع هلك على البائع. جامع الفصولين. قوله: (خير البائع) إن شاء أخذه من المشتري وهو يرجع على الجاني، وإن شاء اتبع الجاني وهو لا يرجع على المشتري. جامع الفصولين. قوله: (وكره تحريما مع الصحة) أشار إلى وجه تأخير المكروه عن الفاسد مع اشتراكهما في حكم المنع الشرعي والاثم، وذلك أنه دونه من حيث صحته وعدم فساده، لان النهي باعتبار معنى مجاور للبيع لا في صلبه ولا في شرائط صحته، ومثل هذا النهي لا يوجب الفساد بل الكراهية كما في الدرر. وفيها أيضا أنه لا يجب فسخه ويملك المبيع قبل القبض ويجب الثمن لا القيمة ا ه. لكن في النهر عن النهاية أن فسخه واجب على كل منهما أيضا صونا لهما عن المحظور وعليه مشى الشارح في آخر الباب، ويأتي تمامه. قوله: (عند الاذان الأول) وهو الذي يجب السعي عنده. قوله: (إلا إذا تبايعا يمشيان الخ) قال الزيلعي: هذا مشكل، فإن الله تعالى قد نهى عن البيع مطلقا، فمن أطلقه في بعض الوجوه يكون تخصيصا وهو نسخ، فلا يجوز بالرأي. شرنبلالية. والجواب ما أشار إليه الشارح من أن النص معلل بالاخلال بالسعي ومخصص، لكن ما مشى عليه الشارح هنا مشى على خلافه في الجمعة تبعا للبحر والزيلعي. قوله: (وقد خص منه الخ) جواب ثان: أي والعام إذا دخله التخصيص صار ظنيا فيجوز تخصيصه ثانيا بالرأي: أي بالاجتهاد، وبه اندفع قول الزيلعي: فلا يجوز بالرأي. قلت: وفيه نظر، فإن إشكال الزيلعي من حيث أن قوله تعالى: * (وذروا البيع) * مطلق عن التقييد بحالة دون حالة، فإن مفاد الآية الامر بترك البيع عند النداء، وهو شامل لحالة المشي، والذي خص منه من لا تجب عليه الجمعة هو الواو * (فاسعوا) * ولا يلزم منه تخصيص من ذكر أيضا في * (وذروا البيع) * لان القرآن في النظم لا يلزم منه المشاركة في الحكم كما تقرر في كتب الأصول، نظيره قوله تعالى: * (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * فإن الخطاب عام في الموضعين، لكن خص الدليل من الأول جماعة كالمريض العاجز، ومن الثاني جماعة كالفقير من أن المريض تلزمه الزكاة والفقير تلزمه الصلاة. والحاصل: أن الدليل خص من وجوب السعي جماعة كالمريض والمسافر، ولم يرد الدليل بتخصيص هؤلاء من وجوب ترك البيع فيبقى الامر شاملا لهم، إلا أن يعلل بترك الاخلال بالسعي فيرجع إلى الجواب الأول فلم يفد الثاني شيئا، فتأمل. قوله: (وكره النجش) لحديث الصحيحين: لا تتلقى الركبان للبيع ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا بيع حاضر لباد. فتح. قوله: (أو يمدحه) تفسير آخر، عبر عنه في النهر بقيل نقلا عن القرماني في شرح المقدمة قال: وفي القاموس ما
222 يفيده. قوله: (في النكاح وغيره) أي كالإجارة، وهذا ذكره المصنف في منحه. قوله: (لا يكره) بل ذكر القهستاني وابن الكمال عن شرح الطحاوي أنه في هذه الصورة محمود. قوله: (والسوم على سوم غيره) وكذا البيع على بيع غيره. ففي الصحيحين: نهى رسول الله (ص) عن تلقي الركبان إلى أن قال: وأن يستام الرجل على سوم أخيه وفي الصحيحين أيضا: لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له. وصورة السوم أن يتراضيا بثمن ويقع الركون به فيجئ آخر فيدفع للمالك أكثر أو مثله. وصورة البيع أن يتراضيا على ثمن سلعة فيقول آخر: أنا أبيعك مثلها بأنقص من هذا الثمن أفاده في الفتح قال الخير الرملي: ويدخل في السوم الإجارة، إذ هي بيع المنافع. قوله: (بل لزيادة التنفير) لان السوم على السوم يوجب إيحاشا وإضرارا، وهو في حق الأخ أشد منعا. قال في النهر كقوله في الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، إذ لا خفاء في منع غيبة الذمي. قوله: (وقد باع عليه الصلاة والسلام قدحا وحلسا الخ) رواه أصحاب السنن الأربعة في حديث مطول ذكره في الفتح. وفي المصباح: الحلس كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله جمعه أحلاس كحمل وأحمال والحلس بساط يبسط في البيت. قوله: (وتلقي الجلب) بفتحتين وهو المراد من تلقي الركبان في الحديث المار، وهذا يؤيد تفسيره بالجالب، لان الركبان جمع راكب، لكن الذي في المصباح والمغرب تفسيره بالمجاوب. تأمل. قال في الفتح: وللتلقي صورتان: إحداهما: أن يتلقاهم المشترون للطعام منهم في سنة حاجة ليبيعوه من أهل البلد بزيادة. وثانيهما (1): أن يشتري منهم بأرخص من سعر البلد وهم لا يعلمون بالسعر. قوله: (للضرر والغرر) لف ونشر مرتب، فالضرر في الصورة الأولى والغرر بتلبيس السعر في الصورة الثانية. قوله: (وبيع الحاضر للبادي) لحديث الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: نهى رسول الله (ص) أن يتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لباد قال: قلت لابن عباس ما قوله حاضر لباد قال: لا يكون له سمسار فتح. والحاضر من كان من أهل الحضر خلاف البدو، فالبادي من كان من أهل البادية أي البرية، ويقال حضري وبدوي نسبة إلى الحضر والبدو. قوله: (في حالة قحط وعوز) القحط: انقطاع المطر. والعوز: بتحريك الواو الحاجة. قال في المصباح: عوز الشئ عوزا من باب تعب عز فلم يوجد، وعزت الشئ أعوزه من باب قال: احتجب إليه فلم أجده. قوله: (قيل الحاضر المالك الخ) مشى
(1) قوله: (وثانيهما) هكذا بخطه، والأولى وثانيتهما كم لا يخفى ا ه. مصححه. 223 عليه في الهداية حيث قال: وهو أن يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي لما فيه من الاضرار بهم ا ه أي بأهل البلد. قال الخير الرملي: ويشهد لصحة هذا التفسير ما في الفصول العمادية عن أبي يوسف: لو أن أعرابا قدموا الكوفة وأرادوا أن يمتاروا منها ويضر ذلك بأهل الكوفة قال: أمنعهم عن ذلك، قال: ألا ترى أن أهل البلدة يمنعون عن الشراء للحكرة فهذا أولى ا ه. قوله: (والأصح أنهما (1) السمسار والبائع) بأن يصير الحاضر سمسارا للبادي البائع. قال في الفتح قال الحلواني: هو أن يمنع السمسار الحاضر القروي من البيع ويقول له لا تبع أنت أنا أعلم بذلك فيتوكل له ويبيع ويغالي، ولو تركه يبيع بنفسه لرخص على الناس. قوله: (لموافقته آخر الحديث) ولموافقته لتفسير راوي الحديث كما قدمناه عن الصحيحين. قوله: (دعوا الناس يرزق بعضهم بعضا) كذا في البحر. والذي في الفتح: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ونقل الخير الرملي عن ابن حجر الهيثمي أن بعضهم زاد: دعوا الناس في غفلاتهم، ونسبه لمسلم. قال: وهو غلط لا وجود لهذه الزيادة في مسلم، بل ولا في كتب الحديث كما قضى به سبر ما بأيدي الناس منها ا ه. قوله: (ولذا عدى باللام لا بمن) هذا مرجح آخر للتفسير الثاني، فإن اللام في أن يبيع حاضر لباد تكون على حقيقتها وهي التعليل: أما على التفسير الأول تكون بمعنى من أو زائدة، لأنه يقال: بعث الثوب من زيد. قال في المصباح. وربما دخلت اللام مكان من يقال: بعتك الشئ وبعته لك، فاللام زائدة زيادتها في قوله تعالى: * (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) * والأصل بوأنا إبراهيم. قوله: (لما مر) أي قريبا من قوله: وقد باع عليه الصلاة والسلام الخ. قوله: (ويسمى بيع الدلالة) أي بيع الدلال. قال في الفتح: وهو صفة البيع في أسواق مصر المسمى بالبيع في الدلالة. مطلب في التفريق بين الصغير ومحرمه قوله: (ولا يفرق) بالبناء للمجهول، وهو أولى من قول النهر: ولا يفرق المالك، لان حذف الفاعل لا يجوز، إلا أن يقال: إنه تفسير للضمير الراجع إلى الملك المفهوم من المقام، تأمل. وكما يمنع المالك عن التفريق يمنع المشتري كما يأتي، والكراهة فيه تحريمية كما في الفتح. قوله: (عبر بالنفي مبالغة في المنع) كذا في الفتح. ووجهه أن شأن المسلم عدم فعل المحرم شرعا، فكأنه أمر لا يقع منه لا حاجة إلى نهيه عنه. قوله: (وعن الثاني الخ) قال العلامة نوح من حواشي الدرر: عن أبي يوسف روايتان: رواية لا يجوز البيع في قرابة الولاد ويجوز في قرابة غيرها، وهو الأصح في مذهب الشافعي. وفي رواية: لا يجوز في الكل: أي قرابة الولاد وغيرها، وهو قول الإمام أحمد، لان الامر بالرد في الحديث لا يكون إلا في الفاسد. وقال مالك: لا يجوز في الام ويجوز في غيرها ا ه، وما ذكره الشارح بعيد عن هذا ط. قوله: (غير بالغ) أشار به إلى أن مدة منع التفريق تمتد إلى بلوغ الصغير
(1) قوله: (والأصح انهما الخ) الذي في نسخ الشارح: والأصح كما في المجتبي انهما الخ ا ه. 224 بالاحتلام أو بالحيض، وهو قول للشافعي وفي أظهر قوليه: إلى زمان التمييز سبع أو ثمان بالتقريب، وقال بعض مشايخنا: إذا راهقا ورضيا بالتفريق فلا بأس به، لأنهما من أهل النظر لأنفسهما، وربما يريان المصلحة في ذلك. فتح. قوله: (وذي رحم) أطلقه فشمل ما إذا كان صغيرا أيضا أو كبيرا كما في الهداية وغيرها، ولذا قال بعده: بخلاف الكبيرين. قوله: (أي محرم من جهة الرحم) أشار إلى أن الضمير في منه راجع إلى الرحم لا إلى الصغير، فلا بد أن يكون محرميته من جهة الرحم لا من الرضاع احترازا عن ابن عم هو أخ رضاعا فإنه رحم محرم لكن محرميته من الرضاع لا من الرحم، وإلى ذلك أشار بقوله فافهم. وخرج أيضا بالأولى المحرم لا من الرحم كالأخ الأجنبي رضاعا وامرأة الأب والرحم غير المحرم كابن العم. قوله: (وتوابعه) هي التدبير والاستيلاد والكتابة ح. قوله: (ولو على مال) مبالغة على الاعتاق فقط كما لا يخفى، فلو قدمه لكان أولى ا ه ح. لكن إذا كان مما لا يخفى استوى فيه التقديم والتأخير، فافهم. قوله: (أو ببيع ممن حلف بعتقه) أي إذا حلف بقوله إن ملكت هذا فهو حر فباعه المالك منه ليعتق لم يكره، لان العتق ليس بتفريق، بل فيه زيادة التمكن من الاجتماع من محرمة. قوله: (أو كان المالك كافرا) ظاهره ولو كان المشتري مسلما لكان لا يناسبه التعليل ومع أنه يكره التفريق بالشراء. وفي الفتح: أما إذا كان كافرا فلا يكره لأنهم غير مخاطبين بالشرائع والوجه أنه إن كان التفريق في ملتهم حلالا لا يتعرض لهم، إلا إن كان بيعهم من مسلم فيمتنع على المسلم، وإن كان ممتنعا في ملتهم فلا يجوز ا ه. وذكر قبله أن يجوز للمسلم شراؤه من حربي مستأمن، لان مفسدة التفريق عارضها أعظم منها وهو ذهابه إلى دار الحرب، وفيه مفسدة الدين والدنيا، أما الدين فظاهر، وأما الدنيا فتعريضه للقتل والسبي ا ه. وظاهره أنه يكره للمسلم شراؤه من كافر غير حربي لعدم هذه المفسدة المعارضة، وهو موافق لما استوجهه فيما مر، وعلى هذا فلا وجه لما في النهر من أن المراد بالحربي الكافر، وبه ظهر أنه كان الأولى للشارح: أي يقول كما في البحر: أو كان البائع حربيا مستأمنا لمسلم فإنه لا يمنع المسلم من الشراء دفعا للمفسدة. قوله: (أو متعددا الخ) أي إذا كان المالك متعددا، بأن كان أحدهما لزيد والآخر لعمرو فلا بأس بالبيع وإن كان العبد الآخر لطفل المالك الأول أو لمكاتبه، إذ الشرط اجتماعهما في ملك شخص واحد. قال في البزازية: ولو أحدهما له والآخر لولده الصغير أو لمملوكه أو لمكاتبه أو مضاربه لا يكره التفريق، ولو كلاهما له فباع أحدهما من ابنه الصغير يكره ا ه. وبقي ما إذا كانت الشركة في كل منهما معا، وظاهر القهستاني (1) عدم الكراهة أيضا فليراجع. قوله: (فلا بأس) جواب لقوله: ولو الآخر لطفله على أن لو شرطية لا وصلية، وإنما فصله عما قبله مصرحا بالجواب للتنبيه على أنه لا يكره وإن كان له ولاية على طفله، بحيث يمكنه بيعهما معا بلا تفريق وإن كان له حق في مال مكاتبه بحيث يمكن عود
(1) قوله: (وظاهر القهستاني الخ) حيث قال: ولا بينهما إذا كانا لرجلين لكل منهما شقص أو لصبي ورجل أو لرجل وامرأته أو مكاتبه أو مضاربه، وتمامه في النظم ا ه. والشقص: الطائفة من الشئ كما في المصباح، فيمكن ان يكون مراده بالشقص واحدا تأمل، فيكون المعنى لكل منهما عهد تأمل ا ه. منه. 225 الآخر إلى ملكه إذا عجز المكاتب، فافهم. قوله: (أو تعدد محارمه الخ) أي محارم الصغير، كما لو كان له أخوان شقيقان مثلا أو عمان أو خالان أو أكثر فله بيع الزائد على الواحد منهم، ويبقى الواحد مع الصغير ليستأنس به. وله بيع الصغير مع واحد منهم لا وحده. قال في الفتح: وكذا لو ملك ستة إخوة ثلاثة كبارا وثلاثة صغارا فباع مع كل صغير كبيرا جازا استحسانا. قوله: (غير الأقرب) حال من ما ا ه ح، فلو كان معه أخت شقيقة وأخت لأب وأخت لام باع غير الشقيقة كما في الفتح. قوله: (والأبوين) أي وغير الأبوين، فإذا كان معه أبواه لا يبيع واحدا منهما هو الصحيح في المذهب كما في البحر عن الكفاية. قوله: (والملحق بهما) كأخ لأب وأخ لام أو خال وعم، فالمدلى بقرابة الام قام مقامها، والمدلى بالأب كالأب، وإذا كان الصغير أب وأم واجتمعوا في ملك واحد لا يفرق بين أحدهم، فكذا هنا، وكذا لو كان له عمة وخالة أو أم أب وأم أم لم يفرق بينه وبين أحدهما. جوهرة. قلت: لكن الالحاق بالأبوين إنما يعتبر عند عدم أحدهما، لما في الفتح: لو كان معه أم وأخ أو أم وعمة أو خالة ألا أخ جاز بيع من سوى الام في ظاهر الرواية وهو الصحيح، لان شفقة الام تغني عمن سواها، ولذا كانت أحق بالحضانة من غيرها، والجدة كالأم، فلو كان له جدة وعمة وخالة جاز بيع العمة والخالة، ولو كان معه عمة وخالة لم يباعوا إلا معا لاختلاف الجهة مع اتحاد الدرجة، ثم قال: ولو ادعاه رجلان فصارا أبوين له ثم ملكوا جملة فالقياس أن يباع أحدهما لاتحاد جهتهما. وفي الاستحسان، لا يباع لان الأب في الحقيقة واحد فاحتمل كونه الذي بيع فيمتنع احتياطا، فصار الأصل أنه إذا كان معه عدد أحدهم أبعد جاز بيعه، وإن كانوا في درجة وكانوا من جنسين مختلفين كالأب والام والخالة والعمة لا يفرق، ولكن يباع الكل أو يمسك الكل، وإن كانوا من جنس واحد كالأخوين والعمين والخالين جاز أن يمسك مع الصغير أحدهما ويبيع ما سواه. ومثل الخال والعم أخ لأب وأخ لام ا ه. قوله: (كخروجه مستحقا) بأن ادعى رجل أحدهما أنه له وأثبته. قوله: (بالجناية) كأن قتل أحدهما رجلا خطأ ودفعه سيده بها. قوله: (وبيعه بالدين) بأن كان مأذونا واستغرقه الدين. قوله: (لان النظر الخ) يعني أن المنظور إليه في منع التفريق دفع الضرر عن غيره وهو الصغير لا إلحاق الضرر به: أي بالملك، فلو منعنا التفريق هنا كان إلزاما للضرر بالمالك، كذا في الفتح، أي لان المالك يتضرر بإلزامه الفداء لولي الجناية وإلزامه القيمة للغرماء وإلزامه المعيب من غير اختياره. زيلعي. قوله: (والزوجين) أي ولو صغيرين زيلعي. قوله: (فالمستثنى أحد عشر) كان الواجب تقديم هذه الجملة على قوله: بخلاف الكبيرين والزوجين لعدم دخولهما في المستثنى منه ا ه ح والأحد عشر : الاعتاق، توابعه، بيعه ممن حلف بعتقه كون المالك كافرا كونه متعددا، تعدد المحارم، ظهوره مستحقا، دفعه بجناية، بيعه بالدين، بيعه بإتلاف مال، رده بعيب. وزاد في البحر: ما إذا كان الصغير مراهقا ورضيت أمه ببيعه ا ه ط. قلت: في الفتح: لو كان الولد مراهقا فرضي بالبيع واختاره ورضيته أمه جاز بيعه ا ه. ويزاد أيضا ما في الفتح حيث قال: ومن صور جواز التفريق ما في المبسوط إذا كان للذمي عبد له امرأة
226 ولدت منه وأسلم العبد وولده الصغير فإنه يجبر الذمي على بيع العبد وابنه وإن كان تفريقا بينه وبين أمه، لأنه يصير مسلما بإسلام أبيه، فهذا تفريق بحق. قوله: (إلا من حربي) لان مفسدة التفريق عارضها أعظم منها كما قدمناه. قوله: (أيضا) أي كما في البيع الفاسد، وقدمنا عن الدرر أنه لا يجب فسخه، وما ذكره الشارح عزاه في الفتح أول باب الإقالة إلى النهاية، ثم قال: وتبعه غيره وهو حق، لان رفع المعصية واجب بقدر الامكان ا ه. قلت: ويمكن التوفيق بوجوبه عليهما ديانة. بخلاف البيع الفاسد، فإنهما إذا أصرا عليه يفسخه القاضي جبرا عليهما. ووجهه أن البيع هنا صحيح ويملك قبل القبض ويجب فيه الثمن لا القيمة، فلا يلي القاضي فسخه لحصول الملك الصحيح. قوله: (مجمع) عبارته: ويجوز البيع ويأثم ا ه وليس فيه ذكر الفسخ. قوله: (مسلما) أي رقيقا مسلما ط. قوله: (مع الاجبار الخ) أي لرفع ذلك الكافر عن المسلم، ولحفظ الكتاب عن الإهانة ط، والله سبحانه أعلم. فصل في الفضولي نسبة إلى الفضول جمع الفضل: أي الزيادة وفتح الفاء خطأ، ولم ينسب إلى الواحد وإن كان هو القياس، لأنه صار بالغلبة كالعلم لهذا المعنى فصار كالأنصاري والأعرابي. ط عن البناية. وفي المصباح: وقد استعمل الجمع استعمال المفرد فيما لا خير فيه، ولهذا نسب إليه على لفظه فقيل: فضولي لمن يشتغل بما لا يعنيه، لأنه جعل علما على نوع من الكلام فنزل منزلة المفرد، قوله: (مناسبته ظاهرة) هي توقف إفادة كل من الفاسد والموقوف الملك على شئ، وهو القبض في الأول والإجازة في الثاني ح. قوله: (لأنه من صوره) ووجهه أن المستحق يقول عند الدعوى هذا ملكي، ومن باعك إنما باعك بغير إذن فهو عين بيع الفضولي ا ه ح. قوله: (هو) أي لغة ولم يصرح بذلك اكتفاء بقوله بعده واصطلاحا الخ فافهم. قوله: (يخشى عليه الكفر) لان الامر بالمعروف وكذا النهي عن المنكر مما يعني كل مسلم، وإنما لم يكفر لاحتمال أنه لم يرد أن هذا فضل لا خير فيه، بل أراد أن أمرك لا يؤثر أو نحو ذلك. قوله: (بمنزلة الجنس) فيدخل فيه الوكيل الوصي والولي والفضولي. منح. قوله: (خرج به نحو وكيل ووصي) المراد خروج هذين وما شابههما لا هما فقط، فهو نظير قولهم: مثلك لا يبخل، فالوكيل
227 والوصي يتصرفان بإذن شرعي، وكذا الولي والقاضي والسلطان فيما يرجع إلى بيت المال ونحوه وأمير الجيش في الغنائم. قوله: (كل تصرف الخ) ضابط فيما يتوقف على الإجازة وما لا يتوقف. قوله: (صدر منه) أي من الفضولي أو من المتصرف مطلقا. قوله: (كبيع وتزويج) أشار إلى أن المراد بالتمليك ما يعم الحقيقي والحكمي. قوله: (أو إسقاط الخ) أي إسقاط الملك مطلقا. قال في الفتح: حتى لو طلق الرجل امرأة غيره أو أعتق عبده فأجاز طلقت وعتق، وكذا سائر الإسقاطات للديون وغيرها ا ه. تنبيه: قال في البحر: والظاهر من فروعهم أن كل ما صح التوكيل به إذا باشره الفضولي يتوقف إلا بالشراء بشرطه ا ه. قال الخير الرملي: أي من العقود والإسقاطات ليخرج قبض الدين. ففي جامع الفصولين: من قبض دين غيره بلا أمره ثم أجاز الطالب لم يجز قائما أو هالكا ا ه. قلت: هذا أحد قولين ذكرهما في جامع الفصولين، فإنه ذكر قبل ما مر رامزا إلى كتاب آخر ما نصه: قال لمديون ادفع إلي ألفا لفلان فعسى يجيزه الطالب وأنا لست بوكيل عنه فدفع وأجاز الطالب يجوز؟ ولو هلك بعد الإجازة هلك على الطالب ولو هلك ثم أجاز لا تعتبر الإجازة ا ه. قوله: (من يقدر على إجازته) كذا فسره في الفتح، فأفاد أنه ليس المراد المجيز بالفعل، بل المراد من له ولاية إمضاء ذلك الفعل من مالك أو لي كأب وجد ووصي وقاض كما مر بيانه قبيل باب المهر. وفي أحكام الصغار للاستروشني من مسائل النكاح عن فوائد صاحب المحيط: صبية زوجت نفسها من كف ء وهي تعقل النكاح ولا ولي لها، فالعقد يتوقف على إجازة القاضي، فإن كانت في موضع لم يكن فيه قاض، إن كان ذلك الموضع تحت ولاية قاضي تلك البلدة ينعقد ويتوقف على إجازة ذلك القاضي وإلا فلا ينعقد. وقال بعض المتأخرين: ينعقد ويتوقف على إجازتها بعد البلوغ ا ه. فهذا صريح في أن من ليس له ولي أو وصي خاص وكان تحت ولاية قاض فتصرفه موقوف على إجازة ذلك القاضي أو إجازته بعد بلوغه، وهذا إذا كان تصرفا يقبل الإجازة احترازا عما إذا طلق أو أعتق كما يأتي، وقد حررنا هذه المسألة قبيل كتاب الغصب من كتابنا تنقيح الفتاوى الحامدية، فارجع إليه فإن فيه فوائد سنية: قوله: (انعقد موقوفا) أي على إجازة من يملك ذلك العقد ولو كان العاقد نفسه. بيانه ما في الرابع والعشرين من جامع الفصولين: باعه أو زوجه بلا إذن ثم أجاز بعد وكالته جاز استحسانا: باع مال يتيم ثم جعله القاضي وصيا له فأجاز ذلك البيع صح استحسانا، ولو تزوج بلا إذن مولاه ثم أذن له في النكاح فأجاز ذلك النكاح جاز، ولا يجوز إلا بإجازته، ولو لم يأذن له لكنه عتق جاز بلا إجازة بعد عتقه، ولو تزوج الصبي أو باع ثم أذن له وليه أو بلغ لم يجز إلا بإجازته. وتمام الفروع هناك فراجعه. قوله: (وما لا مجيز له) أي وكل تصرف ليس له من يقدر على إجازته حالة العقد. قوله: (بيانه) أي بيان هذا الضابط المذكور، وهذا يفيد أن الضمير في قول المصنف: كل تصرف صدر منه راجع للمتصرف لا للفضولي، لان الصبي هنا لا ينطبق عليه تعريف الفضولي المار لأنه يتصرف في حق نفسه، إلا أن يجاب أن مباشرة العقد ليست حقه بل حق الولي ونحوه، فالمراد بالحق في التعريف ما يشمل العقد، كما أفاده ط. قوله: (صبي) أي غير مأذون. قوله: (باع مثلا الخ)
228 أي تصرف تصرفا يجوز عليه لو فعله وليه في صغره كبيع وشراء وتزوج وتزويج أمته وكتابة قنه ونحوه، فإذا فعله الصبي بنفسه يتوقف على إجازة وليه ما دام صبيا، ولو بلغ قبل إجازة وليه فأجاز بنفسه جاز، ولم يجز بنفس البلوغ بلا إجازة، جامع الفصولين. قوله: (بخلاف ما لو طلق مثلا) أي أو خلع أو حرر قنه مجانا أو بعوض أو وهب ماله أو تصدق به أو زوج قنه امرأة أو باع ماله محاباة فاحشة أو شرى شيئا بأكثر من قيمته فاحشا أو عقد عقدا مما لو فعله وليه في صباه لم يجز عليه، فهذه كلها باطلة، وإن أجازها الصبي بعد بلوغه لم تجز لأنه لا مجيز لها وقت العقد فلم تتوقف على الإجازة، إلا إذا كان لفظ إجازته بعد البلوغ يصلح لابتداء العقد، فيصح ابتداء لا إجازة كقوله أوقعت ذلك الطلاق أو العتق فيقع، لأنه يصلح للابتداء جامع الفصولين. قوله: (وقف بيع مال الغير) أي على الإجازة على ما بيناه، وفي حكم الغير: الصبي لو باع مال نفسه بلا إذن وليه كما علمت، ثم إذا أجاز بيع الفضولي والثمن نقد فهو للمجيز، أما لو كان عرضا فهو للفضولي، لأنه صار مشتريا له وعليه قيمته للمجيز كما سيأتي. قوله: (لو الغير بالغا عاقلا الخ) لم أر ذلك في الحاوي. ووجهه غير ظاهر إذا كان للصغير أو للمجنون ولي أو كان في ولاية قاض، لأنه يصير عقدا له مجيز وقت العقد فيتوقف على أنه مخالف، لما قدمناه عن جامع الفصولين من أنه: لو باع مال يتيم ثم جعله وصيا له فأجاز ذلك البيع صح استحسانا، فهذا صريح في أنه انعقد موقوفا فإنه لو لم ينعقد أصلا لم يقبل الإجازة بعد ما صار وصيا، ولعل ما في الحاوي قياس والعمل على الاستحسان. قوله: (وهذا) أي التوقف المفهوم من قول المصنف وقف. قوله: (على أنه لمالكه الخ) أي على أن البيع لأجل مالكه لا لأجل نفسه، وهذا مأخوذ من البحر حيث قال: ولو قال المصنف باع ملك غيره لمالكه لكان أولى، لأنه لو باعه لنفسه لم ينعقد أصلا كما في البدائع ا ه. لكن صاحب المتن قال في منحه: أقول: يشكل على ما نقله شيخنا على البدائع ما قالوه من أن المبيع إذا استحق لا ينفسخ العقد في ظاهر الرواية بقضاء القاضي بالاستحقاق وللمستحق إجازته. وجه الاشكال أن البائع باع لنفسه لا للمالك الذي هو المستحق مع أنه توقف على الإجازة، ويشكل عليه بيع الغاصب فإنه يتوقف على الإجازة، فالظاهر ضعف ما في البدائع فلا ينبغي أن يعول عليه لمخالفته لفروع المذهب ا ه. وذكر نحوه الخير الرملي، ثم استظهر أن ما في البدائع رواية خارجة عن ظاهر الرواية. أقول: يظهر لي أن ما في البدائع لا إشكال فيه، بل هو صحيح لان قول البدائع لو باعه لنفسه لم ينعقد أصلا، معناه: لو باعه من نفسه فاللام بمعنى من فهو المسألة الثانية من المسائل الخمس، وحينئذ فمراد البدائع أو الموقوف ما باعه لغيره، أما لو باعه لنفسه لم ينعقد أصلا، فالخلل إنما جاء مما فهمه صاحب البحر من أن اللام للتعليل، وأنه احتراز عما إذا باعه لأجل مالكه، ولله در أخيه صاحب النهر حيث وقف على حقيقة الصواب، فقال عند قول الكنز: ومن باع ملك غيره: يعني لغيره، أما إذا باع لنفسه لم ينعقد كذا في البدائع ا ه. لكنه لو عبر بمن بدل اللام لكان أبعد عن الايهام، وعلى كل فهو عين ما ظهر لي، والحمد لله رب العالمين. قوله: (أو باعه من نفسه) لأنه يكون
229 مشتريا لنفسه، وقد صرحوا بأن الواحد لا يتولى الطرفين في البيع. أفاده في المنح. قوله: (أو شرط الخيار للمالك) (1) قال في النهر: وفي فروق الكرابيسي: لو شرط الفضولي الخيار للمالك بطل العقد، لأنه له بدون الشرط فيكون الشرط له مبطلا اه. وكان ينبغي أن يكون الشرط لغوا فقط فتدبره ا ه: أي لأنه إذا كان للمالك الخيار في أن يجيز العقد أو يبطله. يكون اشتراطه لا فائدة فيه فيلغو، وحيث لم يكن منافيا للعقد فينبغي أن لا يبطله. وظاهر التعليل أن المراد خيار الإجازة، ومقتضى ما في الأشباه أن المراد به خيار الشرط حيث قال: خيار الشرط داخل على الحكم لا البيع فلا يبطله إلا في بيع الفضولي. وقال البيري: وتقييده بالمالك ليس بشرط، بل إذا شرط الفضولي للمشتري له بأن قال: اشتريت هذا لفلان بكذا على أن فلانا بالخيار ثلاثة أيام لا يتوقف، كما في قاضيخان ومنية المفتي ا ه. قلت: ولعل وجهه أن الأصل فساد العقد بشرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، إلا في صور منها ورود النص به كشرط الخيار، وفائدته التروي دفعا للغبن، ومن وقع له عقد الفضولي يثبت له الخيار بلا شرط غير مقيد بمدة، فكان اشتراط الخيار له ثلاثة أيام فقط مخالفا للنص، لأنه لا فائدة فيه بل فيه ضرر بقصر المدة فلذا لم يتوقف على الإجازة بل بطل لضعف عقد الفضولي، وإن كان الشرط الفاسد يقتضي الفساد لا البطلان هذا ما ظهر لي، والله سبحانه أعلم. قوله: (المكلف) قيد به لان المالك إذا كان صبيا أو مجنونا فالبيع باطل وإن لم يشترط الخيار له فيه ا ه ح. وهذا بناء على ما مر عن الحاوي وعلمت ما فيه. قوله: (أو باع عرضا الخ) بيانه: لرجل عبد وأمة فغصب زيد العبد وعمرو الأمة ثم باع زيد العبد من عمرو بالأمة فأجاز المالك البيع لم يجز. قال في البحر: لان فائدة البيع ثبوت ملك الرقبة والتصرف، وهما حاصلان للمالك في البدلين بدون هذا العقد فلم ينعقد فلم تلحقه إجازة، ولو غصبا من رجلين وتبايعا وأجاز المالكان جاز، ولو غصبا النقدين من واحد وعقد الصرف وتقابضا ثم أجاز جاز، لان النقود لا تتعين في المعاوضات، وعلى كل واحد من الغاصبين مثل ما غصب، كذا في الفتح من آخر الباب ا ه. قوله: (للمالك) أي مالك العرض الأول، وهو متعلق بمحذوف نعت العرض آخر، فيكون كل من العرضين لمالك واحد كما مشينا. قوله: (به) متعلق بقوله: باع والضمير عائد على العرض الآخر. قوله: (إلا في هذه الخمسة) أي الأربعة المذكورة هنا، ومسألة الحاوي هي الخامسة، وقد علمت أن الخامسة ليست كذلك، وكذلك مسألة بيعه على أنه لنفسه، فبقي المستثنى ثلاثة فقط وهي الآتية عن الأشباه. قلت: ويزاد ما في جامع الفصولين: باع ملك غيره فشراه من مالكه وسلم إلى المشتري لم يجز والبيع باطل لا فاسد، وإنما يجوز إذا تقدم سبب ملكه على بيعه، حتى أن الغاصب لو باع المغصوب ثم ضمنه المالك جاز بيعه، أما لو شراه الغاصب من مالكه أو وهبه له أو ورثه منه لا ينفذ بيعه قبله، ولو غصب شيئا وباعه فإن ضمنه المالك قيمته يوم الغصب جاز بيعه، لا لو ضمنه قيمته يوم البيع ا ه.
(1) قوله: (أو شرط الخيار للماك) كذا بخطه. والذي في نسخ الشارح (أو شرط الخيار فيه لمالكه والمآل واحد) ا ه. 230 فهاتان مسألتان، فرجعت المسائل المستثناة خمسا لكن في الأخيرة كلام سيأتي. قوله: (نفذ عليه) أي على المشتري، لو أشهد أنه يشتريه لفلان وقال فلان رضيت فالعقد للمشتري، لأنه إذا لم يكن وكيلا بالشراء وقع الملك له فلا اعتبار بالإجازة بعد ذلك، لأنها إنما تلحق الموقوف لا النافذ، فإن دفع المشتري إلي العبد وأخذ الثمن كان بيعا بالتعاطي بينهما، وإن ادعى فلان أن الشراء كان بأمره وأنكر المشتري فالقول لفلان لأن الشراء بإقراره وقع له. بحر عن البزازية. قوله: (فيوقف) أي على إجازة من شرى له، فإن أجاز جاز وعهدته على المجيز لا على العاقد، وهذا لأن الشراء إنما لا يتوقف إذا وجد نفاذا ولا ينفذ هنا على العاقد. أفاده في جامع الفصولين. قوله: (هذا) أي نفاذ الشراء على الفضولي الغير المحجور. قوله: (فقال البائع بعته لفلان) أي وقال الفضولي اشتريت لفلان كما في البزازية وغيرها لان قوله: بع أمر لا يصلح إيجابا. وفي الفتح قال: اشتريته لأجل فلان فقال: بعت أو قال المالك ابتداء بعته منك لأجل فلان فقال: اشتريت لم يتوقف، لأنه وجد نفاذا على المشتري لأنه أضيف إليه ظاهرا، وقوله: لأجل فلان يحتمل لأجل شفاعته أو رضاه ا ه. وذكر في البزازية كذلك، ثم قال: والصحيح أنه إذا أضيف العقد في أحد الكلامين إلى فلان يتوقف على إجازته، وأقره في البحر، لكن في البزازية أيضا: لو قال اشتريت لفلان وقال البائع: بعت منك الأصح عدم التوقف ا ه. وظاهره أنه ينفذ على المشتري، لكن نقل في البحر هذه الأخيرة عن فروق الكرابيسي وقال: بطل العقد في أصح الروايتين لأنه خاطب المشتري فرده لغيره فلا يكون جوابا فكان شطر العقد، بخلاف قوله: بعته لفلان فقال: اشتريت له أو قبلت ولم يقل له، وقوله: بعت من فلان فقال: اشتريت لأجله أو قبلت فإنه يتوقف لاضافته إلى فلان في الكلامين. قال في النهر: وعلى هذا فالاكتفاء بالإضافة في أحد الكلامين بأن لا يضاف إلى الآخر ا ه. وحاصله أن ما مر عن البزازية من تصحيح التوقف بالإضافة إلى فلان في أحد الكلامين محمول على ما إذا لم يضف العقد في أحد الكلامين إلى المشتري فلا ينافي ما صححه في الفروق، وعليه فلو أضيف في أحدهما إلى المشتري وفي الآخر إلى فلان بطل العقد كقوله: بعت منك فقال: اشتريت لفلان أو بالعكس، لان الكلام الثاني لا يصلح قبولا للايجاب، لكن لا يخفى أن صريح تصحيح البزازية أنه إذا أضيف إلى فلان في أحد الكلامين يتوقف، والمفهوم من تصحيح الفروق أنه لا يتوقف إلا إذا أضيف إليه في الكلامين، وهو المفهوم من كلام الفتح السابق، فصار الحاصل أنه إذا أضيف إلى فلان في الكلامين توقف على إجازته، وإلا نفذ عن المشتري ما لم يضف إلى الآخر صريحا فيبطل، ووقع في بعض الكتب هنا اضطراب وعدول عن الصواب كما يعلم من مراجعة نور العين، وهذا ما يحصل لي بعد التأمل، والله سبحانه أعلم. قوله: (بزازية وغيرها) يوجد هنا في بعض النسخ زيادة نقلت من نسخة الشارح ونصها: قيد ببيعه لمالكه لان بيعه لنفسه باطل كما في البحر والأشباه عن البدائع كأنه لأنه غاصب، وكذا من نفسه لان الواحد لا يتولى طرفي البيع إلا الأب كما مر. وعبارة الأشباه: وبيع الفضولي موقوف إلا من ثلاث فباطل: إذا باع لنفسه بدائع. وإذا شرط الخيار فيه للمالك تلقيح. وإذا باع عرضا من غاصب عرض آخر للمالك به. فتح. لكن ضعف المصنف الأولى لمخالفتها لفروع المذهب، لتصريحهم بأن بيع الغاصب موقوف، وبأن المبيع إذا استحق
231 فللمستحق إجازته على الظاهر مع أن البائع باع لنفسه لا للمالك الذي هو المستحق مع أنه توقف على الإجازة. وأما الثانية ففي النهر: وينبغي إلغاء الشرط فقط. قلت: وحاصله كما قاله شيخنا إن بيعه موقوف ولو لنفسه على الصحيح ا ه. لكن في حاشية الأشباه لابن المصنف. وردت مسألتين من الحاوي: وهما بيع الفضولي مال صغير، ومجنون لا ينعقد أصلا، وهذا آخر ما وجدته من الزيادة، ولا يخفى ما فيها من التكرار، وكأن الشارح قصد أن يعدل إليها عما كتبه أولا من قوله: أما لو باعه إلى قوله: قيد البيع. قوله: (المحجورين) أخرج المأذونين فلا يتوقف بيعهما ط. قوله: (وكذا المعتوه) أي حكمه في البيع كحكم الصبي والعبد المحجورين ط. قوله: (وسنحققه في الحجر) حيث قال: وصح طلاق عبد وإقراره في حق نفسه فقط لا سيده، فلو أقر بمال آخر إلى عتقه لو لغير مولاه ولو له هدر وبحد وقود أقيم في الحال لبقائه على أصل الحرية في حقهما، ومن عقد عقدا يدور بين نفع وضرر من هؤلاء المحجورين وهو يعقله أجاز وليه أو رد، وإن لم يعقله فباطل، وإن أتلفوا شيئا ضمنوا، لكن لا ضمان العبد بعد العتق ا ه. وبه ظهر أن قول العمادية لا تنعقد الخ ليس على إطلاقه، وإن مراده بلا تنعقد لا تنفذ، فيشمل ما ينعقد موقوفا وما لا ينعقد أصلا فلا يخالف ما في المتن. قوله: (ووقف بيع ماله من فاسد عقل الخ) كذا في الدرر، وفي أول البيع الفاسد من البحر عن الخلاصة: وبيع غير الرشيد موقوف على إجازة القاضي ا ه. وهذا أولى لان الكلام في توقف المبيع. أما على ما في المتن فالموقوف شراء فاسد العقل. أما البيع الصادر من الرشيد فغير موقوف، ولذا قال في الشرنبلالية: هذا التركيب فيه نظر. والمسألة من الخانية: الصبي المحجور إذا بلغ سفيها يتوقف بيعه وشراؤه وعلى إجازة الوصي أو القاضي. وفي الخلاصة: إذا باع ماله وهو غير رشيد يتوقف على إجازة القاضي ا ه. قلت: وهذا على قولهما: أما على قول الإمام فتصرفه صحيح كما سيأتي في بابه. مطلب في بيع المرهون والمستأجر قوله: (ووقف بيع المرهون والمستأجر الخ) أي فإن إجازة المرتهن والمستأجر نفذ، وهل يملكان الفسخ؟ قيل: لا وهو الصحيح، وقيل: يملكه المرتهن دون المستأجر لان حقه في المنفعة، ولذا لو هلكت العين لا يسقط دينه وفي الرهن يسقط، وتمامه في البحر. وجزم في الخانية بالثاني، لكن في حاشية الفصولين للرملي على الزيلعي: لا يملك المرتهن الفسخ في أصح الروايتين ا ه. وليس للراهن والمؤجر الفسخ. وأما المشتري فله خيار الفسخ إن لم يعلم بالإجارة والرهن عند أبي يوسف، وعندهما: له ذلك وإن علم، وعزى كل منهما إلى ظاهر الرواية كما في الفتح، لكن في حاشية الفصولين للرملي عن الولوالجية أن قولهما هو الصحيح، وعليه الفتوى، بقي لو لم يجز المستأجر حتى انفسخت الإجارة نفذ البيع السابق، وكذا ا لمرتهن إذا قضى دينه كما في جامع الفصولين. و فهي أيضا عن الذخيرة: البيع بلا إذن المستأجر نفذ في حق البائع والمشتري لا في حق المستأجر، فلو سقط حق المستأجر عمل ذلك البيع ولا حاجة إلى التجديد وهو الصحيح، ولو أجازه المستأجر نفذ في حق الكل، ولا ينزع من يده
232 ليصل إليه ماله، إذ رضاه بالبيع يعتبر لفسخ الإجارة لا للانتزاع من يده. وعن بعضنا: أنه لو باع وسلم أجازهما المستأجر بطل حتى حبسه ولو أجاز البيع لا التسليم لا يبطل حق حبسه ا ه. تنبيه: لو بيع المستأجر من مستأجره لا يتوقف كما علم مما ذكرناه، وبه صرح في الفصولين وغيره. وفيه: باع المستأجر ورضي المشتري أن لا يفسخ الشراء إلى مضي مدة الإجارة ثم يقبضه من البائع، فليس له مطالبة البائع بالتسليم قبل مضيها، ولا للبائع مطالبة المشتري بالثمن ما لم يجعل المبيع بمحل التسليم. قوله: (ومزارع) صورته كما في ح عن الفتاوى الهندية: إذا دفع أرضه مزارعة مدة معلومة على أن يكون البذر من قبل العامل فزرعها العامل أو لم يزرع فباع صاحب الأرض الأرض يتوقف على إجازة المزارع ا ه. أي لأنه في حكم المستأجر للأرض. وأما لو كان البذر من المالك فينفذ لو لم يزرع، لان المزارع أجير له، ولو زرع لا لتعلق حق المزارع. وتمامه في جامع الفصولين. قوله: (نفذ) حقه أن يقول توقف، لأنه إذا علم في المجلس توقف على إجازته فيخير بين أخذه وتركه، لان الرضا لم يتم قبله لعدم العلم فيتخير كما في خيار الرؤية كما ذكره في البحر من المرابحة. قوله: (وإلا بطل) المناسب لما بعده وإلا فسد. قوله: (قلت الخ) استدراك على المصنف، فإن مفاد كلامه أن المتوقف صحته: أي أن صحيح له عرضية الفساد فهو مبني على الضعيف، ويمكن حمل كلام المصنف على ما بعد العلم في المجلس. قوله: (وبيع المبيع من غير مشتريه) قال في الدرر: صورته باع شيئا من زيد ثم باعه من بكر لا ينعقد الثاني، حتى لو تفاسخا الأول لا ينعقد الثاني، لكن يتوقف على إجازة المشتري إن كان بعد القبض، وإن كان قبله في المنقول لا، وفي العقار على الخلاف ا ه. قوله: أولا: لا ينعقد الثاني، معناه: لا ينفذ بقرينة الاستدراك عليه بقوله لكن يتوقف الخ، وأراد بالخلاف ما سيأتي في فصل التصرف من أن بيع العقار قبل قبضه صحيح عندهما لا عند محمد، فهو عنده كبيع المنقول. واعترضه في الشرنبلالية بما حاصله أن الخلاف الآتي إنما هو فيما إذا اشترى عقارا فباعه قبل قبض، والكلام هنا في بيع البائع. قلت: لا يخفى أن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة، فالبيع في الحقيقة من المشتري، ولذا قال في جامع الفصولين: شراه ولم يقبضه حتى باعه البائع من آخر بأكثر فأجازه المشتري لم يجز، لأنه بيع ما لم يقبض ا ه. فاعتبره بيعا من جانب المشتري قبل قبضه، فافهم. وظاهره أنه يبقى على ملك المشتري الأول، ويأتي تمامه في فصل التصرف في المبيع. قوله: (لدخوله في بيع مال الغير) لا يخفى أن في هذه الصورة تفصيلا وفرقا بين الإجازة قبل القبض أو بعده وهو محتاج للتنبيه عليه، بخلاف غيرها من بيع مال الغير، فالأولى ذكرها كما فعل في الدرر. قوله: (وبيع المرتد) فإنه موقوف عند الامام على الاسلام، ولا يتوقف عندهما ط. قوله: (إن علم في المجلس صح) أي وله الخيار. شرنبلالية عند
233 قوله: والبيع بما باع فلان والظاهر أن المسائل بعده كذلك. قوله: (وإلا بطل) غير مسلم لأنه فاسد يملك بالقبض شرنبلالية. قوله: (وبيع فيه خيار المجلس كما مر) الذي مر أول البيوع أنه إذا أوجب أحدهما فللآخر القبول في المجلس، لان خيار القبول مقيد به، فإذا قبل فيه لزم البيع بلا خيار إلا لعيب أو رؤية خلافا للشافعي، فإن كان المراد خيار القبول ففيه كما قال الواني إن البيع الموقوف إنما يكون بعد الايجاب والقبول، وإن كان المراد خيار الشرط، ففي الشرنبلالية أنه ليس من الموقوف، والخيار المشروط المقدر بالمجلس صحيح، وله الخيار ما دام فيه. وإذا شرط الخيار ولم يقدر له أجل كان له الخيار بذلك المجلس فقط كما في الفتح ا ه. وبيانه أن الموقوف مقابل للنافذ، وما فيه خيار مقابل للازم، فما فيه خيار غير لازم لا موقوف، لكن قد يقال: إن لزومه موقوف على إسقاط الخيار فيصح وصفه بالموقوف، لكن على هذا لا حاجة للتقييد بالمجلس، بل كان عليه أن يقول: وبيع فيه خيار الشرط ليشمل ما كان مقيدا بالمجلس وغيره، ولئلا يتوهم منه خيار القبول. ثم إن ما تقله الشرنبلالي عن الفتح مخالف لما قدمه الشارح من أن خيار الشرط ثلاثة أيام أو أقل وأنه يفسد عند إطلاق أو تأبيد، وقدمنا هناك أنه إذا أطلق عن التقييد بثلاثة أيام إنما يفسد إذا أطلق وقت العقد. أما لو باع بلا خيار ثم لقيه بعد مدة فقال له: أنت بالخيار، فله الخيار ما دام في المجلس كما في البحر عن الولوالجية وغيرها، وحمل عليه في البحر كلام الفتح. قوله: (على إجازة المالك) فلو تداولته الأيدي فأجاز عقدا من العقود جاز ذلك العقد خاصة كما سيأتي تحريره. وفي جامع الفصولين: لو باعه الغاصب ثم ضمنه مالكه جاز البيع، ولو شراه غاصبه من مالكه أو وهبه منه أو ورثه لم ينفذ بيعه قبل ذلك. قوله: (يعني إذ باعه لمالكه الخ) تبع في ذلك المصنف، مع أن المصنف ذكر فيها مر أن هذا مخالف لفروع المذهب، فلا فرق بين بيعه لمالكه أو لنفسه، وقد علمت الكلام على ما في البدائع. قوله: (على البينة) أي إن أنكر الغاصب ط. قوله: (وبيع ما في تسليمه ضرر) كبيع جذع من السقف سواء كان معينا أو لا على ما في النهر عن الفتح، وقد علم أن المراد تعداد الموقوف، ولو صدر فاسدا فإن البيع في هذه الصورة فاسد موقوف ط. قوله: (وبيع المريض لوارثه) أي ولو بمثل القيمة وهذا عنده، وعندهما: يجوز ويخير المشتري بين فسخ وإتمام لو فيه غبن أو محاباة قلت أو كثرت، كذا وصى الميت له باعه من الوارث فهو على هذا الخلاف، وكذا وارث صحيح بايع من مورثه المريض فهو على هذا الخلاف عنده لم يجز ولو بقيمته، وعندهما: يجوز جامع الفصولين. قوله: (على إجازة الباقي) أو على صحة المريض، فإن صح من مرضه نفذ، وإن مات منه ولم تجز الورثة بطل. فتح. قوله: (على إجازة الغرماء) عزاه في البحر إلى الزيلعي، ومثله في جامع الفصولين. قوله: (وبيع أحد الوكيلين) عزاه في البحر إلى وكالة الزيلعي، ثم ذكر أحد الوصيين أو الناظرين وقال: توقف على إجازة الآخر أخذا من الوكيلين ولم أرهما الآن صريحا ا ه.
234 مطلب: البيع الموقوف نيف وثلاثون قوله: (وأوصله) أي البيع الموقوف. قوله: (إلى نيف وثلاثين) أي ثمان وثلاثين، ذكر المصنف والشارح منها ثلاثة وعشرون صورة (1). ذكر في النهر بيع غير الرشيد فإنه موقوف على إجازة القاضي. والذي ذكره المصنف هنا البيع منه وبيع البائع المبيع بعد القبض من غير المشتري فإنه يتوقف على إجازة المشتري، وما شرط فيه الخيار أكثر من ثلاث، فإن الأصح أنه موقوف، وشراء الوكيل نصف عبد وكل في شراء كله فإنه موقوف إن اشترى الباقي قبل الخصومة نفد على الموكل وبيع نصيبه من مشترك بالخلط أو الاختلاط فإنه موقوف على إجازة شريكه، وتقدم ذلك أول كتاب الشركة، وبيع المولى عبده المأذون فإن موقوف على إجازة الغرماء، وكذا بيعه أكسابه وبيع وكيل الوكيل بلا إذن فإنه موقوف على إجازة الوكيل الأول، وبيع الصبي بشرط الخيار إذا بلغ الصبي في المدة، والبيع بما حل به أو بما يريده أو بما يحب أو برأس ماله أو بما اشتراه ا ه: أي فإنه يتوقف على بيانه في المجلس كما تقدم نظيره ط. قوله: (قبول الإجازة) أي ولو تداولته الأيدي كما قدمناه آنفا. قوله: (من المالك) أفاد أنه لا تجوز إجازة وارثه كما يذكره قريبا ويغني عن هذا تصريح المصنف بأن من شروط الإجازة قيام صاحب المتاع. قوله: (بأن لا يتغير المبيع) علم منه حكم هلاكه بالأولى، فإن لم يعلم حاله جاز البيع في قول أبي يوسف أو لا وهو قول محمد لان الأصل بقاؤه ثم رجع أبو يوسف وقال: لا يصلح حتى يعلم قيامه عند الإجازة، لأن الشك وقع في شرط الإجازة فلا يثبت مع الشك. فتح ونهر، ولو اختلفا في وقت الهلاك فالقول للبائع أنه هلك بعد الإجازة لا للمشتري أنه هلك قبلها كما في جامع الفصولين. قوله: (بحيث يعد شيئا آخر) بيان للمنفي وهو التغير، فلو صبغه المشتري فأجاز المالك البيع جاز، ولو قطعه وخاطه ثم أجاز لا يجوز لأنه صار شيئا آخر. منح ودرر، ومثله في التتارخانية عن فتاوى أبي الليث، ويخالفه ما في البحر والبزازية أنه لو أجازه بعد الصبغ لا يجوز. تأمل. وفي جامع الفصولين: باع دارا فانهدم بناؤها ثم أجاز يصح لبقاء الدار ببقاء العرصة. قوله: (لان إجازته كالبيع حكما) أي ولا بد في البيع من قيام هذه الثلاثة. قوله: (لو كان عرضا معينا) بأن كان بيع مقايضة. فتح. وقيده بالتعيين لان الاحتراز عن الدين إنما يحصل به فإن العرض قد يكون دينا على ما ستقف عليه. ابن كمال: أي كالسلم. قوله: (فيكون ملكا للفضولي) أي فإذا هلك يهلك عليه ط. وإنما توقف على الإجازة لان إجازة المالك إجازة عقد لا إجازة عقد، بمعنى أن المالك أجاز للبائع أن ينقد ما باعه ثمنا لما ملكه بالعقد لا إجازة عقد، لأن العقد لازم على الفضولي كما في العناية. قال في البحر: لأنه لما كان العوض متعينا كان شراء من وجه والشراء لا يتوقف بل ينفذ على المباشر إن وجد نفاذا فيكون ملكا له وبإجازة المالك لا ينتقل إليه، بل تأثير إجازته في النقد لا العقد، ثم يجب على الفضولي مثل المبيع إن كان مثليا، وإلا فقيمته لأنه لما صار البدل له صار مشتريا لنفسه بمال
(1) قوله: (ثلاثة وعشرين صورة) هكذا بخطه، ولعل الأولى ثلاثا بتجريده من التاء كما لا يخفى ا ه مصححه. 235 الغير مستقرضا له في ضمن الشراء فيجب عليه رده، كما لو قضى دينه بمال الغير. واستقراض غير المثلي جائز ضمنا وإن لم يجز قصدا، ألا ترى أن الرجل إذا تزوج امرأة على عبد الغير صح ويجب عليه قيمته. قوله: (أمانة في يد الفضولي) فلو هلك لا يضمنه كالوكيل، لان الإجازة اللاحقة كالوكلة السابقة من حيث إنه صار بها تصرفه نافذا، وإن لم يكن من كل وجه فإن المشتري من المشتري من الفضولي إذا أجاز المالك لا ينفذ بل يبطل، بخلاف الوكيل، وتمامه في الفتح، وأطلقه فشمل ما إذا هلك قبل تحقق الإجازة أو بعده كما يأتي بيانه. فرع: لو أراد المشتري استرداد الثمن منه بعد دفعه له على رجاء الإجازة لم يملك ذلك. ذكره في المجتبى آخر الوكالة. رملي على الفصولين. قوله: (وحكمه أيضا الخ) تبع في ذلك المصنف وهو عدول عن ظاهر المتن، فإن الظاهر منه أن قوله: وأخذ الثمن مبتدأ، وقوله الآتي: إجازة خبره، وهذا أولى كما يفيده قوله الآتي عن العمادية: ويكون إجازة أفاده ط. قوله: (أخذ المالك الثمن) الظاهر أن أل للجنس فيكون أخد بعضه إجازة أيضا لدلالته على الرضا، ولتصريحهم في نكاح الفضولي بأن قبض بعد المهر إجازة. أفاده الرملي عن المصنف. قوله: (وهل للمشتري الخ) كان الأولى ذكر هذه الجملة بتمامها عقب ما قدمه عن الملتقى، لان ذاك فيما إذا وجدت الإجازة، وهذا فيما إذا لم توجد. وحاصله: أنه إذا لم توجد الإجازة يبقى الثمن غير العرض على ملك المشتري، فإذا هلك في يد الفضولي هل يضمنه للمشتري؟ ففي شرح الوهبانية: قال في القنية بعد أن رمز للقاضي عبد الجبار والقاضي البديع: اشترى من فضولي شيئا ودفع إليه الثمن مع علمه بأنه فضولي ثم هلك الثمن في يده، ولم يجز المالك البيع فالثمن مضمون على الفضولي. ثم رمز القاضيخان وقال: رجع على الفضولي بمثل الثمن، ثم رمز لبرهان صاحب المحيط وقال: لا يرجع عليه بشئ ثم رمز لظهير الدين المرغيناني وقال: إن علم أنه فضولي وقت أداء الثمن يهلك أمانة. ذكره في المنتقى. قال البديع: وهو الأصح ا ه. وعلة تصحيح كونه أمينا أن الدفع إليه مع العلم بكونه فضوليا صيره كالوكيل ا ه. قوله: (واعتمده ابن الشحنة) كأنه أخذ اعتماده له من ذكر علة التصحيح المذكورة. تأمل. قوله: (وأقره المصنف). قلت: وبه جزم في البزازية وجامع الفصولين، وعزاه في شرح الملتقى إلى القهستاني عن العمادية. قوله: (وجزم الزيلعي وابن ملك الخ) حيث قالا: وإذا أجاز المالك كان الثمن مملوكا له أمانة في يد الفضولي بمنزلة الوكيل حتى لا يضمن بالهلاك في يده سواء هلك بعد الإجازة أو قبلها، لان الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة ا ه. وبه علم أن قول الشارح مطلقا معناه: سواء هلك قبل الإجازة أو بعدها، فافهم. ثم اعلم أن المتبادر من كلام الزيلعي وابن ملك أن المراد: إذا وجدت الإجازة لا يضمن الفضولي الثمن سواء هلك قبلها أو بعدها، لان الثمن غير العرض يصير ملكا للمجيز، لان الفضولي
236 بالإجازة اللاحقة صار كالوكيل، فيكون الثمن في يده أمانة قبل الهلاك من حين قبضه فيهلك على المجيز وإن كانت الإجازة بعد الهلاك، والمتبادر من كلام القنية أن الإجازة لم توجد أصلا، لا قبل الهلاك ولا بعده، فلذا اختلف المشايخ في ضمانه وعدمه. وأما ما ذكره الزيلعي وابن ملك فلا وجه للاختلاف فيه، فلا منافاة بين النقلين، هذا ما ظهر لي فتدبره. وبقي ما إذا هلك الثمن العرض في يد الفضولي قبل الإجازة، ففي جامع الفصولين: يبطل العقد ولا تلحقه الإجازة، ويضمن للمشتري مثل عرضه أو قيمته لو قيميا لأنه قبضه بعقد فاسد ا ه. تتمة: لم يذكر حكم هلاك المبيع وذكره في جامع الفصولين. وحاصله أنه لو هلك قبل الإجازة، فإن كان قبل قبض المشتري بطل العقد، وإن بعده لم يجز بالإجازة وللمالك تضمين أيهما شاء وأيهما اختار تضمينه ملكه، ويبرأ الآخر فلا يقدر على أن يضمنه، ثم إن ضمن المشتري بطل البيع، لان أخذ القيمة كأخذ العين، وللمشتري أن يرجع على البائع بثمنه لا بما ضمن، وإن ضمن البائع: فإن كان قبض البائع مضمونا عليه: أي بأن قبضه بلا إذن مالكه نفذ بيعه بضمانة، وإن كان قبضه أمانة، وإنما صار مضمونا عليه بالتسليم بعد البيع لا ينفذ بيعه بضمانة، لان سبب ملكه تأخر عن عقده. وذكر محمد في ظاهر الرواية أن البيع يجوز بتضمين البائع، وقيل: تأويله أنه سلم أولا حتى صار مضمونا عليه ثم باعه فصار كمغصوب ا ه. قوله: (بئسما صنعت) قال في جامع الفصولين: هو إجازة في نكاح وبيع وطلاق وغيرها، كذا روي عن محمد. وفي ظاهر الرواية: هو رد، وبه يفتي ا ه. والظاهر أن مثله أسأت. قوله: (على المختار) أي في أحسنت وأصبت، ومقابله ما في الخانية من أنه ليس إجازة لأنه يذكر للاستهزاء. وفي الذخيرة أن فيه روايتين. وفي جامع الفصولين: أحسنت أو وفقت أو كفيتني مؤنة البيع أو أحسنت فجزاك الله خيرا ليس إجازة، لأنه يذكر للاستهزاء، إلا أن محمدا قال: إن أحسنت أو أصبت إجازة استحسانا. أقول: ينبغي أن يفصل، فإن قاله جدا فهو إجازة، لا لو قاله استهزاء، ويعرف بالقرائن، ولو لم توجد ينبغي أن يكون إجازة إذ الأصل هو الجد ا ه. وفي حاشيته للرملي عن المصنف أن المختار ما ذكره من التفصيل كما أفصح عنه البزازي. قوله: (لو المبيع قائما) ذكره لأنه تتمة عبارة العمادية، وإلا فالكلام فيه. قوله: (بيع الآجر) بالجيم المكسورة. قوله: (جاز) لأنه بعدم إجازته لا ينفسخ، لما مر من أن المستأجر لا يملك الفسخ. قوله: (بالفعل وبالقول) الأول من قوله أخذ الثمن، والثاني من قوله أو طلبه وما بعده. وفي جامع الفصولين: لو أخذ المالك بثمنه خطأ من المشتري فهو إجازة، لا لو سكت عند بيع الفضولي بحضرته ا ه. وسيذكر الشارح مسألة السكوت آخر الفصل. قوله: (وإن للمالك الخ) استفيد ذلك من قول المصنف وحكمه قبول الإجازة، فإن المراد إجازة المالك كما مر فإنه يفيد أن له الفسخ أيضا، وأن المشتري والفضولي ليس لهما الإجازة، فافهم. قوله: (وللمشتري الفسخ) أي قبل إجازة المالك تحرزا عن لزوم العقد. بحر. وهذا عند التوافق، على أن المالك لم يجز
237 البيع ولم يأمر به فلا ينافي قول المصنف الآتي: باع عبد غيره بغير أمره الخ. هذا، وذكر في الفتح وجامع الفصولين في باب الاستحقاق: ولو استحق فأراد المشتري نقض البيع بلا قضاء ولا رضا البائع لا يملكه، لان احتمال إقامة البينة على النتاج من البائع أو على التلقي من المستحق ثابت، إلا إذا حكم القاضي فيلزم العجز فينفسخ ا ه. وقد مر أول الفصل أن الاستحقاق من صور بيع الفضولي، فينبغي تقييد قوله: وللمشتري الفسخ بالرضا أو القضاء. تأمل. قوله: (وكذا للفضولي قبلها) أي قبل إجازة المالك ليدفع الحقوق عن نفسه فإنه بعد الإجازة يصير كالوكيل فترجع حقوق العقد إليه فيطالب بالتسليم ويخاصم بالعيب، وفي ذلك ضرر عليه فله دفعه عن نفسه قبل ثبوته. قوله: (لا النكاح) أي ليس للفضولي في النكاح الفسخ بالقول ولا بالفعل لأنه معبر محض، فبالإجازة تنتقل العبارة إلى المالك فتصير الحقوق منوطة به لا بالفضولي. وفي النهاية أن له الفسخ بالفعل، بأن زوج رجلا امرأة ثم أختها قبل الإجازة فهو فسخ للأول، وفي الخانية خلافه. بحر ملخصا. قوله: (خير المشتري في حصته) أي حصة المجيز، لان المشتري رغب في شرائه ليسلم له جميع المبيع، فإذا لم يسلم يخير لكونه معيبا بعيب الشركة، وألزمه محمد بها لأنه رضي بتفريق الصفقة عليه ليعلمه أنهما قد لا يجتمعان على الإجازة، شرح المجمع. قوله: (فالمعتبر إجازته) ولو بدأ بالرد ثم أجاز فالمعتبر ما بدأ به، رملي على الفصولين. قوله: (مطلقا) أي علم المالك بالثمن أو لم يعلم. وأجاب صاحب الهداية أنه إذا علم بالحط بعد الإجازة فله الخيار بين الرضا والفسخ. بحر عن البزازية. فروع: في الفصولين: أمره ببيعه بمائة دينار فباعه بألف درهم فقال المالك قبل العلم: أجزت جاز بألف درهم، وكذا النكاح، لا لو قال: أجزت ما أمرتك به. برهن المالك على الإجازة ليس له أخذ الثمن من المشتري إلا إذا ادعى الفضولي وكله بقبضه. مات العبد في يد المشري ثم ادعى المالك الامر أو الإجازة، فإن قال كنت أمرته به صدق، ولو قال: بلغني فأجزته لم يصدق إلا ببينة، وكذا لو زوج الكبيرة أبوها ومات زوجها فطلبت الإرث وادعت الامر أو الإجازة. قوله: (اشترى من غاصب عبدا) لو قال من فضولي لكان أولى، لأنه إذا لم يسلم المبيع لم يكن غاصبا مع أن الحكم كذلك، ولعله إنما ذكره لأجل قوله: أو باعه فإن بيع العبد قبل قبض فاسد. أفاده في البحر. وصورة المسألة: زيد باع عبد رجل بلا إذنه من عمرو فأعتق عمرو العبد أو باعه من بكر فأجاز المالك بيع زيد أو ضمنه أو ضمن عمرا المشتري وهو المعتق نفذ عتق عمر وإن كان أعتقه، وأما إن كان باعه فلا ينفذ البيع. قوله: (فأجاز المالك بيع الغاصب) قيد به، لأنه لو أجاز بيع المشتري منه وهو بيع عمرو لبكر جاز. قال في جامع الفصولين رامزا للمبسوط: لو باعه المشتري من غاصب ثم وثم حتى تداولته الأيدي فأجاز مالكه عقدا من العقود جاز ذلك العقد خاصة لتوقف كلها على الإجازة، فإذا أجاز عقدا منها جاز ذلك خاصة ا ه. وبه ظهر أن بيع المشتري من
238 الغاصب موقوف. وأما ما في البحر والنهر عن النهاية والمعراج من أنه باطل فهو مخالف لما في جامع الفصولين وغيره من الكتب كما حرره الخير الرملي في حاشية البحر. قوله: (أو أدى الغاصب الضمان إلى المالك على الأصح. هداية) وتبعه في البناية، خلافا لما في لزيلعي من أنه لا ينفذ بأداء الضمان من الغاصب وينفذ بأدائه من المشتري. أفاده في البحر. قوله: (نفذ الأول) هذا عندهما. وقال محمد: لا يجوز عتقه أيضا لأنه لم يملكه. قوله: (وهو البيع) أي بيع المشتري من الغاصب، أما بيع الغاصب فإنه ينفذ بإجازة المالك، وكذا بالتضمين. وفي جامع الفصولين: وإنما يجوز لو تقدم سبب ملكه على بيعه، حتى أن غاصبه لو باعه ثم ضمنه مالكه جاز بيعه، ولو شراه غاصبه من مالكه أو وهبه منه أو ورثه لم ينفذ بيعه قبل ذلك، إذا الغصب سبب الملك عند الضمان، وليس بسبب البيع أو الهبة أو الإرث، فبقي السبب وهو البيع والهبة والإرث متأخرا عن البيع، ويجوز بيعه لو ضمنه قيمته يوم غصبه لا يوم بيعه ا ه. ثم ذكر أنه لم يفصل بين قيمة وقيمة في عامة الروايات. قوله: (لان الاعتاق الخ) علة لنفاذ الاعتاق، وأما عدم نفاذ البيع فلبطلانه بالإجازة لأنه يثبت بها الملك للمشتري باتا. مطلب: إذا طرأ ملك بات على موقوف أبطله والملك البات إذا ورد على الموقوف أبطله، وكذا لو وهبه مولاه للغاصب أو تصدق به عليه أو مات فورثه فهذا كله يبطل الملك الموقوف. وأورد عليه أن بيع الغاصب ينفذ بأداء الضمان مع أنه طرأ ملك بات للغاصب على ملك المشتري الموقوف. وأجيب بأن ملك الغاصب ضروري أداء الضمان فلم يظهر في إبطال ملك المشتري. بحر. وأجاب في حواشي مسكين بأن هذا غير وارد، لان الأصل المذكور ليس على إطلاقه، لما في البزازية عن القاعدي ونصه: الأصل أن من باشر عقدا في ملك الغير ثم ملكه ينفذ لزوال المانع كالغاصب باع المغصوب ثم ملكه، وكذا لو باع ملك أبيه ثم ورثه نفذ، وطرو البات إنما يبطل الموقوف إذا حدث لغير من باشر الموقوف، كما إذا باع المالك ما باعه الفضولي من غير الفضولي ولو ممن اشترى من الفضولي. أما إن باعه من الفضولي فلا ا ه. قلت: وعليه ففي مسألة بيع المشتري من الغاصب لو أجاز بيع الغاصب نفذ وبطل بيع المشتري، لان الملك البات للغاصب طرأ على ملك موقوف باشره هو، وأما بالنسبة إلى المشتري فقد طرأ على ملك موقوف لغير من باشره، لان المباشر للبيع الثاني الموقوف هو المشتري، نعم لو أجاز عقد المشتري يكون طور البات لمن باشر الموقوف. قوله: (لثبوت ملكه به) أي بالضمان لا بالغصب، لأن الغصب
239 غير موضوع لإفادة الملك ا ه ح. قوله: (ولو قطعت يده) أي يد ما باعه الغاصب. وقوله: مثلا أشار به إلى أن المراد أرش أي جراحة كانت، واحترز بالقطع من القتل أو الموت عند المشتري، فإن البيع لا يجوز بالإجازة لفوات المعقود عليه، وشرط صحة الإجازة قيامه كما مر، وتمامه في الفتح. قوله: (عند مشتريه) احتراز عن الغاصب كما يأتي. قوله: (له): أي للمشتري. قوله: (يكون للمشتري) تصريح بما أفاده التشبيه في قوله: وكذا الخ. قوله: (لان الملك تم له من وقت الشراء) أي فتبين أن القطع ورد على ملكه ط عن المنح. قوله: (بخلاف الغاصب) أي لو قطعت اليد عنده ثم ضمن قيمته لا يكون الأرش له لما مر قريبا من أن ثبوت ملكه بالضمان: أي لا بالغصب، لأن الغصب غير موضوع للملك فلا يملك الأرش وإن ملك العبد لعدم حصوله في ملكه. قوله: (بما زاد) أي من الأرش على نصف الثمن إن كان نصف القيمة أكثر من نصف الثمن. نهر. قوله: (وجوبا) قال في البحر: هو ظاهر ما في الفتح. قوله: (لعدم دخوله في ضمانه) لان الملك غير موجود حقيقة وقت القطع، وأرش اليد الواحدة في الحر نصف الدية، وفي العبد نصف القيمة، والذي دخل في ضمانه هو ما كان بمقابلة الثمن، ففيما زاد في نصف الثمن شبهة عدم الملك. وتمامه في البحر. قوله: (قيد اتفاقي) فإنه وإن وقع في الجامع الصغير فليس من صورة المسألة. فتح: أي لان ذكره يفيد توافق المتعاقدين عليه مع أنه محل المنازعة بينهما. قوله: (مثلا) راجع لقوله: فبرهن لما في النهر وغيره من أنه لو لم تكن بينة كان القول لمدعي الامر، إذ غيره متناقض فلا تصح دعواه، ولذا لم يكن له استحلافه ا ه. وليس راجعا لقوله: المشتري على معنى أن البائع كذلك لأنه يتكرر مع قول المصنف، كما لو أقام البائع البينة، أفاده ط. قوله: (الفضولي) لا محل لذكره بعد تصريحه بأن قوله: بغير أمره قيد اتفاقي. قوله: (ردت بينته) أي إن برهن، وقوله: ولم يقبل قوله أي إن لم يبرهن. قوله: (للتناقض) إذ الاقدام على الشراء والبيع دليل على دعوى الصحة، وأنه يملك البيع ودعوى الاقرار بعدم الامر تناقضه، وقبول البينة مبني على صحة الدعوى. نهر وغيره. واعترض بأن التوفيق ممكن لجواز أن لا يعلم إلا بعد الشراء بإخبار عدول له بأنا سمعنا إقرار البائع بذلك قبل البيع. وأجاب في البحر بأنه وإن أمكن التوفيق بذلك لكنه ساع في نقض ما تم من
240 جهته فسعيه مردود عليه فقولهم إمكان التوفيق يدفع التناقض على أحد القولين مقيد بما إذا لم يكن ساعيا في نقض ما تم من جهته. قوله: (إلا في مسألتين) ذكرهما في البحر هنا، لكن الشارح قدم في الوقف عند قوله: باع دارا ثم ادعى أني كنت وقفتها أن المستثنى سبع، وقدمنا هناك عن قضاء الأشباه أنها تسع، ومر الكلام عليها فراجعه. قوله: (ولو عند غير القاضي) أفاد أن قول الكنز عند القاضي قيد اتفاقي. قوله: (لان التناقض) أي من البائع لا يمنع صحة الاقرار لعدم التهمة في إقراره على نفسه، فللمشتري أن يساعده على ذلك فيتحقق الاتفاق بينهما فيبطل البيع في حقهما. قوله: (خلافا للثاني) فعنده لرب العبد مطالبة المشتري، فإذا أدى رجع على البائع. نهر. وفيه: ولو أنكر المالك التوكيل وتصادقا عليه، فإن برهن الوكيل فبها وإلا استحلف المالك، فإن نكل لزمه لا إن حلف. وتمامه فيه وفي البحر. قوله: (بغير أمره) لا حاجة إليه لأنه محل النزاع ط. ولذا لم يذكره في الكنز. قوله: (نهر) نقله عن البناية ولم يتكلم على مفهومه، ولعله لأنه أولوي فإنه إذا لم يضمن إذا قبضها لا يضمن إذا لم يقبض بالأولى ط. قوله: (فقيد اتفاقا) أي وقع في الكنز وغيره اتفاقا مقصودا للاحتراز، لأنه إذا لم يدخلها يكون بالأولى. قوله: (لعدم سراية إقراره على المشتري) هذا لا يصلح علة لما قبله، وإنما هو علة لعدم نزع الدار من يد المشتري، وأما علة عدم ضمان البائع قيمة الدار مع إقراره بغصبها فهي عدم صحة غصب العقار، وهو قولهما، وقال محمد: يضمن قيمة الدار، وهو قول أبي يوسف أولا لصحة غصبه عنده ط. ولذا قال في الفتح: وهي مسألة غصب العقار هل يتحقق أو لا؟ فعند أبي حنيفة لا فلا يضمن: وعند محمد نعم فيضمن ا ه. قوله: (فإن برهن الخ) وإن لم يبرهن كان التلف مضافا إلى عجزه عنه لا إلى عقد البائع. قال السائحاني: والظاهر أن الثمن يوضع في بيت المال حتى يتبين الحال. قوله: (لأنه نور دعواه بها) أي جعل لها نورا بالبينة: أي أوضحها وأظهرها. قوله: (باعه) أي الشئ. قوله: (فتصير مملوكة لا زوجة) إنما نص على أنها لا تصير زوجة مع أن البيع يقدم على الإجارة والرهن أيضا لأنه يفهم من نفي الزوجية نفي الأدنى منها بالأولى. قال في الفتح: ونثبت الهبة لو وهبه فضولي وآجره آخر، وكل من العتق والكتابة والتدبير أحق من غيرها لأنها لازمة، والإجارة أحق من الرهن لإفادتها ملك المنفعة والبيع أحق من الهبة لبطلانها بالشيوع، فما لا يبطل بالشيوع كهبة فضولي عبد أو بيع آخر إياه يستويان، لان الهبة مع القبض تساوي
241 البيع في إفادة الملك، وهبة المشاع فيما لا يقسم صحيحة، فيأخذ كل نصفه، ولو زوجاها كل من رجل فأجيزا بطلا، ولو باعاها تنتصف بين المشتريين ويخبر كل منهما ا ه. والله سبحانه أعلم. باب الإقالة مناسبتها للفضولي أنه عقد يرفع عند عدم الإجازة والإقالة رفع ط. وذكرها في الهداية والكنز عقب البيع الفاسد والمكروه لوجوب رفع كل منهما على المتعاقدين كما مر، ويأتي تمامه. قوله: (من أقال) ويأتي ثلاثيا يقال: قاله قيلا من باب باع إلا أنه قليل. نهر. قوله: (أجوف) أي عينه حرف علة ثم بينه بأنه يائي، وهو خبر مبتدأ محذوف: أي هو أجوف، ويائي خبر ثان ا ه ح. وفيه رد على من قال: إنه واوي من القول والهمزة للسلب، فأقال بمعنى أزال القول: أي القول الأول وهو البيع، كأشكاه: أزال شكايته، ودفع بثلاثة أوجه ذكرها في الفتح: الأول قولهم قلته بالكسر فهو يدل على أن عينه ياء لا واو فليس من القول. الثاني أنه ذكر الإقالة في الصحاح من القاف من الياء لا مع الواو. الثالث أنه ذكر في مجموع اللغة قال البيع قيلا وإقالة: فسخه ا ه. قوله: (رفع العقد) (1) ولو في بعض المبيع لما في الحاوي: لو باع منه حنطة مائة من دينار ودفعها إليه فافترقا ثم قال للمشتري: ادفع إلي الثمن أو الحنطة التي دفعتها إليك فدفعها أو بعضها فهو فسخ في المردود ا ه. قوله: (فعبر بالعقد) فهو تعريف من إقالة البيع والإجارة ونحوهما. بحر. واعترضه في النهر بأن مراده بالعقد عقد البيع. قلت: تخصيصه بالبيع لكون الكلام فيه، وإلا فهو تعريف للإقالة مطلقا، لان حقيقتها في الإجارة لا تخالف حقيقتها في البيع، ولذا لم يذكر لها باب في غير هذا الموضع ونظيره النية مثلا تذكر في باب الصلاة ونحوها، وتعرف بالقصد الشامل للصلاة وغيرها، فافهم. والمراد بالعقد القابل للفسخ بخيار كما يعلم مما يأتي، بخلاف النكاح. قوله: (وهذا ركنها) الأولى تأخيره عن قوله: أو أحدهما مستقبل كما فعل المصنف ط. قوله: (أو أحدهما مستقبل الخ) اعلم أن الإقالة عند أبي يوسف بيع، إلا أن لا يمكن ففسخ كما يأتي، وعند محمد بالعكس. والعجب أن قول أبي يوسف كقول الامام في أنها تصح بلفظين أحدهما مستقبل مع أنها بيع عنده والبيع لا ينعقد بذلك، ومحمد يقول: إنها فسخ ويقول: لا تنعقد إلا بماضيين لأنها كالبيع، فأعطاها بسبب الشبه حكم البيع. وأبو يوسف مع حقيقة البيع لم يعطها حكمه، والجواب له أن المساومة لا تجري في الإقالة فحمل اللفظ على التحقيق، بخلاف البيع. فتح. قوله: (لعدم المساومة فيها) إشارة إلى الجواب المذكور أي لان الإقالة لا تكون إلا بعد نظر وتأمل، فلا يكون قوله: أقلني مساومة بل كان تحقيقا للتصرف كما في النكاح، وبه فارق البيع كما في شروح الهداية. قوله: (وقال محمد: كالبيع) أي فلا تنعقد إلا
(1) قوله: (رفع العقد) هكذا بخطه والذي في نسخ الشارح رفع البيع، وهو الذي يدل عليه قول الشارح وعمم في الجوهرة الخ ا ه مصححه. 242 بماضيين كما مر. قال في الفتح: والذي في الخانية أن قول الإمام كقول محمد. قوله: (قال البرجندي الخ) قال في الفتح: وفي الخلاصة: اختاروا قول محمد: وفي الشرنبلالية: ويرجح قول محمد كون الامام معه على ما في الخانية ا ه. قلت: واختار المصنف قول أبي يوسف تبعا للدرر والملتقى. قوله: (وتصح أيضا الخ) فلا يتعين فيها لفظ كما في الفتح، وظاهره أنه لا فرق بين الإقالة وهذه الألفاظ، وهو غير مراد، فإن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق غيرهما، وهذا إذا كانت بلفظ الإقالة، فلو بلفظ مفاسخة أو متاركة أو تراد لم تجعل بيعا اتفاقا، ولو بلفظ بيع فبيع إجماعا كما يأتي، فتنبه لذلك. وفي البزازية: طلب الإقالة فقال المشتري هات الثمن فإقالة اه. قلت: والظاهر أن مثله ما لو كان الطلب من المشتري فقال البائع: خذ الثمن. وفيها: اشترى عبدا ولم يقبضه حتى قال للبائع بعه لنفسك فلو باع جاز وانفسخ الأول، ولو قال بعه لي أو بعه ممن شئت أو بعه ولم يزد عليه لا يصح ا ه. وظاهره أنه في الصورة الأولى ينفسخ، وإن باعه بعد المجلس. تأمل. ووجهه أنه إقالة اقتضاء، فإن أمره بالبيع لنفسه لا يتم إلا بتقدم الإقالة، فهو نظير قولك أعتق عبدك عني بألف، بخلاف بقية الصور، فإنه توكيل لا إقالة. ثم رأيت ذلك التوجيه في الولوالجية وفي البزازية: ولا يصح تعليق الإقالة بالشرط بأن باع ثورا من زيد فقال: اشتريه رخيصا فقال زيد: إن وجدت مشتريا بالزيادة فبعه منه. فوجد فباع بأزيد لا ينعقد البيع الثاني، لأنه تعليق الإقالة لا الوكالة بالشرط، وفيها: قال المشتري إنه يخسر، فقال البائع بعه فإن خسر فعلي، فباع فخسر لا يلزمه شئ. قوله: (هو الصحيح. بزازية) عبارتها: قبض الطعام المشتري وسلم بعض الثمن ثم قال بعد أيام إن الثمن غال فرد البائع بعض الثمن المقبوض، فمن قال البيع ينعقد بالتعاطي من أحد الجانبين جعله إقالة وهو الصحيح، ومن شرط القبض من الجانبين لا يكون إقالة عنده ا ه. ومثله في الخانية. قوله: (وفي السراجية) الخ مقابل الصحيح، والمراد بالتسليم تسليم المبيع، وبالقبض قبض الثمن المدفوع ط. قوله (وتتوقف على القبول) (1) فلو اشترى حمارا ثم جاء به ليرده، فلم يقبله البائع صريحا واستعمل الحمار أياما ثم امتنع عن رد الثمن وقبول الإقالة كان له ذلك، لأنه لم رد كلام المشتري بطل فلا تتم الإقالة باستعماله. خانية. قوله: (في المجلس) فلو قبل بعد الزوال المجلس أو بعد ما صدر عنه فيه ما يدل على الاعراض لا تتم الإقالة. ابن ملك. وفي القنية: جاء الدلال بالثمن إلى البائع بعد ما باعه بالامر المطلق، فقال له البائع لا أدفعه بهذا الثمن فأخبر به المشتري فقال أنا لا أريده أيضا، لا ينفسخ لأنه ليس من ألفاظ الفسخ، ولان اتحاد المجلس في الايجاب والقبول شرط في الإقالة ولم يوجد، اشترى حمارا ثم جاء ليرده فلم يجد البائع فأدخله في إصطبله فجاء البائع بالبيطار فبزغه فليس بفسخ، لان فعل البائع وإن كان قبولا ولكن يشترط فيه اتحاد المجلس ا ه. قوله: (ولو كان القبول فعلا) أفاد أنه بعد الايجاب لا يكون من التعاطي، لان التعاطي ليس فيه إيجاب لما قدمناه أول البيوع عن الفتح من أنه
(1) قوله: (على القبول) هكذا بخطه والذي في نسخ الشارح التي بيدي على قبول الآخر والخطيب سهل ا ه مصححه. 243 إذا قال بعتكه بألف فقبضه ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا خلافا لمن قال إنه بيع بالتعاطي، لان التعاطي ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقط ا ه. تنبيه: قال في البزازية: جاء بقبالة العقار المشتري، فأخذها البائع وتصرف في العقار فإقالة. وفي الخزانة. دفع القبالة إلى البائع، وقبضه ليس بإقالة. وكذا لو تصرف البائع في المبيع بعد قبض القبالة وسكت المشتري لعدم تسليم المبيع وقبض الثمن ا ه. قلت: والقبالة بالفتح: الصك الذي يكتب فيه الدين ونحوه، والظاهر أن ما ذكره أولا من كون ذلك إقالة مبني على ما هو الصحيح من الاكتفاء بالتعاطي من أحد الجانبين وهو تصرفه في المبيع بعد قبض القبالة وما ذكره عن الخزانة مبني على أنه لا بد لكونه من الجانبين بقرينة التعليل، تأمل. قوله: (فور قول المشتري أقلتك) متعلق بالامرين. قال في الفتح: ويجوز قبول الإقالة دلالة بالفعل، كما إذا قطعه قميصا في فور قول المشتري: أقلتك ا ه. والمراد بالفورية: أن يكون في المجلس بأن يقطعه قبل أن يتفرقا ولم يتكلم بشئ كما في ح عن الخانية. وظاهر هذا أن القبض فورا بلا قطع لا يكفي، وهو خلاف قول الشارح: أو قبضه ولعل المسألة مفروضة فيما إذا كان الثوب بيد البائع قبل قوله: أقلتك فتأمل. ثم رأيت في الذخيرة) وكذا في الحاوي صورة المسألة بما يرفع الاشكال حيث قال: وكذا دلالة بالفعل، ألا ترى أن من باع ثوبا وسلمه ثم قال للمشتري: أقلت البيع فاقطعه لي قميصا فإن قطعه في المجلس فهو إقالة وإلا فلا ا ه. فالمتكلم بقوله، أقلت هو البائع، والقاطع هو المشتري، لا البائع. عكس ما في الفتح والخانية فقطع المشتري الثوب قبل قبض البائع قبول دلالة ولا إشكال فيه. فتدبر. قوله: (لان من شرائطها الخ) علة لقوله: وتتوقف الخ ولا يرد أن المعطوفات لا تصلح تعليلا له، لان العلة مجموع ما ذكر فكأنه قال: لان لها شروطا منها اتحاد المجلس فافهم. قوله: (ورضا المتعاقدين) لان الكلام في رفع عقد لازم، وأما رفع ما ليس بلازم فله الخيار بعلم صاحبه لا يرضاه بحر. وحاصله: أن رفع العقد غير اللازم وهو ما فيه خيار لا يسمى إقالة، بل هو فسخ لأنه لا يشترط فيه رضاهما، فافهم. قوله: (أو الورثة أو الوصي) أشار إلى ما في البحر من أنه لا يشترط لصحتها بقاء المتعاقدين، فتصح إقالة الوارث والوصي، ولا تصح إقالة الموصى له كما في القنية ا ه. قوله: (وبقاء المحل) أي المبيع كلا أو بعضا لما سيذكره المصنف من أنه يمنع صحتها هلاك المبيع وهلاك بعضه يمنع بقدره. قوله: (القابل للفسخ بخيار) نعت للمحل وبخيار متعلق بالفسخ، ووصف المحل بقوله الفسخ مجاز لان القابل لذلك عقده. قال ح: أي القابل للفسخ بخيار من الخيارات كخيار العيب والشرط والرؤية كما في الفتاوى الهندية ا ه. وفي الخلاصة: والذي يمنع الرد بالعيب يمنع الإقالة. ومثله في الفتح. قوله: (فلو زاد الخ) تفريع على قوله: القابل للفسخ بخيار وقدمنا في خيار العيب أن الزيادة إما متصلة متولدة كسمن وجمال أو غير متولدة كفرس وبناء وخياطة، وإما منفصلة متولدة كولد وثمرة وأرش أو غير متولدة ككسب وهبة، والكل إما قبل القبض أو بعده، ويمتنع الفسخ بخيار العيب في موضعين: في المتصلة الغير المتولدة مطلقا، وفي المنفصلة المتولدة لو بعد القبض فقط، فافهم. ويأتي زيادة بيان. قوله: (وقبض بدلي الصرف في إقالته) أي إقالة عقد الصرف، أما على قول أبي يوسف
244 فظاهر، لأنها بيع، وأما على أصلها فلأنها بائع في حق ثالث وهو حق الشرع. بحر. قوله: (وأن لا يهب البائع الثمن للمشتري) أي المشتري المأذون (1). فلو وهبه لم تصح الإقالة بعدها، وقوله: قبل قبضه أي قبل قبض البائع الثمن من المأذون، وذلك لأنها لو صحت الإقالة حينئذ لكان تبرعا بالمبيع للبائع، ولا يقدر على الرجوع عليه بالثمن لأنه لم يصل إلى البائع منه شئ، وهو ليس من أهل التبرع. أما بعد القبض فيرجع المأذون عليه بالثمن لوصوله ليده فلم يكن متبرعا فصحت الإقالة، ويرجع على البائع بعدها بقدر الموهوب له فيكون الواصل إليه قدر الثمن مرتين الموهوب وقدره. وقاس ح على المأذون وصي اليتيم ومتولي الوقف نظرا للصغير والوقف، فيجري فيهما حكمه ط. قوله: (في بيع مأذون ووصي ومتول) وكذا إذا اشتروا بأقل من القيمة، فإن الإقالة لا تصح. نهر. وكان على الشارح أن يقول: وأن لا يهب الثمن للمشتري المأذون أو الوصي أو المتولي قبل قبضه، وأن لا يكون بيعهم بأكثر من القيمة ولا شراؤهم بأقل منها ا ه ح، ويمكن أن يكون قوله: في بيع مأذون الخ قيد للمسألتين، لكن المأذون مع ما عطف عليه بالنسبة إلى المسألة الأولى مشتر وبالنسبة إلى الثانية بائع، فتكون إضافة بيع بالنظر إلى الأولى من إضافة المصدر إلى مفعوله وبالنظر إلى الثانية إلى فاعله. تأمل. قوله: (الأصل أن من ملك البيع) أي أو الشراء كما يظهر مما يأتي. قوله: (الثلاثة المذكورة) أي المأذون والوصي والمتولي إذا باعوا بأكثر من القيمة. قال في جامع الفصولين: الوصي والمتولي لو باع شيئا بأكثر من قيمته ثم أقال لم يجز ا ه. وعبارة الأشباه إلا في مسائل: اشترى الوصي من مديون الميت دارا بعشرين وقيمتها خمسون لم تصح الإقالة. اشترى المأذون غلاما بألف وقيمته ثلاثة آلاف لم تصح. والمتولي على الوقف لو أجر الوقف ثم أقال ولا مصلحة لم يجز عل الوقف ا ه. فما في جامع الفصولين في البيع وما في الأشباه في الشراء. مطلب: تحرير مهم في إقالة الوكيل بالبيع قوله: (والوكيل بالشراء) بخلاف الوكيل بالبيع تصح، ويضمن. بحر. ثم قال: وإنما يضمن الوكيل بالبيع إذا أقال بعد قبض الثمن، أما قبله فيملكها في قول محمد، كذا في الظهيرية ا ه. وفي جامع الفصولين: الوكيل بالبيع لو أقال أو احتال أو أبرأ أو حط أو وهب صح عندهما وضمن لموكله، لا عند أبي يوسف الوكيل لو قبض الثمن لا يملك الإقالة إجماعا ا ه. وفي حاشية الخير الرملي بعد أن ذكر عبارة البحر أقول: وفيه توقف من وجوه: الأول تقييده الضمان بما إذا كانت الإقالة بعد قبض الثمن، مع أن الوكيل لو قبض الثمن لا يملك الإقالة إجماعا.
(1) قوله: (اي المشترون المأذون) قال شيخنا: انما قيد المشتري بالمأذون تبعا للحلبي لما ذكروه في التعليل. ولا نعلم أن أحدا من علماء المذهب قيده به ولا دلالة في التعليل عليه، لان جميع ما رأينا من كتب المذهب قد ذكر فيها المشتري مطلقا ثم ذكر فيها مسألة المأذون بهذا التعليل، فلو كان مرادهم بالمشتري محصوص المأذون لقيد به فيما اطلعنا عليه ولما افردوا المأذون بالذكر مع تعليله، فالظاهر عموم الحكم لغير المأذون أيضا ويعلل بالنسبة لغير المأذون بوجود البيع بأحد البدلين وهو لا يتوقف عليهما وتوضيحه ان الإقالة فسخ بين المتعاقدين بيع في حق ثالث، فلو حكمنا بصحة الإقالة للزمنا الحكم بأنها بيع مع أنه لم يوجد الا أحد البدلين ا ه. لكن مفهوم قولهم في تعليل مسألة المأذون وهو ليس نم أهل التبرع انه لو ملك التبرع لحكموا بصحة الإقالة وان لزم وجود البيع بأحد البدلين فليحرر ا ه. 245 الثاني قوله: فيملكها عند محمد مع أنها جائزة عند الامام أيضا، فما وجه التخصيص بقول محمد. الثالث ترتب عدم الضمان على كونه يملكها، مع قولهم تصح عندهما وضمن لموكله فهو صريح في الضمان مع كونها صحيحة. وصريح كلام الظهيرية وإطلاقه يفيد صحة إقالة وكيل البيع مطلقا قبل قبض الثمن وبعده. ثم رأيت في جامع الفتاوى والبزازية ما صورته: والوكيل بالمبيع يملك الإقالة بخلاف الوكيل بالشراء، يستوي أن تكون الإقالة قبل القبض أو بعده، فتأمله مع ما في الظهيرية، ومع ما في جامع الفصولين. والظاهر أن معنى قوله في الظهيرية: فيملكها في قول محمد: أي على الموكل فيعود المبيع أي ملكه معنى قوله في الفصولين: الوكيل لو قبض الثمن لا يملك الإقالة إجماعا: أي على الموكل فلا يعود المبيع إلى ملكه وتصح الإقالة عليه فيضمن، وبهذا يحصل التوفيق ويتضح الامر، وقد ذكر في البحر أول الإقالة فرعا لطيفا عن القنية فيه دلالة على صحة التوفيق المذكور، فراجعه. فتحصل أن إقالته تصح عند الامام قبل القبض وبعده ويضمن، وعند محمد: يملكها قبله على الموكل، فتصح ولا يضمن، وبعده تصح ويضمن. وعند أبي يوسف: لا تصح مطلقا ولا يضمن اه كلام الخير الرملي. قلت: وهو توفيق لطيف، لكن ذكر في الباب العاشر من بيوع البزازية إقالة الوكيل بالبيع جائزة عند الامام ومحمد ا ه. ومثله في القنية وزاد: أن المعنى فيه كون إقالته تسقط الثمن عن المشتري عندهما، ويلزم المبيع الوكيل، وعند أبي يوسف: لا تسقط الثمن عن المشتري أصلا ا ه. ولعل ما في الظهيرية رواية عن محمد ويؤيده ما في وكالة كافي الحاكم الشهيد: لو وكل رجل رجلا ببيع خادم له فباعها ثم أقال البائع البيع فيها لزمه المال والخادم له، وكذلك لو لم يكن قبضها المشتري حتى أقاله من عيب أو من غير عيب ا ه. فهذا نص المذهب، ومقتضاه أنه قول أئمتنا الثلاثة لكونه لم يذكر فيه خلافا، وظاهره أنه لا فرق بين كونه قبل قبض الثمن أو بعده، وهو الوجه لان الإقالة بيع جديد في حق ثالث وهو الموكل هنا، فإذا أقال البائع بلا إذنه لا يصير مشتريا له إذ لا يملك ذلك عليه، بل صار البائع مشتريا لنفسه إذ الشراء متى وجد نفاذا لا يتوقف، وبه يظهر وجه الفرع الذي ذكره في البحر عن القنية، وهو قوله: باعت ضيعة مشتركة بينها وبين ابنها البالغ وأجاز الابن البيع ثم أقالت وأجاز الابن الإقالة ثم باعتها ثانيا بغير إجازته يجوز، ولا يتوقف على إجازته، لان بالإقالة يعود المبيع إلى ملك العاقد لا إلى ملك الموكل والمجيز ا ه. أي أنها بإجازة ابنها البيع الأول صارت وكيلة عنه فيه، ثم صارت بالإقالة مشتريه لنفسها فلذا نفذ بيعها الثاني بلا إجازة، ويظهر مما ذكرنا أن إقالة المتولي أو الوصي البيع فيما تقدم تصح عليه ويضمن، فاغتنم تحرير هذا المحل. قوله: (قيل وبالسلم) أي عند أبي يوسف قال في جامع الفصولين: الوكيل بالسلم لو قبض أدون مما شرط صح، وضمن لموكله ما شرط عند أبي حنيفة ومحمد، وكذا لو أبرأ عن السلم أو وهبه قبل قبضه أو أقاله أو احتال به صح، وضمن عندهما، ولم يجز عند أبي يوسف. قوله: (ولا إقالة في نكاح الخ) أي لعدم قبول الفسخ بخيار. قوله: (للحديث) هو قوله (ص): من أقال مسلما بيعته أقال الله عثرته. أخرجه أبو داود، وزاد ابن ماجة: يوم القيامة ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: على شرط الشيخين،
246 وعند البيهقي من أقال نادما فتح. قوله: (وتجب في عقد مكروه وفاسد) لوجوب رفع كل منهما على المتعاقدين صونا لهما عن المحظور، ولا يكون إلا بالإقالة كما في النهاية وتبعه غيره. قال في الفتح: وهو مصرح بوجوب التفاسخ في العقود المكروهة السابقة وهو حق، لان رفع المعصية واجب بقدر الامكان ا ه. وظاهر كلام النهاية أن ذلك إقالة حقيقة، ومقتضاه أنه يترتب عليه أحكام البيع الآتية، وأورد عليه أن الفاسد يجب فسخه على كل منهما بدون رضا الآخر، وكذا للقاضي فسخه بلا رضاهما، والإقالة يشترط لها الرضا، اللهم إلا أن يراد بالإقالة مطلق الفسخ كما أفاده محشي مسكين. قلت: وإليه يشير كلام الفتح المذكور، وهو الظاهر لان المقصود منه رفع العقد كأنه لم يكن رفعا للمعصية والإقالة تحقق العقد من بعض الأوجه، فلا بد أن يكون الفسخ في حق المتعاقدين وحق غيرهما. والله سبحانه أعلم. قوله: (وفيما إذا غره البائع يسيرا الخ) أصل البحث لصاحب البحر وضمن الشارح غره معنى غبنه، والمعنى: إذ غره غابنا له غبنا يسيرا: أي فإذا طلب منه المشتري الإقالة وجبت عليه رفعا للمعصية. تأمل. قوله: (كما سيجئ) أي في آخر الباب الآتي. قوله: (وحكمها أنها فسخ الخ) الظاهر أنه أراد بالفسخ الانفساخ (1). لان حكم العقد الأثر الثابت به كالملك في البيع، وأما الفسخ بمعنى الرفع فهو حقيقتها. قوله: (فسخ في حق المتعاقدين) هذا إذا كانت قبل القبض بالاجماع، وأما بعده فكذلك عند الامام إلا إذا تعذر بأن ولدت المبيعة فتبطل: قال أبو يوسف: هي بيع إلا إذا تعذر بأن وقعت قبل القبض في منقول، فتكون فسخا إلا إذا تعذر أيضا بأن ولدت المبيعة والإقالة قبل القبض فتبطل. وقال محمد: هي فسخ إن كانت بالثمن الأول أو بأقل، ولو بأكثر أو بجنس آخر فبيع، والخلاف مقيد بما إذا كانت بلفظ الإقالة كما يأتي. نهر. والصحيح قول الإمام كما في تصحيح العلامة. قاسم. قوله: (فيما هو من موجبات العقد) قيد به الزيلعي وتبعه أكثر الشراح وفيه شئ، فإن الكلام فيما هو من موجبات العقد لا فيما هو ثابت بشرط زائد إذ الأصل عدمه، فقولهم فسخ: أي لما أوجبه عقد البيع، فهو على إطلاقه تدبر. رملي على المنح. قوله: (أي أحكام العقد) أي ما ثبت بنفس العقد من غير شرط، بحر قوله: (بشرط زائد) الأولى أن يقول: بأمر زائد، وذلك كحلول الدين فإنه لا ينفسخ بالإقالة ليعود الاجل، لان حلوله إنما كان برضا من هو عليه حيث ارتضاه ثمنا فقد أسقطه فلا يعود بعد ط. قوله: (كأنه باعه منه) أي كأن المشتري باع العين من البائع، لأنه لما سقط الدين سقط الاجل، وصارت المقابلة بعد ذلك كأنه باع المبيع من بائعه فيثبت له عليه دين جديد. تأمل. قوله: (ولو رده بخيار) أي خيار عيب وعبارة بحر بعيب. قوله: (لأنه فسخ) فإن الرد بخيار العيب إذا كان بالقضاء يكون فسخا ولذا يثبت
(1) قوله: (الظاهر أنه أراد بالفسخ الانفساخ) انما يحتاج إلى هذا التأويل لو وقع الفسخ خبرا عن الحكم، واما على ما في عبارة الشارح فلا حاجة إليه، لان الفسخ به عن الإقالة إذ الضمير الواقع اسما لان كناية عنها وخبر الحكم انما هو جملة ان ومعموليها ا ه. 247 للبائع رده على بائعه، بخلاف ما إذا كان بالتراضي، فإنه بيع جديد. قوله: (لم تعد الكفالة فيهما) أي في الإقالة والرد بعيب بقضاء ا ه ح. فتحصل أن الاجل والكفالة في البيع بما عليه لا يعودان بعد الإقالة، وفي الرد بقضاء في العيب يعود الاجل، ولا تعود الكفالة ا ه ط. قلت: ومقتضى هذا أنه لو كان الرد بالرضا لا تعود الكفالة بالأولى، وذكر الرملي في كتاب الكفالة أنه ذكر في التتارخانية عن المحيط، عدم عودها سواء كان الرد بقضاء أو رضا وعن المبسوط أنه إن كان بالقضاء تعود، وإلا فلا. ثم قال الرملي والحاصل: أن فيها خلافا بينهم. قوله: (لا قبله مطلقا) أي متصلة أو منفصلة. قال في الفتح: والحاصل أن الزيادة متصلة كانت كالسمن أو منفصلة كالولد والأرش والعقر، إذا كانت قبل القبض لا تمنع الفسخ والدفع وإن كانت بعد القبض متصلة، فكذلك عنده، وإن كانت منفصلة بطلت الإقالة لتعذر الفسخ معها ا ه. ومثله في ابن ملك على المجمع لكن قدمنا عن الخلاصة أن ما يمنع الرد بالعيب يمنع الإقالة، وقدمنا أيضا أن الرد بالعيب يمتنع في المتصلة الغير المتولدة مطلقا، وفي المنفصلة المتولدة لو بعد القبض فقط. ويوافقه ما في الخامس والعشرين من جامع الفصولين: أن الرد بالعيب يمتنع لو الزيادة متصلة لم تتولد اتفاقا كصبغ وبناء، والمنفصلة المتولدة كولد وثمر وأرش وعقر تمنع الرد، وكذا تمنع الفسخ بسائر أسباب الفسخ والمنفصلة التي لم تتولد ككسب وغلة لا تمنع الرد والفسخ بسائر أسبابه ا ه. تنبيه: قال في الحاوي: تقايلا البيع في الثوب بعدما قطعه المشتري وخاطه قميصا، أو في الحديد بعد ما اتخذه سيفا لا تصح الإقالة كمن اشترى غزلا فنسجه أو حنطة فطحنها، وهذا إذا تقايلا على أن يكون الثوب للبائع، والخياطة للمشتري: يعني يقال للمشتري: إفتق الخياطة وسلم الثوب لما فيه من ضرر المشتري فلو رضي بكون الخياطة للبائع بأن يسلم الثوب إليه كذلك نقول: تصح ا ه. وفي حاشية الخير الرملي على الفصولين: وقد سئلت في مبيع استغله المشتري هل تصح الإقالة فيه؟ فأجبت بقولي: نعم، وتطيب الغلة له والغلة اسم للزيادة المنفصلة كأجرة الدار وكسب العبد، فلا يخالف ما في الخلاصة من قوله: رجل باع آخر كرما فسلمه إليه فأكل نزله: يعني ثمرته سنة ثم تقايلا، لا تصح، وكذا إذا هلكت الزيادة المتصلة أو المنفصلة أو استهلكها الأجنبي ا ه. قوله: (وتصح بمثل الثمن الأول) حتى لو كان الثمن عشرة دنانير، فدفع إليه دراهم ثم تقايلا، وقد رخصت الدنانير رجع بالدنانير لا بما دفع، وكذا لو رد بعيب وكذا في الأجرة لو فسخت، ولو عقد بدراهم فكسدت ثم تقايلا رد الكاسد، كذا في الفتح. نهر قوله: (وبالسكوت عنه) المراد أن الواجب هو الثمن الأول سواء سماه أو لا. قال في الفتح: والأصل في لزوم الثمن، أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين، وحقيقة الفسخ ليس إلا رفع الأول، كأن لم يكن فيثبت الحال الأول، وثبوته برجوع عين الثمن إلى مالكه كأنه لم يدخل في الوجود غيره، وهذا يستلزم تعين الأول ونفي غيره من الزيادة والنقص وخلاف الجنس ا ه. قوله: (ويرد مثل المشروط الخ) ذكر هذا هنا غير مناسب، لان ليس من فروع
248 كونها فسخا بل من فروع كونها بيعا، ولذا ذكره الزيلعي وغيره في محترزات قوله فيما هو من موجبات العقد، فقال: كذا لو قبض أردأ من الثمن الأول أو أجود منه يجب رد مثل المشروط في البيع الأول كأنه باعه من البائع بمثل الثمن الأول، وقال الفقيه أبو جعفر: عليه رد مثل المقبوض، لأنه لو وجب عليه رد مثل المشروط، للزمه زيادة ضرر بسبب تبرعه، ولو كان الفسخ بخيار رؤية أو شرط أو بعيب بقضاء يجب رد المقبوض إجماعا لأنه فسخ من كل وجه ا ه. ومثله في المنح، فافهم. قوله: (ولو تقايلا الخ) قدمناه آنفا عن النهر. قوله: (لم تجز إقالته) مراعاة للوقف والصغير. منح. وينبغي أن تجوز على نفسه في مسألة البيع كما قدمناه. قوله: (وإن شرط غير جنسه) متعلق بما قبل الاستثناء، فكان ينبغي تقديمه عليه ا ه ح. قوله: (أو أكثر منه) أي من الثمن الأول أو من الجنس. قوله: (أو أجله) بأن كان الثمن حالا فأجله المشتري عند الإقالة، فإن التأجيل يبطل وتصح الإقالة، وإن تقايلا ثم أجله ينبغي أن لا يصح الاجل، عند أبي حنيفة، فإن الشرط اللاحق بعد العقد يلتحق بأصل العقد عنده، كذا في القنية بحر. لكن تقدم في البيع الفاسد أنه لا يصح البيع إلى قدوم الحاج، والحصاد والدياس، ولو باع مطلقا ثم أجل إليها صح التأجيل، وقدمنا أيضا تصحيح عدم التحاق الشرط الفاسد. قوله: (إلا من تعيبه) أي تعيب المبيع عند المشتري فإنها تصح بالأقل، وصار المحطوط بإزاء نقصان العيب. قهستاني. قوله: (لا أزيد ولا أنقص) فلو كان أزيد أو أنقص، هل يرجع بكل الثمن أو بنقص بقدر العيب ويرجع بما بقي، فليراجع ط. قلت: الظاهر الثاني، لان الإقالة عند التعيب جائزة بالأقل، والمراد نفي الزيادة والنقصان عن مقدار العيب، فصار الباقي بمنزلة أصل الثمن فتلغو الزيادة والنقصان فقط ويرجع بما بقي، والله أعلم. تنبيه: علم من كلامهم أنه لو زال العيب فأقال على أقل من الأول لا يلزم إلا الأول، بقي لو زال بعد الإقالة هل يرجع المشتري على البائع بنقصان العيب الذي أسقطه من الثمن الأول؟ مقتضى كونها فسخا في حقهما أنه يرجع، ونظيره ما قدمناه في أوائل باب خيار العيب، لو صالحه عن العيب ثم زال رجع البائع. تأمل. وفي التاترخانية تعيبت الجارية بيد المشتري أو بآفة سماوية وتقايلا، ولم يعلم البائع بالعيب وقت الإقالة إن شاء أمضى الإقالة وإن شاء رد، وإن علم به لا خيار له ا ه. قال الخير الرملي في حواشي المنح بعد نقله أقول: فلو تعذر الرد بهلاك المبيع هل يرجع بنقصان العيب بمقتضى جعلها بيعا جديدا أم لا لأنها فسخ في حقهما؟ الظاهر الثاني ا ه. وهذا يؤيده ما قلنا. قوله: (قيل الخ) نقله في البحر عن البناية عن تاج الشريعة، ولم يعبر عنه بقيل، ولعل الشارح أشار إلى ضعفه لمخالفته إطلاق ما في الزيلعي والفتح من نفي الزيادة والنقصان، مع أن وجه هذا القول ظاهر، لان المراد بما يتغابن فيه ما يدخل تحت تقويم المقومين، فلو كان المبيع ثوبا حدث فيه عيب، بعضهم يقول بنقصه عشرة، وبعضهم أحد عشر فهذا الدرهم يتغابن فيه؟ نعم، لو اتفق المقومون على
249 شئ خاص تعين نفي الزيادة، تأمل. قوله: (لا تفسد بالشرط الفاسد) كشرط غير الجنس أو الأكثر أو الأقل كما علمت. قوله: (وإن لم يصح تعليقها به) مثل له في البحر بما قدمناه عن البزازية من قول المشتري للبائع إن وجدت مشتريا بأزيد فبعه منه. قوله: (كما سيجئ) أي قبيل باب الصرف ا ه ح. قوله: (والرابع الخ) صورته باع زيد من عمرو شيئا منقولا كثوب، وقبضه ثم تقايلا ثم باعه زيد ثانيا من عمرو قبل قبضه منه جاز البيع، لان الإقالة فسخ في حقهما، فقد عاد إلى البائع ملكه السابق فلم يكن بائعا ما شراه قبل قبضه. قوله: (ولو كان) أي عقد المقايلة. قوله: (البطل) أي فسد، وبه عبر المصنف ووجهه أنه باع المنقول قبل قبضه ط. قوله: (كبيعه من غير المشتري) أي كما لو باعه البائع المذكور من غير المشتري قبل قبضه من المشتري فيفسد البيع لكون الإقالة بيعا جديدا في حق ثالث، فصار بائعا ما شراه قبل قبضه، بخلاف ما إذا باعه من المشتري لما علمت. قوله: (جاز قبض المكيل والموزون) المراد جواز التصرف به ببيع أو أكل بلا إعادة كيله أو وزنه، ولو كانت الإقالة بيعا لم يجز ذلك كما سيأتي في بابه. وقوله: منه: أي من المشتري متعلق بقبض. قوله: (قبل القبض) متعلق بهبة، وفائدته أنه لو كانت الإقالة بيعا انفسخ، لان البيع ينفسخ بهبة المبيع للبائع قبل القبض كما في البحر، وإذا انفسخ لم تصح الهبة. قوله: (بيع في حق ثالث) إنما كانت عنده فسخا في حقهما لأنها تنبئ عن الفسخ والرفع، وبيعا في حق الثالث ضرورة أنه يثبت به مثل حكم البيع، وهو الملك لا مقتضى الصيغة، فحمل عليه لعدم ولايتهما على غيرهما كما في الزيلعي وتوضيحه في الشرنبلالية عن الجوهرة. قوله: (بلفظ الإقالة) أي صريحا أو ضمنا لأنها قد تكون بالتعاطي كما مر، فالمراد الاحتراز عما لو كانت بلفظ فسخ ونحوه أو بيع. قوله: (في غير العقار) أي في المنقول، لأنه لا يجوز بيعه قبل قبضه، أما في العقار فهي بيع مطلقا لجواز بيعه قبل قبضه، وما ذكره الشارح من كونها بيعا قبل القبض فسخا قبله، هو ما جزم به الزيلعي، وذكر في البحر عن البدائع أن هذا رواية عن أبي حنيفة. قال: وظاهره ترجيح الاطلاق ا ه. ويؤيده ما في الجوهرة من أنه لا خلاف بينهم أنها بيع في حق الغير، سواء كانت قبل القبض أو بعده، حمله على العقار بعيد، فليتأمل. قوله: (لم تجعل بيعا اتفاقا) إعمالا لموضوعه اللغوي. ط عن الدرر. قوله: (ولو بلفظ البيع) كما لو قال البائع له: بعني ما اشتريت فقال: بعت كان بيعا. بحر. قوله: (فبيع إجماعا) أي من أبي يوسف منهما فيجري فيها حكم البيع حتى إذا دفع السلعة من غير بيان الثمن، كان بيعا فاسدا ط. وكذا يفسد لو كان المبيع منقولا قبل قبضه وما في ح أنها بيع لو بعد القبض، وإلا ففسخ لئلا يلزم بيع المنقول قبل قبضه ففيه أن هذا التفصيل ففي لفظ الإقالة والكلام في لفظ البيع، فافهم، ولا يرد ما قدمناه عن البزازية من أن المشتري لو قال للبائع: بعه لنفسك، فلو باع جاز وانفسخ الأول، لان المراد بالبيع هنا أن يبيعه
250 المشتري للبائع وفيما مر إذنه بالبيع لنفسه يقتضي تقدم الإقالة كما قدمناه. قوله: (وثمرته) أي ثمرة كونها بيعا في حق ثالث. قوله: (فسلم الشفيع الشفعة) قيد به لتظهر فائدة كونها بيعا وإلا لو لم يسلم بأن أقال قبل أن يعلم الشفيع بالبيع فله الاخذ بالشفعة أيضا إن شاء بالبيع الأول وإن شاء بالبيع الحاصل بالإقالة. تأمل رملي. قوله: (قضى له بها) أي إذا طلبها عند علمه بالمقايلة. قوله: (والثاني لا يرد الخ) أي إذا باع المشتري المبيع من آخر ثم تقايلا ثم اطلع على عيب كان في يد البائع، فأراد أن يرده على البائع ليس له ذلك، لأنه بيع في حقه فكأنه اشتراه من المشتري. بحر فالثالث هنا هو البائع الأول، وهذه كما في الشرنبلالية حيلة للشراء بأقل مما باع قبل نقده ثمنه. قوله: (لأنه) أي الموهوب له لما تقايل مع المشتري منه صار كالمشتري من المشتري منه، فكأنه عاد إليه الموهوب بملك جديد وذلك مانع من رجوع الواهب في هبته، فالثالث هنا هو الواهب. قوله: (والرابع المشتري الخ) صورته: اشترى شيئا فقبضه قبل نقد الثمن، فباعه من آخر، ثم تقايلا وعاد إلى المشتري ثم إن البائع اشتراه من المشتري بأقل من الثمن قبل النقد جاز ويجعل في حق البائع كأنه ملكه بسبب جديد. فتح. قوله: (إذ الرد بعيب بلا قضاء إقالة) أي والإقالة بيع جديد في حق الفقير، فيكون بالبيع الأول مستهلكا للعروض فتجب الزكاة، ولو كانت الإقالة فسخا في حق الفقير لارتفع البيع الأول وصار كأنه لم يبع وقد هلكت العروض فلا تجب الزكاة ا ه ح. وعن هذا قيد المصنف بكون العبد للخدمة، إذ لو كان للتجارة لم يكن البيع استهلاكا، فإذا هلكت العروض بعد الرد لم تجب زكاتها، وكذا قيد بكون الرد بغير قضاء، لأنه بالقضاء يكون فسخا في حق الكل، فكأنه لم يصدر بيع، فلا تجب زكاتها بهلاكها بعده. أفاده ط. بقي شئ وهو أن كون الإقالة بيعا في حق ثالث شرطه كونها بلفظ الإقالة كما قدمه، والرد بلا قضاء ليس فيه لفظها، والجواب أن هذا الرد إقالة حكما، وليس المراد خصوص حروف الإقالة كما نبهنا عليه فيما مر. فتدبر. قوله: (التقابض في الصرف) لما مر من أن قبض بدلية شرط في صحتها. قال في الفتح: لأنه مستحق الشرع، فكان بيعا جديدا في حق الشرع. قوله: (ووجوب الاستبراء) أي إذا اشترى جارية وقبضها ثم تقايلا البيع نزل هذه التقايل منزلة البيع في حق ثالث، حتى لا يكون للبائع الأول وطؤها إلا بعد الاستبراء. حموي عن ابن مالك. قوله: (لأنه حق الله تعالى) علة للمسألتين. قوله: (والإقالة بعد الإجارة والرهن) أي لو اشترى دارا فأجرها أو رهنها، ثم تقايل مع البائع. ذكر في النهر أخذا من قولهم إنها بيع جديد في حق ثالث أنها تتوقف على إجازة المرتهن، أو قبضه دينه وعلى إجازة المستأجر. قوله: (فالمرتهن ثالثهما) الأولى زيادة المستأجر. قوله: (فهي تسعة)
251 يزاد ما قدمه في قوله: أما لو وجب بشرط زائد كانت بيعا جديدا في حقهما أيضا الخ. وقدمنا أن من فروع ذلك ما ذكره بعده في قوله: ويرد مثل المشروط، ولو المقبوض أجود أو أردأ. قوله: (ويمنع صحتها هلاك المبيع) لما مر أن من شرطها بقاء المبيع لأنها رفع العقد والمبيع محله. بحر. وكذا هلاكه بعد الإقالة وقبل التسليم يبطلها كما يأتي، وقدمنا عن الخلاصة أن ما يمنع الرد بالعيب يمنعها. قوله: (كإباق) تمثيل للهلاك حكما: أي لو أبق قبل الإقالة، أو بعدها ولم يقدر على تسليمه. قوله: (ولو في بدل الصرف) لان المعقود عليه الذي وجب لكل واحد منهما بذمة صاحبه وهذا إباق. نهر. والأولى أن يقول: ولو في بدلي الصرف، وكأنه نظر إلى أن لفظ بدل نكرة مضافة فتعم. قوله: (وهلاك بعضه) أي بعض المبيع، كما يأتي تصويره في قوله: شرى أرضا مزروعة الخ. قوله: (اعتبارا للجزء بالكل) يعني هلاك الكل كما منع في الكل، فهلاك البعض يمنع في البعض، وفيه إشارة إلى أنه لو قايله في بعض المبيع وقبله صح، وبه صرح في الحاوي، سائحاني، وقدمنا أول الباب عبارة الحاوي. قوله: (وليس منه) أي من هلاك البعض، فليس له أن ينقص شيئا من الثمن لجفافه. قوله: (في المقايضة) بالياء المثناة التحتية: وهي بيع عين بعين كأن تبايعا عبدا بجارية فهلك العبد في يد بائع الجارية، ثم أقالا البيع في الجارية وجب رد قيمة العبد، ولا تبطل بهلاك أحدهما بعد وجودهما، لان كل واحد منهما مبيع، فكأن المبيع قائما وتمامه في العناية. قوله: (وكذا في السلم) قال في البحر: ثم أعلم إنه لا يرد على اشتراط قيام المبيع لصحة الإقالة إقالة السلم قبل قبض المسلم فيه، فإنها صحيحة سواء كان رأس المال عينا أو دينا، وسواء كان قائما في يد المسلم إليه أو هالكا لان المسلم فيه، وإن كان دينا حقيقة فله حكم العين، حتى لا يجوز الاستبدال به قبل قبضه، وإذا صحت: فإن كان رأس المال عينا ردت، وإن كانت هالكة رد المثل إن كان مثليا والقيمة إن كان قيميا، وكذا إقالته بعد قبض المسلم فيه إن كان قائما، ويرد رب السلم عين المقبوض لكونه متعينا، كذا في البدائع ا ه ح. قوله: (ولو هلكا) أي البدلان. قوله: (إلا في الصرف) فهلاك بدليه لا يبطل الإقالة، لما مر أن المعقود عليه ما في ذمة كل من المتعاقدين. قوله: (تقايلا فأبق العبد) أراد به أن الهلاك كما يمنع ابتداء الإقالة يمنع بقاءها ا ه ح. وبه صرح في النهر. قوله: (أو هلك المبيع) أي حقيقة لان الإباق هلاك لكنه حكمي. والحاصل: أن قول المصنف: ويمنع صحتها هلاك المبيع لا يختص بكون الهلاك قبل الإقالة، بل مثله ما إذا كان الهلاك حقيقة أو حكما بعد الإقالة قبل التسليم إلى البائع، نص عبارة البزازية: هلك المبيع بعد الإقالة قبل التسليم بطلت ا ه. ثم رأيت الرملي في حاشية البحر نقل هذه العبارة عن البزازية، ونقلها أيضا بعينها عن مجمع الفتاوى ومجمع الرواية شرح القدوري عن شرح الطحاوي، ثم قال: ومثله في كثير من الكتب اه. وبه سقط ما قيل إن هذه العبارة ليست في البزازية، بل ذكرها في البحر بلا عزو بدون قوله:
252 قبل القبض ا ه فافهم. قوله: (بزازية) عزو لقوله: تقايلا الخ نبه به على أنه ليس من مسائل المتون. قوله: (مشجرة) في القاموس: أرض شجرة ومشجرة وشجراء: كثيرة الشجر ا ه. فهي بفتح الميم والجيم والراء كما يقال: أرض مسبعة على وزن مرحلة: كثيرة السباع كما في القاموس أيضا فافهم. قوله: (فقطعه) أي المشتري، والضمير للشجر المعلوم من مشجرة ط. قوله: (من أرث الشجر واليد) في المصباح: أرش الجراحة ديتها، وأصله الفساد ثم استعمل في نقصان الأعيان أنه فساد فيها ا ه. فالمراد هنا بدل الفساد: أي بدل نقصان المبيع، فافهم. قوله: قنية عزو لقوله: وإن اشترى الخ وقد نقل ذلك عنها في البحر، ثم قال: ورقم برقم آخر أن الأشجار لا تسلم للمشتري وللبائع أخذ قيمتها منه، لأنها موجودة وقت البيع، بخلاف الأرش: أي أرش اليد، فإنه لم يدخل في البيع أصلا لا قصدا ولا ضمنا ا ه. قال الخير الرملي: وعليه فكل شئ موجود وقت البيع للبائع أخذ قيمته دخل ضمنا أو قصدا، وكل شئ لم يدخل أصلا لا قصدا ولا ضمنا ليس للبائع أخذه، وينبغي ترجيح هذا لما فيه من دفع الضرر عنه ا ه. قوله: (صحت في الأرض بحصتها) الفرق بينه وبين الشجر أن الشجر يدخل في بيع الأرض تبعا، بخلاف الزرع كما في البحر ا ه ح: أي أن الزرع لا يدخل في بيع الأرض إلا إذا نص عليه فيكون بعض المبيع، فله حصة من الثمن بخلاف الشجر، وعلى النقل الآخر عن القنية لا فرق بينهما. قوله: (ولو تقايلا بعد إدراكه) أي في يد المشتري لم يجز، لأن العقد إنما رد على التفصيل دون الحنطة. بحر عن القنية: أي والحنطة زيادة منفصلة متولدة، وهي مانعة كما قدمناه عن جامع الفصولين. قوله: (ردها وأخذ ثمنها) أي له ذلك، وقدمنا أن ما يمنع الرد بالعيب بمنع الإقالة، وقدم المصنف في خيار العيب أنه لو وطئ الجارية أو قبلها أو مسها بشهوة، ثم وجد بها عيبا لم يردها مطلقا: أي ولو ثيبا. قوله: (وفيها مؤنة الرد على البائع مطلقا) لأنه عاد إلى ملكه فمؤنة رده عليه. قال القاضي بديع الدين: سواء تقايلا بحضرة المبيع أو بغيبته ا ه منح. وهذا معنى قوله: مطلقا وإن لم يذكر في عبارة القنية فسقط ما قيل إن الصواب إسقاطه، فافهم. قوله: (إلا إقالة السلم) أي قبل قبض المسلم فيه، فلو بعده صحت كما تعرفه. قوله: (لكون المسلم فيه دينا سقط) أي بالإقالة، فلو انفسخت الإقالة لكان حكم انفساخها عود المسلم فيه، والساقط لا يحتمل العود، بخلاف الإقالة في البيع، لأنه عين فأمكن عوده إلى ملك المشتري. بحر من باب السلم. قوله: (رأس المال) أي مال السلم. قوله: (كهو قبلها) أي حكمها بعدها كحكمه قبلها، وفيه إدخال الكاف على ضمير الرفع المنفصل، وهو مختص بالضرورة، وكذا قوله: كقبلها فيه أن الظروف التي تقع غايات لا تجر إلا بمن، حموي. قوله: (فلا يتصرف فيه) أي بنحو بيع وشركة قبل قبضه فلا يجوز لرب المسلم شراء
253 شئ من المسلم إليه برأس المال بعد الإقالة قبل قبضه: أي قبل قبض رب السلم رأس المال من المسلم إليه، وهذا في السلم الصحيح، فلو فاسدا جاز الاستبدال كسائر الديون كما ذكره الشارح في بابه، وفيه كلام سيأتي هناك. قوله: (إلا في مسألتين) استثناء من قوله: كهو قبلها. قوله: (لو اختلفا فيه) أي في رأس المال بعدها: أي بعد الإقالة: يعني وقبل تسليم المسلم فيه لما في سلم البحر عن الذخيرة: لو تقايلا بعد ما سلم المسلم إليه المسلم فيه ثم اختلفا في رأس المال تحالفا، لان المسلم فيه عين قائمة، وليس بدين فالإقالة هنا تحتمل الفسخ قصدا ا ه. وهذا صريح في أن إقالة الإقالة في السلم جائزة لو بعد قبض المسلم فيه. قوله: (فلا تحالف) بل القول فيه قول المسلم إليه. ذخيرة. بخلاف ما قبلها ط عن أبي السعود. قال ح: لان التحالف باعتبار أن اختلافهما في رأس المال اختلاف في نفس العقد، ولا عقد بعد الإقالة. قوله: (ولو تفرقا قبل قبضه) أي قبض رأس مال السلم بعد الإقالة جاز، لان قبضه شرط حال بقاء العقد لا بعد إقالته. قوله: (إلا في الصرف) استثناء منقطع ا ه ح. لان أصل الكلام في رأس المال، فالأولى أن يقول: بخلاف الصرف. فإن الحاصل: أن رأس المال في السلم بعد الإقالة لا يجوز الاستبدال به، ولا يجب قبضه في مجلسها، وبدل الصرف بالعكس، فإن قبضه في مجلس الإقالة شرط لصحتها ويجوز الاستبدال به. قال في البحر: من السلم، ووجه الفرق أن القبض في مجلس العقد في البدلين ما شرط لعينه بل للتعيين، وهو أن يصير البدل معينا بالقبض صيانة عن الافتراق عن دين بدين، ولا حاجة إلى التعيين في مجلس الإقالة في السلم، لأنه لا يجوز استبداله، فتعود إليه عينه، فلا تقع الحاجة إلى التعيين بالقبض، فكان الواجب نفس القبض، فلا يراعى له المجلس، بخلاف الصرف، لان التعيين لا يحصل إلا بالقبض، لان استبداله جائز، فلا بد من شرط القبض في مجلس التعيين ا ه. وحاصله: أن السلم لما لم يجز الاستبدال به قبل قبضه ولم يلزم قبضه في مجلس الإقالة لان التعيين موجود، بخلاف الصرف، فإنه لما جاز استبداله لزم قبضه ليحصل التعيين. مطلب في اختلافهما في الصحة والفساد أو في الصحة والبطلان قوله: (اختلف المتبايعان الخ) كان الأولى ذكر هذه المسألة في باب البيع الفاسد ولكن مناسبتها هنا ذكر المسألة المستثناة. قوله: (فالقول لمدعي البطلان) لان انعقاد البيع حادث والأصل عدمه ا ه ح. فهو منكر الأصل العقد. قوله: (لمدعي الصحة) لأنهما لما اتفقا على العقد كان الظاهر من إقدامهما عليه صحته ا ه ح. ولان مدعي الفساد يدعي حق الفسخ وخصمه ينكر ذلك والقول للمنكر، ط. ولو برهنا فالبينة بينة الفساد، وهذا لو ادعى الفساد بشرط فاسد أو أجل فاسد باتفاق الروايات، وإن كان لمعنى في صلب العقد بأن ادعى أنه اشتراه بألف درهم وبرطل خمر والآخر يدعي البيع بألف درهم، فيه روايتان، عن أبي حنيفة في ظاهر الرواية: القول لمدعي الصحة أيضا والبينة بينة الآخر كما في الوجه الأول، وفي رواية القول المدعي الفساد. خانية. ولم يذكر هناك ما لو اختلفا في أنه لتحية أو جد أو اختلفا في أنه بات أو وفاء لأنه سيذكر ذلك في آخر باب الصرف. قوله: (قلت إلا في
254 مسألة) الاستثناء من صاحب الأشباه وعزا فيها المسألة إلى الفتح. قوله: (وادعى البائع الإقالة) أي به كما في الفتح، والظاهر أن الضمير في به عائد إلى الأقل المذكور لا إلى الثمن. فصورة المسألة: اشترى زيد من عمرو ثوبا بألف، ثم رد زيد الثوب إليه قبل نقد الثمن، وادعى أنه باعه من قبل النقد بتسعين، وفسد البيع بذلك، وادعى البائع أنه رده إليه على وجه الإقالة بالتسعين، فالقول لزيد المشتري أي مع يمينه في إنكار الإقالة كما في الفتح، ووجهه كما في الحموي أن دعوى الإقالة تستلزم دعوى صحة البيع، لأنها لا تكون إلا في الصحيح ا ه. قلت: لكن تقدم أنها تجب في عقد مكروه وفاسد مع ما فيه من الكلام، ويظهر لي أن وجهه هو أن المشتري لما ادعى بيعه بالتسعين لم يجب له غيرها، ومدعي الإقالة يدعي أن الواجب المائة، لان الإقالة إن كانت بمائة فظاهر، وإن كانت بتسعين فلأنها لا تكون إلا بمثل الثمن الأول وإن شرط أقل منه كما مر فقد صار مقرا للمشتري بالعشرة والمشتري يكذبه فلغا كلام مدعي الإقالة. تأمل. قوله: (ولو بعكسه) بأن ادعى زيد المشتري الإقالة وادعى عمرو البائع أنه اشتراه من المشتري بتسعين. قوله: (تحالفا) وجهه: أن المشتري بدعواه الإقالة يدعي أن الثمن الذي يستحقه بالرد مائة، والبائع بدعواه الشراء بالتسعين يدعي أن الثمن الواجب رده للمشتري تسعون، فنزل اختلافهما فيما يجب تسليمه إلى المشتري بمنزلة اختلافهما في قدر الثمن الموجب للتحالف بالنص، وإلا فالمائة التي هي الثمن الأول إنما ترد إلى المشتري بحكم الإقالة في البيع الأول وهي غير الخمسين التي هي الثمن في البيع الثاني، أفاده الحموي. قلت: وفيه أن الكلام فيما قبل نقد المشتري الثمن، وأيضا فمسألة التحالف عند اختلاف المتبايعين، ورد بها النص على خلاف القياس فكيف يقاس عليها غيرها مع عدم التماثل الحادث؟ والذي يظهر لي أن المسألة مفرعة على قول أبي يوسف أن الإقالة بيع لا فسخ، وحينئذ فقد توافقا على البيع الحادث، لكن المشتري يدعيه بوجه الإقالة، والواجب فيها مائة والبائع يدعيه بالبيع الأقل، وذلك اختلاف في الثمن في عقد حادث والله أعلم، فافهم. قوله: (بشرط قيام المبيع الخ) هذا شرط التحالف مطلقا. قال في الأشباه: يشترط قيام البيع عند الاختلاف في التحالف إلا إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري كما في الهداية ا ه. فإنه إذا استهلكه غير المشتري تكون قيمة العين قائمة مقامها، وأما إذا استهلكه المشتري في يد البائع نزل قابضا وامتنعت الإقالة، وكذا إذا استهلكه أحد في يده لفقد شرط الصحة، وهو بقاء المبيع، ومحل عدم التحالف عند هلاك المبيع إذا كان الثمن دينا، أما إذا كان عينا بأن كان العقد مقابضة وهلك أحد العوضين فإنهما يتحالفان من غير خلاف، لأن المبيع في أحد الجانبين قائم، ويرد مثل الهالك أو قيمته والمصير إلى التحالف فرع العجز عن إثبات الزيادة بالبينة، وتمامه في حاشية الأشباه لأبي السعود ط. قوله: (نزله) بضم النون والزاي. والمراد ثموته ا ه ح. قوله: (لم يصح) تمام عبارة الخلاصة: وكذا إذا هلكت الزيادة المتصلة أو المنفصلة أو استهلكها أجنبي ا ه. أقول: ينبغي تقييد المسألة بما إذا حدثت هذه الزيادة بعض القبض، أما قبله فلا تمنع الإقالة كما في الرد بالعيب. تأمل. وفي التاترخانية: ولو اشترى أرضا فيها نخل فأكل الثمر ثم تقايلا قالوا إنه تصح الإقالة، ومعناه على قيمته إلا أن يرضى البائع أن يأخذها كذلك اه رملي على المنح، وبما
255 ذكره من التقييد يندفع ما يتوهم من منافاة ما في الخلاصة لما مر من أن هلاك بعضه يمنع الإقالة بقدره، ولما مر في قوله: شرى أرضا مزروعة الخ ومثله مسألة التاترخانية المذكورة، ويؤيده ما قدمناه من أن الزيادة المنفصلة المتولدة تمنع لو بعض القبض، والله سبحانه أعلم. باب المرابحة والتولية وجه تقديم الإقالة عليهما: أن الإقالة بمنزلة المفرد من المركب، لأنها إنما تكون مع البائع، بخلاف التولية والمرابحة فإنهما أعم من كونهما مع البائع وغيره ط. وأيضا فالإقالة متعلقة بالمبيع لا بالثمن، ولذا كان من شروطها قيام المبيع، والتولية والمرابحة متعلقان أصالة بالثمن، والأصل هو المبيع. قوله: (لما بين المثمن الخ) قال في الغاية: لما فرع من بيان أنواع البيوع اللازمة وغير اللازمة كالبيع بشرط الخيار وكانت هي بالنظر إلى جانب المبيع شرع في بيان أنواعها بالنظر إلى جانب الثمن كالمرابحة والتولية والربا والصرف، وتقديم الأول على الثاني لأصالة المبيع دون الثمن ا ه ط. عن الشلبي. قوله: (ولم يذكر المساومة) هي البيع بأي ثمن كان من غير نظر إلى الثمن الأول وهي المعتادة. قوله: (والوضيعة) هي البيع بمثل الثمن الأول، مع نقصان يسير، إتقاني. وفي البحر: هي البيع بأنقص من الأول، وقدمنا أول البيوع عن البحر خامسا وهو الاشتراك: أي أن يشرك غيره فيما اشتراه: أي بأن يبيعه نصفه مثلا لكنه غير خارج عن الأربعة. قوله: (وشرعا بيع ما ملكه بما قام عليه وبفضل) عدل عن قول الكنز: هو بيع بثمن سابق، لما أورد من أنه غير مطرد ولا منعكس: أي غير مانع ولا جامع. أما الأول فلان من شرى دنانير بالدراهم لا يجوز له بيعها مرابحة، وكذا من اشترى شيئا بثمن نسيئة لا يجوز له أن يرابح عليه من صدق التعريف عليهما، وأما الثاني فلان المغصوب الآبق إذا عاد بعد القضاء بالقيمة على الغاصب جاز بيع الغاصب له مرابحة بأن يقول: قام علي بكذا، ولا يصدق التعريف عليه بعدم الثمن، وكذا لو رقم في الثوب مقدارا ولو أزيد من الثمن الأول ثم رابحه عليه جاز كما سيأتي بيانه عند ذكر الشارح له، وكذا لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية وقومه قيمة ثم رابحه على تلك القيمة، ولا يصدق التعريف عليهما، لكن أجيب عن مسألة الدنانير بأن الثمن المطلق يفيد أن مقابله مبيع متعين، ولذا قال الشارح: من العروض ويأتي بيانه، وعن مسألة الاجل بأن الثمن مقابل بشيئين: أي بالمبيع وبالأجل، فلم يصدق في أحدهما أنه بثمن سابق. وقول البحر: أنه لا يرد لجوازها إذا بين أنه اشتراه نسيئة، رده في النهر بأن الجواز إذا بين لا يختص بذلك، بل هو في كل ما لا تجوز فيه المرابحة، كما لو اشترى من أصوله أو فروعه جاز إذا بين كما سيأتي. وعن مسائل العكس بأن المراد بالثمن ما قام عليه بلا خيانة، وتمامه في النهر، فكان الأولى قول المصنف تبعا للدرر بيع ما ملكه الخ لعدم احتياجه إلى تحرير المراد، ولأنه لا يدخل فيه مسألة الاجل، لأنه إذا لم يبين الاجل لم يصدق عليه أنه بيع ما ملكه بما قام عليه لما علمت قوله: (من العروض) احتراز عما ذكرنا من أنه لو شرى دنانير بدراهم، لا يجوز له بيعها مرابحة كما في الزيلعي والبحر والنهر والفتح. وعلله في الفتح بأن يدلي الصرف لا يتعينان، فلم تكن عن هذه الدنانير متعينة لتلزم مبيعا ا ه. لكن هذا وارد على تعريف المصنف، إذ لا دلالة فيه عليه، بخلاف تعريف الكنز وغيره، فإن قوله بالثمن السابق دليل على أن المراد
256 بما ملكه المبيع المتعين، لان كون مقابله ثمنا مطلقا يفيد أن ما ملكه بالضرورة مبيع مطلقا كما في الفتح. وقول المصنف: بما قام عليه ليس المراد به الثمن لما مر فلذا زاد الشارح قوله: من العروض تتميما للتعريف. قوله: (ولو بهبة الخ) تعميم لقوله: ما ملكه أشار به إلى دخول هذه المسائل فيه كما علمت قوله: (فإنه إذا ثمنه الخ) جواب إذا قوله: جاز، وعدل عن قول غيره وقومه قيمة ليشمل المثلي. وحاصله أن ما وهب له ونحوه مما لم يملكه بعقد معاوضة إذا قدر ثمنه وضم إليه مؤنثه مما يأتي يجوز له أن يبيعه مرابحة، وكذا إذا رقم على ثوب رقما كما مر. قال في الفتح: وصورة المسألة أن يقول: قيمته كذا أو رقمه كذا فأرابحك على القيمة أو الرقم ا ه. وظاهره أنه لا يقول: قام علي بكذا، وبه صرح في البحر في الرقم، والظاهر أن الهبة ونحوها كذلك، وحينئذ لا يدخل ذلك في كلام المصنف. تأمل. ويأتي تمامه. هذا، وقال ح: إن قول الشارح: فإنه إذا ثمنه أخرج به بعض التعريف عن كونه تعريفا، وفسر الفضل بما يضم فصار مجموع المتن مع الشرح عبارة المبسوط: وهي عبارة مستقيمة في ذاتها، لكن بقي تعريف المرابحة بيع ما ملكه فقط وهو تعريف فاسد لكونه غير مانع ا ه: أي لان قوله: بما قام عليه جزء التعريف. وكذا قوله: ويفضل فإن مراده به: فضل الربح لتحقق المرابحة، وإلا كان العقد تولية، وأما فضل المؤنة فإنه يضم إلى ما قام عليه، لكن لما كانت عبارة المتن في نفسها تعريفا تاما اكتفى بها، ولقصد الاختصار أخذ بعضها وجعله بيانا لتصوير مسألة الهبة ونحوها. تأمل. قوله: (وإن لم تكن من جنسه) أي وإن لم تكن المؤنة المضمومة من جنس المبيع ط. قلت: والأظهر كون المراد من جنس الثمن بقرينة ما بعده. تأمل. قوله: (ونحوه) أي كصباغ وطراز. قوله: (ثم باعه مرابحة) أي بزيادة ربح تلك القيمة التي قوم بها الموهوب ونحوه مع ضم المؤنة إليها لان كلامه في ذلك، بخلاف ما كان اشتراه بثمن فإنه يرابح على ثمنه لا على قيمته. فافهم. قوله: (جعله واليا) فكأن البائع جعل المشتري واليا فيما اشتراه نهر: أي جعل له ولاية عليه، وهذا إبداء مناسبة لمعنى الشرعي للمعنى اللغوي. قوله: (بيعه بثمنه الأول) قد علمت أن المصنف عدل في تعريف المرابحة عن التعبير بالثمن الأول إلى قوله: بما قام عليه لدفع الايراد السابق، فما فر منه أولا وقع فيه ثانيا، فكان المناسب أن يقول: والتولية بيعه كذلك بلا فضل. قوله: (ولو حكما) أدخل به ما مر في قوله: لو بهبة الخ فإنه يوليه بقيمته لكونه لم يملكه بثمن. قوله: (يعني بقيمته) تفسير للثمن الحكمي لا لقوله بثمنه كما لا يخفى ح. قوله: (وعبر عنها به) أي بالثمن حيث أراد به ما يعم القيمة حتى صار عبارة عنه وعنها، فافهم. قوله: (لأنه الغالب) أي الغالب فيما يملكه الانسان أنه يكون بثمن سابق. قوله: (كون العوض) أي الكائن في العقد الأول ا ه ح. وهو ملك به المبيع. نهر. تنبيه: استفيد من التعريف أن المعتبر ما وقع عليه العقد الأول دون ما وقع عوضا عنه، فلو
257 اشترى بعشرة دراهم فدفع عنها دينار أو ثوبا قيمته عشرة أو أقل أو أكثر فرأس المال العشرة لا الدينار والثوب، لان وجوبه بعقد آخر وهو الاستبدال. فتح. ولو كان المبلغ مثليا فرابح على بعضه كقفيز من قفيزين جاز لعدم التفاوت، بخلاف القيمي، وتمام تعريفه في شرح المجمع. وفي المحيط: لو كان ثوبا ونحوه لا يبيع جزءا منه معينا لانقسامه باعتبار القيمة، وإن باع جزءا شائعا جاز، وقيل: يفسد. بحر. قوله: (مثليا) كالدراهم والدنانير والمكيل والموزون والعددي المتقارب، أما إذا لم يكن له مثل بأن اشترى ثوبا بعبد مقايضة مثلا فرابحه أو ولاه إياه كان بيعا بقيمة عبد صفته كذا أو بقيمة عبد ابتداء، وهي مجهولة. فتح ونهر. قوله: أو قيميا مملوكا للمشتري صورته: اشترى زيد من عمرو عبدا بثوب ثم باع العبد من بكر بذلك الثوب مع ربح أو لا، والحال أن بكرا كان قد ملك الثوب من عمرو (1) قبل شراء العبد أو اشترى العبد بالثوب قبل أن يملكه من عمرو فأجازه بعده، فلا شك أن الثوب بعد الإجازة صار مملوكا لبكر المشتري، فيتناوله قول المتن: أو كان مملوكا للمشتري ا ه ح. فهذه الصورة مستثناة مما لا مثل له. قوله: (وكون الربح شيئا معلوما) تقدير لفظ الكون، هو مقتضى نصب المصنف قوله: معلوما. ووقع في عبارة المجمع مرفوعا حيث قال: ولا يصح ذلك حتى يكون العوض مثليا أو مملوكا للمشتري، والربح مثلي معلوم، ومثله في الغرر، وصرح في شرحه الدرر بأن الجملة حالية، وكذا قال في البحر: إن قوله: أي المجمع والربح مثلي معلوم شرط في القيمي المملوك للمشتري كما لا يخفى ا ه. وتبعه في المنح، فقد ظهر أن هذا ليس شرطا مستقلا، بل هو شرط للشرط الثاني، لان معلومية الربح وإن كان شرطا في صحة البيع مطلقا لكنه أمر ظاهر لا يحتاج إلى التنبيه عليه لان جهالته تفضي إلى جهالة الثمن، وإنما المراد التنبيه على أنه إذا كان الثمن الذي ملك به المبيع في العقد الأول قيميا لا يصح البيع مرابحة، إلا إذا كان ذلك القيمي مملوكا للمشتري والحال أن الريح معلوم، ولهذا ذكر في الفتح أولا أنه لا يصح كون الثمن قيميا. ثم قال: أما لو كان ما اشتراه به وصل إلى من يبيعه منه فرابحه عليه بربح معين كأن يقول: أبيعك مرابحة على الثوب الذي بيدك وربح درهم أو كر شعير أو ربح هذا الثوب جاز، لأنه يقدر على الوفاء بما التزمه من الثمن ا ه. وأفاد أن الربح المعلوم أعم كونه مثليا أو قيميا كما نبه عليه الشارح بقوله: ولو قيميا الخ فاغتنم تحرير هذا المحل. قوله: (حتى لو باعه) تفريع على مفهوم قوله: معلوما في مسألة كون القيمي مملوكا للمشتري: يعني فلو كان الربح مجهولا في هذه الصورة لا يجوز، حتى لو باعه الخ، فافهم. واعلم: أن لفظ ده بفتح الدال وسكون الهاء اسم للعشرة بالفارسية. وزيادة بالياء المثناة التحتية وسكون الزاي: اسم أحد عشرة بالفارسية كما نقله عن البناية، وبيان هذه التفريع ما في البحر حيث قال: وقيد الربح بكونه معلوما للاحتراز عما إذا باعه بربح ده يازده، لأنه باعه برأس المال وببعض قيمته، لأنه ليس من ذوات الأمثال، كذا في الهداية. ومعنى قوله: ده يازده أي بربح مقدار درهم على عشرة دراهم، فإن كان الثمن الأول عشرين كان الربح بزيادة درهمين، وإن كان ثلاثين كان الربح ثلاثة دراهم، فهذا يقتضي أن يكون الربح من جنس رأس المال، لأنه جعل الربح مثل عشر
(1) قوله: (ملك الثوب من عمرو) والذي في عبارة ح من زيد هنا وفيما بعده، وصوابه من عمرو كما قلناه ا ه. منه. 258 الثمن، وعشر الشئ يكون من جنسه، كذا في النهاية ا ه ما في البحر. وحاصله: أنه إذا كان الثمن في العقد الأول قيميا كالعبد مثلا وكان مملوكا للمشتري فباع المالك المبيع من المشتري بذلك العبد وبربح ده يازده لا يصح، لأنه يصير كأنه باعه المبيع بالعبد وبعشر قيمته فيكون الربح مجهولا لكون القيمة مجهولة، لأنا إنما تدرك بالحرز والتخمين والشرط كون الربح معلوما كما مر، بخلاف ما إذا كان الثمن مثليا والربح ده يازده فإنه يصح. قال في النهر: ولو كان البدل مثليا فباعه به وبعشرة: أي عشر ذلك المثلي، فإن كان المشتري يعلم جملة ذلك صح، وإلا فإن علم في المجلس خير وإلا فسد ا ه. وبه ظهر أن قول الشارح: لم يجز أي فيما إذا كان الثمن قيميا كما قررناه أولا، وقوله: إلا أن يعلم الخ أي فيما إذا كان مثليا لأنه الذي يمكن علمه في المجلس، فافهم. قوله: (أجر القصار) قيد بالأجرة لأنه لو عمل هذه الأعمال بنفسه لا يضم شيئا منها، وكذا لو تطوع متطوع بها أو بإعارة. نهر. وسيجئ. قوله: (والصبغ) هو بالفتح مصدر، وبالكسر ما يصبغ به، درر. والأظهر هنا الفتح لقول الشارح: بأي لون كان ط. قوله: (والفتل) هو ما يصنع بأطراف الثياب بحرير أو كتان، من فتلت الحبل أفتله. بحر. قوله: (وكسوته) بالنصب: أي كسوة العبد المبيع. قال في الفتح: ولا يضم ثم الجلال ونحوه، ويضم الثياب في الرقيق ا ه تأمل. قوله: (وطعام المبيع بلا سرف) فلا يضم الزيادة. ط. عن حاشية الشلبي. قال في الفتح: ويضم الثياب في الرقيق وطعامهم إلا ما كان سرفا وزيادة، ويضم علف الدواب إلا أن يعود عليه شئ متولد منها كألبانها وصوفها وسمنها، فيسقط قدر ما نال ويضم ما زاد، بخلاف ما إذا أجر الدابة أو العبد أو الدار فأخذ أجرته فإنه يرابح مع ضم ما أنفق عليه، لان الغلة ليست متولدة من العين، وكذا دجاجة أصاب من بيضها يحتسب بما ناله وبما أنفق ويضم الباقي ا ه. قوله: (وسقي الزرع) أي أجرته، وكذا يقال فيما بعده ط. قوله: (وكسحها) في المصباح: كسحت البيت كسحا من باب نفع كنسته، ثم استعير لتنقية البئر والنهر وغيره فقيل: كسحته: إذا نقيته، وكسحت الشئ: قطعته وأذهبته. قوله: (وكرى المسناة) في المصباح: كرى النهر كريا من باب رمى: حفر فيه حفرة جديدة، والمسناة: حائط يبنى في وجه الأرض ويسمى السد ا ه. وفسرها في المغرب بما بنى للسيل ليرد الماء، وكأن الشارح ضمن الكرى معنى الاصلاح. تأمل. قوله: (هو الدال على مكان السلعة وصاحبها) لا فرق لغة بين السمسار والدلال، وقد فسرهما في القاموس بالمتوسط بين البائع والمشتري، وفرق بينهما الفقهاء، فالسمسار هو ما ذكره المؤلف، والدلال هو المصاحب للسلعة غالبا. أفاده سري الدين عن بعض المتأخرين ط. وكأنه أراد ببعض المتأخرين صاحب النهر: فإنه قال: وفي عرفنا الفرق بينهما هو أن السمسار الخ. قوله: (ورجح في البحر الاطلاق) حيث قال: وأما أجرة السمسار والدلال فقال الشارح الزيلعي: إن كانت مشروطة في العقد تضم، وإلا فأكثرهم على عدم الضم في الأول، ولا تضم أجرة الدلال بالاجماع ا ه. وهو تسامح، فإن أجرة الأول تضم في ظاهر الرواية والتفصيل المذكور
259 قويلة، وفي الدلال قيل: لا تضم والمرجع العرف، كذا في فتح القدير ا ه. قوله: (وضابطه الخ) فإن الصيغ وأخواته في عين المبيع والحمل، والسوق يزيد في قيمته لأنها تختلف باختلاف المكان فتلتحق أجرتها برأس المال. درر. لكن أورد أن السمسار لا يزيد في عين المبيع ولا في قيمته. وأجيب بأن له دخلا في الاخذ بالأقل، فيكون في معنى الزيادة في القيمة، وقال في الفتح بعد ذكره الضابط المذكور: قال في الايضاح: هذا المعنى ظاهر، ولكن لا يتمشى في بعض المواضع، والمعنى المعتمد عليه عادة التجار حتى يعم المواضع كلها. قوله: (وكذا إذا قوم الموروث الخ) قال في الفتح: لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية وقومه قيمته، ثم باعه مرابحة على تلك القيمة يجوز. وصورته: أن يقول قيمته كذا أو رقمه كذا فأرابحك على القيمة أو رقمه، ومعنى الرقم أن يكتب على الثوب أدخل المشترى مقدارا سواء كان قدر الثمن أو أزيد ثم يرابحه عليه، وهو إذا قال رقمه كذا وهو صادق لم يكن خائنا، فإن غبن المشتري فيه فمن قبل جهله ا ه. قال في البحر: وقيده في المحيط بما إذا كان عند البائع أن المشتري يعلم أن الرقم غير الثمن، فأما إذا كان المشتري يعلم أن الرقم والثمن سواء فإنه يكون خيانة وله الخيار ا ه. وفي البحر أيضا عن النهاية في مسألة الرقم: ولا يقول قام علي بكذا ولا قيمته كذا ولا اشتريته بكذا تحرزا عن الكذب ا ه. وبه يظهر أن ما يفيده كلام الشارح من أنه يقول: قام علي بكذا غير مراد، بل يظهر لي أنه لا يقول ذلك في مسألة الهبة أيضا، لأنه يوهم أنه ملكه بهذه القيمة مع أنه ملكه بلا عوض ففيه شبهة الكذب، ويؤيده قول الفتح. وصورته: أن يقول قيمته كذا الخ، فقد سوى بينه وبين مسألة الرقم في التصوير، ثم أن قول الفتح ظاهره اشتراط كون الرقم بمقدار القيمة، فيخالف ما مر عن النهاية، وحمله على أن معناه أنه لا يرقمه بعشرة، ثم يبيعه لجاهل بالخط على رقم أحد عشر بعيد، والأحسن الجواب بحمله على ما إذا كان المشتري يظن أن الرقم والقيمة سواء كما يشير إليه ما مر عن المحيط، فافهم. قوله: (وفيه ما فيه) فإنه يفيد أنه لا يضم وإن كان متعارفا، وهو خلا ف ما يدل عليه كلام المبسوط. قال في الفتح: وكذا: أي لا يضم أجر تعليم العبد صناعة أو قرآنا أو علما أو شعرا، لان ثبوت الزيادة لمعنى فيه: أي في المتعلم وهو حذاقته، فلم يكن ما أنفقه على التعليم موجبا للزيادة في المالية، ولا يخفى ما فيه، إذ لا شك في حصول الزيادة بالتعلم، وأنه مسبب على التعليم عادة، وكونه بمساعدة القابلية في المتعلم كقابلية الثوب للصبغ، لا يمنع نسبته إلى التعليم فهو علة عادية والقابلية شرط. وفي المبسوط: لو كان في ضم المنفق في التعليم عرف ظاهر يحلق برأس المال ا ه. قلت: فقد ظهر أن البحث ليس في العلة فقط بل فيها وفي الحكم، فافهم. قوله: (ولا نفقة نفسه) أي في سفره لكسوته وطعامه ومركبه ودهنه وغسل ثيابه ط. عن حاشية الشلبي قوله: (وجعل الآبق)
260 لأنه نادر فلا يلحق بالسائق، لأنه لا عرف في النادر. فتح. قوله: (كأنه للعرف) أصل هذا لصاحب النهر، حيث فال: وقد مر أن أجرة المخزن تضم وكأنه للعرف، وإلا فالمخزن ويبت الحفظ سواء في عدم الزيادة في العين ا ه ط. قوله: (هذا هو الأصل) أي ولو في نفقة نفسه كما يقتضيه العموم ط. قوله: (كما يفيده كلام الكمال) حيث ذكر ما قدمناه عنه ثم قال أيضا بعد أن عد جملة مما لا يضم: كذا ما لم تجر عادة التجار ا ه. وقد علمت مما مر عن المبسوط، أن المعتبر هو العرف الظاهر لاخراج النادر كجعل الآبق، لأنه لا عرف في النادر كما قدمناه آنفا. قوله: (فإن ظهر خيانته) أي البائع في مرابحة بأن ضم إلى الثمن ما لا يجوز ضمه كما في المحيط، أو أخبر بأنه اشتراه بعشرة ورابح على درهم فتبين أنه اشتراه بتسعة. نهر. قوله: (أو برهان الخ) وقيل: لا تثبت إلا بإقراره، لأنه في دعوى الخيانة متناقض والحق سماعها كدعوى العيب. فتح. قوله: (أخذه بكل ثمنه الخ) أي ولا حط هنا، بخلاف التولية، وهذا عنده. وقال أبو يوسف: يحط فيهما، وقال محمد: يخير فيهما، والمتون على قول الإمام، وفي البحر عن السراج: وبيان الحط في المرابحة على قول أبي يوسف إذا اشتراه بعشرة وباعه بربح خمسة، ثم ظهر أنه اشتراه بثمانية فإنه يحط قدر الخيانة من الأصل وهو الخمس وهو درهمان، وما قابله من الربح وهو درهم فيأخذ الثوب باثني عشر درهما ا ه. قوله: (وله الحط) أي لا غير. بحر. قوله: (لتحقق التولية) في نسخة بتاءين، وفي نسخة بتاء واحدة على أنه فعل مضارع، والتولية فاعلة أو مصدر مضاف إلى التولية، وعلى كل فهو علة لقوله: وله الحط قدر الخيانة في التولية ط. قال ح: يعني لو لم يحط في التولية تخرج عن كونها تولية لأنها تكون بأكثر من الثمن الأول، بخلاف المرابحة فإنه لو لم يحط فيها بقيت مرابحة. قوله: (ولو هلك المبيع الخ) لم أر ما لو هلك بعضه، هل يمتنع رد الباقي مقتضى قوله: أو حدث به ما يمتنع من الرد أن له الرد كما لو آكل بعض المثلي أو باعه، ثم ظهر له فيه عيب أو اشترى عبدين أو ثوبين فباع أحدهما ثم رأى في الباقي عيبا له رد ما بقي، بخلاف الثوب الواحد كما مر في خيار العيب. تأمل. قوله: (لزمه جميع الثمن (1)) في الروايات الظاهرة، لأنه مجرد خيار لا يقابله شئ من الثمن، كخيار الرؤية والشرط، وفيهما يلزمه تمام الثمن قبل الفسخ، فكذا هنا، وهو المشهور من قول محمد، بخلاف خيار العيب، لان المستحق فيه جزء فائت يطالب به، فيسقط ما يقابله إذا عجز عن تسليمه. وتمامه في الفتح، وانظر ما سيذكره الشارح عن أبي جعفر. مطلب: خيار الخيانة في المرابحة لا يورث تنبيه: قال في البحر: وظاهر كلامهم أن خيار ظهور الخيانة لا يورث، فإنه مات المشتري فاطلع الوارث على خيانة بالطريق السابق فلا خيار له. قوله، (وقدمنا) أي في أوائل خيار العيب.
(1) قوله: (للزمه جميع الثمن) هكذا بخطه والذي في النسخ لزمه بجميع الثمن ا ه. 261 قوله: (لو وجد المولى) بتشديد اللام المفتوحة اسم مفعول من التولية. قوله: (لم يرجع بالنقصان) لأنه بالرجوع يصير الثاني أنقص من الأول، وقضية التولية أن يكون مثل الأول. بحر. قوله: (شراه ثانيا الخ) صورته: اشترى بعشرة وباعه مرابحة بخمسة عشرة ثم اشتراه بعشرة فإنه يبيعه مرابحة بخمسة ويقول: قام علي بخمسة. قوله: (بجنس الثمن الأول) يأتي محترزه. قوله: (فإن رابح الخ) ظاهر دليل الامام يقتضي أنه لا فرق بين بيعه مرابحة أو تولية، والمتون كلها مقيدة بالمرابحة، وظاهرها جواز التولية على الثمن الأخير، والظاهر الأول كما لا يخفى. بحر. وبه جزم في النهر. قوله: (وإن استغرق الربح ثمنه) كما لو اشتراه بعشرة وباعه بعشرين مرابحة، ثم اشتراه بعشرة لا يبيعه مرابحة أصلا، وعندهما يرابح على عشرة في الفصلين. بحر: أي في الاستغراق وعدمه. قوله: (لم يرابح) لان شبهة حصول الربح بالعقد الثاني ثابتة، لأنه أي الربح يتأكد به بعدما كان على شرف السقوط بالظهور على عيب، فيرده فيزول الربح عنه والشبهة كالحقيقة في بيع المرابحة احتياطا، وقيد بقوله: لم يرابح لان له أن يبيعه مساومة. نهر. قوله: (بحر) أي عن المحيط، ومعنى كون قول الإمام أوثق أي أحوط لما علمت من أن الشبهة كالحقيقة هنا للتحرز عن الخيانة. قوله: (ولو بين ذلك) بأن يقول كنت بعته فربحت فيه عشرة، ثم اشتريته بعشرة، وأنا أبيعه بربح كذا على العشرة. نهر. قوله: (أو باع بغير الجنس) بأن باعه بوصيف: أي غلام أبو بداية أو عرض آخر، ثم اشتراه بعشرة كان له أن يبيعه مرابحة على عشرة، لأنه عاد إليه بما ليس من جنس الثمن الأول، ولا يمكن طرحه إلا باعتبار القيمة، ولا مدخل لها في المرابحة ولذا قلنا: لو اشترى أشياء صفقة واحدة بثمن واحد، ليس له أن يبيع بعضها مرابحة على حصته من الثمن، كذا في الفتح وأراد بالأشياء القيميات، وتمامه في النهر وقد مر. قوله: (أو تخلل ثالث) بأن اشترى من مشتري مشتريه لان التأكيد حصل بغيره. درر. تنبيه: علم من التقييد بالشراء أنه لو وهب ثوب، فباعه بعشرة ثم اشتراه بعشرة يرابح على العشرة، ومن التقييد بالبيع يربح أنه لو أجر المبيع ولم يدخله نقص يرابح بلا بيان، لان الأجرة ليست من نفس المبيع، ولا من أجزائه فلم يكن حابسا لشئ منه: أي بخلاف ما لو نال من صوفه أو سمنه كما قدمناه، وأنه لو حط عنه بائعه كل الثمن يرابح على ما اشترى، بخلاف ما لو حط البعض لالتحاقه بالعقد دون حط الكل، لئلا يكون بيعا بلا ثمن، فصار تمليكا مبتدأ كالهبة وسيأتي أن الزيادة تلتحق فيرابح على الأصل والزيادة، وفي المحيط: شراه ثم خرج عن ملكه، ثم عاد إن عاد قديم ملكه كرجوع في هبة، أو بخيار شرط، أو رؤية أو عيب أو إقالة يرابح بما اشترى لانفساخ العقد، كأن لم يكن لا إن عاد بسبب جديد كهبة وإرث. وتمامه في البحر. قوله: (أي جاز أن يرابح) (1) الأقعد في
(1) قوله: (اي جاز ان يرابح) هكذا بخطه والذي في نسخ الشارح التي بيدي: اي جاز ان يبيع مرابحة والمآل واحد ا ه. 262 التعبير: أي إذا أراد أن يرابح سيد الخ وجب عليه أن يرابح على ما اشترى العبد، لان المرابحة على ذلك واجبة لا جائزة ط. وكأن الشارح نظر إلى بيان صحتها فعبر بالجواز تبعا للدرر، فافهم. قوله: (من مكاتبه) أو مدبره نهر. قوله: (فاعتبار هذا القيد) أي بالنظر إلى مجرد عبارة المتن. قال في النهر: ثم كونه مديونا بما يحيط برقبته صرح به محمد في الجامع الصغير عن الامام، ومن المشايخ من لم يقيد بالمحيط كالصدر الشهيد، وتبعه المصنف وشمس الأئمة في المبسوط، لم يذكر الدين أصلا. قال في العناية: والحق ذكره لأنه إذا لم يكن عليه دين لم يصح البيع، والتحقيق أن ذكره وعدمه سواء بالنظر إلى المرابحة، لأنها إذا لم تجز مع الدين فمع عدمه أولى، وأما بالنظر إلى صحة العقد وعدمه (1) فله فائدة، والباب لم يعقد إلا للمرابحة فصنيع شمس الأئمة أقعد ا ه. قوله: (على ما شرى المأذون) متعلق بقوله: رابح وصورته كما في الكنز: اشترى المأذون ثوبا بعشرة وباعه من سيده بخمسة عشر يبيعه على عشرة. قوله: (كعكسه) وهو ما إذا باع المولى للعبد. قوله: (نفيا للتهمة) لان الحاصل للعبد لم يخل عن حق المولى، ولذا كان له أن يستبقي ما في يده، ويقضي دينه وكذا في كسب المكاتب، ويصير ذلك الحق له حقيقة بعجزه فصار كأنه باع واشترى ملك نفسه من نفسه فاعتبر عد ما في حكم المرابحة نفيا للتهمة. نهر. قوله: (كأصله وفرعه) وأحد الزوجين وأحد المتفاوضين عنده، وخالفاه فيما عدا العبد والمكاتب. بحر. قوله: (ولو بين ذلك) أي بين أن أحد هؤلاء اشتراه بعشرة ثم اشتراه هو منه بخمسة عشر. مطلب: اشترى من شريكه سلعة تنبيه: في الفتح: اشترى من شريكه سلعة ليست من شركتهما يرابح على ما اشترى، ولا يبين ولو من شركتهما يبيع نصيب شريكه على ضمانه في الشراء الثاني، ونصيب نفسه على ضمانه في الشراء الأول، لجواز كونها شريت بألف من شركتهما فاشتراها منه بألف ومائتين، فإنه يرابح على ألف ومائة، لان نصيب شريكه من الثمن ستمائة ونصيب نفسه من الثمن الأول خمسمائة فيبيعها على ذلك ا ه. قوله: (بالنصف) أي بنصف الربح له، والباقي لرب المال وهو متعلق بقوله: مضاربا فكان الأوضح تقديمه على قوله: معه عشرة كما قاله ح. قوله: (باع مرابحة رب المال باثني عشرة ونصف) وهذا في خصوص هذا المثال صحيح، والتفصيل ما ذكره في مضاربه البحر عن المحيط، من أنه على أربعة أقسام: الأول: أن يكون في قيمة المبيع، ولا في الثمن فضل على رأس المال، بأن كان رأس المال ألفا فاشترى منها المضارب عبدا بخمسمائة قيمته ألف، وباعه من رب المال بألف، فإن رب المال يرابح على ما اشترى به المضارب. الثاني: أن يكون الفضل في قيمة المبيع دون الثمن فإنه كالأول. الثالث: أن يكون فيهما، فإنه يرابح على ما اشترى به المضارب، وحصة المضارب. الرابع:
(1) قوله: (وعدمه) هكذا بخطه، ولعل الأولى وعدمها اي صحة العقد كما لا يخفى ا ه. مصححه. 263 أن يكون الفضل في الثمن فقط وهو كالثالث ا ه ح. ولا يخفى أن مثال الشارح يحتمل كونه من الثالث أو الرابع لصدقه على كون قيمة الثوب عشرة كرأس المال أو المال أو أكثر، فلذا كان له أن يرابح على ما اشترى به المضارب، وهو عشرة وعلى حصة المضارب من الربح وهو درهمان ونصف دون حصة رب المال، لأنها سلمت له، ولم تخرج عن ملكه. ثم اعلم أن المصنف لم يسبق منه تمثيل المسألة بالشراء بالعشرة والبيع بالخمسة عشر، حتى يظهر قوله باثني عشرة ونصف، وهذا وإن وقع في عبارة الكنز كذلك، لكنه صور المسألة قبله في مسألة المأذون، كما قدمناه، ولذا أوضح الشارح عبارة المصنف في أثناء تقرير المتن بذكر المثال. قوله: (وكذا عكسه) وهو ما إذا كان البائع رب المال، وهذا أيضا على أربعة أقسام، قسمان: لا يرابح فيهما إلا على ما اشترى به رب المال، هما إذا كان لا فضل في الثمن، وقيمة المبيع على رأس المال كما لو اشترى المضارب من رب المال بألف المضاربة عبدا قيمته ألف كان قد اشتراه رب المال بنصف ألف أو لا فضل في قيمة المبيع فقط، بأن اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألف وباعه من المضارب بألفين، وقسمان يرابح على ما اشترى به رب المال، وحصة المضارب: وهما إذا كان فيهما فضل، بأن اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألفان ثم باعه من المضارب بألفين، بعد ما عمل المضارب في ألف المضاربة، وربح فيها ألفا فإنه يرابح على ألف وخمسمائة، أو كان في قيمة العبد فقط بأن كان العبد يساوي ألفا وخمسمائة، فاشتراه رب المال بألف فباعه من المضارب بألف يبيعه المضارب على ألف ومائتين وخمسين، كذا في البحر عن المحيط ا ه ح. وبه ظهر أن قول الشارح: وكذا عكسه أراد به القسمين الأخيرين. قوله: (كما سيجئ في بابه) وهو باب المضارب يضارب ط. قوله: (وتحقيقه في النهر) حاصله: أنه ذكر في مضاربة الكنز تبعا للهداية أنه لو اشترى المضارب من المالك بألف عبدا اشتراه بنصفه رابح بنصفه ا ه. فاعتبر أقل الثمنين، وقال الزيلعي هناك: ولو بالعكس: أي بأن اشترى رب المال بألف من المضارب عبدا مشترى بنصفه رابح بنصفه أيضا، فصورة العكس هناك مفروضة في شراء رب المال من المضارب، وهي مسألة المتون هنا، فما ذكره الزيلعي هناك مخالف لما صرح به نفسه هنا، من أنه يضم حصة المضارب، وذكر في السراج أنه يضم حصة المضارب في صورة الأصل، وصورة العكس، وقد وفق في البحر بين كلامي الزيلعي بتوفيق رده في النهر وقال: إن ما في السراج مخالف لصريح الرواية المصرح بها في كتاب المضاربة، وما ذكره الزيلعي من أن رب المال لا يضم حصة المضارب محمول على رواية. وذكر أن الجواب الحق ما في مضاربة البحر من أن صورة العكس التي ذكرها الزيلعي هناك هي القسم الأول من كلام المحيط، فلم يكن فيه مخالفة لما ذكره في المرابحة أنه يضم حصة المضارب، لأنه القسم الثالث أو الرابع من كلام المحيط ا ه ما في مضاربة البحر ملخصا. قلت: ولم يتعرض هناك للجواب عما في السراج، وقد علمت صحته مما كتبناه على قول الشارح: وكذا عكسه وقد أوضحنا هذا المقام بأكثر مما هنا فيما علقناه على البحر. قوله: (مريدها) أي مريد المرابحة. قوله: (أي من غير بيان) لا حاجة إلى هذا لبيان لوضوحه ط. قوله: (أما بيان نفس العيب فواجب) لان الغش حرام إلا في مسألتين كما قدمه آخر خيار العيب، مر الكلام على ذلك. قوله: (فتعيب عنده) أما لو وجد بالمبيع عيبا فرضي به كان له أن يبيعه مرابحة على الثمن
264 الذي اشتراه به، لان الثابت له خيار فإسقاطه لا يمنع من البيع مرابحة كما لو كان فيه خيار شرط أو رؤية، وكذا لو اشتراه مرابحة فاطلع على خيانة فرضي به كان له أن يبيعه مرابحة على ما أخذه به لما ذكرنا أن الثابت له مجرد خيار. بحر عن الفتح. قوله: (بالتعييب) مصدر تعيب صار معيبا بلا صنع أحد، ويلحق به ما إذا كان بصنع المبيع، وشمل ما إذا كان نقصان العيب يسيرا أو كثيرا وعن محمد: لو نقص قدرا لا يتغابن الناس فيه لا يبيعه مرابحة بلا بيان، ودل كلامه أنه لو نقص بتغير السعر بأمر الله تعالى لا يلزمه البيان بالأولى. بحر. قوله: (ووطئ الثيب) بصيغة الفعل الماضي عطفا على قوله: اشتراه أو بصيغة المصدر عطفا على أنه اشتراه. قوله: (كقرض فأر وحرق نار) الأولى ذكرهما بعد قوله: بآفة سماوية ا ه ح. وقرض بالقاف، وذكره أبو اليسر بالفاء. فتح. والذي في القاموس والمصباح الأول. قوله: (المشتري) بصيغة المفعول نعت للثوب. قوله: (لا بد من بيانه) أي بيان أنه تعيب عنده بالتعيب. قوله: (ورجحه الكمال) نعم رجحه أولا بقوله: واختياره وهذا حسن، لان مبنى المرابحة على عدم الخيانة وعدم ذكره أنها انتقصت إيهام للمشتري، أن الثمن المذكور كان لها ناقصة، والغالب أنه لو علم أن ذلك ثمنها صحيحة لم يأخذها معيبة إلا بحطيطة ا ه. لكنه قال بعده: لكن قولهم هو كما لو تغير السعر بأمر الله تعالى فإنه لا يجب عليه أنه يبين أن اشتراه في حال غلائه ، وكذا لو اصفر الثوب لطول مكثه أو توسخ إلزام قوي ا ه. نعم أجاب في النهر بقوله: وقد يفرق بأن الابهام فيما ذكر ضعيف لا يعول عليه، بخلاف ما لو اعورت الجارية فرابحه على ثمنها فإنه قوي جدا فلم يغتفر ا ه. قلت: وفيه كلام فقد يكون تفاوت السعرين أفحش من التفاوت بالعيب، والكلام حيث لا علم للمشتري بكل ذلك، والأحسن الجواب بأن ذلك مجرد وصف لا يقابله شئ من الثمن، بخلاف الفائت بعور الجارية، وقرض الفأر ونحوه فإنه جزء من المبيع، ولا يرد ما اشتراه بأجل، فإنه لا يرابح بلا بيان كما يأتي لقولهم: إن الاجل يقابله جزء من الثمن عادة، فيكون كالجزء فيلزمه البيان. قوله: (وأقره المصنف) وكذا شيخه في بحره والمقدسي. قوله: (بالتعييب) مصدر عيبه إذا أحدث به عيبا. بحر. قوله: (ولو بفعل غيره الخ) دخل فيه ما إذا كان بفعله بالأولى وكذا ما إذا كان يفعل غيره بأمره، واحترز به عما إذا كان بفعل المبيع، فإنه ملحق بالآفة السماوية كما مر، لان المرابح لم يكن حابسا شيئا. قوله: (وإن لم يأخذ الأرش) لتحقق وجوب الضمان. فتح قوله: (ووطئ البكر) لان العذرة جزء من العين يقابلها الثمن وقد حبسها. فتح. قوله: (كتكسر) (1) أي تكسر الثوب. قوله: (لصيرورة الأوصاف مقصودة بالاتلاف) أي فتخرج عن التبعية بالقصدية، فوجب اعتبارها فتتقابل
(1) قوله: (كتكسر الخ) هكذا بخطه من غير ضمير والذي في نسخ الشارح: كتكسره بالضمير، وهو الأنسب بقوله اي تكسر الثواب ا ه. مصححه. 265 ببعض الثمن. فتح. وهذا علة لقوله ببيان بالتعييب. قوله: (ولذا قال الخ) أي فإنه يفهم منه أن الثيب لو نقصها الوطئ يلزمه البيان، لأنه صار مقصودا بالاتلاف. قوله: (اشتراه بألف نسيئة) أفاد أن الاجل مشروط في العقد، فإن لم يكن، ولكنه كان معتاد التنجيم، قيل: لا بد من بيانه، لان المعروف كالمشروط وقيل: لا يلزمه البيان وهو قول الجمهور كما في الزيلعي. نهر. وينبغي ترجيح الأول، لأنها مبنية على الأمانة، والاحتراز عن شبهة الخيانة، وعلى كل من القولين لو لم يكن مشروطا ولا معروفا، وإنما أجله بعد العقد لا يلزمه بيانه، بحر. قال في النهر: لما مر من أن الأصح أنهما لو ألحقا به شرطا لا يلتحق بأصل العقد، فيكون تأجيلا مستأنفا، وعلى القول بأنه يلتحق ينبغي أن يلزمه البيان ا ه. قوله: (خير المشتري) أي بين رده وأخذه بألف ومائة حالة، لان للأجل شبها بالمبيع، ألا ترى أنه يزاد في الثمن لأجله، والشبهة ملحقة بالحقيقة، فصار كأنه اشترى شيئين بالألف، وباع أحدهما بها على وجه المرابحة، وهذا خيانة فيما إذا كان مبيعا حقيقة، وإذا كان أحد الشيئين يشبه المبيع يكون هذا شبهة الخيانة. فتح. قوله: (لزم كل الثمن حالا) (1) لان الاجل في نفسه ليس بمال، فلا يقابله شئ حقيقة إذا لم يشترط زيادة الثمن بمقابلته قصدا، ويزاد في الثمن لأجله إذا ذكر الاجل بمقابلة زيادة الثمن قصدا، فاعتبر مالا في المرابحة احترازا عن شبهة الخيانة، ولم يعتبر مالا في حق الرجوع عملا بالحقيقة. بحر. قوله: (في جميع ما مر) أي لا كما وقع في الزيلعي والفتح من إرجاعه إلى المسألة التي قبله وهو بحث للبحر حيث قال: وينبغي أن يعود قوله: وكذا التولية إلى جميع ما ذكره للمرابحة، فلا بد من البيان في التولية أيضا في التعييب ووطئ البكر وبدونه في التعيب، ووطئ الثيب. قوله: (وقال أبو جعفر الخ) عبر عنه في الفتح بقيل: حيث قال: وقيل: تقوم بثمن حال ومؤجل، فيرجع بفضل ما بينهما على البائع. قال الفقيه أبو جعفر الهندواني ا ه. قلت: وينبغي على قول أبي جعفر أن يرجع بالأولى فيما إذا ظهرت خيانة في مرابحة، لان الاجل لا يقابله شئ من الثمن حقيقة. تأمل. قوله: (بحر ومصنف) ومثله في الزيلعي معللا بالتعارف. قوله: (وخير الخ) لان الفساد لم يتقرر، فإذا حصل العلم في المجلس جعل كابتداء العقد، وصار كتأخير القبول إلى آخر المجلس، ونظيره بيع الشئ برقمه إذا علم في المجلس، وإنما يتخير لان الرضا لم يتم قبله، لعدم العلم كما في خيار الرؤية. وظاهر كلام المصنف وغيره: أن هذا العقد ينعقد فاسدا بعرضية الصحة، وهو الصحيح، خلافا للمروي عن محمد أنه صحيح له عرضية الفساد، كذا في الفتح، وينبغي أن تظهر الثمرة في حرمة مباشرته، فعلى الصحيح يحرم وعلى الضعيف لا. بحر. قوله: (وإلا بطل) أي تقرر فساده ط.
(1) قوله: (لزم كل الثمن الخ) كذا بخطه بدون ضمير، والذي في نسخ الشارح: لزمه بالضمير فليحرر ا ه. مصححه. 266 تتمة: في الظهيرية: اشتراه بأكثر من ثمنه مما لا يتغابن الناس فيه، وهو يعلم لا يرابح بلا بيان، وكذا لو اشترى بالدين من مدينه وهو لا يشتري بمثل الثمن من غيره، فلو يشتري بمثله له أن يرابح، سواء أخذه بلفظ الشراء أو الصلح، وفي ظاهر الرواية يفرق بينهما بأن مبنى الصلح على الحط والتجوز بدون الحق، ومبنى الشراء على الاستقصاء ا ه ملخصا. مطلب في الكلام على الرد بالغبن الفاحش قوله: (لا رد بغبن فاحش) في البحر عن المصباح: غبنه في البيع والشراء غبنا من باب ضرب، مثل غبنه فانغبن وغبنه: أي نقصه، وغبن بالبناء للمفعول فهو مغبون: أي منقوص في الثمن، أو غيره، والغبينة اسم منه. قوله: (هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين) هو الصحيح كما في البحر، وذلك كما لو وقع البيع بعشرة مثلا، ثم إن بعض المقومين يقول إنه يساوي خمسة، وبعضهم ستة وبعضهم سبعة فهذا غبن فاحش، لأنه لم يدخل تحت تقويم أحد، بخلاف ما إذا قال بعضهم: ثمانية وبعضهم تسعة وبعضهم عشرة فهذا غبن يسير. قوله: (وبه أفتى بعضهم مطلقا) أي سواء كان الغبن بسبب التغرير أو بدون، لكن هذا الاطلاق لم يذكره في القنية، وإنما حكي في القنية الأقوال الثلاثة، فيفهم منه أن هذا غير مقيد بالتغرير أو بدون، ولكن نقل في الفتح أن الامام علاء الدين السمرقندي ذكر في تحفة الفقهاء: أن أصحابنا يقولون في المغبون: إنه لا يرد، لكن هذا في مغبون لم يغر، أما في مغبون غر يكون له حق الرد استدلالا بمسألة المرابحة ا ه: أي بمسألة ما إذا خان في المرابحة فإن ذلك تغرير يثبت به الرد. قوله: (ويفتى بالرد) ظاهره الاطلاق: أي سواء غره أولا بقرينة القول الثالث. قوله: (أو غره الدلال) قال الرملي: مفهومه أنه لو غره رجل أجنبي غير الدلال لا يثبت له الرد، وبقي ما لو غر المشتري البائع في العقار فأخذه الشفيع، هل للبائع أن يسترد منه؟ ينبغي عدمه لأنه لم يغره وإنما غره المشتري، وتمامه في حاشيته على البحر. قوله: (وبه أفتى صدر الاسلام وغيره) وهو الصحيح كما يأتي، وظاهر كلامهم أن الخلاف حقيق، ولو قيل إنه لفظي، ويحمل القولان المطلقان على القول المفصل لكان حسنا، ويدل عليه حمل صاحب التحفة المتقدم ط. قلت: ويؤيده أيضا عدم التصريح بالاطلاق في القولين الأولين، وحيث كان ظاهر الرواية محمولا على هذا القول المفصل، يكون هو ظاهر الرواية إذا لم يذكروا أن ظاهر الرواية عدم الرد مطلقا، حتى ينافي التفصيل، فلذا جزم في التحفة بحمله على التفصيل، وحينئذ لم يبق لنا إلا قول واحد، هو المصرح بأنه ظاهر الرواية، وبإنه المذهب وبأنه المفتى به وبأنه الصحيح، فمن أفتى في زماننا بالرد مطلقا فقد أخطأ خطأ فاحشا لما علمت من أن التفصيل هو المصحح المفتى به، ولا سيما بعد التوفيق المذكور، وقد أوضحت ذلك بما لا مزيد عليه في رسالة سميتها تحبير (تحبير التحرير في إبطال القضاء بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تغرير) قوله: (فيرد مثل ما أتلفه) أي مع رد الباقي كما في القنية. ونصها: قال الغزال: لا معرفة لي
267 بالغزل فأتني بغزل أشتريه، فأتى رجل بغزل لهذا الغزال (1) ولم يعلم به المشتري، فجعل نفسه دلالا بينهما واشترى ذلك الغزل له بأزيد من ثمن المثل، وصرف المشتري بعضه إلى حاجته، ثم علم بالغبن وبما صنع، فله أن يرد الباقي بحصته من الثمن. قال رضي الله عنه: والصواب أن يرد الباقي ومثل ما صرف في حاجته، ويسترد جميع الثمن، كمن اشترى بيتا مملوءا من بر فإذا فيه دكان عظيم فله الرد وأخذ جميع الثمن قبل إنفاق شئ منه، وبعده يرد الباقي ومثل ما أنفق ويسترد الثمن، كذا ذكره أبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى ا ه. قوله: (بقي ما لو كان قيميا) أي وتصرف ببعضه، فهل يرجع بقدر ما غبن فيه أو لا يرجع، أو يرد الباقي ويضمن قيمة ما تصرف به؟ ووجه التوقف أن ما ذكره في القنية مفروض في المثلي، لان الغزل مثلي كما هو صريح كلام القنية المذكور آنفا، وكذا صرح في الفصل الثالث والثلاثين من جامع الفصولين: بأنه مثلي، وفي التتارخانية عن المنتقى: ولا يصح بيع غزل قطن لين بغزل قطن خشن إلا مثلا بمثل، لان القطن سواء ا ه. فحيث كان المنقول هنا في المثلي لم يعلم حكم القيمي، فافهم. ثم اعلم أن ما قدمناه عن المنح عن تحفة الفقهاء من أن المغبون إذا غر له الرد استدلالا بمسألة المرابحة يفيد أن خيار التغرير في حكم خيار الخيانة والمرابحة، وقد مر في المتن والشرح أنه لو هلك المبيع أو استهلكه في المرابحة قبل رده أو حدث به ما يمنع من الرد لزمه جميع الثمن المسمى، وسقط خياره، وذكرنا هناك أن مقتضى قوله: أو حدث به الخ، أنه لو هلك البعض أو استهلكه له رد الباقي إلا في نحو الثوب الواحد الخ، والظاهر أن هنا كذلك، فتأمل. قوله: (قلت وبالأخير، إلى قوله: وغيره) الأولى ذكر هذا عند قوله: وبه أفتى صدر الاسلام وغيره ا ه ح. مطلب: الغرور لا يوجب الرجوع إلا في ثلاث مسائل قوله: (وفي كفالة الأشباه الخ) حيث قال: الغرور لا يوجب الرجوع، فلو قال: اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلكه فأخذه اللصوص، أو قال: كل هذا الطعام فإنه ليس بمسموم فأكله ومات لم يضمن، وكذا لو أخبره رجل أنها حرة فتزوجها ثم ظهر أنها مملوكة فلا رجوع بقيمة الولد على المخبر إلا في ثلاث مسائل. الأولى: إذا كان الغرور بالشرط، كما لو زوجه امرأة على أنها حرة ثم استحقت فإنه يرجع على المخبر بما غرمه للمستحق من قيمة الولد. الثانية: أن يكون في ضمن عقد معاوضة، فيرجع المشتري على البائع من بقيمة الولد إذا استحقت بعد الاستيلاد ويرجع بقيمة البناء، لو بنى المشتري ثم استحقت الدار بعد أن يسلم البناء. وإذا قال الأب لأهل السوق: بايعوا ابني فقد أذنت له في التجارة فظهر أنه ابن غيره رجعوا عليه للغرور، وكذا لو قال: بايعوا عبدي فقد أذنت له فبايعوه ولحقه دين ثم ظهر أنه عبد لغيره رجعوا عليه إن كان الأب حرا وإلا فبعد العتق، وكذا لو
(1) قوله: (فأتى رجل يغزل لهذا الغزال): اي بغزل مملوك لهذا الغزال. وحاصله: ان الغزال دفع غزله لرجل ثم جعل نفسه دلالا بين الطالب والرجل واشترى للطالب الغزل من الرجل بزيادة، ثم تصرف المشتري اي من له الشراء حقيقة في بعض الغزل ثم علم بالغبن وبان الغزال هو صاحب الغزل وانه فعل ذلك تغريرا للطالب ا ه. 268 ظهر حرا أو مدبرا أو مكاتبا، ولا بد في الرجوع من إضافته إليه والامر بمبايعته، كذا في السراج الوهاج. الثالثة: أن يكون في عقد يرجع نفعه إلى الدافع كوديعة وإجارة فلو هلكت الوديعة والعين المستأجرة ثم استحقت وضمن المودع والمستأجر فإنهما يرجعان على الدافع بما ضمناه، وكذا من كان بمعناهما، وفي عارية وهبة لا رجوع، إذ القبض كان لنفسه. وتمامه في الخانية من فصل الغرور من البيوع ا ه. قلت: وعبر في الخانية في الثالثة بالقبض بدل العقد وهو الصواب، فتدبر. قوله: (إلا في ثلاث) زاد في نور العين مسألة رابعة وهي: ما إذا ضمن الغار صفة السلامة، كما إذا قال: اسلك هذا الطريق فإنه آمن وإن أخذ مالك فأنا ضامن فإنه يضمن، كما سيذكره المصنف آخر الكفالة عن الدرر. قوله: (منها هذه) أي مسألة المتن، وهي داخلة تحت الثانية الآتية. قوله: (وضابطها) أي الثلاث المستثناة. قوله: (أن يكون في عقد) صوابه في قبض كما قدمناه عن الخانية، لان مسألة العقد تأتي بعد. تأمل. قوله: (رجع) أي الشخص الذي هو المودع أو المستأجر على الدافع لأنه غره بأنه أودعه أو أجره ملكه. قوله: (لكون القبض لنفسه) أي نفس المستعير أو الموهوب له، فكان هو المنتفع بالقبض دون المعير أو الواهب. قوله: (أن يكون في ضمن عقد معاوضة) من بيع صحيح أو فاسد، وأخرج به عقود التبرعات كالهبة والصدقة، فإن الغرور لا يثبت الرجوع فيها، ط. عن البيري. وكذا أخرج الرهن لأنه عقد وثيقة لا معاوضة كما يأتي. وفي البيري عن المبسوط: إن الغرور في عقد المعاوضات يثبت الرجوع لأن العقد يستحق صفة السلامة من العيب، ولا عيب فوق الاستحقاق، فأما بعقد التبرع فلان الموهوب له لا يستحق الموهوب بصفة السلامة. قوله: (كبايعوا عبدي الخ) أي فيكون ضامنا للدرك فيما يثبت لهم على العبد في عقد المبايعة لحصول التغرير في هذا العقد كما يأتي تقريره، وبه اندفع ما قيل: إن التغرير لم يوجد في ضمن عقد المعاوضة. قوله: (ثم ظهر حرا أو ابن الغير) لف ونشر مرتب. قوله: (إن كان الأب حرا) والأولى ما في بعض نسخ الأشباه إن كان الآذان حرا لشموله للمولى والأب: أي الأب صورة لا حقيقة، وهذا القيد لشئ مقدر في قوله: رجعوا عليه أي في الحال بقرينة قوله: وإلا فبعد العتق. قوله: (وهذا) أي الرجوع شرطه شيئان أن يضيف العبد أو الابن إلى نفسه، وأمرهم بمبايعته فيضمن الأقل من قيمته ومن الدين، كما في البيري عن مختصر المحيط. قوله: (ومنه) أي من التغرير في ضمن عقد المعاوضة. قوله: (اشترني فأنا عبد ارتهني) صوابه: بخلاف ارتهني: أي لو قال العبد اشترني فأنا عبد فاشتراه فإذا هو حر، فإن كان البائع حاضرا أو غائبا غيبة معروفة: أي يدرى مكانه لا يرجع على العبد بما قبضه البائع للتمكن من الرجوع على القابض، وإن كان لا يدرى أين هو رجع المشتري على العبد ورجع العبد على بائعه بما رجع به عليه، وإنما يرجع مع أن البائع لم يأمره بالضمان عنه لأنه أدى دينه وهو مضطر في أدائه، بخلاف من أدى عن آخر دينا بلا أمره والتقييد بقوله: اشترني فأنا عبد، لأنه لو قال: أنا عبد ولم يأمره بالشراء أو قال: اشترني ولم يقل: فأنا عبد لا يرجع عليه بشئ ولو قال:
269 ارتهني فأنا عبد الراهن لم يرجع على العبد، ولو الراهن غائبا في ظاهر الرواية عنهم، وعن أبي يوسف: لا يرجع في البيع والرهن، لان الرجوع بالمعاوضة وهي المبايعة هنا أو بالكفالة ولم يوجدا هنا، بل وجد مجرد الاخبار كاذبا فصار كما لو قال أجنبي لشخص ذلك، ولهما أن المشتري شرع في الشراء معتمدا على أمره وإقراره فكان مغرورا من جهته، والتغرير في المعاوضات التي تقتضي سلامة العوض يحصل سببا للضمان دفعا للغرر بقدر الامكان، فكان بتغريره ضامنا لدرك الثمن له عند تعذر رجوعه على البائع، كالمولى إذا قال لأهل السوق بايعوا عبدي فإني أذنت له ثم ظهر استحقاق العبد فإنهم يرجعون على المولى بقيمة العبد، ويجعل المولى بذلك ضامنا لدرك ما ذاب عليه دفعا للغرور عن الناس، بخلاف الرهن فإنه ليس عقد معاوضة بل عقد وثيقة لاستيفاء عين حقه حتى جاز الرهن ببدل الصرف والمسلم فيه، ولو كان عقد معاوضة كان استبدالا به قبل قبضه وهو حرام، وبخلاف الأجنبي فإنه لا يعبأ بقوله فالرجل هو الذي اغتر ا ه ملخصا من الفتح في أول باب الاستحقاق. قوله: (كما لو زوجه امرأة على أنها حرة) أي بأن كان وليا أو وكيلا عنها، وهذا بخلاف ما إذا أخبره بأنها حرة فتزوجها كما مر في عبارة الأشباه. قوله: (استظهر المصنف لا) حيث قال: ولم أطلع في كلامهم على ما لو مات من ثبت في حقه التغرير، هل ينتقل الحق فيه إلى وارثه حتى يملك الرد كما في خيار العيب أو لا كما في خيار الرؤية والشرط لكن الظاهر عندي الثاني وقواعدهم شاهدة به، فقد صرحوا بأن الحقوق المجردة لا تورث، وأما خيار العيب فإنما يثبت فيه حق الرد للوارث باعتبار أن الوارث ملكه سليما فإذا ظهر فيه على عيب رده، وليس ذلك بطريق الإرث، كما يفيده كلامهم، وتعليلهم عدم ثبوت الخيار للوارث في خيار الرؤية والشرط بأنه ليس إلا مشيئة وإرادة، فلا يتصور انتقاله إلى الوارث، وهكذا عرضته على بعض الأعيان من أصحابنا فارتضاه وأفتى بموجبه ا ه. قلت: ويؤيده ما بحثه في البحر من أن خيار ظهور الخيانة لا يورث مستندا لذلك بما مر أنه لو هلك المبيع لزمه جميع الثمن، وعللوه بأنه مجرد خيار لا يقابله شئ من الثمن كخيار الرؤية والشرط الخ ما قدمناه هناك، وفي مجموعة السائحاني بخطه، وأجاد المصنف بالاستشهاد بخيار الشرط، لان الكل لدفع الخداع، فإذا كان خيار الشرط الملفوظ به لا يورث فكيف غير الملفوظ مع كونه مختلفا فيه ا ه. قوله: (قلت وقدمناه الخ) قدمنا هناك أن ذلك لم يذكره في الدرر بل ذكره المصنف هناك أيضا، وقدمنا أيضا أن الخير الرملي عن العلامة المقدسي أنه قال: والذي أميل إليه أنه مثل خيار العيب: يعني فيورث ا ه وهذا خلاف ما عزاه الشارح إلى حاشية ابن المصنف عن المقدسي، وقدمنا أيضا أن الخير الرملي وافق المقدسي في أنه يورث قياسا على خيار فوات الوصف المرغوب فيه كشراء عبد على أنه خباز، وقال: إنه به أشبه لأنه اشتراه على قول البائع فكان شارطا له افتضاء وصفا مرغوبا فيه فبان بخلافه ا ه وقدمنا هناك ترجيح ما بحثه المصنف من أنه لا يورث كخيار ظهور الخيانة في المرابحة وأنه به
270 أشبه فراجعه فافهم. قوله: (ومال إلى أنه يورث) المراد بالإرث انتقاله إلى الوارث بطريق الخلفية لا بطريق الإرث حقيقة، كما علم مما نقلناه من عبارة المصنف في المنح وحققناه في باب خيار الشرط وعلمت ترجيح ما بحثه المصنف أولا: قوله: (قبيل التاسعة) صوابه قبيل العاشرة. قوله: (ويصير مغرورا) عبارة الأشباه: ثم اعلم أن ملك الوارث بطريق الخلافة عن الميت، فهو قائم مقامه كأنه حي فيرد المبيع بعيب ويرد عليه، ويصير مغرورا بالجارية التي اشتراها الميت الخ. قلت: ومعناه أن الوارث لو استولد الجارية ثم استحقت، فالولد حر بالقيمة لكونه وطئها بناء على أنها ملكه فيرجع بما ضمن على بائع مورثه كما لو استولدها المورث، وأنت خبير بأن هذا لا يدل على أنه يثبت له خيار الرد بالتغرير فيما إذا اشترى مورثه شيئا بغبن فاحش بتغرير البائع، لأنه مجرد خيار لا يقابله شئ من الثمن، بخلاف ثبوت حرية ولده فإنه ليس بخيار فهذا تأييد بما لا يفيد، فافهم. قوله: (وقدمنا) أي قبيل باب خيار الرؤية. قوله: (انتفى الغرر) كما لو اشترى سويقا على أن البائع لته بمن من السمن، وتقابضا والمشتري ينظر إليه فظهر أنه لته بنصف من جاز البيع، ولا خيار للمشتري وهو نظير ما لو اشترى صابونا على أنه متخذ من كذا جرة من الدهن، ثم ظهر أنه اتخذ بأقل من ذلك والمشتري كان ينظر إلى الصابون وقت الشراء جاز البيع من غير خيار. ظهيرية. قلت: وكون ذلك مما يعرف بالعيان غير ظاهر، فليتأمل. وقدمنا تمامه هناك، والله سبحانه أعلم. فصل في التصرف في المبيع والثمن الخ أوردها في فصل على حدة، لأنها ليست في المرابحة، غير أن صحتها لما توقفت على القبض كان لها ارتباط بالتصرف بالبيع قبل القبض والباقي استطراد. نهر. قوله: (صح بيع عقار الخ) أي عندهما. وقال محمد: لا يجوز، وعبر بالصحة دون النفاذ واللزوم، لأنهما موقوفان على نقد الثمن أو رضا البائع، وإلا فللبائع إبطاله: أي إبطال بيع المشتري، وكذا كل تصرف يقبل النقض إذا فعله المشتري قبل القبض، أو بعده بغير إذن البائع فللبائع إبطاله، بخلاف ما لا يقبل النقض كالعتق والتدبير والاستيلاد. بحر. وقوله: أو بعده بغير إذن البائع الجار والمجرور متعلق بالضمير العائد على القبض: أي بعد القبض الواقع بلا إذنه لان قبض المبيع قبل نقد الثمن بلا إذن البائع غير معتبر، لان له استرداده وحبسه إلى قبض الثمن، وقيد بالبيع لأنه لو اشترى عقارا فوهبه قبل القبض من غير البائع يجوز عند الكل كما في البحر عن الخانية: أي لحصول القبض بقبض الموهوب له كما يأتي واحترز به عن الإجارة فإنها لا تصح كما يأتي. قوله: (من بائعه متعلق بقبض لا ببيع، لان بيعه من بائعه قبل قبضه فاسد. كما في المنقول، ويراجع ط. قوله: (لعدم الغرر) أي غرر انفساخ العقد على تقدير
271 الهلاك، وعلله بقوله لندرة هلاك العقار ط. قوله: (حتى لو كان الخ) تفريع على مفهوم قوله: يخشى هلاكه. قوله: (ونحوه) بأن كان في موضع لا يؤمن أن تغلب عليه الرمال ح عن النهر، ومثله في الفتح. قوله: (كان كمنقول) أي بمنزلته من حيث لحوق الغرر بهلاكه. قوله: (ككتابة) قال في الجوهرة: وفي الكتابة يحتمل أن يقال: لا تجوز لأنها عقد مبادلة كالبيع، ويحتمل أن يقال: تجوز لأنها أوسع من البيع جوازا ا ه. لكن قال الزيلعي، ولو كاتب العبد المبيع قبل القبض توقفت كتابته، وكان للبائع حبسه بالثمن، لان الكتابة محتملة للفسخ، فلم تنفذ في حق البائع نظرا له وإن نقد الثمن نفذت لزوال المانع ا ه. قال في البحر: ولا خصوصية لها، بل كل عقد يقبل النقض فهو موقوف كما قدمناه ا ه. وبه علم أن الكتابة تصح لكنها تتوقف فلا يناسب قوله: فلا يصح اتفاقا كما أفاده ح، فكان المناسب إسقاطها قوله: (وإجارة) أي إجارة العقار فإنها لا تصح اتفاقا، وقيل: على الخلاف، والصحيح الأول لان المعقود عليه في الإجارة المنافع، وهلاكها غير نادر وهو الصحيح، كذا في الفوائد الظهيرية، وعليه الفتوى. وكذا في الكافي فتح غيره. قوله: (وبيع منقول) مجرور بالعطف على كتابة وهو في عبارة المصنف مرفوع، والأولى في التعبير أن يقول: حتى لو كان علوا أو على شط نهر أو نحوه أو آجره كان كمنقول، ولا يصح بيع منقول الخ. وفي البحر: ودخل في البيع الإجارة لأنها بيع المنافع: أي وهي في حكم المنقول والصلح لأنه بيع ا ه. أي الصلح عن الدين كما في الفتح، وتعبير النهر بالخلع سبق قلم. ثم قال في البحر: وأراد بالمنقول المبيع المنقول فجاز بيع غيره كالمهر وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد. قوله: (ولو من بائعه) مرتبط بقوله: وبيع منقول ط. قوله: (كما سيجئ) أي قريبا في قول المصنف ولو باعه منه قبله لم يصح ط. قوله: (بخلاف عتقه وتدبيره) يوهم أن فيه خلاف محمد الآتي، وليس كذلك، ففي الجوهرة: وأما الوصية والعتق والتدبير وإقراره بأنها أم ولده يجوز قبل القبض بالاتفاق ا ه. وفي البحر: وأما تزويج الجارية المبيعة قبل قبضها فجائز، لان الغرر لا يمنع جوازه بدليل صحة تزويج الآبق، ولو زوجها قبل القبض ثم فسخ البيع انفسخ النكاح على قول أبي يوسف، وهو المختار كما في الولوالجية. قوله: (غير بائعه) قيد به ليفهم أنه لو كان من بائعه فهو كذلك بالأولى. قوله: (وهو واضح) صرح به الزيلعي وغيره خلافا لأبي يوسف. قوله: (والأصل الخ) قال في الفتح: الأصل أن كل عقد ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض، لم يجز التصرف في ذلك العوض قبل قبضه كالمبيع في البيع والأجرة إذا كانت عينا في الإجارة وبدل الصلح عن الدين إذا كان عينا لا يجوز بيع شئ من ذلك، ولا أن يشرك فيه غيره، وما لا ينفسخ بهلاك العوض فالتصرف فيه قبل القبض جائز كالمهر إذا كان عينا، وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد كل ذلك إذا كان عينا يجوز بيعه وهبته وإجارته قبل قبضه، وسائر التصرفات في قول أبي يوسف، ثم قال محمد: كل تصرف لا يتم إلا بالقبض كالهبة والصدقة والرهن والقرض فهو جائز، لأنه يكون نائبا عنه ثم يصير قابضا لنفسه، كما لو قال: أطعم عن كفارتي جاز، ويكون الفقير نائبا عنه في القبض، ثم قابضا لنفسه ا ه ملخصا.
272 قلت: وحيث مشى المصنف على قول محمد كان ينبغي للشارح ذكر الأصل الثاني أيضا، لأنه يظهر مما ذكرنا أن الأصل غير خاص بقول أبي يوسف، إلا أن الشق الأول الأول منه وهو ما ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض كالبيع والإجارة لا يجوز التصرف قبل القبض في عوضه المعين عند أبي يوسف مطلقا، وأجاز محمد فيه كل تصرف لا يتم إلا بالقبض كالهبة ونحوها، لان الهبة لما كانت لا تتم إلا بالقبض صار الموهوب له نائبا عن الواهب، وهو المشتري الذي وهبه المبيع قبل قبضه، ثم يصير قابضا لنفسه فتتم الهبة بعد القبض، بخلاف التصرف الذي يتم قبل القبض كالبيع مثلا، فإنه لا يجوز لأنه إذا قبضه المشتري الثاني لا يكون قابضا عن الأول لعدم توقف البيع على القبض فيلزم منه تمليك المبيع قبل قبضه، وهو لا يصح، لكن يرد على الأصل المذكور العتق والتدبير بأن أعتق أو دبر المبيع قبل قبضه، فقد علمت جوازه اتفاقا مع أنه يتم قبل القبض، وهو تصرف في عقد ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض فليتأمل. قوله: (فقبله) أي قبل هبته، فإن لم يقبلها بطلت والبيع صحيح على حاله. جوهرة. قوله: (لان الهبة مجاز على الإقالة) يقال: هب لي ديني وأقلني عثرتي، وإنما كان كذلك، لان قبض البائع لا ينوب عن قبض المشتري كما في شرح المجمع. قوله: (بخلاف بيعه) فإنه لا يحتمل المجاز عن الإقالة لأنه ضدها. ط. عن الشلبي. قوله: (مطلقا) أي سواء باعه من بائعه أو من غيره ح. قوله: (قلت الخ) استدراك على قول الجوهرة فإنه باطل. قوله: (ونفي الصحة) أي الواقع في المتن يحتملهما: أي يحتمل البطلان والفساد، والظاهر الثاني لأن علة الفساد الغرر كما مر مع وجود ركني البيع، وكثيرا ما يطلق الباطل على الفاسد، أفاده ط. مطلب في تصرف البائع في المبيع قبل القبض تتمة: جميع ما مر إنما هو من تصرف المشتري في المبيع قبل قبضه، فلو تصرف فيه البائع قبل قبضه، فإما بأمر المشتري أو لا، فلو بأمره كأن أمره أن يهبه من فلان أو يؤجره ففعل وسلم صح وصار المشتري قابضا، وكذا لو أعار البائع أو وهب أو رهن فأجاز المشتري، ولو قال: ادفع الثوب إلى فلان يمسكه إلى أن دفع لك ثمنه فهلك عند فلان لزم البائع، لان إمساك فلان لأجل البائع، ولو أمره بالبيع، فإن قال: بعه لنفسك أو بعه ففعل كان فسخا، وإن قال: بعه لي لا يجوز. وأما تصرفه بلا أمر المشتري كما لو رهن المبيع قبل قبضه، أو آجره أو أودعه فمات المبيع انفسخ بيعه ولا تضمين، لأنه لو ضمنهم رجعوا على البائع ولو أعاره أو وهبه فمات أو أودعه فاستعمله المودع فمات فإن شاء المشتري أمضى البيع، وضمن هؤلاء وإن شاء فسخه، لأنه لو ضمنهم لو يرجعوا على البائع ولو باعه البائع فمات عند المشتري الثاني، فللأول فسخ البيع وله تضمين المشتري الثاني فيرجع بالثمن على البائع إن كان نقده ا ه ملخصا من البحر عن الخانية. وفي جامع الفصولين: شراه ولم يقبضه حتى باعه البائع من آخر بأكثر فأجازه المشتري لم يجز، لأنه بيع ما لم يقبض ا ه. ويظهر منه ومما قبله أنه يبقى على ملك المشتري الأول فله أخذه من الثاني لو قائما، وتضمينه لو كان هالكا، والظاهر أن له أخذ القائم
273 لو كان نقد الثمن لبائعه، وإلا فلا إلا بإذن بائعه، تأمل. قوله: (اشترى مكيلا الخ) قيد بالشراء لأنه لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية جاز التصرف فيه قبل الكيل والمطلق من المبيع ينصرف إل الكامل، وهو الصحيح منه حتى لو باع ما اشتراه فاسدا بعد قبضه مكايلة لم يحتج المشتري الثاني إلى إعادة الكيل. قال أبو يوسف: لان البيع الفاسد يملك بالقبض كالقرض. قوله: (أي كره تحريما) فسر الحرمة بذلك، لان النهي خبر آحاد لا يثبت به الحرمة القطيعة، وهو ما أسنده ابن ماجة عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه (ص) نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري وبقولنا أخد مالك والشافعي وأحمد، وحين علله الفقهاء بأنه من تمام القبض ألحقوا بمنع البيع منع الاكل قبل الكيل والوزن وكل تصرف يبنى على الملك كالهبة والوصية وما أشبههما، ولا خلاف في أن النص محمول على ما إذا وقع البيع مكايلة، فلو اشتراه مجازفة له التصرف فيه قبل الكيل، وإذا باعه مكايلة يحتاج إلى كيل واحد للمشتري. وتمامه في الفتح. قوله: (وقد صرحوا بفساده) صرح محمد في الجامع الصغير بما نصه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة قال: إذا اشتريت شيئا مما يكال أو يوزن أو يعد، فاشتريت ما يكال كيلا وما يوزن وزنا وما يعد فلا تبعه حتى تكيله وتزنه وتعده، فإن بعته قبل أن تفعل وقد قبضته فالبيع فاسد في الكيل والوزن ا ه ط. قلت: وظاهره أن الفاسد هو البيع الثاني وهو بيع المشتري قبل كيله، وأن الأول وقع صحيحا لكنه يحرم عليه التصرف فيه من أكل أو بيع حتى يكيله، فإذا باعه قبل كيله وقع البيع الثاني فاسدا لما مر من أن العلة كون الكيل من تمام القبض، فإذا باعه قبل كيله فكأنه باع قبل القبض، وبيع المنقول قبل قبضه لا يصح، فكانت هذه المسألة من فروع التي قبلها، فلذا أعقبها بها قبل ذكر التصرف في الثمن، والتحقيق أن يقال: إذا ملك زيد طعاما ببيع مجازفة أو بإرث ونحوه، ثم باعه من عمرو مكايلة سقط هنا صاع البائع، لان ملكه الأول لا يتوقف على الكيل، وبقي الاحتياج إلى كيل للمشتري فقط فلا يصح بيعه من عمرو بلا كيل، فهنا فسد البيع الثاني فقط، ثم إذا باعه عمرو من بكر لا بد من كيل آخر لبكر، فهنا فسد البيع الأول والثاني لوجود العلة في كل منهما. قوله: (كما بسطه الكمال) حيث قال: ونص في الجامع الصغير على أنه لو أكله، وقد قبضه بلا كيل لا يقال إنه أكل حراما، لأنه أكل ملك نفسه، إلا أنه آثم لتركه ما أمر به من الكيل، فكان هذا الكلام أصلا في سائر المبيعات بيعا فاسدا إذا قبضها فملكها ثم أكلها، وتقدم أنه لا يحل أكل ما اشتراه شراء فاسدا، وهذا يبين أن ليس كل ما لا يحل أكله أن يقال فيه أكل حراما ا ه ما في الفتح. وحاصله: أنه إذا حرم الفعل وهو الاكل لا يلزم منه أن يكون أكل حراما، لأنه قد يكون المأكول حراما كالميتة وملك الغير، وقد لا يكون حراما كما هنا، وكالمشري فاسدا بعد قبضه لأنه ملكه، ومثله ما لو دخل دار الحرب بأمان وسرق منهم شيئا وأخرجه إلى دارنا ملكه خبيثا ويجب عليه رده عليهم، وكذا لو غصب شيئا واستهلكه بخلط ونحوه حتى ملكه ولم يؤد ضمانه يحرم عليه التصرف فيه بأكل ونحوه وإن كان ملكه. قوله: (والمعدود) أي الذي لا تتفاوت آحاده كالجوز والبيض. فتح. وعن الامام أنه يجوز في المعدود قبل العد، وهو قولهما، كذا في السراج، والأول هو
274 أظهر الروايتين عن الامام كما في الفتح. نهر. قوله: (لاحتمال الزيادة) علة لقوله: حرم أو لقوله: وقد صرحوا بفساده قال في الهداية بعد تعليله بالنهي المار: ولأنه يحتمل أن يزيد على المشروط، وذلك للبائع، والتصرف في مال الغير حرام فيجب التحرز عنه. قال في الفتح: وإذا عرف أن سبب النهي أمر يرجع إلى المبيع كل البيع فاسدا، ونص على الفساد في الجامع الصغير ا ه. قوله: (بخلافه مجازفة) محترز قوله بشرط الكيل: وقوله بشرط الوزن والعد أي لو اشتراه مجازفة له أن يتصرف فيه قبل الكيل والوزن، لان كل المشار إليه له: أي الأصل، والزيادة: أي الزيادة على ما كان يظنه بأن ابتاع صبرة على ظن أنها عشرة فظهرت خمسة عشر وتمامه في العناية، ومثل الشراء مجازفة ما لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية كما مر أو بزراعة أو استقرض حنطة على أنها كر لان الاستقراض وإن كان تمليكا بعوض كالشراء لكنه شراء صورة عارية حكما، لان ما يرده عين المقبوض حكما فكان تمليكه بلا عوض حكما كما في الفتح، ولو باع أحد هؤلاء مكايلة فلا بد من كيل المشتري وإن سقط كيل البائع كما قدمنا. وفي الفتح: ولو اشتراها مكايلة ثم باعها مجازفة قبل الكيل وبعد القبض لا يجوز في ظاهر الرواية، لاحتمال اختلاط ملك البائع بملك بائعه. وفي نوادر ابن سماعة: يجوز ا ه. وبه ظهر أن قوله: بخلافه مجازفة مقيد بما إذا لم يكن البائع اشترى مكايلة. قوله: (لجواز التصرف فيهما بعد القبض قبل الوزن) كذا في البحر عن الايضاح، والظاهر أن هذا مفروض فيما إذا كان في عقد صرف أو سلم، وإلا فالدراهم والدنانير ثمن، ويأتي أنه يجوز التصرف في الثمن قبل قبضه. قوله: (كبيع التعاطي الخ) عبارة البحر: وهذا كله في غير بيع التعاطي، أما هو فقال في القنية: ولا يحتاج الخ، وظاهر قوله وهذا كله، لأنه لا يتقيد بالموزونات بل التعاطي في المكيلات والمعدودات كذلك، وهو مفاد التعليل أيضا بأنه صار بيعا بعد القبض، فإنه لا يخص الموزونات، لكن فيه أن مقتضى هذا أنه لا يصير بيعا قبل القبض ولعله مبني على القول بأنه لا بد فيه من القبض من الجانبين، والأصح خلافه، وعليه فلو دفع الثمن ولم يقبض صح، وقدمنا في أول البيوع عن القنية دفع إلى بائع الحنطة خمسة دنانير ليأخذ منه حنطة وقال له بكم تبيعها فقال مائة بدينار فسكت المشتري ثم طلب منه الحنطة ليأخذها فقال البائع: غدا أدفع لك ولم يجر بينهما بيع، وذهب المشتري فجاء غدا ليأخذ وقد تغير السعر فعلى البائع أن يدفعها بالسعر الأول ا ه. وتمامه هناك فتأمل. قوله: (وكفى كيله من البائع بحضرته) قال في الخانية: لو اشترى كيليا مكايلة أو موزونا موازنة، فكال البائع بحضرة المشتري قال الإمام ابن الفضل يكفيه كيل البائع، ويجوز له أن يتصرف فيه قبل أن يكيله ه. قلت: وأفاد أن الشرط مجرد الحضرة لا الرؤية، لما في القنية: يشتري من الخباز خبزا كذا منا فيزنه وكفة سنجات ميزانه في دربنده، فلا يراه المشتري أو من البائع كذا منا فيزنه في حانوته، ثم يخرجه إليه موزونا لا يجب عليه إعادة الوزن، وكذا إذا لم يعرف عدد سنجاته ا ه. قوله: (لا قبله أصلا الخ) أي لو كاله البائع قبل المبيع لا يكفي أصلا: أي ولو بحضرة المشتري، وكذا لو كاله بعد البيع بغيبة المشتري لما علمت من أن الكيل من تمام التسليم ولا تسليم مع الغيبة. قوله: (فلو كيل الخ)
275 تفريع على قوله: لا قبله أصلا لان قوله لعدم كيل الأول مبني على عدم اعتبار الكيل الواقع بحضرته قبل شرائه، ثم إن عبارة الفتح هكذا: ومن هنا ينشأ فرع وهو ما لو كيل طعام بحضرة رجل ثم اشتراه في المجلس، ثم باعه مكايلة قبل أن يكتاله بعد شرائه لا يجوز هذا البيع سواء اكتاله للمشتري منه أو لا، لأنه لما لم يكتل بعد شرائه هو لم يكن قابضا فبيعه بيع ما لم يقبض فلا يجوز ا ه. ومثله في البحر والمنح، فقوله: سواء اكتاله للمشتري منه أو لا الخ صريح في أن فاعل اكتاله هو المشتري الأول الذي كيل الطعام بحضرته، ثم اشتراه ثم باعه. وقول الشارح: وإن اكتاله الثاني صريح في أن فاعل اكتاله هو المشتري الثاني. وعبارة الفتح أحسن لإفادتها أن هذا الكيل الواقع من المشتري الأول للمشتري الثاني لا يكفيه عن كيل نفسه لوقوعه بعد بيعه للثاني، فكان بيعا قبل القبض لعدم اعتبار الكيل الواقع أولا بحضرته قبل شرائه. وأما على عبارة الشارح فلا شبهه في عدم الجواز، ثم إن ما أفاده كلام الفتح من أن كيله للمشتري منه لا يكفي عن كيل نفسه ظاهر للتعليل الذي ذكره، لكنه مخالف لما شرح به كلام الهداية أولا حيث قال: وإن كاله بعد العقد بحضرة المشتري مرة كفاه ذلك، حتى يحل للمشتري التصرف فيه قبل كيله، وعند البعض لا بد من الكيل مرتين ا ه ملخصا. فإن قوله كفاه: أي كفى البائع وهو المشتري الأول يفيد أنه يكفيه ذلك عن الكيل لنفسه، ولعل الشارح لأجل ذلك جعل فاعل اكتاله المشتري الثاني، لكن الظاهر عدم الاكتفاء بذلك الكيل، وإن وقع من المشتري الأول بعد البيع لما ذكره من التعليل، والله سبحانه أعلم. قوله: (ولو كان المكيل أو الموزون ثمنا) أي بأن اشترى عبدا مثلا بكر بر أو برطل زيت، ثم لا يخفى أن هذه المسألة من أفراد قوله الآتي: وجاز التصرف في الثمن قبل قبضه، وقد تبع المصنف شيخه في ذكرها هنا. قوله: (فقبل الكيل أولى) لان الكيل من تمام القبض كما مر. قوله: (وإن اشتراه بشرطه) أي وإن اشترى المذروع شرط الذرع. قوله: (في حرمة ما ذكر) أي من البيع ولا يصح إرادة الاكل هنا، وفي حكم البيع كل تصرف ينبني على الملك ط. قوله: (والأصل ما مر مرارا الخ) منها ما قدمه أول البيع عند قوله: وإن باع صبرة الخ وقدمنا هناك وجه الفرق بين كون الذرع في القيميات وصفا وكون القدر بالكيل أو الوزن في المثليات أصلا وهو كون التشقيص يضر الأول دون الثاني الخ. وذكر في الذخيرة الفرق بأن الذراع عبارة عن الزيادة أو النقصان في الطول والعرض، وذلك وصف. قوله: (فيكون كله للمشتري) قال في الفتح: فلو اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع جاز أن يبيعه قبل الذرع، لأنه لو زاد كان للمشتري ولو نقص كان له الخيار، فإذا باعه بلا ذرع كان مسقطا خياره على تقدير النقص وله ذلك ا ه. قوله: (إلا إذا كان مقصودا) بأن أفرد لكل ذراع ثمنا، لأنه بذلك التحق بالقدر في حق ازدياد الثمن، فصار المبيع في هذه الحالة هو الثوب المقدر، وذلك يظهر بالذرع والقدر معقود في المقدرات حتى يجب رد الزيادة فيما لا يضره التبعيض، ويلزمه الزيادة من الثمن فيما يضره وينقص من ثمنه عند انتقاصه ا ه ط عن الزيلعي. قوله: (واستثنى ابن الكمال) أي بحثا، وما يضره التبعيض كمصوغ فيجوز التصرف فيه قبل وزنه ولو اشتراه بشرطه.
276 والأولى للشارح ذكر هذا عند قول المصنف: ومثله الموزون ط. وعبارة ابن الكمال هي قوله بعد ذكر الأصل المار: ولا يخفى أن موجب هذا التعليل أن يستثنى ما يضره التبعيض من جنس الموزون، لان الوزن فيه وصف على ما مر ا ه. مطلب في بيان الثمن والمبيع والدين قوله: (وجاز التصرف في الثمن الخ) الثمن: ما يثبت في الذمة دينا عند المقابلة، وهو النقدان والمثليات إذا كانت معينة، وقوبلت بالأعيان أو غير معينة وصحبها حرف الباء: وأما المبيع: فهو القيميات والمثليات إذا قوبلت بنقد أو بعين: وهي غير معينة مثل اشتريت كر بر بهذا العبد. هذا حاصل ما في الشرنبلالية عن الفتح، وسيذكره المصنف في آخر الصرف. قوله: (أو غيرهما) كإجارة ووصية. منح. قوله: (أي مشارا إليه) هذا التفسير لم يذكره ابن ملك، بل زاده الشارح، والمراد بالمشار إليه ما يقبل الإشارة فيوافق تفسير بعضهم له بالحاضر. وذكر ح أنه يشمل القيمي والمثلي غير النقدين، واعترضه ط بأنه لا وجه له، لان الباعث للشرح على هذا التفسير إدخال النقدين، لأنه يتوهم من العين العرض ليقابل قوله: ولو دينا. قلت: أنت خبير بأن دخول القيمي هنا لا وجه له أصلا، لان الكلام في الثمن، وهو ما يثبت دينا في الذمة والقيمي مبيع لا ثمن، وإنما مراد الشارح بيان أن الثمن قسمان، لأنه تارة يكون حاضرا، كما لو اشترى عبدا بهذا الكر من البر أو بهذه الدراهم، فهذا يجوز التصرف فيه قبل قبضه بهبة وغيرها من المشتري وغيره وتارة يكون دينا في الذمة كما لو اشترى العبد بكر بر أو عشرة دراهم في الذمة، فهذا يجوز التصرف فيه بتمليكه من المشتري فقط، لأنه تمليك الدين، ولا يصح إلا ممن هو عليه، ثم لا يخفى أن الدين قد لا يكون ثمنا، فقد ظهر أن بينهما عموما وخصوصا من وجه، لاجتماعهما في الشراء بدراهم في الذمة، وانفرد الثمن بالشراء بعبد، وانفاد الدين في التزوج أو الطلاق على دراهم في الذمة قوله: (فالتصرف فيه تمليك ممن عليه الدين) في بعض النسخ تمليكه وهي الموافقة لقول ابن ملك: فالتصرف فيه هو تمليكه الخ: أي إن التصرف فيه الجائز هو كذا، قوله: (قوله ولو بعوض) كأن اشترى البائع من المشتري شيئا بالثمن الذي له عليه أو استأجر به عبدا أو دارا للمشتري، ومثال التمليك بغير عوض هبته ووصيته له. نهر. فإذا وهب منه الثمن ملكه بمجرد الهبة لعدم احتياجه إلى القبض، وكذا الصدقة ط. عن أبي السعود. قوله: (ولا يجوز من غيره) أي لا يجوز تمليك الدين من غير من عليه الدين، إلا إذا سلطه عليه، واستثنى في الأشباه من ذلك ثلاث صور. الأولى: إذا سلطه على قبضه، فيكون وكيلا قابضا للموكل ثم لنفسه. الثانية: الحوالة. الثالثة: الوصية. قوله: (كمكيل) فإنه إذا اشترى العبد بهذا الكر من البر تعين ذلك الكر، فلا يجوز له دفع كر غيره. مطلب فيما تتعين فيه النقود وما لا تتعين قوله: (كنقود) فإذا اشترى بهذا الدرهم له دفع غيره وعدم تعين النقد ليس على إطلاقه، بل ذلك في المعاوضات وفي العقد الفاسد على إحدى الروايتين، وفي المهر: ولو بعد الطلاق قبل الدخول، وفي النذر والأمانات والهبة والصدقة والشركة والمضاربة والغضب والوكالة قبل التسليم أو
277 بعده، ويتعين في الصرف بعد هلاكه وبعد هلاك المبيع، وفي الدين المشترك فيؤمر برد نصف ما قبض على شريكه، وفيما إذا تبين بطلان القضاء بأن أقر بعد الاخذ أنه لم يكن له على خصمه شئ فيرد عين ما قبض لو قائما. وتمامه في الأشباه في أحكام النقد، وقدمنا في أواخر البيع الفاسد. قوله: (فلو باع الخ) تفريع على قول المصنف: وجاز التصرف في الثمن الخ. مطلب في تعريف الكر قوله: (أو بكر بر) الكر كيل معروف، وهو ستون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف. مصباح. قوله: (جاز أخذ بدلهما شيئا آخر) لكن بشرط أن لا يكون افتراقا بدين كما يأتي في القرض. قوله: (وكذا الحكم في كل دين) أي يجوز التصرف فيه قبل قبضه، لكن بشرط أن يكون تمليكا ممن عليه بعوض أو بدونه كما علمت، ولما كان الثمن أخص من الدين من وجه كما قررناه بين أن ما عداه من الدين مثله. قوله: (كمهر الخ) وكذا القرض. قال في الجوهرة: وقد قال الطحاوي: إن القرض لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه وهو ليس بصحيح ا ه. قوله: (وضمان متلف) أي ضمانه بالمثل لو مثليا وإلا فبالقيمة، فافهم. قوله: (بمال) قيد لخلع وعتق، لأنهما بدون مال لا يكون لهما بدل، فافهم. قوله: (وموروث وموصى به) قال الكمال: وأما الميراث فالتصرف فيه جائز قبل القبض، لان الوارث يخلف المورث في الملك وكان للميت ذلك التصرف، فكذا للوارث وكذا الموصى له، لان الوصية أخت الميراث ا ه. ومثله للاتقاني، وهذا كالصريح في جواز تصرف الوارث في الموروث وإن كان عينا ط. قوله: (سوى صرف وسلم) سيأتي في باب السلم قوله: ولا يجوز التصرف للمسلم إليه في رأس المال، ولا لرب السلم في المسلم قبل قبضه بنحو بيع وشركة ولو ممن عليه ولا شراء المسلم إليه برأس المال بعد الإقالة قبل قبضه بحكم الإقالة، بخلاف بدل الصرف حيث يجوز الاستبدال عنه، لكن بشرط قبضه في مجلس الإقالة لجواز تصرفه فيه، بخلاف السلم ا ه، وسيأتي بيانه ومرت مسألة الإقالة في بابها. قوله: (فلا يجوز أخذ خلاف جنسه) الأولى أن يقول: فلا يجوز التصرف فيه ط. قوله: (لفوات شرطه) وهو القبض في بدلي الصرف ورأس مال السلم قبل الافتراق. قوله: (وصح الزيادة فيه) قال في البحر: لو عبر باللزوم بدل الصحة لكان أولى، لأنها لازمة حتى لو ندم المشتري بعد ما زاد يجبر إذا امتنع كما في الخلاصة ا ه. قوله: (في المجلس) أي مجلس العقد أو بعده. قوله: (أو من أجنبي) فإن زاد بأمر المشتري تجب على المشتري لا على الأجنبي كالصلح، وإن بغير أمره، فإن أجاز المشتري لزمته وإن لم يجز بطلت، ولو كان حين زاد ضمن عن المشتري أو أضافها إلى مال نفسه لزمته الزيادة، ثم إن كان بأمر المشتري رجع، وإلا فلا. بحر عن الخلاصة. قوله: (في غير صرف) يوهم أن الزيادة فيه لا تصح، مع أنها تصح وتفسده كما يذكره قريبا، كأنه حمل الصحة على الجواز والحمل، أو أراد من عدم الصحة في الصرف فساده. قوله: (في المجلس) أي مجلس الزيادة. قوله: (لو ندم الخ)
278 أشار إلى أن الزيادة لازمه كما مر. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية كما في الهداية، وفي رواية الحسن أنها تصح بعد هلاك المبيع كما يصح الحط بعد هلاكه. قوله: (بأن باعه ثم شراه) من صور الهلاك حكما، لان تبدل الملك كتبدل العين، ولذا يمتنع بذلك رده بالعيب والرجوع في الهبة، وأفاد أنه إذا لم يشتره فكذلك بالأولى. قوله: (وكونه) المبيع محلا للمقابلة: أي لمقابلة زيادة الثمن ط. قال ح: ولا حاجة إليه مع قول الشارح: ولو حكما كما لا يخفى. قوله: (حقيقة) احتراز عما إذا خرج عن المحلية بأن هلك حقيقة كموت الشاة، أو حكما كالتدبير والكتابة. قوله: (فلو باع الخ) تفريع على قوله: فلا تصح بعد هلاكه وكذا لو وهب وسلم أو طبخ اللحم أو طحن أو نسج الغزل أن تحمر العصير أو أسلم مشتري الخمر ذميا لا تصح الزيادة لفوات محل العقد، إذ العقد لم يرد على المطحون والمنسوج، ولهذا يصير الغاصب أحق بهما إذا فعل بالمغصوب ذلك، وكذا الزيادة في المهر شرطها بقاء الزوجية، فلو زاد بعد موتها لا يصح ا ه فتح. وروى الحسن في غير رواية الأصول أنها تصح بعد هلاك المبيع، وعلى هذه الرواية تصح الزيادة في المهر بعد الموت. نهر. قلت: وهذه خلاف ظاهر الرواية كما نبه عليه في الجوهرة وغيرها، والعجب من الزيلعي حيث ذكر أن الزيادة لا تصح بعد هلاك المبيع في ظاهر الرواية، وأنها تصح في رواية النوادر. ثم ذكر أن الهلاك الحكمي ملحق بالحقيقي، ثم قال: ولو أعتق المبيع أو كاتبه أو دبره أو استولد الأمة أو تخمر العصير أو أخرجه عن ملكه ثم زاد عليه جاز عند أبي حنيفة خلافا لهما، وعلى هذا الخلاف الزيادة في مهر المرأة بعد موتها ا ه. فليتأمل. قوله: (بخلاف ما لو أجر) وكذا لو خاط الثوب أو قطعت يد العبد وأخذ المشتري الأرش. فتح. قوله: (لقيام الاسم والصورة) أي في غير جعل الحديد سيفا فإن الصورة تبدلت فيه ط. قوله: (وصح الحط منه) أي من الثمن، وكذا رأس مال السلم والمسلم فيه كما هو صريح كلامهم. رملي على المنح. قوله: (وقبض الثمن) بالجر عطفا على هلاك، وسيأتي بيان الحط بعد قبض الثمن عند قوله: ويصح الحط من المبيع الخ. قوله: يلتحقان بأصل العقد هذا لو الحط من غير الوكيل، ففي شفعة الخانية: الوكيل بالبيع إذا باع الدار بألف ثم حط عن المشتري مائة صح وضمن المائة للآمر، وبرئ المشتري عنها ويأخذ الشفيع الدار بألف، لان حط الوكيل لا يلتحق بأصل العقد. قوله: (بالاستناد) وهو أن يثبت أولا في الحال، ثم يستند إلى وقت العقد، ولهذا لا تثبت الزيادة في صورة الهلاك كما مر، لان ثبوته في الحال متعذر لانتفاء المحل فتعذر استناده، كالبيع الموقوف لا ينبرم بالإجازة بعد هلاك المبيع وقتها كما في الفتح. قوله: (فبطل حط الكل) أي بطل التحاقه مع صحة العقد، وسقوط الثمن عن المشتري خلافا لما توهمه بعضهم من أن البيع يفسد أخذا من تعليل الزيلعي بقوله: لان الالتحاق فيه يؤدي إلى تبديله، لأنه ينقلب هبة أو بيعا بلا ثمن فيفسد، وقد كان من قصدهما التجارة بعقد مشروع من كل وجه، فالالتحاق فيه يؤدي إلى تبديله فلا يلتحق به ا ه فقوله: فلا يلتحق صريح في أن الكلام في الالتحاق، وأن قوله فيفسد مفرع على الالتحاق كما
279 صرح به في شرح الهداية. وقال في الذخيرة: إذا حط كل الثمن أو وهب أو أبرأ عنه، فإن كان قبل قبضه صح الكل، ولا يلتحق بأصل العقد، وفي البدائع من الشفعة: ولو حط جميع الثمن يأخذ الشفيع بجميع الثمن ولا يسقط عنه شئ، لان حط كل الثمن لا يلتحق بأصل العقد، لأنه لو التحق لبطل البيع لأنه يكون بيعا بلا ثمن، فلم يصح الحط في حق الشفيع وصح في حق المشتري وكان إبراء له عن الثمن ا ه. زاد في المحيط: لأنه لاقى دينا قائما في ذمته. وتمامه في فتاوى العلامة قاسم. قوله: (وأثر الالتحاق الخ) لا يخفى أن الزيادة تجب على المشتري، والمحطوط يسقط عنه، لكن لما كان ذلك بين المتعاقدين ربما يتوهم أنه لا يتعدى إلى غير ذلك العقد فنبه على أن أثر ذلك يظهر في مواضع. قوله: (في تولية ومرابحة) فيولي ويرابح على الكل في الزيادة وعلى الباقي بعد المحطوط. بحر. قوله: (وشفعة) فيأخذ الشفيع بما بقي في الحط دون الزيادة كما يأتي. قوله: (واستحقاق) فيرجع المشتري على البائع بالكل، ولو أجاز المستحق البيع أخذ الكل. بحر.: أي كل الثمن والزيادة. قوله: (وهلاك) حتى لو هلكت الزيادة قبل القبض تسقط حصتها من الثمن، بخلاف الزيادة المتولدة من المبيع حيث لا يسقط شئ من الثمن بهلاكها قبل القبض. زيلعي. قلت: ولا يخفى عليك أن في الزيادة في المبيع والكلام في الزيادة في الثمن فلا يناسب ذكر هذا هنا، فافهم. قوله: (وحبس مبيع) فله حبسه حتى يقبض الزيادة، قوله: (وفساد صرف) فلو باع الدراهم بدراهم متساوية ثم زاد أحدهما أو حط وقبل الآخر وقبض الزائد في الزيادة أو المردود في الحط فسد العقد، كأنهما عقداه كذلك من الابتداء عند أبي حنيفة، زيلعي. ويأتي تمام الكلام عليه أول باب الربا، وزاد الزيلعي: مما ظهر فيه أثر الالتحاق ما إذا زوج أمته ثم أعتقها، ثم زاد الزوج على مهرها بعد العتق تكون الزيادة للمولى المهر. وفي النهر: وتظهر فيما لو وجد بالثياب المباعة عيبا رجع بحصته من الثمن مع الزيادة، وفيما إذا زاد في الثمن ما لا يجوز الشراء به، وفي المبيع ما لا يجوز بيعه فقبل فسد العقد، كذا في السراج ا ه. وتمامه فيه. وكأن الشارح لم يذكر هذه الثلاثة لان كلامه في الثمن. تأمل. قوله: (الحط فقط) لان في الزيادة إبطال حق الشفيع الثابت قبلها فلا يملكانه فله أن يأخذ بدون الزيادة. قوله: (إن في غير سلم) قال الزيلعي: ولا تجوز الزيادة في المسلم فيه لأنه معدوم حقيقة، وإنما جعل موجودا في الذمة لحاجة المسلم إليه، والزيادة في المسلم فيه لا تدفع حاجته بل تزيد في حاجته فلا تجوز ا ه ح. ودل كلام السراج على جواز الحط منه. رملي. قوله: (وقبل المشتري) أي في مجلس الزيادة كما يفيده ما مر في الزيادة في الثمن. قوله: (أيضا) أي كما تلتحق الزيادة في الثمن ط. قوله: (فلو هلكت الزيادة الخ) هذا ما قدمه الشارح في قوله: وهلاك. قوله: (وكذا لو زاد) أي المشتري ط. قوله: (انفسخ العقد بقدره) فلو اشترى بمائة وتقابضا ثم زاد المشتري عرضا قيمته خمسون وهلك العرض قبل التسليم ينفسخ العقد في ثلثه. بحر عن القنية. ووجه الانفساخ أن العرض مبيع وإن جعل ثمنا، وهلاك المبيع
280 قبل القبض يوجب الانفساخ، فافهم. قوله: (فتصح بعد هلاكه) لأنها تثبت بمقابلة الثمن وهو قائم. بحر عن الخلاصة. قوله: (بخلافه في الثمن) الأولى بخلافها ط. قوله: (كما مر) أي في قوله: وكان المبيع قائما أي لأن المبيع بعد هلاكه لم يبق على حالة يصح الاعتياض عنه، بخلاف الحط من الثمن لأنه بحال يمكن إخراج البدل عما يقابله فيلتحق بأصل العقد استنادا. بحر. قوله: (فيرجع) أي المشتري على البائع. قوله: (لا في براءة الاستيفاء) لان براءة الاسقاط تسقط الدين عن الذمة، بخلاف براءة الاستيفاء مثال الأولى: أسقطت وحططت وأبرأت براءة إسقاط ومثال الثانية: أبرأتك براءة استيفاء أو قبض أو أبرأتك عن الاستيفاء ا ه ح. مطلب في بيان براءة الاستيفاء وبراءة الاسقاط وحاصله: أن براءة الاستيفاء عبارة عن الاقرار بأنه استوفى حقه وقبضه. قوله: (اتفاقا) يرجع إليهما ط. قوله: (ولو أطلقها) كما لو قال: أبرأتك ولم يقيد بشئ ا ه ح. قوله: (وأما الابراء المضاف إلى الثمن الخ) تابع صاحب البحر حيث ذكر أولا صحة المبيع لو دينا لا عينا وعلله بما مر، ثم ذكر حط الثمن وهبته وإبراءه. وحاصل ما ذكره في البحر عن الذخيرة: أنه لو وهبه بعض الثمن أو أبرأه عنه قبل القبض فهو حط، وإن حط البعض أو وهبه بعد القبض صح، ووجب عليه للمشتري مثل ذلك، ولو أبرأه عن البعض بعده لا يصح، والفرق أن الدين باق في ذمة المشتري بعد القضاء، لأنه لا يقضي عين الواجب بل مثله، إلا أن المشتري لا يطالب به لان له مثله على البائع بالقضاء فلا تفيد المطالبة، فقد صادفت الهبة والحط دينا قائما في ذمة المشتري، وإنما لم يصح الابراء لأنه نوعان: براءة قبض، واستيفاء، وبراءة إسقاط، فإذا أطلقت تحمل على الأول لأنه أقل فكأنه قال: أبرأتك براءة قبض واستيفاء، وفيه لا يرجع، ولو قال براءة إسقاط صح ورجع على البائع، أما الهبة والحط فإسقاط فقط، وإذا وهبه كل الدين أو حط أو أبرأه منه فهو على ما ذكرنا، هذا ما ذكره شيخ الاسلام. وذكر السرخسي أن الابراء المضاف إلى الثمن بعد الاستيفاء صحيح، حتى يجب على البائع رد ما قبض، وسوى بين الابراء والهبة والحط، فيتأمل عند الفتوى ا ه. هذا حاصل ما في البحر عن الذخيرة. قال في النهر: وعرف من هذا أنه لا خلاف في رجوع الدافع بما أداه إذا أبرأه براءة إسقاط وفي عدم ورجوعه إذا أبرأه براءة استيفاء، وأن الخلاف مع الاطلاق، وعلى هذا تفرع ما لو علق طلاقها بإبرائها عن المهر ثم دفعه لها لا يبطل التعليق، فإذا أبرأته براءة إسقاط وقع ورجع عليها، كذا في الأشباه ا ه. قلت: والظاهر أن المبيع الدين مثل الثمن فيما ذكر، فكان الأولى للشارح أن يقول بعد قوله: بخلاف الدين وكذا الثمن لو حط بعضه أو وهبه، أو أبرأ عنه قبل القبض وكذا بعده فيرجع المشتري بما دفع. لكن لو البراءة براءة إسقاط لا براءة استيفاء اتفاقا، ولو أطلقها فقولان، فيتأمل عند الفتوى
281 الخ، فافهم. قوله: (وهو المناسب للاطلاق) أي الرجوع هو المناسب لاطلاق البراءة، لكن الظاهر ما قاله شيخ الاسلام من حملها عند الاطلاق على براءة القبض والاستيفاء لأنه أقل كما مر، لان حملها على معنى الاسقاط يوجب الرجوع عليه بما أخذ وهذا أكثر. قوله: (لا يثبت بالشك) (1) ولان وقوع الابراء بعد القبض قرينة على أن المراد به براءة القبض، إلا أن يظهر بقرينة حالية إرادة ومعنى الاسقاط، وعن هذا والله تعالى أعلم قال: فيتأمل عند الفتوى: أي يتأمل المفتي وينظر ما يقتضيه المقام في الحادثة المسؤول عنها فيفتي به، والله سبحانه أعلم. قوله: (للحوق الحط بأصل العقد) كأنه باعه ابتداء بالقدر الباقي بعد الحط ط: أي بخلاف الهبة فكان شرطا لا يقتضيه العقد وفيه نفع لأحدهما. قوله: (والاستحقاق الخ) المارد به هنا طلب الحق أو ثبوت الحق، وقوله: لبائع متعلق به، ومعناه في البائع أن له حق حبس المبيع حتى يقبض الثمن وما زيد فيه، ومعناه في المشتري أنه لو استحق منه المبيع رجع على بائعه بالثمن، وما زيد فيه كما تقدم، وكذا لو رده بعيب ونحوه كما يأتي، ومعناه في الشفيع أنه لو زاد البائع في العقار المبيع، فإن الشفيع يأخذ الكل، وعليه فالمراد بالزيادة أعم من أن تكون في الثمن أو في المبيع. قوله: (فلو رد الخ) تفريع على قوله: أو مشتر أي إذا رد المشتري المبيع بخيار عيب أو نحوه من خيار شرط أو رؤية رجع على بائعه بالكل: أي بالثمن وما زيد فيه، وفي الجوهرة: إذا اشترى عشرة أثواب بمائة فزاده البائع بعد العقد ثوبا آخر ثم اطلع المشتري على عيب في أحد الثياب: إن كان قبل القبض فالمشتري بالخيار: إن شاء فسخ البيع في جميعها، وإن شاء رضي بها، وإن كان بعد القبض فله رد المعيب بحصته وإن كانت الزيادة هي المعيبة ا ه. مطلب في تأجيل الدين قوله: (ولزم تأجيل كل دين) الدين: ما وجب في الذمة بعقد أو استهلاك، وما صار في ذمته دينا باستقراضه فهو أعم من القرض، كذا في الكفاية. ويأتي في أول الفصل تعريف القرض، وأطلق التأجيل فشمل ما لو كان الاجل معلوما أو مجهولا، لكن إن كانت الجهالة متقاربة كالحصاد والدياس يصح، لا إن كانت متفاحشة كهبوب الريح كما في الهداية وغيرها، ومر في باب البيع الفاسد أن الجهالة اليسيرة متحملة في الدين بمنزلة الكفالة. قوله: (إن قبل المديون) فلو لم يقبله بطل التأجيل فيكون حالا. ذكره الأسبيجابي. ويصح تعليق التأجيل بالشرط، فلو قال لمن عليه ألف حالة إن دفعت إلي غدا خمسمائة فالخمسمائة الأخرى مؤخرة عنك إلى سنة فهو جائز، كذا في الذخيرة. وفي الخانية: لو قال المديون: أبطلت الاجل أو تركته صار حالا، بخلاف برئت من الاجل أو لا حاجة لي فيه، وإذا قضاه قبل الحلول فاستحق المقبوض من القابض أو وجده زيوفا فرده أو وجد بالمبيع عيبا فرده بقضاء عاد الاجل، لا لو اشترى من مديونه شيئا بالدين وقبضه ثم تقايلا البيع، ولو كان بهذا الدين المؤجل كفيل لا تعود الكفالة في الوجهين ا ه. بحر. وقوله: في الوجهين: أي في الإقالة، وفي الرد بعيب
(1) قوله: (لا يثبت بالشك) هكذا بخطه، وليست هذه العبارة موجودة في نسخ الشارح التي بيدي فليحرر ا ه. مصححه. 282 بقضاء، وقدمنا في الإقالة أن عدم عود الكفاية في الرد بعيب فيه خلاف، فراجعه. قوله: (إلا في سبع) وهي في الحقيقة ست، فإن مسألتي الإقالة واحدة. قوله: (بدلي صرف وسلم) لاشتراط القبض لبدلي الصرف في المجلس واشتراطه في رأس مال السلم، وهو المراد ببدله هنا، أما المسلم فيه فشرطه التأجيل ط. قوله: (وثمن عند إقالة وبعدها) في القنية: أجل المشتري البائع سنة عند الإقالة صحت الإقالة وبطل الاجل، ولو تقايلا ثم أجله ينبغي أن لا يصح الاجل عند أبي حنيفة، فإن الشرط اللاحق بعد العقد ملتحق بأصل العقد عنده ا ه. بحر وتقدمت المسألة في باب الإقالة، وكتبنا هناك أنا قدمنا في البيع الفاسد تصحيح عدم التحاق الشرط الفاسد، وعليه فيصح التأجيل بعدها، ويؤيده ما نقله بعضهم عن سلم الجوهرة من أنه يجوز تأجيل رأس مال السلم بعد الإقالة، لأنه دين لا يجب قبضه في المجلس كسائر الديون ا ه. ثم رأيت العلامة البيري قال: إن قوله الشرط اللاحق ملتحق بأصل العقد ساقط، لان التأجيل وقع بعد العقد لا على وجه الشرط، بل على وجه التبرع كما في سائر الديون، ويؤيده أنه نقل جواز تأخير الثمن بعد الرد بالعيب بقضاء أو بغيره، والعجب من المؤلف: أي صاحب الأشباه كيف أقره على ذلك ا ه كلام البيري ملخصا. قلت: لكن وجه ما في القنية أن الإقالة بيع من وجه، وقد مر الخلاف في باب البيع الفاسد فيما لو باع مطلقا ثم أجل إلى أجل مجهول، قيل: يصح الاجل، وقيل: لا بناء على أنه يلتحق بالعقد، وهنا إذا التحق بعقد الإقالة يلزم أن يزيد الثمن فيها بوصف التأجيل، مع أن الإقالة إنما تصح بمثل الثمن الأول، فالأحسن الجواب بما قلنا من تصحيح عدم الالتحاق. تأمل. قوله: (وما أخذ به الشفيع) يعني لو أجل المشتري الشفيع في الثمن لم يصح. بحر. وشمل ما لو كان الشراء بمؤجل، فإن الاجل لا يثبت في أخذ الشفيع كما سيذكره في بابها. قوله: (ودين الميت) أي لو مات المديون وحل المال فأجل الدائن وارثه لم يصح، لان الدين في الذمة، وفائدة التأجيل أن يتجر فيؤدي الدين من نماء المال، فإذا مات من له الاجل تعين المتروك لقضاء الدين، فلا يفيد التأجيل، كذا في الخلاصة. وظاهره أنه في كل دين، وذكره في القنية في القرض. بحر. وفي الفتح مثل ما في القنية لكن في الذخيرة تأجيل رب الدين ماله على الميت لا يجوز، والصحيح أنه قول الكل لان الاجل صفة الدين، ولا دين على الوارث، فلا يثبت الاجل في حقه، ولا وجه أيضا لثبوته للميت، لأنه سقط عن ذمته بالموت ولا لثبوته في المال لأنه عين والأعيان لا تقبل التأجيل. وفي البرجندي قال صاحب المحيط: الأصح عندي أن تأجيله صحيح، وهكذا أفتى الامام قاضيخان، لأنه إذا كان هذا الدين يتعلق بالتركة، لكنه يثبت في الذمة فلا يكون عينا فيصح التأجيل، وأفتى بعضهم بعدم الصحة، كذا في الفصول العمادية. بيري. قوله: (فلا يلزم تأجيله) أي أنه يصح بأجليه مع كونه غير لازم فللمقرض الرجوع عنه، لكن قال في الهداية: فإن تأجيله لا يصح لأنه إعارة وصلة في الابتداء حتى يصح بلفظة الإعارة، ولا يملكه من لا يملك التبرع كالوصي والصبي ومعاوضة في الانتهاء، فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما في الإعارة إذ لا جبر في التبرع، وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح، لأنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا اه. ومقتضاه أن قوله لا يصح على حقيقته، لأنه إذا وجد فيه مقتضى عدم اللزوم ومقتضى عدم الصحة وكان الأول لا ينافي الثاني، لان ما لا يصح لا يلزم وجب اعتبار
283 عدم الصحة، ولهذا علل في الفتح لعدم الصحة أيضا بقوله: ولأنه لو لزم كان التبرع ملزما على المتبرع، ثم للمثل المردود حكم العين كأنه رد العين، وإلا كان تمليك دراهم بدارهم بلا قبض في المجلس، والتأجيل في الأعيان يصح ا ه ملخصا. ويؤيده ما في النهر عن القنية: التأجيل في القرض باطل. قوله: (إلا في أربع) أي بعد مسألتي الحوالة واحدة مسألتي الوصية واحدة أيضا، وقد نظمت هذه مع التي قبلها بقولي: ست من الديون ليس يلتزم * تأجيلها بدل صرف وسلم دين على ميت وما للمشتري * على مقيل أو شفيع يا سري والقرض إلا أربعا فيها مضى * جحد وصية حوالة قضى قوله: (إذا كان مجحودا) في الخانية: رجل له على رجل ألف درهم قرض فصالحه على مائة إلى أجل صح الحط والمائة حالة، وإن كان المستقرض جاحدا للقرض فالمائة إلى الاجل ا ه بيري. ومثله لو قال المستقرض للمقرض سرا لا أقر لك حتى تؤجله عني، فأقر له عند الشهود بالألف مؤجلة. قوله: (أو حكم مالكي بلزومه) فإنه عنده لازم، وقيد به لان الأرجح أن حكم الحنفي بخلاف مذهبه لا ينفذ خصوصا في قضاة زماننا، وقيد بقوله: بعد ثبوت أصل الدين عنده لأنه لو لم يكن ثابتا لا يصح حكمه بلزوم تأجيله، ولان المجحود لا يتوقف تأجيله على حكم مالكي. قوله: (أو أحاله الخ) في الفتح والحلية في لزوم تأجيله: أن يحيل المستقرض المقرض على آخر بدينه، فيؤجل المقرض ذلك الرجل المحال عليه فيلزم ا ه. وإذا لزم فإن كان للمحيل على المحال عليه دين فلا إشكال، وإلا أقر المحيل بقدر المحال به للمحال عليه مؤجلا أشار إليه في المحيط. بحر. وفائدة الاقرار تمكن المحال عليه من الرجوع على المحيل بما يدفعه للمقرض. قوله: (أو أحاله على مديون الخ) أفاد أنه لا فرق بين كون تأجيل المحال عليه صادرا من المقرض أو من المحيل وهو المستقرض. قوله: (لان الحوالة مبرئة) أي تبرأ بها ذمة المحيل ويثبت بها للمحال: أي المقرض دين على المحال عليه بحكم الحوالة، فهو في الحقيقة تأجيل دين لا قرض. قوله: (فيلزم من ثلثه) فإن خرجت الألف من الثلث فيها وإلا فبقدر ما يخرج ط. قوله: (ويسامح فيها نظرا للموصي) لأنه وصية بالتبرع بمنزلة الوصية بالخدمة والسكنى فيلزم حقا للموصي. هداية. وحاصله: أن لزوم الوصية بالتبرع، ومنه ما نحن فيه خارج عن القياس رحمة وفضلا على الموصي إذ كان القياس أن لا تصح وصيته لأنها تمليك مضاف إلى حال زوال مالكيته. قوله: (وأقره المصنف) أي أقر ما ذكر من الحاصل، وهو لصاحب البحر فكان الأولى عزوه إليه. قوله: (وتعقبه) أي تعقب الحاصل المذكور، فافهم. قوله: (بأن الملحق بالقرض) هو الإقالة بقسميها والشفيع ودين الميت ح. قوله: (تأجيله
284 باطل) لتعبيرهم فيها بلا يصح، أو بباطل فلا يقال: إن التأجيل فيها صحيح غير لازم ط. قلت: وقد علمت مما قدمناه أن القرض كذلك، ولعل مراد صاحب البحر بالباطل ما يحرم فعله ويلزم منه الفساد، فإن تأجيل بدلي الصرف والسلم كذلك، بخلاف القرض والملحق به، فإنه لو ترك المطالبة به إلى حلول الأجل لم يلزم منه ذلك، فلذا قال: إنه صحيح غير لازم، لكن ما قدمناه عن الهداية في القرض من قوله: وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح لأنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا ا ه. يقتضي أنه يلزم منه الفساد وأنه حرام ولم يظهر لي وجهه، فليتأمل. قوله: (لان الدين واحد) أي فإذا تأخر عن الكفيل لزم تأخيره عن الأصيل أيضا إذ يثبت ضمنا ما يمتنع قصدا كبيع الشرب والطريق كما في البحر عن تلخيص الجامع، لكن في النهر عن السراج: قال أبو يوسف: إذا أقرض رجل رجلا مالا فكفل به رجل عنه إلى وقت كان على الكفيل إلى وقته، وعلى المستقرض حالا ا ه. ونقل نحوه في كفالة البحر عن الذخيرة والغياثية، وذكر في أنفع الوسائل مثله من عدة كتب، وذكر أن هذه الحيلة لم يقل بها أحد غير الحصيري في التحرير وأنه إذا تعارض كلامه وحده مع كلام كل الأصحاب لا يفتى به ا ه. وحاصله: أن الجمهور على أنه يتأجل على الكفيل دون الأصيل، وبه أفتى العلامة قارئ الهداية وغيره وسيأتي تمامه في الكفالة إن شاء الله تعالى. تنبيه: لم يذكر ما لو أجل الكفيل الأصيل، وهو جائز، ففي البيري روى ابن سماعة عن محمد رجل قال لغيره: اضمن عني لفلان الألف التي علي ففعل، وأداها الضامن، ثم إن الضامن أخر المضمون عنه فالتأخير جائز، وليس هذا بمنزلة القرض، ولو قال: اقض عني هذا الرجل ألف درهم ففعل ثم أخرها لم يجز التأخير، لان هذا أدى عنه فصار مقرضا، والتأخير في القرض باطل والأول أدى عن نفسه ا ه. قوله: (أن يقر الوارث الخ) الظاهر أنه مفروض في وارث لا مشارك له في الميراث، وإلا يلحقه ضرر بلزوم الدين علي وحده، والمقصود من هذه الحيلة بيان حكمها لو وقعت كذلك لا تعليم فعلها، لان فيها الاخبار بخلاف الواقع. قوله: (ويصدقه الطالب أنه الخ) لو قال: ويصدقه الطالب في ذلك لكان أخصر وأظهر، لان تصديقه بتأجيله على الميت غير لازم. قوله: (وإلا لأمر الوارث الخ) عبارة الأشباه: وإلا فقد حل الدين بموته فيؤمر الوارث الخ. مطلب إذا قضى المديون الدين قبل حلول الأجل أو مات لا يؤخذ من المرابحة إلا بقدر ما مضى قوله: (وسيجئ آخر الكتاب) أي قبيل كتاب الفرائض، وهذا مأخوذ من القنية حيث قال فيها برمز نجم الدين: قضى المديون الدين قبل الحلول أو مات فأخذ من تركته، فجواب المتأخرين أنه لا
285 يؤخذ من المرابحة التي جرت بينهما إلا بقدر ما مضى من الأيام، قيل له: أتفتي به أيضا؟ قال: نعم. قال: ولو أخذ المقرض القرض والمرابحة قبل مضي الاجل فللمديون أن يرجع بحصة ما بقي من الأيام ا ه. وذكر الشارح آخر الكتاب أنه أفتى به المرحوم مفتي الروم أبو السعود، وعلله بالرفق من الجانبين. قلت: وبه أفتى الحانوتي وغيره، وفي الفتاوى الحامدية: سئل فيما إذا كان لزيد بذمة عمرو مبلغ دين معلوم فرابحه عليه إلى سنة، ثم بعد ذلك بعشرين يوما مات عمرو المديون، فحل الدين ودفعه الوارث لزيد، فهل يؤخذ من المرابحة شئ أو لا؟ الجواب جواب المتأخرين: أنه لا يؤخذ من المرابحة التي جرت المبايعة عليها بينهما إلا بقدر ما مضى من الأيام. قيل للعلامة نجم الدين: أتفتي به؟ قال: نعم، كذا في الأنقروي والتنوير، وأفتى به علامة الروم مولانا أبو السعود، وفي هذه الصورة بعد أداء الدين دون المرابحة إذا ظنت الورثة أن المرابحة تلزمهم فرابحوه عليها عدة سنين بناء على أن المرابحة تلزمهم حتى اجتمع عليهم مال، فهل يلزمهم المال أو لا؟ الجواب: لا يلزمهم لما في القنية برمز بكر جواهر زاده: كان يطالب الكفيل بالدين بعد أخذه من الأصيل، ويبيعه بالمرابحة حتى اجتمع عليه سبعون دينارا، ثم تبين أنه قد أخذه فلا شئ له لان المبايعة على قيام الدين ولم يكن ا ه هذا ما ظهر لما والله سبحانه أعلم ا ه. فصل في القرض بالفتح والكسر. منح. ومناسبته لما قبله ذكر القرض في قوله: ولزم تأجيل كل دين إلا القرض. قوله: (ما تعطيه لتتقاضاه) أي من قيمي أو مثلي، وفي المغرب: تقاضيته ديني وبديني واستقضيته: طلبت قضاءه واقتضيت منه حقي: أخذته. قوله: (وشرعا ما تعطيه من مثلي الخ) فهو على التفسيرين مصدر بمعنى اسم المفعول، لكن الثاني غير مانع لصدقه على الوديعة والعارية، فكان عليه أن يقول: لتتقاضى مثله، وقدمنا قريبا أن الدين أعم من القرض. قوله: (عقد مخصوص) الظاهر أن المراد عقد بلفظ مخصوص، لأن العقد لفظ. لذا قال: أي بلفظ القرض ونحوه: أي كالدين، وكقوله: أعطني درهما لأرد عليك مثله، وقدمنا عن الهداية أنه يصح بلفظ الإعارة. قوله: (بمنزلة الجنس) أي من حيث شموله القرض وغيره، وليس جنسا حقيقا، لعدم الماهية الحقيقية كما عرف في موضعه، واعترض بأن الذي بمنزلة الجنس قوله: عقد مخصوص وأما هذا فهو بمنزلة الفصل خرج به ما لا يرد على دفع مال كالنكاح، وفيه أن النكاح لم يدخل في قوله: عقد مخصوص أي بلفظ القرض ونحوه كما علمت، فصار الذي بمنزلة الجنس هو مجموع قوله: عقد مخصوص يرد على دفع مال، تأمل: قوله: (لآخر) متعلق بقوله: دفع. قوله: (خرج نحو وديعة وهبة) أي خرج وديعة وهبة ونحوهما كعارية وصدقة، لأنه يجب رد عين الوديعة والعارية ولا يجب رد شئ في الهبة والصدقة. قوله: (في مثلي)
286 كالمكيل والموزون والمعدود المتقارب كالجوز والبيض. وحاصله: أن المثلي ما لا تتفاوت آحاده: أي تفاوتا تختلف به القيمة، فإنه نحو الجوز تتفاوت آحاده تفاوتا يسيرا. قوله: (لتعذر رد المثل) علة لقوله: لا في غيره أي لا يصح القرض في غير المثلي، لان القرض إعارة ابتداء حتى صح بلفظها معاوضة انتهاء، لأنه لا يمكن به إلا باستهلاك عينه، فيستلزم إيجاب المثلي في الذمة، وهذا لا يتأتى في غير المثلي، قال في البحر: ولا يجوز في غير المثلي، لأنه لا يجب دينا في الذمة، ويملكه المستقرض بالقبض كالصحيح والمقبوض بقرض فاسد يتعين للرد، وفي القرض الجائز لا يتعين بل يرد المثل وإن كان قائما. وعن أبي يوسف: ليس له إعطاء غيره إلا برضاه، وعارية ما جاز قرضه قرض، وما لا يجوز قرضه عارية ا ه. أي قرض ما لا يجوز قرضه عارية من حيث إنه يجب رد عينه لا مطلقا لما علمت من أنه يملك القبض. تأمل. قوله: (كمقبوض ببيع فاسد)، أي فيفيد الملك بالقبض كما علمت. وفي جامع الفصولين: القرض الفاسد يفيد الملك، حتى لو استقرض بيتا فقبضه ملكه، وكذا سائر الأعيان، وتجب القيمة على المستقرض، كما لو أمر بشراء قن بأمة المأمور ففعل فالقن للآمر. قوله: (فيحرم الخ) عبارة جامع الفصولين: ثم في كل موضع لا يجوز القرض لم يجز الانتفاع به لعدم الحل، ويجوز بيعه لثبوت الملك كبيع فاسد ا ه. فقوله: ويجوز بيعه بمعنى يصح لا بمعنى يحل، إذ لا شك في أن الفاسد يجب فسخه والبيع من الفسخ فلا يحل، كما لا يحل سائر التصرفات المانعة من الفسخ كما مر في بابه، وبه تعلم ما في عبارة الشارح. قوله: (وكاغد) أي قرطاس، وقوله: عددا قيد للثلاثة، وما ذكره في الكاغد ذكره في التاترخانية. ثم نقل بعده عن الخانية. ولا يجوز السلم في الكاغد عددا، لأنه عددي متفاوت ا ه. ولعل الثاني محمول على ما إذا لم يعلم نوعه وصفته. قوله: (كما سيجئ) أي في باب الربا حيث قال: ويستقرض الخبز وزنا وعددا عند محمد، وعليه الفتوى، ابن ملك. واستحسنه الكمال واختاره المصنف تيسيرا ا ه. وفي التاترخانية، قال أبو حنيفة: لا يجوز قرضه واستقراضه لا عددا ولا وزنا. وفي رواية عن أبي يوسف مثله. وقوله المعروف أنه لا بأس به، وعليه أفعال الناس جارية، والفتوى على قول محمد ا ه ملخصا. ونقل في الهندية عن الخانية والظهيرية والكافي: أن الفتوى على جواز استقراضه وزنا لا عددا، وهو قول الثاني ا ه. ولعله هو المراد بقوله المعروف، وسيذكر استقراض العجين والخميرة. قوله: (والعدالي) بفتح العين المهملة وتخفيف الدال المهملة، وباللام المكسورة: وهي الدراهم المنسوبة إلى العدال، وكأنه اسم ملك نسب إليه درهم فيه غش، كذا في صرف البحر عن البناية. قلت: والمراد بها دراهم غالبة الغش، كما وقع التصريح به في الفتح وغيره بدل لفظ العدالي لان غالبة الغش في حكم الفلوس من حيث إنها إنما صارت ثمنا بالاصطلاح على ثمينتها، فتبطل ثمينتها بالكساد، وهو ترك التعامل بها، بخلاف ما كانت فضتها خالصة أو غالبة، فإنها أثمان خلقة فلا تبطل ثمينتها بالكساد كما حققناه أول البيوع عند قوله: وصح بثمن حال ومؤجل. قوله: (فعليه مثلها كاسدة) أي إذا هلكت، وإلا فيرد عينها اتفاقا كما في صرف الشرنبلالية، وفيه كلام سيأتي. قوله:
287 (فلا عبرة بغلائه ورخصه) فيه أن الكلام في الكساد، وهو ترك التعامل بالفلوس ونحوها كما قلنا، والغلاء والرخص غيره، وكأنه نظر إلى اتحاد الحكم فصح التفريع. تأمل. وفي كافي الحاكم: لو قال أقرضني دانق حنطة فأقرضه ربع حنطة، فعليه أن يرد مثله، وإذا استقرض عشرة أفلس ثم كسدت لم يكن عليه إلا مثلها في قول أبي حنيفة، وقالا: عليه قيمتها من الفضة يستحسن ذلك. وإن استقرض دانق فلوس أو نصف درهم فلوس ثم رخصت أو غلت لم يكن عليه إلا مثل عدد الذي أخذه. وكذلك لو قال: أقرضني عشرة دراهم غلة بدينار فأعطاه عشرة دراهم، فعليه مثلها، ولا ينظر إلى غلاء الدراهم ولا إلى رخصها. وكذلك كل ما يكال ويوزن فالقرض فيه جائز، وكذلك ما يعد من البيض والجوز ا ه. وفي الفتاوى الهندية: استقرض حنطة فأعطى مثلها بعد ما تغير سعرها يجبر المقرض على القبول. قوله: (وجعله) أي ما في الفتن من قوله: فعليه مثلها. قوله: (وعند الثاني الخ) حاصله أن الصاحبين اتفقا على وجوب رد القيمة دون المثل، لأنه لما بطل وصف الثمينة بالكساد (1) تعذر رد عينها كما قبضها فيجب رد قيمتها، وظاهر الهداية اختيار قولهما. فتح. ثم إنهما اختلفا في وقت الضمان: قال في صرف الفتح: وأصله اختلافهما فيمن غصب مثليا فانقطع، فعند أبي يوسف: تجب قيمته يوم الغصب، وعند محمد: يوم القضاء، وقولهما: انظر للمقرض في قول الإمام، لان في رد المثل إضرارا به، ثم قول أبي يوسف: أنظر له أيضا لان قيمته يوم القرض أكثر من يوم الانقطاع وهو أيسر أيضا، فإن ضبط وقت الانقطاع عسر ا ه ملخصا. ولم يذكر حكم الغلاء والرخص، وقدمنا أول البيوع أنه عند أبي يوسف تجب قيمتها يوم القبض أيضا، وعليه الفتوى كما في البزازية والخلاصة، وهذا يؤيد ترجيح قوله في الكساد أيضا، وحكم البيع كالقرض، إلا أنه عند الامام يبطل البيع، وعند أبي يوسف: لا يبطل، وعليه قيمتها يوم البيع في الكساد والرخص والغلاء كما قدمناه أو البيوع. قوله: (فأخذه) بمد الهمزة. أي طلب أخذه منه. قوله: (بالعراق يوم اقتراضه) متعلقان بقوله: قيمته والثاني يغني عن الأول. قوله: (وعند الثالث يوم اختصما) وعبارة الخانية: قيمته بالعراق يوم اختصما، فأفاد أن الواجب قيمته يوم الاختصام التي في بلد القرض، فكان المناسب ذكر قوله بالعراق هنا وإسقاطه من الأول، كما فعله في الذخيرة. قوله: (فيأخذ طعامه) أي مثله في بلد القرض. قوله: (ولو استقرض الطعام الخ) هذه هي المسألة الأولى، وهي ما لو ذهب إلى بلدة غير بلدة القرض وقيمة البلدتين مختلفة، لان العادة أن الطعام في مكة أغلى منه في العراق، وهذه رواية أخرى وهي قول الإمام، كما صرح به في الذخيرة، فإنه ذكر أولا ما مر من حكاية القولين.
(1) قوله: (لأنه لما بطل وصف الثمنية بالكساد الخ) ظاهره انها لو كانت قائمة غيرها لكنه لا يمكن رد عينها أيضا وهو خلاف ما قدمناه آنفا عن الشرنبلالية تأمل ا ه. منه. 288 ثم قال ما نصه: بشر عن أبي يوسف: رجل أقرض رجلا طعاما أو غصبه إياه وله حمل ومؤنة والتقيا في بلدة أخرى الطعام فيها أغلى أو أرخص: فإن أبا حنيفة قال: يستوثق له من المطلوب حتى يوفيه طعامه حيث غصب أو حيث أقرضه، وقال أبو يوسف: إن تراضيا على هذا فحسن، وأيهما طلب القيمة أجبر الآخر عليه، وهي القيمة في بلد الغصب أو الاستقراض، والقول في ذلك قول المطلوب، ولو كان الغصب قائما بعينه أجبر على أخذه لا على القيمة ا ه. وفيها أيضا: وذكر القدوري في شرحه: إذا استقرض دراهم بخارية، والتقيا في بلدة لا يقدر فيها على البخارية، فإن كان ينفق في ذلك البلد، فإن شاء صاحب الحق أجله قدر المسافة ذاهبا وجائيا واستوثق منه، وإن كان البلد لا ينفق فيها وجب القيمة ا ه. وقدمنا أول البيوع أن الدراهم البخارية فلوس على صفة مخصوصة، فلذا أوجب القيمة إذا كانت لا تنفق في ذلك البلد لبطلان الثمينة بالكساد، كما قدمناه، وبهذا ظهر أنه لو كانت الدراهم فضتها خالصة أو غالبة كالريال الفرنجي في زماننا فالواجب رد مثلها، وإن كانا في بلدة أخرى، لان ثمنية الفضة لا تبطل بالكساد ولا بالرخص أو الغلاء، ويدل عليه ما قدمناه عن كافي الحاكم من أنه لا ينظر إلى غلاء الدراهم، ولا إلى رخصها هذا ما ظهر لي، فتأمل وانظر ما كتبناه أول البيوع. قوله: (استقرض شيئا من الفواكه الخ) المراد ما هو كيلي أو وزني إذا استقرضه ثم انقطع عن أيدي الناس قبل أن يقبضه إلى المقرض، فعند أبي حنيفة: يجبر المقرض على التأخير إلى إدراك الجديد ليصل إلى عين حقه، لان الانقطاع بمنزلة الهلاك، ومن مذهبه أن الحق لا ينقطع عن العين بالهلاك، وقال أبو يوسف: هذا لا يشبه كساد الفلوس، لان هذا مما يوجد، فيجبر المقرض على التأخير إلا أن يتراضيا على القيمة، وهذا في الوجه كما لو التقيا في بلد الطعام فيه غال فليس له حبسه، ويوثق له بكفيل حتى يعطيه إياه في بلده، ذخيرة ملخصا. قوله: (بنفس القبض) أي قبل أن يستهلكه. قوله: (خلافا للثاني) حيث قال: لا يملك المستقرض القرض ما دام قائما، كما في المنح آخر الفصل ا ه ح. قوله: (فله رد المثل) أي لو استقرض كر بر مثلا وقبضه فله حبسه ورد مثله، وإن طلب المقرض رد العين، لأنه خرج عن ملك المقرض، وثبت له في ذمة المستقرض مثله لا عينه ولو قائما. قوله: (بناء على انعقاده الخ) هكذا نقل هذه العبارة هنا في المنح عن البحر، ونقل أيضا عن الزيلعي: أنهم اختلفوا في انعقاده بلفظ القرض، قيل: ينعقد، وقيل: لا، وقيل: الأول قياس قولهما، والثاني: قياس قوله ا ه. قلت: والعبارتان غير مذكورتين في هذا الفصل من البحر وشرح الزيلعي، وإنما ذكرهما في كتاب النكاح عند قول الكنز: وينعقد بكل ما وضع لتمليك العين في الحال، فالضمير في انعقاده في عبارة البحر المذكورة في الشرح، وعبارة الزيلعي التي نقلناها عائدة على النكاح لا على القرض كما يوهمه كلام الشارح تبعا للمنح، وهذا أمر عجيب، نعم لهذه المسألة مناسبة هنا، وذلك أن ظاهر كلام المتن ترجيح قولهما، فكان المناسب للشارح أن يقول: وعلى هذا ينبغي اعتماد انعقاد النكاح بلفظ القرض، وهو أحد الصحيحين لافادته الملك للحال، فافهم.
289 مطلب في شراء المستقرض القرض من المقرض قوله: (فجاز شراء المستقرض القرض) تفريع على قولهما، والمراد شراؤه ما في ذمته لا عين القرض الذي في يده، وحينئذ فقوله: ولو قائما فيه استخدام، لأنه عائد إلى عين القرض الذي في يده، وبيان ذلك أنه تارة يشتري ما في ذمته للمقرض وتارة ما في يده: أي عين ما استقرضه، فإن كان الأول: ففي الذخيرة اشترى من المقرض الكر الذي له عليه بمائة دينار جاز، لأنه دين عليه لا بعقد صرف ولا سلم، فإن كان مستهلكا وقت الشراء فالجواز قول الكل لأنه ملكه بالاستهلاك وعليه مثله في ذمته بلا خلاف، وإن كان قائما فكذلك عندهما، وعلى قول أبي يوسف ينبغي أن لا يجوز لأنه لا يملكه ما لم يستهلكه فلم يجب مثله في ذمته، فإذا أضاف الشراء الكر الذي في ذمته فقد أضافه إلى معدوم فلا يجوز ا ه. وهذا ما في الشرح. وإن كان الثاني: ففي الذخيرة أيضا: استقرض من رجل كرا وقبضه ثم اشترى ذلك الكر بعينه من المقرض لا يجوز على قولهما، لأنه ملكه بنفس القبض فيصير مشتريا ملك نفسه، أما على قول أبي يوسف فالكر باق على ملك المقرض فيصير المستقرض مشتريا ملك غيره فيصح: وبقي ما لو كان المستقرض هو الذي باع الكر من المقرض، فيجوز على قولهما، لأنه باع ملك نفسه. واختلفوا على قول أبي يوسف: بعضهم قالوا: يجوز لان المستقرض على قوله وإن لم يملك الكر بنفس القرض، إلا أنه يملك التصرف فيه بيعا وهبة واستهلاكا فيصير متملكا له، وبالبيع من المقرض صار متصرفا فيه وزال عن ملك المقرض فصح البيع منه ا ه ملخصا. قوله: (بدراهم مقبوضة الخ) في البزازية من آخر الصرف: إذا كان له على آخر طعام، أو فلوس فاشتراه من عليه بدراهم وتفرقا قبل قبض الدراهم بطل، وهذا مما يحفظ، فإن مستقرض الحنطة أو الشعير بتلفها، ثم يطالبه المالك بها ويعجز عن الأداء فيبيعها مقرضها منه بأحد النقدين إلى أجل، وأنه فاسد لأنه افتراق عن دين بدين ا ه. وفيها في الفصل الثالث من البيوع: والحيلة فيه أن يبيع الحنطة ونحوها بثوب، ثم يبيع الثوب منه بدراهم ويسلم الثوب إليه ا ه. قوله: (أقرض صبيا محجورا فاستهلكه) قيد بالمحجور، لأنه لو كان مأذونا فهو كالبالغ وبالاستهلاك، لأنه لو بقيت عينه فللمالك أن يسترده، ولو تلف بنفسه لا يضمن اتفاقا كما في جامع الفصولين. قوله: (خلافا للثاني) فإنه يضمن. قال في الهندية عن المبسوط: وهو الصحيح ط. قوله: (وكذا الخلاف لو باعه) أي باع من الصبي أو أودعه: أي واستهلكهما، ولا حاجة إلى ذكر قوله: أو أودعه لتصريح المصنف به في قوله: وهو الوديعة ا ه ط. قوله: (خلافا للثاني) فيؤاخذ به حالا كالوديعة عنده. هندية ط. قوله: (وهو) أي الاقراض لهؤلاء. قوله: (وكذا الدين والسلم) أي لو جاء المديون أو رب السلم بدراهم ليدفعها إلى الدائن عن دينه، أو إلى المسلم إليه عن رأس المال فقال له: القها الخ. قوله: (بخلاف الشراء والوديعة) المراد بالشراء
290 المشري: أي لو جاء البائع بالمشتري أو المودع بالوديعة فقال له المشتري أو صاحب الوديعة: الق ذلك في الماء فألقاه صح الامر، ويكون ذلك على الآمر، ويصير قابضا لان حقه متعين، لأنه ليس للبائع إعطاء غير المبيع، ولا للمودع إعطاء غير الوديعة، بخلاف المقرض والمديون ورب السلم، فإن له أن يبدل ما جاء به، ويعطى غيره، لأنه قبل القبض باق على ملكه. وقيد في المنح الشراء بما إذا كان صحيحا: أي لان الفاسد لا يفيد الملك قبل القبض فيكون على ملك البائع. قوله: (وعزاه لغريب الرواية) ظاهره أن الضمير عائد على صاحب الخانية، لأنه نقل ما في المتن عنها، مع أن ما في الشرح لم أره في الخانية، وإنما عزاه المصنف إلى غريب الرواية. قوله: (وفيها) أي في الخانية معطوف على قوله: وفيها. قوله: (شرط رد شئ آخر) الظاهر أن أصل العبارة كشرط رد شئ آخر ا ه ح. قوله: (وقيل لا) هذا هو الصحيح كما في الخانية، وفيها: ولو كان الدين مؤجلا فقضاه قبل حلول الأجل يجير على القبول ا ه. وذكر الشارح إعطاء الأجود، ولم يذكر الزيادة، وفي الخانية: وإن أعطاه المديون أكثر مما عليه وزنا، فإن كانت الزيادة تجري بين الوزنين: أي بأن كانت تظهر في ميزان دون ميزان جاز، وأجمعوا على أن الدانق في المائة يسير يجري بين الوزنين وقدر الدرهم والدرهمين كثير لا يجوز، واختلفوا في نصف الدرهم: قال الدبوسي: إنه في المائة كثير يرد على صاحبه، فإن كانت كثيرة لا تجري بين الوزنين إن لم يعلم المديون بها ترد على صاحبها، وإن علم وأعطاها اختيارا إن كانت الدراهم المدفوعة مكسرة أو صحاحا لا يضرها التبعيض لا يجوز إذا علم الدافع والقابض، وتكون هبة المشاع فيما يحتمل القسمة، وإن كان لا يضره (1) التبعيض وعلما جاز، وتكون هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة ا ه، وسيذكر الشارح بعضه أول باب الربا. قوله: (بأن يقرض الخ) هذا يسمى الآن بالوصية قال في الدرر: كره للسفتجة بضم السين وفتح التاء تعريب سفته: وهي شئ محكم، ويسمى هذا القرض به لاحكام أمره. وصورته: أنه يدفع إلى تاجر مبلغا قرضا ليدفعه إلى صديقه في بلد آخر ليستفيد به سقوط خطر الطريق ا ه. وقال في الخانية: وتكره السفتجة إلا أن يستقرض، مطلقا ويوفي بعد ذلك في بلد أخرى من غير شرط ا ه. وسيأتي تمام الكلام عليها آخر كتاب الحوالة. مطلب: كل قرض جر نفعا حرام قوله: (كل قرض جر نفعا حرام) أي إذا كان مشروطا كما علم مما نقله عن البحر. وعن الخلاصة وفي الذخيرة: وإن لم يكن النفع مشروطا في القرض، فعلى قول الكرخي: لا بأس به، ويأتي تمامه. قوله: (فكره للمرتهن الخ) الذي في رهن الأشباه: يكره للمرتهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن الراهن ا ه سائحاني.
(1) قوله: (لا يضره) لعل الصواب اسقاط لا ا ه. منه. 291 قلت: وهذا هو الموافق لما سيذكره المصنف في أول كتاب الرهن. قال في المنح هناك: وعن عبد الله بن محمد بن أسلم السمرقندي، وكان من كبار علماء سمرقند: أنه لا يحل له أن ينتفع بشئ منه بوجه من الوجوه وإن أذن له الراهن، لأنه أذن له في الربا لأنه يستوفي دينه كاملا فتبقى له المنفعة فضلا، فتكون ربا، وهذا أمر عظيم. قلت: وهذا مخالف لعامة المعتبرات من أنه يحل بالاذن إلا أن يحمل على الديانة وما في المعتبرات على الحكم. ثم رأيت في جواهر الفتاوى: إذا كان مشروطا صار قرضا فيه منفعة وهو ربا، وإلا فلا بأس به ا ه ما في المنح ملخصا. وتعقبه الحموي بأن ما كان ربا لا يظهر فيه فرق بين الديانة والقضاء، على أنه لا حاجة إلى التوفيق بعد أن الفتوى على ما تقدم: أي من أنه يباح. قلت: وما في الجواهر يفيد توفيقا آخر يحمل ما في المعتبرات على غير المشروط، وما مر على المشروط، وهو أولى من إبقاء التنافي. ويؤيده ما ذكروه فيما لو أهدى المستقرض للمقرض إن كانت بشرط كره، وإلا فلا، وأفتى في الخيرية فيمن رهن شجر الزيتون على أن يأكل المرتهن ثمرته نظير صبره بالدين بأنه يضمن. قوله: (دفعته) أي القرض والأولى دفعتها: أي العشرة. قوله: (فأنكر المولى الخ) مفهومه أنه إذا أقر بقبض العبد يلزمه لما في الخانية، ولو أرسل رسولا إلى رجل وقال: ابعث إلي بعشرة دراهم قرضا فبعث بها مع رسوله كان الآمر ضامنا لها إذا أقر أن رسوله قبضها ا ه. قوله: (لأنه أقر أنه قبضها بحق) وهو كونه نائبا عن سيده في القبض. قوله: (ليس له) أي ليس للمقرض أن يطلب منه: أي من القابض إلا حصته من القرض، لأنه قبض الباقي بالوكالة عن رفقته. قوله: (لا بالاستقراض) هذا منصوص عليه، ففي جامع الفصولين: بعث رجلا ليستقرضه فأقرضه فضاع في يده، فلو قال أقرض للمرسل ضمن مرسله، ولو قال: أقرضني للمرسل ضمن رسوله. والحاصل: أن التوكيل بالاقراض جائز لا بالاستقراض، والرسالة بالاستقراض تجوز، ولو أخرج وكيل الاستقراض كلامه مخرج الرسالة يقع القرض للآمر، ولو مخرج الوكالة بأن أضافه إلى نفسه يقع للوكيل وله منعه عن آمره ا ه. قلت: والفرق أنه إذا أضاف العقد إلى الموكل بأن قال إن فلانا يطلب منك أن تقرضه كذا صار رسولا والرسول سفير ومعبر، بخلاف ما إذا أضافه بأن قال: أقرضني كذا أو قال: أقرضني لفلان كذا، فإنه يقع لنفسه، ويكون قوله لفلان بمعنى لأجله، وقالوا: إنما لم يصح التوكيل بالاستقراض لأنه توكيل بالتكدي، وهو لا يصح. قلت: ووجهه أن القرض صلة وتبرع ابتداء فيقع للمستقرض إذا لا تصح النيابة في ذلك فهو نوع من التكدي بمعنى الشحاذة، هذا ما ظهر لي. قوله: (استقراض العجين وزنا يجوز) هو المختار:
292 مختار الفتاوى. واحترز بالوزن عن المجازفة فلا يجوز. بحر ط. قوله: (ما رآه المسلمون) هو من حديث أحمد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إن الله نظر إلى قلوب العباد فاختار له أصحابا فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه فما رآه المسلمون الخ وهو موقوف حسن، وتمامه في المقاصد الحسنة ط. قوله: (يجوز ويكره) أي يصح مع الكراهة، وهذا لو الشراء بعد القرض لما في الذخيرة: وإن لم يكن النفع مشروطا في القرض ولكن اشترى المستقرض من المقرض بعد القرض متاعا، فعلى قول الكرخي: لا بأس به، وقال الخصاف: ما أحب له ذلك، وذكر الحلواني أنه حرام لأنه يقول: لو لم أكن اشتريته منه طالبني بالقرض في الحال، ومحمد لم يرد بذلك بأسا. وقال خواهر زاده: ما نقل عن السلف محمول على ما إذا كانت المنفعة مشروطة وذلك مكروه بلا خلاف، وما ذكره محمد محمول على ما إذا كانت غير مشروطة وذلك غير مكروه بلا خلاف. وهذا إذا تقدم الاقراض على البيع، فإن تقدم البيع بأن باع المطلوب منه المعاملة من الطالب ثوبا قيمته عشرون دينارا بأربعين دينارا ثم أقرضه ستين دينارا أخرى حتى صار له على المستقرض مائة دينار وحصل للمستقرض ثمانون دينارا، ذكر الخصاف أنه جائز، وهذا مذهب محمد بن سلمة إمام بلخ، وكثير من مشايخ بلخ كانوا يكرهونه ويقولون: إنه قرض جر منفعة، إذ لولاه لم يتحمل المستقرض غلاء الثمن. ومن المشايخ من قال: يكره لو كانا في مجلس واحد، وإلا فلا بأس به، لان المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة، فكأنهما وجدا معا فكانت المنفعة مشروطة في القرض. وكان شمس الأئمة الحلواني يفتي بقول الخصاف. وابن سلمة يقول: هذا ليس بقرض جر منفعة، بل هو بيع جر منفعة وهي القرض ا ه ملخصا. وانظر ما سنذكره في الصرف عند قوله: وبيع درهم صحيح ودرهمين غلة قوله: (بطريف المعاملة) هو ما ذكره من شراء الشئ اليسير بثمن غال. قوله: (بأزيد من عشرة ونصف) وهناك فتوى أخرى بأزيد من أحد عشرة ونصف وعليها العمل. سائحاني. ولعله لورود الامر بها متأخرا عن الأمر الأول. قوله: (يعزر) لان طاعة أمر السلطان بمباح واجبة. قوله: (ما أخذه من الربح) أي زائدا عما ورد به الامر ط. قوله: (إن حصله منه بالتراضي الخ) مفهومه أنه لو أخذه بلا رضاه أنه يثبت له الرجوع بالزائد عما ورد وهو غير ظاهر، لأنه إذا أقرضه مائة وباعه سلعة بثلاثين مثلا بيعا مستوفيا شرائطه الشرعية لم يكن فيه إلا مخالفته الامر السلطاني، لان مقتضى الأمر الأول أن يبيع السلعة بخمسة فقط لتكون العشرة بعشرة ونصف، ومقتضى الأمر الثاني أن يبيعها بخمسة عشر لتكون العشرة بأحد عشر ونصف، ولا يخفى أن مخالفة الامر لا تقتضي فساد البيع، لان ذلك لا يزيد على مخالفة أمر الله تعالى بالسعي وترك البيع وقت النداء، فإذا باع وترك السعي يكره البيع ولا يفسد، فكذا هنا بالأولى، على
293 أنه إذا فسد البيع وجب الفسخ ورد جميع الثمن، وإذا صح وجب جميع الثمن فلا وجه لرد الزائد وأخذ ما ورد به الامر فقط سواء قلنا بصحة البيع أو فساده، فتعين أن هذا المفهوم غير مراد. فتأمل. قوله: (لكن يظهر الخ) لا وجه للاستدراك بعد ورود الامر الواجب الاتباع بعد الرجوع ط. وقد يجاب بأن المراد أن المناسب أن يرد الامر السلطاني بالرجوع: أي وإن أخذ ما أخذه بالتراضي لكن علمت ما فيه. قوله: (وأقبح من ذلك السلم الخ) أي أقبح من بيع المعاملة المذكور ما يفعله بعض الناس من دفع دراهم سلما على حنطة أو نحوها إلى أهل القرى بحيث يؤدي ذلك إلى خراب القرية، لأنه يجعل الثمن قليلا جدا فيكون إضراره أكثر من إضرار البيع بالمعاملة الزائدة عن الامر السلطاني، فيظهر أن المناسب أيضا ورود أمر سلطاني بذلك ليعزر من يخالفه، وظاهره أنه لم يرد بذلك أمر، والله سبحانه أعلم. باب الربا لما فرغ من المرابحة وما يتبعها من التصرف في المبيع ونحو ذلك من القرض وغيره ذكر الربا، لان في كل منهم زيادة، إلا أن تلك الزيادة حلال وهذه حرام، والحل هو الأصل في الأشباه. والربا بكسر الراء، وفتحها خطأ مقصور على الأشهر، ويثنى ربوان بالواو على الأصل، وقد يقال: ربيان على التخفيف كما في المصباح، والنسب إليه ربوي بالكسر، والفتح خطأ كما في المغرب. قوله: (ولو حكما الخ) تبع فيه النهر، لكنه لا يناسب تعريف المصنف فإنه قيده بكونه بمعيار شرعي، وهذا لا يدخل فيه ربا النسيئة ولا البيع الفاسد، إلا إذا كان فساده لعلة الربا، فالظاهر من كلام المصنف تعريف ربا الفضل، لأنه هو المتبادر عند الاطلاق، ولذا قال في البحر: فضل أحد المتجانسين، نعم هذا يناسب تعريف الكنز بقوله: فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال ا ه. فإن الاجل في أحد العوضين فضل حكمي بلا عوض، ولما كان الاجل يقصد له زيادة العوض كما مر في المرابحة صح وصفه بكونه فضل مال حكما تأمل. قال في الشرنبلالية: ومن شرائط الربا عصمة البدلين، وكونهما مضمونين بالاتلاف فعصمة أحدهما وعدم تقومه لا يمنع، فشراء الأسير أو التاجر مال الحربي أو المسلم الذي لم يهاجر بجنسه متفضلا جائز، ومنها أن لا يكون البدلان مملوكين لاحد المتبايعين كالسيد مع عبده، ولا مشتركين فيهما بشركة عنان أو مفاوضة كما في البدائع ا ه. وسيأتي بيان هذه المسائل آخر الباب. قوله: (والبيوع الفاسدة الخ) تبع فيه البحر عن البناية، وفيه نظر، فإن كثيرا من البيوع الفاسدة ليس فيه فضل خال عن عوض كبيع ما سكت فيه عن الثمن، وبيع عرض بخمر أو بأم ولد فتجب القيمة ويملك بالقبض، وكذا بيع جذع من سقف وذراع من ثوب يضره التبعيض، وثوب من ثوبين، والبيع إلى النيروز ونحو ذلك، مما سبب الفساد فيه الجهالة، أو الضرر أو نحو ذلك نعم يظهر ذلك في الفساد بسبب شرط فيه نفع لاحد المتعاقدين مما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، ويؤيد ذلك ما في الزيلعي قبيل باب الصرف في بحث ما يبطل بالشرط الفاسد حيث قال: والأصل فيه أن كل ما كان مبادلة مال بمال يبطل بالشروط الفاسدة لا ما كان مبادلة مال بغير مال أو كان من التبرعات، لان الشروط
294 الفاسدة من باب الربا، وهو يختص بالمعاوضة المالية دون غيرها من المعاوضات والتبرعات، لان الربا هو الفضل الخالي عن العوض، وحقيقة الشروط الفاسدة هي زيادة ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، فيكون فيه فضل خال عن العوض وهو الربا بعينه ا ه ملخصا. قوله: (فيجب رد عين الربا لو قائما لا رد ضمانه الخ) يعني: وإنما يجب رد ضمانه لو استهلكه، وفي هذا التفريع خفاء، لان المذكور قبله أن البيع الفاسد من جملة الربا، وإنما يظهر لو ذكر قبله أن الربا من جملة البيع الفاسد، لان حكم البيع الفاسد أنه يملك بالقبض ويجب رده لو قائما ورد مثله أو قيمته لو مستهلكا. مطلب في الابراء عن الربا وذكر في البحر عن القنية ما حاصله: أن شيخ صاحب القنية أفتى فيمن كان يشتري الدينار الردئ بخمسة دوانق ثم أبرأه غرماؤه عن الزائد بعد الاستهلاك بأنه يبرأ، ووافقه بعض علماء عصره، واستدل له بقول البزدوي: إن من جملة صور البيع الفاسد جملة العقود الربوية يملك العوض فيها بالقبض، وخالفه بعضهم قائلا: إن الابراء لا يعمل في الربا، لان رده لحق الشرع، وأيد صاحب القنية الأول بأن الزائد إذا ملكه القابض بالقبض، واستهلكه وضمن مثله، فلو لم يصح الابراء ولزمه رد مثل ما استهلكه لا يرتفع العقد السابق بل يتقرر مفيدا للملك في الزائد، فلم يكن في رده فائدة نقض عقد الربا ليجب حقا للشرع، لان الواجب حقا للشرع رد عين الربا لو قائما لا رد ضمانه ا ه. واستحسنه في النهر. قلت: وحاصله أن فيه حقين: حق العبد وهو رد عينه لو قائما ومثله لو هالكا، وحق الشرع وهو رد عينه لنقض العقد المنهي شرعا، وبعد الاستهلاك لا يتأتى رد عينه فتعين رد المثل وهو محض حق العبد ويصح إبراء العبد عن حقه فقول ذلك البعض: إن الابراء لا يعمل في الربا، لان رده لحق الشرع إنما يصح قبل الاستهلاك والكلام فيما بعده. ثم اعلم أن وجوب رد عينه لو قائما فيما لو وقع العقد على الزائد، أما لو باع عشرة دراهم بعشرة دراهم وزاده دانقا وهبه منه فإنه لا يفسد العقد كما يأتي بيانه قريبا. قوله: (خرج مسألة صرف الجنس بخلاف جنسه) كبيع كر بر وكر شعير بكري بر وكري شعير، فإن للثاني فضلا على الأول لكنه غير خال عن العوض لصرف الجنس لخلاف جنسه، والممنوع فضل المتجانسين. قوله: (بمعيار شرعي) متعلق بمحذوف صفة لفضل أو حال منه، ولو أسقط هذا القيد لشمل التعريف ربا النساء ويمكنه الاحتراز عن الذرع والعد بالتصريح بنفيه. قوله: (فليس الذرع والعد بربا) أي بذي ربا أو بمعيار ربا فهو على حذف مضاف أو الذرع، والعد بمعنى المذروع والمعدود: أي لا يتحقق فيهما ربا والمراد ربا الفضل لتحقق ربا النسيئة، فلو باع خمسة أذرع من الهروي بستة أذرع منه أو بيضة ببيضتين جاز لو يدا بيد، لا لو نسيئة، لان وجود الجنس فقط يحرم النساء لا الفضل كوجود القدر فقط كما يأتي. قوله: (مشروط) تركه أولى، فإنه مشعر بأن تحقق الربا يتوقف عليه وليس كذلك، والحد لا يتم بالعناية. قهستاني. فإن الزيادة بلا شرط ربا أيضا إلا أن يهبها على ما سيأتي. قوله: (أي بائع أو مشتر) أي مثلا
295 فمثلهما المقرضان والراهنان قهستاني قال: ويدخل فيه ما إذا شرط الانتفاع بالرهن كالاستخدام والركوب والزراعة واللبس وشرب اللبن وأكل الثمر، فإن الكل ربا حرام كما في الجواهر والنتف ا ه ط. قوله: (فلو شرط لغيرهما فليس بربا) عزاه في البحر إلى شرح الوقاية، وهذا مبني على ما حققناه من أن البيوع الفاسدة ليست كلها من الربا، بل ما فيه شرط فاسد فيه نفع لاحد المتعاقدين، فافهم. قوله: (بل بيعا فاسدا) عطف على محل خبر ليس ط وهذا مبني على ما قدمه في باب البيع الفاسد من أن الأظهر الفساد بشرط النفع للأجنبي، وبه اندفع ما في حواشي مسكين. قوله: (فليس لافضل في الهبة بربا) أي وإن كان مشروطا. ط عن الدر المنتقى: أي كما لو قال وهبتك كذا بشرط أن تخدمني شهرا فإن هذا شرط فاسد لا تبطل الهبة به كما سيأتي قبيل الصرف، وظاهر ما هنا أنه لو خدمه لم يكن فيه بأس. قوله: (فلو شرى الخ) تفريع على مفهوم قوله: مشروط. قوله: (وزاده دانقا) أي ولو لم يكن مشروطا في الشراء كما هو في عبارة الذخيرة المنقول عنها، فلو مشروطا وجب رده لو قائما كما مر عن القنية ثم إن. قوله: (وزاده) بضمير المذكر يفيد أن الزيادة مقصودة. وذكر ح أن الذي في المنح زادت بالتاء: أي زادت الدراهم، ومفاده أن الزيادة غير مقصودة، لكن الذي رأيته في المنح عن الذخيرة بدون تاء، وكذا في البحر عنها، وكذا رأيته في الذخيرة أيضا، فافهم. قوله: (وهذا) أي انعدام الربا بسبب الهبة إن ضرها: أي الدراهم الكسر، فلو لم يضرها الكسر لم تصح الهبة إلا بقسمة الدانق وتسليمه لامكان القسمة. قوله: (وفي صرف المجمع الخ) قال في الذخيرة من الفصل الرابع في الحط عن بدل الصرف: والزيادة فيه سوى أبو حنيفة بين الحط والزيادة، فحكم بصحتهما والتحاقهما بأصل العقد وبفساد العقد بتسميتهما، وكذا أبو يوسف سوى بينهما: أي فأبطلهما ولم يجعل شيئا منهما هبة مبتدأة، ومحمد فوق بينهما فصحح الحط هبة مبتدأة دون الزيادة. والفرق أن في الحط معنى الهبة، لان المحطوط يصير ملكا للمحطوط عنه بلا عوض، بخلاف الزيادة، إذ لو صحت تلتحق بأصل العقد، ويأخذ حصة من البيع والهبة تمليك بلا عوض، والتمليك بلا عوض لا يصلح كناية عن التمليك بعوض فلذا افتراقا ا ه. قلت: وتوضيحه أن الحط إسقاط بلا عوض، فيجعل كناية عن الهبة لأنها تمليك بلا عوض أيضا، بخلاف الزيادة فإنها تكون مع باقي الثمن عوضا عن المبيع، فكانت تمليكا بعوض فلا يصح جعلها كناية عن الهبة فلذا أبطلها. قوله: (كحط كل الثمن) وجه الشبه أن حط كل الثمن لو لم يجعل هبة مبتدأة التحق بأصل العقد فأفسده لبقائه بلا ثمن، وكذا الحط هنا، فإنه لو التحق يفوت التماثل ويفسد العقد فلذا جعل هبة مبتدأة. قوله: (والفرق بينهما خفي عندي) قد أسمعناك الفرق. وقال ح: قال الشيخ قاسم: ولكنه ظاهر عندي، لان من الحط ما يمكن أن لا يلحق بأصل العقد ويجعل هبة مبتدأة بالاتفاق وهو حط جميع الثمن، فكان البعض كالكل، بخلاف الزيادة فإنها لا تكون إلا ملحقة بالعقد وبذلك يفوت التساوي ا ه. قوله: (قال وفي الخلاصة الخ) أي قال ابن ملك ناقلا على الخلاصة
296 ما يفيد عدم الفرق بين الحط والزيادة، فإن قول الخلاصة: فحلله: أي وهبه زيادته جاز يفيد ذلك. قوله: (قلت الخ) استدراك على المجمع وتأييد لكلام شارحه. ابن ملك. قوله: (صريح في عدم الفرق بينهما) أي بين الزيادة والحط، فإن ما قدمه من قوله: إن وهبه منه انعدم الربا صريح في أن زيادة الدانق صحيحة عند محمد فينافي قول المجمع: إنه أجاز الحط وأبطل الزيادة. أقول: والذي يظهر لي أن ما قدمه الشارح عن الذخيرة عن محمد صريح في الفرق بينهما لا في عدمه، لان قوله: إن وهبه منه انعدم الربا صريح في أن الزيادة بدون الهبة باطلة، لان الحط والزيادة في الثمن أو في المبيع غير الهبة، ولذا، يلتحقان بالعقد كما تقدم قبل فصل القرض، فإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم ودفع خمسة عشرة، فإن جعل الخمسة زيادة في الثمن وقبل البائع ذلك في المجلس صح والتحقت بأصل العقد إن كان المبيع قائما، وإن جعل الخمسة هبة لم تصر زيادة في الثمن. بل تكون هبة مبتدأة فيراعى لها شروط الهبة من الافراز والتسليم سواء كان المبيع قائما أو لا، إذا علمت ذلك ظهر لك أن ما قدمه عن الذخيرة ليس من باب الزيادة في الثمن أو في المبيع لأنه جعله هبة مبتدأة حتى اشترط لها شرط الهبة وهو قوله: وهذا إن ضرها الكسر الخ ومثله ما نقله ابن ملك عن الخلاصة، فهذا صريح أنه لا يصح زيادة وإنما يصح هبة بشروطها، ولا مخالفة فيه لقول المجمع: إن محمدا أبطل الزيادة. والحاصل: أن محمدا أجاز هنا الحط دون الزيادة، لكنه يجعل الحط هبة مبتدأة لا حطا حقيقة لئلا يفسد العقد كما مر، وأما الزيادة فقد أبطلها لأنها لو التحقت بالعقد أفسدته، ولا يصح جعلها كناية عن الهبة لما مر فلذا بطلت، إلا إذا وهبه الزيادة صريحا، ولذا قال في الذخيرة: وإنما جاز هذا الصرف، لأنه لو لم يجز إنما لم يجز لمكان الربا، فإذا وهب الدانق منه فقد انعدم الربا ا ه، هكذا يجب أن يفهم هذا المحل، فافهم ثم لا يخفى أن هذا كله إذا لم تكن الزيادة مشروطة كما قدمناه عن الذخيرة، فلو مشروطة ووقع العقد على الكل وجب نقض العقد لحق الشرع، ولا تؤثر الهبة والابراء إلا بعد الاستهلاك كما مر تحريره عن القنية. قوله: (وعليه) أي على ما فهمه من التنافي بين العبارات المذكورة، وعلمت عدمه، وأن الزيادة إنما تصح إذا صرح بكونها هبة فتكون هبة بشروطها، ومع عدم التصريح فهي باطلة وهو الذي في المجمع. قوله: (فيفسد) لان الزيادة والحط يصحان عنده على حقيقتهما، لا بمعنى الهبة، وإذا صحا التحقا بأصل العقد فيفسد لعدم التساوي. قوله: (وعلته) العلة لغة: المرض الشاغل، واصطلاحا: ما يضاف إليه ثبوت الحكم بلا واسطة، وتمامه في البحر. قوله: (أي علة تحريم الزيادة) كذا فسر الضمير في الفتح، وهو أولى من قول بعضهم: أي علة الربا، لأنه وإن كان هو المذكور سابقا لكنه يحتاج إلى تقدير مضاف وهو لفظ تحريم، فافهم. وأراد بالزيادة الحقيقة كما في قوله بعده أي الزيادة وأما كون المراد بها هنا ما يشمل الحكمية: وهي الاجل، ففيه أن المصنف لم يدخلها في التعريف كما بيناه، فالمتبادر إرادة الزيادة المعرفة وهي الحقيقة، وأيضا فإن قوله:
297 القدر مع الجنس يختص بالحقيقة، لأن علة الحكمية أحدهما كما بينه بعده، فقد عرف الحقيقة وبين علتها لكونها هي المتبادرة عند الاطلاق، ثم ذكر علة الحكمية تتميما للفائدة، فافهم. قوله: (المعهود بكيل أو وزن) أشار إلى ما في الحواشي السعدية من أن أل في القدر للعهد، وبه اندفع ما في الفتح من اعتراضه على الهداية بشموله الذرع والعد، لكن الأولى أن يقول: وعلته الكيل أو الوزن لكونه أوضح، ولئلا يرد ما نذكره عن ابن كمال. تنبيه: ما ينسب إلى الرطل فهو وزني. قال في الهداية: معناه ما يباع بالأواقي لأنها قدرت بطريق الوزن حتى يحتسب ما يباع بها وزنا، بخلاف سائر المكاييل ا ه. قلت: وليس المراد بالرطل والأواقي معناهما المتعارف، بل المراد بالرطل كل ما يوزن به، بالأواقي الأوعية التي يوضع فيها الدهن ونحوه، وتقدر بوزن خاص مثل كوز الزيت في زماننا فإنه يباع الزيت به ويحسب بالوزن، هكذا يفهم من كلامهم، وعليه فالأواقي جمع واقية من الوقاية وهي الحفظ، لأنها يحفظ بها المانع ونحوه لتعسر وضعه في الميزان بدونها، ولذا في الخير الرملي: فعلى هذا الزيت والسمن والعسل ونحوها موزونات وإن كيلت بالمواعين لاعتبار الوزن فيها اه. قوله: (بالمد) أي مع فتح النون. قوله: (فلم يجز الخ) ترك التفريع على الفضل لظهوره ط: أي كبيع قفيز بر بقفيزين منه حالا. قوله: (متساويا) أما إذا وجد التفاضل مع النساء فالحرمة الفضل. أفاده ابن كمال ط. قوله: (وأحدهما نساء) أي ذو نساء، والجملة حالية، قال ط: فلو كان نسيئة يحرم أيضا لأنه بيع الكالئ بالكالئ. ابن كمال: أي النسيئة كمال. ثم اعلم أن ذكر النساء للاحتراز عن التأجيل، لان القبض في المجلس لا يشترط إلا في الصرف، وهو بيع الأثمان بعضها ببعض، أما ما عداه فإنما يشترط فيه التعيين دون التقابض كما يأتي. قوله: (كهروي بمرويين) الأولى أن يزيد نسيئة كما عبر في البحر وغيره ليكون مثالا لحل الفضل والنساء بسبب فقد القدر والجنس، فإن الثوب الهروي والثوب المروي بسكون الراء جنسان كما يعلم مما يأتي، وليسا بمكيل ولا موزون. قوله: (لعدم العلة الخ) لأن عدم العلة وإن كان لا يوجب الحكم لكن إذا اتحدت العلة لزم من عدمها العدم، لا بمعنى أنها تؤثر العدم، بل لا يثبت الوجود لعدم علته فيبقى عدم الحكم وهو عدم الحرمة فيما نحن فيه على عدمه الأصلي، وإذا عدم سبب الحرمة والأصل في البيع مطلقا الإباحة إلا ما أخرجه الدليل كان الثابت الحل. فتح. قوله: (أي القدر وحده) كالحنطة بالشعير. قوله: (أو الجنس) أي وحده كالهروي بهروي مثله. قوله: (حل الفضل الخ) فيحل كر بر بكري شعير حالا وهروي بهرويين حالا، ولو مؤجلا لم يحل. والحاصل: كما في الهداية أن حرمة ربا الفضل بالوصفين وحرمة النساء بأحدهما. قوله: (ولو مع التساوي) مبالغة على قوله: وحرم النساء فقط ح. قوله: (لوجود الجنسية) فيه أن علة الحكم هنا عدم قبول العبد التأجيل لا وجود الجنسية، فلو مثل ببيع هروي بمثله لكان أولى ح. قوله: (واستثنى
298 في المجمع الخ) وكذا في الهداية حيث قال: إلا أنه إذا أسلم النقود في الزعفران ونحوه: أي كالقطن والحديد والنحاس يجوز الخ قال في الفتح: فإن الوزن فيها مختلف، فإنه في النقود بالمثاقيل والدراهم الصنجات، وفي الزعفران بالامناء والقبان، وهذا اختلاف في الصورة بينهما، وبينهما اختلاف آخر معنوي، وهو أن النقود لا تتعين بالتعيين والزعفران وغيره يتعين: وآخر حكمي، وهو أنه لو باع النقود موازنة وقبضها كان له بيعها قبل الوزن، وفي الزعفران ونحوه: يشترط إعادة الوزن، فإذا اختلفا: أي النقود ونحو الزعفران في الوزن صورة ومعنى وحكما لم يجمعهما القدر من كل وجه، ثم ضعف في الفتح هذه الفروق وقال: إن الوجه أن يستثنى إسلام النقود في الموزونات بالاجماع كي لا ينسد أكثر أبواب السلم، وسائر الموزونات غير النقد لا يجوز أن تسلم في الموزونات وإن اختلفت أجناسها، كإسلام حديد في قطن وزيت في جبن وغير ذلك، إلا إذا خرج من أن يكون وزنيا بالصنعة إلا في الذهب والفضة، فلو أسلم سيفا فيما يوزن جاز إلا في الحديد، لان السيف خرج من أن يكون موزونا، ومنعه في الحديد لاتحاد الجنس، وكذا يجوز بيع إناء من غير النقدين بمثله من جنسه يدا بيد نحاسا كان أو حديدا، وإن كان أحدهما أثقل من الآخر، بخلافه من الذهب والفضة فإنه يجري فيها ربا الفضل وإن كانت لاتباع وزنا، لان الوزن منصوص عليه فيهما فلا يتغير بالصنعة فلا يخرج عن الوزن بالعادة. قوله: (ونقل ابن الكمال) عبارة ابن الكمال: وعلته الكيل أو الوزن مع الجنس لم يقل القدر مع الجنس، لان القدر مشترك بين المكيل والموزون، فعلى تقدير ما ذكر يلزم أن لا يجوز إسلام الموزون في المكيل، لان أحد الوصفين محرم للنساء وقد نص على جواز إسلام الحنطة في الزيت ا ه وكتب في الهامش أن المسألة مذكورة في غاية البيان اه. قلت: وحاصل ما ذكره أنه لو عبر بالقدر ثم قال: وإن وجد أحدهما الخ لأفاد تحريم إسلام الموزون في المكيل، لأنه قد وجد القدر وإن كان مختلفا، بخلاف ما لو عبر بالكيل أو الوزن: أي بأو التي لاحد الشيئين فإنه لا يشمل القدر المختلف، لكن فيه أن لفظ القدر مشترك كما قال: ولا يجوز استعماله في كلا معنييه عندنا، فإذا ذكر لا بد أن يراد منه إما الكيل وحده أو الوزن وحده، فيساوي التعبير بالكيل أو الوزن إلا أن يدعي أن القدر مشترك معنوي لا لفظي تأمل. قوله: (ومفاده) أي مفاد ما ذكر من جواز إسلام منقود في موزون وإسلام الحنطة في الزيت، فإنه قد وجد في الأول القدر المتفق، وفي الثاني القدر المختلف، فافهم. قوله: (فليحرر) تحريره ما أفاده عقبة من أن المراد بقولهم: وعلته القدر هو القدر المتفق كبيع موزون بموزون أو مكيل بمكيل، بخلاف المختلف كبيع مكيل بموزون نسيئة فإنه جائز، ويستثنى من الأول إسلام منقود في موزون للاجماع كما مر. قوله: (وقد مر في السلم الخ) بيان لتحرير المراد، لكن اعترض بأن السلم سيأتي بعد، وهذا على نسخة فتنبه بالفاء، والامر بالتنبه وفي بعض النسخ قنية بالقاف اسم الكتاب المشهور، وصاحب القنية قدم السلم أول البيع فصح قوله: وقد مر في السلم. تنبيه: ما أفاده من أن حرمة النساء بالقدر المتفق مؤيد لما نقله ابن كمال من جواز إسلام الحنطة
299 في الزيت لاختلاف القدر لكون الحنطة مكيلا والزيت موزونا. وبقي ما لو أسلم الحنطة في شعير وزيت: أي في مكيل وموزون، وقد نص في كافي الحاكم على أنه لا يجوز عندهما، ويجوز عند محمد في حصة الزيت. قوله: (متفاضلا) أي ونسيئة وتركه لفهمه لزوما، فإنه كلما حرم الفضل حرم النساء ولا عكس وكلما حل النساء حل الفضل ولا عكس ا ه. قوله: (خلافا للشافعي) فإنه جعل العلة الطعم والثمنية، فما ليس بمطعوم ولا ثمن فليس بربوي. قوله: (كيلي) قيد به احترازا عما إذا اصطلح الناس على بيعه جزافا، فإن التفاضل فيه جائز ومثله قوله: وزني فإنه احتراز عما إذا لم يتعارفوا وزنه أو عن بعض أنواعه كالسيف ا ه ح: أي فإن السيف خرج بالصنعة عن كونه وزنيا فيحل بيعه بجنسه متفاضلا بشرط الحلول كما مر. قوله: (ثم اختلاف الجنس الخ) الأولى ذكر هذا عند قوله قبله: وإن عدما الخ لأنه لا ذكر هنا لاختلاف الجنس، إلا أن يقال: إن قوله بجنسه يستدعي معرفة ما يختلف به الجنس ليعلم ما يتحد به. قوله: (كما بسطه الكمال) حيث قال بعدما تقدم: فالحنطة والشعير جنسان، خلافا لمالك لأنهما مختلفان اسما ومعنى، وإفراد كل عن الآخر في قوله (ص): الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير يدل عليه، وإلا قال الطعام بالطعام، والثوب الهروي والمروي جنسان لاختلاف الصنعة وقوام الثوب بها، وكذا المروي المنسوج ببغداد وخراسان واللبد الأرمني والطالقاني جنسان والتمر كله جنس واحد، والحديد والرصاص والشبه أجناس، وكذا غزل الصوف والشعر ولحم البقر والضأن والمعز والالية واللحم وشحم البطن أجناس، ودهن البنفسج والجيري جنسان والادهان المختلفة أصولها أجناس، ولا يجوز بيع رطل زيت غير مطبوخ برطل مطبوخ مطيب، لان الطيب زيادة ا ه ملخصا. وسيذكر الشارح أن الاختلاف باختلاف الأصل أو المقصود أو بتبدل الصفة، ويأتي بيانه. قوله: (متماثلا) الشرط تحقق ذلك عند العقد. ففي الفتح: لو تبايعا مجازفة ثم كيل بعد ذلك، فظهرا متساويين لم يجز خلافا لزفر، لان العلم بالمساواة عند العقد شرط الجواز ا ه. لكن ذكر في البحر أول كتاب الصرف عن السراج: لو تبايعا ذهبا بذهب أو فضة بفضة مجازفة لم يجز، فإن علم التساوي في المجلس وتفرقا عن قبض صح ا ه فيحمل الأول على ما إذا علم التساوي بعد المجلس. تأمل. قوله: (لا متفاضلا) صرح به وإن علم بالمقابلة بما قبله إشارة إلى أن المراد التماثل في القدر فقط لما قدمه في البيع الفاسد من أنه لا يصح بيع درهم بدرهم استويا وزنا وصفة لكونه غير مفيد، تأمل. قوله: (وبلا معيار شرعي) قال في الفتح: لما حصروا المعرف في الكيل والوزن أجازوا ما لا يدخل تحت الكيل مجازفة كتفاحة بتفاحتين وحفنة بحفنتين لعدم وجود المعيار المعرف للمساواة، فلم يتحقق الفضل، ولهذا كان مضمونا بالقيمة عند الاتلاف لا بالمثل. ثم قال: وهذا إذا لم يبلغ كل واحد من البدلين نصف صاع، فلو بلغه أحدهما لم يجز حتى لا يجوز بيع نصف صاع فصاعدا بحفنة ا ه. ثم رجح الحرمة مطلقا، ويأتي بيانه. قوله: (لم يقدر المعيار بالذرة) وقال في البحر: لو باع ما لا يدخل تحت الوزن، كالذرة من ذهب وفضة بما لا يدخل تحته جاز لعدم التقدير شرعا إذ لا يدخل تحت الوزن ا ه. وظاهر قوله كالذرة أنها غير قيد، ويؤيده قول المصنف وذرة من ذهب الخ فيشمل الذرتين والأكثر مما لا يوزن، والظاهر أن الحبة معيار شرعا فلو باع نصف درهم بنصف إلا حبة لم يجز كما سيأتي آخر الصرف، فقد اعتبروا الحبة
300 مقدارا شرعيا. وفي الفتح عن الاسرار: ما دون الحبة من الذهب والفضة لا قيمة له ا ه. ومقتضاه أن ما دون الحبة في حكم الذرة، فالمراد بالذرة هنا ما لا يبلغ حبة، فافهم. قوله: (كحفنة) بفتح المهملة وسكون الفاء ملء الكفين كما في الصحاح والمقاييس، لكن في المغرب والقاموس والطلبة والنهاية ملء الكفء قهستاني. قوله: (ما لم يبلغ نصف صاع) أي فإذا بلغ نصف صاع لم يصح بيعه بحفنة كما ذكرناه آنفا عن الفتح. قوله: (وفلس بفلسين) هذا عندهما. وقال محمد: لا يجوز. ومبنى الخلاف على أن الفلوس الرائجة أثمان، والأثمان لا تتعين بالتعيين، فصار عنده كبيع درهم بدرهمين. وعندهما: لما كانت غير أثمان خلقة بطلت ثمنيتها باصطلاح العاقدين، وإذا بطلت تتعين بالتعيين كالعروض. وتمامه في الفتح. قوله: (بأعيانهما) أي بسبب تعين ذات البدلين ونقديتهما، فالباء السببية، لا بمعنى مع كما ظن، فإنه حال ولم يجز تنكير صاحبها كما تقرر، قهستاني. قلت: كون الباء للسببية بعيد، لان قوله: بأعيانهما شرط لصحة البيع لا سبب، وكونها بمعنى مع لا يلزم كونه حالا بل يجوز كونه صفة. تأمل. قوله: (إنه قيد في الكل) المتبادر من كلام الفتح وغيره أنه قيد لقوله: وفلس بفلسين وقد يقال: يعلم أنه قيد للكل بالأولى، لأنه إذا اشترط التعيين في مسألة الفلوس مع الاختلاف في بقائها أثمانا أو لا ففي غيرها بالأولى، إذ لا خلاف في أن غيرها ليس أثمانا بل في حكم العروض فلا بد من تعيينها. تأمل. قوله: (فلو كانا) أي البدلان، وهذا بيان لمحترز قوله: بأعيانهما. قوله: (لم يجز اتفاقا) قال في النهر بعده: غير أن عدم الجواز عند انتفاء تعينهما باق وإن تقابضا في المجلس، بخلاف ما لو كان أحدهما فقط وقبض الدين فإنه يجوز، كذا في المحيط ا ه. وحاصله: أن الصور أربع ما لو كانا معينين، وهو مسألة المتن الخلافية، وما إذا كانا غير معينين فلا يصح اتفاقا مطلقا، وما لو عين أحد البدلين دون الآخر. وفيه صورتان: فإن قبض المعين منهما صح، وإلا فلا، وهذا مخالف لاطلاق المصنف الآتي في قوله: باع فلوسا بمثلها ويأتي تمامه. قوله: (وبيضة ببيضتين) فيه أن هذا مما لم يدخله القدر الشرعي كالسيف والسيفين والإبرة والإبرتين، فجواز التفاضل لعدم دخول القدر الشرعي فيهما، ويحرم النساء لوجود الجنس ط. والجواب أن قول المصنف وبلا معيار شرعي أعم من أن يكون مما يمكن تقديره بالمعيار الشرعي أو لا، فالعلة في الكل عدم القدر كما صرح به الزيلعي، وأفاده الشارح بعد، فافهم. قوله: (وسيف بسيفين الخ) لأنه بالصنعة خرج عن كونه وزنيا كما قدمناه عن الفتح. قوله: (وإناء بأثقل منه) أي إذا كان لا يباع وزنا لما في البحر عن الخانية باع إناء من حديد بحديد إن كان الاناء يباع وزنا تعتبر المساواة في الوزن، وإلا فلا، وكذا لو كان الاناء من نحاس أو صفر باعه بصفر ا ه. قوله: (فيمتنع التفاضل) أي وإن كانت لا تباع وزنا، لان صورة الوزن منصوص عليها في النقدين فلا تتغير بالصنعة، فلا تخرج عن الوزن بالعادة كما قدمناه عن الفتح. قوله: (مما لا يدخل تحت الوزن) بيان لقوله: وذرة أشار به إلى ما قدمناه من
301 أن الذرة غير قيد. قوله: (بمثليها) أي بمثلى الذرة، وفي بعض النسخ بصيغة المفرد، والأولى أولى لموافقته لقوله: حفنة بحفنتين الخ. قوله: (فجاز الفضل الخ) تفريع على جميع ما مر ببيان أن وجه جواز الفضل في هذه المذكورات كونها غير مقدرة شرعا وإن اتحد الجنس ففقدت إحدى العلتين، فلذا حل الفضل وحرم النساء، ولم يصرح المصنف باشتراط الحلول لعلمه مما سبق. قوله: (حتى لو انتفى) أي الجنس قوله: (فيحل) الأولى إسقاط الفاء لأنه جواب لو. قوله: (مطلقا) أي حالا ونسيئة. قوله: (وصحح كما نقله الكمال) مفاده أن الكمال نقل تصحيحه عن غيره، مع أنه هو الذي بحث ما يفيد تصحيحه، فإنه ذكر ما مر من عدم التقدير شرعا بما دون نصف صاع، ثم قال: ولا يسكن الخاطر إلى هذا، بل يجب بعد التعليل بالقصد إلى صيانة أموال الناس تحريم التفاحة بالتفاحتين والحفنة بالحفنتين، أما إن كان مكاييل أصغر منها كما في ديارنا من وضع ربع القدح وثمن القدح المصري فلا شك، وكون الشرع لم يقدر بعض المقدرات الشرعية في الواجبات المالية كالكفارات وصدقة الفطر بأقل منه لا يسلتزم إهدار التفاوت المتيقن، بل لا يحل بعد تيقن التفاضل مع تيقن تحريم إهداره ولقد أعجب غاية العجب من كلامهم هذا. وروى المعلى عن محمد أنه كره التمرة بالتمرتين وقال: كل شئ حرم في الكثير فالقليل منه حرام ا ه، فهذا كما ترى تصحيح لهذه الرواية، وقد نقل من بعده كلامه هذا وأقروه عليه كصاحب البحر والنهر والمنح والشرنبلالية والمقدسي. قوله: (كبر وشعير الخ) أي كهذه الأربعة والذهب والفضة، فالكاف في الموضعين استقصائية كما في الدر المنتقى. قوله: (ولا يتغير أبدا) أي سواء وافقه العرف أو صار العرف بخلافه. قوله: (ولو مع التساوي) أي التساوي وزنا في الحنطة وكيلا في الذهب لاحتمال التفاضل بالمعيار المنصوص عليه، أما لو علم تساويهما في الوزن والكيل معا جاز ويكون المنظور إليه هو المنصوص عليه. مطلب في أن النص أقوى من العرف قوله: (لان النص الخ) يعني: لا يصح هذا البيع وإن تغير العرف، فهذا في الحقيقة تعليل لوجوب اتباع المنصوص. قال في الفتح: لان النص أقوى من العرف، لان العرف جاز أن يكون على باطل كتعارف أهل زماننا في إخراج الشموع والسرج إلى المقابر ليالي العيد، والنص بعد ثبوته لا يحتمل أن يكون على باطل، ولان حجية العرف على الذين تعارفوه والتزموه فقط، والنص حجة على الكل فهو أقوى، ولان العرف إنما صار حجة بالنص وهو قوله (ص): ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ا ه. قوله: (وما لم ينص عليه) كغير الأشياء الستة. قوله: (حمل على العرف) أي على عادات الناس في الأسواق، لأنها: أي العادة دالة على الجواز فيما وقعت عليه للحديث. فتح. قوله: (وعن الثاني) أي عن أبي يوسف، وأفاد أن هذه رواية خلاف المشهور عنه. قوله: (مطلقا) أي وإن كان خلاف النص، لان النص على ذلك الكيل في الشئ أو الوزن فيه ما كان في ذلك الوقت، إلا لان
302 العادة إذ ذاك كذلك وقد تبدلت فتبدل الحكم، وأجيب بأن تقريره (ص) إياهم على ما تعارفوا من ذلك بمنزلة النص منه عليه فلا يتغير بالعرف، لان العرف لا يعارض النص، كذا وجه ا ه فتح. قوله: (ورجحه الكمال) حيث قال عقب ما ذكرنا: ولا يخفى أن هذا لا يلزم أبا يوسف، لان قصاراه أنه كنصه على ذلك، وهو يقول يصار إلى العرف الطارئ بعد النص بناء على أن تغير العادة يستلزم تغير النص، حتى لو كان (ص) حيا نص عليه ا ه. وتمامه فيه. وحاصله توجيه قول أبي يوسف أن المعتبر العرف الطارئ بأنه لا يخالف النص بل يوافقه، لان النص على كيلية الأربعة، ووزنية الذهب والفضة مبني على ما كان في زمنه (ص) من كون العرف كذلك، حتى لو كان العرف إذ ذاك بالعكس لو رد النص موافقا له، ولو تغير العرف في حياته (ص) لنص على تغير الحكم. وملخصه: أن النص معلول بالعرف، فيكون المعتبر هو العرف في أي زمن كان، ولا يخفى أن هذا فيه تقوية لقول أبي يوسف، فافهم. مطلب: في استقراض الدراهم عددا قوله: (وخرج عليه سعدي أفندي) أي في حواشيه على العناية، ولا يختص هذا بالاستقراض بل مثله البيع والإجارة، إذ لا بد من بيان مقدار الثمن أو الأجرة الغير المشار إليهما، ومقدار الوزن لا يعلم بالعد كالعكس. وكذا قال العلامة البركوي في أواخر الطريقة المحمدية: إنه لا حيلة فيه إلا التمسك بالرواية الضعيفة عن أبي يوسف. لكن ذكر شارحها سيدي عبد الغني النابلسي ما حاصله: أن العمل بالضعيف مع وجود الصحيح لا يجوز، ولكن نحن نقول: إذا كان الذهب والفضة مضروبين، فذكر العد كناية عن الوزن اصطلاحا لان لهما وزنا مخصوصا، ولذا نقش وضبط، والنقصان الحاصل بالقطع أمر جزئي لا يبلغ المعيار الشرعي، وأيضا فالدرهم المقطوع عرف الناس مقداره، فلا يشترط ذكر الوزن إذا كان العد دالا عليه، وقد وقع في بعض العبارات ذكر العد بدل الوزن، حيث عبر في زكاة درر البحار بعشرين ذهبا، وفي الكنز بعشرين دينارا بدل عشرين مثقالا ا ه ملخصا. وهو كلام وجيه. ولكن هذا ظاهر فيما إذا كان الوزن مضبوطا بأن لا يزيد دينار على دينار، ولا درهم على درهم، والواقع في زماننا خلافه، فإن النوع الواحد من أنواع الذهب، والفضة المضروبين قد يختلف في الوزن كالجهادي والعدلي والغازي من ضرب سلطان زماننا أيده الله، فإذا استقرض مائة دينار من نوع فلا بد أن يوفي بدلها مائة من نوعها الموافق لها في الوزن، أو يوفي بدلها وزنا لا عددا، وأما بدون ذلك فهو ربا لأنه مجازفة، والظاهر أنه لا يجوز على رواية أبي يوسف أيضا، لان المتبادر مما قدمناه من اعتبار العرف الطارئ على هذه الرواية أنه لو تعورف تقدير المكيل بالوزن أو بالعكس اعتبر، أما لو تعورف إلغاء الوزن أصلا كما في زماننا من الاقتصار على العدد بلا نظر إلى الوزن، فلا يجوز لا على الروايات المشهورة، ولا على هذه الرواية لما يلزم عليه من إبطال نصوص التساوي بالكيل أو الوزن المتفق على العمل بها عند الأئمة المجتهدين. نعم إذا غلب الغش على النقود فلا كلام في جواز استقراضها عددا بدون وزن اتباعا للعرف، لخلاف بيعها بالنقود الخالصة، فإنه لا يجوز إلا وزنا كما سيأتي في كتاب الصرف إن شاء الله
303 تعالى وتمام الكلام على هذه المسألة مبسوط في رسالتنا (نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف) فراجعها. قوله: (وبيع الدقيق الخ) لا حاجة إلى استخراجه، فقد وجد في الغياثية عن أبي يوسف أنه يجوز استقراضه وزنا إذا تعارف الناس ذلك، وعليه الفتوى ا ه ط. وفي التاترخانية: وعن أبي يوسف : يجوز بيع الدقيق واستقراضه وزنا إذا تعارف الناس ذلك استحسن فيه ا ه ونقل بعض المحشين عن تلقيح المحبوبي أن بيعه وزنا جائز، لان النص عين الكيل في الحنطة دون الدقيق ا ه ومقتضاه أنه على قول الكل، لان ما لم يرد فيه نص يعتبر فيه العرف اتفاقا، لكن سنذكر عن الفتح أن فيه روايتين، وأنه في الخلاصة جزم برواية عدم الجواز. قوله: (يعني بمثله) المراد من التخريج على هذه الرواية بيع الدقيق وزنا بمثله احترازا عن بيعه وزنا بالدراهم، فإنه جائز اتفاقا كما في الذخيرة، ونصه: قال شيخ الاسلام: وأجمعوا على أن ما ثبت كيله بالنص إذا بيع وزنا بالدراهم يجوز، وكذلك ما ثبت وزنه بالنص. قوله: (وفي الكافي الفتوى على عادة الناس) ظاهر البحر وغيره أن هذا في السلم ففي المنح عن البحر: وأما الاسلام في الحنطة وزنا ففيه روايتان، والفتوى على الجواز لان الشرط كونه معلوما، وفي الكافي: الفتوى على عادة الناس ا ه. قال في النهر وقول الكافي: الفتوى على عادة الناس، يقضي أنهم لو اعتادوا أن يسلموا فيها كيلا وأسلم وزنا لا يجوز ولا ينبغي ذلك، بل إذا اتفقا على معرفة كيل أو وزن ينبغي أن يجوز لوجود المصحح، وانتفاء المانع، كذا في الفتح ا ه. والحاصل أن عدم جواز الوزن في الأشياء الأربعة المنصوص على أنها مكيلة إنما هو فيما إذا بيعت بمثلها، بخلاف بيعها بالدراهم كما إذا أسلم دراهم في حنطة، فإنه يجوز تقديرها بالكيل أو الوزن وظاهر الكافي وجوب اتباع العادة في ذلك، وما بحثه في الفتح ظاهر ويؤيده ما قدمناه آنفا عن الذخيرة. قوله: (بحر وأقره المصنف) الظاهر أن مراده بهذا تقوية كلام الكافي، وأنه لم يرض بما ذكره في النهر عن الفتح لكن علمت ما يؤيده. قوله: (والمعتبر تعيين الربوي في غير الصرف) لان غير الصرف يتعين بالتعيين، ويتمكن من التصرف فيه، فلا يشترط قبضه كالثياب: أي إذا بيع ثوب بثوب بخلاف الصرف، لان القبض شرط فيه للتعيين، فإنه لا يتعين بدون القبض، كذا في الاختيار. وحاصله: أن الصرف وهو ما وقع على جنس الأثمان ذهبا وفضة بجنسه، أو بخلاف لا يحصل فيه التعيين إلا بالقبض، فإن الأثمان لا تتعين مملوكة إلا به، ولذا كان لكل من العاقدين تبديلها أما غير الصرف فإنه يتعين بمجرد التعيين قبل القبض. قوله: (ومصوغ ذهب وفضة) عطف خاص على عام، فإن المصوغ من الصرف كما سيصرح به الشارح في بابه وكأنه خصه بالذكر لدفع ما يتوهم من خروجه عن حكم الصرف بسبب الصنعة. قوله: (حتى لو باع الخ) قال في البحر: بيانه كما ذكره الأسبيجابي بقوله: وإذا تبايعا كيليا بكيلي أو وزنيا بوزني كلاهما من جنس واحد أو من جنسين مختلفين، فإن البيع لا يجوز حتى يكون كلاهما عينا أضيف إليه العقد، وهو حاضر أو غائب بعد أن يكون موجودا في ملكه، والتقابض قبل الافتراق بالأبدان ليس بشرط لجوازه، إلا في الذهب والفضة، لو كان أحدهما عينا أضيف إليه العقد، والآخر دينا موصوفا في الذمة فإنه ينظر إن جعل الدين منهما ثمنا، والعين مبيعا جاز البيع بشرط أن يتعين الدين منهما قبل التفرق بالأبدان، وإن جعل
304 الدين منهما مبيعا لا يجوز وإن أحضره في المجلس، والذي ذكر فيه الباء ثمن وما لم يدخل فيه الباء مبيع. وبيانه: إذا قال بعتك هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيز حنطة جيدة، أو قال بعت منك هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيز من شعير جيد فالبيع جائز، لأنه جعل العين منهما مبيعا والدين الموصوف ثمنا، ولكن قبض الدين منهما قبل التفرق بالأبدان شرط، لان من شرط جواز هذا البيع أن يجعل الافتراق عن عين بعين، وما كان دينا لا يتعين إلا بالقبض، ولو قبض الدين منهما ثم تفرقا جاز البيع قبض العين منهما أو لم يقبض، ولو قال: اشتريت منك قفيز حنطة جيدة بهذا القفيز من الحنطة أو قال: اشتريت منك قفيزي شعير جيد بهذا القفيز من الحنطة، فإنه لا يجوز وإن أحضر الدين في المجلس، لأنه جعل الدين مبيعا فصار بائعا ما ليس عنده، وهو لا يجوز ا ه ح. قوله: (خلافا للشافعي في بيع الطعام) أي كل مطعوم حنطة أو شعير أو لحم أو فاكهة فإنه يشترط فيه التقابض وتمامه في الفتح. قوله: (وجيد مال الربا ورديئه سواء) أي فلا يجوز بيع الجيد بالردئ مما فيه الربا إلا مثلا بمثل لإهدار التفاوت في الوصف هداية. قوله: (لا حقوق العباد) عطف على مال الربا. قال في المنح: قيد بمال الربا، لان الجودة معتبرة في حقوق العباد، فإذا أتلف جيدا لزمه مثله قدرا وجودة إن كان مثليا، وقيمته إن كان قيميا، ولكن لا تستحق: أي الجودة بإطلاق عقد البيع، حتى لو اشترى حنطة أو شيئا فوجده رديئا بلا عيب لا يرده كما في البحر معزيا إلى صرف المحيط ا ه ح: أي لان العيب هو العارض على أصل الخلقة والجودة أو الرداءة في الشئ أصل في خلقته، بخلاف العيب العارض كالسوس في الحنطة أو عفنها فله الرد به لا بالرداءة، إلا باشتراط الجودة كما قدمنا بيانه في خيار العيب. تنبيه: أراد بحقوق العباد ما ليس من الأموال الربوية: أي ما لا يجمعها قدر وجنس ولا يتقيد ذلك بالاتلاف، ولذا قال البيري: قيد بالأموال الربوية لان الجودة في غيرها لها قيمة عند المقابلة بجنسها، كمن اشترى ثوبا جيدا بثوب ردئ وزيادة درهم بإزاء الجودة كان ذلك جائزا كما في الذخيرة ا ه. قوله: (إلا في أربع الخ) فيه أن هذه الأربعة من حقوق العباد أيضا، وإن كان المراد من حقوق العباد خصوص الضمان عند التعدي، فالمناسب أن يذكره مع الأربع ويقول: إلا في خمس، ثم إن الأولى ذكرها في البحر بحثا، فإنه قال: وتعتبر أي الجودة في الأموال الربوية في مال اليتيم، فلا يجوز للوصي بيع قفيز حنطة جيدة بقفيز ردئ، وينبغي أن تعتبر في مال الوقف لأنه كاليتيم: ثم قال: وفي حق المريض حتى تنفذ من الثلث، وفي الرهن القلب إذا انكسر عند المرتهن ونقصت قيمته، فإن المرتهن يضمن قيمته ذهبا ويكون رهنا عنده ا ه. قلت: والقلب بضم القاف وسكون اللام: ما يلبس في الذراع من فضة، جمعه قلبة كقرط وقرطة: وهي الحلق في الاذن، فإن كان من ذهب فهو السوار كما في البيري عن شرح التلخيص للخلاطي، وقوله: فإن المرتهن يضمن قيمته ذهبا: أفاد به أن ضمان القيمة إنما يكون من خلاف جنسه، إذ لو ضمن قيمته فضة، وهي أكثر من وزنه بسبب الصياغة يلزم الربا، ولو ضمن مثل وزنه يلزم إبطال حق المالك، ففي تضمينه القيمة من خلاف الجنس إعمال لحق الشرع وحق العبد، وليس هذا خاصا بقلب الرهن، بل مثله كل مثلي تعيب بغصب أو نحوه، فإنه يضمن بقيمته من خلاف
305 جنسه، كما قدمناه في باب خيار الشرط فيما لو كان الخيار للمشتري وهلك في يده، ولا يلزم قبض القيمة قبل التفرق، لأنه صرف حكما لا حقيقة كما سنذكره في الصرف. وبما قررناه علم أن استثناء هذه المسائل من إهدار الجودة بإثبات اعتبارها إنما هو لمراعاة حق العبد، لكن على وجه لا يؤدي إلى إبطال حق الشرع، فما قيل إنه يفهم من استثنائها أنه يجوز للوصي بيع قفيز جيد بقفيزين رديئين نظرا للجودة المعتبرة في مال اليتيم ونحوه من بقية المسائل، وهو خطأ للزوم الربا غير وارد، لان المراد أنه لا يجوز إهدار الجودة في مال اليتيم ونحوه، حتى لا يجوز للوصي بيع قفيزه الجيد بقفيز ردئ ولا يلزم من اعتبار أحد الحقين إهدار الحق الآخر، فاغتنم تحقيق هذا المحل. قوله: (فإن نقد أحدهما جاز الخ) نقل المسألة في البحر عن المحيط، لكنه وقع فيه تحريف حيث قال: وإن تفرقا بلا قبض أحدهما جاز، وصوابه لم يجز، كما عبر الشارح ونبه عليه الرملي، ثم إنه نقل في البحر قبله عن الذخيرة في مسألة بيع فلس بفلسين بأعيانهما أن محمدا ذكرها في صرف الأصل، ولم يشترط التقابض، وذكر في الجامع الصغير ما يدل على أنه شرط، فمنهم من لم يصحح الثاني، لان التقابض مع التعيين شرط في الصرف، وليس به، ومنهم من صححه، لان الفلوس لها حكم العروض من وجه وحكم الثمن من وجه، فجاز التفاضل للأول واشترط التقابض للثاني ا ه. وأنت خبير بأن لفظ التقابض يفيد اشتراطه من الجانبين، فقوله فإن نقد أحدهما جاز قول ثالث، لكن يتعين حمل ما في الأصل على هذا فلا يكون قولا آخر، لان ما في الأصل لا يمكن حمله، على أنه لا يشترط التقابض، ولو من أحد الجانبين، لأنه يكون افتراقا عن دين بدين وهو غير صحيح، فيتعين حمله على أنه لا يشترط منهما جميعا بل من أحدهما فقط. فصار الحاصل أن ما في الأصل يفيد اشتراطه من أحد الجانبين، وما في الجامع اشتراطه منهما، ثم إن الذي مر اشتراط التعيين في البدلين أو أحدهما مع القبض في المجلس فلو غير معينين لم يصح وإن قبضا في المجلس فقوله لما مر فيه نظر. تنبيه: سئل الحانوتي عن بيع الذهب بالفلوس نسيئة، فأجاب: بأنه يجوز إذا قبض أحد البدلين، لما في البزازية لو اشترى مائة فلس بدرهم يكفي التقابض من أحد الجانبين. قال: ومثله ما لو باع فضة أو ذهبا بفلوس كما في البحر عن المحيط. قال: فلا يغتر بما في فتاوى قارئ الهداية من أنه لا يجوز بيع الفلوس إلى أجل بذهب أو فضة لقولهم: لا يجوز إسلام موزون في موزون، إلا إذا كان المسلم فيه مبيعا كزعفران والفلوس غير مبيعة بل صارت أثمانا ا ه. قلت: والجواب حمل ما في فتاوى قارئ الهداية، على ما دل عليه كلام الجامع من اشتراط التقابض من الجانبين، فلا يعترض عليه بما في البزازية المحمول على ما في الأصل، وهذا أحسن مما أجاب به في صرف النهر من أن مراده بالبيع السلم والفلوس لها شبه بالثمن، ولا يصح السلم في الأثمان، ومن حيث إنها عروض في الأصل اكتفى بالقبض من أحد الجانبين. تأمل. قوله: (فيجوز كيفما كان) أي سواء كان اللحم من جنس ذلك الحيوان أو لا، مساويا لما في الحيوان أو لا نهر.
306 قوله: (أما نسيئة فلا) لأنها إن كانت في الحيوان أو في اللحم كان سلما، وهو في كل منهما غير صحيح نهر. قوله: (وشرط محمد زيادة المجانس) قال في النهر: وقال محمد: إن كان يغير جنسه كلحم البقر بالشاة الحية جاز كيفما كان، وإن كان بجنسه كلحم شاة بشاة حية فلا بد أن يكون اللحم المفرز أكثر من الذي في الشاة، لتكون الشاة بمقابلة مثله من اللحم وباقي اللحم بمقابلة السقط. قوله: (ولو باع مذبوحة بحية) قال في النهر: أما على قولهما فظاهر، وأما على قول محمد فلانه لحم بلحم وزيادة اللحم في إحداهما مع سقطها بإزاء السقط ا ه. والظاهر أنه يقال ذلك في المذبوحة بالمذبوحة ط. قوله: (وكذا المسلوختين) أي وكذا بيع المسلوختين، ففيه خلاف المضاف وإبقاء المضاف إليه على إعرابه. قوله: (عن السقط) بفتحتين قال في الفتح: المراد به ما لا يطلق عليه اسم اللحم كالكرش والمعلاق والجلد والأكارع ا ه. قوله: (كرباس) بكسر الكاف: ثوب من القطن الأبيض قاموس. قوله: (كيفما كان) متساويا أو متفاضلا ا ه ح. قوله: (لاختلافهما جنسا) لأنه وإن اتحد الأصل فقد اختلفت الصفة كالحنطة والخبز، ولك اختلاف جنس كما سيأتي، وعلله في الاختيار باختلاف المقصود والمعيار. قوله: (في قول محمد) وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا متساويا. بحر وأفاد أن بيع الكرباس بالقطن لا خلاف فيه، وبه صرح في الاختيار. قلت: لان القطن يصير غزلا ثم يصير كرباسا، فالغزل أقرب إلى القطن من الكرباس، فلذا ادعى أبو يوسف المجانسة بين الغزل والقطن لا بين الكرباس والقطن. قوله: (وهو الأصح) والفتوى عليه كما في الاختيار، وفي البحر أنه الأظهر. قوله: (وفي القنية) أي عن أبي يوسف: قوله: (لأنهما ليسا بموزونين) أي بل أحدهما موزون فقط، وهو الغزل فلم يجمعهما القدر، فجاز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا. وقوله: ولا جنسين أي بل هما جنس واحد، لأنهما من أجزاء القطن، فلذا قيد بقوله: يدا بيد فيحرم النساء لاتحاد الجنس، ويظهر لي أن ما في القنية محمول على ثياب يمكن نقضها لكن لا تباع وزنا كما قيده آخرا، فيظهر اتحاد الجنس نظرا لما بعد النقض، وحينئذ فلا يخالف قول الشارح في بيع الكرباس بالقطن لاختلافهما جنسا، لان الكرباس بالنقض يعود غزلا لا قطنا، فاختلاف الجنس بعد النقض في صورة بيع الكرباس بالقطن موجود، لان القطن مع الغزل جنسان على ما هو الأصح بخلافه في صورة بيعه بالغزل، ويدل على هذا الحمل قوله في التاترخانية عن الغياثية: ويجوز بيع الثوب بالغزل كيفما كان إلا ثوبا يوزن وينقض ا ه فافهم. قوله: (خلافا للعيني) حيث قال وزنا، وكأنه سبق قلم ح. قوله: (في الحال) متعلق بقوله: متماثلا. قوله: (لا المآل) بمد الهمزة، أي لا يعتبر التماثل بعد الجفاف. قوله: (خلافا لهما) راجع لقوله: أو بتمر وبقولهما قالت الأئمة الثلاثة، أما بيع الرطب بالرطب فهو جائز بالاجماع كما في النهر وغيره. قوله: (لم يجز اتفاقا) لان المجازفة والوزن لا يعلم بهما
307 المساواة كيلا، لان أحدهما قد يكون أثقل من الآخر وزنا وهو أنقص كيلا. أفاده ط. قوله: (أو بزبيب) فيه الاختلاف السابق، وقيل لا يجوز اتفاقا. بحر. وحكي في الفتح فيه قولين آخرين: الجواز اتفاقا، والجواز عندهما بالاعتبار كالزيت بالزيتون. قوله: (كذلك) أي في الحال لا المآل ا ه ح. وهذا بالنظر إلى عبارة الشرح، أما على عبارة المتن فالإشارة إلى قوله: متماثلا فافهم. قوله: (كتين ورمان) وكمشمش وجوز وكمثري وإجاص. فتح. قوله: (يباع رطبها برطبها الخ) بفتح الراء وسكون الطاء خلاف اليابس، وهذا تصريح بوجه الشبه المفاد من قوله: وكذا وهذا على الخلاف المار بين الامام وصاحبيه. قوله: (بمثله) أي رطبا برطب أو مبلولا بمبلول وقوله: وباليابس أي رطبا بيابس أو مبلولا بيابس، فالصور أربع كما في العناية. قوله: (منقوع) الذي في الهداية والدرر وغيرهما منقع، وفي العزمية عن المغرب المنقع بالفتح لا غير، من أنقع الزبيب في الخابية إذا ألقاه يبتل وتخرج منه الحلاوة ا ه. قوله: (خلافا لمحمد) راجع لما ذكر في قوله: كبيع بر إلى هنا كما في الفتح، وذكر أيضا أن الأصل أن محمدا اعتبر المماثلة في أعدل الأحوال وهو المآل عند الجفاف وهما اعتبراها في الحال، إلا أن أبا يوسف ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر، لحديث النهي عنه، ولا يلحق به إلا ما في معناه قال الحلواني: الرواية محفوظة عن محمد أن بيع الحنطة المبلولة باليابسة إنما لا يجوز إذا انتفخت، أما إذا بلت من ساعتها يجوز بيعها باليابسة إذا تساويا كيلا. قولا: (وفي العناية الخ) بيان لضابط فيما يجوز بيعه من المتجانسين المتفاوتين وما لا يجوز. وأورد على الأصل للأول جواز بيع البر المبلول بمثله، وباليابس مع أن التفاوت بينهما بصنع العبد. قال في الفتح: وأجيب بأن الحنطة في أصل الخلقة رطبة الخلقة رطبة وهي مال الربا إذ ذاك، والبل بالماء يعيدها إلى ما هو أصل الخلقة فيها فلم يعتبر، بخلاف القلي. قوله: (فهو ساقط الاعتبار) فيجوز البيع بشرط التساوي. قوله: (كما سيجئ) أي قريبا في قوله: لا بيع البر بدقيق الخ. قوله: (لحوم مختلفة) أي مختلفة الجنس كلحم الإبل والبقر والغنم، بخلاف البقر والجاموس والمعز والضأن. قوله: (يدا بيد) فلا يحل النساء لوجود القدر. قوله: (ولبن بقر وغنم) الأولى تقديمه على قوله: بعضها ببعض وفي نسخة: ولبن بقر بغنم: أي بلبن غنم، وهذه النسخة أولى. قوله: (باعتبار العادة) أي باتخاذ الحل منه. قوله: (وشحم بطن بالية أو لحم) لأنها وإن كانت كلها من الضأن إلا أنها أجناس مختلفة لاختلاف الأسماء والمقاصد. نهر قال ط: فقوله بعد لاختلاف أجناسها يرجع إلى هذا أيضا. قوله: (بالفتح) أي فتح الهمزة وسكون اللام وتخفيف الباء المثناة التحتية. قوله: (ببر أو دقيق) لان الخبز بالصنعة صار جنسا آخر، حتى خرج من أن يكون مكيلا والبر والدقيق مكيلان، فلم يجمعهما القدر ولا الجنس حتى جاز بيع أحدهما بالآخر نسيئة. بحر نسيئة. بحر ويأتي تمامه قريبا. قوله: (ولو منه) أي ولو كان الدقيق من البر. قوله: (وزيت مطبوخ بغير المطبوخ الخ) كذا في البحر.
308 وقال في الفتح وأعلم أن المجانسة تكون باعتبار ما في الضمن فتمنع النسيئة كما في المجانسة العينية، و ذلك كالزيت مع الزيتون والشيرج مع السمسم، وتنتفي باعتبار ما أضيفت إليه، فيختلف الجنس مع اتحاد الأصل، حتى يجوز التفاضل بينهما كدهن البنفسج مع دهن الورد أصلهما واحد، وهو الزيت أو الشيرج فصارا جنسين باختلاف ما أضيفا إليه من الورد أو البنفسخ نظرا إلى اختلاف المقصود والغرض، وعلى هذا قالوا: لو ضم إلى الأصل ما طيبه دون الآخر جاز متفاضلا، حتى أجازوا بيع قفيز سمسم مطيب بقفيزين من غير المربى، وكذا رطل زيت مطيب برطلين من زيت لم يطيب، فجعلوا الرائحة التي فيها بإزاء الزيادة على الرطل ا ه ملخصا. وتمامه فيه فراجعه، وعلى هذا فقول الشارح: وزيت مطبوخ إن أراد به المغلي لا يصح، لأنه لا يظهر فيه اختلاف الجنس أو المطبوخ بغيره فلا يسمى زيتا، فتعين أن المراد به المطيب، وأن صحة بيعه متفاضلا مشروطة بما إذا كانت الزيادة في غير المطيب، وأن صحة بيعه متفاضلا مشروطة بما إذا كانت الزيادة في غير المطيب لتكون الزيادة فيه بإزاء الرائحة التي في المطيب. قوله: (أو وزنا) المناسب إسقاطه، لأنه يغني عنه قوله بعده: كيف كان ولان قول المصنف متفاضلا قيد لجميع ما مر، ولذا قال الشارح لاختلاف أجناسها فافهم، نعم وقع في النهر لفظ أو وزنا في محله حيث قال: وصح أيضا بيع الخبز بالبر وبالدقيق متفاضلا في أصح الروايتين عن الامام قيل: هو ظاهر مذهب علمائنا الثلاثة، وعليه الفتوى عددا أو وزنا كيفما اصطلحوا عليه، لأنه بالصنعة صار جنسا آخر والبر والدقيق مكيلان فانتفت العلتان ا ه. قوله: (فلو اتحد) كلحم البقر والجاموس والمعز والضأن، وكذا ألبانها نهر. قوله: (إلا في لحم الطير) فيجوز بيع الجنس الواحد منه كالسمان والعصافير متفاضلا. فتح. وفي القهستاني: ولا بأس بلحوم الطير واحدا باثنين يدا بيد كما في الظهيرية. قوله: (حتى لو وزن) أي واتحد جنسه لم يجز: أي متفاضلا. قوله: (أن الاختلاف) أي اختلاف الجنس. قوله: (باختلاف الأصل) كخل الدقل مع خل العنب ولحم البقر مع لحم الضأن. قوله: (أو المقصود) كشعر المعز وصوف الغنم، فإن ما يقصد بالشعر من الآلات غير ما يقصد بالصوف بخلاف لحمهما ولبنهما، فإنه جعل جنسا واحدا كما مر لعدم الاختلاف، أفاده في الفتح. قوله: (أو بتبدل الصفة) كالخبز مع الحنطة والزيت المطيب بغير المطيب، و عبارة الفتح: وزيادة الصنعة بالنون والعين. قوله: (وجاز الأخير) وهو بيع خبز ببر أو دقيق. قوله: (ولو الخبز نسيئة) عبارة الدرر: وبالنساء في الأخير فقط، والشارح أخذ ذلك من قوله: به يفتى لأنه إذا كان المتأخر هو البر جاز اتفاقا لأنه أسلم وزنيا في كيلي، والخلاف فيما إذا كان الخبز هو النسيئة فمعناه، وأجازه أبو يوسف ط. قوله: (والأحوط المنع الخ) قال في الفتح: لكن يجب أن يحتاط وقت القبض بقبض الجنس المسمى، حتى لا يصير استبدالا بالسلم فيه قبل قبضه إذا قبض دون المسمى صفة وإذا كان كذلك فالاحتياط، في منعه، لأنه قل أن يأخذ من النوع المسمى خصوصا فيمن يقبض في أيام كل يوم كذا وكذا رغيفا. قوله: (الأحسن الخ)
309 أي في بيع الخبز بالبر نسيئة، ووجه كونه أحسن كون الخبز فيه ثمنا لا مبيعا، فلا يلزم فيه شروط السلم. تأمل. وأصل المسألة في الذخيرة حيث قال في السلم: وإذا دفع الحنطة إلى خباز جملة، وأخذ الخبز مفرقا ينبغي أن يبيع صاحب الحنطة خاتما أو سكينا من الخباز بألف من الخبز مثلا، ويجعل الخبز ثمنا ويصفه بصفة معلومة حتى يصير دينا في ذمة الخباز ويسلم الخاتم إليه، ثم يبيع الخباز الخاتم من صاحب الحنطة بالحنطة مقدار ما يريد الدفع ويدفع الحنطة، فيبقى له على الخباز الخبز الذي هو بمن هكذا قيل، وهو مشكل عندي، قالوا إذا دفع دراهم إلى خباز فأخذ منه كل يوم شيئا من الخبز فكلما أخذ يقول هو على ما قاطعتك عليه ا ه ما في الذخيرة. قلت: ولعل وجه الاشكال أن اشتراطهم أن يقول المشتري كلما أخذ شيئا هو على ما قاطعتك عليه ليكون بيعا مستأنفا على شئ متعين، وهذا يقتضي أن الخبز لا يصح أن يكون دينا في الذمة، وإلا لم يحتج إلى أن يقول المشتري ذلك، ورأيت معزيا إلى خط المقدسي ما نصه. أقول: يمكن دفعه بأن الخبز هنا ثمن بخلاف التي قست عليها، فتأمل ا ه. أقول: بيانه أن المبيع هو المقصود من البيع، ولذا لم يجز بيع المعدوم إلا بشروط السلم، بخلاف الثمن فإنه وصف يثبت في الذمة، ولذا صح البيع مع عدم وجود الثمن، لان الموجود في الذمة وصف يطابقه الثمن لا عين الثمن، كما حققه في الفتح من المسلم على أن المقيس عليها لا يلزم فيها قول المشتري ذلك، لأنه لو أخذ شيئا وسكت ينعقد بيعا بالتعاطي، نعم لو قال حين دفع الدراهم اشتريت منك كذا من الخبز وصار يأخذ كل يوم من الخبز يكون فاسدا والاكل مكروه، لأنه اشترى خبزا غير مشار إليه، فكان المبيع مجهولا كما قدمناه عن الولوالجية أول البيوع في مسألة بيع الإستجرار. قوله: (وكذا عددا وعليه الفتوى) هذا موجود في عبارة القهستاني عن المضمرات بهذا اللفظ، فمن نفى وجوده فيها فكأنه سقط من نسخته، ولعل وجه الافتاء به مبني على الافتاء بقول محمد الآتي في استقراضه عددا. قوله: (وسيجئ) أي قريبا متنا. قوله: (بدقيق أو سويق) أي دقيق البر أو سويقه، بخلاف دقيق الشعير أو سويقه فإنه يجوز لاختلاف الجنس. أفاده في الفتح. قوله: (هو المجروش) أي الخشن، وفي القهستاني وغيره: السويق دقيق البر المقلي، ولعله يجرش فلا ينافي ما قبله. قوله: (ولا بيع بسويق) أي كلاهما من الحنطة أو الشعير كما في الفتح، فلو اختلف الجنس جاز. قوله: (ولو متساويا) تفسير للاطلاق. قوله: (لعدم المسوي) قال في الاختيار: والأصل فيه أن شبهة الربا وشبهة الجنسية ملتحقة بالحقيقة في باب الربا احتياطا للحرمة، وهذه الأشياء جنس واحد نظرا إلى الأصل، والمخلص: أي عن الربا هو التساوي في الكيل، وأنه متعذر لإنكباس الدقيق في المكيال أكثر من غيره، وإذا عدم المخلص حرم البيع. قوله: (خلافا لهما) هذا الخلاف في بيع الدقيق بالسويق كما هو صريح الزيلعي، فأجازاه لأنهما جنسان مختلفان، لاختلاف الاسم والمقصود، ولا يجوز نسيئة لان القدر يجمعهما ط. وكذا اقتصر على ذكر الخلاف في هذه المسألة في الهداية وغيرها
310 وفي شرح درر البحار، ومنع اتفاقا أن يباع البر بأجزائه كدقيق وسويق ونخالة، والدقيق بالسويق ممنوع عنده مطلقا وجوازه مطلقا. قوله: (متساويا كيلا) نصب متساويا على الحال وكيلا على التمييز، وهو تمييز نسبة مثل تصبب عرقا والأصل متساويا كيله. فتح. قوله: (إذا كانا مكبوسين) لم يذكره في الهداية وغيرها، بل عزاه في الذخيرة إلى ابن الفضل. قال في الفتح: وهو حسن. ثم قال: وفي بيعه وزنا روايتان، ولم يذكر في الخلاصة إلا رواية المنع. وفيها أيضا: سواء كان أحد الدقيقين أخشن أو أدق: وكذا بيع النخالة بالنخالة وبيع الدقيق المنخول بغير المنخول لا يجوز إلا مماثلا، وبيع النخالة بالدقيق يجوز بطريق الاعتبار عند أبي يوسف بأن تكون النخالة الخالصة أكثر من التي في الدقيق. قوله: (وحنطة مقلية بمقلية) المقلي: الذي يقلى على النار، وهو المحمص عرفا. قال في الفتح: واختلفوا فيه: قيل يجوز إذا تساويا كيلا، وقيل لا، وعليه عول في المبسوط، ووجهه أن النار قد تأخذ في أحدهما أكثر من الآخر والأول أولى ا ه. قوله: (ففاسد) أي اتفاقا. فتح. قوله: (والسمسم) بكسر السينين وحكي فتحهما. قوله: (الشيرج) بوزن جعفر. قوله: (حتى يكون الزيت الخ) أي بطريق العلم، فلو جهل أو علم أنه أقل أو مساو لا يجوز فالاحتمالات أربع، والجواز في أحدها. فتح. وكتب بعضهم هنا أنه يؤخذ من نظائره في باب الصرف اشتراط القبض لكل من البيع والثمن في المجلس بعد هذا الاعتبار خصوصا من تعليل الزيلعي بقوله لاتحاد الجنس بينهما معنى باعتبار ما في ضمنهما، وإن اختلفا صورة، فثبتت بذلك شبهة المجانسة والربا يثبت بالشبهة ا ه. قلت: وفيه غفلة عما تقدم متنا من أن التقابض معتبر في الصرف أما غيره من الربويات فالمعتبر فيه التعيين، وتعليل الزيلعي بالجنسية لوجوب الاعتبار وحرمة التفاضل بدونه، فتدبر. قوله: (بالثقل) بضم الثاء المثلثة: ما استقر تحت الشئ من كدره. قاموس وغيره. قوله: (كجوز بدهنه الخ) قال في الفتح وأظن أن لا قيمة لثفل الجوز إلا أن يكون بيع بقشره فيوقد، وكذا العنب لا قيمة لثفله فلا تشترط زيادة العصير على ما يخرج ا ه. قوله: (فسد بالزيادة) ولا بد من المساواة، لان التراب لا قيمة له فلا يجعل بإزائه شئ. منح ط. تنبيه: مثل ما ذكر في الوجوه الأربعة: بيع شاة ذات لبن أو صوف بلبن أو صوف، والرطب بالدبس، والقطن بحبه، والتمر بنواه. وتمامه في القهستاني. قوله: (عند محمد) وقال أبو حنيفة: لا يجوز وزنا ولا عددا. وقال أبو يوسف: يجوز وزنا لا عددا، وبه جزم في الكنز وفي الزيلعي أن الفتوى عليه. قوله: (وعليه الفتوى) وهو المختار لتعامل الناس وحاجاتهم إليه. ط، عن الاختيار. وما عزاه الشارح إلى ابن ملك ذكره في التاترخانية أيضا كما قدمناه في فصل القرض. قوله: (واستحسنه الكمال) حيث قال: ومحمد يقول: قد أهدر الجبران تفاوته وبينهم يكون اقتراضه غالبا، والقياس يترك بالتعامل، وجعل المتأخرون الفتوى على قول أبي يوسف، وأنا أرى أن قول محمد أحسن. قوله:
311 (وبعكسه لا) أي وإذا كان الرغيفان نقدا والرغيف نسيئة لا يجوز. بحر ونهر عن المجتبى. وهكذا رأيته في المجتبى، فافهم. وانظر ما وجه المسألتين. وقال ط في توجيه الأولى: لأنه عددي متفاوت، فيجعل الرغيف بمقابلة أحد الرغيفين. والأجل يجعل رغيفا حكما بمقابلة الرغيف الثاني مجتبى ا ه. ولم أره في المجتبى. ويرد عليه أنه متى وجد الجنس حرم النساء كما مر في بيع تمرة بتمرتين، وأيضا التعليل بأنه عددي متفاوت يقتضي عدم الجواز، ولذا لما أجاز محمد استقراضه علله بإهدار التفاوت، فكيف يجعل التفاوت علة الجواز، وعلله شيخنا بأن تأجيل الثمن جائز دون البيع، وفيه أن هذا لا يظهر في الكسيرات. والحاصل: أنه مشكل ولذا قال السائحاني: إن هذا الفرع خارج عن القواعد، لان الجنس بانفراده محرم النساء فلا يعمل به حتى ينص على تصحيحه، كيف وهو من صاحب المجتبى. قوله: (كيف كان) أي نقدا ونسيئة. مجتبى. قوله: (ولا ربا بين السيد وعبده) لأنه وما في يده لمولاه فلا يتحقق الربا لعدم تحقق البيع. فتح. قوله: (ولو مدبرا) دخل أم الولد كما في الفتح. قوله: (لا مكاتبا) لأنه صار كالحر يدا وتصرفا في كسبه. نهر. قوله: (إذا لم يكون دينه مستغرقا) وكذا إذا لم يكن عليه دين أصلا بالأولى، فافهم. قوله: (يتحقق الربا اتفاقا) أما عند الامام فلعدم ملكه لما في يد عبده المأذون المديون، وأما عندهما فلانه إن لم يزل (1) ملكه عما في يده، لكن تعلق بما في يده حق الغرماء فصار المولى كالأجنبي، فيتحقق الربا بينهما كما يتحقق بينه وبين مكاتبه. فتح. قوله: (التحقيق الاطلاق) أي عن الشرط المذكور كما فعل في الكنز تبعا للمبسوط، وقد تبع المصنف الهداية قوله: (لا للربا بل لتعلق حق الغرماء) لأنه أخذه بغير عوض. ولو أعطاه العبد درهما بدرهمين لا يجب عليه الرد: أي على المولى كما في صرف المحيط. نهر. قوله: (إذا تبايعا من مال الشركة (2)) الظاهر أن المراد إذا كان كل من البدلين من مال الشركة أما لو اشترى أحدهما درهمين من مال الشركة بدرهم من ماله مثلا فقد حصل للمشتري زيادة وهي حصة شريكه من الدرهم الزائد بلا عوض وهو عين الربا. تأمل. قوله: (ولا بين حربي ومسلم مستأمن) احترز بالحربي عن المسلم الأصلي والذمي، وكذا عن المسلم الحربي إذا هاجر إلينا ثم عاد إليهم، فإنه ليس للمسلم أن يراني معه اتفاقا كما يذكره الشارح، ووقع في البحر هنا غلط حيث قال: وفي المجتبى مستأمن منا باشر مع رجل مسلما كان أو ذميا في دراهم أو من أسلم هناك شيئا من العقود التي لا تجوز فيما بيننا كالربويات وبيع الميتة جاز عندهما، خلافا لأبي يوسف ا ه فإن مدلوله جواز الربا بين مسلم أصلي مع مثله أو مع ذمي هنا، وهو غير
(1) قوله: (فلأنه ان لم يزل) هكذا بخطه ولعله سقط من قلمه الواو قبل ان والأصل فلأنه وان لم يزل الخ فتأمل ا ه. مصححه. (2) قوله: (إذا تبايعا من مال الشركة) هكذا بخطه والذي في المتن: إذا تبايعا من مالها قال الشارح بعده اي من مال الشركة فليحرر ا ه. مصححه. 312 صحيح لما علمته من مسألة المسلم الحربي، والذي رأيته في المجتبى هكذا: مستأمن من أهل دارنا مسلما كان أو ذميا في دارهم أو من أسلم هناك باشر معهم من العقود التي لا تجوز الخ. وهي عبارة صحيحة، فما في البحر تحريف، فتنبه. قوله: (ومسلم مستأمن) مثله الأسير، لكن له أخذ مالهم ولو بلا رضاهم كما مر في الجهاد. قوله: (ولو بعقد فاسد) أي ولو كان الربا بسبب عقد فاسد من غير الأموال الربوية كبيع بشرط كما حققناه فيما مر، وأعم منه عبارة المجتبى المذكورة، وكذا قول الزيلعي: وكذا إذا تبايعا فيها بيعا فاسدا. قوله: (ثمة) أي في دار الحرب قيد به، لأنه لو دخل دارنا بأمان فباع منه مسلم درهما بدرهمين لا يجوز اتفاقا. ط عن مسكين. قوله: (لان ماله ثمة مباح) قال في فتح القدير: لا يخفى أن هذا التعليل إنما يقتضي حل مباشرة العقد إذا كانت الزيادة ينالها المسلم، والربا أعم من ذلك، إذ يشمل ما إذا كان الدرهمان: أي في بيع درهم بدرهمين من جهة المسلم ومن جهة الكافر. وجواب المسألة بالحل عام في الوجهين، وكذا القمار قد يفضي إلى أن يكون مال الخطر للكافر بأن يكون الغلب له، فالظاهر أن الإباحة بقيد نيل المسلم الزيادة، وقد ألزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظرا إلى العلة وإن كان إطلاق الجواب خلافه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ا ه. قلت: ويدل على ذلك ما في السير الكبير وشرحه حيث قال: وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان، فلا بأس بأن يأخذ منهم أموالهم بطيب أنفسهم بأي وجه كان، لأنه إنما أخذ المباح على وجه عري عن الغدر فيكون ذلك طيبا له، والأسير والمستأمن سواء، حتى لو باعهم درهما بدرهمين أو باعهم ميتة بدراهم أو أخذ مالا منهم بطريق القمار فذلك كله طيب له ا ه ملخصا. فانظر كيف جعل موضوع المسألة الاخذ من أموالهم برضاهم، فعلم أن المراد من الربا والقمار في كلامهم ما كان على هذا الوجه وإن كان اللفظ عاما، لان الحكم بدور مع علته غالبا. قوله: (مطلقا) أي ولو بعقد فاسد ط. قوله: (بلا غدر) لأنه لما دخل دارهم بأمان، فقد التزم أن لا يغدرهم، وهذا القيد لزيادة الايضاح، لان ما أخذه برضاهم لا غدر فيه. قوله: (خلافا للثاني) أي أبي يوسف وخلافه في المستأمن دون الأسير. قوله: (والثلاثة) أي الأئمة الثلاثة. قوله: (لان ماله غير معصوم) العصمة: الحفظ والمنع، وقال في الشرنبلالية: لعله أراد بالعصمة التقوم: أي لا تقوم له، فلا يضمن بالاتلاف لما قال في البدائع معللا لأبي حنيفة، لان العصمة وإن كانت ثابتة فالتقوم ليس بثابت عنده حتى لا يضمن بالاتلاف، وعندهما نفسه وماله معصومان متقومان ا ه. قوله: (فلا ربا اتفاقا) أي لا يجوز الربا معه فهو نفي بمعنى النهي كما في قوله تعالى: * (فلا رفث ولا فسوق) * (البقرة: 791) فافهم. قوله: (ومنه يعلم الخ) أي يعلم مما ذكره المصنف مع تعليله أن من أسلما ثمة ولم يهاجرا لا يتحقق الربا بينهما أيضا كما في النهر عن الكرماني، وهذا يعلم بالأولى. قوله: (إلا في هذه الست مسائل) أولها السيد مع عبده، وآخرها من أسلما ولم يهاجرا، وحقه أن يقول المسائل بالتعريف، والله سبحانه أعلم.
313 باب الحقوق جمع حق، والحق خلاف الباطل، وهو مصدر حق الشئ من بابي ضرب وقتل: إذا وجب وثبت، ولهذا يقال لمرافق الدار حقوقها ا ه. وفي البناية: الحق ما يستحقه الرجل، وله معان أخر منها ضد الباطل ا ه. وتمامه في البحر وفي النهر: أعلم أن الحق في العادة يذكر فيما هو تبع للمبيع، ولا بد له منه ولا يقصد إلا لأجله كالطريق والشرب للأرض، ويأتي تمامه. قوله: (لتبعيتها) أي لان الحقوق توابع فيليق ذكرها بعد مسائل البيوع بحر عن المعراج. قال بعضهم: ولهذا الباب مناسبة خاصة بالربا، لان فيه بيان فضل هو حرام، وهنا بيان فضل على المبيع هو حلال. قوله: (ولتبعيته) أي المصنف وكذا صاحب الكنز والهداية. قوله (مثلث العين) واللام ساكنة. ط عن الحموي. قوله: (لان الشئ) علة لقوله: لا يدخل فيه العلو وذلك أن البيت اسم لمسقف واحد جعل ليبات فيه، ومنهم من يزيد له دهليزا، فإذا باع البيت لا يدخل العلو ما لم يذكر اسم العلو صريحا، لان العلو مثله في أنه مسقف يبات فيه، والشئ لا يستتبع مثله، بل ما هو أدنى منه. فتح. ولم يدخل بذكر الحق لان حق الشئ تبع له فهو دونه، والعلو مثل البيت لا دونه. قوله: (هو ما لا اصطبل فيه) قال في الفتح المنزل فوق البيت ودون الدار، وهو اسم لمكان يشتمل على بيتين أو ثلاثة ينزل فيها ليلا ونهارا وله مطبخ وموضع قضاء الحاجة، فيتأتى السكنى بالعيال مع ضرب قصور، إذ ليس له صحن غير مسقف ولا اصطبل الدواب، فيكون البيت دونه ويصح أن يستتبعه، فلشبهه بالدار يدخل العلو فيه تبعا عند ذكر التوابع غير متوقف على التنصيص على اسمه الخاص، ولشبهه بالبيت لا يدخل بلا ذكر زيادة ا ه: أي زيادة ذكر التوابع: أي قوله: بكل حق هو له الخ. قوله: (أي حقوقه) في جامع الفصولين من الفصل السابع أن الحقوق عبارة عن مسيل وطريق وغيره وفاقا، والمرافق عند أبي يوسف عبارة عن منافع الدار، وفي ظاهر الرواية: المرافق هي الحقوق، وإليه يشير قوله: أو بمرافقه نهر. فعلى قول أبي يوسف المرافق أعم لأنها توابع الدار مما يرتفق به كالمتوضأ والمطبخ كما في القهستاني، وقدم قبله أن حق الشئ تابع لا بد له منه كالطريق والشرب ا ه. فهو أخص. تأمل. قوله: (كطريق) أي طريق خاص في ملك إنسان، ويأتي بيانه. قوله: (هو فيه أو منه) أي هو داخل فيه أو خارج منه بأو دون الواو على ما اختاره أصحابنا كما ذكره الصيرفي، والجملة صفة لحق لا لقليل أو كثير، فإن الصفة لا توصف ولا لكل على رأي كما تقرر، وبهذا التقرير اندفع طعن أبي يوسف على محمد بدخول الأمتعة فيها، وطعن زفر عليه بدخول الزوجة والولد والحشرات، قهستاني. قوله: (بشراء دار) هي اسم لساحة أدير عليها الحدود تشتمل على بيوت وإصطبل وصحن غير مسقف وعلو، فيجمع فيها بين
314 الصحن للاسترواح ومنافع الأبنية للاسكان. فتح. قوله: (سواء كان المبيع بيتا الخ) عبارة النهر: قالوا هذا في عرف أهل الكوفة، أما في عرفنا فيدخل العلو من غير ذكر الصور كلها، سواء كان المبيع بيتا فوقه علوا ومنزلا كذلك، لان كل مسكن يسمى خانة في العجم، ولو علوا سواء كان صغيرا كالبيت أو غيره إلا دار الملك فتسمى سراي ا ه. وهو مأخوذ من الفتح، لكن قوله: ولو علوا صوابه وله علو كما في عبارة الفتح. وعبارة الهداية: ولا يخلو عن علو. مطلب: الاحكام تبتنى على العرف قلت: وحاصله أن كل مسكن في عرف العجم يسمى خانة، إلا دار الملك تسمى سراي، والخانة لا يخلو عن علو فلذا دخل العلو في الكل، وظاهره أن البيع يقع عندهم بلفظ خانة، لكن في البحر عن الكافي: وفي عرفنا: يدخل العلو في الكل سواء باع باسم البيت أو المنزل أو الدار، والاحكام تبتنى على العرف، فيعتبر في كل إقليم وفي كل عصر عرف أهله ا ه. قلت: وحيث كان المعتبر العرف فلا كلام، سواء كان باسم خانة أو غيره، وفي عرفنا: لو باع بيتا من دار أو باع دكانا أو إصطبلا أو نحوه لا يدخل علو المبنى فوقه ما لم يكن باب العلو من داخل المبيع. قوله: (إلا دار الملك) المستثنى منه غير مذكور في كلامه كما علم مما ذكرناه. قوله: (الكنيف) أي ولو خارجا مبنيا على الظلة لأنه يعد في الدار. بحر. وهو المستراح، وبعضهم يعبر عنه يبيت الماء. نهر. قوله: (والأشجار) أي دون أثمارها إلا بالشرط كما مر في فصل ما يدخل في المبيع تبعا، وفيه بيان مسائل يحتاج إلى مراجعتها هنا. قوله: (فيدخل تبعا) قيده الفقيه أبو جعفر بما إذا كان مفتحه فيها. قوله: (والظلة لا تدخل) في المغرب: قول الفقهاء ظلة الدار يريدون السدة التي فوق الباب، وادعى في إيضاح الاصلاح أن هذا وهم، بل هي الساباط الذي أحد طرفيه على الدار والآخر على دار أخرى أو على الأسطوانات التي في السكة وعليه جرى في فتح القدير وغيره. نهر. قوله: (ويدخل الباب الأعظم) أي إذا كان له باب أعظم وداخله باب آخر دونه، وقوله: مع ذكر الموافق يفيد أنه لا يدخل بدونه وهو خفي، فإن ظاهر أنه مثل الطريق إلى سكة كما يأتي، فتأمل. وقد يقال: إن صورة المسألة ما لو باع بيتا من دار فيدخل في البيع باب البيت فقط دون باب الدار الأعظم، وكذا لو باع دارا داخل دار أخرى لا يدخل باب الدار الأخرى أيضا بدون ذكر الموافق، بخلاف ما إذا كان البابان للمبيع وحده، وكان يتوصل من أحدهما إلى الآخر. تأمل. قوله: (لا يدخل الطريق الخ) يوهم أنه لا يدخل مع ذكر المرافق، وليس كذلك فكان عليه أن يقول: وكذا الطريق الخ، وبه يستغنى عن الاستثناء بعده. قال في الهداية: ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا أو مسكنا لم يكن له الطريق إلا أن يشتريه بكل حق هو له أو بمرافقه أو بكل قليل وكثير، وكذا الشرب
315 والمسيل لأنه خارج الحدود، إلا أنه من التوابع فيدخل بذكر التوابع ا ه. قال في الفتح وفي المحيط: المراد الطريق الخاص في ملك إنسان، فأما طريقها إلى سكة غير نافذة أو إلى الطريق العام فيدخل، وكذا ما كان له من حق تسييل الماء وإلقاء الثلج في ملك إنسان خاصة ا ه. فلا يدخل كما في الكفاية عن شرح الطحاوي. وقال فخر الاسلام: إذا كان طريق الدار المبيعة أو مسيل مائها في دار أخرى لا يدخل بلا ذكر الحقوق لأنه ليس من هذا الدار ا ه. وصورته: إذا كانت دار داخل دار أخرى للبائع أو غيره فباع الداخلة فطريقها في الدار الخارجة ليس من الدار المبيعة بل من حقوقها فلا يدخل فيها بلا ذكر الحقوق ونحوها، فصار بمنزلة بيع بيت أو نحوه من دار، فإن طريقه في الدار لا يدخل فيه لأنه ليس منه بل خارج عن حدوده كما مر عن الهداية، فما أورده في الفتح من أن تعليل فخر الاسلام يقتضي أن الطريق الذي في هذه الدار يدخل، وهو خلاف ما في الهداية ففيه نظر، فتدبر. تنبيه: قال في الكفاية وفي الذخيرة: بذكر الحقوق إنما يدخل الطريق الذي يكون وقت البيع لا الطريق الذي كان قبله، حتى أن من سد طريق منزله وجعل له طريقا آخر وباع المنزل بحقوقه دخل في البيع الطريق الثاني لا الأول ا ه. وفي الفتح عن فخر الاسلام: فإن قال البائع ليس للدار المبيعة طريق في دار أخرى فالمشتري لا يستحق الطريق، ولكن له أن يردها بالعيب، ولو كان عليها جذوع لدار أخرى: فإن كانت للبائع أمر برفعها، وإن لغيره كانت بمنزلة العيب، ولو ظهر فيها طريق أو مسيل ماء لدار أخرى للبائع فلا طريق له في المبيعة ا ه. وفي حاشية الرملي عن النوازل: له داران مسيل الأولى على سطح الثاني فباع الثانية بكل حق لها ثم باع الأولى من آخر فللمشتري الأول منع الثاني من التسييل على سطحه، إلا إذا استثنى البائع المسيل وقت البيع ا ه ملخصا. قال: وما وقع في الخلاصة والبزازية عن النوازل من أنه ليس للأول منع الثاني سبق قلم، لان الذي في النوازل ما قدمناه ومثله في الولوالجية،، وبه علم جواب حادثة الفتوى له كرمان طريق الأول على الثاني فباع لبنته الثاني على أن له المرور فيه كما كان فباعته لأجنبي ليس للأجنبي منع الأب. تتمة: جرى العرف في بلاد الشام أنه إذا كان في الدار ميازيب مركبة على سطحها أو بركة ماء في صحنها أو نهر كنيف تحت أرضها، وهي المسمى بالمالح دخول حق التسييل (1) في الميازيب. وفي النهر المذكور: ودخول شرب البركة الجاري إليها وقت البيع وإن لم ينصوا على ذلك، ولا سيما ماء البركة فإنه مقصود بالشراء حتى إن الدار بدونه ينقص ثمنها نقصا كثيرا، وقد مر آنفا عن الكافي أن الاحكام تبتنى على العرف وأنه يعتبر في كل إقليم وعصر عرف أهله، وقد نبهنا على ذلك في فصل ما يدخل في البيع، وأيدناه بما في الذخيرة من أن الأصل أن ما كان من الدار متصلا بها يدخل في بيعها تبعا بلا ذكر، وما لا فلا يدخل بلا ذكر إلى ما جرى العرف أن البائع لا يمنعه عن المشتري، فيدخل المفتاح استحسانا للعرف بعدم منعه، بخلاف القفل ومفتاحه والسلم من خشب إذا لم يكن متصلا بالبناء،
(1) قوله: (دخول حق التسييل) هكذا بخطه ولعل الأصوب التعبير بيدخل بدل دخول ليكون جواب إذا أو أخبر ان تأمل ا ه. مصححه. 316 وقدمنا هناك عن البحر أن السلم الغير المتصل يدخل في عرف مصر القاهرة، لان بيوتهم طبقات لا ينتفع بها بدونه، وتمام ذلك في رسالتنا نشر العرف، والله سبحانه أعلم. قوله: (والشرب) بكسر الشين المعجمة: الحظ من الماء وفي الخانية: رجل باع أرضا بشربها فللمشتري قدر ما يكفيها، وليس له جميع ما كان للبائع ا ه عزمية. قوله: (ونحوه) لا حاجة إليه مع المتن. قوله: (مما مر) أي من ذكر المرافق أو كل قليل وكثير منه ط. قوله: (فتدخل بلا ذكر) أي يدخل الطريق والمسيل. نهر. قوله: (لأنها الخ) أي لان الإجارة تعقد للانتفاع بعين هذه الأشياء، والبيع ليس كذلك، فإن المقصود منه في الأصل ملك الرقبة لا خصوص الانتفاع بل إما هو أو ليتجر فيها أو يأخذ نقضها. نهر قال الزيلعي: ألا ترى أنه لو استأجر الطريق من صاحب العين لا يجوز: يعني لعدم الانتفاع به بدون العين فتعين الدخول فيها، ولا يدخل مسيل ماء الميزاب إذا كان في ملك خاص ولا مسقط الثلج فيه ا ه ومثله في المنح عن العيني. وفي حواشي مسكين أن هذا تقييد لقول المصنف بخلاف الإجارة فأفاد أن دخول المسيل في الإجارة بلا ذكر الحقوق مقيد بما إذا لم يكن في ملك خاص. قوله: (كالبيع) أفاد به أن الشرب والمسيل في حكم الطريق ط. قوله: (ولا يدخل في القسمة الخ) حاصل ما في الفتح: أنهما إذا اقتسما ولأحدهما على الآخر مسيل أو طريق ولم يذكر الحقوق لا تدخل، لكن إن أمكن له إحداثها في نصيبه فالقسمة صحيحة، وإلا فلا، بخلاف الإجارة، لان الآجر إنما يستوجب الاجر إذا تمكن المستأجر من الانتفاع، ففي إدخال الشرب توفير المنفعة عليهما، وإن ذكر الحقوق في القسمة دخلت إن لم يمكنه إحداثها، لا إن أمكن إلا برضا صريح، لان المقصود بالقسمة تمييز الملك لكل منهما لينتفع به على الخصوص، بخلاف البيع فإن الحقوق تدخل بذكرها وإن أمكن إحداثها، لان المقصود منه إيجاد الملك ا ه ومثله في الكفاية عن الفوائد الظهيرية. وفي النهر عن الوهبانية: إذا لم يمكنه فتح باب، وقد علم ذلك وقت القسمة صحت، وإن لم يعلم فسدت ا ه: أي لأنه عيب وينبغي أن يقيد بذلك قول الفتح، وإلا فلا: أي وإن لم يمكن إحداثها فلا تصح القسمة إن لم يعلم بذلك وقتها، لأنه إذا علم يكون راضيا بالعيب تأمل. قوله: (نهر عن الفتح) كان عليه أن يؤجر العزو إلى النهر آخر العبارة، فإن جميع ما يأتي مذكور فيه ا ه ح. قوله: (كما مر) أي في المتن، وعزاه الشارح إلى الخلاصة. قوله: (أن تكون الهبة) أي هبة الدار. قوله: (على مال) عبارة النهر على دار وهو متعلق بالثلاثة. قوله: (والوجه فيها لا يخفى) لأنها لاستحداث ملك لم يكن لا لخصوص الانتفاع، بخلاف الإجارة، والله سبحانه أعلم.
317 باب الاستحقاق ذكره بعد الحقوق للمناسبة بينهما لفظا ومعنى، ولولا هذا لكان ذكره عقب الصرف أولى. نهر. قوله: (هو طلب الحق) أفاد أن السين والتاء للطلب، لكن في المصباح: استحق فلان الامر: استوجبه قاله الفارابي وجماعة، فالامر مستحق بالفتح اسم مفعول، ومنه خرج المبيع مستحقا ا ه فأشار إلى أن معناه الشرعي موافق للغوي، وهو كون المراد بالاستحقاق ظهور كون الشئ حقا واجبا للغير. قوله: (بالكلية) أي بحيث لا يبقى لاحد عليه حق التمليك. منح ودرر. والمراد بالأحد أحد الباعة مثلا لا المدعي، فإن له حق التمليك في المدبر والمكاتب والاستحقاق فيهما من المبطل كما ذكره بعد ط. قوله: (والناقل لا يوجب فسخ العقد) بل يوجب توقفه على إجازة المستحق، كذا في النهاية وتبعه الجماعة. واعترضه شارح بأن غايته أن يكون بيع فضولي، وفيه إذا وجد عدم الرضا ينفسخ العقد، وإثبات الاستحقاق دليل عدم الرضا، والمفسوخ لا تلحقه إجازة قال في الفتح: وما في النهاية هو المنصور، وقوله إثبات الاستحقاق، دليل عدم الرضا: أي بالبيع ليس بلازم لجواز أن يكون دليل عدم الرضا بأن يذهب من يده مجانا، وذلك لأنه لو لم يدع الاستحقاق ويثبته استمر في يد المشتري من غير أن يحصل له عينه ولا بد له، فإثباته ليحصل أحدهما: إما العين، أو البدل بأن يجيز ذلك البيع. ثم اعلم أنه اختلف في البيع متى ينفسخ فقيل إذا قبض المستحق، وقيل بنفس القضاء، والصحيح أنه لا ينفسخ ما لم يرجع المشتري على بائعه بالثمن، حتى لو أجاز المستحق بعدما قضى له أو بعدما قبضه قبل أن يرجع المشتري على بائعه يصح وقال الحلواني: الصحيح من مذهب أصحابنا أن القضاء للمستحق لا يكون فسخا للبياعات ما لم يرجع كل على بائعه بالقضاء، وفي الزيادات: روي عن الامام أنه لا ينقض ما لم يأخذ العين بحكم القضاء. وفي ظاهر الرواية: لا ينفسخ ما لم يفسخ وهو الأصل ا ه. ومعنى هذا أن يتراضيا على الفسخ، لأنه ذكر فيها أيضا أنه ليس للمشتري الفسخ بلا قضاء أو رضا البائع، لأنه احتمال إقامة البائع البينة على النتاج ثابت إلا إذا قضى القاضي فيلزم فينفسخ، وتمامه في الفتح. فقد اختلف التصحيح فيما ينفسخ به العقد، ويأتي قريبا عن الهداية أنه لا ينتقض في ظاهر الرواية ما لم يقض على البائع بالثمن، ويمكن التوفيق بين هذه الأقوال بأن المقصود أنه لا ينتقض بمجرد القضاء بالاستحقاق، بل يبقى العقد موقوفا بعده على إجازة المستحق، أو فسخه على الصحيح، فإذا فسخه صريحا فلا شك فيه، وكذا لو رجع المشتري على بائعه بالثمن وسلمه إليه، لأنه رضي بالفسخ، وكذا لو طلب المشتري من القاضي أنه يحكم على البائع بدفع الثمن، فحكم له بذلك أو تراضيا على الفسخ، ففي ذلك كله ينفسخ العقد، فليس المراد من هذه العبارات حصر الفسخ بواحد من هذه الصور، بل أيها وجد بعد الحكم بالاستحقاق انفسخ العقد، هذا ما ظهر لي في هذا المقام. بقي شئ: وهو أنه يثبت للبائع الرجوع على بائعه بالثمن، وإن كان قد دفع الثمن إلى المشتري بلا إلزام القاضي إياه، وهذا مذهب محمد وعليه الفتوى، خلافا لأبي يوسف كما في الحامدية ونور
318 العين عن جواهر الفتاوى. قوله: (لأنه لا يوجب بطلان الملك) أي ملك المشتري، لان الاستحقاق أظهر توقف العقد على إجازة المستحق أو فسخه كما علمت. قوله: (حكم على ذي اليد) حتى يؤخذ المدعى من يده درر، وهذا إذا كان خصما فلا يحكم على مستأجر ونحوه. قوله: (وعلى من تلقى ذو اليد الملك منه) هذا مشروط بما إذا ادعى ذو اليد الشراء منه. ففي البحر عن الخلاصة: إذا قال المشتري في جواب دعوى الملك هذا ملكي لأني شريته من فلان صار البائع مقضيا عليه ويرجع المشتري عليه بالثمن. أما إن قال في الجواب ملكي ولم يزد عليه لا يصير البائع مقضيا عليه، والإرث كالشراء نص عليه في الجامع الكبير. وصورته: دار بيد رجل يدعى أنها له فجاء آخر وادعى أنها له وقضى له بها فجاء أخو المقضى عليه وادعى أنها كانت لأبيه تركها ميراثا له وللمقضي عليه يقضى للأخ المدعي بنصفها لان ذاك لم يقل ملكي لأني ورثتها من أبي ليصير الأخ مقضيا عليه، كذا لو أقر الأخ المقضى عليه أنه ورثها من أبيه بعد إنكاره وإقامة البينة، ولو أقر بالإرث قبل إقامة البينة لا تسمع دعوى الأخ ا ه. قال: وذكر قبله إذا صار المورث مقضيا عليه في محدود فمات فادعى وارثه ذلك المحدود إن ادعى الإرث من هذا المورث لا تسمع، وإن ادعى مطلقا تسمع، وإن كان المورث مدعيا وقضى له ثم بعد موته ادعى وارث المقضى عليه على وارث المقضى له هذا المحدود مطلقا لا تسمع ا ه. فرع: وفي البزازية: مسلم باع عبدا من نصراني فاستحقه نصراني بشهادة نصرانيين لا يقضى له، لأنه لو قضي له لرجع بالثمن على المسلم. قوله: (ولو مورثه) الضمير عائد على من في قوله: وعلى من تلقى الملك منه أي لو اشتراه ذو اليد من مورثه، فالحكم عليه بالاستحقاق حكم على المورث، فلا تسمع دعوى بقية الورثة على المستحق بالإرث. قوله: (فلا تسمع دعوى الملك منهم) تفريع على قوله: والحكم به حكم على ذي اليد الخ درر. وأتى بضمير الجمع إشارة إلى شمول ما لو تعدد البيع من واحد إلى آخر وهكذا، ولذا قال في الدرر: بلا واسطة أو وسائط، وفرع في الغرر على ذلك أيضا: أنه لا تعاد البينة للرجوع. قال في شرحه: يعني إذا كان الحكم للمستحق حكما على الباعة، فإذا أراد واحد من المشترين أن يرجع على بائعه بالثمن لا يحتاج إلى إعادة البينة. قوله: (بل دعوى النتاج) عبارة الغرر: بل دعوى النتاج أو تلقي الملك من المستحق. قال في شرحه الدرر: بأن يقول بائع من الباعة حين رجع عليه بالثمن أنا لا أعطي الثمن لان المستحق كاذب لأن المبيع نتج في ملكي، أو ملك بائعي بلا واسطة، أو بها فتسمع دعواه، ويبطل الحكم إن أثبت، أو يقول: أنا لا أعطي الثمن لأني اشتريته من المستحق، فتسمع أيضا اه. وأفاد كلامه أنه لا يشترط لاثبات النتاج حضور المستحق كما أجاب به في الحامدية، وقال: إن مقتضى ما أفتى به في الخيرية في باب الإقامة موافقا لما في العمادية: من أن هذا القول أظهر وأشبه، لكن في البزازية أن الاشتراط هو الأظهر والأشبه. قلت: وعبارة البزازية وعند محمد: وهو اختيار شمس الاسلام يقبل بلا حضرته، لان الرجوع بالثمن أمر يخص المشتري فاكتفى بحضوره، واختيار صاحب المنظومة وهو قياس قولهما وهو الأظهر
319 والأشبه عدم القبول بلا حضور المستحق ا ه. لكن في الذخيرة. قيل على قول محمد وأبي يوسف الآخر يشترط، وعلى قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول لا يشترط، وهذا القول أشبه وأظهر ا ه. وهكذا عزاه في العمادية إلى الذخيرة والمحيط ومثله في جامع الفصولين ونور العين، فالظاهر أن ما في البزازية من العكس سبق قلم، كما حررناه في تنقيح الحامدية فتنبه لذلك. واختلف في اشتراط حضرة المبيع وأفتى ظهير الدين بعدمه كما سنذكره. قوله: (ما لم يرجع عليه) فليس للمشتري الأوسط أن يرجع على بائعه قبل أن يرجع عليه المشتري الأخير. درر. وأفاد أنه لا يشترط إلزام القاضي البائع بالثمن، بل له الرجوع على بائعه بدونه، وهو قول محمد المفتى به كما علمت، ثم إنما يثبت له الرجوع إذا لم يبرئه البائع عن الثمن قبل الاستحقاق، فلو أبرأه البائع ثم استحق المبيع من يده لا يرجع على بائعه بالثمن، لأنه لا ثمن له على بائعه، وكذلك بقية الباعة لا يرجع بعضهم على بعض. ذخيرة: أي لتعذر القضاء على الذي أبرأ مشتريه. جامع الفصولين. ثم نقل فيه أن في رجوع بقية الباعة بعضهم على بعض، خلافا بين المتأخرين، وأما لو أبرأ المشتري البائع بعد الحكم له بالرجوع فيأتي قريبا أنه لا يمنع. قوله: (ولا على الكفيل) أي الضامن بالدرك. درر: أي ضامن الثمن عند استحقاق المبيع. قوله: (ما لم يقض على المكفول عنه) اعترض بأن المكفول عنه، وهو البائع صار مقضيا عليه بالقضاء على المشتري الأخير، لما علمت من أن الحكم بالاستحقاق حكم على ذي اليد وعلى من تلقى الملك منه، وقبل القضاء لا مطالبة لاحد. قلت: هذا اشتباه، فإن المراد بالقضاء هنا القضاء على المكفول عنه بالثمن والقضاء السابق قضاء بالاستحقاق، والمسألة ستأتي متنا في الكفالة قبيل باب كفالة الرجلين. ونصها: ولا يؤخذ ضامن الدرك إذا استحق المبيع قبل القضاء على البائع بالثمن ا ه. وهي في الهداية والكنز وغيرهما، وعلله في الهداية هناك بقوله: لان بمجرد الاستحقاق لا ينتقض البيع على ظاهر الرواية، ما لم يقض له بالثمن على البائع، فلم يجب على الأصل رد الثمن فلا يجب على الكفيل ا ه فافهم، لكن علمت مما قررناه أن العقد ينتقض بفسخ العاقدين، وبالرجوع بالثمن على البائع بدون قضاء، وأنه ليس المراد قصر الفسخ على واحد مما ذكره، وإذا انفسخ العقد بواحد منها وجب على الأصيل، وهو البائع رد الثمن على المشتري فيجب على الكفيل أيضا ولو بدون قضاء، ويؤيده قول محمد المفتى به المار آنفا. قوله: (لئلا يجتمع ثمنان الخ) علة لقوله: ولا يرجع أحد الخ كما أفاده في الدرر. قال ط: وهذا التعليل يظهر في غير المشتري الأخير وغير البائع الأول فيظهر في الباعة المتوسطين، فإن عند كل منهم ثمنا، فلو رجع بالثمن قبل أن يرجع عليه اجتمع في ملكه ثمنان ا ه. قوله: (لان بدل المستحق مملوك) أي ثمنه باق على ملك البائع، وعبر عنه بالبدل ليشمل ما لو كان قيميا، وهذا بيان لوجه اجتماع الثمنين في رجوع أحدهم قبل الرجوع عليه. قوله: (ولو صالح بشئ الخ) عبارة جامع الفصولين: المشتري لو رجع على بائعه وصالح البائع على شئ قليل، فلبائعه أن يرجع على بائعه بثمنه، وكذا لو أبرأه المشتري عن ثمنه بعد الحكم له برجوع عليه، فلبائعه أن يرجع على بائعه أيضا إذ المانع اجتماع البدل والمبدل في ملك واحد، ولم يوجد لزوال المبدل عن ملكه، ولو حكم للمستحق وصالح المشتري ليأخذ المشتري بعض الثمن من المستحق ويدفع المبيع إلى المستحق، ليس له أن يرجع على بائعه بثمنه، لأنه بالصلح أبطل حق الرجوع ا ه.
320 قلت: وما ذكره في الابراء إنما هو في إبراء المشتري البائع، وأما لو أبرأ البائع المشتري عن الثمن قبل الاستحقاق، فقدمنا آنفا أنه يمتنع الرجوع. ثم قال في الفصولين: فلو أثبته: أي الاستحقاق وحكم له. فدفع إليه شيئا وأمسك المبيع يصير هذا شراء للمبيع من المستحق، فينبغي أن يثبت له الرجوع على بائعه ا ه. قوله: (فصالح المشتري) أي دفع المستحق إلى المشتري بعض الثمن صلحا عن دعوى المشتري نتاجا عند بائعه أو نحوه مما يبطل الاستحقاق لم يرجع على بائعه بالثمن، لان صلحه مع المستحق على بعض الثمن أسقط حقه في الرجوع، وهذا بخلاف العكس وهو ما إذا دفع المشتري إلى المستحق شيئا وأمسك المبيع، لأنه صار مشتريا من المستحق فلا يبطل حق رجوعه كما علمت، وهذه المسألة هي الآتية عن نظم المحبية، ولا يخفى ظهور الفرق بينها وبين الأولى كما أفاده ط. فافهم. قوله: (يوجب فسخ العقود) أي الجارية بين الباعة بلا حاجة في انفساخ كل منها إلى حكم القاضي درر. قوله: (ولكل واحد الخ) فلو أقام العبد بينة أنه حر الأصل، أو أنه كان عبدا لفلان فأعتقه، أو أقام رجل البينة أنه عبده دبره، فقضى بشئ من ذلك فلكل واحد أن يرجع على بائعه قبل القضاء عليه، وكذا المشتري يرجع على الكفيل قبل الرجوع عليه. هندية عن الحاوي. قوله: (وإن لم يرجع عليه) بصيغة المجهول: أي وإن لم يحصل الرجوع عليه. درر. قوله: (ويرجع هو أيضا) أي يرجع من له الرجوع على الكفيل بالدرك أيضا: أي كماله الرجوع على بائعه، وقوله: كذلك يغني عنه قول المصنف ولو قبل القضاء عليه أي قبل القضاء على المكفول عنه بالثمن. قوله: (والحكم بالحرية الأصلية الخ) هذه الجملة في موقع التعليل لما قبلها، واحترز بالأصلية عن العارضة بعتق ونحوه لأنها تأتي. قوله: (أو بقوله أنا حر) صورته: ادعى أنه عبد فقال المدعى عليه أنا حر الأصل ولم يسبق منه إقرار بالرق وعجز المدعي عن البينة، حكم القاضي بالحرية الأصلية، وكان حكمه بها حكما على العامة ا ه ح. قوله: (إذا لم يسبق منه إقرار بالرق) أي ولو حكما كسكوته عند البيع مع انقياده كما سيأتي، وتسمع دعواه الحرية بعد اعترافه بالرق إذا برهن كما سيأتي. قوله: (وكذا العتق وفروعه) عطف على قوله والحكم بالحرية الأصلية أي إذا ادعى أنه كان عبد فلان فأعتقه، أو ادعى رجل أنه عبده دبره أو أنها أمته استولدها، وحكم بذلك فهو حكم على الكافة، فلا تسمع دعوى أحد عليه بذلك. ونقل الحموي عن بعضهم أن هذا بعد ثبوت ملك المعتق، وإلا فقد يعتق الانسان ما لا يملكه. قوله: (وأما الحكم بالعتق في الملك المؤرخ الخ) يعني إذا قال زيد لبكر إنك عبدي ملكتك منذ خمسة أعوام، فقال بكر إني كنت عبد بشر ملكني منذ ستة أعوام فأعتقني، وبرهن عليه اندفع دعوى زيد، ثم إذا قال عمرو لبكر إنك عبدي ملكتك منذ سبعة أعوام وأنت ملكي الآن فبرهن عليه تقبل، ويفسخ الحكم بحريته ويجعل ملكا لعمرو. درر. وكذا الحكم بالملك على المستحق منه حكم على الباعة
321 من وقت التاريخ كما في الخانية، وفي المقدسي: شراها منذ شهرين فأقام رجل بينة أنها له منذ شهر يقضى بها له، ولا يقضى على بائعه، برهنت أمة في يد مشتر أخير على أنها معتقة فلان أو مدبرته أو أم ولده رجع الكل إلا من كان قبل فلان. سائحاني. قوله: (قيل كالحرية) أفتى به المولى أبو السعود، وجزم به في المحبية، ورجحه المصنف في كتاب الوقف كما قدمه الشارح أول الوقف. قوله: (وهو المختار) في الفواكه البدرية لابن الغرس: وهو الصحيح ا ه واقتصر عليه في الخانية في باب ما يبطل دعوى المدعي، واستدل له فكان مختاره. قوله: (وصححه العمادي) نقل الرملي عن المصنف عبارة الفصول العمادية، وليس فيها تصحيح أصلا بل مجرد حكاية: الأول عن الحلواني والسعدي، والثاني عن أبي الليث والصدر الشهيد ا ه. وفي جامع الفصولين: القضاء بالوقفية قيل يكون على الناس كافة، وقيل لا. قوله: (القضاء يتعدى الخ) فإذا قضى بواحدة منها لا تسمع دعوى آخر، وأراد بالحرية ما يشمل العارضة كالعتق، ويجري في النكاح ما جرى في الملك المؤرخ فتسمع دعوى غيره على نكاحها قبل التاريخ لا بعده، كما استنبطه والد محشي مسكين من كلام الدرر المار. قال الحموي: ويزاد على الأربع ما في معين الحكام: لو أحضر رجلا وادعى عليه حقا لموكله وأقام البينة على أنه وكله في استيفاء حقوقه والخصومة في ذلك قبلت، ويقضى بالوكالة ويكون قضاء على كافة الناس، لأنه ادعى حقا بسبب الوكالة فكان إثبات السبب عليه إثباتا على الكافة، حتى لو أحضر آخر وادعى عليه حقا لا يكلف إعادة البينة على الوكالة ا ه. قوله: (ويثبت رجوع المشتري على بائعه بالثمن الخ) أشار إلى أن الاستحقاق لا بد أن يرد على ما كان ملك البائع ليرجع عليه، ففي الجامع الكبير: لو اشترى ثوبا فقطعه وخاطه، ثم استحق بالبينة لا يرجع المشتري على البائع بالثمن، لان الاستحقاق ما ورد على ملكه، لان لو كان ملكه (1) في الأصل انقطع بالقطع والخياطة، كمن غصبه فقطعه وخاطه ملكه، فالأصل أن الاستحقاق إذا ورد على ملك البائع الكائن من الأصل يرجع عليه، وإن ورد عليه بعدما صار إلى حال لو كان غصبا ملكه به لا يرجع، لان متيقن الكذب، وعرف أن المعنى أن يستحقه باسم القميص، فلو برهن أنه كان له قبل هذه الصفة رجع المشتري بالثمن، وعلى هذا لو اشترى حنطة وطحنها ثم استحق الدقيق، ولو قال كانت لي قبل الطحن يرجع، وكذا لو شرى لحما فشواه ا ه فتح ملخصا. وأطلق المصنف الرجوع فشمل ما إذا كان الشراء فاسدا كما في جامع الفصولين، وما إذا كان عالما بكونه ملك المستحق كما سيذكره المصنف، وما لو أبرأ البائع المشتري عن ثمنه، فللبائع الرجوع على بائعه لو الابراء بعد الحكم لا قبله، كما مر. وما لو مات بائعه، ولا وارث له فالقاضي ينصب عنه وصيا ليرجع المشتري عليه، وما إذا زعم بائعه أنه نتج في ملكه، وعجز عن إثباته وأخذ منه الثمن فله الرجوع على بائعه، لأنه لما حكم عليه التحق دعواه بالعدم، وكذا لو زعم أنه ليس له الرجوع
(1) قوله: (لأنه لو كان ملكه الخ) هكذا بخطه ولعله سقط من قلمه واو قبل لو والأصل لأنه ولو كان الخ فتأمل ا ه. 322 لانكاره البيع، لأنه لما حكم عليه ببينة التحق زعمه بالعدم، وما لو ألزم القاضي البائع بدفع الثمن أولا كما مر، وما لو أحال البائع رجلا بالثمن على المشتري وأدى إليه ثم استحقت الدار فإنه يرجع على البائع لا على المحال، وإن لم يظفر بالبائع، وما إذا كان البائع وكيلا، فللمشتري مطالبته بالثمن من ماله، ولا ينتظر إن كان دفع الثمن إليه، وإن كان دفعه للموكل ينتظر أخذه من الموكل، وما إذا قال البائع للمشتري قد علمت أن الشهود شهدوا بزور وأن المبيع لي فصدقه المشتري فإنه يرجع عليه بالثمن، لأنه لم يسلم له لمبيع، فلا يحل للبائع أخذ الثمن وقد استحق المبيع ا ه ملخصا كل ذلك من الذخيرة. تنبيه: إذا ادعى المشتري استحقاق المبيع على بائعه ليرجع بثمنه، فلا بد أن يفسر الاستحقاق، ويبين سببه فلو بينه وأنكر البائع البيع فأثبته المشتري رجع بثمنه. وقيل: يشترط حضرة المبيع لسماع البينة، وقيل لا، وبه أفتى ظهير الدين المرغيناني. فلو ذكر شية العبد وصفته وقدر ثمنه كفى. جامع الفصولين. وفيه أن للمستحق عليه تحليف المستحق بالله ما باعه ولا وهبه ولا تصدق به ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه، وتمامه فيه. فرع: استأجر حمارا فادعاه رجل ولم يصدقه أنه مستأجر واستحقه عليه لا يرجع الآجر على بائعه، لان هذا الاستحقاق ظلم لأنه لم يقع على خصم. ذخيرة. قوله: (إذا كان الاستحقاق بالبينة) فلو أخذ المستحق العين من المشتري بلا حكم فهلك فالوجه في رجوع المشتري على بائعه أن يدعي على المستحق أنك قبضته مني بلا حكم، وكان ملكي وقد هلك في يدك فأد إلي قيمته، فيبرهن أنه له فيرجع المشتري على بائعه بثمنه. جامع الفصولين ومفهومه أنه لو لم يهلك فللمشتري منه استرداده، حتى يبرهن فيرجع المشتري على بائعه إن لم يقر المشتري أولا بأنه للمستحق. وفي الفصولين أيضا: أخذه بلا حكم فقال المشتري لبائعه أخذه المستحق مني بلا حكم فأد ثمنه إلي فأداه، ثم برهن على المستحق أنه له في غيبة المشتري صح لانفساخ البيع بينه وبين المشتري بتراضيهما، فبقي على ملك البائع ولم يصح الاستحقاق ا ه. واحترز بقوله بلا حكم عما إذا كان بحكم، ولم يرجع المشتري على بائعه بالثمن، فإنه لا يصح مع غيبة المشتري، لعدم انفساخ البيع بالاستحقاق. رملي. قوله: (بإقرار المشتري) ولو عدل المشتري شهود المستحق: قال أبو يوسف: أسأل عنهما فإن عدلا رجع بالثمن، وإلا فلا لأنه كإقرار. ذخيرة. قوله: (أو بنكوله) كأن طلب المستحق تحليفه على أنك لا تعلم أن المبيع ملكي. قوله: (فلا رجوع) فلو برهن المشتري أن الدار ملك المستحق ليرجع بثمنه على بائعه لا يقبل للتناقض. لأنه لما أقدم على الشراء فقد أقر أنه ملك البائع، فإذا ادعى لغيره كان تناقضا يمنع دعوى الملك، ولأنه إثبات ما هو ثابت بإقراره، فلغا، أما لو برهن على إقرار البائع أنه للمستحق يقبل لعدم التناقض، وأنه إثبات ما ليس بثابت ولا ببينة له فله تحليف البائع بالله ما هو للمدعي، لأنه لو أقر لزمه جامع الفصولين: نعم لو أقر به للمستحق ثم برهن على أن الأمة حرة الأصل وهي تدعي أو أنها (1) ملك فلان وهو أعتقها أو دبرها أو استولدها قبل الشراء تقبل ويرجع بالثمن، لان التناقض في
(1) قوله: (وهي تدعي أو انها الخ) هكذا بخطه ولعل الصواب اسقاط كلمة أو كما لا يخفي ا ه. مصححه. 323 دعوى الحرية وفروعها لا يضر. فتح. قال في النهر: وظاهر أن قوله وهي تدعي اتفاقي. قوله: (كما هو ظاهر كلام الزيلعي) حيث قال: لان البينة لا تصير حجة إلا بقضاء القاضي، وللقاضي ولاية عامة فينفذ قضاؤه في حق الكافة، والاقرار حجة بنفسه لا يتوقف على القضاء، وللمقر ولاية على نفسه دون غيره، فيقتصر عليه ا ه. قال ط: وحمله الرملي في حاشية المنهج على بعض القضايا، أو يراد بالكافة كل من يتعدى إليه حكم القاضي في تلك القضية لا كافة الناس ا ه. وحينئذ فلا حاجة للاستدراك ا ه. قوله: (ونحوه) من فروعه وكولاء ونكاح ونسب ط. قوله: (فإن ثبت الحق بهما) الظاهر أنه احتراز عما لو سبق الحكم بالبينة عقب الانكار، ثم أقر بخلاف العكس، لأنه بعد الحكم للمستحق بإقرار المشتري لا يصح الحكم بعده بالبينة، بخلاف ما إذا كان قبل الحكم بشئ منهما بأن رهن ثم أقر المشتري أو بالعكس فإنه يجعل الحكم قضاء بالبينة عند الحاجة إلى الرجوع كما هنا. وإن أمكن جعله قضاء بالاقرار، فافهم، وعلى هذا حمل في الفتح ما في فتاوى رشيد الدين من أنه لو أقر ومع ذلك برهن المستحق وأثبت عليه البينة رجع، لان القضاء وقع بالبينة لا بالاستحقاق، ثم ذكر رشيد الدين في كتاب الدعوى: لو ادعى عينا وبرهن وقبل أن يقضى له أقر له المدعى عليه، اختلفوا فقيل: يقضى بالاقرار، وقيل بالبينة، والأول أظهر وأقرب للصواب ا ه. قال في الفتح: وهذا يناقض ما قبله، إلا أن يخص ذلك بعارض الحاجة إلى الرجوع. فيتحصل أنه إذا ثبت الحق بهما يقضى بالاقرار على ما جعله الأظهر، وإن سبقته إقامة البينة مع تمكن القاضي من اعتباره قضاء بالبينة، وعند تحقق حاجة الخصم إليه ينبغي اعتباره قضاء بها ليندفع الضرر عنه بالرجوع ا ه ملخصا. قلت: ويؤيد هذا التوفيق أنه في جامع الفصولين نقل عبارة رشيد الدين الأولى معللة بالحاجة، وذكر في نور العين أن هذا أظهر وحقق ذلك فراجعه. والظاهر أن مثل ما هنا ما لو باع شيئا كأن اشتراه ثم رد عليه بعيب قديم وأقر به وبرهن عليه المشتري وقضى بذلك يجعل قضاء بالبينة لحاجته إلى الرجوع على بائعه بخيار العيب. قوله: (فبالبينة أولى) أي فاعتبار القضاء بالبينة أولى. قوله: (فلو استحقت مبيعة ولدت) يشمل الدابة إذا ولدت عند المشتري أولادا كما في نور العين عن جامع الفتاوى. قوله: (لا باستيلاده) قيد به لمكان قوله يتبعها ولدها وإلا فاستيلاد المشتري لا يمنع استحقاق الولد بالبينة، لكنه لا يتبعها بل يكون ولد المشتري حرا بالقيمة كما نبه عليه بعده. قوله: (يتبعها ولدها) وكذا أرشها. فتح. قال: ولا خصوصية للولد بل زوائد المبيع كلها على التفصيل ا ه. أي التفصيل بين كون الاستحقاق بالبينة أو بالاقرار، وبين دعوى المقر له الزوائد وعدمها، وسيذكر الشارح الزوائد آخرا. قوله: (بشرط القضاء به) لان أصل يوم القضاء لانفصاله واستقلاله فلا بد من الحكم به، وهو الأصح في المذهب. فتح. قال في الهداية: وإليه تشير المسائل، فإن القاضي إذا لم يعلم بالزوائد. قال محمد: لا تدخل الزوائد في الحكم، وكذا الولد إذا كان في يد غيره لا يدخل تحت
324 الحكم بالام تبعا ا ه. والظاهر أن الأرش لا يدخل تبعا. قوله: (في الأصح) مقابله ما قيل: إنه إذا قضى القاضي بالام يصير مقضيا به أيضا كما في الفتح. قوله: (وكلام البزازي يفيد تقييده) أي تقييد القضاء بالولد للمستحق، وأخذ ذلك في النهر من قول البزازي: شهدوا على رجل في يده جارية أنها لهذا المدعي ثم غابا أو ماتا ولها ولد في يد المدعى عليه ويدعي أنه له وبرهن على ذلك لا يلتفت الحاكم إلى برهانه ويقضي بالولد للمدعي، فإن حضر الشهود وقالوا الولد للمدعى عليه ضمن الشهود قيمة الولد كأنهم رجعوا، فإن كانوا حضورا وسألهم عن الولد فإن قالوا إنه للمدعى عليه أو لا ندري لمن الولد يقضى بالام للمدعي دون الولد ا ه. قوله: (بما إذا سكت الشهود) أي عن كونه لذي اليد، وكذا بالأولى إذا قالوا إنه للمستحق. قوله إنه للمستحق. قوله: (ثم استيلاده) أي استيلاد المشتري. مطلب في الولد المغرور قوله: (فيكون ولد المغرور) الأولى أن يقول ولكن يكون الخ لان قوله لا يمنع الخ يتوهم منه أنه يتبعها كما إذا كان لا باستيلاده، فيناسبه الاستدراك بأنه يكون ولد المغرور: أي يكون لذي اليد حرا، لان وطأه كان في الملك ظاهرا، وعليه للمستحق القيمة: أي يوم الخصومة كما سيذكره في باب دعوى النسب، قال في جامع الفصولين: ولو أولدها على هبة أو صدقة أو شراء أو وصية أخذ المستحق الأمة وقيمة الولد إذا الموجب للغرور ملك مطلق الاستباحة في الظاهر وقد وجد ويرجع الأب على البائع بثمنها وبقيمة ولدها لا بالعقر عندنا، ولا يرجع على الواهب والمتصدق والموصي بقيمة الولد عندنا، ولو باعها المشتري الأول فأولدها الثاني فاستحقت يرجع المشتري الثاني على الأول بالثمن وبقية الولد ولا يرجع الأول على بائعه إلا بالثمن عنده، وعندهما يرجع بقيمة الولد أيضا، ونظيره أن المشتري الثاني لو وجد عيبا وقد تعذر رده لعيب حدث فيرجع على بائعه بنقص العيب وبائعه لا يرجع به في بائعه عنده خلافا لهما. مطلب: لا يرجع على بائعه بالعقر ولا بأجر الدار التي ظهرت وقفا تنبيه: إنما لم يرجع المشتري بالعقر لأنه بدل منفعة استوفاها لنفسه، وجزاء على فعله ومثله ما لو نقصت الأرض المستحقة بالزراعة، وضمن نقصانها لا يرجع به على بائعه وبه ظهر جواب حادثة الفتوى: فيمن اشترى دارا فظهرت وقفا وضمنه ناظر الوقف أجرتها فأجبت: بأنه لا يرجع بالأجرة على البائع خلافا لما أفتى به بعض علماء مصر القاهرة في زماننا مستدلا بقولهم الغرور في ضمن عقد المعاوضة يوجب الرجوع، ولا يخفى أنه غير صحيح لأنه إنما يرجع بما يمكن تسليمه كما يأتي بيانه وبما ليس جزاء لفعله كما علمت. قوله: (بالقيمة لمستحقه) أي مضمونا بها للمستحق والمراد القيمة يوم الخصومة كما ذكره في باب دعوى النسب. قوله: (كما مر) صوابه: كما يأتي. قوله: (والفرق ما مر) قال في الهداية: ووجه الفرق أن البينة حجة مطلقة فإنها كاسمها مبنية فيظهر بها ملكه من الأصل والولد كان متصلا بها، فيكون له أما الاقرار حجة قاصرة يثبت الملك في المخبر به ضرورة صحة
325 الاخبار، وقد حصلت بإثباته بعد الانفصال فلا يكون الولد له. قوله: (يتبعها) لأن الظاهر أنه له زيلعي عن النهاية، ومقتضى الفرق المذكور أنه لا يكون له كما في الفتح. قوله: (وكذا) أي كالولد في التفصيل المذكور كما مر. قوله: (نعم لا ضمان بهلاكها) أي هلاك الزوائد ومنه موت الولد واحترز عن استهلاكها فتضمن به. قوله: (ومنع التناقض دعوى الملك) هذا إذا كان الكلام الأول قد أثبت لشخص معين حقا، وإلا لم يمنع كقوله: لا حق لي على أحد من أهل سمرقند ثم ادعى شيئا على أحد منهم تصح دعواه كما في المؤيدية عن صدر الشريعة ا ه وكذا إذا كان كل من الكلامين عند القاضي واكتفى بعضهم في تحققه كون الثاني (1) عند القاضي واختار في النهر الأول، لان من شرائط الدعوى كونها لديه واختار في البحر من متفرقات القضاء الثاني. قال في المنح: ولعل وجهه أنه الذي يتحقق به التناقض ا ه. وقال المقدسي: يكاد أن يكون الخلاف لفظيا، لان الكلام الأول لا بد أن يثبت عند القاضي، ليترتب على ما عنده حصول التناقض والثابت بالبيان كالثابت بالعيان، فكأنهما في مجلس القاضي، فالذي شرط كونهما في مجلسه يعم الحقيقي والحكمي في السابق واللاحق ا ه. قلت: ويشهد له مسائل كثيرة في دعوى الدفع وسيأتي تمام الكلام عليه في متفرقات القضاء إن شاء الله تعالى. مطلب في مسائل التناقض ثم اعلم أن التناقض يرتفع بتصديق الخصم وبتكذيب الحاكم أيضا وهو معنى قولهم: المقر إذا صار مكذبا شرعا بطل إقراره. بحر عن البزازية. وقدمنا قبل نحو ورقة مسائل في ارتفاعه بتكذيب الحاكم، ثم ذكر في البحر بعد ورقتين ارتفاعه بثالث حيث قال: إذا قال تركت أحد الكلامين فإنه يقبل منه لما في البزازية عن الذخيرة ادعاء مطلقا، فدفعه بأنك كنت ادعيته قبل هذا مقيدا، وبرهن عليه فقال المدعي أدعيه الآن بذلك السبب وتركت المطلق يقبل ا ه. أي لكون المطلق أزيد من المقيد وهو مانع لصحة الدعوى، ولذا لو ادعى المطلق أو لا تسمع كما في البزازية لكونه بدعوى المقيد، ثانيا يدعي أقل، لكن ما نقله في البحر عن البزازية لا يدل على كون ذلك قاعدة في إبطال التناقض، وإلا لزم أن يضر تناقض أصلا لتمكن المتناقض من قوله: تركت الكلام الأول، فإذا أقر أنه ليس له ثم قال هو لي وتركت الأول تسمع ولا قائل به أصلا. والظاهر أن ما نقله عن البزازية وجهة كونه توفيقا بين الكلامين بأن مراد المدعي الأقل الذي ادعاه أولا بدليل ما في البزازية أيضا: ادعى عليه ملكا مطلقا ثم ادعى عليه عند ذلك الحاكم بسبب يقبل، بخلاف العكس، إلا أن يقول العاكس أردت بالمطلق الثاني المقيد الأول لكون المطلق أزيد من المقيد، وعليه الفتوى ا ه فافهم. قوله: (طلب نكاح الأمة يمنع دعوى تملكها) تتمة عبارة الصغرى وطلب نكاح الحرة مانع من دعوى نكاحها ا ه. وكان الأولى ذكره لأنه مثال منع دعوى الملك في المنفعة. قوله: (وكما يمنعها لنفسها يمنعها لغيره الخ) كما إذا ادعى أنه لفلان وكله بالخصومة ثم ادعى أنه لفلان آخر وكله بالخصومة لا تقبل إلا إذا وفق وقال
(1) قوله: (واكتفى بعضهم في تحققه كون الثاني الخ) هكذا بخطه ولعل صوابه: بكون الثاني الخ تأمل ا ه. مصححه. 326 كان لفلان الأول وقد وكلني بالخصومة ثم باعه من الثاني ووكلني أيضا، والتدارك ممكن بأن غاب عن المجلس وجاء بعد فوت مدة وبرهن على ذلك على ما نص عليه الحصيري في الجامع دل على أن الامكان لا يكفي. نهر عن البزازية. قوله: (سنحققه الخ) حاصل ما ذكره هناك حكاية الخلاف. قلت: وذكر في البحر هناك أن الاكتفاء بإمكان التوفيق هو القياس، والاستحسان أن التوفيق بالفعل شرط، وذكر محشيه الرملي عن منية المفتى أن جواب الاستحسان هو الأصح. ا ه. وفي جامع الفصولين بعد حكاية الخلاف: والأصوب عندي أن التناقض إذا كان ظاهر السلب، والايجاب والتوفيق خفيا لا يكفي إمكان التوفيق، وإلا ينبغي أن يكفي الامكان، ويؤيده ما في ح: أنه لو أقر له أنه له فمكث قدر ما يمكنه الشراء منه ثم برهن على الشراء منه بلا تاريخ قبل لامكان التوفيق بأن يشتريه بعد إقراره، ولان البينة على العقد المبهم تفيد الملك للحال ولذا لا تعتبر الزوائد ا ه. وأقر في نور العين. قوله: (وفروع هذا الأصل كثيرة) منها: ادعى عليه ألفا دينا فأنكر ثم ادعاها من جهة الشركة لا تسمع، وبالعكس تسمع لامكان التوفيق، لان مال الشركة يجوز كونه دينا بالجحود. ادعى الشراء من أبيه ثم برهن على أنه ورثها منه يقبل لامكان أنه جحده الشراء ثم ورثه منه، وبالعكس لا ادعى أولا الوقف ثم لنفسه لا تسمع، كما لو ادعاها لغيره ثم لنفسه، وبالعكس تسمع لصحة الإضافة بالأخصية انتفاعا. ادعاه بشراء أو إرث ثم ادعاه مطلقا لا تسمع، بخلاف العكس كما مر. بحر ملخصا. قوله: (وإن قال أبي وابني) مفاده أن قول ذلك بعد قول المدعي الأول هو أخي، وليس كذلك لان المراد أن مدعي النفقة لو قال هو أبي أو ابني وكذبه ثم بعد موته صدقه المدعى عليه، وادعى الإرث يقبل. والفرق أن ادعاء الولاد مجردا يقبل لعدم حمل النسب على الغير، بخلاف دعوى الاخوة، أفاده ح. ويمكن إرجاع ضمير قال هنا وفي المعطوف عليه إلى مدعي النفقة، ويكون المراد أن مدعي الإرث وافقه على دعواه، فافهم. قوله: (والأصل الخ) أشار بهذا وبالكاف إلى أنه ليس المراد حصر ما يعفى فيه التناقض بما ذكره المصنف، بل كل ما في سببه خفاء، فمنه: اشترى أو استأجر دارا من رجل ثم ادعى أن أباه كان اشتراها له في صغره أو أنه ورثها منه وبرهن قبل. ادعى شراء من أبيه ثم برهن على أنه ورثها منه يقبل، وبالعكس لا. ادعى عينا له وعليه قيمتها ثم ادعى أنها قائمة في يده وعليه إحضارها أو بالعكس يقبل. اشترى ثوبا في منديل ثم زعم أنه له وأنه لم يعرفه يقبل. اقتسما التركة ثم ادعى أحدهما أن أباه كان جعل له منها الشئ الفلاني: إن قال كان في صغري يقبل، وإن مطلقا لا، وتمامه في البحر. قوله: (كالنسب) كما لو باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعى البائع الأول أنه ابنه يقبل ويبطل الشراء الأول والثاني، لان النسب يبتنى على العلوق فيخفى عليه فيعذر في التناقض. عيني. وفي جامع الفصولين: قال أنا لست وارث فلان ثم ادعى إرثه وبين الجهة يصح، إذ التناقض في النسب لا يمنع صحة دعواه. ولو قال ليس هذا الولد مني ثم قال هو مني يصح،
327 وبالعكس لا لكون النسب لا ينتفي بنفيه، وهذا إذا صدقه الابن، وإلا فلا يثبت النسب لأنه إقرار على الغير بأنه جزئي، لكن إذا لم يصدقه الابن ثم صدقه تثبت البنوة، لان إقرار الأب لم يبطل بعدم التصديق، ولو أنكر الأب إقراره فبرهن الابن عليه يقبل، والاقرار بأنه ابني يقبل لأنه إقرار على نفسه بأنه جزؤه، أما الاقرار بأنه أخوه فلا، لأنه إقرار على الغير. ولو ادعى أن أبي فلان وصدقه ثبت نسبه فإذا ادعى أنه ابن فلان آخر لا يسمع، لان فيه إبطال حق الأول، وكذا لو لم يصدقه الأول لأنه أثبت له حق التصديق، فلو صححنا إقراره الثاني يفضي إلى إبطال حق التصديق للأول وصار كمن ادعى أنه مولى فلان ولم يصدقه ثم ادعى أنه مولى فلان آخر لم يجز ا ه. وتمامه فيه. قوله: (والطلاق) حتى لو برهنت على الثلاث بعدما اختلعت قبل برهانها واستردت بدل الخلع لاستقلال الزوج بذلك بدون علمها، وكذا لو قاسمت المرأة ورثة زوجها، وقد أقروا بالزوجية كبارا ثم برهنوا على أن زوجها كان طلقها في صحته ثلاثا رجعوا عليها بما أخذت. نهر. وفي البحر عن البزازية: ادعت الطلاق فأنكر ثم مات لا تملك مطالبة الميراث ا ه. تأمل. قوله: (وكذا الحرية) أي ولو عارضة وفصله عما قبله بكذا إشارة إلى أن التفريع بعده عليه فقط. ومن فروع ذلك: لو برهن البائع أو المشتري أن البائع حرره قبل بيعه يقبل، إذ التناقض متحمل في العتق. قال في جامع الفصولين بعد نقله أقول: التناقض إنما يحتمل بناء على الخلفاء، وذا يتحقق في المشتري لا البائع لأنه يستبد بالعتق، فالأولى أن يحمل هذا على قولهما، إذ الدعوى غير شرط عندهما في عتق العبد، فتقبل بينة البائع حسبة وإن لم تصح الدعوى للتناقض ا ه. ومنها: لو أدى المكاتب بدل الكتابة ثم ادعى تقدم إعتاقه قبلها يقبل. بزازية. وفي المبسوط: أقرت له بالرق فباعها ثم برهنت على عتق من البائع أو على أنها حرة الأصل يقبل استحسانا ولو باع عبدا وقبضه المشتري وذهب به إلى منزله والعبد ساكت وهو ممن يعبر عن نفسه فهو إقرار منه بالرق، فلا يصدق في دعوى الحرية بعده لسعيه في نقض ما تم من جهته إلا أن يبرهن فيقبل، وكذا لو رهنه أو دفعه بجناية كان إقرارا بالرق، لا لو آجره ثم قال أنا حر فالقول له، لان الإجارة تصرف في منافعه لا في عينه. وتمامه في البحر. قوله: (فلو قال عبد) أي إنسان وسماه عبدا باعتبار ظاهر الحال الآن، وإلا فالفرض أنه حر. وقوله لمشتر أي لمريد الشراء. قوله: (اشترني فأنا عبد) لا بد في كون المشتري مغرورا يرجع بالثمن من هذين القيدين: أعني الامر بالشراء والاقرار بكونه عبدا كما في الفتح وغيره. وما في العتابية من الاكتفاء بسكوت العبد عند البيع في رجوع المشتري عليه فهو مخالف لما في سائر الكتب، وإن غلط فيه بعض من تصدر للافتاء بدار السلطنة العلية وأفتى بخلافه، كما أفاده الأنقروي في منهوات فتاويه، وأفاد بقوله اشترني أنه لو قال له أجنبي اشتره فإنه عبد فلا رجوع بحال كما في جامع الفصولين وغيره. قوله: (لزيد) كذا في النهر. قال السائحاني: والظاهر أنه ليس بشرط، لان الغرور في ضمن المعاوضة ليس كفالة صريحة حتى يشترط معرفة المكفول له وعنه، ومما اغتفروا أيضا هنا رجوع العبد على سيده بما أدى مع أنه لم يأمره بهذا الضمان الواقع منه ضمن قوله اشترني فأنا عبد ا ه. قوله: (معتمدا على مقالته) احترز به عما إذا كان عالما بكونه حرا، لأنه لا تغرير مع العلم كما لا يخفى، ولذا لو استولدها عالما بأن البائع غصبها فاستحقت لا يرجع بقيمة الولد وهو رقيق كما
328 يذكره الشارح. فافهم. قوله: (أي ظهر حرا) ببينة أقامها، لأنه وإن كان دعوى العبد شرطا عند أبي حنيفة في الحرية الأصلية، وكذا في العارضة بعتق ونحوه في الصحيح، لكن التناقض لا يمنع صحتها كما أفاده تفريع المسألة، وتمامه في الفتح. قوله: (يعرف مكانه) ظاهر إطلاقهم ولو بعد بحيث لا يوصل إليه عادة كأقصى الهند. نهر. فافهم. قوله: (لوجود القابض) أي البائع، والأولى قوله الفتح للتمكن من الرجوع على القابض. قوله: (وإلا) أي بأن لم يعلم مكانه، ومثله ما إذا مات ولم يترك شيئا، فلو كان له تركة يعلم مكانها يرجع فيها فيما يظهر لان ذلك دين عليه كما يأتي، والدين لا يبطل بالموت، فافهم. قوله: (رجع المشتري على العبد بالثمن) لأنه يجعل العبد بالامر بالشراء ضامنا الثمن له عند تعذر رجوعه على البائع دفعا للغرور والضرر، ولا تعذر إلا فيما لا يعرف مكانه، والبيع عقد معاوضة فأمكن أن يجعل الامر به ضمانا للسلامة كما هو موجبة. هداية. قوله: (خلافا للثاني) أي في رواية عنه. قوله: (لا رجوع عليه اتفاقا) لان الحر يشتري تخليصا كالأسير، وقد لا يجوز شراء العبد كالمكاتب. زيلعي. قوله: (ورجع العبد على البائع) إنما يرجع عليه مع أنه لم يأمره بالضمان عنه لأنه أدى دينه، وهو مضطر في أدائه. فتح. فهو كمعير الرهن إذا قضى الدين لتخليص الرهن يرجع على المديون لأنه مضطر في أدائه. قوله: (لم يضمن أصلا) أي سواء كان البائع حاضرا أو غائبا. قال في الهداية: لان الرهن ليس بمعاوضة بل هو وثيقة لاستيفاء عين حقه حتى يجوز الرهن ببدل الصرف والمسلم فيه مع حرمة الاستبدال، فلا يجعل الامر به ضمانا للسلامة، وبخلاف الأجنبي: أي لو قال: اشتراه فإنه عبد لأنه لا يعبأ بقوله فيه فلا يتحقق الغرور، ونظير مسألتنا قول المولى: بايعوا عبدي هذا فإني قد أذنت له ثم ظهر الاستحقاق يرجعون عليه بقيمته ا ه. قوله: (والأصل الخ) مر هذا الأصل مبسوطا آخر باب المرابحة والتولية. مطلب فيما لو باع عقارا وبرهن أنه وقف قوله: (لان مجرد الوقف لا يزيل الملك) أي عند الامام والفتوى على لزومه بدون الحكم بلزومه. قوله: (على خلاف ما صوبه الزيلعي) حيث قال: وإن أقام البينة على ذلك قيل تقبل، وقيل لا تقبل وهو أصوب وأحوط ا ه. قوله: (وتقدم في الوقف) قدمنا هناك أن الأصح سماع البينة دون الدعوى المجردة بلا تفصيل لان الوقف حق الله تعالى، فتسمع فيه البينة وتمام تحقيق المسألة هناك فراجعه. قوله: (للقضاء عليهما) لان الملك للمشتري واليد للبائع والمدعى يدعيهما فشرط القضاء عليهما حضورهما
329 فتح. بقي لو قال المستحق لا بينة لي واستخلفهما فحلف البائع ونكل المشتري، فإنه يؤاخذ بالثمن فإذا أداه أخذ العبد وسلمه إلى المدعي، وإن حلف المشتري ونكل البائع لزم البائع كل قيمة العبد إلا أن يجيز المستحق البيع ويرضى بالثمن. بزازية وجامع الفصولين. قوله: (ثم هو) أي البائع. قوله: (ولزم البيع) لأنه يقرر القضاء الأول ولا ينقضه. فتح لان القضاء بأن المستحق باعه يقرر القضاء بأنه ملك المستحق. قوله: (وتمامه في الفتح) حيث قال: ولو فسخ القاضي البيع بطلب المشتري، ثم برهن البائع أن المستحق باعها منه يأخذها وتبقى له ولا يعود البيع المنتقض ا ه. فأفاد أن قوله ولزم البيع مقيد بما إذا لم يفسخ القاضي البيع. مطلب لا عبرة بتاريخ الغيبة قوله: (لا عبرة بتاريخ الغيبة الخ) اعلم أن الخارج مع ذي اليد لو ادعيا ملكا مطلقا فالخارج أولى إلا إذا برهن ذو اليد على النتائج أو أرخا الملك وتاريخ ذي اليد أسبق فهو أولى، ولو أرخ أحدهما فقط يقضى للخارج عندهما، وعند أبي يوسف وهو رواية عن الامام يحكم للمؤرخ خارجا أو ذا يد كما في جامع الفصولين من الفصل الثامن. وأفاد المصنف أن تاريخ الغيبة غير معتبر، لان قول الخارج إن هذا الحمار غاب عني منذ سنة ليس فيه تاريخ مالك فإذا قال ذو اليد: إنه ملكي منذ سنتين مثلا، وبرهن لا يحكم له لأنه وجد تاريخ الملك من أحدهما فقط، وهو غير معتبر فيقضي به للخارج عندهما كما علمت، ومثله لو برهن الخارج أنه له منذ سنتين وذو اليد أنه بيده منذ ثلاث سنين، فهو للخارج لان ذا اليد لم يبرهن على الملك كما في جامع الفصولين. قوله: (بل العبرة لتاريخ الملك) أي التاريخ الموجود من الطرفين كما علمت، وإلا فتاريخ الملك هنا وجد من المدعى عليه لكنه لم يوجد من المدعي بل وجد منه تاريخ الغيبة فقط. قوله: (فقبل) ظرف متعلق بأخبر. قوله: (أخبر المستحق عليه) أي الذي ادعى عليه بالاستحقاق، وهو المشتري وهو مرفوع على أنه فاعل أخبر والبائع مفعوله. قوله: (بل يقضى بها للمستحق) لأنه ما ذكر تاريخ الملك بل تاريخ الغيبة، فبقي دعواه الملك بلا تاريخ والبائع ذكر تاريخ الملك ودعواه دعوى المشتري، لان المشتري تلقى الملك منه، فصار كأن المشتري ادعى ملك بائعه بتاريخ سنتين إلا أن التاريخ لا يعتبر حالة الانفراد، فسقط اعتبار ذكره وبقيت الدعوى في الملك المطلق، فيقضي بالدابة. درر: أي يقضى بها للمستحق. قال في جامع الفصولين من الفصل السادس عشر بعد ذكره ما مر أقول: ويقضى بها للمؤرخ عند أبي يوسف، لأنه يرجح المؤرخ حالة الانفراد وينبغي الافتاء به لأنه أرفق وأظهر والله تعالى أعلم ا ه. قوله: (لانعدام الغرور) لعلمه بحقيقة الحال. درر ومثله ما لو تزوج من أخبرته بأنها حرة عالما بكذبها فأولدها فالولد رقيق كما في جامع الفصولين. قوله: (ويرجع بالثمن) أي على بائعه وكان الأولى ذكر الرجوع بالثمن أولا، لكونه المقصود
330 من التفريع على كلام المتن، ثم يقول: ولكن يكون الولد رقيقا. أفاده السائحاني. قوله: (وإن أقر بملكية المبيع للمستحق) أي بعد أن يكون الاستحقاق ثابتا بالبينة لا بإقرار المشتري المذكور، فلا ينافي قول المصنف السابق أما إذا كان بإقرار المشتري أو بنكوله فلا، على أنه قدم الشارح أنه إذا اجتمع الاقرار والبينة يقضى بالبينة عند الحاجة إلى الرجوع. وبه اندفع ما في الشرنبلالية من توهم المنافاة فافهم. قوله: (ورجع) أي بالثمن. قوله: (بسبب ما) أي بشراء أو هبة أو إرث أو وصية. قوله: (بخلاف ما إذا لم يقر) أي المشتري أي لم يقر نصا بأنه ملك للبائع، فإن الشراء وإن كان إقرارا بالملك، لكنه محتمل، وفي جامع الفصولين: لأنه وإن جعل مقرا بالملك للبائع لكنه مقتضى الشراء، وقد انفسخ الشراء بالاستحقاق فينفسخ الاقرار. قوله: (بل لا بد من الشهادة على مضمونه) بأن يشهدا أن قاضي بلدة كذا قضى على المستحق عليه بالدابة التي اشتراها من هذا البائع، وأخرجها من يد المستحق عليه كما في جامع الفصولين وغيره. قوله: (من محاضر) بيان لما، والمراد مضمون ما في المذكورات، فلا بد فيها من الشهادة على مضمون المكتوب لما في المنح. والمحضر ما يكتبه القاضي من حضور الخصمين والتداعي والشهادة. والسجل ما يكتب فيه نحو ذلك وهو عنده. والصك ما يكتبه لمشتر أو شفيع ونحو ذلك ا ه ط. قوله: (بخلاف نقل وكالة) كما إذا وكل المدعي إنسانا بحضرة القاضي ليدعي على شخص في ولاية قاض آخر وكتب القاضي كتابا يخبره بالوكالة ط. قوله: (وشهادة) كما إذا شهدوا على خصم غائب، فإن للقاضي لا يحكم بل يكتب الشهادة ليحكم بها القاضي المكتوب إليه، ويسلم المكتوب لشهود الطريق كما يأتي في باب كتاب القاضي إلى القاضي ح. قوله: (لأنهما لتحصيل العلم للقاضي) أي لمجرد الاعلام لا لنقل الحكم، فلا تشترط الشهادة على مضمونها، بل تكفي الشهادة بأنهما من قاضي بلدة كذا. هذا ما يفيده كلامه تبعا للدرر. ولكن سيأتي في كتاب القاضي إلى القاضي اشتراط قراءته على الشهود أو إعلامهم به ومقتضاه أنه لا بد من شهادتهم بمضمونه وإلا فما الفائدة في قراءته عليهم ولعل ما هنا مبني على قول أبي يوسف بأنه لا يشترط سوى شهادتهم بأنه كتابه، وعليه الفتوى كما سيأتي هناك. قوله: (ولذا لزم الخ) قال المصنف في كتاب القاضي إلى مسألة نقل الشهادة ولا بد من إسلام شهوده ولو كان لذمي على ذمي وعلله الشارح بقوله: لشهادتهم على فعل المسلم ا ه ط. قوله: (ولا رجوع الخ) أي لو ادعى حقا مجهولا في دار فصولح على شئ كمائة درهم مثلا فاستحق بعض الدار لم يرجع صاحب الدار بشئ من البدل على المدعي لجواز أن تكون دعواه فيما بقي وإن قل. درر وعبارة الهداية: فاستحقت الدار إلا ذراعا منها. والظاهر أنه لو كان الاستحقاق على سهم شائع كربع أو نصف فهو كذلك، لان المدعي لم يدع سهما
331 منها لان دعوى حق مجهول تشمل السهم والجزء. نعم لو ادعى سهما شائعا يكون استحقاق الربع مثلا واردا على ربع ذلك السهم أيضا فللمدعى عليه الرجوع بربع بدل الصلح، هذا ما ظهر لي فتأمله. قوله: (لدخول المدعي في المستحق) بالبناء للمجهول فيهما، قال في الدرر: للعلم بأنه أخذ عوض ما لم يملكه. قوله: (واستفيد منه الخ) كذا ذكره شرح الهداية. قوله: (لان جهالة الساقط لا تفضي إلى المنازعة) لان المصالح عنه ساقط، فهو مثل الابراء عن المجهول فإنه جائز عندنا لما ذكر، بخلاف عوض الصلح فإنه لما كان مطلوب التسليم اشترط كونه معلوما لئلا يفضي إلى المنازعة. قوله: (لصحته) أي صحة الصلح. قوله: (لجهالة المدعى به) بيان لوجه عدم صحة الدعوى، لان المدعى به إذا كان مجهولا لا تصح الدعوى حتى لو برهن عليه لم يقبل. قوله: (ما لم يدع إقراره به) أي فإذا ادعى إقرار المدعى عليه بذلك الحق المجهول وبرهن على إقراره به يقبل: أي ويجبر المقر على البيان كما نقله ط عن نوح. قوله: (بحصته) الأولى ذكره بعد قوله: شئ منها لان الضمير راجع إليه ط. قوله: (لفوات سلامة المبدل) أي الشئ الذي استحق فإنه لم يسلم للمصالح. قال في الدرر: لان الصلح على مائة وقع عن كل الدار، فإذا استحق منها شئ تبين أن المدعى لا يملك ذلك القدر فيرد بحسابه من العوض ا ه فافهم. قوله: (لم يرجع الخ) هذا ظاهر فيما إذا ورد الاستحقاق على سهم شائع أيضا كربعها أو نصفها، أما إذا استحق جزء معين منها كذراع مثلا من موضع كذا فالصلح عن دعوى ربعها يدخل فيه ربع ذلك الجزء المستحق. تأمل. قوله: (وإن بقي أقل) بأن ادعى الربع ولم يبق الاستحقاق في يد المدعى عليه إلا الثمن فيرجع بحصة الثمن المستحق ط. قوله: (فوجب الرجوع) أي بأصل المدعي وهو الدنانير ط. قوله: (وفيها فروع أخر فلتنظر) منها استحقاق بعض المبيع وسيأتي. ومنها مسائل أخر تقدمت في فصل الفضولي. قوله: (إلا إذا البائع هاهنا ادعى الخ) أي فلا يرجع بالثمن، لأنه لو رجع على بائعه فهو أيضا يرجع عليه. بزازية. لكن هذا ظاهر إذا اتحد الثمن، فلو زاد فله الرجوع بالزيادة كما قاله ط. وكذا لو ادعى عليه إقراره بأنه اشتراه مني وهي حيلة لا من البائع غائلة الرد بالاستحقاق، وبيانها أن يقر المشتري بأن بائعي قبل أن يبيعه مني اشتراه مني فحينئذ لا يرجع بعد الاستحقاق لما قلنا، أما لو قال لا أرجع بالثمن إن ظهر الاستحقاق فظهر كان له الرجوع، ولا يعمل
332 ما قاله لان الابراء لا يصح تعليقه بالشرط كما في الفتح. قوله: (وطفقا ذاك) أي شرع واسم الإشارة للمشتري. قوله: (آكامها) بمد الهمزة جمع أكمة محركة: التل. قوله: (تمامها) أي الخرابة وما بناه فيها. قوله: (مطلقا) لم يظهر لي المراد به. تأمل. قوله: (بذا الذي كان عليها أنفقا) متعلق بقوله: راجعا المقدر في المعطوف أو المذكور في المعطوف عليه، ولو قدم هذا الشرط على الذي قبله لكان أظهر، ويكون المراد بقوله: مطلقا أنه لا يرجع على المستحق بما أنفق ولا بالثمن، أما على البائع فلا رجوع بما أنفق فقط، ويرجع بالثمن كما صرح به في جامع الفصولين، ثم المراد بما أنفق قيمة البناء إن كان بنى فيها أو أجرة التسوية ونحوها كما يظهر مما يأتي. ثم اعلم أنا قدمنا أنه لا يرجع المشتري على البائع بالثمن إذا صار المبيع بحال لو كان غصبا لملكه كما لو قطع الثوب وخاطه قميصا فاستحق القميص أو طحن البر فاستحق الدقيق. وقد اختلفوا فيما لو غصب أرضا وبنى فيها أو غرس ما قيمته أكثر من قيمة الأرض هل يملك الأرض بقيمتها أم يؤمر بالقلع والرد إلى الملك؟ أفتى المفتي أبو السعود بالثاني وعليه يظهر إطلاقهم هنا، أما على القول الأول فتقيد المسألة بما إذا كان قيمة البناء أقل، وإلا كان الاستحقاق واردا على ملك المشتري وهو الأرض والبناء بلا رجوع له على البائع أصلا، فتنبه لذلك. قوله: (به) أي بالمبيع أو بالاستحقاق وهو متعلق بقوله: قضى والضمير في قوله: فصالح عائد على من اشترى والذي ادعاه وهو المستحق مفعول صالح وصلحا مفعول مطلق، وضمير له عائد على الذي. قوله: (يرجع الخ) أي لأنه صار شاريا للمبيع من المستحق، ومر تمام الكلام على ذلك أوائل الباب. قوله: (شرى دارا) أي ولو كان الشراء فاسدا كما في جامع الفصولين، معللا بتحقق الغرور فيه. قوله: (وبنى فيها) أي من ماله، فلو بنى بنقضها لم يرجع بقيمته كما هو ظاهر، ولا بما أنفق كما يعلم مما يأتي قوله (فاستحقت) أي الدار وحدها دون ما بناه فيها قوله (وقيمة البناء مبنيا) أي يقوم مبنيا فيرجع بقيمته لا مقلوعا، والمراد بالبناء ما يمكن نقضه وتسليمه كما يأتي، فلا يرجع بما أنفق من طين ونحوه ولا بأجرة الباني ونحوه. قوله: (على البائع) ثم هذا البائع يرجع على بائعه بالثمن فقط لا بقيمة البناء عنده، وعندهما يرجع بقيمة البناء، ذخيرة. قوله: (إذا سلم النقض إليه) ظاهره أنه يرجع بعدما كلفه المستحق الهدم فهدمه والبائع غائب، ثم سلم نقضه إلى البائع، وذكر في الخانية عن ظاهر الرواية أنه لا يرجع عليه إلا إذا
333 سلمه البناء قائما فهدمه البائع، ثم قال: والأول أقرب إلى النظر. قلت: وعزاه في الذخيرة إلى عامة الكتب. قوله: (يوم تسليمه) متعلق بقيمة، فلو سكن فيه وانهدم بعضه أو زادت قيمته يرجع عليه بقيمة البناء يوم التسليم كما بسطه في جامع الفصولين، ونقلناه في آخر المرابحة عن الخانية. قوله: (فبالثمن لا غير) وعند البعض: له إمساك النقض والرجوع بنقصانه أيضا كما في الذخيرة. قوله: (كما لو استحقت بجميع بنائها) أي فإنه يرجع بالثمن لا غير، وهذه مسألة الخرابة السابقة. قوله: (لما تقرر الخ) قال في جامع الفصولين: لان الاستحقاق إذا ورد على ملك المشتري لا يوجب الرجوع على البائع والبناء ملك المشتري فلا يرجع به، ولأنه لما استحق الكل لا يقدر المشتري أن يسلم البناء إلى البائع وقد مر أنه لا يرجع بقيمة بنائه ما لم يسلمه إلى البائع ا ه. قوله: (لان الحكم الخ) أي حكم القاضي بالاستحقاق يوجب الرجوع بالقيمة: أي بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه كما يأتي، لا بالنفقة: أي لا بما أنفقه وهو هنا أجرة الحفر والترميم بطين ونحوه مما لا يمكن نقضه وتسليمه، وأفاد أنه لا فرق بين أن يستحق لجهة وقف أو ملك وعبارة الشارح آخر كتاب الوقف توهم خلافه وقدمنا الكلام عليها هناك. قوله: (كما في مسألة الخرابة) أي المتقدمة في النظم وهذا تشبيه، لقوله: لا بالنفقة إن كان لم يبن في الخرابة، وإن كان بنى فيها فهو تمثيل لقوله: كما لو استحقت الخ. قوله: (حتى لو كتب في الصك) أي صك عقد البيع وهو تفريع على قوله: لا بالنفقة. قوله: (فعلى البائع) أي إذا ظهرت مستحقة ط. قوله: (يفسد البيع) لأنه شرط فاسد لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ط. قوله: (وطواها) أي بناها حجر أو آجر. قوله: (لا بقيمة الحفر) كذا في جامع الفصولين، والأظهر التعبير بنفقة الحفر لان الحفر غير متقوم. قوله: (فلو شرطاه) أي الرجوع بنفقة الحفر. قوله: (وبالجملة) أي وأقول قولا ملتبسا بالجملة: أي مشتملا على جملة ما تقرر. قوله: (بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه) أي بعد أن يسلمه للبائع كما مر، وهذا إن لم يكن عالما بأن البائع غاصب، فلو علم لم يرجع لأنه مغتر لا مغرور. بزازية. ولو قال البائع بعتها مبنية وقال المشتري أنا بنيتها فأرجع عليك فالقول للبائع، لأنه منكر حق الرجوع، ولو أخذ دارا بشفعة فبنى ثم استحق منه رجع على المشتري بثمنه لا بقيمة بنائه لأنه أخذها برأيه: جامع الفصولين، وفيه: لو أضر الزرع بالأرض فللمستحق أن يضمنه للنقصان ولا يرجع المشتري على بائعه إلا بالثمن. تنبيه: نظم في المحبية مسألة أخرى وعزاها شارحها سيدي عبد الغني النابلسي إلى جامع الفتاوى وهي: رجل اشترى كرما فقبضه وتصرف فيه ثلاث سنين، ثم استحقه رجل وبرهن وأخذه بقضاء
334 القاضي، ثم طلب الغلة التي أتلفها المشتري هل يجوز رده أم لا؟ الجواب فيه: يوضع من الغلة مقدار ما أنفق في عمارة الكرم من قطع الكرم وإصلاح السواقي وبنيان الحيطان ومرمته، وما فضل من ذلك يأخذه المستحق من المشتري ا ه. وبه أفتى في الحامدية أيضا وعزاه إلى جامع الفتاوى، وقال: بمثله أفتى الشيخ خير الدين في فتاواه، وأيضا أبو السعود أفندي مفتي السلطنة نقلا عن التوفيق كما في صور المسائل من الاستحقاق، ونقله الأنقروي في فتاواه ا ه. قلت: وهذا مشكل لأنه مثل قيمة الجص والطين، فلا يرجع به على البائع ولا على المستحق، لان زوائد المغصوب متصلة أو منفصلة تضمن بالاستهلاك والغلة منهما، ولعل وجهه أنه إذا اقتطع من الغلة ما أنفقه لم يكن رجوعا من كل وجه، لان الغلة إنما نمت وصلحت بإنفاقه كما في الانفاق على الدابة كما يأتي لكن كما الأوفق الرجوع على البائع لأنه غر المشتري في ضمن عقد البيع ولا صنع للمستحق في ذلك. فليتأمل. قوله: (في الفصل الخامس عشر) صوابه السادس عشر. قوله: (له رد الباقي) لعيب الشركة. قوله: (إن لم يتغير الخ) لان ذلك مانع من الرد بالعيب. قوله: (ولو شرى أرضين الخ) قال في جامع الفصولين: استحق بعض المبيع فلو لم يميز إلا بضرر كدار وكرم وأرض وزوجي خف ومصراعي باب وقن يتخير المشتري، وإلا فلا كثوبين لان منفعة الدار يتعلق بعضها ببعض، ومنفعة الثوب لا تتعلق بمنفعة ثوب آخر ا ه. وهذا إذا كان بعد القبض ولذا قال بعده: ولو استحق بعض المبيع قبل قبضه بطل البيع في قدر المستحق، ويخير المشتري في الباقي كما مر، سواء أورث الاستحقاق عيبا في الباقي أو لا لتفرق الصفقة قبل التمام، وكذا لو استحق بعد قبضه، سواء استحق المقبوض أو غيره يخير كما مر لما مر من التفرق، ولو قبض كله فاستحق بعضه بطل البيع بقدره، ثم لو أورث الاستحقاق عيبا فيما بقي يخير المشتري كما مر، ولو لم يورث عيبا فيه كثوبين أو قنين استحق أحدهما، أو كيلي أو وزني استحق بعضه أو لا يضر تبعيضه فالمشتري يأخذ الباقي بلا خيار ا ه. وتقدم تمام الكلام على ذلك في خيار العيب. قوله: (لم يرجع بما أنفق) أي لم يرجع المشتري على البائع. قنية. وفيها أيضا: اشترى إبلا مهازيل فعلفها حتى سمنت ثم استحقت لا يرجع على البائع بما أنفقه وبالعلف ا ه. ونقل في الحامدية بعده عن القاعدية: اشترى بقرة وسمنها ثم استحقت فإنه يرجع على بائعه بما زاد، كما لو اشترى دارا وبنى فيها ثم استحقت ا ه. وهذا يناسب مسألة الكرم المارة آنفا، لكن يفيد أن يكون الرجوع على البائع كما قلنا، وما ذكره في القنية من عدم الرجوع هنا أظهر، والفرق بين التسمين والبناء ظاهر مما مر فلذا مشى عليه الشارح. قوله: (ولو استحق ثياب القن الخ) في جامع الفصولين: شرى أرضا فيها أشجار حتى دخلت بلا ذكر فاستحقت الأشجار، قيل لا حصة لها من الثمن كثوب قن وبردعة حمار، فإن ما يدخل تبعا لا حصة له من الثمن، وقيل الرواية أنه يرجع بحصة الأشجار والفرق أنها مركبة في الأرض، فكأنه استحق بعض الأرض بخلاف الثياب فالتبعية هنا أقل، ولذا كان للبائع أن يعطي غيرها لو كانت ثياب مثله. ثم قال: أقول في الشجر: وكل ما يدخل تبعا إذا استحق بعد القبض ينبغي أن يكون له حصة من الثمن ا ه.
335 قلت: ويدل له ما نقل عن شرح الأسبيجابي: الأوصاف لا قسط لها من الثمن إلا إذا ورد عليها القبض، والأوصاف ما يدخل في البيع بلا ذكر كبناء وشجر في أرض وأطراف في حيوان وجودة في الكيلي والوزني وعن فتاوى رشيد الدين: البناء وإن كان تبعا إذا لم يذكر في الشراء، لكن إذا قبض يصير مقصودا له حصة من الثمن ا ه. وفي الخانية: وضع محمد رحمه الله تعالى أصلا: كل شئ إذا بعته وحده لا يجوز بيعه، وإذا بعته مع غيره جاز، فإذا استحق ذلك الشئ قبل القبض كان المشتري بالخيار: إن شاء أخذ الباقي بجميع الثمن، وإن شاء ترك. وكل شئ إذا بعته وحده يجوز بيعه، فإذا بعته مع غيره فاستحق كان له حصة من الثمن ا ه. قلت: فصار الحاصل أن ما يدخل في البيع تبعا إذا استحق بعد القبض كان له حصة من الثمن، فيرجع على البائع بحصته وإن استحق قبل القبض، فإن كان لا يجوز بيعه وحده كالشرب فلا حصة له من الثمن، فلا يرجع بشئ بل يخير بين الاخذ بكل الثمن والترك، وإن جاز بيعه وحده كالشجر وثوب القن كان له حصة من الثمن، فيرجع بها على البائع، وهذا إذا لم يذكر في البيع لما في جامع الفصولين: إذا ذكر البناء والشجر كانا مبيعين قصدا لا تبعا، حتى لو فاتا قبل القبض يأخذ الأرض بحصتها ولا خيار له، ولو احترقا أو قلعهما ظالما قبل القبض يأخذها بجميع الثمن أو ترك ولا يأخذ بالحصة، بخلاف الاستحقاق والهلاك بعد القبض وهو على المشتري. قوله: (بلا إعادة بينة) أي على الاستحقاق، وهذا إذا كان الرجوع عند القاضي الذي حكم بالاستحقاق وهو ذاكر لذلك فلو نسي أو كان عند غيره لا بد من الإعادة، كما أفاده في جامع الفصولين. قوله: (لو أبرأ الأول من الثمن) أي بأن يحكم القاضي بالاستحقاق وحكم للمشتري الأخير بالرجوع على الأول بالثمن ثم أبرأه، فللمشتري الأول الرجوع على بائعه كما قدمه الشارح أوائل الباب عن جامع الفصولين، ونقلنا قبله عن الذخيرة وجامع الفصولين: أنه لو أبرأه البائع عن الثمن قبل الاستحقاق فلا رجوع له بعد الاستحقاق، لأنه لا ثمن له على بائعه، وكذا لا رجوع لبقية الباعة. قوله: (لكن في الفصولين ما يخالفه) الذي في جامع الفصولين: التفرقة بني الاستحقاق المبطل والناقل كما تقدم في المتن أول الباب. وهذا لا يخالف المنقول هنا عن أبي حنيفة، وإن كان مراده المخالفة في مسألة الابراء فلم أر فيه مخالفة لما هنا أيضا، بل فيه التفرقة بين إبراء المشتري البائع وبين إبراء البائع المشتري كما ذكرناه آنفا وقدمناه أول الباب. قوله: (لم يرجع المستحق بالمال على المعتق) كذا في القنية، والظاهر أن المراد بالمال ما كان من كسب العبد، لان غايته أنه ظهر بالاستحقاق أن المعتق غاصب للعبد والغاصب يملك كسب العبد المغصوب، أما لو كان المال للمولى مع العبد فأعتقه عليه ينبغي أن يثبت للمستحق الرجوع به على المعتق. تأمل. قوله: (وأخذت بالشفعة) أي بقيمة العبد أو بعينه إن وصل إلى الشفيع بجهة ط.
336 قوله: (ويأخذ البائع الدار من الشفيع) أي ويرجع الشفيع بما دفع من قيمة العبد على البائع. قوله: (لبطلان البيع) علة لقوله: بطلت الشفعة ط. والتعليل بذلك مذكور في القنية، وهو صريح في أن الاستحقاق في بيع المقايضة يبطل البيع. وفي جامع الفصولين: استحقاق بدل المبيع يوجب الرجوع بعين المبيع قائما وبقيمته هالكا. وفيه أيضا: إذا استحق أحد البدلين في المقايضة وهلك البدل الآخر تجب قيمة الهالك لا قيمة المستحق لانتقاض البيع ا ه. وفي حاشيته للخير الرملي: هذا يدل بإطلاقه على ما لو باعه المقايض لغيره وسلمه له ثم استحق بدله من يد المقايض للثاني أن يرجع بعين المبيع على المشتري منه لانتقاض البيع، ومن لوازمه رجوعه إلى ملكه، فإذا رجع عليه وأخذ منه يرجع هو بما دفع لبائعه من الثمن، وتسمع دعوى مالك المبيع على المشتري بغيبة بائعه لدعواه الملك لنفسه، فينتصب خصما للمدعي وهي واقعة الحال في مقايضة بهيم ببهيم وتقابضا وباع أحدهما ما في يده وسلم فاستحق من مشتريه، ولم أر فيها صريح النقل غير ما هنا، لكن مجرد الاستحقاق لا يوجب نقض البيع وفسخه كما مر بيانه ا ه ملخصا. وتمامه فيها. خاتمة: لم أر من ذكر ما إذا ورد الاستحقاق بعد هلاك المبيع كموت الدابة مثلا وهي واقعة الفتوى، وقد أجبت بأن المستحق لا بد له من إقامة البينة على قيمتها يوم الشراء، فيضمن المشتري القيمة ويرجع على بائعه بالثمن لا بما ضمن، لان المشتري غاصب الغاصب، وقد صرحوا في الغصب بأن المشتري من الغاصب إذا ضمن القيمة يرجع على بائعه بالثمن، لان رد القيمة كرد العين، والله سبحانه وتعالى أعلم. باب السلم شروع فيما يشترط فيه قبض أحد العوضين أو قبضهما كالصرف، وقدم السلم عليه لأنه بمنزلة المفرد من المركب، وخص باسم السلم لتحقق إيجاب التسليم شرعا فيما صدق عليه: أعني تسليم رأس المال، وتمامه في النهر. قوله: (وشرعا) معطوف على قوله: لغة. قوله: (بيع آجل بعاجل) كذا عرفه في الفتح، واعترض على ما في السراج والعناية من أنه أخذ عاجل بآجل بأنه غير صحيح لصدقه على البيع بثمن مؤجل. وفي غاية البيان أنه تحريف من النساخ. وأجاب في البحر بأنه من باب القلب، والأصل أخذ آجل بعاجل. قلت: وفيه أن القلب لا يسوغ لغير البلغاء لأجل نكتة بيانية كما صرحوا به ولا سيما في التعاريف، ويظهر لي الجواب بأنه ناظر إلى ابتدائه من جانب المسلم إليه: أي أخذ ثمن عاجل، ويؤيده كون السلم كالسلف مشعرا بالتقدم أولا، فالمناسب الابتداء بالعاجل وهو الثمن. ثم رأيت في النهر عن الحواشي السعدية ما يوافق ما قلنا حيث قال: يجوز أن يقال المراد أخذ ثمن عاجل بآجل بقرينة المعنى اللغوي، إذ الأصل هو عدم التغيير إلا أن يثبت بدليل ا ه. ويظهر لي أيضا أن الأولى في تعريفه أن يقال شراء آجل بعاجل، لان السلم اسم من الاسلام كما في القهستاني، ولا يخفى أن الاسلام صفة المسلم، فهو المنظور إليه أصالة ولذا سموه رب السلم: أي صاحبه، فالمناسب بناء التعريف على
337 ما يشعر به اللفظ والمعنى، وهو الشراء الذي هو المراد بالاسلام الصادر من رب السلم، بخلاف البيع الصادر من المسلم إليه، ومثله الاخذ لعدم إشعار اشتقاق اللفظ بهما. قوله: (وركنه ركن البيع) من الايجاب والقبول. قوله: (حتى ينعقد الخ) وكذا ينعقد البيع والشراء بلفظ السلم، ولم يحك في القنية فيه خلافا. نهر قوله: (ويصح فيما أمكن ضبط صفته) لأنه دين، وهو لا يعرف إلا بالوصف، فإذا لم يمكن ضبطه به يكون مجهولا جهالة تفضي إلى المنازعة، فلا يجوز كسائر الديون. نهر قوله: (كمكيل وموزون) فلو أسلم في المكيل وزنا كما إذا أسلم في البر والشعير بالميزان: فيه روايتان، والمعتمد الجواز لوجود الضبط وعلى هذا الخلاف لو أسلم في الموزون كيلا. بحر. قوله: (فلم يجز فيها السلم) لكن إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير أيضا كان العقد باطلا اتفاقا، وإن كان غيرها كثوب في عشرة دراهم لا يصح سلما اتفاقا، وهل ينعقد بيعا في الثوب بثمن مؤجل؟ قال أبو بكر الأعمش: ينعقد، وعيسى بن أبان: لا، وهو الأصح. نهر. وهذا صححه في الهداية، ورجح في الفتح الأول، وأقره في البحر واعترضه في النهر بما هو ساقط جدا كما أوضحته فيما علقته على البحر. قوله: (وعددي متقارب) الفاصل بين المتفاوت والمتقارب أن ما ضمن مستهلكة بالمثل فهو متقارب، وبالقيمة يكون متفاوتا. بحر عن المعراج. قوله: (كجوز) أي جوز الشام، بخلاف جوز الهند كما في البحر. قوله: (وبيض) ظاهر الرواية أن بيض النعام من المتقارب، في رواية الحسن عن الامام، لا يجوز لتفاوت آحاده، والوجه أن ينظر إلى الغرض في العرف، فإن كان الغرض منه الاكل فقط كعرف أهل البوادي وجب العلم بالأول، أو القشر ليتخذ في سلاسل القناديل كما في مصر وغيرها وجب العمل بالرواية الأخرى، ووجب مع ذكر العدد تعيين المقدار واللون من نقاء البياض وإهداره أفاده في الفتح، وأجازوه في الباذنجان والكاغد عددا، وحمله في الفتح على باذنجان ديارهم وفي ديارنا ليس كذلك، وعلى كاغد بقالب خاص، وإلا لا يجوز ا ه. وفي الجوهرة: لا يجوز السلم في الورق إلا أن يشترط منه ضرب معلوم الطول والعرض والجودة. قوله: (وفلس) الأولى وفلوس لأنه مفرد لا اسم جنس. قيل وفيه خلاف محمد لمنعه بيع الفلس بالفلسين، إلا أن ظاهر الرواية عنه كقولهما، وبيان الفرق في النهر وغيره. قوله: (بكسر الباء) أي الموحدة وقد تخفف فيصير كحمل كما في المصباح وهو الطوب النئ. نهر. قوله: (وآجر) بضم الجيم وتشديد الراء مع المد أشهر من التخفيف وهو اللبن إذا طبخ. مصباح. قوله: (بملبن) كمنبر: قالب الطين. قاموس. فهو بفتح الباء. وما في البحر عن الصحاح من أنه بكسر الباء فهو سبق قلم، فإنه لم يوجد في الصحاح، بل الذي فيه الملبن قالب اللبن، والملبن المحلب. قوله: (بين صفته ومكان ضربه خلاصة) فيه نظر، فإن عبارة الخلاصة: ولا بأس في السلم في اللبن والآجر إذا بين الملبن والمكان وذكر عددا معلوما والمكان: قال
338 بعضهم: مكان الايفاء، وهذا قول أبي حنيفة. وقال بعضهم: المكان الذي يضرب فيه اللبن ا ه: أي لاختلاف الأرض رخاوة وصلابة وقربا وبعدا، ولا يخفى أن الملبن إذا كان معينا لا يحتاج إلى بيان صفته، بخلاف ما إذا كان غير معين فلا بد من كونه معلوما، ويعلم كما في الجوهرة بذكر طوله وعرضه وسمكه. قوله: (وذرعي كثوب الخ) وكالبسط والحصر والبواري كما في الفتح، وأراد بالثوب غير المخيط. قال في الفتح: ولا في الجلود عددا، وكذا الأخشاب والجوالقات والفراء والثياب المخيطة والخفاف والقلانس، إلا أن يذكر العدد لقصد التعدد في المسلم فيه ضبطا للكمية، ثم يذكر ما يقع به الضبط كأن يذكر في الجلود مقدار من الطول والعرض بعد النوع كجلود البقر والغنم الخ. قوله: (بين قدره) أي كونه كذا كذا ذراعا. فتح. وظاهره أن الضمير للثوب لا للذراع. وفي البزازية: إن أطلق الذراع فله الوسط، وفي الذخيرة اختلفوا في قول محمد: له ذراع وسط، فقيل المراد به المصدر: أي فعل الذرع فلا يمد كل المد ولا يرخى كل الإرخاء، وقيل الآلة، والصحيح أنه يحمل عليهما. قوله: (كقطن) فيه أن هذا جنس والصفة كأصغر ومركب منهما كالملحم. ط عن المنح. وفسر الصفة في الدرر بالرقة والغلظ لكنه لا يناسب المتن. قوله: (فإن الديباج) هو ثوب سداه ولحمته إبريسم، بكسر الدال أصوب من فتحها. مصباح. وهو نوع من الحرير. قوله: (والحرير الخ) قال في الفتح: هذا عرفهم، وعرفنا ثياب الحرير أيضا وهي المسماة بالكمخاء كلما ثقلت زادت القيمة . فالحاصل: أنه لا بد من ذكر الوزن سواء كانت القيمة تزيد بالثقل أو بالخفة ا ه. قوله: (فلا بد من بيانه مع الذرع) هو الصحيح كما في الظهيرية، ولو ذكر الوزن بدون الذرع لا يجوز، وقيده جواهر زاده بما إذا لم يبين لكل ذراع ثمنا، فإن بينه جاز، كذا في التاترخانية. نهر. قوله: (ما تتفاوت ماليته) أي مالية أفراده. قوله: (بلا مميز) أي بلا ضابط غير مجرد العدد كطول وغلظ ونحو ذلك. فتح. قوله: (وما جاز عدا جاز كيلا ووزنا) وما يقع من التخلخل في الكيل بين كل نحو بيضتين مغتفر لرضا رب السلم بذلك، حيث أوقع العقد على مقدار ما يملا هذا الكيل مع تخلخله، وإنما يمنع ذلك في أموال الربا إذا قوبلت بجنسها، والمعدود ليس منها وإنما كان باصطلاحهما، فلا يصير بذلك مكيلا مطلقا ليكون ربويا، وإذا أجزناه كيلا فوزنا أولى. فتح. وكذا ما جاز كيلا جاز وزنا وبالعكس على المعتمد لوجود الضبط كما قدمناه عن البحر: أي وإن لم يجر فيه عرف كما قدمناه في الربا قبيل قوله: والمعتبر تعيين الربوي. قوله: (ويصح في سمك مليح) في المغرب سمك مليح ومملوح، وهو القدير الذي فيه الملح. قوله: (ومالح لغة رديئة) كذا في المصباح، وذكر أن قولهم ماء مالح لغة حجازية، واستشهد لها وأطال. قوله: (وفي طري حين يوجد) فإن كان ينقطع في بعض السنة كما قيل إنه ينقطع في الشتاء في بعض البلاد: أي لانجماد الماء فلا ينعقد في الشتاء، ولو أسلم في الصيف وجب أن يكون الاجل لا يبلغ الشتاء، هذا معنى قول محمد، لا خير في السمك الطري إلا في حينه: يعني أن يكون السلم مع شروطه في حينه، كي لا ينقطع بين العقد والحلول، وإن كان في
339 بلد لا ينقطع جاز مطلقا وزنا لا عددا لما ذكرنا من التفاوت في آحاده. فتح أما المليح فإنه يدخر ويباع في الأسواق فلا ينقطع، حتى لو كان ينقطع في بعض الأحيان لا يجوز فيه كما أفاده ط. ولا يخفى أن هذا في بلاد يوجد فيها، أما في مثل بلادنا فلا يصح، لأنه لا يباع في الأسواق إلا نادرا. قوله: (جاز وزنا وكيلا) أي بعد بيان النوع لقطع المنازعة ط. قوله: (وفي الكبار) أي وزنا ولا يجوز كيلا رواية واحدة. أفاده أبو السعود ط. قوله: (روايتان) والمختار الجواز، وهو قولهما لان السمن والهزال غير معتبر فيه عادة، وقيل الخلاف في لحم الكبار منه كذا في الاختيار وفي الفتح. وعن أبي حنيفة في الكبار التي تقطع كما يقطع اللحم: لا يجوز السلم في لحمها اعتبارا بالسلم في اللحم ا ه. قوله: (لا في حيوان ما) أي دابة كان أو رقيقا، ويدخل في جميع أجناسه، حتى الحمام والقمري والعصافير هو المنصوص عن محمد إلا أنه يخص من عمومه السمك. نهر. قال في البحر: لكن في الفتح إن شرطت حياته: أي السمك قلنا أن نمنع صحته ا ه. وأقره في النهر والمنح. قوله: (خلافا للشافعي) ومعه مالك وأحمد، وأطال في الفتح في ترجيح أدلة المذهب المنقولة والمعقولة، ثم ضعف المعقولة وحط كلامه على أن المعتبر النهي الوارد في السنة كما قاله محمد: أي فهو تعبدي. قوله: (وأكارع) جمع كراع، وهو ما دون الركبة في الدواب. فتح قوله: (وجاز وزنا في رواية) في السراج أو أسلم فيه وزنا اختلفوا فيه. نهر. واختار هذه الرواية في الفتح حيث قال: وعندي لا بأس بالسلم في الرؤوس والأكارع وزنا بعد ذكر النوع، وباقي الشروط فإنها من جنس واحد، وحينئذ لا تتفاوت تفاوتا فاحشا ا ه. وأقره في النهر. قوله: (بالحزم) بضم الحاء وفتح الزاي جمع حزمة. في القاموس حزمه يحزمه: شدة، والحزمة بالضم: ما حزم. قوله: (ورطبة) هي الفصة خاصة قبل أن تجف، والجمع رطاب مثل كلبة وكلاب، والرطب وزان قفل: المرعى الأخضر من بقول الربيع، وبعضهم يقول: الرطبة وزان غرفة: الخلا، وهو الغض من الكلأ. مصباح. قوله: (بالجرز) جمع جرزة مثل غرفة وغرف، وهي القبضة من ألقت ونحوه أو الحزمة. مصباح. وفيه: وألقت: الفصة (1) إذا يبست. قوله: (إلا إذا ضبط الخ) بأن بين الحبل الذي يشد به الحطب والرطبة وبين طوله وضبط ذلك بحيث لا يؤدي إلى النزاع. زيلعي. قوله: (وجاز وزنا) أي في الكل. فتح. قال: وفي ديارنا تعارفوا في نوع من الحطب الوزن، فيجوز الاسلام فيه وزنا وهو أضبط وأطيب. قوله: (وجوهر) كالياقوت والبلخش والفيروز ج. نهر. قوله: (وخرز) بالتحريك الذي ينظم وخرزات الملك جواهر تاجه، وكان إذا ملك عاما زيدت في تاجه خرزة ليعلم عدد سني ملكه. قاله الجوهري. وذلك كالعقيق والبلور لتفاوت
(1) قوله: (وفيه ألقت للقصة الخ) هكذا بخطه. والذي في المصباح في باب القاف والتاء ما نصه ألقت الفصفصة إذا يبست إلى آخر ما قال، وذكر في باب الفاء والصاد وما يثلثهما مت نصه والفصفصة بكسر الفاءين الرطبة قبل ان تجف فإذا جفت زال عنها اسم الفصفصة وسميت ألقت والجمع فصافص ا ه. فلعله سقط من قلم المؤلف الفاء والصاد الأخريان وكذا ما في تفسير الرطبة قبل بقوله هي الفصة وليحرر ا ه. مصححه. 340 آحادها تفاوتا فاحشا، وكذلك لا يجوز في اللآلئ الكبار. نهر. قوله: (من وقت العقد إلى وقت الاستحقاق) دوام الانقطاع ليس شرطا، حتى لو كان منقطعا عند العقد موجودا عند المحل أو بالعكس أو منقطعا فيما بين ذلك لا يجوز، وحد الانقطاع أن لا يوجد في الأسواق وإن كان في البيوت، كذا في التبيين. شرنبلالية. ومثله في الفتح و البحر والنهر، وعبارة الهداية: ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجودا من حين العقد إلى حين المحل، وسيذكره الشارح فما أوهمه كلامه هنا كالدرر غير مراد. قوله: (لم يجز في المنقطع) أي المنقطع فيه، لأنه لا يمكن إحضاره إلا بمشقة عظيمة فيعجز عن التسليم. بحر. قوله: (بعد الاستحقاق) أي قبل أن يوفي المسلم فيه. بحر. قوله: (ولحم) في الهداية: ولا خير في السلم في اللحم. قال في الفتح: وهذه العبارة تأكيد في نفي الجواز، وتمامه فيه. قوله: (ولو منزوع عظم) هو الأصح. هداية وهو رواية ابن شجاع عن الامام وفي رواية الحسن عنه جواز منزوع العظم كما في الفتح. قوله: (وجوازه إذا بين وصفه وموضعه) في البحر، وقالا: يجوز إذا بين جنسه ونوعه وسنه وصفته وموضعه وقدره كشاة خصي ثني سمين من الجنب أو الفخذ مائة رطل ا ه. ولعل الشارح أراد بالوصف جميع ما ذكر. قوله: (وعليه الفتوى بحر) نقل ذلك في البحر والفتح عن الحقائق والعيون. قوله: (لكن في القهستاني الخ) استدراك على المتن. فافهم. قوله: (بالروايتين) أي رواية الحسن، ورواية ابن شجاع وهي الأصح، فما في القهستاني مبني على خلاف الأصح. مطلب هل اللحم قيمي أو مثلي ؟ قوله: (وفي العيني الخ) في البحر عن الظهيرية: وإقراض اللحم عندهما يجوز كالسلم، وعنه روايتان، وهو مضمون بالقيمة في ضمان العد، وإن لو مطبوخا إجماعا ولو نيئا فكذلك هو الصحيح ا ه. وذكر في الفتح عن الجامع الكبير والمنتقى أن اللحم مضمون بالقيمة واختيار الأسبيجابي ضمانه بالمثل وهو الوجه، لان جريان ربا الفضل فيه قاطع بأنه مثلي فيفرق بين الضمان والسلم بأن المعادلة في الضمان منصوص عليها وتمامها بالمثل، لأنه مثل صورة ومعنى والقيمة مثل معنى فقط، وتمام الكلام فيه. قوله: (ولا بمكيال وذراع مجهول) أي لم يدر قدره كما في الكنز، والواو بمعنى أو أي لا يجوز السلم بمكيال معين أو بذراع معين لا يعرف قدره، لأنه يحتمل أن يضيع فيؤدي إلى النزاع، بخلاف البيع به حالا حيث يجوز لان التسليم به يجب في الحال فلا يتوهم فوته، وفي السلم يتأخر التسليم فيخاف فوته. زيلعي. زاد في الهداية: ولا بد أن يكون المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالقصاع مثلا، وإن كان مما ينكبس بالكبس كالزنبيل والجراب لا يجوز إلا في قرب الماء للتعامل فيه، كذا عن أبي يوسف ا ه. واعترضه الزيلعي بأن هذا التفصيل إنما يستقيم في البيع حالا حيث يجوز بإناء لا يعرف قدره بشرط أن لا ينكبس ولا ينبسط ويفيد فيه استثناء قرب الماء، ولا يستقيم في السلم، لأنه
341 إن كان لا يعرف قدره لا يجوز السلم به مطلقا، وإن عرف قدره فالسلم به لبيان القدر لا لتعيينه، فكيف يتأتى فيه الفرق بين المنكبس وغيره ا ه. وأجاب في النهر: بأنه إذا أسلم بمقدار هذا الوعاء برا وقد عرف أنه ويبة مثلا جاز، غير أنه إذا كان ينقبض وينبسط لا يجوز لأنه يؤدي إلى النزاع وقت التسليم في الكبس وعدمه، لأنه عند بقاء عينه يتعين. وقول الزيلعي: لا لتعيينه ممنوع. نعم هلاكه بعد العلم بمقداره لا يفسد العقد ا ه. قلت: ولا يخفى ما فيه، لان الوعاء إذا تحقق معرفة قدره لا يتعين قطعا، وإلا فسد العقد بعد هلاكه، ولا نزاع بعد معرفة قدره لامكان العدول إلى ما عرف من مقداره فيسلمه بلا منازعة، كما إذا هلك، لان الكلام فيما عرف قدره، ويظهر لي الجواب عن الهداية بأن قوله: ولا بد الخ بيان لما يعرف قدره لا شرط زائد عليه، ويكون المراد أنه إذا كان مما ينقبض وينكبس بالكبس لا يتقدر بمقدار معين، لتفاوت الانقباض والكبس فيؤدي إلى النزاع، ولذا لم يجز البيع فيه حالا، فكلام الزيلعي وارد على ما يتبادر من كلام الهداية من أنه شرط زائد على معرفة القدر وعلى ما قلنا فلا، فاغتنم هذا التحرير. قوله: (إلا إذا كانت النسبة لثمرة الخ) كان الأولى إسقاط قوله: لثمرة أو أنه يقول لثمرة أو بر إلى نخلة أو قرية. تأمل. قال في الفتح: فلو كانت نسبة الثمرة إلى قرية معينة لبيان الصفة لا لتعيين الخارج من أرضها بعينه كالخشراني ببخارى، والسباخي وهي قرية حنطتها جيدة بفرغانة لا بأس به، لأنه لا يراد خصوص النابت هناك بل الإقليم، ولا يتوهم انقطاع طعام إقليم بكماله فالسلم فيه، وفي طعام العراق والشام سواء، وكذا في ديار مصر في قمح الصعيد. وفي الخلاصة و المجتبى وغيره. لو أسلم في حنطة بخارى أو سمرقند أو إسبيجاب لا يجوز لتوهم انقطاعه، ولو أسلم في حنطة هراة لا يجوز، أو في ثوب هراة وذكر شروط السلم يجوز لان حنطتها يتوهم انقطاعها، إذ الإضافة لتخصيص البقعة، بخلاف إضافة الثوب لأنها لبيان الجنس والنوع، لا لتخصيص المكان، فلو أتى المسلم إليه بثوب نسج في غير ولاية هراة من جنس الهروي: يعني من صفته ومؤنته أجبر رب السلم على قبوله، فظهر أن المانع والمقتضي العرف، فإن تعورف كون النسبة لبيان الصفة فقط جاز، وإلا فلا ا ه ملخصا. قلت: ويظهر من هذا أن النسبة إلى بلدة معينة كبخاري وسمرقند مثل النسبة إلى قرية معينة، فلا يصح إلا إذا أريد بها الإقليم كالشام والعراق مثلا، وعلى هذا فلو قال دمشقية لا يصح لأنه لا يراد بدمشق الإقليم، ولكن هل المراد ببخارى وسمرقند ودمشق خصوص البلدة أو هي وما يشمل قراها المنسوبة إليها؟ فإن كان المراد الأول فعدم الجواز ظاهر، وإن كان الثاني فله وجه لأنها ليست إقليما، ولكن لا يصح قول الشارح: كقمح مرجي أو بلدي فإن القمح المرجي نسبة إلى المرج وهو كورة شرقي دمشق تشتمل على قرى عديدة مثل حوران: وهي كورة قبلي دمشق، وقراها أكثر وقمحها أجود من باقي كور دمشق، والبلدي في عرفنا غير الحوراني: ولا شك أن ذلك كله ليس بإقليم، فإن الإقليم واحد أقاليم الدنيا السبعة كما في القاموس. وفي المصباح: يقال الدنيا سبعة أقاليم، وقد يقال ليس مرادهم خصوص الإقليم المصطلح، بل ما يشمل القطر والكورة، فإنه لا يتوهم انقطاع طعام ذلك بكماله فيصح إذا قال حورانية أو مرجية، وبه يصح كلام الشارح. تأمل. قوله: (فالمانع الخ) تقدم آنفا
342 بيانه فيما لو أسلم في حنطة هراة أو ثوب هراة. قوله: (إلى وقت المحل) بفتح فكسر مصدر ميمي بمعنى الحلول. قوله: (لأنه لا يدري الخ) هذا التعليل مخالف للتعليل المار عن الفتح، وعزاه إلى شرح الطحاوي. قال في النهر: وهو أولى لان مقتضى هذا أنه لو عين جديد إقليم كجديدة من الصعيد مثلا أن يصح إذ لا يتوهم عدم طلوع شئ فيه أصلا ا ه. يعني وهذا المقتضي غير مراد لمنافاته للشرط المار. قوله: (قلت الخ) القول والتقييد الذي بعده لصاحب البحر. قوله: (أي شروط صحته) أشار إلى أن الإضافة في شرطه للجنس فيصدق على الواحد والأكثر، قوله: (التي تذكر في العقد) أفاد أن له شروطا أخر سكت عنها المصنف، لأنها لا يشترط ذكرها فيه بل وجودها. نهر. وذلك كقبض رأس المال ونقده وعدم الخيار وعدم علتي الربا، لكن ذكر المصنف من الشروط قبض رأس المال قبل الافتراق مع أنه ليس مما يشترط ذكره في العقد. قوله: (سبعة) أي إجمالا، وإلا فالأربعة الأول منها تشترط في كل من رأس المال والمسلم فيه، فهي ثمانية بالتفصيل. بحر. وسيأتي وفيه عن المعراج: إنما يشترط بيان النوع في رأس المال إذا كان في البلد نقود مختلفة وإلا فلا، وفيه عن الخلاصة: لا يشترط بيان النوع فيما لا نوع له. قوله: (كبر أو تمر) ومن قال كصعيدية أو بحرية فقد وهم، وإنما هو من بيان النوع كما في البحر. قوله: (كمسقي) هو ما يسقى سيحا: أي بالماء الجاري. قوله: (وبعلي) هو ما سقته السماء. قاموس. قوله: (لا ينقبض ولا ينبسط) كالصاع مثلا، بخلاف الجراب والزنبيل. قوله: (وأجل) فإن أسلما حالا، ثم أدخل الاجل قبل الافتراق، وقبل استهلاك رأس المال جاز ا ه. ط عن الجوهرة. قوله: (في السلم) احتراز عن خيار الشرط ولا حاجة إليه. قوله: (به يفتى) وقيل ثلاثة أيام وقيل أكثر من نصف يوم، وقيل ينظر إلى العرف في تأجيل مثله، والأول: أي ما في المتن أصح، وبه يفتى. زيلعي. وهو المعتمد. بحر وهو المذهب. نهر. قوله: (ولذا شرط الخ) أي لكونه يؤخذ من تركته حالا اشترط الخ. وحاصله: بيان فائدة اشتراطهم عدم انقطاعه فيما بين العقد والمحل، وذلك فيما لو مات المسلم إليه، وقوله: لتدوم الخ علة لقوله: اشترط وقوله: بموته الباء للسببية متعلقة بتسليمه، والموت في الحقيقة ليس سببا للتسليم، بل للحلول الذي هو سبب التسليم فهو سبب السبب. قوله: (إن تعلق العقد بمقداره) بأن تنقسم أجزاء المسلم فيه على أجزائه. فتح: أي بأن يقابل النصف بالنصف والربع
343 بالربع، وهكذا وذلك إنما يكون في الثمن المثلي. قوله: (واكتفيا بالإشارة الخ) فلو قال أسلمت إليك هذه الدراهم في كر بر ولم يدر وز الدراهم، أو قال أسلمت إليك هذا البر في كذا منا من الزعفران ولم يدر قدر البر لا يصح عنده، وعندهما يصح. وأجمعوا على أن رأس المال إذا كان ثوبا أو حيوانا يصير معلوما بالإشارة. درر. قوله: (كما في مذروع وحيوان) لان الذرع وصف في المذروع والمبيع لا يقابل الأوصاف فلا يتعلق العقد على قدره، ولهذا لو نقص ذراعا أو تلف بعض أعضاء الحيوان لا ينقص من المسلم فيه شئ، بل المسلم إليه بالخيار إن شاء رضي به بكل المسلم فيه، وإن شاء فسخ لفوات الوصف المرغوب، وتمامه في الفتح. قوله: (قلنا الخ) هو جواب عن قولهما بأنه لا يلزم بيان قدر رأس المال، ولو في مكيل ونحوه، بل تكفي الإشارة إليه لان المقصود حصول التسليم بلا منازعة. قوله: (فيحتاج إلى رد رأس المال) أي فإذا كان غير معلوم القدر أدى إلى المنازعة. قوله: (ولا يستبدله الخ) أي لا يتيسر له ذلك في المجلس، وربما يكون الزيوف أكثر من النصف فإذا رده واستبدل بها في المجلس بفسد السلم، لأنه لا يجوز الاستبدال في أكثر من النصف عنده خلافا لهما كما في الفتح. قوله: (في مجلس الرد) كذا في الفتح. وفي بعض النسخ في مجلس العقد والصواب الأول. تنبيه: من فروع المسألة ما لو أسلم في جنسين كمائة درهم في كر حنطة وكر شعير بلا بيان حصة واحد منهما من رأس المال لم يصح فيهما لانقسامه عليهما بالقيمة، وهي تعرف بالحزر، وكذا لو أسلم جنسين كدراهم ودنانير في كر حنطة وبين قدر أحدهما فقط، لبطلان العقد في حصة ما لم يعلم قدره فيبطل في الآخر أيضا لاتحاد الصفقة. بحر وغيره. قوله: (للمسلم فيه) احتراز عن رأس المال فإنه يتعين مكان العقد لايفائه اتفاقا، بحر. قوله: (فيما له حمل) بفتح الحاء: أي ثقل يحتاج في حمله إلى ظهر وأجرة حمال. نهر. قوله: (ومثله في الثمن والأجرة والقسمة) بأن اشترى أو استأجر دارا بمكيل أو موزون موصوف في الذمة أو اقتسماها وأخذ أحدهما أكثر من نصيبه والتزما بمقابلة الزائد بمكيل أو موزون كذلك إلى أجل، فعنده يشترط بيان مكان الايفاء وهو الصحيح، وعندهما لا يشترط. نهر. قوله: (وعينا مكان العقد) أي إن أمكن التسلم فيه بخلاف ما إذا كان في مركب أو جبل فيجب في أقرب الأماكن التي يمكن فيها، بحر وفتح، والمختار قول الإمام كما في الدر المنتقى عن القهستاني. قوله: (كبيع الخ) أي لو باع حنطة أو استقرضها أو أتلفها أو غصبها فإنه يتعين مكانها لتسليم المبيع والقرض وبدل المتلف وعين المغصوب. قوله: (واجبة التسليم في الحال) فإن تسليمها يستحق بنفس الالتزام فيتعين موضعه. بحر. بخلاف الأول: أي السلم فإنه غير واجب في الحال فلا يتعين مكانه فيفضي إلى المنازعة، لان قيم الأشياء تختلف باختلاف الأماكن فلا بد من البيان. وتمامه في الفتح قوله: (فكل محلاتها سواء فيه) قبيل هذا إذا لم تبلغ نواحيه فرسخا، فإن بلغته فلا بد من بيان
344 ناحية منه. فتح وبحر. وجزم به في النهر. قوله: (وفيها قبله) أي في البزازية قبل ما ذكر. قوله: (بعد الايفاء) قيد به لأنه لو شرط الايفاء فقط أو الحمل فقط أو الايفاء بعد الحمل جاز، ولو شرط الايفاء بعد الايفاء كشرط أن يوفيه في محلة كذا ثم يوفيه في منزله لم يجز على قول العامة كما في البحر. قوله: (الإجازة) أي التي تضمنها شرط الحمل بعد الايفاء والتجارة: أي الشراء المقصود بالعقد، وهذا بدل من الصفقتين بدل مفصل من مجمل. قوله: (وما لا حمل له الخ) هو الذي لا يحتاج في حمله إلى ظهر وأجرة حمال، وقيل هو الذي لو أمر إنسانا بحمله إلى مجلس القضاء حمله مجانا، وقيل ما يمكن رفعه بيد واحدة ا ه ح عن النهر. قوله: (كمسك وكافور) يعني القليل منه، وإلا فقد يسلم في أمنان من الزعفران كثيرة تبلغ أحمالا. فتح. وأراد بالقليل ما لا يحتاج إلى ظهر وأجرة حمال، فافهم. قوله: (وصحح ابن كمال مكان العقد) نقل تصحيحه عن المحيط السرخسي، وكذا نقله عنه في البحر وجزم به في الفتح، لكن المتون على الأول، وصححه في الهداية والملتقى. قوله: (فيما ذكر) أي فيما لا حمل له ولا مؤنة. قوله: (لأنه يفيد سقوط خطر الطريق) هذا التعليل مذكور في الفتح أيضا تبعا للهداية ومعناه: أنه إذا تعين المكان وأوفاه في مكان آخر يلزم المسلم إليه نقله إلى المكان المعين، فإذا هلك في الطريق يهلك عليه، فيكون رب السلم قد سقط عنه خطر الطريق بذلك، بخلاف ما إذا لم يتعين فإنه إذا نقل بعد الايفاء إلى المكان المعين يكون هلاكه على رب السلم. قوله: (وبقي من الشروط) إنما غاير التعبير، لأن هذه الشروط الآتية ليست مما يشترط ذكرها في العقد بل وجودها ط. قوله: (قبض رأس المال) فلو انتقض بطل السلم كما لو كان عينا فوجده معيبا أو مستحقا ولم يرض بالعيب أو لم يجز المستحق أو دينا فاستحق ولم يجزه واستبدل بعد المجلس، فلو قبله صح، أو وجده زيوفا أو نبهرجة وردها بعد الافتراق سواء استبدلها في مجلس الرد أو لا، فلو قبله واستبدلها في المجلس أو رضي بها ولو بعد الافتراق صح، والكثير كالكل، وفي تحديده روايتان: ما زاد على الثلث، أو ما زاد على النصف، وإن وجده ستوقة أو رصاصا فإن استبدلها في المجلس صح، وإن بعد الافتراق بطل، وإن رضي بها لأنها غير جنس حقه. بحر ملخصا. قوله: (ولو عينا) هو جواب الاستحسان. وفي الواقعات: باع عبدا بثوب موصوف إلى أجل جاز لوجود شرط السلم، فلو افترقا قبل قبض العبد لا يبطل، لأنه صير سلما في حق الثوب بيعا في حق العبد، ويجوز أن يعتبر في عقد واحد حكم عقدين كالهبة بشرط العوض، وكما في قول المولى إن أديت إلي ألفا فأنت حر ا ه نهر. قلت: والظاهر أن هذا مفرع على جواب القياس. تأمل. قوله: (وصحت الكفالة والحوالة الخ) أي فله مطالبة الكفيل والمحتال عليه، فإن قبض المسلم إليه رأس المال من المحتال عليه أو الكفيل أو رب السلم في مجلس العاقدين صح، وبعده بطل السلم والحوالة والكفالة، وفي الرهن: إن هلك
345 الرهن في المجلس فلو قيمته مثل رأس المال أو أكثر صح ولو أقل صح العقد بقدره، وبطل في الباقي وإن لم يهلك حتى افترقا بطل السلم وعليه رد الرهن لصاحبه. بحر عن البدائع ملخصا. قوله: (برأس مال السلم) وكذا الكفالة بالمسلم فيه صرح به في منية المفتي، وما سيأتي في الكفالة من أنها لا تصح في المبيع، لأنه مضمون بغيره وهو الثمن فذاك في بيع العين، وهذا بيع الدين. أفاده في حواشي مسكين: أي فإن عقد السلم لا ينفسخ بهلاك قدر المسلم فيه قبل قبضه، لان له أن يقيم غيره مقامه لعدم تعينه، بخلاف هلاك المبيع المعين قبل قبضه فإنه مضمون بغيره وهو الثمن فيسقط عن المشتري، وسمي الثمن غيرا لان المضمون بالقيمة مضمون بعينه حكما. وفي البحر عن ايضاح الكرماني. لو أخذ بالمسلم فيه رهنا سلطه على بيعه فباعه، ولو بغير جنس المسلم فيه جاز. قوله: (وهو شرط بقائه على الصحة) هو الصحيح، وستأتي فائدة الاختلاف في الصرف. بحر وعبارته في الصرف: وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا ظهر الفساد فيما هو صرف فهل يفسد فيما ليس بصرف؟ عند أبي حنيفة: فعلى القول الضعيف يتعدى الفساد، وعلى الأصح لا، كذا في الفتح ا ه. قوله: (بوصفها) أي وصف الصحة والإضافة بيانية. قوله: (كون رأس المال منقودا) أي نقده الصيرفي ليعرف جيده من الردئ، وليس المراد بالنقد القبض، فإنه شرط آخر قد مر. أفاده في البحر، وفائدة اشتراطه كما في الغاية الاحتراز عن الفساد، لأنه إذا رد بعضه بعيب الزيافة، ولم يتفق الاستبدال في مجلس الرد انفسخ العقد بقدر المردود. واستشكله في البحر: بأن هذه الفائدة ذكرت في تعليل قول الإمام : إن بيان قدر رأس المال شرط، ولا تكفي الإشارة إليه كما مر، ومفاده عدم اشتراط الانتقاد أولا، وذكر قبله أن اشتراط الانتقاد يغني عن اشتراط بيان القدر. وحاصله: أن أحدهما يكفي عن الآخر. وأجاب في النهر بأن بيان القدر لا يدفع توهم الفساد المذكور: أي فلا بد من اشتراط الانتقاد. قلت: ويرد على هذا الشرط أيضا أنه تقدم أنه لو وجدها زيوفا فرضي بها صح مطلقا، ولو ستوقة، لا، إلى آخر ما مر، ومفاده أن الضرر جاء من عدم التبديل في المجلس لا من عدم الانتقاد على أن النقاد قد يخطئ، وأيضا فإن رأس المال قد يكون مكيلا أو موزونا، ويظهر بعضه معيبا فيرده بعد هلاك البعض ويلزم الجهالة كما مر، فلا بد حينئذ من ذكر الشرطين: تأمل. قوله: (وعدم الخيار) أي خيار الشرط، فإن أسقطه قبل الافتراق ورأس المال قائم في يد المسلم إليه صح، وإن هالكا لا ينقلب صحيحا بحر عن البزازية. تنبيه: لا يثبت في السلم خيار الرؤية، لأنه لا يثبت فيما ملكه دينا في الذمة كما في جامع الفصولين، ومر أول خيار الرؤية. قوله: (وهو القدر المتفق) ذكر الضمير باعتبار الخبر، واحترز بالمتفق عن القدر المختلف كإسلام نقود في حنطة، وكذا في زعفران ونحوه، فإن الوزن وإن تحقق فيه إلا أن الكيفية مختلفة كما تقدم في الربا أفاده ط. وكذا إسلام الحنطة في الزيت فإنه جائز كما مر هناك عن ولا الكمال. قوله: (سبعة عشر) ستة في رأس المال، وهي بيان جنسه ونوعه وصفته وقدره ونقده
346 وقبضه قبل الافتراق، وأحد عشر في المسلم فيه: وهي الأربعة الأول، وبيان مكان إيفائه وأجله وعدم انقطاعه، وكونه مما يتعين بالتعيين وكونه مضبوطا بالوصف كالأجناس الأربعة المكيل والموزون والمذروع والمعدود المتقارب، وواحد يرجع إلى العقد وهو كونه باتا ليس فيه خيار شرط، وواحد بالنظر للبدلين وهو عدم شمول إحدى علتي الربا البدلين. منح بتصرف ط. قوله: (القدرة على تحصيل المسلم فيه) لا حاجة إليه مع اشتراط عدم الانقطاع. قال في النهر: والقدرة على تحصيله بأن لا يكون منقطعا ا ه ح. وأما القدرة بالفعل في الحال فليست شرطا عندنا، ومعلوم أنه لو اتفق عجزه عند الحلول وإفلاسه لا يبطل السلم. قاله الكمال ط. قوله: (والمكوك صاع ونصف) والصاع ثمانية أرطال بالبغدادي كل رطل مائة وثلاثون درهما ط. قلت: فيكون القفيز اثني عشر صاعا والكر سبعمائة وعشرين صاعا والصاع نصف مد شامي تقريبا، فالكر أربع غرائر ونصف غرارة كل غرارة ثمانون مدا شاميا. قوله: (حال كون المائتين) أشار به إلى أن مائة في الموضعين نصب على الحال بتأويل مقسومة هذه القسمة وتجوز البدلية ا ه ح. قوله: (دينا عليه) صفة المائة. نهر. أو بدل. عيني. وهو احتراز عما إذا كانت دينا على أجنبي كما يأتي. قال في النهر: والتقييد بإضافة ثم جعل المائة قصاصا بما في ذمته من الدين فالحكم كذلك في الأصح ا ه. قوله: (لأنه طار) أي عرض بالافتراق قبل القبض، لما مر أن القبض شرط لبقاء العقد على الصحة لا شرط انعقاد. قوله: (ولو إحداهما دنانير) محترز قول المصنف مائتي درهم الخ حيث فرض المسألة بكون مائتي الدين والنقد متحدي الجنس، لأنه لو اختلفا بأن أسلم مائة درهم نقدا وعشرة دنانير دينا أو بالعكس لا يجوز في الكل، أما حصة الدين فلما مر، وأما حصة العين فلجهالة ما يخصه، وهذا عنده وعندهما يجوز في حصة النقد كما في الزيلعي، والخلاف مبني على إعلام قدر رأس المال. بحر قوله: (أو على غير العاقدين) محترز قوله: مائة دينا عليه فلو قال: أسلمت إليك هذه المائة والمائة التي لي على فلان بطل في الكل، وإن نقد الكل لاشتراط تسليم الثمن على غير العاقد، وهو مفسد مقارن فتعدى. بحر. قوله: (قبل قبضه) أي قبض ما ذكر من رأس المال والمسلم فيه، أما الأول فلما فيه من تفويت حق الشرع، وهو القبض المستحق شرعا قبل الافتراق، وأما الثاني فلانه بيع منقول، وقد مر أن التصرف فيه قبل القبض لا يجوز. نهر. قوله: (بنحو بيع الخ) متعلق بالتصرف وذكره البيع مستدرك بقوله بعده ومرابحة وتولية تأمل. قوله: (وشركة) صورته أن يقول رب السلم لآخر: أعطني نصف رأس المال ليكون نصف المسلم فيه لك. بحر. قوله: (ومرابحة وتولية) صورة التولية أن يقول لآخر
347 أعطني مثل ما أعطيت المسلم إليه، حتى يكون المسلم فيه لك. بحر عن الايضاح. والمرابحة أن يأخذ زيادة على ما أعطى، وقيل يجوز كل من المرابحة والتولية قبل القبض، وبه جزم في الحاوي. قال في البحر: وهو قول ضعيف والمذهب منعهما. قوله: (ولو ممن عليه) فلو باع رب السلم المسلم فيه من المسلم إليه بأكثر من رأس المال لا يصح ولا يكون إقالة. بحر عن القنية. وانظر ما فائدة التقييد بالأكثر، وتقدم أول فصل التصرف في المبيع أن بيع المنقول من بائعه قبل قبضه لا يصح، ولا ينتقض به البيع الأول، بخلاف هبته منه لأنها مجاز عن إقالة. قوله: (حتى لو وهبه منه الخ) في المبسوط لو أبرأ رب السلم المسلم إليه عن طعام السلم صح إبراءه في ظاهر الرواية، وروى الحسن أنه لا يصح ما لم يقبل المسلم إليه، فإن قبله كان فسخا لعقد السلم، ولو أبرأ إليه رب السلم من رأس المال وقبل الابراء يبطل السلم، فإن رده لا، والفرق أن المسلم فيه لا يستحق قبضه في المجلس بخلاف رأس المال. نهر. قال في البحر: والحاصل أن التصرف المنفي في المتن شامل للبيع والاستبدال والهبة والابراء، إلا أن في الهبة والابراء يكون مجازا عن الإقامة، فيرد رأس المال كلا أو بعضا ولا يشمل الإقالة لأنها جائزة، ولا التصرف في الوصف من دفع الجيد مكان الردئ والعكس ا ه. قوله: (إقالة بعض السلم جائزة) أي لو أقاله عن نصف المسلم فيه أو ربعه مثلا جاز، ويبقى العقد في الباقي. قال في البحر: واحترز به عن الإقالة على مجرد الوصف بأن كان المسلم فيه جيدا فتقايلا على الردئ على أن يرد المسلم إليه درهما لا يجوز عندهما، خلافا لأبي يوسف في رواية، فيجوز عنده لا بطريق الإقالة بل بطريق الحط على رأس المال ا ه. قال الرملي وفيه صراحة بجواز الحط عن رأس المال وتجوز الزيادة فيه، والظاهر فيها اشتراط قبضها قبل التفرق، بخلاف الحط، وقدمنا أنه لا تجوز الزيادة في المسلم فيه ويجوز الحط ا ه. قوله: (بعد الإقالة) أفاد أن الإقالة جائزة في السلم، مع أن شرط الإقالة قيام المبيع، لان المسلم فيه وإن كان دينار حقيقة فله حكم العين، ولذا لم يجز الاستبدال به قبل قبضه، وإذا صحت فإن كان رأس المال عينا ردت وإن كانت هالكة رد المثل أو القيمية لو قيمة، وتقدم تمامه في بابها. قوله: (فلو كان فاسدا جاز الاستبدال) لان رأس ماله في يد البائع كمغصوب. منح عن جامع الفصولين. لكن لا يخفى أن جواز الاستبدال لا يدل على جواز التصرف بالشراء كما هو موضوع المسألة كما يظهر لك قريبا. قوله: (كسائر الديون) أي كدين مهر وأجرة وضمان متلف ونحو ذلك سوى صرف وسلم، لكن التصرف في الدين لا يجوز إلا تمليكه ممن هو عليه بهبة، أو وصية أو بيع أو إجارة لا من غيره إلا إذا سلطه على قبضه، وقدمنا تمام الكلام عليه في فصل التصرف في المبيع والثمن. قوله: (قبل قبضه) أي قبض رب السلم رأس المال من المسلم إليه. قوله: (بحكم الإقالة) أي قبضا كائنا بحكم الإقالة لا بحكم عقد السلم، لان رأس المال مقبوض في يد المسلم إليه وإلا لم تصح الإقالة لعدم صحة السلم. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام الخ) رواه بمعناه أبو داود وابن ماجة
348 وحسنه الترمذي، وتمام في الفتح. قوله: (فامتنع الاستبدال) فصار رأس المال بعد الإقالة بمنزلة المسلم فيه قبلها فيأخذ حكمه من حرمة الاستبدال بغيره، فحكم رأس المال بعدها كحكمه قبلها إلا أنه لا يجب قبضه في مجلسها، كما كان يجب قبلها لكونها ليست بيعا من كل وجه، ولهذا جاز إبراؤه عنه وإن كان لا يجوز قبلها. بحر. وقدم الشارح في باب الإقالة عن الأشباه أن رأس المال بعدها كهو قبلها، إلا في مسألتين الخ. قوله: (حيث يجوز الاستبدال عنه) لأنه لا يتعين بالتعيين، فلو تبايعا دراهم بدنانير جاز استبدالها قبل القبض بأن يمسكا ما أشار إليه في العقد، ويؤديا بدله قبل الافتراق كما سيأتي في باب الصرف، واحترز بالاستبدال عن التصرف فيه لما سيأتي هناك أنه لا يتصرف في ثمن الصرف قبل قبضه، فلو باع دينارا بدراهم واشترى بها قبل قبضها ثوبا فسد بيع الثوب، وبهذا ظهر أن قول المصنف بخلاف الصرف غير منتظم، لان الكلام قبله في الشراء برأس المال قبل قبضه والصرف مثله في ذلك كما علمت. وظهر أيضا أن قول الشارح لجواز تصرفه فيه غير صحيح، لان الجائز هو الاستبدال ببدل الصرف دون التصرف فيه كما هو مصرح به في المتون، فكان على المصنف أن يقول: ولا يشترط قبض رأس المال في مجلس الإقالة، ولا يجوز الاستبدال عنه بخلاف الصرف. وأصل المسألة في البحر حيث قال: قيد بالسلم لان الصرف إذا تقايلاه جاز الاستبدال عنه ويجب قبضه في مجلس الإقالة، بخلاف السلم. وقال قبله: وفي البدائع: قبض رأس المال شرط حال بقاء العقد لا بعد ارتفاعه بإقالة أو غيرها وقبض بدل الصرف في مجلس الإقالة شرط لصحتها كقبضه في مجلس العقد، ووجه الفرق أن القبض في مجلس العقد في البدلين ما شرط لعينه، بل للتعيين، وهو أن يصير البدل معينا بالقبض صيانة عن الافتراق عن دين بدين، ولا حاجة إلى التعيين في مجلس الإقالة في السلم، لأنه لا يجوز استبداله فتعود إليه عينه فلا تقع الحاجة إلى التعيين بالقبض فكان الواجب نفس القبض فلا يراعى له المجلس، بخلاف الصرف، لان التعيين لا يحصل إلا بالقبض لان استبداله جائز فلا بد من شرط القبض في المجلس للتعيين ا ه. قوله: (ولو شرى المسلم إليه في كر الخ) صورته: أسلم رجلا مائة درهم في كر حنطة فاشترى المسلم إليه كرا وأمر رب السلم بقبضه لم يصح، حتى يكتاله رب السلم مرتين مرة عن المسلم إليه، ومرة عن نفسه. قال في البحر: قيد بالشراء لان المسلم إليه لو ملك كرا بإرث أو هبة أو وصية فأوفاه رب السلم واكتاله مرة جاز، لان لم يوجد إلا عقد واحد بشرط الكيل وقيد بالكر، لأنه لو اشترى حنطة مجازفة فاكتالها مرة جاز لما قلنا، وأشار بالكر المكيل إلى أن الموزون كذلك، وكذا المعدود إذا اشتراه بشرط العد. وفي البناية: إن فيه روايتين. قوله: (قضاء) مفعول لأجله. قوله: (للزوم الكيل مرتين) لأنه اجتمع صفقتان صفقة بين المسلم إليه وبين المشتري منه وصفقة بين المسلم إليه وبين رب السلم بشرط الكيل فلا بد منه مرتين. بحر. حتى لو هلك بعد ذلك يهلك من مال المسلم إليه وللمسلم أن يطالبه بحقه. نهر. قوله: (وصح لو كان الكر قرضا) صورته: استقرض المسلم إليه كرا وأمر رب السلم بقبضه من المقرض، وكذا لو استقرض رجل كرا ثم اشترى كرا وأمر المقرض بقبضه قضاء
349 لحقه كما في البحر. قوله: (لأنه) أي القرض إعارة حتى ينعقد بلفظها فكان المقبوض عين حقه تقديرا. بحر. قوله: (ثم لنفسه) الشرط أن يكيله مرتين وإن لم يتعدد الامر، حتى لو قال: اقبض الكر الذي اشتريته من فلان عن حقك، فذهب فاكتاله ثم أعاد كيله صار قابضا، ولفظ الجامع يفيده. بحر عن الفتح. قوله: (لزوال المانع) علة لصح. قوله: (أي المسلم إليه) تفسير للضمير المتصل المنصوب. قوله: (في ظرفه) أي ظرف رب السلم، ويفهم منه حكم ما إذا أمره بكيله في ظرف المسلم إليه بالأولى بحر. وهذا إذا لم يكن في الظرف طعام لرب السلم، فلو فيه طعامه: ففي المبسوط: الأصح عندي أنه يصير قابضا لان أمره بخلطه على وجه لا يتميز معتبر فيصير به قابضا. فتح. قوله: (فيصير قابضا بالتخلية) أي سواء كان الظرف له أو للبائع أو مستأجرا، وبه صرح الفقيه أبو الليث. بحر عن البناية. قوله: (بذلك) أي بكيله في ظرفه. قوله: (ظرف البائع) بدل من قوله: ظرفه. قوله: (لم يكن قبضا لحقه) لان رب السلم حقه في الذمة ولا يملكه إلا بالقبض، فلم يصادف أمره ملكه فلا يصح، فيكون المسلم إليه مستعيرا للظرف جاعلا فيه ملك نفسه كالدائن إذا دفع كيسا إلى المدين وأمره أن يزن دينه ويجعله فيه لم يصر قابضا. وفي مسألة البيع يكون المشتري استعار ظرف البائع ولم يقبضه فلا يصير بيده، فكذا ما يقع فيه فصار كما لو أمره أن يكيله في ناحية من بيت البائع لان البيت بنواحيه في يد البائع. بحر. قوله: (لان حقه في العين) لأنه ملكه بنفس الشراء، فيصح أمره لمصادفته ملكه، فيكون قابضا بجعله في الظرف ويكون البائع وكيلا في إمساك الظرف، فيكون الظرف والواقع فيه في يد المشتري حكما. قال في الهداية: ألا ترى أنه لو أمره بالطحن كان الطحين في السلم للمسلم إليه، وفي الشراء للمشتري لصحة الامر، وكذا إذا أمره أن يصبه في البحر في السلم يهلك من مال المسلم إليه وفي الشراء من مال المشتري ا ه. قال في النهر: وأورد أنه لو وكل البائع بالقبض صريحا لم يصح، فعدم الصحة هنا أولى. وأجيب بأنه لما صح أمره لكونه مالكا صار وكيلا له ضرورة، وكم من شئ يثبت ضمنا لا قصدا. قوله: (كيل العين) مبتدأ وجعلهما معطوف عليه، وقوله: قبض خبره. وصورة المسألة: رجل أسلم في كر حنطة، فلما حل الاجل اشترى رب السلم من المسلم إليه كر حنطة بعينها ودفع رب السلم ظرفا إلى المسلم إليه ليجعل الكر المسلم فيه والكر المشتري في ذلك الظرف، فإن بدأ بكيل العين المشتري في الظرف صار قابضا للعين لصحة الامر في وللدين المسلم فيه لمصادفته ملكه، كمن استقرض حنطة وأمر المقرض أن يزرعها في أرضه، وإن بدأ بالدين لم يصر قابضا لشئ منهما، أما الدين فلعدم صحة الامر فيه، وأم العين فلانه خلطه بملكه قبل التسليم فصار مستهلكا عند أبي حنيفة فينتقض البيع، وهذا الخلط غير مرضي به لجواز أن يكون مراده البداءة بالعين، وعندهما بالخيار: إن شاء نقض البيع، وإن شاء شاركه في المخلوط، لان الخلط ليس باستهلاك عندهما. درر.
350 قوله: (وقبضت) أي قبضها المسلم إليه. قال في النهر: قيد بذلك لأنهما لو تفرقا لا عن قبضها لم تصح الإقالة لعدم صحة السلم. قوله: (قبل قبضها) أي قبل أن يقبضها رب السلم بسبب الإقالة. قوله: (أو ماتت) على قوله السابق فتقابلا فيكون الموت بعد القبض. قوله: (صح) أي عقد الإقالة. قوله: (لبقاء المعقود عليه) لان الجارية رأس المال، وهو في حكم الثمن في العقد والمبيع هو المسلم فيه، وصحة الإقالة تعتمد قيام المبيع لا الثمن كما مر، فهلاك الأمة لا يغير حال الإقالة من البقاء في الأولى والصحة في الثانية. درر. قوله: (وعليه قيمتها) لأنه إذ انفسخ العقد في المسلم فيه انفسخ في الجارية تبعا فوجب عليه ردها وقد عجز عنه فوجب رد قيمتها. درر. قوله: (كذا الحكم في المقايضة) هي بيع العين بالعين فتبقى الإقالة، وتصح بعد هلاك أحد العوضين لان كل واحد منهما مبيع من وجه وثمن من وجه، ففي الباقي يعتبر المبيعة وفي الهالك الثمنية. درر. قوله: (بخلاف الشراء بالثمن فيهما) أي في المسألتين، فإذا اشترى أمة بألف فتقايلا فماتت في يد المشتري بطلت الإقالة، ولو تقايلا بعد موتها فالإقالة باطلة، لان الأمة هي الأصل في البيع فلا تبقى بعد هلاكها، فلا تصح الإقالة ابتداء ولا تبقى انتهاء لعدم محلها. درر قوله: (في السلم) أي وفي المقايضة. قوله: (بخلاف البيع) أي بالثمن. قوله: (تقايلا البيع الخ) تقدمت هذه المسألة في باب الإقالة متنا. قوله: (والقول لمدعي الرداءة) هذا صادق بما إذا قال أحدهما شرطنا رديئا فقال الآخر لم نشرط شيئا، وبما إذا ادعى الآخر اشتراط الجودة وقال الآخر إنا شرطنا رديئا والمراد الأول، ولذا أردفه بقوله: لا لنا في الوصف والأجل ولإفادة أن الرداءة مثال، حتى لو قال أحدهما شرطنا جيدا وقال الآخر لم نشرط شيئا فالحكم كذلك. نهر. والظاهر أن القول إنما يقبل مع اليمين وقد صرح به في مسألة الاجل الآتية، ولا فرق يظهر. قوله: (وهو الرداءة) أي مثلا. قوله: (والأجل) بالجر عطفا على الوصف، والأجل مدة الشئ، والمراد به هنا التأجيل، وهو تحديد الاجل بقرينة التعبير به قبله، وادعى في البحر أنه يتعين كون التأجيل بمعنى الاجل مجازا بدليل ما بعده، ويظهر أن المتعين العكس كما قلنا، لان المراد الاختلاف في أصل التأجيل لا في مقدار الاجل، ويؤيده قول المصنف بعده ولو اختلفا في مقداره. قوله: (والأصل أن من خرج كلامه تعنتا) بأن ينكر ما ينفعه كأن قال المسلم إليه شرطت لك رديه وقال رب السلم لم نشترط شيئا، فالقول للمسلم إليه لان رب السلم متعنت في إنكار الصحة، لان المسلم فيه يربو على رأس المال في العادة، وكذا لو قال رب السلم كان له أجل وأنكر المسلم إليه فهو متعنت في إنكاره حقا له وهو الاجل، كما في الهداية. قوله: (وإن خرج خصومة) بأن أنكر ما يضره كعكس التصوير في المسألتين، فالقول لمدعي الصحة عنده وهو رب
351 السلم في الأولى، والمسلم إليه في الثانية، وعندهما الحكم كالأول كما قرره في الهداية وغيرها. قوله: (ووقع الاتفاق على عقد واحد) احتراز عما إذا لم يتفقا على عقد واحد، كما لو قال رب المال للمضارب شرطت لك نصف الربح إلا عشرة وقال المضارب بل شرطت لي نصف الربح فإن القول لرب المال، لأنه ينكر استحقاق زيادة الربح، وإن تضمن ذلك إنكار الصحة، هذا عندهما، وأما عنده فلان عقد المضاربة إذا صح كان شركة، وإذا فسد صار إجازة فلم يتفقا على عقد واحد، فإن مدعي الفساد يدعي إجارة ومدعي الصحة يدعي الشركة، فكان اختلافهما في نوع العقد، بخلاف السلم فإن السلم الحال وهو ما يدعيه منكر الاجل سلم فاسد لا عقد آخر ولهذا يحنث في يمنيه لا يسلم في شئ فقد اتفقا على عقد واحد. واختلفا في صحته: فالقول لمدعي الصحة. وتمامه في الفتح. قوله: (فالقول لمدعي الصحة عندهما وعنده للمنكر) كذا في بعض النسخ وهو سبق قلم. وعبارة الهداية وغيرها: فالقول لمدعي الصحة عنده، وعندهما للمنكر، وهو كذلك في بعض النسخ. قوله: (فالقول للطالب) أي رب السلم، فإن يطالب المسلم إليه بالمسلم فيه. قوله: (وأي برهن قبل) لكن برهان رب السلم وحده مؤكد لقوله لا مثبت، لان القول له بدونه، بخلاف برهان المسلم إليه وحده، ولذا قضى ببينته إذا برهنا معا. قوله: (فالقول للمطلوب) لانكاره توجهه المطالبة. بحر. قوله: (وإن برهنا فبينة المطلوب) لإثباتها زيادة الاجل، فالقول قوله والبينة بينته. بحر. قوله: (ولو اختلفا في السلم تحالفا استحسانا) أي ويبدأ بيمين الطالب وأي برهن قبل، وإن برهنا فبرهان الطالب والمسألة على أوجه، لان رأس المال إما عين أو دين، وعلى كل إما أن يتفقا عليه ويختلفا في المسلم فيه أو بالعكس، أو يختلفا فيهما، فإن كان عينا واختلفا في المسلم فيه فقط كقوله هذا الثوب في كر حنطة وقال الآخر في نصف كر أو في شعير أو حنطة رديئة وبرهنا قدم الطالب، وإن اختلفا في رأس المال فقط هل هو ثوب أو عبد أو فيهما وبرهنا قضى بالسلمين، وإن كان دراهم واتفقا فيه فقط يقضى للطالب بسلم واحد عند الثاني، خلافا لمحمد، وكذا لو الاختلاف في المسلم فيه فقط، ولو فيهما كقوله عشرة دراهم في كري حنطة وقال الآخر خمسة عشر في كر وبرهنا، فعند الثاني تثبت الزيادة فيجب خمسة عشر في كرين، وعند محمد يقضى بالعقدين ا ه فتح ملخصا. مطلب في الإستصناع قوله: (هو لغة (1) طلب الصنعة) أي أن يطلب من الصانع العمل. ففي القاموس: الصناعة ككتابة: حرفة الصانع وعمله الصنعة ا ه. فالصنعة عمل الصانع في صناعته: أي حرفته. وأما شرعا: فهو طلب العمل منه في شئ خاص على وجه مخصوص يعلم ما يأتي. وفي البدائع: من شروطه:
(1) قوله: (هو لغة طلب الصنعة) هكذا بخطه مع أن الذي في نسخ الشارح هو طلب عمل الصنعة، فلعلها نسخة أخرى وليحرر ا ه. مصححه. 352 بيان جنس المصنوع ونوعه وقدره وصفته، وأن يكون مما فيه تعامل، وأن لا يكون مؤجلا، وإلا كان سلما، وعندهما: المؤجل استصناع إلا إذا كان مما لا يجوز فيه الإستصناع فينقلب سلما في قولهم جميعا. قوله: (بأجل) متعلق بمحذوف حال من الإستصناع، لكن فيه مجئ الحال من المبتدأ وهو ضعيف، ولا يصح كونه خبرا لأنه لا يفيد بل الخبر هو قوله سلم والمراد بالأجل ما تقدم وهو شهر فما فوقه. قال المصنف: قيدنا الاجل بذلك، لأنه إذا كان أقل من شهر كان استصناعا إن جرى فيه تعامل، وإلا ففاسد إن ذكره على وجه الاستمهال، وإن كان للاستعجال بأن قال على أن تفرغ منه غدا أو بعد غد كان صحيحا ا ه. ومثله في البحر وغيره وسيذكره الشارح. قوله: (ذكر على سبيل الاستمهال الخ) كان الواجب عدم ذكر هذه الجملة لما علمت من أن المؤجل بشهر فأكثر سلم، والمؤجل بدونه إن لم يجر فيه تعامل فهو استصناع فاسد، إلا إذا ذكر الاجل للاستعجال فصحيح كما أفاده ط. وقد تبع الشارح ابن كمال. قوله: (سلم) أي فلا يبقى استصناعا كما في التتارخانية، فلذا قال الشارح فتعتبر شرائطه أي شرائط السلم، ولهذا لم يكن فيه خيار مع أن الإستصناع فيه بخيار لكونه عقدا غير لازم كما يأتي تحريره. قوله: (جرى فيه تعامل) كخف وطست وقمقمة ونحوها درر. قوله: (أم لا) كالثياب ونحوها. درر. قوله: (وقالا الأول) أي ما فيه تعامل استصناع، لان اللفظ حقيقة للاستصناع فيحافظ على قضيته، ويحمل الاجل على التعجيل، بخلاف ما لا تعامل فيه، لأنه استصناع فاسد، فيحمل على السلم الصحيح، وله أنه دين يحتمل السلم وجواز السلم بإجماع لا شبهة فيه، وفي تعاملهم الإستصناع نوع شبهة فكان الحمل على السلم أولى. هدية. قوله: (وبدونه) متعلق بقوله: صح الآتي ومقابل هذا قوله بعد ولم يصح فيما لم يتعامل به. قوله: (وذكره في المغرب في الشين المعجمة) هو خلاف ما في الصحاح والقاموس والمصباح. قوله: (وقد يقال) أي في جمعه، وبيانه ما في المصباح الطست. قال ابن قتيبة: أصلها طس، فأبدلت من أحد المضعفين تاء، لأنه يقال في جمعها طساس كسهم وسهام، وجمعت أيضا على طسوس لاعتبار الأصل، وعلى طسوت باعتبار اللفظ. قوله: (بيعا لا عدة) أي صح على أنه بيع لا على أنه مواعدة، ثم ينعقد عند الفراغ بيعا بالتعاطي، إذ لو كان كذلك لم يختص بما في تعامل. وتمامه في البحر. قال في النهر: وأورد أن بطلانه بموت الصانع ينافي كونه بيعا. وأجيب بأنه إنما بطل بموته لشبهه بالإجارة. وفي الذخيرة: هو إجارة ابتداء بيع انتهاء، لكن قبل التسليم لا عند التسليم، وأورد أنه لو انعقد إجارة لأجبر الصانع على العمل والمستصنع على إعطاء المسمى، وأجيب بأنه إنما لا يجبر لأنه لا يمكنه إلا بإتلاف عين له من قطع الأديم ونحوه، والإجارة تفسخ بهذا العذر، ألا ترى أن الذراع له أن لا يعمل إذا كان البذر من جهته، وكذا رب الأرض ا ه. ومثله في البحر والفتح والزيلعي. قوله: (فيجبر الصانع على عمله) تبع في ذلك الدرر ومختصر الوقاية. وهو مخالف لما ذكرناه آنفا عن عدة كتب من أنه لا جبر فيه ولقول البحر، وحكمه الجواز دون اللزوم، ولذا قلنا للصانع أن
353 يبيع المصنوع قبل أن يراه المستصنع لأن العقد غير لازم ا ه. ولما في البدائع: وأما صفته: فهي أنه عقد غير لازم قبل العمل من الجانبين بلا خلاف حتى كان لكل واحد منهما خيار الامتناع من العمل كالبيع بالخيار للمتبايعين، فإن لكل منهما الفسخ، وأما بعد الفراغ من العمل قبل أن يراه المستصنع فكذلك، حتى كان للصانع أن يبيعه ممن شاء، وأما إذا أحضره الصانع على الصفة المشروطة سقط خياره، وللمستصنع الخيار. هذا جواب ظاهر الرواية، وروي عنه ثبوته لهما، وعن الثاني عدمه لهما، والصحيح الأول ا ه. وقال أيضا: ولكل واحد منهما الامتناع من العمل قبل العمل بالاتفاق، ثم إذا صار سلما يراعى فيه شرائط السلم: فإن وجدت صح، وإلا لا ا ه. وقال أيضا: فإن ضرب له أجلا صار سلما حتى يعتبر فيه شرائط السلم، ولا خيار لواحد منهما إذا سلم الصانع المصنوع على الوجه الذي عليه في السلم ا ه. وذكر في كافي الحاكم أن للصانع بيعه قبل أن يراه المستصنع، ثم ذكر أن الإستصناع لا يصح في الثوب، وأنه لو ضرب له أجلا وعجل الثمن جاز وكان سلما، ولا خيار له فيه ا ه. وفي التتارخانية: ولا يجبر المستصنع على إعطاء الدراهم، وإن شرط تعجيله هذا إذا لم يضرب له أجلا، فإن ضرب قال أبو حنيفة: يصير سلما ولا يبقى استصناعا حتى يشترط فيه شرائط السلم ا ه. فقد ظهر لك بهذه النقول أن الإستصناع لا جبر فيه إلا إذا كان مؤجلا بشهر فأكثر، فيصير سلما وهو عقد لازم يجبر عليه، ولا خيار فيه، وبه علم أن قول المصنف فيجبر الصانع على عمله لا يرجع الآمر عنه إنما هو فيما إذا صار مسلما فكان عليه ذكره قبل قوله: وبدونه وإلا فهو مناقض لما ذكره بعده من إثبات الخيار للآمر، ومن أن المعقود عليه العين لا العمل، فإذا لم يكن العمل معقودا عليه كيف يجير عليه. وأما ما في الهداية عن المبسوط، من أنه لا خيار للصانع في الأصح، فذاك بعد ما صنعه ورآه الآمر كما صرح به في الفتح، وهو ما مر عن البائع، والظاهر أن هذا منشأ توهم المصنف وغيره كما يأتي. وبعد تحريري لهذا المقام رأيت موافقته في الفصل الرابع والعشرين من نور العين إصلاح جامع الفصولين حيث قال بعد أن أكثر من النقل في إثبات الخيار في الإستصناع: فظهر أن قول الدرر تبعا لخزانة المفتي أن الصانع يجبر على عمله والآمر لا يرجع عنه سهو ظاهر ا ه. فاغتنم هذا التحرير ولله الحمد. قوله: (والمبيع هو العين لا عمله) أي أنه بيع عين موصوفة في الذمة لا بيع عمل: أي لا إجارة على العمل، لكن قدمنا أنه إجارة ابتداء بيع انتهاء. تأمل. مطلب ترجمة البردعي قوله: (خلافا للبردعي) بالباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهملة وفي آخره عين مهملة، نسبة إلى بردعة بلدة من أقصى بلاد أذربيجان، وهو أحمد بن الحسين أبو سعيد من الفقهاء الكبار، قتل في وقعة القرامطة مع الحاج سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وتمام ترجمته في طبقات عبد القادر. قوله: (بمصنوع غيره) أي بما صنعه غيره. قوله: (فأخذه) أي الآمر. قوله: (بلا رضاه) أي رضا الآمر أو رضا الصانع. قوله: (قبل رؤية آمره) الأولى قبل اختياره، لان مدار تعينه له على اختياره، وهو يتحقق
354 بقبضه قبل الرؤية. ابن كمال. قوله: (ومفاده الخ) قدمنا التصريح بهذا المفاد عن البدائع، وعلله بأن الصانع بائع ما لم يره ولا خيار له، ولأنه بإحضاره أسقط خيار نفسه الذي كان له قبله فبقي خيار صاحبه على حاله ا ه. وفي الفتح: وأما بعد ما رآه فالأصح أنه لا خيار للصانع، بل إذا قبله المستصنع أجبر على دفعه له لأنه بالآخرة بائع ا ه. وهذا هو المراد من نفي الخيار في المبسوط، فقول المصنف في المنع ولا خيار للصانع كذا ذكره في المبسوط، فيجبر على العمل، لأنه باع ما لم يره الخ، صوابه أن يقول: فيجبر على التسليم، لان الكلام بعد العمل، وأيضا فالتعليل لا يوافق المعلل على ما فهمه، وهذا هو منشأ ما ذكره في متنه أولا، وقد علمت تصريح كتب المذهب بثبوت الخيار قبل العمل، وفي كافي الحاكم الذي هو متن المبسوط ما نصه: والمستصنع بالخيار إذا رآه مفروغا منه، وإذا رآه فليس للصانع منعه ولا بيعه، وإن باعه الصانع قبل أن يراه جاز بيعه. قوله: (وهو الأصح) وهو ظاهر الرواية، وعنه ثبوت الخيار لهما، وعن الثاني عدمه لهما كما مر عن البدائع. قوله: (إلا بأجل كما مر) أي بأجل مماثل لما مر في السلم من أن أقله شهر فيكون سلما بشروطه. قوله: (فإن لم يصح) أي الاجل لعقد السلم بأن كان أقل من شهر. قوله: (وإن للاستعجال) أي بأن لم يقصد به التأجيل والاستمهال، بل قصد به الاستعجال بلا إمهال، وظاهره أنه لو لم يذكر أجلا فيما لم يجر فيه تعامل صح، لكنه خلاف ما يفهم من المتن ولم أره صريحا، فتأمل. قوله: (في الدبس) بكسر وبكسرتين: عسل التمر وعسل النحل، قاموس. والمشهور الآن أنه ما يخرج من العنب. قوله: (ولذا) أي لكون النار عملت فيه فصار غير مثلي لا يجوز السلم فيه، وظاهره أن السلم لا يجوز إلا في المثلي، مع أنه يجوز في الثياب والبسط والحصر ونحوها كما مر. أفاده ط. قوله: (حتى لو كان عينا) أي لو جعل الأجرة دبسا معينا. قوله: (الرب) دبس الرطب إذا طبخ. مصباح. قوله: (والقطر) نوع من عسل القصب. قال المؤلف في الغصب: إن كلا منهما يتفاوت بالصنعة ولا يصح السلم فيهما ولا يثبت في الذمة ط. قوله: (واللحم) ولو نيئا ذكره المؤلف في الغصب وتقدم الكلام فيه. قوله: (والآجر والصابون) لاختلافهما في الطبخ. قوله: (والصرم) بالفتح: الجلد، مصباح. وقدمنا أول الباب عن الفتح: أنه يصح السلم في الجلود إذا بين ما يقع به في الضبط. قوله: (وبر مخلوط) الأصوب وبرا مخلوطا عطفا على الرب المنصوب. نعم الرفع جائز على القول بجواز العطف بالرفع على محل اسم إن قبل استكمال العمل فافهم، والله سبحانه أعلم.
355 باب المتفرقات جرت عادتهم أن المسائل التي تشذ عن الأبواب المتقدمة فلم تذكر فيها يجمعونها بعد، ويسمونها بأحد هذه الأسماء ط. قوله: (بمسائل منثورة) شبهت بالمنثور من الذهب أو الفضة لنفاستها، وهو بالرفع على الحكاية ط ويجوز الجر. قوله: (من خزف) أي طين. قال ط: قيد به لأنها لو كانت من خشب أو صفر جاز اتفاقا فيما يظهر لامكان الانتفاع بها وحرره ا ه. وهو ظاهر. قوله: (ولا يضمن متلفه) كأنه لأنه آلة لهو، ولا يقال فيها نحو ما قيل في عود اللهو من أنه يضمن خشبا لا مهيأ على أحد القولين، لأنه لا قيمة لهذه الأشياء إذا قطع النظر عن التلهي بها. ط. قوله: (وقيل بخلافه) يشعر بضعفه مع أن المصنف نقله عن القنية. وفي القنية لم يعبر عنه بقيل، بل رمز للأول ثم للثاني. قوله: (عن أبي يوسف) أي ناقلا عن أبي يوسف، وظاهر أنه قوله لا رواية عنه حتى يقال: إن هذا يشعر بضعفه، ونسبته إلى أبي يوسف لا تدل على أن الامام يخالفه لاحتمال أن يكون له في المسألة قول، فافهم. قوله: (ولو عقورا) فيه كلام يأتي. قوله: (والفيل) هذا بالاجماع لأنه منتفع به حقيقة مباح الانتفاع به شرعا على الاطلاق فكان مالا بحر عن البدائع: أي ينتفع به لقتال والحمل وينتفع بعظمه. قوله: (والقرد) فيه قولان كما يأتي. قوله: (والسباع) وكذا يجوز بيع لحمها بعد التذكية لاطعام كلب أو سنور، بخلاف لحم الخنزير، لأنه لا يجوز إطعامه. محيط. لكن على أصح التصحيحين من أن الذكاة الشرعية لا تطهر إلا الجلد دون اللحم لا يصح بيع اللحم. شرنبلالية. قوله: (حتى الهرة) لأنها تصطاد الفار والهوام المؤذية فهي منتفع بها. فتح قوله: (وكذا الطيور) أي الجوارح. درر قوله: (علمت أولا) تصريح بما فهم من عبارة محمد في الأصل، وبه صرح في الهداية أيضا، لكن في البحر عن المبسوط أنه لا يجوز بيع الكلب العقور الذي لا يقبل التعليم في الصحيح من المذهب، وهكذا نقول في الأسد إن كان يقبل التعليم ويصطاد به يجوز بيعه، وإلا فلا، والفهد والبازي يقبلان التعليم فيجوز بيعهما على كل حال ا ه. قال في الفتح: فعلى هذا لا يجوز بيع النمر بحال، لأنه لشراسته لا يقبل التعليم، وفي بيع القرد روايتان ا ه. وجه رواية الجواز وهو الأصح. زيلعي. أنه يمكن الانتفاع بجلده، وهو وجه ما في المتن أيضا، وصحح في البدائع عدم الجواز لأنه لا يشترى للانتفاع بجلده عادة بل للتلهي به وهو حرام ا ه بحر. قلت: وظاهره أنه لولا قصد التلهي به لجاز بيعه، ثم إنه يرد عليه ما ذكره الشارح عن شرح الوهبانية من أن هذا لا يقتضي عدم صحة البيع بل كراهته. الحاصل: أن المتون على جواز بيع ما سوى الخنزير مطلقا، وصحح السرخسي التقييد بالمعلم
356 منها. قوله: (لا ينبغي اتخاذ كلب الخ) الأحسن عبارة الفتح، وأما اقتناؤه للصيد وحراسة الماشية والبيوت والزرع فيجوز بالاجماع، لكن لا ينبغي أن يتخذه في داره إلا إن خاف لصوصا أو أعداء للحديث الصحيح من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان. قوله: (خرء حمام كثير) لعل المراد به ما تبلغ قيمته فلسا فإنه أقل قيمة المبيع ط. ومثل الحمام بقية الطيور المأكولة لطهارة خرئها، وتقدم في البيع الفاسد جواز بيع سرقين وبعر ولو خالصين والانتفاع به والوقود به، وبيع رجيع الآدمي لو مخلوطا بتراب. قوله: (لا يجوز) أي إذا لم تبلغ قيمتها فلسا. قوله: (والقنافذ) جميع قنفذ بضم الفاء وتفتح مصباح. وذكره في القاموس في الدال المهملة والذال المعجمة. قوله: (والوزغ) هو سام أبرص. قوله: (وكل ما فيه) أي في البحر. قوله: (سوى سمك) عبارة البحر عن البدائع إلا السمك وما جاز الانتفاع بجلده أو عظمه ا ه. قوله: (بيع ما له ثمن) في الشرنبلالية عن المحيط: يجوز بيع العلق في الصحيح لتمول الناس واحتياجهم إليه لمعالجة مص الدم من الجسد ا ه. قلت: وعليه فيجوز بيع دودة القرمز، لأنها من أعز الأموال وأنفسها في زماننا وينتفع بها، خلافا لمن أفتى بأنه لا يجوز بيعها ولا يضمن متلفها كما حررناه في البيع الفاسد. قوله: (كسقنقور) حيوان مستقل، وقيل بيض التماسيح إذا فسد ويكبر طول ذراعين على أنحاء السمكة، وتمامه في تذكرة الشيخ داود. قوله: (وجلود خز) الخز اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها. مصباح. قوله: (لو حيا) عبارة البحار عن القنية: قيل يجوز حيا لا ميتا الخ. مطلب في التداوي بالمحرم قوله: (ورده في البدائع الخ) قدمنا في البيع الفاسد عند قوله: ولبن امرأة أن صاحب الخانية والنهاية اختارا جوازه إن علم أن فيه شفاء ولم يجد دواء غيره. قال في النهاية وفي التهذيب: يجوز للعليل شرب البول والدم والميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن فيه شفاءه ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه، وإن قال الطبيب يتعجل شفاؤك به فيه وجهان. وهل يجوز شرب العليل من الخمر للتداوي؟ فيه وجهان، كذا ذكره الامام التمرتاشي، وكذا في الذخيرة. وما قيل إن الاستشفاء بالحرام حرام غير مجرى على إطلاقه، وأن الاستشفاء بالحرام إنما لا يجوز إذا لم يعلم أن فيه شفاء، أما إذا علم وليس له دواء غيره يجوز. ومعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: لم يجعل شفاؤكم فيما حرم عليكم، يحتمل أن يكون قال ذلك في داء عرف له دواء غير المحرم، لأنه حينئذ يستغني بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال: تنكشف الحرمة عند الحاجة فلا يكون الشفاء بالحرام وإنما يكون بالحلال ا ه نور العين
357 من آخر الفصل التاسع والأربعين. قوله: (أي متنجس) احترز به عن دهن الميتة والخنزير ا ه ح. قوله: (وينتفع به للاستصباح) عطف علة على معلول ط. لان الانتفاع به علة جواز البيع. قوله: (كما مر) أي في باب الأنجاس، لكن عبارته هناك: ولا يضر أثر دهن إلا دهن ودك ميتة لأنه عين النجاسة، حتى لا يدبغ به جلد بل يستصبح به في غير مسجد ا ه. وقدمنا هناك تأييد ما هنا بالحديث الصحيح، وقدمنا ذلك أيضا في البيع الفاسد. قوله: (غير الخمر والخنزير الخ) فإنا نجيز بيع بعضهم بعضا لخصوص فيه من قول عمر رضي الله تعالى عنه أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج: حضر عمر بن الخطاب واجتمع إليه عماله، فقال: يا هؤلاء إنه بلغني أنكم تأخذون في الجزية الميتة والخنزير والخمر، فقال بلال: أجل إنهم يفعلون ذلك، فقال: فلا تفعلوا، ولكن ولوا أربابها بيعها ثم خذوا الثمن منهم، ولا نجيز فيما بينهم بيع الميتة والدم. فتح. قوله: (وميتة الخ) هذا زاده ابن الكمال وصاحب الدرر استدراكا على الهداية بأن المستثنى غير محصور بالخمر والخنزير، واستدرك أيضا في النهر شراءه عبدا مسلما أو مصحفا. قلت: هذا إنما يظهر أن لو كان التشبيه في قولهم: والذمي كالمسلم الخ من جهة الحل والحرمة، والظاهر أنه من جهة الصحة والفساد، لأن الصحيح (1) من مذهب أصحابنا أن الكفار مخاطبون بشرائع، هي محرمات، فكانت ثابتة في حقهم أيضا، فلو كان التشبيه من جهة الحل والحرمة لم يصح استثناء شئ، فتعين ما قلنا، وحينئذ فلا يدخل الجبر على البيع في التشبيه حتى يصح استثناؤه، ولذا غاير المصنف في التعبير فقال: وصح شراؤه عبدا الخ، ثم هذا على رواية أن بيع ما لم يمت حتف أنفه صحيح بينهم، وفي رواية أنه فاسد، بخلاف ما مات حتف أنفه فإن بيع باطل فيما بيننا وبينهم، كما مر أول البيع الفاسد. مطلب أمرنا بتركهم وما يدينون قوله: (وقد أمرنا بتركهم وما يدينون) كذا في الهداية. وقال: دل عليه قول عمر: ولوهم بيعها وخذوا العشر من أثمانها ا ه. وأشار به إلى أن إعراضنا عنهم ليس لكونها مباحة شرعا في حقهم كما هو قول البعض، بل الحرمة ثابتة في حقهم في الصحيح، لأنهم مخاطبون بها كما قلنا لكنهم لا يمنعون من بيعها، لأنهم لا يعتقدون حرمتها ويتمولونها، وقد أمرنا بتركهم وما يدينون كما في البحر عن البدائع، لكن الأولى الاستدلال بأن هذا مخصوص بالأثر المنقول عن عمر كما مر، وإلا ورد عليه أنه لو اعتقدوا حل ما مات حتف أنفه أن يصح بيعه، مع أنهم لو ارتفعوا إلينا نحكم ببطلانه، وأيضا لو
(1) قوله: (لأن الصحيح الخ) قال في متن المنار والكفار مخاطبون بالامر بالايمان وبالمشروع من العقوبات وبالمعاملات وبالشرائع في حق المؤاخذة في الآخرة بلا خلاف، واما في وجود الأداء في احكام الدنيا فكذلك عند البعض والصحيح انهم لا يخاطبون بأداء ما يحتمل السقوط من العبادات ا ه. قال ابن نجيم في شرحه: كالصلاة والصوم فلا يعاقبون على تركها ثم قال: والراجح ما عليه الأكثر من العلماء على التكليف لموافقته لظاهر النصوص فليكن هو المعتمد ا ه. منه. 358 اعتقدوا حل السلم أو الصرف أو نحوهما بدون شروطه المعتبرة عندنا نحكم بينهم بشرعنا، إلا في الخمر والخنزير فعقدهم عليهما كعقدنا على الشاة والعصير. وفي البحر عن حدود القنية: ويمنع الذمي عما يمنع المسلم، إلا شرب الخمر فإن غنوا وضربوا العيدان منعوا كالمسلمين لأنه لم يستثن عنهم ا ه. قال في النهر: ويرد عليه أنه لا يمنع من لبس الحرير والذهب بخلاف المسلم ا ه. قوله: (ويجبر على بيعه) ولو اشتراه من كافر مثله شراء فاسدا أجبر على رده، لان دفع الفساد واجب حقا للشرع، ثم يجبر البائع على بيعه. بحر. قوله: (أجبر وليه) وينبغي أن عقد الصغير في هذا لا يتوقف على الإجازة. نهر: أي لعدم فائدته، لأنه إذا أجازه وليه أجبر أيضا على بيعه، وقد يقال: إنه قد يسلم قبل إجبار وليه فيبقى على ملكه فكان للإجازة فائدة. قوله: (وكذا لو أسلم عنده) في بعض النسخ عبده بالباء بدل النون، وأفاد أنه لا فرق بين كون العبد مسلما وقت الشراء أو بعده. قوله: (ويتبعه طفلة) أي لو أسلم العبد وله ولد غير بالغ يتبعه في الاسلام والاجبار على بيعه معه. قوله: (فإن عجز) أي المكاتب. قوله: (أجبر) أي الكافر على بيعه، ومفهومه أنه لا يجبر ما دام عقد الكتابة وهو ظاهر، لان المكاتب لا يجوز بيعه. قوله: (من عادته شراء المردان) عبارة النهر عن المحيط: الفاسق المسلم إذا اشترى عبدا أمرد وكان من عادته اتباع المرد أجبر على بيعه دفعا للفساد ا ه. وعن هذا أفتى المولى أبو السعود بأنه لا تسمع دعواه على أمرد، وبه أفتى الخير الرملي والمصنف أيضا. قوله: (يؤمر بإرساله) ولا يصح بيعه، ومر بيان ذلك كله في الحج. قوله: (ولو أسلم مقرض الخمر سقطت) لتعذر قبضها فصار هلاكها مستندا إلى معنى فيها، وفي البيع: لو أسلما أو أحدهما قبل القبض انتقض البيع: أي ثبت حق الفسخ لتعذر القبض بالاسلام فصار كما لو أبق المبيع، وتمامه في البحر. قوله: (فروايتان) أي عن الامام في رواية تسقط، وفي رواية عليه قيمتها، وهو قول محمد لتعذره لمعنى من جهته. بحر. قوله: (التي أنكحها المشتري الخ) أي إذا اشترى أمة وزوجها لرجل قبل قبضها من البائع فوطئها الزوج صار المشتري قابضا قوله: (فصار فعله) أي الزوج كفعله: أي المشتري. قوله: (استحسانا) والقياس أن يكون قبضا لأنه تعييب حكمي، ألا ترى أنه لو وجد المشتراة مزوجة يردها بالعيب، وجه الاستحسان أنه لم يتصل بها فعل حسي من المشتري، والتزويج فعل تعييب حكمي بمعنى تقليل الرغبات فيها كنقصان السعر، وتمامه في النهر. قوله: (فلو انتقض البيع) أي بنحو خيار عيب أو فساد. قوله: (بطل النكاح) لان البيع متى انتقض قبل القبض انتقض من الأصل فصار كأن لم يكن فكان النكاح باطلا. بحر. قوله: (وقيده الكمال) لم يقيده الكمال من عنده بل قال: وقيد القاضي الإمام أبو بكر بطلان النكاح الخ، فلو قال الشارح: وقيده القاضي أبو بكر لكان أصوب،
359 ولسلم عزوه في آخر العبارة إلى الفتح من الاستدراك. قوله: (بطلانه) أي البيع. قوله: (فيلزمه المهر للمشتري فتح) لم أجد هذه العبارة في الفتح بل ذكرها في النهر، ونقل محشي مسكين عن شيخه أنه لم يجدها في النهاية ولا في العناية والبحر، ونقل عن الشيخ شاهين أنه وجدها في المعراج، ثم استشكلها بأنه كيف تكون هالكة من مال البائع ويكون المهر للمشتري فهو مخالف لقولهم: الغرم بالغنم ا ه. قلت: عدم بطلان النكاح دليل على أن بطلان البيع مقتصر على وقت الموت فلم يصر العقد كأن لم يكن، فيظهر أن النكاح كان على ملك المشتري فيستحق المهر. تأمل. وانظر في قدمناه في البيع الفاسد قبيل قوله: ولا يبطل حق الفسخ بموت أحدهما. قوله: (إذ العقار لا يبيعه القاضي) في بعض النسخ لا يبيعه إلا القاضي بزيادة إلا والصواب الأول، وهو الموجود في النهر، وكذا في البحر عن النهاية وجامع الفصولين. وعبارة جامع الفصولين: جاز للقاضي بيع المبيع وإبقاء الثمن لو كان منقولا لا لو عقارا ا ه. قوله: (قبل القبض) فلو غاب بعده لا يبيعه القاضي لأنه حقه غير متعلق بماليته بل بذمة المشتري، وقيده في جامع الفصولين بما إذا لم يخف عليه التلف، فإن خيف جاز له البيع حيث قال: للقاضي إيداع مال غائب ومفقود، وله إقراضه وبيع منقوله إذا خيف تلفه ولم يعلم مكان الغائب لا لو علم ا ه. وينبغي أن يقال: إن خوف التلف محوز للبيع، علم مكانه أو لا، وقدمنا نحوه في خيار الشرط فارجع إليه. نهر. قوله: (غيبة معروفة) بأن كانت البلدة التي خرج إليها معروفة وإن بعدت. نهر. قوله: (فأقام بائعه بينة الخ) ليست البينة هنا للقضاء على الغائب، بل لنفي التهمة وانكشاف الحال كما في الزيلعي، فلا يحتاج إلى خصم حاضر، لان العبد في يده وقد أقر به للغائب على وجه يكون مشغولا بحقه. بحر. قال في جامع الفصولين: الخصم شرط لقبول البينة لو أراد المدعي أن يأخذ من يد الخصم الغائب شيئا، أما إذا أراد أن يأخذ حقه من مال كان للغائب في يده فلا يشترط ولا يحتاج لوكيل كهذه المسألة، وكذا لو استأجر إبلا إلى مكة ذاهبا أو جائيا ودفع الكراء ومات رب الدابة في الذهاب فانفسخت الإجارة فله أن يركبها ولا يضمن، وعليه أجرتها إلى مكة، فإذا أتاها ورفع الامر إلى القاضي فرأى بيعها ودفع بعض الاجر إلى المستأجر جاز، وعلى هذا لو رهن المديون وغاب غيبة منقطعة فرفع المرتهن الامر إلى القاضي ليبيع الرهن ينبغي أن يجوز كما في هاتين المسألتين ا ه. وأقره في البحر قوله: (إنه باعه منه) وأنه لم ينقد إليه الثمن. نهر وفتح. مطلب للقاضي إيداع مال غائب وإقراضه وبيع منقوله الخ قوله: (باعه القاضي أو مأموره) ولو أذن له بأن يؤجر الدابة ويعلفها من أجرها جاز كما في جامع الفصولين، وظاهر كلامهم أن البائع لا يملك البيع بلا إذن القاضي فإن باع كان فضوليا، وإن سلم كان متعديا والمشتري منه غاصب. بحر. قلت: وفي الولوالجية: اشترى لحما فذهب ليجئ بالثمن فأبطأ فخاف البائع أن يفسد يسع
360 البائع بيعه، لان المشتري يكون راضيا بالانفساخ، فإن باع بزيادة تصدق بها أو بنقصان وضع على المشتري وهذا نوع استحسان ا ه. وبه علم أن ما يسرع فساده لا يتوقف على القاضي لرضاه بالانفساخ، بخلاف غيره فإن القاضي يبيعه على ملك المشتري، ولذا كان الفضل له والنقص عليه. قوله: (نظرا للغائب) أي وللبائع، لان البائع يصل به إلى حقه ويبرأ عن ضمانه، والمشتري أيضا تبرأ ذمته من دينه ومن تراكم نفقته. بحر. فرع: في جامع الفصولين: سئل نجم الدين عمن وهبه أمير أمة فأخبرته أنها لتاجر قتل فأخذت وتداولتها الأيدي حتى وصلت إليه ولا يجد وارث القتيل ويعلم أنه لو خلاها ضاعت ولو أمسكها يخاف الفتنة. فأجاب: للقاضي بيعها من ذي اليد، فلو ظهر المالك كان له على ذي اليد ثمنها. قوله: (وإن اشترى اثنان شيئا) أي اشتريا عبدا صفقة واحدة كما عبر في الجامع الصغير لقاضيخان. قوله: (وغاب واحد منهما) أي بحيث لم يدر مكانه نهر. وقيد به لأنه لو كان حاضرا يكون متبرعا بالاجماع، لأنه لا يكون مضطرا في إيفاء الكل، إذ يمكنه أن يخاصمه إلى القاضي في أن ينقد حصته ليقبض نصيبه. فتح. قوله: (ويجيز الخ) الظاهر أن هذا لو المبيع غير مثلي، أما المثلي كالبر ونحوه مما يمكن قسمته فلا جبر على دفع الكل، ولذا صوروا المسألة بالعبد كما ذكرنا. تأمل. قوله: (وله) أي للحاضر قبضه: أي قبض كل المبيع. قوله: (حتى ينقد شريكه الثمن) أي ثمن حصته إذا كان الثمن حالا. وفي ط عن الواني: النقد في الأصل تمييز الجيد من الردئ من نحو الدارهم ثم استعمل في معنى الأداء. قوله: (بخلاف أحد المستأجرين) لو غاب قبل نقد الأجرة فنقد الحاضر جميعها كان متبرعا لأنه غير مضطر، إذ ليس للمؤجر حبس الدار الاستيفاء الأجرة. ذكره التمرتاشي. نهر. وهذه الأحكام المذكورة من دفع الثمن وجبر البائع ودفع الكل والقبض والحبس مذهبهما، وخالف أبو يوسف في جميعها ط. مطلب في العلو إذا سقط قوله: (فكان مضطرا) فصار كمعير الرهن إذا أفلس الراهن وهو المستعير أو غاب، فإن المعير إذا افتكه يدفع الدين يرجع على الراهن لأنه مضطر فيه، وكصاحب العلو إذا سقط بسقوط السفل كان له أن يبني السفل إذا لم يبنه مالكه بغير أمره ليتوصل به إلى بناء علوه ثم يرجع عليه ولا يمكنه من دخوله ما لم يعطه ما صرفه. وتمامه في الفتح. قوله: (اللهم الخ) بحث لصاحب النهر. قوله: (لعدم الأولوية) لأنه أضاف المثقال إليهما على السواء فيجب من كل واحد منهما نصفه، ويشترط بيان الصفة من الجودة وغيرها، بخلاف ما إذا قال بألف من الدراهم والدنانير حيث لا يشترط بيان الصفة
361 وينصرف إلى الجياد. نهر. قوله: (وانصرف للوزن المعهود الخ) فإن المعهود وزن الذهب بالمثاقيل ووزن الفضة بالدراهم، فهو كما لو قال بألف من الدراهم والدنانير. قوله: (وهذه قاعدة الخ) الإشارة إلى ما ذكره المصنف: أي إن قوله: باع بألف مثقال الخ ليس البيع قيدا في ذلك وكذا الموزون، بل مثله المكيل ونحوه كما لو أقر له برطل من سمن وعسل وزيت أو بمائة من بيض وجوز وتفاح أو بمائة ذراع من كتان وإبريسم وخز يلزمه من كل ثلث. قوله: (وزن سبعة) أي العشرة من الدراهم وزن سبعة مثاقيل كل درهم أربعة عشر قيراطا ا ه ط. مطلب فيما ينصرف إليه اسم الدرهم قوله: (وأفاد الكمال الخ) اعلم أنه وقع اشتباه في موضعين بالنظر إلى العرف الحادث: الأول فيما ينصرف إليه اسم الدرهم، والثاني في قيمته. فذكر في الفتح أن انصراف الدراهم إلى وزن سبعة إذا كان متعارفا في بلد العقد. وأما في عرف مصر فلفظ الدرهم ينصرف الآن إلى زنة أربعة دراهم بوزن سبعة من الفلوس، إلا أن يعقد بالفضة فينصرف إلى درهم بوزن سبعة. وأخذ منه في البحر أن الواقف بمصر لو شرط دراهم للمستحق ولم يقيدها ينصرف إلى الفلوس النحاس، وإن قيدها بالنقرة ينصرف إلى الفضة. واعترضه في النهر بأن ما في الفتح حكاية عما في زمنه، ولا يلزم منه كون كل زمن كذلك، فالذي ينبغي أن لا يعدل عنه اعتبار زمن الواقف إن عرف، وإلا صرف إلى الفضة لأنه الأصل ا ه. الموضع الثاني: قال في النهر: وأما قيمة كل درهم منها، فقال في البحر بعدما أعاد المسألة في الصرف قد وقع الاشتباه في أنها خالصة أو مغشوشة، وكنت قد استفتيت بعض المالكية عنها: يعني به علامة عصره ناصر الدين اللقاني، فأفتى أنه سمع ممن يوثق به أن الدرهم منها يساوي نصفا وثلاثة من الفلوس، قال: فليعول على ذلك ما لم يوجد خلافه ا ه. وقد اعتبر ذلك في زماننا، لان الأدنى متيقن به وما زاد عليه فهو مشكوك فيه، ولكن الأوفق بفروع مذهبنا وجوب درهم وسط لما في جامع الفصولين من دعوى النقرة: لو تزوجها على مائة درهم نقرة ولم يصفها صح العقد، ولو ادعت مائة درهم مهرا وجب لها مائة وسط ا ه. فينبغي أن يعول عليه ا ه. ورأيت في فتاوى بعض الشافعية أن قيمته باعتبار المعاملة نصف وثلث، وأنت قد علمت أن القيمة تختلف باختلاف الأزمان، ولا شك في اختلاف أزمنة الواقفين فينبغي اعتبار زمن الواقف، والله تعالى الموفق ا ه. قلت: وفي زماننا وقبله بمدة مديدة ترك الناس التعامل بلفظ الدرهم، وإنما يذكرون لفظ
362 القرش وهو اسم لأربعين نصف فضة، وهذا يختلف باختلاف الزمان، فينظر إلى قرش زمن الواقف أيضا. قوله: (فقيمة درهمها نصفان) هذا ذكره في النهر بعدما حرر المقام، والظاهر أن مراده أن ذلك كان في زمن الواقف فلا ينافي ما حرره قبله. قوله: (أن النقرة تطلق الخ) إطلاقها على الفلوس عرف حادث. ففي المغرب النقرة: القطعة المذابة من الذهب أو الفضة. قوله: (فلا بد من مرجح) وذلك كأن يعلم ما كانت تطلق عليه في زمن الواقف أو يكون قيدها بشئ، فافهم. قوله: (الاستيمارات القديمة) أي التصرفات أو العطايا أو الدفاتر أو نحوها، مأخوذة من استمر الشئ: إذا دام، والمراد أنه ينظر إلى ما جرى عليه التعامل من قديم الزمان فيتبع. قوله: (ولو قبض زيفا) أي رديئا، وهو من الوصف بالمصدر، لأنه يقال: زافت الدراهم تزيف زيفا من باب سار: أي ردأت، ثم وصف به فقيل درهم زيف ودراهم زيوف كفلس وفلوس، وربما قيل زائف على الأصل كما في المصباح. مطلب في النبهرجة والزيوف والستوقة وفي التتارخانية: الدراهم أنواع أربعة: جياد، ونبهرجة، وزيوف، وستوقة. واختلفوا في تفسير النبهرجة، قيل هي التي تضرب في غير دار السلطان، والزيوف: هي المغشوشة. والستوقة: صفر مموه بالفضة. وقال عامة المشايخ: الجياد فضة خالصة تروج في التجارات وتوضع في بيت المال. والزيوف ما زيفه بيت المال: أي يرده، ولكن تأخذه التجار في التجارات لا بأس بالشراء بها، ولكن يبين للبائع أنها زيوف. والنبهرجة: ما يرده التجار. والستوقة: أن يكون الطاق الاعلى فضة والأسفل كذلك وبينهما صفر، وليس لها حكم الدراهم ا ه. وقال في أنفع الوسائل: وحاصل ما قالوه أن الزيوف أجود وبعده النبهرجة وبعدهما الستوقة، وهي بمنزلة الزغل التي نحاسها أكثر من فضتها. قوله: (كان قضاء اتفاقا) لأنه صار راضيا بترك حقه في الجودة، وقيد بقوله وأنفقه لأنه لو عرضه على البيع ولم ينفقه له رده كما سيذكره الشارح آخر الفروع. قوله: (ونفق) أي هلك، يقال: نفقت الدابة نفوقا من باب قعد: هلكت. مصباح. قوله: (استحسانا) وقولهما قياس كما ذكره فخر الاسلام وغيره، وظاهره ترجيح قول أبي يوسف. بحر. قوله: (ولو فرخ طير) يقال فرخ بالتشديد وأفرخ: صار ذا أفراخ، وأفرخت البيضة: انفلقت عن الفرخ فخرج منها. مصباح. قوله: (أو تكسر) وقع في الكنز تكنس. وفي المغرب: كنس الظبي دخل في الكناس كنوسا من باب طلب وتكنس مثله، ومنه الصيد: إذا تكنس في أرض رجل: أي استتر،
363 ويروى تكسر وانكسر ا ه. وفي الفتح: وفي بعض النسخ تكسر: أي وقع فيها فتكسر احترازا عما لو كسره رجل فيها. بحر. وقوله من باب طلب صوابه من باب جلس. رملي، وقوله احترازا الخ، إنما يتم إذا لم يكن تكسر للمطاوعة وإلا فهو من فعل غيره، يقال كسره بالتشديد فتكسر وكسره بالتخفيف فانكسر: أي قبل ذلك. تأمل. قوله: (إلا إذا هيأ أرضه لذلك الخ) أي بأن حفر فيها بئرا ليسقط فيها أو أعد مكانا للفراخ ليأخذها. فتح. لان الحكم لا يضاف إلى السبب الصالح إلا بالقصد. بحر. قوله: (أو كان صاحب الأرض قريبا الخ) ظاهره أن سبب الملك أحد شيئين: إما التهيئة، أو القرب، ومقتضاه أنه لو خرج الصيد من أرضه المهيأة قبل قربه منه يبقى على ملكه فليس لغيره أخذه، لكن يشكل عليه ما في الذخيرة عن المنتقى حيث قال: نصب حبالة فوقع فيها صيد فاضطرب وانفلت فأخذه غيره فهو له، فلو جاء صاحب الحبالة ليأخذه فلما دنا منه بحيث يقدر عليه انفلت فأخذه غيره فهو لصاحب الحبالة: والفرق أن صاحب الحبالة فيهما وإن صار آخذا له إلا أنه في الأول بطل الاخذ قبل تأكده، وفي الثاني بعد تأكده، وكذا صيد البازي، والكلب إذا انفلت فهو على هذا التفصيل ا ه. أفاده ط. قوله: (فلو أخذه غيره لم يملكه) استدل عليه في النهر بعبارة المنتقى المذكورة. قوله: (مثل ما مر) بدل من قوله وكذا أو عطف بيان أفاد به أن الإشارة إلى ما ذكر في أول المسألة من أنه لآخذه. قوله: (أو دخل دار رجل) وكذا لو دخل بيته وأغلق عليه الباب ولم يعلم به لم يصر آخذا مالكا له، حتى لو خرج بعد ذلك فأخذه غيره ملكه. وعن أبي يوسف: لو اصطاده في دار رجل من الهواء أو على الشجر ملكه، لان حصوله على حائط رجل أو شجرته ليس بإحراز، فإن قال رب الدار كنت اصطدته قبلك: فإن كان أخذه من الهواء فهو له لأنه لا يد لرب الدار على الهواء، وإن أخذه من حائطه أو شجره فالقول لرب الدار لاخذه من محل هو في يده، وإن اختلفا في أخذه من الهواء أو الشجرة فكذلك لأن الظاهر أن ما في داره يكون له. وتمامه في البحر. قوله: (ملكه بهذا الفعل) أي بالاعداد أو الكف، وظاهره أنه بدون ذلك لا يملكه، وإن وقع قريبا منه بحيث تناله يده، والفرق بينه وبين الصيد أن الصيد يملكه بالقرب منه إذا وقع في أرضه ونحوها لا مطلقا، وإلا لزم لزم أنه لو قرب من صيد في برية ملكه والنثار يكون في بيت أهل العرس عادة فلا يعتبر فيه مجرد القرب بل لا بد من إعداد الثوب أو كفه. وأيضا لو اعتبر مجرد القرب يؤدي إلى المنازعة بين الحاضرين الذين وقع بينهم إذ كلهم يدعيه. قوله: (ملكه مطلقا) أي وإن لم يعدها لذلك. قوله: (لأنه صار من أنزالها) أي ريعها، فهو بفتح الهمزة جمع نزل. قال في المصباح: نزل الطعام نزلا من باب تعب: كثر ريعه ونماؤه فهو نزل، وطعام كثير النزل بوزن سبب: أي البركة، ومنهم من يقول: كثير النزل بوزن قفل. قوله: (لا يجبر عليه) وكذا لا يجبر على إعطاء الصك القديم كما في الخيرية عن جواهر
364 الفتاوى. قال: نعم لو توقف إحياء الحق على عرضه، كما لو غصب المبيع وامتنعت الشهود من الشهادة حتى يروا خطوطهم يجبر على عرضه، كما أفتى به الفقيه أبو جعفر صيانة لحق المشتري ا ه. قوله: (ولا على الاشهاد والخروج إليه) أي إلى الاشهاد، وهو عطف تفسير على الاشهاد لأنه ليس له الامتناع عن الاشهاد المجرد بقرينة ما بعده. قوله: (فليس له الامتناع عن الاقرار) فإن لم يقر يرفعه إلى الحاكم، فإن أقر بين يديه كتب سجلا وأشهد عليه. ملتقط. قوله: (فغزلته امرأته) أي بإذنه أو بغير إذنه. ملتقط. قوله: (المرأة إذا كفنت) أي كفنت زوجها. وعبارة مجمع الفتاوى وغيرها: أحد الورثة إذا كفن الميت بماله الخ فالمرأة غير قيد، نعم خرج الأجنبي فإنه لا يرجع كما في التتارخانية: أي إلا إذا كان وصيا. قوله: (ولو أكثر لا ترجع بشئ) علله في البزازية بأن اختيار ذلك دليل التبرع، وهذا إذا أنفق الوارث من ماله ليرجع، وسيذكر المصنف في باب الوصي أنه إذا زاد في عدد الكفن ضمن الزيادة، وإن زاد في قيمته ضمن الكل: أي لأنه صار مشتريا لنفسه فيضمن مال الميت، وقد حررت هذه المسألة بما لا مزيد عليه في تنقيح الحامدية من الوصايا. قوله: (قال رحمه الله) الضمير عائد إلى صاحب الملتقط، فإن هذه الفروع كلها من الملتقط كما ذكره الشارح آخرها، والعبارة كذلك مذكورة فيه على عادة المتقدمين في كتبهم، فافهم. قوله: (لا يبعد) لعل وجهه أنه لا يلزم من التكفين بأكثر من كفن المثل اختيار التبرع بالكل بل بالزائد. مطلب إذا اكتسب حراما ثم اشترى على خمسة أوجه قوله: (اكتسب حراما الخ) توضيح المسألة ما في التتارخانية حيث قال: رجل اكتسب مالا من حرام ثم اشترى فهذا على خمسة أوجه: أما إن دفع تلك الدراهم إلى البائع أولا ثم اشترى منه بها أو اشترى قبل الدفع بها ودفعها، أو اشترى قبل الدفع بها ودفع غيرها، أو اشترى مطلقا ودفع تلك الدراهم، أو اشترى بدراهم أخر ودفع تلك الدراهم، قال أبو نصر: يطيب له ولا يجب عليه أن يتصدق إلا في الوجه الأول، وإليه ذهب الفقيه أبو الليث، لكن هذا خلاف ظاهر الرواية، فإنه نص في الجامع الصغير: إذا غصب ألفا فاشترى بها جارية وباعها بألفين تصدق بالربح. وقال الكرخي: في الوجه الأول والثاني لا يطيب، وفي الثلاث الأخيرة يطيب. وقال أبو بكر: لا يطيب في الكل، لكن الفتوى الآن على قول الكرخي دفعا للحرج عن الناس ا ه. وفي الولوالجية وقال بعضهم: لا يطيب في الوجوه كلها وهو المختار، لكن الفتوى اليوم على قول الكرخي دفعا للحرج لكثرة الحرام ا ه. وعلى هذا مشى المصنف في كتاب الغصب تبعا للدرر وغيرها. قوله: (قال الكرخي) صوابه: قال أبو نصر كما رأيته في الملتقط: ولم أر فيه ذكر قول
365 الكرخي أصلا. قوله: (جاز أخذ ربحه) لأن الظاهر أنه اكتسب في الحلال. الولوالجية. وظاهره أنه لا كراهة فيه، وتقدم في شركة المفاوضة أن أبا يوسف أجازها مع اختلاف الملة مع الكراهة، وعلله الزيلعي هناك بأن الكافر لا يهتدي إلى الجائز من العقود. قوله: (لا يجوز لاحد أخذه الخ) ظاهره أنه لا يجوز الاقدام على الاخذ ما لم يسمع المالك. قال: ليأخذه من أراده، وظاهره أنه يملكه بالأخذ إذا قال الملك ذلك، وإلا لا. وتقدم تمام الكلام على هذه المسألة في باب الجناية على الاحرام من كتاب الحج. قوله: (والأب مفسد فاسق) احتراز عما إذا كان محمودا عند الناس أو مستور الحال فإنه حينئذ يصح بيعه عقار ابنه الصغير كما سيذكره في باب الوصي. قوله: (لم يجز بيعه) نقضه بعد بلوغه هو المختار، إلا إذا كان خيرا بأن باع بضعف القيمة وبيع منقوله يجوز في رواية ويوضع ثمنه في يد عدل، لا في رواية لولا خير بضعف قيمته، وبه يفتى جامع الفصولين. قوله: (على أن لا ترجع عليه) قيد بذلك لما في الأشباه شراء الام لابنها الصغير ما لا يحتاج إليه غير نافذ عليه، إلا إذا اشترت من أبيه أو منه ومن أجنبي كما في الولوالجية. قوله: (جاز وهو كالهبة) قال في الخانية: تكون الام مشترية لنفسها ثم يصير منها هبة لولدها الصغير وصلة، وليس لها أن تمنع الضيعة عن ولدها الصغير ا ه ط. قوله: (رجع بما أدى) مخالف لما صححه في النفقات حيث قال نقلا عن جامع الفصولين: الأسير ومن أخذه السلطان ليصادره، لو قال لرجل خلصني فدفع المأمور مالا فخلصه، قيل يرجع، وقيل لا في الصحيح. به يفتى ا ه. لكن سيأتي في الكفالة قبيل كفالة الرجلين تصحيح الأول، ومثله في البزازية والخانية، وقدمنا في النفقات تأييده، فهما قولان مصححان. ثم رأيت الجزم بالأول في شرح السير الكبير، ولم يحك فيه خلافا فكان هو المذهب، فافهم. قوله: (ولو قال بألف الخ) عبارة الملتقط: وقال شداد: إذا قال الأسير الحر اشترني بألف درهم فاشتراه بأكثر منه جاز وعليه قدر الألف، ولا يلزمه الفضل لأنه تخليص لا شراء، بخلاف الوكيل بالشراء ا ه. قلت: بيانه أن الوكيل بالشراء لو شرى بأكثر مما عينه الوكيل وقع الشراء له، ولا يلزم الموكل شئ من الثمن، لأن الشراء متى وجد نفاذا على المشتري لزم فيلزمه جميع الثمن ولا يلزم الآمر شئ، وهنا لزم الآمر قدر ما عينه لأنه هنا تخليص لا شراء حقيقة، ووقع في جامع الفصولين خلاف هذا، فإنه قال: أسير أمره أن يفديه بألف ففداه بألفين يرجع بألفين عليه، وليس كوكيل بشراء إذ لا عقد هنا، وإنما أمره أن يخلصه فصار كمن أمره أن ينفق عليه ألفا فأنفق عليه ألفين ا ه. أقول: ويظهر لي أن قوله يرجع بألفين سبق قلم، وصوابه بألف بدليل التعليل والتنظير، فإن المأمور بإنفاق ألف لا شك أنه يرجع بأكثر من ألف، ثم راجعت السير الكبير للسرخسي فرأيت فيه مثل ما قدمناه عن الملتقط وقال: إنما يرجع عليه بالألف خاصة، لان الرجوع بحكم الاستقراض وذلك في الألف خاصة، وهذا بخلاف الشراء الخ، فهذا صريح فيما قلنا والله الحمد. فافهم.
366 مطلب دبغ في داره وتأذى الجيران قوله: (وتأذى جيرانه) قال في جامع الفصولين: القياس في جنس هذه المسائل أن من تصرف في خالص ملكه لا يمنع ولو أضر بغيره، لكن ترك القياس في محل يضر بغيره ضررا بينا، قيل وبه أخذ كثير من المشايخ وعليه الفتوى ا ه. وفيه: أراد أن يبني في داره تنورا للخبز دائما أو رحى للطحن أو مدقة للقصارين يمنع عنه لتضرر جيرانه ضررا فاحشا. وفيه: لو اتخذ داره حماما ويتأذى الجيران من دخانها فلهم منعه إلا أن يكون دخان الحمام مثل دخان الجيران ا ه. وانظر ما لو كانت دارا قديمة بهذا الوصف، هل للجيران الحادثين أن يغيروا القديم عما كان عليه؟ ط. مطلب الضرر البين يزال ولو قديما قلت: الضرر البين يزال ولو قديما كما أفتى به العلامة المهمنداري، ومثله في حاشية البحر الرملي من كتاب القضاء كما في كتاب الحيطان من الحامدية. قوله: (على أنه لحم غنم) الغنم اسم جنس يطلق على الضأن والمعز. مصباح. والمراد هنا الضأن بحكم العرف. قوله: (له الرد) أي لاختلاف الرغبة وإن كانا في باب الربا جنسا واحدا. تأمل. قال في الملتقط: وكذلك إذا اشترى على أنه لحم موجوءة فوجده لحم فحل. قوله: (قال زن لي الخ) في المجرد عن أبي حنيفة: قال للحام كيف تبيع اللحم؟ فقال كل ثلاثة أرطال بدرهم، فقال أخذت منك زن لي فله أن لا يزن، وإن وزن فلكل واحد منهما أن يرجع، فإن قبض المشتري أو جعل البائع في وعاء المشتري بأمره فقد تم البيع وعليه درهم. قال محمد: قال لقصاب زن لي من هذا اللحم كذا وكذا فوزن فله الخيار، ولو قال زن لي من هذا الجنب كذا بكذا أو قال زن لي ما عندك من اللحم بحساب كذا فوزنه جاز ولا خيار له. وعن أبي يوسف مثله. حاوي الزاهدي. قلت: ولعل وجه قول الإمام: أن هذا بيع بالتعاطي فلا يتم قبل قبض المبيع، وعلى قول محمد: يتم بالوزن إن عين الموضع أو كان العقد على الكل. تأمل. قوله: (لم بخير) لعل وجهه أن الخبز المشترى منه لا يختلف، بخلاف اللحم، فإن لحم الرقبة أو الفخذ أحسن من لحم الخاصرة مثلا فيثبت له الخيار بعد الوزن، إلا إذا شرى الكل أو عين الموضع كهذا الجنب فيتم البيع بالوزن كما علمت. تأمل. مطلب شرى بذر بطيخ فوجده بذر قثاء قوله: (إن قائما رده الخ) أي لاختلاف الجنس فبطل البيع، ولو اختلف النوع لا يرجع بثمنه جامع الفصولين. وفيه: شرى على أنه بذر بطيخ شتوي فزرعه فوجده صيفيا بطل البيع فيأخذ المشتري ثمنه وعليه مثل ذلك البذر ا ه. قلت: ومقتضاه أنه من اختلاف الجنس، كما لو وجده بذر قثاء. والذي يظهر أنه من اختلاف
367 النوع، ويؤيده ما ذكره فيه أيضا: لو شرى بذرا على أنه بذر بطيخ كذا فظهر على صفة أخرى جاز البيع لاتحاد الجنس من حيث إنه بطيخ، واختلاف الصفة لا يفسد العقد ولا يرجع بنقص العيب عند أبي حنيفة ا ه: أي لأنه ظهر عيبه بعد استهلاكه. وذكر فيه قوله: شرى برا على أنه ربيعي فزرعه فظهر أنه خريفي، اختار المشايخ أنه يرجع بنقص العيب، وهو قولهما بناء على ما إذا شرى طعاما فأكله فظهر عيبه، وقد مر أن الفتوى على قولهما ا ه. والحاصل أنه إذا ظهر خلاف الجنس كبذر البطيخ وبذر القثاء بطل البيع فيرده لو قائما ويرد مثله لو هالكا ويرجع بالثمن، ولو ظهر خلاف الوصف كالربيعي والخريفي صح البيع فيرده لو قائما، ولا يرجع بشئ لو هالكا عند الامام. وعندهما: يرجع بنقصانه، وبه يفتى. بقي ما لو زرعه فلم ينبت، ففي الخيرية: ليس له الرجوع بالثمن ولا بالنقص لأنه قد استهلك المبيع، ولا رجوع بعد الاتلاف كما صرح به ظهير الدين في حب القطن، وقيل يرجع بنقصانه إن ثبت عدم نباته لعيب به، وإلا لا بالاتفاق لاحتمال أن عدم نباته لرداءة حرثه أو لجفاف أرضه أو لأمر آخر ا ه. قلت: الظاهر أن ما نقله عن ظهير الدين مبني على قول الإمام، وقوله وقيل يرجع مبني على قولهما المفتى به كما علمت. قوله: (فانكسروا) في بعض النسخ فانكسرت وهي الأولى لان الواو لجماعة العقلاء. قوله: (ضمن الاقداح لا القدح) لان القدح قبضه على سوم الشراء بلا بيان الثمن والاقداح انكسرت بفعله فيضمنها بين الثمن أو لا كما في الخانية. قوله: (بأصلها) هو المدفون في الأرض المسمى شرشا. مطلب شرى شجرة وفي قلعها ضرر قوله: (يقطعه من وجه الأرض) عبارة الملتقط يقطعها وفيه أيضا: إذا اشترى أشجارا من وجه الأرض وفي قطعها بالصيف ضرر فللبائع أن يدفع إليه قيمتها وهي قائمة، إلا أن يتراضيا على تركها إلى وقت لا ضرر في قطعها. وفيه أيضا: ولو باع شجرة، إن بين موضع قطعها من وجه الأرض فعلى ذلك، وإن بين بأصلها فعلى قرارها من الأرض، وإن لم يبين له أن يقطع من أصلها إلا أن تقوم دلالة ا ه. قوله: (فكسرها المشتري) كذا رأيته في الملتقط وكأنه مصور في الصرف، وإلا فالمناسب فكسرها البائع. ورأيت فيه تقييد الزيوف بالنبهرجة، ويدل له ما نقله بعض المحشين عن الخانية لو أن المشتري دفع إلى البائع دراهم صحاحا فكسرها البائع فوجدها نبهرجة كان له أن يردها على المشتري، ولا يضمن بالكسر لان الصحاح والمكسرة فيه سواء ا ه. قوله: (وإن طحنه لا يبيع) أي إلا أن يبين لأنه لا
368 يرى. قوله: (وقال الثاني الخ) وقال أيضا لا بأس أن يشتري بستوقة إذا بين وأرى للسلطان أن يكسرها لعلها تقع في أيدي من لا يبين. وروى بشر في الاملاء عنه: أكره للرجل أن يعطي الزيوف والنبهرجة والستوقة وإن بين ذلك، وتجوز بها عند الاخذ من قبل أن إنفاقها ضرر على العوام، وما كان ضررا عاما فهو مكروه خوفا من الوقوع في أيدي المدلسة على الجاهل به ومن التاجر الذي لا يتحرج ا ه ملخصا من الهندية. قوله: (لا ينفقها حتى يعدها) لاحتمال أن يظهر الدرهم معيبا وقد أنفق الفلوس أو بعضها فيلزم الجهالة في المنفق. والظاهر أن محله إذا أخذها عددا لا وزنا، وهل ذلك يجري في صرف الذهب بالفضة؟ يحرر ط تأمل. قوله: (ثمنه) الضمير راجع للمشتري: أي الثمن الواجب عليه أو للثياب باعتبار كونها مبيعا. قوله: (لجهالة الاجل) لأنه لم يعلم بذلك وقت الدفع. نعم لو قال إلى شهر على أن يؤديه بسمرقند جاز، ويبطل الشرط كما قدمناه أول البيوع. قوله: (فهو فاسد) لان فيه نفعا للبائع ولا يقتضيه العقد. قوله: (من الأكار) أي المزارع. قوله: (يرجع على الدهقان) أي صاحب الأرض. وفي هذه المسألة كلام سيأتي إن شاء الله تعالى قبيل باب كفالة الرجلين. قوله: (إن رضي الأكار جاز) أي إذا دفع صاحب الكرم كرمه إلى أكار مساقاة بالربع مثلا وعمل الأكار حتى صار له حصة في الثمر يتوقف بيع الثمر على رضا الأكار لان له فيه حصة، فإن أجاز البيع يقسم الثمن على قيمة الأرض وقيمة الثمر فيأخذ الأكار قدر حصته من ثمن الثمر، وأما لو دفع أرضه مزارعة على أن يكون البذر من العامل فباع الأرض توقف بيع الأرض على إجازة المزارع لأنه صار بمنزلة مستأجر الأرض كما مر في باب الفضولي، ولا يخفى أن هذه مسألة أخرى، فافهم. قوله: (فقبله ولم ينفقه) الأوضح فعرضه على البيع ولم ينفقه ط. قوله: (بخلاف جارية الخ) الفرق أن المقبوض من الدراهم ليس عين حق القابض بل هو من جنس حقه لو تجوز به جاز وصار عين حقه، فإذا لم يتجوز بقي على ملك الدافع فصح أمر الدافع بالتصرف، فهو في الابتداء تصرف للدافع وفي الانتهاء لنفسه، بخلاف التصرف في العين لأنها ملكه فتصرفه لنفسه فبطل خياره. ط عن البحر. وقدمنا تمام الكلام على هذه
369 المسألة في خيار العيب عند قول المصنف باع ما اشتراه فرد عليه بعيب الخ فراجعه. قوله (قال أبو حنيفة الخ) لا مناسبة لهذه المسألة هنا، وقدمنا الكلام عليها مستوفى في فصل محرمات النكاح، والله سبحانه أعلم. ما يبطل بالشرط الفاسد ولا يصح تعليقه به لم يترجم له بفصل ولا باب لدخوله في بال المتفرقات، وما اسم موصول مبتدأ خبره: قوله البيع الخ وتقدم في باب البيع الفاسد بيان الشرط الفاسد. والتعليق: ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، وتقدم الكلام عليه في كتاب الطلاق، ومثال الشرط الفاسد: بعتك بشرط كذا، ومثال التعليق: بعتك إن رضي فلان. وفي حاشية الأشباه للحموي عن قواعد الزركشي: الفرق بين التعليق والشرط: أن التعليق داخل في أصل الفعل بأن ونحوها، والشرط ما جزم فيه بأصل الفعل، أو يقال: التعليق ترتيب أمر لم يوجد على أمر لم يوجد بأن أو إحدى أخراتها، والشرط: التزام لم يوجد في أمر لم يوجد بصيغة مخصوصة ا ه. قوله: (هاهنا أصلان الخ) الذي تحصل من هذين الأصلين أن ما كان مبادلة مال بمال يفسد بالشرط الفاسد، ويبطل تعليقه أيضا لدخوله في التمليكات لأنها أعم، وما ليس مبادلة مال بمال إن كان من التمليكات أو التقييدات يبطل تعليقه بالشرط فقط وإن لم يكن منهما، فإن كان من الإسقاطات والالتزامات التي يحلف بها يصح تعليقه باللائم، وغيره، وإن كان من الاطلاقات والولايات والتحريضات يصح بالملائم فقط، وبه يظهر أن قول المصنف ولا يصح تعليقه به معطوف على ما يبطل عطف تفسير، فالمراد بالشرط التعليق به. ويحتمل أن يكون قاعدة ثانية معطوفة على الأولى على تقدير ما أخرى: أي وما لا يصح تعليقه به كما في قوله تعالى: * (وما أنزلنا إلينا وما أنزل إليكم) * أي وما أنزل إليكم فيكون ما في المتن قاعدتين الأولى ما يبطل بالشرط، والثانية ما لا يصح تعليقه به، وبدون هذا التقدير يكون قاعدة واحدة أريد بها ما اجتمع فيه الأمران، وذلك خاص بالتمليكات التي هي مبادلة مال بمال فإنها تبطل بالشرط الفاسد ولا يصح تعليقها به، وذلك غير مراد لان المصنف عد من ذلك الرجعة والابراء وعزل الوكيل والاعتكاف والاقرار والوقف والتحكيم، وليس في شئ من ذلك تمليك مال بمال، مع أن السبعة المذكورة لا تبطل بالشرط الفاسد، فتعين أن يكون ما ذكره المصنف قاعدة واحدة هي ما لا يصح تعليقه بالشرط والعطف للتفسير كما قلنا، فإن جميع ما ذكره المصنف يبطل تعليقه بالشرط، أو قاعدتين كما دل عليه ذكر الأصلين المذكورين. وعليه فما ذكره المصنف منه ما هو داخل تحتهما معا، ومنه ما هو داخل تحت الثانية فقط، ويدل عليه أيضا ما في الزيلعي حيث قال بعد ذكر ما لا يبطل بالشرط الفاسد: ثم الشيخ ذكر هنا ما يبطل بالشروط الفاسدة وما لا يبطل بها وما لا يصح تعليقه بالشرط ولم يذكر ما يجوز تعليقه بالشرط الخ. إذا علمت ذلك ظهر لك أن هاهنا أربعة قواعد: الأولى ما يبطل بالشرط الفاسد. الثانية ما
370 لا يصح تعليقه بالشرط وهاتان المذكورتان هنا. والثالثة عكس الأولى وهي ما يأتي في قول المصنف وما لا يبطل بالشرط الفاسد الخ. والرابعة عكس الثانية، وهي المذكورة في قول الشارح وبقي ما يجوز تعليقه الخ. والأولى داخلة تحت الثانية لان كل ما بطل بالشرط الفاسد لا يصح تعليقه به ولا عكس، فالفروع التي ذكرها المصنف كلها داخلة تحت الثانية وبعضها تحت الأولى لخروج الرجعة والابراء ونحوهما كما ذكرناه، وما خرج عنها دخل تحت الثالثة. والرابعة داخلة تحت الثالثة لان كل ما جاز تعليقه لا يبطله الشرط الفاسد ولا عكس كما ستعرفه. ثم اعلم أن قوله: لا يصح تعليقه ليس المراد به بطلان نفس التعليق مع صحة المعلق، لان ما كان من التمليكات يفسد بالتعليق، بل المراد أنه لا يقبل التعليق بمعنى أنه يفسد به، فاغتنم تحرير هذا المقام فإن به يندفع كثير من الأوهام كما يظهر لك في تقدير الكلام. قوله: (وما لا فلا) أي وما لا يكون مبادلة مال بمال بأن كان مبادلة مال بغير مال كالنكاح والطلاق والخلع على مال ونحوها، أو كان من التبرعات كالهبة والوصية لا يفسد بالشرط الفاسد. وقوله: كالقرض هو تبرع ابتداء مبادلة انتهاء فيصلح مثالا للشيئين، وإنما لم يفسد ذلك لان الشروط الفاسدة من باب الربا وهو في المعاوضات المالية لا غير، لان الربا هو الفضل الخالي عن العوض. وحقيقة الشروط الفاسدة كما مر هي زيادة ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه فيكون فيها فضل خال عن العوض وهو الربا، ولا يتصور ذلك في المعاوضات الغير المالية ولا في التبرعات، بل يفسد الشرط ويصح التصرف. وتمامه في الزيلعي. قوله: (من التمليكات) كبيع وإجارة واستئجار وهبة وصدقة ونكاح وإقرار وإبراء كما في جامع الفصولين فهو أعم مما قبله. قوله: (أو التقييدات) كرجعة وكعزل الوكيل وحجر العبد كما في الفصولين، وذلك أن في الوكالة والاذن للعبد إطلاقا عما كانا ممنوعين عنه من التصرف في مال الموكل والمولى، وفي العزل والحجر تقييد لذلك الاطلاق، وكذا في الرجعة تقييد للمرأة عما أطلق لها بالطلاق من حقوق الزوجية. قوله: (يبطل تعليقه بالشرط) أي المحض كما في البحر وغيره، والظاهر أنه احتراز عن التعليق بشرط كائن فإنه تنجيز كما في جامع الفصولين. قال: ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق إن كان السماء فوقنا والأرض تحتنا تطلق للحال، ولو علق البراءة بشرط كائن يصح، ولو قال للخطاب زوجت بنتي من فلان فكذبه فقال إن لم أكن زوجتها منه فقد زوجتها منك فقبل الخاطب وظهر كذب الأب انعقد. قوله: (والأصح) أي أن لا يكن من التمليكات والتقييدات بأن كان من الإسقاطات المحضة أو الالتزامات أو الاطلاقات أو الولايات أو التحريضات صح التعليق. قوله: (لكن في إسقاطات) أي محضة كالطلاق والعتاق. بحر، احترازا عن الابراء فإنه وإن كان إسقاطا لكنه تمليك من وجه كما يأتي فهو من التمليكات. قوله: (يحلف بهما) الضمير المثنى عائد إلى إسقاطات والتزامات، وقوله: كحج وطلاق لف ونشر مشوش، وقوله: مطلقا أي بشرط ملائم، أو غير ملائم، ولم يظهر من كلامه حكم ما لا يحلف به من النوعين ولا أمثلته، ولم أر من ذكر ذلك. ويظهر لي أنه كالتمليكات يبطل تعليقه، وأن من الأول تسليم الشفعة إذا علق بشرط غير كائن فإن فاسد ويبقى على شفعته كما سنوضحه، ومن الثاني ما إذا التزم ما لا يلزمه شرعا، كما لو استأذن جاره لهدم جدار مشترك بينهما فأذن بشرط منع الضرر عنه بنصب خشبات ولم يفعل حتى
371 انهدم منزل الجار لا يضمن، لأنه ليس عليه حفظ دار شريكه كما في الولوالجية ففيه التزام الحفظ، كأنه قال اهدم الجدار بشرط نصب الخشبات فلا يصح. تأمل. قوله: (وفي إطلاقات) كالاذن بالتجارة وولايات كالقضاء والامارة وتحريضات نحو من قتل قتيلا فله سلبه ا ه ح. قوله: (بالملائم) أي يصح تعليقها بالشرط الملائم، وفسره في الخلاصة بما يؤكد موجب العقد ا ه. مثل: إن وصلت إلى بلدة كذا فقد وليتك قضاءها أو إمارتها، أو إن قتلت قتيلا فلك سلبه، بخلاف نحو، إن هبت الريح. قوله: (فالأول الخ) قد علمت أن حاصل الأصلين المذكورين في الشرح أن من المسائل ما يفسد بالشرط الفاسد، وما لا يصح تعليقه بالشرط الفاسد، وما يصح بالشرط وما يصح تعليقه به، فهي أربعة: الفاسد منها قسمان، والصحيح قسمان. فقوله فالأول أربعة عشر أراد به الفاسد منها بقسميه، وهو الذي عبر عنه المصنف بقوله: ما يبطل الشرط الفاسد ولا يصح تعليقه وأما ما يصح فسيذكر المصنف القسم الأول منه بقوله: وما لا يبطل بالشرط الفاسد وذكر الشارح بعده القسم الآخر بقوله: وبقي ما يجوز تعليقه بالشرط كما نبهنا عليه أولا، وحينئذ فلا حاجة إلى أن يراد بالأول الأصل الأول من الأصلين حتى يرد عليه أن الصور التي ذكرها المصنف ليست كلها مبادلة مال بمال بل بعضها، فافهم. قوله: (على ما في الدرر الخ) أي كونها أربعة عشر مبني على ما ذكر في هذه الكتب، وأشار به إلى أنها تزيد على ذلك كما نبه عليه الشارح بعد، ويأتي تمامه. ثم إن المذكور في إجازة الوقاية ما يصح مضافا وهو ما سيأتي آخرا، وليس الكلام فيه كما لا يخفى. قوله: (البيع) صورة البيع بالشرط قوله: بعته بشرط استخدامه شهرا وتعليقه بالشرط كقوله: بعته إن كان زيد حاضرا، وفي إطلاق البطلان على البيع بشرط تسامح لأنه من قبيل الفاسد لا الباطل، وإليه يشير قوله وقد مر في البيع الفاسد. شرنبلالية. قوله: (إن علقه بكلمة إن) إلا في صورة واحدة وهي أن يقول بعت منك هذا إن رضي فلان فإنه يجوز إن وقته بثلاثة أيام، لأنه اشتراط الخيار إلى أجنبي وهو جائز. بحر. لكن فيه أن الكلام في الشرط الفاسد وهذا شرط صحيح. تأمل. قوله: (على ما بينا في البيع الفاسد) أي من أنه إن كان مما يقتضيه العقد أو يلائمه أو فيه أثر أو جرى التعامل به كشرط تسليم المبيع أو الثمن أو التأجيل أو الخيار أو حذاء النعل لا يفسد ويصح الشرط وإن لم يكن كذلك، فإن كان فيه منفعة لأهل الاستحقاق فسد وإلا فلا ا ه. وقول العاقد بشرط كذا بمنزلة على، ولا بد أن لا يقرن الشرط بالواو وإلا جاز ويجعل مشاورة وأن يكون في صلب العقد، حتى لو ألحقاه به لم يلتحق في أصح الروايتين. مكي. وفي الذخيرة: اشترى حطبا في قرية شراء صحيحا وقال موصولا بالشراء من غير شرط في الشراء أحمله إلى منزلي لا يفسد، أو استأجر أرضا للزراعة ثم قال بعد تمامها إن الجرف على المستأجر لا تفسد لأنه كلام مبتدأ ا ه ط. وتقدم آخر باب خيار الشرط أن البيع لا يفسد بالشرط في اثنين وثلاثين موضعا ذكرها في الأشباه وأوضحناها هناك قوله: (والقسمة) من صور فسادها بالشرط: ما إذا اقتسم الشريكان على أن لأحدهما الصامت وللآخر العروض، أو على أن يشتري أحدهما من الآخر داره بألف، أو على شرط هبة أو صدقة، أما لو اقتسما على أن يزيده شيئا معلوما فهو جائز كالبيع، وكذا على أن يرد أحدهما على الآخر دراهم مسماة. بحر عن الولوالجية. وقال أيضا: وصورة تعليقها أن يقتسموا دارا وشرطوا رضا فلان، لان القسمة فيها معنى المبادلة فهي كالبيع. عيني. ومر جواز تعليق
372 البيع برضا فلان على أنه شرط خيار إذا وقته، ولكن في الولوالجية: خيار الشرط والرؤية يثبت في قسمة لا يجبر الآبي عليها وهي قسمة الأجناس المختلفة، لا فيما يجبر عليها كالمثلي من جنس واحد، بحر ملخصا. وحاصله أن تعليق القسمة على رضا فلان غير موقت لا يصح مطلقا، ومؤقتا يصح في الجنس الواحد على أنه خيار شرط لأجنبي كما يصح في البيع، فكلام العيني محمول على غير الموقت أو على الأجناس المختلفة. ثم اعلم أن القسمة التي يجبر الآبي عليها لا تختص بالمثلي، لأنها تكون في العروض المتحد جنسها، إلا الرقيق والجواهر فلا يجبر عليها كقسمة الأجناس بعضها في بعض، وكدور مشتركة أو دار وضيعة فيقسم كل منها وحده لا بعضها في بعض إلا بالتراضي كما سيأتي في بابها. قوله: (أما قسمة القيمي الخ) أفاد أن قسمة المثلي لا تصح بالشرط مطلقا، أما قسمة القيمي فتصح إن علقت بخيار شرط أو رؤية وإلا فلا، لكن علمت أن الافتراق بين الجبر وعدمه لا بين المثلي والقيمي، فافهم. وأيضا فالكلام في الشرط الفاسد كما مر، وشرط الخيار ليس شرطا فاسدا فلا حاجة إلى التنبيه على صحته. تأمل. قوله: (والإجارة) أي كأن آجر داره على أن يقرضه المستأجر أو يهدي إليه أو إن قدم زيد. عيني. ومن ذلك استأجر حانوتا بكذا على أن يعمره ويحسب ما أنفقه من الأجرة فعليه أجر المثل وله ما أنفق وأجر مثل قيامه عليه، وتمامه في البحر، وبه علم أنها تفسد بالشرط الفاسد وبالتعليق لأنها تمليك المنفعة والأجرة. قوله: (فيصح به يفتى) لعل وجهه أنه وقت يجئ لا محالة فلم يكن تعليقا بخطر، أو هو إضافة لا تعلق والإجارة تقبل الإضافة كما سيأتي، وعليه فلا حاجة إلى الاستثناء. قوله: (مع أنه تعليق بعدم التفريغ) ولعل وجه صحته أنه لما كان التفريغ واجبا على الغاصب في الحال فإذا لم يفرغ صار راضيا بالإجارة في الحال كأنه علقه على القبول فقيل. تأمل. قوله: (فقول البكر) الأولى إبدال البكر بالبالغة كما هو في عبارة البزازية. قوله: (وكذا كل ما لا يصح تعليقه بالشرط) وهو التمليكات والتقييدات كما مر، وهذا التعميم أخذه في البحر من إطلاق عبارة الكنز لفظ الإجازة، واستشهد له بما مر عن البزازية، وأقره في النهر. واعترضه الحموي بما في القنية قال باعني فلان عبدك بكذا فقال إن كان كذا فقد أجزته أو فهو جائز جاز إن كان بكذا أو بأكثر من ذلك النوع، ولو أجاز بثمن آخر يبطل ا ه. قلت: قد يجاب بأن هذا تعليق بكائن فلم يكن شرطا محضا، كما لو قال إن لم أكن زوجتها من فلان فقد زوجتها منك كما قدمناه. تأمل. قوله: (فقصرها على البيع قصور) تعريض بما يفيده كلام العيني حيث صور الإجازة بقوله بأن باع فضولي عبده فقال: أجزته بشرط أن تقرضني أو تهدي إلي أو علق إجازته بشرط لأنها بيع معنى ا ه. ومثله قول الدرر: والبيع وإجازته. وقال ح: ينبغي أن يراد بالإجازة إجازة عقد هو مبادلة مال بمال، لان كلامه فيما يبطل بالشرط الفاسد ولا يصح تعليقه
373 بالشرط، وذلك خاص بالمعاوضات المالية، وما ذكره عن البزازية من إجازة النكاح صحيح في نفسه، لكنه لا يلائم المتن، لان إجازة النكاح مثله فلا تبطل بالشرط الفاسد وإن لم يصح تعليقها به ا ه ملخصا. قلت: قد علمت مما قررناه سابقا أن ما ذكره المصنف قاعدتان لا واحدة، والفروع التي ذكرها المصنف بعضها مفرع على القاعدتين وبعضها على واحدة منهما، فمثل إجازة النكاح مفرعة على الثانية فقط، ومثل إجازة البيع مفرعة على كل منهما، وكأن من اقتصر على تصوير الإجازة بالبيع قصد بيان ما تفرع على القاعدتين. فافهم. قوله: (قال شيخنا في بحره) من كلام المصنف في المنح. قوله: (وأطال الكلام الخ) حاصله أن ما ذكره في الكنز لم ينفرد به بل قاله جماعة غيره، ويدل على بطلانه أن المذكور في كافي الحاكم وغيره أن تعليق الرجعة بالشرط باطل، ولم يذكروا أنها تبطل بالشرط الفاسد، وكيف تبطل به مع أن أصلها وهو النكاح لا يبطل به؟ وصرح في البدائع بأنها تصح مع الاكراه والهزل واللعب والخطأ كالنكاح وفي كتب الأصول من بحث الهزل: أن ما يصح مع الهزل لا تبطله الشروط الفاسدة، وما لا يصح معه تبطله ا ه. قلت: وقد مر أيضا في الأصل الأول أن ما ليس مبادلة مال بمال لا يفسد بالشرط الفاسد، ولا يخفى أن الرجعة كذلك، والجواب عما قاله في البحر أنه مبني على أن قولهم ما يبطل بالشرط الفاسد ولا يصح تعليقه به قاعدة واحدة، والفروع المذكورة بعدها مفرعة عليها وذلك غير صحيح، بل هما قاعدتان كما قررناه، والرجعة مفرعة على الثانية منهما فقط فلا بطلان في كلامهم بعد فهم مرامهم، فافهم. قوله: (لكن تعقبه في النهر) حيث قال: وحيث ذكر الثقات بطلانها بالشرط الفاسد لم يبق الشأن إلا في السبب الداعي للتفرقة بينها وبين النكاح، ثم ذكر الفرق المذكور في الشرح. واعترضه ح بأنه لا يلزم من مخالفتها النكاح في أحكام أن تخالفه في هذا الحكم ا ه. قلت: وأيضا فقوله: وتبطل بالشرط هو محل النزاع، فالصواب ذكره بالفاء لا بالواو على أنك قد سمعت الجواب الحاسم لمادة الاشكال. تنبيه: علل في الخلاصة لعدم صحة تعليق الرجعة بالشرط بأنه إنما يحتمل التعليق بالشرط ما يجوز أن يحلف به ولا يحلف بالرجعة ا ه. واعترضه في نور العين بأن عدم التحليف في الرجعة قوم الامام، والمفتى به قولهما أنه يحلف، وعليه فينبغي أن يصح تعليقها بالشرط ا ه. قلت: اشتبه عليه الامر، فإن قول الخلاصة: لا يحلف بالرجعة بتخفيف اللام بمعنى أنه لا يقال إن فعلت كذا فعلي أن أراجع زوجتي كما يقال فعلي حج أو عمرة أو غيرهما مما يحلف به وكأنه ظنه يحلف بتشديد اللام وجعل الباء للسببية: أي إذا أنكر الرجعة لا يحلفه القاضي عليها كبقية المسائل الست التي لا يحلف عليها المنكر عنده، وعندهما يحلف، ولا يخفى أن هذا من بعض الظن فاجتنبه. قوله: (والصلح عن مال بمال) كصالحتك على أن تسكنني في الدار سنة أو إن قدم زيد، لأنه
374 معاوضة مال بمال فيكون بيعا. عيني. وفي صلح الزيلعي: إنما يكون بيعا إذا كان البدل خلاف جنس المدعى به، فلو على جنسه: فإن بأقل منه فهو حط وإبراء، وإن بمثله فقبض واستيفاء، وإن بأكثر فهو فضل وربا. قوله: (وفي النهر الظاهر الاطلاق) أي عدم التقييد بكونه بيعا فيشمل ما إذا كان على جنس المدعى بصوره الثلاث المذكورة آنفا، لكن الأولى منها داخلة في الابراء الآتي، والثالثة فاسدة بدون الشرط والتعليق لكونها ربا، وأما الثانية فيظهر عدم فسادها مطلقا. ويحتمل أن يراد بالاطلاق عدم التقييد بكونه عن إقرار بقرينة التفريع، وما قيل من أن الحق التقييد لان الكلام فيما يبطل بالشرط الفاسد وهو المعاوضات المالية والصلح عن سكوت أو إنكار ليس منها، فجوابه ما علمته من أن المفرع عليه قاعدتان لا واحدة، فما لم يصلح فرعا للأولى يكون فرعا للثاني، ولذا اقتصر الشارح على قوله: ولا يجوز تعليقه فافهم. قوله: (والابراء عن الدين) بأن قال أبرأتك عن ديني على أن تخدمني شهرا أو إن قدم فلان. عيني. وفي العزمية عن إيضاح الكرماني بأن قال أبرأت ذمتك بشرط أن لي الخيار في رد الابراء وتصحيحه في أي وقت شئت، أو قال إن دخلت الدار فقد أبرأتك، أو قال لمديونه أو كفيله إذا أديت إلي كذا أو متى أديت أو إن أديت إلي خمسمائة فأنت برئ عن الباقي فهو باطل ولا إبراء ا ه. وذكر في البحر صحة الابراء عن الكفالة إذا علقه بشرط ملائم كان وافيت به غدا فأنت برئ فوافاه به برئ من المال، وهو قول البعض. وفي الفتح أنه الأوجه لأنه إسقاط لا تمليك. بحر. وسيأتي تمام الكلام عليه في بابها. قوله: (لأنه تمليك من وجه) حتى يرتد بالرد وإن كان فيه معنى الاسقاط فيكون معتبرا بالتمليكات فلا يجوز تعليقه بالشرط. بحر عن العينين. وفي أن الابراء عن الدين ليس من مبادلة المال بالمال فينبغي أن لا يبطل بالشرط الفاسد، وكونه معتبرا بالتمليكات لا يدل إلا على بطلان تعليقه بالشرط ولذلك فرعه عليه، وعلى هذا فينبغي أن يذكر في القسم الآتي، هذا ما ظهر لي فتأمله ح. وهكذا قال في البحر: إن الابراء يصح تقييده بالشرط، وعليه فروع كثيرة مذكورة في آخر كتاب الصلح، وذكر الزيلعي (1) هناك: أن الابراء يصح تقييده لا تعليقه ا ه. وأوضحناه فيما علقناه على البحر، لكن لا بد أن يكون الشرط متعارفا كما يأتي. والحاصل: أن الابراء مفرع على القاعدة الثانية فقط فلذا ذكره هنا، فافهم. ومن فروعه ما في البحر عن المبسوط: لو قال الخصم إن حلفت فأنت برئ فهذا باطل، لأنه تعليق البراءة بخطر وهي لا تحتمل التعليق ا ه. ويصح تفريع الابراء على القاعدة الأولى أيضا إذا كان الشرط غير متعارف، ومنه ما نقلناه عن العزمية، فافهم. قوله: (إلا إذا كان الشرط متعارفا) كما لو أبرأته مطلقته بشرط الامهار فيصح لأنه شرط متعارف، وتعليق الابراء بشرط متعارف جائز، فإن قبل الامهار وهم بأن
(1) قوله: (وذكر الزيلعي الخ) قلت: وحاصل ما ذكره الزيلعي هناك انه لو قال: اد إلي نصف الألف على انك برئ من الفضل ففعل، برئ، ولو قال: ان أو إذا أو متى أديت لا يصح لأنه صريح الشرط. وفي أبرأتك من نصفه على أن تعطيني نصفه غدا يبرأ ان لم يؤده، لان البراءة حصلت بالاطلاق أولا، فلا تتغير بما يوجب الشك آخرا لان كلمة " على " تكون للشرط وللمعاوضة فتحمل على الشرط عنه تعذر المعاوضة والابراء يجوز تقييده بالشرط لا تعليقه، وفي الأولى لم يبرئ أولا، وآخره معلق بشرط فلا يسقط الدين بالشك، لان على تحتمل الشرط فلا يبرأ الا بالأداء وتحتمل العوض فيبرأ مطلقا فلا يبرأ بالشك ا ه. منه. 375 يمهرها فأبت ولم تزوج نفسها منه لا يبرأ لفوات الامهار الصحيح، ولو أبرأته المبتوتة بشرط تجديد النكاح بمهر ومهر مثلها مائة، فلو جدد لها نكاحا بدينار فأبت لا يبرأ بدون الشرط. قالت المسرحة لزوجها: تزوجني فقال هبي لي المهر الذي لك علي فأتزوجك، فأبرأته مطلقا غير معلق بشر التزوج يبرأ إذا تزوجها، وإلا فلا لأنه إبراء معلق دلالة، وقيل لا يبرأ، وإن تزوجها لأنه رشوة. بحر عن القنية. ومنه يعلم أن التعليق يكون بالدلالة، ويتفرع على ذلك مسائل كثرة فليحفظ ذلك. رملي. والمراد بالتعليق المذكور التقييد بالشرط بقرينة الأمثلة المذكورة. قوله: (أو علقه بأمر كائن الخ) منه ما في جامع الفصولين: لو قال لغريمه إن كان لي عليك دين فقد أبرأتك وله عليه دين برئ لأنه علقه بشرط كائن فتنجز ا ه. قوله: (كإن أعطيته شريكي الخ) هذا ذكره في الدرر بألفاظ فارسية، وفسره الواني بذلك: والظاهر أن المراد بالبراءة هنا براءة الاسقاط فيرد عليه ما قبضه شريكه، إلا أن يكون المراد الابراء عن باقي الدين. مطلب قال لمديونه إذا مت فأنت برئ قوله: (وكذا بموته الخ) في الخانية لو قال لمديونه إذا مت فأنت برئ من الدين جاز ويكون وصية، ولو قال: إن مت أي بفتح التاء لا يبرأ وهو مخاطرة، كإن دخلت الدار فأنت برئ لا يبرأ ا ه. وفيها: لو قالت المريضة لزوجها إن مت من مرضي هذا فمهري عليك صدقة أو أنت في حل منه فماتت فيه فمهرها عليه، لأن هذه مخاطرة فلا تصح ا ه. قلت: والفرق بين هذه المسائل مشكل، فإن الموت في الأوليين محقق الوجود، فإن كان المراد بالمخاطرة هو الموت مع بقاء الدين فهو موجود في المسألتين، ولعل الفرق أن تعليقه بموت نفسه أمكن تصحيحه على أنه وصية وتعليق الوصية صحيح كما سيأتي حتى تصح من العبد بقوله إذا عتقت فثلث مالي وصية كما في وصايا الزيلعي، بخلاف تعليقه بموت المديون فإنه لا يمكن جعله وصية فبقي محض إبراء، ولا يعلم أنه هل يبقى الدين إلى موته فكان مخاطرة فلم يصح، وكذلك مسألة المهر فيها مخاطرة من حيث تعليق الابراء على موتها من ذلك المرض فإنه لا يعلم هل يكون أو لا، لكن علمت أن الوصية يصح تعليقها بالشرط، فإن قيد بما ليس فيه مخاطرة يلزم أن لا تصح هذه الوصية لو كان لأجنبي مع أن حقيقة الوصية تمليك مضاف لما بعد الموت ويصح تعليقها بالعتق كما علمت، وإن كانت المخاطرة من حيث إنه لا يعلم تجيز الورثة ذلك أو لا، أو هل يكون أجنبيا عنها وقت الموت حتى تصح الوصية أو لا؟ لم يبق فائدة لقولها من مرضي هذا، ويلزم منه صحة التعليق إذا قالت إن مت بدون قولها من مرضي هذا ويحتاج إلى نقل في المسألة. قوله: (على ما بحثه في النهر) حيث قال بعد مسألة المهر السابقة: وينبغي أنه إن أجازته الورثة يصح لان المانع من صحة الوصية كونه وارثا ا ه. وفيه أن المانع كونه مخاطرة كما صرح به في عبارة الخانية ط. قوله: (وعزل الوكيل) بأن قال له عزلتك على أن تهدي إلي شيئا، أو إن قدم فلانا لأنه ليس مما يحلف به فلا يجوز تعليقه بالشرط عيني. قال في البحر، تعليله يقتضي عدم صحة تعليقه لا كونه يبطل بالشرط. وعندي أن هذا خطأ أيضا، وأنه مما لا يصح تعليقه لا مما يبطل بالشرط ا ه ملخصا. ويدل عليه أن ما يفسد بالشرط الفاسد ما كان مبادلة مال
376 بمال، وهذا ليس منها بل هو من التقييدات كما مر فيبطل تعليقه فيكون مفرعا على القاعدة الثانية فقط فلم يكن ذكره هنا خطأ، فافهم، وقيد بعزل الوكيل لان الوكالة تخالفه حيث يصح تعليقها كما يأتي. قوله: (والاعتكاف) قال في البحر: عندي أن ذكره هنا خطأ لما في القنية، قال: لله علي اعتكاف شهر إن دخلت الدار ثم دخل لزمه عند علمائنا، فإذا صح تعليقه بالشرط لم يبطل بالشرط الفاسد، لما في جامع الفصولين: ما جاز تعليقه بالشرط لم يبطل بالشرط الفاسد. وكيف والاجماع على صحة تعليق المنذور من العبادات أي عبادة كانت، حتى أن الوقف كما يأتي لا يصح تعليقه بالشرط، ولو علق النذر به بشرط صح التعليق. وفي الخانية. الاعتكاف سنة مشروعة يجب بالنذر والتعليق بالشرط والشروع فيه. ثم قال: وأجمعوا أن النذر لو كان معلقا بأن قال إن قدم غائبي أو شفى الله مريضي فلانا فلله علي أن اعتكف شهرا فعجل شهرا قبل ذلك لم يجز، فهذه العبارة دالة على صحة تعليقه بالاجماع، وهذا الموضع الثالث مما أخطؤوا فيه، والخطأ هنا أقبح لكثرة الصرائح بصحة تعليقه، وأنا متعجب لكونهم تداولوا هذه العبارات متونا وشروحا وفتاوى، وقد يقع كثيرا أن مؤلفا يذكر شيئا خطأ فينقلونه بلا تنبيه فيكثر الناقلون وأصله لواحد مخطئ ا ه. وتمامه فيه. وأجاب العلامة المقدسي بأن المراد أن نفس الاعتكاف لا يعلق بالشرط لأنه ليس مما يحلف به. قال في النهر: وهو مردود بما في هبة النهاية جملة ما لا يصح تعليقه بالشرط الفاسد ثلاثة عشر، وعد منها تعليق إيجاب الاعتكاف بالشرط ويمكن أن يجاب عنه بأن معناه ما إذا قال أوجبت علي الاعتكاف إن قدم زيد، لكنه خلاف الظاهر فتدبره ا ه. ثم قال: والحق أن كلامهم هنا محمول على رواية في الاعتكاف وإن كانت الأخرى هي التي عليها الأكثر ا ه. قلت: وفيه نظر، لما علمت من أن ما هنا مذكور في المتون والشروح والفتاوى، بل الصواب في الجواب أنه إذا كان كلامهم فيما لا يصح تعليقه بالشرط الفاسد علم أن مرادهم أنه لا يصح تعليق الاعتكاف بالشرط الفاسد لا بمطلق شرط، وإذا أجمعوا على أن تعليق الاعتكاف بشرط ملائم كإن شفى الله مريضي صحيح كيف يصح حمل كلامهم هنا على ما يناقضه ثم يعترض عليهم بأنهم أخطؤوا وتداولوا الخطأ حتى لا يبقى لاحد ثقة بكلامهم الذي يتوافقون عليه، مع أنا نرد على من خرج عن كلامهم بما يتداولونه فإنهم قدوتنا وعمدتنا شكر الله سعيهم، بل الواجب حمل كلامهم على وفق مرامهم، وذلك كما مثل به في الحواشي العزمية بقوله: فساد الاعتكاف بالشرط، بأن قال من عليه اعتكاف أيام نويت أن أعتكف عشرة أيام لأجله بشرط أن لا أصوم أو أباشر امرأتي في الاعتكاف أو أن أخرج عنه في أي وقت شئت بحاجة أو بغير حاجة يكون الاعتكاف فاسدا، وتعليقه بالشرط بأن يقول نويت أن أعتكف عشرة أيام إن شاء الله تعالى ا ه. لكن هذا تصوير لنفس الاعتكاف لا لإيجابه فيصور إيجابه بأن يقول لله علي أن أعتكف شهرا بشرط أن لا أصوم الخ، أو إن رضي زيد. وقد يقال: إن الشروع فيه موجب أيضا، فإذا شرع فيه بالنية على هذا الشرط الفاسد لم يصح إيجابه، فافهم، والحمد لله على ما ألهم. قوله: (فإنهما ليسا مما يحلف به) هذا صحيح في عزل الوكيل، أما الاعتكاف فيحلف به بالاجماع كما علمت. أفاده ح. قوله: (والصحيح إلحاق الاعتكاف بالنذر) أي في صحة تعليقه بالشرط، وهذا التصحيح مأخوذ من قول النهر: وإن كانت الأخرى هي التي عليها الأكثر، فهو ضعيف للرواية التي مشى عليها أصحاب المتون والشروح، وقد علمت الجواب
377 الصواب. قوله: (لأنهما إجارة) فيكونان معاوضة مال بمال فيفسدان بالشرط الفاسد، ولا يجوز تعليقهما بالشرط، كما لو قال زارعتك أرضي أو ساقيتك كرمي على أن تقرضني ألفا أو إن قدم زيد، وتمامه في البحر. قال الرملي: وبه يعلم فساد ما يقع في بلادنا من المزارعة بشرط مؤنة العامل على رب الأرض سواء كانت من الدراهم أو من الطعام. قوله: (والاقرار) بأن قال لفلان علي كذا إن أقرضني كذا أو إن قدم فلان لأنه ليس مما يحلف به فلا يصح تعليقه بالشرط. عيني. وفي المبسوط: ادعى عليه مالا فقال إن لم آتك به غدا فهو علي لم يلزمه إن لم يأت به غدا، لأنه تعليق الاقرار بالخطر. وفيه لفلان علي ألف درهم إن حلف أو على أن يحلف فحلف فلان وجحد المقر لم يؤخذ به لأنه علق الاقرار بشرط فيه خطر، والتعليق بالشرط يخرجه من أن يكون إقرارا ا ه. بحر وظاهره أن قوله على أن يحلف تعليق لا شرط، لكن قد يطلق التعليق على التقييد بالشرط. وذكر في البحر أن ظاهر الاطلاق دخول الاقرار بالطلاق، والعتق، مثل إن دخلت الدار فأنا مقر بطلاقها أو بعتقه فلا يقع، بخلاف تعليق الانشاء، ويدل على الفرق بينهما أنه لو أكره على الانشاء به وقع أو على الاقرار به لم يقع. هذا. وقد حكى الزيلعي في كتاب الاقرار خلافا في أن الاقرار المعلق باطل أولا. ونقل عن المبسوط ما يشهد لصحته فظاهره تصحيحه. والحق تضعيفه لتصريحهم هنا بأنه لا يصح تعليقه بالشرط وأنه يبطل بالشرط الفاسد ا ه ملخصا. واعترضه في النهر بأنه حيث اعتمد على كلامهم هنا كان عليه التزامه في عزل الوكيل والاعتكاف. قلت: إنما لم يلتزمه فيهما بناء على ما فهمه من مخالفته لكلامهم، ولا يلزم اطراده في باقي المسائل. نعم في كون الاقرار مما يبطل بالشرط نظر لأنه ليس من المعاوضات المالية، ولم أر من صرح ببطلانه به، ولا يلزم من ذكره هنا بطلانه لما علمته مما مر مرارا أن ما ذكره المصنف من الفروع بعضه مما يبطل بالشرط وبعضه مما لا يبطل، فلا بد من نقل صريح، ولا سيما وقد اقتصر الزيلعي وغيره على ذكر أنه لا يصح تعليقه بالشرط، فليراجع. قوله: (إلا إذا علقه بمجئ الغد) كقوله علي ألف إذا جاء غد أو رأس الشهر أو أفطر الناس، لان هذا ليس بتعليق بل هو دعوى الاجل إلى الوقت المذكور فيقبل إقراره، ودعواه الاجل لا تقبل إلا بحجة. زيلعي من كتاب الاقرار. قوله: (أو بموته) مثل: له علي ألف إن مت فهو عليه مات أو عاش لأنه ليس بتعليق لان موته كائن لا محالة، بل مراده الاشهاد عليه ليشهدوا به بعد موته إذا جحدت الورثة فهو تأكيد للاقرار. زيلعي. قوله: (والوقف) لأنه ليس مما يحلف به، فلو قال إن قدم ولدي فداري صدقة موقوفة على المساكين فجاء ولده لا تصير وقفا، لان شرطه أن يكون منجزا، جزم به في فتح القدير والإسعاف حيث قال: إذا جاء غد أو رأس الشهر أو إذا كلمت فلانا أو إذا تزوجت فلانة فأرضي صدقة موقوفة يكون باطلا لأنه تعليق والوقف لا يحتمل التعليق بالخطر. وفيه أيضا: وقف أرضه على أن له أصلها أو على أن لا يزول ملكه عنها أو على أن يبيع أصلها ويتصدق بثمنها كان الوقف باطلا وحكي في البزازية وغيرها أن عدم صحة تعليقه رواية، والظاهر ضعفها لجزم المصنف وغيره بها. نهر. وصوابه أن يقول: والظاهر اعتمادها أو ضعف مقابلتها، اللهم إلا أن يكون الضمير للحكاية المفهومة من قوله وحكي. تأمل. ومقتضى ما نقله عن الإسعاف ثانيا أن الوقف يبطل بالشرط الفاسد مع أنه ليس مبادلة مال بمال، وأن المفتى به جواز شرط
378 استبداله، ولا يلزم من ذكر المصنف له هنا أنه مما يبطل بالشرط الفاسد لما قدمناه غير مرة، بل ذكر في العزمية أن قاضيخان صرح بأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة. ويمكن التوفيق بينه وبين ما في الإسعاف بأن الشرط الفاسد لا يبطل عقد التبرع إذا لم يكن موجبه نقض العد من أصله، فإن اشتراط أن تبقى رقبة الأرض له أو أن لا يزول ملكه عنها، أو أن يبيعها بلا استبدال نقض للتبرع. قوله: (لأنه صلح معنى) قال في الدرر فإنه تولية صورة وصلح معنى، إذ لا يصار إليه إلا بتراضيهما لقطع الخصومة بينهما، فباعتبار أنه صلح لا يصح تعليقه ولا إضافته، وباعتبار أنه تولية يصح فلا يصح بالشك ا ه. والظاهر أنه لا يفسد بالشرط الفاسد لأنه ليس مبادلة مال بمال. قوله: (عند الثاني) وعند محمد: يجوز كالوكالة والامارة والقضاء بحر. قوله: (كما في قضاء الخانية) ومثله في بيوع الخلاصة قوله: (وبقي إبطال الاجل) بقي أيضا تعليق الكفالة بشرط غير ملائم كما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى والإقالة كما مر في بابها، ويأتي مثاله، والكتابة بشرط في صلب العقد كما يأتي بيانه قريبا، والعفو عن القود والإعارة ففي جامع الفصولين: قال للقاتل إذا جاء غد فقد عفوتك عن القود لا يصح لمعنى التمليك. قال إذا جاء غد فقد أعرتك تبطل لأنها تمليك المنفعة، وقيل تجوز كالإجارة، وقيل تبطل الإجارة، ولو قال أعرتك غدا تصح العارية ا ه. وبقي أيضا عزل القاضي في أحد القولين كما يأتي، وسيذكر الشارح أن ما لا تصح إضافته لا يعلق بالشرط. قوله: (ففي البزازية أنه يبطل بالشرط الفاسد) بأن قال كلما حل نجم ولم تؤد فالمال حال صح وصار حالا، هكذا عبارة البزازية. واعترضها في البحر بأنها سهو ظاهر، لأنه لو كان كذلك لبقي الاجل فكيف يقول صح. وعبارة الخلاصة: وإبطال الاجل يبطل بالشرط الفاسد، ولو قال كلما حل نجم الخ فجعلها مسألة أخرى وهو الصواب ا ه. وذكر العلامة المقدسي أن العبارتين مشكلتان، وأن الظاهر أن المراد أن الاجل يبطل، وأنه إذا علق على شرط فاسد كعدم أداء نجم في المثال المذكور يبطل به الاجل فيصير المال حالا ا ه. وحاصله: أن لفظ إبطال في عبارتي البزازية والخلاصة زائد، وأنه لا مدخل لذكره في هذا القسم أصلا. قوله: (وكذا الحجر) يوهم أنه يفسد بالشرط الفاسد وليس كذلك كما سيأتي، نعم لا يصح تعليقه بالشرط. قال في جامع الفصولين: ولو قال لقنه إذا جاء غد فقد أذنت لك في التجارة صح الاذن، ولو قال إذا جاء غد فقد حجرت عليك لا يصح، والقاضي لو قال لرجل قد حجرت عليك إذا سفهت لم يكن حكما بحجره، ولو قال لسفيه قد أذنت لك إذا صلحت جاز ا ه. قوله: (وما يصح ولا يبطل بالشرط الفاسد) شروع في القاعدة الثالثة المقابلة للأولى، والأصل فيها ما ذكره في البحر عن الأصوليين في كتب الأصول في بحث الهزل من قسم العوارض أن ما يصح مع الهزل لا تبطله الشروط الفاسدة، وما لا يصح مع الهزل تبطله الشروط الفاسدة ا ه. والمراد بقول الشارح ما يصح أي في نفسه ويلغو الشرط، وإنما زاده لكون نفي البطلان لا يستلزم الصحة لصدقه على الفساد، فافهم. قوله: (لعدم المعاوضة المالية) أشار إلى ما قدمه في الأصل الأول من أن ما ليس مبادلة مال بمال
379 لا يفسد بالشرط الفاسد: أي ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه وذلك فضل خال عن العوض فيكون ربا، والربا لا يكون في المعاوضات الغير المالية ولا في التبرعات. قوله: (وزدت ثمانية) هي الابراء عن دم العمد، والصلح عن جناية غصب، ووديعة، وعارية إذا ضمنها الخ، والنسب والحجر على المأذون والغصب وأمان القن. ط. قلت: وقدمنا أن كل ما جاز تعليقه لا يفسد بالشرط الفاسد، وسيأتي أيضا. قوله: (القرض) كأقرضتك هذه المائة بشرط أن تخدمني سنة. وفي البزازية: وتعليق القرض حرام والشرط لا يلزم. والذي في الخلاصة عن كفالة الأصل: والقرض بالشرط حرام ا ه. نهر: أي فالمراد بالتعليق الشرط. وفي صرف البزازية: أقرضه على أن يوفيه بالعراق فسد ا ه: أي فسد الشرط وإلا خالف ما هنا. تأمل. قوله: (والهبة والصدقة) كوهبتك هذه المائة أو تصدقت عليك بها على أن تخدمني سنة. نهر. فتصح ويبطل الشرط لأنه فاسد. وفي جامع الفصولين: ويصح تعليق الهبة بشرط ملائم كوهبتك على أن تعوضني كذا، ولو مخالفا تصح الهبة لا الشرط (1) ا ه. وفي حاشيته للخير الرملي. أقول: يؤخذ منه جواب واقعة الفتوى: وهب لزوجته بقرة على أنه إن جاءه أولاد منها تهب البقرة لهم وهو صحة الهبة وبطلان الشرط ا ه. وسيذكر الشارح أن الهبة يصح تعليقها بالشرط، ويأتي الكلام عليه. قوله: (والنكاح) كتزوجتك على أن لا يكون لك مهر فيصح النكاح ويبطل الشرط ويجب مهر المثل، ومن هذا القبيل ما في الخانية: تزوجتك على أني بالخيار يجوز النكاح، ولا يصح الخيار لأنه ما علق النكاح بالشرط بل باشر النكاح وشرط الخيار ا ه. وليس منه: إن أجاز أبي أو رضي، لأنه تعليق والنكاح لا يحتمله فلا يصح كما في الخانية، وكلام النهر هنا غير محرر، فتدبر. وفي الظهيرية: لو كان الأب حاضرا فقبل في المجلس جاز. قال في النهر: وهو مشكل. والحق ما في الخانية ا ه. قلت: ما في الظهيرية ذكره في الخانية أيضا عن أمالي أبي يوسف وقال: إنه استحسان. قوله: (والطلاق) كطلقتك عن أن لا تتزوجي غيري. بحر. والظاهر أنه إذا قال إن لم تتزوجي غيري فكذلك، ويأتي بيانه قريبا. قوله: (والخلع) كخالعتك على أن لي الخيار مدة يراها بطل الشرط ووقع الطلاق ووجب المال. وأما اشتراط الخيار لها فصحيح عند الامام كما مضى. بحر. قوله: (والعتق) بأن قال أعتقتك على أني بالخيار. بحر وقدمنا آنفا لو أعتق أمة على أن لا تتزوج عتقت تزوجت أو لا. قوله: (والرهن) بأن قال رهنتك عبدي بشرط أن أستخدمه أو على أن الرهن إن ضاع ضاع بلا شئ أو إن لم أوف متاعك لك إلى كذا فالرهن لك بمالك بطل الشرط وصح الرهن. بحر. قوله: (كجعلتك وصيا الخ) هذا المثال أحسن مما في البحر: جعلتك وصيا على أن يكون لك مائة، لان الكلام في الشرط الفاسد الذي لا يفسد العقد وما هنا صحيح. نهر. وفيه نظر، فإنه قال في
(1) وفي الخانية من الهبة: وهبت مهري منك على أن كل امرأ تتزوجها تجعل أمرها بيدي، فان لم يقبل بطلت الهبة، وان قبل في المجلس صحت، ثم إن فعل الزوج ذلك فالهبة ماضية والا فكذلك عند البعض كمن أعتق أمة على أن لا تتزوج عتقت تزوجت أولا، قالت وهبت مهري ان لم تظلمني فقبل ثم طلقها فقبل ثم طلقها فالهبة فاسدة للتعليق بالشرط، وتمامه في البحر عند قوله والابراء عن الدين، ومفاده انه لو لم يطلقها تصح الهبة في صريح التعليق بالشرط تأمل ا ه. منه. 380 البزازية فهو وصي والشرط باطل والمائة له وصية ا ه. ومعنى بطلانه كما في البحر أنه يبطل جعلها شرطا للايصاء وتبقى وصية، إن قبلها كانت له وإلا فلا ا ه: أي فهو شرط فاسد لم يفسد عقد الايصاء. قوله: (والوصية) كأوصيت لك بثلث مالي إن أجاز فلان. عيني. وفيه نظر لأنه مثال تعليقها بالشرط، وليس الكلام فيه. وفي البزازية: وتعليقها بالشرط جائز لأنها في الحقيقة إثبات الخلافة عند الموت ا ه. ومعنى صحة التعليق أن الشرط إن وجد كان للموصى له المال وإلا فلا شئ له. بحر. ثم قال في الخانية: لو أوصى بثلثه لام ولده إن لم تتزوج فقبلت ذلك ثم تزوجت بعد انقضاء عدتها بزمان فلها الثلث بحكم الوصية ا ه. مع أن الشرط لم يوجد، إلا أن يكون المراد بالشرط عدم تزوجها عقب انقضاء العدة لا عدمه إلى الموت، بدليل أنه قال تزوجت بعد انقضاء عدتها بزمان للاحتراز عن تزوجها عقب الانقضاء ا ه. قلت: ووجهه أنه إذا مضت مدة بعد العدة ولم تتزوج فيها تحقق الشرط فلا تبطل الوصية بتزوجها بعده، إذ لو كان الشرط عدم تزوجها أبدا لزم أن لا يوجد شرط الاستحقاق إلا بموتها، ويظهر من هذا أنه إذا قال طلقتك إن لم تتزوجي أنه إذا مضى بعد العدة زمان ولم تتزوج يتحقق الشرط، لكن فيه أن الطلاق المعلق إنما يتحقق بعد تحقق الشرط فيلزم أن يكون ابتداء العدة بعده لا قبله، فالظاهر بطلان هذا الشرط ووقوع الطلاق منجزا، ويؤيده ما مر قريبا، ومر تحقيقه في كتاب الطلاق في أول باب التعليق. قوله: (والشركة) فيه أنها تفسد باشتراط ما يؤدي إلى قطع الاشتراك في الربح كاشتراط عشرة لأحدهما. وفي البزازية: الشركة تبطل ببعض الشروط الفاسدة دون بعض، حتى لو شرط التفاضل في الوضيعة لا تبطل، وتبطل باشتراط عشرة لأحدهما. وفيها: لو شرط صاحب الألف العمل على صاحب الألفين والربح نصفين لم يجز الشرط والربح بينهما أثلاثا ا ه. أما لو لم يشرط العمل على أفضلهما مالا بل تبرع به. فأجاب في البحر بأن شرط الربح صحيح لان التبرع ليس من قبيل الشرط بدليل ما في بيوع الذخيرة: اشترى حطبا في قرية، وقال موصولا بالشراء من غير شرط في الشراء: أحمله إلى منزلي لا يفسد لأنه كلام مبتدأ بعد تمام البيع قوله: (وكذا المضاربة) كما لو شرط نفقة السفر على المضارب بطل الشرط وجازت بزازية. وفيها: ولو شرط من الربح عشرة دراهم فسدت لا لأنه شرط بل لقطع الشركة دفع إليه ألفا على أن يدفع لرب المال للمضارب أرضا يزرعها سنة أو دارا للسكنى بطل الشرط وجازت، ولو شرط ذلك على المضارب لرب المال فسدت لأنه جعل نصف الربح عوضا عن عمله وأجرة الدار ا ه. وبه علم أنها تفسد ببعض الشروط كالشركة. قوله: (كوليتك بلدة كذا مؤبدا) فقول: مؤبدا شرط فاسد، لان التولية لا تقتضي ذلك لأنه ينعزل بعارض جنون أو عزل أو نحوه، ومثله وليتك على أن لا تعزل أبدا أو على أن لا تركب كما مثل به في البحر وقال: فهذا الشرط فاسد ولا تبطل إمرته بهذا. قوله: (واختار في النهر إطلاق الصحة) حيث قال رادا على ذلك البعض: وعندي أنه لا سلف له فيه ولا دليل يقتضيه لأنه حيث صح العزل كان إلغاء للتأبيد سواء نص على الغاية أو لا. قوله: (صح التقليد والشرط) فإن فعل شيئا من ذلك
381 انعزل، ولا يبطل قضاؤه فيما مضى: ولا ينفذ قضاء القاضي في خصومة زيد، ويجب على السلطان أن يفصل قضيته إن اعتراه قضية. بحر عن البزازية وفيه عنها أيضا: لو شرط في التقليد أنه متى فسق ينعزل انعزل ا ه. قلت: وإنما صح الشرط لكونه شرطا صحيحا، والقاضي وكيل عن السلطان فيتقيد قضاؤه بما قيده به حتى يتقيد بالزمان والمكان والشخص، ومن ذلك ما إذا نهاه عن سماع دعوى مضى عليها خمس عشرة سنة كما سيأتي في القضاء إن شاء الله تعالى. قوله: (والكفالة والحوالة) بأن قال كفلت غريمك على أن تقرضني كذا وأحلتك على فلان بشرط أن لا ترجع علي عند التوي. نهر: يعني فتصح ويبطل الشرط. وفي البزازية: لو قال كفلت به على أني متى أو كلما طولبت به فلي أجل شهر، فإذا طالبه به فله أجل شهر من وقت المطالبة الأولى فإذا تم الشهر من وقت المطالبة الأولى لزم التسليم ولا يكون للمطالبة الثانية تأجيل ا ه. وفيه أن كلما تقتضي التكرار مقدسي. ولعله ألغى التكرار هنا لما يلزم عليه من إبطال موجب الكفالة، وحيث أمكن الأعمال فهو أولى من الابطال. تأمل. وسيذكر الشارح هذه المسألة أوائل الكفالة، ويأتي توضيحها هناك. وفي البزازية أيضا: كفل على أنه بالخيار عشرة أيام أو أكثر يصح، بخلاف البيع لان مبناها على التوسع ا ه. ففي هذا وفيما قبله صحت الكفالة والشرط لأنه شرط تأجيل أو خيار وكلاهما شرط صحيح، ولا يرد على المصنف لان كلامه في الشرط الفاسد، وسيأتي في بابها أنه لا يصح تعليقها بشرط غير ملائم ويأتي هنا في كلام الشارح أيضا. قوله: (إلا إذا شرط الخ) أي شرط المحال على المحال عليه أن يعطيه المال المحال به من ثمن دار المحيل. قال في البزازية: بخلاف ما إذا التزم المحتال عليه الاعطاء من ثمن دار نفسه لأنه قادر على بيع دار نفسه ولا يجبر على بيع داره كما إذا كان قبولها بشرط الاعطاء عند الحصاد لا يجبر على الأداء قبل الاجل ا ه. وظاهره صحة التأجيل إلى الحصاد لأنه مجهول جهالة يسيرة، بخلاف هبوب الريح كما يأتي في بابها. قوله: (من المحتال) صوابه المحتال عليه. قوله: (فليحرر) أشار إلى ما في هذا الجواب، فإن كونه وعدا لا يخرجه عن كونه شرطا مع أن فرض المسألة أنه مذكور في صلب العقد على أنه شرط، إذ لو كان بعد العقد لا على وجه الاشتراط لم يفسد العقد، كما مر عند قوله: والشركة وأيضا لا يظهر به الفرق بين المسألتين، ويظهر لي الجواب بأن الحوالة قد تكون مقيدة، كما لو أحال غريمه بألف الوديعة على المودع تقيدت بها حتى لو هلكت الألف برئ المحال عليه كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابها، وهنا لما شرط الدفع من ثمن دار المحيل صارت مقيدة به، ولما لم يكن له قدرة على الوفاء بذلك فسدت الحوالة بمنزلة ما لو هلكت الوديعة المحال بها، ولهذا لو كان البيع مشروطا في الحوالة صحت ويجبر على البيع كما في آخر حوالة البزازية. أما لو شرط الدفع من ثمن داره صحت الحوالة لقدرته على بيع داره ولكن لا يجبر على البيع، ولو باع يجبر على الأداء لتحقق الوجوب كما في الدرر. قوله: (والوكالة) كوكلتك على أن تبرأني مما لك علي. نهر. وفي البزازية: الوكالة لا تبطل بالشروط الفاسدة، أي شرط كان، وفيها تعليق الوكالة بالشرط جائز وتعليق العزل به باطل، وتفرع عليه أنه لو قال كلما عزلتك فأنت وكيلي صح لأنه تعليق التوكيل بالعزل، ولو قال كلما وكلتك فأنت
382 معزول لم يصح لأنه تعليق العزل بالشرط بحر. قوله: (والإقالة) حتى لو تقايلا على أن يكون الثمن أكثر من الأول أو أقل صحت ولغا الشرط، وقد مر في بابها. نهر. وذكر المصنف في بابها أنها لا تفسد بالشرط وإن لم يصح تعليقها به، وصورة التعليق كما ذكره في البحر هناك عن البزازية. ما لو باع ثورا من زيد فقال اشتريته رخيصا فقال زيد إن وجدت مشتريا بالزيادة فبعه منه فوجد فباع بأزيد لا ينعقد البيع الثاني، لأنه تعليق الإقالة لا الوكالة بالشرط. قوله: (والكتابة) بأن كاتبه على ألف بشرط أن لا يخرج من البلد أو على أن لا يعامل فلانا أو على أن يعمل في نوع من التجارة فتصح ويبطل الشرط لأنه غير داخل في صلب العقد. نهر. قوله: (في صلب العقد) صلب الشئ: ما يقوم به ذلك الشئ وقيام البيع بأحد العوضين، فكل فساد يكون في أحدهما يكون فسادا في صلب العقد. درر. قوله: (وعليه) أي على كون الفساد في صلب العقد ط. قوله: (يحمل إطلاقهم) أي إطلاق من قال إنها تبطل بالشرط الفاسد كالعمادي والاستروشني فإنهما قالا: وتعليق الكتابة بالشرط لا يجوز وإنها تبطل بالشرط، ويحمل قولهما ثانيا الكتابة بشرط متعارف وغير متعارف تصح، ويبطل الشرط على كون الشرط زائدا ليس في صلب العقد، وبه يندفع اعتراض صاحب جامع الفصولين عليهما. هذا حاصل ما في الدرر. وأما ما في البحر عن البزازية: كاتبها وهي حامل على أن لا يدخل ولدها في الكتابة فسدت لأنها تبطل بالشرط الفاسد ا ه. فالمراد به ما كان في صلب العقد، لان استثناء حملها وهو جزء منها شرط في صلب العقد، كما لو باع أمة إلا حملها لأنها أحد العوضين، فافهم. قوله: (وإذن العبد في التجارة) (كأذنت لك في التجارة) على أن تتجر إلى شهر أو على أن تتجر في كذا فيكون عاما في التجارة والأوقات ويبطل الشرط. بحر. قوله: (كهذا الولد مني إن رضيت امرأتي) تابع البحر في ذلك مع أنه في البحر اعترض على العيني مرارا بأن الكلام في الشرط الفاسد لا في التعليق، فالأولى قول النهر بشرط رضا زوجتي. وقال في العزمية: وصور ذلك في إيضاح الكرماني بأن ادعى نسب التوأمين بشرط أن لا تكون نسبة الآخر منه، أو ادعى نسب ولد بشرط أن لا يرث منه يثبت نسب كل واحد من التوأمين ويرث وبطل الشرط لأنهما من ماء واحد، فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت الآخر لما عرف، وشرط أن لا يرث شرط فاسد لمخالفة الشرع والنسب لا يفسد به ا ه. قوله: (والصلح عن دم العمد) بأن صالح ولي المقتول عمدا القاتل على شئ بشرط أن يقرضه أو يهدي إليه شيئا فالصلح صحيح والشرط فاسد، ويسقط الدم لأنه من الإسقاطات فلا يحتمل الشرط. بحر. قوله: (ولم يذكروه اكتفاء بالصلح) إذ ليس بينهما كثير فرق، فإن الولي إذا قال للقاتل عمدا أبرأت ذمتك على أن لا تقيم في هذا البلد مثلا أو صالح معه عليه صح الابراء والصلح، ولا يعتبر الشرط. درر. قوله: (التي فيها القود) في المصباح: القود القصاص وبه عبر في الدرر، فلا فرق في التعبير، فافهم. قوله: (وإلا) بأن كان الصلح عن القتل الخطأ أو الجراحة التي فيها الأرش كان من القسم الأول. درر: أي لان موجب ذلك المال فكان مبادلة لا إسقاطا. قوله: (وعن جناية غصب) أي مغصوب، وقوله: إذا ضمنها أي موجبات الصلح في الصور المذكورة. درر. ولعل صورة المسألة لو
383 أتلف ما غصبه أو أتلف وديعة أو عارية عنده وأراد المالك أن يضمنه ذلك فصالحه على شئ وضمن رجل موجب الصلح بشرط أي يحيله به على آخر أو يكفل به آخر صح الضمان وبطل الشرط، لكن لا يخفى أن الضمان كفالة، وقد مرت مسألة الكفالة، ولم أر من أوضح ذلك. فتأمل. قوله: (والنسب) تقدم تصويره في مسألة دعوى الولد. قوله: (والحجر على المأذون) فلا يبطل به ويبطل الشرط. شرنبلالية عن العمادية. ومثله في جامع الفصولين، ولا ينافي ما قدمه عن الأشباه لان ذاك في بطلان تعليقه بالشرط كما قدمناه. قوله: (والغصب) كذا ذكره في جامع الفصولين وغيره مع ذكرهم مسألة جناية الغصب المارة، وفيه أن الغصب فعل لا يقيد بشرط، فإن كان المراد ضمان الغصب بشرط فهو داخل في الكفالة، فافهم. قوله: (وأمان القن) أقول في (السير الكبير) لمحمد بن الحسن: تعليق الأمان بالشرط جائز بدليل: أن النبي (ص) حين أمن أهل خيبر علق أمانهم بكتمانهم شيئا، وأبطل أمان آل أبي الجعد بكتمانهم الحلي ا ه. وبه يعلم أن القن ليس قيدا. حموي: أي سواء كانت إضافة الأمان من إضافة المصدر إلى فاعله أو إلى مفعوله. وفي بعض النسخ وأمان النفس. قوله: (وعقد الذمة) فإن الامام إذا فتح بلدة وأقر أهلها على أملاكهم وشرطوا معه في عقد الذمة أن لا يعطوا الجزية بطريق الإهانة كما هو المشروع، فالعقد صحيح والشرط باطل. درر. قوله: (وتعليق الرد بالعيب وبخيار الشرط) هكذا عبر في الكنز، وعبر في النهاية بقوله: وتعليق الرد بالعيب بالشرط وتعليق الرد بخيار الشرط بالشرط، ومثله في جامع الفصولين وغيره، فعلم أن قوله بالعيب متعلق بالرد لا بتعليق، وأن المراد أن الرد بخيار، عيب أو شرط يصح تعليقه بالشرط. ولا يخفى أن الكلام فيما يصح ولا يفسد تقييده بالشرط الفاسد لا فيما يصح تعليقه، فكان المناسب حذف لفظة تعليق كما فعل صاحب الدرر. وقد يجاب بأن المراد بالتعليق التقييد أو أن كل ما صح تعليقه صح تقييده كما مر وبه ظهر أنه ليس المراد ما يتوهم أن تعليق الرد بأحد الخيارين بالشرط يصح تقييده بالشرط، إذ لا يظهر تصوير تقييد التعليق. ثم إنه مثل للأول في البحر بما إذا قال: إن وجدت بالمبيع عيبا أرده عليك إن شاء فلان، وللثاني بما إذا قال من له خيار الشرط: رددت البيع أو أسقطت خياري إن شاء فلان فإنه يصح ويبطل الشرط ا ه تأمل. وفي البحر من باب خيار الشرط ما نصه: فإن قلت: هل يصح تعليق إبطاله وإضافته؟ قلت: قال في الخانية: لو قال من له الخيار إن لم أفعل كذا اليوم فقد أبطلت خياري كان باطلا ولا يبطل خياره، وكذا لو قال في خيار العيب إن لم أرده اليوم فقد أبطلت خياري ولم يرده اليوم لم يبطل خياره، ولو لم يكن كذلك ولكنه قال أبطلت غدا أو قال أبطلت خياري إذا جاء غد فجاء غد، ذكر في الملتقى أنه يبطل خياره. قال: وليس هذا كالأول لان هذا وقت يجئ لا محالة بخلاف الأول ا ه. قال في البحر هناك: فقد سووا بين التعليق والإضافة في المحقق مع أنهم لم يسووا بينهما في الطلاق والعتاق. وفي التاترخانية: لو كان الخيار للمشتري فقال إن لم أفسخ اليوم فقد رضيت أو إن لم أفعل كذا فقد رضيت لا يصح ا ه. أي بل يبقى خياره. قوله: (وعزل القاضي) في جامع الفصولين: ولو قال الأمير لرجل إذا قدم فلان فأنت قاضي بلدة كذا أو أميرها يجوز، ولو قال إذا أتاك كتابي هذا فأنت معزول ينعزل بوصوله، وقيل لا ا ه، وذكر في الدرر عن العمادية
384 والاستروشنية أن الثاني به يفتى. واعترض بأن عبارة العمادية والاستروشنية قال ظهير الدين المرغيناني: ونحن لا نفتي بصحة التعليق وهو فتوى الأوزجندي ا ه. وظاهر ما في جامع الفصولين ترجيح الأول، ولذا مشى عليه في الكنز والملتقى وغيرهما. قوله: (كعزلتك إن شاء فلان) كذا مثل في البحر. واعترض بأن هذا تعليق وليس الكلام فيه. قلت: والعجب أنه في البحر اعترض على العيني مرارا بمثل هذا. وقد يجاب بأنه إذا لم يبطل بالتعليق لا يبطل بالشرط بالأولى كعزلتك على أن أوليك في بلدة كذا. قوله: (لما ذكرنا) أي في قوله لعدم المعاوضة المالية. قوله: (وبقي ما يجوز تعليقه بالشرط) هذه القاعدة الرابعة، وقدمنا أنها داخلة تحت الثالثة، لما في جامع الفصولين أن ما جاز تعليقه بالشرط لا تبطله الشروط كطلاق وعتق وحوالة وكفالة ويبطل الشرط ا ه. قوله: (وهو مختص بالإسقاطات المحضة التي يحلف بها) لو حذف قوله التي يحلف بها لدخل الاذن في التجارة وتسليم الشفعة لكونهما إسقاطا، ولكن لا يحلف بهما. أفاده في البحر. ويدخل فيه أيضا الابراء عن الكفالة، فإنه يصح تعليقه بملائم كما مر في الابراء عن الدين. قوله: (والتوليات) فيصح تعليقها بالملائم فقط، وكذا في إطلاقات وتحريضات كما مر في الأصل الثاني. قوله: (وتسليم الشفعة) أي لأنه إسقاط محض كما علمت فيصح تعليقه. هذا. وفي شفعة الهداية عند قوله: وإذا صالح من شفعته على عوض بطلت ورد العوض، لان حق الشفعة لا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشرط فبالفاسد أولى. واعترضه في العناية بما قال محمد في الجامع الصغير: لو قال سلمت الشفعة في هذه الدار إن كنت اشتريتها لنفسك وقد اشتراها لغيره فهذا ليس بتسليم لأنه علقه بشرط وصح، لان تسليم الشفعة إسقاط محض كالطلاق فصح تعليقه بالشرط ا ه. قال الطوري في تكملة البحر: وقد يفرق بحمل ما في الهداية على التي تدل على الاعراض والرضا بالمجاورة مطلقا والثاني على خلافه فيفرق بين شرط وشرط ا ه. تنبيه: لا يخفى أن هذا كله في التسليم بعد وجوبها. وبقي ما لو قال الشفيع قبل البيع إن اشتريت فقد سلمتها هل يصح أم لا؟ بحث فيه الخير الرملي بقوله: لا شبهة في أنه تعليق الاسقاط قبل الوجوب بوجود سببه، ومقتضى قولهم التعليق بالشرط المحض يجوز فيما كان في باب الاسقاط المحض، وقولهم المعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده، وقولهم من لا يملك التنجيز لا يملك التعليق إلا إذا علقه بالملك أو سببه صحة التعليق المذكور لأنه إسقاط، وقد علقه بسبب الملك فكأنه نجزه عند وجوده، لكن أورد في الظهيرية إشكالا على كون تسليم الشفعة إسقاطا محضا، وهو ما ذكره السرخسي في باب الصلح عن الجنايات من أن القصاص لا يصح تعليق إسقاطه بالشرط، ولا يحتمل الإضافة إلى الوقت وإن كان إسقاطا محضا، ولهذا لا يرتد برد من عليه القصاص، ولو أكره على أسقاط الشفعة لا يبطل حقه. قال: وبه تبين أن تسليم الشفعة ليس بإسقاط محض، وإلا لصح مع الاكراه كسائر الإسقاطات ا ه. قال الرملي: وعليه لا يصح التعليق قبل الشراء كالتنجيز قبله والمسألة تقع كثيرا، والذي يظهر عدم صحة التعليق ا ه. قوله: (وحرر المصنف دخول الاسلام في القسم الأول) أي ما لا
385 يصح تعليقه بالشرط، وذلك حيث ذكر أولا أن الاسلام لا بد فيه بعد الاتيان بالشهادتين من التبري كما علمت تفاصيله في الكتب المبسوطة. ويؤخذ عدم صحة تعليقه بالشرط من قولهم بعدم صحة تعليق الاقرار بالشرط. وتحقيقه أن الاسلام تصديق الجنان وإقرار باللسان، وكلاهما لا يصح تعليقه بالشرط، ومن المعلوم أن الكافر الذي يعلق إسلامه على فعل شئ غالبا يكون شيئا لا يريد كونه فلا يقصد تحصيل ما علق عليه. وقد ذكر الزيلعي وغيره أن الاسلام عمل، بخلاف الكفر فإنه ترك، ونظيره الإقامة والصيام، فلا يصير المقيم مسافرا، ولا الصائم مفطرا، ولا الكافر مسلما بمجرد النية لأنه فعل، ويصير مقيما وصائما وكافرا بمجرد النية لأنه ترك، فإذا علقه المسلم على فعل وفعله والظاهر أنه مختار في فعله فيكون قاصدا للكفر فيكفر، بخلاف الاسلام ا ه. قوله: (ودخول الكفر هنا) أي فيما يصح تعليقه وفيه أن كلام المصنف كما سمعته آنفا ليس فيه تعرض لدخول الكفر في هذا القسم، بل فيه ما ينافيه وهو أنه يصير كافرا بمجرد النية لأنه ترك: أي ترك العمل والتصديق فيتحقق في الحال قبل وجود المعلق عليه، ولو صح تعليقه لما وجد في الحال، فافهم. قوله: (ويصح تعليقه هبة) في البزازية من البيوع تعليق الهبة بأن باطل وبعلى إن ملائما كهبته على أن يعوضه يجوز، وإن مخالفا بطل الشرط وصحت الهبة ا ه بحر. وهذا مخالف لما ذكره الشارح، لان كلامه في صحة التعليق بأداة الشرط لا في التقييد بالشرط، لان هذا تقدم في المتن حيث ذكر الهبة فيما لا يبطل بالشرط الفاسد فافهم . لكن في البحر أيضا عن المناقب عن الناصحي: لو قال إن اشتريت جارية فقد ملكتها منك يصح ومعناه: إذا قبضه بناء على ذلك ا ه: أي إذا قبض الموهوب له الموهوب بناء على التمليك يصح مع أنه معلق بأن، وهو خلاف ما في البزازية من إطلاق بطلانه ولعله قول آخر يجعل التعليق بالملائم صحيحا كالتقيد. تأمل. قوله: (وحوالة وكفالة) في البزازية من البيوع: وتعليق الكفالة إن متعارفا كقدوم المطلوب يصح، وإن شرطا محضا كإن دخل الدار أو هبت الريح لا، والكفالة إلى هبوب الريح جائزة والشرط باطل، ونص النسفي أن الشرط إن لم يتعارف تصح الكفالة ويبطل الشرط والحوالة كهي ا ه بحر قوله: (وإبراء عنها) كإن وافيت به غدا فأنت برئ كما قدمناه في مسألة الابراء عن الدين. قوله: (بملائم) قيد للأربعة. تتمة: بقي مما يصح تعليقه دعوة الولد كإن كانت جاريتي حاملا فمني، وكذا الوصية والإيصاء والوكالة والعزل عن القضاء فهذه نص في البحر عليها في أثناء شرحها ونبهنا على ذلك، والابراء عن الدين إذا علق بكائن أو بمتعارف كما مر، وذكر في جامع الفصولين مما يصح تعليقه إذن القن، وكذا النكاح بشرط علم للحال، وكذا تعليق الامهال: أي تأجيل الدين غير القرض إن علق بكائن، ولو قال بعته بكذا إن رضي فلان جاز البيع والشرط جميعا، ولو قال بعته منك إن شئت فقال قبلت تم البيع، وقدمنا تقييد مسألة البيع بما إذا وقته بثلاثة أيام، وذكر خلافا في صحة تعليق القبول. مطلب ما يصح إضافته وما لا يصح قوله: (وما تصح إضافته الخ) شروع فيما يضاف وما لا يضاف بعد الفراغ من الكلام على التعليق ولم أر من ذكر لذلك ضابطا، وسيأتي بيانه، ثم الفرق بين التعليق والإضافة، هو أن التعليق يمنع المعلق عن السببية للحكم، فإن نحو أنت طالق سبب للطلاق في الحال، فإذا قال أنت طالق إن
386 دخلت الدار منع انعقاده سببا للحال وجعله متأخرا إلى وجود الشرط، فعند وجوده ينعقد سببا مفضيا إلى حكمه وهو الطلاق. وأما الايجاب المضاف مثل أنت طالق غدا فإنه ينعقد سببا للحال لانتفاء التعليق المانع من انعقاد السببية، لكن يتأخر حكمه إلى الوقت المضاف إليه، فالإضافة لا تخرجه عن السببية بل تؤخر حكمه، بخلاف التعليق، فإذا قال: إن جاء غد فلله علي أن أتصدق بكذا لا يجوز له التصدق قبل الغد، لأنه لا تعجيل قبل السبب، ولو قال لله علي أن أتصدق بكذا غدا له التعجيل قبله لأنه بعد السبب، لان الإضافة دخلت على الحكم لا السبب فهو تعجيل للمؤجل، وتفرع عليه ما لو حلف لا يطلق امرأته فأضاف الطلاق إلى الغد حنث وإن علقه لم يحنث، هذا حاصل ما ذكروه في كتب الأصول. وللمحقق ابن الهمام في التحرير أبحاث في الفرق بينهما، ذكرها ابن نجيم في شرح المنار في فصل الأدلة الفاسدة. وقال: والفرق بينهما من أشكل المسائل. قوله: (الإجارة) في جامع الفصولين: ولو قال آجرتك غدا فيه اختلاف، والمختار أنها تجوز، ثم في الإجارة المضافة إذا باع أو وهب قبل الوقت يفتى بجواز ما صنع وتبطل الإجارة، فلو رد عليه بعيب بقضاء أو رجع في الهبة قبل الوقت عادت الإجارة، ولو عاد إليه بملك مستقبل لا تعود الإجارة. وفي فتاوى ظهير الدين: لو قال آجرتك هذه رأس كل شهر بكذا يجوز في قولهم. قوله: (وفسخها) في العزمية على الخانية أن الفتوى عليه. وفي الشرنبلالية: المعتمد اختيار عدم الصحة، وهو المذكور في الكافي واختيار ظهير الدين ا ه. ففيه اختلاف التصحيح. قوله: (والمزارعة والمعاملة) فإنهما إجارة، حتى إن من يجيزهما لا يجيزهما إلا بطريقها ويراعى فيهما شرائطها. درر. قوله: (والمضاربة والوكالة) فإنهما من باب الاطلاقات والإسقاطات، فإن تصرف المضارب والوكيل قبل العقد والتوكيل في مال المالك والموكل كان موقوفا حقا للمالك، فهو بالعقد والتوكيل أسقطه فيكون إسقاطا فيقبل التعليق. درر: أي وإذا قبل التعليق يقبل الإضافة بالأولى، لان التعليق يمنع السببية، بخلاف الإضافة كما علمت. وبه اندفع اعتراض المصنف في المنح بأن الكلام في الإضافة لا في التعليق، لكن لم أر من صرح بصحة التعليق في المضاربة، ولعله أراد بالتعليق التقييد بالشرط فإنهم يطلقون عليه لفظ التعليق. تأمل. قوله: (والكفالة) لأنها من باب الالتزامات فتجوز إضافتها إلى الزمان وتعليقها بالشرط الملائم درر. قوله: (والإيصاء) أي جعل الشخص وصيا والوصية بالمال فإنهما لا يفيدان إلا بعد الموت فيجوز تعليقهما وإضافتهما. درر. قوله: (والقضاء والامارة) فإنهما تولية وتفويض محض فجاز إضافتهما. درر قوله: (والطلاق والعتاق) فإنهما من باب الاطلاقات والإسقاطات وهو ظاهر. درر. قوله: (والوقف) فإن تعليفه إلى ما بعد الموت جائز. درر. والكلام فيه كما مر في المضاربة والوكالة. قوله: (وبقي العارية والاذن في التجارة) قال في جامع الفصولين الذي جمع فيه الفصول العمادية والفصول الاستروشنية: تبطل إضافة الإعارة بأن قال: إذا جاء غد فقد أعرتك لأنها تمليك المنفعة، وقيل تجوز، ولو قال أعرتك غدا تصح وقال قبله ولو قال لقنه إذا جاء غد فقد أذنت لك في التجارة صح الاذن، ولو قال إذا جاء غد فقد حجرت عليك لا يصح ا ه. وأنت خبير بأن الكلام في الإضافة، ولفظ إذا جاء غد تعليق، ويسمى إضافة باعتبار ذكر
387 الوقف فيه لا حقيقة، ولذا فرق في مسألة الإعارة بين ذكر إذا وعدمه، فعد الاذن في التجارة هنا تبعا للقهستاني غير ظاهر. تأمل. وفي جامع الفصولين: إذا قال أبطلت خياري غدا بطل خياره، وقدمنا فيما يصح تعليقه أن إسقاط القصاص لا يحتمل الإضافة إلى الوقت. قوله: (لأنها تمليكات الخ) كذا في الدرر. وقال الزيلعي آخر كتاب الإجارة: لأنها تمليك، وقد أمكن تنجيزها للحال فلا حاجة إلى الإضافة، بخلاف الفصل الأول، لان الإجارة وما شاكلها لا يمكن تمليكه للحال وكذا الوصية، وأما الامارة والقضاء فمن باب الولاية، والكفالة من باب الالتزام ا ه. قلت: ويظهر من هذا ومما ذكرنا آنفا عن الدرر أن الإضافة تصح فيما لا يمكن تمليكه للحال، وفيما كان من الاطلاقات والإسقاطات والالتزامات والولايات، ولا تصح في كل ما أمكن تمليكه للحال. تأمل. قوله: (لما فيه من القمار) هو المراهنة كما في القاموس، وفيه المراهنة، والرهان المخاطرة. وحاصله: أنه تمليك على سبيل المخاطرة. ولما كانت هذه تمليكات للحال لم يصح تعليقها بالخطر لوجود معنى القمار. قوله: (وبقي الوكالة) الظاهر أنه سبق قلم، وصوابه التحكيم، فإنه الذي فيه خلاف أبي يوسف. قال في البزازية: وتعليق كونه حكما بالخطر أو الإضافة إلى مستقبل صحيح عند محمد، خلافا للثاني، والفتوى على الثاني ا ه. وهكذا قدمه الشارح قبيل ما لا يبطل بالشرط الفاسد، وكيف يصح عد الوكالة هنا وقد ذكرها المصنف تبعا للكنز والوقاية فيما تصح إضافته، وكذا في جامع الفصولين وغيره، وكذا تقدم أنها مما لا يفسد بالشرط، وبه صرح في الكنز وغيره، بل قدمنا جواز تعليقها بالشرط فكيف لا تصح إضافتها. نعم بقي فسخ الإجارة على أحد التصحيحين كما قدمناه آنفا، والله سبحانه أعلم. باب الصرف لما كان عقدا على الأثمان والثمن في الجملة تبعا لما هو المقصود من البيع أخره عنه. قوله: (عنونه بالباب) قال في الدرر: عنونه الأكثرون بالكتاب وهو لا يناسب لكون الصرف من أنواع البيع كالربا والسلم، فالأحسن ما اختير ها هنا. قوله: (هو لغة الزيادة) هذا أحد معانيه، ففي المصباح: صرفته عن وجهه صرفا من باب ضرب، وصرفت الأجير والصبي: خليت سبيله، وصرفت المال: أنفقته، وصرفت الذهب بالدراهم: بعته، واسم الفاعل من هذا صيرفي وصيروف (1) وصراف
(1) قوله: (وصيروف) هكذا بخطه، والذي رأيته في نسخة من المصباح: وصيرف بحذف الواو، وقوله وصرفته بالتثقيل واسم الفاعل الخ هكذا بخطه أيضا، وفيه سقط والأصل وصرفته بالتثقيل مبالغة واسم الفاعل الخ، وقوله في عبارة القاموس أو الحيل الذي في عبارته أو الحيلة فليراجع ا ه. مصححه. 388 للمبالغة. قال ابن فارس: الصرف فضل الدرهم في الجودة على الدرهم، وصرفت الكلام: زينته، وصرفته بالتثقيل، واسم الفاعل مصرف، والصرف: التوبة في قوله عليه الصلاة والسلام لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا والعدل: الفدية ا ه. زاد في القاموس في معنى الحديث المذكور قوله: أو هو النافلة. والعدل: الفريضة أو بالعكس أو الوزن. العدل: الكيل، أو هو الاكتساب، والعدل: الفدية أو الحيل ا ه. وقد علمت أنه يطلق لغة على بيع الثمن بالثمن لكنه في الشرع أخص. تأمل. قوله: (أي ما خلق للثمنية) ذكر نحوه في البحر. ثم قال: وإنما فسرناه به ليدخل فيه بيع المصوغ بالمصوغ أو بالنقد، فإن المصوغ بسبب ما اتصل به من الصنعة لم يبق ثمنا صريحا ولهذا يتعين في العقد ومع ذلك بيعه صرف ا ه. قوله: (ويشترط عدم التأجيل والخيار) أي وعدم الخيار: أي خيار الشرط، بخلاف خيار رؤية أو عيب كما يأتي. ولا يقال هذا مكرر مع قوله الآتي ويفسد بخيار الشرط والأجل لان ذاك تفريع على هذا كما هو العادة من ذكر الشروط ثم التفريع عليها، فافهم، نعم ذكر في النهر أنه لا حاجة إلى جعلهما شرطين على حدة كما جرى عليه في البحر تبعا للنهاية وغيرها، لان شرط التقابض يغني عن ذلك، لان خيار الشرط يمنع ثوب الملك أو تمامه على القولين وذلك يخل بتمام القبض وهو ما يحصل به التعيين ا ه. ولا يخفى ما فيه. قوله: (أي التساوي وزنا) قيد به لأنه لا اعتبار به عددا. بحر عن الذخيرة والشرط التساوي في العلم لا بحسب نفس الامر فقط، فلو لم يعلما التساوي وكان في نفس الامر لم يجز إلا إذا ظهر التساوي في المجلس كما أوضحه في الفتح، ونذكر قريبا حكم الزيادة والحط. قوله: (بالبراجم) جمع برجمة بالضم: وهي مفاصل الأصابع ح عن جامع اللغة. قوله: (لا بالتخلية) أشار إلى أن التقييد بالبراجم للاحتراز عن التخلية، واشتراط القبض بالفعل لا خصوص البراجم، حتى لو وضعه له في كفه أو في جيبه صار قابضا. قوله: (قبل الافتراق) أي افتراق المتعاقدين بأبدانهما، والتقييد بالعاقدين يعم المالكين والنائبين، وتقييد الفرقة بالأبدان يفيد عموم اعتبار المجلس، ومن ثم قالوا: إنه لا يبطل بما يدل على الاعراض، ولو سارا فرسخا ولم يتفرقا صح، وقد اعتبروا المجلس في مسألة هي ما لو قال الأب اشهدوا أني اشتريت هذا الدينار من ابني الصغير بعشرة دراهم ثم قام قبل أن يزن العشرة فهو باطل، كذا عن محمد، لأنه لا يمكن اعتبار التفرق بالأبدان. نهر. وفي البحر: لو نادى أحدهما صاحبه من وراء جدار أو من بعيد لم يجز، لأنهما مفترقان بأبدانهما، وتفرع على اشتراط القبض أنه لا يجوز الابراء عن بدل الصرف ولا هبته والتصدق به، فلو فعل لم يصح بدون قبو الآخر، فإن قبل انتقض الصرف وإلا لم يصح ولم ينتقض، وتمامه في البحر. تنبيه: قبض بدل الصرف في مجلس الإقالة شرط لصحتها كقبضه في مجلس العقد، بخلاف إقالة السلم، وقدمنا الفرق في بابه. وفي البحر: لو وجب دين بعقد متأخر عن عقد الصرف لا يصير قصاصا ببدل الصرف وإن تراضيا، ولو قبض بدل الصرف ثم انتقض القبض فيه. لمعنى أوجب انتقاضه يبطل الصرف، ولو استحق أحد بدليه بعد الافتراق فإن أجاز المستحق والبدل قائم أو ضمن الناقد وهو هالك جاز الصرف، وإن استرده وهو قائم أو ضمن القابض قيمته وهو هالك بطل الصرف. قوله: (على
389 الصحيح) وقيل شرط لانعقاده صحيحا، وعلى الأول قول الهداية: فإن تفرقا قبل القبض بطل، فلولا أنه منعقد لما بطل بالافتراق كما في المعراج وثمرة الخلاف فيما إذا ظهر الفساد فيما هو صرف يفسد فيما ليس صرفا عند أبي حنيفة، ولا يفسد على القول الأصح. فتح. قوله: (وإن اختلفا جودة وصياغة) قيد إسقاط الصفة بالأثمان، لأنه لو باع إناء نحاس بمثله وأحدهما أثقل من الآخر جاز مع أن النحاس وغيره مما يوزن من الأموال الربوية أيضا لأنه صفة الوزن في النقدين منصوص عليها فلا تتغير بالصنعة ولا يخرج عن كونه موزونا بتعارف جعله عدديا لو تعورف ذلك، بخلاف غيرهما فإن الوزن فيه بالعرف فيخرج عن كونه موزونا بتعارف عدديته إذا صيغ وصنع، كذا في الفتح، حتى لو تعارفوا بيع هذه الأواني بالوزن لا بالعدد لا يجوز بيعها بجنسها إلا متساويا، كذا في الذخيرة. نهر. قوله: (لما مر في الربا) أي من أن جيد مال الربا ورديئه سواء، وتقدم استثناء حقوق العباد، ومر الكلام فيه فراجعه، ومنه ما في البحر عن الذخيرة: غصب قلب فضة ثم استهلكه فعليه قيمته مصوغا من خلاف جنسه، فإن تفرقا قبل قبض القيمة جاز خلافا لزفر لأنه صرف حكما للضمان الواجب بالغصب لا مقصودا فلا يشترط له القبض ا ه. وإنما لزمه الضمان من خلاف جنسه لئلا يلزم الربا لان قيمته مصوغا أزيد من وزنه. قوله: (شرط التقابض) أي قبل الافتراق كما قيد به بعض النسخ. وفي البحر عن الذخيرة: لو اشترى المودع الوديعة الدراهم بدنانير وافترقا قبل أن يحدد المودع قبضا في الوديعة بطل الصرف، بخلاف المغصوبة، لان قبض الغصب ينوب عن قبض الشراء، بخلاف الوديعة ا ه. قوله: (لحرمة النساء) بالفتح: أي التأخير فإنه يحرم بإحدى علتي الربا: أي القدر أو الجنس كما مر في بابه. قوله: (فلو باع النقدين) تفريع على قوله وإلا شرط التقابض فإنه يفهم منه أنه لا يشترط التماثل، وقيد بالنقدين لأنه لو باع فضة بفلوس فإنه يشترط قبض أحد البدلين قبل الافتراق لا قبضهما كما في البحر عن الذخيرة. ونقل في النهر عن فتاوى قارئ الهداية أنه لا يصح تأجيل أحدهما، ثم أجاب عنه، وقدمنا ذلك في باب الربا، وقدمنا هناك أنه أحد قولين فراجعه عند قول المصنف باع فلوسا بمثلها أو بدراهم الخ. قوله: (أحدهما بالآخر) احترازا عما لو باع الجنس بالجنس جزافا حيث لم يصح ما لم يعلم التساوي قبل الافتراق كما قدمناه قوله (جزافا) أي بدون معرفة قدر، وقوله أو بفضل أي بتحقق زيادة أحدهما على الآخر، وسكت عن التساوي للعلم بصحته بالأولى. قوله: (والعوضان لا يتعينان) أي في الصرف ما دام صحيحا، أما بعد فساده فالصحيح التعيين كما في الأشباه، وقدمنا عنها في أواخر البيع الفاسد ما تتعين فيه النقود وما لا تتعين. قوله: (حتى لو استقرضا الخ) صورته: قال أحدهما للآخر بعتك درهما بدرهم وقبل الآخر ولم يكن عندهما شئ ثم استقرض كل منهما درهما من ثالث وتقابضا قبل الافتراق صح، وكذا لو قال بعتك هذا الدرهم بهذا الدرهم وأمسك كل منهما درهمه قبل التسليم ودفع كل منهما درهما آخر قبل الافتراق، ومثله كما في الدرر ما لو استحق كل من العوضين فأعطى كل منهما صاحبه بدل ما استحق من جنسه. قوله: (وأديا مثلهما) ضمير
390 مثلهما عائد على ما وثناه باعتبار المعنى. قوله (ويفسد الصرف) أي فسادا من الأصل لأنه فساد مقترن بالعقد كما في المحيط. شرنبلالية قوله: (لإخلالهما بالقبض) لان خيار الشرط يمتنع به استحقاق القبض ما بقي الخيار، لان استحقاقه مبني عل الملك والخيار يمنعه والأجل يمنع القبض الواجب. درر قوله: (ويصح مع إسقاطهما في المجلس) هكذا في الفتح وغيره، والظاهر أن المراد إسقاطهما بنقد البدلين في المجلس لا بقولهما أسقطنا الخيار والأجل، إذ بدون نقد لا يكفي وأنه لا يلزم الجمع بين الفعل والقول، ثم رأيت في القهستاني قال: فلو تفرقا من غير تقابض أو من أجل شرط خيار فسد البيع، ولو تقابضا في الصور قبل التفرق انقلب صحيحا ا ه. ونحوه في التاترخانية، فافهم. قوله: (لزوال المانع) أي قبل تقرره. درر. قوله: (في مصوغ لا نقد) فيه أن النقد يدخله خيار العيب كما ذكره المصنف في قوله عقبه ظهر بعض الثمن زيوفا الخ. وقال في البحر وأما خيار العيب فثابت فيه، وأما خيار الرؤية فثابت في العين دون الدين الخ. وفي الفتح: وليس في الدراهم والدنانير خيار رؤية، لأن العقد لا ينفسخ بردها لأنه إنما وقع على مثلها، بخلاف التبر والحلي والأواني من الذهب والفضة، لأنه ينتقض العقد برده لتعينه فيه الخ، فكان الصواب أن يقول في مصوغ لا خيار رؤية في نقد. قوله: (الشرط الفاسد الخ) في البحر لو تصارفا جنسا بجنس متساويا وتقابضا وتفرقا ثم زاد أحدهما الآخر شيئا أو حط عنه وقبله الآخر فسد البيع عنده. وعند أبي يوسف: بطلا وصح الصرف. وعند محمد: بطلت الزيادة وجاز الحط بمنزلة الهبة المستقبلة، وهذا فرع اختلافهم في أن الشرط الفاسد المتأخر عن العقد إذا ألحق به هل يلتحق؟ لكن محمد فرق بين الزيادة والحط. ولو زاد أو حط في صرف بخلاف الجنس جاز إجماعا بشرط قبض الزيادة قبل الافتراق ا ه. وانظر ما حررناه في أول باب الربا. قوله: (ينتقض فيه فقط) أي ينفسخ الصرف في المردود ويبقى في غيره لارتفاع القبض فيه فقط. درر. وفي كافي الحاكم: اشترى عشرة دراهم بدينار وتقابضا ثم وجد فيها درهما ستوقا أو رصاصا، فإن كانا لم يتفرقا استبدله، وإن كانا قد تفرقا رده عليه وكان شريكا في الدينار بحصته. وهذا بمنزلة ما لو نقده تسعة دراهم ثم فارقه ا ه. ومقتضاه أنه بعد التفرق لا يتأتى الاستبدال فافهم. قوله: (لا يتصرف في بدل الصرف قبل قبضه) أي بهبة أو صدقة أو بيع، حتى لو وهبه البدل أو تصدق أو أبرأه منه، فإن قبل بطل الصرف وإلا لا، فإن البراءة ونحوها سبب الفسخ فلا ينفرد به أحدهما بعد صحة العقد. فتح. وقيد بالتصرف لان الاستبدال به صحيح كما مر. قوله: (فسد بيع الثوب) لأنه لو جاز سقط حق القبض المستحق لله تعالى فلا يسقط بإسقاط المتعاقدين. فتح. وعند زفر: يصح البيع لان الثمن في بيعه لم يتعين كونه بدل الصرف، لان النقد لا يتعين، وقواه في الفتح. ونازعه في البحر بما اعترضه في النهر: وأجاب عما في الفتح بجواب آخر فراجعه، وأطلق
391 فساد البيع فشمل ما لو كان الشراء من صاحبه أو من أجنبي كما في الكافي. قوله: (والصرف بحاله) أي فيقبض بدله ممن عاقده معه. فتح. وهذا بخلاف ما لو أبرأه أو وهبه وقبل فإن الصرف يبطل كما علمت. قوله: (باع أمة الخ) حاصل هذه المسائل أن الجمع بين النقود وغيرها في البيع لا يخرج النقود عن كونها صرفا بما يقابلها من الثمن. نهر. قوله: (قيمته ألف) كون قيمة الجارية مع الطوق متساويين ليس بشرط، بل إذا بيع نقد مع غيره من جنسه لا بد من أن يزيد الثمن على النقد المضمون إليه، فلو قال مع طوق زنته ألف بألف ومائة لكان أولى. نهر. قوله: (إنما بين قيمتهما الخ) أشار إلى ما اعترض به الزيلعي من أن في عبارة المصنف تسامحا لأنه ذكر القيمة في كل منهما، ولا تعتبر القيمة في الطوق وإنما يعتبر القدر عند المقابلة بالجنس، وكذا لا حاجة إلى بيان قيمة الجارية، لان قدر الطوق مقابل به والباقي بالجارية قلت قيمتها أو كثرت، فلا فائدة في بيان قيمتها، إلا إذا قدر أن الثمن بخلاف جنس بيان قيمتها، إلا إذا قدر أن الثمن بخلاف جنس الطوق فحينئذ يفيد بيان قيمتها لان الثمن ينقسم عليهما على قدر قيمتهما ا ه. وبه ظهر أن تقييد الشارح أولا الطوق بكونه فضة لا يناسب ما ذكره من الانقسام، إلا أن يحمل الألف في قوله: قيمته ألف على أنه من الذهب: أي ألف مثقال، لكن قوله: أو أنه غير جنس الطوق ينافي ذلك، وقد تبع فيه العيني. وصوابه: إذا كان غير جنس الطوق فيوافق ما أجاب به الزيلعي، لان الإنقاسم المذكور إنما يكون عند اختلاف الجنس، وبعد هذا يرد عليه كما قال ط: إنه عند اختلاف الجنس لا تعتبر القيمة بل يشترط التقابض كما سيذكره في الأصل الآتي. وفي المنح: ولو بيع المصوغ من الذهب أو المزركش منه بالدراهم فلا يحتاج إلى معرفة قدره، وهل هو أقل أو أكثر؟ بل يشترط القبض في المجلس، فلو بيع بالذهب يحتاج الخ. قلت: وقد يجاب بأن بيان القيمة له فائدة وإن اختلف الجنس، وذلك عند استحقاق الطوق أو الجارية. تأمل. قوله: (ألف نقد وألف نسيئة) قيد بتأجيل البعض، لأنه لو أجل الكل فسد البيع في الكل عنده، وقالا في الطوق فقط. وتمامه في البحر. وذكر في الدرر أنه لو نقد ألفا في تأجيل الكل فهو حصة الطوق. واعترضه في الشرنبلالية بأنه فاسد من الأصل على قوم الامام فلا يحكم بصحته بنقد الألف بعده. وأجيب بأنه إذا نقد حصة الصرف قبل الافتراق يعود إلى الجواز لزوال المفسد قبل تقرره كما مر في اشتراط الاجل. قوله: (ويخلص بلا ضرر) الأولى إسقاطه كما فعل في الكنز، وقد تبع المصنف في ذكره الوقاية والدرر. واعترضهم في العزمية وغيرها، وأيضا فلا معنى لكونه شرطا في هذه المسألة، لان البيع صح في الكل. وأجيب بأنه يفهم ما إذا تخلص بضرر بالأولى. نعم ذكره عند قوله الآتي: فإن افترقا في محله. قوله: (ونقد خمسين) أي والخمسون الباقية دين أو نسيئة ط.
392 مطلب: يستعمل المثنى في الواحد قوله: (تحريا للجواز) إذ الظاهر قصدهما الوجه المصحح، لأن العقد لا يفيد تمام مقصودهما إلا بالصحة فكان هذا الاعتبار عملا بالظاهر. والظاهر يجب العمل به إلا إذا صرح بخلافه كما يأتي، وقوله: خذ هذا من ثمنهما لا يخالفه لان المثنى استعمل في الواحد أيضا كما في قوله تعالى * (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) * (الرحمن: 22) وقوله تعالى: * (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) * (الانعام: 031) والرسل من الانس، وقوله تعالى: * (نسيا حوتهما) * (الكهف: 16) وقوله (ص) إذا سافرتما فأذنا وأقيما وتمامه في الفتح. قال في البحر: ونظيره في الفقه إذا حضتما حيضة أو ولدتما ولدا علق بإحداهما للاستحالة، بخلاف ما إذا لم يذكر المفعول به للامكان. قوله: (لأنه اسم للحلية أيضا الخ) عبارات الزيلعي لأنهما شئ واحد ا ه. وبه يظهر أنه في مسألة الجارية المطوقة لو قال خذ هذا من ثمن الجارية يفسد البيع، وبه صرح في النهر. قوله: (ولو زاد خاصة فسد البيع) أي بأن قال هذا المعجل حصة السيف خاصة. وعبارة المبسوط: انتقض البيع في الحلية، وظاهره أنه يصح في السيف دون الحلية. وعليه فكان المناسب أن يقول: فسد الصرف، لكن هذا محمول على ما إذا كانت الحلية تتميز بلا ضرر لامكان التسليم، وبهذا الحمل وفق الزيلعي بين ما في المبسوط وبين ما في المحيط من أنه لو قال هذا من ثمن النصل خاصة: فإن لم يمكن التمييز إلا بضرر يكون المنقود ثمن الصرف ويصحان جميعا لأنه قصد صحة البيع ولا صحة له إلا بصرف المنقود إلى الصرف فحكمنا بجوازه تصحيحا للبيع، وإن أمكن تمييزها بلا ضرر بطل الصرف ا ه. ولا يخفى حسن هذا التوفيق لأنه إذا صح البيع والصرف مع ذكر النصل بجعل المنقود ثمنا للحلية التي لا يمكن تمييزها إلا بضرر يلزم أن يصح مع ذكر السيف بالأولى، إذ لا شك أن لفظ النصل أخص من لفظ السيف، لان السيف يطلق على النصل والحلية، وبه اندفع ما في البحر. نعم في كلام الزيلعي نظر من وجه آخر بيناه فيما علقناه على البحر. تنبيه: بقي ما لو قال نصفه من ثمن الحلية ونصفه من ثمن السيف فالمقبوض من ثمن الحلية كما في الزيلعي والظاهر حمله على ما إذا لم يمكن تمييز بلا ضرر، فلو أمكن فسد الصرف في نصف الحلية، يدل عليه ما في كافي الحاكم: ولو باع قلب فضة فيه عشرة وثوبا بعشرين درهما فنقده عشرة وقال نصفها من ثمن القلب ونصفها من ثمن الثوب ثم تفرقا وقد قبض القلب والثوب انتقض البيع في نصف القلب. وأما في السيف إذا سمى فقال نصفها من ثمن الحلية ونصفها من ثمن نصل السيف ثم تفرقا لم يفسد البيع ا ه تأمل. وانظر ما علقناه على البحر. قوله: (وصح في السيف) لعدم اشتراط قبض ثمنه في المجلس. نهر. قوله: (كطوق الجارية) الأولى كالجارية المطوقة، لأنه إذا تخلص السيف عن حليته بلا ضرر يقدر على تسليمه فيصير كبيع الجارية مع طوقها. قوله (بطل أصلا) أي بطل بيع الحلية والسيف لتعذر تسليم السيف بلا ضرر كبيع جذع من سقف. نهر. مطلب في بيع المموه تتمة: قال في كافي الحاكم: وإذا اشترى لجاما مموها بفضة بدراهم أقل مما فيه أو أكثر فهو جائز
393 لان التمويه لا يخلص، ألا ترى أنه إذا اشترى الدار المموهة بالذهب بثمن مؤجل يجوز ذلك وإن كان ما في سقوفها من التمويه بالذهب أكثر من الذهب في الثمن ا ه. والتمويه: الطلي. ونقل الخير الرملي نحوه عن المحيط، ثم قال: وأقول يجب تقييد المسألة بما إذا لم تكثر الفضة أو الذهب المموه. أما إذا كثر بحيث يحصل منه شئ يدخل في الميزان بالعرض على النار يجب حينئذ اعتباره، ولم أره لأصحابنا، لكن رأيته للشافعية وقواعدنا شاهدة به، فتأمل ا ه. قوله: (والأصل الخ) أشار به إلى فائدة قوله فباعه بمائة: أي بثمن زائد على قدر الحلية التي من جنس الثمن ليكون قدر الحلية ثمنا لها والزائد ثمنا للسيف، إذ لو لم تتحقق الزيادة بطل البيع، أما لو كان الثمن من خلاف جنسها جاز البيع كيفما كان لجواز التفاضل كما في البحر، ومقتضاه أن المؤدى من خلاف الجنس وإن قل يقع عن ثمن الحلية وغير المؤدى يكون ثمن النصل تحريا للجواز. مطلب في بيع المفضض والمزركش وحكم علم الثوب قوله: (كمفضض ومزركش) الأول ما رصع بفضة أو ألبس فضة كسرج من خشب ألبس فضة، والثاني في العرف هو المطرز بخيوط فضة أو ذهب، وبه عبر في البحر. وأما حلية السيف فتشمل ما إذا كانت الفضة غير ذلك كقبيعة السيف تأمل، وخرج المموه كما علمت آنفا. تنبيه: لم يذكر حكم العلم في الثوب. وفي الذخيرة: وإذا باع ثوبا منسوجا بذهب بالذهب الخالص لا بد لجوازه من الاعتبار، وهو أن يكون الذهب المنفصل أكثر، وكان ينبغي أن يجوز بدونه لان الذهب الذي نسج خرج عن كونه وزنيا ولذا لا يباع وزنا، لكنه وزني بالنص فلا يخرجه عن كونه مال ربا. ثم قال: وفي المنتقى أن في اعتبار الذهب في السقف روايتين فلا يعتبر العلم في الثوب، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يعتبر ا ه. وفي التاترخانية عن الغيائية: لو باع دارا في سقوفها ذهب بذهب: في رواية لا يجوز بدون الاعتبار لان الذهب لا يكون تبعا، بخلاف علم الثوب والإبريسم في الذهب فإنه لا يعتبر لأنه تبع محض ا ه. وظاهر التعليل أن ذهب السقوف عين قائمة لا مجرد تمويه، ويدل عليه ما قدمناه آنفا عن الكافي من أن المموه لا يعتبر لكونه لا يخلص. وفي الهندية عن المحيط: والدار فيها صفائح ذهب أو فضة يبيعها بجنسها كالسيف المحلى ا ه. وحاصل هذا كله اعتبار المنسوج قولا واحدا، واختلاف الرواية في ذهب السقف والعلم وأن المعتمد عدم اعتباره في المنسوج، وقد علم بهذا أن الذهب إن كان عينا قائمة في المبيع كمسامير الذهب ونحوها في السقف مثلا يعتبر كطوق الأمة وحلية السيف، ومثله المنسوج بالذهب فإنه قائم بعينه غير تابع، بل هو مقصود بالبيع كالحلية والطرق، وبه صار الثوب ثوبا ولذا يسمى ثوب ذهب، بخلاف المموه لأنه مجرد لون لا عين قائمة، وبخلاف العلم في الثوب فإنه تبع محض فإن الثوب لا يسمى به ثوب ذهب، ولا يرد ما قدمه الشارح من أن الحلية تبع للسيف أيضا، فإن تبعيتها له من حيث دخولها في مسماه عرفا سواء كانت فيه أو في قرابه، لكنه أصل من حيث قيامها بذاتها وقصدها بالشراء كطوق الجارية، ولا كذلك علم الثوب لان الشرع أهدر اعتباره حتى حل استعماله، لكن ينبغي أنه لو زاد على أربعة أصابع أن يعتبر هنا أيضا، هذا ما ظهر لي في تحرير هذا المحل، فتأمل. قوله: (شرط التقايض
394 فقط) أي ولا يشترط تحقق زيادة الثمن كما قدمناه. قوله: (صح فيما قبض) لوجود شرط الصرف فيه. نهر. قوله: (لأنه صرف) هذا علة العلة، لأن علة الاشتراك بطلان البيع فيما لم يقبض لأنه صرف أو هو علة لقوله: صح فيما قبض وما بعده، والمراد أنه صرف كله كما في الهداية. قال في الكفاية: فصح فيما وجد شرطه وبطل فيما لم يوجد، بخلاف مسألتي الجارية مع الطوق والسيف مع الحلية، فإن كل واحدة منهما صرف وبيع، فإذا نقد بدل الصرف صح في الكل. قوله: (لتعيبه من قبله) أي لتعيب الاناء بعيب الشركة من جهة المشتري بصنعه بسبب عدم نقده كل الثمن قبل الافتراق. قوله: (فيخير) أي في أخذ الباقي. قوله: (وإذا استحق بعضه) أي وقد كان نقد كل الثمن. قوله: (لتعيبه بغير صنعه) لان عيب الاشتراك كان موجودا عند البائع مقارنا للعقد. قوله: (ومفاده) أي مفاد التعليل المذكور. قوله: (لا بإقراءه) أي لو ادعى المستحق ببعض الاناء فأقر له به المشتري لا يخبر لان الشركة ثبتت بصنعه. ولا يخفى أن النكول عن اليمين إن كان من البائع فهو كالبينة، وإن كان من المشتري فهو في حكم الاقرار منه، ولذا لا يرجع بالثمن على بائعه إذا نكل، كما لو أقر كما مر في بابه. قوله: (اختلفوا الخ) فإنه قيل إن العقد ينفسخ بقضاء القاضي للمستحق بالاستحقاق وهو رواية الخصاف، وقيل لا ما لم يرجع المشتري على بائعه، وقيل ما لم يأخذ المستحق العين، وقيل ما لم يقض على البائع بالثمن. وفي الهداية أنه ظاهر الرواية. وقدمنا تحرير الكلام على ذلك والتوفيق بينه وبين ما نقله عن الفتح فراجعه في أول باب الاستحقاق، وأشار الشارح إلى أن ما مشى عليه المصنف أحسن مما في البحر عن السراج حيث قال: فإن أجاز المستحق قبل أن يحكم له بالاستحقاق، فإن مفهومه أنه ليس له الإجازة بعد الحكم بالاستحقاق لانفساخ العقد بالحكم، وهذه رواية الخصاف كما علمت، وهي خلاف ظاهر الرواية. قوله: (وكان الثمن له) أي للمستحق، لان البائع كان فضوليا في بيع ما استحقه المستحق وتوقف على إجازته قبل الفسخ، فإذا أجاز نفذ العقد وكان الثمن له. قوله: (إذا لم يفترقا) أي البائع والمشتري، وهذا متعلق بقوله جاز العقد. قوله: (بعد الإجازة) كذا في البحر عن السراج، مع أن الذي في الجوهرة وهي للحدادي صاحب السراج قبل الإجازة، ويؤيده قوله في السراج والجوهرة. حتى لو افترق العاقدان قبل إجازة المستحق بطل العقد، وإن فارقه المستحق قبل الإجازة اللاحقة باقيان في المجلس صح العقد ا ه. والحاصل أن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة فيصير هذا الفضولي بعد الإجازة كأنه كان وكيلا بالبيع قبلها، فإن حصل التقابض بينه وبين المشتري قبل الافتراق نفذ العقد بالإجازة اللاحقة، وإن افترقا قبل التقابض لا ينفذ العقد بها، لأنه لو كان وكيلا حقيقة قبل العقد يفسد بالافتراق بلا قبض، فكيف إذا صار وكيلا بالإجازة اللاحقة؟ ثم إذا حصل التقابض قبل الافتراق، والإجازة ثم أجاز نفذ
395 العقد وإن افترقا بعد، أما إذا أجاز قبل الافتراق والتقابض، فلا بد من التقابض بعدها قبل الافتراق لفساد العقد بالافتراق بدون تقابض وإن أجاز قبله، وعلى هذا يحمل كلام المصنف. قوله: (ولو باع قطعة نقرة) بضم النون، وهي كما في المغرب والقاموس: القطعة المذابة من الذهب أو الفضة، وقبل الإذابة تسمى تبرأ كما في المصباح ويقال نقرة فضة على الإضافة للبيان كما في المغرب. قوله: (لان التبعيض لا يضرها) فلم يلزم عيب الشركة لامكان أن يقطع حصته مثلا. نهر. قوله: (لتفرق الصفقة) أي قبل تمامها، بخلاف ما بعد القبض لتمامها. بحر. ويقال فيما إذا أجاز المستحق قبل فسخ الحاكم العقد ما قيل في مسألة الاناء السابقة أفاده الشرنبلالي. قوله: (وكذا الدينار والدرهم) أي نظير النقرة لان الشركة في ذلك لا تعد عيبا، كذا في الكرخي. منح عن الجوهرة: أي لو استحق بعضه لا يخير لأنه ليس عيبا، قال ط: لامكان صرفه واستيفاء كل حقه من بدله. قوله: (بصرف الجنس بخلاف جنسه) أي تصحيحا للعقد، كما لو باع نصف عبد مشترك بينه وبين غيره فإنه ينصرف إلى نصيبه تصحيحا للعقد. وفي الظهيرية عن المبسوط: باع عشرة وثوبا بعشرة وثوب وافترقا قبل القبض بطل العقد في الدارهم، ولو صرف الجنس إلى خلاف جنسه لم يبطل، ولكن قبل في العقود للتصحيح في الابتداء ولا يحتاج للبقاء على الصحة ا ه. بحر أي لان الفساد هنا عرض بالافتراق قبل القبض. قوله: (وكذا بيع أحد عشر درهما الخ) فتكون العشرة بالعشرة والدرهم بالدينار، وأردف هذه المسألة وإن علمت مما قبلها لبيان أن صرف الجنس إلى خلاف جنسه، لا فرق فيه بين أن يوجد الجنسان في كل من البدلين أو أحدهما. أفاده في النهر عن العناية. قوله: (بفتح وتشديد) أي بفتح العين المعجمة وتشديد اللام. قوله: (ما يرده بيت المال) أي لا لزيافتها بل لكونها قطعا. عزمي عن النهاية، وفيه توفيق بين تفسيرها بما ذكر الشارح وتفسيرها بالدراهم المقطعة. مطلب في حكم بيع فضة بفضة قليلة مع شئ آخر لاسقاط الربا تنبيه: في الهداية ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهبا بذهب ومع أقلهما شئ آخر تبلغ قيمته باقي الفضة جاز البيع من غير كراهة، وإن لم تبلغ فمع الكراهة، وإن لم يكن له قيمة لا يجوز البيع لتحقق الربا، إذ الزيادة لا يقابلها عوض فتكون ربا ا ه. وصرح في الايضاح بأن الكراهة قول محمد. وأما أبو حنيفة فقال: لا بأس. وفي المحيط: إنما كرهه محمد خوفا من أن يألفه الناس ويستعملوه فيما لا يجوز، وقيل لأنهما باشرا الحيلة لاسقاط الربا كبيع العينة فإنه مكروه ا ه. بحر. وأورد أنه لو كان مكروها لزم أن يكره في مسألة الدرهمين والدينار بدرهم ودينارين ولم يذكره.
396 وأجيب عنه بجواب اعتراضه في الفتح، ثم قال: وغاية الامر أنه لم ينص هناك على الكراهة فيه ثم ذكر أصلا كليا يفيده، وينبغي أن يكون قول أبي حنيفة أيضا على الكراهة كما هو ظاهر إطلاق المصنف بلا ذكر خلاف ا ه. ويأتي الكلام على بيع العينة آخر الباب وفي الكفالة إن شاء الله تعالى، وانظر ما قدمناه قبيل الربا. قوله: (ممن هي له) متعلق ببيع. قوله: (فصح بيعه منه) هذا وإن علم لكن كرره ليبين أن قوله دينارا مفعول بيع وكان الأوضح والأخضر للمصنف أن يقول: وصح بيع دينار بعشرة عليه أو مطلقة ممن هي له. قوله: (وتقع المقاصة بنفس العقد) أي بلا توقف على إرادتهما لها، بخلاف المسألة الآتية، ووجه الجواز أنه جعل ثمنه دراهم لا يجب قبضها ولا تعيينها بالقبض، وذلك جائز إجماعا لان التعيين للاحتراز عن الربا: أي ربا النسيئة، ولا ربا في دين سقط، إنما الربا في دين يقع الخطر في عاقبته، ولذا لو تصارفا دراهم دينا بدنانير دينا صح لفوات الخطر. قوله: (إن دفع البائع الدينار) قيد في الصورتين. ط عن مكي. قوله: (وتقاصا العشرة) قيد في الثانية فقط. نهر قوله: (بالعشرة الدين استحسانا) والقياس أن لا يجوز، وهو قول زفر لكونه استبدالا ببدل الصرف قبل قبضه، وجه الاستحسان أنه بالتقابض انفسخ العقد الأول وانعقد صرف آخر مضاف إلى الدين، لأنهما لما غيرا موجب العقد فسخاه إلى آخر اقتضاه، كما لو جدد البيع بأكثر من الثمن الأول، كذا قالوا. وتمامه في النهر. وأطلق في العشرة الدين، فشمل ما إذا كانت عليه قبل عقد الصرف أو حدثت بعده في الأصح، فإذا استقرض بائع الدينار عشرة من المشتري أو غصب منه فقد صار قصاصا ولا يحتاج إلى التراضي لأنه قد وجد منه القبض. بحر ملخصا. ولا يخفى أن هذا خاص بالصورة الثانية، إذ في المقيدة لا يتصور أن يكون الدين حادثا لان فرضها أن يبيع الدينار بعشرة عليه، فما في النهر من ذكر ذلك في الأولى سبق قلم، فتنبه. ثم قال في البحر: والحاصل أن الدين إذا حدث بعد الصرف، فإن كان بقرض أو غصب وقعت المقاصة وإن لم يتقاصا، وإن حدث بالشراء بأن باع مشتري الدينار من بائع الدينار ثوبا بعشرة: إن لم يجعلاه قصاصا لا يصير قصاصا باتفاق الروايات، وإن جعلاه ففيه روايتان ذخيرة. مطلب مسائل في المقاصة ومن مسائل المقاصة: ما لو كان للمودع على صاحب الوديعة دين من جنسها لم تصر قصاصا به إلا إذا اتفقا عليه وكانت في يده أو رجع إلى أهله فأخذها، والمغصوب كالوديعة، وكذلك لا تقع المقاصة ما لم يتقاصا لو كان الدينان من جنسين أو متفاوتين في الوصف أو مؤجلين، أو أحدهما حالا والآخر مؤجلا، أو أحدهما غلة والآخر صحيحا كما في الذخيرة. وإذا اختلف الجنس وتقاصا كما لو كان له عليه مائة درهم وللمديون مائة دينار عليه: فإذا تقاصا تصير الدراهم قصاصا بمائة من قيمة الدنانير ويبقى لصاحب الدنانير على صاحب الدراهم ما بقي منها ظهيرية. ودين النفقة للزوجة لا يقع قصاصا بدين للزوج عليها إلا بالتراضي، بخلاف سائر الديون لان دين النفقة أدنى. فروق الكرابيسي ا ه ملخصا. قال: وتقدم شئ من مسائل المقاصة في باب أم الولد. قوله: (حكما) تمييز
397 محول عن المبتدأ: أي حكم ما غلب فضته وذهبه حكم الفضة والذهب الخالصين، وذلك لان النقود لا تخلو عن قليل غش للإنطباع، وقد يكون خلقيا كما في الردئ فيعتبر القليل بالردئ فيكون كالمستهلك ط. قوله: (الاستقراض بها) الأوضح استقراضه ط. وبه عبر في الملتقى. قوله: (كما مر في بابه) لم أره صرح بذلك في باب القرض. قوله: (في حكم عروض) الأولى تعبير الكنز بقوله: ليس في حكم الدراهم والدنانير، وذلك لأنه يجب فيها الاعتبار والتقابض، ولا تتعين بالتعيين إن راجت. قوله: (اعتبارا الغالب) أي في الصورتين. قوله: (إن كان الخالص أكثر من المغشوش) أي أكثر من الخالص الذي خالطه الغش. والأوضح أن يقول: أكثر مما في المغشوش. قال في الفتح: ولا يخفى أن هذا لا يتأتى في كل دراهم غالبة الغش، بل إذا كانت الفضة المغلوبة بحيث لا تتخلص من النحاس إذا أريد ذلك. أما إذا كانت بحيث لا تتخلص لقتلها بل تحترق لا عبرة بها أصلا، بل تكون كالمموهة لا تعتبر ولا تراعى فيها شرائط الصرف وإنما هو كاللون، وقد كان في أوائل سبعمائة في فضة دمشق قريب من ذلك. قال المصنف: أي صاحب الهداية ومشايخنا: يعني مشايخ ما وراء النهر من بخارى وسمرقند لم يفتوا بجواز ذلك: أي بيعها بجنسها متفاضلا في العدالى والغطارفة مع أن الغش فيها أكثر من الفضة لأنها أعز الأموال في ديارنا، فلو أبيح التفاضل فيها يفتح باب الربا الصريح، فإن الناس حينئذ يعتادون في الأموال النفيسة فيتدحرجون ذلك في النقود الخالصة فمنع حسما لمادة الفساد ا ه. وفي البزازية: والصواب أنه لا يفتى بالجواز في الغطارفة لأنها أعز الأموال، وعليه صاحب الهداية والفضلي. قوله: (كما مر) أي في مسألة بيع الزيتون بالزيت. بحر. وهذه مرت في باب الربا. ويحتمل كون التشبيه راجعا إلى ما في المتن من اشتراط كون الخالص أكثر، ومراده بما مر مسألة حلية السيف، كما أفاده في الهداية. قوله: (وزنا وعددا) أي على حسب حالها في الرواج. قال في الهداية: ثم إن كانت تروج بالوزن فالتتابع والاستقراض فيها بالوزن، وإن كانت تروج بالعد فبالعد، وإن كانت تروج بهما فبكل واحد منهما، لان المعتبر هو المعتاد فيها إذا لم يكن نص ا ه. ويأتي قريبا. قوله: (بصرف الجنس لخلافه) أي بأن يصرف فضة كل واحد منهما إلى غش الآخر. قوله: (في الصورتين) أي بيعه بالخالص وصورة بيعه بجنسه. قوله: (لضرر التمييز) قال في البحر: يشترط التقابض قبل الافتراق، لأنه صرف في البعض لوجود الفضة أو الذهب من الجانبين، ويشترط في الغش أيضا لأنه لا يتميز إلا بضرر ا ه. فالعلة المذكورة لاشتراط قبض الغش، فاشتراط قبضه لا لذاته بل لأنه لا يمكن فصله عن الخالص الذي فيه المشروط قبضه لذاته. لا يقال: إن النحاس الذي هو الغش موزون أيضا، فقد وجد فيه القدر فيشترط قبضه لذاته أيضا. لأنا نقول: وزن الدراهم غير وزن النحاس ونحوه فلم يجمعهما قدر، وإلا لزم أن لا يجوز بيع القطن ونحوه مما يوزن إلا إذا كان ثمنه من الدراهم مقبوضا في المجلس، لان القدر يحرم النساء مع أنه يجوز السلم فيه كما مر في بابه. ولا يخفى أن الغش لو كان فضة في ذهب فالشرط قبض الكل لذاته
398 لأنه صرف في الكل. قوله: (وإن كان الخالص مثله الخ) محترز قوله إن كان الخالص أكثر. وحاصله: أن الصور أربعة: إما أن يكون الخالص أكثر أو مثله أو أقل أو لا يدري، فيصح في الأولى فقط دون الثلاثة الباقية كما مر في بيع السيف مع حليته. قوله: (أي مثل المغشوش) أي الذي اختلط بالغش. قوله: (فلا يصح البيع) أي لا في الفضة ولا في النحاس أيضا إذا كان لا تتخلص الفضة إلا بضرر. فتح. قوله: (للربا في الأولين) بزيادة الغش في الأول وزيادته مع بعض الذهب أو الفضة في الثاني ط. قوله: (ولاحتماله في الثالث) وللشبهة في الربا حكم الحقيقة ط. قوله: (لا يتعين بالتعيين) فلو قال اشتريت بهذه الدراهم فله أن يمسكها ويدفع غيرها مثله. قوله: (لثمنيته حينئذ) أي حين إذ كان رائجا لأنه بالاصطلاح صار أثمانا، فما دام ذلك الاصطلاح موجودا لا تبطل الثمنية لقيام المقتضي بحر. فلو هلك قبل القبض لا يبطل العقد. فتح. قوله: (تعين به) أي بالتعيين، لأن هذه الدراهم في الأصل سلعة وإنما صارت أثمانا بالاصطلاح، فإذا تركوا المعاملة بها رجعت إلى أصلها. بحر. فيبطل العقد بهلاكها قبل التسليم، هذا إذا كانا يعلمان بحالها ويعلم كل منهما أن الآخر يعلم، فإن كانا لا يعلمان أو لا يعلم أحدهما أو يعلمان ولا يعلم كل أن الآخر يعلم فإن البيع يتعلق بالدراهم الرائجة في ذلك البلد لا بالمشار إليه من هذه الدراهم التي لا تروج. فتح. قوله: (إن علم علم البائع بحاله) لأنه رضي بذلك وأدرج نفسه في البعض الذين يقبلونها فتح. قوله: (وإلا) أي وإن كان لا يعلم بحال هذه الدراهم أو باعه بها على ظن أنها جياد تعلق حقه بالجياد لعدم الرضا بها. بحر. قوله: (بما يروج منه) أي من الذي غلب غشه. قوله: (عملا بالعرف الخ) الأولى ذكره بعد قوله فبكل منهما لان المراد أن اعتبار الوزن أو العدد أو كل منهما مبني على ما هو المتعارف فيها من ذلك. قوله: (فيه) أي فالبيع والاستقراض بالوزن. قوله: (وذهبه) الأولى عطفه بأو. قوله: (فلم يجز إلا بالوزن) بمنزلة الدراهم الرديئة لان الفضة فيها موجودة حقيقة ولم تصر مغلوبة فيجب الاعتبار بالوزن شرعا. بحر. قوله: (إلا إذا أشار إليهما) أي إلى المتساوي وغالب الفضة: أي في المبايعة فيكون بيانا لقدرها ووصفها، ولا يبطل البيع بهلاكها قبل القبض ويعطيه مثلها لكونها ثمنا لم تتعين. بحر. وأفاد أنه في الاستقراض لا يجوز إلا وزنا وإن أشار إليها. قوله: (كما في الخلاصة) أي كما لو أشار إلى الدراهم الخالصة من الغش، وعبارة النهر: كما لو أشار إلى الجياد ا ه. أي فإنه يجوز البيع بما أشار إليه منها بلا وزن أيضا. قوله: (فيصح بالاعتبار المار) أي إذا بيعت بجنسها بصرف الجنس إلى خلاف جنسه: أي بأن يصرف ما في كل منهما من الغش إلى ما في الآخر من الفضة كما مر في الغالب غشه، وظاهره جواز التفاضل هنا أيضا. لكن قال الزيلعي: وفي الخانية: إن كان نصفها صفرا ونصفها فضة لا يجوز التفاضل، فظاهره أنه أراد به فيما إذا بيعت بجنسها، وهو مخالف لما ذكر هنا،
399 ووجهه أن فضتها لما لم تصر مغلوبة جعلت كأن كلها فضة في حق الصرف احتياطا ا ه. وأقره في البحر والنهر والمنح: وظاهره اعتماد ما في الخانية. تأمل. وقال الزيلعي: ولو باعها بالفضة الخالصة لا يجوز حتى تكون الخالصة أكثر مما فيه من الفضة، لأنه لا غلبة لأحدهما على الآخر فيجب اعتبارهما، فصار كما لو جمع بين فضة وقطعة نحاس فباعهما بمثلهما أو بفضة فقط ا ه. وقوله لا غلبة لأحدهما: لأي لواحد من الغش والفضة التي فيه المساوية له. قوله: (وهو نافق) أي رائج من باب تعب. قوله: (فكسد) من باب قتل: أي لم ينفق لقلة الرغبات فيه مصباح. قوله: (ذلك) أفاد به أن إفراد الضمير في كسد باعتبار المذكور، وفيه أن العطف بأو والأولى فيه الافراد ط قوله: (قبل التسليم للبائع) قيد به لأنه لو قبضها ولو فضوليا فيه فكسدت لا يفسد البيع ولا شئ له. نهر. وسينبه عليه الشارح. وفي النهر أيضا: وإن كان نقد بعض الثمن دون بعض فسد في الباقي. قوله: (بطل البيع) أي ثبت للمشتري فسخه كما يأتي مع ما فيه، ووجه بطلانه عند الامام كما في الهداية أن الثمن يهلك بالكساد، لان الثمنية بالاصطلاح ولم يبق فبقي بيعا بلا ثمن فيبطل، فإذا بطل يجب رد المبيع إن كان قائما، وقيمته إن كان هالكا كما في البيع الفاسد ا ه. قوله: (فإنه كالكساد) كذا في البحر تبعا للزيلعي. وفي المضمرات: لو انقطع ذلك فعليه من الذهب والفضة قيمته في آخر يوم انقطع هو المختار. وفي الذخيرة: الانقطاع كالكساد والأول أصح ا ه. رملي عن المصنف. قوله: (وكذا حكم الدراهم) كذا في البحر ولم أره لغيره. وقال محشيه الرملي: أي الدراهم التي لم يغلب عليها الغش، فاقتصار المصنف على غالب الغش والفلوس لغلبة الفساد فيهما دون الجيدة ا ه. تأمل ملخصا. قلت: لكن علمت أن بطلان البيع في كساد غالب الغش والفلوس معلل عند الامام ببطلان الثمنية فبقي بيعا بلا ثمن، ولا شك أن الجياد لا تبطل ثمنيتها بالكساد لان ثمنيتها بأصل الخلقة كما صرحوا به لا بالاصطلاح فلا وجه لبطلانه عنده بكساد الجياد، فالظاهر أن مراد البحر بالدراهم غالبة الغش، لكنه مكرر بما في المتن. تأمل. ثم رأيت في الفتح قال: ولأبي حنيفة أن الثمن يهلك بالكساد، لان مالية الفلوس والدراهم الغالبة الغش بالاصطلاح لا بالخلقة، بخلاف النقدين فإن ماليتهما بالخلقة لا بالاصطلاح ا ه. نعم يمكن أن يجاب بأن هذا في النقض الخالص والمغشوشة التي غلبت فضتها تخالفه، لكن قد مر أنها كالخالصة لان الفضة قلما تنطبع إلا بقليل غش. والحاصل: أن ما ذكره في البحر وتبعه الشارح يحتاج إلى نقل صريح أو يحمل على ما قلنا أولا، فتأمل، وانظر ما قدمناه أول البيوع عند قوله وبثمن حال ومؤجل. قوله: (وصححاه بقيمة المبيع) صوابه: بقيمة الثمن. سائحاني. أو بقيمة الهالك ط. قال في الفتح: وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد: لا يبطل. ثم اختلفوا، فقال أبو يوسف: عليه قيمتها يوم البيع. قال في الذخيرة: وعليه الفتوى لأنه مضمون بالبيع كقوله في المغصوب: إذا هلك عليه قيمته يوم الغصب لأنه يوم تحقق السبب. وقال محمد: عليه قيمتها آخر ما تعامل الناس بها وهو يوم الانقطاع لأنه أوان الانتقال إلى
400 القيمة. وفي المحيط والتتمة والحقائق: به يفتى رفقا بالناس ا ه. ونحوه في البحر. وبه تعلم ما في عبارة الشارح. قوله: (بل يتخير البائع لتعيبها) قال في البحر: وإن كانت تروج في بعض البلاد لا يبطل، لكنه تعيب إذا لم ترج في بلدهم فيتخير البائع، إن شاء وأخذه وإن شاء قيمته ا ه. ومفاده: أن التخيير خاص بما إذا كان الكساد في بلد العقد. قوله، (خلافا لما في نسخ المصنف) حيث قال في البيوت بدون عطف. قوله: (لو راجت) أي بعد الكساد. قوله: (عاد جائزا) الأولى أن يقول: بقي على الصحة بدليل التعليل. أفاده ط. قوله: (أي ثبت للبائع ولاية فسخه) هذا تفسير لمحذوف وهو مؤول، وذلك المحذوف خبر المبتدأ وهو قول: ثم إن ما ذكره مأخوذ من البحر استدلالا بعبارة البزازية، والظاهر أن ما فيها مبني على قول البعض. ففي الفتح: لو اشترى مائة فلس بدرهم فكسدت قبل القبض بطل البيع استحسانا لان كسادها كهلاكها، وهلاك المعقود عليه قبل القبض يبطل العقد. وقال بعض مشايخنا: إنما يبطل العقد إذا اختار المشتري إبطاله فسخا، لان فسادها كعيب فيها والمعقود عليه إذا حدث به عيب قبل القبض ثبت للمشتري فيه الخيار، والأول أظهر ا ه. ومثله في غاية البيان. قوله، (لو انقضت قيمتها) أي قيمة غالبة الغش، ويعلم منه أنه لا يبطل في غالبة الفضة بالأولى. أفاده ط عن أبي السعود. قوله: (وعكسه) لا حاجة إليه. قوله: (ويطالب بنقد ذلك العيار) أي بدفع ذلك المقدار الذي جرى عليه العقد ولا ينظر إلى ما عرض بعده من الغلاء أو الرخص، وهذا عزاه الشارح إلى الفتح ومثله في الكفاية، والظاهر أنه المراد مما نقله في البحر عن الخانية والأسبيجابي من أنه يلزم المثل ولا ينظر إلى القيمة، فمراده بالمثل المقدار. تأمل. وفيه عن البزازية والذخيرة والخلاصة عن المنتقى: غلت الفلوس القرض أو رخصت: فعند الامام الأول والثاني أولا ليس عليه غيرها، وقال الثاني ثانيا: عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض، وعليه الفتوى: أي يوم البيع في البيع ويوم القبض في القرض، ومثله في النهر. فهذا ترجيح لخلاف ما مشى عليه الشارح، ورجحه المصنف أيضا كما قدمناه في فصل القرض، وعليه فلا فرق بين الكساد والرخص والغلاء في لزوم القيمة. قوله: (وكذا فضولي) يعني غير دلال ولا حاجة إليه، لان الدلال إذا باع بغير إذن كان فضوليا، ولعله زاده لان الدلال في العادة يبيع بالاذن كما هو مقتضى اشتقاقه من الدلالة فإنه يدل البائع على المشتري أو بالعكس ليتوسط بينهما في البيع فزاد قوله أو فضولي (1) ليناسب قول المصنف بغير إذنه
(1) قوله: (فزاد قوله أو فضولي) هكذا بخطه، والأول ان يقول فزاد قوله وكذا فضولي لأنه الموجود في نسخ الشارح وليناسب صدر القولة ا ه. مصححه. 401 ويشير إلى أنه لا فرق بين كونه بالاذن أو لا، ولذا قال في النهر: قيدنا بعدم قبض البائع، لأنه لو قبضها ولو فضوليا فكسدت لا يفسد البيع لا شئ. قوله: (عيني وغيره) اعترض بأن عبارة الفتح والعيني والخلاصة دلال باع متاع الغير بإذنه. قلت: لكن الذي رأيته في الفتح عن الخلاصة كعبارة المصنف،، ولفظه: وفي الخلاصة عن المحيط: دلال باع متاع الغير بغير إذنه الخ. نعم الذي في العيني والبحر عن الخلاصة عن المحيط، وكذا في متن المصنف مصلحا بإذنه وهو المناسب لقوله لا يفسد البيع ولقوله لان حق القبض له وعلى ما في الفتح يكون المراد أن المالك أجاز البيع ليناسب ما ذكر. تأمل. قوله: (وإن لم تعين) لأنها صارت أثمانا بالاصطلاح فجاز بها البيع ووجبت في الذمة كالنقدين، ولا تتعين وإن عينها كالنقد، إلا إذا قالا: أردنا تعليق الحكم بعينها فحينئذ يتعلق بها، بخلاف ما إذا باع فلسا بفلسين بأعيانهما حيث يتعين بلا تصريح لئلا يفسد البيع. بحر. وهو ملخص من كلام الزيلعي. قوله: (حتى يعينها) لأنها مبيعة في هذه الحالة والمبيع لا بدأ أن يعين. نهر قوله: (كسلع) عبارة البحر: لأنها سلع. وفي المصباح: السلعة البضاعة جمعها سلع كسدرة وسدر. قوله: (رد مثل أفلس القرض إذا كسدت) أي رد مثلها عددا عند أبي حنيفة. بحر. وأما إذا استقرض دراهم غالبة الغش، فكذلك في قياس قوله. قال أبو يوسف: ولست أروي ذلك عنه، ولكن لروايته في الفلوس. فتح. قال محشي مسكين: وانظر حكم ما إذا اقترض من فضة خالصة أو غالبة أو مساوية للغش ثم كسدت هل هو على هذا الاختلاف: أي بين الامام وصاحبيه أو يجب رد المثل بالاتفاق؟ ا ه. قلت: ويظهر لي الثاني لما قدمناه قريبا، ولما يأتي قريبا عن الهداية ولم يذكر الانقطاع. والظاهر أن الكلام فيه كما مر في غالب الغش. تأمل. وفي حاشية مسكين أن تفيد الاختلاف في رد المثل أو القيمة بالكساد يشير إلى أنها إذا غلت أو رخصت وجب رد المثل بالاتفاق، وقد مر نظيره فيما إذا اشترى بغالب الغش أو بفلوس نافقة ا ه. قلت: لكن قدمنا قريبا أن الفتوى على قول أبي يوسف. ثانيا أن عليه قيمتها من الدراهم، فلا فرق بين الكساد والرخص والغلاء عنده. قوله: (وأوجب محمد قيمتها يوم الكساد) وعند أبي يوسف: يوم القبض. ووجه قول الإمام كما في الهداية أن القرض إعارة وموجبه رد العين معنى والثمنية فضل فيه. ولهما وجوب القيمة أنه لما بطل وصف الثمنية تعذر ردها كما قبض فيجب رد قيمتها، كما إذا استقرض مثليا فانقطع ا ه. وفي الشرنبلالية عن شرح المجمع: محل الخلاف فيما إذا هلكت ثم كسدت، أما لو كانت باقية عنده فإنه يرد عينها اتفاقا ا ه. ومثله في الكفاية. قلت: ومفاد التعليل المذكور يخالفه، فتأمل. قوله: (وعليه الفتوى في بزازية) وكذا في الخانية والفتاوى الصغرى رفقا بالناس. بحر. وفي الفتح: وقولهما أنظر للمقرض من قوله: لان في رد المثل إضرارا به، وقول أبي يوسف
402 أنظر له من قول محمد، لان قيمته يوم القرض أكثر منها يوم الانقطاع، وقول محمد: أنظر للمستقرض، وقول أبي يوسف أيسر، لان القيمة يوم القبض معلومة لا يختلف فيها ويوم الانقطاع يعسر ضبطه، فكان قول أبي يوسف أيسر في ذلك ا ه. ومثله في الكفاية. قوله: (وفي النهر الخ) أصله لصاحب الفتح. قوله: (في اختيار قولهما) أي بوجوب القيمة. قوله: (اشترى بنصف درهم فلوس) الظاهر أنه يجوز في درهم عدم التنوين مضافا إلى فلوس على معنى من كإضافة خاتم حديد، والتنوين مع رفع فلوس على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هو فلوس، ويدل عليه قوله بعده: أو بدرهمين فلوس فإنه لو كان مضافا وجب حذف نون التثنية أو جر فلوس على أنه بدل أو عطف بيان، ويجوز نصبه على التمييز. قوله: (مثلا) الأولى حذفه للاستغناء عنه بقول المصنف بعد وكذا بثلث درهم أو ربعه وإن كان راجعا إلى قوله درهم فهو مستغنى عنه بقوله وكذا لو اشترى بدرهم فلوس الخ ط. قلت: ولعله أشار إلى لفظ دينار كذلك. قوله: (للعلم به الخ) جواب عن قول زفر إنه لا يصح لأنه اشترى بالفلوس وهي تقدر بالعدد لا بالدرهم والدانق لأنه موزون، فذكره لا يغني عن العد فبقي الثمن مجهولا. والجواب أنه لما ذكر الدرهم ثم وصفه بأنه فلوس وهو لا يمكن علم أن المراد ما يباع به من الفلوس وهو معلوم فأغنى عن ذكر العدد فلم تلزم جهالة الثمن كما أوضحه في الفتح. قوله: (جاز عند الثاني الخ) قال في البحر: قيد بما دون الدرهم لأنه لو اشترى بدرهم فلوس أو بدرهمين فلوس لا يجوز عند محمد لعدم العرف. وجوزه أبو يوسف في الكل للعرف وهو الأصح كذا في الكافي والمجتبى ا ه. فافهم. قوله: (بالنصب صفة نصف) تبع في ذلك النهر. وفيه أن فلوسا اسم جامد غير مؤول فالمناسب أنه تمييز للعدد أو عطف بيان. قوله: (من الفضة صغيرا) الأولى أن يقول كما في النهاية وغيرها: أي درهما صغيرا يساوي نصفا إلا حبة، وبه تظهر المقابلة لقوله كبيرا. وعبارة الدرر: أي ما ضرب من الفضة على وزن نصف درهم ا ه. قلت: والأولى أن يقول: على وزن نصف درهم إلا حبة، لان العادة ما يضرب من أنصاف الدرهم أو أرباعه نقص مجموعها عن الدرهم الكامل. قوله: (بمثله) أي مبيعا بمثله من الدرهم الكبير. قوله: (ولو كرر لفظ نصف) بأن قال أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة، فعندهما جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي من النصف الآخر لأنه ربا، وعلى قياس قول الإمام بطل في الكل، لان الصفقة متحدة والفساد قوي مقارن للعقد، ولو كرر لفظ الأعضاء بأن قال وأعطني بنصفه نصفا إلا حبة اختص الفساد بالنصف الآخر اتفاقا لأنهما بيعان لتعدد الصفقة، وهذا هو المختار، وتمامه في الفتح.
403 والحاصل أنه في صورة المتن صح البيع اتفاقا، وفي صورة الشرح فسد في الكل عنده، وفي الفضة فقط عندهما، وفي الآخر جاز في الفلوس فقط كما في البحر: قال: ولم يذكر المصنف القبض قبل الافتراق للعلم به مما قدمه. وحاصله: إن تفرقا قبل القبض فسد في النصف إلا حبة لكونه صرفا، لا في الفلوس لأنها بيع، فيكفي قبض أحد البدلين، ولو لم يعطه الدراهم ولم يأخذ الفلوس حتى افترقا بطل في الكل للافتراق عن دين بدين ا ه. قوله: (وبما تقرر) أي في أول البيوع إلى هاهنا قوله: (مبيع بكل حال) أي قوبل بجنسه أو لا، دخلت عليه الهاء أو لا. مطلب في بيان ما يكون مبيعا وما يكون ثمنا وقد يقال في بيع المقايضة: كل من السلعتين مبيع من وجه وثمن من وجه ط. قلت: المراد بالثمن هنا ما يثبت دينا في الذمة وهذا ليس كذلك. قوله: (كالمثليات) أي غير النقدين وهي المكيل والموزون والعددي المتقارب. قوله: (فإن اتصل بها الباء فثمن) هذا إذا كانت غير متعينة ولم تقابل بأحد النقدين كبعتك هذا العبد بكر حنطة، أما لو كانت متعينة وقوبلت بنقد فهي مبيعة كما في درر البحار أول البيوع. وفي الشرنبلالية في فصل التصرف في المبيع معزيا للفتح: لو قوبلت بالأعيان وهي معينة فثمن ا ه أي كبعتك هذا العبد بهذا الكر أو هذا الكر بهذا العبد، لأنه لم يقيده بدخول الباء عليها. وفي الفتح: هنا وإن لم تعين: أي المثليات، فإن صحبها حرف الباء وقابلها مبيع فهي ثمن، أي وإن لم يصحبها (1) حرف الباء ولم يقابلها ثمن فهي مبيعة، وهذا لان الثمن ما يثبت في الذمة دينا عند المقابلة ا ه فالأول كما مثلنا، والثاني كقولك اشتريت منك كر حنطة بهذا العبد فيكون الكر مبيعا ويشترط له شرائط السلم. قوله: (وإلا فمبيع) أي وإن لم يصحبها الباء فهي مبيع، وهذا إذا لم يقابلها ثمن وهي غير متعينة كما علمته من كلام الفتح وتكون سلما كما قلنا، وكذا لو قابلها ثمن بالأولى كاشتريت منك كر حنطة بمائة درهم، وكذا لو كانت متعينة وقوبلت بثمن كما علمته من عبارة درر البحار. والحاصل أن المثليات تكون ثمنا إذا دخلتها الباء ولم تقابل بثمن أي بأحد النقدين سواء تعينت أولا وكذا إذا لم تدخلها الباء ولم تقابل بثمن وتعينت، وتكون مبيعا إذا قوبلت بثمن مطلقا: أي سواء دخلتها الباء أو لا تعينت أولا، وكذا إذا لم تقابل بثمن ولم يصحبها الباء ولم تعين كبعتك كر حنطة بهذا العبد كما علم من عبارة الفتح الثانية. قوله: (وأما الفلوس الرائجة) (2) يستفاد من البحر أنها قسم رابع، حيث قال: وثمن بالاصطلاح، وهو سلعة في الأصل كالفلوس: فإن كانت رائجة فهي ثمن،
(1) قوله: (اي وان لم يصحبهما الخ) الأنسب بكلام الشارح ان يقول اي، وان لم يتصل بها الخ ا ه, مصححه. (2) قوله: (واما الفلوس الرائجة) هكذا بخطه، والذي في عدة من نسخ الشارح: واما الفلوس فان رائجة وليحرر ا ه. مصححه. 404 وإلا فسلعة ا ه ط. قوله: (ويصح الاستبدال به في غير الصرف والسلم) الأولى أن يقول: ويصح التصرف به قبل قبضه في غير الصرف والسلم، لان الاستبدال يصح في بدل الصرف، لأنه لا يتعين بالتعيين، فلو تبايعا دراهم بدينار جاز أن يمسكا ما أشارا إليه في العقد ويؤديا بدله قبل الافتراق بخلاف التصرف به ببيع ونحوه قبل قبضه كما مر في بابه، وأوضحنا ذلك في باب السلم فراجعه. قال في الشرنبلالية في باب التصرف في المبيع: قوله جاز التصرف في الثمن قبل قبضه، يستثنى منه بدل الصرف والسلم لأنه للمقبوض من رأس المال السلم حكم عين المبيع والاستبدال بالمبيع قبل قبضه لا يجوز، وكذا في الصرف. ويصح التصرف في القرض قبل قبضه على الصحيح: والمراد بالتصرف نحو البيع والهبة والإجارة والوصية وسائر الديون كالثمن ا ه. قوله: (وهكذا) أي وتقول هكذا في عكس باقي الأحكام المذكورة في الثمن بأن تقول: ويبطل البيع بهلاكه ولا يصح الاستبدال به. قوله: (ومن حكمهما) أي حكم الثمن والمبيع. قوله: (كما تقرر) أي في باب الربا. قوله: (تذنيب) شبه هذه المسائل التي ذكرها في آخر كتاب البيوع بذنب الحيوان المتصل بعجزه، وجعل ذكرها في آخره بمنزلة تعليق الذنب في عجز الحيوان، وفيه استعارة لا تخفى. مطلب في بيع العينة قوله: (في بيع العينة) اختلف المشايخ في تفسير العينة التي ورد النهي عنها. قال بعضهم تفسيرها أن يأتي الرجل المحتاج إلى آخر ويستقرضه عشرة دراهم ولا يرغب المقرض في الاقراض طمعا في فضل لا يناله بالقرض فيقول لا أقرضك ولكن أبيعك هذا الثوب إن شئت باثني عشر درهما وقيمته في السوق عشرة ليبيعه في السوق بعشرة فيرضى به المستقرض فيبيعه كذلك، فيحصل لرب الثوب درهمان وللمشتري قرض عشرة. وقال بعضهم: هي أن يدخلا بينهما ثالثا فيبيع المقرض ثوبه من المستقرض باثني عشر درهما ويسلمه إليه ثم يبيعه المستقرض من الثالث بعشرة ويسلمه إليه ثم يبيعه الثالث من صاحبه وهو المقرض بعشرة ويسلمه إليه ويأخذ منه العشرة ويدفعها للمستقرض فيحصل للمستقرض عشرة ولصاحب الثوب عليه اثنا عشر درهما، كذا في المحيط. وعن أبي يوسف: العينة جائزة مأجور من عمل بها، كذا في مختار الفتاوى. هندية. وقال محمد: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا. وقال عليه الصلاة والسلام: إذا تبايعتم بالعين واتبعتم أذناب البقر ذللتم وظهر عليكم عدوكم. قال في الفتح: ولا كراهة فيه إلا خلاف الأولى، لما فيه من الاعراض عن مبرة القرض ا ه ط. ملخصا. قوله: (ويأتي متنا في الكفالة) وإنما نبه على ذكره هنا لأنه من أقسام البيوعات، ونبه على أن بيانه سيأتي في الكفالة. مطلب في بيع التلجئة قوله: (وبيع التلجئة) هي ما ألجئ إليه الانسان بغير اختياره، وذلك أن يخاف الرجل السلطان
405 فيقول لآخر أني أظهر أني بعت داري مك، وليس ببيع في الحقيقة وإنما هو تلجئة ويشهد على ذلك. مغرب. قوله: (بل كالهزل) أي في حق الاحكام والهزل كما في المنار: هو أن يراد بالشئ ما لم يوضع له ولا ما يصلح اللفظ له استعارة، وهو ضد الجد: وهو أن يراد ما وضع له أو ما صلح له، وأنه ينافي اختيار الحكم والرضا به، ولا ينافي الرضا بالمباشرة واختيار المباشرة فصار بمعنى خيار الشرط في البيع، وشرطه أن يكون صريحا مشروطا باللسان: أي بأن يقول إن أبيع هازلا إلا أنه لا يشترط ذكره في العقد، بخلاف خيار الشرط ا ه. فالهزل أعم من التلجئة لأنه يجوز أن لا يكون مضطرا إليه وأن يكون سابقا ومقارنا، والتلجئة إنما تكون عن اضطرار ولا تكون مقارنة، كذا قيل، والأظهر أنهما سواء في الاصطلاح كما قال فخر الاسلام: التلجئة هي الهزل، كذا في جامع الاسرار على المنار للكاكي. ثم اعلم أن التلجئة تكون في الانشاء وفي الاخبار كالاقرار، وفي الاعتقاد كالردة. والأول قسمان: ما يحتمل الفسخ، وما لا كالطلاق والعتاق، وقد بسط ذلك كله في المنار، والغرض الآن بيان الانشاء المحتمل للفسخ كالبيع وهو ثلاثة أقسام، لأنه إما أن يكون الهزل في أصل العقد، أو في قدر الثمن، أو جنسه. قال في المنار: فإن تواضعا على الهزل بأصل البيع واتفقا على البناء: أي بناء العقد على المواضعة يفسد البيع لعدم الرضا بالحكم كالبيع بشرط الخيار المؤبد: أي فلا يملك بالقبض وإن اتفقا على الاعراض: أي بأن قالا بعد البيع قد أعرضنا وقت البيع عن الهزل إلى الجد فالبيع صحيح والهزل باطل. وإن اتفقا على أنه لم يحضرهما شئ عند البيع من البناء والاعراض أو اختلفا في البناء على المواضعة والاعراض عنها فالعقد صحيح عنده في الحالين خلافا لهما، فجعل صحة الايجاب أولى لأنهما الأصل، وهما اعتبرا المواضعة إلا أن يوجد ما يناقضها: أي كما إذا اتفقا على البناء وإن كان ذلك: أي المواضعة في القدر: أي بأن اتفقا على الجد في العقد بألف لكنهما تواضعا على البيع بألفين على أن أحدهما هزل، فإن اتفقا على الاعراض عن المواضعة كان الثمن ألفين لبطلان الهزل بإعراضهما، وإن اتفقا على أنه لم يحضرهما شئ من البناء والمواضعة أو اختلفا فالهزل باطل والتسمية للألفين صحيحة عنده، وعندهما العمل بالمواضعة واجب، والألف الذي هزلا به باطل، لما مر أن الأصل عنده الجد، وعندهما المواضعة، وإن اتفقا على البناء على المواضعة فالثمن ألفان عنده، وإن كان ذلك الهزل في الجنس: أي جنس الثمن بأن تواضعا على مائة دينار وإنما الثمن مائة درهم أو بالعكس فالبيع جائز بالمسمى في العقد على كل حال بالاتفاق: أي سواء اتفقا على البناء أو على الاعراض، أو على عدم حضور شئ منهما، أو اختلفا فيهما ا ه موضحا من شرح الشارح عليه. ومن حواشينا على شرحه المسماة بنسمات الأسحار على إفاضة الأنوار، وتمام بيان ذلك مبسوط فيها. قوله: (أن الأقسام ثمانية وسبعون) قال في التلويح: لان المتعاقدين إما أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا: فالاتفاق إما على إعراضهما، وإما على بنائهما، وإما على ذهولهما، وإما على بناء أحدهما وإعراض الآخر أو ذهوله، وإما على إعراض أحدهما وذهول الآخر، فصور الاتفاق ستة، وإن اختلفا فدعوى أحد المتعاقدين تكون، إما إعراضهما، وإما بناءهما، وإما ذهولهما، وإما بناؤه مع إعراض الآخر أو ذهوله، وإما إعراضه مع بناء الآخر أو ذهوله، وإما ذهوله مع بناء الآخر أو إعراضه تصير تسعة، وعلى كل تقدير
406 من التقادير التسعة يكون اختلاف الخصم بأن يدعي إحدى الصور الثمانية الباقية فتصير أقسام الاختلاف اثنين وسبعين من ضرب التسعة في الثمانية ا ه. وهي مع الست صور الاتفاق ثمانية وسبعون. قلت: وقد أوصلتها في حاشيتي على شرح المنار للشارح إلى سبعمائة وثمانين، ولم أر من أوصلها إلى ذلك فراجعها هناك وامنحني بدعاك. قوله: (ملخصه أنه بيع منعقد غير لازم) لم يصرح في الخانية بذلك، وإنما ذكر أن التلجئة على ثلاثة أوجه كما قدمناه. ثم قال في الأول: وهو ما إذا كانت في نفس العقد لو تصادقا على المواضعة فالبيع باطل، وعنه في رواية أنه جائز، ولو تصادقا أن البيع كان تلجئة ثم أجازاه صحت الإجازة، كما لو تبايعا هزلا ثم جعلاه جدا يصير جدا وإن أجاز أحدهما لا يصح. وفي بيع التلجئة إذا قبض المشتري العبد المشتري وأعتقه لا يجوز إعتاقه، وليس هذا كبيع المكره لان بيع التلجئة هزل، وذكر في الأصل أن بيع الهازل باطل، أما بيع المكره ففاسد ا ه ملخصا. ولعل الشارح فهم أنه منعقد غير لازم من قوله ثم أجازاه صحت الإجازة، لكن ينافيه التصريح بأنه باطل، فإن أريد بالباطل الفاسد نافاه التصريح بأنه إذا قبض العبد لا يصح إعتاقه: أي لأنه لا يملك بالقبض كما مر مع أن الفاسد يملك به. وقد يقال: إن صحة الإجازة مبنية على أنها تكون بيعا جديدا فلا تنافي كونه باطلا، وحينئذ فلا يصح قوله إنه بيع منعقد غير لازم، إلا أن يجاب بأن قوله باطل: بمعنى أنه قابل للبطلان عند عدم الإجازة، والأحسن ما أجبنا به في أول البيوع من أنه فاسد كما صرح به الأصوليون، لان الباطل ما ليس منعقدا أصلا وهذا منعقد بأصله، لأنه مبادلة مال بمال دون وصفه لعدم الرضا بحكمه كالبيع بشرط الخيار أبدا، ولذا لم يملك بالقبض، وليس كل فاسد يملك بالقبض كما لو اشترى الأب شيئا من ماله لطفله أو باعه له كذلك فاسدا لا يملكه بالقبض حتى يستعمله كما في المحيط، وقدمنا هناك تمام الكلام على ذلك، والله تعالى هو الموفق للصواب. قوله: (ولو ادعى أحدهما الخ) هذا أيضا مذكور في الخانية سوى قوله: ولو لم تحضرهما نية الخ. قوله: (فالقول لمدعي الجد) لأنه الأصل. قوله، (ولو برهن أحدهما قبل) الأظهر قول الخانية: ولو برهن مدعي التلجئة قبل، لان مدعي الجد لا يحتاج إلى برهان كما علمت، لان البرهان يثبت خلاف الظاهر. قوله: (فالتلجئة) أي لأنها خلاف الظاهر. قوله: (فالبيع باطل) أي فاسد كما علمت، فإن نقضه أحدهما انتقض لا إن أجازه أي بل يتوقف على إجازتهما جميعا لأنه كخيار الشرط لهما، وإن أجازه جاز بقيد كونها في ثلاثة أيام عنده ومطلقا عندهما، كذا في التحرير. قوله: (وإلا) بأن اتفقا بعد البيع على أنهما أعرضا وقته عن المواضعة. قوله: (ولو لم تحضرهما نية فباطل الخ) مثله في المؤيدية عن الغنية حيث قال: وإن تصادقا على أنهما لم تحضرهما نية عند العقد ففي ظاهر الجواب البيع باطل. وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أن البيع صحيح ا ه. والأول قولهما كما مر عن المنار، ورجحه أيضا المحقق ابن الهمام في التحرير، وأقره تلميذه ابن أمير حاج في شرحه، وجعل المحقق مثله ما إذا اختلفا في الاعراض والبناء: أي بأن
407 قال أحدهما بنينا العقد على المواضعة وقال الآخر على الجد فلا يصح أيضا عندهما. ثم قال: ولو قال أحدهما أعرضت والآخر لم يحضرني شئ أو بنى أحدهما وقال الآخر لم يحضرني شئ فعل أصله عدم الحضور كالاعراض: أي فيصح، وعلى أصلهما كالبناء: أي فلا يصح. قوله: (ومفاده الخ) أي مفاد قوله: وإلا فلازم لكن إنما يتم هذا المفاد إذا قصدا إخلاء العقد عن شرط الوفاء. أما لو لم تحضرهما نية فقد علمت أنه باطل، وهذا المفاد صرح به في جامع الفصولين حيث قال: لو شرطا التلجئة في البيع فسد البيع، ولو تواضعا قبل البيع ثم تبايعا بلا ذكر شرط فيه جاز البيع عند أبي حنيفة إلا إذا تصادقا أنهما تبايعا على تلك المواضعة. وكذا لو تواضعا الوفاء قبل البيع ثم عقدا بلا شرط الوفاء فالعقد جائز، ولا عبرة للمواضعة السابقة ا ه. وفي البزازية: وإن شرطا الوفاء ثم عقاد مطلقا إن لم يقرا بالبناء على الأول فالعقد جائز، ولا عبرة بالسابق كما في التلجئة عند الامام، وقوله فالعقد جائز: أي بناء على قول أبي حنيفة المذكور، ولا يخفى أن الشارح مشى على خلافه، وعليه فالمناسب أن يقول: فالعقد غير جائز. قوله: (ذكرته هنا تبعا للدرر) وذكره في البحر في باب خيار الشرط، وذكر فيه ثمانية أقوال، وعقد له في جامع الفصولين فصلا مستقلا هو الفصل الثامن عشر، وذكره في البزازية في الباب الرابع، في البيع الفاسد، وذكر فيه تسعة أقوال، وكتب عليه أكثر من نصف كراسة. مطلب في بيع الوفاء ووجه تسميته بيع الوفاء أن فيه عهدا بالوفاء من المشتري بأن يرد المبيع على البائع حين رد الثمن، وبعض الفقهاء يسميه البيع الجائز، ولعله مبني على أنه بيع صحيح لحاجة التخلص من الربا حتى يسوغ للمشتري أكل ريعه، وبعضهم يسميه بيع المعاملة. ووجهه أن المعاملة ربح الدين وهذا يشتريه الدائن لينتفع به بمقابلة دينه. قوله: (وصورته الخ) كذا في العناية. وفي الكفاية عن المحيط: هو أن يقول البائع للمشتري بعت منك هذا العين بما لك علي من الدين على أني متى قضيته فهو لي ا ه. وفي حاشية الفصولين عن جواهر الفتاوى: هو أن يقول بعت منك على أن تبيعه مني متى جئت بالثمن فهذا البيع باطل وهو رهن، وحكمه حكم الرهن وهو الصحيح ا ه. فعلم أنه لا فرق بين قوله على أن ترده علي أو على أن تبيعه مني. قوله: (بيع الأمانة) وجهه أنه أمانة عند المشتري بناء على أنه رهن: أي كالأمانة. قوله: (بيع الإطاعة) كذا في عامة النسخ، وفي بعضها بيع الطاعة، وهو المشهور الآن في بلادنا. وفي المصباح: أطاعه إطاعة: أي انقاد له وأطاعه طوعا من باب قال لغة، وانطاع له: انقاد. قالوا: ولا تكون الطاعة إلا عن أمر كما أن الجواب لا يكون إلا عن قول، يقال أمره فأطاع ا ه. ووجهه حينئذ أن الدائن يأمر المدين ببيع داره مثلا بالدين فيطيعه فصار معناه بيع الانقياد قوله: (قيل هو رهن) قدمنا آنفا عن جواهر الفتاوى أنه الصحيح. قال في الخيرية: والذي عليه الأكثر أنه رهن لا يفترق عن الرهن في حكم من الاحكام. قال السيد الإمام: قلت للإمام الحسن الماتريدي: قد فشا هذا البيع بين الناس. وفيه مفسدة عظيمة، وفتواك أنه رهن وأنا أيضا على ذلك، فالصواب أن نجمع الأئمة ونتفق على هذا ونظهره بين الناس،
408 فقال المعتبر اليوم فتوانا وقد ظهر ذلك بين الناس، فمن خالفنا فليبرز نفسه وليقم دليله ا ه. قلت: وبه صدر في جامع الفصولين فقال رامزا لفتاوي النسفي: البيع الذي تعارفه أهل زماننا احتيالا للربا وسموه بيع الوفاء هو رهن في الحقيقة لا يملكه ولا ينتفع به إلا بإذن مالكه، وهو ضامن لما أكل من ثمره وأتلف من شجرة ويسقط الدين بهلاكه لو بقي ولا يضمن الزيادة وللبائع استرداده إذا قضى دينه لا فرق عندنا بينه وبين الرهن في حكم من الاحكام ا ه. ثم نقل ما مر عن السيد الإمام. وفي جامع الفصولين: ولو بيع كرم بجنب هذا الكرم فالشفعة للبائع لا للمشتري، لان بيع المعاملة وبيع التلجئة حكمهما حكم الرهن، وللراهن حق الشفعة وإن كان في يد المرتهن ا ه. قوله: (وقيل بيع يفيد الانتفاع به) هذا محتمل لاحد قولين، الأول أنه بيع صحيح مفيد لبعض أحكامه من حل الانتفاع به إلا أنه لا يملك بيعه. قال الزيلعي في الاكراه: وعليه الفتوى. الثاني القول الجامع لبعض المحققين أنه فاسد في حق بعض الأحكام حتى ملك كل منهما الفسخ صحيح في حق بعض الأحكام : كحل الانزال ومنافع المبيع ورهن في حق البعض حتى لم يملك المشتري بيعه من آخر ولا رهنه وسقط الدين بهلاكه، فهو مركب من العقود الثلاثة كالزرافة فيها صفة البعير والبقر والنمر جوز لحاجة الناس إليه بشرط سلامه البدلين لصاحبهما. قال في البحر: وينبغي أن لا يعدل في الافتاء عن القول الجامع. وفي النهر: والعمل في ديارنا على ما رجحه الزيلعي. قوله: (لم يكن رهنا) لان كلا منهما عقد مستقل شرعا لكل منهما أحكام مستقلة ا ه درر ط. قوله: (ثم إن ذكرا الفسخ فيه) أي شرطاه فيه، وبه عبر في الدرر ط. وكذا في البزازية. قوله: (أو قبله) الذي في الدرر بدل هذا: أو تلفظا بلفظ البيع بشرط الوفاء ا ه ط. ومثله في البزازية. قوله: (جاز) مقتضاه أنه بيع صحيح بقرينة مقابلته لقوله كان بيعا فاسدا، والظاهر أنه مبني على قولهما بأن ذكر الشرط الفاسد بعد العقد لا يفسد العقد فلا ينافي ما بعده عن الظهيرية. قوله: (ولزم الوفاء به) ظاهره أنه لا يلزم الورثة بعد موته، كما أفتى به ابن الشلبي معللا بانقطاع حكم الشرط بموته لأنه بيع فيه إقالة وشرطها بقاء المتعاقدين، ولأنه بمنزلة خيار الشرط وهو لا يورث ا ه. قلت: وهذا ظاهر على هذا القول بأنه بيع صحيح لا يفسده الشرط اللاحق فلا ينافي ما يأتي عن الشرنبلالية. هذا، وفي الخيرية فيما لو أطلق البيع ولم يذكر الوفاء إلا أنه عهد إلى البائع أنه إن أوفى مثل الثمن يفسخ البيع معه. أجاب: هذه المسألة اختلف فيها مشايخنا على أقوال. ونص في الحاوي الزاهدي أن الفتوى في ذلك أن البيع إذا أطلق ولم يذكر فيه الوفاء إلا أن المشتري عهد إلى البائع أنه إن أوفى مثل ثمنه فإنه يفسخ معه البيع يكون باتا حيث كان الثمن ثمن المثل أو بغبن يسير ا ه. وبه أفتى في الحامدية أيضا. فلو كان بغبن فاحش مع علم البائع به فهو رهن، وكذا لو وضع المشتري على أصل المال ربحا. أما لو كان بمثل الثمن أو بغبن يسير بلا وضع ربح فبات، لأنا إنما نجعله رهنا بظاهر حاله أنه لا يقصد البات عالما بالغبن أو مع وضع الربح. أفاده في البزازية وذكر أنه مختار أئمة خوارزم، وذكر في موضع آخر أنه لو آجره من البائع، قال صاحب الهداية: الاقدام على الإجارة بعد
409 البيع دل على أنهما قصدا بالبيع الرهن لا البيع فلا يحل للمشتري الانتفاع به ا ه. واعترضه في نور العين بأن دلالة ذلك على قصد حقيقة البيع أظهر. قلت: وفيه نظر، فإن العادة الفاشية قاضية بقصد الوفاء كما في وضع الربح على الثمن، ولا سيما إذا كانت الإجارة من البائع مع الربح أو نقص الثمن. قوله: (لان المواعيد قد تكون لازمة) قال في البزازية في أول كتاب الكفالة: إذ كفل معلقا بأن قال إن لم يؤد فلان فأنا أدفعه إليك، ونحوه يكون كفالة لما علم أن المواعيد باكتساء صور التعليق تكون لازمة، فإن قوله أنا أحج لا يلزم به شئ ولو علق وقال: إن دخلت الدار فأنا أحج يلزم الحج. قوله: (بزيادة وفي الظهيرية الخ) يعني أن ابن ملك أقره أيضا، وزاد عليه قوله وفي الظهيرية الخ: أي مقترنا بهذه الزيادة، فلفظ زيادة مصدر وما بعده جملة أريد بها لفظها في محل نصب مفعول المصدر. قوله: (يلتحق بالعقد عند أبي حنيفة) أي فيصير بيع الوفاء كأنه شرط في العقد فيأتي فيه الخلاف أنه رهن أو بيع فاسد أو بيع صحيح في بعض الأحكام ، وقدمنا في البيع الفاسد ترجيح قولهما بعدم التحاق الشرط المتأخر عن العقد به. قوله: (ولم يذكر أنه في مجلس العقد أو بعده) أي فيفهم أنه لا يشترط له المجلس. وفي جامع الفصولين: اختلف فيه المشايخ، والصحيح أنه لا يشترط ا ه. ومثله في البزازية. قوله: (ولو باعه) أي البائع، وقوله: توقف الخ أي على القول بأنه رهن، وهل يتوقف على بقية الأقوال المارة محل تردد. قوله: (فللبائع أو ورثته حق الاسترداد) أي على القول بأنه رهن، وكذا على القولين القائلين بأنه بيع يفيد الانتفاع به فإنه لا يملك بيعه كما قدمناه. قوله: (وأفاده في الشرنبلالية الخ) ذكره بحثا، وقوله: نظرا لجانب الرهن يفيد أنه لا يخالف ما قدمناه عن ابن الشلبي، فافهم. وهذا البحث مصرح به في البزازية حيث قال في القول الأول: إنه رهن حقيقة. باع كرمه وفاء من آخر وباعه المشتري بعد قبضه من آخر باتا وسلمه وغاب فللبائع الأول استرداده من الثاني، لان حق الحبس وإن كان للمرتهن لكن يد الثاني مبطلة فللمالك أخذ ملكه من المبطل، فإذا حضر المرتهن أعاد يده فيه حتى يأخذ دينه، وكذا إذا مات البائع والمشتري الأول والثاني فلورثة البائع الأول الاخذ من ورثة المشتري الثاني، ولورثة المرتهن إعادة يدهم إلى قبض دينه ا ه. قوله: (لا يلزم الاجر الخ) أفتى به في الحامدية تبعا للخيرية، فإنه قال في الخيرية ولا تصح الإجارة المذكورة ولا تجب فيها الأجرة على المفتى به سواء كانت بعد قبض المشتري الدار أم قبله. مطلب باع داره وفاء ثم استأجر قال في النهاية: سئل القاضي الإمام الحسن الماتريدي عمن باع داره من آخر بثمن معلوم بيع الوفاء وتقابضا ثم استأجرها من المشتري مع شرائط صحة الإجارة وقبضها ومضت المدة هل يلزمه
410 الاجر؟ فقال لا، لأنه عندنا رهن والراهن إذا استأجر الرهن من المرتهن لا يجب الاجر ا ه. وفي البزازية: فإن آجر المبيع وفاء من البائع، فمن جعله فاسدا قال: لا تصح الإجارة ولا يجب شئ، ومن جعله رهنا كذلك، ومن أجازه جوز الإجارة من البائع وغيره وأوجب الأجرة، وإن آجره من البائع قبل القبض. أجاب صاحب الهداية أنه لا يصح، واستدل بما لو آجر عبدا اشتراه قبل قبضه أنه لا تجب الأجرة وهذا في البات فما ظنك بالجائز ا ه. فعلم به أن الإجارة قبل التقابض لا تصح على قول من الأقوال الثلاثة ا ه ما في الخيرية. وفيها أيضا: وأما إذا آجره المشتري وفاء بإذن البائع فهو كإذن الراهن للمرتهن بذلك. وحكمه أن الأجرة للراهن وإن كان بغير إذنه يتصدق بها أو يردها على الراهن المذكور وهو أولى صرح به علماؤنا ا ه. قلت: وإذا آجره بإذنه يبطل الرهن كما ذكره في حاشيته على الفصولين. قوله: (ولو للبناء وحده) أي ولو كان البيع وفاء للبناء وحده كالقائم في الأرض المحتكرة. قوله: (فهي صحيحة) أي بناء على القول بجواز البيع كما علمت فإنه يملك الانتفاع به، وقد علمت ترجيح القول بأنه رهن وأنه لا تصح إجارته ما البائع. قوله: (لازمة للبائع) اللام بمعنى على: أي على البائع، أو للتقوية لكون العامل اسم فاعل فهي زائدة. قوله: (وعليه) أي على القول بصحة الإجارة. قوله: (بلزوم أجر المثل) هذا مشكل، فإن من آجر ملكه مدة ثم انقضت وبقي المستأجر ساكنا لا يلزمه أجرة إلا إذا طالبه الملاك بالأجرة، فإذا سكن بعد المطالبة يكون قبولا للاستئجار كما ذكروه في محله، وهذا في الملك الحقيقي فما ظنك في المبيع وفاء مع كون المستأجر هو البائع. نعم قالوا بلزوم الأجرة في الوقف ومال اليتيم والمعد للاستغلال، ولعل ما ذكره مبني على أنه صار معدا للاستغلال بذلك الايجار كما يشير إليه قوله: ويسمونه بيع الاستغلال وفيه نظر فليتأمل. وعلى كل فهذا مبني على خلاف الراجح كما علمت. قوله: (واختلف في المنقول) قال في البزازية بعد كلام: ولهذا لم يصح بيع الوفاء في المنقول، وصح في العقار باستحسان بعض المتأخرين. ثم قال في موضع آخر: وفي النوازل جوز الوفاء في المنقول أيضا ا ه. والظاهر أن الخلاف فيه على القول بجواز البيع كما يفيده قوله، وصح في العقار الخ أما على القول بأنه رهن فينبغي عدم الخلاف في صحته. قوله: (القول لمدعي الجد والبتات) لأنه الأصل في العقود. قوله: (إلا بقرينة) هي ما يأتي من نقصان الثمن كثيرا. قوله: (أن القول لمدعي الوفاء) في جامع الفصولين برمز شيخ الاسلام برهان الدين: ادعى البائع وفاء والمشتري باتا أو عكسا فالقول لمدعي البات، وكنت أفتي في الابتداء أن القول لمدعي الوفاء، وله وجه حسن إلا أن أئمة بخارى هكذا أجابوا فوافقتهم ا ه. وفي حاشيته للرملي بعد كلام نقله عن الخانية وغيرها قال: فظهر به وبقوله كنت أفتي الخ أن المعتمد في المذهب أن القول لمدعي البات منهما وأن البينة بينة مدعي الوفاء منهما.
411 مطلب قاضيخان من أهل التصحيح والترجيح وقد ذكر المسألة في جواهر الفتاوى وذكر فيها اختلافا كثيرا واختلاف تصحيح، ولكن عليك بما في الخانية، فإن قاضيخان من أهل التصحيح والترجيح ا ه. وبهذا أفتى في الخيرية أيضا. قلت: لكن قوله هنا استحسانا يقتضي ترجيح مدعي الوفاء فينبغي تقييده بقام القرينة، ثم راجعت عبارة الملتقط فرأيته ذكر الاستحسان في مسألة الاختلاف في البينة، فإنه قال في الشهادات: وإن ادعى أحدهما بيعا باتا والآخر بيع الوفاء وأقاما البينة كانوا يفتون أن البات أولى، ثم أفتوا أن بيع الوفاء أولى وهذا استحسان ا ه. ولا يخفى أن كلام الشارح في الاختلاف في القول مع أنه في الملتقط قال في البيوع: ولو قال المشتري اشتريته باتا وقال البائع بعته بيع الوفاء فالقول قول من يدعي البتات، وكان يفتي فيما مضى أن القول قول الآخر وهو القياس ا ه. فتحصل من عبارتي الملتقط أن الاستحسان في الاختلاف في البينة ترجيح بينة الوفاء، وفي الاختلاف في القول ترجيح قول مدعي البتات، وهذا الذي حرره الرملي فيما مر، فتدبر. وبه ظهر أن ما ذكره الشارح سبق قلم، فافهم. قوله: (ولو قال البائع الخ) هذه العبارة بعينها ذكرها في الملتقط عقب عبارته التي ذكرناها عنه في البيوع، وهي تفيد تقييد الاستحسان، وهو كون القول لمدعي البتات بما إذا لم تقم القرينة على خلافه، وهذا مؤيد لما بحثناه آنفا ولكن في التعبير مساهلة فإنه كان ينبغي أن يقول: ولو قال المشتري اشتريت باتا الخ، لأنه هو الذي يدعي البتات عند نقصان الثمن كثيرا بخلاف البائع. قوله: (إلا أن يدل على الوفاء بنقصان الثمن كثيرا) وهو ما لا يتغابن فيه الناس. جامع الفصولين. قلت: وينبغي أن يزاد هنا ما مر في الوعد بالوفاء بعد البيع من أنه لو وضع على المال ربحا يكون ظاهرا في أنه رهن، وما قاله صاحب الهداية من أن الاقدام على الإجارة بعد البيع دل على أنهما قصدا بالبيع الرهن لا البيع. قوله: (إلا أن يدعي) أي مع البرهان. قوله: (وفي الأشباه الخ) المقصود من هذه العبارة بيان حكم العرف العام والخاص، وأن العام معتبر ما لم يخالف نصا، وبه يعلم حكم بيع الوفاء وبيع الخلو لابتنائهما على العرف. قوله: (بالنصف) أي نصف ما ينسجه أجرة على النسخ. قوله: (ثم نقل) أي صاحب الأشباه. قوله: (والفتوى على جواب الكتاب) أي المبسوط للإمام محمد وهو المسمى بالأصل لأنه مذكور في صدر عبارة الأشباه. أفاده ط. قوله: (للطحان) أي لمسألة قفيز الطحان، وهي كما في البزازية أن يستأجر رجلا ليحمل له طعاما أو يطحنه بقفيز منه فالإجارة فاسدة، ويجب أجر المثل لا يتجاوز به المسمى. قوله: (لأنه منصوص) أي عدم الجواز منصوص عليه بالنهي عن قفيز الطحان ودفع الغزل إلى حائك في معناه. قال البيري: والحاصل أن المشايخ أرباب الاختيار اختلفوا في الافتاء في ذلك. قال في العتابية: قال أبو الليث: النسخ بالثلث والربع لا يجوز عند علمائنا، لكن مشايخ بلخ استحسنوه وأجازوه
412 لتعامل الناس. قال: وبه نأخذ. قال السيد الإمام الشهيد: لا نأخذ باستحسان مشايخ بلخ، وإنما نأخذ بقول أصحابنا المتقدمين، لان التعامل في بلد لا يدل على الجواز ما لم يكن على الاستمرار من الصدر الأول فيكون ذلك دليلا على تقرير النبي (ص) إياهم على ذلك فيكون شرعا منه، فإذا لم يكن كذلك لا يكون فعلهم حجة إلا إذا كان كذلك من الناس كافة في البلدان كلها فيكون إجماعا، والاجماع حجة، ألا ترى أنهم لو تعاملوا على بيع الخمر والربا لا يفتى بالحل ا ه. قوله: (وفيها) أي في البزازية وهو من كلام الأشياء قوله: (فرارا من الربا) لان صاحب المال لا يقرض إلا بنفع والمستقرض محتاج، فأجازوا ذلك لينتفع المقرض بالمبيع وتعارفه الناس، لكنه مخالف للنهي عن بيع وشرط، ولذا رجحوا كونه رهنا. قوله: (فأقول على اعتباره الخ) قدمنا الكلام على مسألة الخلو أول البيوع فراجعه. قوله: (وكذا أقول الخ) قدمنا أيضا هناك الكلام على هذه المسألة، وذكرنا أيضا عن الحموي أن ما نقله عن واقعات الضريري ليس فيه لفظ الخلو، وبسطنا الكلام هناك فراجعه فإنه تكفل بالمقصود، والحمد لله ذي الفضل والجود.
413 كتاب الكفالة قوله: (لكونها فيه غالبا) الأولى حذف اللام ط. والأولى أيضا كونها عقبه غالبا، قال في الفتح: أوردها عقب البيوع لأنها غالبا يكون تحققها في الوجود عقب البيع، فإنه قد لا يطمئن البائع إلى المشتري فيحتاج إلى من يكفله بالثمن، أو لا يطمئن المشتري إلى البائع فيحتاج إلى من يكفله في المبيع وذلك في السلم، فلما كان تحققها في الوجود غالبا بعدها أوردها في التعليم بعدها. قوله: (ولكونها الخ) عبارة الفتح: ولها مناسبة خاصة بالصرف، وهي أنها تصير بالآخرة معاوضة عما ثبت في الذمة من الأثمان وذلك عند الرجوع على المكفول عنه، ثم لزم تقديم الصرف لكونه من أبواب البيع السابق على الكفالة. قوله: (هي لغة الضم) قال تعالى * (وكفلها زكريا) * (آل عمران: 73) أي ضمها إلى نفسه. وقال عليه الصلاة والسلام أنا وكافل اليتيم كهاتين أي ضام التيم إلى نفسه. وفي المغرب: وتركيبه يدل على الضم والتضمين. قوله: (كلفته وكفلت به وعنه) أي يتعدى بنفسه وبالباء وبعن. وفي القهستاني: يتعدى إلى المفعول الثاني في الأصل بالباء، فالمكفول به الدين ثم يتعدى بعن للمديون وباللام للدائن. قوله: (وتثليث الفاء) مقتضاه أن ابن القطاع حكاه وليس كذلك. وعبارة البحر: قال في المصباح: كفلت بالمال وبالنفس كفلا من باب قتل وكفولا أيضا والاسم الكفالة. وحكى أبو زيد سماعا من العرب من بابي تعب وقرب. وحكى ابن القطاع كفلته وكفلت به وعنه: إذا تحملت به ا ه ح. قوله: (ضم ذمة الكفيل) الذمة وصف شرعي به الأهلية لوجوب ماله وعليه، وفسرها فخر الاسلام بالنفس والرقبة التي لها عهد، والمراد بها العهد، فقولهم في ذمته: أي في نفسه باعتبار عهدها من باب إطلاق الحال وإرادة المحل، كذا في التحرير. نهر. قوله: (بنفس) متعلق بمطالبة ح. قوله: (أو بدين أو عين) زاد بعضهم رابعا وهو الكفالة بتسليم المال، ويمكن دخوله في الدين. قلت: وكذا بتسليم عين غير مضمونة كالأمانة، وسيأتي تحقيق ذلك كله. قوله: (كمغصوب ونحوه) أي من كل ما يجب تسليمه بعينه، وإذا هلك ضمن مثله أو قيمته، كالمبيع فاسدا والمقبوض على سوم الشراء والمهر وبدل الخلع والصلح عن دم عمدا احترازا عن المضمون بغيره كالمرهون وغير المضمون أصلا كالأمانة فلا تصح الكفالة بأعيانها. قوله: (كما سيجئ) أي في كفالة المال ح. قوله: (لان المطالبة تعم ذلك) أي المذكور من الأقسام الثلاثة، وهو تعليل لتفسير الاطلاق بها وتمهيد لقوله: وبه يستغني الخ. قوله: (ومن عرفها بالضم في الدين الخ) اعلم أنه اختلف في تعريف الكفالة: فقيل إنها الضم في المطالبة كما مشى عليه المصنف وغيره من أصحاب المتون، وقيل الضم في الدين فيثبت بها دين آخر في ذمة الكفيل، ويكتفى باستيفاء أحدهما، ولم يرجع في المبسوط أحد القولين، لكن في الهداية وغيرها الأول أصح. ووجهه كما في العناية أنها كما تصح بالمال تصح بالنفس ولا دين، وكما تصح بالدين تصح بالأعيان المضمونة، ويلزم أن يصير الدين الواحد دينين ا ه. وفيه نظر، إذ من عرفها بالضم في الدين إنما أراد تعريف نوع منها وهو الكفالة بالمال. وأما الكفالة
414 بالنفس وبالأعيان فهي في المطالبة اتفاقا، وهما ماهيتان لا يمكن جمعهما في تعريف واحد، وأفرد تعريف الكفالة بالمال لأنه محل الخلاف. نهر. وحاصله أن كون تعريفها بالضم في المطالبة أعم لشموله الأنواع الثلاثة لا يصح توجيها لكونه أصح من تعريفها بالضم في الدين، لان المراد به تعريف نوع منها وهو كفالة الدين. أما النوعان الآخران فمتفق على كون الكفالة بهما كفالة بالمطالبة، ولا يمكن الجمع بين الكفالة بالأول والكفالة بالآخرين في تعريف واحد، لان الضم في الدين غير الضم في المطالبة. ثم لا يخفى أن تعريفها بالضم في الدين يقتضي ثبوت الدين في ذمة الكفيل كما صرح به أولا، ويدل عليه أنه لو وهب الدين للكفيل صح ويرجع به على الأصيل، مع أن هبة الدين من غير من عليه الدين لا تصح، وما أورد عليه من لزوم صيرورة الدين الواحد دينين دفعه في المبسوط بأنه لا مانع لأنه لا يستوفي إلا من أحدهما، كالغاصب مع غاصب الغاصب فإن كلا ضامن للقيمة، وليس حق المالك إلا في قيمة واحدة لأنه لا يستوفي إلا من أحدهما، واختياره تضمين أحدهما يوجب براءة الآخر فكذا هنا، لكن هنا بالقبض لا بمجرد اختياره، لكن المختار الأول، وهو أن الضم في مجرد المطالبة لا الدين، لأن اعتباره في ذمتين، وإن أمكن شرعا لا يجب الحكم بوقوع كل ممكن إلا بموجب ولا موجب هنا، لان التوثق يحصل بالمطالبة وهو لا يستلزم ثبوت اعتبار الدين في الذمة كالوكيل بالشراء يطالب بالثمن وهو في ذمة الموكل، كذا في الفتح. وكذا الوصي والولي والناظر يطالبون بما لزم دفعه ولا شئ في ذمتهم كما في البحر، وذكر أنهم لم يذكروا لهذا الاختلاف ثمرة، فإن الاتفاق على أن الدين لا يستوفى إلا من أحدهما وأن الكفيل مطالب وأن هبة الدين له صحيحة ويرجع به على الأصيل، ولو اشترى الطالب بالدين شيئا من الكفيل صح مع أن الشراء بالدين من غير من عليه لا يصح. ويمكن أن تظهر فيما إذا حلف الكفيل أن لا دين عليه فيحنث على الضعيف لا على الأصح ا ه. قلت: يظهر لي الاتفاق على ثبوت الدين في ذمة الكفيل أيضا بدليل الاتفاق على هذه المسائل المذكورة، ولان اعتباره في ذمتين ممكن كما علمت، وما ذكر من هذه المسائل موجب لذلك الاعتبار، ولو كانت ضما في المطالبة فقط بدون دين لزم أن لا يؤخذ المال من تركة الكفيل، لان المطالبة تسقط عنه بموته كالكفيل بالنفس لما كان كفيلا بالمطالبة فقط بطلت الكفالة بموته، مع أن المصرح به أن المال يحل بموت الكفيل وأنه يؤخذ من تركته، ولان الكفيل يصح أن يكفله عند الطالب كفيل آخر بالمال المكفول به، فإذا أدى الآخر المال إلى الطالب لم يرجع به على الأصيل بل يرجع على الكفيل الأول، فإن أدى إليه رجع الأول على الأصيل لو الكفالة بالامر، نص عليه في كافي الحاكم، ويشهد لذلك فروع أخر ستظهر في محالها. وعلى هذا فمعنى كون التعريف الأول أصح شموله أنواع الكفالة الثلاثة، بخلاف التعريف الثاني كما مر عن العناية. والجواب بأنه إنما أراد تعريف نوع منها لا يدفع الايراد لأنه لم يعرف النوعين الآخرين فكان موهما اختصاصها بذلك النوع فقط، هذا ما ظهر لي، فتدبره. قوله: (وهو الكفالة بالمال) أراد بالمال الدين، وإلا فهو يشمل العين مقابل الدين ا ه ح. قوله: (لأنه محل الخلاف) بيان لوجه اقتصاره على تعريف كفالة الدين فقط، ولا يخفى أن التعريف يذكر للتعليم والتفهيم في ابتداء الأبواب فلا بد من التنبيه على ما يوقع في الاشتباه، فكان عليه أن يذكر تعريف النوعين الآخرين كما قلنا آنفا. قوله: (وبه) أي بما ذكر من تعميم المطالبة. قوله: (يستغني عما ذكره
415 مله خسرو) أي صاحب الدرر. قال في النهر: وبه استغنى عما في نكاح الدرر من تعريفها بضم ذمة إلى ذمة في مطالبة النفس أو المال أو التسليم مدعيا أن قولهم والأول أصح لا صحة له فضلا عن كونه أصح، لأنهم قسموها إلى كفالة في المال والنفس ثم إن تقسيمهم يشعر بانحصارها مع أنهم ذكروا في أثناء المسائل ما يدل على وجود قسم ثالث وهو الكفالة بالتسليم ا ه. وأنت قد علمت ما هو الواقع ا ه: أي من أن ما عرف به هو مراده لان المطالبة تشمل الأنواع الثلاثة، فليس فيما قاله زيادة على ما أرادوه غير التصريح به، فافهم. قوله: (وركنها إيجاب وقبول) فلا تتم بالكفيل وحده ما لم يقبل المكفول له أو أجنبي عنه في المجلس. رملي. قوله: (ولم يجعل الثاني) أي أبو يوسف وقوله: الثاني أي القبول وهو بالنصف على أنه مفعول يجعل وقوله: ركنا مفعوله الآخر: أي فجعلها تتم بالايجاب وحده في المال والنفس. واختلف على قوله: فقيل تتوقف على إجازة الطالب، فلو مات قبلها لا يؤاخذ الكفيل، وقيل تنفذ وللطالب الرد كما في البحر وهو الأصح كما في المحيط: أي الأصح من قوليه. نهر وفي الدرر والبزازية: وبقول الثاني يفتى. وفي أنفع الوسائل وغيره: الفتوى على قولهما، وسيأتي تمامه عند قوله: ولا تصح بلا قبول الطالب في مجلس العقد. قوله: (نفسا أو مالا) الأولى إسقاطه ليأتي له التفريع بقوله فلم تصح بحد وقود فإنهما ليسا بنفس ولا مال إن أريد الضمان بهما. أما إذا أريد الضمان بنفس من هما عليه فإن الكفالة حينئذ تكون جائزة كما سيذكره المصنف. نعم يشترط كون النفس مقدورة التسليم، إذ لا شك أن كفالة الميت بالنفس لا تصح، لأنه لو كان حيا ثم مات بطلت كفالة النفس، وكذا لو كان غائبا لا يدري مكانه فلا تصح كفالته بالنفس كما في جامع الفصولين. وعبارة البحر عن البدائع: وأما شرائط المكفول به: فالأول أن يكون مضمونا على الأصيل دينا أو عينا أو نفسا أو فعلا، ولكن يشترط في العين أن تكون مضمونة بنفسها. الثاني أن يكون مقدور التسليم من الكفيل، فلا تجوز بالحدود والقصاص. الثالث أن يكون الدين لازما وهو خاص بالكفالة بالمال، فلا تجوز الكفالة ببدل الكتابة. قوله: (وفي الدين كونه صحيحا) هو ما لا يسقط إلا بالأداء أو الابراء كما سيأتي متنا، وسيذكر الشارح هناك استثناء الدين المشترك والنفقة وبدل السعاية، وأفاد أنه لا يشترط أن يكون معلوم القدر كما في البحر وسيأتي أيضا مع بيانه. قوله: (لا ساقطا الخ) محترز قوله: قائما فلا تصح كفالة ميت مفلس بدين عليه كما سيذكره المصنف. قوله: (ولا ضعيفا) محترز قوله: صحيحا. قوله: (كبدل كتابة) لأنه يسقط بالتعجيز. مطلب في كفالة نفقة الزوجة قوله: (ونفقة زوجة الخ) عبارة النهر: وينبغي أن يكون من ذلك الكفالة بنفقة الزوجة قبل القضاء بها أو الرضا لما قدمناه من أنها لا تصير دينا إلا بهما، وبدل الكتابة دين إلا أنه ضعيف، ولا تصح الكفالة به، فما ليس دينا أولى ا ه. وبه يظهر ما في عبارة الشارح من الخفاء، فكان عليه أن يقول: ولا ضعيفا كبدل كتابة فما ليس
416 دينا كنفقة زوجة قبل القضاء أو الرضا بالأولى. ولا يخفى أنها حيث لم تصر دينا لا تكون من أمثلة الدين الساقط، فافهم. ثم ظاهر كلام النهر أنها لو صارت دينا بالقضاء بها أو بالرضا تصير دينا صحيحا، مع أنه ليس كذلك لسقوطها بالموت أو الطلاق إلا إذا كانت مستدانة بأمر القاضي، لكن غير المستدانة مع كونها دينا غير صحيح تصح الكفالة بها استحسانا، فهي مستثناة من هذا الشرط كما سينبه عليه الشارح عند قول المصنف إذا كان دينا صحيحا بل ذكر بعده بأسطر عن الخانية: لو كفل لها رجل بالنفقة أبدا ما دامت الزوجية جاز، وكذا ذكر قبيل الباب الآتي جواز الكفالة بها إذا أراد زوجها السفر، وعليه الفتوى، مع أنها لم تصر دينا أصلا لان النفقة لم تجب بعد فيحمل ما ذكره هنا تبعا للنهر على النفقة الماضية لأنها تسقط بالمضي قبل القضاء أو الرضا فلا تصح الكفالة بها، والفرق بين الماضية والمستقبلة أن الزوجة مقصرة بتركها بدون قضاء أو رضا إلى أن سقطت بالمضي، بخلاف المستقبلة، فتدبر. قوله: (وحكمها لزوم المطالبة على الكفيل) أي ثبوت حق المطالبة متى شاء الطالب، سواء تعذر عليه مطالبة الأصيل أو لا. فتح. وذكر في الكفاية أن اختيار الطالب تضمين أحدهما لا يوجب براءة الآخر ما لم توجد حقيقة الاستيفاء، فلذا يملك مطالبة كل منهما، بخلاف الغاصب وغاصب الغاصب ا ه. وقدمناه أيضا. قوله: (بما هو على الأصيل) الأولى بما وقعت الكفالة به على الأصيل، لان الأصيل عليه تسليم نفسه أو تسليم المال، والكفيل بالنفس ليس عليه تسليم المال، ولان الكفيل لو تعدد لا يلزمه إلا بقدر ما يخصه كنصف الدين لو كانا اثنين أو ثلثه لو ثلاثة ما لم يكفلوا على التعاقب فيطالب كل واحد بكل المال كما ذكره السرخسي. قوله: (نفسا أو مالا) شمل المال الدين والعين، وينبغي أن يزيد أو فعلا، كما لو كفل تسليم الأمانة أو تسليم الدين كما سيأتي بيانه، والمراد بالعين المضمونة بنفسها كالمغصوب كما مر. قوله: (فلا تنفذ من صبي ولا مجنون) أي ولو الصبي تاجرا، وكذا لا تجوز له إلا إذا كان تاجرا، وأما الكفالة عنه فهي لازمة للكفيل يؤخذ بها، ولا يجبر الصبي على الحضور معه إلا إذا كانت بطلبه وهو تاجر أو بطلب أبيه مطلقا، فإن تغيب فله أخذ الأب بإحضاره أو تخليصه، والوصي كالأب ولو كفل بنفس الصبي، على أنه إن لم يواف به فعليه ما ذاب عليه جازت كفالة النفس، وما قضى به على أبيه أو وصيه لزم الكفيل، ولا يرجع على الصبي إلا إذا أمره الأب أو الوصي بالضمان ا ه ملخصا من كافي الحاكم. قوله: (إلا إذا استدان له وليه) أي من له ولاية عليه من أب أو وصي لنفقة أو غيرها مما لا بد له منه. قوله: (وأمره أن يكفل المال عنه) قيد بالمال احترازا عن النفس لان ضمان الدين قد لزمه: أي لزم الصبي من غير شرط فالشرط لا يزيده إلا تأكيدا فلم يكن متبرعا، فأما ضمان النفس وهو تسليم نفس الأب أو الوصي فلم يكن عليه فكان متبرعا به فلم يجز. بحر عن البدائع قوله: (ويكون إذنا في الأداء) لان الوصي ينوب عنه في الأداء، فإذا أمره بالضمان فقد أذن له في الأداء فيجب عليه الأداء. نهر عن المحيط. قوله: (ولولاها لطولب الولي) أي فقط. قوله: (ولا من مريض إلا من الثلث) لكن إذا كفل لوارث أو عن وارث لا تصح أصلا، ولو كان عليه دين محيط بماله بطلت، ولو
417 كفل ولا دين عليه ثم أقر بدين محيط لأجنبي ثم مات فالمقر له أولى بتركته من المكفول له: وإن لم يحط: فإن كانت الكفالة تخرج من ثلث ما بقي بعد الدين صحت كلها، وإلا فبقدر الثلث وإن أقر المريض أن الكفالة كانت في صحته لزمه الكل في ماله إن لم تكن لوارث أو عن وارث. وتمامه في الفصل التاسع عشر من التاترخانية. قوله: (ولا من عبد) أي لا تصح الكفالة منه بنفس أو مال كما في الكافي، وسواء كفل عن مولاه أو أجنبي كما في التاترخانية. قوله: (إلا إن أذن له المولى) أي بالكفالة عن مولاه أو عن أجنبي فتصح كفالته إذا لم يكن مديونا، وكذا الأمة والمدبرة وأم الولد، وإن كان مديونا لا يلزمه شئ ما لم يعتق تاترخانية، وسيأتي تمام الكلام عليه قبيل الحوالة. قوله: (ولا من مكاتب الخ) أي ويطالب بها بعد عتقه، وهذا لو كانت عن أجنبي كما في البحر. وقال أيضا: وتصح كفالة المكاتب والمأذون عن مولاهما. قال في النهر: وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا كانت بأمره، ثم رأيته كذلك في عقد الفرائد معزيا إلى المبسوط. قلت: وسيأتي أيضا متنا قبيل الحوالة في العبد مع التقييد بكونه غير مديون مستغرق. قوله: (والمدعي) أي من يكون له حق الدعوى على غريمه إذ لا يلزم في إعطاء الكفيل الدعوى بالفعل. قوله: (مكفول له) ويسمى الطالب أيضا. قوله: (مكفول عنه) هذا في كفالة المال دون كفالة النفس. ففي البحر عن التاترخانية، ويقال للمكفول بنفسه مكفول به ولا يقال مكفول عنه ا ه. لكن قال الخير الرملي: وجدنا بعضهم يقوله، ووجد في التاترخانية عن الذخيرة قوله: (كفيل) ويسمى ضامنا وضمينا وحميلا وزعيما وصبيرا وقبيلا وتمامه في حاشية البحر للرملي. قوله: (وسنده) أي سند الاجماع، إذ لا إجماع إلا عن مستند وإن لم يلزم علمنا به. قوله: (قوله عليه الصلاة والسلام الزعيم غارم) أي يلزمه الأداء عند المطالبة به، فهو بيان لحكم الكفالة، والحديث كما في الفتح رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. وقد استدل في الفتح لشرعيتها بقوله تعالى: * (ولمن جاء بخ حمل بعير وانا به زعيم) * (يوسف: 27) وعادتهم تقديم ما ورد في الكتاب على ما في السنة والشارح لم يذكره أصلا، ولعله لشهرته أو لما قيل إنه لا كفالة هنا لأنه مستأجر لمن جاء بالصواع بحمل بعير، والمستأجر يلزمه ضمان الأجرة، ولكن جوابه أن الكفيل كان رسولا من الملك لا وكيلا بالاستئجار والرسول سفير، فكأنه قال إن الملك يقول لمن جاء به حمل بعير، ثم قال الرسول وأنا بذلك الحمل زعيم: أي كفيل، وبحث فيه فيه في النهر. قوله: (وتركها أحوط) أي إذا كان يخاف أن لا يملك نفسه من الندم على ما فعله من هذا المعروف، أو المراد أحوط في سلامة المال لا في الديانة، إذ هي بالنية الحسنة تكون طاعة يثاب عليها، فقد قال في الفتح: ومحاسن الكفالة جليلة: وهي تفريج كرب الطالب الخائف على ما له والمطلوب الخائف على نفسه، حيث كفيا مؤنة ما أهمهما، وذلك نعمة كبيرة عليهما، ولذا كانت من الافعال العالية، وتمامه فيه. قوله: (مكتوب في التوراة الخ) رأيت في الملتقط: قيل مكتوب على باب من أبواب الروم وفيه زيادة على ما هنا، ومن لم يصدق فليجرب حتى يعرف البلاء من السلامة. قوله:
418 (أولهما ملامة) سقط أولها من بعض النسخ، وهو موجود في البحر عن المجتبى، والمراد والله أعلم أنه يعقبها في أول الأمر الملامة لنفسه منه أو من الناس، ثم عند المطالبة بالمال يندم على إتلافه لماله، ثم بعد ذلك يغرم المال أو يتعب نفسه بإحضار المكفول به لان الغرم لزوم الضرر، ومنه قوله تعالى * (إن عذابها كان غراما) * (الفرقان: 56). مطلب يصح كفالة الكفيل قوله: (وكفالة النفس تنعقد الخ) عبارة الكنز: وتصح بالنفس وإن تعددت. قال في النهر: أي بأن أخذ منه كفيلا ثم كفيلا أو كان للكفيل كفيل، ويجوز عود الضمير إلى النفس بأن يكفل واحد نفوسا، والأول هو الظاهر ا ه. وقدمنا عن كافي الحاكم صحة كفالة الكفيل بالمال أيضا. قوله: (بكفلت بنفسه) بفتح الفاء أفصح من كسرها، ويكون بمعنى عال فيتعدى بنفسه ومنه * (وكفلها زكريا) * (آل عمران: 73) وبمعنى ضمن والتزم فيتعدى بالحرف واستعمال كثير من الفقهاء له متعديا بنفس مؤول. رملي عن شرح الروض. قوله: (مما يعبر به عن بدنه) أي مما يعبر به من أعضائه عن جملة البدن كرأسه ووجهه ورقبته وعنقه وبدنه وروحه، وذكروا في الطلاق الفرج ولم يذكروه هنا قالوا: وينبغي صحة الكفالة إذا كانت امرأة، كذا في التتارخانية. نهر. وتمامه فيه. قوله: (وبجزء شائع الخ) لان النفس الواحدة في حق الكفالة لا تتجزأ فذكر بعضها شائعا كذكر كلها، ولو أضاف الكفيل الجزء إلى نفسه كفل لك نصفي أو ثلثي فإنه لا يجوز، كذا في السراج، لكن لو قيل إن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله لم يفترق الحال. نهر. قوله: (وتنعقد بضمنته الخ) أما ضمنته فلانه تصريح بمقتضى الكفالة لأنه يصير ضامنا للتسليم، والعقد ينعقد بالتصريح بموجبه كالبيع ينعقد بالتمليك: وأما علي فلانه صيغة التزام، ومن هنا أفتى قارئ الهداية بأنه لو قال التزمت بما على فلان كان كفالة، وإلى بمعناه هنا، وتمامه في النهر. ثم اعلم أن ألفاظ الكفالة كل ما ينبئ عن العهدة في العرف والعادة وفي جامع الفتاوى: هذا إلي أو علي وأنا كفيل به أو قبيل أو زعيم كان كله كفالة بالنفس لا كفالة بالمال ا ه تتارخانية. وفي كافي الحاكم: وقوله ضمنت وكفلت وهو إلي وهو علي سواء كله وهو كفيل بنفسه ا ه. ثم ذكر في باب الكفالة بالمال إذا قال إن مات فلان قبل أن يوفيك مالك فهو علي فهو جائز ا ه. فقد علم أن قوله أولا هو إلي هو علي كفيل بنفسه إنما هو حيث كان الضمير للرجل المكفول به، أما لو كان الضمير للمال فهو كفالة مال، وكذا بقية الألفاظ. ففي التتارخانية أيضا عن الخلاصة: لو قال لرب المال أنا ضامن ما عليه من المال فهذا ضمان صحيح ثم قال: ولو ادعى أنه غصبه عبدا ومات في يده فقال خله فأنا ضامن بقيمة العبد فهو ضامن يأخذه منه من ساعته ولا يحتاج إلى إثبات بالبينة ا ه. فقد ظهر لك أن ما مر أولا عن التاترخانية من أن هذه الألفاظ كفالة نفس لا كفالة مال، ليس المراد أنها لا تكون كفالة مال أصلا، بل المراد أنه
419 إذا قال أنا به كفيل أو زعم الخ: أي بالرجل كان كفالة نفس لأنها أدنى من كفالة المال ولم يصرح بالمال، بخلاف ما إذا توجهت هذه الألفاظ على المال فإنها تكون كفالة مال لأنها صريحة به فلا يراد بها الأدنى وهو كفالة النفس مع التصريح بالمال أو وبضميره، وهذا معنى ما نقله الشلبي عن شرح القدوري للشيخ أبي نصر الأقطع من قوله: فإذا ثبت أن هذه الألفاظ يصح الضمان بها، فلا فرق بين ضمان النفس وضمان المال ا ه: أي إذا قال ضمنت زيدا أو أنا كفيل به أو هو علي أو إلي يكون كفالة نفس كما أفتى به في الخيرية. وإذا قال: ضمنت لك ما عليه من المال أو أنا كفيل به الخ فهو كفالة مال قطعا، وأما إذا لم يعلم المكفول به أنه كفالة نفس أو مال فلا تصح الكفالة أصلا كما يأتي بيانه قريبا، وبه علم أنه لا تحرير فيما قاله الشلبي بعدما مر عن شرح الأقطع من أنه ينبغي أن يقال: هذه الألفاظ إذا أطلقت تحمل على الكفالة بالنفس، وإذا كان هناك قرينة على الكفالة بالمال تتمحض حينئذ للكفالة به ا ه. فإنه إذا لم يعلم المكفول به بأن قال أنا ضامن ولم يصرح بنفس ولا مال لا تصح أصلا كما يأتي، فقوله تحمل على الكفالة بالنفس مخالف للمنقول كما تعرفه. نعم لو قامت قرينة على أحدهما يمكن أن يقال يعمل بها، كما إذا قال قائل اضمن لي هذا الرجل فقال لآخر أنا ضامن فهو قرينة على كفالة النفس، وإن قال اضمن لي ما عليه من المال فقال أنا ضامن فهو قرينة على المال، لان الجواب معاد في السؤال، فافهم واغنم تحرير هذه المسألة فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، ولله الحمد. مطلب لفظ عندي يكون كفالة بالنفس ويكون كفالة بالمال قوله: (أو عندي) في البحر عن التتارخانية: لك عندي هذا الرجل أو قال دعه إلي كانت كفالة ا ه: يعني بالنفس. وقال في البحر أيضا عند قوله: ولو قال إن لم أوافك به غدا الخ عن الخانية: إن لم أوافك به فعندي لك هذا المال لزمه، لان عندي إذا استعمل في الدين يراد به الوجوب، وكذا لو قال إلي هذا المال ا ه. فهذا صريح أيضا بأن عندي يكون كفالة نفس وكفالة مال بحسب ما توجه إليه اللفظ، وبه أفتى في الخيرية والحامدية. وأما ما قاله في البحر عند قول الكنز: وبما لك عليه من أن عندي كعلي في التعليق فقط ولا تفيد كفالة بالمال بل بالنفس، وما أفتى به من أنه: لو قال لا تطالب فلانا ما لك عندي لا يكون كفيلا، فقد رده في النهر بأن ما مر عن الخانية من العلة المذكورة غير مقيد بالتعليق، ورده المصنف أيضا، وكذا الخير الرملي بقولهم: إن مطلق لفظ عندي للوديعة لكنه بقرينة الدين يكون كفالة. وفي الزيلعي من الاقرار أنه العرف. قال الرملي: ومقتضى ذلك أن القاضي لو سأل المدعى عليه عن جواب الدعوى فقال عندي كان إقرارا ا ه. قوله: (بمعنى محمول) كذا عزاه المصنف إلى البدائع أيضا قال ط: الأظهر أن يكون بمعنى فاعل لأنه حامل لكفالته. قوله: (وتنعقد بقوله أنا ضامن حتى تجتمعا الخ) أقول: اشتبه هنا على المصنف مسألة بمسألة بسبب سقط وقع في نسخة الخانية التي نقل عنها في شرحه، فإن قال فيه: قال في الخانية: وعن أبو يوسف: لو قال هو علي حتى تجتمعا أو حتى تلتقيا لا يكون كفالة لأنه لم يبين المضمون أنه نفس أو مال ا ه. مع أن عبارة الخانية هكذا: وعن أبي يوسف: لو قال هو علي حتى تجتمعا أو قال علي أو أوافيك به أو ألقاك به كانت كفالة بالنفس، ولو قال: أنا ضامن حتى تجتمعا أو حتى تلتقيا لا يكون كفالة لأنه لم يبين المضمون أنه نفس أو مال ا ه كلام الخانية. وفي السراج: لو قال هو علي حتى تجتمعا أو تلتقيا
420 فهو جائز، لان قوله هو علي ضمان مضاف إلى العين وجعل الالتقاء غاية له ا ه: يعني أن الضمير في هو علي إلى عين الشخص المكفول به فيكون كفالة نفس إلى التقائه مع غريمه، بخلاف قوله أنا ضامن حتى تجتمعا أو حتى تلتقيا فلا يصح أصلا، لان قوله أنا ضامن لم يذكر فيه المضمون به هل هو النفس أو المال، فقد ظهر وجه الفرق بين المسألتين، فكان الصواب في التعبير أن يقال: وتنعقد بقوله هو علي حتى تجتمعا أو تلتقيا، لا بأنا ضامن حتى تجتمعا أو تلتقيا لعدم بيان المضمون به، فتنبه لذلك. ثم إن المسألة مذكورة في كافي الحاكم الذي جمع فيه كتب ظاهر الرواية، وهو العمدة في نقل نص المذهب، وذلك أنه قال: ولو قال أنابه قبيل أو زعيم أو قال ضمين فهو كفيل. وقال أبو يوسف ومحمد: وكذلك لو قال علي أو أوفيك به أو علي أن ألقاك به أو قال هو علي حتى تجتمعا أو حتى توافيا أو حتى تلتقيا. وإن لم يقل هو علي وقال أنا ضامن لك حتى تجتمعا أو تلتقيا. فهو باطل ا ه. ولم يذكر قول أبي حنيفة في المسألة، فعلم أنه لا قول له فيها في ظاهر الرواية، وإنما المسألة منقولة عن الصاحبين فقط في ظاهر الرواية عنهما، وبه علم أن قوله الخانية: وعن أبي يوسف: ليس لحكاية الخلاف ولا للتمريض، بل هو بيان لكون ذلك منقولا عنه، وكذا عن محمد كما علمت ، وحيث لم يوجد نص للامام فالعمل على ما نقله الثقات عن أصحابه كما علم في محله. قوله: (تاترخانية) عبارتها هو علي حتى تجتمعا، فهو كفيل إلى الغاية التي ذكرها ا ه. هكذا ذكره المصنف في المنح وأنت خبير بأن هذه المسألة ليست التي ذكرها في متنه، فإن التي ذكرها في متنه لا تنعقد فيها الكفالة أصلا كما علمته آنفا. قوله: (كما نقله في الخانية) قد أسمعناك عبارة الخانية. قوله: (قال المصنف والظاهر أنه ليس المذهب) الضمير في أنه عائد إلى ما نقله عن الثاني، وهو الذي عبر عنه في المتن بقوله: وقيل لا وقد علمت أنه ليس في المذهب قول آخر بل هما مسألتان: إحداهما تصح فيها الكفالة، والأخرى لا تصح بلا ذكر خلاف فيهما كما حررناه آنفا. قوله: لكنه استنبط الخ يعني أن المصنف قال في شرحه: إنه ليس المذهب مع أنه في فتاويه استنبط منه ما ذكر. ووجه الاستنباط أن الطالب والضامن لم يتفقا على أمر واحد فلم يعلم المضمون به هل هو نفس أو مال، فلا تصح الكفالة. قوله: (ثم قال وينبغي الخ) أقول: هذا مسلم إذا كان الطالب يدعي كفالة النفس أيضا، أما لو ادعى عليه كفالة المال فقط فلا، إذ الاقرار يرتد بالرد ولا يؤاخذ المقر بلا دعوى. أفاده الرحمتي. قوله: (على المذهب) لأنهم قالوا: إنه ظاهر الرواية. زاد في الفتح عن الواقعات وبه يفتى. وفي البحر عن الخلاصة: وعليه الفتوى. مطلب لو قال أنا أعرفه لا يكون كفيلا قوله: (لأنه لم يلتزم المطالبة بل المعرفة) فصار كقوله أنا ضامن لك على أن أوقفك عليه أو على أن أدلك عليه أو على منزله. فتح. قال في البحر: وأشار إلى أنه لو قال أنا أعرفه لا يكون كفيلا كما
421 في لسراج. قوله: (والوجه اللزوم) لأنه مصدر متعد إلى اثنين، فقد التزم أن يعرفه الغريم، بخلاف معرفته فإنه لا يقتضي إلا معرفة الكفيل للمطلوب، فتح. فصار معنى الأول أنا ضامن لان أعرفك غريمك وتعريفه بإحضاره للطالب، وإلا فهو معروف له، ومعنى الثاني أنا ضامن لان أعرفه ولا يلزم منه إحضاره له، لكن ما يأتي عن الخانية يفيد لزوم دلالته عليه وإن لم يصر كفيلا. قال في النهر: وما مر من أنه صار كالتزامه الدلالة يؤيده قوله: ولا يلزم الخ أي لا يلزم من لزوم دلالته عليه أن يكون كفيلا بنفسه ليترتب عليه أحكامها. نهر. أي لأنه يخرج عن ذلك بقوله هو في المحل الفلاني فأذهب إليه، فلا يلزمه إحضاره أو السفر إليه إذا غاب، وغير ذلك من أحكام كفالة النفس. تتمة: قدمنا أن ألفاظ الكفالة كل ما ينبئ عن العهدة في العرف والعادة، ومن ذلك كما في الفتح على أن أوافيك به أو على أن ألقاك به أودعه إلي. ثم قال: وفي فتاوى النسفي: لو قال الدين الذي لك على فلان أنا أدفعه إليك أو أسلمه إليك أو أقبضه لا يكون كفالة ما لم يتكلم بما يدل على الالتزام، وقيده في الخلاصة بما إذا قاله منجزا، فلو معلقا يكون كفالة نحو أن يقول: إن لم يؤد فأنا أؤدي، نظيره في النذر ولو قال أنا أحج لا يلزمه شئ، ولو قال إن دخلت الدار فأنا أحج يلزمه الحج ا ه. قلت: لكن لو قال ضمنت لك ما عليه أنا أقبضه وأدفعه إليك يصير كفالة بالقبض والتسليم، كما سنذكره في بحث كفالة المال. مطلب في الكفالة المؤقتة قوله: (وإذا كفل إلى ثلاثة أيام الخ) حاصلة: أنه إذا قال كفلت لك زيدا أو ما على زيد من الدين إلى شهر مثلا صار كفيلا في الحال أبدا: أي في الشهر وبعده، ويكون ذكر المدة لتأخير المطالبة إلى شهر لا لتأخير الكفالة، كما لو باع عبدا بألف إلى ثلاثة أيام يصير مطالبا بالثمن بعد الثلاثة، وقيل لا يصير كفيلا في الحال بل بعد المدة فقط وهو ظاهر عبارة الأصل، وعلى كل فلا يطالب في الحال، وهو ظاهر الرواية كما في التتارخانية. وفي السراجية: وهو الأصح، وفي الصغرى: وبه يفتى كما في البحر. قلت: ومقابله ما قاله أبو يوسف والحسن أنه يطالب به في المدة فقط وبعدها يبرأ الكفيل، كما لو ظاهر أو آلى من امرأته مدة فإنهما يقعان فيها ويبطلان بمضيها كما في الظهيرية وغيرها. وفيها أيضا: ولو قال كفلت فلانا من هذه الساعة إلى شهر تنتهي الكفالة بمضي الشهر بلا خلاف، ولو قال شهرا لم يذكره محمد. واختلف فيه: فقيل هو كفيل أبدا، كما لو قال إلى شهر، وقيل في المدة فقط: أي كما لو قال من هذه الساعة إلى شهر. والحاصل: أنه إما أن يذكر إلى بدون من فيقول كفلته إلى شهر وهي المسألة فيكون كفيلا بعد الشهر ولا يطالب في الحال. وعند أبي يوسف والحسن: هو كفيل في المدة فقط، وإما أن يذكر من وإلى فيقول كفلته من اليوم إلى شهر فهو كفيل في المدة فقط بلا خلاف، وإما أن لا يذكر من
422 ولا إلى فيقول كفلته شهرا أو ثلاثة أيام، فقيل كالأول، وقيل كالثاني وفي التتارخانية عن جمع التفاريق قال: واعتماد أهل زماننا على أنه كالثاني. قلت: وينبغي عدم الفرق بين الصور الثلاث في زماننا كما هو قول أبي يوسف والحسن، لان الناس اليوم لا يقصدون بذلك إلا توقيت الكفالة بالمدة وأنه لا كفالة بعدها، وقد تقدم أن مبنى ألفاظ الكفالة على العرف والعادة، وأن لفظ عندي للأمانة، وصار في العرف للكفالة بقرينة الدين. وقالوا: إن كلام كل عاقد وناذر وحالف وواقف يحمل على عرفه، سواء وافق عرف اللغة أو لا. ثم رأيت في الذخيرة قال: وكان القاضي الامام الاجل أبو علي النسفي يقول: قول أبي يوسف أشبه بعرف الناس إذا كفلوا إلى مدة يفهمون بضرب المدة أنهم يطالبون في المدة لا بعدها، إلا أنه يجب على المفتي أن يكتب في الفتوى أنه إذا مضت المدة المذكورة فالقاضي يخرجه عن الكفالة احترازا عن خلاف جواب الكتاب، وإن وجد هناك قرينة تدل على إرادته جواب الكتاب فهو عليه ا ه. لكن نازع في ذلك في أنفع الوسائل بأن القاضي المقلد لا يحكم إلا بظاهر الرواية لا بالرواية الشاذة، إلا أن ينصوا على أن الفتوى عليها ا ه. قلت: ما ذكره النسفي مبني على أن المذكور في ظاهر الرواية إنما هو حيث لا عرف، إذ لا وجه للحكم على المتعاقدين بما لم يقصداه فليس قضاء، بخلاف ظاهر الرواية، وما ذكره من إخراج القاضي له عن الكفالة زيادة احتياط لاحتمال كون العاقدين عالمين بذلك المعنى قاصدين له، ولذا قال: إن وجد قرينة على خلاف العرف يحكم بجواب ظاهر الرواية، والله سبحانه أعلم. قوله: (لما في الملتقط الخ) تعليل لما فهم من قوله أيضا من أنه يكون كفيلا قبل الثلاثة ا ه ح. قوله: (لو سلمه للحال برئ) ويجبر الطالب على القبول، كمن عليه دين مؤجل إذا عجله قبل حلول الأجل يجبر الطالب على القبول. خانية. فلو لم يصل كفيلا قبل مضي المدة لم يصح تسليمه فيها ولم يجبر الآخر على القبول. قوله: (لم يصر كفيلا أصلا) لأنه لا يصير كفيلا بعد المدة لنفيهما الكفالة فيه صريحا ولا في الحال على ما ذكرنا في ظاهر الرواية. ظهيرية. قوله: (ونقله الخ) نقل القولين في البحر أيضا عن البزازية. قوله: (أنه يصير كفيلا) أي في المدة فقط كما يفيده قول جامع الفصولين في الفصل السادس والعشرين. كفل بنفسه إلى شهر على أنه برئ بعد الشهر فهو كما قال. قوله: (لكن تقوى الأول بأنه ظاهر المذهب) قلت: وتقوى الثاني بأنه المتعارف بين الناس بحيث لا يقصدون غيره، إلا أن يكون الكفيل عالما بحكم ظاهر المذهب قاصدا له فالامر ظاهر. قوله: (ولا يطالب الخ) أي في مسألة المتن. قوله: (لزم التسليم) أي بالطلب الأول، وقوله: ولا أجل له ثانيا أي بالطلب الثاني، وهذا ما لم يدفعه، فإذا دفعه إليه: فإن قال برئت إليك منه يبرأ في المستقبل، وإن لم يبرأ منه فله أن يطالبه ثانيا،
423 ولا يكون ذلك براءة لأنه قال في الكفالة كلما طلبته مني فلي أجل شهر، فكأنه قال كلما طلبته مني وافيتك به إلا أن لي أجل شهر حتى أطلبه، وكلمة كلما تقتضي التكرار فتقتضي تكرار الموافاة كلما تكرر الطلب، فبالدفع إليه يبرأ عن موافاة لزمته بالمطالبة السابقة، لا عن موافاة تلزمه بمطالبة توجد في المستقبل، وإنما يبرأ عن ذلك لصريح الابراء، فإذا برئ إليه حين دفعه مرة وجد صريح الابراء، وما لا فلا، فإذا دفعه إليه ولم يبرأ فطالبه بعد ذلك فللكفيل أجل شهر آخر من يوم طلبه لأنه غير الطلب الأول، بخلاف ما إذا لم يدفعه مرة. ذخيرة وبزازية ملخصا. قلت: وحاصله أنه إذا طالبه بتسليم المكفول بنفسه فله أجل شهر، فإذا تم الشهر فله مطالبته بالتسليم ولا أجل له في هذه المطالبة الثانية، فإذا سلمه وتبرأ إليه من عهدته فلا شئ عليه بعد ذلك، وإن سلمه ولم يتبرأ ثم طالبه به لزمه تسليمه ثانيا، لكن يثبت له أجل شهر آخر بعد هذا الطلب، فإذا تم الشهر ولم يسلمه فطالبه به فلا أجل له ما لم يسلمه إلى الطالب وهكذا، ثم لا يخفى أن هذا في كفالة النفس، أما في كفالة المال فإنه بعد تسليمه لا يطالب به ثانيا لان الكفالة تنتهي به، ولذا قال في الذخيرة: ولو كفله بألف على أنه متى طالبه به فله أجر شهر فمتى طلبه فله الاجل، فإذا مضى فله أخذه منه متى شاء بالطلب الأول ولا يكون للكفيل أجل شهر آخر ا ه. وبه ظهر أن كلام الشارح محمول على كفالة المال، ولعله جردت متى وكلما عن العموم لعدم إمكانه هنا لما قلنا، بخلاف كفالة النفس كما علمت. قوله: (بخلاف البيع) فإنه لا يصح الخيار فيه أكثر من ثلاثة أيام. قوله: (وإن شرط) ينبغي كونه بالبناء للمفعول ليشمل ما إذا كان الشرط في لفظ الكفيل أو الطالب ط. قوله: (أحضره) أي لزمه إحضاره بالشرط. قوله: (فيها) أي فبالقضية المشروطة قد وفى. قوله: (حين يظهر مطله) في بعض النسخ حتى والصواب الأول، وذلك كما لو أنكر الكفالة حتى أقيمت عليه البينة، بخلاف ما لو أقر بها فإنه لا يحبسه في أول مرة، وهذا ظاهر الرواية كما في البزازية: أي لظهور مطله بإنكاره فصار كمسألة المديون، وبه صرح في الخانية، وكأن الزيلعي لم يطلع على ذلك فذكره بحثا. أفاده في البحر. قوله: (لا يحبسه) لكن لا يحول بينه وبين الكفيل فيلازمه ولا يمنعه منه أشغاله وفي التاترخانية: لو أضرته ملازمته له استوثق منه بكفيل. نهر قوله: (فإن غاب) أي المكفول عنه وطلب الغريم منه إحضاره. نهر. هذا إذا ثبت عند القاضي غيبته ببلد آخر بعلم القاضي أو ببينة أقامها الكفيل كما في البزازية وكافي الحاكم، وأطلقه فشمل المسافلة القريبة والبعيدة كما في الفتح. بحر. قوله: (أمهله) أي إذا أراد الكفيل السفر إليه، فإن أبى حبسه للحال بلا إمهال كما في البزازية. وفي التاترخانية: وإن كان في الطريق عذر لا يؤاخذ الكفيل به. بحر. قوله: (وإيابه) بالكسر: أي رجوعه. قوله: (ولو لدار الحرب) ولا تبطل باللحاق بدار الحرب، لأنه وإن كان موتا حكما لكن بالنسبة إلى ماله وإلا فهو حي مطالب بالتوبة والرجوع، هكذا أطلقه في النهاية، وقيده في الذخيرة بما إذا كان الكفيل قادرا على رده بأن كان بيننا وبينهم موادعة أنهم يردون إلينا المرتد وإلا لا يؤاخذ به ا ه. وهو تقييد لا بد منه. بحر. قوله (لا يطالب به) مقيد بما إذا لم يبرهن الطالب على أنه بموضع
424 كذا، فإن برهن أمر الكفيل بالذهاب إليه وإحضاره لأنه علم مكانه بحر. قوله: (إن ثبت ذلك بتصديق الطالب) عبارة الزيلعي: لأنه عاجز وقد صدقه الطالب عليه ا ه. فأنت ترى أن الزيلعي لم يجعل ذلك شرطا لنفي المطالبة، بل بين أن فرض المسألة فيما إذا صدقه الطالب، ثم أعقب الزيلعي ذلك بقوله: ولو اختلفا إلى آخر ما يأتي فبين حكم ما إذا لم يصدقه، وهو أنه إذا لم يكن له خرجة معروفة فالقول للكفيل: أي فلا يطالب به، فعلم أن تصديق الطالب غير شرط في نفي المطالبة. تأمل، وبه يعلم أنه لا حاجة إلى إقامة البينة، فعبارة المصنف هنا غير محررة. قوله: (بما في القنية) أي عن الإمام علي السعدي. قوله: (وحيلة دفعه) أي دفع الطالب على ملازمته للكفيل. قوله: (فإن برهن على ذلك) أي برهن الكفيل على أن غيبته لا تدرى، لكن هذه بينة فيها نفي، ولعله يقبل لكونه تبعا والقصد إثبات سقوط المطالبة. مقدسي. وما قاله الرحمتي من أن الضمير في برهن للطالب فغير صحيح لأنه لا يناسب قوله وحيلة دفعه. قوله: (ولو اختلفا) أي بأن قال الكفيل لا أعرف مكانه وقال الطالب تعرفه. زيلعي. قوله: (وإلا حلف) عبارة الزيلعي والفتح والبحر: وإلا فالقول للكفيل لأنه متمسك بالأصل وهو الجهل ومنكر لزوم المطالبة. وقال بعضهم: لا يلتفت إلى قول الكفيل ويحبسه القاضي إلى أن يظهر عجزه، لان المطالبة كانت متوجهة عليه فلا يصدق في إسقاطها عن نفسه بما يدعي ا ه. وكأن الشارح صرح بالتحليف أخذا من قولهم يحلف في كل موضع لو أقر به لزمه، ثم قد علمت أن كون القول للكفيل مخالف لما في المتن فإنه يقتضي أنه لا يكتفي بقول الكفيل لا أعرف مكانه ما لم يصدقه الطالب أو يبرهن عليه الكفيل. نعم ما في المتن يتمشى على قول البعض المعبر عنه في الفتح بقيل، وذلك يفيد ضعفه. تنبيه: قال في النهر: ولم أر ما لو برهنا، وينبغي أن تقدم بينة الطالب لان معها زيادة علم. قوله: (ويبرأ الكفيل بالنفس بموت المكفول به) أي يبرأ أصلا بموت الشخص المطلوب، والمراد أنها تبطل بموته كما عبر به في الكنز وغيره لتحقق عجز الكفيل عن إحضاره كما في النهر: أي عجزا مستمرا، بخلاف الجهل بمكانه لاحتمال العلم به بعد، فلذا قالوا هناك لا يطالب به وقالوا هنا تبطل، وأما ما في البزازية و الخلاصة من أنه لو كان المكفول به غائبا لا يعلم مكانه ولا يوقف على أثره يجعل كالموت ولا يحبسه، فالمراد به أنه كالموت في عدم المطالبة في الحال، ولذا قال ولا يحبسه، لا في بطلان الكفالة وسقوط المطالبة أصلا وإلا خالف كلامهم متونا وشروحا، ونبهنا على ذلك تمهيدا لما نذكره قريبا من حادثة الفتوى. قوله: (بموت المكفول به) هذا شامل لبراءة كفيل الكفيل بموت الكفيل ولبراءتهما بموت الأصيل. قال في الخانية: الكفيل بالنفس إذا أعطى الطالب كفيلا بنفسه فمات الأصيل برئ الكفيلان، وكذا لو مات الكفيل الأول برئ الكفيل الثاني ا ه.
425 مطلب كفالة النفس لا تبطل بإبراء الأصيل بخلاف كفالة المال قال في البحر: وأشار باقتصاره في بطلانها على موت المطلوب والكفيل إلى أنها لا تبطل بإبراء الأصيل، وتمامه فيه، وسيذكره الشارح قبيل كفالة المال. قوله: (أراد به الخ) كذا في المنح ولا يخفى أن التوهم باق وذلك أنه قال في الخلاصة: لو كفل بنفس عبد فمات العبد برئ الكفيل إن كان المدعى به المال على العبد وإن كان المدعى به نفس العبد لا يبرأ وضمن قيمته ا ه ففي المسألتين المكفول به نفس العبد لكن المدعى به في الأول المال على العبد وفي الثانية رقبة العبد فقول المصنف ولو عبدا يوهم أنه شامل للمسألتين مع أنه لا يبرأ بموت العبد في الثانية وإن تعذر تسليمه بالموت بل تلزمه قيمته فلا بد في دفع التوهم من أن يقول ولو عبدا ادعى عليه مال تأمل. قوله: (وسيجئ) أي في الباب الآتي ما لو كفل برقبته أي بأن كان المدعى به رقبة العبد، وهي المسألة الثانية وستجئ المسألتان جميعا قبيل الحوالة. قوله: (وبموت الكفيل) أي الكفيل بالنفس لان الكلام فيه أما الكفيل بالمال فلا تبطل بموته، لان حكمها بعد موته ممكن فيوفى من ماله ثم ترجع الورثة على المكفول عنه إن كانت بأمره وكان الدين حالا فلو مؤجلا فلا رجوع حتى يحل الاجل. بحر وتمامه في الفتح. قوله: (بل وارثه أو وصيه يطالب الكفيل) فإن سلمه إلى أحد الورثة أو أحد الوصيين خاصة فللباقي المطالبة بإحضاره. بحر عن الينابيع وقد يشكل عليه قولهم أحد الورثة ينتصب خصما للميت فيما له وعليه. نهر قلت في جامع الفصولين: أحد الورثة يصلح خصما عن المورث فيما له وعليه ويظهر ذلك في حق الكل إلا أن له قبض حصته فقط إذا ثبت حق الكل ا ه وبه يظهر الجواب، وذلك أن حق المطالبة ثابت لكل واحد من الورثة فإذا استوفى أحدهم حقه لا يسقط حق الباقين لان له استيفاء حقه فقط وإنما قام مقام الباقين في إثبات حقهم فافهم. قوله: (وقيل يبرأ) أي الكفيل بموت الطالب. قوله: (ويبرأ بدفعه إلى من كفل له) أي بالتخلية بينه وبين الخصم، وذلك برفع الموانع فيقول: هذا خصمك فخذه إن شئت وأطلقه فشمل ما إذا كان للتسليم وقت فسلمه قبله أو لا، لان الاجل حق الكفيل فله إسقاطه كالدين المؤجل إذا قضاه قبل الحلول بحر. قوله: (أي في موضع يمكن الخ) ويشترط عندهما أن يكون هو المصر الذي كفل فيه لا عند الامام وقولهما أوجه كما في الفتح وقيل إنه اختلاف عصر وزمان لا حجة وبرهان وبيانه في الزيلعي، واحترز به عما لو سلمه في برية أو سواد وتمامه في النهر. قوله: (سواء قبله الطالب أولا) فيجبر على قبوله بمعنى أنه ينزل قابضا كالغاصب إذا رد العين والمديون إذا دفع الدين منح، بخلاف ما إذا سلمه أجنبي فلا يجبر كما يأتي. قوله: (ويبرأ بتسليمه مرة) إلا إذا كان فيها ما يقتضي التكرار كما إذا كفله على أنه كلما طلبه فله أجل شهر، كما مر تقريره. قوله: (به يفتى) وهو قول زفر وهذه إحدى المسائل التي يفتى فيها بقول زفر بحر وعدها سبعا وقال: وليس المراد الحصر قلت: وقد زدت عليها مسائل وذكرتها منظومة في النفقات قال في النهر وفي الواقعات
426 الحسامية جعل هذا رأيا للمتأخرين لا قولا لزفر. ولفظه: والمتأخرين من مشايخنا يقولون جواب الكتاب أنه يبرأ إذا سلمه في السوق أو في موضع آخر في المصر بناء على عاداتهم في ذلك الزمان، أما في زماننا فلا يبرأ لان الناس يعينون المطلوب على الامتناع عن الحضور لغلبة الفسق فكان الشرط مقيدا فيصح، وبه يفتى ا ه وهو الظاهر، إذ كيف يكون هذا اختلاف عصر وزمان مع أن زفر كان في ذلك الزمان ا ه. قلت: فيه نظر ظاهر، فكم من مسألة اختلف فيها الامام وأصحابه وجعلوا الخلاف فيها بسب اختلاف الزمان كمسألة الاكتفاء بظاهر العدالة وغيرها وكالمسألة المارة آنفا، وبعد نقل الثقات ذلك عن زفر كيف ينفي بكلام يحتمل أنه مبني على قوله: والمشاهد اختلاف الزمان في مدة يسيرة. قوله: (ولو سلمه عند الأمير) أي وقد شرط تسليمه عند القاضي. قوله: (عند قاض آخر) أي غير قاضي الرساتيق كما أجاب بعضهم، واستحسنه في القنية، لان أغلبهم ظلمة. قال ط: قلت: ولا خصوص للرساتيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قوله: (ابن مالك) ونص كلامه في شرحه على المجمع، ولو سلمه في السجن وقد حبسه غير الطالب لا يبرأ لأنه لا يتمكن من إحضاره مجلس الحكم. وفي المحيط: هذا إذا كان السجن سجن قاض آخر في بلد آخر. أما لو كان سجن هذا القاضي أو سجن أمير البلد في هذا المصر يبرأ وإن كان حبسه قد غير الطالب، لان سجنه في يده فيخلى سبيله حتى يجيب خصمه ثم يعيده إلى السجن ا ه. وفي البحر عن البزازية: ولو ضمن وهو محبوس فسلمه فيه يبرأ، ولو أطلق ثم حبس ثانيا فدفعه إليه فيه، إن الحبس الثاني في أمور التجارة ونحوها صح الدفع، وإن في أمور السلطان ونحوها لا اه. وفي كافي الحاكم: وإذا حبس المكفول به بدين أو غيره أخذت الكفيل لأنه يقدر على أنه يفكه مما حبس به بأداء حقه الذي حبسه ا ه. أي إذا لم يمكنه تسليمه كما يعلم من كلام المحيط المار. قوله: (وكذا يبرأ الكفيل بتسليم المطلوب نفسه) هذا إذا كانت الكفالة بالامر أي أمر المطلوب وإلا فلا يبرأ كما في السراج عن الفوائد والوجه فيه ظاهر لأنها إذا كانت بغير أمره لا يلزم المطلوب الحضور فليس مطالبة بالتسليم فإذا سلم نفسه لا يبرأ الكفيل نهر وفي التاترخانية لو كفل بنفسه بلا أمره فلا مطالبة للكفيل عليه إلا أن يجده فيسلمه فيبرأ ا ه، فلا يأثم بعدم التمكين منه فله الهرب بخلاف ما إذا كانت بأمره وكذا قولهم له منعه من السفر إنما هو إذا كانت بأمره أفاده في البحر. قوله: (وبتسليم وكيل الكفيل) لو قال وبتسليم نائبه لكان أجود وأفود، لان كفيل الكفيل لو سلمه برئ الكفيل أيضا كما في الخانية نهر. قوله: (ورسوله إليه) أي إلى الطالب بأن دفع المطلوب إلى رجل يسلمه إلى الطالب على وجه الرسالة فيقول الرجل إن الكفيل أرسل معي هذا لأسلمه إليك. قوله: (لان رسوله إلى غيره كالأجنبي) تعليل لمفهوم قوله إليه فإن مفهومه أنه لا يبرأ لو كان رسولا إلى غيره بمجرد التسليم ومثاله كما في ط لو قال الكفيل لشخص: خذ هذا وسلمه لفلان ليسلمه للطالب فأخذه الرسول وسلمه إلى الطالب بنفسه فإنه يكون كتسليم الأجنبي. قوله: (وفيه) أي في تسليم الأجنبي يشترط أي زيادة على الشرط الذي بعده قبول الطالب.
427 قال في البحر: وقيد بالوكيل والرسول، لأنه لو سلمه أجنبي بغير أمر الكفيل وقال سلمت إليك عن الكفيل وقف على قبوله، فإن قبله الطالب برئ الكفيل، وإن سكت لا ا ه. قوله: (ويشترط أن يقول كل واحد من هؤلاء) أي الثلاثة وهم المطلوب والوكيل والرسول، وهذا دخول على المتن، أراد به التنبيه على أمرين: أحدهما: أن قول المصنف من كفالته قيد في الكل لا في الوكيل والرسول فقط كما قد يتوهم من عبارة المصنف حيث كرر لفظ بتسليم، ولا في المطلوب فقط كما يتوهم من عبارة الكنز حيث قدم قوله من كفالته على تسليم الوكيل. ثانيهما: أنه لا يكفي قصد كون التسليم عن الكفالة، بل لا بد من التصريح به، بأن يقول سلمت إليك عن الكفيل من كفالته فافهم، لكن اقتصر في الدرر على قوله عن الكفيل، وعزاه إلى الخانية، واقتصر في البحر على قوله عن الكفالة، وعبر في الفتح مرة بالأول ومرة بالثاني، فعلم أنه لا يلزم الجمع بينهما، فلو زاد الشارح كلمة أو بأن قال أو من كفالته لكان أولى. قوله: (وإلا لا يبرأ) أي إن لم يقل أحد هؤلاء ذلك لا يبرأ الكفيل. قوله: (ابن كمال) ومثله في الفتح والبحر والمنح وغيرها. قوله: (فإن قال إن لم أواف الخ) قيد بعدم الموافاة للاحتراز عما في البزازية: كفل بنفسه على أنه متى طالبه سلمه، فإن لم يسلمه فعليه ما عليه ومات المطلوب وطالبه بالتسليم وعجز لا يلزمه المال، لان المطالبة بالتسليم بعد الموت لا تصح، فإن لم تصح المطالبة لم يتحقق العجز الموجب للزوم المال فلم يجب ا ه بحر. قوله: (أي آت) ومثله إن لم أدفعه إليك أو إن غاب عنك. نهر قوله: (فهو) أي القائل وهو من تتمة المقول بالمعنى، لأنه إنما يقول فأنا ضامن لما عليه أو عندي كما في الخانية وقد مر. قوله: (لما عليه) أشار إلى أنه لا يشترط تعيين قدر المال كما يأتي، وقيد بقوله: لما عليه لأنه لو قاله فالمال الذي لك على فلان رجل آخر وهو ألف درهم فهو علي جاز في قول أبي يوسف. وقال محمد: الكفالة بالنفس جائزة، والكفالة بالمال باطلة لأنه مخاطرة إذا كان المال على غيره، وإنما يجوز إذا كان المال عليه استحسانا، ولو كفل بنفس رجل للطالب عليه مال فلزم الطالب الكفيل وأخذ منه كفيلا بنفسه على أنه إن لم يواف به فالمال الذي على المكفول به الأول عليه جاز، وليس هذا كالذي عليه مال ولم يكفل به أحد، كذا في كافي الحاكم. قوله: (مع قدرته عليه) صرح بهذا القيد الزيلعي والشمني في شرح النقاية، وكذا في البحر. وقال المصنف في المنح: إنه قيد لازم، لأنه إذا عجز لا يلزمه إلا إذا عجز بموت المطلوب أو جنونه ا ه. قوله: (فلو عجز لحبس أو مرض) أي مثلا فيدخل فيه ما إذا غاب المكفول به ولم يعلم مكانه، فقد مر التصريح بأن ذلك عجز، وقد علمت أن شرط ضمان المال عدم الموافاة مع القدرة وحيث صرحوا بأن الغيبة المذكورة عجز عن الموافاة لم يتحقق القدرة ولم يستثنوا من العجز إلا العجز بموت المطلوب أو جنونه، فدخلت الغيبة المذكورة في العجز. وأما ما قدمناه عن الخلاصة والبزازية من أن الغيبة المذكورة كالموت فقدمنا أن المراد أنها مثله في سقوط المطالبة في الحال لا من كل وجه، على أن ذلك مذكور في كفالة النفس، والموت هناك مبطل للكفالة بالنفس ومسقط
428 للمطالبة بالكلية وليس هناك كفالة بالمال، وهنا المراد ثبوت كفالة المال المعلقة على عدم الموافاة مع القدرة والموت هنا محقق لكفالة المال ومثبت للضمان، فإذا جعلت الغيبة المذكورة كالموت بالمعنى المراد فيما مر وهو سقوط المطالبة بالنفس للعجز عن تسليمه لا يلزم منه ثبوت ضمان المال المعلق على عدم الموافاة مع القدرة، بل يلزم عدم ثبوته لتحقق العجز، وإن جعلت كالموت بالمعنى المراد هنا هو ثبوت الضمان نافي قولهم مع القدرة، وقد علمت أن الغيبة المذكورة عجز مناف للضمان، وأنهم لم يستثنوا من العجز إلا الموت والجنون، على أن جعلها كالموت في ثبوت الضمان خلاف ما أراده في البزازية والخلاصة لأنهما إنما ذكرا ذلك في كفالة النفس المجردة عن كفالة المال، وقد صرح أصحاب المتون وغيرهم بأن الغيبة المذكورة مسقطة للمطالبة بالتسليم وذلك مناف لثبوت الضمان: أي ضمان النفس، فلا يصح الاستدلال بتلك العبارة على كون الغيبة المذكورة مسقطة للمطالبة بالمال في مسألتنا، وإنما تسقط المطالبة بالنفس فقط، وأما المطالبة بالمال فهي حكم الكفالة الأخرى المعلقة على عدم الموافاة مع القدرة، فإذا وجد ما علقت عليه ثبتت، وإلا فلا، ومع الغيبة المذكورة لم توجد القدرة فلا تثبت المطالبة بالمال كمالا يخفى. مطلب حادثة الفتوى فإذا علمت ذلك ظهر لك جواب حادثة الفتوى قريبا من كتابتي لهذا المحل، وهي: رجلان عليهما ديون فكفلهما زيد كفالة مال وكفلهما عند زيد أربعة رجال على أنهم إن لم يوافوه بالمطلوبين عند حلول الأجل فالمال المذكور عليهم، ثم حل الاجل وأدى زيد إلى أصحاب الديون وطالب الأربعة بالمطلوبين فأحضروا له أحدهما وعجزوا عن إحضار الآخر لكونه سافر إلى بلاد الحرب ولا يدرى مكانه. فأجبت: بأنه لا يلزمهم المال للعجز عن الموافاة بالغيبة المذكورة، فعارضني الحاكم الشرعي بعبارة البزازية المارة فأجبته بما حررته، والله سبحانه أعلم. قوله: (كما أفاده بقوله الخ) أي أفاد بعضه لأنه لم يذكر الجنون، لكن يفهم حكمه من الموت لان المستحق عليه تسليم يكون ذريعة إلى الخصام ولا يتحقق ذلك مع الجنون كالموت. قوله: (أو مات المطلوب) يعني بعد الغد، كذا في الفتح وبهذا يزول إشكال المسألة، وهو أن شرط الضمان عدم الموافاة مع القدرة، ولا شك أنه لا قدرة على الموافاة بالمطلوب بعد موته، فإذا قيد الموت بما بعد الغد يكون قد وجد شرط الضمان قبله، لان فرض المسألة عدم الموافاة به غدا كما نبه عليه الشارح بقوله: في الصورة المذكورة أي المقيدة بالغد، لكن مفاده أنه لو لم يقيد بالغد لا يثبت الضمان بالموت مع أنه صرح في الفتح أيضا بأنه لا فرق بين المقيد والمطلق، فليتأمل. ثم رأيت في كافي الحاكم قيد بقوله: فمات المكفول به قبل الاجل ثم حل الاجل فالمال على الكفيل، فهذا مخالف لقول الفتح: يعني بعد الغد. قوله: (في الصورتين) أي صورة عدم الموافاة مع القدرة وصورة موت المطلوب، وموت المطلوب وإن أبطل الكفالة بالنفس فإنما هو في حق تسليمه إلى الطالب لا في حق المال. بحر. قوله: (بشرط متعارف) فلو قال إن وافيتك به غدا فعلي ما عليه ثم وافى به لم يلزمه المال، لأنه شرط لزومه إن أحسن إليه، كذا في منية المفتي: يعني أنه تعليق بشرط غير متعارف. نهر. لكن في جامع الفصولين: لو قال إن وافيتك به غدا فعلي المال لم تصح الكفالة، بخلاف إن لم أوافك به غدا ا ه.
429 واستشكل في نور العين الفرق بين المسألتين، لان قوله: وإلا فعلي المال بمعنى: إن لم أوافك به غدا. قلت: الظاهر أن قوله: وإلا زائد والصواب إسقاطه بدليل كلام المنية، وبه يزول الاشكال. تدبر. قوله: (لعدم التنافي) إذ كل منهما للتوثق، ولعله يطالبه بحق آخر يدعي به غير المال الذي كفل به معلقا كما في الفتح. قوله: (لفقد شرط) وهو بقاء الكفالة بالنفس لزوالها بالابراء، وطولب بالفرق بينه وبين موت المطلوب، فإنها بالموت زالت أيضا. وأجيب بأن الابراء، وضع لفسخ الكفالة فتفسخ من كل وجه، والانفساخ بالموت إنما هو لضرورة العجز عن التسليم المفيد فيقتصر، إذ لا ضرورة إلى تعديه إلى الكفالة بالمال، كذا في الفتح. نهر. قوله: (طلب وارثه) أي طلب وارثه من الكفيل إحضار المكفول به في الوقت وإن مضى الوقت طلب منه المال. قوله: (طولب وارثه) أي بإحضار المكفول به في الوقت وبالمال بعده. قوله: (فإن دفعه) تفريع على قوله: ولو مات الكفيل الخ. قوله: (فالقول للطالب) ويكون الامر على ما كان في الابتداء، ولا يمين على واحد منهما لان كلا منهما مدع: الكفيل البراءة، والطالب الوجوب، ولا يمين على المدعي عندنا، بحر عن نظم الفقه. قوله: (ولو اختفى الطالب) أي عند مجئ الوقت. مطلب في المواضع التي ينصب فيها القاضي وكيلا بالقبض المتواري عن الغائب المتواري قوله: (نصب القاضي عنه وكيلا) أي فيسلمه إليه، وكذا لو اشترى بالخيار فتوارى البائع أو حلف ليقضين دينه اليوم فتغيب الدائن، أو جعل أمرها بيدها إن لم تصل نفقتها فتغيبت، فالمتأخرون على أن القاضي ينصب وكيلا عن الغائب في الكل، وهو قول أبي يوسف، كذا في الخانية. قال أبو الليث: هذا خلاف قول أصحابنا، وإنما روي في بعض الروايات عن أبي يوسف، ولو فعله القاضي فهو حسن. نهر. قوله: (ولا يصدق الكفيل الخ) الأولى ذكره بعد قوله: لأنه منكرها. قوله: (ادعى على آخر حقا) أفاد أنه لا فرق بين أن يبين (1) مقدارا أصلا أو يبين المقدار ولم يبين صفته، وقد جمع بين المسألتين الإمام محمد في الجامع الصغير، واقتصر في الكنز على الثانية. قال في النهر: ولو تبعه المصنف لكان أولى، والخلاف الآتي جار فيهما خلافا لما يوهمه كلام البحر. قوله: (لتصح الدعوى) علة للمنفي بلم، أفاد أن صحة الدعوى وقت الكفالة غير شرط.
(1) قوله: (لا فرق بين ان يبين الخ) هكذا بخطه، ولعله سقط من قلمه حرف النفي، والأصل بين ان لا يبين الخ تأمل ا ه. مصححه. 430 قوله: (أي فعليه المائة (1)) أي المائة الدينار المذكورة والأولى أن يزيد مائة دينار منكرة لأجل قوله: حقا وقيد بكونه كفل بقدر معلوم، لما في كافي الحاكم من أنه لو كفل بنفسه على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ما للطالب عليه من شئ فلم يواف به في الغد وقال الكفيل لا شئ لك عليه فالقول له مع يمينه على علمه، وكذلك إذا أقر الكفيل بمائة والمطلوب بمائتين صدق المطلوب على نفسه ولم يصدق على الكفيل، ولو قال فعليه من المال ما أقر به المطلوب فأقر المطلوب بألف فالكفيل ضامن لها، ولو قال فعليه ما ادعى الطالب، وادعى ألفا وأقر له بها المطلوب فالقول للكفيل مع يمينه على علمه ا ه. قوله: (فعليه المائة) هذا قول الإمام والثاني آخرا. وقال محمد: إن لم يبينها ثم ادعى وبينها لا تلزمه، وتمامه في النهر قوله: (أما بالبينة الخ) تابع فيه صاحب النهر، وكأنه أخذه مما يأتي عن السراج من اشتراط إقرار المدعى عليه بالمال والبينة مثل الاقرار، لكن هذا مخالف لكلام المصنف وغيره من أن القول للمدعي كما يأتي. قوله: (والقول له أي للكفيل) عبارة المصنف في المنح: أي للمكفول له، وهي الصواب، وقد تبع الشارح الدرر. واعترضه في العزمية بقوله: هذا سهو ظاهر، والصواب: للمدعي. أما دراية فلان قولهم لأنه يدعي الصحة يشهد بذلك، فإن ادعاء الصحة لا يوافق مدعاه. وأما رواية فلقوله في معراج الدراية ويكون القول له في هذا البيان لأنه يدعي الصحة والكفيل يدعي الفساد، ذكره في الذخيرة ا ه. وفي غاية البيان: ويقبل قول المدعي أنه أراد ذلك عند الدعوى لأنه يدعي الصحة ا ه ما في العزمية. وفي النهاية: فإذا بين المدعي ذلك عند القاضي ينصرف بيانه إلى ابتداء الدعوى والملازمة، فتظهر صحة الكفالة بالنفس والمال جميعا ويكون القول قوله: في هذا البيان لأنه يدعي صحة الكفالة ا ه. ومثله في شرح الجامع الصغير لقاضيخان. فهذه العبارات صريحة في المراد، وهو ظاهر عبارات المتون والهداية. قوله: (وكلام السراج يفيد الخ) وذلك حيث قال: لو ادعى على رجل ألفا فأنكره فقال له رجل إن لم أوافك به غدا فهي علي فلم يوافه به غدا لا يلزمه شئ، لان المكفول عنه لم يعترف بوجود المال ولا اعترف الكفيل بها أيضا، فصار هذا مالا معلقا بخطر فلا يجوز ا ه. قوله: (فليحرر) لا يخفى أن ما في السراج لا يعارض ما في مشاهير كتب المذهب التي ذكرناها. وقال السائحاني: الذي تحرر لي أن يحمل ما في السراج على قول محمد وقول أبي يوسف ثانيا ا ه. وهو ظاهر. ولا يقال: إن قول السراج فأنكره يفيد التوفيق بحمل كلامهم على الاقرار، لأنه خلاف ما فرض به المسألة في كافي الحاكم من كون الكفيل والمطلوب منكرين للمال. قوله: (في دعوى حد وقود) قيد بالدعوى لان الكفالة بنفس الحد والقود لا تجوز إجماعا كما يأتي، إذ لا يمكن
(1) قوله: (اي فعليه المائة) هكذا بخطه بضمير الغيبة، والذي في نسخ الشارح التي بيدي اي فعلي المائة بضمير التكلم وليحرر ا ه. مصححه. 431 استيفاؤهما من الكفيل، وقيد بالقصاص لأنه في القتل والجراحة خطأ يجبر عليه الكفيل إجماعا لان الموجب هو المال. نهر. قوله: (مطلقا) أي في حقه تعالى أو حق عبد، وهذا راجع لقوله: حد والأولى ذكره عقبه، قوله: (وسرقة) هذا ألحقه التمرتاشي وجعله من حقوق العباد لكون الدعوى فيه شرطا، بخلاف غيره لعدم اشتراطها. بحر. قلت: قد صرح به الحاكم في الكافي حيث قال: ولو ادعى رجل قبل رجل أنه سرق مالا منه وقال بينتي حاضرة فإنه يؤخذ له كفيل بنفسه ثلاثة أيام، ولو قال قد قبضت منه السرقة ولكني أريد أن أقيم الحد لم يؤخذ منه كفيل. ثم قال: وإذا أقام شاهدين على السارق وعلى السرقة وهي بعينها في يديه لم يؤخذ منه كفيل ولكن يحبس وتوضع السرقة على يدي عدل حتى يزكي الشهود ا ه. قلت: والظاهر أنه يحبس ولا يكفل في الثانية لأنه صار متهما بقيام البينة قبل التزكية والمتهم يحبس كما يأتي وفي الأولى لم يحبس لان الحبس عقوبة فلا يفعلها قبل الشهادة. قوله: (كتعزير) قال في الكافي: لو ادعى رجل قبل رجل شتيمة فيها تعزير وقال بينتي حاضرة أخذ له منه كفيلا بنفسه ثلاثة أيام لأنه ليس بحد وهو من حقوق الناس، ألا ترى أنه لو عفا عنه وتركه جاز. ثم قال: وإن أقام عليه شاهدين بالشتيمة لم يحبس، ولكن يؤخذ منه كفيل بنفسه حتى يسأل عن الشهود، فإن زكوا عزره القاضي أسواطا، وإن رأى أن لا يضربه وأن يحبسه أياما عقوبة فعل، وإن كان المدعى عليه رجلا له مروءة وخطر استحسنت أن لا أحبسه ولا أعزره إذا كان ذلك أول ما فعل ا ه. قوله: (لأنه حق آدمي) ظاهره أن ما كان: أي من التعزير من حقوقه تعالى لا يجوز به التكفيل كالحد. بحر قوله: (والمراد بالجبر) أي على قولهما كما في البحر. قوله: (الملازمة) أي بأن يدور معه الطالب حيث دار كي لا يتغيب عنه. وإذا أراد دخول داره، فإن شاء المطلوب أدخله معه وإلا منعه الطالب عنه. نهر. قوله: (جاز) لأنه أمكن ترتيب موجبه عليه لان تسليم النفس فيها واجب فيطالب به الكفيل فيتحقق الضم. هداية. قال في الفتح: ومقتضى هذا التعليل صحة الكفالة إذا سمح بها في الحدود الخالصة، لان تسليم النفس واجب فيها، لكن نص في الفوائد الخبازية على أن ذلك في الحدود التي للعباد فيها حق كحد القذف لا غير ا ه نهر. وفي البحر: قدمنا أنه لا تجوز بنفس من عليه في الحدود الخالصة. قوله: (وظاهر كلامهم) أي حيث اقتصروا على هذه الثلاثة، وقد أسمعناك التصريح به في الفتح عن الخبازية، وذكره قبل ذلك أيضا حيث قال: بخلاف الحدود الخالصة حقا لله تعالى كحد الزنا والشرب لا تجوز الكفالة وإن طابت نفس المدعى عليه بإعطاء الكفيل بعد الشهادة أو قبلها، ثم ذكر وجهه. قوله: (فليكن التوفيق) أي فليكن ظاهر كلامهم المذكور توفيقا بين ما ذكره المصنف من أنه لو أعطى كفيلا برضاه جاز، وبين ما سيجئ بحمل ما هنا على حقوق العباد، وما سيجئ على حقوقه تعالى. لكن فيه أن الكفالة بنفس الحد لا تصح مطلقا، لان حد السرقة وإن كان ملحقا بحقوق العباد كما مر، لكن إذا قال قبضت السرقة وقال أريد إقامة الحد لم يؤخذ له كفيل كما قدمناه، فالأظهر أن يكون مراده
432 أن ما سيجئ من قولهم لا تصح بنفس حد وقود هو التوفيق بينه وبين ما هنا من أنه لو أعطى كفيلا برضاه جاز، فإن ذاك في أنها لا تصح بنفس الحد والقود، وما هنا من الجواز في دعوى الحد والقود كما أشار إليه أولا حيث قال وفي دعوى حد وقود. قوله: (ولا حبس فيهما) أي في الحدود والقصاص. قوله: (يعرفه القاضي بالعدالة) أي فلا يحتاج إلى تعديله. قوله: (لان الحبس للتهمة مشروع) أي والتهمة تثبت بأحد شطري الشهادة العدد أو العدالة. فتح. وهذا جواب عما قد يقال: الحبس أقوى من الكفالة، فإذا لم يؤاخذ بالأدنى يؤاخذ بالأقوى؟ فأجاب بأن الحبس للتهمة لا للحد. أفاده السائحاني. مطلب في تعزير المتهم قوله: (وكذا تعزير المتهم) أي في غير هذه المسألة، وإلا فهي أيضا من تعزير المتهم، فإن الحبس من أنواع التعزير. وعبارة البحر: وكلامهم هنا يدل ظاهرا على أن القاضي يعزر المتهم وإن لم يثبت عليه. وقد كتبت فيها رسالة، وحاصلها: أن ما كان من التعزير من حقوقه تعالى لا يتوقف على الدعوى ولا على الثبوت، بل إذا أخبر القاضي عدل بذلك عزره لتصريحهم هنا بحبس المتهم بشهادة مستورين أو عدل، والحبس تعزير ا ه ملخصا. وحاصله: جواز تعزير المتهم فيما هو من حقوقه تعالى، ويدل عليه ما قدمناه آنفا على الكافي من جواز حبسه إذا أقيمت البينة على السرقة حتى تزكي الشهود، بخلاف ما إذا أقيمت على شتمه فإنه يكفل ولا يحبس إلا بعد تزكيتهم فحينئذ يضرب أو يحبس. تنبيه: أورد في النهر أن تعزير القاضي المتهم وإن لم يثبت عليه مبني على خلاف المفتى به عند المتأخرين من أنه ليس للقاضي أن يقضي بعلمه، ثم أجاب بأن الخلاف فيما كان من حقوق العباد، أما في حقوقه تعالى فيقضى فيها بعلمه اتفاقا. ثم قال: فما يكتب من المحاضر في حق إنسان فإن للحاكم أن يعتمده من العدول ويعمل بموجبه في حقوقه تعالى ا ه ملخصا. قلت: وهذا خاص بالتعزير، لان قضاءه بعلمه في الحدود الخالصة لا يصح اتفاقا كما صرح به في الفتح قبيل باب التحكيم، وكذا في شرح الوهبانية للشرنبلالي، وجزم به في شرح أدب القضاء بلا حكاية خلاف، فما أجاب به في النهر غير صحيح، وسيأتي تمام الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى في باب كتاب القاضي إلى القاضي. مطلب لا يلزم أحدا إحضار أحد إلا في أربع قوله: (إلا في أربع) استثناء من قوله: لا يلزم أحدا. قوله: (كفيل نفس) أي عند القدرة. أشباه قوله: (وسجان قاض) أي إذا خلي رجلا من المسجونين حبسه القاضي بدين عليه فلرب الدين أن يطلب السجان بإحضاره كما في القنية. أشباه، وقيد بإحضاره إذ لا يلزمه الدين لعدم موجبه. قوله: (والأب في صورتين) الأولى الأب إذا أمر أجنبيا بضمان ابنه فطلبه الضامن منه. الثانية ادعى الأب مهر ابنته من الزوج فادعى الزوج أنه دخل بها وطلب من الأب إحضارها: فإن كانت تخرج
433 في حوائجها أمر القاضي الأب بإحضارها، وكذا لو ادعى الزوج عليها شيئا آخر، وإلا أرسل إليها أمينا من أمنائه، ذكره الولوالجي. أشباه. قلت: والمقصود من طلب إحضارها أن يسألها القاضي عن دعوى الزوج أنه دخل بها، فإن أقرت بذلك أجبرها القاضي على المصير إلى بيت الزوج، وإن أنكرت فالقول قولها، كذا في الولوالجية. وهكذا فهمته قبل أن أراه، ولله تعالى الحمد فافهم. وهذا مبني على القول بأنها بعد الدخول بها برضاها ليس لها منع نفسها لقبض المهر. قوله: (الأب يطالب بإحضار طفله إذا تغيب) أي إذا كان مأذونا في التجارة وطلب من رجل أن يضمنه، فافهم، وهذه غير الأولى من الصورتين السابقتين، وقدمناه عن الكافي، وكذا قال في جامع الفصولين من الإحكامات: لو تغيب الغلام وآخذ الكفيل أبا الغلام وقال أنت أمرتني أن أضمنه فخلصني فإن الأب يؤاخذ به حتى يحضر ابنه إذ الصبي في يده وتدبيره، وكذا قالوا إن الصبي المأذون لو أعطى كفيلا بنفسه ثم تغيب الصبي فإن الأب يطالب بإحضاره، بخلاف أجنبي قال أكفل بنفس زيد وكفل فغاب زيد فالآمر بالكفالة لا يطالب بإحضار زيد لأنه لم يكن بيده وتدبيره ا ه. قوله: (وفيها) أي في الأشباه. قوله: (بإحضار المدعى) بالفتح: أي المدعى به إذا كان منقولا. قوله: (وكذا المدعى عليه) أي يأخذ من المدعى عليه كفيلا بنفسه إذا برهن المدعى ولم تزك شهوده، أو أقام واحدا أو ادعى وقال شهودي حضور ولا يجبر على إعطاء كفيل بالمال. أشباه. قوله: (إلا في أربع الخ) عبارة الأشباه: ويستثنى من طلب كفيل بنفسه إذا كان المدعى عليه وصيا أو وكيلا ولم يثبت المدعي الوصاية والوكالة، وهما في أدب القضاء للخصاف، وما إذا ادعى بدل الكاتبة على مكاتبه أو دينا غيرها، وما إذا ادعى العبد المأذون الغير المديون على مولاه دينا، بخلاف ما إذا ادعى المكاتب على مولاه أو المأذون المديون فإنه يكفل، كذا في كافي الحاكم ا ه. قوله: (إذا لم يثبت المدعي الوصاية والوكالة) لان المدعى عليه إذا أنكر كونه وصيا أو وكيلا لم يكن خصما عن الميت أو الغائب بل هو أجنبي، فإذا قال المدعي عندي بينة على كونه وصيا أو وكيلا لم يؤخذ له كفيل من المدعى عليه بنفسه، لان الوصاية أو الوكالة ليست حقا على المدعى عليه، أما لو أثبت ذلك وأراد أن يثبت دينا له على الميت أو الموكل فقد صار المدعى عليه خصما، فإذا قال للقاضي لي بينة حاضرة في المصر فخذ لي كفيلا بنفسه إلى ثلاثة أيام مثلا فإنه يجيبه، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل. قوله: (لا يجبر على الكفيل) وفي ظاهر الرواية يجبر، كما أنه يجبر علي إعطاء الكفيل وإن كان المال حقيرا ط عن حاشية أبي السعود. قوله: (إلا كفيل النفس) فإن الطالب إذا أقر أنه لا حق له قبل المكفول به فإن أبا حنيفة قال: له أن يأخذ الكفيل به، ألا ترى أنه يكون وصيا يثبت عليه أو وكيلا في خصومة. كافي. مطلب كفالة المال قوله: (وأما كفالة المال الخ) معطوف على قوله: وكفالة النفس قال في شرح الملتقى: وزاد
434 بعضهم الكفالة بتسليم المال ويمكن دخوله في المال فلا يحتاج إلى جعله قسما ثالثا، فتأمل ا ه. وهو ظاهر ما في البحر عن التاترخانية له مال على رجل فقال رجل للطالب ضمنت لك ما على فلان أن أقبضه وأدفعه إليك قال ليس هذا على ضمان المال أن يدفعه من عنده، إنما هو على أن يتقاضاه ويدفعه إليه، وعلى هذا معاني كلام الناس، ولو غصب من مال رجل ألفا فقاتله المغصوب منه وأراد أخذها منه فقال رجل لا تقاتله فأنا ضامن لها آخذها وأدفعها إليك لزمه ذلك، ولو كان الغاصب استهلك الألف وصارت دينا كان هذا الضمان باطلا وكان عليه ضمان التقاضي ا ه. فهذه الألفاظ لا تكون كفالة بنفس لمال بل بتقاضيه، وهذا إذا لم يذكره معلقا. ففي جامع الفصولين: قال دينك الذي على فلان أنا أدفعه إليك أنا أسلمه أنا أقبضه لا يكون كفيلا ما لم يتكلم بلفظة تدل على الالتزام. ثم قال: لو أتى بهذه الألفاظ منجزا لا يصير كفيلا ولو معلقا كقوله: لو لم يؤد فأنا أؤدي فأنا أدفع يصير كفيلا ا ه. مطلب كفالة المال قسمان: كفالة بنفس المال، وكفالة بتقاضيه وقد علم بما مر أن كفالة المال قسمان، كفالة بنفس المال وكفالة بتقاضيه، ومن الثاني الكفالة بتسليم عين كأمانة ونحوها كما يأتي، ومنه أيضا قوله: ولو غصب من مال رجل الخ لان دراهم الغصب تتعين فيجب رد عينها لو قائمة، بخلاف ما إذا هلكت لأنها تصير دينا فلا تصح الكفالة بدفعها بل يصير كفيلا بالتقاضي، وبه ظهر الفرق بين المسألتين. قوله: (فتصح به) أطلقه فشمل ما إذا كان الأصيل مطالبا به الآن أو لا، فتصح عن العبد المحجور بما يلزمه بعد العتق باستهلاك أو قرض ويطالب الكفيل الآن، كما لو فلس القاضي المديون وله كفيل فإن المطالبة تتأخر عن الأصيل دون الكفيل كما في التاترخانية. نهر. وشمل كفالة المال عن الأصيل وعن الكفيل بأن كفل عن الكفيل كفيل آخر بما على الأصيل كما قدمناه أول الباب عن الكافي. وقال في البحر: أطلق صحتها فشمل كل من عليه المال حرا كان أو عبدا، مأذونا أو محجورا صبيا أو بالغا، رجلا أو امرأة، مسلما كان أو ذميا، وكان من له المال، لكن في البزازية الكفالة للصبي التاجر صحيحة لأنه تبرع عليه، وللصبي العاقل غير التاجر روايتان ا ه. وذكر الحاكم الشهيد أن الجواز قول أبي يوسف. وفي التاترخانية: إذا كفل رجل لصبي، إن كان الصبي تاجرا صح بخطابه وقبوله، وإن كان محجورا فإن قبل عنه وليه أو أجنبي وأجاز وليه جاز، وإن لم يخاطب ولي ولا أجنبي بل الصبي فقط فعن الخلاف ا ه. قلت: والظاهر أن مبنى الخلاف على أنه هل يشترط في الكفالة القبول في المجلس ولو من فضولي؟ وعند أبي يوسف: لا يشترط، وسيأتي اختلاف التصحيح، وقد صرحوا بأن يصح ضمان الولي مهر الصغيرة، وسيأتي تمام الكلام عليه. قوله: (ولو المال مجهولا) لابتنائها على التوسع، وقد أجمعوا على صحتها بالدرك مع أنه لا يعلم كما يستحق من المبيع. نهر ويأتي في المتن أربعة أمثلة للمجهول، وفي الفتح: وما نوقض به من أنه لو قال كفلت لك بعض مالك على فلان فإنه لا يصح ممنوع، بل يصح عندنا، والخيار للضامن، ويلزمه أن يبين أي مقدار شاء ا ه. وفي البحر عن البدائع: لو كفل بنفس رجل أو بما عليه وهو ألف جاز وعليه أحدهما أيهما شاء ا ه. ومثله في الكافي. قوله: (إذا كان ذلك المال دينا صحيحا) يأتي تفسيره ودخل فيه المسلم فيه، فتصح الكفالة به كما عزاه
435 الحانوتي إلى شرح التكملة. ويشترط أيضا أن يكون الدين قائما كما قدمه أول الباب. قوله: (كما سيجئ) في قوله: ولا لشريك بدين مشترك فهذا دين صحيح لا تصح به الكفالة. قوله: (لان قسمة الدين قبل قبضه لا تجوز) لأنه إما أن يكفل نصفا مقدرا فيكون قسمة الدين قبل قبضه، أو نصفا شائعا فيصير كفيلا لنفسه، لان له أن يأخذ من المقبوض نصفه كما في النهر عن المحيط. قوله: (وإلا في مسألة النفقة المقررة) ما قبل هذا الاستثناء وما بعده استثناء من صريح قوله.: إذا كان دينا صحيحا وهذا استثناء من مفهومه، فإنه يفهم منه أنه إذا كان الدين غير صحيح لا تصح الكفالة، فقال إلا في مسألة النفقة المقررة فإنها تصح الكفالة بها مع أنها دين غير صحيح لسقوطها بموت أو طلاق، وهذا إذا كانت غير مستدانة بأمر القاضي، وإلا فهي دين صحيح لا يسقط إلا بالقضاء أو الابراء، والمراد بالمقررة ما قرر منها بالتراضي أو بقضاء القاضي: وتصح الكفالة أيضا بالنفقة المستقبلة كما يذكره الشارح بعد أسطر، مع أنها لم تصر دينا أصلا. وأما ما قدمه أول الباب من أنها لا تصح بالنفقة قبل الحكم فمحمول على الماضية لأنها تسقط بالمضي إلا إذا كانت مقررة بالتراضي أو بقضاء القاضي كما حررناه هناك. قوله: (وإلا في بدل السعاية) أي كما إذا أعتق بعضه وسعى في باقيه وفي كافي الحاكم: والمستسعى في بعض قيمته بعدما عتق بمنزلة المكاتب، في قوله أبي حنيفة: لا تجوز كفالة أحد عنه بالسعاية لمولاه ولا بنفسه، وكذلك المعتق عند الموت إذا لم يخرج من الثلث فتلزمه السعاية، وأما المعتق على جعل فهو بمنزلة الحر، والكفالة للمولى بالجعل عنه وغيره جائزة ا ه. قوله: (فيلغز أي دين صحيح الخ) فيقال هو بدل السعاية، وكذا الدين المشترك كما علمته. قال في النهر: فإن قلت دين الزكاة كذلك ولا تصح الكفالة به. قلت: إنما لم تصح، لأنه ليس دينا حقيقة من كل وجه ا ه. قلت: وفي قوله: كذلك نظر، لان الدين الصحيح ما لا يسقط إلا بالأداء أو الابراء، ودين الزكاة يسقط بالموت وبهلاك المال فلا يرد السؤال من أصله. قوله: (وأي دين ضعيف) هو دين النفقة. قوله: (ولو حكما) أي ولو كان الابراء حكما ط. قوله: (بفعل) الباء للسببية. ط. قوله: (فيسقط دين المهر) الأولى: فدخل دين المهر الساقط بمطاوعتها ط. قوله: (للابراء الحكمي) لان تعمدها ذلك قبل الدخول مسقط لمهرها فكأنها أبرأته منه. لكن بقي أن المهر يسقط منه نصفه بالطلاق قبل الدخول مع أنه لم يوجد من الزوج إبراء أصلا لا حقيقة ولا حكما، إذ يتصور كون الطلاق قبل الدخول إبراء نصف المهر لأنه بطلاقه سقط عنه لا عنها. وقد يجاب بأن المهر وجب بنفس العقد، لكن مع احتمال سقوطه بردتها أو تقبيلها ابنه أو تنصفه بطلاقها قبل الدخول، ويتأكد لزوم تمامه بالوطئ ونحوه، حتى إنه بعد تأكده بالدخول لا يسقط، وإن كانت الفرقة من قبل المرأة كالثمن إذا تأكد بقبض المبيع كما قدمناه في باب المهر، وقد صرحوا هناك بصحة كفالة ولي الصغيرة بالمهر، وكذا كفالة وكيل الكبيرة،
436 ولم يقيدوه بكونه بعد الدخول. ووجه ذلك والله تعالى أعلم أن احتمال سقوطه أو سقوط نصفه لا يضر لأنه بعد السقوط تظهر براءة الكفيل، كما لا يضر احتمال سقوط ثمن المبيع باستحقاق المبيع أو برده بخيار عيب أو شرط أو رؤية، فإن الكفيل به يبرأ من الكفالة، مع أن الثمن عند العقد دينا صحيحا يصدق عليه أنه لا يسقط إلا بالأداء أو الابراء: أي لا يسقط إلا بذلك ما لم يعرض له مسقط ناسخ لحكم العقد وهو لزوم الثمن، لأنه بأحد هذه الأشياء ظهر أن العقد غير ملزم للثمن في حق العاقدين، فكذا عقد النكاح يلزم به تمام المهر بحيث لا يسقط إلا بالأداء أو الابراء ما لم يعرض له مسقط لكله أو نصفه لأنه انعقد من أصله محتملا لسقوطه بذلك المسقط، فإذا عرض ذلك المسقط تبين أنه لم يجب من أصله، بخلاف سقوطه بالأداء أو الابراء فإنه مقتصر على الحال. وبهذا التقرير ظهر أنه لا حاجة إلى ما نقله عن ابن كمال، فاغتنم ذلك ولله الحمد. قوله: (فلا تصح ببدل الكتابة) وكذا لا تصح الكفالة بالدية كما في الخلاصة والبزازية. وفي الظهيرية: واعلم أن الكفالة ببدل الكتابة والدية لا تصح ا ه. ونقلها في التاترخانية عن الظهيرية ولم ينقل فيه خلافا، ونقلها صاحب النقول عن الخلاصة. رملي. ولعل وجهه أن الدية ليست دينا حقيقة على العاقلة، لأنها إنما جب أولا على القاتل ثم على العاقلة بطريق التحمل والمعاونة والظاهر أنها لو وجبت في مال القاتل كما لو كانت باعترافه تصح الكفالة بها، فتأمل. وفي كافي الحاكم قال: إن قتلك فلان خطأ فأنا ضامن لديتك فقتله فلان خطأ فهو ضامن لديته. قوله: (بالتعجيز) بدل من قوله: بدونهما. وحاصله أن عقد الكتابة عقد غير لازم من جانب العبد، فله أن يستقل بإسقاط هذا الدين بأن يعجز نفسه متى أراد فلم يكن دينا صحيحا، لأن العقد من أصله لم ينعقد ملزما لبدل الكتابة لأنه دين للسيد على عبده، ولا يستحق السيد على عبده دينا ولذا ليس له حبسه به، فظهر الفرق بينه وبين المهر والثمن، فتدبر. قوله: (ولو كفل) أي ضمن بدل الكتابة. قوله: (يعني الخ) هذا ذكره صاحب النهر. قوله: (وسيجئ) أي عند قوله: وبالعهدة وبالخلاص. قوله: (قيد آخر) هو إذا حسب أنه مجير على ذلك لضمانه السابق. قلت: ويظهر من هذا أنه يرجع على المولى لأنه دفع له مالا على ظن لزومه له ثم تبين عدمه، وحينئذ فلا فائدة للقيد الأول إلا إذا كان المراد الرجوع على المكاتب، تأمل. ثم رأيت بعض المحشين ذكر نحو ما قلته. قوله: (بكفلت الخ) أشار إلى أن الكفالة بالمال لا تكون به ما لم يدل عليه دليل، وإلا كانت كفالة نفس، والى أن سائر ألفاظ الكفالة المارة في كفالة النفس تكون كفالة مال أيضا كما حررناه هناك، وإلى ما في جامع الفصولين من أنه لو قال: دينك الذي على فلان أنا أدفعه إليك أنا أسلمه أقبضه لا يصير كفيلا ما لم يتكلم بلفظه تدل على الالتزام كقوله: كفلت ضمنت علي إلي، وقدمنا عنه قريبا في أنا أدفعه الخ لو أتى بهذه الألفاظ منجزا لا يصير كفيلا ولو معلقا كقوله: لو لم يؤد فأنا أؤدي فأنا أدفع يصير كفيلا. قوله: (بما لك عليه) قال في البحر. وسيأتي أنه لا بد من البرهان أن له عليه كذا أو إقرار الكفيل، وإلا فالقول له مع يمينه ا ه. وقدمنا عن الفتح صحة الكفالة
437 بكفلت بعض ما لك عليه ويجبر الكفيل على البيان. قوله: (وهذا يسمى ضمان الدرك) بفتحتين وبسكون الراء: وهو الرجوع بالثمن عند استحقاق المبيع، وتمامه في البحر. شرطه ثبوت الثمن على البائع بالقضاء كما سيذكره المصنف آخر الباب ويأتي بيانه. قوله: (وبما بايعت فلانا فعلي) معطوف على قوله: بكفلت فهو متعلق أيضا بتصح لا على قوله: بألف، إذ لا يناسبه جعل ما شرطية جوابها قوله: فعلي. قوله: (وكذا قول الرجل الخ) في الخانية: قال لغيره ادفع إلى فلان كل يوم درهما على أن ذلك علي فدفع حتى اجتمع عليه مال كثير فقال الآمر لم أرد جميع ذلك كان عليه الجميع بمنزلة قوله: ما بايعت فلانا فهو علي يلزمه جميع ما بايعه، وهو كقوله: لامرأة الغير كفلت لك بالنفقة أبدا يلزمه النفقة أبدا. ما دامت في نكاحه، ولو قال لها: ما دمت في نكاحه فنفقتك علي فإن مات أحدهما أو زال النكاح لا تبقى النفقة ا ه. وقدمنا في باب النفقات لزوم الكفيل نفقة العدة أيضا. قوله: (وما غصبك فلان) وكذا ما أتلف لك المودع فعلي، وكذا كل الأمانات. جامع الفصولين. قوله: (ما هنا شرطية) أي في قوله: ما بايعت وما غصبك. قوله: (أي إن بايعته فعلي لا ما اشتريته) أراد بيان أمرين: كون ما لمجرد الشرط مثل إن وكون المكفول به الثمن لا المبيع بقرينة التعليل. وعبارة الدرر أظهر في المقصود حيث قال: أي ما بايعت منه فإني ضامن لثمنه لا ما اشتريته فإني ضامن للمبيع، لان الكفالة بالمبيع لا تجوز كما سيأتي. ثم قال: وما في هذه الصور شرطية معناه: إن بايعت فلانا، فيكون في معنى التعليق ا ه. وما كتبه ح هنا لا يخفى ما فيه على من تأمله، فافهم. تنبيه: قيد بضمان الثمن، لما في البحر عن البزازية: لو قال بايع فلانا على أن ما أصابك من خسران فعلي لم يصح ا ه. قال الخير الرملي: وهو صريح بأن من قال استأجر طاحونة فلان وما أصابك من خسران فعلي لم يصح، وهي واقعة الفتوى ا ه. قوله: (لما سيجيئ) أي في قوله: ولا بمبيع قبل قبضه وهذا في البيع الصحيح، وسيأتي تمامه. قوله: (بأن بايعه الخ) تصوير للقبول دلالة. وعبارة النهر هكذا: وفي الكل يشترط القبول، إلا أنه في البزازية قال: طلب من غيره قرضا فلم يقرضه فقال رجل أقرضه فما أقرضته فأنا ضامن فأقرضه في الحال من غير أن يقبل ضمانه صريحا يصح، ويكفي هذا القدر ا ه. وينبغي أن يكون ما بايعت فلانا أو ما غصبك فعلي كذلك إذا بايعه أو غصب منه للحال ا ه ما في النهر. قلت: ما ذكره في المبايعة صحيح، بخلاف الغصب فإن الطالب مغصوب منه فكيف يتصور كون الغصب قبولا منه للكفالة، لأن الغصب فعل غيره. أما المبايعة فهي فعله، فإقدامه عليها في الحال يصح كونه قبولا منه، فافهم. قوله: (إلا في كلما) هذا ما مشى عليه العيني وابن الهمام. قال في الفتح: لان المعنى إن بايعته فعلي درك ذلك البيع، وإن ذات لك عليه شئ فعلي، وكذا ما غصبك فعلي وإذا صحت فعليه ما يجب بالمبايعة الأولى، فلو بايعه مرة بعد مرة لا يلزمه ثمن في
438 المبايعة الثانية، ذكره في المجرد عن أبي حنيفة نصا، وفي نوادر أبي يوسف برواية ابن سماعة: يلزمه كله ا ه. قوله: (وقيل يلزم) أي في ما مثل كلما وكذا الذي. قوله: (إلا في إذا) أي ونحوها مما لا يفيد التكرار مثل متى، وإن قال في النهر وفي المبسوط: لو قال متى أو إذا إن بايعت لزمه الأول فقط، بخلاف كلما وما ا ه. وزاد في المحيط الذي ا ه. ومقتضى ما مر عن الفتح أن ما في المبسوط رواية عن أبي يوسف، وأن الأول قول الإمام ونقل ط التصريح بذلك عن حاشية سري الدين على الزيلعي عن المحيط وغيره، لكن ما في المبسوط هو الذي في كافي الحاكم ولم يذكر فيه خلافا، فكان هو المذهب: والحاصل الاتفاق على إفادة التكرار في كلما وعلى عدمها في إذا ومتى وإن والخلاف في ما. قوله: (وعليه القهستاني والشرنبلالي) ومشى عليه أيضا في جامع الفصولين. قوله: (ولو رجع عنه الكفيل الخ) في البزازية تبعا للمبسوط: لو رجع عن هذا الضمان قبل أن يبايعه ونهاه عن مبايعته لم يلزمه بعد ذلك شئ، ولم يشترط الولوالجي نهيه عند الرجوع حيث قال: لو قال رجعت عن الكفالة قبل المبايعة لم يلزم الكفيل شئ وفي الكفالة بالذوب لا يصح، والفرق أن الأولى مبنية على الامر دلالة وهذا الامر غير لازم، وفي الثانية مبنية على ما هو لازم ا ه. وهو ظاهر. نهر: أي لان قوله: كفلت لك مما ذاب لك على فلان: أي بما ثبت لك عليه بالقضاء كفالة بمحقق لازم، بخلاف بما بايعته فإنه لم يتحقق بعد بيانه ما في البحر عن المبسوط لان لزوم الكفالة بعد وجود المبايعة وتوجه المطالبة على الكفيل، فأما قبل ذلك هو غير مطلوب بشئ ولا ملتزم في ذمته شيئا فيصح رجوعه، يوضحه أن بعد المبايعة إنما أوجبنا المال على الكفيل دفعا للغرور عن الطالب لأنه يقول: إنما اعتمدت في المبايعة معه كفالة هذا الرجل، وقد اندفع هذا الغرور حين نهاه عن المبايعة ا ه. قوله: (وبخلاف ما غصبك الناس الخ) مرتبط بالمتن. قال في الفتح قيد بقوله: فلانا ليصير المكفول عنه معلوما، فإن جهالته تمنع صحة الكفالة ا ه. وقد ذكر الشارح ست مسائل: ففي الأولى جهالة المكفول عنه، وفي الثانية والثالثة والرابعة جهالة المكفول بنفسه وفي الخامسة والسادسة جهالة المكفول له، وهذا داخل تحت قوله: الآتي ولا تصح بجهالة المكفول عنه الخ. قوله: (كقوله: ما غصبك أهل هذه الدار الخ) أي لان فيه جهالة المكفول عنه، بخلاف ما لو قال لجماعة حاضرين ما بايعتموه فعلي فإنه يصح، فأيهم بايعه فعلى الكفيل. والفرق أنه في الأولى ليسوا معينين معلومين عند المخاطب وفي الثانية معنيون. والحاصل أن جهالة المكفول له تمنع صحة الكفالة، وفي التخيير لا تمنع نحو كفلت مالك على فلان أو فلان كذا في الفتح. نهر. وذكر في الفتح أنه يجب كون أهل الدار ليسوا معينين معلومين عند المخاطب، وإلا فلا فرق. قوله: (أو علقت بشرط صريح) عطف على قوله: بكلفت من حيث المعنى فإنه منجز، فهو في معنى قولك إذا نجزت أو علقت الخ، والمراد بالصريح ما صرح به بأداة التعليق
439 وهي إن أو إحدى أخواتها، فدخل فيه بالأولى ما كان في معنى التعليق مثل علي فإنه يسمى تقييدا بالشرط لا تعليقا محضا كما يعلم مما مر في بحث ما يبطل تعليقه، أو المراد بالصريح ما قابل الضمني في قوله: ما بايعت فلانا فعلي، فإن المعنى إن بايعت كما في الفتح، وقد عده في الهداية من أمثلة المعلق بالشرط، فافهم. قوله: (ملائم) أي موافق من الملاءمة بالهمز وقد تقلب ياء. قوله: (بأحد أمور) متعلق بموافق والباء للسببية ط. قوله: (بكونه شرطا الخ) بدل من أحد أمور بدل مفصل من مجمل ط وعبر في الفتح بدل الشرط بالسبب وقال: فإن استحقاق المبيع سبب لوجود الثمن على البائع للمشتري. قوله: (أو جحدك المودع) ومثله: إن أتلف لك المودع وكذا كل الأمانات كما قدمناه عن الفصولين. قوله: (أو قتلك) أي خطأ كما في الفتح عن الخلاصة، وقدمناه عن الكافي، وقدمنا أيضا عن عدة كتب أن الكفالة بالدية لا تصح، فليتأمل. قوله: (فعلي الدية) أراد بها البدل فيشمل باقي الأمثلة. قوله: (ورضي به المكفول) أي المكفول له. قوله: (بخلاف إن أكلك السبع) لان فعله غير مضمون لحديث جرح العجماء جبار قوله: (أو شرطا لامكان الاستيفاء الخ) أي لسهولة تمكن الكفيل من استيفاء المال من الأصيل قال في الفتح: فإن قدومه سبب موصل للاستيفاء منه. قوله: (وهو معنى قوله): أي ما ذكر من كون التقدير: فعلي ما عليه من الدين هو معنى قوله: وهو مكفول عنه. قوله: (أو مضاربه) الضمير فيه وفيما بعده يرجع إلى المكفول عنه ا ه ح وقد أفاد أنه لا بد أن يكون قدوم زيد وسيلة للأداء في الجملة وإن لم يكن أصيلا، بخلاف ما إذا كان أجنبيا من كل وجه، وهذا ما حققه في النهر والرملي في حاشية البحر ردا على ما فهمه في البحر. قلت: ومن أمعن النظر في كلام البحر لم يجده مخالفا لذلك بل مراده ما ذكر، فإنه ذكر أولا أن كلام القنية شامل لكون زيد أجنبيا ثم قال: والحق أنه لا يلزم أن يكون مكفولا عنه لما في البدائع، لان قدومه وسيلة إلى الأداء في الجملة لجواز أن يكون مكفولا عنه أو مضاربة ا ه ثم قال: وعبارة البدائع أزالت اللبس وأوضحت كل تخمين وحدس ا ه. فهذا ظاهر في أنه لم يرد الأجنبي من كل وجه تأمل. قوله: (وأمثلته كثيرة) منها ما في الدراية: ضمنت كل مالك على فلان إن توى، وكذا إن مات ولم يدع شيئا فأنا ضامن، وكذا إن حل مالك على فلان ولم يوافك به فهو علي، وإن حل مالك على فلان أو إن مات فهو علي، وقدمنا عن الخانية: إن غاب ولم أوافك به فأنا ضامن لما عليه، فهذا على أن يوافي به بعد الغيبة وعن محمد: إن لم يدفع مديونك أو إن لم يقضه فهو علي، ثم إن الطالب تقاضى المطلوب فقال المديون لا أدفعه ولا أقضيه وجب على الكفيل الساعة وعنه أيضا: وإن لم يعطك فأنا ضامن فمات قبل أن يتقاضاه ويعطيه بطل الضمان، ولو بعد التقاضي قال أنا أعطيك فإن أعطاه مكانه أو ذهب به إلى السوق أو منزله وأعطاه جاز، وإن طال ذلك ولم يعطه لزم الكفيل. وفي القنية: إن لم يؤد فلان ما لك عليه إلى ستة أشهر فأنا ضامن له، يصح التعليق لأنه شرط متعارف. نهر.
440 قلت: ويقع كثيرا في زماننا: إن راح لك شئ عنده فأنا ضامن، وهذا معنى قوله: المار: إن توى: أي هلك، وسيأتي في الحوالة أن التوي عند الامام لا يتحقق لا بموته مفلسا. مطلب في تعليق الكفالة بشرط غير ملائم وفي تأجيلها قوله: (ولا تصح إن علقت بغير ملائم الخ) اعلم أن هاهنا مسألتين: إحداهما: تأجيل الكفالة إلى أجل مجهول، فإن كان مجهولا جهالة متفاحشة كقوله: كفلت لك بزيد أو كفلت بمالك عليه إلى أن يهب الريح أو إلى أن يجئ المطر لا يصح، ولكن تثبت الكفالة ويبطل الاجل، ومثله إلى قدوم زيد وهو غير مكفول به، وإن كان مجهولا جهالة غير متفاحشة مثل إلى الحصاد أو الدياس أو المهرجان أو العطاء أو صوم النصارى جازت الكفالة والتأجيل وكذلك الحوالة، ومثله: إلى أن يقدم المكفول به من سفره، صرح بذلك كله في كافي الحاكم، وكذا في الفتح وغيره بلا حكاية خلاف، وهذا لا نزاع فيه. المسألة الثانية: تعليق الكفالة بالشرط، وهذا لا يخلو إما أن يكون شرطا ملائما أو لا، ففي الأول تصح الكفالة والتعليق وقد مر، وفي الثاني وهو التعليق بشرط غير ملائم، مثل أن يقول: إذا هبت الريح أو إذا جاء المطر أو إذا قدم فلان الأجنبي فأنا كفيل بنفس فلان أو بما لك عليه فالكفالة باطلة كما نقله في الفتح عن المبسوط والخانية وصرح به أيضا في النهاية والمعراج و العناية وشرح الوقاية، ومثله في أجناس الناطفي حيث قال: كل موضع أضاف الضمان إلى ما هو سبب للزوم المال فذلك جائز، وكل موضع أضاف الضمان إلى ما ليس بسبب اللزوم فذلك باطل كقوله: إن هبت الريح فما لك على فلان فعلي ا ه. وجزم بذلك الزيلعي وصاحب البحر والنهر والمنح. ولكن وقع في كثير من الكتب أنه يبطل التعليق وتصح الكفالة ويلزم المال حالا، منها حاشية الهداية للخبازي وغاية البيان، وكذلك الكفاية للبيهقي حيث قال: فإن قال إذا هبت الريح أو دخل زيد الدار فالكفالة جائزة والشرط باطل والمال حال، وكذا في شرح العيون لأبي الليث والمختار، ووقع اختلاف في نسخ الهداية ونسخ الكنز، ففي بعضها كالأول وفي بعضها كالثاني، وقد مال إلى الثاني العلامة الطرسوسي في أنفع الوسائل وأرجع ما مر عن الخانية وغيرها إليه، ورد عليه العلامة الشرنبلالي في رسالة خاصة، وادعى أن ما في الخبازية مؤول وأرجعه إلى ما في الخانية وغيرها، ورد أيضا على قول الدرر: إن في المسألة قولين. أقول: والانصاف ما في الدرر، لان ارتكاب تأويل هذه العبارات وإرجاع بعضها إلى البعض يحتاج إلى نهاية التكلف والتعسف، والأولى اتباع ما مشى عليه جمهور شراح الهداية وشراح الكنز وغيرهم للمبسوط والخانية من بطلان الكفالة. قوله: (وما في الهداية) حيث قال: لا يصح التعليق بمجرد الشرط، كقوله: إن هبت الريح أو جاء المطر، إلا أنه تصح الكفالة ويجب المال حالا، لان الكفالة لما صح تعليقها بالشرط لا تبطل بالشروط الفاسدة كالطلاق والعتاق، وتبعه صاحب الكافي. لكن في بعض نسخ الهداية بعد قوله: أو جاء المطر: وكذا إذا جعل واحدا منها أجلا، وحينئذ فقوله: إلا أنه تصح الكفالة الخ راجع إلى مسألة الاجل فقط، ولا ينافيه قوله: لان الكفالة لما صح تعليقها بالشرط الخ، لان المراد به الشرط الملائم، وقد أطال الكلام على تأويل عبارة الهداية في
441 البحر والنهر وغيرهما. قوله: (نعم لو جعله أجلا) أي بأن قال إلى هبوب الريح أو مجئ المطر ونحوه مما هو مجهول جهالة متفاحشة فيبطل التأجيل وتصح الكفالة، بخلاف ما كانت جهالته غير متفاحشة كالحصاد ونحوه فإنها تصح إلى الاجل كما قدمناه آنفا. قوله: (في تعليق) نحو: إن غصبك إنسان شيئا فأنا كفيل ا ه ح. ويستثنى منه ما سيأتي متنا آخر الباب، وهو ما لو قال له اسلك هذا الطريق الخ، وسيأتي بيانه. قوله: (وإضافة) نحو ما ذاب لك على الناس فعلي ا ه ح. وقد صرح أيضا في الفتح بأنه من جهالة المضمون في الإضافة. قلت: ووجهه أن ما ذاب ماض أريد به المستقبل كما يأتي فكان مضافا إلى المستقبل معنى، وعن هذا جعل في الفصول العمادية المعلق من المضاف لان المعلق واقع في المستقبل أيضا وقدمنا أن في الهداية جعل ما بايعت فلانا من المعلق لأنه في حكمه من حيث وقوع كل منهما في المستقبل، وبه ظهر أن كلا منهما يطلق على الآخر نظرا إلى المعنى، وأما بالنظر إلى اللفظ فما صرح فيه بأداة الشرط فهو معلق وغيره مضاف وهو الأوضح، فلذا غاير بينهما تبعا للفتح. فافهم. قوله: (لا تخيير) بالخاء المعجمة، وسماه تخييرا لكون المكفول له مخيرا كما ذكره، لكن الواقع في عبارة الفتح وغيره تنجيز بالجيم والزاي وهو الأصوب، لان المراد به الحال المقابل للتعليق والإضافة المراد بهما المستقبل، ووجه جواز جهالة المكفول عنه في التنجيز دون التعليق كما في الفتح أن القياس يأتي جواز إضافة الكفالة، لأنها تمليك في حق الطالب، وإنما جوزت استحسانا للتعامل والتعامل فيما إذا كان المكفول عنه معلوما ما فبقي المجهول على القياس. قوله: (والتعيين للمكفول له لأنه صاحب الحق) كذا في البحر عند قوله: وبالمال ولو مجهولا وتبعه في النهر. لكن جعل في الفتح الخيار للكفيل. ونصه. ولو قال رجل كفلت بمالك على فلان أو مالك على فلان رجل آخر جاز لأنها جهالة المكفول عنه في غير تعليق. ويكون الخيار للكفيل ا ه. ومثله ما في كافي الحاكم: ولو قال أنا كفيل بفلان أو فلان كان جائزا يدفع أيهما شاء الكفيل فيبرأ عن الكفالة. ثم قال: وإذا كفل بنفس رجل أو بما عليه وهو مائة درهم كان جائزا، وكان عليه أي ذلك شاء الكفيل، وأيهما دفع فهو برئ ا ه. وبه علم أن ما هنا قول آخر أو سبق قلم. قوله: (ولا بجهالة المكفول له) يستثنى منه الكفالة في شركة المفاوضة فإنها تضح مع جهالة المكفول له لثبوتها ضمنا لا صريحا كما ذكره في الفتح من كتاب الشركة. قوله: (وبه) أي ولا تصح بجهالة المكفول به، والمراد هنا النفس لا المال، لما تقدم من أن جهالة المال غير مانعة من صحة الكفالة، والقرينة على ذلك الاستدراك ا ه ح. قلت: والظاهر أن المانع هنا جهالة متفاحشة، لما علمت آنفا من قول الكافي: لو قال أنا كفيل بفلان أو فلان جاز. تأمل. قوله: (مطلقا) أي سواء كانت في تعليق أو إضافة أو تنجيز. قال في الفتح: والحاصل أن جهالة المكفول له تمنع صحة الكفالة مطلقا، وجهالة المكفول به لا تمنعها مطلقا، وجهالة المكفول عنه في التعليق، والإضافة تمنع صحة الكفالة، وفي التنجيز لا تمنع ا ه. ومراده بالمكفول به المال عكس ما في الشرح. قوله: (جاز) لان الجهالة في الاقرار لا تمنع صحته. بحر
442 عن البزازية. وذكر عنها أيضا: لو شهد على رجل أنه كفل بنفس رجل نعرفه بوجهه إن جاء لكن لا نعرفه باسمه جاز. قوله: (لم يضمن) لان فعله جبار كما مر في إن أكلك سبع. قوله: (أي ما ثبت) قال في المنصورية: الذوب واللزوم يراد بهما القضاء، فما لم يقض بالمكفول به بعد الكفالة على المكفول عنه لا يلزم الكفيل، وهذا في غير عرف أهل الكوفة، أما عرفنا فالذوب واللزوم عبارة عن الوجوب فيجب المال وإن لم يقض به ا ه ط. وهذا: أي ما ذاب ماض أريد به المستقبل كما في الهداية وسيذكره الشارح أيضا: أي لأنه معنى الشرط كما تقدم، فلا يلزم الكفيل ما لم يقض به على الأصيل بعد الكفالة، لكنه هنا لا يلزمه شئ لجهالة المكفول عنه. قوله: (مثال للأول) وهو جهالة المكفول عنه. قوله: (ونحوه ما بايعت الخ) أي هو مثال للأول أيضا. قوله: (مثال للثاني) أي جهالة المكفول له. قوله: (ولا تصح بنفس حد، وقصاص) أما لو كفل بنفس من عليه الحد تصح، لكن هذا في الحدود التي فيها للعباد حق كحد القذف، بخلاف الحدود الخالصة كما تقدم بيانه. قوله: (مستأجرة له) أي للحمل. قوله: (لأنه يلزم الخ) قال في الدرر: لأنه استحق عليه الحمل على دابة معينة، والكفيل لو أعطى دابة من عنده لا يستحق الأجرة لأنه أتى بغير المعقود عليه، ألا ترى أن المؤجر لو حمله على دابة أخرى لا يستحق الأجرة فصار عاجزا ضرورة، وكذا العبد للخدمة، بخلاف ما إذا كانت الدابة غير معينة، لان الواجب على المؤجر الحمل مطلقا، والكفيل يقدر عليه بأن يحمل على دابة نفسه ا ه. قوله: (لا التسليم) لان لو كان الواجب التسليم لزم صحة الكفالة في المعينة أيضا، لان الكفالة بتسليمها صحيحة كما يأتي. قوله: (ولا بمبيع قبل قبضه) بأن يقول للمشتري إن هلك المبيع فعلي. درر، لان ماليته غير مضمونة على الأصيل، فإنه لو هلك ينفسخ البيع ويجب رد الثمن كما ذكره صدر الشريعة. قوله: (ومرهون وأمانة) اعلم أن الأعيان إما مضمونة على الأصيل أو أمانة. فالثاني كالوديعة ومال المضاربة والشركة والعارية والمستأجر في يد المستأجر، والمضمونة إما بغيرها كالبيع قبل القبض والرهن فإنهما مضمونان بالثمن والدين، وإما بنفسها كالمبيع فاسدا والمقبوض على سوم الشراء والمغصوب ونحوه مما تجب قيمته عند الهلاك، وهذا تصح الكفالة به كما يذكره المصنف دون الأولين لفقد شرطها، وهو أن يكون المكفول مضمونا على الأصيل لا يخرج عنه إلا بدفع عينه أو بدله، هذا خلاصة ما في البحر وغيره. قوله: (فلو بتسليمها صح في الكل) أي في الأمانات والمبيع والمرهون، فإذا كانت قائمة وجب تسليمها، وإن هلكت لم يجب على الكفيل شئ كالكفيل بالنفس، وقيل إن وجب تسليمها على الأصيل كالعارية والإجارة جازت الكفالة بتسليمها وإلا فلا. درر. أي وأن لم يجب تسليمها على الأصيل كالوديعة ومال المضاربة والشركة فلا تجوز، لان الواجب عليه عدم المنع عند الطلب لا الرد، وهذا التفصيل جزم به شراح الهداية. قوله: (ورجحه الكمال) أي رجح ما في الدرر من صحتها في تسليم الأمانات كغيرها.
443 وحاصل ما ذكره الوجه عندي صحة الكفالة بتسليم الأمانة، إذ لا شك في وجوب ردها عند الطلب، غير أنه في الوديعة وأخويها يكون بالتخلية، وفي غيرها بحمل المردود إلى ربه. قال في الذخيرة: الكفالة بتمكين المودع من الاخذ صحيحة ا ه. وما ذكره السرخسي من أن الكفالة بتسليم العارية باطلة فهو باطل. لما في الجامع الصغير والمبسوط أنها صحيحة. ونص القدوري أنها بتسليم المبيع جائزة، وأقره في الفتح وانتصر له في العناية بأنه لعله اطلع على رواية أقوى من ذلك فاختارها. واعترضه في النهر بأنه أمر موهوم. قال في البحر: ورده على السرخسي مأخوذ من معراج الدراية ويساعده قول الزيلعي: ويجوز في الكل أن يتكفل بتسليم العين مضمونة أو أمانة. وقيل إن كان تسليمه واجبا على الأصيل كالعارية والإجارة جاز وإلا فلا، فأفاد أن التفصيل بين أمانة وأمانة ضعيف ا ه. قوله: (فلو هلك المستأجر) بفتح الجيم. قال في الفتح: ولو عجز أي عن التسليم بأن مات العبد المبيع أو المستأجر أو الرهن انفسخت الكفالة على وزان كفالة النفس. قوله: (وصح لو ثمنا) أي صح تكفله الثمن عن المشتري، واحترز به عن تكفل المبيع عن البائع فإنه لا يصح، لأنه مضمون بغيره وهو الثمن كما تقدم، والمراد بقوله: لو ثمنا أي ثمن مبيع بيعا صحيحا، لما في النهر عن التاترخانية لو ظهر فساد البيع رجع الكفيل بما أداه على البائع، وإن شاء على المشتري، ولو فسد بعد صحته بأن ألحقا به شرطا فاسدا فالرجوع للمشتري على البائع: يعني والكفيل يرجع بما أداه على المشتري، وكأن الفرق بينهما أنه بظهور الفساد تبين أن البائع أخذ شيئا لا يستحقه فيرجع الكفيل عليه، وإن ألحقا به شرطا فاسدا لم يتبين أن البائع حين قبضه قبض شيئا لا يستحقه ا ه. وفيه أيضا وقالوا لو استحق المبيع برئ الكفيل بالثمن ولو كانت الكفالة لغريم البائع، ولو رد عليه بعيب بقضاء أو بغيره أو بخيار رؤية أو شرط برئ الكفيل إلا أن تكون الكفالة لغريم فلا يبرأ، والفرق بينهما فيما يظهر أنه مع الاستحقاق تبين أن الثمن غير واجب على المشتري، وفي الرد بالعيب ونحوه وجب المسقط بعدما تعلق حق الغريم به فلا يسري عليه ا ه. قوله: (إلا أن يكون الخ) قال في النهر: وقدمنا أنه لو كفل عن صبي ثمن متاع اشتراه لا يلزم الكفيل شئ، ولو كفل بالدرك بعد قبض الصبي الثمن لا يجوز وإن قبله جاز ا ه. ومسألة الدرك فيما لو كان الصبي بائعا وهو الذي قدمه في النهر عند قول الكنز: إذا كان دينا صحيحا. قوله: (وكذا لو مغصوبا الخ) لأن هذه الأعيان مضمونة بنفسها على الأصيل فيلزم الضامن إحضارها وتسليمها، وعند الهلاك تجب قيمتها، وإن مستهلكة فالضمان لقيمتها. نهر بخلاف الأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع والرهن، بخلاف الأمانات على ما تقدم. زيلعي. قوله: (وإلا فهو أمانة كما مر) أي في البيوع، وإذا كان أمانة لا يكون من هذا النوع بل من نوع الأمانات وقد مر حكمها. قوله: (وبدل صلح عن دم) أي لو كان البدل عبدا مثلا فكفل به إنسان صحت، فإن هلك قبل القبض فعليه قيمته. بحر. وتقييده بالدم يفيد أن الكفالة ببدل الصلح في المال لا تصح، لأنه إذا هلك انفسخ لكونه كالبيع ط. قوله: (وخلع) عطف
444 على صلح: أي وبدل خلع. قوله: (ومهر) أي وبدل مهر، فتصح الكفالة في هذه المواضع بالعين كعبد مثلا، لأن هذه الأشياء، لا تبطل بهلاك العين كما في البحر. قوله: (بنوعيها) أي بالنفس والمال. قوله: (ولو فضوليا) أي ويتوقف على إجازة الطالب، وبه ظهر أن شرط الصحة مطلق القبول. وأما قبول الطالب بخصوصه فهو شرط النفاذ، كما أفاده ابن الكمال. وفي كافي الحاكم: كفل بكذا عن فلان لفلان فقال قد فعلت والطالب غائب ثم قدم فرضي بذلك جاز، لان خاطب به مخاطبا وإن لم يكن وكيلا، وللكفيل أن يخرج من الكفالة قبل قدوم الطالب. وفي البحر عن السراج: لو قال ضمنت ما لفلان على فلان وهما غائبان فقبل فضولي ثم بلغهما وأجازا: فإن أجاب المطلوب أولا ثم الطالب جازت وكانت كفالة بالامر، وإن بالعكس كانت بلا أمر، وإن لم يقبل فضولي لم تجز مطلقا، وإن كان الطالب حاضرا وقبل ورضي المطلوب: فإن رضي قبل قبول الطالب رجع عليه، وإن بعده فلا ا ه. علله في الخانية بأن الكفالة تمت: أي بقبول الطالب أولا ونفذت ولزم المال الكفيل فلا تتغير بإجازة المطلوب ا ه. وبه علم أن إجازة المطلوب قبل قبول الطالب بمنزلة الامر بالكفالة فللكفيل الرجوع بما ضمن، فتنبه لذلك. مطلب في ضمان المهر تنبيه: قدمنا أنه لو كفل رجل لصبي صح بقبوله لو مأذونا، وإلا فبقبول وليه أو قبول أجنبي وإجازة وليه، وإن لم يقبل عند أحد فعلى الخلاف: أي فعندهما لا يصح، وعليه فلو ضمن للصغيرة مهرها لم يصح إلا بقبول كما ذكر، وهذا لو أجنبيا. ففي باب الأولياء من الخانية: زوج صغيرته وضمن لها مهرها عن الزوج صح إن لم يكن في مرض موته، فإذا بلغت وضمنت الأب لم يرجع على الزوج إلا إذا كان بأمره، وإن زوج ابنه الصغير وضمن عنه المهر في صحته جاز ويرجع بما ضمن في مال الصغير قياسا، وفي الاستحسان لا يرجع، وتمامه هناك. قوله: (واختاره الشيخ قاسم) حيث نقل اختيار ذلك عن أهل الترجيح كالمحبوبي والنسفي وغيرهما وأقره الرملي، وظاهر الهداية ترجيحه لتأخيره دليلهما وعليه المتون. قوله: (ولو أخبر عنها الخ) بيان لاستثناء مسألتين من قوله: ولا تصح بلا قول الطالب وفي استثناء الأولى نظر كما يظهر من التعليل. قوله: (بمال فلان) الأولى جعل ما موصولة وجعل اللام متصلة بفلان على أنها جارة كما يوجد في بعض النسخ. قوله: (وإرث المريض) قيد به، لأنه قال هذا في الصحة لم يجز ولم يلزم الكفيل شئ، وهذا قول محمد، وهو قول أبو يوسف الأول، ثم رجع وقال: الكفالة جائزة. كافي وجزم بالأول في الفتح عن المبسوط. قوله: (الملي) أي الذي عنده ما يفي بدينه. قوله: (لأنها وصية) تعليل للثانية، وترك تعليل الأولى لظهوره، فإن الاخبار عن العقد إخبار عن ركنية الايجاب والقبول ا ه ح. فليست في الحقيقة كفالة بلا قبول،
445 وما ذكره في وجه الاستحسان من أنها وصية هو أحد وجهين في الهداية. قال ولهذا تصح وإن لم يسم المكفول لهم، وإنما تصح إذا كان له مال. الوجه الثاني: أن المريض قائم مقام الطالب لحاجته إليه تفريغا لذمته وفيه نفع للطالب، فصار كما إذا حضر بنفسه، فعلى الأول هي وصية لا كفالة، وعلى الثاني بالعكس. واعترض الأول بأنه يلزم عدم الفرق بين حال الصحة والمرض إلا أن يؤول بأنه في معنى الوصية، وفيه بعد. واعترض الثاني في البحر بأنه لا فائدة في الكفالة، لأنا حيث اشترطنا وجود المال فالوارث يطالب به على كل حال. وأجاب بأن فائدته تظهر في تفريغ ذمته. تأمل. قال في النهر: والاستثناء على الأول منقطع وعلى الثاني متصل، ولذا كان أرجح، إلا أن مقتضاه مطالبة الوارث وإن لم يكن للميت مال ا ه. قلت: الظاهر أن هذا وصية من وجه وكفالة من وجه، فيراعى الشبه من الطرفين لأنهم ذكروا للاستحسان وجهين متنافيين، فعلم أن المراد مراعاتهما بالقدر الممكن وإلا لزم إلغاؤهما. قوله: (الصحة أوجه) أيده في الحواشي السعدية بأن الوارث حيث كان مطالبا بالدين في الجملة كان فيه شبهة الكفالة عن نفسه في الجملة، فكان ينبغي أن لا تجوز كفالته، فإذا جازت لما مر في الوجهين فكفالة الأجنبي وهي سالمة عن هذا المانع أولى أن تصح ا ه. وأقره في النهر. قوله: (وحقق أنها كفالة) أي وبنى عليه صحتها من الأجنبي، لكن يرد عليه إلغاء أحد وجهي الاستحسان، وإذا مشينا على ما قلنا من إعمال الوجهين وتوفير الشبهين بالوصية والكفالة لم يضرنا، لان الأجنبي يصح كونه وصيا وكونه كفيلا، قوله: (لكن يرد عليه توقفها على المال) حيث قد يكون المريض مليا، والكفالة عن المريض لا تتوقف على المال. قلت: وهذا وارد على كونها كفالة من كل وجه، وقد علمت أن لها شبهين، واشتراط المال مبني على شبه الوصية، كما أن اشتراط المرض مبني على شبه الكفالة دون الوصية. قوله: (لم أره) أصل التوقف لصاحب البحر والجواب لصاحب النهر، ولا يخفى عدم إفادته رفع التوقف لان مبنى التوقف وجود الشبهين. نعم على ما حققه في الفتح من أنها كفالة حقيقة لا ينتظر لكن علمت ما فيه. وقد يقال: إن اشتراط المال مبني على شبه الوصية دون الكفالة كما علمت، وبه يظهر أنه ليس المراد دفع الورثة من مالهم بل من مال الميت، وذلك يفيد الانتظار، ويفيد أيضا أنه لو هلك المال بعد الموت لا يلزم الورثة لم أره صريحا. قوله: (ولو ضمنه) أي لو ضمن وارث المريض الملي بعد موته في غيبة الطالب. قوله: (ولعله قول الثاني لما مر) أي من تجويزه الكفالة بلا قبول، وهذا الحمل متعين لأنها إذا لم تصح عندهما في حال الصحة لا تصح بعد الموت بالأولى، ولان وجه كونها كفالة في المرض قيام المريض مقام الطالب في القبول. قوله: (اختلفا في الاخبار والانشاء) راجع لمسألة المصنف الأولى: أي إذا قال أنا كفيل زيد فقال الطالب كنت مخبرا بذلك فلا يحتاج لقبولي وقال الكفيل كنت منشئا
446 للكفالة فالقول للمخبر، لأنه يدعي الصحة والآخر الفساد. كذا في شرح الجامع لقاضيخان. قوله: (بدين ساقط) أي بسبب موته مفلسا. قوله: (عن ميت مفلس) هو من مات ولا تركة له ولا كفيل عنه. بحر. قوله: (إلا إذا كان به كفيل أو رهن) استثناء من قوله: ساقط ولو حذف ساقط أولا ثم علل بقوله لأنه يسقط بموته ثم استثنى منه لكان أوضح: يعني أن الدين يسقط عن الميت المفلس إلا إذا كان به كفيل حال حياته أو رهن. قال في البحر: قيد بالكفالة بعد موته، لأنه لو كفل في حياته ثم مات مفلسا لم تبطل الكفالة، وكذا لو كان به رهن ثم مات مفلسا لا يبطل الرهن، لان سقوط الدين في أحكام الدنيا في حقه للضرورة فتتقدر بقدرها فأبقيناه في حق الكفيل والرهن لعدم الضرورة، كذا في المعراج. ولا يلزم مما ذكر صحة الكفالة به حينئذ للاستغناء عنها بالكفيل وببيع الرهن ط. قوله: (أو ظهر له مال) في كافي الحاكم: لو ترك الميت شيئا لا يفي لزم الكفيل بقدره. قوله: (على الطريق) المراد به الحفر في غير ملكه. قوله: (لزمه ضمان المال في ماله وضمان النفس على عاقلته) هذا زيادة من الشارح على ما في البحر. قوله: (وهو الحفر الثابت حال قيام الذمة) والمستند يثبت أولا في الحال، ويلزمه اعتبار قوتها حينئذ به لكونه محل الاستيفاء. بحر عن التحرير: أي ويلزم ثبوته في الحال اعتبار قوة الذمة حين ثبوته به: أي بالدين، وقوله: لكونه محل الاستيفاء زيادة من البحر على ما في التحرير. قوله: (وهذا) الإشارة إلى ما في المتن. قوله: (مطلقا) أي ظهر له مال أولا. قوله: (ولو تبرع به) أي بالدين: أي بإيفائه. قوله: (صح إجماعا) لأنه عند الامام وإن سقط، لكن سقوطه بالنسبة إلى من هو عليه لا بالنسبة إلى من هو له، فإذا كان باقيا في حقه حل له أخذه. قوله: (ولا تصح كفالة الوكيل بالثمن) وكذا عكسه، وهو توكيل الكفيل بقبض الثمن كما سيأتي في الكفالة. بحر. قيد بالوكيل لان الرسول بالبيع يصح ضمانه الثمن عن المشتري، ومثله الوكيل ببيع الغنائم عن الامام لأنه كالرسول، وقيد بالثمن لان الوكيل بتزويج المرأة لو ضمن لها المهر صح لكونه سفيرا ومعبرا. بحر. وقيد بالكفالة لأنه لو تبرع بأداء الثمن عن المشتري صح كما في النهر عن الخانية. قوله: (فيما لو وكل ببيعه) الأولى أن يقول: أي ثمن ما وكل ببيعه، قيد به لان الوكيل بقبض الثمن لو كفل به يصح كما في البحر. قوله: (لان حق القبض له بالأصالة) ولذا لا يبطل بموت الموكل وبعزله، وجاز أن يكون الموكل وكيلا عنه في القبض، وللوكيل عزله، وتمامه في البحر. قوله: (ومفاده الخ) هو لصاحب البحر وتبعه في النهر. قوله: (لو أبرآه) بمد الهمزة بضمير التثنية. قوله: (لما مر) أي في الوكيل من قوله: لان حق القبض له الخ. قوله: (ولان الثمن الخ) ذكره الزيلعي، وقوله: أمانة عندهما أي
447 عند الوكيل والمضارب وهذا بعد القبض، أشار به إلى أنه لا فرق في عدم صحة الكفالة بين أن تكون قبل قبض الثمن أو بعده، ووجه الأول ما مر ووجه الثاني أن الثمن بعد قبضه أمانة عندهما غير مضمونة أو بعده، ووجه الأول ما مر ووجه الثاني أن الثمن بعد قبضه أمانة عندهما غير مضمونة والكفالة غرامة، وفي ذلك تغيير لحكم الشرع بعد ضمانه بلا تعد، وأيضا كفالتهما لما قبضاه كفالة الكفيل عن نفسه، وأما ما مر من صحة الكفالة بتسليم الأمانة فذاك في كفالة من ليست الأمانة عنده. قوله: (ولا تصح للشريك الخ) مفهومه أنه لو ضمن أجنبي لاحد الشريكين بحصته تصح، والظاهر أنه يصح مع بقاء الشركة، فما يؤديه الكفيل يكون مشتركا بينهما كما لو أدى الأصيل، تأمل. قوله: (ولو بإرث) تفسير للاطلاق، وأشار به إلى أن ما وقع في الكنز وغيره من فرض المسألة في ثمن المبيع غير قيد. قوله: (مع الشركة) بأن ضمن نصفا شائعا. قوله: (يصير ضامنا لنفسه) لأنه ما من جزء يؤديه المشتري أو الكفيل من الثمن إلا لشريكه فيه نصيب. زيلعي. قوله: (ولو صح في حصة صاحبه) بأن كفل نصفا مقدرا. قوله: (وذا لا يجوز) لان القسمة عبارة عن الافراز والحيازة، وهو أن يصير حق كل واحد منهما مفرزا في حيز على جهة وذا لا يتصور في غير العين، لان الفعل الحسي يستدعي محلا حسيا والدين حكمي، وتمامه في الزيلعي قوله: (نعم لو تبرع جاز) أي لو أدى نصيب شريكه بلا سبق ضمان جاز ولا يرجع بما أدى، بخلاف صورة الضمان، فإنه يرجع بما دفع إذ قضاه على فساد كما في جامع الفصولين قوله: (كما لو كان صفقتين) بأن سمى كل منهما لنصيبه ثمنا صح ضمان أحدهما نصيب الآخر لامتياز نصيب كل منهما فلا شركة بدليل أن له: أي للمشتري قبول نصيب أحدهما فقط، ولو قبل الكل ونقد حصة أحدهما كان للناقد قبض نصيبه، وقد اعتبروا هنا لتعدد الصفقة تفصيل الثمن وذكروا في البيوع أن هذا قولهما، وأما قوله: فلا بد من تكرار لفظ بعت. بحر. قوله: (ولا تصح الكفالة بالعهدة) بأن يشتري عبدا فيضمن رجل العهدة للمشتري. نهر. قوله: (لاشتباه المراد بها) لانطلاقها على الصك القديم أي الوثيقة التي تشهد للبائع بالملك وهي ملكه، فإذا ضمن بتسليمها للمشتري لم يصح، لأنه ضمن ما لم يقدر عليه وعلى العقد وحقوقه وعلى الدرك وخيار الشرط فلم تصح الكفالة للجهالة نهر. قلت: فلو فسرها بالدرك صح، كما لو اشتهر إطلاقها عليه في العرف لزوال المانع. تأمل. قوله: (ولا بالخلاص) أي عند الامام. وقالا تصح، والخلاف مبني على تفسيره، فهما فسراه بتخليص المبيع إن قدر عليه ورد الثمن إن لم يقدر عليه، وهذا ضمان الدرك في المعنى، وفسره الامام بتخليص المبيع فقط ولا قدرة له عليه. نهر. قوله: (متى أدى بكفالة فاسدة رجع كصحيحة) لم أر هذه العبارة في جامع الفصولين وإنما قال في صورة الضمان: أي ضمان أحد الشريكين يرجع بما دفع إذ قضاه على فساد فيرجع، كما لو أدى بكفالة فاسدة. ونظيره: لو كفل ببدل الكتابة لم يصح فيرجع بما أدى إذ حسب أن مجبر على ذلك لضمانه السابق، وبمثله لو أدى من غير سبق ضمان لا يرجع لتبرعه،
448 وكذا وكيل البيع إذا ضمن الثمن لموكله لم يجز فيرجع لو أدى بغير ضمان جاز ولا يرجع ا ه قوله: (ولو كفل بأمره) شمل الآمر حكما، كما إذا كفل الأب عن ابنه الصغير مهر امرأته ثم مات الأب وأخذ من تركته كان للورثة الرجوع في نصيب الابن، لأنه كفالة بأمر الصبي حكما لثبوت الولاية، فإن أدى بنفسه، فإن أشهد رجع وإلا لا، كذا في نكاح المجمع، وكما لو جحد الكفالة فبرهن لا مدعي عليها بالامر وقضى على الكفيل فأدى فإنه يرجع وإن كان متناقضا لكونه صار مكذبا شرعا بالقضاء عليه، كذا في تلخيص الجامع الكبير. نهر. وقدمنا قريبا عند قول الشارح ولو فضوليا أن إجازة المطلوب قبل قبول الطالب بمنزلة الامر بالكفالة، ونقله أيضا في الدر المنتقى عن القهستاني عن الخانية، وتأتي الإشارة إليه في كلام الشارح قريبا. قوله: (أي بأمر المطلوب) فلو بأمر أجنبي فلا رجوع أصلا، ففي نور العين عن الفتاوى الصغرى: أمر رجلا أن يكفل عن فلان لفلان فكفل وأدى لم يرجع على الآمر ا ه. قوله: (أو على أنه علي) أي على أن ما تضمنه يكون علي قال في الفتح: فلو قال اضمن الألف التي لفلان علي لم يرجع عليه عند الأداء لجواز أن يكون القصد ليرجع أو لطلب التبرع فلا يلزم المال، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد ا ه. لكن في النهر عن الخانية علي كعني، فلو قال اكفل لفلان بألف درهم علي أو أنقده ألف درهم علي أو اضمن له الألف التي علي أو اقضه ما له علي ونحو ذلك رجع بما دفع في رواية الأصل، وعن أبي حنيفة في المجرد: إذا قال لآخر اضمن لفلان الألف التي له علي فضمنها وأدى إليه لا يرجع ا ه. فعلم أن ما في الفتح على رواية المجرد، وقد جزم في الولوالجية بالرجوع، وإنما حكي الخلاف في نحو اضمن له ألف درهم إذا لم يقل عني أو هي له علي ونحوه، فعندهما: لا يرجع إلا إذ كان خليطا. وعند أبي يوسف: يرجع مطلقا، ومثله في الذخيرة، وكذا في كافي الحاكم. قال في النهر وأجمعوا على أن المأمور لو كان خليطا رجع، وهو الذي في عياله من والد أو ولد أو زوجة أو أجير والشريك شركة عنان، كذا في الينابيع. وقال في الأصل: والخليط أيضا الذي يأخذ منه ويعطيه ويداينه ويضع عنده المال، والظاهر أن الكل يعطى لهم حكم الخليط، وتمامه فيه. قلت: وما استظهره مصرح به في كافي الحاكم. قوله: (وهو غير صبي الخ) قال في جامع الفصولين: الكفالة بأمر إنما توجب الرجوع لو كان الآمر ممن يجوز إقراره على نفسه، فلا يرجع على صبي محجور ولو أمره، ويرجع على القن بعد عتقه ا ه. قال في البحر: بخلاف المأذون فيهما لصحة أمره وإن لم يكن أهلا لها: أي للكفالة. قوله: (رجع بما أدى) شمل ما إذا صالح الكفيل الطالب عن الألف بخمسمائة فيرجع بها لا بألف لأنه إسقاط، أو إبراء كما في البحر: وقال أيضا: إن قوله: رجع بما أدى مقيد بما إذا دفع ما وجب دفعه على الأصيل، فلو كفل عن المستأجر بالأجرة فدفع الكفيل قبل الوجوب لا رجوع له كما في إجارات البزازية ا ه. قلت: ونظيره ما لو أدى الأصل قبله، ففي حاوي الزاهدي: الكفيل بأمر الأصيل أدى المال إلى الدائن بعدما أدى الأصيل ولم يعلم به لا يرجع به لأنه شئ حكمي، فلا فرق فيه بين العلم
449 والجهل كعزل الوكيل ا ه: أي بل يرجع على الدائن. قوله: (إن أدى بما ضمن) الأولى حذف الباء. قوله: (وإن أدى أردأ) إن وصلية: أي إن لم يؤد ما ضمن لا يرجع بما أدى بل بما ضمن، كما إذا ضمن بالجيد فأدى الأردأ أو بالعكس. قوله: (لملكه الدين بالأداء الخ) أي يرجع بما ضمن لا بما أدى، لان رجوعه بحكم الكفالة، وحكمها أنه يملك الدين بالأداء فيصير كالطالب نفسه فيرجع بنفس الدين فصار كما إذا ملك الكفيل الدين بالإرث بأن مات الطالب والكفيل وارثه فإنما له عينه، وكذا إذا وهب الطالب الدين للكفيل فإنه يملكه ويطالب به المكفول بعينه وصحت الهبة مع أنه هبة الدين لا تصح إلا ممن عليه الدين، وليس الدين على الكفيل على المختار، لان الواهب إذا أذن للموهوب بقبض الدين جاز استحسانا، وهنا بعقد الكفالة سلطه على قبضه عند الأداء، وهذا بخلاف المأمور بقضاء فإنه يرجع بما أدى لأنه لم يملك الدين بالأداء، وتمامه في الفتح. قوله: (وإن بغيره) أي وإن كفل بغيره أمره لا يرجع. قوله: (إلا إذا أجاز في المجلس) أي قبل قبول الطالب، فلو كفل بحضرتهما بلا أمره فرضي المطلوب أولا رجع، ولو رضي الطالب أولا لا لتمام العقد به فلا يتغير. قهستاني عن الخانية، وقدمناه أيضا عن السراج. قوله: (وحيلة الرجوع بلا أمر الخ) عبارة الولوالجية: رجل كفل بنفس رجل ولم يقدر على تسليمه فقال له الطالب ادفع إلي مالي على المكفول عنه حتى تبرأ من الكفالة فأراد أن يؤديه على وجه يكون له حق الرجوع على المطلوب، فالحيلة في ذلك أن يدفع الدين إلى الطالب ويهبه الطالب ما له على المطلوب ويوكله بقبضه فيكون له حق المطالبة، فإذا قبضه يكون له حق الرجوع، لأنه لو دفع المال إليه بغير هذه الحيلة يكون متطوعا، ولو أدى بشرط أن لا يرجع لا يجوز ا ه ولا يخفى أنه ليس في ذلك كفالة مال بل كفالة نفس فقط، لكن إذا ساغ له الرجوع بدون كفالة بهذه الحيلة فمع الكفالة أولى، لكن علمت آنفا أن هبة الطالب الدين للكفيل لا يشترط فيها الاذن بقبضه، لان عقد الكفالة يتضمن إذنه بالقبض عند الأداء، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين كونها بإذن المطلوب أو بدونه، فقول الشارح ويوكله بقبضه غير لازم هنا، بخلافه في مسألة الولوالجية لأنها ليس فيها عقد كفالة بالمال، فلذلك ذكر فيها التوكيل بالقبض إذ لا تصح الهبة بدونه. وأورد أنه إذا دفع دين الأصيل برئ الأصيل من دينه، فلا رجوع له عليه إلا إذا دفع قدر الدين من غير تعرض لكونه دين الأصيل: أي بأن يدفعه للطالب على وجه الهبة. قلت: هذا وارد على مسألة الولوالجية، أما على ما ذكره الشارح من فرض المسألة في الكفيل بلا أمر فلا، لما علمت من أن الكفيل يملك الدين بمجرد الهبة ويرجع بعينه على الأصيل، فافهم. نعم ينبغي أن تكون الهبة سابقة على أداء الكفيل وإلا كانت هبة دين سقط بالأداء فلا تصح. قوله: (لان تملكه بالأداء) أي تملك الكفيل الدين إنما يثبت له بالأداء لا قبله، فإذا أداه يصير كالطالب كما قررناه آنفا فحينئذ يثبت له حبس المطلوب. قوله: (نعم للكفيل أخذ رهن الخ) يعني لو دفع الأصيل إلى الكفيل رهنا بالدين فله أخذه، والأولى في التعبير أن يقال نعم للأصيل دفع رهن للكفيل لئلا يوهم
450 لزوم الدفع على الأصيل بطلب الكفيل، وقد تبع الشارح في هذا التعبير صاحب البحر أخذا من عبارة الخانية، مع أنها إنما تفيد ما قلنا، فإنه قال فيها: ذكر في الأصل أنه لو كفل بمال مؤجل على الأصيل فأعطاه المكفول عنه رهنا بذلك جاز، ولو كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به إلى سنة فعليه المال الذي عليه وهو ألف درهم ثم أعطاه المكفول عنه بالمال رهنا إلى سنة كان الرهن باطلا، لأنه لم يجب المال للكفيل على الأصيل بعد، وكذا لو قال إن مات فلان ولم يؤدك فهو علي ثم أعطاه المكفول عنه رهنا لم يجز. وعن أبي يوسف في النوادر: يجوز ا ه. قوله: (وإذا حبسه له حبسه) في حاشية المنح للرملي. أقول: سيأتي في كتاب القضاء من بحث الحبس أن المكفول له يتمكن من حبس الكفيل والأصيل وكفيل الكفيل وإن كثروا ا ه. مطلب فيما يبرأ به الكفيل عن المال قوله: (هذا إذا كفل بأمره الخ) تقييد لقول المصنف فإن لوزم لازمه الخ وقيده أيضا في البحر بحثا بما إذا كان المال حالا على الأصيل كالكفيل، وإلا فليس له ملازمته ا ه. وقيده في الشرنبلالية أيضا بما إذا لم يكن المطلوب من أصول الطالب، فلو كان أباه مثلا ليس له حبس الكفيل لما يلزم من فعل ذلك بالمطلوب وهو ممتنع: أي لأنه لا يحبس الأصل بدين فرعه، وإذا امتنع اللازم امتنع الملزوم. واعترضه السيد أبو السعود بمنع الملازمة، وبأنه مخالف للمنقول في القهستاني فلا يعول عليه وإن تبعه بعضهم ا ه. قلت: وعبارة القهستاني: وإن حبس حبس هو المكفول عنه، إلا إذا كان كفيلا عن أحد الأبوين أو الجدين، فإنه إن حبس لم يحبسه به يشعر قضاء الخلاصة ا ه. ولا يخفى أن المتبادر من هذه العبارة، ما إذا كان الطالب أجنبيا والمطلوب: أي المدين أصلا للكفيل لا للطالب، وهذا غير ما في الشرنبلالية، وهو ما إذا كان المطلوب أصلا للطالب لا للكفيل، فما في الشرنبلالية تقييد لقولهم: إن للطالب حبس الكفيل، وما في القهستاني تقييد لقولهم: للكفيل حبس المكفول إذا حبس: أي إذا كان المكفول أصلا للكفيل فللطالب الأجنبي حبس الكفيل، وليس للكفيل إذا حبس أن يحبس المكفول لكونه أصله، بخلاف ما إذا كان المكفول أصلا للطالب فإنه ليس للطالب حبس الكفيل لأنه يلزم من حبسه له أن يحبس هو المكفول فيلزم حبس الأصل بدين فرعه. وقد ذكر الشرنبلالي في رسالة خاصة، وذكر فيها أنه سئل عن هذه المسألة ولم يجد فيها نقلا وحقق فيها ما ذكرناه، لكن ذكر الخبر الرملي في حاشية البحر في باب الحبس من كتاب القضاء أنه وقع الاستفتاء عن هذه المسألة، ثم قال: للكفيل حبس المكفول الذي هو أصل الدائن، لأنه إنما حبس لحق الكفيل ولذلك يرجع عليه بما أدى فهو محبوس بدينه، فلم يدخل في قولهم لا يحبس أصل في دين فرعه لأنه إنما حبسه أجنبي فيما ثبت له عليه ا ه ملخصا، ومفاده أن للطالب الذي هو فرع المكفول حبس الكفيل الأجنبي، لان الكفيل لا يحبس المكفول ما لم يحبسه الطالب، ولا يخفى أن المكفول إنما يحبس بدين الطالب حقيقة فيلزم حبس الأصل بدين فرعه وإن كان الحابس له مباشرة غير الفرع، نعم يظهر ما ذكره الخير الرملي على القول بأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في الدين، لكن علمت أن الكفيل لا يملك الدين قبل الأداء فبقي الدين للطالب ولزم المحذور، والله سبحانه أعلم فافهم. قوله: (يوجب برأتهما) أي براءة الكفيل والأصيل وقوله: للطالب قيل متعلق بأداء.
451 قلت: وفيه بعد، والأظهر تعلقه بمحذوف على أنه حال من براءة: أي منتهية إلى الطالب على أن اللام بمعنى إلى، ونظيره قوله الآتي: برئت إلى فافهم. قوله: (إلا إذا أحاله) فإن الحوالة كما يأتي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فهو في حكم الأداء فصح الاستثناء، فافهم. قوله: (وشرط براءة نفسه فقط) فحينئذ يبرأ الكفيل دون الأصيل، وللطالب أخذ الأصيل أو المحال عليه بدينه ما لم ينو المال على المحال عليه، وبدون هذا الشرط يبرأ الأصيل أيضا، لان الدين عليه والحوالة حصلت بأصل الدين فتضمنت برأتهما، كما في البحر عن السراج. قوله: (وبرئ الكفيل بأداء الأصيل) وكذا يبرأ لو شرط الدفع من وديعة فهلكت. ففي الكافي: لو كفل بألف عن فلان على أن يعطيها إياه من وديعة لفلان عنده جاز، فإن هلكت الوديعة فلا ضمان على الكفيل ا ه. وفيه أيضا في باب بطلان المال عن الكفيل بغير أداء ولا إبراء: لو كفل عن رجل بالثمن فاستحق المبيع من يده أو رده بعيب ولو بلا قضاء أو بإقالة أو بخيار رؤية أو بفساد البيع برئ الكفيل، وكذا لو بطل المهر أو بعضه عن الزوج بوجه برئ مما بطل عن الزوج أو ضم المشتري الثمن لغريم البائع فاستحق المبيع من يد المشتري بطلت الكفالة أيضا وكذلك الحوالة، أما لو رده المشتري بعيب ولو بلا قضاء لم يبرأ الكفيل ويرجع به على البائع، وكذا لو هلك المبيع قبل التسليم أو ضمن الزوج مهر المرأة لغريمها ثم وقعت بينهما فرقة من قبله أو من قبلها لم يبطل الضمان، وتمامه فيه. قوله: (إلا إذا برهن) أي الأصيل على أدائه قبل الكفالة فيبرأ: أي الأصيل فقط: أي دون الكفيل لأنه أقر بهذه الكفالة أن الألف على الأصيل، وبهذا يظهر أن الاستثناء منقطع، لما في البحر من أن هذا ليس من البراءة، وإنما تبين أن لا دين على الأصيل والكفيل عومل بإقراره: أي لان البينة لما قامت على الأداء قبل الكفالة علم أن ما كفل به الكفيل غير هذا الدين، بخلاف ما إذا برهن أنه قضاه بعد الكفالة، ففي البحر أنهما يبرآن. قوله: (بحر) صوابه نهر فإنه نقل عن القنية براءة الأصيل إنما توجب براءة الكفيل إذا كانت بالأداء أو الابراء، فإن كانت بالحلف فلا، لان الحلف يفيد براءة الحالف فحسب ا ه. والظاهر أنه مصور فيما إذا كانت الكفالة بغير أمره، وإلا فقوله: اكفل عني لفلان بكذا، إقرار بالمال لفلان كما في الخانية وغيرها، وحينئذ فإذا ادعى عليه المال فأنكر وحلفه برئ وحده، إنما قلنا كذلك لأنه لو ادعى الأصيل الأداء فعليه البينة لا اليمين. تأمل. قوله: (ولو أبرأ الطالب الأصيل الخ) محل براءة الكفيل بإبراءه الطالب الأصيل إذا لم يكفل بشرط براءة الأصيل، فإن كفل كذلك برئ الأصيل دون الكفيل لأنها حوالة ط. ولو قال ولو برئ الأصيل لشمل ما في الخانية لو مات الطالب والأصيل وارثه برئ الكفيل أيضا ا ه بحر. قوله: (برئ الكفيل) بشرط قبول الأصيل وموته قبل القبول والرد يقول مقام القبول، ولو رده ارتد. وهل يعود الدين على الكفيل أم لا؟ خلاف كذا في الفتح. نهر. وفي التتارخانية عن المحيط: لا ذكر لهذه المسألة في شئ من الكتب. واختلف المشايخ، فمنهم من قال لا يبرأ الكفيل: أي برد الأصيل الابراء كما في رد الهبة، ومنهم من قال: يبرأ الكفيل ا ه. قال في الفتح. وهذا بخلاف الكفيل فإنه إذا أبرأه صح وإن لم يقبل، ولا يرجع على الأصيل، ولو كان إبراء الأصيل أو هبته أو التصدق عليه بعد موته
452 فعند أبي يوسف: القبول والرد للوارث، فإن قبلوا صح، وإن ردوا ارتد. وقال محمد: لا يرتد بردهم كما لو أبرأهم في حال حياته ثم مات، وهذا يختص بالابراء ا ه. قوله: (كما مر) أي قبيل الكفالة بالمال. قوله: (وتأخر الدين عنه) مرتبط بقوله: أو أخر عنه وشمل كقيل الكفيل، فإذا أخر الطالب عن الأصيل تأخر عن الكفيل وكفيله، وإن أخره عن الكفيل الأول تأخر عن الثاني أيضا لا عن الأصيل كما في الكافي، وشرطه أيضا قبول الأصيل، فلو رده ارتد، كما أفاده الفتح. قوله: (تأخرت مطالبة المصالح) مصدر مضاف إلى مفعوله، والمراد به المكاتب والفاعل ولي القتيل أو إلى فاعله، والمراد به الولي والمفعول المكاتب، فإن المصالحة مفاعلة من الطرفين، وهذا أولى لئلا يلزم الاظهار في مقام الاضمار فافهم، ومثل هذه المسألة ما لو كفل العبد المحجور بما لزمه بعد عتقه، فإن المطالبة تتأخر عن الأصيل إلى عتقه ويطالب كفيله للحال، لكن في هذين الفرعين تأخر لا بتأخير الطالب فلم يدخلا في كلام المصنف، كما أفاده في البحر والنهر. قوله: (ولا ينعكس) أي لو أبرأ الكفيل أو أخر عنه: أي أجله بعد الكفالة بالمال حالا لا يبرأ الأصيل ولا يتأخر عنه. قال في النهر: وإذا لم يبرأ الأصيل لم يرجع عليه الكفيل بشئ، بخلاف ما لو وهبه الدين أو تصدق عليه به حيث يرجع ا ه. قوله: (نعم لو تكفل بالحال مؤجلا الخ) أفاد أنه لو كان مؤجلا على الأصيل فكفل به تأخر عنهما بالأولى وإن لم يسم الاجل في الكفالة، كما صرح به في الكافي وغيره. قوله: (لان تأجيله على الكفيل تأجيل عليهما) هذا التعليل غير تام، فإن العلة كما في الفتح هي أن الطالب ليس له حال الكفالة حق يقبل التأجيل، إلا الدين فبالضرورة يتأجل عن الأصيل بتأجيل الكفيل، أما في مسألة المتن وهي ما إذا كانت الكفالة ثابتة قبل التأجيل، فقد تقرر حكمها وهو المطالبة، ثم طرأ التأجيل عن الكفيل فينصرف إلى ما تقرر عليه بها وهو المطالبة. تنبيه: ما ذكره الشارح تبعا للهداية وغيرها من أنه يتأجل عليهما يستثنى منه ما إذا أضاف الكفيل الاجل إلى نفسه، بأن قال أجلني أو شرط الطالب وقت الكفالة الاجل للكفيل خاصة فلا يتأخر الدين حينئذ عن الأصيل، كما ذكره في الفتاوى الهندية. ونقل ط عبارتها. مطلب لو كفل بالقرض مؤجلا تأجل عن الكفيل دون الأصيل ويستثنى أيضا ما لو كفل بالقرض مؤجلا إلى سنة مثلا فهو على الكفيل إلى الاجل وعلى الأصيل حال كما في البحر عن التتارخانية معزيا إلى الذخيرة والغياثية. ثم نقل خلافه عن تلخيص الجامع من شموله للقرض، وأن هذا هو الحيلة في تأجيل القرض، وسيذكره الشارح آخر الباب. قلت: لكن رده العلامة الطرسوسي في أنفع الوسائل بأن هذا إنما قاله الحصيري في شرح الجامع: وكل الكتب تخالفه فلا يلتفت إليه، ولا يجوز العمل به، وقدمنا تمام الكلام عليه قبيل فصل القرض، ويؤيده أن الحاكم الشهيد في الكافي صرح بأنه لا يتأخر عن الأصيل، وكفى به حجة. قوله: (وفيه) متعلق بقوله: يشترط والضمير المجرور عائد إلى قول المتن ولو أبرأ الأصيل الخ
453 ولو أسقط لفظة فيه لكان أوضح. و عبارة الدرر هكذا: أبرأ الطالب الأصيل إن قبل برئا: أي الأصيل والكفيل معا، أو أخره عنه تأخر عنهما بلا عكس فيهما، ولو أبرأ الكفيل فقط برئ وإن لم يقبل، إذ لا دين عليه ليحتاج إلى القبول بل عليه المطالبة وهي تسقط بالابراء، ولو وهب الدين له: أي للكفيل إن كان غنيا أو تصدق عليه إن كان فقيرا يشترط القبول، كما هو حكم الهبة والصدقة وهبة الدين لغير من عليه الدين تصح إذا سلط عليه والكفيل مسلط على الدين في الجملة، كذا في الكافي، وبعده له الرجوع على الأصيل ا ه. وضمير بعده للقبول. وحاصله أن حكم الابراء والهبة في الكفيل مختلف، ففي الابراء لا يحتاج إلى القبول، وفي الهبة والصدقة يحتاج، وفي الأصيل متفق فيحتاج إلى القبول في الكل، وموته قبل القبول والرد كالقبول. شرنبلالية. ولم يذكر حكم الرد. وأفاد في الفتح أن الابراء والتأجيل يرتدان برد الأصيل. وأما الكفيل فلا يرتد برده الابراء بل التأجيل. والفرق أن الابراء إسقاط محض في حق الكفيل ليس فيه تمليك مال لان الواجب عليه مجرد المطالبة، والاسقاط المحض لا يحتمل الرد لتلاشي الساقط، بخلاف التأخير لعوده بعد الاجل، فإذا عرف هذا، فإن لم يقبل الكفيل التأخير أو الأصيل فالمال حال يطالبان به للحال ا ه. وقدمنا تمام الكلام عليه. تنبيه: نقل في البحر عن قوله: وبطل تعليق البراءة عن الهداية مثل ما هنا، من أن إبراء الكفيل لا يرتد بالرد، بخلاف إبراء الأصيل. ثم نقل عن الخانية: لو قال للكفيل أخرجتك عن الكفالة فقال الكفيل لا أخرج لم يصر خارجا. ثم قال في البحر: فثبت أن إبراء الكفيل أيضا يرتد بالرد ا ه. قال في النهر: وفيه نظر، ولم يبين وجهه. وأجاب المقدسي بأن ما في الخانية في معنى الإقالة لعقد الكفالة، فحيث لم يقبلها الكفيل بطلت فتبقى الكفالة، بخلاف الابراء لأنه محض إسقاط فيتم بالمسقط ا ه. على أن ما في الهداية منصوص عليه في كافي الحاكم. قوله: (والتأجيل) هذا غير موجود في عبارة الدرر كما عرفته. نعم هو في الفتح كما ذكرناه آنفا. قوله: (لا الكفيل) أي لا يشترط قبول الكفيل الابراء والتأجيل، لكن لم يذكر في الدرر عدم اشتراطه في التأجيل وهو غير صحيح، بل هو شرط كما سمعته من كلام الفتح. قوله: (وفي فتاوى ابن نجيم الخ) ونصها: سئل عن رجل ضمن آخر في دين عليه ثمن مبيع أو أجرة لازمة عليه ثم إن رب المال أجله على الكفيل إلى مدة معلومة هل يصير مؤجلا عليه وحده وعلى الأصيل حالا أو مؤجلا عليهما؟ أجاب يصير مؤجلا عليهما كما صرح به في الحاوي القدسي ا ه. أقول: هذا غير صحيح لمخالفته لعبارات المتون والشروح، على أني راجعت الحاوي القدسي فرأيت خلاف ما عزاه إليه. ونص عبارة الحاوي: وإن أخر الطالب الدين عن الأصيل كان تأخيرا عن الكفيل، وإن أخره عن الكفيل لم يكن تأخيرا عن الأصيل ا ه بالحرف، وكأن ابن نجيم اشتبه عليه ذلك بما لو تكفل بالحال مؤجلا مع أن صريح السؤال خلافه، فافهم. قوله: (فليحفظ) بل الواجب
454 حفظ ما في كتب المذهب، لان هذا سبق نظر فلا يحفظ ولا يلحظ. قوله: (وهو المختار) لان الناس لا يريدون نفي التعلق أصلا، وإنما يريدون نفي التعلق الحسي، وإني لا أتعلق به تعلق المطالبة ا ه ح. على أن إبراء الأصيل يتوقف على قبوله ولم يوجد. قوله: (وإذا حل الدين المؤجل الخ) أفاد أن الدين يحل بموت الكفيل كما صرح به في الغرر وشرح الوهبانية عن المبسوط، وعلله في المنح عن الولوالجية بأن الاجل يسقط بموت من له الاجل. قوله: (لا يحل على الأصيل) وكذا إذا عجل الكفيل الدين حال حياته لا يرجع على المطلوب إلا عند حلول الأجل عند علمائنا الثلاثة، وهو نظير ما لو كفل بالزيوف وأدى الجياد. تاترخانية. قوله: (خير الطالب) أي في أخذه من أي التركتين شاء، لان دينه ثابت على كل واحد منهما كما في حال الحياة. درر. قوله: (مثلا) فالنصف غير قيد. قوله: (برئا) أي الأصيل والكفيل، لأنه أضاف الصلح إلى الألف الدين وهو على الأصيل فيبرأ عن خمسمائة وبراءته توجب براءة الكفيل. درر. قوله: (وإذا شرط براءة الكفيل وحده الخ) ليس المراد أن الطالب يأخذ البدل في مقابلة إبراء الكفيل عنها، وإنما المراد أن ما أخذه من الكفيل محسوب من أصل دينه ويرجع بالباقي على الأصيل. بحر. ونبه بذلك على الفرق بني هذه وبين المسألة التي عقبها كما يأتي، ويوضحه ما في الفتح عن المبسوط: لو صالحه على مائة درهم على أن أبرئ الكفيل خاصة من الباقي رجع الكفيل عن الأصيل بمائة ورجع الطالب على الأصيل بتسعمائة، لان إبراء الكفيل يكون فسخا للكفالة ولا يكون إسقاطا لأصل الدين ا ه. قوله: (كانت فسخا للكفالة) هذه عبارة المبسوط كما علمت أي أن البراءة عن باقي الدين التي تضمنها عقد الصلح تتضمن فسخ الكفالة لسقوط المطالبة عن الكفيل بهذا الشرط ولا يسقط بها أصل الدين، إذ لو سقط لم يبق للطالب على المطلوب شئ مع أنه يطالبه بالنصف الباقي، بخلاف الصور الثلاث فإن مطالبته سقطت عنهما جميعا. قوله: (فيبرأ هو) أي الكفيل وحده عن خمسمائة وهي التي سقطت بعقد الصلح، وكذا عن التي دفعها بدلا عن الصلح وهو ظاهر، لان الصلح على بعض الدين أخذ لبعض حقه وإبراء عن الباقي، فحيث أخذ الطالب من الكفيل بعض حقه وأبرأه عن باقيه فقد سقطت المطالبة عنه أصلا، وبراءة الكفيل لا توجب براءة الأصيل فلذا قال دون الأصيل. قوله: (والكفيل بخمسمائة) أي ويرجع الكفيل على الأصيل بخمسمائة وهي التي أداها للطالب بدل الصلح في الصور الأربع. قوله: (لو بأمره) أي يرجع بها لو كفل عنه بأمره وإلا فلا رجوع له. قوله: (على جنس آخر) مفهوم قوله: على نصفه ا ه ح. قوله: (رجع بالألف) لان الصلح بجنس آخر مبادلة فيملك الدين فيرجع بجميع الألف. فتح. وكذا يرجع بجميع الألف لو صالحه على خمسمائة على أن يهب له الباقي كما في الفتح أيضا، ومثله في الكافي. قوله: (كما مر) الأولى أن يقول
455 لما مر: أي من أنه يملك الدين بالأداء. قوله: (صالح الكفيل الطالب الخ) في الهداية: ولو كان صالحه عما استوجب بالكفالة لا يبرأ الأصيل، لان هذا إبراء الكفيل عن المطالبة ا ه. ومقتضاه صحة الصلح ولزوم المال وسقوط المطالبة عن الكفيل دون، الأصيل، وهو خلاف ما ذكره المصنف تبعا للخانية، إلا أن يحمل على الكفالة بالنفس، لما في التتارخانية: الكفيل بالنفس إذا صالح الطالب على خمسمائة دينار على أن أبرئه من الكفالة بالنفس لا يجوز ولا يبرأ عنها، فلو كان كفيلا بالنفس والمال على إنسان واحد برئ ا ه. وفي الهندية عن الذخيرة: صالح على مال لاسقاط الكفالة لا يصح أخذ المال، وهل تسقط الكفالة بالنفس؟ فيه روايتان، في رواية تسقط، وبه يفتى ا ه. وحينئذ فيحمل ما في الهداية على الكفالة بالمال توفيقا بين الكلامين. تأمل. ثم لا يخفى أن الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها في المتن وهي الرابعة هو أن هذه في الصلح عن الكفالة والتي قبلها في الصلح عن المال المكفول به، فالمال هنا في مقابلة الابراء عن الكفالة، وهناك في مقابلة الابراء عن المال الباقي كما مر في عبار المبسوط. ومن العجب ما في النهاية حيث جعل عبارة المبسوط المارة تصويرا لما ذكره هنا في الهداية، فإنه عكس الموضع، لان كلام المبسوط مفروض في الصلح على إبراء الكفيل فقط عن المال، وهو الصورة الرابعة المذكورة في كلام المصنف وكلام الهداية في الصلح على إبراء الكفيل عن المطالبة، ولم أر من نبه على ذلك مع أنه نقله في البحر وغيره وأقروه عليه، نعم ربما يشعر كلام الفتح بأنه لم يرض به، فراجعه. قوله: (وهو بإطلاقه يعم الكفالة بالمال والنفس) قد علمت ما فيه. قوله: (برئت إلي) متعلق بمحذوف حال: أي حال كونك مؤديا إلي كما في شرح مسكين أي فهو براءة استيفاء لا براءة إسقاط. قوله: (لاقراره بالقبض) لان مفاد هذا التركيب براءة من المال مبدؤها من الكفيل ومنتهاها صاحب الدين، وهذا هو معنى الاقرار بالقبض من الكفيل فكأنه قال دفعت إلي. قوله: (ومفاده) أي مفاد التعليل المذكور، وهذا الكلام لصاحب البحر. قوله: (براءة المطلوب) أي المديون للطالب: أي الدائن: يعني أنه يفيد أن المطلوب يبرأ من المطالبة التي كانت للطالب عليه، وكذا يبرأ منها الكفيل فلا مطالبة له على واحد منهما لاقراره بالقبض، إذ لا يستحق القبض أكثر من مرة واحدة. قوله: (لا رجوع) أي للكفيل على المطلوب. نعم للطالب أن يأخذ المطلوب بالمال كما في الكافي للحاكم. قوله: (لأنه إبراء) تعليل لعدم الرجوع في الصور الثلاث، إذ ليس فيها ما يفيد القبض ليكون إقرارا به، بل هو محتمل للابراء بسبب القبض، وللإسقاط فلا يثبت القبض بالشك. قوله: (أي إلى) المراد برئت إلي. قوله: (وهو أقرب الاحتمالين) أي احتمال أنه براءة قبض واحتمال أنه براءة إسقاط.
456 ووجه الأقربية ما في الفتح من قوله: لأنه إقرار ببراءة ابتداؤها من الكفيل المخاطب. وحاصله إثبات البراءة منه على الخصوص مثل قمت وقعدت، والبراءة الكائنة منه خاصة كالإيفاء (1) بخلاف البراءة بالابراء فإنها لا تتحقق بفعل الكفيل بل بفعل الطالب فلا تكون حينئذ مضافه إلى الكفيل، وما قاله محمد: أي من أنه لا يثبت القبض بالشك إنما يتم إذا كان الاحتمالان متساويين ا ه. وهذا أيضا ترجيح منه لقول أبي يوسف. قوله: (لو كتبه في الصك) بأن كتب برئ الكفيل من الدراهم التي كفل بها. بحر. قوله: (عملا بالعرف) فإن العرف بين الناس أن الصك يكتب على الطالب بالبراءة إذا حصلت بالايفاء، وإن حصلت بالابراء لا يكتب الصك عليه فجعلت إقرارا بالقبض عرفا ولا عرف عند الابراء. فتح. قوله: (وهذا كله الخ) عزاه في فتح القدير إلى شروح الجامع الصغير، وجزم به في الملتقى والدرر، وأقره الشرنبلالي وكذا الزيلعي وابن كمال، فتعبير البحر عنه بقبل غير ظاهر فافهم، والإشارة إلى جميع الألفاظ المارة. قال في البحر عن النهاية: حتى في برئت إلي لاحتمال لأني أبرأتك مجازا وإن كان بعيدا في الاستعمال ا ه. قال في النهر: والظاهر أن في لفظ الحل لا يرجع إليه لظهور أنه مسامحة لا أنه أخذ منه شيئا ا ه. قلت: وفيه نظر يظهر بأدنى نظر. قوله: (لمراده) متعلق بالبيان: أي يسأل: هل أردت القبض أو لا؟ قوله: (لأنه المجمل) بكسر ثالثه اسم فاعل: أي فإن الأصل في الاجمال أن يرجع فيه إلى المجمل، والمراد بالمجمل هنا ما يحتاج إلى تأمل، ويحتمل المجاز وإن كان بعيدا لا حقيقة المجمل: يعني يرجع إليه إذا كان حاضرا لإزالة الاحتمالات، خصوصا إن كان العرف في ذلك اللفظ مشتركا: منهم من يقصد القبض، ومنهم من يقصد الابراء. فتح. قوله: (ومثل الكفالة الحوالة) في كافي الحاكم والمحتال عليه في جميع ذلك كالكفيل ا ه. قال ط: فإن قال المحال للمحتال عليه برئت إلي رجع المحتال عليه على المحيل، وإن قال أبرأتك لا. واختلف فيما إذا قال برئت فقط ا ه. وإنما يرجع إذا لم يكن للمحيل دين على المحتال عليه. مطلب في بطلان تعليق البراءة من الكفالة بالشرط قوله: (وبطل تعليق البراءة من الكفالة بالشرط) أي لما فيه من معنى التمليك، ويروى أنه يصح لأنه عليه المطالبة دون الدين في الصحيح فكان إسقاطا محضا كالطلاق. هداية. وظاهره ترجيح عدم بطلانه بناء على الصحيح. بحر. قلت: ولذا قال في متن الملتقى: والمختار الصحة. واعلم أن إضافته تعليق إلى البراءة من إضافة الصفة إلى موصوفها، والمعنى: وبطلت البراءة المعلقة بالشرط، وإذا بطلت البراءة من الكفالة تبقى الكفالة على أصلها، فللطالب مطالبة الكفيل بدليل التعليل، فليس المراد بطلان تعليق البراءة لأنه يلزم منه بقاء البراءة صحيحة منجزة وتبطل الكفالة بها، ولا يناسبه العلة المذكورة لان نفس التعليق ليس فيه معنى التمليك، بل الذي فيه معنى التمليك هو
(1) قوله: (كما لايفاء) كذا رأيته في نسختين من نسخ الفتح، ولعل الأولى بالايفاء ا ه. منه. 457 البراءة المعلقة فتبطل. ثم رأيت بخط بعض العلماء على نسخة قديمة من شرح المجمع ما نصه: معناه أن الكفالة جائزة والشرط باطل ا ه. وهذا عين ما قلته. قوله: (بالشرط الغير الملائم) نحو إذا جاء غدا فأنت برئ من المال، ومثال الملائم ما لو كفل بالمال أو بالنفس وقال إن وافيت به غدا فأنت برئ من المال فوافاه من الغد فهو برئ من المال، كذا في العناية ا ه ح. وفي البحر عن المعراج: الغير الملائم هو ما لا منفعة فيه للطالب أصلا كدخول الدار ومجئ الغد لأنه غير متعارف ا ه. قلت: وسئلت عمن قال كفلته عن أنك إن طالبتني به قبل حلول الأجل فلا كفالة لي، ويظهر لي أنه من غير الملائم، فليتأمل. قوله: (على ما اختاره في الفتح والمعراج) أقول: الذي في الفتح هكذا قوله: ولا يجوز تعليق الابراء من الكفالة بالشرط: أي بالشرط المتعارف مثل أن يقول: إن عجلت لي البعض أو دفعت البعض فقد أبرأتك من الكفالة، أما غير المتعارف فلا يجوز، ثم قال: ويروى أنه يجوز وهو أوجه الخ. فهذا شرح لعبارة الهداية التي قدمناها آنفا، وقدمنا أن ظاهر ما في الهداية ترجيح الرواية الثانية وأنه اختارها في متن الملتقى، وكذا اختارها في الفتح كما ترى، والمتبادر من كلام الفتح أن المراد بهذه الرواية جواز الشرط المتعارف، لأنه قيد رواية عدم الجواز بالشرط المتعارف، وذكر أن غير المتعارف لا يجوز، وهو تصريح بما فهم بالأولى. ثم ذكر مقابل الرواية الأولى وهي رواية الجواز فعلم أن المراد بها الشرط المتعارف أيضا وأن غير المتعارف لا يجوز أصلا، ويحتمل أن يكون قوله، ويروى أنه يجوز: أي إذا كان الشرط غير متعارف ويلزم منه جواز المتعارف بالأولى، فعلى الاحتمال الأول يكون قد اختار في الفتح جواز التعليق بالشرط المتعارف، وعلى الثاني اختار جوازه مطلقا، وهذا الاحتمال أظهر، لأنه حيث قيد رواية عدم الجواز بالمتعارف علم أن غير المتعارف لا يجوز بالأولى، ثم اختار مقابل هذه الرواية وهو رواية الجواز: أي مطلقا، فكان على الشارح أن يقول: وبطل تعليق البراءة من الكفالة بالشرط ولو ملائما، وروي جوازه مطلقا، واختاره في الفتح نعم ذكر في الدرر عن العناية قولا ثالثا وهو عدم جواز التعليق بالشرط لو غير متعارف والجواز لو متعارفا وذكر في المعراج هذا القول وجعله محمل الروايتين، وأقره في البحر وقال: إن قول الكنز: وبطل التعليق، محمول على غير المتعارف وتبعه الشارح، لكن لا يخفى أن كلام الفتح مخالف لهذا التوفيق، لأنه حمل بطلان التعليق على الشرط المتعارف كما علمت، فكيف ينسب إليه ما ذكره الشارح؟ فافهم. قوله: (وأقره المصنف) أي في شرحه في هذا المحل: أي أقر ما في المعراج من التفصيل والتوفيق. قوله، (والمتفرقات) أي متفرقات البيوع في بحث ما يبطل تعليقه. قوله: (ترجيح الاطلاق) أي رواية بطلان التعليق المتبادر منها الاطلاق عما فصله في المعراج، وفي كون الزيلعي رجح ذلك نظر، بل كلامه قريب من كلام الهداية المار فراجعه. قوله: (قيد بكفالة النفس (1)) أي باعتبار أن الكلام فيها، وإلا فلم يذكر القيد في المتن كالكنز ا ه ح. قوله: (مبسوطا في الخانية) حاصله أن تعليق البراءة
(1) قوله: (قيد بكفالة النفس) هكذا بخطه ولعله سبق قلم، فان الذي في نسخ الشارح: قيد بكفالة المال لان في كفالة النفس تفصيلا الخ، ا ه. مصححه. 458 من الكفالة بالنفس على وجوه في وجه تصح البراءة ويبطل الشرط كما إذا أبرأ الطالب الكفيل على أن يعطيه الكفيل عشرة دراهم، وفيه وجه يصحان كما إذا كان كفيلا بالمال أيضا وشرط الطالب عليه أن يدفع المال ويبرئه من الكفالة بالنفس، وفي وجه ببطلان كما إذا شرط الطالب على الكفيل بالنفس أن يدفع إليه المال ويرجع به على المطلوب ا ه. قوله: (لا يسترد أصيل الخ) أي إذا دفع الأصيل وهو المديون إلى الكفيل المال المكفول به ليس للأصيل أن يسترده من الكفيل وإن لم يعطه الكفيل إلى الطالب. قال في النهر لأنه أي الكفيل ملكه بالاقتضاء، وبه ظهر أن الكفالة توجب دينا للطالب على الكفيل ودينا للكفيل على الأصيل، لكن دين الطالب حال ودين الكفيل مؤجل إلى وقت الأداء، ولذا لو أخذ الكفيل من الأصيل رهنا أو أبرأه أو وهب منه الدين صح فلا يرجع بأدائه، كذا في النهاية، ولا ينافيه ما مر من أن الراجح أن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة، لان الضم إنما هو بالنسبة إلى الطالب، وهذا لا ينافي أن يكون للكفيل دين على المكفول عنه كما لا يخفى، وعلى هذا فالكفالة بالامر توجب ثبوت دينين وثلاث مطالبات تعرف بالتدبر ا ه ما في النهر: أي دين ومطالبة حالين للطالب على الأصيل، ودين ومطالبة مؤخرين للكفيل على الأصيل أيضا، ومطالبة فقط للطالب على الكفيل بناء على الراجح من أنها الضم في المطالبة. تنبيه: نقل محشي مسكين عن الحموي عن المفتاح أن عدم الاسترداد مقيد بما إذا لم يؤخره الطالب عن الأصيل أو الكفيل، فإن أخره له أن يسترده ا ه. قلت: لكن قوله: أو الكفيل لم يظهر لي وجهه. تأمل. قوله: (بأمره) متعلق بالكفيل احترازا عن الكفيل بلا أمر كما سيأتي. قال في النهر: قيد به في الهداية ولا بد منه. قوله: (ليدفع للطالب) متعلق بأدى. واعلم أن ما مر من أن الكفيل ملك المؤدى فذلك فيما إذا دفعه إليه الأصيل على وجه القضاء، بأن قال له إني لا آمن أن يأخذ منك الطالب حقه فأنا أقضيك المال قبل أن تؤديه، بخلاف ما إذا كان الدفع على وجه الرسالة بأن المطلوب للكفيل خذ هذا المال وادفعه إلى الطالب حيث لا يصير المؤدى ملكا للكفيل بل هو أمانة في يده، لكن لا يكون للمطلوب أن يسترده من الكفيل لأنه تعلق به حق الطالب، كذا في الكافي لكن ذكر في الكبرى أن له الاسترداد وأنه أشار إليه في الأصل، كذا في الكفالة شرح الهداية، وما نقله عن الكافي نقل ط مثل عن العناية والمعراج وعليه مشى في البحر والنهر. والمراد بالكافي كافي النسفي، أما كافي الحاكم الشهيد الذي جمع كتب ظاهر الرواية فإنه أشار فيه أيضا إلى أن له الاسترداد لو دفعه على وجه الرسالة فإنه ذكر أنه لو قبضه على وجه القضاء فله التصرف فيه وله ربحه لأنه له، ولو هلك منه ضمنه، ولو قبضه على وجه الرسالة فهلك كان مؤتمنا ويرجع به على الأصيل، ولو لم يهلك فعمل به وربح تصدق بالربح لأنه غاصب، وكذا في الهداية إشارة إليه حيث ذكر أولا أنه إذا قضاه لا يسترد. ثم قال: بخلاف ما إذا كان الدفع على وجه الرسالة لأنه تمحض أمانة في يده، فدل كلامه على أن عدم الاسترداد في الأداء على وجه القضاء لا الرسالة حيث جعله في الرسالة محض أمانة والأمانة مستردة. ونقل ط عن غاية البيان أن له الاسترداد. قال: ومثله في صدر الشريعة. قال في اليعقوبية: إنه الظاهر لأنه أمانة محضة ويد الرسول يد المرسل فكأنه لم يقبضه فلا يعتبر حق الطالب، وهو المتبادر من الهداية ا ه.
459 قلت: وهو المتبادر أيضا مما في المتون من أن الربح يطيب له، فإنه دليل على أن المراد الأداء على وجه القضاء، وقول الشارح تبعا للدرر ليدفعه للطالب ظاهره الدفع على وجه الرسالة، وهو موافق لما في كافي النسفي وغيره، ويفهم منه أنه في الدفع على وجه القضاء له ذلك بالأولى. ويمكن حمله على ما في كافي الحاكم وغيره بأن يكون المراد أنه لم يصرح له بأنه يدفعه للطالب، بل أضمر ذلك في نفسه وقت الأداء. ففي الشرنبلالية عن القنية: لو أطلق عند الدفع فلم يبين أنه على وجه القضاء أو الرسالة يقع عن القضاء، فافهم. تنبيه: لو قضى المطلوب الدين إلى الطالب فللمطلوب أن يرجع على الكفيل بما أعطاه كما في الكافي وغيره. قوله: (وإن لم يعطه طالبه) إن وصلية وطالبه بكسر اللام بزنة اسم الفاعل مضاف للضمير وهو المفعول الثاني ليعطه. قوله: (ولا يعمل نهيه الخ) هذا ما أجاب به في البحر حيث قال: وقد سئلت عما إذا دفع المديون الدين للكفيل ليؤديه إلى الطالب ثم نهاه عن الأداء هل يعمل نهيه؟ فأجبت إن كان كفيلا بالامر لم يعمل نهيه لأنه لا يملك الاسترداد، وإلا عمل لأنه يملكه ا ه. قلت: وظاهر قوله: ليؤديه أن الدفع على وجه الرسالة فهو مبني على ما في كافي النسفي. قوله: (لأنه حينئذ) أي حين إذ كان كفيلا بلا أمر يملك الأصيل الاسترداد، لان الكفيل لا دين له عليه فلم يملك المؤدى بل هو في يده محض أمانة، كما إذا أداه الأصيل إليه على وجه الرسالة وكانت الكفالة بالامر على ما مر، بل هذا بالأولى لما علمت من أنه هنا لا دين له أصلا. قوله: (لكنه قدم قبله ما يخالفه) لعل مراده بالمخالفة أن المصنف لم يقيد متنه بكون الكفيل كفيلا بالامر، وفرق هنا بين كونه بالامر فلا يعمل نهيه وإلا عمل، لكن في شرح المصنف إشارة إلى أن مراده في المتن الكفيل بالامر، وقد علمت أن هذا القيد لا بد منه فلا مخالفة. قوله: (حيث قبضه على وجه الاقتضاء) تقييد للمتن ولتعليله بأنه نماء ملكه، وصرح بعده بمفهومه وعبارة الهداية: فإن ربح الكفيل فيه فهو له لا يتصدق به لأنه ملكه حين قبضه، وهذا إذا قضى الدين ظاهر، وكذا إذا قضاه المطلوب بنفسه وثبت له استرداد ما دفع للكفيل، وإنما حكمنا بثبوت ملكه إذا قضاه المطلوب بنفسه، لان الكفيل وجب له بمجرد الكفالة على الأصيل مثل ما وجب للطالب على الكفيل وهو المطالبة ا ه. موضحا من الفتح وتمامه فيه. قوله: (خلافا للثاني) أي أبي يوسف فعنده يطيب له كمن غصب من إنسان وربح فيه يتصدق بالربح عندهما، لأنه استفاده من أصل خبيث، ويطيب له عنده مستدلا بحديث الخراج بالضمان فتح قوله: (وندب رده) مرتبط بقوله بعده: فيما يتعين بالتعيين أي أن قوله: طاب له: أي الربح إنما هو فيما لو كان المؤدى للكفيل شيئا لا يتعين بالتعيين كالدراهم والدنانير، فإن الخبث لا يظهر فيها، بخلاف ما يتعين كالحنطة ونحوها بأن كفل عنه حنطة وأداها الأصيل إلى الكفيل وربح الكفيل فيها فإنه يندب رد الربح إلى الأصيل. قال في النهر: وهذا هو أحد الروايات عن الامام، وهو الأصح، وعنه أنه لا يرده بل يطيب له، وهو قولهما لأنه نماء ملكه، وعنه أنه يتصدق به، وتمامه فيه. قوله: (إن قضى الدين بنفسه) أي إن قضاه الأصيل للطالب، وهذه العبارة تابع فيها صاحب الدرر
460 الزيلعي، وأقره الشرنبلالي، لكن اعترضه الواني بأن هذا القيد غير لازم وموهم خلاف المقصود. قلت: وهو كذلك كما يعلم من الهداية حيث قال في توجيه الأصح: وله أي للامام أنه تمكن الخبث مع الملك لأنه بسبيل من الاسترداد بأن يقضيه بنفسه الخ، فجعل إمكان الاسترداد بقضاء الدين بنفسه دليل ثبوت الخبث في الربح مع قيام الملك، فعلم أن ذلك غير قيد في المسألة. قوله: (الأشبه نعم ولو غنيا) الذي في العناية وكذا البحر والنهر: إن كان فقيرا طاب، وإن كان غنيا ففيه روايتان ، والأشبه أن يطيب له أيضا، فكان الأولى للشارح أن يؤخر قوله: الأشبه نعم عن قوله: ولو غنيا لان الروايتين فيه لا في الفقير. مطلب بيع العينة قوله: (أمر كفيله ببيع العينة) بكسر العين المهملة وهي السلف، يقال: باعه بعينة: أي نسيئة. مغرب وفي المصباح: وقيل لهذا البيع عينة، لان مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا: أي نقدا حاضرا ا ه. أي قال الأصيل للكفيل: اشتر من الناس نوعا من الأقمشة ثم بعه، فما ربحه البائع منك وخسرته أنت فعلي فيأتي إلى تاجر فيطلب منه القرض ويطلب التاجر منه الربح ويخاف من الربا فيبيعه التاجر ثوبا يساوي عشرة مثلا بخمسة عشر نسيئة فيبيعه هو في السوق بعشرة فيحل له العشرة ويجب عليه للبائع خمسة عشر إلى أجل، أو يقرضه خمسة عشر درهما ثم يبيعه المقرض ثوبا يساوي عشرة بخمسة عشر فيأخذ الدراهم التي أقرضه على أنها ثمن الثوب فيبقى عليه الخمسة عشر قرضا. درر. ومن صورها: أن يعود الثوب إليه كما إذا اشتراه التاجر في الصورة الأولى من المشتري الثاني ودفع الثمن إليه ليدفعه إلى المشتري الأول، وإنما لم يشتره من المشتري الأول تحرزا عن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن. قوله: (أي بيع العين بالربح) أي بثمن زائد نسيئة: أي إلى أجل، وهذا تفسير للمراد من بيع العينة في العرف بالنظر إلى جانب البائع، فالمعنى أمر كفيله بأن يباشر عقد هذا البيع مع البائع بأن يشتري منه العين على هذا الوجه، لان الكفيل مأمور بشراء العينة لا ببيعها، وأما بيعه بعد ذلك لما اشتراه فليس على وجه العينة لأنه يبيعها حالة بدون ربح. قوله: (وهو مكروه) أي عند محمد، وبه جزم في الهداية. قال في الفتح: وقال أبو يوسف: لا يكره هذا البيع لأنه فعله كثير من الصحابة وحمدوا على ذلك ولم يعدوه من الربا، حتى لو باع كاغدة بألف يجوز ولا يكره، وقال محمد: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا، وقد ذمهم رسول الله (ص) فقال: إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ذللتم وظهر عليكم عدوكم أي اشتغلتم بالحرث عن الجهاد. وفي رواية سلط عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لكم وقيل: إياك والعينة فإنها العينة. ثم قال في الفتح ما حاصله: إن الذي يقع في قلبي أنه إن فعلت صورة يعود فيها إلى البائع جميع ما أخرجه أو بعضه كعود الثوب إليه في الصورة المارة وكعود الخمسة في صورة إقراض الخمسة عشر فيكره: يعني تحريما فإن لم يعد كما إذا باعه المديون في السوق فلا كراهة فيه، بل خلاف الأولى، فإن الاجل قابله قسط من الثمن والقرض غير واجب عليه دائما بل هو مندوب، وما لم ترجع إليه العين التي خرجت منه لا يسمى بيع العينة لان من العين المسترجعة لا العين مطلقا، وإلا
461 فكل بيع بيع العينة ا ه. وأقره في البحر والنهر والشرنبلالية وهو ظاهر، وجعله السيد أبو السعود محمل قول أبي يوسف، وحمل قول محمد والحديث على صورة العود. هذا، وفي الفتح أيضا: ثم ذموا البياعات الكائنة الآن أشد من بيع العينة، حتى قال مشايخ بلخ منهم محمد بن سلمة للتجار: إن العينة التي جاءت في الحديث خير من بياعاتكم وهو صحيح، فكثير من البياعات كالزيت والعسل والشيرج وغير ذلك استقر الحال فيها على وزنها مظروفة ثم إسقاط مقدار معين على الظرف وبه يصير البيع فاسدا، ولا شك أن البيع الفاسد بحكم الغصب المحرم، فأين هو من بيع العين الصحيح المختلف في كراهته ا ه. قوله: (لأنه إما ضمان الخسران) أي نظرا إلى قوله: علي فإنها للوجوب فلا يجوز، كما إذا قال لرجل بايع في السوق فما خسرت فعلي. درر قوله: (أو توكيل بمجهول) أي نظرا إلى الامر به فلا يجوز أيضا لجهالة نوع الثوب وثمنه. درر. قوله: (كفل عن رجل) الأولى أن يقول كفل عن رجل لرجل ليكون مرجع الضمير في له مذكورا وهو الرجل الثاني المكفول له وإن كان معلوما من المقام. قوله: (بما ذاب له) أي بما ثبت ووجب بالقضاء. قوله: (عبارة الدرر لزم بلا ضمير) الذي رأيناه في الدرر لزمه بالضمير، وكأنه سقط من نسخة الشارح وهي أولى، لان ضمير له في المواضع الثلاثة للمكفول له وضمير لزمه للمكفول، ففيه تشتيت الضمائر مع إيهام عوده للمكفول أيضا كبقية الضمائر المذكورة، ولا حاجة إلى تقديره ولا إلى التصريح به لان لزم بمعنى ثبت فهو قاصر في المعنى لا يحتاج إلى مفعول، والمعنى بما ثبت له عليه، فلما كان الأولى إسقاطه نبه الشارح عليه، فافهم. قوله: (أريد به المستقبل) لأنه معلق عليه، فإن المعنى: إن وجب لك عليه شئ في المستقبل فأنا كفيل به، حتى لو كان له عليه مال ثابت قبل الكفالة لم يكن مكفولا به كما يعلم مما يأتي. قوله: (لم يقبل برهانه) لأنه إنما كفل عنه بمال مقضى بعد الكفالة، لأنه جعل الذوب شرطا والشرط لا بد من كونه مستقبلا على خطر الوجود، فما لم يوجد الذوب بعد الكفالة لا يكون كفيلا، والبينة لم تشهد بقضاء دين وجب بعد الكفالة فلم تقم على من اتصف بكونه كفيلا عن الغائب بل على أجنبي، وهذا في لفظ القضاء ظاهر، وكذا في ذاب لان معناه تقرر ووجب، وهو بالقضاء بعد الكفالة، حتى لو ادعى أني قدمت الغائب إلى قاضي كذا وأقمت عليه بينة بكذا بعد الكفالة وقضى لي عليه بذلك وأقام البينة على ذلك صار كفيلا وضحت الدعوى وقضى على الكفيل بالمال لصيرورته خصما عن الغائب سواء كانت الكفالة بأمره أو لا، إلا أنه إذا كانت بغير أمر يكون القضاء على الكفيل خاصة، كذا في الفتح، وقوله: حتى لو ادعى الخ هو معنى ما في الفصول العمادية: ادعى على رجل أنه كفل عن فلان بما يذوب له عليه فأقر المدعى عليه بالكفالة وأنكر الحق وأقام المدعي بينة أنه ذاب له على فلان كذا فإن يقضي به في حق الكفيل الحاضر وفي حق الغائب جميعا، حتى لو حضر الغائب وأنكر لا يلتفت إلى إنكاره ا ه. فإن قوله: وأقام المدعي بينة أنه ذاب له على فلان كذا معناه أنه وجب له عليه بالقضاء بعد الكفالة: أي أن القاضي قضى له
462 عليه بذلك، فحيث برهن على أن الأصيل الغائب محكوم عليه بذلك ثبت شرط الكفالة فصار الكفيل خصما فيثبت عليه المال قصدا أو على الغائب ضمنا، بخلاف ما في المتن فإن المدعي برهن على أن له على الأصيل كذا لا على أنه كان حكم له على الأصيل بكذا، فلو قبلت هذه البينة يكون قضاء على الغائب قصدا لان الكفيل لم يصر خصما لأنه لم يثبت شرط كفالته، فالفرق بين المسألتين جلي واضح وإن خفي على صاحب النهر وغيره. والعجب من قول البحر إن جزمهم هنا بعدم القبول ينبغي أن يكون على الرواية الضعيفة، أما على أظهر الروايتين المفتى به من نفاذ القضاء على الغائب فينبغي النفاذ ا ه. فإن المفتى به نفاذ القضاء على الغائب من حكم يراه كشافعي، حتى لو رفع حكمه إلى الحنفي نفذه كما حرره صاحب البحر نفسه في كتاب القضاء، وكلامهم هنا في الحاكم الحنفي، فإن حكمه لا ينفذ لما علمته من عدم الخصم. قوله: (وإن برهن الخ) هذه مسألة مبتدأة غير داخلة تحت قوله: كفل بما ذاب الخ كما نبه عليه صدر الشريعة وابن الكمال وغيرهما، لان الكفالة هنا بمال مطلق كما يأتي. قوله: (وهو كفيل) أي بذلك المال. قوله: (فللكفيل الرجوع) أي فإذا قضى عليهما: أي على الكفيل الحاضر وعلى الأصيل الغائب ثبت للكفيل بالامر الرجوع على الغائب بلا إعادة بينة عليه إذا حضر لأنه صار مقضيا عليه ضمنا. قوله: (لان المكفول به هنا) أي في قوله، وإن برهن الخ مال مطلق: أي غير مقيد بكونه ثابتا بعد الكفالة، بخلاف ما تقدم في قوله: كفل بما ذاب الخ لان الكفالة فيه بمال موصوف بكونه مقضيا به بعد الكفالة، فما لم تثبت تلك الصفة لا يكون كفيلا فلا يكون خصما كما في شرح الجامع لقاضيخان، وهذا تعليل الأصل القضاء على الكفيل. وأما كون القضاء يتعدى إلى الأصيل لو الكفالة بأمره ولا يتعدى لو بدون أمره فوجهه كما في النهر أن الكفالة بلا أمر إنما تفيد قيام الدين في زعم الكفيل فلا يتعدى زعمه إلى غيره، أما بالامر الثابت فيتضمن إقرار المطلوب بالمال، إذ لا يأمر غيره بقضاء ما عليه إلا وهو معترف به فلذا صار مقضيا عليه. ثم قال في النهر: وفي الجامع الكبير جعل المسألة مربعة إذ الكفالة: إما مطلقة ككفلت بما لك على فلان، أو مقيدة بألف درهم وكل إما بالامر أو بدونه، وقد علمت أن المقيدة إذا كانت بالامر كان القضاء بها عليهما وإلا فعلى الكفيل فقط. وأما المطلقة فإن القضاء بها عليهما سواء كانت بالامر أو لا، لان الطالب لا يتوصل لاثبات حقه على الكفيل إلا بعد إثباته على الأصيل، وهذا لان المذهب أن القضاء على الغائب لا يجوز ا ه. وتمامه في الفتح. قوله: (وهذه حيلة الخ) ذكر في البحر الأوجه الأربعة المذكورة آنفا عن الجامع، ثم ذكر أن المطلقة هي الحيلة في القضاء على الغائب، وأن المقيدة لا تصلح للحيلة لان شرط التعدي على الغائب كونها بأمره ا ه. قلت: وطريق جعلها حيلة هو المواضعة الآتية بشرط أن يكون له بينة على الدين الذي له على الغائب، وهذا ظاهر في المطلقة عن التقييد بمقدار من المال، سواء كانت الكفالة بالامر أو لا، فيتعدى فيها الحكم إلى الغائب لان الكفيل إذا أقر بالكفالة وأنكر الدين على الأصيل فبرهن المدعي على الدين
463 وقدره لالزام الكفيل به لا يمكن إثباته إلا بعد إثباته على الأصيل فيثبت عليهما، لان المذهب عندنا كما في الفتح أن القضاء على الغائب لا يجوز إلا إذا ادعى على الحاضر حقا لا يتوصل إليه إلا بإثباته على الغائب، فإذا ثبت عليهما ثم أبرأ المدعي الكفيل يبقى المال ثابتا على الغائب. وأما الكفالة المقيدة بألف مثلا فلا يتعدى الحكم فيها إلى الغائب إلا إذا كانت بأمره كما مر تقريره، وإنما لم تصلح للحيلة مع تعدي الحكم فيها لأنه يحتاج إلى إثبات كون الكفالة بالامر وليس له بينة على ذلك، ولا تجوز الحيلة بإقامة شهود الزور وإقرار الكفيل بالدين يقتصر عليه ولا يتعدى إلى الغائب فضلا عن إقراره بكون الكفالة بأمر الغائب، وبهذا التقرير يظهر لك أن الإشارة في قول الشارح وهذه لا مرجع لها، لان المذكور في كلامه الكفالة المقيدة وفي بقسميها لا تصلح للحيلة، فافهم. قوله: (وكذا الحوالة) عبارة الفتح: وكذا الحوالة على هذه الوجوه ا ه. أي: إنها تكون مطلقة ومقيدة وكل منهما بالامر وبدونه فهي مربعة أيضا. وبيانه ما في شرح المقدسي عن التحرير شرح الجامع الكبير، وكذا لو شهدوا على الحوالة المطلقة يكون قضاء على الحاضر والغائب ادعى الامر أو لم يدع، فإن شهدوا بالحوالة المقيدة إن ادعى الامر يكون قضاء على الحاضر والغائب فيرجع، وإن لم يدع الامر يكون قضاء على الحاضر خاصة ولا يرجع، وتمامه فيه، وبه ظهر أن الإشارة بقوله: وكذا الحوالة راجعة إلى أصل المسألة لا إلى بيان جعلها حيلة، لان شرط صحة الحوالة كون المال معلوما كما سيأتي. فلو قال له إن فلانا أحالني عليك بألف درهم فأقر له بالحوالة بها كان مقرا بالمال فيلزمه، ولا يمكن المدعي إثباته على الغائب بالبينة، وهذه حوالة مطلقة لأنها لم تقيد بنوع مخصوص كما سيأتي بيانها في بابها إن شاء الله تعالى، هذا ما ظهر لي. قوله: (كفالته بالدرك) هو ضمان الثمن عند استحقاق المبيع كما مر. نهر قوله: (تسليم المبيع) أي تصديق منه بأن المبيع ملك للبائع، لأنها إن كانت مشروطة في البيع فتمامه بقبول الكفيل فكأنه هو الموجب له، وإن لم تكن مشروطة فالمراد بها إحكام البيع وترغيب المشتري فينزل منزلة الاقرار بالملك. فكأنه قال اشتراها فإنها ملك البائع، فإن استحقت فأنا ضامن ثمنها. نهر. قوله: (كشفعة) أي لو كان الكفيل شفيعها فلا شفعة له. بحر. لرضاه بشراء المشتري. قوله: (فلا دعوى له) أي فلا تسمع دعواه بالملك فيها، وبالشفعة وبالإجارة. بحر قوله: (كتب فيه) بالبناء للمجهول، وقوله: باع ملكه الخ جملة قصد بها لفظها نائب الفاعل، وجملة كتب الخ صفة لصك. قوله: (كما لو شهد بالبيع الخ) لان الشهادة به على إنسان إقرار منه بنفاذ البيع باتفاق الروايات. نهر عن الزيلعي. قوله: (مطلق عما ذكر) أي عن قيد الملكية، وكونه نافذا باتا فتسمع دعواه الملك بعده إذ ليس فيه ما يدل على إقراره بالملك للبائع، لان البيع قد يصدر من غير المالك، ولعله كتب شهادته ليحفظ الواقعة، بخلاف ما تقدم فإنه مقيد بما ذكر درر: أي ليسعى بعد ذلك في تثبيت البينة. فتح. قوله: (لأنه مجرد إخبار) ولو أخبر بأن
464 فلانا باع شيئا كان له أن يدعيه. درر. وقولهم هنا: إن الشهادة لا تكون إقرارا بالملك يدل بالأولى على أن السكوت زمانا لا يمنع الدعوى. بحر. وفي حاشية السيد أبي السعود: لكن نقل شيخنا عن فتاوى الشيخ الشلبي أن حضوره مجلس البيع وسكوته بلا عذر مانع له من الدعوى بعد ذلك حسما لباب التزوير ا ه. قلت: سيأتي آخر الكتاب قبيل الوصايا إن شاء الله تعالى أن ذلك في القريب والزوجة، وكذا في الجار إذا سكت بعد ذلك زمانا. وفي دعوى الخيرية أن علماءنا نصوا في متونهم وشرحهم وفتاويهم أن تصرف المشتري في المبيع مع اطلاع الخصم ولو كان أجنبيا بنحو البناء أو الغراس أو الزرع يمنعه من سماع الدعوى. قوله: (ولم يذكر الختم الخ) أي كما قال في الكنز: وشهادته وختمه. قال في الفتح: الختم أمر كان في زمانهم إذا كتب اسمه في الصك جعل اسمه تحت رصاص مكتوبا ووضع نقش خاتمه كي لا يطرقه التبديل، وليس هذا في زماننا ا ه. فالحكم لا يتفاوت بين أن يكون فيه ختم أو لا، كذا في العناية. قال في النهر: ولم أر ما لو تعارفوا رسم الشهادة بالختم فقط، والذي يجب أن يعول عليه اعتبار المكتوب في الصك، فإن كان فيه ما يفيد الاعتراف بالملك ثم ختم كان اعترافا به، وإلا لا ا ه. قوله: (إلى شهر) أي بعد شهر فلا مطالبة لك علي الآن. قوله: (هو) أي الضمان. قوله: (فالقول للضامن) أي مع يمينه في ظاهر الرواية. ط عن الشلبي. واحترز به عما روي عن الثاني أن القول للمقر له. قوله: (لأنه ينكر المطالبة) أي في الحال. قوله: (لان المقر له ينكر الاجل) فإن المقر بالدين أقر بما هو سبب المطالبة في الحال، إذ الظاهر أن الدين كذلك، لأنه إنما يثبت بدلا عن قرض أو إتلاف أو بيع ونحوه، والظاهر أن العاقل لا يرضى بخروج مستحقه في الحال إلا لبدل في الحال، فكان الحلول الأصل والأجل عارض، فكان الدين المؤجل معروضا لعارض لا نوعا ثم ادعى لنفسه حقا وهو تأخيرها والآخر ينكره، وفي الكفالة ما أقر بالدين على ما هو الأصح بل بحق المطالبة بعد شهر والمكفول له يدعيها في الحال والكفيل ينكر ذلك فالقول له، وهذا لان التزام المطالبة يتنوع إلى التزامها في الحال أو في المستقبل كالكفالة بما ذاب أو بالدرك فإنما أقر بنوع منها فلا يلزم بالنوع الآخر ا ه فتح. قوله: (وخاف الكذب) أي إن أنكر الدين. قوله: (أو حلوله) أي دعوى المقر له أنه حال بسبب إقرار المقر بالدين. قوله: (أن يقول الخ) أي المدعى عليه للمدعي، وقيل إذا قال ليس لك علي حق فلا بأس به إذا لم يرد إتواء حقه. زيلعي. ولم يذكر أمر حلفه لو استحلف، والظاهر أن له ذلك إذ مجرد إنكاره مما لا أثر له. نهر: أي أن قوله: لا بأس به: أي بإنكاره المذكور لا أثر لا، لان الخصم يطلب تحليفه ويكذبه في الانكار، فالاذن له بالانكار إذن بالحلف، ولا يخفى أن ليس للنفي في الحال إلا لقرينة على خلافه، فإذا حلف وقال ليس لك علي حق: أي في الحال فهو صادق، فافهم.
465 قوله: (إذا استحق المبيع قبل القضاء على البائع) الظرف متعلق بقوله: ولا يؤخذ وأراد بالاستحقاق الناقل، أما المبطل كدعوى النسب ودعوى الوقف في الأرض المشتراة أو أنها كانت مسجدا يرجع على الكفيل وإن لم يقض بالثمن على المكفول عنه، ولكل الرجوع على بائعه وإن لم يرجع عليه، بخلاف الناقل، ومر تمام أحكامه في بابه. قيد بالاستحقاق لأنه لو انفسخ بخيار رؤية أو شرط أو عيب لم يؤاخذ الكفيل به وبالثمن، لأنه لو بنى في الأرض لا يرجع على الكفيل بقيمة البناء، وكذا لو كان المبيع أمة استولدها المشتري وأخذ من المشتري مع الثمن قيمة الولد والعقر لم يرجع على الكفيل إلا بالثمن، كذا في السراج نهر. قوله: (لا ينتقض البيع) ولهذا لو أجاز المستحق البيع قبل الفسخ جاز ولو بعد قبضه وهو الصحيح، فما لم يقض بالثمن على البائع لا يجب رد الثمن على الأصيل فلا يجب على الكفيل، وقوله: كما مر أي في باب الاستحقاق، وانظر ما كتبناه هناك. قوله: (أي الموظف في كل سنة) لأنه دين له مطالب من جهة العباد فصار كسائر الديون، وتمامه في الزيلعي، وهذا التعليل اعتمدوه جميعا فيدل على اختصاص الخراج المضمون بالموظف. أما خراج المقاسمة فجزء من الخارج وهو عين غيره مضمون حتى لو هلك لا يؤخذ بشئ، والكفالة بأعيان لا تجوز ط. قوله: (على خلاف ما أطلقه في البحر) فإنه قال: وأطلقه فشمل الخراج الموظف وخراج المقاسمة، وخصصه بعضهم بالموظف الخ. ووجه الاعتراض على البحر حيث حمل كلام الكنز على الاطلاق مع وجود القرينة المذكورة على التقييد بالموظف، فكان الأولى التقييد، فافهم، وكذا التعليل المار يدل عليه. ولذا قال في الفتح: وقد قيدت الكفالة بما إذا كان خراجا موظفا لا خراج مقاسمة فإنه غير واجب في الذمة. قوله: (منقوض) النقض لصاحب البحر. قوله: (وكذا النوائب) جمع نائبة. وفي الصحاح: النائبة المصيبة، واحدة نوائب الدهر ا ه. وفي اصطلاحهم ما يأتي: قال في الفتح: قيل أراد بها ما يكون بحق كأجرة الحراس وكرى النهر المشترك والمال الموظف لتجهيز الجيش وفداء الاسرى إذا لم يكن في بيت المال شئ وغيرهما مما هو بحق، فالكفالة به جائزة بالاتفاق لأنها واجبة على كل مسلم موسر بإيجاب طاعة ولي الأمر فيما فيه مصلحة المسلمين ولم يلزم بيت المال أو لزمه ولا شئ فيه، وإن أريد بها ما ليس بحق كالجبايات الموظفة على الناس في زماننا ببلاد فارس على الخياط والصباغ وغيرهم للسلطان في كل يوم أو شهر فإنها ظلم. فاختلف المشايخ في صحة الكفالة بها: فقيل تصح إذ العبرة في صحة الكفالة وجود المطالبة إما بحق أو باطل، ولهذا قلنا: إن من تولى قسمتها بين المسلمين فعدل فهو مأجور، وينبغي أن من قال الكفالة ضم في الدين يمنعها هنا، ومن قال في المطالبة يمكن أن يقول بصحتها أو يمنعها بناء على أنها في المطالبة بالدين أو مطلقا ا ه: أي فإن قال بالدين منعها، وإن قال مطلقا: أي بالدين وغيره أجازها. قوله: (حتى لو
466 أخذت الخ) تأييد للقول بجواز الكفالة بها، فإنها إذا أخذت من الأكار وجاز له الرجوع بها بلا كفالة فمع الكفالة بالأولى، لكن في البزازية: لا يرجع الأكار في ظاهر الرواية، وقال الفقيه. يرجع وإن أخذ من الجار لا يرجع. وزاد في جامع الفصولين: أن أحد الشريكين لو أدى الخراج يكون متبرعا. نعم في آخر إجارات القنية برمز ظهير الدين المرغيناني وغيره: المستأجر إذا أخذ منه الجباية الراتبة على الدور والحوانيت يرجع على الآجر، وكذا الأكار في الأرض، وعليه الفتوى ا ه. قوله: (وعليه الفتوى) راجع لقوله: ولو بغير حق وكذا المسألة الأكار كما علمت. وفي البحر: وظاهر كلامهم ترجيح الصحة: أي في كفالة النوائب بغير حق، ولذا قال في إيضاح الاصلاح، والفتوى على الصحة. وفي الخانية: الصحيح الصحة، ويرجع على المكفول عنه إن كان بأمره ا ه. وعليه مشى في الاختيار والمختار والملتقى. نعم صحح صاحب الخانية في شرحه على الجامع الصغير عدم الصحة وكذلك أفتى في الخيرية بعدم الصحة مستندا لما في البزازية والخلاصة من أنه قول عامة المشايخ، ولما في العمادية من أن الأسير لو قال لغيره خلصني فدفع المأمور مالا وخلصه، قال السرخسي: يرجع، وقال صاحب المحيط: لا، وهو الأصح وعليه الفتوى. قال: فهذا يدفع ما في الاصلاح وما في الخانية، والعلة فيه أن الظلم يجب إعدامه ويحرم تقريره وفي القول بصحة تقريره ا ه ملخصا. قلت: غاية الأمر أنهما قولان مصححان، ومشى على الصحة بعض المتون، وهو ظاهر إطلاق الكنز وغيره لفظ النوائب فكان أرجح. وأما مسألة الأسير فليس فيها كفالة ولا أمر الرجوع، على أنه في الخانية صحح أنه يرجع على الأسير، وبه جزم في شرح السير الكبير بلا حكاية خلاف كما قدمناه في متفرقات البيوع، وأما قوله: والعلة فيه الخ فهو مدفوع بما رأيته في هامش نسختي المنح بخط بعض العلماء وأظنه السيد الحموي، مما حاصله أن المراد من صحة الكفالة بالنوائب رجوع الكفيل على الأصيل لو كانت الكفالة بالامر، لا أنه يضمن لطالبها الظالم لان الظلم يجب إعدامه ولا يجوز تقريره. فلا تغتر بظاهر الكلام ا ه. وهو تنبيه حسن، ولهذا لم يذكروا الرجوع على الكفيل بل اقتصروا على بيان الرجوع على الأصيل لو الكفالة بأمره، وليس في هذا تقرير الظلم بل فيه تحقيقه، لان لولا الكفالة يحبس الظالم المكفول ويضربه ويكلفه ببيع عقاره وسائر أملاكه بثمن بخس، أو بالاستدانة بالمرابحة ونحو ذلك مما هو مشاهد، ولعلهم لهذا أجازوا هذه الكفالة وإن لم يجيزوها بثمن خمر ونحوه، والله سبحانه أعلم. قوله: (وقيده شمس الأئمة) لا مرجع في كلامه لهذا الضمير، والمناسب قوله النهر. وفي الخانية: قضى نائبة غيره بأمره رجع عليه وإن لم يشترط الرجوع وهو الصحيح، وقيده شمس الأئمة الخ: أي قيد قوله بأمره، وهذا التقييد ظاهر إذ لا خفاء أن أمر المكره غير معتبر. فرع: في مجموع النوازل: جماعة طمع الوالي أن يأخذ منهم شيئا بغير حق فاختفى بعضهم وظفر الوالي ببعضهم فقال المختفون لهم لا تطلعوه علينا وما أصابكم فهو علينا بالحصص، فلو أخذ منهم شيئا فلهم الرجوع، قال هذا مستقيم على قول من جوز ضمان الجباية، وعلى قول عامة المشايخ لا يصح. فتح. قوله: (لم يعتبر لما أمره بالرجوع) الأصوب في الرجوع كما هو في البحر وغيره عن العناية للأكمل. فالباء بمعنى في متعلقة بيعتبر لا بأمره، ليس المراد أنه أمره بالرجوع عليه بل أمره بقضاء النائبة وإن لم يشترط الرجوع، وحينئذ فالمعنى أنه إذا كان مكرها بالامر بالقضاء لم يعتبر
467 أمره في حق الرجوع لفساد الامر بالاكراه فلا رجوع للمأمور عليه. قوله: (بلا شرط) أي بلا شرط الرجوع. قوله: (على الصحيح) مخالف لما قدمه في النفقات من أن الصحيح عدم الرجوع، وبه يفتى، ففيه اختلاف التصحيح كما ذكرناه آنفا. قوله: (على هامشها) أي هامش البزازية وفي القاموس: الهامش حاشية الكتاب. مولد. تتمة: من أصحابنا من قال: الأفضل أن يساوي أهل محلته في إعطاء النائبة. قال القاضي: هذا كان في زمانهم لأنه على إعانة على الحاجة والجهاد، أما في زماننا فأكثر النوائب تؤخذ ظلما، ومن تمكن من دفع الظلم عن نفسه فهو خير له. نهر. وتمامه في الفتح. ونقل في القنية أن الأولى الامتناع إن لم يحمل حصته على الباقين، وإلا فالأولى عدمه. ثم قال: وفيه إشكال لان الاعطاء إعانة للظالم على ظلمه. قوله: (أي النصيب من النائبة) أي حصة الشخص منها إذا قسمها الامام. فتح قوله (وقيل هي النائبة الموظفة) والمراد بالنوائب ما هو منها غير راتب فتغايرا فتح قوله: (وقيل غير ذلك) قال في النهر: وقيل هو أن يقسم ثم يمنع أحد الشريكين قسم صاحب. وقال الهندواني: هي أن يمتنع أحد الشريكين من القسمة فيضمنه إنسان ليقوم مقامه فيها. قوله: (فإنه أمن) بقصر الهمزة على تقدير مضاف: أي ذو أمن أو يمدها على صورة اسم الفاعل بمعنى المفعول كساحل بمعنى مسحول أو بمعنى آمن سالكه مثل نهاره صائم، وعلى الوجهين عيشة راضية. قوله: (لم يضمن) مثله كل هذا الطعام فإنه ليس بمسموم فأكله فمات لا ضمان عليه، وكذا لو أخبره رجل أنها حرة فتزوجها ثم ظهرت مملوكة فلا رجوع بقيمة الولد على المخبر. أشباه ط. قوله: (والمسألة بحالها) أي فسلكه وأخذ ماله ط. قوله: (ضمن) أما لو قال له إن أكل ابنك سبع أو أتلف مالك سبع فأنا ضامن لا يصح. هندية. لما تقدم من أن السبع لا يكفل وإن فعله جبار ط. قوله: (هذا وارد الخ) أقول: صحة الضمان لا من حيث صحة الكفالة حتى يرد ما ذكر، بل من حيث إنه غره لان الغرور يوجب الرجوع إذا كان بالشرط أبو السعود. ط. ولذا أعقبه الشارح بذكر الأصل، لكن يأتي أن ضمان الغرر في الحقيقة هو ضمان الكفالة. ثم اعلم أن المصنف في ذكر هذه المسألة صاحب الدرر عن العمادية، وعزاها البيري إلى الذخيرة بزيادة أن المكفول عنه مجهول، ومع هذا جوزوا الضمان ا ه. لكن قال في الثالث والثلاثين من جامع الفصولين برمز المحيط: ما ذكر من الجواب مخالف لقول القدوري: من قال لغيره من غصبك من الناس أو من بايعت من الناس فأنا ضامن لذلك فهو باطل ا ه. وأجاب في نور العين بأن عدم الضمان في مسألة القدوري لعدم التغرير فظهر الفرق.
468 قلت: لكن في البزازية: وذكر القاضي بايع فلانا على أن ما أصابك من خسران فعلي أو قال لرجل إن هلك عينك هذا فأنا ضامن لم يصح ا ه. إلا أن يجاب بأن قوله: بايع فلانا لا تغرير فيه لعدم العلم بحصول الخسران في المبايعة معه، ولان الخسران يحصل بسبب جهل المأمور بأمر البيع والشراء، بخلاف قوله: اسلك هذا الطريق والحال أنه مخوف فإن الطريق المخوف يؤخذ فيه المال غالبا ولا صنع فيه للمأمور، فقد تحقق فيه التغرير، فإذا ضمنه الآمر نصا رجع عليه، ولعلهم أجازوا الضمان فيه مع جهل المكفول عنه زجرا عن هذا الفعل كما في تضمين الساعي، والله سبحانه أعلم. قوله: (في ضمن المعاوضة) فيرجع على البائع بقيمة الولد إذا استحقت بعد الاستيلاد، وبقيمة البناء بعد أن يسلم البناء إليه، واحترز عما إذا كان في ضمن عقد التبرع كالهبة والصدقة. قوله: (أو ضمن الغار صفة السلامة للمغرور نصا) أي كمسألة المتن الثانية فإنه نص فيها على الضمان، بخلاف الأولى وتمام عبارة الدرر: حتى لو قال الطحان لصاحب الحنطة اجعل الحنطة في الدلو فذهب من ثقبه ما كان فيه إلى الماء والطحان كان عالما به يضمن، لأنه صار غارا في ضمن العقد، بخلاف المسألة الأولى لان ثمة ما ضمن السلامة بحكم العقد وهنا العقد يقتضي السلامة، كذا في العمادية ا ه. وأراد بالأولى قوله: اسلك هذا الطريق فإنه أمن، ويظهر من التعليل أن قوله: حتى لو قال الخ تفريع على الأصل الأول، وقوله: إن كان عالما به أي بثقب الولد يشكل عليه مسألة الاستحقاق. قوله: (وتمامه في الأشباه) ذكرناه في آخر باب المرابحة وتكلمنا عليه هناك فراجعه. قوله: (هو ضمان الكفالة) أما في الأصل الثاني فهو ظاهر، لان شرطه أن يذكر الضمان نصا، وأما في الأول فلان عقد المعاوضة يقتضي السلامة، فكأنه بسبب أخذ العوض ضمن له سلامة المعوض. قوله: (لو كفالته حالة) ينبغي أن يجري فيه ما سيذكره الشارح آخر الباب عن المحيط. قوله: (ليخلصه بأداء أو إبراء) أي بأن يؤدي المال إليه أو إلى الطالب أو بأن يتكلم مع الطالب ليبرئ الكفيل. قوله: (يرده إليه) في بعض النسخ برده بالباء الموحدة وهي أحسن فهو متعلق بيخلصه: أي برد نفسه وتسليمها إلى الطالب. قوله: (أي ولو بأمره) لان الكفيل بلا أمر متبرع ليس له مطالبة الأصيل بمال ولا نفس، حتى إنه لا يأثم بالامتناع من تسليم نفسه معه كما مر سابقا. قوله: (من قام عن غيره بواجب بأمره الخ) الظاهر أن المراد بالواجب اللازم شرعا أو عادة ليصح استثناء التعويض عن الهبة ونفس الهبة، إلا أن يكون لفظ إلا بمعنى لكن، وقوله: بأمره متعلق بقام. قوله: (أمره بتعويض عن هبته) أي أمر الموهوب له رجلا أن يعوض الواهب عن هبته. قوله: (وبإطعام الخ) وكذا لو قال أحجج عني رجلا أو أعتق عني عبدا عن ظهاري خانية
469 فالمراد الواجب الأخروي. قوله: (وبأن يهب فلانا) فلو قال هب لفلان عني ألفا تكون من الآمر ولا رجوع للمأمور عليه ولا على القابض وللآمر الرجوع فيها والدافع متطوع، ولو قال على أني ضامن ضمن للمأمور وللآمر الرجوع فيها دون الدافع. خانية. قوله: (في كل موضع الخ) فالمشتري أو الغاصب إذا أمر رجلا بأن يدفع الثمن أو بدل الغصب إلى البائع أو المالك كان المدفوع إليه مالكا للمدفوع بمقابلة مال هو المبيع أو المغصوب، وظاهره أن الهبة لو كانت بشرط العوض فأمره بالتعويض عنها يرجع بلا شرط لوجود الملك بمقابلة مال، بخلاف ما لو أمره بالاطعام عن كفارته أو بالاحجاج عنه ونحوه فإنه ليس بمقابلة مال فلا رجوع للمأمور على الآمر إلا بشرط الرجوع، ويرد عليه الامر بالانفاق عليه، فإنه قدم أنه يرجع بلا شرط مع أنه ليس بمقابلة ملك مال، وكذا الامر بأداء النوائب وبتلخيص الأسير على ما مر. هذا، وسيذكر المصنف في باب الرجوع عن الهبة أصلا آخر، وهو كل ما يطالب به بالحبس والملازمة، فالامر بأدائه يثبت الرجوع، وإلا فلا إلا بشرط الضمان، ويرد عليه أيضا الامر بالانفاق، وانظر ما حررناه في تنقيح الحامدية. قوله: (الكفيل للمختلعة الخ) صورته: خالعت زوجها على مهرها مثلا ولها عليه دين فكلفه به لها رجل ثم جددا عقد النكاح بينهما لا يبرأ الكفيل لعدم ما يسقط ما ثبت عليه بالكفالة أفاده ط. قوله: (ثوب الخ) تابع صاحب الملتقط في ذكر هذه الفروع في الكفالة لمناسبة الضمان، وإلا فمحلها الوديعة أو الإجارات. قوله: (لا ضمان عليه) هذا لو ضاع منه، أما لو قال لا أدري في أي حانوت وضعته ضمن نقله بعض المحشين عن الخانية. وذكر الشارح نحوه آخر الوديعة. قوله: (واتفقا على الثمن) أي قبل العقد فيكون مقبوضا على سوم الشراء. قوله: (ضمن الدلال بالاتفاق) أقول: هذا إذا وضعه أمانة عند صاحب الدكان، أما لو وضعه عنده ليشتريه ففيه خلاف مذكور في الثالث والثلاثين من جامع الفصولين، فقيل يضمن لأنه مودع وليس للمودع أن يودع، وقيل لا يضمن في الصحيح لأنه أمر لا بد منه في البيع، وبه جزم في الوهبانية كما نقله الشارح عنها آخر الإجارات. قوله: (برئ) لأنه كغاصب الغاصب إذا رد على الغاصب يبرأ، وإنما يبرأ لو أثبت رده بحجة جامع الفصولين. قوله: (لأنه يصير عاملا لنفسه) إذ ولاية القبض له والضامن يعمل لغيره ط. فلو أن وكيل البيع ضمن الثمن لموكله وأدى يرجع، ولو أدى بلا ضمان لا يرجع كما
470 في الفصولين وقد مر. قوله: (إلا لعمال بيت المال) أي إذا كان يرده لبيت المال أو على أربابه إن علموا كما ذكره في آخر العبارة. قوله: (رواه الحاكم وغيره) أخرج في الدر المنثور في سورة يوسف في قوله تعالى: * (اجعلني على خزائن الأرض) * (يوسف: 55) قال: أخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة قال: استعملني عمر على البحرين ثم نزعني وغرمني اثني عشر ألفا، ثم دعاني بعد إلى العمل فأبيت، فقال لم؟ وقد سأل يوسف العمل وكان خيرا منك، فقلت: إن يوسف عليه السلام نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا ابن أمية وأخاف أن أقول بغير علم وأفتي بغير علم وأن يضرب ظهري ويشتم عرضي ويؤخذ مالي ا ه بحر. قلت: ولعل مذهبه أن هدية العمال جائزة، بخلاف مذهب عمر رضي الله تعالى عنه، فلذا غرمه. قوله: (ويلحق بهم الخ) قال السيد الحموي: هذا مما يعلم ويكتم، ولا تجوز الفتوى به لأنه يكون ذريعة إلى ما لا يجوز، وذلك لان حكام زماننا لو أفتوا بهذا وصادروا من ذكر لا يردون الأموال إلى الأوقاف وإن علمت أعيانها ولا لبيت المال بل يصرفونها فيما لا يليق ذكره، فليكن هذا على ذكر منك ا ه. قلت: والفاعل لهذا عمر وأين عمر ط. قوله: (وفي التلخيص الخ) قدمنا عند قوله: ولو أبرأ الأصيل أو أخر عنه برئ الكفيل ولا ينعكس أن هذا مخالف لما في كل الكتب، ولا يجوز العمل به بل يتأخر عن الكفيل فقط دون الأصيل. قوله: (وقدمنا) أي قبيل فصل القرض، وذكرنا هناك أيضا ما فيه كفاية. قوله: (وسيجئ) أي في فصل الحبس من كتاب الفضاء. قوله: (وليس للدائن منعه الخ) وكذا ليس له أن يطالبه بإعطاء الكفيل وإن قرب حلول الأجل كما في الأقضية. وذكر في المنتقى: يطالبه بإعطاء الكفيل وإن كان الدين مؤجلا، وتمامه في التاسع والعشرين من نور العين. وفصل في القنية بأنه إن عرف المديون بالمطل والتسويف يأخذ الكفيل وإلا فلا ا ه. فالأقوال ثلاثة. قوله: (واستحسن الخ) وفي الظهيرية: قالت زوجي يريد أن يغيب فخذ بالنفقة كفيلا لا يجيبها الحاكم إلى ذلك لأنها لم تجب بعد، واستحسن الإمام الثاني أخذ الكفيل رفقا بها، وعليه الفتوى. ويجعل كأنه كفل بما ذاب لها عليه ا ه. بحر. عند قوله وتصح بالنفس وإن تعددت. قال في النهر وظاهره يفيد أنه يكون كفيلا بنفقتها عند الثاني ما دام غائبا، ووقع في كثير من
471 العبارات أنه استحسن أخذ الكفيل بنفقة شهر. وقد قال كما في المجمع: لو كفل لها بنفقة كل شهر لزمته ما دام النكاح بينهما عند أبي يوسف، وقالا: يلزمه نفقة شهر ا ه. وقدم الشارح نحو هذا عن الخانية عند قول المصنف وبما بايعت فلانا فعلي لكن هذا فيما لو كفل بلا إجبار. والظاهر أن ما وقع في كثير من العبارات فيما إذا أراد القاضي إجباره على إعطاء كفيل. نعم في نور العين عن الخلاصة: لو علم القاضي أن الزوج يمكث في السفر أكثر من شهر يأخذ الكفيل بأكثر من شهر عند أبي يوسف ا ه. قوله: (وقاس عليه الخ) في البحر عن المحيط بعدما مر عن أبي يوسف: لو أفتى بقوله الثاني في سائر الديون بأخذ الكفيل كان حسنا رفقا بالناس ا ه. قال: وفي شرح المنظومة لابن الشحنة: هذا ترجيح من صاحب المحيط ا ه. ومثله في النهر قوله: (لكنه مع الفارق) عبارة الشرنبلالي في شرحه: لكن الفرق ظاهر بين نفقة المرأة التي يؤدي تركها إلى هلاكها وبين دين الغريم الذي ليس كذلك ا ه. قلت: ورأيت بخط شيخ مشايخنا التركماني، وتعليل الرفق من صاحب المحيط والصدر الشهيد يفيد أنه لا فرق بين نفقة المرأة وبين دين الغريم، وأي رفق في أن يقال لصاحب الدين سافر معه إلى أن يحل الاجل، إذ ربما يصرف في السفر أكثر من دينه، فلو أفتى بقول صاحب المحيط وحسام الدين الشهيد والمنتقى والمحبية كان حسنا وفيه حفظ لحقوق العباد من الضياع والتلف خصوصا في هذا الزمان ا ه. ونحوه في مجموعة السائحاني، وإليه يميل كلام الشارح بقرينة الاستدراك عليه وفي البيري عن خزانة الفتاوى: يأخذ كفيلا أو رهنا بحقه، وإن كان ظاهر المذهب عدمه، لكن المصلحة في هذا لما ظهر من التعنت والجور في الناس ا ه. ثم رأيت المفتي أبا السعود أفتى به في معروضاته. قوله: (لو حبس المديون الخ) تقدم هذا في قول المتن وإذا حبسه له حبسه وتقدم بيان شروطه، وقوله: حبس بالنصب لأنه تنازع فيه جاز وأراد وأعمل الثاني وأضمر للأول مرفوعه، ولو أعمل الأول لوجب أن يقال وأراده بإبراز الضمير، فافهم. قوله: (ثم الكفيل الخ) تقدم هذا أيضا عند قول المصنف وإذا حل على الكفيل بموته لا يحل على الأصيل. قوله: (من قبل ما التأجيل تم) ما مصدرية. والتأجيل فاعل لفعل محذوف دل عليه المذكور وهو تم فافهم، والله سبحانه أعلم.
472 باب كفالة الرجلين شروع فيما هو كالمركب بعد الفراغ من المفرد ط. قوله: (بأن اشتريا منه عبدا بمائة) أشار إلى استواء الدينين صفة وسببا، فلو اختلفا صفة بأن كان ما عليه: أي ما على المؤدي مؤجلا وما على صاحبه حالا، فإذا أدى صح تعيينه عن شريكه ورجع به عليه، وعلى عكسه لا يرجع، لان الكفيل إذا عجل دينا مؤجلا ليس له الرجوع على الأصيل قبل الحلول، ولو اختلف سببهما نحو أن يكون ما على أحدهما فرضا وما على الآخر ثمن مبيع فإنه يصح تعيين المؤدي، لأن النية في الجنسين المختلفين معتبرة، وفي الجنس الواحد لغو. بحر عن الفتح. قوله: (وكفل كل عن صاحبه) فلو كفل أحدهما عن صاحبه دون الآخر وأدى الكفيل فجعله عن صاحبه فإنه يصدق. بحر. قوله: بأمره وإلا فلا رجوع بشئ أصلا قوله: (زائدا على النصف) المراد أن يكون زائدا على ما عليه ولو كان دون النصف أو أكثر ط. قوله: (لرجحان جهة الأصالة على النيابة) لان الأول دين عليه، والثاني مطالبة بلا دين. ثم هو تابع فوجب صرف المؤدي إلى الأقوى حتى على القول بجعل الدين على الكفيل مع المطالبة فإن ما عليه بالأصالة أقوى، فإن من اشترى في مرض موته شيئا كان من كل المال ولو مديونا، ولو كفل كان من الثلث إلا إذا كان مديونا فلا يجوز، أفاده في الفتح. قوله: (لأدى إلى الدور) لان لو جعل شئ من المؤدى عن صاحبه فلصاحبه أن يقول: أداؤك كأدائي، فإن جعلت شيئا من المؤدى عني ورجعت علي بذلك فلي أن أجعل المؤدى عنك كما لو أديت بنفسي فيفضي إلى الدور. كذا في الكفاية. وذكر في الفتح أنه ليس المراد حقيقة الدور، فإنه توقف الشئ على ما توقف عليه، بل اللازم في الحقيقة التسلسل في الرجوعات بينهما فيمتنع الرجوع إلى المؤدي إليه، وتمامه فيه قوله: (كل واحد منهما بجميعه منفردا) قيد بقوله: بجميعه للاحتراز عما لو تكفل كل واحد منهما بالنصف ثم تكفل كل عن صاحبه، فهي كالمسألة الأولى في الصحيح فلا يرجع حتى يزيد على النصف، وبقوله: منفردا وهو حال من كل للاحتراز عما لو تكفلا عن الأصيل بجميع الدين معا ثم تكفل كل واحد منهما عن صاحبه فهو كذلك، لان الدين ينقسم عليهما نصفين فلا يكون كفيلا عن الأصيل بالجميع كما في البحر وفي نور العين عن النهاية عن الشافي: ثلاثة كفلوا بألف يطالب كل واحد بثلث الألف، وإن كفلوا على التعاقب يطالب كل واحد بالألف، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي والمرغيناني والتمرتاشي ا ه. قوله: (ثم كفل كل من الكفيلين عن صاحبه) قيد به، لأنه بدون ذلك لا رجوع لأحدهما على الآخر. وفي الهندية عن المحيط: كفل ثلاثة عن رجل بألف فأدى أحدهم برئوا جميعا ولا يرجع على صاحبيه بشئ، ولو كان كل واحد كفيلا عن صاحبه رجع المؤدي عليهما بالثلثين ولصاحب المال أن يطالب كل واحد منهم بالألف، هذا إذا ظفر: أي المؤدي بالكفيلين، فإن ظفر بأحدهما رجع عليه بالنصف ثم رجعا على الثالث بالثلث ثم رجعوا جميعا على الأصيل بالألف، وإن ظفر بالأصيل
473 قبل أن يظفر بصاحبه رجع عليه بجميع الألف ا ه. قوله: (بالجميع) احتراز عما لو تكفل كل عن الأصيل بالجميع متعاقبا ثم كفل كل واحد منهما عن صاحبه بالنصف فإنه كالأولى كما في البحر قوله: (وبهذه القيود) أي كون كفالة كل منهما عن الأصيل بالجميع وكونها على التعاقب وكون كفالة كل واحد منهما عن صاحبه بالجميع أيضا. قوله: (خالفت الأولى) أي في الحكم، وإلا فالموضوع مختلف، فإن أصل الدين في الأولى عليهما لآخر، وفي الثانية على غيرهما وقد كفلا به. قوله: (رجع بنصفه على شريكه) أي ثم يرجعان على الأصيل لأنهما أديا عنه أحدهما بنفسه والآخر بنائبه. بحر. قوله: (لكون الكل كفالة هنا) أي ما عن نفسه وما عن الكفيل الآخر، فلا ترجيح للبعض على البعض ليقع النصف الأول عن نفسه خاصة، بخلاف ما تقدم، وتمامه في الفتح. قوله: (أخذ الآخر) ضبطه في النهر بالمد وهو غير متعين ففي المصباح: أخذه الله أهلكه، وأخذه بذنبه عاقبة عليه، وآخذ بالمد مؤاخذة كذلك ا ه. قوله: (بكله) لان إبراء الكفيل لا يوجب إبراء الأصيل الثاني كفيل عنه بكله فيأخذه بكفله نهر. قوله: (ولو افترق المفاوضان) قيد بالمفاوضين، لان شريكي العنان لو افترقا وثمة دين لم يأخذ الغريم أحدهما إلا بما يخصه. نهر. قوله: (أخذ الغريم) يطلق الغريم على من له الدين ومن عليه كما في ط عن الدستور. قوله: (لتضمنها الكفالة) ولا تبطل بالافتراق ط عن الإتقاني. قوله: (كما مر) أي في كتاب الشركة. قوله: (لما مر) أي في المسألة الأولى من أنه أصيل في النصف وكفيل في الآخر، فما أدى يصرف إلى ما عليه. بحق الأصالة، فإن زاد على النصف كان الزائد عن الكفالة فيرجع. نهر. قوله: (كتابة واحدة) بأن قال كاتبتكما على ألف إلى سنة، قيد بالواحدة لأنه لو كانت كلا على حدة فكفل كل منهما عن صاحبه ببدل الكتابة للمولى لا يصح قياسا واستحسانا ا ه. كفاية. قوله: (صح استحسانا) والقياس أن لا يصح، لأنه شرط فيه كفالة المكاتب والكفالة ببدل الكتابة وكل ذلك باطل فيكون شرطها في الكتابة مفسدا. وجه الاستحسان أن هذا عقد يحتمل الصحة بأن يجعل كل واحد في حق المولى كأن المال كله عليه وعتق الآخر معلقا بأدائه فيطالب كل منهما بجميع المال بحكم الأصالة لا بحكم الكفالة، وفي الحقيقة المال مقابل بهما حتى يكون منقسما عليهما، ولكنا قدرنا المال على كل واحد منهما تصحيحا للكتابة وفيما وراء ذلك العبرة للحقيقة. كفاية. قوله: (المعتق) مبني للمجهول والآخر معطوف عليه منصوبان على البدلية من أيا شاء أو مرفوعان بفعل محذوف دل عليه المذكور، أو على الابتداء والخبر محذوف: أي مؤاخذ. قوله: (لكفالته)
474 أي يرجع بما أداه عنه من بدل الكتابة لكفالته بأمره، وجازت الكفالة ببدل الكتابة هنا لأنها في حالة البقاء وفي الابتداء كان كل المال عليه. نهر قوله: (لم يظهر حق مولاه الخ) أفاد أن حكم ما يظهر وهو ما يؤاخذ به للحال كذلك بالأولى كدين الاستهلاك عيانا وما لزمه بالتجارة بإذن المولى، وجعله الزيلعي قيدا احترازيا وهو سهو. بحر. قوله: (لزمه بإقراره) أي وكذبه المولى. بحر. قوله: (أو استقراض) أي أو بيع وهو محجور عليه. بحر. قوله: (لحلوله على العبد) لوجود السبب وقبول الذمة. بحر قوله: (وعدم مطالبته لعسرته) إذ جميع ما في يده ملك المولى ولم يرض بتعلق الدين به. فتح قوله: (والكفيل غير معسر) فالمانع الذي تحقق في الأصيل منتف عن الكفيل مع وجود المقتضي وهو الكفالة المطلقة بمال غير مؤجل فيطالب به في الحال، كما لو كفل عن مفلس أو غائب يلزمه في الحال مع أن الأصيل لا يلزمه، وتمامه في الفتح. قوله: (ويرجع بعد عتقه) لان الطالب لا يرجع عليه إلا بعد العتق، فكذا الكفيل لقيامه مقامه بحر، وقوله: لو بأمره أي لو كانت الكفالة بأمر العبد. وبقي ما لو كفل بدين الاستهلاك المعاين: قال في الفتح: ينبغي أن يرجع قبل العتق إذا أدى لأنه دين غير مؤخر إلى العتق فيطالب السيد بتسليمه رقبته أو القضاء عنه، وبحث أهل الدرس هل المعتبر في هذا الرجوع الامر بالكفالة من العبد أو السيد؟ وقوى عندي الثاني لان الرجوع في الحقيقة على السيد ا ه. قال في النهر: ورأيت مقيدا عندي أن ما قوي عنده هو المذكور في البدائع. قال ط. فلو كانت بأمر العبد لا يرجع عليه إلا بعد العتق. فالحاصل: أن ضمان العبد فيما لا يؤاخذ به حالا صحيح، والرجوع عليه بعد العتق: إن كان بأمره وضمانه فيما يؤاخذ به حالا إن كان بأمر السيد صح ورجع به حالا عليه، وإن كان بأمر العبد صح ورجع به عليه بعد العتق، كذا يؤخذ من كلامهم ا ه. قوله: (كما مر) أي عند قول المتن ولا ينعكس من قوله: نعم لو تكفل بالحال مؤجلا تأجل عنهما الخ. قوله: (فمات العبد) بأن ثبت موته ببرهان ذي اليد أو بتصديق المدعي فلو لم يكن ثمة برهان ولا تصديق لم يقبل قول ذي اليد أنه مات بل يحبس هو والكفيل، فإن طال الحبس ضمن القيمة، وكذا الوديعة المجحودة نهر عن النهاية. قوله: (فبرهن المدعي) قيد بالبرهان، لأنه لو ثبت ملكه بإقرار ذي اليد أو بنكوله لم يضمن شيئا. نهر. قوله: (لجوازها بالأعيان المضمونة) أي بنفسها وفيها يجب على ذي اليد رد العين، فإن هلكت وجب رد القيمة. قوله: (ولو ادعى على عبد مالا) أي معلوم القدر، بأن قال أخذ مني كذا بالغصب أو استهلكه ط. قوله: (برئ الكفيل) أي كل لو كان المكفول بنفسه حرا.
475 قال في النهر: واعلم أن هاتين المسألتين مكررتان، أما الأولى فلإستفادتها من قوله فيما مر ومغصوب، وأما الثانية فلما قدمه من أن الكفالة بالنفس تبطل بموت المطلوب اه. قال قي البحر: لكن ذكر الثانية هنا ليبين الفرق بينها وبين الأولى، وهو ظاهر لان المكفول به في الأولى رقبة العبد وهي مال، وهي لا تبطل بهلاك المال بخلاف الثانية قوله: (ولو كفل عبد غير مديون مستغرق الخ) بجر مستغرق بكسر الراء على أنه صفة لمديون، ونسبه الاستغراق إليه مجاز لان الدين استغرقه: أي استغرق رقبته ومات في يده أو بفتح الراء، وقيد به لأنه لو كان عليهن دين مستغرق لم تلزمه الكفالة في رقه فإذا عتق لزمته، كذا في كافي الحاكم أي لان حق الغرماء مقدم وحقهم في قيمة رقبته يبيعونه بدينهم إن لم يفده سيده وبعد العتق صار الحق في ذمته. وأما إذا كان دينه غير مستغرق فالظاهر أنه يقدم دين الغرماء والباقي للكفالة كما لو كفل عن غير سيده. قال في الكافي: وكفالة العبد والمدبر وأم الولد عن غير السيد بنفس أو مال بلا إذن السيد باطلة حتى يعتق، فإذا عتق تلزمه، وإن أذن سيده جازت إن لم يكن عليه دين ويباع في دين الكفالة وإن كان عليهن دين بدئ بدينه قبل دين الكفالة ويسعى المدبر وأم الولد في الدين اه. قوله (لان الحق له) أي إذا لم يكن على العبد دين يكون الحق في ماليته لمولاه فصح إذنه له في كفالته قوله (فإذا عتق فأداه) نص على المتوهم، فإنه إذا أداه حال رقهن لا يرجع بالأولى ط قوله (بأمره) أي بأمر العبد، وهذا زاده في النهر، وقال: هذا القيد لا بد منهن اه. ثم رأيته مذكورا في شرح الجامع لقاضيخان، ولا يخفى أنه إذا لم يرجع مع الامر، فعدم الرجوع بدونه بالأولى، ولعل فائدته أنه محل الخلاف الآني قوله (لانعقادها غير موجبة للرجوع الخ) جواب عن قول زفر بالرجوع لتحقق الموجب له وهو الكافة بالامر، والمانع هو الرق وقد مال كما في الهداية قوله (بعد ذلك) أي بعد انعقادها غير موجبة للرجوع قوله (كما لو كفل الخ) من تتمة الجواب، وهذه المسألة تقدمت عند قول المصنف في باب الكفالة ولو كفل بأمره رجع عليه بما أدى الخ قوله (لما قلناه) أي من قوله لانعقادها غير موجبة الخ قوله (من سائر أمواله) بخلاف ما إذا لم يكفل فإنه لا يلزمه عينا إلا أن يسلمه ليباع، وقد لا يفي ثمنه بالدين فلا يصل الغرماء إلى تمام الدين وبالكفالة يصلون فتح قوله (برقبته) أي فيثبت لهن بيعه إن لم يفده المولى ولذا اشترط أن يكون مديونا كما مر وبدون الكفالة ليس لهم ذلك قوله (برقبته) أي فيثبت لهم بيعه إن لم يفده المولى ولذا اشترط أن لا يكون مديونا كما مر وبدون الكفالة ليس لهم ذلك قوله (وهذا) أي قوله فائدة كفالة المولى الخ قوله (في شرحه) وأثبته شرحا وهو موجود فيما من رأيته من نسخ المتن المجردة ط، والله سبحانه أعلم.
476 كتاب الحوالة كل من الحوالة والكفالة عقد التزام ما على الأصيل للتوثق، إلا أن الحوالة تتضمن إبراء الأصيل إبراء مقيدا كما سيجئ، فكانت كالمركب مع المفرد، والثاني مقدم فلزم تأخير الحوالة. نهر. قوله: (هي لغة النقل) أي مطلقا لدين أو عين، وهي اسم من الإحالة، ومنه يقال: أحلت زيدا على عمرو، فاحتال: أي قبل. وفي المغرب: تركيب الحوالة يدل على الزوال والنقل ومنه التحويل، وهو نقل الشئ من محل إلى محل، وتمامه في الفتح. قوله: (وشرعا نقل الدين الخ) أي مع المطالبة، وقيل: نقل المطالبة فقط، ونسب الزيلعي الأول إلى أبي يوسف والثاني إلى محمد. وجه الأول دلالة الاجماع، على أن المحتال لو أبرأ المحال عليه من الدين أو وهبه منه صح، ولو أبرأ المحيل أو وهبه لم يصح، وحكي في المجمع خلاف محمد في الثانية، ووجه الثاني دلالة الاجماع أيضا، على أن المحيل إذا قضى دين الطالب قبل أن يؤدي المحتال عليه لا يكون متطوعا، ويجبر على القبول، وكذا المحتال لو أبرأ المحال عليه عن دين الحوالة لا يرتد بالرد، ولو وهبه منه ارتد، كما لو أبرأ الطالب الكفيل أو وهبه، ولو انتقل الدين إلى ذمته لما اختلف حكم الابراء والهبة، وكذا المحال لو أبرأ المحال عليه لم يرجع على المحيل، وإن كانت بأمره كالكفالة، ولو وهبه رجع إن لم يكن للمحيل عليه دين، وتمامه في البحر. وظاهره اتفاق القولين على هذه المسائل، ثم ذكر ما يفيد اتفاق القولين أيضا على عود الدين بالتوى، وعلى جبر المحال على قبول الدين من المحيل وعلى قسمة الدين بين غرماء المحيل بعد موته قبل قبض المحتال، وعلى أن إبراء المحال المحال عليه لا يرتد بالرد، وعلى أن توكيل المحال المحيل بالقبض من المحال عليه غير صحيح، وعلى أن المحتال لو وهب الدين للمحال عليه كان للمحال عليه أن يرجع على المحيل، وعلى أنها تفسخ بالفسخ وعلى عدم سقوط حق حبس المبيع فيما إذا أحاله المشتري، وكذلك لو كان عند المحتال رهن للمحيل لا يسقط حق حبسه، بخلاف ما إذا كان المحيل هو البائع على المشتري أو المرتهن على الراهن، فإنه يبطل حبس المبيع والرهن لسقوط المطالبة مع أن هذه المسائل تباين كونها نقلا للدين، ولكن اعتبرت الحوالة تأجيلا إلى التوى في بعض الأحكام وجعل النقل للمطالبة وفي بعضها اعتبرت إبراء وجعل النقل للدين أيضا، وتمام التوجيه في البحر. وفي الحامدية عن فتاوي قارئ الهداية: إذا أحال الطالب إنسانا على مديونه وبالدين كفيل برئ المديون من دين المحيل وبرئ كفيله، ويطالب المحتال الأصيل لا الكفيل، لأنه لا يضمن له شيئا لكنها براءة موقوفة، وكذا إذا أحال المرتهن بدينه على الراهن بطل حقه في حبس الرهن ولا يكون رهنا عند المحتال ا ه. وفي هذه المسألة المرتهن هو المحيل وفيما مر هو المحتال، وعلمت وجه الفرق بينهما، ويأتي أيضا ومسألة الكفالة في البزازية وفيها: لو أحال الكفيل الطالب بالمال على رجل برئ الأصيل والكفيل، إلا أن يشترط الطالب براءة الكفيل فقط فلا يبرأ الأصيل. قوله: (والدائن محتال ومحتال له الخ) يعني يطلق عليه هذه الألفاظ الأربعة في الاصطلاح. درر. وظاهره أن اللغة بخلافه، ولذا قال في المعراج: قولهم للمحتال له لغو، لأنه لا حاجة إلى هذه الصلة زاد في الفتح بل الصلة مع المحال عليه لفظة عليه فهما محتال ومحتال عليه، فالفرق بينهما بعدم الصلة وبصلة عليه ا ه.
477 قلت: ويمكن تصحيح كلامهم، وذلك أن الحوالة لغة بمعنى النقل مطلقا كما مر، فالمديون يدفع الطالب عن نفسه ويسلطه على غريمه، وفي الاصطلاح نقل الدين وهو من أفراد المعنى اللغوي أيضا، فعلى الأول يقال: محتال لا غير وعلى الثاني محتال له لا غير، لان المحيل بمعنى الناقل، والمحال عليه بمعنى المنقول عليه الدين، والدين منقول والطالب محال له: أي منقول لأجله، ولو قيل محال بمعنى منقول لم يصح، لان المنقول هو الدين على هذا الوجه، بخلافه على الأول فإن المنقول هو ذات الطالب، وبهذا ظهر أن قولهم محتال ومحتال له مبني على اختلاف المراد في المنقول هل هو ذات الطالب أو دينه، فافهم، نعم يصح على الثاني أن يقال فيه محتال بطريق المجاز: أي محتال دينه، وبه ظهر أنه لا لغو في كلامهم، فاغتنم هذا التقرير. قوله: (ويزاد خامس وهو حويل) عبارة الفتح: ويقال للمحتال حويل أيضا، فما ذكره الشارح نقل لعبارة الفتح بالمعنى، فافهم. ونقل في البحر عبارة عن تلخيص الجامع فيها إطلاق الحويل على المحال عليه. قال الرملي: فلعله يطلق عليهما. قوله: (فالفرق بالصلة) أي باختلافها وهي اللام في الأول، وعلى في الثاني، وهذا على وجودها في الأول وقد علمت وجه صحته، وأما على حذفها المفاد بقوله: وقد تحذف فالمراد أن الفرق بالصلة وجودا وعدما كما مر عن الفتح، فافهم. قوله: (والحوالة شرط لصحتها الخ) قال في النهر: وشرط صحتها في المحيل العقل، فلا تصح حوالة مجنون وصبي لا يعقل والرضا، فلا تصح حوالة المكره، وأما البلوغ فشرط للنفاذ، فصحة حوالة الصبي العاقل موقوفة على إجازة وليه وليس منها الحرية، فتصح حوالة العبد مطلقا، غير أن المأذون يطالب للحال والمحجور بعد العتق ولا الصحة فتصح من المريض. وفي المحتال العقل والرضا، وأما البلوغ فشرط النفاذ أيضا، فانعقد احتيال الصبي موقوفا على إجازة وليه إن كان الثاني أملا من الأول كإحتيال الوصي بمال اليتيم. ومن شرط صحتها المجلس قال في الخانية: والشرط حضرة المحتال فقط حتى لا تصح في غيبته إلا أن يقبل عنه آخر، وأما غيبة المحتال عليه فلا تمنع، حتى لو أحال عليه فبلغه فأجاز صح، وهكذا في البزازية، ولا بد في قبولها من الرضا، فلو أكره على قبولها لم تصح، وفي المحال به أن يكون دينا لازما فلا تصح ببدل الكتابة كالكفالة ا ه. قوله: (رضا الكل) أم رضا الأول فلان ذوي المروءات قد يأنفون تحمل غيرهم ما عليهم من الدين، فلا بد من رضاه، وأما رضا المحتال فلان فيها انتقال حقه إلى ذمة أخرى والذمم متفاوتة، وأما رضا الثالث وهو المحتال عليه فلأنها إلزام الدين ولا لزوم بلا التزام. درر. قلت: نقل السائحاني عن لقطة البحر: إذا استدانت الزوجة النفقة بأمر القاضي لها أن تحيل على الزوج بلا رضاه. قوله: (فلا يشترط على المختار) هو رواية الزيادات قال فيها: لان التزام الدين من المحتال عليه تصرف في حق نفسه والمحيل لا يتضرر، بل فيه منفعة لان المحال عليه لا يرجع إذا لم يكن بأمره. درر قوله: (للرجوع عليه) أي رجوع المحال عليه على المحيل، أو ليسقط الدين الذي للمحيل على المحال عليه كما في الزيلعي، أما بدون الرضا فلا رجوع ولا سقوط وهو محمل رواية الزيادات. قوله: (لكن استظهر الأكمل الخ) أي في العناية، وهو توفيق آخر بين روايتي
478 الزيادات والقدوري، لكن لا بد فيه من ضميمة التوفيق الأول كما تعرفه. قوله: (شرط ضرورة) لأنها إحالة وهي فعل اختياري ولا يتصور بدون الإرادة والرضا وهو محمل رواية القدوري، وقوله: إلا لا أي وإن لم يكن ابتداؤها من المحيل بل من المحال عليه تكون احتيالا يتم بدون إرادة المحيل بإرادة المحال علية ورضاه، وهو وجه رواية الزيادات. عناية. لكن لا يخفى أنه على الثاني لا يثبت للمحال عليه الرجوع بما أدى، ولو كان عليه للمحيل دين لا يسقط إلا برضا المحيل فرجع إلى التوفيق الأول. قوله: (وأراد بالرضا القبول) أي الذي هو أحد ركني العقد فيشترط له المجلس، لان شطر العقد لا يتوقف على قبول غائب بل يلغو، بخلاف الرضا الذي ليس ركن عقد. قوله: (فإن قبولها الخ) ذكر في البحر أولا أن من الشروط مجلس الحوالة، وقال: وهو شرط الانعقاد في قولهما، خلافا لأبي يوسف فإنه شرط النفاذ عنده، فلو كان المحتال غائبا عن المجلس فبلغه الخبر فأجاز لم ينعقد عندهما خلافا له، والصحيح قولهما ا ه. ثم قال هنا: وأراد من الرضا القبول في مجلس الايجاب لما قدمناه أن قبولهما في مجلس الايجاب شرط الانعقاد، وهو مصرح به في البدائع ا ه. وما ذكره في البحر أولا هو عبارة البدائع، فقوله: لما قدمناه أن قبولهما الظاهر أن الميم فيه زائدة، وأن الضمير فيه مفرد عائد للحوالة، لان المتبادر من كلام البدائع أن اشتراط المجلس عندهما إنما هو في المحتال فقط بقرينة التفريع، ويأتي قريبا ما يؤيده ا ه. قوله: (لكن في الدرر وغيرها) أي كالخانية والبزازية والخلاصة. وعبارة الخانية: الحوالة تعتمد قبول المحتال له والمحال عليه، ولا تصح في غيبة المحتال له في قول أبي حنيفة ومحمد، كما قلنا في الكفالة إلا أن يقبل رجل الحوالة للغائب، ولا تشترط حضرة المحتال عليه لصحة الحوالة حتى لو أحاله على رجل غائب ثم علم الغائب فقبل صحت الحوالة ا ه. ومراده بالقبول في قوله: تعتمد قبول الخ، الرضا الأعم من القبول المشروط له المجلس بقرينة آخر العبارة، ولم يذكر رضا المحيل بناء على رواية الزيادات أنه غير شرط. فتلخص من كلامه: أن الشرط قبول المحتال في المجلس ورضا المحال عليه ولو غائبا، وهو ما لخصه في النهر كما مر، وظاهره أن خلاف أبي يوسف في المحتال فقط، فعنده لا تشترط حضرته بل يكفي رضاه كالمحال عليه، وأنه لا خلاف في المحال عليه في أن حضرته غير شرط، وبه ظهر أنه لا يصح التوفيق بحمل ما في الدرر وغيرها على قول أبي يوسف الذي هو خلاف الصحيح، بل هو محمول على قولهما المصحح فافهم. وبما قررناه ظهر أنه لا خلاف في اشتراط الرضا الأعم، وأن الخلاف في قبول المحتال في المجلس لا في رضاه، فلا ينافي ذلك قول المصنف شرط رضا الكل بلا خلاف الخ خلافا لما ظنه في العزمية. قوله: (أو نائبه) أي ولو فضوليا، وبه عبر في الدرر. قال في الفتح: فيتوقف: أي قبول الفضولي على إجازة المحتال إذا بلغه. قوله: (ورضا الباقين) كذا في بعض النسخ بياءين ثانيتهما ياء التثنية، وفي عامة النسخ بياء واحدة على أنه جمع أريد به ما فوق الواحد، ثم لا يخفى أن اشتراط رضا المحيل مبني على رواية القدوري وهي خلاف المختار كما قدمه، فالأحسن عبارة الغرر متن الدرر وهي: وشرط حضور الثاني إلا أن يقبل فضولي له لا حضور الباقين ا ه. فلم يذكر اشتراط رضاهما فيصدق بكل من الروايتين. وقال في الدرر: أما عدم اشتراط حضور الأول، وهو المحيل فبأن يقول رجل للدائن لك على فلان بن فلان ألف درهم فاحتل بها علي فرضي
479 الدائن فإن الحوالة تصح حتى لا يكون له أن يرجع، وأما عدم اشتراط حضور الثالث وهو المحتال عليه فبأن يحيل الدائن على رجل غائب ثم علم الغائب فقبل صحت الحوالة، كذا في الخانية. قلت: فلم يذكر في هذا التصوير رضا المحيل الغائب، وذكر في الثاني رضا المحتال عليه الغائب، وذلك مبني على رواية الزيادات المختارة كما مر. قوله: (وتصح في الدين) الشرط كون الدين للمحتال على المحيل، وإلا فهي وكالة لا حوالة، وأما الدين على المحال عليه فليس بشرط. أفاده في البحر. وفيه عن المحيط: ولو أحال المحال عليه المحتال على آخر جاز وبرئ الأول والمال على الآخر كالكفالة من الكفيل ا ه. فدخل في الدين دين الحوالة كما دخل دين الكفالة، فإن الكفيل لو أحال الطالب جاز كما يأتي. وفي البزازية: كل دين جازت به الكفالة جازت به الحوالة. وفي الهندية: ما لا تجوز به الكفالة لا تجوز به الحوالة. قوله: (المعلوم) فلو احتال بمال مجهول على نفسه بأن قال: احتلت بما يذوب لك على فلان لا تصح الحوالة مع جهالة المال، ولا تصح الحوالة أيضا بهذا اللفظ. بحر عن البزازية. قوله: (لا في العين) لان النقل الذي تضمنته نقل شرعي، وهو لا يتصور في الأعيان، بل المتصور فيها النقل الحسي فكانت نقلا للوصف الشرعي وهو الدين. فتح. قال في الشرنبلالية: يرد عليه ما سيذكره من أنها تصح بالدراهم الوديعة إذ ليس فيها نقل الدين، وكذا الغصب على القول بأن الواجب فيه رد العين والقيمة مخلص، ودفع الايراد بأن الحوالة بالوديعة وكالة حقيقة ا ه. قلت: فيه نظر لما سيأتي في الحوالة المقيدة بوديعة ونحوها أنه لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه، ولا المحتال عليه دفعها للمحيل، ولا يخفى أن الوكالة حقيقة تنافي ذلك، فالصواب في دفع الايراد أن النقل موجود، لان المديون إذا أحال الدائن على المودع فقد انتقل الدين عن المديون إلى المودع وصار المودع مطالبا بالدين كأنه في ذمته فكانت حوالة بالدين لا بالعين. نعم لو أحال المودع رب الوديعة بها على آخر كانت حوالة بالعين فلا تصح. مطلب في حوالة الغازي وحوالة المستحق من الوقف قوله: (وبه عرف أن حوالة الغازي) مصدر مضاف لفاعله: أي إحالته غيره على الامام. وعبارة النهر: وبه عرف أن الحوالة على الامام من الغازي الخ. ولا يخفى أن ما ذكره غير ما نحن فيه إذ كلام المصنف في بيان المكفول به فذكر أنه المال لا العين ولا الحقوق، فإذا استدان الغازي دينا من زيد ثم أحاله به على الامام صحت الحوالة، سواء قيدها بأن يعطيه الامام من حقه من الغنيمة المحرزة أو لا، لان المحال عليه لا يشترط أن يكون عليه للمحيل دين أو عين من وديعة أو غيرها، ولان المحال به دين صحيح معلوم، فالقول بعدم صحتها ليس له وجه صحة أصلا، وهكذا يقال في المستحق إذا استدان ثم أحال الدائن على الناظر، سواء قيد الحوالة بمعلومه الذي في يد الناظر أو لا، فهي أيضا من الحوالة بالدين لا بالحقوق. نعم لو أحال الامام الغازي أو أحال الناظر المستحق على آخر كان مظنة أن يقال إنها من الحوالة بالحقوق، لان الغنيمة إذا أحرزت بدارنا يتأكد فيها حق الغانمين ولا تملك إلا بالقسمة، ولا يقال: إن الوارث إذا مات بعد الاحراز قبل القسمة يورث نصيبه فيقتضي الملك قبل القسمة. لأنا نقول: إن الحق المتأكد يورث كحق حبس الرهن والرد بالعيب، بخلاف
480 الضعيف كالشفعة، وخيار الشرط كما قدمناه عن الفتح في باب المغنم وقسمته، وكذا يقال في غلة الوقف، فإن نصيب المستحق يورث عنه إذا مات قبل القسمة بعد ظهور غلة الوقف في وقف الذرية أو بعد عمل صاحب الوظيفة كما قدمناه هناك، ومقتضى هذا أن لا تصح هذه الحوالة لان كلا من الغازي والمستحق لم يثبت له دين في ذمة الامام والناظر. نعم تكون وكالة بالقبض من المحال عليه كما يأتي في قول المصنف وإن قال المحيل للمحتال وهذا يقع كثيرا، فإن الناظر يحيل المستحق على مستأجر عقار الوقف. وقد أفتى في الحامدية بأن لو مات الناظر قبل أخذ المحتال، فللناظر الثاني أخذه، لكن ذكرنا في باب المغنم، أن غلة الوقف بعد ظهورها يتأكد فيها حق المستحقين، فتورث عنهم، وأما بعد قبض الناظر لها فينبغي أن تصير ملكا لهم للشركة الخاصة، بخلاف المغنم فإنه لا يملك إلا بعد القسمة، حتى لو أعتق أحد الغانمين حصته من أمة لا تعتق للشركة العامة إلا إذا قسمت الغنيمة على الرايات فيصح للشركة الخاصة، وعلى هذا فإذا صارت الغلة في يد الناظر صارت أمانة عنده ملكا للمستحقين لهم مطالبته بها، ويحبس إذا امتنع من أدائها، ويضمنها إذا استهلكها أو هلكت بعد الطلب، فإذا أحال الناظر بعض المستحقين على آخر لا يصح لأنها حوالة بالعين لا بالدين، إلا إذا كان الناظر استهلكها أو خلطها بماله فتصير دينا بذمته فتصح الحوالة، لأنها حوالة بالدين لا بالعين ولا بالحقوق، فقد ظهر أن هذه الحوالة لا تكون من الحوالة بالحقوق أصلا، سواء كان الغازي أو الناظر محيلا أو محتالا، وسواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة، وأن ما ذكره الشارح عن النهر غير محرر، فافهم وتدبر واغنم تحرير هذا المقام، فإنه من فيض ذي الجلال والاكرام. قوله: (لا تصح) قد علمت أنه لا وجه له. قوله: (وهذا في الحوالة المطلقة ظاهر) لتصريحهم باختصاصها بالديون لابتنائها على النقل. نهر. قلت: وهذه حوالة بالدين وإن كانت مطلقة، بل الصحة فيها أظهر من عدمها لان الحوالة المطلقة على ما يأتي أن لا يقيد المحيل بدين له على المحال عليه ولا بعين له في يده، فإذا أحال المستحق غريمه بدينه على الناطر حوالة مطلقة فلا شك في صحتها. قوله: (ينبغي أن تصح) لما علمت من أن مال الوقف في يده أمانة، ولكن إذا صحت لا تكون من الحوالة بالحقوق، لان المستحق إنما أحال دائنه بدين صحيح، بل هي حوالة بالدين مقيدة بما عند المحال عليه وهو الناظر. قوله: (كالإحالة على المودع) بجامع أن كلا منهما أمين ولا دين عليه ط. قوله: (لأنها مطالبة) أي لان الحوالة تثبت المطالبة ولا مطالبة على الناظر فيما لم يصل إليه من مال الوقف الذي قيدت الحوالة به. قوله: (انتهى) أي كلام البحر، وقوله: ومقتضاه الخ من كلام النهر أيضا، فافهم. قوله: (وعندي فيه تردد) نقله الحموي وأقره، ويؤيد الصحة ما ذكروه في المغنم أنه يورث عنه لتأكد ملكه فيه، وقد وجد الجامع للقياس فيها وفي الوديعة ط. قوله: (وبرئ المحيل من الدين الخ) أي براءة مؤقتة بعدم التوى، وفائدة براءته أنه لو مات لا يأخذ المحتال الدين من تركته، ولكنه يأخذ كفيلا من ورثته أو من الغرماء مخافة أن يتوى حقه، كذا في شرح المجمع ط. ومقتضى البراءة أن المشتري لو أحال البائع على آخر بالثمن لا يحبس المبيع، وكذا لو أحال الراهن المرتهن بالدين لا يحبس الرهن، ولو أحالها بصداقها لم تحبس نفسها،
481 بخلاف العكس: أي إحالة البائع غريمه على المشتري بالثمن أو المرتهن غريمه على الراهن أو المرأة على الزوج، والمذكور في الزيادات عكس هذا، وهو أن البائع والمرتهن إذا أحالا سقط حقهما في الحبس، ولو أحيلا لم يسقط، تمامه في البحر. قلت: ووجهه ظاهر، وهو أن البائع والمرتهن إذا أحالا غريما لهما على المشتري أو الراهن سقطت مطالبتهما فيسقط حقهما في الحبس، بخلاف ما لو أحيلا فإنه مطالبتهما باقية كما أوضحه الزيلعي. قال في البحر: وفي قوله: برئ المحيل إشارة إلى براءة كفيله، فإذا أحال الأصيل الطالب برئ، كذا في المحيط ا ه. وقوله: والمطالبة جميعا دخل فيه ما لو أحال المكفول له ونص على براءته فإنه يبرأ عن المطالبة، وإن أطلق الحوالة برئ الأصيل أيضا. نهر. وفي حاشية البحر للرملي: يؤخذ من براءة المحيل أن الكفيل لو أحال المكفول له على المديون بالدين المكفول به وقبله برئ، وهي واقعة الفتوى ا ه. وأطال في الاستشهاد له. قوله: (بالقبول من المحتال) اقتصر عليه تبعا للبحر، وزاد في النهر: والمحتال عليه، وهو مخالف لما قدمه من أن الشرط قبول المحتال أو نائبه ورضا الباقين. وأفاد أنه لا يلزم قبض المحتال في المجلس إلا إذا كان صرفا بأن كان دينه ذهبا فأحال عنه بفضة جاز إن قبل الغريم ناقدا في مجلس المحيل والمحتال، وتمامه في البحر عن تلخيص الجامع. قوله: (ولا يرجع المحتال على المحيل الخ) هذا إذا لم يشترط الخيار للمحال أو لم يفسخها المحيل والمحتال، أما إذا جعل للمحال الخيار أو أحاله على أنه له أن يرجع على أيهما شاء صح. بزازية. وكذا إذا فسخت رجع المحتال على المحيل بدينه، ولذا قال في البدائع: إن حكمها ينتهي بفسخها وبالتوى. وفي البزازية: والمحيل والمحتال يملكان النقض فيبرأ المحتال عليه. وفي الذخيرة: إذا أحال المديون الطالب على رجل بألف أو بجميع حقه وقبل منه ثم أحاله أيضا بجميع حقه على آخر وقبل منه صار الثاني نقضا للأول وبرئ الأول ا ه. بحر. قلت: وكذا تبطل لو أحال البائع على المشتري بالثمن ثم استحق المبيع أو ظهر أنه حر، لا لو رد بعيب ولو بقضاء، وكذلك لو ما ت العبد قبل القبض، وإذا مات المحال عليه مديونا قسم ماله بين الغرماء وبين المحال بالحصص وما بقي له يرجع به على المحيل، وإن مات المحيل مديونا فما قبض المحتال في حياته فهو له، وما لم يقبضه فهو بيه وبين الغرماء ا ه ملخصا من كافي الحاكم. قوله: (إلا بالتوى) وزان حصى وقد يمد. مصباح. يقال توى المال بالكسر يتوى توى وأتواه: غيره بحر عن الصحاح. قوله: (هلاك المال) هذا معناه اللغوي، ومعناه الاصطلاحي ما ذكره المصنف. بحر. قوله: (لان براءته) أي براءة المحيل من الدين مقيدة بسلامة حقه: أي حق المحتال، واختلف المشايخ في كيفية عود الدين فقيل بفسخ الحوالة: أي يفسخها المحتال كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيبا، وقيل تنفسخ كالمبيع إذا هلك قبل القبض وقيل في الموت تنفسخ وفي الجحود لا تنفسخ، ولم أر أن فسخ المحتال هل يحتاج إلى الترافع عند القاضي؟ وظاهر التشبيه بالمشتري إذا وجد عيبا أنه يحتاج. نعم على أنها تنفسخ لا يحتاج فتدبره. نهر.
482 قلت: المشتري يستقل بالفسخ بخيار العيب بدون الترافع عند القاضي، وإنما الترافع شرط لرد البائع على بائعه بذلك العيب. قوله: (وقيده في البحر الخ) وقال لما في الذخيرة: رجل أحال رجلا له عليه دين على رجل ثم إن المحتال عليه أحاله على الذي عليه الأصل برئ المحتال عليه الأول، فإنه توى المال على الذي عليه الأصل لا يعود إلى المحتال عليه الأول ا ه. قوله: (وبأحد أمرين الخ) الضمير راجع للتوى، وهذا في الحوالة المطلقة، أما المقيدة بوديعة فيثبت له الرجوع بهلاكها كما يأتي. قوله: (أي لمحتال ومحيل) فقوله: له أي لكل منهما كما في الفتح. قوله: (مفلسا) بالتخفيف يقال أفلس الرجل: إذا صار ذا فلس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير، فاستعمل مكان افتقر ا ه. كفاية ونهر عن طلبة الطلبة للعلامة عمر النسفي. قوله: (بغير عين) الأوضح أن يقول: بأن لم يترك عينا الخ: أي عينا تفي بالمحال به، وكذا يقال في الدين، ولا بد في الكفيل أن يكون كفيلا بجميعه فلو كفل البعض فقد توى الباقي كما لا يخفى ط. وكذا لو ترك ما يفي بالبعض فقد توى الباقي، وكذا لو مات مديونا وقسم ماله بالحصص كما قدمناه آنفا. قوله: (ودين) المراد به ما يمكن أن يثبت في الذمة بقرينة مقابلته بالعين، فيشمل النقود والمكيل والموزون. وفي الهندية عن المحيط: لو كان القاضي يعلم أن للميت دينا على مفلس، فعلى قول الإمام لا يقضي ببطلان الحوالة ا ه: أي لان الافلاس ليس بتوى عنده لاحتمال أن يحدث له مال، فيكون المحال عليه قد ترك مالا حكما وهو ما على مديونه المفلس. قوله: (وكفيل) فوجود الكفيل يمنع موته مفلسا على ما في الزيادات وفي الخلاصة لا يمنع. بحر. وتبعه في المنح، لكني لم أر في الخلاصة ما عزاه إليها، بل اقتصر فيها على نقل عبارة الزيادات. نعم قال فيها: ولو مات المحتال عليه ولم يترك شيئا وقد أعطى كفيلا بالمال ثم أبرأ صاحب المال الكفيل منه له أن يرجع على الأصيل ا ه. وهذه مسألة أخرى وقد جزم في الفتح وغيره بما في الزيادات بلا حكاية خلاف. تنبيه: في البحر عن اليزازية: وإن لم يكن به كفيل، ولكن تبرع رجل ورهن به رهنا ثم مات المحال عليه مفلسا عاد الدين إلى ذمة المحيل، ولو كان مسلطا على البيع فباعه ولم يقبض الثمن حتى مات المحال عليه مفلسا بطلت الحوالة والثمن لصاحب الرهن ا ه. وفي حكم التبرع بالرهن ما لو استعار المطلوب شيئا ورهنه عند الطالب ثم مات مفلسا. شرنبلالية عن الخانية. قوله: (وقالا بهما) أي بالجحد والموت مفلسا. قوله: (وبأن فلسه الحاكم) أي في حياته، يقال فلسه القاضي: إذ قضى بإفلاسه حين ظهر له حاله كفاية عن الطلبة، وهذا بناء على أن تفليس القاضي يصح عندهما، وعنده لا يصح لأنه يتوهم ارتفاعه بحدوث مال له فلا يعود بتفليس القاضي على المحيل. فتح. وتعذر الاستيفاء لا يوجب الرجوع، ألا ترى أنه لو تعذر بغيبة المحتال عليه لا يرجع على المحيل، بخلاف موته مفلسا لخراب الذمة، فيثبت الفتوى، وتمامه في الكفاية، وظاهر كلامهم متونا وشروحا تصحيح قول الإمام، ونقل تصحيحه العلامة قاسم ولم أر من صحح قولهما. نعم صححوه في صحة الحجر عن السفينة صيانة لما له كما سيأتي في بابه. قوله: (ولو اختلفا فيه) بأن قال المحتال مات المحتال عليه بلا تركه وقال المحيل عن تركة. بزازية. قوله: (وكذا في موته قبل الأداء أو بعده) الأولى وبعده بالواو كما في
483 بعض النسخ، لان الاختلاف فيهما لا في أحدهما. قوله: (على العلم) أي نفي العلم بأن يحلف أنه لا يعلم يساره ط. وهذا في مسألة المتن. أما في الاختلاف في الموت قبل الأداء أو بعده فإنه يحلف على البتات لكونه على فعل نفسه وهو القبض. أفاده ح. قوله: (وهو العسرة) أي في المسألة الأولى وعدم الأداء في الثانية. قوله: (وقيل القول للمحيل بيمينه) لانكاره عود الدين، فتح. قوله: (طالب المحتال عليه المحيل الخ) أي بعد ما دفع المحال به إلى المحتال ولو حكما بأن وهبه المحتال من المحال عليه، لأنه قبل الدفع إليه لا يطالبه إلا إذا طولب، ولا يلازمه إلا إذا لوزم، وتمامه في البحر. قوله: (بأمره) قيد به، لأنه لو قضاه بغير أمره يكون متبرعا ولو لم يدع المحيل ما ذكر ط. قوله: (مثل الدين) إنما لم يقل بما أداه، لأنه لو كان المحال به دراهم فأدى دنانير أو عكسه صرفا رجع بالمحال به، وكذا إذا أعطاه عرضا، وإن أعطاه زيوفا بدل الجياد رجع بالجياد، وكذا لو صالحه بشئ رجع بالمحال به إلا إذا صالحه عن جنس الدين بأقل فإنه يرجع بقدر المؤدي، بخلاف المأمور بقضاء الدين فإنه يرجع بما أدى، إلا إذا أدى أجود أو جنسا آخر. بحر. قوله: (لانكاره) قال في البحر: لان سب الرجوع قد تحقق وهو قضاء دينه بأمره، إلا أن المحيل يدعي عليه دينا وهو ينكر والقول للمنكر ا ه. قوله: (فقال المحتال) فيه إيماء إلى أنه حاضر، فلو كان غائبا وأراد المحيل قبض ما على المحال عليه قائلا إنما وكلته يقبضه: قال أبو يوسف: لا أصدقه ولا أقبل بينته. وقال محمد: يقبل قوله كما في الخانية. ولو ادعى المحال أن المحال به ثمن متاع كان المحيل وكيلا في بيعه وأنكر المحيل ذلك فالقول له أيضا. نهر. قوله: (فالقول للمحيل) فيؤمر المحتال برد ما أخذه إلى المحيل، لان المحيل ينكر أن عليه شيئا والقول للمنكر، ولا تكون الحوالة إقرارا من المحيل بالدين للمحتال على المحيل لأنها مستعملة للوكالة أيضا. ابن كمال. قوله: (يستعمل في الوكالة) أي مجازا، ومنه قول محمد: إذا امتنع المضارب عن تقاضي الدين لعدم الربح يقال له أحل رب الدين: أي وكله. نهر. ولكن لما كان فيه نوع مخالفة للظاهر صدق مع يمينه كما في المنح. وأفاد في البحر عن السراج أن المحيل لا يملك إبطال هذه الحوالة، لأنها صحت محتملة أن تكون بمال هو دين عليه وأن تكون توكيلا فلا يجوز إبطالها بالاحتمال ا ه. قوله: (بماله) الأظهر أن ما موصولة أو موصوفة واللام جارة، ويحتمل أنها كلمة واحدة مجرورة بكسرة اللام. قوله: (وديعة) المراد بها الأمانة كما عبر في الفتح وغيره. قال ط: فيعم العارية والموهوب إذا تراضيا على رده أو قضى القاضي به والعين المستأجرة إذا انقضت مدة الإجارة. قوله: (صحت) لأنه أقدر على القضاء لتيسر ما يقضي به وحضوره بخلاف الدين، فتح. قوله: (فإن هلكت الوديعة) قيد بهلاك الوديعة
484 لان الحوالة لو كانت مقيدة بدين ثم ارتفع ذلك الدين لم تبطل على تفصيل فيه. بحر. ويأتي بعضه. قوله: (برئ المودع) ويثبت الهلاك بقوله. نهر. واستحقاق الوديعة مبطل للحوالة كهلاكها كما في الخانية، ولو لم يعط المحال عليه الوديعة وإنما قضى من ماله كان متطوعا قياسا لا استحسانا، كذا في المحيط. وفي التاترخانية: لو وهب المحتال الوديعة من المحال عليه صح التمليك، لأنه لما كان له حق أن يتملكها كان له حق أن يملكها. بحر. قوله: (وعاد الدين على المحيل) لأنه توى حقه، وأما ما سبق من أن التوي بوجهين عنده وثلاثة أوجه عندهما، ففي الحوالة المطلقة فلا يرد شئ بهذا الوجه الرابع. يعقوبية. قوله: (لان مثله يخلفه) أراد بالمثل البدل ليشمل القيمي. قال في الفتح: فإذا هلك المغصوب المحال به لا تبطل الحوالة ولا يبرأ المحال عليه، لان الواجب على الغاصب رد العين، فإن عجز رد المثل أو القيمة، فإذا هلك في يد الغاصب المحال عليه لا يبرأ، لان له خلفا والفوات إلى خلف كلا فوات، فبقيت متعلقة بخلفه فيرد خلفه على المحتال ا ه. فلو استحق المغصوب بطلت لعدم ما يخلفه كما في الدرر. قوله: (وتصح أيضا بدين خاص) بأن يحيله بدينه الذي له على فلان المحال عليه. فتح. وفي الخلاصة عن التجريد: لو كان للمحيل على المحتال عليه دين فأحال به مطلقا ولم يشترط في الحوالة أن يعطيه مما عليه فالحوالة جائزة ودين المحيل بحاله وله أن يطالبه به ا ه. ومثله في البزازية ومقتضاه أنها لا تكون مقيدة ما لم ينص على الدين. قوله: (ثلاثة أقسام) أي مقيدة بعين أمانة أو مغصوبة أو بدين خاص. قوله: (وحكمها الخ) أي حكم المقيدة في هذه الأقسام الثلاثة أن لا يملك المحيل مطالبة المحال عليه بذلك العين ولا بذلك الدين، لان الحوالة لما قيدت بها تعلق حق الطالب به، وهو استيفاء دينه منه على مثال الرهن، وأخذ المحيل يبطل هذا الحق فلا يجوز، فلو دفع المحال عليه العين أو الدين إلى المحيل ضمنه للطالب، لأنه استهلك ما تعلق به حق المحتال، كما إذا استهلك الرهن أحد يضمنه للمرتهن لأنه يستحقه. فتح. قوله: (مع أن المحتال الخ) يعني أن هذه الأموال إذا تعلق بها حق المحتال كان ينبغي أن لا يكون المحتال أسوة لغرماء المحيل بعد موته كما في الرهن مع أنه أسوة لهم، لأن العين، التي بيد المحتال عليه للمحيل والدين الذي له عليه لم يصر مملوكا للمحال بعقد الحوالة لا يدا وهو ظاهر ولا رقبة، لان الحوالة ما وضعت للتملك بل للنقل فيكون بين الغرماء، وأما المرتهن فملك المرهون يدا وحبسا، فيثبت له نوع اختصاص بالمرهون شرعا لم يثبت لغيره فلا يكون لغيره أن يشاركه فيه ا ه درر. قال في البحر: وإذا قسم الدين بين غرماء المحيل لا يرجع المحتال على المحال عليه بحصة الغرماء لاستحقاق الدين الذي كان عليه، ولو مات المحيل وله ورثة لا غرماء استظهر البحر، وأقره من بعده أن الدين المحال به قبل قبض المحتال يقسم بين الورثة بمعنى أن لهم المطالبة به دون المحتال فيضم إلى تركته ا ه. وحينئذ فيتبع المحتال التركة ط. تنبيه: ما ذكر من القسمة وكون المحتال أسوة الغرماء في الحوالة المقيدة يعلم منه بالأولى أن الحوالة المطلقة كذلك، لما صرح به في الخلاصة والبزازية، وصرح في الحاوي ببطلان الحوالة بموت المحال عليه، وقدمنا عن الكافي أن ما بقي للمحتال بعد القسمة يرجع به على المحيل، وأنه لو مات
485 المحيل مديونا فما قبضه المحتال فهو له وما بقي يقسم بينه وبين الغرماء. قوله: (بخلاف الحوالة المطلقة) أي فيملك المحيل المطالبة. قال في الفتح: هذا متصل بقوله: لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه بالعين المحال به والدين، والمطلقة هي أن يقول المحيل للطالب أحلتك بالألف التي لك على هذا الرجل ولم يقل ليؤديها من المال الذي عليه، فلو له عنده وديعة أو مغصوبة أو دين كان له أن يطالبه به لأنه لا تعلق للمحتال بذلك الدين أو العين لوقعها مطلقة عنه، بل بذمة المحتال عليه، وفي الذمة سعة فيأخذ دينه أو عينه من المحتال عليه لا تبطل الحوالة، ومن المطلقة أن يحيل على رجل ليس له عنده ولا عليه شئ. وقال في الجوهرة: والفرق بين المطلقة والمقيدة أنه في المقيدة انقطعت مطالبة المحيل من المحال عليه، فإن بطل الدين في المقيدة وتبين براءة المحال عليه من الدين الذي قيدت به الحوالة بطلت، مثل أن يحيل البائع رجلا على المشتري بالثمن، ثم استحق المبيع أو ظهر حرا، فتبطل وللمحال الرجوع على المحيل بدينه، وكذا لو قيد بوديعة، فهلكت عند المودع، وأما إذا سقط الدين الذي قيدت به الحوالة بأمر عارض ولم تتبين براءة الأصيل منه فلا تبطل، مثل أن يحتال بألف من ثمن مبيع فهلك المبيع عنده قبل تسليمه للمشتري سقط الثمن عن المشتري ولا تبطل الحوالة، ولكنه إذا أدى رجع على المحيل بما أدى لأنه قضى دينه بأمره، وأما إذا كانت مطلقة فإنها لا تبطل بحال من الأحوال، ولا تنقطع فيها مطالبة المحيل عن المحال عليه إلى أن يؤدي، فإذا أدى سقط ما عليه قصاصا، ولو تبين براءة المحال عليه من دين المحيل لا تبطل أيضا، ولو أن المحال أبرأ المحال عليه من الدين صح، وإن لم يقبل المحال عليه، ولا يرجع المحال عليه على المحيل بشئ، لان البراءة إسقاط لا تمليك، وإن وهبه له احتاج إلى القبول، وله أن يرجع على المحيل لأنه ملك ما في ذمته بالهبة فصار كما لو ملكه بالأداء، وكذا لو مات المحيل فورثه المحال عليه له أن يرجع على المحيل لأنه ملكه بالإرث، وتمام الكلام فيها. قال في البحر: وقد وقعت حادثة الفتوى في المديون إذا باع شيئا من دائنه بمثل الدين، ثم أحال عليه بنظير الثمن أو بالثمن فهل يصح أم لا؟ فأجبت: إذا وقع بنظيره صحت لأنها لم تقيد بالثمن، ولا يشترط لصحتها دين على المحال عليه، وإن وقعت بالثمن فهي مقيدة بالدين، وهو مستحق للمحال عليه لوقوع المقاصة بنفس الشراء وقدمنا أن الدين إذا استحق للغير فإنها تبطل، والله سبحانه وتعالى أعلم ا ه: أي لان الدين لم يسقط بأمر عارض بعد الحوالة بل تبين براءة المحال عليه منه بأمر سابق. قوله: (بطل) أي البيع: أي فسد لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه نفع للبائع. درر: أي وبطلت الحوالة التي في ضمنه ط. قلت: ووجه النفع أن فيه دفع مطالبة غريمه له وتسليطه على المشتري. قوله: (لأنه شرط ملائم) لأنه يؤكد موجب العقد، إذ الحوالة في العادة تكون على الملئ والأحسن قضاء فصار كشرط الجودة. درر. قلت: وحاصله: أن في هذا الشرط تعجيل اقتضائه الثمن في زعم البائع. قوله: (بخلاف الأول) لان المطلوب بالثمن قبل الحوالة وبعدها واحد وهو المشتري. قوله: (في الحوالة الفاسدة) كالصور الآتية. قوله: (فهو) أي المؤدي وهو المحال عليه. قوله: (وكذا في كل موضع ورد
486 الاستحقاق) أي استحقاق المبيع الذي أحيل بثمنه. قال في الخلاصة والبزازية: وعلى هذا إذا باع الآجر المستأجر وأحال المستأجر على المشتري ثم استحق المبيع من يد المشتري وهو قد أدى الثمن إلى المستأجر: إن شاء رجع بالثمن على المؤجر المحيل، وإن شاء رجع على المستأجر القابض ا ه. قوله: (ما لو شرط فيها الاعطاء الخ) صادق بما إذا وقع الشرط بين المحيل والمحال أو بين الثلاثة عليه، فافهم، وهي من قسم الحوالة المقيدة. قوله: (مثلا) أدخل به الأجنبي للعلة المذكورة ط. قوله: (لعجزه عن الوفاء) علة للفساد لأنه شرط غير ملائم. قوله: (نعم لو أجاز) أي المحيل بيع داره بأن أمره بالبيع فحينئذ يصح لوجود القدرة على البيع والأداء كما في الدرر، وقد ذكر في البزازية المسألة بدون هذا الاستدراك ثم قال بعد نحو صفحة ما نصه: وفي الظهيرية احتال على أن يؤديه من ثمن دار المحيل، وقد كان أمره بذلك حتى جازت الحوالة لا يجبر المحتال عليه على الأداء قبل البيع، ويجبر على البيع إن كان البيع مشروطا في الحوالة كما في الرهن، وإنما أعدنا المسألة لأنه توفيق بين الروايات المختلفة ا ه. ومفاده أنه يجبر في بعض الروايات وفي بعضها لا يجبر، والتوفيق أنه إن قبل المحال عليه الحوالة من المحيل بشرط بيع دار المحيل ليؤدي المال من ثمنها صحت الحوالة والشرط، كما لو شرط المرتهن بيع الرهن إذا لم يؤد الراهن المال فإنه يصح ولا يملك الرجوع عن ذلك. قوله: (كما لو قبلها الخ) وجه الجواز أن المحال عليه قادر على الوفاء بما التزم. قوله: (ولكن لا يجبر على البيع) لعدم وجوب الأداء قبل البيع. درر. وعبارة البزازية: أولا يجبر على بيع داره، كما إذا كان قبولها بشرط الاعطاء عند الحصاد لا يجبر على الاعطاء قبل الاجل ا ه. قوله: (ولو باع يجبر على الأداء) لتحقق الوجوب. درر. قوله: (على أن أحيلك به على فلان) فإن أحاله وقبل جاز، وإن لم يقبل برئ الكفيل عن الضمان، وإن لم يقبل فلان فالكفيل على ضمانه، وإن مات فلان لم يطالب بالمال حتى يمضي شهر. هذا حاصل ما في البحر عن المحيط، ووجه قوله: لم يطالب الخ أنه بموت فلان لم تبق الحوالة ممكنة، وقد رضي الطالب بتأخير المطالبة إلى شهر فبقي الاجل للكفيل فلا يطالب قبله، وكذا يقال فيما إذا لم يقبل فلان، هذا ما ظهر لي. مطلب في تأجيل الحوالة قوله: (انصرف التأجيل إلى الدين الخ) أي فلا يطالب فلان إلا بعد الشهر، ولو انصرف التأجيل إلى العقد يصير المعنى على أن أحيلك حوالة مقيدة بشهر، وذلك لا يصح، لأنه ينافي انتقال الدين إلى ذمة المحال عليه. تأمل. تنبيه: قال في الفتح: تنقسم الحوالة المطلقة إلى حالة ومؤجلة: فالحالة أن يحيل الطالب بألف هي على المحيل حالة فتكون على المحتال عليه حالة، لان الحوالة لتحويل الدين، فيتحول بصفته التي علي الأصيل. والمؤجلة أن تكون الألف إلى سنة فأحال بها إلى سنة، ولو أبهمها لم يذكره محمد،
487 وقالوا: ينبغي أن تثبت مؤجلة كما في الكفالة، فلو مات المحيل بقي الاجل لا لو مات المحال عليه لاستغنائه عن الاجل بموته، فإن لم يترك وفاء رجع الطالب على المحيل إلى أجله لان الاجل سقط حكما للحوالة، وقد انتقضت بالتوي فينتقض ما في ضمنها، كما لو باع المديون بدين مؤجل عبدا من الطالب ثم استحق العبد عاد الاجل ا ه. ملخصا. وقدمنا قريبا عن البزازية: لو قبلها إلى الحصاد لا يجبر على الاعطاء قبله، فأفاد صحة التأجيل مع الجهالة القريبة، وقدمنا التصريح به في كتاب الكفالة، وشمل التأجيل القرض فيصح هنا. ففي كافي الحاكم ما حاصله: لو كان لزيد على عمرو ألف قرض ولعمرو على بكر ألف قرض فأحال عمرو زيدا بالألف على بكر إلى سنة جاز، وليس لعمرو أن يأخذ بكرا بها وإن أبرأه منها أو وهبها له لم يجز ا ه. مطلب في السفتجة وهي البوليصة قوله: (وكرهت السفتجة) واحدة السفاتج، فارسي معرب، أصله سفته: وهو الشئ المحكم، سمي هذا القرض به لاحكام أمره كما في الفتح وغيره. قوله: (بضم السين) أي وسكون الفاء كما في ط عن الوالي. قوله: (وهي إقراض الخ) وصورتها: أن يدفع إلى تاجر مالا قرضا ليدفعه إلى صديقه، وإنما يدفعه قرضا لا أمانة ليستفيد به سقوط خطر الطريق. وقيل هي أن يقرض إنسانا ليقضيه المستقرض في بلد يريده المقرض ليستفيد به سقوط خطر الطريق كفاية. قوله: (فكأنه أحال الخ) بيان لمناسبة المسألة بكتاب الحوالة ا ه. وفي نظم الكنز لابن الفصيح. وكرهت سفاتج الطريق * وهي إحالة على التحقيق قال شارحه المقدسي: لأنه يحيل صديقه عليه أو من يكتب إليه. قوله: (وقالوا الخ) قال في النهر: وإطلاق المصنف يفيد إناطة (1) الكراهة بجر النفع، سواء كان ذلك مشروطا أو لا. قال الزيلعي: وقيل إذا لم تكن المنفعة مشروطة فلا بأس به ا ه. وجزم بهذا القيل في الصغرى والواقعات الحسامية والكفاية للبيهقي، وعلى ذلك جرى في صرف البزازية ا ه. وظاهر الفتح اعتماده أيضا، حيث قال: وفي الفتاوي الصغرى وغيرها: إن كان السفتج مشروطا في القرض فهو حرام، والقرض بهذا الشرط فاسد وإلا جاز. وصورة الشرط كما في الواقعات: رجل أقرض رجلا مالا على أن يكتب له بها إلى بلد كذا فإنه لا يجوز، وإن أقرضه بلا شرط وكتب جاز. وكذا لو قال اكتب لي سفتجة إلى موضع كذا على أن أعطيك هنا فلا خير فيه. وروي عن ابن عباس ذلك، ألا ترى أنه لو قضاه أحسن مما عليه لا يكره إذا لم يكن مشروطا، قالوا: إنما يحل ذلك عند عدم الشرط إذا لم يكن فيه عرف ظاهر، فإن كان يعرف أن ذلك يفعل كذلك فلا ا ه. قوله: (فرع الخ) ذكره استطرادا. نعم ذكر في البحر والنهر عن البزازية ما له مناسبة هنا.
(1) قوله: (إناطة) صوابه: نوط لان فعله ثلاثي من باب قال كما في المصباح ا ه. مصححه. 488 وحاصله: أن المستقرض لو قضى أجود مما استقرض يحل بلا شرط، ولو قضى أزيد فيه تفصيل الخ، وقدمنا في فصل القرض عن الخانية أن الزيادة إذا كانت تجري بين الوزنين، أي بأن كانت تظهر في ميزان دون ميزان جاز كالدانق في المائة، بخلاف قدر درهم، وإن لم تجز فإن لم يعلم صاحبها بها ترد عليه، وإن علم وأعطاها اختيارا، فلو كانت الدراهم لا يضرها التبعيض لا تجوز، لأنها هبة المشاع فيما يحتمل القسمة، ولو يضرها جاز وتكون هبة المشاع فيما يقسم ا ه. وعليه فلو قضاه مثل قرضه ثم زاده درهما مفروزا أو أكثر جاز إن لم يكن مشروطا، وقدمنا هناك عن خواهر زاده أن المنفعة في القرض إذا كانت غير مشروطة تجوز بلا خلاف. قوله: (لم يصح) لكون المحيل يعمل لنفسه ليستفيد الابراء المؤبد. بحر عند قوله: هي نقل الدين ط. وإذا لم تصح لا يجبر المحال عليه على الدفع إليه. قوله: (لان الحوالة الخ) كما أن الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة كما في الهداية والملتقى. قوله: (ولا بينة) أي وحلف الجاحد ط. قوله: (وجعل جحوده فسخا) هي مسألة تواء الدين السابقة في المتن، ومر أن الرجوع إنما هو لان براءة المحيل مشروط بسلامة حق المحال ط. قوله: (وإلا لم يجز) لان تصرفهما مقيد بشرط النظر. قال في كافي الحاكم: ومنه ما لو احتال إلى أجل، وكذا الوكيل إذا لم يفوض إليه الموكل ذلك ا ه. قال في البحر عن المحيط: لكونه إبراء مؤقتا فيعتبر بالابراء المؤبد، وهذا إذا كان دينا ورثه الصغير وإن وجب بعقدهما جاز التأجيل عندهما، خلافا لأبي يوسف ا ه. قوله: (قلت ومفادهما) أي مفاد ما في السراجية وما في الجوهرة، وهذا أحد قولين حكاهما المصنف عن الذخيرة ثم رجح ما في الخانية بما ذكره الشارح، والله تعالى أعلم.
489 كتاب القضاء ترجم له في الهداية بأدب القاضي، والأدب، الخصال الحميدة، فذكر ما ينبغي للقاضي أن يفعله ويكون عليه، وهو في الأصل من الأدب بسكون الدال وهو الجمع والدعاء، وهو أن تجمع الناس وتدعوهم إلى طعامك، يقال أدب يأدب كضرب يضرب: إذا دعا إلى طعامه، سميت به الخصال الحميدة لأنها تدعو إلى الخير، وتمامه في الفتح. قوله: (لما كان الخ) كذا في العناية والفتح، وهو صريح في أن المراد بالقضاء الحكم، وحينئذ فكان ينبغي إيراده عقب الدعوى، وأيضا كان ينبغي بيان وجه التأجير عما قبله، كذا قيل. ويمكن أن يقال: أرادوا بيان من يصلح للقضاء: أي الحكم لتصح الدعوى عنده، فلا جرم أن ذكر قبلها، ولا خفاء أن وجه التأخير عما قبله مستفاد من أن أكثر المنازعات في الديون والحوالة المطلقة مختصة بها فذكر بعدها. نهر. قوله: (لغة الحكم) وأصله قضاي لأنه من قضيت، إلا أن الياء لما جاءت بعد الألف همزت، والجمع الأقضية: * (وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه) * (الاسراء: 32) أي حكم، وقد يكون بمعنى الفراغ تقول: قضيت حاجتي، وضربه فقضى عليه: أي قتله، وقضي نحبه: مات، وبمعنى الأداء والانهاء، ومنه قوله تعالى: * (وقضينا إليه ذلك الامر) * (الحجر: 66) وبمعنى الصنع والتقدير، ومنه قوله تعالى: * (فقضاهن سبع سماوات) * (فصلت: 21) ومنه القضاء والقدر. بحر ملخصا عن الصحاح. قوله: (وشرعا فصل الخصومات الخ) عزاه في البحر إلى المحيط، ولا بد أن يزاد فيه على وجه خاص، وإلا دخل فيه نحو الصلح بين الخصمين. قوله: (وقيل غير ذلك) منه قول العلامة قاسم، إنه إنشاء إلزام في مسائل الاجتهاد المتقاربة فيما يقع فيه النزاع لمصالح الدنيا، فخرج القضاء على خلاف الاجماع وما ليس بحادثة وما كان من العبادات ومنه قول العلامة ابن الغرس إنه الالزام في الظاهر على صيغة مختصة بأمر ظن لزومه في الواقع شرعا. قال: فالمراد بالإلزام التقرير التام، وفي الظاهر فصل احترز به عن الالزام في نفس الامر، لأنه راجع إلى خطاب الله تعالى وعلى صيغة مختصة: أي الشرعية كألزمت وقضيت وحكمت وأنفذت عليك القضاء وبأمر ظن لزومه الخ فصل عن الجور والتشهي، ومعنى في الظاهر: أي الصور الظاهرة، إشارة إلى أن القضاء مظهر في التحقيق للامر الشرعي، لا مثبت خلافا لما يتوهم من أنه مثبت، أخذا من قول الإمام بنفوذه ظاهرا وباطنا في العقود والفسوخ بشهادة الزور، لان الامر الشرعي في مثله ثابت تقديرا والقضاء يقرره في الظاهر، ولم يثبت أمرا لم يكن لان الشرع قد يعتبر المعدوم موجودا أو الموجود معدوا، كوجود الدخول حكما في إلحاق نسب ولد المشرقية بالمغربي، فأجري الممكن مجرى الواقع لئلا يهلك الولد بانتفاء نسبه مع وجود العقد المفضي إلى ثبوته ا ه ملخصا. وتمامه في رسالته. قوله: (وأركانه ستة الخ) فيه نظر، لان المراد بالقضاء الحكم كما مر، والحكم أحد الستة المذكورة فيلزم أن يكون ركنا لنفسه، فالمناسب ما في البحر من أن ركنه ما يدل عليه من قول أو فعل ويأتي بيانه. قوله: (على ما نظمه) أي من بحر الكامل، ونصف البيت الثاني
490 الحاء من محكوم ط. قوله: (ابن الغرس) بالغين المعجمة هو العلامة أبو اليسر بدر الدين محمد الشهير بابن الغرس، له شرح على البيتين المذكورين وهو الرسالة المشهورة المسماة (الفواكه البدرية في البحث عن أطراف القضايا الحكمية) وله الشرح المشهور على شرح العقائد النسفية للتفتازاني. قوله: (أطراف كل قضية حكمية) الأطراف جمع بالتحريك، وطرف الشئ منتهاه، وقضية أصله قضوية بياء النسبة إلى القضاء، حذفت منه الواو بعد قلبها ألفا، وحكمية صفة مخصصة لان القضاء يطلق على معان منها الحكم كما مر، والمراد بالقضية الحادثة التي يقع فيها التخاصم كدعوى بيع مثلا فركنها اللفظ الدال عليها، ولا تكون قضوية: أي منسوبة إلى القضاء، والحكم: أي لا تكون محلا لثبوت حق المدعي فيها وعدمه إلا باستجماع هذه الشروط الستة التي هي بمنزلة أطراف الشئ المحيطة به أو أطراف الانسان، هذا ما ظهر لي فافهم. قوله: (بعدها) بتشديد الدال مصدر عد الشئ يعده: أحصى عدة أفراده، ويلح بمعنى يظهر، والتحقيق فاعله. قوله: (حكم) تقدم تعريفه، وعلمت أنه قولي وفعلي فالقولي مثل ألزمت، وقضيت مثلا، وكذا قوله: بعد إقامة البينة لمعتمده أقمه واطلب الذهب منه، وقوله: ثبت عندي يكفي، وكذا ظهر عندي أو علمت فهذا كله حكم في المختار. زاد في الخزانة: أو أشهد عليه. وحكى في التتمة الخلاف في الثبوت، والفتوى على أنه حكم كما في الخانية وغيرها، وتمامه في البحر. وذكر في الفواكه البدرية أنه المذهب، ولكن عرف المتشرعين والموثقين الآن على أنه ليس بحكم، ولذا يقال: ولما ثبت عنده حكم، والوجه أن يقال: إن وقع الثبوت على مقدمات الحكم، كقول المسجل ثبت عنده جريان العين في ملك البائع إلى حين البيع، فليس بحكم إذا كان المقصود من الدعوى الحكم على البائع بملك المشتري للعين المبيعة، وإلا فهو حكم وتمامه فيها، وفيها أيضا. مطلب في التنفيذ وأما التنفيذ فالأصل فيه أن يكون حكما إذ من صيغ القضاء قوله: أنفذت عليك القضاء. قالوا: وإذا رفع إليه قضاء قاض أمضاه بشروطه، وهذا هو التنفيذ الشرعي، ومعنى رفع اليد حصلت عنده فيه خصومة شرعية، وأما التنفيذ المتعارف في زماننا غالبا فمعناه: إحاطة القاضي الثاني علما بحكم الأول على وجه التسليم له ويسمى اتصالا ا ه ملخصا. وسيأتي تمام الكلام عليه في آخر فصل الحبس. مطلب: أمر القاضي هل هو حكم أو لا؟ وأما أمر القاضي فاتفقوا على أن أمره بحبس المدعى عليه قضاء بالحق كأمره بالأخذ منه، وعلى أن أمره بصرف كذا من وقف الفقراء إلى فقير من قرابة الواقف ليس بحكم، حتى لو صرفه إلى فقير آخر صح. واختلفوا في قوله: سلم الدار، وتمام الكلام عليه في البحر والنهر، وأطلق الشارح في الفروع آخر الفصل الآتي تبعا للبزازي أنه حكم إلا في مسألة الوقف، وسيأتي تمامه. مطلب: الحكم الفعلي وأما الحكم الفعلي فسيأتي في الفروع هناك أن فعل القاضي حكم إلا في مسألتين، وحقق ابن
491 الغرس أنه ليس بحكم، وأطال الكلام عليه في البحر والنهر، وسيأتي توضيحه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (ومحكوم به) وهو أربعة أقسام: حق الله تعالى المحض كحد الزنا أو الخمر، وحق العبد المحض، وهو ظاهر، وما فيه الحقان وغلب فيه حق الله تعالى كحد القذف أو السرقة أو غلب فيه حق العبد كالقصاص والتعزير ابن الغرس. وشرطه كونه معلوما. بحر عن البدائع، وعن هذا فالحكم بالموجب بفتح الجيم لا يكفي ما لم يكن الموجب أمرا واحدا، كالحكم بموجب البيع أو الطلاق أو العتاق وهو ثبوت الملك والحرية وزوال العصمة، فلو أكثر فإن استلزم أحدهما الآخر صح، كالحكم على الكفيل بالدين فإن موجبه الحكم عليه به، وعلى الأصيل الغائب وإلا فلا، كما لو وقع التنازع في بيع العقار فحكم شافعي بموجبه فإنه لا يثبت به منع الجار عن الشفعة فللحنفي الحكم بها، وأطال في بيانه العلامة ابن الغرس، وسيذكره الشارح آخر الفصل الآتي، لكن هذا في الحقيقة راجع إلى اشتراط الدعوى في الحكم كما أشار إليه في البحر، ويأتي ذكره في الطريق. قوله: (وله) أي ومحكوم له وهو الشرع كما في حقوقه المحضة أو التي غلب فيها حقه ولا حاجة في ذلك إلى الدعوى، بخلاف ما تمحض فيها حق العبد أو غلب والعبد هو المدعي وعرفوه بمن لا يجبر على الخصومة إذا تركها، وقيل غير ذلك، والشرط فيه بالاجماع حضرته أو حضرة نائب عنه كوكيل أو ولي أو وصي فالمحكوم له المحجور كالغائب ا ه ملخصا من الفواكه البدرية. قوله: (ومحكوم عليه) وهو العبد دائما، لكنه إما متعين واحدا أو أكثر، كجماعة اشتركوا في قتل فقضي عليهم بالقصاص أو لا كما في القضاء بالحرية الأصلية فإنه حكم على كافة الناس، بخلاف العارضة بالاعتاق فإنه جزئي واختلفوا في الوقف، والصحيح المفتى به أنه لا يكون على الكافة فتسمع فيه دعوى الملك أو وقف آخر والمحكوم عليه في حقوق الشرع من يستوفي منه حق، سواء كان مدعى عليه أو لا، كما مرت الإشارة إليه ا ه ملخصا من الفواكه. وسيذكر المصنف آخر الفصل الآتي حكاية الخلاف في نفاذ الحكم على الغائب، ويأتي تحقيقه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (وحاكم) هو إما الامام أو القاضي أو المحكم، أما الامام فقال علماؤنا: حكم السلطان العادل ينفذ. واختلفوا في المرأة فيما سوى الحدود والقصاص، وإطلاقهم يتناول أهلية الفاسق الجاهل، وفيه بحث. وأما المحكم فشرطه أهلية القضاء ويقضي فيما سوى الحدود والقصاص، ثم القاضي تتقيد ولايته بالزمان والمكان والحوادث ا ه ملخصا من الفواكه. وجميع ذلك سيأتي مفرقا في مواضعه مع بيان بقية صفة الحاكم وشروطه. قوله: (وطريق) طريق القاضي إلى الحكم يختلف بحسب اختلاف المحكوم به، والطريق فيما يرجع إلى حقوق العباد المحضة عبارة عن الدعوى والحجة: وهي إما البينة أو الاقرار أو اليمين أو النكول عنه أو القسامة أو علم القاضي بما يريد أن يحكم به أو القرائن الواضحة التي تصير الامر في حيز المقطوع به، فقد قالوا: لو ظهر إنسان من دار بيده سكين وهو متلوث بالدم سريع الحركة عليه أثر الخوف فدخلوا الدار على الفور فوجدوا فيها إنسانا مذبوحا بذلك الوقت ولم يوجد أحد غير ذلك الخارج فإنه يؤخذ به، وهو ظاهر إذ لا يمتري أحد في أنه قاتله، والقول بأنه ذبحه آخر ثم تسور الحائط أو أنه ذبح نفسه احتمال بعيد لا يلتفت إليه إذ لم ينشأ عن دليل ا ه من الفواكه لابن الغرس. ثم أطال هنا في بيان الدعوى وتعريفها وشروطها، إلى أن قال: ثم لا يشترط في الطريق إلى الحكم أن تكون بتمامها عند القاضي الواحد، حتى لو ادعى عند نائب القاضي وبرهن ثم وقعت الحادثة إلى القاضي أو بالعكس صح، وله
492 أن يبني على ما وقع أولا ويقضي ا ه. وستأتي هذه متنا. ثم قال في الفصل السابع: وقد اتفق أئمة الحنفية والشافعية على أنه يشترط لحصة الحكم واعتباره في حقوق العباد الدعوى الصحيحة وأنه لا بد في ذلك من الخصومة الشرعية، وإذا كان القاضي يعلم أن باطن الامر ليس كظاهره وأنه لا تخاصم ولا تنازع في نفس الامر بين المتداعيين ليس له سماع هذه الدعوى ولا يعتبر القضاء المترتب عليها ولا يصح الاحتيال لحصول القضاء بمثل، وأما إذا لم يعلم عذر ونفذ قضاؤه، ولعمري هذا شئ عمت به البلوى وبلغت شهرة اعتباره الغاية القصوى ا ه ملخصا ونقله المصنف في المنح بتمامه وأقره فراجعه، وكذا جزم به في فتاواه. تنبيه: بقي طريق ثبوت الحكم: أي بعد وقوعه، وعليه اقتصر في البحر فقال: له وجهان: أحدهما: اعترافه حيث كان مولى فلو معزولا فكواحد من الرعايا لا يقبل قوله إلا فيما في يده. الثاني: الشهادة على حكمه بعد دعوى صحيحة إن لم يكن منكرا، أما لو شهدا أنه قضى بكذا وقال لم أقض لا تقبل شهادتهما، خلافا لمحمد، ورجح في جامع الفصولين قول محمد لفساد قضاة الزمان ا ه. وسيأتي تمام الكلام عند قول المصنف ولم يعمل بقول معزول وقد ذكر في البحر فروعا كثيرا في أحكام القضاء يلزم الوقوف عليها. قوله: (وأهله أهل الشهادة) أهل الأول خبر مقدم والثاني مبتدأ مؤخر، لان الجملة الخبرية يحكم فيها بمجهول على معلوم فإذا علم زيد وجهل قيامه تقول زيد القائم، وإذا علم وجهل أنه زيد تقول القائم زيد، ولذا قالوا: لما كان أوصاف الشهادة أشهر عند الناس عرف أوصافه بأوصافها، ثم الضمير في أهله راجع إلى القضاء، بمعنى من يصح منه أو بمعنى من يصح توليته كما في البحر. وحاصله: أن شروط الشهادة من الاسلام والعقل والبلوغ والحرية وعدم العمى والحد في قذف شروط لصحة توليته، ولصحة حكمه بعدها، ومقتضاه أن تقليد الكافر لا يصح. وإن أسلم قال في البحر: وفي الواقعات الحسامية الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة، فإن الكفر لا ينافي ابتداء القضاء في إحدى الروايتين حتى لو قلد الكافر ثم أسلم هل يحتاج إلى تقليد آخر؟ فيه روايتان ا ه. قال في البحر: وبه علم أن تقليد الكافر صحيح، وإن لم يصح قضاؤه على المسلم حال كفره ا ه. وهذا ترجيح لرواية صحة التولية أخذا من كون الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة، خلافا لما مشى عليه المصنف في باب التحكيم من رواية عدم الصحة. وفي الفتح: قلد عبد فعتق جاز قضاؤه بتلك الولاية بلا حاجة إلى تجديد، بخلاف تولية صبي فأدرك. ولو قلد كافر فأسلم: قال محمد: هو على قضائه فصار الكافر كالعبد، الفرق أن كلا منهما له ولاية وبه مانع وبالعتق والاسلام يرتفع، أما الصبي فلا ولاية له أصلا. وما في الفصول: لو قال لصبي أو كافر إذا أدركت فصل بالناس أو اقض بينهم جاز، لا يخالف ما ذكر في الصبي لان هذا تعليق الولاية والمعلق معدوم قبل الشرط وما تقدم تنجيز ا ه. وبه ظهر أن الأولى كون المراد في مرجع الضمير من يصح منه القضاء لا من تصح توليته إلا أن يراد بها الكاملة وهي النافذة الحكم، وأما تولية الأطروش فسيذكرها الشارح. قوله: (ويرد عليه الخ) أي على ما في الحواشي من تقييده بالمسلمين، فكان عليه إسقاطه ليكون المراد أداءها على من يقضي عليه فيدخل الكافر، لكن التفسير بالأداء احتراز عن التحمل، لأنه يصح تحملها حالة الكفر والرق لا أداؤها فينافي ذلك، والتحقيق أن يقال كما يعلم مما قدمناه. إن كان المراد بمرجع الضمير من تصح توليته
493 يكون المراد بالشهادة تحملها فيدخل فيه العبد والكافر. نعم يخرج عنه الصبي لعدم ولايته أصلا، وإن كان المراد من يصح منه القضاء يكون المراد بالشهادة أداءها فقط، فيدخل فيه الكافر المولى على أهل الذمة فإنه يصح قضاؤه عليهم حالا، وكونه قاضيا خاصا لا يضر، كما لا يضر تخصيص قاضي المسلمين بجماعة معينين، لان المراد من يصح قضاؤه في الجملة، وعلى كل فالواجب إسقاط ذلك القيد، إلا أن يكون مراده تعريف القاضي الكامل. قوله: (ليحكم بين أهل الذمة) أي حال كفره، وإلا فقد علمت أن الكافر يصح توليته مطلقا لكن لا يحكم إلا إذا أسلم. مطلب في حكم القاضي الدرزي والنصراني تنبيه: ظهر من كلامهم حكم القاضي المنصوب في بلاد الدروز في القطر الشامي، ويكون درزيا ويكون نصرانيا فكل منهما لا يصح حكمه على المسلمين، فإن الدرزي لا ملة له كالمنافق والزنديق وإن سمى نفسه مسلما. وقد أفتى في الخيرية بأنه لا تقبل شهادته على المسلم. والظاهر أنه يصح حكم الدرزي على النصراني وبالعكس. تأمل. وهذا كله بعد كونه منصوبا من طرف السلطان أو مأموره بذلك، وإلا فالواقع أنه ينصبه أمير تلك الناحية، ولا أدري أنه مأذون له بذلك أم لا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لكن جرت العادة أن أمير صيدا يولي القضاء في تلك الثغور والبلاد، بخلاف دمشق ونحوها، فإن أميرها ليس له ذلك فيها بدليل أن لها قاضيا في كل سنة يأتي من طرف السلطان. ثم رأيت في الفتح قال: والذي له ولاية التقليد الخليفة والسلطان الذي نصبه الخليفة وأطلق له التصرف، وكذا الذي ولاه السلطان ناحية وجعل له خراجها وأطلق له التصرف، فإن له أن يولي ويعزل، كذا قالوا: ولا بد من أن يصرح له بالمنع أو يعلم بذلك بعرفهم، فإن نائب الشام وحلب في ديارنا يطلق لهم التصرف في الرعية والخراج ولا يولون القضاء ولا يعزلون ا ه. والله سبحانه أعلم. قوله: (وشرط أهليتها الخ) تكرار مع قوله: وأهله أهل الشهادة ا ه ح. والظاهر أن المصنف ذكر الجملة الأولى تبعا للكنز وغيره، ثم ذكر الثانية تبعا للغرر توضيحا وشرحا للأولى. وأما الجواب بأنه ذكرها ليرتب عليها قوله: والفاسق أهلها فغير مفيد، فافهم. قوله: (فلذا قيل الخ) علة للعلة. قوله: (والفاسق أهلها) سيأتي بيان الفسق والعدالة في الشهادات، وأفصح بهذه الجملة دفعا لتوهم من قال: إن الفاسق ليس بأهل للقضاء فلا يصح قضاؤه، لأنه لا يؤمن عليه لفسقه، وهو قول الثلاثة، واختاره الطحاوي. قال العيني: وينبغي أن يفتى به خصوصا في هذا الزمان ا ه. أقول: لو اعتبر هذا لا نسد باب القضاء خصوصا في زماننا، فلذا كان ما جرى عليه المصنف هو الأصح كما في الخلاصة، وهو أصح الأقاويل كما في العمادية. نهر. وفي الفتح: والوجه تنفيذ قضاء كل من ولاه سلطان ذو شوكة وإن كان جاهلا فاسقا وهو ظاهر المذهب عندنا، وحينئذ فيحكم بفتوى غيره ا ه. قوله: (لكنه لا يقلد وجوبا الخ) قال في البحر: وفي غير موضع ذكر الأولوية: يعني الأولى أن لا تقبل شهادته وإن قبل جاز. وفي الفتح: ومقتضى الدليل أن لا يحل أن يقضي بها، فإن
494 قضى جاز ونفذ ا ه. ومقتضاه الاثم، وظاهر قوله تعالى: * (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * (الحجرات: 6) أنه لا يحل قبولها قبل تعرف حاله، وقولهم بوجوب السؤال عن الشاهد سرا وعلانية طعن الخصم أولا في سائر الحقوق على قولهما المفتى به يقتضي الاثم بتركه لأنه للتعرف عن حاله حتى لا يقبل الفاسق. وصرح ابن الكمال بأن من قلد فاسقا يأثم، وإذا قبل القاضي شهادته يأثم ا ه. قوله: (به يفتى) راجع لما في المتن، فقد علمت التصريح بتصحيحه وبأنه ظاهر المذهب، وأما كون عدم تقليده واجبا ففيه كلام كما علمت، فافهم. قوله: (وقيده) أي قيد قبول شهادة الفاسق المفهوم من قابل ا ه ح. وعبارة الدرر: حتى لو قبلها القاضي وحكم بها كان آثما لكنه ينفذه وفي الفتاوي القاعدية: هذا إذا غلب على ظنه صدقه وهو مما يحفظ ا ه. قلت: والظاهر أنه لا يأثم أيضا لحصول التبين المأمور به في النص. تأمل. قال ط: فإن لم يغلب على ظن القاضي صدقه بأن غلب كذبه عنده أو تساويا فلا يقبلها: أي لا يصح قبولها أصلا، هذا ما يعطيه المقام ا ه. قوله: (واستثنى الثاني) أي أبو يوسف من الفاسق الذي يأثم القاضي بقبول شهادته، والظاهر أن هذا مما يغلب على ظن القاضي صدقه، فيكون داخلا تحت كلام القاعدية فلا حاجة إلى استثنائه على ما استظهرناه آنفا تأمل. قوله: (سيجئ تضعيفه) أي في الشهادات حيث قال: وما في القنية والمجتبى من قبول ذي المروءة الصادق فقول الثاني، وضعفه الكمال بأنه تعليل في مقابلة النص فلا يقبل، وأقره المصنف ا ه. قلت: قدمنا آنفا عن البحر أن ظاهر النص أنه لا يحل قبول شهادة الفاسق قبل تعرف حاله، فإذا ظهر للقاضي من حاله الصدق وقبله يكون موافقا للنص، إلا أن يريد بالنص قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * (الطلاق: 2) لكن فيه أن دلالته على عدم قبول العدل (1) إنما هي بالمفهوم، وهو غير معتبر عندنا ولا سيما هو مفهوم لقب، مع أن الآية الأولى تدل على قبول قوله: عند التبين عن حاله كما قلنا. تأمل. قوله: (وفي معروضات المفتي أبي السعود) أي المسائل التي عرضها على سلطان زمانه، فأمر بالعمل بها. قوله: (في وجود العدالة) هذا كان في زمنه، وقد وجد التساوي في عدمها الآن فلينظر من يقدم ط. قوله: (إذا كانت دنيوية) سيذكر تفسيرها عن شرح الشرنبلالي، واحترز بالدنيوية عن الدينية، فإن من عادى غيره لارتكابه ما لا يحل لا يتهم بأنه يشهد عليه بزور، بخلاف المعاداة الدنيوية، وعن هذا قبلت شهادة المسلم على الكافر، وإن كان عدوه من حيث الديانة، وكذا شهادة اليهودي على النصراني. قوله: (ولو قضى القاضي بها لا ينفذ) دفع به ما
(1) قوله: (على عدم قبول العدل) هكذا بخطه ولعله سقط من قلمه كلمة غير، والأصل عدم قبول غير العدل تأمل ا ه. مصححه. 495 يتوهم أنها مثل شهادة الفاسق فإنه تقدم أنه يصح قبولها، وإن أثم القاضي فشهادة العدو ليست كذلك، بل هي كما لو قبل شهادة العبد والصبي. قوله: (ذكره يعقوب باشا) أي في حاشيته على صدر الشريعة. وقال في الخيرية: والمسألة دوارة في الكتب. مطلب في قضاء العدو على عدوه قوله: (فلا يصح قضاؤه عليه) أي إذا كانت شهادة العدو على عدوه لا تقبل، ولو قضى بها القاضي لا ينفذ، يتفرع عليه أن القاضي لو قضى على عدوه لا يصح لما تقرر الخ، وبه سقط ما قيل إن ما ذكره عن اليعقوبية مكرر مع هذا، فافهم. تنبيه إذا لم يصح قضاؤه عليه فالمخلص إنابة غيره إذا كان مأذونا بالاستنابة، وسيأتي أنه يستنيب إذا وقعت له أو لولده حادثة. قوله: (قال) أي المصنف في المنح ونصه: ورأيت بموضع ثقة معزوا إلى بعض الفتاوى، وأظن أنها الفتاوى الكبرى للخاصي أن سجل العدو لا يقبل على عدوه كما لا تقبل شهادته عليه ا ه، فافهم، والظاهر أن المراد بالسجل كما قال ط: كتاب القاضي إلى قاض في حادثة على عدو للقاضي، وهو ما يأتي عن الناصحي. قوله: (ثم نقل) أي المصنف. قوله: (أنه لم ير نقلها) أي نقل مسألة قضاء القاضي على عدوه، وهذا الكلام ذكره عبد البر بن الشحنة في شرح الوهبانية عن ابن وهبان، فينبغي أن يكون قوله: لم ير نقلها مبنيا للمجهول. قوله: (وينبغي النفاذ) أي مطلقا سواء كان بعلمه أو بشهادة عدلين، وهذا البحث لشارح الوهبانية خالف فيه بحث ابن وهبان الآتي، وذكره عقبه بقوله: قلت بل ينبغي النفاذ مطلقا لو القاضي عدلا. قوله: (إن بعلمه لم يجز) أي بناء على القول بجواز قضاه القاضي بعلمه، والمعتمد خلافه، وعليه فلا خلاف بين كلامي ابن الشحنة وابن وهبان، فإن مؤدي كلاميهما نفوذ حكمه لو عدلا بشهادة العدول، قوله: (واعتمده الخ) المتبادر من النظم اعتماد الأول وهو بحث ابن الشحنة فيتعين عود الضمير إليه. قوله: (واختار بعض العلماء) هو ابن وهبان. قوله: (قلت لكن الخ) أصله للمصنف حيث قال: وقد غفل الشيخان: أي ابن وهبان وشارحه عبد البر عما اتفقت كلمتهم عليه في كتبهم المعتمدة من أن أهله أهل الشهادة، فمن صلح لها صلح له، ومن لا فلا، والعدو لا يصلح للشهادة على ما عليه عامة المتأخرين فلا يصلح للقضاء ا ه ط. قلت: ولم أر هذا الكلام في نسختي من شرح المصنف.
496 ثم اعلم أن مراد الشارح الاستدراك على كلام الشيخين وتأييد كلام المتن، فإن المصنف فرع عدم صحة القضاء على عدم قبول الشهادة، وهو مفهوم الكلية الواقعة في عبارات المتون وهي قولهم. وأهله أهلها، فإن مفهومها عكسها اللغوي، وهو أن من ليس أهلا لها لا يكون أهلا له، فلذا قال المصنف في متنه والعدو لا تقبل شهادته على عدوه فلا يصح قضاؤه عليه، ولما كان هذا إثباتا للحكم بالمفهوم، وفيه احتمال نقل الشارح أن مفهوم الكلية المذكورة مصرح به في عبارة الناصحي، فسقط الاحتمال واندفع بحث الشيخين وتأيد كلام المصنف، ولذا قال: وهو صريح أو كالصريح فيما اعتمده المصنف، ولكن بقي هاهنا تحقيق توفيق، وهو أنه ذكر في القنية أن العداوة الدنيوية لا تمنع قبول الشهادة ما لم يفسق بها، وأنه الصحيح وعليه الاعتماد، وأن ما في المحيط والواقعات، من أن شهادة العدو على عدوه لا تقبل اختيار المتأخرين، والرواية المنصوصة تخالفها وأنه مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: تقبل إذا كان عدلا. وفي المبسوط: إن كانت دنيوية فهذا يوجب فسقه فلا تقبل شهادته ا ه ملخصا. والحاصل: أن في المسألة قولين معتمدين: أحدهما: عدم قبولها على العدو، وهذا اختيار المتأخرين، وعليه صاحب الكنز والملتقى، ومقتضاه أن العلة العداوة لا الفسق، وإلا لم تقبل على غير العدو أيضا، وعلى هذا لا يصح قضاء العدو على عدوه أيضا. ثانيهما: أنها تقبل إلا إذا فسق بها، واختاره ابن وهبان وابن الشحنة، وإذا قبلت فبالضرورة يصح قضاء العدو على عدوه إذا كان عدلا، فلذا اختار الشيخان صحته، وبه علم أن من يقول بقبول شهادة العدو العدل يقول بصحة قضائه، ومن لا فلا، وأن ما ذكره الناصحي لا يعارض كلام الشيخين لاختلاف المناط، فاغتنم هذا التحقيق ودع التلفيق. قوله: (لا يعتمد على كتابه) هو المعبر عنه فيما سبق بالسجل ط. قوله: (فيما اعتمده المصنف) أي في متنه من إطلاق عدم القبول. قوله: (وبه أفتى محقق الشافعية الرملي) هذا غير ما نقله في شرح الوهبانية عن الرافعي عن الماوردي من جواز القضاء على العدو لا الشهادة عليه، لظهور أسباب الحكم وخفاء أسباب الشهادة ا ه. وهو وجيه، ولذا قيد ابن وهبان صحة القضاء بما إذا كان بشهادة العدول بمحضر من الناس كما مر لتنتفي التهمة بمعاينة أسباب الحكم، ويظهر لي أنه ينبغي أن يصح الحكم عندنا في هذه الصورة حتى على القول بعدم قبول شهادة العدو، فتأمل. قوله: (ومن خطه نقلت) الجار والمجرور متعلق بقوله: نقلت وقوله: أنه لو قضى الخ مفعول نقلت أو بدل من الضمير المجرور في قوله: وبه أفتى وجملة ومن خطه نقلت معترضة، أو هي خبر مقدم، وجملة أنه لو قضى الخ مبتدأ مؤخر، واقتصر ط على الأخير. قوله: (وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي الخ) أصله لناظمها ونقله العلامة عبد البر عنه ونصه: قال: أي ابن وهبان: وقد يتوهم بعض المتفقهة من الشهود أن من خاصم شخصا في حق أو ادعى عليه يصير عدوه، فيشهدون بينهما بالعداوة، وليس كذلك، وإنما ثبت بنحو الخ ا ه.
497 قلت: لكن قد علمت أن مختار ابن وهبان أن العداوة لا تمنع قبول الشهادة، إلا إذا فسق بها فعلم أنها قد تكون مفسقة وقد لا تكون، فقوله: وإنما تثبت الخ يريد به العداوة المانعة وهي المفسقة، ولا يخفى أن هذه تمنع القبول على العدو وعلى غيره، وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في الشهادات إن شاء الله تعالى. قوله: (ووصي) أي فيما أوصى عليه، وقوله: وشريك أي فيما هو من مال الشركة ط. قوله: (والفاسق لا يصلح مفتيا) أي لا يعتمد على فتواه، وظاهر قول المجمع لا يستفتى: أنه لا يحل استفتاؤه، ويؤيده قول ابن الهمام في التحرير: الاتفاق على حل استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد والعدالة أو رآه منتصبا والناس يستفتونه معظمين له، وعلى امتناعه إن ظن عدم أحدهما: أي عدم الاجتهاد أو العدالة كما في شرحه، ولكن اشتراط الاجتهاد مبني على اصطلاح الأصوليين أن المفتي المجتهد: أي الذي يفتى بمذهبه، وأن غيره ليس بمقت بل هو ناقل كما سيأتي، والثاني هو المراد هنا بدليل ما سيأتي من أن اجتهاده شرط الأولوية، ولان المجتهد مفقود اليوم. والحاصل: أنه لا يعتمد على فتوى المفتي الفاسق مطلقا. قوله: (وله في شرحه عبارات بليغة) حيث قال: إن أولى ما يستنزل به فيض الرحمة الإلهية في تحقيق الواقعات الشرعية طاعة الله عز وجل والتمسك بحبل التقوى، قال تعالى: * (واتقوا الله ويعلمكم الله) * (البقرة: 282) ومن اعتمد على رأيه وذهنه في استخراج دقائق الفقه وكنوزه وهو في المعاصي حقيق بإنزال الخذلان فقد اعتمد على ما لا يعتمد عليه * (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) * (النور: 04) ا ه. قوله: (وظاهر ما في التحرير) بل هو صريحه كما سمعت. قوله: (وبه جزم في الكنز) حيث قال: والفاسق يصلح مفتيا، وقيل لا، فجزم بالأول ونسب الثاني إلى قائله بصيغة التمريض، فافهم. قوله: (لا يجتهد الخ) هذا التعليل لا يظهر في زماننا، لأنه قد يعرض عن النص الضروري قصدا لغرض فاسد، وربما عورض بالنص فيدعي فساد النص ط. قوله: (حذار نسبة الخطأ) الأولى أن يقول: حذر لما في القاموس: وحذار حذار، وقد ينون الثاني: أي احذر ط. قوله: (وشرط بعضهم تيقظه) احترازا عمن غلب عليه الغفلة والسهو. قلت: وهذا شرط لازم في زماننا، فإن العادة اليوم أن من صار بيده فتوى المفتي استطال على خصمه وقهره بمجرد قوله: أفتاني المفتي بأن الحق معي والخصم جاهل لا يدري ما في الفتوى، فلا بد أن يكون المفتي متيقظا يعلم حيل الناس ودسائسهم، فإذا جاءه السائل يقرره من لسانه ولا يقول له إن كان كذا فالحق معك وإن كان كذا فالحق مع خصمك، لأنه يختار لنفسه ما ينفعه ولا يعجز عن إثباته بشاهدي زور، بل الأحسن أن يجمع بينه وبين خصمه، فإذا ظهر له الحق مع أحدهما كتب الفتوى لصاحب الحق، وليحترز من الوكلاء في الخصومات فإن أحدهم لا يرضى إلا بإثبات دعواه
498 لموكله بأي وجه أمكن، ولهم مهارة في الحيل والتزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل بصورة الحق، فإذا أخذ الفتوى قهر خصمه ووصل إلى غرضه الفاسد، فلا يحل للمفتي أن يعينه على ضلاله، وقد قالوا: من جهل بأهل زمانه فهو جاهل، وقد يسأل عن أمر شرعي وتدل القرائن للمفتي المتيقظ أن مراده التوصل به إلى غرض فاسد كما شهدناه كثيرا. والحاصل: أن غفلة المفتي يلزم منها ضرر عظيم في هذا الزمان، والله تعالى المستعان. قوله: (لا حريته الخ) أي فهو كالراوي لا كالشاهد والقاضي، ولذا تصح فتواه لمن لا تقبل شهادته له. قوله: (فيصح إفتاء الأخرس) أي حيث فهمت إشارته، بل يجوز أن يعمل بإشارة الناطق كما في الهندية. وأفاده عموم قول المصنف ويكتفي بالإشارة منه ط. قوله: (فالأصح الصحة) لأنه يفرق بين المدعي والمدعى عليه، وقيل لا يجوز، لأنه لا يسمع الاقرار فيضيع حقوق الناس، بخلاف الأصم، وهكذا فصل شارح الوهبانية، وينبغي أن الحكم كذلك في المفتي. فإن قلت: قد يفرق بينهما، بأن المفتي يقرأ صورة الاستفتاء ويكتب جوابه، فلا يحتاج إلى سماع. قلت: الظاهر من كلامهم عدم الاكتفاء بهذا في القاضي، مع أنه يمكن أن يكتب له جواب الخصمين فكذا في المفتي، ويمكن الفرق بأن القضاء لا بد له من صيغة مخصوصة بعد دعوى صحيحة فيحتاط فيه، بخلاف الافتاء فإنه إفادة الحكم الشرعي ولو بالإشارة فلا يشترط فيه السماع ا ه منح ملخصا. قلت: لا شك أنه إذا كتب له وأجاب عنه جاز العمل بفتواه، وأما إذا كان منصوبا للفتوى يأتيه عامة الناس ويسألونه من نساء وأعراب وغيرهم، فلا بد أن يكون صحيح السمع، لأنه لا يمكن كل سائل أن يكتب له سؤاله، وقد يحضر إليه الخصمان ويتكلم أحدهما بما يكون فيه الحق عليه لا له والمفتي لم يسمع ذلك منه فيفتيه على ما سمع من بعض كلامه فيضيع حق خصمه، وهذا قد شاهدته كثيرا فلا ينبغي التردد في أنه لا يصلح أن يكون مفتيا عاما ينتظر القاضي جوابه ليحكم به، فإن ضرر مثل هذا أعظم من نفعه، والله سبحانه أعلم. مطلب: يفتى بقول الامام على الاطلاق قوله: (ويفتي القاضي الخ) في الظهيرية: ولا بأس للقاضي أن يفتي من لم يخاصم إليه ولا يفتي أحد الخصمين فيما خوصم إليه ا ه بحر. وفي الخلاصة: القاضي هل يفتي؟ فيه أقاويل، والصحيح أنه لا بأس به في مجلس القضاء وغيره في الديانات والمعاملات ا ه. ويمكن حمله على من لم يخاصم إليه فيوافق ما في الظهيرية ومن ثم عولنا عليه في هذا المختصر. منح. وقد جمع الشارح بين العبارتين بهذا الحمل. وفي كافي الحاكم: وأكره للقاضي أن يفتي في القضاء للخصوم كراهة أن يعلم خصمه قوله: فيتحرز منه بالباطل ا ه. قوله: (وسيتضح) لعله أراد به مسألة التسوية. تأمل.
499 قوله: (على الاطلاق) أي سواء كان معه أحد أصحابه أو انفرد، لكن سيأتي قبيل الفصل أن الفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء لزيادة تجربته. قوله: (وهو الأصح) مقابله ما يأتي عن الحاوي وما في جامع الفصولين من أنه لو معه أحد صاحبيه أخذ بقوله: وإن خالفاه. قيل كذلك، وقيل يخير إلا فيما كان الاختلاف بحسب تغير الزمان كالحكم بظاهر العدالة وفيما أجمع المتأخرون عليه كالمزارعة والمعاملة فيختار قولهما. قوله: (وعبارة النهر الخ) أي لإفادة أن رتبة الحسن بعد زفر، بخلاف عبارة المصنف فإن عطفه بالواو يفيد أنهما في رتبة واحدة، وعبارة المصنف هي المشهورة في الكتب. قوله: (وصحح في الحاوي) أي الحاوي القدسي، وهذا فيما إذا خالف الصاحبان الامام، والمراد بقوة المدرك: قوة الدليل، أطلق عليه المدرك لأنه محل إدراك الحكم لان الحكم يؤخذ منه. قوله: (والأول أضبط) لان ما في الحاوي خاص فيمن له اطلاع على الكتاب والسنة وصار له ملكة النظر في الأدلة واستنباط الاحكام منها، وذلك هو المجتهد المطلق أو المقيد، بخلاف الأول فإنه يمكن لمن هو دون ذلك. قوله: (ولا يخير إلا إذا كان مجتهدا) أي لا يجوز له مخالفة الترتيب المذكور إلا إذا كان له ملكة يقتدر بها على الاطلاع على قوة المدرك، وبهذا رجع القول الأول إلى ما في الحاوي من أن العبرة في المفتي المجتهد لقوة المدرك. نعم فيه زيادة تفصيل سكت عنه الحاوي، فقد اتفق القولان على أن الأصح هو أن المجتهد في المذهب من المشايخ الذين هم أصحاب الترجيح، لا يلزمه الاخذ بقول الامام على الاطلاق، بل عليه النظر في الدليل وترجيح ما رجح عنده دليله، ونحن نتبع ما رجحوه واعتمدوه كما لو أفتوا في حياتهم كما حققه الشارح في أول الكتاب نقلا عن العلامة قاسم، ويأتي قريبا عن الملتقط أنه إن لم يكن مجتهدا فعليه تقليدهم واتباع رأيهم، فإذا قضى بخلافه لا ينفذ حكمه. وفي فتاوي ابن الشلبي: لا يعدل عن قول الإمام إلا إذا صرح أحد من المشايخ بأن الفتوى على قول غيره، وبهذا سقط ما بحثه في البحر من أن علينا الافتاء بقول الامام وإن أفتى المشايخ بخلافه، وقد اعترضه محشيه الخير الرملي بما معناه: أن المفتي حقيقة هو المجتهد، وأما غيره فناقل لقول المجتهد، فكيف يجب علينا الافتاء بقول الامام وإن أفتى المشايخ بخلافه ونحن إنما نحكي فتواهم لا غير ا ه وتمام أبحاث هذه المسألة حررناه في منظومتنا في رسم المفتي وفي شرحها، وقدمنا بعضه في أول الكتاب، والله الهادي إلى الصواب، فافهم. قوله: (معتمد مذهبه) أي الذي اعتمده مشايخ المذهب، سواء وافق قول الإمام أو خالفه كما قررناه آنفا. قوله: (وسيجئ) أي بعد أسطر عن الملتقط، وكذا في الفصل الآتي عند قوله: قضى في مجتهد فيه. قوله: (اعلم أن في كل موضع قالوا الرأي فيه للقاضي الخ) أقول: قد عد في الأشباه من المسائل التي فوضت لرأي القاضي إحدى عشرة مسألة، زاد محشيه الخير الرملي أربع عشرة مسألة أخرى ذكرها الحموي في حاشيته، ولحفيد المصنف الشيخ محمد ابن الشيخ صالح بن المصنف رسالة في ذلك سماها (فيض المستفيض في مسائل التفويض) فارجع إليها، ولكن بعض
500 هذه المسائل لا يظهر توقف الرأي فيها على الاجتهاد المصطلح، فليتأمل. وانظر ما نذكره في الفصل الآتي عند قوله: فيحبسه بما رأى قوله: (وإنما ينفذ القضاء الخ) هذا في القاضي المجتهد، أما المقلد فعليه العمل بمعتمد مذهبه علم فيه خلافا أو لا ا ه ط. وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة عند قول المصنف وإذا رفع إليه حكم قاض آخر نفذه. قوله: (وإذا أشكل الخ) قال في الهندية: وإن لم يقع اجتهاد على شئ وبقيت الحادثة مختلفة ومشكلة كتب إلى غير فقهاء مصره، فالمشاورة بالكتاب سنة قديمة في الحوادث الشرعية، فإن اتفق رأيهم على شئ ورأيه يوافقهم وهو من أهل الرأي والاجتهاد أمضى ذلك برأيه، وإن اختلفوا نظر إلى أقرب الأقوال عند من الحق إن كان من أهل الاجتهاد، وإلا أخذ بقول من هو أفقه وأورع عنده ا ه ط. قوله: (وقضى بما رآه صوابا) أي بما حدث له من الرأي والاجتهاد بعد مشاورتهم، فلا ينافي قوله: ولا رأى له فيه تأمل. قوله: (إلا أن يكون غيره) أي إلا أن يكون الشخص الذي أفتاه أقوى منه، فيجوز له أن يعدل عن رأي نفسه إلى رأي ذلك المفتي، لكن هذا إذا اتهم رأي نفسه. ففي الهندية عن المحيط: وإن شاور القاضي رجلا واحدا كفى، فإن رأى بخلاف رأيه وذلك الرجل أفضل وأفقه عنده لم تذكر هذه المسألة هنا. وقال في كتاب الحدود: لو قضى برأي ذلك الرجل أرجو أن يكون في سعة، وإن لم يتهم القاضي رأيه لا ينبغي أن يترك رأي نفسه ويقضي برأي غيره ا ه: أي لان المجتهد لا يقلد غيره. قوله: (واتباع رأيهم) أي إن اتفقوا على شئ وإلا أخذ بقول الأفقه والأورع عنده كما مر. قال في الفتح: وعندي أنه لو أخذ بقول الذي لا يميل إليه قلبه جاز، لان ذلك الميل وعدمه سواء، والواجب عليه تقليد مجتهد وقد فعل، أصاب ذلك المجتهد أو أخطأ ا ه. قلت: وهذا كله فيما إذا كان المفتيان مجتهدين واختلفا في الحكم، ومثله يقال في المقلدين فيما لم يصرحوا في الكتب بترجيحه واعتماده أو اختلفوا في ترجيحه، وإلا فالواجب الآن اتباع ما اتفقوا على ترجيحه أو كان ظاهر الرواية أو قول الإمام أو نحو ذلك من مقتضيات الترجيح التي ذكرناها في أول الكتاب وفي منظومتنا وشرحها. قوله: (في ظاهر الرواية) في البحر: ولا يشترط المصر على ظاهر الرواية، فالقضاء بالسواد صحيح، وبه يفتى، كذا في البزازية ا ه. وبه علم أن كلا من القولين معزو إلى ظاهر الرواية، وفيه تأمل. رملي على المنح. قوله: (وفي عقار الخ) في البحر: ولا يشترط أن يكون المتداعيان من بلد القاضي إذا كانت الدعوى في المنقول والدين، وأما في عقار لا في ولايته
501 فالصحيح الجواز كما في الخلاصة والبزازية، وإياك أن تفهم خلاف ذلك فإنه غلط. ا ه. مطلب في الكلام على الرشوة والهدية قوله: (أخذ القضاء برشوة) بتثليث الراء. قاموس. وفي المصباح: الرشوة بالكسر: ما يعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد. جمعها رشا مثل سدرة وسدر، والضم لغة، وجمعها: رشا بالضم ا ه. وفيه البرطيل بكسر الباء: الرشوة، وفتح الباء عامي. وفي الفتح: ثم الرشوة أربعة أقسام: منها ما هو حرام على الآخذ والمعطي وهو الرشوة على تقليد القضاء والامارة. الثاني: ارتشاء القاضي ليحكم وهو كذلك ولو القضاء بحق لأنه واجب عليه. الثالث: أخذ المال ليسوي أمره عند السلطان دفعا للضرر أو جلبا للنفع وهو حرام على الآخذ فقط، وحيلة حلها: أن يستأجره يوما إلى الليل أو يومين فتصير منافعه مملوكة ثم يستعمله في الذهاب إلى السلطان للامر الفلاني، وفي الأقضية قسم الهدية وجعل هذا من أقسامها فقال: حلال من الجانبين كالإهداء للتودد وحرام منهما كالإهداء ليعينه على الظلم وحرام على الآخذ فقط، وهو أن يهدي ليكف عنه الظلم، والحيلة أن يستأجره الخ قال: أي في الأقضية: هذا إذا كان فيه شرط، أما إذا كان بلا شرط لكن يعلم يقينا أنه إنما يهدي ليعينه عند السلطان فمشايخنا على أنه لا بأس به، ولو قضى حاجته بلا شرط ولا طمع فأهدى إليه بعد ذلك فهو حلال لا بأس به، وما نقل عن ابن مسعود من كراهته فورع. الرابع: ما يدفع لدفع الخوف من المدفوع إليه على نفسه أو ماله حلال للدافع حرام على الآخذ، لان دفع الضرر عن المسلم واجب ولا يجوز أخذ المال ليفعل الواجب ا ه ما في الفتح ملخصا. وفي القنية: الرشوة يجب ردها ولا تملك، وفيها دفع للقاضي أو لغيره سحتا لاصلاح المهم فأصلح ثم ندم يرد ما دفع إليه ا ه. وتمام الكلام عليها في البحر، ويأتي الكلام على الهدية للقاضي والمفتي والعمال. قوله: (للسلطان) صفة لرشوة: أي دفعها القاضي له، وكذا لو دفعها غيره كما في البحر عن البزازية. قوله: (أو ارتشى) المناسب إسقاطه، لأنه يغني عنه قوله: ولو كان عدلا مع ما فيه من الايهام كما تعرفه. قوله: (لا ينفذ حكمه) فيه إيهام التسوية بين المسألتين، مع أنه إذا أخذ القضاء بالرشوة لا يصير قاضيا، كما في الكنز. قال في البحر: وهو الصحيح ولو قضى لم ينفذ، وبه يفتى ا ه. ومثله في الدرر عن العمادية. وأما إذا ارتشى: أي بعد صحة توليته سواء ارتشى ثم قضى أو قضى ثم ارتشى كما في الفتح، فحكي في العمادية فيه ثلاثة أقوال: قيل إن قضاءه نافذ فيما ارتشى فيه وفي غيره. وقيل لا ينفذ فيه وينفذ فيما سواه، واختاره السرخسي. وقيل لا ينفذ فيهما. والأول اختاره البزدوي واستحسنه في الفتح، لان حاصل أمر الرشوة فيما إذا قضى بحق إيجاب فسقه، وقد فرض أنه لا يوجب العزل فولايته قائمة وقضاؤه بحق فلم لا ينفذ وخصوص هذا الفسق غير مؤثر، وغاية ما وجه أنه إذا ارتشى عامل لنفسه معنى والقضاء عمل لله تعالى ا ه. قال في النهر تبعا للبحر: وأنت خبير بأن كون خصوص هذا الفسق غير مؤثر ممنوع، بل يؤثر بملاحظة كونه عملا لنفسه، وبهذا يترجح ما اختاره السرخسي. وفي الخانية أجمعوا أنه إذا ارتشى لا ينفذ قضاؤه فيما ارتشى فيه ا ه.
502 قلت: حكاية الاجماع منقوضة بما اختاره البزدوي، واستحسنه في الفتح وينبغي اعتماده للضرورة في هذا الزمان وإلا بطلت جميع القضايا الواقعة الآن، لأنه لا تخلو قضية عن أخذ القاضي الرشوة المسماة بالمحصول قبل الحكم أو بعده فيلزم تعطيل الاحكام، وقد مر عن صاحب النهر في ترجيح أن الفاسق أهل للقضاء أنه لو اعتبر العدالة لا نسد باب القضاء فكذا يقال هنا، وانظر ما سنذكره في أول باب التحكيم. وفي الحامدية عن جواهر الفتاوي: قال شيخنا وإمامنا جمال الدين البزدوي: أنا متحير في هذه المسألة، لا أقدر أن أقول تنفذ أحكامهم لما أرى من التخليط والجهل والجراءة فيهم، ولا أقدر أن أقول لا تنفذ لان أهل زماننا كذلك، فلو أفتيت بالبطلان أدى إلى إبطال الاحكام جميعا، يحكم الله بيننا وبين قضاة زماننا، أفسدوا علينا ديننا وشريعة نبينا (ص)، لم يبق منهم إلا الاسم والرسم ا ه. هذا في قضاة ذلك الزمان، فما بالك في قضاة زماننا، فإنهم زادوا على من قبلهم باعتقادهم حل ما يأخذونه من المحصول بزعمهم الفاسد أن السلطان يأذن لهم بذلك، وسمعت من بعضهم أن المولى أبا السعود أفتى بذلك، وأظن أن ذلك افتراء عليه، وانظر ما سنذكره قبيل كتاب الشهادات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قوله: (ومنه الخ) أي من قسم أخذ القضاء بالرشوة، وهذا يسمى الآن مقاطعة والتزاما، بأن يكون على رجل قضاء ناحية فيدفع له آخر شيئا معلوما ليقضي فيها ويستقل بجميع ما يحصله من المحصول لنفسه، وذكر في الخيرية في شأنهم نظما يصرح بكفرهم. قوله: (لكن في الفتح الخ) استدراك على قوله: أو شفاعة. قوله: (أو بغيره) كزنا أو شرب خمر. قوله: (لأنها المعظم) أي معظم ما يفسق به القاضي. نهر. قوله: (استحق العزل) هذا ظاهر المذهب وعليه مشايخنا البخاريون والسمرقنديون، ومعناه أنه يجب على السلطان عزله. ذكره في الفصول، وقيل إذا ولي عدلا ثم فسق انعزل، لان عدالته مشروطه معنى، لان موليه اعتمدها فيزول بزوالها وفيه أنه لا يلزم من اعتبار ولايته لصلاحيته تقييدها به على وجه تزول بزواله. فتح ملخصا. قوله: (وقيل ينعزل وعليه الفتوى) قال في البحر بعد نقله: وهو غريب والمذهب خلافه. قوله: (ثم صلح) أي بالطاعة أو الاسلام ط. قوله: (فهو على قضائه) مخالف لما في البحر عن البزازية أربع خصال إذا حلت بالقاضي انعزل: فوات السمع أو البصر أو العقل أو الدين ا ه. لكن قال بعده، وفي الواقعات الحسامية: الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة، فإن المكفر لا ينافي ابتداء القضاء في إحدى الروايتين، ثم قال: وبه علمت أن ما مر على خلاف المفتى به. وفي الولوالجية: إذا ارتد أو فسق ثم صلح فهو على حاله، لان الارتداد فسق، وبنفس الفسق لا ينعزل، إلا أن ما قضى في حال الردة باطل ا ه. قلت: وظاهر ما في الولوالجية أن ما قضاه في حال الفسق نافذ وهو الموافق لما مر، إلا أن يراد بالفسق في عبارة الخلاصة: الفسق بالرشوة. تأمل. قوله: (واعتمده في البحر) فيه أن الذي اعتمده
503 في البحر هو قوله: فصار الحاصل أنه إذا فسق لا ينعزل وتنفذ قضاياه إلا في مسألة هي ما إذا فسق بالرشوة فإنه لا ينفذ في الحادثة التي أخذ بسببها. قال: وذكر الطرسوسي أن من قال باستحقاقه العزل قال بصحة أحكامه، ومن قال بعزله قال ببطلانها ا ه. قوله: (لكن في أول دعوى الخانية الخ) حيث قال كما في البحر: والوالي إذا فسق فهو بمنزلة القاضي يستحق العزل ولا ينعزل ا ه. وأنت خبير بأن هذا لا يخالف ما في الفتح، فافهم. مطلب: السلطان يصير سلطانا بأمرين نعم نقل في البحر عن الخانية أيضا من الردة أن السلطان يصير سلطانا بأمرين: بالمبايعة معه من الاشراف والأعيان، وبأن ينفذ حكمه على رعيته خوفا من قهره، فإن بويع ولم ينفذ فيهم حكمه لعجزه عن قهرهم لا يصير سلطانا، فإذا صار سلطانا بالمبايعة فجاز إن كان له قهر وغلبة لا ينعزل، لأنه لو انعزل يصير سلطانا بالقهر والغلبة فلا يفيد، وإن لم يكن له قهر وغلبة ينعزل ا ه. فكان المناسب الاستدراك بهذه العبارة الثانية ليفيد حمل ما في الفتح على ما إذا كان له قهر وغلبة. قوله: (وينبغي أن يكون الخ) ويكون شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف، لان القضاء من أهم أمور المسلمين، فكل من كان أعرف وأقدر وأوجه وأهيب وأصبر على ما يصيبه من الناس كان أولى، وينبغي للسلطان أن يتفحص في ذلك ويولي من هو أولى لقوله عليه الصلاة والسلام: من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين بحر. ومثله في الزيلعي، فقوله: وينبغي بمعنى يطلب: أي المطلوب منه أن تكون صفته هكذا، وقوله: كان أولى أي أحق، وهذا لا يدل على أن ذلك مستحب، فإن الحديث يدل على إثم السلطان بتوليته غير الأولى، فافهم. مطلب في تفسير الصلاح والصالح قوله: (موثوقا به) أي مؤتمنا من وثقت به أثق بكسرهما ثقة ووثوقا: ائتمنته، والعفاف: الكف عن المحارم وخوارم المروءة، والمراد بالوثوق بعقله كونه كامله، فلا يولي الأخف وهو ناقص العقل، والصلاح خلاف الفساد، وفسر الخضاف الصالح بمن كان مستورا غير مهتوك ولا صاحب ريبة، مستقيم الطريقة سليم الناحية كامن الأذى قليل السوء، ليس بمعاقر للنبيذ ولا ينادم عليه الرجال وليس بقذاف للمحصنات، ولا معروفا بالكذب، فهذا عندنا من أهل الصلاح ا ه. والمراد بعلم السنة ما ثبت عن رسول الله (ص) قولا وفعلا وتقريرا عند أمر يعاينه وبوجوه الفقه طرقه. بحر ملخصا. والأثر كما قال السخاوي لغة: البقية، واصطلاحا: الأحاديث مرفوعة أو موقوفة على المعتمد وإن قصره بعض الفقهاء على الثاني. مطلب في الاجتهاد وشروطه قوله: (والاجتهاد شرط الأولوية) هو لغة: بذل المجهول في تحصيل ذي كلفة، وعرفا: ذلك من الفقيه في تحصيل حكم شرعي. قال في التلويح: ومعنى بذل الطاقة أن يحس من نفسه العجز عن المزيد عليه، وشرطه الاسلام والعقل والبلوغ، وكونه فقيه النفس: أي شديد الفهم بالطبع، وعلمه
504 باللغة العربية وكونه حاويا لكتاب الله تعالى فيما يتعلق بالأحكام، وعالما بالحديث متنا وسندا وناسخا ومنسوخا، وبالقياس. وهذه الشرائط في المجتهد المطلق الذي يفتى في جميع الأحكام. وأما المجتهد في حكم دون حكم فعليه معرفة ما يتعلق بذلك الحكم، مثلا كالاجتهاد في حكم متعلق بالصلاة لا يتوقف على معرفة جميع ما يتعلق بالنكاح ا ه. ومراد المصنف هنا الاجتهاد بالمعنى الأول. نهر. قوله: (لتعذره) أي لأنه متعذر الوجود في كل زمن وفي كل بلد، فكان شرط الأولوية بمعنى أنه إن وجد فهو الأولى بالتولية، فافهم. قوله: (على أنه) متعلق بمحذوف: أي قلنا بالتعذر في كل زمن بناء على أنه الخ. قوله: (عند الأكثر) خلافا لما قيل إنه لا يخلو عنه زمن، وتمام ذلك في كتب الأصول. قوله: (فصح تولية العامي) الأولى في التفريع أن يقال: فصح تولية المقلد لأنه مقابل المجتهد، ثم إن المقلد يشمل العامي ومن له تأهل في العلم والفهم، وعين ابن الغرس الثاني قال: وأقله أن يحسن بعض الحوادث والمسائل الدقيقة، وأن يعرف طريق تحصيل الأحكام الشرعية من كتب المذهب، وصدور المشايخ وكيفية الايراد، والإصدار في الوقائع والدعاوي والحجج، ونازعه في النهر ورجح أن المراد الجاهل لتعليلهم بقولهم لان إيصال الحق إلى مستحقه يحصل بالعمل بفتوى غيره. قال في الحواشي اليعقوبية: إذ المحتاج إلى فتوى غيره هو من لا يقدر على أخذ المسائل من كتب الفقه وضبط أقوال الفقهاء ا ه. ونحوه في البحر عن العناية، وكذا رجحه ابن الكمال. قلت: وفيه للبحث مجال، فإن المفتي عند الأصوليين هو المجتهد كما يأتي، فيصير المعنى أنه لا يشترط في القاضي أن يكون مجتهدا لأنه يكفيه العمل باجتهاد غيره، ولا يلزم من هذا أن يكون عاميا، لكن قد يقال: إن الاجتهاد كما تعذر في القاضي تعذر في المفتي الآن، فإذا احتاج إلى السؤال عمن ينقل الحكم من الكتب يلزم أن يكون غير قادر على ذلك. تأمل. قوله: (المفتي يفتي بالديانة ) مثلا إذا قال رجل: قلت لزوجتي أنت طالق قاصدا بذلك الاخبار كاذبا، فإن المفتي يفتيه بعدم الوقوع، والقاضي يحكم عليه الوقوع لأنه يحكم بالظاهر، فإذا كان القاضي يحكم بالفتوى يلزم بطلان حكمه في مثل ذلك، فدل على أنه لا يمكنه القضاء بالفتوى في كل حادثة، وفيه نظر، فإن القاضي إذا سأل المفتي عن هذه الحادثة لا يفتيه بعدم الوقوع لأنه إنما سأله عما يحكم به، بلا بد أن يبين له حكم القضاء، فعلم أن ما في البزازية لا ينافي قولهم: يحكم بفتوى غيره. قوله: (في الدماء والفروج) أي وفي الأموال، لكن خصهما بالذكر لأنه لا يمكن فيهما الاستباحة بوجه، بخلاف المال، ولقصد التهويل فإن الحاكم الذي مجرى أحكامه في ذلك لا بد أن يكون عالما دينا. قوله: (كالكبريت الأحمر) معدن عزيز الوجود، والجار والمجرور متعلق بمحذوف على أنه حال أو خبر لمبتدأ محذوف. قوله: (وأين العلم) عبارة البزازية: وأين الدين والعلم. مطلب: طريق التنقل عن المجتهد قوله: (بل هو نقل كلام) وطريق نقله لذلك عن المجتهد أحد أمرين: إما أن يكون له سند
505 فيه، أو يأخذ من كتاب معروف تداولته الأيدي نحو كتب محمد بن الحسن، ونحوها من التصانيف المشهورة للمجتهدين. لأنه بمنزلة الخبر المتواتر المشهور، هكذا ذكر الرازي، فعلى هذا لو وجد بعض نسخ النوادر في زماننا لا يحل عزو ما فيها إلى محمد ولا إلى أبي يوسف، لأنها لم تشتهر في عصرنا في ديارنا ولم تتداول. نعم إذا وجد النقل عن النوادر مثلا في كتاب مشهور معروف كالهداية والمبسوط كان ذلك تعويلا على ذلك الكتاب. فتح. وأقره في البحر والنهر والمنح. قلت: يلزم على هذا أن لا يجوز الآن النقل من أكثر الكتب المطولة من الشروح أو الفتاوي المشهورة أسماؤها، لكنها لم تتداولها الأيدي حتى صارت بمنزلة الخبر المتواتر المشهور لكونها لا توجد إلا في بعض المدارس أو عند بعض الناس كالمبسوط والمحيط والبدائع، وفيه نظر، بل الظاهر أنه لا يلزم التواتر بل يكفي غلبة الظن بكون ذلك الكتاب هو المسمى بذلك الاسم بأن وجد العلماء ينقلون عنه، ورأي ما نقلوه عنه موجودا فيه أو وجد منه أكثر من نسخة، فإنه يغلب على الظن أنه هو، ويدل على ذلك قوله: إما أن يكون له سند فيه: أي فيما ينقله، والسند لا يلزم تواتره ولا شهرته، وأيضا قدمنا أن القاضي إذا أشكل عليه أمر يكتب فيه إلى فقهاء مصر آخر وأن المشاورة بالكتاب سنة قديمة في الحوادث الشرعية، ولا شك أن احتمال التزوير في هذا الكتاب اليسير أكثر من احتماله في شرح كبير بخط قديم، ولا سيما إذا رأى عليه خط بعض العلماء، فيتعين الاكتفاء بغلبة الظن، لئلا يلزم هجر معظم كتب الشريعة من فقه وغيره، لا سيما في مثل زماننا، والله سبحانه أعلم. قوله: (ولا يطلب القضاء) لما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث أنس قال: قال رسول الله (ص): من سأل القضاء وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه ينزل إليه ملك يسدده وأخرج البخاري: قال (ص): يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها وإذا كان كذلك وجب أن لا يحل له لأنه معلوم وقوع الفساد منه لأنه مخذول. فتح ملخصا. قوله: (بقلبه) أراد بهذا أن يفرق بين الطلب والسؤال، فالأول للقلب والثاني للسان كما في المستصفى، وتمامه في النهر. قوله: (في الخلاصة الخ) أفاد أنه كما لا يحل الطلب لا تحل التولية كما في النهر، وأن ذلك لا يختص بالقضاء بل كل ولاية ولو خاصة كولاية على وقف أو يتيم فهي كذلك كما في البحر. قوله: (إلا إذا تعين عليه القضاء الخ) استثناء مما في المتن ومما في الخلاصة، أما إذا تعين بأن لم يكن أحد غيره يصلح للقضاء وجب عليه الطلب صيانة لحقوق المسلمين، ودفعا لظلم الظالمين ولم أر حكم ما إذا تعين، ولم يول إلا بمال هل يحل بذله؟ وكذا لم أر جواز عزله، وينبغي أن يحل بذله للمال كما حل طلبه، وأن يحرم عزله حيث تعين، وأن لا يصح. بحر. قال في النهر: هذا ظاهر في صحة توليته، وإطلاق المصنف يعني قوله: ولو أخذ القضاء بالرشوة لا يصير قاضيا يرده. وأما عدم صحة عزله فممنوع. قال في الفتح: للسلطان أن يعزل القاضي بريبة، وبلا ريبة ولا ينعزل حتى يبلغه العزل ا ه. نعم لو قيل لا يحل عزله في هذه الحالة لم يبعد كالوصي العدل ا ه. قلت: أيضا حيث تعين عليه يخرج عن عهدة الوجوب بالسؤال فإذا منعه السلطان أثم بالمنع، لأنه إذا منع الأولى وولى غيره يكون قد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين كما مر في الحديث، وإذا منعه لم يبق واجبا عليه، فبأي وجه يحل له دفع الرشوة. وقد قال بعض علمائنا: إن
506 فرضية الحج تسقط بدفع الرشوة إلى الاعراب كما قدمناه في بابه، فهذا أولى كما لا يخفى. وأما صحة عزله فظاهرة لأنه وكيل عن السلطان، وإثمه بعزله لا يلزم منه عدم صحة العزل كالوصي العدل المنصوب من جهة القاضي، وأما المنصوب من جهة الميت، فالمعتمد عدم صحة عزله، لكن الفرق بينه وبين ما نحن فيه أن الوصي خليفة الميت فليس للقاضي عزله، وأما القاضي فهو خليفة عن السلطان وولايته مستمدة منه فله عزله كوصي القاضي، هذا ما ظهر لي. قوله: (أو كانت التولية مشروطة له) ذكره في النهر بحثا معللا بأنه حينئذ يطلب تنفيذ شرط الواقف ا ه. قلت: وهذا في الحقيقة ليس طالبا من القاضي أن يوليه، لأنه متول بالشرط، بل يريد إثبات ذلك في وجه من يعارضه، ومثله وصي الميت إذا أراد إثبات وصايته، وبهذا سقط قوله في البحر إن ظاهر كلامهم أنه لا تطلب التولية على الوقف ولو كانت بشرط الواقف له لاطلاقهم ا ه. قوله: (أو ادعى الخ) أي فإن له طلب العود من القاضي الجديد وحين ذلك يقول له القاضي أثبت إنك أهل للولاية ثم يوليه نص عليه الخصاف. نهر. قوله: (لخامل الذكر) هو بالخاء المعجمة غير المشهور. قوله: (ويختار المقلد) بصيغة اسم الفاعل، وقدمنا قبيل قوله: وشرط أهليتها عن الفتح من له ولاية التقليد، والظاهر أن هذا الاختيار واجب لئلا يكون خائنا لله ورسوله وعامة المؤمنين كما مر في الحديث. قوله: (ولا يكون فظا الخ) الفظ: هو الجافي سيئ الخلق، والغليظ: قاسي القلب، والجبار: من جبره على الامر، بمعنى أجبره: أي لا يجبر غيره على ما لا يريد، والعنيد: المعاند المجانب للحق المعادي لأهله. بحر عن مسكين. قوله: (لأنه خليفة رسول الله (ص)) أي في إمضاء الأحكام الشرعية. قوله: (أي أخذ القضاء) هذا يناسب كون العبارة التقلد. قال في البحر: وهما نسختان: أي في الكنز التقليد: أي النصب من السلطان، والتقلد: أي قبول تقليد القضاء وهي الأولى ا ه. وهي التي شرح عليها المصنف وقال أيضا إنها أولى. قلت: ويمكن إرجاع الأولى إلى الثانية بتقدير مضاف: أي قبول التقليد، وهو معنى قول الشارح أي أخذ القضاء. قوله: (لمن خاف الحيف) فلو كان غالب ظنه أنه يجوز في الحكم ينبغي أن يكون حراما. بحر. قوله: (أو العجز) يحتمل أن يراد به العجز عن سماع دعاوي كل الخصوم بأن قدر على البعض فقط، وأن يراد العجز عن القيام بواجباته من إظهار الحق وعدم أخذه الرشوة، فعلى الأول هو مباين، وعلى الثاني أعم. تأمل. قوله: (ابن كمال) أي نقلا عن القدوري. قوله: (وإن تعين له) أي مع خوف الحيف. قال في الفتح: ومحل الكراهة ما إذا لم يتعين عليه، فإن انحصر صار فرض عين عليه، وعليه ضبط نفسه، إلا إذا كان السلطان يمكن أن يفصل الخصومات ويتفرع لذلك ا ه. مطلب: للسلطان أن يقضي بين الخصمين وهذا صريح في أن للسلطان أن يقضي بين الخصمين، وقدمنا التصريح به عن ابن الغرس عند
507 قوله: وحاكم. قال الرملي: وفي الخلاصة وفي النوازل: أنه لا ينفذ. وفي أدب القاضي للخصاف: ينفذ وهو الأصح. وقال القاضي الامام: ينفذ، وهذا أصح، وبه يفتى ا ه. تنبيه: لو تعين عليه هل يجبر على القبول لو امتنع؟ قال في البحر: لم أره، والظاهر نعم، وكذا جواز جبر واحد من المتأهلين ا ه. لكن صرح في الاختيار بأن من تعين له يفترض عليه ولو امتنع لا يجبر عليه. قوله: (والتقلد) أي الدخول فيه عند الامن وعدم التعين. مطلب: ما كان فرض كفاية يكون أدنى فعله الندب قوله: (والترك عزيمة الخ) هو الصحيح كما في النهر عن النهاية، وبه جزم في الفتح معللا بأن الغالب خطأ ظن من ظن من نفسه الاعتدال، فيظهر منه خلافه، وقيل إن الدخول فيه عزيمة والامتناع رخصة، فالأولى الدخول فيه. قال في الكفالة: فإن قيل: إذا كان فرض كفاية كان الدخول فيه مندوبا لما أن أدنى درجات فرض الكفاية الندب كما في صلاة الجنازة ونحوها. قلنا: نعم ذلك، إلا أن فيه خطرا عظيما وأمرا مخوفا لا يسلم في بحره كل سابح، ولا ينجو منه كل طامح، إلا من عصمه الله تعالى وهو عزيز وجوده. مطلب: أبو حنيفة دعي إلى القضاء ثلاث مرات فأبى ألا ترى أن أبا حنيفة دعي إلى القضاء ثلاث مرات فأبى، حتى ضرب في كل مرة ثلاثين سوطا، فلما كان في المرة الثالثة قال: حتى أستشير أصحابي، فاستشار أبا يوسف فقال: لو تقلدت لنفعت الناس، فنظر إليه أبو حنيفة رحمه الله تعالى نظر المغضب وقال: أرأيت لو أمرت أن أعبر البحر سباحة أكنت أقدر عليه؟ وكأني بك قاضيا. وكذا دعي محمد رحمه الله إلى القضاء فأبى حتى قيد وحبس واضطر فتقلد ا ه. قوله: (ويحرم على غير الأهل) الظاهر أنه ليس المراد بالأهل هنا ما مر في قوله: وأهله أهل الشهادة لان المراد به من تصح توليته ولو فاسقا أو جائرا أو جاهلا مع قطع النظر عن حله أو حرمته، بل المراد به هنا ما مر في قوله: وينبغي أن يكون موثوقا به في عفافه وعقله الخ ويحتمل أن يراد به الجاهل. تأمل. وفي الفتح: وأخرج أبو داود عن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار. قوله: (ويجوز تقلد القضاء من السلطان العادل والجائز) أي الظالم، وهذا ظاهر في اختصاص تولية القضاء بالسلطان ونحوه كالخليفة، حتى لو اجتمع أهل بلدة على تولية واحد القضاء لم يصح، بخلاف ما لو ولوا سلطانا بعد موت سلطانهم كما في البزازية. نهر. وتمامه فيه. قلت: وهذا حيث لا ضرورة، وإلا فلهم تولية القاضي أيضا كما يأتي بعده. قوله: (ولو كافرا) في التاترخانية: الاسلام ليس بشرط فيه: أي في السلطان الذي يقلد، وبلاد الاسلام التي في أيدي الكفرة لا شك أنها بلاد الاسلام لا بلاد الحرب، لأنهم لم يظهروا فيها حكم الكفر والقضاة مسلمون والملوك الذين يطيعونهم عن ضرورة مسلمون، ولو كان عن غير ضرورة منهم ففساق، وكل مصر
508 فيه وال من جهتهم تجوز فيه إقامة الجمع والأعياد، وأخذ الخراج وتقليد القضاة وتزويج الأيامى لاستيلاء المسلم عليه، وأما إطاعة الكفر فذاك مخادعة. وأما بلاد عليها ولاة كفار فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد، ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين، فيجب عليهم أن يلتمسوا واليا مسلما منهم ا ه. وعزاه مسكين في شرحه إلى الأصل، ونحوه في جامع الفصولين. مطلب في حكم تولية القضاء في بلاد تغلب عليها الكفار وفي الفتح: وإذا لم يكن سلطان ولا من يجوز التقلد منه كما هو في بعض بلاد المسلمين غلب عليهم الكفار كقرطبة الآن، يجب على المسلمين أن يتفقوا على واحد منهم يجعلونه واليا فيولي قاضيا، ويكون هو الذي يقضي بينهم، وكذا ينصبوا إماما يصلي بهم الجمعة ا ه. وهذا هو الذي تطمئن النفس إليه فليعتمد. نهر. والإشارة بقوله: وهذا إلى ما أفاده كلام الفتح من عدم صحة تقلد القضاء من كافر على خلاف ما مر عن التاترخانية، ولكن إذا ولي الكافر عليهم قاضيا ورضيه المسلمون صحت توليته بلا شبهة. تأمل. ثم إن الظاهر أن البلاد التي ليست تحت حكم سلطان، بل لهم أمير منهم مستقل بالحكم عليهم بالتغلب أو باتفاقهم عليه يكون ذلك الأمير في حكم السلطان فيصح منه تولية القاضي عليهم. قوله: (ومن سلطان الخوارج وأهل البغي) تقدم الفرق بينهما في باب البغاة. قوله: (صح العزل) فإذا ولي سلطان البغاة باغيا وعزل العدل ثم ظهرنا عليهم احتاج قاضي أهل العدل إلى تجديد التولية. نهر. قوله: (نفذه) أي حيث كان موافقا أو مختلفا فيه كما في سائر القضاة، وهو مصرح به في فصول العمادي، ويدل بمفهومه على أن القاضي لو كان من البغاة فإن قضاياه تنفذ كسائر فساق أهل العدل، لان الفاسق يصلح قاضيا في الأصح، وذكر في الفصول ثلاثة أقوال فيه: الأول ما ذكرنا وهو المعتمد. الثاني عدم النفاذ، فإذا رفع إلى العادل لا يمضيه. الثالث حكمه حكم المحكم بمضية لو وافق رأيه وإلا أبطله ا ه بحر. قوله: (وبه جزم الناصحي) لكن قد علمت ما هو المعتمد. مطلب في العمل بالسجلات وكتب الأوقاف القديمة قوله: (فإذا تقلد طلب ديوان قاض قبله) في القاموس: الديوان ويفتح: مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية، وأول من وضعه عمر رضي الله تعالى عنه، جمعه دواوين ودياوين ا ه. فقوله مجتمع الصحف بمعنى قول الكنز: وهو الخرائط التي فيها السجلات والمحاضر وغيرها. والخرائط جمع خريطة شبه الكيس، وقول الشارح يعني السجلات تفسير بالمعنى الثاني، وقول البحر تبعا لمسكين إن ما في الكنز مجاز لان الديوان نفس السجلات والمحاضر لا الكيس فيه نظر، فافهم. والسجل لغة: كتاب القاضي، والمحاضر جمع محضر. وفي الدرر: أن المحضر ما كتب فيه ما جرى بين الخصمين من إقرار أو إنكار والحكم ببينة أو نكول على وجه يرفع الاشتباه، وكذا السجل، والصك: ما كتب فيه البيع والرهن والاقرار وغيرها، والحجة والوثيقة يتناولان الثلاثة ا ه. والعرف الآن ما كتب في الواقعة وبقي عند القاضي وليس عليه خطه، والحجة ما عليه علامة القاضي
509 أعلاه وخط الشاهدين أسفله وأعطى للخصم بحر ملخصا. وإنما يطلبه لان الديوان وضع ليكون حجة عند الحاجة فيجعل في يده من له ولاية القضاء، وما في يد الخصم لا يؤمن عليه التغيير بزيادة أو نقصان، ثم إن كانت الأوراق من بيت المال فلا إشكال في وجوب تسليمها إلى الجديد، وكذا لو من مال الخصوم أو من مال القاضي في الصحيح لأنهم وضعوها في يد القاضي لعمله، وكذا القاضي يحمل على أنه عمل ذلك تدينا لا تمولا، وتمامه في الزيلعي. تنبيه: مفاد قول الزيلعي: ليكون حجة عند الحاجة، ومثله في الفتح: أنه يجوز للجديد الاعتماد على سجل المعزول مع أنه يأتي أنه لا يعمل بقول المعزول. وفي الأشباه: لا يعتمد على الخط ولا يعمل بمكتوب الوقف الذي عليه خطوط القضاة الماضين. لكن قال البيري: المراد من قوله لا يعتمد: أي لا يقضي القاضي بذلك عند المنازعة، لان الخط مما يزور ويفتعل كما في مختصر الظهيرية وليس منه ما في الأجناس بنص، وما وجده القاضي بأيدي القضاة الذين كانوا قبله لها رسوم في دواوين القضاة أجريت على الرسوم الموجودة في دواوينهم، وإن كان الشهود الذين شهدوا عليها قد ماتوا. قال الشيخ أبو العباس: يجوز الرجوع في الحكم إلى دواوين من كان قبله من الامناء اه: أي لان سجل القاضي لا يزور عادة، حيث كان محفوظا عند الامناء، بخلاف ما كان بيد الخصم. وقدمنا في الوقف عن الخيرية أنه إن كان للوقف كتاب في سجل القضاة وهو في أيديهم اتبع ما فيه استحسانا إذا تنازع أهله فيه، وصرح أيضا في الإسعاف وغيره بأن العمل بما في دواوين القضاة استحسان، والظاهر أن وجه الاستحسان ضرورة إحياء الأوقاف ونحوها عند تقادم الزمان، بخلاف السجل الجديد لامكان الوقوف على حقيقة ما فيه بإقرار الخصم أو البينة، فلذا لا يعتمد عليه، وعلى هذا فقول الزيلعي: ليكون حجة عند الحاجة معناه: عند تقادم الزمان، وبهذا يتأيد ما قاله المحقق هبة الله البعلي في شرحه على الأشباه بعد ما مر عن البيري من أن هذا صريح في جواز العمل بالحجة، وإن مات شهودها حيث كان مضمونها ثابتا في السجل المحفوظ اه. لكن لا بد من تقييده بتقادم العهد كما قلنا توفيقا بين كلامهم، ويأتي تمام الكلام على الخط في باب كتاب القاضي، وانظر ما كتبناه في دعوى تنقيح الفتاوى الحامدية. قوله: (ونظر في حال المحبوسين إلخ) بأن يبعث إلى السجن من يعدهم بأسمائهم ثم يسأل عن سبب حبسهم، ولا بد أن يثبت عنده سبب وجوب حبسهم، وثبوته عند الأول ليس بحجة يعتمدها الثاني في حبسهم، لان قوله لم يبق حجة، كذا في الفتح. نهر. قوه: (وإلا أطلقه) أي إن لم يكن له قضية، وعبارة النهر عن كتاب الخراج لأبي يوسف: فمن كان منهم من أهل الدعارة والتلصص والجنايات ولزمه أدب أدبه، ومن لم يكن له قضية خلي سبيله. قوله: (أو قامت عليه بينة) أعم من أن تشهد بأصل الحق أو بحكم القاضي عليه. بحر. قوله: (ألزمه الحبس) أي أدام حبسه. بحر. قوله: (وقبيل الحق) قائله في الفتح حيث قال: من اعترف بحق ألزمه إياه ورده إلى السجن، واعترضه في البحر بأنه لو اعترف بأنه أقر عند المعزول بالزنا لا يعتبر لأنه بطل، بل يستقبل الامر فإن أقر أربعا في أربعة مجالس حده ا ه. وفي أن المتبادر من الحق حق العبد. قوله: (وإلا) أي وإن لم يقر بشئ ولم تقم عليه
510 بينة بل ادعى أنه حبس ظلما. نهر قوله: (نادى عليه) ويقول المنادي: من كان يطالب فلان بن فلان الفلاني بحق فليحضر. زيلعي. قوله: (فإن أبى) عن إعطاء الكفيل وقال: لا كفيل لي. بحر. قوله: (نادى عليه شهرا) أي يستأنفه بعد مدة المناداة الأولى. قوله: (في الودائع) أي ودائع اليتامى. نهر. قوله: (ببينة) أي يقيمها الوصي مثلا على من هي تحت يده أنها ليتيم فلان أو ناظر الوقف أن هذه الغلة لوقف فلان، وكأنه مبني على عرفهم من أن الكل تحت يد أمين القاضي، وفي زماننا أموال الأوقاف تحت يد نظارها وودائع اليتامى تحت يد الأوصياء، ولو فرض أن المعزول وضع ذلك تحت يد أمين عمل القاضي بما ذكر. نهر. قوله: (المولى) بتشديد اللام المفتوحة: أي القاضي الجديد. قوله: (درر) ومثله في الهداية وغيرها. قوله: (ومفاده) أي مفاد قوله: خصوصا بفعل نفسه وأصل البحث لصاحب البحر، وقد رأيته صريحا في كافي الحاكم ونصه: وإذا عزل عن القضاء ثم قال كنت قضيت لهذا على هذا بكذا وكذا لم يقبل قوله فيه، وإن شهد مع آخر لم تقبل شهادته حتى يشهد شاهدان سواه ا ه. ومثله في القهستاني عن المبسوط. قوله: (وتبعه ابن نجيم) أي في فتاواه، وأما ما ذكره في بحره فقد علمت موافقته لما في النهر، وعبارة فتاواه التي رتبها له تلميذه المصنف هكذا: سئل عن الحاكم إذا أخبر حاكما آخر بقضية هل يكتفي بإخباره، ويسوغ له الحكم بذلك أم لا بد من شاهد آخر معه؟ أجاب: لا يكتفي بإخباره ولا بد من شاهد آخر معه. قال المرتب لهذه الفتاوى: وقد تبع شيخنا في ذلك ما أفتى به الشيخ سراج الدين قارئ الهداية، ولا شك أن هذا قول محمد، وأن الشيخين قالا بقبول إخباره عن إقراره بشئ مطلقا إذا كان لا يصح رجوعه عنه، ورافقهما محمد ثم رجع عنه وقال: لا يقبل إلا بضم رجل آخر عدل إليه، وهو المراد بقول من روى عنه أنه لا يقبل مطلقا، ثم صح رجوعه قولهما كما في البحر، ثم قال: وأما إذا أخبر القاضي بإقراره عن شئ يصح رجوعه كالحد لم يقبل قوله بالاجماع، وإن أخبر عن ثبوت الحق بالبينة فقال قامت بذلك بينة وعدلوا أو قبلت شهادتهم على ذلك يقبل في الوجهين جميعا، انتهى كلامه. انتهى ما في الفتاوى. أقول: وحاصله أن القاضي لو أخبر عن إقراره رجل بما لا يصح رجوعه عنه كبيع أو قرض مثلا يقبل عندهما مطلقا، ووافقهما محمد أولا ثم رجع وقال: لا يقبل ما لم يشهد معه آخر، ثم صح رجوعه إلى قولهما بالقبول مطلقا كما لو أخبر عن حكمه بثبوت حق بالبينة، فعلى هذا لم يبق خلاف في قبول قول القاضي، ولا يخفى أن كلامنا في المعزول وهذا في المولى كما يعلم من شرح أدب القضاء وكذا مما سيأتي قبيل كتاب الشهادات عند قوله: ولو قال قاض عدل قضيت على هذا بالرجم الخ وبه يشعر أصل السؤال حيث عبر بالحاكم وعبارة قارئ الهداية كذلك، وبه علم أن الاستدراك على ما في النهر في غير محله. قوله: (فيقبل قوله) أي قول المعزول، وشمل ثلاث صور: ما إذا قال ذو اليد بعد إقرار بتسليم القاضي المعزول إليه إنها لزيد الذي أقر له المعزول، أو قال إنها لغيره، أو قال لا أدري. لأنه في هذه الثلاث ثبت بإقراره أنه مودع المعزول، ويد المودع كيده فصار كأنه في يد
511 المعزول فيقبل إقراره به كما في الزيلعي، بخلاف ما إذا أنكر ذو اليد التسليم فإنه لا يقبل قول المعزول كما في البحر. قوله: (فيسلم للمقر له الأول) لأنه لما بدأ بالاقرار صح إقراره ولزم لأنه أقر بما هو في يده، فلما قال دفعه إلى القاضي فقد أقر أن اليد كانت للقاضي يقر به لآخر فيصير هو بإقراره متلفا لذلك على من أقر له القاضي. فتح. ثم قال: فرع يناسب هذا: لو شهد شاهدان أن القاضي قضى لفلان على فلان بكذا وقال القاضي لم أقض بشئ لا تجوز شهادتهما عندهما ويعتبر قول القاضي. وعند محمد: تقبل وينفذ ذلك ا ه. وقدمنا عن البحر أنه في جامع الفصولين رجح قول محمد لفساد الزمان. قوله: (ويقضي في المسجد) وبه قال أحمد ومالك في الصحيح عنه خلافا للشافعي له أن القضاء بحضرة المشرك وهو نجس بالنص، وقد طال في الفتح في الاستدلال للمذهب ثم قال: وأما نجاسة المشرك ففي الاعتقاد على معنى التشبيه، والحائض يخرج إليها أو يرسل نائبه كما لو كانت الدعوى في دابة، وتمام الفروع فيه وفي البحر. قوله: (ويستدبر) أي ندبا كما في الذي قبله ط. مطلب في أجرة المحضر قوله: (وأجرة المحضر الخ) بضم أوله وكسر ثالثه: هو من يحضر الخصم، وعبارة البحر هكذا. وفي البزازية: ويستعين بأعوان الوالي على الاحضار وأجرة الاشخاص في بيت المال، وقيل على المتمرد في المصر من نصف درهم إلى درهم، وفي خارجه لكل فرسخ ثلاثة دراهم أو أربعة، وأجرة الموكل على المدعي وهو الأصح. وفي الذخيرة: أنه المشخص وهو المأمور بملازمة المدعى عليه ا ه. والاشخاص بالكسر بمعنى الاحضار، فقد فرق بين المحضر وبين الملازم، وهذا غير ما نقله الشارح، فتأمل. وفي منية المفتي: مؤنة المشخص قيل في بيت المال، وفي الأصح على المتمرد ا ه. وهذا ما في الخانية. والحاصل: أن الصحيح أن أجرة المشخص بمعنى الملازم على المدعي، وبمعنى الرسول المحضر على المدعى عليه لو تمرد بمعنى امتنع عن الحضور، وإلا فعلى المدعي. هذا خلاصة ما في شرح الوهبانية. قوله: (أو في داره) لان العبادة لا تتقيد بمكان، والأولى أن تكون الدار في وسط البلد كالمسجد. نهر. مطلب في هدية القاضي قوله: (ويرد هدية) الأصل في ذلك ما في البخاري، عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي (ص) رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا لي، قال عليه الصلاة والسلام: هلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدي له أم لا؟ قال عمر بن عبد العزيز: كانت الهدية على عهد رسول الله (ص) هدية واليوم رشوة. ذكره البخاري. واستعمل عمر أبا هريرة فقدم بمال، فقال له من أين لك هذا، قال تلاحقت الهدايا، فقال له عمر: أي عدو الله
512 هلا قعدت في بيتك فتنظر أيهدي لك أم لا؟ فأخذ ذلك منه، وجعله في بيت المال. وتعليل النبي (ص) دليل على تحريم الهدية التي سببها الولاية. فتح. قال في البحر: وذكر الهدية ليس احترازيا، إذ يحرم عليه الاستقراض والاستعارة ممن يحرم عليه قبول هديته كما في الخانية ا ه. قلت: ومقتضاه أنه يحرم عليه سائر التبرعات، فتحرم المحاباة أيضا ولذا قالوا له: أخذ أجرة كتابة الصك بقدر أجر المثل، فإن مفاده أنه لا يحل له أخذ الزيادة لأنها محاباة، وعلى هذا فما يفعله بعضهم من شراء الهدية بشئ يسير أو بيع الصك بشئ كثير لا يحل، وكذا ما يفعله بعضهم حين أخذ المحصول من أنه يبيع به الدافع دواة أو سكينا أو نحو ذلك لا يحل، لأنه إذا حرم الاستقراض والاستعارة فهذا أولى. قوله: (وهي الخ) عزاه في الفتح إلى شرح الأقطع. قوله: (وضعها في بيت المال) أي إلى أن يحضر صاحبها فتدفع له بمنزلة اللقطة كما في الفتح. قوله: (وفيها الخ) أي في التاترخانية، وهذا مخالف لما ذكره أولا فيها في حق الامام، ويؤيد الأول ما مر عن الفتح من أن تعليل النبي (ص) دليل على تحريم الهدية التي سببها الولاية، وكذا قوله: وكل من عمل للمسلمين عملا حكمه في الهدية حكم القاضي ا ه. مطلب في حكم الهدية للمفتي واعترضه في البحر بما ذكره الشارح عن التاترخانية وبما في الخانية من أنه يجوز للامام والمفتي قبول الهدية وإجابة الدعوة الخاصة، ثم قال: إلا أن يراد بالامام إمام الجامع: أي وأما الامام بمعنى الوالي فلا تحل الهدية فلا منافاة، وهذا هو المناسب للأدلة ولأنه رأس العمال، قال في النهر: والظاهر أن المراد بالعمل ولاية ناشئة عن الامام أو نائبه كالساعي والعاشر ا ه. قلت: ومثلهم مشايخ القرى والحرف وغيرهم ممن لهم قهر وتسلط على من دونهم، فإنه يهدى إليهم خوفا من شرهم أو ليروج عندهم، وظاهر قوله: ناشئة عن الامام الخ دخول المفتي إذا كان منصوبا من طرف الامام أو نائبه، لكنه مخالف لاطلاقهم جواز قبول الهدية له، وإلا لزم كون إمام الجامع والمدرس المنصوبين من طرف الامام كذلك، إلا أن يفرق بأن المفتي يطلب منه المهدي المساعدة على دعواه ونصره على خصمه فيكون بمنزلة القاضي، لكن يلزم من هذا الفرق أن المفتي لو لم يكن منصوبا من الامام يكون كذلك فيخالف ما صرحوا به من جوازها للمفتي، فإن الفرق بينه وبين القاضي واضح، فإن القاضي ملزم وخليفة عن رسول الله (ص) في تنفيذ الاحكام، فأخذه الهدية يكون رشوة على الحكم الذي يؤمله المهدي ويلزم منه بطلان حكمه، والمفتي ليس كذلك، وقد يقال: إن مرادهم بجوازها للمفتي إذا كانت لعلمه لا لإعانته للمهدي بدليل التعليل الذي نقله الشارح، فإذا كانت لإعانته صدق عليها حد الرشوة، لكن المذكور في حدها شرط الإعانة. وقدمنا عن الفتح عن الأقضية أنه لو أهداه ليعينه عند السلطان بلا شرط لكن يعلم يقينا أنه إنما يهدي ليعينه فمشايخنا على أنه لا بأس به الخ. وهذا يشمل ما إذا كان من العمال أو غيرهم.
513 وعن هذا قال في جامع الفصولين: القاضي لا يقبل الهدية من رجل لو لم يكن قاضيا لا يهدي إليه ويكون ذلك بمنزلة الشرط، ثم قال أقول: يحالفه ما ذكر في الأقضية الخ. قلت: والظاهر عدم المخالفة، لان القاضي منصوص على أنه لا يقبل الهدية على التفصيل الآتي، فما في الأقضية مفروض في غيره، فيحتمل أن يكون المفتي مثله في ذلك ويحتمل أن يكون، والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال. ولا شك أن عدم القبول هو المقبول. ورأيت في حاشية شرح المنهج للعلامة محمد الداودي الشافعي ما نصه: قال ع ش: ومن العمال مشايخ الأسواق والبلدان ومباشروا الأوقاف، وكل من يتعاطى أمرا يتعلق بالمسلمين انتهى. قال م ر في شرحه: ولا يلحق بالقاضي فيما ذكر المفتي والواعظ ومعلم القرآن والعلم، لأنهم ليس لهم أهلية الالزام، والأولى في حقهم إن كانت الهدية لأجل ما يحصل منهم من الافتاء والوعظ والتعليم عدم القبول ليكون علمهم خالصا لله تعالى، وإن أهدى إليهم تحببا وتوددا لعلمهم وصلاحهم فالأولى القبول. وأما إذا أخذ المفتي الهدية ليرخص في الفتوى: فإن كان بوجه باطل فهو رجل فاجر يبدل أحكام الله تعالى ويشتري بها ثمنا قليلا، وإن كان بوجه صحيح فهو مكروه كراهة شديدة انتهى هذا كلامه وقواعدنا لا تأباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وأما إذا أخذ لا ليرخص له بل لبيان الحكم الشرعي، فهذا ما ذكره أولا، وهذا إذا لم يكن بطريق الأجرة بل مجرد هدية، لان أخذ الأجرة على بيان الحكم الشرعي لا يحل عندنا، وإنما يحل على الكتابة لأنها غير واجبة عليه، والله سبحانه أعلم. قوله: (السلطان والباشا) عزاه في الأشباه إلى تهذيب القلانسي. قال الحموي: وفيه فصول، إذ لا يشمل القاضي الذي يتولى منه، وهو قاضي العسكر لقضاة الأقطار. وعبارة القلانسي: ولا يقبل الهدية إلا من ذي رحم محرم أو وال يتولى الامر منه أو وال مقدم الولاية على القضاء، ومعناه أنه يقبل الهدية من الوالي الذي تولى القضاء منه وكذا من وال مقدم عليه في الرتبة، فإنه يشمل القاضي الذي تولى منه والباشا، ووجهه أن منع قبولها إنما هو للخوف من مراعاته لأجلها، وهو إن راعى الملك ونائبه لم يراعه لأجلها. قوله: (المحرم) هذا القيد لا بد منه ليخرج ابن العم. نهر. قوله: (أو ممن جرت عادته بذلك) قال في الأشباه: ولم أر بماذا تثبت العادة ونقل الحموي عن بعضهم: إنها تثبت بمرة، ثم إن ظاهر العطف أن قبولها من القريب غير مقيد بجري العادة منه، وهو ظاهر إطلاق القدوري والهداية. وفي النهاية عن شيخ الاسلام أنه قيد فيه أيضا، وتمامه في النهر. قوله: (بقدر عادته) فلو زاد لا يقبل الزيادة. وذكر فخر الاسلام: إلا أن يكون مال المهدي قد زاد، فبقدر ما زاد ماله إذا زاد في الهدية لا بأس بقبولها، فتح. قال في الأشباه: وظاهر كلامه أنه زاد في القدر، فلو في المعنى كأن كانت عادته إهداء ثوب كتان فأهدى ثوبا حريرا لم أره لأصحابنا، وينبغي وجوب رد الكل لا بقدر ما زاد في قيمة لعدم تمييزها، ونظر فيه في حواشي الأشباه. تنبيه في الفتح: ويجب أن تكون هدية المستقرض للمقرض كالهدية للقاضي إن كان المستقرض له عادة قبل استقراضه فللمقرض أن يقبل منه قدر ما كان يهديه بلا زيادة ا ه. قال في البحر: وهو سهو، والمنقول كما قدمناه آخر الحوالة أنه يحل حيث لم يكن مشروطا مطلقا ا ه. وأجاب المقدسي بأن كلام المحقق في الفتح مبني على مقتضى الدليل. قوله: (ولا خصومة لهما)
514 فإن قبلها بعد انقطاع الخصومة جاز. ابن ملك. وذكره في النهر بحثا. وفي ط عن الحموي: إلا أن يكون ممن لا تتناهى خصوماته كنظار الأوقاف ومباشريها ا ه. قال في البحر: والحاصل أن من له خصومة لا يقبلها مطلقا، ومن لا خصومة له: فإن كان له عادة قبل القضاء قبل المعتاد، وإلا فلا ا ه: أي سواء كان محرما أو غيره على ما مر عن شيخ الاسلام. قوله: (دعوة خاصة) الدعوة إلى الطعام بفتح الدال عند أكثر العرب وبعضهم يكسرها كما في المصباح، فلو عامة له حضورها لولا خصومه لصاحبها كما في الفتح. قوله: (وهي الخ) هذا هو المصحح في تفسيرها، وقيل العامة دعوة العرس والختان وما سواهما خاصة. وقيل إن كانت لخمسة إلى عشرة فخاصة، وإن لأكثر فعامة، وتمامه في البحر والنهر. قوله: (وقيل هي كالهدية) ظاهر الفتح اعتماده، فإنه قال بعد الكلام: فقد آل الحال إلى أنه لا فرق بين القريب والغريب في الهدية والضيافة، وكذا قال في البحر: الأحسن أن يقال: ولا يقبل هدية ودعوة خاصة إلا من محرم أو ممن له عادة، فإن للقاضي أن يجيب الدعوة الخاصة من أجنبي له عادة باتخاذها كالهدية، فلو كان من عادته الدعوة له في كل شهر مرة فدعاه كل أسبوع بعد القضاء لا يجيبه، ولو اتخذ له طعاما أكثر من الأول لا يجيبه إلا أن يكون ماله قد زاد، كذا في التاترخانية. قوله: (ولا يجيب دعوة خصم) هو ما ذكره في شرح المجمع لابن ملك، وقدمناه عن الفتح، وقوله: وغير معتاد هو ما ذكره في السراج كما عزاه إليه المصنف في المنح، وهذا لا يناسب القيل المذكور قبله، لأنه يلزم أن تكون العامة كالخاصة، وهو خلاف تقييدهم المنع بالخاصة فقط. تأمل. قوله: (ويعود المريض) إلا أنه لا يطيل المكث عنده. بحر. قوله: (إن لم يكن لهما ولا عليهما دعوى) الذي في الفتح وغيره الاقتصار على ذكر المريض. تأمل. قوله: (ويسوي وجوبا بين الخصمين الخ) إطلاقه يعم الصغير والكبير والخليفة والرعية والدنئ والشريف والأب والابن والمسلم والكافر، إلا إذا كان المدعى عليه هو الخليفة ينبغي للقاضي أن يقوم من مقامه، وأن يجلسه مع خصمه، ويقعد هو على الأرض ثم يقضي بينهما، ولا ينبغي أن يجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، لان لليمين فضلا ولذا كان النبي (ص) يخص به الشيخين، بل المستحب باتفاق أهل العلم أن يجلسهما بين يديه كالمتعلم بين يديه معلمه، ويكون بعدهما عنه قدر ذراعين أو نحوهما، ولا يمكنهما من التربع ونحوه، ويكون أعوانه قائمة بين يديه. وأما قيام الاخصام بين يديه فليس معروفا، وإنما حدث لما فيه من الحاجة إليه والناس مختلفو الأحوال والأدب، وقد حدث في هذا الزمان أمور وسفهاء، فيعمل القاضي بمقتضى الحال، كذا في الفتح: يعني فمنهم من لا يستحق الجلوس بين يديه ومنهم من يستحق، فيعطي كل إنسان ما يستحقه. بقي ما لو كان أحدهما يستحقه دون الآخر وأبى الآخر إلا القيام لم أر المسألة، وقياس ما في الفتح أن القاضي لا يلتفت إليه. نهر. قوله: (وإقبالا) أي نظرا. قهستاني. والأولى تفسيره بالتوجيه إليه صورة أو معنى لئلا يتكرر بما بعده. قوله: (ويمتنع من مساواة أحدهما) أي يجتنب التكلم معه خفية، وكذا القائم بين يديه كما في الولوالجية، وهو الجلواز الذي يمنع الناس من التقدم إليه بل يقيمهم بين يديه على البعد ومعه سوط
515 والشهود يقربون. نهر. قوله: (والإشارة إليه) مستدرك بما قبله ط. قوله: (ورفع صوته عليه) ينبغي أن يستثني ما لو كان بسبب كإساءة أدب ونحوه. قوله: (لو فعل ذلك) أي الضيافة. وقال في النهر أيضا، وقياسه أنه لو سارهما أو أشار إليهما معا جاز. قوله: (ولا يمزح) أي يداعب في الكلام من باب نفع. قوله: (في مجلس الحكم) أما في غيره فلا يكثر منه لأنه يذهب بالمهابة. بحر. قوله: (عيني) عبارته: وعن الثاني في رواية والشافعي في وجه: لا بأس بتلقين الحجة ا ه. وظاهره ضعفها. بل ظاهر الفتح أن هذا في تلقين الشاهد لا الخصم كما يأتي. نعم في البحر عن الخانية: ولو أمر القاضي رجلين ليعلماه الدعوى والخصومة فلا بأس به خصوصا على قول أبي يوسف. قوله: (واستحسنه أبو يوسف) قال في الفتح، وعن أبي يوسف وهو وجه للشافعي: لا بأس به لمن استولته الحيرة أو الهيبة فترك شيئا من شرائط الشهادة فيعينه بقوله أتشهد بكذا وكذا بشرط كونه في غير موضع التهمة، أما فيها بأن ادعى المدعي ألفا وخمسمائة والمدعى عليه ينكر الخمسمائة وشهد الشاهد بألف فيقول القاضي يحتمل أنه أبرأ من الخمسمائة واستفاد الشاهد بذلك علما فوفق في شهادته كما وفق القاضي، فهذا لا يجوز بالاتفاق كما في تلقين أحد الخصمين ا ه ثم ذكر أن ظاهر الهداية ترجيح قول أبي يوسف ا ه. وحكاية الرواية في تلقين الشاهد والاتفاق في تلقين أحد الخصمين ينفي ما مر عن العيني. تأمل. قوله: (لزيادة تجربته) قدمنا عن الكفاية أن محمدا تولى القضاء أيضا، وذكر عبد القادر في طبقاته أن الرشيد ولاه قضاء الرقة ثم عزله وولاه قضاء الري ا ه. والظاهر أن مدته لم تطل، ولذا لم يشتهر بالقضاء كما اشتهر أبو يوسف، فلم يحصل له من التجربة ما حصل لأبي يوسف، لأنه كان قاضي المشرق والمغرب وزيادة التجربة تفيد زيادة علم. قال الحموي: قال مجد الأئمة الترجماني: والذي يؤيده ما ذكره في الفتاوى أن أبا حنيفة كان يقول: الصدقة أفضل من حج التطوع، فلما حج وعرف مشاقه رجع وقال: الحج أفضل ا ه. قوله: (حتى بالقلب) أي لم يحصل منه ميل قلبه إلى عدم التسوية بين الخصمين بقرينة الاستثناء. قوله: (قلت ومفاده الخ) قال في الفتح: والدليل عليه قضية شريح مع علي، فإنه قام وأجلس عليا مجلسه ا ه. قوله: (وسيجئ) أي في آخر باب كتاب القاضي. قوله: (بلسان لا يعرفه الآخر) لأنه كالمسارة. قوله: (أحكم بينكما) أي ويقولان: نعم احكم بيننا. قوله:
516 (لم يلزمه) أفاد أنه لو استأنف براءة لعرضه لا بأس به. قوله: (نسخة السجل) أي كتاب القاضي الذي فيه حكمه المسمى الآن بالحجة. قوله: (ألزمه القاضي بذلك) الظاهر أن الإشارة للعرض على العلماء، لان السجل: أي الحجة لو كان ملكه لا يلزمه دفعه للمقضى عليه. تأمل. قوله: (وفي الفتح الخ) حيث قال: وفي المبسوط ما حاصله: أنه ينبغي للقاضي أن يعتذر للمقضى عليه ويبين له وجه قضائه ويبين له أنه فهم حجته، ولكن الحكم في الشرع كذا يقتضي القضاء عليه فلم يمكن غيره، ليكون ذلك أدفع لشكايته للناس، ونسبته إلى أنه جار عليه ومن يسمع يخل فربما تفسد العامة عرضه وهو برئ، وإذا أمكن إقامة الحق مع عدم إيغار الصدور كان أولى ا ه. وفي الصحاح: الوغر: شدة توقد الحر، ومنه: قيل في صدره علي وغر بالتسكين: أي ضغن وعداوة وتوقد من الغيظ. قوله: (قصص الخصوم) جمع قصة، وهي بالفتح: الحصة، والمراد بها هنا: ورقة يكتب فيها قضيته مع خصمه ويسمى الآن عرض الحال. قوله: (لا) أي لان كلامه بلسانه أحسن من كتابته. قوله: (ولا يأخذ بما فيها) عبارة غيره. ولا يؤاخذ: أي لا يؤاخذ صاحبها بما كتبه فيها من إقرار ونحوه ما لم يقر بذلك صريحا، لأنه لا عبرة بمجرد الخط فافهم، والله سبحانه أعلم. فصل في الحبس هو من أحكام القضاء، إلا أنه لما اختص بأحكام كثيرة أفره بفصل على حدة. نهر. وهو لغة: المنع مصدر حبس كضرب.، ثم أطلق على الموضع وترجم المصنف له وزاد فيه مسائل أخر من أحكام القضاء ذكرها في الهداية في فصل على حدة، فكان الأولى أن يقول: في الحبس وغيره كما قال في باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره. قوله: (هو مشروع الخ) أراد أنه مشروع بالكتاب والسنة. زاد الزيلعي: والاجماع لان الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا عليه قوله: * (أو ينفوا من الأرض) * (المائدة: 33) فإن المراد بالنفي الحبس كما تقدم في قطاع الطريق ا ه ح. قوله: (وأحدث السجن علي) أي أحدث بناء سجن خاص فلا ينافي ما قالوا أيضا من أنه لم يكن في عهده (ص) وأبي بكر سجن، إنما كان يحبس في المسجد أو الدهليز حتى اشترى عمر رضي الله تعالى عنه دارا بمكة بأربعة آلاف درهم واتخذه محبسا. قوله: (من مدر) بالتحريك: قطع الطين اليابس
517 والحجارة كما في القاموس. قوله: (بفتح الياء) أي المثناة التحتية مشددة والعجب مما في البحر والنهر والمنح من ضبط بالتاء المثناة الفوقية، وقد ذكره في القاموس في الأجوف اليائي فقال: المخيس كمعظم السجن، وسجن بناه علي رضي الله تعالى عنه. قوله: (كيسا) قال في المصباح: الكيس وزان فلس: الظرف والفطنة. وقال ابن الاعرابي: العقل، ويقال إنه مخفف من كيس مثل هين وهين، والأول أصح لأنه مصدر من كأس كيسا من باب باع، وأما المثقل فاسم فاعل، والجمع أكياس مثل جيد وأجياد ا ه. وفي الفتح: الكيس: أي مخففا: حسن التأني في الأمور، والكيس المنسوب إليه الكيس ا ه. قوله: (وأمينا) أراد به السجان الذي نصبه فيه. فتح. وعليه فعطفه على ما قبله: نظير علفتها تبنا وماء باردا فيراد بقوله: بنيت اتخذت، وما قيل من أنه يصح كونه وصفا لمخيسا كالذي قبله لا يناسبه قول كيسا، فافهم. قوله: (صفته) الضمير للحبس بالمعنى المصدري، فلذا قال: أن يكون بموضع أي في موضع، فافهم. قوله: (ولا وطاء) على وزن كتاب المهاد الوطئ. مصباح. وفيه: والمهد والمهاد: الفراش. وفي القاموس عن الكسائي: إن الوطاء خلاف الغطاء. قلت: فإن أريد به المهاد الوطئ: أي اللين السهل فهو أخص مما قبله، وكذا إن أريد به ما ينام عليه، وهو خلاف الغطاء، قوله: (ومفاده) أي مفاد قوله: ليضجر. قوله: (ولا يمكن) بالبناء للمجهول مع التشديد. قوله: (ولا يمكثون عنده طويلا) أي بحيث يحصل له الاستئناس بهم، بل بقدر ما يحصل به المقصود من المشاورة. مطلب: لا تحبس زوجته معه لو حبسته قوله: (ومفاده) أي مفاد قوله: للاستئناس. وفي النهر: إذا احتاج للجماع دخلت عليه زوجته أو أمته إن كان فيه موضع سترة. وفيه دليل على أن زوجته لا تحبس معه لو كانت هي الحابسة له، وهو الظاهر ا ه. وأنت خبير بأن الاستدلال على المسألة بما قاله الشارح أولى مما في النهر، لأن عدم دخول أحد عليه للاستئناس أصرح بعدم حبسها معه، إذ في حبسها معه غاية الاستئناس له مع كون المقصود من ذلك الضجر ليوفي دينه، وإذا كانت هي الحابسة له وقلنا بجواز حبسها معه لا يحصل المقصود، بل يحصل ضده وهو ضجرها لتخرجه من الحبس حتى تخرج معه، ففي ذلك أيضا دليل على أنها لا تحبس معه لو هي الحابسة وليس فيما قاله في النهر ما يدل على ذلك أيضا، فلذا عدل الشارح عن كلام النهر: فقد ظهر أنه ليس في عدوله عنه خلل، بل الخلل في متابعته له فافهم. ثم إن الظاهر أن المقصود بهذا الرد على من قال إنها تحبس معه. وفي البحر عن الخلاصة: فإذا حبست المرأة زوجها لا تحبس معه. وفيه عن البزازية وغيرها: إذا خيف عليها الفساد استحسن المتأخرون أن تحبس معه ا ه.
518 وحاصله: أنها إذا حبسته وكانت من أهل الفساد ويخشى عليها فعل ذلك إذا لم يكن مراقبا لها يكون مظنة أن حبسها له لأجل ذلك لا لمجرد استيفاء حقها منه فله حبسها معه، أما إذا لم تكن كذلك فلا وجه لحبسها معه، وهذا محمل ما في الخلاصة. قوله: (من وطئ جاريته) وكذا زوجته كما مر، وقيل يمنع من ذلك لان الوطئ ليس من الحوائج الأصلية. فتح. قوله: (وفي الخلاصة يخرج بكفيل)، هذا هو الصواب في نقل عبارة الخلاصة، ونقل عنها في البحر: يخرج الكفيل فكأنه سقطت الباء من نسخته كما نبه عليه في النهر وكذا الرملي. وقال أيضا: والعجب أن البزازي وقع في ذلك فقال: وذكر القاضي أن الكفيل يخرج لجنازة الوالدين الخ. والذي في فتاوى القاضي: يعني قاضيخان: يخرج بالكفيل. قوله: (وعليه الفتوى) قال في الفتح: وفيه نظر لأنه إبطال حق آدمي بلا موجب. نعم إذا لم يكن له من يقوم بحقوق دفنه فعل ذلك. وسئل محمد عما إذا مات والده أيخرج؟ فقال لا ا ه. وحاصله: أن ما في الخلاصة مخالف لنص محمد رحمه الله تعالى. قال في البحر: وقد يدفع بأن نص محمد في المديون أصالة والكلام في الكفيل ا ه. وهذا بناء على ما وقع له في نسخة الخلاصة من التحريف على أنه لا يظهر الفرق بين المديون وكفيله كما قاله المصنف في المنح. قوله: (يخرج بكفيل) قال في الفتح: وإن لم يكن له خادم يخرج إن كان يموت بسبب عدم الممرض، ولا يجوز أن يكون الدين مفضيا للتسبب في هلاكه ا ه. ومقتضى التعليل أنه لم يجد كفيلا يخرج، لكن في المنح عن الخلاصة: فإن لم يجد كفيلا لا يطلقه. تأمل. قوله: (وإلا لا) أي وإن وجد من يخدمه لا يخرج، هكذا روي عن محمد، هذا إذا كان الغالب هو الهلاك، وعن أبي يوسف: لا يخرجه، والهلاك في السجن وغيره سواء. والفتوى على رواية محمد. منح عن الخلاصة. قوله: (لمعالجة) أي لمداواة مرضه لامكان ذلك في السجن. قوله: (قيل ولا يتكسب فيه) كذا في بعض النسخ، وفي أكثرها: بل ولا يتكسب فيه، وهي الصواب لان التعبير بقيل يفيد الضعف، وقد صرح في البحر وغيره بأن الأصح المنع، وفي شرح أدب القضاء عن السرخسي أنه الصحيح من المذهب، لان الحبس مشروع ليضجر، ومتى تمكن من الاكتساب لا يضجر، فيكون السجن له بمنزلة الحانوت. قوله: (ولو له ديون خرج ليخاصم ثم يحبس) فيه إشارة إلى أنه إذا ادعى عليه آخر بدين يخرج لسماع الدعوى، فإن أثبته بالوجه الشرعي أعيد في الحبس لأجلهما. سائحاني عن الهندية. قوله: (إذا امتنع عن كفارة) لان حق المرأة في الجماع يفوت بالتأخير. أشباه. واعترضه الحموي بأن حقها فيه قضاء في العمر مرة واحدة ا ه. قلت: هذه المرة لأجل انتفاء العنة والتفريق بها، وإلا فلها حق في الوطئ بعدها، ولذا حرم الايلاء منها، ويفرق بينهما بمضي مدته لأنه امتناع بسبب محظور، وكذا في الظهار لأنه منكر من
519 القول فلذا ظهر فيه المطالبة بالعود إليها، ويضرب عند الامتناع، وإن كان لا يضرب عنه الامتناع عنها بغير سبب. تأمل. قوله: (والانفاق على قريبه) بالجر عطفا على كفارة، وكذا قوله والقسم كما هو ظاهر فافهم، وهذا مخالف لما قدمه في النفقة من أنه إذا امتنع من الانفاق على القريب يضرب ولا يحبس، ومثله في القسم كما في بابه، لكن قدمنا في آخر النفقة أنه تابع البحر في نقل ذلك عن البدائع، وأن الذي في البدائع أنه يحبس سواء كان أبا أو غيره، بخلاف الممتنع من القسم فإنه يضرب ولا يحبس، وهو الموافق لما سيذكره المصنف متنا. وذكر في البحر أنهم صرحوا بأنه لو امتنع من التكفير مع قدرته يضرب وكذا لو امتنع من الانفاق على قريبه، بخلاف سائر الديون ا ه. قوله: (والضابط) أي لما يضرب فيه المحبوس، فإنه بالامتناع عما ذكر يفوت الواجب لا إلى خلف، فإن نفقة القريب تسقط بالمضي ولو مقضيا بها أو متراضي عليها وكذا الوطئ والقسم يفوتان بالمضي. قوله: (ما في الوهبانية) الشطر الثاني لشارحها غير فيه نظم الأصل. قوله: (وإن فر) أي من الحبس. قوله: (في العنت يذكر) أي إذا كان متعنتا لا يؤدي المال: قيل يطين عليه الباب ويترك له ثقبة يلقى له الخبز والماء، وقيل الرأي فيه للقاضي، وهو ما يذكره قريبا عن البزازية. قوله: (ولا يغل) أي لا يوضع له الغل بالضم وهو طوق من حديد يوضع في العنق جمعه أغلال كقفل وأقفال مصباح. وأما القيد فما يوضع في الرجل. قوله: (ولا يجرد) أي من ثيابه في الحبس. قوله: (وعن الثاني) عبارة النهر: ولا يؤجر خلافا لما عن الثاني. قوله: (لا قاضي فيها) بأن مات أو عزل. منح عن الجواهر قوله: (لازمه) ولا يمنعه عن الاكتساب والدخول إلى بيته لأنه لا ولاية له عليه، بخلاف القاضي لان له ولاية المنع والحبس وغيره. منح عن الجواهر. قوله: (قنية) عبارتها: ادعى على بنته مالا وأمر القاضي بحبسها فطلب الأب منه أن يحبسها في موضع آخر غير السجن حتى لا يضيع عرضه يجيبه القاضي إلى ذلك، وكذا في كل مدع مع المدعى عليه ا ه. قوله: (وأفتى المصنف الخ) ذكر في المنح عبارة قارئ الهداية ثم قال: ولا منافاة بين هذا وبين ما ذكرناه، لان القاضي يعين مكان الحبس عند عدم إرادة صاحب الحق أما لو طلب صاحب الحق مكانا فالعبرة في ذلك ا ه. قوله: (وإذا ثبت الحق للمدعي) أي عند القاضي كما في الهدية وغيرها، وظاهره أن المحكم لا يحبس. قال في البحر: ولم أره. نهر. لكن نقل
520 الحموي عن صدر الشريعة أن له الحبس. قوله: (ولو دانقا) في كافي الحاكم: ويحبس في درهم وفي أقل منه ا ه. ومثله في الفتح معللا بأن ظلمه يتحقق بمنع ذلك. قوله: (ببينة) أو بنكول. بحر عن القلانسي. قوله: (عجل حبسه) إلا إذا ادعى الفقر فيما يقبل فيه دعواه ط. قوله: (بطلب المدعي) ذكره قاضيخان وهو قيد لازم. منح. قوله: (لم يعجل حبسه) لان الحبس جزاء المماطلة، ولم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة، فلعله طمع في الامهال فلم يستصحب المال، فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله. هداية. قوله: (بل يأمره بالأداء ينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم يتمكن القاضي من أداء ما عليه بنفسه، كما إذا ادعى عينا في يد غيره أو وديعة له عنده وبرهن أنها هي التي في يده، أو دينا له عليه وبرهن على ذلك فوجد معه ما هو من جنس حقه، كان للقاضي أن يأخذ العين منه وما هو من جنس حقه، ويدفعه إلى المالك غير محتاج إلى أمره بدفع ما عليه، وقد قالوا: إن رب الدين إذا ظفر بجنس حقه له أن يأخذ، وإن لم يعلم به المديون فالقاضي أولى. نهر وتبعه الحموي وغيره ط. قلت: لكن كونه غير محتاج إلى أمره بالدفع فيه نظر، لان القاضي لا يتحقق له ولاية أخذ مال المديون، وقضاء دينه به إلا بعد الامتناع عن فعل المديون ذلك بنفسه، فكان المناسب ذكر هذا عند قوله: فإن أبى حبسه فيقال إنما يحبسه إذا لم يتمكن القاضي الخ فافهم. قوله: (فإن أبى حبسه) فلو قال أمهلني ثلاثة أيام لأدفعه إليك فإنه يمهل ولم يكن بهذا القول ممتنعا من الأداء ولا يحبس. شرح الوهبانية عن شرح الهداية. ومثله قول المصنف الآتي ولو قال أبيع عرضي وأقضي ديني الخ. قوله: (وعكسه السرخسي) وهو أنه إذا ثبت بالبينة لا يحبسه لأول وهلة، لأنه يعتذر بأني ما كنت أعلم أن علي دينا له بخلافه بالاقرار، لأنه كان عالما بالدين ولم يقضه حتى أحوجه إلى شكواه. فتح. قوله: (وسوى بينهما في الكنز) حيث قال: وإذا ثبت الحق للمدعي أمره بدفع ما عليه، فإن أبى حبسه. وعبارة متن الدرر أصرح، وهي: وإذا ثبت الحق على الخصم بإقراره أو ببينة أمره بدفعه الخ. وفي كافي الحاكم: ولا يحبس الغريم في أول ما يقدمه إلى القاضي، ولكن يقول له قم فإرضه، فإن عاد به إليه حبسه ا ه. قوله: (واستحسنه الزيلعي) حيث قال: والأحسن ما ذكره هنا: أي في الكنز فإنه يؤمر بالايفاء مطلقا، لأنه يحتمل أن يوفي فلا يعجل بحبسه قبل أن يتبين له حاله بالامر والمطالبة. قوله: (وهو المذهب عندنا) صرح بذلك في شرح أدب القضاء وقال: التسوية بينهما رواية. قلت: لكن سمعت عبارة كافي الحاكم، وهو الجامع لكتب ظاهر الرواية، إلا أن عبارته ظاهرها التسوية، فيمكن إرجاعها إلى ما في الهداية فلا ينافي قوله: وهو المذهب تأمل. قوله: (فليكن التوفيق) لم يظهر لنا وجهه، على أن ما نقله عن منية المفتي لم أجده فيها، بل عبارتها هكذا: ولا يحبسه في أول ما يتقدم إليه ويقول له قم فإرضه فإن عاد إليه حبسه ا ه. وهي عبارة الكافي المارة. ثم
521 رأيت بعضهم نبه على ما ذكرته. قوله: (ويحبس المديون الخ) اعلم أن المدعي إذا ادعى دينا وأثبته يؤمر المديون بدفعه، فإن أبى وطلب المدعى حبسه وهو غني يحبس، ثم إن كان الدين ثمنا ونحوه من الأربعة المذكورة في المتن وادعى المديون الفقر لا يصدق، لان إقدامه على الشراء ونحوه مما ذكر دليل على عدم فقره، فيحبس إلا إذا كان فقره ظاهرا كما سيأتي. وإن كان الدين غير الأربعة المذكورة وادعى الفقر فالقول له ولا يحبس إلى آخر ما سيجئ. تنبيه: أطلق المديون فشمل المكاتب والعبد المأذون والصبي المحجور، فإنهم يحبسون، لكن الصبي لا يحبس بدين استهلاك بل يحبس والده أو وصية، فإن لم يكونا أمر القاضي رجلا ببيع ماله في دينه، كذا في البزازية. بحر. قلت: وحبس والده أو وصية بدين الاستهلاك إنما هو حيث كان الصبي مال وامتنع الأب أو الوصي من بيعه، أما إذا لم يكن له مال فلا حبس كما يعلم من آخر العبارة، وهو ظاهر، والقول له إنه فقير لان دين الاستهلاك مما لا يحبس به إذا ادعى الفقر كما يأتي، وسيذكر الشارح آخر الباب نظما من لا يحبس وفيه تفصيل للثلاثة المذكورين. قوله: (في كل دين هو بدل مال) كثمن المبيع وبدل القرض، وقوله: أو ملتزم بعقد كالمهر والكفالة، وهو من عطف العام على الخاص، فلو اقتصر عليه كما وقع في بعض الكتب لا غناء عما قبه. زاد في البحر من القلانسي: وفي كل عين يقدر على تسليمها، وسيأتي في كلام الشارح. ثم اعلم أن هذه العبارة التي عزاها الشارح إلى الدرر والمجمع والملتقى أصلها للقدوري، عدل عنها صاحب الكنز إلى قوله: في الثمن والقرض والمهر المعجل وما التزمه بالكفالة وتبعه المصنف لوجهين نبه عليهما في النهر: الأول أن قوله: بدل مال يدخل فيه بدل المغصوب وضمان المتلفات، والثاني أن قوله: أو ملتزم بعقد يدخل فيه أيضا ما التزمه بعقد الصلح عن دم العمد والخلع مع أنه لا يحبس في هذه المواضع إذا ادعى الفقر ا ه. وصرح الشارح بعد أيضا بأنه لا يحبس فيها فكان عليه عدم ذكر هذه العبارة، لكن ما ذكره في النهر عن مسلم. أما الأول فلان المراد بدل مال حصل في يد المديون، كما سيأتي فيكون دليلا على قدرته على الوفاء بخلاف ما استهلكه من الغصب. وأما الثاني فلانه يحبس في الصلح والخلع كما تعرفه فالأحسن ما فعله الشارح تبعا للزيلعي ليفيد أن الأربعة التي في المتن غير قيد احترازي فافهم. لكن الشارح نقض هذا فيما ذكره بعد كما تعرفه. قوله: (مثل الثمن) شمل الثمن ما على المشتري وما على البائع بعد فسخ البيع بينهما بإقالة أو خيار، وشمل رأس مال السلم بعد الإقالة وما إذا قبض المشتري المبيع أولا. بحر. قوله: (كالأجرة) لأنها ثمن المنافع. بحر. فإن المنفعة وإن كانت غير مال لكنها تتقوم في باب الإجارة للضرورة. قوله: (ولو لذمي) يرجع إلى الثمن والقرض وكان المناسب ذكره عقب قوله: ويحبس المديون قال في البحر: أطلقه فأفاد أن المسلم يحبس بدين الذمي والمستأمن وعكسه ا ه. قوله: (والمهر المعجل) أي ما شرط تعجيله أو تعورف. نهر. قوله: (وما لزمه بكفالة) استثنى منه في الشرنبلالية كفيل أصله كما لو كفل أباه أو أمه: أي فإنه لا يحبس مطلقا لما يلزم عليه من حبس الأب معه، وفي كلام قدمناه في الكفالة. قوله: (ولو بالدرك) هو المطالبة بالثمن عند استحقاق المبيع وهذا ذكره في النهر أخذا من إطلاق الكفالة، ثم
522 قال: ولم أره صريحا. قوله: (أو كفيل الكفيل) بالنصب خبر لكان المقدرة بعد لو فهو داخل تحت المبالغة: أي ولو كان كفيل الكفيل فدخل تحت المبالغة الأصيل وكفيله. قال في البحر: وأشار المؤلف إلى حبس الكفيل والأصيل معا: الكفيل بما التزمه، والأصيل بما لزمه بدلا عن مال، وللكفيل بالامر حبس الأصيل إذا حبس، كذا في المحيط. وفي البزازية: يتمكن المكفول له من حبس الكفيل والأصيل وكفيل الكفيل وإن كثروا ا ه. قوله: (لأنه التزمه بعقد) أي لان الكفيل التزم المال بعقد الكفالة وكذا كفيله، وقوله: كالمهر أي فإن الزوج التزمه بعقد النكاح، فكل منهما وإن لم يكن مبادلة مال بمال لكنه ملتزم بعقد، والتعليل المذكور لثبوت حبسه بما ذكر وإن ادعى الفقر، فإن التزامه ذلك بالعقد دليل القدرة على الأداء، لان العاقل لا يلتزم ما لا قدرة له عليه فيحبس وإن ادعى الفقر لأنه كالمتناقض لوجوده دلالة اليسار وظهر به وجه حبسه أيضا بالثمن والقرض، لأنه إذا ثبت المال بيده ثبت غناه به. أفاد ذلك في الفتح وغيره. والأخير مبني على التمسك بالأصل، فإن الأصل بقاؤه في يده. قوله: (هذا هو المعتمد) الإشارة إلى ما في المتن من أنه يحبس في الأربعة المذكورة وإن ادعى الفقر، وهذا أحد خمسة أقوال: ثانيها: ما في الخانية: ثالثها: القول للمديون في الكل: أي في الأربعة وفي غيرها مما يأتي. رابعها: للدائن في الكل. خامسها: أنه يحكم الزي: أي الهيئة إلا الفقهاء والعلوية لأنهم يتزيون بزي الأغنياء وإن كانوا فقراء صيانة لماء وجههم، كما في أنفع الوسائل. مطلب: إذا تعارض ما في المتون والفتاوى فالمعتمد ما في المتون قوله: (خلافا لفتوى قاضيخان) حيث قال: إن كان الدين بدلا عن مال كالقرض وثمن المبيع فالقول للمدعي، وعلى الفتوى، وإن لم يكن بدل مال فالقول للمديون ا ه. وعليه فلا يحبس في المهر والكفالة. قال في البحر: وهو خلاف مختار المصنف تبعا لصاحب الهداية. وذكر الطرسوسي في أنفع الوسائل أنه: أي ما في الهداية المذهب المفتى به. فقد اختلف الافتاء فيما التزمه بعقد ولم يكن بدل، والعمل على ما في المتون، لأنه إذا تعارض ما في المتون والفتاوى فالمعتمد ما في المتون، كما في أنفع الوسائل، وكذا يقدم ما في الشروح على ما في الفتاوى ا ه. قلت: وما في الخانية نقل في أنفع الوسائل عن المبسوط أنه ظاهر الرواية. قوله: (نعم عده في الاختيار لبدل الخلع هنا خطأ) عده بالرفع مبتدأ، واللازم في لبدل متعلق به وخطأ خبر المبتدأ. وفي بعض النسخ: كبدل بالكاف وهو تحريف، وقوله: هنا أي فيما يكون القول فيه للمدعي كالمسائل الأربع، وعبارة الاختيار هكذا: وإن قال المدعي هو موسر وهو يقول أنا معسر، فإن كان القاضي يعرف يساره أو كان الدين بدل مال كالثمن والقرض أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة وبدل الخلع ونحوه حبسه، لأن الظاهر بقاء ما حصل في يده والتزامه يدل على القدرة الخ. ثم اعلم أن ما ذكره الشارح من التخطئة أصلها للطرسوسي في أنفع الوسائل، وتبعه في البحر والنهر وغيرهما وأقروه على ذلك وذلك غير وارد، وبيان ذلك أن الطرسوسي ذكر مسألة اختلاف
523 المدعي والمدعى عليه في الفقر وعدمه ونقل عبارات الكتب، منها كتاب اختلاف الفقهاء للطحاوي: أن كل دين أصله من مال وقع في يد المديون كأثمان البياعات والقروض ونحوها حبسه، وما لم يكن أصله كذلك كالمهر والخلع والصلح عن عدم العمد ونحوه لم يحبسه حتى يثبت ملاءته ا ه. ونقل نحوه عن متن البحر المحيط وغيره، وذكر عن السغناقي وغيره حكاية قول آخر أيضا، وهو أن كل دين لزمه يعقد فالقول فيه للمدعي، وكل دين لزمه حكما لا بمباشرة العقد فالقول فيه للمديون. قالوا: وهذا القول لا فرق فين بين ما ثبت بدلا عن مال أو لا ثم إن الطرسوسي قال: إن صاحب الاختيار أخطأ، حيث جعل بدل الخلع كالثمن والقرض في أن القول فيه للمدعي، وهو مخالف لما نقلناه عن اختلاف الفقهاء للطحاوي ومتن البحر المحيط وغيره، وأيضا فإن الخلع ليس بدلا عن مال، هذا حاصل كلامه. وإذا أمعنت النظر تعلم أنه كلام ساقط، فإن ما ذكره عن اختلاف الفقهاء ومتن البحر المحيط وغيره هو القول الذي مر عن قاضيخان، وما ذكره عن السغناقي وغيره هو الذي مشى عليه القدوري ونقله الشارح عن الدرر والمجمع والملتقى. فالقول الأول: اعتبر في كون القول للمدعي كون الدين بدلا عن مال حصل في يد المديون، ولم يعتبر كونه بعقد، ولا شك أن المهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد وإن كان بعقد لكنه ليس بدل مال فلا يكون القول فيه للمدعي بل للمديون فلا يحبس فيه. والقول الثاني: اعتبر كون الدين ملتزما بعقد سواء كان بدل مال أو غيره، ولا شك أن الخلع ملتزم بعقد كالمهر فيكون القول فيه للمدعي، والذين صرحوا بأن بدل الخلع لا يحبس فيه المديون هم أهل القول الأول فجعلوه كالمهر لكون كل منهما ليس بدل مال، وقد علمت أن صاحب الاختيار من أهل القول الثاني، فإنه اعتبر العقد كما قدمناه عنه، فلذا جعل القول للمدعي في المهر والكفالة والخلع، ويلزم منه أيضا أن يكون الصلح عن دم العمد كذلك لأنه بعقد، وحينئذ فاعتراض الطرسوسي على صاحب الاختيار بما حكاه أهل القول الأول ساقط، فإن صاحب الاختيار لم يقل بقولهم حتى يعترض عليه بذلك، بل قال بالقول الثاني كبقية أصحاب المتون، غير أنه زاد على المتون التصريح بالخلع لدخوله تحت العقد، وتبعه في الدرر. كيف وصاحب الاختيار إمام كبير من مشايخ المذهب، ومن أصحاب المتون المعتبرة، وأما الطرسوسي فلقد صدق فيه قول المحقق ابن الهمام: إنه لم يكن من أهل الفقه، فافهم واغنم تحقيق هذا الجواب فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، والحمد لله ملهم الصواب. ثم بعد مدة رأيت في مختصر أنفع الوسائل للزهيري ردا على الطرسوسي بنحو ما قلنا ولله الحمد. قوله: (لا يحبس في غيره) أي إن ادعى الفقر كما يأتي. قوله: (بدل خلع) الصواب إسقاطه كما علمت من أنه من القسم الأول. قوله: (ومغصوب) بالجر عطفا على خلع، وكذا ما بعده: أي وبدل مغصوب: أي إذا ثبت استهلاكه للمغصوب ولزمه بدله من القيمة أو المثل وادعى الفقر لا يحبس، لأنه وإن كان مال دخل في يده لكنه باستهلاكه لم يبق في يده حتى يدل على قدرته على الايفاء، بخلاف ثمن المبيع فإن المبيع دخل في يده، والأصل بقاؤه كما مر فلذا يحبس فيه، وبخلاف العين المغصوبة القادر على تسليمها، فإنه يحبس أيضا على تسليمها كما قدمه آنفا عن تهذيب القلانسي، فلا منافاة بينه وبين ما هنا. قال في أنفع الوسائل: وقولهم أو ضمان المغصوب معناه: إذا اعترف بالغصب وقال إنه فقير وتصادقا على الهلاك أو حبس لأجل العلم بالهلاك فإن القول للغاصب في العسرة، هكذا ذكره السغناقي وتاج الشريعة وحميد الدين الضرير ا ه. قوله: (ومتلف) أي وبدل ما أتلفه من أمانة ونحوها. قوله:
524 (ودم عمد) أي بدل الصلح عن دم عمد. قال في أنفع الوسائل: معناه أنه لو قتل مورثه عمدا فصالحه على مال فادعى أنه فقير يكون القول قول القاتل في ذلك لأنه ليس بدلا عن مال، وما صرح بهذه أحد سوى الطحاوي في اختلاف الفقهاء، وهو صحيح موافق للقواعد وداخل تحت قولهم عما ليس بمال ا ه. قال في البحر: ويشكل جعلهم القول فيه للمديون مع أنه التزمه بعقد ا ه. أقول: لا إشكال فيه، لان ذلك مبني على القول بعدم اعتبار العقد، وأن المعتبر هو كون الدين بدلا عن مال وقع في يد المديون كما علمته مما نقلناه سابقا من عبارة الطحاوي، وهذا القول هو الذي مر عن الخانية، وأما على القول الذي مشى عليه القدوري وصاحب الاختيار وغيرهما من أصحاب المتون من أن المعتبر ما كان بدلا عن مال أو ملتزما بعقد، وإن لم يكن بدلا عن مال، فلا شك في دخول هذه الصورة في العقد، فتكون على هذا القول من القسم الأول الذي يكون القول فيه للمدعي لأنها كالمهر، وإنما يشكل الامر لو صرح أحد من أهل هذا القول بأن بدل دم العمد يكون القول فيه للمديون، مع أنه لم يصرح بذلك أحد إلا الطحاوي القائل بالقول الأول، فعلمنا أنه مبني على أصله من أنه لا يعتبر العقد أصلا، فمعارضة أهل القول الثاني بهذا القول غير واردة والاشكال ساقط كما قررنا نظيره في مسألة الخلع، وبهذا ظهر أن الصواب إسقاط هذه الصورة أيضا وذكرها في القسم الأول. قوله: (وعتق حظ شريك) أي لو أعتق أحد شريكي عبد حصته منه بلا إذن الآخر واختار الآخر تضمينه فادعى المعتق الفقر فالقول له، لان تضمينه لم يجب بدلا عن مال وقع في يده، ولا ملتزما بعقد حتى يكون دليل قدرته، بل هو في الحقيقة ضمان إتلاف. قوله: (وأرش جناية) هذا وما بعده مرفوع عطفا على بدل لا على خلع المجرور، لان الأرش هو بدل الجناية، والمراد أرش جناية موجبها المال دون القصاص. قوله: (ونفقة قريب وزوجة) أي نفقة مدة ماضية مقضي بها أو متراض عليها، لكن نفقة القريب تسقط بالمضي إلا إذا كانت مستدانة بالامر، وسيذكر المصنف مسألة النفقة. قوله: (ومؤجل مهر) استشكله في البحر بأنه التزمه بعقد: أي فيكون من القسم الأول، لكن جوابه أنه لما علم عدم مطالبته به في الحال لم يدل على قدرته عليه، بخلاف المعجل شرطا أو عرفا. قوله: (قلت ظاهره ولو بعد طلاق) هذا هو المتعين، لأنه قبل الطلاق أو الموت لا يطالب به فكيف يتوهم حبسه به. قوله: (وفي نفقات البزازية الخ) الأنسب ذكر هذا عند قول المتن الآتي إلا أن يبرهن غريمه على غناه وعبارة البزازية كما في البحر: وإن لم يكن لها بينة على يساره وطلبت من القاضي أن يسأل من جيرانه لا يجب عليه السؤال، وإن سأل كان حسنا، فإن سأل فأخبره عدلان بيساره ثبت اليسار، بخلاف سائر الديون حيث لا يثبت اليسار بالاخبار، وإن قالا سمعنا أنه موسر أو بلغنا ذلك لا يقبله القاضي ا ه. قوله: (لكن الخ) فإن قوله: ما لم يثبت غناه المتبادر منه كونه بالشهادة، ويمكن أن يقال الثبوت في دين النفقة بالاخبار في غيره بالاشهاد، فعبارته غير معينة ط. قلت: لكن قول المصنف الآتي إلا أن يبرهن يقتضي عدم الفرق. نعم عبارة الكنز والهداية:
525 إلا أن يثبت، لكن قيده الزيلعي بالبينة. تأمل. قوله: (فالقول للمديون) أي فلا يحبس إن ادعى الفقر. قوله: (وأقره في النهر) وكذا في البحر، ووجهه ظاهر لانكاره ما يوجب حبسه. قوله: (لا يحبس في دين مؤجل) لأنه لا يطالب به قبل حلول الأجل. قوله: (وإن بعد) أي السفر بحيث يحل الاجل قبل قدومه. قوله: (وقدمنا في الكفالة) أي في آخرها، وقدمنا هناك ترجيح إلزامه بإعطاء كفيل فراجعه. قوله: (إن ادعى الفقر) قيد لقوله: لا يحبس في غيره. قوله: (إذ الأصل العسرة) لان الآدمي يولد فقيرا لا مال له، والمدعي يدعي أمرا عارضا، فكان القول لصاحبه مع يمينه ما لم يكذبه الظاهر، إلا أن يثبت المدعي بالبينة أن له مالا بخلاف ما تقدم، لأن الظاهر يكذبه. زيلعي. قوله: (أي على قدرته على الوفاء) أي ليس المراد بالغنى ملك النصاب لأنه يحبس فيما دونه. أفاده في الفتح. قوله: (ولو باقتراض) في البزازية: لو وجد المديون من يقرضه فلم يفعل فهو ظالم، وفي كراهية القنية: لو كان للمديون حرفة تفضى إلى قضاء دينه فامتنع منها لا يعذر ا ه. وكل من الفرعين ينبغي تخريجه على ما يقبل فيه قوله، فإذا ادعى في المهر المؤجل مثلا أنه معسر ووجد من يقرضه، أو كان له حرفة توفيه فلم يفعل حبسه الحاكم، لان الحبس جزاء الظلم، وأما ما لا يقبل فيه قوله فظلمه فيه ثابت قبل وجود من يقرضه. نهر. قوله: (أو بتقاضي غريمه) بأن كان له مال على غريم موسر. قال في البزازية: فإن حبس غريمه الموسر لا يحبس، وفيها: ولو كان للمحبوس مال في بلد آخر يطلقه بكفيل ا ه. قوله: (فيحبسه حينئذ) أي حين إذ قام البرهان على غناه في هذا القسم، وبمجرد دعوى المدعي غناه في القسم الأول كما مر. قوله: (ولو يوما) أخذه في البحر من ظاهر كلامهم. قوله: (هو الصحيح) صرح به في الهداية، لان المقصود من الحبس الضجر والتسارع لقضاء الدين وأحوال الناس فهي متفاوتة، ومقابله رواية تقديره بشهرين أو ثلاثة، وفي رواية بأربعة، وفي رواية بنصف حول. قوله: (لم أحبسه) أي ولو كان الدين ثمنا أو قرضا كما هو ظاهر الاطلاق، وهو أيضا مقتضى عبارة شرح الاختيار التي قدمناها. قوله: (ولو فقره ظاهرا الخ) أفاد أن قوله: فيحبسه بما يرى إنما هو حيث كان حاله مشكلا كما نبه عليه الشارح بعده. وفي شرح أدب القضاء قال محمد بعد ذكر التقدير: هذا إذا أشكل عن أمره أفقير أم غني وإلا سألت عنه عاجلا: يعني إذا كان ظاهر الفقر أقبل البينة على الافلاس وأخلى سبيله ا ه. قوله: (قال المديون) أي بما أصله ثمن ونحوه، إذ القسم الثاني القول فيه للمديون أنه معسر فلا يحتاج إلى تحليف الدائن. نعم يتأتى فيه أيضا
526 إذا أثبت يساره لكنه بعيد، إذ لا يحلف المدعي بعد البينة. تأمل. قوله: (قلت قدمنا الخ) تقييد لقول المصنف فيحبسه بما رأى وقدم الشارح ذلك عند قول المصنف قبل هذا الفصل ولا يخبر إذا لم يكن مجتهدا وقد تبع الشارح في هذا القهستاني. قال ح: أقول مثل هذا لا يتوقف على كون القاضي مجتهدا كما لا يخفى ا ه: أي فإن ما يقتضيه حال ذلك المديون من قدر مدة حبسه التي يظهر فيها أنه لو كان له مال لأظهره، يستوي في علم ذلك المجتهد وغيره بدون توقف على العلم باللغة والكتاب والسنة متنا وسندا كما لا يخفى، فالظاهر حمل ما قالوه فيما يفوض إلى رأي القاضي من الاحكام، والله سبحانه أعلم. قوله: (ثم بعد حبسه الخ) الظرف متعلق بقول المنصف الآتي سأل عنه وقوله: لو حاله مشكلا قيد لقوله: حبسه بما يراه وقوله: وإلا أي إن لم يكن مشكلا بأن كان فقره ظاهرا، وهذا كله يغني عنه ما قبله. قوله: (احتياطا لا وجوبا) قال شيخ الاسلام: لان الشهادة بالاعسار شهادة بالنفي فكان للقاضي أن لا يسأل ويعمل برأيه، ولكن لو سأل مع هذا كان أحوط. زيلعي. وقال في الفتح: وإلا فبعد مضي المدة التي يغلب ظن القاضي أنه لو كان له مال دفعه وجب إطلاقه إن لم يقم المدعي بينة يساره من غير حاجة إلى سؤال. قوله: (ويكفي عدل) والاثنان أحوط، وكيفيته أن يقول المخبر إن حاله حال المعسرين في نفقته وكسوته وحاله ضيقة، وقد اختبرنا حاله في السر والعلانية. بحر عن البزازية. وقيد سماع هذه الشهادة بما بعد الحبس ومضي المدة، لأنها قبل الحبس لا تقبل في الأصح كما يأتي، وكذا قبل المدة التي يراها القاضي كما سنذكره. قوله: (بغيبة دائن) أي يكفي ذلك في غيبة الدائن فلا يشترط لسماعها حضرته، لكن إذا كان غائبا سمعها وأطلقه بكفيل كما في البحر عن البزازية، وسيأتي مع زيادة: ما لو كان الدين لوقف أو يتيم. قوله: (وأما المستور الخ) فيه كلام يأتي قريبا. قوله: (ولا يشترط حضرة الخصم) يغني عنه قوله: بغيبة دائن. قوله: (إلا إذا تنازعا الخ) قال في النهر: وقيد في النهاية الاكتفاء بالواحد بما إذا لم تقع خصومة، فإن كانت كأن ادعى المحبوس الاعسار ورب الدين يساره فلا بد من إقامة البينة على الاعسار ا ه. ومثله في البحر. قلت: وهذا مشكل، فإن ما مر من الاكتفاء بعدل لا شك أنه عند المنازعة، إذ لو اعترف المدعي بفقر المحبوس أو اعترف المحبوس بغناه لم يحتج إلى سؤال ولا إلى إخبار، ثم رأيت في أنفع الوسائل نقل عبارة النهاية المادة بزيادة وهي: فإن شهدا بأنه معسر خلي سبيله، ولا تكون هذه شهادة على النفي فإن الاعسار بعد اليسار أمر حادث، فتكون شهادة بأمر حادث لا بالنفي ا ه. فأفاد أن هذه الخصومة بإعسار حادث، يعني إذا أراد حبسه فيما يكون القول فيه للمدعي بيساره أو في القسم الآخر، وبرهن على يساره بإرث من أبيه منذ شهر مثلا، وهو ادعى إعسارا حادثا فلا بد فيه من نصاب الشهادة، لأنها شهادة صحيحة لوقوعها على أمر حادث لا على النفي، بخلاف الشهادة على أنه معسر فإنها قامت على نفي اليسار الذي يحبس بسببه لا على إعسار حادث بعده، أو المراد إقامة البينة على إعسار بعد حبسه قبل تمام المدة التي يظهر فيها للقاضي عسرته، لكن سيأتي أن سماع البينة قبل المدة خلاف ظاهر الرواية، فتأمل.
527 قوله: (قلت لكنها الخ) استدراك على التقييد بالعدل في قوله: ويكفي عدل فقد نقل في أنفع الوسائل عن الخلاصة أنه يسأل عنه الثقات والواحد يكفي، ولا يشترط لفظ الشهادة، ثم نقل عبارة شيخ الاسلام المارة، ثم قال: فقوله: أي شيخ الاسلام: هذا ليس بواجب وهذا ليس بحجة، وأن للقاضي أن لا يسأل، يؤيد قولنا أنه لا يشترط العدالة في هذا الواحد، لأنها تشترط في أمر واجب أو في إثبات حجة شرعية، وإلا فلا فائدة في اشتراطها لان القاضي له إخراجه بلا سؤال أحد عنه الخ، وأراد بذلك الرد على الزيلعي حيث قيد بالعدل في قوله: والعدل الواحد يكفي، وإثبات أن المستور الواحد يكفي دون الفاسق، ثم قال: والأحسن عندي أن يقال: إن كان رأي القاضي موافقا لقول هذا المستور في العسرة يقبل، وإلا بأن لم يكن للقاضي رأي في عسرة المحبوس أو يسر به فيشترط كون المخبر عدلا ا ه. واستحسنه في النهر وغيره. قلت: قد رجع إلى ما قاله الزيلعي من حيث لا يشعر، وذلك أنه إذا كان للقاضي رأي في عسرته بأن ظهر له حاله لا يحتاج إلى شاهد أصلا، بل له إخراجه بلا سؤال، والأحوط السؤال من عدل ليتحقق به ما رآه القاضي ولا يكون بمجرد رأيه، ويظهر من كلام شيخ الاسلام المار وكذا من كلام الفتح الذي ذكرناه بعده أنه لا يلزمه العمل بقول ذلك العدل إذ خالف رأيه، وإذا وافق قول المخبر رأي القاضي لا شك أنه يعمل به، سواء كان المخبر عدلا أو فاسقا أو مستورا، فعلم أن كلام الزيلعي محمول على ما إذا لم يكن للقاضي رأي بدليل قوله في شرح أدب القضاء: وإذا مضت تلك المدة واحتاج القاضي إلى معرفة حاله سأل الثقات من جيرانه وأصدقائه الخ، فقوله واحتاج دليل أنه لا رأي له، فقد ظهر أنه في هذه الصورة تشترط العدالة كما اعترف به الطرسوسي. وفي الصورة الأولى لا تشترط عدالة ولا غيرها، وإلا لم يكن للقاضي العمل برأيه وإخراج المحبوس بلا سؤال، وبه ظهر سقوط هذا البحث من أصله، فافهم واغتنم هذا التحرير. قوله: (ولذا لم يجب السؤال) أي سؤال القاضي عن حال المحبوس، وإنما يسأل احتياطا كما مر. قوله: (فإن لم يظهر له مال خلاه) أي أطلقه من الحبس جبرا على الدائن. نهر. ثم إن إطلاقه بإخبار واحد لا يكون ثبوتا، حتى لا يجوز أن يقول هذا القاضي ثبت عندي أنه معسر، ولا ينقل ثبوته إلى قاض آخر، بل هذا يختص بهذا القاضي. أنفع الوسائل. وأقره في البحر والنهر. قوله: (ووقف) ذكره في البحر بحثا إلحاقا باليتيم. قوله: (فعلى القاضي القضاء به) أي إذا أبى المحبوس أن يخرج حتى يقضي بإفلاسه كما في البحر وغيره. قوله: (حتى لا يعيده الدائن ثانيا) أي قبل ظهور غناه. بحر. والظاهر أن المراد أن لا يعيده قاض آخر، لان الأول ظهر له حاله فكيف يعيده إلى الحبس، بل لا يعيده لا لهذا الدائن ولا لغيره حتى يثبت غناه كما هو صريح عبارة البزازية المذكورة، وأيضا إذا ثبت إعساره الحادث بشهادة تامة بعد خصومة كما مر فليس لقاض آخر حبسه ثانيا فيما يظهر لأنه يكون ثبوتا فيتعدى، بخلاف ما إذا أطلقه بإخبار واحد. تأمل. وقدم الشارح في الوقف في صور من ينتصب خصما من غيره عد منها المديون إذا أثبت إعساره
528 في وجه أحد الغرماء. قوله: (يريد تطويل حبسه) الظاهر أنه قيد باعتبار العادة، وإلا ففي غيبته تطويل حبسه وإن لم يرد ذلك، ولذا لم يقيد بذلك في عبارة الأشباه الآتية. أفاده ط. قوله: (وقدره) بالنصب عطفا على الضمير المنصوب في علمه. قوله: (أو كفيلا) أي بالمال أو النفس. قوله: (إلا إذا ثبت إعساره) المناسب إسقاط إلا وعطفه بأو، والمراد بالثبوت الظهور ولو برأي القاضي أو إخبار عدل كما مر. قوله: (أبيع عرضي) انظر ما فائدة التقييد بالعرض، فإن العقار كذلك فيما يظهر، وكذا لو قال أمهلني ثلاثا لأدفعه كما قدمناه عن شرح الوهبانية، وهذا أعم من أن يدفعه ببيع عرض أو عقار باستقراض أو استيهاب أو غير ذلك، ولا داعي إلى ما قاله المصنف في المنع من حمله على المقيد هنا كما لا يخفى. قوله: (لإبلاء الاعذار) أي لاختبار مدعيها، ويحتمل أن الهمزة للسلب، والإبلاء بمعنى الأفناء: أي لإزالة الاعذار: يعني أنه لا عذر له بعدها فالثلاثة تبلي الاعذار وتفنيها ط. قوله: (وسيجئ تمامه في الحجر) قال المصنف والشارح هناك: والقاضي يحبس الحر المديون ليبيع ماله لدينه وقضى دراهم دينه من دراهمه: يعني بلا أمره، وكذا لو كانا دنانير وباع دنانيره بدراهم دينه وبالعكس استحسانا لاتحادهما في الثمنية لا يبيع القاضي عرضه ولا عقاره للدين خلافا لهما وبه: أي بقولهما يبيعهما للدين يفتى. اختيار. وصححه في تصحيح القدوري ويبيع كل ما لا يحتاجه للحال ا ه. وحاصله: أنه إذا امتنع عن البيع يبيع عليه القاضي عرضه وعقاره وغيرهما. وفي البزازية: وفرع على صحة الحجر أنه يترك له دست من الثياب ويباع الباقي وتباع الحسنة ويشتري له الكفاية ويباع كانون الحديد ويشتري له من طين ويباع في الصيف ما يحتاجه للشتاء وعكسه. قوله: (ولم يمنع غرماءه عنه) عطف على قوله: خلاء وكان ينبغي ذكره عقبه. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية وهو الصحيح. بحر. مطلب في ملازمة المديون قوله: (فيلازمونه الخ) قال في أنفع الوسائل: وبعد ما خلى القاضي سبيله فلصاحب الدين أن يلازمه في الصحيح، وأحسن الأقاويل في الملازمة ما روي عن محمد أنه قال: يلازمه في قيامه وقعوده ولا يمنعه من الدخول على أهله ولا من الغداء والعشاء والوضوء والخلاء، وله أن يلازمه بنفسه وإخوانه وولده ممن أحب ا ه. وتمامه في البحر. قوله: (لا ليلا) لأنه ليس بوقت الكسب فلا يتوهم وقوع المال في يده، فالملازمة لا تفيد بحر عن المحيط. ويظهر منه أنه ليس له الملازمة في وقت لا يتوهم وقوع المال في يده فيه كما لو كان مريضا مثلا. تأمل. وأنه ليس له ملازمته ليلا على قصد الإضجار، لان الكلام فيما بعد ظهور عسرته وتخليته من الحبس والعلة في الملازمة إمكان قدرته على
529 الوفاء بعد تخليته فيلازمه كي لا يخفيه. قوله: (ويستأجر للمرأة مرأة تلازمها. منية) عبارة منية المفتي: ولو كان المدعى عليه امرأة قبل يستأجر امرأة تلازمها وقيل له أن يلازمها ويجلس معها ويقبض على ثيابها بالنهار، أما بالليل فتلازمها النساء، فإن هربت ودخلت خربة لا بأس أن يدخل الرجل إذا كان يأمن على نفسه في ذلك ويكون بعيدا منها ويحفظها بعينه ا ه. ونقل الثاني في البحر عن الواقعات معللا بأن له ضرورة في هذه الخلوة: أي الخلوة بالمرأة الأجنبية. قوله: (إلا لضرر) عبارة الهداية: إلا إذا علم القاضي أن بالملازمة يدخل عليه ضرر بين بأن لا يمكنه من دخول داره، فيحنئذ يحبسه دفعا للضرر ا ه. قلت: والظاهر أن هذا فيمن لم يظهر للقاضي عسرته بعد حبسه، وإلا فكيف يحبس ثانيا بلا ظهور غناه أو هو مفروض فيما قبل الحبس أصلا. قوله: (وكلفه في البزازية الكفيل بالنفس) الأولى بكفيل بالياء، وعبارة البزازية نقلا عن الإمام محمد: وإن في ملازمته ذهاب قوله وعياله أكفله أن يقيم كفيلا بنفسه ثم يخلى سبيله. قوله: (ولا يقبل برهانه على إفلاسه قبل حبسه الخ) هذا مقابل قوله ثم بعد حبسه سأل عنه، وقد اختلف التصحيح في هذه المسألة: ففي الخانية عن ابن الفضل أن الصحيح القبول، وفي شرح أدب القضاء أن الصحيح عدمه، وأن عليه عامة المشايخ. واختار في الخانية أنه مفوض إلى رأي القاضي، فإن رأى أنه لين يقبل، وإن علم أنه وقح لا. قال في أنفع الوسائل: وكأنه أراد بقوله: لين أن يعتذر إليه ويتلطف معه، وبقوله: وقح أن يقول لو قعدت في الحسن كذا وكذا، لا يحصل لك مني شئ وآخرتي أخرج على رغمك ونحو ذلك. ثم قال: وكان والدي يقول: ينبغي للقاضي إذا علم أن بينته عدول ممهدون في العدالة يقبل. قال: وهذا حسن أيضا وعملي عليه، لان العدل المتحري لا يشهد ما لم يقطع بفقره، بخلاف غيره ممن يحتاج إلى تزكية ولا يعرف القاضي تحريه ولا ديانته ا ه ملخصا. وبقي ما إذا برهن على إفلاسه بعد حبسه قبل مضي المدة، وفي الخانية لا يقبل في الروايات الظاهرة إلا بعد مضي المدة ا ه. ومشى الامام الخصاف في أدب القضاء على قبولها قبل مضي المدة. قوله: (وصححه عزمي زاده) ليس هو من أهل التصحيح ولكنه نقل عن الزيلعي أن عليه عامة المشايخ. قلت: وعليه الكنز وغيره، وعلمت التصريح بتصحيحه، وعلله الزيلعي بأنها بينة على النفي فلا تقبل ما لم تتأيد بمؤبد وهو الحبس، وبعده تقبل على سبيل الاحتياط لا على الوجوب كما بينا ا ه. قوله: (والمعول عليه رأيه) أي رأي القاضي. واعلم أن كلام النهر هنا غير محرر، فإنه قال بعد تعليل الزيلعي المذكور آنفا: والمعول عليه رأيه كما مر عن شيخ الاسلام، وهذا هو إحدى الروايتين وهو اختيار العامة وهو الصحيح. قال ابن الفضل: الصحيح أنها تقبل. وقال قاضيخان: ينبغي أن يكون مفوضا إلى رأي القاضي: إن علم يساره
530 لا يقبلها، وإن علم إعساره قبلها ا ه. وبقي ما إذا لم يعلم من حاله شيئا والظاهر أنه لا يقبلها ا ه ما في النهر. وفيه أن ما مر عن شيخ الاسلام هو ما قدمناه عنه في سؤال عن حالة المحبوس بعد تمام المدة وأنه لا يجب بل له أن يعمل بما يراه، ولا يخفى أن كلامنا هنا فيما قبل الحبس، وما نقله عن قاضيخان غير ما قدمناه عنه آنفا، ولا يخفى ما فيه، فإنه إذا علم إعساره وكان ظاهرا يسأل عنه عاجلا ويقبل بينته ويخلي سبيله كما قدمه الشارح والكلام هنا فيما إذا كان أمره مشكلا كما في البزازية، حيث قال: وإن كان مشكلا هل يقبل البينة قبل الحبس؟ فيه روايتان. مطلب بينة اليسار أحق من بينة الاعسار عند التعارض قوله: (وبينة يساره أحق الخ) هذا ظاهر فيما يكون فيه القول للمديون إنه فقير، لان البينة لاثبات خلاف الظاهر وذلك في بينة اليسار. أما القسم الأول وهو ما يكون القول فيه للمدعي بأن كان الدين ملتزما بمقابلة مال أو بعقد فلا يظهر، لان الأصل فيه اليسار، بل الظاهر تقدم بينة الاعسار لإثباتها خلاف الظاهر، ولم أر من فصل بل كلامهم هنا مجمل، فليتأمل. قوله: (لان اليسار عارض) فإن الآدمي يولد ولا مال له كما مر، لكن إذا تحقق دخول المبيع في يده صار اليسار هو الأصل فينبغي ترجيح بينة الاعسار كما قلنا. تأمل. قوله: (نعم لو بين الخ) عبارة الفتح هكذا: وكلما تعارضت بينة اليسار والاعسار قدمت بينة اليسار لان معها زيادة علم، اللهم إلا أن يدعي أنه موسر وهو يقول أعسرت من بعد ذلك وأقام بذلك بينة فإنها تقدم، لان معها علما بأمر حادث وهو حدوث ذهاب المال ا ه. قال في البحر: والظاهر أنه بحث منه، وليس بصحيح لجواز حدوث اليسار بعد إعساره الذي ادعاه ا ه ورده المقدسي بقوله: وهذا تجر من غير تحر (1) ا ه. قلت: ووجهه أولا منع كونه بحثا بل ظاهر كلام الفتح أنه منقول، كيف وهو موافق لما قدمناه عن أنفع الوسائل عن النهاية عند قول الشارح إلا إذا تنازعا وثانيا ما قاله في النهر: من أنه ينبغي أن يكون معناه أنه بين سبب الاعسار وشهدوا به، وما في البحر مدفوع بأنهم لم يشهدوا بيسار حادث، بل بما هو سابق على الاعسار الحادث، وبينة الاعسار تحدث أمرا عارضا ا ه. لكن يظهر لي أن بيان سبب الاعسار غير لازم، بل يكفي قولهم إنه أعسر بعد ذلك. تأمل. تنبيه: قال البيري وفي أوضح رمز ناقلا عن المستصفى: واعلم أن بينة الاعسار إنما تقبل إذا قالوا إنه كثير العيال وضيق الحال، أما إذا قالوا لا مال له لا تقبل ا ه. قوله: (فتقدم) الأولى حذف الفاء ط. قوله: (قبلت) لان المقصود منها دوام الحبس عليه. بحر عن البزازية. قوله: (وإلا الخ) أي بأن بينوا مقدار ما يملك لم يمكن قبولها. قوله: (لأنها قامت للمحبوس الخ) أي على إثبات ملكه لقدر
(1) قوله: (وهذا تجر من غير تحر) الأول بالجيم من الجراءة وهي الاقدام على الشئ بلا ترو والثاني بالحاء المهملة وهو طلب الامر الأحرى اي الأوفق ا ه. منه. 531 معين. قال في القنية: وقولهم: أي الشهود إنه موسى كذلك فيقبل ا ه. قلت: وحاصله أن الشهود لو قالوا إنه يملك الشئ الفلاني مثلا لا تقبل، لأنه يقول لا أملك شيئا وهم يشهدون له بأن ذلك الشئ ملكه، والبينة لا تقبل للمنكر بل تقبل عليه، وهذه شهادة له صريحا وتتضمن الشهادة عليه بيساره إدامة حبسه، وإذا بطل الصريح بطل ما في ضمنه، بخلاف قولهم إنه موسر فإنها شهادة عليه صريحا، وإن كان قولهم إنه موسر يتضمن الشهادة بأنه يملك قدر الدين أو أكثر فإنها ليست بشهادة له، إذ ليس فيها إثبات شئ معين أو مقدار قدر الدين لان اليسار أعم، وأيضا فإنها ضمنية لا صريحة، بل الصريح منها قصد إدامة حبسه، فافهم. قوله: (وسيجئ في الحجر) قدمنا عبارته فيه. قوله: (وحينئذ فلا يتأبد حبسه) أي على قولهما، وكذا على قوله إن كان ماله غير عقار ولا عرض بل كان من الأثمان ولو خلاف جنس الدين كما قدمناه. قوله: (ولا يحبس لما مضى الخ) اعلم أن نفقة الزوجة لا تصير دينا على الزوج إلا بالقضاء أو الرضا، فإذا مضت مدة قبل القضاء أو الرضا سقطت عنه، والمراد بالمدة شهر فأكثر، وكذا نفقة الولد الصغير الفقير، وأما نفقة سائر الأقارب فإنها تسقط بالمضي، ولو بعد القضاء أو الرضا، إلا إذا كانت مستدانة بأمر قاض فلا تسقط بالمضي، هذا حاصل ما قدمه الشارح في النفقات. لكن ما ذكره من كون الصغير كالزوجة نقله هناك عن الزيلعي، وقدمنا هناك أنه مخالف لاطلاق المتون والشروح، ولما صرح به في الهداية والذخيرة وشرح أدب القضاء والخانية من أن نفقة الولد والوالدين والأرحام إذا قضى بها ومضت مدة سقطت. قوله: (وإن قضى بها) أفاد أنه إذا لم يقض بها لا يحبس بها بالأولى لأنها لم تصر دينا أصلا، وأما إذا قضى بها ومثله الرضا فلأنها ليست بدل مال ولا ملتزمة بعقد على ما مر: أي في قوله: لا يحبس في غيره إن ادعى الفقر كما مر تقريره. قوله: (حتى لو برهنت الخ) المناسب حذفه والاقتصار على ما بعده لئلا يتكرر. قوله: (حبس بطلبها) أي بطلبها حبسه إن كانت النفقة مقضيا بها أو متراضى عليها. قوله: (كما لو أبى أن ينفق عليهما) أي كما يحبس الموسر لو امتنع من الانفاق على زوجته وولده الفقير الصغير كما في السراج، وفهم في البحر أنه قيد احترازي عن البالغ الزمن الفقير، وقال: وفيه تأمل لا يخفى. قال في المنح: وليس كذلك، فإنه في معنى الصغير كما لا يخفى، فيحبس أبوه إذا امتنع من الانفاق عليه كما هو الظاهر ا ه. وفي الفتح: ويتحقق الامتناع بأن تقدمه في اليوم الثاني من يوم فرض النفقة، وإن كان مقدار النفقة قليلا كالدانق إذا رأى القاضي ذلك، فأما بمجرد فرضها لو طلبت حبسه لم يحبسه، لان العقوبة تستحق بالظلم، وهو بالمنع بعد الوجوب ولم يتحقق، وهذا يقتضي أنه إذا لم يفرض لها ولم ينفق الزوج عليها في يوم ينبغي إذا قدمته في اليوم الثاني أن يأمره بالانفاق، فإن رجع فلم ينفق أوجعه عقوبة، وإن كانت النفقة سقطت بعد الوجوب فهو ظالم لها، وهو قياس ما أسلفناه في باب القسم من قولهم:
532 إذا لم يقسم لها فرافعته يأمره بالقسم وعدم الجور، فإن ذهب ولم يقسم فرافعته أوجعه عقوبة، وإن كان ما ذهب لها من الحق لا يقضي ويحصل به ضرر كبير ا ه. قوله: (وفروعه) أي وبقية فروعه كالإناث والولد البالغ الزمن، وهذا بناء على ما مر من أن الصغير غير قيد. قوله: (وهل يحبس لمحرمه لو أبى لم أره) أصل التوقف لصاحب الشرنبلالية. قلت: إذا حبس الأب فغيره بالأولى، مع أنا قدمنا في آخر النفقات التصريح بذلك عن البدائع فإنه قال: ويحبس في نفقة الأقارب كالزوجات، أما غير الأب فلا شك فيه، وأما الأب فلان في النفقة ضرورة دفع الهلاك عن الولد ولأنها تسقط بمضي الزمان، فلو لم يحبس سقط حق الولد رأسا فكان في حبسه دفع الهلاك واستدراك الحق عن الفوات، لان حبسه يحمله على الأداء ا ه. وقدمنا هناك أن هذا خلاف ما عزاه الشارح إلى البدائع. قوله: (وظاهر تقييدهم) أي بالولد، فإن عبارة الكنز وغيره: ويحبس الرجل بنفقة زوجته لا في دين ولده، إلا إذا امتنع من الانفاق عليه، ولا يخفى أنها لا تفيد عدم الحبس في نفقة غير الولد. قوله: (لكن ما مر) أي في أول الباب. قوله: (يفيده) أي يفيد حبسه بالامتناع عن نفقة القريب المحرم حيث عبر بالمحبوس. قوله: (فتأمل عند الفتوى) أي حيث حصل الاضطراب في فهم هذا الحكم من كلامهم فلا تعجل في الفتوى. قلت: وبما نقلناه عن البدائع زال الاضطراب واتضح الجواب، فافهم. قوله: (وسيجئ) أي في آخر الباب، ويأتي الكلام عليه. قوله: (لا يحبس أهل الخ) أي ولو جد الام لأنه لا قصاص عليه بقتل ولد بنته، فكذا لا يحبس بدينه، وقيد بالأصل لان الولد يحبس بدين أصله، وكذا القريب بدين قريبه كما في الخانية. بحر. وسيذكر الشارح آخر الباب نظما جماعة ممن لا يحبس وسيأتي عدتهم عشرة. قوله: (بل يقضي القاضي الخ) أفاد أنه لا فرق في عدم الحبس بين الموسر والمعسر، لكن يبيع القاضي مال الأب لقضاء دين ابنه إذا امتنع، لأنه لا طريق له إلا البيع وإلا ضاع. أفاده في البحر. وذكر في جواهر الفتاوى: لا يحبس الأب إلا إذا تمرد على الحاكم ا ه. لكن ما ذكر من أن القاضي يقضي دينه يغني عن حبسه ذكره الرملي عن المصنف. قوله: (من عين ماله) أي إن كان من جنس الدين، وقوله: أو قيمته أي إن كان من غير جنسه، كما لو كان الدين دراهم والمال دنانير فتباع الدنانير بالدراهم ويقضي بها الدين عند الامام وصاحبيه. قوله: (والصحيح الخ) مقابله أنه يبيع عندهما المنقول دون العقار، وأما عنده فلا يبيع المنقول ولا العقار، وقدمنا أن المفتى به قولهما. مطلب في استخلاف القاضي نائبا عنه قوله: (ولا يستخلف قاض الخ) أي ولو بعذر. بحر عن العناية، فدخل فيه ما لو وقعت له حادثة فلا يستخلف بلا تفويض. ففي البحر عن السراجية: القاضي إذا وقعت له حادثة أو لولده فأناب غيره وكان من أهل الإنابة وتخاصما عنده وقضى له أو لولده جاز. ثم قال: وقد سئلت عن
533 صحة تولية القاضي ابنه قاضيا حيث كان مأذونا له بالاستخلاف فأجبت بنعم، وشمل إطلاقه الاستخلاف ما إذا كان مذهب الخليفة موافقا لمذهبه إلى مخالفا. ثم قال: وظاهر إطلاقهم أن المأذون له بالاستخلاف يملكه قبل الوصول إلى محل قضائه، وقد جرت عادتهم بذلك، وسئلت عنه فأجبت بذلك ا ه. ثم نقل عن شرح أدب القضاء أنه ذكر في موضع أن القاضي إنما يصير قاضيا إذا بلغ إلى الموضع، ألا ترى أن الأول لا ينعزل ما لم يبلغ هو البلد، وفي موضع آخر: ينبغي له أن يقدم نائبه قبل وصوله ليتعرف عن أحوال الناس ا ه. فالأول يفيد أنه لا يملكه قبل وصوله، إلا أن يقال: إن قاضي القضاة مأذون بذلك من السلطان، وهو الواقع الآن ا ه ملخصا. قلت: وما نقله ثانيا صريح في أن له الإنابة قبل وصوله، والتعليل بالتعرف عن أحوال الناس لا ينافي أن للنائب القضاء قبل وصول المنيب، لان التعرف يكون بالقضاء، فحينئذ إذا وصل نائبه فالظاهر انعزال الأول، لان النائب قائم مقام المنيب، وقد عللوا لعدم انعزال الأول قبل وصول الثاني بصيانة المسلمين عن تعطيل قضاياهم وبوصول نائب الثاني لا تتعطل قضاياهم، وحيث كان الواقع الآن هو الاذن من السلطان فلا كلام، وبه اندفع ما قيل إنه لا يعول على ما أفتى به في البحر. قوله: (إلا إذا فوض إليه) ومثله نائب القاضي. قال في البحر وفي الخلاصة: الخليفة إذا أذن للقاضي في الاستخلاف فاستخلف رجلا وأذن له في الاستخلاف جاز له الاستخلاف ثم وثم ا ه. قوله: (ول من شئت واستبدل) هذا تنظير لا تمثيل: أي فإنه في الدلالة يملك الاستخلاف والعزل نظير ما لو صرح بهما. قوله: (أو استخلف من شئت) لا يصح عطفه على قوله: واستبدل لأنه يقتضي أنه لو قال ول من شئت واستخلف من شئت يملك العزل أيضا، وليس كذلك لان استخلف بمعنى ول، بل نص في البحر في هذه الصورة على أنه لا يملك العزل فتعين عطفه على قوله: ول وعليه فكان المناسب أن يقول كقوله ول أو استخلف من شئت واستبدل. قوله: (فإن قاضي القضاة الخ) في موضع التعليل لقوله: وفي الدلالة يملكها. قوله: (فيهم) أي في القضاة. قوله: (تقليدا وعزلا) تفسير للاطلاق. قوله: (فإنه يستخلف بلا تفويض) فإن كان قبل شروعه لحدث أصابه لم يجز أن يستخلف إلا من كان شهد الخطبة، وإن بعد الشروع فاستخلف من لم يشهدها جاز. نهر: أي لأنه بان وليس بمفتتح والخطبة شرط الافتتاح، وقد وجد في حق الأصل. فتح واعترض بما لو استخلف شخصا لم يشهد الخطبة ثم أفسد صلاته ثم افتتح بهم الجمعة فإنه يجوز. وأجيب بأنه لما صح شروعه فيها وصار خليفة للأول التحق بمن شهدها، واستظهر في العناية الجواب بإلحاقه بالباني لتقدم شروعه فيها. قوله: (للاذن دلالة) لان المولى عالم بتوقتها، وأنه إذا عرض عارض فاتت لا إلى خلف، ومعلوم أن الانسان غرض للاعراض (1) فتح. قال في النهر: وهو ظاهر في جواز الاستخلاف للمرض ونحوه، وتقييد الزيلعي
(1) قوله: (غرض الاعراض) الأول بالغين المعجمة وهو الهدف الذي يرمي إليه والثاني بالمهملة جمع عرض بمعنى عارض فالانسان مشبه بالهدف والاعراض مشبهة بالسهام ا ه. منه. 534 بالحدث لا دليل عليه، وقدمنا في الجمعة مسألة الاستنابة بغير عذر فارجع إليه ا ه. وحاصل ما مر في الجمعة أنه قيل: لا يصح الاستخلاف بلا إذن السلطان إلا إذا سبقه الحدث فيها. وقيل إن لضرورة جاز: أي لحدث أو غيره، وإلا فلا. وقيل يجوز مطلقا، وعليه مشى في شرح المنية والبحر والنهر، وكذا الشرنبلالي والمصنف والشارح. قوله: (وما ذكره منلا خسرو) أي في الدرر والغرر من باب الجمعة من أنه لا يستخلف للصلاة ابتداء بل بعد ما أحدث، إلا إذا كان مأذونا من السلطان بالاستخلاف ا ه. وهو ما مر عن الزيلعي. قوله: (وقد مر في الجمعة) ومر أيضا هناك عن العلامة محب الدين بن جرباش في النجعة في تعداد الجمعة أن إذن السلطان بإقامة الخطبة شرط أول مرة للباني، فيكون الاذن منسحبا لتولية النظار الخطباء وإقامة الخطيب نائبا، ولا يشترط الاذن لكل خطيب ا ه بحر. وقدمنا هناك نحوه عن فتاوي ابن الجلبي وذكرنا هناك أن معناه أن إذن السلطان شرط في أول مرة، فإذا أذن لشخص بإقامتها كان له الاذن لآخر، وللآخر الاذن لآخر وهكذا، وليس المراد أن إذن السلطان بإقامتها أول مرة يكون إذنا لكل من أراد إقامتها في ذلك المسجد بدون إذن من السلطان أو من مأذونه كما يوهمه ظاهر العبارة، وتقدم تمامه فراجعه. قوله: (المفوض إليه) بالجر نعت للقاضي. قوله: (بغير تفويض منه) أي في السلطان. درر. قوله: (كوكيل وكل) أي بإذن الموكل فإنه لا يملك عزله ولا ينعزل بموته، وينعزلان بموت الموكل، بخلاف الوصي حيث يملك الايصاء إلى غيره، ويملك التوكيل والعزل في حياته لرضا الموصي بذلك دلالة لعجزه. بحر. قوله: (وكذا لا ينعزل أيضا بعزله) أي لا ينعزل النائب بعزل القاضي: أي بعزل السلطان له. قوله: (ولا بموته) أي موت القاضي المستنيب. قوله: (ولا بموت السلطان) أي لا ينعزل النائب به كما لا ينعزل المستنيب، بخلاف موت الموكل فإنه ينعزل به الوكيل، والفرق كما في وكالة الزيلعي أن السلطان عامل للمسلمين فلا ينعزل بموت القاضي الذي ولاه هو أو ولاه القاضي بإذنه، والموكل عامل لنفسه فينعزل وكيله بموته لبطلان حقه. قوله: (بل بعزله) أي بعزل السلطان للنائب. قوله: (واعتمده في الدرر) أي في متنها حيث قال: ولا ينعزل: أي نائب القاضي بخروجه: أي القاضي عن القضاء، وقال في الملتقى: فنائبه لا ينعزل بعزله ولا بموته، بل هو نائب السلطان الأصيل ا ه. فالضمير راجع إلى عدم عزل النائب بموته القاضي أو بعزله ط. قوله: (وتمامه في الأشباه) قال فيها: فتحرر من ذلك اختلاف المشايخ في انعزال النائب بعزل القاضي وموته، وقول البزازية: الفتوى على أنه لا ينعزل بعزل القاضي، يدل على أن الفتوى على أنه لا ينعزل بموته بالأولى، ثم نقل عن التاترخانية: القاضي رسول عن السلطان في نصب النواب ا ه ط. قوله: (وفي فتاوى المصنف الخ) حيث سئل عما ذكره ابن الغرس، من أن نائب القاضي في زماننا ينعزل بعزله أو بموته فإنه نائبه من كل وجه. أجاب: لا يعتمد على ما ذكره ابن الغرس لمخالفته للمذهب، فقد نقل الثقات أن النائب ينعزل بعزل الأصيل ولا
535 بموته. قال الزيلعي: من كتاب الوكالة لا يملك القاضي الاستخلاف إلا بإذن الخليفة، ثم لا ينعزل بعزل القاضي الأول ولا بموته، وينعزلان بعزل الخليفة لهما ولا ينعزلان بموته، وهو المعتمد في المذهب، ولم نر خلافا في المسألة، والله سبحانه أعلم ا ه لكن الخلاف موجود كما مر عن الأشباه. قوله: (صح قضاؤه لو أهلا) في التاترخانية عن المحيط: ولو أن السلطان لم يأذن له في الاستخلاف، فأمر رجلا فحكم بين اثنين لم يجز حكمه، ثم إن القاضي لو أجاز ذلك الحكم ينظر: إن كان بحال يجوز حكمه لو كان قاضيا جاز إمضاء القاضي حكمه، وإن كان بحال لا يجوز حكمه لو كان قاضيا ينظر: إن كان ممن يختلف فيه الفقهاء كالمحدود في القذف جاز إمضاؤه ذلك، وإن كان عبدا أو صبيا لم يجز. قوله: (بل لو قضى فضولي) أي من غير استخلاف أصلا. قوله: (أو هو) أي القاضي كما لو كان مولى في كل أسبوع يومين، فقضى في غير اليومين توقف قضاؤه، فإن أجازه في نوبته جاز. جامع الفصولين. قوله: (في القضاء) أي ليس خاصا بعقد نحو البيع والنكاح. قوله: (ففوض لغيره صح) ظاهره ولو بدون الإذن الصريح، لأنه مأذون دلالة للعلم بأن قضاءه بنفسه لا يصح. تأمل. قوله: (ولو عتق الخ) ومثله لو فرض لكافر فأسلم فهو على قضائه عند محمد كما قدمناه عند قوله: أهله أهل الشهادة وقدمنا هناك وجه الفرق بينهما وبين الصبي، حيث يحتاج إلى تجديد التفويض. قوله: (خرج المحكم) فإنه إذا رفع حكمه إلى قاض أمضاه إن وافق مذهبه، وإلا أبطله لان حكمه لا يرفع خلافا كما يأتي في التحكيم ح. قوله: (ودخل الميت الخ) وكذا قاضي البغاة، فإذا رفع إلى قاضي العدل نفذه كما ذكره الشارح عند قول المصنف فيما مر ويجوز تقليد القضاء من السلطان العادل والجائز وأهل البغي وقدمنا فيه ثلاثة أقوال، وأن المعتمد أنه ينفذه وافق رأيه أو لا، فافهم. قوله: (والمخالف لرأيه) أي رأي القاضي المرفوع إليه الحكم، لكن فيه تفصيل يأتي قريبا، وأما لو كان القاضي الأول حكم بخلاف رأيه، فسيأتي في قول المصنف قضى في مجتهد فيه الخ. مطلب في عموم النكرة في سياق الشرط قوله: (لأنه نكرة الخ) تعليل لقوله: ودخل الخ قصد به الرد على الزيلعي حيث ذكر أن كلام المصنف يوهم اختصاصه بما إذا كان موافقا لرأيه، وقد تبع الشارح في هذا التعليل صاحب البحر. وفيه نظر، وكان المناسب أن يقول بدله لأنه مطلق عن التقييد. أما العموم فممنوع لما صرحوا به في كتب الأصول كالتحرير وغيره من أن النكرة إنما تعم نصا إذا وقعت في سياق النفي، ومنه وقوعها في الشرط المثبت إذا كان يمينا، لأنها تكون على النفي كقوله: إن كلمت رجلا فعبدي حر، فإن الحلف على نفيه، فالمعنى: لا أكلم رجلا، فهي نكرة في سياق النفي فتعم. ولهذا لا تعم في الشرط المثبت. مثل: إن لم أكلم رجلا، لأنه على الاثبات، كأنه قال: لأكلمن رجلا فلا تعم. وأما الشرط في
536 غير اليمين مثل، إن جاءك رجل فأطعمه فليس نصا في العموم، ومثله ما نحن فيه فافهم. مطلب: ما ينفذ من القضاء وما لا ينفذ قوله: (إذ حكم نفسه قبل ذلك) أي قبل الرفع إليه كذلك: أي كحكم قاض آخر في أنه ينفذه إذا رفع إليه، ويكون هذا رافعا للخلاف فيه، ولا يحتاج في نفوذه على المخالف إلى قاض آخر، لكن ذكر ذلك ابن الغرس سؤالا، وأجاب عنه بأنه لا يصح، لأنه غير ممكن شرعا، إذ القاضي لا يقضي لنفسه بالاجماع، والحكم به حكم بصحة فعل نفس فيلغو ا ه. قلت: هذا ظاهر بالنسبة إلى رفع الخلاف، أما بالنسبة إلى منع الخصم وإلزامه به فلا، فتأمل. قوله: (نفذه) أي يجب عليه تنفيذه (قوله لو مجتهدا فيه) بنصب مجتهدا خبرا لكان المقدرة بعد الواو واسمها ضمير عائد إلى حكم العائد إليه ضمير نفذه. ثم اعلم أنهم قسموا الحكم ثلاثة أقسام: قسم يرد بكل حال، وهو ما خالف النص أو الاجماع كما يأتي وقسم يمضي بكل حال، وهو الحكم في محل الاجتهاد بأن يكون الخلاف في المسألة وسبب القضاء، وأمثلته كثيرة، منها: لو قضى بشهادة المحدودين بالقذف بعد التوبة وكان يراه كشافعي، فإذا رفع إلى قاض آخر لا يراه كحنفي يمضيه ولا يبطله، وكذا لو قضى لامرأة بشهادة زوجها وآخر أجنبي فرفع لمن لا يجيز هذه الشهادة أمضاه، لان الأول قضى بمجتهد فيه فينفذ لان المجتهد فيه سبب القضاء، وهو أن شهادة هؤلاء هل تصير حجة للحكم أم لا؟ فالخلاف في المسألة وسبب الحكم لا في نفس الحكم، وكذا لو سمع البينة على الغائب بلا وكيل عنه وقضى بها ينفذ، لان المجتهد فيه سبب القضاء، وهو أن البينة هل تكون حجة بلا خصم حاضر، فإذا رآها صح. وسيأتي اختلاف الترجيح في الأخيرة. وقسم اختلفوا فيه: وهو الحكم المجتهد فيه وهو ما يقع الخلاف فيه بعد وجود الحكم، فقيل ينفذ، وقيل يتوقف على إمضاء قاض آخر وهو الصحيح كما في الزيلعي وغيره، وبه جزم في الخانية. وحكى ابن الشحنة في رسالته المؤلفة في الشهادة على الخط عن جده ترجيح الأول، فإذا رفع إلى الثاني فأمضاه يصير كأن القاضي الثاني حكم في فصل مجتهد فيه فليس للثالث نقضه، ولو أبطله الثاني بطل، وليس لاحد أن يجيزه، كما لو قضى لولده على أجنبي أو لامرأته أو كان القاضي محدودا في قذف، لان نفس القضاء مختلف فيه، وسيشير الشارح إلى القسم الأخير، وتمام الكلام على ذلك في رسالة ابن الشحنة المذكورة والبزازية، وسيأتي له مزيد تحقيق. قوله: (عالما) حال من قول المصنف قاض آخر وساغ مجئ الحال منه وهو نكرة لتخصصها بالوصف وهو آخر، ولا يصح كونه خبرا بعد خبر لكان المقدرة بعد لو في قوله: لو مجتهدا فيه لان الضمير المستتر فيها عائد إلى الحكم كما علمت، فيلزم أن يكون الضمير المستتر في عالما عائدا إلى الحكم أيضا، ولا يصح. مطلب مهم في قولهم يشترط كون القاضي عالما باختلاف الفقهاء قوله: (عالما باختلاف الفقهاء فيه الخ) أقول: ذكر ذلك أيضا في البحر، فذكر أن هذا شرط نفاذ القضاء في ظاهر المذهب، ثم ذكر عبارة الخلاصة، ثم قال: والتحقيق المعتمد أن علمه يكون ما حكم به مجتهدا فيه شرط، وأما علمه بكون المسألة اجتهادية فلا، ويدل عليه ما في التفاوى الصغرى
537 ا ه. ثم ذكر مسألة قضاء القاضي مخالفا لرأيه، وأطال الكلام عليها. وسيذكره المصنف في قوله: قضى في مجتهد فيه بخلاف رأيه الخ، ويأتي الكلام عليها، وهذه غير مسألة اشتراط العلم التي نحن فيها ولم يوفها صاحب البحر حقها، حتى اشتبهت على بعض المحشين فتكلم عليها بما قالوه في المسألة الثانية الآتية، مع أنهما مسألتان متغايرتان، فافهم. ومسألة اشتراط العلم وقع فيها نزاع، وقد ألف فيها العلامة المحقق الشيخ قاسم رسالة: حاصلها: أن وضع المسألة المذكورة في قضاء القاضي المجتهد في حادثة له فيها رأي مقرر قبل قضائه في تلك الحادثة التي قصد فيها المتفق عليه، فحصل حكمه في المحل المختلف فيه وهو لا يعلم، ثم بان أن قضاءه هذا على خلاف رأيه المقرر قبل هذه الحادثة، فحينئذ لا ينفذ قضاؤه، وأما إذا وافق قضاؤه رأيه في المسألة ولم يعلم حال قضائه أن فيها خلافا، فلم يقل أحد من علماء الاسلام بأنه لا ينفذ قضاؤه، خلافا لمن زعم ذلك، وبيان ذلك بالنصوص الصريحة منها قول الإمام حسام الدين الشهيد في الفتاوى الصغرى: إذا قضى في فصل مجتهد فيه وهو لا يعلم بذلك لا ينفذ، فإنه ذكر في السير الكبير: رجل مات وله مدبرون حتى عتقوا، ثم جاء رجل وأثبت دينا على الميت، فباعهم القاضي على ظن أنهم عبيد وقضى بجوازه ثم ظهر أنهم مدبرون كان قضاؤه بذلك باطلا، وإن مضى في فصل مجتهد فيه وهو جواز بيع المدبر، لكن لما لم يعلم بذلك كان باطلا ا ه. فعلم أن الضابط أخذ من فرع وقع فيه القضاء على خلاف رأيه السابق، وهو أن المدبر لا يباع، فلذا كان قضاؤه باطلا، وعدم العلم دليل بقاء رأيه السابق، أما لو كان عالما وقضى على خلاف رأيه السابق حمل على تبدل اجتهاده بدليل ما في السير الكبير في باب الفداء الذي يرجع إلى أهله حيث قال: مات وله رقيق وعليه دين كثير، فباع القاضي رقيقه وقضى دينه، ثم قامت البينة لبعضهم أن مولاه كان دبره، فإن بيع القاضي فيه يكون باطلا، ولو كان القاضي عالما بتدبيره واجتهد وأبطل تدبيره لكونه وصية وباعه في الدين ثم ولي قاض آخر يرى ذلك خطأ فإنه ينفذ قضاء الأول الخ، فعلم أن عدم الاخذ ليس هو لعدم العلم بل لكونه بيع الحر. وقال الحسام أيضا: قال في كتاب الرجوع عن الشهادة: إذا قضى القاضي بشهادة محدودين في قذف وهو لا يعلم بذلك ثم ظهر لا ينفذ قضاؤه، وهو محمول على محدودين شهدا بعد التوبة كما في قضاء شرح الجامع، ومن المعلوم أن قضاء هذا على خلاف رأيه المقرر قبل ذلك فلذا لم ينفذ، فعدم النفاذ لعدم صحة الشهادة لا لعدم العلم، فإذا ظهر أن هذا في قضاء القاضي المجتهد، وأن اعتبار العلم وعدمه إنما هو للدلالة على البقاء على الاجتهاد الأول أو تبدله، وأنه لو كان على وفق رأيه نفذ، وإن لم يعلم بالخلاف ظهر لك أن اعتبار هذا في القاضي المقلد جهالة فاحشة، وخرق لما أجمعت عليه الأمة في أن المقلد إذا قضى بقول إمامه مستوفيا للشروط نفذ قضاؤه، سواء علم أن في المسألة خلافا أو لا، وصار المختلف فيه بقاؤه متفقا عليه كما صرحت به نصوص المختصرات والمطولات وامتنع نقضه بالاجماع، هذا خلاصة ما في تلك الرسالة. وحاصله: أن اشتراط كون القاضي المجتهد عالما بالخلاف إنما هو لبيان أن الموضع المختلف فيه الذي لم يقصد الحكم به لعدم علمه به كصحة بيع المدبر، وقبول شهادة المحدود لا يصير محكوما به في ضمن الحكم الذي قصده وهو بيع عبد المديون لقضاء دينه، وقبول شهادة العدل في الصورتين السابقتين ونحوهما، إذ لا وجه لصيرورته محكوما به مع عدم علمه به وقصد له ومع كونه مخالفا لرأيه،
538 بخلاف ما إذا كان عالما به وقصد الحكم به، فإنه وإن خالف رأيه يصح حكمه به، ويكون ذلك رجوعا عن رأيه السابق لتغير اجتهاده فينفذ، وإذا رفع إلى قاض آخر أمضاه، وهذا كلام في غاية التحقيق، وحيث كان هذا هو ظاهر الرواية فلا يعدل عنه، وكأن صاحب الخلاصة فهم أن المراد اشتراط علمه بالخلاف فيما قصد الحكم به أو لم يقصد فلذا قال: ويفتي بخلافه، ولا سيما إن كان فهم أيضا أنه شرط في المجتهد وغيره، إذ لا شك في عسر ذلك ولا سيما على قضاة زماننا فافهم، والله سبحانه أعلم. قوله: (بعد دعوى صحيحة الخ) الظرف متعلق بحكم في قوله: حكم قاض أو بمحذوف خبر أيضا لكن المقدرة بعد لو في قوله: لو مجتهدا فيه قال في البحر أول كتاب القضاء: فإن فقد هذا الشرط لم يكن حكما وإنما هو إفتاء، صرح به الامام السرخسي، وبأنه شرط لنفاذ القضاء في المجتهدات. ونقل الشيخ قاسم في فتاواه الاجماع عليه. ثم قال هنا في البحر: فالحاصل أن الحكم المرفوع لا بد أن يكون في حادثة وخصومة صحيحة كما صرح به العمادي والبزازي، وقالا: حتى لو فات هذا الشرط لا ينفذ القضاء لأنه فتوى ا ه. فلو رفع إلى حنفي قضاء مالكي بلا دعوى لم يلتفت إليه ويحكم بمقتضى مذهبه، ولا بد في إمضاء الثاني لحكم الأول من الدعوى أيضا كما سمعت ا ه: أي لا بد في حكم الثاني إذا رفع إليه حكم الأول من أن يكون أيضا بعد دعوى صحيحة كما نقله قبله عن البزازية، وهذه الدعوى والخصومة تسمى الحادث لحدوثها عند القاضي ليحكم بها، بخلاف ما كان من لوازم تلك الحادث فإنه لم يحدث بدون الخصومة فيه، فلذا لم يصح حكمه به قبلها كما يأتي بيانه في الموجب قريبا. ثم اعلم أن اشتراط تقدم الدعوى إنما هو في القضاء القصدي دون الضمني والفعلي كما سنحققه في الفروع، وكذا ما تسمع فيه الدعوى حسبة ومنه الوقف كما يأتي قريبا. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن حكم الأول بعد دعوى صحيحة لم يكن قضاء صحيحا بل كان إفتاء: أي بيانا لحكم الحادثة، وإذا كان إفتاء لم يلزم القاضي الثاني تنفيذه، بل يحكم بمقتضى مذهبه وافق حكم الأول أو خالفه، فافهم. قوله: (وسيجئ آخر الكتاب) أي في مسائل شتى قبيل الفرائض، وحاصله ما قدمناه عن البحر. قوله: (وأنه إذا ارتاب الخ) عطف على الضمير المستتر في سيجئ فإن هذا الحكم مذكور هناك أيضا ا ه ح. لكن هذا ذكره في البحر. وقال في النهر: ولم أجده لغيره، وتبعه الحموي ط. قوله: (قال) أي صاحب البحر، وسبقه إلى ذلك العلامة ابن الغرس. قوله: (وبه عرف) أي بما ذكر فإنه أفاد أن شرط صحة الحكم كونه بعد دعوى صحة الخ. قوله: (لترك ما ذكر) فمؤداها إحاطة القاضي الثاني علما بحكم القاضي الأول على وجه التسليم له، وأنه غير معترض عنده ويسمى اتصالا ويتجوز بذكر الثبوت والتنفيذ فيه ا ه ابن الغرس. قلت: وللعلامة ابن نجم صاحب البحر رسالة في الحكم بلا تقدم الدعوى، وقال في آخرها: واعلم أن هذا فيما تشترط فيه الدعوى، وأما الوقف فالصحيح عدم اشتراطها لكونه حق الله تعالى، فتقبل البينة بلا دعوى ويحكم به كما في البزازية والظهيرية والعمادية وغيرها، فعلى هذا لا إنكار على
539 التنافيذ الواقعة في زماننا لكتب الأوقاف، لان حاصلها إقامة البينة على حكم قاض بالوقف، فقولهم إن التنافيذ في زماننا ليست أحكاما إنما هو في غير الوقف الخ ا ه ملخصا. قلت: لكن هذا ظاهر في الوقف على الفقراء وفي إثبات مجرد كونه وقفا، أما كونه موقوفا على فلان أو فلان وأن الواقف شرط كذا أو كذا فهذا حق عبد فلا بد فيه من دعواه لاثبات حقه، وكذا في إثبات شروط كما يعلم مما ذكرناه في كتاب الوقف، فتأمل. مطلب مهم في الحكم بالموجب قوله: (وقد تعارفوا الخ) هذا من متعلقات اشتراط صحة الدعوى من خصم على خصم حاضر لصحة القضاء، وبيانه أنه إذا وقع تنازع في موجب خاص من واجب ذلك الشئ الثابت عند القاضي ووقعت الدعوى بشروطها كان حكما بذلك الموجب فقط دون غيره، فلو أقر بوقف عقار عند القاضي، وشرط فيه شروطا وسلمه إلى المتولي ثم تنازعا عند القاضي الحنفي في صحته ولزومه، فحكم بهما وبموجبه لا يكون حكما بالشروط، فللشافعي أن يحكم فيها بمقتضى مذهبه، ولا يمنع حكم الحنفي السابق، وتمامه في الأشباه. وذكر في البحر: أن القاضي إذا قضى بشئ في حادثة بعد دعوى صحيحة لا يكون قضاء فيما هو من لوازمه، إلى أن قال: فقد علمت من ذلك كثيرا من المسائل، فإذا قضى شافعي بصحة بيع عقار موجبه لا يكون حكما منه بأنه لا شفعة للجار لعدم حادثتها، وكذا إذا قضى حنفي لا يكون حكما بأن الشفعة للجار، وإن كانت الشفعة من واجبه لان حادثتها لم توجد وقت الحكم ولا شعور للقاضي بها، وكذا إذا قضى مالكي بصحة التعليق في اليمين المضافة لا يكون حكما بأنه لا يصح نكاح الفضولي المجاز بالفعل لعدمه وقته فافهم، فإن أكثر أهل زماننا عنه غافلون ا ه. وكذا قال العلامة قاسم. أما كون الحكم حادثة فإحتراز عما لم يحدث بعد، كما لو حكم بموجب إجارة لا يكون حكما بالفسخ بموت أحد المتأخرين لأنه لم توجد فيه خصومة ا ه. قلت: وقد ظهر من هذا أن المراد بالموجب هنا الذي لا يصح به الحكم هو ما ليس من مقتضيات العقد، فالبيع الصحيح مقتضاه خروج المبيع عن ملك البائع ودخوله في ملك المشتري، واستحقاق التسليم والتسليم في كل من الثمن والمثمن ونحو ذلك، فإن هذه وإن كانت من موجباته لكنها مقتضيات لازمة له، فيكون الحكم به حكما بها، بخلاف ثبوت الشفعة فيه للخليط أو للجار مثلا، فإن العقد لا يقتضي ذلك: أي لا يستلزمه، فكم من بيع لا تطلب فيه الشفعة، فهذا يسمى موجب البيع، ولا يسمى مقتضى، وهذا معنى قول بعض المحققين من الشافعية: إن الموجب عبارة عن الأثر المترتب على ذلك الشئ، وهو والمقتضى مختلفان، خلافا لمن زعم اتحادهما، إذ المقتضى لا ينفك والموجب قد ينفك، فالأول كانتقال الملك للمشتري بعد لزوم البيع، والثاني كالرد بالعيب، والموجب أعم لأنه الأثر اللازم، سواء كان ينفك أو لا ا ه. وهذا أحسن مما قاله العلامة ابن الغرس من أن موجب الشئ ما أوجبه ذلك الشئ واقتضاه، فالموجب والمقتضى في الأصل واحد، ولكن يلزم من بعض الصور أن الموجب في باب الحكم أعم، وهو التحقيق إذ لو باع مدبرة ثم تنازعا عند القاضي الحنفي فحكم بموجب ذلك البيع صح الحكم، ومعناه الحكم ببطلان ذلك البيع، ومن المعلوم أن الشئ لا يقتضي بطلان نفسه فظهر أن الحكم في هذه الصورة لا يكون حكما بالمقتضى وإلا كان
540 باطلا وكان للشافعي نقضه، والحكم بصحة البيع إذ لا مقتضى للبيع عند الحنفي لأنه باطل، ويصح عند الحنفي أن يقال: موجب هذا البيع البطلان ا ه ملخصا. وإنما قلنا: إن ما مر أحسن لأنه يرد على ما قاله ابن الغرس أنه كما يقال إن الشئ لا يقتضي بطلان نفسه، فكذلك يقال إنه لا يوجب بطلان نفسه، فدعواه أنهما في الأصل بمعنى واحد، وأن هذا السبب هو الداعي إلى الفرق بينهما هنا غير مسلم، فالظاهر أن الفرق بينهما هو اشتراط عدم الانفكاك في المقتضى لا في الموجب فالموجب أعم، فالحكم بالموجب عندنا لا يصح، ما لم يكن حادثة بأن وقع فيه الترافع والتنازع عند الحاكم كما مر، فإذا وقع التنازع في صحة البيع ولزومه فحكم بموجب ذلك البيع كان حكما بصحته، وبباقي مقتضياته الشرعية التي لا تنفك عنه كملك المشتري المبيع ولزوم دفعه الثمن ونحو ذلك، بخلاف موجبه المنفك عنه كاستحقاق الجار الاخذ بالشفعة لعدم الحادثة كما قلنا. مطلب: الموجب على ثلاثة أقسام ثم اعلم أن ابن الغرس ذكر أن الموجب على ثلاثة أقسام، لأنه إما أن يكون أمرا واحدا أو أمورا يستلزم بعضها بعضا أو لا. فالأول: كالقضاء بالاملاك المرسلة والطلاق والعتاق، إذ لا موجب لها سوء ثبوت ملك الرقبة للعين والحرية وانحلال قيد العصمة. والثاني: كما إدا ادعى رب الدين على الكفيل بدين له على الغائب المكفول عنه وطالبه به فأنكر الدين فأثبته وحكم بموجب ذلك فالموجب هنا أمران: لزوم الدين للغائب ولزوم أدائه على الكفيل، والثاني يستلزم الأول في الثبوت، والثالث: كما إذا حكم شافعي بموجب بيع عقار اقتصر الحكم على ما وقعت به الدعوى فلا يكون حكما بأنه لا شفعة للجار، وهكذا في نظائره. هذا حاصل ما قرره ابن الغرس، وتبعه في النهر وزاد عليه قسما رابعا، لكنه يرجع إلى كونه شرطا للقسم الثاني كما يظهر بالتأمل لمن راجعه. تنبيه: قدمنا آنفا عن البحر عن فتاوى الشيخ قاسم أنه نقل الاجماع على أن تقدم الدعوى الصحيحة شرط لنفاذ الحكم، وأيد ذلك صاحب البحر في رسالة ألفها في ذلك، ثم قال: فقد استفيد مما في هذه الكتب المعتمدة أنه لا فرق بين ما إذا كان القاضي حنفيا أو غيره، إلى أن قال: ومما فرعته على أن قضاء المخالف إذا رفع إلينا فإنا نمضيه فيما وقع حكمه به لا في غيره ما لو قضى شافعي ببينة ذي اليد على خارج نازعه، ثم تنازع ذو اليد وخارج آخر عند حنفي فإنه يسمع الدعوى ولا يمنعه قضاء الشافعي من سماعها بناء على أن مذهبنا أن القضاء بالملك لا يكون قضاء على الكافة، بل يقتصر على المفضى عليه، وهو الخارج الأول، وإن كان مذهب الحاكم تعديه كما قدمناه من أن قضاء المالكي بغير دعوى غير صحيح عندنا وإن صح عنده، فإذا رفع إلينا لا ننفذه، وكذلك هنا لا نتعرض لحكمه على الخارج الأول ، وأما الثاني فلم يقع حكمه عليه على مقتضى مذهبنا. ومما فرعته: لو حجر شافعي على سفيه بعد دعوى صحيحة ثم رفعت إلينا حادثة من تصرفاته، فإنا نحكم بمذهب أبي يوسف ومحمد للحجر على السفيه، فإنهما وإن وافقا الشافعي في أصل الحجر، لم يوافقاه في أنه يؤثر في كل شئ، وإنما يؤثر عندهما فيما يؤثر فيه الهزل، فإذا تزوجت السفيهة التي حجر عليها شافعي ولم يرفع نكاحها إليه ولم يبطله بل رفع إلى حنفي، فله أن يحكم بصحته لو الزوج كفؤا على قولهما المفتى به، ولا يمنعه مذهب الحاجر، لعدم وجود حادثة التزوج وقت الحجر، ولم تكن لازمة للحجر حتى تدخل ضمنا لقبول الانفكاك، لجواز أن لا تتزوج المحجورة أصلا، وقد توقف فيه بعض من لا اطلاع له على كلامهم ا ه.
541 قلت: ويعلم منه ما يقع الآن من وقوع التنازع في صحة الإجارة الطويلة عند قاض شافعي فيحكم بصحتها وبعدم انفساخها بموت ولا غيره، فإن عدم الانفساخ بالموت لم يصر حادثه وقت الحكم، لان الموت لم يوجد وقته، فللحنفي أن يحكم بالفسخ بالموت كما أفتى به في الخيرية. وذكر ابن الغرس من هذا القبيل: ما لو وهب ابنه وسلمه العين الموهوبة وقضى شافعي بالموجب ثم بعد مدة رجع الواهب في هبته وترافعا عند القاضي الحنفي فحكم ببطلان الرجوع. قال: وقد حصل التنازع في هذه المسألة بين أهل المذهبين: فقال القاضي الشافعي: حكم الحنفي باطل لأني حكمت قبله بموجب الهبة، ومن موجبها عندي أن الأب يملك الرجوع، والحكم في الخلافية يجعلها وفاقية، وقال القاضي الحنفي: الرجوع حادثة مستقلة وجدت بعد الحكم الأول بمدة طويلة، فكيف تدخل تحته حكمه؟ وأجيب فيها بأن الموجب هنا أمور: هي خروج العين من ملك الواجب ودخولها في ملك الموهوب له، وملك الواهب الرجوع إذا كان أبا عن الشافعي، وعدمه عند الحنفي، فإن كان التداعي عند القاضي ليس إلا في انتقال العين من ملك الواهب إلى ملك الموهوب له اقتصر القضاء بالموجب على ذلك، فإذا كان القاضي الأول شافعيا لا يصير كون الأب يملك الرجوع محكوما به، وإذا كان حنفيا لا يصير عدم ملكه ذلك محكوما به، فللقاضي الثاني أن يحكم بمذهبه: أي لان الأمر الأول لا يستلزم الأمر الثاني في الثبوت. قال: فتبين أن القضاء في حقوق العباد يشترط له الدعوى الموصلة له شرعا على وجه يحصل به المطابقة، إلا ما كان على سبيل الاستلزام الشرعي: أي كما في مسألة الكفالة المارة، وليس للقاضي أن يتبرع بالقضاء بين اثنين فيما لم يتخاصما إليه فيه ا ه ملخصا. فاغتفر التطويل في هذا المقام بما حواه من الفوائد العظام. قوله: (وهو عبارة عن المعنى) أي كخروج المبيع من ملك البائع، ودخوله في ملك المشتري، ووجوب التسليم والتسليم، ونحو ذلك من مقتضيات البيع ولوازمه، فذلك المعنى المحكوم به المضاف إلى المبيع المتعلق به في ظن القاضي شرعا هو الموجوب ها هنا، وهو الذي اقتضاه عقد البيع. وأما الحكم بموجب بيع المدبر، فهو المعنى الذي أضيف إلى ذلك البيع في ظن القاضي شرعا وهو كون ذلك البيع باطلا، ولكن هذا المعنى ليس هو مقتضى ذلك البيع، إذ البيع لا يقتضي بطلان نفسه ا ه ابن الغرس. وظهر منه أن المراد بما في قوله: بما أضيف له هو البيع مثلا، فإن دخول المبيع في ملك المشتري متعلق بذلك البيع ومضاف إليه شرعا في ظن القاضي: أي في قصده من حيث إنه يقضي به: أي يقصد القضاء به وكذا غيره من مقتضيات البيع اللازمة له واحترز به عما لا يقصد القضاء به لعدم التنازع فيه كثبوت حق الشفعة، وأفاد أن الموجب قد يكون مقتضى كما مثلنا، وقد يكون غير مقتضى كبطلان بيع المدبر، فإنه موجب لا مقتضى على ما قررنا سابقا، فافهم. ثم لا يخفى أن هذا التعريف مع ما فيه من التعقيد خاص بالموجب الذي وقع الحكم به صحيحا مع أن الموجب أعم منه، فإن المعنى المتعلق بذلك البيع المضاف إليه يصدق على ثبوت حق الشفعة وثبوت رده بخيار عيب ونحو ذلك مما ليس من مقتضياته اللازمة له، بدليل ما مر من أن الموجب قد يكون أمورا يسلتزم بعضها بعضا أو لا يسلتزم، فالأظهر والاخصر تعريفه بما قدمناه من أنه الأثر المترتب على ذلك الشئ، وإن أراد تخصيصه بما يقع به الحكم صحيحا عندنا يزيد على ذلك قولنا إذا صار حادثة، فيخرج ما لا حادثة فيه كما لو حكم شافعي بموجب بيع بعد إنكاره لا يكون حكما بثبوت خيار المجلس مثلا، مما ليس من لوازمه ما قدمناه من مسألة الهبة وغيرها
542 هذا ما ظهر لي في هذا المحل، فتأمل. قوله: (فإذا قال (1) الموثق) هو كاتب القاضي الذي يكتب الوثيقة وهي المسماة حجة في زماننا. قوله: (وبه ظهر أن الحكم بالموجب أعم) أي من المقتضى، فإن بطلان بيع المدبر موجب لا مقتضى لما ذكره فكل مقتضى موجب ولا عكس، والضمير في به عائد إلى قوله: ولو قال الموثق الخ فإن الشارح اقتصر على التمثيل بيع المدبر الذي هو من أفراد الموجب لينبه على أن الموجب لا يلزم كونه مقتضى فلا يرد ما قيل: إن الذي ظهر من عبارته أن بينهما التباين لا العموم، فافهم. قوله: (مجمع) لم يمثل له في شرحه قال ط: والمراد به كما رأيته بهامشه نحو القضاء بسقوط الدين عن ترك المطالبة به سنين. قوله: (لم يختلف في تأويله السلف) الجملة صفة كتابا، والمراد بالسلف الصحابة والتابعون رضي الله تعالى عنهم أجمعين، لقول الهداية: المعتبر الاختلاف في الصدر الأول وهم الصحابة والتابعون ا ه. وعليه فلا يعتبر اختلاف من بعدهم كمالك والشافعي، وسيأتي أنه خلاف الأصح. قوله: (كمتروك تسمية) أي عمدا فإنه مخالف لظاهر قوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * (الانعام: 121) بناء على أن الواو في قوله وإنه لفسق للعطف، والضمير راجع إلى مصدر الفعل الذي دخل عليه حرف النهي، أو إلى الموصول، واحتمال كونها حالية فتكون قيدا للنهي رد بأن التأكيد بأن واللام ينفيه، لان الحال في النهي مبناه على التقدير، كأنه قيل لا تأكلوا منه إن كان فسقا فلا يصلح وإنه لفسق، بل وهو فسق ولم سلم فلا نسلم أنه قيد للنهي، بل هو إشارة إلى المعنى الموجب له: كلا تهن زيدا وهو أخوك، ولا تشرب الخمر وهو حرام عليك. نهر موضحا. وتمامه في رسالة ابن نجيم المؤلفة في هذه المسألة. مطلب في الحكم بما خالف الكتاب أو السنة أو الاجماع قوله: (أو سنة مشهورة) قيد بالمشهور احترازا عن الغريب. زيلعي. ولا بد ها هنا من تقييد الكتاب بأن لا يكون قطعي الدلالة، وتقييد السنة بأن تكون مشهورة أو متواترة غير قطعية الدلالة، وإلا فمخالفة المتواتر من كتاب أو سنة إذا كان قطعي الدلالة كفر، كذا في التلويح. وأما إذا وقع الخلاف في أنه مؤول أو غير مؤول فلا بد أن يترجح أحد القولين بثبوت دليل التأويل، فيقع الاجتهاد في بعض أفراد هذا القسم أنه مما يسوغ فيه الاجتهاد أم لا، كذا في الفتح. وظاهر كلامهم يعطي أن آية التسمية على الذبيحة لا تقبل التأويل، بل هي نص في المدعي، وفيه نظر يظهر مما مر. نهر: أي ما مر من احتمال أوجه الاعراب، على أنه إذا كان المراد من النص ظني الدلالة كما مر، ففي عدم نفاذ الحكم بمعارضة نظر ظاهر كما قاله العلامة ابن أمير حاج في شرح التحرير. ثم قال والذي يظهر أن القضاء بحل متروك التسمية عمدا وبشاهد ويمين ينفذ من غير توقف، على إمضاء قاض آخر، وبيع أمهات الأولاد لا ينفذ ما لم يمضه قاض آخر ا ه.
(1) قوله: (فإذا قال الخ) هكذا بخطه والذي في نسخ الشارح ولو قال الخ وهو الموافق لقول المحشي في القولة التي بعدها والضمير في به عائد إلى قوله ولو قال الموثق الخ ا ه. مصححه. 543 قلت: لكن قد علمت أن عدم النفاذ في متروك التسمية مبني على أنه لم يختلف فيه السلف، وأنه لا اعتبار بوجود الخلاف بعدهم، وحينئذ فلا يفيد احتمال الآية أوجها من الاعراب. نعم على ما يأتي من تصحيح اعتبار اختلاف من بعدهم، يقوي هذا البحث ويؤيده ما في الخلاصة من أن القضاء بحل متروك التسمية عمدا جائز عندهما لا عند أبي يوسف، وكذا ما في الفتح عن المنتقى، من أن العبرة في كون المحل مجتهدا فيه اشتباه الدليل لا حقيقة الخلاف، قال في الفتح: ولا يخفى أن كل خلاف بيننا وبين الشافعي أو غيره محل اشتباه الدليل، فلا يجوز نقضه بلا توقف على كونه بين الصدر الأول. والذي حققه في البحر أن صاحب الهداية أشار إلى القولين، فإنه ذكر أولا عبارة القدوري، وهي: وإذا رفع إليه حكم حاكم أمضاه، إلا أن يخالف الكتاب أو السنة أو الاجماع وذكر ثانيا عبارة الجامع الصغير، وهي: وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه، فما ذكره أصحاب الفتاوى من المسائل الآتية التي لا ينفذ فيها قضاء القاضي مبني على عبارة القدوري، لا على ما في الجامع. ومن قال: لا اعتبار بخلاف مالك والشافعي اعتمد قول القدوري. ومن قال باعتباره اعتمد ما في الجامع. وفي الواقعات الحسامية عن الفقيه أبي الليث، وبه: أي بما في الجامع نأخذ، لكن في شرح أدب القضاء أن الفتوى على ما في القدوري ا ه ملخصا. فقد ظهر قولان مصححان والمتون على ما في القدوري، والأوجه ما في الجامع ولذا رجحه في الفتح كما يأتي أيضا. قوله: (كتحليل بلا وطئ) أي تحليل المطلقة الثلاث بمجرد عقد المحلل بلا دخول عملا بقول سعيد. بحر. قوله: (أو إجماعا) المراد منه ما ليس فيه خلاف يستند إلى دليل شرعي. بحر. قوله: (كحل المتعة) أي كالقضاء بصحة نكاح المتعة، كقوله: متعيني بنفسك عشرة أيام فلا ينفذ، بحذف القضاء بصحة النكاح المؤقت بأيام: أي بدون لفظ المتعة، فإنه ينفذ كما في الفتح، وقدمنا عنه في النكاح ترجيح قول زفر بصحة النكاح المؤقت بإلغاء التوقيت فينعقد مؤبدا. قوله: (وكبيع أم ولد الخ) قال شمس الأئمة السرخسي: هذه المسألة تبتني على أن الاجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم عند محمد، وعندهما لا يرفع: يعني اختلف الصحابة في جواز بيعها، ثم أجمع المتأخرون على عدمه، فكان القضاء به على خلاف الاجماع عند محمد فيبطله القاضي الثاني، وعندهما: لما لم يرفع خلاف الصحابة وقع في محل اجتهاد فلا ينقضه الثاني، لكن قال القاضي أبو زيد في التقويم: إن محمدا روى عنهم جميعا أن القضاء ببيعها لا يجوز فتح. وذكر في التحرير أن الأظهر من الروايات أنه لا ينفذ عندهم جميعا، لكن ذكر أيضا عن الجامع أنه يتوقف على قضاء قاض آخر، لان الاجماع المسبوق بخلاف مختلف في كونه إجماعا فقيه شبهة كخبر الواحد، فكذا في متعلقه وهو ذلك الحكم المجمع عليه، وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب الاستيلاد. قوله: (ومن ذلك ما لو قضى بشاهد ويمين) مقتضاه أنه لا ينفذ، وإذا رفع إلى قاض آخر أبطله، مع أنه قال في الفتح: فلو قضى بشاهد ويمين لا ينفذ، ويتوقف على إمضاء قاض آخر، ذكره في أقضية الجامع. وفي بعض المواضع ينفذ مطلقا ا ه. وفي ط عن الهندية ذكر في كتاب الاستحسان أنه ينفذ على قول الإمام لا على قول الثاني ا ه. قوله: (لمخالفته الخ) الأولى ذكره عقب المسألة الثانية
544 ليكون علة للمسألتين. قوله: (البينة على من ادعى) كذا في البحر، وفي الفتح. على المدعي. قوله: (أو بقصاص الخ) أي إذا قضى القاضي بالقصاص بيمين المدعي أن فلانا قتله، وهناك لوث من عداوة ظاهرة كما هو قول مالك لا ينفذ لمخالفته السنة المشهورة البينة على المدعي، واليمين على من أنكر وتمامه في الفتح. قوله: (أو بصحة نكاح المتعة أو الموقت) لعل الصواب لا الموقت بلا النافية لما قدمناه قريبا من نفاذ القضاء بصحة الموقت، ونقل ط مثله عن الهندية، ولم أرد من ذكر عدم نفاذه. قوله: (أو بصحة بيع معتق البعض) في الهندية عن الظهيرية: رجل أعتق نصف عبده أو كان العبد بين اثنين أعتقه أحدهما وهو معسر وقضى القاضي للآخر في بيع نصيبه فباع ثم اختصما إلى قاض آخر لا يرى ذلك، ذكر الخصاف أن القاضي يبطل البيع والقضاء. وحكى شمس الأئمة الحواني عن المشايخ أن ما ذكره الخصاف ليس فيه شئ عن أصحابنا، ولولا قول الخصاف لقلنا إنه ينفذ قضاؤه لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه ط. قوله: (أو بسقوط الدين الخ) أي كما قال بعضهم: إذا لم يخاصم ثلاث سنين وهو في المصر بطل حقه، فلا ينفذ القضاء به لأنه قول مهجور، فإذا رفع إلى آخر أبطله وجعل المدعي على حقه كما في الخانية. قوله: (أو بصحة طلاق الدور وبقاء النكاح) أي صحة التعليق في طلاق الدور لا صحة نفس الطلاق، فإذا قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا، فإن القبلية تلغو وتطلق ثلاثا لان صحة تعليق الثلاث تؤدي إلى إبطاله، فلو قضى قاض بصحة التعليق وبطلان الطلاق وإبقاء النكاح لا ينفذ. قوله: (في بابه) أي في أول كتاب الطلاق وأوضحنا الكلام عليه هناك، فافهم. قوله: (وقضاء عبد) استشكل بأن العبد يصلح شاهدا عند ملك وشريح فيصلح قاضيا، فإذا اتصل به إمضاء قاض آخر ينبغي أن ينفذ كما في المحدود في القذف ط عن الهندية. قوله: (مطلقا) أي سواء قضيا على حر أو عبد بالغ أو صبي مسلم أو كافر ا ه ح. قوله: (أبدا) محل ذكره بعد قوله: لا ينفذ كما في عبارة الغرر. قوله: (وعد منها في الأشباه نيفا وأربعين) نقدم الكلام عليها آخر كتاب الوقف فراجعه. قوله: (وذكر في الدرر لما ينفذ سبع صور) حيث قال: فإن أمضى قضاء من حد في قذف وتاب أو قضاء الأعمى أو قضاء امرأة بحد أو قود أو قضاء قاض لامرأته أو قاض بشهادة المحدود التائب وبشهادة الأعمى وقاض لامرأة بشهادة زوجها وقاض بحد أو قود بشهادتها نفذ، حتى لو أبطله ثان نفذه ثالث، لان الاجتهاد الأول كالثاني، والأول تأبد باتصال القضاء فلا ينقض باجتهاد لم يتأبد به لأنه دونه ا ه. قلت: وفي هذه العبارة من الخفاء ما لا يخفى، لان القضاء في هذه السبع لا ينفذ ما لم يمضه قاض آخر، لان المجتهد فيه نفس القضاء لا المقضى به، فهو القسم الثالث من الأقسام الثلاثة التي ذكرناها عند قول الشارح لو مجتهدا فيه فقول الدرر نفذ: أي إمضاء القاضي الثاني قضاء القاضي الأول المحدود في قذف الخ. وقوله: حتى لو أبطله ثان الخ صوابه: حتى لو أبطله ثالث لم يبطل، فتنبه لذلك فإني لم أر من نبه عليه، لكن ما ذكرنا من أنه لا ينفذ قضاء الأول موافق لما في الزيلعي،
545 وهو ظاهر في الأربعة الأول دون الثلاثة الأخيرة، بل هو نافذ فيها فيصح أن يقال فيها: حتى لو أبطله ثان نفذه ثالث: أي نفذ الثالث قضاء الأول لأنه وقع نافذا فلم يصح إبطال الثاني له، وهذا هو الموافق لما قدمناه في بيان الأقسام الثلاثة، ويوضحه ما في الخانية والبزازية وغيرهما إذا كان نفس القضاء مختلفا فيه ورفع إلى قاض آخر لا يراه له إبطاله، وإذا رفع إلى من يراه ونفذه ثم رفع إلى ثالث لا يرى ذلك ليس له إبطاله، فلو كان القاضي هو المحدود في قذف فرفع حكمه إلى قاضي آخر لا يرى جوازه أبطله الثاني، وكذا لو قضى لامرأته بشهادة رجلين لا يجوز، فلو رفع إلى آخر لا يراه جاز له إبطاله لأنه كما لا يصلح شاهدا لامرأته لا يصلح قاضيا لها، فإن رفع القضاء الأول إلى من يرى جوازه فأمضاه، ثم رفع إمضاء الثاني إلى الثالث لا يرى جوازه أمضى الثالث إمضاء الثاني ولا يبطله، وكذا قضاء الأعمى، وكذا قضاء المرأة في حد أو قصاص، وفيها أيضا: لو قضى بشهادة محدود في قذف وهو يراه فرفع إلى من لا يراه لا يبطله، وكذا لو قضى بشهادة رجل وامرأتين في الحدود والقصاص اه. والحاصل: أن الخلاف إذا كان بعد القضاء بأن كان المجتهد فيه نفس القضاء الأول لا ينفذ ما لم ينفذه قاض ثان فيكون القضاء الثاني هو النافذ، فإذا رفع إلى ثالث وجب عليه تنفيذه ولا يصح إبطاله إياه، بخلاف ما إذا كان المجتهد فيه نفس المقضي به قبل القضاء. فإن القضاء به نافذ بدون تنفيذ وإذا رفع إلى آخر نفذه، وإن لم يكن مذهبه، وهذا ما مر في قوله: وإذا رفع إليه حكم قاض آخر نفذه وبخلاف ما خالف الدليل فإنه لا ينفذ وإن نفذ ألف قاض كما قاله الزيلعي، وهذا ما مر في قوله: إلا ما خالف كتابا أو سنة مشهورة أو إجماعا وبه تمت الأقسام الثلاثة فافهم، واغتنم تحرير هذا المقام. قوله: (وسيجئ متنا) أي في باب كتاب القاضي إلى القاضي ح. قوله: (خلافا لما ذكره المصنف شرحا) حيث عد هذه الصورة من جملة ما لا ينفذ لمخالفته الدليل، لكن نقل ط عن الهندية حكاية قولين. قوله: (والفرق الخ) هذه تفرقة عرفية، وإلا فقد قال تعالى: * (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه) * (البقرة: 312) * (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) * (البينة: 4) ولا دليل لهم، والمراد أنه خلاف لا دليل له بالنظر للمخالف، وإلا فالقائل اعتمد دليلا، ثم مسائل الخلاف التي لا ينفذها هي ما تقدمت في قوله: إلا ما خالف كتابا الخ ط. قوله: (الأصح نعم) وقيل إنما يعتبر الخلاف في الصدر الأول قال في الفتح: وعندي أن هذا لا يعول عليه، فإن صح أن مالكا وأبا حنيفة والشافعي مجتهدون فلا شك في كون المحل اجتهاديا وإلا فلا، ولا شك أنهم أهل اجتهاد ورفعة، ويؤيده ما في الذخيرة: خالع الأب الصغير على صداقها ورآه خيرا لها صح عند مالك وبرئ الزوج عنه، فلو قضى به قاض نفذ. وسئل شيخ الاسلام عطاء بن حمزة عن أبي الصغيرة زوجها من صغير وقبل أبوه وكبر الصغيران وبينهما غيبة منقطعة، وقد كان التزوج بشهادة الفسقة، هل يجوز للقاضي أن يبعث إلى شافعي المذهب ليبطل هذا النكاح بسبب أنه كان بشهادة الفسقة، قال نعم ا ه ط. قلت: والمسألة الثانية لم أرها في الفتح، بل ذكر مسألة غيرها وذكر عبارته في البحر.
546 مطلب: يوم الموت لا يدخل تحت القضاء قوله: (يوم الموت لا يدخل تحت القضاء) أي لا يقضي به قصدا بأن تنازع الخصمان في يوم موت آخر أنه كان في يوم كذا، بخلاف ما إذا كان المقصود غيره كتقديم ملك أحدهما، ولذا قال في البزازية: فإن ادعيا الميراث وكل منهما يقول هذا لي ورثته من أبي إن في يد ثالث ولم يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا فأنصافا، وإن أحدهما أسبق فهو له عند الامامين، وليس فيه القول بدخول يوم الموت تحت القضاء، لان النزاع وقع في تقديم الملك قصدا ا ه. وفيها ادعى على آخر ضيعة بأنها كانت لفلان وورثتها منه أخته فلانة فماتت وأنا وارثها وبرهن تسمع، ولو برهن المطلوب أن فلانة ماتت قبل فلان: يعني مورثها صح الدفع، وفيه نظر لما تقرر أن زمان الموت لا يدخل تحت القضاء. قيل النزاع لم يقع في الموت المجرد فصار كالورثة تنازعوا في تقديم موت المورث من المورث الآخر قبله وبعده كابن الابن مع الابن إذا تنازعا في تقديم موت أبيه قبل الجد أو بعده ا ه. قوله: (فلو برهن على موت أبيه) أي بأن ادعى شيئا لأبيه وبرهن أن أباه مات وتركه ميراثا وأنه مات يوم كذا. بيري عن شرح أدب القضاء. قوله: (قضى بالنكاح) أي فيجعل لها الصداق والميراث مع الابن، لان يوم الموت لا يدخل تحت القضاء، لأنه لا يتعلق به حكم، لان الميراث لا يستحق بالموت بل بسبب سابق على الموت والنكاح سبب سابق، وإذا لم يدخل يوم الموت تحت القضاء جعل وجود ذلك التاريخ وعدمه سواء، ولو عدم تقبل البينتان جميعا ويقضي بحق كل واحد منهما لان العمل بهما ممكن، فكذا هنا ا ه. بيري عن شرح أدب القضاء. وفيه عن الخانية: ويقضي لها القاضي بالمهر والميراث سواء قضى القاضي ببينة الابن أو لا، لان القضاء ببينة الابن بموت الأب لا يوقت موته لان حكم الموت لا يتعلق بوقت الموت، بل في أي وقت يموت يكون ماله لورثته، فصار كأن الابن أقام البينة على موت الأب ولم يذكر الوقت، وذلك لا يمنع قبول بينة المرأة ا ه. تنبيه: ذكر الخير الرملي في حاشية البحر من باب دعوى الرجلين: إذا كان الموت مستفيضا علم به كل كبير وصغير وعالم وجاهل لا يقضي للخصم، ولا يكون بطريق أن القاضي قبل البينة على ذلك الموت بل بطريق التيقن بكذب المدعي، وارجع إلى الخانية من كتاب الشهادة في الفصل الثامن عشر يظهر لك صحة ما قلته ا ه. ويأتي ما يؤيده. قوله: (لا تقبل) قال في الأجناس: وفرق محمد بينهما بأن القتل يتعلق به حق لازم والموت ليس فيه حق لازم. وبيانه أن القتل ظلما لم يخل عن قصاص أودية، وفي قبول بينة المرأة على النكاح في زمان متأخر إسقاط أصل القتل لامتناع أن يكون مقتولا في زمان ثم يبقى حيا فيتزوج فكان ثبوت القتل يتضمن حقا لازما، فلما تضمنت بينة المرأة إسقاط هذا الحق لم يعتد بها، ولا كذلك بينة الابن على الموت، لأن المرأة بينتها لا تتضمن إسقاط حق الابن، لان الابن يرث مع المرأة كما يرث إذا انفرد فلم تتعارض البينتان في الإرث بين إسقاطه وإثباته فلذلك لم يمتنع قبول بينتها ا ه. وفي البزازية: وكذا لو برهن الوارث أنه قتل مورثه فبرهن المدعى عليه أنه قتله فلان قبل هذا اليوم بزمان يكون دفعا لدخوله تحت القضاء ا ه بيري. قوله: (وكذا جميع العقود) كالبيع والهبة والنكاح، فإنها كالقتل تدخل تحت القضاء، فلو برهن أنه باعه كذا يوم كذا وبرهن آخر أنه باعه
547 بعد ذلك لم تقبل، ولو برهن أنه باعه قبله يكون دفعا. وفي الولوالجية: ولو أقامت امرأة البينة أنه تزوجها يوم النحر بمكة فقضى بشهودها ثم أقامت أخرى بينة أنه تزوجها يوم النحر بخراسان لا تقبل بينتها، لان النكاح يدخل تحت القضاء فاعتبر ذلك التاريخ. قوله: (إلا في مسألة الزوجة الخ) أي فإن يوم القتل لا يدخل فيها تحت القضاء. وصورتها كما في البحر عن الظهيرية: ادعى على رجل أنه قتل أباه عمدا بالسيف منذ عشرين سنة وأنه وارثه لا وارث له سواه، وأقام البينة على ذلك، فجاءت امرأة ومعها ولد وأقامت البينة أن والد هذا تزوجها منذ خمس عشرة سنة، وأن هذا ولده منها ووارثه مع ابنه هذا، قال أبو حنيفة: أستحسن في هذا أن أجيز بينة المرأة وأثبت نسب الولد ولا أبطل بينة الابن على القتل، وكان هذا الاستحسان للاحتياط في أمر النسب بدليل أنها لو قامت البينة على النكاح ولم تأت بالولد فالبينة بينة الابن وله الميراث دون المرأة، وهذا قول أبي يوسف ومحمد ا ه. لكن قوله: ولا أبطل بينة الابن على القتل ينافي دعوى الاستثناء، وعن هذا قال الخير الرملي في حاشية البحر في أول باب دعوى الرجلين: الظاهر أن حرف النفي زائد، ولم يذكره في التاترخانية حيث قال: وأبطل بينة الابن على القتل، والقياس أن يقضي ببينة القتل ا ه. قلت: ويستثنى أيضا مسألة أخرى ذكرها في دعوى البحر عن خزانة الأكمل: برهن أنه قتل أبي منذ سنة، وبرهن المشهود عليه أن أباه صلى بالناس الجمعة الماضية، قال أبو حنيفة: الاخذ بالأحدث أولى إذا كان شيئا مشهورا ا ه. قال الرملي: وهذا يقيده به ما مضى أيضا، وهو قيد لازم لا بد منه حتى لو اشتهر موت رجل عند الناس منذ عشرين سنة فادعى رجل أنه اشترى منه داره منذ سنة لا يقبل، ثم رأيت ما يشهد به صريحا في التاترخانية في الفصل الثامن في التهاتر: لو ادعى المشهود عليه أن الشهود محدودون في قذف من قاضي بلد كذا فأقام الشهود أن القاضي مات في سنة كذا لا يقضي به إذا كان موت القاضي قبل تاريخ شهود المدعى عليه مستفيضا ا ه مختصرا، فراجعه إن شئت ا ه. قوله: (من الأول) وهو أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء. قوله: (ادعياه ميراثا الخ) قدمناه عن البزازية. قوله: (برهن الوكيل) أي بقبض المال، جامع الفصولين. قوله: (صح الدفع) أي إذا برهن المطلوب على الموت لأنه ينعزل به الوكيل، فالحكم بالموت هنا لا لذاته لأجل العزل. قوله: (من أبيه) أي من أبي ذي اليد. قوله: (لم تسمع) هو الصواب، لان يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ا ه. قنية من باب دفع الدعاوي. قلت: ووجهه أنه قضاء بيوم الموت قصدا، لان ما تضمنه وهو عدم الشراء لا تصح البينة عليه، لأنه نفى فتمحض قضاء بالموت فلا يصح. قوله: (وقيل تسمع) وعليه فهي من المستثنيات كما في البحر. قوله: (وسره الخ) مرتبط بالمتن والمراد بيان وجه الفرق، ولما كان خفيا عبر عنه بالسر. قوله: (من حيث إنه موت) أما إذا كان المقصود من ذكره غيره مما تقام عليه البينة فيكون هو محل النزاع فيدخل تحت القضاء كمسألة دعوى الميراث فإن المقصود من تاريخ الموت تقدم الملك، وكمسألة دعوى
548 الوكالة فإن المقصود منه انعزال الوكيل. قوله: (فإنه من حيث هو) محل للنزاع قدمنا وجهه في عبارة الأجناس. مطلب في القضاء بشهادة الزور قوله: (وينفذ القضاء بشهادة الزور قيد بها لأنه لو ظهر عبيدا أو كفارا أو محدودين في قذف لم ينفذ إجماعا، لأنها ليست بحجة أصلا، بخلاف الفساق على ما عرف ولامكان الوقوف عليهم فلم تكن شهادتهم حجة. بحر. ثم قال وفي القنية: ادعى عليه جارية أنه اشتراها بكذا فأنكر فحلف فنكل فقضى عليه بالنكول تحل الجارية للمدعي ديانة وقضاء كما في شهادة الزور ا ه. فعلى هذا القضاء بالنكول كالقضاء بشهادة الزور ا ه. قوله: (ظاهرا وباطنا) المراد بالنفاذ ظاهرا أن يسلم القاضي المرأة إلى الرجل، ويقول سلمي نفسك إليه فإنه زوجك ويقضي بالنفقة والقسم وبالنفاذ باطنا أن يحل له وطؤها ويحل لها التمكين فيما بينها وبين الله تعالى ط. قوله: (حيث كان المحل قابلا الخ) شرطان للنفاذ، ويأتي في كلام الشارح محترزهما. قوله: (في العقود) أطلقها فشمل عقود التبرعات، قالوا: وفي الهبة والصدقة روايتان، وكذا في البيع بأقل من قيمته في رواية لا ينفذ باطنا، لان القاضي لا يملك إنشاء التبرعات في ملك الغير، والبيع بأقل تبرع من وجه. بحر. قوله: (كبيع ونكاح) فلو قضى ببيع أمة بشهادة زور حل للمنكر وطؤها، وكذا لو ادعى على امرأة نكاحها وهي جاحدة أو بالعكس وقضى بالنكاح كذلك حل للمدعي الوطئ، ولها التمكين عنده. بحر. قوله: (والفسوخ) أراد بها ما يرفع حكم العقد فيشمل الطلاق، ومن فروعها: ادعت أنه طلقها ثلاثا وهو ينكر وأقامت بينة زور فقضى بالفرقة فتزوجت بآخر بعد العدة حل له وطؤها عند الله تعالى وإن علم بحقيقة الحال، وحل لاحد الشاهدين أن يتزوجها ويطأها ولا يحل للأول وطؤها ولا يحل لها تمكينه. بحر. قوله: (لقول على الخ) قال محمد رحمه الله تعالى في الأصل: بلغنا عن علي كرم الله وجهه أن رجلا أقام عنده بينة على امرأة أنه تزوجها فأنكرت فقضى له بالمرأة، فقالت إنه لم يتزوجني فأما إذا قضيت علي فجدد نكاحي، فقال: لا أجدد نكاحك الشاهدان زوجاك. قال: وبهذا نأخذ. فلو لم ينعقد النكاح بينهما باطنا بالقضاء لما امتنع من تجديد العقد عند طلبها ورغبة الزوج فيها، وقد كان في ذلك تحصينها من الزنا وصيانة مائة ا ه من رسالة العلامة قاسم المؤلفة في هذه المسألة. قوله: وبهذا نأخذ، دليلا لما حكاه الطحاوي من أن قول محمد كقول أبي حنيفة. قوله: (ظاهرا فقط) أي ينفذ ظاهرا لا باطنا، لان شهادة الزور حجة ظاهرا لا باطنا فينفذ القضاء كذلك، لان القضاء ينفذ بقذر الحجة. درر. قوله: (وعليه الفتوى) نقله أيضا في القهستاني عن الحقائق وفي البحر عن أبي الليث، لكن قال: وفي الفتح من النكاح، وقول أبي حنيفة هو الوجه ا ه. قلت: وقد حقق العلامة قاسم في رسالته قول الإمام بما لا مزيد عليه، ثم أورد عليه إشكالا، وأجاب عنه: وعليه المتون. قوله: (بخلاف الاملاك المرسلة) وهي التي لم يذكر لها سبب معين، فإنهم
549 أجمعوا أنه ينفذ فيها ظاهرا لا باطنا، لان الملك لا بد له من سبب، وليس بعض الأسباب بأولى من البعض لتزاحمها فلا يمكن إثبات السبب سابقا على القضاء بطريق الاقتضاء، وفي النكاح والشراء يتقدم النكاح والشراء تصحيحا للقضاء. درر. قال في البحر: ولو حذف الاملاك لكان أولى، ليشمل ما إذا شهدوا بزور بدين لم يبينوا سببه فإنه لا ينفذ. وفي حكم المرسلة الإرث كما يأتي: وظاهر اقتصاره عليها أنه لا ينفذ باطنا في النسب إجماعا كما في المحيط عن بعض المشايخ، ونص الخصاف على أنه ينفذ عند أبي حنيفة، ففيه روايتان عنه، والشهادة بعتق الأمة كالشهادة بطلاق المرأة، وينبغي أن تكون بالوقف كالعتق، ولم أر نقلا في الشهادة بأن الوقف ملك أو بتزوير شرائط الوقف أو أن الواقف أخرج فلانا وأدخل فلانا زورا إذا اتصل به القضاء، وظاهر الهداية أن ما عدا الاملاك المرسلة ينفذ باطنا، وإذا قلنا بأن الوقف من قبيل الاسقاط فهو كالطلاق والعتاق ا ه ملخصا. قوله: (فظاهرا فقط إجماعا) فلا يحل للمقضي له الوطئ والاكل واللبس وحل للمقضي عليه، لكن يفعل ذلك سرا وإلا فسقه الناس. بحر. قوله: (إن كان سببا يمكن إنشاؤه) كالبيع والنكاح والإجارة. قوله: (كالإرث) فإنه وإن كان ملكا بسبب لكنه لا يمكن إنشاؤه فلا ينفذ القضاء بالشهود زورا فيه باطنا اتفاقا. بحر. قال: وسيأتي الاختلاف في باب اختلاف الشاهدين في أنه مطلق أو بسبب، والمشهور الأول، واختار في الكنز الثاني. قوله: (وكما لو كانت المرأة محرمة الخ) هذا محترز قوله: حيث كان المحل قابلا ا ه ح. فإذا ادعى أنها زوجته وأثبت ذلك بشهادة الزور وهو يعلم أنها محرمة عليه بكونها منكوحة الغير أو معتدته أو بكونها مرتدة، فإنه لا ينفذ باطنا اتفاقا، لأنه وإن كان الملك بسبب لكن لا يمكن إنشاؤه، وأما ظاهرا فلا شك في نفاذه كسائر الاحكام بشهادة الزور في غير العقود والفسوخ، وليس المراد بنفاذه ظاهرا حل الوطئ له وحل تمكينها منه، بل أمر القاضي لها به، أما الحل فهو فرع نفاذه باطنا، وبما قررناه ظهر أنه كالإرث، فافهم. قوله: (وكما لو علم القاضي الخ) محترز قوله: والقاضي غير عالم بزورهم، والظاهر أنه هنا لا ينفذ ظاهرا كما لا ينفذ باطنا لعدم شرط القضاء، وهو الشهادة الصادقة في زعم القاضي. تأمل. قوله: (كالقضاء باليمين الكاذبة) محترز قول المتن بشهادة قالوا: لو ادعت أن زوجها أبانها بثلاث فأنكر فحلفه القاضي فحلف والمرأة تعلم أن الامر كما قالت لا يسعها المقام معه ولا أن تأخذ من ميراثه شيئا، وهذا لا يشكل إذا كان ثلاثا لبطلان المحيلة للإنشاء قبل زوج آخر، وفيما دون الثلاث مشكل لأنه يقبل الانشاء. وأجيب بأنه إنما يثبت إذا قضى القاضي بالنكاح وهنا لم يقض به لاعترافهما به وإنما ادعت الفرقة. زيلعي. وفي الخلاصة: ولا يحل وطؤها إجماعا. بحر. قلت: والظاهر أن عدم النفاذ هنا في الباطن فقط. تأمل. مطلب مهم: المقضي له أو عليه يتبع رأي القاضي وإن خالف رأيه تنبيه: أشار المصنف إلى أن قضاء القاضي يحل ما كان حراما في معتقد المقضي له، ولذا قال في الولوالجية: ولو قال لها أنت طالق البتة فخاصمها إلى قاض يراها رجعية بعد الدخول فقضى بكونها
550 رجعية والزوج يرى أنها بائنة أو ثلاث فإنه يتبع رأي القاضي عند محمد، فيحل له المقام معها، وقيل إنه قول أبي حنيفة، وعلى قول أبي يوسف لا يحل، وإن رفع إلى قاض آخر لا ينقضه، وإن كان خلاف رأيه، وهذا إذا قضى له، فإن قضى عليه بالبينونة أو الثلاث والزوج لا يراه يتبع رأي القاضي إجماعا، وهذا كله إذا كان الزوج له رأي واجتهاد، فلو عاميا اتبع رأي القاضي، سواء قضى له أو عليه، هذا إذا قضى، أما إذا أفتى له فهو على الاختلاف السابق، لان قول المفتي في حق الجاهل بمنزلة رأيه واجتهاده ا ه بحر. قلت: وقوله فلو عاميا المراد به غير المجتهد بدليل المقابلة فيشمل العالم والجاهل. تأمل. قال في الفتح: والوجه عندي قول محمد، لان اتصال القضاء بالاجتهاد الكائن للقاضي يرجحه على اجتهاد الزوج، والاخذ بالراجح متعين، وكونه لا يراه حلالا إنما يمنع من القربان قبل القضاء، أما بعده وبعد نفاذه باطنا فلا ا ه. مطلب في قضاء القاضي بغير مذهبه قوله: (قضى في مجتهد فيه) أي في أمر يسوغ الاجتهاد فيه بأن لم يكن مخالفا لدليل كما مر بيانه، وقوله: بخلاف رأيه متعلق بقضى. وحاصل هذه المسألة أنه يشترط لصحة القضاء أن يكون موافقا لرأيه: أي لمذهبه مجتهدا كان أو مقلدا، فلو قضى بخلافه لا ينفذ. لكن في البدائع أنه إذا كان مجتهدا ينبغي أن يصح ويحمل على أنه اجتهد فأداه اجتهاده إلى مذهب الغير، ويؤيده ما قدمناه عن رسالة العلامة قاسم مستدلا بما في السير الكبير فراجعه، وبه يندفع تعجب صاحب البحر من صاحب البدائع. وأعلم أن هذه المسألة غير مسألة اشتراط كون القاضي عالما بالخلاف كما نبهنا عليه سابقا. مطلب: حكم الحنفي بمذهب أبي يوسف أو محمد حكم بمذهبه قوله: (أي مذهبه) أي أصل المذهب كالحنفي إذا حكم على مذهب الشافعي أو نحوه أو بالعكس، وأما إذا حكم الحنفي بمذهب أبي يوسف أو محمد أو نحوهما من أصحاب الإمام فليس حكما بخلاف رأيه. درر: أي لان أصحاب الإمام ما قالوا بقول إلا قد قال به الامام، كما أوضحت ذلك في شرح منظومتي في رسم المفتي عند قولي فيها: واعلم بأن عن أبي حنيفة * جاءت روايات غدت منيفه اختار منها بعضها والباقي * يختار منه سائر الرفاق فلم يكن لغيره جواب * كما عليه أقسم الأصحاب قوله: (وابن كمال) قال في شرحه: لم يقل بخلاف رأيه لايهامه أن يكون الكلام في المجتهد خاصة، وليس كذلك. قوله: (لا ينفذ مطلقا الخ) قال في الفتح: لو قضى في المجتهد فيه ناسيا لمذهبه مخالفا لرأيه نفذ عند أبي حنيفة رواية واحدة، وإن كان عامدا ففيه روايتان، وعندهما لا ينفذ في الوجهين: أي وجهي النسيان والعمد، والفتوى على قولهما. وذكر في الفتاوي الصغرى أن الفتوى على قوله، فقد اختلف في الفتوى، والوجه في هذا الزمان أن يفتى بقولهما، لان التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى باطل لا لقصد جميل، وأما الناسي فلان المقلد ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب
551 غيره، هذا كله في القاضي المجتهد، فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم ا ه. قال في الشرنبلالية عن البرهان: وهذا صريح الحق الذي يعض عليه بالنواجذ ا ه. وقال في النهر: وادعى في البحر أن المقلد إذا قضى بمذهب غيره أو برواية ضعيفه أو بقول ضعيف نفذ. وأقوى ما تمسك به ما في البزازية إذا لم يكن القاضي مجتهدا وقضى بالفتوى على خلاف مذهبه نفذ، وليس لغيره نقضه، وله نقضه، كذا عن محمد. وقال الثاني: ليس له نقضه ا ه. وما في الفتح يجب أن يعول عليه في المذهب، وما في البزازية محمول على رواية عنهما، إذ قصارى الامر أن هذا منزل منزلة الناسي لمذهبه، وقد مر عنهما في المجتهد أنه لا ينفذ فالمقلد أولى ا ه ما في النهر. ويأتي قريبا ما يؤيده. قوله: (من ليس مجتهدا) وكذا المجتهد كما مر في كلام الفتح. قوله: (لا ينفذ اتفاقا) هذا مبني على إحدى الروايتين عن الامام في العامد، أما على رواية النفاذ فلا تصح حكاية الاتفاق. قوله: (لكونه معزولا عنه) أي عن غير ما قيد به. قال الشرنبلالي في شرح الوهبانية: محل الخلاف فيما إذا لم يقيد عليه السلطان القضاء بصحيح مذهبه، وإلا فلا خلاف في عدم صحة حكمه بخلافه لكونه معزولا عنه ا ه ح. مطلب: الحكم والفتوى بما هو مرجوح خلاف الاجماع قلت: وتقييد السلطان له بذلك غير قيد، لما قاله العلامة قاسم في تصحيحه من أن الحكم والفتوى بما هو مرجوح خلاف الاجماع ا ه. وقال العلامة قاسم في فتاواه: وليس للقاضي المقلد أن يحكم بالضعيف لأنه ليس من أهل الترجيح، فلا يعدل عن الصحيح إلا لقصد غير جميل، ولو حكم لا ينفذ لان قضاءه قضاء بغير الحق، لان الحق هو الصحيح، وما وقع من أن القول الضعيف يتقوى بالقضاء المراد به قضاء المجتهد كما بين في موضعه ا ه. وقال ابن الغرس: وأما المقلد المحض فلا يقضي إلا بما عليه العمل والفتوى ا ه. وقال صاحب البحر في بعض رسائله: أما القاضي المقلد فليس له الحكم إلا بالصحيح المفتي به في مذهبه ولا ينفذ قضاؤه بالقول الضعيف ا ه. ومثله ما قدمه الشارح أول كتاب القضاء وقال: وهو المختار للفتوى كما بسطه المصنف في فتاويه وغيره، وكذا ما نقله بعد أسطر عن الملتقط. قوله: (وقد غيرت بيت الوهبانية) وهو: ولو حكم القاضي بحكم مخالف * مقلده ما صح إن كان يذكر وبعضهم إن كان سهوا أجازه * عن الصدر لا عن صاحبيه يصدر وقد أفاد كلام الوهبانية الخلاف فيما إذا قضى به ساهيا: أي ناسيا مذهبه، وأنه لا خلاف فيما إذا كان ذاكرا، وهذا على إحدى الروايتين عن الامام كما علمت، ولما كان المعتمد المفتى به ما ذكره المصنف في المتن من عدم النفاذ أصلا: أي ذاكرا أو ناسيا غير الشارح عبارة النظم جازما بما هو المعتمد، فافهم، لكن الأولى كما قال السائحاني تغيير الشطر الثاني هكذا:
552 لمعتمد في رأيه فهو مهدر مطلب في أمر الأمير وقضائه قوله: (قلت وأما الأمير الخ) الذي رأيته في سير التاترخانية: قال محمد: وإذا أمر الأمير العسكر بشئ كان على العسكر أن يطيعوه، إلا أن يكون المأمور به معصية ا ه فقول الشارح نفذ أمره بمعنى وجب امتثاله. تأمل. وقدمنا أن السلطان لو حكم بين اثنين فالصحيح نفاذه، وفي البحر: إذا كان القضاء من الأصل ومات القاضي ليس للأمير أن ينصب قاضيا وإن ولي عشرها وخراجها، وإن حكم الأمير لم يجز حكمه الخ. في الأشباه قضاء الأمير جائز مع وجود قاضي البلد إلا أن يكون القاضي مولى من الخليفة، كذا في الملتقط ا ه. والحاصل: أن السلطان إذا نصب في البلدة أميرا وفوض إليه أمر الدين والدنيا صح قضاؤه، وأما إذا نصب معه قاضيا فلا، لأنه جعل الأحكام الشرعية للقاضي لا للأمير، وهذا هو الواقع في زماننا، ولذا قال في البحر أول كتاب القضاء: سئلت عن تولية الباشا بالقاهرة قاضيا ليحكم في حادثة خاصة مع وجود قاضيها المولى من السلطان، فأجبت بعدم الصحة لأنه لم يفوض إليه تقليد القضاء، ولذا لو حكم بنفسه لم يصح ا ه. قوله: (كما قدمناه) أي في أول الكتاب في بحث رسم المفتي. قوله: (ولا يقضي على غائب) أي بالبينة، سواء كان غائبا وقت الشهادة أو بعدها، وبعد التزكية، وسواء كان غائبا عن المجلس أو عن البلد، وأما إذا أقر عند القاضي فيقضي عليه وهو غائب، لان له أن يطعن في البينة دون الاقرار، ولان القضاء بالاقرار قضاء إعانة، وإذا أنفذ القاضي إقراره سلم إلى المدعي حقه عينا كان أو دينا أو عقارا، إلا أنه في الدين يسلم إليه جنس حقه إذا وجد في يد من يكون مقرا بأنه مال الغائب المقر، ولا يبيع في ذلك العرض والعقار لان البيع قضاء على الغائب فلا يجوز، بحر عن شرح الزيادات للعتابي. لكن في الخامس من جامع الفصولين عن الخانية: غاب المدعى عليه بعد ما برهن عليه أو غاب الوكيل بعد قبول البينة قبل التعديل، أو مات الوكيل ثم عدلت تلك البينة لا يحكم بها. وقال أبو يوسف: يحكم وهذا أرفق بالناس. ولو برهن على الموكل فغاب ثم حضر وكيله أو على الوكيل ثم حضر موكله يقضي بتلك البينة، وكذا يقضي على الوارث ببينة قامت على مورثه. قوله: (أي لا يصح) لما في الفتح من أن حضرة الخصم ليتحقق إنكاره شرط لصحة الحكم. بحر. قوله: (بل ولا ينفذ) هذه العبارة غير محررة، لان نفي الصحة يستلزم نفي النفاذ، وأيضا فالحكم صحيح، وإنما الخلاف في نفاذه بدون تنفيذ قاض آخر كما أفاده ح. ولذا فسر في البحر كلام الكنز بعدم الصحة، ثم قال: والأولى أن يفسر بعدم النفاذ لقولهم إذا نفذه قاض آخر يراه فإنه ينفذ، ثم ذكر اختلاف التصحيح وسيأتي في كلام الشارح. قوله: (كوكيله) أطلقه فشمل ما إذا كان وكيلا في الخصومة والدعوى أو وكيلا للقضاء، كما إذا أقيمت البينة عليه ليقضي عليه ثم غاب كما في القنية. بحر. قوله: (ووصية) أي وصي الميت، فإن الميت غائب ووصية قائم مقامه حقيقة، ويجوز عود
553 الضمير إلى الصغير المعلوم من المقام فإنه في حكم الغائب وشمل وصي الوصي، ولو قال كوليه لكان أولى ليشمل الأب والجد. مطلب في القضاء على الغائب قوله: (إنما يحكم على الغائب والميت) ترك الوقف، ويظهر لي أنه يحكم على الواقف فيما يتعلق به وعلى الوقف فيما يتعلق به. سائحاني. قوله: (ينتصب خصما عن الباقين) أي فيما للميت وعليه، لكن إذا كان في عين فلا بد من كونها في يده، فلو ادعى عينا من التركة على وارث ليست في يده لم تسمع، وفي دعوى الدين ينتصب أحدهم خصما، وإن لم يكن في يده شئ. وفيه من متفرقات القضاء أنه ينتصب أحدهم عن الباقي بشروط ثلاثة: كون العين كلها في يده، وأن لا تكون مقسومة، وأن يصدق الغائب أنها إرث عن الميت ا ه. وقدمنا تمام الكلام على ذلك في كتاب الوقف، وأفاد الخير الرملي في حاشيته على (جامع الفصولين) أن اشتراطهم كون العين في يد المدعى عليه يشمل ما لو كان المدعي بعض الورثة على بعض فتسمع الدعوى بشراء الدار من المورث وهي واقعة الفتوى ا ه. قوله: (كذا أحد شريكي الدين) أي هو خصم عن الآخر في الإرث وفاقا، وكذا في غيره عندهما لا عند أبي حنيفة، وقوله قياس، وقولهما استحسان. ثم على قولهما الغائب لو صدق إن شاء شاركه فيما قبض أو اتبع المطلوب بنصيبه. جامع الفصولين. ومقتضاه أن الدين للمدعي وشريكه. وأما الدعوى بدين لواحد على اثنين، فذكر قبله ما حاصله: أنه يقضي به عليهما عنده في رواية، وفي رواية وهي قول أبي يوسف: يقضي بنصفه على الحاضر، ثم قال: يحتمل أن يكون اختلاف الروايات فيه بناء على اختلاف الروايات في جواز الحكم على الغائب. قوله: (وأجنبي) أي من ليس وارثا ولا وصيا، وقوله: بيده مال اليتيم الذي في البحر: مال الميت، وصورتها ما في جامع الفصولين: وهب في مرض موته جميع ماله أو أوصى به فمات، ثم ادعى رجل دينا على الميت، قيل تسمع بينته على من بيده المال، وقيل يجعل القاضي خصما عنه: أي عند الميت ويسمع عليه بينته، فظهر أن فيه اختلاف المشايخ. مطلب فيمن ينتصب خصما عن غيره قوله: (وبعض الموقوف عليهم) لما في القنية: وقف بين أخوين مات أحدهما وبقي الوقف في يد الحي وأولاد الميت، فأقام الحي بينة على واحد من أولاد الأخ أن الوقف بطن بعد بطن والباقي غيب والواقف واحد تقبل وينتصب خصما عن الباقي، ثم قال: وقف بين جماعة تصح الدعوى من واحد منهم أو وكيله، على واحد منهم أو وكيله، إذا كان الوقف واحدا، وتمامه في البحر. قوله: (أي لو الوقف ثابتا) أما إذا لم يكن ثابتا وأراد إثبات أنه وقف فلا، وقدمنا في الوقف تقرير هذه المسألة بأتم وجه، وذكرنا هناك مسائل أخر ينتصب فيها البعض خصما عن غيره. قوله: (خرج المسخر) هو من ينصبه القاضي لسماع الدعوى على الغائب. قوله: (كما سيجئ) أي قريبا: أي مماثلا لما يأتي من
554 تقييده بغير الضرورة. قوله: (أو حكما) أي بأن يكون قيامه عنه حكما لأمر لازم. فتح. قوله: (سببا لا محالة) أي لا تحول له عن السببية فاحترز بكونه سببا عما يكون شرطا، وسيذكره المصنف، وبقوله: لا محالة عما يكون سببا في حال دون حال، وعما لا يكون سببا إلا بالبقاء إلى وقت الدعوى، فما يكون سببا في حال دون حال يقبل في حق الحاضر دون الغائب، وبيانه في مسألتين الوكيل بنقل العبد إلى مولاه أو بنقل المرأة إلى زوجها، فإذا برهن العبد أنه حرره أو المرأة أنه طلقها ثلاثا يقبل في حق قصر يد الحاضر، لا في ثبوت العتق أو الطلاق، فإن المدعي هنا على الغائب وهو العتق أو الطلاق ليس سببا لا محالة لما يدعي على الحاضر، وهو قصر يده بانعزاله عن الوكالة، لأنه قد يتحقق العتق والطلاق بدون انعزال وكيل هناك وكالة أصلا، وقد يتحقق موجبا للإنعزال بأن كان بعد الوكالة، فليس انعزال الوكيل حكما أصليا للطلاق والعتاق، فمن حيث إنه ليس سببا لحق الحاضر في الجملة لا يكون الحاضر خصما عن العائب، ومن حيث إنه قد يكون سببا قبلنا البينة في حق الحاضر بقصر يده وانعزاله، وأما ما لا يكون سببا إلا بالبقاء إلى وقت الدعوى، فلا يقبل مطلقا، وبيانه في مسائل منها: ما لو برهن المشتري فاسدا على البيع من غائب حين أراد البائع فسخ البيع للفساد لا يقبل في حق الحاضر في الفسخ ولا في حق الغائب في البيع، لان نفس البيع ليس سببا لبطلان حق الفسخ لجواز أنه باع من الغائب ثم فسخ البيع بينهما، وإن شهدوا بقاء البيع وقت الدعوى لا يقبل، لأنه إذا لم يكن خصما في إثبات نفس البيع لم يكن خصما في إثبات البقاء، لان البقاء تبع للابتداء، وتمامه في الفتح وغيره. قوله: (فلو شرى أمة) تفريع على قوله: لا محالة فكان الأولى ذكره عند قول المصنف ولو كان ما يدعي على الغائب شرطا بأن يقول بخلاف ما لو شرى أمة الخ وبخلاف ما لو كان ما يدعي على الغائب شرطا الخ ليكون ذكر محترز القيود في محل واحد. قوله: (لم يقبل) أي برهانه لا في حق الحاضر ولا في حق الغائب، لان المدعي شيئان: الرد بالعيب على الحاضر، والنكاح على الغائب. والثاني ليس سببا للأول إلا باعتبار البقاء لجواز أن يكون تزوجها ثم طلقها، وإن برهن على البقاء: أي إنها امرأته للحال لا يقبل أيضا، لان البقاء تبع الابتداء: فتح. قوله: (مثاله) لا حاجة إليه لاغناء الكاف عنه ا ه ح. قوله: (من فلان الغائب) زاد في الفتح: وهو يملكها: أي لان مجرد الشراء لا يثبت الملك للمشتري لاحتمال كونها لغير البائع وهو فضولي. قوله: (لأن الشراء من المالك) هذا هو المدعي على الغائب. قوله: (سبب الملكية) أي والملكية هنا هي المدعى على الحاضر. مطلب: المسائل التي يكون القضاء فيها على الحاضر قضاء على الغائب قوله: (تسعا وعشرين) قال في المنح وفي المجتبى بعد أن علم بعلامة شطب: كل من ادعى عليه حق لا يثبت عليه إلا بالقضاء على الغائب، فالقضاء على الحاضر قضاء على الغائب.
555 وتظهر ثمرته في مسائل: منها: أقام بينة أن له على فلان الغائب كذا، وأن هذا كفيل عنه بأمره يقضي على الغائب والحاضر، لأنها كالمعاوضة، ولو لم يقل بأمره لا يقضي على الغائب، ومنها: لو أقام بينة أنه كفيل بكل ماله على فلان وأن له على فلان ألفا كانت قبل الكفالة يقضي على الحاضر والغائب، ولا يحتاج إلى دعوى الكفالة بأمره، بخلاف الأولى، لان الكفالة المطلقة لا توجب المال على الكفيل ما لم توجبه على الأصيل، فصار كأنه علق الكفالة بوجوب المال على الأصيل فانتصب عن الغائب خصما، ومنها: أن القاذف إذا قال: أنا عبد فلان فلا حد علي فأقام المقذوف بينة أن فلانا أعتقه حد، وكان قضاء على الغائب بالعتق، ومنها: لو قال له يا ابن الزانية فقال القاذف أمه أمة فلان فأقام المقذوف بينة أنها بنت فلان القرشية يحكم بالنسب ويحد، ومنها: لو أقام بينة أن ابن عم الميت فلان، وأن الميت فلان بن فلان يجتمعان إلى أب واحد وأنه وارثه فحسب قضى بالميراث والنسب على الغائب، ومنها: لو أقام بينة أن أبوي الميت كانا مملوكين أعتقهما، ثم ولد لهما هذا الولد ومات وأنه مولاه ووارثه قضى بالولاء وكان قضاء بالولاء على الأبوين وحرية المولدين بعد عتقهما، ومنها: لو قال لدائن العبد المأذون ضمنت لدينك عليه إن أعتقه مولاه فأقام بينة عليه أن مولاه أعتقه بعد الضمان والعبد والمولى غائبان يقضي بالضمان، وكان قضاء بالعتق للغائب، وعلى الغائب، ومنها: لو قال المشهود عليه الشاهد عبد فأقام المدعي أو الشاهد بينة أن مولاه أعتقه قبل الشهادة، ومنها: لو ادعى شيئا في يد رجل أنه اشتراه من فلان وأقام بينة يقضي له بالملك والشراء من فلان، ومنها: ما لو قذف عبدا فأقام المقذوف بينة أن مولاه كان أعتقه وادعى كمال الحد، ومنها: ما لو أقام العبد المشتري بينة أن البائع كان أعتقه أو رجل آخر أعتقه وهو يملكه، ومنها: ما لو قال لرجل ما بايعت فلانا فعلي فأقام الرجل بينة على الضامن أنه باع فلانا عبده بألف، ومنها: ما لو أقام بينة على رجل أنك اشتريت هذه الدار من فلان وأنا شفيعها، ومنها: ما لو قال لرجل علي ألف فاقضها فأقام المأمور بينة أنه قضاها يقضي بقبض الغائب والرجوع على الآخر، ومنها: ما لو قال لغيره الذي في يدي لفلان فاشتراه لي وأنقد الثمن فأقام المأمور بينة أنه فعل ذلك، ومنها: ما لو قال لرجل اضمن لهذا ماداينني فضمن فأقام الضمين بينة أن فلانا داينك كذا وإني قضيت عنك، ومنها: الكفيل بأمر أقام بينة على الأصيل أنه أوفى الطالب، ومنها: ما لو أقام بينة على أن له على فلان ألفا وأنه أحال بما عليه، ومنها: ما لو أقام بينة على رجل أنه كان لفلان عليك ألف أحلته به علي وأديتها إليه، ومنها: ما لو طالب البائع المشتري بالثمن فأقام هو بينة أنه أحاله بالثمن على فلان، ومنها: ما لو قال لرجل إن جنى عليك فلان فأنا كفيل بنفسه فأقام بينة أنه جنى عليه فلان، ومنها: ما لو أقام بينة على رجل في يده دار أنها له فأقام ذو اليد بينة أن فلانا وهبها له وسلم أو أودع أو باع، ومنها: ما لو أقام ذو اليد بينة أن المدعي باعها من فلان وقبضها تبطل بينه المدعي ويلزم الشراء الغائب، ومنها: ما لو قال ذو اليد أودعنيه فلان فطلب المدعي تحليفه به فنكل فقضى عليه نفذ على فلان، ومنها: ما لو قال وصل إلي من زيد وكيل فلان بأمره أو من غاصب منه وحلف المدعي ما يعلم دفع زيد فقضى عليه نفذ على فلان، ومنها: ما لو أقام بينة على عبد أن مولاه أعتقه وأنه قطع يده بعد ذلك أو استدان منه أو اشترى منه أو باع منه، ومنها: ما قيل إنه لو قال لامرأته إن طلق فلان امرأته فأنت طالق فأقامت بينة على الحاضر إن فلانا طلق امرأته، ومنها: ما لو أقام الحاضر على القاتل بينة أن الولي الغائب قد عفا فتقبل البينة في جميع هذه الصور، ويتضمن
556 القضاء على الحاضر القضاء على الغائب فيها ا ه ح. قوله: (لا يقبل) لان الشرط ليس بأصل بالنسبة إلى المشروط، بخلاف السبب، فإن قضى فقد قضى على الغائب ابتداء. قهستاني ط. قلت: والمتبادر من إطلاقهم أنه لا يقبل في حق الحاضر ولا في حق الغائب، ويؤيده ما في البحر عن جامع الفصولين: علق طلاقها بتزوج عليها فبرهنت أنه تزوج عليها فلانة الغائبة عن المجلس هل تسمع حال الغيبة؟ فيه روايتان، والأصح أنها لا تقبل في حق الحاضرة والغائبة فلا طلاق ولا نكاح ا ه. لكن نقل عنه عقبه فرعا آخر وهو: ادعت عليه أنه كفل بمهرها عن زوجها لو طلقها ثلاثا وأنه طلقها ثلاثا، فأقر المدعى عليه بالكفالة وأنكر العلم بوقوع الثلاث فبرهنت به، يحكم لها بالمهر على الحاضر لا بالفرقة على الغائب ا ه. والظاهر أنه خلاف الأصح بقرينة والأصح أنها لا تقبل الخ. قوله: (في الأصح) مقابله ما حكاه في الفتح عن بعض المتأخرين كفخر الاسلام والاوزجندي أنهم أفتوا فيه بانتصاب الحاضر خصما: أي فالشرط عندهم كالسبب، ويقابله أيضا ما ذكرناه آنفا من قبولها في حق الحاضر لا الغائب. قوله: (يقبل لعدم ضرر الغائب) وذكر في الفتح أنه ليس في هذا قضاء على الغائب بشئ إذا ليس فيه إبطال حق له ا ه: أي لان دخول الغائب الدار لا يترتب عليه حكم، لكن قال ط: لو كان الغائب علق طلاق امرأته بدخوله الدار، فالظاهر أنه في حكم الأول للزوم الضرر ا ه. قوله: (ومن حيل إثبات العتق الخ) هي من جملة الصور التسع والعشرين المارة. قوله: (ومن حيل الطلاق الخ) الأولى إسقاطه لقول البحر، وأما حيل إثبات طلاق الغائب فكلها على الضعيف من أن الشرط كالسبب، قال في جامع الفصولين: ومع هذا لو حكم بالحرمة نفذ لاختلاف المشايخ ا ه. قلت: يعني إذا كان الحاكم مجتهدا، أما المقلد فلا يصح حكمه بالضعيف كما ذكرناه سابقا نعم نقل في البحر بعد هذا عن الخلاصة الطريق في إثبات الرمضانية أن يعلق وكالة بدخوله فيتنازعان في دخوله فيشهد الشهود فيقضي بالوكالة وبدخوله ا ه قال في البحر وعليه فإثبات طلاق معلق بدخول شهر حيلة فيه، ولو كان الزوج غائبا لان هذا ليس من قبيل الشرط، لأنه لا بد أن يكون فعل الغائب، وكذا إثبات ملك أو وقف أو نكاح، فيعلق وكالة بملك فلان ذلك الشئ أو بوقفيه كذا أو بكون فلانة زوجة فلان، ويدعي الوكيل فيقول الخصم وكالتك معلقة بما لم يوجد، فيقول الوكيل بل هي منجزة لتعلقها بكائن، وبرهن على الملك ونحوه ولا يعلق بفعل الغائب كأن نكح إن وقف إن طلق إن ملك هذا ما ظهر لي ا ه ملخصا. قلت: وفيه نظر لان المانع إثبات الضرر بالغائب قال في الفتح: الأصل أن ما كان شرطا لثبوت الحق للحاضر من غير إبطال حق للغائب قبلت البينة فيه إذ ليس فيه قضاء على الغائب وما تضمن إبطالا عليه لا تقبل ا ه فعلم أن المناط إبطال حق الغائب سواء كان الشرط فعله أو لا فلا فرق بين كون الشرط إن نكح أو إن كانت منكوحته فتفريع هذه المسائل على ما في الخلاصة غير ظاهر إذ ما فيها
557 ليس فيه حكم على غائب أصلا بخلاف هذه المسائل، فإن فيها الحكم على الغائب ابتداء بما يتضرر به ولو ملكا فإنه قد يلزمه منه ضرر واضع اليد المدعي أنه ملكه وغير ذلك فتدبر. قوله: (ومن أراد أن لا يزني الخ) إن كانت هذه الحيلة صدقا فلا وجه لتسميتها حيلة، ولا لقوله ومن أراد أن لا يزني وصنيعة يوهم أن ذلك سائغ كذبا وليس كذلك، بل مثله من أكبر الكبائر ط فالصواب إسقاط هذه العبارة والاقتصار على عبارة البزازية كما فعل في البحر على أن في صحة هذا الفرع كلاما نذكره عقبه. قوله: (فبرهن عليها بالطلاق) أي وبأنه تزوجها بعد العدة كما هو ظاهر. قوله: (يقضي عليها أنها زوجة الحاضر) أي ويقضي على الغائب بالطلاق كما يدل عليه ما بعده. قلت: لكن تقدم أن القضاء على الغائب إنما يصح إذا كان سببا لما يقضي على الحاضر لا محالة، ولا شك أن طلاق الغائب ليس كذلك، لان التزوج قد يكون بدون طلاق كما لو لم تكن زوجة أحد، وانظر ما قدمناه عند قوله: سببا لا محالة يظهر لك حقيقة الامر. قوله: (ولا يحتاج الخ) قال الخير الرملي: وفي جامع الفصولين خلافه. قوله: (ولو قضى على غائب الخ) أي قضى من يرى جوازه كشافعي لاجماع الحنفية على أنه لا يقضي على غائب كما ذكره الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء، كذا حققه في البحر. والحاصل: أنه لا خلاف عندنا في عدم جواز القضاء على الغائب، وإنما الخلاف في أنه لو قضى به من يرى جوازه هل ينفذ بدون تنفيذ أو لا بد من إمضاء قاض آخر؟ ورأيت نحو هذا منقولا عن إجابة السائل عن بعض رسائل العلامة قاسم، وبه ظهر أن قول المصنف فيما مر ولا يقضي على غائب بيان لحكم المذهب عندنا، وقوله هنا ولو قضى الخ حكاية للخلاف في النفاذ وعدمه. قلت: بقي ما لو قضى الحنفي بذلك، ولا يخفى أنه يأتي فيه الكلام المار فيما لو قضى في مجتهد فيه بخلاف رأيه، وما فيه من التفصيل واختلاف التصحيح فعلى قول من رجح الجواز لا يبقى فرق بين الحنفي وغيره، وعلى هذا يحمل ما صرح به في القنية من أنه لا يشترط في نفاذ القضاء على الغائب أن يكون من شافعي، وبه اندفع ما أورده الرملي والمقدسي على صاحب البحر حيث خصه بمن يرى جوازه كما ذكرنا، واندفع أيضا ما يتوهم من المنافاة بين ما ذكره الصدر الشهيد وما في القنية. وهذا ما ظهر لي فتدبره. لكن استظهر في البحر بعد ذلك تخصيص الخلاف في النفاذ وعدمه بالحكم للمفقود لا مطلق الغائب، واستدل بعبارة في الخانية، ونازعه الرملي بأنها لا تدل على مدعاه بل الظاهر من كلامهم التعميم ا ه. وقال في جامع الفصولين: قد اضطربت أراؤهم وبيانهم في مسائل الحكم للغائب، وعليه ولم يصف ولم ينقل عنهم أصل قوي ظاهر يبني عليه الفروع بلا اضطراب ولا إشكال، فالظاهر عندي أن يتأمل في الوقائع ويحتاط ويلاحظ الحرج والضرورات فيفتي بحسبها جوازا أو فسادا، مثلا لو طلق امرأته عند العدل فغاب عن البلد ولا يعرف مكانه أو يعرف ولكن يعجز عن إحضاره، أو عن أن تسافر إليه هي أو وكيلها لبعده أو لمانع آخر. وكذا المديون لو غاب وله نقد في
558 البلد أو نحو ذلك، ففي مثل هذا لو برهن على الغائب وغلب على ظن القاضي أنه حق لا تزوير ولا حيلة فيه، فينبغي أن يحكم عليه وله، وكذا للمفتي أن يفتي بجوازه دفعا للحرج والضرورات وصيانة للحقوق عن الضياع، مع أنه مجتهد فيه ذهب إليه الأئمة الثلاثة، وفيه روايتان عن أصحابنا، وينبغي أن ينصب عن الغائب وكيل يعرف أن يراعي جانب الغائب ولا يفرط في حقه ا ه. وأقره في نور العين. قلت: ويؤيده ما يأتي قريبا في المسخر، وكذا ما في الفتح من باب المفقود: لا يجوز القضاء على الغائب إلا إذا رأى القاضي مصلحة في الحكم له وعليه فحكم فإنه ينفذ لأنه مجتهد فيه ا ه. قلت: وظاهره ولو كان القاضي حنفيا ولو في زماننا، ولا ينافي ما مر لان تجويز هذا للمصلحة والضرورة. قوله: (وقيل لا ينفذ) أي بل يتوقف على إمضاء قاض آخر كما في البحر. قوله: (ورجح في الفتح الخ) ليس قولا ثالثا، بل هو القول الثاني كما علمت، وهذا مبني على أن نفس القضاء مجتهد فيه كقضاء محدود في قذف بعد توبته، والأول مبني على أن المجتهد فيه سبب القضاء، وهو أن هذه البينة هل تكون حجة للقضاء بلا خصم حاضر أم لا؟ فإذا قضى بها نفذ كما لو قضى بشهادة المحدود في قذف بعد توبته. مطلب في القضاء على المسخر قوله: (والمعتمد الخ) مقابله قول جواهر زاده بجوازه، لأنه أفتى بجواز القضاء على الغائب، وهو عين القضاء على الغائب. بحر. وفيه أيضا: وتفسير المسخر أن ينصب القاضي وكيلا عن الغائب ليسمع الخصومة عليه، وشرطه عند القائل به أن يكون الغائب في ولاية القاضي. قوله: (وهي في خمس) لم يذكر الرابعة في البحر بل زادها الشارح. قوله: (اشترى بالخيار) أي وأراد الرد في المدة فاختفى البائع فطلب المشتري من القاضي أن ينصب خصما عن البائع ليرده عليه، وهذا أحد قولين عزاهما في جامع الفصولين إلى الخانية، لكنه قدم هذا، وعادة قاضيخان تقديم الأشهر. قوله: (اختفى المكفول له) صورته: كفل بنفسه على أنه إن لم يوافق به غدا فدينه على الكفيل فغاب الطالب في الغد فلم يجده الكفيل فرفع الامر إلى القاضي فنصب وكيلا عن الطالب وسلم إليه المكفول عنه يبرأ، وهو خلاف ظاهر الرواية إنما هو في بعض الروايات عن أبي يوسف قال أبو الليث: لو فعل به قاض علم أن الخصم تغيب لذلك فهو حس. جامع الفصولين. قلت: ما قاله أبو الليث توفيق بين الروايتين، لكن ما نذكره من التصحيح في المسألة التالية لهذه ينبغي إجراؤه في رواية أبي يوسف، إذ لا فرق يظهر بين المسألتين. تأمل. قوله: (حلف ليوفينه اليوم الخ) بأن علق المديون العتق أو الطلاق على عدم قضائه اليوم ثم غاب الطالب وخاف الحالف الحنث فإن القاضي ينصب وكيلا عن الغائب ويدفع الدين إليه ولا يحنث الحالف وعليه الفتوى. بحر عن الخانية. وفي حاشية مسكين عن الشيخ شرف الدين الغزي أنه لا حاجة إلى نصب الوكيل لقبض
559 الدين، فإنه إذا دفع إلى القاضي بر في يمينه على المختار المفتى به كما في كثير من كتب المذهب المعتمدة، ولو لم يكن ثمة قاض حنث على المفتى به ا ه. قوله: (فتغيبت) أي لايقاع الطلاق عليه فإنه ينصب من يقبض لها ط. قوله: (خانية) لم أر هذه العبارة في الخانية في هذا المحل. مطلب في الخصم إذا اختفى في بيته قوله: (الخامسة الخ) ذكر في شرح أدب القاضي: لو قال رجل للقاضي لي على فلان حق وقد تواري عني في منزله، فالقاضي يكتب إلى الوالي في إحضاره، فإن لم يظفر به وسأل الطالب الختم على بابه فإن أتى بشاهدين أنه في منزله وقالا رأيناه منذ ثلاثة أيام أو أقل ختم عليه لا إن زاد على ثلاث، والصحيح أنه مفوض إلى رأي الحاكم، فإذا ختم وطلب المدعي أن ينصب له وكيلا بعث القاضي إلى داره رسولا مع شاهدين ينادي بحضرتهما ثلاثة أيام في كل يوم ثلاث مرات يا فلان بن فلان إن القاضي يقول لك أحضر مع خصمك فلان مجلس الحكم وإلا نصبت لك وكيلا وقبلت بينته عليك، فإن لم يخرج نصب له وكيلا وسمع شهود المدعي وحكم عليه بمحضر وكيله ا ه ملخصا. قوله: (أنه قول الكل) أي النصب عن الخصم المتوارى، وهو الذي تعطيه عبارة الكمال. قوله: (وأن القاضي الخ) الذي في شرح الأدب هو ما ذكرناه من تفويض المدة إلى القاضي في رؤية الشاهدين للمختفي لا في مدة الختم، والذي في شرح الوهبانية مثل ما ذكرناه أيضا. مطلب في بيع التركة المستغرقة بالدين قوله: (ولاية بيه التركة المستغرقة بالدين للقاضي لا للورثة) هذا مقيد بما إذا لم تتفق الورثة على أداء الدين كله من ما لهم، لما في الثامن والعشرين من جامع الفصولين: لو أرادت الورثة أداء دينه لتبقى تركته لهم فاتقوا عليه، وتحملوا قضاء دينه وإنفاذ وصاياه من مالهم فلهم ذلك، ولو اختلفوا فللوصي بيعها لدينه ووصاياه ولا يلتفت إلى قولهم، ثم قال: وجاز لاحد الورثة استخلاص العين من التركة بأداء قيمته إلى الغرماء لا إلى الوارث الآخر ا ه. وقوله: بأداء قيمت الخ، قال الرملي في حاشيته: عليه هذا إذا لم يكن الدين زائدا، لأنه ذكر قبله أن الدين لو كان زائدا على التركة فلهم استخلاصها بأداء دينه كله لا بقدر تركته كقن جنى يفديه مولاه بأرشه. قوله: (لا للورثة) أي إلا برضا الغرماء، حتى لو باع الوارث: أي بدون رضا الغرماء لا ينفذ، وكذلك المولى إذا حجر على العبد المأذون وعليه دين محيط ليس للمولى أن يبيع العبد وما في يده وإنما يبيعه القاضي، كذا هذا. منح عن العمادية. ثم ذكر عن القنية قولين ثانيهما: أن القاضي إنما يبيع التركة المستغرقة لقضاء الدين إذا امتنع الورثة عن بيعها ولم يحك ترجيحا، لكن اقتصاره في المتن على القول الأول تبعا للدرر يفيد ترجيحه، وحكى القولين في التاترخانية والبزازية أيضا. ورأيت بخط شيخ مشايخنا منلا علي التركماني ما نصه: أقول فلذا القضاة الآن يأذنون لبعض
560 ورثة الميت المستغرقة تركته بالدين ببيعها لوفاء دينه توفيقا بين القولين وعملا بهما. تنبيه: لم يذكر بيع الوصي، وفي جامع الفصولين: يصح بيع الوصي تركة مستغرقة لو بقيمتها، وليس للغرماء إبطاله. قوله: (لعدم ملكهم) قال في جامع الفصولين: ولو استغرقها دين لا يملكها بإرث إلا إذا أبرأ الميت غريمه أو أداه وارثه بشرط التبرع وقت الأداء، أما لو أداه من مال نفسه مطلقا بلا شرط تبرع أو رجوع يجب له دين على الميت فتصير التركة مشغولة بدينه فلا يملكها، حتى لو ترك ابنا وقنا ودينه مستغرق فأداه وارثه ثم أذن للقن في التجارة أو كاتبه لم يصح إذا لم يملكه ا ه. وتمام الكلام على ذلك في المنح. مطلب: دفع الورثة كرما من التركة إلى أحدهم ليقضي دين مورثهم فقضاه يصح تنبيه: قيد بالتركة المستغرقة لان غيرها ملك للورثة، وفي جامع الفصولين: عليه دين غير مستغرق فللحاضر من ورثته بيع حصته لحصته من الدين لا بيع حصة غيره للدين لأنها ملك الوارث الآخر إذ الدين لم يستغرق، فلو دفعت الورثة إلى أحدهم كرما من التركة ليقضي دين مورثهم وهو غير مستغرق فقضاه صح لأنه بيع منهم لحصتهم منه بقدر الدين لأنهم لو دفعوه إلى أجنبي لأداء الدين يكون بيعا كذا هذا. قوله: (حيث كان الدين لغيرهم) قال في جامع الفصولين: استغراق التركة بدين الوارث لا يمنع إرثه إذا كان هو وارثه لا غير ا ه. ومفاده أنه لو كان الدين لبعض الورثة فهو كدين الأجنبي بالنسبة إلى باقي الورثة. تنبيه: ذكر الخير الرملي في حاشية الفصولين أن قوله هنا لا يمنع إرثه، لا ينافي ما مر آنفا من أن الوارث لو أدى دين الغريم بلا شرط تبرع لا يملكها، لأنه يثبت له الرجوع بأداء الدين بعد أن لم يكن له ملك فلا يملك القن إلا بتمليك القاضي، بخلاف الاستغراق بدينه ابتداء إذ لا مانع يمنعه من الملك ا ه. مطلب: للقاضي إقراض مال اليتيم ونحوه قوله: (يقرض القاضي الخ) أي يستحب له ذلك، لأنه لكثرة أشغاله لا يمكنه أن يباشر الحفظ بنفسه، والدفع بالقرض أنظر لليتيم لكونه مضمونا والوديعة أمانة، وينبغي له أن يتفقد أحوال المستقرضين حتى لو اختل أحدهم أخذ منه المال. وتمامه في البحر. وليس للقاضي أن يستقرض ذلك لنفسه ط عن الهندية. قوله: (مال الوقف) ذكره في البحر عن جامع الفصولين، لكن فيه أيضا عن العدة: يسع للمتولي إقراض ما فضل من غلة الوقف لو أحرز ا ه. ومقتضاه أنه لا يختص بالقاضي، مع أنه صرح في البحر عن الخزانة أن المتولي يضمن إلا أن يقال: إنه حيث لم يكن الاقراض أحرز. قوله: (والغائب) زاد في البحر: وله بيع منقوله إذا خاف التلف إذا لم يعلم بمكان الغائب، أما إذا علم فلا لأنه يمكنه بعثه إليه إذا خاف التلف ا ه. وانظر هل يقيد إقراضه ماله بما إذا لم يعلم مكانه. قوله: (واللقطة) الظاهر قراءته بالنصب عطفا على مال، ويجوز جره عطفا على المضاف إليه، وهو أولى لئلا يقع منصوبا بين مجرورين، لكن الإضافة فيه بيانية وفيما قبله وما بعده لامية. تأمل. ثم الظاهر أن المراد بإقراض القاضي اللقطة هنا ما إذا دفعها الملتقط إليه، وإلا فالتصرف فيها من تصدق أو إمساك
561 للملتقط. تأمل. قوله: (من ملئ) بالهمز في المصباح رجل ملئ علي فعيل: غني مقتدر، ويجوز الابدال والادغام ا ه: أي إبدال الهمزة ياء وإدغامها في الياء. قوله: (حيث لا وصي) هذا الشرط زاده في البحر بحثا بقوله: وينبغي أن يشترط لجواز إقراض القاضي عدم وصي لليتيم، فإن كان له وصي ولو منصوب القاضي لم يجز، لأنه من التصرف في ماله وهو ممنوع منه مع وجود وصية كما في بيوع القنية ا ه. ورده محشيه الرملي: بأن إطلاق المتون على خلافه، وبأنه إذا لم يجز منه والوصي ممنوع من الاقراض امتنع النظر لليتيم ولا قائل به. تأمل ا ه. لكنه أفتى في وصايا الخيرية بأن للوصي إقراض مال اليتيم بأمر القاضي أخذا مما في وقف البحر عن القنية، من أن للمتولي إقراض مال المسجد بأمر القاضي. قال: والوصي مثل القيم لقولهم الوصية والوقف أخوان، فلم يمتنع النظر لليتيم بهذه الجهة. نعم يرد على البحر أن الوصي إذا كان لا يملك الاقراض بدون إذن القاضي علم أن ذلك لم يدخل تحت وصايته، بل بقي للقاضي فلم يكن ممنوعا منه مع وجود الوصي، كما لو نصب وصيا علي يتيمه ليس لها ولي فللقاضي أن يزوجها بنفسه أو يأذن للوصي بتزويجها، وليس للوصي ذلك بدون إذن إذ لا يدخل تحت وصايته، بخلاف بيع مال اليتيم ونحوه فليس للقاضي فعله مع وجود الوصي، فلذا لم يذكر هذا القيد في المتون، فافهم. قوله: (ولا من يقبله مضاربة الخ) في البحر عن جامع الفصولين: إنما يملك القاضي إقراضه إذا لم يجد ما يشتريه له يكون غلة لليتيم لا لو وجده أو وجد يضارب لأنه أنفع ا ه: أي أنفع من الاقراض، وما قيل إن مال المضاربة أمانة غير مضمون فيكون الاقراض أولى، فهو مدفوع بأن المضاربة فيها ربح، بخلاف القرض. قوله: (ولو مستغلا يشتريه) أي ما يكون فيه لليتيم غلة كما علمت، وهو منصوب بالعطف على محل اسم لا الأولى وإلا كان حقه الرفع أو البناء على الفتح كما لا يخفى. قوله: (ليحفظه) أي بالإستذكار للمال وأسماء الشهود ونحو ذلك. قوله: (لا يقرض الأب) أي في أصح الروايتين: فتح. قال في البحر: وفي خزانة الفتاوى: الصحيح أن الأب كالقاضي، فقد اختلف التصحيح والمعتمد ما في المتون وشمل ما إذا أخذ مال ولده الصغير قرضا لنفسه، وهو مروي عن الامام، وقيل له ذلك، ولم أر حكم الجد في جواز إقراضه على رواية جوازه للأب والظاهر أنه كالأب لقولهم الجد أبو الأب كالأب إلا في مسائل، واختلفوا في إعارة الأب مال ولده الصغير، وفي الصحيح لا ا ه. قوله: (لأنه لا يقضي لولده) لأنه ربما ينكر المستقرض فيحتاج للبينة والقضاء بها ط. قوله: (ولا الوصي) فلو فعل لا يعد خيانة فلا يعزل به، وكذا ليس له أن يستقرض لنفسه على الأصح، فلو فعل إثم أنفق على اليتيم مدة يكون متبرعا إذا صار ضامنا، فلا يتخلص ما لم يرفع الامر إلى الحاكم ويملك الايداع، والبيع نسيئة، وتمامه في البحر. وفيه عن الخزانة: إذا آجر الوصي أو الأب أو الجد أو القاضي الصغير في عمل من الأعمال فالصحيح جوزاها وإن كانت بأقل من أجرة المثل ا ه: أي لان للوصي والأب والجد استعماله بلا عوض بطريق التهذيب والرياضة فبالعوض أولى، كما في السابع والعشرين من جامع الفصولين، وتمام أبحاث هذه المسائل فيه. قوله: (ومتى جاز الخ) تقييد لقوله: ولا الملتقط بما إذا كان قبل جواز التصدق بها وهذا
562 ذكره الزيلعي في مسائل شتى آخر الكتاب بقوله: إلا أن الملتقط إذا نشد اللقطة ومضى مدة النشدات ينبغي أن يجوز له الاقراض من فقير، لأنه لو تصدق بها عليه في هذه الحالة جاز فالقرض أولى ا ه فافهم. مطلب فيما لو قضى القاضي بالجور قوله: (ولو قضى بالجور الخ) القضاء بخلاف الحق إما عن خطأ أو عمد، وكل على وجهين: إما في حقه تعالى، أو حق العبد. فالخطأ في حق العبد إما أن يمكن فيه التدارك والرد أو لا، فإن أمكن بأن قضى بمال أو صدقة أو طلاق أو إعتاق ثم ظهر أن الشهود عبيد أو كفار أو محدودون في قذف يبطل القضاء ويرد العبد رقيقا، والمرأة إلى زوجها والمال إلى من أخذه منه، وإن لم يمكن الرد بأن قضى بالقصاص واقتص لا يقتل المقضي له، ويصير صورة القضاء شبهة مانعة، بل تجب الدية في مال المقضي له، وهذا كله إذا ظهر خطأ القاضي بالبينة أو بإقرار المقضي له، فلو بإقرار القاضي لا يظهر في حق المقضي له، فلو بإقرار القاضي لا يظهر في حق المقضي له، حتى لا يبطل القضاء في حقه، وأما الخطأ في حقه تعالى بأن قضى بحد زنا أو سرقة أو شرب واستوفى الحد ثم ظهر أن الشهود كما مر في الضمان في بيت المال، وإن كان القضاء بالجور عن عمد وأقر به فالضمان في ماله في الوجوه كلها بالجناية والاتلاف، ويعزر القاضي ويعزل عن القضاء ط عن الهندية ملخصا. مطلب: إذا قاس القاضي وأخطأ فالخصومة للمدعى عليه مع القاضي والمدعي يوم القيامة تنبيه: القاضي إذا قاس مسألة على مسألة وحكم ثم ظهر رواية بخلافه فالخصومة للمدعى عليه يوم القيامة مع القاضي والمدعي، أما مع المدعي فلانه أثم بأخذ المال، وأما مع القاضي فلانه أثم بالاجتهاد لان أحدا ليس من أهل الاجتهاد في زماننا، وبعض أذكياء خوارزم قاس المفتي على القاضي، فأوردت أن القاضي صاحب مباشر للحكم، فكيف يؤاخذ السبب مع المباشر فانقطع، وكان له أن يقول: إن القاضي في زماننا ملجأ إلى الحكم بعد الفتوى، لأنه لو ترك يلام لأنه غير عالم حتى يقضي بعلمه. بزازية قبيل الشهادات. قلت: وفيه نظر، فإن هذا لا يسمى إلجاء حقيقة وإلا لزم أن تنقطع النسبة عن المباشر إلى المتسبب، كما لو أكره رجل آخر بإتلاف عضو على أخذ مال إنسان، فإن الضمان على المكره بالكسر لصيرورة المكره بالفتح كالآلة، ولا شك أن ما هنا ليس كذلك، فلم تنقطع النسبة عن المباشر وهو القاضي وإن أثم المتسبب وهو المفتي، ولا يقاس هذا على مسألة تضمين الساعي إلى ظالم مع أن الساعي متسبب لا مباشر، فإن تلك مسألة استحسانية خارجة عن القياس زجرا عن السعاية، لكن قد يقال: إن هذا حكم الضمان في الدنيا والكلام في الخصومة في الآخرة، ولا شك في أن كلا من المباشر والمتسبب ظالم آثم وللمظلوم الخصومة معهما وإن اختلف ظلمهما، فإن المباشر ظلمه أشد، كمن أمسك رجلا حتى قتله آخر. قوله: (انعزل عن القضاء) الظاهر أن هذا وما بعده مبنيان على رواية
563 انعزاله بالفسق، وتقدم أن المذهب أنه لا ينعزل بل يستحق العزل. قوله: (وفيه) لم يذكر ذلك في المنح فيعود الضمير إلى السراج، قوله: (وشهادته) أي إذا أراد أن يشهد شهادة عند القاضي المولى لا يقبلها لفسقه بغلبة الجوز والرشوة، فافهم. قوله: (القضاء مظهر لا مثبت) لان الحق المحكوم به كان ثابتا والقضاء أظهره، والمراد ما كان ثابتا ولو تقديرا كالقضاء بشهادة الزور كما مر بيانه في تعريف القضاء عن ابن الغرس. مطلب: القضاء يقبل التقييد والتعليق قوله: (ويتخصص بزمان ومكان وخصومة) عزاه في الأشباه إلى الخلاصة. وقال في الفتح من أول كتاب الفضاء: الولاية تقبل التقييد والتعليق بالشرط كقوله: إذا وصلت إلى بلدة كذا فأنت قاضيها، وإذا وصلت إلى مكة فأنت أمير الموسم. والإضافة: كجعلتك قاضيا في رأس الشهر، والاستثناء منها: كجعلتك قاضيا إلا في قضية فلان ولا تنظر في قضية كذا، والدليل على جواز تعليق الامارة وإضافتها قوله (ص) حين بعث البعث إلى مؤتة وأمر عليهم زيد بن حارثة إن قتل زيد بن حارثة فجعفر أميركم، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة وهذه القصة مما اتفق عليها جميع أهل السير والمغازي ا ه. مطلب في عدم سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة قوله: (بعد خمسة عشر سنة) المناسب خمس عشرة بتذكير الأول وتأنيث الثاني، لكون المعدود مؤنثا وهو سنة، وأجاب ط بأنه على تأويل السنة بالعام أو الحول. قوله: (فلا تسمع الآن بعدها) أي لنهي السلطان عن سماعها بعدها، فقد قال السيد الحموي حاشية الأشباه: أخبرني أستاذي شيخ الاسلام يحيى أفندي الشهير بالمنقاري أن السلاطين الآن يأمرون قضاتهم في جميع ولاتهم أن لا يسمعوا دعوى بعد مضي خمس عشرة سنة سوى الوقف والإرث ا ه. ونقل في الحامدية فتاوى من المذاهب الأربعة بعدم سماعها بعد النهي المذكور. مطلب: هل يبقى النهي بعد موت السلطان لكن هل يبقى النهي بعد موت السلطان الذي نهى، بحيث لا يحتاج من بعده إلى نهي جديد؟ أفتى في الخيرية بأنه لا بد من تجديد النهي، ولا يستمر النهي بعده، وبأنه إذا اختلف الخصمان في أنه منهي أو غير منهي فالقول للقاضي ما لم يثبت المحكوم عليه النهي، وأطال في ذلك وأطاب فراجعه. وأما ما ذكره السيد الحموي أيضا من أنه قد علم من عادتهم: يعني سلاطين ال عثمان نصرهم الرحمن، من أنه إذا تولى سلطان عرض عليه قانون من قبله وأخذ أمره باتباعه فلا يفيد هنا، لان معناه، أن يلتزم قانون أسلافه بأن يأمر بما أمروا به وينهي عما نهوا عنه، ولا يلزم منه أنه إذا ولى قاضيا ولم ينهه عن سماع هذه الدعوى أن يصير قاضيه منهيا بمجرد ذلك، وإنما يلزم منه أنه إذا ولاه ينهاه صريحا ليكون عاملا بما التزمه من القانون، كما اشتهر أنه حين يوليه الآن يأمره في منشوره
564 بالحكم بأصح أقوال المذهب كعادة من قبله، وتمام الكلام على ذلك في كتابنا تنقيح الحامدية فراجعه، وأطلنا الكلام عليه أيضا في كتابنا تنبيه الولاة والحكام. قوله: (إلا في الوقف والإرث ووجود عذر شرعي) استثناء الإرث موافق لما مر عن الحموي، ولما في الحامدية عن فتاوى أحمد أفندي أحمد أفندي المهمنداري مفتي دمشق أنه كتب على ثلاثة أسئلة أنه تسمع دعوى الإرث ولا يمنعها طول المدة ويخالفه ما في الخيرية حيث ذكر أن المستثنى ثلاثة مال اليتيم والوقف والغائب، ومقتضاه أن الإرث غير مستثنى فلا تسمع دعواه بعد هذه المدة، وقد نقل في الحامدية عن المهمنداري أيضا أنه كتب على سؤال آخر فيمن تركت دعواها الإرث بعد بلوغها خمس عشرة سنة بلا عذر، أن الدعوى لا تسمع إلا بأمر سلطاني، ونقل أيضا مثله فتوى تركية عن المولى أبي السعود، وتعريبها: إذا تركت دعوى الإرث بلا عذر شرعي خمس عشرة سنة فهل لا تسمع؟ الجواب: لا تسمع ا ه. إذا اعترف الخصم بالحق. ونقل مثله شيخ مشايخنا التركماني عن فتاوى علي أفندي مفتي الروم، ونقل مثله أيضا شيخ مشايخنا السائحاني عن فتاوى عبد الله أفندي مفتي الروم، وهذا الذي رأينا عليه عمل من قبلنا، فالظاهر أنه ورد نهي جديد بعدم سماع دعوى الإرث، والله سبحانه أعلم. تنبيهات الأول: قد استفيد من كلام الشارح أن عدم سماع الدعوى بعد هذه المدة أنما هو للنهي عنه من السلطان، فيكون القاضي معزولا عن سماعها لما علمت من أن القضاء يتخصص فلذا قال: إلا بأمر: أي فإذا أمر بسماعها بعد هذه المدة تسمع، وسبب النهي قطع الحيل والتزوير، فلا ينافي ما في الأشباه وغيرها من أن الحق لا يسقط بتقادم الزمان ا ه. ولذا قال في الأشباه أيضا: ويجب عليه سماعها ا ه: أي يجب على السلطان الذي نهى قضاته عن سماع الدعوى بعد هذه المدة أن يسمعها بنفسه، أو يأمر بسماعها كي لا بضيع حق المدعي، والظاهر أن هذا حيث لم يظهر من المدعي أمارة التزوير، وفي بعض نسخ الأشباه: ويجب عليه عدم سماعها، وعليه، فالضمير يعود للقاضي المنهي عن سماعها، لكن الأول هو المذكور في معين المفني. الثاني: أن النهي حيث كان للقاضي لا ينافي سماعها من المحكم، بل قال المصنف في معين المفتي: إن القاضي لا يسمعها من حيث كونه قاضيا، فلو حكمه الخصمان في تلك القضية التي مضى عليها المدة المذكورة فله أن يسمعها. الثالث: عدم سماع القاضي لها إنما هو عند إنكار الخصم، فلو اعترف تسمع كما علم مما قدمناه من فتوى المولى أبي السعود أفندي، إذ لا تزوير مع الاقرار. الرابع: عدم سماعها حيث تحقق تركها هذه المدة، فلو ادعى في أثنائها لا يمنع بل يسمع دعواه ثانيا ما لم يكن بين الدعوى الأولى والثانية هذه المدة. ورأيت بخط شيخ مشايخنا التركماني في مجموعته أن شرطها: أي شرط الدعوى مجلس القاضي، فلا تصح الدعوى في مجلس غيره كالشهادة. تنوير وبحر ودرر. قال: واستفيد منه جواب حادثة الفتوى، وهي أن زيدا ترك دعواه على عمرو مدة خمس عشرة سنة ولم يدع عند القاضي بل طالبه بحقه مرارا في غير مجلس القاضي، فمقتضي ما ولا تسمع لعدم شرط الدعوى، فليكن على ذكر منك، فإنه تكرر السؤال عنها، وصريح فتوى شيخ الاسلام علي أفندي: أنه إذا ادعى عند القاضي مرارا ولم يفصل القاضي الدعوى ومضت المدة المزبورة تسمع، لأنه
565 صدق عليه أنه لم يتركها عند القاضي ا ه ما في المجموعة، وبه أفتى في الحامدية. ثم لا يخفى أن ترك الدعوى إنما يتحقق بعد ثبوت حق طلبها، فلو مات زوج المرأة أو طلقها بعد عشرين سنة مثلا من وقت النكاح فلها طلب مؤخر المهر، لان حق طلبه إنما ثبت لها بعد الموت أو الطلاق لا من وقت النكاح، ومثله ما يأتي فيما لو أخر الدعوى هذه المدة لاعسار المديون ثم ثبت يساره بعدها، وبه يعلم جواب حادثة الفتوى سئلت عنها حين كتابتي لهذا المحل في رجل له كدك دكان وقف مشتمل على منجور وغيره وضعه من ماله في الدكان بإذن ناظر الوقف من نحو أربعين سنة وتصرف فيه هو وورثته من بعده في هذه المدة ثم أنكره الناظر الآن وأنكر وضعه بالاذن وأراد الورثة إثباته وأثبات الاذن بوضعه، والذي ظهر لي في الجواب سماع البينة في ذلك، لأنه حيث كان في يدهم ويد مورثهم هذه المدة معارض لم يكن تركا للدعوى ونظير ذلك ما لو ادعى زيد على عمرو بدار في يده فقال له عمرو كنت اشتريتها منك من عشرين سنة وهي في ملكي إلى الآن وكذبه زيد في الشراء، فتسمع بينة عمرو على الشراء المذكور بعد هذه المدة، لان الدعوى توجهت عليه الآن وقبلها كان واضع اليد بلا معارض فلم يكن مطالبا بإثبات ملكيتها فلم يكن تاركا للدعوى، ومثله فيما يظهر أن مستأجر دار الوقف يعمرها بإذن الناظر، وينفق عليها مبلغا من الدراهم يصير دينا له على الوقف، ويسمى في زماننا مرصدا، ولا يطالب به ما دام في الدار، فإذا خرج منها فله الدعوى على الناظر بمرصده المذكور وإن طالت مدته حيث جرت العادة بأنه لا يطالب به قبل خروجه، ولا سيما إذا كان في كل سنة يقتطع بعضه من أجرة الدار، فليتأمل. الخامس: استثناء الشارح العذر الشرعي أعم مما في الخيرية من الاقتصار على استثناء الوقف ومال اليتيم والغائب، لان العذر يشمل ما لو كان المدعى عليه حاكما ظالما كما يأتي، وما لو كان ثابت الاعسار في هذه المدة ثم أيسر بعدها فتسمع كما ذكره في الحامدية. السادس: استثناء مال اليتيم مقيد إذا لم يتركها بعد بلوغه هذه المدة وبما إذا لم يكن له ولي كما يأتي، وفي الحامدية: لو كان أحد الورثة قاصرا والباقي بالغين تسمع الدعوى بالنظر إلى القاصر بقدر ما يخصه دون البالغين. مطلب: إذا ترك الدعوى ثلاثا وثلاثين سنة لا تسمع السابع: استثنوا الغائب والوقف ولم يبينوا له مدة فتسمع من الغائب ولو بعد خمسين سنة، ويؤيده قوله في الخيرية: من المقرر أن الترك لا يتأتى من الغائب له أو عليه لعدم تأتي الجواب منه بالغيبة والعلة خشية التزوير، ولا يتأتى بالغيبة الدعوى عليه، فلا فرق فيه بين غيبة المدعي والمدعى عليه ا ه. وكذا الظاهر في باقي الاعذار أنه لا مدة لها، لان بقاء العذر وإن طالت مدته يؤكد عدم التزوير، بخلاف الوقف، فإنه لو طالت مدة دعواه بلا عذر ثلاثا وثلاثين سنة لا تسمع كما أفتى به في الحامدية أخذا مما ذكره في البحر في كتاب الدعوى عن ابن الغرس عن المبسوط: إذا ترك الدعوى ثلاثا وثلاثين سنة ولم يكن مانع من الدعوى ثم ادعى لا تسمع دعواه، لان ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرا ا ه. وفي جامع الفتوى عن فتاوي العتابي: قال المتأخرون من أهل الفتوى: لا تسمع الدعوى بعد ست وثلاثين سنة، إلا أن يكون المدعي غائبا أو صبيا أو مجنونا وليس لهما ولي،
566 أو المدعى عليه أميرا جائرا ا ه. ونقل ط عن الخلاصة: لا تسمع بعد ثلاثين سنة ا ه. ثم لا يخفى أن هذا ليس مبنيا على المنع السلطاني بل هو منع من الفقهاء، فلا تسمع الدعوى بعده وإن أمر السلطان بسماعها. مطلب: باع عقارا وأحد أقاربه حاصر لا تسمع دعواه الثامن: سماع الدعوى قبل مضي المدة المحدودة مقيد بما إذا لم يمنع منه مانع آخر يدل على عدم الحق ظاهرا لما سيأتي في مسائل آخر الكتاب من أنه لو باع عقارا أو غيره وامرأته أو أحد أقاربه حاضر يعلم به ثم ادعى ابنه مثلا أنه ملكه لا تسمع دعواه، وجعل سكوته كالافصاح قطعا للتزوير والحيل، بخلاف الأجنبي فإن سكونه ولو جارا لا يكون رضا، إلا إذا سكت الجار وقت البيع والتسليم وتصرف المشتري فيه زرعا وبناء فلا تسمع دعواه على ما عليه الفتوى قطعا للأطماع الفاسدة ا ه. وأطال في تحقيقه في الخيرية من كتاب الدعوى، فقد جعلوا مجرد سكوت القريب أو الزوجة عن البيع مانعا من دعواه بلا تقييد باطلاعه على تصرف المشتري كما أطلقه في الكنز والملتقي، وأما دعوى الأجنبي ولو جارا فلا بد في منعها من السكوت بعد الاطلاع على تصرف المشتري، ولم يقيدوه بمدة، وقد أجاب المصنف في فتاواه فيمن له بيت يسكنه مدة تزيد على ثلاث سنين ويتصرف فيه هدما وعمارة مع اطلاع جاره على ذلك بأنه لا تسمع دعوى الجار عليه البيت أو بعضه على ما عليه الفتوى وسيأتي تمام الكلام على ذلك آخر الكتاب في مسائل شتى قبيل الفرائض إن شاء الله تعالى، فانظره هناك فإنه مهم. مطلب: طاعة الامام واجبة قوله: (أمر السلطان إنما ينفذ) أي يتبع ولا تجوز مخالفته، وسيأتي قبيل الشهادات عند قوله: أمرك قاض بقطع أو رجم الخ التعليل بوجوب طاعة ولي الأمر. وفي ط عن الحموي أن صاحب البحر ذكر ناقلا عن أئمتنا أن طاعة الامام في غير معصية واجبة، فلو أمر بصوم يوم وجب ا ه. وقدمنا أن السلطان لو حكم بين الخصمين ينفذ في الأصح، وبه يفتى. قوله: (يلزم منه سخطك) أي إن عصوك وسخط الخالق: أي إن أطاعوك ا ه ح عن الأشباه، وفي سخط ضم المهملة مع سكون الخاء المعجمة وفتحها، ونقل عن الصيرفية جواز التحليف، وهو مقيد بما إذا رآه القاضي جائزا: أي بأن كان ذا رأي، أما إذا لم يكن له رأي فلا ط عن أبي السعود. والمراد بالرأي الاجتهاد. قوله: (قضاء الباشا الخ) قدمنا الكلام عليه قبيل قول المصنف لا يقضي على غائب ولا له قوله: (الحاكم كالقاضي) في بعض النسخ المحكم وهو الذي في البحر والأشباه. قوله: (إلا في أربع عشرة مسألة) سيأتي في آخر باب التحكيم أنه في البحر عدها سبعة عشر، ويأتي بيانه هناك مع زيادة عليها. قوله: (ذكرناها) من كلام الأشباه. قوله: (ويعزل) أي يستحق العزل كما في الزيلعي.
567 قوله: (لريبة) أي إذا كان له ريبة في الشهود، ومنها: ثلاثة شهدوا عنده ثم قال أحدهم قبل القضاء أستغفر الله كذبت في شهادتي فسمعه القاضي بلا تعيين شخصه، فسألهم فقالوا كلنا على شهادتنا فإنه لا يقضي بشهادتهم ويخرجهم من عنده حتى ينظر في ذلك. بيري. قوله: (ولرجاء صلح أقارب) وكذا الأجانب، لان القضاء يورث الضغينة فيحترز عنه مهما أمكن ط عن الشيخ صالح. وفي البيري عن خزانة الأكمل: إذا طمع القاضي في إرضاء الخصمين لا بأس بردهم، ولا ينفذ القضاء بينهما لعلها يصطلحان، ولا يردهما أكثر من مرتين وإن لم يطمع أنفذ القضاء ا ه. قوله: (وإذا استهمل المدعي) أراد أن المدعي إذا استمهل من القاضي حتى يحضر بينة فإنه يمهله، وكذا إذا أقام البينة ثم إن المدعي عليه استمهل من القاضي حتى يأتي بالدفع فإنه يجيبه، ولا يعجل بالحكم ا ه. وهذا إذا أقام البينة ثم إن المدعي عليه استمهل من القاضي حتى يأتي بالدفع فإنه يجيبه، بعد أن يسأله عن الدفع وكان صحيحا، فلو فاسدا لا يمهله ولا يلتفت إليه كما في قاضيخان. بيري. قلت: وسيأتي قبيل باب دعوى الرجلين أنه لو قال المدعي عليه لي دفع يمهل إلى المجلس الثاني، وزاد البيري عن الخلاصة مسألة أخرى: يؤخر فيها إذا لم يعتمد على فتوى أهل مصره، فيعث الفتوى إلى مصر آخر لا يأثم بتأخير القضاء. مطلب: لا يصح رجوع القاضي عن قضائه إلا في ثلاث قوله: (لا يصح رجوعه عن قضائه) فلو قال رجعت عن قضائي أو وقعت في تلبيس الشهود أو أبطلت حكمي لم يصح والقضاء ماض كما في الخانية. أشباه. قيد بالرجوع لأنه لو أنكر القضاء وقال الشهود قضى فالقول له على المفتى به. ذكره ابن الغرس. وقدمنا أول القضاء عن جامع الفصولين اعتماد خلافه في زماننا. مطلب في حكم القاضي بعلمه قوله: (ولو بعلمه) كما إذا اعترف عنده شخص لآخر بمبلغ وغابا عنه، ثم تداعى عنده اثنان فحكم على أحدهما ظانا أنه ذلك المعترف ثم تبين له أنه غيره له نقضه. وتمامه في شرح الوهبانية. وهذا مبني على أن للقاضي العمل بعلمه، والفتوى على عدمه في زماننا كما نقله في الأشباه عن جامع الفصولين، وقيد بزماننا لفساد القضاة فيه، وأصل المذهب الجواز، وسيأتي تمامه في باب كتاب القاضي إلى القاضي. قوله: (أو ظهر خطؤه) بيانه عند قوله: ولو قضى بالجور قوله: (أو بخلاف مذهبه) تقدم بيانه عند قوله: قضى في مجتهد فيه بخلاف رأيه. مطلب: فعل القاضي حكم قوله: (فعل القاضي حكم الخ) كذا في الأشباه تفريعا واستثناء، وذكر في البحر أول كتاب القضاء: فعل القاضي على وجهين.
568 الأول: ما لا يكون موضعا للحكم كما لو أذنته مكلفة بتزويجها فإنه وكيل عنها ففعله ليس بحكم كما في القاسمية. الثاني: ما يكون محلا للحكم كتزويج صغيرة لا ولي لها، وشرائه وبيعه مال اليتيم، وقسمته العقار ونحو ذلك، فجزم في التجنيس بأنه حكم، وكذا تزويجه اليتيمة من ابنه ورده في نكاح الفتح بأن الأوجه أنه ليس بحكم لانتفاء شرطه: أي من الدعوى الصحيحة، وبأن إلحاقه بالوكيل يكفي للمنع: يعني أن الوكيل بالنكاح لا يملك التزويج من ابنه فالقاضي بمنزلته، فيعني ذلك عن كونه حكما. وعلى هذا فقولهم شراء القاضي مال اليتيم أو شيئا من الغنيمة لنفسه لا يجوز لأنه حكم لنفسه، خلاف الأوجه لان إلحاقه بالوكيل لمنع مغن عن كونه حكما، لان شراء الوكيل لنفسه باطل، لكن لما كثر في كلامهم فعله حكما. مطلب: القضاء القولي يحتاج للدعوى بخلاف الفعلي والضمني فالأولى أن يقال تصحيحا لكلامهم: إن الحكم القولي يحتاج إلى الدعوى والفعلي لا كالقضاء الضمني لا يحتاج إليها وإنما يحتاجها القصدي، ويدخل الضمني تبعا. وقال محمد في الأصل: لو طلب الورثة القسمة للعقار وفيهم غائب أو صغير: قال الامام: لا أقسم ما لم يبرهنوا على الموت والمواريث، ولا أقضي على الغائب والصغير يقول هم لان قسمة القاضي قضاء منه، وقالا: يقسم ا ه. وهذا قاطع للشبهة فتعين الرجوع إلى الحق ا ه ما في البحر ملخصا. وحاصله: أن ما في الأصل لا يمكن إلحاقه بالوكيل في المنع من القسمة، فتعين أن العلة ما نص عليها من كون فعله حكما، وتعين التوفيق بما ذكر من أن القضاء الفعلي لا يحتاج إلى الدعوى كالضمني، بخلاف القولي القصدي، وبه اندفع ما مر عن الفتح من قوله: لانتفاء شرطه، واندفع أيضا قول ابن الغرس: إن الصواب أن الفعل لا يكون حكما، نعم قال في النهر: مما يدل على أنه ليس بحكم إثباتهم خيار البلوغ للصغير والصغيرة بتزويج القاضي على الأصح، إذ لو كان تزويجه حكما لزم نقضه ا ه. قلت: وقد يقال: إن معنى كونه حكما أنه زوج اليتيمة ليس لغيره نقضه، كما أفتى به ابن نجيم: أي لو رفع إلى حاكم آخر لا يراه ليس له نقضه بل عليه تنفيذه، لان الحكم يرفع الخلاف، ولا يلزم من هذا أنه ليس لها خيار البلوغ كما لو زوجها عصبة غير الأب والجد وحكم به القاضي، فإن حكمه بصحة العقد لا ينافي ثبوت خيار البلوغ كما لا يخفي، فكذا هنا بالأولى. مطلب في القضاء الضمني تتمة: قال في الأشباه: القضاء الضمني لا يشترط له الدعوى والخصومة، فإذا شهدا على خصم بحق وذكر اسمه واسم أبيه وجده وقضى بذلك الحق كان قضاء بنسبه ضمنا وإن لم يكن في حادثة النسب ا ه. أي إذا كان المشهود عليه غير مشار إليه، فلو مشارا إليه لا يثبت نسبه كما أوضحه الحموي. ثم قال في الأشباه: وعلى هذا لو شهدا بأن فلانة زوجة فلان وكلت زوجها فلانا في كذا على خصم منكر وقضى بتوكيلها كان قضاء بالزوجية بينهما، وهي حادثة الفتوى، ونظيره ما في
569 الخلاصة من طريق الحكم بثبوت الرمضانية أن يعلق رجل وكالة فلان بدخول رمضان ويدعي بحق على آخر ويتنازعا في دخوله فتقام البينة على رؤياه فيثبت رمضان ضمن ثبوت التوكيل، وأصل القضاء الضمني ما ذكره أصحاب المتون من أنه لو ادعى كفالة على رجل بمال بإذنه فأقربها وأنكر الدين فبرهن على الكفيل بالدين وقضى عليه بها كان قضاء عليه قصدا وعلى الأصيل الغائب ضمنا. وله فروع وتفاصيل ذكرناها في الشرح ا ه. قوله: (إلا في مسألتين الخ) استثناء من قوله فعل القاضي حكم، ووجه الأولى أن فعله بطريق الوكالة، ووجه الثانية أن فعله كفعل الواقف فلقاض آخر نقضه كما في منتخب المحيط الرضوي، وقيد ذلك فيه بقيدين عن بعض المشايخ فإنه قال: وأن أعطى القاضي بعض القرابة أي فقيرا من قرابة الواقف ولم يقض له بذلك ولم يجعله راتبة في الوقف كان لقاض آخر نقضه، لكن ذكر في الأشباه من القاعدة الخامسة أن تقرير القاضي المرتبات غير لازم، إلا إذا حكم بعدم تقرير غيره فحينئذ يلزم، وهي في الخصاف. أفاده البيري. مطلب: أمر القاضي حكم قوله: (أمر القاضي حكم) قدمنا أول القضاء أنهم اتفقوا على أن أمره بحبس المدعى عليه بالحق كأمره بالآخذ منه، وعلى أن أمره بصرف كذا من وقف الفقراء إلى فقير من قرابة الواقف ليس بحكم حتى لو صرفه إلى فقير آخر صح. واختلفوا في قولهم سلم الدار، وتمام الكلام عليه في البحر والنهر هناك. مطلب: يحلف القاضي غريم الميت قوله: (القاضي يحلف غريم الميت) لم يبين أن هذا التحليف وأحب أم لا، وتوقف فيه المقدسي، لكن قال في الخلاصة عن أدب القاضي للخصاف: وأجمعوا على أن من ادعى دينا على الميت يحلف من غير طلب الوصي والوارث بالله ما استوفيت دينك من المديون ولا من أحد أداه إليك عنه ولا قبضه قابض ولا أبرأته ولا شيئا منه ولا أحلت بذلك ولا بشئ منه على أحد ولا عندك به ولا بشئ منه رهن ا ه. وعلله الصدر الشهيد بأن اليمين ليست للوارث ها هنا، وإنما هي للتركة، لأنه قد يكون له غريم آخر أو موصى له فالحق في هذا في تركة الميت، فعلى القاضي الاحتياط في ذلك، وقال قبله: ولا يدفع له شيئا حتى يستحلفه ا ه. فحيث أجمعوا على تحليفه وذكروا أنه لا يدفع إليه المال حتى يستحلف ولو لم يفعل ذلك لم تستوف الدعوى شرطها فلا ينفذ حكمه بالدفع والقبض والقاضي مأمور بالحكم بأصح أقوال الامام، فإذا حكم بغيره لم يصح، فكيف وقد أجمعوا على التحليف؟ وتمامه في الحامدية. قال في البحر من الدعوى: ولا خصوصية للدين بل في كل موضع يدعى حقا في التركة، وأثبته بالبينة وعزاه إلى الولوالجية، ثم قال: ولم أر حكم من ادعى أنه دفع للميت دينه وبرهن هل يحلف وينبغي أن يحلف احتياطا ا ه. قال محشيه الرملي: قد يقال إنما يحلف في مسألة مدعي الدين على الميت احتياطا لاحتمال أنهم شهدوا باستصحاب الحال وقد استوفاه في باطن الامر، وأما في مسألة دفع
570 الدين شهدوا على حقيقة الدفع فانتفى الاحتمال المذكور ا ه. وهذا وجيه كما لا يخفى. تنبيه: قيد بالقاضي لان للوصي أن يدفع ذلك للمقر له إذا أقر به الميت عنده كما نصوا عليه، وتمامه في البيري. قوله: (ولو أقر به المريض) أي في مرض موته، قال في التاترخانية: وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي: عرفنا أن الدين إذا تقادم وجوبه حتى يتوهم سقوطه بهذه الأسباب فغريم الميت يستحلف، وكنا نظن أن الدين إذا ثبت بإقرار المريض في مرض موته أن الغريم لا يستحلف، لأنه ذكر في المبسوط في مواضع أن المريض إذا أقر في مرضه بالديون للغرماء فإنهم يعطون ذلك ولم يشترط اليمين، والخصاف ذكر اليمين هنا، وهذا الشئ استفيد من جهته ا ه يبري. قوله: (إنه حلف المخدرة) هي التي لا تخالط الرجال وإن خرجت لحاجة وحمام، كذا ذكره الشارح عن القنية في باب الشهادة على الشهادة. قوله: (إلا بشاهدين) هذه عبارة الأشباه، وظاهرها أنه لا بد من شاهدين غير الأمين، وقدم عن الصغرى أنه يقبل قول شاهد معه، قال شيخ صالح: ولعل ذلك لاختلاف الروايتين ط. قوله: (وقدمنا في الوقف الخ) كان الأولى ذكره عند قوله: أمر السلطان إنما ينفذ الخ. وقوله: (أن للسلطان مخالفة شرط الواقف) فيجوز له إحداث وظيفة أو مرتب إذا كان المقرر في ذلك من مصاريف بيت المال ط. قوله: (لو غالبه قرى ومزارع) بأن كان الواقف له سلطانا أو واحدا من الامراء ولم يعلم تملكه لها بوجه شرعي، ولذا علله الشارح هنا بقوله: لان أصلها لبيت المال وأفتى المفتي أبو السعود أفندي بأن أوقاف الملوك والامراء لا يراعى شروطها، لأنها من بيت المال أو ترجع إليه ا ه. وقدمنا تمام الكلام على ذلك في الوقف. قوله: (وأجاب صنعي أفندي) أي عن سؤال سئل عنه. قوله: (متى كان في الوقف سعة) بفتح السين والعين المهملتين: أي بأن كانت غلته وافرة. قوله: (ولم يقصر) أي ذو الوظيفة التي أحدثها السلطان. قوله: (لا يمنع) أي من تناول ما قرره له. مطلب في حبس الصبي قوله: (يحبس الولي الخ) في البحر: لا يحبس صبي على دين الاستهلاك ولو له مال من عروض وعقار إذا لم يكن له أب أو وصي، والرأي فيه للقاضي، فيأذن في بيع بعض ماله للإيفاء، ولو له أب أو وصي يحبس إن امتنع من قضاء دينه من ماله: أي مال الصبي، ولا يحبس الصبي إلا بطريق التأديب لئلا يتجاسر إلى مثله إذا باشر شيئا من أسباب التعدي قصدا، فلو خطأ فلا، كذا في كفالة المبسوط. وفي المحيط للقاضي، حبس الصبي التاجر تأديبا لا عقوبة لئلا يماطل حقوق العباد، فإن الصبي يؤدب لينزجر عن الافعال الذميمة ا ه. قوله: (فيتأمل نفيه هنا) قد علمت من عبارتي المبسوط والمحيط
571 أن نفيه على وجه العقوبة وإثباته على وجه التأديب، وهو شامل أيضا للمأذون والمحجور فافهم. قوله: (قال) أي الشرنبلالي، وقد عزاه في النهر للطرسوسي أخذا من قول المبسوط: ولو له أب أو وصي الخ. قوله: (فللقاضي نقضه) أي نقض بيع الأب والوصي لو النقض أصلح للصغير. قوله: (وكما نظمه الشارح) أي شارح الوهبانية القاضي عبد البر بن الشحنة. قوله (ولو مصلحا) إنما ذكره لأنهم صرحوا بأن شرط بيع الأب عقار الصغير بمثل القيمة كونه محمودا أو مستورا، فلو كان مفسدا لا يجوز إلا بضعف القيمة. قوله: (والأصلح النقض) الواو للحال، وقوله: يسطر بسكون السين جملة استئنافية. قوله: (ويحبس الخ) أي يحبس الوالد والوصي في دين على الطفل لأجنبي إذا كان للطفل مال وامتنعا من أدائه كما علم مما مر. قوله: (وصي) على تقدير الواو العاطفة. قوله: (وللتأديب الخ) أي وحبس الصبي للتأديب بعض المشايخ تصوروا. قوله: (وفي الدين لم يحبس أب) تقدمت هذه المسألة في قوله: لا يحبس أصل وإن علا في دين فرعه بل يقضي القاضي دينه من عين ماله أو قيمته الخ واحترز بالدين عن النفقة فإنه يحبس بها كما مر هناك. قوله: (ومكاتب) بفتح التاء: أي لا يحبس المكاتب بدين الكتابة، فإن كان دينا آخر يحبس به للمولى ومنهم من منعه لأنه يتمكن من إسقاط بالتعجيز، وصححه في المبسوط وعليه الفتوى. بحر عن أنفع الوسائل. قوله: (وعبد لمولاه) أي لدين مولاه، أطلقه الزيلعي، فظاهره ولو كان مديونا. بحر. قوله: (كعكس) أي عكس المكاتب والعبد فلا يحبس المولى بدين مكاتبه إن كان من جنس بدل الكتابة لوقوع المقاصة، وإلا يحبس لتوقفها على الرضا، ولا يحبس المولى بدين عبده المأذون غير المديون، وإن مديونا يحبس لحق الغرماء. بحر. وذكره الشارح بعد. مطلب: جملة من لا يحبس عشرة قوله: (ومعسر) أي من ظهر إعساره بعد حبسه المدة التي يراها القاضي فلا يحبس بعدها، وبهذا بلغ عدد من لا يحبس سبعة: أولها الصبي، أو كلها في النظم قد عدها في البحر كذلك، لكنه أسقط المعسر وذكر بدله العاقلة إن كان لهم عطاء فلا يحبسون في دية وأرش، ويؤخذ من العطاء، وإن لم يكن عطاء يحبسون. ثم قال: ويزاد مسألتان لا يحبس المديون إذا علم القاضي أن له مالا غائبا، أو محبوسا موسرا فصارت تسعا ا ه. قلت: وبالمعسر صارت عشرا. قوله: (نعم الخ) تقييد لقوله كعكس. قوله: (إلا فيما كان من جنس الكتابة) الأولى أن يقول: إن لم يكن من جنس الكتابة، فإنه تقييد أيضا لقوله: كعكس كما
572 علم من عبارة البحر المارة آنفا. قوله: (سيدا) مفعول مقدم على فاعله وهو مكاتبه. قوله: (العبد فيها) أي في الكتابة مخير، لأنها عقد غير لازم في جانبه فله فسخها. قوله: (المحرر) اسم فاعل: أي الذي حرر الكتب وصححها واحتاج إليها لاعتماده عليها. قوله: (إذ بالكتب ما هو معسر (1)) إذ قضاء الدين مقدم على حاجته إليها وإن كان فقيرا في حق أخذ الصدقة وعدم وجوب الزكاة كما لو كان له قوت شهر فإنه يباع عليه وهو موسر، ولا يباع عليه قوت يومه كما في القنية، والله سبحانه أعلم. باب التحكيم لما كان من فروع القضاء وكان أحط رتبة من القضاء أخره، ولهذا قال أبو يوسف: لا يجوز تعليقه بالشرط وإضافته إلى وقت، بخلاف القضاء لكونه صلحا من وجه. بحر. قوله: (هو لغة الخ) في الصحاح: ويقال حكمته في مالي إذا جعلت إليه الحكم فيه ا ه. وهذه العبارة لا تدل على أن التحكيم لغة خاص بالمال خلافا لما توهمه عبارة الشارح، ولذا قال في المصباح: حكمت الرجل بالتشديد: فوضت الحكم إليه. قوله: (وعرفا تولية الخصمين) أي الفريقين المتخاصمين، فيشمل ما لو تعدد الفريقان، ولذا أعيد عليهما ضمير الجماعة في قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا) * وفي المصباح: الخصم يقع على المفرد وغيره والذكر والأنثى بلفظ واحد، وفي لغة: يطابق في التثنية والجمع فيجمع على خصوم وخصام ا ه فافهم. قوله: (حاكما) المراد به ما يعم الواحد والمتعدد. تنبيه: في البحر عن البزازية: قال بعض علمائنا: أكثر قضاة عهدنا في بلادنا مصالحون، لأنهم تقلدوا القضاء بالرشوة، ويجوز أن يجعل حاكما بترافع القضية، واعترض بأن الرفع ليس على وجه التحكيم بل على اعتقاد أنه ماضي الحكم، وحضور المدعى عليه قد يكون بالاشخاص والجبر فلا يكون حكما، ألا ترى أن البيع قد ينعقد ابتداء بالتعاطي، لكن إذا تقدمه بيع باطل أو فاسد وترتب عليه التعاطي لا ينعقد البيع لكونه ترتب على سبب آخر فكذا هنا، ولهذا قال السلف: القاضي النافذ حكمه أعز من الكبريت الأحمر ا ه. قال ط: وبعض الشافعية يعبر عنه بأنه قاضي ضرورة، إذ لا يوجد قاض فيما علمناه من البلاد إلا وهو راش ومرتش ا ه. وانظر ما قدمناه أول القضاء. قوله: (وركنه لفظه الخ) أي ركن التحكيم لفظه الدال عليه: أي اللفظ الدال على التحكيم كأحكم بيننا أو جعلناك حكما أو حكمناك في كذا، فليس المراد خصوص لفظ التحكيم. قوله: (مع قبول الآخر) أي المحكم بالفتح، فلو لم يقبل لا يجوز حكمه إلا بتجديد التحكيم - بحر عن المحيط. قوله: (من جهة المحكم) أي جنسه
(1) قوله: (إذ هو بالكتب الخ) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح إذ بالكتب الخ وهو الموافق للوزن ا ه. مصححه. 573 الصادق بالفريقين، وشمل ما لو كان أحدهما قاضيا كما في القهستاني. قوله: (لا الحرية) فتحكيم المكاتب والعبد والمأذون صحيح. بحر. قوله: (فصح تحكيم ذمي ذميا) لأنه أهل للشهادة بين أهل الذمة دون المسلمين، ويكون تراضيهما عليه في حقهما كتقليد السلطان إياه، وتقليد الذمي ليحكم بين أهل الذمة صحيح لا بين المسلمين، وكذلك التحكيم. هندية عن النهاية ط. وفي البحر عن المحيط: فلو أسلم أحد الخصمين قبل الحكم لم ينفذ حكم الكافر على المسلم وينفذ للمسلم على الذمي، وقيل لا يجوز للمسلم أيضا، وتحكيم المرتد موقوف عنده، فإن حكم ثم قتل أو لحق بطل، وإن أسلم نفذ، وعندهما جائز بكل حال. قوله: (كما مر) أي في الباب السابق في قوله: والمحكم كالقاضي وأفاد جواز تحكيم المرأة والفاسق لصلاحيتهما للقضاء، والأولى أن لا يحكما فاسقا. بحر. قوله: (وقته ووقت الحكم جميعا) وكذا فيما بينهما، بخلاف القاضي كما سيأتي في المسائل المخالفة. بحر. قوله: (فلو حكما عبدا الخ) ولو حكما حرا وعبدا فحكم الحر وحده لم يجز، وكذا إذا حكما. بحر عن المحيط. قوله: (في مقلد) بفتح اللام مبني للمجهول: أي فيمن قلده الامام القضاء. قوله: (بخلاف الشهادة) فإن اشتراط الأهلية فيها عند الأداء فقط، وأشار بهذا إلى فائدة قول المصنف صلاحيته للقضاء حيث لم يقل للشهادة. قوله: (وقدمنا) أي قبيل قوله: وإذا رفع إليه حكم قاض وأشار بهذا إلى أن قوله: كما في مقلد ليس متفقا عليه، وقدمنا أول القضاء عند قوله: وأهله أهل الشهادة أن فيه روايتين، وأنه في الواقعات الحسامية قال: الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة، لان الكفر لا ينافي ابتداء القضاء في إحدى الروايتين، وإن هذا يؤيد صحة تولية الكافر والعبد وصحة حكمها بعد الاسلام والعتق بلا تجديد تولية، وبه جزم في البحر واقتصر عليه في الفتح، خلافا لما مشى عليه المصنف هنا، وأن هذا بخلاف الصبي إذا بلغ فإنه لا بد من تجديد توليته، وقدمنا وجه الفرق هناك فافهم، وهل تجري هذه الرواية في المحكم؟ لم أره، والظاهر لا. مطلب: حكم بينهما قبل تحكيمه ثم أجازاه جاز قوله: (ورضيا بحكمه) أي إلى أن حكم، كذا في الفتح، فأفاد أنه احترز عما لو رجعا عن تحكيمه قبل الحكم، أو عما لو رضي أحدهما فقط، لكن كان الأولى ذكره قبل قوله: فحكم لئلا يوهم اشتراط الرضا بعد الحكم مع أنه إذا حكم لزمهما حكمه كما في الكنز وغيره ويأتي متنا، أو يذكره هنا بأو ليدخل ما لو حكم بينهما قبل تحكيمه ثم قالا رضينا بحكمه وأجزناه، فإنه جائز كما نقله ط عن الهندية. قوله: (صح لو في غير حد وقود الخ) شمل سائر المجتهدات من حقوق العباد كما ذكره بعد، وما ذكره من منعه في القصاص تبعا للكنز وغيره، هو قول الخصاف وهو الصحيح كما في الفتح، وما في المحيط من جوازه فيه، لأنه من حقوق العباد ضعيف رواية ودراية، لان فيه
574 حق الله تعالى أيضا، وإن كان الغالب حق العبد، وكذا ما اختاره السرخسي من جوازه في حق القذف ضعيف بالأولى، لان الغالب فيه حق الله تعالى على الأصح. بحر. قوله: (ودية على عاقلة) خرج ما لو كانت على القائل بأن ثبت القتل بإقراره، أو ثبتت جراحة ببينة وأرشها أقل مما تحمله العاقلة خطأ كانت الجراحة أو عمدا، أو كانت قدر ما تتحمله ولكن كانت الجراحة عمدا لا توجب القصاص فينفذ حكمه، وتمامه في البحر. قوله: (بمنزلة الصلح) لأنهما توافقا على الرضا بما يحكم به عليهما. قوله: (وهذه لا تجوز بالصلح) اعترض بأنه سيأتي في الصلح جوازه في كل حق يجوز الاعتياض عنه، ومنه القصاص لا فيما لا يجوز، ومنه الحدود. أقول: منشأ الاعتراض عدم فهم المراد، فإن المراد أن هذه الثلاثة لا تثبت بالصلح: أي بأن اصطلاحا على لزوم الحد أو لزوم القصاص الخ. وما سيأتي في الصلح معناه أنه يجوز الصلح عن القصاص بمال لأنه يجوز الاعتياض عنه، بخلاف الحد فالقصاص هنا مصالح عنه، وفي الأول مصالح عليه، والفرق ظاهر كما لا يخفى. قوله: (بعد وقوعه) الأولى أن يبدله بقوله: قبل الحكم. قوله: (كما ينفرد أحد العاقدين الخ) أي بنقض العقد وفسخه إذا علم الآخر ولو بكتابة أو رسول على تفصيل مر من الشركة، ويأتي في الوكالة والمضاربة إن شاء الله تعالى. قوله: (بلا التماس طالب) يعني أن الموكل ينفرد بعزل الوكيل ما لم يتعلق بالتوكيل حق المدعي كما لو أراد خصمه لسفر فطلب منه أن يوكل وكيلا بالخصومة فليس له عزله كما سيأتي في بابه. قوله: (وغريما له) منصوب على أنه مفعول معه. قوله: (لان حكمه كالصلح) والصلح من صنيع التجار، فكان كل واحد من الشريكين راضيا بالصلح وما في معناه. بحر. قوله: (بتحكيمه) متعلق برضا. قوله: (ثم استثناء الثلاثة) أي الحد والقود والدية على العاقلة، وكان الأولى ذكر هذا عقبها. قوله: (في كل المجتهدات) أي المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد من حقوق العباد كالطلاق والعتاق والكتابة والكفالة والشفعة والنفقة والديون والبيوع، بخلاف ما خالف كتابا أو سنة وإجماعا. قوله: (كحكمه بكون الكنايات رواجع الخ) قال الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء: هو الظاهر عند أصحابنا وهو الصحيح، لكن مشايخنا امتنعوا عن هذه الفتوى وقالوا: يحتاج إلى حكم الحاكم كما في الحدود والقصاص كي لا يتجاسر العوام فيه ا ه. قال في الفتح: وفي الفتاوى الصغرى: حكم المحكم في الطلاق المضاف ينفذ لكن لا يفتى به، وفيها روى عن أصحابنا ما هو أوسع من هذا، وهو أن صاحب الحادثة لو استفتى فقيها عدلا فأفتاه ببطلان اليمين وسعه اتباع فتواه وإمساك المرأة المحلوف بطلاقها. وروى عنهم ما هو أوسع وهو إن
575 تزوج أخرى وكان حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها فاستفتى فقيها آخر فأفناه بصحة اليمين فإنه يفارق الأخرى ويمسك الأولى عملا بفتواهما ا ه. قوله: (وغير ذلك) كما إذا مس صهرته بشهوة وانتشر لها فحكم الزوجان حكما ليحكم لهما بالحل على مذهب الشافعي، فالأصح هو النفاذ إن كان المحكم يراه، وإلا فالصحيح عدمه. أفاده في البحر عن القنية. قوله: (وظاهر الهداية الخ) حيث قال: قالوا: وتخصيص الحدود والقصاص يدل على جواز التحكيم في سائر المجتهدات، وهو الصحيح إلا أنه لا يفتى به، ويقال: يحتاج إلى حكم المولى دفعا لتجاسر العوام ا ه: أي تجاسرهم على هدم المذهب. فتح. ومثل عبارة الهداية عبارة شرح أدب القضاء المارة آنفا، وتقدم فيها أن الصحيح صحة التحكيم، وأنه الظاهر عن أصحابنا، وكان ما هنا ترجيح للقول الآخر المقابل للصحيح، والمتبادر من عبارة الهداية: أنه لا يفتى بجوازه في سائر المجتهدات. لكن ذكر في البحر عن الولوالجية، والقنية ما هو كالصريح في أن ذلك في اليمين المضافة ونحوها، ونحوه ما قدمناه آنفا عن الفتح عن الفتاوى الصغرى: ويأتي التصريح به في المخالفات، ولكن يتأمل في وجه المنع من عدم الافتاء به، والتعليل بأن لا يتجاسر العوام على هدم المذهب لا يظهر في خصوص اليمين المضافة ونحوها. ثم رأيت المقدسي توقف في ذلك أيضا وأجاب بما حاصله: أنهم منعوا من تولية القضاء لغير الأهل لئلا يحكم بغير الحق، وكذلك منعوا من التحكيم هنا لئلا يتجاسر العوام على الحكم بغير علم. قلت: هذا يفيد منع التحكيم مطلقا إلا لعالم. والأحسن في الجواب أن يقال: إن الحالف في اليمين المضافة إذا كان يعتقد صحتها يلزمه العمل بما يعتقده، فإذا حكم بعدم صحتها حاكم مولى من السلطان لزمه اتباع رأي الحاكم وارتفع بحكمه الخلاف، أما إذا حكم رجلا فلا يفيده شيئا سوى هدم مذهبه، لان حكم المحكم بمنزلة الصلح لا يرفع خلافا ولا يبطل العمل بما كان الحالف يعتقده، فلذا قالوا لا يفتى به، ولا بد من حكم المولى، هذا ما ظهر لي والله سبحانه أعلم. تنبيه: سيأتي في المخالفات أنه لا يصح حكمه بما فيه ضرر على الصغير بخلاف القاضي. قوله: (وصح إخباره الخ) أي إذا قال لأحدهما أقررت عندي، أو قامت عندي بينة عليك لهذا فعدلوا عندي، وقد ألزمتك بذلك وحكمت لهذا فأنكر المقضي عليه لا يلتفت إلى إنكاره ومضى القضاء عليه ما دام المجلس باقيا، لان المحكم ما دام تحكيمهما قائما كالقاضي المقلد إلا أن يخرجه المخاطب عن الحكم ويعزله قبل أن يقول حكمت عليك، أو قاله المجلس لأنه بالقيام منه ينعزل كما ينعزل بعزل أحدهما قبل الحكم فصار كالقاضي إذا قال بعد العزل قضيت بكذا لا يصدق. فتح. قوله: (لا يصح إخباره بحكمه) أي بعد ما قام. قوله: (كحكم القاضي) فإنه لا يصح لمن لا تقبل شهادته له. قوله: (فلا بد من اجتماعهما) فلو حكم أحدهما أو اختلفا لم يجز كما في البحر عن الولوالجية، وفيه عن الخصاف: لو قال لامرأته أنت علي حرام ونوى الطلاق دون الثلاث فحكما رجلين فحكم أحدهما بأنها بائن وحكم الآخر بأنها بائن بالثلاث لم يجز، لأنهما لم يجتمعا على أمر واحد ا ه. قوله: (ويمضي حكمه) أي إذا رفع حكمه
576 إلى القاضي إن وافق مذهبه أمضاه وإلا أبطله، وفائدة إمضائه ها هنا أنه لو رفع إلى قاض آخر يخالف مذهبه ليس لذلك القاضي ولاية النقض فيم أمضاه هذا القاضي. جوهرة. وفي البحر: ولو رفع حكمه إلى حكم آخر حكماه بعد فالثاني كالقاضي يمضيه إن وافق رأيه وإلا أبطله. قوله: (لان حكمه لا يرفع خلافا) لقصور ولايته عليهما، بخلاف القاضي العام. قوله: (للمحكم) بدل من له. قوله: (تفويض التحكيم إلى غيره) فلو فوض وحكم الثاني بلا رضاهما فأجازه القاضي لم يجز، إلا أن يجيزاه بعد الحكم، وقيل ينبغي أن يكون كالوكيل الأول إذا أجاز فعل الوكيل الثاني. فتح. قوله: (وحكمه بالوقف) أي بلزومه لا يرفع خلافا: أي خلاف الامام القائل بعدم لزومه، بل يبقى عنده غير لازم يصح رجوعه عنه. قوله: (بشرطه) أي من كونه مفرزا عقارا ونحو ذلك ما مر في بابه. قوله: (ولا يمضيه) عبارة البحر: لا أنه يمضيه. قوله: (عد منها في البحر سبعة عشر) أشار إلى أنها تزيد على ذلك وهو كذلك، وتقدم كثير منها في الشرح والمتن، منها: أنه لو استقضى العبد ثم عتق فقضى صح على أحد القولين، بخلاف المحكم كما مر، وأنه لا بد من تراضيهما عليه، وأن التحكيم لا يصح في حد وقود ودية على العاقلة، وأن لكل منهما عزله قبل الحكم، وأنه لا يتعدى حكمه في الرد بالعيب إلى بائع البائع، وأنه لا يفتى بحكمه في فسخ اليمين المضافة ونحوها، وأنه لا يصح إخباره بحكمه بخلاف القاضي على ما سيأتي في آخر المتفرقات، وأنه لو خالف حكمه رأي القاضي أبطله، وأنه ليس له التفويض إلى غيره وأن الوقف لا يلزم بحكمه، فهذه عشرة مسائل مذكورة في البحر. وبقي أنه لا يجوز تعليقه ولا إضافته عند أبي يوسف وأنه لا يتعدى حكمه إلى الغائب لو كان ما يدعي عليه سببا لما يدعي على الحاضر، وأنه لا يجوز كتابه إلى القاضي كعكسه، وأنه لا يحكم بكتاب قاض إلا رضي الخصمان، وأنه لا يتعدى حكمه من وارث إلى الباقي والميت، وأنه لا يتعدى حكمه على وكيل بعيب المبيع إلى موكله، وأنه لا يصح حكمه على وصي صغير بما فيه ضرر على الصغير، وأنه لا يتقيد ببلد التحكيم بل له الحكم في البلاد كلها، وأنه لو اختلف الشاهدان فشهد أحدهما أنه وكل زيدا بالخصومة إلى قاضي الكوفة والآخر إلى قاضي البصرة تقبل، لا لو شهد أحدهما بذلك إلى الفقيه فلان والآخر إلى الفقيه فلان آخر، لان الحكم متوسط، وقد يكون أحد المحكمين أحذق من الآخر فلا يرضى الموكل بالآخر بخلاف ما لو كان المطلوب نفس القضاء فإنه لا يختلف كما في شرح أدب القضاء، فهذه تسع مذكورة في البحر أيضا، وذكر فيه أربع مسائل أخر ذكرها الشارح بعد، فهذه ثلاث وعشرون مسألة، وزاد في البحر أخرى حيث قال: ثم اعلم أنهم قالوا: إن القضاء يتعدى إلى الكافة في أربع: الحرية، والنسب، والنكاح، والولاء. ولم يصرحوا بحكمها من المحكم، ويجب أن لا يتعدى، فتسمع دعوى الملك في المحكوم بعتقه من المحكم بخلاف القاضي ا ه. قلت: ويزاد أيضا أنه ينعزل بقيامه من المجلس كما قدمناه عن الفتح، فهي أربعة وعشرون. قوله: (بخلاف القاضي) فإن الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة كما قدمناه، فإذا أسلم لا يحتاج إلى تولية جديدة. قوله: (فلغيره قبولها) بخلاف ما لو رد قاض شهادة للتهمة لا يقبلها قاض آخر، لان القضاء
577 بالرد نفذ على الكافة بحر عن المحيط. قوله: (وينبغي أن لا يلي الحبس ولم أره) كذا في بعض نسخ البحر، وفي بعضها قبل قوله: ولم أره ما نصه: وفي صدر الشريعة من باب التحكيم، قال: وفائدة إلزام الخصم أن المتبايعين إن حكما حكما فالحكم يجبر المشتري على تسليم الثمن والبائع على تسليم المبيع ومن امتنع يحبسه ا ه. فهذا صريح في أن الحكم يحبس ا ه. قوله: (وكذا الخ) هذا من البحر أيضا حيث قال: وكذا لم أر حكم قبول الهداية وإجابة الدعوة، وينبغي أن يجوزا له لانتهاء التحكيم بالفراغ إلا أن يهدى إليه وقته من أحدهما فينبغي أن لا يجوز ا ه. وذكر الرحمتي أن الذي ينبغي الجواز، لان من ارتاب فيه له عزله قبل الحكم، بخلاف القاضي ا ه. وفيه نظر، والله سبحانه أعلم. باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره هذا أيضا من أحكام القضاء غير أنه لا يتحقق في الوجود إلا بقاضيين، فهو كالمركب بالنسبة لما قبله. فتح. وهذا أولى من قول الزيلعي: إنه ليس من كتاب القضاء، لأنه إما نقل شهادة أو نقل حكم. نعم هو من عمل القضاة فكان ذكره فيه أنسب ا ه. وحيث كان من عملهم فكيف ينفيه. بحر. وأجاب في النهر بأن المنفي كونه قضاء والمثبت كونه من أحكامه. قوله: (وغيره) عطف على كتاب ط. قوله: (إلى القاضي) أي البعيد بمسافة يأتي بيانها، وأفاد أن قاضي مصر يكتب إلى مثله وإلى قاضي الرستاق، بخلاف العكس، وفيه خلاف يأتي. قال في الفتح: ولو كتب القاضي إلى الأمير الذي ولاه أصلح الله الأمير ثم قص القصة وهو معه في المصر فجاء به ثقة يعرفه الأمير، ففي القياس لا يقبل لان إيجاب العمل بالبينة، ولأنه لم يذكر اسمه واسم أبيه. وفي الاستحسان: يقبل لأنه متعارف، ولا يليق بالقاضي أن يأتي في كل حادثة إلى الأمير ليخبره، ولو أرسل رسولا ثقة كان كالمرسل في جواز العمل به، فكذا إذا أرسل كتابه ولم يجر الرسم في مثله من مصر إلى مصر، فشرطنا هناك كتاب القاضي إلى القاضي ا ه: أي شرطنا ذلك فيما إذا كان الأمير في مصر آخر، وقد أسقط في البحر والنهر من عبارة الفتح قوله: ولم يجر الرسم في مثله من مصر إلى مصر، فاختل نظام الكلام فافهم. قوله: (كل حق) من نكاح وطلاق وقتل موجبة مال وأعيان ولو منقولة وهو المروي عن محمد وعليه المتأخرون، وبه يفتى للضرورة، وفي ظاهر الرواية لا يجوز في المنقول للحاجة إلى الإشارة إليه عند الدعوى والشهادة، وعن الثاني تجويزه في العبد لغلبة الإباق فيه لا في الأمة، وعنه تجويزه في الكل. قال في الاسبيجاني: وعليه الفتوى. بحر. قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يجوز لان كتابته لا تكون أقوى من عبارته، وهو لو أخبر القاضي في محله لم يعلم بإخباره فكتابه أولى، وإنما جوزناه لاثر علي رضي الله تعالى عنه وللحاجة. بحر. قوله: (فإن شهدوا على خصم حاضر الخ) قال في النهاية: المراد بالخصم هو الوكيل عن الغائب أو المسخر الذي جعله: أي القاضي وكيلا لاثبات الحق، ولو كان المراد بالخصم هو المدعى عليه لما احتيج إلى قاض آخر، لان حكم القاضي قد تم على الأول. أقول: لا يخفى ما فيه من التكلف، والأحسن أن يقال: إن قوله فإن شهدوا على خصم ليس
578 بمقصود بالذات في هذا الباب بل توطئة لقوله: وإن شهدوا بغير خصم لم يحكم فيه ونظائره كثيرة، كذا في الدرر. قلت: وحاصله أنه ليس المراد في هذه المسألة من كتاب القاضي حكمه إلى قاض آخر حتى يراد بالخصم فيها الوكيل أو المسخر، بل المراد أن الشهادة عند القاضي تارة تكون على خصم حاضر، فيحكم بها عليه، ويكتب بحكمه كتابا ليحفظ الواقعة لا ليبعثه إلى قاض آخر لان الحكم قد تم، وتارة تكون على خصم غائب وهو الآتية، فهذه ذكرت توطئة لتلك، وإلى هذا أشار الشارح بقوله: ليحفظ أي ليحفظ الواقعة. وذكر في النهر عن الزيلعي أنه إذا قدر أن الخصم غاب بعد الحكم عليه وجحد الحكم فحينئذ يكتب له ليسلم إليه حقه أو لينفذ حكمه ا ه. وحاصله: أنه قد يحتاج في المسألة الأولى إلى أن يبعث بكتاب حكمه على الخصم الحاضر إلى قاض آخر فيكون ذكرها مقصودا في هذا الباب. وأفاد القهستاني أن الكتاب يكون إلى القاضي، ولو كان الخصم حاضرا وذلك لإمضاء قاض آخر، كما إذا ادعى على آخر ألفا وبرهن وحكم به ثم اصطلحا أن يأخذه منه في بلد وخاف أن ينكر فكتب به لامضاء قاضي البلد. قوله: (هو السجل) بكسر السين والجيم وتشديد اللام والضمتان مع التشديد والفتح مع سكون الجيم والكسر لغات. قهستاني عن الكشاف. قوله: (التي فيها حكم القاضي) بيان للنسبة في قوله: الحكمي وشمل ما إذا كان إلى قاض آخر أو لا. قوله: (وكتب الشهادة) أي بعد ما سمعها وعدلت. نهر قوله: (وإن كان مخالفا لرأي الكتاب الخ) أي بخلاف السجل، فإنه ليس له أن يخالفه وينقض حكمه، لان السجل محكوم به دون الكتاب، ولهذا له أن لا يقبل الكتاب دون السجل كما في البحر عن منية المفتي. وقوله في النهر: ولم أجده فيها، مبني على ما في نسخته وإلا فقد وجدته في نسختي. وفي الفتح: والكتاب الحكمي لا يلزم العمل إذا كان يخالفه لأنه لم يقع حكم في محل اجتهاد فله أن لا يقبله ولا يعمل به. قوله: (ويسمى الكتاب الحكمي) هذا في عرفهم نسبوه إلى الحكم باعتبار ما يؤول. فتح. قوله: (وليس بسجل) لان السجل محكوم به، بخلاف الكتاب الحكمي. قوله: (وقرأ الكتاب عليهم) أي على شهود الطريق، ولو فسر الضمير هنا وتركه في قوله: وختم عندهم ليعود على معلوم لكان أولى ط. قوله: (أو أعلمهم بما فيه) أي بأخباره لأنه لا شهادة بلا علم المشهود به، كما لو شهدوا بأن هذا الصك مكتوب على فلان لا يفيد ما لم يشهدوا بما تضمه من الدين. فتح. قال في البحر: ولا بد لهم من حفظ ما فيه، ولهذا قيل: ينبغي أن يكون معهم نسخة أخرى مفتوحة، فيستعينوا منها على الحفظ، فإنه لا بد من التذكر وقت الشهادة إلى وقت الأداء عندهما. قوله: (وختم عندهم) أي على الكتاب بعد طيه، ولا اعتبار للختم في أسفله، فلو انكسر خاتم القاضي أو كان الكتاب منشورا لم يقبل، وإن ختم في أسفله كما في الذخيرة، وإنما قال: عندهم
579 لأنه لا بد أن يشهدوا عنده أن الختم بحضرتهم كما في المغني، واشتراط الختم ليس بشرط إلا إذا كان الكتاب في المدعي، وبه يفتى كما ذكره المصنف. قهستاني. قوله: (وسلم الكتاب إليهم) أي في مجلس يصح حكمه فيه، فلو سلم في غير ذلك المجلس لم يصح كما في الكرماني. قهستاني. قال في النهاية: وعمل القضاة اليوم أنهم يسلمون المكتوب إلى المدعي، وهو قول أبي يوسف وهو اختيار الفتوى على قول شمس الأئمة، وعلى قول أبي حنيفة: يسلم المكتوب إلى الشهود، كذا وجدت بخط شيخي ا ه. ثم قال: وأجمعوا في الصك أن الاشهاد لا يصح ما لم يعلم الشاهد ما في الكتاب، فاحفظ هذه المسألة فإن الناس اعتادوا خلاف ذلك ا ه سعيدية. لكن ينافي دعوى الاجماع ما سيأتي عن أبي يوسف وقدم المصنف في باب الاستحقاق: لا يحكم بسجل الاستحقاق بشهادة أنه كتاب كذا بل لا بد من الشهادة على مضمونه، وكذا ما سوى نقل الشهادة والوكالة ا ه. ومثله في الغرر، فهذا صريح في أن كتاب نقل الشهادة والوكالة لا يحتاج للشهادة على مضمونه، ومقتضاه أنه لا حاجة لقراءته على الشهود أيضا، والظاهر أنه مبني على قول أبي يوسف الآتي. تأمل. قوله: (وشهرتهما) أفاد أن الاسم وحده لا يكفي بلا شهرة بكنية ونحوها. قال في الفتح: ولو كان العنوان من فلان إلى فلان أو من أبي فلان إلى أبي فلان لا يقبل، لان مجرد الاسم أو الكنية لا يتعرف به، إلا أن تكون الكنية مشهورة مثل أبي حنيفة وابن أبي ليلى، وكذلك النسبة إلى أبيه فقط كعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وقيل هذا رواية، وفي سائر الروايات: لا تقبل الكنية المشهورة لان الناس يشتركون فيها ويشتهر بها بعضهم فلا يعلم أن المكتوب إليه هو المشهور بها أو غيره، بخلاف ما لو كتب إلى قاضي بلدة كذا فإنه في الغالب يكون واحدا فيحصل التعريف بالإضافة إلى محل ولايته ا ه ملخصا. قال في النهر: ويكتب فيه اسم المدعي والمدعى عليه وجدهما، ويذكر الحق والشهور إن شاء، وإن شاء اكتفى بذكر شهادتهم، ومن الشروط أن يكتب فيه التاريخ، فلو لم يكتبه لا يقبل ا ه: أي ليعلم أنه كان قاضيا حال الكتابة كما في الفتح. قوله: (واكتفى الثاني الخ) الذي في العزيمة عن الكفاية هو عبارة النهاية التي ذكرناها آنفا، وعبارة الملتقى هكذا، وأبو يوسف لم يشترط شيئا من ذلك سوى شهادتهم أنه كتابه لما ابتلى بالقضاء، واختار السرخسي قوله: وليس الخبر كالعيان ا ه: أي أن أبا يوسف باشر القضاء مدة مديدة فاختار ذلك لما عاين المشقة في الشروط المارة، فلذا اختار السرخسي قوله: وظاهره أن الختم ليس بشرط عنده، وظاهر الفتح أنه رواية عنه، قال: ولا شك عندي في صحته، فإن الفرض عدالة حملة الكتاب فلا يضر عدم ختمه مع شهادتهم أنه كتابه. نعم إذا كان الكتاب مع المدعي ينبغي اشتراط الختم لاحتمال التغيير إلا أن يشهدوا بما فيه حفظا. قوله: (أي لا يقرؤه) أشار إلى ما في البحر عن الفتح من أن المراد من عدم قبوله بلا خصم عدم قراءته لا مجرد قبوله، لأنه لا يتعلق به حكم ا ه. قوله: (إلا بحضور الخصم وشهوده) أي شهود أنه كتاب فلان القاضي وأنه ختمه. نهر. وزاد بعد هذا في الكنز: فإن شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه
580 وقرأه علينا وختمه فتحه القاضي وقرأه على الخصم وألزمه بما فيه. قال في البحر: يعني إذا ثبتت عدالتهم بأن كان يعرفهم بها أو وجد في الكتاب عدالتهم أو سأل من يعرفهم من الثقات فزكوا، وأما قبل ظهور عدالتهم فلا يحكم به ولا يلزم الخصم. ثم ذكر قول أبي يوسف المار. قوله: (لشهادتهم على فعل المسلم) وهو أنه كتب الكتاب وختمه وقرأه عليهم وسلمه إليهم. قوله: (إلا إذا أقر الخصم) أي بأنه كتاب فلان القاضي. قوله: (بخلاف كتاب الأمان) معناه: إذ جاء الكتاب من ملكهم بطلب الأمان. بحر عن العناية. قوله: (لأنه ليس بملزم) لان له أن لا يعطيهم الأمان، بخلاف كتاب القاضي، فإنه يجب على القاضي المكتوب إليه أن ينظر فيه ويعمل به، ولا بد للملزم من الحجة وهي البينة. فتح. فرع: لو مرض شهود الكتاب في الطريق أو الرجوع إلى بلدهم أو السفر إلى بلدة أخرى فأشهدوا قوما على شهادتهم جاز، وتمامه في الخانية. مطلب: لا يعمل بالخط قوله: (لا يعمل بالخط) عبارة الأشباه: لا يعتمد على الخط، ولا يعمل بمكتوب الوقف الذي عليه خطوط القضاة الماضين الخ. قال البيري: المراد من قوله لا يعتمد: أي لا يقضي القاضي بذلك عند المنازعة، لان الخط مما يزور ويفتعل كما في مختصر الظهيرية، وليس منه ما في دواوين القضاة إلى آخر ما قدمناه أول القضاء عند قوله: فإذا تقلد طلب ديوان قاض قبله فراجعه. قوله: (ويلحق به البراءات) عبارة الأشباه: ويمكن إلحاق البراءات السلطانية المتعلقة بالوظائف إن كان العلة أنه يعني كتاب الأمان لا يزور، وإن كانت العلة الاحتياط في الأمان لحقن الدم فلا. أقول: يجب المصير إلى الأخير. سائحاني: أي لامكان التزوير، بل قد وقع كما ذكره الحموي، وحينئذ فلا يصح الالحاق، ولكن قد علمت أن العلة في كتاب الأمان أنه غير ملزم، وقدمنا أول القضاء استظهار كون علة العمل بما له رسوم في دواوين القضاة الماضين هي الضرورة وهنا كذلك، فإنه يتعذر إقامة البينة على ما يكتبه السلطان من البراءات لأصحاب الوظائف ونحوهم، وكذا منشور القاضي والوالي وعامة الأوامر السلطانية مع جريان العرف والعادة بقبول ذلك بمجرد كتابته، وإمكان تزويرها على السلطان لا يدفع ذلك، لأنه وإن وقع فهو أمر نادر قلما يقع، وهو أندر من إمكان تزوير الشهود، وهو أولى بالقبول من دفتر الصراف ونحوه فإنهم علموا به للعرف كما يأتي. مطلب: في العمل بما في الدفاتر السلطانية وذكر العلامة البعلي في شرحه على الأشباه أن للشارح العلامة الشيخ علاء الدين رسالة حاصلها بعد نقله ما في الأشباه: وأن ابن الشحنة وابن وهبان جزما بالعمل بدفتر الصراف ونحوه لعلة أمن التزوير، كما جزم به البزازي والسرخسي وقاضيخان. قال: إن هذه العلة في الدفاتر السلطانية أولى، كما يعرفه من شاهد أحوال أهاليها حين نقلها، إذ لا تحرر أولا إلا بإذن السلطان، ثم بعد اتفاق الجم الغفير على نقل ما فيها من غير تساهل بزيادة أو نقصان تعرض على المعين لذلك فيضع خطه عليها، ثم
581 تعرض على المتولي لحفظها المسمى بدفتر أميني فيكتب عليها، ثم تعاد أصولها إلى أمكنتها المحفوظة بالختم، فالأمن من التزوير مقطوع به، وبذلك كله يعلم جميع أهل الدولة والكتبة، فلو وجد في الدفاتر أن المكان الفلاني وقف على المدرسة الفلانية مثلا يعمل به من غير بينة، وبذلك يفتى مشايخ الاسلام كما هو مصرح به في بهجة عبد الله أفندي وغيرها، فليحفظ ا ه. قلت: ويؤيده العمل بما في دواوين القضاة الماضين، وكان مشايخ الاسلام المولين في الدولة العثمانية أفتوا بما ذكر إلحاقا للدفاتر السلطانية بدواوين القضاة المذكورة لاتحاد العلة فيهما، والله سبحانه أعلم، لكن قدمنا في الوقف عن الخيرية أنه لا يثبت بمجرد وجوده في الدفتر السلطاني. مطلب: في دفتر البياع والصراف والسمسار قوله: (ودفتر بياع وصراف وسمسار) عطف على كتاب الأمان، فإن هذا منصوص عليه لا ملحق به، فقد قال في الفتح من الشهادات: إن خط السمسار والصراف حجة للعرف الجاري به ا ه. قال البيري: هذا الذي في غالب الكتب حتى المجتبى فقال في الاقرار: وأما خط البياع والصراف والسمسار فهو حجة، وإن لم يكن مصدرا معنونا تعرف ظاهرا بين الناس، وكذا ما يكتب الناس فيما بينهم يجب أن يكون حجة للعرف ا ه. وفي خزانة الأكمل: صراف كتب على نفسه بمال معلوم وخطه معلوم بين التجار وأهل البلد ثم مات فجاء غريم يطلب المال من الورثة وعرض خط الميت بحيث عرف الناس خطه يحكم بذلك في تركته إن ثبت أنه خطه، وقد جرت العادة بين الناس بمثله حجة ا ه. قال العلامة العيني: والبناء على العادة الظاهرة واجب، فعلى هذا إذا قال البياع وجدت في يادكاري بخطي أو كتبت في يادكاري بيدي أن لفلان علي ألف درهم كان هذا إقرار ملزما إياه. أقول: ويزاد أن العمل في الحقيقة إنما هو لموجب العرف لا بمجرد الخط والله أعلم، وبهذا عرف أن قولهم فيما إذا ادعى رجل مالا وأخرج بمال خطا وادعى أنه خط المدعى عليه فأنكر كون الخط خطه فاستكتب فكتب وكان بين الخطين مشابهة ظاهرة تدل على أنهما خط كاتب واحد: اختلف فيه المشايخ، والصحيح أنه لا يقضي بذلك، فإنه لو قال هذا خطي وليس علي هذا المال كان القول قوله، يستثنى منه ما إذا كان الكاتب سمسارا أو صرافا أو نحو ذلك ممن يؤخذ بخطه، كذا في قاضيخان ا ه كلام البيري. قلت: ويستثنى منه أيضا ما قدمناه أول الباب من كتابة القاضي إلى الأمير الذي ولاه، وكذا ما سيذكره الشارح عن شرح الوهبانية والملتقط، وهو ما إذا كان على وجه الرسالة معنونا ا ه. وهو أن يكتب في صدره من فلان إلى فلان على ما جرت به العادة، فهذا كالنطق فلزم حجة كما في الملتقى والزيلعي من مسائل شتى آخر الكتاب، ومثله في الهداية والخانية، وهذا إذا اعترف أن الخط خطه فإنه يلزمه ما فيه وإن أنكر أن يكون في ذمته ذلك المال، بخلاف ما إذا لم يكن مصدرا معنونا كما هو صريح الخانية، وهذا ذكروه في الأخرس. وذكر في الكفاية آخر الكتاب عن الشافي أن الصحيح مثل الأخرس، فإذا كان مستبينا مرسوما وثبت ذلك بإقرار أو ببينة فهو كالخطاب ا ه. ومقتضى كلامهم اختصاص ذلك بكونه على وجه الرسالة إلى الغائب، وهو أيضا مفاد كلام الفتح في الشهادات فراجعه، لكن في شهادات البحر عن البزازية ما يدل على أنه لا فرق في المعنون بين كونه لغائب أو
582 لحاضر، ومثله ما في فتاوى قارئ الهداية: إذا كتب على وجه الصكوك يلزمه المال، وهو أن يكتب يقول فلان الفلاني إن في ذمتي لفلان الفلاني كذا وكذا فهو إقرار يلزم، وإن لم يكتب على هذا الرسم فالقول مع يمينه ا ه. قلت: والعادة اليوم في تصديرها بالعنوان أنه يقال فيها سبب تحريره، هو أنه ترتب في ذمة فلان الفلاني الخ، وكذا الوصول الذي يقال فيه وصل إلينا من يد فلان الفلاني كذا، ومثله ما يكتبه الرجل في دفتره مثل قوله: علم بيان الذي في ذمتنا لفلان الفلاني، فهذا كله مصدر معنون جرت العادة بتصديره بذلك، وهو مفاد كلام قارئ الهداية المذكور، فمقتضاه أن هذا كله إذا اعترف بأنه خطه يلزمه، وإن لم يكن مصدر معنونا لا يلزمه إذا أنكر المال، وإن اعترف بكونه كتبه بخطه، إلا إذا كان بياعا أو صرافا أو سمسارا لما في الخانية، وصك الصراف والسمسار حجة عرفا ا ه. فشمل ما إذا لم يكن مصدرا معنونا، وهو صريح ما مر عن المجتبى، وما إذا لم يعترف بأنه خطه كما هو صريح ما مر عن الخزانة. ثم إن قول المجتبى: وكذا ما يكتب الناس فيما بينهم الخ، يفيد عم الاقتصار على الصراف والسمسار والبياع، بل مثله كل ما جرت العادة به فيدخل فيه ما يكتبه الامراء والأكابر ونحوهم ممن يتعذر الاشهاد عليهم، فإذا كتب وصولا أو صكا بدين عليه وختمه بخاتمه المعروف، فإنه في العادة يكون حجة عليه بحيث لا يمكنه إنكاره، ولو أنكره يعد بين الناس مكابرا، فإذا اعترف بكونه خطه وختمه، وكان مصدرا معنونا فينبغي القول بأنه يلزمه، وإنهم يعترف به أو وجد بعد موته فمقتضى ما في المجتبى أنه يلزمه أيضا عملا بالعرف كدفتر الصراف ونحوه، ومثله ما إذا وجد في صندوقه مثلا صرة دراهم مكتوب عليها هذه أمانة فلان الفلاني، فإن العادة تشهد بأنه لا يكتب بخطه ذلك على دراهمه. ثم اعلم أن هذا كله فيما يكتبه على نفسه كما قيده بعض المتأخرين، وهو ظاهر بخلاف ما يكتبه لنفسه، فإنه لو ادعاه بلسانه صريحا لا يؤخذ خصمه به، فكيف إذا كتبه؟ ولذا قيده في الخزانة بقوله: كتب على نفسه كما مر. وذكر في شرح الوهبانية: أئمة بلخ قالوا: يادكار البياع حجة لازمة عليه، فإن قال البياع وجدت بخطي أن علي لفلان كذا لزم. قال السرخسي: وكذا خط السمسار والصراف ا ه. فقوله: إن علي لفلان الخ صريح في ذلك. وأما قول ابن وهبان في تعليل المسألة لأنه لا يكتب إلا ماله وعليه، فمراده أن البياع ونحوه لا يكتب في دفتره شيئا على سبيل التجربة للخط أو االلغو واللعب، بل لا يكتب إلا ماله أو عليه، ولا يلزم من هذا أن يعمل بكتابته في الذي له كما لا يخفى، خلافا لمن فهم منه ذلك، ويجب تقييده أيضا بما إذا كان دفتره محفوظا عنده. فلو كانت كتابته فيما عليه في دفتر خصمه فالظاهر أنه لا يعمل به خلافا لما بحثه ط، لان الخط مما يزور، وكذا لو كان له كاتب والدفتر عند الكاتب، لاحتمال كون الكاتب كتب ذلك عليه بلا علمه، فلا يكون حجة عليه إذا أنكره أو ظهر ذلك بعد موته وأنكرته الورثة، خلافا لمن حكم في عصرنا بذلك لذمي ادعى على ورثة تاجر له كاتب ذمي ودفتر التاجر عند كاتبه الذمي فقد كنت أفتيت بأنه حكم باطل، وكون المدعي والكاتب ذميين يقوي شبهة التزوير، وإن الكتابة حصلت بعد موت التاجر، وتمام الكلام في كتابنا تنقيح الحامدية. قوله: (إن تيقن به) أي بأنه خط من يروي عنه في الأول، وبأنه خط نفسه في
583 الأخيرين ا ه ح. قوله: (قيل وبه يفتى) قال في خزانة الأكمل: أجاز أبو يوسف ومحمد العمل بالخط في الشاهد والقاضي والراوي إذا رأى خطه ولم يتذكر الحادثة: قال في العيون: والفتوى على قولهما إذا تيقن أنه خطه، سواء كان في القضاء أو الرواية أو الشهادة على الصك، وإن لم يكن الصك في يد الشاهد، لان الغلط نادر، وأثر التغيير يمكن الاطلاع عليه، وقلما يشتبه الخط من كل وجه، فإذا تيقن جاز الاعتماد عليه توسعة على الناس ا ه حموي. لكن سيذكر الشارح في الشهادات قبيل باب القبول ما نصه: وجوزاه لو في حوزه، وبه نأخذ. بحر عن المبتغى ا ه. وهذا ما اختاره المحقق ابن الهمام هناك، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى. قوله: (ولا بد من مسافة الخ) فلو أقل لا يقبل. وفي نوادر هشام: إذا كان في مصر واحد قاضيخان جاز كتابة أحدهما إلى الآخر في الاحكام. جوهرة عن الينابيع، وكذا كتابة القاضي إلى الأمير الذي ولاه وهو معه في المصر كما مر أول الباب. قوله: (على الظاهر الخ) قال في المنح: هذا هو ظاهر الرواية، وجوزها محمد وإن كانا في مصر واحد. وعن أبي يوسف: إن كان في مكان لو عدا لأداء الشهادة يستطيع أن يبيت في أهله صح الاشهاد والكتابة. وفي السراجية: وعليه الفتوى ا ه. قوله: (ويبطل الكتاب الخ) هذا شرط آخر لقبول الكتاب والعمل به، وهو أن يكون القاضي الكاتب على قضائه. نهر: أي لأنه بمنزلة الشهادة، فبموت الأصل قبل أداء الفروع الشهادة تبطل شهادة الفروع، فكذا هذا. ط عن العيني. قوله: (قبل وصول الكتاب الخ) لو اقتصر على قوله: قبل القراءة لأغناه، ولذا قال في الفتح: العبارة الجيدة أن يقال: لو مات قبل قراءة الكتاب لا قبل وصوله، لان وصوله قبل ثبوته عند المكتوب إليه وقراءته لا يوجب شيئا ا ه. قوله: (فلا يبطل) أي في ظاهر الرواية. بحر. قوله: (ويبطل بجنون الكاتب الخ) في الخانية: وإن عزل القاضي الكاتب أو مات بعد ما وصل الكتاب إلى الآخر فإنه يعمل به، لان الموت والعزل ليس بمخرج، بخلاف ما إذا فسخ الكاتب أو عمي أو صار بحال لا يجوز حكمه وشهادته فإن الآخر لا يقبل كتابه، لان كتاب القاضي بمنزلة الشهادة فما يمنع القضاة بشهادته يمنع القضاء بكتابه ا ه. وظاهره أنه يبطل بذلك ولو بعد وصوله، مع أن الزيلعي صرح بأن ذلك كعزله. ثم رأيت في البحر ذكر أن بين كلاميهما مخالفة، ولم يجب عنها. تأمل. ورأيت في البزازية مثل ما في الخانية، وفي الدرر مثل ما هنا، فالظاهر أن في المسألة قولين. قوله: (وعمائه) الأنسب وعماه بدون همز، لان العمى مقصور. قوله: (وفسقه) عبر عنه في النهر بقيل وقال: إنه بناء على عزله بالفسق، ومثله في الفتح. قوله: (وكذا بموت المكتوب إليه) لان الكاتب لما خصه فقط اعتمد عدالته وأمانته والقضاة متفاوتون في ذلك فصح التعيين. نهر. قوله: (إلا إذا عمم الخ) بأن قال: إلى فلان قاضي بلد كذا وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين
584 ، لان غيره صار تبعا له. فتح. قوله: (بخلاف ما لو عمم ابتداء) بأن قال: إلى كل من يصل إليه كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم. قوله: (وجوزه الثاني) وكنا الشافعي وأحمد، فتح. قوله: (وعليه العمل) قال الزيلعي واستحسنه كثير من المشايخ في الفتح، وهو الأوجه لان إعلام المكتوب إليه وإن كان شرطا فبالعموم يعلم كما يعلم بالخصوص، وليس العموم من قبيل الاجمال والتجهيل فصار قصيدته وتبعيته سواء. نهر. قوله: (أيا كان) أي مدعيا أو مدعى عليه. قوله: (في بابه) أي في باب الشهادة على الشهادة ح. قوله: (خلافا لما وقع في الخانية هنا) أي في هذا الباب حيث قال: لو مات القاضي الكاتب أو عزل قبل وصول الكتاب بطل كتابه، كشاهد الأصل، إذا مات قبل أن يشهد الفرع على شهادة الأصل ا ه. قوله: (ثمة) أي هناك: أي في باب الشهادة على الشهادة حيث قال: الشهادة على الشهادة لا تجوز إلا أن يكون المشهود على شهادته مريضا في المصر أو يكون ميتا الخ، وهذا هو الموافق للمتون. مطلب في قضاء القاضي بعلمه قوله: (فمن جوزه جوزها) وشرط جوازه عند الامام أن يعلم في حال قضائه في المصر الذي هو قاضيه بحق غير حد خالف لله تعالى من قرض أو بيع أو غصب أو تطليق أو قتل عمدا أو حد قذف، فلو علم قبل القضاء في حقوق العباد ثم ولي فرفعت إليه تلك الحادثة أو علمها في حال قضائه في غير مصره ثم دخله فرفعت لا يقضي عنده، وقالا: يقضي، وكذا الخلاف لو علم بها وهو قاض في مصره ثم عزل ثم أعيد. وأما في حد الشرب والزنا فلا ينفذ قضاؤه بعلمه اتفاقا. فتح ملخصا. وبه علم أنه في الحدود الخالصة لله تعالى لا ينفذ كما صرح به في شرح أدب القضاء معللا بأن كل واحد من المسلمين يساوي القاضي فيه وغير القاضي إذا علم لا يمكنه إقامة الحد، فكذا هو، ثم قال: إلا في السكران أو من به أمارة السكر ينبغي أن يعزره للتهمة ولا يكون حدا ا ه. قوله: (ومن لا فلا) قال في الفتح: إلا أن التفاوت هنا هو أن القاضي يكتب بالعلم الحاصل قبل القضاء بالاجماع. قوله: (إلا أن المعتمد) أي عند المتأخرين لفساد قضاة الزمان، وعبارة الأشباه: الفتوى اليوم على عدم العمل بعلم القاضي في زماننا كما في جامع الفصولين، قوله: (وفيها) أي في الأشباه نقلا عن السراجية، لكن في منية المفتي الملخصة من السراجية: التعبير بالقاضي لا بالامام حيث قال القاضي يقضي بعلمه بحد القذف والقصاص والتعزير، ثم قال: قضى بعلمه في الحدود الخالصة لله تعالى لا يجوز ا ه. أفاده بعض المحشين، وهذا موافق لما مر عن الفتح من الفرق بين الحد الخالص لله تعالى وبين غيره، ففي الأول لا يقضي اتفاقا، بخلاف غيره فيجوز القضاء فيه بعلمه، وهذا على قول المتقدمين، وهو خلاف المفتي به كما علمت.
585 تنبيه: ذكر في النهر في الكفالة بحثا أنه يجب أن يحمل الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين على ما كان من حقوق العباد أما حقوق الله المحضة فيقضي فيها بعلمه اتفاقا، ثم استدل لذلك بأن له التعزير بعلمه. قلت: ولا يخفى أنه خطأ صريح مخالف لصريح كلامهم كما علمت. أما التعزير فليس بحد كما أسمعناك من عبارة شرح أدب القضاء، وأيضا هو ليس بقضاء. قوله: (فهل الامام قيد) أقول: على فرض ثبوته في عبارة السراجية ليس بقيد، لما علمت من عبارة الفتح المصرحة بجواز قضاء القاضي بعلمه في قتل عمد أو حد قذف لكونه من حقوق العباد. قوله: (لكن الخ) استدراك على ما نقله ثانيا عن الأشباه بأنه مبني على خلاف المختار، أو على قوله: فهل الامام قيد فإن قول الشرنبلالي: لا يقضي بعلمه في الحدود الخالصة لله تعالى: يعني اتفاقا يفهم منه أنه يقضي بعلمه في غيرها كحد قذف وقود وتعزير على قول المتقدمين، وهو خلاف المختار فيكون ذكر الامام غير قيد، فافهم. قوله: (مطلقا) أي سواء كان علمه بعد توليته أو قبلها ح. أو سواء كان حدا غير خالص لله تعالى، أو قودا أو غيرهما من حقوق العباد. قوله: (وخمر مطلقا) أي سواء سكر منه أو لا. قوله: (للتهمة) أي إذا علم القاضي بأنه سكران له تعزيره، لان القاضي له تعزير المتهم وإن لم يثبت عليه كما مر تحريره في الكفالة. قوله: (يثبت الحيلولة) أي بأن يأمر بأن يحال بين المطلق وزوجته والمعتق وأمته أو عبده والغاصب وما غصبه بأن يجعله تحت يد أمين إلى أن يثبت ما علمه القاضي بوجه شرعي. قوله: (على وجه الحسبة) أي الاحتساب وطلب الثواب لئلا يطأها الزوج أو السيد أو الغاصب. قوله: (لا القضاء ) أي لا على طريق الحكم بالطلاق أو العتاق أو الغصب. قوله: (ولا يقبل كتاب القاضي) الأولى حذف القاضي، لان المحكم ليس قاضيا إلا أن يراد به ما يشمل المولى من السلطان وغيره. قوله: (بل من قاض مولى الخ) أفاد أن هذا شرط في الكاتب فقط. قال في المنح: فلا تقبل من قاضي رستاق إلى قاضي مصر، وإنما تقبل من قاضي مصر إلى قاضي مصر آخر أو إلى قاضي رستاق. قوله: (يملك إقامة الجمعة) الظاهر أن هذا غير قيد، ولا سيما في زماننا، لان السلطان لا يأذن للقاضي بها، والظاهر أن مراده الإشارة إلى أن المراد قاضي المصر التي تقام فيها الجمعة. تأمل. وفي المنح عن السراجية: وإنما تقبل كتب قضاة الأمصار التي تقام فيها الحدود وينفذ فيها حكم الحكام، إلا فيما لا خطر له شرعا، لان الولاية لا تثبت إلا في محل قابل للولاية لمن هو أهل له. قوله: (وقيل يقبل الخ) الظاهر أن الخلاف مبني على الخلاف في أن المصر هل هو شرط لنفاذ القضاء أم لا؟ فحكوا عن ظاهر الرواية أنه شرط، وعن رواية النوادر أنه ليس بشرط، وبه يفتى كما في البزازية، فعلى هذا يفتي بقبوله من قاضي رستاق إلى قاضي مصر أو رستاق منح. ومثله في شرح المقدسي. ورأيت بخط بعض
586 الفضلاء أن ما ذكر من ابتناء الخلاف على الخلاف الآخر مصرح به البزازية. قوله: (واعتمده المصنف والكمال) قد علمت كلام المصنف، وأما الكمال فقد قال: والذي ينبغي أنه بعد عدالة شهود الأصل والكتاب لا فرق: أي بين كونه من قاضي مصر أو غيره. قوله: (إلى من يصل إليه الخ) أي بناء على قول الثاني بجواز التعميم ابتداء كما مر. قوله: (لعدم ولايته وقت الخطاب) أي لأنه خطاب، والخطاب إنما يصح إذا كان له ولاية وقته. منح. قوله: (ليس لنائبه أن يقبله) لأنه قد كتب إلى غيره، ولو جعل الخطاب إلى النائب وسماه باسمه ليس للمنيب أن يقبله، لأنه لا يقبل الكتاب إلا المكتوب إليه. قوله: (في غير حد وقود) لأنها لا تصلح شهادة فيهما فلا تصلح حاكمة. مطلب في جعل المرأة شاهدة في الوقف قوله: (ولو بلا شرط واقف) أما إذا شرط الواقف فلا شك فيه لأنها أهل للشهادة، وأما بدون شرطه الناص عليها كما في صورة الحادثة التي ذكرها ففيه نزاع، فقد رده في النهر بأن قوله ثم لولده لا يشمل الأنثى، لان عرف الواقفين مراعى، ولم يتفق تقرير أنثى شاهدة في وقف في زمن ما فيما علمنا فوجب صرف ألفاظه إلى ما تعارفوه وهو الشاهد الكامل إلى أخر كلامه. ونقل الحموي مثله عن المقدسي. ثم نقل عن بعضهم أن هذا لا يمنع كونها أهلا للشهادة، وقول الأصحاب بجواز شهادتها وقضائها في غير حد وقود صريح في صحة تقريرها في الأوقاف ا ه. قلت: لا يخفى ما فيه، فإن الكلام ليس في أهليتها بل في دخولها في كلام الواقف المبني على المتعارف. مطلب: لا يصح تقرير المرأة في وظيفة الإمامة تنبيه: وأما تقريرها في نحو وظيفة الامام، فلا شك في عدم صحته لعدم أهليتها، خلافا لما زعمه بعض الجهلة إنه يصح وتستنيب، لان صحة التقرير يعتمد وجود الأهلية، وجواز الاستنابة فرع صحة التقرير ا ه أبو السعود. مطلب: لا يصح تولية السلطان مدرسا ليس بأهل وفي الأشباه: إذا ولى السلطان مدرسا ليس بأهل لم تصح توليته، لان فعله مقيد بالمصلحة ولا مصلحة في تولية غير الأهل، وإذا عزل الأهل لم ينعزل، وفي معيد النعم ومبيد النقم المدرس إذا لم يكن صالحا للتدريس لم يحل له تناول المعلوم ا ه. والذي يظهر في تعريف أهلية التدريس أنها بمعرفة منطوق الكلام ومفهومه، وبمعرفة المفاهيم، وأن يكون له سابقة اشتغال على المشايخ، بحيث صار يعرف الاصطلاحات ويقدر على أخذ المسائل من الكتب، وأن يكون له قدرة على أن يسأل ويجيب إذا سئل، ويتوقف ذلك على سابقة اشتغال في النحو والصرف بحيث صار يعرف الفاعل من المفعول وغير ذلك، وإذا قرأ لا يلحن، وإذا قرأ لاحن بحضرته رد عليه ا ه مختصرا ط.
587 مطلب في توجيه الوظائف للابن ولو صغيرا قلت: ومقتضاه أنه إذا مات الامام أو المدرس لا يصح توجيه وظيفته على ابنه الصغير، وقدمنا في الجهاد في آخر فصل الجزية عن العلامة البيري بعد كلام نقله إلى أن قال: أقول هذا مؤيد لما هو عرف الحرمين الشريفين ومصر والروم من غير نكير من إبقاء أبناء الميت ولو كانوا صغارا على وظائف آبائهم من إمامة وخطابة وغير ذلك عرفا مرضيا، لان فيه إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على بذل الجهد في الاشتغال بالعلم، وقد أفتى بجواز ذلك طائفة من أكابر الفضلاء الذين يعول على إفتائهم ا ه. وقيدنا ذلك هناك بما إذا اشتغل الابن بالعلم، أما لو تركه وكبر وهو جاهل، فإنه يعزل وتعطى الوظيفة للأهل لفوات العلة، وقدمنا في الوقف أنه لا يصح جعل الصبي الصغير ناظرا على وقف، فراجع ما حررناه في الموضعين. قوله: (اختار) أي الكمال في المسايرة هي رسالة في علم الكلام ساير بها عقيدة الغزالي ط. قوله: (لبناء حالهن على الستر) أي والرسول يحتاج إلى مخالطة الذكور بالتعليم وإقامة الحجج عليهم وغير ذلك مما لا يكون إلا من الذكور، والجواز لا يقتضي الوقوع. قال في بدء الأمالي: وما كانت نبيا قط أنثى ط. قوله: (يرى جوازه) قيد به لان نفس القضاء إذا كان مختلفا فيه لا ينفذ ما لم ينفذه قاض آخر يرى جوازه، فحينئذ إذا رفع إلى من لا يراه نفذه، بخلاف ما إذا كان الخلاف في طريق القضاء لا في نفسه، فإنه ينفذ على المخالف بدون تنفيذ آخر كما حررناه سابقا، ولذا قال العيني: ولو قضيت بالحدود والقصاص وأمضاه قاض آخر يرى جوازه جاز بالاجماع، لان نفس القضاء مجتهد فيه، فإن شريحا كان يجوز شهادة النساء مع رجل في الحدود والقصاص. وقال الشيخ أبو المعين النسفي في شرح الجامع الكبير: ولو قضى القاضي في الحدود بشهادة رجل وامرأتين نفذ قضاؤه، وليس لغيره إبطاله لأنه قضى في فصل مجتهد فيه، وليس نفس القضاء هنا مختلفا فيه ا ه: أي بخلاف قضاء المرأة في الحدود فإن المجتهد فيه نفس القضاء. قوله: (والخنثى كالأنثى) أي فيصح قضاؤه في غير حد وقود بالأولى، وينبغي أن لا يصح في الحدود والقصاص لشبهة الأنوثة. بحر. قوله: (أو لولده) أي ونحوه من كل من لا تقبل شهادته له كما يعلم مما يأتي. قوله: (فأناب غيره) أي وكان من أهل الإنابة. بحر عن السراجية: أي بأن كان مأذونا له بالإنابة. قوله: (كما لو قضى) أي القاضي. قوله: (خلافا للجواهر) حيث قال فيها: القاضي إذا كانت له خصومة على إنسان فاستخلف خليفة فقضى له على خصمه لا ينفذ، لان قضاء نائبه كقضائه بنفسه، وذلك غير جائز لما ذكر محمد أن من وكل رجلا بشئ ثم صار الوكيل قاضيا فقضى لموكله في تلك الحادثة لم يجز، لأنه قضى لمن ولاه ذلك، فكذلك نائب هذا القاضي، قال: والوجه لمن ابتلى بمثل هذا أن يطلب من السلطان الذي
588 ولاه أن يولي قاضيا آخر حتى يختصما إليه فيقضي، أو يتحاكما إلى حاكم محكم ويتراضيا بقضائه فيقضي بينهما فيجوز ا ه. قلت: ولعل هذا محمول على ما إذا لم يكن القاضي مأذونا له بالإنابة كما يدل عليه قوله: والوجه الخ وإلا فلو كان مأذونا كان نائبه نائبا عن السلطان كما مر في فصل الحبس، فلا يحتاج إلى أن يطلب من السلطان تولية قاض آخر، فلذا مشى المصنف هنا على الجواز وإن تردد في شرحه قبيل قوله: ويرد هدية. قوله: (لا يقضي القاضي الخ) في الهندية: لا يجوز للقاضي أن يقضي لوكيله ولا لوكيل وكيله ولا لوكيل أبيه وإن علا أو ابنه وإن سفل، ولا لعبده ولا لمكاتبه ولا لعبيد من لا تقبل شهادتهم له ولا لمكاتبهم، ولا لشريكه مفاوضة أو عنانا في مال هذه الشركة، كذا في المحيط، وكل من لا تجوز شهادته كالوالدين والمولودين والزوج والزوجة، كذا في شرح الطحاوي ا ه ملخصا. وفي معين الحكام: مما يجري مجرى القضاء الافتاء، فينبغي للمفتي الهروب من هذا متى قدر ا ه: أي وكان هناك مفت غيره. حموي ط. قلت: والعلة في ذلك التهمة. قوله: (إلا في الوصية) صورتها ما في الأشباه: لو كان القاضي غريم ميت فأثبت أن فلانا وصيه صح وبرئ بالدفع إليه، بخلاف ما إذا دفع له قبل القضاء امتنع القضاء، وبخلاف الوكالة عن غائب فإنه لا يجوز القضاء بها إذا كان القاضي مديون الغائب، سواء كان قبل الدفع أو بعده. قوله: (ولو في حياة امرأته وأبيه) لكن بعد موتهما يقضي فيما لم يرث منه كما يأتي. قوله: (وزاد بيتين) أي زاد على نظم الوهبانية بيتين وهما الأولان، أما الثالث فهو من زيادات شارحها ابن الشحنة، نقله عنه الشرنبلالي في شرحه. قوله: (لام العرس) بكسر العين: أي لام زوجته. قوله: (محرر) خبر لمبتدأ محذوف: أي هذا الحكم محرر ط. قوله: (بميراث) بدون تنوين للضرورة، ولو قال من الإرث لكن أولى. قوله: (مقضى) بالرفع فاعل خلا. قال الشرنبلالي في شرحه: فأم زوجته يصح لها القضاء بالمال وغيره حال حياة زوجته، وبعد موت الزوجة يصح فيما لم يكن ميراثا له عن زوجته، ولا يصح في الموروث لاستحقاق القاضي حصة منه بالميراث من زوجته، وقضاؤه لزوجة أبيه كذلك في حال حياة الأب يصح مطلقا، وبعد موته يخص بما لا يرث منه القاضي، كما إذا دعت استحقاقا في وقف يخصها ا ه. ولا يخفى أن هذا أيضا مخصوص بما إذا كانت أم زوجته المقضى لها حية، وإلا كان قضاء لزوجته فيما ترث منه. قوله: (ويقضي الخ) فاعله قوله: مستحق. قال الشرنبلالي: صورتها: وقف على علماء كذا وسلم للمتولي فادعى فساد الوقف بسبب الشيوع عند قاض ومن أولئك العلماء نفذ قضاؤه. وكذا يقضي فيما هو تحت نظره من الأوقاف قال
589 ابن الشحنة: وقولي لوصف القضاء والعلم ليخرج والعلم ليخرج ما لو كان استحقاقه لذاته لا لوصف، وهذه المسألة نظير مسألة الشهادة على وقف لمدرسة هو مستحق، وستأتي في كتاب الشهادات، والله سبحانه أعلم. هذه مسائل شتى قدر الشارح لفظ هذه إشارة إلى أن مسائل خبر مبتدأ محذوف وشتى صفة لمسائل. قوله: (أي متفرقة) ومنه قوله تعالى: * (إن سعيكم لشتى) * (الليل: 4) أي لمختلف في الجزاء، وتمامه في البحر. قوله: (سفل) بكسر السين وضمها ضد العلو بضم العين وكسرها مع سكون اللام فيهما ط عن الحموي. قوله: (من أن يتد) أصله يوتد حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة من باب ضرب، والوتد كما في البحر عن البناية كالخازوق: القطعة من الخشب أو الحديد يدق في الحائط ليعلق عليه شئ أو يربط به. وفي البحر أيضا: وأشار المصنف إلى منعه من فتح الباب ووضع الجذوع وهدم سفله، وقيد بالتصرف في الجدار احترازا عن تصرفه في ساحة السفل، فذكر قاضيخان: لو حفر صاحب السفل في ساحته بئرا وما أشبهه له ذلك عنده، وإن تضرر به صاحب العلو، وعندهما الحكم معلوم بعلة الضرر ا ه. قوله: (بفتح أو ضم) أي مع تشديد الواو، ويجمع الأول على كوات كحبة وحبات، والثاني على كواء بالمد والقصر كمدية ومدى ط. والكوة: ثقب البيت، وتستعار لمفاتيح الماء إلى المزارع والجداول. بحر عن المغرب. والمراد بها ما يفتح في حائط البيت لأجل الضوء أو ما يخرق فيه بلا نفاذ لأجل وضع متاع ونحوه. قوله: (الطاقة) تفسير للكوة، لكن في القاموس: الطاق ما عطف من الأبنية، ولم أر من ذكره في اللغة بالتاء. تأمل. قوله: (وكذا بالعكس الخ) أي كما يمنع ذو السفل يمنع ذو العلو، وعبارة المجمع: وكل من صاحب علو وسفل ممنوع من التصرف فيه إلا بإذن الآخر، وأجازه إن لم يضر به. وفي العيني: وعلى هذا الخلاف إذا أراد صاحب العلو أن يبني على العلو شيئا أو بيتا أو يضع عليه جذوعا أو يحدث كنيفا ا ه. وكذا جعله في الهداية على الخلاف، لكن في البحر عن قسمة الولوالجية: اختلف المشايخ على قوله، فقيل له أن يبني ما بدا له ما لم يضر بالسفل، وقيل وإن أضر، والمختار للفتوى أنه إذا أشكل أنه يضر أم لا يملك، وإذا علم أنه لا يضر يملك. قوله: (وقالا الخ) قال في الفتح: قيل ما حكى عنهما تفسير لقول الامام، لأنه إنما يمنع ما فيه ضرر ظاهر لا ما لا ضرر فيه فلا خلاف بينهم. وقيل بينهم خلاف، وهو ما فيه شك، فما لا شك في عدم ضرره كوضع مسمار صغير أو وسط يجوز اتفاقا، وما فيه ضرر ظاهر كفتح الباب ينبغي أن يمنع اتفاقا، وما يشك في التضرر به كدق الوتد في الجدار أو السقف فعندهما لا يمنع، وعنده يمنع ا ه. وفي قسمة المنية أن المختار أن الخلاف فيما إذا أشكل فعنده يمنع
590 وعندهما لا ا ه. وكذا يأتي في كلام الشارح قريبا أنه المختار للفتوى. مطلب فيما لو انهدم المشترك وأراد أحدهما البناء وأبى الآخر قوله: (ولو انهدم السفل الخ) أي بنفسه، وأما لو هدمه فقد قال في الفتح: وعلمت أنه ليس لصاحب السفل هدمه، فلو هدمه يجبر على بنائه لأنه تعدى على حق صاحب العلو وهو قرار العلو. قوله: (وتمامه في العيني) حيث قال: بخلاف الدار المشتركة إذا انهدمت فبناها أحدهما بغير إذن صاحبه حيث لا يرجع لأنه متبرع، إذ هو ليس بمضطر، لأنه يمكنه أن يقسم عرصتها ويبني في نصيبه، وصاحب العلو ليس كذلك، حتى لو كانت الدار صغيرة بحيث لا يمكن الانتفاع بنصيبه بعد القسمة كان له أن يرجع، وعلى هذا إذا انهدم بعض الدار أو بعض الحمام فأصلحه أحد الشريكين له أن يرجع لأنه مضطر، إذ لا يمكنه قسمة بعضه، ولو انهدم كله فعلى التفصيل الذي ذكرناه ا ه: أي إن أمكنه قسمة العرصة ليبني في نصيبه لا يكون مضطرا وإلا كان مضطرا. والحاصل: أنه إذا انهدم كل الدار والحمام: فإن كان يمكنه قسمة العرصة ليبني في نصيبه لا يكون مضطرا، فلو عمر بدون إذن شريكه يكون متبرعا والظاهر أن المراد ما إذا أمكنه إعادة العرصة دارا أو حماما كما كانت لا مطلق البناء، وإن كان لا يمكن قسمة العرصة فهو مضطر، وإن انهدم بعض الحمام أو بعض الدار فهو مضطر أيضا، والظاهر أن المراد ما إذا كانت الدار صغيرة، أما إذا كانت كبيرة يمكن قسمتها فإنه يقسمها، فإن خرج المنهدم في نصيبه بناه أو في نصيب شريكه يفعل به شريكه ما أراد. تنبيه: قال في البحر: وذكر الحلواني ضابطا فقال كل من أجبر أن يفعل مع شريكه، فإذا فعل أحدهما بغير أمر الآخر لم يرجع لأنه متطوع، إذ كان يمكنه أن يجبر مثل كري الأنهار وإصلاح السفينة المعيبة وفداء العبد الجاني، وإن لم يجبر لا يكون متطوعا كمسألة انهدام العلو والسفل ا ه. ومن ذلك لو أنفق على الدابة بلا إذن شريكه لم يرجع لتمكنه من رفعه إلى القاضي ليجبر، بخلاف الزرع المشترك فإنه يرجع، لأنه لا يجبر شريكه كما في المحيط فكان مضطرا ا ه. وتمام ذلك فيه. وذكر قبله أن صاحب العلو إن بنى السفل بأمر القاضي رجع بما أنفق وإلا فبقيمة البناء، به يفتى، والصحيح أن المعتبر في الرجوع قيمة البناء يوم البناء لا يوم الرجوع. قلت: وقد تلخص من هذا الأصل ومما قبله أنه إن لم يضطر بأن أمكنه القسمة فعمر بلا أمر فهو متبرع، وإلا فإن كان شريكه يجبر على العمل مع ككري النهر ونحوه فكذلك، وإن كان شريكه لا يجبر كمسألة السفل لا يكون متبرعا بل يرجع بما أنفق إن بنى بأمر القاضي، وإلا فبقيمة البناء يوم البناء، وقد وقع في هذه المسألة اضطراب كثير، وقدمنا تمام الكلام عليها آخر الشركة، وكنت نظمت ذلك بقولي: وإن يعمر الشريك المشترك * بدون إذن للرجوع ما ملك إن لم يكن لذاك مضطرا بأن * أمكنه قسمة ذلك السكن أما إذا اضطر لذا وكان من * أبي على التعمير بجبر فإن
591 بإذنه أو إذن قاض يرجع * وفعله بدون ذا تبرع ثم إذا اضطر ولا جبر كما * في السفل والجدار يرجع بما أنفقه إن كانا بالاذن بنى * لذا وإلا فبقيمة البنا ثم اعلم أن صاحب العلو إذا بنى السفل فله أن يمنع صاحب السفل من السكنى حتى يدفع إليه لكونه مضطرا، وكذا حائط بين اثنين لهما عليه خشب فبنى أحدهما فله منع الآخر من وضع الخشب حتى يعطيه نصف قيمة البناء مبنيا كما في البحر. وفيه عن جامع الفصولين: لكل من صاحب السفل والعلو حق في ملك الآخر لذي العلو حق قراره، ولذي السفل حق دفع المطر والشمس عن السفل ا ه. ثم نقل عنه أيضا: لو هدم ذو السفل سفله وذو العلو علوه أخذ ذو السفل ببناء سفله إذ فوت عليه حقا الحق بالملك فيضمن كما لو فوت عليه ملكا ا ه. قال في البحر: وظاهره أنه لا جبر على ذي العلو، وظاهر الفتح خلافه وهو محمول على ما إذا بنى ذو السفل سفله وطلب من ذي العلو بناء علوه فإنه يجبر ا ه: أي لان فرض المسألة أنه هدم علوه فيجبر على بنائه بعد ما بنى ذو السفل لا قبله، وإنما أجبر لان لذي السفل حقا في العلو كما علمت، وأما لو انهدم العلو بلا صنعه فلا يجبر لعدم تعديه، كما ذكره الشارح فيما لو انهدم السفل. وفي البحر عن الذخيرة. سقف السفل وجذوعه وهراديه وبواريه وطينه لذي السفل، قال: ذكر الطرسوسي أن الهرادي ما يوضع فوق السقف من قصب أو عريش ا ه. قلت: لكن في المغرب عن الليث: الهردية قضبان تضم ملوية بطاقات من الكرم يرسل عليها قضبان الكرم ا ه فهي التي تسمى في عرفنا سقالة. هذا وذكر في الخيرية أن تطيين سقف السفل لا يجب على واحد منهما. أما ذو العلو فلعدم وجوب إصلاح ملك الغير عليه وإن تلف الطين بالسكن المأذون فيه شرعا، إلا إذا تعدى بإزالته فيضمنه. وأما ذو السفل فلعدم إجباره على إصلاح ملكه، فإن شاء طينه ورفع ضرره وكف الماء عنه، وإن شاء تحمل ضرره. تتمة: في البحر عن جامع الفصولين: جدار بينهما ولكل منهما حمولة فهوى الحائط فأراد أحدهما رفعه ليصلحه وأبى الآخر، ينبغي أن يقول مريد الاصلاح للآخر ارفع حمولتك باسطوانات وعمد ويعلمه أنه يريد رفعه في وقت كذا وأشهد على ذلك، فلو فعله وإلا فله رفع الجدار، فلو سقطت حمولته لم يضمن ا ه. قلت: والظاهر أن مثله ما إذا احتاج السفل إلى العمارة فتعليق العلو على صاحبه، وهذه فائدة حسنة لم أجد من نبه عليها. قوله: (زائغة مستطيلة) وفي التهذيب: الزائغة: الطريق الذي حاد عن الطريق الأعظم ا ه. من زاغت الشمس: إذا مالت، والمستطيلة، الطويلة، من استطال بمعنى طال. أفاد في البحر. قوله: (مثلها) أي طويلة احترازا عن المستديرة كما يأتي. قوله: (لكن غير نافذة) أفاد أن الأولى نافذة، وقد قال في البحر: أطلقها: أي الأولى تبعا لأكثر الكتب، وقيدها في النهاية تبعا للفقيه أبي الليث والتمرتاشي بغير النافذة، ويمكن حمل كلامه عليه لقوله: مثلها غير نافذة ا ه: أي بناء على أن غير نافذة بيان لوجه المماثلة، وفيه نظر، بل المتبادر أن المماثلة في الطول وغير نافذة حال لبيان قيد زائد فيها على الأولى، وإلا لزم أن لا تكون الثانية مقيدة بكونها طويلة، فيشمل المستديرة، وهو غير صحيح، واستظهر الخير الرملي إطلاق الأولى، إذا لا عبرة بكونها نافذة أو غير نافذة لامتناع مرور أهلها في الثانية مطلقا، بخلاف المتشعبة كما يأتي.
592 قلت: لكن في بعض الصور يظهر الفرق في الأولى بين النافذة وغيرها كما تعرفه. قوله: (إلى محل آخر) متعلق بنافذة، والمراد به الطريق العام أو ما يتوصل منه إليه احترازا عن النافذة إلى سكة أخرى غير نافذة. مطلب في فتح باب آخر للدار قوله: (عن فتح باب للمرور) قال في فتح القدير: قال بعض المشايخ: لا يمنع من فتح الباب بل من المرور، لان له رفع كل جداره فكذا له رفع بعضه، والأصح أنه يمنع من الفتح لأنه منصوص عليه في الرواية بنص محمد في الجامع، ولان المنع بعد الفتح لا يمكن إذ تمكن (1) مراقبته ليلا ونهارا في الخروج ليخرج، ولأنه عساه يدعي بعد تركيب الباب وطول الزمان حقا في المرور، ويستدل عليه بتركيب الباب ا ه. قوله: (لا للاستضاءة والريح) قال العيني بعد حكاية القولين المذكورين: ولكن هذا فيما إذا أراد بفتح الباب المرور فإنه يمنع استحسانا، وإذا أراد به الاستضاءة والريح دون المرور لم يمنع من ذلك، كذا نقله فخر الاسلام عن الفقيه أبي جعفر ا ه. قلت: هذا إذا كان الباب عاليا لا يصلح للمرور كما يدل عليه التعليل المار، وإلا كان قول بعض المشايخ بعينه، وهو خلاف الأصح، فعلم أن المراد غيره وهو مسألة الطاقة الآتية، فافهم. قوله: (في القصوى) أي البعدي وهي المتشعبة من الأولى الغير النافذة، أما النافذة فلا منع من الفتح فيها لان لكل أحد حق المرور فيها. قوله: (على الصحيح) مقابله ما قدمناه آنفا من القول بأنه لا يمنع من الفتح بل من المرور. قوله: (إذ لا حق لهم في المرور) أي لا حق لأهل الزائغة الأولى في المرور في الزائغة القصوى، بل هو لأهلها على الخصوص، ولذا لو بيعت دار في القصوى لم يكن لأهل الأولى شفعة فيها، كذا في الفتح: أي لا شفعة لهم بحق الشركة في الطريق، إذ لو كان جارا ملاصقا كان له الشفعة. شرنبلالية. ثم قال في الفتح: بخلاف أهل القصوى، فإن لأحدهم أن يفتح بابا في الأولى لان له حق المرور فيها ا ه. قال العلامة المقدسي: هذا إذا فتح في جانب يدخل منه إليها، أما في الجانب الآخر غير النافذ فلا ا ه: وفيه فائدة حسنة يفيدها التعليل أيضا. وهي أن الزائعة الأولى إذا كانت غير نافذة وأراد واحد من أهل القصوى فتح باب في الأولى له ذلك إن كانت داره متصلة بركن الأولى وكانت من جانب الدخول إلى القصوى، أما لو كانت من الجانب الثاني فلا، إذ لا حق له في المرور في الجانب الثاني، بخلاف ما إذا كانت الأولى نافذة فإن له المرور من الجانبين، فيكون له فتح الباب من الجانب الثاني أيضا، وبه يظهر الفرق بين كون الأولى نافذة أو لا خلافا لما مر عن الرملي، والظاهر أن كلام الفتح مبني على كون الأولى نافذة، وإن حمل على أنها غير نافذة يدعي تخصيصه بغير الصورة المذكورة. تنبيه: يعلم مما هنا أنه لو أراد فتح باب أسفل من بابه والسكة غير نافذة يمنع منه، وقيل لا، وفي كل من القولين اختلاف التصحيح والفتوى. قال في الخيرية: والمتون على المنع فليكن المعول عليه. قوله: (وفي زائغة مستديرة) محترز قوله يتشعب عنها مثلها فإن المراد بها الطويلة ويقابلها
(1) قوله: (إذ تمكن) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف ولعل الصواب إذ لا نمكن تأمل ا ه. مصححه. 593 المستديرة. وفي حاشية الواني على الدرر: هذا إذا كانت: أي المستديرة مثل نصف دائرة أو أقل، حتى لو كانت أكثر من ذلك لا يفتح فيها الباب، والفرق أن الأولى تصير ساحة مشتركة، بخلاف الثانية فإنه إذا كان داخلها أوسع من مدخلها يصير موضعا آخر غير تابع للأول، كذا قيل ا ه. وقائله صدر الشريعة ومله مسكين، وراده ابن كمال. قوله: (لأنها كساحة الخ) قال في الفتح: لان لكل حق المرور إذ هي ساحة مشتركة غاية الأمر أن فيها اعوجاجا، ولهذا يشتركون في الشفعة إذا بيعت دار منها ا ه. قوله: (ولذا يمكنهم نصب البوابة) لم أر فيما عندي من كتب اللغة لفظ البوابة، وهي في عرف الناس اليوم اسم للباب الكبير الذي ينصب في رأس السكة أو المحلة مثلا، وعبارة ابن كمال عن الحلواني: ولذا يمكنهم نصب الدرب، وفي القاموس: الدرب: باب السكة الواسع والباب الأكبر جمعه دراب. قوله: (بهذه الصورة) اختلفت النسخ في كيفية رقمها، ولنصورها بصورة جامعة للمستطيلة المتشعب عنها مستطيلة مثلها نافذة وغير نافذة ومستدير ومربعة هكذا: باب باب باب باب باب باب باب باب باب باب دار دار دار دار دار دار دار دار دار دار دار دار دار فالدار الثالثة التي في ركن المتشعبة الغير النافذة لو كان بابها في الطويلة يمنع صاحبها عن فتح الباب في المتشعبة الغير النافدة لأنه ليس له حق المرور فيها، ولو كان بابها في المتشعبة لا يمنع من فتح
594 باب في الأولى الطويلة، وأما الدار الرابعة التي في الركن الثاني لو كان بابها في الطويلة يمنع من فتحه في المتشعبة المذكورة، وكذا لو كان في المتشعبة يمنع من فتحه في الطويلة لأنه ليس له حق المرور في ذلك الجانب، لكن هذا إذا كانت الطويلة غير نافذة، بخلاف النافذة لان له حق المرور حينئذ من الجانبين كما قلنا فيما مر. وأما الدار الخامسة التي في الركن الأول من المتشعبة الثانية النافذة فلصاحبها فتح باب فيها وفي الطويلة، بخلاف الدار السادسة التي في الركن الثاني من المتشعبة المذكورة فإنه لو كان بابه فيها يمنع من الفتح في الطويلة لو غير نافذة لا لو نافذة لما علمت. مطلب: اقتسموا دارا وأراد كل منهم فتح باب لهم ذلك تتمة: في منية المفتي من كتاب القسمة: دار في سكة غير نافذة بين جماعة اقتسموها وأراد كل منهم فتح باب وحده ليس لأهل السكة منعهم. قلت: ينبغي تقييده بما إذا أرادوا فتح الأبواب فيما قبل الباب القديم لا فيما بعده كما قدمناه آنفا عن الخيرية من التعويل على ما في المتون. نعم على القول الثاني المصحح أيضا لا تفصيل. ثم قال في المنية: دار لرجل بابها في سكة غير نافذة فاشترى بجنبها دارا بابها في سكة أخرى له فتح باب لها في داره الأولى لا في السكة الأولى، وبه أفتى أبو جعفر وأبو الليث. وقال أبو نصير: له ذلك لان أهل السكة شركاء فيها بدليل ثبوت حق الشفعة للكل ا ه ملخصا. قلت: الظاهر أنه مبني على الخلاف السابق، والله تعالى أعلم. قوله: (ولا يمنع الشخص الخ) هذه القاعدة تخالف المسألة التي قبلها، فإن المنع فيها من تصرف ذي السفل مطلق عن التقييد بكونه مضرا ضررا بينا أولى وهنا المنع مقيد بالضرر البين، ولا سيما على ظاهر الرواية الآتي من أنه لا يمنع مطلقا. نعم على ما قدمناه من أن المختار المنع في الضرر البين والمشكل تندفع المخالفة على ما مشى عليه المصنف هنا. وقد يجاب بأن المسألة المتقدمة ليست من فروع هذه القاعدة، فإن ما هنا في تصرف الشخص في خالص ملكه الذي لا حق للجار فيه، وما مر في تصرفه فيما فيه حق للجار، فإن السفل وإن كان ملكا لصاحبه إلا أن لذي العلو حقا فيه فلذا أطلق المنع فيه، ولذا لو هدم ذو السفل سفله يؤمر بإعادته، بخلاف ما هنا، هذا ما ظهر لي فاغتنمه. قوله: (بينا) أي ظاهرا ويأتي بيانه قريبا. قوله: (واختاره في العمادية) حيث قال كما في جامع الفصولين: والحاصل أن القياس في جنس هذه المسائل أن من تصرف في خالص ملكه لا يمنع منه ولو أضر بغيره، لكن ترك القياس في محل يضر بغيره ضررا بينا، وقيل بالمنع، وبه أخذ كثير من مشايخنا وعليه الفتوى ا ه. قلت: قوله: وقيل بالمنع عطف تفسير على قوله: ترك القياس فليس قولا ثالثا. نعم وقع في الخيرية: وقيل بالمنع مطلقا إلخ، ومقتضاه أنه قول ثالث بالمنع سواء كان الضرر بينا أو لا، لكن عزا في الخيرية ذلك إلى التاترخانية والعمادية، وليس ذلك في العمادية كما رأيت، فالظاهر أن لفظ مطلقا سبق قلم، ويدل عليه قوله في الفتح: والحاصل أن القياس في جنس هذه المسائل أن يفعل المالك ما بدا له مطلقا لأنه متصرف في خالص ملكه، لكن ترك القياس في موضع يتعدى ضرره إلى غيره ضررا فاحشا، وهو المراد بالبين وهو ما يكون سببا للهدم، أو يخرج عن الانتفاع بالكلية، وهو ما يمنع الحوائج الأصلية كسد الضوء بالكلية، واختاروا الفتوى عليه. فأما التوسع إلى منع كل ضرر ما
595 فيسد باب انتفاع الانسان بملكه كما ذكرنا قريبا ا ه ملخصا. فانظر كيف جعل المفتى به القياس الذي يكون فيه الضرر بينا لا مطلقا، وإلا لزم أنه لو كانت له شجرة مملوكة يستظل بها جاره وأراد قطعها أن يمنع لتضرر الجار به كما قرره في الفتح قبله. قلت: وأفتى المولى أبو السعود أن سد الضوء بالكلية ما يكون مانعا من الكتابة، فعلى هذا لو كان للمكان كوتان مثلا فسد الجار ضوء إحداهما بالكلية لا يمنع إذا كان يمكن الكتابة بضوء الأخرى، والظاهر أن ضوء الباب لا يعتبر لأنه يحتاج لغلقه لبرد ونحوه كما حررته في تنقيح الحامدية. وفي البحر: وذكر الرازي في كتاب الاستحسان: لو أراد أن يبني في داره تنورا للخبز الدائم كما يكون في الدكاكين أو رحى للطحن أو مدقات للقصارين لم يجز، لأنه يضر بجيرانه ضررا فاحشا لا يمكن التحرز عنه فإنه يأتي منه الدخان الكثير، والرحى والدق يوهن البناء، بخلاف الحمام لأنه لا يضر إلا بالنداوة، ويمكن التحرز عنه بأن يبني حائطا بينه وبين جاره، وبخلاف التنور المعتاد في البيوت ا ه. وصحح النسفي في الحمام أن الضرر لو فاحشا يمنع وإلا فلا، وتمامه فيه. قوله: (حتى يمنع الجار من فتح الطاقة) أي التي يكون فيها ضرر بين بقرينة ما قبله، وهو ما أفتى به قارئ الهداية لما سئل: هل يمنع الجار أن يفتح كوة يشرف منها على جاره وعياله؟ فأجاب بأنه يمنع من ذلك ا ه. وفي المنح عن المضمرات شرح القدوري: إذا كانت الكوة للنظر وكانت الساحة محل الجلوس للنساء يمنع، وعليه الفتوى ا ه. قال الخير الرملي: وأقول لا فرق بين القديم والحديث حيث كانت العلة الضرر البين لوجودها فيهما. قوله: (ورجحه في الفتح) حيث قال: والوجه لظاهر الرواية. قوله: (ثمة) أي في كتاب القسمة في المنح. قوله: (فالعمل على المتون) قد يقال: إن هذا لا يقال في كل متن مع شرح بل هذا في نحو المتون القديمة ط: أي وهذه المسألة ليست من مسائل (1)، ويظهر من كلام الشارح الميل إلى ما مشى عليه المصنف في متنه لأنه أوفق بدفع الضرر البين عن الجار المأمور بإكرامه، ولذا كان هو الاستحسان الذي مشى عليه مشايخ المذهب المتأخرين (2) وصرحوا بأن الفتوى عليه. والحاصل أنهما قولان متعمدان يترجح أحدهما بما ذكرنا، والآخر بكونه أصل المذهب. قوله: (قياسا على مسألة السفل الخ) أقول: هذا غير مسلم لأنه مخالف لكلامهم مع أنه قياس مع الفارق، وذلك أنك علمت أن أصل المذهب في مسألتنا عدم المنع مطلقا لكونه تصرفا في خالص ملكه، وخالف المشايخ أصل المذهب فيما إذا كان الضرر بينا، ولا يخفى أن التقييد بالبين مخرج للمشكل،
(1) قوله: (من مسائل) هكذا بخطه، ولعل فيه سقطا والأصل من مسائلها اي المتون القديمة أو نحو ذلك وليحرر ا ه. مصححه. (2) قوله: (المتأخرين) كذا بخطه وصوابه المتأخرون كما لا يخفى ا ه. مصححه. 596 فالقول بمنع المشكل مخالف القولين، وقياسه على المشكل في مسألة السفل غير صحيح، لان المتون الموضوعة لنقل المذهب ماشية على منع التصرف فيها عكس مسألتنا. وذكر بعض المشايخ أن المختار تقييد المنع بالمضر أو المشكل، وما ذاك إلا لكونه تصرفا فيما للجار فيه حق وهو صاحب العلو فالأصل فيه عد جواز التصرف إلا بإذنه، بخلاف مسألتنا فإن الأصل فيها الجواز لكونه تصرفا في خالص حقه، فإلحاق المشكل فيها بالمشكل في الأولى غير صحيح، فافهم. وهذا آخر ما حرره المؤلف بخطه من هذا الجزء، وأما بقية الأجزاء فتممها بنفسه قبل حلول رمسه، فبادر نجله السعيد السيد محمد علاء الدين إلى تكملة الجزء المذكور بتجريد الهوامش التي بخط والده وغيرها على الشرح فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم) بالميل لبابك يجبر ثلم القلوب، وبالترقب لهبوب نسمات منحك يضرب على صفحات ثقب الغيوب، يا من بصر بعظيم قدرته العباد وقهرهم بها فلا يكون إلا ما أراد، فنحمده بالحمد اللائق، ونشكره على آلائه بالشكر الفائق، ونصلي ونسلم على رسوله محمد المكمل لامته، وعلى آله وصحبه ومن لهج بدعوته. وبعد، فإن العالم العامل والعلامة الكامل، وحيد الدهر، وفريد العصر، سيد الزمان، وسعد الاقران، يعسوب العلماء العاملين، ومرجع الجهابذة الفاضلين، ومؤلف هذه الحاشية المرحوم سيدي وأستاذي ووالدي السيد محمد أفندي عابدين، سقى الله ثراه صوب الغفران، وجمعنا وإياه في مستقر رحمته، وأسكننا بحبوحة جنته، لما وصل إلى هذا المحل من الكتاب اشتاق إلى مشاهدة رب الأرباب، فنزل حياض المنون، وآثر الجدث الذي ليس بمسكون. وكان رحمه الله بدأ أولا في التأليف من الإجارة إلى الآخر، ثم من أول الكتاب إلى انتهاء هذا التحرير الفاخر وترك على نسخته الدر بعض تعليقات وتحريرات واعتراضات قد كاد تداول الأيدي أن يذهبها لعدم من يذهبها مذهبها فأردت أن أجرد ما كتبه والدي على نسخته وألحه بمسودته من غير زيادة عليه خوف الغلط ونسبته إليه وإن رأيت حاشية ليست من خطه أنبه عليها بقولي كذا أو ذكر أو في أو قاله في الهامش لعلمي بأنه أقرها وإلا شطبت عليها، ومع هذا يلزم التنبيه كما ترى، والله يعلم ويرى، ومنه أطلب الإعانة والتوفيق لأقوم طريق. قال رحمه الله تعالى ونفعنا به ورضي عنه آمين. قوله: (ادعى على آخر الخ) قال قاضيخان: ادعى على رجل أنه أخذ منه مالا وبين المال ووصفه وأقام المدعى عليه البينة على إقرار المدعي أنه أخذ فلان آخر هذا المال المسمى فأنكر المدعي ذلك لم تقبل منه هذه البينة ولا يكون ذلك إبطالا لدعوى الأول، لان من حجة الأول أن يقول أخذه مني فلان آخر ثم رده علي وأخذه مني هذا المدعى عليه بعد ذلك ا ه. كذا في الهامش. قوله: (ومفاده) أي مفاد قوله: أو لم يقل ذلك ح. قوله: (بإمكان التوفيق)
597 نقل في البحر: إن هذا هو القياس، والاستحسان أن التوفيق بالفعل شرط. قال الرملي: وجواب الاستحسان هو الأصح كما في منية المفتي. قوله: (وهو مختار الخ) قيده في البحر في فصل الفضولي بأن لا يكون ساعيا في نقض ما تم من جهته فراجعه. قوله: (من أقوال أربعة) وهي كفاية إمكان التوفيق مطلقا، وعدم كفايته مطلقا، وكفايته من المدعى عليه لا من المدعي، وكفايته إن اتحد وجه التوفيق لا إن تعددت وجوهه ح، كذا في الهامش. قوله: (بعد وقتها) ظرف للشراء كقبله ح. قوله: (في الصورتين) يعني ما إذا قال جحدنيها أو لم يقل ح. قوله: (في الثاني) لأنه يدعي الشراء بعد الهبة وشهوده يشهدون له به قبلها، وهو تناقض ظاهر لا يمكن التوفيق بينهما، ومرادهم بين الدعوى والبينة، وإلا فالمدعي لا تناقض منه، لأنه ما ادعى الشراء سابقا على الهبة. بحر. قوله: (وينبغي ترجيح الثاني الخ) ولعل وجهه أنه الذي يتحقق به التناقض. منح. وفي النهر في باب الاستحقاق. والأوجه عندي اشتراطهما عند الحاكم إذ من الدعوى كونها لديه ا ه. وفي شرح المقدسي: ينبغي أن يكفي أحدهما عند القاضي بل يكاد أن يكون الخلاف لفظيا، لان الذي حصل سابقا على مجلس القاضي لا بد أن يثبت عنده ليترتب على ما عنده حصول التناقض، والثابت بالبيان كالثابت بالعيان فكأنهما في مجلس القاضي، فالذي شرط كونهما في مجلسه يعم الحقيقي والحكمي في السابق واللاحق انتهى، وهو حسن. قوله: (أو بتكذيب الحاكم) كما لو ادعى أنه كفل له عن مديونه بألف فأنكر الكفالة وبرهن الدائن أنه كفل عن مديونه وحكم به الحاكم وأخذ المكفول منه المال ثم إن الكفيل ادعى على المديون أنه كفل عنه بأمره وبرهن على ذلك يقبل عندنا ويرجع على المديون بما كفل، لأنه صار مكذبا شرعا بالقضاء، كذا في المنح ح. قوله: (وتمامه في البحر) عبارة البحر في الاستحقاق أولى، وهي إذا قال تركت أحد الكلامين يقبل منه لأنه استدل له بما في البزازية عن الذخيرة: ادعاه مطلقا فدفعه المدعى عليه بأنك كنت ادعيته قبل هذا مقيدا وبرهن عليه فقال المدعي أدعيه الآن بذلك السبب وتركت المطلق يقبل ويبطل الدفع ا ه. فإن المتروك الثانية لا الأولى، ومع هذا نظر فيه صاحب النهر هناك. وقد يقال ذلك القول توفيق بين الدعوتين. تأمل. وذكر سيدي الوالد في باب الاستحقاق تأييد ما في النهر. وقال في الخانية: رجل ادعى ملكا بسبب ثم ادعاه بعد ذلك ملكا مطلقا فشهد شهوده بذلك. ذكر في عامة الروايات أنه لا تسمع دعواه ولا تقبل بينته. قال مولانا رضي الله تعالى عنه: قال جدي شمس الأئمة رحمه الله تعالى: لا تقبل بينته ولا تبطل دعواه حتى لو قال أردت
598 بهذا الملك المطلق الملك بذلك السبب تسمع دعواه وتقبل بينته. قوله: (عليه) كذا في المنح ولم يذكره في البحر، وكأنه أخذه من قاعدة إعادة النكرة معرفة فيكون المراد به الوقف المار. قيل وعليه فلا يظهر التوفيق لأنه تناقض ظاهر، ويمكن جريانه على مذهب الثاني بصحة وقفه على نفسه انتهى. ولا يخفى عليك ما فيه. وفي البحر من فصل الاستحقاق: ولو ادعى أنها له ثم ادعى أنها وقف عليه تسمع لصحة الإضافة بالأخصية انتفاعا. قوله: (أن يطأها) أي بعد الاستبراء إن كانت في يد المشتري. أبو السعود عن الحموي عن الجلبي بحثا. قوله: (فللبائع ردها) قيده في النهاية بأن يكون بعد تحليف المشتري، إذ لو كان قبله فليس له الرد على بائعه لاحتمال نكول المدعى عليه فاعتبر بيعا جديدا في حق ثالث، وقيده الشارح بأن يكون بعد القبض، أما قبله فينبغي أن له الرد مطلقا لكونه فسخا من كل وجه في غير العقار إلا بعد حلفه فيجب تقييد الكتاب. بحر. قوله: (أقر الخ) للامام الطرسوسي تحقيق في هذه المسألة فراجعه في أنفع الوسائل. قوله: (زيوف) ما يرده بيت المال. قوله: (نبهرجة) ما يرده التجار: قال في القاموس في فصل النون: النبهرجة: الزيف الردئ ا ه. وفي المغرب: النبهرج، الدرهم الذي فضته رديئة، وقيل الذي الغلبة فيه للفضة، وقد استعير لكل ردئ باطل، ومنه بهرج دمه: إذا أهدر وأبطل، وعن اللحياني درهم نبهرج، ولم أجده بالنون إلا له ا ه. وهو مخالف لما في القاموس مع أنه المشهور. قوله: (أو استوفى) الاستيفاء عبارة عن فيض الحق بالتمام. سعدية وابن كمال. قوله: (لأنه ظاهر) راجع للأولى وهي قبض الحق أو الثمن، والظاهر ما احتمل غير المراد احتمالا بعيدا، والنص يحتمله احتمالا أبعد دون المفسر لأنه يحتمل غير المراد أصلا. قوله: (أو نص) راجع للثانية وهو قوله: أو استوفى. قوله: (قبل برهانه) لأنه مضطر وإن تناقض. قنية. قوله: (فرده الخ) حاصل مسائل رد
599 الاقرار بالمال أنه لا يخلو إما أن يرده مطلقا أو يرد الجهة التي عينها المقر ويحولها إلى أخرى أو يرده لنفسه ويحوله إلى غيره، فإن كان الأولى بطل، وإن كان الثاني، فإن لم يكن بينها منافاة وجب المال كقوله له ألف بدل قرض فقال بدل غصب، وإلا بطل كقوله ثمن عبد لم أقبضه وقال قرض أو غصب ولم يكن العبد في يده فيلزمه الألف صدقه في الجهة أو كذبه عند الامام، وإن كان في يده فالقول للمقر في يده، وإن كان الثالث نحو: ما كانت لي قط لكنها لفلان، فإن صدقه فلان تحول إليه وإلا فلا، وإن كان بطلاق أو عتاق أو ولاء أو نكاح أو وقف أو نسب أو رق ولم يرتد بالرد فيقال الاقرار يرتد برد المقر له إلا في هذه. ذكر مجموع ذلك في البحر، وفيه اختصار أوضحته في حاشيته. قوله: (في مجلسه) وفي غيره بالأولى. قوله: (إلا بحجة) كيف تقبل حجته وهو متناقض في دعواه. تأمل في جوابه. سعيدة. واستشكله في البحر أيضا، ونقل خلافه عن البزازية حيث قال: في يده عبد فقال لرجل هو عبدك فرده المقر له ثم قال بل هو عبدي وقال المقر هو عبدي فهو لذي اليد المقر، ولو قال ذو اليد الآخر هو عبدك فقال بل هو عبدك ثم قال الآخر بل هو عبدي وبرهن لا يقبل للتناقض ا ه. وهذا يخالف ما في الهداية من أنه لا بد من الحجة فإنه يقتضي سماع الدعوى ا ه. قوله: (لواحد) بخلاف ما لو قال اشتريت وأنكر له أن يصدقه لان أحد العاقدين لا ينفرد بالفسخ فلا ينفرد بالعقد، والمعنى أنه حقهما فبقي العقد فعمل التصديق أما المقر له فينفرد برد الاقرار فافترقا، كذا في الهداية. فالحاصل: أن كل شئ يكون الحق لهما جميعا إذا رجع المنكر إلى التصديق قبل أن يصدقه الآخر على إنكاره فهو جائز كالبيع والنكاح، وكل شئ يكون فيه الحق لواحد كالهبة والصدقة والاقرار لا ينفعه إقراره بعده كما في القنية. بحر. س. قوله: (ما كان لك) انظر لو لم يذكر لفظ كان وانظر ما سنذكره قريبا عند واقعة سمرقند فإنه يفيد الفرق بين الماضي والحال. قوله: (قط) لا فرق بين أن يؤكد النفي بكلمة قط أو لا. بحر. قوله: (على الخ) الأصوب أن يقول على ألف له عليه فافهم، وفي بعض النسخ على أنه له عليه ألف. قوله: (على القضاء) أي الايفاء قيد بدعوى الايفاء بعد الانكار: إذ لو ادعاه بعد الاقرار بالدين، فإن كان كلا القولين في مجلس واحد لم يقبل للتناقض، وإن تفرقا عن المجلس ثم ادعاه وأقام البينة على الايفاء بعد الاقرار تقبل لعدم التناقض، وإن ادعى الايفاء قبل الاقرار لا يقبل، كذا في خزانة المفتين. بحر. قوله: (إلا في المسألة المخمسة) كأودعنيه فلان أو آجرنيه أو ارتهنته أو غصبته منه أو قال أخذت هذه الأرض مزارعة من فلان أو هذا الكرم معاملة منه سميت مخمسة لان فيها خمسة أقوال. قال في البحر: وهذه مخمسة كتاب الدعوى لان صورها خمسة: وديعة، وإجازة، وإعارة، ورهن وغصب. أو لان فيها خمسة أقوال للعلماء: الأول ما في الكتاب، وهو أنه تندفع خصومة المدعي لان البينة أثبتت أن يده ليست بيد خصومة وهو قول أبي حنيفة. الثاني: قول أبي يوسف،
600 واختاره في المختارات، المدعى عليه إن كان صالحا فكما قال الامام، وإن معروفا بالجبر لم تندفع عنه لأنه قد يدفع ماله إلى مسافر يرده إياه ويشهد فيحتال لابطال حق غيره فإذا اتهمه به القاضي لا يقبله. الثالث: قول محمد إن الشهود إذا قالوا نعرفه بوجهه فقط لا تندفع، فعنده لا بد من معرفته بالوجه والاسم والنسب. وفي البزازية تعويل الأئمة على قول محمد: وفي العمادية: لو قالوا نعرفه باسمه ونسبه لا بوجهه لم يذكر في شئ من الكتب وفيه قولان، وعند الامام لا بد أن يقول نعرفه (1) باسمه ونسبه وتكفي معرفة الوجه، واتفقوا على أنهم لو قالوا أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع. الرابع: قول أبي شبرمة إنها لا تندفع عنه مطلقا لأنه تعذر إثبات الملك لعدم الخصم ودفع الخصومة بناء عليه. قلنا: مقتضى البينة شيئان ثبوت الملك للغائب ولا خصم فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي وهو خصم فيه فثبت، وهو كالوكيل بنقل المرأة وإقامة البينة على الطلاق. الخامس: قول ابن أبي ليلى: تندفع بدون بينة لاقراره بالملك للغائب، وقلنا إنه صار خصما بظاهر يده فهو بإقراره يريد أن يحول حقا مستحقا على نفسه فلا يصدق إلا بحجة، كما لو ادعى تحول الدين من ذمته إلى ذمة غيره ا ه. قوله: (كما سيجئ) في فصل رفع الدعاوي من كتاب الدعوى ح. قوله: (قبل برهانه) انظر لو برهن على إيفاء البعض فقد صارت حادثة الفتوى. قوله: (في فصل الاستشراء) وفيه فوائد جمة فراجعه، والإستشراء: طلب شراء شئ. قوله: (إن لم يصالحه) محل هذه المسألة عند قوله: ومن ادعى على آخر مالا قال في البحر: وقيد بكون المدعى عليه لم يصالح لسكوته عنه والأصل العدم. أما إذا أنكر فصالحه على شئ ثم برهن على الايفاء أو الابراء لم تسمع دعواه، كذا في الخلاصة ح. قوله: (وكأنه الخ) من كلام صاحب المنح. قوله: (فأين) الواقع في المنح فأنى. قوله: (وإن زاد) أي على قوله فيما تقدم مالك على شئ. قوله: (وقيل) ذكره القدوري عن أصحابنا بحر. قوله: (لان المحتجب) أي من الرجال. والمحتجب: من لا يتولى الأعمال بنفسه، وقيل من لا يراه كل أحد لعظمته. بحر. قوله: (حتى لو كان) أي المدعى عليه، فرع هذا على ذلك القول في النهاية تبعا لقاضيخان. وفي إيضاح
(1) قوله: (لا بد ان يقول نعرفه) كذا بالأصل المقابل على خطه، ولعله ان يقولوا كالسباق والسياق ا ه. مصححه. 601 الاصلاح: وفيه نظر، لان مبنى إمكان التوفيق على أن يكون أحدهما ممن لا يتولى الأعمال بنفسه لا المدعى عليه بخصوصه انتهى. ودفعه ظاهر لان الكلام كله في تناقض المدعى عليه لا المدعي. بحر. قوله: (نعم لو ادعى الخ) قال في الدرر عن القنية: المدعى عليه قال للمدعي لا أعرفك، فلما ثبت الحق بالبينة ادعى الايصال لا تسمع، ولو ادعى إقرار المدعي بالوصول أو الايصال تسمع ا ه. قال في البحر: لان المتناقض هو الذي يجمع بين كلامين وهنا لم يجمع، ولهذا لو صدقه المدعي عيانا لم يكن متناقضا، ذكره التمرتاشي انتهى، وتمامه فيه، وهو أحسن مما علل به الشارح، وبه ظهر أن قول الشارح إقرار المدعى عليه صوابه المدعي، إلا أن يقرأ المدعي بصيغة المبني للفاعل. تأمل. قوله: (لان الاقرار الخ) فيه أن الاقرار بالبيع إقرار بركنيه لأنه مبادلة مال بمال، إلا أن يحمل على أنه أقر بالبيع بلا مال. تأمل. قال في المبسوط: شهدا على إقرار البائع ولم يسميا الثمن ولم يشهدا بقبض الثمن لا تقبل ، وإن قالا أقر عندنا أنه باعه منه واستوفى الثمن ولم يسميا الثمن جاز. وفي مجمع الفتاوى: شهدا أنه باع وقبض الثمن جاز وإن لم يبينوا الثمن، وكذا لو شهدا بإقرار البائع أنه باعه وقبض الثمن ا ه. وقال في الخلاصة: شهدوا على البيع بلا بيان الثمن، إن شهدوا على قبض الثمن تقبل، وكذا لو بين أحدهما وسكت الآخر ا ه. نور العين في أوائل الفصل السادس. وانظر ما سنذكره في كتاب الشهادة وفي باب الاختلاف فيها. قوله: (أمته منه) لا حاجة إلى قوله: منه لان ضمير باعه يغني عنه ح. قوله: (أي المشتري) الأصوب: أي البائع كما في البحر. قوله: (للتناقض) لان اشتراط البراءة تغيير للعقد من اقتضاء وصف السلامة إلى غيره فيقتضي وجود العقد وقد أنكره، بخلاف ما مر لان الباطل قد يقضي ويبرأ منه دفعا للدعوى الباطلة، وهذا ظاهر الرواية عن الكل. بحر. قوله: (ببيع وكيله) أي وكيل البائع. قوله: (وإبرائه عن العيب) من إضافة المصدر إلى مفعوله وهو ضمير الوكيل والفاعل المشتري الخ. وعلى ما قلنا مضاف إلى فاعله والضمير لوكيله وهو المفهوم من عبارة البحر، فقوله أولا لم أبعها منك قط أي مباشرة، وقوله: إنه برئ إليه أي إلى وكيله. قوله: (فأنكر) أي بأن قال لا نكاح بيننا كما في البحر عن جامع الفصولين، ولو قال لا نكاح بيني وبينك فلما برهنت على النكاح برهن هو على الخلع تقبل بينته، ولو قال لم يكن بيننا نكاح قط أو قال لم أتزوجها قط والباقي بحاله ينبغي أن يكون هذا وسيلة العيب، وفي ظاهر الرواية: لا تقبل بينة البراءة عن العيب لأنها إقرار بالبيع، فكذا الخلع يقتضي سابقة النكاح فيتحقق التناقض ا ه. قوله: (راجح على قوله) إذ الأصل في
602 الجمل الاستقلال والصك يكتب للاستيثاق، فلو انصرف إلى الكل كان مبطلا له فيكون ضد ما قصدوه فينصرف إلى ما يليه ضرورة، كذا في التبيين ح. قوله: (في جمل) أي قولية، وإلا نافى ما قبله. وفي البحر: والحاصل أنهم اتفقوا على أن المشيئة إذا ذكرت بعد جمل متعاطفة بالواو كقوله عبده حر وامرأته طالق وعليه المشي إلى بيت الحرام إن شاء الله ينصرف إلى الكل فبطل الكل، فمشى أبو حنيفة على حكمه وهما أخرجا صورة، كتب الصك من عمومه بعارض اقتضى تخصيص الصك من عموم حكم الشرط المتعقب، جملا متعاطفة للعادة وعليها يحمل الحادث، ولذا كان قولهما استحسانا راجحا على قوله كذا في الفتح القدير، وظاهر أن الشرط ينصرف إلى الجميع وإن لم يكن بالمشيئة انتهى. قوله: (بشرط) أي سواء كان الشرط هو المشيئة أو غيرها كما صرح به في البحر ح، والظاهر أن هذا خاص بالاقرار لما سيأتي بعده من قوله: وأما الاستثناء الخ تأمل. قوله: (إيقاعيتين) أي منجزتين ليس فيهما تعليق بقرينة المقابلة نحو أنت طالق، وهذا حر إن شاء الله تعالى ح. قوله: (أو به بعد سكوت) أي إذا كان السكوت بين الجملة الأخيرة وبين ما قبلها. قوله: (إلا بما فيه تشديد) فلو قال إن دخلت الدار فأنت طالق وسكت، ثم قال وهذه الأخرى دخلت الثانية في اليمين، بخلاف وهذه الدار الأخرى، ولو قال وهذه طالقة ثم سكت وقال وهذه طلقت الثانية، وكذا في العتق. بحر. كذا في الهامش. قوله: (تحكيما للحال) أي لظاهر الحال. قوله: (كما الخ) ليست هذه المسألة موجودة فيما كتب عليه المصنف. قوله: (جريان الخ) لا وجه لتخصيص الجريان بل الانقطاع كذلك فكان الأولى حذفه. قوله: (ثم الحال إنما تصلح حجة للدفع لا للاستحقاق) فإن قيل: هذا منقوص بالقضاء بالاجر على المستأجر إذا كان ماء الطاحونة جاريا عند الاختلاف لأنه استدلال بالحال لاثبات الاجر، قلنا: إنه استدلال لدفع ما يدعي المستأجر على الآخر من ثبوت العيب الموجب لسقوط الاجر. وأما ثبوت الاجر فإنه بالعقد السابق الموجب له فيكون دافعا لا موجبا. يعقوبية. وفي الهامش عن البحر: فلو مات مسلم وله امرأة نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته وقالت أسلمت قبل موته وقالت الورثة أسلمت بعد موته فالقول قولهم أيضا ولا يحكم الحال، لأن الظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق وهي محتاجة إليه، وأما الورثة فهم الدافعون ويظهر لهم ظاهر الحدوث أيضا ا ه. قوله: (كما في مسلم الخ) تمثيل للمنفي وهو الاستحقاق. وحاصله إنما كان القول لهم هنا أيضا لما سيأتي، ولا يمكن
603 أن تكون لها بناء على تحكيم الحال، لأنه لا يصلح حجة للاستحقاق وهي محتاجة إليه. قوله: (لمدعي الاسلام) فلو مات رجل وأبواه ذميان فقالا مات كافرا وقال ولده المسلمون مات مسلما فميراثه للولد دون الأبوين. بحر عن الخزانة. قوله: (مودعي) قال في البحر: قيد بإقرار بالبنوة، لأنه لو قال هذا أخوه شقيقه ولا وارث له غيره وهو يدعيه فالقاضي يتأنى في ذلك. والفرق أن استحقاق الأخ بشرط عدم الابن، بخلاف الابن لأنه وارث على كل حال، ومراده بالابن من يرث حال فالبنت والأب والام كالابن، وكل من يرث بحال دون حال فهو كالأخ. بحر. قوله: (زيلعي) وهو الصواب كما في الفتح خلافا لما في غاية البيان. قوله: (تركة قسمت الخ) قال في آخر الفصل الثاني عشر من جامع الفصولين رامزا إلى الأصل: الوارث لو كان محجوبا بغيره كجد وجدة وأخ وأخت لا يعطي شيئا ما لم يبرهن على جميع الورثة: أي إذا ادعى أنه أخو الميت فلا بد أن يثبت ذلك في وجه جميع الورثة الحاضرين أو يشهدا أنهما لا يعلمان وارثا غيره، ولو قالا لا وارث له غيره تقبل عندنا لا عند ابن أبي ليلى لأنهما جاز تأولنا العرف، فإن مراد الناس به لا نعلم له وارثا غيره، وهذه شهادة على النفي فقبلت لما مر من أنها تقبل على الشرط ولو نفيا، وهنا كذلك لقيامها على شرط الإرث، ولو كان الوارث ممن لا يحجب بأحد، فلو شهدا أنه وارثه ولم يقولا لا وارث له غيره أو لا نعلمه يتلوم القاضي زمانا رجاء أن يحضر وارث آخر، فإن لم يحضر يقضي له بجميع الإرث ولا يكفل عند أبي حنيفة في المسألتين: يعني فيما إذا قالا لا وارث له غيره أو لا نعلمه، وعندهما يكفل فيهما، ومدة التلوم مفوضة إلى رأي القاضي، وقيل حول، وقيل شهر، وهذا عند أبي يوسف. وأما أحد الزوجين لو أثبت الوراثة ببينة ولم يثبت أنه لا وارث له غيره، فعند أبي حنيفة ومحمد: يحكم لهما بأكثر النصيبين بعد التلوم، وعند أبي يوسف بأقلهما، وله الربع ولها الثمن ا ه ملخصا. وإن تلوم ومضى زمانه فلا فرق بين كونه ممن يحجب كالأخ أو ممن لا يحجب كالابن كما في البزازية من العاشر في النسب والإرث وانظر ما سيأتي قبيل باب الشهادة على الشهادة. قوله: (كذا نسخ المتن) يعني بإسقاط لا، والحق ثبوتها كما في سائر الكتب ح. قوله: (لم يكفلوا) مبني للمجهول مضعف العين والواو للورثة أو الغرماء: أي لا يأخذ القاضي منهم كفيلا ح. قال في الدرر: أي لم يؤخذ منه كفيل بالنفس عند الامام، وقالا يؤخذ ا ه. وهذا ظاهر في أنه على قولهما يؤخذ كفيل بالنفس، ثم رأيته لتاج الشريعة أبي السعود عن شيخه ولم ير في البحر، فتوقف في أنها بالمال أو بالنفس. قوله: (لجهالة) علة لقوله: لم يكفلوا كذا في الهامش. قوله: (ويتلوم) أي يتأتى، والمراد تأخير القضاء لا تأخير الدفع فعده كما أفاده في البحر عن غاية البيان، والمسألة على وجوه ثلاثة فارجع إلى البحر، وسيأتي شئ منها قبيل الشهادة على الشهادة.
604 قوله: (مدة) وقدر مدته مفوض إلى رأي القاضي، وقدره الطحاوي بحول، وعلى عدم التقرير حتى يغلب على ظنه أنه لا وارث أو لا غريم له آخر. قوله: (ثبت بالاقرار) أي الإرث والدين، وهو محترز قوله: بشهود. قوله: (ذلك) أي قالوا لا نعلم له وارثا أو غريما ح، كذا في الهامش. قوله: (ادعى) قال في جامع الفصولين من الرابع: ادعى عليهما أن الدار التي بيدكما ملكي فبرهن على أحدهما، فلو الدار في يد أحدهما بإرث فالحكم عليه حكم على الغائب إذ أحد الورثة ينتصب خصما عن البقية، ولو لم يكن كل الدار بيده لا يكون قضاء على الغائب بل يكون قضاء بما في يد الحاضر على الحاضر، لو بيد أحدهما بشراء لا يكون الحكم على أحدهما حكما على الآخر انتهى. قوله: (جحد ذو اليد الخ) هذا التعميم غير صحيح بعد قوله: وبرهن عليه لان البرهان يستلزم سبق الجحد، والصواب أن يبدل قوله: وبرهن عليه بقوله: وثبت ذلك فيشمل الثبوت بالاقرار وبالبينة، وحينئذ يسقط قوله جحد دعواه أو لم يجحد ح. ويجاب بأن هذا التعميم راجع إلى قوله: وترك باقيه أشار به إلى الخلاف، فافهم. قوله: (خلافا لهما) حيث قالا: إن جحد ذو اليد منه ويجعل في يد أمين لخيانته بجحوده وإلا ترك في يده. قوله: (خصما للميت) الأصوب عن الميت. قال في الهامش ناقلا عن البحر: إنما ينتصب خصما عن الباقي بثلاثة شروط: كون العين كلها في يده، وأن لا تكون مقسومة، وأن يصدق الغائب على أنها إرث عن الميت المعين انتهى. قوله: (والحق الخ) لا ارتباط له بما قبله، لان ما قبله في انتصاب أحد الورثة خصما للميت وهذا الفرق في انتصاب أحدهم خصما فيما عليه. قال في البحر: وكذا ينتصب أحدهما فيما عليه مطلقا إن كان دينا، وإن كان في دعوى عين فلا بد من كونها في يده ليكون قضاء على الكل، وإن كان البعض في يده نفذ بقدره كما صرح به في الجامع الكبير، وظاهر ما في الهداية والنهاية والعناية أنه لا بد من كونها كلها في يده في دعوى الدين أيضا، وصرح في فتح القدير بالفرق بين العين والدين وهو الحق وغيره سهو ا ه. وفي حاشية أبي السعود عن شيخه: ووجهه الفرق بينهما أن حق الدائن شائع في جميع التركة، بخلاف مدعي العين ا ه. قوله: (والعين) حيث لا ينتصب أحد الورثة خصما عن الباقي في دعوى العين إلا إذا كانت في يده، ولا يشترط في دعوى الدين كون جميع التركة في يده حتى ينتصب خصما عن الباقي، خلافا لما في الهداية والنهاية والعناية ح. قوله: (لو مقرا) أي كالعقار. قوله: (مالي أو ما أملكه الخ) ظاهره
605 دخول الدين أيضا، وحكى في القنية قولين، واعتمد في وصايا الوهبانية الدخول، ونقل السائحاني عن المقدسي: لا شك أن الدين تجب فيه الزكاة ويصير مالا عند الاستيفاء، لكن في البحر عن الخانية عدم الدخول، وهو مقتضى قولهم: إن الدين ليس بمال، حتى لو حلف أن لا مال له وله دين على الناس لم يحنث. ونقل ابن الشحنة عن ابن وهبان أن في حفظه من الخانية رواية الدخول ح. قوله: (جنس مال الزكاة) أي جنس كان، بلغت نصابا أو لا، عليه دين مستغرق أو لا. بحر. قوله: (تصدق بقدره) أي بقدر ما أمسك لان حاجته مقدمة، فيمسك أهل كل صنعة قدر كفايته إلى أن يتجدد له شئ. فتح. قوله: (فحيلته) أي إن أراد أن يفعل ولا يحنث. قوله: (ثم يفعل ذلك) أي المحلوف عليه. قوله: (فلا يلزمه شئ) قال العلامة المقدسي: ومنه يعلم أن المعتبر الملك حين الحنث لا حين الحلف انتهى. أقول: ويعلم منه أن المشتري باسم المفعول بخيار الرؤية لا يدخل في ملكه حتى يراه ويرضى به، قال الشيخ أبو الطيب مدني، والمسألة تحتاج إلى المراجعة، وما نقله عن البحر عزاء في البحر إلى الولوالجية في الحيل آخر الكتابة، وتمامه فيها حيث قال: وإن كان له ديون على الناس يتصالح عن تلك الديون مع رجل بثوب في منديل ثم يفعل ذلك ويرد الثوب بخيار الرؤية فيعود الدين ولا يحنث انتهى. قوله: (فصح تصرفه) لا يخفى أن من حكم الوصي أنه لا يملك عزل نفسه بعد القبول حقيقة أو حكما، وظاهر ما هنا تبعا للكنز أنه يصير وصيا قبل التصرف وليس كذلك، بل إنما يصير بعده كما نبه عليه في البحر، ولذا قال في نور العين: مات وباع وصية قبل علمه بوصايته وموته جاز استحسانا ويصير ذلك قبولا منه للوصاية ولا يملك عزل نفسه فكان على الشارح أن يقول: إن تصرفه قبله بدل قوله: فصح تصرفه فتنبه. قوله: (بلا علم وكيل) فلو باع الوصي شيئا من التركة قبل العلم بالوصية جاز البيع، ولو باع الوكيل قبل العلم بها لم يجز. بحر: أي فيكون بيع الفضولي فلم يجزه موكله أو الوكيل بعد علمه بها كما في نور العين من الثالث والعشرين. وفي البزازية عن الثاني خلافه. وفي البحر: أما إذا علم المشتري بالوكالة واشترى منه ولم يعلم البائع الوكيل كونه وكيلا بالبيع بأن كان المالك قال للمشتري اذهب بعبدي إلى زيد فقل له حتى يبيعه بوكالته عني منك فذهب له إليه ولم يخبره بالتوكيل فباعه هو منه يجوز، وتمامه فيه. قوله: (أو فاسق) أي إذا صدقه الوكيل حتى لو كذبه لا يثبت، فعلى هذا لا فرق بين الوكالة والعزل، لان في العزل أيضا إذا صدقه ينعزل، كذا في غاية البيان. يعقوبية. قوله: (في الأصح) خلافا لما في الكنز حيث قيد بالمستورين، فإن ظاهره أنه لا
606 يقبل خبر الفاسقين وهو ضعيف، لان تأثير خبرهما أقوى من تأثير خبر العدل، بدليل أنه لو قضى بشهادة واحد عدل لم ينفذ وبشهادة عدلين نفذ (1) كما في البحر عن الفتح، ونقله في المنح أيضا. قوله: (وعزل قاض) ذكره في البحر بحثا. قوله: (شطري الشهادة) أي العدد أو العدالة وفي الحواشي السعدية: أقول فيه إشارة إلى أن الشهادة) أي العدد أو العدالة العدالة لا تشترط في العدد، وأن قوله وعدل صفة رجل. قال في التلويح: وهو الأصح. قوله: (ويشترط) أي في المخبر. قوله: (سائر الشروط) أي مع العدد أو العدالة على قول الإمام الأعظم، فلا يثبت بخبر المرأة والعبد والصبي وإن وجد العدد أو العدالة، وقل من نبه على هذا. قوله: (في الشاهد) أي المشروطة في الشاهد. قوله: (القصدي) احتراز عما إذا كان حكميا كموت الموكل فإنه يثبت وينعزل قبل العلم ح. قوله: (إذا لم يصدقه) أما إذا صدقه قبل ولو فاسقا. بحر. وقد مر. قوله: (غير المراسل) الذي في البحر غير الخصم ورسوله. قوله: (ورسوله) فلا يشترط فيه العدالة حتى لو أخبر الشفيع المشتري بنفسه وجب الطلب إجماعا والرسول يعمل بخبره وإن كان فاسقا صدقه أو كذبه. بحر، وتمامه فيه. قوله: (وإن لم الخ) بأن قال له بع هذا العبد فقط. قوله: (على الصحيح) اعلم أن أمين القاضي هو من يقول له القاضي جعلتك أمينا في بيع هذا العبد، أما إذا قال بع هذا العبد ولم يرد عليه: اختلف المشايخ، والصحيح أنه لا يلحقه عهدة. ذكره شيخ الاسلام جواهر زاده كما في البحر معزيا إلى شرح التلخيص للفارسي. أقول: والمسألة مذكورة هكذا في الفتاوى الولوالجية. منح. قوله: (الغرماء) أي أرباب الديون لم يذكر الوارث مع أنهما سواء، فإذا لم يكن في التركة دين كان العاقد عاملا له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة إن كان وصي الميت، وإن كان القاضي أو أمينه هو العاقد رجع على المشتري (2) كما ذكره الزيلعي، لأن ولاية البيع للقاضي إذا كانت التركة قد أحاط بها الدين ولا يملك الوارث البيع. بحر. قوله: (عند القاضي) أو أمينه. منح. قوله: (بخلاف) قيد لقوله: ولا يحلف. قوله: (نائب الناظر) قال في البحر: إن نائب الامام كهو ونائب الناظر كهو في قبول قوله، فلو ادعى ضياع مال الوقف أو تفريقه على المستحقين فأنكروا فالقول له كالأصيل لكن مع اليمين، وبه فارق أمين القاضي فإنه لا يمين عليه كالقاضي ا ه. منح. قوله: (ولو باعه الوصي) قال في الشرنبلالية: لا فرق فيه بين وصي
(1) قوله: (وشهادة عدلين نفذ) لعل الصواب فاسقين تأمل ا ه. (2) قوله: (رجع على المشتري الخ) لعل الصواب رجع عليه: اي على من عقد له، وليس الضمير عائدا على العاقد ا ه. 607 الميت ومنصوب القاضي. مدني. قوله: (أو بلا أمره) أي بطريق الأولى. قوله: (للعبد) وقول الدرر: الثمن سبق قلم وصوابه المثمن. قوله: (وإن نصبه القاضي) الأولى حذفه والاقتصار على قوله لأنه عاقد نيابة عن الميت كما في الهداية ليشمل وصي الميت. قال في الكفاية: أما إذا كان الميت أوصى إليه فظاهر، وأما إذا نصبه فكذلك، لان القاضي إنما نصبه ليكون قائما مقام الميت لا مقام القاضي. قوله: (إليه) كما إذا وكله حال حياته. قوله: (ولو ظهر بعده الخ) فيه إيجاز مخل يوضحه ما في فتح القدير، فلو ظهر للميت مال يرجع الغريم فيه بدينه بلا شك، وهل يرجع بما ضمن للمشتري؟ فيه خلاف. قيل نعم. وقال مجد الأئمة السرخسي: لا يأخذ في الصحيح من الجواب، لان الغريم إنما يضمن من حيث إن العقد وقع له فلم يكن له أن يرجع على غيره. وفي الكافي: الأصح الرجوع، لأنه قضى بذلك وهو مضطر فيه، فقد اختلف في التصحيح كما سمعت ا ه. وقوله: بما ضمن للمشتري يفيد أن الاختلاف في المسألة الأولى، لأنه في الثانية إنما ضمن للوصي لا للمشتري، لكن قال في البحر: وقيل لا يرجع به في الثانية، والأول أصح ا ه. والحاصل: أنه في الأولى اختلف التصحيح في الرجوع، وفي الثانية الأصح عدمه فتنبه، ووجدت في نسخة: رجع الغريم منه بدينه لا بما غرم هو الأصح. قال ح: وقيل يرجع بما غرم أيضا وصحح. قوله: (فيه) أي في المال الذي ظهر للميت. قوله: (لما مر) متعلق بقوله كان الهالك من مالهم، والمراد بما مر أن القاضي لا يضمن. قوله: (عدل) أي وعالم، كذا قيده في الملتقى وغيره. مدني. وكذا قيده في الكنز، ولا بد منه هنا لمقابلة قوله وإن عدلا جاهلا. قال في البحر: وما ذكره المصنف قول الماتريدي. وفي الجامع الصغير: لم يعتبره بهما، ثم رجع محمد فقال: لا يؤخذ بقوله إلا أن يعاين الحجة أو يشهد بذلك مع القاضي عدل، وبه أخذ مشايخنا ا ه. وبهذا يظهر لك أن كلام المصنف ملفق من قولين، لأن عدم تقييده بالعدالة والعلم مبني على ما في الجامع الصغير، والتفصيل بعده مبني على قول الماتريدي، وحينئذ فحيث قيده الشارح بقوله: عدل يجب زيادة عالم أيضا فيكون على قول الماتريدي، ويكون قوله بعد وقيل يقبل لو عدلا عالما مستدركا، وحقه أن يقول: وقيل يقبل ولو لم يكن عالما، وهو ما في الجامع الصغير. قوله: (ولي الأمر) انظر ما قدمناه في باب الإمامة من كتاب الصلاة. قوله: (ومنعه محمد) هذا ما رجع إليه بعد الموافقة لهما ح. قوله: (حتى يعاين الحجة) زاد عليه بعض المشايخ: أو يشهد بذلك مع القاضي عدل، وهو رواية عنه. وقد استبعده في فتح القدير بكونه بعيدا في العادة وهو شهادة القاضي عند الجلاد، والاكتفاء بالواحد على هذه الرواية في
608 حق يثبت بشاهدين، وإن كان في زنا فلا بد من ثلاثة أخر، كذا ذكره الأسبيجابي. بحر. قوله: (وقيل يقبل لو عدلا عالما) دخول على المتن قصد به إصلاحه، وذلك أنه أطلق أولا القاضي ولم يقيده بالعدل العالم تبعا للجامع الصغير، وهو ظاهر الرواية، ثم ذكر التفصيل وهو على قول الماتريدي القائل باشتراط كونه عدلا عالما كما مشى عليه في الكنز، وإن أردت زيادة الدراية فارجع إلى الهداية، وحيث كان مراد الشارح ذلك، فكان الصواب أن يحذف قوله: عدل في أول المسألة فإنه من الشرح على ما رأيناه. واعلم أنه على رواية الجامع رجع محمد وقال لا حتى يعاين الحجة كما مر بيانه. وأن عليه الفتوى. وقال في البحر: لكن رأيت بعد ذلك في شرح أدب القضاء للصدر الشهيد أنه صح رجوع محمد إلى قولهما. قال: والحاصل المفهوم من شرح الصدر أنهما قالا بقبول إخباره عن إقراره بشئ لا يصح رجوعه عنه مطلقا، وأن محمدا أولا وافقهما ثم رجع عنه وقال: لا يقبل إلا بضم رجل آخر عدل إليه، ثم صح رجوعه إلى قولهما. وأما إذا أخبر القاضي بإقراره عن شئ يصح رجوعه عنه كالحد لم يقبل قوله بالاجماع، وإن أخبر عن ثبوت الحق بالبينة فقال قامت بذلك بينة وعدلوا وقبلت شهادتهم على ذلك تقبل في الوجهين جميعا ا ه وضمير إقرار راجع إلى الخصم. هذا، ولا يخفى عليك أن الكلام في القاضي المولى، وأما المعزول فلا يقبل ولو شهد معه عدل كما مر عن النهر أوائل كتاب القضاء. قوله: (إن استفسر الخ) بأن يقول في حد الزنا: إني استفسرت المقر بالزنا كما هو المعروف فيه وحكمت عليه بالرجم، ويقول في حد السرقة: إنه ثبت عندي بالحجة أنه أخذ نصابا من حرز لا شبهة فيه، وفي القصاص أنه قتل عمدا بلا شبهة، وإنما يحتاج إلى استفسار الجاهل لأنه ربما يظن بسبب جهله غير الدليل دليلا. كفاية. قوله: (شرعيا) فيشمل الاقرار. قوله: (لانكاره الضمان) بالمثل لا بالقيمة شيخنا، فلا يكون القول له إلا في أنها متنجسة فيضمن قيمتها متنجسة كما نقله أبو السعود عن الشيخ شرف الدين الغزي. محشي الأشباه. وعبارة الخانية قبيل كتاب القاضي من الشهادات: القول قوله مع يمينه في إنكاره استهلاك الظاهر، ولا يسع الشهود أن يشهدوا عليه أنه صب زيتا غير
609 نجس، وتمامه فيها فراجعها وهي أظهر مما هنا. قوله: (وكذا لو زعم الخ) أي المدعي، لكن لو أقر القاطع والآخذ في هذا بما أقر به القاضي يضمنان لأنهما أقرا بسبب الضمان، وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب الضمان عن غيره، بخلاف الأول لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق، ولو كان المال في يد الآخذ قائما وقد أقر بما أقر به القاضي والمأخوذ منه المال صدق القاضي في أنه فعله في قضائه، أو لا يؤخذ منه لأنه أقر أن اليد كانت له فلا يصدق في دعوى التملك إلا بحجة، وقوله: المعزول ليس بحجة فيه. بحر. قوله: (لأنه أسند) أي القاضي. قوله: (إلى حالة) فصار كما إذا قال طلقت أو أعتقت وأنا مجنون وجنونه معهود. بحر. قوله: (للضمان) أي من كل وجه كما زاده في البحر أخذا مما في المجمع. قال: فلا يرد ما لو قال المولى لامته بعد عتقها قطعت يدك وأنت أمتي وقالت قطعتها وأنا حرة حيث يكون القول لها، لأنه أسند فعله إلى حالة قد يجامعها الضمان في الجملة، لان كونها أمة له لا ينفي الضمان عنه من كل وجه، ألا ترى أنه يضمن إذا كانت مرهونة أو مأذونة مديونة ا ه ملخصا. وتمام التفاريع عليه فيه فراجعه. قوله: (في الأشباه) وعبارتها: قال في بسط الأنوار للشافعية من كتاب القضاء ما لفظه: وذكر جماعة من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة إذا لم يكن للقاضي شئ من بيت المال فله أخذ عشر ما يتولى من مال الأيتام والأوقاف ثم بالغ في الانكار ا ه. ولم أر هذا لأصحابنا ا ه. وما أحببت نقل الشارح العبارة على هذا الوجه لئلا يظن بعض المتهورين صحة هذا النقل، مع أن الناقل بالغ في إنكاره كما ترى، كيف وقد اختلفوا عندنا في أخذه من بيت المال، فما ظنك في اليتامى والأوقاف. قوله: (والأوقاف) أقول: زاد في الأشباه قوله: ثم بالغ في الانكار الخ. قال العلامة الشيخ خير الدين الرملي في حاشيته على الأشباه ما نصه: قوله ثم بالغ في الانكار، أقول: يعني على الجماعتين، والمبالغة في الانكار واضحة الاعتبار، وذلك أنه لو تولى على عشرين ألفا مثلا ولم يلحقه من المشقة فيها شئ بماذا يستحق عشرها وهو مال اليتيم وفي حرمته جاءت القواطع، فما هو إلا بهتان على الشرع الساطع وظلمة غطت على بصائرهم، فنعوذ بالله من غضبه الواقع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ا ه. وقال بيري زاده في حاشيتها: الصواب أن المراد من العشر أجر مثل عمله، حتى لو زاد رد الزائد ا ه مدني. قوله: (في مسألة الطاحونة) أي إذا كان له عمل. والذي في الخانية من الوقف: رجل وقف ضيعة على مواليه وقفا صحيحا فمات الواقف وجعل القاضي الوقف في يد قيم وجعل للقيم عشر الغلات وفي الوقف طاحونة في يد رجل بالمقاطعة لا
610 حاجة فيها إلى القيم وأصحاب هذه الطاحونة يقبضون غلتها لا يجب للقيم عشر هذه الطاحونة لان القيم يأخذ ما يأخذ بطريق الاجر فلا يستوجب الاجر بدون العمل ا ه. وهكذا في التاترخانية ح.