تكملة حاشية رد المحتار (جزء 2) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تكملة حاشية رد المحتار (جزء 2) - نسخه متنی

محمد علاء الدین افندی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: تكملة حاشية رد المحتار
المؤلف: ابن عابدين ( علاء الدين )
الجزء: 2
الوفاة: 1306
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق: إشراف : مكتب البحوث والدراسات
الطبعة: جديدة منقحة مصححة
سنة الطبع: 1415 - 1995 م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:
حاشية
قرة عيون الأخيار
تكملة
رد المحتار على الدر المختار
في فقه مذهب الامام أبي حنيفة النعمان
لسيدي محمد علاء الدين أفندي
نجل المؤلف
طبعة منقحة مصححة
إشراف
مكتب البحوث والدراسات
الجزء الثامن
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع

1
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر
1415 ه‍ / 1995 م
دار الفكر بيروت - لبنان
دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكسى - تلكس: 41391 فكر
ص. ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962
فاكس: 2124187875 - 001

2
كتاب الدعوى
لا يخفى مناسبتها للخصومة: أي لما اقتضى كون العزل معقبا للوكالة تقديم باب عزل الوكيل
فتأخرت الدعوى عن الوكالة بالخصومة عنه. ووجه مناسبتها له أن الخصومة شرعا: هي الدعوى
والجواب عنها، فكان ذكرها بعد الوكالة بالخصومة من قبيل التفصيل بعد الاجمال. قوله: (قول الخ)
ظاهره يشمل الشهادة إلا أن يكون تعريفا بالأعم، فإن أريد إخراج الشهادة يزاد لنفسه. قوله: (إيجاب
حق على غيره) أي ن غير تقييد بمنازعة ولا مسالمة. حموي. ولا تعرض فيه إلى الدفع عن حق نفسه،
والمصدر الادعاء وهو افتعال من ادعى والدعوى اسم منه، وتطلق على دعوى الحرب، وهي أن يقال
يا لفلان، وكذا الدعوة والدعاوة بالفتح والكسر اسمان منه، والدعوة بالفتح أيضا المرة والحلف
والدعاء إلى الطعام وتضم وبالكسر في النسب ط. وقيل الدعوى في اللغة: قول يقصد به الانسان
إيجاب الشئ على غيره، إلا أن اسم المدعي يتناول من لا حجة له في العرف ولا يتناول من له حجة،
فإن القاضي يسميه مدعيا قبل إقامة البينة وبعدها يسميه محقا لا مدعيا، ويقال لمسيلمة الكذاب مدعي
النبوة لأنه قد أثبتها بالمعجزة. قوله: (وألفها للتأنيث) هي لغة بعض العرب، وبعضهم يؤنثها بالتاء.
مصباح. قوله: (جزم في المصباح الخ) قال بعضهم: الكسر أولى وهو المفهوم من كلام سيبويه، لأنه
ثبت أن ما بعد ألف الجمع لا يكون إلا مكسورا، وأما فتحه فإنه مسموع لا يقاس عليه. وقال
بعضهم: الفتح أولى لان العرب آثرت التخفيف ففتحت ح. قوله: (فيهما) أي في الدعاوي والفتاوى
ح. قوله: (محافظة على ألف التأنيث) أي التي يبنى عليها المفرد، والظاهر أنه ساقط لفظ وفتحها بعد
قوله بكسرها كما هو صريح عبارة الشرنبلالية والمصباح، أو يقال: إنما جزم صاحب المصباح بفتحها
أيضا محافظة الخ فلا يسقط. تأمل. قوله: (وشرعا قول) أي إن قدر عليه، وإلا فتكفي كتابته.
قال في خزانة المفتين: ولو كان المدعي عاجزا عن الدعوى عن ظهر القلب يكتب دعواه في
صحيفة ويدعي بها فتسمع دعواه. ا ه‍. قوله: (عند القاضي) أي فلا تسمع هي ولا الشهادة إلا بين
يدي الحاكم. بحر. وأراد بالقبول الملزم فخرج غيره كما يأتي.
أقول: وينبغي أن يكون المحكم كالقاضي فيما يجوز به التحكيم بشروطه فإنه شرط كما في
الاختيار ونبه عليه الشارح في شرحه عن الملتقى.

3
قال في الشرنبلالية بعد أن ذكر القاضي قال: وينبغي أن يكون المحكم كذلك لأنه يلزم الخصم
بالحق ويخلصه ا ه‍.
وأقول: قد صدر الامر السلطاني الآن بنفاذ حكم المحكم إذا رفع للحاكم الشرعي وكان موافقا
نفذه كما في كتاب القضاء من مجلة الاحكام العدلية. قوله: (يقصد به طلب حق) أي معلوم قبل
غيره. هذا التعريف خاص بدعوى الأعيان والديون، فخرج عنه دعوى إيفاء الدين والابراء عنه.
بحر.
ورده العلامة المقدسي بأن هذا إنما يكون من جانب المدعى عليه لدفع الدعوى: أي فليس
بدعوى. وأيضا إذا علم أن الديون تقضى بأمثالها فالايفاء دعوى دين والابراء دعوى تلك معنى. ا ه‍
. وقوله طلب حق يفيد أنه حال المنازعة، فخرج الإضافة حال المسألة فإنها دعوى لغة لا شرعا.
ونظيره ما في البزازية: عين في يد رجل يقول هو ليس لي وليس هناك منازع لا يصح نفيه، فلو ادعاه
بعده لنفسه صح، وإن كان ثمة منازع فهو إقرار بالملك للمنازع، فلو ادعاه بعد ذلك لنفسه لا يصح،
وعلى رواية الأصل لا يكون إقرار بالملك له. ا ه‍. بحر.
أقول: كلام البزازية مفروض في كون النفي إقرارا للمنازع أو لا، وليس فيه دعواه الملك لنفسه
حالة المسالمة. قوله: (خرج الشهادة) فإنها وإن كانت قولا مقبولا إلا أنه يقصد به إثبات حق للغير.
قوله: (والاقرار) أي وكذا الاقرار.
وأورد على التعريف يمين الاستحقاق، فإنه قول مقبول يقصد به طلب حق قبل الغير. وأجيب
بأنه خرج بالطلب فإن المراد به طلب خاص وهو ما كان بلفظ الدعوى ونحوه ط. قوله: (أو دفعه)
أي دفع الخصم عن حق نفسه. زاد الباقاني في الحد بعد دعوى صحيحة لينطبق على المحدود. ا ه‍.
وعطفه بأو التنويعية إشارة إلى أن الدعوى نوعان، والقصد به الادخال فلا اعتراض بإدخال أو في
التعريف قوله: (دخل دعوى دفع التعرض) أي بقوله أو دفعه وهو أن يدعي كل منهما أرضا أنها
في يده وبرهن أحدهما على دعواه فكان مدعيا دفع تعرض الآخر حيث أثبت بالبينة أنها في يده والبينة
لا تقبل إلا بعد صحة الدعوى فعلمنا صحة دعوى دفع التعرض.
قال في البزازية: والفتوى على أن دعوى دفع التعرض صحيحة، فإنه ذكر في الجامع الصغير:
أرض يدعيها رجلان كل يقول في يدي لا يقضى باليد لواحد منهما، ولو أحدهما باليد لآخر لا
يقضى له به، ولو برهن أحدهما باليد بقضى له باليد لأنه قام على خصم لنزاعه معه في اليد، دل على
أن دعوى دفع التعرض مسموعة لعدم ثبوت اليد للآخر. ا ه‍. أفاده الرحمتي، لكن صورها الطحطاوي
بقوله أن يقول إن فلانا يتعرض لي في كذا بغير حق وأطالبه بدفع التعرض فإنها تسمع فينهاه القاضي
عن التعرض له بغير حق، فما دام لا حجة له فهو ممنوع عن التعرض، فإذا وجد حجة تعرض بها
ا ه‍.
قال الحموي ناقلا عن بعد الفضلاء: لأنه وقع عنده تردد فيما إذا سمع القاضي دعوى دفع
التعرض ومنع الخصم من معارضته بعدها هل يكون قضاء منه مانعا للخصومة من المقضي عليه في

4
الحادثة المتنازع فيها أم لا؟ فإن كان مانعا ظهر نتيجة، وإذا لم يكن مانعا فأي فائدة فيه، ولم أر من
صرح بذلك ا ه‍.
أقول: فائدته فيما يظهر عدم سماع ذلك القاضي منه دعوى التعرض قبل وجود الحجة معه.
واعلم أن النزاع والتعرض متقاربان، لكن إن أريد بالتعرض أن يكون بغير حق بل مجرد أذية
وأريد بالنزاع أن يكون بمستند يتوهم وجوده فالفرق ظاهر. قوله: (بخلاف دعوى قطع النزاع) أي
بينه وبين غيره، حقيقته أن يأتي بشخص للقاضي ويقول هذا يدعي علي دعوى، فإن كان له شئ
فليبينه، وإلا يشهد على نفسه بالابراء، وهذا غير صحيح. وهذه الدعوى غير مسموعة لان المدعي من
إذا ترك ترك.
قال في البحر: سئل قارئ الهداية عن الدعوى بقطع النزاع بينه وبين غيره. فأجاب: لا يجبر
المدعي على الدعوى لان الحق له. ا ه‍. والذي رأيته في عبارة قارئ الهداية: سئل إذا ادعى شخص على آخر أنه يقطع النزاع بينه
وبينه: إن كان له عليه حق أو مطالبة يدعي به ويطالبه، وإن كان ليس له عليه حق يشهد عليه أنه لا
يستحق عليه شيئا من الحقوق والدعاوى والطلبات، فهل تسمع هذه الدعوى من المدعي أم لا؟ أجاب
لا يجب عليه أن يدعي عليه لان الحق له، إن شاء طلبه وإن شاء تركه ا ه‍. وهي التي عناها الشارح
بقوله سراجية أي فتوى سراج الدين قارئ الهداية، وهذا بخلاف دعوى دفع التعرض كما علمت،
لان ذلك يقول هذه الأرض في يدي وهذه البينة تشهد لي بها وهذا يدعي أنها له وفي يده ولا بينة له
على دعواه فأريد أن لا يتعرض لي لأني أثبت أني ذو يد دونه. قوله: (وهذا الخ) يعني لما عرفنا أن
الدعوى قول مقبول يقصد به طلب حق، فإن أردنا بالحق الامر الوجودي كأن يقول هذا المال لي أريد
أن يسلمه إلي بقي من أنواع الدعوى دعوى دفع التعرض فيزاد أو دفعه عنه حق نفسه، وإن أراد بالحق
أعم من الوجودي وهو ما تقدم ومن العدمي وهو أن يقول هذا لا حق له في مالي لأني أثبت أني ذو
يد وأطلق أن لا يتعرض لي بغير حق وعدم تعرض حق لكنه عدمي فيستغني عن هذه الزيادة وهو
قوله أو دفعه. قوله: (الامر الوجودي) فلا يشمل العدمي كالدفع فيحتاج إلى زيادته لادخاله في
تعريف الدعوى، والمراد بالعدمي ما يشمل الاعتبار، فإن الدفع ليس عدميا لان المراد به كفه عن
المنازعة ط. قوله: (لهذا القيد) أي فيستغني في التعريف عن هذا القيد وهو قوله أو دفعه فإنه فصل
قصد به الادخال والفصل بعد الجنس قيد، فافهم. والأوضح أن يقول لم يحتج إلى زيادة أو دفعه.
قوله: (والمدعي الخ) اسم فاعل من ادعى يدعي أصله متدعي لان ثلاثية دعاء فنقل إلى باب الافتعال
فصار اتدعى وقلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال فصار ادعى، وكذلك في باب التصرفات من
المضارع والامر والمصدر، وإنما أبدلت التاء دالا ولم يعكس لأنها من المهموسة والدال من المهجورة،
فالأقوى لا يتحول إلى الضعيف. تتمة: لما كان قوله والمدعي الخ للأغلب من المتنازعين فعلا احترز عنه في الدرر بقوله من
المتنازعين قولا، ولما كان هذا متناولا للمتنازعين في المباحث احترز عنه بقوله في الحق: أي حق العبد.
ا ه‍.

5
قال شيخنا: يوضحه أنه إذا تضاربا وكان الظاهر أحدهما فإنه يطلق عليه مدع مع أنه إذا ترك لا
يترك فاحتاج إلى إخراجه بقوله من المتنازعين قولا. ا ه‍. أبو السعود.
والحاصل: أن طالب الحق يسمى مدعيا والطالب إذا ترك لا يتعرض له، والمطلوب هو المدعى
عليه لا يتأتى منه الترك حتى يسلم ما عليه. قوله: (من إذا ترك ترك أي لا يجبر عليها لان حق
الطلب له، فإذا تركه لا سبيل عليه. عيني.
أقول: وهذا أحسن ما قيل فيه. وقال محمد في الأصل: قيل المدعى عليه هو المنكر والآخر
المدعي.
قال الزيلعي: وهذا صحيح غير أن التمييز بينهما يحتاج إلى فقه وحدة ذكاء، إذ العبرة للمعاني
دون الصور والمباني، ولأن الكلام قد يوجد من الشخص في صورة الدعوى، وهو إنكار معنى كالمودع
إذا ادعى أداء الوديعة أو هلاكها فإنه مدع صورة ومنكر لوجوب الضمان معنى، ولهذا يحلفه القاضي
إذا ادعى رد الوديعة أو لهلاكها أنه لا يلزمه رده ولا ضمان، ولا يحلفه أنه رده لان اليمين أبدا تكون
على النفي كما في الشرنبلالية. قوله: (والمدعى عليه بخلافه) أي ملتبس بمخالفته، وهو من إذا ترك لا
يترك بل يجبر على الخصومة إذا تركها وهذا فرق صحيح. حموي.
قال القهستاني: فلا يشكل بوصي اليتيم فإنه مدعى عليه معنى فيما إذا أجبره القاضي على
الخصومة لليتيم، وإنما عرفها بذلك وعدل عما يقتضي التعريف إشارة إلى اختلاف المشايخ فيهما.
وقيل المدعي من يخبر بحق له على غيره، والمدعى عليه من يخبر بأن لا حق لغيره عليه. وقيل المدعي
من يلتمس خلاف الظاهر، والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر. ا ه‍. وقيل المدعي من لا يستحق إلا
بحجة كالخارج والمدعى عليه من يستحق بقوله بلا حجة كذي اليد.
قلت: وهذا تعريف بالحكم فيه دور. وأصح ما ذكر فيه الذي مشى عليه المصنف. قوله: (فلو
في البلدة قاضيان كل في محلة) أي بخصوصها وليس قضاؤه عاما، وأشار به إلى أن الجبر في أصل
الدعوى لا فيمن يدعي بين يديه والتفريع لا يظهر، وفي بعض النسخ بالواو بدل الفاء. قوله:
(فالخيار للمدعى عليه عند محمد به يفتى. بزازية) ليس ما ذكره عبارة البزازية. وعبارتها كما في المنح:
قاضيان في مصر طلب كل واحد منهما أن يذهب إلى قاض فالخيار للمدعى عليه عند محمد، وعليه
الفتوى. ا ه‍.
وفي المنح قبل هذا عن الخانية قال: ولو كان في البلدة قاضيان كل واحد منهما في محلة على
حدة فوقعت الخصومة بين رجلين أحدهما من محلة والآخر من محلة أخرى والمدعي يريد أن يخاصمه
إلى قاضي محلته والآخر يأبى ذلك، اختلف فيها أبو يوسف ومحمد، والصحيح أن العبرة لمكان المدعى
عليه، وكذا لو كان أحدهما من أهل العسكر والآخر من أهل البلدة ا ه‍. وعلله في المحيط كما في
البحر بأن أبا يوسف يقول إن المدعي منشئ للخصومة فيعتبر قاضيه، ومحمد يقول: إن المدعى عليه
دافع لها ا ه‍.
وبيان التعليل كما قال الرملي إن عند أبي يوسف رحمه الله تعالى المدعي إذا ترك فهو منشئ،
فيتخير إن شاء أنشأ الخصومة عند قاضي محلته، وإن شاء أنشأها عند قاضي محلة خصمه، وأن محمدا

6
رحمه الله تعالى يقول: المدعى عليه دافع له والدافع يطلب سلامة نفسه والأصل براءة ذمته، فأخذه إلى
من يأباه لريبة ثبتت عنده وتهمة وقعت له ربما يوقعه في إثبات ما لم يكن ثابتا في ذمته بالنظر إليه
واعتباره أولى، لأنه يريد الدفع عن نفسه وخصمه يريد أن يوجب عليه الاخذ بالمطالبة، ومن طلب
السلامة أولى بالنظر ممن طلب ضدها. تأمل. وإنما حمل الشارح عبارة البزازية على ما في الخانية من
التقييد بالمحلة لما قاله المصنف في المنح. هذا كله وكل عبارات أصحاب الفتاوى يفيد أن فرض المسألة
التي وقع فيها الخلاف بين أبي يوسف ومحمد فيما إذا كان في البلدة قاضيان كل قاض في محلة، وأما
إذا كانت الولاية لقاضيين أو لقضاة على مصر واحد على السواء فيعتبر المدعي في دعواه فله الدعوى
عند أي قاض أراده، إذ لا تظهر فائدة في كون العبرة للمدعي أو المدعى عليه، ويشهد لصحة هذا ما
قدمناه من تعليل صاحب المحيط. ا ه‍.
ورده الخير الرملي وادعى أن هذا بالهذيان أشبه، وذكر أنه حيث كانت العلة لأبي يوسف أن
المدعي منشئ للخصومة، ولمحمد أن المدعى عليه دافع لها لا يتجه ذلك فإن الحكم دائر مع العلة. ا
ه‍. وهو الذي يظهر كما قال شيخنا، لكنه لم يأت لرده بوجه يقويه، والظاهر أنه لم يظهر له المراد وهو
الذي نذكره في الحاصل آخر هذه العبارة.
وأقول: التحرير في هذه المسألة ما نقله الشارح عن خط المصنف، ومشى عليه العلامة المقدسي
كما نقله عنه أبو السعود.
وحاصله: أن ما ذكروه من تصحيح قول محمد بأن العبرة لمكان المدعى عليه إنما هو فيما إذا كان
قاضيان كل منهما في محلة وقد أمر كل منهما بالحكم على أهل محلته فقط بدليل قول العمادي:
وكذا لو كان أحدهما من أهل العسكر والآخر من أهل البلد فأراد العسكري أن يخاصمه إلى قاضي
العسكر فهو على هذا، ولا ولاية لقاضي العسكر على غير الجندي، فقوله ولا ولاية دليل واضح على
ذلك. أما إذا كان كل منهما مأذونا بالحكم على أي من حضر عنده من مصري وشامي وحلبي وغيرهم
كما في قضاة زماننا فينبغي التعويل على قول أبي يوسف لموافقته لتعريف المدعي والمدعى عليه: أي
فإن المدعي هو الذي له الخصومة فيطلبها عند أي قاض أراد، وبه ظهر أنه لا وجه لما في البحر من
أنه لو تعدد القضاة في المذاهب الأربعة كما في القاهرة فالخيار للمدعى عليه حيث لم يكن القاضي
من محلتهما. قال: وبه أفتيت مرارا.
أقول: وقد رأيت بخط بعض العلماء نقلا عن المفتي أبو السعود العمادي أن قضاة الممالك
المحروسة ممنوعون عن الحكم على خلاف مذهب المدعى عليه. ا ه‍. وأشار إليه الشارح، وذكر شيخ
شيوخ مشايخنا السائحاني بعد كلام: قال في قضاء البزازية: فوض قضاء ناحية إلى رجلين لا يملك
أحدهما القضاء، ولو قلد رجلين على أن ينفرد كل منهما بالقضاء لا رواية فيه. وقال الامام ظهير
الدين: ينبغي أن يجوز لان القاضي نائب السلطان يملك التفرد. ا ه‍.
فتحصل أن الولاية لو لقاضيين فأكثر كل واحد في محلة فتفرد القاضي صحيح والعبرة للمدعى
عليه، وإن كانوا في محل واحد على السواء فقد سمعت أنه لا يملك أحدهم التفرد فلا فائدة في اختيار
أحدهم، وإن أمر كل واحد بالتفرد جاز، وحينئذ فلا يظهر فرق بين كل واحد في محلة أو مجتمعين،
فما فهمه المصنف ليس على إطلاقه بل على هذا التفصيل. ا ه‍. وكان عليه أن يذكر بعد قوله جاز

7
والعبرة للمدعي. وقد اتضح المرام من هذه المسألة على أتم وجه، ولله تعالى الحمد، لكن صدر الامر
السلطاني الآن بالعمل على ما في المحلة من المادة 3081 من أن العبرة للمدعى عليه فاحفظه والسلام.
قوله: (وبه أفتيت مرارا) رده العلامة المقدسي، وذكر أنه ينبغي التعويل على قول أبي يوسف لموافقته
تعريف المدعي والمدعى عليه، وذكر أنه غير صحيح. أما أولا فإن النسخ المشهورة من البزازية على
الاطلاق الذي ادعاه وبنى عليه فتواه، بل على ما قيده من أن كلا من المتداعيين يطلب المحاكمة عند
قاضي محلته كما علمت من عبارته المتقدمة. وعلى تقدير في نسخته إطلاقا فهو محمول على التقييد
المصرح به في العمادية والخانية وغيرهما، فإن الذي ولاه خصمه بتلك البلد أو بتلك المحلة. ولهذا قال
في جامع الفصولين: اختصم غريبان عند قاضي بلدة صح قضاؤه على سبيل التحكيم.
أقول: ولا يحتاج إلى هذا لان القضاء يفوض لهم الحكم على العموم في كل من هو في بلدهم
أو قريتهم ولو من الغرباء التي تولوا القضاء بها كما ذكرناه، وهو الذي ذكره المؤلف بعد عن المصنف.
قوله: (على السواء) أي في عموم الولاية، لان قضاة المذاهب في زماننا ولايتهم على السواء في
التعميم، وهو رد على البحر. قوله: (بإجابة المدعى عليه) بأن قال له من اختار غيرك من القضاء فلا
تحكم عليه. قوله: (لزم اعتباره) أي أمر السلطان أي العمل به وقد أمر كما مر فلا تنسه. قوله:
(لعزله) أي لعزل من اختاره المدعي عن الحكم بالنسبة إلى هذه الدعوى عملا بأمر السلطان، فكأنه
خصص قضاءه بالحكم على من اختاره والقضاء يتخصص. قوله: (كما مر مرارا) من أن القضاء
يتقيد. قوله: (قلت وهذا الخلاف) أي بين محمد القائل باعتبار المدعى عليه وبين أبي يوسف القائل
باعتبار المدعي. قوله: (على حدة) أي لا يقضي على غير أهلها. قوله: (أما إذا كان في المصر حنفي
وشافعي الخ) أي وقد ولى الحنفي على أن يحكم على جميع أهل المصر وكذا الشافعي ونحوه فليس هو
كمن ولى على محلة. قوله: (في مجلس واحد) قيد اتفاقي والظاهر أنه أراد في بلدة واحدة لان المدار
على عموم الولاية كما تقدم، فلو اقتصر على قوله والولاية واحدة لكان أحسن، ويعني باتحادها
عمومها. قوله: (والولاية واحدة) أي لم يخصص كل واحد بمحله. قوله: (لما أنه صاحب الحق) هذا
ما يعطيه كلام المقدسي، وهو يفيد اعتبار المدعي ولو كان أحد القضاة يساعد المدعى عليه، وهذا
التعليل منه أولى من تعليله السابق بقوله إذ لا تظهر فائدة في كون العبرة للمدعي أو المدعى عليه ط.
قال الشارح في الدر المنتقى بعد أن ذكر نحو هذا: وأفتى بعض موالي الروم بأنه إن انضم إليه
احتمال ظلمه فللمدعى عليه، والله تعالى الموفق. ا ه‍. قوله: (وركنها) أي الدعوى إضافة الحق إلى
نفسه. الركن جزء الماهية، وقد قدم أنها قول مقبول الخ، فهي مركبة من إضافة الحق إلى نفسه ومن

8
القول الدال عليه ومن كونه عند القاضي، فيكون أركانها ثلاثة، ويحتمل أن كونها عند القاضي شرط
كما سيصرح به فيكون الركن شيئين فقط القول ومدلوله، وظاهر كلام الشارح أن الركن هو المدلول
فقط. وأما القول فهو وسيلة إليه فيكون أراد بالركن الماهية وكثيرا ما يقع ذلك في كلامه، فليتأمل.
قوله: (كوكيل ووصي) الأولى كموكل ويتيم. قوله: (عند النزاع الخ) إنما تسمى دعوى عند النزاع
لأنه حينئذ يسمى مدعيا، أما بعد ثبوت حقه وانقطاع النزاع عنه فلا يسمى مدعيا، وكذا عند المسالمة
فإنها ليست دعوى شرعا.
قال في البحر: فخرج الإضافة حالة المسالمة فإنها دعوى لغة لا شرعا. ا ه‍. ونظير ما تقدم عن
البزازية عند قوله يقصد به طلب حق. قوله: (وأهلها) أدخله في البحر في الشروط، ونظم الحموي
الشروط بقوله:
أيا طالبا مني شرائط دعوة * فتلك ثمان من نظامي لها حلا
فحضرة خصم وانتفاء تناقض * ومجلس حكم بالعدالة سربلا
كذلك معلومية المدعي به * وإمكانه والعقل دام لك العلا
كذاك لسان المدعي من شروطها * وإلزامه خصما به النظم كملا
قوله: (ولو صبيا) أي ولو المميز صبيا. قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن مأذونا لا تصح دعواه
كسائر عبارته الدائرة بين الضر والنفع.
تتمة: نقل العلامة أبو السعود عن الزيلعي أن الصبي العاقل المأذون له يستحلف ويقضى عليه
بالنكول، ولا يستحلف الأب في مال الصبي والوصي في مال اليتيم ولا المتولي في مال الوقف إلا إذا
ادعى عليهم العقد فيستحلفون حينئذ. ويأتي تمامه في محله إن شاء الله تعالى.
وفي الفصول العمادية: لو ادعى على صبي محجور عليه شيئا وله وصي حاضر لا تشترط حضرة
الصبي ذكره في كتاب القسمة، ولم يفصل بين ما إذا كان المدعي عينا أو دينا وجب بمباشرة هذا
الوصي أو وجب لا بمباشرته كضمان الاستهلاك ونحوه.
وذكر الخصاف في أدب القاضي: لو ادعى على صبي محجور مالا بالاستهلاك أو بالغصب، إن
قال المدعي لي بينة حاضرة تسمع دعواه ويشترط حضور الصغير لان الصبي مؤاخذ بأفعاله والشهود
محتاجون إلى الإشارة لكن يحضر معه أبوه أو وصيه، حتى إذا ألزم الصغير بشئ يؤدي عنه أبوه من
ماله: يعني من مال الصغير.
وذكر بعض المتأخرين حضرة الصغير الدعاوي شرط، سواء كان الصغير مدعيا أو مدعى
عليه. والصحيح أنه لا يشترط حضرة الأطفال الرضع عند الدعاوي، هكذا ذكر في المحيط، وذكر
رشيد الدين في فتاواه أن المختار أنه يشترط حضرة الصبي عند الدعاوي. ا ه‍.
وفي جامع أحكام الصغار للاستروشني: ولو ادعى رجل على صبي محجور شيئا وله وصي
حاضر لا يشترط حضور الصبي، هكذا ذكر شيخ الاسلام، ولم يفصل بين ما إذا كان المدعي دينا أو
عينا وجب الدين بمباشرة هذا الوصي أو لا.

9
وذكر الناطفي في أجناسه: إذا كان الدين واجبا بمباشرة هذا الوصي لا يشترط إحضار الصبي.
وفي أدب القاضي للخصاف: إذا وقع الدعوى على الصبي المحجور عليه إذا لم يكن للمدعي
بينة فليس له حق إحضاره إلى باب القاضي: لأنه لو حضر لا يتوجه عليه اليمين، لأنه لو نكل لا
يقضي بنكوله، وإن كانت له بينة وهو يدعي عليه الاستهلاك كان له حق إحضاره، لان الصبي مؤاخذ
بأفعاله والشهود يحتاجون إلى الإشارة إليه فكان له حق إحضاره، ولكن يحضر معه أبوه حتى إذا لزم
الصبي شئ يؤدي عنه أبوه من ماله.
وفي كتاب الأقضية أن إحضار الصبي في الدعاوي شرط، وبعض المتأخرين من مشايخ زماننا
منهم من شرط ذلك سواء كان الصغير مدعيا أو مدعى عليه، ومنهم من أبى ذلك. وإذا لم يكن
للصبي وصي وطلب المدعي من القاضي أن ينصب عنه وصيا أجابه القاضي إلى ذلك.
وفي فتاوى القاضي ظهير الدين: والصحيح أنه لا يشترط حضرة الأطفال الرضع عند الدعوى،
ونشترط حضرة الصبي عند نصب الوصي للإشارة إليه. هكذا في الفتاوى.
وفي كتاب الأقضية: ومن مشايخ زماننا من أبى ذلك، وقال لو كان الصبي في المهد يشترط
إحضار المهد مجلس الحكم، ولا شك أن اشتراطه بعيد، والأول أقرب إلى الصواب وأشبه بالفقه. ا ه‍.
وفي جامع أحكام الصغار للاستروشني أيضا: الصبي التاجر والعبد التاجر يستحلف ويقضى
عليه بالنكول. وذكر الفقيه أبو الليث أن الصبي المأذون له يستحلف عند علمائنا، وبه نأخذ. وفي
الفتاوى أنه لا يمين على الصبي المأذون حتى يدرك. وذكر في النوادر: يحلف الصبي المأذون له ويقضي
بنكوله. وفي المنية: الصبي العاقل المأذون له يستحلف ويقضي بنكوله.
وفي الولوالجية: صبي مأذون باع شيئا فوجد المشتري به عيبا فأراد تحليفه فلا يمين عليه حتى
يدرك.
وعن محمد: لو حلف وهو صبي ثم أدرك لا يمين عليه كالنصراني إذا حلف ثم أسلم لا يمين
عليه، فهذا دليل على أنه لو حلف يكون معتبرا.
وعن محمد: إذا ادعى على الصبي دين وأنكر الغلام فالقاضي يحلفه، وإن نكل يقضى بالدين
عليه ولزمه في ذلك بمنزلة الكبير، وفي الصبي المحجور إذا لم يكن للمدعي بينة لا يكون له إحضاره
إلى باب القاضي، لأنه لو حلف ونكل لا يقضى عليه بنكوله، ولو كان له بينة وهو يدعي عليه
الاستهلاك له إحضاره لأنه مأخوذ بأفعاله، وإن لم يكن مأخوذا بأقواله والشهود محتاجون إلى الإشارة
إليه فيحضر، لكن يحضر معه أبوه ومن هو في معناه، لان الصبي بنفسه لا يلي شيئا فيحضر الأب،
حتى إذا لزمه يؤمر الأب بالأداء عنه في ماله. كذا في الحواشي الحموية.
والحاصل: أن المفهوم مما ذكر أنه لا يلزم إحضار الصغير ولو مدركا على الصحيح ما لم يكن
مستهلكا للإشارة إليه في الشهادة ولكن يحضر معه أبوه أو وصيه. قوله: (وشرطها) لم أر اشتراط لفظ
مخصوص للدعوى وينبغي اشتراط ما يدل على الجزم والتحقيق، فلو قال أشك أو أظن لم تصح
الدعوى. بحر.
فائدة: لا تسمع الدعوى بالاقرار، لما في البزازية عن الذخيرة: ادعى أن له عليه كذلك وأن العين
الذي في يده له لما أنه أقر له به أو ابتدأ بدعوى الاقرار وقال إنه أقر أن هذا لي أو أقر أن لي عليه كذا.

10
قيل يصح، وعامة المشايخ على أنه لا تصح الدعوى لعدم صلاحية الاقرار للاستحقاق الخ. بحر من
فصل الاختلاف في الشهادة. وسيأتي متنا أول الاقرار. قوله: (أي شرط جواز الدعوى) أي صحتها.
قوله: (مجلس القضاء) فيه مناقشته، فإن شرط الشئ خارج عن ذلك الشئ وحضور مجلس القاضي
مأخوذ في مفهوم الدعوى حيث عرفها في الدرر بأنها مطالبة حق عند من له الخلاص. وأما على
تعريف الكنز بأنها إضافة الشئ إلى نفسه حالة المنازعة فلا ترد هذه المناقشة. أبو السعود. والمراد
بمجلس القاضي محل جلوسه حيث اتفق ولو في بيت أو دكان، إذ لا تسمع الدعوى ولا الشهادة إلا
بين يدي القاضي، أما نوابه الآن في محاكم الكنارات فلا يصح سماعهم الدعوى إلا بها ما لم يطلق
لهم الاذن بسماعها أينما أرادوا، فإذا أطلق لهم صاروا مثله. قوله: (وحضور خصمه) قال في البحر:
ولا بد من بيان من يكون خصما في الدعاوي ليعلم المدعى عليه، وقد أغفله الشارحون وهو مما لا
ينبغي. فأقول: في دعوى الخارج ملكا مطلقا في عين في يد مستأجر أو مستعير أو مرتهن فلا بد من
حضرة المالك وذي اليد، إلا إذا ادعى الشراء منه قبل الإجارة فالمالك وحده يكون خصما، وتشترط
حضرة المزارع إن كان البذر منه أو كان الزرع نابتا وإلا لا. وفي دعوى الغصب عليه لا تشترط حضرة
المالك. وفي البيع قبل التسليم لا بد في دعوى الاستحقاق والشفعة من حضرة البائع والمشتري فاسدا
بعد القبض خصم لمن يدعي الملك فيه وقبل القبض الخصم هو البائع وحده وأحد الورثة ينتصب
خصما عن الكل فالقضاء عليه قضاء الكل وعلى الميت. وقيده في الجامع بكون الكل في يده وأن
البعض في يده فبقدره والموصى له ليس بخصم في إثبات الدين إنما هو خصم في إثبات الوكالة أو
الوصاية، إلا إذا كان موصى له بما زاد على الثلث ولا وارث فهو كالوارث.
واختلاف المشايخ في إثبات الدين على من في يده مال الميت وليس بوارث ولا وصي، ولا
تسمع دعوى الدين على الميت على غريم الميت مديونا أو دائنا أي لأجل المحاصصة.
والخصم في إثبات النسب خمسة: الوارث والوصي والموصى له والغريم للميت أو على الميت.
وقف على صغير له وصي ولرجل فيه دعوى يدعيه على متولي الوقف لا على الوصي لان الوصي لا يلي القبض.
ولا تشترط حضرة الصبي عند الدعوى عليه وتكفي حضرة وصيه دينا أو عينا باشره الوصي
أو لا.
ولا تشترط حضرة العبد والأمة عند دعوى المولى أرشه ومهرها.
ولو ادعى على صبي محجور عليه استهلاكا أو غصبا وقال لي بينة حاضرة تسمع دعواه وتشترط
حضرة الصبي مع أبيه أو وصيه وإلا نصب له القاضي وصيا، وتشترط حضرته عند الدعوى مدعيا أو
مدعى عليه. والصحيح أنه لا تشترط حضرة الأطفال الرضع عند الدعوى.
والمستأجر خصم لمن يدعي الإجارة في غيبة المالك على الأقرب إلى الصواب، وليس بخصم على
الصحيح لمن يدعي الإجارة أو الرهن أو الشراء والمشتري خصم للكل كالموهوب له.
وفي دعوى العين المرهونة تشترط حضرة الراهن والمرتهن وتصح الدعوى على الغاصب وإن لم
تكن العين في يده، فلذا كان للمستحق الدعوى على البائع وحده، وإن كان المبيع في يد المشتري

11
لكونه غاصبا والمودع أو الغاصب إذا كان مقرا بالوديعة والغصب لا ينتصب خصما للمشتري وينتصب
خصما لوارث المودع أو المغصوب منه.
ومن اشترى شيئا بالخيار فادعاه آخر يشترط حضرة البائع والمشتري باطلا لا يكون خصما
للمستحق، وإذا استحق المبيع بالملك المطلق وقضى به فبرهن البائع على النتاج وبرهن على المشتري في
غيبة المستحق ليدفع عنه الرجوع بالثمن اختلف المشايخ، والأصح أنه لا يشترط حضرته. ومنهم من
قال: المختار اشتراطها، وأفتى السرخسي بالأول وهو الأظهر.
والأشبه أن الموصى له ينتصب خصما للموصى له فيما في يده، فإن لم يقبض ولكن قضى له
بالثلث فخاصمه موصي له آخر: فإن إلى القاضي الذي قضى له كان خصما، وإلا فلا.
وإذا ادعى نكاح امرأة ولها زوج ظاهر يشترط حضرته لسماع الدعوى والبينة ودعوى النكاح
عليها بتزويج أبيها صحيحة بدون حضرة أبيها.
ودعوى الواهب الرجوع في الهبة للعبد عليه صحيحة إن كان مأذونا، وإلا فلا بد من حضرة
مولاه.
والقول للواهب أنه مأذون ولا تقبل بينة العبد أنه محجور، فإن غاب العبد لم تصح دعوى
الرجوع على مولاه إن كانت العين في يد العبد. وتمامه في خزانة المفتين. ا ه‍. قوله: (فلا يقضى على
غائب) أي بالبينة سواء كان غائبا وقت الشهادة أو بعدها وبعد التزكية، وسواء كان غائبا عن المجلس
أو عن البلد إلا أن يكون ذلك ضروريا، كما إذا توجه القضاء على الخصم فاستتر بشرطه المذكور في
موضعه.
ابن الغرس: وأما إذا أقر عند القاضي فيقضى عليه وهو غائب، لان له أن يطعن في البينة دون
الاقرار، ولأن القضاء بالاقرار قضاء إعانة، لكن قال في الخامس والعشرين من جامع الفصولين ناقلا
عن الخانية: غاب المدعى عليه بعد ما برهن عليه أو غاب الوكيل بعد قبول البينة قبل التعديل أو مات
الوكيل ثم عدلت تلك البينة لا يحكم بها. وقال أبو يوسف: يحكم وهذا أرفق بالناس. ولو برهن على
الموكل فغاب ثم حضر وكيله أو على الوكيل ثم حضر موكله يقضي بتلك البينة، وكذا يقضي على
الوارث ببينة قامت على مورثه، وقد مر الكلام على ذلك مستوفى في القضاء، فراجعه.
وكذا لا تسمع الشهادة على غائب إلا إذا التمس المدعي بذلك كتابا حكميا للقضاء به فيجيبه
القاضي إليه، فيكتب إلى القاضي الغائب الذي بطرفه الخصم بما سمعه من الدعوى والشهادة ليقضي
عليه كما في الهندية عن البدائع. قوله: (وهل يحضره بمجرد الدعوى) أي يحضر القاضي الخصم.
قوله: (فحتى يبرهن) يعني قال بعضهم: إنما يحضره إذا برهن على دعواه لا للقضاء بها بل ليعلم
صدقه. وقال بعضهم: إنما تقام البينة على الخصم ولا خصم هنا بل يحلفه بالله أنه صادق فيما يدعي
عليه ليعلم بذلك صدقه، فإن حلف أحضر له خصمه. قوله: (أو يحلف) أو لحكاية الخلاف، لأنهما
قولان لا قول واحد يخير فيه بين البرهان والتحليف.
قال في البحر: إن كان في المصر أو قريبا منه بحيث لو أجاب يبيت في منزله، وإن كان أبعد

12
منه قيل يأمره بإقامته البينة على موافقة دعواه لاحضار خصمه والمستور في هذا يكفي، فإذا أقام يأمر
إنسانا ليحضر خصمه. وقيل يحلفه القاضي، فإن نكل أقامه عن مجلسه، وإن حلف أمر بإحضاره. ا ه‍.
قال قاضيخان: فإذا أقام البينة قبلت بينته للأشخاص لا للقضاء ا ه‍: أي بل لاحضاره، فإذا حضر
أعاد البينة ثانيا، فإن عدلت قضى عليه كما في شرح أدب القاضي.
قال الشلبي: وعمل قضاة زماننا على خلاف ما تقدم، فإذا أتى لهم شخص فقال لي دعوى على
شخص يأمرون بإحضاره من غير أن يستفسروا المدعي عن دعواه ليعلموا صحتها من فسادها، وهذا
منهم غفلة عما ذكروه أو جهل به. ا ه‍.
وفي خزانة الأكمل: قال أبو يوسف: لو اختفى المدعى عليه في البيت بعث إليه القاضي نساء
وأمرهن بدخول داره، فإن عرفنه، وإلا عزل النساء في بيت ثم يدخل الرجال فيفتشون بقية الدار،
قال هشام لمحمد: ما تقول في رجل له حق على ذي سلطان فلم يجئ معه إلى مجلس القاضي؟ فأخبرني
أن أبا يوسف كان يعمل بالأعداء وهو قول أهل البصرة وبه نأخذ. والأعداء أن يبعث القاضي إلى بابه
من يأتيه به، بأن يقول له إن القاضي يدعوك إلى مجلس الحكم، فإن أجابه فبها، وإلا جعل القاضي
وكيلا عنه. ولا يأخذ أبو حنيفة بالأعداء ا ه‍.
قال في البحر: ولم يذكر الشارحون هنا حكم استيفاء ذي الحق حقه من الغير بلا قضاء
، وأحببت جمعه من مواضعه تكثرا للفوائد وتيسيرا على طالبيها، فإن كان الحق حد قذف فلا يستوفيه
بنفسه لان فيه حق الله تعالى اتفاقا. والأصح أن الغالب فيه حقه تعالى، فلا يستوفيه إلا من يقيم
الحدود ولكن يطلب المقذوف كما بيناه في بابه، وإن كان قصاصا فقال في جنايات البزازية: قتل
الرجل عمدا وله ولي له أن يقتص بالسيف فقضى به أولا ويضرب علاوته، ولو رام قتله بغير سيف
منع، وإن فعل عزر لكن لا يضمن لاستيفائه حقه ا ه‍. وإن كان تعزيرا ففي حدود القنية: ضرب
غيره بغير حق وضربه المضروب أيضا أنهما يعزران، ويبدأ بإقامة التعزير بالبادئ منهما لأنه أظلم
والوجوب عليه أسبق ا ه‍. وأما إذا شتمه فله أن يقول له مثله، والأولى تركه كما قدمناه في محله،
بخلاف ما إذا قذفه فلا يجوز له أن يقول له مثله كما إذا قال له يا كلب لأنه كذب محض.
وقالوا: للزوج أن يؤدب زوجته، وله أن يضربها على عدم إجابته إذا دعاها لفراشه ولا مانع،
وعلى ترك الزينة وهو يريدها، وعلى ضربها ولده، وعلى خروجها بغير إذنه بغير حق، وعلى صعودها
على السلط لتطل على الجيران أو يراها الأجانب، وحينئذ فله أن يقفل عليها الباب. والصحيح أنه لا
يضربها على ترك الصلاة كما مر في موضعه مفصلا.
وفي جامع الفصولين من التحليف: ومن عليه التعزير لو مكن صاحب الحق منه أقامه: يعني لم
يختص الامام بإقامته، فإن الزوج يؤدب المرأة ولو رأى أحدا يفعل ذلك فله أن يمنعه ويضربه لو لم
ينزجر بالمنع باللسان، ولو كان حقه تعالى لانعكست هذه الأحكام ا ه‍. وإن كان عينا. ففي إجارة
القنية: ولو غاب المستأجر بعد السنة ولم يسلم المفتاح إلى الآجر فله أن يتخذ مفتاحا آخر، ولو أجره
من غير إذن الحاكم جاز ا ه‍.

13
مطلب: حادثة الفتوى
وقد صارت حادثة الفتوى: مضت المدة وغاب المستأجر وترك متاعه في الدار فأفتيت بأن له أن
يفتح الدار ويسكن فيها، وأما المتاع فيجعله في ناحية إلى حضور صاحبه، ولا يتوقف الفتح على إذن
القاضي أخذا مما في القنية.
وفي غصب منية المفتي: أخذت أغصان شجرة إنسان هواء دار آخر فقطع رب الدار الأغصان:
فإن كانت الأغصان بحال يمكن لصاحبها أن يشدها بحبل ويفرغ هواء داره ضمن القاطع، وإن لم يكن
لا يضمن إذا قطع من موضع لو رفع إلى الحاكم أمر بالقطع من ذلك الموضع. ا ه‍. وإن كان دينا، ففي
مداينات القنية رب الدين إذا ظفر من جنس حقه من مال المديون على صفته فله أخذه بغير رضاه، ولا
يأخذ خلاف جنسه كالدراهم والدنانير. وعند الشافعي: له أخذه بقدر قيمته. وعن أبي بكر الرازي:
له أخذ الدراهم بالدنانير استحسانا لا قياسا، ولو أخذ من الغريم جنس الحق غير رب الدين ودفعه
لرب الدين.
قال ابن سلمة: هو غاصب والغريم غاصب الغاصب، فإن ضمن الآخذ لم يصر قصاصا بدينه،
وإن ضمن الغريم صار قصاصا. وقال نصير بن يحيى: صار قصاصا بدينه والآخذ معين له، وبه
يفتى. ولو غصب غير الدائن جنس الدين من المديون فغصبه منه الدائن، فالمختار هنا قول ابن سلمة ا
ه‍. وظاهر قول أصحابنا أن له الاخذ من جنسه مقرا كان أو منكرا له بينة أو لا، ولم أر حكم ما إذا لم
يتوصل إليه إلا بكسر الباب ونقب الجدار، وينبغي أن له ذلك حيث لا يمكنه الاخذ بالحاكم وإذا
أخذ غير الجنس بغير إذنه فتلف في يده ضمنه ضمان الرهن كما في غصب البزازية: رفع
عمامة مديونه عن رأسه حين تقضاه الدين وقال لا أردها عليك حتى تقضي الدين فتلفت العمامة في
يده تهلك هلاك الرهن بالدين. قال: هذا إنما يصح إذا أمكنه استردادها فتركها عنده. أما إذا عجز
فتركها لعجزه ففيه نظر ا ه‍. وأنت خبير بأن ما هنا مشكل، إذ يقتضي أن الزائد على الدين أمانة مع
كونه غاصبا، إذ ليس له أخذ غير جنس حقه، فتأمل ذلك. وفي البزازية في الرهن، تقاضى دينه فلم
يقضه فرفع العمامة عن رأسه وأعطاه منديلا فلفه على رأسه فالعمامة رهن، لان الغريم بتركها عنده
رضي بكونها رهنا، وسيأتي في الرهن متنا أخذ عمامة المديون لتكون رهنا عنده لم تكن رهنا ا ه‍.
وفي جامع الفصولين: أخذ عمامة مديونه لتكون رهنا لم يجز أخذه وهلكه كرهن، وهذا ظاهر
لو رضي المديون بتركه رهنا. ا ه‍. والتوفيق بين النقول ظاهر، فتأمل، والله تعالى أعلم. قوله: (منية)
عبارتها إذا طلب من القاضي إحضار الخصم وهو خارج المصر، إن كان الوضع قريبا بحيث لو ابتكر
من أهله أمكنه أن يحضر مجلس القاضي ويجيب خصمه ويبيت في منزله يحضره بمجرد الدعوى، كما
إذا كان في المصر، وإن كان أبعد قيل يأمر بإقامة البينة على موافقة دعواه لاحضار خصمه. وقيل
يحلفه القاضي، فإن نكل أقامه عن مجلسه وإن حلف يأمر بإحضاره. ا ه‍. كما قدمناه بأوضح من هذا.
قوله: (ومعلومية المال المدعي) أي ببيان جنسه وقدره بالاجماع، لان الغرض إلزام المدعى عليه عند
إقامة البينة، ولا إلزام فيما لا يعلم جنسه وقدره.

14
قال في البحر: وأشار باشتراط معلومية الجنس والقدر إلى أنه لا بد من بيان الوزن في
الموزونات.
وفي دعوى وقر رمان أو سفرجل لا بد من ذكر الوزن للتفاوت في الوقر، ويذكر أنه حلو أو
حامض أو صغير أو كبير.
وفي دعوى الكعك يذكر أنه من دقيق المغسول أو من غيره، وما عليه من السمسم أنه أبيض أو
أسود وقدر السمسم. وقيل لا حاجة إلى السمسم وقدره وصفته.
وفي دعوى الإبريسم بسبب السلم لا حاجة إلى ذكر الشرائط، والمختار أنه لا بد من ذكر
الشرائط.
وفي القطن يشترط بيان أنه بخاري أو خوارزمي. وفي الحناء لا بد من بيان أنه مدقوق أو
ورق. وفي الديباج إن سلما يذكر الأوصاف والوزن، وإن عينا لا حاجة إلى ذكر الوزن ويذكر
الأوصاف، ولا بد من ذكر النوع والوصف مع ذكر الجنس والقدر في المكيلات، ويذكر في السلم
شرائطه من إعلام جنس رأس المال وغيره ونوعه وصفته وقدره بالوزن إن كان وزنيا، وانتقاده بالمجلس
حتى يصح، ولو قال بسبب بيع صحيح جرى بينهما صحت الدعوى بلا خلاف. وعلى هذا في كل
سبب له شرائط قليلة يكتفي بقوله بسبب كذا صحيح. وإن ادعى ذهبا أو فضة فلا بد من بيان جنسه
ونوعه إن كان مضروبا كبخاري الضرب وصنعته جيدا أو وسطا أو رديئا إذا كان في البلد نقود مختلفة.
وفي العمادي: إذا كان في البلد نقود وأحدها أروج لا تصح الدعوى ما لم يبين. وتمامه في
البزازية وخزانة المفتين ا ه‍.
قال في البزازية: ولو قال بسلم صحيح ولم يذكر الشرائط، كان شمس الاسلام رحمه الله تعالى
يفتي بالصحة وغيره لا، لان شرائط مما لا يعرفه إلا الخواص ويختلف فيه بعضها. وفي المنتقى: لو
قال ببيع يكفي، وعلى هذا كل ما له شرائط كثيرة لا يكتفي فيه بقوله بسبب صحيح، وإذا قلت
الشرائط يكتفي به. أجاب شمس الاسلام فيمن قال كفل كفالة صحيحة أنه لا يصح كما في السلم
لان المسألة مختلف فيها، فلعله صحيح على اعتقاده لا في الواقع ولا عند الحاكم، والحنفي يعتقد عدم
صحة الكفالة بلا قبول فيقول كفل وقبل المكفول له في المجلس فيصح ويذكر في القرض وأقرضه
منه مال نفسه لجواز أن يكون وكيلا في الاقراض من غيره والوكيل سفير فيه فلا يملك الطلب ويذكر
أيضا قبض المستقرض وصرفه إلى حوائجه ليكون دينا بالاجماع، فإن كونه دينا عند الثاني موقوف على
صرفه واستهلاكه، وتمامه فيها. قوله: (إذ لا يقضي بمجهول) أي لان فائدة الدعوى القضاء بها ولا
يقضي بمجهول فلا تصح دعوى المجهول. ويستثنى من فساد الدعوى بالمجهول دعوى الرهن
والغصب، لما في الخانية: إذا شهدوا أنه رهن عنده ثوبا ولم يسموا الثوب ولم يعرفوا عينه جازت
شهادتهم والقول للمرتهن في أي ثوب كان وكذلك في الغصب. ا ه‍. فالدعوى بالأولى.
وفي المعراج: وفساد الدعوى، إما أن لا يكون لزمه شئ على الخصم أو يكون المدعي مجهولا
في نفسه ولا يعلم فيه خلاف إلا في الوصية، بأن ادعى حقا من وصية أو إقرار فإنهما يصحان
بالمجهول، وتصح دعوى الابراء المجهول بلا خلاف ا ه‍. فبلغت المستثنيات خمسة. ا ه‍.
وفي الأشباه: ولا يحلف على مجهول إلا في مسائل: الأولى: إذا اتهم القاضي وصي اليتيم.

15
الثانية: إذا اتهم متولي الوقف فإنه يحلفهما نظرا للوقف واليتيم. الثالثة: إذا ادعى المودع خيانة مطلقة.
الرابعة: الرهن المجهول. الخامسة: دعوى الغصب. السادسة: دعوى السرقة. ا ه‍. قوله: (ولا يقال
مدعى فيه) قال الحلبي: تعديته بفي لم أرها فليراجع. ا ه‍. قال الشيخ أبو الطيب: لم أجد في كتاب أن
المدعى فيه خطأ أو لغو، ولعل الشارح وجده. ا ه‍. وفي طلبة الطلبة: ولا يقال مدعى فيه وبه وإن
كان يتكلم به المتفقهة إلا أنه مشهور فهو خير من صواب مهجور. حموي.
أقول: وحينئذ يستغني عما قاله الشارح من أن الادعاء يضمن معنى الاخبار فيعدي بالباء.
تأمل. قوله: (إلا أن يتضمن الاخبار) في بعض النسخ إلا بتضمن الاخبار بحذف أن وبالباء
الموحدة في تضمن: أي فعل الدعوى يتعدى بنفسه فيقال ادعاه، وقد يضمن معنى الاخبار فيقال ادعى
بأرض أي أخبر بأنها له فهو راجع إلى به وبقي الأول على عمومه. قوله: (وكونها ملزمة) فلا تصح
دعوى التوكيل على موكله الحاضر لامكان عزله. بحر. قوله: (وظهوره) أي الكذب وهو بالجر عطفا
على تيقن. قوله: (كدعوى معروف بالفقر) وهو أن يأخذ الزكاة من الأغنياء. منح: أي إن ادعى
لنفسه، أما لو ادعى وكالة عن غني فيصح كما صرح به ابن الغرس لأنه غير مستحيل عادة. قوله:
(أنه أقرضه إياها) نقدا منح. قوله: (دفعة واحدة) ظاهر التقييد بما ذكر أنه إذا ادعاها ثمن عقار كان له
أو ادعاها قرضا بدفعات أن تسمع دعواه. قوله: (وبه جزم ابن الغرس في الفواكه البدرية) في القضايا
الحكمية حيث قال: ومن شروط صحة الدعوى أن يكون المدعي به مما يحتمل الثبوت بأن يكون
مستحيلا عقلا أو عادة، فإن الدعوى والحال ما ذكر ظاهرة الكذب في المستحيل العادي يقينية الكذب
في المستحيل العقلي مثلا، الدعوى بالمستحيل العادي دعوى من هو معروف بالفقر والحاجة، وهو أن
يأخذ الزكاة من الأغنياء ويدعي على آخر أنه أقرضه مائة ألف دينار ذهبا نقدا دفعة واحدة وأنه تصرف
فيها بنفسه ويطالبه برد بدلها فمثل هذه الدعوى لا يلتفت إليها القاضي لخروجها مخرج الزور
والفجور، ولا يسأل المدعى عليه عن جوابها ا ه‍. قال في المنح: لكنه لم يستند في منع دعوى
المستحيل العادي إلى نقل عن المشايخ ا ه‍.
قال في البحر في آخر باب التحالف والله أعلم هل منقول أو قاله تفقها كما وقع لي ثم ذكر
نحو ما ذكره ابن الغرس، إلى أن قال: قلت: اللهم إلا أن يقال: غصب لي مالا عظيما كنت ورثته من
مورثي المعروف بالغنى فحينئذ تسمع. ا ه‍.
قلت: لكن في المذهب فروع تشهد له منها ما سيأتي آخر فصل التحالف. قوله: (حتى لو
سكت) لا يظهر التفريع ط. قال في البحر: وزاد الزيلعي وجوب الحضور على الخصم، وفيه نظر لان
حضوره شرطها كما قدمناه فكيف يكون وجوبه حكمها المتأخر عنها ا ه‍.

16
وأقول: وعبارة الزيلعي: وحكمها وجوب الجواب على الخصم إذا صحت، ويترتب على
صحتها وجوب إحضار الخصم، والمطالبة بالجواب بلا أو نعم، وإقامة البينة أو اليمين إذا أنكر. ا ه‍.
فليس في كلام الزيلعي ما يفيد أنه جعل وجوب الحضور حكما. وغاية ما استفيد من كلامه أن
القاضي لا يحضره بمجرد طلب المدعي بل بعد سماعه دعواه، فإن رآها صحيحة أحضره لطلب
الجواب وإلا فلا، فتدبر. أبو السعود. قوله: (وسنحققه) أي في شرح قول المصنف وقضى بنكوله
مرة. قوله: (تعلق البقاء) أي بقاء عالم المكلفين. قوله: (المقدر) أي المحكم وهو نعت البقاء: أي
الذي قدره الله تعالى. قوله: (بتعاطي المعاملات) أي بسبب تعاطي المعاملات، وهو متعلق بتعلق: أي
والمعاملات من نحو البيع والإجارة والاستئجار وغير ذلك يجري فيها الزيادة والنقصان والاقرار
والجحود والتوكيل وغير ذلك، فكانت الدعوى مما يقتضي بقاءه، لأنه لو أهملت لضاعت أحواله، لان
الانسان مدني بالطبع لا يمكن أن يقوم بجميع ما يحتاج إليه، والدعوى من المعاملات، فما كان سببا
للمعاملات وهو تعلق البقاء كان سببا لها. قوله: (فلو كان ما يدعيه منقولا) أي مجحودا غير وديعة،
أما المقر به لا يلزم إحضاره لأنه يأخذه من المقر، وكذا لو كان وديعة لا يصح الامر بإحضارها إذ
الواجب فيها التخلية لا النقل ط.
ويرد عليه أن الدعوى في العين الوديعة إنما تكون إذا جحدها، وحينئذ فتكون مغصوبة، والعين
المغصوبة يكلف إحضارها. تأمل. والقهستاني زاد: وذكر في الخزانة أنهم لو شهدوا بشئ مغيب عن
المجلس قبلت وإن أمكن إحضاره، بخلاف ما قال بعض الجهال إنه لا تقبل ا ه‍. لكنه غريب
فليتأمل، ويأتي خلافه. قوله: (وذكر المدعي أنه في يده) فلو أنكر كونه في يده فبرهن المدعي أنه كان
في يد المدعى عليه قبل هذا التاريخ بسنة هل يقبل ويجبر بإحضاره؟
قال صاحب جامع الفصولين: ينبغي أن يقبل إذا لم يثبت خروجه من يده فتبقى ولا تزول
بشك، وأقره في البحر، وجزم به القهستاني. ورده في نور العين بأن هذا استصحاب، وهو حجة في
الدفع لا في الاثبات، ولا شك أن ما ذكر من قبيل الاثبات.
قال صاحب التوضيح: ومن الحجج الفاسدة الاستصحاب، وهو حجة عند الشافعي في كل ما
يثبت وجوده بدليل ثم وقع الشك في بقائه. وعندنا حجة للدفع لا للاثبات، إذ الدليل الموجب لا
يدل على البقاء وهذا ظاهر ا ه‍. قوله: (بغير حق لاحتمال كونه مرهونا الخ) فإن الشئ قد يكون في
يد غير المالك بحق كالرهن في يد المرتهن والمبيع في يد البائع لأجل قبض الثمن. قال صدر الشريعة:
هذه علة تشمل العقار أيضا، فما وجه تخصيص المنقول بهذا الحكم؟
أقول: دراية وجهه موقوفة على مقدمتين مسلمتين.
إحداهما: أن دعوى الأعيان لا تصح إلا على ذي اليد كما قال في الهداية: إنما ينتصب خصما
إذا كان في يده.
والثانية: أن الشبهة معتبرة يجب دفعها لا شبهة الشبهة، كما قالوا: إن شبهة الربا ملحقة بالحقيقة
لا شبهة الشبهة.

17
إذا عرفتهما فاعلم أن في ثبوت اليد على العقار شبهة لكونه غير مشاهد، بخلاف المنقول فإن فيه
مشاهدة فوجب دفعها في دعوى العقار بإثباته بالبينة لتصح الدعوى، وبعد ثبوته يكون احتمال كون
اليد لغير المالك شبهة الشبهة فلا يعتبر. وأما في اليد في المنقول فلكونه مشاهدا لا يحتاج إلى إثباته.
لكن فيه شبهة كون اليد لغير المالك فوجب دفعها لتصح الدعوى. ا ه‍.
قال المولى عبد الحليم: قد نشأ من كلام صدر الشريعة هذا كلمات للفضلاء المتأخرين، وعد كل
منهم ما طولوا تحقيقا وما لخصوا تدقيقا، وقد وقع بينهم تدافع فذيلوا كلامهم بالحمد لله على كونهم
مهتدين لما منحوا.
أقول: ومن الله التوفيق وبيده أزمة التحقيق والتدقيق: إنه لا خفاء في أنه لا اختصاص لقوله
بغير حق بالمنقول لان مفاده دفع احتمال كون المدعي مرهونا أو محبوسا بالثمن في يده، ففي المنقول:
كما احتاج إلى هذا الدفع احتاج في العقار أيضا. ومن ذلك أن المشايخ صرحوا في هذا الدفع بأنه
وجب أن يقول في المنقول بغير حق، وأن يذكر في العقار أنه يطالبه، لان ظاهر حال الطالب أن لا
يطالبه إلا إذا كان له الطلب وذا لا يكون إذا كان في يد غيره بحق، فمطالبته بالعقار تتضمن قوله بغير
حق، ولذلك دفعت هذا الاحتمال كما صرح به في الهداية. وقد قال ظهير الدين المرغيناني: إنه لا بد
في دعوى العقار من معرفة القاضي كونه في يد المدعى عليه، فيذكر المدعي أنه في يده اليوم بغير حق
كما في العمادية.
وأيضا لا اختصاص في المطالبة بالعقار، إلا أن وجوبها لما كان بعد إحضار المنقول وتضمنها
طلب الاحضار في الجملة لم يحتاجوا إلى التصريح بها، ولله درهم في التحقيق والتدقيق.
إذا عرفت هذا ظهر أن إشكال صدر الشريعة ساقط عن أصل، وأنه لا فرق بينهما في الاحتياج
إلى هذا الدفع. نعم وجد الفرق بينهما وهو أن المنقول لما غلب فيه الإعارة والرهن بل البيع وجرى
الغصب عليه بالاتفاق دون العقار أوجبوا في المنقول التصريح بأنه في يده بغير حق، واكتفوا في العقار
بتضمن كلامه هذا المعنى.
وأيضا ما ذكره المصنف هنا يصلح أن يكون علة أيضا للزوم التصريح في المنقول بغير حق
وللاكتفاء بتضمن كلامه ذلك في العقار هذا، خير الكلام ما قل ودل، ولا تعجب من تبديل كلمات
جم غفير فإنه ثمرة الانتباه. ولا مبدل لكلمات الله. ولا يشاركها فيه كلمات من سواه يورثه من يشاء
* ((7) الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) * (الأعراف: 34) وهو حسبي ونعم
الوكيل. قوله: (وطلب المدعي إحضاره) هذا إذا لم يكن المدعى عليه مودعا، فإذن ادعى عين وديعة لا
يكلف إحضارها بل يكلف التخلية كما تقدم قريبا. ونقله في البحر عن جامع الفصولين.
قال في غاية البيان: ثم إذا حضر ذلك الشئ إلى مجلس القاضي فشهدوا بأنه
له ولم يشهدوا بأنه ملكه يجوز لان اللام للتمليك، وكذلك إن شهدوا بأن هذا مالك له أو شهدوا على إقرار المدعى عليه
بأنه للمدعي وذلك لا إشكال فيه، إنما الاشكال فيما لو ادعى أنه أقر بهذا الشئ ولم يدع بأنه ملكي
وأقام الشهود على ذلك هل يقبل وهل يقضي بالملك؟ منهم من يقول نعم، فقد ذكرنا أن الشهود لو
شهدوا بأن هذا أقر بهذا الشئ له تقبل وإن لم يشهدوا بأنه ملكه وكذلك المدعي، وأكثرهم على أنه لا

18
تصح الدعوى ما لم يقل أقر به وهو ملكي، لان الاقرار خبر والخبر يحتمل الصدق والكذب، فإذا كان
كذبا لا يوجب والمدعي يقول أقر به لي يصير مدعيا للملك والاقرار غير موجب له فلم توجد دعوى
الملك، فلهذا شرط قوله وهو ملكي، بخلاف الشهادة لان الثابت بها كالثابت بالمعاينة. ا ه‍. ملخصا.
قوله: (إن أمكن) المراد بالممكن ما لا مؤنة في نقله لا ما يمكن مطلقا، لئلا يلزم تكليفه الاحضار مع
الامكان ولو فيما له حمل ومؤنة مع أنه لا يلزمه. أبو السعود. وقيل في كلام المتون مساهلة، لان في
دعوى عين وديعة لا يكلف إحضارها وإنما يكلف التخلية.
أقول: سوق الكلام على أن المدعي الواجب إحضاره ما يكون في يد الخصم بغير حق، والوديعة
ليست كذلك فلا يشملها صدر الكلام حتى يحتاج إلى تدارك إخراجها هنا كما لا يخفى، اللهم إلا أن
يقال: بالانكار لها صارت غصبا فيكلف إحضارها كما قدمناه عند قوله فلو كان ما يدعيه منقولا
فتدبر. قوله: (فعلى الغريم إحضاره) قدره ليفيد وجوبه، وهذا إذا لم يكن هالكا ولا غائبا ولا ممتنع
الوصول إليه بسبب من الأسباب ولا يحتاج إلى حمل ومؤنة كما يأتي قريبا. قوله: ليشار إليه في
الدعوى بأن يقول هذا ثوبي مثلا، لان الاعلام أقصى ما يمكن شرط وذلك بالإشارة في المنقول
لان النقل ممكن والإشارة أبلغ في التعريف. قوله: (والشهادة) بأن يقول الشاهد أشهد أن هذا الثوب
لهذا المدعي مثلا. قوله: (والاستحلاف) بالله العظيم هذا الثوب لي وهو في يدك بغير حق. قوله:
(بأن كان في نقلها مؤنة) فيه أن هذا من قبيل الرحى والصبرة فذكره ههنا سهو. قال في إيضاح
الاصلاح: إلا إذا تعسر بأن كان في نقله مؤنة وإن قلت ذكره في الخزانة. والأولى في التركيب أن
يقول: إن تعذر إحضار العين بهلاكها أو غيبتها أو تعسر بأن كان في نقلها مؤنة أو يقول وهو مقيد بما
لا حمل له ولا مؤنة كما في البحر، وهذا إذا كانت العين قائمة، فلو كانت هالكة فهو كدعوى الدين
في الحقيقة كما في جامع الفتاوى.
قال في البحر: وتفسير الحمل والمؤنة كونه بحال لا يحمل إلى مجلس القاضي إلا بأجرة مجانا،
وقيل ما لا يمكن حمله بيد واحدة، وقيل ما يحتاج في نقله إلى مؤنة كبر وشعير لا ما لا يحتاج في نقله
إلى مؤنة كمسك وزعفران قليل، وقيل ما اختلف سعره في البلدان فهو مما له حمل ومؤنة لا ما اتفق
. ا ه‍.
وعبارة ابن الكمال متنا وشرحا: وهي إنما تصح في الدين بذكر جنسه وقدره. وفي العين
المنقول: أي الذي يحتمل النقل بالإشارة إليه، فعلى الغريم إحضاره مجلس القاضي إلا إذا تعسر بأن كان
في نقله مؤنة وإن قلت: ذكره في الخزانة. حضر الحاكم عنده أو بعث أمينا. ا ه‍. فتأمله. وتأمل هذا
الشارح فإنه ظاهر في أنه إذا كان في النقل مؤنة يكتفي بذكر القيمة مع أن المصرح به أنه في صورة
التعسر يحضره الحاكم أو يبعث أمينه ليشير إليها كما سيجئ قريبا، وذكر القيمة إنما هو في المتعذر
إحضاره حقيقة بأن يكون هالكا أو حكما بأن يكون غائبا، وإن لم يكن بهذه المثابة بأن كان متعسر
الاحضار مع بقائه كالرحى وصبرة الطعام وقطيع الغنم أرسل القاضي أمينه أو أحضره بنفسه فكان عليه
أن يذكرها بعد قوله فيما سيأتي وإن تعذر إحضارها وكان الأولى للماتن أن يقول: وإن تعسر بدل
تعذر، لان الرحمي وصبرة الطعام من قبيل المتعسر كما هو المصرح به في غير كتاب، فتأمل. لكن

19
الذي عليه المجلة بموجب الامر الشريف السلطاني أن المنقول متى احتاج إحضاره لمصرف ولا يمكن
إلا بذلك فيكفي فيه التعريف وذكر القيمة كما في مادة 0261 ومادة 1261. قوله: (أو غيبتها) أي
بحيث لا يمكن إحضارها ولا حضور القاضي بنفسه أو أمينه لبعد مسافة أو مانع آخر فيكون ذلك
بمنزلة الهلاك فقد تعذر إحضارها حقيقة في الهلاك وحكما في الغيبة فيكتفي بذكر قيمتها، ولذا قال
قاضيخان: بأن لا يدري مكانها. قوله: (لأنه) أي المذكور وهو القيمة، وهذا مما يزيد العبارة غموضا
لاحتياجه إلى التأويل وكأنه تحريف من الناسخ. والأولى أن يقال: لأنها أي القيمة مثلها: أي مثل العين
كما في شرحه الملتقى. قوله: (مثله) أي مثل ما يدعيه، وهو علة لقوله وذكر قيمته عند تعذر
إحضار العين فكأنه قال: لان ذكر القيمة مثل إحضار العين، لان المقصود من المدعي ماليته والقيمة
تماثله في المالية فصح تذكير الضميرين، وقد قالوا: قيمة القيمي كعينه. قوله: (وإن تعذر) المراد
بالتعذر هنا التعسر. قوله: (مع بقائها) أي والحال أن القاضي يمكنه أن يحضرها بنفسه أو أمينه لتفترق
عما قدمه من قوله أو غيبتها. قوله: (بعث القاضي الخ) لان أمينه يقوم مقام نفسه، فلو ذهب بنفسه
لكان هو الأصل فلا شبهة في صحته، ومثله ما ذكره ابن الكمال حيث قال: فعلى الغريم إحضاره إلا
إذا تعسر، بأن كان في نقله مؤنة وإن قلت. ذكره في الخزانة. حضر القاضي عنده أو بعث أمينا. ا ه‍.
وهي التي قدمها الشارح، وقدمنا أنه ذكرها في غير محلها لأنه جعلها مثالا لما تعذر نقله وأنه يكتفي فيه
بذكر القيمة، والحال أنه مما تعسر لا مما تعذر، وأن الحكم فيه أن الحاكم يحضر عنده أو يبعث أمينا ولا
يكتفي فيه بذكر القيمة كما تفيده عبارة ابن الكمال التي نقل الشارح عنه. تأمل.
قال شمس الأئمة الحلواني: من المنقولات ما لا يمكن إحضاره عند القاضي كالصبرة من الطعام
والقطيع من الغنم، فالقاضي فيه بالخيار: إن شاء حضر ذلك الموضع لو تيسر له
ذلك، وإن لم يتيسر له الحضور وكان مأذونا بالاستخلاف بعث خليفته إلى ذلك، وهو نظير ما إذا كان القاضي يجلس في داره
ووقع الدعوى في جمل لا يسع باب داره فإنه يخرج إلى باب داره أو يأمر نائبه حتى يخرج ليشير إليه
الشهود بحضرته. وتمامه في الدرر.
قال في البحر: وفي الدابة يخير القاضي، إن شاء خرج إليها، وإن شاء بعث إليها من يسمع
الدعوى والشهادة بحضرتها كما في جامع الفصولين. ا ه‍. لكن قال في غاية البيان: فإن كانت دابة ولا
يقع بصر القاضي عليها ولا تتأتى الإشارة من الشهود والمدعي وهو على باب المسجد يأمر بإدخالها فإنه
جائز عند الحاجة.
ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام طاف بالبيت على ناقته مع أن حرمة المسجد الحرام فوق
حرمة سائر المساجد، وإن كان يقع بصر القاضي عليها فلا يدخلها لأنه لا يأمن ما يكون منها والحاجة
منعدمة ا ه‍. قوله: (وإلا تكن باقية الخ) هذا تكرار مع قوله وذكر قيمته إن تعذر.
والحاصل: أن المدعى به إن أمكن إحضار عينه، ولم يكن له حمل ومؤنة كلف المدعى عليه
إحضاره، وإن لم يمكن بأن تعذر لهلاك العين أو غيبتها، أو تعسر بأن كان في نقلها مؤنة ذكر المدعي
القيمة، وإن لم تكن هالكة ولا غائبة ولا يمكن إحضارها إلى مجلس القاضي لتعذره كبستان ورحى أو

20
تعسره كصبرة وقطيع غنم خير الحاكم: إن شاء حضر بنفسه لأنه الأصل، أو بعث أمينه. ولا تنس ما
قدمناه قريبا عن المجلة من أنه إذا لم يكن إحضار المنقول إلا بمصرف يكفي تعريفه وذكر قيمته.
قوله: (بذكر القيمة) لان عين المدعي تعذر مشاهدتها ولا يمكن معرفتها بالوصف، فاشترط بيان القيمة
لأنها شئ تعرف العين الهالكة به. غاية البيان. وفي شرح ابن الكمال: ولا عبرة في ذلك للتوصيف
لأنه لا يجدي بدون ذكر القيمة وعند ذكرها لا حاجة إليه، أشير إلى ذلك في الهداية. ا ه‍. وفي قوله
وذكر قيمته إن تعذر إشارة إلى أنه لا يشترط ذكر اللون في الذكورة والأنوثة والسن في الدابة، وفيه
خلاف كما في العمادية. وقال السيد أبو القاسم: إن هذه التعريفات للمدعي لازمة إذا أراد أخذ عينه
أو مثله في المثلي، أما إذا أراد أخذ قيمته في القيمي، فيجب أن يكتفي بذكر القيمة كما في محاضر
الخزانة ا ه‍.
فرع: وصف المدعي المدعى فلما حضر خالف في البعض: إن ترك الدعوى الأولى وادعى
الحاضر تسمع لأنها دعوى مبتدأة، وإلا فلا. بحر عن البزازية. قوله: (وقالوا لو ادعى أنه غصب منه
عين كذا الخ) قال في البحر: وأطلق في بيان وجوب القيمة عند التعذر واستثنوا منه دعوى الغصب
والرهن. ففي جامع الفصولين: لو ادعى عينا غائبا لا يعرف مكانه بأن ادعى أنه غصب منه ثوبا أو قنا
ولا يدري قيامه وهلاكه، فلو بين الجنس والصفة والقيمة تقبل دعواه، وإن لم يبين قيمته أشار في عامة
الكتب إلى أنها تقبل، فإنه ذكر في كتاب الرهن لو ادعى أنه رهن عنده ثوبا، وهو ينكر تسمع دعواه.
وذكر في كتاب الغصب: ادعى أنه غصب منه أمة وبرهن تسمع. وبعض مشايخنا قالوا: إنما تسمع
دعواه إذا ذكر القيمة، وهذا تأويل ما ذكر في الكتاب أن الشهود شهدوا على إقرار المدعى عليه
بالغصب، فيثبت غصب القن بإقراره في حق الحبس والحكم جميعا، وعامة المشايخ على أن هذه الدعوى
والبينة تقبل، ولكن في حق الحبس وإطلاق محمد في الكتاب يدل عليه. ومعنى الحبس: أن يحبسه حتى
يحضره ليعيد البينة علي عينه، فلو قال لا أقدر عليه حبس قدر ما لو قدر أحضره ثم يقضي عليه بقيمته
ا ه‍. ولم يبين الحكم فيما إذا لم يدر قيمتها أيضا. قال في الدرر: قال في الكافي: وإن لم يبين القيمة
وقال غصبت مني عين كذا، ولا أدري أهو هالك أو قائم ولا أدري كم كانت قيمته، ذكر في عامة
الكتب أنه تسمع دعواه، لان الانسان ربما لا يعلم قيمة ماله، فلو كلف بيان القيمة لتضرر به.
أقول: فائدة صحة الدعوى مع هذه الجهالة الفاحشة توجه اليمين على الخصم إذا أنكر، والجبر
على البيان إذا أقر أو نكل عن اليمين، فليتأمل. فإن كلام الكافي لا يكون كافيا إلا بهذا التحقيق ا ه‍.
وقوله فائدتها توجه اليمين: أي حيث لا بينة، وإلا ففائدتها الحبس كما علمت. وقوله ذكر في عامة
الكتب أنه تسمع دعواه وعامة المشايخ على أن هذه الدعوى والبينة تقبل ولكن في حق الحبس لا
الحكم، وقدر الحبس بشهرين كما في الخانية.
والحاصل: أنه في دعوى الرهن والغصب لا يشترط بيان الجنس والقيمة في صحة الدعوى
والشهادة، ويكون القول في القيمة للغاصب والمرتهن. بحر: أي مع اليمين كما هو الظاهر. قلت:
وزاد في المعراج: دعوى الوصية والاقرار قال فإن فيهما: يصحان بالمجهول، وتصح دعوى الابراء
المجهول بلا خلاف ا ه‍. فهي خمسة. قوله: (ولهذا) أي لسماع الدعوى في الغصب وإن لم يذكر

21
القيمة. قوله: (مختلفة الجنس والنوع) كثياب ودواب فإن تحتها أنواعا. قوله: (كفى ذلك الاجمال) أي
ولا يشترط التفصيل. هندية. قوله: (على الصحيح) كما في حزانة المفتين وقاضيخان. هندية. قوله: (
وتقبل بينته) أي على القيمة. قوله: (أو يحلف) أي عند عدم البرهان. قوله: (على الكل مرة) أي ولا
يحتاج أن يحلفه على كل واحد بخصوصه، خلافا لمن اختار ذلك راجع ما هو الصواب في ذلك.
قوله: (لأنه) علة للعلة. قوله: (وقيل في دعوى السرقة) حكاه يقبل، لان ثبوت حق الاسترداد أو
تضمين القيمة لا يتوقف على ذلك، بل يتوقف عليه لزوم القطع مع البينة من المدعي أو الاقرار من
السارق، وهذا مقابل لقول المصنف فيما تقدم، وذكر قيمته إن تعذر.
قال في البحر: وإنما يشترط ذكر القيمة في الدعوى إذا كانت دعوى سرقة ليعلم أنها نصاب أو
لا، فأما فيما سوى ذلك فلا حاجة إلى بيانها ا ه‍ وعليه فكان الأولى ذكره هناك.
قال في النهر: ينبغي أن يكون المعنى أنه إذا كانت العين حاضرة لا يشترط ذكر قيمتها إلا في
دعوى السرقة. حموي. والتقويم يكون من أهل الخبرة فيما يظهر لا بقول المدعي. قوله: (فأما في
غيرها) أي السرقة فلا يشترط: أي ذكر القيمة. قوله: (وهذا كله) أي المذكور من الشروط المذكور
من الاكتفاء بذكر القيمة. قوله: (في دعوى العين) أي الشئ المتعين المحسوس المملوك للمدعي على
زعمه كالمغصوب والوديعة. قوله: (لا الدين) أي الحق الثابت في الذمة، وستأتي دعوى الدين في
المتن. قوله: (فلو ادعى الخ) هو تمثيل للدين، لان القيمة لازمة ذمة المدعى عليه في زعم المدعي ا ه‍.
رحمتي. لكن قال بعض الأفاضل: هو تفريع على كون الشروط المارة إنما هي في دعوى العين، وأما
الدين فسيأتي بأقسامه. تأمل. قوله: (بيان جنسه) أي جنس القيمة، وكذا كل دين يدعي وجنسه
كالذهب مثلا أو الفضة أو النحاس، وكذا كل مكيل أو موزون يمكن ثبوته في الذمة يبين جنسه ما هو
فلا يكفي ذكر الفرش والحرف في المدينة، لأنها كالعنقاء معلوم الاسم مجهول الجنس والنوع. قوله:
(ونوعه) ففي الذهب يبين أنه من نوع كذا، وكذا في الفضة، وكذا في البر بأن يقول: حورانية أو
بلدية أو جيدورية أو سلمونية. قال ط: فيه أنه عند دعواه العين لا يكفي ادعاء عين مجهولة، بل لا بد
من بيان جنسها ونوعها ثم يذكر القيمة، فالقيمة إنما أغنت عن الحضور فحينئذ لا بد من ذكر الجنس
والنوع في كل، فليتأمل. ولذا قالوا في التعليل لذكر القيمة لان الأعيان تتفاوت والشرط أن يكون
في معلوم وقد تعذر مشاهدته لأنها خلف عنه. وفي الذخيرة: إن كان العين غائبا وادعى أنه في يد
المدعى عليه فأنكر إن بين المدعي قيمته وصفته تسمع دعواه وتقبل بينته ا ه‍. قوله: (ليعلم القاضي
بماذا يقضي) قال في الذخيرة مثلا: لو كان المدعي مكيلا لا بد من بيان جنسه بأنه حنطة أو شعير،
ونوعه بأنها سقية أو برية، وصفتها بأنها جيدة أو رديئة، وقدره بأن يقول كذا قفيزا، وسبب وجوبها
ذكره ابن ملك.

22
أقول: لي شبهة في هذا المحل: وهي أنه لو ادعى أعيانا مختلفة، فقد مر أنه يكتفي بذكر القيمة
للكل جملة. وذكر في الفصولين أنه لو ادعى أن الأعيان قائمة بيده يؤمر بإحضارها فتقبل البينة
بحضرتها ولو قال إنها هالكة وبين قيمة الكل جملة تسمع دعواه. فظهر أن ما قدمه المصنف في دعوى
الأعيان إنما هو إذا كانت هالكة، وإلا لم يحتج إلى ذكر القيمة لأنه مأمور بإحضارها. وقدمنا عن ابن
الكمال أن العين إذا تعذر إحضارها بهلاك ونحوه، فذكر القيمة مغن عن التوصيف، وهو موافق لما
ذكره المصنف في الأعيان من الاكتفاء بذكر القيمة، فقوله هنا اشترط بيان جنسه ونوعه مشكل وإن
قلنا إنه لا بد مع ذكر القيمة من بيان التوصيف لم يظهر فرق بين دعوى القيمة ودعوى نفس العين
الهالكة، فما معنى قوله تبعا للبحر فيما تقدم، وهذا كله في دعوى العين لا الدين، فليتأمل وفي
البحر عن السراجية: ادعى ثمن محدود لم يشترط بيان حدوده. ا ه‍.
قال في الهندية: إذا ادعى على آخر ثمن مبيع مقبوض ولم يبين المبيع أو محدود ولم يحدد يجوز،
وهو الأصح وكذا في دعوى مال الإجارة المفسوخة لا يشترط تحديد المستأجر ا ه‍. قوله: (واختلف
في بيان الذكورة والأنوثة في الدابة) أي المستهلكة، أما القائمة فهي حاضرة في المجلس مشار إليها،
وإذا كان هذا في الدابة ففي الرقيق أولى. قوله: (فشرطه أبو الليث أيضا) أي كما شرط بيان القيمة.
قوله: (وشرط الشهيد بيان السن أيضا) أي كما يشترط بيان القيمة والذكورة أو الأنوثة. قال في
المنح: وذكر الصدر الشهيد إذا ادعى قيمة دابة مستهلكة لا بد من ذكر الذكورة أو الأنوثة، ولا بد من
بيان السن، وهذا على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى مستقيم، لان عنده القضاء بقيمة المستهلك بناء
على القضاء بملك المستهلك، لان حق المالك عنده باق في العين المستهلكة، فإنه قال: يصح الصلح
عن العين المغصوب المستهلك على أكثر من قيمته، فلو لم يكن العين المستهلك ملكا لا يجوز الصلح على
أكثر من قيمته، لأنه حينئذ يكون الواجب في ذمة المستهلك قيمة المغصوب، وهو دين في الذمة، وإن
صالح من الدين على أكثر من قيمته لا يجوز، وإذا كان القضاء بالقيمة بناء على القضاء بملك المستهلك
لا بد من بيان المستهلك في الدعوى والشهادة ليعلم القاضي بماذا يقضي، وهذا القائل يقول: مع ذكر
الأنوثة والذكورة لا بد من ذكر النوع بأن يقول: فرس أو حمار أو ما أشبه ذلك، ولا يكتفي بذكر اسم
الدابة لأنها مجهولة. ا ه‍.
قال في الفصول العمادية: ولا يشترط ذكر اللون والشية في دعوى الدابة، حتى لو ادعى أنه
غصب منه حمارا وذكر شيته، وأقام البينة على وفق دعواه فأحضر المدعى عليه حمارا فقال المدعي هذا
الذي ادعيته وزعم الشهود كذلك أيضا فنظروا فإذا بعض شياته على خلاف ما قالوا، بأن ذكر الشهود
بأن مشقوق الاذن وهذا الحمار غير مشقوق الاذن، قالوا: لا يمنع هذا القضاء للمدعي ولا يكون هذا
خللا في شهادتهم. ا ه‍.
قال في الهندية ادعى على آخر ألف دينار بسبب الاستهلاك أعيانا لا بد وأن يبين قيمتها في
موضع الاستهلاك، وكذا لا بد وأن يبين الأعيان فإن منها ما يكون مثليا ومنها ما يكون من ذوات
القيم. ا ه‍. وفيها وفي دعوى خرق الثوب وجرح الدابة لا يشترط إحضار الثوب والدابة، لان المدعى
به في الحقيقة الجزء الفائت من الثوب والدابة. كذا في الخلاصة.

23
إذا ادعى جوهرا لا بد من ذكر الوزن إذا كان غائبا وكان المدعى عليه منكرا كون ذلك في يده
كذا في السراجية. وفي اللؤلؤ يذكر درره وضوءه ووزنه. كذا في حزانة المفتين. ا ه‍.
قوله: (سواء كان له حمل أو لا) لان المودع عليه أن يخلي بينه وبين الوديعة، وليس عليه أن
ينقلها إليه مطلقا لأنه محسن وما على المحسنين من سبيل، فلا بد من بيان مكان الايداع حتى يلزمه
تسليمها فيه دفعا للضرر عنه لا فرق بين ماله حمل أو لا.
وفي فتاوى رشيد الدين: ينبغي أن تكون لفظة الدعوى في دعوى الوديعة أن لي عنده كذا قيمته
كذا فأمره ليحضره لأقيم عليه البينة على أنه ملكي إن كان منكرا وإن كان مقرا فأمره بالتخلية حتى
أرفع ولا يقول فأمره بالرد. كذا في الفصول العمادية. قوله: (من بيانه) أي بيان موضع الغصب لأنه
يلزمه تسليم ما غصبه منه، غير أنه إذا كان له حمل ومؤنة لا يلزمه بنقله لأنه لا يكلف فوق جنايته
فيشترط حينئذ محل بيان الغصب. قوله: (وإلا حمل له لا) أي وإن لم يكن له حمل ومؤنة لا يلزم بيان
المكان، وما فسرنا به هو الموافق للقواعد. قال المصنف في الغصب: ويجب رد عين المغصوب في
مكان غصبه. قال المؤلف: لتفاوت القيم باختلاف الأماكن. ا ه‍. ومقتضاه أن يجب بيان المكان مطلقا،
إلا أن هذا في الهالك وكلام المصنف في القائم.
قال في نور العين: وفي غصب غير المثلي وإهلاكه ينبغي أن يبين قيمته يوم غصبه في ظاهر
الرواية. وفي رواية: يتخير المالك أخذ قيمته يوم غصبه أو يوم هلاكه فلا بد من بيان أنها قيمة: أي
اليومين انتهى. وإن كان المدعى به هالكا لا تصح الدعوى إلا ببيان جنسه وسنه وصفته وحليته
وقيمته، لأنه لا يصير معلوما إلا بذكر هذه الأشياء. وشرط الخصاف: بيان القيمة. وبعض القضاة لا
يشترطون بيان القيمة كذا في محيط السرخسي. ا ه‍.
والحاصل: أنه يجب بيان مكان الايداع مطلقا، لان الرد غير واجب على المودع وليس مؤنته عليه
بل على المالك والواجب عليه تسليمها له بمعنى عدم المنع، فلو لم يبين المكان ربما لحق المودع ضرر،
وهو مرفوع بخلاف الغصب، فإن رد العين المغصوبة في مكان غصبه واجب على الغاصب فلا بد من
بيانه إن كان للمغصوب حمل ومؤنة لاختلاف القيمي باختلاف الأماكن، بخلاف ما لا حمل له ولا
مؤنة. قوله: (يوم غصبه على الظاهر) بصيغة الفعل والمصدر، وظاهره جريان خلاف. وسيأتي في
الغصب ما نصه: وتجب القيمة في القيمي يوم غصبه إجماعا. ا ه‍. ط. وفي رواية: يخير كما مر قريبا
عن نور العين.
تتمة: قال في الهندية: ودعوى الجمد حال انقطاعه لا تصح، وإن كانت من ذوات الأمثال لعدم
وجوب رد مثله لانقطاعه فله أن يطالبه بقيمته يوم الخصومة. كذا في الوجيز للكردري. وفي دعوى
الرهن وأشباهه: إن كانت الدعوى بسبب البيع يحتاج إلى الاحضار للإشارة إليه، وإن كانت بسبب
الاستهلاك أو بسبب القرض أو بسبب الثمنية لا يحتاج إلى الاحضار. كذا في خزانة المفتين ا ه‍. قوله:
(ويشترط التحديد في دعوى العقار) لأنه تعذر التعريف بالإشارة لتعذر النقل فصير إلى التحديد في
الدعوى والشهادة، وجمعه عقارات. قال في المغرب: العقار الضيعة، وقيل كل ما له أصل كالدار

24
والضيعة. ا ه‍. وقد صرح مشايخنا في كتاب الشفعة: بأن البناء والنخل من المنقولات وأنه لا شفعة
فيهما إذا بيعا بلا عرصة فإن بيعا معها وجبت تبعا، وقد غلط بعض العصرين فجعل النخيل من
العقار ونبه فلم يرجع كعادته. بحر.
وذكر بعده على قول الكنز: وقيل لخصمه أعطه كفيلا الخ عن الفتاوى الصغرى: لو طلب
المدعي من القاضي وضع المنقول على يد عدل، فإن كان المدعى عليه عدلا لا يجيبه، وإن فاسقا أجابه،
وفي العقار: لا يجيبه إلا في الشجر الذي عليه الثمر لان الثمر نقلي. ا ه‍.
قال المؤلف هناك: وظاهره أن الشجر من العقار وقدمنا خلافه. وفي حاشية أبي السعود هناك:
أقول: نقل الحموي عن المقدسي التصريح بأن الشجر عقار. ا ه‍.
قلت: ويؤيده كلام المصباح، لأنه إذا قيل إنه عقار يبتنى عليه وجوب التحديد في الدعوى
والشهادة وكيف يمكن ذلك في شجرة بستان بين أشجار كثيرة، وفي حاشية أبي السعود: وقوله لا
شفعة فيها الخ يحمل على ما إذا لم تكن الأرض محتكرة، وإلا فالبناء بالأرض المحتكرة تثبت فيه
الشفعة، لأنه لما له من حق القرار التحق بالعقار كما سيأتي في الشفعة. ا ه‍.
أقول: لكن الذي اعتمده الشارح في بابها عدم ثبوت الشفعة فيه بقوله: وأما ما جزم به ابن
الكمال من أن البناء إذا بيع مع حق القرار يلتحق العقار، فرده شيخنا الرملي، وأفتى بعدمها تبعا
للبزازية وغيرها فليحفظ ا ه‍. وأقره سيدي الوالد رحمه الله تعالى وبالغ في الرد على استدلال أبي
السعود، فراجعه ثمة.
قال في جامع الفصولين: قال جماعة من أهل الشروط: ينبغي أن يذكر في الحدود دار فلان ولا
يذكر لزيق دار فلان، وعندهما كلاهما سواء طحم: يكتب في الحد ينتهي إلى كذا ويلاصق كذا أو لزيق
كذا، ولا يكتب أحد حدوده كذا. وقد قال ح: لو كتب أحد حدوده دجلة أو الطريق أو المسجد
فالبيع جائز، ولا تدخل الحدود في البيع إذ قصد الناس بها إظهار ما يقع عليه البيع، لكن س قال:
البيع فاسد إذ الحدود فيه تدخل في البيع، فاخترنا ينتهي أو لزيق أو يلاصق تحرزا عن الخلاف، ولأن
الدار على قول من يقول يدخل الحد في البيع في الموضع الذي ينتهي إليه، فأما ذلك الموضع المنتهي
إليه. فقد جعل حدا وهو داخل في البيع. وعلى قول من يقول: لا يدخل الحد في البيع فالمنتهي إلى
الدار لا يدخل تحت البيع، ولكن عند ذكر قولنا بحدوده يدخل في البيع وفاقا. قالوا: والصحيح من
الجواب أن يقال: لو ذكر في الحد لزيق أو ينتهي أو نحوه تصح الشهادة، ولو ذكر دار فلان أو طريق
مسجد لا تصح الشهادة ط. والشهادة كالدعوى فيما مر من الاحكام.
فش: كتب في الحد لزيق الزقيقة أو الزقاق وإليها المدخل أو الباب لا يكفي لكثرة الأزقة، فلا
بد أن ينسبها إلى ما تعرف به، ولو كانت لا تنسب إلى شئ يقول: زقيقة بها: أي بالمحلة أو القرية أو
الناحية ليقع به نوع معرفة.
أقول: دل هذا على أنه لا يكفي ذكر الثلاثة، ويحتمل أن يكون غرضه من قوله لا يكفي فلا بد
الخ، أنه في بيان الرابع لا بد منه كذا، وهذا لا يدل على أن بيان
الرابع لا بد منه، إذ بين قولنا بيان الرابع لا يبين إلا بكذا فرق بين فلا دلالة حينئذ، والله أعلم بغرضه.
وأقول: أيضا بالحدود الثلاثة تتميز تلك الزقيقة من سائر الأزقة فلا تضر الكثرة، وأيضا في قوله

25
بها: أي بالمحلة الخ نظر، إذ المعرفة الحاصلة بذكر المحلة أو القرية تحصل بدون ذكرها، إذ من المعلوم
أن الزقيقة لا تكون إلا بالمحلة أو القرية فذكرها وعدمه سواء، لكن يمنع أن الزقيقة لا تكون إلا
بالمحلة أو القرية لجواز أن يكون مقابلها أو بقربها أو نحو ذلك فقط.
لو كان الحد الرابع ملك رجلين لكل منهما أرض على حدة فذكر في الحد الرابع لزيق ملك فلان
ولم يذكر الآخر يصح، وكذا لو كان الرابع لزيق أرض أو مسجد فذكر الأرض لا المسجد يجوز. وقيل
الصحيح: أنه لا يصح الفصلان إذا جعل الحد الرابع كله لزيق ملك فلان، فإذا لم يكن كله ملك فلان
فدعواه لم تتناول هذا المحدود فلا يصح، كما لو غلط في أحد الأربعة، بخلاف سكوته عن الرابع.
فش: لو كان المدعي أرضا وذكروا أن الفاصل شجرة لا يكفي، إذ الشجرة لا تحيط بكل المدعى به،
والفاصل يجب أن يكون محيطا بكل المدعى به حتى يصير معلوما.
فش: الشجرة والمسناة تصلح فاصلا.
والحاصل: أن الشجرة تصلح فاصلا إذا أحاطت، وإلا لا.
أقول: ومثل الشجرة البئر وعين الماء عدة.
المقبرة لو كانت ربوة تصلح حدا، وإلا فلا: أي بأن كانت تلاط. لو ذكر في الحد لزيق أرض
الوقف لا يكفي، وينبغي أن يذكر أنها وقف على الفقراء أو على مسجد كذا ونحوه، أو في يد من أو
ذكر الواقف.
أقول: ينبغي أن يكون هذا وما يتلوه من جنسه على تقدير عدم المعرفة إلا به، وإلا فهو تضييق
بلا ضرورة.
جف: ذكر اسم جد المالك للحد شرط، وكذا ذكر جد الواقف لو كان الحد وقفا، إلا إذا كان
مشهورا معروفا لا يلتبس به غيره.
طذ: لو ذكر لزيق ملك ورثة فلان لا يكفي، إذ الورثة مجهولون منهم ذو فرض وعصب وذو
رحم فجهلت جهالة فاحشة، ألا يرى أن الشهادة بأن هذا وارث فلان لا تقبل لجهالة في الوارث.
فش: لو ذكر لزيق دار ورثة فلان لا يحصل التعريف بذكر الاسم والنسب. وقيل يصح ذكره
حدا لأنه من أسباب التعريف عدة.
لو كتب لزيق أرض ورثة فلان قبل القسمة. قيل يصح، وقيل لا. ش: كتب لزيق دار من تركة
فلان يصح حدا. كتب لزيق أرض مبان وهي لا تكفي. كذا ذكره الشارح وقال: لان أرض مبان
وهي قد تكون للغائب، وقد تكون أرضا تركه مالكه على أهل القرية بالخراج، وقد تكون أرضا تركت
لرعي دواب القرية من وقت الفتح فهي مبان فبهذا القدر ما يحصل التعريف.
أقول: فيه نظر، لان أرض مبان وهو لو كان معروفا في نفسه ينبغي أن يحصل به التعريف
والجهالة في مالكه، وفي جهة تركه لا يضر التعريف.
ط: لو جعل الحد طريق العامة لا يشترط فيه ذكر أنه طريق القرية أو البلدة، لان ذكر الحد
لاعلام ما ينتهي إليه المحدود، وقد حصل العلم حيث انتهى إلى الطريق.
ط: الطريق يصلح حدا ولا حاجة فيه إلى بيان طوله وعرضه إلا على قول شح فإنه قال: تبين

26
الطريق بالذراع والنهر لا يصلح حدا عند البعض، وكذا السور، وهو رواية عن ح. وظاهر المذهب
أنه يصلح حدية، والخندق كنهر فإنه يصلح حدا عندهما. واختار من قولهما، ولا عبرة لمن قال: إن
النهر يزيد وينقص وإن السور يخرب وإن الطريق يترك السلوك فيه، لان تبدل دار فلان أسرع من تبدل
السور ونحوه فينبغي أن يكون ذلك أولى: أي بصلاحيتها حدا.
ذ: ولو حد بأنه لزيق أرض فلان ولفلان في هذه القرية التي فيها المدعاة أراض كثيرة متفرقة
مختلفة تصح الدعوى والشهادة. ا ه‍. بزيادة وبعض تغيير. قوله: (كما يشترط في الشهادة عليه) لأنه بها
يصير معلوما عند القاضي. قوله: (ولو كان العقار مشهورا) لأنه يعرف به مع تعذر الإشارة إليه،
وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهو الصحيح. كذا في الهندية عن السراج الوهاج. لان قدرها لا
يصير معلوما إلا بالتحديد. درر. قوله: (خلافا لهما) أي فإن عندهما إذا كان العقار مشهورا شهرة
الرجل فلا يحتاج إلى تحديده. قوله: (إلا إذا عرف) بتشديد الراء الشهود الدار بعينها: أي بأن أشاروا
إليها حاضرة وقالوا نشهد أن هذه الدار لفلان، فافهم. قوله: (فلا يحتاج إلى ذكر حدودها) قال شمس
الأئمة السرخسي: يشترط في شراء القرية الخالصة أن يذكر حدود المستثنيات من المساجد والمقابر
والحياض للعامة ونحوها، وأن يذكر مقاديرها طولا وعرضا، وكان يرد المحاضر والسجلات
والصكوك التي فيها استثناء هذه الأشياء مطلقة فلا تحديد ولا تقرير. وكان أبو شجاج لا يشترط ذلك.
قال في البحر: وما يكتبون في زماننا وقد عرف المتعاقدان جميع ذلك وأحاطا به علما فقد استرذله
بعض مشايخنا وهو المختار، إذ البيع لا يصير به معلوما للقاضي عند الشهادة فلا بد من التعيين ا ه‍.
أي بذكر حدوده أو بالإشارة إليه في محله. قوله: (كما لو ادعى ثمن العقار الخ) ظاهره ولو غير
مقبوض. وفي جامع الفصولين: لو ادعى ثمن مبيع لم يقبض لا بد من إحضار المبيع مجلس الحكم
حتى يثبت البيع عند القاضي، بخلاف لو ادعى ثمن مبيع قبض فإنه لا يجب إحضاره لأنه دعوى
الدين حقيقة. ا ه‍. ومقتضاه أن يفصل في العقار، وذكر حدوده تقام مقام إحضاره. قوله: (ولا بد من
ذكر بلدة بها الدار) ذكر شيخ الاسلام الفقيه أحمد أبو النصر محمد السمرقندي في شروطه. وفي دعوى
العقر لا بد أن يذكر بلدة فيها الدار، ثم المحلة ثم السكة، فيبدأ أولا بذكر الكورة ثم المحلة اختيارا
لقول محمد: فإن مذهبه أن يبدأ بالأعم ثم بالأخص. وقيل يبدأ بالأخص ثم بالأعم فيقول دار في
سكة كذا في محلة كذا، وقاسه على النسب حيث يقال فلان ثم يقال ابن فلان، ثم يذكر الجد بما
هو أقرب فيترقى إلى الأبعد، وقول محمد أحسن إذ العام يعرف بالخاص لا بالعكس، وفصل النسب
حجة عليه إذ الأعم اسمه، فإن أحمد في الدنيا كثير، فإن عرف وإلا ترقى إلى الحد. كذا في جامع
الفصولين برمز ط. والذي في شرح أدب القاضي: يجب على المدعي وعلى الشهود الاعلام بأقصى ما
يمكن، وهو في الدار بالبلدة ثم المحلة التي فيها الدار في تلك البلدة، ثم يبين حدود الدار لان أقصى

27
ما يمكن في التعريف هذا ا ه‍. والشارح تبع ما في جامع الفصولين. قال ط: والذي يظهر الأول.
ا ه‍. تأمل. وذكر بعض الأفاضل على هامش الدر قوله: ولا بد من ذكر بلدة بها الدار الخ. وقال
بعضهم: لا يلزم. وذكر المرغيناني أنه لو سمع قاض تصح هذه الدعوى. وقال القهستاني: ويشترط
تحديد الدار بما لا يتغير كالدور والأراضي والسور والطريق فخرج النهر لأنه يزيد وينقص ويعمر، ولو
لم تحد وقضى بحصة ذلك نفذ. ا ه‍.
أقول: لكن قد علمت مما قدمناه قريبا عن الفصولين أنه لا عبرة لمن قال: إن النهر يزيد وينقص
الخ فلا تنسه.
وأقول: لكن المشاهد في ديارنا دمشق الشام، وبعض أنهارها في بعض المحلات كنهر بردى فإنه
كثيرا ما يترك أرضه ويمشي في أرض أخرى مملوكة للغير. ويمر على ذلك أعوام كثيرة بسبب انحدار
الماء إلى تلك الأرض ويسفلها ويجعلها له طريقا آخر فتتغير الحدود وتصير نسيا منسيا، وعليه فالنهر لا
يصلح أن يكون حدا إلا إذا كان جريانه في أرض لا يمكن للماء نحرها وتغيير محله بأن كانت حافتاه
مبنيتين بالآجر والأحجار والمؤنة، أو كان جريانه في أرض مثقوبة من صخر أو نحو ذلك، والله تعالى
أعلم. قوله: (كما في النسب) أي إذا ادعى على رجل اسمه جعفر مثلا، فإن عرف وإلا ترقى إلى
الأخص فيقول ابن محمد، فإن عرف وإلا ترقى إلى الجد. قوله: (ويكتفي بذكر ثلاثة) لان للأكثر
حكم الكل. زيلعي. فيجعل الرابع بإزاء الثالث حتى ينتهي إلى مبدأ الجد الأول. فصولين.
وفي الحموي: وقال زفر، لا بد من ذكر الحدود الأربعة لان التعريف لا يتم إلا بها، ولنا أن
للأكثر حكم الكل، على أن الطول يعرف بذكر الحدين والعرض بأحدهما، وقد يكون بثلاثة. روى عن
أبي يوسف: يكفي الاثنان، وقيل الواحد، والفتوى على قول زفر. ولذا لو قال: غلطت في الرابع لا
يقبل، وبه قالت الثلاثة. وهذه إحدى المسائل التي يفتي بها بقول زفر كما أشرت إلى ذلك في
منظومتي فيما يفتى به من أقوال زفر بقولي:
دعوى العقار بها لا بد أربعة * من الحدود وهذا بين وجلي
ا ه‍ ط بزيادة.
لكن قال سيدي عبد الغني النابلسي في شرحه على المحبية بعد كلام طويل: فإذا كانت الحدود
الثلاثة كافية عند الأئمة الثلاثة كان الفتوى على ذلك، فقول زفر لأنه لا بد من الحدود الأربعة غير
مفتى به ا ه‍.
أقول: وكون الفتوى على قول زفر لم أجده في كتب المذهب ولا في نظم سيدي الوالد رحمه الله
تعالى المسائل العشرين التي يفتى بها على قول زفر. قوله: (فلو ترك) أي المدعي أو الشاهد الرابع
صح، فحكمها في الترك والغلط واحد. قوله: (وإن ذكره) أي الحد الرابع وغلط فيه لا: أي لا
يصح، وهو المفتى به ط. لأنه يختلف المدعي ولا كذلك بتركه، ونظيره إذا ادعى شراء بثمن منقود فإن
الشهادة تقبل وإن سكتوا عن بيان جنس الثمن، ولو ذكروه واختلفوا فيه لم تقبل. كذا في الزيلعي.

28
قوله: (بإقرار الشاهد) كذا في البحر، وفي الحموي: والغلط إنما يثبت بإقرار المدعي أنه غلط
الشاهد، والظاهر أن الغلط يثبت بهما، أما لو ادعى المدعى عليه الغلط لا تسمع هذه الدعوى، ولو
أقام بينة لا تقبل، وبيانه في البحر وغيره. قوله: (فصولين) وعبارته: وإنما يثبت الغلط بإقرار الشاهد
إني غلطت فيه، أما لو ادعاه المدعى عليه لا تسمع ولا تقبل بينته، لان دعوى غلط الشاهد من المدعى
عليه إنما تكون بعد دعوى المدعي. وجواب المدعى عليه حين أجاب المدعي، فقد صدقه أن المدعي
بهذه الحدود، فيصير بدعوى الغلط مناقضا بعده. أو نقول: تفسير دعوى الغلط أن يقول المدعى عليه
أحد الحدود ليس ما ذكره الشاهد، أو يقول صاحب الحد ليس بهذا الاسم كل ذلك نفي، والشهادة
على النفي لا تقبل. ا ه‍.
قال العلامة الرملي في عبارة الفصولين: إسقاط من أصل النسخة ولا بد منه وهو بعد قوله
بدعوى الغلط بعده مناقضا فينبغي أن يفصل أيضا، ويمكن أن يغلط لمخالفته لتحديد المدعي فلا
تناقض. ثم قال: أو نقول الخ، وقد كتبت على نسختي جامع الفصولين في هذا المحل كتابة حسنة
فراجعها فإنها مفيدة وفي جامع الفصولين أيضا.
أقول: لو قال بعض حدوده كذا لا ما ذكره الشاهد والمدعي ينبغي أن تقبل بينته عليه من حيث
إثباته أن بعض حدوده كذا فينفي ما ذكره المدعي ضمنا، فيكون شهادة على الاثبات لا على النفي،
ويدل عليه مسألة ذكرت في فصل التناقض أنه ادعى دارا محدودة، فأجاب المدعى عليه أنه ملكي وفي
يدي ثم ادعى أن المدعي غلط في بعض حدوده لم يسمع، لان جوابه إقرار بأنه بهذه الحدود، وهذا إذا
أجاب بأنه ملكي. أما لو أجاب بقوله ليس لهذا ملكك ولم يزد عليه يمكن الدفع بعده بخطأ الحدود.
كذا حكى عن ط أنه لقن المدعى عليه الدفع بخطأ الحدود.
أقول: دل على هذا أن المدعى عليه لو برهن على الغلط يقبل، فدل على ضعف الجوابين
المذكورين فالحق ما قلت من أنه ينبغي أن يكون على هذا التفصيل والله تعالى أعلم. ا ه‍. قال في نور
العين: جميع ما ذكره المعترض في هذا البحث محل نظر كما لا يخفى على من تأمل وتدبر ا ه‍.
أقول: والملخص كما ذكره السائحاني أن يقول المدعى عليه هذا المحدود ليس في يدي فيلزم أن
يقول الخصم بل في يدك ولكن حصل غلط فيمنع به، ولو تدارك الشاهد الغلط في المجلس يقبل أو
في غيره إذا وفق. قال في البزازية: ولو غلطوا في حد واحد أو حدين ثم تداركوا في المجلس أو
في غيره يقبل عند إمكان التوفيق بأن يقول كان اسمه فلانا ثم صار اسمه فلانا أو باع فلان واشتراه
المذكور. ا ه‍. وفيه مسائل أحببت ذكرها هنا تتميما للفائدة.
وفي ذ: بين حدوده ولم يبين أنه كرم أو أرض أو دار وشهدا كذلك قيل لا تسمع الدعوى، ولا
الشهادة وقيل تسمع لو بين المصر والمحلة والموضع.
ادعى عشر دبرات أرض وحد التسع لا الواحدة لو كانت هذه الواحدة في وسط التسع تقبل
ويقضي بالجملة لا لو على طرف.
جف: ادعى سكنى دار ونحوه وبين حدوده لا يصح إذ السكنى نقلي فلا يحد بشئ.

29
فش: وإن كان السكنى نقليا لكن لما اتصل بالأرض اتصال تأييد كان تعريفه بما به تعريف
الأرض، إذ في سائر النقليات إنما لا يعرف بالحدود لامكان إحضاره فيستغني بالإشارة إليه عند الحد،
أما السكنى فنقله لا يمكن لأنه مركب في البناء تركيب قرار فالتحق بما لا يمكن نقله أصلا. ا ه‍.
أقول: والمراد بالسكنى ما ركب في الأرض كما ظهر في كلامه: أي لأنه منقول تعسر إحضاره
فلا يكفي تحديده، ولا بد من الإشارة إليه عند الدعوى والشهادة والحكم عليه. وقوله: وإن كان
السكنى نقليا الخ هذا قول آخر نقله عن فتوى رشيد الدين: أي فيكفي تحديده وإن كان نقليا لأنه
التحق بالعقار لاتصاله بالأرض اتصال قرار.
أقول: ومنه يظهر حكم حادثة الفتوى، وهي ما لو أراد متولي أرض وقف معلومة انتزاعها من
يد مستأجرها بعد مضي مدة الإجارة ورفع يده عنها وكان قد غرس وبنى فيها المستأجر بإذن متوليها
بحق القرار فأثبت بناءه وأشجاره الموضوعة في الأرض على الوجه المذكور لدى الحاكم الشرعي بذكر
حدود الأرض فقط من غير إشارة إلى البناء والأشجار وحكم له الحاكم الشرعي بحق القرار فيها فإنه
يصح على هذا القول الثاني سيما وقد اتصل بحكم الحاكم.
وأقول: أيضا قد تأيد ذلك بأمر السلطان نصره الرحمن كما سمعته في المنقول الذي يحتاج نقله
إلى مصرف، وقد تأيد ذلك عندي بعده بفتوى من مفتي الأنام بوأهم الله دار السلام أفتوا فيها بصحة
حجج الاحترام طبق هذا المرام، هذا ما ظهر لي في هذا المقام فتأمله منصفا بكمال الالمام.
وفيه برمز طظه: شرى علو بيت ليس له سفل يحد السفل لا العلو، إذ السفل مبيع من وجه
من حيث إن قرار العلو عليه، فلا بد من تحديده، وتحديده يغني عن تحديد العلو، إذ العلو عرف
بتحديد السفل، ولأن السفل أصل والعلو تبع فتحديد الأصل أولى. قال طي: هذا إذا لم يكن حول
العلو حجرة، فلو كانت ينبغي أن يحد العلو لأنه هو المبيع فلا بد من إعلامه وهو يحد العلو لأنه هو المبيع فلا بد من إعلامه وهو يحده وقد أمكن.
قوله: (وأسماء أنسابهم) جمع نسب بمعنى منسوب إليه. قال في البحر: المقصود الاعلام. ا ه‍. وفي
الملتقط: ربما لا يحد إلا بذكر الجد، وإذا لم يعرف جده لا يتميز عن غيره إلا بذكر مواليه أو ذكر
حرفته أو وطنه أو دكانه أو حليته إنما التمييز هو المقصود فيحصل بما قل أو كثر. ا ه‍. ولو ذكر مولى
العبد وأبا مولاه يكفي على المفتى به ط.
مطلب: المقصود التمييز لمعرفة الحد
قوله: (وإلا اكتفى باسمه لحصول المقصود) قال في الفصولين: أما الدار فلا بد من تحديده ولو
مشهورا عند أبي حنيفة، وتمام حده بذكر جد صاحب الحد. وعندهما: التحديد ليس بشرط في الدار
المعروف كدار عمر بن الحرث بكوفة، فعلى هذا لو ذكر لزيق دار فلان، ولم يذكر اسمه ونسبه وهو
معروف يكفيه إذ الحاجة إليهما لاعلام ذلك الرجل، وهذا مما يحفظ جدا. ا ه‍.
وفيه: ولو جعل أحد الحدود أرض المملكة يصح، وإن لم يذكر أنه في يد من لأنها في يد
السلطان بواسطة يد نائبه. ا ه‍. وهذا إذا كان الأمير واحدا، فلو كان اثنين لا بد أن يبين اسم الأمير
ونسبه كما في الخلاصة.

30
رجل ادعى دارا في يد رجل فقال له القاضي هل تعرف حدود الدار؟ قال لا، ثم ادعاها وبين
الحدود لا تسمع. أما إذا قال لا أعرف أسامي أصحاب الحدود ثم ذكر في المرة الثانية فتسمع، ولا
حاجة إلى التوفيق. كذا في الهندية عن الخلاصة.
وفيها: ولو أنه قال لا أعرف الحدود ثم ذكر الحدود بعد ذلك ثم قال: عنيت بقولي لا أعرف
الحدود ولا أعرف أسماء أصحاب الحدود قبل ذلك منه، وتسمع دعواه. كذا في الذخيرة.
رجل ادعى محدودة وذكر حدودها وقال في تعريفها: وفيها أشجار، وكانت المحدودة بتلك
الحدود ولكنها خالية عن الأشجار لا تبطل الدعوى، وكذا لو ذكر مكان الأشجار الحيطان، ولو كان
المدعي قال في تعريفها: ليس فيها شجر ولا حائط فإذا فيها أشجار عظيمة لا يتصور حدوثها بعد
الدعوى إلا أن حدودها توافق الحدود التي ذكر تبطل دعواه.
ولو ادعى أرضا ذكر حدودها وقال: هي عشر دبرات أرض أو عشر جرب، فكانت أكثر من
ذلك لا تبطل دعواه، وكذا لو قال: هي أرض يبذر فيها عشر مكاييل فإذا هي أكثر من ذلك أو أقل
إلا أن الحدود وافقت دعوى المدعي لا تبطل دعوى المدعي، لان هذا خلاف يحتمل التوفيق وهي غير
محتاجة إليه. كذا في فتاوى قاضيخان.
وفي الهندية: رجل ادعى على رجل أنه وضع على حائطه له خشبا أو أجرى على سطحه ماء أو
داره ميزابا أو ادعى أنه فتح في حائط له بابا أو بنى على حائط له بناء أو ادعى أنه رمى التراب أو
الزبل في أرضه أو دابة ميتة في أرضه أو غرس شجرا أو ما فيه فساد الأرض وصاحب الأرض يحتاج
إلى رفعه ونقله، وصححه دعواه بأن بين طول الحائط وعرضه وموضعه وبين الأرض بذكر الحدود
وموضعها، فإذا صحت دعواه وأنكر المدعى عليه يستحلفه على السبب، ولو كان صاحب الخشب هو
المدعي فقدم صاحب الحائط إلى القاضي وقال: كان لي على حائط هذا الرجل خشب فوقع أو قلعته
لأعيده وأن صاحب الحائط يمنعني عن ذلك لا تسمع دعواه ما لم يصح، وتصحيح الدعوى بأن يبين
موضع الخشب وأن له حق وضع خشبة أو خشبتين أو ما أشبه ذلك وبين غلظ الخشبة وخفتها، فإذا
صحت الدعوى وأنكر المدعى عليه يحلفه القاضي على الحاصل بالله ما لهذا في هذا الحائط وضع
الخشب الذي يدعي وهو كذا وكذا في موضع كذا من الحائط في مقدم البيت أو مؤخره حق واجب
له، فإذا نكل ألزمه القاضي حقه. ا ه‍. قوله: (وذكر أنه أي العقار في يده الخ) أي لان المدعى عليه لا
يكون خصما إلا إذا كان العقار في يده، فلا بد من ذكره، وإنما خصصه في الذكر، لان الكلام فيه
وإلا فالمنقول كذلك، ولذا جعل صاحب البحر الضمير راجعا إلى المدعي الشامل للمنقول والعقار.
قال: ولم أخصصه بالعقار كما فعل الشارح لكونه شرطا فيهما. ا ه‍.
وفي كلامه إشارة إلى أن ذلك في الدعوى، أما إذا شهدوا بمنقول أنه في ملك المدعي تقبل،
وإن لم يشهدوا أنه في يد المدعى عليه بغير حق، لأنهم شهدوا بالملك له وملك الانسان لا يكون في يد
غيره إلا بعارض والبينة تكون على مدعي العارض ولا تكون على صاحب الأصل. وقال بعضهم: ما
لم يشهدوا أنه في يد المدعى عليه بغير حق لا تقطع يد المدعى عليه، والأول أصح. وفيما سوى العقار
لا يشترط أن يشهدوا أنه في يد المدعى عليه لان القاضي يراه في يده فلا حاجة إلى البيان. كذا في

31
الخانية. بحر. قوله: (إن كان منقولا) هذا تكرار لا حاجة إليه مع قوله فيما تقدم في المنقول ذكر أنه
في يده بغير حق، إلا أن يقال: إنما ذكره مع ما تقدم ليشير أن في العقار لا يتأتى ذلك لان اليد لا
تستولي عليه ولذا لا يثبت فيه الغصب. تأمل. قوله: (لما مر) أي من احتمال كونه مرهونا في يده أو
محبوسا بالثمن في يده: أي ليصير خصما:
أقول: هذا يشمل العقار، فالتقييد لا يفيد، وهكذا قال صدر الشريعة. وفي القهستاني: ويزيد
أيضا في العقار عند بعض المشايخ كما في قاضيخان، وهو المختار عند كثير من أهل الشروح، ومثله
في الخزانة. قوله: (ولا تثبت يده) أي يد المدعى عليه بتصادقهما لان اليد فيه غير مشاهدة، ولعله في
يد غيرهما تواضعا فيه ليكون لهما ذريعة إلى أخذه بحكم الحاكم. عيني. وسيشير إليه الشارح لكن
اعترض على تعليل العيني بأنه لا يشمل ما لا يمكن حضوره إلى مجلس الحكم كصبرة بر ورحى كبيرة
ونحو ذلك فينبغي أن يلحق بالعقار لمشابهتها له.
أقول: هذا الاعتراض في غاية السقوط لما سبق، وسيجئ أن ما تعذر نقله من المنقول يحضره
القاضي أو يبعث أمينا أو نائبه فيسمع، ويقضي ثم يمضي القاضي، ففي صورة الحضور مشاهد أيضا،
وفي صورة بعث القاضي كالمشاهد، ولذلك أمضى قضاءه، بخلاف العقار فإن كونه في يد المدعى
عليه قد لا يشاهده القاضي وإن حضر عنده، ولذلك صرحوا بأن ثبوت يده عليه بالبينة لا غير.
أقول: وهذا مما يقع كثيرا ويغفل عنه كثير من قضاة زماننا حيث يكتب في الصكوك فأقر بوضع
يده على العقار المذكور، فلا بد أن يقول المدعي إنه واضع يده على العقار ويشهد له شاهدان، ولذا
نظم سيدي الوالد رحمه الله تعالى ذلك بقوله:
واليد لا يثبت في العقار * مع التصادق فلا تماري
بل يلزم البرهان إن لم يدع * عليه غصبا أو شراء مدعي
قوله: (بل لا بد من بينة) أي من المدعي تشهد أنهم عاينوه في يده: أي لصحة القضاء بالملك،
ولا يشترط ذلك لصحة الدعوى.
قال في الخانية: قال أبو بكر: لا تقبل بينة المدعي على الملك ما لم يقم البينة أنها في يد ذي اليد،
ومثله في القهستاني بأوضح بيان. ثم قال: وإذا شهدوا أنه في يده يسألهم القاضي أنهم شهدوا عن
سماع أو معاينة لأنهم ربما سمعوا إقراره أنه في يده، وهذا لا يختص به، فإنهم لو شهدوا على البيع
مثلا يسألهم عن ذلك لأنها شهادة بالملك للبائع والملك لا يثبت بالاقرار. قوله: (أو علم قاض) هذا
بناء على أن القاضي يقضي بعلمه، وكثيرا ما يذكرونه في المسائل، والمفتى به: أنه لا يقضي بعلمه
فعليه لا بد من البينة. قوله: (لاحتمال تزويرهما) هو الصحيح، اعترضه صدر الشريعة بأن تهمة
المواضعة ثابتة مع إقامة البينة أيضا، فإن الدار مثلا إذا كانت أمانة في يد المدعى عليه فتواضعا على أن
لا يقر بالأمانة فيقيم البينة على اليد، ثم إنها ملكه فيقضى عليه. وأجيب بأن تهمة المواضعة في صورة
الاقرار ظاهرة وقريبة بل أكثر، وفي صورة إقامة البينة خفية وبعيدة بل نادرة وأبعد، لان مبنى ذلك
على مواضعة الخصمين وشاهدي زور وارتكاب ضرر، فإن المدعى عليه إذا حكم عليه وأخرجت من

32
يده يتضرر، فتدبر. وعند البعض يكفي تصديق المدعى عليه أنها في يده، ولا يحتاج إلى إقامة البينة،
لأنه إن كان في يده وأقر بذلك فالمدعي يأخذ منه إن ثبت ملكيته بالبينة أو بإقرار ذي اليد أو نكوله،
وإن لم يكن في يده لا يكون للمدعي ولاية الاخذ من ذي اليد، لان البينة قامت على غير خصم
فالضرر لا يلحق إلا بذي اليد، على أن التزوير يوجد لو كانت في يده أمانة، ولم يذكر إلا مجرد أنها
في يده كما علمت. قوله: (لمعاينة يده) قدمنا قريبا الاعتراض على هذا التعليل، وإن الاعتراض
الذكور في غاية السقوط فلا تنسه. قوله: (ثم هذا) أي عدم ثبوت اليد بالتصادق. قوله: (ملكا
مطلقا) أي بلا بيان سبب الملك. قوله: (فلا يفتقر لبينة) أي أنه في يده بغير حق كما في العمادية
وغيرها، وظاهره أنه يصح دعوى العقار بلا بيان سبب.
وقال في البحر: فظهر بما ذكرناه وأطلقه أصحاب المتون أنه يصح دعوى الملك المطلق في العقار،
بلا بيان سبب الملك. ثم نقل عن البزازية أن صحة دعوى الملك المطلق في العقار في بلاد لم يقدم بناؤها،
أما في بلد قدم بناؤه فلا تسمع فيه دعوى الملك المطلق لوجوه بينها فيه. وظاهره اعتماد الأول. هذا
خلاصة كلامه. وقيد بالدعوى لان الشاهد إذا شهد أنه ملكه ولم يقل في يده بغير حق اختلفوا فيه،
والصحيح الذي عليه الفتوى أنه يقبل في حق القضاء بالملك لا في حق المطالبة بالتسليم، حتى لو سأل
القاضي الشاهد أهو في يد المدعى عليه بغير حق؟ فقال لا أدري يقبل على الملك، نص عليه في المحيط
كما في شهادة البزازية، فظهر أن المدعي لو ادعى أنه في يد المدعى عليه بغير حق وطالبه وشهد شاهداه
أنه ملك المدعي وأنه في يده المدعى عليه عن معاينة يقضي القاضي بالملك والتسليم، إذ لا فرق في ذلك
بين أن يثبت كلا الحكمين بشهادة فريق واحد أو فريقين كما في غاية البيان مفصلا. قوله: (لان دعوى
الفعل) أشار بهذا إلى الفرق بين دعوى الملك المطلق، ودعوى الفعل.
وحاصله: أن دعوى الفعل كما تصح على ذي اليد تصح على غيره أيضا، فإنه يدعي عليه
التمليك والتملك وهو كما يتحقق من ذي اليد يتحقق من غيره أيضا، فعدم ثبوت اليد لا يمنع صحة
الدعوى. أما دعوى الملك المطلق فدعوى ترك التعرض بإزالة اليد وطلب إزالتها لا يتصور إلا من
صاحب اليد، وبإقراره لا يثبت كون ذا يد لاحتمال المواضعة. أفاده في البحر. قوله: (وذكر أنه
يطالبه به) أي سواء كان عينا أو دينا منقولا أو عقارا، فلو قال: لي عليه عشرة دراهم ولم يزد على ذلك
لم يصح ما لم يقل للقاضي مره حتى يعطيه، وقيل: تصح وهو الصحيح. قهستاني. قال العلامة أبو
السعود: وليس المراد لفظ وأطالبه به بل هو أو ما يفيده من قوله مره ليعطيني حقي، وأما أصحاب
الفتاوى كالخلاصة جعلوا اشتراطه قولا ضعيفا، فالصحيح على ما في الفتاوى عدم اشتراط المطالبة
أصلا. كذا بخط شيخنا ا ه‍. ومثله في العمدة، وسيأتي في دعوى الدين قريبا. قوله: (لتوقفه) أي
توقف دعوى العقار ذكر الضمير، وإن كان المرجع مؤنثا لاكتسابه التذكير من المضاف إليه. قوله:
(ولاحتمال رهنه أو حبسه بالثمن) أو لدفع التأجيل في نحو الدين وكل ذلك يزول بالمطالبة. قوله:
(وبه) أي بذكر أنه يطالبه، لأنه لا مطالبة له إذا كان محبوسا بحق. قوله: (استغنى عن زيادة بغير حق)

33
فرجع الكلام إلى موافقة صدر الشريعة في التسوية بين المنقول والعقار. قوله: (فافهم) أشار به إلى أن
ذكر كونه بغير حق غير لازم في العقار والمنقول لان المطالبة تغني عنه. قوله: (ولو كان ما يدعيه دينا)
أي في الذمة. قوله: (مكيلا أو موزونا) إنما قيد به لأنه هو الذي يمكن ثبوته في الذمة، ويلحق به
المذروع إذا استوفى شروط السلم، وكذا العددي المتقارب كالجوز والبيض واللبن الذي سمي فيه ملبنا
معلوما ونحو ذلك مما يمكن ثبوته في الذمة. قوله: (نقدا أو غيره) تعميم في الموزون. قوله: (ذكر
وصفه) أنه جيد أو ردئ لأنه لا يعرف إلا به، وإنما يحتاج إلى ذكر وصفه إذا كان في البلد نقود
مختلفة، أما إذا كان في البلد نقد واحد فلا. حموي. زاد في الكنز: وأنه يطالبه به.
قال في البحر: هكذا جزم به في المتون والشروح، وأما أصحاب الفتاوى فجعلوا اشتراطه قولا
ضعيفا كما في العمدة انتهى. ولا يخفى أنه كان ينبغي للمصنف ذكره هنا: أي في دعوى الدين كما
ذكره في دعوى العقار لما قالوا: إن ما في المتون والشروح مقدم على ما في الفتاوى، لكن هذا عند
التصريح بتصحيح كل من القولين أو عدم التصريح أصلا، أما لو ذكرت مسألة في المتون ولم يصرحوا
بتصحيحها بل صرحوا بتصحيح مقابلها فقد أفاد العلامة قاسم ترجيح الثاني، لأنه تصحيح صريح،
وما في المتون تصحيح التزامي، والتصحيح الصريح مقدم على التصحيح الالتزامي: أي التزام المتون
ذكر ما هو الصحيح في المذهب كما تقدم في رسم المفتي أول الكتاب. قال ط: ولو استغنى عن ذكر
الدين وأدخله في جملة المثليات التي ذكر حكمها بعد لكان أخضر. قوله: (من ذكر الجنس) كحنطة
والنوع كبلدية أو حورانية والصفة كجيدة والقدر كعشرة أقفزة إن كان كيليا وعشرة أرطال إن كان
وزنيا. قوله: (وسبب الوجوب) بأن يقول بسبب بيع صحيح جرى بينهما. قوله: (لم تسمع) وكذا لو
ادعى مالا بسبب له كحساب جرى بينهما لا يصح، لان الحساب لا يصلح سببا لوجوب المال كما في
مشتمل الاحكام والهندية عن الخلاصة.
وفي الأشباه: لا يلزم المدعي بيان السبب وتصح بدونه، إلا في المثليات ودعوى المرأة لدين على
تركة زوجها، فلو ادعى مكيلا مثلا فلا بد من بيان سبب الوجود لاختلاف الاحكام باختلاف
الأسباب حتى من أسلم يحتاج إلى بيان مكان الايفاء تحرزا عن النزاع. وكذا لو ادعت المرأة على تركة
الزوج لم تسمع ما لم تبين السبب، لجواز أن يكون دين النفقة وهي تسقط بموته جملة. ا ه‍.
وفي الظهيرية: وإن وقعت الدعوى في الدين فلا بد من بيان السبب، لأنه لا يجب في الذمة إلا
بالاستهلاك، بخلاف دعوى الأملاك والأعيان فلا يحتاج.
مطلب: فيما يجب ذكره في دعوى العقد
قوله: (في مكان عيناه) هذا عند الامام، وعندهما في مكان العقد، وهذا فيما له حمل ومؤنة،
وما لا حمل له كمسك لا يشترط فيه بيان مكان الايفاء اتفاقا، ويوفي حيث شاء كما تقدم في السلم.
وينبغي على قولهما أن يذكر في الدعوى مكان العقد فيما له حمل ومؤنة، لان عندهما يجب تسليمه فيه
يراجع. وقدمنا في هذا الباب أنه يذكر في السلم شرائطه من إعلام جنس رأس المال وغيره ونوعه

34
وصفته وقدره بالوزن إن كان وزنيا وانتقاد بالمجلس حتى يصح الخ، فراجعه.. قوله: (وفي نحو قرض
الخ) أي وفي دعوى نحو القرض الخ، ولا بد أن يذكر أنه أقرضه كذا من مال نفسه، لجواز أن يكون
وكيلا بالاقراض، والوكيل بالاقراض سفير ومعبر لا يطالب بالأداء، ويذكر أيضا أنه صرف ذلك إلى
حاجة نفسه ليصير ذلك دينا عليه إجماعا، لان القرض عند أبي يوسف ف لا يصير دينا في ذمة المستقرض
إلا بصرفه في حوائج نفسه ه‍. فلو كان باقيا عند المستقرض لا يصير دينا عنده، ونحو القرض ثمن
المبيع، فإنه يتعين مكان العقد للايفاء ط. قال صدر الاسلام: لا يشترط بيان مكان الايفاء في القرض
وتعيين مكان العقد. هندية عن الوجيز الكردي. قوله: (وغصب واستهلاك في مكان القرض) وهذا
فيما له حمل ومؤنة، وإلا فلا كما تقدم قريبا. قوله: (ونحوه) أي من الغصب والاستهلاك فيتعين
مكانهما للتسليم، وقد مثل ذلك في البحر بالحنطة لما أن محل ذلك فيما له حمل ومؤنة.
مطلب: في كلام المتون والشروح في الدعوى قصور إذا لم يبينوا بقية الشروط
قال في البحر: ثم اعلم أن في كلام أصحاب المتون والشروح في دعوى قصورا، فإنهم لم يبينوا
بقية شرائط دعوى الدين ولم يذكروا دعوى العقد.
أما الأول: ففي دعوى البضاعة والوديعة بسبب موته مجهلا لا بد أن يبين قيمته يوم موته إذ هو
يوم الوجوب، وفي المضاربة بموت المضارب مجهلا لا بد من ذكر أن مال المضاربة يوم موته نقد أو
عرض، لان العرض يدعي قيمته، وفي مال الشركة لا بد من ذكر أنه مات مجهلا لمال الشركة أو
للمشتري بمالها إذ مالها يضمن بمثله والمشتري بمالها يضمن بالقيمة.
ولو ادعى مالا بكفالة لا بد من بيان المال بأي سبب لجواز بطلانها، إذ الكفالة بنفقة المرأة إذا لم
تذكر مدة معلومة لا تصح إلا أن يقول: ما عشت أو دمت في نكاحه والكفالة بمال الكتابة لا تصح،
وكذا بالدية على العاقلة، ولا بد أن يقول: وأجاز المكفول له الكفالة في مجلس الكفالة، حتى لو قال
في مجلسه لم يجز ولا يشترط بيان المكفول عنه كما في الخانية. ولو ادعت امرأة مالا على ورثة الزوج
لم يصح ما لم تبين السبب لجواز أن يكون دين النفقة، وهي تسقط بموته. وفي دعوى الدين على الميت
لو كتب توفي بلا أدائه وخلف من التركة بيد هذا الوارث ما يفي تسمع هذه الدعوى وإن لم يبين أعيان
التركة وبه يفتى. لكن إنما يأمر القاضي الوارث بأداء الدين لو ثبت وصول التركة إليه، ولو أنكر
وصولها إليه لا يمكن إثباته إلا بعد بيان أعيان التركة في يده لما يحصل به الاعلام.
ولو ادعى الدين بسبب الوراثة لا بد من بيان كل ورثته وفي دعوى السعاية به إلى الحاكم لا
يجب ذكر قابض المال، ولكن في محضر دعواها لابد أن يبين السعاية لينظر أنه هل يجب الضمان عليه
لجواز أنه سعى بحق فلا يضمن.
ولو ادعى الضمان على الآمر أنه أمر فلانا وأخذ منه كذا تصح الدعوى على الامر لو سلطانا،
وإلا فلا.
مطلب: في شروط العقد
وأما دعوى العقد من بيع وإجارة ووصية وغيرها من أسباب الملك لا بد من بيان الطوع والرغبة
بأن يقول: باع فلان منه طائعا أو راغبا في حال نفاذ تصرفه لاحتمال الاكراه. وفي ذكر التخارج
والصلح عن التركة لا بد من بيان أنواع التركة، وتحديد العقار، وبيان قيمة كل نوع، ليعلم أن الصلح

35
لم يقع على أزيد من قيمة نصيبه، لأنهم لو استهلكوا التركة ثم صالحوا المدعي على أزيد من نصيبه لم
يجز عندهم، كما في الغصب إذا استهلكوا الأعيان وصالحوا، وفي دعوى البيع مكرها لا حاجة إلى
تعيين المكره. هذا ما حررته من كلامهم. ا ه‍.
قلت: إنما تركوا ذكر ذلك لذكرهم حكم كل واحد في بابه، وفي كتب الشروط استوفوا هذا.
قال في الهندية: وإن ادعى الحنطة أو الشعير بالامناء فالمختار للفتوى أنه يسأل المدعي عن
دعواه، فإن ادعى بسبب القرض والاستهلاك لا يفتى بالصحة، وإن ادعى بسبب بيع عين من أعيان
ماله بحنطة في الذمة أو بسبب السلم يفتى بالصحة، هكذا في الذخيرة. وإن ادعى مكايلة حتى
صحت الدعوى بلا خلاف وأقام البينة على إقرار المدعى عليه بالحنطة أو بالشعير ولم يذكر الصفة في
إقراره قبلت البينة في حق الجبر على البيان، لا في حق الجبر على الأداء. كذا في المحيط.
وفي الذرة والمج: يعتبر العرف. كذا في الفصول العمادية.
إذا ادعى الدقيق بالقفيز لا تصح، ومتى ذكر الوزن حتى صحت دعواه لا بد أن يذكر دقيق
منخول أو غير منخول مخبوز أو غير مخبوز والجودة والوساطة والرداءة. هكذا في الظهيرية.
وإذا ادعى على آخر مائة عدالية غصبا وهي منقطعة عن أيدي الناس يوم الدعوى ينبغي أن
يدعي قيمته، غير أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تعتبر القيمة يوم الدعوى والخصومة. وعند أبي
يوسف رحمه الله تعالى يوم الغصب، وعند محمد رحمه الله تعالى يوم الانقطاع، ولا بد من بيان سبب
وجوب الدراهم في هذه الصورة. كذا في الذخيرة. وفي الدين: لو ادعى المديون أنه بعث كذا من
الدراهم إليه أو قضى فلان دينه بغير أمره صحت الدعوى ويحلف، ولو ادعى عليه قرض ألف درهم
وقال: وصل إليك بيد فلان وهو مالي لا تسمع دعواه كما في العين. كذا في الخلاصة. وفي دعوى
مال الإجارة المفسوخة بموت الآخر: إذا كانت الأجرة دراهم أو عدالية ينبغي أن يذكر كذا دراهم كذا
عدالية رائجة من وقت العقد إلى وقت الفسخ. كذا في الذخيرة.
وفي دعوى مال الإجارة المفسوخة لا يشترط تحديد المستأجر، وكذا ثمن مبيع مقبوض، ولم يبين
البيع أو محدود ولم يحدده وهو الأصح. ولو ادعى على آخر أنه استأجر المدعي لحفظ عين معين سماه،
ووصفه كل شهر بكذا وقد حفظه مدة كذا فوجب عليه أداء الأجرة المشروطة، ولم يحضر ذلك العين
في مجلس الدعوى ينبغي أن تصح الدعوى ا ه‍.
واختلفوا في اشتراط حضرة المستعير مع المعير في دعوى المستعار وحضرة المودع مع المودع في
دعوى الوديعة، وكذا في اشتراط حضور المزارع مع رب الأرض في دعوى الأرض. بزازية.
قال في الهندية: تشترط حضرة الراهن والمرتهن في دعوى عين رهن والعارية والإجارة كالرهن،
وأما حضرة المزارع فهل هي شرط في دعوى الضياع إن كان البذر من المزارع فهو كالمستأجر يشترط
حضوره، وإن لم يكن البذر منه إن نبت الزرع فكذلك ك، وإن لم ينبت لا يشترط. هذا في دعوى الملك
المطلق. أما إذا ادعى على آخر غصب ضيعته وأنها في يد المزارع فلا تشترط حضرة المزارع لأنه يدعي
عليه الفعل، ولو كانت الدار في يد البائع بعد البيع فجاء مستحق واستحقها لا يقضي بالدار له إلا
بحضرة البائع والمشتري. كذا في الخلاصة. ولو ادعى مسيل ماء في دار الآخر لا بد أن يبين أنه مسيل

36
ماء المطر أو ماء الوضوء، وينبغي أن يبين موضع المسيل أنه في مقدم البيت أو مؤخره. ولو ادعى
طريقا في دار الآخر ينبغي أن يبين طوله وعرضه وموضعه في الدار. جامع الفصولين.
وفيه وفي دعوى الاكراه على بيع وتسليم ينبغي أن يقول: بعته مكرها وسلمته مكرها ولي حق
فسخه فافسخه، ولو قبض ثمنه يذكر وقبضت ثمنه مكرها، ويبرهن على كل ذلك. أما لو ادعى عليه
أنه ملكي وفي يده بغير حق لا تسمع، إذ بيع المكره يفيد الملك بقبضه، فالاسترداد بسبب فساد البيع
ينبغي أن يكون كذلك.
وفيها لو ادعى فساد البيع يستفسر عن سبب فساده لجواز أن يظن الصحيح فاسدا، وفي دعوى
البيع مكرها لا حاجة إلى تعيين المكره، كما لو ادعى السعاية فلا حاجة إلى تعيين العون. قوله:
(ويسأل القاضي) أي بطلب المدعي وقيل: إن كان المدعي جاهلا يسأل القاضي المدعى عليه بدون طلبه
. ا ه‍. سراجية.
وفيها: إذا حضر الخصمان لا بأس أن يقول ما لكما، وإن شاء سكت حتى يبتدئاه بالكلام،
وإذا تكلم المدعي يسكت الآخر ويسمع مقالته، فإذا فرغ يقول للمدعي عليه بطلب المدعي ماذا تقول.
وقيل إن المدعي إذا كان جاهلا فإن القاضي يسأل المدعى عليه بدون طلب المدعي. ا ه‍. وفي شهادات
الخزانة: يجوز للقاضي أن يأمر رجلا يعلم المدعي الدعوى والخصومة إذا كان لا يقدر عليها ولا يحسنها
. ا ه‍. قوله: (بعد صحتها) أي إذا جازت وقامت دعوى المدعي برعاية ما سبق من شروط صحتها.
قوله: (لعدم وجوب جوابه) الأولى أن يعلل بعدم الباعث على السؤال، فتأمل ط. قوله: (قوله فيها)
إنما قدره فرارا من استعمال قضى الآتي في كلام المصنف في حقيقته ومجازه، لان الاقرار حجة ملزمة
بنفسه ولا يحتاج فيه إلى القضاء، فإطلاق اسم القضاء فيه مجاز عن الامر بالخروج عما لزمه بالاقرار كما
صرح به في التبيين ا ه‍ ح. بخلاف البينة فإن الشهادة خبر محتمل بالقضاء تصير حجة وسقط احتمال
الكذب. كذا في التبيين. فقول الشارح فيها أي فبالقضية المطلوبة حصل المقصود ولزمه الحق سواء
قضى به القاضي أو لا، وبالقضاء لا يثبت أمر زائد، ألا يرى أنه يلزمه الحق بإقراره عند غير القاضي،
أو أنكر الخصم فبرهن المدعي قضى عليه بالبينة، ولزمه الحق بالقضاء ويثبت حكم البينة به، أما بدون
القضاء فلا يثبت بالبينة حكم، وكذا لا تعتبر في غير مجلس القاضي. قال في الأشباه: لا يجوز
للمدعى عليه الانكار إذا كان عالما بالحق، إلا في دعوى العيب فإن للبائع إنكاره ليقيم المشتري البينة
عليه ليتمكن من الرد على بائعه، وفي الوصي إذا علم بالدين. كذا في بيوع النوازل.
قال في البحر: وظاهر ما في الكتاب أن القاضي لا يمهل المدعى عليه إذا استمهله، وليس
كذلك، ففي البزازية: ويمهله ثلاثة أيام إن قال المطلوب لي دفع وإنما يمهله هذه المدة لأنهم كانوا
يجلسون في كل ثلاثة أيام أو جمعة، فإن كان يجلس كل يوم ومع هذا أمهله ثلاثة أيام جاز، فإن مضت
لمدة ولم يأت بالدفع حكم ا ه‍. قوله: (أو أنكر فبرهن) ظاهره أن البينة لا تقام على مقر. قال في
البحر: وظاهر ما في الكتاب أن البينة لا تقام إلا على منكر فلا تقام على مقر. وكتبنا في فوائد كتاب

37
القضاء أنها تقام على المقر في وارث مقر بدين على الميت فتقام عليه للتعدي، وفي مدعى عليه أقر
بالوصاية فبرهن الوصي، وفي مدعى عليه أقر بالوكالة فيثبتها الوكيل، ثم زدت الآن رابعا من جامع
الفصولين من فصل الاستحقاق قال: المرجوع عليه عند الاستحقاق لو أقر الاستحقاق ومع ذلك
برهن الراجع على الاستحقاق كان له أن يرجع على بائعه إذ الحكم وقع ببينة لا بإقرار، لأنه محتاج إلى
أن يثبت عليه الاستحقاق ليمكنه الرجوع على بائعه. وفيه لو برهن المدعي ثم أقر المدعى عليه بالملك له
يقضي له بالاقرار لا ببينة، إذا البينة إنما تقبل على المنكر لا على المقر. وفيه من موضع آخر: فهذا يدل
على جواز إقامتها مع الاقرار في كل موضع يتوقع الضرر من غير المقر لولاها فيكون هذا أصلا. ا ه‍.
قوله: (بلا طلب المدعي) وإعلامه المدعى عليه أنه يريد القضاء عليه أدب غير لازم وتقدم في القضاء
أنه متى قامت البينة العادلة وجب على القاضي الحكم بلا تأخير.
مطلب: لا يجوز للقاضي تأخير الحكم بعد شرائطه إلا في ثلاث
قال في الأشباه: لا يجوز للقاضي تأخير الحكم بعد شرائطه إلا في ثلاث مواضع: الأولى:
رجاء الصلح بين الأقارب. الثانية: إذا استمهل المدعي. الثالثة: إذا كان عنده ريبة ا ه‍. قوله: (وإلا
حلفه الحاكم) لأنه لا بد أولا من سؤال القاضي المدعي بعد إنكار الخصم عن البينة ليتمكن من
الاستحلاف لان النبي (ص) قال للمدعي ألك بينة؟ فقال لا، فقال: لك يمينه سأل ورتب اليمين على
عدم البينة، وإنما تعتبر إقامتها بعد الانكار والاستشهاد من المدعي، حتى لو شهدوا بعد الدعوى
والانكار بدون طلب المدعي الشهادة لا تسمع عند الطحاوي، وعند غيره تسمع كما في العمادية.
وفيها: ثم بعد صحة الدعوى إنما يستحلف فيها سوى القصاص بالنفس في موضع يجوز القضاء
بالنكول. وفي موضع: لا يجوز القضاء بالنكول لا يجوز الاستحلاف. وتحليف الأخرس أن يقال له
عليك عهد الله وميثاقه أنه كان كذا فيشير بنعم. بحر. وإنما يظهر لو كان يسمع. وانظر حكم
الأخرس الذي لا يسمع، ولا يستحلف الأب في مال الصبي ولا الوصي في مال اليتيم ولا المتولي في
مال الوقف، وسيأتي في كلام المصنف ويذكر تمامه إن شاء الله تعالى. قوله: (بعد طلبه) قيد به لان
الحلف حقه، ولهذا أضيف إليه بحرف اللام في الحديث وهي للتمليك، وإنما صار حقا له لان المنكر
قصد إتواء حقه على زعمه بالانكار فمكنه الشارع من إتواء نفسه باليمين الكاذبة، وهي الغموس إن
كان كاذبا كما يزعم وهو أعظم من إتواء المال، وإلا يحصل للحالف الثواب بذكر الله تعالى، وهو
صادق على وجه التعظيم، ولا بد أن يكون النكول في مجلس القضاء لان المعتبر يمين قاطع للخصومة،
ولا عبرة لليمين عند غيره. ولو حلفه القاضي بغير طلبه ثم طلب المدعي التحليف فله أن يحلفه ثانيا
كما في العمادية. ولو حلف بطلب المدعي بدون تحليف القاضي لم يعتبر، وإن كان بين يديه، لان
التحليف حق القاضي بطلب المدعي كما في القنية. ويأتي تمامه في كلام المصنف. وأطلق الحالف
فيشمل المسلم والكافر ولو مشركا، إذ لا ينكر أحد منهم الصانع فيعظمون اسم الله تعالى ويعتقدون
حرمته، لا الدهرية والزنادقة وأهل الإباحة، وهؤلاء أقوام لم يتجاسروا على إظهار نحلهم في عصر من
الاعصار إلى يومنا هذا، ونرجو من فضل الله تعالى على أمة حبيبه أن لا يقدرهم على إظهار ما انتحلوه

38
إلى انقضاء الدنيا كما في البدائع. ثم إذا حلف لا يبطل حقه بيمينه لكنه ليس له أن يخاصم ما لم يقم
البينة على وفق دعواه، فإن وجدها أقامها وقضي له بها. درر.
قال الزيلعي: وهل يظهر كذب المنكر بإقامة البينة؟ والصواب أنه لا يظهر حتى لا يعاقب عقوبة
شاهد الزور. ا ه‍.
وفيه أيضا أنه لا يحنث لو كان حلفه بالطلاق ونحوه. وقيل عند أبي يوسف، يظهر كذبه. وعند
محمد: لا يظهر. ا ه‍.
وفي الخانية: وفي رواية عن محمد: يظهر أيضا، والفتوى على أنه يحنث، وهكذا في الولوالجية
وذكر في المنبع. والفتوى في مسألة الدين أنه لو ادعاه بلا سبب فحلف ف ثم برهن ظهر كذبه، وإن
ادعاه بسبب فحلف أنه لا دين عليه ثم برهن على السبب لا يظهر كذبه، لجواز أنه وجد القرض مثلا
ثم وجد الابراء أو الايفاء. ا ه‍. وهكذا في جامع الفصولين، فظهر أن ما اختاره الزيلعي وتبعه في
الدرر من الصواب خلاف ما يفتى به، سيما وقع في أمر الدين. تدبر قوله: (إذ لا بد من طلب اليمين
في جميع الدعاوي) قال في الأشباه: الأصح أنه لا تحليف في الدين المؤجل قبل حلوله، لأنه لا تسوغ
له المطالبة حتى يترتب على إنكاره التحليف. ا ه‍. وإذا أراد تحليفه ينبغي للمدعى عليه أن يسأل القاضي
إن المدعي يدعي حالة أم نسيئة، فإن قال حالة يحلف بالله ما له علي هذه الدراهم التي يدعيها ويسعه
ذلك كما في البحر.
مطلب: يحلف بلا طلب في أربعة مواضع
قوله: (إلا عند الثاني في أربع) قال في البحر: ثم اعلم أنه لا تحليف إلا بعد طلب عندهما في
جميع الدعاوي وعند أبي يوسف: يستحلف بلا طلب في أربعة مواضع في الرد بالعيب: يستحلف
المشتري على عدم الرضا به، والشفيع على عدم إبطاله الشفعة، والمرأة إذا طلبت فرض النفقة على
زوجها الغائب تستحلف أنها لم يطلقها زوجها ولم يترك لها شيئا ولا أعطاها النفقة، والرابع المستحق
يحلف بالله تعالى ما بعت وهذا بناء على جواز تلقين الشاهد. ا ه‍.
والأولى: أن يحلف على أنه لم يستوفه كلا أو بعضا بالذات أو بالواسطة ولم يبرئه منه، ولم يكن
عنده به رهن أو بشئ منه، وقوله بالله ما بعت فيه قصور، والأولى أن يحلف بالله ما خرج عن ملكك
ليشمل ما لو خرج عن ملكه بالبيع وغيره، وانظر للمدعى عليه، وكذا يحلف القاضي البكر الطالبة
للتفريق أنها اختارت الفرقة حين بلغت وإن لم يطلبه الزوج كما في جامع الفصولين.
قال في التتمة: ولو ادعى دعاوى متفرقة لا يحلفه القاضي على كل شئ منها، بل يجمعها ويحلفه
يمينا واحدة على كلها إذا برهن فإنه يحلف كما وصفنا، وهي في الخلاصة. قوله: (قال) أي البزازي.
قوله: (وأجمعوا على التحليف) أي وإن أقر به المريض في مرض موته كما في الأشباه عن التتارخانية،
وقدمه الشارح قبيل باب التحكيم من القضاء. قوله: (في دعوى الدين) قال في البحر: ولا خصوصية
لدعوى الدين بل في كل موضع يدعي حقا في التركة وأثبته بالبينة فإنه يحلف من غير خصم، بل وإن
أبى الخصم كما صرح به في البزازية لأنه حق الميت أنه ما استوفى حقه وهو مثل حقوق الله تعالى يحلف
من غير دعوى. كذا في الولوالجية. ا ه‍. وقيد بإثباته بالبنية لأنه لو أقر به الوارث أو نكل عن اليمين

39
المتوجهة عليه لا يحلف كما يعلم من مسألة إقرار الورثة بالدين ومما قدمناه من كون الاقرار حجة
بنفسه، بخلاف البينة. تأمل. لكن ذكر في خزانة أبي الليث خمسة نفر جائز للقاضي تحليفهم، ثم قال:
ورجل ادعى دينا في التركة يحلفه القاضي بالله العظيم جل ذكره ما قبضته. ا ه‍. فهذا مطلق وما هنا
مقيد بما إذا أثبته بالبينة، وتعليلهم بأنه حق الميت ربما يعكر على ما تقدم. وقد يقال: التركة ملكهم
خصوصا عند عدم دين على الميت، وقد صادف إقرارهم ملكهم فأنى يرد، بخلاف البينة فإنها حجة
قائمة من غيرهم عليهم فيحتاط فيها، وأما الاقرار فهو حجة منهم على أنفسهم فلا يتوقف على شئ
آخر.
وأقول: ينبغي أن يحلفه القاضي مع الاقرار فيما إذا كان في التركة دين مستغرق لعدم صحة
إقرارهم فيها والحال هذه فيحلفه القاضي بطلب الغرماء إذا أقام بينة وبغير طلبهم، لكن إذا صدقوه
شاركهم لأنهم أقروا بأن هذا الشئ الذي هو بينهم خاص بهم لهذا فيه شركة معنا بقدر دينه. تأمل.
قال في البحر: ولم أر حكم من ادعى أنه دفع للميت دينه وبرهن، هل يحلف؟ وينبغي أن يحلف
احتياطا. ا ه‍.
قال الرملي: ينبغي أن لا يتردد في التحليف أخذا من قولهم الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها،
وإذا كان كذلك فهو قد ادعى حقا للميت. ا ه‍. ذكره الغزي.
وأقول: ينبغي أن يقال بدل اللام على كما هو ظاهر.
وأقول: قد يقال: إنما يحلف في مسألة مدعي الدين على الميت احتياطا لاحتمال أنهم شهدوا
باستصحاب الحال وقد استوفى في باطن الامر.
وأما في مسألة دفع الدين فقد شهدوا على حقيقة الدفع فانتفى الاحتمال المذكور، فكيف يقال:
ينبغي أن لا يتردد في التحليف؟ تأمل. وسيأتي ذلك في أواخر دعوى النسب. قوله: (بل يحبس) أي
يحبسه القاضي، لأنه ظالم فجزاؤه الحبس. قوله: (ليقرأ وينكر) هذا عند أبي حنيفة، وقالا: يستحلفه
كما في المجمع، وجه قولهما: إن كلاميه تعارضا وتساقطا فكأنه لم يتكلم بشئ فكان ساكتا،
والسكوت بلا آفة نكول فيستحلفه القاضي ويقضي بالنكول كما في المنبع. وفي البدائع: هو الأشبه.
قوله: (وكذا لو لزم السكوت بلا آفة عند الثاني) أي فإنه يحبس لأنه نكول حكما، وهو قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى، وعند أبي يوسف: السكوت ليس بإنكار، فحبس إلى أن يجيب. صرح به
السرخسي. وقولهما: هو الأشبه كما في البدائع وهو الصحيح كما في المنبع، وصرح في روضة
الفقهاء أن السكوت ليس بإنكار بلا خلاف.
وفي القنية والبزازية: الفتوى على قول أبي يوسف: فلو سكت الخصم بلا آفة وقضى صح،
وكذا لو نكل مرة لان اليمين واجبة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام البينة على المدعي واليمين
على من أنكر ترك هذا الواجب بالنكول دليل على أنه باذل ومقر، وإلا قدم على اليمين تفصيا عن
عهدة الواجب ودفعا للضرر عن نفسه ببذل المدعي أو الاقرار به، والشرع ألزمه التورع عن اليمين
الكاذبة دون الترفع عن اليمين الصادقة، فترجح هذا الجانب: أي جانب كون الناكل باذلا أو مقرا على
جانب التورع في نكوله. كذا في الدرر. وسيأتي تمامه. قوله: (عند الثاني) وعندهما: إذا لزم السكوت

40
يؤخذ منه كفيل، ثم يسأل جيرانه عسى أن يكون به آفة في لسانه أو سمعه، فإن أخبروا أنه لا آفة به
يحضر مجلس الحكم، فإن سكت ولم يجب ينزله منكرا: أي فيحلف من غير حبس ط. قوله: (لما أن
الفتوى على قول الثاني) أقول: ظهر مما هنا ومما تقدم أنه قد اختلف التصحيح والترجيح، ولكن
الأرجح قول أبي يوسف لما يقال فيه: وعليه الفتوى، وقد مر غير مرة ويأتي. قوله: (ثم نقل عن
البدائع الخ) راجع إلى قول المتن وإذا قال الخ.
قال في البحر: وفي المجمع: ولو قال لا أقر ولا أنكر فالقاضي لا يستحلفه. قال الشارح: بل
يحبس عند أبي حنيفة حتى يقر أو ينكر، وقالا: يستحلف. وفي البدائع: الأشبه أنه إنكار. ا ه‍. وهو
تصحيح لقولهما: فإن الأشبه من ألفاظ التصحيح كما في البزازية.
فحاصل ما في البحر: اختيار قول الثاني لو لزم السكوت بلا آفة فإنه يحبس حتى يقر أو
ينكر، واختيار قولهما فيما إذا قال لا أقر ولا أنكر يقتضي اختيار جعله إنكارا في مسألة السكوت
بالأولى، فكان نقل صاحب البحر تصحيح الثاني رجوعا عما أفتى به أولا في مسألة السكوت، فلذا
قال الشارح ثم نقل الخ ليفيد أن تصحيح ما في البدائع يقتضي تصحيح قول الامامين في الأولى،
ولا يشكل ما قدمناه عن روضة الفقهاء من أن السكوت ليس بإنكار بلا خلاف، لان الكلام هما فيما
إذا لزم السكوت، وما هناك لا يعد نكولا بمجرد سكوته فيقضى عليه، وشتان ما بينهما: قوله:
(اصطلحا على أن يحلف الخ) سيذكر الشارح لو قال: إذا حلفت فأنت برئ من المال فحلف ثم برهن
على الحق قبل، لكن هنا اليمين من المدعي، وسيأتي الكلام عليه ثمة. قوله: (لان اليمين حق القاضي
مع طلب الخصم) الأولى كما في البحر عن القنية: لان التحليف حق القاضي ا ه‍. حتى لو أبرأه
الخصم عنه لا يصح. بزازية. وكما أن التحليف عند غير القاضي، لا يعتبر فكذلك النكول عند غيره
لا يوجب الحق، لا نص المعتبر يمين قاطعة للخصومة، واليمين عند غير القاضي غير قاطعة. درر.
وكذلك لا عبرة لها عنده بلا تحليفه كما قيده بقوله مع طلب الخصم، لكن الذي يشير إليه كلام الدرر
والعيني أن اليمين حق المدعي.
واستدل له في الدرر بقوله: ولهذا أضيف إليه بحرف اللام في الحديث، وهو قوله عليه الصلاة
والسلام: لك يمينه قال: ووجه كونه حقا له أن المنكر قصد إتواء حقه الخ، وكان الأولى له أن يعلل
المسألة بقوله: لان المعتبر يمين قاطعة للخصومة الخ، ثم يستدرك بما نقله المصنف عن القنية الآتي
ذكره، فلو فعل ذلك لسلم من التكرار. قوله: (ولا عبرة الخ) أي ولا يعتبر إبراؤه المعلق بهذا الشرط،
لان الابراء من الدين لا يصح تعليقه بالشرط كما تقدم. قوله: (فلو برهن عليه أي على حقه يقبل)
هذا لا يصلح تفريعا على ما قبله، فإنه لو حلف عند قاض ثم برهن المدعي يقبل كما سيأتي ح. إلا أن
يقال: إنما فرعه عليه باعتبار قوله: وإلا يحلف ثانيا عند قاض: أي حيث لم يعتبر حلفه عند غير

41
القاضي له تحليفه عند القاضي عند عدم البينة، بخلاف ما لو حلفه عند قاض فإنه لا يحلف ثانيا لان
الحلف الأول معتبر، وهذا معنى قوله: إلا إذا كان حلفه الخ. قوله: (إلا إذا كان حلفه الأول عنده)
أي عند قاض فيكفي: أي لا يحتاج إلى التحليف ثانيا. هذا، وموقع للاستثناء كما لا يخفى ح: أي
لأنه استثناء منقطع، لان فرض المسألة في أن الحلف الأول عند غير قاضي، اللهم إلا أن يكون المراد
عنده قبل تقلده القضاء. تأمل وراجع. قوله: درر عبارتها يحلفه القاضي لو لم يكن حلفه الأول حين
الصلح عنده. قوله: (ونقل المصنف عن القنية هذه المسألة تغاير المتقدمة في المتن. فإن تلك فيما إذا
حلف عند غير قاض، وهذه فيما إذا حلف عند القاضي باستحلاف المدعي لا القاضي ح: أي وكما
أنه لا يصح التحليف إلا عند القاضي لا يصح إلا تحليف القاضي، حتى لو أن الخصم حلف خصمه
في مجلس القاضي لا يعتبر، لان التحليف حق القاضي لا حق الخصم. قوله: (وكذا لو اصطلحا الخ)
في الواقعات الحسامية قبيل الرهن. وعن محمد قال لآخر: لي عليك ألف درهم فقال له الآخر إن
حلفت أنها لك أديتها إليك فحلف فأداها إليه المدعى عليه، إن كان أداها إليه على الشرط الذي شرط
فهو باطل، وللمؤدي أن يرجع بما أدى، لان ذلك الشرط باطل لأنه على خلاف حكم الشرع لان
حكم الشرع أن اليمين على من أنكر دون المدعي، إ ه‍ بحر. قوله: (لم يضمن) ولو أدى له على هذا
الشرط رجع بما أدى لان هذا الشرط باطل كما علمت. قوله: (لحديث البينة على المدعي) تتمته
واليمين على ما أنكر والدليل منه من وجهين الأول أنه عليه الصلاة والسلام قسم بينهما والقسمة
تنافي الشركة، وجعل جنس الايمان على المنكرين وليس وراء الجنس شئ.
الثاني: أن أل في اليمين للاستغراق، لان لام التعريف تحمل على الاستغراق، وتقدم على تعريف
الحقيقة إذا لم يكن هناك معهود، فيكون المعنى: أن جميع الايمان على المنكرين، فلو رد اليمين على
المدعي لزم المخالفة لهذا النص.
الثالث: إن قوله: البينة على المدعي يفيد الحصر، فيقتضي أن لا شئ عليه سواه. قال
القسطلاني: والحكمة في كون البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إن جانب المدعي ضعيف،
لان دعواه خلاف الظاهر، فكانت الحجة القوية عليه وهي البينة، لأنها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع
عنها ضررا فيتقوى بها ضعف المدعي، وجانب المدعى عليه قوي لان الأصل فراغ ذمته فاكتفى فيه
بحجة ضعيفة وهي اليمين، لان الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع عنها الضرر، فكان ذلك في غاية
الحكمة ا ه‍. وهذا من حيث ما ذكره ظاهر: أي من ضعف اليمين، وإلا فاليمين إذا كانت غموسا
مهلكة لصاحبها، فتأمل. قوله: (وحديث الشاهد واليمين) هو ما روي: أنه عليه الصلاة والسلام
قضى بشاهد ويمين " حلبي عن التبيين. قوله: (عيني) عبارته: ولأنه يرويه ربيعة عن سهل بن أبي

42
صالح وأنكره سهل، فلا يبقى حجة بعد ما أنكره الراوي فضلا عن أن يكون معارضا لصحاح المشاهير.
ا ه‍. قوله: (وطلب من القاضي) يعني المدعى عليه. قوله: (أن يحلف المدعي) المناسب أو الشهود،
ويأتي بضميرهم بعد بدل الاسم الظاهر ط. قوله: (أو على أن الشهود) أي أو طلب المدعى عليه من
القاضي أن يحلف الشهود على أنهم صادقون، كما يدل عليه اللحاق ح. قوله: (لا يجيبه القاضي) كما
لا يجيب ذا اليد إذا طلب منه استحلاف المدعي ما تعلم أني بنيت بناء هذه الدار. قنية: أي لأنه خلاف
الشرع. قوله: (إلى طلبته) بكسر اللام ما طلبه والطلبة بالضم السفرة البعيدة والطلاب اسم مصدر
طالب كالطلبة بالكسر قاموس. قوله: (لان الخصم) فيه أنه لم يتقدم منه حلف، فالأولى أن يعلل بقوله
لأنه خلاف الشرع، ويجعل هذا التعليل للثانية، وهو تحليف الشهود على الصدق أو أنهم محقون لا يجيبه
لان الخصم لا يحلف مرتين فكيف الشاهد. قوله: (لان لفظ أشهد عندنا يمين) وإن لم يقل بالله، فإذا
طلب منه الشهادة في مجلس القضاء وقال أشهد فقد حلف. قوله: (لأنا أمرنا بإكرام الشهود) أي وفي
التحليف تعطيل هذا الحق. قوله: (لان لا يلزمه) أي الأداء حينئذ. قوله: (وبينة الخارج) أي الذي
ليس ذا يد. قوله: (وفي الملك المطلق) قيد به لما سيأتي، وأطلقه وهو مقيد بما إذا لم يؤرخا أو أرخا،
وتاريخ الخارج مساو أو أسبق، أما إذا كان تاريخ ذي اليد أسبق، فإنه يقضي
للخارج كما في الظهيرية، وهذا بخلاف المقيد، لان البينة قامت على ما لا يدل عليه فاستويا
وترجحت بينة ذي اليد باليد فيقضى له. هذا هو الصحيح. بحر. قوله: (وهو الذي لم يذكر له سبب)
السبب كشراء وارث فالمطلق ما يتعرض للذات دون الصفات لا بنفي ولا إثبات ط. قوله: (أحق من
بينة ذي اليد) أي أولى بالقبول منها، لان الخارج أكثر إثباتا وإظهارا، لان ملك ذي اليد ظاهر فلا
حاجة إلى البينة: يعني لو ادعى خارج دارا أو منقولا ملكا مطلقا وذو اليد ادعى ذلك وبرهنا ولم يؤرخا
أو أرخا تاريخا واحدا لا تقبل بينة ذي اليد، ويقضي للخارج، أما إذا كان تاريخ ذي اليد أسبق يقضى
لذي اليد، ثم يستوي الجواب بين أن يكون الخارج مسلما أو ذميا أو مستأمنا أو عبدا أو حرا أو امرأة
أو رجلا، وبقولنا في هذه المسألة قال الإمام أحمد، وقال الامام مالك والشافعي وزفر: بينة ذي اليد
أولى. ط باختصار. قوله: (لأنه المدعي) أي وذو اليد مدعى عليه لانطباق تعريف المدعي والمدعى عليه
عليهما. قوله: (بخلاف المقيد بسبب) أي لا يتكرر. قوله: (كنتاج) صورته: أقام كل منهما بينة على
أنها ولدت عنده فذو اليد أولى، لان بينته قد دلت على ما دلت عليه بينة الخارج: أي نظيره ومعه
ترجيح اليد فكان أولى. عيني. قوله: (ونكاح) صورته: أقام كل منهما بينة أنه نكحها فذو اليد أولى
فالمراد بالملك ما يعم الحكمي. قوله: (فالبينة لذي اليد) أي في الصورتين. قوله: (إجماعا) أي لان
بينته قامت على أولوية ملكه فلا يثبت للخارج إلا بالتلقي منه كما سيأتي بيانه مفصلا. قوله: (كما

43
سيجئ) أي فيما يدعيه الرجلان، والأولى ذكر هذه المسألة في مقامها. قوله: (وقضى القاضي الخ)
أي قضى عليه بما ادعاه المدعي، وأفاد أن النكول لا يوجب شيئا إلا إذا اتصل به القضاء وبدونه لا
يوجب شيئا وهو بذل على مذهب الامام، وإقرار على مذهب صاحبيه وحيث لم يقدم على اليمين دل
على أنه بذل الحق أو أقر، وإذا بذل أو أقر وجب على القاضي الحكم به، فكذا إذا نكل. قوله:
(حقيقة) الأولى ذكره بعد قوله مرة لان المتصف بكونه حقيقة وحكما أو صريحا ودلالة إنما هو
النكول كما في العيني. قوله: (أو حكما كأن سكت).
أقول: تقدم أنه منكرا على قولهما، وعلى قول أبي يوسف يحبس إلى أن يجيب، ولكن الأول
فيما إذا لزم السكوت ابتداء ولم يجب على الدعوى بجواب، وهذا فيما إذا أجاب بالانكار ثم لزم
السكوت تأمل. كذا أفاده الخير الرملي. ومفاد ذكر المصنف للحكمي بالسكوت تصحيح لقولهما أيضا
منقول عن السراج، كما تقدم اقتضاء تصحيحه عن البحر بعد أن أفتى بخلافه. قوله: (من غير آفة)
أما إذا كان بها فهو عذر كما في الاختيار، ويأتي قريبا بيانه. قوله: (كخرس) وآفة باللسان تمنع الكلام
أصلا. قوله: (وطرش) يقال طرش يطرش طرشا من باب علم: أي صار أطروشا، وهو الأصم.
قوله: (في الصحيح) أي على قول الثاني الذي عليه الفتوى كما تقدم. وقيل إذا سكت يحبسه حتى
يجيب، وأما إذا كان به آفة الخرس فإنه إما أن يحسن الكتابة، أو يسمع أو لا يحسن شيئا، فإذا لم يسمع
وله إشارة معروفة فإشارته كالبيان، وإن كان مع ذلك أعمى نصب القاضي له وصيا، ويأمر المدعي
بالخصومة معه إن لم يكن له أب أو جد أو وصيهما، وإذا كان يسمع يقول له القاضي عليك عهد الله
وميثاقه إن كان كذا، فإن أومأ برأسه أن نعم فإنه يصير حالفا في هذا الوجه، ولا يقول له بالله إن كان
كذا لأنه إن أشار برأسه أن نعم لا يصير حالفا بهذا الوجه بل مقرا كما في شرح الوهبانية. قوله:
(وعرض) مبتدأ خبره قوله ثم القضاء. قوله: (أحوط) أي على وجه الندب، وإنما لم يعرج عليه
المصنف لأنه غير ظاهر الرواية. قال في الكافي: ينبغي للقاضي أن يقول إني أعرض عليك اليمين
ثلاث مرات فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعى، وهذا الانذار لاعلامه بالحكم إذ هو مجتهد فيه
فكأنه مظنة الخفاء ا ه‍. وعن أبي يوسف ومحمد: أن التكرار حتم حتى لو قضى القاضي بالنكول مرة
لا ينفذ، والصحيح أنه ينفذ وهو نظير إمهال المرتد كما في التبيين.
قال القهستاني: لو كان مع الخصم بينة ولم يذكرها، وطلب يمين المنكر يحل له إن ظن أنه ينكل.
وأما إذا ظن أنه يحلف كاذبا لم يعذر في التحليف ثم على الأحوط، ذكر في الخانية ولو أن القاضي
عرض عليه اليمين فأبى، ثم قال قبل القاضي أنا أحلف بحلفه ولا يقضي عليه بشئ، وهذا الأحوط
جعله صدر الشريعة متنا. فتنبه. لكن جعله ابن ملك مستحبا في موضع الخفاء ويترجح ما في الخانية
بكون المتن منع الحلف بعد القضاء فافهم أنه قبله لا يمنع منه. قوله: (وهل يشترط) الأولى وهل
يفترض. قوله: (على فور النكول خلاف) أي فيه خلاف، ولم يبين الفور بماذا يكون. حموي.
قال ط: قلت: هو ظاهر، وهو أن يقضي عقبه من غير تراخ قبل تكراره أو بعده على القولين.

44
قوله: (قلت قدمنا) أي في كتاب القضاء: أي وجزمهم هناك به مطلقا حيث شمل كلامهم هناك ما
بعد البينة والاقرار، والنكول ترجيح لزوم الفور الذي هو أحد القولين، وكأن المصنف غفل عنه حيث
قال فيه: لم أر فيه ترجيحا، إلا أن الحموي في حاشية الأشباه قال: اعلم أنه يجب على القاضي الحكم
بمقتضى الدعوى عند قيام البينة على سبيل الفور، وعزاه لجامع الفصولين وقد خصه بالبينة كما ترى،
فلا يفيد ترجيح أحد القولين في لزوم القضاء فورا بعد النكول، وحينئذ فما ذكر من الاستدراك فمحله
بعد البينة أو اليمين، فتدبر. قوله: (إلا في ثلاث) قدمنا أنها أن يرتاب القاضي في طريق القضاء
كالبينة وأن يستمهل الخصم: أي المدعي، وأن يكون لرجاء الصلح بين الأقارب، وظاهره أنه لا
خلاف. قوله: (لا يلتفت إليه) لأنه أبطل حقه بالنكول فلا ينقض به القضاء قيد بالقضاء، لأنه قبله إذا
أراد أن يحلف يجوز، ولو بعد العرض كما في الدرر، أما لو أقام البينة بعد النكول فإنها تقبل كما يأتي
قريبا. قوله: (فبلغت طرق القضاء ثلاثا) بينة وإقرار ونكول، وهو تفريع على قوله فإن أقر أو أنكر
الخ. قوله: (سبعا) فيه أن القضاء بالاقرار مجاز كما تقدم، والقسامة داخلة في اليمين، وعلم القاضي
مرجوح والقرينة مما انفرد بذكرها ابن الغرس فرجعت إلى ثلاث، فتأمل ط. قوله: (بينة) لا شك أن
البينة طريق للقضاء وأن الحكم لا يثبت بالبينة حتى يقضي بها كما تقدم. قوله: (وإقرار) تقدم أن الحق
يثبت به بدون حكم، وإنما يأمره القاضي بدفع ما لزمه بإقراره، وليس لزوم الحق بالقضاء كما لو ثبت
بالبينة، فجعل الاقرار طريقا للقضاء إنما هو ظاهرا، وإلا فالحق ثبت به لا بالقضاء. قوله: (ويمين)
ليس اليمين طريقا للقضاء، لان المنكر إذا حلف وعجز المدعي عن البينة يترك المدعي في يده لعدم
قدرة المدعي على إثباته لا قضاء له بيمينه كما صرحوا به، ولذا لو جاء المدعي بعد ذلك بالبينة يقضي
له بها، ولو ترك المال في يده قضاء له لم ينقض فجعله طريقا للقضاء إنما هو ظاهر باعتبار أن القضاء
يقطع النزاع، وهذا يقطعه لان الاتيان بالبينة بعد العجز عنها نادر. قوله: (ونكول عنه) الفرق بين
النكول والاقرار أن الاقرار موجب للحق بنفسه لا يتوقف على قضاء القاضي، فحين الاقرار يثبت الحق
كما ذكرنا، وأما النكول فليس بإقرار صريحا ولا دلالة لكن يصير إقرارا بقضاء القاضي بإنزاله مقرا،
وعليه يظهر كونه رابعا. أما لو أرجعناه إلى الاقرار فلا يظهر كونه رابعا كما في المحيط. قوله:
(وقسامة) قال المصنف: وسيأتي أن القسامة من طرق القضاء بالدية. قوله: (وعلم قاض على المرجوح)
وظاهر ما في جامع الفصولين أن الفتوى أنه لا يقضي بعلمه لفساد قضاة الزمان. بحر. قوله:
(والسابع قرينة) ذكر ذلك ابن الغرس. قال في البحر: ولم أره إلى الآن لغيره. ا ه‍.
قال بعض الأفاضل: صريح قول ابن الغرس فقد قالوا: إنه منقول عنهم، لا أنه قاله من عند
نفسه، وعدم رؤية صاحب البحر له لا يقتضي عدم وجوده في كلامهم، والمثبت مقدم. لكن قال
الخير الرملي: ولا شك أن ما زاده ابن الغرس غريب خارج عن الجادة، فلا ينبغي التعويل عليه ما لم
يعضده نقل من كتاب معتمد فلا تغتر به، والله تعالى أعلم. ا ه‍.
والحق أن هذا محل تأمل، ولا يظن أن في مثل ذلك يجب عليه القصاص مع أن الانسان قد يقتل

45
نفسه وقد يقتله آخر ويفر. وقد يكون أراد قتل الخارج فأخذ السكين وأصاب نفسه فأخذها الخارج وفر
منه وخرج مذعورا، وقد يكون اتفق دخوله فوجده منقولا فخاف من ذلك وفر، وقد يكون السكين
بيد الداخل فأراد قتل الخارج ولم يتخلص منه إلا بالقتل، فصار دفع الصائل، فلينظر التحقيق في هذه
المسألة.
والحاصل: أن القضاء في الاقرار مجاز والقسامة داخلة في اليمين وعلم القاضي مرجوح والقرينة
مما انفرد بها ابن الغرس فرجعت إلى ثلاث، فتأمل. لكن في المجلة مادة 1471 قد اعتبر القرينة
القاطعة البالغة حد اليقين وصدر الامر السلطاني بالعمل بموجبها. قوله: (ينبغي) أي تورعا ندبا بدليل
قوله تحرزا لان اتقاء الشبهات مندوب لا واجب، وهو عند من يضن بدينه منزلة الواجب خوفا من
اليمين الفاجرة التي تدع الديار بلاقع: أي خالية عن أهلها وخوفا من أكل مال الغير، لكن قد يقال:
أن التحرز عن الحرام واجب لا مندوب. تأمل. قوله: (وإن أبى خصمه) هذه غير مسألة الشك،
وقوله بأن غلب على ظنه أنه محق تقدم أن الشك نظيره. قوله: (حلف) لجواز بناء الاحكام والحلف
على غالب الظن، وإلا سلم أن لا يفعل بذلا للدنيا لحفظ الدين، بل لو تحقق إبطال المدعي الأولى في
حقه أن يبذل له ما يدعيه ولا يحلف كما فعله السلف الصالح منهم عثمان بن عفان رضي الله تعالى
عنه. قوله: (بأن غلب على ظنه) ظاهر هذه العبارة مشكل، لأنه يقتضي أنه إذا استوى عنده الطرفان
أنه يحلف، وليس كذلك، بل لا يجوز له الحلف إلا إذا غلب على ظنه أنه محق، والشارح هنا تبع
المصنف في هذه العبارة. والذي نقله في البحر عن البزازية أن أكبر رأيه أن المدعي محق لا يحلف، وإن
مبطل ساغ له الحلف، وهو في غاية الحسن. قوله: (وتقبل البينة الخ) لامكان التوفيق بالنسيان ثم
بالتذكر، بخلاف ما لو قال ليس لي حق ثم ادعى حقا لم تسمع للتناقض. قوله: (خلافا لما في شرح
المجمع) عبارة ابن ملك فيه. وفي المحيط: إذا قال ليس لي بينة على هذا ثم أقام البينة عليه لا تقبل عند
أبي حنيفة لأنه كذب بينته، وتقبل عند محمد، لأنه يحتمل أنه كان له بينة ونسيها انتهى. فقد ذكر خلافا
في المسألة لكنه لم يتعرض لليمين، ورجح في السراجية قول محمد. وفي الدرر قال لا بينة لي ثم برهن
أولا شهادة ثم شهد، فيه روايتان: في رواية لا تقبل لظاهر التناقض، وفي رواية تقبل، والأصح
القبول. وحينئذ فلا منافاة بين ما ذكره وبين ما في المجمع بل حكى قولين. تأمل. لكن الآن قد صدر
أمر السلطان نصره الرحمن بالعمل بموجب المجلة من أنه إذا قال المدعي لا بينة لي أبدا ثم أحضر بينة لا
تقبل أو قال ليس لي بينة سوى فلان وفلان وأتى بغيرهما لا تقبل كما هو مصرح به في المجلة في مادة
3571. قوله: (بعد يمين المدعى عليه) لان حكم اليمين انقطاع الخصومة للحال مؤقتا إلى غاية إحضار
البينة عند العامة وهو الصحيح. وقيل انقطاعها مطلقا ط. وقوله بعد اليمين متعلق بتقبل: أي لو
حلف المدعى عليه عند عدم حضور البينة من المدعي سواء قال لا بينة لي أو لا ثم أتى بها تقبل. قوله:

46
(كما تقبل البينة بعد القضاء بالنكول) أي لو نكل المدعى عليه عن اليمين وقضى عليه بالنكول ثم جاء
المدعي بالبينة يقضي بها: أي كما يقضي بها مع الاقرار في مسائل وقد مرت، فإن قيل ما فائدة قبولها
بعده، وقد لزم حق المدعي بالقضاء.
قلت: فائدتها التعدي إلى غيره في الرد بالعيب، لان النكول إقرار وهو حجة قاصرة، بخلاف
البينة. قوله: (خانية) قال في البحر: ثم اعلم أن القضاء بالنكول لا يمنع المقضى عليه من إقامة البينة
بما يبطله لما في الخانية من باب ما يبطل دعوى المدعي: رجل اشترى من رجل عبدا فوجد به عيبا
فخاصم البائع فأنكر البائع أن يكون العيب عنده فاستحلف فنكل فقضى عليه وألزمه العبد ثم
قال البائع بعد ذلك قد كنت تبرأت إليه من هذا العيب وأقام البينة قبلت بينته. ا ه‍.
أقول: إن كان مبني ما ذكره من القاعدة هو ما نقله عن الخانية ففيه نظر، فإن نكوله عن الحلف
بذل أو إقرار بأن العيب عنده، فإقامته البينة بعده على أنه تبرأ إليه من هذا العيب مؤكد لما أقر به في
ضمن نكوله، أما لو ادعى عليه مالا ونكل عن اليمين فقضى عليه به يكون إقرارا به وحكما به، فإذا
برهن على أنه كان قضاه إياه يكون تناقضا ونقضا للحكم، فبين المسألتين فرق، فكيف تصبح قاعدة
كلية، ثم لا يخفى أن كلام البحر في إقامة المقضى عليه البينة، وظاهر كلام الشارح أن المدعي هو
الذي أقام البينة كما يدل عليه السياق، فلا يدل عليه ما في الخاني من هذا الوجه أيضا.
وعبارة صاحب البحر في الأشياء: وتسمع الدعوى بعد القضاء بالنكول كما في الخانية. قال
محشيها الحموي في الخانية في باب ما يبطل دعوى المدعي ما يخالف ما ذكره، وعبارته: ادعى عبدا في
يد رجل أنه له فجحد المدعى عليه فاستحلفه فنكل وقضى عليه بالنكول ثم إن المقضى عليه أقام البينة
أنه كان فاشترى هذا العبد من المدعي قبل دعواه لا تقبل هذه البينة، إلا أن يشهد أن كان اشتراه منه
بعد القضاء. وذكر في موضع آخر أن المدعى عليه لو قال كنت اشتريته منه قبل الخصومة وأقام البينة
قبلت بينته ويقضي له انتهى.
قلت: وذكر في البحر في فصل رفع الدعوى عن البزازية: وكان يصح الدفع قبل البرهان يصح
بعد إقامته أيضا، وكذا يصح قبل الحكم كما يصح بعده، ودفع الدفع ودفعه وإن كثر صحيح في
المختار، وسنذكر تمامه هناك إن شاء الله تعالى. لكن ذكر في البحر في أول فصل دعوى الخارجين عن
النهاية ما نصه: ولو لم يبرهنا حلف صاحب اليد، فإن حلف لهما تترك في يده قضاء ترك لا قضاء
استحقاق، حتى لو أقاما البينة بعد ذلك يقضي بها، وإن نكل لهما جميعا يقضي به بينهما نصفين، ثم
بعده إذا أقام صاحب اليد البينة أنه ملكه لا يقبل، وكذا لو ادعى أحد المستحقين على صاحبه وأقام بينة
أنها ملكه لا تقبل لكونه صار مقضيا عليه. ا ه‍. ولعله مبني على القول الآخر المقابل للقول المختار.
تأمل. قوله: (عند العامة وهو الصحيح) راجع إلى القضاء بالبينة بعد اليمين بدليل تعليله بقول سيدنا
شريح: إذ لا يمين فاجرة مع النكول وبدليل قوله: ولأن اليمين الخ والمراد بالعامة الكافة لا ما قابل
الخاصة. قوله: (ويظهر كذبه) فيعاقب معاقبة شاهد الزور، ولو ألحق بيمينه يمين طلاق أو عتاق يقع

47
عليه. قوله: (بلا سبب) تقدم أنه لا يصح دعوى إلا بعد ذكر سببه، والحلف لا بد أن يكون بعد
صحة الدعوى. تأمل. فكيف يقال: لو ادعاه بلا سبب، اللهم إلا أن يقال: إن هذا في دعوى عين
لا دين. قوله: (حتى يحنث في يمينه) أي لو كان بطلاق أو عتاق لأنه هو الذي يدخل تحت القضاء.
قوله: (وعليه الفتوى) وهو قول أبي يوسف. قوله: (طلاق الخانية) وعبارتها: ادعى عليه ألفا فقال
المدعى عليه إن كان لك علي ألف فامرأتي طالق، وقال المدعي إن لم يكن لي عليك ألف فامرأتي طالق،
فأقام المدعي بينة على حقه وقضى القاضي به وفرق بين المدعى عليه وبين امرأته. وهذا قول أبي يوسف
وإحدى الروايتين عن محمد، وعليه الفتوى. فإن أقام المدعى عليه البينة بعد ذلك أنه كان أوفاه ألف
درهم تقبل دعواه، ويبطل تفريق القاضي بين المدعى عليه، وبين امرأته، وتطلق امرأة المدعي إن زعم
أنه لم يكن له على المدعى عليه إلا ألف درهم، وإن أقام المدعي البينة على إقرار المدعى عليه بألف قالوا
لم يفرق القاضي بين المدعى عليه وبين امرأته.
أقول: ظهر لك مما نقلناه ومن عبارة الشارح أن عبارة الشارح غير محررة، لان الذي نقله في
البحر عن طلاق الخانية والولجية من الحنث مطلق عن التقييد بالسبب وعدمه. وما في الدرر من
عدم الحنث مطلقا جعلوه إحدى الروايتين عن محمد، والذي جعلوا الفتوى عليه هو الرواية الثانية
عنه، وهو قول أبي يوسف، والتفصيل المذكور في المتن ذكره في جامع الفصولين، وسنذكر قريبا إن
شاء الله تعالى. قوله: (خلافا لاطلاق الدرر) تبعا للتبيين، وعبارتها: وهل يظهر كذب المنكر بإقامة
البينة؟ والصواب أنه لا يظهر كذبه حتى لا يعاقب عقاب شاهد الزور ا ه‍. ومثله في العيني تبعا
للزيلعي. وقيل عند أبي يوسف: يظهر كذبه، وعند محمد لا يظهر لجواز أن يكون له بينة أو شهادة
فنسيها ثم ذكرها، أو كان لا يعلمها ثم علمها. وقيل: تقبل إن وفق وفاقا. ذكره في الملتقط. وكذا
إذا قال لا دفع لي ثم أتى بدفع ففيه روايتان. وقيل: تقبل إن وفق وفاقا. ذكره في الملتقط. وكذا
إذا قال لا دفع لي ثم أتى بدفع ففيه روايتان. وقيل: لا يصح دفعه اتفاقا لان معناه ليس لي دعوى
الدفع، ومن قال لا دعوى لي قبل فلان ثم ادعى عليه لا تسمع، كذا ها هنا. وبعضهم قال: يصح
وهو الأصح، لان الدفع يحصل بالبينة على دعوى الدفع لا بدعوى الدفع فيكون قوله لا دفع لي بمنزلة
قوله لا بينة لي. كذا في العمادية. قوله: (وإن ادعاه بسبب) كقرض. قوله: (أنه لا دين عليه) ظاهره
أنه لو حلف أنه لم يقرضه يحنث وهو ظاهر ط. قوله: (ثم أقامها المدعي) سيعيد الشارح المسألة في
أثناء هذا الباب. قوله: (ثم وجد الابراء أو الايفاء) بحث فيه العلامة المقدسي بأن الأصل في الثابت
أن يبقى على ثبوته، وقد حكمتهم لمن شهد له بشئ أنه كان له أن الأصل بقاؤه، وإذا وجد السبب ثبت
والأصل بقاؤه انتهى.
وأجاب عنه سيدي الوالد رحمه الله تعالى بأن إثبات كون الشئ له يفيد ملكيته له في الزمن
السابق، واستصحاب هذا الثابت يصلح لدفع من يعارضه في الملكية بعد ثبوتها له، وقد قالوا:
الاستصحاب يصلح للدفع لا للاثبات، وإذا أثبتنا الحنث بكون الأصل بقاء القرض يكون من الاثبات
بالاستصحاب وهو لا يجوز، فالفرق ظاهر. فتأمل. قوله: (وعليه الفتوى) أي على التفصيل الذي في
المصنف، ومقابله إطلاق الدرر تبعا للزيلعي، بل هو الذي عن إطلاق الخانية كما يفيده سياق المنح،

48
ويستغني بعبارته هنا عن قوله أولا وعليه الفتوى. طلاق الخانية ط. قوله: (فصولين) قال في البحر
وفي الجامع: والفتوى في مسألة الدين أنه لو ادعاه بلا سبب فحلف ثم برهن ظهر كذبه، ولو ادعاه
بسبب وحلف أنه لا دين عليه ثم برهن على السبب لا يظهر كذبه، لجواز أنه وجد القرض ثم وجد
الابراء أو الايفاء ا ه‍.
فإن قلت: هل يقضي بالنكول عن اليمين لنفي التهمة كالأمين إذا ادعى الرد أو الهلاك فحلف
ونكل عن اليمين التي للاحتياط في مال الميت كما قدمناه؟.
قلت: أما الأول فنعم كما في القنية، وأما الثاني فلم أره إ ه‍. وعبارة البحر: قال الرملي:
والوجه يقتضي القضاء بالنكول فيها أيضا، إذ فائدة الاستحلاف القضاء بالنكول كما هو ظاهر. تأمل.
قال في نور العين: حلف أن لادين عليه ثم برهن عليه المدعي، فعند محمد لا يظهر كذبة في يمنه إذ
البينة حجة من حيث الظاهر، وعند أبي يوسف يظهر كذبه فيحنث. والفتوى في مسألة الدين: أنه لو
ادعاه بلا سبب فحلف ثم برهن عليه يظهر كذبه، ولو ادعاه بسبب وحلف أن لا دين عليه ثم برهن
على السبب لا يظهر كذبه، لجواز أن وجد القرض ثم وجد الايفاء أو الابراء.
قلت: حلف بطرق أو عتق ماله عليه شئ فشهدا عليه بدين له وألزمه القاضي وهو ينكر. قال
أبو يوسف: يحنث، وقال محمد: لا يحنث لأنه لا يدري لعله صادق، والبينة حجة من حيث الظاهر
فلا يظهر كذبه في يمينه.
ذكر محمد في ح قال: امرأته طالق إن كان لفلان عليه شئ فشهدا أن فلانا أقرضه كذا قبل
يمينه وحكم بالمال لم يحنث، ولو شهدا أن لفلان عليه شيئا وحكم به حنث لأنه جعل شرط حنثه
وجوب شئ من المال عليه، وقت اليمين وحين شهدا بالقرض لم يظهر كون المال عليه وقت الحلف،
بخلاف ما لو شهدا أن المال عليه.
يقول الحقير: قوله بخلاف ما لو شهدا محل نظر، إذ كيف يظهر كون المال عليه إذا شهدا بأن
المال عليه بعد أن مر آنفا أن البينة حجة ظاهرا، فلا يظهر كذبه في يمينه، وأيضا يرد عليه أن يقال
فعلى ما ذكر، ثم ينبغي أن يحنث في مسألة الحلف بطلاق أو عتق أيضا، إذ لا شك أن الحلف عليهما
لا يكون إلا بطريق الشرط أيضا.
والحاصل: أنه ينبغي أن يتحد حكم المسألتين نفيا أو إثباتا، والفرق تحكم فالعجب كل العجب
من التناقض بين كلامي محمد رحمه الله تعالى مع أنه إمام ذوي الأدب والأرب إلا أن تكون إحدى
الروايتين عنه غير صحيحة إ ه‍. ما قاله في أواخر الخامس عشر. قوله: (ولا تحليف في نكاح) أي مجرد
عن المال عند الامام رحمه الله تعالى بأن ادعى رجل على امرأة أو هي عليه نكاحا والاخر ينكر، ما إذا
ادعت المرأة تزوجها على كذا وادعت النفقة وأنكر الزوج يستحلف اتفاقا. وهذه المسائل خلافية بين
الامام وصاحبيه، والخرف بينهم مبني على تفسير الانكار فقالا: إن النكول إقرار لأنه يدل على كونه
كاذبا في الانكار فكان إقرار أو بدلا عنه، والاقرار يجري في هذه الأشياء. وقال الامام: إنه بذل
والبدل لا يجري في هذه الأشياء لأنه إنما يجري في الأعيان. وفائدة الاستحلاف القضاء بالنكول، فلا
يستحلف. وأنما قلنا: إن البدل لا يجري في هذه المسائل، لأنها لو قالت المرأة: لا نكاح بيني وبينك

49
ولكن بذلت نفسي لك لم يصح، ولو قال في دعوى الولاء عليه: لست أنا مولاه بل أنا حر أو معتق
فلان آخر ولكن أبحت له ولائي لا يكون له عليه ولاء، وكذا سائر الأمثلة. وسيأتي بيانه قريبا بأوضح
من هذا. وصورة الاستحلاف في النكاح على قولهما أن يقول في يمينه: ما هي بزوجة لي، وإن كانت
زوجة لي فهي طالق بائن، لأنها إن كانت صادقة لا يبطل النكاح بجحوده، فإذا حلف تبقى معطلة إن
لم يقل ما ذكر، ولا يلزمه مهر، فإن أبى الحلف على هذه الصورة أجبره القاضي. بحر عن البدائع.
وسيأتي أنه بالنكول عن الحلف يثبت ما ادعته من الصداق أو النفقة دون النكاح. فإن كان مدعي
النكاح وهو الزوج لم يجز له تزوج أختها أو أربع سواها ما لم يطلقها وإن كانت الزوجة وأنكره الزوج
فليس لها التزوج بسواه، والمخلص لها ما ذكرناه إن كانت زوجة لي الخ. وفي القنية: يستحلف في
دعوى الاقرار بالنكاح. قال في البحر: وظاهره أنه باتفاق إ ه‍.
أقول: وهذا إذا لم يجعل الاقرار سببا لدعوى النكاح بأن ادعى أنها زوجته لأنها أقرت بالزوجية
لي، أما لو ادعى نكاحها وأنها أقرت له به فإنها تسمع. قال في الهندية وكما لا تصح دعوى المال
بسبب الاقرار لا تصح دعوى النكاح أيضا. قوله: (أنكره هو أو هي) قال في البحر: ثم الدعوى في
هذه الأشياء تتصور من أحد الخصمين أيهما كان، إلا في الحد واللعان والاستيلاد، وقد فرعوا فروعا
على قول الإمام في هذه المسائل محل بيانها المطولات. قوله: (بعدة عدة) قيد للثاني كما في الدرر، أما
قبل مضي العدة يثبت بقوله وإن كذبته، لأنه أمر يملك استئنافه للحال، ولو ادعتها هي فيها فهي من
مواضع الخلاف، ولو ادعاها بعد مضيها وصدقته ثبت بتصادقهما. بحر. ولو كذبته ولا بينة فعلى
قوليهما يحلف لا على قوله، وهي مسألة المتن، وكذا لو ادعت أنه راجعها وكذبها. قوله: (وفي إيلاء)
زاد الشارح لفظة إيلاء لتوضيح المسألة، وإلا فالفئ لا يستعمل في عرف الفقهاء إلا في
الايلاء، فهو بمنزلة الحقيقة العرفية. قوله: (بعد المدة) لو فيها ثبت بقوله لأنه يملك الاستئناف لو كان
المدعي الزوج ولو كانت هي فهي من مواضع الخلاف. وصورة المسألة: لو حلف لا يقر بها أربعة
أشهر ثم قال: فئت وأنكرت، فلو ادعاه في مدة الايلاء ثبت بقوله، لان من ملك الانشاء مالك
الاقرار، ولو بعد مضيها فإن صدقته ثبت، وإلا لا، أما لو ادعت أنه فاء إليها وأنكر الزوج فلا يثبت
سواء كانت في المدة أو بعدها.
والحاصل: أن التقييد به لا يظهر إلا فيما إذا ادعى عليها رجعة فأنكرت، لأنه إذا ادعى في
العدة الرجعة كان رجعة، وأما إذا ادعت هي الرجعة فأنكر فلا لان دعواها في العدة وبعدها سواء.
قوله: (تدعيه الأمة) بأنها ولدت منه ولدا وقد مات أو أسقطت سقطا مستبين الخلق وصارت أم ولد
وأنكره المولى فهو على هذا الخلاف. ابن كمال. قوله: (لثبوته بإقرار) ولا يعتبر إنكارها وكذا الحد
واللعان، بخلاف سائر الأشياء المذكورة إذ يتأتى فيها الدعوى من الجانبين. شيخنا عن الدرر وعزمي
زاده. وقوله وكذا الحد واللعان: أي لا يتصور أن يكون المدعي إلا المقذوف والأمة: أي المقذوف
بالنسبة للحد واللعان والأمة بالنسبة للاستيلاد، فما في الزيلعي من قوله والمولى سبق قلم،
والصواب والأمة.
بقي أن يقال: ظاهر كلام الشارح كغيره أنها ادعت الاستيلاد مجردا عن دعوى اعترافه، والذي

50
في صدر الشريعة ادعت أنها ولدت منه هذا الولد وادعاه: أي ادعت أنه ادعاه فهو من تتمة كلامها
كما ذكره أخي جلبي. والذي يظهر أن التقييد به ليس احترازيا، بل يبتني على ما هو المشهور من أنه
يشترط لثبوت نسب ولد الأمة وجود الدعوى من السيد، وعلى غير المشهور لا يشترط ذلك، بل يكفي
عدم نفيه. وكذا ظاهر كلامهم ادعت أمة يفيد الاحتراز عن دعوى الزوجة، ويخالفه قول القهستاني بعد
قول المتن واستيلاد بأن ادعى أحد من الأمة والمولى والزوجة والزوج أنها ولدت منه ولدا حيا أو ميتا
كما في قاضيخان. ولكن في المشاهير أن دعوى الزوج والمولى لا تتصور، لان النسب يثبت بإقراره،
ولا عبرة لانكارها بعده، ويمكن أن يقال: إنه بحسب الظاهر لم يدع النسب كما يدل عليه تصويرهم. ا
ه‍. أبو السعود. قال البرجندي: ويمكن تصوير العكس فيه أيضا بأن حبلت من المولى فأعتقها قبل
وضع الحمل وبعد قرب الولادة قتلت الولد، وادعى المولى دية الولد عليها، ولا بد من ثبوت الولد
فأنكرت الأمة ذلك ا ه‍. وفيه تأمل. قوله: (ونسب) قال في المنظومة وولاد قال في الحقائق: لم يقل
ونسب لأنه إنما يستحلف في النسب المجرد عندهما إذا كان يثبت بإقراره كالأب والابن في حق الرجل
والأب في حق المرأة. ابن كمال. قوله: (وبالعكس) بأن ادعى مجهول الحال على رجل أنه مولاه وأنكر
المولى أو ادعى مجهول الحال عليه أنه أبوه، وهذا في دعوى نسب مجرد عن المال، أما إذا ادعى مالا
بدعوى النسب بأن ادعى رجل على رجل أنه أخوه وقد مات الأب وترك مالا في يد هذا، وطلب
الميراث أو ادعى على رجل أنه أخوه لأبيه وطلب من القاضي أن يفرض له النفقة، وأنكر المدعى عليه
ذلك فالقاضي يحلفه اتفاقا، فإن نكل ثبت الحق، ولا يثبت النسب إن كان مما لا يثبت بالاقرار، وإن
كان منه فعلى الخلاف المذكور، وحينئذ فيلغز: أي شخص أخذ الإرث ولم يثبت نسبه. ط عن الحموي
بزيادة: وفيه عن الاتقاني: يثبت الاستحلاف عند أبي يوسف ومحمد في النسب المجرد بدون دعوى
حق آخر، ولكن يشترط أن يثبت النسب بإقرار المقر: أي يكون النسب بحيث يثبت بالاقرار. أما إذا
كان بحيث لا يثبت النسب بإقرار المقر فلا يجري الاستحلاف في النسب المجرد عندهما أيضا، بيانه أن
إقرار الرجل يصح بخمسة بالوالدين والولد والزوجة والمولى، لأنه إقرار بما يلزمه وليس فيه تحميل
النسب على الغير، ولا يصح إقراره بما سواهم، ويصح إقرار المرأة بأربعة بالوالدين والزوج والمولى ولا
يصح بالولد ومن سوى هؤلاء، لان فيه تحميل النسب على الغير، إلا إذا صدقها الزوج في إقرارها
بالولد أو تشهد بولادة الولد قابلة. قوله: (وولاء عتاقة) أي بأن ادعى على معروف الرق أنه معتقه أو
مولاه. قوله: (أو موالاة) أي ادعى عليه أنه مولاه. قوله: (ادعاه الاعلى أو الأسفل) بأن ادعى على
رجل معروف أنه مولاه أو ادعى المعروف ذلك وأنكر الآخر. قال أبو السعود: وأشار إلى عدم الفرق
في دعوى الولاء بين المعروف والمجهول، بخلاف دعوى الرق والنسب فإن مجهولية نسب المدعي على
رقه، ونسبه شرط صحة الدعوى شيخنا.
قلت: ولهذا قال الشمني في جانب دعوى الولاء بأن ادعى رجل على آخر بأن له عليه ولاء
عتاقة أو موالاة أو العكس. ا ه‍. ولم يقيد بالمجهول. قوله: (وحد ولعان) هذان مما لا يحلف فيهما
اتفاقا، أما على قول الإمام فظاهر، وأما على قولهما فإن النكول وإن كان إقرارا عندهما لكنه إقرار فيه
شبهة، والحدود تندرئ بالشبهات واللعان في معنى الحد ط. قوله: (والفتوى الخ) هو قول

51
الصاحبين. قال الزيلعي: وهو قولهما، والأول قول الإمام. قال الرملي: ويقضي عليه بالنكول
عندهما. قوله: (في الأشياء السبعة) أي السبعة الأولى من التسعة، وعبر عنها في جامع الفصولين
بالأشياء السبعة. وفيه ادعى نكاحها، فحيلة دفع اليمين عنها على قولهما أن تتزوج فلا تحلف، لأنها لو
نكلت فلا يحكم عليها، لأنها لو أقرت بعد ما تزوجت لم يجز إقرارها. وكذا لو أقرت بنكاح لغائب:
قيل يصح إقرارها لكن يبطل بالتكذيب، ويندفع عنها اليمين، وقيل لا يصح إقرارها فلا يندفع عنها
اليمين. ا ه‍. وفي الولوالجية: رجل تزوج امرأة بشهادة شاهدين ثم أنكرت وتزوجت بآخر وما شهود
الأول ليس للزوج الأول أن يخاصمها لأنها للتحليف، والمقصود منه النكول، ولو أقرت صريحا لم يجز
إقرارها، لكن يخاصم الزوج الثاني ويحلفه، فإن حلف برئ وإن نكل فله أن يخاصمها ويحلفها، فإن
نكلت يقضي بها للمدعي، وهذا الجواب على قولهما المفتى به. ا ه‍. قوله: (بالنسب) نظرا إلى دعوى
الأمة. قوله: (أو الرق) نظرا إلى إنكار المولى. قوله: (حد قذف ولعان) بأن ادعت المرأة على زوجها أنه
قذفها بالزنا وعليك اللعان وهو منكر، وفي الحد بأن ادعى على آخر بأنك قد قذفتني بالزنا عليك
الحد وهو ينكر، وهاتان الصورتان مما لا يمكن تصويرهما إلا من جانب واحد كما تقدم. قوله: (في
الكل) لان هذه حقوق تثبت بالشبهات فيجري فيها الاستحلاف كالأموال، واختار المتأخرون أنه إن
كان المنكر متعنتا يستحلف أخذا بقولهما، وإن كان مظلوما لا يستحلف أخذا بقول الامام زيلعي.
صورة الاستحلاف على قولهما كما تقدم: ما هي بزوجة لي، وإن كانت زوجة لي فهي طالق بائن إلى آخر
ما قدمناه. وقال بعضهم: يستحلف على النكاح، فإن حلف يقول القاضي فرقت بينكما كما في
البدائع قوله: (فلا يمين إجماعا) يرد عليه ما في البدائع من قوله: وأما في دعوى القذف إذا حلف
على ظاهر الرواية فنكل يقضي بالحد في ظاهر الأقاويل، لأنه بمنزلة القصاص في الطرف عند أبي
حنيفة، وعندهما بمنزلة النفس. وقال بعضهم: بمنزلة سائر الحدود لا يقضي فيه بشئ ولا يحلف.
وقيل يحلف ويقضي فيه بالتعزير دون الحد كما في السرقة يحلف ويقضي بالمال دون القطع. شرنبلالية.
قوله: (إلا إذا تضمن) أي دعوى الحد حقا: أي حق عبد. قوله: (بأن علق) كأن قال: إن زنيت فعبدي
حر فادعى العبد زناه وأنكر حقا: أي حق عبد. قوله: (فللعبد تحليفه) أي على السبب بالله ما زنيت بعدما حلفت بعتق
عبدك هذا. بحر. قال العلامة سعدي: وينبغي أن يقول العبد أنه قد أتى بما علق عليه عتقي ولا
يقول زنى كيلا يكون قاذفا إ ه‍. قال الرحمتي ولا حد على العبد لأنه غير قاصد القذف وإنما يريد
إثبات عتقه. قوله: (وكذا يستخلف السارق لأجل المال) يعني كما أن مولى العبد يستحلف على الزنا
لأجل عتق العبد لا لإقامة الحد. كذا يستحلف السارق لأجل المال لا للقطع. قال ط: هو من جملة
المستثني، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يستخلف في شئ من الحدود، لا في الزنا ولا في السرقة
ولا القذف ولا شرب الخمر ولا السكر، إلا إن طالب المسروق منه بضمان المال استحلفه، فإن نكل
على اليمين ضمنه المال ولم يقطعه، وذلك لان الدعوى تتضمن أمرين: الضمان، والقطع، والضمان لا
يستوفي النكول فوجب إثبات أحدهما وإسقاط الآخر إ ه‍. وكذا يحلف في النكاح إن ادعت المال: أي

52
إن ادعت المرأة النكاح وغرضها المال كالمهر والنفقة فأنكر الزوج يحلف، فإن نكل يلزم المال ولا يثبت
الحل عنده، لان المال يثبت بالبذل لا الحل. وفي النسب: إذا ادعى حقا مالا كان كالإرث والنفقة أو
غير مال كحق الحضانة في اللقيط والعتق بسبب الملك وامتناع الرجوع في الهبة: فإن نكل ثبت الحق،
ولا يثبت النسب إن كان مما لا يثبت بالاقرار، وإن كان منه فعلى الخلاف المذكور، وكذا منكر القود
الخ. ابن كمال. وإنكار القود سيذكره المصنف. وفي صدر الشريعة فيلغز: أما امرأة تأخذ نفقة غير
معتدة ولا حائضة ولا نفساء ولا يحل وطؤها، وفيه يلغز اللغز المتقدم.
والحاصل: أن هذه الأشياء لا تحليف فيها عند الامام ما لم يدع معها مالا فإنه يحلف وفاقا.
قوله: (لأجل المال) أي بطلب المسروق منه، فلو لن يطلب المال لا يحلف لان اليمين لا تلزم إلا بطلب
الخصم. قوله: (فإن نكل ضمن ولم يقطع) اعترض بأنه ينبغي أن يصح قطعه عند أبي حنيفة، لأنه بدل
كما في قود الطرف.
والحاصل: أن النكول في قطع الطرف النكول في السرقة ينبغي أن يتحدا في إيجاب القطع،
وعدمه، ويمكن الجواب بأن قود الطرف حق العبد فيثبت بالشبهة كالأموال، بخلاف القطع في السرقة
فإنه خالص حق الله تعالى، وهو لا يثبت بالشبهة فظهر الفرق، فليتأمل. يعقوبية. قوله: (وقالوا
يستحلف في التعزير). لأنه محض حق العبد، ولهذا يملك العبد بإسقاطه بالعفو وحقوق العباد مبنية
على المشاحة لا تسقط بالشبهة، فلو كان التعزير لمحض حق الله تعالى كما لو ادعى عليه أنه قبل امرأة
برضاها: فإنه إذا أثبت عليه ذلك بالبينة يعزران، وإذا أنكر ينبغي أن لا يستحلفا. قوله: (كما بسطه
في الدرر) ونصه: ويحلف في التعزير: يعني إذا ادعى على آخر ما يوجب التعزير، وأراد تحليفه إذا
أنكر فالقاضي يحلفه، لان التعزير محض حق العبد ولهذا يملك العبد إسقاطه بالعفو ولا يمنع الصغر
وجوبه، ومن عليه التعزير إذا أمكن صاحب الحق منه أقامه، لو كان حق الله تعالى لكانت هذه الأحكام
على عكس هذا، والاستحلاف يجري في حقوق العباد سواء كانت عقوبة أو مالا إ ه‍.
وتعليله هنا: بأن التعزير محض حق العبد مخالف لما سبق له في فصل التعزير أن حق العبد غالب فيه،
ولهذا قال عزمي زاده: بين كلامه تدفع إ ه‍.
قلت: لا يخلو حق العبد من حق الله فلا يستقل عبد بحق، لان الذي جعله حقه هو الحق
تعالى الآمر الناهي، فكلامه الثاني مؤول بالأول. قوله: (وفي الفصول) قدمنا هذه المسألة قريبا بأوضح
مما هنا مع فروع أخر. قوله: (فحيلة دفع يمينها) أي على قولهما. قوله: (أن تتزوج) أي بآخر. قوله:
(فلا تحلف) لأنها لو نكلت لا يحكم عليها ولو أقرت بعدما تزوجت لم يجز إقرارها، وكذا لو أقرت
بنكاح غائب فإنه يصح إقرارها على أحد قولين، ولكن يبطل بالتكذيب وتندفع عنها اليمين. قال بعض
الأفاضل: هذه الحيلة ظاهرة لو تزوجته، أما لو تزوجت غيره فالظاهر عدم صحة العقد إلا إذا حلفت
نعم لو تزوجت قبل الرفع إلى القاضي ربما يظهر. ا ه‍. تأمل. قوله: (في إحدى وثلاثين مسألة)

53
تقدمت في الوقف وذكرها في البحر هنا. قوله: (في الاستحلاف) يعني يجوز أن يكون شخص نائبا
عن آخر له حق على غيره في طلب اليمين على المدعى عليه إذا عجز عن إقامة البينة، فالسين والتاء في
قوله الاستحلاف للطلب كما يفيده كلامه بعد، وهذا الذي ذكره المصنف ضابط كلي، أفاده عماد
الدين في فصوله في مواضع إجمالا تارة وتفصيلا أخرى في الفصل السادس عشر، والمصنف لخصه
كما نرى. وابن قاضي سماوة لخصه في جامع الفصولين أخصر منه كما هو دأبه، وهذا من المسائل
التي أوردها المصنف في كتابه، ولم يؤت بها في المتون المشهور سوى الغرر، وليس في كلامه ما
يخالف الأصل إلا في تعميم الشارح ضمير إقرار ففيه نوع حزازة، لان كلا من الوصي ومن بعده
ليسوا كالوكيل في صحة إقرارهم تارة وعدمها أخرى، وأيضا ليس الوكيل مطلقا كذلك كما أفاده
التقييد. فلو قال: إلا إذا كان الوكيل وكيلا بالبيع أو الخصومة في الرد بالعيب لصحة إقراره بدل
قوله: أو صح إقراره الخ لكان سالما، ثم إنه لا يلزم من عدم التحليف عدم سماع الدعوى، بل يجعل
كل منهم خصما في حق سماع الدعوى وإقامة البينة عليه من غير استحلاف كما في العمادية. قوله:
(لا الحلف) يعني لا يجوز أن يكون شخص نائبا عن شخص توجه عليه اليمين ليحلف من قبله،
ويخالفه ما يأتي عن شرح الوهبانية من أن الأخرس الأصم الأعمى يحلف وليه عنه، وهو المستثنى من
الضابط المذكور كما صرح به العلامة أبو السعود. قوله: (وفرع على الأول) الأولى إسقاطه وأن يقول:
وفرع عليهما باعتبار المعطوف والمعطوف عليه، فعلى الأول قوله فالوكيل الخ وعلى الثاني قوله فلا
يحلف أحد منهم. قوله: (فله طلب) أي ظاهرا، وإلا ففي الحقيقة خصمه الأصيل. قوله: (ولا
يحلف) لو قال: وفرع على الثاني بقوله ولا يحلف الخ لكان أسبك. قوله: (أحد منهم) أشار بذلك
إلى جواب ما يرد على قوله يملك الاستحلاف حيث وقع خبرا عن قوله فالوكيل الخ حيث وقع
خبرا عن المبتدأ وما عطف عليه، وهو جملة فيجب اشتماله على ضمير مطابق، فيقال: يملكون ولا
يحلفون، فأجاب بأنه مؤول: أي يملك كل واحد منهم الاستحلاف ولا يحلف، وكما يصح التأويل
في الخبر يصح في المبتدأ، والسر في أنه يملك الاستحلاف، ولا يحلف أحد منهم، وذلك أن الوكيل
وما عطف عليه لما كان له الطلب وقد عجز عن البينة فيحلف خصمه، إذ لا مانع من ذلك. وأما إذا
ادعى عليهم فإن الحلف يقصد به النكول ليقضي به، والنكول إقرار أو بذل كما علم، ولا يملك
واحد منهم الاقرار على الأصيل ولا بذل ماله وهو نائب في الدعوى قد يعلم حقيقتها وقد لا يعلم،
فكيف يحلف على ما لا علم له به؟ تأمل. قوله: (إلا إذا ادعى عليه العقد) أي عقد بيع أو شراء أو
إجارة، لأنه يكون حينئذ أصلا في الحقوق فتكون اليمين متجهة عليه لا على الأصيل، فلا نيابة في
الحلف فالاستثناء منقطع، وهو شامل للأربعة. والمراد بالعقد ما ذكر، أما عقد النكاح فغير مراد هنا
لان الشارح قدم أنه لا تحليف في تزويج البنت صغيرة أو كبيرة، وعندهما: يستحلف الأب الصغير.
تأمل. أفاده الخير الرملي. قوله: (أو صح إقراره) مختص بالوكيل فقط كما أشار إليه بقوله كالوكيل
الخ. قوله: (فيستحلف) الأولى في المقابلة فيحلف. قوله: (حينئذ) لا حاجة إليه. قوله: (كالوكيل
بالبيع) هو داخل تحت قوله إذا ادعى عليه العقد فكان الأول مغنيا عنه. تأمل. نعم كان الأولى بهذا

54
الوكيل بالخصومة، فإنه يصح إقراره على الموكل، فكان ينبغي أن يستحلف على مقتضى قوله أو صح
إقراره وليس كذلك. بقي هل يستحلف على العلم أو على البتات؟
ذكر في الفصل السادس والعشرين من نور العين: أنه الوصي إذا باع شيئا من التركة فادعى
المشتري أنه معيب فإنه يحلف على البتات، بخلاف الوكيل فإنه يحلف على عدم العلم. ا ه‍. فتأمله.
والحاصل: أن كل من يصح إقراره كالوكيل يصح استحلافه، بخلاف من لا يصح إقراره
كالوصي. قوله: (فإن إقراره صحيح) لم يبين إقراره بأي شئ. وليحرر. ط.
أقول: الظاهر أن إقراره فيما هو من حقوق العقد كالاقرار بعيب أو أجل أو خيار للمشتري.
قوله: (إلا في ثلاث ذكرها) هي الوكيل بالشراء إذا وجد بالمشتري عيبا فأراد أن يرده بالعيب وأراد
البائع أن يحلفه بالله ما يعلم أن الموكل رضي بالعيب لا يحلف، فإن أقر الوكيل لزمه ذلك ويبطل حق
الرد. الثانية: لو ادعى على الآمر رضاه لا يحلف، وإن أقر لزمه. الثالثة: الوكيل بقبض الدين إذا
ادعى المديون أن الموكل أبرأه عن الدين وطلب يمين الوكيل على العلم لا يحلف وإن أقر به لزمه. ا ه‍.
منح قوله: (والصواب في أربع وثلاثين) أي بضم الثلاثة إلى ما في الخانية، لكن الآوي منها مذكورة
في الخانية. قوله: (لابن المصنف) وهو الشيخ شرف الدين عبد القادر وهو صاحب تنوير البصائر
وأخوه الشيخ صالح صاحب الزواهر. قوله: (ولولا خشية التطويل لأوردتها كلها) هذه ونظائرها
تقتضي أنه لم يقدمها وأخواتها قبيل البيوع، مع أن ذكرها هناك لا مناسبة له، وهو مفقود في بعض
النسخ الصحيحة، ولعل الشارح جمعها في ذلك المحل بعد تتميم الكتاب وبلغت هناك إحدى وستين
مسألة. مسائل الخانية إحدى وثلاثون، ومسائل الخلاصة ثلاث، ومسائل البحر ستة، وزيادة تنوير
البصائر أربعة عشر، وزيادة زواهر الجواهر سبعة، وزاد عليها سيدي الوالد رحمه الله تعالى ثمان مسائل
من جامع الفصولين فصارت تسعة وستين، فراجعها ثمة إن شئت في آخر كتاب الوقف قبيل
البيوع. قوله: (أي القطع) في بعض كتب الفقه البت بدل البتات وهو أولى. وقد ذكر في القاموس
أن البت: القطع، وأن البتات: الزاد والجهاز ومتاع البيت، والجميع أبتة ط. قوله: (بأنه ليس كذلك)
هذا في النفي أو أنه كذلك في الاثبات. قوله: (على العلم) أي على نفيه. قوله: (لعدم علمه بما فعل
غير ظاهرا) فلو حلف على البتات لامتنع عن اليمين مع كونه صادقا فيتضرر به، فطولب بالعلم فإذا لم
يقبل مع الامكان صار باذلا أو مقرا، وهذا أصل مقرر عند أئمتنا. درر. قوله: (يتصل به) أي يتعلق
حكمه به بحيث يعود إلى فعله. قوله: (أو إباقه) ليس المراد بالاباق الذي يدعيه المشتري الإباق الكائن

55
عنده، إذ لو أقر به البائع لا يلزمه شئ، لان الإباق من العيوب التي لا بد فيها من المعاودة، بأن
يثبت وجوده عند البائع ثم عند المشتري كلاهما في صغره أو كبره على ما سبق في محله. أبو السعود.
وفي الحواشي السعدية قوله: يحلف على البتات بالله ما أبق.
أقول: الظاهر أنه يحلف على الحاصل بالله ما عليك حق الرد، فإن في الحلف على السبب
يتضرر البائع أو قد يبرأ المشتري عن العيب. قوله: (وأثبت ذلك) أي على ما سبق في محله من وجوده
عند البائع ثم عند المشتري الخ. قوله: (يحلف البائع على البتات) يعني أن مشتري العبد إذا ادعى أنه
سارق أو آبق وأثبت إباقه أو سرقته في يد نفسه وادعى أنه أبق أو سرق في يد البائع وأراد التحليف
يحلف البائع بالله ما أبق بالله ما سرق في يدك، وهذا تحليف على فعل الغير. درر. قوله: (فرجع إلى
فعل نفسه) وهو تسليمه سليما. قوله: (لأنها آكد) أي لان يمين البتات آكد من يمين العلم حيث جزم
في الأولى، ولم يجزم في الثانية، مع أن في الأولى إنما حلف على علمه أيضا، إذ غلبة الظن تبيح له
الحلف، لكنه إذا جزم بها كانت آكد صورة. قوله: (ولذا تعتبر مطلقا) أي في فعل نفسه وفعل غيره،
فلو حلف على البتات في فعل غيره أجزأه بالأولى لأنه قد أتى بالآكد. قوله: (بخلاف العكس) يعني
أن يمين العلم لا تكفي في فعل نفسه ح.
قال في البحر: ثم في كل موضع وجبت فيه اليمين على العلم فحلف على البتات كفى وسقطت
عنه، وعلى عكسه لا، ولا يقضي بنكوله عما ليس واجبا عليه. ا ه‍.
قال في الدرر: واعلم أن في كل موضع اليمين فيه على البتات فحلف على العلم لا يكون معتبرا
حتى لا يقضى عليه بالنكول ولا يسقط اليمين عنه، وفي كل موضع وجب اليمين فيه على العلم
فحلف على البتات يعتبر اليمين حتى يسقط اليمين عنه، ويقضي عليه إذا نكل لان الحلف على البتات
آكد فيعتبر مطلقا، بخلاف العكس. ذكره الزيلعي. ا ه‍. واستشكل الثاني العمادي. قال الرملي: وجه
الاشكال أنه كيف يقضي عليه مع أنه غير مكلف إلى البت ويزول الاشكال بأنه مسقط لليمين الواجبة
عليه، فاعتبر فيكون قضاء بعد نكول عن يمين مسقطة للحلف عنه، بخلاف عكسه، ولهذا يحلف فيه
ثانيا لعدم سقوط الحلف عنه بها، فنكوله عنه لعدم اعتباره والاجتزاء به فلا يقضي عليه بسبب. تأمل.
أقول: يشكل قول الرملي بأنه يزول الاشكال الخ، مع أنه لا يزول بذلك بعد قول البحر: ولا
يقضي بنكوله عما ليس واجبا عليه. تأمل. واستشكل في السعدية الفرع الأول بأنه ليس كما ينبغي،
بل اللائق أن يقضي بالنكول، فإنه إذا نكل عن الحلف على العلم ففي البتات أولى.
وأجاب عنه: بالمنع لأنه يجوز أن يكون نكوله لعلمه بعدم فائدة اليمين على العلم، فلا يحلف
حذرا عن التكرار، وهو بمعنى ما ذكره الرملي، واستشكل الثاني أيضا بأنه محل تأمل، فإنه إذا لم يجب
عليه كيف يقضي عليه إذا نكل، ولم يجب عنه بجواب، واستشكله الخادمي أيضا بأن البتات أعم تحققا
من العلم، ويعتبر في اليمين انتفاؤهما وانتفاء الأعم أخص من انتفاء الأخص، فكيف يقضي بالنكول
عن البتات في موضع يجب عليه الحلف على العلم، فإنه بعد هذا النكول يحتمل أن يحلف على العلم. ا

56
ه‍. قال الفاضل يعقوب باشا بعد نقله عن النهاية: وفيه كلام، وهو أن الظاهر عدم الحكم بالنكول
لعدم وجوب اليمين على البتات كما لا يخفى، فتأمل. ا ه‍. قال عزمي زاده: وفي هذا المقام كلام. ا ه‍.
فليراجع.
فرع: مما يحلف فيه على العلم ما إذا قال في حال مرضه ليس لي شئ في الدنيا ثم مات عن
زوجة وبنت ورثة فللورثة أن يحلفوا زوجته وابنته على أنهما لا يعلمان بشئ من تركة المتوفي بطريقه ا
ه‍. بحر عن القنية. قوله: (عنه) أي عن الزيلعي. قوله: (هذا إذا قال المنكر أيضا) حكى هذا القهستاني
بقيل. قوله: (كمودع إلخ) صورته: قال رب الوديعة أودعتك كذا فرده علي فقال المودع سلمته إليك
فالقول للمودع، لأنه ينفي الضمان عن نفسه ويمينه على البتات بأن يقول: والله سلمته إليك، إذ معناه
النفي وهو أنك لا تستحق عندي شيئا، ومثله وكيل البيع إذا ادعى قبض الموكل الثمن، وكما لو قال
إن لم يدخل فلان اليوم الدار فامرأته طالق ثم قال إنه دخل يحلف على البتات بالله أنه دخل اليوم مع
أنه فعل الغير لكونه ادعى علما بذلك. أفاده في البحر. قوله: (سبق الشراء) أي من عمرو ومثلا.
قوله: (وهو بكر) صوابه: وهو زيد لان بكرا هو المدعي، والذي يحلف زيد المدعى عليه وكأنه جعله
تفسيرا للهاء في خصمه، فيكون المعنى وهو خصم بكر وخصم بكر هو زيد، والأولى أن يقول: أي
خصم بكر هو زيد.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: تبع الشارح في هذا المصنف وصاحب الدرر. قال بعض
مشايخنا: صوابه زيد، لأنه هو المنكر واليمين عليه، ويمكن أن يقال: إن يحلف بالبناء للفاعل لا
للمفعول، ومعناه: أن يطلب من القاضي تحليفه لان ولاية التحليف له، فيكون قوله وهو بكر
تفسيرا للضمير في خصمه، لكن فيه ركاكة ا ه‍. قوله: (لما مر) أي من أنه يحلف في فعل الغير على
العلم ولا حاجة إليه لعلمه من التفريع. قوله: (كذا إدا ادعى دينا) بأن يقول رجل لآخر إن لي على
مورثك ألف درهم فمات وعليه الدين ولا بينة له، فيحلف الوارث على العلم. درر: أي لا على
البتات، وهذا لو قبض الدين على ما اختاره الفقيه وقاضيخان، خلافا للخصاف. قهستاني.
وفي البحر: وحاصل ما ذكره الصدر في دعوى الدين على الوارث: أن القاضي يسأله أولا عن
موت أبيه ليكون خصما فإن أقر بموته سأله عن الدين، فإن أقر به يستوفيه المدعي من نصيبه فقط
لأنه لا يصح إقرارا على الميت فيبقى إقرارا في حق نفسه، وإن أنكر فبرهن المدعي استوفاه من التركة،
لان أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما يدعي على الميت، وإلا يبرهن المدعي وطلب يمين
المدعى عليه استحلفه على العلم: أي بالله ما تعلم أن لفلان بن فلان هذا على أبيك هذا المال الذي
ادعاه وهو ألف درهم ولا شئ منه قضى عليه، فيستوفي من نصيبه إن أقر بوصول نصيبه من الميراث
إليه، وإلا يقر بوصوله إليه، فإن صدقه المدعي فلا شئ عليه، وإلا استحلف على البتات ما وصل إليه
قدر مال المدعي ولا بعضه، فإن نكل لزمه القضاء وإلا لا، هذا إذا حلفه على الدين أولا، فإن حلفه

57
على الوصول أولا فحلف فله تحليفه على الدين ثانيا: أي على العلم لاحتمال ظهور ماله فكان فيه فائدة
منتظرة. وإن لم يصل المال إليه، فإنه متى استحلفه وأقر أو نكل وثبت الدين فإذا ظهر للأب مال من
الوديعة أو البضاعة عند إنسان لا يحتاج إلى الاثبات، فهذه الفائدة المنتظرة، ولو أراد المدعي استحلافه
على الدين والوصول معا فقيل له ذلك وعامتهم إنه يحلف مرتين ولا يجمع وإن أنكر موته حلفه على
العلم، فإن نكل حلف على الدين: أي على العلم أيضا.
مطلب: دعوى الوصية على الوارث كدعوى الدين إذا أنكرها يحلف على العلم
ودعوى الوصية على الوارث كدعوى الدين، فيحلف على العلم لو أنكرها ومدعي الدين على
الميت إذا ادعى على واحد من الورثة وحلفه فله أن يحلف الباقي، لان الناس يتفاوتون في اليمين،
وربما لا يعلم الأول به ويعلم الثاني. ولو ادعى أحد الورثة دينا على رجل للميت وحلفه ليس للباقي
تحليفه، لان الوارث قائم مقام المورث وهو لا يحلفه إلا مرة. انتهى ملخصا بزيادة. قوله: (أو عينا
على وارث) صورته: أن يقول إن هذا العبد الذي ورثته عن فلان ملكي وبيدك بغير حق ولا بينة له
فإن الوارث يحلفه على العلم يخصص التقييد بذلك بصورة العين كما يظهر من العمادية، فإن جريان ذلك في
الدين مشكل. عزمي. وهذا بناء على أن القاضي يقضي بعلمه والمفتى به لا فيكون علمه كعدمه.
قال العلامة أبو الطيب: أقول في قوله فإن جريان ذلك في الدين مشكل نظر، لما قال في نور
العين نقلا عن المحيط البرهاني: إنما يحلف على العلم في الإرث لو علم القاضي بالإرث أو أقر به
المدعي أو برهن عليه، وإلا يحلف بتا، وكذا لو ادعى دينا على الوارث يحلف على العلم. اه‍. قوله:
(أو أقر به المدعي) هو كما سبق في التصوير. قوله: (أو برهن الخصم) وهو المدعى عليه. قوله:
(فيحلف) أي الوارث على العلم فإن لم يعلم القاضي حقيقة الحال ولا أقر المدعي بذلك ولا أقام
المدعى عليه بينة يحلف على البتات بالله ما عليك تسليم هذا العين إلى المدعي. عمادية.
قال ط: يمكن تصوير بأن ادعى مدع على شخص إن هذه العين له وعجز عن إقامة البينة
فطلب يمينه على البت فقال إنها إرث وأراد اليمين على العلم فأنكر المدعي ذلك فأقام الوارث بينة على
مدعاه فإنه يحلف على العلم: أي فالشرط في تحليفه الوارث على العلم في دعوى العين أحد هذه
الثلاثة. قوله: (والعين) الواو بمعنى أو. قوله: (الوارث) أي إنهما حق موروث وأنكر الخصم. قوله:
(يحلف المدعى عليه على البتات) أي إنهما ليسا بحق مورثه. قوله: (كموهوب وشراء. درر) يعني لو
وهب رجل لرجل عبدا فقبضه أو اشترى رجل من رجل عبدا فجاء رجل وزعم أن العبد عبده ولا بينة
له فأراد استحلاف المدعى عليه يحلف على البتات. حلبي عن الدرر: أي أنه ليس بعبده، والأولى
كموهوب ومشتري أو كهبة وشراء للموافقة لفظا، وعلله الزيلعي بأن الهبة والشراء سبب موضوع
للملك باختيار المالك ومباشرته ولو لم يعلم أنه ملك للملك له لما باشر السبب ظاهرا، فيحلف على

58
البتات، فإذا امتنع عما أطلق له يكون باذلا، أما الوارث فلانه لا اختيار له في الملك، ولا يدعي ما
فعل المورث فلم يوجد ما يطلق له اليمين على البتات، ولأن الوارث حلف على المورث واليمين لا
تجري فيها النيابة فلا يحلف على البتات، والمشتري والموهوب له أصل بنفسه فيحلف عليه. ا ه‍. قوله:
(ويحلف جاحد القود) أي منكر القصاص بأن ادعى رجل عليه قصاصا. عيني: أي سواء كان في
النفس أو الأطراف بالاتفاق. دامادا. قوله: (حبس) أي ولا يقتص، أما عنده فلان النكول بذل ولا
يجري في النفس، ألا ترى أنه لو قتله بأمره يجب عليه القصاص في رواية، وفي أخرى الدية، ولو
قطع يده بأمره لا يجب عليه شئ، إلا أنه لا يباح لعدم الفائدة، أما ما فيه فائدة كالقطع للأكلة وقلع
السن للوجع لا يأثم بفعله، وأما عندهما فإنه وإن كان إقرارا إلا أن فيه شبهة فلا يثبت فيه القود لأنه
كالحدود من وجه. قوله: (حتى يقر) أي فيقتص منه. قوله: (أو يحلف) أي عند الامام فيبرأ من
الدعوى. وفي الشلبي عن الاتقاني، أو يموت جوعا لان الأنفس لا يسلك بها مسالك الأموال فلا
يجري فيها البذل الذي هو مؤدي الانكار، وإذا امتنع القصاص واليمين حق مستحق يحبس به كما في
القسامة، فإنهم إذا نكلوا عن اليمين يحبسون، حتى يقروا أو يحلفوا.
وفي الخانية في كيفية التحليف بالقتل روايتان: في رواية يستحلف على الحاصل بالله ما له عليك
دم ابنه فلان مثلا ولا قبلك حق بسبب هذا الدم الذي يدعي. وفي رواية يحلف على السبب بالله ما
قتلت فلان بن فلان ولي هذا عمدا. وفيما سوى القتل من القطع والشجة ونحو ذلك يحلف على
الحاصل بالله ما له عليك قطع هذا العبد ولا له عليك ك حق بسببها، وكذلك في الشجاج والجراحات
التي يجب فيها القصاص. ا ه‍. قوله: (وفيما دونه) أي دون القود من الأطراف. قوله: (يقتص) منه:
أي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما علم ما مر. قوله: (فيجري فيها الابتذال) أي فتثبت بالنكول
كما أن المال يثبت به، والأولى البذل كما في بعض النسخ. قوله: (خلافا لهما) فإنهما قالا: يجب عليه
الأرش فيهما، ولا يقضي بالقصاص لان القصاص فيما دون النفس عقوبة تدرأ بالشبهات ولا تثبت
بالنكول كالقصاص في النفس، ولأن النكول وإن كان إقرارا عندهما ففيه شبهة العدم فلا يثبت به
القصاص، ويجب به المال خصوصا إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه خاصة، كما إذا
أقر بالخطأ والولي يدعي العمد، وإذا امتنع القود تجب الدية، وعند الثلاثة يقتص فيهما بعد حلف
المدعي كما في العيني، وأما إذا كان الامتناع من جانب من له كما إذا أقام على ما ادعى وهو القصاص
رجلا وامرأتين أو الشهادة على الشهادة فإنه لا يقضي بشئ لان الحجة قامت بالقصاص لكن تعذر
استيفاؤه ولم يشبه الخطأ فلا يجب شئ، ولا تفاوت في هذا المعنى بين النفس وما دونها كما في
العناية. قوله: (قال المدعي لي بينة الخ) أطلق حضورها فشمل حضورها في المصر بصفة المرض،
وظاهر ما في خزانة المفتين خلافه، فإنه قال: الاستحلاف يجري في الدعاوي الصحيحة إذا أنكر
المدعى عليه ويقول المدعي لا شهود لي أو شهودي غيب أو في المصر. ا ه‍. بحر. قوله: (في المصر)
أراد به حضورهما فيه أو محل بينه وبين محل المدعي دون مسافة القصر، كما يفيده الكلام الآتي. وقيد
في المصر، وإن كان إطلاق كلام المصنف متناولا لما لو كانت حاضرة في المجلس لأنه المختلف فيه.

59
قال في البحر: أطلق في حضورها فشمل حضورها في مجلس الحكم، ولا خلاف لا يحلف
وحضورها في المصر وهو محل الاختلاف. قوله: (لم يحلف) أي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، لان
ثبوت الحق في اليمين مرتب على العجز عن إقامة البينة، فلا تكون حقه دونه. عيني: أي فلا تكون
اليمين حقه دون العجز. قوله: (خلافا لهما) لان اليمين حقه بالحديث الشريف، وهو قوله عليه
الصلاة والسلام لك يمينه حين سأل المدعي فقال: ألك بينة؟ فقال لا، فقال عليه الصلاة والسلام:
لك يمينه، فقال يحلف ولا يبالي، فقال (ص): ليس لك إلا هذا، شاهداك أو يمينه
فصار اليمين حقا له لإضافته إليه بلام التمليك، فإذا طالبه به يجيبه. قال ط: وفي الاستدلال به نظر
لأنه (ص) إنما جعل له اليمين عند فقده البينة.
قال في البحر: اختلف النقل عن محمد، فمنهم من ذكره مع أبي يوسف كالزيلعي والخصاف،
ومنهم من ذكره مع الامام كالطحاوي. قوله: (وقدر في المجتبى الغيبة بمدة السفر) قال فيه بينتي غائبة
عن المصر حلف عند أبي حنيفة، وقيل قدر الغيبة بمسيرة سفر. ا ه‍. فقد خالف ما نقله المصنف عن
ابن ملك من أن في الغائبة عن المصر يحلف اتفاقا. قوله: (ويأخذ القاضي) أي بطلب المدعي كما في
الخانية، وفي الصغرى: هذا إذا كان المدعي عالما بذلك، أما إذا كان جاهلا فالقاضي يطلب. رواه ابن
سماعة عن محمد. بحر. والمراد بأخذ القاضي كفيلا: أي ممن عليه الحق لا بالحق نفسه، وقد تقدم في
كتاب الكفالة في كفالة النفس أنه لو أعطى كفيلا بنفسه برضاه جاز اتفاقا، ولا يجبر عليه عند الامام
خلافا لهما، فعندهما يجبر بالملازمة فحينئذ لا حاجة للتقييد بهذا، وليس مذكورا في الدرر ولا في
شرح الكنز. تأمل. قوله: (في مسألة المتن) وهي قال المدعي لي بينة حاضرة الخ وقيد بها لأنه لو قال
لا بينة لي أو شهودي غيب لا يكفل لعدم الفائدة. كذا في الهداية. قوله: (فيما لا يسقط بشبهة) أما
فيما يسقط بها كالحدود والقصاص، فلا يجبر على دفع الكفيل كما تقدم.
قال في البحر: ادعى القاتل أن له بينة حاضرة على العفو أجل ثلاثة أيام، فإن مضت ولم يأت
بالبينة وقال لي بينة غائبة يقضي بالقصاص قياسا كالأموال. وفي الاستحسان: يؤجل استعظاما لأمر
الدم. ا ه‍.
قال الرملي: ومقتضى الاطلاق أن دعوى الطلاق كدعوى الأموال وأن احتاطوا في الفروج لا
تبلغ استعظام أمر الدماء، ولذلك يثبت برجل وامرأتين. ا ه‍. قوله: (كفيلا ثقة يؤمن هروبه) وله أن
يطلب وكيلا بخصومته. قال في الكافي: وله أن يطلب وكيلا بخصومته حتى لو غاب الأصل يقيم
البينة على الوكيل، فيقضى عليه، وإن أعطاه وكيلا أن يطالبه بالكفيل بنفس الوكيل، وإذا أعطاه كفيلا
بنفس الوكيل له أن يطالبه بالكفيل بنفس الأصيل لو كان المدعي دينا، لان الدين يستوفي من ذمة
الأصيل دون الوكيل، فلو أخذ كفيلا بالمال له أن يطلب كفيلا بنفس الأصيل، لان الاستيفاء من
الأصيل قد يكون أيسر، وإن كان المدعي منقولا له أن يطلب منه مع ذلك كفيلا بالعين ليحضرها، ولا
يغيبه المدعى عليه وإن كان عقارا لا يحتاج إلى ذلك لأنه لا يقبل التغييب، وصح أن يكون الواحد
كفيلا بالنفس ووكيلا بالخصومة لان الواحد يقوم بهما، فلو أقر وغاب قضى، لأنه قضاء إعانة ا ه‍.

60
وفيه: ولو أقيمت البينة فلم تزك فغاب المشهود عليه فزكيت لا يقضى عليه حال غيبته في ظاهر
الرواية، لان له حق الجرح في الشهود، وعن أبي يوسف أنه يقضى. ا ه‍.
واعلم أنه ينبغي أن يشترط في الوكيل ما سبق في الكفيل من كونه ثقة معروف الدار، وفي
البحر عن الصغرى: لو أبى إعطاء الوكيل بالخصومة لم يجبر. ا ه‍. قوله: (يؤمن هروبه) تفسير للثقة.
قال في البحر: وفسره في الصغرى بأن لا يخفي نفسه ولا يهرب من البلد بأن يكون له دار معروفة
وحانوت معروف لا يسكن في بيت بكراء ويتركه ويهرب منه، وهذا شئ يحفظ جدا، وينبغي أن
يكون الفقيه ثقة بوظائفه بالأوقاف، وإن لم يكن له ملك في دار أو حانوت لأنه لا يتركها ويهرب ا ه‍.
وفسره في شرح المنظومة بأن يكون معروف الدار والتجارة، ولا يكون لحوحا معروفا بالخصومة، وأن
يكون من أهل المصر لا غريبا. ا ه‍. قال الحموي: وكذا العسكري فإنه لا يهرب ويترك علوفته من
الديوان.
والحاصل: أن المدار على الامن من الهروب ا ه‍. وفي البحر أيضا عن كفالة الصغرى: القاضي
أو رسوله إذا أخذ كفيلا من المدعى عليه بنفسه بأمر المدعي أولا بأمره، فإن لم يضف الكفالة إلى المدعي
بأن قال أعط كفيلا بنفسك، ولم يقل للطالب ترجع الحقوق إلى القاضي ورسوله، حتى لو سلم إليه
الكفيل يبرأ، ولو سلم إلى المدعي فلا، وإن أضاف إلى المدعي كان الجواب على العكس ا ه‍. وفيه
عنها: طلب المدعي من القاضي وضع المنقول على يد عدل ولم يكتف بكفيل النفس: فإن كان المدعى
عليه عدلا لا يجيبه القاضي، ولو فاسقا يجيبه. وفي العقار لا يجيبه إلا في الشجر الذي عليه الثمر لان
الثمر نقلي. ا ه‍.
قال في البحر: وظاهر أن الشجر من العقار، وقدمنا خلافه. وفي أبي السعود عن الحموي عن
المقدسي التصريح بأنه من العقار. ا ه‍.
أقول: وقدمنا الصحيح من ذلك فلا تنسه. وفي الخزانة: إذا أقام بينة ولم تزك في جارية يضعها
القاضي على يد امرأة ثقة حتى يسأل عن الشهود، ولا يتركها في يد المدعى عليه عدلا كان أو لا. هذا إن
سأل المدعي من القاضي وضعها. اه‍. وإنما أخذ الكفيل بمجرد الدعوى استحسانا لان فيه نظرا
للمدعي، وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه، وهذا لان الحضور مستحق عليه بمجرد الدعوى فصح
التكفيل بإحضاره: أي من غير جبر كما قدمنا. قوله: (ولو وجيها) ضد الخامل، والوجيه من له حظ
ورتبة، والخامل من خمل الرجل خمولا من باب قعد: ساقط لنباهة لا حظ له. مصباح. قوله: (في ظاهر
المذهب) أي المعتمد. وعن محمد أن الخصم إذا كان معروفا أو المال حقيرا والظاهر من حاله أنه لا يخفي
نفسه بذلك القدر من المال لا يجبر على إعطائه الكفيل. قوله: (في الصحيح) قال في البحر: ثم تأقيت
الكفالة بثلاثة أيام ونحوها ليس لأجل أن يبرأ الكفيل عنها بعد الوقت، فإن الكفيل إلى شهر لا يبرأ
بعده، لكن التكفيل إلى شهر للتوسعة على الكفيل، فلا يطالب إلا بعد مضيه، لكن لو عجل يصح، وهنا
للتوسعة على المدعي فلا يبرأ الكفيل بالتسليم للحال إذ قد يعجز المدعي عن إقامتها، وإنما يسلم إلى
المدعي فلا يبرأ الكفيل بالتسليم للحال إذ قد يعجز المدعي عن إقامتها، وإنما يسلم إلى
المدعي بعد وجود ذلك الوقت، حتى لو أحضر البينة قبل الوقت يطالب الكفيل. قوله: (إلى مجلسه) أي

61
القاضي. قوله: (لازمه بنفسه) أي دار معه حيث دار فلا يلازمه في مكان معين، ولا يلازمه في المسجد
لأنه بنى للذكر، به يفتى. بحر. وفيه: ويبعث معه أمينا يدور معه. ورأيت في الزيادات أن الطالب لو
أمر غيره بملازمة مديونه فللمديون أن لا يرضى بالأمين عند أبي حنيفة خلافا لهما بناء على التوكيل بلا
رضا الخصم، لكنه لا يحبسه في موضع لان ذلك حبس، وهو غير مستحق عليه بنفس الدعوى، ولا
يشغله عن التصرف بل هو يتصرف والمدعي يدور معه.
مطلب: هل للطالب أن يمنعه من دخول داره إن لم يأذن له بالدخول معه؟
وإذا انتهى المطلوب إلى داره فإن الطالب لا يمنعه من الدخول إلى أهله بل يدخل والملازم يجلس
على باب داره. ا ه‍. وفي الذخيرة: ومن القضاة المتأخرين من أوجب حبس الخصم، لان المدعي يحتاج
إلى طلب الشهود وغيره. ا ه‍. وفي البحر: عن الزيادات: أن المطلوب إذا أراد أن يدخل بيته، فإما أن
يأذن للمدعي في الدخول معه أو يجلس معه على باب الدار، لأنه لو تركه حتى يدخل الدار وحده
فربما يهرب من جانب آخر فيفوت ما هو المقصود منها.
مطلب: فيما لو كان المطلوب امرأة
وفي تعليق أستاذنا: لو كان المدعى عليه امرأة فإن الطالب لا يلازمها بنفسه، بل يستأجر امرأة
فتلازمها. وفي أول كراهية الواقعات: رجل له على امرأة حق فله أن يلازمها ويجلس معها ويقبض على
ثيابها لان هذا ليس بحرام، فإن هربت ودخلت خربة لا بأس بذلك إذا كان الرجل يأمن على نفسه
ويكون بعيدا منها يحفظها بعينه، لان في هذه الخلوة ضرورة، وأشار بملازمته إلى ملازمة المدعي لما في
خزانة المفتين إذا كان المدعى عليه متلافا وأبى عطاء الكفيل بالمدعي.
مطلب: له ملازمة المدعي
فللمدعي أن يلازم ذلك الشئ أن يعطيه كفيلا، وإن كان المدعي ضعيفا عن ملازمته يضع ذلك
الشئ على يد عدل. ا ه‍.
وظاهر ما في السراج الوهاج أنه لا يلازمه إلا بإذن القاضي، وذكر فيه أن منها أن يسكن حيث
سكن. وفي المصباح: دار حول البيت يدور دورا ودورانا طاف به، ودوران الفلك تواتر حركاته
بعضها أثر بعض من غير ثبوت ولا استقرار. ومنه قولهم: دارت المسألة: أي كلما تعلقت بمحل
توقف ثبوت الحكم على غيره فتنتقل إليه ثم يتوقف على الأول وهكذا. ا ه‍. قوله: (مقدار مدة التكفيل)
فإن لم يأت ببينة أمره أن يخلي سبيله ولا يقبل دعوته إلا بإحضار البينة كما لا يخفى. قوله: (إلا أن
يكون الخصم غريبا أي مسافرا) وأي تفسير مراد، وأشار به إلى أن حكم المقيم مريد السفر كالغريب.
قال في المنح: المراد من الغريب المسافر. قوله: (إلى انتهاء مجلس القاضي) أطلق في مقدار
القاضي فشمل ما إذا كان يجلس في كل خمسة عشرة يوما مرة. كذا في البزازية. قوله: (دفعا
للضرر) بأخذ الكفيل وبالملازمة أزيد من ذلك، كذا علله في الهداية لان في أخذ الكفيل والملازمة
زيادة على ذلك إضرارا به يمنعه عن السفر، ولا ضرر هذا المقدار ظاهرا. قوله: (حتى لو علم
وقت سفره) بأن قال أخرج غدا مثلا، فلو علم أن السفر قبل انتهاء مجلس القاضي يكون التكفيل إلى

62
وقت السفر دفعا للضرر. قوله: (إليه) أي إلى وقت سفره. قوله: (أو يستخبر رفقاءه) بأن يبعث إليهم
أمينا، فإن قالوا أعد للخروج معنا يكفله إلى وقت الخروج. بحر. قوله: (لا بينة لي الخ) هذه المسألة
من تتمة قوله وتقبل البينة لو أقامها بعد اليمين، كما أشار إليه الشارح هناك بقوله: وإن قال قبل
اليمين لا بينة لي، فكان المناسب أن يذكرها هناك ح. قوله: (قبل ذلك البرهان) لان اليمين الفاجرة
أحق بالرد من البينة العادلة كما مر. قوله: (فهي شهود زور) لان الشهادة تتعلق بالشهود، ويجب
عليهم أداؤها ويأثم كاتمها، وهذا القول منه لا يثبت زور العدل لأنه قبل الشهادة ولأنه في غير معلوم
ولأنه جرح مجرد ط. قوله: (أو قال) أي المدعي. قوله: (حلفت) بتاء الخطاب. قوله: (كما مر) عند
قول المصنف اصطلحا على أن يحلف عند غير قاض الخ لكن هناك اليمين من المدعي، وقدمنا الكلام
عليه هناك. قوله: (فأنكر المدعي) أي مدعي الدين. قوله: (ولا بينة له) أي لمدعي الايصال. قوله
(فطلب يمينه) أي يمين الدائن. قوله: (فقال المدعي) أي مدعي الدين. قوله: (اجعل حقي في الختم)
المراد به، والله تعالى أعلم: المنقد فإنه قال في القاموس إن المختم كمنبر آلة ينقد بها، فراجعه ط.
أقول: ولعله المعد الذي يعد عليه الصيارفة والتجار وفي بيت المال الدراهم، والمقصود إحضار
الحق.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: المراد، بالختم الصك، ومعناه اكتب الصك بالبينة ثم
استحلفني، أو المراد بإحضار نفس الحق في شئ مختوم وهو الأظهر، وفي حاشية الفتال عن الفتاوى
الأنقروية: يعني أحضر حقي ثم استحلفني، ومثله في الحامدية. قوله: (لحديث من كان حالفا)
صدره كما في الحموي: لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت، فمن كان حالفا الخ. ولما روي عن ابن
عمر رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام سمع عمر يحلف بأبيه فقال: إن الله ينهاكم أن تحلفوا
بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت رواه البخاري ومسلم وأحمد. وعن أبي هريرة
رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (ص) لا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا
وأنتم صادقون رواه النسائي. عيني. قوله: (وظاهره) أي ظاهر قول الخزانة من قوله: وهو قوله
والله إنه لو حلفه بغيره من أسماء الله أو صفة تعورف الحلف بها لم يكن يمينا: يعني في باب
الدعوى، ويمكن أن يكون وجهه أن لفظ الجلالة جامع لجميع الأسماء والصفات حتى صحح بعضهم

63
أنه الاسم الأعظم، وقد ورد تحليف الشارع به فيقتصر عليه، ويحتمل أنه ذكره على سبيل التمثيل لما
علم في كتاب الايمان أنه ينعقد الحلف بكل اسم من أسماء الله تعالى، وكل صفة تعورف الحلف بها،
وقد صرحوا هنا بما يدل على ذلك. قال في خزانة المفتين: متى حلفه بالله الرحمن الرحيم كان يمينا
واحدا، وإذا حلفه بالله والرحمن والرحيم يكون ثلاثة أيمان ا ه‍. فهذا صريح بأن الرحمن والرحيم
يمين. تأمل. ومثله في التبيين فإنه قال: ويحترز عن عطف بعض الأسماء على بعض كيلا يتكرر عليه
اليمين، ولو أمره بالعطف فأتى بواحدة ونكل عن الباقي لا يقضي عليه بالنكول، لان المستحق عليه
يمين واحدة وقد أتى بها. ا ه‍.
وسيصرح الشارح به في قوله ويجتنب العطف كي لا يتكرر اليمين وفي كتاب الايمان والقسم
بالله تعالى أو باسم من أسمائه كالرحمن والرحيم والحق، أو بصفة يحلف بها من صفاته تعالى كعزة الله
وجلاله وكبريائه وعظمته الخ، فهذا كله يدل على كونه يمينا، وكذا ما ثبت في الحديث ورب الكعبة
ونحوه يقتضي أن الحلف بالرحمن والرحيم وغيره من أسمائه تعالى يكون يمينا، على أنه صرح في
روضة القضاة بأن اليمين يكون بالرحمن والرحيم وسائر أسمائه تعالى. وأما الحصر في الحديث الشريف
بالنسبة إلى الجبت والطاغوت ونحوهما. قوله: (بغيره) كالرحمن والرحيم. بحر. قوله: (لم يكن يمينا)
قد علمت أن الحق أنه يمين، ولا يشكل عليه ما يفهم من ظاهر عبارة الدرر من قوله: والحلف بالله
تعالى دون غيره، وإن كان ظاهره أن هذا التركيب للحصر كما في الحمد لله لان المراد أن لا يكون
الحلف إلا بذاته تعالى: أي باسم من أسمائه الذاتية أو الصفاتية فقد انتفى الاشكال، على أنه هو
المصرح به في عمدة الكتب بل عامتهم، ولا يمكن أن يقال إن ما ذكروه في كتاب الايمان فرق عن
هنا: أي الدعوى لأنه لم يصرح أحد يفرق أصلا. قوله: (ولم أره صريحا بحر) حيث قال بعد نقله
عبارة الخزانة: وظاهره أنه لا تحليف بغير هذا الاسم، فلو حلفه بالرحمن أو الرحيم لا يكون يمينا، ولم
أره صريحا ا ه‍.
قال العلامة المقدسي: فيه قصور لوجود النص على خلافه، فقد ذكر في كتاب الايمان أنه لو
قال: والرحمن أو الرحيم أو القادر فكل ذلك يمين، ويدل عليه قولهم فيما إذا غلظ بذكر الصفة يحترز
عن الاتيان بالواو لئلا تتكرر اليمين ونصه هنا في تحليف الأخرس أن يقال له عهد الله عليك، ولا
فرق بينه وبين الصحيح بل صرح بهذا الصحيح، وصرح في روضة القضاة بأن الرحمن الرحيم وسائر
أسماء الله تعالى تكون يمينا ا ه‍.
أقول: والعجب من المصنف حيث نقله وأقره عليه، وكذا الشارح. قوله: (لا بطلاق وعتاق
وإن ألح الخصم) أي داوم على طلب اليمين بهما، ومثل الطلاق والعتاق الحج كما في العناية، وقد
قصد بهذا مخالفة الكنز والدرر حيث قال: إلا إذا ألح الخصم، وحكاه في الكافي بقيل، وكذا في
الهداية، فإن ما مشى عليه الشارح هو ظاهر الرواية. قوله: (لان التحليف بهما حرام) بل في
القهستاني عن المضمرات اختلفوا في كفره إذا قال حلفه بالطلاق، وقدمنا الكلام قريبا على ما لو حلف
بالطلاق أنه لا مال عليه ثم برهن المدعي على المال، وسيأتي في كلام الشارح. قوله: (وقيل إن مست
الضرورة فوض إلى القاضي) قال في المنية: وإن مست الضرورة يفتي أن الرأي فيه للقاضي. قوله:

64
(وظاهره أنه مفرع على قول الأكثر) تبع فيه المصنف وصاحب البحر وهو عجيب، فإن صاحب الخزانة
صرح بأن ذلك على قول الأكثر فهو صريح لا ظاهر. قوله: (وإلا فلا فائدة) قال العلامة المقدسي: قد
تكون فائدته اطمئنان خاطر المدعي إذا حلف فربما كان مشتبها عليه الامر لنسيان ونحوه، فإذا حلف
له بهما صدقه ا ه‍.
وفي شرح الملتقى عن الباقلاني: الاقرار بالمدعي إذا احترز عنه. ا ه‍: أي تظهر فائدته فيما إذا
كان جاهلا بعدم اعتبار نكوله، فإذا طلب حلفه به ربما يمتنع ويقر بالمدعي. قوله: (واعتمده المصنف)
حيث قال: وهذا كلام ظاهر يجب قبوله والتعويل عليه، لان التحليف إنما يقصد لنتيجته، وإذا لم
يقض بالنكول عنه فلا ينبغي الاشتغال به، وكلام العقلاء فضلا عن العلماء العظام يصان عن اللغو،
والله تعالى أعلم بالصواب ا ه‍.
لكن عبارة ابن الكمال: فإن ألح الخصم: قيل يصح بهما في زماننا لكن لا يقضي عليه بالنكول
لأنه امتنع عما هو منهي عنه شرعا، ولو قضى عليه بالنكول لا ينفذ انتهت. واستشكل في السعدية
بأنه إذا امتنع عما هو منهي عنه شرعا فكيف يجوز للقاضي تكليف الاتيان بما هو منهي عنه شرعا؟
ولعل ذلك البعض يقول النهي تنزيهي، ومثل ما في ابن الكمال في الزيلعي وشرح درر البحار،
وظاهره أن القائل بالتحليف بهما يقول إنه غير مشروع، ولكن يعرض عليه لعله يمتنع، فإن من له
أدنى ديانة لا يحلف بهما كاذبا فإنه يؤدي إلى طلاق الزوجة وعتق الأمة أو إمساكهما بالحرام، بخلاف
اليمين بالله تعالى فإنه يتساهل به في زماننا كثيرا. تأمل. قوله: (لا يفرق) أي بين الزوج والزوجة.
قوله: (لان السبب لا يستلزم قيام الدين) لاحتمال وفائه أو إبرائه أو هبته منه، وهذا التفصيل هو
المفتى به كما في شرح عبد البر ط. قوله: (وقال محمد في الشهادة على قيام المال: لا يحنث لاحتمال
صدقه).
أقول: تقدم قريبا قوله ويظهر كذبه بإقامتها لو ادعاه: أي المال بلا سبب فحلف، وإن ادعاه
بسبب فحلف أن لا دين عليه ثم أقامها لا يظهر كذبه لجواز أنه وجد القرض، ثم وجد الابراء أو
الايفاء وعليه الفتوى ا ه‍. وقد ذكرنا هناك الكلام وبحث المقدسي فيه والجواب عنه فراجعه إن شئت.
قوله: (وقد تقدم) أي في كلام المصنف حيث قال: ويظهر كذبه بإقامتها لو ادعاه بلا سبب فحلف
الخ، وإنما أعاد هنا لان هذه العبارة أوضح وأدل على المطلوب، وفيها زيادة فائدة كذكر الخلاف بين
محمد وأبي يوسف، وهو كالشرح للعبارة المتقدمة، فقد بين به أن إطلاق الدرر على قول أحد
الشيخين، ولا اعتراض على من أتى بالعبارة التامة بعد العبارة القاصرة، كما قالوا في عطف العام على
الخاص لا يحتاج إلى نكتة لما فيه من زيادة الفائدة. تأمل.

65
مطلب: مسائل ذكرها الخصاف في آخر كتاب الحيل
قال العلامة الشلبي في حاشية الزيلعي: ونذكر نبذا من مسائل ذكرها الخصاف في آخر كتاب
الحيل: إن قال كل امرأة لي طالق مثلا، ونوى كل امرأة أتزوجها باليمين أو الهند أو بالسند أو في
بلد من البلدان له نيته، وإن ابتدأ اليمين يحتال ويقول: هو الله، ويدغم ذلك حتى لا يفهم
المستحلف.
فإن قال المستحلف: إنما أحلفك بما أريد وقل أنت نعم، ويريد أن يستحلفه بالله والطلاق
والعتاق والمشي وصدقة ما يملك، يقول نعم وينوي نعما من الانعام، وكذا لو قيل له نساؤك طوالق
ونوى نساءه العور أو العميان أو العرجان أو المماليك أو اليهوديات فيكون له نيته.
وإن أراد أن يحلف أنه لم يفعل كذا وأحصر المملوك ليحلف بعتقه قال: يضع يده على رأس
المملوك أو ظهره ويقول هذا حر: يعني ظهره إن كان فعل فلا يعتق المملوك.
وإن حلف بعتق المملوك أنه لم يفعل كذا، ونوى بمكة أو في المسجد الحرام، أو في بلد من
البلدان لا يحنث إن كان فعله في غير ذلك الموضع.
وإن حلف بطلاق امرأته ويقول امرأتي طالق ثلاثا، وينوي عملا من الأعمال كالخبز والغسل أو
أطالق من وثاق، وينوي بقوله ثلاثا ثلاثة أيام أو أشهر أو جمع فلا حنث.
ولو بلغ سلطانا عن رجل كلام فأراد السلطان أن يحلفه عليه فالوجه أن يقول: ما الذي بلغك
عني؟ فإذا قال بلغني عنك كذا وكذا، فإن شاء حلف له بالعتاق والطلاق أنه ما قال هذا الكلام الذي
حكاه هذا ولا سمع به إلا هذه الساعة فلا إثم عليه، وإن شاء نوى في الطلاق والعتاق ما شرحناه،
وإن شاء نوى أنه لم يتكلم بهذا الكلام بالكوفة مثلا غير البلد الذي تكلم فيه به أو الموضع، أو ينوي
عدم التكلم ليلا، وإن تكلمه نهارا أو عكسه أو ينوي زمنا غير الذي تكلم فيه. ا ه‍ ملخصا.
أقول: الظاهر في ذلك أن الحالف مظلوما، أما لو كان ظالما فلا ينوي، بل العبرة بظاهر اللفظ
العرفي الذي حلف به، لان الايمان مبنية على الألفاظ لا على الاغراض كما علم ذلك من كتاب
الايمان، فراجعه. قوله: (ويغلظ بذكر أوصافه تعالى) أي يؤكد اليمين بذكر أوصاف الله تعالى، وذلك
مثل قوله: * ((59) هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم) * (الحشر: 22) الذي
يعلم من السر ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا المال الذي ادعاه ولا شئ منه،
لان أحوال الناس شتى، فمنهم من يمتنع عن اليمين بالتغليظ، ويتجاسر عند عدمه فيغلظ عليه لعله
يمتنع بذلك، ولو لم يغلظ جاز، وقيل: لا تغليظ على المعروف بالصلاح، ويغلظ على غيره، وقيل
يغلظ على الخطير من المال دون الحقير. عيني. قوله: (وقيده) أي قيد بعضهم التغليظ. قوله: (بفاسق)
أي إذا كان المدعى عليه فاسقا. قوله: (ومال خطير) أي كما ذكرنا كما بينه في خزانة المفتين وتبيين
الحقائق. قوله: (والاختيار فيه) أي في التغليظ لما علمت من أنه جائز ويجوز إرجاع الضمير إلى أصل
اليمين: أي الاختيار في اليمين بأن يقول له قل والله أو بالله أو الرحمن والقادر على ما سلف، وقد
صرحوا أن التحليف حق القاضي: أي الاختيار في صفة التغليظ إلى القضاة يزيدون فيه ما شاؤوا أو
ينقصون ما شاؤوا ولا يغلظون لو شاؤوا كما في البحر عن الخلاصة. قوله: (وفي صفته) أي التغليظ

66
التي ينطلق بها. قوله: (إلى القاضي) أي تفويضه إلى القاضي. قوله: (ويجتنب العطف) أي في اليمين
فلا يذكره بحرف العطف ويحترز عن عطف بعض الأسماء على بعض وإلا لتعدد اليمين، ولو أمره
بالعطف فأتى بواحدة ونكل عن الباقي لا يقضي عليه بالنكول، لان المستحق يمين واحدة وقد أتى بها
كما أفاده الزيلعي وقدمناه قريبا فلا تنسه. قوله: (لا يستحب) وقيل لا يجب، وقيل لا يشرع. وظاهر
ما في الهداية أن المنفي وجوب التغليظ بهما فيكون مشروعا، وظاهر ما في المحيط في موضع أن
المنفي كونه سنة وفي موضع بعده عدم مشروعيته حيث قال: لا يجوز التغليظ بالزمان والمكان، وصرح
في غاية البيان أن للحاكم فعله عندنا إن رأى ذلك، وإنما الخلاف في كونه واجبا أو سنة. وفي
البحر: لا يجوز التغليظ بالمكان. قال في الكافي: قيل لا يجب، وقيل لا يشرع، لان في التغليظ
بالزمان تأخير حق المدعي إلى ذلك الزمان. قال العلامة المقدسي: وكذا في المكان لان فيه التأخير إلى
الوصول إلى ذلك المكان المغلظ به، فلا يشرع. كذا في التبيين والكافي. ا ه‍.
قلت: وهذا لا يظهر إذا كان على وفق مطلوبه، ولو علل بمخالفته المشروع لكان أولى، وعند
الشافعي: يستحب هذا التغليظ في قول، ويجب في قول به قال مالك كما في البناية وغيره.
أقول: الظاهر أن المذهب عندنا عدم جواز هذا التغليظ، وعليه دلائل مشايخنا المذكورة في
الشروح وأما سلب حسن هذا لتغليظ تارة وسلب الوجوب أخرى في عبارتهم فمبني على نفي مذهب
الخصم. تدبر. قوله: (بزمان) مثل يوم الجمعة. قوله: (ولا بمكان) مثل الجامع عند المنبر أو ما بين
الركن والمقام وعند قبره عليه الصلاة والسلام وعند صخرة بيت المقدس. قوله: (وظاهره أنه مباح) فيه
أن المباح ما استوى طرفاه فكان يقول فهو خلاف الأولى.
وأقول كيف يكون مباحا وفيه زيادة على النص، وهو قوله (ص) اليمين على من
أنكر وهو مطلق عن التقييد بزمان أو مكان، والتخصيص بهما زيادة على النص، وهو نسخ كما أفاده
العيني. وفي شرح الملتقى للداماد وعند الأئمة الثلاثة: يجوز أن تغلظ بهما أيضا إن كانت اليمين في
قسامة ولعان ومال عظيم. قال القهستاني: وعن أبي يوسف أنه يوضع المصحف في حجره، ويقرأ
الآية المذكورة وهي * ((3) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * (آل عمران: 77) الآية ثم يحلف في مكان منها
كما في المضمرات. قوله: (ويستحلف اليهودي) قال في المصباح: اليهودي نسبة إلى هود، وهو
اسم نبي عربي، وسمي بالجمع والمضارع من هدى إذا رجع، ويقال هم يهود وهو غير منصرف
للعلمية ووزن الفعل، وجاز تنوينه، وقيل نسبة إلى يهود بن يعقوب. قوله: (بالله الذي أنزل التوراة
على موسى) لقوله عليه الصلاة والسلام لابن صوريا الأعور: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على
موسى أن حكم الزنا في كتابكم هذا كما في البحر.

67
قال في البدائع: ولا يحلف على الإشارة إلى مصحف معين: أي من التوراة بأن يقول: بالله
الذي أنزل هذه التوراة أو هذا الإنجيل، لأنه ثبت تحريف بعضها فلا يؤمن أن تقع الإشارة إلى الحرف
المحرف فيكون التحليف تعظيما لما ليس كلام الله تعالى شرنبلالية. أو من حيث إن المجموع ليس
كلام الله تعالى ط. قوله: (والنصراني) قال في المصباح: رجل نصراني بفتح النون وامرأة نصرانية،
وربما قيل نصران ونصرانة، ويقال هو نسبة إلى قرية يقال لها نصرة، ولهذا قيل في الواحد نصري على
القياس، والنصارى جمعه مثل مهري ومهارى، ثم أطلق النصراني على كل من تعبد بهذا الدين ا ه‍.
قوله: (والمجوسي) قال في المصباح: هي كلمة فارسية يقال تمجس: إذا دخل في دين المجوس، كما
يقال تهود أو تنصر إدا دخل في دين اليهود والنصارى. قوله: (فيغلظ على كل بمعتقده) لتكون ردعا
له عن اليمين الكاذبة. قال في البحر: وما ذكره من صورة تحليف المجوسي مذكور في الأصل. وروى
عن أبي حنيفة أنه لا يحلف أحد: أي من أهل الكفر إلا بالله خالصا تحاشيا عن تشريك الغير معه في
التعظيم. وذكر الخصاف أنه لا يحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله، واختاره بعض مشايخنا لما في
ذكر النار من تعظيمها، ولا ينبغي ذلك، بخلاف الكتابين لأنهما من كتبه تعالى، وظاهر ما في المحيط
أن ما في الكتاب قول محمد، وما ذكره الخصاف قولهما.
فإن قلت: إذا حلف الكافر بالله فقط ونكل عما ذكر هل يكفيه أم لا؟ قلت: لم أره صريحا،
وظاهر قولهم إن يغلظ به أنه ليس بشرط وأنه من باب التغليظ، فيكفي بالله ولا يقضي عليه بالنكول
عن الوصف المذكور. ا ه‍. قوله: (اختيار) قال فيه بعد قول المتن ويستحلف اليهودي الخ ولو اقتصر
في الكل على قوله بالله فهو كاف، لان الزيادة للتأكيد كما قلنا في المسلم، وإنما يغلظ ليكون أعظم
في قلوبهم فلا يتجاسرون على اليمين الكاذبة. ا ه‍. قوله: (والوثني) الوثن: الصنم سواء كان من
خشب أو حجر أو غيره، والجمع وثن مثل أسد وأسد وأوثان، وينسب إليه من يتدين بعبادته على
لفظه فيقال رجل وثني، وأراد بالوثني المشرك سواء عبد صنما أو وثنا أو غيرهما. قوله: (لأنه يقر به
وإن عبد غيره) أي يعتقد أن الله تعالى خالقه لكنه يشرك معه غيره. قال تعالى: * (ولئن سألتهم من
خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * (لقمان: 52). قوله: (وجزم ابن الكمال بأن الدهرية) بفتح
الدال. أي الطائفة الذين يقولون بقدم الدهر وينكرون الصانع ويقولون: إن هي إلا أرحام تدفع
وأرض تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر. قال في القاموس: الدهر قد يعد في الأسماء الحسنى والزمن
الطويل والأمد الممدود وألف سنة، والدهري ويضم القائل ببقاء الدهر. قوله: (لا يعتقدونه تعالى) وإن
قالوا يقدمه لان قدمه عندهم بأنه قديم بالزمان، وذلك لان منهم من يقول القدماء خمسة: الرب،
والدهر، والفلك، والعناصر، والفراغ: أي الخلاء وراء العام، فالزهرا الخالق لها (1) وهي قديمة
بالزمان لا بالذات كما في حاشية الكبرى. قوله: (قلت وعليه فبماذا يحلفون) قلت يحلفون بالله تعالى



(1) قوله: (فالزهرا الخالق لها) هكذا بالأصل ولتحرر هذه العبارة.
68
لما في معراج الدراية عن المبسوط الحر والمملوك والرجل والمرأة والفاسق والصالح والكافر والمسلم
في اليمين سواء، لان المقصود هو القضاء بالنكول، وهؤلاء في اعتقاد الحرمة في اليمين الكاذبة سواء
. ا ه‍.
أقول: والزنديق والمباحي داخلون تحت المشركين، إذ قد سبق في صدر الكتاب من البدائع أنهم
لم يتجاسروا في عصر من الاعصار على إظهار نحلهم سوء كفرهم، فلما لم يقروا بالواجب الوجود لله
تعالى تقدس عما يقول الظالمون، ولا نبي من الأنبياء، ولم يقدروا على إظهار مللهم ألحقوا بالمشركين،
فيعدون منهم حكما، على أنه قد صرح في بعض الكتب أنهم يقرون به تعالى. ولكن ينفون القدر عنه
تعالى فظهر أن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى وتعمهم الآية الكريمة المتقدمة، فيستحلفون بالله
تعالى، سواء كان المستحلف ممن يعتقد الله تعالى أو لا، فإنه وإن لم يعلم الله تعالى يعلمه،
فإذا حلف به كاذبا فالله تعالى يقطع دابره ويجعل دياره بلاقع: أي خالية، وحينئذ فلا معنى لقول
الشارح: قلت الخ تأمل.
أقول: وهذا كله بخلاف الكتابيين كما مر من أنهم يحلفون بالله الذي أنزل التوراة أو الإنجيل،
وفي المقدسي: لأنهما من كتبه تعالى. قال في شرح الأقطع: أما الصابئة إن كانوا يؤمنون بإدريس عليه
السلام استحلفوا بالذي أنزل الصحف على إدريس عليه السلام، وإن كانوا يعبدون الكواكب استحلفوا
بالذي خلق الكواكب. اه‍. إتقاني. ولا تنس ما قررته. قوله: (أن يقول له القاضي عليك عهد الله)
ولا يقول له: تحلف بالله ما لهذا عليك حق فإنه لا يكون يمينا، ولو أشر بنعم لأنه يصير كأنه قال
احلف وذلك لا يكون يمينا أفاده الاتقاني. قال في الشرنبلالية: ولا يقول له بالله إن كان كذا، لأنه إذا
قال نعم إقرارا لا يمينا. ا ه‍. قوله: (فإذا أومأ برأسه أي نعم صار حالفا) وإن أشار بالانكار
صار نكولا ويقضي عليه: قنية. قوله: (أن عرفه) أي الخط. قوله: (وإلا فبإشارته) ويعامل معاملة
الأخرس. عبد البر. قوله: (ولو أعمى أيضا) أي وهو أصم أخرى. قوله: (فأبوه الخ) مراده به ما
يعم الجد، كما أن المراد بوصيه ما يشمل وصي الجد. أفاده عبد البر. وظاهره أنه يستحلف عنه، فإن
كان كذلك فإنه يكون مخصصا لما تقدم من قوله إن النيابة لا تجري في الحلف. كذا أفاده بعض
الفضلاء. لكن صرح العلامة أبو السعود بأنه مستثنى من قولهم الحلف لا تجري فيه النيابة، وهو ظاهر
في أنه يحلف وهو ظاهر في أنه يحلف أبوه أو وصيه. تأمل. قوله: (أو من نصبه القاضي) الصواب ثم من نصبه القاضي لأنه
إنما ينصب عنه إذا فقد من سبق ذكره عبد البر، وهل يحلفون على العلم لكونه مما يتعلق به حق الغير
أو على البت؟ يحرر ط. قوله: (بحر) قال فيه: والقاضي لا يحضرها بل هو ممنوع عن ذلك. كذا في
الهداية ولو قال المسلم لا يحضرها لكان أولى، لما في التتارخانية: يكره للمسلم الدخول في البيعة
والكنيسة من حيث إنه مجمع الشياطين، والظاهر أنها تحريمية لأنها المرادة عند الاطلاق، وقد أفتيت
بتعزير مسلم لازم الكنيسة مع اليهود. ا ه‍. قوله: (في دعوى سبب يرتفع) أي سبب ملك ولو حكميا
أو سبب ضمان، وقيد به لان الدعوى إذا وقعت مطلقة عن سبب بأن ادعى عبدا أنه ملكه فاليمين على

69
الحكم بلا خلاف، فيقال قل بالله ما هذا العبد لفلان هذا ولا شئ منه كما في العمادية. قوله:
(يرتفع) أي برافع كالإقالة والطلاق والرد. قوله: (أي على صورة إنكار المنكر) وهو صورة دعوى
المدعي. بحر: هذا معناه الاصطلاحي، أما معناه اللغوي: فالحاصل من كل شئ ما بقي وثبت
وذهب ما سواه كما في القاموس، ويمكن اعتباره هنا فإنه يحلف على الثابت والمستقر الآن، ويكون
قوله أي على صورة الخ تفسير مراد، وإنما كان على صورته، لان المنكر يقول لم يكن بيننا بيع ولا
طلاق ولا غصب.
والحاصل: أن التحليف على الحاصل نوع آخر من كيفية اليمين، وهو الحلف على الحاصل
والسبب، والضابط في ذلك أن السبب إما أن يكون مما يرتفع برافع أو لا، فإن كان الثاني فالتحليف
على السبب بالاجماع، وإن كان الأول فإن تضرر المدعي بالتحليف على الحاصل عند الطرفين، وعلى
السبب عند أبي يوسف كما سيأتي مفصلا.
قال في نور العين: النوع الثالث في مواضع التحليف على الحاصل والتحليف على السبب جغ.
ثم المسألة على وجوه: إما أن يدعي المدعى دينا أو ملكا في عين أو حقا في عين، وكل منها على
وجهين إما أن يدعيه مطلقا أو بناء على سبب، فلو ادعى دينا ولم يذكر سببه يحلف على الحاصل ما له
قبلك ما ادعاه ولا شئ منه وكذا لو ادعى ملكا في عين حاضر أو حقا في عين حاضر ادعاه مطلقا
ولم يذكر له سببا يحلف على الحاصل ما هذا لفلان ولا شئ منه، ولو ادعاه بناء على سبب بأن ادعى
دينا بسب قرض أو شراء أو ادعى ملكا بسبب بيع أو هبة أو ادعى غصبا أو وديعة أو عارية يحلف
على الحاصل في ظاهر الرواية، لا على السبب بالله ما غصبت ما استقرضت ما أودعك ما شريت منه.
كافي. وعن أبي يوسف: يحلف على السبب في هذه الصور المذكورة، إلا عند تعريض المدعى عليه
نحو أن يقول أيها القاضي قد يبيع الانسان شيئا ثم يقيل، فحينئذ يحلف القاضي على الحاصل صح.
وذكر شمس الأئمة الحلواني رواية أخرى عن أبي يوسف: إن المدعى عليه لو أنكر السبب يحلف على
السبب، ولو قال ما علي ما يدعيه يحلف على الحاصل. قاضيخان. وهذا أحسن الأقاويل عندي وعليه
أكثر القضاة.
يقول الحقير: وكذا في مختارات النوازل لصاحب الهداية ا ه‍. وقال فخر الاسلام البزدوي:
اللائق أن يفوض الامر إلى القاضي فيحلف على الحاصل أو السبب أيهما رآه مصلحة كما في الكافي،
وما في المتن ظاهر الرواية كما في الشروح، واعترض على رواية عن أبي يوسف بأني اللائق التحليف
على السبب دائما، ولا اعتبار للتعريض، لأنه لو وقع فعلى المدعي البينة، وإن عجز فعلى المدعى عليه
اليمين. وأجيب بأنه قد لا يقدر عليها والخصم ممن يقدم على اليمين الفاجرة، فاللائق التحليف على
الحاصل كي لا يبطل الحق. قال البرجندي: ما ذكره المعترض اعتراض على قول أبي يوسف بأنه لا
فرق في ذلك بين التعريض وعدمه، وذا لا يندفع بهذا الجواب. قوله: (أي بالله ما بينكما نكاح قائم)
إدخال النكاح في المسائل التي يحلف فيها على الحاصل عندهما غفلة من صاحب الهداية والشارحين،
لان أبا حنيفة لا يقول بالتحليف بالنكاح، إلا أن يقال: إن الامام فرع على قولهما كتفريعه في المزارعة
على قولهما. بحر. أو يقال: إنه محمول على ما إذا كان مع النكاح دعوى المال كما نقل عن المقدسي،
ولكن ذكره في اليعقوبية أيضا ثم قال: وهذا بعيد، لان الظاهر أنه يحلف عنده في تلك الصورة على

70
عدم وجوب المال لا على عدم النكاح، فليتأمل. ا ه‍. قوله: (وما بينكما بيع قائم الآن) هذا قاصر،
والحق ما في الخزانة من التفصيل. قال المشتري: إذا ادعى الشراء فإن ذكر نقد الثمن فالمدعى عليه
يحلف بالله ما هذا العبد ملك المدعي، ولا شئ منه بالسبب الذي ادعى، ولا يحلف بالله ما بعته، وإن
لم يذكر المشتري نقد الثمن يقال له أحضر الثمن، فإذا أحضره استحلفه بالله ما يملك قبض هذا الثمن
ولا تسليم هذا العبد من الوجه الذي ادعى، وإن شاء حلفه بالله ما بينك وبين هذا شراء قائم الساعة.
والحاصل: أن دعوى الشراء مع نقد الثمن دعوى المبيع ملكا مطلقا وليست بدعوى العقد،
ولهذا تصح مع جهالة الثمن فيحلف على ملك المبيع، ودعوى البيع مع تسليم المبيع، ودعوى الثمن
معنى وليست بدعوى العقد ولهذا تصح مع جهالة المبيع فيحلف على ملك الثمن. قوله: (وما يجب
عليك رده الآن) الصواب ما في الخلاصة: ما يجب عليك رده ولا مثله ولا بدله ولا شئ من ذلك
انتهى. وإلى بعض ذلك أشار الشارح بقوله أو بدله لان المغصوب لو كان هالكا لا يجب على
الغاصب رد عينه لتعذر ذلك، بل يجب عليه رد مثله لو مثليا أو قيمته لو قيميا، فلو حلفه بالله ما يجب
عليك رده وكان ذلك بعد هلاكه وحلف على ذلك لم يحنث لعدم وجوب رده ح. بل يحلفه بالله ما
يجب عليك رده، ولا رد بدله ليعم حاله قيام المغصوب وهلاكه فلو ادعى عليه قيام المغصوب حلفه
بالله ما يجب عليك رده، وإن ادعى عليه أن المغصوب قد هلك في يده ويريد تضمينه حلف بالله ما
يجب عليك بدله، وإنما عبر بالبدل ليعم المثل لو مثليا والقيمة لو قيميا. قوله: (وما هي بائن منك
الآن) هذا في البائن الواحد، وأما إذا كان بالثلاث يحلف بالله ما طلقتها ثلاثا في النكاح الذي بينكما
وفي الرجعي يحلف بالله تعالى ما هي طالق في النكاح الذي بينكما، وهو معنى قوله الآن قال
الأسبيجابي: يحلف بالله ما طلقتها ثلاثا في النكاح الذي بينكما. قوله: (وما بعت) أي أو ما غصبت
أو ما طلقت لاحتمال أنه رده أو جدد النكاح بعد الإبانة. قال في البحر ولم يستوف المؤلف رحمه الله
تعالى المسائل المفرعة على هذا الأصل، فمنها الأمانة والدين وقد ذكرناهما.
وفي منية المفتي: المدعى عليه الألف يحلف بالله ما له قبلك ما يدعي ولا شئ منه، لأنه قد
يكون عليه الألف إلا درهما فيكون صادقا. ا ه‍.
وفيما ذكره الأسبيجابي في التحليف على الوديعة إذا أنكرها المدعى عليه يحلف على صورة إنكاره
بالله ليس له عندك شئ، ولا عليك دين وعند أبي يوسف بالله ما أودعه ولا باعه ولا أقرضه
قصور، والصواب ما في الخزانة.
وفي دعوى الوديعة: إذا لم تكن حاضرة يحلف بالله ما له هذا المال الذي ادعاه في يديك وديعة
ولا شئ منه، ولا له قبلك حق منه لأنه متى استهلكها أو دل إنسانا عليها لا تكون في يديه ويكون
عليه قيمتها فلا يكتفي بقوله في يديك بل يضم إليه ولا له قبلك حق منه احتياطا. ا ه‍.
ومنها دعوى الملك المطلق: فإن كان في ملك منقول حاضر في المجلس يحلف بالله ما هذا العين

71
ملك المدعي من الوجه الذي يدعيه ولا شئ منه، وإن كان غائبا من المجلس إن أقر المدعى عليه أنه
في يده وأنكر كونه ملك المدعي كلف إحضاره ليشير إليه، وإن أنكر كونه في يده فإنه يستحلف بعد
صحة الدعوى ما لهذا في يديك كذا ولا شئ منه ولا شئ عليك ولا قبلك ولا قيمة وهي كذا ولا
شئ منها. كذا في الخزانة.
ومنها دعوى إجارة الضيعة أو الدار أو الحانوت أو العبد أو دعوى مزارعة في أرض أو معاملة
في نخل بالله ما بينك وبين هذا المدعي إجارة قائمة تامة لازمة اليوم في هذا العين المدعي ولا له
قبلك حق بالإجارة التي وصفت. كذا في الخزانة.
ومنها: ما لو ادعت امرأة على زوجها أنه جعل أمرها بيدها وإنها اختارت نفسها وأنكر الزوج،
فالمسألة على ثلاثة أوجه، إما أن ينكر الزوج الامر والاختيار جميعا وفيه لا يحلف على الحاصل بلا
خلاف، لأنه لو حلف ما هي بائن منك الساعة ربما تأول قول بعض العلماء: إن الواقع بالامر باليد
رجعي، فيحلف على السبب، ولكنه يحتاط فيه للزوج بالله ما قلت لها منذ آخر تزوج تزوجتها أمرك
بيدك، وما تعلم أنها اختارت نفسها بحكم ذلك الامر، وإن أقر بالامر وأنكر اختيارها يحلف بالله ما
تعلم أنها اختارت نفسها، وإن أقر بالاختيار وأنكر الامر يحلف بالله ما جعلت أمر امرأتك هذه بيدها
قبل أن تختار نفسها في ذلك المجلس، وكذا إن ادعت أن الزوج حلف بطلاقها ثلاثا أن لا يفعل كذا
وقد فعل فهو على التفصيل. كذا في الخزانة.
ومنها: أن ما ذكره في حلف البيع قاصر، والحق ما في الخزانة وقد قدمناه قريبا.
ومنها: في دعوى الكفالة إذا كانت صحيحة بأن ذكر أنها منجزة أو معلقة بشرط متعارف وأنها
كانت بإذنه أو أجازها في المجلس، وإذا حلفه يحلفه بالله ما له قبلك هذه الألف بسبب هذه الكفالة
التي يدعيها حتى لا يتناوله كفالة أخرى، وكذا إذا كانت كفالة بعرض بالله ما له قبلك هذا الثوب
بسبب هذه الكفالة، وفي النفس بالله ما له قبلك تسليم نفس فلان بسبب هذه الكفالة التي يدعيها.
كذا في الخزانة.
ومنها: تحليف المستحق. قال في الخزانة: رجل أعار دابة أو أجرها أو أودعها فجاء مدع وأقام
بينة أنها له لا يقضي له بشئ حتى يحلف بالله ما بعت ولا وهبت ولا أذنت فيهما ولا هي خارجة
عن ملكك للحال.
ومنها: إذا ادعى غريم الميت إيفاء الدين له وأنكر الوارث يحلف ما تعلم أنه قبضه، ولا شئ
منه ولا برئ إليه منه. كذا في الخزانة وقدمنا كيفية تحليف مدعيه على الميت.
وفي جامع الفصولين أقول: قوله: ولا برئ الخ لا حاجة إليه لأنه يدعي الايفاء لا البراءة فلا
وجه لذكره في التحليف إ ه‍. وأوجبت عنه فيما كتبناه عليه بجواز أن الميت أبرأه ولم يعلم المديون أنه
لا يتوقف على قبوله إ ه‍.
أقول: وأجاب عنه أيضا في نور العين حيث قال قوله: لا حاجة إليه محل نظر، لان المدعي هو
إيفاء مجموع الدين، فلو أريد تسويته بالمحلوف عليه لاكتفى في الحلف بلفظ ما تعلمون أن أباكم قبضه
فزيادة لفظ ولا شئ منه تدل قطعا على أن المراد إنما هو دفع جميع الوجوه المحتملة في جانب المورث
نظرا للغريم وشفقة عليه، ويجوز أن يكون وجه زيادة، ولا برئ إليه احتمال أن الغريم تجوز، فأراد
بالايفاء الابراء نظرا إلى اتحاد مآلها وهو خلاص الذمة إ ه‍.

72
وفي البحر أيضا: ومنها في دعوى الاتلاف، قال في الخزانة: ادعى على آخر أنه خرق ثوبه،
واحضر معه إلى القاضي لا يحلفه ما خرقت لاحتمال أنه خرقه وأداه ضمانه ثم ينظر في الخرق
إن كان يسيرا وضمن النقصان يحلف ما له عليك هذا القدر من الدراهم التي تدعي، ولا أقل منه وإن
لم يكن الثوب حاضرا كلفه القاضي بيان قيمته، ومقدار النقصان ثم تترتب عليه اليمن وكذلك هذا في
هدم الحائط أو فساد متاع أو ذبح شاة أو نحوه اه‍.
ثم اعلم أنه تكرر منهم في بعض صور التحليف تكرار، لا في لفظ اليمين خصوصا في تحليف
مدعي دين على الميت فإنها تصل إلى خمسة، وفي الاستحقاق إلى أربعة مع قولهم في كتاب الايمان:
اليمين تتكرر بتكرار حرف العطف، مع قوله: لا، كقوله: لا آكل طعاما ولا شرابا، ومع قولهم هنا
في تغليظ اليمين: يجب الاحتراز عن العطف، لان الواجب يمين واحدة فإذا عطف صارت إيمانا، ولم
أر عنه جوابا بل ولا من تعرض له ا ه‍.
قال الرملي: إذا تأمل المتأمل وجد التكرار لتكرار المدعي فليتأمل. إ ه‍: يعني أن المدعي وإن ادعى
شيئا واحدا في اللفظ لكنه مدع لأشياء متعددة ضمنا فيحلف الخصم عليها احتياطا. قوله: (خلافا
للثاني) فقال: اليمين تستوفى لحق المدعي فيجب مطابقتها لدعواه والمدعي هو السبب، إلا إذا عرض
المدعى عليه بما ذكرنا بأن يقول المطلوب عند طلب يمينه قد يبيع الشخص شيئا ثم يقابل فيحلف
حينئذ على الحاصل ط. وقدمنا الكلام عليه مستوفى. قوله: (نظرا للمدعى عليه) أي كما هو نظر
للمدعي. وهذا تعليل لقول الامام والثالث، وهو ما مشى عليه في المتن من التحليف على الحاصل:
يعني إنما يحلفه على الحاصل، لا على السبب لاحتمال طلاقه بعد النكاح وإقالته بعد البيع: أي وأدائه
أو إبرائه بعد الغصب، وتزوجه بعد الإبانة ولو بعد زوج آخر في الحرمة الغليظة، فلو حلف على
السبب لكان حانثا، ولو ادعى الواقع بعد السبب لكلف إثباته فيتضرر بذلك، فكان في التحليف على
الحاصل نظر للمدعى عليه. قوله: (لاحتمال طلاقه) أي في دعوى النكاح. قوله: (وإقالته) أي في
البيع وإدانته أو إبرائه بعد الغصب وتزوجه بعد الإبانة.
والحاصل: أن اليمين كما تقدم شرعت لرجاء النكول، فإذا حلف على السبب الذي يرتفع برافع
فنكل وأقر بالسبب ثم ادعى الرافع لا يقبل منه فيتضرر، بخلاف ما إذا حلف على الحاصل فإن فيه
نظرا إليها. قوله: (على السبب) بأن يحلفه بالله ما اشتريت هذه الدار وما هي مطلقة منك بائنا في
العدة، وتقدم تفصيله موضحا فارجع إليه. قوله: (كدعوى شفعة بالجوار ونفقة مبتوتة) قيد بهما لان
في الشفعة بالشركة ونفقة الرجعي يستحلف على الحاصل عندهما، وعند أبي يوسف على السبب إلا إذا
عرض كما سبق. أبو السعود. قوله: (لكونه شافعيا) ظاهر كلام الخصاف والصدر الشهيد أن معرفة
كون المدعى عليه شافعيا إنما هو بقول المدعي، ولو تنازعا فالظاهر من كلامهم أنه لا اعتبار بقول
المدعى عليه. بحر: أي سواء كان في جميع المسائل أو في هذه المسألة فقط، حتى لو كان حنفيا لحلف
على السبب لاحتمال أن يقصد تقليد الشافعي في هذه المسألة عند الحلف، لان الشافعي يحلف على

73
الحاصل معتقدا مذهبه أنها لا تستحق نفقة ولا شفعة مثلا فيضيع النفع، فإذا حلف أنه ما أبانها وما
اشترى ظهر النفع، ورعاية جانب المدعي أولى، لان السبب إذا ثبت ثبت الحق واحتمال سقوطه
بعارض موهوم، والأصل عدمه حتى يقوم الدليل على العارض.
قال تاج الشريعة: حكى عن القاضي أبي علي النسفي أنه قال: خرجت حاجا فدخلت على
القاضي أبي عاصم فإنه كان يدرس وخليفته يحكم، فوافق جلوسي أن امرأة ادعت على زوجها نفقة
العدة وأنكر الزوج، فحلفه بالله ما عليك تسليم النفقة من الوجه الذي تدعي، فلما تهيأ الرجل ليحلف
نظرت إلى القاضي، فعلم أني لماذا نظرت، فنادى خليفته فقال: سل الرجل من أي محلة هو؟ حتى إن
كان من أصاب الحديث حلفه بالله ما هي معتدة منك، لان الشافعي لا يرى النفقة للمبتوتة، وإن
كان من أصحابنا حلفه بالله ما لها عليك تسليم النفقة إليها من الوجه الذي تدعى نظرا لها أ ه‍. قوله:
(فيتضرر المدعي) فإن قلت: التحليف على السبب روعي فيه جانب المدعي، ولا نظر فيه للمدعى عليه
لأنه قد يثبت البيع والشراء، ولا شفعة بأن يسلمها المدعي أو يسكت عن الطلب.
والجواب: أن القاضي لا يجد بدا من إلحاق الضرر بأحدهما، ورعاية جانب المدعي أولى، لان
سبب وجوب الحق له وهو الشراء إذا ثبت ثبت الحق له، وثبوته إنما يكون بأسباب عارضة فصح
التمسك بالأصل حتى يقوم دليل على العارض كما قدمناه قريبا. قوله: (وأما مذهب المدعي ففيه
خلاف) فقيل لا اعتبار به أيضا، وإنما الاعتبار لمذهب القاضي، فلو ادعى شافعي شفعة الجوار عند
حنفي سمعها وقيل لا. قوله: (والأوجه أن يسأله) أي المدعي. قوله: (هل تعتقد وجوب شفعة الجوار
أو لا) فإن قال اعتقدها يحلف على الحاصل، وإن كان لا يعتقدها يحلف على السبب. قوله: (واعتمده
المصنف) أي تبعا للبحر: والذي يظهر القول بأنه لا اعتبار بمذهب المدعى عليه بل لمذهب القاضي كما
هو أحد الأقوال الثلاثة، حتى لو ادعى شافعي شفعة الجوار عند حنفي سمعها ألا يرى أن أهل الذمة
إذا تحاكموا إلينا نحكم عليهم بمعتقدنا فهذا أولى فليتأمل. على أن قضاة زماننا مأمورون بالحكم
بمذهب سيدنا أبي حنيفة رحمه الله تعالى من السلطان عز نصره. قوله: (لعدم تكرر رقه) لان المرتد لا
يسترق وإن لحق بدار الحرب، لأنه لو ظفر به فموجبه القتل فقط إن لم يسلم كما مر في بابه، والظاهر
أنه يكتفي بإسلامه حال الدعوى عملا باستصحاب الحال كما في مسألة الطاحون. قوله: (على
الحاصل) فيحلف السيد على أنه بينكما عتق قائم الآن لا ما أعتقته لجواز أنه أعتقه فلحق ثم عاد إلى
رقه فيتضرر بصورة هذا اليمين، وكذا يقال في الأمة ط. قوله: (وصح فداء اليمين) أي بمثل المدعي،
أو أقل. حموي. مثاله إذا توجه حلف على المدعى عليه أعطى المدعي مثل المدعي أو أقل صح. قوله:

74
(والصلح منه) أي على شئ أقل من المدعي، لان مبنى الصلح على الحطيطة. حموي. فيكون الفداء
أعم من الصلح وحينئذ فيحتاج إلى نكتة، وظاهر ما قرره الشارح أن أخذ المال في الفداء والصلح عن
اليمين إنما يحل إذا كان المدعي محقا ليكون المأخوذ في حقه بدلا كما في الصلح عن إنكار، فإن كان
مبطلا لم يجز. ا ه‍. بحر. قوله: (لحديث ذبوا عن أعراضكم بأموالكم) قال الحموي: لما روي عن
حذيفة رضي الله تعالى عنه أنه افتدى يمينه بمال، وكذا عثمان رضي الله تعالى عنه افتدى يمينه حين
ادعى عليه أربعون درهما، فقيل ألا تحلف وأنت صادق؟ فقال أخاف أن يوافق قدر يميني فيقال هذا
بيمينه الكاذبة. ولأن فيه صون عرضه وهو مستحسن عقلا وشرعا، ولأنه لو حلف يقع في القيل
والقال، فإن الناس بين مصدق ومكذب، فإذا افتدى بيمينه فقد صان عرضه وهو حسن. قال عليه
الصلاة والسلام ذبوا عن أعراضكم بأموالكم. قوله: (أي ثابت) الأولى أن يقال: أي لازم من جهة
الحزم والمروءة وصيانة العرض: أي متأكد الفعل بمنزلة الواجب العرفي لا الشرعي كما هو المتبادر
من العبارة. نعم هو غير واجب شرعا لما علل به. قوله: (بدليل جواز الحلف صادقا) وقد وقع من
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تعليما وتشريعا. قوله: (ولا يحلف) بالتشديد من التحليف: أي ليس
للمدعي أن يحلفه بعده. قوله: (لأنه) أي لان المدعي أسقط حقه في اليمين بأخذ الفداء أو الصلح
عنه. قوله: (أسقط) الذي في البحر: لأنه أسقط خصومته بأخذ المال منه. قوله: (حقه) أي حق
خصومته بأخذ المال منه. قوله: (لو أسقطه أي اليمين) ذكر باعتبار كون اليمين قسما وإلا فهي
مؤنثة. قوله: (أو تركته عليه) الأوضح أو تركته لك ليناسب الخطاب قبله ولا يظهر التعبير بعلى.
قوله: (بخلاف البراءة عن المال) أي فإنها له فيستقل بالبراءة منه، وكذا عن الدعوى: أي فيصح لأنه
حقه. قوله: (لان التحليف للحاكم) أي هو حق الحاكم، حتى لو حلفه المدعي، ولو عند الحاكم لا
يعتبر كما تقدم فلا يصح الابراء عن حق غيره، وإنما صح في الفداء والصلح استحسانا على خلاف
القياس بالحديث الذي ذكره، ولأن بالفداء والصلح يأخذه المدعي على أنه هو ما يدعيه على زعمه أو
صلحا عنه فتسقط دعواه، فيسقط اليمين ضمنا لا قصدا. قوله: (لعدم ركن البيع) وهو مبادلة المال
بالمال فلم يجز، لكن لا يظهر تعليل الشارح فيما ذكر، لان الذي سبق له في أول البيع بأن المال محل
البيع على أن عبارة الدرر خلية عن ذلك حيث قال: لأن الشراء عقد تمليك المال بالمال، واليمين
ليست بمال وحينئذ فعبارة الدرر أظهر. فتأمل. ولأنه إسقاط لليمين قصدا والمدعي لا يملكه، لأنه
ليس حقا له بل للقاضي كما مر بخلاف الأول، فإن الفداء والصلح وقع عن المدعي وهو حق المدعي
على زعمه. قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن عند حاكم أو محكم لأنه حينئذ غير معتبر، وكذا إذا كان
عند أحدهما، لكن بتحليف المدعي لا الحاكم أو لم يبرهن لعدم ثبوت التحليف قوله: (فله تحليفه)

75
أي تحليف المدعي لما سبق من أن التحليف للحاكم، فإذا وقع عند غيره لا يبنى عليه حكم دينوي.
قال في نور العين: أراد تحليفه فبرهن أن المدعي حلفني على هذه الدعوى عند قاضي كذا يقبل،
ولولا بينة له فله تحليف المدعي لأنه يدعي بقاء حقه في اليمين، ولو ادعى أن المدعي أبرأني عن هذه
الدعوى ليس له تحليفه إن لم يبرهن إذ المدعي بدعواه استحق الجواب على المدعى عليه، والجواب إما
إقرار أو إنكار. وقوله أبرأني الخ ليس بإقرار ولا إنكار فلا يسمع، ويقال له أجب خصمك ثم ادع ما
شئت، وهذا بخلاف ما لو قال أبرأني عن هذا الألف فإنه يحلف، إذ دعوى البراءة عن المال إقرار
بوجوبه والاقرار جواب، ودعوى الابراء مسقط فيترتب عليه اليمين. ومنهم من قال: الصواب أن
يحلف على دعوى البراءة كما يحلف على دعوى التحليف، وإليه مال مح، وعليه أكثر قضاة زماننا ا ه‍.
وعبارة الدرر: ولو لم يكن له بينة واستحلفه: أي أراد تحليف المدعي جاز انتهت. وبه علم ما في
عبارة الشارح من الايهام فتنبه. أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
ونقل أيضا عن البحر عن البزازية: ولو قال المدعى عليه حين أراد القاضي تحليفه أنه حلفني
على هذا المال عنه قاض آخر أو أبرأني عنه إن برهن قبل واندفع عنه الدعوى، وإلا قال الامام
البزدوي: انقلب المدعي مدعى عليه، فإن نكل اندفع الدعوى، وإن حلف لزمه المال، لان دعوى
الابراء عن المال إقرار بوجوب المال عليه، بخلاف دعوى الابراء عن دعوى المال. ا ه‍. وظاهر هذا أن
قول الشارح: وإلا فله تحليفه: أي وإلا يبرهن فله تحليفه: أي تحليف المدعي الأول تأمل. قوله:
(قلت ولم أر الخ) قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: وجدت في هامش نسخة شيخنا بخط بعض
العلماء ما نصه: قد رأيتها في أواخر القضاء قبيل كتاب الشهادة من فتاوى الكرنبشي معزيا الأول
قضاء جواهر الفتاوى. وعبارته: رجل ادعى على آخر دعوى وتوجهت عليه اليمين، فلما عرض
القاضي اليمين عليه فقال: إني حلفت بالطلاق أن لا أحلف أبدا، والآن لا أحلف حتى لا يقع علي
الطلاق، فإن القاضي يعرض عليه اليمين ثلاثا ثم يحكم عليه بالنكول ولا يسقط عنه اليمين بهذا اليمين
ا ه‍. قوله: (فليحرر) هو محرر لأنه نأكل عن اليمين فيقضي عليه به، لان الذي تقدم أن الآفة إنما هي
قيد في السكوت لا في قوله لا أحلف لو فرض إن هذا من الآفة. وسبق عن العناية أن القاضي لا
يجد بدا من إلحاق الضرر بأحدهما في الاستحلاف على الحاصل، أو على السبب، فمراعاة جانب
المدعي أولى، فعلى هذا لا يعزر بدعواه بالحلف بالطلاق ويقضي عليه بالنكول، على أن ذلك يكون
بالأولى، لأنه هو الذي ألحق الضرر بنفسه بإقدامه على الحلف بالطلاق كما أفاده أبو السعود.
وأقول: لو كان ذلك حجة صحيحة لتحيل به كل من توجهت عليه يمين فيلزم ضياع حق
المدعي ومخالفة نص الحديث واليمين على من أنكر فتدبر، والله تعالى أعلم واستغفر الله العظيم.
باب التحالف
التحالف من الحلف بفتح الحاء: وهو القسم واليمين، فيكون معناه التقاسم، وأما الحلف
بالكسر فهو العهد. وفي البحر عن القاموس: تحالفوا تعاهدوا. وفي المصباح: الحليف المعاهد، يقال

76
منه: تحالفا: تعاهدا وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصرة والحماية، وليس بمراد هنا وإنما
المراد حلف المتعاقدين عند الاختلاف، يريد به أن كلا منهما لم يذكر التحالف بمعنى التقاسم، وهذا
اصطلاح جديد من الفقهاء، ولا يذهب عليك أن هذا غفلة عن دأب أهل اللغة، فإنهم يذكرون أصل
المادة في كل كلمة ثم يفرعون عليها المزيدات تارة ولا يفرعون أخرى، وهنا كذلك حيث فرعوا بالمزيد
على الحلف بالكسر، ولم يفرعوا به على الحلف بالفتح تدرب كما لا يخفى. قوله: (ذكر يمين الاثنين)
ليناسب الوضع الطبع. قوله: (في قدر ثمن) دخل فيه رأس المال في السلم كما دخل المسلم فيه في
المبيع. بحر. قوله: (أو وصفه) بأن ادعى البائع أنه بدراهم رائجة وادعى المشتري أنه بدراهم فاسدة.
قوله: (أو جنسه) بأن ادعى البائع أنه بالدنانير والمشتري بالدراهم، وكذا لو اختلفا في جنس العقد
كالهبة والبيع على المختار فيهما. قوله: (أو في قدر مبيع) ولم يتعرض للاختلاف في وصفه أو جنسه
لأنه لا يوجب التحالف، بل القول فيه للبائع مع يمينه، صرح بالأول في الظهيرية على ما سنذكره إن
شاء الله تعالى عند ذكر الشارح له، ولم أر من صرح بالثاني، ولكن يدخل تحت الاختلاف في أصل
البيع. تدبر. قوله: (لأنه نور دعواه بالحجة) وبقي في الآخر مجرد الدعوى والبينة أقوى لأنها تلزم
الحكم على القاضي، بخلاف الدعوى.
وفي البحر عن المصباح، البرهان: الحجة وإيضاحها. قيل النون زائدة، وقيل أصلية. وحكى
الأزهري القولين فقال في باب الثلاثي: النون زائدة، وقوله برهن فلان مولد، والصواب أن يقال أبرأه
إذا جاء بالبرهان كما قال ابن الأعرابي. وقال في باب الرباعي: برهن: إذا أتى بحجة ا ه‍. قوله:
(وإن برهنا فلمثبت الزيادة) بائعا كان أو مشتريا. حموي. إذ لا معارضة أي في الزيادة: أي إن برهن
كل منهما في الصورتين حكم لمن أثبت الزيادة، وهو البائع إن اختلفا في قدر الثمن، والمشتري إن
اختلفا في قدر المبيع، هذا مقتضى ظاهر كلامه. وكذا إذا اختلفا في وصف الثمن أو جنسه، وبرهن
كل على ما ادعاه حكم لمثبت وصف أو جنس اقتضى زيادة، وهذا مقتضى سياق كلامه وسياقه أيضا
حيث صرح في بيان اختلاف الاجل بأن التحالف يجري في الاختلاف في وصف الثمن أو جنسه.
تدبر. قوله: (إذ البينات للاثبات) ومثبت الأقل لا يعارض مثبت الأكثر، ولأن النافي منكر ويكفيه
اليمين فلا حاجة لبينته، بخلاف مدعي الزيادة لأنه مدع حقيقة، ولا يعطى بدعواه بلا برهان.
وفي الزيلعي، قال البائع بعتك هذه الجارية بعبدك هذا وقال المشتري اشتريتها منك بمائة دينار
وأقاما البينة، فبينة البائع أولى لأنها تثبت الحق له فيه والأخرى تنفيه، والبينة للاثبات دون النفي.
قوله: (وإن اختلفا فيهما) أي الثمن والمبيع جميعا بأن ادعى البائع أكثر مما يدعيه المشتري من الثمن،
وادعى المشتري أكثر مما يقر البائع من المبيع في حالة واحدة، فبينة البائع أولى في الثمن، وبينة المشتري
أولى في المبيع، لان حجة البائع في الثمن أكثر إثباتا وحجة المشتري في المبيع أكثر إثباتا. درر.
وصورة في العناية بما إذا قال البائع بعتك هذه الجارية بمائة دينار وقال المشتري بعتنيها وأخرى
معها بخمسين دينارا وأقاما البينة، فبينة البائع أولى في الثمن، وبينة المشتري أولى في المبيع نظرا إلى
إثبات الزيادة فهما جميعا للمشتري بمائة دينار. قيل هذا قول أبي حنيفة آخرا، وكان يقول أولا وهو

77
قول زفر: يقضي بهما للمشتري بمائة وخمسة وعشرين دينارا. قوله: (لو في الثمن) يجب إسقاط لو
هنا، وفي قوله لو في المبيع ح. لان في زيادة لو هنا في الموضعين خللا، وعبارة الهداية: ولو
كان الاختلاف في الثمن والمبيع جميعا، فبينة البائع في الثمن أولى، وبينة المشتري في المبيع أولى نظرا
إلى زيادة الاثبات. مدني. قوله: (في الصور الثلاث) فيهما أو في أحدهما. قوله: (فإن رضي كل
بمقالة الآخر فيها) بأن رضي البائع بالثمن الذي ذكره المشتري عند الاختلاف فيه أو رضي المشتري
بالمبيع الذي ذكره البائع إن كان الاختلاف فيه، أو رضي كل بقول الآخر إن كان الاختلاف فيهما.
والأولى في التعبير أن يقول: فإن تراضيا على شئ بأن رضي البائع بالثمن الذي ادعاه المشتري،
أو رضي المشتري بالمبيع الذي ادعاه البائع عند الاختلاف في أحدهما، أو رضي كل بقول الآخر عند
الاختلاف فيهما، لان ما ذكره الشارح لا يشمل إلا صورة الاختلاف فيهما، فتأمل. قول: (وإن لم
يرض واحد منهما بدعوى الآخر تحالفا) قيد به للإشارة إلى أن القاضي يقول لكل منهما: إما أن ترضى
بدعوى صاحبك وإلا فسخنا البيع، لان القصد قطع المنازعة، وقد أمكن ذلك برضا أحدهما بما يدعيه
الآخر، فيجب أن لا يعجل القاضي بالفسخ حتى يسأل كلا منهما بما يختاره كما في الدرر، وهذا
قياسي إن كان قبل القبض لان كلا منهما منكر، واستحساني بعده لان المشتري لا يدعي شيئا لان
المبيع سلم له. بقي دعوى البائع في زيادة الثمن والمشتري ينكره، فكان يكفي حلفه لكن عرفناه
بحديث إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا.
قال في الأشباه: ويستثنى من ذلك ما إذا كان المبيع عبدا فحلف كل بعتقه على صدق دعواه،
فلا تحالف ولا فسخ ويلزم البيع ولا يعتق، واليمين على المشتري كما في الواقعات. ا ه‍. ويلزم من
الثمن ما أقر به المشتري لأنه منكر الزيادة، لان البائع قد أقر أن العبد قد عتق. قوله: (تحالفا) أي
اشتركا في الحلف. قهستاني. وظاهر كلامهم وما سيأتي أنه يقع أيضا على الحلف منهما. قوله: (ما لم
يكن فيه خيار) أي لأحدهما. قال الحموي: وأشار بعجزهما إلى أن البيع ليس فيه خيار لأحدهما
ولهذا.
قال في الخلاصة: إذا كان للمشتري خيار رؤية أو خيار عيب أو خيار شرط لا يتحالفان. ا ه‍.
والبائع كالمشتري وظاهره أنه يتعين عليه الفسخ، فلو أبى يجبر ويحرر. والمقصود أن من له الخيار
متمكن من الفسخ فلا حاجة إلى التحالف، ولكن ينبغي أن البائع إذا كان يدعي زيادة الثمن وأنكرها
المشتري فإن خيار المشتري يمنع التحالف، وأما خيار البائع فلا. ولو كان المشتري يدعي زيادة المبيع
والبائع ينكرها فإن خيار البائع يمنعه لتمكنه من الفسخ، وأما خيار المشتري فلا، هذا ما ظهر لي تخريجا
لا نقلا. بحر.
وحاصله: أن من له الخيار لا يتمكن من الفسخ دائما فينبغي تخصيص الاطلاق. قوله:
(فيفسخ) لأنه يستغني عن التحالف حينئذ. قوله: (وبدأ) أي القاضي بيمين المشتري: أي في الصور
الثلاث كما في شرح ابن الكمال، وكذا في صورتي الاختلاف في الوصف والجنس. قوله: (لأنه

78
البادئ بالانكار) لأنه يطالب أولا بالثمن وهو ينكره، ولاحتمال أن ينكل فتتعجل فائدة نكوله بإلزامه
الثمن، ولو بدأ بيمين البائع فنكل تأخرت مطالبته بتسليم المبيع حتى يستوفي الثمن، وهذا ظاهر في
التحالف في الثمن، أما في المبيع مع الاتفاق على الثمن فلا يظهر، لان البائع هو المنكر فالظاهر
البداءة به، ويشهد له ما سيأتي أنه إذا اختلف المؤجر والمستأجر في قدر المدة بدئ بيمين المؤجر، وإلى
ذلك أومأ القهستاني وبحث مثل هذا العلامة الرملي. قوله: (هذا) أي البدء بيمين المشتري. قوله:
(مقايضة) وهي بيع سلعة بسلعة. قوله: (أو صرفا) هو بيع ثمن بثمن. قوله: (فهو مخير) لان كلا
منهما فيهما مشتر من وجه فاستويا فيخير القاضي، ولأنهما يسلمان معا فلم يكن أحدهما سابقا.
قوله: (وقيل يقرع ابن ملك) هذا راجع إلى ما قبل فقط لا إلى المقايضة والصرف لأنه لم يحك فيهما
خلافا.
قال العيني: وبدأ بيمين المشتري عند محمد وأبي يوسف وزفر وهو رواية عن أبي حنيفة، وعليه
الفتوى، وعن أبي يوسف أنه يبدأ بيمين البائع وهو رواية عن أبي حنيفة، وقيل يقرع بينهما في البداءة ا
ه‍. قوله: (ويقتصر على النفي) بأن يقول البائع والله ما باعه بألف ويقول المشتري والله ما اشتراه
بألفين ولا يزيد الأول ولقد بعته بألفين ولا يزيد الثاني ولقد باعني بألف، لان الايمان على ذلك
وضعت، ألا ترى أنه اقتصر عليه في القسامة بقولهم ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا.
والمعنى: أن اليمين تجب على المنكر وهو النافي فيحلف على هيئة النفي إشعارا بأن الحلف
وجب عليه لانكاره، وإنما وجب على البائع والمشتري، لان كلا منهما منكر. قوله: (في الأصح)
إشارة إلى تضعيف ما في الزيادات بضم الاثبات إلى النفي تأكيدا، وعبارته: يحلف البائع بالله ما باعه
بألف ولقد باعه بألفين، ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين ولقد اشتراه بألف.
قال في المنح: والأصح الاقتصار على النفي لان الايمان على ذلك وضعت. قوله: (بطلب
أحدهما) وهو الصحيح، لأنهما لما حلفا لم يثبت مدعي كل منهما فبقي بيعا بثمن مجهول، فيفسخه
القاضي قطعا للمنازعة. وفرع عليه في المبسوط بقوله: فلو وطئ المشتري الجارية المبيعة بعد التحالف،
وقبل الفسخ يحل لأنها لم تخرج عن ملكه ما لم يفسخ القاضي. درر. وفسخ القاضي ليس بشرط،
حتى لو فسخاه انفسخ، لان الحق لهما، وظاهره أن فسخ أحدهما لا يكفي وإن اكتفى بطلبه. بحر
وحموي. وقوله في الدرر: لو وطئ المشتري الجارية الخ يفيد أن وطأه لا يمنع من ردها بعد الفسخ
للتحالف، بخلاف ما لو ظهر بها عيب قديم بعد الوطئ حيث لا يملك ردها، وإنما يرجع بالنقصان
إلا إذا وطئ لاختبار بكارتها فوجدها ثيبا ونزع من ساعته ولم يلبث ا ه‍. فيفرق بين هذا واللعان،
وهو أن الزوجين إذا تلاعنا فالقاضي يفرق بينهما طلبا التفريق أو لم يطلباه، لان حرمة المحل قد ثبتت
شرعا للعان على ما قاله عليه الصلاة والسلام المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وهذه الحرمة حق الشرع،
وأما العقد وفسخه فحقهما بدليل قوله عليه الصلاة والسلام تحالفا وترادا. قوله: (أو طلبهما) لا
حاجة إليه لعلمه بالأولى. قوله: (ولا ينفسخ بالتحالف) في الصحيح: أي بدون فسخ القاضي لأنهما
لما حلفا لم يثبت مدعاهما فيبقى بيعا مجهولا فيفسخه القاضي قطعا للمنازعة، أو أنه لما لم يثبت بدل

79
يبقى بيعا بلا بدل، وهو فاسد في رواية، ولا بد من الفسخ في الفاسد ا ه‍. حموي. قوله: (ولا
بفسخ أحدهما) لبقاء حق الآخر ولا ولاية لصاحبه عليه، بخلاف القاضي فإن له الولاية العامة. قوله:
(بل بفسخهما) أي بلا توقف على القاضي لان لهما الفسخ بدون اختلاف فكذا معه، فكما ينعقد البيع
بتراضيهما ينفسخ به ولا يحتاج إلى قضاء.
قال في البحر: وظاهر ما ذكره الشارحون أنهما لو فسخاه انفسخ بلا توقف على القاضي، وإن
فسخ أحدهما لا يكفي وإن اكتفى بطلب أحدهما. قوله: (لزمه دعوى الآخر) لأنه جعل باذلا فلم تبق
دعواه معارضة لدعوى الآخر فلزم القول بثبوته. منح: أي بثبوت مدعي الآخر. قوله: (بالقضاء)
متعلق بقوله لزم: أي لا بمجرد النكول، بل إذا اتصل به القضاء. قال في التبيين: لأنه بدون اتصال
القضاء به لا يوجب شيئا، أما على اعتبار البذل فظاهر، وأما على اعتبار أنه إقرار فلانه إقرار فيه شبهة
البذل فلا يكون موجبا بانفراده. ا ه‍. قوله: (والسلعة قائمة) احتراز عما إذا هلكت وسيأتي متناف. قوله:
(وهذا كله) أي من التحالف والفسخ. قوله: (كاختلافهما في الزق) أي الظرف بأن باعه التمر في زق
ووزنه مائة رطل ثم جاء بالزق فارغا ليرده على صاحبه وزنه عشرون فقال البائع ليس هذا زقي وقال
المشتري هو زقك، فالقول قول المشتري سواء سمى لكل رطل ثمنا أو لم يسم، فجعل هذا اختلافا في
المقبوض. وفيه القول قول القابض، وإن كان في ضمنه اختلاف في الثمن لم يعتبر في إيجاب التحالف
لان الاختلاف فيه وقع مقتضى اختلافهما في الزق. قوله: (فالقول للمشتري) لان القول قول القابض
أمينا كان أو ضمينا. قوله: (ولا تحالف) وإن لزم في ضمنهما الاختلاف في الثمن فالبائع يجعله تسعين
والمشتري ثمانين، لكنه ليس مقصودا، بل وقع في ضمن اختلافهما في الزق.
وفي البحر من البيع الفاسد: ولو رد المشتري الزق وهو عشرة أرطال فقال البائع الزق غيره وهو
خمسة أرطال فالقول قول المشتري مع يمينه، لأنه إن اعتبر اختلافا في تعيين الزق المقبوض فالقول قول
القابض ضمينا كان أو أمينا، وإن اعتبر اختلافا في الثمن فيكون القول للمشتري لأنه ينكر الزيادة ا
ه‍. قوله: (كما لو اختلفا في وصف المبيع) محترز قوله سابقا أو وصفه أي الثمن.
والحاصل: أنهما إذا اختلفا في الوصف فإن كان وصف الثمن تحالفا وإن كان وصف المبيع
فالقول للبائع ولا تحالف. قوله: (فالقول للبائع ولا تحالف) لان اختلافهما ليس في البدل، لكن
المشتري يدعي اشتراط أمر زائد والبائع ينكره والقول للمنكر بيمينه. قوله: (لكونه لا يختل به قوام
العقد) لأنه اختلاف في غير المعقود عليه وبه فأشبه الاختلاف في الحط والابراء. قوله: (نحو أجل)
أطلقه فشمل الاختلاف في أصله وقدره، فالقول لمنكر الزائد، بخلاف ما لو اختلفا في الاجل في

80
السلم فإنهما يتحالفان كما قدمناه في بابه وخرج الاختلاف في مضيه فإن القول فيه للمشتري، لأنه
حقه وهو منكر استيفاء حقه. كذا في النهاية.
بحر. قال في البدائع: وقوله والأجل: أي في أصله أو في قدره أو في مضيه أو في قدره ومضيه،
ففي الأولين: القول قول البائع مع يمينه. وفي الثالث: القول قول المشتري. وفي الرابع: القول قول
المشتري في المضي وقول البائع في القدر. وباقي التفصيل فيها وفي غاية البيان. ومنه: ما لو ادعى
عليه أنه اشترى بشرط كونه كاتبا أو خبازا فلا حاجة إلى تقديمه.
وفي البحر أيضا: ويستثنى من الاختلاف في الاجل ما لو اختلفا في الاجل في السلم بأن ادعاه
أحدهما ونفاه الآخر، فإن القول فيه لمدعيه عند الامام لأنه فيه شرط وتركه فيه مفسد للعقد وإقدامهما
عليه يدل على الصحة، بخلاف ما نحن فيه لأنه لا تعلق له بالصحة والفساد فيه، فكان القول لنا فيه. ا
ه‍. وفيه عن الظهيرية: قال محمد بن الحسن في رجلين تبايعا شيئا واختلفا في الثمن فقال المشتري
اشتريت هذا الشئ بخمسين درهما إلى عشرين شهرا على أن أؤدي إليك كل شهر درهمين ونصفا
وقال البائع بعتكه بمائة درهم إلى عشرة أشهر على أن تؤدي إلي كل عشرة دراهم وأقاما البينة.
قال محمد: تقبل شهادتهما ويأخذ البائع من المشتري ستة أشهر كل شهر عشرة وفي الشهر السابع سبعة
ونصفا ثم يأخذ بعد ذلك كل شهر درهمين ونصفا إلى أن تتم له مائة، لان المشتري أقر له بخمسين
درهما على أن يؤدي إليه كل شهر درهمين ونصفا، وبرهن دعواه بالبينة وأقام البائع البينة بزيادة خمسين
على أن يأخذ من هذه الخمسين مع ما أقر له به المشتري في كل شهر عشرة، فالزيادة التي يدعيها البائع
في كل شهر سبعة ونصف، وما أقر به المشتري له في كل شهر درهمان ونصف فإذا أخذ في كل شهر
عشرة فقد أخذ في كل ستة أشهر مما ادعاه خمسة وأربعين ومما أقر به المشتري خمسة عشر. بقي إلى تمام
ما يدعيه من الخمسين خمسة، فيأخذها البائع مع ما يقر به المشتري في كل شهر، وذلك سبعة ونصف
ثم يأخذ بعد ذلك في كل شهر درهمين ونصفا إلى عشرين شهرا حتى تتم المائة. وهذه مسألة عجيبة
يقف عليها من أمعن النظر فيما ذكرناه ا ه‍. قوله: (وشرط رهن) أي بالثمن من المشتري. قوله: (أو
خيار) فالقول لمنكره على المذهب، وقد ذكر القولين في باب خيار الشرط، والمذهب ما ذكروه هنا
لأنهما يثبتان بعارض الشرط، والقول لمنكر العوارض. بحر. ولا فرق بين أصل شرط الخيار، وقدره
عند علمائنا الثلاثة ويتحالفان عند زفر والشافعي ومالك كما في البناية. قوله: (أو ضمان) أي ضمان
الثمن بأن قال بعتكه بشرط أن يتكفل لي بالثمن فلان وأنكر المشتري، ومثله ضمان العهدة. حموي.
فالقول قول المنكر. قوله: (وقبض بعض ثمن) أو حط البعض أو إبراء الكل وقيد بالبعض مع أن كل
الثمن كذلك لدفع وهم، وهو أن الاخلاف في أصل بعض الثمن لما أوجب التحالف كما سبق ذهب
الوهم إلى أن الاختلاف في قبض بعضه يوجب ب التحالف أيضا فصرح بذكره دفعا له كما في
البرجندي، فظهر أن القيد ليس للاحتراز بل لدفع الوهم وأراد بالقبض الاستيفاء، فيشمل الاخذ والحط
والابراء ولو كلا، كما في معراج الدراية. قوله: (والقول للمنكر بيمينه) لأنه اختلاف في غير المعقود
عليه وبه فأشبه الاختلاف في الحط والابراء، وهذا لان بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد، بخلاف
الاختلاف في وصف الثمن أو جنس فإنه بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف، لان ذلك
يرجع إلى نفس الثمن، فإن الثمن دين وهو يعرف بالوصف، ولا كذلك الاجل فإنه ليس بوصف، ألا

81
ترى أن الثمن موجود بعد مضيه فالقول لمنكر الخيار والأجل مع يمينه، لأنهما يثبتان بعارض الشرط
والقول لمنكر العوارض. بحر.
قال العلامة المقدسي: ولأن أصل الثمن حق البائع والأجل حق المشتري، ولو كان وصفا له
لتبع الأصل وكان حقا للبائع، ولقائل أن يقول: هذا خلاف المعقول، لأنه استدلال ببقاء الموصوف
على بقاء الصفة، والصفة قد تزول مع بقاء الموصوف بأن تنزل صفاته، فعندكم البيع يقع بثمن ثم يزاد
أو ينقص مع بقائه. ا ه‍. تأمل. قوله: (وقال زفر والشافعي: يتحالفان) أي في المسائل الثلاثة وهي
الاجل والشرط وقبض بعض الثمن، وعليه صاحب المواهب بقوله: وإن اختلفا في الاجل أو شرط
أو قبض الثمن لم يتحالفا عندنا واكتفيا بيمين المنكر، حيث أشار بعندنا إلى خلاف مالك
والشافعي، وباكتفيا إلى خلاف زفر، فكان على الشارح أن يزيد مالكا، وجعل العيني الخلاف قاصرا
على الاجل حيث قال: وعند زفر والشافعي ومالك يتحالفان في الاجل إذا اختلفا في أصله وقدره.
قوله: (بعد هلاك البيع) أي عند المشتري، إما إذا هلك عند البائع قبل قبضه انفسخ البيع ط ومعراج، وأفاد أنه في
الاجل وما بعده لا فرق بين كون الاختلاف بعد الهلاك أو قبله. قوله: (أو تعيبه بما لا يرد به) هذا
داخل في الهلاك لأنه منه. تأمل. ثم إن عباراتهم هكذا، أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب قال
في الكفاية: بأن زاد زيادة متصلة أو منفصلة إ ه‍: أي زيادة من الذات كسمن وولد وعقر.
قال في غرر الأفكار: أو تغير إلى زيادة منشؤها الذات بعد القبض متصلة كانت أو منفصلة كولد
وأرش وعقر، وإذا تحالفا عند محمد يفسخ على القيمة، إلا إذا اختار المشتري رد العين مع الزيادة، ولو
لم تنشأ من الذات سواء كانت من حيث السعر أو غيره كانت قبل القبض أو بعده يتحالفان اتفاقا،
ويكون الكسب للمشتري اتفاقا: إ ه‍.
قال الرملي: وقد صرحوا بأن الزيادة المتصلة بالمبيع التي تتولد من الأصل مانعة من الرد كالغرس
والبناء وطحن الحنطة وشي اللحم وخبر الدقيق، فإذا وجد شئ من ذلك لا تحالف عندهما، خلافا
لمحمد، والله تعالى أعلم.
لم يذكر غالب الشارحين وأصحاب الفتاوى اختلافهما بعد الزيادة ولا بعد موت المتعاقدين أو
أحدهما، مع شدة الحاجة إلى ذلك، وقد ذكر ذلك مفصلا في التتارخانية فارجع إليه إن شئت، ثم
بحثت في الكتب فرأيت ابن ملك قال في شرح المجمع: اعلم أن مسألة التغير مذكورة في المنظومة
وقد أهملها المصنف، ثم تغيره إلى زيادة إن كان من حيث الذات بعد القبض متصلة كانت أو منفصلة،
متولدة من عينها كالولد أو بدل العين كالأرض والعقر يتحالفان عند محمد خلافا لهما، وإذا تحالفا
يترادان القيمة عنده، إلا إن شاء المشتري أن يرد العين مع الزيادة، وقيل: يترادان إن رضي المشتري أو
لا. قيدنا الزيادة بقولنا من حيث الذات، لأنها لو كانت من حيث السعر يتحالفان، سواء كان قبل
القبض أو بعده، وقيدنا بقولنا متولدة من عينها، لأنها لو لم تكن كذلك يتحالفان اتفاقا، ويكون
الكسب للمشتري عندهم جميعا.

82
وفي التتارخانية: وفي التجريد: وإن وقع الاختلاف بين ورثتهما أو بين ورثة أحدهما وبين
الحي: فإن كان قبل قبض السلعة يتحالفان بالاجماع، وفي شرح الطحاوي: إلا أن اليمن على الورثة
على العلم. وإن كان القبض فكذلك عند محمد، وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف يتحالفان، وفي
شرح الطحاوي: والقول قول المشتري أو قول ورثته بعد وفاته.
وفيها وفي الخلاصة: رجل اشترى شيئا فمات البائع أو المشتري ووقع الاختلاف في الثمن بين
الحي وورثة الميت إن مات البائع، فإن كانت السلعة في يد الورثة يتحالفان، وإن كانت السلعة في يد
الحي لا يتحالفان عندهما. وقال محمد: يتحالفان، هذا إذا مات البائع، فإن مات المشتري والسلعة في
بد البائع يتحالفان عند الكل، وإن كانت السلعة في يد ورثة المشتري عندهما لا يتحالفان، وعلى قول
محمد يتحالفان وهلاك العاقد بمنزلة المعقود عليه، وممن ذكر مسألة بالزيادة والنقص الاختيار
والمنهاج والتغير بالعيب الدرر والغرر، والله تعالى أعلم.
واقعة الحال: اختلف المشتري مع الوكيل بقبض الثمن، هل يجري التحالف بينهما؟ وقد كتبت
الجواب: لا يجري إذ الوكيل بالقبض لا يحلف وإن ملك الخصومة عند الامام فيدفع الثمن الذي أقر
به له، وإذا حضر الموكل المباشر للعقد وطلبه بالزيادة يتحالفان حينئذ إ ه‍. ثم إن الشارح تبع الدرر.
ولا يخفى أن ما قالوه أولى لما علمت من شموله العيب، وغيره. تأمل. قوله: (وحلف المشتري) لأنه
ينكر زيادة الثمن، فلو ادعى البائع أن ما دفعه إليه بعض منه هو المبيع والباقي وديعة ينبغي أن يكون
القول فوله لأنه منكر لتمليك الباقي، وليراجع. قوله: (إلا إذا استهلكه البائع الخ) أي فإنهما يتحالفان
لقيان القيمة مقام العين، بخلاف ما إذا كان المستهلك المشتري فإنه يجعل قابضا باستهلاكه ويلزمه المبيع،
وصار كما لو هلك في يده فلا تحالف، والقول له في إنكار الزيادة بيمينه، ولو استهلكه البائع كان
فسخا للبيع كما لو هلك بنفسه، فلا حاجة إلى التحالف، ولذا قاضي زاده في قوله بعد هلاك
المبيع: لو عند المشتري، وأراد بغير المشتري الأجنبي فإنهما يتحالفان على قيمة المبيع كما في التبيين
والبحر. قوله: (وقال محمد والشافعي يتحالفان ويفسخ على قيمة الهالك) وهل تعتبر قيمته يوم التلف
أو القبض أو أقلهما يراجع. قوله: (وهذا) أي الاقتصار على يمين المشتري. قوله: (لو الثمن دينا) بأن
كان دراهم أو دنانير أو مكيلا أو موزونا، وإن كان عينا بأن كان العقد مقايضة فاختلفا بعد هلاك أحد
البدلين يتحالفان بالاتفاق كما صرح به الشارح. قوله: (فلو مقايضة تحالفا) وإن اختلفا في كون البدل
دينا أو عينا إن ادعى المشتري إنه كان عينا يتحالفان عندهما، وإن ادعى البائع أنه كان عينا وادعى
المشتري أنه كان دينا لا يتحالفان، والقول قول المشتري كفاية. قوله: (لان المبيع كل منهما) أي فكان
العقد قائما ببقاء الباقي منهما. قوله: (ويرد مثل الهالك) إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميا. قوله:
(كما لو اختلفا في جنس الثمن الخ) كألف درهم وألف دينار، وهذا تشبيه بالمقايضة فإنهما يتحالفان
بلا خلاف، وإنما كان كذلك لأنهما لم يتفقا على ثمن، فلا بد من التحالف ف للفسخ كما في البحر،
وبهذا تعلم أن الاختلاف في جنس الثمن كالاختلاف في قدره، إلا في مسألة وهي ما إذا كان المبيع
هالكا.

83
والحاصل: أنه إذا هلك المبيع لا تحالف عندهما خلافا لمحمد إذا كان الثمن دينا، واختلفا في
قدره أو وصفه، أما إذا اختلفا في جنسه أو لم يكن دينا فلا خلاف في التحالف. قوله: (ولا تحالف
بعد هلاك بعضه) أي هلاكه بعد القبض كما سيذكره قريبا، لان التحالف بعد القبض ثبت بالنص على
خلاف القياس، وورد الشرع به في حال قيام السلعة، والسلعة اسم لجميعها فلا تبقى بعد فوات جزء
منها، ولا يمكن التحالف في القائم إلا على اعتبار حصته من الثمن، ولا بد من القسمة على قيمتهما،
والقيمة تعرف بالظن والحزر فيؤدي إلى التحليف مع الجهل وذلك لا يجوز. قوله: (عند المشتري) أي
قبل نقد الثمن. قوله: (بعد قبضهما) فلو قبله يتحالفان في موتهما وموت أحدهما، وفي الزيادة لوجود
الانكار من الجانبين. كفاية. ولو عند البائع قبل القبض تحالفا على القائم عندهم. قوله: (لم يتحالفا
عند أبي حنيفة) أي والقول قول المشتري بيمينه، لان التحالف مشروط بعد القبض بقيام السلعة وهي
اسم لجميع المبيع كما تقدم، فإذا هلك بعضه انعدم الشرط. وقال أبو يوسف: يتحالفان في الحي
ويفسخ العقد فيه، ولا يتحالفان في الهالك، ويكون القول في ثمنه قول المشتري، وقال محمد:
يتحالفان عليهما ويفسخ العقد فيهما، ويرد الحي وقيمة الهالك كما في العيني. قوله: (إلا أن يرضى
البائع بترك حصة الهالك أصلا) أي لا يأخذ من ثمن الهالك شيئا أصلا، ويجعل الهالك كأن لم يكن
وكأن العقد لن يكن، إلا على الحي فحينئذ يتحالفان في ثمنه ويكون الثمن كله في مقابلة الحي،
وبنكول أيهما لزم دعوى الآخر كما في غرر الأفكار. قوله: (يتحالفان) أي على ثمن الحي فإن حلفا
فسخ العقد فيه وأخذه، ولا يؤخذ من ثمن الهالك ولا في قيمته شئ، وأيهما نكل لزمه دعوى الآخر
كما في التبيين. قوله: (هذا على تخريج الجمهور) أي صرف الاستثناء إلى التحالف، ولفظ المبسوط
يدل على هذا، لان المستثنى منه عدم التحالف حيث قال: لم يتحالفا إلا أن يرضى الخ. قوله:
(وصرف مشايخ بلخ الاستثناء) أي المقدر في الكلام، لان المعنى ولا تحالف بعد هلاكه بعضه بل
اليمين على المشتري. قال في غرر الأفكار بعد ذكره ما قدمناه، وقيل: الاستثناء ينصرف إلى حلف
المشتري المفهوم من السياق يعني يأخذ من ثمن الهالك قدر ما أقر به المشتري وحلف، لا الزائد إلا
أن يرضى البائع أن يأخذ القائم، ولا يخاصمه في الهالك، فحينئذ لا يحلف المشتري إذا البائع أخذ
القائم صلحا عن جميع ما ادعاه على المشتري، فلم يبق حاجة إلى تحليف المشتري. وعن أبي حنيفة أنه
يأخذ من ثمن الهالك ما أقر به المشتري لا الزيادة، فيتحالفان ويترادان في القائم إ ه‍. قوله: (إلى
يمين المشتري) اعلم أن المشايخ اختلفوا في هذا الاستثناء، فالعامة على أنه منصرف إلى التحالف، لأنه
المذكور في كلام القدوري، فتقدير الكلام: لم يتحالفا إلا إذا ترك البائع حصة الهالك فيتحالفان.
وقال بعضهم: إنه منصرف إلى يمين المشتري المقدر في الكلام، لان المعنى: ولا تحالف بعد هلاك
بعضه بل اليمين على المشتري إلا أن يرضى الخ: أي فحينئذ لا يمين على المشتري، لأنه لما أخذ البائع
بقول المشتري وصدقه لا يحلف المشتري، ويكون القول قوله بلا يمين، وهذا إنما يظهر أن لو كان
الثمن مفصلا أو كانت قيمة العبدين سواء أو متفاوتة معلومة، أما إذا كانت قيمة الهالك مجهولة

84
وتنازعا في القدر المتروك لها فلم أره، والظاهر أن القول قول المشتري في تعيين القدر ويحرر. ط.
والحاصل: أنه إذا هلك بعض المبيع أو أخرجه المشتري عن ملكه لا تحالف، والقول للمشتري
بيمينه إلا أن يرضى البائع بترك حصة الهالك فيتحالفان، فيحلف البائع أنه ما باعه بما يقول للمشتري،
ويحلف المشتري بأنه ما اشتراه بما يقوله البائع ويفسخ العقد بينهما، ويأخذ البائع القائم فقط ولا شئ
له سواه، لأنه رضي بإسقاط حصة الهالك هذا ما تفيده عبارة المبسوط، وجعله الشارح تبعا للزيلعي
تخريج الجمهور، والذي تفهمه عبارة الجامع الصغير، اختاره مشايخ بلخ عدم التحالف مطلقا، وأن
القول للمشتري بيمينه إلا أن يرضى البائع بترك حصة الهالك، وأخذ القائم صلحا عما يدعيه من جملة
الثمن ولا شئ له سواه لرضاه به، والله تعالى أعلم. قوله: (ولا في قدر بدل كتابة) أي إذا اختلف
المولى والمكاتب، فلا تحالف عند الامام لان التحالف في المعاوضات اللازمة، وبدل الكتابة غير لازم
على المكاتب مطلقا فلم يكن في معنى البيع، ولأن فائدة النكول ليقضى عليه، والمكاتب لا يقضى
عليه، ولأن البدل في الكتابة مقابل بفك الحجر، وهو ملك التصرف واليد فيه للحالف وقد سلم ذلك
له ولا يدعي على مولاه شيئا، وقد بينا أن التحالف بعد القبض على خلاف القياس فلا يتحالفان،
فيكون القول قول العبد لكونه منكرا، وإنما يصير مقابلا بالعتق عند الأداء وقبله لا يقابله أصلا.
فتعليل الشارح تبع فيه المصنف حيث علل للامام القائل بعدم التحالف في الكتابة بأن التحالف في
المعاوضات اللازمة وبدل الكتابة غير لازم على المكاتب مطلقا، فلم يكن في معنى البيع. وقالا:
يتحالفان وتفسخ الكتابة كالبيع، وإن أقام أحدهما بينة قبلت، وإن أقاماها فبينة المولى أولى لاثباتها
الزيادة، لكن يعتق بأداء قدر ما برهن عليه، ولا يمتنع وجوب بدل الكتابة بعد عتقه، كما لو كاتبه
على ألف على أنه إذا أدى خمسمائة عتق، وكما لو استحق البدل بعد الأداء كما في التبيين. قوله:
(وقدر رأس مال بعد إقالة عقد السلم) أي بأن اختلف رب السلم والمسلم إليه في قدر رأس المال بعد
إقالة السلم، فقال رب السلم رأس المال عشرة وقال المسلم إليه خمسة لم يتحالفا، لان التحالف
موجبه رفع الإقالة وعود السلم: أي مع أنه دين وقد سقط والساقط لا يعود، ولأنها ليست ببيع بل
هي إبطال من وجه، فإن رب السلم لا يملك المسلم فيه بالإقالة بل يسقط فلم يكن فيها معنى البيع
حتى يتحالفا، واعتبر حقيقة الدعوى والانكار والمسلم إليه هو المنكر فكان القول قوله، وقيد
بالاختلاف بعدها، لأنهما لو اختلفا قبلها في قدره تحالفا كالاختلاف في نوعه وجنسه وصفته،
كالاختلاف في المسلم فيه في الوجوه الأربعة على ما قدمناه. قوله: (بل القول للعبد والمسلم إليه) مع
يمينهما. بحر. قوله: (ولا يعود السلم) لان الإقالة في باب السلم لا تحتمل النقض لأنه إسقاط فلا
يعود، بخلاف البيع كما سيأتي. وينبغي أخذا من تعليلهم أنهما لو اختلفا في جنسه أو نوعه أو صفته
بعدها فالحكم كذلك، ولم أره صريحا. بحر. وفيه: وقد علم من تقريرهم هنا أن الإقالة تقبل الإقالة،
إلا في إقالة السلم، وأن الابراء لا يقبلها، وقد كتبناه في الفوائد. قوله: (وإن اختلفا في مقدار الثمن
الخ) بأن اشترى أمة بألف درهم وقبضها ثم تقايلا البيع حال قيام الأمة، ثم اختلفا في مقدار الثمن
بعد الإقالة قبل أن يقبض البائع الأمة بحكم الإقالة تحالفا ويعود البيع الأول. قوله: (ولا بينة) أما إذا

85
وجدت لأحدهما عمل بها له وإن برهنا، فبينة مثبت الزيادة مقدمة، وهذا قياس ما تقدم ط. قوله:
(وعاد البيع) حتى يكون البائع في الثمن وحق المشتري في المبيع كما كان قبل الإقالة، لان
التحالف قبل القبض موافق للقياس لما أن كل واحد منهما مدع ومنكر فيتعدى إلى الإقالة، ولا بد من
الفسخ منهما أو من القاضي. أبي السعود. قوله: (لو كان كل من المبيع والثمن مقبوضا) فلو لم يكونا
مقبوضين أو أحدهما فلا يعود البيع والقول قول منكر الزيادة مع يمينه. هذا ما ظهر لي ط. وفي
مسكين: والقول للمنكر. قوله: (خلافا لمحمد) لأنه يرى النص معلولا بعد القبض أيضا، وهما قالا:
كان ينبغي أن لا تحالف مطلقا، لأنه إنما ثبت في البيع المطلق بالنسبة، والإقالة فسخ في حقهما إلا أنه
قبل القبض على وفق القياس، فوجب القياس عليه كما قسنا الإجارة على البيع قبل القبض والوارث
على العاقد والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري. بحر. قوله: (وإن اختلفا في
قدر المهر) كألف وألفين. هذه المسألة وقعت مكررة، لأنها ذكرت في باب المهر وتبع فيه صاحب
الهداية والكنز، ولذلك لم يذكرها هنا صاحب الوقاية، لان محلها الأنسب ثمة، إلا أن المصنف ذكر
هذه المسألة على تخريج الكرخي هنا وعلى تخريج الرازي ثمة، وهكذا في الكنز، وقصد منه نكتة
تخرجها عن حد التكرار على ما تقف عليه الآن إن شاء الله تعالى. وقيد بقدر المهر، لان الاختلاف لو
كان في أصله يجب مهر المثل لما سبق في بابه، والاختلاف في جنسه كالاختلاف في قدره، إلا في
فصل واحد، وهو أنه إذا كان مهر مثلها كقيمة ما عينته المرأة مهرا أو أكثر فلها قيمته لا عينه كما يأتي
ذكره في الهداية وغيرها. قوله: (أو جنسه) كما إذا ادعى أن مهرها هذا العبد وادعت أنه هذه الجارية
فحكم القدر والجنس واحد، إلا في صورة وهو أنه إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الجارية أو أكثر فلها
قيمة الجارية لا عينها. بحر.
وفيه: لم يذكر حكمه بعد الطلاق قبل الدخول، وحكمه كما في الظهيرية أن لها نصف ما ادعاه
الزوج، وفي مسألة العبد والجارية لها المتعة إلا أن يتراضيا على أن تأخذ نصف الجارية ا ه‍. قوله:
(قضى لمن أقام البرهان) لأنه نور دعواه بها، أما قبول بينة المرأة فظاهر لأنها تدعي الألفين ولا إشكال،
وإنما يرد على قبول بينة الزوج لأنه منكر للزيادة فكان عليه اليمين لا البينة، فكيف تقبل بينته.
قلنا: هو مدع صورة لأنه يدعي على المرأة تسليم نفسها بأداء ما أقر به المهر، وهي تنكر
والدعوى كافية لقبول البينة كما في دعوى المودع رد الوديعة. معراج. قوله: (بأن كان كمقالته أو
أقل) لأنها تثبت الزيادة، وبينة الزوج تنفي ذلك والمثبت أولى، ولأن الظاهر يشهد له وبينة المرأة تثبت
خلاف الظاهر، وهذا هو المعتبر في البينات. قوله: (فبينته أولى) هذا ما قاله بعض المشايخ وجزم به
في الملتقى، وكذا الزيلعي هنا وفي باب المهر. وقال بعضهم: تقدم بينتها أيضا لأنها أظهرت شيئا لم
يكن ظاهرا بتصادقهما كما في البحر.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى. قلت: بقي ما إذا لم يعلم مهر المثل كيف يفعل، والظاهر أنه
يكون القول للزوج لأنه منكر للزيادة كما تقدم فيما إذا لم يوجد من يماثلها. تأمل. قوله: (لاثباتها

86
خلاف الظاهر) علة للمسألتين أي والظاهر مع من شهد له مهر المثل. قوله: (وإن كان غير شاهد لكل
منهما بأن كان بينهما) ليس المراد أنه متوسط بينهما، بل المراد أنه أقل مما ادعته وأكثر مما ادعاه، وبه عبر
في الدرر. قوله: (فالتهاتر) أي التساقط: أي فالحكم حينئذ التهاتر مع الهتر بكسر الهاء وهو السقط من
الكلام أو الخطأ فيه. عناية. قوله: (للاستواء) أي في الاثبات، لان بينتها تثبت الزيادة وبينته تثبت
الحط، وليس أحدهما بأولى من الآخر. درر. قوله: (ويجب مهر المثل على الصحيح) قيد للتهاتر.
قال في البحر: والصحيح التهاتر ويجب مهر المثل. قوله: (تحالفا) أي عند أبي حنيفة وأيهما نكل
لزمه دعوى الآخر، لأنه صار مقرا بما يدعيه خصمه، أو باذلا. درر. وعند أبي يوسف لا يتحالفان
والقول قول الزوج مع يمينه، إلا أن يأتي بشئ مستنكر لا يتعارف مهرا لها. وقيل هو أن يدعي ما
دون عشرة دراهم كما في الجوهرة. وقال الامام جواهر زاده: هو أن يدعي مهرا لا يتزوج مثلها عليه
عادة، كما لو ادعى النكاح على مائة درهم ومهر مثلها ألف. وقال بعضهم: المستنكر ما دون نصف
المهر، فإذا جاوز نصف المهر لم يكن مستنكرا. عيني. قوله: (ولم يفسخ النكاح لتبعية المهر) لان أثر
التحالف في انعدام التسمية وذا لا يخل بصحة النكاح: أي لان يمين كل منهما يبطل ما يدعيه صاحبه
من التسمية، وهو لا يفسد النكاح إذ المهر تابع فيه. بخلاف البيع فإن عدم تسميته الثمن يفسده كما
مر ويفسخه القاضي قطعا للمنازعة بينهما. قوله: (ويبدأ بيمينه) نقل الرملي عن مهر البحر عن غاية
البيان أنه يقرع بينهما استحبابا لأنه لا رجحان لأحدهما على الآخر. واختار في الظهيرية وكثيرون أنه
يبدأ بيمينه، لان أول التسليمين عليه، فيكون أول اليمينين عليه كتقديم المشتري على البائع، والخلاف
في الأولوية. قوله: (لان أول التسليمين) التسليمان: هما تسليم الزوج المهر، وتسليم المرأة نفسها،
والسابق فيهما تسليم معجل المهر، وما ذكر تخريج الكرخي فيقدم التحالف عند العجز عن البرهان في
الوجوه كلها: يعني فيما إذا كان مهر المثل مثل ما اعترف به الزوج أو أقل منه أو مثل ما ادعته المرأة أو
أكثر منه، أو كان بينهما خمسة أوجه. وأما على تخريج الرازي فلا تحالف إلا في وجه واحد، وهو ما
إذا لم يكن مهر المثل شاهدا لأحدهما، وفيما عداه فالقول قوله بيمينه إذا كان مهر المثل مثل ما يقول أو
أقل، وقولها مع يمينها إذا كان مثل ما ادعته أو أكثر. أبو السعود عن العناية.
وحاصله: أن التحالف فيما إذا خالف قولهما، أما إذا وافق قول أحدهما فالقول له وهو المذكور
في الجامع الصغير، وعلى تخريج الكرخي يتحالفان في الصور الثلاث، ثم يحكم مهر المثل. وصححه
في المبسوط والمحيط به جزم في الكنز.
قال في البحر: ولم أر من رجح الأول وتعقبه في النهر بأن تقديم الزيلعي وغيره له تبعا
للهداية يؤذن بترجيحه وصححه في النهاية. وقال قاضيخان أنه الأولى ولم يذكر في شرح الجامع
الصغير غيره، والأولى البداءة بتحليف الزوج، وقيل يقرع بينهما. قوله: (وحيكم بالتشديد) وهذا:
أعني التحالف أولا ثم التحكيم قول الكرخي، لان مهر المثل لا اعتبار له مع وجود التسمية وسقوط
اعتبارها بالتحالف، فلهذا يقدم في الوجوه كلها، وأما على تخريج الرازي فالتحكيم قبل التحالف،
وقد قدمناه في المهر مع بيان اختلاف التصحيح وخلاف أبي يوسف. بحر.

87
قال العلامة أبو السعود: ولقائل أن يقول: ما بالهم لا يحكمون قيمة المبيع إذا اختلف المتبايعان
في الثمن لمعرفة من يشهد له الظاهر كما في النكاح فإنه لا محظور فيه، ويمكن أن يجاب عنه بأن مهر
المثل أمر معلوم ثابت بيقين فجاز أن يكون حكما، بخلاف القيمة فإنها تعلم بالحزر والظن فلا تفيد
المعرفة فلا جعل حكما. عناية. قوله: (ولو اختلفا الخ) وجه التحالف أن الإجارة قبل قبض المنفعة
كالبيع قبل قبض المبيع في كون كل من المتعاقدين يدعي على الآخر وهو ينكر، وكون كل من
العقدين معاوضة يجري فيها الفسخ فالتحقت به. واعترض بأن قيام المعقود عليه شرط لصحة
التحالف، والمنفعة معدومة، وأجيب بأن الدار مثلا أقيمت مقام المنفعة في حق إيراد العقد عليها فكأنها
قائمة تقديرا. درر. قوله: (في بدل الإجارة) أي في قدرها بأن ادعى المؤجر أنه آجر شهرا بعشرة
وادعى المستأجر أنه آجره بخمسة. قوله: (أو في قدر المدة) بأن ادعى المؤجر أنه آجر شهرا والمستأجر
شهرين. قوله: (قبل الاستيفاء للمنفعة) لان التحالف في البيع قبل القبض على وفق القياس والإجارة
قبل الاستيفاء نظيره. بحر.
وفيه: المراد بالاستيفاء التمكن منه في المدة وبعدمه عدمه لما عرف أنه قائم مقامه في وجوب
الاجر ا ه‍. فلو أبدل المصنف قوله قبل الاستيفاء بقوله قبل التمكن من الاستيفاء لكان أولى،
وأشار في البحر بقوله في وجوب الاجر إلى الاحتراز عن الإجارة الفاسدة، فإن أجر المثل إنما يجب
بحقيقة الاستيفاء لا بمجرد التمكن على ما سيأتي. قوله: (تحالفا) وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه،
وأيهما برهن قبل. قوله: (وبدئ بيمين المستأجر) لأنه هو المنكر للزيادة. فإن قيل كان الواجب أن
يبدأ بيمين الآجر لتعجيل فائدة النكول، فإن تسليم المعقود عليه واجب. وأجيب بأن الأجرة إن كانت
مشروطة التعجيل فهو الأسبق إنكارا فيبدأ به، وإن لم يشترط لا يمنع الآجر من تسليم العين
المستأجرة، لان تسليمه لا يتوقف على قبض الأجرة. أبو السعود قوله: (والمؤجر لو في المدة) وإن
كان الاختلاف فيهما قبلت بينة كل منهما فيما يدعيه من الفضل نحو: أن يدعي هذا شهرا بعشرة
ولمستأجر شهرين بخمسة فيقضي بشهرين بعشرة. بحر. قوله: (وإن برهنا فالبينة للمؤجر في البدل)
نظرا إلى إثبات الزيادة، ولو اختلفا فيهما فتقدم حجة كل في زائد يدعيه. قوله: (وللمستأجر في المدة)
نظرا إلى إثبات الزيادة. قوله: (وبعده) أي بعد الاستيفاء لا تحالف، والمراد من الاستيفاء التمكن كما
تقدم. قوله: (والقول للمستأجر) أي إذا كان الاختلاف في الأجرة، فلو كان الاختلاف في المدة كأن
ادعى المستأجر بعد الاستيفاء مدة أكثر مما ادعاه المؤجر لا يكون القول للمستأجر بل للمؤجر، وكأنهم
تركوا التنبيه على ذلك لظهوره. أبو السعود. قوله: (وفسخ العقد في الباقي) لأنه من الاختلاف في

88
العقد. قوله: (والقول في الماضي للمستأجر) لأنه من الاختلاف في الدين وهذا بالاجماع فأبو يوسف
مر على أصله في هلاك بعض المبيع، فإن التحالف فيه يتقدر بقدر الباقي عنده، فكذا هنا، وهما خالفا
أصلهما في المبيع، والفرق لمحمد ما بيناه في استيفاء الكل من أن المنافع لا تتقوم إلا بالعقد، فلو تحالفا
لا يبقى العقد، فلم يمكن إيجاب شئ، والفرق لأبي حنيفة أن العقد في الإجارة ينعقد ساعة فساعة
على حسب حدوث المنافع، فيصير كل جزء من المنافع كالمعقود عليه عقدا مبتدأ على حدة، فلا يلزم من
تعذر التحالف في الماضي التعذر فيما بقي إذ هما في حكم عقدين مختلفين فيتحالفان، بخلاف ما إذا
هلك بعض المبيع حيث يمنع التحالف فيه عنده لأنه عقد واحد، فإذا امتنع في البعض امتنع في الكل
ضرورة كي لا يؤدي إلى تفريق الصفقة على البائع. زيلعي. قوله: (لانعقادها ساعة فساعة) أي على
حسب حدوث المنفعة المعقود عليها في الإجارة. قوله: (فكل جزء كعقد) أي فيصير كل جزء من
المنفعة كالمعقود عليه ابتداء. قوله: (بخلاف البيع) أي بخلاف ما إذا هلك بعض المبيع، لان كل جزء
ليس بمعقود عليه عقدا مبتدأ، بل الجملة معقودة بعقد واحد، فإذا تعذر العقد في بعضه بالهلاك تعذر
في كله ضرورة. قوله: (وإن اختلف الزوجان الخ) قيد باختلافهما للاحتراز عن اختلاف نساء الزوج
دونه، فإن متاع النساء بينهن على السواء إن كن في بيت واحد، وإن كانت كل واحدة منهن في بيت
على حدة فما في بيت كل امرأة بينها وبين زوجها على ما ذكر بعد، ولا يشترك بعضهن مع بعض.
كذا في خزانة الأكمل والخانية. وللاحتراز عن اختلاف الأب والابن فيما في البيت.
قال في خزانة الأكمل: قال أبو يوسف: إذا كان الأب في عيال الابن في بيته فالمتاع كله
للابن، كما لو كان الابن في بيت الأب وعياله فمتاع البيت للأب. ا ه‍. وانظر هل يأتي التفصيل هنا
كما ذكروه في الزوجين بأن يكون أحدهما عالما مثلا والآخر جاهلا، وفي البيت كتب ونحوها مما
يصلح لأحدهما فقط؟ وكذا لو كانت البنت في عيال أبيها فهل لها ثياب النساء؟ ويقع كثيرا إن البنت
يكون لها جهاز فيطلقها زوجها فتسكن في بيت أبيها فهل تكون كمسألة الزوجين أو كمسألة الإسكاف
والعطار الآتية؟ لم أره فليراجع.
قال في البحر: قال محمد: رجل زوج ابنته وهي وختنه في داره وعياله ثم اختلفوا في متاع
البيت فهو للأب، لأنه في بيته وفي يده، ولهم ما عليهم من الثياب انتهى. لكن قال العلامة
المقدسي: وهو مخالف لما مر عن خزانة الأكمل من عدم اعتبار البيت، بل اليد هي المعتبرة كما سيذكره
الشارح عنها.
أقول: ويظهر من هذا جواب المسألة المذكورة هي: لو طلقت البنت ولها جهاز وسكنت عند
أبيها فتأمل. وللاحتراز عن إسكاف وعطار، اختلفا في آلة الأساكفة أو آلة العطارين وهي في أيديهما،
فإنه يقضي بها بينهما ولا ينظر إلى ما يصلح لأحدهما، لأنه قد يتخذه لنفسه أو للبيع فلا يصلح مرجحا،
وللاحتراز عما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في متاع البيت فإن القول فيه للمستأجر، لكون البيت مضافا
إليه بالسكنى، وللاحتراز عن اختلاف الزوجين في غير متاع البيت، وكان أيديهما فإنهما كالأجنبيين
يقسم بينهما، وقد ذكر المؤلف بعد بعض ما ذكر. قوله: (ولو مملوكين) أي أو حرين أو مسلمين أو
كافرين أو كبيرين، وأما إذا كان أحدهما حرا والآخر مملوكا فسيأتي، وأشار باختلافهما أنهما حيان،

89
ولذلك فرع عليه بعد حكم موت أحدهما. قوله: (والصغير يجامع) قيد بالجماع ليكون القول قوله في
الصالح لهما، لأن المرأة لا تكون مع ما في يدها في يد الزوج إلا بذلك، بخلاف الصغير الذي لم يبلغ
حد الجماع، فإنه لا يد له على زوجته، أما في الصالح له فالقول لوليه فيه، سواء كان يجامع أو لا. ثم
معنى كون القول للصغير أن القول لوليه لان عبارته غير معتبرة. قوله: (أو ذمية) لان لهم ما لنا وعليهم
ما علينا في المعاملات. قوله: (قام النكاح أو لا) بأن طلقها مثلا، ويستثني ما إذا مات بعد عدتها كما
سيأتي. قال الرملي: أي سواء وقع الاختلاف بينهما حال قيام النكاح أو بعده، وما هنا هو الذي مشى
عليه الشراح، وإن كان في لسان الحكام ما يخالف ذلك. قوله: (في متاع) متعلق باختلف. قوله: (هو
هنا ما كان في البيت) الأولى أن يقول البيت وما كان فيه بدليل ما ذكره في البحر عن خزانة الأكمل
معزيا للامام الأعظم، من أن المنزل والعقار والمواشي والنقود مما يصلح لهما. تأمل. وسيذكر الشارح أن
البيت للزوج إلا أن يكون لها بينة: أي لكونه ذا يد وهو تبع له في السكنى، وهي خارجة معنى كما علل
به في الخانية، والمتاع لغة: كل ما ينتفع به كالطعام والبز وأثاث البيت، وأصله ما ينتفع به من الزاد، وهو
اسم من متعته بالتثقيل: إذا أعطيته ذلك، والجمع أمتعة. كذا في المصباح. بحر.
قال الرملي: أقول: الذي يظهر أن المراد بقوله في متاع هو هنا ما كان في البيت: أي ما ثبت
وضع أيديهما عليه أو تصرفهما فيه بأن كانت أيديهما تتعاقب عليه وتختلف بالتصرف، يدل عليه
التعليل في مسائل هذا الباب باليد وعدمها في الاخذ بقول المدعي وعدمه. تأمل. ا ه‍. قوله: (ولو
ذهبا أو فضة) أقول: جعل الشارح في الدر المنتقى النقود مما يصلح لهما، ومثله في القهستاني. قوله:
(فيما صلح له) أي لكل منهما مع يمينه، فالصالح له العمامة والقباء والقلنسوة والطيلسان والسلاح
والمنطقة والكتب والفرس والدرع الحديد، والصالح لها الخمار والدرع والأساور وخواتيم النساء والحلي
والخلخال ونحوها، وهذا كله إذا لم تقر المرأة أن هذا المتاع اشتراه، فإن أقرت بذلك سقط قولها لأنها
أقرت بأن الملك للزوج ثم ادعت الانتقال إليها فلا يثبت الانتقال إلا بالبينة، ولا شك أنه لو برهن
على شرائه كان كإقرارها به فلا بد من بينة على انتقاله لها. ا ه‍. بدائع. وكذا إذا ادعت أنها اشترته منه
مثلا فلا بد من بينة على الانتقال إليها منه بهبة أو نحو ذلك، لا يكون استمتاعها بمشريه ورضاه بذلك
دليلا على أنه ملكها ذلك كما تفهمه النساء والعوام، وقد أفتيت بذلك مرارا بحر.
أقول: وظاهر قوله وهذا كله إذا لم تقر المرأة الخ شامل لما يختص بالنساء. تأمل. وينبغي تقييده
بما لم يكن من ثياب الكسوة الواجبة على الزوج. تأمل. وفي البحر عن القنية من باب ما يتعلق
بتجهيز البنات: افترقا وفي بيتها جارية نقلها معها واستخدمتها سنة والزوج عالم به ساكت ثم ادعاها
فالقول له، لان يده كانت ثابتة ولم يوجد المزيل. ا ه‍. وبه علم أن سكوت الزوج عند نقلها ما يصلح
لهما لا يبطل دعواه ا ه‍.
أقول: قوله لا يبطل دعواه: أي ولا دعواها لان الجارية صالحة لهما. قوله: (فيما صلح له)

90
أي لكل منهما مع يمينه، وتقدم الفرق بين الصالح له والصالح لها. قوله: (فالقول له) أي للذي
يفعل أو يبيع من الزوجين. قال الشرنبلالي: ليس هذا على ظاهره، لأن المرأة وما في يدها في يد
الزوج، والقول في الدعاوي لصاحب اليد، بخلاف ما يختص بها لأنه عارض يد الزوج ما هو أقوى
منها، وهو الاختصاص بالاستعمال كما في العناية، لكنه خلاف ما عليه الشروح فقد صرح العيني
بخلافه. قوله: (لتعارض الظاهرين) أي ظاهر صالحيته لهما، وظاهر اصطناعه أو بيعه له فتساقطا
ورجعنا إلى اعتبار اليد، وهي وما في يدها في يده.
وبهذا الحل ظهر أنه لا وجه لتوقف سيدي أبي السعود فإنه قال: واعلم أن في التعليل بتعارض
الظاهرين تأملا، لأنه حيث استويا في القوة لا يصلح أن يكون تعارضهما مرجحا لأحدهما، هكذا
توقفت برهة ثم راجعت عبارة الدرر فلم أجد فيها التعليل المذكور. ا ه‍. فإنه يجعل التعارض مرجحا:
أي بل هو مسقط والمرجح اليد فليتأمل.
والحاصل: أن ما علل به الشارح لا يصلح علة لوجهين. الأول إذا كان الزوج يبيع ما يصلح له
يشهد له ظاهران اليد والبيع لا ظاهر واحد فلا تعارض، وكذلك إذا كانت هي تبيع ذلك لا يترجح
ملكها إلا إذا كان مما يصلح لها على أن التعارض لا يقتضي الترجيح بل التهاتر. الثاني أنه إذا كان
الزوج يبيع فلا تعارض، وإن كانت هي تبيع فكذلك، وحينئذ الأوجه في التعليل أن يقال: لان ظاهر
الذي يفعل ويبيع أظهر وأقوى، كما أن ظاهرها فيما يختص بها أظهر وأقوى من ظاهره مع أن له يد
عليه. تأمل. قوله: (درر وغيرها) عبارة الدرر: إلا إذا كان كل منهما يفعل أو يبيع ما يصلح للآخر ا
ه‍. أي إلا أن يكون الرجل صائغا وله أساور وخواتيم النساء والحلي والخلخال ونحوها، فلا يكون
لها، وكذا إذا كانت المرأة دلالة تبيع ثياب الرجال أو تاجرة تتجر في ثياب الرجال أو النساء أو ثياب
الرجال وحدها. كذا في شروح الهداية.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: قول الدرر: وكذا إذا كانت المرأة دلالة الخ معناه أن القول
فيه للزوج أيضا إلا أنه خرج منه ما لو كانت تبيع ثياب النساء بقوله قبله، فالقول لكل منهما فيما
يصلح له، ويمكن حمل كلام الشارح على هذا المعنى أيضا بجعل الضمير في قوله فالقول له راجعا إلى
الزوج، ثم قوله لتعارض الظاهرين لا يصلح علة سواء حمل الكلام على ظاهره أو على هذا المعنى. أما
الأول فلانه إذا كان الزوج يبيع يشهد له ظاهران اليد والبيع لا ظاهر واحد فلا تعارض، إلا إذا كانت
هي تبيع فلا يرجح ملكها لما ذكره الشرنبلالي إلا إذا كان مما يصلح لها، على أن التعارض لا يقتضي ا
لترجيح بل التهاتر. وأما الثاني فلانه إذا كان الزوج يبيع فلا تعارض كما مر، وأما إذا كانت تبيع هي
فكذلك لما مر أيضا، فتنبه.
أقول: وما ذكره في الشرنبلالية عن العناية صرح به في النهاية، لكن في الكفاية ما يقتضي أن
القول للمرأة حيث قال: إلا إذا كانت المرأة تبيع ثياب الرجال وما يصلح للنساء كالخمار والدرع
والملحفة والحملي فهو للمرأة: أي القول قولها فيها لشهادة الظاهر. ا ه‍. ومثله في الزيلعي قال: وكذا
إذا كانت المرأة تبيع ما يصلح للرجال لا يكون القول قوله في ذلك. ا ه‍. فالظاهر أن في المسألة قولين
فليحرر. ا ه‍.
أقول: والحاصل أن القول للرجل فيما يختص به، وفي المتشابه سواء كانت المرأة دلالة أو لا،

91
وإذا كان يصنع أو يبيع ثياب النساء وحليهن فالقول له في الأجناس كلها في المشهور. قوله: (والقول
له في الصالح لهما) أي القول له في متاع يصلح للرجل وللمرأة. قوله: (لأنها وما في يدها في يد
الزوج) أي والقول في الدعاوي لصاحب اليد، وشمل كلامه ما إذا كان في ليلة الزفاف فيكون القول
له، لكن قال الأكمل في الخزانة: لو ماتت المرأة في ليلة زفافها في بيته لا يستحسن أن يجعل متاع
البيت من الفرش وحلي النساء وما يليق بهن للزوج والطنافس والقماقم والأباريق والفرش والخدم
واللحف للنساء، وكذا ما يجهز مثلها، إلا أن يكون الرجل معروفا بتجارة جنس منها فهو له. واستثنى
أبو يوسف من كون ما يصلح لهما له ما إذا كان موتها ليلة الزفاف، فكذا إذا اختلفا حال حياتهما فيما
يصلح لهما فالقول له، وإذا كان الاختلاف في ليلة الزفاف فالقول لها في الفرش ونحوها لجريان
العرف غالبا من الفرش والصناديق والخدم تأتي به المرأة، وينبغي اعتماده للفتوى، إلا أن يوجد نص
في حكمه ليلة الزفاف عن الامام بخلافه فيتبع، بحر. لكن قال العلامة المقدسي بعد نقله عبارة
الأكمل: فينبغي أن يتأمل فيه. ا ه‍. قوله: (بخلاف ما يختص بها الخ) جواب سؤال ورد على الكلام
السابق تقريره إذا كان القول في الدعاوي لذي اليد والمرأة وما في يدها في يد الزوج يكون القول
للزوج أيضا في المختص بها لأنه في يده ط. قوله: (وهو) أي ظاهرها. قوله: (لأنها خارجة) أي عن
اعتبار الظاهر، إذ الظاهر أنه له لأنه في يده وبينة الخارج مقدمة على بينة ذي اليد، لكن تقدم أن هذا
مقيد بما إذا كانت البينة على الملك المطلق، فإن كانت على النتاج وسبب ملك لا يتكرر كانت البينة
لذي اليد فينبغي أن يجري هذا هنا. قوله: (والبيت للزوج) أي لو اختلفا في البيت فهو له لأنه من
الصالح لهما وفي يده حتى لو برهنا قضى ببرهانها خارجة. خانية. وفيها: إن كان غير الزوجة في
عيال أحد كابن في عيلة أب أو القلب كان المتاع عند الاشتباه للذي يعول. قوله: (إلا أن يكون لها
بينة) أي فيكون البيت لها، وكذا لو برهنت على كل ما صلح لهما أو له والبيت المسكن، وبيت الشعر
معروف. مصباح. والبيت اسم لمسقف واحد. مغرب. ولم يذكر الدار، وإن كان داخلا في العقار
فالظاهر أن حكمه مثل البيت بدليل ما نقله سيدي الوالد رحمه الله تعالى في باب الدخول والخروج،
وكذا صاحب البحر عن الكافي أن العرف الآن أن الدار والبيت واحد، فيحنث إن دخل صحن الدار،
وعليه الفتوى. ا ه‍. إلا أن يفرق بين هذا وبين اليمين.
أقول: والذي نقله الشارح هنا عن البحر أنها للزوج على قولهما، ويؤيده ما قدمناه ولله الحمد.
قال في البحر: إذا اختلف الزوجان في غير متاع البيت، وكان في أيديهما فإنهما كالأجنبيين
يقسم بينهما. ا ه‍.
وبه علم أن العقار إذا لم يكونا ساكنين فيه لم يدخل في مسمى متاع البيت، لان الكلام في متاع
البيت فقط، وقد علمت تفسير متاع البيت مما قدمناه من أن الأولى في تفسيره بالبيت، وبما كان فيه،
لما ذكرناه من الاختلاف في نفس البيت كذلك، فعلم أن قول البحر: وإذا اختلف الزوجان في غير
متاع البيت: المراد به ما كان خارجا عن سكناهما فيقسم بينهما، فيتعين تقييد العقار بما كانا ساكنين
فيه، فليتأمل. قوله: (وهذا) أي ما تقدم لو حيين. قوله:: (في المشكل) والجواب في غير المشكل على

92
ما مر. حموي: أي أن القول لكل منهما فيما يختص به ط. قوله: (الصالح لهما) بيان للمراد بالمشكل
على حذف أي التفسيرية. قوله: (فالقول فيه للحي) أي بيمينه إذ لا يد للميت. در منتقى. وأما ما
يصلح لأحدهما ولا يصلح للآخر فهو على ما كان قبل الموت ويقوم ورثته مقامه فيه. عيني. وأفاد
قوله يقوم وارثه مقامه أنه يعمل ببينة وارث الزوجة في الصالح لهما. قوله: (ولو رقيقا) لان الرقيق له
يد، وهذا لا يناسب المقام لان الكلام فيما إذا كانا حرين، وأما إذا كان أحدهما مملوكا فهي المسألة
الآتية، وعليه فلو حذفه واستغنى بما يأتي في المتن لكان أولى. قوله: (وهي المسبعة) أي التي فيها
سبعة أقوال لأرباب الاجتهاد. قوله: (تسعة أقوال) الأول: ما في الكتاب وهو قول الإمام. الثاني:
قول أبي يوسف للمرأة جهاز مثلها والباقي للرجل: يعني في المشكل في الحياة والموت. الثالث: قول
ابن أبي ليلى: المتاع كله له ولها ما عليها فقط. الرابع: قول ابن معن وشريك هو بينهما. الخامس قول
الحسن البصري: كله لها وله ما عليه. السادس: قول شريح: البيت للمرأة. السابع: قول محمد: إن
المشكل للزوج في الطلاق والموت، ووافق الامام فيما لا يشكل. الثامن: قول زفر المشكل بينهما.
التاسع: قول مالك رضي الله تعالى عنه لكل بينهما. هكذا حكى الأقوال في خزانة الأكمل، ولا يخفى
أن التاسع هو الرابع. حلبي عن البحر.
قال في الكفاية: وعلى قول الحسن البصري إن كان البيت بيت المرأة فالمتاع كله لها إلا ما على
الزوج من ثياب بدنه، وإن كان البيت للزوج فالمتاع كله له ا ه‍. قوله: (ولو أحدهما مملوكا فالقول
للحر في الحياة وللحي في الموت) كما في عامة شروح الجامع. وذكر السرخسي أنه سهو، والصواب
أنه للحر مطلقا.
وفي المصفى: ذكر فخر الاسلام أن القول هنا في الكل لا في خصوص المشكل، لكن اختار في
الهداية قول العامة فاقتفى أصحاب المتون أثره، وهو قول الإمام وعندهما: المأذون والمكاتب كالحر
كما في الداماد شرح الملتقى. قوله: (هما كالحر) لان لهما يدا معتبرة، وله أن يد الحر أقوى وأكثر
تصرفا فتقدمت. قوله: (فالقول للحر) قال القهستاني: وقوله الكل مشير إلى وقوع الاختلاف في
مطلق المتاع على ما ذكر فخر الاسلام كما في المصفى، لكن في الحقائق قيده بما إذا كان الاختلاف في
الأمتعة المشكلة ا ه‍ بتصرف. ذكره أبو السعود. وللحي في الموت حرا كان أو رقيقا، إذ لا يد
للميت فبقيت يد الحي بلا معارض، هكذا ذكره في الهداية والجامع الصغير للصدر
الشهيد وصدر الاسلام وشمس الأئمة الحلواني وقاضيخان. وفي رواية محمد والزعفراني: للحر منهما بالراء ا ه‍.
درر. قوله: (لان يد الحر أقوى) علة للمسألة الأولى، وقوله ولا يد للميت علة للمسألة الثانية، وهي
كون القول للحي فيما إذا مات أحدهما سواء كان الحي الحر أو العبد، لأنها إنما تظهر قوية يد الحر إذا
كان حيين، أما الميت فلا يد له حرا كان أو عبدا فلذا كان القول للحي منهما، وفيه لف ونشر مرتب،

93
وبحث فيه صاحب اليعقوبية فليراجع. قوله: (واختارت نفسها) أي لم ترض ببقائها في نكاحه
فاختارت نفسها. قوله: (فهو للرجل) لتحققه عنده وهي رقيقة والرقيق لا ملك له. قوله: (قبل أن
تختار نفسها) الظاهر أنه قيد اتفاقي، بل الحكم كذلك ولو بعد الاختيار، لأنه لا يشترط قيام النكاح
كما تقدم، وعليه فلا فرق وإن وقع الاختلاف بعد الفرقة أو بعد انقضاء المدة. تأمل ط بزيادة. قوله:
(فهو على ما وصفناه في الطلاق) يعني المشكل للزوج ولها ما صلح لها لأنها وقته حرة كما هو معلوم
من السياق واللحاق. ويؤيده قول السراج: ولو كان الزوج حرا والمرأة مكاتبة أو أمة أو مدبرة أو أم
ولد وقد أعتقت قبل ذلك ثم اختلفا في متاع البيت، فما أحدثا قبل العتق فهو للرجل، وما أحدثاه
بعده فهما فيه كالحرين ا ه‍.
وقال في البحر: ثم اعلم أن هذا: أي جميع ما مر إذا لم يقع التنازل بينهما في الرق والحرية
والنكاح وعدمه، فإن وقع قال في الخانية: ولو كانت الدار في يد رجل وامرأة فأقامت المرأة البينة أن
الدار لها وأن الرجل عبدها وأقام الرجل البينة أن الدار له والمرأة امرأته تزوجها بألف درهم، ودفع
إليها ولم يقم البينة أنه حر يقضي بالدار والرجل للمرأة ولا نكاح بينهما، لأن المرأة أقامت البينة على
رق الرجل والرجل لم يقم البينة على الحرية فيقضي بالرق، وإذا قضى بالرق بطلت بينة الرجل في الدار
والنكاح ضرورة، وإن كان الرجل أقام بينة أنه حر الأصل والمسألة بحالها يقضي بحرية الرجل ونكاح
المرأة، ويقضي بالدار للمرأة لأنا لما قضينا النكاح صار الرجل في الدار صاحب يد والمرأة خارجة
فيقضي بالدار لها، كما لو اختلف الزوجان في دار في أيديهما كانت الدار للزوج في قولهما، ولو
اختلفا في المتاع والنكاح فأقامت البينة أن المتاع لها وأنه عبدها وأقام أن المتاع له وأنه تزوجها بألف
ونقدها فإنه يقضي به عبدا لها وبالمتاع أيضا لها، وإن برهن على أنه حر الأصل قضى له بالحرية
وبالمرأة والمتاع إن كان متاع النساء، وإن كان مشكلا قضى بحريته وبالمرأة وبالمتاع لها ا ه‍. قوله:
(طلقها ومضت العدة فالمشكل للزوج) قد استفيد هذا من التعميم السابق في قوله قام النكاح أو لا
وصاحب البحر إنما فرض المسألة فيما إذا مات الزوج بعد انقضاء العدة، وجعل المشكل لوارث
الزوج، ولا اعتبار للزوجة وإن كانت حية لأنها صارت أجنبية إلى آخر ما يأتي عن المنح قريبا. ولما
شرطية، والجواب: فكذا يكون القول لوارثه ط. قوله: (لأنها صارت أجنبية) تعليل لقوله ولورثته
بعده يعني إنما قلنا أن القول للحي لو مات وهي في نكاحه، أما بعد انقضاء العدة فقد صارت أجنبية
فلم يبق لها يد على الصالح لهما فكان القول فيه لورثة الزوج، لان المتاع في يدهم بعد مورثهم، وفيه
تأمل. أو هو محمول على ما إذا انتقلت وتركت المتاع بالبيت، أما لو بقيت ساكنة بعد انقضاء العدة
فالظاهر أن المتاع باق في يدها فيكون القول قولها في الصالح لهما فليحرر
، قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: ويستفاد من التعليل أنهما لو ماتا فكذلك. قوله: (ولما ذكرنا
الخ) الأولى إسقاطه لعلمه من قوله ولورثته بعده ولذا لم يذكره في البحر. قوله: (أما لو مات الخ)
لعله محمول على ما إذا كان الطلاق في مرض الموت بدليل تعليله بقوله بدليل إرثها قال في المنح:
قيد بكونهما زوجين للاحتراز عما إذا طلقها في المرض ومات الزوج بعد انقضاء العدة، فإن المشكل

94
لوارث الزوج لأنها صارت أجنبية لم يبق لها يد، وإن مات قبل انقضاء العدة كان المشكل للمرأة في
قول أبي حنيفة، لأنها ترث فلم تكن أجنبية، فكان هذا بمنزلة ما لو مات الزوج قبل الطلاق، كذا في
الخانية.
مطلب: تورك على عبارة الشارح
وهذه العبارة هي التي نقلها الشارح هنا، إلا أنه أخل بقوله طلقها في المرض، ثم نقل المصنف
بعدها عن البحر: وإن علم أنه طلقها ثلاثا في صحته أو في مرضه وقد مات بعد انقضاء عدتها فما
كان من متاع الرجال والنساء فهو لورثة الزوج، وإن مات في عدة المرأة فهو للمرأة كأنه لم يطلق. ا ه‍.
فيمكن أن يرجع قوله: وإن مات في عدة المرأة الخ إلى قوله أو مرضه، ليوافق ما نقله عن الخانية
ولظهور وجهه حينئذ. تأمل. قوله: (فالقول للمستأجر بيمينه) لان البيت مضاف إليه بالسكنى، وقد
سبق ذلك في المحترزات.
مطلب: تورك على كلام الشارح
قوله: (في آلات الأساكفة وآلات العطارين) لعل الواو بمعنى أو: أي اختلفا في آلات الأساكفة
منفردة أو آلات العطارين منفردة، لان ما اختلفا فيه في أيديهما فيقسم بينهما، كما لو اختلفا في سفينة
في أيديهما، أو في دقيق في أيديهما وكان أحدهما ملاحا والآخر بائع الدقيق، فإن كلا من السفينة
والدقيق يقسم بينهما لما ذكرنا، بخلاف ما إذا اختلفا فيهما مجتمعين، فإنه يعطي لكل منهما ما يناسبه،
كما لو اختلفا في سفينة ودقيق وهي التي تأتي في المتن. أما لو لم نحمل الواو على معنى أو وتركنا
العبارة على ظاهرها وأعطينا الإسكاف نصف آلات العطار والعطار نصف آلات الإسكاف فنكون تركنا
الاستصحاب والعمل بالظاهر من الحال، ويكون خالف هذا الفرع ما قبله وما بعده، ويعكر علينا
ذلك، لان تلك الفروع تقتضي أن لكل ما عرف به، فتأمل وراجع. قوله: (فهي بينهما الخ) لأنه قد
يتخذه لنفسه أو البيع، فلا يصلح مرجحا. تأمل وتفطن. قوله: (وعلى عنقه بدرة) هي كيس فيه ألف
أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار. ا ه‍. قاموس. والظاهر أن المراد بها المال الكثير. قوله:
(وذلك بداره) يفهم مفهومه بالأولى. قوله: (فهو للمعروف باليسار) وهذا كالذي بعده مما عمل فيه
الأصحاب بظاهر الحال.
مطلب: استنبط صاحب البحر أن من شرط صحة الدعوى
أن يكذب المدعي ظاهر حاله وقد تقدم تحقيقه أول الدعوى
قال في البحر: وقد استنبطت من فرع الغلام أن من شرط سماع الدعوى أن لا يكذب المدعي
ظاهر حاله كما هو مصرح به في كتب الشافعية، فلو ادعى فقير ظاهر الفقر على رجل أموالا عظيمة

95
قرضا أو ثمن مبيع لا تسمع فلا جواب لها، وقدمنا تحقيق ذلك أوائل الدعوى. قوله: (وعلى عنقه
قطيفة) القطيفة دثار مخمل والجمع قطائف وقطف مثل صحيفة وصحف كأنها جمع قطيف وصحيف،
ومنه القطائف التي تؤكل صحاح. قوله: (الذي هي) هكذا في نسختي التي بيدي وهي الصحيحة،
وفي بعض النسخ كنسخة الطحطاوي الذي هو بضمير المذكر، وكتب عليها الأولى: وهي بضمير
المؤنثة، وكذا يقال في ادعاه. قوله: (وآخر ممسك) الظاهر أنه ماسك الدفة التي هي للسفينة بمنزلة
اللجام للدابة. قوله: (وآخر يجذب) بحبلها على البر. قوله: (وآخر يمدها) أي يجريها بمقدافها. قوله:
(ولا شئ للماد) لأنه لا يد له فيها أو أجبرهم على العمل، بخلاف الباقين لأنهم المتصرفون فيها
التصرف المعتاد. قوله: (وآخر راكب) أي بعيرا منها. قوله: (إن على الكل متاع الراكب) أي إن كان
على جميع الإبل متاع الراكب فجميع الإبل للراكب، وإن لم يكن على الإبل شئ من الحمل فللراكب
البعير الذي هو راكب عليه مع ما عليه وباقي الإبل للقائد. قاله أبو الطيب. والظاهر أن الحكم كذلك
لو كان على الكل متاع القائد، فإن اختلفا في المتاع كيف يكون ويراجع.
مطلب: تورك على كلام الشارح
قوله: (بخلاف البقر والغنم) أي إذا كان عليها رجلان أحدهما قائد والآخر سائق، فهي للسائق
إلا أن يقود شاة معه فتكون له تلك الشاة وحدها. بحر عن نوادر المعلى: أي إلا أن يكون السائق
للبقر أو الغنم معه شاة يقودها: أي أو بقرة فيكون له تلك الشاة أو البقرة وحدها، وانقطع حكم
السوق ويكون الباقي لقائدها، وعليه فكلام الشارح غير تام. قوله: (وتمامه في خزانة الأكمل) ويأتي
تمام تفاريع هذه المسائل في الفصل الآتي. وذكر في المنح مسائل من هذا القبيل قال: دخل رجل في
منزل يعرف الداخل أنه ينادي ببيع الذهب والفضة أو المتاع، ومعه شئ من ذلك فادعياه، فهو لمن
يعرف ببيعه، ولا يصدق رب المنزل، وإن لم يكن كذلك القول قول رب المنزل.
رجل خرج من دار إنسان وعلى عنقه متاع رآه قوم وهو معروف ببيع مثله من المتاع فقال صاحب
الدار ذلك المتاع متاعي والحامل يدعيه فهو للذي يعرف به وإن لم يعرف به فهو لصاحب الدار. ا ه‍.
مطلب: لا تسمع الدعوى بعد مضي المدة
قال في البحر عن ابن الغرس: رجل ترك الدعوى ثلاثا وثلاثين سنة ولم يكن له مانع من
الدعوى ثم ادعى لم تسمع دعواه، لان ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرا، وقدمنا

96
عنهم أن من القضاء الباطل القضاء بسقوط الحق بمضي سنين، لكن ما في المبسوط لا يخالفه، فإنه
ليس فيه قضاء بالسقوط، وإنما فيه عدم سماعها.
مطلب: نهى السلطان عن سماع حادثة لها خمس عشرة سنة
وقد كثر السؤال بالقاهرة عن ذلك مع ورود النهي من السلطان أيده الله تعالى بعدم سماع حادثة
لها خمس عشرة سنة، وقد أفتيت بعدم سماعها عملا بنهيه على ما في خزانة المفتين، والله سبحانه
وتعالى أعلم. ا ه‍.
مطلب: لا تسمع الدعوى بعد مضي ثلاثين سنة إذا كان الترك بلا عذر شرعي
من كون المدعي غائبا أو صبيا أو مجنونا وليس لهما ولي أو المدعى عليه
ذا شوكة أو أرض وقف ليس لها ناظر
وفي الحامدية عن الولوالجية: رجل تصرف زمانا في أرض ورجل آخر رأى الأرض والتصرف
ولم يدع ومات على ذلك لم تسمع بعد ذلك دعوى ولده فتترك على يد المتصرف، لان الحال شاهد. ا ه‍.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى في عقود الدرية بعد كلام أقول: والحاصل من هذه النقول أن
الدعوى بعد مضي ثلاثين سنة أو بعد ثلاثة وثلاثين لا تسمع إذا كان الترك بلا عذر من كون المدعي
غائبا أو صبيا أو مجنونا وليس لهما ولي، أو المدعى عليه أميرا جائرا يخاف منه، أو أرض وقف ليس
لها ناظر، لان تركها هذه المدة مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرا كما مر عن المبسوط، وإذا كان
المدعي ناظرا ومطلعا على تصرف المدعى عليه إلى أن مات المدعى عليه لا تسمع الدعوى على ورثته كما
مر عن الخلاصة. وكذا لو مات المدعي لا تسمع دعوى ورثته كما مر عن الولوالجية. والظاهر أن
الموت ليس بقيد وأنه لا تقدير بمدة مع الاطلاع على التصرف لما ذكره المصنف والشارح في مسائل
شتى آخر الكتاب.
مطلب: باع عقارا أو غيره وزوجته أو قريبه حاضر ساكت يعلم البيع لا تسمع دعواه
باع عقارا أو حيوانا أو ثوبا وابنه وامرأته أو غيرهما من أقاربه حاضر يعلم به ثم ادعى
الابن مثلا أنه ملكه لا تسمع دعواه. كذا أطلقه في الكنز والملتقى، وجعل سكوته كالافصاح قطعا للتزوير
والحيل.
مطلب: لا يعد سكوت الجار رضا بالبيع إلا إذا سكت عند التسليم والتصرف
بخلاف الأجنبي فإن سكوته ولو جارا لا يكون رضا، إلا إذا سكت الجار وقت البيع والتسليم
وتصرف المشتري فيه زرعا وبناء فحينئذ لا تسمع دعواه على ما عليه الفتوى قطعا للأطماع الفاسدة.
ا ه‍. وقوله لا تسمع دعواه: أي دعوى الأجنبي ولو جارا كما في حاشية الخير الرملي على المنح،
وأطال في تحقيقه في فتاويه الخيرية من كتاب الدعوى، فقد جعلوا في هذه المسألة مجرد السكوت عند
البيع مانعا من دعوى القريب ونحوه كالزوجة بلا تقييد باطلاع على تصرف المشتري، كما أطلقه في
الكنز والملتقى. وأما دعوى الأجنبي ولو جارا فلا يمنعها مجرد السكوت عند البيع، بل لا بد من
الاطلاع على تصرف المشتري، ولم يقيدوه بمدة ولا بموت كما ترى.

97
مطلب: ما يمنع صحة دعوى المورث يمنع صحة دعوى وارثه
لان ما يمنع صحة دعوى المورث يمنع صحة دعوى الوارث لقيامه مقامه كما في الحاوي
الزاهدي وغيره، فتأمل. ثم إن ما في الخلاصة والولوالجية يدل على أن البيع غير قيد بالنسبة إلى
الأجنبي ولو جارا، بل مجرد الاطلاع على التصرف مانع من الدعوى، وإنما فائدة التقييد هي
الفرق بين القريب والأجنبي، فإن القريب للبائع لا تسمع دعواه إذا سكت عند البيع، بخلاف الأجنبي،
فإنه لا تسمع إذا اطلع على تصرف المشتري وسكت فالمانع لدعواه هو السكوت عند الاطلاع على
التصرف لا السكوت عند البيع، فلأجل الفرق بينهما صوروا المسألة بالبيع، ووجه الفرق بينهما مع
تمام بيان هذه المسألة محرر في حواشينا رد المحتار على الدر المختار.
ثم رأيت في فتاوى المرحوم العلامة الغزي صاحب التنوير ما يؤيد ذلك، ونصه: سئل عن
رجل له بيت في دار يسكنه مدة تزيد على ثلاث سنوات وله جار بجانبه، والرجل المذكور يتصرف في
البيت المزبور هدما وعمارة مع اطلاع جاره على تصرفه في المدة المذكورة، فهل إذا ادعى البيت أو
بعضه بعدما ذكر من تصرف الرجل المذكور في البيت هدما وبناء في المدة المذكورة تسمع دعواه أم
لا؟ أجاب: لا تسمع دعواه على ما عليه الفتوى إ ه‍.
فانظر كيف أفتى بمنع سماعها من غير القريب بمجرد التصرف مع عدم سبق البيع، وبدون
مضي خمس عشرة سنة أو أكثر.
ثم اعلم أن عدم سماع الدعوى بعد مضي ثلاثين سنة أو بعد الاطلاع على التصرف ليس مبنيا
على بطلان الحق في ذلك، وإنما هو مجرد منع للقضاة عن سماع الدعوى مع بقاء الحق لصاحبه، حتى
لو أقر به الخصم يلزمه، ولو كان ذلك حكما ببطلانه لم يلزمه ويدل على ما قلناه تعليلهم للمنع بقطع
التزوير والحيل كما مر فلا يرد ما في قضاء الأشباه من أن الحق لا يسقط بتقادم الزمان، ثم رأيت
التصريح بما نقلناه في البحر قبيل قضاته دفع الدعوى، وليس أيضا مبنيا على المنع السلطاني حيث منع
السلطان عز نصره قضاته من سماع الدعوى بعض خمس عشرة سنة في الأملاك وثلاثين سنة في
الأوقاف، بل هو حكم اجتهادي نص عليه الفقهاء كما رأيت، فاغتنم تحرير هذه المسألة فإنه من
مفردات هذا الكتاب، والحمد لله المنعم الوهاب إ ه‍.
أقول: وعلى هذا لو ادعى على آخر دارا مثلا وكان المدعى عليه متصرفا فيها هدما وبناء أو مدة
ثلاثين سنة، وسواء فيه الوقف والملك ولو بلا نهي سلطاني، أو خمس عشرة سنة ولو بلا هدم وبناء
فيهما، والمدعى مطلع على التصرف في الصور الثلاث مشاهد له في بلدة واحدة، ولم يدع ولم يمنعه
من الدعوى مانع شرعي لا تسمع دعواه عليه. أما الأول: فاطلاعه على تصرفه هدما وبناء وسكوته،
وهو مانع من الدعوى كما عرفت. وأما الثاني: فلتركه الدعوى للمدة المزبورة وسكوته، وهو دليل
على عدم الحق له، ولأن صحة الدعوى شرط لصحة القضاء والمنع منه حكم اجتهادي كما علمت.
وأما الثالث: فللمنع من السلطان نصره الرحمن قضاته في سائر ممالكه عن سماعها بعد خمس عشرة
سنة إذا كان تركها لغير عذر شرعي في الملك لا لكون التقادم يبطل الحق بدليل أن الحق باق، ويلزمه
لو أقر به في مجلس القاضي، فلو قال: لا أسلمها لمضي هذه المدة مع عدم دعواه علي وهو مانع منها لا
يلتفت إلى تعلله وتنزع من يده، فلو ادعى أن المدعى عليه أقر لي بها في أثناء هذه المدة وهو ينكره

98
ينبغي أن تسمع أيضا، لان لما كان المنع من سماع أصل الدعوى ففرعها وهو الاقرار أولى بالمنع لما أن
النهي مطلق فيشملهما، إلا إذا كان الاقرار عند القاضي كما عرفت، فتنزع من يده لابطاله ملكه
ولالزامه الحجة على نفسه، وهي الاقرار بعدم صحة تصرفه.
مطلب: لو ترك دعواه المدة ثم أقام بينة على أن المدعى عليه أقر له بها تسمع
لكن يعارض ذلك إطلاق عبارة الإسماعيلية حيث قال فيما إذا كانت دار بين زيد وهند فوضع
زيد يده على الدار المزبورة مدة تزيد على خمس عشرة سنة، وطلبت هند منه في أثناء المدة أن يقسم لها
حصتها وأجابها إلى ذلك ومات ولم يقسم لها فطالبت أولاده بحصتها في الدار فذكروا بأن والدهم
تصرف أكثر من خمس عشرة سنة ولم تدع عليه هند ولم يمنعها من الدعوى مانع شرعي، فلا تسمع
دعواها بذلك، فهل تسمع دعواها حيث كان معترفا بأن لها في الدار حصة؟ أجاب: تسمع دعواها
حيث كان معترفا بأن لها حصة إ ه‍. إلى غير ذلك من الأجوبة، إلا أنه لم يعز ذلك لاحد كما هو
عادته في فتاواه، لكن يؤيد إطلاق التنقيح أيضا، فتأمل وراجع يظهر لك الحق. أما عدم ترك
الدعوى في مدة الخمس عشرة سنة فيشترط كون الدعوى عند القاضي، فإن ادعى عند القاضي مرارا
في أثناء المدة التي هي خمس عشرة سنة إلا أن الدعوى لم تفصل، فإن دعواه تسمع ولا يمنع مرور
الزمان، أما لو كان المدعي أو المدعى عليه غائبا مسافة لسفر ثم حضر مرارا في أثناء المدة التي هي
خمس عشرة سنة وسكت ثم أراد أن يدعي بعد ذلك فلا تسمع دعواه. كذا في فتاوى علي أفندي، وإذا
كان المانع شوكة المدعى عليه وزالت فلا يمنع الدعوى إلا إذا استدام زوال شوكته خمس عشرة سنة،
فلو زالت شوكته أقل من خمس عشرة سنة ثم صار ذا شوكة لا يمنع بعد ذلك من الدعوى لأنه لم
يصدق أنه ترك الدعوى في مسألة زوال الشوكة خمس عشرة سنة، وإنما قيدت بقولي عند القاضي،
فلو ترك المدة المزبورة إلا أنه في أثناء ذلك ادعى مرارا عند غير القاضي لا تعتبر دعواه كما في تنقيح
سيدي الوالد رحمه الله تعالى، هذا ما ظهر لي تفقها أخذا من مفهوم عبارات السادة الاعلام بوأهم الله
تعالى دار السلام.
وأقول: لكن المعتبر الآن ما تقرر في المجلة الشرعية في الاحكام العدلية، وصدر الامر الشريف
السلطاني بالعمل بمواجبه أن دعوى الاقرار بعد مضي مدة المنع من سماع الدعوى لا تسمع إذا ادعى
أنه أقر له بها من جمعة أو سنة مثلا، إلا إذا كان الاقرار عند القاضي أو تحرر به سند شرعي بإمضاء
المقر أو سنة مثلا، إلا إذا كان الاقرار عند القاضي أو تحرر به سند شرعي بإمضاء
المقر أو ختمه المعروفين، وكان بمحضر من الشهود وشهدوا بذلك فإنها تسمع حينئذ إذا لم يمض على
الاقرار خمس عشرة سنة، أو كان دعوى الاقرار على عقار وكان يستأجره المدعى عليه مدة تزيد على
خمس عشرة سنة والمستأجر يدعي التصرف وينكر الاستئجار وأثبت المدعي الاستئجار ومواصلة
الأجرة في كل سنة وكان ذلك معروفا بين الناس، فإنها تسمع الدعوى حينئذ، وليس للمدعى عليه
حق في دعوى التصرف المدة الممنوع من سماع الدعوى بها، وأيضا فإن أول ابتداء مدة المنع من حين
زوال العذر كما تقدم.
ودعوى المرأة مهرها المؤجل إذا تركت دعواه والوقف المرتب بثم إذا كان المدعى محجوبا بالطبقة
إذا استحق بزوالها وترك دعواه، فإنه يعتبر مدة الترك من حين الوفاة أو الطلاق وزوال الدرجة لو كان
خمس عشرة سنة لا تسمع.

99
ودعوى الدين على معسر أيسر إذا تركها المدة المذكورة من حين اليسار.
ومدة عدم سماع الدعوى في الوقف ست وثلاثون سنة إذا كان بدون عذر شرعي وكان للوقف
متول.
وأما دعوى الأراضي الأميرية فمن بعد مرور عشر سنين لا تسمع الدعوى بها ولا بشئ من حقوقها.
وأما الدعوى في المنافع العامة كالطريق العام والنهر العام والمرعى وأمثال ذلك إذا تصرف بها
أحد: أي مدة كانت فإنها تسمع الدعوى عليه بها.
وأن القاصر إذا ادعى عقارا إرثا عن والده مثلا بعد بلوغه وأثبته بالبينة الشرعية فلا يسري سماع
الدعوى لبقية الورثة الباقين البالغين التاريكين للدعوى مدة المنع، ومثله من كان مسافرا.
وأنه إذا ترك شخص الدعوى عشر سنين مثلا بلا عذر شرعي ومات وترك دعواها وارثه أيضا
البالغ عشر سنين أو خمس سنين فلا تسمع دعوى الوارث حينئذ لان مجموع المدتين مدة المنع، وأيضا
المالك والمشتري منه إذا تركا الدعوى كذلك لا تسمع دعوى المشتري فيما يتعلق بحقوق المبيع إذا كان
مجموع المدتين خمس عشرة سنة كما في الباب الثاني من كتاب الدعوى من المجلة، وفيها من المادة
(0381): لو أقر المدعى عليه ثم غاب قبل الحكم عليه وكان الاقرار لدى القاضي فله أن يحكم عليه
في غيابه، وكذلك لو ثبت الحق عليه بالبينة الشرعية وغاب قبل التزكية والحكم، فللحاكم أن يزكي
الشهود ويحكم عليه في غيبته وفيها من المادة (4381) لو أقيمت البينة على وكيل المدعى عليه ثم حضر
المدعى عليه بالذات فللحاكم أن يحكم عليه، وكذا بالعكس يحكم على الوكيل، وكذلك لو أقيمت البينة
على أحد الورثة بحق ثم غاب فللحاكم أن يحضر وارثا آخر ليحكم عليه، وفيها في المادة المذكورة: إذا
طلب الحاكم الشرعي الخصم بطلب المدعي وامتنع عن الحضور بلا عذر فللحاكم إحضاره جبرا، وإذا
لم يمكن إحضاره فبعد طلبه بورثة الاحضار ثلاث مرات في ثلاثة أيام ولم يمكن إحضاره فللحاكم أن
ينصب عنه وكيلا لتقام عليه الدعوى والبينة ويحكم عليه.
مطلب في أمر ذكره خدمة سيده لفسقه فادعى السيد عليه مبلغا سماه
وقامت الامارات على السيد بأن غرضه استبقاؤه لا تسمع دعواه
فرع: سئل في شاب أمرد كره خدمة من هو في خدمته لمعنى هو أعلم بشأنه وحقيقته فخرج
من عنده فاتهمه أنه عمد إلى سبته وكسره في حال غيبته وأخذ منه كذا المبلغ سماه وقامت أمارة عليه
بأن غرضه منه بذلك استبقاؤه واستقراره في يده على ما يتوخاه، هل يسمع القاضي والحالة هذه عليه
دعواه ويقبل شهادة من هو متقيد بخدمته وأكله وشربه من طعامه ومرقته، والحال أنه معروف بحب
الغلمان، الجواب ولكم فسيح الجنان.
الجواب: قد سبق لشيخ الاسلام أبي السعود العمادي رحمه الله تعالى في مثل ذلك فتوى بأنه
يحرم على القاضي سماع مثل هذه الدعوى معللا بأن مثل هذه الحيلة معهود فيما بين الفجرة
واختلاقاتهم فيما بين الناس مشتهرة، وفيها من لفظه رحمه الله تعالى: لا بد للحاكم أن لا يصغوا لمثل
هذه الدعاوي، بل يعزروا المدعي ويحجزوه عن التعرض لمثل ذلك الغمر المنخدع، وبمثله أفتى صاحب
تنوير الابصار، لانتشار ذلك في غالب القرى والأمصار، ويؤيد ذلك فروع ذكرت في باب الدعوى،

100
تتعلق باختلاف حال المدعي وحال المدعى عليه، ويزيد ذلك بعد إشهاده من بعشاه يتعشى وبغداه
يتغدى، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ما شاء الله كان وما لم يشأ
لم يكن، والله تعالى أعلم. فتاوي الخيرية.
وعبارة المصنف في فتاويه بعد ذكره فتوى أبي السعود: وأنا أقول: إن كان الرجل معروفا
بالفسق وحب الغلمان والتحيل لا تسمع دعواه ولا يلتفت القاضي لها، وإن كان معروفا بالصلاح
والفلاح فله سماعها، والله تعالى أعلم واستغفر الله العظيم.
مطلب: دفع الدعوى صحيح وكذا دفع الدفع وما زاد عليه الحكم وبعده
على الصحيح إلا في المخمسة
فصل في دفع الدعاوي
قال في الأشباه: دفع الدعوى صحيح، وكذا دفع الدفع وما زاد عليه يصح هو المختار، وكما
يصح الدفع قبل إقامة البينة يصح بعدها، وكما قبل الحكم يصح بعده، إلا في المسألة المخمسة
كما كتبناه في الشرح، وكما يصح عند الحاكم الأول يصح عند غيره، وكما يصح قبل الاستمهال
يصح بعده هو المختار، إلا في ثلاث: الأولى: إذا قال لي دفع ولم يبين وجهه لا يلتفت إليه. الثانية:
لو بينه لكن قال بينتي غائبة عن البلد لم تقبل. الثالثة: لو بين دفعا فاسدا ولو كان الدفع صحيحا وقال
بينتي حاضرة في المصر يمهله إلى المجلس الثاني. كذا في جامعي الفصولين. والامهال هو المفتى به
كما في البزازية. وعلى هذا: لو أقر بالدين فادعى إيفاءه أو الابراء فإن قال بينتي في المصر لا يقضى
عليه بالدفع، وإلا قضي عليه الدفع بعد الحكم صحيح، إلا في المسألة المخمسة كما ذكرته في الشرح.
مطلب: لا يصح الدفع من غير المدعى عليه إلا إذا كان أحد الورثة
الدفع من غير المدعى عليه لا يصح إلا إذا كان أحد الورثة ا ه‍: أي فإنه يسمع دفعه وإن ادعى
على غيره لقيام بعضهم مقام الكل، حتى لو ادعى مدع على أحد الورثة فبرهن الوارث الآخر أن
المدعي أقر بكونه مبطلا في الدعوى تسمع كما في البحر، لان أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين
فيما لهم وعليهم. قوله: (ذكر من لا يكون خصما) لان معرفة الملكات قبل معرفة الاعدام، فإن قيل
الفصل مشتمل على ذكر من يكون خصما أيضا قلت: نعم من حيث الفرق لا من حيث القصد
الأصلي. عناية. قوله: (هذا الشئ أودعنيه الخ) أطلق قوله هذا فشمل أنه قال ذلك وبرهن عليه قبل
تصديقه المدعي في أن الملك له أو بعد تصديقه كما في تلخيص الجامع، أو أنكر كونه ملكا له، فطلب
من المدعي البرهان فأقامه ولم يقض القاضي حتى دفعه المدعي بأحد هذه الأشياء كما في الشروح،
فظهر أن قوله في التصوير زيد لغائب بناء لما في الشروح فيحمل على التمثيل، لكن في نور العين برمز
قش: ادعى ذو اليد وديعة ولم يمكنه إثباتها حتى حكم للمدعي ونفذ حكمه ثم لو برهن على الايداع
لا يقبل، فلو قدم الغائب فهو على حجته.

101
مطلب: لا تندفع الدعوى لو كان المدعي هالكا
يقول الحقير: فيه إشكال لما سيأتي في أواخر هذا الفصل نقلا عن الذخيرة أنه كما يصح الدفع
قبل الحكم يصح بعده أيضا، ولعله بناء على أن الدفع بعد الحكم لا يسمع، وهو خلاف القول المختار
كما سيأتي أيضا هناك، والله تعالى أعلم. ا ه‍. وأشار بقوله هذا الشئ إلى أن المدعي به قائم كما
صرح به الشارح، إذ لو كان هالكا لا تندفع الخصومة، فيقضي بالقيمة على ذي اليد للمدعي، ثم إن
حضر الغائب فصدقه فيما قال ففي الوديعة والرهن والإجارة والمضاربة والشركة يرجع المدعى عليه على
الغائب بما ضمن، ولا يرجع المستعير والغاصب والسارق كما في العمادية، وإلى أنه أعم من أن يكون
منقولا أو عقارا كما صرح به الشارح أيضا كما في المبسوط، وظاهر هذا القول على أن ذا اليد ادعى
إيداع الكل أو عاريته أو رهنه الخ.
مطلب: قال النصف لي والنصف وديعة لفلان هل تبطل الدعوى في الكل وفي النصف؟
ولو ادعى أن نصفه ونحوه ملكه ونصفه الآخر وديعة في يد لفلان الغائب قيل لا تبطل دعوى
المدعي إلا في النصف، وإليه الإشارة في بيوع الجامع الكبير كما في الذخيرة. وقيل تبطل في الكل
لتعذر التمييز، وعليه كلام المحيط والخانية والبحر، واختار في الاختيار. ولكن قال صاحب العمادية:
في هذا القول نظر، فيظهر منه أن المختار عنده عدم البطلان في النصف. ونقل في جامع الفصولين
هذا النظر من غير تعرض، وكذا صاحب نور العين، واقتصر المصنف على الدفع بما ذكر للاحتراز عما
إذا زاد وقال كانت داري بعتها من فلان وقبضها ثم أودعنيها أو ذكر هبة وقبضا لم تندفع إلا أن يقر
المدعي بذلك، ولو أجاب المدعى عليه بأنها ليست لي أو هي لفلان ولم يزد لا يكون دفعا. حموي
ملخصا.
قال في البحر: وأشار بقوله: وبرهن عليه أي على ما قال إلى أنه لو برهن على إقرار المدعي أنه
لفلان ولم يزيدوا فالخصومة بينهما قائمة كما في خزانة الأكمل. ا ه‍. لكن يخالفه ما ذكره بعد عن
البزازية أنها تندفع في هذه الصورة، وكذا مخالف لما قدمه قبل أسطر عن خزانة الأكمل، لكن ما قدمه
فيه الشهادة على إقرار المدعي أن رجلا دفعه إليه وما هنا على إقرار بأنه لفلان بدون التصريح بالدفع،
فتأمل.
مطلب: حيلة إثبات الرهن على الغائب
قوله: (أو رهننيه) هذه مما تصلح حيلة لاثبات الرهن في غيبة الراهن كما في حيل الولوالجية.
مطلب: لا بد من تعيين الغائب في الدفع والشهادة
قوله: (زيد الغائب) أتى باسم العلم لأنه لو قال أودعينه رحل لا أعرفه لن تندفع فلا بد من
تعيين الغائب في الدفع، وكذا في الشهادة كما يذكره الشارح، فلو ادعاه من مجهول وشهدا بمعين أو
عكسه لم تندفع. بحر. وفيه عن حزانة الأكمل والخانية: لو أقر المدعي أن رجلا دفعه إليه أو شهدوا
على إقراره بذلك فلا خصومة بينهما.
مطلب: أطلق في الغائب فشمل البعيد والقريب
وأطلق في الغائب فشمل ما إذا كان بعيدا معروفا يتعذر الوصول إليه أو قريبا، قوله: (أو

102
غصبته منه) المراد أم المدعي ادعى ملكا مطلقا في العين ولم يدع فعلا. وحاصل جواب المدعي عليه أنه
ادعى أن يده يد أمانة أو مضمونة والملك لغيره. قوله: (وبرهن عليه) مراده بالبرهان: أي بعد إقامة
المدعي البرهان على مدعاه، لأنه لما ادعى الملك أنكره المدعي عليه فطلب منه البرهان، ولم يقض
للقاضي به حتى دفعه المدعي عليه بما ذكرنا وبرهن على الدفع، ولا بد من ذلك، حتى لو قضي
للمدعى لم يسمع برهان ذي اليد كما في البحر. لكن قدمنا عن نور العين معزيا للذخيرة أن المختار
خلافه، وهو أنه كما يصح الدفع قبل الحكم يصح بعده أيضا فلا تنسه، وقد يجاب بأنه إذا لم يدع
الايداع أو ادعاه ولم يبرهن عليه لم يظهر أن يده ليست يد خصومة فتوجهت عليه دعوى الخارج،
وصح الحكم بها بعد إقامة البينة على الملك لأنها قامت على خصم، ثم إذا أراد المدعي عليه أن يثبت
الايداع لا يمكنه، لأنه صار أجنبيا يريد إثبات الملك الغائب وإيداعه، فلم تتضمن دعواه إبطال القضاء
السابق، والدفع إنما يصح إذا كان فيه برهان على إبطال القضاء، ولما لم يقبل برهانه ولا دعواه لما قلنا
لم يظهر بطلان القضاء، وعلى هذا لا نرد المسألة وعلى القول المختار، فليتأمل.
قال في نور العين: ادعى ملكا مطلقا فقال المدعي عليه اشتريته منك فقال المدعي قد أقلت البيع
فلو قال الآخر إنك أقررت أني ما اشتريته يسمع إذا ثبتت العدالة، إذ ويصح الدفع قبل إقامة البينة
وبعدها وقبل الحكم وبعده، ودفع الدفع وإن كثر صحيح في المختار، حتى لو برهن عل مال وحكم
له فبرهن خصمه أن المدعي أقر قبل الحكم أنه ليس عليه بطل الحكم.
قال صاحب جامع الفصولين: أقول: ينبغي أن لا يبطل الحكم لو أمكن التوفيق بحدوثه بعد
إقراره على ما سيأتي قريبا في فش أنه لم يبطل الحكم الجائز بشك.
يقول الحقير: قوله: ينبغي محل نظر، لان ما في ذلك بناء على اختيار اشتراط التوفيق، وعدم
الاكتفاء بمجرد إمكان التوفيق كما مر مرارا، فقط متقدمو مشايخنا جوزوا دفع الدفع، وبعض متأخريهم
على أنه لا يصح، وقيل يصح ما لم يظهر احتيال وتلبيس.
فش: حكم له بمال ثم رفعه إلى قاض آخر جاء المدعي عليه بالدفع يسمع ويبطل حكم الأول،
وفيه: لو أتى بالدفع بعد الحكم في بعض المواضع لا يقبل نحو أن يبرهن بعد الحكم أن المدعي أقر
قبل الدعوى أنه لا حق له في الدار لا يبطل الحكم لجواز التوفيق بأنه شراه بخيار فلم يملكه في ذلك
الزمان، ثم مضى وقتا الحكم فملكه، فلما احتمل هذا لم يبطل الحكم الجائز بشك، ولو برهن
قبل الحكم يقبل ولا يحكم، إذ الشك يدفع الحكم ولا يرفعه.
يقول الحقير: الظاهر أنه لو برهن قبل الحكم فيما لم يكن التوفيق خفيا ينبغي أن لا يقبل،
ويحكم على مذب من جعل إمكان التوفيق كافيا إذ لا شك حينئذ لان إمكانه كتصريحه عندهم، والله
تعالى أعلم. ا. ه‍.
ثم نقل عن البزازية المقتضي عليه: لا تسمع دعواه بعده فيه إلا أن يبرهن على إبطال القضاء بأن
ادعى دارا بالإرث وبرهن وقضى ثمن ادعى المقضي عليه الشراء من مورث أو ادعى الخارج
الشراء من فلان وبرهن المدعى عليه من شرائه من فلان أو من المدعي قبله أو يقضي عليه بالدابة
فبرهن على نتاجها عنده. اه‍.

103
مطلب: أرد بالبرهان الحجة سواء كانت بينة أو إقرار المدعي
ومراده بالبرهان وجود حجة على ما قال، واء كانت بينة أو إقرار المدعي كما في البحر،
وقدمنا ما يدل عليه قريبا، لكن لا تشترط المطابقة لعين ما ادعاه لما في البحر أيضا عن خزانة الأكمل
قال: شهدوا أن فلانا دفعه إليه ولا ندري لمن هو، فلا خصومة بينهما، ولو لك يبرهن المدعي عليه
وطلب يمين المدعي استحلفه القاضي، فإن حلف على العلم كان خصما، وإن نكل فلا خصوة. ا. ه‍.
وفي الخزانة: ولو لم يبرهن المدعي عليه وطلب يمين المدعي استحلفه القاضي، فإن حلف على
العلم كان خصما، وإن نكل فلا خصومة ا. ه‍. وإن ادعى أن الغائب أودعه عنده يحلفه الحاكم بالله لقد
أودعها إليه على البتات لا على العلم، لأنه وإن كان فعل الغير لكن تمامه به وهو القبول. بزازية.
قال البدر العيني: والشرط إثبات هذه الأشياء دون الملك، حتى لو شهدوا بالملك للغائب دون
هذه الأشياء لم تندفع الخصومة وبالعكس تندفع قوله: (والعين قائمة) مفهومة أنها لا تندفع لو كان
المدعي هالكا وسيأتي، وبه صرح في العناية أخذا من خزانة الأكمل فقال: عبد هلك في يد رجل أقام
رجل البينة أنه عبده وأقام الذي مات في يده أنه أودعه فلان أو غصبه أو آجره ولم يقبل وهو خصم،
فإنه يدعي القيمة عليه وإيداع الدين لا يمكن، ثم إذا حضر الغائب وصدقه في الايداع والإجارة
والرهن رجع عليه بما ضمن للمدعي، أما لو كان غصبا لم يرجع. وكذا في العارية والإباق مثل
الهلاك هاهنا، فإن عاد العبد يوما يكون عبدا لمن استقر عليه الضمان. ا ه‍. وكأن الشارح أخذ التقييد
من الإشارة بقوله المار هذا الشئ لان الإشارة الحسية لا تكون إلا إلى موجود في الخارج كما أفاده
في البحر وأشرنا إليه فيما سبق. قوله: (وقال الشهود نعرفه) أي الغائب المودع باسمه ونسبه.
قال في البحر: لا بد من تعيين الغائب في الدفع والشهادة، فلو ادعاه من مجهول وشهدا بمعين
أو عكسه لم تندفع. قوله: (أو بوجهه) فمعرفتهم وجهه فقط كافية عند الامام كما في البزازية. قوله:
(وشرط محمد معرفته بوجهه أيضا) صواب العبارة: وشرط محمد معرفته بوجهه واسمه ونسبه أيضا، أو
يقول: ولم يكتف محمد بمعرفة الوجه فقط.
قال في المنح: فعنده لا بد من معرفته بالوجه والاسم والنسب. ا ه‍. ومحل الاختلاف فيما إذا
ادعاه الخصم من معين بالاسم والنسب فشهدا بمجهول لكن قالا نعرفه بوجهه، أما لو ادعاه من
مجهول لم تقبل الشهادة إجماعا. كذا في شرح أدب القاضي للخصاف. قوله: (فلو حلف لا يعرف
فلانا) لا يخفى أن التفريع غير ظاهر فكان الأولى أن يقول: ولم يكتف ف محمد بمعرفة الوجه فقط، يدل
عليه قول الزيلعي. والمعرفة بوجهه فقط لا تكون معرفة، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام لرجل
أتعرف فلانا؟ فقال نعم، فقال: هل تعرف اسمه ونسبه؟ فقال لا، فقال: إذا لا تعرفه وكذا لو
حلف لا يعرف فلانا وهو لا يعرفه إلا بوجهه لا يحنث. قوله: (ذكره الزيلعي) عبارته: وهذا كله فيما
إذا قال الشهود نعرف صاحب المال وهو المودع أو المعير باسمه ونسبه ووجهه، لان المدعي يمكنه أن
يتبعه، وإن قالوا لا نعرفه بشئ من ذلك لا يقبل القاضي شهادتهم ولا تندفع الخصومة عن ذي اليد
بالاجماع، لأنهم ما أحالوا المدعي على رجل معروف تمكن مخاصمته، ولعل المدعي هو ذلك الرجل،

104
ولو اندفعت لبطل حقه، ولأنه لو كان المدعي هو المودع لا يبطل، وإن كان غيره يبطل، فلا يبطل
بالشك والاحتمال دفعا للضرر عنه، إلا إذا أحاله على معروف يمكن الوصول إليه كي لا يتضرر
المدعي، والمعرفة بوجهه فقط لا تكون معرفة الخ.
والحاصل على ما يؤخذ من كلامهم: إذا قالوا نعرفه باسمه ونسبه ووجهه تندفع اتفاقا، وإن
قالوا نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه تندفع عند أبي حنيفة، ولا تندفع عند محمد وأبي يوسف،
فإنهما يشترطان معرفته باسمه ووجهه، وأما معرفته باسمه دون وجهه فلا تكفي كما في الشرنبلالية.
قوله: (وفي الشرنبلالية) وفي المنح تبعا للبحر: وتعويل الأئمة على قول محمد. قوله: (دفعت خصومة
المدعي) أي حكم القاضي بدفعها لأنه أثبت ببينته أن يده ليست يد خصومة، بخلاف ما إذا ادعى
الفعل عليه كالغصب وغيره، لان ذا اليد صار خصما للمدعي باعتبار دعوى الفعل عليه، فلا تندفع
الخصومة بإقامة البينة أن العين ليس للمدعي. زيلعي. وأفاد أنه لو أعاد المدعي الدعوى عند قاض آخر
لا يحتاج المدعى عليه إلى إعادة الدفع بل يثبت حكم القاضي الأول كما صرحوا به، وظاهر قوله
دفعت أنه لا يحلف للمدعي أنه لا يلزمه تسليمه إليه ولم أره الآن. بحر. وفيه نظر، فإنه بعد البرهان
كيف يتوهم وجوب الحلف، أما قبله فقد نقل عن البزازية أنه يحلف على البتات لقد أودعها إليه لا على
العلم، ثم نقل عن الذخيرة أنه لا يحلف لأنه مدع الايداع، ولو حلف لا تندفع بل يحلف المدعي على
عدم العلم، اللهم إلا أن يقال إن صاحب البحر لاحظ أنه يمكن قياسه على مديون الميت. تأمل.
قال ط: وأطلق في اندفاعها فشمل ما إذا صدقه ذو اليد على دعوى الملك ثم دفعه بما ذكر فإنها
تندفع كما في البزازية، ولم يشترط أحد من أئمتنا لقبول الدفع إقامة المدعي البينة، فقول صاحب
البحر: ولا بد من البرهان من المدعي غير مسلم، لأنه لم يستند فيه إلى نقل أبو السعود ا ه‍.
قال في جامع الفصولين: شح قال ذو اليد أنه للمدعي إلا أنه أودعني فلان تندفع الخصومة لو
برهن، وإلا فلا. فش لا تندفع الخصومة إذا صدقه.
أقول: فعلى إطلاقه يقتضي أن لا تندفع ولو برهن على الايداع، وفيه نظر. ا ه‍. قوله: (للملك
المطلق) أي من غير زيادة عليه، واحترز به عما إذا ادعى عبدا أنه ملكه وأعتقه فدفعه المدعى عليه بما
ذكر وبرهن فإنه لا تندفع الخصومة، ويقضي بالعتق على ذي اليد، فإن جاء الغائب وادعى وبرهن أنه
عبده أو أنه أعتقه يقضى به، فلو ادعى على آخر أنه عبده لم يسمع. وكذا في الاستيلاد والتدبير. ولو
أقام العبد بينة أن فلانا أعتقه وهو يملكه فبرهن ذو اليد على إيداع فلان الغائب بعينه يقبل، وبطلت
البينة العبد، فإذا حضر الغائب قيل للعبد أعد البينة عليه، فإن أقامها قضينا بعتقه وإلا رد عليه، ولو
قال العبد أنا حر الأصل قبل قوله، ولو برهن ذو اليد على الايداع، ولا ينافيه دعوى حرية الأصل،
فإن الحر قد يودع، وكذا الإجارة والإعارة. وأما في الرهن قال بعضهم: الحر قد برهن. وقال
بعضهم: لا يرهن، فتعتبر العادة. كذا في خزانة الأكمل. ا ه‍. لكن قال الرملي: قالوا الحر لا يجوز
رهنه لأنه غير مملوك.
وأقول: فلو رهن رجل قرابته كابنه أو أخيه على ما جرت به عادة السلاطين فلا حكم له لقوله

105
تعالى: * (فرهان مقبوضة) * (البقرة: 382). والحر لا تثبت عليه اليد. قال بعضهم: ورأيت في مصنف ابن أبي شيبة
عن إبراهيم وهو النخعي قال: إذا رهن الرجل الحر فأقر بذلك كان رهنا حتى يفكه الذي رهنه أو
يفك نفسه. وجه كلام النخعي المؤاخذة بإقراره ا ه‍. ومن الملك المطلق دعوى الوقف ودعوى غلبته.
قال في البحر: لو ادعى وقفية ما في يد آخر وبرهن فدفعه ذو اليد بأنه مودع فلان ونحوه
فبرهن فإنها تندفع خصومة المدعي كما في الاسعاف. قوله: (وقال أبو يوسف أن عرف ذو اليد
بالحيل) بأن يأخذ مال إنسان غصبا ثم يدفعه سرا إلى مريد سفر ويودعه بشهادة الشهود حتى إذا جاء
المالك وأراد أن يثبت ملكه فيه أقام ذو اليد بينة على أن فلانا أودعه فيبطل حقه. أفاده الحلبي. قوله:
(وبه يؤخذ ملتقى) واختاره في المختار. قال في التبيين: فيجب على القاضي أن ينظر في أحوال الناس
ويعمل بمقتضى حالهم، فقد رجع أبو يوسف إلى هذا القول بعد ما ولي القضاء وابتلي بأمور الناس
وليس الخبر كالعيان ا ه‍. ومثله في معراج الدراية. قوله: (لان فيها أقوال خمسة علماء) الأول: ما في
الكتاب. الثاني: قول أبي يوسف: إن كان المدعى عليه صالحا فكما قال الامام، وإن كان معروفا
بالحيل لم تندفع عنه. الثالث: قول محمد: إنه لا بد من معرفة الاسم والنسب. والوجه الرابع، قول
ابن شبرمة: إنها لا تندفع عنه مطلقا لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه ودفع الخصومة
بناء عليه. الخامس: قول ابن أبي ليلى: تندفع بدون بينة لاقرار بالملك للغائب، وقد علم مما ذكر من
قول محمد: إن الخلاف لم يتوارد على مورد واحد. وشبرمة بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة
وضم الراء، واسمه عبد الله بن صبية بفتح الصاد وتشديد الباء الموحدة ابن الطفيل أحد فقهاء الكوفة،
ونظمها بعضهم فقال:
إذا قال: إني مودع كان دافعا * لمن يدعي ملكا لدى ابن أبي ليلى
كذا عندنا إن جاء فيه بحجة * ولم تندفع عند ابن شبرمة الدعوى
ويكفي لدى النعمان قول شهوده * بأنا عرفنا ذلك المرء بالمرأى
كذاك لدى الثاني إذا كان مصلحا * وآخرهم يأبى إذا لم يكن سمى
قوله: أو لان صورها خمس هي المذكورة في المتن. قوله: (عيني) لم يقتصر العيني على هذا
الوجه وإنما ذكر الاحتمالين. قوله: (وفيه نظر الخ) فيه نظر، لان وكلني يرجع إلى أودعنيه، وأسكنني
إلى أعارنيه وسرقته منه إلى غصبته منه، وضل منه فوجدته إلى أودعنيه، وهي في يد مزارعة إلى
الإجارة أو الوديعة، فلا يزاد على الخمس بحسب أصولها، وإلا فبحسب الفروع أحد عشر كما ذكره
الشارح، وبه يندفع التنظير ويندفع ما أورده صاحب البحر على البزازية، ونسبة الذهول إليه كما في
المقدسي. قوله: (أو أسكنني فيها زيد الغائب الخ) هي وما قبلها الحقهما في البحر بالأمانة: أي
الوديعة والعارية. وفي الكافي: ادعى دارا أنها داره فبرهن ذو اليد أن فلانا أسكنه بها، فهذا على أربعة
أوجه: إن شهدا بإسكان فلان وتسليمه أو بإسكانه وكانت في يد ساكن يومئذ أولا في يد الساكن

106
تندفع، وإن قالوا: كانت يومئذ في يد ثالث لا تقبل. أما الأول: فلأنهما شهدا على إسكان صحيح
لأن الصحيح يكون فيه تسليم وتسلم. وكذا الثاني: لان القبض الموجود عقب العقد يضاف إليه.
وكذا الثالث: لان تحكيم الحال لمعرفة المقدار أصل مقرر والرابع فاسد. قوله: (أو سرقته منه) هي
والتي بعدها الحقهما في البحر بالغصب. قوله: (أو انتزعته منه) عبر في البحر بدل بدله بقوله أو
أخذته منه والحكم واحد ط. قوله: (بحر) ذكر فيه بعد هذا نا نصه: وإلا ولأن راجعان إلى الأمانة،
والثلاثة الأخيرة إلى الضمان لم يشهد في الأخيرة وإلا فإلى الأمانة، فالصور عشر، وبه علم أن الصور
لم تنحصر في الخمس. ا ه‍.
وقد علمت أن عدم انحصارها بحسب فروعها، وإلا فعلى ما قرره من رجوع الخمسة المزيدة إلى
الخمسة الأصول فهي منحصرة، فالمراد انحصار أصولها في الخمسة، ولا يخفى أنه بعد رجوع ما زاده لي
ما ذكر لا محل للاعتراض بعدم الانحصار. تأمل. قوله: (أو هي في يدي مزارعة) مقتضى كلامها
أن هذه ليست في البحر مع أنها والتي بعدها فيه ح. قوله: (ألحق) بصيغة الماضي المعلوم. قوله:
(المزارعة بالإجارة) من حيث إن العامل إذا دفع البذر منه كان مستأجرا لها، وذلك فيما إذا كانت
الأرض لواحد والبذر والعمل للآخر، فإنه يجعل كأنه أجره أرضه بما شرطه من الخارج. قوله: (أو الوديعة)
من حيث عدم الضمان لنصيب صاحبه إذا ضاع منه من غير تعد كما إذا كان العمل لواحد
والباقي لآخر، أو العمل والبقر فإنه يجعل كأنه استأجره، أو استأجره مع بقره ليعمل له في أرضه ببذر
صاحب الأرض وصارت الأرض والبذر في يد العامل بمنزلة الوديعة. قوله: (قل) أي في البزازية.
قوله: (فلا يزاد على الخمس) أي لا تزاد مسألة المزارعة التي زادها البزازي، وقد علمت مما في البحر
أنه لا يزاد لباقية أيضا، لكن في البزازية لم يبين إلا إلحاق المزارعة، وما في البحر من رجوع الأولين
إلى الأمانة والثلاثة الباقية إلى الضمان ليس فيه بيان إلحاق، لان الأمانة والضمان ليستا من المسائل
الخمس، غايته أنه بين أن بعضها، راجع إلى الأمانة والأمانة أنواع، وكذا الضمان. نعم قوله أسكنني
فيها راجع إلى العارية، وهي من الصور الخمس وانتزعته منه راجع إلى الغصب، وهو كذلك فألحق أنها
ثمان صور أو تسع، لان المزارعة وإن رجعت إلى غيرها لكنها تميزت باسم على حدة وكذا بأحكام،
فإن الإجارة بالمجهول وإعطاء الأجير من عمله مشروطة له ذلك لا يصح، وفيها يصح. قوله: (وقد
حررته في شرح الملتقى) حيث عمم قوله: غصبته منه بقوله ولو حكما، فأدخل فيه بقوله أو سرقته منه
أو انتزعته منه، وكذا عمم قوله أودعنيه بقوله ولو حكما، فأدخل فيه الأربعة الباقية، ولا يخفى أنه
محرر أحسن مما هنا، فإنه هنا أرسل الاعتراض، ولم يجب عنه إلا في مسألة المزارعة فأوهم خروج ما
عداها عما ذكروه مع أنه داخل فيه كما علمت، فافهم.
مطلب: إذا حضر الغائب وصدق المدعى عليه في الايداع
والإجارة والرهن رجع عليه بما ضمن للمدعي
وحاصل ما يقال: أنه إذا حضر الغائب وصدقه في الايداع والإجارة والرهن رجع عليه بما

107
ضمن للمدعي، لأنه هو الذي أوقعه في هذه المسائل لأنه عامل له، أما في الايداع فظاهر. وأما في
الإجارة: فلانه لما أخذ البدل صار كأنه هو المستوفي للمنفعة باستيفائه بدلها فصار المستأجر عاملا له،
وكذا الراهن فإنه موف لدينه بالرهن، والمرتهن مستوف به دينه فأشبه عقد المعارضة، فإن منفعة الرهن
له ليحصل به غرضه عن وصوله إلى الدين، أما لو كان غصبا فلان ضمان المغصوب عليه وقد أداه فلا
يرجع به على غيره، لكن ظاهر كلام المنح أنه ليس للمقر له رجوع عليه بالقيمة بعد استيفاء المدعي،
لأنه صار مكذبا شرعا في إقراره للغائب، وكذا العارية، لا يرجع فيها على المعير، لان المستعير عامل
لنفسه، والمعير محسن وما على المحسنين من سبيل فلا رجوع له على معيره. وينبغي أن يرجع عليه
لأنه عامل له، والمسروق منه كالمغصوب منه. وينظر في اللقطة هل يرجع عليه لأنه عامل له؟
يتأمل في ذلك. والمزارعة كالإجارة. قوله: (وإن كان هالكا) محترز قوله والعين قائما، وقد سبق أنه
يدعي الدين عليه وهو قيمة الهالك، وإيداع الدين لا يمكن وكذا أخوات الايداع. قوله: (أو قال
الشهود أودعه من لا نعرفه) لأنهم ما أحالوا المدعي على رجل تمكن مخاصمته، ولعل المدعي هو ذلك
الرجل، ولو اندفعت لبطل حقه كما مر. لكن قد يقال: إن مقتضى البينة لشيئين ثبوت الملك للغائب
ولا خصم فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي وهو خصم فيثبت. وكذا ينبغي أن يقال في المجهول
أن لا يثبت للمجهول وتندفع خصومة المدعي. تأمل. قوله: (أو أقر ذو اليد بيد الخصومة) كيد الملك
فإن القاضي يقضي ببرهان المدعي، لان ذا اليد لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما.
قال في البزازية: ولو برهن بعده على الوديعة لم تسمع. قوله: (قال ذو اليد اشتريته) ولو فاسدا
مع القبض كما في البحر، وأطلق في الشراء فعم الفاسد كما في أدب القاضي، وأشار إلى أن المراد
من الشراء الملك المطلق، ولو هبة كما يذكر.
وحاصل هذه: إن المدعي ادعى في العين ملكا مطلقا فأنكره المدعى عليه فبرهن المدعي على
الملك فدفعه ذو اليد بأنه اشتراها من فلان الغائب وبرهن عليه لم تندفع عنه الخصومة: يعني فيقضي
القاضي ببرهان المدعي، لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما. بحر.
وفيه عن الزيلعي: وإذا لم تندفع في هذه المسألة وأقام الخارج البينة فقضى له ثم جاء المقر له
الغائب وبرهن تقبل بينته، لان الغائب لم يصر مقضيا عليه، وإنما قضى على ذي اليد خاصة. ا ه‍.
لكن فيه أن القضاء على ذي اليد قضاء على من تلقى ذو اليد الملك منه أيضا، فلا تسمع دعواه
أيضا إلا إذا ادعى النتاج ونحوه كما تقدم في باب الاستحقاق. تأمل. وحينئذ فيجب تصويرها فيما
إذا قال المدعى عليه: هذا الشئ ملك فلان الغائب ولم يزد على ذلك، فإنه لا تندفع الدعوى عنه
بذلك، فإذا جاء المقر له الخ فبناؤها على ما قبلها غير صحيح، وهو خلط مسألة بمسألة. تأمل. قوله:
(أو اتهبته من الغائب) أي وقبضته، ومثلها الصدقة كما في البحر، وهذا كما ترى ليس فيه إلا دعوى
ما ذكر من غير أن يدعي ذو اليد أن المدعي باعها من الغائب، فلو ادعى ذلك: أي وبرهن تقبل
وتندفع الخصومة، وكذا إذا ادعى ذو اليد ذلك وإن لم يدع تلقى الملك من الغالب ط. قوله: (أو لم
يدع الملك المطلق) الضمير في يدعي يرجع إلى المدعي لا إلى ذي اليد، والأوضح إظهاره لدفع التشتيت

108
وقد سبق بيانه. قوله: (بل ادعى عليه) أي على ذي اليد الفعل، وقيد به للاحتراز عن دعواه على غيره
فدفعه ذو اليد لواحد مما ذكر وبرهن فإنها تندفع كدعوى الملك المطلق كما في البزازية. بحر.
وأشار الشارح إلى هذا أيضا بقوله بخلاف قوله غصب مني الخ لكن قوله وبرهن ينافيه ما
سننقله عن نور العين من أنه لا يحتاج إلى البينة، وكذا مسألة الشراء التي ذكرها المصنف، وهي مسألة
المتون بأن قال المدعي غصبته مني أو سرق مني، ذكر الغصب والسرقة تمثيل، والمراد دعوى فعل
عليه، فلو قال المدعي أودعتك إياه أو اشتريته منك وبرهن ذو اليد كما ذكرنا على وجه لا يفيد ملك
الرقبة له لا يدفع. كذا في البزازية. بحر. فكان الأولى أن يقول: كأن قال سرق مني. قوله: (وبناه
للمفعول للستر عليه) والأولى لدرء الحد عنه، لان الستر يحتاج إليه كل من السارق والغاصب، لان
فعلهما معصية، لكن الغصب لا حد فيه والسرقة فيها الحد، ويعلم بالأولى حكم ما إذا بناه للفاعل
فقد نص على الموهوم وموضع الخلاف، فإن محمدا يجعلها كالغصب، فلو بناه للفاعل فهو محل اتفاق
على عدم صحة الدفع. قوله: (فكأنه قال سرقته مني) فإنه لا تندفع الخصومة اتفاقا لأنه يدعي عليه
الفعل، وأما سرق مني فهو عند الامام الأول والثاني. ومحمد يقول: تندفع الخصومة، لأنه لم يدع عليه
الفعل فهو كقوله غصب مني، وقولهما استحسان، لأنه في معنى سرقته مني، وإنما بناه للمفعول لما
قدمناه لدرء الحد الخ. قوله: (بخلاف غصب مني) أي بالبناء للمفعول، فإن الخصومة تندفع فيه
لاحتمال أن الغاصب غير ذي اليد.
قال في الهندية: وكذا أخذ مني. ا ه‍. ومفاده أن الاخذ كالغصب كما تقدم. قوله: (أو غصبه
مني فلان الخ) قال في البحر: وقيد بدعوى الفعل على ذي اليد للاحتراز عن دعواه على غيره فدفعه
ذو اليد بواحد مما ذكرناه وبرهن فإنها تندفع كدعوى الملك المطلق كما في البزازية. قوله: (وهل تندفع)
أي خصومة المدعي بالمصدر بأن قال المدعي هذا ملكي وهو في يد المدعى عليه غصب فبرهن ذو اليد
عن الايداع ونحوه، قيل تندفع لعدم دعوى الفعل عليه، والصحيح أنها لا تندفع. أما في السرقة
فيجب أن لا تندفع كما في بنائه للمفعول. خير الدين على المنح. ومثال السرقة أن يقول: هذا ملكي
في يده سرقة. قوله: (الصحيح لا) أي لا تندفع بل تتوجه الخصومة عليه لما قلنا. وقيل تندفع لعدم
دعوى الفعل عليه. قوله: (بزازية) قال ادعى أنه ملكه وفي يده غصب فبرهن ذو اليد على الايداع،
قيل تندفع لعدم دعوى الفعل عليه، والصحيح أنها لا تندفع. بحر. قوله: (أودعنيه) ظاهر البزازية أو
الوديعة مثال. وعبارتها: لو برهن المدعي أنها له سرقت منه لا يندفع وإن برهن المدعى عليه على
الوصول إليه بهذه الأسباب. قوله: (وبرهن عليه) أراد بالبرهان إقامة البينة، فخرج الاقرار لما في
البزازية معزيا إلى الذخيرة: من صار خصما لدعوى الفعل عليه إن برهن على إقرار المدعي بإيداع
الغائب منه تندفع، وإن لم تندفع بإقامة الايداع بثبوت إقرار المدعي أن يده ليست يد خصومة. بحر.
قوله: (لا تندفع في الكل) أي فيقضي ببرهان المدعي. قوله: (لما قلنا) أي من أنه أقر ذو اليد بيد
الخصومة، أما في مسألتي المتن فأشار إلى علة الأولى بقوله أو أقر ذو اليد بيد الخصومة، وإلى علة الثانية

109
بقوله ادعى عليه الفعل: أي فإنه صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده، بخلاف دعوى الملك
المطلق، لأنه خصم فيه باعتبار يده كما في البحر.
وأما علة ما إذا كان هالكا فلم يشر إليها، وهي أنه يدعي الدين ومحله الذمة، فالمدعى عليه
ينتصب خصما بذمته وبالبينة أنه كان في يده وديعة لا يتبين أن ما في ذمته لغيره، فلا تندفع كما في
المعراج، وكذا علة ما إذا قال الشهود أودعه من لا نعرفه، وهي أنهم ما أحالوا المدعي على رجل تمكن
مخاصمته. كذا قيل. قوله: (قال) أي ذو اليد. قوله: (ثم قال في مجلسه) أي مجلس الحكم. قوله:
(ولو برهن المدعي) قال الطحطاوي: تطويل من غير فائدة، والأخضر الأوضح أن يقول: إلا إذا برهن
المدعي على ذلك الاقرار، ومحصله: إن ادعاه المدعي إقراره في غير مجلس الحكم لا يقبل إلا إذا برهن
عليه. قوله: (يجعله الخ) أي يجعل الحاكم ذا اليد خصما فيحكم عليه بإثباته للمدعي. قوله: (لسبق
إقرار) بإضافة سبق إلى إقرار ويمنع فعل مضارع والدفع مفعوله ولا يخفى ما فيه من التعقد. قوله:
(يمنع الدفع) أي دفع ذي اليد بأنه عارية مثلا من فلان. قوله: (ذلك) أي المذكور في كلام المدعي
الذي يدعي الشراء منه، وقيد به للاحتراز عما لو ادعى الشراء من فلان الغائب المالك وبرهن ذو اليد
على إيداع غائب آخر منه لا تندفع. ذكره في البحر. قوله: (أي بنفسه) تقييد لقوله أودعنيه لا تفسير
لقوله ذلك ح. قوله: (لم تندفع) أي الخصومة بلا بينة، لأنه لم يثبت تلقي اليد ممن اشترى هو منه
لانكار ذي اليد ولا من جهة وكيله لانكار المشتري. بحر. ولأن الوكالة لا تثبت بقوله. معراج.
قوله: (دفعت الخصومة) جواب إن. قوله: (وإن لم يبرهن) لم يذكر يمين ذي اليد وفي البناية، ولو
طلب المدعي يمينه على الايداع يحلف على البتات انتهى. بحر. قوله: (لتوافقهما أن أصل الملك
للغائب) فيكون وصولها إلى يده من جهته فلم تكن يده يد خصومة. قوله: (إلا إذا قال) أي المدعي.
قوله: (اشتريته) أي من الغائب. قوله: (ووكلني بقبضه) أي منك: أعني واضع اليد فيأخذه لكونه
أحق بالحفظ. عيني. قوله: (وبرهن) أي فحينئذ يصح دعواه.
والحاصل: أنه بدعوى الوديعة يندفع المدعي إلا إذا ادعى أنه اشتراه من الغائب، وأن البائع أمره
بالقبض. قوله: (بإقراره) أي بإقرار ذي اليد والاقرار حجة قاصرة لا تسري على المالك.
وحاصل هذه المسألة: أن المدعي ادعى الملك بسبب من جهة الغائب فدفعه ذو اليد بأن يده من
الغائب، فقد اتفقا على أن الملك فيه للغائب فيكون وصولها إلى ذي اليد من جهته، فلم تكن يده يد
خصومة، إلا أن يقيم المدعي بينة أن فلانا وكله بقبضه لأنه أن يقيم المدعي بينة أن فلانا وكله بقبضه لأنه أثبت ببينته كونه كونه أحق بإمساكها، ولو صدقه
ذو اليد في شرائه منه لا يأمره القاضي بالتسليم إليه حتى لا يكون قضاء على الغائب. قوله: (وهي
عجيبة) سبقه على التعجب الزيلعي، ولا عجب أصلا لان إقراره على الغير غير مقبول، لان الاقرار

110
حجة قاصرة لا تتعدى إلى غير المقر، وقد اتفقا على أن المدعى به ملك الغائب فلا ينفذ إقرار مودعه
عليه، ولها نظائر كثيرة كمتولي الوقف وناظر اليتيم فإنه يلزمه بالبرهان لا بالاقرار، وتقدمت هذه
بعينها في كتاب الوكالة أن المودع لو أقر له أن المودع وكله بقبض الوديعة لا يؤمر بالدفع إليه لعدم نفوذ
إقرار المودع على المودع في إبطال يده، ولو برهن على الوكالة أمر بالدفع إليه، بخلاف ما لو كان
مديون الغائب وادعى عليه شخص الوكالة بالقبض وصدقه فإنه يدفع إليه لان الديون تقضي بأمثالها،
فكان إقرارا على نفسه لا على الغائب، ويمكن أن يقال في وجه العجب: أن في كل من المسألتين
قضاء على الغائب، وقد أمر بالتسليم في الأولى دون الثانية، ولانا نلزمه بالتسليم بالبرهان لا بالاقرار.
تأمل. قوله: (ولو ادعى أنه له) قلت: وكذا لو ادعى أنه أعاره لفلان كما يظهر من العلة. قوله:
(اندفعت) أي بلا بينة. نور العين. قوله: (ولو كان مكان الغصب سرقة لا تندفع) أي دعوى سرقة
الغائب، وفيه أنهما توافقا أن اليد لذلك الرجل.
قال صاحب البحر: وقد سألت بعد تأليف هذا المحل بيوم عن رجل أخذ متاع أخته من بيتها
ورهنه وغاب فادعت الأخت به على ذي اليد.
فأجاب بالرهن، فأجبت إن ادعت الأخت غصب أخيها وبرهن ذو اليد على الرهن اندفعت وإن
ادعت السرقة لا، والله تعالى أعلم: أي لا تندفع. وظاهره أنها ادعت سرقة أخيها مع أنا قدمنا عنه أن
تقييد دعوى الفعل على ذي اليد للاحتراز عن دعواه على غيره، فإنه لو دفعه ذو اليد بواحد مما ذكر
وبرهن تندفع كدعوى الملك المطلق، فيجب أن يحمل كلامه هنا على أنها ادعت أنه سرق منها مبنيا
للمجهول لتكون الدعوى على ذي اليد، وإن أبقى على ظاهره يكون جريا على مقابل الاستحسان الآتي
قريبا، لكن ينافي الحمل المذكور قولها إن أخاها أخذه من بيتها. تأمل، وقيد بقوله غصبه منه أو سرقه
للاحتراز عن قوله إنه ثوبي سرقه مني زيد وقال ذو اليد أودعنيه زيد ذلك لا تندفع الخصومة
استحسانا.
يقول الحقير: لعل وجه الاستحسان هو أن الغصب إزالة اليد المحققة بإثبات اليد المبطلة كما ذكر
في كتب الفقه، فاليد للغاصب في مسألة الغصب، بخلاف مسألة السرقة إذ اليد فيها لذي اليد، إذ لا
يد للسارق شرعا، ثم إن في عبارة لا يد للسارق نكتة لا يخفى حسنها على ذوي النهي. نور العين.
وهذا أولى مما قاله السائحاني: يجب حمله على ما إذا قال سرق مني، أما لو قال سرقه الغائب مني فإنها
تندفع لتوافقهما أن اليد للغائب، وصار من قبيل دعوى الفعل على غير ذي اليد، وهي تندفع كما في
البحر، لكن ذكر بعده هذه المسألة وأفاد أنها مبنية للفاعل، وصرح بذلك في الفصولين، فلعل في
المسألة قولين قياسا واستحسانا انتهى. قوله: (استحسانا) قدمنا وجهه قريبا عن نور العين، ولعل
وجهه أيضا دفع إفساد السراق، لان الضرورة في السرقة أعظم من غيرها لأنها تكون خفية، ولذا شرع
فيها الحد. قوله: (لم يكن الثاني خصما للأول) أي ما لم يدع عليه فعلا أو حتى يحضر المالك بمنزلة

111
المستعير، لأنه لا يدعي ملك العين فلا يكون خصما للأول. ا ه‍. عبد البر. ولا يحتاج في دفع هذه إلى
البينة لاتفاقهما على ملك زيد وأنه صاحب اليد. قوله: (ولا لمدعي رهن أو شراء) لما ذكرنا من العلة.
قوله: (أما المشتري فخصم للكل) وكذلك الموهوب له: أي من يدعي الشراء أو الهبة مع القبض إذا
برهن يكون خصما للمستأجر، ولمدعي الرهن ولمدعي الشراء.
قال في البزازية: بيده دار زعم شراءها من فلان الغائب أو صدقة مقبوضة وهبة منذ شهر أو
أمس وبرهن أولا وبرهن آخرا أن ذلك الغائب رهنها منذ شهر وأجرها أو أعارها وقبضها يحكم بها
للمستعير، والمستأجر والمرتهن، ثم ذو اليد بالخيار إن شاء سلم المدعي وتربص إلى انقضاء المدة أو
فك الرهن، وإن شاء نقض البيع، وإن كان المدعي برهن أن الدار له أعارها أو أجرها أو رهنها من الغائب
أو اشتراها الغائب منه ولم ينقد الثمن قبل أن يشتريها ذو اليد يقضي بها للمدعي في الوجوه كلها، أما
في الإعارة فلعدم اللزوم، وأما في الإجارة فلانه عذر في الفسخ لأنه يريد إزالتها عن ملكه، وأما في
الشراء فلان له حق الاسترداد لاستيفاء الثمن، فإذا دفع الحاكم الدار إلى المدعي: فإن كان أجرها ولم
يقبض الأجرة أخد منه كفيلا بالنفس إلى انقضاء المدة، وإن كان قبض الأجرة أو كان ادعى رهنا لا
تدفع للمدعي توضع على يد عدل.
وفي القنية: فلو ادعى ذو اليد أن المدعي باع العين للغائب وبرهن ذكر في أجناس الناطفي أنها
تقبل وتندفع الخصومة. قوله: (يمهل إلى المجلس الثاني) أي مجلس القاضي، وظاهر الاطلاق يعم ما
طال فصله وقصر، وهذا بعد السؤال عنه وعلمه بأنه دفع صحيح كما تقدم قبيل التحكيم. قوله:
(للمدعي تحليف مدعي الايداع على البتات) يعني إذا ادعى شراء شئ من زيد وادعى ذو اليد إيداعه
منه فإنها تندفع الخصومة من غير برهان لاتفاقهما على أن أصل الملك الغائب، لكن لمدعي الشراء
تحليف ذي اليد على الايداع على البت لا على العلم، لأنه وإن كان فعل الغير لكن تمامه به وهو
القبول.
وفي الذخيرة: لا يحلف ذو اليد على الايداع لأنه مدعي الايداع ولا حلف على المدعي، ولو
حلف أيضا لا تندفع، ولكن له أن يحلف المدعي على عدم العلم. ا ه‍.
فأفاد بذكر عبارة الذخيرة أن ما نقله أولا معناه أن حقه لو حلف يحلف على البتات، ولكنه
بحلفه لا تندفع الدعوى كما هو ظاهر، ولذا قال في الدرر: الظاهر أن التحليف يقع على التوكيل لا
على الايداع فإن طلب مدعي الايداع يمين مدعي التوكيل بناء على ما ادعى من الايداع وعجز عن
إقامة البرهان عليه حلف على البتات: يعني على عدم توكيله إياه لا على عدم علمه بتوكيله إياه. وعبارة
الدرر غير صحيحة لأنه جعل اليمين على مدعي التوكيل، وإنما هي على المدعى عليه: أي مدعي
الايداع كما هو ظاهر من قول الكافي، فإن طلب المدعي: أي مدعي الشراء يمينه: أي يمين مدعي
الايداع. كذا في الشرنبلالية.
وحاصله: أنه لو ادعى الشراء من المالك وأنه وكله بقبضه فأنكر ذو اليد الوكالة، وعجز المدعي

112
عن إثباتها للمدعي أن يحلف ذا اليد على أنه لم يوكله بقبض ما باعه إياه مما هو تحت يد المدعى عليه على
البتات ولكن في تحليفه حينئذ على البتات. تأمل. لأنه تحليف على فعل الغير فلذا اضطربت عباراتهم في
هذه المسألة، وحاصل كلام الشارح للمدعي: أي مدعي الشراء من الغائب وتوكيله إياه بالقبض إذا
جحد مدعي الايداع توكيله إياه وعجز عن البرهان أن يحلف مدعي الايداع بالله ما وكله الغائب بقبض
ما باعه إياه على البتات لا على العلم، لكن ينظر هل هذا موافق لعبارة الدرر فيصح عزوه إليها ويمكن
حمل كلام الدرر على ما إذا ادعى الشراء والتوكيل بالقبض، فإن برهن قبل برهانه وله أخذه، فإن عجز
عن البرهان وطلب يمين مدعي الايداع على ما ادعى من الايداع حلف على البتات. قال عزمي: وهو
صريح عبارة التسهيل حيث قال: وحلف ذو اليد على الايداع بطلب مدعي البيع إذا لم يكن له بينة على
التوكيل. ا ه‍. وعليه فكان على الشارح أن يذكر هذا الفرع في محله كما نقله صاحب الدرر. فتأمل.
وحاصله: أنه لو ادعى الشراء من المالك وأنه وكله بقبضه فأنكر ذو اليد الوكالة وعجز المدعي
عن إثباتها للمدعي أن يحلف ذا اليد على أنه لم يوكله بقبض ما باعه إياه مما هو تحت يد المدعى عليه على
البتات. قوله: (وتمامه في البزازية) وعبارتها كما في البحر: وإن ادعى ذو اليد الوديعة ولم يبرهن عليها
وأراد أن يحلف أن الغائب أودعه عنده يحلف الحاكم المدعي عليه بالله تعالى لقد أودعها إليه على البتات
لا على العلم، لأنه وإن كان فعل الغير لكنه تمامه به وهو القبول، وإن طلب المدعى عليه يمين المدعي
فعلى العلم بالله تعالى ما يعلم إيداع فلان عنده لأنه فعل الغير ولا تعلق له به. ا ه‍. قوله: (ابن ملك)
ذكر ذلك في جواب سؤال ورد على دفع الدعوى بأحد الأمور المتقدمة، ونصه: فإن قيل ذو اليد
خصم ظاهرا ودفع الخصومة عن نفسه تابع لثبوت الملك للغائب، وهذه البينة لم تثبته، فكيف يثبت
التابع بلا ثبوت الأصل؟ قلنا: هذه البينة تقتضي أمرين: أحدهما: الملك للغائب، وهو ليس يخصم
فيه، إذ لا ولاية له في إدخال شئ في ملك غيره بلا رضاه. وثانيهما: دفع الخصومة عنه وهو خصم
فيه فكانت مقبولة، كمن وكل وكيلا ينقل أمته فأقامت بينة أنه أعتقها تقبل في قصر يد الوكيل عنها،
ولا تقبل في وقوع العتاق ما لم يحضر الغائب، والله تعالى أعلم. ا ه‍.
أقول: وكذا إذا وكله بنقل امرأته فأقامت البينة أنه طلقها ثلاثا تقبل في قصر يد الوكيل عنها،
ولا تقبل في وقوع الطلاق ما لم يحضر الغائب كما في الكافي.
فروع: في يديه وديعة لرجل: جاء رجل وادعى أنه وكيل المودع بقبضها وأقام على ذلك بينة،
وأقام الذي في يديه الوديعة بينة أن المودع قد أخرج هذا من الوكالة قبلت بينته، وكذا إذا أقام بينة أن
شهود الوكيل عبيد. كذا في المحيط.
ادعى على آخر دارا فقال ذو اليد إنها وديعة من فلان في يدي وأقام البينة عليه حتى اندفعت
عنه الخصومة، ثم حضر الغائب وسلمها ذو اليد إليه، وأعاد المدعي والدعوى في الدار، فأجاب: أنها
وديعة في يدي من فلان، وأقام البينة عليه، قال: تندفع الخصومة عنه أيضا كما في الابتداء. كذا في
محيط السرخسي إذا ادعى على ذي اليد فعلا لم تنته أحكامه بأن ادعى الشراء منه بألف ولم يذكر أنه نقد
الثمن ولا قبض منه، فأقام الذي في يديه البينة أنه لفلان الغائب أودعنيه أو غصبته منه لا تندفع عنه

113
الخصومة في قولهم، وإن ادعى عليه عقدا انتهت أحكامه بأن ادعى أنه اشترى منه هذه الدار أو هذا
العبد ونقده الثمن وقبض منه المبيع، ثم أقام المدعى عليه البينة أنه لفلان الغائب أودعنيه، اختلفوا فيه.
قال بعضهم: تندفع عنه الخصومة وهو الصحيح. كذا في فتاوى قاضيخان في دعوى الدور
والأراضي.
عبد أقام البينة أن فلانا أعتقه وأقام صاحب اليد البينة أن فلانا ذلك أودعه تقبل، وتبطل بينة
العبد ولا يحال بينه وبين العبد قياسا ويحال استحسانا، ويؤخذ من العبد كفيل بنفسه استيثاقا حتى لا
يهرب، فإذا حضر الغائب: فإن أعاد البينة عتق، وإلا فهو عبد. كذا في محيط السرخسي. وكذا لو
أقام ذو اليد البينة أن فلانا آخر أودعه إياه كذا في الخلاصة.
لو ادعى العبد أنه حر الأصل فإن أقام ذو اليد البينة على الملك وإيداعه تقبل، وإن أقام على
إيداعه فحسب لا تقبل، بخلاف الدار، وإن برهن على الملك والايداع وبرهن العبد على حرية الأصل
حيل بينهما بكفيل. كذا في الكافي.
عبد في يد رجل ادعى رجل أنه قتل وليا له خطأ وأقام ذو اليد البينة أن العبد لفلان أودعه
اندفعت عنه الخصومة. كذا في الخلاصة.
رجل ادعى على آخر أنه باعه جارية فقال لم أبعها منك قط، فأقام المشتري البينة على الشراء
فوجد بها أصبعا زائدة وأراد ردها وأقام البائع البينة أنه برئ إليه من كل عيب لم تقبل بينة البائع.
وذكر الخصاف رحمه الله تعالى هذه المسألة في آخر أدب القاضي وقال على قول أبي يوسف رحمه الله
تعالى: تقبل بينته. كذا في شرح الجامع للصدر الشهيد.
ادعى على آخر محدودا في يده وقال هذا ملكي باعه أبي منك حال ما بلغت وقال ذو اليد:
باعه مني حال صغرك فالقول قول المدعي. كذا في الفصول العمادية.
اشترى دارا لابنه الصغير من نفسه وأشهد على ذلك شهودا وكبر الابن ولم يعلم بما صنع الأب
ثم إن الأب باع تلك الدار من رجل وسلمها إليه ثم إن الابن استأجر الدار من المشتري ثم علم بما
صنع الأب فادعى الدار على المشتري وقال إن أبي كان اشترى هذه الدار من نفسه في صغري وإنها
ملكي وأقام على ذلك بينة، فقال المدعى عليه في دفع دعوى المدعي إنك متناقض في هذه الدعوى
لان استئجارك الدار مني إقرار بأن الدار ليست لك فدعواك بعد ذلك الدار لنفسك يكون تناقضا،
فهذه المسألة صارت واقعة الفتوى.
مطلب: واقعة الفتوى
وقد اختلفت أجوبة المفتين في هذا، والصحيح أن هذا لا يصلح دفعا لدعوى المدعي ودعوى
المدعي صحيحة وإن ثبت التناقض، إلا أن هذا تناقض فيما طريقه طريق الخفاء. كذا في الذخيرة.
ادعى دارا بسبب الشراء من فلان فقال المدعى عليه إني اشتريت من فلان ذلك أيضا وأقام بينة
وتاريخ الخارج أسبق فقال المدعى عليه إن دعواك باطلة لان في التاريخ الذي اشتريت هذه الدار من
فلان كانت رهنا عند فلان ولم يرض بشرائك وأجاز شرائي، لأنه كان بعد ما فك الرهن وأقام البينة
لا يصح هذا الدفع. كذا في الفصول العمادية. ولو كان المدعي ادعى إن هذا العين كان لفلان رهنه

114
بكذا عندي وقبضته وأقام البينة وأقام المدعى عليه في دفع دعواه أنه اشتريته منه ونقدته الثمن كان ذلك
دفعا لدعوى الرهن. كذا في فتاوى قاضيخان في باب اليمين.
ادعى عليه دارا في يده إرثا أو هبة فبرهن المدعى عليه على أنه اشتراها منه وبرهن المدعي على
إقالته صح دفع الدفع. كذا في الوجيز للكردري.
دار في يد رجل وادعى أن أباه مات وترك هذه الدار ميراثا له وأقام بينة شهدوا أن
أباه مات وهذه الدار في يديه وأخذ هذا الرجل هذه الدار من تركته بعد وفاته أو أخذها من أبي هذا
المدعي في حال حياته وأقام ذو اليد البينة أن الوارث أو أباه أقر أن الدار ليست له، فالقاضي يقضي
بدفع الدار إلى الوارث. هكذا في المحيط.
رجل ادعى على آخر ضيعة فقال: الضيعة كانت لفلان مات وتركها ميراثا لأخته فلانة ثم
ماتت فلانة وأنا وارثها وأقام البينة تسمع، فلو قال المدعى عليه في الدفع إن فلانة ماتت قبل فلان
مورثها صح الدفع. كذا في الخلاصة.
رجل ادعى على آخر مائة درهم فقال المدعى عليه دفعت إليك منها خمسين درهما وأنكر المدعي
قبض ذلك منه فأقام المدعى عليه البينة أنه دفع إلى المدعي خمسين درهما، فإنه لا يكون دفعا ما لم
يشهدوا أنه دفع إليه أو قضى هذه الخمسين التي يدعي. كذا في جواهر الفقه.
ادعى على غيره كذا كذا دينارا أو دراهم فادعى المدعى عليه الايفاء وجاء بشهود شهدوا أن
المدعى عليه دفع هذا المال كذا كذا درهما من الدراهم ولكن لا يدري بأي جهة دفع، هل يقبل
القاضي هذه الشهادة وهل تندفع بها دعوى المدعي؟ عن بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى: أنه يقبل
وتندفع بها دعوى المدعي، وهو الأشبه والأقرب إلى الصواب. هكذا في المحيط، الكل من الهندية
من الباب السادس فيما تدفع به دعوى المدعي. وفي نور العين: ادعى إرثا له ولأخيه فقال المدعى
عليه إنك أقررت إن أخي باعه منك وسلم وهذا إقرار بأنه ملك الأخ فلا يصح منك دعوى الإرث،
قيل لا يندفع لأنه لم يقر أن أخي باع جائزا لكن أقر بالبيع فقط، ومن أقر أن فلانا باعه ثم
ادعى أنه ملكه يسمع، إلا إذا أقر أنه باع بيعا صحيحا جائزا فحينئذ لا يسمع دعواه بعده. وقيل: لو
باع والدار بيده وقت البيع أو قال: باع وسلم فهذا يكفي لأنه مما يدل على الملك.
وفيه لو برهن ذو اليد على إقرار الوصي بأنه بوصاية قالوا: لا يقبل، لا أن يشهدوا أنه وصى
من جهة المورث أو القاضي إذ الوصاية لا تثبت بإقراره إ ه‍.
الابراء العام في ضمن عقد فاسد لا يمنع الدعوى.
أبرأه عن الدعاوي ثم ادعى مالا بالوكالة أو الوصاية يقبل.
لا تسمع دعواه في شئ من الأشجار بعد ما ساقى عليها.
التناقض يمنع الدعوى لغيره كما يمنعه لنفسه.
من أقر بعين لغيره فكما لا يملك أن يدعيه لنفسه لا يملك أن يدعيه لغيره بوكالة أو وصاية
لا ينفذ القضاء بالدفع قبل يمين الاستظهار.
الدعوى على بعض الورثة صحيحة.
لا تسمع دعوى الموقوف عليهم إلا بإذن القاضي أو كون المدعي ناظرا.

115
الخصم في إثبات النسب خمسة الوارث والوصي والموصى له والغريم للميت أو على الميت كما
تقدم.
دعوى الملك لا تصح على غير ذي اليد.
ادعى أنه عم الميت، لا بد أن يفسر أنه لأبيه أو لامه وأن يقول هو وارثه ولا وارث له غيره بعد
أن ينسب الشهود الميت والمدعي لبنوة العمومة حتى يلتقيا إلى أب واحد بعد دعوى المال.
العبد إذا انقاد للبيع لا تسمع دعواه حرية الأصل بدون بينة.
الابن إذا كان في عيال الأب يكون معينا له فيما يصنع.
ما اكتسبه الابن يكون لأبيه إذا اتحدت صنعتهما ولم يكن مال سابق لهما وكان الابن في عيال
أبيه، لان مدار الحكم كونه معينا لأبيه.
القول للدافع لأنه أعلم بجهة الدفع.
دفع إلى ابنه مالا فأراد أخذه صدق في أنه دفعه قرضا.
يصح إثبات الشراء في وجه مدعي دين في التركة المستغرقة.
التناقض لا يمنع دعوى الحرية سواء كانت أصلية أو عارضة.
لا تسمع الدعوى بالعين أنها له بعد ما ساومه عليها.
لا تسمع الدعوى بعد الابراء العام إلا ضمان الدرك، وإلا إذا ظهر شئ للقاصر بعد إبرائه
وصيه بعد بلوغه ولم يكن يعلمه.
يدخل في قوله لا حق لي قبله كل عين ودين وكفالة وجناية وإجارة وحبس.
لا تسمع دعوى الكفالة بعد الابراء العام.
ادعى نكاح امرأة لها زوج يشترط حضرة الزوج الظاهر.
السباهي لا ينتصب خصما لمدعي الأرض ملكا أو وقفا.
الاستيداع يمنع دعوى الملك.
لاحد الورثة حق الاستخلاص من التركة المستغرقة بأداء قيمته إلى الغرماء إذا امتنع الباقون.
ليس له الدعوى على وكيله بقبض الرسومات بما أخذه من الرسومات له بل الدعوى لهم عليه.
إذا برهن على مديون مديونه لا يقبل، وليس له أخذه منه بدون وكالة أو حوالة.
لا يجوز الابراء عن الأعيان، ويجوز عن دعواها.
الإرث جبري لا يسقط بالاسقاط.
هل يشترط حضرة الراهن والمرتهن في دعوى الرهن؟ قولان.
هل يشترط حضرة المودع في إثبات الوديعة؟ فيه اختلاف المشايخ.
ادعى الشراء ثم ادعى الإرث تقبل، وبعكسه لا.
كل ما كان مبنيا على الخفاء يعفى فيه التناقض، فالمديون بعد قضاء الدين لو برهن على إبراء
الدائن، والمختلعة بعد أداء بدل الخلع لو برهنت على طلاق الزوج قبل الخلع يقبل، وكذلك الورثة إذا
قاسموا مع الموصى له بالمال ثم ادعوا رجوع الموصي يصح لانفراد الموصي بالرجوع.

116
التناقض إذا كان ظاهرا والتوفيق خفيا لا يكفي إمكان التوفيق، بل لا بد من بيانه وإلا يكفي
الامكان.
جحد الأمين الأمانة ثم اعترف وادعى الرد لا يقبل إلا ببينة.
التصديق إقرار إلا في الحدود.
إذا ثبت استحقاقه فطلبه على من تناول الغلة لا على الناظر.
لا تصح دعوى التمليك ما لم يبين أنه بعوض أو بلا عوض.
إذا ادعى المأذون بالانفاق أو الدفع يصدق إن كان المال أمانة، وإن كان دينا في ذمته فلا.
الدعوى متى فصلت مرة بالوجه الشرعي لا تنقض ولا تعاد ما لم يكن في إعادتها فائدة بأن
أتى بها مع دفع أقام عليه البينة فإنها تسمع.
غلط الاسم لا يضر لجواز أن يكون له اسمان.
لا يلزم الابن وفاء دين أبيه من استحقاقه المنتقل إليه عنه في وقت أهلي.
ادعى بعد ما أقر بالمال: إن بعضه قرض وبعضه ربا يسمع.
مات لا عن وارث وعليه دين لزيد أثبته زيد في وجه وصيي نصبه القاضي له أخذه من التركة.
لا يكلف الأب إحضار ابنه البالغ لأجل دعوى عليه.
لا تصح الدعوى على جميع الضاربين بالبندق إذا أصابت واحدا بندقة فقتلته إذا لم يعلم
الضارب.
العبد إذا ادعى حرية الأصل ثم العتق العارض تسمع، والتناقض لا يمنع الصحة. وفي حرية
الأصل لا تشترط الدعوى. وفي الاعتاق المبتدأ تشترط الدعوى عند أبي حنيفة. وعندهما ليست
بشرط. وأجمعوا على أن دعوى الأمة ليست بشرط لأنها شهادة بحرمة الفرج فهي حسبة، الكل من
التنقيح لسيدي الوالد رحمه الله تعالى.
كفل بثمن أو مهر ثم برهن الكفيل على فساد البيع أو النكاح لا يقبل، لان إقدامه على التزام
المال إقرار منه بصحة سبب وجود المال فلا يسمع منه بعده دعوى الفساد، ولو برهن على إيفاء الأصيل
أو على إبرائه لا يقبل لأنه تقرير للوجوب السابق.
ادعى دارا فأنكر ذو اليد فصالحه على ألف على أن يسلم الدار لذي اليد ثم برهن ذو اليد على
صلح قبل هذا الصلح صح الصلح الأول وبطل الثاني.
في وقال كل صلح بعد صلح فالثاني باطل، ولو شراه ثم بطل الأول ونفذ الثاني.
ولو صالح ثم شرى جاز الشراء وبطل: أي في الصلح الذي هو بمعنى أما إذا كان
الصلح على عوض ثم اصطلحا على عوض آخر فالثاني هو الجائز وانفسخ الأول كالمبيع.
يقبل عذر الوارث والوصي والمتولي بالتناقض للجهل.
الاقرار المتأخر يرفع الانكار المتقدم، والاقرار المتقدم يمنع الانكار المتأخر.
ادعى مالا فصالح ثم ظهر أنه لا شئ عليه بطل الصلح.

117
من دفع شيئا على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه له الرجوع بما دفع.
دعوى الدفع من المدعى عليه ليس بتعديل للشهود، حتى لو طعن في الشاهد أو في الدعوى
يصح من نور العين، ومن أراد استيفاء المقصود من مسائل الدفوع فليرجع إليه الفصل الثامن عشر.
وذكر في المجلة في مادة 881 البيع بشرط متعارف بين الناس في البلد صحيح، والشرط
معتبر، وإن كان فيه نفع لاحد المتعاقدين أو لهما، وإن كان لا يلائم العقد.
وفي 291: الإقالة بالتعاطي القائم مقام الايجاب والقبول صحيحة. وفي 022: بيع الصبرة كل
مد بقرش يصح في جميع الصبرة. وفي 983: كل شئ تعومل بيعه بالاستصناع يصح فيه على
الاطلاق إذا وصف المصنوع وعرفه على الوجه الموافق المطلوب ويلزم، وليس لأحدهما الرجوع إذا كان
على الأوصاف المطلوبة، وإذا خالف يكون المشتري مخيرا. وأما ما لا يتعامل استصناعه إذا بين فيه
المدة صار سلما فتعتبر فيه حينئذ شرائط السلم، وإذا لم يبين فيه المدة كان من قبيل الاستصناع أيضا.
وفي 893: إذا شرط في بيع الوفاء أن يكون قدر من منافع المبيع للمشتري صح ويلزم الوفاء
بالشرط.
وفي 044: الإجارة المضافة صحيحة لازمة قبل حلول وقتها، وقد صدر الامر الشريف
السلطاني بالعمل بمقتضى ذلك كله، فاحفظه والسلام، والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
باب دعوى الرجلين
لا يخفى عليك أن عقد الباب لدعوى الرجلين على ثالث، وإلا فجميع الدعاوي لا تكون إلا
بين اثنين، وحينئذ لا تكون هذه المسألة من مسائل هذا الكتاب، فلذلك ذكره صاحب الهداية والكنز
في أوائل كتاب الدعوى. وقلت: ولعل صاحب الدرر إنما أخرها إلى هذا المقام مقتفيا في ذلك أثر
صاحب الوقاية، لتحقق مناسبة بينها وبين مسائل هذا الباب بحيث تكون فاتحة لمسائله وإن لم تكن منه:
عزمي. قوله: (تقدم حجة خارج) هو الذي لم يكن ذا يد والخارج المدعي، لأنه خارج عن يده فأسند
إلى المدعي تجوزا، وإنما قدمت بينة الخارج، لان الخارج هو المدعي والبينة بينة المدعي بالحديث، وفيه
خلاف الشافعي وإنما كان الخارج مدعيا لصدق تعريفه عليه. قوله: (في ملك مطلق) أي ملك المال،
بخلاف ملك النكاح فإن ذا اليد مقدم ولو بلا برهان ما لم يسبق تاريخ الخارج كما سيأتي، وقيد الملك
بالمطلق احترازا عن المقيد بدعوى النتاج، وعن المقيد بما إذا ادعيا تلقي الملك من واحد وأحدهما
قابض، وبما إذا ادعيا الشراء من اثنين وتاريخ أحدهما أسبق، فإن في هذه الصور تقبل بينة ذي اليد
بالاجماع كما سيأتي درر: أي ولم يلزم انتقاض مقتضى القسمة لان قبول بينة ذي اليد إنما هو من
حيث ما ادعى من زيادة النتاج وغيره، فهو مدع من تلك الجهة، والمراد بالقبض التلقي من شخص
مخصوص مع قبضه، فلا يرد ما قيل كون المدعي في يد القابض أمر معاين لا يدعيه ذو اليد فضلا من
إقامة البينة عليه وقبولها بالاجماع.
فإن قلت: هل يجب على الخارج اليمين لكونه إذ ذاك مدعى عليه؟
قلت: لا، لان اليمين إنما يجب عند عجز المدعي عن البينة، وهنا لم يعجز كما في العناية.

118
أو رد عليه بأن مراد السائل هل يجب على الخارج اليمين عند عجز ذي اليد عن البينة؟ وإلا فلا
تمشية لسؤاله أصلا ا ه‍. يريد به أن الجواب لم يدفع السؤال بل هو باق، ولم يتصد للجواب عنه.
أقول: الظاهر أن يجب اليمين على الخارج عند عجز ذي اليد عن بينة فيما إذا ادعى الزيادة، لأنه
مدع بالنسبة إليها، ولهذا لزم عليه البرهان، فيكون المدعي مدعى عليه بالنسبة إليها فيلزم عليه اليمين
عند العجز عن البرهان، وبينة المدعي لم تعمل ما لم تسلم من دفع ذي اليد إذ هو معارض لها،
ودعوى ذي اليد لم تسقط بعجزه عن البرهان عليها، بل تتوجه اليمين على من كان في مقابله كما هو
شأن الدعوى، فيحلف على عدم العلم بتلك الزيادة، فإن حلف يحكم للمدعي ببينته لكونها سالمة عن
المعارض، وإن نكل يكون مقرا أو باذلا فيمنع ويبقى المدعى في يد ذي اليد نعم لا يجبر الخارج على
الجواب عن دعوى ذي اليد لو ترك دعواه لعدم كونه ذا يد، لا لقصور في كون ذي اليد مدعيا فيما
ادعاه كما توهمه صاحب التكملة، هذا هو التحقيق تدبر. عبد الحليم قوله: (أي لم يذكر له سبب) أي
معين، أو مقيد بتاريخ كما سيأتي، وكذا لو ذكر له سبب يتكرر، فإن ذكر له سبب لا يتكرر قدم ببينة
ذي اليد كما يأتي أيضا، ومن هذا القبيل ما في منية المفتي: أقاما بينة على عبد في يد رجل أحدهما
بغصب والآخر بوديعة فهو بينهما: أي لان المودع بالجحود يصير غاصبا.
قال في جامع الفصولين: الخارج وذو اليد لو ادعيا إرثا من واحد فذو اليد أولى كما في
الشراء، هذا إذا ادعى الخارج وذو اليد تلقي الملك من جهة واحدة، فلو ادعيا من جهة اثنين يحكم
للخارج، إلا إذا سبق تاريخ ذي اليد، بخلاف ما لو ادعياه من واحد فإنه هنا يقضي لذي اليد، إلا إذا
سبق تاريخ الخارج. والفرق في الهداية: ولو كان تاريخ أحدهما أسبق فهو أولى: كما لو حضر البائعان
وبرهنا وأرخا وأحدهما أسبق تاريخا والمبيع في يد أحدهما يحكم للأسبق ا ه‍ من الثامن، وتمامه فيه.
وفي الأشباه قبيل الوكالة: إذا برهن الخارج وذو اليد على نسب صغير قدم ذو اليد إلا في
مسألتين في الخزانة.
الأولى: لو برهن الخارج على أنه ابنه من امرأته هذه وهما حران وأقام ذو اليد بينة أنه ابنه ولم
ينسبه إلى أمه فهو للخارج.
الثانية: لو كان ذو اليد ذميا والخارج مسلما فبرهن الذمي بشهود من الكفار وبرهن الخارج قدم
الخارج سواء برهن بمسلمين أو بكفار، ولو برهن الكافر بمسلمين قدم على المسلم مطلقا ا ه‍. قوله:
(وإن وقت أحدهما فقط)، إن وصلية ومقتضاها العموم: أي إن لم يوقتا أو وقتا متساويا أو مختلفا أو
وقت أحدهما وعليه مؤاخذة، وهو أنه إذا وقتا واختلف تاريخهما فالعبرة للسابق منهما على ما تقدم،
لان للتاريخ عبرة في دعوى الملك المطلق إذا كان من الطرفين عند أبي حنيفة، ووافقاه في رواية،
وخالفاه في أخرى، فكان عليه أن يقول إن لم يوقتا أو وقتا وأحدهما مساو للآخر أو وقت أحدهما
فقط. قال في الغرر: حجة الخارج في الملك المطلق أولى، إلا إذا أرخا وذو اليد أسبق قوله: (وقال أبو
يوسف: ذو الوقت أحق) أي فيما لو وقت أحدهما فقط، لان التاريخ من أحد الطرفين معتبر عنده.
والحاصل: أن الخارج في الملك المطلق أولى، إلا إذا أرخا وذو اليد أسبق. قوله: (وثمرته) أي
ثمرة الخلاف المعلوم من المقام. قوله: (هذا العبد لي) تقدمت المسألة متنا قبيل السلم. قوله: (تاريخ

119
غيبة) أي غيبة العبد عن يده، لان قوله: (منذ شهر) متعلق بغاب فهو قيد للغيبة. قوله: (منذ سنة)
متعلق بما تعلق به. قوله: (لي) أي ملك لي منذ سنة فهو قيد للملك وتاريخ، والمعتبر تاريخ الملك ولم
يوجد من الطرفين. قوله: (فلم يوجد التاريخ) أي تاريخ الملك. قوله: (من الطرفين) بل وجد من
طرف ذي اليد والتاريخ حالة الانفراد لا يعتبر عند الامام، فكان دعوى صاحب اليد مطلق
الملك كدعوى الخارج فيقضي ببينة الخارج. قوله: (وقال أبو يوسف) أي فيما لو وقت أحدهما فقط
قوله: (ولو حالة الانفراد) أي قال أبو يوسف: يقضى للمؤرخ سواء أرخا معا (1) وكذا لو أرخا حالة
الانفراد، لان التاريخ حالة الانفراد معتبر عنده، والحكم فيما لو أرخا معا أولى بالحكم حالة الانفراد،
لأنه متفق عليه، والثاني مذهبه فقط كما هي القاعدة في لو الوصلية: أي الحكم في المقدر قبلها أولى
بالحكم مما بعدها، والمراد بما إذا أرخا معا سبق تاريخ أحدهما أما لو استوى تاريخهما فهو كما لو لم
يؤرخا لتساقطهما، والفقهاء يطلقون العبارة عند ظهور المعنى، وحينئذ فقول بعض المحشين: الأولى
إسقاط لو لان الكلام في حالة الانفراد، وكلامه ينحل أنه يقضى للمؤرخ حال صدور التاريخ
منهما. وفي حالة الانفراد ولا معنى للقضاء للمؤرخ فيما إذا أرخا لتحققه منهما بل القضاء للسابق ا ه‍
غير لازم، لان إعمال الكلام أولى من إهماله. قوله: (كذا في جامع الفصولين) حيث قال استحق
حمارا فطلب ثمنه من بائعه فقال البائع للمستحق من كم مدة غاب عنك هذا الحمار؟ فقال: منذ
سنة، فبرهن البائع أنه ملكه منذ عشر سنين قضى به للمستحق لأنه أرخ غيبته لا الملك والبائع أرخ
الملك ودعواه دعوى المشتري لتلقيه من جهته، فصار كأن المشتري ادعى ملك بائعه بتاريخ عشر سنين،
غير أن التاريخ لا يعتبر حالة الانفراد عند أبي حنيفة، فبقي دعوى الملك المطلق فحكم للمستحق.
أقول: يقضى بها للمؤرخ عند أبي يوسف، لأنه يرجع المؤرخ حالة الانفراد ا ه‍ ملخصا. قوله:
(وأقره المصنف) وناقشه الخير الرملي بأن صاحب الفصولين ذكره في الفصل الثامن عشر، وقدم في
الثامن الصحيح المشهور عن الامام أنه لا عبرة للتاريخ في الملك المطلق حالة الانفراد، وحاصله أن
صاحب الفصولين في الثامن في دعوى الخارجين نقل أن الصحيح المشهور عن الامام عدم اعتباره
حالة الانفراد وفي الثامن عشر في الاستحقاق قال: ينبغي أن يفتى بقول أبي يوسف من اعتباره لأنه
أوفق وأظهر، وما ذكره الفقيه في بابه أولى بالاعتبار، وهو ما ذكره في الثامن، ولا سيما أنه نقله
جازما به وأقره، والثاني في غير بابه وعبر عنه بينبغي مع ما قالوا أنه يفتى بقول الامام قطعا، ولا
سيما إذا كان معه غيره كما هنا فإنه وافقه محمد. تأمل. قوله: (ولو برهن خارجان على شئ) يعني:
إذا ادعى اثنان عينا في يد غيرهما وزعم كل واحد منهما أنها ملكه ولم يذكرا سبب الملك ولا تاريخه
قضى بالعين بينهما لعدم الأولوية، وأطلقه فشمل ما إذا ادعيا الوقف في يد ثالث فيقضى بالعقار
نصفين لكل وقف النصف، وهو من قبيل دعوى الملك المطلق باعتبار ملك الواقف، ولهذا قال في
القنية: دار في يد رجل أقام عليه رجل بينة أنها وقفت عليه وأقام قيم المسجد بينة أنها وقف المسجد:



(1) قوله: (سواء أرخا معا الخ) هكذا بالأصل، ولعل الظاهر أو أرخا حالة الانفراد، فليحرر.
120
فإن أرخا فهي للسابق منهما، وإن لم يؤرخا فهي بينهما نصفين ا ه‍ ولا فرق في ذلك بين أن يدعي
ذو اليد الملك فيها أو الواقف على جهة أخرى.
مطلب: دعوى الوقف من قبيل دعوى الملك المطلق
والحاصل: أن دعوى الوقف من قبيل دعوى الملك المطلق، ولهذا لو ادعى وقفية ما في يد آخر
وبرهن فدفعه ذو اليد بأنه مودع فلان ونحوه وبرهن فإنها تندفع خصومة المدعي كما في الاسعاف،
فدعوى الوقف داخل في المسألة المخمسة، وكما تقسم الدار بين الوقفين كذلك لو برهن كل على أن
الواقف جعل له الغلة ولا مرجح، فإنها تكون بينهما نصفين، لما في الاسعاف من باب إقرار الصحيح
بأرض في يده أنها وقف: لو شهد اثنان على إقرار رجل بأن أرضه وقف على زيد ونسله، وشهد
آخران على إقراره بأنها وقف على عمرو ونسله تكون وقفا على الأسبق وقتا إن علم، وإن لم يعلم أو
ذكروا وقتا واحدا تكون الغلة بين الفريقين أنصافا، ومن مات من ولد زيد فنصيبه لمن بقي منهم،
وكذلك حكم أولاد عمرو. وإذا انقرض أحد الفريقين رجعت إلى الفريق الباقي لزوال المزاحم ا ه‍.
وقيد بالبرهان منهما، إذ لو برهن أحدهما فقط فإنه يقضى له بالكل، فلو برهن الخارج الآخر يقضى له
بالكل، لان المقضي له صار ذا يد بالقضاء له، وإن لم تكن العين في يده حقيقة فتقدم بينة الخارج
الآخر عليه، ولو لم يبرهنا حلف صاحب اليد، فإن حلف لهما تترك في يده قضاء ترك لا قضاء
استحقاق، حتى لو أقاما البينة بعد ذلك يقضى بها، وإن نكل لهما جميعا يقضى به بينهما نصفين، ثم
بعده إذا أقام صاحب اليد البينة أنه ملكه لا تقبل، وكذا إذا ادعى أحد المستحقين على صاحبه وأقام بينة
أنها ملكه لا تقبل لكونه صار مقضيا عليه. بحر لكن قدمنا عن الأشباه أنها تسمع الدعوى بعد
القضاء بالنكول كما في الخانية، ونقلنا عن محشيها الحموي ما يخالف ما ذكر من أن المدعى عليه لو
نكل عن اليمين للمدعي وقضي عليه بالنكول ثم إن المقضي عليه أقام البينة أنه كان اشترى هذا
المدعي من المدعى قبل دعواه لا تقبل هذه البينة، إلا أن يشهد أنه كان اشتراه منه بعد القضاء، وقدمنا
أنه كما يصح الدفع قبل البرهان يصح بعد إقامته أيضا، وكذا يصح قبل الحكم كما يصح بعده، ودفع
الدفع ودفعه وإن كثر صحيح في المختار، ولعل ما مشي عليه صاحب البحر هنا مبني على القول
الآخر المقابل للقول المختار. تأمل. قوله: (قضى به لهما) لما روي عن أبي موسى أن رجلين ادعيا
بعيرا على عهد رسول الله (ص)، فبعث كل واحد منهما بشاهدين، فقسمه رسول الله
(ص) بينهما نصفين رواه أبو داود، ولأن البينات من حجج الشرع فيجب العمل بها
ما أمكن، وقد أمكن هنا، لان الأيدي قد تتوالى في عين واحدة في أوقات مختلفة، فيعتمد كل فريق
ما شاهد من السبب المطلق للشهادة وهو اليد فيحكم بالتنصيف بينهما. وتمامه في الزيلعي. قوله:
(فإن برهنا في دعوى نكاح) أي معا لأنه لو برهن مدعي نكاحها وقضي له به ثم برهن الآخر على
نكاحها لا يقبل، كما في الشراء إذا ادعاه من فلان وبرهن عليه وحكم له به ثم ادعى آخر شراءه من
فلان أيضا لا تقبل، ويجعل الشراء المحكوم به سابقا، ولا وجه للتفريع، فالأولى الاتيان بإلا
الاستثنائية. قوله: (سقطا) الضمير للخارجين، فلو أحدهما خارجا والآخر ذا يد فالخارج أحق قياسا
على الملك، وقيل ذو اليد أولى على كل حال، ويأتي تمامه قريبا إن شاء الله تعالى. قوله: (لتعذر الجمع)
أي اجتماع الزوجين على زوجة واحدة فإنه متعذر شرعا، لان النكاح لا يقبل الاشتراك فتتهاتر البينتان

121
ويفرق القاضي بينهما حيث لا مرجح، وإن كان ذلك قبل الدخول فلا شئ على كل واحد منهما كما
في البحر. قوله: (لو حية) أي هذا الحكم كما ذكر لو حية، ولو ميتة قضى به: أي بالنكاح بينهما
سواء أرخا واستوى تاريخهما أو أرخ أحدهما فقط أو لم يؤرخا، وفائدة القضاء تظهر فيما يترتب عليه،
ولا يلزم جمع على وطئ، لأنه حينئذ دعوى مال وهو الميراث، أو دعوى نسب، ويمكن ثبوته منهما
كما هو المعروف في المذهب، وسيأتي في باب دعوى النسب أنهما لو ادعيا نسب مجهول كان ابنهما
بتصديقه، وهنا ثبوت الفراش يقوم مقام التصديق. قوله: (وعلى كل نصف المهر) ولو مات قبل
الدخول، لان الموت متمم للمهر.
فإن قلت: كل منهما مدعي الزوجية معترف بأن عليه المهر كاملا فينبغي أن يلزمه ذلك المسمى
إن أثبت تسميته، وإلا فمهر المثل. فالجواب أنه لما قضى بدعوى رفيقه في النصف صار مكذبا شرعا
بالنسبة إلى نصف المهر فوجب عليه النصف فقط. قوله: (ويرثان ميراث زوج واحد) لأنه داخل تحت
أول المسألة، فإن كلا منهما يدعي الميراث كاملا فينصف بينهما. قوله: (ولو ولدت) أي الميتة قبل
الموت، وظاهر العبارة أنها ولدت بعده، ولكن لينظر هل يقال له ولادة؟ استظهر بعض الفضلاء عدم
اتصاف الميتة بالولادة الحقيقية، وأن المراد بالولادة انفصال الولد منها بنفسه أو غيره من الاحياء. قوله:
(يثبت النسب منهما) أي لو ادعيا بعد الموت أنها كانت زوجة لهما قبل الولادة أو ولدت بعد الموت
وقد ادعى كل منهما أنها زوجته. قوله: (وتمامه في الخلاصة) وهو أنهما يرثان منه ميراث أب واحد
ويرث من كل منهما ميراث ابن كامل. منح وما لو كان (1) البرهانان بلا تاريخ أو بتاريخ مستو أو
من أحدهما كما في الخلاصة.
وفي المنية: ولا يعتبر فيه الاقرار واليد، فإن سبق تاريخ أحدهما يقضى له، ولو ادعيا نكاحها
وبرهنا ولا مرجح ثم ماتا فلها نصف المهر ونصف الميراث من كل منهما، ولو ماتت قبل الدخول فعلى
كل واحد منهما نصف المسمى، ولو مات أحدهما فقالت هو الأول لها المهر والميراث. مقدسي عن
الظهيرية. قوله: (وهي لمن صدقته) أي إن لم يسبق تاريخ الآخر، لان النكاح مما يحكم به بتصادق
الزوجين فيرجع إلى تصديقها، إلا إذا كانت في بيت أحدهما أو دخل بها أحدهما فيكون هو أولى، ولا
يعتبر قولها لان تمكنه من نقلها أو من الدخول بها دليل على سبق عقده، إلا أن يقيم الآخر البينة أنه
تزوجها قبله فيكون هو أولى، لان الصريح يفوق الدلالة. زيلعي.
وفي البحر عن الظهيرية: لو دخل بها أحدهما وهي في بيت الآخر فصاحب البيت أولى، وأطلق
في التصديق فشمل ما إذا سمعه القاضي أو برهن عليه مدعيه بعد إنكارها له.
قال في التبيين: حاصله أنهما إذا تنازعا في امرأة وأقاما البينة. فإن أرخا وكان تاريخ أحدهما
أقدم كان أولى، وإن لم يؤرخا أو استوى تاريخهما، فإن كان مع أحدهما قبض كالدخول بها أو نقلها إلى
منزله كان أولى، وإن لم يوجد شئ من ذلك يرجع إلى تصديق المرأة.



(1) قوله: (وما لو كان الخ) هكذا بالأصل، وليحرر.
122
وفي البحر: والحاصل أن سبق التاريخ أرجح من الكل، ثم اليد، ثم الدخول، ثم الاقرار، ثم
ذو التاريخ ا ه‍. ثم اعلم أن بعضهم عبر بإقرارها وبعضهم بتصديقها، فالظاهر أنهما سواء هنا، ولكن فرقوا
بينهما فقال الزيلعي في باب اللعان: فإن أبت حبست حتى تلاعن أو تصدقه. وفي بعض نسخ
القدوري: أو تصدقه فتحد، وهو غلط لان الحد لا يجب بالاقرار مرة، وهو لا يجب بالتصديق أربع
مرات، لان التصديق ليس بإقرار قصدا لكنه إقرار ضمنا، فلا يعتبر في حق وجوب الحد، ويعتبر في
درئه فيندفع به اللعان ولا يجب به الحد ا ه‍. وتقدم في حد القذف أنه لو قال لرجل يا زاني فقال له
غيره صدقت حد المبتدئ دون المصدق، ولو قال صدقت هو كما قلت فهو قاذف أيضا ا ه‍.
وإنما وجب في الثانية للعموم في كاف التشبيه لا للتصديق، فعلم بهذا أن الحد لا يجب بالتصديق.
قال في البزازية: قال لي عليك كذا فقال صدقت يلزمه إذا لم يقل على وجه الاستهزاء
ويعرف ذلك بالنغمة ا ه‍ فهو صريح فيما ذكرنا.
وأقول: لو اختلفا في كونه صدر على وجه الاستهزاء أم لا فالقول لمنكر الاستهزاء بيمينه،
والظاهر أنه على نفي العلم لا على فعل الغير. تأمل.
وفي شرح أدب القضاء: وإن شهدا عليه فقال بعدما شهدا عليه: الذي شهد به فلان علي هو
الحق ألزمه القاضي ولم يسأل عن الآخر لان هذا إقرار منه، وإن قال قبل أن يشهدا عليه: الذي
يشهد به فلان علي حق أو هو الحق فلما شهدا قال للقاضي سل عنهما فإنهما شهدا علي بباطل وما
كنت أظنهما يشهدان لم يلزمه وسأل عنهما لأنه إقرار معلق بالخطر فلا يصح ا ه‍. قوله: (إذا لم تكن
في يد من كذبته) فلو وجد أحدهما لا يعتبر قولها كما علمت. قوله: (ولم يكن دخل من كذبته بها)
لان الدخول صار ذا يد، وذلك دليل سبق عقده ظنا بالمسلم خيرا وحملا لامره على الصلاح، ولأهل
الذمة ما لنا في المعاملات. قوله: (هذا إذا لم يؤرخا) مثل عدم التأريخ منهما إذا أرخا تأريخا مستويا أو
أرخ أحدهما. بحر قوله: (فالسابق أحق بها) أي وإن صدقت الآخر أو كان ذا يد أو دخل بها لأنه لا
يعتبر مع السبق وضع يد ولا دخول لكونه صريحا وهو يفوق الدلالة كما علمت. قوله: (فهي لمن
صدقته) إن لم يكن لأحدهما يد: أي أو دخول. قوله: (أو لذي اليد) أي إن كانت يد، ولا يعتبر
تصديق معه: أي إن أرخ أحدهما وللآخر يد فإنها لذي اليد. قوله: (وعلى ما مر عن الثاني) أي من أنه
يقضي للمؤرخ حالة الانفراد على ذي اليد فيقضي هنا للمؤرخ، وإن كان الآخر ذا يد لترجح جانب
المؤرخ حالة الانفراد عند أبي يوسف، وقدمنا عن الزيلعي أنه لو برهن أنه تزوجها قبله فهو أولى،
وسيأتي متنا. قوله: (ولم أر من نبه على هذا) ذكره في البحر بحثا حيث قال: فالحاصل كما في البزازية
إنه لا يترجح أحدهما إلا بسبق التاريخ أو باليد أو بإقرارها بدخول أحدهما ا ه‍. وكان يبتغي أن يزيد أو
بتاريخ من أحدهما فقط كما علمته ا ه‍. ولعل وجه عدم التنبيه أنهما إذا أرخ أحدهما وللآخر يد فاليد
دليل على العقد والتأريخ ليس بدليل عليه. قوله: (فتأمل) أي هل يجري قوله هنا ويعتبر التأريخ من

123
جانب واحد أو لا يعتبر احتياطا في أمر الفروج، والذي يظهر الثاني فراجعه. قوله: (وإن أقرت) أي
المرأة لمن لا حجة له فهي له لما عرفت من أن النكاح يثبت بتصادق الزوجين. قوله: (وإن برهن الآخر)
أي بعد الحكم للأول بموجب الاقرار، والأولى أن يقول: فإن لم تقم حجة فهي لمن أقرت له، ثم إن
برهن الآخر قضي له. قوله: (قضى له) لأنه أقوى من التصادق، لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة
ويثبت في حق الكل، بخلاف الاقرار فإنه حجة قاصرة يثبت في حق المقر فقط، فإقرارها إنما نفذ
عليها لا على من أقام البرهان على أنها زوجته، وإنما قلنا في حق الكل لان القضاء لا يكون على
الكافة إلا في القضاء بالحرية والنسب والولاء والنكاح، ولكن في النكاح شرط هو أن لا يؤرخا، فإن
أرخ المحكوم له ثم ادعاها آخر بتاريخ أسبق فإنه يقضي له ويبطل القضاء الأول، ويشترك ذلك أيضا
في الحرية الأصلية كما في البحر. وقوله: (ولكن في النكاح الخ) أي القضاء في النكاح إنما يكون
على الكافة إذا لم يؤرخا، ويحمل على ما إذا ترجحت بينته بمرجح آخر غير التاريخ كالقبض
والتصديق، وإلا فلا يتصور القضاء له لاستوائهما في عدم التاريخ. قوله: (لم يقض له) لتأكد الأول
بالقضاء. قوله: (إلا إذا ثبت سبقه) أي سبق الخارج بالتاريخ بأن أرخ الأول تاريخا مع البرهان وأرخ
الثاني تاريخا سابقا وأقام البرهان فإنه يقدم.
قال المقدسي: ونظيره الشراء من زيد لو حكم به ثم ادعاه آخر من زيد وبرهن، وكذا النسب
والحرية بخلاف الملك المطلق. ا ه‍: يعني الحكم فيه لمن برهن بعد الحكم لآخر وإن لم يثبت السبق.
قوله: (لان البرهان مع التاريخ) أي السابق بدليل ما قال في المتن إلا إذا ثبت سبقه ولأن من المعلوم
أنه إنما يكون أقوى بالسبق. قوله: (أقوى منه بدونه) أي بدون التاريخ السابق.
وصورة المسألة: ادعى أنه تزوجها العام وأقام بينة على ذلك فقضى له ثم ادعى آخر نكاحها قبل
العام تسمع ويقضي له لسبقه، لان السبق لا يتحقق إلا عند التاريخ منهما، لكن لما كان الثاني سابقا
فكأن الأول لم يؤرخ أصلا. قوله: (ظهر نكاحه) أي ثبت نكاحه وظهوره إنما يكون بالبينة. وفيه
إشارة إلى أن ذا اليد لو برهن بعدما قضى للخارج يقبل. وقال بعضهم: إن لم يقض له. قوله: (إلا
إذا ثبت سبقه) أي سبق نكاحه: أي سبق الخارج بالتاريخ فإنه يقدم على ما علم مما ذكرناه من الحاصل
عن التبيين والبحر، وقد تبع المصنف صاحب الدرر في ذكر هذه العبارة. وقال الشرنبلالي: وهي
موجودة في النسخ بصورة المتن، ولعله شرح إذ ليس فيه زيادة على المتقدم ا ه‍.
واعلم أنه إذا ادعى نكاح صغيرة بتزويج الحاكم لا تسمع إلا بشروط: أن يذكر اسم الحاكم
ونسبه وأن السلطان فوض إليه التزويج وأنه لم يكن لها ولي كما في البزازية.
ثم اعلم: أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ويوم القتل يدخل، هكذا في الظهيرية والعمادية
والولجية والبزازية وغيرها. وفرعوا على الأول ما لو برهن الوارث على موت مورثه في يوم ثم
برهنت امرأة على أن مورثه كان نكحها بعد ذلك اليوم يقضي لها بالنكاح، وعلى الثاني لو برهن
الوارث على أنه قتل يوم كذا فبرهنت امرأة على أن هذا المقتول نكحها بعد ذلك اليوم لا تقبل. وعلى
هذا جميع العقود والمداينات. وكذا لو برهن الوارث على أن مورثه قتل يوم كذا فبرهن المدعى عليه أنه

124
كان مات قبل هذا بزمان لا يسمع، ولو برهن على أن مورثه قتل يوم كذا فبرهن المدعى عليه أنه قتله
فلان قبل هذا بزمان يكون دفعا لدخوله تحت القضاء، هذه عبارة البزازية. وزاد الولوالجي موضحا
لدعوى المرأة النكاح بعد ثبوت القتل في يوم كذا. بقوله: ألا ترى أن امرأة لو أقامت البينة أنه تزوجها
يوم النحر بمكة فقضى بشهودها ثم أقامت أخرى بينة أنه تزوجها يوم النحر بخراسان لا تقبل بينة المرأة
الأخرى لان النكاح يدخل تحت القضاء فاعتبر ذلك التاريخ، فإذا ادعت امرأة أخرى بعد ذلك التاريخ
بتاريخ لم يقبل ا ه‍.
أقول: وجه الشبه بين المسألتين أن تاريخ برهان المرأة على نكاح المقتول مخالف لتاريخ القتل، إذ
لا يتصور بعد قتله أن ينكح، كما أن نكاح الثانية له يوم النحر بخراسان لا يتصور مع نكاح الأولى له
يومه بمكة فهو مخالف من هذه الحيثية، فأشبهت هذه المسألة الأولى في المخالفة، وكل من النكاح
والقتل يدخل تحت الحكم فتأمل.
وفي الظهيرين: ادعى ضيعة في يد رجل أنها كانت لفلان مات وتركها ميراثا لفلانة لا وارث له
غيرها، ثم إن فلانة ماتت وتركتها ميراثا لي لا وارث لها غيري وقضى القاضي له بالضيعة فقال
المقضي عليه دفعا للدعوى إن فلانة التي تدعي أنت الإرث عنها لنفسك ماتت قبل فلان الذي تدعي
الإرث عنه لفلانة اختلفوا. بعضهم قالوا: إنه صحيح، وبعضهم قالوا: إنه غير صحيح بناء على أن
يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ا ه‍. وإذا كان الموت مستفيضا علم به كل صغير وكبير وكل عالم
وجاهل لا يقضى له ولا يكون بطريق أن القاضي قبل البينة على ذلك الموت بل يكون بطريق التيقن
بكذب المدعي.
قال في التتارخانية: في الفصل الثامن في التهاتر نقلا عن الذخيرة: فيما لو ادعى المشهود عليه
أن الشهود محدودون في قذف من قاضي بلد كذا فأقام الشهود أنه: أي القاضي مات في سنة كذا الخ
أنه لا يقضي به إلا إذا كان موت القاضي قبل تاريخ شهود المدعى عليه مستفيضا ا ه‍ مع غاية
الاختصار، فراجعه إن شئت، والله تعالى الموفق. وتمام التفاريع على هذه المسألة في جامع الفصولين
ونور العين والبحر وغيرها، وقد مر تحقيقه في فصل الحبس فراجعه إن شئت. قوله: (وإن ذكرا) هو
مقابل لقوله وإن برهن الخارجان معطوف عليه: أي إن برهنا على مطلق الملك فقد تقدم حكمه: وإن
ذكرا سبب الملك فحكما هذا. قوله: (بأن برهنا على شراء شئ من ذي يد) مثله ما إذا برهن الخارجان
على ذي يد أن كلا أودعه الذي في يده فإنه يقضي به بينهما نصفين، وكذا الإرث، فلو ادعى كل من
خارجين الميراث عن أبيه وبرهن قضى به بينهما، وأفاد المصنف باقتصار كل على دعوى الشراء مجردة
أنه لو ادعى أحدهما شراء وعتقا والآخر شراء فقط يكون مدعي العتق أولى، فإن العتق بمنزلة القبض.
ذكره في خزانة الأكمل.
وفيه إشارة إلى أنه لو أرخ أحدهما فهو له، وفي قوله: (من ذي يد) إشارة إلى أنه لو في يد
أحدهما فهو أولى، وإن أرخ الخارج. نعم لو تلقياه من جهتين كان الخارج أحق وهذا أوضح مما في
المتن. قوله: (فلكل نصفه) لاستوائهما في السبب، لكنه يخير كما ذكره بعد فصار كفضوليين باع كل

125
منهما من رجل وأجاز المالك البيعين فإن كلا منهما يخير أنه تغير عليه شرط عدم عقده، فلعل رغبته
في تملك الكل ا ه‍. قوله: (بنصف الثمن) أي الذي عينه أحدهما، وإن كان ما عينه الآخر،
كأن ادعى أحدهما أنه اشتراه بمائة والآخر بمائتين أخذ الأول نصفه بخمسين والآخر نصفه بمائة، وقيد
بالشراء من ذي اليد لأنه لو ادعيا الشراء من ذي اليد فإنه يأتي حكمه. قوله: (لتفريق الصفقة عليه)
فلعل رغبته في تملك الكل. قوله: (وإن ترك أحدهما بعدما قضى لهما) أفاد أنه بالقضاء له بالنصف
لا يجبر على أخذه لما فيه من الضرر. قوله: (لانفساخه) أي انفساخ البيع في النصف بالقضاء: أي لأنه
صار مقضيا عليه بالنصف لصاحبه فانفسخ البيع فيه فلا يكون له أن يأخذه بعد الانفساخ، لان العقد
متى انفسخ بقضاء القاضي لا يعود إلا بتجديده ولم يوجد. قوله: (فلو قبله) أي فلو ترك أحدهما قبل
القضاء به بينهما فللآخر أن يأخذه كله، لأنه أثبت ببينته أنه اشترى الكل، وإنما يرجع إلى النصف
بالمزاحمة ضرورة القضاء به ولم يوجد، ونظيره تسليم أحد الشفيعين قبل القضاء، ونظير الأول تسليمه
بعد القضاء كما في البحر قوله: (للسابق تأريخا إن أرخا) أي لأنه أثبت الشراء في زمن لا ينازعه فيه
أحد فاندفع الآخر به، وهذا كما علمت فيما إذا ادعيا الشراء من واحد، فلو اختلف بائعهما لم يترجح
أسبقهما تاريخا ولا المؤرخ فقط لان ملك بائعهما لا تاريخ له. قوله: (فيرد البائع ما قبضه) أي الثمن.
قوله: (وهو لذي يد) أي المدعي بالفتح إن لم يؤرخا الخ. لما ذكر ما إذا ادعى الخارجان الشراء من ذي
اليد، وفيه لا يترجح واحد إلا بسبق التاريخ، أخذ يتكلم على ما إذا ادعى خارج وذو يد الشراء من
واحد ويترجح ذو اليد لأنها دليل سبقه ولأنهما استويا في الاثبات وترجيح ذي اليد بها وليس للثاني ما
يعارضها فلا يساويه، ولأن يد الثابت لا تنقص بالشك. ويكون الترجيح أيضا في هذه المسألة بسبق
التاريخ، فيترجح ذو اليد في أربع: ما إذا سبق تاريخه وهو ظاهر، وما إذا لم يؤرخا لما ذكر، وما إذا
كان التاريخ من جانب لأنه غير معتبر كما لو لم يؤرخا، وما إذا استوى التاريخان لتعارضهما فصار كما
لو لم يؤرخا، ويترجح الخارج في واحدة وهو ما إذا سبق تاريخه.
ويمكن أن تجعل هذه المسألة من تفاريع ما إذا ادعى الخارجان الشراء من ذي اليد وأثبت أحدهما
بالبينة قبضه فيما مضى من الزمان على ما نقله في البحر عن المعراج.
ويشكل عليه ما ذكره بعد عن الذخيرة من أن ثبوت اليد بأحدهما بالمعاينة. ويمكن أن يقال: ما
ثبت بالبينة معاينة لان المعاينة لا تكفي من القاضي لأنه لا يقضي بعلمه فلم يبق إلا معاينة الشهود.
قال في البحر: ولي إشكال في عبارة الكتاب، وهو أن أصل المسألة مفروض في خارجين تنازعا
فيما في يد ثالث، فإذا كان مع أحدهما قبض كان ذا يد تنازع مع خارج فلم تكن المسألة.
ثم رأيت في المعراج ما يزيله من جواز أنه أثبت بالبينة قبضه فيما مضى من الزمان وهو الآن في
يد البائع انتهى. إلا أنه يشكل ما ذكره بعد عن الذخيرة بأن ثبوت اليد لأحدهما بالمعاينة انتهى
والحق أنها مسألة أخرى وكان ينبغي إفرادها.
وحاصلها: أن خارجا وذا يد ادعى كل الشراء من ثالث وبرهنا قدم ذو اليد في الوجوه الثلاثة
والخارج في وجه واحد انتهى كلام البحر. وفيه الاشكال الذي ذكره عن الذخيرة.

126
وأجاب المقدسي بأن قوله: (وهو لذي يد إن لم يؤرخا) يرجع إلى مطلق مدعيين لا بقيد كونهما
خارجين، وقد أشار المصنف إلى ما قدمنا من أن الحق أنها مسألة أخرى وكان ينبغي إفرادها، حيث
ذكر قوله ولذي وقت، ولكن كان عليه أن يقدمه على قوله ولذي يد لأنه من تتمة المسألة الأولى
ويكون قوله: ولذي استئناف مسألة أخرى.
فرع: لو برهنا على ذي يد بالوديعة يقضي بها لهما نصفين ثم ذا أقام أحدهما البينة على
صاحبه أنه له لم يسمع، ولو برهن أحدهما وأقام الآخر شاهدين ولم يزكيا قضى به لصاحب البينة، ثم
أقام الآخر بينة عادلة أنه ملكه أودعه عند الذي في يده أو لم يذكروا ذلك فقضى به له على المقضي له
أولا، وهذا يخالف الشراء فإن فيه لا يحكم للثاني، ولعله لان الايداع من قبيل المطلق. قوله: (وهو
لذي وقت الخ) الأولى تقديمها على قوله: (وهو لذي يد) لأنها من تتمة الأولى، وإنما كان القول له
لثبوت ملكه في ذلك الوقت مع احتمال الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا يقضي له بالشك، وإنهما
اتفقا على أن الملك للبائع ولم يثبت الملك لهما إلا بالتلقي منه وأن شراءهما حادث والحادث يضاف إلى
أقرب الأوقات، إلا إذا ثبت التاريخ فيثبت تقدمه، فلهذا كان المؤرخ أولى، بخلاف ما إذا اختلف
بائعهما على ما بينا، وبخلاف ما إذا ادعى الملك ولم يدع الشراء من ذي اليد حيث لم يكن التاريخ أولى
عند أبي حنيفة ومحمد.
تبيين: قال المدني: أقول التاريخ في الملك المطلق لا عبرة به من طرف واحد بخلافه في الملك
بسبب كما هو معروف ا ه‍.
وفيه عن القهستاني عن الخزانة أنه لو وقت أحدهما شهرا والآخر ساعة فالساعة أولى والتاريخ هو
قلب التأخير. واصطلاحا: هو تعريف وقت الشئ بأن يسند إلى وقت حدوث أمر شائع كظهور دولة
أو غيره كطوفان وزلزلة لينسب إلى ذلك الوقت الزماني الآتي، وقيل هو يوم معلوم نسب إليه ذلك
الزمان، وقيل هو مدة معلومة بين حدوث أمر ظاهر وبين أوقات حوادث أخر كما في نهاية الادراك.
قوله: (والحال أنه لا يد لهما) بأن كان المبيع في يد ثالث. قوله: (وإن لم يوقتا الخ) لا حاجة إليه.
قوله: (والشراء أحق من هبة) أي لو برهن خارجان على ذي يد أحدهما على الشراء منه والآخر على
الهبة منه كان الشراء أولى، لأنه أقوى لكونه معاوضة من الجانبين، ولأنه يثبت الملك بنفسه والملك في
الهبة يتوقف على القبض، فلو أحدهما ذا يد والمسألة بحالها يقضى للخارج أو للأسبق تاريخا، وإن
أرخت إحداهما فلا ترجيح، ولو كل منهما ذا يد فهو لهما، أو للأسبق تاريخا كدعوى ملك مطلق،
ولو اختلف المملك استويا لان كلا منهما خصم عن مملكه في إثبات ملكه وهما سواء، بخلاف ما لو
اتحد لاحتياجهما إلى إثبات السبب، وفيه يقدم الأقوى، وأطلق في الهبة وهي مقيدة بالتسليم وبأن لا
تكون بعوض وإلا كانت بيعا، وأشار إلى استواء الصدقة والهبة المقبوضتين للاستواء في التبرع، ولا
ترجيح للصدقة باللزوم لأنه يظهر في ثاني الحال وهو عدم التمكن من الرجوع في المستقبل والهبة قد
تكون لازمة كهبة محرم والصدقة قد لا تلزم بأن كانت لغني كذا في البحر ملخصا.
وفيه: ولم أر حكم الشراء الفاسد مع القبض والهبة مع القبض، فإن الملك في كل متوقف على

127
القبض، وينبغي تقديم الشراء للمعاوضة. ورده المقدسي بأن الأولى تقديم الهبة لكونها مشروعة والبيع
الفاسد منهي عنه، ولم يذكر ما لو اختلفا في الشراء مع الوقف، فحكمه ما في مشتمل الاحكام عن
القنية قال: ادعى على رجل أن هذه الدار التي في يده وقف مطلق وذو اليد ادعى أن بائعي اشتراها
من الوقف وأرخا وأقاما البينة فبينة الوقف أولى، ثم إذا أثبت ذو اليد تاريخا سابقا على الوقف فبينته
أولى، وإلا فبينه الوقف أولى ا ه‍.
وفي فتاوى مؤيد زاده: ادعى عليه دارا أنه باعها مني منذ خمس عشرة سنة وادعى الآخر أنها
وقف عليه مسجل وأقاما بينة فبينة مدعي البيع أولى، وإن ذكر الواقف بعينه فبينة الوقف أولى لأنه
يصير مقضيا عليه. قوله: (وصدقة) قال في البحر: الصدقة المقبوضة والهبة كذلك سواء للتبرع فيهما،
ولا ترجيح للصدقة باللزوم لان أثر اللزوم يظهر في ثاني الحال وهو عدم التمكن من الرجوع في
المستقبل، والترجيح يكون بمعنى قائم في الحال، والهبة قد تكون لازمة بأن كانت لمحرم، والصدقة
قد تلزم بأن كانت لغني. قوله: (ورهن ولو مع قبض) إنما قدم الشراء عليه لأنه يفيد الملك بعوض
للحال والرهن لا يفيد الملك للحال فكان الشراء أقوى، وقد علمت أن الهبة بعوض كالشراء فتقدم
عليه وقوله ولو مع قبض راجع إلى الرهن فقط لان دعوى الهبة أو الصدقة غير المقبوضة لا تسمع.
قوله: (واتحد المملك) أما إذا كان المملك مختلفا فلا يعتبر فيه سبق التاريخ. أبو السعود. بل يستويان
كما يأتي قال في البحر: أطلقه وهو مقيد بأن لا تاريخ لهما، إذ لو أرخا مع اتحاد المملك كان
للأسبق، فأخذه منه وذكر ما ذكر من خلل صاحب الكنز بهذا القيد مع جواز الاعتذار بحمل المطلق
على الخالي من التاريخ إذ الأصل عدمه، فتأمل. أفاده الرملي. قوله: (ولو أرخت إحداهما) أي إحدى
البينتين لما تقدم فيما إذا أرخت إحدى بينتي مدعي الشراء من واحد. قوله: (فالمؤرخة أولى) لأنهما
اتفقا على الملك والملك لا يتلقى إلا من جهة المملك وهو واحد، فإذا أثبت أحدهما تاريخا يحكم له به
درر. قوله: (استويا) لان كلا منهما خصم عن مملكه في إثبات ملكه وهما فيه سواء بخلاف ما إذا
اتحد لاحتياجهما إلى إثبات السبب، وفيه يقدم الأقوى كما في البحر: أي فينصف المدعي بين مدعي
الشراء ومدعي الهبة والصدقة، وهذا ظاهر في غير الرهن، أما فيه فينبغي أن لا يصح فيه مطلقا لعدم
صحة رهن المشاع شيوعا مقارنا أو طارئا على حصة شائعة يقسم أو لا كما سيأتي في بابه. وأما طروه
على حصة مفروزة فلا يبطله كما نبه عليه المقدسي، فتنبه.
وفي البحر: لو ادعى الشراء من رجل وآخر الهبة والقبض من غيره والثالث الميراث من أبيه
والرابع الصدقة من آخر قضى بينهم أرباعا، لأنهم يلتقون الملك من مملكهم فيجعل كأنهم حضروا
وأقاموا البينة على الملك المطلق. قوله: (وهذا) أي الاستواء.
اعلم أن صاحب البحر والهندية جعلا ذلك فيما إذا كانت العين في أيديهما. وعبارة البحر بعد
أن صرح بأن مدعي الشراء والهبة مع القبض خارجان، ادعيا على ثالث نصها: وقيد بكونهما خارجين
للاحتراز عما إذا كانت في يد أحدهما والمسألة بحالها فإنه يقضى للخارج، إلا في أسبق التاريخ فهو
للأسبق، وإن أرخت إحداهما فلا ترجيح لها كما في المحيط، وإن كانت في أيديهما فيقضي بينهما،
إلا في أسبق التاريخ فهي له كدعوى ملك مطلق، وهذا إذا كان المدعى مما لا يقسم كالعبد والدابة.

128
وأما فيما يقسم كالدار فإنه يقضى لمدعي الشراء، لان مدعي الهبة أثبت بالبينة الهبة في الكل ثم
استحق الآخر نصفه بالشراء، واستحقاق نصف الهبة في مشاع يحتمل القسمة يبطل الهبة بالاجماع. فلا
تقبل بينة مدعي الهبة، فكان مدعي الشراء منفردا بإقامة البينة. ا ه‍. ونقلاها عن المحيط. وكلام المؤلف
يفيد أن ذلك فيما إذا اختلف المملك واستويا، والحكم واحد لان الإشاعة تتحقق في حال اختلافه
أيضا. قوله: (لان الاستحقاق) أي استحقاق مدعي الشراء النصف، وهو جواب عما قاله في العمادية
من أن الصحيح أنهما سواء، لان الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة ويفسد الرهن ا ه‍. وأقره في البحر
وصدر الشريعة.
قال المصنف نقلا عن الدرر: عده صورة الاستحقاق من أمثلة الشيوع الطارئ غير صحيح.
والصحيح ما في الكافي والفصولين، فإن الاستحقاق إذا ظهر بالبينة كان مستندا إلى ما قبل الهبة
فيكون مقارنا لها لا طارئا عليها انتهت: أي وحيث كانت من قبيل المقارن وهو يبطل الهبة إجماعا ينفرد
مدعي الشراء بالبرهان فيكون أولى. قوله: (من قبيل الشيوع المقارن) أي وهو يبطل الهبة بالاجماع كما
علمت، فينفرد مدعي الشراء بإقامة البينة فيكون أولى. قوله: (لا الطارئ) لأنه لا يفسد الهبة
والصدقة، بخلاف المقارن كما علمت، وهذا جواب عما قاله العمادي كما تقدم، والرجوع ببعض
الهبة كالشيوع الطارئ. قوله: (هبة الدرر) ومثله في التبيين والمنح. قوله: (والشراء والمهر سواء)
يعني إذا ادعى أحدهما الشراء من ذي يد وادعت امرأة أنه تزوجها عليه فهما سواء لاستوائهما في
القوة، فإن كل واحد منهما معاوضة يثبت الملك بنفسه، وهذا عندهما. وقال محمد: الشراء أولى.
قوله: (وترجع هي) أي على الزوج بنصف القيمة لاستحقاق نصف المسمى. قوله: (وهو بنصف
الثمن) أي إن كان نقده. قوله: (أو يفسخ) بالبناء للمجهول ليشمل المهر والمشتري، لان كلا منهما
دخل عليه عيب تفريق الصفقة، فللمرأة أن ترده وترجع بجمع القيمة والمشتري بجميع الثمن قوله:
(لما مر) أي من تفرق الصفقة عليه. قوله: (أو أرخا واستوى تاريخهما الخ) قال في ترجيح البينات
للبغدادي: قامت بينة على المال وبينة على البراءة وأرخا: فإن كان تاريخ البراءة سابقا يقضي بالمال،
وإن كان لاحقا يقضي بالبراءة، وإن لم يؤرخا أو أرخت إحداهما، دون الأخرى أو أرخا وتاريخهما
سواء فالبراءة أولى، لان البراءة إنما تكتب لتكون حجة صحيحة ولا صحة لها إلا بعد وجوب المال،
والظاهر أنه كان بعد وجوب المال ا ه‍. قوله: (قيد بالشراء) أي في جعله مع المهر سواء، لان الهبة
وأخواتها لا تساوي المهر ولذا قال الشارح: لان النكاح أحق. قوله: (لان النكاح أحق من هبة أو
رهن أو صدقة) انظر ما معنى هذه العبارة مع قوله المار والشراء والمهر سواء فلم يظهر لي فائدتها
سوى أنه تكرار محض. تأمل. قوله: (والمراد من النكاح) أي في قول العمادي لان النكاح الخ المهر.
قال في البحر ناقلا عن جامع الفصولين: لو اجتمع نكاح وهبة يمكن أن يعمل بالبينتين لو استويتا بأن
تكون منكوحة لذا وهبة للآخر بأن يهب أمته المنكوحة فينبغي أن لا تبطل بينة الهبة حذرا من تكذيب

129
المؤمن، وكذا الصدقة مع النكاح، وكذا الرهن مع النكاح ا ه‍. وهو وهم لأنه فهم أن المراد لو
تنازعا في أمة أحدهما ادعى أنها ملكه بالهبة والآخر أنه تزوجها وليس مرادهم، وإنما المراد من النكاح المهر
كما عبر به في المحيط في الكتاب، ولذا قال في المحيط: والشراء أولى من النكاح عند محمد. وعند
أبي يوسف: هما سواء. لمحمد أن المهر صلة من وجه قد أطلق النكاح وأراد المهر، ومما يدل على ما
ذكرناه أن العمادي بعدما ذكر أن النكاح أولى قال: ثم إن كانت العين في يد أحدهما فهو أولى، إلا أن
يؤرخا وتاريخ الخارج أسبق فيقضي للخارج، ولو كانت في أيديهما يقضى بها بينهما نصفين إلا أن
يؤرخا وتاريخ أحدهما أسبق فيقضي له ا ه‍. وكيف يتوهم أن الكلام في المنكوحة بعد قوله تكون بينهما
نصفين؟.
وينبغي لو تنازعا في الأمة ادعى أحدهما أنها ملكه والآخر أنها منكوحته وهما من رجل واحد
وبرهنا ولا مرجح أن يثبتا لعدم المنافاة فتكون ملكا لمدعي الملك هبة أو شراء منكوحة للآخر كما
بحثه في الجامع، ولم أره صريحا. ا ه‍.
فالحاصل: أن صاحب البحر استحسن بحث صاحب الفصولين ولكنه لم يره منقولا، ووهمه في
حمله قولهم النكاح أولى من الهبة أن المراد ادعاء أحدهما نكاح الأمة والآخر هبتها، بدليل ما ذكره في
العمادية أنها لو كانت في أيديهما ولا مرجح يقضي بينهما، ولا يصح ذلك في المدعي نكاحها، وأن
صاحب المحيط أطلق النكاح وأراد المهر كما بينه. قوله: (المهر) فيكون من إطلاق الشئ وإرادة أثره
المترتب عليه. قوله: (كما حرره في البحر مغلطا للجامع) أي جامع الفصولين في قوله لو اجتمع
نكاح وهبة إلى آخر ما قدمناه. قوله: (نعم الخ) هذا الذي جعله صاحب البحر بحثا لصاحب
الفصولين وذكر أنه لم يره منقولا كما تقدم، وهو استدراك على قوله والمراد من النكاح المهر. قوله:
(لو تنازعا في الأمة) أي وبرهنا. قوله: (ولا مرجح) كسبق التاريخ. قوله: (فتكون مملكا له الخ) لعدم
المنافاة. قوله: (ورهن مع قبض الخ) أي إن لم يكن مع واحد منهما تاريخ. قوله: (معه) أي مع
القبض. قال المصنف في منحه: قولي بلا عوض هو قيد لازم أخل به صاحب الكنز والوقاية قال
الرملي: هو لصاحب البحر مع أنه لا يضر تركه، إذا الهبة إذا أطلقت يراد بها الخالية عن العوض كما
هو ظاهر. بل لقائل أن يقول: ذكرها ربما يشبه التكرار لأنها بيع انتهاء حتى جرت أحكام البيع عليها
فيعلم حكمها منه. تأمل. قوله: (استحسانا) وجه الاستحسان أن الرهن مضمون، فكذا المقبوض
بحكم الرهن والهبة أمانة، والمضمون أقوى فكان أولى. والقياس أن الهبة أولى لأنها تثبت الملك
والرهن لا يثبته. قوله: (ولو العين معهما استويا) يعني أن ما تقدم فيما إذا كان خارجين: فإن كانت
في يديهما فهما سواء، وإن كانت في يد أحدهما فهو أولى إلا أن يؤرخا وتاريخ الخارج أسبق فيقضي
له.
وبحث فيه العمادي بأن الشيوع الطارئ يفسد الرهن فينبغي أن يقضي بالكل لمدعي الشراء،

130
لان مدعي الرهن أثبت رهنا فاسدا فلا تقبل بينته فصار كأن مدعي الشراء انفرد بإقامة البينة، ولهذا
قال شيخ الاسلام خواهر زاده: إنه إنما يقضي به بينهما فيما إذا اجتمع الشراء والهبة إذا كان المدعي
مما لا يحتمل القسمة كالعبد والدابة، أما إذا كان شيئا يحتملها يقضي بالكل لمدعي الشراء، قال: لان
مدعي الشراء قد استحق النصف على مدعي الهبة، واستحقاق نصف الهبة في مشاع يحتمل القسمة
يوجب فساد الهبة فلا تقبل بينة مدعي الهبة، غير أن الصحيح ما أعلمتك من أن الشيوع الطارئ لا
يفسد الهبة والصدقة ويفسد الرهن، والله تعالى أعلم. بحر.
قلت: وعلى ما مر من أن الاستحقاق من الشيوع المقارن ينبغي أن يقضي لمدعي الشراء بالأولى،
فالحكم بالاستواء على كل من القولين مشكل، فليتأمل.
قال المصنف في المنح: هذا الكلام من العمادي يشير إلى أن الاستحقاق من قبيل الشيوع
الطارئ، وليس كذلك بل هو من الشيوع المقارن المفسد كما صرح به في جامع الفصولين، وصححه
في شرح الدرر والغرر ونقله في الكنز في كتاب الهبة وأقره. قوله: (وإن برهن خارجان على ملك
مؤرخ الخ) قيد بالملك لأنه لو أقامها على أنها في يده منذ سنين ولم يشهد أنها له قضى بها للمدعي،
لأنها شهدت باليد لا بالملك كما في البحر.
وفيه: ومن أهم مسائل هذا الباب معرفة الخارج من ذي اليد:
وفي جامع الفصولين: ادعى كل أنه في يده، فلو برهن أحدهما يقبل ويكون الآخر خارجا،
ولولا بينة لهما لا يحلف واحد منهما.
ولو برهن أحدهما على اليد وحكم بيده ثم برهن على الملك لا تقبل، إذ بينة ذي اليد على الملك
لا تقبل.
مطلب: من أهم مسائله دعوى الرجلين معرفة الخارج من ذي اليد
أخذ عينا من يد آخر وقال إني أخذته من يده لأنه كان ملكي وبرهن على ذلك تقبل، لأنه وإن
كان ذا يد بحكم الحال لكنه لما أقر بقبضه منه فقد أقر أن ذا اليد في الحقيقة هو الخارج.
ولو غصب أرضا وزرعها فادعى رجل أنها له وغصبها منه: فلو برهن على غصبه وإحداث يده
يكون هو ذا يد والزراع خارجا، ولو لم يثبت إحداث يده فالزارع ذو يد والمدعي هو الخارج.
بيده عقار أحدث الآخر عليه يده لا يصير به ذا يد، فلو ادعى عليه أنك أحدثت اليد وكان
بيدي فأنكر يحلف ا ه‍. وبه علم أن اليد الظاهر لا اعتبار بها.
ثم اعلم: أن الرجلين إذا ادعيا عينا، فإما أن يدعيا ملكا مطلقا أو ملكا بسبب متحد قابل
للتكرار أو غير قابل أو مختلف أحدهما أقوى من الآخر أو مستويان من واحد أو من متعدد أو يدعي
أحدهما الملك المطلق والآخر الملك بسبب أو أحدهما ما يتكرر والآخر ما لا يتكرر فهي تسعة، وكل
منهما إما أن يبرهن أو يبرهن أحدهما فقط، أو لا برهان لواحد منهما ولا مرجح أو لأحدهما مرجح،
فهي أربعة صارت ستا وثلاثين، وكل منها إما أن يكون المدعي في يد ثالث أو في يدهما أو في يد

131
أحدهما فهي أربعة صارت مائة وثمانية وعشرين وكل منها على أربعة: إما أن لا يؤرخا أو أرخا
واستويا أو سبق أحدهما أو أرخ أحدهما صارت خمسمائة واثني عشر ا ه‍. وقد أوصلها في التسهيل
لجامع الفصولين إلى سبعة آلاف وستمائة وسبعين مسألة، وأفردها برسالة خاصة، وقد تخرج مع هذا
العاجز الحقير زيادة على ذلك بكثير حررته في ورقة حين اطلاعي على تلك الرسالة، وسأجمع في ذلك
رسالة حافلة إن شاء الله تعالى، ولكن ذكر ذلك هنا يطول ولا حاجة إلى ذكره، بل اقتصر على ما ذكره
العلامة عبد الباقي أفندي أسيري زاده حيث جعل لها ميزانا، إلا أنه أوصل الصور إلى ستة وتسعين
فقال:
اعلم أن الرجلين إذا ادعيا عينا وبرهنا فلا يخلو: إما أن ادعى كلاهما ملكا مطلقا، أو ادعى
كلاهما بسبب واحد بأن ادعيا إرثا أو شراء من اثنين أو من واحد، أو ادعى أحدهما ملكا مطلقا
والآخر نتاجا، أو ادعى كلاهما نتاجا، أو ادعى كلاهما ملكا، وأنه إما أن يكون المدعى به في يد ثالث
أو في يد أحدهما. وكل وجه على أربعة أقسام: إما إن لم يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا، أو أرخا
وتاريخ أحدهما أسبق، أو أرخ أحدهما لا الآخر، وجملة ذلك ستة وتسعون فصلا كما سيجئ إن شاء
الله تعالى، وهي هذه كما ترى أحببت ذكرها تسهيلا للمراجعة وتقريبا، وإن كان في المصنف والشارح
شئ كثير منها، لكن بهذه الصورة يقرب المأخذ، وإن تكرر فإن المكرر للحاجة يحلو.
ادعيا عينا ملكا مطلقا والعين في يد ثالث
(1): إن لم يؤرخا يقضي بينهما. (2): أو أرخا تاريخا واحدا يقضي بينهما. (3): أو أرخا وتاريخ
أحدهما أسبق عندهما: يقضي للأسبق. وعند محمد في رواية: يقضي بينهما. (4): أو أرخ أحدهما لا
الآخر عند أبي حنيفة: يقضي بينهما: وعند أبي يوسف: للمؤرخ. وعند محمد: لمن أطلق، ومشايخنا
أفتوا بقول أبي حنيفة.
ولو ادعيا ملكا مطلقا والعين في يد ثالث ولم يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا وبرهنا: يقضي بينهما
لاستوائهما في الحجة.
وإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي للأسبق لأنه أثبت الملك لنفسه في زمان لا ينازعه فيه
غيره فيقضي بالملك له ثم لا يقضي بعده لغيره إلا إذا تلقى الملك منه، ومن ينازعه لم يتلق الملك منه
فلا يقضي له به.
مطلب: تستحق الزوائد المتصلة والمنفصلة
ولو أرخ أحدهما لا الآخر: فعند أبي حنيفة: لا عبرة للتاريخ ويقضي بينهما نصفين، لان توقيت
أحدهما لا يدل على تقدم ملكه، لأنه يجوز أن يكون الآخر أقدم منه ويحتمل أن يكون متأخرا عنه
فيجعل مقارنا رعاية للاحتمالين. وعند أبي يوسف: للمؤرخ لأنه أثبت لنفسه الملك في ذلك الوقت
يقينا، ومن لم يؤرخ ثبت للحال يقينا، وفي ثبوته في وقت تاريخ صاحبه شك ولا يعارضه. وعند
محمد: يقضي لمن أطلق لان دعوى الملك المطلق من الأصل، ودعوى الملك المؤرخ يقتصر على وقت

132
التاريخ، ولهذا يرجع الباعة بعضهم على بعض، أو تستحق الزوائد المتصلة والمنفصلة فكان المطلق
أسبق تاريخا فكان أولى، هذا إذا كان المدعي في يد ثالث.
وفي الخلاصة من الثالث عشر من الدعوى: يقضي للأسبق لأنه أثبت الملك لنفسه في زمان لا
ينازعه فيه غيره فيقضي بالملك له ثم لا يقضي بعده لغيره، إلا إذا تلقى الملك منه، ومن ينازعه لم يتلق
الملك منه فلا يقضي له به.
من المحل المزبور: فعند أبي حنيفة: لا عبرة للتاريخ ويقضي بينهما نصفين، لان توقيت أحدهما
لا يدل على تقدم ملكه لأنه يجوز أن يكون الآخر أقدم منه، ويحتمل أن يكون متأخرا عنه فجعل مغايرا
رعاية للاحتمالين.
من المحل المزبور: وعند أبي يوسف: للمؤرخ، لأنه أثبت لنفسه الملك في ذلك الوقت يقينا،
ومن لم يؤرخ ثبت للحال يقينا، وفي ثبوته في وقت تاريخ صاحبه شك فلا يعارضه.
من المحل المزبور: وعند محمد يقضي لمن أطلق، لان دعوى الملك المطلق دعوى الملك من
الأصل ودعوى الملك المؤرخ تقتصر على وقت التاريخ.
ادعيا ملكا مطلقا والعين في أيديهما
(5): لم يؤرخا: يقضي بينهما. (6): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما. (7): أو أرخا وتاريخ
أحدهما أسبق عندهما: يقضي للأسبق. وعند محمد في رواية: يقضي بينهما، ومشايخنا أفتوا بأولوية
الأسبق على قول الامامين. (8): أو أرخ أحدهما لا الآخر: عند أبي حنيفة: يقضي بينهما.
وعند أبي يوسف: للمؤرخ وعند محمد: لمن أطلق، ومشايخنا أفتوا على قول أبي حنيفة.
ولو ادعيا ملكا مطلقا، فإن كانت العين في أيديهما فكذلك الجواب: أي كما كانت العين في يد
ثالث، لأنه لم يترجح أحدهما على الآخر باليد ولم ينحط حاله عن حال الآخر باليد. جامع الفصولين
من الفصل الثامن.
ادعيا ملكا مطلقا والعين في يد أحدهما
(9): لم يؤرخا: يقضي للخارج. (01): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي للخارج. (11): أو أرخا
وتاريخ أحدهما أسبق، عندهما: يقضي لأسبقهما، وعند محمد: يقضي للخارج، أفتى مشايخنا بأولوية
الأسبق على قول الامامين. (21): أو أرخ أحدهما لا الآخر عند أبي يوسف: يقضي للمؤرخ، وعند
محمد: يقضي للخارج، أفتى مشايخنا على قول محمد.
ولو ادعيا ملكا مطلقا: فإن كانت العين في يد أحدهما: فإن كانا أرخا سواء أو لم يؤرخا فهو
للخارج لان بينته أكثر إثباتا، وإن أرخا وأحدهما أسبق فهو لأسبقهما. وعن محمد: أنه رجع عن هذا
القول وقال: لا تقبل بينة ذي اليد على الوقت ولا على غيره، لان البينتين قامتا على الملك المطلق ولم
يتعرضا لجهة الملك فاستوى التقدم والتأخر فيقضي للخارج.
مطلب: البينة مع التاريخ تتضمن معنى بينة دفع الخارج
ولهما أن البينة مع التاريخ تتضمن الدفع، فإن الملك إذا ثبت للشخص في وقت فثبوته لغيره
بعده لا يكون إلا بالتلقي منه، فصارت بينة ذي اليد بذكر التاريخ متضمنة دفع بينة الخارج على معنى

133
أنها لا تصح إلا بعد إثبات التلقي من قبله وبينته على الدفع مقبولة، وعلى هذا إذا كانت الدار في
أيديهما فصاحب الوقت الأول أولى عندهما، وعنده يكون بينهما.
وإن أرخ أحدهما لا الآخر فعند أبي يوسف: يقضي للمؤرخ لان بينته أقدم من المطلق، كما لو
ادعى رجلان شراء من آخر وأرخ أحدهما لا الآخر كان المؤرخ أولى. وعند أبي حنيفة ومحمد يقضي
للخارج ولا عبرة للوقت لان بينة ذي اليد إنما تقبل إذا كانت متضمنة معنى الدفع، وهنا وقع
الاحتمال في معنى الدفع لوقوع الشك في وجوب التلقي من جهته لجواز أن شهود الخارج لو وقتوا
لكان أقدم، فإذا وقع الشك في تضمنه معنى الدفع فلا يقبل مع الشك والاحتمال، جامع الفصولين
من الفصل الثامن.
قال الرملي أقول: هذه المسألة المنقولة عن الخلاصة ليست من باب دعوى الملك المطلق.
وفي الخلاصة: إذا ادعيا تلقي الملك من رجلين والدار في يد أحدهما فإنه يقضي للخارج سواء
أرخا أو لم يؤرخا، أو أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر إلا إذا كان تاريخ صاحب اليد أسبق ا ه‍.
قال: رجل ادعى دارا أو عقارا أو منقولا في يد رجل ملكا مطلقا وأقام البينة على الملك المطلق
وأقام ذو اليد بينة أيضا أنه ملكه: فبينة الخارج أولى عند علمائنا الثلاثة، وهذا إذا لم يذكرا تاريخا. وأما
إذا ذكراه وتاريخهما سواء فكذلك يقضي ببينة الخارج، وإن كان تاريخ أحدهما أسبق فلأسبقهما تاريخا
سواء كان خارجا أو صاحب يد، وهو قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف قول محمد أولا، وعلى قول أبي
يوسف أولا، وهو قول محمد آخرا، لا عبرة فيه للتاريخ بل يقضي للخارج، وإن أرخ أحدهما ولم
يؤرخ الآخر فكذلك يقضي للخارج. من صرة الفتاوي نقلا من الذخيرة حجة الخارج في الملك
المطلق أولى من حجة ذي اليد، لان الخارج هو المدعي والبينة بينة المدعي بالحديث، إلا إذا كانا أرخا
وذو اليد أسبق، لان للتاريخ عبرة عند أبي حنيفة في دعوى الملك المطلق إذا كان من الطرفين، وهو
قول أبي يوسف آخرا، وقول محمد أولا. وعلى قول أبي يوسف أولا وهو قول محمد آخرا: لا عبرة له
بل يقضي للخارج درر.
ادعيا ملكا إرثا من أبيه والعين في يد ثالث
(31): لم يؤرخا: يقضي بينهما نصفين. (41): أو أرخا تاريخا واحدا. يقضي بينهما نصفين.
(51): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: عند علمائنا الثلاثة: يقضي للأسبق إن كان تاريخهما لملك
مورثهما، وإن كان تاريخهما لموت مورثهما: عند محمد: يقضي بينهما نصفين. (61): أو أرخ أحدهما
لا الآخر: يقضي بينهما إجماعا.
ولو ادعى كل واحد منهما إرثا من أبيه: فلو كان العين في يد ثالث ولم يؤرخا أو أرخا سواء
فهو بينهما نصفين لاستوائهما في الحجة، وإن أرخا وأحدهما أسبق فهو لأسبقهما عند أبي
حنيفة وأبي يوسف. وكان أبو يوسف يقول أولا: يقضي به بينهما نصفين في الإرث والملك المطلق ثم رجع إلى ما
قلنا. وقال محمد في رواية أبي حفص كما قاله أبو حنيفة. وقال في رواية أبي سليمان: لا عبرة للتاريخ

134
في الإرث فيقضي بينهما نصفين، وإن سبق تاريخ أحدهما لأنهما لا يدعيان الملك لأنفسهما ابتداء بل
لمورثهما ثم يجرانه إلى أنفسهما ولا تاريخ لملك المورثين، فصار كما لو حضر المورثان وبرهنا على الملك
المطلق، حتى لو كان لملك المورثين تاريخ: يقضي لأسبقهما.
أقول: ينبغي أن يكون حكم هذا كحكم دعوى الشراء من اثنين، لان المورثين كبائعين في تلقي
الملك منهما، فمن لم يعتبر التاريخ في الشراء من البائعين ينبغي أن لا يعتبر التاريخ في الإرث أيضا،
فرد الاشكال على من خالف فيشكل التفصي: أي التخلص إلا بالحمل على الروايتين.
والحاصل: أن في اعتبار تاريخ تلقي الملك من البائعين اختلاف الروايات على ما سيجئ، فكذا
الإرث، فلا فرق بينهما في الحكم فلا إشكال حينئذ، وإن أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما
نصفين إجماعا لأنهما ادعيا تلقي الملك من رجلين فلا عبرة للتاريخ. وقيل يقضي للمؤرخ عند أبي
يوسف جامع الفصولين من الفصل الثامن.
وفي كتاب الدعوى من الخلاصة وإن أرخا لملك مورثهما يعتبر سبق التاريخ في قولهم جميعا
ا ه‍: أي بأن أقام أحدهما بينة أن أباه مات منذ سنة وتركها ميراثا له وأقام الآخر بينة أن أباه مات منذ
سنتين وتركها ميراثا له، ففي هذا الوجه خالف محمد أنقروي في دعوى الإرث.
ادعيا ملكا إرثا من أبيهما والعين في أيديهما أي ادعى كل منهما الإرث من أبيه
(71): لم يؤرخا يقضي بينهما نصفين. (81): أو أرخا تاريخا يقضي بينهما نصفين. (91): أو أرخا
وتاريخ أحدهما أسبق عند علمائنا الثلاثة: يقضي للأسبق إن كان تاريخهما لموت مورثهما، وإن كان
تاريخهما لملك مورثهما عند محمد: يقضي بينهما نصفين، ورجح صاحب جامع الفصولين قول محمد
هنا. (02): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما إجماعا. أي كما لو كانت العين في يد ثالث، ولو
ادعيا ملكا إرثا. فإن كانت العين في أيديهما فكذلك الجواب. في أول الثامن الفصولين ملخصا.
ادعيا ملكا إرثا لأبيه والعين في يد أحدهما
(12): لم يؤرخا: يقضي للخارج. (22): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي للخارج. (32: أو أرخا
وتاريخ أحدهما أسبق: عندهما يقضي للخارج، ومشايخنا أفتوا بأولوية الأسبق على قول الامامين.
(42) أو أرخ أحدهما الآخر: يقضي للخارج إجماعا.
ولو ادعيا ملكا إرثا لأبيه: إن كانت العين في يد أحدهما ولم يؤرخا أو أرخا سواء يقضي
للخارج، وإن أرخا وأحدهما أسبق فهو لأسبقهما. وعند محمد: للخارج لأنه لا عبرة للتاريخ هنا،
وإن أرخ أحدهما لا الآخر فهو للخارج إجماعا، وقيل يقضى للمؤرخ عند أبي يوسف من جامع
الفصولين في الثامن.
أقول: أو أرخا وتاريخ الخارج أسبق، وإن أرخا وتاريخ ذي اليد أسبق فهو له.

135
والحاصل: أنه للخارج إلا إذا سبق تاريخ ذي اليد كما سيأتي، ووضع المسألة في تلقي الملك عن
اثنين، خير الدين.
وفي الخلاصة من الثالث عشر من الدعوى: ولو ادعيا الميراث كل واحد منهما يقول هذا لي
ورثته من أبي لو كان في يد أحدهما فهو للخارج، إلا إذا كان تاريخ ذي اليد أسبق فهو أولى عند أبي
حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر فهو للخارج بالاجماع.
قال في الرابع من الاستروشنية والثامن من العمادية نقلا عن التجريد: لو ادعى صاحب اليد
الإرث عن أبيه وادعى خارج مثل ذلك وأقام البينة: يقضي للخارج في قولهم جميعا، ولو أرخا
وتاريخ أحدهما أسبق قضى للأسبق عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد: يقضي للخارج ا ه‍.
قال في غاية البيان نقلا عن المبسوط لخواهر زاده: إن ادعيا ملكا بسبب بأن ادعى كل تلقي
الملك من اثنين بالميراث أو بالشراء فالجواب عنه كالجواب في الملك المطلق على التفصيل الذي ذكرناه
ا ه‍.
وقد ذكر أن العين في الملك المطلق إن كانت في يد أحدهما وأرخا وتاريخ أحدهما أسبق: فعلى
قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد الأول: يقضي لأسبقهما تاريخا، وعلى قول أبي
يوسف الأول وهو قول محمد الآخر: يقضي للخارج من هامش الأنقروي في نوع دعوى الإرث من
كتاب الدعوى.
ادعيا الشراء من اثنين والعين في يد ثالث
(52): لم يؤرخا: يقضي بينهما نصفين. (62): أو أرخا تاريخا واحدا يقضي بينهما نصفين.
(72): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: عند علمائنا الثلاثة للأسبق إن كان تاريخهما لملك بائعهما، وإن
كان تاريخهما لوقت اشترائهما: عند محمد يقضي بينهما نصفين، ورجح صاحب الفصولين قول
محمد.
(82): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما اتفاقا.
وإن ادعيا الشراء من اثنين والدار في يد الثالث، فإن لم يؤرخا أو أرخا وتاريخهما على السواء:
قضى بالدار بينهما، وإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق فهو على الاختلاف الذي ذكرنا في الميراث: يعني
أن فيه ثلاثة أقوال، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر فهو على ما ذكرنا في الميراث أيضا. وأما إذا
ادعيا الشراء من اثنين وأرخا الشراء وتاريخ أحدهما أسبق: فقد روى عن محمد أنهما إذا لم يؤرخا ملك
البائعين: يقضي بينهما نصفين كما في فصل الميراث، فعلى هذه الرواية لا يحتاج إلى الفرق بين الشراء
والميراث، وفي ظاهر الرواية: يقضي في فصل الشراء لأسبقهما تاريخا عند محمد، وعلى ظاهر رواية
محمد يحتاج إلى الفرق. أنقروي من نوع في دعوى الشراء والبيع.
وفي جامع الفصولين: وإن ادعيا الشراء من واحد ولم يؤرخا أو أرخا سواء فهو بينهما نصفين
لاستوائهما في الحجة، وإن أرخا وأحدهما أسبق: يقضي لأسبقهما اتفاقا، بخلاف ما لو ادعيا الشراء
من رجلين لأنهما يثبتان الملك لبائعهما ولا تاريخ بينهما لملك البائعين فتاريخه لملكه لا يعتد به، وصارا
كأنهما حضرا وبرهنا على الملك بلا تاريخ فيكون بينهما. أما هنا فقد اتفقا على أن الملك كان لهذا
الرجل، وإنما اختلفا في الملتقي منه وهذا الرجل أثبت التلقي لنفسه في وقت لا ينازعه فيه صاحبه

136
فيقضي له به، ثم لا يقضي به لغيره بعد إلا إذا تلقى منه وهو لا يتلقى منه انتهى.
وفيه أيضا أقول: يتراءى لي أن الأصوب هو أن لا يعتبر سبق التاريخ في صورة التلقي من
اثنين، إذ لا تاريخ لابتداء ملك البائعين، فتاريخ المشتري لملكه لا يعتد به مع تعدد البائع فصارا كأنهما
حضرا وبرهنا على الملك المطلق بلا تاريخ ا ه‍.
ادعيا شراء من اثنين والعين في أيديهما
(92) لم يؤرخا. يقضي بينهما نصفين. (03) أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما نصفين.
(13) أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لأسبقهما. (23) أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما
نصفين.
وفي الرابع من دعوى المحيط في نوع في دعوى صاحب اليد تلقي الملك من جهة غيرهما: ادعيا
تلقي الملك من جهة واحدة ولم يؤرخا أو أرخا وتاريخهما على السواء: يقضي بالعين بينهما، وكذلك
إذا أرخ أحدهما دون الآخر: يقضي بينهما بالدار، وإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لأسبقهما
تاريخا، وإن ادعيا تلقي الملك من جهة اثنين فكذلك الجواب على التفصيل الذي قلنا فيما إذا ادعيا
التلقي من جهة واحدة. أنقروي في آخر دعوى الشراء والبيع.
ادعيا عينا شراء من اثنين والعين في يد أحدهما
(33): لم يؤرخا يقضي للخارج. (43): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي للخارج (53): أو أرخا
وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لأسبقهما. (63): أو أرخ أحدهما لا الآخر (1) يقضي للخارج إذا ادعيا
تلقي الملك من رجلين والدار في يد أحدهما فإنه يقضي للخارج سواء أرخا أو لم يؤرخا أو أرخ
أحدهما ولم يؤرخ الآخر، إلا إذا كان تاريخ صاحب اليد أسبق. خلاصة من الثالث عشر من كتاب
الدعوى.
وفي البزازية: عبد في يد رجل برهن رجل على أنه كان لفلان اشتراه منه عشرة أيام وبرهن ذو
اليد على أنه كان لآخر اشتراه منه منذ شهر بكذا وسماه، فعلى قول الثاني في قوله الثاني هو لأسبقهما
تاريخا وهو ذو اليد. وقال محمد في قوله الآخر: هو للمدعي، وعلى قياس قول الثاني أولا هو
للمدعي ا ه‍.
أقول: فعلى هذا ينبغي أن يفتى لأسبقهما تاريخا، كما لو ادعيا الشراء من واحد، لان العمل
بظاهر الرواية أولى.
ادعيا عينا شراء من واحد والعين في يد ثالث
(73): لم يؤرخا: يقضي بينهما نصفين. (83): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي للخارج. (93):



(1) قوله: (وإن أرخ أحدهما لا الآخر الخ) أقول: أي وهما خارجان والبائع واحد.
وذكر في الفصولين بعد ورقة: ولو أرخ أحدهما فذو اليد أولى إذ وقت الساكت يحتمل فلا ينقص قبضه بالشك،
ولو كان المبيع في يد بائعه ولأحد المدعيين تاريخ فالمؤرخ أولى إذ لا مزاحم في وقته فراجعه إذ هو قيد فيما هنا،
ولكن قوله فيما ذكره بعد وإن كانت العين في أيديهما وقوله بعده وإن في يد أحدهما شاهد أن وضع ما هنا فيما إذا
كان المبيع في يد ثالث وتفرض له أيضا والمفروض في الكل أن البائع واحد فتأمل ا ه‍.
137
أو أرخا وتاريخ أحداهما أسبق: يقضي لأسبقهما (04): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي للخارج، وإن
ادعيا الشراء من واحد ولم يؤرخا أو أرخا سواء فهو بينهما نصفين لاستوائهما في الحجة، وإن أرخا
وأحدهما أسبق يقضي لأسبقهما اتفاقا، وإن أرخ أحدهما: أي وهما خارجان لا الآخر فهو للمؤرخ
اتفاقا. من الفصولين من الثامن.
ولو ادعيا الشراء والدار في يد ثالث، إن ادعى كل واحد منهما الشراء من صاحب اليد ولم
يؤرخا وأقاما البينة يقضي بينهما نصفين لكل واحد منهما النصف بنصف الثمن، ولهما الخيار: إن شاء
قبض كل واحد منهما النصف بنصف الثمن، وإن شاء ترك، فإن ترك أحدهما: إن ترك قبل القضاء
فالآخر يأخذه بجميع الثمن بلا خيار، وإن ترك بعد القضاء لا يقبض إلا النصف بنصف الثمن. ولو
ادعيا الشراء من غير صاحب اليد فهي بينهما نصفين، هذا إذا لم يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا، ولو
أرخا وتاريخ أحدهما أسبق فأسبقهما تاريخا أولى بالاجماع، فإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر يقضي
لصاحب التاريخ. خلاصة من الثالث عشر من الدعوى. ولو كان المبيع في يد بائعه فبرهن أحدهما
على الشراء وأنه قبضه منذ شهر وبرهن آخر على الشراء وأنه قبضه منذ عشرة أيام فذو الوقت الأول
أولى. جامع الفصولين.
ادعيا شراء من واحد والعين في أيديهما
(14): لم يؤرخا: يقضي بينهما نصفين. (24): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما نصفين.
(34): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لأسبقهما. (44): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما
نصفين. وإن ادعيا الشراء من واحد والعين في أيديهما فهو بينهما، إلا إذا أرخا وأحدهما أسبق فحينئذ
يقضي لأسبقهما. من جامع الفصولين من الثامن ملخصا.
إذا ادعيا تلقي الملك من جهة واحدة ولم يؤرخا أو أرخا وتاريخهما على السواء: يقضي بالعين
بينهما، وكذلك إذا أرخ أحدهما دون الآخر: يقضي بينهما، وإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق يقضي
لأسبقهما تاريخا. في الرابع من دعوى المحيط.
وفي باب بيان اختلاف البينات في البيع والشراء من دعوى المحيط: إن كانت العين في أيديهما
يقضي بينهما في الفصول، إلا إذا أرخا وتاريخ أحدهما أسبق. وفي غاية البيان عن مبسوط خواهر
زاده: إن كانت العين في أيديهما إن لم يؤرخا أو أرخ سواء أو أرخ أحدهما دون الآخر: يقضي بينهما
نصفين، أما في الأولين فلا إشكال فيه. وأما إذا أرخ أحدهما دون الآخر فكذلك يقضي بينهما
نصفين، لأنه لا عبرة للتاريخ حالة الانفراد إذا كانت العين المؤرخ بيدهما معا، ألا ترى أنه لو كان في
يد أحدهما فأرخ الخارج لا يكون تاريخ أحدهما عبرة لا تنقض يد ذي اليد بالاحتمال؟ فكذا لا يكون
التاريخ عبرة إذا كان في أيديهما حتى لا ينقض ما يثبت من يد الآخر في النصف، وإن لم يكن للتاريخ
حالة الانفراد عبرة بمقابلة اليد صار وجود التاريخ وعدمه بمنزلة، ولو عدم: يقضي بالدار بينهما
نصفين. من هامش الأنقروي في أول دعوى الشراء والبيع.
ادعيا عينا شراء من واحد والعين في يد أحدهما
(54): لم يؤرخا: يقضي لذي اليد. (64): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لذي اليد. (74): أو
أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لأسبقهما. (84): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي لذي اليد. وإن

138
ادعيا الشراء من واحد والعين في يد أحدهما فهو لذي اليد سواء أرخ أو لم يؤرخ، إلا إذا أرخا وتاريخ
الخارج أسبق فيقضي به للخارج ف أول الفصل الثامن من الفصولين.
وفيه في أواسط الفصل المذكور: ولو ادعى الخارج وذو اليد بسبب بهذا السبب نحو شراء وإرث
وشبهه، فلا يخلو إما أن يدعيا تلقي الملك من جهة واحد أو من جهة اثنين: فلو ادعياه من جهة واحد
وبرهنا حكم به لذي اليد لو لم يؤرخا أو أرخا سواء، فلو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق فهو أولى، ولو
أرخ أحدهما فذو اليد أولى، إذ وقت الساكت محتمل فلا ينقض قبضه بشك ا ه‍. وفيه أيضا في المحل
المزبور بإشارة المبسوط: وأجمعوا أن الخارج وذا اليد لو أثبتا الشراء من واحد وأرخ أحدهما لا الآخر
فذو التاريخ أولى (فش) ذو اليد أولى (فث) إذ تاريخ الخارج في حقه مخبر به والقبض في حق ذي اليد
معاين، وهو دليل على سبق عقده، والمعاينة أقوى من الخبر إلا إذا أرخا وتاريخ الخارج أسبق يحكم
للخارج ا ه‍.
وفي بعده مسألة: ولو برهن من ليس بيده على أنه قبضه منذ شهر وبرهن ذو اليد على قبضه بلا
توقيت أو برهن على الشراء ولم يذكر شهوده القبض فالمبيع له، إذ يده في الحال تدل على ما سبق قبضه
وقد ثبت له التاريخ ضمنا ولا يدري أنه قبل قبض الخارج أو بعده فلغت البينتان، وترجح ذو اليد بيده
القائمة في الحال ا ه‍.
ادعيا عينا أحدهما ملكا مطلقا والآخر نتاجا والعين في يد ثالث
(94): لم يؤرخا: يقضي لصاحب النتاج. (05): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لصاحب النتاج.
(15): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لصاحب النتاج. (25): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي
لصاحب النتاج.
ادعيا عينا ملكا مطلقا والآخر نتاجا والعين في أيديهما
(35): لم يؤرخا: يقضي لصاحب النتاج. (45): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لصاحب النتاج.
(55): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لصاحب النتاج. (65): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي
لصاحب النتاج.
ادعيا عينا أحدهما ملكا مطلقا والآخر نتاجا والعين في أيديهما
(75): لم يؤرخا: يقضي لصاحب النتاج. (85): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لصالح النتاج.
(95): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي لصاحب النتاج. (06): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي
لصاحب النتاج.
في باب دعوى الرجلين من الدرر والغرر: ولو برهن أحدهما من الخارج وذي اليد على الملك
المطلق والآخر على النتاج فذو النتاج أولى.
وفي الباب المزبور من الملتقي: ولو برهنا على الملك والآخر على النتاج فهو أولى، وكذا لو كانا
خارجين ا ه‍.
وفي باب ما يدعيه الرجلان من شرح المجمع: لو أقام أحد المدعيين بينة على الملك والآخر على
النتاج قدم صاحب النتاج سواء كان خارجا أو ذا يد، لان صاحب النتاج يثبت أولية الملك فلا يملكه
الغير إلا بالتلقي منه ا ه‍.

139
وقال أبو السعود العمادي في تحريراته: قد علم من هذه النقول أنه لا فرق في أولوية صاحب
النتاج بين أن تكون العين في يد أحدهما أو في يد ثالث، فإن كانت العين في يدهما فكذلك صاحب
النتاج أولى، لان كل واحد من صاحب اليد ذو يد في نصفه وخارج في النصف الآخر كذي اليد مع
الخارج.
والحاصل: إذا برهن المدعيان أحدهما على الملك المطلق والآخر على النتاج تقدم بينة النتاج، سواء
كان العين في يد أحدهما أو في يدهما أو في يد ثالث كما بين في الأصول ا ه‍.
وقال في البحر الرائق في القضاء: أطلقوا هذه العبارة وهي قولهم: تقدم بينة النتاج على بينة
الملك المطلق، فشمل ما إذا أرخا واستويا أو سبق أحدهما أو أرخ أحدهما أو لم يؤرخا أصلا، فلا اعتبار
للتاريخ مع النتاج إلا من أرخ تاريخا مستحيلا بأن لم يوافق سن المدعي لوقت ذي اليد ووافق وقت
الخارج فحينئذ يحكم للخارج، ولو خالف سنه للوقتين لغت البينتان عند عامة المشايخ ويترك في يد
ذي اليد على ما كان. والنتاج بكسر النون: ولادة الحيوان ووضعه عند من نتجت عنده بالبناء للمفعول
ولدت ووضعت كما في المغرب، والمراد: ولادته في ملكه أو ملك بائعه أو مورثها ا ه‍. والمراد لكون
التاريخ مستحيلا في دعوى النتاج عدم موافقة التاريخ لسن المولود.
ودعوى النتاج دعوى سبب الملك بالولادة في ملكه، لان سبب ذلك نوعان: أحدهما: لا يمكن
تكرره والثاني: يمكن تكرره، فما لا يمكن تكرره هو النتاج، فوقوع النتاج في الخارج مرتين محال:
يعني لا يتصور عود الولد إلى بطن أمه ثم خروجه مرة بعد أخرى، فإذا كان الامر كذلك الولد لا
يعاد ولادته بعد الولادة مرة أخرى، وما كان من المتاع كذلك ولا يصنع مرة أخرى بعد نقضه فلا
يكون نحو النتاج (1) كما صرح به في المفصلات ا ه‍. فدعوى النتاج دعوى ما لا يتكرر كما صرح به
قاضيخان في آخر دعوى المنقول، ودعوى النتاج دعوى أولية الملك كما ذكروا في آخر الفصل الثامن
من الفصولين، فيكون كل دعوى أولية الملك كالنتاج، وعلى هذا اتفاق الأئمة الفحول في الفروع
والأصول كما حققه جوى زاده (2). فكل سبب للملك من المتاع ما لا يتكرر: يعني لا يعاد ولا يصنع
مرة بعد أخرى بعد نقضه فهو في معنى النتاج، ودعوى الملك بهذا السبب كدعواه بالنتاج فإن مثله في
عدم التكرر فحكمه كحكمه في جميع أحكامه، وأما كل سبب للملك من المتاع ما يتكرر: يعني يعاد
ويصنع مرة بعد أخرى بعد نقضه: فهو لا يكون بمعنى النتاج بل يكون في منزلة الملك المطلق كما
صرح به في المحيط والمبسوط والزيلعي والظهيرية وغيرها ا ه‍.
مثال ما لا يتكرر كنسخ ثياب قطنية أو كتانية لا تنسج إلا مرة، فنسج ثوب قطن أو كتان سبب
للملك لا يتكرر فهو كالنتاج، فلو أقام خارج وذو يد على أن هذا الثوب ملكه وأنه نسخ عنده في
ملكه كان ذو اليد أولى كما في الخانية والبزازية وغيرهما ا ه‍. وكحلب لبن فحلب لبن سبب للملك لا
يتكرر فهو كالنتاج، فلو برهن كل من خارج وذي يد على أن هذا اللبن حلب في ملكه كان ذو اليد
أولى كما نقله شارح الملتقي وحدتي عثمان أفندي الأسكوبي.



(1) قوله: (فلا يكون نحو النتاج) لعله سقط قبله وما كان من المتاع يصنع مرة بعد أخرى بعد فقضه ليوافق كلامه الآتي،
وبالجملة فليحرر هذا المقام.
(2) نسخة خواهر زادة.
140
ومثال ما يتكرر كالمنطقة المصنوعة من الذهب والفضة وغيرهما كالبناء والشجر والمغروس والبر
المزروع وسائر الحبوب ونحوها مثلا فهو مما يتكرر ويعاد له بعد النقض مرة أخرى، فلو برهن كل من
الخارج وذي اليد أن المنطقة صنعت في ملكه وأن الشجر المغروس له في ملكه وأن البر له زرعه
والحبوب المملوكة له كان الخارج أولى، لاحتمال أن الخارج فعله أولا ثم غصبه ذو اليد منه ونقضه
وفعل ثانيا فيكون ملكا له بهذا الطريق، فلم يكن في معنى النتاج بل يكون بمنزلة الملك المطلق كما
ذكره ابن ملك على المجمع، فإن الذهب المصنوع والفضة المصنوعة والبناء ينقض ويعاد ثانيا، والشجر
يغرس ثم يقطع من الأرض ويغرس ثانيا، والحبوب تزرع ثم تغربل مع التراب فتميز ثم تزرع ثانيا،
وكذلك المصحف الشريف مما يتكرر، فلو أقام كل من الخارج وذي اليد البينة أنه مصحفه كتبه في
ملكه فإنه يقضي به للمدعي، لان الكتابة مما يتكرر يكتب ثم يمحى ثم يكتب كما في دعوى المنقول
من قاضيخان.
وفي الخلاصة في الثالث عشر من الدعوى: أما لسيف فمنه ما يضرب مرتين ومنه ما يضرب
مرة واحدة فيسأل علماء الصياقلة، إن قالوا يضرب مرتين يقضي للمدعي، وإن قالوا مرة
يقضي لذي اليد، فإن أشكل عليهم أو اختلفوا، ففي رواية أبي سليمان: يقضي به لذي اليد، وفي
رواية حفص: يقضي للخارج.
وفي الوجيز للسرخسي: وإن كان مشكلا فالأصح أنه ملحق بالنتاج ا ه‍. وفي الدرر: فإن
أشكل يرجع إلى أهل الخبرة لأنهم أعرف به، فإن أشكل عليهم قضى به للخارج، لان القضاء ببينة هو
الأصل والعدول عنه بحديث النتاج، فإذا لم يعلم يرجع إلى الأصل ا ه‍.
ادعيا عينا نتاجا والعين في يد ثالث
(16): لم يؤرخا: إن ا دعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر: قضى به بينهما نصفين، وإن
ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: يقضي به بينهما نصفين. (26): أو أرخا تاريخا واحدا:
إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضي به بينهما نصفين، ولا يعتبر التاريخ فيه
إن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق إن وافق سن المولود للوقت الذي ذكر قضى به
بينهما، وإن لم يوافق بأن أشكل عليهما قضى به بينهما كذلك نصفين، وإن خالف منه الوقت الذي
ذكرا بطلت البينتان عند البعض ويقضى به بينهما عند البعض، وهو الأصح على ما قاله الزيلعي
وحققه صاحب الدرر. (36): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا
يتكرر من المتاع: يقضي به بينهما نصفين ولا يعتبر التاريخ فيه، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من
الحيوان والرقيق: إن وافق سن المولود لتاريخ أحدهما قضى به إن وافق سنه وقته، وإن لم يوافق بأن
أشكل عليهما: يقضي بينهما نصفين، وإن أشكل على أحدهما. قضى به لمن أشكل عليه، وإن خالف
للوقتين يطلب البيان عند البعض، وهو الأصح على ما قاله الزيلعي وحققه صاحب الدرر. وإن خالف
سن المولود لاحد الوقتين: قضى به للآخر. (46): أو أرخ أحدهما لا الآخر: إن ادعيا الملك بسبب
عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضى به بينهما نصفين ولا يعتبر التاريخ فيه، وإن ادعيا الملك بسبب
الولادة من الحيوان أو الرقيق: إن وافق سن المولود التاريخ المؤرخ قضى به للمؤرخ، وإن لم يوافق بأن

141
أشكل عليهما يقضي به بينهما نصفين، وإن خالف سنه لوقت المؤرخ: يقضي به لمن لم يؤرخ، لأنه إذا
كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين وهو مشكل في الوقت الآخر: قضي بها لمن أشكل عليه وهو من لم
يؤرخ.
ادعيا نتاجا والعين في أيديهما (1)
(56): لم يؤرخا: إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضي به بينهما
نصفين، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: يقضي به بينهما نصفين. (66): أو أرخا
تاريخا واحدا: وإن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضي به بينهما نصفين ولا
يعتبر التاريخ فيه، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: إن وافق سن المولود للوقت
الذي ذكر: قضى به بينهما، وإن لم يوافق بأن أشكل عليهما: قضى به بينهما كذلك نصفين، وإن
خالف سنه للوقت الذي ذكرا بطلت البينتان عند البعض ويقضي به بينهما عند البعض، وهو الأصح
على ما قاله الزيلعي وحقه صاحب الدرر. (76): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: إن ادعيا بسبب
عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضي به بينهما نصفين ولا يعتبر التاريخ فيه، وإن ادعيا الملك بسبب
الولادة من الحيوان والرقيق: إن وافق سن المولود لتاريخ أحدهما: قضى به لمن وافق سنه وقته، وإن لم
يوافق بأن أشكل عليهما: يقضي بينهما نصفين، وإن أشكل على واحد منهما: قضى به لمن أشكل
عليه، وإن خالف سنه للوقتين بطلت البينتان عند البعض، وهو الأصح على ما قاله الزيلعي وحققه
صاحب الدرر. وإن خالف سن المولود لاحد الوقتين: قضى به للآخر. (86): أو أرخ أحدهما لا
الآخر، إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع: يقضى به بينهما نصفين ولا يعتبر
التاريخ فيه، وإن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق: وإن وافق سن المولود لتاريخ المؤرخ
قضى به للمؤرخ، وإن لم يوافق بأن أشكل: يقضي بينهما نصفين، وإن خالف الوقت المؤرخ: يقضى
به لمن لم يؤرخ انتهى. لأنه إذا كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين وهو أشكل الوقت الآخر: قضى به
لمن أشكل عليه وهو من لم يؤرخ.
في أواخر الفصل الثامن من الفصولين: التاريخ في دعوى النتاج لغو على كل حال أرخا سواء
أو مختلفين أو لم يؤرخا أو أرخ أحدهما فقط انتهى.
وفيه: برهن الخارجان على النتاج: فلو لم يؤرخا أو أرخا سواء أو أرخ أحدهما لا الآخر فهو
بينهما لفقد المرجح، ولو أرخا وأحدهما أسبق: فلو وافق سنه لأحدهما فهو له لظهور كذب الآخر،
ولو خالفهما أو أشكل فهو بينهما لأنه لم يثبت الوقت فكأنهما لم يؤرخا. وقيل فيما خالفهما بطلت
البينتان لظهور كذبهما فلا يقضي لهما ا ه‍.
واعلم أنه إذا تنازعا في دابة وبرهنا على النتاج عنده أو عند بائعه ولم يؤرخا يحكم بها لذي اليد
إن كانت في يد أحدهما، أو يحكم لهما إن كانت في أيديهما أو في يد ثالث كما ذكره الزيلعي.
وفي الثامن عشر من دعوى التتارخانية: وإن أرخا سواء ينظر إلى سن الدابة: إن كان موافقا
للوقت الذي ذكرا يقضي بها بينهما، وإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق يقضي لصاحب الوقت الذي سن



(1) حكم صاحب اليد في النتاج كحكم الخارجين منه.
142
الدابة عليه ا ه‍. يعني قضى لمن وافق سنها وقته، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر ووافق سن الدابة
الوقت المؤرخ: قضى به للمؤرخ أيضا، لأنه إذا كان أحدهما أسبق قضى به لمن وافق سنها وقته، فإذا
كان الامر كذلك: إن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر كان وقت غير المؤرخ مبهما لعدم ذكر التاريخ، فإن
فرض المؤرخ سابقا أو غير سابق يستقيم على صورة مسألة سبق أحد التاريخين، وفي ذلك قضى لمن
وافق سنها، فهنا كذلك قضى للمؤرخ لموافقة تاريخه سنها، وإن فرض المؤرخ مساويا لغير المؤرخ قضى
للمؤرخ أيضا لان في موافقة غير المؤرخ شكا فلا يعارضه لموافقته المؤرخ. كذا حققه جوي زاده في
تحريراته ا ه‍. فلا فرق للقضاء لمن وافق سنها بين أن تكون الدابة في يد أحدهما أو في يديهما أو في يد
ثالث لان المعنى لا يختلف، وإن خالف سنها للوقتين أو أشكل يقضي بها بينهما إن كانت في أيديهما
أو في يد ثالث. وإن كانت في يد أحدهما: قضى بها لذي اليد كما حققه صاحب الدرر نقلا عن
الزيلعي وأيده بقوله وهو الأصح ا ه‍.
ثم اعلم أن هذا إذا كان سن الدابة مخالفا للوقتين، أما إذا كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين
وهو مشكل في الوقت الآخر: قضى بالدابة لصاحب الوقت الذي أشكل سن الدابة عليه، كذا في
الثاني عشر من دعوى التتارخانية ا ه‍. هذا إن أرخا كلاهما، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر وكان
سن الدابة مخالفا لتاريخ المؤرخ: يقضي لمن لم يؤرخ لأنه بالطريق الأولى في أن يكون مشكلا على من لم
يؤرخ، لان من لم يؤرخ أبهم وقته فتحقق الاشكال بينه وبين سن الدابة بالطريق الأولى، فيقضى بالدابة
لمن أشكل عليه سن الدابة وهو من لم يؤرخ. كذا حققه جوي زاده في تحريراته انتهى. وإن أرخ
أحدهما ولم يؤرخ الآخر وكان سن الدابة مشكلا عليهما قضى بينهما كما في الثاني عشر والثالث عشر
من دعوى التتارخانية انتهى. هذا إذا كانت الدابة في أيديهما أو في يد ثالث. وأما إذا كانت في يد
أحدهما قضى بها لذي اليد إن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر وكان سن الدابة مشكلا عليهما كما حققه
جوى زاده في تحريراته. والمراد من المخالفة بين السن والوقتين كون الدابة أكبر من الوقتين أو أصغر
منهما كما في الثامن عشر من دعوى المحيط.
وفي عبارة دعوى التتمة في فصل ما يترجح به إحدى البينتين: إذا كان سن الدابة دون الوقتين
أو فوقهما يكون مخالفا للوقتين، والمراد بالاشكال عدم ظهور سن الدابة كما قال ابن مالك على المجمع
في باب ما يدعيه الرجلان، فإن أشكل: أي إن لم يظهر سن الدابة ا ه‍.
واختلفت عبارات بعض النسخ فيما إذا خالف سن الدابة للوقتين. قال في الهداية في باب ما
يدعيه الرجلان: وإن خالف سن الدابة للوقتين بطلت البينتان. كذا ذكره الحاكم وتبعه في الكافي
والنهاية وغاية البيان والبدائع. وقال محمد: والأصح أن تكون الدابة بينهما، لأنه إذا خالف سن الدابة
للوقتين أو أشكل يسقط اعتبار ذكر الوقت فينظر إلى مقصودهما وهو إثبات الملك في الدابة وقد استويا
في الدعوى والحجة فوجب القضاء بها بينهما نصفين. كذا في الكافي كما حققه جوي زاده في
تحريراته.
وفي آخر الفصل الثامن من الفصولين: التاريخ في دعوى النتاج لغو على كل حال أرخا سواء
أو مختلفين أو لم يؤرخا أو أرخ أحدهما فقط. قال المولى قاضي زاده أخذا من كلام صاحب الدرر
والبدائع: بأن مخالفة السن للوقتين مكذب الوقتين لا مكذب البينتين، فاللازم منه سقوط اعتبار ذلك

143
الوقت لا سقوط اعتبار أصل البينتين، لأنا لم نتيقن بكذب إحدى البينتين لجواز أن يكون سن الدابة
موافقا للوقتين ولا يعرف الناظر كما أشار إليه السرخسي في محيطه، وقد يشاهد أن بعض أهل النظر
نظر في سن فرس وقال إن سنه اثنان ونصف وكان سنه ثلاثا ونصفا.
فإذا تقرر هذا فاعلم أنه إذا لم يثبت الوقت صار كما لو لم يوقت على ذكر شيخ الاسلام
الأسبيجابي في شرح الكافي، لان الأصل عدم اعتبار التاريخ في النتاج كما مر آنفا من الفصولين كذا
حققه جوي زاده في تحريراته.
وقال: قال قاضيخان في أواخر دعوى المنقول: وإن خالف سن الدابة الوقتين: في رواية يقضى
لهما، وفي رواية يبطل البينتان ا ه‍. وكذا في خزانة الأكمل.
وفي الثامن من العمادية. وفي الرابع عشر من الاستروشنية كما في الخانية: والظاهر من كلام
قاضيخان أنه رجح القضاء بينهما لأنه قال في أول كتابه: وفيما كثرت فيه الأقاويل من المتأخرين
اختصرت على قول أو قولين وقدمت ما هو الأظهر وافتتحت بما هو الأشهر.
وقال الزيلعي في شرح الكنز نقلا من المبسوط: والأصح أنهما لا تبطلان، بل يقضي بينهما إذا
كانا خارجين أو كانت في أيديهما، وإن كانت في يد أحدهما يقضي بها لذي اليد، وهكذا ذكر محمد.
وأما ما ذكره الحاكم بقوله بطلت البينتان، وهو قول بعض المشايخ وهو ليس بشئ ا ه‍. واعتمد
صاحب الدرر ما في الزيلعي. وقال كما في الزيلعي: وقول الزيلعي ظاهر الرواية وهو اختيار الأئمة
الثلاثة كما في معراج الدراية.
وفي رضاع البحر: الفتوى إذا اختلفت كان الترجيح بظاهر الرواية تمت النقول من تحريرات
المرحوم أنقروي أفندي رحمه الله تعالى.
ادعيا عينا نتاجا والعين في يد أحدهما
(96): لم يؤرخا إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع قضى به لذي اليد، وإن
أقام كل منهما بينة على النتاج فصاحب اليد أولى. كذا أفتى المولى علي أفندي. وإن ادعيا الملك بسبب
الولادة من الحيوان والرقيق: قضى به لذي اليد من باب دعوى الرجلين في دعوى الهندية. (07): أو
أرخا تاريخا واحدا، إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع قضى به لصاحب اليد، ولا
يعتبر التاريخ فيه إن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق، إن وافق سن المولود للوقت الذي
ذكرا: قضى به لذي اليد، وإن لم يوافق بأن أشكل أو خالفهما: قضى به لذي اليد كذلك. (17): أو
أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: إن ادعيا الملك بسبب عملهما فيما لا يتكرر من المتاع قضى به لصاحب
اليد، ولا يعتبر التاريخ فيه إن ادعيا الملك بسبب الولادة من الحيوان والرقيق، إن وافق سن الدابة
لتاريخ أحدهما: قضى به لمن وافق سنه، وإن لم يوافق بأن أشكل عليهما: قضى به لذي اليد، وإن
أشكل على أحدهما: قضى به لمن أشكل عليه، وإن خالف سنه للوقتين: قضى به لذي اليد، وإن
خالف لاحد الوقتين قضى به للآخر. (27): أو أرخ أحدهما لا الآخر: إن ادعيا أن الملك بسبب
عملهما فيما لا يتكرر من المتاع قضى به لصاحب اليد، ولا يعتبر التاريخ فيه إن ادعيا الملك بسبب
الولادة من الحيوان والرقيق: إن وافق سن المولود لتاريخ المؤرخ: قضى به للمؤرخ، وإن لم يوافق بأن
أشكل عليهما: قضى به لذي اليد، وإن خالف سنه لوقت المؤرخ: يقضي به لمن لم يؤرخ، لأنه إذا

144
كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين وهو مشكل في الوقت الآخر: قضى به لمن أشكل عليه وهو من لم
يؤرخ.
قال محمد في الأصل: إذا ادعى الرجل دابة في يد إنسان أنها ملكه نتجت عنده وأقام بينة عليه
وأقام صاحب اليد بينة بمثل ذلك القياس يقضى بها للخارج.
وفي الاستحسان: يقضي به لصاحب اليد سواء أقام صاحب اليد البينة على دعواه قبل القضاء
بها للخارج أو بعده وفي الهداية: وهذا هو الصحيح في أوائل الثاني عشر من دعوى التتارخانية.
هذا إذا لم يؤرخا، وإن أرخا قضى بها لصاحب اليد، إلا إذا كان سن الدابة مخالفا لوقت صاحب اليد
موافقا لوقت الخارج فحينئذ يقضي للخارج في الثاني عشر من دعوى المحيط. ولا عبرة للتاريخ مع
النتاج إلا إذا أرخا وقتين مختلفين ووافق سن الدابة تاريخ الخارج فإنه يقضى بها للخارج، وإن وافق
تاريخ ذي اليد أو كان مشكلا أو خالفهما: قضى بها لذي اليد كما في دعوى الوجيز. فاعلم هذا إذا
كان سن الدابة مخالفا للوقتين. أما إذا كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين فلا يخلو من أن يكون موافقا
أو مخالفا أو مشكلا للآخر: فإن كان موافقا فكما مر حكمه آنفا قضى لمن وافق، وإن كان مخالفا
للوقتين قضى بها لذي اليد كما مر، وإن كان مشكلا قضى بها لمن أشكل عليه لما ذكر في التتارخانية
والمحيط مطلقا إذا كان سن الدابة مخالفا لاحد الوقتين وهو مشكل في الوقت الآخر قضى بالدابة
لصاحب الوقت الذي أشكل سن الدابة عليه ا ه‍. هذا إذا كانا أرخا كلاهما، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ
الآخر وكان سن الدابة مخالفا لتاريخ المؤرخ يقضي لمن لم يؤرخ، لأنه بالطريق الأولى من أن يكون
مشكلا على من لم يؤرخ، لان من لم يؤرخ أبهم وقته فتحقق الاشكال بينه وبين سنة الدابة بالطريق
الأولى فيقضي بالدابة لمن أشكل عليه سن الدابة وهو من لم يؤرخ، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ
الآخر وكان سن الدابة مشكلا عليهما: قضى بها لذي اليد كما حققه جوي زاده ا ه‍.
وفي باب دعوى الرجلين في ملتقى الأبحر: وإن برهن خارج وذو اليد على النتاج فذو اليد
أولى، وكذا لو برهن كل من تلقى الملك من آخر على النتاج عنده ا ه‍. يعني لو كان النتاج ونحوه عند
بائعه فذو اليد أولى، كما لو كان النتاج ونحوه عند نفسه فإن كلا منهما إذا تلقى الملك من رجل
وأقام البينة على سبب ملك عنده لا يتكرر فهو بمنزلة من أقامها على ذلك السبب عند نفسه، لان بينة
ذي اليد قامت على أوليه الملك فلا يثبت للخارج إلا بالتلقي منه كما صرح به في الدرر والغرر في
باب دعوى الرجلين ا ه‍.
وفي الهداية في باب ما يدعيه الرجلان: ولو تلقى كل واحد منهما الملك من رجل على حدة
وأقام البينة على النتاج عنده فهو بمنزلة إقامتها على النتاج عند نفسه اه‍. وسواء تلقى كل واحد منهما
بشراء أو إرث أو هبة أو صدقة مقبوضتين كما أشار إليه في الثامن من شهادات البزازية.
وفي آخر دعوى المنقول من قاضيخان: عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده اشتراه من
فلان آخر وأنه ولد في ملك بائعه فلان فإنه يقضي بالعبد لذي اليد لان كل واحد منهما ادعى نتاج
بائعه ودعوى نتاج بائعه كدعوى نتاج نفسه فيقضي ببينة ذي اليد انتهى. لان كل واحد من الخارج
وذي اليد خصم في إثبات نتاج بائعه كما أنه خصم في إثبات الملك له، ولو حضر البائعان وأقاما البينة
على النتاج كان صاحب النتاج أولى، فكذا من قام مقامهما كما صرح به الزيلعي انتهى.

145
وفي الدرر في باب دعوى الرجلين: قال في الذخيرة: والحاصل أن بينة ذي اليد على النتاج إنما
تترجح على بينة الخارج على النتاج أو على مطلق الملك، بأن ادعى ذو اليد النتاج وادعى الخارج النتاج،
أو ادعى الخارج الملك المطلق إذا لم يدع الخارج على ذي اليد فعلا نحو الغصب أو الوديعة أو الإجارة
أو الرهن أو العارية ونحوها، فأما إذا ادعى الخارج فعلا مع ذلك فبينة الخارج أولى.
وقال في العمادية بعد نقل كلام الذخيرة: ذكر الفقيه أبو الليث في باب دعوى النتاج من
المبسوط ما يخالف المذكور في الذخيرة فقال: دابة في يد رجل أقام آخر بينة أنها دابته آجرها من ذي
اليد أو أعارها منه أو رهنها إياه وذو اليد أقام بينة أنها دابته نتجت عنده فإنه يقضي بها لذي اليد لأنه
يدعي النتاج والآخر يدعي الإجارة أو الإعارة والنتاج أسبق منهما فيقضي لذي اليد، وهذا خلاف ما
نقل عنه ا ه‍.
وفي البرهاني في الفصل الثاني عشر من كتاب الدعوى: إذا ادعى ذو اليد النتاج وادعى الخارج
أنه ملكه غصبه منه ذو اليد كانت بينة الخارج أولى، وكذا إذا ادعى ذو اليد النتاج وادعى الخارج أنه
ملكه أجره أو أودعه أو أعاره كانت بينة الخارج أولى.
قال شيخ الاسلام: الحاصل أن بينة ذي اليد على النتاج إنما تترجح على بينة الخارج على النتاج
أو على الملك المطلق، بأن ادعى ذو اليد النتاج وادعى الخارج الملك المطلق أو النتاج إذا لم يدع الخارج
على ذي اليد فعلا نحو الغصب أو الوديعة أو الإجارة أو الرهن أو العارية أو ما أشبه ذلك. أما إذا
ادعى الملك المطلق ومع ذلك فعلا فبينة الخارج أولى، وأشار محمد ثمة إلى هذا المعنى، لان بينة الخارج
في هذه الصورة أكثر إثباتا انتهى. هكذا في الظهيرية في النوع الثاني من كتاب الدعوى. تمت النقول.
وأفتى مشايخنا بمسألة المحيط يعني يفتي بترجيح بينة الخارج في الصورة المذكورة.
ادعيا ملكا بسببين مختلفين من واحد والعين في يد ثالث (1)
(37): لم يؤرخا: يقضى لمدعي الشراء. (47): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لمدعي الشراء.
(57): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي للأسبق. (67): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي
للمؤرخ.
ادعيا ملكا بسببين مختلفين من واحد والعين في يدهما (2)
(77): لم يؤرخا: يقضي بينهما. (87): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما. (97): أو أرخا
وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي للأسبق. (08): أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي بينهما.
ادعيا ملكا بسببين من واحد والعين في يد أحدهما (3)
(18): لم يؤرخا: يقضي لذي اليد. (28): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي لذي اليد. (38): أو
أرخا وتاريخ أحدهما أسبق: يقضي للأسبق. (48) أو أرخ أحدهما لا الآخر: يقضي لذي اليد.



(1) بأن ادعى أحدهما شراء من زيد والآخر رهنا أو هبة منه.
(2) بأن ادعى أحدهما شراء من زيد والآخر رهنا أو هبة منه.
(3) بأن ادعى أحدهما شراء من زيد والآخر رهنا أو هبة منه.
146
ادعيا ملكا بسببين مختلفين من اثنين والعين في يد ثالث (1)
(58): لم يؤرخا: يقضي بينهما كما في الملك المطلق. (68): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما
كما في الملك المطلق. (78): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق عند الامامين: يقضي للأسبق. وعند
محمد: يقضي بينهما كما في الملك المطلق. ومشايخنا أفتوا على قول الامامين. (88): أو أرخ أحدهما لا
الآخر: يقضي بينهما عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف: يقضي للمؤرخ. وعند محمد: لمن أطلق كما
في الملك المطلق. ومشايخنا أفتوا على قبول أبي حنيفة.
ادعيا ملكا بسببين مختلفين من اثنين والعين في يدهما
(98): لم يؤرخا: يقضي بينهما كما في الملك المطلق. (09): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي بينهما
كما في الملك المطلق. (19): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق. عند الامامين: يقضي للأسبق. وعند
محمد: يقضي بينهما كما في الملك المطلق. ومشايخنا أفتوا على قول الامامين. (29): أو أرخ أحدهما لا
الآخر عند أبي حنيفة: يقضي بينهما. وعند أبي يوسف: يقضي للمؤرخ وعند محمد: لمن أطلق كما
في الملك المطلق. ومشايخنا أفتوا على قول أبي حنيفة.
ادعيا ملكا بسببين مختلفين من اثنين والعين في يد أحدهما
(39): لم يؤرخا: يقضي للخارج كما في الملك المطلق. (49): أو أرخا تاريخا واحدا: يقضي
للخارج كما في الملك المطلق. (59): أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق عند الامامين: يقضي للأسبق.
وعند محمد: يقضي للخارج كما في الملك المطلق. ومشايخنا أفتوا على قول الامامين. (69): أو أرخ
أحدهما لا الآخر: عند محمد: يقضي للخارج. وعند أبي يوسف: يقضى للمؤرخ كما في الملك
المطلق. ومشايخنا أفتوا على قول محمد.
ادعيا عينا في يد آخر فبرهن أحدهما أنه اشتراه من زيد وبرهن الآخر أنه ارتهنه من زيد ولم
يؤرخا أو أرخا سواء فالشراء أولى، وإن أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر فالمؤرخ أولى. ولو أرخا وأحدهما
أقدم فهو أولى، ولو كانت العين في يد أحدهما فهو أولى، إلا إذا سبق تاريخ الخارج فهو للخارج، ولو
ادعى أحدهما هبة وقبضا من زيد وادعى الآخر شراء من زيد ولم يؤرخا أو أرخا سواء فالشراء أولى،
وكذا جميع ما مر في الرهن. ولو كانت العين بيدهما فهو بينهما، إلا أن يؤرخ وأحدهما أقدم فهو أولى،
والصدقة مع الشراء كالهبة مع الشراء، ولو اجتمعت الهبتان فحكمه حكم ما اجتمع الشراءان.
في أواخر الفصل الثامن من الفصولين: وإذا اجتمعت الهبة مع القبض والصدقة (2) مع القبض
فالجواب فيه كالجواب فيما إذا اجتمع الشراءان. من أنقروي.
في دعوى الرجلين بسببين مختلفين من كتاب الدعوى نقلا في الرابع من دعوى التتارخانية.
هذا لو ادعيا تلقي الملك من جهة واحد بسببين مختلفين، فلو ادعياه من جهة اثنين بسببين



(1) بأن ادعى أحدهما شراء من زيد والآخر هبة من عمرو ا ه‍ منه.
(2) أقول دخل في الصدقة دعوى الوقت، بأن ادعى زويد هبة من ولده وادعى أخر وقفا منه وأرخ الأول لا الثاني
والحكم العمل بينه ذي التاريخ تأمل (خير الدين) ا ه‍ منه.
147
مختلفين، بأن ادعى أحدهما هبة والآخر شراء، لو كانت العين بيد ثالث أو بيدهما أو بيد أحدهما
فحكمه كحكم ما إذا ادعيا ملكا مطلقا، إذ كل منهما يثبت الملك المطلق لمملكه ثم يثبت الانتقال إلى
نفسه، فكأن المملكين ادعيا ملكا مطلقا وبرهنا، ففي كل موضع ذكرنا في دعوى الملك المطلق أن
يقضي بينهما فكذا هنا، كذا ذا. وفي يس: عين بيده وبرهن آخر أنه شراه من زيد وبرهن آخر أن
بكرا وهبه فهو بينهما، ولو برهنا على التلقي من واحد فالشراء أولى إذا تصادقا، على أنه لواحد فبقي
النزاع في السبق فالشراء أسبق، لأنه لما لم يبين سبق أحدهما جعلا كأنهما وافقا معا، ولو تقارنا كان
الشراء أسرع نفاذا من الهبة لأنها لا تصح إلا بقبض والبيع يصح بدونه.
هذا، وإن ادعى أحدهما الشراء من زيد والآخر هبة وقبضا من الآخر والعين في يد ثالث:
قضى بينهما، وكذا لو ادعى ثالث ميراثا عن أبيه وادعى رابع صدقة وقبضا من آخر: قضى بينهم
أرباعا عند استواء الحجة إذ تلقوا الملك من مملكهم فكأنهم حضروا وبرهنوا على الملك المطلق. فصولين
من أواخر الثامن.
وإن ادعى أحدهما شراء من زيد والآخر الهبة من الآخر والعين في يد ثالث: قضى بينهما،
وكذا إن ادعى ثالث ميراثا عن أبيه وادعى رابع صدقة من آخر: قضى بينهم أرباعا، وإن كانت العين
في يد أحدهما: يقضى للخارج إلا في أسبق التاريخ، وإن كان في أيديهما: يقضى بينهما إلا في أسبق
التاريخ فهو له، وهذا إذا كان المدعي مما لا يقسم كالعبد والدابة. وأما ما يقسم كالدار والعقار فإنه
يقضي لمدعي الشراء. أنقروي. وإنما يصح أن يقضى بينهما لو كان المدعي مما لا يحتمل القسمة، أما
المحتمل فيقضي بكله لمدعي الشراء. والصحيح في الهبة أن يقضي بينهما احتمل القسمة أو لا، إذ
الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة والصدقة في الصحيح ويفسد الرهن. كذا في أواخر الفصل الثامن من
الفصولين. وهذا آخر ما وجدته ونقلته من نسخة محرفة تحريفا كليا بعد أن صححت ما ظهر لي من
الغلط بالرجوع إلى أصوله التي هي في يدي ومتى ظفرت ببقية الأصول المنقول عنها تمم تصحيحهما
إن شاء الله تعالى. قوله: (أو شراء مؤرخ) أشار بذكره بعد ذكر الملك إلى أنه لا فرق بين دعوى الملك
المطلق والذي بسبب.
قال العيني: وأما الصورة الثانية: أي صورة الشراء فلأنهما لما ادعيا الشراء من شخص واحد
فقد اتفقا أن الملك له، فمن أثبت منهما التلقي من جهته في زمان لا يزاحمه فيه أحد كان أولى ا ه‍.
فقوله وإن برهن خارجان الخ يشتمل على ثمان مسائل من الصور المتقدمة. قوله: (من واحد غير ذي
يد) إنما قيد به تبعا للهداية، لان دعوى الخارجين الشراء من ذي يد قد تقدمت في قوله ولو برهن
خارجان على شئ قضى به لهما فلا فائدة في التعميم. بحر.
وفيه: وقيد بالبرهان على التاريخ أي منهما في الأولى، لأنه لو أرخت إحداهما دون الأخرى
فهو سواء كما لم يؤرخا عنده. وقال أبو يوسف: المؤرخ أولى. وقال محمد: المبهم أولى، بخلاف ما إذا
أرخت إحداهما فقط في الثانية فإن المؤرخ أولى.
والحاصل: أنهما إذا لم يؤرخا أو أرخا واستويا فهي بينهما في المسألتين، وإن أرخا وسبق أحدهما
فالسابق أولى فيهما، وإن أرخت إحداهما فقط فهي الأحق في الثانية لا في الأولى، وقدمنا أن دعوى
الوقف كدعوى الملك المطلق فيقدم الخارج والأسبق تاريخا. قوله: (وذو يد على ملك) قيد بالملك،

148
لأنها لو أقامها على أنها في يده منذ سنتين ولم يشهدا أنها له قضى بها للمدعي، لأنها شهدت باليد لا
بالملك. قوله: (فالسابق أحق) لأنه أثبت أنه أول المالكين فلا يتلقى الملك إلا من جهته ولم يتلق الآخر
منه، وقيد بالتاريخ منهما لأنه إذا لم يؤرخا أو استويا فهي بينهما في المسألتين الأوليين، وإن سبقت
إحداهما فالسابقة أولى فيهما، وإن أرخت إحداهما فقط فهي الأحق في الثانية لا الأولى، وأما في الثانية
فالخارج أولى في الصور الثلاث. وتمامه في البحر. قوله: (متفق) يجوز أن يقرأ بالرفع خبر لمبتدأ
محذوف: أي هو: أي الشأن متفق، ويجوز النصب على الحال من فاعل برهنا. قوله: (أو مختلف عيني)
ومثله في الزيلعي تبعا للكافي.
وادعى في البحر أنه سهو، وأنه يقدم الأسبق في دعوى الشراء من شخص واحد فإنه يقدم
الأسبق تاريخا، ورده الرملي بأنه هو الساهي، فإن في المسألة اختلاف الرواية.
ففي جامع الفصولين: ولو برهنا على الشراء من اثنين وتاريخ أحدهما أسبق اختلف الروايات
في الكتب فما ذكر في الهداية يشير إلى أنه لا عبرة لسبق التاريخ. وفي المبسوط ما يدل على أن
الأسبق أولى، ثم رجح صاحب جامع الفصولين الأول ا ه‍ ملخصا.
وفي نور العين عن قاضيخان: ادعيا شراء من اثنين يقضي بينهما نصفين، وإن أرخا وأحدهما
أسبق فهو أحق من ظاهر الرواية. وعن محمد: لا يعتبر التاريخ: يعني يقضي بينهما، وإن أرخ أحدهما
فقط يقضي بينهما نصفين وفاقا، فلو لأحدهما يد فالخارج أولى خلاصة، إلا إذا سبق تاريخ ذي اليد
هداية.
برهن خارجان على شراء شئ من اثنين وأرخا فهما سواء، لأنهما يثبتان الملك لبائعهما فيصير
كأنهما حضرا وادعيا ثم يخير كل منهما كما في مسألة دعوى الخارجين شراء من ذي اليد كفاية.
لو برهنا على شراء من اثنين وتاريخ أحدهما أسبق اختلفت روايات الكتب، فما في الهداية يشير
إلى أنه لا عبرة لسبق التاريخ بل يقضي بينهما، وفي المبسوط ما يدل صريحا أن الأسبق أولى.
يقول الحقير: ويؤيده ما مر عن قاضيخان أنه ظاهر الرواية، فما في الهداية اختيار قول محمد
ا ه‍. ثم قال: ودليل ما في المبسوط وقاضيخان وهو أن الأسبق تاريخا يضيف الملك إلى نفسه في زمان
لا ينازعه غيره أقوى من دليل ما في الهداية وهو أنهما يثبتان الملك لبائعهما فكأنهما حضرا أو ادعيا
الملك بلا تاريخ، ووجه قوة الأول غير خاف على من تأمل، ويرجحه أنه ظاهر الرواية ا ه‍. وكذا بحث
في دليل ما في الهداية في الحواشي السعدية فراجعها، وبه علم أن تقييد المصنف باتفاق التاريخ مبني
على ظاهر الرواية، فهو أولى مما فعله الشارح متابعا للدرر وإن وافق الكافي والهداية وأما الحكم عليه
بالسهو كما تقدم عن البحر فمما لا ينبغي. قوله: (من رجل آخر) أي غير الذي يدعي الشراء منه
صاحبه زيلعي. قوله: (استويا) لأنهما في الأول يثبتان الملك لبائعهما فكأنهما حضرا، ولو وقت
أحدهما فتوقيته لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون الآخر أقدم، بخلاف ما إذا كان البائع واحدا
لأنهما اتفقا على أن الملك لا يتلقى إلا من جهته، فإذا أثبت أحدهما تاريخا يحكم به حتى يتبين أنه تقدمه
شراء غيره. بحر ثم قال: وإذا استويا في مسألة الكتاب يقضي به بينهما نصفين ثم يخير كل واحد
منهما، إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن، وإن شاء ترك ا ه‍. قوله: (وإن اتحد الخ) ذكرنا الكلام

149
عليه آنفا، وتقدمت في هذا الباب في محلها عن السراج قوله: (ما يفيد ملك بائعه) بأن يشهدوا أنه
اشتراها من فلان وهو يملكها.
قال في البحر: ثم اعلم أن البينة على الشراء لا تقبل حتى يشهدوا أنه اشتراها من فلان وهو
يملكها كما في خزانة الأكمل.
وفي السراج الوهاج: لا تقبل الشهادة على الشراء من فلان حتى يشهدوا أنه باعها منه وهو
يومئذ يملكها، أو يشهدوا أنها لهذا المدعي اشتراها من فلان بكذا ونقده الثمن وسلمها إليه، لان
الانسان قد يبيع ما لا يملك لجواز أن يكون وكيلا أو متعديا فلا يستحق المشتري الملك بذلك فلا بد
من ذكر ملك البائع أو ما يدل عليه ا ه‍.
قلت: إذا كان البائع وكيلا فكيف يشهدون بأنه باعها وهو يملكها، فليتأمل ا ه‍.
أقول: إذا عرف الشهود أن البائع وكيل فالظاهر أنهم يقولون باعها بالوكالة عمن يملكها لان
خصوص وهو يملكها غير لازم.
قال في نور العين في آخر الفصل السادس رامزا للمبسوط: لا تقبل بينة الشراء من الغائب إلا
بالشهادة بأحد الثلاثة، إما بملك بائعه بأن يقولوا باع وهو يملكه، وإما بملك مشتريه بأن يقولوا هو
للمشتري اشتراه من فلان، وإما بقبضه بأن يقولوا هو للمشتري اشتراه منه وقبضه ا ه‍.
وفيه رامز الفتاوى القاضي ظهير: ادعى إرثا ورثه من أبيه وادعى آخر شراءه من الميت وشهوده
شهدوا بأن الميت باعه منه ولم يقولوا باعه منه وهو يملكه، قالوا: لو كانت الدار في يد مدعي الشراء
أم مدعي الإرث فالشهادة جائزة لأنها على مجرد البيع، إنما لا تقبل إذا لم تكن الدار في يد المشتري أو
الوارث، أما لو كانت فالشهادة بالبيع كالشهادة ببيع وملك ا ه‍.
وفي البحر عن البزازية: إذا كان المبيع في يد البائع تقبل من غير ذكر ملك البائع، وإن كان في
يد غيره والمدعي يدعيه لنفسه، أن ذكر المدعي وشهوده أن البائع يملكها أو قالوا سلمها إليه وقال
سلمها إلي أو قال قبضت وقالوا قبض أو قال ملكي اشتريتها منه وهي لي تقبل، فإن شهدوا على
الشراء والنقد ولم يذكروا القبض ولا التسليم ولا ملك البائع ولا ملك المشتري لا تقبل الدعوى ولا
الشهادة، ولو شهدوا باليد للبائع دون الملك اختلفوا ا ه‍. قوله: (إن لم يكن المبيع في يد البائع) أي
وهو يدعي الشراء منه وبرهن فإنه لا يحتاج إلى شهادة الشهود بملك البائع لمعاينة وضع يده. قوله:
(ولو شهدوا بيده) أي بيد البائع دون الملك: أي والمبيع ليس في يده. قوله: (فقولان) ينبغي أن يعتمد
عدم صحة ذلك، لان اليد تتنوع إلى يد ملك ويد غصب ويد أمانة، وبيان العام لا يحقق الخاص وهو
المطلوب الذي هو الملك. تأمل. قوله: (وذو اليد على الشراء منه) صورته: عبد في يد زيد ادعاه بكر
أنه ملكه وبرهن عليه وبرهن زيد على الشراء منه فذو اليد أولى، لان الخارج إن كان يثبت أولية الملك
فذو اليد يتلقى الملك منه فلا تنافي فيه، فصار كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه، وكذا لو
برهن الخارج على الإرث، فصولين. ولو برهن على الشراء من أجنبي فالخارج أحق.

150
مطلب: لا اعتبار بالتاريخ مع النتاج إلا من أرخ تاريخا مستحيلا
قوله: (أو برهنا) أي الخارج وذو اليد. وفي البحر أطلقه فشمل ما إذا أرخا واستوى تاريخهما أو
سبق أو لم يؤرخا أصلا أو أرخت إحداهما فلا اعتبار للتاريخ مع النتاج، إلا أن من أرخ تاريخا مستحيلا
بأن لم يوافق من المدعي لوقت ذي اليد ووافق وقت الخارج فحينئذ يحكم للخارج، ولو خالف سنه
للوقتين لغت البينتان عند عامة المشايخ يترك في يد ذي اليد على ما كان وهو بينهما نصفين كذا في
رواية. كذا في جامع الفصولين.
وفيه: برهن الخارج أن هذه أمته ولدت هذا القن في ملكي وبرهن ذو اليد على مثله يحكم بها
للمدعي لأنهما ادعيا في الأمة ملكا مطلقا فيقضي بها للمدعي ثم يستحق القن تبعا اه‍.
مطلب: يقدم ذو اليد في دعوى النتاج إن لم يكن النزاع في الام
وبهذا ظهر أن ذا اليد إنما يقدم في دعوى النتاج على الخارج إن لم يتنازعا في الام، أما لو تنازعا
فيها في الملك المطلق وشهدوا به وبنتاج ولدها فإنه لا يقدم وهذه يجب حفظها ا ه‍.
تعريف النتاج
قوله: (كالنتاج) هو ولادة الحيوان، من نتجت عنده بالبناء للمفعول ولدت ووضعت كما في
المغرب.
مطلب: المراد بالنتاج ولادته في ملكه أو ملك بائعه أو مورثه
والمراد ولادته في ملكه أو ملك بائعه أو مورثه.
مطلب: هذا الولد ولدته أمته ولم يشهدوا بالملك له لا يقضى له
ولذا قال في خزانة الأكمل: لو أقام ذو اليد أن هذه الدابة نتجت عنده أو نسج هذا الثوب
عنده أو أن هذا الولد ولدته أمته ولم يشهدوا بالملك له فإنه لا يقضي له ا ه‍. وكذا لو شهدوا أنها بنت
أمته لأنهم إنما شهدوا بالنسب. كذا في الخزانة.
وفي جامع الفصولين: برهن كل من الخارج وذي اليد على نتاج في ملك بائعه حكم لذي اليد
إذ كل منهما خصم عن بائعه، فكأن بائعيهما حضرا وادعيا ملكا بنتاج لذي اليد ا ه‍. وإنما حكم لذي
اليد لان البينة قامت على ما لا تدل عليه اليد وترجحت بينة ذي اليد باليد فقضى له، وهذا هو
الصحيح. والقضاء ببينة الخارج هو الأصل، وإنما عدلنا عنه بخبر النتاج، وهو ما روى جابر بن عبد
الله أن رجلا ادعى ناقة في يد رجل وأقام البينة أنها ناقته نتجت عنده وأقام الذي هي في يده بينة أنها
ناقته نتجها، فقضى بها رسول الله (ص) للذي هي في يده وهذا حيث مشهور صحيح، فصارت
مسألة النتاج مخصوصة كما في المحيط.
وفي القنية كما تقدم: بينة ذي اليد إذا أثبتت أولية الملك بالنتاج عنده، فكذا إذا ادعاه عند مورثه
ا ه‍. ولو برهن أنه له ولد في ملكه وبرهن ذو اليد أنه له ولد في ملك بائعه حكم به لذي اليد لأنه
خصم عمن تلقى الملك منه ويده يد الملتقي منه فكأنه حضر وبرهن على النتاج والمدعي في يده يحكم له
به. كذا هذا ا ه‍.
مطلب: لا يترجح نتاج في ملكه على نتاج في ملك بائعه
وبه ظهر أنه لا يترجح نتاج في ملكه على نتاج في ملك بائعه.

151
مطلب: لا يشترط أن يشهدوا أن أمه في ملكه
ولا يشترط أن يشهدوا بأن أمه في ملكه، لكن لو شهدت بينة بذلك دون أخرى قدمت عليها،
لما في الخزانة: عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد في ملكه وأقام آخر البينة أنه عبده ولد
في ملكه من أمته هذه قضى للذي أمه في يده، فإن أقام صاحب اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه من
أمة أخرى فصاحب اليد أولى.
مطلب: برهن كل من خارجين أنه عبده ولد من أمته
وعبده هذين ينصف وهو ابن عبدين وأمتين
عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد من أمته هذه من عبده هذا وأقام رجل آخر
البينة بمثل ذلك فيكون بينهما نصفين فيكون ابن عبدين وأمتين. وقال صاحباه: لا يثبت نسبه منهما ا
ه‍. ومحل تقديم بينة ذي اليد في النتاج إذا لم يدع الخارج نتاجا وعتقا، وإلا كان الخارج أولى، لان بينة
النتاج معا لعتق أكثر إثباتا، لأنها أثبتت أولية الملك على وجه لا يستحق عليه أصلا، وبينة ذي اليد
أثبتت الملك على وجه يتصور استحقاق ذلك عليه، بخلاف ما إذا ادعى الخارج العتق مع مطلق الملك
وذو اليد ادعى النتاج فبينة ذي اليد أولى.
مطلب: رأى دابة تتبع دابة وترتضع يشهد بالملك والنتاج
وفي شهادات البزازية الشاهد عاين دابة تتبع دابة وترتضع له أن يشهد بالملك والنتاج ا ه‍.
قال في الخلاصة: وعلى هذا لو شهد شاهدان على النتاج لزيد وآخران على النتاج لعمرو،
ويتصور هذا بأن رأى الشاهدان أنه ارتضع من لبن أنثى كانت في ملكه وآخران رأيا أنه ارتضع من
لبن أنثى في ملك آخر فتحل الشهادة للفريقين ا ه‍. قوله: (وما في معناه) مما لا يتكرر. قوله: (كنسج
لا يعاد) كالثياب القطني. قوله: (وحلب لبن) واتخاذ الجبن واللبد والمرعزاء وجز الصوف، فإذا ادعى
خارج وذو يد أن هذه ثيابي نسجت عندي أو لبني حلب عندي أو جبني أو لبدي اتخذ عندي أو
صوفي جز عندي فإنه يقدم ذو اليد كما في النتاج، والعلة ما في النتاج والجبن بضمة وبضمتين
كقبل قاموس. والمرعزاء إذا شددت الزاي قصرت وإذا خففت مدت والميم والعين مكسورتان، وقد
يقال: مرعزاء بفتح الميم مخففا ممدودا وهي كالصوف تحت شعر العنز. مغرب. قال أبو السعود: هو
الشعر الخفيف الذي ينتف من ظهر المعز ويعمل منه الأقمشة الرفيعة ا ه‍.
أقول: ويوجد جنس مخصوص يسمى المرعز يعمل من صوفه الشال اللاهور والفرماش، وهو
يشبه المعز في الخلقة والغنم في الصوف إلا أنه ألين من صوف الغنم، ولعله هو هو.
قال في البحر: ولا بد من الشهادة بالملك مع السبب الذي لا يتكرر كالنتاج ا ه‍ ط. قوله: (ولو
عند بائعه) أو عند مورثه كما تقدم: أي لا فرق بين أن يدعي كل منهما النتاج ونحوه عنده أو عند
بائعه، فحكم النتاج يجري على ما في معناه من كل غير متكرر. قوله: (فذو اليد أحق) أطلقه فشمل ما
إذا أرخا واستوى تاريخهما أو سبق أحدهما إلى آخر ما قدمناه قريبا عن البحر قوله: (إلا إذا ادعى
الخارج الخ) أي حيث تكون بينة الخارج أولى وإن ادعى ذو اليد النتاج، لان بينة الخارج في هذه

152
الصور أكثر إثباتا لأنها تثبت الفعل على ذي اليد وهو الغصب وأشباهه إذ هو غير ثابت أصلا، وأولية
الملك إن لم يكن ثابتا باليد فأصل الملك ثابت بها ظاهرا فكان ثابتا باليد من وجه دون وجه، فكان
إثبات غير الثابت من كل وجه أولى إذ البينة للاثبات كما في التبيين.
بقي ما إذا ادعى الخارج فعلا ونتاجا يقدم بالأولى. ويمكن إدخالها في عبارته بأن يقال: دابة
في يد رجل أقام آخر بينة أنها دابته ملكا أو نتاجا أخذها من ذي اليد. تأمل. قوله: (فعلا) أي وإن لم
يدع الخارج النتاج. تأمل.
مطلب: ادعى الخارج الفعل على ذي اليد المدعي النتاج فالخارج أولى
قوله: (كغصب أو وديعة) قال في البحر وقد يكون كل منهما مدعيا للملك والنتاج فقط، إذ
لو ادعى الخارج الفعل على ذي اليد كالغصب والإجارة والعارية فبينة الخارج أولى، وإن ادعى ذو اليد
النتاج، لان بينة الخارج في هذه الصور أكثر إثباتا لاثباتها الفعل على ذي اليد إذ هو غير ثابت أصلا
كما ذكره الشارح ا ه‍. قوله: (في رواية) الأولى أن يقول في قول كما في الشرنبلالية، وإنما قال ذلك
لما قال في العماية بعد نقل كلام الذخيرة: ذكر الفقيه أبو الليث في باب دعوى النتاج عن المبسوط ما
يخالف المذكور في الذخيرة، فقال: دابة في يد رجل أقام آخر بينة أنها دابته آجرها من ذي اليد أو
أعارها منه أو رهنها إياه وذو اليد أنها دابته نتجت عنده فإنه يقضي بها لذي اليد، لأنه يدعي ملك
النتاج والآخر يدعي الإجارة أو الإعارة والنتاج أسبق منهما فيقضي لذي اليد. وهذا خلاف ما نقل
عنه درر. واستظهر في نور العين أن ما في الذخيرة هو الأصح والأرجح، وبه ظهر عدم الاختلاف
بين العبارتين، بأن يحمل الأول على أن كلا منهما ادعى النتاج ونحوه وزاد دعوى الفعل، وما نقله عن
أبي الليث أن الخارج إنما ادعى الفعل فقط بدون النتاج، لكن تعليل الزيلعي يقتضي أن المثبت للفعل
أكثر إثباتا سواء كان معه دعوى نتاج أو لا، فلذلك حكم صاحب الدرر أنها رواية ثانية، وعليها
اقتصر في البحر وشراح الهداية. وعبارة الزيلعي بعد تعليل: تقديم ذي اليد في دعوى النتاج بأن اليد
لا تدل على أولية الملك فكان مساويا للخارج فيها، فبإثباتها يندفع الخارج، وبينة ذي اليد مقبولة
للدفع، ولا يلزم ما إذا ادعى الخارج الفعل على ذي اليد حيث تكون بينته أرجح وإن ادعى ذو اليد
النتاج، لأنه في هذه أكثر إثباتا لاثباتها ما هو غير ثابت أصلا. ا ه‍ ملخصا ويؤيدها ما نذكره قريبا إن
شاء الله تعالى عند قول المصنف قضى بها لذي اليد ويستثنى أيضا ما إذا تنازعا في الام كما مر، وما
إذا ادعى الخارج إعتاقا على النتاج كما مر ويأتي.
فروع في البحر: شاتان في يد رجل إحداهما بيضاء والأخرى سوداء فادعاهما رجل وأقام البينة
أنهما له وأن هذه البيضاء ولدت هذه السوداء في ملكه وأقام ذو اليد البينة أنهما له وأن هذه السوداء
ولدت هذه البيضاء في ملكه فإنه يقضي لكل واحد منهما بالشاة التي ذكرت شهوده أنها ولدت في
ملكه: أي فيقضي للأول بالسوداء وللثاني بالبيضاء.
قال في التتارخانية: هكذا ذكر محمد، وهذا إذا كان سن الشاتين مشكلا، فإن كانت واحدة
منهما تصلح أما للأخرى والأخرى لا تصلح أما لهذه كانت علامة الصدق ظاهرة في شهادة شهود
أحدهما فيقضي بشهادة شهوده.

153
وعن أبي يوسف فيما إذا كان سن الشاتين مشكلا: إني لا أقبل بينتهما وأقضي بالشاة لكل واحد
منهما بالشاة في يده، وهذا قضاء ترك لا قضاء استحقاق.
ولو أقام الذي في يده البيضاء أن البيضاء شاتي ولدت في ملكي والسوداء التي في يد صاحبي
شاتي ولدت من هذه البيضاء وأقام الذي السوداء في يده أن السوداء ولدت في ملكي والبيضاء التي
في يد صاحبي ملكي ولدت من هذه السوداء فإنه يقضي لكل واحد منهما بما في يده ا ه‍.
وإن كان في يد رجل حمام أو دجاج أو طير مما يفرخ أقام رجل البينة أنه له فرخ في ملكه
وأقام صاحب اليد البينة على مثل ذلك: قضى به لصاحب اليد.
ولو ادعى لبنا في يد رجل أنه له ضربه في ملكه وبرهن ذو اليد: يقضي به للخارج، ولو كان
مكان اللبن آجر أو جص أو نورة: يقضي به لصاحب اليد، وغزل القطن لا يتكرر فيقضي به لذي
اليد، بخلاف غزل الصوف وورق الشجر وثمرته بمنزلة النتاج، بخلاف غصن الشجرة والحنطة لابد
من الشهادة بالملك مع السبب الذي لا يتكرر كالنتاج.
لو برهن الخارج على أن البيضة التي تفلقت عن هذه الدجاجة كانت له لم يقض له بالدجاجة
ويقضي على صاحب الدجاجة ببيضة مثلها لصاحبها، لان ملك البيضة ليس لملك الدجاجة، فإن من
غصب بيضة وحضنها تحت دجاجة له كان الفرخ للغاصب وعليه مثلها، بخلاف الأمة فإن ولدها
لصاحب الام، وجلد الشاة يقضي به لصاحب اليد والجبة المحشوة والفرو وكل ما يقطع من الثياب
والبسط والأنماط والثوب المصبوغ بعصفر أو زعفران يقضي بها للخارج ا ه‍. قوله: (أو كان سببا
يتكرر) عطف على ادعى: يعني أن ذا اليد أحق في كل حال إلا في حال ما إذا ادعى غصبا أو كان
سببا يتكرر فإنه يقضي للخارج بمنزلة الملك المطلق قوله: (كبناء) أي كما إذا ادعى ذو اليد أن هذا
الآجر ملكي بنيت به حائطي وادعى الخارج كذلك يقدم الخارج لأنه يمكن تكرره. قوله: (وغرس)
قال الحموي: والحنطة مما يتكرر، فإن الانسان قد يزرع في الأرض ثم يغربل التراب فيميز الحنطة منها
ثم يزرع ثانية، فإذا ادعى كل أنها حنطته زرعها وأقاما برهانا فإنه يقدم الخارج، والنخل يغرس غير
مرة فإذا تنازعا في أرض ونخيل: أي كل يدعي غرسه وبرهنا فإنه يقضي للخارج بهما، وكذا الأرض
المزروعة: يعني أنها أرضه زرعها كل يدعي ذلك، أما إذا كان الزرع مما يتكرر فظاهر وإلا كان تبعا
للأرض كما في الخلاصة.
والحاصل: أن المنظور إليه في كونه يتكرر أولا يتكرر هو الأصل لا التبع كما في البحر قوله:
(ونسج خز) الخز اسم دابة، ثم سمى الثوب المتخذ من وبره خزا. قيل هو نسج إذا بلى يغزل مرة ثانية
ثم ينسج. عزمي. قوله: (أو أشكل على أهل الخبرة) قال في البحر ونصل السيف يسأل عنه، فإن
أخبروا أنه لا يضرب إلا مرة كان لذي اليد وإلا للخارج: أي فإذا ادعى خارج وذو يد أن هذا
النصل له ضربه بيده وأقاما برهانا فهو على هذا ا ه‍. قال أبو السعود: فإن أشكل على أهل الخبرة
قضى به للخارج والواحد منهم يكفي والاثنان أحوط. عزمي وزيلعي.
وذكر في غاية البيان أنه إذا أشكل على أهل الخبرة اختلفت الرواية، ففي رواية أبي سليمان:
يقضي لذي اليد. وفي رواية أبي حفص: يقضي للخارج ا ه‍. قوله: (لأنه الأصل) أي كون المدعي

154
للخارج المبرهن لان القضاء ببينة هو الأصل، فإذا لم يعلم يرجع إلى الأصل. قوله: (وإنما عدلنا عنه
بحديث النتاج) سبق ما فيه قال الخير الرملي: النتاج بالكسر مصدر، يقال نتجت الناقة بالبناء للمفعول
نتاجا: ولدت قال شيخ الاسلام زكريا: النتاج بكسر النون من تسمية المفعول بالمصدر، يقال نتجت
الناقة بالبناء للمفعول نتاجا: ولدت ا ه‍. وقال ابن الملقن في ضبط كلام المنهاج النتاج بفتح النون،
ورأيت بخط المصنف في الأصل بكسرها في ثلاثة مواضع ا ه‍. قال الهيتمي: ضبطه المصنف: يعني
النووي بكسر النون، وضبطه الأستاذ بالفتح ا ه‍.
تتمة: المقضي عليه في حادثة لا تسمع دعواه بعده إلا إذا برهن على إبطال القضاء أو على تلقي
الملك من المقضي له أو على النتاج كما في العمادية والبزازية. قال الرملي: والظاهر أن ما في خزانة
الأكمل هو الراجح كما يشهد له الاقتصار عليه في العمادية والبزازية وغيرهما، فازدد نقلا في المسألة
إن شئت، وقدمنا الكلام عليه في دفع الدعوى. قوله: (من الآخر) أي من خصمه الآخر. قوله: (بلا
وقت) قيد به لأنهما لو أرخا يقضي به لصاحب الوقت الأخير، كذا في خزانة الأكمل. قوله: (وترك
المال المدعى به في يد من معه) أي لا على وجه القضاء بل عملا بالأصل، لأنه لما تهاترت البينتان رجع
إلى الأصل، وهو أن وضع اليد من أسباب الملك. قوله: (وقال محمد: يقضي للخارج) أي لامكان
العمل بالبينتين وبأن يجعل ذو اليد كأنه اشترى من الآخر وقبض ض ثم باع، لان القبض دليل الشراء
فيؤمر بالدفع إليه لان تمكنه من القبض دليل السبق. ولا يعكس الامر لان البيع قبل القبض لا يجوز
وإن كان في العقار عنده، وهذا فيما إذا كانت في يد أحدهما كما يظهر من تقرير كلامه. وجه قولهما
كما في البحر أن الاقدام على الشراء إقرار منه بالملك للبائع فصار كأنهما قامتا على الاقرارين. وفيه
التهاتر بالاجماع. كذا هنا. ولأن السبب يراد لحكمه وهو الملك ولا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك
مستحق فبقي القضاء بمجرد السبب وأنه لا يفيده، ثم لو شهدت البينتان على نقد الثمن فالألف
بالألف قصاص عندهما إذا استويا لوجود قبض المضمون من كل جانب، وإن لم يشهدوا على نقده
الثمن فالقصاص مذهب محمد للوجوب عنده. قوله: (قلنا الاقدام) أي من الخارج على الشراء الذي
ادعاه والاقدام من ذي اليد على الشراء الذي ادعاه. قوله: (إقرار منه) أي من القادم بالملك له للآخر
فصارت بينة كل واحد منهما كأنها قامت على إقرار الآخر، وفيه التهاتر بالاجماع لتعذر الجمع. قوله:
(ولو أثبتا قبضا تهاترتا اتفاقا) لان الجمع غير ممكن عند محمد لجواز كل واحد من البيعين، بخلاف
الأول، وهذا في غير العقار، أما في العقار: فإن وقتت البينتان ولم يثبتا قبضا، فإن كان وقت الخارج
أسبق: يقضي لصاحب اليد عندهما فيجعل كأن الخارج اشترى أولا ثم باع قبل القبض من صاحب
اليد وهو جائز في العقار عندهما. وعند محمد: يقضي للخارج لأنه لا يصح بيعه قبل القبض فبقي على
ملكه، وإن أثبتا قبضا: يقضي بها لصاحب اليد بالاجماع، وإن كان وقت صاحب اليد أسبق: يقضي
بها للخارج سواء شهدوا بالقبض أو لم يشهدوا كما في البحر عن الهداية. وفيه وفي المبسوط ما يخالفه
كما علم من الكافي اه‍.

155
أقول: ثم رأيت في الشرنبلالية ما يكون تأييدا لكلام الهداية، حيث قال: وعند محمد: يقضي
بالبينتين: يعني إن ذكروا القبض الخ. تأمل.
وفي البحر أيضا عن الكافي: دار في يد زيد برهن عمرو على أنه باعها من بكر بألف وبرهن
بكر على أنه باعها من عمرو بمائة دينار وجحد زيد ذلك كله قضى بالدار بين المدعيين ولا يقضي
بشئ من الثمنين لأنه تعذر القضاء بالبيع لجهالة التاريخ ولم يتعذر القضاء بالملك. وعند محمد: يقضي
بها بينهما. ولكل واحد نصف الثمن على صاحبه، لأنه لم يسلم لكل واحد إلا نصف المبيع.
ولو ادعت امرأة شراء الدار من عمرو بألف وعمرو ادعى أنه اشتراها منها بألف وزيد وهو ذو
اليد يدعي أنها له اشتراها من عمرو بألف وأقاموا البينة: قضى لذي اليد لتعارض بينتي غيره فبقيت
بينته بلا معارض. وعند محمد: يقضي بالدار لذي اليد بألف عليه للخارج ويقضي لها على الخارج
بألف، لان ذا اليد والمرأة ادعيا التلقي من الخارج فيجعل كأنها في يده ا ه‍.
مطلب: برهن كل على إقرار الآخر أنها له تهاترا
وأشار المؤلف إلى أنه لو برهن كل على إقرار الآخر أن هذا الشئ له فإنهما يتهاتران ويبقى في
يد ذي اليد. كذا في الخزانة. قوله: (ولا ترجح) يحتمل أن يقرأ الفعل بالتذكير أو التأنيث، فعلى
الأولى يعود الضمير المستتر على الحكم، وعلى الثاني يعود على الدعوى. إلى هذا أشار العيني. قوله:
(فإن الترجيح عندنا) أي وعند الشافعي في القديم وبعض المالكية يرجحون بكثرة العدد. قوله: (بقوة
الدليل) بأن يكون أحدهما متواترا والآخر من الآحاد أو كان أحدهما مفسرا والآخر مجملا، فيرجح
المفسر على المجمل والتواتر على الآحاد لقوة فيه، وكذا لا يرجح أحد القياسين ولا الحديث بحديث
آخر، وشهادة كل شاهدين علة تامة فلا تصليح للترجيح كما في البحر. وسيأتي قريبا تمامه. قوله:
(لا بكثرته) ولذا لا ترجح الآية بآية أخرى ولا الخبر بالخبر ولا أحد القياسين بقياس آخر. قال في
غاية البيان: لان الترجيح يكون بقوة العلة لا بكثرة في العلل، ولذلك قلنا: إن الخبرين إذا تعارضا لا
يترجح أحدهما على الآخر بخبر آخر بل بما به يتأكد معنى الحجة فيه، وهو الاتصال برسول الله (ص)
حتى يترجح المشهور بكثرة رواته على الشاذ لظهور زيادة القوة فيه من حيث الاتصال برسول الله (ص)،
ويترجح بفقه الراوي وحسن ضبطه وإتقانه لأنه يتقوى به معنى الاتصال برسول الله (ص) على الوجه
الذي وصل إلينا بالنقل، وكذلك الآيتان إذا وقعت المعارضة بينهما لا تترجح إحداهما بآية أخرى، بل
بقوة في معنى الحجة وهو أنه نص مفسر والآخر مؤول، وكذلك لا يترجح أحد الخبرين بالقياس،
فعرفنا أن ما يقع به الترجيح هو ما لا يصلح علة للحكم ابتداء بل ما يكون (1) مقويا لما به صارت
العلة موجبة للحكم ا ه‍.
قال المولى عبد الحليم: قوله فلان الترجيح لا يقع بكثرة العلل بل الترجيح يقع بقوة العلة ولذلك
ترجح شهادة العدل على شهادة المستور، كما يرجح كون أحد الخبرين أو الآيتين مفسرا أو محكما على
الآخر ا ه‍. قوله: (فهما سواء في ذلك) أي في الإقامة المأخوذة من أقام: أي في حكمها.



(1) قوله (بل ما يكون) لعل ما زائدة، وليراجع الأصل.
156
قال شيخ مشايخنا: ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يصل إلى حد التواتر فإنه يفيد حينئذ العلم فلا
ينبغي أن يجعل كالجانب الآخر ا ه‍.
أقول: ظاهر ما في الشمني والزيلعي يفيد ذلك حيث قال: ولنا أن شهادة كل شاهدين علة تامة
كما في حالة الانفراد، والترجيح لا يقع بكثرة العلل بل بقوتها، بأن يكون أحدهما متواترا والآخر
آحادا أو يكون أحدهما مفسرا والآخر مجملا فيرجح المفسر على المجمل والمتواتر على الآحاد ا ه‍.
بيري. وفي شرح المفتي أن عدد الشهود إذا بلغ حد التواتر ينبغي أن يرجح على من لم يبلغه قياسا على
الخبر من أنه يرجح كون أحد الخبرين إلى آخر ما قدمناه قريبا ولم أظفر على الرواية ا ه‍،
أقول: قد ذكر في التحرير وشرحه ما حاصله: فرق بين الشهادة والخبر، لان السمع ورد في
الشهادة على خلاف القياس بأن يكون نصابها اثنين فلا يكون لكثرتهم قوة زائدة تمنع ما اعتبره السمع
في الطرف الآخر، بخلاف الرواية في الخبر فإن الحكم فيه نيط برواية كل من الراوي، فلا شك أن
كثرتهم تزيد الظن والقوة وفيه فافترقا على أن ما ورد فيه النص لا يؤثره القياس. تدبر. قوله: (لان
المعتبر أصل العدالة) بل المعتبر فيه الولاية بالحرية والناس فيه سواء والعدالة شرطت لظهور أثر الصدق
حتى وجب على القاضي القضاء ولذلك لم يلتفت إلى زيادة قوة في العدالة، وباقي التفصيل في شرح
المفتي الشارح الهندي. قوله: (ولا حد للأعدلية) أي فلا يقع الترجيح بها لاحتمال أن يجد الآخر ما
هو أعدل فلا يستقر الحكم على حالة. قوله: (بطريق المنازعة) اعلم أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى اعتبر
في هذه المسألة طريق المنازعة، وهو أن النصف سالم لمدعي الكل بلا منازعة، بقي النصف الآخر وفيه
منازعتهما على السواء فينصف، فلصاحب الكل ثلاثة أرباع ولصاحب النصف الربع، وهما اعتبرا
طريق العول والمضاربة، وإنما سمي بهذا لان في المسألة كلا ونصفا، فالمسألة من اثنين وتعول إلى
ثلاثة، فلصاحب الكل سهمان ولصاحب النصف سهم هذا هو العول. وأما المضاربة فإن كل واحد
يضرب بقدر حقه، فصاحب الكل له ثلثان من الثلاثة فيضرب الثلثان في الدار وصاحب النصف له
ثلث من الثلاثة فيضرب الثلث في الدار فحصل ثلث الدار لان ضرب الكسور بطريق الإضافة فإنه إذا
ضرب الثلث في الستة معناه ثلث الستة وهو اثنان. منح.
قال في الهداية: إن لهذه المسألة نظائر وأضدادا لا يحتملها هذا المختصر، وقد ذكرناها في
الزيادات ا ه‍. وسيأتي الكلام عليها قريبا إن شاء الله تعالى عن شرح الزيادات لقاضيخان. قوله:
(بطريق العول) هو في اللغة الزيادة والارتفاع. وعند أهل الحساب أن يزاد على المخرج من أخواته إذا
ضاق عن فرض ذي السهم. قوله: (فالمسألة من اثنين) لوجود كسر مخرجه ذلك وهو النصف. قوله:
(وتعول إلى ثلاثة) فلصاحب الكل سهمان ولصاحب النصف سهم فيقسم أثلاثا بينهما. والأصل أنه إذا

157
وقعت الدعوى في شئ معين كانت القسمة بطريق المنازعة، ومتى كانت الدعوى في جزء غير معين
وكان باسم السهم والنصيب كانت القسمة بطريق العول، فالوجه لهما أن الدعوى وقعت في جزء غير
معين وهو النصف فيقسم على طريق العول كما في المواريث.
وله أن الدعوى وقعت في العين وإن كانت باسم النصف شائعا، لكن الدعوى لا تصح إلا
بالإضافة والإشارة إلى محل معين كأن يقول نصف هذه الدار، فإذا صحت الدعوى على تعيين المحل
الذي وقعت الدعوى فيه أخذ حكم دعوى شئ معين، والعين قط لا تعول فيقسم على طريق المنازعة،
بخلاف المواريث والديون لان المنازع فيه ابتداء هو الديون في ذمة الميت دون العين، وكذا المواريث
أنصباء غير معينة بل هي شائعة في ا لتركة. كذا في الكافي شرح المنظومة. قوله: (ميراث) يعني إذا
اجتمعت سهام الفرائض في التركة وضاقت التركة عن الوفاء بها تقسم على طريق العول، فإن ماتت
وتركت زوجا وأختا شقيقة وأختا لام فالمسألة من ستة وتعول إلى سبعة. قوله: (وديون) بأن كان عليه
مائتان وترك مائة فيعطي لكل ذي مائة خمسون، فلو كان لأحدهما مائة وللآخر خمسون قسمت المائة ثلاثة
أسهم اثنان لصاحب المائة وواحد لصاحب الخمسين. قوله: (ووصية) أي بما دون الثلث كما قيده
الزيلعي إذا اجتمعت وزادت على الثلث، كما لو أوصي لرجل بسدس ماله ولآخر بثلثه ولم تجز الورثة
يقسم الثلث بطريق العول فيجعل الثلث ثلاثة أسهم سهم لصاحب السدس وسهمان لصاحب الثلث.
قوله: (ومحاباة) أي الوصية بالمحاباة، بأن أوصى بأن يباع عبد يساوي مائة بخمسين وعبد يساوي مائتين
بمائة ولم يترك غيرهما ولم تجز الورثة كان ثلث المال مائة والمحاباة مائة وخمسين فتجعل المائة ثلاثة أسهم
سهمان للمحابي بمائة وسهم للمحابي بخمسين. قوله: (ودراهم مرسلة) أي مطلقة غير مقيدة بثلث أو
نصف أو نحوهما: كما إذا أوصى لرجل بمائة ولآخر بمائتين ولم يترك إلا ثلاثمائة فكان ثلث المال مائة
ولم تجز الورثة تقسم المائة ثلاثة أسهم سهم لصاحب المائة وسهمان لصاحب المائتين. قوله: (وسعاية)
بأن أوصى بعتق عبدين أو أعتقهما في مرض موته ولم يترك غيرهما ولم تجز الورثة يسعى كل بثلثي
قيمته، فلو أعتق واحدا ونصف الآخر أو أوصى بعتقهما كذلك وقيمتهما سواء وكان ذلك جميع التركة
ولم تجز الورثة وقيمة العبد مائة وقيمة نصف العبد خمسون وثلث والمال خمسون يجعل الخمسون ثلاثة
أسهم سهمان للعبد ويسعى في باقي قيمته وسهم لنصف العبد ويسعى في الباقي. قوله: (وجناية
رقيق) أدخل في هذه صورتين، جناية العبد الرقيق غير المدبر والمدبر.
وصورة الأولى: عبد فقأ عين رجل وقتل آخر خطأ فإنه يدفع لهما بطريق العول، فأولياء المقتول
يريدونه كله وصاحب العين يريد نصفه والكل نصفان مع نصف صاحب العين فيجعل ثلاثة أسهم
سهمان لولي المقتول وسهم للمقلوع عينه.
وصورة الثانية: جناية المدبر إذا جنى على هذا الوجه فإنه يدفع السيد قيمته ثلثاها لولي المقتول
وثلثها لصاحب العين، وكأنها سقطت من الكاتب فإنها لم توجد في نسخ الدر. وبقي من الصور
الوصية بالعتق وبها تتم الثمان. قوله: (وهي مسألة الفضوليين) بأن باع فضولي عبد إنسان بمائة
وفضولي آخر نصف ذلك العبد بخمسين وأجاز المالك البيعين كان لصاحب الكل ثلاثة أرباع العبد أو

158
ترك وصاحب النصف ربعه أو ترك بطريق المنازعة عندهم جميعا. قوله: (وإذا أوصى لرجل بكل ماله)
أي ولآخر بنصفه وأجازت الورثة ذلك، فعند أبي حنيفة: صاحب النصف لا ينازع صاحب الكل في
أحد النصفين فيسلم له ويتنازعان في النصف الثاني فيقتسمانه. وعندهما: للموصى له بالكل نصفان
وللموصى له بالنصف واحد، فيجعل المال ثلاثة أسهم: سهمان للموصى له بالكل، وسهم للموصى له
بالنصف، وكذا الموصى له بالعبد: ثلاثة أرباعه عنده، وللموصى له بالنصف ربعه. وعندهما: يجعل
ثلاثة أسهم. قوله: (وهو خمس) الأولى: عبد مأذون بين رجلين أدانه أحد الموليين مائة: يعني باعه
شيئا نسيئة بمائة وأدانه أجنبي مائة فبيع العبد بمائة: عند أبي حنيفة: يقسم ثمن العبد بين المولى الدائن
وبين الأجنبي أثلاثا ثلثاه للأجنبي وثلثه للمولى، لان إدانته تصح في نصيب شريكه لا في نصيبه.
الثانية: إذا أدانه أجنبي مائة وأجنبي آخر خمسين وبيع العبد: عند أبي حنيفة: يقسم الثمن بينهما
أثلاثا وعندهما: أرباعا.
الثالثة: عبد قتل رجلا خطأ وآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فعفا أحدهما: يخير مولى العبد بين
الدفع والفداء، فإن فدى المولى يفدي بخمسة عشر ألفا خمسة آلاف لشريك العافي وعشرة آلاف لولي
الخطأ، فإن دفعه يقسم العبد بينهما أثلاثا عند أبي حنيفة، وعندهما: أرباعا.
الرابعة: لو كان الجاني مدبرا والمسألة بحالها ودفع المولى القيمة.
الخامسة: أم ولد قتلت مولاها وأجنبيا عمدا ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد ولي كل واحد
منهما على التعاقب سعت في ثلاثة أرباع قيمتها وكان للساكت من ولي الأجنبي ربع القيمة، ويقسم
نصف القيمة بينهما بطريق العول أثلاثا عند أبي حنيفة. وعندهما: أرباعا بطريق المنازعة. كذا في
البحر. والذي في التبيين: فيعطى الربع لشريك العافي آخرا والنصف الآخر بينه وبين شريك العافي
أولا أثلاثا: ثلثاه لشريك العافي أولا، والثلث لشريك العافي آخرا عنده، وعندهما: أرباعا.
مطلب: جنس مسائل القسمة أربعة
قوله: (وتمامه في البحر) نقله عن شرح الزيادات لقاضيخان حيث قال: وجنس مسائل القسمة
أربعة: منها ما يقسم بطريق العول والمضاربة عند الكل. ومنها ما يقسم بطريق المنازعة عندهم. ومنها
ما يقسم بطريق المنازعة عند أبي حنيفة، وعندهما: بطريق العول والمضاربة. ومنهما ما يقسم على
عكس ذلك.
مطلب: ما يقسم بطريق العول عندهم ثمانية
أما ما يقسم بطريق العول عندهم فثمانية.
إحداها: الميراث إذا اجتمعت سهام الفرائض في التركة وضاقت التركة عن الوفاء بها تقسم
التركة بين أرباب الديون بطريق العول.
والثانية: إذا اجتمعت الديون المتفاوتة وضاقت التركة عن الوفاء بها: تقسم التركة بين أرباب
الديون بطريق العول.

159
والثالثة: إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه ولآخر بسدس ماله ولم يجز الورثة حتى عادت
الوصايا إلى الثلث: يقسم الثلث بينهم على طريق العول.
والرابعة: الوصية بالمحاباة إذا أوصى بأن يباع العبد الذي قيمته ثلاثة آلاف درهم من هذا
الرجل بألفي درهم وأوصى لآخر بأن يباع العبد الذي يساوي ألفي درهم بألف حتى حصلت المحاباة
لهما بألفي درهم كان الثلث بينهما بطريق العول.
والخامسة: الوصية بالعتق إذا أوصى بأن يعتق من هذا العبد نصفه وأوصى بأن يعتق من هذا
الآخر ثلثه وذاك لا يخرج من الثلث: يقسم ثلث المال بينهما بطريق العول، ويسقط من كل واحد
منهما حصته من السعاية.
والسادسة: الوصية بألف مرسلة: إذا أوصى لرجل بألف ولآخر بألفين كان الثلث بينهما
بطريق العول.
والسابعة: عبد فقأ عين رجل وقتل آخر خطأ فدفع بها: يقسم الجاني بينهما بطريق العول، ثلثاه
لولي القتيل، وثلثه للآخر.
والثامنة: مدبر جنى على هذا الوجه ودفعت القيمة إلى أولياء الجناية كانت القيمة بينهما بطريق
العول.
مطلب: ما يقسم بطريق المنازعة مسألة واحدة
وأما ما يقسم بطريق المنازعة فمسألة واحدة ذكرها في الجامع: فضولي باع عبدا من رجل بألف
درهم وفضولي آخر باع نصفه من آخر بخمسمائة فأجاز المولى البيعين جميعا: خير المشتريان، فإن
اختارا الاخذ أخذا بطريق المنازعة ثلاثة أرباعه لمشتري الكل وربعه لمشتري النصف عندهم جميعا.
مطلب: ما يقسم بطريق المنازعة عنده وبطريق العول عندهما ثلاث مسائل
وأما ما يقسم بطريق المنازعة عند أبي حنيفة وعندهما بطريق العول فثلاث مسائل.
إحداها: دار تنازع فيها رجلان أحدهما يدعي كلها والآخر يدعي نصفها وأقاما البينة: عند أبي
حنيفة: تقسم الدار بينهما بطريق المنازعة، ثلاثة أرباعها لمدعي الكل والربع لمدعي النصف. وعندهما:
أثلاثا، ثلثاها لمدعي الكل وثلثها لمدعي النصف.
والثانية: إذا أوصى بجميع ماله لرجل ونصفه لآخر وأجازت الورثة: عند أبي حنيفة المال بينهما
أرباعا، وعندهما أثلاثا.
والثالثة: إذا أوصى بعبد بعينه لرجل وبنصفه لآخر وهو يخرج من ثلثه أو لا يخرج وأجازت
الورثة كان العبد بينهما أرباعا عند أبي حنيفة، وعندهما: أثلاثا.
مطلب: ما يقسم بطريق العول عنده وبطريق المنازعة عندهما خمس مسائل
وأما ما يقسم بطريق العول عند أبي حنيفة وعندهما بطريق المنازعة فخمس مسائل.
منها: ما ذكره في المأذون: عبد مأذون بين رجلين أدانه أحد الموليين مائة: يعني باعه شيئا بنسيئة
وأدانه أجنبي مائة فبيع العبد بمائة: عند أبي حنيفة: يقسم ثمن العبد بين المولى المدين وبين الأجنبي
أثلاثا ثلثاه للأجنبي وثلثه للمولي، لان إدانته تصح في نصيب شريكه لا في نصيبه.

160
والثانية: إذا أدانه أجنبي مائة وأجنبي آخر خمسين وبيع العبد: عند أبي حنيفة يقسم الثمن بينهما
أثلاثا، وعندهما أرباعا.
والثالثة: عبد قتل رجلا خطأ وآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فعفا أحدهما: يخير مولى العبد
بين الدفع والفداء، فإن هذا المولى يفدي بخمسة عشر ألفا خمسة آلاف لشريكه العافي وعشرة آلاف
لولي الخطأ، فإن دفع يقسم العبد بينهما أثلاثا عند أبي حنيفة وعندهما: أرباعا.
والرابعة: لو كان الجاني مدبرا والمسألة بحالها ودفع المولى القيمة.
والخامسة: مسألة الكتاب أم ولد قتلت مولاها وأجنبيا عمدا ولكل واحد منهما وليان فعفا
أحد وليي كل واحد منهما على التعاقب سعت في ثلاثة أرباع قيمتها: كان للساكت من ولي الأجنبي
ربع القيمة، ويقسم نصف القيمة بينهما بطريق العول أثلاثا عند أبي حنيفة. وعندهما: أرباعا بطريق
المنازعة.
والأصل لأبي يوسف ومحمد أن الحقين متى ثبتا على الشيوع في وقت واحد كانت القسمة
عولية، وإن ثبتا على وجه التمييز أو في وقتين مختلفين كانت القسمة نزاعية، والمعنى فيه أن القياس
يأبى القسمة بطريق العول، لان تفسير العول أن يضرب كل واحد منهما بجميع حقه أحدهما بنصف
المال والآخر بالكل، والمال الواحد لا يكون له كل ونصف آخر، ولهذا قال ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما: من شاء باهلته، إن الله تعالى لم يجعل في المال الواحد ثلثين ونصفا ولا نصفين وثلثا، وإنما
تركنا القياس في الميراث بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فيلحق به ما كان في معناه، وفي الميراث
حقوق الكل ثبتت على وجه الشيوع في وقت واحد وهو حالة الموت، وفي التركة إذا اجتمعت حقوق
متفاوتة حق أرباب الديون وثبت في وقت واحد وهو حالة الموت أو المرض فكانت في معنى الميراث،
وكذلك في الوصايا وفي العبد والمدبر إذا فقأ عين إنسان وقتل آخر خطأ حق أصحاب الجناية ثبت
في وقت واحد وهو وقت دفع العبد الجاني أو قيمة المدبر لان موجب جناية الخطأ لا يملك قبل
الدفع، ولهذا لا يجب فيه الزكاة قبل القبض ولا تصح به الكفالة. وإنما يملك التسليم ووقت الدفع
واحد. وفي مسألة دعوى الدار الحق إنما يثبت بالقضاء ووقت القضاء واحد فكانت في معنى
الميراث، وفي مسألة بيع الفضولي وقت ثبوت الحقين مختلف، لان الملك ثبت عند الإجارة مستندا إلى
قوت العقد ووقت العقد مختلف. وفي القسم الرابع وقت ثبوت الحقين مختلف، أما في مسألة الإدانة
فلان الحق ثبت بالإدانة ووقت الإدانة مختلف.
وفي العبد إذا قتل رجلا عمدا وآخر خطأ وللمقتول عمدا وليان فعفا أحدهما واختار المولى دفع
العبد أو كان الجاني مدبرا والمسألة بحالها فدفع المولى القيمة عندهما يقسم بطريق المنازعة، لان وقت
ثبوت الحقين مختلف، لان حق الساكت من ولي الدم كان في القصاص لان مثل والمال بدل عن
القصاص ووجوب البدل مضاف إلى سبب الأصل وهو القتل، فكان وقت ثبوت حقه القتل وحق ولي
الخطأ في القيمة، إذ العبد المدفوع يثبت عند الدفع لا قبله، لأنه صلة معنى والصلات لا تملك قبل
القبض، فكان وقت الحقين مختلفا فلم يكن في معنى الميراث وكانت القسمتين نزاعية.
وفي جناية أم الولد وجوب الدية للذي لم يعف مضاف إلى القتل لما قلنا والقتلان وجدا في
وقتين مختلفين فكانت القسمة نزاعية عندهما.

161
والأصل لأبي حنيفة أن قسمة العين متى كانت بحق ثابت في الذمة أو بحق ثبت في العين
على وجه الشيوع في البعض دون الكل كانت القسمة عولية، ومتى وجب قسمة العين بحق ثبت على وجه
التمييز أو كان حق أحدهما في البعض الشائع وحق الآخر في الكل كانت القسمة نزاعية. والمعنى فيه
أن الحقوق متى وجبت في الذمة فقد استوت في القوة، لان الذمة متسعة فيضرب كل واحد منهما
بجميع حقه في العين وكذا إذا كان حق كل واحد في العين، لكن في الجزء الشائع فقد استوت في
القوة، لان ما من جزء ثبت فيه حق أحدهما إلا وللآخر أن يزاحمه فكانت الحقوق مستوية في القوة.
والأصل في قسمة العول الميراث كما قالا، وثمة حق كل واحد منهما ثبت في البعض الشائع. وإذا
ثبت الحقان على وجه التمييز لم يكن في معنى الميراث، وكذا إذا كان حق أحدهما في البعض الشائع
وحق الآخر في الكل لم يكن في معنى الميراث، لان صاحب الكل يزاحم صاحب البعض في كل
شئ، أما صاحب البعض فلا يزاحم صاحب الكل فلم يكن في معنى الميراث، ولأن حق كل واحد
منهما إذا كان في البعض الشائع وما يأخذ كل واحد منهما بحكم القسمة غير مقرر وأنه غير الشائع
كان المأخوذ بدل حقه لا أصل حقه، فيكون في معنى الميراث والتركة التي اجتمعت فيها الديون.
وفي مسائل القسمة إنما وجبت بحق ثابت في الذمة، لان حق كل واحد منهما في موجب
الجباية، وموجب الجناية يكون في الذمة فكانت القسمة فيها عولية، فعلى هذا تخرج المسائل. هذا إذا لم
يكن لها ولد من المولى، فإن كان لها ولد من المولى يرثه فلا قصاص عليها بدم المولى، لان الولد لا
يستوجب القصاص على والديه، ولهذا لو قتلت المرأة ولدها لا يجب عليها القصاص لان الوالدة
سبب لوجوده فلا يستحق قتلها، ولهذا لا يباح له قتل واحد من أبويه وإن كان حربيا أو مرتدا أو
زانيا محصنا. فإذا سقط حق ولدها سقط حق الباقي وانقلب الكل مالا، لان القصاص تعذر استيفاؤه
لا لمعنى من جهة القاتل بل حكما من جهة الشرع فانقلب الكل مالا، بخلاف ما تقدم، لان ثمة
العافي أسقط حق نفسه فلا ينقلب نصيبه مالا.
فإن قيل: إذا لم تكن هذه الجناية موجبة للقصاص عليها بدم المولى ينبغي أن تكون هدرا كما لو
قتلته خطأ. قلنا: الجناية وقعت موجبة للقصاص، لأنه يجب للمقتول والمولى يستوجب القصاص على
مملوكه، وإنما سقط القصاص ضرورة الانتقال إلى الوارث وهي حرة وقت الانتقال فتنقلب مالا
وتلزمها القيمة دون الدية اعتبارا بحالة القتل.
هذا كمن قتل رجلا عمدا وابن القاتل وارث المقتول كان لابن المقتول الدية على والده القاتل
كذلك هنا، ولورثة الأجنبي القصاص كما كان، لان حقهما يمتاز عن حق ورثة المولى فكان لهما
القصاص: وإن شاءا أخرا حتى يؤدي القيمة إلى ورثة المولى، وإن شاءا عجلا القتل، لأنهما لو أخرا
إلى أن يؤدي السعاية ربما لا يؤدي مخافة القتل فيبطل حقهما فكان لهما التعجيل، فإن عفا أحد وليي
الأجنبي وجب للساكت منهما نصف القيمة أيضا، وجنايات أم الولد وإن كثرت لا توجب إلا قيمة
واحدة فصارت القيمة مشتركة بين ورثة المولى ووارث الأجنبي.
ثم عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه تقسم قيمتها بينهما أثلاثا، وعندهما أرباعا لما ذكرنا، فإن
كانت سعت في قيمتها لورثة المولى ثم عفا أحد وليي الأجنبي: إن دفعت القيمة إلى ورثة المولى بقضاء
القاضي لا سبيل لوارث الأجنبي عليها لان الواجب عليها قيمة واحدة وقد أدت بقضاء القاضي

162
فتفرغ ذمتها ويتبع وارث الأجنبي ورثة المولى ويشاركهم في تلك القيمة لأنهم أخذوا قيمة مشتركة،
وإن دفعت بغير قضاء عندهما كذلك. وعند أبي حنيفة. وارث الأجنبي بالخيار: إن شاء يرجع على
ورثة المولى، وإن شاء يرجع على أم الولد.
لهما: أنهما فعلت عين ما يفعله القاضي لو رفع الامر إليه فيستوي فيه القضاء وعدمه كالرجوع
في الهبة لما كان فسخا بقضاء لو حصل بتراضيهما يكون فسخا.
ولأبي حنيفة أن موجب الجناية في الذمة، فإذا أدت فقد نقلت من الذمة إلى العين فيظهر أثر
الانتقال في حق الكل إن كان بقضاء، ولا يظهر إذا كان بغير قضاء فكان له الخيار: إن شاء رضي
بدفعها ويتبع ورثة المولى، وإن شاء لم يرض ويرجع عليها بحقه، وهو ثلث القيمة عند أبي حنيفة،
وترجع هي على ورثة المولى. هذا إذا دفعت القيمة إلى ورثة المولى ثم عفا ولي الأجنبي، فإن عفا أحد
وليي الأجنبي ثم دفعت القيمة قال بعضهم: إن كان الدفع بغير قضاء يتخيران وإرث الأجنبي عندهم،
وإن كان بقضاء عند أبي حنيفة يتخير. وعندهما لا يتخير. والصحيح أن هنا يتخير عند الكل سواء كان
الدفع بقضاء أو بغير قضاء، لان قضاء القاضي بدفع الكل إلى ورثة المولى بعد تعلق حق الأجنبي
وثبوته لا يصح، بخلاف الوصي إذا قضى دين أحد الغريمين بأمر القاضي حيث لا يضمن لان
للقاضي أن يضع مال الميت حيث شاء، أما هنا فبخلافه، وإذا لم يصح قضاء القاضي فلان لا يصح
فعلها بغير قضاء أولى. قوله: (والأصل عنده) أي عند أبي حنيفة أن القسمة: أي قسمة العين. قوله:
(في عين أو ذمة) أي بحق ثابت في ذمة الأولى زيادة في البعض، بأن يقول أو لأحدهما في البعض
شائعا: أي أو وجبت القسمة لأحدهما الخ، أو أن يقول في ذمة أو عين شائعا لأنه لا يعقل التبعيض
في الذمة. والأولى أن يقول شائعا في البعض دون الكل. وعبارة البحر: والأصل لأبي حنيفة أن
قسمة العين متى كانت بحق ثابت الخ كما قدمناها قريبا. قوله: (شائعا) أي على وجه الشيوع في
بعض دون الكل. قوله: (فعولية) أي كانت القسمة عولية. قوله: (أو مميزا) أي ومتى وجب قسمة
العين بحق ثابت على وجه التمييز دون الشيوع. قوله: (أو لأحدهما) أي كان حق لأحدهما في البعض
شائعا. قوله: (وللآخر في الكل) أي وحق الآخر في الكل. قوله: (فمنازعة) أي كانت القسمة
نزاعية، وقدمنا الحاصل على قول الإمام فلا تنسه. قوله: (وإلا) أي بأن ثبتا في وقتين مختلفين أو على
وجه التمييز فمنازعة، فحقوق الكل في الميراث ثبتت على وجه الشيوع في وقت واحد وهو وقت
الموت فتقسم بطريق العول، وكذا التركة إذا اجتمعت فيها ديون متفاوتة فإن حقهم يثبت في وقت
واحد، وهو حالة الموت أو المرض فكانت في معنى الميراث، وكذلك الوصايا، وفي العبد والمدبر إلى
آخر ما قدمناه عن البحر فلا تنسه. قوله: (فهي للثاني) وهو مدعي الكل. قوله: (نصف لا بالقضاء)
لان دعوى مدعي النصف منصرفة إلى ما بيده لتكون يده محقة فسلم النصف لمدعي الجميع بلا
منازعة، فيبقى ما في يده لا على وجه القضاء إذ لا قضاء بدون الدعوى، واجتمع بينة الخارج وذي
اليد فيما في يد صاحب النصف فتقدم بينة الخارج، وسيأتي بيانه في المقولة الثانية موضحا. قوله:
(ونصف به) لأنه خارج: يعني دعوى مدعي النصف منصرفة إلى ما بيده، لتكون يده محقة لا يدعي

163
شيئا مما في يد صاحبه فسلم النصف لمدعي الجميع بلا منازعة، فيبقى ما في يده لا على وجه القضاء إذ
لا قضاء بدون الدعوى. وأما مدعي الكل فإنه يدعي ما في يد نفسه وما في يد الآخر ولا ينازعه
أحد فيما في يده فيترك ما في يده لا على وجه القضاء، وقد اجتمعت بينة الخارج وذي اليد فيما في
يد صاحب النصف فكانت بينته أولى فتقدم لأنه خارج فيه فيقضي له في ذلك النصف، فسلم له كل
الدار نصفها بالترك لاعلى وجه القضاء والنصف الآخر بالقضاء كما في العيني. قوله: (وآخر ثلثها)
الأولى ثلثيها كما سيتضح في المقولة الآتية. قوله: (وبيانه في الكافي) هذه المسألة في المجمع وشرحه
لابن ملك حيث قال: ولو ادعى أحد ثلاثة في يدهم دار كلها والآخر ثلثيها والآخر نصفها وبرهن كل
على ما ادعاه، فلنفرض اسم مدعي الكل كاملا ومدعي الثلثين ليثا ومدعي النصف نصرا، فهي
مقسومة بينهم. عند أبي حنيفة بالمنازعة من أربعة وعشرين لكامل خمسة عشر وهي خمسة أثمان الدار
وربعها لليث وثمنها لنصر.
بيانه أنا نجعل الدار ستة لاحتياجنا إلى النصف والثلثين، وأقل مخرجهما ستة في يد كل منهم
سهمان، ومعلوم أن بينة كل منهم على ما في يده غير مقبولة لكونه ذا يد وإن بينة الخارج أولى في
الملك المطلق، فاجتمع كامل وليث على ما في يد نصر فكامل يدعي كله وليث نصفه وذلك لأنه يقول
حقي في الثلثين ثلث في يدي وبقي لي ثلث آخر نصفه في يد كامل ونصفه في يد نصر فسلم لكامل
نصف ما في يده وهو سهم بلا نزاع والنصف الآخر وهو سهم بينهما نصفان فيضرب مخرج النصف
وهو اثنان في ستة فصارت اثني عشر، ثم كامل ونصر اجتمعا على ما في يد ليث وهو أربعة فكامل
يدعي كله ونصر ربعه، لأنه يقول حقي في النصف ستة وقد أخذ الثلث أربعة وبقي لي سدس من
الدار وهو سهمان سهم في يد الليث وسهم في يد كامل وثلاثة من الأربعة سلمت لكامل وتنازعا في
سهم، فيضرب مخرج النصف في اثني عشر فصارت الدار أربعة وعشرين في يد كل منهم ثمانية.
اجتمع كامل وليث على الثمانية التي في يد نصر فأربعة سلمت لكامل بلا نزاع لان ليثا يدعي الثلثين
وهو ستة عشر ثمانية منها في يده وأربعة في يد نصر وأربعة في يد كامل والأربعة بين كامل وليث
نصفين لاستوائهما في المنازعة فحصل لكامل ستة ولليث سهمان، ثم اجتمع كامل ونصر على ما في
يد ليث فنصر يدعي ربع ما في يده وهو سهمان فسلمت ستة لكامل واستوت منازعتهما في سهمين
فصار لكل واحد منهم سهم فحصل لكامل سبعة ولنصر سهم، ثم اجتمع ليث ونصر على ما في يد
كامل فليث يدعي نصف ما في يده أربعة ونصر يدعي ربع ما في يده سهمين وفي المال سعة فيأخذ
ليث أربعة ونصر سهمين فيبقى ما في يد كامل سهمان فحصل لكامل مما في يد نصر ستة ومما في يد
ليث سبعة ومما في يده سهمان فجميعه خمسة عشر، وللثاني ستة وهي ربع الدار، لأنه حصل له مما في
يد نصر سهمان ومما في يد كامل أربعة فذاك ستة، وللثالث وهو نصر ثلاثة وهي ثمن الدار، لأنه
حصل له مما في يد ليث سهم ومما في يد كامل سهمان وذا ثلاثة.
وبالاختصار، تكون المسألة من ثمانية: خمسة أثمانها لكامل وربعها سهمان لليث وثمنها واحد
لنصر، وهذا قول الإمام وقالا: بالعول تقسم.
وبيانه أن الدار بينهم أثلاثا الكامل والليث اجتمعا على ما في يد نصر فكامل يدعي كله وليث

164
نصفه فنأخذ أقل عدد له نصف وهو اثنان فيضرب الكامل بكله سهمين وليث بنصفه سهما فعالت إلى
ثلاثة، ثم الكامل والنصر اجتمعا على ما في يد ليث والكامل يدعي كله ونصر ربعه ومخرج الربع أربعة
فيضرب بربعه سهم وكامل بكله أربعة فعالت إلى خمسة، ثم ليث ونصر اجتمعا على ما في يد كامل
فليث يدعي نصف ما في يده ونصر يدعي ربعه والنصف والربع يخرجان من أربعة فنجعل ما في يده
أربعة لان في المال سعة فنصفه سهمان لليث وربعه سهم لنصر وبقي ربع لكامل فحصل هنا ثلاثة
وخمسة وأربعة وانكسر حساب الدار على هذا وهي متباينة فضربنا الثلاثة في الأربعة فصارت اثني عشر
ضربناها في خمسة صارت ستين ضربناها في أصل المسألة ثلاثة بلغت مائة وثمانين في يد كل واحد
ستون فلكامل مائة وثلاثة، لان ربع ما في يده وهو الخمسة عشر سلم له وأخذ من نصر ثلثي ما في
يده وهو أربعون ومن ليث أربعة أخماسه وهي ثمانية وأربعون فصار المجموع مائة وثلاثة ولليث
خمسون لان ليثا أخذ نصف ما في يد كامل وهو ثلاثون وثلث في يد نضر وهو عشرون وللثالث وهو
نصر سبعة وعشرون لأنه أخذ خمس ما في يد ليث، وهو اثنا عشر وربع ما في يد كامل وهو خمسة ا
ه‍. حلبي بتصرف. وهذا كله اعتبار وتقدير ط وذكره في غرر الأفكار، فراجعه. قوله: (ولو برهنا
الخ) يتصور هذا بأن رأي الشاهدان أنه ارتضع من لبن أنثى كانت في ملكه وآخران رأيا أنه ارتضع من
لبن أنثى في ملك آخر فتحل الشهادة للفريقين. بحر عن الخلاصة. وقدمناه وقدمنا عنه أيضا أنه لا
اعتبار بالتاريخ مع النتاج إلا من أرخ تاريخا مستحيلا الخ، فتأمل. قوله: (تاريخه) أي تاريخ البينة،
وإنما ذكر الضمير بتأويل البرهان. حموي. قوله: (بشهادة الظاهر) لان علامة الصدق ظهرت فيمن
وافق تاريخه سنها فترجحت ببينته بذلك، وفي الأخرى ظهرت علامة الكذب فيجب ردها منح. ولا
فرق في ذلك بين أن تكون الدابة في أيديهما أو في يد أحدهما أو في يد ثالث، لان المعنى لا يختلف.
بخلاف ما إذا كانت الدعوى في النتاج من غير تاريخ حيث يحكم بها لذي اليد كما صرح به المصنف
إن كانت بيد أحدهما أو لهما إن كانت في أيديهما أو في يد ثالث. زيلعي. قوله: (قضى بها لذي اليد)
لان ذا اليد مقدم على الخارج في دعوى النتاج. قال في الأشباه هكذا أطلق أصحاب المتون.
قلت: إلا مسألتين: الأولى لو كان النزاع في عبد فقال الخارج إنه ولد في ملكي وأعتقه وبرهن
وقال ذو اليد ولد في ملكي فقط قدم على ذي اليد أي لان بينته أكثر إثباتا، بخلاف ما لو قال الخارج
كاتبته أو دبرته فإنه لا يقدم، لكن في الأشباه أيضا الشهادة بحرية العبد بدون دعواه لا تقبل عند
الامام إلا في مسألتين، إلى أن قال: والصحيح عنده اشتراط دعواه في العارضة والأصلية، ولا تسمع
دعو الاعتاق من غير العبد إلا في مسألة الخ.
وفي فتاوي الحانوتي جوابا عن سؤال: حيث اعترف العبد بالعبودية لسيده بانقياده للبيع يكون
عبدا له وسواء كان هناك بينة أم لا، ولا عبرة بقول المنازع إنه حر الأصل مع عدم دعوى العبد
لذلك، لان حرية العبد لا تثبت إلا بعد دعواه، ولا تجوز فيها دعوى الحسبة، بخلاف الأمة لأنها
شهادة بحرمة الفرج إلى آخر ما قال.
الثانية: لو قال الخارج ولد في ملكي من أمتي هذه وهو ابني قدم على ذي اليد ا ه‍. وقدمنا أنه
إنما يقضي بالنتاج لذي اليد فيما إذا ادعى كل منهما النتاج فقط، أما لو ادعى الفعل على ذي

165
اليد كالغصب والإجارة والعارية فبينة الخارج أولى لأنها أكثر إثباتا لاثباتها الفعل على ذي اليد كما في
البحر عن الزيلعي، ونقله في نور العين عن الذخيرة على خلاف ما في المبسوط وقال: الظاهر أن ما
في الذخيرة هو الأصح والأرجح، لما في الخلاصة من كتاب الولاء لخواهر زاده أن ذا اليد إذا ادعى
النتاج وادعى الخارج أنه ملكه غصبه منه ذو اليد أو أودعه له أو أعاره منه كانت بينة الخارج أولى،
وإنما تترجح بينة ذي اليد على النتاج إذا لم يدع الخارج فعلا على ذي اليد، أما لو ادعى فعلا كالشراء
وغير ذلك فبينه الخارج أولى، لأنها أكثر إثباتا لأنها تثبت الفعل عليه ا ه‍. ولا تنس ما قدمناه عند قول
الشارح في رواية. قال ط: والظاهر أن حكم موافقتهما لسنها أنه يحكم بها لذي اليد. قوله: (ولهما
أن في أيديهما) لان أحدهما ليس أولى من الآخر. قوله: (وإن لم يوافقهما بأن خالف أو أشكل) أي فلو
خالف السن تاريخهما كان كما لو لم يؤرخا، وكذا إذا أشكل وقد تقدم أنه يحكم لذي اليد. قوله:
(فلهما إن الخ) لعدم ترجيح أحدهما. قوله: (قضى بها له) لأنه لما أشكل أي أو خالف سقط التاريخان
فصار كأنهما لم يؤرخا. قوله: (هو الأصح) مقابله ما في الهداية، إذا خالف سنها الوقتين بطلت
البينتان لظهور كذب الفريقين فتترك في يد من كانت في يده. بقوله: (وهذا أولى مما وقع في الكنز)
أي ما ذكر المصنف. بقوله: (وإن لم يوافقهما) لعمومه أولى مما في الكنز وما عطف عليه من تعبيره
بقوله: (وإن أشكل).
أقول: قد ذكره المصنف في شرح المنح تبعا للبحر حيث قال: وإن لم يوافقهما يشمل ما إذا
أشكل سنها بأن لم يعلم وما إذا خالف سنها تاريخهما فإنها تكون لهما على الأصح.
قال الرملي: الأولى من هذا التعبير وإن خالفها أو أشكل فلهما. على أن لنا أن لا نسلم عدم
شمول ما في الكنز وشمول ما عبر به، إذ الاشكال الالتباس. وفي الصورتين التباس الامر على الحاكم
وعدم موافقتهما غير عدم العلم أصلا لأنه للعلم بالمخالفة كما قرره الشراح فكيف يدخل فيه عدم
العلم بشئ لأنه مع عدم العلم يحتمل الموافقة والمخالفة.
والصور ثلاثة: إما عدم العلم الموافقة لهما وهو المخالفة، بأن تحقق مخالفته للتاريخين، وإما الموافقة
لأحدهما فقط والمخالفة للآخر، وأما عدم معرفة شئ وهي لا تدخل في صور المخالفة التي هي عدم
الموافقة فلم يشملها. قوله: (وإن لم يوافقهما) على أن الظاهر أن اختبار صاحب الكنز في صورة
المخالفة بطلان البينتين والترك في يد ذي اليد كما أفصح عنه في الكافي، فخص صورة الاشكال
ليحترز به عن صورة المخالفة، فتنبه لكلام هذا العالم النحرير يظهر لك منه حسن التعبير ا ه‍.
ثم الظاهر أن مراد صاحب البحر والمنح من. قوله: (وإن لم يوافقهما) أي لم تظهر موافقة السن
للتاريخين فشمل الصورتين لكنه تأويل، فلذا قال العلامة الرملي: الأولى من هذا التعبير ولم يقل
الصواب. تأمل. قوله: (في الكنز والدرر والملتقي) حيث ث قال: وإن أشكل فلهما لان قوله: وإن لم
يوافقهما أعم من قول الكنز، كذا قول الكنز فلهما مقيد بما إذا لم يكن في يد أحدهما.
وعبارة الملتقي والغرر: وإن أشكل فلهما، وإن خالفهما بطل. قال الشارح في شرح الملتقي:
فيقضي لذي اليد قضاء ترك كذا اختاره في الهداية والكافي.

166
قلت: لكن الأصح أنه كالمشكل كما جزم به في التنوير والدرر والبحر وغيرها. فليحفظ ا ه‍.
قلت: نقل الشرنبلالي عن كافي الحاكم أن الأول هو الصحيح للتيقن بكذب البينتين فيترك في
يد ذي اليد. وقال: ومحصله اختلاف التصحيح ا ه‍. قال المولى عبد الحليم، بل اللائق على المصنف أن
يقول هكذا: وإن أشكل أو خالف الوقتين فلهما إن لم يكن في يد أحدهما فقط، وإلا فلا.
واعلم أن سن الدابة لو خالف الوقتين ففيه روايتان: في رواية يقضي لهما، وفي رواية تبطل
البينتان، صرح به الامام قاضيخان في فتاواه من غير ترجيح إحداهما على الأخرى، وبطلانهما رواية
أبي الليث الخوارزمي. واختاره الحاكم الشهيد حيث قال: وهو الصحيح، وتبعه صاحب الهداية ومن
تابعه، والقضاء بينهما ظاهر الرواية. اختاره في المبسوط حيث قال وهو الأصح، وتبعه الزيلعي ومن
تابعه. وقد اختلف التصحيح والرجحان لظاهر الرواية وقد سبق غير مرة. هذا زبدة ما في الشروح
والفتاوي، فظهر أن المصنف اختار ما هو الأرجح ا ه‍. قوله: (برهن أحد الخارجين) على المدعي عليه
وهو زيد. قوله: (من زيد) هكذا وقع في النسخ، وصوابه على الغصب من يده أي من يد أحد
الخارجين. قال الزيلعي والمنح: معناه إذا كان عين في يد رجل فأقام رجلان عليه البينة أحدهما
بالغصب منه والآخر بالوديعة استوت دعواهما حتى يقضي بها بينهما نصفين، لان الوديعة تصير
غصبا بالجحود حتى يجب عليه الضمان مدني، والظاهر أنه أراد على الغصب الناشئ من زيد فزيد هو
الغاصب، فمن ليست صلة الغصب بل ابتدائية. تأمل. قوله: (والآخر) أي برهن الآخر. قوله: (على
الوديعة منه) أي قال الآخر هو مالي أودعته من زيد وزيد ينكر ذلك. قوله: (استويا) أي الخارجان
في الدعوى، لأنه لو كان كما يدعي الثاني وديعة من زيد صارت غصبا حيث جحدها المودع، ولهذا
قال الشارح لأنها أي الوديعة بالجحد تصير غصبا حتى يجب عليه الضمان، ولا يسقط بالرجوع إلى
الوفاق بالاقرار حتى يرد إلى صاحبه، بخلاف ما إذا خالف بالفعل بلا جحود ثم عاد إلى الوفاق كما
في الحموي، فمن في. قوله: (من زيد) للابتداء وفي قوله: (منه) صلة الوديعة لأنها تتعدى بمن،
وإنما احتاج إليها في الأول لأن الغصب محلى بأل في عبارة المصنف فلم يمكنه إضافته إلى زيد،
وحينئذ فما نقله بعض الأفاضل عن عزمي زاده من أن هذا التصوير سهو، والأولى إسقاطه فيه ما فيه
فراجعه. قوله: (الناس أحرار) لان الدار دار الحرية أو لأنهم أولاد آدم وحواء عليهما السلام وقد
كانا حرين. قوله: (الشهادة) أي فلا يكتفي فيها بظاهر الحرية بل يسأل عنه إذا طعن الخصم بالرق،
أما إذا لم يطعن فلا يسأل كما في التبيين، لان الحرية تثبت بطريق الظهور والظاهر يصلح للدفع لا
للاستحقاق، فلا يستحق المدعي إلزام المدعي عليه إلا بإثبات حرية شهوده، وكذا لا يستحق الشاهد
استحقاق الولاية على المشهود عليه ونفاذ شهادته عليه إلا بذلك، فإن قال الشهود نحن أحرار لم
نملك قط لم يقبل قولهما بالنسبة إلى قبول شهادتهما حتى يأتيا بالبينة على ذلك وإلا فهما مصدقان في
قولهما إنا أحرار لم نملك قط بحسب الظاهر.
وفي أبي السعود على الأشباه تفسيره في الشهادة: إذا شهد شاهدان لرجل بحق من الحقوق فقال
المشهود عليه هما عبدان وإني لا أقبل شهادتهما حتى أعلم أنهما حران.

167
وتفسيره في الحد: إذا قذف إنسانا ثم زعم القاذف أن المقذوف عبد فإنه لا يحد القاذف حتى
يثبت المقذوف حريته بالحجة. وفي القصاص: إذا قطع يد إنسان وزعم القاطع أن المقطوع يده عبد
فإنه لا يقضي بالقصاص حتى يثبت حريته. وفي الدية: إذا قتل إنسانا خطأ وزعمت العاقلة أنه عبد
فإنه لا يقضي عليه بالدية حتى تقوم البينة على حريته.
وفي البيري: لو كان المدعي به حدا أو قصاصا سأل القاضي عنهم طعن الخصم أولا بالاجماع
ا ه‍. لان في القذف: أي مثلا إلزام الحد على القاذف، وفي القصاص إيجاب العقوبة على القاطع، وفي
القتل خطأ إيجاب الدية على العاقلة، وذلك لا يجوز إلا باعتبار حرية الشاهد، فما لم تثبت الحرية
بالحجة لا يجوز القضاء بشئ من ذلك ط.
مطلب: الأصل في الناس الفقر والرشد والأمانة والعدالة وإنما على القاضي
أن يسأل عن الشهود سرا وعلنا
قال الحموي: وقد سئل شيخ مشايخنا الشيخ عبد الغني العبادي: هل الأصل في الناس الرشد
أو السفه، وهل الأصل في الناس الفقر أو الغنى، وهل الأصل في الناس الأمانة أو الخيانة، وهل
الأصل في الناس الجرح أو التعديل؟ فأجاب: الأصل الرشد والفقر والأمانة والعدالة، وإنما على
القاضي أن يسأل عن الشهود سرا وعلنا لان القضاء مبني على الحجة وهي شهادة العدل فيتعرف عن
العدالة، وفيه صون قضائه عن لبطلان، والله تعالى أعلم. وفي قوله صون قضائه عن البطلان نظر،
فتدبره ا ه‍.
ووجهه أنه إذا قضى بشهادة الفاسق يصح قضاؤه.
مطلب: منع السلطان عن نصرة قضاته عن الحكم بشهادة الشهود
إلا بعد التزكية سرا وعلانية
لكن في زماننا قد تكرر أمر السلطان نصره الله تعالى في منع قضاته في سائر مملكته أن يحكموا بعد
الشهادة بدون تزكية السر والعلانية، فافهم. قوله: (والحدود) فلو أنكر القاذف حرية المقذوف لا يحد حتى
يثبت حريته لأنه لا يستحق عليه الحد إلا بالحرية، والظاهر لا يكفي للاستحقاق، ولأن الحدود تدرأ
بالشبهات فيحتاط في إثباتها، ولا تنس ما قدمناه عن البيري. قوله: (والقصاص) أي في الأطراف، فلو
أنكر القاطع حرية المقطوع لا يقطع حتى يثبت حريته، لأنه لا يستحق عليه القطع إلا بالحرية إذ لا قصاص
بين طرفي حر وعبد، لان الأطراف يسلك بها مسلك الأموال. قوله: (والقتل) أي خطأ فلا تثبت الدية
على العاقلة حتى تثبت حرية القاتل لأنه يريد استحقاق العقل عليه فلا يثبت بظاهر الحرية، ولذا وقع في
نسخة العقل: يعني لا يثبت العقل إلا بعد ثبوت الحرية، وهو معنى عبارة الأشباه من قوله: (والدية).
قوله: (وفي نسخة العقل) هو في معنى الأول: يعني لا يثبت العقل إلا بعد ثبوت الحرية، ولو قال في
الحرية وعدمها لكان أوضح. قوله: (وعبارة الأشباه والدية) الثلاث بمعنى واحد في المآل. قوله: (أحر أم
لا). بيان لوجه جهالة حاله. ولو قال في الحرية وعدمها لكان أوضح. قوله: (لتمسكه بالأصل) أي
وهو دافع، وظاهر الحال يكفي للدفع عيني. قوله: (واللابس للثوب الخ) شروع في مسائل يصدق فيها

168
واضع اليد بلا برهان، وهل يصدق بيمينه، ينظر، ويأتي حكمه في التنبيه الآتي ط. وإنما كان اللابس
أحق لان تصرفه أظهر لاقتضائه الملك فكان صاحب يد والآخذ خارجا وذو اليد أولى، بخلاف ما إذا
أقام آخذ الكم البينة حيث يكون أولى والعلة المذكورة تجري فيما بعد. قال العلامة قاسم: فيقضي له
قضاء ترك لا استحقاق، حتى لو أقام الآخر البينة بعد ذلك يقضي له. شرنبلالية. قوله: (ومن في
السرج) أي أولى من رديفه، لان تمكنه في ذلك الموضع دليل على تقدم يده. قال الشرنبلالي: نقل الناطفي
هذه الرواية عن النوادر، وفي ظاهر الرواية هي بينهما نصفين، بخلاف ما إذا كانا راكبين في السرج فإنها
بينهما قولا واحدا كما في العناية. ويؤخذ منه اشتراكهما إذا لم تكن مسرجة ا ه‍.
أقول: لكن في الهداية والملتقي مثل ما في المتن فتنبه، وما في الهداية وهو على رواية النوادر،
ولو كان أحدهما متعلقا بذنبها والآخر ماسك بلجامها قالوا: ينبغي أن يكون الماسك أولى. قوله: (ممن
علق كوزه بها) احترز بذكر الكوز عما لو كان له بعض حملها، فلو كان لأحدهما من وللآخر مائة من
كانت بينهما شرنبلالية عن التبيين والحمل: بكسر الحاء ما يحمل على ظهر أو رأس حموي. قوله:
(لأنه أكثر تصرفا) علة لجميع المسائل.
أقول: لكن فيه أنه لا يعتبر الأكثر تصرفا كمسألة المن والمائة من، والأولى أن يعلق بأنه لا يعد
متصرفا عرفا كمسألة الهرادي الآتية. تأمل. قول: (والجالس على البساط والمتعلق به سواء) لان
الجلوس ليس بيده عليه، لان اليد تثبت بكونه في بيته أو بنقله من موضعه، بخلاف الركوب واللبس
حيث يكون بهما غاصبا لثبوت يده ولا يصير غاصبا بالجلوس على البساط كما في الدرر، لكن
ينبغي أن يكون القاعد أحق من المتعلق. تأمل.
وعبارة الدرر: وينصف البساط بين جالسه والمتعلق به بحكم الاستواء بينهما لا بطريق القضاء
الخ. وفي النهاية يقضي بينهما.
واعترض عليه بأن بين الكلامين تدافعا وأجيب بأن المنفي قضاء الاستحقاق لا قضاء الترك.
واعترض على هذا الجواب بأن قضاء الترك يقتضي ثبوت اليد على ما صرحوا به في مسألة
التنازع في الحائط. وأجيب بأن قضاء الترك يتحقق في المنقول من غير ثبوت اليد المعتبرة شرعا بثبوت
اليد ظاهرا فإن القاضي علم حسا وعيانا أن هذا البساط ليس في يد غيرهما فقضى بينهما لانعدام
مدع غيرهما عيانا باليد أو بالملك هذا. قوله: (وراكبي سرج) أي فينصف بينهما أي في الصورتين.
قوله: (وطرفه مع آخر) فينتصف بينهما لان يد كل منهما ثابتة فيه وإن كان يد أحدهما في الأكثر فلا
يرجح به، لما مر أنه لا ترجيح بالأكثرية درر: أي كما في مسألة كثرة شهود أحد المدعيين، هذا كله
إذا لم يقم البينة فإذا أقاما البينة فبينة الخارج أولى من بينة ذي اليد كما مر. قوله: (لا هدبته) ويقال له
بالتركي سجق ويستعمل هذا اللفظ الآن في بلادنا. قوله: (الغير منسوجة) الأولى أن يقول
المنسوجة بالألف واللام لان غير بمنزلة اسم الفاعل لا يضاف إلا لما فيه أل أو ما أضيف إلى ما فيه
أل كالضارب رأس الجاني ط. قوله: (لأنها ليست بثوب) فلم يكن في يده شئ من الثوب فلا يزاحم
الآخر. قوله: (بخلاف جالسي دار) كذا قال في العناية.

169
ويخالفه ما في البدائع: لو ادعيا دارا وأحدهما ساكن فيها فهي للساكن، وكذلك لو كان أحدهما
أحدث فيها شيئا من بناء أو حفر فهي له، ولو لم يكن شئ من ذلك ولكن أحدهما داخل فيها والآخر
خارج عنها فهي بينهما، وكذا لو كانا جميعا فيها، لان اليد على العقار لا تثبت بالكون فيها وإنما تثبت
بالتصرف ا ه‍.
أقول: لكن الذي يفهم من التعليل ومما تقدم قريبا أنه لا يقضي لهما في مسألة كون أحدهما
داخلا فيها والآخر خارجا عنها تأمل.
تنبيه: قال في البدائع كل موضع قضى بالملك لأحدهما لكون المدعي في يده يجب عليه اليمين
لصاحبه إذا طلب، فإن حلف برئ، وإن نكل قضى عليه به ا ه‍. شرنبلالية. قوله: (حيث لا يقضي
لهما) لا بطريق الترك ولا بغيره لان الجلوس لا يدل على الملك. ا ه‍ درر. قوله: (وهنا) أي في
الجلوس على البساط إذا كانا جالسين عليه. قال في الزيلعي: وكذا إذا كانا جالسين عليه فهو بينهما،
بخلاف ما إذا كانا جالسين في دار وتنازعا فيها حيث لا يحكم لهما بها لاحتمال أنها في يد غيرهما،
وهنا علم أنه ليس في يد غيرهما ا ه‍.
مطلب: مسائل الحيطان
قوله: (الحائط لمن جذوعه عليه) جمع جذع بالجيم والذال المعجمة للنخلة وغيرها، والمراد
الأخشاب التي ترص على الجدران لأجل تركيب السقف عليها، وذلك لأنه في يد صاحب الجذوع،
لان يده يد استعمال والحائط ما بني إلا له فوضعه علامة ملكه: ولو كان لكل منهما عليه ثلاثة جذوع
فهو بينهما لاستوائهما في أصل العلة ولا يعتبر بالكثرة والقلة بعد أن تبلغ ثلاثا، وإنما شرطت
الثلاثة لان الحائط يبني للتسقيف وذلك لا يحصل بما دون الثلاث غالبا فصار الثلاث كالنصاب له،
ولو كان عليه جذوع لأحدهما ثلاثة وللآخر أقل فهو لصاحب الثلاثة عند أبي حنيفة استحسانا.
والقياس أن يكون بينهما نصفين، وهو مروي عنه، ولو كان لأحدهما جذع واحد ولا شئ للآخر
قيل هما سواء، وقيل صاحب الجذع أولى. عيني.
وفي الفتاوي الخيرية من فصل الحيطان: فلو كان لكل جذع مشترك، فلو اختلفا وأقيمت البينة
عمل بها وينظر في وضع الآخر، فإن كان قديما يترك على قدميه إذ الأصل بقاء ما كان
على ما كان للظن بأنه ما وضع إلا بوجه شرعي.
مطلب: حد القديم ما لا يحفظ الاقران وراءه
وحد القديم أن لا يحفظ أقرانه وراء هذا الوقت كيف كان فيجعل أقصى الوقت الذي يحفظه
الاقران حد القديم، وإن كان حادثا يؤمر برفعه، وإن سقط ليس له إعادته بغير رضا مالكه، لأنه إن
كان بإذنه فهو معير وللمعير أن يرجع متى شاء، وإن كان بغير إذنه فهو غاصب. وإذا اختلفا في
الحدوث: فإن ثبت بالبينة أمر برفعه وإزالته عن ملك الغير شرعا، وإن لم يثبت بالبينة لا يهدم، وتمامه
فيه.
والحاصل: أن الحائط تارة يثبت بالبينة والبرهان وتارة بغيرها، فإن أقام أحد الخصمين البينة
قضى له ولو أقاما البينة قضى لهما قضاء الترك، حتى لو أقام الآخر البينة قضى له كما في الفيض.

170
وأما ما يثبت بغيرها فقال في المنتقى: الأيدي في الحائط على ثلاث مراتب: اتصال
تربيع، واتصال ملازقة ومجاورة، ووضع جذوع ومحاذاة، فأولاهم صاحب التربيع، فإن لم يوجد فصاحب الجذوع،
فإن لم يوجد فصاحب اتصال الملازقة.
بيانه: حائط بين دارين يدعيانه: فإن كان متصلا ببناء أحدهما دون الآخر فصاحب الاتصال
أولى، وإن كان متصلا ببنائهما اتصال تربيع أو ملازقة فهو بينهما، وإن كان لأحدهما اتصال تربيع
وللآخر اتصال ملازقة لصاحب التربيع أو للآخر عليه جذوع، فالحائط لصاحب الاتصال، ولصاحب
الجذوع موضع جذوعه. وروى الطحاوي أن الكل لصاحب التربيع، وإن لأحدهما اتصال ملازقة
وللآخر جذوع فصاحب الجذوع أولى، وسيأتي قريبا بأوضح من هذا.
أقول: ذكر الحنابلة في كتبهم أن المعتبر في التربيع أساس الحائط دون اللبن وهو حسن وكأنه
لما يحصل له من التغير، وظاهر نصوص أئمتنا الاطلاق كما ترى، وكأنهم لم يعتبروا هذا لأنه عارض
ويدرك عروضه. نعم لو كان التربيع في الأساس دون اللبن فالظاهر أن العبرة للأساس لأنه أقوى لما
يعرض للبن من الاصلاح، وهذا ولو كان لأحدهما التربيع في الأساس وللآخر في اللبن فالظاهر أنه
لصاحب تربيع الأساس ولم أره.
ثم قال صاحب المنتقى: وإذا كان الحائط المتنازع فيه متصلا من جانب واحد يقع فيه الترجيح
وهو الصحيح. ذكره الطحاوي. وذكر الكرخي أنه لا يقع به الترجيح ما لم يكن موصولا طرفاه
بالحائطين.
قلت: وظاهر الرواية يشترط من جوانبه الأربع كما في الفيض وغيره، لكن قالوا: الأظهر ما
قاله الطحاوي وعليه مشى في الخلاصة والبزازية وغيرهما من المعتمدات كالهندية والمحيط والخانية
وغيرها.
ثم ذكر أيضا: حائط بين دارين يدعيه صاحب أحدهما ولم يكن متصلا ببناء أحدهما: فإن كان
لأحدهما عليه جذوع فهو أولى، وإن كان لأحدهما عليه جذع واحد ولا شئ للآخر قيل هو بينهما،
وقيل لصاحب الجذع، وإن كان لكل واحد منهما ثلاثة جذوع فهو بينهما ولا عبرة لكثرة الجذوع
لأحدهما: أي بعد الثلاثة.
أقول: بعد ما كان (1) لاحد الشريكين ثلاثة جذوع وللآخر أكثر لا يترجح بها، ولكن في
العمادية ما نصه: وإن كان جذوع أحدهما أسفل وجذوع الآخر أعلى وتنازعا في الحائط فإن
لصاحب الأسفل لسبق يده ولا ترفع جذوع الاعلى ا ه‍.
فالذي يظهر من كلام العمادية أن محل وجود الخشب على الحائط لكل موجب للاشتراك إذا لم
يكن خشب أحدهما أعلى وخشب الآخر أسفل، أما إذا كان كذلك وتنازعا في الحائط فهو لصاحب
الأسفل ولا ترفع جذوع الآخر، وأنت خبير بأن هذا مقيد لكلامهم، ولكن لا تظهر ثمرة ذلك إلا في
التصرف في الحائط وعمارته، فافهم.



(1) قوله: (بعد ما كان) كذا بالأصل، ولعله: بعد ما لو كان الخ فمقول القول ولكن الخ ا ه‍ مصححه.
171
ثم قال صاحب المنتقى: وإن كان لأحدهما ثلاثة وللآخر واحد فهو لصاحب الثلاثة، إلا موضع
الجذع الواحد وهو الأصح، وما بين الجذوع قيل يكون بينهما نصفين، وقيل يكون على أحد عشر
جزءا. وإن كان الحائط طويلا وكل واحد منهما منفرد ببعض الحائط في الاتصال ووضع الجذوع
قضى لكل واحد بما يوازي ساحته من الحائط وما بينهما من القضاء يقضي بكونه بينهما نصفين. لكل
واحد منهما بوار وهو القصب فهو بينهما.
لأحدهما عليه جذوع وللآخر عليه بوار يقضي به لصاحب الجذوع ولكن لا يؤمر برفع البواري.
لأحدهما عليه خشب وللآخر عليه حائط سترة فالحائط الأسفل لصاحب الخشب ولصاحب
السترة سترته، ولو تنازعا في الحائط والسترة جميعا فهما لصاحب الخشب ا ه‍ ما في المنتقى.
وقال برهان الدين الكركي في الفيض: حائط ادعاه رجلان وغلق الباب إلى أحدهما يقضي
بالحائط والباب بينهما نصفين عند أبي حنيفة، وعندهما الحائط بينهما والباب للذي الغلق إليه، وأجمعوا
أنه إذا كان للباب غلقان في كل جانب واحد فهو بينهما.
وذكر فيه أيضا: رجلان ادعيا حائطا وليس الحائط متصلا ببناء أحدهما وليس لأحدهما جذوع
أو غيرها يقضي به بينهما، وإن كانت لأحدهما هرادي أو بوار فكذلك، وإن كان لأحدهما عليه جذع
واحد ولا شئ للآخر أو له عليه هرادي لم يذكر في الكتاب. قال بعضهم: لا يترجح بجذع واحد.
وقد روي عن محمد: يقضي له، ولو كان لأحدهما عليه خشبة وللآخر عليه عشر خشبات يقضي به
لصاحب العشرة وللآخر موضع جذعه. والصحيح أن الحائط لصاحب الجذوع ولا ينزع جذع الآخر.
أقول: أي لان الملك الثابت بكثرة الجذوع هاهنا ثابت بنوع الاستظهار فهو صالح للدفع لا
لابطال حق صاحب الجذع، بخلاف ما لو أقام صاحب الجذوع البينة كان الحائط له البتة فإنه يرفع
جذع الآخر كما بينه صاحب الذخيرة، وسيأتيك بأوضح من هذا. وعن أبي يوسف أن الحائط بينهما
على أحد عشر سهما.
ولو كان لأحدهما عليه جذعان وللآخر عشرة اختلف المشايخ فيه. قال بعضهم: جذعان بمنزلة
جذع واحد. وقال بعضهم: بمنزلة الثلاثة، ولو كان لأحدهما ثلاثة وللآخر عشرة فهو بينهما، وكذا
لو كان لأحدهما خمسة وللآخر عشرة فهو بينهما نصفين وقيل أثلاثا.
تنازعا في خص أو حائط بين داريهما ولا بينة والقمط: أي الحبل الذي يشد به الخص والوجه:
أي وجه الحائط أو الطاقات أو أنصاف اللبن إلى أحدهما. قال أبو حنيفة: هو بينهما إذ الانسان كما
يجعل المذكور إلى جانبه في ملكه الخاص يجعله إلى جانبه في المشترك أيضا إذا تولى العمل فلا يصلح
حجة. وقالا: هو لمن المذكور إلى جانبه إذ الظاهر يشهد له، لان الانسان يزين وجه داره إلى نفسه لا
إلى جاره، وكذا القمط لأنه وقت العقد يقول على سطحه فيجعل القمط إليه.
زاد في الهندية: هذا إذا جعل وجه البناء حين بنى. وأما إذا جعل الوجه بعد البناء بالنقش
والتطيين فلا يستحق به الحائط في قولهم جميعا. كذا في غاية البيان شرح الهداية قوله: (أو متصل
به) الأوضح أن يقول: أو هو متصل ببنائه اتصال تربيع. قوله: (بأن تتداخل أنصاف لبناته) أي مثلا
فدخل الآجر والحجر.
واختلف في صفة اتصال التربيع، فقال الكرخي: صفته أن يكون الحائط المتنازع فيه متصلا

172
بحائطين لأحدهما من الجانبين جميعا والحائطان متصلان بحائط له بمقابلة الحائط المتنازع فيه حتى يصير
مربعا يشبه القبة، فحينئذ يكون الكل في حكم شئ واحد. والمروي عن أبي يوسف أن اتصال جانبي
الحائط المتنازع فيه بحائطين لأحدهما يكفي، ولا يشترط اتصال الحائطين بحائط له بمقابلة الحائط
المتنازع فيه.
وعبارة الكافي: هو أن يكون أحد طرفي الآخر في هذا الحائط والطرف الآخر في الحائط
الآخر حتى يصير في معنى حائط واحد وبناء واحد فيكون ثبوت اليد على البعض ثبوتا على الكل،
وهو عين ما روي عن أبي يوسف، ومعنى التربيع فيما قال الكرخي أظهر.
وفي الهندية: وذكر الطحاوي: إن كان متصلا بحائط واحد يقع به الترجيح. قالوا: والصحيح
رواية الطحاوي ا ه‍. وعزاه إلى محيط السرخسي. قوله: (ولو من خشب) عطف على محذوف تقديره:
إذا كان الحائط من لبن ولو من خشب الخ. قوله: (لدلالة) هذه علة لكون صاحب اتصال التربيع
أولى. قوله: (على أنهما) أي الحائط المتنازع فيه والحائطين المتصلين به. قوله: (ولذا سمي بذلك) أي
لكونهما بنيا معا سمى باتصال التربيع قد علمت تفسير اتصال التربيع على قول الكرخي وهو ظاهر
وتسميته به على قول أبي يوسف باعتبار التربيع في حائطيه باللبنات. قوله: (يبنى مربعا) هذا إنما يظهر
على قول الكرخي. قوله: (لا لمن له اتصال ملازقة) بأن يكون الحائط المتنازع فيه ملازقا لحائط أحدهما
من غير إدخال فيه. قوله: (أو نقب وإدخال) وهذا فيما لو كان من خشب: أي بأن نقب وأدخلت
الخشبة فيه، وهذا محترز. قوله: (في حائط الخشب)، بأن تكون الخشبة مركبة في الأخرى.
قال البدر العيني: وإذا كان الجدار من خشب فالتربيع أن يكون ساج أحدهما مركبا على
الآخر. وأما إذا نقب وأدخل فلا يكون مربعا فلا عبرة به ولا باتصال الملازقة من غير تربيع لعدم
المداخلة فلا يدل على أنهما بنيا معا ا ه‍. ومثله فيما يظهر النقب في جدار نحو اللبن. قوله: (أو
هرادي) جمع هردية: قصبات تضم ملوية بطاقات من الكرم فترسل عليها قصبات الكرم، كذا في
ديوان الأدب، وصحح فيها الحاء والهاء جميعا، وأنكر الهاء صاحب الصحاح، والرواية في الأصل
والكافي للشهيد بالحاء. وفي الجامع الصغير وشرح الكافي بالهاء لا غير. شلبي في الحاشية ملخصا.
وفي المنح: هي خشبات توضع على الجذوع ويلقى عليها التراب. وفي الواني: هي جمع هردي بكسر
الهاء وسكون الراء وفتح الدال المهملتين وقصر الألف. وفي منهوات العزمية: الهردية بضم الهاء
وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة والياء المشددة. والهرادي بفتح الهاء وكسر الدال: نوع من
النبت، وقيل قصب يوضع فوق الحائط فهي كالزرب أو المكعب. ومثل الهرادي البواري، وهي
والبوري والبورية والبورياء والباري والبارياء والبارية: الحصير المنسوج، وإلى بيعه ينسب الحسن بن
الربيع البواري شيخ البخاري ومسلم كما في القاموس. قوله: (بل صاحب الجذع الواحد الخ) قال في
غاية البيان: والثلاث هي المعتبرة، حتى لو كان لأحدهما ذلك وللآخر أكثر لا اعتبار له، فالحائط

173
بينهما، ولو كان لأحدهما جذع أو اثنان وللآخر ثلاثة أو أكثر فهو له، وأما لصاحب ما دون الثلاثة
فموضع جذوعه: يعني ما تحته في رواية، وله حق الوضع في رواية ا ه‍.
وفي نور العين: ولو لأحدهما جذع واحد وللآخر هرادي أو لا شئ له لم يذكره محمد في ظاهر
الرواية، وقد قيل لا يقضي به له إذ الحائط لا يبنى لوضع جذع واحد. وعن محمد: إنه لرب الجذع،
إذا له مع اليد نوع استعمال، إذا وضعه استعمال حتى قض ء لرب الجذع فيكون واحدها استعمالا
للحائط بقدره وليس للآخر ذلك، وقد يبنى الحائط لوضع جذع واحد لو كان البيت صغيرا، وهذا كله
لو لم يتصل الحائط ببنائهما، فلو اتصل اتصال تربيع أو ملازقة فيقضى به نصفين بينهما إذا استويا ا ه‍.
وفي الزيلعي: وإذا كان لأحدهما جذع واحد ولا شئ للآخر اختلف المشايخ فيه: فقيل: هما
سواء لان الواحد لا يعتد به، وقيل: صاحب الجذع أولى لان الحائط قد يبنى لجذع واحد، وإن كان
غير غالب. قال في شرح الملتقى للداماد: والهرادي غير معتبرة، وكذا البواري لأنه لم يكن
استعمالا وضعا، إذ الحائط لا يبنى لها بل للتسقيف، وهو لا يمكن على الهرادي والبواري كما في
الدرر انتهى. وفيه: ولا معتبر بكثرة الجذوع وقتها بعد أن تبلغ ثلاثا، لان الترجيح بالقوة لا بالكثرة
على ما بينا، واشترط أن يبلغ الثلاث لان الحائط يبنى للتسقيف وذلك لا يحصل بما دون الثلاث
غلبا فصار الثلاث كالنصاب له ا ه‍. فتأمل. قوله: (وقيل لذي الجذوع) وصححه السرخسي،
وصحح الأول الجرجاني.
وقال في المحيط: الأيدي على ثلاث مراتب: اتصال تربيع واتصال ملازقة ومجاورة، ووضع
جذوع محاذاة بناء. ولا علامة في الحائط سوى هذا، فأولاهم صاحب التربيع، فإن لم يوجد فصاحب
الجذوع، فإن لم يوجد فصاحب المحاذاة ا ه‍.
قال في الخلاصة: وإن كان كلا الاتصالين اتصال تربيع أو اتصال مجاورة يقضى بينهما، وإن
كان لأحدهما تربيع وللآخر ملازقة يقضى لصاحب التربيع، وإن كان لأحدهما تربيع وللآخر عليه
جذوع فصاحب الاتصال أولى، وصاحب الجذوع أولى من اتصال الملازقة، ثم في اتصال التربيع هل
يكفي من جانب واحد؟ فعلى رواية الطحاوي يكفي، وهذا أظهر، وإن كان في ظاهر الرواية يشترط
من جوانبه الأربع، ولو أقاما البينة قضى لهما، ولو أقام أحدهما البينة قضي له ا ه‍. وقدمنا نحوه.
قوله: (وتمامه في العيني وغيره) قال العلامة العيني: ولو كان لكل واحد منهما ثلاثة جذوع فهو
بينهما لاستوائهما في أصل العلة، ولا يعتبر بالكثرة والقلة بعد أن تبلغ ثلاثة، وإنما شرطت الثلاثة،
لان الحائط يبنى للتسقيف وذلك لا يحصل بدون الثلاثة غالبا فصارت الثلاثة كالنصاب له، ولو
لأحدهما ثلاثة وللآخر أقل فهو لصاحب الثلاثة. استحسنه الامام. والقياس المناصفة وقد روي عنه
أيضا. ثم لصاحب الجذع الواحد أو الاثنين حق الوضع، لأنا حكمنا بالحائط لصاحب الجذوع: أي
الثلاثة فأكثر بالظاهر، وهو يصلح حجة للدفع لا للاستحقاق، فلا يؤمر بالقلع إلا إذا ثبت بالبينة أن
الحائط لصاحب الجذوع فحينئذ يؤمر بالقلع ا ه‍. وهل الحكم كذلك إذا أقر له به؟ الظاهر نعم.
قال في جامع الفصولين برمز (جع): جذوع أحدهما في أحد النصفين وجذوع الآخر في
النصف فلكل منهما ما عليه جذوعه، وما بين النصفين والجذوع أولى من السترة، فالحائط لرب
الجذوع، وكذا السترة لو تنازعا فيها، ولو توافقا أن السترة للآخر لا ترفع كمن له سفل وتنازعا في

174
سقفه وما عليه فالكل لذي السفل، ولو توافقا أن العلو للآخر لا يرفع إلا إذا برهن. ا ه‍: أي لأنه هو
المتنازع فيه، فإذا برهن ذو السفل أن السقف له رفع ما هو موضوع عليه بغير حق، فتأمل. وإنما لم
يرفع أولا قبل إقامة البينة، لان الظاهر أن وضعه بحق، ولم يحكم له بالسفل لان الظاهر يصلح للدفع
لا للاستحقاق وهو لصاحب السفل كما هو صريح الخانية.
فإن قلت: ما الفرق بين ثبوته بالبينة حيث يرفع بها وبين ثبوته بظاهر اليد ولم يرفع؟ قلت: البينة
كاسمها بينة، وهي حجة متعدية فيلزم بها الرفع، واليد حجة لصاحب الحال فصلحت للدفع لا
للرفع، فتأمل.
ومما يتصل بمسائل الحيطان ما نقله في الهندية: ولو كان لاحد المدعيين على الحائط المتنازع فيه
أزج من لبن أو آجر: أي ضرب من الأبنية فهو بمنزلة السترة. كذا في فتاوى قاضيخان.
جذوع شاخصة إلى دار رجل ليس له أن يجعل عليها كنيفا إلا برضا صاحب الدار وليس
لصاحب الدار قطعها إذا أمكنه البناء عليها، وإن لم يمكن البناء عليها بأن كانت جذوعا صغارا أو
جذعا واحدا ينظر: إن كان قطعها يضر ببقية الجذوع ويضعفها لا يملك القطع، وإن لم يضر بها يطالبه
بالقطع، ولو أراد صاحب الدار أن يعلق على أطراف هذه الجذوع شيئا ليس له ذلك. كذا في محيط
السرخسي.
جدار بين اثنين لهما عليه حمولة غير أن حمولة أحدهما أثقل فالعمارة بينهما نصفين. ولو كان
لأحدهما عليه حمولة وليس للآخر عليه حمولة والجدار مشترك بينهما: قال الفقيه أبو الليث رحمه الله
تعالى: للآخر أن يضع عليه بمثل حمولة صاحبه إن كان الحائط يحتمل ذلك، ألا ترى أن أصحابنا
رحمهم الله تعالى قالوا في كتاب الصلح: لو كان جذوع أحدهما أكثر فللآخر أن يزيد في جذوعه إن
كان يحتمل ذلك، ولم يذكروا أنه قديم أو حديث. كذا في الخلاصة في كتاب الحيطان. وإن لم يكن
لهما عليه خشب فأراد أحدهما أن يضع عليه خشبا له ذلك وليس للآخر أن يمنعه ويقال له: ضع
أنت مثل ذلك إن شئت. كذا في الفصول العمادية.
لو كان لأحدهما عليه جذوع وليس للآخر عليه جذوع فأراد أن يضع والجدار لا يحتمل جذوع
اثنين وهما مقران بأن الحائط مشترك بينهما، يقال لصاحب الجذوع إن شئت فارفع ذلك عن الحائط
لتستوي بصاحبك، وإن شئت فحط عنه بقدر ما يمكن لشريكك من الحمل، كذا في الخلاصة.
جدار بين رجلين لأحدهما عليه بناء فأراد أن يحول جذوعه إلى موضع آخر: قال: إن كان يحول
من الأيمن إلى الأيسر أو من الأيسر إلى الأيمن ليس له ذلك، وإن أراد أنى يسفل الجذوع فلا بأس به،
وإن أراد أن يجعله أرفع عما كان لا يكون له ذلك. كذا في فتاوى قاضيخان.
حائط بينهما وكان لكل واحد جذوع فللذي هو صاحب السفل أن يرفعها بحذاء صاحب الاعلى
إن لم يضر بالحائط، ولو أراد أحدهما أن ينزع جذوعه من الحائط له ذلك إن لم يكن في نزعه ضرر
بالحائط، هكذا في الفصول العمادية.
إذا كانت جذوع أحدهما مرتفعة وجذوع الآخر متسفلة فأراد أن ينقب الحائط لينزل فيه الخشب
هل له ذلك؟ قيل ليس له ذلك. وكان أبو عبد الله الجرجاني يفتي بأن له ذلك. وقيل: ينظر: إن كان

175
ذلك مما يوجب فيه وهنا لم يكن له ذلك، وإن كان مما لا يدخل فيه وهنا فله ذلك. كذا في محيط
السرخسي.
جدار بين رجلين أراد أحدهما أن يزيد في البناء لا يكون له ذلك إلا بإذن الشريك، أضر
الشريك ذلك أو لم يضر. كذا في فتاوى قاضيخان.
قال أبو القاسم: حائط بين رجلين انهدم جانب منه فظهر أنه ذو طاقين متلازقين فيريد أحدهما
أن يرفع جداره ويزعم أن الجدار الباقي يكفيه للستر فيما بينهما قبل أن يتبين أنهما حائطان فكلا الحائطين
بينهما، وليس لأحدهما أن يحدث في ذلك شيئا بغير إذن شريكه، وإن أقرا أن كل حائط لصاحبه
فلكل واحد منهما أن يحدث فيه ما أحب. كذا في الفتاوى الصغرى في كتاب الحيطان.
جدار بين اثنين وهي وأراد أحدهما أن يصلحه وأبى الآخر ينبغي أن يقول له: ارفع حمولتك
بعمد لأني أرفعه في وقت كذا ويشهد على ذلك، فإن فعل فبها، وإن لم يفعل فله أن يرفع الجدار، فإن
سقطت حمولته لا يضمن، كذا في الخلاصة.
وعن الشيخ الامام أبي القاسم: جدار بين رجلين لأحدهما عليه حمولة ليس للآخر شئ فمال
الجدار إلى الذي لا حمولة فأشهد على صاحب الحمولة فلم يرفعه مع إمكان الرفع بعد الاشهاد حتى
انهدم وأفسد شيئا قال: إذا ثبت الاشهاد وكان مخوفا وقت الاشهاد يضمن المشهود عليه نصف قيمة
ما أفسد من سقوطه. هكذا في فتاوى قاضيخان.
قال أبو القاسم: حائط بين رجلين لأحدهما عليه غرفة والآخر عليه سقف بيته فهدما الحائط
من أسفله ورفعا أعلاه بالأساطين ثم اتفقا جميعا حتى بنيا فلما بلغ البناء موضع سقف هذا أبى
صاحب السقف أن يبنى بعد ذلك لا يجبر أن ينفق فيما جاوز ذلك. كذا في الصغرى
رجل له ساباط أحد طرفي جذوع هذا الساباط على حائط دار رجل فتنازعا في حق وضع
الجذوع فقال صاحب الدار: جذوعك على حائطي بغير حق فارفع جذوعك عنه وقال صاحب
الساباط: هذه الجذوع على حائطك بحق واجب، ذكر صاحب كتاب الحيطان الشيخ الثقفي أن القاضي
يأمره برفع جذوعه. وقال الصدر الشهيد رحمه الله تعالى: وبه يفتى. وإن تنازعا في الحائط يقضى
بالحائط لصاحب الدار في ظاهر مذهب أصحابنا لان الحائط متصل بملك صاحب الدار وبالاتصال
تثبت اليد، ولكن هذا إذا كان اتصال اتصال تربيع، إما إذا كان اتصال ملازقة فصاحب الساباط
أولى. وهكذا في المحيط في كتاب الحيطان. الكل الهندية.
أقول: ثم التصرف في الحائط المشترك بعد ثبوته شرعا قسمان: ممتنع إلا بإذن شريكه وهو
مقتضى شركة الملك والقياس. وجائز لضرورة منفعة الاشتراك لغير إذن شريكه.
أما الممتنع فهو زيادة خشب على خشب شريكه أو اتخاذ ستر عليه أو فتح كوة أو باب، وهو
محل إطلاقهم الواقع في بعض عباراتهم من أنه ليس له: أي الشريك أن يحدث في الحائط المشترك حدثا
بغير إذن شريكه أو يزيد عليه.
وأما الجائز بغير إذنه فله صور:
منها: ما هو جائز باتفاق، وهو ما إذا لم يكن عليه لواحد منهما خشب فأراد أحدهما أن يضع
عليه خشبا له ذلك، ولا يكون لصاحبه منعه ولكن يقال له: ضع أنت مثل ذلك إن شئت.



(1) قوله: (بما إذا) كذا بالأصل، وليحرر.
(2) قوله: (وكان بين الخ) كذا بالأصل وليحرر ا ه‍ مصححه.
176
ومنها: ما هو جائز بالاتفاق أيضا، وهو ما إذا كان له جذوع ولشريكه أكثر منها فله المساواة
باتفاق كلماتهم، كما ستطلع عليه قريبا إن شاء الله تعالى، كذا قالوا.
وأقول: هذه المسألة، وهي ما إذا كانت حمولته محدثة ينبغي أن تكون عين المسألة الأولى الجائزة
بالانفاق، فتأمل.
ومنها: ما هو مقيد على قول والراجح الاطلاق، وهي ما إذا كان لأحدهما عليه حمولة وليس
للآخر ذلك فأراد أن يحدث حمولة فالمرجح له أن يحدث إذا كان الحائط يحتمل ذلك. وقال بعضهم في
هذه الصورة: إن كانت حمولة صاحبه محدثة فله ذلك، وإن كانت قديمة فليس له ذلك. ثم في هذه
الصورة على الراجح قد صرحوا بأنه إن كان الحائط لا يحتمل حمولتين يؤمر الآخر برفع حمولته لتحصل
التسوية مع صاحبه أو برفع البعض لتمكن شريكه من الحمل فهو كالمهايأة.
ومنها: ما هو مقيد بعدم المضرة، وهو ما إذا كان لهما عليه حمولة وحمولة أحدهما أسفل من حمولة
الآخر فأراد هو أن يرفع حمولته ويضعها بإزاء حمولة صاحبه فله ذلك وليس لصاحبه منعه، وكذا لو
كانت حمولة أحدهما في وسط الجدار وحمولة الآخر في أعلاه فأراد أن يضع حمولته في أعلى الجدار له
ذلك إذا لم يدخل على الاعلى مضرة، وكذا إذا أراد أن يسفل الجذوع، وقيده بعضهم بما إذا (1) انهدم أو
هدماه، لأنه إذا يحصل ذلك يحصل مضرة ولا بد، والمدار في أجناس هذا على عدم الضرر.
ومنها: ما هو مختلف فيه وهو التعلي، وهو أن يزيد في أعلى الجدار في هواء المشترك كان للآخر
منعه لأنه تصرف في شئ مشترك، وهو المروي عن محمد، وقيل لا يمنع.
أقول والحاصل: أن في مسألة التعلي ثلاثة أقوال أحدها: له التعلي مطلقا. ثانيها: له بما إذا
لم يكن خارجا عن الرسم المعتاد، واعتمده ابن الشحنة والشرنبلالي. ثالثها: المنع مطلقا، واعتمده
قاضيخان واقتصر عليه في الخيرية فكان عليه الاعتماد، وبالعمل به صدر الامر السلطاني وجرى عليه
في المجلة في مادة ألف ومائتين وعشرة.
قال في الذخيرة: إذا كان الحائط بين رجلين وليس لواحد منهما فأراد أحدهما أن يضع عليه
خشبا له ذلك، ولا يكون لصاحبه أن يمنعه عن ذلك ولكن يقال أنت ضع مثل ذلك إن شئت،
هكذا حكى الامام النيسابوري. وكان بين هذا وبين ما إذا كان لهما عليه خشب فأراد أحدهما أن
يزيد عليه خشبا على خشب صاحبه وأراد أن يتخذ سترا أو يفتح كوة أو بابا حيث لا يكون له ذلك
إلا بإذن صاحبه وكان لصاحبه ولاية المنع.
والفرق أن القياس أن لا يكون له ولاية وضع الخشب من غير إذن شريكه لأنه تصرف في
شئ مشترك، إلا إذا تركنا القياس لضرورة أنا لو منعناه عن وضع الخشب من غير إذن شريكه ربما لا
يأذن له شريكه في ذلك، فتتعطل عليه منفعة الحائط. وهذه الصورة معدومة في زيادة الخشب وفتح

177
الكوة فيرد لي القياس ا ه‍. ومثله في البزازية وغيرها من الكتب المعتبرة، لكنه مقيد في البزازية بما إذا
كان الحائط يحتمل ذلك، وهذا القيد لا بد منه في أمثال هذا. وعبارة الذخيرة أغفلته وقيدناه فيما
أسلفناه لك، فتنبه.
قال السرخسي في الوجيز عن النوادر حائط بين رجلين ولأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر
أربع فلصاحب الأربع أن يتم عشر خشبات مثل صاحبه وليس له الزيادة، وإن كان لأحدهما عليه
خشب ولا شئ للآخر عليه فأراد أن يحمل مثل خشب صاحبه، قيل له ذلك، وقيل ليس له
ذلك ا ه‍. فانظر كيف نقل الخلاف في الصورة الثانية ولم يحكه في الأولى، والفرق بينهما واضح كما
ستقف عليه.
قال برهان الدين الكركي في الفيض من كتاب الحيطان: حائط بين رجلين وكان لأحدهما عليه
جذوع أكثر من جذوع الآخر فلصاحب القليل أن يزيد في جذوعه حتى تكون مثل جذوعه صاحبه
ا ه‍.
وفي العمادية: ولو كان جذوع أحدهما أكثر فللآخر أن يزيد في جذوعه إذا كان الحائط يحتمل
ذلك ولم يفصلوا بين القديم والحديث ا ه‍.
قال في الخانية: ولو كان الحائط بين داري رجلين كل واحد منهما يدعيه ولكل واحد منهما
عليه جذوع يقضي بينهما نصفين هو المختار، فإن كانت جذوع أحدهما أكثر فللآخر أن يزيد في
جذوعه حتى تكون مثل جذوع الآخر، وهذا إذا كان الحائط يحتمل الزيادة، فإن كان لا يحتمل ليس له
أن يزيد ا ه‍.
قلت: وانظر إلى قوله وكل واحد يدعيه إلى قوله يقضي نجده صريحا في أنه لا يلزم في
هذه الصورة أن يكون الحائط ثابتا بالبينة بينهما، خلافا لمن وهم من أنها لا تثبت المساواة في وضع
الجذوع إلا إذا ثبت الحائط لهما بالبينة، ومنشؤه أخذا من عبارة الذخيرة وذلك من عدم التأمل بها.
وحاصل عبارة الذخيرة: أن الملك الثابت بنوع ظاهر كالاتصال والتربيع لا يصلح لابطال حق
الآخر، لأنا هاهنا لم نبطل حق الآخر بل قصدنا المساواة، نعم هذا يظهر من يثبت له الحائط بالتربيع
وكان لصاحبه جذوع فليس له أن يرفع جذوع الآخر إلا إذا ثبت الحائط بالبينة فله رفع جذوع لآخر
كما ستراه في عبارة الذخيرة، هذا وقد اتفقت كلمتهم في كتاب الصلح على أنه لو كان جذوع أحدهما
أكثر، فللآخر أن يزيد في جذوعه إن كان يحتمل.
ولما كانت هذه المسألة اتفاقية قاس عليها الفقيه أبو الليث المسألة الثالثة، وهي ما إذا كان
لأحدهما عليه جذوع وأراد الآخر أن يحدث جذوعا فرجع هو والحسام الشهيد وهما من أهل الترجيح
جواز إحداث الجذوع أيضا مطلقا قديمة كانت الأولى أو لا، وإن كان بعضهم قد أبدى فرقا بين
الحديثة والقديمة كما ستطلع عليه.
قال الحسام الشهيد في الفتاوى الصغرى: ولو كان لأحدهما عليه حمولة وليس للآخر عليه حمولة
ويريد الذي لا حمولة له أن يضع على هذا الجدار حمولة مثل حمولة شريكه، إن كانت حمولته عليها محدثة
فللآخر أن يضع عليه حمولة مثلها، وإن كانت الحمولة التي له قديمة فليس للآخر أن يضع حمولة. قال
الفقيه أبو الليث: للآخر أن يضع عليه حمولة مثل حمولة صاحبه إن كان الحائط يحتمل مثل ذلك مطلقا:

178
أي سواء كانت حمولة صاحبه محدثة أو قديمة، ألا ترى أن أصحابنا قالوا في كتاب الصلح: لو كان
جذوع أحدهما أكثر فللآخر أن يزيد في جذوعه إن كان يحتمل ذلك، ولم يشترطوا لا قديما ولا
حديثا.
وقال أبو القاسم: في حائط بين رجلين لأحدهما عليه جذوع فأراد الآخر أن ينصب عليه
جذوعا فمنعه من ذلك صاحبه والجدار لا يحتمل ذلك: أي الحملين يقال لصاحب الجذوع إن شئت
فحط حملك لتستوي مع صاحبك ك، وإن شئت فحط عنه ما يمكن شريكك من الحمل، لان البناء الذي
عليه إن كان بغير رضا صاحبه فهو معتد ظالم، وإن كان بإذن صاحبه فهو عارية، ألا يرى أن دارا بين
رجلين وأحدهما ساكنها، فأراد الآخر أن يسكن معه والدار لا تسع لسكنهما فإنهما يتهايان بها، كذا
هنا قال الفقيه أبو الليث: وروينا عن أبي بكر خلاف هذا، وبقول أبي القاسم نأخذ.
ووجه القائل بالمنع الفرق، لجواز أن يكون هذا مستحقا لأحدهما من أصل الملك وذلك حال
القسمة بأن يقع الحائط بنصيب أحدهما ويكون للآخر عليه حق الخشب، أما تلك المسألة وهي ما لو
كان لكل واحد منهما عليه خشبات ففيها دل على أن التصرف في الابتداء ثبت لهما فيثبت بعد ذلك
لهما. كذا في شرح الوهبانية لابن الشحنة.
أقول: ومقتضى كلامه أن المسألة الثانية اتفاقية، فافهم.
والحاصل: أن كلا الشريكين إذا لم يكن لهما عليه حمولة صاحبه كان لكل واحد منها وضع
حمولة بلا إذن شريكه اتفاقا، وأن أحد الشريكين إذا كان له حمولة أنقص من حمولة صاحبه كان له
المساواة اتفاقا أيضا، وأن أحد الشريكين إذا كان له حمولة والثاني لا حمولة له كان له أن يساوي مع
صاحبه، على ما رجحه أبو الليث والحسام الشهيد قياسا على المسألة الاتفاقية كما تقدم، وأن أحد
الشريكين إذا أراد أن يسفل الجذوع أو يعليها أو يتوسط بها للمساواة عند عدم الضرر له ذلك، وأن
أحد الشريكين إذا أراد أن يعلي بأن يزيد في الجدار في هواء مشترك لم يكن للآخر منعه، والمروي عن
محمد له المنع، ولذا قدمه ابن وهبان في المنظومة بقوله:
وما لشريك أن يعلي حيطه * وقيل التعلي جائز فيعمر
وعلى المنع مطلقا مشى في الخانية فليكن هو المعول.
وفي الفصولين: ولو أراد أحدهما نزع جذوعه من الحائط فله ذلك لو لم يصر بالحائط. وفيه:
انهدم حائط بينهما فبنى أحدهما فإنه وجهين: إما عليه حمولة أو لا.
والاحكام ثلاثة: أحدها طلب أحدهما قسمة عرصة الحائط وأبى الآخر. والثاني أراد أحدهما أن
يبنى ابتداء بلا طلب القسمة وأبى الآخر. وثالثها لو بناه بلا إذن شريكة هل يرجع عليه بشئ.
أما الوجه الأول وهو عدم الحمولة عليه، فأما الحكم الأول وهو طلب القسمة وإباء الآخر فقد
ذكر في بعض المواضع مطلقا أنه لا يجبر، وبه نأخذ ص. أما لو لم تكن عرصة الحائط عريضة بحيث
لو قسمت لا يصيب كلا منهما شئ يمكنه أن يبني فيه فظاهر لتعنته في طلب القسمة، وأما لو
عريضة بحيث يصيب كلا منهما ما يمكن البناء فيه فلان القاضي لو قسم يقرع بينهما، وربما يخرج
في قرعة كل منهما ما يلي دار شريكه فلا ينتفع به فلا تقع القسمة مفيدة، وإليه أشار م فيما روى عنه
هشام: انهدم حائط بينهما فقال أحدهما أقسم والآخر أبى قال لا أقسم بينهما إذ ربما يصيب كلا

179
منهما ما يلي دار شريكه. وبعض المشايخ قالوا: لو كان القاضي لا يرى القسمة إلا بإقراع لا يستقيم لما
مر. وأما لو يراها بلا إقراع فيقسمه لو كانت العرصة عريضة على وجه مر ويجعل نصيب كل منهما
مما يلي داره تتميما للمنفعة عليهما.
مطلب: لو كانت عرصة الحائط عريضة تقسم بينهما ويعطى كلا من
جهة داره بلا قرعة ويجبر الآبي به يفتى
وقال ص: لو عريضة فالقاضي يجبر الآبي على كل حال وبه يفتى، إذ العرصة لو عريضة على
وجه مر فطالب القسمة طلب بها تتميم المنفعة عليه فيجبر شريكه عليه كدار وأرض. س: يجبر الآبي
على قسمة حائط بينهما وذكر الجبر بلا فصل بين العريضة وغيرها ا ه‍.
أقول: يؤخذ من هذا جواب حادثة الفتوى، وهي دار لزيد ودار أخرى مشتركة بينه وبين عمرو
أراد زيد قسمتها وأخذ حصته منها من جهة داره حيث لا يمكن الاتصال إليها إلا من داره والدار
قابلة للقسمة والمعادلة ممكنة فللقاضي قسمتها على هذا الوجه وإن لم يرض عمرو بذلك، ولا تلزم
القرعة في هذا، على أن القرعة ليست بواجبة على القاضي، غاية ما في الباب أنهم قالوا: وينبغي أن
يقرع بينهما تطييبا لقلوبهما، ولا نقول إن ينبغي هنا بمعنى يجب لما أنهم صرحوا في غير ما كتاب أنها
مستحبة، لا سيما وفيه رفع الضرر عن أحدهما وعدم الضرر بالآخر، فتأمل وراجع.
وفي الفصولين: الحكم الثاني أراد أحدهما أن يبنى ابتداء بلا طلب القسمة وأبى الآخر، فلو
عرصة الحائط عريضة بحيث لو قسمت أصاب كل واحد منهما ما يمكنه أن يبني فيه حائطا لنفسه لا
يجبر على البناء في ملك شريكه إلا إذا تضرر شريكه بتركه ولا ضرر هنا، ولو غير عريضة فاختلف
المشايخ، قيل لا يجبر، وقيل يجبر وهو الأشبه، إذا بتركه يتضرر شريكه بتعطيل منافع الحائط والباني
لا يتضرر إذ يحصل له بدل ما أنفق، ومال إلى الثاني الشيخ الامام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل
والشيخ الامام الاجل شمس الأئمة. الحكم الثالث: لو بنى أحدهما بلا إذن شريكه هل يرجع على
شريكه بشئ؟ اختلف المشايخ فيه: قيل لا يرجع مطلقا، وهكذا ذكر في كتاب الأقضية، وهكذا
ذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى في النوازل عن أصحابنا. وقيل لو عريضة على ما بينا لا يرجع
لأنه غير مضطر فيه، وإن كانت غير عريضة يرجع. قلت: لأحدهما أن يمتنع من البناء إذ له أن يقاسم
أرض الحائط نصفين، ولو بنى أحدهما لا يرجع على شريكه إذ ليس له أخذه بالبناء.
الوجه الثاني: لو كان على الحائط حمولة بأن كان عليه جذوع فهو على وجهين: أحدهما وهو ما
لو كان لهما عليه جذوع وطلب أحدهما قسمة عرصة الحائط لا يجبر شريكه عليها إلا عن تراض
منهما ولو عريضة على ما بينا إذ تعلق حق كل منهما بكل العرصة وهو وضع الجذوع على جميع
الحائط، فلو قسمت بلا رضا أحدهما يسقط عما حصل لشريكه بلا رضاه وأنه لم يجز، فإذا أراد أحدهما
البناء وأبى الآخر قال ض: لا يجبر لو عريضة. وذكر شيخ الاسلام أنه لا يجبر بلا تفصيل. ذكر شح
أنه يجبر من غير تفصيل، وبه يفتى. إذا في عدم الجبر تعطيل حق شريكه إذ له حق وضع الجذوع على
جميع الحائط. ولو بنى أحدهما بدون إذن شريكه، قيل لو عريضة على ما فسرنا لا يرجع الباني ويكون
متطوعا، وكذا عن محمد وهو الصحيح، إذ للثاني حق وضع الجذوع على جميع الحائط ولا يتوصل إليه
إلا ببناء جميع الحائط فكان مضطرا في البناء فلا تبرع، كما لو غير عريضة فبناه أحدهما ا ه‍. وفي

180
الهندية: هكذا ذكر الخصاف في نفقاته. وبعض مشايخنا قالوا: لا يكون متطوعا، وإليه أشار في كتاب
الأقضية، وهكذا روي عن ابن سماعة في نوادره رحمه الله تعالى وهو الأصح. هكذا في المحيط.
قال صاحب جامع الفصولين أقول: مر أن الفتوى على أن شريكه يجبر على البناء ولا اضطرار
فيما يجبر، وسيجئ تحقيقه فينبغي أن تكون الفتوى على أنه متبرع، والله تعالى أعلم.
وإن كان بناه بإذنه ليس له أن يمنعه، لكن يرجع عليه بنصف ما أنفق. كذا في فتاوي
قاضيخان.
صل: انهدم حائطهما وعليه جذوع لأحدهما وطلب رب الجذوع البناء من شريكه لا يجبر عليه
ويقال لهما إن شئتما اقتسما أرض الحائط، ولو شاء رب الجذوع البناء وأراد الآخر القسمة يقسم
بينهما نصفين.
الوجه الثاني من هذا الوجه: لو لأحدهما عليه حمولة وطلب هو القسمة وأبي الأخير يجبر الآبي
لو عريضة كما مر وهو الصحيح، وبه يفتي ولو أراد ذو الحمولة البناء وأبى الآخر فالصحيح أنه
يجبر لما مر فيما لهما عليه حمولة. ولو بنى ذو الحمولة فحكمه حكم مالهما عليه حمولة فالصحيح أنه
يرجع لما مر ثمة أنه مضطر. ولو بناه الآخر وعرصة الحائط عريضة كما مر فهو متبرع إذا لم يضر في
البناء إذ لا يجبر به حقا لنفسه، ثم في كل محل لم يكن الباني متبرعا كما له أو لهما عليه حمولة كان
للباني منع صاحبه من الانتفاع إلى أن يرد عليه ما أنفق أو قيمة البناء على ما اختلفوا فيه على ما يأتي إن
شاء الله تعالى، فلو قال صاحبه أنا لا أتمتع بالبناء هل يرجع الباني؟ قيل لا يرجع، وقيل يرجع.
شجي: رب العلو يرجع على رب السفل بقيمة السفل مبنيا لا بما أنفق.
فض يرجع بما أنفق في السفل، وأما في الحائط المشترك فيرجع بنصف ما أنفق.
واستحسن بعض المتأخرين فقالوا: لو بنى بأمر القاضي يرجع بما أنفق، ولو بنى بلا أمر
القاضي رجع بقيمة البناء.
لأحدهما بناء وأبى جاره أن يبني لا يجبر قال ت: هو القياس وهو قول علمائنا وقال
بعضهم: لا بد من بناء يكون سترا بينهما وبه نأخذ، وإنما قال أصحابنا إنه لا يجبر لأنهم كانوا في
زمن الصلاح، أما في زماننا فلا بد من حاجز بينهما.
جص: جدار بين كرمين لرجلين انهدم فاستعدى أحدهما على السلطان لما أبى شريكه أن يبني
فأمر السلطان بناء برضا المستعدي أن يبنيه على أن يأخذ الاجر منهما فله أخذه منهما.
وقال أبو بكر: انهدم جدار بينهما وأحدهما غائب فبناه الحاضر في ملكه من خشب وبقي موضع
الحائط على حاله ثم قدم الغائب فأراد أن يبني على طرف الحائط مما يلي جاره ويجعل ساحة الحائط إلى
ملكه ليس له ذلك، ولو أراد أن يبني حائطا غلظه كالأول أو يبني أدق منه في وسط الاس ويدع
الفضل من أسه مما يلي ملكه له ذلك. كذا في جامع الفصولين ومثله في نور العين.
لكن قال في الهندية: جدار بين رجلين انهدم وأحد الجارين غائب فبنى الحاضر في ملكه
جدارا من خشب وترك موضع الحائط على حاله فقدم الغائب فأراد أن يبني الحائط في الموضع
القديم ومنعه الآخر. قال الفقيه أبو بكر: إن أراد الذي قدم أن يبني على موضع طرف الحائط مما يليه
جاز، وإن جعل ساحة أس الحائط إلى جانب نفسه ليس له ذلك، وإن أراد أن يبني الحائط كما كان

181
أو أدق منه ويترك الفضل من الجانبين سواء له ذلك. كذا في فتاوي قاضيخان في الحيطان. ا ه‍
أقول: وهذا أشبه بالقواعد، ولم يظهر لي ما نقله في جامع الفصولين، وتبعه في نور العين.
وفي جامع الفصولين: وقال في جدار بينهما ولكل منهما عليه حمولة فوهى الحائط فأراد
أحدهما رفعه ليصلحه وأبى الآخر ينبغي أن يقول مريد الاصلاح للآخر ارفع حمولتك باسطوانات
وعمد ويعلمه أنه يريد رفعه في وقت كذا ويشهد على ذلك فلو فعله وإلا فله رفع الجدار، فلو سقط
حمولته لم يضمن.
فض: حائط بينهما وهى وخيف سقوطه فأراد أحدهما نقضه وأبى الآخر يجبر على نقضه، ولو
هدما حائطا بينهما فأبى أحدهما عن بنائه يجبر، ولو انهدم لا يجبر ولكنه يبنى الآخر فيمنعه حتى يأخذ
نصف ما أنفق لو أنفق بأمر القاضي ونصف قيمة البناء لو أنفق بلا أمر القاضي انتهى.
أقول: قوله لا يجبر صريح في أنه ليس للآخر منعه من البناء لان له غرضا في وصوله إلى
حقه، فلا يقال هو تصرف في المشترك فكان ينبغي أن لا يكون يجوز بدون رضا الشريك.
وأقول: قيد بقوله وهى لأنه لو لم يكن كذلك لا يملك هدمه وبناءه لأنه تصرف في المشترك،
ولا بد وأن يكون معنى قوله ولكنه يبنى: أي بغير النقض المشترك، أما به لا لأنه تصرف في المشترك.
تأمل رملي.
وفي جامع الفصولين برمز ت: قال أبو بكر في جدار بينهما وبيت أحدهما أسفل وبيت الآخر
أعلى قدر ذراع أو ذراعين فانهدم فقال ذو الاعلى لذي الأسفل ابن لي حذاء أسي ثم نبني جميعا ليس
له ذلك، بل يبنيانه جميعا من أسفله إلى أعلاه.
قالت: ولو بيت أحدهما أسفل بأربعة أذرع أو نحوها قدر ما يمكن أن يتخذ بيتا فإصلاحه
على ذي الأسفل حتى ينتهي إلى محل البيت الآخر لأنه كحائطين سفل وعلو، وقيل: يبنيان الكل.
قال أبو القاسم: في حائط بينهما عليه لأحدهما غرفة وللآخر سقف بيت فهدما الحائط من
أسفله ورفعا أعلاه بأساطين ثم اتفقا حتى يبنيا فلما بلغ البناء موضع سقف هذا أبى رب السقف أن
يبني بعمده لا يجبر أن ينفق فيما جاوزه. وقال: حائط بينهما انهدم جانب منه فظهر أنه ذو طاقين
متلاصقين فأراد أحدهما رفع جداره وزعم أن الجدار الباقي يكفي للآخر سترة بينهما وزعم الآخر أن
جداره لو بقي ذا طاق يهي وينهدم، فلو سبق منهما إقرار أن الحائط بينهما قبل أن يتبين أنه حائطان
فكلاهما بينهما، وليس لأحدهما أن يحدث في ذلك شيئا إلا بإذن الآخر، ولو أقر أن كل حائط
لصاحبه فلكل منهما أن يحدث فيه ما أحب. قاضيخان.
حائط بين رجلين انهدم فبناه أحدهما عند غيبة شريكه. قال أبو القاسم: إن بناه ينقض الحائط
الأول فهو متبرع ولا يكون له أن يمنع شريكه من الحمل عليه، وإن بناه بلبن أو خشب من قبل نفسه
فليس للشريك أن يحمل على الحائط حتى يؤدي نصف قيمة الحائط.
أراد أحدهما نقض جدار مشترك وأبى الآخر فقال له صاحبه أنا أضمن لك كل شئ ينهدم لك
من بيتك وضمن ثم نقض الجدار بإذن شريكه فانهدم من منزل المضمون له شئ لا يلزمه ضمان
ذلك، وهو بمنزلة ما لو قال رجل لآخر ضمنت لك ما يهلك من مالك لا يلزمه شئ. خلاصة.

182
حائط بين اثنين لهما عليه خشب فبنى أحدهما للباني أن يمنع الآخر من وضع الخشب على
الحائط حتى يعطيه نصف البناء مبنيا.
وفي الأقضية: حائط بين اثنين أراد أحدهما نقضه وأبى الآخر: لو بحال لا يخاف سقوطه لا
يجبر، ولو يخاف فعن الفضلي أنه يجبر، فإن هدما وأراد أحدهما أن يبني وأبى الآخر لو أس الحائط
عريضا يمكنه بناء حائطه في نصيبه بعد القسمة لا يجبر الشريك، ولو لم يمكن يجبر، وعليه الفتوى.
وتفسير الجبر أنه إن لم يوافقه الشريك فهو ينفق على العمارة، ويرجع على الشريك بنصف ما أنفق لو
أس الحائط لا يقبل القسمة.
وفي فتاوى الفضلي: ولو هدماه وأبى أحدهما عن البناء يجبر، ولو انهدم لا يجبر، ولكن يمنع
من الانتفاع به ما لم يستوف نصف ما أنفق فيه منه إن فعل ذلك بقضاء القاضي، ولو بغير قضاء
فنصف قيمة البناء، وإن انهدم أو خيف وقوعه فهدم أحدهما لا يجبر الآخر على البناء. ولو كان الحائط
صحيحا فهدمه أحدهما بإذن الآخر لا شك أنه يجبر الهادم على البناء إن أراد الآخر البناء كما لو
هدماه.
وعن ابن أبي سلمة: لو لهما عليه حمولة وانهدم وأبى الآخر العمارة فبنى أحدهما يمنع الآخر من
وضع الحمولة حتى يؤدي نصف ما أنفق، وإن لم يكن عليه حمولة لا يجبر على العمارة ولا يرجع بشئ
لأنه بمنزلة الستارة، وهذا كله إذا أنفق في العمارة بغير إذن صاحبه، فلو بإذنه أو بأمر الحاكم يرجع
عليه بنصف ما أنفق. وفي البناء المشترك: لو أحدهما غائبا فهدم الآخر بإذن القاضي أو بلا إذنه لكن
بنى بإذن القاضي فهو كإذن شريكه لو حاضرا فيرجع عليه بما أنفق لو حضر. كذا في نور العين.
أقول: أما قوله وإن لم يكن عليه حمولة لا يجبر الخ هذا على جواب المتقدمين. وأما على ما
اختاره المتأخرون من أنه إذا كان له حرم فهو بمنزلة ما لو كان له عليه حمولة، فتأمل وراجع. قوله:
(فلا يسقط بإبراء) أي عن رفع الجذوع، لان الابراء لا يكون في الأعيان بل عما في الذمة. قوله:
(ولا صلح) بشئ عن الوضع لجهالة مدة الوضع. قوله: (وبيع) أي إذا باع الواضع أو الموضوع على
حائط داره فللمشتري حق المطالبة بالرفع. وذكر الحموي أن المراد بالبيع بيع الحائط الموضوع عليه
الجذوع وإجارتها. قوله: (وإجارة) أي إذا آجر داره منه لا تسقط المطالبة بالرفع بالإجارة. قوله:
(أشباه من أحكام الساقط لا يعود) صوابه: لا يقبل الاسقاط من الحقوق وما لا يقبله وهو قبله، ولذا
قال ط: ولم أقف عليه. وسيأتي للشارح في العارية عن الأشباه تلزم العارية فيما إذا استعار جدار
غيره لوضع جذوعه فوضعها ثم باع المعير الجدار ليس للمشتري رفعها، وقيل نعم إلا إذا شرطه
وقت البيع.
قلت: وبالقيل جزم في الخلاصة والبزازية وغيرهما، وكذا قاضيخان من باب ما يدخل في البيع
تبعا من الفصل الأول، ومثله في الأشباه من العارية، لكن فيه أن الشرط إذا كان لا يقتضيه العقل لا
يلائمه وفيه نفع لاحد المتعاقدين أو لآخر من أهل الاستحقاق ولم يتعارف بين الناس يفسد البيع،

183
فلو كان متعارفا كبيع نعل على أنه يحذوه البائع فالبيع صحيح للعرف. تأمل. قوله: (وذو بيت) يعني
إذا كان بيت من دار فيها بيوت كثيرة في يد رجل والبيوت الباقية في يد آخر. قوله: (في حق
ساحتها) بالحاء المهملة هي عرصة في الدار أو بين يديها.
قال في شرح الطحاوي: ولو كان العلو في يد أحدهما والسفل في يد آخر والساحة في أيديهما
ولم يكن لهما بينة وحلفا وكل منهما يدعي الجميع يترك السفل في يد صاحبه والعلو كذلك والساحة
لصاحب السفل، ولصاحب العلو حق المرور في رواية، وفي رواية أخرى الساحة بينهما نصفان. ا ه‍.
قوله: (فهي بينهما نصفين) لأنهما استويا في استعمال الساحة في المرور ووضع الأمتعة وكسر الحطب
ونحو ذلك ولم تكن في يد أحدهما دون الآخر وهما في ذلك سواء فتنصف بينهما كالطريق، لان
الترجيح بالقوة لا بالكثرة.
قال العلامة أبو السعود: واعلم أن القسمة على الرؤوس: في الساحة والشفعة وأجرة القسام
والنوائب: أي الهوائية المأخوذة ظلما والعاقلة وما يرمى من المركب خوف الغرق والحريق ا ه‍. قوله:
(كالطريق) فإنه يستوي فيها صاحب البيت وصاحب المنزل وصاحب الدار. اتقاني. وصاحب بيت
وصاحب بيوت.
قال في القنية: الطريق يقسم على عدد الرؤوس، لا بقدر ساحة الأملاك إذا لم يعلم قدر
الأنصباء، وفي الشرب متى جهل قدر الأنصباء يقسم على قدر الأملاك لا الرؤوس ا ه‍.
واعترض بأن البيوت الكثيرة تجمع عادة جمعا كثيرا بالنسبة إلى البيت الواحد فيكون احتياجهم
إلى نحو التوضي أكثر وقوعا فينبغي أن يرجح صاحبها ولا أقل أن يساوي.
أقول: المسألة من مسائل الجامع الصغير، والمجتهد ليس بغافل عن مثل هذه الملاحظة، فاللازم
علينا أن نلاحظ وجه الاستنباط وذا هنا أنه ثبت في أصولهم أن الترجيح لا يقع بكثرة العلل فتفرع
عليه مسائل جمة: منها هذه المسألة، ومنها مسألة أنه لا يرجح صاحب الجراحات على صاحب جراحة
واحدة، فإنه إذا مات المجروح يجب القصاص عليهما في العمد والدية نصفين في الخطأ حيث لم
يعتبروا عدد الجراحات مع إمكان اعتبار تقسيم الدية عليها، فكذا لم يعتبروا تعدد البيوت في تقسيم
الساحة عليها فضلا أن يرجح صاحبها ويحكم بكل الساحة له سوى حق المرور لصاحب البيت. تدبر.
قوله: (بخلاف الشرب) لان الشرب يحتاج إليه لأجل سقي الأرض، فعند كثرة الأراضي تكثر الحاجة
إليه فيقدر بقدر الأراضي منح.
وفي الثالث عشر من البزازية: دار فيها عشرة أبيات لرجل وبيت واحد لرجل تنازعا في
الساحة أو ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر تنازعا فيه فذلك بينهما نصفان ولا يعتبر بفضل
اليد، كما لا اعتبار لفضل الشهود لبطلان الترجيح بكثرة الأدلة. ا ه‍. وبه علم أن ذلك حيث جهل
أصل الملك، أما لو علم كما لو كانت الدار المذكورة كلها لرجل ثم مات عن أولاد تقاسموا البيوت
منها فالساحة بينهم على قدر البيوت. قوله: (يقدر بالأرض بقدر سقيها) فعند كثرة الأراضي تكثر
الحاجة إليه فيتقدر بقدر الأراضي. بخلاف الانتفاع بالساحة فإنه لا يختلف باختلاف الأملاك كالمرور

184
في الطريق. زيلعي. قوله: (برهنا أي الخارجان الخ) أي إن لكل يد فيها، ولعل معناه أنها كانت في
أيديهما لأنهما في حالة الدعوى خارجان، وعبارة الشارح هنا تبع فيها الدرر والمنح. وعبارة الزيلعي
كغيرها تفيد أنهما ذو أيد.
وفي الفصولين خ: ادعى كل منهما أنه له وفي يده: ذكر محمد في الأصل أن على كل منهما
البينة وإلا فاليمين، إذ كل منهما مقر بتوجه الخصومة عليه لما ادعى اليد لنفسه، فلو برهن أحدهما
حكم له باليد ويصير مدعى عليه والآخر مدعيا، ولو برهنا يجعل المدعي في يدهما لتساويهما في إثبات
اليد. وفي دعوى الملك في العقار لا تسمع إلا على ذي اليد، ودعوى اليد تقبل على غير ذي اليد لو
نازعه ذلك الغير في اليد فيجعل مدعيا لليد مقصودا ومدعيا للملك تبعا ا ه‍.
وفي الكفاية: وذكر التمرتاشي: فإن طلب كل واحد يمين صاحبه ما هي في يده حلف كل
واحد منهما ما هي في يد صاحبه على البتات فإن حلفا لم يقض باليد لهما وبرئ كل عن دعوى
صاحبه وتوقف الدار إلى أن يظهر الحال، فإن نكلا قضى لكل بالنصف الذي في يد صاحبه، وإن نكل
أحدهما قضى عليه بكلها للحالف نصفها الذي كان في يده ونصفها الذي كان في يد صاحبه بنكوله،
وإن كانت الدار في يد ثالث لم تنزع من يده لان نكوله ليس بحجة في حق الثالث ا ه‍. فعلم أن
الخارجين قيد اتفاقي فالأولى حذفه. قوله: (قضى بيدهما فتنصف) لان اليد فيها غير مشاهدة لتعذر
إحضارها والبينة تثبت ما غاب عن علم القاضي. درر. وفيه إشارة إلى أن اليد لا تثبت في العقار
بالتصادق وكذا بالنكول عن اليمين لاحتمال أنها في يد غيرهما. وإن ادعيا أنها في يد أحدهما فكذلك
لأنهما يمكن أنهما تواضعا على ذلك ط. وأشار إلى أنه لو طلبا القسم لم يقسم بينهما ما لم يبرهنا على
الملك. قيل هذا بالاتفاق، وقيل هذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وعندهما: يقسم بينهما كما في
الشروح. قوله: (بأن لبن أو بنى) ولبن بتشديد الباء: أي ضرب فيها البنا وهو الطوب النئ، بخلاف
المشوي فإنه آجر. قوله: (قضى بيده لوجود تصرفه) لان التمكن من هذه الأشياء دليل على أنها في
يده، ومحل ذلك إذا لم يقم الآخر برهانا كما لا يخفى زيلعي. قوله: (لان ما ثبت في زمان يحكم
ببقائه) فشهادتهم تثبت الملك في الحال والماضي. قوله: (فالقول له) فلا تقبل دعوى أحد عليه أنه عبده
عند إنكاره إلا ببينة. ا ه‍. درر وهذا لان الأصل أن يكون لكل إنسان يد في نفسه إبانة لمعنى
الكرامة، إذ كونه في يد غيره دليل الإهانة ومع قيام يده على نفسه لا تثبت يد الغير عليه للتنافي بين
اليدين. حموي. قوله: (قضى به لذي اليد) لا يقال: الاقرار بالرق من المضار فلا يعتبر من الصبي.
لأنا نقول: لم يثبت بقوله بل بدعوى ذي اليد لعدم المعارض، ولا نسلم أنه من المضار لامكان التدارك
بعده بدعوى الحرية. ولا يقال: الأصل في الآدمي الحرية فلا تقبل الدعوى بلا بينة، وكونه في يده لا
يوجب قبول قوله عليه كاللقيط لا يقبل قوله الملتقط إنه عبده وإن كان في يده. لأنا نقول: إذا

185
اعترض على الأصل دليل خلافه بطل وثبوت اليد دليل الملك، ولا نسلم أن اللقيط إذا عبر عن نفسه
وأقر بالرق يخالفه في الحكم وإن لم يعبر فليس في يد الملتقط من كل وجه لأنه أمين. زيلعي ملخصا.
حموي. قوله: (كمن لا يعبر عن نفسه) مفهوم من يعبر. قوله: (لاقراره بعدم يده) حيث أقر على نفسه
بالملك وثبتت رقيته بدعوى ذي اليد الخالية عن المعارض لا بإقراره فكان ملكا لمن في يده كالقماش
ومن لا يعبر بمنزلة المتاع فلا يقبل قوله أنا حر، لكن هنا بعد أن صرح بأنه عبد فلان فيكون مقرا بما
للغير فلا يسري إقراره عليه: أي على الغير، بخلاف ما إذا لم يكن بيد أحد حيث يصح إقراره لأنه
حينئذ في يد نفسه. تأمل. قوله: (لا يمنع صحة الدعوى) لا سيما وقد صدر الاقرار الأول حال عدم
التكليف.
فروع رحى ماء بينهما في بيت لهما فخربت كلها حتى صارت صحراء لم يجبرا على العمارة
وتقسم الأرض بينهما: أي بطلبهما أو بطلب أحدهما، ولو قائمة ببنائها وأدواتها إلا أنه ذهب شئ
منها يجبر الشريك على أن يعمر مع الآخر ولو معسرا قيل لشريكه أنفق أنت لو شئت فيكون نصفه
دينا على شريكك وكذا الحمام لو صار صحراء تقسم الأرض بينهما، ولو تلف شئ منه يجبر الآبي
على عمارته.
ن عن م: في حمام بينهما انهدم بيت منه أو احتاج إلى قدر ومرمة وأبى أحدهما لا يجبر ويقال
للآخر إن شئت فابنه أنت وخذ من غلته نفقتك ثم تستويان.
ط عن بعض المتأخرين: لو أبى أحدهما فالقاضي يخرج الحمام من أيديهما ويؤجره ثم يعمره
فيأخذ نفقته من أجرته. كذا في جامع الفصولين.
وفي الخانية من باب الحيطان: دار بين رجلين انهدمت أو بيت بين رجلين انهدم فبناه أحدهما لا
يرجع هو على شريكه بشئ لان الدار تحتمل القسمة، فإذا أمكنه أن يقسم يكون متبرعا في البناء
والبيت، كذلك إذا كان كبيرا يحتمل القسمة، وكذلك الحمام إذا خرب وصار ساحة، وكذلك البئر
أراد به إذا امتلأت من الحمأة فله أن يطالب شريكه بالبناء، فإذا لم يطالبه وأصلحها وفرغها كان متبرعا
ا ه‍. ومفاد هذا أن الدار لو كانت صغيرة لا تمكن قسمتها أنه لا يكون متبرعا لأنه حينئذ يكون
مضطرا إلى البناء ليتوصل إلى الانتفاع بملكه، بخلاف ما إذا كانت كبيرة لأنه يمكنه أن يقسم حصته
منها ثم يبني في حصته، فإذا بنى قبل القسمة لم يكن مضطرا فيكون متبرعا، ولذا قيد الحمام بما إذا
خرب وصار ساحة لأنه حينئذ تمكن قسمته فإذا لم يقسم يكون متبرعا، لكن في البئر ينبغي أن لا
يكون متبرعا لكونه مما لا يقسم، لكن أشار صاحب الخانية إلى الفرق بأن له أن يطالب شريكه بالبناء:
أي فيجبر شريكه عليه كما صرح به غيره.
مطلب: الأصل أن ما اضطر إلى بنائه مما لا يقسم لا يكون متبرعا
وإذا أجبر لم يكن الآخر مضطرا فصار الأصل أن ما اضطر إلى بنائه بأن كان مما لا يقسم أو مما
لا يجبر الشريك على بنائه فبناه أحدهما لم يكن متبرعا، وإلا فهو متبرع، لكن استشكل هذا في جامع
الفصولين بأن من له حمولة على حائط لو بنى الحائط يرجع لأنه مضطر إذ لا يتوصل إلى حقه إلا به
مع أن الشريك يجبر أيضا كالبئر فينبغي أن يتحد حكمهما.

186
مطلب: التبرع والرجوع دائر على الجبر وعدمه
ثم قال: والتحقيق أن الاضطرار يثبت فيما لا يجبر صاحبه كما سيجئ، فينبغي أن يدور التبرع
والرجوع على الجبر وعدمه، إلى أن قال: وهذا يخلصك من التحير بما وقع في هذا الباب من
الاضطراب، ويرشدك إلى الصواب ا ه‍. لكن عبارة الخلاصة التي ذكرها المؤلف تدل على أن للقاضي
أن يأمره ببناء الدار، فإن كان كذلك لم يكن مضطرا إلى البناء أبى شريكه لأنه يمكنه استئذان
القاضي. وقد يجاب بأن للقاضي ذلك إذا كان الشريك غائبا مثلا لأنه حينئذ لا يمكن طلب البناء منه
ولا القسمة معه.
فالحاصل: أنه إذا كانت الدار تحتمل القسمة، فإن أذن له شريكه بنى، وإلا قسمها جبرا عليه ثم
بنى في حصته، فإن لم يكن استئذانه يبنى بإذن القاضي، وفيما عدا ذلك فهو متطوع.
وذكر سيدي الوالد رحمه الله تعالى في كتاب القسمة من تنقيحه أن في غير محتمل القسمة
للطالب أن يبني ثم يؤجر ثم يأخذ نصف ما أنفق في البناء من الغلة.
وذكر هناك عن الأشباه أنه يرجع بما أنفق لو بنى بأمر قاض إلا فبقيمة البناء وقت البناء ا ه‍.
وهذا هو المحرر كما قال في الوهبانية، لكن هذا التفصيل إنما ذكروه في السفل إذا انهدم، وعبارة
الأشباه مطلقة. والذي يظهر الاطلاق إذ لا فرق يظهر، فيجري ذلك في كل ما يضطر فيه أحدهما إلى
البناء كالسفل والجدار والرحى والحمام والبيت والدار الصغيرة والله تعالى أعلم.
وفي الهندية: لو ادعى على آخر حق المرور ورقبة الطريق في داره فالقول قول صاحب الدار،
ولو أقام المدعي البينة أنه كان يمر في هذه الدار لم يستحق بهذا شيئا. كذا في الخلاصة. ولو شهد
الشهود أن له طريقا في هذه الدار جازت شهادتهم وإن لم يجدوا الطريق وهو الصحيح كما في الخانية
والمحيط، لكن في المحيط عبر بالأصح إذا كان له باب مفتوح من داره على حائط في زقاق أنكر أهل
الزقاق أن يكون له حق المرور في زقاقهم فلهم منعه، إلا أن تقوم بينة على أن له طريقا ثابتا فيها. كذا
في المحيط.
إذا كان الميزاب منصوبا إلى دار رجل واختلفا في حق إجراء الماء وإسالته، فإن كان في حال
عدم جريان الماء لا يستحق إجراء الماء وإسالته إلا ببينة. هكذا في محيط السرخسي. وليس لصاحب
الدار أيضا أن يقطع الميزاب. كذا في المحيط.
وحكى الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى أنهم استحسنوا أن الميزاب إذا كان قديما وكان تصويب
السطح إلى داره وعلم أن التصويب قديم وليس بمحدث أن يجعل له حق التسييل، وإن اختلفا في
حال جريان الماء، قيل القول لصاحب الميزاب ويستحق إجراء الماء، وقيل لا يستحق، فإن أقام
البينة على أن له حق المسيل وبينوا أنه لماء المطر من هذا الميزاب فهو لماء المطر، وليس له أن يسيل ماء
الاغتسال والوضوء فيه، وإن بينوا أنه لماء الاغتسال والوضوء فهو كذلك، وليس له أن يسيل ماء المطر
فيه، وإن قالوا له فيها حق مسيل ماء ولم يبنوا أنه لماء المطر أو غيره صح، والقول لرب الدار مع
يمينه أنه لما المطر أو لماء الوضوء والغسالة. وقال بعض مشايخنا: لا تقبل هذه الشهادة في المسيل،
وفي الطريق تقبل. كذا في المحيط. ولو لم تكن للمدعي بينة أصلا استحلف صاحب الدار ويقضي فيه
بالنكول. كذا في الحاوي.

187
رجل له قناة خالصة عليها أشجار لقوم أراد صاحب القناة أن يصرف قناته من هذا النهر ويحفر
له موضعا آخر ليس له ذلك، ولو باع صاحب القناة القناة كان لصاحب الشجرة شفعة جوار، كذا في
الفصول العمادية في الفصل الرابع والثلاثين ا ه‍. والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
باب دعوى النسب
حقه التقديم بالنظر إلى أنه دعوى الأنفس، إلا أن دعوى المال لما كانت كثيرة الوقوع والأنواع
قدمها اهتماما. والدعوة إلى الطعام بالفتح، وفي النسب بالكسر، وقد يعكس، وأما بالحرب فبالضم:
نهاية. قوله: (الدعوة نوعان) زاد أبو السعود ثالثة، وهي دعوى شبهة، وهي دعوة الأب ولد أمة ابنه
فيثبت منه النسب وإن لم يصدقه ابنه بشرط أن تكون الأمة في ملك ابنه من حين العلوق إلى حين
الدعوة. قوله: (وهو أن يكون أصل العلوق في ملك المدعي) أي حقيقة أو حكما، كما إذا وطئ
جارية ابنه فولدت فادعاه فإنه يثبت ملكه فيها ويثبت عتق الولد ويضمن قيمتها لولده كما تقدم،
وحينئذ فيكون النوع الثاني على قسمين: دعوة الملك، ودعوة شبهة الملك، فتبقى الدعوة نوعين لا
ثلاثة، لكن الاتقاني جعلها ثلاثة كما قدمناه عن أبي السعود. قوله: (وهو بخلافه) بأن لا يكون
العلوق في ملك المدعي. قوله: (واستنادها لوقت العلوق) عطف علة على معلول. قال في الدرر:
والأولى أولى لأنها أسبق لاستنادها. حلبي وأنت باعتبار المعنى. قوله: (مبيعة) ولو بيعا بخيار للبائع
أو المشتري أو لهما إلى وقت الولادة. حموي. والظاهر أنه على قولهما، وإلا فمدة الخيار عنده ثلاثة
أيام ط. قوله: (ولدت لأقل من ستة أشهر) أفاد أنهما اتفقا على المدة، وإلا ففي التتارخانية عن الكافي:
قال البائع بعتها منك منذ شهر والولد مني وقال المشتري بعتها مني لأكثر من ستة أشهر والولد
ليس منك فالقول للمشتري بالاتفاق، فإن أقاما البينة فالبينة للمشتري أيضا عند أبي يوسف. وعند
محمد للبائع، وسيذكره الشارح بقوله. قوله: (ولو تنازعا الخ) وقيد بدعوى البائع، إذ لو ادعاه ابنه وكذبه
المشتري صدقه البائع أو لا فدعوته باطلة وتمامه فيها. قوله: (فادعاه البائع) أي ولو أكثر من
واحد. قهستاني. والأداء بالفاء يفيد أن دعوته قبل الولادة موقوفة، فإن ولدت حيا ثبت، وإلا فلا كما
في الاختيار، ويلزم البائع أن الأمة لو كانت بين جماعة فشراها أحدهم فولدت فادعوه جميعا ثبت
منهم عنده وخصاه باثنين، وإلا فلا كما في النظم، وبالاطلاق أنه لو لم يصدق المشتري البائع وقال لم
يكن العلوق عندك كان القول للبائع بشهادة الظاهر، فإن برهن أحدهما فبينته، وإن برهنا فبينة
المشتري عند الثاني وبينة البائع عند الثالث كما في المنية شرح الملتقي. قوله: (ثبت نسبه) صدقه
المشتري أو لا كما في غرر الأفكار، وأطلق في البائع فشمل المسلم والذمي والحر والمكاتب، كذا رأيته
معزوا للاختيار، وشرط أبو السعود أن لا يسبقه المشتري في الدعوى. قوله: (استحسانا) أي لا
قياسا، لان بيعه إقرار منه بأنها أمة فيصير مناقضا. والقياس أن لا يثبت، وبه قال زفر والشافعي لان
بيعه إقرار كما علمت.

188
وجه الاستحسان أنه تناقض في محل الخفاء فيغتفر لان النسب يبتني على العلوق، وفيه من الخفاء
ما لا يخفى.
ونظيره المختلعة تدعي الطلاق وتريد الرجوع بالبدل مدعية أنه طلقها قبل الخلع تسمع دعواها
وإن كانت متناقضة كما قدمناه، لان إقدامها على الخلع كالاقرار بقيام العصمة، لكن لما كان التناقض
في محل الخفاء جعل عفوا لان الزوج يستقل بالطلاق فلعله طلق ولم تعلم، فإذا أقامت البينة على
الطلاق قبلت. قوله: (لعلوقها الخ) قال في المنح ولنا أن مبني النسب فيه على الخفاء فيعفى فيه
التناقض فتقبل دعوته إذا تيقن بالعلوق في ملكه بالولادة للأول فإنه كالبينة العادلة في إثبات النسب
منه، إذ الظاهر عدم الزنا منها وأمر النسب على الخفاء، فقد يظن المرء أن العلوق ليس منه ثم يظهر أنه
منه فكان عذرا في أسقاط اعتبار التناقض ا ه‍. قوله: (وإذا صحت) أي الدعوى. قوله: (فيفسخ
البيع) لعدم جواز بيع أم الولد. قوله: (ويرد الثمن) لان سلامة الثمن مبنية على سلامة المبيع. قوله:
(ولكن إذا ادعاه المشتري الخ) قال العلامة أبو السعود في حاشيته على مسكين: والحاصل أن البائع إذا
ادعى ولد المبيعة فلا يخلو، إما أن تجئ به لأقل من ستة أشهر أم لا. والثاني لا يخلو إما أن تجئ به
لأقل من سنتين أم لا، ثم ذلك لا يخلو إما أن يصدقه المشتري في الدعوى أم لا، وكل ذلك لا يخلو
إما أن يسبقه المشتري في الدعوى أم لا، بأن ادعاه مع البائع أو بعده أو لم يدع أصلا، وكل ذلك لا
يخلو إما أن يكون الولد المدعي نسبه حيا أو ميتا، والأول لا يخلو إما أن يوقع المشتري به ما لا يمكن
نقضه كالعتق والتدبير، أو ما يمكن كالبيع والكتابة والرهن والإجارة والهبة أم لا، وكذلك الام على
هذا التقسيم إما أن تكون وقت الدعوة حية أو ميتة، فإن كانت حية فإما أن يكون المشتري أوقع بها ما
لا يمكن نقضه وهو العتق والتدبير، أو يمكن وهو البيع والكتابة والرهن والإجارة والهبة والتزويج.
إذا عرف هذا فنقول: إذا ادعى البائع ولد المبيعة ينظر إذا جاءت لأقل من ستة أشهر وهو حي
لم يتصف بالعتق أو التدبير ولم يسبقه المشتري في الدعوة ثبت النسب من البائع مطلقا صدقه المشتري أم
لا، فالتقييد بالحياة للاحتراز عن الوفاة حيث لا يثبت نسبه، لان الحقوق لا تثبت للميت ابتداء ولا
عليه، والتقييد بعدم اتصافه بالعتق أو التدبير للاحتراز عما إذا كان الولد عند الدعوة عتيقا أو مدبرا،
بأن أعتقه المشتري أو دبره حيث لا يثبت نسبه أيضا، لان ثبوت نسبه يستلزم نقص عتقه أو تدبيره،
وكل منهما بعد وقوعه لا ينتقض، بخلاف ما إذا ادعى نسبه بعد أن باعه المشتري أو كاتبه أو رهنه
أو وهبه أو آجره حيث يثبت نسبه وتنقض هذه التصرفات، والتقييد بعدم سبق المشتري البائع في الدعوة
للاحتراز عما إذا ادعاه قبله فإن النسب منه يثبت ولا يتصور بعده ثبوت النسب من البائع، بخلاف
ما إذا ادعاه معه أو قبله حيث لا تعتبر دعوة المشتري مع دعوة البائع لان دعوة البائع أقوى لاستنادها
إلى وقت العلوق، بخلاف دعوة المشتري فإنها تقتصر ولا تستند لعدم كون العلوق في ملكه، فيفرق
بين ما إذا ادعاه بعد موته أو عتقه أو تدبيره، وبين ما إذا ادعاه بعد كتابته أو رهنه أو نحو ذلك، ففي
الثاني يثبت النسب لا في الأول، بخلاف ما إذا ادعاه بعد موت أمه أو عتقها أو تدبيرها حيث لا
يفترق الحال في ثبوت النسب بين موتها وعتقها وتدبيرها وبين كتابتها وإجارتها وتزويجها ونحو ذلك
مما سبق الكلام عليه، بل يثبت نسب ولدها بالدعوة مطلقا ولا يمنع منه ثبوت هذه الأوصاف لامه،

189
غير أنه في الوجه الأول: أعني الموت وأخويه لا يثبت لها أمومية الولد، أما في الموت فلما سبق من
أن الميت لا يثبت له الحقوق ابتداء ولا عليه، وأما في العتق ونحوه فلان ثبوت أمومية ولد لها يستلزم
نقض العتق وهو بعد وقوعه لا ينتقض في الوجه الثاني: أعني الكتابة وأخواتها يثبت لها أمومية الولد
بالتبعية لثبوت نسب الولد لعدم المانع، لان الكتابة ونحوها تنتقض ضمن ثبوت الاستيلاد لها. هذا
كله إذا ادعى نسبه والحال أنها قد جاءت به لأقل من ستة أشهر، فإن جاءت به لأكثر ردت دعوته إلا
أن يصدقه المشتري، فإن صدقه ثبت منه النسب سواء جاءت به لأقل من سنتين أو لأكثر منهما، وهل
يثبت لامه الاستيلاد فينتقض البيع ويرد الثمن أم لا؟ إن جاءت به لأقل من سنتين انتقض البيع وثبت
لها الاستيلاد فتصير أم ولد البائع ويرد الثمن، وإلا فلا. قوله: (قبله) أي قبل ادعاء البائع. قوله:
(لوجود ملكه) وهو المجوز للدعوى، ألا ترى أنه يجوز إعتاقه وإعتاق أمه. قوله: (وأميتها) بالرفع
عطف على فاعل ثبت. ح: وهذا لو جهل الحال لما سبق في الاستيلاد أنه لو زنى بأمة فولدت فملكها
لم تصر أم ولد، وإن ملك الولد عتق عليه، ومر فيه متنا استولد جارية أحد أبويه وقال ظننت حلها
لي فلا نسب، وإن ملكه عتق عليه.
قال الشارح ثمة: وإن ملك أمه لا تصير أم ولده لعدم ثبوت نسبه. قوله: (بإقراره) ثم لا تصح
دعوى البائع بعده لاستغناء الولد بثبوت نسبه من المشتري ولأنه لا يحتمل الابطال زيلعي. قوله:
(وقيل يحمل الخ) أي حملا لحاله على الصلاح فإنه حيث لم يكن تحته حرة فنكاحه صحيح، وإلا
ففاسد، وكلاهما يثبت به النسب، ومع كل فدعوة البائع مقدمة، لان ملكه وقت العلوق محقق وملك
المشتري مفروض فلا يعارضه. تأمل. ولم يذكر في المنح ولا في غيرها لفظه قيل. قوله: (لان دعوته
تحرير) على أنه لما ثبت نسبه من البائع بطل البيع فلم يدخل في ملك المشتري فهو كأجنبي كما في
المقدسي.
قال ط: فيه أنها دعوة استيلاد أيضا، إلا أن يقال إنها دعوة تحرير بعد دعوة البائع قوله:
(وكذا يثبت من البائع لو ادعاه بعد موت الام) أي وقد ولدت لأقل من ستة أشهر وذلك لان الولد
هو الأصل في النسب ولذلك تضاف إليه ويقال أم الولد، والإضافة إلى الشئ أمارة أصالة المضاف
إليه ولأنها تستفيد منه الحرية، ألا ترى إلى قوله (ص): أعتقها ولدها قاله حين قيل به وقد ولدت
مارية القبطية إبراهيم من رسول الله (ص) ألا تعتقها؟ فالثابت لها حق الحرية وله حقيقة الحرية، والحقيقة
أولى من الحق فيستتبع الأدنى ولا يضره فوات التبع. قوله: (بخلاف موت الولد) أي دون الام لفوات
الأصل وهو الولد: أي وقد ولدت لدون الأقل فلا يثبت الاستيلاد في الام لفوات الأصل لأنه
استغنى بالموت عن النسب، وكان الأولى للشارح التعليل بالاستغناء كما لا يخفى، فتدبر.
وعللوا لموت الولد بتعذر ثبوت النسب فيه لان الحقوق لا تثبت للميت ولا عليه كما سبق، وإذا

190
لم يثبت النسب لم يثبت الاستيلاد لأنه فرع النسب وكانت الام بحالها. إتقاني. قوله: (ويسترد المشتري
كل الثمن) لأنه تبين أنه باع أم ولده وماليتها غير متقومة عنده في العقد والغصب فلا يضمنها
المشتري، وعندهما متقومة فيضمنها هداية. قوله: (وقالا حصته) أي الولد فقط، ولا يرد حصة الام
لأنها متقومة عندهما فتضمن بالغصب والعقد فيضمنها المشتري، فإذا رد الولد دونها يجب على البائع رد
حصة ما سلم له وهو الولد كي لا يجتمع البدل والمبدل في ملكه، ولا يجب رد حصة الام.
قال الزيلعي: هكذا ذكروا الحكم على قولهما، وكان ينبغي أن يرد البائع جمع الثمن عندهما
أيضا ثم يرجع بقيمة الام، لأنه لما ثبت نسب الولد منه تبين أنه باع أم ولده وبيع أم الولد غير صحيح
بالاجماع فلا يجب فيه الثمن، ولا يكون لاجراء المبيع منه حصة، بل يجب على كل واحد من المتعاقدين
رد ما قبضه إن كان باقيا وإلا فبدله ا ه‍.
قال المقدسي: لعل مرادهم ما ذكره بناء على أن الغالب تساوي الثمن والقيمة ا ه‍. قوله:
(وإعتاقهما أي إعتاق المشتري الام والولد) الواو بمعنى أو المجوزة للجمع. قوله: (كموتهما) حتى لو
أعتق الام لا الولد فادعى البائع أنه ابنه صحت دعوته وثبت نسبه منه، ولو أعتق الولد لا الام لم تصح
دعوته لا في حق الولد ولا في حق الام كما في الموت، أما الأول فلأنها إن صحت بطل إعتاقه
وللعتق بعد وقوعه لا يحتمل البطلان. وأما الثاني فلأنها تبع له، فإذا لم تصح في حق الأصل لم تصح
في حق التبع ضرورة ا ه‍. منح. فقوله أما الأول أي عدم صحته في حق الولد، وقوله وأما الثاني:
أي عدم صحته (1) في حق الام.
ويشكل على قوله والعتق بعد وقوعه إلى آخره ما سيأتي متنا في قوله باع أحد التوأمين إلى
أن قال وبطل عتق المشتري. قال في المنح: لان الذي عنده ظهر أنه حر الأصل، وقال الشارح بأمر
فوقه وهو حرية الأصل فكذا يقال هنا فينبغي أن تصح دعوته بعد الاعتاق لأنه ظهر أنه أعتق حر
الأصل فلم يصح إعتاقه. تأمل. وأجاب عنه العيني تبعا للزيلعي بأنه لو بطل فيه بطل مقصود الاجل
دعوة البائع وأنه لا يجوز.
وفي مسألة التوأمين تثبت الحرية في الذي لم يبع ثم يتعدى إلى آخر ضمنا وتبعا، إذ يستحيل أن
يلحقا من ماء واحد وأحدهما حر والآخر رقيق، وكم من شئ يثبت ضمنا وإن لم يثبت مقصودا ا ه‍.
فإن قلت: تحرير المشتري تبين أنه وقع في غير ملكه لأنه أعتق حر الأصل فلم يصح عتقه
يجاب بأنه أعتق ملكه في وقت لا ينازعه فيه أحد فنفذ عتقه وثبت ولاؤه، وكل من الولاء والاعتاق
لا يحتمل النقض، وبثبوت ذلك صار البائع مكذبا شرعا في ادعائه فلم تصح دعوته وتبين صحة عتق
المشتري. قوله: (لأنه أيضا لا يحتمل الابطال) لثبوت بعض آثار الحرية كامتناع التمليك للغير. منح
ويرد عليه ما ورد على ما قبله، وعلم جوابه مما مر عن العيني. والأولى أن يقول وإعتاقهما وتدبيرهما
كموتهما، إذا لا يظهر فائدة في تشبيه الاعتاق بالموت ثم تشبيه التدبير بالاعتاق. تأمل. قوله: (ويرد
حصته اتفاقا) أي فيما إذا أعتق المشتري الام أو دبرها فقط دون الولد فيقسم الثمن على قيمة الام



(1) أي صحة دعوته ا ه‍ منه.
191
وقيمة الولد، فما أصاب الولد يرده وما أصاب الام لا يرده، وتعتبر قيمة الام يوم القبض وقيمة الولد
يوم الولادة لأنها دخلت في ضمانه بالقبض وصار له قيمة وبالولادة فتعتبر القيمة بذلك كما في صدر
الشريعة والشرنبلالية. قوله: (وكذا حصتها أيضا) أي في التدبير والاعتاق. وأما في الموت فيرد
حصتها أيضا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى قولا واحدا كما يدل عليه كلام الدرر. قال: وفيما إذا أعتق
المشتري الام أو دبرها يرد البائع على المشتري حصته من الثمن عندهما. وعنده: يرد كل الثمن في
الصحيح كما في الموت. كذا في الهداية ح. فصار الحاصل من هذا أن البائع يرد كل الثمن وهو
حصة الام وحصة الولد في الموت والعتق عند الامام، ويرد حصة الولد فقط فيهما عندهما. وعلى ما
في الكافي يرد حصته فقط في الاعتاق عند الامام كقولهما. قوله: (على الصحيح من مذهب الامام)
لان أم الولد لا قيمة لها عنده ولا تضمن بالعقد فيؤاخذ بزعمه. قوله: (ونقله في الدرر والمنح عن
الهداية) قال في الدرر: وذكر في المبسوط: يرد حصته من الثمن لا حصتها بالاتفاق، وفرق على هذا
بين الموت والعتق بأن القاضي كذب البائع فيما زعم حيث جعلها معتقة من المشتري فبطل زعمه ولم
يوجد التكذيب في فصل الموت فيؤاخذ بزعمه فيسترد حصتها. كذا في الكافي. ا ه‍. لكن رجح في
الزيلعي كلام المبسوط وجعله هو الرواية فقال بعد نقل التصحيح عن الهداية. وهو يخالف الرواية،
وكيف يقال يسترد جميع الثمن والبيع لم يبطل في الجارية حيث لم يبطل إعتاقه، بل برد حصة الولد
فقط بأن يقسم الثمن على قيمتهما يعتبر قيمة الام يوم القبض لأنها دخلت في ضمانه بالقبض وقيمة
الولد يوم الولادة لأنه صار له القيمة بالولادة فتعتبر قيمته عند ذلك ا ه‍. وقدمناه قريبا فلا تغفل عنه.
قوله: (على خلاف ما في الكافي عن المبسوط) من أنه لا يرد حصتها عنده أيضا وقد تقدم ذلك.
قوله: (وقيل لا يرد حصتها في الاعتاق بالاتفاق) هو المعتمد كما تقدم، وهذا من تتمة عبارة المواهب
فلا يعترض بأنه مكرر لأنه عين ما في المبسوط قوله: (لأكثر من حولين) مثله تمام الحولين إذ لم
يوجد اتصال العلوق بملكه يقينا وهو الشاهد والحجة. شرنبلالية. قوله: (ثبت النسب بتصديقه) إذ
عدم ثبوته لرعاية حقه. وإن صدقه زال ذلك المانع ولم يبطل بيعه بالجزم بأن العلوق ليس في ملكه
فلا تثبت حقيقة العتق ولا حقه لأنها دعوة تحرير، وغير المالك ليس من أهله.
قال في التتارخانية: وإن ادعاه المشتري وحده صح وكانت دعوة استيلاد، وإن ادعياه معا أو
سبق أحدهما صحت دعوة المشتري لا البائع. قوله: (على المعنى اللغوي) أي إنها كانت زوجته وأتت
منه بولد وليست أم ولد له بالمعنى الاصطلاحي، وهي من استولدها في ملكه لما تقدم من تيقن أنها في
غير ملكه.
والحاصل: أن الاستيلاد لا يصح في غير الملك، بل لو ملكها بعد ذلك لصارت بعد ذلك أم
ولده شرعا أيضا. قوله: (نكاحا) أي يحمل على أنه زوجه إياها المشتري وإلا كان زنا، ويعطى الولد

192
حكم ولد أمة الغير المنكوحة فيكون للمشتري والنسب ثابت من البائع. وفي الشرنبلالية: ويبقى الولد
عبدا، فهو كالأجنبي إذا ادعاه لأنه بتصادقهما أن الولد من البائع لا يثبت كون العلوق في ملكه لان
البائع لا يدعي ذلك، وكيف يدعي والولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فكان حادثا بعد زوال
ملك البائع، وإذا لم يثبت العلوق في ملك البائع لا يثبت حقيقة العتق للولد ولا حق العتق للأمة ولا
يظهر بطلان البيع، ودعوى البائع هنا دعوة تحرير، وغير المالك ليس بأهل لها ا ه‍. قوله: (حملا لامره
على الصلاح) علة. لقوله: (نكاحا) أي فهو ولد نكاح لا زنا حملا الخ.
والحاصل: أنه لو ولدت لأكثر من سنتين من وقت البيع ردت دعوة البائع إلا إذا صدقه المشتري
فيثبت النسب منه، ويحمل أن البائع استولدها بحكم النكاح حملا لامره على الصلاح ويبقى الولد عبدا
للمشتري ولا تصير الأمة أم ولد للبائع، كما لو ادعاه أجنبي آخر لان بتصادقهما أن الولد من البائع لا
يثبت كون العلوق في ملكه لان البائع لا يدعي ذلك، وكيف يدعي والولد لا يبقى في بطن أمه أكثر
من سنتين فكان حادثا بعد زوال ملك البائع، وإذا لم يثبت العلوق في ملك البائع لا يثبت حقيقة العتق
للولد ولا حق العتق للأمة، ولا يظهر بطلان البيع، ودعوة البائع هنا دعوة تحرير غير المالك ليس
بأهلها، فلذا حول الشارح رحمه الله تعالى العبارة وحملها على المعنى اللغوي، لكن إنما يتم هذا الحمل
إذا لم يكن تحته حرة أما لو كان فإن نكاحه لا يصح ومع ذلك يثبت به النسب كما مر. قوله: (فيما
بين الأقل والأكثر) المراد بالأقل آخر الأقل من ستة أشهر ليشمل ما إذا ادعاه في ستة أشهر، كما أفاده
القهستاني. قوله: (فحكمه كالأول) يعني نسبه وأميتها فيكون الولد حرا ويفسخ البيع ويرد الثمن
لاحتمال أن يكون العلوق في ملك البائع. درر.
قال أبو السعود: والحاصل أن رد الدعوى فيما إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر لولا التصديق،
لا فرق فيه بين ما إذا جاءت به لأقل من سنتين أو لأكثر إلا من جهة ثبوت الاستيلاد للام بعد
التصديق ونقض البيع فيها ورد الثمن: أي في الأقل منهما دون الأكثر ا ه‍ بتصرف ط. قوله:
(لاحتمال العلوق قبل بيعه) قال في التتارخانية: هذا الذي ذكرنا إذا علمت المدة، فإن لم تعلم أنها
ولدت لأقل من ستة أشهر أو لأكثر إلى سنتين أو أكثر من وقت البيع، فإن ادعاه البائع لا يصح إلا
بتصديق المشتري، وإن ادعاه المشتري يصح، وإن ادعاه معا لا تصح دعوة واحد منهما، وإن سبق
أحدهما: فلو المشتري صحت دعوته ولو البائع لم تصح دعوة واحد منهما. قوله: (وإلا لا) أي لا
يصدقه بأن كذبه ولم يدعه أو ادعاه أو سكت فإنه لا يجزي حكم الأول فيه فهو أعم من قوله ولو
تنازعا.
والحاصل: أنه يثبت نسبه وتصير أم ولده شرعا لا على المعنى اللغوي كما في الصورة التي قبلها،
ويرد الثمن ويجري فيه ما تقدم من التفاريع كلها. قوله: (ولو تنازعا) أي في كونه لأقل من ستة أشهر
أو لأكثر بأن قال البائع بعتها لك منذ شهر والولد مني وقال المشتري لأكثر من ستة أشهر والولد
ليس منك فالقول للمشتري لأنه مدعي الصحة فالظاهر شاهد له، وكذا لو ادعى الولد صحت دعوته
لوقوع العلوق في ملكه دون البائع تحكما للحال، وأما إذا سكت فقد تقدم حكم سكوت المدعي عليه

193
بعد الدعوى فإنه يجعل إنكارا، فقوله ولو تنازعا يشمل الصور الثلاث. قوله: (فالقول للمشتري
اتفاقا) لأنه ينكر دعوى البائع نقض البيع ولأنه واضع اليد فهو منكر والآخر خارج فهو مدع والبينة
للمشتري. قوله: (وكذا البينة له عند الثاني) لأنه أثبت زيادة مدة للشراء، وهذا أمر حادث وهو صحة
ملكه. قوله: (خلافا للثالث) فقال البينة بينة البائع لأنه يثبت نسب الولد واستيلاد الأمة ونقض البيع.
حموي عن الكافي: أي وهو إثبات خلاف الظاهر كما هو شأن البينات، لان الظاهر وقوع العقد
صحيحا، وبينة البائع أثبتت فساده فكانت أولى بالقبول، ولأن البائع يدعي فساد العقد والمشتري ينكره
والبينة بينة المدعي، والذي يظهر أوجهية قول محمد، فليتأمل. قوله: (والآخر لأكثر) أي وليس بينهما
ستة أشهر. قوله: (ثبت نسبهما) أي التوأمين من البائع لأنهما خلقا من ماء واحد. وإذا صحت
الدعوى فيهما كانت في حكم أول مسألة من الفصل فيفسخ البيع ويرد الثمن فتأمل.
وفي الاتقاني عن المغرب: يقال هما توأمان كما يقال هما زوجان، وقولهم هما توأم وهما
زوج خطأ ا ه‍. قوله: (لكون العلوق في ملكه) أي فهو كالبينة الشاهدة له على مدعاه، وهذا يفيد
تقييد المصنف، فقوله باع من ولد عنده أي وعلق عنده، أما إذا كان العلوق عند غيره والوضع
عنده فهي دعوة تحرير ط. قوله: (ورد بيعه) لأنه تبين أنه باع حر الأصل، وكذا يقال فيما بعده من
كتابة الولد ورهنه، أما في إجارته فالذي يرد نفاذها، أما لو رأى الأب إجازتها فينبغي أن يجوز لان
للأب إجارته فكذا يملك إجازة له. قوله: (لان البيع يحتمل النقض) أي وماله من حق
الدعوى لا يحتمله فينتقض البيع لأجله. قوله: (وكذا الحكم لو كاتب) أي المشتري الولد أو رهنه منه،
كذا في نسخة، ولا وجود للفظ منه فيما شرح عليه المصنف ولا في أصله الذي نقل عنه وهو
الدرر، والضمير في الافعال راجع إلى المشتري.
واعلم أن عبارة الهداية هكذا: ومن باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع
الأول فهو ابنه وبطل البيع، لان البيع يحتمل النقض وماله من حق الدعوة لا يحتمله فينتقض البيع
لأجله، وكذلك إذا كاتب الولد أو رهنه أو آجره أو كاتب الام أو رهنها أو زوجها ثم كانت الدعوة،
لان هذه العوارض تحتمل النقض فينقض ذلك كله وتصح الدعوة، بخلاف الاعتاق والتدبير على ما
مر. قال صدر الشريعة: ضمير كاتب إن كان راجعا إلى المشتري وكذا في قوله أو كاتب الام يصير
تقدير الكلام: ومن باع عبدا ولد عنده وكاتب المشتري الام، وهذا غير صحيح لان المعطوف عليه بيع
الولد لا بيع الام، فكيف يصح قوله وكاتب المشتري الام؟ وإن كان راجعا إلى من في قوله ومن باع
عبدا، فالمسألة أن رجلا كاتب من ولد عنده أو رهنه أو آجره ثم كانت الدعوة فحينئذ لا يحسن قوله،
بخلاف الاعتاق لان مسألة الاعتاق التي مرت ما إذا أعتق المشتري الولد، لان الفرق الصحيح أن
يكون بين إعتاق المشتري وكتابته لا بين إعتاق المشتري وكتابة البائع، إذا عرفت هذا فمرجع الضمير
في كاتب الولد هو المشتري، وفي كاتب الام من في قوله: من باع ا ه‍.

194
أقول: الأظهر أن المرجع فيهما المشتري، وقوله لان المعطوف عليه بيع الولد لا بيع الام مدفوع
بأن المتبادر بيعه مع أمه بقرينة الوقاية سوق الكلام، ودليل كراهة التفريق بحديث سيد الأنام عليه الصلاة
والسلام نعم كان مقتضى ظاهر عبارة الوقاية أن يقال بالنظر إلى قوله بعد بيع مشتريه، وكذا بعد
كتابة الولد ورهنه الخ، لكنه سهو. إني على الدرر قوله: (أو كاتب الام) أي لو كانت بيعت مع
الولد فالضمير في الكل للمشتري وبه سقط ما في صدر الشريعة. قوله: (وترد هذه التصرفات) لأنه
باع حر الأصل فتصرف المشتري في غير محله فينقض، وهذا ظاهر في غير الإجارة، أما فيها فالذي
يرد نفاذها إلى آخر ما قدمناه قريبا. قوله: (بخلاف الاعتاق) أي إعتاق المشتري، ومثل الاعتاق التدبير
كما في عزمي زاده. قال: وكذلك إذا ادعاه المشتري أولا ثم ادعاه البائع حيث لا يثبت النسب من
البائع كما مر. قوله: (باع أحد التوأمين المولودين يعني علقا وولدا) لما كان لفظ المصنف وهو قوله
المولودين عنده محتملا لشيئين، كون العلوق عنده أو عند غيره، بأن اشتراها بعد الولادة أو اشترى
أمهما وهي حبلى بهما وكان الحكم مختلفا فسره بقوله: يعني التي يؤتى بها إذا كان التفسير بغير الظاهر
من اللفظ. قال في الرمز تبعا للتبيين: هذا إذا كان العلوق في ملكه بأن اشتراهما بعد الولادة أو
اشترى أمهما وهي حبلى بهما أو باعها فجاءت بهما لأكثر من سنتين يثبت نسبهما أيضا لأنهما لا
يفترقان فيه، لكن لا يعتق الذي ليس في ملكه، وإن كان المشتري قد أعتقه لا يبطل عتقه، لان هذه
الدعوى دعوة تحرير لعدم العلوق في الملك، بخلا ف المسألة الأولى، وهو ما إذا كان العلوق في ملكه
حيث يعتقان جميعا لأنها دعوة استيلاد فتستند ومن ضرورته عتقهما بدليل أنهما حرا الأصل فتبين أنه
باع حرا. ا ه‍. فقوله أو باعها فجاءت بهما الخ: أي ثم ملك واحد منهما فادعاه، وقوله: علقا
محترزه قوله حتى لو اشتراها حبلى الخ. قوله: (ثبت نسبهما) أي التوأمين من البائع، لان دعوة
البائع صحت في الذي لم يبعه لمصادفة العلوق والدعوى ملكه فيثبت نسبه، ومن ضرورته ثبوت الآخر
لأنهما من ماء واحد فيلزم بطلان عتق المشتري، بخلاف ما إذا كان الولد واحدا. وتمامه في الزيلعي.
قوله: (وهو حرية الأصل) أي الثابتة بأصل الخلقة، وأما حرية الاعتاق فعارضة وحرية الأصل هنا
في الذي أعتقه، لان الذي عند البائع ظهر أنه حر الأصل فاقتضى كون الآخر أيضا كذلك إلى آخر ما
قدمناه. قوله: (لأنهما علقا في ملكه) أي وقد خلقا من ماء واحد، وهذا كله يصلح جوابا لما يرد من
أن نقض الاعتاق مخالفا، لما سبق من أن العتق بعد وقوعه لا يحتمل الانتقاض والبطلان.
وحاصله: أن الممنوع هو انتقاض العتق إلى الرقية وهي دونه لا إلى شئ فوقه وهي الحرية: أي
لأنها ثابتة بأصل الخلقة كما أفاده عزمي، وهذا لا يتم ولا يطرد، فإن في السابقة وهي دعوة من ولد
عند المشتري لأقل من ستة أشهر فأعتقه لا يقبل مع أنه انتقض العتق بأمر فوقه، وهذا الامر لا يتم في
هذا المقام، فإن حرية أحد التوأمين يظهر حرية الآخر وينعدم تأثير الاعتاق. وعبارة العيني: فإذا ثبت
نسبهما بطل عتق المشتري إياه، لان دعوة البائع بعده صحت في الذي لم يبع، ومن ضرورة ذلك
ثبوت نسب الآخر لأنهما من واحد فيلزم منه بطلان عتق المشتري لكونهما حري الأصل، إذا يستحيل

195
أن يكون أحدهما حر الأصل والآخر رقيقا وهما من ماء واحد، بخلاف ما إذا كان الولد واحدا حيث
لا يبطل فيه إعتاق المشتري، لأنه لو بطل فيه بطل مقصودا لأجل حق الدعوى للبائع وأنه لا يجوز،
وهنا تثبت الحرية في الذي لم يبع ثم تتعدى إلى الآخر ضمنا وتبعا، وكم من شئ يثبت ضمنا وإن لم
يثبت مقصودا ا ه‍. فالشارح رحمه الله تعالى ذكر آخر عبارة الدرر وترك صدرها، فكان الأولى في
التعليل لأنهما علقا في ملكه من ماء واحد، فإذا ثبتت حرية أحدهما ثبتت حرية الآخر تبعا والشئ قد
يثبت تبعا وإن لم يثبت قصدا. قوله: (حتى لو اشتراها) أي البائع حبلى وجاءت بهما لأكثر من سنتين.
عيني. قوله: (لم يبطل عتقه) قال الأكمل: ونوقض بما إذا اشترى رجل أحد توأمين واشترى أبوه
الآخر فادعى أحدهما الذي في يده بأنه ابنه يثبت نسبهما منه ويعتقان جميعا ولم تقتصر الدعوى.
وأجيب بأن ذلك لموجب آخر، وهو أن المدعي إن كان هو الأب فالابن قد ملك أخاه، وإن كان هو
الابن فالأب قد ملك حافده فيعتق، ولو ولدت توأمين فباع أحدهما ثم ادعى أبو البائع الولدين
وكذباه: أي ابنه البائع والمشتري صارت أم ولده بالقيمة وثبت نسبهما وعتق الذي في يد البائع، ولا
يعتق المبيع لما فيه من إبطال ملكه الظاهر، بخلاف النسب لأنه لا ضرر فيه.
والفرق بينه وبين البائع إذا كان هو المدعي أن النسب ثبت في دعوى البائع بعلوق في ملكه،
وهنا حجة الأب شبهة أنت ومالك لأبيك تظهر في مال ابنه البائع فقط.
وفي التتارخانية: فإن باع الأمة مع أحد الوالدين ثم ادعى أبو البائع نسب الولدين جميعا وكذبه
المشتري والبائع: ففي قول محمد: دعوى الأب باطلة، وعند أبي يوسف: ودعوى الأب لا تصح في
حق الأمة ولا تصير أم ولد له، وتصح دعوته في حق الولدين نسبا، ولا يحكم بحرية المبيع، والولد
الثاني حر بالقيمة. وإن صدق المشتري وكذب البائع فالأمة تصير أم ولده اتفاقا وعليه قيمتها للابن،
ويثبت نسب الولدين منه، والمبيع حر بالقيمة على الأب عند أبي يوسف، وعند محمد: حر بغير
القيمة، وإن صدقه البائع وكذبه المشتري ثبت نسب الولدين من أبي البائع، فمن المشايخ من ظن أن
ثبوت نسبهما من أبي البائع قول أبي يوسف، وقول محمد: ينبغي أن لا يثبت نسبهما منه والصحيح
أن ما ذكره محمد قول الكل، ولم يذكر محمد حكم الام.
وقال أبو حازم والقاضي أبو الهشيم على قياس أبي يوسف ومحمد: يضمن البائع قيمتها للأب لا
على قول أبي حنيفة. وقال أكثر مشايخنا: لا يضمن شيئا لصاحبه بالاتفاق، كذا في المقدسي.
وفيه: رجل حملت أمته عنده وولدت فكبر عنده فزوجه أمة له فولدت له ابنا فباع المولى هذا
الابن وأعتقه المشتري فادعى البائع نسب الأكبر ثبت وبطل العتق، وإن ادعى نسب الثاني لا تسمع،
ولو باع الام مع أحدهما ثم ادعى الأب صحت عند أبي يوسف وثبت نسبهما، والولد المبيع مع أمه
بقيا على ملك المشتري، وعند محمد: لا تصح. قوله: (لأنها دعوة تحرير) لعدم العلوق في ملكه.
قوله: (فتقتصر) بخلاف المسألة الأولى، وهو ما إذا كان العلوق في ملكه حيث يعتقان جميعا لما ذكر أنها
دعوة استيلاد فتستند، ومن ضرورته عتقهما بطريق أنهما حرا الأصل فتبين أنه باع حرا. عيني. قوله:
(فلا تصح دعواه أبدا) أي وإن جحد العبد، وهذا عند الامام، وعندهما: تصح دعواه إن جحد العبد.

196
ووجه قول الإمام أن الاقرار بالنسب من الغير إقرار بما لا يحتمل النقض فلا تصح دعوة المقر
بعد ذلك، وإنما قلنا: إنه لا يحتمل النقض لان في زعم المقر أنه ثابت النسب من الغير والنسب إذا
ثبت لا ينتقض بالجحود والتكذيب، ولهذا لو عاد المقر له إلى تصديقه جاز وثبت النسب منه وصار
كالذي لم يصدقه ولم يكذبه ط. قوله: (وقد أفاده) أي أفاد نظيره لا عينه. قوله: (معه أو مع غيره)
أشار إلى أن ما وقع من التقييد بكونه معه ليس احترازيا. قال الزيلعي: لا يشترط لهذا الحكم أن يكون
الصبي في يده، واشتراطه في الكتاب وقع اتفاقيا ا ه‍ شرنبلالية. قوله: (الغائب) إتقاني أيضا.
قوله: (خلافا لهما) فقالا تصح دعوة المقر بعد جحود المقر له أن يكون ابنه، لان إقراره له بطل
بجحود المقر له فصار كأنه لم يقر وقد تقدم توجيه قول الإمام، وذكره المؤلف.
وعبارة الدرر: هما قالا: إذا جحد زيد بنوته فهو ابن للمقر، إذا صدقه زيد أو لم يدر تصديقه
ولا تكذيبه لم تصح دعوة المقر عندهم.
لهما أن الاقرار ارتد برد زيد فصار كأن لم يكن، والاقرار بالنسب يرتد بالرد، ولهذا إذا أكره
على الاقرار بالنسب فأقر به لا يثبت، وكذا لو هزل به وإن لم يحتمل النسب نفسه، النقض، وله أن
النسب لا يحتمل النقض بعد ثبوته، والاقرار بمثله لا يرتد بالرد: أي بمثل ما لا يحتمل النقض إذ تعلق
به حق المقر له، حتى لو صدقه بعد التكذيب يثبت النسب منه. وأيضا تعلق به حق الولد فلا يرتد برد
المقر له ا ه‍.
قال قاضيخان: ومن جملة النسب لا يرتد بالرد في حق المقر لان في زعمه أنه ثابت النسب من
الغير فيصلح حجة في حق نفسه وإن لم يصلح على الغير، كمن أقر بحرية عبد إنسان وكذبه المولي لا
يبطل إقراره في حق نفسه، حتى لو ملكه بعد ذلك يعتق عليه ا ه‍. ولا يرتد بالرد في حق المقر، ومن
ذلك لو صدقه الخ، ولا في حق الولد لاحتياجه إلى النسب. قوله: (بعد ثبوته) وهنا أثبت من جهة
المقر للمقر له. قوله: (حتى لو صدقه) أي صدق المقر له المقر، وفي التفريع خفاء لأنه ليس هذا
متفرعا على ما زعمه، بل على أن الاقرار بما لا يحتمل النقض لا يرتد بالرد إذا تعلق به حق الغير،
كمن أقر بحرية عبد غيره فكذبه مولاه فيبقى في حق المقر حرا ولا يرتد بالرد، حتى لو ملكه عتق
عليه، وكمن شهد على رجل بنسب صغير فردت شهادته لتهمة فادعاه الشاهد لا تقبل.
ولا يرد ما لو أقر المشتري على البائع بإعتاق المبيع قبل البيع وكذبه البائع ثم قال المشتري أنا
أعتقه يتحول الولاء إليه لأنها من محل الخلاف، ولو سلم فالنسب ألزم من الولاء لقبوله التحول من
موالي الام إلى موالي الأب أو إلى مولى آخر فيما لو ارتدت المعتقة ثم سبيت بعدما لحقت فاشتراها
آخر وأعتقها.
ولا يرد أيضا ما لو أقر أن عبده ابن الغير ثم ادعاه حيث يعتق، لان العتق ليس لثبوت نسبه
منه، بل لان إقراره يسري على نفسه كقوله لعبد الثابت نسبه من غيره هو ابني. وعبارة الدرر كما
سمعتها في المقولة السابقة. فظهر أنه مفرع على تعلق حق المقر له به. تأمل. قوله: (فلا حاجة إلى

197
الاقرار به ثانيا) بأن يقول هو ابني. قوله: (ولا سهو في عبارة العمادي) عبارته هكذا: هذا الولد
ليس مني ثم قال هو مني صح، إذ بإقراره بأنه منه ثبت نسبه فلا يصح نفيه. قال في الدرر: هذا
سهو لان التعليل يقتضي أن هناك ثلاث عبارات: إثبات ونفي وعود إلى الاثبات.
قال الشرنبلالي: والذي يظهر لي أن عوده إلى التصديق ليس له فائدة في ثبوت النسب لأنه بعد
الاقرار لا ينتفي بالنفي.
وأقول: هذا يقرر مدعي الدرر، وليس بجواب عن العمادي.
وفي الزيلعي: نفي النسب عن نفسه لا يمنع الاقرار به بعده، بأن قال ليس هذا بابني ثم قال
هو ابني ا ه‍.
وأقول: ليس في عبارة العمادي سبق الاقرار على النفي، وانظر تحقيقه فيما يأتيك في المقولة
الآتية. قوله: (كما زعمه منلا خسرو) راجع إلى المنفي الذي هو السهو، ونصه قال: هذا الولد مني ثم
قال هذا الولد ليس مني ثم قال هو مني صح، إذ بإقراره بأنه منه تعلق حق المقر له إذا ثبت نسبه
من رجل معين حتى ينتفي كونه مخلوقا من ماء الزنا، فإذا قال ليس مني هذا الولد لا يملك إبطال
حق الولد، فإذا عاد إلى التصديق صح.
أقول: قد وقعت العبارة في الاستروشنية كالعمادية: هذا الولد ليس مني ثم قال هو مني
صح، إذ بإقراره أنه منه الخ الظاهر أنه سهو من الناسخ الأول، يدل عليه التعليل الذي ذكره لأنه
يقتضي أن يكون هنا ثلاث عبارات: تفيد الأولى: إثبات البنوة، والثانية: نفيها، والثالثة: العود إلى
الاثبات، والمذكور فيهما العبارتان فقط.
قال الشرنبلالي: والذي يظهر لي أن اللفظ الثالث وهو قوله ثم قال هو مني ليس له فائدة
لثبوت النسب لأنه بعد الاقرار به لا ينتفي بالنفي ولا يحتاج إلى الاقرار به بعده، فليتأمل ا ه‍. ولذلك
قال في الخلاصة. ولو قال هذا الولد ليس مني ثم قال مني صح، ولو قال مني ثم قال ليس مني
لا يصح النفي ا ه‍. فاقتصر هنا على العبارتين كالعمادية والاستروشنية، لكن كلام الشرنبلالي لا يدفع
كلام صاحب الدرر، لان مناقشته إنما هي في إسقاط الأولى، أما الثالثة فهي موجودة في عبارة
العمادية والاستروشنية، فصاحب الدرر ناقش: في إسقاط الأولى والشرنبلالي في إسقاط الثالثة. تأمل.
والحاصل: أن الاعتبار إنما هو إلى وجدان الاقرار سواء تقدم عليه النفي أو تأخر عنه كما علم
من صريح الخلاصة، ومما ذكرنا، فهر أنه الخلل في سبك تعليل الاستروشني وتبعه العمادي، وأن منلا
خسرو لم يتفطنه وظن أنه محتاج إلى عبارة أخرى، وليس كذلك، إذ الاقرار الواحد يكفي سواء وجد
مقدما على النفي أو متأخرا عنه كما لا يخفى، فتدبر. قوله: (كما أفاده الشرنبلالي) راجع إلى النفي
الذي هو عدم السهو. ط عن الحلبي. وتقدم نص عبارة الشرنبلالية، ومقتضى ما يظهر لي أنه راجع
إلى قوله فلا حاجة إلى الاقرار به ثانيا. قوله: (وهذا) أي ثبوت النسب إذا صدقه الابن، أما بدونه فلا
لأنه إقرار على الغير بأنه جزؤه فلا يتم إلا بتصديق ذلك الغير، وهذا التفصيل إنما يأتي في الاقرار
بصبي يعبر عن نفسه، أما لو كان صغيرا لا يعبر عن نفسه يصدق المقر استحسانا كما في الخلاصة.

198
قوله: (أما بدونه فلا) أي فلا يتم إلا بتصديق ذلك الغير. قوله: (لبقاء إقرار الأب) لان إقرار الأب لم
يبطل لعدم تصديق الابن فيثبت النسب كما في الدرر. قوله: (قبل) لأنه إقرار على نفسه بأنه جزؤه.
درر. قوله: (فلا يقبل) أي على الغير. قوله: (وبين جهة الإرث صح) قال في جامع الفصولين: إذا
إثبات الوراثة لا يصح ما لم يعين جهة الإرث. قوله: (ولو ادعى بنوة العم) عبارة الدرر: ادعى الاخوة
ولم يذكر راسم الجد صح، بخلاف دعوى كونه ابن عمه حيث يشترط فيها ذكر اسم الجد كما في
العمادية ح.
وفي الخيرية: ومما صرحوا به أن دعوى بنوة العم تحتاج إلى ذكر نسبة العم والام إلى الجد ليصير
معلوما لأنه لا يحصل العلم للقاضي بدون ذكر الجد، وتحقق العمومة بأنواع منها العم لام ذكره في
كتاب الوقف.
وفي التنقيح أن الشهود إذا شهدوا بنسب فإن القاضي لا يقبلهم ولا يحكم به إلا بعد دعوى
مال، إلا في الأب والابن، وأن ينسب الشهود الميت والمدعي لبنوة العمومة حتى يلتقيا إلى أب واحد،
وأن يقول هو وارثه لا وارث له غيره كما صرح قاضيخان، ولا بد أن يكون الأب الواحد الملتقي
إليه معروفا للقاضي بالاسم والنسب بالأب والجد إذ الخصام فيه، والتعريف بذلك عند الامام الأعظم
رحمه الله تعالى، وعليه الفتوى. فإذا لم يوجد شرط من هذه الشروط لا تقبل ولا يصح القضاء
بها، وينبغي الاحتياط بالشهادة بالنسب سيما في هذا الزمن.
قال الحامدي: قلت: هذا مناقض لما ذكره في الظهيرية والعمادية وغيرهما من أنه يشترط ذكر
الجد الذي التقيا إليه، وقد مثل له في الظهيرية مثالا ولم يذكر اسم أب الجد ولا اسم جده، لكن أفتى
الإمام أبو السعود باشتراط ذكر الأب كما ذكره اليشمقجي في فتاويه، وأظن أن الرحيمية (1) اشترط
ذلك بناء على قولهم كصاحب التنوير وغيره: إذا كانت الدعوى على غائب يشترط ذكر أبيه وجده،
وإن حكم بدون ذكر الجد نفذ وأنه ظن أن الدعوى على الجد الذي التقيا إليه، والحال أن الدعوى على
الميت الذي يطلبون إرثه، فتنبه ا ه‍.
قال في الدرر: قال أحد الورثة لا دعوى لي في التركة لا تبطل دعواه، لان ما ثبت شرعا من
حق لازم لا يسقط بالاسقاط، كما لو قال لست ابنا لأبي قال ذو اليد ليس هذا لي ونحوه. أي ليس
ملكي ولا حق لي فيه ونحو ذلك ولا منازع ثمة ثم ادعاه فقال: أي ذو اليد هو لي صح والقول قوله، لان
هذا الكلام لم يثبت حقا لاحد، لان الاقرار للمجهول باطل، والتناقض إنما يبطل إذا تضمن إبطال حق
على أحد، ولو كان ثمة منازع كان إقرارا له في رواية وهي رواية الجامع الصغير، وفي أخرى لا، وهي



(1) قوله: (الرحيمية) هكذا بالأصل، فليحرر.
199
رواية دعوى الأصل، لكن قالوا: القاضي يسأل ذا اليد أهو ملك المدعي؟ فإن أقر به أمره بالتسليم إليه،
وإن أنكر أمر المدعي بإقامة البينة عليه، ولو قاله: أي قال ليس هذا لي ونحوه الخارج لا يدعي ذلك
الشئ بعده للتناقض وإنما لم يمنع ذو اليد على ما مر لقيام اليد. كما في العمادية.
أقول: لكن قيده في جامع الفصولين بما إذا قال ذلك مع وجود النزاع، أما لو قاله قبل النزاع
فعلى الخلاف على عكس ذي اليد، وقوله لقيام اليد وهو دليل الملك فنفي الملك عن نفسه من غير
إثبات للغير لغو.
وفي الدرر أيضا: ادعى العصوبة وبين النسب وبرهن الخصم أن النسب بخلافه، إن قضى
بالأول لم يقض به، وإلا تساقطا للتعارض وعدم الأولوية. قوله: (ما لم يذكر اسم الجد) بخلاف
الاخوة فإنها تصح بلا ذكر الجد كما في الدرر.
واعلم أن دعوى الاخوة ونحوها مما لو أقر به المدعي عليه لا يصح ما لم يدع قبله مالا.
قال في الولوالجية: ولو ادعى أنه أخوه لأبويه فجحد فإن القاضي يسأله ألك قبله ميراث تدعيه
أو نفقة أو حق من الحقوق التي لا يقدر على أخذها إلا بإثبات النسب؟ فإن كان كذلك يقبل القاضي
ببينته على إثبات النسب، وإلا فلا خصومة بينهما، لأنه إذا لم يدع مالا لم يدع حقا، لان الاخوة
المجاورة بين الأخوين في الصلب أو الرحم، ولو ادعى أنه أبوه وأنكر فأثبته يقبل، وكذا عكسه وإن لم
يدع قبله حقا، لأنه لو أقر به صح فينتصب خصما، هذا لأنه يدعي حقا، فإن الابن يدعي حق
الانتساب إليه والأب يدعي وجوب الانتساب إلى نفسه شرعا. وقال عليه الصلاة والسلام من
انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ا ه‍ ملخصا.
قال في البزازية: ادعى على آخر أنه أخوه لأبويه: إن ادعى إرثا أو نفقة وبرهن تقبل ويكون
قضاء على الغائب أيضا، حتى ولو حضر الأب وأنكر لا يقبل ولا يحتاج إلى إعادة البينة لأنه لا يتوصل
إليه إلا بإثبات الحق على الغائب. وإن لم يدع مالا بل ادعى الاخوة المجردة لا يقبل، لان هذا في
الحقيقة إثبات البنوة على أب المدعى عليه والخصم فيه هو الأب لا الأخ. وكذا لو ادعى أنه ابن ابنه أو
أبو أبيه والابن والأب غائب أو ميت لا يصح ما لم يدع مالا، فإن ادعى مالا فالحكم على الغائب
والحاضر جميعا كما مر، بخلاف ما إذا ادعى رجل أنه أبوه أو ابنه، وتمامه فيها. قوله: (ولو برهن
الخ) مكرر مع ما قدمه قريبا. قوله: (تقبل لثبوت النسب بإقراره) أي ويزاحم الوارث المعروف،
ويظهر أن الأبوة مثل ذلك كما علمت مما مر.
بقي: فيما لم يثبت بإقراره فيشترط أن يدعي حقا آخر كإرث أو نفقة، فلو برهنت أنه عمها
مريدة النفقة منه فبرهن على زيد أنه أخوها برئ العم، بخلاف دعوى الأبوة كما في الهندية.
وقال في جامع الفصولين: أقر ذو ابن بأن فلانا وارثه ثم مات الابن ثم المقر يأخذ المقر له المال:
يعني بحكم الوصية لان هذا وصية. حتى لو قال هو قريبي ومات المقر عن زوجة أخذت الربع
والباقي للمقر له ا ه‍. وأشار بهذا إلى أنه لا يلزم معرفة جهة القرابة، وإلا فإنه لو ادعى الإرث بالاخوة
يلزم، والله تعالى أعلم. قوله: (ولا تسمع) أي بينة الإرث كما في الفصولين، لكن في الأشباه تقبل
الشهادة حسبة في النسب.

200
ويمكن أن يوفق بينها وبين ما هنا فيما إذا لم يكن خصم، كما لو ترك صغيرا وارثا فإن
الشهادة حسبة تقبل ولا تكون التركة في بيت المال، بخلاف ما إذا حصل خصام من الورقة مع المدعي
فلا بد مما ذكر هنا. قوله: (وهو وارث) وكذا على الوصي. نور العين قوله: (أو دائن) أي على ما
ذكره الخصاف وخالفه بعض المشايخ، وانظر ما صورته، ولعل صورته أنه يدعي دينا على الميت
وينصب له القاضي من يثبت في وجهه دينه فحينئذ يصير خصما لمدعي الإرث، ومثل ذلك يقال في
الموصى له تأمل.
ويمكن التصوير لهما: أي الوارث والدائن بأن يكون دفع القاضي التركة للدائن بدينه ثم
حضر مدعي الإرث ونازع الدائن بأنه يريد استلام التركة ودفع جميع الدين إليه فأنكر الدائن أن يكون
المدعي وارث الميت يكون خصما في إثبات النسب. قوله: (فلو أقر) أي المدعى عليه. قوله: (به) أي
بالبنوة بالموروث. قوله: (والدافع على الابن) علي بمعنى من أو متعلق بمحذوف: أي ويرجع الدافع
على الابن. قوله: (ولو أنكر) أي المدعي عليه دعوة النبوة. قوله: (والصحيح تحليفه) أي تحليف المنكر
على العلم: أي على أنه لا يعلم أنك ابن فلان، فإذا أراد الولد أخذ المال كلف إقامة البينة على مدعاه.
قوله: (على العلم) أي على نفي العلم. قوله: (بأنه ابن فلان) الظاهر أن تحليفه على أنه ليس بابن فلان
إنما هو إذا أثبت المدعي الموت وإلا فلا فائدة في تحليفه إلا على عدم العلم بالموت. تأمل. قوله: (ثم
يكلف الابن الخ) أي إن حلف، وإن نكل يكون مقرا، فإن كان منكرا للمال يحلف عليه. قوله:
(وتمامه في جامع الفصولين) حيث قال: ولو نكل يصير مقرا بنسب وموت، وصار كما لو أقر بهما
صريحا وأنكر المال، ولو كان كذلك لا يجعل القاضي الابن خصما في إقامة البينة على إثبات المال،
ولكن يجعله خصما في حق التحليف على المال وأخذه منه فيحلفه بتا. قوله: (من الفصل السابع
والعشرين) صوابه: الثامن والعشرين. قوله: (هو عبدي) قيد به لأنه لو قال هو ابني يقدم المسلم.
قوله: (والاسلام مالا) لظهور دلائل التوحيد لكل عاقل، وفي العكس يثبت الاسلام تبعا، ولا يحصل
له الحرية مع العجز عن تحصيلها درر.
واستشكله الأكمل بمخالفته لقوله تعالى: * ((2) ولعبد مؤمن خير من مشرك) * (البقرة: 112) ودلائل
التوحيد وإن كانت ظاهرة لكن الألفة مع الكفار مانع قوي، ألا ترى أن آباءه كفروا مع ظهور أدلة
التوحيد، ويؤيده أن الذمية المطلقة أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان أو يخف أن يألف الكفر للنظر
قبل ذلك واحتمال الضرر بعده. وأجاب بأن قوله تعالى: * ((33) ادعوهم لآبائهم) * (الأحزاب: 5) يوجب دعوة الأولاد

201
لآبائهم، ومدعي النسب أب لان دعوته لا تحتمل النقض فتعارضت الآيتان، وكفر الآباء جحود
والأصل عدمه، ألا ترى إلى انتشار الاسلام بعد الكفر في الآفاق. وأما الحضانة فتركها لا يلزم منه رق
ا ه‍. بخلاف ترك النسب هنا فإن المصير بعده إلى الرق وهو ضرر عظيم لا محالة ا ه‍.
أقول: لكن بعد استدراك الشارح الآتي عن ابن كمال بأنه يكون مسلما فلا إشكال، وإن
اعترض عليه فإنك ستسمع الاعتراض والجواب. قال في شرح الملتقى: وهذا إذا ادعياه معا، فلو سبق
دعوى المسلم كان عبدا له، ولو ادعيا البنوة كان ابنا للمسلم إذ القضاء بنسبه من المسلم قضاء
بإسلامه. قوله: (لكن جزم ابن الكمال بأنه يكون مسلما) أي تبعا للدار وابنا للكافر بالدعوة كما
صرح به فيه، لان حكمه حكم دار الاسلام، وفيه أنه لا عبرة للدار مع وجود أحد الأبوين ح.
قلت: يخالفه ما ذكروا في اللقيط لو ادعاه ذمي يثبت نسبه منه وهو مسلم تبعا للدار، وتقدم في
كتابه عن الولوالجية: ولا يقال إن تبعية الدار إنما تكون عند فقد الأبوين لان تبعيته قبل ثبوت أن
الذمي أب له حيث كان في يد المسلم والكافر يتنازعان فيه، وهو قول في غاية الحسن وإن كان
مخالفا الظاهر. تعليل الهداية وغيرها فليتبصر. قوله: (قال زوج امرأة لصبي معهما) أي في يدهما
احترز به عما لو كان في يد أحدهما.
قال في التتارخانية: وإن كان الولد في يد الزوج أو يد المرأة فالقول للزوج فيهما، وقيد بإسناد
كل منهما الولد إلى غير صاحبه، لما فيها أيضا عن المنتقى: صبي في يد رجل وامرأة قالت المرأة هذا
ابني من هذا الرجل وقال ابني من غيرها يكون ابن الرجل ولا يكون للمرأة، فإن جاءت بامرأة
شهدت على ولادتها إياه كان ابنها منه وكانت زوجته بهذه الشهادة، وإن كان في يده وادعاه وادعت
امرأته أنه ابنها منه وشهدت امرأة على الولادة لا يكون ابنها منه بل ابنه لأنه في يده، واحترز عما فيها
أيضا: صبي في يد رجل لا يدعيه أقامت امرأة أنه ابنها ولدته ولم تسم أباه وأقام رجل أنه ولد في
فراشه ولم يسم أمه يجعل ابنه من هذه المرأة ولا يعتبر الترجيح باليد، كما لو ادعها رجلان وهو في يد
أحدهما فإنه يقضي لذي اليد. قوله: (فهو ابنهما) لان كل واحد منهما أقر للولد بالنسب وادعى ما
يبطل حق صاحبه ولا رجحان لأحدهما على الآخر لاستواء أيديهما فيه فيكون ابنهما، هذا إذا كان لا
يعبر عن نفسه وإلا فهو لمن صدقه. عيني. قوله: (إن ادعيا) هذا إذا كان النكاح بينهما ظاهرا، وإن لم
يكن ظاهرا بينهما يقضي بالنكاح بينهما. هندية عن شرح الطحاوي. قوله: (وإلا ففيه تفصيل ابن
كمال) حيث قال: وإلا فعلى التفصيل الذي في شرح الطحاوي ولم يبين ذلك التفصيل، وظاهر إطلاق
المتون والشروح أنه لا فرق بين أن يدعيا معا أو متعاقبا وهي الموضوعة لنقل المذهب فليكن العمل
عليها، ولأن ما يدعيه أحدهما غير ما يدعيه الآخر إذ هو يدعي أبوته وهي تدعي الأمومة، ولا ينافي
إحدى الدعوتين الأخرى، غير أن كلا يكذب صاحبه في حق لا يدعيه لنفسه فيلغو قوله ولا يعتبر
السبق فيه، والله تعالى أعلم.
قال في الهندية: ولو ادعى الزوج أولا أنه ابنه من غيرها وهو في يديه يثبت النسب من غيرها،

202
فبعد ذلك إذا ادعت المرأة لا يثبت النسب منها، وإن ادعت المرأة أولا أنه من غيره وهو في يدها
فادعى الرجل أنه ابنه من غيرها بعد ذلك: فإن كان بينهما نكاح ظاهر لا يقبل فهو ابنهما، وإن لم
يكن بينهما نكاح ظاهر فالقول قولها، ويثبت نسبه منها إذا صدقها ذلك الرجل، هذا إذا كان الغلام لا
يعبر عن نفسه. أما إذا كان يعبر عن نفسه وليس هناك رق ظاهر فالقول قول الغلام أيهما صدقه يثبت
نسبه منه بتصديقه. كذا في السراج الوهاج. وأوضحه في العناية إيضاحا حسنا حيث قال: إذا ادعت
امرأة صبيا أنه ابنها، فإما أن تكون ذات زوج أو معتدة، أو لا منكوحة ولا معتدة، فإن كانت ذات
زوج وصدقها فيما زعمت أنه ابنها منه ثبت النسب منهما بالتزامه فلا حاجة إلى حجة، وإن كذبها لم
تجز دعوتها حتى تشهد بالولادة امرأة لأنها تدعي تحميل النسب على الغير فلا تصدق إلا بالحجة
وشهادة القابلة كافية لان التعيين يحصل بها وهو المحتاج إليه، إذ النسب يثبت بالفراش القائم، وقد
صح أنه عليه الصلاة والسلام قبل شهادة القابلة على الولادة وإن كانت معتدة احتاجت إلى حجة
كاملة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أي وهي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، إلا إذا كان هناك حبل
ظاهر أو اعترف من قبل الزوج. وقالا: يكفي في الجميع شهادة امرأة واحدة، وقد مر في الطلاق:
وإن لم تكن ذات زوج ولا معتدة قالوا يثبت النسب بقولها لان فيه إلزاما على نفسها دون غيرها.
وفي هذا لا فرق بين الرجل والمرأة، ومنهم من قال: لا يقبل قولها سواء كانت ذات زوج أو لا.
والفرق هو أن أصل أن كل من ادعى أمرا لا يمكنه إثباته بالبينة كان القول فيه قوله من غير
بينة، وكل من ادعى أمرا يمكن إثباته بالبينة لا يقبل قوله فيه إلا بالبينة، والمرأة يمكنها إثبات النسب
بالبينة لان انفصال الولد منها مما يشاهد فلا بد لها من بينة، والرجل لا يمكنه إقامة البينة على الأعلاق
لخفاء فيه فلا يحتاج إليها، والأول هو المختار لعدم التحميل على أحد فيهما ا ه‍. قوله: (وهذا لو غير
معبر) أي إذا كان الغلام لا يعبر عن نفسه. قوله: (فهو لمن صدقه) أي فالقول قول الغلام أيهما صدقه
يثبت نسبه منه بتصديقه، فلو لم يصدقهما جميعا فالظاهر أن العبرة لقوله ط. قوله: (لان الخ) علة
لقوله فهو ابنهما، فكان الأولى تقديمه على قوله وإلا، وأما كونه لمن كان صدقه إذا كان معبرا فعلته
أنه في يد نفسه. قوله: (ولو ولدت أمة) أي من المشتري وادعى الولد. حموي. قوله: (غرم الأب
قيمة الولد) ولا يغرم الولد حتى لو كان الأب ميتا تؤخذ من تركته، وولاؤه للمستحق عليه لأنه علق
حر الأصل، وإنما قدر الرق ضرورة القضاء بالقيمة فلا تعدو محلها. قوله: (يوم الخصومة) لا يوم
القضاء ولا يوم الولادة. وقال الطحاوي: يغرم قيمة الولد يوم القضاء، وإليه يشير. قوله: (لأنه يوم
المنع) أي منع الولد من المستحق، لكن في حاشية الشيخ حسن الشرنبلالي ما يخالفه، حيث فسر يوم
التخاصم بيوم القضاء، واستدل عليه بعبارة الزيلعي وشرح الطحاوي، ولا شك أن المغايرة بينهما
أظهر لاحتمال تأخر القضاء عن التخاصم بأن لم يقم المستحق البينة في يوم دعوى الاستحقاق بل في
يوم آخر وكان بين اليومين تفاوت بالقيمة، يؤيده أن قول الطحاوي صريح في المغايرة بين يومي
التخاصم والقضاء، إلا أن يقال: الجمع بينهما ممكن. تأمل. قوله: (وهو حر) أطلقه، ولكن هذا إذا

203
كان حرا، أما إذا كان مكاتبا أو عبدا مأذونا له في التزوج يكون ولده عبدا: أي قنا للمستحق عند أبي
حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد، وهو حر بالقيمة عنده، وباقي التفصيل مذكور في بابه. قوله: (لأنه
مغرور) أي والأمة ملك للمستحق والولد جزؤها فاستوجب المستحق النظر إليه والمغرور معذور، وقد
بنى الامر على سبب صحيح فوجب الجمع بين النظرين مهما أمكن، وذلك بجعل الولد حر الأصل
في حق الأب ورقيقا في حق المستحق، لان استحقاق الأصل سبب استحقاق الجزء فيضمن الأب
قيمته يوم الخصومة.
واعلم أن ولد المغرور حر الأصل من غير خلاف، ولا خلاف أنه مضمون على الأب إلا أن
السلف اختلفوا في كيفية الضمان، فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يفك الغلام بالغلام
والجارية بالجارية: يعني إذا كان الولد غلاما فعلى الأب غلام مثله، وإن كان جارية فعليه جارية
مثلها. وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: قيمته، وإليه ذهب أصحابنا، فإنه قد ثبت
بالنص أن الحيوان لا يضمن بالمثل، وتأويل الحديث الغلام بقيمة الغلام والجارية بقيمة الجارية، ولأن
النظر من الجانبين واجب دفعا للضرر عنهما فيجعل الولد حر الأصل في حق أبيه رقيقا في حق مدعيه
نظرا لهما. عناية. قوله: (فلذا قال) أي لكون المغرور من اعتمد في وطئه على ملك يمين الخ: أي
ولم يقيد بالشراء، فعلم أن قول المصنف أولا اشتراها اتفاقي. قوله: (وكذا الحكم لو ملكها بسبب
آخر) كما لو ملكها أجرة عين له آجرها أو اتهبها أو تصدق بها عليه أو أوصى له بها، إلا أن رجوع
المغرور بما ضمن لا يعم هذه الصور، بل يقتصر على المشتراة والمجعولة أجرة والمنكوحة بشرط الحرية
لا الموهوبة. والمتصدق بها والموصى بها. أفاده أبو السعود. قوله: (عيني) حيث قال: النظر من
الجانبين واجب فيجعل الولد حر الأصل في حق الأب رقيقا في حق المستحق فيضمن قيمته يوم
الخصومة لأنه يوم المنع، ويجب على الأب دون الولد، حتى لو كان الأب ميتا تؤخذ من تركته، ولا
ولاء للمستحق عليه لأنه علق حر الأصل، وكذا إذا ملكها بسبب آخر غير الشراء، وكذا إذا تزوجها
على أنها حرة فولدت ثم استحقت، روى ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه في النكاح. وعن علي
رضي الله تعالى عنه في الشراء بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من غير نكير فكان إجماعا ا
ه‍. قوله: (كما لو تزوجها على أنها حرة) أي بأن كان المزوج وليا أو وكيلا عنها، وهذا بخلاف ما إذا
أخبره رجل أنها حرة فتزوجها ثم ظهر أنها مملوكة فلا رجوع بقيمة الولد على المخبر إلا في ثلاث
مسائل: منها إذا كان الغرور بالشرط كما لو زوجه امرأة على أنها حرة ثم استحقت فإنه يرجع على
المخبر بما غرمه للمستحق من قيمة الولد. وتمامه في باب المرابحة التولية وفي باب الاستحقاق.
قوله: (غرم قيمة ولده) أي ويرجع ذلك على المخبر كما مر في آخر باب المرابحة. قوله: (وإرثه له)
أي لو مات الولد وترك مالا فهو لأبيه، ولا يغرم شيئا لان الإرث ليس بعوض عن الولد فلا يقوم
مقامه فلم يجعل سلامة الإرث كسلامته. قوله: (لأنه حر الأصل) فإن قلت: إنه ظهر منه أنه رقيق في
حق المستحق فوجب أن تكون التركة بينهما، قلت: بل هو حر في حق المستحق أيضا، حتى لو لم

204
يكن له ولاء فيه (1)، وإنما جعل رقيقا ضرورة القضاء بالقيمة، وما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها كما
في الشروح، فظهر أن معنى قوله لأنه حر الأصل في حقه أنه حر في جميع الأحكام من كل وجه
في حق غير المستحق، وفي حق المستحق إنما هو رقيق في حق الضمان. قوله: (فإن قتله أبوه) إنما
غرم لان المنع تحقق بقتله. قوله: (غرم الأب قيمته للمستحق) لوجود المنع منه فيما إذا كان هو
القاتل ولقبضه بدله فيما إذا كان القاتل غيره، فلذا لا يؤخذ منه فوق ما قبض كما سيأتي، بخلاف
ميراث الولد فإنه ليس بدلا عنه، بل آل إليه خلافة عنه كما هو طريقة الإرث وهو حر الأصل في
حقه، والغرامة في ماله لو كان الولد حيا لا في مال الولد وهو لم يمنعه ولا بدله فلا شئ عليه.
قوله: (لا شئ عليه) لان المنع لا يتحقق فيما لم يصل إليه. قوله: (لزمه بقدره) اعتبارا للبعض
بالكل. قوله: (في الصورتين) أي صورتي الملك والتزوج، أما في صورة الملك فلان البائع صار كفيلا
بما شرطه من البدل لوجوب سلامة البدلين في البيع ولما سلم الثمن للبائع وجب سلامة المبيع
للمشتري، وذلك بجعل البائع كفيلا لتملكه البدل، لأنه ضمن سلامتها من عيب والاستحقاق
عيب. وأما في صورة النكاح فلان الاستيلاد مبني على التزوج وشرط الحرية كوصف لازم للتزوج
فنزل: أي المزوج قائلا: أنا كفيل بما لزم في هذا العقد، بخلاف ما إذا أخبره رجل أنها حرة أو أخبر
به هي وتزوجها من غير شرط الحرية حيث يكون الولد رقيقا، ولا يرجع على المخبر بشئ لان
الاخبار سبب محض، لان العقد حصل باختيار الرجل والمرأة، وإنما يؤخذ حكم العلة بالغرور وذلك
بأحد أمرين: بالشرط أو بالمعاوضة كما في المقدسي، وهذا ظاهر فيما إذا أرجعنا الصورتين إلى ما
ذكرنا، أما إذا أرجعنا الصورتين إلى قوله فإن قتله أبوه أو غيره كما في الشرنبلالي فلا يظهر فيما إذا
قتله الأب لأنه ضمان إتلاف فكيف يرجع بما غرم؟ وقد صرح الزيلعي بذلك: أي بالرجوع فيما إذا
قتله غيره وبعدمه بقتله، والأولى إرجاع الصورتين إلى ما إذا استولدها وما إذا قتله غير الأب، فتأمل.
قوله: (ولو هالكة) يعني إذا هلكت عند المشتري فضمنه: أي المستحق قيمتها وقيمة الولد فإنه يرجع
على البائع بثمنها وبقيمة الولد لا بما ضمن من قيمتها، لأنه لما أخذ المستحق قيمتها صار كأنه أخذ
عينها، وفي أخذ العين لا يرجع إلا بالثمن فكذا في أخذ القيمة.
والحاصل: أن المستحق يأخذها لو قائمة وقيمتها لو كانت هالكة، ويرجع بذلك على بائعه لأنه
بعقد البيع ضمن له السلامة، بخلاف الواهب أو المعير لو هلكت في يده فضمنه المستحق قيمتها لأنهما
محسنان وما على المحسنين من سبيل فلا يرجع عليهما كما ذكرنا. قوله: (وكذا لو استولدها المشتري
الثاني) فإن المشتري الثاني يرجع على المشتري الأول بالثمن وبقيمة الولد. قوله: (لكن إنما يرجع
المشتري الأول على البائع الأول بالثمن فقط) ولا يرجع بقيمة الولد عند الامام. وقالا: يرجع عليه



(1) قوله: (حتى لو لم الخ) هكذا بالأصل، ولعل الظاهر اسقاط أو فليحرر.
205
بقيمة الولد أيضا، لان البائع الأول ضمن للثاني سلامة الولد في ضمن البيع ولم يسلم له حيث أخذ
منه قيمة الولد فيرجع به عليه كما في الثمن والرد بالعيب.
ولأبي حنيفة أن البائع الأول ضمن للمشتري سلامة أولاده دون أولاد المشتري منه، لان ضمان
السلامة إنما بثبت بالبيع، والبيع الثاني لا يضاف إليه وإنما يضاف إلى البائع الثاني لمباشرته باختياره
فينقطع به سبب الأول، بخلاف الثمن لان البائع الأول ضمن للبائع الثاني سلامة المبيع ولم يسلم له فلا
يسلم للبائع الثمن، وبخلاف الرد بالعيب لان المشتري الأول استحقه سليما ولم يوجد ا ه‍. منح.
قوله: (كما في المواهب) وعبارتها: ولو استحقت أمة بعدما استولدها المشتري الثاني غرم العقر وقيمة
الولد وقت الخصومة، ويرجع بالثمن وقيمته على البائع وهو يرجع بالثمن فقط انتهى. قوله: (لا
بعقرها) أي لا يرجع بالعقر الذي أخذه منه المستحق لأنه لزمه باستيفاء منافعها: أي منافع بضعها وهو
الوطئ وهي ليست من أجزاء المبيع فلم يكن البائع ضامنا لسلامته. صدر الشريعة. قوله باستيفاء
منافعها على حذف مضاف: أي منافع بضعها، دل على ذلك قول الزيلعي: العقر عوض عما استوفى
من منافع البضع، فلو رجع به سلم له المستوفي مجانا. وقال الشافعي: يرجع بالعقر أيضا على البائع.
قوله: (التناقض في موضع الخفاء عفو) في الأشباه: يعذر الوارث والوصي والمتولي للجهل ا ه‍.
لعله لجهله بما فعله المورث والموصي والمولى.
وفي دعوى الأنقروي في التناقض المديون بعد قضاء الدين أو المختلعة بعد أداء بدل الخلع: لو
برهنت على طلاق الزوج قبل الخلع وبرهن على إبراء الدين يقبل، ثم نقل أنه إذا استمهل في قضاء
الدين ثم ادعى الابراء لا يسمع. سائحاني. وقدمنا نظيره ومنه الاقرار بالرضاع، فلو قال هذه
رضيعتي ثم اعترف بالخطأ يصدق في دعواه الخطأ، وله أن يتزوجها بعد ذلك، وهذا مشروط بما إذا
لم يثبت على إقراره بأن قال هو حق أو صدق أو كما قلت أو أشهد عليه بذلك شهودا أو ما في معنى
ذلك من الثبات اللفظي الدال على الثبات النفسي، واتفقت في ذلك مباحث طويلة الذيول لا يحتمل
هذه الأوراق إيرادها، والعذر للمقر في رجوعه عن ذلك لأنه مما يخفى عليه، فقد يظهر بعد إقراره
خطأ الناقل.
ومنها: تصديق الورثة الزوجة على الزوجية ودفع الميراث لها ثم دعواهم استرجاع الميراث
بحكم الطلاق المانع منه حيث تسمع دعواهم لقيام العذر في ذلك لهم حيث استصحبوا الحال في
الزوجية وخفيت عليهم البينونة.
ومنها: ما إذا أدى المكاتب بدل الكتابة ثم ادعى العتق قبل الكتابة قيل لأنه يخفى عليه العتق.
ومنها: ما إذا استأجر دارا ثم ادعى ملكها على المؤجر وأنها صارت إلى المستأجر ميراثا عن أبيه إذ
هو مما يخفى.
ومنها: ما إذا استأجر ثوبا مطويا في جراب أو منديل أو غير ذلك، فلما نشره قال هذا متاعي

206
تسمع دعواه وتقبل بينته، فالدعوى مسموعة مع التناقض في جميع هذه الصور مطلقا لمطلق العذر على
الراجح المفتى به. ومن المشايخ من اعتبر الناقض في جميع هذه الصور فمنع سماع الدعوى إذا تقدم ما
ينافيها إلا في مسألة الرضاع ومسألة إكذاب القاضي المدعي في التناقض السابق، وهي ما إذا أمر إنسانا
بقضاء دينه فزعم المأمور أنه قضاء عن أمره وصدقه الآمر وكان الاذن بالقضاء مشروطا بالرجوع
فرجع المأمور على الآمر بالمال الذي صدقه على أدائه للدائن فجاء رب الدين بعد ذلك وادعى على
الآمر المديون بدينه وأن المأمور لم يعطه شيئا وحلف على ذلك يقضي له القاضي على الآمر بأداء الدين،
فإذا أداه ثم ادعى الآمر على المأمور بما كان رجع به عليه بحكم تصديقه، فهل الدعوى مسموعة مع
التناقض لان القاضي أكذب المدعي الذي هو الآمر فيما سبق منه من تصديق المأمور حيث قضى عليه
بدفع الدين إلى الدائن والحال ما ذكر مانعا من الرجوع عليه بالمال؟ ثم قال: وهل يشترط في صحة
سماع الدعوى إبداء المدعي عذره عند القاضي والتوفيق بين الدعوى وبين ما سبق، أو لا يشترط ذلك
ويكتفي القاضي بإمكان العذر والتوفيق، وقدمنا الكلام عليه مستوفي، فراجعه.
ومما يتصل بهذا الفرع: أعني قوله التناقض في موضع الخفاء عفو ما ذكره في جامع
الفصولين: قدم بلدة واستأجر دارا فقيل له هذه دار أبيك مات وتركها ميراثا فادعاها المستأجر وقال
ما كنت أعلم بها لا تسمع للتناقض.
أقول: ينبغي أن تسمع فيه وفي أمثاله، إذ التناقض إنما يمنع ما لم يوفق أو لم يمكن توفيقه.
وأما إذا وفق فينبغي أن تسمع إذ لا تناقض حينئذ حقيقة، أما لو أمكن توفيقه ولكن لم يوفق ففيه
اختلاف، ونص في هذا وغيره على أن الامكان يكفي ا ه‍. وقدمنا أنه في محل الخفاء لا يكفي
الامكان، وإلا فلا بد منه.
قال الخير الرملي: والظاهر أن صاحب الفصولين لم يطلع على نص صريح يفيد سماعها، وقد
ظفرت به في البحر الرائق في باب الاستحقاق، وفي شرح قوله لا الحرية والنسب والطلاق، حيث
قال: وفي العيون: قدم بلدة واشترى أو استأجر دارا ثم ادعاها قائلا بأنها دار أبيه مات وتركها ميراثا
وكان لم يعرفه وقت الاستيام لا يقبل والقبول أصح. ا ه‍. ذكره الغزي.
أقول: قول أقول الخ لا يدل على عدم اطلاعه، بل هو اختيار منه لما هو الأصح وتعليل له.
وأقول: قوله واشترى يدل على أنه لو قاسم فهو كذلك، وهي واقعة الفتوى. قاسم عمرو كرما ثم
اطلع على أن الجميع لوالده غرسه بيده ثم مات وتركه له ميراثا ولم يعلم بذلك وقت القسمة، وسيأتي
ما هو أدل، فليتأمل. والظاهر أن قوله قدم بلدة ليس بقيد بل لأنه غالبا محل الخفاء، وإذا كان مقيما
لا يخفى غالبا، يؤيده ما قدمه من قوله شراه أبي في صغري، فتأمل ا ه‍.
وفي الفصولين في الفصل الثامن والعشرين: دفع الوصي جميع تركة الميت إلى وارثه وأشهد
على نفسه أنه قبض منه جميع تركة والده ولم يبق من تركة والده قليل ولا كثير إلا استوفاه ثم ادعى
دارا في يد الوصي أنها من تركة والدي ولم أقبضها، قال: أقبل ببينته وأقضي بها له، أرأيت إن قال
قد استوفيت جميع ما تركه والدي من دين على الناس وقبضت كله ثم ادعى دينا على رجل لأبيه ألا
أقبل ببينته وأقضي له بالدين ا ه‍.

207
وفي البزازية: لو أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكر وإلا تسمع دعواه، وإن أقروا
بالتركة أمروا بالرد عليه.
وفيها: ولو قال تركت حقي من الميراث أو برئت منها ومن حصتي لا يصح وهو على حقه،
لان الإرث جبري لا يصح تركه ا ه‍.
وفي الخانية: وفي الوصايا من تصرفات الوصي: أشهد اليتيم على نفسه بعد البلوغ أنه قبض من
الوصي جميع تركة والده ولم يبق له من تركة والده عنده من قليل ولا كثير إلا قد استوفاه ثم ادعى
في يد الوصي شيئا وقال هو من تركة والدي وأقام البينة قبلت بينته، وكذا لو أقر الوارث أنه قد
استوفى جميع ما ترك والده من الدين على الناس ثم ادعى لأبيه دينا على رجل تسمع دعواه ا ه‍. وقول
قاضيخان أشهد اليتيم على نفسه أنه قبض تركة والده.
أقول: ذكر الطرسوسي في شرح فوائده المنظومة قلت: انتقض قولهم إن النكرة في سياق النفي
تعم، لان قوله لم يبق حق نكرة في سياق النفي، فعلى مقتضى القاعدة لا تصح دعواه بعد ذلك
لتناقضه والمتناقض لا تسمع دعواه ولا بينته ا ه‍.
أقول: إنما اغتفر مثله لأنه محل الخفاء بكونه لا يحيط علمه بما ترك والده بل قد يخفى عليه ذلك
فيعفى التناقض تأمل.
وأقول: قد حرر سيدي الوالد رحمه الله تعالى المسألة برسالة سماها (إعلام الاعلام بأحكام
الابراء العام) وفق فيها بين عبارات متعارضة ورفع ما فيها من المناقضة.
وحاصل ما فيها الفرق بين إقرار الابن للوصي وبين إقرار الورثة للبعض، لما في البزازية
عن المحيط لو أبرأ أحد الورثة الباقي إلى آخر عبارتها المتقدمة.
ووجه الفرق بينهما أن الوصي هو الذي يتصرف في مال اليتيم بلا اطلاعه، فيعذر إذا بلغ وأقر
بالاستيفاء منه لجهله، بخلاف بقية الورثة فإنهم لا تصرف لهم في ماله، ولا في شئ من التركة إلا
باطلاع وصية القائم مقامه فلا يعذر بالتناقض، ومن أراد مزيد البيان ورفع الجهالة فعليه بتلك الرسالة
ففيها الكفاية لذوي الدراية. قوله: (لا تسمع الدعوى) أي من أي مدع كان كغريم دائن ومودع هذا.
وقد تقدم أن دعوى أنه وارث تسمع على الدائن والمديون. قوله: (على غريم ميت) بالإضافة، والمراد
به دائن الميت كما هو المتبادر من البيري واستظهر الحموي أنه مديون الميت.
والحاصل: أنه إذا ادعى قوم على الميت ديونا وأرادوا أن يثبتوا ذلك فليس لهم أن يثبتوا على
غريم للميت عليه دين ولا على موصي له بل لا بد من حضور وارث أو وصي.
قال في البزازية: وإثبات الدين على من في يده مال الميت هل يصح؟ اختلف المشايخ.
وصورته: المريض مرض الموت وهب كل ماله في مرضه أو أوصى بجميع ماله ثم ادعى رجل دينا
على الميت؟ قال السعدي: نصب القاضي وصيا وسمع الخصومة عليه. وقال شمس الأئمة: يسمع على
من في يده المال. ا ه‍. ومن هنا تعلم أن قوله الآتي زائدا صوابه ذا يد كما هو في أصل عبارة الأشباه.
وفي البحر: واختلف المشايخ في إثبات الدين على من في يده مال الميت وليس بوارث ولا
وصي، ولا تسمع دعوى دين على ميت على غريم الميت مديونا أو دائنا. اه‍.

208
وفي حاشية الأشباه للحموي: واستثناء الموهوب له من غريم الميت منقطع، إذ ليس هو من
الغرماء حتى يكون متصلا.
وفي البزازية: تقبل بينة إثبات الدين على الميت على الموصى له أو مديون الميت أو الوارث أو
الذي له على الميت دين ومثله في العطائية.
وفي قاضيخان من الوصايا: رجل مات وعليه دين محيط بماله. قال أبو بكر: الوارث لا يصير
خصما للغرماء لأنه لا يرث. وقال علي بن محمد: الوارث يصير خصما ويقوم مقام الميت في
الخصومة وبه نأخذ. ثم قال: والصحيح أن يكون الوارث خصما لمن يدعي الدين على الميت وإن لم
يملك شيئا.
وفي البزازية أيضا: والخصم في إثبات كونه وصي الوارث أو الموصى له أو مديون الميت أو
دائنه، وقيل الدائن ليس بخصم.
قال في نور العين من الخامس: لا تقبل دعوى من يدعي على ميت بحضرة رجل يدعي أنه
وصي الميت وأقر المدعي عليه بالوصاية. ا ه‍. فتبين من هذا أن الدعوى إنما تسمع على وصي محقق.
وفيه من السادس في دعوى دين على الميت: يكفي حضور وصيه أو وراثه، ولا حاجة إلى ذكر
كل الورثة. ا ه‍.
وعبارة الأشباه: لا تسمع الدعوى بدين على ميت لا على وارث أو وصي موصى له، ولا
تسمع على غريم له كما في جامع الفصولين، إلا إذا وهب جميع ماله لأجنبي وسلمه له فإنها تسمع عليه
لكونه ذا يد كما في خزانة المفتين انتهى، فعلى هذا. قوله: غريم ميت تركيب إضافي بمعنى اللام.
فرع: قال في خزانة الأكمل: لو مات رجل في بلد بعيد وترك مالا وادعى رجل عليه دينا
وورثته في بلد منقطع عنه فإن القاضي ينصب له وصيا ويسمع ببينته ويقضي له بالدين، ولو لم يكن
منقطعا لا تسمع بينته على غير الوارث انتهى قوله: (إلا إذا وهب الخ) صورته: رجل وهب جميع
ماله لانسان وسلمه إياه ثم مات فادعى عليه آخر أن هذه العين له أو أنه له على الميت كذا من الدين
فإنها تسمع دعواه عليه، لان في الأولى العين التي يدعيها في يد الموهوب له، وفي الثانية الدين متعلق
بالتركة وهي في يده، لكن في الثانية يشترط أن تكون الهبة في مرض الموت لان الدين إنما يتعلق بها
فيه، فعلم أن الاستثناء هنا منقطع لان الموهوب له ليس بغريم. وفي البزازية أن الموصى له بجميع
المال أو بما زاد على الثلث خصم لعدم الوارث لان استحقاق الزائد على الثلث من خصائص الوارث
فيلحق بالوارث. حموي. قوله: (لكونه زائدا) أي علي الثلث كما تقدم، وفي نسخة ذا يد أي
صاحب يد، وقد علمت توجيهه وإن كان الأول صوابا أيضا كما ذكر في البزازية. قوله: (لا يجوز
للمدعي عليه الانكار الخ) قال بعض الفضلاء: يلحق بهذا مدعي الاستحقاق للمبيع فإنه ينكر الحق
حتى يثبت ليتمكن من الرجوع على بائعه، ولو أقر لا يقدر.
وأيضا ادعاء الوكالة أو الوصاية وثبوته لا يكون إلا على وجه الخصم الجاحد كما ذكره
قاضيخان، فإن أنكر المدعى عليه ليكون ثبوت الوكالة والوصاية شرعا صحيحا يجوز فيلحق هذا أيضا
بهما، ويلحق بالوصي أحد الورثة إذا ادعى عليه الدين فإنه لو أقر بالحق يلزمه الكل من حصته، وإذا

209
أنكر فأقيمت البينة عليه يلزم من حصته وحصتهم. حموي. قوله: (ليبرهن فيتمكن من الرد) لأنه إن
قبله بغير قضاء لم يكن له الرد، والظاهر أن هذا فيما إذا كان بائعه تملكه بالشراء من آخر، أما إذا كان
موروثا أو موهوبا أو موصى به أو نتاجا فلا ينكر البتة. وصورته: أن لا يكون عالما بالعيب قبل البيع،
وإلا كان راضيا به فلا يتمكن من الرد. قوله: (إذا علم بالدين) فإنه لو أقر يلزمه ولا يرجع، بخلاف
ما إذا أنكر وأقيمت البينة. زاد أبو السعود: أو إذا علم الوصي بالنسب كما فهمه من عبارة الحانوتي
في فتاواه. قوله: (لا تحليف مع البرهان) قيل عليه: لو قال مع البينة لكان صوابا، إذ لا تحليف مع
الاقرار بعين وهو برهان ا ه‍. والجواب أن المطلق محمول على الفرد الكامل وهو البينة. ا ه‍. قوله:
(دعوى دين على ميت) في أوائل دعوى التنقيح: أجمعوا على أن من ادعى دينا على الميت يحلف بلا
طلب وصي ووارث: بالله ما استوفيت دينك منه ولا من أحد أداه عنه وما قبضه قابض ولا أبرأته ولا
شيئا منه، ولا أحلت به ولا بشئ منه على أحد ولا عندك ولا بشئ منه رهن، فإذا حلف أمر بالدفع
إليه وإن نكل لم يؤمر بالدفع إليه. خلاصة. فلو حكم القاضي بالدفع قبل الاستحلاف لم ينفذ حكمه،
وتمامه فيها.
وفيها عن البحر: ولم أر حكم من ادعى أنه دفع للميت دينه وبرهن هل يحلف وينبغي أن يحلف
احتياطا، لكن رده الرملي بأنه في مسألة دفع الدين شهدوا على حقيقة الدفع فانتقى احتمال أنهم شهدوا
باستصحاب الحال، وقد استوفى في باطن الامر كما في مدعي الدين، وارتضاه الوالد رحمه الله
تعالى بقوله: وكلام الرملي هو الأوجه كما لا يخفى على من تنبه، وقدمناه بما لا مزيد عليه. قوله:
(واستحقاق مبيع) يعني إذا استحق المبيع بالبينة من المشتري فللمستحق عليه تحليف المستحق بالله ما
بعته ولا وهبته ولا تصدقت به ولا خرجت العين عن ملكك بوجه من الوجوه. قوله: (ودعوى آبق)
أي دعوى تملك آبق.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: لعل صورتها فيما إذا ادعى على رجل أن هذا العبد عبدي أبق
مني وأقام بينة على أنه عبده فليحلف أيضا لاحتمال أنه باعه. تأمل.
ثم رأيت في شرح هذا الشرح نقل عن الفتح هكذا. وعبارته قال في الفتح: يحلف مدعي الآبق
مع البين بالله أنه باق على ملكك إلى الآن لم يخرج ببيع ولا هبة ولا نحوها. ا ه‍.
وصورة ط: بما إذا حبس القاضي الآبق فجاء رجل وادعاه وأقام بينة أنه عبده يستحلف بالله أنه
باق في ملكه ولم يخرج ببيع ولا هبة فإذا حلف دفعه إليه، وذلك صيانة لقضائه عن البطلان ونظرا لمن
هو عاجز عن النظر لنفسه من مشتر وموهوب له، ويلحق بهذه المسائل ما إذا قامت البينة للغريم
المجهول حاله بأنه معدم فلا بد من يمينه أنه ليس له مال ظاهر ولا باطن وإن وجد مالا يؤدي حقه
عاجلا، لان البينة إنما قامت على الظاهر ولعله غيب ماله، وما لو شهد الشهود أن له عليه دراهم
سواء قالوا لا نعرف عددها، أم لا تجعل ثلاثة ويحلف على نفي ما زاد عنها إذا كان المدعي يدعي
الزيادة. ا ه‍. قوله: (الاقرار لا يجامع البينة) لأنها لا تقام إلا على منكر، وذكر هذا الأصل في الأشباه
في كتاب الاقرار عن الخانية، واستثنى منه أربع مسائل: وهي ما سوى دعوى الآبق، وكذا ذكرها قبله

210
في كتاب القضاء والشهادات ولم يذكر الخامسة بل زاد غيرها وأوصلها إلى سبع وتأتي هنا مفصلة مع
زيادة ثلاثة أخر، وعليه فتكون عشرة.
قال في جامع الفصولين: وهذا يدل على جواز إقامتها مع الاقرار في كل موضع يتوقع الضرر
من المقر لولاها فيكون هذا أصلا. قوله: (إلا في أربع) الذي ذكره هنا خمسة ولكنها سبعة كما في
الحموي.
ملخصها: أنه لا تسمع البينة على مقر إلا على وارث مقر بدين على الميت فتقام البينة للتعدي،
وفي مدعي عليه أقر بالوصاية فبرهن الوصي، وفي مدعى عليه أقر بالوكالة فيثبتها الوكيل دفعا للضرر
وفي الاستحقاق تقبل البينة به مع إقرار المستحق عليه ليتمكن من الرجوع على بائعه، وفيما لو خوصم
الأب بحق عن الصبي فأقر لا يخرج عن الخصومة، ولكن تقام البينة عليه مع إقراره، بخلاف الوصي
وأمين القاضي إذا أقر خرج عن الخصومة، وفيما لو أقر الوارث للموصى له فإنها تسمع البينة عليه مع
إقراره. وفيما لو أجر دابة بعينها من رجل ثم من آخر فأقام الأول البينة، فإن كان الآجر حاضرا تقبل
عليه البينة، وإن كان يقر بما يدعي. قوله: (وكالة) يعني لو أقر بوكالة رجل بقبض دين عليه لموكله
فإن الوكيل يقيم بينته، إذ لو دفعه بلا بينة يتضرر إذ لا تبرأ ذمته إذا أنكر الموكل وكالته ا ه‍. ط.
زاد الفاضل الحموي ثامنة وتاسعة نقلهما عن البدائع من كتاب القسمة. الثامن: الورثة إذا كانوا
مقرين بالعقار لا بد من إقامة البينة على بعضهم على قول أبي حنيفة. التاسع: الأب أو الوصي إذا أقر
على الصغير لا بد من بينة مقام عليه مع كونه مقرا ا ه‍. وزاد بعض الفضلاء عاشرا: وهو ادعى على
آخر عقارا أنه في يده وهو مستحق فأقر باليد تسمع بينته أنه ذو اليد مع إقراره ا ه‍. قوله: (ووصاية)
يعني إذا أقر المدعى عليه بالوصاية.
وصورته: رجل قال للقاضي إن فلان بن فلان الفلاني أقامني وصيا ومات وله على هذا كذا
أو في يد هذا كذا فصدقه المدعى عليه فالقاضي لا يثبت وصايته بإقراره حتى يقيم البينة عليها، لأنه
إذا دفع إليه المال اعتمادا على الاقرار فقط لا تبرأ ذمته من الدين إذا أنكر الوارث، أما لو دفع بعد
البرهان تبرأ ذمته. أفاده صاحب تنوير الأذهان. قوله: (وإثبات دين على ميت) صورته: ادعى على
بعض الورثة دين على الميت فأقر الوارث بالدين فإنه يستوفي من نصيبه قدر ما يخصه من الدين،
وللطالب أن يقيم بينة على حقه ليكون حقه في كل التركة، وكذا إذا أقر جميع الورثة تقبل بينته لان
المدعي يحتاج إلى إثبات الدين في حقهم وحق دائن آخر.
وفي البيري: اختلفوا فيما إذا أقر المدعى عليه بعد إقامة البينة هل يقضي عليه بالاقرار أو
بالبينة. قيل يقضي بالبينة لأنه بالانكار وإقامة البينة استحق عليه الحكم فلا يبطل الحق السابق بالاقرار
اللاحق، ولأن زيادة التعدي الثابتة بالبرهان حقه فلا يؤثر الاقرار اللاحق في بطلانه. ا ه‍. موضحا ط.
وقدمنا الكلام عليه. قوله: (واستحقاق عين من مشتر) فإن المشتري إذا أقر بالاستحقاق للمستحق لا
يتمكن من الرجوع بالثمن على بائعه، فإذا أقيمت عليه البينة أمكنه ذلك، وقد تقدم أنه يسوغ له
الانكار مع العلم لأجل هذا التمكن ط. لكن قد يقال مع الاقرار كيف يكون له الرجوع. تأمل.
قوله: (ودعوى الآبق) يعني إذا ادعى على شخص أن العبد الذي عنده أبق منه، وأقر واضع اليد بذلك

211
فله أن يطلب البينة على ذلك لاحتمال أن الغير تملكه منه. قوله: (لا تحليف على حق مجهول) أي ادعى
به مدع، كما لو ادعى على شريكه خيانة مبهمة لم يحلف كما في الخانية. لكن أفتى قارئ الهداية
بخلافه.
وعبارته: سئل إذا ادعى أحد الشريكين على آخر خيانة وطلب من الحاكم يمينه هل يلزم أو لا؟
أجاب: إذا ادعى عليه خيانة في قدر معلوم وأنكر فحلف عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل ثبت ما
ادعاه، وإن لم يعين مقدارا فكذا الحكم، لكن إذا نكل عن اليمين لزمه أن يبين مقدار ما كان فيه،
والقول في مقداره إلى المقر مع يمينه لان نكوله كالاقرار بشئ مجهول، والبيان في مقداره إلى المقر مع
يمينه إلا أن يقيم خصمه بينة على الأكثر، ومثله المضارب مع رب المال. قوله: (إذا اتهم القاضي وصي
يتيم ومتولي وقف) ولم يدع عليه شيئا معلوما فإنه يحلف نظرا لليتم. والوقف. حموي. قوله: (وفي رهن
مجهول) أي لو ادعى الراهن رهنا مجهولا: أي كثوب مثلا فأنكر المرتهن فإنه يحلف، وقيده بعض
الفضلاء عازيا إلى القنية بما إذا ذكر المدعي قدر الدين الذي وقع به الرهن ط. قوله: (ودعوى سرقة)
أقول: فيه نظر لما نقل قاضيخان من أنه يشترط ذكر القيمة في الدعوى إذا كانت سرقة ليعلم أنها
نصاب أو لا، فأما فيما سوى ذلك فلا حاجة إلى بيانها. أبو السعود. ولعل ذلك في حق القطع لا
الضمان كما يفيده كلامه ط.
قال في جامع الفصولين: ادعى أعيانا مختلفة الجنس والنوع والصفة وذكر قيمة الكل جملة ولم
يذكر كلا على حدة، اختلف فيه المشايخ: قيل لا بد من التفصيل، وقيل يكتفي بالاجمال وهو
الصحيح، إذ المدعي لو ادعى غصب هذه الأعيان لا يشترط لصحة دعواه بيان القيمة، فلو ادعى أن
الأعيان قائمة فيؤمر بإحضارها فتقبل البينة بحضرتها، ولو قال إنها هالكة وبين قيمة الكل تسمع
دعواه.
وفي ج: ولو ادعى أنه غصب أمته ولم يذكر قيمتها تسمع دعواه ويؤمر برد الأمة، ولو هالكة
فالقول في قدر القيمة للغاصب فلما صح دعوى الغصب بلا بيان القيمة فلان يصح إذا بين قيمة
الكل جملة أولى، وقيل إنما يشترط ذكر القيمة لو كانت الدعوى سرقة ليعلم أن السرقة كانت نصابا
وفي غيرها لا يشترط ذكره الحموي، فظهر أن إيرادها في هذا المحل في حق الضمان لا القطع كما
قدمناه عن ط. قوله: (وغصب) قال في الدرر والغرر: ولو قال غصب مني عين كذا ولا أدري أنه
هالك أو قائم ولا أدري كم كانت قيمته، وذكر في عامة الكتب أنها تسمع الدعوى لان الانسان ربما
لا يعرف قيمة ماله، فلو كلف بيان القيمة لتضرر. وفائدة صحة الدعوى مع هذه الجهالة الفاحشة
توجه اليمين على الخصم إذا أنكر والجبر على البيان إذا أقر ونكل عن اليمين. ا ه‍. وقدمناه في الدعوى
مع ما عليه من الكلام، فراجعه. قوله: (وخيانة مودع) فإنه يحلف ما خان فيما ائتمن، فإن حلف
برئ، وإن نكل يجبر على بيان قدر ما نكل عنه، وقيل لا يستحلف حتى يقدر شيئا يستحلف عليه.
وذكر بعض الفضلاء: أن سماع الدعوى في مثل هذه المسائل مع الجهالة متفق عليه إلا في
دعوى الوديعة ودعوى الغصب حيث يشترط لسماعها فيهما بيان القيمة عند بعض المشايخ ا ه‍.
وينبغي زيادة دعوى السرقة كما يعلم من الحموي.

212
قال شمس الأئمة الحلواني: الجهالة كما تمنع قول البينة تمنع الاستحلاف. إلا إذا اتهم القاضي
وصي اليتيم الخ. وحينئذ فدعوى المجهول لا يستحلف عليها، فلو ادعى على رجل أنه استهلك ماله
وطلب التحليف من القاضي لا يحلفه، وكذا لو قال بلغني أن فلان بن فلان أوصى لي ولا أدري
قدره وأراد أن يحلف الوارث لا يجيبه القاضي، وكذا المديون إذا قال قضيت بعض ديني ولا أدري كم
قضيت أو قال نسيت قدره وأراد تحليف الطالب لا يلتفت إليه كما في الخانية. قوله: (إلا في مسألة
في دعوى البحر الخ) أي قبل قوله ولا ترد يمين على مدع. قوله: (وهي غريبة يجب حفظها) ستأتي
هذه المسألة في كتاب الغصب، وكتب المحشي هناك على قوله فلو لم يبين فقال: الظاهر أن في النسخة
خللا، لأنه إذا لم يبين فما تلك الزيادة التي يحلف عليها: أي على نفيها، وفي ظني أن أصل النسخة
فإن بين: يعني أنه لو بين حلف على نفي الزيادة التي هي أكثر مما بينه وأقل مما يدعيه المالك هذا.
وينبغي أن يقارب في البيان، حتى لو بين قيمة فرس بدرهم لا يقبل منه كما تقدم نظيره. ا ه‍. وكتب
على قوله هناك ولو حلف المالك أيضا على الزيادة أخذها لم يظهر وجهه، فليراجع ا ه‍. قوله: (وألزم
ببيانه) لأنه أقر بقيمة مجهولة، فإن أخبر بشئ يحلف على ما يدعيه المغصوب منه من الزيادة، فإن حلف
لا يثبت ما ادعاه المغصوب منه، وإن نكل لا يثبت أيضا ما لم يحلف المدعي أن قيمته مائة فإن حلف
أخذ من الغصب مائة، وقوله يحلف على ما يدعيه المغصوب منه فيه أنه حلف أولا على ذلك، فلو
كانت هذه اليمين على ما ذكره من القيمة بأن يحلف أن قيمته ما ذكره.
وحاصله: أن يمين المدعى عليه أنها لم تكن قيمته مائة ويمين المدعي أن قيمته المائة. قوله:
(يحلف على الزيادة) أي التي يدعيها المالك، فإن حلف ف لا يثبت ما ادعاه المغصوب منه، وإن نكل لا
يثبت أيضا ما لم يحلف المدعي أن قيمته مائة، وإلى هذا أشار بقوله: ثم يحلف المغصوب منه الخ
والظاهر أن ثمرة هذا اليمين ثبوت الخيار له إذا ظهر. قوله: (ثم يحلف المغصوب منه أيضا أن قيمته
مائة) فإن حلف أخذ من الغاصب مائة، لكن قد يقال: إذا لم يبين فما تلك الزيادة التي يحلف عليها،
وعليه فالأولى أن يقول فإن بين حلف على نفي الزيادة التي هي أكثر مما بينه وأقل مما يدعيه المالك.
تأمل. قوله: (ولو ظهر) أي الثوب. قوله: (بين أخذه) أي الثوب بما دفعه من الدراهم لا بقيمة
الثوب في ذاته وإن كانت أنقص أو أزيد لان المالك لم يرض إلا بدفعه بالمائة. قوله: (أو قيمته) عطف
على الضمير المجرور: أي أو أخذ قيمته بأن يرده ويأخذ القيمة التي دفعها.
وفي متفرقات إقرار التتارخانية: ويجبر الغاصب على البيان لأنه أقر بقيمة مجهولة وإذا لم يبين
يحلف على ما يدعي المالك من الزيادة، فإن حلف ولم يثبت ما ادعاه المالك يحلف أن قيمته مائة،
ويأخذ من الغاصب مائة فإذا أخذ ثم ظهر الثوب خير الغاصب بين أخذه أو رده وأخذ القيمة. وحكى
عن الحاكم أبي محمد العيني أنه كان يقول: ما ذكر من تحليف المغصوب منه وأخذ المائة بثمنه من
الغاصب هذا بالانكار يصح، وكان يقول: الصحيح في الجواب أن يجبر الغاصب على البيان، فإن أبى

213
يقول له القاضي أكان قيمته مائة؟ فإن قال لا، يقول أكان خمسين؟ فإن قال لا، يقول خمسة
وعشرين إلى أن ينتهي إلى ما لا تنقص عنه قيمته عرفا وعادة فيلزمه ذلك. ا ه‍. لكن قال بعض
الفضلاء: الحصر ممنوع لأنهما إذا اختلفا في قدر الثمن أو المبيع ولا بينة تحالفا، ولو اشترى أمة بألف
وقبضها ثم تقايلا وقيل قبضها اختلفا في قدر الثمن تحالفا، ولو اختلفا في الأجرة أو المنفعة أو فيهما
قبل التمكن في المدة تحالفا. حموي. وفيه أن كلا منهما في هذه المسائل مدع ومدعى عليه. ط عن
الطوري. ومثله في حاشية الحموي.
تذنيب برهن أنه ابن عمه لأبيه وأمه وبرهن الدافع أنه ابن عمه لامه فقط أو على إقرار الميت به:
أي بأنه ابن عمه لامه فقط كان دفعا قبل القضاء بالأول لا بعده لتأكده بالقضاء.
ادعى ميراثا بالعصوبة فدفعه أن يدعي خصمه قبل الحكم بإقراره بأنه من ذوي الأرحام إذ يكون
حينئذ متناقضا.
ادعى قيمة جارية مستهلكة فبرهن الخصم أنها حية رأيناها في بلد كذا لا يقبل إلا أن يجئ بها
حية.
الكفيل ينصب خصما عن الأصل بلا عكس، لان القضاء على الكفيل قضاء على الأصيل ولا
عكس.
إذا اشترك الدين بين شريكين لا بجهة الإرث فأحدهما لا ينتصب خصما عن الآخر الكل من
الدرر.
رجل غاب عن امرأته وهي بكر أو ثيب فتزوجت بزوج آخر وولدت كل سنة ولدا: قال أبو
حنيفة: الأولاد للأول. وعنه أنه رجع عن هذا وقال: لا يكون الأولاد للأول وإنما هم للثاني. وعليه
الفتوى كما في الخانية. ولو ادعى عليه مهر امرأة فقال ما تزوجها ثم ادعى الابراء عن المهر فهو دفع
مسموع إن وفق كما في القنية. وفيها: ادعى عليه شيئا فأمره القاضي بالمصالحة فقال لا أرضى بهذه
المصالحة وتركته أصلا فهو إسقاط لما يدعيه عنك.
إذا قال تركته أصلا فهو إبراء وعنه: لو قال تركت دعواي على فلان وفوضت أمري إلى الآخرة
لا تسمع دعواه بعده.
أقول: قيد القاضي اتفاقي كما لا يخفى.
وفي الفتاوي النجدية: رجل مات فقالت امرأة لابن الميت كنت امرأة أبيك محمد إلى يوم موته
وطلبت المهر والميراث فأنكر الابن وقال اسم أبي لم يكن محمدا وإنما كان عمر، ثم جاءت فادعت أنها
امرأة أبيه عمر إلى يوم موته وطلبتهما تسمع دعواها وليس بتناقض لجواز أن يكون له اسمان شذ تسمع
إذا وفق المدعي.
أقول: وجه التوفيق بأن تقول كنت أعلم أن لأبيه اسمين فادعيت بأحدهما فلما أنكر ادعيت
بالآخر، وفهم من هذه المسألة أن تسمع الدعوى على الميت بدون اسم أبيه ونسبه. تدبر.

214
قال في التتارخانية في الخامس عشر من الدعوى: غلط الاسم لا يضر لجواز أن يكون له
اسمان، ومثله في صور المسائل عن الفتاوى الرشيدية.
وفي البزازية في السادس عشر من الاستحقاق، وكذا في الخيرية من العشر والخراج وقدمناه عن
التنقيح.
ولنختم هذا الباب بمسألة ختم بها كتاب الدعوى في الجامع الصغير، نسأل الله حسن الخاتمة.
وهي أنه إذا قالت المرأة أنها أم ولد هذا الرجل وأرادت استحلافه ليس لها ذلك في قول أبي حنيفة،
خاصة لان أمومية الولد تابع للنسب وهو لا يرى اليمين في النسب ا ه‍. والله تعالى أعلم، وأستغفر
الله العظيم.

215
كتاب الاقرار
ثبت بالكتاب وهو قوله تعالى: * (وليملل الذي عليه الحق) * (البقرة: 282) أمره بالاملال، فلو لم يقبل إقراره لما
كان للاملال معنى، وقوله: * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) * (النساء: 531) والمراد
به إقرار. زيلعي. والسنة، فقد قبل (ص) إقرار ماعز والغامدية والاجماع. فقد أجمعت الأمة على أن
الاقرار حجة في حق نفسه حتى أوجبوا الحد والقصاص بإقراره وإن لم يكن حجة في حق غيره
لعدم ولايته عليه فأولى المال والمعقول، فإن العاقل لا يقر على نفسه كاذبا فيما فيه ضرر على نفسه أو
ماله فترجحت جهة الصدق في حق نفسه لعدم التهمة وكمال الولاية ا ه‍. بخلاف إقراره في حق
غيره. حتى لو أقر مجهول النسب بالرق جاز ذلك على نفسه وماله ولا يصدق على أولاده وأمهاتهم
ومدبريه ومكاتبيه، بخلاف ما إذا ثبت بالبينة لان البينة إنما تصير حجة بالقضاء والقضاء ولاية عامة
فينفذ في حق الكل. أما الاقرار فحجة بنفسه ولا يحتاج فيه إلى القضاء فينفذ عليه وحده الخ، وقوله
ولا يصدق على أولاده الخ لأنه ثبت لهم حق الحرية أو استحقاقها فلا يصدق عليهم كما في الدرر.
قوله: (مناسبته) أي للدعوى.
ووجه تأخيره عنها أن الدعوى تنقطع به فلا يحتاج بعده إلى شئ آخر، حتى إذا لم يوجد يحتاج
إلى الشهادة، وركنه لفظ أو ما في حكمه دال عليه كقوله لفلان علي كذا أو ما يشبهه، لأنه يقوم به
ظهور الحق وانكشافه حتى لا يصح شرط الخيار فيه بأن أقر بدين أو بعين على أنه بالخيار إلى ثلاثة أيام
فالخيار باطل، وإن صدقه المقر له والمال لازم كما في محيط السرخسي: وله شروط ستذكر في أثناء
الكلام، وهي: العقل والبلوغ بلا خلاف والحرية في بعض الأحكام دون البعض، حتى لو أقر العبد
المحجور بالمال لا ينفذ في حق المولى، ولو أقر بالقصاص يصح. كذا في المحيط ويتأخر إقراره بالمال
إلى ما بعد العتق، وكذا المأذون له يتأخر إقراره بما ليس من باب التجارة كإقراره بالمهر بوطئ امرأة
تزوجها بغير إذن مولاه، وكذا إذا أقر بجناية موجبة للمال لا يلزمه، بخلاف ما إذا أقر بالحدود
والقصاص كما في التبيين، وكون المقربة مما يجب تسليمه إلى المقر له، حتى لو أقر أنه غصب كفا من
تراب أو حبة حنطة لا يصح، لان المقر به لا يلزمه تسليمه إلى المقر له، ومنها الطواعية والاختيار،
حتى لا يصح إقرار المكره في النهاية، وإقرار السكران بطريق محظور صحيح إلا في حد الزنا وشرب
الخمر مما يقبل الرجوع وإن كان بطريق مباح لا كما في البحر، وحكمه ظهور المقر به: أي لزومه
على المقر بلا تصديق وقبول من المقر له فإنه يلزم على المقر ما أقر به لوقوعه دالا على المخبر به لا ثبوته
ابتداء كما في الكافي، لأنه ليس بناقل لملك المقر إلى المقر له فلذا فرع عليه ما سيأتي من صحة الاقرار
بالخمر للمسلم حتى يؤمر بالتسليم إليه، ولو كان تمليكا مبتدأ لما صح، وكذلك لا يصح الاقرار
بالطلاق والعتاق مع الاكراه والانشاء يصح مع الاكراه كما في المحيط.
وحاصله: أن قول المقر إن هذا الشئ لفلان معناه أن الملك فيه ثابت لفلان وليس معناه أنه
ملك للمقر وجعله للمقر له فهو إخبار دال على المخبر به فيلزمه الصدق، ويحتمل الكذب فيجوز تخلف
مدلوله عنه كما في الاقرار بالطلاق مكرها كما قلنا، وسيأتي لقيام دليل الكذب وهو الاكراه، ولو كان
معناه الثبوت ابتداء لصح لكونه إنشاء والانشاء لا يتخلف مدلوله عنه كما سيأتي تمامه قريبا. ولو أقر

216
لغيره بمال والمقر له يعلم أنه كاذب في إقراره لا يحل له ديانة إلا أن يسلمه بطيب من نفسه فيكون
هبة منه ابتداء كما في القنية، وإنما يعتبر الاقرار إظهارا في حق ملكية المقر به حتى يحكم بملكيته
للمقر له بنفس الاقرار ولا يتوقف على تصديق المقر له، أما في حق الرد فيعتبر تمليكا مبتدأ كالهبة حتى
يبطل برد المقر له وبعدما وجد التصديق من المقر له لا يعمل رده لو رد الاقرار بعد ذلك، ثم الاقرار
إنما يبطل برد المقر له إذا كان المقر له يبطل بالرد حق نفسه خاصة، أما إذا كان يبطل حق غيره فلا
يعمل رده، كما إذا أقر لرجل أني بعت هذا العبد من فلان بكذا فرد المقر له إقراره وقال: ما اشتريت
منك شيئا ثم قال بعد ذلك: اشتريت فقال البائع ما بعتكه لزم البائع البيع بما سمي لأنه جحد
البيع بعد تمامه، وجحود أحد المتعاقدين لا يضر، حتى أن المشتري متى قال ما اشتريت وصدقه البائع
وقال نعم ما اشتريت ثم قال لا بل اشتريت لا يثبت الشراء وإن أقام البينة على ذلك، لان الفسخ تم
بجحودهما، ثم في كل موضع بطل الاقرار برد المقر له، لو أعاد المقر ذلك الاقرار فصدقه المقر له كان
للمقر له أن يأخذه بإقراره، وهذا استحسان. هكذا في المحيط.
ثم اعلم أن السكوت نزلوه منزلة الاقرار في مسائل سيذكرها الشارح، ونذكر تمامها إن شاء الله
تعالى كذلك الايماء بالرأس وسيذكره المصنف. قوله: (إما منكر أو مقر) واللائق بحال المسلم الاقرار
بالحق كي لا يحتاج المدعي إلى تدارك الشهود والملازمة في باب القاضي للاحضار، ولا سيما وما يلزم
عليه في هذا الزمان للتسبب بالوصول إلى سحت المحصول، كما أن اللائق بالمدعي أن تكون دعواه
حقا لئلا يلزم المدعى عليه الدفع لسحت المنع وقدمه: أي الاقرار على ما بعده وهو الصلح لترتبه على
الانكار غالبا، ثم إذا حصل بالصلح شئ: إما إن يستربح فيه بنفسه وتقدم طريقه في البيع أو بغيره
وهو المضاربة وإن لم يستربح فإما أن يحفظه بنفسه ولا يحتاج إلى بيان حكمه أو بغيره وهو الوديعة.
قوله: (وهو) أي الاقرار أقرب، أي لحال المسلم. قوله: (لغلبة الصدق) أي من المدعي في دعواه ومن
المقر فيما أقر له، لان العاقل لا يقر على نفسه كاذبا فيما ضرر على نفسه أو ماله، فترجحت جهة
الصدق في حق نفسه لعدم التهمة وكمال الولاية، بخلاف إقرار في حق غيره. قوله: (هو لغة) فإذا
كان حسيا يقال أقره، وإذا كان قوليا يقال أقر به، فالاقرار إثبات لما كان متزلزلا بين الجحود والثبوت.
أبو السعود. وهو مشتق من القرار. درر.
قال في المنح: وهو في اللغة إفعال من قر الشئ إذا ثبت، وأقره غيره إذا أثبته، قوله: (وشرعا
إخبار) أي في الأصح وليس بإنشاء لصحته في ملك غيره، ولو أقر مريض بماله لأجنبي صح من غير
توقف على إجازة وارث. قال في الحواشي السعدية: ولعله ينتقض بالاقرار بأن لا حق له على فلان،
وبالابراء وإسقاط الدين ونحوه كإسقاط حق الشفعة ا ه‍.
وقد يقال: فيه إخبار بحق عليه وهو عدم وجوب المطالبة. تأمل. وللقول بأنه إنشاء فروع تشهد
له: منها لو رد إقراره ثم قبل لا يصح، وكذا الملك الثابت بالاقرار لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة
فلا يملكها المقر له حموي.
أقول: قوله: (لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة يفيد بظاهره أنه يظهر في حق الزوائد الغير

217
المستهلكة). وهو مخالف لما في الخانية: رجل في يده جارية وولدها أقر أن الجارية لفلان لا يدخل فيه
الولد، ولو أقام بينة على جارية أنها له يستحق أولادها ا ه‍. والفرق أنه بالبينة يستحقها من الأصل،
ولذا قلنا: إن الباعة يتراجعون فيما بينهم، بخلاف الاقرار حيث لا يتراجعون.
بقي أن يقال في قول السيد الحموي هو إخبار في الأصح وليس بإنشاء مخالفة لما صرح به في
البحر وجرى عليه المصنف من أنه إخبار من وجه إنشاء من وجه فللأول يصح إقراره بمملوك الغير
ويلزمه تسليمه إذا ملكه، ولو أقر بالطلاق والعتاق مكرها لا يصح، وللثاني لو رد إقراره ثم قبل لا
يصح، وكذا الملك الثابت بالاقرار لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة فلا يملكها المقر له. ا ه‍. من غير
ذكر خلاف، ومنه تعلم أن ما ذكره السيد الحموي مما يدل على ثبوت الخلاف فيه حيث صحح كونه
إخبار الانشاء لا يصح عزوه لصاحب البحر كما وقع في كلام بعضهم، فتنبه. قوله: (بحق عليه
للغير) قيده بأن يكون عليه، لأنه لو كان على غيره لغيره يكون شهادة ولنفسه يكون دعوى زيلعي،
وأطلق الحق في قوله هو إخبار بحق عليه ليشمل ما لو كان الحق المقر به من قبيل الاسقاطات كالطلاق
والعتاق، إذا الطلاق رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح، فإذا أقر بالطلاق يثبت للمرأة من الحق ما لم يكن
لها من قبل، وكذا العبد يثبت له على سيده حق الحرية إذا أقر سيده بعتقه، فما قيل من أنه يرد على
التعريف الاقرار بالاسقاطات كالطلاق والعتاق لعدم الاخبار فيها عن ثبوت حق للغير غير سديد.
قوله: (إنشاء من وجه) هو الصحيح، وقيل: إنشاء وينبني عليه ما سيأتي لكن المذكور في غاية البيان
عن الاستروشنية. قال الحلواني: أختلف المشايخ في أن الاقرار سبب للملك أو لا؟ قال ابن الفضل:
لا، واستدل بمسألتين.
إحداهما المريض الذي عليه دين إذا أقر بجميع ماله لأجنبي يصح بلا إجازة الوارث، ولو كان
تمليكا لا ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم الإجازة.
والثانية أن العبد المأذون إذا أقر لرجل بعين في يده يصح، ولو كان تمليكا يكون تبرعا منه فلا
يصح. وذكر الجرجاني أنه تمليك واستدل بمسائل: منها إن أقر لوارثه بدين في المرض لا يصح، ولو
كان إخبارا لصح ا ه‍. ملخصا فظهر أن ما ذكره المصنف وصاحب البحر جمع بين الطريقتين وكأن
وجهه ثبوت ما استدل به الفريقان. تأمل أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى. لكن لو كان إخبارا من
وجه وإنشاء من وجه كما ذكره المصنف لعرف بحد يشملها ولا قائل به، ولأنهم قالوا: لو أقر بمال
للغير لزمه تسليمه للمقر له إذا ملكه، ولو أقر بالطلاق والعتاق الخ فأمثال هذه المسائل دلت على أن
الاقرار إخبار لا إنشاء. إذ لو كان إنشاء لم تكن كذلك، وما استدل به على كونه إنشاء مطلقا أو من
وجه أنه لو أقر لرجل فرد إقراره ثم قبل لم يصح ولو كان إخبارا لصح، وأنه لو ثبت الملك بسبب
الاقرار لم يظهر في حق الزوائد المتقدم ذكرها، ولو كان إخبارا لصارت مضمونة عليه.
أقول: أما الجواب عن الأول فهو أن ارتداده بالرد ناشئ من أن حكمه الظهور لا الثبوت ابتداء
وذلك ناشئ من كونه حجة قاصرة، فلما صار مرتدا بالرد جعل كأنه لم يكن فلذلك لم يصح قبوله
بعده. على أن هذا الدليل مشترك الالزام حيث إنه دليل على أنه ليس بإنشاء، إذ الانشاء مما لا يرتد
بالرد فيما يكون من قبيل الاسقاطات، كما لو قال هذا الولد مني يرتد برد الولد فهذا دليل على أن
الاقرار إخبار ثم عاد الولد إلى التصديق يثبت النسب نظرا إلى احتياج المحل، وقد سبق.

218
وأما الجواب عن الثاني: أن الاقرار لما كان حجة قاصرة اقتصر ثبوت الملك وظهوره على المقر به
فلم يتعد إلى الزوائد المستهلكة كما مر ويأتي، فتبين أنه ليس بإنشاء أصلا. تدبر. قوله: (لأنه لو كان
لنفسه) أي على الغير، ولو للغير على الغير يكون شهادة كما قدمناه. قوله: (لا إقرارا) ولا ينتقض
إقرار الوكيل والولي ونحوهما لنيابتهم مناب المنوبات شرعا. شرح الملتقى. قوله: (ثم فرع على كل من
الشبهين) صوابه من الوجهين لأنه لم يقل الاقرار يشبه الاخبار ويشبهه الانشاء، بل قال من وجه ومن
وجه: أي إخبار من وجه بالنظر لترتب بعض أحكام الاخبارات عليه، وإنشاء من وجه من حيث
ترتب بعض أحكام الانشاءات عليه، وقد تبع الشارح المصنف فالمعنى أنه يعطى حكم الاخبار في
بعض الجزئيات وحكم الانشاء في بعض آخر، وأما بالنظر للفظه فهو إخبار عن ثبوت حق عليه لغيره
لا غير. قوله: (فللوجه الخ) علة مقدمة على المعلول. قوله: (صح إقراره) لان الاخبار في ملك الغير
صحيح لكم بالنظر للمقر، وأفاد أنه لا يحتاج إلى القبول كما قدمناه.
وفي المنح عن تتمة الفتاوي: الاقرار يصح من غير قبول، لكن البطلان يقف على الابطال
والملك للمقر له يثبت من غير تصديق وقبول لكن يبطل برده، والمقر له إذا صدق المقر في الاقرار ثم
رده لا يصح الرد، وأفاد أيضا صحة الاقرار للغائب. وأيضا يستفاد هذا مما سيأتي من قوله هي: أي
الألف المعينة لفلان لا بل لفلان لا يجب عليه للثاني شئ: أي لأنه أقر بها للأول ثم رجع وشهد بها
للثاني فرجوعه لا يصح وشهادته لا تقبل، وبهذا تبين ضعف ما في الخانية من قوله لو أقر لغائب ثم
أقر لآخر قبل حضور الغائب صح إقراره للثاني، لان الاقرار للغائب لا يلزم بل يتوقف على التصديق
انتهى.
ويمكن أن يقال: معنى صحته للثاني ليست لاحتياجه للتصديق وإنما لأجل أن يرتد بالرد، فأفاد
في الخانية أنه يأخذه الثاني، فإذا جاء الأول وصادق قبل رده الاقرار يأخذه، وإن قال ليس لي يكون
ملكا للثاني، ولكن أفاد في البدائع أنه إن دفع للأول بلا قضاء يضمن للثاني لان إقراره بها صحيح
في حق الثاني إذا لم يصح للأول ا ه‍. وأنت خبير بأن هذا التعليل ربما يرد عليه، وحينئذ فتعليل المنح
ظاهر وهو الموافق لظواهر الكتب المعتمدة.
وفي المنح في مسائل شتى فسر الرد بأن يقول ما كان لي عليك شئ أو يقول بل هو لك أو
لفلان.
قال العلامة الخير الرملي: قولهم الاقرار صحيح بدون التصديق لا يعارض قول العمادي: إن
إقراره للغائب توقف عمله على تصديق الغائب، إذ لا مانع من توقف العمل مع الصحة كبيع الفضولي
يصح ويتوقف، وكذا لا يعارض ما في الخانية من قوله: وأما الاقرار للغائب لا يلزم بل يتوقف على
التصديق، إذ معناه يتوقف لزومه لا صحته، وقوله: فإن كان صحيحا يمتنع الاقرار به للغير غير
مسلم لعدم الملازمة، ألا ترى أن للفضولي قبل إجازة المالك أن يبيع المبيع الذي باعه الآخر ويتوقف
فلم يلزم من صحته عدم صحة بيعه للآخر، بل الاقرار بمال الغير يصح ويلزم تسليمه إذا ملكه، وهذا
يدل على أن الاقرار ليس بسبب للملك كما سيأتي فكيف يلزم من صحة إقراره لغائب لا يلزمه ذلك
حتى كان له الرد عدم صحة الاقرار به للغير.

219
والحاصل: أن الاقرار يصح مطلقا بلا قبول ولا يلزم لو كان المقر له غائبا ولعدم لزومه جاز أن
يقر به لغيره قبل حضوره فاجتمعت كلمتهم على أن القبول ليس من شرط صحة الاقرار، وأما لزومه
فشئ آخر، والمصنف لم يفرق بين الصحة واللزوم فاستشكل في منحه على الصحة المجتمعة عليها
كلمتهم باللزوم. وأما ما أجاب به المجيب المذكور ففيه نظر، إذ لو كان كما فهمه لما افترق الاقرار
للحاضر والغائب مع أن بينهما فرقا في الحكم، ألا ترى إلى قوله في الخانية: ولو أقر لولده الكبير
الغائب أو أجنبي بعد قوله وأما الاقرار للغائب لا يلزم، فالذي يظهر أن الاقرار للغائب لا يلزم من
جانب المقر حتى صح إقراره لغيره كما لا يلزم من جانب المقر له حتى رده. وأما الاقرار للحاضر
فيلزم من جانب المقر حتى لا يصح إقراره به لغيره قبل رده ولا يلزم من جانب المقر له فيصح رده،
وأما الصحة فلا شبهة فيها في الجانبين بدون القبول كما يفهم من كلامهم انتهى.
وفيه: ويشكل على ما في الفصول العمادية من قوله: وإن ادعى الرجل عينا في يد رجل وأراد
استحلافه فقال صاحب اليد هذه العين لفلان الغائب لا يندفع اليمين عنه ما لم يقم البينة على ذلك،
بخلاف ما إذا قال هذا لابني الصغير. والفرق أن إقراره للغائب توقف عمله على تصديق الغائب فلا
يكون العين مملوكا له بمجرد إقرار ذي اليد فلا يندفع اليمين. وأما إقراره للصبي فلا يتوقف على
تصديق الصبي فيصير العين ملكا للصبي بمجرد إقراره فلا يصح إقراره بعد ذلك لغيره فلا يفيد
التحليف لان فائدته النكول الذي هو كالاقرار.
أقول: لا يشكل ذلك، فإن قوله توقف عمله صريح في صحته ولكن لما توقف عمل وهو
اللزوم على تصديقه لم تندفع اليمين بمجرده ما لم يقم البينة عليه. تأمل. قوله: (إذا ملكه برهة من
الزمان) أي قليلا من الزمان، حتى لو تصرف فيه لغير المقر له بعد ملكه لا ينفذ تصرفه وينقض لتصرفه
في ملك غيره كما يؤخذ من القواعد.
ويؤخذ من هذا الفرع كما قال أبو السعود: أنه لو ادعى شخص عينا في يد غيره فشهد له بها
شخص فردت شهادته لتهمة ونحوها كتفرد الشاهد ثم ملكها الشاهد يؤمر بتسليمها إلى المدعي انتهى.
قوله: (لما صح) أي إقراره للغير: أي ولو ملكه بعد. قوله: (لما صح) (ولا يرجع بالثمن) على البائع: أي
لاقتصار إقراره عليه فلا يتعدى لغيره. قوله: (صارت وقفا) بخلاف ما إذا غصب دارا من رجل
فوقفها ثم اشتراها حيث لا يجوز وقفه. والفرق أن فعل الغاصب إنشاء في غير ملكه فلا يصح، لان
شرط صحته ملكه له، بخلاف الاقرار لكونه إخبارا لا إنشاء. قوله: (مكرها) حال من الضمير
المضاف إليه الاقرار، وإنما لم يصح إقراره بها مكرها لقيام دليل الكذب وهو الاكراه والاقرار إخبار
يحتمل الصدق والكذب فيجوز تخلف مدلوله الوضعي عنه. منح. قوله: (ولو كان إنشاء لصح لعدم
التخلف) أي تخلف مدلول الانشاء عنه: أي لأنه يمتنع في الانشاء تخلف مدلول لفظه الوضعي عنه:

220
أي متى وجد اللفظ الدال على إنشاء الطلاق أو العتاق سواء وجد مدلوله في حال الطواعية أو
الاكراه وهذا مخصوص فيما يصح مع الاكراه، بخلاف ما لا يصح معه كالبيع فإنه يتخلف مدلوله عنه
مع الاكراه: أي وهو إثبات الملك غير مستحق الفسخ. قوله: (وصح إقرار العبد المأذون بعين في يده)
ولو كان إنشاء لا يصح، لأنه يصير تبرعا منه وهو ليس أهلا له. قوله: (والمسلم بخمر) حتى يؤمر
بالتسليم إليه، ولو كان تمليكا مبتدأ لما صح كما في الدرر. وفيه إشارة إلى أن الخمر قائمة لا مستهلكة
إذ لا يجب بدلها للمسلم، نص عليه في المحيط كما في الشرنبلالية. قوله: (وبنصف داره مشاعا) أي
الدار القابلة للقسمة فإنه يصح الاقرار بها لكونه إخبارا، ولو كان إنشاء لكان هبة، وهبة المشاع القابل
للقسمة لا تتم، ولو قبض بخلاف مالا يقسم كبيت وحمام صغيرين فإنها تصح فيه وتتم بالقبض.
قوله: (والمرأة بالزوجية من غير شهود) لأنه إخبار عن عقد سابق، ولو كان إنشاء لما صح إقرارها
بالزوجية من غير شهود، لان إنشاء عقد النكاح يشترط لصحته حضورهم كما مر في بابه. قوله:
(ولا تسمع دعواه عليه بأنه أقر له بشئ معين بناء على الاقرار له بذلك) يعني إذا ادعى عليه شيئا لما أنه
أقر له به لا تسمع دعواه، لان الاقرار إخبار لا سبب للزوم المقر به على المقر، وقد علل وجوب
المدعي به على المقر بالاقرار، وكأنه قال أطالبه بما لا سبب لوجوبه عليه أو لزومه بإقراره وهذا كلام
باطل. منح. وبه ظهر أن الدعوى بالشئ المعين بناء على الاقرار كما هو صريح المتن لا بالاقرار بناء
على الاقرار، قوله بأنه أقر له لا محل له، وفي إقحامه ركاكة. تأمل. قوله: (به يفتي) مقابله أنها
تسمع كما في جامع الفصولين.
وحاصله: أن الاقرار هل هو باق في الشرع أو هو إنشاء في المعنى فيكون سببا لذلك، فمن
جعله إنشاء سوغ هذه الدعوى، ومن جعله باقيا على معناه الأصلي لم يجوز سماعها، وعليه الجمهور
وجميع المتأخرين، وهو الصحيح المعول عليه كما في الخلاصة. قوله: (لأنه إخبار) أي لا سبب للزوم
المقر به على المقر، وهو قد جعل سبب وجوب المدعى به على المقر الاقرار فكأنه قال أطالبه بلا سبب
لوجوبه عليه أو لزومه بإقراره، وهذا باطل لما علم من كلام مشايخنا. قوله: (لم يحل له) أي للمقر له:
أي لا يجوز له أخذه جبرا ديانة كإقراره لامرأته بجميع ما في منزله وليس لها عليه ا ه‍. بحر:
أي ولو كان إنشاء يحل أخذه كما في الدرر، وما نقله في القنية عن بعض المشايخ من أن الاقرار كاذبا
يكون ناقلا للملك فخلاف المعتمد الصحيح من المذهب الذي إليه يذهب. قوله: (نعم لو سلمه برضاه
كان ابتداء هبة وهو الأوجه) هذا ظاهر إذا تعمد الكذب، أما إذا كان يظن أنه واجب عليه يتعين الافتاء
بعدم الحل.
فرع: الابراء والاقرار لا يحتاجان إلى القبول. أفاده السائحاني. قوله: (أو يقول لي عليه كذا
وهكذا أقر به) أي إنه لي عليه.
وفي شرح تحفة الاقران وأجمعوا أنه لو قال هذا العين ملكي وهكذا أقر به المدعى عليه يقبل.

221
قوله: (ثم لو أنكر الاقرار) أي وقد ادعى ما أقر به لكونه ملكه ولم يبن على مجرد إقراره لما تقدم.
قوله: (الفتوى أنه لا يحلف على الاقرار بل على المال) قال ابن الغرس: ثم لا يجوز أن يحلف أنه ما أقر
به قولا واحدا، لأن الصحيح أن الاقرار ليس بسبب للملك، وقد علمت الحكم في الأسباب الشرعية
المتفق على سببيتها وأن الصحيح أنه لا يحلف عليها فكيف الحال فيما سببيته قول مرجوح ا ه‍. وقيل
يحلف بناء على أنه إنشاء ملك. قوله: (وأما دعوى الاقرار في الدفع) بأن أقام المدعى عليه بينة أن
المدعي أقر أنه لا حق له قبل المدعى عليه، أو أقام المدعى عليه بينة أن المدعي أقر أن هذه العين ملك
المدعى عليه فتسمع، وأما دعوى الاقرار بالاستيفاء فقيل لا تسمع لأنه دعوى الاقرار في طرف
الاستحقاق، إذ الدين يقضى بمثله.
ففي الحاصل: هذا دعوى الدين لنفسه فكان دعوى الاقرار في طرف الاستحقاق، فلا تسمع،
جامع الفصولين معزيا للمحيط والذخيرة. ومثله في البزازية لكن زاد فيها: وقيل: يسمع لأنه في
الحاصل يدفع أداء الدين عن نفسه، فكان في طرف الدفع. ذكره في المحيط. وذكر شيخ الاسلام
برهن المطلوب على إقرار المدعي بأنه لا حق له في المدعي، أو بأنه ليس بملك له أو ما كانت ملكا له
يندفع الدعوى إن لم يقر به لانسان معروف، وكذا لو ادعاه بالإرث، فبرهن المطلوب على إقرار المورث
بما ذكرنا، وتمامه فيها. قوله: (فتسمع عند العامة) كما في الدرر وشرح أدب القاضي والخانية، وهذا
مقابل قول المصنف ولا تسمع دعواه عليه. قوله: (لا يصح) هذا في الاقرار بما يرتد، أما فيما لا
يرتد بالرد كالرق والنسب، فإنه لو أقر به ثم ادعاه المقر له بعد رده يقبل مبسوط والعقود اللازمة مثل
النكاح مما لا يرتد بالرد، فلو قال لها تزوجتك أمس فقالت لا ثم قالت بلى وقال هو لا لزمه
النكاح، لان إقراره لم يبطل، إذ النكاح عقد لازم لا يبطل بمجرد جحود أحد الزوجين، فيصح
بتصديقها بعد التكذيب فيثبت، ولا يعتبر إنكاره بعد اه‍.
سري الدين ملخصا ط.
قال السيد الحموي قوله لا يصح محله فيما إذا كان الحق فيه لواحد مثل الهبة والصدقة، أما إذا
كان لهما مثل الشراء والنكاح فلا، وهو إطلاق في محل التقييد، ويجب أن يقيد أيضا بما إذا لم يكن
المقر مقصرا على إقراره لما سيأتي من أنه لا شئ له إلا أن يعود إلى تصديقه وهو مصر ا ه‍.
وفي الخلاصة: لو قال لآخر كنت بعتك العبد بألف فقال الآخر لم أشتره منك فسكت
البائع حتى قال المشتري في المجلس أو بعده بلى اشتريته منك بألف فهو جائز، وكذا النكاح، وكل
شئ يكون لهما جميعا فيه حق، وكل شئ يكون الحق فيه لواحد مثل الهبة والصدقة لا ينفعه إقراره
بعد ذلك. قوله: (وأما بعد القبول فلا يرتد بالرد) يعني لأنه صار ملكه ونفى المالك ملكه عن نفسه
عند عدم المنازع لا يصح. نعم لو تصادقا على عدم الحق صح لما تقدم في البيع الفاسد أنه طلب ربح
مال ادعاه على آخر فصدقه على ذلك فأوفاه إياه ثم ظهر عدمه بتصادقهما إنه لم يكن عليه شئ، فانظر

222
كيف التصادق اللاحق نقض السابق مع أن ربحه طيب حلال. قوله: (لأنه إقرار آخر) أي وقد صدقه
فيه فيلزمه. قاله العلامة عبد البر.
وفي التتارخانية: وفي كل موضع بطل الاقرار برد المقر له لو عاد المقر إلى ذلك الاقرار وصدقه
المقر له أن يأخذه بإقراره، وهذا استحسان والقياس أن لا يكون له ذلك ا ه‍.
ووجه القياس: أن الاقرار الثاني عين المقر به، فالتكذيب في الأول تكذيب في الثاني.
ووجه الاستحسان: أنه يحتمل أنه كذبه بغير حق لغرض من الاغراض الفاسدة فانقطع عنه ذلك
الغرض فرجع إلى تصديقه، فقد جاء الحق وزهق الباطل. حموي قوله: (ثم لو أنكر إقراره الثاني) أي
وادعاه المقر له لكونه ملكه وأقام بينة عليه لا تسمع، ولو أراد تحليفه لا يلتفت إليه للتناقض بين هذه
الدعوى وبين تكذيبه الاقرار الأول. قوله: (قال البديع) هو أستاذ صاحب القنية، فإنه عبر فيها بقال
أستاذنا. قال عبد البر: يعني للقاضي البديع. وفي بعض النسخ قال في البدائع: وليس بصواب ط.
قوله: (والأشبه) أي بالصواب والقواعد. قوله: (واعتمده ابن الشحنة وأقره الشرنبلالي) وعبارته: ولو
أنكر المقر الاقرار الثاني لا يحلف، ولا تقبل عليه بينة للتناقض من الكذب للاقرار الأول. وقال
القاضي البديع: ينبغي أن تقبل بينة المقر له على إقراره ثانيا وهو الأشبه بالصواب. وقال الشارح. أي
عبد البر ناظما له: الطويل
وقد صوب القاضي البديع قبولها وعندي له الوجه الصحيح المنور
ومن أراد المزيد فعليه بشرحه. قوله: (لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة) يفيد بظاهره أنه يظهر
في حق الزوائد بغير المستهلكة، وهو مخالف لما في الخانية كما قدمناه عنها وقيد بها في الاستروشنية
ونقله عنها في غاية البيان، وتقدم في الاستحقاق نظير ما قدمناه عن الخانية، وأنه فرق في الاستحقاق
لولد المستحقة بين الاقرار، فلا يتبعها ولدها وبين الاثبات فيتبعها ولدها وكذا سائر الزوائد، وهو عام
يشمل المستهلكة وغيرها، وهنا قد قيدها بالمستهلكة فافهم أن القائمة يظهر بها لاقرار، فليحرر. ولعله
أراد الاحتراز بالمستهلكة عن الهالكة بنفسها لأنها غير مضمونة مطلقا لأنها كزوائد المغصوب. تأمل
قوله: (فلا يملكها المقر له ولو إخبارا لملكها) قال في نور العين: شرى أمة فولدت عنده لا باستيلاده،
ثم استحقت ببينة يتبعها ولدها، ولو أقر بها لرجل لا، والفرق أنه بالبينة يستحقها من الأصل، ولذا
قلنا: إن الباعة يتراجعون فيما بينهم، بخلاف الاقرار حيث لا يتراجعون ف. ثم الحكم بأمة حكم
بولدها وكذا الحيوان، إذ الحكم حجة كاملة، بخلاف الاقرار فإنه لم يتناول الولد لأنه حجة ناقصة،
وهذا الولد بيد المدعى عليه فلو في ملك آخر هل يدخل في الحكم اختلف المشايخ. ا ه‍.
ففيه مخالفة لمفهوم كلام المصنف، ويشبه أن تكون هذه التفريعات كلها جامعا بين قول من قال
إن الاقرار إخبار بحق لآخر لا إثبات، وهو قول محمد بن الفضل والقاضي أبي حازم وقول من قال:
إنه تمليك في الحال وهو أبو عبد الله الجرجاني. قاله في الشرنبلالية. وذكر استشهاد كل على ما قال
بمسائل ذكرت في الفصل التاسع من الاستروشنية.

223
والحاصل أن الاقرار هل هو إخبار بحق لآخر أم تمليك في الحال على ما قدمناه من الخلاف؟
وقد علمت أن الأكثر على الأول الذي عليه المعول، وقد ذكروا لكل مسائل تدل على ما قال، والله
تعالى أعلم بحقيقة الحال. قوله: (أقر حر مكلف) أي بالغ عاقل. درر. قيد بالحر، لان العبد المحجور
عليه يتأخر إقراره بالمال إلى ما بعد العتق، وكذا المأذون له يتأخر إقراره بما ليس من باب التجارة كما
قدمناه. وكذا إذا أقر بجناية موجبة للمال لا يلزمه لان الاذن لم يتناول إلا التجارة، بخلاف ما إذا أقر
بالحدود والقصاص، لان العبد مبقى على أصل الحرية في حقهما. زيلعي قوله: (مكلف) شرط
التكليف لان إقرار الصبي والمعتوه والمجنون لا يصح لانعدام أهلية الالتزام، إلا إذا كان الصبي مأذونا
له فيصح إقراره بالمال لكونه من ضرورات التجارة، لأنه لو لم يصح إقراره لا يعامله أحد، فدخل في
الاذن كل ما كان طريقه التجارة كالديون والودائع والعواري والمضاربات والغصوب فيصح إقراره بها
لالتحاقه في حقها بالبالغ العاقل، لان الاذن يدل على عقله، بخلاف ما ليس من باب التجارة كالمهر
والجناية والكفالة حيث لا يصح إقراره بها، لان التجارة مبادلة المال بالمال والمهر مبادلة مال بغير مال،
والجناية ليست بمبادلة، والكفالة تبرع ابتداء فلا تدخل تحت الاذن والنائم والمغمى عليه كالجنون لعدم
التمييز، وإقرار السكران جائز إذا سكر بمحظور، لأنه لا ينافي الخطاب إلا إذا أقر بما يقبل الرجوع
كالحدود الخالصة، وإن سكر بمباح كالشرب مكرها لا يلزمه شئ. زيلعي. والردة كالحدود الخالصة.
حموي. قوله: (يقظان) أخرج به النائم فلا يؤاخذ بما أقر به في النوم لارتفاع الاحكام عنه. قوله:
(طائعا) أخرج به المكره فلا يصح إقراره، ولو بطلاق وعتاق كما تقدم، أما طلاقه وعتاقه فيقعان.
قوله: (إن أقروا بتجارة) أي بمال فيصح، وجوابه قول المصنف الآتي صح أي صح للحال. قوله:
(كإقرار محجور) أي عبد لأنه مبقى على أصل الحرية في الحدود والقصاص ولأنه غير متهم بهذا الاقرار
لان ما يدخل عليه بهذا الاقرار من المضرة أعظم مما يدخل على مولاه، وليس هو عائدا إلى الصبي
والمعتوه فإنه لا حد عليهما، ولا قود لان عمد الصبي خطأ والمعتوه كالصبي، ويدل على تخصيصه
بالعبد قول الشارح وإلا فبعد عتقه أي إلا يكن إقرار العبد المحجور بحد أو قود بل بمال، فإنه لا ينفذ
عليه في الحال لأنه وما في يده لمولاه والاقرار حجة قاصرة لا تتعدى لغير المقر، فلا ينفذ على مولاه
فإن عتق سقط حق المولى عنه فنفذ إقراره على نفسه والأولى أن يعبر بدل المحجور بالعبد وأن يؤخره
بعد قوله الآتي صح. قوله: (بحد وقود) أي مما لا تهمة فيه كما ذكرنا فيصح للحال. قوله: (وإلا)
أي بأن كان مما فيه تهمة. قوله: (فبعد عتقه) أي فتتأخر المؤاخذة به إلى عتقه، وكذا المأذون رعاية لحق
المولى. عيني قوله: (ونائم) قصد بهذا كالذي قبله وبعده بيان المحترزات. قوله: (أو مجهول) إنما
صح الاقرار به لان الحق قد يلزمه مجهولا بأن أتلف مالا لا يدري قيمته أو جرح جراحة لا يعلم
أرشها، والضمير في صح يرجع للاقرار المعلوم من أقر. قوله: (لان جهالة المقر به لا تضر) كما إذا
أقر أنه غصب من رجل مالا مجهولا في كيس أو أودعه مالا في كيس صح الغصب والوديعة، وثبت
حكمهما لان الحق قد يلزمه مجهولا الخ. قوله: (إلا إذا بين سببا تضره الجهالة كبيع) أي لو قال له

224
سهم من داري غير معين ولا معلوم مقداره، لأني قد كنت بعته ذلك لا يصح لان البيع المجهول
فاسد، وكذا لو كان الاقرار بإجارة كذلك.
واعلم أن المقر بالمجهول تارة يطلق، وتارة يبين سببا لا تضره الجهالة كالغصب والجناية، وتارة
يبين سببا تضره الجهالة، فالأول يصح ويحمل على أن المقر به لزمه بسبب لا تضره الجهالة، والثاني
ظاهر، والثالث لا يصح الاقرار به كالبيع والإجارة، فإن من أقر أنه باع من فلان شيئا أو آجر من
فلان شيئا أو اشترى من فلان كذا بشئ لا يصح إقراره، ولا يجبر المقر على تسليم شئ. أفاده في
الدرر والشرنبلالية. قوله: (كقوله لك على أحدنا ألف) ظاهره أن القائل واحد من جماعة ولو يحصون،
وصدوره من أحدهم لا يعين أنه هو المطالب، وأنه لا يجبر المتكلم على البيان قوله: (إلا إذا جمع بين
نفسه وعبده فيصح) هذا في حكم المعلوم، لان ما على عبده يرجع إليه في المعنى لكن إنما يظهر هذا
فيما يلزمه في الحال، أما ما يلزمه بعد الحرية فهو كالأجنبي فيه، فإذا جمعه مع نفسه كان كقوله لك
علي أو على زيد وهو مجهول لا يصح. حموي. قال في الأشباه: إلا في مسألتين، فلا يصح: الأولى
أن يكون العبد مديونا، الثانية أن يكون مكاتبا، فافهم. قوله: (وكذا تضر جهالة المقر له) أي فتبطل
فائدة الاقرار لعدم اعتباره. قوله: (وإلا لا) أي لا تضر الجهالة إن لم تتفاحش على ما ذكر شيخ
الاسلام في مبسوطه والناطفي في واقعاته، وسوى شمس الأئمة بين المتفاحشة وغيرها في عدم
الاعتبار، لان المجهول لا يصلح مستحقا إذ لا يمكنه جبره على البيان من غير تعيين المدعي فلا يفيد
فائدته كما في المنح.
قال الحموي: أقول مثل شراح الهداية وغيرها للفاحشة بأن قال لواحد من الناس ولغير
الفاحشة بأن قال لأحدكما ووقع تردد بدرس شيخ مشايخنا بين أهل الدرس: لو قال لأحدكم وهم
ثلاثة أو أكثر محصورون هل هو من الثاني أو الأول؟ فمال بعضهم إلى أنه من قبيل غير الفاحشة،
وانتصر له بما في الخانية لو قال من بايعك من هؤلاء وأشار إلى قوم معينين معدودين فأنا قبيل بثمنه
جاز ا ه‍. قال السائحاني: ويظهر لي أن المتفاحش مائة.
أقول: لكن الذي يظهر لي أن الفاحش ما زاد على المائة أخذا من قولهم في كتاب الشهادات من
الباب الرابع فيمن تقبل شهادته من الهندية عن الخلاصة: شهادة الجند للأمير لا تقبل إن كانوا
يحصون، وإن كانوا لا يحصون تقبل. نص في الصيرفية في حد الاحصاء مائة وما دونه، وما زاد عليه
فهؤلاء لا يحصون. كذا في جواهر الاخلاطي، وقدمناه في الشهادات. قوله: (فيصح) لان صاحب
الحق لا يعدو من ذكره وفي مثله يؤمر بالتذكر، لان المقر قد ينسى صاحب الحق. منح. وهذا قول
الناطفي. وقال السرخسي إنها تضر أيضا قوله: (ولا يجبر على البيان) أي إن فحشت أو لا زاد
الزيلعي: ويؤمر بالتذكر لان المقر قد ينسى صاحب الحق، وزاد في غاية البيان أنه يحلف لكل واحد
منهما إذا ادعى. وفي التتارخانية: ولم يذكر أنه يستحلف لكل واحد منهما يمينا على حدة، بعضهم
قالوا نعم، ويبدأ القاضي بيمين أيهما شاء أو يقرع، وإذا حلف لكل لا يخلو من ثلاثة أوجه: إن حلف
لأحدهما فقط يقضي بالعبد للآخر فقط، وإن نكل لهما يقضي به وبقيمة الولد بينهما نصفين سواء

225
نكل لهما جملة بأن حلفه القاضي لهما يمينا واحدة أو على التعاقب بأن حلفه لكل على حدة، وإن
حلف فقد برئ عن دعوة كل، فإن أراد أن يصطلحا وأخذا العبد منه لهما ذلك في قول أبي يوسف
الأول، وهو قول محمد كما قبل الحلف، ثم رجع أبو يوسف وقال: لا يجوز اصطلاحهما بعد
الحلف، قالوا: ولا رواية عن أبي حنيفة ا ه‍.
أقول: والحاصل: أن قول الشارح ولا يجبر على البيان موافق لما في البحر والزيلعي والعيني
وشرح السيد حموي، ويخالفه ما في الدرر عن الكافي حيث قال: وإن لم يفحش بأن أقر أنه غصب هذا
العبد من هذا أو من هذا فإنه لا يصح عند شمس الأئمة السرخسي، لأنه إقرار للمجهول. وقيل
يصح وهو الأصح لأنه يفيد وصول الحق إلى المستحق، لأنهما إذا اتفقا على أخذه فلهما حق الاخذ
ويقال له: بين المجهول، لان الاجمال من جهته كما لو أعتق أحد عبديه وإن لم يبين أجبره القاضي على
البيان إيصالا للحق إلى المستحق ا ه‍. وكلام الشرنبلالية يفيد موافقة ما في الدرر من أنه يجبر على البيان
حيث قال: قوله كما لو أعتق أحد عبديه: يعني من غير تعيين، أما لو أعتق أحدهما بعينه، ثم نسيه لا
يجبر على البيان كما في المحيط ا ه‍.
وأقول: قوله لان الاجمال الخ هكذا في الهداية وعامة الشراح قاطبة ربطوا هذا الكلام على
صحة الاقرار للمجهول، وصاحب الدرر ظن أنه مرتبط بالاقرار بالمجهول، وليس كذلك كما يظهر
لمن نظر نظر التدبر في كلام صاحب الكافي أيضا، وقد سبق أنه لا جبر على المقر لبيان المقر له عند
كونه مجهولا غير متفاحش، فاللائق عليه أن يأتي بهذا الكلام في شرح قوله ولزمه بيان ما جهل.
أقول: وإنما يجبره القاضي على البيان فيما إذا أعتق أحد عبديه من غير تعيين، لان الظاهر من
حال المقر هو العلم بالحق الذي أقر به، فيجب عليه البيان. لا يقال: إنه تقدم عند. قوله: (أو
مجهول) أن المقر قد يتلف مالا لا يدري قيمته أو يجرح جراحة لا يعلم أرشها. لأنا نقول: إن ذلك
احتمال اعتبر هناك بتصحيح الاقرار بالمجهول، ولا يلزم من ذلك أن يسمع قوله لا أدري في جميع ما
أقر به، بل على القاضي أن يعتمد على ظاهر الحال ولا يصدقه فيما هو محتمل. قوله: (لجهالة المدعي)
أي فيهما، ولأنه قد يؤدي إلى إبطال الحق على المستحق، والقاضي إنما نصب لايصال الحق إلى
مستحقه لا لابطاله ا ه‍. منح. قوله: (بحر) تتمة عبارته: ولكل منهما أن يحلفه. قوله: (ونقله في
الدرر لكن باختصار مخل كما بينه عزمي زاده) ليس في كلامه اختصار مخل بل زيادة مضرة ذكرها في
غير موضعها، وقد سمعت عبارته وصدرها، ولم يصح الاقرار للمجهول إذا فحشت جهالته بأن
يقول هذا العبد لواحد من الناس، لان المجهول لا يكون مستحقا، وإن لم تفحش إلى آخر ما قدمنا
عنها، واعترضه عزمي زاده بأن قوله: ويقال له بين المجهول مرتبط بصحة الاقرار مع جهالة المقر به
لا بعدم الصحة في جهالة المقر له، ولا مساغ لحمله على ذلك لأنه علل المسألة بأنه إقرار للمجهول،
ولا يفيد لان فائدته الجبر على البيان، وصاحب الحق مجهول، وكان الواجب ذكر هذه المسألة في أثناء
شرح قوله أقر بمجهول صح ليوافق كلامه كلامهم ومرامه مرامهم ا ه‍.
وحاصله: أن ما ذكره صاحب الدرر من الجبر إنما هو فيما إذا جهل المقر به لا المقر له لقول
الكافي لأنه إقرار للمجهول، وأنه لا يفيد لان فائدته الجبر على البيان، ولا يجبر على البيان لأنه إنما
يكون ذلك لصاحب الحق وهو مجهول.

226
فرع: لم يذكر الاقرار العام وذكره في البحر، وفي المنح، وصح الاقرار بالعام كما في يدي من
قليل أو كثير أو عبد أو متاع أو جميع ما يعرف بي أو جميع ما ينسب إلي لفلان وإن اختلفا في عين
أنها كانت موجودة وقت الاقرار أو لا، فالقول قول المقر إلا أن يقيم المقر له البينة أنها كانت موجودة
في يده وقته.
واعلم أن القبول ليس من شرط صحة الاقرار، لكنه يرتد برد المقر له. صرح في الخلاصة،
وكثير من الكتب المعتمدة واستشكل المصنف بناء على هذا قول العمادي وقاضيخان: الاقرار للغائب
يتوقف على التصديق. ثم أجاب عنه وبحث في الجواب الرملي ثم أجاب عن الاشكال بما حاصله:
أن اللزوم غير الصحة، ولا مانع من توقف العمل مع صحته كبيع الفضولي، فالمتوقف لزومه لا
صحته، فالاقرار للغائب لا يلزم حتى صح إقراره لغيره كما لا يلزم من جانب المقر له حتى صح رده،
وأما الاقرار للحاضر فيلزم من جانب المقر حتى لا يصح إقراره لغيره به قبل رده، ولا يلزم من جانب
المقر له فيصح رده، وأما الصحة فلا شبهة فيها من الجانبين بدون القبول وقدمنا شيئا من ذلك فارجع
إليه. قوله: (ولزمه بيان ما جهل) أي يجبر عليه إذا امتنع كما في الشمني، لأنه لزمه الخروج عما
وجب عليه بالاقرار، لان كثيرا من الأسباب تتحقق مع الجهالة كالغصب والوديعة، لان الانسان
يغصب ما يصادف ويودع ما عنده من غير تحرير في قدره وجنسه ووصفه فيحمل عليه حتى لو فسره
بالبيع أو الإجارة لا يصح إقراره، لان هذه العقود لا تصح مع الجهالة فلا يجبر على البيان. زيلعي.
قال العلامة الخير الرملي: أقول به استخرجت جواب حادثة الفتوى: كرم وقف استهلك العامل
عليه حصة الوقف مدة سنين أو مات العامل وأقر ورثته باستهلاك ثمرته في السنين المعينة إقرارا مجهولا
في الغلة.
فأجبت: بأنهم يجبرون على البيان والقول لهم مع الحلف إلا أن يقيم المتولي بينة بأكثر، فتأمل ا
ه‍.
وقال أيضا: ذكر صاحب البحر في البيع في شرح قوله: وإن اختلفت النقود فسد البيع، لو أقر
بعشرة دنانير حمر وفي البلد نقود مختلفة حمر لا يصح بلا بيان، بخلاف البيع فإنه يتصرف إلى الأروج. ا
ه‍. ولا ريب أن معنى قوله: لا يصح بلا بيان: أي لا يثبت به شئ بلا بيان، بخلاف البيع فإنه يثبت
الأروج بدون بيان، إذ صحة الاقرار بالمجهول مقررة وعليه البيان. تأمل. وفي المقدسي: ولو بين
الغصب في عقار أو خمر مسلم صح لأنه مال، فإن قيل الغصب أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك
على وجه يزيل يده، وهو لا يصدق على العقار وخمر المسلم. وأجيب: بأن ذلك حقيقة وقد تترك
بدلالة العادة وفي خير مطلوب سواء عين في هذه البلدة أو غيرها، ولو قال: الدار التي في يد فلان
صح بيانه، ولا تؤخذ من يده ولا يضمن المقر شيئا لأنه أقر بغصبها وهي لا تضمن بالغصب ا ه‍.
أقول: وإنما يلزمه بيان ما جهل، هذا إذا لم يكن الحكم عليه من لخارج، أما إذا أمكن فلا
ويحكم عليه بالمتيقن، ألا يرى أنه لو قال: لا أدري له علي سدس أو ريع فإنه يلزم الأقل. وسيأتي ما
يوضح ما ظهر لي. وفي المقدسي: له علي عبد أو قال له شرك فيه: أوجب أبو يوسف قيمة وسط في
الأول والشطر في الثاني، ومحمد البيان فيهما، ولو قال له عشرة دراهم ودانق أو قيراط فهما من

227
الدراهم وفي الخانية: له علي ثوب أو عبد صح ويقضي بقيمة وسط عند أبي يوسف. وقال محمد:
القول له في القيمة. وفي الأشباه: الاقرار بالمجهول صحيح، واعترضه الحموي بما في الملتقط:
إذا قال علي دار أو شاة: قال أبو يوسف: يلزمه الضمان بقيمة المقر به والقول قوله. وقال بشر: تجب
الشاة. ا ه‍. ويمكن الجواب بمشي الأشباه على قول الإمام والخانية والملتقط على قول غيره، ولعل المراد
بالوسط أو القيمة من أقل المقر به لأنه مقر بأحدهما المبهم إلا بالاثنين، وحينئذ فحلف بشر لفظي. كذا
بخط العلامة السائحاني. قوله: (كشئ وحق) بأن قال علي لفلان شئ أو حق، لان الحق قد يلزم
مجهولا بأن يتلف مالا أو يجرح جراحة أو تبقى عليه باقية حساب لا يعرف قيمتها ولا أرشها ولا
قدرها كما في العيني، ولو قال في قوله: علي حق أردت به حق الاسلام لم يصدق مطلقا، سواء قاله
موصولا أو مفصولا، وهو ظاهر كلام الزيلعي والعيني والكفاية لأنه خلاف العرف، فإذا بين بغير
ذلك كان رجوعا فلا يصح وعليه المعول كما في التبيين.
وفي تكملة قاضي زاده: أنه إذا وصله صدق وإن فصله لا يصدق، وعليه مشى في التتارخانية،
ونقله الحموي، وكذا نقله صاحب الكفاية عن المحيط والمستزاد كما في الشلبي.
قال السيد الحموي: بقي لو مات قبل البيان توقف فيه الشيخ الحانوتي، قال العلامة الشرنبلالي:
وينبغي أن يرجع فيه للورثة. ا ه‍. وفيه أن الوارث إذا كان لا يعلم كيف يرجع إليه فليحرر بالنقل.
وفيه أن الوارث قد يعلم فالرجوع إليه لاستكشاف ما عنده، فإنه علمه وافق علم به. قال العلامة
المقدسي: ينبغي أن يصدق في حق الشفعة أو التطرق ونحوه. ا ه‍. قوله: (والقول للمقر مع حلفه لأنه
المنكر) ولأنه لما كذبه فيما بين وادعى شيئا آخر بطل إقراره بتكذيبه وكان القول للمقر فيما ادعى عليه ا
ه‍. قوله: (ولا يصدق في أقل من درهم في علي مال) لان ما دونه من الكسور لا يطلق عليه اسم
المال عادة وهو المعتبر زيلعي، ومثله في الهندية. وهذا استحسان، وفي القياس يصدق في القليل
والكثير كما قال القدوري.
قال ط: وظاهر البحر أنه يلزمه درهم، ولا يجبر على البيان، وعبارته: ولو قال لفلان علي دار
أو عبد لا يلزمه شئ، أو مال قليل أو درهم عظيم أو دريهم لزمه درهم. قوله: (ومن النصاب)
معطوف على قوله: من درهم وكذا المعطوفات بعده. قوله: (أي نصاب الزكاة) لأنه عظيم في
الشرع حتى اعتبر صاحبه غنيا وأوجب عليه مواساة الفقراء، وفي العرف حتى يعد من الأغنياء عادة.
منح. قوله: (وقيل إن المقر فقيرا الخ) قال في المنح: والأصح أنه على قوله مبني على حال المقر في
الفقر والغنى، فإن القليل عند الفقير عظيم، وأضعاف ذلك عند الغني ليس بعظيم وهو في الشرع
متعارض، فإن المائتين في الزكاة عظيم وفي السرقة والمهر العشرة عظيم، فيرجع إلى حاله. كذا في
النهاية. قوله: (في مال عظيم) معطوف على قوله في علي مال المعمول ليصدق ففيه العطف على
معمولين لعاملين مختلفين، وهو لا يجوز، والأولى أن يقول: ولزم في علي مال درهم، وفي علي مال
عظيم نصاب، وحينئذ ففيه العطف على معمولين لعامل واحد. تأمل.

228
واعلم أن المال القليل درهم، فإذا قال في له علي مال عظيم وسئل البيان فقال لا قليل ولا كثير
لزمه مائتان، لأنه لما قال لا قليل لزمه الكثير. كذا عن محمد. ويظهر لي أن يلزمه عند الامام عشرة إذ
هي الكثير عنده، ولو قال علي شئ من الدراهم أو من دراهم فعليه ثلاثة.
قلت: وعلى تقدير من تبعيضية لا يظهر مقدسي قوله: (قوله لو بينه الخ) بأن قال مال عظيم
من الذهب أو قال من الفضة لزمه النصاب من المقر به ومن الإبل أخذ نصابها أيضا، فإن قال من ثياب
أو كتب اعتبر النصاب بالقيمة. قوله: (ومن خمس وعشرين من الإبل) أي ولا يصدق في أقل من
خمس وعشرين لو قال: مال عظيم من الإبل. قوله: (لأنها أدنى نصاب يؤخذ من جنسه) جواب سؤال
حاصله: أن أدنى نصاب الإبل خمس فإنه يؤخذ فيها شاة.
وحاصل الجواب: أن ما دون الخمس والعشرين من الإبل لا يجب فيه الزكاة من جنسه، وإن
وجبت فيه الزكاة، وتقرير ذلك أن الخمس س من الإبل وإن كانت مالا عظيما فعظمه لمالكه نسبي، فصار
له جهتان: جهة الغني بتملكها فأوجبنا الشاة فيها، وجهة عدم العظم الحقيقي، فقلنا بعدم جواز صدقة
فيها منها. أفاده الحموي. والظاهر أنه يعتبر في البقر والغنم نصابهما إذا بين بهما كما يستفاد من المنح
ط. قوله: (ومن ثلاثة نصب في أموال عظام) لان أقل الجميع ثلاثة فلا يصدق في أقل منه للتيقن به،
وينبغي على قياس قول الإمام أن يعتبر فيه حال المقر. منح.
وفي الذخيرة: ولو قال مال نفيس أو كريم أو خطير أو جليل: قال الناطفي: لم أجده
منصوصا، وكان الجرجاني يقول: يلزمه مائتان. وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه إذا قال علي
دراهم مضاعفة فعليه ستة دراهم، لان أدنى الجمع ثلاثة وضعفها ستة، ولو قال دراهم أضعاف
مضاعفة يلزمه ثمانية عشر درهما، لان أضعافا لفظ الجمع وأقله ثلاثة فتصير تسعة ومضاعفة التسعة
ثمانية عشر. ذكره الشمني. قوله: (ثلاثة) لأنها أدنى الجمع. قوله: (عشرة) عند الامام وقالا نصاب،
والأصل أن رعاية الكثرة واجبة، لكنه اعتبر العرف لغة وهما اعتبراه شرعا. قوله: (لأنها نهاية اسم
الجمع) الإضافة للبيان: أي نهاية اسم هو الجمع وهو دراهم إذ هو جمع درهم وليس المراد اسم الجمع
المصطلح عليه كما لا يخفى: يعني أن العشرة أقصى ما يذكر بلفظ الجمع فكان هو الأكثر من حيث
اللفظ فينصرف إليه، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وقالا: لا يصدق في أقل من نصاب:
والأصل فيه ما قدمنا من أن رعاية الكثرة واجبة الخ، وهو أول ما يصدق عليه جمع الكثرة. أما تعليل
الشارح فيوهم أن العبرة لأقل ما يصدق اللفظ لا لنهايته، إذ هي مشكوكة والمال لا يثبت بالشك فتعين
ما قلنا. تأمل قوله: (وكذا درهما درهم) أي لا يصدق في أقل من درهم في قوله له علي كذا درهما
لأنه تفسير للمبهم. كذا في الهداية وفيه ما سبق من مخالفة العطف. قال الاتقاني: وينبغي أن يلزمه في
هذا أحد عشرة لأنه أول العدد الذي يقع مميزه منصوبا، هكذا نقل عن أهل اللغة فلا يصدق في بيانه

229
بدرهم، والقياس فيه ما قاله في مختصر الاسرار إذا قال له كذا درهم أنه يلزمه عشرون، لأنه ذكر جملة
وفسرها بدرهم منصوب. وذلك يكون من عشرين إلى تسعين فيجب الأقل وهو عشرون لأنه متيقن ا
ه‍. ومثله في الشرنبلالية.
وفي السراج: وإن قال كذا درهما لزمه عشرون، وإن قال كذا درهم بالخفض لزمه مائة، وإن
قال كذا درهم بالرفع أو بالسكون لزمه درهم واحد لأنه تفسير للمبهم. قوله: (على المعتمد) لان ما
في المتون مقدم على ما في الفتاوى. شرنبلالية وفي التتمة والذخيرة درهمان، لان كذا كناية عن العدد
وأقله اثنان، إذ الواحد لا يعد حتى يكون معه شئ. وفي شرح المختار قيل: يلزمه عشرون، وهو
القياس لان أقل عدد غير مركب يذكر بعده الدرهم بالنصب عشرون. منح. قوله: (ولو خفضه لزمه
درهم) كذا روي عن محمد، وإن قال كذا كذا درهم بالخفض لزمه ثلاثمائة، والتوجيه في غاية البيان.
قوله: (وفي دريهم الخ) أي بالتصغير، وكذا لو صغر الدينار يلزمه تاما، لان التصغير يكون لصغر
الحجم وللاستحقار ولخفة الوزن فلا ينقص الوزن بالشك ط. قوله: (أو درهم عظيم) إنما لزمه درهم
لان الدرهم معلوم القدر فلا يزداد قدره بقوله عظيم لأنه وصف ا ه‍. تبيين.
قال المقدسي: ينبغي إذا كانت الدراهم مختلفة أن يجب من أعظمها عملا بالوصف المذكور
حموي. قوله: (والمعتبر الوزن المعتاد إلا بحجة) قال صاحب الهداية: وينصرف إلى الوزن المعتاد: أي
بين الناس، وذلك لان المطلق من الألفاظ ينصرف إلى المتعارف وهو غالب نقد البلد. ولا يصدق في
أقل من ذلك لأنه يريد الرجوع عما اقتضاه كلامه.
قال في تحفة الفقهاء: ولو قال علي ألف درهم فهو على ما يتعارفه أهل البلد من الأوزان أو
العدد، وإن لم يكن شيئا متعارفا يحمل على وزن سبعة فإنه الوزن المعتبر في الشرع، وكذلك في الدينار
يعتبر المثاقيل إلا في موضع متعارف فيه بخلافه ا ه‍. شلبي.
وفي الكافي: وإن كان نقد البلد مختلفا فهو على الأقل من ذلك ا ه‍. ولا يصدق إن ادعى وزنا
دون ذلك ا ه‍. بتصرف فقوله إلا بحجة إن أريد بها البيان فالامر ظاهر، وإن لم يكن بيانا فالحجة
عرف البلد، فتدبر. ط. قوله: (وكذا كذا درهما) بالنصب. قوله: (أحد عشر) لأنه ذكر عددين
مبهمين بدون حرف العطف أقل ذلك من العدد المفسر أحد عشر وأكثره تسعة عشر، والأقل يلزمه
من غير بيان والزيادة تقف على بيانه. منح. وبالخفض ثلاثمائة وفي كذا وكذا درهما، وكذا وكذا دينارا
عليه من كل أحد عشر، وفي كذا كذا دينارا ودرهما أحد عشر منهما جميعا ويقسم ستة من الدراهم
وخمسة من الدنانير احتياطا، ولا يعكس لان الدراهم أقل مالية والقياس خمسة ونصف من كل، لكن
ليس في لفظه ما يدل على الكسر. غاية البيان ملخصا.
أقول: لكن مقتضى الاحتياط أن يلزمه دينار واحد وعشرة دراهم لأنه أقل ما يصدق عليه القول
المذكور. تأمل. قوله: (لان نظيره الخ) لو قال: لان أقل نظير له واحد وعشرون لكان أولى.
قال في المنح: لان فصل بينهما بحرف العطف، وأقل ذلك من العدد المفسر أحد وعشرون،

230
وأكثره تسعة وتسعون، والأقل يلزمه من غير بيان والزيادة تقف على بيانه ا ه‍. قوله: (ولو ثلث) بأن
قال كذا كذا كذا درهما. قوله: (إذ لا نظير له) وما قيل نظيره مائة ألف ألف فسهو ظاهر، لان الكلام
في نصب الدرهم وتمييز هذا العدد مجرور، ولينظر هل إذا جره يلزمه ذلك؟ وظاهر كلامهم لا. قوله:
(فحمل على التكرار) أي تكرار لفظ كذا الأخير. قوله: (زيد ألف) فيجب ألف ومائة وأحد وعشرون
لأنه أقل ما يعبر عنه بأربعة أعداد مع الواو. ط عن أبي السعود. قوله: (ولو خمس زيد عشرة آلاف)
هذا حكاه العيني بلفظ ينبغي لكنه غلط ظاهر، لان العشرة آلاف تتركب مع الألف بلا واو فيقال أحد
عشر ألفا، فتهدر الواو التي تعتبر مهما أمكن وهنا ممكن فيقال أحد وعشرون ألفا ومائة وأحد
وعشرون درهما. نعم قوله: (ولو سدس الخ) مستقيم. سائحاني. أي بأن قال مائة ألف وأحد
وعشرون ألفا وأحد وعشرون درهما، وكذا لو سبع زيد قبله ألف ألف، وما ذكره أحسن من قول
بعضهم قوله زيد عشرة آلاف فيه أنه يضم الألف إل العشرة آلاف فيقال أحد عشر، والقياس لزوم
مائة ألف وعشرة آلاف الخ. ا ه‍. لان أحد وعشرون ألفا أقل من مائة ألف، وقد أمكن اعتبار الأقل
فلا يجب الأكثر، ويلزم أيضا اختلال المسائل التي بعده كلها فيقال لو خمس زيد مائة ألف، ولو سدس
زيد ألف ألف، وهكذا بخلافه على ما مر، فتدبر. قوله: (وهكذا يعتبر نظيره أبدا) أي كلما زاد
معطوفا بالواو زيد عليه ما جرت به العادة إلى ما لا يتناهى كما في البحر، وفيه: والمعتبر الوزن المعتاد
في كل زمان أو مكان، والنيف مجهول يرجع إليه فيه والبضعة للثلاثة. ا ه‍. فلو قال عشرة ونيف
فالبيان في النيف إليه، فإن فسره بأقل من درهم جاز، لان النيف مطلق الزيادة، ولو قال بضع
وعشرون ففي البدائع: البضع في عرف اللغة من الثلاثة إلى التسعة فيحمل على الأقل للتيقن. وفي
البزازية: اليضعة النصف. قوله: (لان على للايجاب) قال الاتقاني: أما قوله علي فإنما كان إقرارا
بالدين بسبيل الاقتضاء، وإن لم يذكر الدين صريحا لان كلمة علي تستعمل في الايجاب، ومحل الايجاب
الذمة، والثابت في الذمة الدين لا العين فصار إقراره بالدين مقتضى قوله علي، والثابت اقتضاء
كالثابت نصا ولو نص فقال لفلان علي ألف درهم دين كان مقرا بالدين لا بالعين، فكذلك هنا ا ه‍.
قوله: (وقبلي للضمان غالبا) قال الاتقاني: لان. قوله: (قبلي) وإن كان يستعمل في الايجابات
والأمانات يقال لفلان قبلي وديعة وقبلي أمانة غلب استعماله في الايجابات، والمطلق من الكلام ينصرف
إلى ما هو الغالب في الاستعمال. ا ه‍.
قال الزمخشري: كل من تقبل بشئ مقاطعة وكتب عليه بذلك كتابا فالكتاب الذي يكتب هو
القبالة بالفتح، والعمل قبالة بالكسر لأنه صناعة ا ه‍.
وفي بعض النسخ: وقبل عوض وقبلي. قوله: (وصدق إن وصل به هو وديعة) أي بأن يقول له
علي ألف درهم وديعة فلا تكون على للالزام، وكذا لو قال أردت به الوديعة متصلا عيني. قوله:

231
(لأنه يحتمله مجازا) وذلك لان لفظ علي وقبلي ينشأن عن الوجوب، وهو متحقق في الوديعة إذ حفظها
واجب، فقوله له علي كذا: أي يجب له علي حفظ كذا، فأطلق محل وجوب الحفظ وهو المال وأراد
الحال فيه وهو وجوب حفظه، وأما قبلي فقد تقدم أنها تستعمل في الأمانة ط. قوله: (لتقرره
بالسكوت) فلا يجوز تغييره بعد ذلك كسائر المغيرات من الاستثناء والشرط. ط قوله: (عندي) أي له
عندي، وكذا يقال في الجميع. قوله: (عملا بالعرف) لان الكل إقرار بكون الشئ في يده وذا يكون
أمانة، لأنه قد يكون مضمونا وقد يكون أمانة وهذه أقلهما. وفي كفالة الخيرية عن التتارخانية لفظة
عندي للوديعة، لكنه بقرينة الدين تكون كفالة. وفي الزيلعي: مطلقة يحتمل العرف، وفي العرف إذا
قرن بالدين يكون ضمانا، وقد صرح بضمان بأن عند إذا استعملت في الدين يراد به الوجوب ا ه‍.
أقول: وكأنه في عرفهم إقرار بالأمانة، أما العرف اليوم في عندي ومعي الدين، لكن ذكروا
علة أخرى تفيد عدم اعتبار عرفنا ا ه‍.
قال المقدسي: لان هذه المواضع محل العين لا الدين، إذ محله الذمة، والعين يحتمل أن تكون
مضمونة وأمانة والأمانة أدنى فحمل عليها، والعرف يشهد له أيضا. فإن قيل: له علي مائة وديعة دين
أو دين وديعة لا تثبت الأمانة مع أنها أقلهما. أجيب: بأن أحد اللفظين إذا كان للأمانة والآخر للدين
فإذا اجتمعا في الاقرار يترجح الدين ا ه‍. أي بخلاف اللفظ الواحد المحتمل لمعنيين كما هنا. تأمل.
قال الخير الرملي: والظاهر في كلمة عندي أنها عند الاطلاق للأمانة، ولذا قال في
التتارخانية: إنها بقرينة الدين للكفالة، ويستفاد من هذا أنها بقرينة الغصب تكون له كما لو قال غصبت
مني كذا فقال عندي، فتأمل. ويستفاد منه أيضا أنه لو سأل القاضي المدعي عليه عن جواب الدعوى
فقال عندي يكون إقرارا بالمدعي، وقد نص عليه السبكي من أئمة الشافعية ولا تأباه قواعدنا، فتأمل ا
ه‍. قوله: (فهو هبة لا إقرار) أي لان ماله أو ما ملكه يمتنع أن يكون لآخر في ذلك الحال فلا يصح
الاقرار، واللفظ يحتمل الانشاء فيحمل عليه ويكون هبة. قوله: (كان إقرار بالشركة) قال الحموي: لو
قال له في مالي ألف درهم أو في دراهمي هذه فهو إقرار، ثم إن كان مميزا فوديعة وإلا فشركة. ا ه‍.
فكان عليه أن يقول: أو بالوديعة. قوله: (بخلاف الاقرار) فإنه لو كان إقرارا لا يحتاج إلى التسليم،
والأوضح أن يقول: بخلاف ما لو كان إقرارا كما أن الأوضح فلا بد فيها من التسليم. قوله:
(والأصل أنه متى أضاف المقربة الخ) ينبغي تقييده بما إذا لم يأت بلفظ في كما يعلم مما قبله. قوله:
(كان هبة) لان إضافته إلى نفسه تنافي حمله على الاقرار الذي هو إخبار لا إنشاء فيجعل إنشاء، فيكون
هبة فيشترط فيه ما يشترط في الهبة منح. إذا قال: اشهدوا أني قد أوصيت لفلان بألف وأوصيت أن
لفلان في مالي ألفا، فالأولى وصية والأخرى إقرار، وفي الأصل: إذا قال في وصيته سدس داري
لفلان فهو وصية، ولو قال لفلان سدس في داري فإقرار، لأنه في الأول جعل له سدس دار جميعها

232
مضاف إلى نفسه وإنما يكون ذلك بقصد التمليك، وفي الثاني جعل دار نفسه ظرفا للسدس الذي سماه
كان لفلان (1)، وإنما يكون داره ظرفا لذلك السدس إذا كان السدس مملوكا لفلان قبل ذلك فيكون
إقرارا، أما لو كان إنشاء لا يكون ظرفا، لان الدار كلها له فلا يكون البعض ظرفا للبعض. وعلى هذا
إذا قال له ألف درهم من مالي فهو وصية استحسانا إذا كان في ذكر الوصية، وإن قال في مالي فهو
إقرار ا ه‍. من النهاية.
فقول المصنف فهو هبة أي إن لم يكن في ذكر الوصية، وفي هذا الأصل خلاف كما ذكره في
المنح، وسيأتي في متفرقات الهبة عن البزازية وغيرها: الدين الذي لي على فلان لفلان أنه إقرار،
واستشكله الشارح هناك وأوضحه سيدي الوالد ثمة، فراجعه. قوله: (ولا يرد) أي على منطوق
الأصل المذكور، فإن الإضافة موجودة ومع ذلك جعل إقرارا، لكن الإضافة في الظرف لا المظروف
وهو المقر به. قوله: (ما في بيتي) أي فإنه إقرار، وكذا ما في منزلي، ويدخل فيه الدواب التي يبعثها
في النهار وتأوي إليه بالليل، وكذا العبيد كذلك كما في التتارخانية. قوله: (لأنها إضافة نسبة) أي فإنه
أضاف الظرف لا المظروف المقر به كما علمت: يعني أن الإضافة هنا كلا إضافة، لاحتمال أن البيت
أو الصندوق أو الكيس ملك غيره، ومر في الايمان أن المراد بالبيت ما ينسب إليه بالسكنى سواء كان
بملك أو إجارة أو إعارة أو غير ذلك، والمقر به هنا ما في البيت وهو غير مضاف أصلا، فيكون قوله
ما في بيتي إقرارا لا تمليكا لعدم وجود إضافة المقر به إلى ملكه، بل جعله مظروفا فيما أضيف إليه
نسبة. قوله: (ولا الأرض) عطف على ما قبله. أي ولا يرد على عكس القاعدة قوله. قوله: (الأرض)
وهو أنه إذا لم يضفه كان إقرارا، وإنما لا ورود لها على الأصل المتقدم إذ إضافة فيها إلى ملكه. نعم
نقلها في المنح عن الخانية على أنها تمليك، ثم نقل عن المنتقى نظيرتها على أنها إقرار، وكذا نقل عن
القنية ما يفيد ذلك حيث قال: إقرار الأب لولده الصغير بعين من ماله تمليك إن أضافه إلى نفسه في
الاقرار وإن أطلق فإقرار، كما في سدس داري وسدس هذه الدار، ثم نقل عنها ما يخالفه ثم قال:
قلت بعض هذه الفروع يقتضي التسوية بين الإضافة وعدمها، فيفيد أن في المسألة خلافا، ومسألة
الابن الصغير يصح فيها الهبة بدون القبض، لان كونه في يده قبض فلا فرق بين الاقرار والتمليك،
بخلاف الأجنبي. ولو كان في مسألة الصغير شئ مما يحتمل القسمة ظهر الفرق بين الاقرار والتمليك
في حقه أيضا لافتقاره إلى القبض مفرزا ا ه‍.
ثم قال: وهنا مسألة كثيرة الوقوع: وهي ما إذا أقر لآخر إلى آخر ما ذكر الشارح مختصرا.
وحاصله: أنه اختلف النقل في قوله الأرض التي حددوها كذا لطفلي هل هو إقرار أو هبة،
وأفاد أنه لا فرق بينهما إلا إذا كان فيها شئ مما يحتمل القسمة، فتظهر حينئذ ثمرة الاختلاف في
وجوب القبض وعدمه، وكأن مراد الشارح الإشارة إلى أن ما ذكره المصنف آخرا يفيد التوفيق بأن يحمل
قول من قال إنها تمليك على ما إذا كانت معلومة بين الناس أنها ملكه فيكون فيها الإضافة تقديرا،
وقول من قال إنها إقرار على ما إذا لم تكن كذلك. قوله ولا الأرض أي ولا ترد مسألة الأرض



(1) قوله: (الذي سماه كان لفلان) هكذا بأصله. والذي في حاشية والد رحمه الله تعالى: الذي كان لفلان بحذف سماه
فليحرر ا ه‍ مصححه.
233
التي الخ على الأصل السابق فإنها هبة: أي لو كانت معلومة أنها ملكه للإضافة تقديرا، لكن لا يحتاج
إلى التسليم كما اقتضاه الأصل لأنها في يده وحينئذ يظهر دفع الورود. تأمل قوله: (وإن لم يقبضه)
قال في المنح ومسألة الابن الصغير يصح فيها الهبة بدون القبض، لان كونه في يده قبض له فلا فرق
بين الاظهار: أي الاقرار والتمليك، بخلاف الأجنبي، فإنه يشترط في التمليك القبض دون الاقرار. ا
ه‍. وإنما يتم في حق الصغير بدون قبض، لان هبة الأب لطفله تتم بقوله: وهبت لطفلي فلان كذا،
ويقوم مقام الايجاب والقبول ويكفي في قبضها بقاؤها في يده، لان الأب هو ولي طفله فيقوم إيجابه
مقام إيجابه عن نفسه، وقبوله لطفله لأنه هو الذي يقبل له وبقاؤها في يده قبض لطفله، إلا إذا كان ما
وهبه مشاعا يحتمل القسمة فلا بد من إفرازه وقبضه بعد القسمة لعدم صحة هبة المشاع. قوله: (إلا أن
يكون مما يحتمل القسمة) أي وقد ملكه بعضه. قوله: (مفرزا) في بعض النسخ بعد هذا اللفظ لفظ ا
ه‍. وفي بعضها بياض. قوله: (للإضافة تقديرا) علة. قوله: (ولا الأرض) أي إنما كانت تمليكا في
هذه المسألة وإن لم يوجد فيها إضافة صريحا لان فيها إضافة تقديرية كأنه قال: أرضي الخ والدليل عليها
أن ملكه إياها معلوم للناس.
فالحاصل: أن الإضافة إلى نفسه التي تقتضي التمليك، إما أن تكون صريحة أو تقديرية تعلم
بالقرائن، كأن كان مشهورا بين الناس أنها ملكه، وبهذا يظهر الجواب عن مسائل جعلوها تمليكا ولا
إضافة فيها، فلا حاجة إلى ما ادعاه المصنف من ثبوت الخلاف في المسألة حيث قال بعض هذه الفروع
تقتضي التسوية: أي في التمليك بين الإضافة وعدمها، فيفيد أن في المسألة خلافا ا ه‍. فليتأمل ط.
ولا تنس ما قدمناه من إفادة التوفيق. قوله: (فهل يكون إقرارا أو تمليكا) أقول: المفهوم من كلامهم
أنه إذا أضاف المقر به أو الموهوب إلى نفسه كان هبة، وإلا يحتمل الاقرار والهبة فيعمل بالقرائن، لكن
يشكل على الأول ما عن نجم الأئمة البخاري أنه إقرار في الحالتين، وربما يوفق بين كلامهم بأن الملك
إذا كان ظاهرا للملك فهو تمليك، وإلا فهو إقرار إن وجدت قرينة، وتمليك أو وجدت قرينة تدل
عليه، فتأمل فإنا نجد في الحوادث ما يقتضيه رملي.
وقال السائحاني: أنت خبير بأن أقوال المذهب كثيرة، والمشهور هو ما مر من قول الشارح
والأصل الخ وفي المنح عن السعدي: أن إقرار الأب لولده الصغير بعين ماله تمليك إن أضاف ذلك
إلى نفسه فانظر لقوله بعين ماله، ولقوله لولده الصغير، فهو يشير إلى عدم اعتبار ما يعهد بل العبرة
للفظ ا ه‍.
قلت: ويؤيده ما مر من قوله ما في بيتي وما في الخانية جميع ما يعرف بي أو جميع ما ينسب
إلي لفلان، قال الإسكاف إقرار. ا ه‍. فإن ما في بيته وما يعرف به وينسب إليه يكون معلوما لكثير
من الناس أنه ملكه، فإن اليد والتصرف دليل الملك، وقد صرحوا بأنه إقرار، وأفتى به في الحامدية،
وبه تأيد بحث السائحاني. ولعله إنما عبر في مسألة الأرض بالهبة لعدم الفرق فيها بين الهبة والاقرار
إذا كان ذلك لطفله، ولذا ذكرها في المنتقى في جانب غير الطفل مضافة للمقر حيث قال: إذا قال

234
أرضي هذه وذكر حدودها لفلان أو قال الأرض التي حدودها كذا لولدي فلان وهو صغير كان جائزا
ويكون تمليكا، فتأمل والله تعالى أعلم.
أقول: لعله إنما كما كذلك: أي تمليكا من حيث إن الأرض مشهورة إنها ملك والده، واستفادة
الملك إنما تكون من جهته وذلك بالتمليك منه، بخلاف الاقرار للأجنبي ولولده الكبير حيث يمكن أن
تكون ملكهما من غير جهة المقر. تأمل. قوله: (فقال اتزنه) أصله أو تزنه قلبت الواو تاء وأدغمت
في التاء، وهو أمر معناه: خذ بالوزن الواجب لك علي. قوله: (ونحو ذلك) كأحل بها غرماءك أو
من شئت منهم أو أضمنها له أو يحتال بها علي أو قضي فلان عني. حموي. أو خذها أو تناولها أو
استوفها. منح أو سأعطيكها أو غدا أعطيكها أو سوف أعطيكها، أو قال: ليست اليوم عندي أو
أجلني فيها كذا أو أخرها عني أو نفسني فيها أو تبرأتني بها أو أبرأتني فيها، أو قال: والله لا أقضيكها
أو لا أزنها لك اليوم أو لا تأخذها مني اليوم، أو قال: حتى يدخل علي مالي أو حتى يقدم علي
غلامي أو لم يحل بعد، أو قال: غدا أو ليست بمهيأة أو ميسرة اليوم، أو قال: ما أكثر مما تتقاضى
بها. هندية عن محيط السرخسي. قوله: (فهو إقرار له بها) وكذا لا أقضيكها أو والله لا أعطيكها
فإقرار. مقدسي. وكذا غممتني بها، ولزمتني بها وأذيتني فيها. ذكره العيني. وفي المقدسي أيضا قال:
أعطني الألف التي لي عليك فقال: اصبر أو سوف تأخذها لا يكون إقرارا، وقوله اتزن إن شاء الله
إقرار. وفي البزازية: قوله عند دعوى المال ما قبضت منك بغير حق لا يكون إقرارا، ولو قال: بأي
سبب دفعه إلي قالوا يكون إقرارا، وفيه نظر ا ه‍. قدمه إلى الحاكم قبل حلول الاجل وطالبه به فله أن
يحلف ما له علي اليوم شئ وهذا الحلف لا يكون إقرارا. وقال الفقيه: لا يلتفت إلى قول من جعله
إقرارا سائحاني. وفي الهندية: رجل قال اقضني الألف التي لي عليك فقال نعم فقد أقر بها وكذلك
إذا قال فاقعد فاتزنها فانتقدها فاقبضها. وفي نوار هشام قال: سمعت محمدا رحمه الله تعالى يقول في
رجل قال لآخر أعطني ألف درهم فقال اتزنها قال لا يلزمه شئ، لأنه لم يقل أعطني ألفي كذا في
المحيط ا ه‍. قوله: (لرجوع الضمير إليها في كل ذلك) فكان إعادة فكأنه قال اتزن الألف التي لك
علي ونحوه. قوله: (فكان جوابا) لا ردا ولا ابتداء فيكون إثباتا للأول. قوله: (وهذا إذا لم يكن على
سبيل الاستهزاء) ويستدل عليه بالقرائن. قوله: (أما لو ادعى الاستهزاء لم يصدق) أفاد كلامه أن مجرد
دعواه الاستهزاء لا تعتبر، بل لا بد من الشهادة عليه، ولا تعتبر القرينة كهز الرأس مثلا، ويدل له ما
سيأتي من أنه إذا ادعى الكذب بعد الاقرار لا يقبل، ويحلف المقر له عند أبي يوسف.
وفي الفتاوي الخيرية: سئل عن دعوى النسيان بعد الاقرار، لا تسمع دعواه النسيان كما هو
ظاهر الرواية، وعلى الرواية التي اختارها المتأخرون: أن دعوى الهزل في الاقرار تصح ويحلف المقر له
على أن المقر ما كان كاذبا في إقراره ا ه‍. فلعل قول الشارح أما لو ادعى الاستهزاء لم يصدق جرى
على ظاهر الرواية. نعم يرد عليه مسألة الصلح الآتية حيث قالوا: تسمع دعواه بعين بعد الابراء العام،
وقوله لا حق لي عنده: أي مما قبضته فقد اكتفوا بالقرينة، وسيأتي في عبارة الأشباه ما يفيد اعتبار

235
القرينة، لكن فيها عن القنية في قاعدة السؤال معاد في الجواب، قال لآخر لي عليك ألف فادفعه إلي
فقال استهزاء نعم أحسنت، فهو إقرار عليه ويؤخذ به ا ه‍.
وقال في الهندية: ولو قال أعطني الألف التي عليك فقال اصبر أو قال سوف تأخذها لم يكن
إقرارا، لان هذا قد يكون استهزاء واستخفافا به ا ه‍. معزيا للمحيط.
وفيها عن النوازل: إذا قال المدعي عليه كيسه بدون قبضي كن: أي خيط الكيس واقبض لا
يكون إقرارا، وكذا قوله بكير: أي أمسك لا يكون إقرارا، لان هذه الألفاظ تصلح للابتداء، وكذا إذا
قال كنش كيسه بدون شئ لا يكون إقرارا، لان هذه الألفاظ تذكر للاستهزاء. ثم ذكر مسائل
بالفارسية أيضا وقال: قد اختلف المشايخ والأصح أنه إقرار، لان هذه الألفاظ لا تذكر على سبيل
الاستهزاء ولا تصح للابتداء فتجعل للبناء مربوطا. كذا في المحيط. ا ه‍. فليتأمل.
قال الخير الرملي: ولو اختلفنا في كونه صدر على وجه الاستهزاء أم لا فالقول لمنكر الاستهزاء
بيمينه، والظاهر أنه على نفي العلم لا على فعل الغير كما سيأتي ذلك مفصلا في مسائل شتى قبيل
الصلح إن شاء الله تعالى. قوله: (لعدم انصرافه) الأولى في التعليل أن يقال: لأنه يحتمل أنه أراد ما
استقرضت من أحد سواك فضلا عن استقراضي منك، وكذلك فيما بعدها وهو الظاهر في مثل هذا
الكلام، ويحتمل ما استقرضت من أحد سواك بل منك فلا يكن إقرارا مع الشك. قوله: (إلى المذكور)
أي انصرافا متعينا، وإلا فهو محتمل. قوله: (والأصل أن الخ) كالألفاظ المارة، وعبارة الكافي بعد هذا
كما في المنح: فإن ذكر ضمير صلح جوابا لابتداء وإن لم يذكره لا يصلح جوابا أو يصلح جوابا
وابتداء فلا يكون إقرارا بالشك. قوله: (كل ما يصلح جوابا) كما لو تقاضاه بمائة درهم فقال أبرأتني
فإنه يصلح جوابا، لان الضمير يعود إلى كلام المدعي، ولو كان ابتداء بقي بلا مرجع. قوله: (وما
يصلح للابتداء) كتصدقت علي ووهبت لي وما استقرضت من أحد سواك ونحوه. قوله: (لا للبناء)
أي على كلام سابق بأن يكون جوابا عنه. قوله: (أو يصلح لهما) كاتزن. قوله: (لئلا يلزمه المال
بالشك) تعليل لما يصلح لهما وذلك كقوله ما استقرضت من أحد الخ كما تقدم.
والحاصل: أنه إن ذكر الضمير صلح جوابا للابتداء، وإن لم يذكره لا يصلح جوابا أو يصلح
جوابا وابتداء فلا يكون إقرارا بالشك لعدم التيقن بكون جوابا، وبالشك لا يجب المال. قوله: (وهذا)
أي التفصيل بين ذكر الضمير وعدمه كما يستفاد مما نقلناه قبل. قوله: (إذا كان الجواب مستقلا) أي
بالمفهومية بأن يفهم معنى يحسن السكوت عليه فيتأتى فيه التفصيل المتقدم. قوله: (فلو غير مستقل) بأن
لا يتأتى فهمه إلا بالنظر إلى ما بني عليه. قوله: (كان إقرار مطلقا) ذكره بضمير بأن يقول نعم هو
علي بعد قوله لي عليك ألف أو لا كما مثل، وحينئذ فلا يظهر ما قاله، لان نعم لا تستقل بالفهومية
فإنها حرف جواب يقدر معها جملة السؤال فتكون إقرارا، ولذلك لا يتأتى الاطلاق لان فيه التفصيل،

236
إذ لا يمكن أن تكون ابتداء لا بناء ولا يصلح لهما لأنها وضعت للجواب. ففي لفظ الاطلاق هنا
تسامح، وفي الحموي عن المقدسي: لقائل أن يقول: نعم جواب في الخبر لا في الانشاء، وهذه
الأمور إنشاء مع أنه قد يقوله ليستعيد الكلام، فكأنه يقول ماذا تقول، ويمكن أن يقال الكلام المذكور
وإن كان إنشاء لكنه متضمن للخبر، فنعم جواب له ا ه‍. قوله: (بالعبد) أي والثوب. حموي. قوله:
(والدابة) أي والسرج كما يفيده الحموي. قوله: (فهو إقرار له بها) لان بلى تقع جوابا لاستفهام داخل
على نفي فتفيد إبطاله. قول: (وإن قال نعم) لان نعم تصديق للمستخبر بنفي أو إيجاب، فقوله بلى
بعد أليس لي عليك ألف إبطال للنفي، فصار كأنه قال لك علي ألف فكان إقرارا، بخلاف نعم بعد
النفي كأنه قال: نعم ليس لك علي ألف فيكون جحودا قوله: (وقيل نعم) أي نعم يكون مقرا بقوله
نعم بعد. قوله: (أليس الخ). قوله: (لان الاقرار يحمل على العرف) لان المتكلم يتكلم بما هو
المتعارف عنده، والعوام لا يدركون الفرق بين بلى ونعم، والعلماء لا يلاحظون ذلك في محاوراتهم فيما
يتكلمون به بين الناس، وإنما يلاحظونه في مسائل العلم، ولذلك كان مسائل الاقرار والوكالة
والايمان مبنية على العرف. قوله: (والفرق) الأوضح تقديمه على قوله وقيل: نعم وهذا على القول
بالفرق بين بلى ونعم، وهو ما مشى عليه المصنف، وأما ما نقله الشارح عن الجوهرة فلا فرق. قوله:
(أن بلى الخ) ذكر في التحقيق أن موجب نعم تصديق ما قبلها من كلام منفي أو مثبت استفهاما كان أو
خبرا، كما إذا قيل لك: قام زيد أو أقام زيد أو لم يقم زيد فقلت نعم كان تصديقا لما قبله وتحقيقا لما
بعد الهمزة، وموجب بلى إيجاب ما بعد النفي استفهاما كان أو خبرا، فإذا قيل لم يقم زيد فقلت بلى
كان معناه قد قام، إلا أن المعتبر في أحكام الشرع العرف حتى يقام كل واحد منهما مقام الآخر. ذكره
في شرح المنار لابن نجيم. قوله: (من الناطق) احترز به عن الأخرس، فإن إشارته قائمة مقام عبارته
في كل شئ من بيع وإجارة وهبة ورهن ونكاح وطلاق وعتاق وإبراء وإقرار وقصاص على المعتمد فيه
إلا الحدود، ولو حد قذف والشهادة، وتعمل إشارته ولو قادرا على الكتابة على المعتمد، ولا تعمل
إشارته إلا إذا كانت معهودة، وأما معتقل اللسان فالفتوى على أنه إن دامت العقلة إلى وقت الموت يجوز
إقراره بالإشارة والاشهاد عليه، وقد اقتصر في الأشباه وغيرها على استثناء الحدود. وزاد في
التهذيب: ولا تقبل شهادته أيضا، وأما يمينه في الدعاوي فقدمناه، وظاهر اقتصار المشايخ على استثناء
الحدود فقط صحة إسلامه بالإشارة، ولم أره الآن نقلا صريحا وكتابة الأخرس كإشارته.
واختلفوا في أن عدم القدرة على الكتابة شرط للعمل بالإشارة أو لا، والمعتمد لا. قال ابن
الهمام: لا يخفى أن المراد بالإشارة التي يقع بها طلاقه الإشارة المقرونة بتصويت منه، إذ العادة منه
ذلك فكانت بيانا لما أجمله الأخرس ا ه‍. ولو أشار الأخرس بالقراءة وهو جنب ينبغي أن يحرم أخذا
من قولهم يجب على الأخرس تحريك لسانه، فجعلوا التحريك قراءة، ولو علق رجل الطلاق بمشيئة
أخرس فأشار بالمشيئة ينبغي الوقوع لوجود الشرط، ولو علق بمشيئة رجل ناطق فخرس فأشار بالمشيئة

237
ينبغي الوقوع أيضا. نور العين عن الأشباه. وفيه عن الهداية: أخرس قرئ عليه كتاب وصية فقيل له
نشهد عليك بما في هذا الكتاب، فأومأ برأسه. أي نعم أو كتب، فإذا جاء من ذلك ما يعرف أنه
إقرار فهو جائز، ولا يجوز ذلك في معتقل اللسان، والفرق أن الإشارة إنما تعتبر إذا صارت معلومة،
وذلك في الأخرس لا في معتقل للسان، حتى لو امتد الاعتقال وصارت له إشارة معلومة قالوا هذا
بمنزلة الأخرس، ولو كان الأخرس يكتب كتابا أو يومي إيماء يعرف به جاز نكاحه وطلاقه وبيعه
وشراؤه ويقتص منه ولا يحد، ولا يحد له، والفرق أن الحد لا يثبت ببيان فيه شبهة. وأما القصاص
ففيه معنى العوضية لأنه شرع جابرا فجاز أن يثبت مع الشبهة كالمعاوضات ا ه‍. قوله: (بخلاف إفتاء)
أي لو سأل مفتيا عن حكم فقال: أهكذا الحكم؟ فأشار برأسه: أي نعم كما نقله في القنية عن علاء
الدين الزاهدي، ونقل عن ظهير الدين المرغيناني: أنه لا يعتبر، قال: لان الإشارة من الناطق لا
تعتبر. وفي مجمع الفتاوي: تعتبر، ومثله في تنقيح المحبوبي ونور العين وغيرهما، لان جواب المفتى به
ليس بحكم متعلق باللفظ، إنما اللفظ طريق معرفة الجواب عند المستفتي، وإذا حصل هنا المقصود
استفتى المستفتي عن اللفظ كما لو حصل الجواب بالكتابة، بخلاف الشهادة والوصية فإنهما يتعلقان
باللفظ، والإشارة إنما تقوم مقام اللفظ عند العجز.
وفي شرح الشافية: أن جارية أريد إعتاقها في كفارة فجئ بها إلى رسول الله (ص) فسألها: أين
الله تعالى؟ فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها فإنها مسلمة كما في الحواشي الحموية وغيرها. قوله:
(ونسب) بأن قيل له أهذا ابنك؟ فأشار بنعم ط. قال أبو السعود قوله: (ونسب) أي الإشارة من
سيد الأمة تنزل منزلة صريح الدعوى. قوله: (وكفر) بأن قال له قائل: أتعتقد هذا المكفر؟ فأشار
بنعم. قوله: (وإشارة محرم لصيد) فإذا أشار لشخص يدله على طير فقتله يجب جزاء على المشير. قوله:
(والشيخ برأسه في رواية الحديث) أي لو قيل له: أجزني برواية كذا عنك فأشار برأسه كفى، أما لو
قرأ عليه وهو ساكت فإنه يرويه عنه، ولا يحتاج إلى إشارة، ومسألة الشيخ ملحقة بمسألة الافتاء.
قوله: (والطلاق) أي وإشارة عدد الطلاق المتلفظ به. قوله: (هكذا وأشار بثلاث) فالإشارة مبينة لهذا
المبهم، فلو قال أنت طالق وأشار بثلاث لم يقع إلا واحدة. أشباه. قال فيها: ولم أر الآن حكم أنت
هكذا مشيرا بأصبعه ولم يقل طالق ا ه‍. والظاهر عدم الوقوع لأنه ليس من صريح الطلاق ولا كنايته
لأنه ليس لفظ يحتمله وغيره ط.
أقول: المفهوم من عبارة الشارح المنقولة عن الأشباه في قوله: والطلاق في أنت طالق أي
وبخلاف الطلاق الكائن في أنت طالق هكذا وأشار بثلاث، فإن الإشارة بالرأس فيه كالنطق. لكن
تقدم في كتاب الطلاق أنه لو قال هكذا وأشار بثلاث يقع ثلاث ولو لم يشر بالرأس، فالظاهر أنه في
هذه الصورة لا فائدة في إشارة الرأس. وقال في الأشباه: ويزاد أخذا من مسألة الافتاء بالرأس
وإشارة الشيخ في رواية الحديث. وأمان الكافر أخذا من النسب لأنه محتاط فيه لحقن الدم، ولذا يثبت
بكتاب الامام كما تقدم، أو أخذا من الكتاب والطلاق إذا كان تفسيرا لمبهم كما لو قال: أنت طالق
هكذا وأشار بثلاث وقعت، بخلاف ما إذا قال: أنت وأشار بثلاث لم يقع ألا واحدة كما علم في

238
الطلاق ا ه‍. من أحكام الإشارة. نعم لو قيل: مخالفة هذه المسألة لما قبلها في كونها تعتبر فيها الإشارة
مطلقا كان الكلام منتظما كما قال أبو الطيب.
أقول: وعبارة المنح في كتاب الطلاق هكذا: ولو قال أنت طالق وأشار بأصابعه ولم يقل هكذا
فهي واحدة لفقد التشبيه، لان الهاء للتنبيه والكاف للتشبيه ا ه‍.
وفي البحر عن المحيط: لو قالت لزوجها: طلقني فأشار إليها بثلاث أصابع وأراد به ثلاث
تطليقات لا يقع ما لم يقل هكذا، لأنه لو وقع وقع بالضمير والطلاق لا يقع بالضمير ا ه‍. وأنت خبير
بأن اعتراض المحشي ليس في محله، لأنه إذا أتى بقوله هكذا اعتبرت الإشارة، فإذا قيل له: أطلقت
امرأتك هكذا؟ وأشار إليه بثلاث أصابع فأومأ برأسه: أي نعم فإنه يقع الثلاث كما هو ظاهر. تأمل.
قوله: (إشارة الأشباه) أي كذا في أحكام الإشارة من الأشباه في الفن الثالث. قوله: (ويزاد اليمين
الخ) ظاهره أن جميع الايمان يحنث فيها بالإشارة لان المذكور أمثلة، وليس كذلك، فإنه إذا حلف
ليضربن فأشار بالضرب لا يبرأ، أو حلف لا يضرب فأشار بالضرب لا يحنث إذا كان مثله ممن
يباشره.
والذي في المنح عن إيمان البزازية: إذا حلف لا يظهر سر فلان أو لا يفشى أو لا يعلم فلانا
بسر فلان أو حلف ليكتمن سره أو ليخفينه أو ليسترنه أو حلف لا يدل على فلان فأخبر به بالكتابة أو
برسالة أو كلام أو سأله أحد أكان سر فلان كذا أو أكان فلان بمكان كذا فأشار برأسه: أي نعم حنث
في جميع هذه الوجوه، وكذا إذا حلف لا يستخدم فلانا فأشار إليه بشئ من الخدمة حنث في يمينه
خدمه فلان أو لا يخدمه ا ه‍ ط.
أقول: وإنما حنث للعرف إذ الايمان مبناها عليه، وهو في العرف يكون بذلك مظهرا سره
ومفشيه ومعلما به كما هو مقرر في محله، وهذا هو السبب في خروجها عن الضابط المذكور، فافهم.
قوله: (وأشار حنث) قال في الأشباه: حلفه السراق أن لا يخبر بأسمائهم، فالحيلة أن يعد عليه
الأسماء فمن ليس بسارق يقول لا والسارق يسكت عن اسمه فيعلم الوالي السارق ولا يحنث الحالف ا
ه‍. وفي مسألتنا: الحيلة أن يقال له: أنا تذكر أمكنة وأشياء من السر فما ليس بمكان فلان ولا سره فقل:
لا، فإذا تكلمنا بسره أو مكانه فاسكت أنت، ففعله واستدلوا به على سره ومكانه لا يحنث. قوله: (إلا
في تسع) ويدخل تحت اليمين منها ثلاث صور. ينبغي أن يزاد على التسع تعديل الشاهد من العالم
بالإشارة فإنها تكفي كما قدمناه في الشهادات.
فقال: اعلم أن من القواعد الفقهية أنه لا ينسب إلى ساكت قول كما في مسائل:
منها: رأى أجنبيا يبيع ماله ولم ينهه لا يكون وكيلا لسكون المالك.
ومنها: لو رأى القاضي الصبي أو المعتوه أو عبدهما يبيع ويشتري فسكت لا يكون إذنا في
التجارة.
ومنها: لو رأى المرتهن راهنه يبيع الرهن فسكت لا يبطل الرهن ولا يكون مأذونا بالبيع وزاد
في الأشباه. قوله: (في رواية).

239
ومنها: لو رأى غيره يتلف ماله فسكت لا يكون إذنا بإتلافه.
ومنها: لو رأى عبده يبيع عينا من أعيان المالك فسكت لا يكون إذنا.
ومنها: لو سكت على وطئ أمته لم يسقط المهر، وكذا عن قطع عضوه آخذا من سكوته عند
إتلاف ماله.
ومنها: لو رأى قنه أو أمته يتزوج فسكت ولم ينهه لا يصير له آذنا في النكاح.
ومنها: لو زوجت غير كف ء فسكت الولي عن مطالبة التفريق ليس برضا وإن طال ذلك، لان
في الموانع كثرة: إي ما لم تلد منه.
ومنها: سكوت امرأة العنين ليس برضا وإن أقامت معه سنين.
ومنها: الإعارة لا تثبت بسكوت.
ومنها: حلف لا يسلم شفعة فلم يسلمها ولكن سكت عن خصومة فيها حتى بطلت شفعته لا
يحنث.
ومنها: حلف لا يؤخر عن فلان حقا له عليه شهرا فلم يؤخره شهرا وسكت عن تقاضيه حتى
مضى الشهر لا يحنث.
ومنها: لو وهبت شيئا والموهوب له ساكت لا يصح ما لم يقل قبلت، بخلاف الصدقة كما يأتي.
ومنها: لو أجر قنه أو عرضه للبيع أو ساومه أو زوجه فسكت القن لا يكون إقرارا برقه،
بخلاف ما لو باعه أو رهنه أو دفعه بجناية فسكت كما سيأتي أيضا.
ومنها: أحد شريكي عنان قال لصاحبه: إني اشتريت هذه الأمة لنفسي خاصة فسكت صاحبه
فشراها لا تكون له ما لم يقل صاحبه نعم. كذا في جامع الفصولين موافقا للخلاصة وغيرها. وزيد
في مختارات النوازل: فإذا قال نعم فهي له بغير شئ عند أبي حنيفة، إذ الاذن يتضمن هبة نصيبه منه،
إذ الوطئ لا يحل إلا بالملك بخلاف طعام وكسوة.
يقول الحقير: وفي الأشباه: فسكت صاحبه لا تكون لهما، وذكر هذه المسألة فيما يكون
السكوت فيه كالنطق، كل ذلك سهو واضح لمخالفته لما مر آنفا من المعتبرات، واحتمال كون المسألة
خلافية فيها روايتان بعيد، إذ لو كانت كذلك لتعرض له أحد من أصحاب المعتبرات المنقول عنها.
ثم اعلم أنه خرج عن القاعدة السابقة مسائل كثيرة صار السكوت فيها كالنطق: أي يكون رضا.
فمنها: سكوت البكر عند استئمار وليها عنها قبل التزويج وبعده هذا لو زوجها الولي، فلو زوج
الجد مع قيام الأب لا يكون سكوتها رضا.
ومنها سكوتها عند قبض مهرها المهر أبوها أو من زوجها فسكتت يكون إذنا بقبضه، إلا أن
تقول لا تقبضه فحينئذ لم يجز القبض عليها ولا يبرأ الزوج.
ومنها: سكوت الصبية إذا بلغت بكرا يكون رضا ويبطل خيار بلوغها لا لو بلغت ثيبا.
ومنها: بكر حلفت أن لا تزوج نفسها فزوجها أبوها فسكتت حنثت في يمينها كرضاها بكلام،
ولو حلفت بكر أن لا تأذن في تزويجها فزوجها أبوها فسكتت لا تحنث إذ لم تأذن ولزم النكاح
بالسكوت.

240
ومنها: تصدق على إنسان فسكت المتصدق عليه يثبت ولا يحتاج إلى قبوله قولا، بخلاف
الهبة
ومنها: قبض هبة وصدقة بحضرة المالك وهو ساكت كان إذنا بقبضه.
ومنها: لو أبرأ مديونه فسكت المديون يبرأ ولو رد يرتد برده.
ومنها: الاقرار يصح ولو سكت المقر له ويرتد برده.
ومنها: لو وكله بشئ فسكت الوكيل وباشره صح ويرتد برده فلو وكله ببيع قنه فلم يقبل ولم
يرد فباعه جاز ويكون قبولا.
ومنها: لو أوصى إلى رجل فسكت في حياته فلما مات باع الوصي بعض التركة أو تقاضى دينه
فهو قبول للوصاية.
ومنها: الامر باليد إذا سكت المفوض إليه صح يرتد برده.
ومنها: الوقف على رجل معين صح ولو سكت الموقوف عليه ولو رده، قيل يبطل، وقيل لا.
ومنها: تواضعا على تلجئة ثم قال أحدهما لصاحبه: قد بدا لي أن أجعله بيعا صحيحا، فسكت
الآخر ثم تبايعا صح البيع وليس للساكت إبطاله بعد ما سمع قول صاحبه.
ومنها: سكوت المالك القديم حين قسم ماله بين الغانمين رضا، كما لو أسر قن لمسلم فوقع في
الغنيمة وقسم ومولاه الأول حاضر فسكت بطل حقه في دعوى قنه.
ومنها: لو كان المشتري مخيرا في قن شراه فرأى القن يبيع ويشتري فسكت بطل خياره، ولو كان
الخيار للبائع لا يبطل خياره.
ومنها: للبائع حبس المبيع لثمنه، فلو قبضه المشتري ورآه البائع وسكت كان إذنا في قبضه،
الصحيح والفاسد فيه سواء في رواية، وهو رضا بقبض في الفاسد لا في الصحيح في رواية.
ومنها: علم الشفيع بالبيع وسكت يبطل شفعته.
ومنها: رأى غير القاضي قنه يبيع ويشتري وسكت كان مأذونا في التجارة لا في بيع ذلك
العين.
ومنها: لو حلف المولى لا يأذن لقنه فرآه يبيع ويشتري فسكت يحنث في ظاهر الرواية، لا في
رواية عن أبي يوسف.
ومنها: باع قن شيئا بحضرة مولاه ثم ادعاه المولى أنه له فلو كان مأذونا يصح دعوى المولي ولو
محجورا صح. قال الاستروشني: فإن قيل ألم يصر مأذونا بسكوت مولاه؟ قلنا نعم، ولكن أثر الاذن
يظهر في المستقبل.
ومنها: باع قنا والق حاضر علم به وسكت، وفي بعض الروايات فانقاد للبيع والتسليم ثم قال
أنا حر لا يقبل قوله. كذا في جامع الفصولين موافقا لما في فتاوي قاضيخان. وفي فوائد العتابي: ولو
سكت القن وهو يعقل فهو إقرار برقه، وكذا لو رهنه أو دفعه بجناية والقن ساكت، بخلاف ما لو
آجره أو عرضه للبيع أو ساومه أو زوجه فسكوته هنا ليس بإقرار برقه.
يقول الحقير: قوله وفي بعض الروايات الخ ظاهره يشعر بضعف اشتراط الانقياد أو تساوي

241
الاحتمالين، لكن الأظهر أن الانقياد شرط لما ذكر في محل آخر من فتاوي قاضيخان: رجل شرى أمة
وقبضها فباعها من آخر والثاني من ثالث فادعت حريتها فردها الثالث على الثاني فقبلها ثم أراد ردها
على الأول فلم يقبل له ذلك لو ادعت عتقا، إذ العتق لا يثبت بقولها، ولو ادعت حرية الأصل: فلو
كانت حين بيعت وسلمت انقادت لبيع وتسليم فكذلك إذ الانقياد إقرار بالرق، وإن لم تنقد فليس
للأول أن لا يقبل ا ه‍.
ومنها: حلف لا ينزل فلانا داره وفلان نازل فيها فسكت الحالف حنث، لا لو قال له: اخرج
فأبى أن يخرج فسكت.
ومنها: ولدت ولدا فهنأ الناس زوجها فسكت الزوج لزمه الولد وليس له نفيه كإقراره.
ومنها: أم ولد ولدت فسكت مولاها حتى مضى يومان لهذا الولد لا يملك نفيه بعده.
ومنها: السكون قبل البيع عند الاخبار بالعيب رضا به، حتى لو قال رجل: هذا الشئ معيب
فسمعه وأقدم مع ذلك على شرائه فهو رضا لو المخبر عدلا لا لو فاسقا عند أبي حنيفة، وعندهما هو
رضا ولو فاسقا.
ومنها: سكوت بكر عند إخبارها بتزويج الولي على خلاف ما مر آنفا.
ومنها: باع عقارا وامرأته أو ولده أو بعض أقاربه حاضر فسكت ثم ادعاه على المشتري من كان
حاضرا عند البيع أفتى مشايخ سمرقند أنه لا يسمع، وجعل سكوته في هذه الحالة كإقرار دلالة قطعا
للأطماع الفاسدة، وأفتى مشايخ بخارى أنه ينبغي أن يسمع فينظر المفتي في ذلك، فلو رأى أنه لا
يسمع لاشتهار المدعي بحيلة وتلبيس وأفتى به كان حسنا سدا لباب التزوير.
ومنها: الحاضر عند البيع لو بعث البائع إلى المشتري وتقاضاه الثمن لا يسمع دعواه الملك لنفسه
بعده لأنه يصير مجيزا للبيع بتقاضيه.
ومنها: رآه يبيع عرضا أو دارا فتصرف فيه المشتري زمانا وهو ساكت سقط دعواه.
يقول الحقير: وفي الفتاوى الولوالجية: رجل تصرف أيضا زمانا ورجل آخر رأى الأرض
والتصرف، ولم يدع ومات على ذلك لا يسمع بعد ذلك دعوى ولده فيترك على يد المتصرف، لان
الحال شاهد.
ومنها: لو قال الوكيل بشراء شئ بعينه لموكله إني أريد شراءه لنفسي فسكت موكله ثم شراه
يكون للوكيل.
يقول الحقير: وجه الفرق بين هذه المسألة وبين ما مر نحو ورقة من مسألة شريكي العنان، وهو
ما ذكره صاحب الخلاصة بعد ذكر هاتين المسألتين بقوله: والفرق أن الوكيل يملك عزل نفسه إذا علم
الموكل رضي أو سخط، بخلاف أحد الشريكين إذ لا يملك فسخ الشركة إلا برضا صاحبه.
ومنها: لي صبي عاقل رأى الصبي يبيع ويشتري فسكت يكون إذنا.
ومنها: سكوت رجل رأى غيره شق زقه حتى سال ما فيه يكون رضا.
ومنها: سكوت الحالف بأن لا يستخدم فلانا: أي مملوكه ثم خدمه فلان بلا أمره ولم ينهه
حنث.

242
ومنها: امرأة دفعت في تجهيزها لبنتها أشياء من أمتعة الأب والأب ساكت فليس له الاسترداد.
ومنها: أنفقت الام في تجهيز بنتها ما هو معتاد فسكت الأب لا تضمن الام.
ومنها: باع أمه وعليها حلي وقرطان ولم يشترط ذلك لكن تسلم المشتري الأمة وذهب بها
وبالبائع ساكت كان سكوته بمنزلة التسليم فكان الحلي لها.
ومنها: القراءة على الشيخ وهو ساكت تنزل منزلة نطقه في الأصح.
ومنها: ما ذكر في قضاء الخلاصة: ادعى على الآخر مالا فسكت ولم يجب أصلا: يؤخذ منه
كفيل ثم يسأل جيرانه عسى به آفة في لسانه أو سمعه، فلو أخبروا أنه لا آفة به يحضر مجلس الحكم،
فإن سكت ولم يجب ينزل منزلة المنكر عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف: يحبس حتى يجيب، فإن فهم
أنه أخرس يجيب بالإشارة انتهى.
ومنها: سكوت المزكي عند سؤاله عن حال الشاهد تعديل.
ومنها: سكوت الراهن عند قبض المرتهن العين المرهونة.
يقول الحقير: فصارت المسائل التي يكون السكوت فيها رضا أربعين مسألة: ثلاثون منها ذكرت
في جامع الفصولين، وعشرة منها زيادة صاحب الأشباه والنظائر نقلها عن الكتب المعتبرة انتهى. الكل
من نور العين. وقد ذكرنا بعض هذه فيما قدمنا محررا فراجعه إن شئت، وتقدمت في كلام الشارح
قبيل الدعوى آخر الوقف وزاد على ما هنا مسائل كثيرة، وكتب عليها سيدي الوالد رحمه الله تعالى وزاد
عليها، فراجعها ثمة. قوله: (لزمه الدين حالا) قال في الدرر: لأنه أقر بحق على نفسه وادعى لنفسه
حقا فيه فيصدق في الاقرار بلا حجة دون الدعوى ا ه‍. قال في الواقعات: هذا إذا لم يصل الاجل
بكلامه، أما إذا وصل صدق ا ه‍. قوله: (لأنه دعوى بلا حجة) قال الحموي: لأنه أقر بحق على نفسه
وادعى حقا على المقر له فإقراره حجة عليه ولا تقبل دعواه بلا حجة ا ه‍. قوله: (لثبوته بالشرط)
الأوضح أن يقول: يثبت بالشرط ويكون بيانا. لقوله: (عارض) وعبارة الحموي: والأجل عارض
ولا يثبت بنفس العقد بل بالشرط والقول للمنكر في العارض. ا ه‍. قوله: (والقول للمقر في النوع
وللمنكر في العوارض) أي فكانت من قبيل الاقرار بالنوع لا بالعارض، لان حقيقة النوع أن يكون
الشئ من أصله موصوفا بتلك الصفة، وكذلك الدين المؤجل المكفول به فإنه مؤجل بلا شرط، بل من
حين كفله كان مؤجلا فإذا أقر به لم يكن مقرا بالحال، كما أن الدراهم السود من أصلها سود، وليس
السواد عارضا بالشرط فكان إقرارا بالنوع، بخلاف الدين فإن الأصل فيه الحلول، ولا يصير مؤجلا
إلا بالشرط، فكان الاقرار بالدين المؤجل إقرارا بالدين، وادعاء لحصول العارض والمقر له ينكر
العارض والقول للمنكر، ومثله إجارة العبد كما أفاده بعض الأفاضل.

243
والحاصل: أن الاجل عارض لا يثبت بنفس العقد بل بالشرط والقول للمنكر في العارض.
قوله: (لثبوته في كفالة المؤجل بلا شرط) فالاجل فيها نوع فكانت الكفالة المؤجلة أحد نوعي الكفالة
فيصدق، لان إقراره بأحد النوعين لا يجعل إقرارا بالنوع الآخر، لان حقيقة النوع أن يكون للشئ من
أصله موصوفا بتلك الصفة، وكذلك الدين المؤجل المكفول به فإنه مؤجل بلا شرط، بل من حين كفله
كان مؤجلا، فإذا أقر به لم يكن مقرا بالحال كما أن الدراهم السود من أصلها سود كما قدمناه قريبا
وقد مرت المسألة في كتاب الكفالة عند قوله لك مائة درهم إلى شهر فراجع. قوله: (وشراؤه أمة
متنقبة) فإذا لم تكن متنقبة فأولى بالحكم المذكور. قوله: (كثوب في جراب) أي كشراء ثوب في
جراب. وفي البزازية: علل لذلك بقوله: والضابط أن الشئ إن كان مما يعرف وقت المساومة كالجارية
القائمة المتنقبة بين يديه لا يقبل إلا إذا صدقه المدعى عليه في عدم معرفته إياها فيقبل، وإن كان مما لا
يعرف كثوب في منديل، أو جارية قاعدة على رأسها غطاء لا يرى منها شئ يقبل، ولهذا اختلفت
أقاويل العلماء في ذلك ا ه‍. وبه ظهر أن الثوب في الجراب كهو في المنديل، ويدل عليه ما في
الفواكه البدرية لابن الغرس حيث عد مسألة الثوب في الجراب، مما يغتفر فيه التناقد فقال: وإذا
اشترى ثوبا مطويا في جراب أو منديل فلما نشره قال هذا متاعي نسمع دعواه، فالدعوى مسموعة مع
التناقد في جميع هذه المسائل: أي التي منها هذه على الراجح المفتى به، ومن المشايخ من اعتبره التناقض
مطلقا فمنع سماع الدعوى إذا تقدم ما يناقضها، وقدمنا ذلك في الدعوى، فراجعه. قوله: (وكذا
الاستيام والاستيداع) أي طلب إيداعه عنده، ومثله يقال في الاستيهاب والاستئجار.
قال في تنوير البصائر: ومما يجب حفظه هنا أن المساومة بالملك للبائع أو بعدم كونه ملكا له ضمنا
لا قصدا، وليس كالاقرار صريحا بأنه ملك البائع، والتفاوت إنما يظهر فيما إذا وصل العين إلى يده،
ويؤمر بالرد إلى البائع في فصل الاقرار الصريح، ولا يؤمر في فصل المساومة.
وبيانه: اشترى متاعا من إنسان وقبضه ثم إن أبا المشتري استحقه بالبرهان من المشتري وأخذه ثم
مات الأب وورثه الابن المشتري لا يؤمر برده إلى البائع، ويرجع بالثمن على البائع ويكون المتاع في يد
المشتري، هذا بالإرث. ولو أقر عند البيع بأنه ملك البائع ثم استحقه أبوه من يده ثم مات الأب
وورثه الابن المشتري هذا لا يرجع إلى البائع، لأنه في يده بناء على زعمه بحكم الشراء الأول لما تقرر
أن القضاء للمستحق لا يوجب فسخ البيع قبل الرجوع بالثمن. ا ه‍. كذا في جامع البزازي. قوله:
(والإعارة) الأولى أن يقال: الاستعارة كما في جامع الفصولين من الفصل العاشر: أي لو قبل إعارة
الثوب والجارية المذكورين كان قبوله إقرارا بالملك، فإن القبول هو الذي يتأتى منه والإعارة فعل ذي
اليد فكيف تكون إقرارا بالملك؟ والذي سهل ذلك وقوعها بين الاستيداع والاستيهاب.
والحاصل: أن الاستعارة هي التي تكون إقرارا بالملك للغير، أما الإعارة فهي فعل المعير. تأمل
قوله: (والاستيهاب والاستئجار) قال في الأشباه الاستئجار إقرار بعدم الملك له على أحد القولين.
وفي الحموي: إن مما يغتفر التناقض استئجار دار ثم ادعاء ملكها لأنه موضع خفاء. وقيل يجب تقييده
بما إذا لم يكن ملكه فيه ظاهرا، فإنهم صرحوا بأن الراهن أو البائع وفاء إذا استأجر الرهن أو المبيع لا

244
يصح، وهو كالصريح في عدم كون الاستئجار إقرارا بعدم الملك له ا ه‍. ومثله في الحواشي الرملية.
قال العلامة الحموي: قيل عليه الاستئجار إقرار بعدم الملك له اتفاقا، وإنما الخلاف في كونه
إقرارا لذي اليد بالملك فقد اشتبه على صاحب الأشباه الأول بالثاني فأجرى الخلاف بالأول كما في
الثاني، وهو سهو عظيم، ورد بأن الضمير في له راجع للمؤخر، والقرينة عليه قوله: على أحد القولين
ا ه‍. وهو بعيد جدا. وقد صحح العمادي كلا القولين في فصوله في الفصل السادس.
وفي الأشباه: إلا إذا استأجر المولى عبده من نفسه لم يكن إقرارا بحريته كما في القنية. قوله:
(ولو من وكيل) أي وكيل واضع اليد والاستنكاح في الأمة يمنع دعوى الملك فيها ودعواه في الحرة
يمنع دعوى نكاحها. كذا في الدرر. قوله: (فيمنع دعواه لنفسه ولغيره الخ) قال في الشرنبلالية: كون
هذه الأشياء إقرارا بعدم الملك للمباشر متفق عليه، وأما كونها إقرارا بالملك لذي اليد ففيه روايتان على
رواية الجامع يفيد الملك لذي اليد، وعلى رواية الزيادات لا وهو الصحيح كذا في الصغرى.
قال في عدة الفتاوي: الاستعارة والاستيداع والاستيهاب من المدعى عليه أو من غيره، وكذا
الشراء والمساومة وما أشبهه من الإجارة وغيرها تمنع صاحبها من دعوى الملك لنفسه ولغيره.
قال صاحب جامع الفصولين أقول: كون هذه الأشياء إقرارا بعدم الملك للمباشر ظاهر، وأما
كونها إقرارا بالملك لذي اليد ففيه روايتان كما سيأتي قريبا. قال: والظاهر عندي أن مجرد ذلك ليس
بإقرار لذي اليد، إذ قد بفعل مع وكيل المالك فلا يكون إقرارا بالملك لذي اليد، فلا بد أن يميز
بالقرائن فيجعل إقرارا في موضع دون موضع بحسب القرائن، فعلى هذا ينبغي أن تصح دعواه لغيره
في بعض المواضع لا في بعضها، فإن برهن المدعي عليه على وكيل الخصومة أنه سبقت منه مساومة أو
استعارة أو نحوهما عزل من الوكالة، لأنه لو فعله عند القاضي عزله والموكل على حقه لو شرط أن
إقراره عليه لا يجوز.
قال صاحب نور العين: قوله لو شرط الخ مستدرك، إذ لو صدر ذلك من الوكيل في غير
مجلس القاضي لا يعتبر، فلا حاجة إلى الشرط المذكور، هذا إذا كان قوله والموكل على حقه معطوفا
على قوله عزل من الوكالة، أما إذا كان معطوفا على قوله فعله عند القاضي عزله فلا استدراك حينئذ،
لكن مسألة الأولى ناقصة، حيث لم يتعرض فيها إلى كون الموكل على حقه أو لا في صورة مساومة
وكيله في غير مجلس القاضي، وهذا قصور وإبهام في مقام بيان وإعلام كما لا يخفى على ذوي الاعلام.
ا ه‍. وفيه الاستيام هل هو إقرار؟ وفيه روايتان، على رواية الزيادات: يكون إقرارا بكونه ملك البائع.
وفي رواية: لا يكون إقرارا والأول أصح. وعلى الروايتين لا تسمع دعواه بعد الاستيام، والاستيام من
غير البائع كالاستيام من البائع والاستيداع والاستعارة والاستيهاب والاستئجار وإقرار بأنه لذي اليد
سواء ادعاه لنفسه أو لغيره. ولو أقيمت البينة على أن الوكيل ساومه في مجلس القضاء خرج من
الخصومة هو وموكله أيضا، ولو كانت المساومة في غير مجلس القضاء خرج هو من الخصومة دون
موكله. ا ه‍. وفي جامع الفصولين صحح رواية إفادته الملك، فاختلف التصحيح للروايتين، ويبتنى على
عدم إفادته المدعى عليه جواز دعوى المقر بها لغيره ا ه‍. ونقل السائحاني عن الأنقروي أن الأكثر على
تصحيح ما في الزيادات وأنه ظاهر الرواية ا ه‍.

245
قلت: فيفتى به لترجحه بكون ظاهر الرواية وإن اختلف التصحيح كما تقدم.
أقول: ومثل ما تقدم من الاستعارة والاستيداع وأخواتها الاقتسام. قال في جامع الفصولين
رامزا لفتاوى رشيد الدين: قسم تركة بين ورثة أو قبل تولية لوقف أو وصاية في تركة بعد العلم،
واليقين بأن هذا تركة أو وقف ثم ادعاه لنفسه لا تسمع ا ه‍. وتمامه فيه. قوله: (فيمنع دعواه لنفسه)
هذا متفق عليه، وأما كونه إقرارا بالملك لذي اليد ففيه روايتان مصححتان كما علمت. قوله: (ولغيره)
قال في جامع الفصولين: الحاصل من جملة ما مر: أن المدعي لو صدر عنه ما يدل على أن المدعي ملك
المدعى عليه تبطل دعواه لنفسه، ولغيره للتناقض، ولو صدر عنه ما يدل على عدم ملكه ولا يدل على
عدم ملك المدعى عليه بطل دعواه لنفسه لا لغيره لأنه إقرار بعدم ملكه لا بملك المدعى عليه. ولو
صدر عنه ما يحتمل الاقرار وعدمه فالترجيح بالقرائن. وإلا فلا يكون إقرارا للشك. ا ه‍. قوله: (بوكالة
أو وصاية) يعني إذا أقر الرجل بمال أنه لفلان، ثم ادعاه لنفسه لم يصح، وكذا إذا ادعاه بوكالة أو
وصاية لورثة موصيه لان فيه تناقضا، لان المال الواحد لا يكون لشخصين في حالة واحدة كما في
الدرر. قوله: (للتناقض) محله ما إذا كان لا يخفى سببه كما تقدم. قوله: (بخلاف إبرائه) أي لو أبرأه
من جميع الدعاوي ثم ادعى عليه وكالة للغير أو ليتيم هو وصيه صح لعدم التناقض، لأنه إنما أبرأه عن
حق نفسه لا عن حق غيره. قوله: (بهما) أي بالوكالة والوصاية. قوله: (لعدم التناقض) لان إبراء
الرجل عن جميع الدعاوي المتعلقة بماله لا يقتضي عدم صحة دعوى مال لغيره على ذلك الرجل. درر.
قوله: (ذكره في الدرر) الضمير راجع إلى المذكور متنا من قوله: وكذا الخ سوى الإعادة وإلى المذكور
شرحا، فجميع ذلك مذكور فيها، والضمير في قوله وصححه في الجامع الخ راجع إلى ما في المتن
فقط، يدل عليه قول المصنف في المنح، وممن صرح بكونه إقرارا منلا خسرو. وفي النظم الوهباني
لعبد البر ذكر خلافا.
ثم قال والحاصل: أن رواية الجامع أن الاستيام والاستئجار والاستعارة ونحوها إقرار بالملك
للمساوم منه والمستأجر منه، ورواية الزيادات أنه لا يكون ذلك إقرارا بالملكية وهو الصحيح. كذا في
العمادية. وحكى فيها اتفاق الروايات على أنه لا ملك للمساوم ونحوه فيه، وعلى هذا الخلاف يبتنى
صحة دعواه ملكا لما ساوم فيه لنفسه أو لغيره ا ه‍. وإنما جزمنا هنا بكونه إقرارا أخذا برواية الجامع
الصغير، والله تعالى أعلم ا ه‍.
قال السائحاني: ويظهر لي أنه إن أبدى عذرا يفتى بما في الزيادات من أن الاستيام ونحوه لا
يكون إقرارا، وفي العمادية وهو الصحيح. وفي السراجية أنه الأصح. وقدمنا عن الأنقروي أنه قال:
والأكثر على تصحيح ما في الزيادات وأنه ظاهر الرواية ا ه‍.
أقول: لكن في الاستيام لنفسه على كل من الروايتين يكون إقرارا بأنه لا ملك له فيه فكيف
يدعيه لنفسه؟ نعم له أن يدعيه لغيره لعدم التناقض بناء على رواية الزيادات، ومما يؤيد ذلك ما نذكره
قريبا في المقولة الآتية في التتمة حتى لو برهن يكون دفعا. تأمل. قوله: (وصححه في الجامع) أي
صحح ما مر من أن الاستيام والاستعارة والاستئجار ونحوها إقرار بالملك للمساوم منه والمستعار منه،
والمستأجر منه، والمراد بالجامع جامع الفصولين، وهذه رواية الجامع للإمام محمد.

246
تتمة: الاستشراء من غير المدعي عليه في كونه إقرارا بأنه لا ملك للمدعي كالاستشراء من المدعي
عليه حتى لو برهن يكون دفعا قال في جامع الفصولين بعد نقله عن الصغرى: أقول ينبغي أن يكون
الاستيداع وكذا الاستيهاب ونحوه كالاستشراء. قوله: (خلافا لتصحيح الوهبانية) أي في مسألة
الاستيام، لان المبيع يحتمل أن يكون في يد البائع عارية أو غصبا أو يكون وكيلا أو فضوليا، فلم
يقتض ثبوت الملك للبائع، كذا ذكره ابن وهبان، وهذا ما في الزيادات. قوله: (ووفق شارحها
الشرنبلالي) أي بين ما في الجامع والزيادات. قوله: (بأنه إن قال بعني هذا) أي مثلا أو هبني أو أجرني
ونحوه. قوله: (كان إقرارا) أي اعترافا له بالملك لأنه جازم بأنه ملكه، وقد طلب شراءه منه أو هبته أو
إجارته. قوله: (وإن قال أتبيع هذا) أو هل أنت بائع هذا لا يكون إقرارا بل استفهاما، لأنه يحتمل أن
يقصد بذلك استظهار حاله، هل يدعي الملكية وجواز البيع له أو لا؟ أو يكون مراده طلب إشهاد على
إقراره بإرادة بيع ملك القائل؟ فيلزمه به بعد ذلك: أي بإقراره الضمني بناء على رواية الجامع، ونفتي
بهذه المسألة برواية الزيادات، لكن قد يقال: إن ما ذكره لا يصلح أن يكون توفيقا بين القولين بل هو
تفصيل في كون المذكورات قد يكون بعضها إقرارا بعدم ملك المقر، وقد يكون ملك المقر، فتأمل.
والحاصل: أنه إذا قال بعني إياه إنما يصح ذلك فيما إذا كان مملوكا للمخاطب، فإن الانسان لا
يطلب من غيره أن يبيعه مال نفسه، فيكون ذلك اعترافا منه له بالملك فلا يدعيه بعد ذلك لنفسه، ولا
لغيره. وإن قال أتبيع فلعله يريد أن يبيعه لو وكالة عنه أو فضولا فلا يكون إقرارا له بالملك. قوله:
(صك البيع) أي وثيقة المبايعة. قوله: (فإنه) أي ما ذكر من كتابة الاسم والختم. قوله: (ليس بإقرار
بعدم ملكه) أي فما هنا أولى أو مساو: أي فله أن يدعيه بعد ذلك لنفسه ولغيره: أي فقوله أتبيع هذا
أولى بأن لا يكون إقرارا بعدم ملكه، وصورة مسألة كتابته وختمه على صك البيع: هي أنه لو كتب
شهادته وختم عليها على صك فيه باع فلان لا يكون اعترافا منه بالبيع، فإن الانسان قد يبيع مال غيره
فضولا، بخلاف ما لو كان الصك مكتوبا فيه بيعا صحيحا أو نافذا، فإن كتابة الشهادة عليه حينئذ
تكون اعترفا له بالملك، فلا يصح بعد ذلك أن يدعيه لنفسه، وكذلك هنا إذا قال بعنيه إنما يصح ذلك
فيما إذا كان مملوكا للمخاطب، فإن الانسان لا يطلب من غيره أن يبيعه مال نفسه إلى آخر ما قدمناه،
ويجب تقييده أيضا بغير أحد الزوجين والرحم المحرم وبما إذا لم يصرح في صك البيع.
مهمة: في البزازية عن الزيادات: ساوم ثوبا ثم ادعى أنه كان له قبل المساومة أو كان لأبيه يوم
مات قبل ذلك وتركه ميراثا لا يسمع. أما لو قال كان لأبي وكذلك بالبيع فساومته ولم يتفق البيع
يسمع، ولو ادعاه أبوه يسمع أيضا، وكذا لو قال قضى لأبي ومات قبل القبض وتركه ميراثا لي يسمع
أيضا وإن لم يقض للأب حتى مات وتركه ميراثا لا يقضى، لان دوام الخصومة شرط ولا يمكن،
لأنه لا يصلح خصما بعد المساومة. وعلى هذا لو ادعى رجل شراء ثوب وشهدا له بالشراء من المدعى
عليه وقضى أولا ثم زعم أحد الشاهدين أن الثوب له أو لأبيه وورثه هو عنه لا يسمع دعواه لما قلنا.
ولو قال عند الشهادة هذا الثوب باعه منه هذا لكنه لي أو لأبي ورثته عنه يقضى بالبيع ويسمع دعوى
الشاهد، فإذا برهن على مدعاه قضى له لانعدام التناقض، ولو قال قولا ولم يؤديا الشهادة ثم ادعاه

247
لنفسه أو أنه لأبيه وكله بالطلب يقبل، وكذا إذا شهد به الاستئجار أو الاستيداع أو الاستيهاب أو
الاستعارة من المدعي بطل دعواه لنفسه أو لغيره وسواء طلب تحقيق هذه العقود المدعي من المدعى عليه
أو غيره، لو ساوم ثم ادعاه مع الآخر يقبل في نصيب الآخر، ولا يقبل في نصيب المساوم، ومساومة
الابن لا تمنع دعوى الأب، لكن بعد موت الأب لا يملك الدعوى، وإن كان الأب ادعاه وقضى له
به أخذه الابن، وقبل القضاء لا لما مر آنفا ولو برهن.
وفي الأقضية: ساوم ولد جارية أو زرع أرض أو ثمرة نخل ثم برهن على أن الأصل ملكه
تقبل، وإن ادعى الفرع مع الأصل يقبل في حق الأصل لا الفرع، فعلى هذا لو ادعى شجرا فقال
المدعى عليه ساومني ثمره أو اشترى مني لا يكون دفعا لجواز أن يكون الشجر له والثمر لغيره.
وفي الخزانة: ادعى عليه شيئا فقال اشتريته من فلان وأجزت البيع لا يكون دفعا، لان الانسان
قد يجيز بيع الغير ملك الغير.
وفي المحيط: برهن على أن هذا الكرم له فبرهن المدعى عليه أنه كان آجر منه نفسه في عمل هذا
الكرم يندفع.
وفي المنتقى: استأجر ثوبا ثم برهن أنه لابنه الصغير تقبل. قال القاضي هذه على الرواية التي
جعل الاستئجار ونحوه إقرارا بعدم الملك له، فعدم كونه ملكا يمنع كونه ملكا لغيره، فجاز أن ينوب
عن الغير. فأما على الرواية التي تكون إقرارا بأنه ملك للمطلوب لا تسمع الدعوى لغيره كما لا تسمع
لنفسه ا ه‍. قوله: (مائة ودرهم) وكذا لو قال مائة ودرهمان أو مائة وثلاثة دراهم كما في الخانية:
وعليه التعليل الآتي، وأراد بدرهم مال مقدر فشمل الدينار وسائر الموزونات والمكيل.
والحاصل: أنه إذا ذكر بعد عقد من الاعداد شئ من المقدرات أو عدد مضاف نحو مائة
وثلاثة أثواب أو أفراس يكون بيانا، وإلا فلا يكون بيانا كما في المنبع. قوله: (كلها دراهم) أي فيلزمه مائة
درهم ودرهم في قوله له علي مائة ودرهم. قال في المختار: ولو قال له علي مائة ودرهم فالكل
دراهم وكذا كل ما يكال ويوزن.
واعلم أن صاحب الدرر ذكر مميز المائة بصيغة الجمع، ولفظه إذا قال له علي مائة ودرهم لزمه
مائة دراهم ودرهم، وتعقبه عزمي بأن الصواب مائة درهم بالافراد، واستدل بما في المقدمة الحاجبية
حيث قال: ومميز مائة وألف مخفوض مفرد ا ه‍. واعترضه أيضا عبد الحليم بأن الألف في دراهم من
طغيان القلم، لان مميز مائة مفرد لا غير، وأجاب شيخ المولى أبو السعود بأن دعوى التصويب ساقطة،
وما ذكره ابن الحاجب في المقدمة هو الكثير، وما وقع لصاحب الدرر حيث أضاف المائة إلى الجمع
قليل، وليس بخطأ، ومنه قراءة حمزة والكسائي: * ((18) ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين) * (الكهف: 52)
بإضافة مائة إلى سنين.
والحاصل أن العدد المضاف على قسمين: أحدهم ما لا يضاف إلا إلى جمع وهو ثلاثة إلى
عشرة. والثاني: ما لا يضاف كثيرا إلا إلى مفرد وهو مائة وألف وتثنيتهما نحو مائتا درهم وألف درهم
الخ. قوله: (وكذا المكيل والموزون) كمائة وقفيز حنطة أو رطل كذا، ولو قال له نصف درهم ودينار
وثوب فعليه نصف كل منها، وكذا نصف هذا العبد وهذه الجارية، لان الكلام كله وقع على شئ

248
بغير عينه أو بعينه فينصرف النصف إلى الكل، بخلاف ما لو كان بعضه غير معين كنصف هذا الدينار
ودرهم يجب عليه نصف الدينار والدرهم كله. قال الزيلعي.
وأصله: أن الكلام إذا كان كله على شئ بعينه أو كان كله على شئ بغير عينه فهو كله على
الانصاف، وإن كان أحدهما بعينه والآخر بغير عينه فالنصف على الأول منهما. شرنبلالية. لكن قال
العلامة المقدسي بعد أن عزا وجوب كل الدرهم للتبيين: فيه أن هذا على تقدير خفض الدرهم مشكل،
وأما في الرفع والسكون فمسلم ا ه‍.
وأقول: لا إشكال على لغة الجواز، على أن الغالب على الطلبة عدم اعتبار الاعراب: أي فضلا
عن العوام، ولكن الأحوط الاستفسار فإن الأصل براءة الذمة فلعله قصد الجر. تأمل. قوله:
(استحسانا) والقياس أن يلزمه المعطوف ويرجع في بيان المعطوف عليه إليه، وبالقياس أخذ الإمام الشافعي
رحمه الله تعالى. قوله: (وفي مائة ثوب) نحو مائة وشاة ومائة وعبد. قوله: (لأنها مبهمة) قال
في التبيين: وجه الاستحسان أن عطف الموزون والمكيل على عدد مبهم يكون بيانا للمبهم عادة، لان
الناس استثقلوا تكرار التفسير وهو الدرهم عند كثرة الاستعمال، وذلك فيما يجري فيه التعامل وهو ما
يثبت في الذمة وهو المكيل والموزون، لأنها تثبت دينا في الذمة سلما وقرضا وثمنا، واكتفوا بذكره مرة
لكثرة أسبابه ودورانه في الكلام، بخلاف الثياب وغيرها مما ليس من المقدرات: أي مما لا يكال ولا
يوزن، لأنها لا يكثر التعامل بها لعدم ثبوتها في الذمة جميع المعاملات والثياب، وإن ثبتت في الذمة في
السلم والنكاح إلا أنهما لا يكثرن كثرة القرض والثمن، فلم يستثقلوا ذكرها لعدم دورانها في الكلام
والاكتفاء بالثاني للكثرة ولم توجد فبقي على القياس، بخلاف قوله مائة وثلاثة أثواب حيث يكون
الأثواب تفسيرا للمائة أيضا، ويستوي فيه المقدرات وغيرها، لأنه ذكر عددين مبهمين وأعقبهما تفسيرا
فينصرف إليهما فيكون بيانا لهما، وهذا بالاجماع لان عادتهم جرت بذلك، ألا ترى أنهم يقولون أحد
وعشرون وثلاثة وخمسون درهما فينصرف التفسير إليهما لاستوائهما في الحاجة إليه ا ه‍.
قال أبو السعود: والمتقارب الذي لا تختلف آحاده بالكبر والصغر كالمكيل والموزون. قوله: (وفي
مائة وثلاثة أثواب) أو دراهم أو شياه. قوله: (كلها ثياب) لأنه ذكر عددين مبهمين وأردفها بالتفسير
فصرف إليهما لعدم العاطف، وهذا بالاجماع. قوله: (خلافا للشافعي) ظاهر كلامه أن مخالفته في هذه
المسألة فقط، وليس كذلك قال العيني: وعند الشافعي ومالك تفسير المائة إليه في الكل، وعند أحمد:
المبهم من جنس المفسر في الفصلين ا ه‍. ونحوه في الدرر. قوله: (لم تذكر بحرف العطف) بأن يقول
مائة وأثواب ثلاثة كما في مائة وثوب. قوله: (فانصرف التفسير) أي بالأثواب. قوله: (إليهما) يعني
أنها تكون تفسيرا لهما لاستواء المعطوف والمعطوف عليه في الحاجة إلى التفسير. قوله: (تلزمه الدابة
فقط) لان غصب العقار لا يتحقق عندهما، وعلى قياس قول محمد يضمنهما. قوله: (والأصل أن ما
يصلح ظرفا إن أمكن نقله) كتمر في قوصرة لزماه، ومثله طعام في جوالق أو في سفينة. قوله:

249
(لزماه) لان الاقرار بالغصب إخبار عن نقله، ونقل المظروف حال كونه مظروفا لا يتصور إلا بنقل
الظرف فصار إقرارا بغصبهما ضرورة، ويرجع في البيان إليه لأنه لم يعين. هكذا قرر في غاية البيان
وغيرها هنا وفيما بعده، وظاهره قصره على الاقرار بالغصب، ويؤيده ما في الخانية: له علي ثوب أو
عبد صح، ويقضي بقيمة وسط عند أبي يوسف، وقال محمد: القول له في القيمة ا ه‍.
وفي البحر والأشباه: لا يلزمه شئ ا ه‍. ولعله قول الإمام، فهذا يدل على أن ما هنا قاصر على
الغصب، وإلا لزمه القيمة أو لم يلزمه شئ، ثم رأيته في الشرنبلالية عن الجوهرة حيث قال: إن
أضاف ما أقربه إلى فعل بأن قال غصبت منه تمرا في قوصرة لزمه التمر والقوصرة وإلا يضفه إلى فعل،
بل ذكره ابتداء وقال له علي تمر في قوصرة فعليه التمر دون القوصرة، لان الاقرار قول والقول يميز
البعض دون البعض، كما لو قال بعت له زعفرانا في سلة. ا ه‍. ولله تعالى الحمد، ومثله في حاشية أبي
السعود على منلا مسكين، ولعل المراد بقوله فعليه التمر: قيمته. تأمل ا ه‍. سيدي الوالد رحمه الله
تعالى.
أقول: ولعل عليه التمر لا قيمته لأنه مثلي. تأمل. قوله (وإلا لزم المظروف فقط) وهذا
عندهما، لأن الغصب الموجب للضمان لا يتحقق في غير المنقول، ولو ادعى أنه لم ينقل لم يصدق لأنه
أقر بغصب تام لأنه مطلق فيحمل على الكمال. قوله: (خلافا لمحمد) بناء على غصب الغائب العقار
فعندهما غير متصور، فيكون الاقرار بالمظروف فقط، وعنده متصور فيكون إقرارا بالظرف والمظروف.
قوله: (وإن لم يصلح) أي ما جعل ظرفا صورة وهو قوله في درهم، والدرهم لا يصلح أن يكون
ظرفا للدرهم فيكون قوله في درهم لغوا ويلزمه درهم فقط. قوله: (في خيمة) فيه أن الخيمة لا تسمى
ظرفا حقيقة، والمعتبر كونه ظرفا حقيقة كما في المنح. قوله: (فليحرر) هو ظاهر الحكم أخذا من
الأصل، ويدل عليه ما يأتي متنا وهو قوله ثوب في منديل أو ثوب، بل هنا أولى.
وفي غاية البيان: ولو قال غصبتك كذا في كذا والثاني مما يكون وعاء للأول لزماه، وفيها: ولو
قال علي درهم في قفيز حنطة لزمه الدرهم فقط وإن صلح القفيز ظرفا، بيانه ما قال خواهر زاده: إنه
أقر بدرهم في الذمة وما فيها لا يتصور أن يكون مظروفا في شئ آخر ا ه‍. ونحوه في الأسبيجابي.
واستظهر سيدي الوالد رحمه الله تعالى أن هذا في الاقرار ابتداء، أما في الغصب فيلزمه الظرف
أيضا كما في غصبته درهما في كيس بناء على ما قدمناه ويفيده التعليل، وعلى هذا التفصيل درهم في
ثوب. تأمل. قوله: (وبخاتم) بأن يقول هذا الخاتم لك. قوله: (تلزمه حلقته) الحلقة بسكون اللام في
حلقة الباب وغيره، والجمع حلق بفتحتين على غير قياس. وقال الأصمعي بكسر الأولى كقصعة وقصع
وبدرة وبدر، وحكى يونس عن ابن العلاء أن الفتح لغة في السكون ط. قوله: (وفصه) هو ما يركب
في الخاتم من غيره. وفي القاموس: الفص للخاتم مثلثة، والكسر غير لحن. قوله: (جميعا) لان اسم
الخاتم يشملهما، ولهذا يدخل الفص في بيع الخاتم من غير تسمية. ط عن الشلبي. قوله: (جفنه)

250
بفتح الجيم غمده وقرابه. قوله: (وحمائله) جمع حمالة بكسر الحاء علاقته ط. وهي ما يشد به السيف
على الخاصرة قطعة جلد، ونحوها قال الأصمعي: لا واحد لها من لفظها، وإنما واحدها محمل.
عيني. قوله: (ونصله) حديده لان اسم السيف يطلق على الكل. قوله: (بيت مزين بستور وسرر)
ومقتضى هذا التفسير أن يلزم البيت أيضا وفي الحموي: وقيل يتخذ من خشب وثياب وهو ظاهر،
وفي العيني: هو بيت يزين بالثياب والأسرة والستور، ويجمع على حجال. قال منلا مسكين: واسمه
بشخانه، وقيل خرشمانه ا ه‍. ويقال لها الآن: الناموسية، والظاهر لزومها لأنها من مفهومها، وصدق
الاسم على الكل كما لزمته العلاقة لصدق السيف عليها، ويمكن الفرق بالاتصال وعدمه. تأمل.
قوله: (العيدان) بضم النون جمع عود كدود جمعه ديدان والدود جمع دودة. صحاح. قوله: (في
قوصرة) بالتشديد وقد تخفف. مختار الصحاح. قال صاحب الجمهرة: أما القوصرة فأحسبها دخيلا،
وقد روى:
أفلح من كانت له قوصره * يأكل منها كل يوم مره
ثم قال: ولا أدري ما صحة هذا البيت ا ه‍. وهي وعاء التمر منسوج من قصب، ويسمى بها ما
دام التمر فيها، وإلا فهي تسمى بالزنبيل كما في المغرب.
أقول: والزنبيل معروف، ويسمى في عرف الشام قفة، فإذا كسرته شددت (1) فقلت زنبيل،
لأنه ليس في الكلام فعليل بالفتح. كذا في الصحاح. بقي أن يقال: مقتضى قوله فإذا كسرته الخ يفيد
جواز الفتح، وقوله لأنه ليس في كلام العرب الخ يقضى عدم جوازه، وعبارة القاموس تفيد جوازه
مع القلة. قوله: (جوالق) كصحائف جمع جولق بكسر الجيم واللام وبضم الجيم وفتح اللام وكسرها
وعاء معروف. قاموس: أي وهو العدل. قوله: (أو ثوب في منديل) لأنه ظرف له، وهو ممكن حقيقة
فيدخل فيه على ما بينا. زيلعي والمنديل بكسر الميم. قال في المغرب: تمندل بمنديل خيش أي شده
برأسه، ويقال تمندلت بالمنديل وتمندلت: أي تمسحت به حموي. قوله: (يلزمه الظرف كالمظروف لما
قدمناه) أي من أن الصالح للظرفية حقيقة إن أمكن نقله لزماه، وإلا لزم المظروف فقط عندهما، وكذا
لو أقر بأرض أو دار يدخل البناء والأشجار إذا كانا فيهما حتى لو أقام المقر بينة بعد ذلك أن البناء
والأشجار والفص والجفن والعيدان لي لم يصدق ولم تقبل بينته كما في المنبع وغيره، بخلاف ما لو قال
هذه الدار لفلان إلا بناؤها فإنه لي، وكذا في سائرها، وإن لم يصح الاستثناء، ويكون الكل للمقر له،
إلا أنه لو أقام البينة تقبل كما في الخانية. قوله: (لا تلزمه القوصرة) لان من للانتزاع فكان إقرارا
بالمنتزع. قوله: (كثوب في عشرة وطعام في بيت) هو على قولهما، وقياس محمد لزومهما. قوله:



(1) قوله: (شددت الخ) كذا بالأصل ونص الصحاح والزنبيل معروف فإذا كسرته شددت فقلت زبيل أو ونبيل الخ تأمل ا ه‍
مصححه.
(2) قوله: (خيش) هكذا بالأصل فليحرر.
251
(فليلزمه المظروف فقط) عندهما وألزمه محمد الكل لان النفيس قد يلفت في عشرة، ونوقض بما لو
قال كرباس في عشرة حريرا. قوله: (لا تكون ظرفا لواحد عادة) والممتنع عادة كالممتنع حقيقة. وفي
قد تأتي بمعنى بين أي على معنى البين والوسط مجازا كقوله تعالى: * ((89) فادخلي في عبادي) * (الفجر: 92)
فوقع الشك والأصل براءة الذمة والمال لا يجب مع الاحتمال، وفي كلام الشرح أن في الآية بمعنى
مع. قوله: (وعنى معنى على) لان غصب الشئ من محل لا يكون مقتضيا غصب المحل كما في النهاية
عن المبسوط. زيلعي في تعليل قوله بخلاف ما إذا قال غصبت إكافا على حمار حيث يلزمه الاكاف دون
الحمار، لان الحمار مذكور لبيان محل المغصوب حين أخذه فيقال هنا إذا قال خمسة في خمسة، وعنى
على فقد أقر باغتصاب خمسة مستقرة على خمسة، فالمغصوب هو الخمسة المستقرة والخمسة المستقر عليها
مذكور لبيان محل المغصوب حين أخذه، وغصب الشئ من محل لا يكون مقتضيا بالغصب المحل.
تأمل. قوله: (أو الضرب خمسة) لان أثر الضرب في تكثير الاجزاء لا في تكثير المال درر.
قال في الولوالجية: إن عني بعشرة في عشرة الضرب فقط أو الضرب وتكثير الاجزاء فعشرة،
وإن نوى بالضرب تكثير العين لزمه مائة. قوله: (لما مر) أي في الطلاق من أن الضرب يكثر الاجزاء
لا المال، فإذا قلت: خمسة في خمسة تريد به أن كل درهم من الخمسة مثلا خمسة أجزاء.
وفي الولوالجية: أي فيما إذا قال له على عشرة في عشرة إن نوى الضرب إن قال نويت تكثير
الاجزاء لا يلزمه إلا عشرة، وإن نوى تكثير العين لزمه مائة، وإن نوى الضرب ولم ينو شيئا آخر لزمه
عشرة حملا على نية الاجزاء، وهذا يقتضي ثبوت خلاف في هذه الصورة ونحوها، ومعلوم أن ذلك
عند التجاحد، أما عند الاتفاق فالامر ظاهر. قوله: (وألزمه زفر بخمسة وعشرين) وهو قول الحسن
بن زياد، وفي الشارح. وقال زفر: عليه عشرة، فلعل عن زفر روايتين: وفي التقريب ذكر أن مذهب
زفر مثل قول الحسن كما ذكره العيني مخالفا للزيلعي.
قال في التبيين: وقال زفر عليه عشرة وقال الحسن بن زياد خمسة وعشرون لعرف الحساب،
لأنهم يريدون به ارتفاع أحد العددين بقدر العدد الآخر، ولزفر أن حرف في يستعمل بمعنى مع، وإن
ما يراد به ارتفع أحد العددين بقدر الآخر عند الخواص من الناس فتعين المجاز المتعارف بين الناس،
وقلنا: لما تعذرت الحقيقة وهي الظرفية لغا، ولا يصار إلى المجاز لان المجاز متعارض لأنها تستعمل
بمعنى الواو وبمعنى مع وبمعنى على، وليس حملها على البعض أولى من البعض فلغت ا ه‍ ملخصا.
قوله: (وعشرة إن عنى مع) لان اللفظ يحتمل المعية فقد نوى محتمل كلامه فيصدق، وفي البيانية على
درهم مع درهم أو معه درهم لزماه، وكذا قبله أو بعده، وكذا درهم فدرهم أو ودرهم، بخلاف
درهم على درهم، أو قال درهم درهم، لان الثاني تأكيد، وله علي درهم في قفيز بر لزمه درهم،
وبطل القفيز كعكسه، وكذا له فرق زيت في عشرة مخاتيم حنطة ودرهم ثم درهمان لزمه ثلاثة ودرهم
بدرهم واحد لأنه للبدلية ا ه‍ ملخصا.
وفي الحاوي القدسي: له علي مائة ونيف لزمه مائة والقول له في النيف، وفي قريب من ألف
عليه أكثر من خمسمائة والقول له في الزيادة. قوله: (كما مر في الطلاق) من أنه لو قال أنت طالق

252
واحدة في ثنتين طلق واحدة إن لم ينو أو نوى الضرب، وإن نوى واحدة وثنتين فثلاث، وإن نوى مع
الثنتين فثلاث، وبثنتين في ثنتين بنية الضرب ثنتان، وإن نوى الواو أو مع كما مر وكذا يقال مثله في
مسألتنا، فلو قال له علي عشرة في عشرة إن نوى الضرب بأن قال نويت تكثير الاجزاء لا تلزمه إلا
عشرة، وإن نوى تكثير العين لزمه مائة، وإن نوى الضرب ولم ينو شيئا آخر لزمه عشرة حملا على نية
الاجزاء كما في الولوالجية، وهذا يقتضي ثبوت خلاف في هذه الصورة ونحوها، لان ذلك عند
التجاحد، أما عند الاتفاق فالامر ظاهر كما مر قريبا تأمل. قوله: (تسعة) أي عند الامام وعندهما
عشرة وعند زفر ثمانية، وهو القياس لأنه جعل الدرهم الأول والآخر حدا والحد لا يدخل في
المحدود، ولهما أن الغاية يجب أن تكون موجودة إذ المعدوم لا يجوز أن يكون حدا للموجود ووجوده
بوجوبه فتدخل الغايتان، وله أن الغاية لا تدخل في المغيا لان الحد يغاير المحدود، لكن هنا لا بد من
إدخال الأولى لان الدرهم الثاني والثالث لا يتحقق بدون الأول، فدخلت الأولى ضرورة ولا ضرورة
في الثانية. درر.
وفي المنح: ولأن العدد يقتضي ابتداء، فإذا أخرجنا الأول من أن يكون ابتداء صار الثاني هو
الأول فيخرج هو أيضا من أن يكون ابتداء كالأول، وكذا الثالث والرابع الخ فيؤدي إلى خروج الكل
من أن يكون واجبا وهو باطل ا ه‍.
والمراد بالغاية الثانية المتمم للمذكور، فالغاية في العشرة العاشر وفي الألف الآخر الأخير (1)
وهكذا، فما قاله أبو حنيفة في الغاية الأولى: استحسان، وفي الثانية: قياس، وما قالاه في الغايتين
استحسان، وما قاله زفر فيهما قياس كما في قاضي زاده. قوله: (بخلاف الثانية) أي ما بعد إلى فإن
للتسعة وجودا بدون العاشر فلا دليل على دخوله فلا يدخل بالشك. قوله: (وما بين الحائطين) أي
بخلاف ما بين الحائطين: أي لو قال: له في داري من هذا الحائط إلى هذا الحائط فإنهما لا يدخلان في
الاقرار، لان الغاية لا تدخل في المغيا في المحسوس ولا المبدأ، بخلاف ما تقدم، وبخلاف المعدوم
فإنه لا يصلح حدا إلا بوجوده ووجوده بوجوبه، ومن ذلك لو وضع بين يديه عشرة دراهم مرتبة فقال
ما بين هذا الدرهم إلى هذا الدرهم وأشار إليهما لفلان لم يدخل الدرهمان تحت الاقرار بالاتفاق كما في
المنيع. قوله: (فلذا قال) أي لما كان في المعدود تدخل الغاية الأولى دون الثانية. قال: وفي له كر حنطة
الخ لان الكر معدود بالقفيز عادة، فكأنه قال من قفيز إلى تمام القفزان من قفيزي حنطة وشعير،
فتدخل الغاية الأولى ولا يدخل القفيز الأخير من كر الشعير، لأنه ذكر الشعير بعد إلى فيلزمه كر حنطة
وكر شعير إلا قفيزا. قال في المنح: لان القفيز الأخير من الشعير هو الغاية الثانية، وعندهما: يلزمه
الكران. قوله: (إلا قفيزا) من شعير. قال القدوري في التقريب: قال أبو حنيفة: فمن قال لفلان علي
ما بين كر شعير إلى كر حنطة لزمه كر شعير وكر حنطة إلا قفيزا، ولم يجعل الغاية جميع الكر لان العادة
أن الغاية لا تكون أكثر الشئ ولا نصفه، والكر عبارة عن جملة من القفزان فوجب أن يصير الانتهاء



(1) قوله: (الآخر الأخير) لعله الفرد الأخير كما سيأتي في هذه الصحيفة.
253
إلى واحد منها ا ه‍. شلبي عن الاتقاني. ومثل هذا يقال في مسألة المصنف. ونقل الشلبي أيضا عن
قاضيخان: لو قال له علي بين مائة إلى مائتين في قول أبي حنيفة: يلزمه مائة وتسعة وتسعون فتدخل
فيه الغاية الأولى دون الثانية. ولو قال من عشرة دراهم إلى عشرة دنانير فعنده تلزمه الدراهم وتسعة
دنانير، وعندهما الكل. ذكره الزيلعي عن النهاية وانظر ما وجه لزوم الكر من الشعير إلا قفيزا مع أنه
جعل الغاية نفس الكر. قوله: (لما مر) أي من أن الغاية الثانية لا تدخل لعدم الضرورة، والغاية الأولى
داخلة لضرورة بناء العدد عليها.
واعلم أن المراد بالغاية الثانية المتمم للمذكور، فالغاية في إلى عشرة العاشر، وفي إلى ألف الفرد
الأخير، وهكذا على ما يظهر لي.
قال المقدسي: ذكر الاتقاني عن الحسن أنه لو قال من درهم إلى دينار لم يلزمه الدينار، وفي
الأشباه علي من شاة إلى بقرة لم يلزمه شئ سواء كان بعينه أو لا، ورأيت معزيا لشرحها قال أبو
يوسف: إذا كان بغير عينه فهما عليه ولو قال ما بين درهم إلى دراهم فعليه درهم عند أبي حنيفة
ودرهمان عند أبي يوسف، سائحاني. قوله: (له ما بينهما فقط) أي دون الحائطين لقيامهما بأنفسهما
شرنبلالية عن البرهان، وعلل المسألة في الدرر تبعا للزيلعي بقوله: لما ذكرنا أن الغاية لا تدخل في
المغيا ا ه‍. ولا يخفى ما فيه بالنسبة للمبدأ لدخوله فيما سبق، بخلاف ما هنا، ولهذا زاد العيني على ما
اقتصر عليه الزيلعي حيث قال: لان الغاية لا تدخل في المحسوس ولا المبدأ، بخلاف ما تقدم ا ه‍.
وقدمناه قريبا قوله: (لما مر) هو لم يقدم له تعليلا، وإنما ذكر مخالفته لقوله من درهم إلى عشرة أو بين
درهم إلى عشرة، وقد ذكره في المنح بقوله: بخلاف ما ذكر من المحسوس لأنه موجود فيصلح حدا
فلا يدخلان ا ه‍. والمحسوس هو هذه المسألة ط. قوله: (وصح الاقرار بالحمل) سواء كان حمل أمة أو
غيرها بأن يقول حمل أمتي أو حمل شاتي لفلان، وإن لم يبين له سببا، لان لتصحيحه وجها وهو الوصية
من غيره، كان أوصى رجل بحمل شاة مثلا لآخر ومات فأقر ابنه بذلك فحمل عليه. حموي. قوله
(المحتمل) اسم فاعل من احتمل: أي يصح أن يحمل عليه لفظ الوجود فيقال: هذا الحمل موجود وهو
أعم من كونه لأنه ماله أولا (1)، فإنها إذا ولدت بعده لدون نصف حول كان موجودا. محققا ولدون
حولين لو معتدة غير محقق، لكنه ممكن، ويمكن أن يقال: إنه محقق شرعا لثبوت نسبه. كذا غير
الآدمي إذا قدر بأدنى مدة الحمل المتصورة فيه كان محققا وجوده، فلو قال المعلوم وجوده أو المحتمل
كما في التبيين لكان أظهر، واستغنى عن التكلف، واقتصر على المعلوم وجوده لما علم في مسألة
المعتدة أنه معلوم شرعا، ولعل أصل العبارة كالتبيين فسقط لفظ المعلوم من قلم الناسخ مع أنه يرد على
قوله المحتمل ما لو جاءت به المزوجة لدون سنتين، فإنه محتمل وجوده بمعنى الامكان، مع أنه لا
يصح الاقرار به حينئذ فتعين الاقتصار على قولنا لمعلوم وجوده، ويدخل فيه ولد المعتدة لدون السنتين



(1) قوله: (لان ماله أولا) هكذا بالأصل ولتحرر هذه العبارة.
254
كما علمت. قوله: (بأن تلد) أي الأمة. قوله: (لدون نصف حول لو مزوجة) وإنما كان كذلك لما
تقرر أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأكثرها سنتان، فإذا كانت مزوجة وجاءت بالولد لأقل من ستة
أشهر علم أنه موجود وقت الاقرار وكونه ابن الزوج لا يمنع الاقرار به لغيره، لان ولد الأمة رقيق
كما في الدرر. قوله: (أو لدون حولين لو معتدة) أي لو كانت معتدة فجاءت به لأقل من حولين
يصح الاقرار به للعلم بوجوده وقت الاقرار. قوله: (لثبوت نسبه) أي أنه لما حكم الشارع بثبوت نسبه
من المطلق كان حكما بوجوده وقت الاقرار به. قوله: (ولو الحمل غير آدمي) كحمل الشاة مثلا بأن
قال حمل شاتي لفلان كما مر بشرط أن يتيقن بوجوده وقت الاقرار. قوله: (ذلك) أي الحمل ولا
حاجة إليه، لان الموضع للاضمار. قوله: (لكن في الجوهرة) الاستدراك على ما تضمنه الكلام السابق
من الرجوع إلى أهل الخبرة إذ لا يلزم فيما ذكر.
مطلب: أقل مدة الحمل للآدمي وغيره
قوله: (أقل مدة حمل الشاة الخ) سيأتي في كتاب الوصايا نقلا عن القهستاني أن أقل مدة الحمل
للآدمي ستة أشهر، وللفيل أحد عشر، وللإبل وللخيل والحمير سنة، وللبقر تسعة أشهر، وللشاة
خمسة أشهر، ومثله المعز، وللسنور شهران، وللكلب أربعون يوما وللطير إحدى وعشرون يوما.
قوله: (وصح له) أي للحمل المحتمل وجوده وقت الاقرار بأن جاءت به لدون نصف حول أو
لسنتين: أي وهي زوجة حلال وأبوه ميت، أما لو جاءت به لسنتين وأبو حي ووطئ الام له حلال
فالاقرار باطل، لأنه يحال بالعلوق إلى أقرب الأوقات، فلا يثبت الوجود وقت الاقرار لا حقيقة ولا
حكما. بيانية وكفاية. قوله: (إن بين سببا صالحا يتصور للحمل) أي يتصور ثبوته للحمل: أي بأن
بين سببا صالحا لثبوت الحكم له. قوله: (كالإرث والوصية) الكاف استقصائية لانحصار السبب
الصالح فيهما. قوله: (فورثه) الحمل واستهلكت من مال المورث ألفا مثلا. قوله: (وإلا) أي وإن لم
يبين سببا صالحا بأن لم يبين سببا أصلا، أو بين سببا غير صالح لا يصح الاقرار بل بلغو كما يأتي
قريبا. قوله: (كما يأتي) أي في قوله وإن فسره الخ. قوله: (لأقل من نصف حول) أي بأن كانت
ذات زوج أو لأقل من سنتين إن كانت معتدة، فإن ولدته لأكثر من ستة أشهر لم يستحق شيئا حموي.
ومثله في ابن الكمال. قوله: (وإن ولدت حيين) أي ذكرين أو أنثيين. قوله: (فلهما) لان مجموعهما
هو الحمل وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره فالموروث أو الموصى به، وقوله نصفين نصب على الحال من
الضمير في الخبر: أي فهو لهما نصفين. قوله: (فكذلك) أن نصفان في الوصية، لان المال للحمل
وهو مجموعهما،، ولا أرجحية لأحدهما على الآخر فيه. قوله: (بخلاف الميراث) فإن فيه للذكر مثل

255
مثل حظ الأنثيين. قوله: (لورثة ذلك) لا حاجة إلى اسم الإشارة. قوله: (الموصي والمورث) عبارة
البحر: وإن ولدت ميتا يرد إلى ورثة الموصي أو ورثة أبيه ا ه‍.
قال العلامة الرملي: أقول يعني إذا قال المقر أوصى له به فلان ثم ولد ميتا فإنه يرد إلى ورثة
الموصي الذي قال المقر: إنه أوصى للحمل، وقوله أو ورثة أبيه: يعني إن قال المقر مات أبوه فورثه
فإنه يرد إلى ورثة أبيه إن ولد ميتا عملا بقول المقر في المسألتين. قوله: (لعدم أهلية الجنين) أي لان
هذا الاقرار في الحقيقة لهما: أي للموصي والمورث، وإنما ينتقل للجنين بعد ولادته حيا، ولم ينفصل
حيا فيكون لورثتهما كما في الدرر.
والحاصل: أن الحمل لا يكون أهلا لان يرث ويورث، ويستحق الوصية إلا إذا خرج أكثره
حيا. قوله: (كهبة) أي للحمل فإنها لا تصح له لان حكمها ثبوت الملك للموهوب له والحمل لا
يملك قوله: (أو بيع أو إقراض) بأن قال الحمل: باع مني أو أقرضني درر. إذ لا يتصور شئ منه
من الجنين لا حقيقة وهو ظاهر، ولا حكما لأنه لا يولى عليه. قوله: (أو أبهم الاقرار ولم يبين سببا)
بأن قال لحمل فلانة كذا. قوله: (لغا) أي بطل فلا يلزمه شئ أيضا عند أبي يوسف، لان مطلق
الاقرار ينصرف إلى الاقرار بسبب التجارة، ولهذا حمل إقرار المأذون وأحد المتفاوضين عليه فيصير كما
إذا صرح به ولا يصح، فكذا هذا. درر قوله: (وحمل محمد المبهم على السبب الصالح) لأنه يحتمل
الجواز والفساد، ولأن الاقرار إذا صدر من أهله مضافا إلى محله كان حجة يجب العمل بها، ولا نزاع
في صدوره من أهله لأنه هو المفروض وأمكن إضافته إلى محله بحمله على السبب الصالح حملا لكلام
العاقل على الصحة، كالعبد المأذون إذا أقر بدين فإن إقراره وإن احتمل الفساد بكونه صداقا أو دين
كفالة والصحة بكونه من التجارة كان صحيحا تصحيحا لكلام العاقل. عناية وأبو يوسف يبطله، لان
لجوازه وجهين: الوصية، والإرث، ولبطلانه وجوها وليس أحدهما بأولى من الآخر، فحكم بالفساد،
نظيره: لو شرى عبدا بألف ثم قبل النقد باعه وعبدا آخر من البائع بألف وخمسمائة وقيمتهما سواء فإنه
يبطل، وإن أمكن جوازه بأن يجعل الألف أو أكثر حصة المشتري، والباقي حصة الآخر زيلعي. وفيه
نظر، إذ لا نسلم أن تعدد جهة الجواز توجب الفساد لم لا يكفي في صحة الحمل على الجواز صلاحية
فرد من الوجهين، وإن لم يتعين خصوصية، ألا ترى أن جهالة نفس المقر به لا تمنع صحة الاقرار اتفاقا
فكيف تمنعها جهالة سبب المقر به. حموي عن قاضي زاده، وهذا ترجيح منه لقول محمد، ويقوي بحث
قاضي زاده ما ذكره في الشرنبلالية حيث قال: ولقائل أن يقول قد تقدم من الزيلعي في الاقرار
بالمجهول أنه إذا لم يبين السبب يصح، ويحمل على أنه وجب عليه بسبب تصح معه الجهالة، فما الفرق
بينه وبين ما ذكر هنا من عدم حمله على السبب الموجب للصحة، على قول القائل به، وفي كل احتمال
الفساد والصحة ا ه‍.
وفي التبيين: ولا يقال إن ظاهر إقرار يقتضي الوجوب، فكيف يقدر على إبطاله ببيان سبب
غير صالح، والابطال رجوع عن الاقرار، وهو يملك الرجوع لأنا نقول ليس برجوع وإنما هو بيان

256
سبب يحتمل، لأنه يحتمل أن أحدا من أوليائه باعه منه فحسب أن ذلك صحيح فيقر به ويضيفه إلى
الجنين مجازا ا ه‍ ملخصا. ثم على قول محمد: إذا صح الاقرار مع إيهام السبب ثم ولد الحمل ميتا أو لم
يوجد حمل لمن يرد المقر به يراجع. وأفاد في الزيلعي والعناية أنه تحصل أن للمسألة ثلاث صور: إما
أن يبهم الاقرار فهو على الخلاف، وإما أن يبين سببا صالحا فيجوز بالاجماع، وإما أن يبين سببا غير
صالح فلا يجوز بالاجماع، فإن قيل: ظاهر إقراره يقتضي الوجوب، فكيف يقدر على إبطاله ببيان سبب
غير صالح، والابطال رجوع وهو في الاقرار لا يصح؟
أجيب: بأنه ليس برجوع بل ظهور كذبه يبقين كما لو قال: قطعت يد فلان عمدا أو خطأ ويد
فلان صحيحة ا ه‍. ثم قال المنلا عبد الحليم: وقيل أبو حنيفة مع أبي يوسف، واختار صاحب الهداية
قول أبي يوسف على ما هو دأبه في ترتيب المسائل، وتبعه صاحب الوقاية حيث ترك قول محمد رأسا
إشارة إلى رجحان قول أبي يوسف، وعليه أكثر الشراح حيث قووا دليله ا ه‍. ثم قال: فظهر أن قول
أبي يوسف هو المختار وأقوى، وإن من قال ولم نظفر فيما عندي من المعتبرات ما يرجح قول أحدهما
على قول الآخر أظهر عدم تتبعه كما لا يخفى ا ه‍. قوله: (فإنه صحيح) لان الاقرار لا يتوقف على
القبول ويثبت الملك للمقر له من غير تصديق، لكن بطلانه يتوقف على الابطال كما في الأنقروي،
وأما الاقرار للصغير فلا يتوقف على تصديقه، فيصير الشئ المقر به له ملكا له بمجرد الاقرار، ولا
يصح إقرار المقر بعد ذلك للغير كما قدمناه عن الخير الرملي موضحا فراجعه إن شئت. قوله: (لان هذا
المقر الخ) قال العلامة الاتقاني: بخلاف ما لو أقر لرضيع أن عليه ألف درهم بالبيع أو الإجارة، لان
الرضيع من أهل أن يستحق الدين بهذا السبب بتجارة وليه، لأنه يتجر له إن كان لا يتجر هو بنفسه،
بخلاف الجنين ا ه‍. أي فإنه لا يلي أحد عليه. قال بعض الفضلاء، الفرق بين الرضيع والحمل حيث
جاز الاقرار للأول، وإن بين أنه قرض أو ثمن مبيع، ولم يجز للثاني لأنه لا يتصور البيع مع الجنين ولا
يلي عليه أحد، بخلاف الصغير لثبوت الولاية عليه فيضاف إليه عقد الولي مجازا، هكذا فهمت من
كلامهم ا ه‍.
أقول: وجه في المحيط صحة الاقرار للصغير وإن بين سببا غير صالح بأنه أقر بوجوب الدين
بسبب، وإن لم يثبت لأنه لا يتصور من الصبي نفي الاقرار بالدين كما لو كذبه المقر له في السبب بأن
قال لك علي ألف غصبا فقال المقر له بل دينا يلزمه المال وإن لم يثبت السبب. كذا هذا ومثله في
الحواشي الحموية. قوله: (في الجملة أشباه) قال محشيه الحموي: يعني لان البيع أو القرض صدر من
بعض أوليائه، فإضافته إلى الصغير مجاز انتهى. قوله: (أقر بشئ على أنه بالخيار الخ) يعني بأن قال له
علي ألف درهم قرض أو غصب أو وديعة أو عارية قائمة أو مستهلكة على أني بالخيار ثلاثة أيام
منح. قوله: (لزمه بلا خيار) لوجود الصيغة الملزمة. قوله: (فلا يقبل الخيار) لان المقصود من الخيار
هو الفسخ، ولما لم يحتمل الاقرار والفسخ لم يجز شرط الخيار له، ولزمه المال، لأنه إن كان صادقا فهو
واجب العمل به، وإن لم يختر وإن كان كاذبا فهو واجب الرد فلا يتغير باختياره وعدم اختياره، وإنما
تأثير اشتراط الخيار في العقود ليتخير من له الخيار بين فسخه وإمضائه. درر وعناية.

257
فإن قيل: الاقرار يرتد بالرد وهو فسخ. قلنا: ليس بفسخ للاقرار لأنه رفع للشئ بعد ثبوته
ورد الاقرار ليس رفعا له بعد ثبوته في حقه، بل بيان أنه غير ثابت أصلا لأنه يحتمل الصدق
والكذب، فإذا كذبه المقر له ثبت الكذب في حقه لأنه إقرار على نفسه، وإذا صح التكذيب في حقه
ظهر أن الاقرار لم يثبت من الأصل، بخلاف البيع لأنه تصرف يحتمل الفسخ بعد وقوعه، لان ما هو
المقصود منه وهو الملك مما ينفسخ بانفساخ البيع لأنه ثابت به، والمقصود من فسخ السبب فسخ حكمه،
فإذا كان حكم السبب محتملا للفسخ كان السبب كذلك وعكسه. قوله: (لم يعتبر تصديقه) الأولى
حذفه، بل ينبغي أن يقول: فإنه لم يعتبر لان إن وصلية فلا جواب لها ح: أي بل جوابها مفهوم من
الكلام السابق، إلا أن يقال: هذا بيان لذلك المفهوم فلا اعتراض حينئذ. قوله: (إلا إذا أقر بعقد) أي
بدين لزمه بسبب عقد الخ بأن يقول له علي ألف ثمن مبيع بخيار. قوله: (وقع بالخيار له) فحينئذ
يثبت الخيار له إذا صدقه المقر له أو أقام عليه بينة إلا أن يكذبه المقر له فلا يثبت الخيار، وكان القول
قول المقر له كما يأتي قريبا. فإن قيل: إن لم يقبل الاقرار الفسخ فالسبب الذي به وجب المال وهو
التجارة تقبل. فيجب أن يكون الخيار مشروطا في سبب الوجود. قلنا: السبب غير مذكور، وإنما
يعتبر مذكورا ضرورة صحة الاقرار، وإذا ثبت مقتضى صحته اعتبر مذكورا في حقه فقط دون صحة
الخيار، وأما إذا قال علي ألف ثمن مبيع بخيار فيصح إن صدقه المقر له أو برهن، لان المقر به عقد
يقبل الخيار، وهو من العوارض فلا بد من التصديق أو البيان، وإن أقر بدين بسبب كفالة على أنه
بالخيار مدة معلومة، ولو طويلة جاز إن صدقه، لان الكفالة تحتمل من الجهالة والخطر ما لا يحتمله
البيع، فإذا جاز شرطه فيه ففيها أولى، ثم لم يقدر فيها لان إطلاق الخيار في البيع ينافي حكمة الملك
المطلق، وحكم الخيار منع السبب من العمل وحكم الكفالة لزوم الدين وأنه يصح مطلقا ومقيدا.
مقدسي. قوله: (لأنه منكر) للخيار في العقد الذي هو من العوارض والقول فيها للمنكر. قوله: (أو
قصيرة) الأولى حذفها كما لا يخفى. حلبي. وإنما جازت الكفالة مطلقة ومقيدة لان حكمها هاهنا
لزوم الدين، وهو يصح مطلقا ومقيدا فلا يكون اشتراط الخيار كذلك منافيا لها، بخلاف البيع فلا بد
من التوقيت فيه بثلاثة، لان إطلاق الخيار ينافي حكم البيع، لان حكمه الملك المطلق وحكم الخيار منع
السبب من العمل، وبينهما منافاة.
والحاصل: أنه كما أن البيع عقد يصح فيه شرط الخيار، ولا يزاد فيه على ثلاثة أيام عند الامام،
والكفالة عقد أيضا يصح فيه شرط الخيار، ويصح اشتراطه مدة طويلة أو قصيرة، لأنها عقد تبرع
يتوسع فيها بعد أن تكون المدة معلومة، لكن قد صدر في سنة خمس وثمانين بعد المائتين والألف أمر
حضرة السلطان نصره الرحمن لسائر قضاته ونوابه في الممالك المحروسة بالحكم على قول الصاحبين في
امتداد خيار الشرط أكثر من ثلاثة أيام موافقا لما في المادة الثلاثمائة من الجزء الأول من كتاب البيع من
الاحكام العدلية حين كنت في الآستانة العلية، ومتشرفا بتوظيفي بتلك الجمعية العلمية بأمر من
حضرته نصره الله تعالى بجمعها. قوله: (إذا صدقه) فإذا كذبه يلزمه المال من غير شرط والقول له لأنه

258
يدعي عليه التأخير وهو ينكر. إتقاني. قوله: (لان الكفالة عقد أيضا) علة للتشبيه المستفاد من الكاف.
قوله: (بخلاف ما مر) أي من قوله أقر بشئ كما بيناه. قوله: (لأنها أفعال) لان الشئ المقر به قرض
أو غصب أو وديعة عارية أو قائمة أو مستهلكة، فالقرض وما عطف عليه أفعال قد أخبر بوقوعها فلا
يصح فيها شرط الخيار. قوله: (الامر بكتابة الاقرار) بخلاف أمره بكتابة الإجارة وأشهد ولم يجر عقد
لا تنعقد أشباه. قوله: (إقرار حكما) لان الامر إنشاء والاقرار اختبار فلا يكونان متحدين حقيقة، بل
المراد أن الامر بكتابة الاقرار إذا حصل حصل الاقرار. حلبي عن الدرر. قوله: (يكون بالبنان) بالباء
الموحدة والنون ومقتضى كلامه: أن مسألة المتن من قبيل الاقرار بالبنان، والظاهر أنها من قبيل الاقرار
باللسان بدليل قوله كتب أم لم يكتب، وبدليل ما في المنح عن الخانية حيث قال: وقد يكون الاقرار
بالبنان كما يكون باللسان رجل كتب على نفسه ذكر حق بحضرة قوم أو أملى على إنسان ليكتب ثم قال
اشهدوا علي بهذا لفلان كان إقرارا ا ه‍. فإن ظاهر التركيب أن المسألة الأولى مثال للاقرار بالبنان
والثانية للاقرار باللسان، فتأمل ح. قوله: خط إقراري أي الخط الدال على إقراراي فالإضافة من
إضافة الدال إلى المدلول والدلالة التزامية، وفي أحكام الكتابة من الأشباه إذا كتب ولم يقل شيئا لا تحل
الشهادة. قال القاضي النسفي: إن كتب مصدرا: يعني كتب في صدره إن فلان بن فلان له علي كذا
أو أما بعد فلفلان علي كذا يحل للشاهد أن يشهد، وإن لم يقل أشهد علي به، والعامة على خلافه،
لان الكتابة قد تكون للتجربة، ولو كتب وقرأه عند الشهود حلت، وإن لم يشهدهم، ولو كتب عندهم
وقال اشهدوا علي بما فيه، إن علموا بما فيه كان إقرارا، وإلا فلا. وذكر القاضي ادعى على آخر مالا
وأخرج خطا وقال إنه خط المدعي عليه بهذا المال فأنكر كونه خطه فاستكتب وكان بين الخطين مشابهة
ظاهرة تدل على أنهم خط كاتب واحد لا يحكم عليه بالمال في الصحيح، لأنه لا يزيد على أن يقول
هذا خطي وأنا حررته لكن ليس علي هذا المال، وثمة لا يجب كذا هنا إلا في دفتر السمسار والبياع
والصراف انتهى. ومثله في البزازية.
قال السائحاني: وفي المقدسي عن الظهيرية لو قال: وجدت في كتابي أن له علي ألفا أو وجدت في
ذكري أو في حسابي أو بخطي أو قال: كتبت بيدي أنه له علي كذا كله باطل، وجماعة من أئمة
بلخ قالوا في دفتر البياع: إن ما وجد فيه بخط البياع فهو لازم عليه لأنه لا يكتب إلا ما على الناس له
وما للناس عليه صيانة عن النسيان، والبناء على العادة الظاهرة واجب انتهى.
فقد استفدنا من هذا أن قول أئمتنا لا يعلم بالخط يجري على عمومه، واستثناء دفتر السمسار
والبياع لا يظهر، بل الأولى أن يعزى إلى جماعة من أئمة بلخ وأن يفيد بكونه فيما عليه - ومن هنا يعلم
أن رد الطرطوسي العمل به مؤيد بالمذهب، فليس إلى غيره نذهب، وانظر ما تقدم في كتاب القاضي
إلى القاضي وما قدمناه في الشهادات.
وحاصل ما تحرر في مسألة الخط: أن عامة علمائنا على عدم العمل به، إلا ما وجده القاضي في
أيدي القضاة الماضين وله رسوم في دواوينهم: أي السجلات، وخط السمسار والبياع والصراف وإن لم

259
يكن معنونا ظاهرا بين الناس، وكذلك ما يكتب الناس فيما بينهم على أنفسهم في دفاترهم المحفوظة
عندهم بخطهم المعلوم بين التجار وأهل البلد فهو حجة عليه ولو بعد موتهم، وكذلك كتاب الأمان
والبراءات السلطانية والدفتر الخاقاني كما قدمنا ذلك في الشهادات موضحا بأدلته فراجعه. ومشى في
الفتاوى النعيمية في رجل كان يستدين من زيد ويدفع له ثم تحاسبا على مبلغ دين تبقى لزيد بذمة
الرجل وأقر الرجل بأن ذلك آخر كل قبض وحساب ثم بعد أيام يريد نقض ذلك وإعادة الحساب فهل
ليس له ذلك؟
الجواب: نعم لقول الدرر: لا عذر لمن أقر ا ه‍. وفيها في شريكي تجارة حسب لهما جماعة
الدفاتر فتراضيا وانفصل المجلس وقد ظنا صواب الجماعة في الحساب ثم تبين الخطأ في الحساب لدى
جماعة أخر، فهل يرجع الصواب؟
الجواب: نعم لقول الأشباه: لا عبرة بالظن البين خطؤه في شريكي عنان تحاسبا ثم افترقا بلا
إبراء أو بقيا على الشركة ثم تذكر أحدهما أنه كان أوصل لشريكه أشياء من الشركة غير ما تحسبا عليه
فأنكر الآخر ولا بينة فطلب المدعي يمينه على ذلك فهل له ذلك لان اليمين على من أنكر؟ الجواب نعم
ا ه‍. قوله: (عدم اعتبار مشابهة الخطين) هو الصحيح، فإذا ادعى عليه حقا وأظهر خط يده فاستكتب
فكتب فإذا الخط يشبه الخط لا يقضى عليه. وقال بعضهم: يقضى عليه، ومشى عليه في المجلة في مادة
7061 وفي 9061 وفي 0161 وفي 6381 وفي 7371 وفي 8371 وفي 9371، وصدر الامر
الشريف السلطاني بالعمل بموجبه إذا كان خاليا من الشبهة والتصنع والتزوير فيعمل بها، ككتاب القضاة
والوقفية إذا كانت مسجلة وسجلات القضاة والبراءات السلطانية والدفاتر الخاقانية ودفاتر التجار فيما
عليهم والصكوك والقامبيالي والوصول، وعلم الخبر إذا كانت بخط من عليه الدين أو إمضائه وختمه
المعروفين، فلو لم تكن معروفة يستكتب عند أهل الخبرة، فإذا وافق الخط الخط وكانا كخط واحد يلزم
بالمال، وعليه قارئ الهداية وبموجبه صدر الامر السلطاني كما علمت. قوله: (وجحده الباقون) وإن
صدقوا جميعا لكن على التفاوت كرجل مات عن ثلاثة بنين آلاف فاقتسموها وأخذ كل واحد ألفا،
فادعى رجل على أبيهم ثلاثة آلاف فصدقه الأكبر في الكل والأوسط في الألفين والأصغر في الألف
أخذ من الأكبر ألفا ومن الأوسط خمسة أسداس الألف ومن الأصغر ثلث الألف عند أبي يوسف. وقال
محمد: في الأصغر والأكبر كذلك، وفي الأوسط يأخذ الألف، ووجه كل في الكافي.
تنبيه: لو قال المدعى عليه عند القاضي كل ما يوجد في تذكرة المدعي بخطه فقد التزمته ليس
بإقراره، لأنه قيده بشرط لا يلائمه، فإنه ثبت من أصحابنا رحمهم الله تعالى أن من قال كل ما أقر به
علي فلان فأنا مقر به فلا يكون إقرارا لأنه يشبه وعدا. كذا في المحيط شرنبلالية.
فرع: ادعى المديون أن الدائن كتب على قرطاس بخطه أن الدين الذي لي على فلان ابن فلان
أبرأته عنه صح وسقط الدين، لان الكتابة المرسومة المعنونة كالنطق به، وإن لم يكن كذلك لا يصح
الابراء، ولا فرق بين أن تكون الكتابة بطلب الدائن أو لا بطلبه. بزازية من آخر الرابع عشر من

260
الدعوى. قوله: (يلزمه كل الدين) أي في قول أصحابنا. منح. قوله: (وقيل حصته) عبر عنه بقيل،
لان الأول ظاهر الرواية كما في فتاوى المصنف، وسيجئ أيضا، وهذا بخلاف الوصية لما في جامع
الفصولين: أحد الورثة لو أقر بالوصية يؤخذ منه ما يخصه وفاقا. وفي مجموعة منلا علي عن العمادية
في الفصل التاسع والثلاثين: أحد الورثة إذا أقر بالوصية يؤخذ منه ما يخصه بالاتفاق، وإذا مات وترك
ثلاث بنين وثلاثة آلاف درهم فأخذ كل ابن ألفا فادعى رجل أن الميت أوصى له بثلث ماله وصدقه
أحد البنين فالقياس أن يؤخذ منه ثلاثة أخماس ما في يده، وهو قول زفر، وفي الاستحسان: يؤخذ منه
ثلث ما في يده، وهو قول علمائنا رحمهم الله تعالى لنا أن المقر أقر بألف شائع في الكل ثلث ذلك في
يده وثلثاه في يد شريكيه، فما كان إقرارا فيما يده قبل وما كان إقرارا في يد غيره لا يقبل، فوجب أن
يسلم إلى الموصى له ثلث ما في يده ا ه‍. قوله: (دفعا للضرر) أي من المقر: أي لأنه إنما أقر بما تعلق
بكل التركة. قوله: (ولو شهد هذا المقر مع آخر الخ) وكذا لو برهن الطالب على هذا المقر تسمع البينة
عليه، كما في وكيل قبض العين: لو أقر من عنده العين أنه وكيل بقبضها لا يكفي إقراره. ويكلف
الوكيل إقامة البينة على إثبات الوكالة حتى يكون له قبض ذلك، فكذا هنا جامع الفصولين وفيه خ:
ينبغي للقاضي أن يسأل المدعى عليه هل مات مورثك؟ فإن قال نعم، فحينئذ يسأله عن دعوى المال:
فلو أقر وكذبه بقية الورثة ولم يقض بإقراره حتى شهد هذا المقر وأجنبي معه يقبل، ويقضي على الجميع
وشهادته بعد الحكم عليه بإقراره لا تقبل، ولو لم يقم البينة أقر الوارث أو نكل، ففي ظاهر الرواية
يؤخذ كل الدين من حصة المقر، لأنه مقر بأن الدين مقدم على إرثه. وقال ث: وهو القياس، ولكن
المختار عندي أن يلزمه ما يخصه وهو قول الشعبي والحسن البصري ومالك وسفيان وابن أبي ليلى
وغيرهم ممن تابعهم، وهذا القول أعدل وأبعد من الضرر، ولو برهن لا يؤخذ منه إلا ما يخصه وفاقا
انتهى. بقي ما لو برهن على أحد الورثة بدينه بعد قسمة التركة، فهل للدائن أخذ كله من حصة
الحاضر؟
قال المصنف في فتاويه: اختلفوا فيه فقال بعضهم نعم. فإذا حضر الغائب يرجع عليه. وقال
بعضهم: لا يأخذ منه إلا ما يخصه انتهى ملخصا. قوله: (وبهذا) أي بقبول شهادة المقر مع آخر أنه على
الميت. قوله: (بمجرد إقراره) إذا لو أقر ولزمه جميع المال ثم شهد مع آخر، وقبلت شهادته لزمه بقدر
حصته، فيكون في شهادته دفع مغرم عن نفسه، والشهادة كذلك لا تقبل فقبولها دليل أن إقراره الأول
لا يعتبر ولا يلزمه به دين وهو مشكل، فإن إقرار الانسان حجة في حق نفسه، والقضاء فيه مظهر لا
مثبت، ولو جعل هذا الفرع مخرجا على قول الفقيه لكان ظاهرا لأنه لم يدفع بهذه الشهادة مغرما عن
نفسه ط. قال الباقاني: ولو كان الدين يحل في نصيبه بمجرد الاقرار ما قبلت شهادته لما فيه من دفع
المغرم عنه. قوله: (فلتحفظ هذه الزيادة) وهي كون الاقرار غير ملزم إلا بالقضاء لما ذكرنا، وحاصل ما
يقال: إنه إذا ادعى رجل دينا على ميت وأقر بعض الورثة به ففي قول أصحابنا يؤخذ من حصة المقر
جميع الدين. قال الفقيه أبو الليث: هو القياس، لكن الاختيار عندي أن يؤخذ منه ما يخصه من الدين،
وهذا القول أبعد من الضرر. وذكره شمس الأئمة الحلواني أيضا. وقال مشايخنا هنا: زيادة شئ لم

261
تشترط في الكتب، وهو أن يقضي القاضي عليه بإقراره إذ بمجرد الاقرار لا يحل الدين في نصيبه، بل
يحل بقضاء القاضي، ويظهر ذلك بمسألة ذكرها في الزيادات، وهي أن أحد الورثة إذا أقر بالدين ثم
شهد هو ورجل أن الدين كان على الميت فإنها تقبل وتسمع شهادة هذا المقر إذا لم يقض عليه القاضي
بإقراره، فلو كان الدين يحل في نصيبه بمجرد إقراره لزم أن لا تقبل فيها لما فيه من الغرم.
قال صاحب الزيادات: وينبغي أن تحفظ هذه الزيادة فإن فيها فائدة عظيمة. كذا في العمادية.
لكن يشكل على هذا أن إقرار الانسان حجة في حق نفسه والقضاء فيه مظهر لا مثبت كما ذكروا،
وأيضا فإن المال يلزمه بمجرد الاقرار، والقضاء إنما يحتاج في البينة، إذ لا يتهم المرء فيما أقر به
على نفسه، ولهذا لو أقر بمعين لانسان ثم أقر به لآخر كان للأول ولا شئ للثاني، على أنه يكون حينئذ
في عرضية أن يقضي عليه فلزم رد شهادته، كما ترد شهادة أهل قرية وجد فيها قتيل وقد ادعى وليه
القتل على بعضهم، فلو جعلوا هذا الفرع مخرجا على قول الفقيه لكان ظاهرا لأنه لم يدفع بهذه الشهادة
مغرما عن نفسه، تأمل. قوله: (أشهد على ألف الخ) نقل المصنف في المنح عن الخانية روايتين عن
الامام ليس ما في المتن واحدة منهما. إحداهما: أن يلزمه المالان إن أشهد في المجلس. الثاني: عين
الشاهدين الأولين، وإن أشهد غيرهما كان المال واحدا، وأخراهما أنه إن أشهد على كل إقرار شاهدين
يلزمه المالان جميعا، سواء أشهد على إقراره الثاني الأولين أو غيرهما ا ه‍. فلزوم المالين إن أشهد في
مجلس آخرين ليس واحدا مما ذكر، ونقل في الدرر عن الامام الأولى، وأبدل الثانية بما ذكره المصنف
متابعة له، واعترضه في العزمية بما ذكرنا، وإنه ابتداع قول ثالث غير مسند إلى أحد ولا مسطور في
الكتب. تأمل. قوله: (في مجلس آخر) بخلاف ما لو أشهد أولا واحدا وثانيا آخر في موطن أو
موطنين فالمال واحد اتفاقا، وكذا لو أشهد على الأول واحدا وعلى الثاني أكثر في مجلس آخر فالمال
واحد عندهما، وكذا عنده على الظاهر. منح. قوله: (لزم المالان) اعلم أن تكرار الاقرار لا يخلو إما أن
يكون مقيدا بسبب، أو مطلقا، والأول على وجهين: إما بسبب متحد فيلزم مال واحد وإن اختلف
المجلس، أو بسبب مختلف فمالان مطلقا، وإن كان مطلقا إما بصك أو لا، والأول على وجهين: إما
بصك واحد فالمال واحد مطلقا، أو بصكين فمالان مطلقا وأما الثاني: فإن كان الاقرار في موطن
واحد يلزم مالان عنده وواحد عندهما. وإن كان في موطنين فإن أشهد على الثاني شهود الأول فمثال
واحد عنده، إلا أن يقول المطلوب هما مالان، وإن أشهد غيرهما فمالان. وفي موضع آخر عنه على
عكس ذلك، وهو إن اتحد الشهود فمالان عنده، وإلا فواجد عندهما.
وأما عنده فاختلف المشايخ منهم من قال: القياس على قوله مالان. وفي الاستحسان مال
واحد، وإليه ذهب السرخسي.
ومنهم من قال على قول الكرخي: مالان، وعلى قول الطحاوي: واحد، وإليه ذهب شيخ
الاسلام ا ه‍. ملخصا من التتارخانية. وكل ذلك مفهوم من الشرح، وبه ظهر أنا ما في المتن رواية
منقولة، وأن اعتراض الغرمية على الدرر مردود حيث جعله قولا مبتدعا غير مسطور في الكتب مستندا
إلى أنه في الخانية حكى في المسألة روايتين.

262
الأولى: لزوم مالين إن اتحد الشهود، وإلا فمال واحد.
والثانية: لزوم مالين إن أشهد على كل إقرار شاهدين اتحد أو لا، وقد أوضح المسألة في
الولوالجية فراجعها، وسنذكر توضيحها قريبا إن شاء الله تعالى، فقد تحقق أن كلام المصنف هنا هو ما
في الخانية، وليس فيه ما يخالف ما فيها كما لا يخفى على من نظر فيها. قوله: (ألفان) بدل كل من
قوله المالان. قال في الأشباه: وإذا تعدد الاقرار بموضعين لزمه الشيئان، إلا بالاقرار بالقتل بأن قال
قتلت ابن فلان ثم قال قتلت ابن فلان، وكذا في العبد فهو إقرار بواحد، إلا أن يكون سمى اسمين
مختلفين، وكذا التزويج والاقرار بالجراحة فهو ثلاث، ولا يشبه الاقرار بالمال في موضعين ا ه‍.
قال في الدرر: هذا عند أبي حنيفة، لكن بشرط مغايرة الشاهدين الآخرين للأولين في رواية
وشرط عدم مغايرتهما لهما في أخرى، وهذا بناء على أن الثاني غير الأول، وعندهما: لا يلزمه إلا
ألف واحدة لدلالة العرف على أن تكرار الاقرار لتأكيد الحق بالزيادة في الشهود ا ه‍. قوله: (كما لو
اختلف السبب) ولو في مجلس واحد.
قال في البزازية: جعل الصفة كالسبب حيث قال: إن أقر بألف بيض ثم بألف سود فمالان،
ولو ادعى المقر له اختلاف السبب وزعم المقر اتحاده أو الصك أو الوصف فالقول للمقر، ولو اتحد
السبب والمال الثاني أكثر يجب المالان، وعندهما يلزم الأكثر. سائحاني. قوله: (بخلاف ما لو اتحد
السبب) بأن قال له علي ألف ثمن هذا العبد، ثم أقر بعده كذلك في ذلك المجلس أو في غيره.
منح. قوله: (أو الشهود) هذا على ما ذهب إليه السرخسي كما علمته مما مر ويأتي، لكن قال
الطحاوي: هذا لم يوافق أحد القولين السابقين، فإن القول الأول حاصله أن اتحاد الشهود يوجب
التعدد واختلافهم لا يوجبه، والثاني اعتبر اختلاف المواطن، فتأمل ا ه‍.
أقول: لا يخفى عليك أن ما مر من التفصيل يؤيد كلام الشارح وأنه الاستحسان بأنه مال واحد،
فتأمل. ويؤيده ما يأتي قريبا. قوله: ثم عند القاضي) إنما كان واحدا لأنه أراد بإقراره عنده تثبيته على
نفسه خوف موته أو جحوده، وكذا لو كان كل عند القاضي في مجلسين ط
أقول: ولا تنس ما قدمناه عن المجلة صدور الامر الشريف السلطاني بالعمل بموجبه، وفيها
أيضا في مادة 1161، لو كتب على نفسه سندا وأمضاه أو ختمه على المرسوم المتعارف كما مر وسلمه
للدائن ثم مات من عليه الدين وأنكر الورثة الخط والدين: فإذا كان خطه وختمه مشهورين ومعروفين
بين الناس يعمل بموجب السند، وفي مادة 2161: لو وجد عند الميت صرة نقود مكتوب عليها بخط
الميت هذه أمانة فلان الفلاني ودراهمه من يده تؤخذ من التركة ولا يحتاج لاثباتها إذا كان الخط معروفا
بأنه خطه. قوله: (أو بعكسه) لأنه يخبر عما لزمه في مجلسه. قوله: (أن المعرف) كما إذا عين سببا
واحدا للمال في الاقرارين. قوله: (أو المنكر) كما إذا أقر بألف مطلق عن السبب ثم أقر بألف ثمن
هذا العبد. قوله: (أو منكرا فغيره) كما إذا أقر بألف ثم بألف أو أقر بألف ثمن عبد ثم بألف ثمن
عبد، وصورة إعادة المعرف منكرا، ما إذا أقر بألف ثمن هذا العبد ثم أقر بألف، والمسألة الأولى هي

263
الخلافية، هل يعتبر اتحاد الشهود أو اتحاد الموطن على القولين السابقين، فكونه غيرا عند التنكير على
هذا التفصيل ط. قوله: (ولو نسي الشهود) أي في صورة تعدد الاشهاد قوله: (وقيل واحد) لان
المال لا يجب بالشك. قوله: (وتمامه في الخانية) وحاصله: أن الصور أربع: في اثنين يكون الثاني عين
الأول، وفي اثنين يكون غيرا، وهذا كله فيما اتحد المالان أما إذا اختلفا قلة وكثرة فقد ذكره في المجمع
والمنظومة.
وعبارة المجمع: وتعدد المشهد: أي موضع الاشهاد والشاهدين العدلين ملزم للمالين والزيادة
بالأكثر إن تفاوتا.
قال شارحه: رجل أقر بألف في مجلس وأشهد عليه شاهدين عدلين، ثم أقر في مجلس آخر
بألف أو أقل أو أكثر وأشهد عدلين آخرين. قال أبو حنيفة: يلزمه المالان، وقالا: يلزمه مال واحد إن
تساويا، وإن تفاوتا لزمه أكثرهما، لان الاقرار إخبار بالحق الثابت والاخبار قد يكرر فيكون الثاني عين
الأول، فصار كما لو أقر بهما في مجلس واحد أو أشهد عدلا واحدا في الأول أو فاسقين، وله أنهما
إقراران مختلفان، والمال قد يجب وقتا بعد وقت، والظاهر أن الثاني غير الأول، على أن النكرة إذا
كررت لم يكن الثاني عين الأول، إلا إذا أعيدت معرفة كقوله تعالى: * (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا
) * (المزمل: 51 - 61) وفي الكافي شرح المنظومة: من أقر على نفسه لرجل بمائة
درهم مثلا في موضع وأشهد شاهدين ثم أقر وأشهد في موضع آخر شاهدين على مائة درهم أو أقل
أو أكثر فعليه المالان إذا ادعى الطالب المالين، وقالا: عليه مال واحد، فإن تفاوتا فعليه أكثرهما، وهذا
إذا لم يبين سببا، فإن بين السبب متحدا بأن قال في المرتين عن هذا العبد يلزمه مال واحد، وإن بين
سببا مختلفا بأن قال أو لا ثمن هذا العبد وثانيا ثمن هذه الجارية يلزمه المالان، قيد: أي صاحب
المجمع بتعدد الاشهاد والمشهد، لأنه إذا اتحد أحدهما أو كلاهما يلزمه مال واحد اتفاقا، ولو قال له
علي ألف بل ألفان لزمه ألفان. وقال زفر: يلزمه ثلاثة ا ه‍.
والحاصل: أن هذه المسألة على وجوه: لأنه إما أن يضيف إقراره إلى سبب أو لا. والأول إما أن
يكون السبب متحدا أو مختلفا، فإن أضاف إلى سبب واحد بأن قال له علي ألف درهم ثمن هذا العبد
ثم أقر بعد ذلك في ذلك المجلس أو مجلس آخر أن لفلان علي ألف درهم ثمن هذا العبد والعبد واحد
لا يلزمه إلا ألف واحد على كل حال في قولهم جميعا، وإن كان السبب مختلفا بأن قال لفلان علي
ألف درهم ثمن هذه الجارية ثم قال لفلان علي ألف درهم ثمن هذا العبد يلزمه المالان في قولهم أقر
بذلك في موطن أو موطنين. والثاني إما أن يكتب به صكا على نفسه، فإن كان الصك واحدا لزمه مال
واحد، وإن كان كتب صكين وأقر بهذا ثم بهذا لزمه المالان، ونزل اختلافهما بمنزلة اختلاف السبب،
وإن لم يكتب صكا لكنه أقر مطلقا فإن تعدد الاقرار والأول عند غير القاضي والثاني عنده لزمه مال
واحد، وكذا لو كان كل عند القاضي لكن في مجلسين فادعى الطالب مالين والمطلوب يقول إنه واحد
فالقول قول المطلوب، وإن تعدد الاقرار عند غير القاضي: فإن أشهد على كل إقرار فردا فالمال واحد
عند الكل تعدد المجلس أو اختلف، وإن أشهد على الأول واحدا وعلي الثاني جماعة فالمعتمد لزوم مال

264
واحد عند الجميع، وإن أشهد على كل إقرار شاهدين فقال الامام: يلزمه مالان إن لم يتغير الشهود،
فإن تغيروا كان المال واحدا، فبعض المشايخ قالوا: إن كان ذلك في موطنين وأشهد على إقراره
شاهدين فإنه يلزمه المالان جميعا، سواء أشهد على قال شمس الأئمة الحلواني: كذا ذكره إقراره الثاني الأولين أو غيرهما
الخصاف، والظاهر أن الخلاف بينهم فيما إذا كان
الاقراران في موطنين، أما إذا كان في موطن واحد فيكون المال واحدا
وحاصله: أن الصور الوفاقية والخلاقية ثمانية: واحدة خلافية والباقي وفاقية، وذلك لأنه إذا لم
يبين السبب واختلف المجلس والشهود لزم مالان عنده خلافا لهما، وإن اتحد المجلس وبه صك
فاللازم ألف واحدة اتفاقا، وإن كان لا صك ففي تخريج الكرخي ألفان، وفي تخريج الطحاوي ألف،
وإن بين السبب: فإن كان مختلفا فألفان، وإن متحدا فألف، وكذا إن اتحد الشهود أو اتحد الصك،
وإن كان صكان فأشهد عليهما لزم مالان.
وحاصل الصور العقلية اثنتان وسبعون صورة، لأنه لا يخلو: إما أن لا يبين السبب، أو يبين
سببا مختلفا أو متحدا، فهي ثلاث، وفي كل: إما أن يكون في مجلس أو في مجلسين فهي ستة، وفي
كل: إما أن تتحد الشهود أو تختلف فهي اثنا عشر، وفي كل: إما أن لا يكون به صك أو به صك
واحد أو صكان فهي ستة وثلاثون، وفي كل: إما أن يتحدا المالان أو يختلفا فهي اثنان وسبعون. هذه
خلاصة ما حققه المحشون في هذا المحل فاغتنمه فإنه من فيض المنعم الاجل. قوله: (أقر) أي بدين أو
غيره كما في شتى الفرائض من الكنز قوله: (عند الثاني) وعندهما لا يلتفت إلى قوله. قوله: (وبه
يفتى) وهو المختار. بزازية ظاهره أن المقر إذا ادعى الاقرار كاذبا يحلف المقر له أو وارثه على المفتى به
من قول أبي يوسف مطلقا، سواء كان مضطرا إلى الكذب في الاقرار أو لا. قال شيخنا: وليس كذلك
لما سيأتي من مسائل شتى قبيل كتاب الصلح عند قول المصنف أقر بمال في صك، وأشهد عليه به ثم
ادعى أن بعض المال المقر به قرض وبعضه ربا الخ حيث نقل الشارح عن شرح الوهبانية للشرنبلالي ما
يدل على أنه إنما يفتي بقول أبي يوسف، من أنه يحلف المقر له أن المقر ما أقر كاذبا في كل صورة
يوجد فيها اضطرار المقر إلى الكذب في الاقرار، أبو السعود. وفيه: أنه لا يتعين الحمل على هذا، لان
العبارة هناك في هذا ونحوه، فقوله ونحوه يحتمل أن يكون المراد به، كل ما كان من قبيل الرجوع بعد
الاقرار مطلقا، ويدل عليه ما بعده من قوله وبه جزم المصنف، فراجعه ا ه‍.
أقول: وقدمنا شيئا منه في شتى القضاء وسيأتي في شتى الاقرار. قوله: (درر) نصها: وهو
استحسان، ووجهه أن العادة جرت بين الناس أنهم إذا أرادوا الاستدانة يكتبون الصك قبل الاخذ ثم
يأخذون المال، فلا يكون الاقرار دليلا على اعتبار هذه الحالة فيحلف، وعليه الفتوى لتغير أحوال
الناس، وكثرة الخداع والخيانات، وهو يتضرر والمدعي لا يضره اليمين إن كان صادقا فيصار إليه،
وعندهما يؤمر بتسليم المقر به إلى المقر له، وهو القياس، لان الاقرار حجة ملزمة شرعا كالبينة بل أولى
لان احتمال الكذب فيه أبعد ا ه‍.
وقيده في الفتاوى الخيرية بأنه لم يصر محكوما عليه بالاقرار. فإن صار محكوما عليه بالاقرار لا
يحلف كما هو صريح كلام البزازية.

265
قال في المنح: كما في كثير من المعتبرات، وعند أبي حنيفة ومحمد: لا يلتفت إلى قوله. قال في
الخانية بعد ذكر الخلاف في كتاب الاقرار: فإذا كان في المسألة خلاف أبي يوسف والشافعي يفوض
ذلك إلى رأى القاضي والمفتى. ذكره في كتاب الدعوى في باب اليمين. قوله: (فيحلف) أي المقر له
أنه لم يكن المورث كاذبا فيما أقر وبعضهم على أنه لا يحلف. بزازية. والأصح التحليف. حامدية عن
صدر الشريعة. قوله: (وإن كانت الدعوى) أي من المقر أو من وارثه. قوله: (أنا لا نعلم) بدل مما
قبله. قوله: (إنه كان كاذبا) إذا لم يكن إبراء عام، فلو كان لا تسمع، لكن للعلامة ابن نجيم رسالة
أفتى فيها بسماعها حاصلها: لو أقرت امرأة في صحتها لبنتها بمبلغ معين ثم وقع بينهما إبراء عام ثم
ماتت فادعى الوصي أنها كاذبة تسمع دعواه، وله تحليف البنت، ولا يصح الحكم قبل التحليف لأنه
حكم بخلاف المفتى به، لان الابراء هنا لا يمنع، لان الوصي يدعي عدم لزوم شئ، بخلاف ما إذا
دفع المقر المال المقر به إلى المقر له، فإنه ليس له تحليف المقر له لأنه يدعي استرجاع المال والبراءة مانعة
من ذلك. أما الأولى: فإنه لم يدع استرجاع شئ وإنما يدفع عن نفسه فافترقا، والله تعالى أعلم.
وفي جامع الفصولين أقر فمات فقال ورثته إنه أقر كاذبا فلم يجز إقراره والمقر له عالم به ليس
لهم تحليفه، إذ وقت الاقرار لم يتعلق حقهم بمال المقر فصح الاقرار، وحيث تعلق حقهم صار حقا
للمقر له ص.
أقر ومات فقال ورثته إنه أقر تلجئة يحلف له بالله لقد أقر لك إقرارا صحيحا ط.
وارث ادعى أن مورثه أقر تلجئة: قال بعضهم له تحليف المقر له ولو ادعى أنه أقر كاذبا لا
يقبل. قال في نور العين: يقول الحقير: كان ينبغي أن يتحد حكم المسألتين ظاهرا إذ الاقرار كاذبا
موجود في التلجئة أيضا، ولعل وجه الفرق هو أن التلجئة أن يظهر أحد شخصين أو كلاهما في العلن
خلاف ما تواضعا عليه في السر، ففي دعوى التلجئة يدعي الوارث على المقر له فعلا له، وهو تواضعه
مع المقر في السر فلذا يحلف، بخلاف دعوى الاقرار كاذبا كما لا يخفى على من أوتي فهما صافيا ا ه‍.
من أواخر الفصل الخامس عشر، والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
باب الاستثناء
لما ذكر الاقرار بلا تغيير شرع في بيان موجبه مع التغيير بالاستثناء والشرط ونحوه، وهو
استفعال من الثني، وهو لغة: الصرف والرد، فالاستثناء صرف القائل: أي رده عن المستثنى فيكون
حقيقة في المتصل والمنفصل، لان إلا هي التي عدت الفعل إلى الاسم حتى نصبته فكانت بمنزلة الهمزة
في التعدية، والهمزة تعدي الفعل إلى الجنس وغير الجنس حقيقة وفاقا، فكذا ما هو بمنزلتها. حموي.
واصطلاحا: ما ذكره الشارح وهو متصل وهو الاخراج، والتكلم بالباقي ومنفصل وهو ما لا يصح
إخراجه كما في العناية. قوله: (وما في معناه) أي مثل التعليق بمشيئة الله، وكقوله لفلان علي ألف
درهم وديعة كما هو مقرر في كلامهم. فتال. قوله: (كالشرط نحوه) أي في كونه مغيرا كالشرط وهو

266
الصفة والحال، واعترض قاضي زاده على من قال: وهو الشرط بأنه يقتضي حصر ما في معناه في
الشرط فلا يدخل أكثر ما في هذا الباب، فالأولى ما في شرح تاج الشريعة والكفاية من قوله:
كالشرط وغيره كما عبر الشارح، فلا غبار على عبارة الشارح حيث قال ونحوه، لأنها بيان لما في قول
المصنف وما في معناه، فإنه قد صرح بها بما علم التزاما من كاف التمثيل المشعر عن الكثرة كما هو
المشهور بين الجمهور، وهذا الجمع بينهما قد وقع من صاحب المفتاح في مواضع والمراد بنحو الشرط
ما ذكرنا، وما سيجئ من إقراره بدين ثمن عبد غير عين وإنكاره قبضه وإقراره بثمن متاع وبيانه
بأنه زيوف ونحوهما فظهر أن من فسر قوله وما بمعناه بقوله وهو الشرط لم يصب لأنه يوهم الحصر
كما لا يخفى. قوله: (هو عندنا تكلم بالباقي) أي معنى لا صورة. قوله: (بعد الثنيا) بضم فسكون
وفي آخره ألف مقصورة اسم من الاستثناء، وكذلك الثنوي بالفتح مع الواو وفي الحديث من استثنى
فله ثنياه. أي ما استثناه والمراد بعد الثنيا: أي بعد المستثنى، فيكون الاستثناء عندنا لبيان أن الصدر لم
يتناول المستثنى، وعند الشافعي إخراج بطريق المعارضة. قال في شرح المنار لابن ملك: فصار تقدير
قول الرجل لفلان علي ألف إلا مائة عندنا لفلان علي تسعمائة، وإنه لم يتكلم بالألف في حق لزوم
المائة، وعند الشافعي إلا مائة فإنها ليست علي فإن صدر الكلام يوجبه والاستثناء ينفيه فتعارضا
فتساقطا بقدر المستثنى ا ه‍.
واستشكل الزيلعي مذهب الشافعي بوقوعه في الطلاق والعتاق، فلو كان إخراجا بطريق
المعارضة لما صح، لان الطلاق والعتاق لا يحتملان، والرفع بعد الوقوع. قال: وتظهر ثمرة
الخلاف فيما إذا قال لفلان علي ألف درهم إلا مائة أو خمسين فعندنا يلزمه تسعمائة، لأنه لما كان تكلما
بالباقي وكان مانعا من الدخول شككنا في المتكلم به، والأصل براءة الذمم فلا يلزمه الزائد بالشك،
فصار نظير ما لو قال علي تسعمائة أو تسعمائة وخمسون فإنه يلزمه الأقل، وعنده: لما دخل الألف
كله صار في المخرج شك، فيخرج الأقل وهو خمسون والباقي على حاله انتهى. لكن قول الزيلعي:
فعندما يلزمه تسعمائة خلاف الأصح.
قال في البحر: وإذا استثنى عددين بينهما حرف الشك كان الأقل مخرجا بحوله على ألف درهم
إلا مائة أو خمسين لزمه تسعمائة وخمسون على الأصح انتهى. كذا في حاشية أبي السعود على مسكين.
أقول: لكن نقل المقدسي عن متفرقات وصايا الكافي: أن القائل بأن المستثنى خمسون العامة،
وقال محمد: إنه مائة. وذكر في الظهيرية والولوالجية أن قول محمد رواية أبي حفص، وتلك رواية
سليمان، وفي الدراية صححها، وصحح قاضيخان في شرح الزيادات رواية أبي حفص وقال: وهو
الموافق لقواعد المذهب، وسيأتي للفرع تتمة. قوله: (باعتبار الحاصل من مجموع التركيب) هذا كالتأكيد
لما قبله، فإن التكلم بالباقي بعد الثنيا لا يتأتى إلا بالنظر لما بعد إلا وما قبلها، فالمتحصل من مجموع له
عشرة إلا ثلاثة له علي سبعة.
قال في البحر: لا حكم فيما بعد إلا بل مسكوت عنه عند عدم القصد كمسألة الاقرار في قول
له علي عشرة إلا ثلاثة لفهم أن الغرض الاثبات فقط، فنفي الثلاثة إشارة لا عبارة، وإثبات السبعة
عكسه، وعند القصد يثبت لما بعدها نقيض ما قبلها ككلمة التوحيد نفي وإثبات قصدا فالاستثناء
تكلم بالباقي بعد الثنيا باعتبار الحاصل من مجموع التركيب، ونفي وإثبات باعتبار الاجزاء ا ه‍. فالباقي

267
والثنيا هما عين النفي والاثبات، فلو صدر بالنفي لم يكن مقرا بشئ كما لو قال ليس له علي سبعة كما
في التنقيح. قال: فأصل هذا يفيد أن لا إله إلا الله لا يفيد التوحيد مع أنهم أجمعوا على الإفادة.
الجواب، أن إلهنا متفق على وجوبه ثم قلنا بنفي غيره، وقد أفاده هذا التركيب وبهذا الاعتبار أفاد
التوحيد. قوله: (باعتبار الاجزاء) أي اللفظية فصدر الجملة الاستثنائية نفي وعجزها إثبات أو بالعكس
ط. قوله: (فالقائل له علي عشرة إلا ثلاثة) أي فالمقر بسبعة. قوله: (له عبارتان) قوله: (وهذا)
الظاهر أنه راجع إلى قول المصنف هو تكلم بالباقي الخ ولا حاجة إليه حينئذ: أي إلى. قوله باعتبار
الحاصل من مجموع التركيب ط. أقول: هذا إشارة إلى ما ذكره الأصوليون في الاستثناء. قال في
التنقيح وشرحه: واختلفوا في كيفية عمل بيان التغيير، ففي قوله: له علي عشرة إلا ثلاثة لا
يخلو، أما إن أطلق العشرة على السبعة فحينئذ قوله إلا ثلاثة يكون بيانا لهذا، فهو كأن قال ليس
علي ثلاثة منها، فيكون كالتخصيص بالمستقل، أو أطلق العشرة على عشرة أفراد ثم أخرج له ثلاثة
بحكم، وهذا تناقض وإن كان بعد الاقرار ولا أظنه مذهب أحد أو قبله، ثم حكم على الباقي أو أطلق
عشرة إلا ثلاثة على السبعة فكأنه قال علي سبعة، فحصل ثلاثة مذاهب، فعلى هذين: أي المذهبين
الآخرين يكون الاستثناء تكلما بالباقي في صدر الكلام بعد الثنيا: أي المستثنى، ففي قوله له علي
عشرة إلا ثلاثة صدر الكلام عشرة والثنيا ثلاثة، والباقي في صدر الكلام بعد المستثنى سبعة فكأنه
تكلم بالسبعة وقال له علي سبعة، وإنما قلنا على الآخرين تكلم بالباقي بعد الثنيا، أما على المذهب
الأخير فلان عشرة إلا ثلاثة موضوعة للسبعة فيكون تكلما بالسبعة، وأما على المذهب الثاني فلانه
أخرج الثلاثة قبل الحكم من إفراد العشرة ثم حكم على السبعة، فالتكلم في حق الحكم يكون بالسبعة:
أي يكون الحكم على السبعة فقط لا على الثلاثة لا بالنفي ولا بالاثبات ا ه‍.
فرع: له علي عشرة إلا سبعة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهما، فطريقه أن يخرج الأخير وهو
الدرهم مما يليه يبقى درهمان، ثم تخرجهما مما بينهما وهو الخمسة يبقى ثلاثة فأخرجها من السبعة يبقى
أربعة فأخرجها من العشرة يبقى ستة. سائحاني. قوله: (وشرط فيه) أي في اعتباره شرعا. قوله:
(الاتصال بالمستثنى منه) لان تمام الكلام بآخره، وإذا انقطع فقد تم. عيني. ونقل عن ابن عباس رضي
الله تعالى عنهما جواز التأخير. درر. قال أبو السعود في حاشيته علي مسكين عند قوله وكذا إن كان
مفصولا: بطل الاستثناء خلافا لابن عباس رضي الله تعالى عنهما استدل بما روي عنه عليه الصلاة
والسلام أنه قال: والله لأغزون قريشا، ثم قال بعد سنة: إن شاء الله قلنا: هو مغير والمغير لا
يصح إلا متصلا كالشرط، واستثناء النبي عليه الصلاة والسلام كان لامتثال أمره تعالى بقدر الامكان
فلا يمنع الانعقاد. زيلعي. وقوله لامتثال أمره تعالى يعني قوله تعالى: * () * (الكهف: 32 - 42). قوله: (لأنه للتنبيه) أي تنبيه المنادي لما يلقى إليه من
الكلام. قوله: (والتأكيد) بتعيين المقر له فصار من الاقرار، لان المنادى هو المخاطب، ومفاده لو كان

268
المنادي غير المقر له يضر. نقله الحموي عن الجوهرة. ولم أره فيها. لكن قال في غاية البيان: ولو قال
لفلان علي ألف درهم يا فلان إلا عشرة كان جائزا، لأنه أخرجه مخرج الاخبار لشخص خاص، وهذا
صيغته فلا يعد فاصلا ا ه‍. تأمل.
قال في الولوالجية: لان النداء لتنبيه المخاطب وهو محتاج إليه لتأكيد الخطاب والاقرار، فصار من
الاقرار ا ه‍.
ثم اعلم أن الملائم للاقرار لا يمنع الاتصاف وغير الملائم يمنعه، فمن قبيل الأول التنفس
والسعال وأخذ الفم ونحوها فإنها لا تفصل الاستثناء، وكذا النداء سواء كان مفردا نحو يا فلان أو
مضافا نحو يا ابن فلان، سواء كان المنادى مقرا له أو غيره نحو لك علي مائة درهم يا فلان أو يا ابن
فلان إلا عشرة، ونحو قولك لزيد علي مائة درهم يا عمرو إلا عشرة من قبيل الثاني ما لو هلل أو
سبح أو كبر أو قال فاشهدوا، فإن كلا منها جعل فاصلا كما في الغاية والظهيرية، وباقي التفصيل في
تنوير تلخيص الجامع الكبير في باب الاستثناء يكون على الجمع. قوله: (ولو الأكثر عند الأكثر) أي
ولو أكثر من النصف عند أكثر النحاة. قال الفراء: استثناء الأكثر لا يجوز لان العرب لم تتكلم به،
والدليل على جوازه قوله تعالى: * () * (المزمل: 2 -
3 - 4) وقوله تعالى: * ((15) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) * (الحجر: 24)
فاستثنى المخلصين تارة والغاوين أخرى، فأيهما كان أكثر لزمه ولا تمنع صحته وإن لم تتكلم به العرب
إذا كان موافقا لطريقهم كاستثناء الكسور لم تتكلم به العرب، وهو صحيح لكن يدل على تكلم العرب
به وردوه في القرآن كما سمعت النص الكريم. وقال الشاعر:
أدوا التي نقصت تسعين من مائة * ثم ابعثوا حكما بالعدل حكام (1)
استثنى تسعين من مائة وإن لم يكن بأداته لأنه في معناه. وقال صاحب النهاية: ولا فرق بين
استثناء الأقل والأكثر وإن لم تتكلم به العرب، ولا يمنع صحته إذا كان موافقا لطريقهم. وعن أبي
يوسف وهو قول مالك والفراء: لا يصح الاستثناء إلا إذا كان الباقي أكثر كما في مسكين. قوله:
(والاستثناء المستغرق باطل ولو فيما يقبل الرجوع) قال في المنح: لما تقرر من أنه تكلم بالحاصل بعد
الثنيا، ولا حاصل بعد الكل فيكون رجوعا. والرجوع عن الاقرار باطل موصولا كان أو مفصولا.
كذا في العناية وغيرها، لكن مقتضى هذا الكلام صحة استثناء الكل من الكل فيما يقبل الرجوع،
وليس كذلك ومن ثم قلت: ولو فيما يقبل الرجوع كوصية. قال في الجوهرة: واختلفوا في استثناء
الكل، فقال بعضهم: هو رجوع لأنه يبطل كل الكلام، وقال بعضهم: هو استثناء فاسد وليس برجوع



(1) قوله: (حكام) هكذا بالأصل وصوابه حكاما الا ان يكون لضرورة القافية ولحرر ا ه‍ مصححه.
269
وهو الصحيح، لأنهم قالوا في الموصي: إذا استثنى جميع الموصى به بطل الاستثناء والوصية صحيحة،
ولو كان رجوعا لبطلت الوصية لان الرجوع فيها جائز ا ه‍. قوله: (هو الصحيح) على خلاف ما في
الدرر حيث قال: لأنك قد عرفت أنه تكلم بالباقي بعد الثنيا، ولا باقي بعد الكل فيكون رجوعا
والرجوع بعد الاقرار باطل موصولا كان أو مفصولا. قوله: (بعين لفظ الصدر) كنسائي طوالق إلا
نسائي وكعبيدي أحرار إلا عبيدي. قوله: (أو مساويه) نحو نسائي طوالق إلا زوجاتي أو عبيدي أحرار
إلا مماليكي.
قال في المنح نقلا عن العناية معزيا إلى الزيادات: استثناء الكل من الكل إنما لا يصح إذا كان
الاستثناء بعين ذلك اللفظ، أما إذا كان بغير ذلك فيصح كما إذا قال نسائي طوالق إلا نسائي لا يصح
الاستثناء، ولو قال إلا عمرة وزينب وسعاد حتى أتى على الكل صح. قيل وتحقيق ذلك إن الاستثناء
إذا وقع بغير اللفظ الأول أمكن جعله تكلما بالحاصل بعد الثنيا، لأنه إنما صار كلا ضرورة عدم ملكه
فيما سواه لا لأمر يرجع إلى اللفظ الأول، فبالنظر إلى ذات اللفظ أمكن أن يجعل المستثنى بعض ما
تناوله الصدر والامتناع من خارج، بخلاف ما إذا كان بعين ذلك اللفظ، فإنه لم يمكن جعله تكلما
بالحاصل بعد الثنيا، فإن قيل: هذا مرجع جانب اللفظ على المعنى وإهمال المعنى رأسا فما وجه ذلك؟
أجيب بأن الاستثناء تصرف لفظي: ألا ترى أنه إذا قال أنت طالق ست تطليقات إلا أربعا
صح الاستثناء ووقع تطليقتان، وإن كانت الست لا صحة لها من حيث الحكم لان الطلاق لا يزيد
على الثلاث ومع هذا يجعل كأنه قال أنت طالق ثلاثا إلا أربعا فكان اعتباره أولى انتهى. قوله: (وإن
بغيرهما) بأن يكون أخص منه في المفهوم، لكن في الوجود يساويه. قوله: (إذ الشرط إيهام البقاء) أي
بحسب صورة اللفظ، لان الاستثناء تصرف لفظي فلا يضر إهمال المعنى، أفاده المصنف. قوله: (ووقع
ثنتان) وإن كان الستة لا صحة لها من حيث الحكم، لان الطلاق لا يزيد على الثلاث، ومع هذا لا
يجعل كأنه قال أنت طالق ثلاثا إلا أربعا، فكان اعتبار اللفظ أولى كما في العناية وهذا مبني على أن
الاستثناء من جملة الكلام السابق، لا من جملة الكلام الذي يحكم بصحته، فإن الكلام السابق ست
والأربع بعضه فلم يكن مستغرقا، ولو جعلناه استثناء من الكلام الذي يحكم بصحته لكان مستغرقا
فيبطل الكلام الذي يحكم بصحته لو طلقها ستا فثلاث لأنه غاية الطلاق والأربع تزيد عليها. والشارح
جعله غاية لكونه شرط الاستثناء أن يكون بلفظ الصدر أو مساويه، والأربعة ليست بلفظ الست ولا
مساوية لها بل بعضها فصح استثناؤه، لان الثنتين لها عبارتان كما ذكره الشارح، والست إلا أربع هي
العبارة المطولة، فاشتراط كون الاستثناء من جملة الكلام السابق مبني على هذا. قوله: (كما صح
استثناء الكيلي) فصله عما قبله الان بيان للاستثناء من خلاف الجنس، فإن مقدرا من مقدر صح عندهما
استحسانا وتطرح قيمة المستثنى مما أقر به، وفي القياس لا يصح، وهو قول محمد وزفر، وإن غير
مقدر من مقدر لا يصح عندنا قياسا واستحسانا، خلافا للشافعي نحو مائة درهم إلا ثوبا، لكن حيث

270
لم يصح هنا الاستثناء يجبر على البيان، ولا يمتنع به صحة الاقرار لما تقرر أن جهالة المقر به لا تمنع
صحة الاقرار، ولكن جهالة المستثنى تمنع صحة الاستثناء. ذكره في الشرنبلالية عن قاضي زاده.
قال العيني: وخرج بما ذكر القيمي كما إذا قال له علي مائة درهم إلا ثوبا. وقال الشافعي:
يصح من حيث إنهما متحدا المالية، وبه قال ملك. قوله: (ويكون المستثنى القيمة) مثاله أن يقول: له
علي عشرة قروش إلا أردب قمح يصح ذلك، ويكون بالقيمة وإن استغرقت القيمة المستثنى منه يصح
كما في البحر. قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يصح هذا الاستثناء كما تقدم، لان الاستثناء إخراج
بعض ما يتناوله صدر الكلام على معنى أنه لولا الاستثناء لكان داخلا تحت الصدر، وهذا لا يتصور
في خلاف الجنس، لكن أبا حنيفة وأبا يوسف صححاه استحسانا كما في الدرر. قوله: (لثبوتها) أي
هذه المذكورات في الذمة، لأنها مقدرات وهي جنس واحد معنى وإن كانت أجناسا صورة، لأنها تثبت
في الذمة ثمنا، أما الدينار والدرهم إذا استثنيا فظاهر، وكذا غيرهما من المكيلات والموزونات، لان
الكيلي والوزني مبيع بأعيانهما ثمن بأوصافهما، حتى لو عينا تعلق العقد بأعيانهما، ولو وصفا ولم يعينا
صار حكمهما كحكم التمييز، فكانت في حكم الثبوت في الذمة كجنس واحد معنى، فالاستثناء فيها
تكلم بالباقي معنى لا صورة، كأنه قال ثبت لك في ذمتي كذا إلا كذا: إي إلا قيمة كذا، ولو استثنى
غير المقدرات من المقدرات لا يصح قياسا واستحسانا كما قدمناه، لان ماليته غير معلومة لكونه متفاوتا
في نفسه، فيكون استثناء للمجهول من المعلوم فيفسد فلا ينافي ما يأتي، ولأن الثوب لا يجانس
الدراهم لا صورة ولا وجوبا في الذمة. وتمامه في الاتقاني. قوله: (وكانت كالثمنين) لأنها بأوصافها
أثمان حتى لو عينها تعلق العقد بعينها، ولو وصفت ولم تعين صار حكمها كحكم الدينار. كفاية.
قوله: (لاستغراقه بغير المساوي) أي وهو يوهم البقاء وإبهام البقاء كاف. قوله: (لكن في الجوهرة)
ومثله في الينابيع، ونقله قاضي زاده عن الذخيرة كما في الشرنبلالية وفيها قال الشيخ علي المقدسي
رحمه الله تعالى: لو استثنى دنانير من دراهم أو مكيلا أو موزونا على وجه يستوعب المستثنى كقوله له
علي عشرة دراهم إلا دينارا وقيمته أكثر وإلا كر بر كذلك إن مشينا على أن استثناء الكل بغير لفظه
صحيح، ينبغي أن يبطل الاقرار.
لكن في ذكر في البزازية ما يدل على خلافه. قال علي دينار إلا مائة درهم بطل الاستثناء، لأنه
أكثر. من الصدر: ما في هذا الكيس من الدراهم لفلان إلا ألفا: ينظر إن فيه أكثر من ألف فالزيادة
للمقر له والألف للمقر، وإن ألف أو أقل فكلها للمقر له لعدم صحة الاستثناء. قلت: ووجهه ظاهر
بالتأمل ا ه‍.
قلت: فكان ينبغي للمصنف أن يمشي على ما في الجوهرة حيث قال فيما قبله، وإن استغرقت.
تأمل.
قال العلامة أبو السعود قلت: ولا شك أن ما في الجوهرة أوجه لما سبق من أن بطلان الاستثناء
المستغرق مقيد بما إذا كان بلفظه أو بمرادفه.

271
واعلم أن المصنف تبع قاضيخان في تفريعه على هذه المسألة: أعني صحة استثناء الكيلي والوزني
ونحوهما من المقدرات، التي تثبت في الذمة من الدراهم والدنانير فقال: لو قال له دينار إلا درهما أو
إلا قفيزا أو إلا مائة جوزة صح، ويطرح من المقدم قدر قيمة المستثنى، فإن كانت قيمته تأتي على جميع
ما أقر به لا يلزمه شئ، وإن لم يكن المستثنى من جنس ما أقر به وليس له جنس من مثله كقوله دينار
إلا ثوبا أو شاة لم يصح الاستثناء، وإن كان من جنسه صح الاستثناء في قولهم إلا أن يستثنى جميع ما
تكلم به فلا يصح الاستثناء ا ه‍. وآخره يخالف أوله. كذا بخط السيد الحموي عن الرمز.
وأقول: يمكن الجواب بحمل ما ذكره قاضيخان آخرا على ما إذا كان الاستثناء بمرادفه كقوله له
علي ألف دينار إلا خمسمائة وخمسمائة فلا يخالف ما ذكره أولا، لان الاستغراق فيه من حيث القيمة،
فتدبر. قوله: (فيحرر) الظاهر أن في المسألة روايتين مبنيتين على أن الدراهم والدنانير جنس واحد أو
جنسان ح.
وتوضيحه: أنهم جعلوا الدراهم والدنانير نوعا واحدا في بعض المسائل نظرا لان المقصود منها
الثمنية، وفي بعض المسائل جعلوها نوعين باعتبار الصورة كما بينه الشارح في غير هذا المحل،
فصاحب البحر جعلها في مسألة الاستثناء مما هي معتبرة فيه نوعا واحدا، فكان استثناء المائة درهم من
الدينار استثناء بالمساوي لأنها تبلغ قيمة الدينار أو تزيد عليه، وصاحب الجوهرة نظر إلى أنهما نوعان
في نفس الامر كما اعتبروها كذلك في بعض المسائل، فلذلك كان استثناء العشرة الدنانير من المائة
الدرهم وهي تبلغها قيمة أو تزيد استثناء صحيحا، فإنه ليس بلفظ الأول ولا مساوية لأنهما نوعان، إذ
الشرط إيهام البقاء لا حقيقة كما ذكره الشارح، والايهام موجود هنا، ويؤيده مسألة استثناء المكيل
والموزون والمعدود.
والحاصل: أن الاستثناء المستغرق إن كان بلفظ الصدر فباطل، وإن لم يكن بلفظ الصدر ولا
مساويا له كاستثناء كر بر من الدراهم صحيح لما تقدم أن الشرط إيهام البقاء لا حقيقته، وإن كان بغير
لفظ الصدر لكن بمساويه كاستثناء الدراهم من الدنانير أو العكس فوقع فيه اختلاف إذا كان مستغرقا
في البحر عن البزازية يقتضي بطلانه، وما في الجوهرة والينابيع والذخيرة يخالفه. قوله: (على الأصح)
لان الألف متيقنة الثبوت والخمسون متحققة الخروج وتمام المائة مشكوك في خروجها والمتيقن ثبوته لا
يبطل في المشكوك بخروجه وهو تمام المائة، بل بالمتيقن خروجه وهو خمسون، لكن فيه مخالفة لما مهده
أولا من أن الاستثناء تكلم بالباقي عندنا، وإنما يناسب ما نقلناه عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه إخراج
بعد الدخول بطريق المعارضة، وقدمنا أن ثمرة الخلاف إنما تظهر في مثل هذا التركيب، فعندنا يلزمه
تسعمائة وخمسون على هذه الرواية، وهي رواية أبي سليمان، وفي رواية تسعمائة، وهي رواية أبي
حفص، وهي الموافقة لقواعد المذهب، لأنه لما كان تكلما بالباقي وكان مانعا من الدخول شككنا في
المتكلم به، والأصل فراغ الذمة فلا يلزمه الزائد بالشك، وعليه فكان الأولى التفريع على قاعدة المذهب،
ثم يذكر هذا على أنه قول آخر. تأمل. قوله: (ثبت الأكثر) أي أكثر المقر به. قوله: (إلا شيئا) لان

272
استثناء الشئ استثناء الأقل عرفا فأوجبنا النصف وزيادة درهم بنقد استثنى الأقل اه‍. شلبي قوله:
(فيحكم بخروج الأقل) وهو ما دون النصف لان استثناء الشئ استثناء الأقل عرفا فأوجبنا النصف
وزيادة درهم، لان أدنى ما تتحقق به القلة النقص عن النصف بدرهم. قوله: (ولو وصل إقراره بإن
شاء الله) ولو من غير قصد كما في غاية البيان نقلا عن الواقعات الحسامية، وقيد بالوصل لأنه لو كان
مفصولا لا يؤثر، خلافا لابن عباس كما سبق، إلا إذا كان عدم الوصل لعذر من الاعذار التي
تقدمت. قال العيني: ولو قال لامرأته أنت طالق فجرى على لسانه إن شاء الله من غير قصد، وكان
قصده إيقاع الطلاق لا يقع، لان الاستثناء موجود حقيقة، والكلام مع الاستثناء لا يكون إيقاعا، ومثل
تعليقه بمشيئة الله تعليق إقراره بمشيئة من لا تعلم مشيئته كالجن والملائكة. حموي عن المختار. وإنما
بطل الاقرار في هذه لان التعليق بمشيئة الله تعالى إبطال عند محمد فبطل قبل انعقاده للحكم وتعليق
بشرط لا يوقف عليه عند أبي يوسف. درر وثمرة الخلاف فيما إذا قدم المشيئة فقال إن شاء الله أنت
طالق، فعند من قال إنه إبطال لا يقع الطلاق، وعند من قال إنه تعليق يقع لأنه إذا قدم الشرط ولم
يذكر حرف الجزاء لم يتعلق، وبقي الطلاق من غير شرط فيقع. كفاية. واختار قول محمد صاحب
الكفاية وغاية البيان وصاحب العناية، وكذا تظهر أيضا ثمرة الخلاف فيما إذا قال لامرأته إن حلفت
بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق إن شاء الله تعالى يحنث عند أبي يوسف لأنه يمين عنده، وعند
محمد لا يكون يمينا فلا يحنث عيني.
تنبيه: ما سبق من أن التعليق بمشيئة الله إبطال عند محمد وتعليق بشرط لا يوقف عليه عند أبي
يوسف يشكل بما نقلناه مما يقتضي كون الخلاف بين الصاحبين على عكس ما ذكر في الدرر. وجوابه
أن النقل عنهما قد اختلف: ففي الشرنبلالية بعد أن ذكر ما نقلناه من الخلاف قال: وقيل الخلاف على
العكس، واختاره بعض شراح الهداية، وأيضا فإن ما ذكرنا من أنه عند أبي يوسف تعليق بشرط لا
يوقف عليه أحد وجهين، والوجه الثاني هو أن الاقرار لا يحتمل التعليق بالشرط كما في الشرنبلالية
عن قاضي زاده. قوله: (أو فلان) فيبطل ولو قال فلان شئت لأنه علق وما نجز واللزوم حكم التنجيز
لا التعليق، ولأن مشيئة فلان لا توجب الملك شلبي.
أقول: وينظر مع ما قدمنا في تعليق الطلاق بمشيئة العبد فشاء في مجلسه صح ووقع الطلاق
شرنبلالية. وجوابه أن الاقرار إخبار فلا يصح تعليقه. والطلاق إنشاء لا إسقاط فصح تعليقه،
واقتصرت مشيئته على المجلس نظرا لمعنى التمليك. أبو السعود. قوله: (أو علقه بشرط على خطر)
كقوله لفلان علي ألف درهم إن شاء فلان، وكذا كل إقرار علق بالشرط نحو قوله إن دخلت الدار
وإن أمطرت السماء أو هبت الريح أو إن قضى الله تعالى أو أراده أو رضيه أو أحبه أو قدره أو دبره
كما في العيني. ومنه: إن حلفت فلك ما ادعيت، فلو حلف لا يلزمه، ولو دفع بناء على أنه يلزمه فله
أن يسترد المدفوع كما في البحر في فصل صلح الورثة بقوله: ولو قال المدعى عليه إن حلفت أنها
لك دفعتها فحلف المدعي ودفع المدعى عليه الدراهم، إن كان دفع له بحكم الشرط فهو باطل وللدافع
أن يسترد ا ه‍. وقيد في البحر التعليق على خطر بأن لم يتضمن دعوى الاجل. قال: وإن تضمن مثل
إذا جاء رأس الشهر فلك علي كذا لزمه للحال ويستحلف المقر له في الاجل ا ه‍. تأمل. وفي البحر

273
أيضا: ومن التعليق المبطل له ألف إلا أن يبدو لي غير ذلك أو أرى غيره أو فيما أعلم، وكذا اشهدوا
أن له علي كذا فيما أعلم انتهى. أو قال علي ألف في شهادة فلان أو علمه، لأنه في معنى الشرط،
بخلاف ما لو قال ذلك بالباء لأنها للالصاق، ولو قال وجد ت في كتابي: أي دفتري أنه علي كذا
فهو باطل. وقال جماعة من أئمة بلخ: أنه يلزمه لأنه لا يكتب في دفتره إلا ما عليه الناس صيانة عن
النسيان وللبناء على العادة الظاهرة، فعلى هذا لو قال البياع وجدت في يادكاري بخطي أو كتبت في
يادكاري بيدي أن لفلان علي ألف درهم كان إقرارا ملزما. وفي الولوالجية: ولو قال في ذكرى أو
بكتابي لزمه ا ه‍. حموي. وقد تقدم ذلك مبسوطا، وأن موضع الكلام فيما عليه لا فيما له، وتصوير
الاقرار بما عليه في كتابه هو ما ذكرها قال الحموي: ولا يفرق بين قوله في كتابي أو في كتاب
فلان. نقله عن الولوالجية. قال العلامة المقسي في الرمز: وأنت خبير بأن كتاب فلان غير مأمون
عليه من التغيير، بخلاف كتاب المقر. ا ه‍. قال ط: وهذا يفيد أنه لا يعمل بإقراره بما عليه إلا إذا كان
بكتابته، وأنه لا يعمل بكتابته ماله على الناس لأنه إثبات حق على غيره بمجرد كتاب المدعي، ولا نظير
له في الشريعة، فالافتاء بلزومه بمجرد ذلك ضلال مبين. قوله: (كإن مت فإنه ينجز) المعلق بكائن
لأنه ليس تعليقا حقيقة بل مراده به أن يشهدهم لتبرأ ذمته بعد موته إن جحد الورثة فهو عليه مات أو
عاش، فمرجعه إلى تأكيد الاقرار كما في الحموي والزيلعي وغيرهما، والشارح تبع فيه المصنف وهو
تبع صاحب البحر.
قال ط: ومنه يعلم أن قوله في البحر: وإن بشرط كائن فتنجيز كعلي ألف درهم إن مت لزمه
قبل الموت منظور فيه، ولقائل أن يقول: إن قوله إن مت في عبارة الشرح يحتمل رجوعه إلى الاقرار لا
إلى الشهادة. وأجيب بأن تصرف العاقل يصان عن الالغاء ما أمكن، وذلك بجعله شرطا للشهادة، فلو
قال المقر أردت تعليق الاقرار ورضي بالغاء كلامه. قلنا: تعلق حق المقر له يمنع ذلك كما في الرمز. ا
ه‍. مختصرا.
قال ط: بقي لو كان الكلام من أول الامر بصورة صاحب البحر والظاهر اللزوم حالا كما قال
لتعلق حق المقر، ولا يجعل وصية، وقد استفيد هذا من قوله فلو قال المقر أردت الخ. ا ه‍. لكن قدم
في متفرقات البيع أنه يكون وصية. والحاصل أن التعليق على ثلاثة أقسام: إما أن يصل إقراره بإن شاء
الله، فإنه باطل عند محمد، وتعليق عند أبي يوسف. وإما أن يصله بإن شاء فلان ونحوه مما هو تعليق
على خطر فهو تعليق اتفاقا والاقرار لا يصح تعليقه بالشرط وإما أن يعلقه بكائن لا محالة فهو تنجيز
فلا يبطل الاقرار وكذا إذا قال إذا جاء رأس الشهر أو أفطر الناس أو إلى الفطر أو إلى الضحى، لان
هذا ليس بتعليق وإنما هو دعوى الاجل إلى الوقت المذكور فيقبل إقراره، ودعواه الاجل لا تقبل إلا
بينة أو إقرار الطالب. قوله: (بقي لو ادعى المشيئة) أي ادعى أنه قال إن شاء الله تعالى. قوله (قال
المصنف) وعبارته: ويقبل قوله إن ادعاه، وأنكره في ظاهر المروي عن صاحب المذهب. وقيل لا
يقبل إلا ببينة على الاعتماد لغلبة الفساد خانية. وقيل إن عرف بالصلاح فالقول له. قال الرملي في
حواشيه: أقول: الفقه يقتضي أنه إذا ثبت إقراره بالبينة لا يصدق إلا ببينة، أما إذا قال ابتداء أقررت
له بكذا مستثنيا في إقراري يقبل قوله بلا بينة، كأنه قال له عندي كذا إن شاء الله تعالى، بخلاف الأول

274
لأنه يريد إبطاله بعد تقرره. تأمل ا ه‍. قوله: (وصح استثناء البيت من الدار) لأنه جزء من أجزائها
فيصح استثناء الجزء من الكل كالثلث أو الربع. بدائع. ولو قال هذه النخل بأصولها لفلان والثمر لي
كان الكل للمقر له، ولا يصدق المقر إلا بحجة كما في الخانية. قوله: (منهما) أي من الدار والبيت.
قوله: (لدخوله تبعا) أي لدخول البناء معنى وتبعا لا لفظا، والاستثناء تصرف في الملفوظ، وذلك لان
الدار اسم لما أدير عليه البناء من البقعة، وبحث منلا خسرو بأنه لا ينكر أن البناء جزء من الدار لا يرد
المنصوص، ولهذا لو استحق البناء في البيع قبل القبض لا يسقط شئ من الثمن بمقابلته، بل يتخير
المشتري. بخلاف البيت تسقط حصته من الثمن أو حاصله. قوله: (واستثناء الوصف لا يجوز) كقوله
له هذا العبد إلا سواده. قوله: (وإن قال بناؤها لي وعرصتها لك فكما قال) وكذا لو قال بياض هذه
الأرض لفلان وبناؤها لي. قوله: (هي البقعة) فقصر الحكم عليها يمنع دخول الوصف تبعا. قوله:
(حتى لو قال وأرضها لك كان له البناء أيضا).
أقول: هذا مخالف للعرف الآن، فإن العرف أن الأرض بمعنى العرصة، وعليه فينبغي أن لا يكون
البناء تابعا للأرض تأمل. قوله: (إلا إذا قال بناؤها لزيد والأرض لعمرو فكما قال) لأنه لما أقر بالبناء لزيد
صار ملكه، فلا يخرج عن ملكه بإقراره لعمرو بالأرض، إذ لا يصدق قوله في حق غيره، بخلاف المسألة
الأولى، لان البناء مملوك له، فإذا أقر بالأرض لغيره يتبعها البناء، لان إقراره مقبول في حق نفسه.
وحاصله في الدار والأرض اسم لما وضع عليه البناء لا اسم للأرض والبناء، لكن البناء يدخل
تبعا في بيعه والاقرار به، والعرصة اسم للأرض خالية عن البناء، فلا يدخل فيها البناء لا أصلا ولا
تبعا. والأصل: أن الدعوى لنفسه لا تمنع الاقرار لغيره، والاقرار لغيره يمنع الاقرار لشخص آخر،
إذا علم هذا فإذا أقر بالدار لشخص فقد أقر بالأرض التي أدير عليها البناء، ولفظ الدار لا يشمل
البناء، لكنه يدخل تبعا فكان بمنزلة الوصف. والاستثناء أمر لفظي لا يعمل إلا فيما يتناوله اللفظ،
فلا يصح استثناؤه للبناء لأنه لم يتناوله لفظ الدار، بل إنما دخل تبعا، وهذا معنى. قوله واستثناء
الوصف لا يجوز بخلاف البيت فإنه اسم لجزء من الدار مشتمل على أرض وبناء فصح استثناؤه باعتبار
ما فيه من الأصل، وهو الأرض، فكان متناولة لفظ الدار والاستثناء: إخراج لما تناوله لفظ المستثنى
منه، ولا يضر كون البناء جزءا من مسمى البيت مع أنه وصف من الدار، لأنه لم يستثن الوصف
منفردا بل قائما بالأصل الذي هو الأرض.
وتخريج جنس هذه المسائل على أصلين أحدهما: أن الدعوى قبل الاقرار لا تمنع صحة الاقرار،
والدعوى بعد الاقرار لبعض ما دخل تحت الاقرار لا تصح. والثاني: أن إقرار الانسان على نفسه جائز
وعلى غيره لا يجوز. إذا عرفنا هذا فنقول (1): إذا قال بناء هذه الدار لي وأرضها لفلان كان البناء



(1) تفريغ على الشق الأول من الأصل الأول ا ه‍ منه.
275
والأرض للمقر له، لأنه لما قال بناء هذه الدار لي فقد ادعى لنفسه، فلما قال وأرضها لفلان فقد جعل
مقرا بالبناء للمقر له تبعا للاقرار بالأرض لان البناء تبع للأرض، إلا أن الدعوى قبل الاقرار لا تمنع
صحة الاقرار (1). وإن قال أرضها لي وبناؤها لفلان كانت الأرض له وبناؤها لفلان، لأنه لما قال أولا
أرضها لي فقد ادعى الأرض لنفسه، وادعى البناء أيضا لنفسه تبعا للأرض، فإذا قال بعد ذلك
وبناؤها لفلان فقد أقر لفلان بالبناء بعدما ادعاه لنفسه، والاقرار بعد الدعوى صحيح فيكون لفلان
البناء دون الأرض، لان الأرض ليس بتابع للبناء (2)، وإن قال أرضها لفلان وبناؤها لي كانت
الأرض والبناء للمقر له بالأرض، لأنه لما قال أولا أرضها لفلان فقد جعل مقرا لفلان وبناؤها لي (3)
كان الأرض للمقر له بالأرض، لأنه لما قال أولا أرضها لفلان فقد جعل مقرا بالبناء، فلما قال
بناؤها لي فقد ادعى لنفسه بعدما أقر لغيره، والدعوى بعد الاقرار لبعض ما تناوله الاقرار لا
يصح (4). وإن قال أرضها لفلان وبناؤها لفلان آخر كان الأرض والبناء للمقر له الأول لأنه جعل
مقرا للمقر له الأول بالبناء، فإذا قال بناؤها لفلان جعل مقرا على الأول لا على نفسه، وقد ذكرنا أن
إقرار المقر على نفسه جائز وعلى غيره لا يجوز (5). وإن قال بناؤها لفلان وأرضها لفلان آخر كان كما
قال، لأنه لما أقر بالبناء أولا صح إقراره للمقر له لأنه إقرار على نفسه، فإذا أقر بعد ذلك بالأرض
لغيره فقد أقر بالبناء لذلك الغير تبعا للاقرار بالأرض، فيكون مقرا على غيره وهو المقر له الأول، وإذا
أقر الانسان على غيره لا يصح لما علمت من الأصل الثاني من أن إقرار الانسان على غيره لا يجوز.
أقول: لكن نقض بما لو أقر مستأجر بدين فيسري على المستأجر، ويفسخ به عند الامام، ولو
أقرت زوجته بدين تحبس به ويمنع منها كما في المقدسي. قوله: (واستثناء فص الخاتم) بأن قال
هذا الخاتم لفلان إلا فصه. وفي الذخيرة عن المنتقى: إذا قال هذا الخاتم لي إلا فصه فإنه لك، أو قال
هذه المنطقة لي إلا حليتها فإنها لك، أو قال هذا السيف لي إلا حليته أو قال إلا حمائله فإنها لك، أو
قال هذه الجبة لي إلا بطانتها فإنها لك، والمقر له يقول هذه الجبة لي فالقول قول المقر، فبعد ذلك ينظر
إن لم يكن في نزع المقر به ضرر للمقر يؤمر المقر بالنزع والدفع للمقر له، وإن كان في النزع ضرر
وأحب المقر أن يعطيه قيمة ما أقر به فله ذلك، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
تعالى ا ه‍. ولو قال الحلقة له والفص لي، يصح ذكره، صدر الشريعة. قوله: (ونخلة البستان) ومثله
نخلة الأرض إلا أن يستثنيها بأصولها، لان أصولها دخلت في الاقرار قصدا لا تبعا.
وفي الخانية بعد ذكر الفص والنخلة وحلية السيف قال: لا يصح الاستثناء وإن كان موصولا إلا
أن يقيم المدعي البينة على ما ادعاه.
لكن في الذخيرة: لو أقر بأرض أو دار لرجل دخل البناء والأشجار، حتى لو أقام المقر بينة بعد



(1) تفريغ على الشق الأول من الأصل الأول أيضا ا ه‍ منه.
(2) تفريغ على الشق الثاني من الأصل الأول ا ه‍ منه.
(3) قوله: (وبناؤها الخ) كان الظاهر أن يقول ولما قال ثانيا وبناؤها الخ ليوافق سابقه ا ه‍ مصححه.
(4) تفريغ على الأصل الثاني ا ه‍ منه.
(5) تفريغ على الأصل الثاني ا ه‍ منه.
276
ذلك على أن البناء والأشجار له لم تقبل بينته ا ه‍. إلا أن يحمل على كونه مفصولا لا موصولا كما أشار
لذلك في الخانية سائحاني.
وفي الخانية: لو قال هذا البستان لفلان إلا النخلة بغير أصولها فإنها لي لا يصح الاستثناء،
بخلاف إلا نخلها بأصولها، وكذلك هذه الجبة لفلان إلا بطانتها لان البطانة تدخل في البيع تبعا
فكانت كالبناء، ثم قال: وهو محمول على جبة بطانتها في النفاسة دون الظهارة. قال في الرمز: وما
نقل عن السير الكبير أن الامام لو قال من أصاب جبة خز فهي له فله الظهارة دون البطانة، حمل على
جبة بطانتها كظهارتها نفاسة، فلا تتبعها فهي كجبتين، وما هنا على دون البطانة حتى لو استويا صح
الاستثناء ا ه‍.
أقول: ومثل نخلة البستان نخلة الأرض، لان الشجر يدخل في البستان والأرض تبعا فلا يصح
استثناءه، بخلاف نخلة عرصة البستان، لان العرصة لا تتناول الشجرة كما لا تتناول البناء لا أصلا
ولا تبعا إلا أن يستثنيها بأصولها كما ذكرنا. قوله: (وطوق الجارية) استشكل بأنهم نصوا أنه لا يدخل
معها تبعا إلا المعتاد للمهنة لا غير كالطوق، إلا أن يحمل على أنه لا قيمة له كثيرة كطوق حديد أو
نحاس، وفيه نظر. ط عن الحموي.
أقول: ذلك في البيع لأنها وما عليها للبائع، أما هنا فإنه لما أقر بها ظهر أنها للمقر له والظاهر
منه أن ما عليها لمالكها فيتبعها ولو جليلا. تأمل. قوله: (فيما مر) أي من أنه لا يصح. قوله: (قال
مكلف له علي ألف من ثمن عبد ما قبضته) قيد قوله علي لأنه لو قال ابتداء اشتريت منه مبيعا إلا
أني لم أقبضه قبل قوله، كما قبل قول البائع بعته هذا ولم أقبض الثمن والمبيع في يد البائع، لأنه منكر
قبض المبيع أو الثمن والقول للمنكر، بخلاف ما هنا، لان قوله ما قبضته بعد قوله له علي كذا رجوع،
فلا يصح. أفاده الرملي. قوله: (حال منها) أي حال كون قوله ما قبضته موصولا بالكلام الأول، فلو
لم يصله لم يصدق أفاده المصنف. والذي يظهر أنه حال من الضمير في قال: أي قال حال كونه
واصلا. قوله: (فإن سلمه) لعلهم أرادوا بالتسليم هنا الاحضار، أو يخص هذا من قولهم يلزم المشتري
تسليم الثمن أو لا، لأنه ليس ببيع صريح. مقدسي ملخصا قوله: (عملا بالصفة) قال في المنح: وإن
لم يوجد ما ذكر من القيد وهو التسليم لا يلزمه لأنه أقر له بالألف على صفة فيلزمه الصفة التي أقر
بها، وإذا لم توجد لا يلزمه ا ه‍. وصل أو فصل، هذا مذهب الامام، وقالا: إن وصل صدق فلا
يلزمه، وإن فصل لا يصدق. قوله: (وإن لم يعين العبد لزمه الألف مطلقا وصل أم فصل) كأنه بيان
لوجه الاطلاق، ويحتمل أنه أراد بالاطلاق سواء كذبه المقر له أو صدقه بدليل ما يأتي حيث قيدها بقوله
وإن كذبه المقر له، وهو أولى لأنه حينئذ يتجه فصلها لكنه يبعد أن يلزمه ذلك مع اعتراف كل منهما أنه
حرام أو ربا تأمل. قوله: (لأنه رجوع) أي عما أقر به، وذلك لان الصدر موجب وإنكار قبض مبيع
غير معين ينافيه، ولأنه لو ادعى تأخير الثمن شهرا لم يقبل، فكيف دهرا، إذ ما من عبد يأتي به البائع
إلا يأتي للمشتري منع كونه المبيع، بخلاف المعين. وما ذكره المصنف أحد وجوه أربعة في المسألة.

277
والثاني: أن يقول المقر له العبد عبدك ما بعتكه وإنما بعتك عبدا آخر وسلمته إليك، والحكم فيه
كالأول لأنهما اتفقا على ما أقر به من أن كل واحد منهما يستحق ما أقر به، غير أنهما اختلفا في سبب
الاستحقاق، ولا يبالي باختلافهما، ولا باختلاف السبب عند حصول المقصود واتحاد الحكم، فصار
كما إذا أقر له بغصب ألف درهم فقال المقر له هي قرض فإنه يؤمر بالدفع إليه لاتفاقهما على
الاستحقاق.
والثالث: أن يقول العبد عبدي ما بعتكه، وحكمه أن لا يلزم المقر شئ لما ذكر أنه أقر له على
صفة وهي سلامة العبد، فلا يلزمه بدونها.
والرابع: أن يقول المقر له لم أبعك هذا العبد وإنما بعتك عبدا آخر، فحكمه أن يتحالفا لأنهما
اختلفا في المبيع إذ كل منهما مدع ومنكر، فإذا حلفا انتفى دعوى كل عن صاحبه، فلا يقضي عليه
بشئ والعبد سالم في يده ا ه‍. وتمامه في الزيلعي والدرر موضحا. قوله: (كقوله من ثمن خمر الخ)
تشبيه للمسألة السابقة حكما وخلافا. قوله: (أو مال قمار) الأنسب تأخيره عما بعده ليسلط لفظ
الثمن على الحر والميتة والدم، وهو معطوف على ثمن. قوله: (فيلزمه مطلقا) عنده، وعندهما: إن
وصل صدق، وإن فصل لا كما في المسألة الأولى، قوله: (إلا إذا صدقه) أي المقر له. قوله: (أو أقام
عليه) أي المقر، واعتمد المصنف في تعيين مرجع الضميرين المقام والظهور. قوله: (لاحتمال حله عند
غيره) أي في مذهب غيره كما إذا باع ما اشتراه قبل قبضه من بائعه بثمن أقل مما اشترى به فالزيادة
هذه عندنا حرام أو ربا، وعند الشافعي: يجوز هذا البيع، وليس زيادة أحد الثمنين حراما ولا ربا،
وظاهر هذا التعليل أنهما إذا اتفقا على ذلك لا يلزم المقر شئ ط. قوله: (ولو قال على زورا أو باطلا)
أي هو على حال كون زورا أو باطلا، أو من جهة ذلك فهما منصوبان على الحال أو التمييز. قوله:
(لزمه إن كذبه) أي في كونه زورا أو باطلا. قوله: (هي أن يلجئك الخ) قال الشارح في التذنيب آخر
الصرف: هو أن يظهرا عقدا وهما لا يريدانه يلجأ إليه لخوف عدو، وهو ليس ببيع في الحقيقة بل
كالهزل انتهى. قوله: (إن كذبه) أي المشتري البائع. قوله: (وإلا لا) قال في البدائع: كما لا يجوز بيع
التلجئة لا يجوز الاقرار بالتلجئة بأن يقول لآخر إني أقر لك في العلانية بمال وتواضعا على فساد
الاقرار لا يصح إقراره، حتى لا يملكه المقر له. قوله: (زيوف) جمع زيف وصف بالمصدر ثم جمع على
معنى الاسمية. يقال: زافت الدراهم تزيف زيفا ردأت والمراد به ما يرده بيت المال ويقبله التجار
والنبهرجة دون الزيوف، فإنهما مما يردها التجار والستوقة أردأ من النبهرجة، وتقدم آخر البيوع،
وقدمناه في شتى القضاء. قوله: (ولم يذكر السبب) كثمن مبيع أو غصب أو وديعة. قوله: (على
الأصح) أي إجماعا، وقيل على الخلاف الآتي. قوله: (وهي زيوف مثلا) أو نبهرجة. قوله: (لم

278
يصدق مطلقا) أي عنده، وقالا: يصدق إن وصل: أي في قوله زيوف أو نبهرجة بل يلزمه الجياد لان
العقد يقتضيها.
فدعوى الزيف رجوع عما أقر به، بخلاف ما إذا قال إلا أنها وزن خمسة ونقد البلد وزن سبعة
حيث يصح موصولا لا مفصولا، لأنه استثنى القدر فصار مغيرا فيصح بشرط الوصل ولو قال علي
كر حنطة من ثمن دار اشتريتها منه إلا أنها رديئة يقبل موصولا ومفصولا، لان الرداءة نوع لا عيب
فمطلق العقد لا يقتضي السلامة عنها، بخلاف الجودة. زيلعي. وقوله: مطلقا: أي وصل أم فصل.
وقال زفر: يبطل إقراره إذا قال المقر له هي جياد. قوله: (صدق مطلقا) لان الغاصب يغصب ما
يصادف والمودع يودع ما عنده فلا يقتضي السلامة. قوله: (وصل أم فصل) إذ لا اختصاص للغصب
والوديعة بالجياد دون الزيوف إلى آخر ما قدمناه، فلم يكن زيوفا تفسيرا لأول كلامه بل هي بيان للنوع
فصح موصولا ومفصولا درر. وحاصل الفرق بينهما وبين ما تقدم أن فيما تقدم أقر بعقد البيع أو
القرض والعقد يقتضي سلامة العوضين عن العيب كما تقدم، وهنا أقر بالغصب والوديعة وهما لا
يقتضيان السلامة، وهو قابض والقول للقابض أمينا كان أو ضمنيا. قوله: (لأنها دراهم مجازا) فكان
هذا من باب التغيير فلا يصح مفصولا. قوله: (وصدق بيمينه في غصبته أو أودعني) لأن الغصب
والوديعة لا يقتضيان وصف السلامة كما تقدم. قوله: (مثلا) أي أو قرضا. قوله: (إلا أنه ينقص كذا)
أي الدراهم، ومثله في الشرنبلالية، لكن في العيني قوله إلا أن ينقص كذا: أي مائة درهم وهو
ظاهر. قوله: (أي الدراهم الخ) أي أن كل عشرة من دراهم هذا الألف وزن خمسة مثاقيل لا وزن
سبعة منها. قوله: (متصلا) أي قال ذلك متصلا. قوله: (وإن فصل بلا ضرورة لا يصدق).
قال الزيلعي: ولو كان الانقطاع بسبب انقطاع النفس أو بسبب دفع السعال، فعن أبي يوسف أنه
يصح إذا وصله به، وعليه الفتوى لان الانسان يحتاج إلى أن يتكلم بجميع ذلك بكلام كثير ويذكر
الاستثناء في آخره، ولا يمكنه أن يتكلم بجميع ذلك بنفس واحد، فلو لم يجعل عذرا يكون عليهم
حرج، وعليه الفتوى. ا ه‍. قوله: (لا الوصف كالزيافة) فلذا لم يصح له علي ألف من ثمن متاع إلا
أنها زيوف فهو كما لو قال: وهي زيوف.
وحاصل الفرق بين هذا وبين ما إذا قال هي زيوف حيث لا يصدق هناك، لان الزيافة وصف
فلا يصح استثناؤها وهذا قدر. قوله: (ضمن المقر) ما أقر بأخذه له لأنه أقر بسبب الضمان وهو
الاخذ، ثم إنه ادعى ما يوجب البراءة وهو الاذن بالأخذ والآخر ينكر، فالقول قوله مع يمينه،
بخلاف ما إذا قال له المقر له بل أخذتها قرضا، حيث يكون القول للمقر كما سيأتي، وكذا لو قال

279
أخذته عارية فقال بل بيعا فالقول للآخذ لانكاره البيع، وهذا إذا لم يلبسه بزازية والعلة في عدم
الضمان هو اتفاقهما أن الاخذ كما بالاذن سائحاني.
ولعل العارية محرفة عن الوديعة، لان اللبس في العارية مباح دون الوديعة، ومعلوم أن العارية
تبيح التصرف كالبيع، فلا يصلح اللبس هنا فارقا، لكن في البدائع قال: أعرتني ثوبك فهلك وقال
المقر له لا بل غصبته، فإن الهلاك بعد اللبس يضمن، لان لبس ثوب الغير سبب لوجوب الضمان
في الأصل، فدعوى الاذن فدعوى براءة عن الضمان فلا يثبت إلا بحجة ا ه‍. قوله: (وهو سبب
الضمان) قال صلى الله تعالى عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترده أي ثم بعد إقراره بالأخذ ادعى
ما يوجب براءته، وهو الاذن بالأخذ والآخر ينكر، فكان القول له بيمينه، فإن نكل عنه لا يلزم، أما
لو قال له بعد قوله أخذتها وديعة بل أخذتها قرضا يكون القول للمقر، لأنهما تصادقا على أن الاخذ
حصل بالاذن، وهو لا يوجب الضمان، ثم إن المالك يدعي عقد القرض والمقر ينكره فالقول له،
ومثله لو قال أخذتها بيعا بعد قوله ما تقدم. أفاده المصنف ومثله في العيني. قوله: (أعطيتنيه) قال
الخير الرملي: ومثله دفعتها لي وديعة ونحوه مما يكون من فعل المقر له. تأمل. قوله: (لانكاره الضمان)
قال المصنف: لأنه لم يقر بسبب الضمان بل أقر بالاعطاء وهو فعل المقر له، فلا يكون مقرا على نفسه
بسبب الضمان والمقر له يدعي عليه سبب الضمان، وهو ينكر والقول قول المنكر.
قال في الهداية: والفرق أن في الفصل الأول أقر بسبب الضمان وهو الاخذ ثم ادعى ما يبرئه
وهو الاذن والآخر ينكره، فيكون القول له مع اليمين، وفي الثاني أضاف الفعل إلى غيره وذلك يدعي
بسبب الضمان وهو الغصب وهو ينكر فيكون القول للمنكر مع اليمين. ومما يكثر وقوعه ما في
التتارخانية أعرتني هذه الدابة فقال لا ولكنك غصبتها، فإن لم يكن المستعير ركبها فلا ضمان وإلا
ضمن، وكذا دفعتها لي عارية أو أعطيتنيها عارية.
وقال أبو حنيفة: إن قال أخذتها منك عارية وجحد الآخر ضمن، وإذا قال أخذت هذا
الثوب منك عارية فقال أخذته مني بيعا فالقول للمقر ما لم يلبسه لأنه منكر الثمن، فإن لبس ضمن
أعرتني هذا فقال لا بل أجرتك لم يضمن إن هلك بخلاف قوله غصبته حيث يضمن إن كان استعمله ا ه‍.
قوله: (وإلا فقيمته) فيه أن فرض المسألة في المشار إليه، إلا أن يقال كان موجودا حين الإشارة ثم
استهلكه المقر. تأمل. قوله: (لاقراره باليد ثم بالأخذ منه) أي ثم ادعى الاستحقاق بعد فلا يصدق بلا
برهان. قوله: (وصدق من قال آجرت فلانا فرسي هذه الخ) أقول صورة المسألة: في يد إنسان فرس
أو ثوب فقال مخاطبا لزيد إنك كنت أجرت أو أعرت فرسي هذه أو ثوبي هذا لعمرو فرده عمرو علي
وكذبه عمرو: أي قال لم أستأجره ولم أستعره فالقول للمقر الذي هو ذو اليد، ولا يكون قوله لزيد
أجرته أو أعرته إقرارا لزيد بالملك لقوله فرسي أو ثوبي. تأمل. ذكره في الحواشي الخيرية. قوله:

280
(فالقول للمقر استحسانا) وهو قول الإمام وقالا القول قول المأخوذ منه، وكذا الإعارة والاسكان لأنه
أقر له باليد، ثم ادعى الاستحقاق وله أن اليد فيما ذكر لضرورة استيفاء المعقود عليه، فلا يكون إقرارا
باليد قصدا فبقيت فيما وراء الضرورة في حكم يد المالك، بخلاف الوديعة والقرض ونحوهما، ولأن
في الإجارة ونحوها أقر بيد من جهته فالقول له في كيفيتها، ولم يقر بذا في الوديعة فيحتمل أنها وديعة
بإلقاء الريح في بيته حتى لو قال أودعتها فهو على الخلاف، وليس مدار الفرق على ذكر الاخذ
الوديعة ونحوها كما توهمه الزيلعي، لأنه ذكر الاخذ في لطرف الآخر في إقرار. كذا في التبيين.
وأنت خبير بأنه لم يذكر في القرض ما ذكر في الوديعة فكان قاصرا، وما ذكره فيها نادر لا يبتنى عليه
حكم إلا أن يقال: اكتفي بما سيذكره بعد في توجيه حكم قوله قبضت منه ألفا كانت لي عليه فإنه
يشمل القرض كما لا يخفى.
ونقل الزيلعي عن النهاية: أن الخلاف إذا لم يكن المقر به معروفا للمقر، وإلا فالقول له إجماعا
وعزاه إلى الاسرار، وفيه بأنه إذا كان معروفا به فالقاضي لا يعرف ذلك إلا بشهادة العارفين عنده لا
بمجرد قوله، فليتأمل. وإن قلتم: القاضي يعلم ذلك. قلنا: لا يقضي بعلمه الآن. ولو قال قبضت
منه ألفا كانت لي عليه وأنكر عليه أخذها لأنه أقر له بالملك وأنه أخذ بحقه وهو مضمون عليه، إذ
الدين يقضي بمثله وادعى ما يبرئه والآخر ينكر، بخلاف الإجارة ونحوهما لما بينا، ولانا لو آخذنا
الناس بإقرارهم فيها لامتنعوا عنها والحاجة ماسة إليها، فلا يؤاخذ به استحسانا دفعا للحرج.
وفي الولوالجية: وعلى هذا الخلاف لو قال أودعت فلانا هذه الألف ثم أخذتها منه هما
يقولان أقر بسبب يوجب ضمان الرد وادعى ما يبرئه فلا يصدق إلا ببينة، كما لو قال أخذت منك
ألفا كانت وديعة لي عندك وقال المأخوذ منه بل ملكي، وأبو حنيفة يقول: الاقرار (1) بالإجارة
والإعارة والايداع أولا صح، لأنه أقر بما في يده وليس بحقه دعوى البراءة عن الضمان فصار الثابت
بالاقرار كثابت عيانا، ولو عاينا أنه أعار أو آجر أو أودع ثم أخذ لا يلزمه الرد، كذا هاهنا، فأما إذا
قال أخذت منه وهو كان عنده عارية أو إجارة أو وديعة، فالاقرار بهذه الأشياء لا يصح، فصار كما
لو سكت عن دعوى الثلاثة، ولو قال فلان ساكن في هذه الدار فالقول للساكن أنها له، ولو قال
زرع هذه الأرض أو بنى هذه الدار أو غرس الكرم وهو بيد المقر أو خاط القميص ولم يقل قبضته منه
فقال بل ملكي فالقول للمقر والاقرار بالسكنى إقرار باليد، ولو قال ذا اللبن أو الجبن من بقرته أو
الصوف من غنمه أو التمر من نخله أو العسل من نحله وطلبه أمر بالدفع إليه.
وفي الخانية: ولدت أمة في يده وقال الأمة لفلان والولد لي فكما قال، لان الاقرار بالجارية
لا يكون إقرار بالولد، بخلاف البناء ونحوه، وكذا سائر الحيوان والثمار المحرزة في الأشجار بمنزلة
ولد الجارية، ولو قال لصندوق فيه متاع في يده الصندوق لفلان والمتاع لي أو هذه الدار لفلان وما فيها
من المتاع لي فالقول له. مقدسي. قوله: (بخلاف الوديعة) ومثلها القرض، لان اليد فيهما مقصورة
فيكون الاقرار بهما إقرارا باليد كما في المنح. قوله: (وعلى المقر ألف مثله للثاني) لان الاقرار صح



(1) قوله: (يقول الاقرار الخ) هكذا بالأصل ولعله ان الاقرار فليحرر مصححه.
281
للأول، قوله لا بل وديعة فلان إضراب عنه ورجوع، فلا يقبل قوله في حق الأول، ويجب عليه
ضمان مثلها للثاني لأنه أقر له بها وقد أتلفها عليه بإقراره بها للأول فيضمن له. منح. وسيأتي قبيل
الصلح ما لو قال أوصى أبي بثلث ماله لفلان بل لفلان. قوله: (بخلاف هي لفلان الخ) فلم يكن
مقرا بسبب الضمان، بخلاف الأولى فإنه حيث أقر بأنه وديعة لفلان الآخر يكون ضامنا حيث أقر بها
للأول لصحة إقراره بها للأول فكانت ملك الأول ولا يمكن تسليمها للثاني، بخلاف ما إذا باع الوديعة
ولم يسلمها للمشتري لا يكون ضامنا بمجرد البيع حيث يمكنه دفعها له بها هذا ما ظهر. فتأمل.
وأيضا لأنه أقر بها للأول ثم رجع وشهد بها للثاني فرجوعه لا يصح وشهادته لا تقبل. منح.
فرع: أقر بمالين واستثنى كله على ألف درهم ومائة دينار إلا درهما: فإن كان المقر له في المالين
واحدا يصرف إلى المال الثاني، وإن لم يكن من جنسه قياسا وإلى الأول استحسانا لو من جنسه، وإن
كان المقر له رجلين يصرف إلى الثاني مطلقا، مثل لفلان علي ألف درهم ولفلان آخر علي مائة دينار
إلا درهما هذا كله قولهما، وعلى قول محمد: إن كانا لرجل يصرف إلى جنسه، وإن لرجلين لا يصح
الاستثناء أصلا. تتارخانية عن المحيط. قوله: (لزمه أيضا) الثاني ألف لأنه أقر له بشئ تقبله الذمة بأن
كان دينا أو قرضا وهي تقبل حقوقا شتى كالدين والقرض ونحوهما: قوله: (وعليه للثاني مثلها) لما
تقدم في الوديعة. قوله: (ولو كان المقر له واحدا) وقد زاد في أحد الاقرارين قدرا أو وصفا. قوله:
(يلزمه أكثرهما قدرا وأفضلهما وصفا) أي سواء كان ما بعد بل هو الأفضل أو ما قبلها، وسواء كان
الفضل في الذات أو في الصفة لأنه حيث أقر بالقدر الزائد أو الوصف الفاضل لا يصح الرجوع عنه
أو أخذه، لأنه إن لم يقر به أولا فقد أقر به ثانيا وهذا إذا كان جنسا واحدا، فلو كان جنسين كألف
درهم لا بل دينار لزمه الألفان. قوله: (أو عكسه) راجع إلى المسألتين، والقياس أن يلزمه المالان وبه
قال زفر، كما إذا اختلف جنس المالين بأن قال لفلان ألف درهم بل ألف دينار، فإنه يلزمه المالان
بالاجماع كما قدمنا.
والحاصل: أن هذه المسألة على وجهين أحدهما: أن يكون المال متحدا. والثاني: أن يكون
مختلفا. فإن كان متحدا فإنه يلزمه أفضل المالين، سواء كان ما بعد بل هو الأفضل أو ما قبلها، وسواء
كان الفضل في الذات أو في الصفة كما قدمنا، فلذا قال في المبسوط: إذا أقر لفلان بألف درهم ثم
قال بل بخمسمائة فعليه ألف، وكذا لو قال خمسمائة بل ألف، ولو قال عشرة دراهم بيض لا بل
سود أو قال سود لا بل بيض أو قال جيد لا بل ردئ أو ردئ بل جيد فعليه أفضلهما، وإن كان
مختلفا فعليه المالان لان الغلط لا يقع في الجنس المختلف عادة فرجوعه عن الأول باطل والتزامه الثاني
صحيح، فلو قال له علي درهم بل دينار لزمه ودينار، ولو قال له علي كر حنطة لا بل كر شعير

282
لزمه الكران. ا ه‍. كما في شرح المنار لابن نجيم. قوله: (فهو إقرار له) أي للمقر له، قال في شرح
الملتقي: وإن تعددت الديون والودائع، ولا يصدق المقر له قال عنيت بعضها ا ه‍. قوله: (وحق القبض
للمقر) فيأخذ ما ذكر ويدفعه للمقر له. قال في شرح الملتقى: ولو جحد المودع ضمن للمقر له إذا
تلف. قوله: (برئ) أي إذا أقر المقر أنه أذن له. كذا في شرح الملتقى. قوله: (لكنه مخالف الخ) هذا
الاستدارك وجيه ومؤيد لا يقبل التغيير، وربما كلمة لي في الخلاصة من زيادة الناسخ، ولذا لم توجد
في الوديعة بعده، لكن كلام الحاوي يؤيد الزيادة، وزيادة الحاوي وجيهة على ما ظهر لي حيث إن
العبرة لآخر الكلام. قوله: (لما مر الخ) أي أوائل كتاب الاقرار عند قول المصنف جميع مالي أو ما
أملكه هبة لا إقرار وقدمنا الجواب عن ذلك والتوفيق بما يشفي الغليل، فراجعه إن شئت. قوله: (إن
أضاف إلى نفسه كان هبة) أي فيراعي شروطها ولا يكون إقرارا لأنه إخبار، وقضية الإضافة إلى نفسه
منافية له فيكون هبة. قوله: (فيلزم التسليم) لان هبة الدين لا تصح من غير من عليه الدين إلا إذا
سلط على قبضه. قوله: (ولذا قال في الحاوي القدسي) عبارته كما في المنح قال: الدين الذي لي على
زيد فهو لعمرو ولم يسلطه على القبض لكن قال واسمي في كتاب الدين عارية صح، ولو لم يقل هذا لم
يصح ا ه‍. فهو من غير ذكر لفظ لو، واستفيد من هذا أنه لو سلطه على قبضه أو قال هذه الجملة صح
على أنه إقرار وإلا يصح إقرارا بل هبة. قوله: (قال المصنف وهو) أي قوله وإن لم يقله لم يصح هو
المذكور في عامة المعتبرات، خلافا للخلاصة.
حاصله: أنه إن سلطه على قبضه أو لم يسلطه ولكن قال اسمي فيه عارية يصح كما في فتاوي
المصنف، وعلى الأول يكون هبة وعلى الثاني إقرارا، وتكون إضافته إلى نفسه إضافة نسبة لا ملك كما
ذكره الشارح فيما مر وإنما اشترط. قوله: واسمي عارية ليكون قرينة على إرادة إضافة النسبة،
وعليه يحمل كلام المتن ويكون إطلاقا في محل التقييد، فلا إشكال حينئذ في جعله إقرارا ولا يخالف
الأصل المار للقرينة الظاهرة.
وفي شرح الوهبانية: امرأة قالت الصداق الذي لي على زوجي ملك فلان بن فلان لا حق لي فيه
وصدقها المقر له ثم أبرأت زوجها قيل يبرأ، وقيل لا. والبراءة أظهر لما أشار إليه المرغيناني من عدم
صحة الاقرار، فيكون الابراء ملاقيا لمحله ا ه‍. أي فإن هنا الإضافة للملك ظاهرة، لان صداقها لا
يكون لغيرها فكان إقرارها له هبة بلا تسليط على القبض. وأعاد الشارح المسألة في متفرقات الهبة
واستشكلها، وقد علمت زوال الاشكال بعون الملك المتعال فاغتنمه. قوله: (فتأمل عند الفتوى) العبرة
لما في عامة كتب المذهب، وفي شرح العلامة عبد البر، وقالوا: إذا أضاف المال إلى نفسه بأن قال
عبدي هذا لفلان يكون هبة على كل حال، وإن لم يضف إلى نفسه بأن قال هذا المال لفلان يكون
إقرارا ا ه‍. وهذه المسألة ذكرها ابن وهبان حيث قال:

283
ومن قال ديني ذا لذا صح دفعه * إلى ذا وذا حيث التصادق يذكر
قال شارحها عبد البر: مسألة البيت من التتمة وغيرها قال المقر له بالدين إذا أقر أن الدين لفلان
وصدقه فلان صح، وحق القبض للأول دون الثاني، لكن مع هذا لو أدى إلى الثاني برئ، وجعل
الأول كوكيل، والثاني كموكل. ا ه‍. وظاهره أنه يكون لفلان بمجرد التصادق وإن لم يقل اسمي
عارية، ولم يسلط المقر له على قبضه، فكان هذا التصادق مفيدا لملك المقر له، وكان المقر كالوكيل عن
المقر له، وإن حمل ما في الحاوي على أن المقر له كان ساكتا، ومسألة البيت فيما إذا وجد منه تصديق
حصل التوافق وزال التنافي والاضطراب، والله تعالى أعلم بالصواب، وأستغفر الله العظيم.
باب إقرار المريض
وجه تأخيره ظاهر، لأنه عارض وإفراده في باب على حدة لاختصاصه بأحكام على حدة، ولأن
في بعضها اختلافا.
قال في نور العين: ومن الأمور المعترضة على الأهلية المرض، وهو لا ينافي أهلية وجوب الحكم
حتما لله تعالى أو للعبد، ولا لأهلية العبارة حتى صح نكاح المريض وطلاقه وسائر ما يتعلق بالعبارة،
ولكن المرض لما كان سبب الموت والموت عجز خالص كان المرض من أسباب العجز فشرعت العبادات
على المريض بقدر القدرة، ولما كان الموت علة خلافة الوارث والغرماء في المال كان المرض من أسباب
تعلق حق الوارث والغريم بماله فيكون المرض من أسباب الحجر على المريض بقدر ما يتعلق به صيانة
للحقين، إذا اتصل المرض بالموت مستندا إلى أول المرض، حتى لا يورث المرض فيما لا يتعلق به حق
غريم، ووارث كنكاح بمهر المثل حيث يصح منه لأنه من الحوائج الأصلية وحقهم يتعلق فيما فضل
عنها، فيصح في الحال كل تصرف يحتمل الفسخ كهبة وبيع بمحاباة، ثم ينتقض إن احتيج إليه، وما لا
يحتمل النقض جعل كمعلق بالموت كإعتاق إذا وقع على حق غريم أو ورث، بخلاف إعتاق الراهن
حيث ينفذ، لان حق المرتهن في ملك اليد دون الرقبة ا ه‍. قوله: (يعني مرض الموت) أشار به إلى أن
أل للعهد، ولما كانت أل تحتمل الاستغراق وغيره فسرها بيعني وكان المقام أي. قوله: (مر في طلاق
المريض) وهو قوله من غالب حاله الهلاك بمرض أو غيره بأن أضناه مرض عجز به عن إقامة مصالحه
خارج البيت أو بارز رجلا أو قدم ليقتل من قصاص أو رجم أو بقي على لوح من السفينة أو افترسه
سبع وبقي في فيه، ولا يصح تبرعه إلا من الثلث ا ه‍. ومنه: لو قدمه ظالم ليقتله، ومنه: لو تلاطمت
الأمواج وخيف الغرق فهو كالمريض: أي ومات من ذلك كله كما قيده ثمة وأوضحه سيدي الوالد
رحمه الله تعالى، فراجعه. قوله: (وسيجئ في الوصايا) حيث قال المؤلف هناك: قيل مرض الموت أن
لا يخرج لحوائج نفسه، وعليه اعتمد في التجريد. بزازية. والمختار أنه ما كان الغالب منه الموت، وإن
لم يكن صاحب فراش. قهستاني عن هبة الذخيرة. ا ه‍. واختاره صاحب الهداية في التجنيس.
لكن في المعراج: وسئل صاحب المنظومة عن حد مرض الموت، فقال: كثرت فيه أقوال
المشايخ، واعتمادنا في ذلك على قول الفضلي، وهو أن لا يقدر أن يذهب في حوائج نفسه خارج الدار
والمرأة لحاجتها داخل الدار لصعود السطح ونحوه ا ه‍. وهذا الذي جرى عليه في باب طلاق المريض،
وصححه الزيلعي.

284
أقول: والظاهر أنه مقيد بغير الأمراض المزمنة التي طالت، ولم يخف منها الموت كالفالج ونحوه،
وإن صيرته ذا فراش ومنعته عن الذهاب في حوائجه فلا يخالف ما جرى عليه أصحاب المتون
والشروح هنا تأمل.
قال في الإسماعيلية: من به بعض مرض يشتكي منه وفي كثير من الأوقات يخرج إلى السوق
ويقضي مصالحه لا يكون به مريضا مرض الموت وتعتبر تبرعاته من كل ماله، وإذا باع لوارثه أو وهبه
لا يتوقف على إجازة باقي الورثة ا ه‍. وتمام الكلام على ذلك مفصلا في المحلين المذكورين. قوله:
(إقراره بدين لأجنبي) المراد بالأجنبي من لم يكن وارثا وإن كان ابن ابنه. قوله: (نافذ من كل ماله)
لكن يحلف الغريم كما مر قبيل باب التحكيم، ومثله في قضاء الأشباه. قوله: (بأثر عمر) رضي الله
تعالى عنه، وهو ما روي عنه أنه قال: إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته، والأثر في
مثله كالخبر لأنه من المقدرات، فلا يترك بالقياس فيحمل على أنه سمعه من النبي صلى الله تعالى عليه
وسلم، ولأن قضاء الدين من الحوائج الأصلية لان فيه تفريغ ذمته ورفع الحائل بينه وبين الجنة فيقدم
على حق الغرماء كسائر حوائجه، لان شرط تعليق حقهم الفراغ من حقه، ولهذا يقدم كفنه عليهم،
والقياس أن لا ينفذ إلا من الثلث، لان الشرع قصر تصرفه على الثلث وعلق حق الورثة بالثلثين، فكذا
إقراره. كذا في الزيلعي. وفيه: ولأنه لو لم يقبل إقراره لامتنع الناس عن معاملته حذرا من إتواء مالهم
فينسد عليهم طريق التجارة أو المداينة ا ه‍. وفي بعض النسخ بأثر ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:
وهي الموافقة لما في الاتقاني عن المبسوط.
أقول: وفي البخاري في كتاب الوصايا ما نصه: ويذكر أن شريحا وعمر بن عبد العزيز وطاوسا
وعطاء وابن أذينة أجازوا إقرار المريض بدين ا ه‍. فلعل مراد الشارح بأثر عمر هو عمر بن عبد العزيز
قوله: (ولو بعين فكذلك) قال العلامة الرملي في حاشيته على المنح: قوله إقراره بدين ليس احترازا عن
العين لان إقراره له بها صحيح.
قال في مجمع الفتاوي إذا أقر المريض لأجنبي بجميع ماله صح، ولو أقر لغير الوارث بالدين
يصح ولو أحاط بجميع ماله، وبه نأخذ. وفيها: المريض الذي ليس عليه دين إذا أقر بجميع ماله صح
إقراره ولا يتوقف على إجازة الورثة، ولو كان تمليكا لا ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم الإجازة، وقد
ذكر الزيلعي: لو كان عليه دين لا يصح إقراره بدين ولا بعين في يده لآخر في حق غرماء الصحة
والمرض بأسباب معلومة ا ه‍. قوله: (إلا إذا علم تملكه) أي بقاء ملكه لها في زمن مرضه. قوله:
(فيتقيد بالثلث) أي فيكون إقراره له تمليكا له والتمليك في المرض وصية، وهو معنى ما أفاده الحموي
أن إقراره بالعين للأجنبي صحيح إن كان إقراره حكاية، وإن كان بطريق الابتداء يصح من الثلث كما
في فصول العمادي. وقد سئل العلامة المقدسي: عن المراد بالحكاية والابتداء.
فأجاب: بأن المراد بالابتداء ما يكون صورته صورة إقرار، وهو في الحقيقة ابتداء تمليك بأن
يعلم بوجه من الوجوه أن ذلك الذي أقر به ملك له، وإنما قصد إخراجه في صورة الاقرار، حتى لا
يكون في ذلك منع ظاهر على المقر، كما يقع أن الانسان يريد أن يتصدق على فقير ولكنه يعرض عنه

285
بين الناس، وإذا خلا به تصدق عليه كي لا يحسد على ذلك من الورثة فيحصل منهم إيذاء في الجملة بوجه ما، وأما الحكاية فهي على حقيقة الاقرار. ا ه‍. وقول المقدسي: بأن يعلم الخ، يفيد إطلاقه أن
التقييد من المؤلف. قوله: في مرضه اتفاقي ط.
قال: إذا أقر الرجل في مرضه بدين لغير وارث فإنه يجوز، وإن أحاط ذلك بماله، وإن أقر
لوارث فهو باطل إلا أن يصدقه الورثة ا ه‍. وهكذا في عامة المعتمدة المعتبرة من مختصرات الجامع
الكبير وغيرها، لكن في الفصول العمادية: إن إقرار المريض للوارث لا يجوز حكاية ولا ابتداء،
وإقراره للأجنبي يجوز حكاية من جميع المال وابتداء من ثلث المال. ا ه‍.
قلت: وهو مخالف لما أطلقه المشايخ فيحتاج إلى التوفيق، وينبغي أن يوفق بينهما بأن يقال: المراد
بالابتداء ما يكون صورته صورة إقرار وهو في الحقيقة ابتداء تمليك بأن يعلم بوجه من الوجوه أن ذلك
الذي أقر به ملك له وإنما قصد إخراجه في صورة الاقرار، حتى لا يكون في ذلك إظهار على المقر
له، وكما يقع لبعض أن يتصدق على فقير الخ. وأما الحكاية فهو على حقيقة الاقرار، وبهذا الفرق
أجاب العلامة المقدسي، ونقله عن السيد الحموي كما نقله الرملي في حاشية جامع الفصولين.
أقول: ومما يشهد لصحة ما ذكرنا من الفرق ما صرح به صاحب القنية. أقر الصحيح بعبد في
يد أبيه لفلان ثم مات الأب والابن مريض، فإنه يعتبر خروج العبد من ثلث المال، لان إقراره متردد
بين أن يموت الابن أولا فيبطل، أو الأب أولا فيصح، فصار كالاقرار المبتدأ في المرض.
قال أستاذنا: فهذا كالتنصيص أن المريض إذا أقر بعين في يده للأجنبي فإنما يصح إقراره من
جميع المال إذا لم يكن تمليكه إياه في حال مرضه معلوما حتى أمكن جعل إقراره إظهارا أي لحق المقر
له لا تمليكا، فأما إذا علم تملكه في حال مرضه فإقراره به لا يصح إلا من ثلث المال. قال رحمه الله
تعالى: وأنه حسن من حيث المعنى ا ه‍.
قلت: وإنما قيد حسنه بكونه من حيث المعنى لأنه من حيث الرواية مخالف لما أطلقوه في
مختصرات الجامع الكبير، فكان إقرار المريض لغير وارثه صحيحا مطلقا، وإن أحاط بماله، والله
سبحانه أعلم. معين المفتي. ونقله شيخ مشايخنا منلا علي ثم قال بعد كلام طويل فالذي تحرر من
المتون والشروح أن إقرار المريض لأجنبي صحيح، وإن أحاط بجميع ماله وشمل الدين والعين،
والمتون لا تمشي غالبا إلا على ظاهر الرواية. وفي البحر من باب قضاء الفوائت: متى اختلف الترجيح
رجح إطلاق ما في المتون ا ه‍. وقد علمت أن التفصيل مخالف لما أطلقوا، وإن حسنه من حيث المعنى
لا الرواية ا ه‍. فقد علمت أن ما نقله الشارح عن المصنف لم يرتضه المصنف.
أقول: حاصل هذا الكلام: أن إقرار المريض لأجنبي صحيح، وإن أحاط بكل ماله، لكنه
مشروط بما إذا لم يعلم أنه ابتداء تمليك في المرض كما إذا علم أن ما أقر به إنما دخل في ملكه في
مرضه، كما إذا أقر في مرض موته بشئ لأجنبي لم يعلم تملكه له في مرضه، ولم يكن عليه دين
الصحة، فإن إقراره بأنه ملك فلان الأجنبي دليل على أنه ابتداء تمليك، كما يقع كثيرا في زماننا من أن
المريض يقر بالشئ لغيره إضرارا لوارثه، فإذا علم ذلك تقيد بثلث ماله، وهو معنى قول الفصول
العمادية: وابتداء من ثلث ماله، لكن أنت خبير بأن المعتمد أن الاقرار إخبار لا تمليك، وأن المقر له
بشئ إذا لم يدفعه له المقر برضاه لا يحل له أخذه ديانة إلا إذا كان قد ملك ذلك بنحو بيع أو هبة وإن

286
كان يحكم له بأنه ملكه بناء على ظاهر الامر، وإن المقر صادق في إقراره، فعلى هذا إذا علمنا أن هذا
المقر كاذب في إقراره وأنه قصد به ابتداء تمليك فبالنظر إلى الديانة لا يملك المقر له شيئا منه، وبالنظر
إلى القضاء في ظاهر الشرع يحكم له بالكل، فلا وجه لتخصيص نفاذه من الثلث، لأنا حيث صدقناه
في إقراره في ظاهر الشرع لزم نفاذه من كل ماله، وإن أحاط به، فلذا أطلق أصحاب المتون والشروح
نفاذ الاقرار للأجنبي من كل المال، فليس فيما ذكره في القنية شئ من الحسن، لا من حيث المعنى
ولا من حيث الرواية، ولا يكون فيه تأييد لما ذكره من الفرق إلا أن يحمل الاقرار المزبور على الهبة،
وهي في المرض وصية لكنه يشترط فيها التسليم، والأصل أنه متى أضاف المقر به إلى ملكه كان هبة،
فعلى هذا فيمكن حمل ما ذكر على الوصية حيث كان المقر في ذكر الوصية، فلا يشترط التسليم، وإلا
حمل على الهبة واشترط التسليم كما علمت، وهذا كله أيضا حيث أضاف ما أقر به إلى نفسه كقوله
داري أو عبدي لفلان، بخلاف قوله هذه الدار أو العبد لفلان ولم يكن معلوما للناس بأنه ملك المقر،
فإنه حينئذ لا يمكن حمله على التمليك بطريق الهبة أو الوصية، لأنه يكون مجرد إقرار وهو إخبار لا
تمليك كما في المتون والشروح. وما نقل عن القنية محمول على إنه إنشاء تمليك ابتداء، ولذا قيد نفاذه
بكونه من الثلث، إلا أن يقال: إن إقرار هذا الابن كان إخبارا في حال صحته لكنه لما دخل العبد في
ملكه وهو مريض ولزمه تسليمه إلى المقر له في تلك الحالة اعتبر تبرعا في المرض فتقيد بالثلث. وما
نقل عن العمادية فالمراد به الاقرار بالابراء عن العين: يعني أنه إذا أقر المريض أنه أبرأ وارثه عن دين له
عليه لا يصح حكاية بأن يسند الابراء إلى حال الصحة، ولا ابتداء بأن يقصد إبراءه الآن. وأما الأجنبي
إذا حكى أنه أبرأه في الصحة يجوز من كل المال، وإذا ابتدأ إبراءه الآن لا على سبيل الحكاية فمن الثلث
لأنه تبرع. وما نقل عن جامع الفصولين من أنه لم يجز فصرح في الجوهرة بأنه أي من كل المال،
وإنما يجوز من الثلث، وعليه فلا فرق في إقراره بإبراء الأجنبي بين كونه حكاية أو ابتداء، حيث ينفذ
من الثلث، بخلاف الاقرار بقبض الدين منه فإنه من الكل كما مر ا ه‍. ملخصا من التنقيح لسيدي
الوالد رحمه الله تعالى.
أقول: لكن في قوله في صدر العبارة وإن أقر لوارث فهو باطل فيه نظر، لان الباطل لا
تلحقه الإجارة، فيتعين أن يقال إنه موقوف لا باطل. تأمل.
وفي المجلة من المادة 1061: الاقرار لأجنبي صحيح من جميع المال في مرض الموت إذا لم يكن
عليه دين الصحة، ولم يعلم أن المقر ملكه بسبب هبة أو إرث أو شراء من مدة قريبة، وأما إذا علم أن
المريض كان ملكه بسبب مما ذكر وكان قريب عهد في تملكه، فيكون من الثلث، سواء حمل على الوصية
إن كان في مذاكرة الوصية، وإلا فعلى الهبة إذا كان معلوما ذلك عند كثير من الناس. قوله: (في
معينه) وهو معين المفتي للمصنف. قوله: (وأخر الإرث عنه) لان قضاء الدين من الحوائج الأصلية،
لان فيه تفريغ ذمته ورفع الحائل بينه وبين الجنة كما قدمنا فيقدم على حق الورثة. قوله: (ودين الصحة
مطلقا) سواء علم بسبب معروف أو بإقراره، سواء كان لوارث أم لا بعين أو بدين ط. قوله: (ودين)
مبتدأ خبره جملة قدم، ويصح جره، والأول قول الشارح في الفرائض: ويقدم دين الصحة على دين
المرض إن جهل سببه وإلا فسيان. قوله: (وما لزمه في مرضه بسبب معروف) وإنما ساوى ما قبله لأنه
لما علم سببه انتفت التهمة عن الاقرار. منح.

287
قال في المبسوط: إذا استقرض مالا في مرضه وعاين الشهود دفع المقرض المال إلى المستقرض أو
اشترى شيئا بألف درهم وعاين الشهود قبض المبيع أو تزوج امرأة بمهر مثلها أو استأجر شيئا بمعاينة
الشهود، فإن هذه الديون تكون مساوية لديون الصحة، وذلك لأنها وجبت بأسباب معلومة لا مرد
لها، ولأنه بالقرض والشراء لم يفوت على غرماء الصحة شيئا لأنه يزيد في التركة مقدار الدين الذي
تعلق بها، ومتى لم يتعرض لحقوقهم بالابطال نفذ مطلقا ا ه‍. جلبي وفي التعليل الثاني نظر لاحتمال
استهلاك ما اقترضه أو ما اشتراه ط قوله: (أو بمعاينة قاض) هذا بناء على أن القاضي يقضي بعلمه
وهو مرجوح كما مر مرارا. قوله: (قدم على ما أقر به في مر ض موته) حتى لو أقر من عليه دين في
صحته في مرضه لأجنبي بدين، أو عين مضمونة أو أمانة بأن قال مضاربة أو وديعة أو غصب يقدم
دين الصحة، ولا يصح إقراره في حق غرماء الصحة، فإن فضل شئ من التركة يصرف إلى غرماء
المرض. إتقاني. وإنما قدم عليه، لان المريض محجور عن الاقرار بالدين ما لم يفرغ عن دين الصحة،
فالدين الثابت بإقرار المحجور لا يزاحم الدين الثابت بلا حجر، كعبد مأذون أقر بدين بعد حجره،
فالثاني لا يزاحم الأول. حموي. وفيه: ولنا أن حق غرماء الصحة تعلق بمال المريض مرض الموت في
أول مرضه لأنه عجز عن قضائه من مال آخر، فالاقرار فيه صادف حق غرماء الصحة فكان محجورا
عليه ومدفوعا به. قوله: (ولو المقر به وديعة) أي لم يتحقق ملكه لها في مرضه، وإلا كانت وصية.
قوله: (وعند الشافعي الكل سواء) لأنه إقرار لا تهمة فيه لأنه صادر عن عقد والذمة قابلة للحقوق في
الحالين، ولنا أن المريض محجور عن الاقرار بالدين ما لم يفرغ عن دين الصحة، فالدين الثابت بإقرار
المحجور لا يزاحم الدين الثابت بلا حجر، كعبد مأذون أقر بالدين بعد الحجر، فالثاني لا يزاحم
الأول. درر.
والحاصل: أن الدين الثابت قبل الحجر لا يزاحمه الثابت بعده، ولكن ما لو علم منه سبب بلا
إقرار يلحق بالثابت قبل الحجر فيؤخر عنهما الثابت بمجرد الاقرار، ثم الدين الثابت بالسبب نوعان:
نوع لو قبض صاحبه من المريض ذلك لا يشاركه فيه صاحب دين الصحة كالمقرض والمبيع فيه. ونوع:
يشارك فيه معه كمهر قبضته المرأة وأجرة قبضها الآجر كما في غاية البيان، وأجرة مسكنه ومأكله
وملبسه، ومنه أدويته وأجرة طبيبه من النوع الأول لو قبضت لا يشاركها الغرماء والمهر من النوع
الثاني، ولم يعد من التبرعات لان النكاح من الحوائج الأصلية كما مر ويأتي. قوله: (كنكاح مشاهد)
أي للشهود، وإنما جعل النكاح من جملة ما يجب تقديمه لأنه من الحوائج الأصلية كما مر، وإن كانت
رابعة لشيخ فان، لان النكاح في أصل الوضع من مصالح المعيشة، والأصل الوضع لا الحال لان
الحال مما لا يتوقف عليها كما في المنح. قوله: (أما الزيادة فباطلة) أي ما لم تجزها الورثة لأنها وصية
لزوجته الوارثة، فافهم. قوله: (وبيع مشاهد) إنما يكون مشاهدا بالبينة على ما تقدم. قوله:
(والمريض) بخلاف الصحيح كما في حبس العناية. قوله: (ليس له) أي للمريض، ومفاده أن
تخصيص الصحيح صحيح كما في حجر النهاية شرح الملتقى. قوله: (دين بعض الغرماء) ولو غرماء

288
لتعلق حق كل الغرماء بما في يده، والتقييد بالمريض يفيد أن الحر غير المحجور لا يمنع من ذلك.
قال في الدرر: ولم يجز تخصيص غريم بقضاء دينه، وهذا ظاهر في أنه لو أداه شاركه الغرماء
الآخر، بخلاف قوله وليس له الخ، فإنه يحتمل، ويدل على ذلك قول الشارح فلا يسلم لهما.
قوله: (فلا يسلم) بفتح اللام المخففة من السلامة. قوله: (لهما) بل يشاركهما غرماء الصحة، لان ما
حصل له من النكاح وسكنى الدار لا يصلح لتعلق حقهم بعين التركة، فكان تخصيصهما إبطالا لحق
الغرماء، بخلاف ما بعده من المسألتين لأنه حصل في يده مثل ما نقد، وحق الغرماء تعلق بمعنى
التركة لا بالصورة، فإذا حصل له مثله لا يعد تفويتا كما في الكفاية وهذا في الأجرة المستوفية
المنفعة. أما إذا كانت الأجرة مشروطة التعجيل وامتنع من تسليم العين المؤجرة حتى يقبض الأجرة فهي
كمسألة ثمن المبيع الآتية الذي امتنع من تسليمه حتى يقبض ثمنه. قوله: (إلا في مسألتين الخ) وذلك
لان المريض إنما منع من قضاء دين بعض الغرماء لما فيه من إسقاط حق الباقين، فإذا حصل للغرماء
مثل ما قضى ولم يسقط من حقهم شئ جاز القضاء، ولأن حق الغرماء في معنى التركة لا في عينها
كما مر. فإذا اشترى عبدا وأوفى ثمنه من التركة فمعنى التركة حاصل لهم لم يسقط منه شئ فجاز ما
فعله ط. قوله: (لو بمثل القيمة) والزيادة تبرع فهي وصية. قوله: (أي ثبت كل منهما) أي من
القرض والشراء. قوله: (بخلاف اعطاء المهر ونحوه) أي كإيفاء أجرة عليه، وذكرهما ليفيد الحكم
فيهما وفيما ذكره المصنف بعد.
قال في خزانة المفتين: المريض إذا تزوج امرأة وأعطاها مهرها يسترد منها ما أخذت ويكون بين
الغرماء بالحصص، والمرأة واحدة منهم، بخلاف ثمن المبيع، فإن الثمن يسلم للدافع: أي للبائع الذي
دفع السلعة، أما إذا لم يدفعها فإن له حبسها حتى يقبض الثمن على كل حال، ولكن ينظر الفرق بين
المهر وبذل الأجرة وبين ثمن المبيع والقرض، والفرق أن المهر تبرع من وجه وصلة وعرض من وجه،
فباعتبار ما فيه من المعاوضة تشارك الغرماء، وباعتبار ما فيه من الصلة والتبرع يسترد ما أخذته في
المرض والأجرة بعد استيفاء المنفعة دين في ذمة المستأجر فساوت بقيمة الديون، أما قضاء ما استقرض
في مرضه لا يسترد دفعا للحرج، لان المقرض إذ علم عدم وفائه في المرض يمتنع عن إقراضه، وكذا
البائع فيلحق المريض الحرج، وما جعل عليكم في الدين من حرج. قوله: (وما إذا لم يؤد) أي
وبخلاف ما إذا لم يؤد بدل ما استقرض أو ثمن ما اشترى في المرض. قوله: (فإن البائع) أي
والمقرض. قوله: (أسوة) بضم الهمزة وكسرها وبهما قرئ في السبع. قوله: (في الثمن) الأولى أن
يقول في التركة. قوله: (كان أولى) فتباع ويقضى من ثمنها ماله، فإن زاد رده في التركة، وإن نقص
حاصص بنقصه كما لا يخفى. قوله: (أقر المريض الخ) ولو للمريض على الوارث دين فأقر بقبضه لم
يجز، سواء وجب الدين بصحته أو لا على المريض دين أو لا. فصولين. قوله: (ثم أقر بدين) وقد
تساوى الدينان صحة أو مرضا. قوله: (للاستواء) في الثبوت في ذمة المقر. قوله: (ولو أقر بدين ثم

289
بوديعة تحاصا) لأنه لما بدأ بالاقرار بالدين تعلق حق الغريم بالألف التي في يده، فإذا أقر أنها وديعة
يريد أن يسقط حق الغريم عنها فلا يصدق إلا أنه قد أقر بوديعة تعذر تسليمها بفعله، فصارت
كالمستهلكة فتكون دينا عليه، ويساوي الغريم الآخر في الدين ولو أقر بوديعة ثم بدين، فصاحب
الوديعة أولى بها لأنه لما بدأ بالوديعة ملكها المقر له بعينها، فإذا أقر بدين لم يجز أن يتعلق بمال الغير ط
عن الحموي. قوله: (وبعكسه الوديعة أولى) يعني أن الألف المعين يصرف للوديعة من غير محاصصة
فيه، لأنه حين أقر بها علم أنها ليست من تركته، ثم إقراره بالدين لا يكون شاغلا لما لم يكن من جملة
تركته. بزازية.
والحاصل: أن في الصورة الأولى يتحاصان، وفي الصورة الثانية ينصرف للوديعة من غير
تحاصص ويلزمه ما أقر به، وإقراره بمال في يده إنه بضاعة أو مضاربة حكمه مساو للوديعة كما في
البدائع. قوله: (وإبراؤه مديونه وهو مديون) أي بمستغرق قيد به احترازا عن غير المديون، فإن لم يكن
مديونا وأبرأ الأجنبي فهو نافذ من الثلث كما في الجوهرة.
قال أبو السعود في حاشية الأشباه ما نصه: ليس على إطلاقه، بل يقيد أن لا يبقى له من المال
الفارغ عن الدين ما يمكن خروج القدر المبرأ من ثلثه، ولا بد من قيد آخر وهو أن يكون له وارث ولم
يجز. قوله: (للتهمة) علله أو السعود في حاشية الأشباه بقوله: لان إبراء الوارث في مرض موته
وصية، وهي للوارث لا تجوز ما لم يجز الوارث الآخر، لكن الشارح تبع المنح، والأظهر ما نقلناه عن
أبي السعود. قوله: (إن كان أجنبيا) إلا أن يكون الوارث كفيلا عنه فلا يجوز، إذ يبرأ الكفيل ببراءة
الأصيل جامع الفصولين. ولو أقر باستيفائه دينه منه صدق كما بسطه في الولوالجية. قوله: (وإن
كان وارثا فلا يجوز) أي سواء كان من دين له عليه أصالة أو كفالة، وكذا إقراره بقبضه واحتياله به على
غيره. فصولين. قوله: (وحيلة صحته الخ) قال في الأشباه: وهي الحيلة في إبراء المريض وارثه مرض
موته، بخلاف قوله أبرأتك فإنه يتوقف كما في حيل الحاوي القدسي، وعلى هذا لو أقر المريض
بذلك لأجنبي لم تسمع الدعوى عليه بشئ من الوارث، فكذا إذا أقر بشئ لبعض ورثته كما في
البزازية. قوله: (يشمل الوارث وغيره) صرح به في جامع الفصولين حيث قال: مريض له على وارثه
دين فأبرأه لم يجز، ولو قال لم يكن لي عليك شئ ثم مات جاز إقراره قضاء لا ديانة ا ه‍. وينبغي لو
ادعى الوارث الآخر أن المقر كاذب في إقراره أن يحلف المقر له بأنه لم يكن كاذبا بناء على قول أبي
يوسف المفتى به كما مر قبيل باب الاستثناء.
وفي البزازية: ادعى عليه ديونا ومالا ووديعة فصالح الطالب على يسير سرا وأقر الطالب في
العلانية أنه لم يكن له على المدعى عليه شئ وكان ذلك في مرض المدعي ثم مات فبرهن الوارث أنه
كان لمورثي عليه أموال كثيرة وإنما قصد حرماننا لا تسمع، وإن كان المدعى عليه وارث المدعي
وجرى ما ذكرنا فبرهن بقية الورثة على أن أبانا قصد حرماننا بهذا الاقرار تسمع. ا ه‍. وينبغي أن يكون
في مسألتنا كذلك، لكن فرق في الأشباه بكونه متهما في هذه الاقرار لتقدم الدعوى عليه والصلح معه
على يسير والكلام عند عدم قرينة على التهمة. ا ه‍.

290
قلت: وكثيرا ما يقصد المقر حرمان بقية الورثة في زماننا، وتدل عليه قرائن الأحوال القرينة من
الصريح، فعلى هذا تسمع دعواهم بأنه كان كاذبا وتقبل بينتهم على قيام الحق على المقر له، وكذا الحكم
يجري لو ادعى وارث المقر فيحلف، والنفي عبر عنه في البحر هنا بالاقرار، وتارة عبر عنه بالابراء في
أول الاقرار، وفي الصلح، وكذا البزازي، وحينئذ فما في المتن إما إقرار أو إبراء، وكلاهما لا يصح
للوارث كما في المتون والشروح، فما في المتن هنا غريب لا يعول عليه، لئلا يصير حيلة لاسقاط
الإرث الجبري مع ضعفه، ويوضحه ما لو قالوا قصد حرماننا بذلك تسمع دعواهم كما سمعت
ويأتي، والله تعالى أعلم. قوله: (صحيح قضاء لا ديانة) لأنه في الديانة لا يجوز إذا كان بخلاف
الواقع، ونفس الامر بأن كان له في الواقع عليه شئ لاستلزامه إيثار بعض الورثة، وحرمان البعض،
إذ لو قال طابق الواقع إقراره بأن لم يكن عليه شئ لصح قضاء وديانة كما لا يخفى. قوله: (إلا المهر)
أي إذا قالت في مرض موتها لا مهر لي عليه أو لم يكن لي عليه مهر. قوله: (على الصحيح) مقابله ما
في المنح عن البزازية معزيا إلى حيل الخصاف قالت فيه: ليس على زوجي مهر أو قال فيه لم يكن لي
على فلان شئ يبرأ عندنا خلافا للشافعي ا ه‍. قوله: (لظهور أنه عليه غالبا) لعل المراد ما تعورف
تأجيله غالبا. تأمل قوله (بخلاف) راجع إلى. قوله: (فلا يصح). قوله: (فإنه يصح ولا تسمع دعوى
زوجها فيه) اعلم أن صاحب الأشباه استنبط هذه المسألة من مسألة الاقرار المصدر بالنفي، وقال: إن
هذا الاقرار منها: أي البنت بمنزلة قولها لا حق لي فيه، فيصح وليس من قبيل الاقرار بالعين للوارث
لأنه فيما إذا قال هذا لفلان، فليتأمل ويراجع المنقول ا ه‍.
وأقره على ذلك المصنف في منحه حيث قال: وفي التتارخانية من باب إقرار المريض معزيا إلى
العيون: ادعى على رجل مالا وأثبته وأبرأه لا تجوز براءته إن كان عليه دين، وكذا لو أبرأ الوارث لا
يجوز سواء كان عليه دين أو لا، ولو أنه قال لم يكن لي على هذا المطلوب شئ ثم مات جاز إقراره
في القضاء ا ه‍.
وفي البزازية معزيا إلى حيل الخصاف قالت فيه: ليس لي على زوجي مهر وقال فيه لم يكن لي
على فلان شئ يبرأ عندنا خلافا للشافعي. ا ه‍. وفيها قبله وإبراء الوارث لا يجوز فيه. قال فيه: لم يكن
لي عليه شئ ليس لورثته أن يدعوا عليه شيئا في القضاء، وفي الديانة لا يجوز هذا الاقرار، وفي
الجامع أقر الابن فيه أنه ليس له على والده شئ من تركة أمه صح، بخلاف ما لو أبرأه أو وهبه،
وكذا لو أقر بقبض ماله منه ا ه‍.
وبهذا علم صحة ما أفتى به مولانا صاحب البحر: فيما لو أقرت البنت في مرض موتها بأن
الأمتعة الفلانية ملك أبيها لا حق لها فيها أنه يصح، ولا تسمع دعوى زوجها فيها مستندا إلى ما
ذكرناه، وقد خالفه في ذلك شيخنا أمين الدين بن عبد العال المصري، وأفتى بعدم الصحة مستندا إلى
عامة ما في المعتبرات من أن الاقرار للوارث لا يصح، وكثير من النقول الصحيحة يشهد بصحة هذا:
أي إفتاء صاحب البحر، وليس هذا من قبيل الاقرار لوارث كما لا يخفى.
قال مولانا صاحب البحر: ولا ينافيه ما في البزازية معزيا للذخيرة قولها فيه لا مهر لي عليه أو

291
لا شئ لي عليه أو لم يكن لي عليه مهر قيل يصح، وقيل لا يصح، والصحيح أنه لا يصح. ا ه‍. لان
هنا في خصوص المهر لظهور أنه عليه غالبا، وكلامنا في غير المهر، ولا ينافيه أيضا ما ذكره في
البزازية أيضا بعده: ادعى عليه مالا وديونا ووديعة فصالح مع الطالب على شئ يسير سرا وأقر
الطالب في العلانية أنه لم يكن له على المدعى عليه شئ وكان ذلك في مرض المدعي ثم مات ليس
لورثته أن يدعوا على المدعى عليه بشئ، وإن برهنوا على أنه كان لمورثنا عليه أموال لكنه قصد بهذا
الاقرار حرماننا لا تسمع، وإن كان المدعى عليه وارث المدعي وجرى ما ذكرنا فبرهن بقية الورثة على
أن أبانا قصد حرماننا بهذا الاقرار وكان عليه أموال تسمع ا ه‍. لكونه متهما في الدعوى عليه والصلح
معه على يسير، والكلام عند عدم قرينة على التهمة والله تعالى أعلم ا ه‍. ما ذكره في المنح. وأقره على
ذلك الشارح كما ترى، قال محشيه الفاضل الخير الرملي قوله: وبهذا علم صحة ما أفتى به مولانا
صاحب البحر الخ.
أقول: لا شاهد على ذلك مما تقدم، وحيث كانت الأمتعة في يد البنت المقرة لا يصح إقرارها بها
لأبيها، يدل عليه ما صرح به الزيلعي وغيره من أنه لو أقر بعين في يده لآخر لا يصح في حق غرماء
الصحة، وإذا لم يصح في حق غرماء الصحة لا يصح في حق بقية الورثة لاشتراكهما في الحكم
لشمول العلة وهي التهمة لهما، وما قدمه من قوله بخلاف إقراره بأن هذا العبد لفلان، فإنه
كالدين فإذا كان كالدين فكيف يصح الاقرار به للوارث، أما عدم شهادة ما تقدم له فبيانه أن قوله
ليس لي على فلان أو لم يكن لي عليه دين مطابق لما هو الأصل من خلو ذمته عن دينه فلم يكن من باب
الاقرار له، فصار كاعترافه بعين في يد زيد بأنها لزيد فانتفت التهمة، ومثله ليس له على والده شئ
من تركة أمه، وليس لي على زوجي مهر على القول المرجوح، وقد علمت أن الأصح أنه لا يصح،
بخلاف الأمتعة التي بيد المقرة، فإنه إقرار بها للوارث بلا شك، لان أقصى ما يستدل به على الملك
اليد، فقد أقرت بما هو ملكها ظاهرا لوارثها فأنى يصح وأنى تنتفي التهمة؟ وقوله وكثير من النقول
الصحيحة نشهد بصحة هذا، وليس هذا من باب الاقرار لوارث غير صحيح، لأنا لم نجد في النقول
الصحيحة ولا الضعيفة ما يشهد بصحته، ووجدنا النقول مصرحة بأن الاقرار بالعين التي في يد المقر
كالاقرار بالدين، ولم يبعد عهدك بنقلها وقول صاحب البحر ولا ينافيه الخ.
أقول: بل يفهم منه عدم الصحة بالأولى، وذلك لأنه إذا لم يصح فيما منه الأصل براءة الذمة،
فكيف يصح فيما فيه الملك مشاهد؟ ظاهرا باليد نعم، لو كانت في الأمتعة يد الأب هي المشاهدة لا يد
البنت، فلا كلام في الصحة، فالحق ما أفتى به ابن عبد العال، ويدل أيضا لصحة ما قلنا ما في شرح
القدوري المسمى بمجمع الرواية من قوله قال في حاشية الهداية: قوله وإقرار المريض لوارثه لا يصح
إلا أن يصدقه بقية الورثة، هذا إشارة إلى أن إقرار المريض لوارثه إذا كان هنا وراث آخر غير المقر له
إنما لا يصح لا لعدم المحلية بل لحق بقية الورثة، فإذا لم يكن له وارث غير المقر له صح إقراره، دل
عليه ما ذكر في الديات إذا ماتت المرأة وتركت زوجا وعبدين لا مال لها غيرهما فأقرت أن هذا العبد
بعينه وديعة لزوجها عندها، ثم ماتت فذلك جائز ويكون العبد للزوج بالاقرار بالوديعة والعبد الآخر
ميراث نصفه للزوج ونصفه لبيت المال ا ه‍. فهذا صريح في أنه إذا كان هناك وارث غير الزوج وغير
بيت المال لا يصح إقرارها بالعبد للزوج، وأي فرق بين قول البنت هذه الأمتعة التي بيدي أو في بيتي

292
ملك أبي لا حق لي فيها، وبين قول الزوجة هذا العبد ملك زوجي، فإن كان زيادة لا حق لي فيها فهذا
نفى حقها المشاهد باليد ظاهرا بعد إثباته للأب. وبه لا يخرج عن كونه إقرارا للوارث بعين في يده،
فتأمل ا ه‍ ما ذكره الشيخ خير الدين الرملي رحمه الله تعالى، فالعجب من الشارح مع قول شيخه الخير
الرملي في حاشيته على الأشباه أيضا: أن كل ما أتى به من الشواهد لا يشهد له مع تصريحهم بأن إقرار
المريض بعين في يده لوارثه لا يصح، ولا شك أن الأمتعة التي بيد البنت، وملكها فيها ظاهر باليد إذا
قالت هي ملك أبي لا حق لي فيها إقرار بالعين للوارث، بخلاف قوله لم يكن لي عليه شئ أو لا
حق لي عليه أو ليس لي عليه شئ ونحوه من صور النفي لتمسك النافي فيه بالأصل، فكيف يستدل به
على مدعاه، ويجعله صريحا فيه. ثم قال: وقد خالفه في ذلك علماء عصره بمصر، وأفتوا بعدم
الصحة، ومنهم والد شيخنا الشيخ أمين الدين بن عبد العال. وبعد هذا البحث والتحرير رأيت شيخ
شيخنا شيخ الاسلام الشيخ علي المقدسي رد على المؤلف: أي صاحب الأشباه كلامه، وكذلك الشيخ
محمد الغزي على هامش نسخة الأشباه والنظائر، فقد ظهر الحق واتضح ولله الحمد والمنة ا ه‍ كلام الخير
الرملي أيضا. وتبعه السيد الحموي في حاشية الأشباه، وكذلك رد عليه العلامة جوي زاده كما رأيته
منقولا عنه في هامش نسختي الأشباه، ورد عليه أيضا العلامة البيري وقال بعد كلام: وعليه فلا يصح
الاستدلال لمفت ولا لقاض بما أفتى به من صحة الاقرار للوارث بالعروض في مرض الموت الواقع في
زماننا، لان الخاص والعام يعلمون أن المقر مالك لجميع ما حوته داره لا حق فيه للمقر له بوجه من
الوجوه، وإنما قصد حرمان باقي الورثة: أي تهمة بعد هذه التهمة يا عباد الله ا ه‍. وكذا رد عليه
الشيخ إسماعيل الحائك مفتي دمشق الشام سابقا حيث سئل: فيمن أقر في مرضه أن لا حق له في
الأمتعة المعلومة مع بنته وملكه فيها ظاهر؟
فأجاب بأن الاقرار باطل على ما اعتمده المحققون، ولو مصدرا بالنفي خلافا للأشباه وقد أنكروا
عليه ا ه‍. وكذا رد عليه شيخنا السائحاني وغيره.
والحاصل كما رأيته منقولا عن العلامة جوي زاده: أن الأمتعة إن كانت في يد البنت فهو إقرار
بالعين للوارث بلا شك، وإن لم تكن في يدها فهو صحيح، وبه يشعر كلام الخير الرملي المتقدم،
وصرح به أيضا في حاشيته على المنح، وأطال في الرد على الأشباه كما علمت.
مطلب: الاقرار للوارث موقوف إلا في ثلاث
فإن قلت: قد ذكر الشارح فيما يأتي عن الأشباه أن إقراره للوارث موقوف إلا في ثلاث منها:
إقراره كلها الخ، وقول البنت هذا الشئ لأبي إقرار بالأمانة بالأمانات فيصح وإن كان في يدها.
قلت: المراد يصح إقرارها بقبض الأمانة التي له عند وارثه، لان صاحب الأشباه ذكر عن
تلخيص الجامع أن الاقرار للوارث موقوف إلا في ثلاث: لو أقر بإتلاف وديعته المعروفة، أو أقر
بقبض ما كان عنده وديعة، أو بقبض ما قبضه الوارث بالوكالة من مديونه. ثم قال في الأشباه:
وينبغي أن يلحق بالثانية إقراره بالأمانات كلها ولو مال الشركة أو العارية، والمعنى في الكل أنه ليس
فيه إيثارا لبعض ا ه‍: يعني أن الوديعة في قوله أو أقر بقبض ما كان عنده وديعة غير قيد، بل ينبغي
أن يلحق بها الأمانات كلها فيكون إقراره بقبضها كإقراره بقبض الوديعة، ويؤيد هذا البحث ما قدمناه

293
عن نور العين من قوله: مريض عليه دين محيط بقبض وديعة أو عارية أو مضاربة كانت له عند وارثه
صح إقراره، لان الوارث لو ادعى رد الأمانة إلى مورثه المريض وكذبه المورث يقبل قول الوارث ا ه‍.
فقد تبين لك أنه ليس المراد إقراره بأمانة عنده لوارثه، بل المراد ما قلنا فتنبه لذلك، فإني رأيت
من يخطئ في ذلك مع أن النقول صريحة بأن إقراره لوارثه بعين غير صحيح كما مر، ثم إن ما ذكره
في الأشباه من استثناء المسألة الثالثة الظاهر أنه يستغني عنه بالثانية، لان المريض إذا كان له دين على
أجنبي فوكل المريض وارثه بقبض الدين المذكور فقبضه صار ذلك الذين أمانة في يد الوارث، فإذا أقر
بقبضه منه فقد أقر له بقبض ما كان له أمانة عنده، لان المال في يد الوكيل أمانة. تأمل.
وقد ذكر في جامع الفصولين صورة المسألة الأولى من المسائل الثلاث فقال: صورتها أودع أباه
ألف درهم في مرض الأب أو صحته عند الشهود، فلما حضره الموت أقر بإهلاكه صدق، إذ لو
سكت ومات ولا يدري ما صنع كانت في ماله، فإذا أقر بإتلافه فأولى ا ه‍. قوله عند الشهود قيد به
لتكون الوديعة معرفة بغير إقراره، ولهذا قيد في الأشباه بقوله المعروفة، فيدل على أنه لو أقر بإهلاك
وديعة لوارثه ولا بينة على الايداع لا يقبل قوله، وبه تعلم ما في عبارة المصنف والشارح من الخلل
حيث قال: بخلاف إقراره له: أي لوارثه بوديعة مستهلكة فإنه جائز.
وصورته أن يقول: كانت عندي وديعة لهذا الوارث فاستهلكتها. جوهرة ا ه‍. فإنه كان عليه أن
يقول: بخلاف إقراره له باستهلاك وديعة معرفة فإنه جائز فاغتنم ذلك. قوله: (كما بسطه في الأشباه
الخ) أقول: وقد خالفه علماء عصره، وأفتوا بعدم الصحة كما علمت.
وقد كتب العلامة الحموي في حاشية الأشباه في الرد على عبارتها فقال: كل ما أتى به المصنف:
أي صاحب الأشباه لا يشهد له مع تصريحهم بأن إقراره بعين في يده لوارثه لا يصح، ولا شك أن
الأمتعة التي بيد البنت ملكها فيها ظاهر باليد، فإذا قالت هي ملك أبي لا حق لي فيها، فيكون إقرارا
بالعين للوارث، بخلاف قوله لم يكن لي عليه شئ أو لا حق لي عليه أو ليس لي عليه شئ ونحوه من
صورة النفي لتمسك النافي فيه بالأصل، فكيف يستدل به على مدعاه ويجعله صريحا فيه.
وذكر الشيخ صالح في حاشيته على الأشباه متعقبا لصاحبها في هذه المسألة ما نصه: أقول: ما
ذكره المصنف هنا لا يخرج عن كونه إقرارا للوارث بالعين، وهو غير صحيح، وبه أفتى شيخ الاسلام
أمين الدين، وليس هذا داخلا تحت صور النفي التي ذكرها مستدلا بها. وقال أخو المؤلف الشيخ عمر
بن نجيم: لا يخفى ما في إقرارها من التهمة خصوصا إذا كان بينها وبين زوجها خصومة كتزوجه
عليها. وقال البيري: الصواب أن ذلك إقرار للوارث بالعين بصيغة النفي، ولا نزاع في عدم صحة
ذلك للوارث في مرض الموت، وما استند له المصنف مفروض في إقرار بصيغة النفي في دين لا في
عين، والدين وصف قائم بالذمة وإنما يصير مالا باعتبار قبضه ا ه‍. وقول المصنف: وليس هذا من
قبيل الاقرار للوارث فيه نظر. قوله: (أو مع أجنبي) قال في نور العين: أقر لوارثه ولأجنبي بدين
مشترك بطل إقراره عندهما تصادقا في الشركة أو تكاذبا، وقال محمد: للأجنبي بحصته لو أنكر
الأجنبي الشركة، وبالعكس لم يذكره محمد، ويجوز أن يقال: إنه على اختلاف، والصحيح أنه لم يجز

294
على قول محمد كما هو قولهما ا ه‍. لهما أن الاقرار إخبار، ولا يصح أن ينفذ على خلاف الوجه الذي
أقر به، فإذا أقر مشتركا لا يمكن أن ينفذ غير مشترك. وفي أحكام الناطفي: لو أقر لاثنين بألف فرد
أحدهما وقبل الآخر فله النصف. قوله: (بعين) قيست على الدين المذكور في الحديث، ومثال العين أن
يقر المريض بأن هذه العين وديعة وأرثي أو عاريته أو غصبتها أو رهنتها منه. قوله: (بطل) أي على
تقدير عدم الإجازة، وإلا فهو موقوف ا ه‍. منح لكنه لو طلب سلم إليه، ثم إن مات لا يرد
لاحتمال صحة الاقرار بالتحاق صحة المريض ا ه‍. حموي عن الرمز. قوله: (ولنا حديث لا وصية
لوارث ولا إقرار له بدين) رواه الدارقطني، لكن في المبسوط أن الزيادة شاذة ولذلك تركها في
الدرر، والمشهور: لا وصية لوارث، ولدلالة نفي الوصية على نفي الاقرار له بالطريق الأولى، لان
بالوصية إنما يذهب ثلث المال، وبالاقرار يذهب كله، فإبطالها إبطال للاقرار بالطريق الأولى كما في
المنبع. فظهر أن ما يقال المدعي عدم جواز الاقرار والدليل على عدم جواز الوصية.
فالصواب ما أتى به صاحب الهداية ساقط غايته أن الدليل لم ينحصر على عبارة النص كما
صرح به في الأصول. قوله: (إلا أن يصدقه بقية الورثة) أي بعد موته، ولا عبرة لإجازتهم قبله كما
في خزانة المفتين وإن أشار صاحب الهداية لضده، وأجاب به ابنه نظام الدين وحفيده عماد الدين.
ذكره القهستاني شرح الملتقى.
وفي النعيمية: إذا صدق الورثة إقرار المريض لوارثه في حياته لا يحتاج لتصديقهم بعد وفاته،
وعزاه لحاشية مسكين قال: فلم تجعل الإجازة كالتصديق، ولعله لأنهم أقروا ا ه‍.
قال العلامة أبو السعود في حاشية مسكين: وكذا لو كان له دين على وارثه فأقر بقبضه لا
يصح، إلا أن يصدقه البقية. زيلعي. فإذا صدقوه في حياة المقر فلا حاجة إلى التصديق بعد الموت،
بخلاف الوصية بما زاد على الثلث حيث لا تنفذ إلا بإجازة الورثة بعد موت الموصي حموي ا ه‍.
أقول: ينبغي أن يكون على هذا المنوال رضا الغرماء قبل موته. تدبر.
وأقول: وكذا وقف بيعه لوارثه على إجازتهم كما قدمه في باب القضولي، وأشار في الخزانة إلى
أنهم قالوا أجزنا إقراره في حياته فلهم الرجوع: أي فلا مخالفة لان التصديق كصريح الاقرار،
بخلاف الإجازة. قوله: (فلو لم يكن وارث آخر) أي ذو فرض أو تصعيب أو رحم محرم. قوله: (أو
أوصى لزوجته) يعني ولم يكن له وارث آخر، وكذا في عكسه كما في الشرنبلالية، وفي بعض النسخ
وأوصى بدون ألف، وهي الأولى لأنه تصوير للوصية للوارث الذي ليس له وارث غيره، وذلك لا
يتصور بغير أحد الزوجين لما قاله من أن غيرهما فرضا وردا. قوله: (صحت الوصية) ولو كان معها
بيت المال لما أنه غير وارث، بل يوضع فيه المال على أنه مال ضائع لا بطريق الإرث، فلا يعارضه
الوصية والاقرار ولا المحاباة، كما أفاده الخير الرملي في فتاواه آخر الوصايا، قال فيها: وحيث لا
وارث نفذت محاباتها مع زوجها بلا توقف، ولو أوصت بكل ما لها نفذت وصيتها له، لكن قد يقال:
إن ما ذكره الشارح أنه لا يوافق مسألة المصنف، لان موضوعها الاقرار لا بملاحظة أن هذا الاقرار

295
يكون وصية بدليل قوله: إلا أن يصدقه الورثة فإنه يصح الاقرار، وإن لم يكن وارث آخر.
والحاصل: أن المسألة في حد ذاتها صحيحة، إلا أنها لا توافق مسألة المصنف لما ذكرنا. تأمل.
قوله: (وأما غيرهما) أي غير الزوجين ولو كان ذا رحم. شرنبلالية. قوله: (فرضا وردا) المناسب زيادة
أو تعصيبا ط. قوله: (فلا يحتاج لوصية شرنبلالية) والحاصل أن إقرار المريض لوارثة لا يصح إذا كان
هناك وارث آخر غير المقر له لا لعدم المحلية بل لحق الورثة، فإذا لم يكن له وارث آخر غير المقر له
صح إقراره. قوله: (أقر بوقف الخ) هذا كلام مجمل يحتاج إلى بيان، ذكر الشارح العلامة عبد البر عن
الخانية: رجل أقر في مرضه بأرض في يده أنها وقف إن أقر بوقف من قبل نفسه كان من الثلث كما
لو أقر المريض بعتق عبده، وإن من جهة غيره إن صدقه ذلك الغير أو ورثته جاز في الكل، وإن لم
يبين أنه منه أو من غيره فهو من الثلث. وفي منية المفتي مثله. وسواء أسند الوقف إلى حال الصحة أو
لم يسند فهو من الثلث، إلا أن يجيز الورثة أو يصدقوه في الاسناد إلى الصحة، ولو كان المسند إليه
مجهولا أو معروفا ولم يصدق ولم يكذب أو مات ولا وارث له إلا بيت المال فالظاهر أن يكون من
الثلث، لان التصديق منه أو من الوارث شرط في كونه من جميع المال، وفرع عليه صاحب الفوائد أنه
لا يعتبر تصديق السلطان فيما إذا كان لم يكن له وارث إلا بيت المال، وهذا منقول من كلام شيخنا
وإن قال الطرسوسي تفقها ا ه‍. بتصرف.
وفي شرح الشرنبلالي: وإن أجاز ورثته أو صدقوه فهو من جميع المال، لان مظهر بإقراره لا
منشئ، فلو لم يكن للغير وارث.
قال المصنف: لا يعتبر تصديق السلطان، كذا أطلقه.
قلت: وهذا في الوقف لا على جهة عامة ظاهر لتضمنه إقراره على غيره وإبطال حق العامة، وأما
الوقف على جهة عامة فيصح تصديق السلطان كإنشائه لما تقدم من صحة وقف السلطان شيئا من بيت
المال على جهة عامة، ثم لا يخفى أن المقر لم يسنده لغيره ولم يكن له وارث تجوز إجازة السلطان،
ومن له بيت المال. كذا في البزازية. ولنا فيه رسالة. ولا يعمل بما فهمه الطرسوسي كما نقله المصنف
عنه من أنه يكون من الثلث مع عدم اعتبار تصديق السلطان أنه نافذ من كل المال ط. قوله: (فلو على
جهة عامة) كبناء القناطر والثغور. قوله: (صح تصديق السلطان) لان له أن يفعل ذلك من بيت المال،
ومن حكى أمرا يملك استئنافه صدق. قوله: (وكذا لو وقف) أي أنشأ وقفا في مرض موته ولا وارث
له على جهة عامة فإنه ينفذ من الجميع بتصديق السلطان. قوله: (خلافا لمن زعمه الطرسوسي) هو
يقول: لو لم يكن له وارث إلا بيت المال لا يعتبر تصديق السلطان، بل يكون من الثلث كما يؤخذ من
شرح الوهبانية لعبد البر السابقة، ووجه فساد ما زعمه الطرسوسي أن الوقف والحالة هذه وصية وهي
مقدمة على بيت المال، بل لا يحتاج ذلك لتصديق السلطان. قوله: (ولو كان ذلك) أي الاقرار ولو
وصلية. قوله: (إقرار بقبض دينه أو غصبه) بأن أقر أنه قبض ما غصبه وارثه منه.

296
قال في الخانية: لا يصح إقرار مريض مات فيه بقبض دينه من وارثه، ولا من كفيل وارثه، ولو
أقر لوارثه وقت إقرار ووقت موته وخرج من أن يكون وارثا فيما بين ذلك بطل إقراره عند أبي
يوسف، لا عند محمد ويأتي تمامه، وقيد بدين الوارث احترازا عن إقراره باستيفاء دين الأجنبي،
والأصل فيه أن الدين لو كان وجب له على أجنبي في صحته جاز إقرار باستيفائه، ولو عليه دين
معروف، سواء وجب ما أقر بقبضه بدلا عما هو مال الثمن أو لا كبدل صلح دم العمد والمهر
ونحوه، ولو دينا وجب له في مرضه وعليه دين معروف أو دين وجب عليه بمعاينة الشهود بمرضه،
فلو ما أقر بقبضه بدلا عما هو مال لم يجز إقراره: أي في حق غرماء الصحة أو المرض بمعاينة الشهود
كما في البدائع، ولو بدلا عما ليس بمال جاز إقراره بقبضه ولو عليه دين معروف جامع الفصولين.
وفيه: لو باع في مرضه شيئا بأكثر من قيمته فأقر بقبض ثمنه والمسألة بحالها من كون المقر
مديونا دينا معروفا ببينة لم يصدق، وقيل للمشتري أد ثمنه مرة أخرى أو انقض البيع عند أبي
يوسف، وعند محمد: يؤدي قدر قيمته أو ينقض البيع.
قال في جامع الفصولين: أقر بدين لوارثه أو لغيره، ثم برئ فهو كدين صحته، ولو أوصى
لوارثه ثم برئ بطلت وصيته ا ه‍.
وفي الخلاصة: نفس البيع من الوارث لا يصح إلا بإجازة الورثة: يعني في مرض الموت وهو
الصحيح، وعندهما يجوز، لكن إن كان فيه غبن أو محاباة يخير المشتري بين الرد وتكميل القيمة ا ه‍.
أقول: وبيان ما تقدم أن حق الغرماء يتعلق بذمة المديون في الصحة، فإذا مرض تعلق بمعنى
التركة، وهي أعيانها، والدين مطلقا ليس منها فلم يكن أتلف عليهم بهذا الاقرار شيئا، وأما إذا مرض
وتعلق حقهم بعين التركة فإذا باع منها شيئا أو أقر باستيفاء ثمنه فقد أتلف عليهم، وقوله وقيل
للمشتري أد ثمنه مرة أخرى: أي على زعمك، وإلا بأن أقروا: أي الغرماء بدفع الثمن لا يكون لهم
مطالبة، وهذا الفرع مشكل من حيث أن البيع صحيح نافذ، فكيف يتخير والحالة هذه بين نقض البيع
أو تأدية الثمن. وقول محمد أشد إشكالا من حيث إن الواجب في البيع الثمن دون القيمة، ويمكن
تصويره على قول الإمام، وذلك بأن يكون المشتري وارثا والبيع منه غير نافذ عنده، بل موقوف على
إجازة الورثة، فإذا لم يجيزوا ولم يردوا كان للمشتري الخيار. وحينئذ يخير بين الفسخ وعدمه. فإذا قالت
له الورثة إن شئت فادفع الثمن لنجيز البيع وإن شئت رد علينا بخيارك صح، لكن يشكل عليه قول
محمد، وأن القولين منسوبا للصالحين، وهما يجيزان البيع من الوارث مطلقا، غير أنه يقال له في
صورة المحاباة: أد القيمة أو افسخ. تأمل. قوله: (ونحو ذلك) كأن يقر أنه قبض المبيع فاسدا منه أو
أنه رجع فيما وهبه له مريضا حموي ط. أو أنه استوفى ثمن ما باعه كما في الهندية. قوله: (بقبض
دينه) فيه إشارة إلى أن إقراره وديعة له كانت عنده صحيح، وبه صرح في الأشباه ثم قال وينبغي أن
يلحق بذلك الاقرار بالأمانات كلها. قوله: (لا يصح لوقوعه لمولاه) ملكا في العبد والمكاتب إذا عجز
وحقا فيه إن لم يعجز نفسه.
والحاصل: أنه لا يصح إقرار مريض مات فيه بقبض دين من وارثه، ولا من كفيل وارثه أو عبد
وارثه، لان الاقرار لعبد الوارث إقرار لمولاه، وما أقر به للمكاتب فيه حق لمولاه، لذلك قال في المنح:

297
لأنه يقع لمولاه ملكا أو حقا ا ه‍. قوله: (ولو فعله) أي الاقرار بهذه الأشياء للوارث. قوله: (ثم برئ)
أي من مرضه. قوله: (لعدم مرض الموت) فلم يتعلق به حق الورثة. قوله: (ولو مات المقر له) أي
الوارث للمقر ثم المريض المقر. قوله: (وورثة المقر له من ورثة المريض) صورته: أقر لابن ابنه ثم مات
ابن الابن عن أبيه ثم مات المقر عن ذلك الابن فقط أو ابنين أحدهما والد المقر له أو أقر لامرأته بدين
فماتت ثم مات هو وترك منها وارثا. قوله: (جاز إقراره) عند أبي يوسف آخرا ومحمد لخروجه عن كونه
وارثا في الصورة الأولى، وفي الصورة الثانية فلان العبرة لكون المقر له وارثا ولا وقت موت المقر، وهي
إذ ذاك ليست وارثة، لان الميت ليس بوارث، وهذا هو الذي يأتي قريبا عن الصيرفية. قوله: (كإقراره
لأجنبي) يعني لو كان المقر له أجنبيا ومات قبل المقر وورثته ورثة المقر فإن إقراره جائز لأنه لم يقر لوارث
حين أقر، أما في الأجنبي فظاهر، وأما في الوارث الذي مات فإنه بموته قبل المقر خرج عن كونه وارثا
له. قال في المنح: ولو أقر لوارثه ثم مات المقر له ثم المريض ووارث المقر له من ورثة المريض لم يجز
إقراره عند أبي يوسف أولا، وقال آخرا: يجوز وهو قول محمد. قوله: (وسيجئ) أي قريبا. قوله:
(بوديعة مستهلكة) أي وهي معروفة لعدم التهمة، ولو كذبناه ومات وجب الضمان من ماله لأنه مات
مجهلا، وعليه بينة فلا فائدة في تكذيبه، ولو كانت الوديعة غير معروفة لا يقبل إقراره باستهلاكها إلا أن
يصدقه بقية الورثة كما في التبيين، والأصوب أن يقول المصنف باستهلاكه الوديعة أي المعروفة بالبينة
بدل قوله بوديعة مستهلكة. قوله: (وصورته) لم يبين بهذه الصورة أن الوديعة معروفة كما صرح به في
الأشباه، وقد أوضح المسألة في الولوالجية فراجعها وصورها في جامع الفصولين راقما.
صورتها: أودع أباه ألف درهم في مرض الأب أو صحته عند الشهود فلما حضره الموت أقر
بإهلاكه صدق. إذ لو سكت ومات ولا يدري ما صنع كانت دينا في ماله، فإذا أقر باستهلاكه فأولى،
ولو أقر أولا بتلفها في يده فنكل عن اليمين ومات لم يكن لوارثه في ماله شئ ا ه‍.
والحاصل: أن مدار الاقرار هنا على استهلاك الوديعة المعروفة لا عليها، ومنه تعلم أن قوله
ومنها إقراره بالأمانات كلها مقيد بما هنا، ثم فيه أيضا، لو أقر المريض بقبض ثمن ما باعه لوارثه بأمره
أو بولاية لم يصدق إذا أقر بدين لوارثه إلا أن يدعي الهلاك لكونه دينا في تركته، فلو قال قبضت
الثمن وأتلفته يبرأ المشتري، ولو أدى لم يرجع، وكذا لا يصدق في قبض ثمن ما باع لغيره من وارثه
إلا أن يقول ضاع عندي أو دفعته إلى الآمر ا ه‍. واللام في لوارثه ولغيره: لام العلة أو الملك لا
التعدية، وقوله إلا أن يدعي الهلاك لكونه دينا في تركته صوابه: لكونه ليس دينا في تركته، لان
الوكيل أمين غير ضمين، ويدل على ذلك أيضا قوله بعده إلا أن يقول ضاع عندي أو دفعته إلى الآمر،
لأنه لم يصر دينا في التركة لا لوارث ولا من جهة الوارث، وقوله قبضت الثمن وأتلفته هو مثل
إقراره لوارثه بوديعة استهلكها فتقيد المبايعة بمعاينة الشهود، وحينئذ فإذا أدى ضمان ذلك للوارث لم
يرجع على المشتري، ويمكن رجوع ضمير أدى للمشتري، وإنما لا يرجع لأنه متبرع، وسيأتي في آخر
كتابته على الوصايا ما يخالفه، ولكن ما هنا أولى.

298
وفي خزانة المفتين: باع عبدا من وارثه في صحته، ثم أقر باستيفاء الثمن في المرض لا يصح.
وفي الزيلعي: لو كانت الوديعة غير معروفة لا يقبل قوله استهلكتها إلا أن يصدقه بقية الورثة. قوله:
(والحاصل الخ) فيه مخالفة للأشباه، ونصها: وأما مجرد الاقرار للوراث فهو موقوف على الإجازة، سواء
كان بعين أو دين أو قبض منه أو أبرأه إلا في ثلاث: لو أقر بإتلاف وديعته المعروفة، أو أقر بقبض ما
كان عنده وديعة، أو بقبض ما قبضه الوارث بالوكالة من مديونه. كذا في تلخيص الجامع. وينبغي أن
يلحق بالثانية إقراره بالأمانات كلها ولو مات الشركة أو العارية، والمعنى في الكل أنه ليس يه إيثار
البعض، فاغتنم هذا التحرير فإنه من مفردات هذا الكتاب. اه‍.
وقد ظن من لا خبرة له أن النفي من قبيل الاقرار وهو خطأ، وقال قبل هذا: لو قال المريض
مرض الموت لا حق لي على فلان الوارث لم تسمع الدعوى عليه من وارث آخر، وعلى هذا يقع كثيرا
أن البنت في مرض موتها بأن الأمتعة الفلانية ملك أبيها لا حق لها فيها، وقد أجبت فيها مرارا
بالصحة لما في التتارخانية من باب إقرار المريض: ادعى على رجل مالا وأثبته وأبرأه لا تجوز براءته إن
كان مديونا وكذا لو أبرأ الوارث لا يجوز سواء كان مديونا أو لا، ولو قال: لم يكن لي على هذا
المطلوب شئ ثم مات جاز إقراره في القضاء.
وفي البزازية: قالت فيه ليس لي على زوجي مهر يبرأ عندنا، خلافا للشافعي، وفيها قبله: قال فيه
لم يكن لي عليه شئ ليس لورثته أن يدعوا عليه شيئا في القضاء، وفي الديانة لا يجوز هذا الاقرار. وفي
الجامع: أقر الابن فيه أنه ليس له على والده شئ من تركة أمه صح، بخلاف ما لو أبرأه أو وهبه، وكذا
لو أقر بقبض ماله منه فهذا صريح فيما قلناه، ولا ينافيه ما في البزازية قولها فيه لا مهر لي عليه أو لا
شئ لي عليه أو لم يكن عليه مهر، قيل لا يصح، وقيل يصح، والصحيح أنه لا يصح ا ه‍. لان هذا
في خصوص المهر لظهور أنه على غالبا وكلامنا في غير المهر، ولا ينافيه ما ذكره البزازي أيضا: ادعى
عليه ديونا ومالا ووديعة فصالح الطالب على يسير سرا وأقر الطالب في العلانية أنه لم يكن له على المدعى
عليه شئ، وكان ذلك في مرض المدعي ثم مات فبرهن الوارث أنه كان لمورثي عليه أموال كثيرة،
وإنما قصد حرماننا لا تسمع، وإن كان المدعى عليه وارث المدعي وجرى ما ذكرنا فبرهن بقية الورثة
على أنا أبانا قصد حرماننا بهذا الاقرار تسمع ا ه‍. لكونه متهما في هذا الاقرار لتقدم الدعوى عليه
والصلح معه على يسير والكلام عند عدم قرينة على التهمة ا ه‍ كلام الأشباه.
فقول الشارح منها إقراره الخ وقوله ومنه هذا الشئ الخ إنما هما بحثان لا منقولان،
فتحريره في غير محله لان المراد بالأمانة قبضها منه لا أنها له، وقدسها أيضا في الأخير لأنه من الاقرار
بالعين للوارث، وقدم هو عدم صحة ذلك، وقياسه على قول المورث لم يكن لي على الوارث دين قبل
ثبوته قياس مع الفارق، لان العين غير الدين وهو لا يصح، ويأتي قريبا تأييد الموافقة لما فهمته عن
الخير الرملي والحموي والحامدي، ولله تعالى الحمد والمنة، وقدمنا ما يفيد ذلك مع بعض النقول
المذكورة. قوله: (منها إقراره بالأمانات كلها) أي بقبض الأمانات التي عند وارثه، لا بأن هذه العين
لوارثه فإنه لا يصح كما صرح به الشارح قريبا، وصرح به في الأشباه، وهذا مراد صاحب الأشباه
بقوله: وينبغي أن يلحق بالثانية إقراره بالأمانات كلها، فتنبه لهذا فإنا رأينا من يخطئ فيه ويقول: إن

299
إقراره لوارثه بها جائز مطلقا، مع أن النقول مصرحة بأن إقراره له بالعين كالدين كما قدمناه عن
الرملي. ومن هذا يظهر لك ما في بقية كلام الشارح، وهو متابع فيه للأشباه مخالفا للمنقول، وخالفه
فيه العلماء الفحول كما قدمناه.
وفي الفتاوى الإسماعيلية: سئل فيمن أقر في مرضه أن لا حق له في الأسباب والأمتعة المعلومة
مع بنته المعلومة وأنها تستحق ذلك دونه من وجه شرعي، فهل إذا كانت الأعيان المرقومة في يده
وملكه فيها ظاهر ومات في ذلك المرض فالاقرار بها للورثة باطل؟.
الجواب: نعم على ما اعتمده المحققون، ولو مصدرا بالنفي خلافا للأشباه وقد أنكروا عليه ا ه‍.
ونقه السائحاني في مجموعه ورد على الأشباه والشارح في هاشم نسخته.
وفي الحامدية: سئل في مرض الموت أقر فيه أنه لا يستحق عند زوجته هند حقا وأبرأ
ذمتها عن كل حق شرعي ومات عنها وعن ورثة غيرها وله تحت يدها أعيان وله بذمتها دين والورثة لم
يجيزوا الاقرار، فهل يكون غير صحيح.
الجواب: يكون الاقرار غير صحيح والحالة هذه، والله تعالى أعلم ا ه‍.
أقول: لكن يجب تقييد عدم الصحة بما إذا كان ملكه فيها معلوما أيضا ليكون ذلك قرينة على
قصد الاضرار بباقي الورثة لئلا يتنافى كلامهم. تأمل. قوله: (ومنها النفي) فيه أنه ليس بإقرار للوارث
كما صوبه في الأشباه قوله: (كلا حق لي) هذا صحيح في الدين لا في العين كما مر. قوله: (وهي
الحيلة) أي في قوله: لا حق لي قبل أمي وأبي: يعني إذا علم أنه لا حق له قبلهما وخاف أن يتعلل
عليهما أحد من الورثة أو يدعي عليهما بشئ، أما لو كان له حق فلا يحل له إضرار باقي الورثة،
فليتق الله من كان خارجا من الدنيا مقبلا على الآخرة. قوله: (ومنه) الأولى ومنه كما قال في سابقه
إلا أن يقال: إنه عائد إلى النفي: أي ومن النفي السابق هذا الخ. قوله: (هذا) غير صحيح كما علمته
مما مر لأنه مخالف لعامة المعتبرات. قوله: (وهذا حيث لا قرينة) لم يذكر ذلك في الأشباه أصلا،
وحيث كان هذا إقرارا بعين لوارث وأنه لا يصح فلا حاجة إلى هذا التقييد. قوله: (فليحفظ فإنه مهم)
الحاصل أن الشارح رحمه الله تعالى تابع صاحب الأشباه، وقد علمت أنه مخالف للمنقول، واستنبط من
كلامه أشياء مخالفة أيضا، وقد ظهر لك بما قدمناه حقيقة الحال بعون الملك المتعال.
تتمة: قال في البحر في متفرقات القضاء: ليس لي على فلان شئ ثم ادعى عليه مالا وأراد
تحليفه لم يحلف، وعند أبي يوسف يحلف، وسيأتي في مسائل شتى آخر الكتاب أن الفتوى على قول أبي
يوسف، واختاره أئمة خوارزم، لكن اختلفوا فيما إذا ادعاه وارث المقر على قولين، ولم يرجح في
البزازية منهما شيئا. وقال الصدر الشهيد: الرأي في التحليف إلى القاضي، وفسره في فتح القدير بأنه
يجتهد في خصوص الوقائع، فإن غلب على ظنه أنه لم يقبض حين أقر يحلف له الخصم، ومن لم يغلب
على ظنه ذلك لا يحلفه، وهذا إنما هو في المتفرس في الأخصام ا ه‍.
قلت: وهذا مؤيد لما بحثناه، والحمد لله.

300
قال في التتارخانية عن الخلاصة: رجل قال استوفيت جميع مالي على الناس من الدين لا يصح
إقراره، وكذا لو قال أبرأت جميع غرمائي لا يصح، إلا أن يقول قبيلة فلان وهم يحصون فحينئذ يصح
إقراره ويبرأ. وفي التتارخانية أيضا عن واقعات الناطفي: أشهدت المرأة شهودا على نفسها لابنها أو
لأخيها تريد بذلك إضرار الزوج، أو أشهد الرجل شهودا على نفسه بمال لبعض الأولاد يريد به إضرار
باقي الأولاد والشهود يعلمون ذلك وسعهم أن لا يؤدوا الشهادة إلى آخر ما ذكره العلامة البيري،
وينبغي على قياس ذلك أن يقال: إذا كان للقاضي علم بذلك لا يسعه الحكم. كذا في حاشية أبي
السعود على الأشباه والنظائر. قوله: (يؤمر في الحال بتسليمه) لاحتمال صحة هذا الاقرار بصحته من
هذا المرض. قوله: (يرده) أي إن كان له وارث غيره ولم يصدقه. قوله: (تصرفات المريض نافذة) لما
تقدم احتمال صحته، ويظهر لي أن يتفرع على هذا ما في الخانية، وهو لو أقر لوارثه بعبد فقال ليس
لي لكنه لفلان الأجنبي فصدقه ثم مات المريض فالعبد للأجنبي ويضمن الوارث قيمته وتكون بينه وبين
سائر الورثة. قوله: (وإنما ينتفض) أي التصرف المأخوذ من التصرفات، وهذا في تصرف ينقض، أما
ما لا ينقض كالنكاح فالامر فيه ظاهر، وفي نسخة بالتاء. قوله: (بعد الموت) محله ما إذا تصرف
لوارث، وأما إذا كان لغير وارث: فإن كان تبرعا أو محاباة ينفذ من الثلث، وإلا فصحيح كالنكاح.
قوله: (والعبرة لكونه وارثا الخ) قال الزيلعي: اعلم أن الاقرار لا يخلو إما أن يكون المقر له وارثا وقت
الاقرار دون الموت، أو كان وارثا فيهما، وإن لم يكن وارثا فيما بينهما أو لم يكن وارثا وقت الاقرار
وصار وارثا وقت الموت، فإن كان وارثا وقت الاقرار دون وقت الموت بأن أقر لأخيه مثلا ثم ولد له
ولد يصح الاقرار، لعدم كونه وارثا وقت الموت، وإن كان وارثا فيهما لا فيما بينهما بأن لامرأته ثم
أبانها وانقضت عدتها ثم تزوجها أو والى (1) رجلا فأقر له ثم فسخ الموالاة ثم عقدها ثانيا لا يجوز الاقرار
عند أبي يوسف، لان المقر متهم بالطلاق، وفسخ الموالاة ثم عقدها ثانيا، وعند محمد يجوز، لان شرط
امتناع الاقرار أن يبقى وارثا إلى الموت بذلك السبب ولم يبق، ولأنه لما صار أجنبيا تعذر الاقرار كما لو
أنشأه في ذلك الوقت، ألا ترى أنه لو لم يعقد ثانيا كان جائزا فكذا إذا عقد، وإن لم يكن وارثا وقت
الاقرار ثم صار وارثا وقت الموت ينظر: فإن صار وارثا بسبب كان قائما وقت الاقرار بأن أقر لأخيه
وله ابن مات الابن قبل الأب لا يصح إقراره، فإن صار وارثا بسبب جديد كالتزوج وعقد الموالاة
جاز. وقال زفر: لا يجوز لان الاقرار حصل للوارث وقت العقد فصار كما إذا صار وارثا بالنسب ولنا
أن الاقرار حين حصل للأجنبي لا للوارث فينفذ ولزم فلا يبطل، بخلاف الهبة لأنها وصية ولهذا من
الثلث، فيعتبر وقت الموت، بخلاف ما إذا صار وارثا بالنسب بأن أقر مسلم مريض لأخيه الكافر، ثم
أسلم قبل موته أو كان محجوبا بالابن ثم مات الابن، حيث لا يجوز الاقرار له لان سبب الإرث كان
قائما وقت الاقرار، ولو أقر لوارثه ثم مات المقر له ثم المريض ووارث المقر له من ورثة المريض لم يجز
إقراره عند أبي يوسف أولا، لان إقراره حصل للوارث ابتداء وانتهاء. وقال آخرا: يجوز وهو قول



(1) من الموالاة ا ه‍ منه.
301
محمد، لأنه بالموت قبل موت المريض خرج من أن يكون وارثا، وكذلك لو أقر لأجنبي ثم مات المقر له
ثم المريض وورثة المقر له من ورثة المقر، لان إقراره كان للأجنبي فيتم به ثم لا يبطل بموته ا ه‍. قوله:
(لعدم إرثه) أي وقت الموت. قوله: (فيجوز) يعني لو أقر لأجنبي في مرض موته وكان المقر مجهول
النسب وعقد الموالاة معه فلما مات وارثا بعقد الموالاة، فلا يبطل إقراره له لان الإرث إنما كان بسبب
حادث بعد الاقرار، فيبقى الاقرار لكن لا تظهر له ثمرة لان مولى الموالاة لا يرث مع وارث
قريب أو بعيد، وإنما يتوقف لحق الوارث ولا وارث معه، إذ لو كان معه وارث لم يستحق الميراث فلا
يكون وارثا وربما يظهر ثمرته مع أحد الزوجين، فإن الاقرار ينفذ في حق الزوج المقر لما تقرر، وكذا
إن صح عقد الولاء مع اثنين بعد أن أقر لأحدهما فليراجع هذا الأخير. قوله: (لان إرثه بسبب قديم)
أي قائم وقت الاقرار، ولم أقر لوارثه وقت إقراره ووقت موته وخرج من أن يكون وارثا فيما بين
ذلك بطل إقراره عند أبي يوسف لا عند محمد. نور العين عن قاضيخان.
أقول: وإيضاحه أنه لو أقر لمن كان وارثا وقت الاقرار ثم خرج عن ذلك بعده ثم صار وارثا
عند الموت فالأولى أو يقول: فلو أقر لمن هو وارث وقت الخ.
وفي جامع الفصولين: أقر لابنه وهو قن ثم عتق فمات الأب جاز، لان الاقرار للمولى لا
للقن، بخلاف الوصية لابنه وهو قن ثم عتق فإنها تبطل لأنها حينئذ للابن ا ه‍. وبيانه في المنح. وانظر
ما حرره سيدي الوالد رحمه الله تعالى في الوصايا. قوله: (بخلاف الهبة) الظاهر أنه لا بد من القبض
في الهبة، وإلا فلا اعتبار لها. قوله: (فلا تصح) يعني لو وهب لها شيئا أو أوصى لها ثم تزوجها
فإنهما يبطلان اتفاقا. قوله: (لان الوصية تمليك بعد الموت وهي حينئذ وارثة) تعليل لقوله والوصية
لها ثم تزوجها، كذا الهبة لها في مرضه، لان الهبة في مرض الموت وصية. قوله: (أقر فيه الخ)
يفيد أنها لو كانت حية وارثة لم يصح.
قال في الخانية: لا يصح إقرار مريض مات فيه بقبض دينه من وارثه ولا من كفيل وارثه ولو
كفل في صحته. وكذا لو أقر بقبضه من أجنبي تبرع عن وارثه.
وكل رجلا ببيع شئ معين فباعه من وارث موكله وأقر بقبض المثن من وارثه أو أقر أن وكيله
قبض الثمن ودفعه إليه لا يصدق، وإن كان المريض هو الوكيل وموكله صحيح فأقر الوكيل أنه قبض
الثمن من المشتري وجحد الموكل صدق الوكيل، ولو كان المشتري وارث الوكيل والموكل والوكيل
مريضان فأقر الوكيل بقبض الثمن لا يصدق إذ مرضه يكفي لبطلان إقراره لوارثه بالقبض فمرضهما
أولى.
مريض عليه دين محيط فأقر بقبض وديعة أو عارية أو مضاربة كانت له عند وارثه صح إقراره،

302
لان الوارث لو ادعى رد الأمانة إلى مورثه المريض وكذبه المورث يقبل قول الوارث ا ه‍. من نور العين
قبيل كتاب الوصية.
فرع: باع فيه من أجنبي عبدا وباعه الأجنبي من وارثه أو وهبه منه صح إن كان بعد القبض،
لان الوارث ملك العبد من الأجنبي لا من مورثه. بزازية. قوله: (وترك منها وارثا) الظاهر أن قول
المؤلف منها اتفاقي، ويحمل كلام المصنف على أنه ترك وارثا منكرا ما أقر به. قوله: (ولو أقر فيه
لوارثه ولأجنبي بدين لم يصح) أي للوارث ولا للأجنبي. قوله: (خلافا لمحمد) فإنه يجيزه في حق
الأجنبي ويبطل منه ما أصاب الوارث، وهذا مستدرك بقوله سابقا أو مع أجنبي بدين أو عين أطلقه
هنا، وقيد الخلاف في الوصايا بما إذا أنكر أحدهما الشركة مع الآخر فيصح في حصة الأجنبي عند
محمد خلافا لهما، أما إذا تصادقا فلا يصح اتفاقا، ومثله في التمرتاشية والمجمع له أن اقراره للوارث
لم يصح فلم تثبت الشركة، فتصح للأجنبي كما لو أوصى لوارثه ولأجنبي، وكما لو أقر لأخيه في
مرض موته لا وارث له غيره ثم ولد له ابن ينفذ إقراره لأخيه. كذا هنا. ولهما، أنه أقر بمال
موصوف بصفة فإذا بطلت الصفة يبطل الأصل كما لو تصادقا كما في شرح المنظومة.
فرع: في التتارخانية عن السراجية: ولو قال مشترك أو شركة في هذه الدار فهذا إقرار بالنصف،
وفي العتابية: ومطلق الشركة بالنصف عند أبي يوسف، وعند محمد ما يفسره المقر. ولو قال لي الثلثان
موصولا صدق، وكذا قوله بيني وبينه أولى وله. ا ه‍. نهج النجاة. قوله: (عمادية) وعبارتها كما في
المنح حيث قال: ولو أقر المريض لوارثه ولأجنبي بدين فإقراره باطل تصادقا في الشركة أو تكاذبا.
وقال محمد: إقراره للأجنبي بقدر نصيبه جائز إذا تكاذبا في الشركة وأنكر الأجنبي الشركة، وهي
معروفة في الجامعين. وذكر شيخ الاسلام المعروف بخواهر زاده: إذا كذب الوارث المقر في الشركة
وصدقه في الأجنبي لم يذكر محمد هذا الفصل، ويجوز أن يقال: إنه على الاختلاف، ولكن للصحيح أن
يقال: إنه لا يجوز على قول محمد كما هو مذهبهما. هذه الجملة في فتاوى القاضي ظهير ا ه‍. ما في
الفصول. وبه وبما ذكرناه عن شرح المنظومة يعلم ما في كلام الشارح فتأمله، وقدمنا نظيره فلا تنسه.
قوله: (وإن أقر لأجنبي مجهول نسبه الخ) وهو من لا يعلم له أب في بلده على ما ذكر في شرح تلخيص
الجامع لأكمل الدين، والظاهر أن المراد به بلد هو فيه كما في القنية لا مسقط رأسه كما ذكر البعض،
واختار المقدسي وبعض أرباب الحواشي بأنه هو الظاهر، لان المغربي إذا انتقل إلى الشرق فوقع عليه
حادثة يلزمه أن يفتش على نسبه في المغرب، وفيه من الحرج ما لا يخفى فليحفظ هذا، ذكره في
الحواشي اليعقوبية. وإلى القولين أشار الشارح فيما يأتي، وقيد بمجهول النسب لان معروفه يمتنع ثبوته
من غيره. قوله: (وصدقة) أي إذا كان يولد مثله لمثله لئلا يكون مكذبا في الظاهر. ذكره الشمني قوله:
(وهو من أهل التصديق) بأن كان يعبر عن نفسه، أما إذا لم يكن يعبر عن نفسه لم يحتج إلى التصديق كما
سيذكره الشارح. قوله: (لما مر) من أنه إقرار لوارث عند الموت بسبب قديم كان عند الاقرار، ولو أقر

303
المريض المسلم بدين لابنه النصراني أو العبد فأسلم أو أعتق قبل موته فالاقرار باطل، لان سبب التهمة
بينهما كان قائما حين الاقرار، وهو القرابة المانعة للإرث، ولو في ثاني الحال وليس هذا كالذي أقر
لامرأة ثم تزوجها، والوجه ظاهر كما في غاية البيان نقلا عن وصايا الجامع الصغير.
وذكر فخر الدين قاضيخان في شرحه خلاف زفر في الاقرار لابنه وهو نصراني أو عبد الخ
فقال: إن الاقرار صحيح عند زفر لأنه وقت الاقرار لم يكن وارثا ا ه‍.
أقول: يظهر من هذا أن مذهبه مضطرب، لان هذا التعليل يقتضي صحة إقراره في المسألة المارة
بصحة إقراره لأجنبية ثم تزوجها مع أن مذهبه عدم الصحة كهذه المسألة. تدبر. قوله: (ولو لم يثبت)
الأنسب في التعبير أن يقول، فلو عرف أو كذبه لا يثبت نسبه، ويكون ذلك مفهوم قوله مجهول
نسبه وقوله وصدقه كما علمت فتدبر. قوله: (لعدم ثبوت النسب) تكرار لا فائدة فيه. قوله:
(ولو أقر لمن طلقها) أي في مرضه. قوله: (يعني بائنا) أي الثلاث ليس بقيد لان البائن يمنعها من
الإرث، ولو واحدة حيث كان بطلبها أو في الصحة فالشرط البينونة ولو صغيرة، أما الرحمية فهي
زوجة، وإن كانت ممن لا ترث بأن كانت ذمية صح إقراره لها من جميع المال ووصيته من الثلث.
حدادي. وإن طلقها بلا سؤالها فلها الميراث بالغا ما بلغ، ولا يصح الاقرار لها لأنها وارثة إذا هو فار.
قوله: (فلها الأقل من الإرث والدين) لقيام التهمة ببقاء العدة لاحتمال تواطئها معه على الطلاق ليقر
لها بالدين الزائد على فرضها فعوملت بالأقل دفعا لقصدها السئ بإضرار الورثة، وباب الاقرار كان
منسدا لبقاء الزوجية، فربما أقدم على الطلاق ليصح إقراره لها زيادة على إرثها ولا تهمة في أقلهما
فيثبت. قوله: (في أعيان التركة) ولو كان إرثا لشاركت فيها، والمسألة تقدمت في آخر إقرار المريض
بأوفى مما هنا فراجعها إن شئت.
فرع: إقراره لها، أي للزوجة بمهرها إلى قدر مثله صحيح لعدم التهمة فيه، وإن بعد الدخول
فيه قال الامام ظهير الدين، وقد جرت العادة بمنع نفسها قبل قبضها مقدار من المهر فلا يحكم بذلك
القدر إذا لم تعترف هي بالقبض، والصحيح أنه يصدق إلى تمام مهر مثلها وإن كان الظاهر أنها استوفت
شيئا بزازية.
وفيها: أقر فيه لامرأته التي ماتت عن ولد منه بقدر مهر مثلها وله ورثة أخرى لم يصدقوه في
ذلك، قال الامام ظهير الدين: لا يصح إقراره، ولا يناقض هذا ما تقدم لان الغالب هنا بعد موتها
استيفاء ورثتها أو وصيها المهر بخلاف الأول. ا ه‍. قوله: (فإذا مضت العدة) أي سواء كان الاقرار
قبل مضيها أو بعده، والظاهر أن مثله ما لو أقر لها وهي زوجته في مرض موته ثم طلقها وانقضت
العدة ثم ماتت. قوله: (وإن أقر لغلام) لا يخفى أن قوله سابقا وإن أقر لأجنبي الخ مندرج في
هذه شرنبلالية.

304
قال السيد الحموي: وكان الأولى تقديم هذه المسألة على قوله وإن أقر لأجنبي ثم أقر ببنوته
لان الشروط الثلاثة هنا معتبرة هناك أيضا ا ه‍. قوله: (أو في بلد هو فيها) حكاية قول آخر كما
قدمناهما قريبا.
قال العلامة الرحمتي: إذا كان مجهول النسب في أحد المكانين: أي بلده أو بلد هو فيها يقضي
بصحة الدعوى، لكن مجهول النسب في موضع الدعوى إذا قضى بثبوت نسبه من المدعي ثم جاءت
بينة من مولده بأنه معلوم النسب من غير المدعي تبطل بها تلك الدعوى، أما لو كان مجهول النسب في
مولده فلا تنقض الدعوى بعد ثبوتها. قوله: (بحث يولد مثله لمثله) أي مثل هذا الغلام لمثل هذا
المريض بأن يكون الرجل أكبر منه باثنتي عشرة سنة ونصف، والمرأة أكبر منه بتسع سنين ونصف كما
في المضمرات، والمراد بالغلام الولد فيشمل البنت. قوله: (إنه ابنه) أي بلا واسطة، حتى لو أقر
لشخص أنه ابن ابنه لم يثبت نسبه وكان حكمه حكم ما لو أقر بأخ كما في البرجندي، وسيأتي. قوله:
(وصدقه) أي المقر الغلام. قوله: (وإلا لم يحتج لتصديقه) لأنه في يد غيره فينزل منزلة البهيمة فلم
يعتبر تصديقه، بخلاف المميز لأنه في يد نفسه، وعند الأئمة الثلاثة بلا تصديقه لو كان غير مكلف.
قوله: (وحينئذ) ينبغي حذفها فإنه بذكرها بقي الشرط بلا جواب ح. قوله: (ولو المقر مريضا) لا
حاجة إليه بعد كون الباب باب إقرار المريض. قوله: (شارك الغلام الورثة) لأنه من ضرورات ثبوت
النسب. زيلعي. ثم لا يصح الرجوع، لان النسب بعد ثبوته لا يقبل الابطال، بخلاف الرجوع عن
الاقرار لنسب نحو الأخ، فإنه يصح لعدم ثبوته لأنه كالوصية وإن صدقه المقر له كما في البدائع، لكن
يأتي في كلام الشارح عن المصنف قريبا بالتصديق يثبت فلا ينفع الرجوع الخ ويأتي الكلام عليه.
قوله: (فإن انتفت هذه الشروط) أي أحدها بأن علم نسبه أو لم يولد مثله لمثله، أو لم يصدقه الغلام
فيصير مكذبا فلا يثبت النسب، لكنه يؤاخذ المقر من حيث استحقاق المال كما قال. قوله: (يؤاخذ
المقر من حيث استحقاق المال) أي ولا يثبت النسب لما علمت، وكونه يؤاخذ المقر من حيث استحقاق
المال لا يظهر هنا، لان هذا في مجرد الاقرار بالنسب لا الاقرار بالمال أيضا.
وإنما يظهر ذلك في المسألة السابقة، وهي ما إذا أقر لأجنبي ثم ادعى بنوته، فإنه إذا لم توجد
هذه الشروط لزمه المال، وإن كان النسب لا يثبت، ولا يراد بالمال ما يلزمه من النفقة والحضانة
والإرث كما يأتي لما فيه من تحميل النسب على الغير، فإنه إذا انتفى هنا التصديق كيف يرثه أو تجب
عليه نفقته؟ وكذا إذا كان لا يولد مثله لمثله أو كان معلوم النسب، وما يأتي محله إذا وجدت الشروط
اللائقة ولم يصدق المقر عليه: أي وقد أقر له مع ذلك بمال فإن النسب لا يثبت، لان فيه تحميلا على
الغير، ولكنه يصح إقراره بالمال كما لو أقر بأخوة غيره فما في يده من مال أبيه كان للمقر له نصفه،
وظاهره أنه يقدم على دين الصحة فيكون مخالفا لما مر أن ما أقر به في المرض مؤخر عنه على أن
المؤاخذة حينئذ ليست للمقر بل للورثة حيث يشاركهم في الإرث، ومع هذا فإن كان الحكم كذلك فلا
بل له من نقل صريح حتى يقبل.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى، وقد راجعت عدة كتب فلم أجده، ولعله لهذا أمر الشارح

305
بالتحرير، فتأمل. قوله: (كما مر عن الينابيع) الذي قدمه الشرنبلالي عن الينابيع في المسألة السابقة
نصه: ولو كذبه أو كان معروف النسب من غيره لزمه ما أقر به ولا يثبت النسب ا ه‍. وعبارة الشارح
ركيكة، فلو قال: فلو انتفى أحد هذه الشروط وقد أقر له بمال يؤاخذ به المقر لكان أوضح، لان المانع
من صحة الاقرار ثبوت النسب فحيث لم يثبت لزم المقر به، وهذا هو تحرير المقام ط. قوله: (فيحرر
عنه الفتوى) قال الحلبي: لم يظهر لي المخالفة الموجبة للتحرير، فتأمل. قوله: (والرجل صح إقراره) في
بعض النسخ هكذا بزيادة لفظ الرجل لإفادة أن الاقرار بالمذكورات ليس قاصر على المريض. فقوله:
(بعد أي المريض) تفسير مضر ولا حاجة إليه بعد تقدم مرجعه إلا أن يجعل مرفوعا تقييد الرجل، وهو
تقييد مضر أيضا كما في ط. لكن الأولى كما في بعض النسخ المحذوف منها لفظ الرجل أن يقال: قيد
بالمريض ليعلم: أي الصحيح كذلك بالأولى، وأنما قيده به لان الكلام في إقرار المريض. قوله:
(بالولد والوالدين) لأنه إقرار على نفسه وليس فيه حمل النسب على الغير وأعاد صحة الاقرار بالولد
لذكر جملة ما يصح في جانب الرجل، وأفاد بالصراحة الاقرار كما يأتي قريبا اعتماد الشارح له تبعا
للمصنف.
قال في العناية: وهو رواية تحفة الفقهاء وشرح الفرائض للامام سراج الدين، والمذكور في
المبسوط والايضاح والجامع الصغير للمحبوبي: أن إقرار الرجل يصح بأربعة بالابن والأب والمرأة ومولى
العتاقة. ا ه‍. ومن الظاهر أن الابن ليس بقيد مخرج صحة الاقرار بالبنت ا ه‍. قوله: (وإن عليا) أي
الوالدان، ولا يرجع الضمير إلى الوالدين والابن لأنه لا يقال فيه وإن علا، وعبارة البرهان يصح
إقراره بالولد والوالدين: يعني الأصل وإن علا ا ه‍. ولا غبار عليها. قوله: (وفيه نظر) وجهه ظاهر
فهو كإقراره ببنت ابن.
قال في جامع الفصولين: أقر ببنت فلها النصف والباقي للعصبة إذ إقراره ببنت جائز لا ببنت
الابن ا ه‍. وما ذاك إلا لان فيه تحميل النسب على الابن، فتدبر ط. قوله: (لا يصح) سيأتي التصريح
به في المتن وهو مؤيد أيضا لكلام المقدسي. قوله: (بالشروط الثلاثة المتقدمة في الابن) لم يذكرها اتكالا
على ما تقدم، إلا أن في دعواه هذا أبي يشترط أن يكون المقر مجهول النسب، وأن يولد مثل المقر لمثل
المقر له. قوله: (بشرط خلوها الخ) ينبغي أن يزاد وأن لا تكون مجوسية أو وثنية، ولم أر من صرح به
حموي. وفي حاشية سري الدين على الزيلعي. قوله: (والزوجة: أي بشرط أن تكون الزوجة صالحة
لذلك ا ه‍) كافي. وأدخل في ذلك ما إذا كانت حرمتها بالرضاع. قوله: (مثلا) أشار به إلى أن
الأخت ليست بقيد بل مثلها كل امرأة لا يحل جمعها معها في عقد كخالتها وعمتها. قوله: (وأربع
سواها) أي وكذلك لو كان معه أربعة سواها أو معه حرة وأقر بنكاح الأمة.
قال المصنف في منحه: وقد أخل بهذه القيود صاحب الكنز والوقاية، وكذلك مما لا ينبغي
الاخلال به ا ه‍.

306
قال العلامة الرملي: أقول: أيتوهم متوهم صحة الاقرار بالزوجة مع وجود زوج وعدته أو أختها
أو أربع سواها فلا أدري لهذا مثلا إلا ما اعترض به بعض جهلة الأروام على قول الكنز في الماء
الجاري، وهو ما يذهب بتبنه حيث قال: الجمل يذهب بأتبان، فتأمل وأنصف. قوله: (وصح بالمولى
من جهة العتاقة) سواء كان أعلى أو أسفل بأن كان معتقا أو معتقا، فإن الاقرار لكل واحد صحيح إذا
صدقه المقر له وقوله من جهة العتاقة: أي وكذا من جهة الموالاة إن كان الأول قد عقل عنه. قوله:
(إن لم يكن ولاؤه ثابتا من جهة غيره) قال المصنف في المنح: وهذا قيد لا بد منه، وقد أخل به في
الكنز والوقاية أيضا، لان موجب إقراره يثبت بينهما بتصادقهما من غير إضرار بأحد فينفذ ا ه‍.
قال الخير الرملي أقول: إذا كان ولاؤه ثابتا من جهة غيره لا يصح إقرار الصحيح به فكيف يصح
إقرار المريض به؟ والكلام إنما هو في مسائل يخالف المريض الصحيح فيها فما الحاجة إلى ذكر ما لا
حاجة إلى ذكره لعدم خطوره ببال من له بال، وهذا الاستدراك كالذي قبله ففي ذكره خلل لا في
تركه، فليتأمل ا ه‍. قوله: (أي غير المقر) صوابه المقر له وكأنها سقطت من قلم الناسخ، وذلك لان
موجب الاقرار يثبت بتصادقهما، وليس فيه تحميل النسب على الغير.
والحاصل: أن الولاء كالنسب وثبوت النسب من الغير يمنع صحة الاقرار، فكذا الولاء. قوله:
(من صحة الاقرار بالام) في جانب الرجل والمرأة. قوله: (لان النسب للآباء لا للأمهات) فيه أنه لا
ينكر انتساب الولد إلى أمه، وإنما معناه أنه ينظر في النسب والدعوة للأب.
قال الحموي: وفي حواشي شيخ الاسلام الحفيد على صدر الشريعة: هذا أي ما ذكر من صحة
إقرار الرجل بالولد والوالدين والزوجة والمولى وما ذكر من صحة إقرارها بالوالدين والزوج والمولى
موافق لتقدير الهداية والكافي وتحفة الفقهاء، لكنه مخالف لعامة الروايات على ما في النهاية، ولتقرير
الخلاصة والمحيط وقاضيخان حيث صرحوا بأنه لا يجوز إقرار الرجل بوارث مع ذي قرابة معروفة إلا
بأربعة: الابن والأب والزوجة والمولى، ففيما وراء الأربعة كالأم مثلا لا ترث مع الوارث المعروف،
أما الاقرار فصحيح في نفسه حتى يقدم المقر له على بيت المال إذا لم يبق وارث معروف. تأمل. ا ه‍ ط.
قوله: (وفيه حمل الزوجية على الغير) المضر تحميل النسب على الغير لا الزوجية على أن المقر يعامل
بإقراره من جهة الإرث، وإن كان إقراره لا يسري على الزوج ط. قوله: (ولكن الحق الخ) الظاهر من
نقل الحفيد أنهما قولان. قوله: (بجامع الأصالة) وهو في الأب معلول بأن الانتساب إليه كما قدمه من
التعليل على ما فيه، ولا يظهر ذلك في حق الام، وليست العلة الأصالة وإلا لثبت النسب في الآباء
الأعلين، وقد تقدم عن الزيلعي خلافه. قوله: (وكذا صح) أي إقرارها. قوله: (ولو قابلة) أشار به
إلى أن القابلة ليست بقيد، ومن قيد به فباعتبار العادة من حضورها وقت الولادة. أفاده الرحمتي. وأفاد

307
بمقابلته بقوله بعده أو صدقها الزوج أن هذا حيث جحد الزوج وادعته منه، وأفاد أنها ذات زوج،
بخلاف المعتدة كما صرح به الشارح، أما إذا لم تكن ذات زوج ولا معتدة أو كان لها زوج وادعت
أن الولد من غيره فلا حاجة إلى أمر زائد على إقرارها، صرح بذلك كله ابن الكمال وسيأتي، فقد علم
أن قوله إن شهدت الخ محله عند التجاحد، وأفاد كلامه أنه إذا لم يوجد شرط صحة الاقرار لا يعمل
به في حقه أيضا.
وفي الشلبي عن الاتقاني: ولا يجوز إقرار المرأة بالولد وإن صدقها، ولكنهما يتوارثان إن لم يكن
لهما وارث معروف، لأنه اعتبر إقرارها في حقها، ولا يقضي بالنسب، لأنه لا يثبت بدون الحجة
وهو شهادة القابلة، فإن شهدت لها امرأة على ذلك وقد صدقها الولد ثبت نسبه منها، وكذلك إذا لم
تشهد لها امرأة وقد صدقها زوجها ثبت النسب منهما، لان النسب يثبت بتصادقهما لأنه لا يتعدى إلى
غيرهما، كذا في شرح الكافي ا ه‍. فليتأمل. وهذا يفيد أن شهادة القابلة مثلا لثبوت النسب إذا أنكر
ولادتها. فقوله: (بتعيين الولد) إنما يكون هذا إذا تصادقا على الولادة، واختلفا في التعيين. وعبارة
غاية البيان عن شرح الأقطع: فتثبت الولادة بشهادتها، ويلتحق النسب في الفراش. ا ه‍. والظاهر أن
ما أفاده الشارح حكمه كذلك. قوله: (بتعيين الولد) وكذا بإثباته لو جحد: أما الثابت بالفراش فبعد
اعترافه بالولادة: أي إذا اعترف أنها ولدت ثبت أنه منه لقيام فراشه، فإن نفاه لاعن أما لو جحد
للولادة أو تعيين الولد فإنه يثبت بشهادة امرأة لأنه مما لا يطلع عليه الرجال عادة، حتى لو شهد به
رجل صح كما يفهم هذا كله من باب ثبوت النسب، ولا بد فيه من العدالة كما هو في سائر أنواع
الشهادة. قوله: (ولو معتدة الخ) إلا معتدة الرجعي إذا جاءت به لأكثر من سنتين فإنه يثبت به
الرجعة، فكانت زوجة لا معتدة، فيكتفي في إثباته عند الجحد بشهادة امرأة على ما اختاره في البحر
وأقره عليه في النهر والشارح في باب ثبوت النسب. قوله: (جحدت) بالبناء للمجهول أي جحد
الزوج، أو ورثته. قوله: (أو صدقها الزوج إن كان لها زوج) بيان لمحل اشتراط شهادة المرأة وما
عطف عليها. قوله: (أو كانت معتدة منه) بأن طلقها أو مات عنها فادعت الولد، فلا بد من تصديق
الزوج أو الورثة، فإن كذبت يكفي شهادة القابلة أو امرأة غيرها، هذا ما يفهم مما هنا، وبه صرح
العيني تبعا للزيلعي، لكن تقدم في باب ثبوت النسب أن المعتدة إذا جحدت ولادتها لا يثبت نسب
ولدها إلا بحجة تامة، ويكتفي بالقابلة عندهما، فلعله جرى هنا على قولهما.
وفي المواهب: لو جحد ولادة معتدته فثبوتها بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو بحبل ظاهر أو
اعترافه أو تصديق الورثة، واكتفينا بامرأة ثقة كتعينه بها ا ه‍. وهذا كله في عدة البائن. أما معتدة
الرجعي فإنه يثبت نسبه، وإن جاءت به لأكثر من سنتين، ويكون رجعة، وحينئذ فتكون زوجة لا
معتدة، ويكتفي في إثباته عند الجحد بشهادة امرأة على ما اختاره في البحر كما قدمناه آنفا.
واعلم أن ما ذكره من الشروط إنما هو لصحة الاقرار بالنسب لئلا يكون تحميلا على الزوج، فلو
فقط شرط صح إقرارها عليها فيرثها الولد وترثه إن صدقها، ولم يكن لهما وارث غيرهما فصار
كالاقرار بالأخ، ويفهم هذا مما قدمناه. قوله: (وصح) أي إقرارها مطلقا: أي وإن لم يوجد شهادة ولا

308
تصديق من زوج. قوله: (ولا معتدة) لان فيه إلزاما على نفسها دون غيرها فينفذ عليها. قوله:
(وادعت أنه من غيره) أي فيصح إقرارها في حقها فقط. قوله: (فصار كما لو ادعاه منها الخ) لكن
يفرق بينها وبين ما قبلها بأن دعوى الزوج لا تتوقف على تصديق المرأة لأنه يتزوج غيرها، ويتسرى
بملك اليمين، ولكن لا يلزمها لو ادعى أنه منها إلا بتصديقها، والمرأة لو صح إقرارها بالولد للزم
الزوج، لان الولد للفراش فلا بد من تصديقه أو حجة تقوم عليه، ويكفي الواحدة لأنه مما لا يطلع
عليه الرجال، إلا إن قالت هو من غيره فقد نفته عنه فيلزمها ولا يلزمه. قوله: (قلت) أقول: غاية ما
يلزم على عدم معرفة زوج آخر كونه من الزنا مع أنه ليس بلازم، وبفرض تحقق كونه من الزنا يلزمها
أيضا، لان ولد الزنا واللعان يرث بجهة الام فقط، فلا وجه للتوقف في ذلك. أبو السعود. قوله:
(بقي لو لم يعرف لها زوج غيره) أي وقد ادعت أنه من غير هذا الزوج، والظاهر ثبوته منها لعدم
تحميل نسب على معلوم فيرثها. قال الرحمتي: هو داخل تحت قوله وادعت أنه من غيره لشموله ما
إذا عرف لها زوج غيره أو لم يعرف، إذ يكفي في ذلك الأمان العقلي كما هو ظاهر إطلاقهم. قوله:
(فيحرر) وهو أنه يثبت نسبه من الام كما علمت، لان غاية ما يكون كونه من الزنا، وهو يثبت من
الام لا الأب. قوله: (ولا بد من تصديق هؤلاء) يعني الولد والوالدين والزوجة والمولى والزوج، لان
إقرار غيرهم لا يلزمهم لان كلا منهم في يد نفسه. عيني. قوله: (ولو كان المقر له عبد الغير) أي
فادعى أنه ابنه أو أبوه أو أنه زوجها أو كانت أمة فأقر أنها زوجته. قوله: (وصح التصديق من المقر له)
بنسب أو زوجية: أي ولو بعد جحود المقر لقول البزازي: أقر أنه تزوج فلانة في صحة أو مرض ثم
جحد وصدقته المرأة في حياته أو بعد موته جاز ا ه‍. قوله: (لبقاء النسب والعدة بعد الموت) بهذا علم
أن المراد بموت المقر في جانب الزوجية الزوج، وإذا صح إقراره كان لها الميراث والمهر. أبو السعود:
أي لبقاء حكم النكاح وهو العدة. قوله: (إلا تصديق الزوج بعد موتها) أي إنها أقرت بنكاح لرجل
وماتت، فصدقها الزوج لم يصح تصديقه عند أبي حنيفة، وعندهما يصح، فعليه مهرها وله الميراث منها
لأبي حنيفة أنها لما ماتت زال النكاح بعلائقه، حتى يجوز له أن يتزوج أختها وأربعا سواها، ولا يحل له
أن يغسلها فبطل إقرارها، فلا يصح التصديق بعد بطلان الاقرار. وقول العيني: وكذا إذا أقر الرجل
بالزوجية فصدقته المرأة بعد موته عند أبي حنيفة ظاهر في التسوية بين الزوج والزوجة، وليس كذلك،
ولهذا تعقبه الشيخ شاهين بأن تصديق الزوجة بعد موت الزوج صحيح بالاتفاق، لان حكم النكاح
باق في حقها وهي العدة فإنها من آثار النكاح، ولهذا جاز لها غسله ميتا كما في حال الحياة، وإنما
الخلاف في تصديق الزوج بعد موتها، فعند أبي حنيفة لا يجوز، وعندهما يجوز. زيلعي قوله:
(بموتها) كذا في نسخة، وهو الصواب موافقا لما في شرحه على الملتقى. قوله: (بخلاف عكسه) أي

309
فإن النكاح لم ينقطع بعلائقه. قوله: (ولو أقر رجل) مثله المرأة. قوله: (كما في الدرر) عبارته: أقر
بنسب من غير ولاد كأخ وعم لا يثبت: أي النسب ولا يقبل إقراره في حقه، لان فيه تحميل النسب
على الغير، فإن ادعى نفقة أو حضانة يقبل في حقها، ويورث إلا مع وارث وإن بعد: يعني إذا كان
للمقر وارث معروف قريب أو بعيد فهو أحق بالإرث من المقر له، حتى لو أقر بأخ وله عمة أو خالة
فالإرث للعمة والخالة، لان نسبه لم يثبت فلا يزاحم الوارث المعروف ا ه‍. قوله: (لفساده بالجد وابن
الابن) فإنهما في حكم غيرهما مما فيه تحميل على الغير، إلا أن يخص كلام الدرر بالأب والابن، لأنه
أراد به الولاد الأصلي أو الفرعي بلا واسطة، وهو الكامل، فيشمل الغير ابن الابن والجد كما صرح
بهما في الكافي: أراد بابن الابن فرع الولد وبالجد أصل الأبوين، ومثل هذا الاجمال غير قليل في
المتون فلا يعد مخلا كما لا يخفى. لا يقال: إن صاحب الدرر قال: وإن أقر بنسب من غير ولاد لا
يصح وهو غير شامل لمن إذا ادعى أنه جده أو ابن ابنه مع أنه لا يصح أيضا لما فيه من تحميل النسب
على الغير، وقوله هنا وإن أقر بنسب فيه تحميل الخ شامل لذلك، فكان أولى لحمل كلامه على ما
قلنا. تأمل.
أقول: ولا تنس ما تقدم من صحته عن البرهان ومن تنظير المقدسي له، وقول صاحب الدرر
أيضا: ويرث إلا مع وارث وإن بعد أطلقه، فشمل الزوج والزوجة وهذا مستقيم على قول بعض
مشايخنا أنه يرد عليهما أيضا في زماننا كما في القنية، والأصح أن ليس لهما الرد فيرث المقر له معهما
كما في البرجندي، وأراد بالقريب صاحب فرض وعصبة ولو مولى العتاقة، وبالبعيد من كان من ذوي
الأرحام ومولى الموالاة، ولا يكون له الثلث بالوصية، لأنه ما أوجبه وصية وإنما أوجبه إرثا كما في
الكافي وغيره، وأنت خبير بأن هذا لم يخالف ما سبق عن القنية ندبر. قوله: (وابن الابن) أي إذا
كان في حياة ابنه، لان فيه حمل النسب على الغير كما قيده الحموي.
قال العلامة أبو السعود: وعلم أن الاقرار بابن الابن ذكره في التنوير وشرحه مطلقا، لكن ذكره
الحموي بخطه مقيدا بما إذا أقر به في حياة ابنه معللا بأن فيه حمل النسب على الغير ا ه‍ فليحفظ
قوله: (إلا ببرهان) يعم ما إذا أقامه المقر أو المقر له على المقر عليه وهو من حمل عليه النسب قوله:
(ومنه إقرار اثنين) أي من ورثة المقر عليه فيتعدى الحكم إلى غيرهما، وإنما قيد باثنين لان المقر لو كان
واحدا اقتصر حكم إقراره عليه، أما إقرار ورثة المقر له لا يثبت النسبة فإنه كتصديقه، وأطلق في
الاثنين فشمل الرجل والمرأتين. قال في البدائع إن الوارث لو كان كثيرا فأقر واحد منهم بأخ آخر
ونحوه لا يثبت نسبه ولا يرث معهم، ولو أقر منهم رجلان أو رجل وامرأتان يثبت نسبه بالاتفاق،
ولو كان الوارث واحدا فأقر به يثبت به عند أبي يوسف، خلافا لأبي حنيفة ومحمد، وبقول أبي يوسف
أخذ الكرخي. ا ه‍. وظاهر إطلاق المتون على ترجيح قولهما كما لا يخفى قوله: (كما مر في باب
ثبوت النسب) حيث قال أو تصديق بعض الورثة فيثبت في حق المقرين، وإنما يثبت النسب في حق
غيرهم، حتى الناس كافة إن تم نصاب الشهادة بهم: أي بالمقرين، وإلا يتم نصابها لا يشارك المكذبين
لأنها لا تكون شهادة حينئذ حتى تتعدى، بل يكون مجرد إقرار وهو قاصر على المقر فقط، بل لا بد من

310
الشهادة ونصابها حتى تكون حجة تتعدى على غيرهما. قوله: (وكذا لو صدقه المقر عليه) هو من حمل
عليه النسب. قوله: (أو الورثة) يغني عنه قوله ومنه إقرار اثنين لكن كلامه هنا في تصديق المقر
وهناك في نفس الاقرار، وإن كان في المعنى سواء لكن بينهما فرق، وهو أن التصديق بعد العلم بإقرار
الأول كقوله نعم أو صدق، والاقرار لا يلزم منه العلم تأمل. قال: ويمكن التفرقة بينهما بأن صورة
الأولى: أقر اثنان من ورثة المقر عليه فبه يثبت النسب، وصورة الثانية: أقر المقر وصدقه اثنان من ورثة
المقر عليه. قوله: (وهم من أهل التصديق) بأن يكونوا بالغين عاقلين، وتم نصاب الشهادة كما يأتي
قريبا ما يفيده، لكن هذا بالنظر لثبوت النسب، أما بالنظر لاستحقاق الإرث فيستحقه، ولو المصدق
امرأة واحدة كانت هي الوارثة فقط مع المقر. ط. قوله: (حتى تلزمه) برفع تلزم لان حتى للتفريع لا
للغاية. قوله: (من النفقة) أي إذا كان ذا رحم محرم من المقر. قوله: (والحضانة) فيه أنه يشترط في
لزوم هذه الأحكام تصديق المقر له، وهو لا يكون محضونا فيراد بالحضانة الضم إليه فيما إذا كان المقر
له بنتا بالغة يخشى عليها، ولا يقال: تظهر في فرع المقر له إذا مات عنه.
قلنا: الظاهر أن الحضانة كالإرث لا تظهر في غير المقر له، أفاده العلامة الطحطاوي قوله:
(والإرث) أي في حقهما فقط بحيث لا يمنعان بإقرارهما وارثا آخر كما سيأتي. قوله: (كذوي
الأرحام) قد علمت مما قدمناه عن الكافي تفسير القريب والبعيد.
قال في الشرنبلالية: ناقلا عن العناية مفسرا للقريب بذوي الفروض، والعصبات والبعيد بذوي
الأرحام بعد ذكر ما مشى عليه الشارح، والأول أوجه، لان مولى الموالاة إرثه بعد ذوي الأرحام مقدما
على المقر له بنسب الغير ا ه‍. فتنبه. قوله: (ورثه) أي المقر له ويكون مقتصرا عليه، ولا ينتقل إلى فرع
المقر له ولا إلى أصله لأنه بمنزلة الوصية. أبو السعود عن جامع الفصولين. قوله: (لان نسبه لم يثبت)
قال في المنح: وهذا لأنه أقر بشيئين بالنسب، وباستحقاق ماله بعده، وهو في النسب مقر على غيره
فيرد وفي استحقاق ماله مقر على نفسه، فيقبل عند عدم المزاحم، لان ولاية التصرف في ماله عند عدم
الوارث له فيضعه حيث شاء، حتى كان له أن يوصي بجميع المال فلذا كان له أن يجعله لهذا المقر له.
والظاهر أن المقر يرث المقر له، لان صدقه وهو إقرار، ولكنه يتأخر عن الوارث المعلوم. قوله: (فلا
يزاحم الوارث المعروف) قريبا أو بعيدا فهو أحق بالإرث من المقر له، حتى لو أقر بأخ وله عمة أو
خالة فالإرث للعمة أو للخالة لان نسبه لم يثبت فلا يزاحم الوارث المعروف. قوله: (والمراد غير
الزوجين) أي بالوارث الذي يمنع المقر له من الإرث لأنه وصية من وجه، لان نسبه لم يثبت فثبت حق
الرجوع وارث من وجه، حتى لو أوصى لغيره بأكثر من الثلث لا ينفذ إلا بإجازة المقر له ما دام المقر
مصرا على إقراره لأنه وارث حقيقة كما في الزيلعي، وفيه إشارة إلى أن المقر بنحو الولد والوالدين ليس
له الرجوع عنه، وبذلك صرح في الاختيار. قوله: (أي وإن صدقه المقر له) صوابه: المقر عليه كما

311
عبر به فيما مر، ويدل عليه قطعا كلام المنح حيث قال: قوله أي الزيلعي: للمقر أن يرجع عنه محله ما
إذا لم يصدق المقر له على إقراره، أو لم يقر بمثل إقراره الخ، وعزاه لبعض شروح السراجية فقوله أو لم
يقر لا شك أن الضمير فيه للمقر عليه لا للمقر له، فعلم أن قوله المقر له صوابه المقر عليه كما عبر به
صاحب المنح في كتاب الفرائض، ويدل عليه قوله الآتي إن بالتصديق يثبت النسب ولا يكون ذلك
إلا من المقر عليه.
قال في روح الشروح على السراجية: واعلم أنه إن شهد مع المقر رجل آخر أو صدقه المقر عليه
أو الورثة وهم من أهل الاقرار، فلا يشترط الاصرار على الاقرار إلى الموت، ولا ينفع الرجوع لثبوت
النسب حينئذ ا ه‍.
وفي شرح فرائض الملتقى للطرابلسي: وصح رجوعه لأنه وصية معنى ولا شئ للمقر له من
تركته. قال في شرح السراجية المسمى بالمنهاج: وهذا إذا لم يصدق المقر عليه إقراره قبل رجوعه أو لم
يقر بمثل إقراره، أما إذا صدق إقراره قبل رجوعه أو أقر بمثل إقراره، فلا ينفع المقر رجوعه عن
إقراره، لان نسب المقر له قد ثبت من المقر عليه ا ه‍. فهذا كلام شراح السراجية، فالصواب التعبير
بعليه كما عبر به في المنح في كتاب الفرائض، وإن كانت عبارتها هنا كعبارة الشارح وعبارة الشارح في
الفرائض غير محررة. فتنبه.
أقول: لكن قد يقال: إن هذا التصويب غير صحيح، وإنما الخطأ في الاستدراك بعده، لان
الاقرار هنا من المقر له وهنا من المقر عليه فالاستدراك به غلط. تأمل قوله: (لكن الخ) استدراك
عن الزيلعي والبدائع، ولا شك أن الزيلعي وصاحب البدائع أولى بالاعتماد من شروح السراجية، مع
أن الوجه ظاهر معهما لأنه جعله وصية من وجه فباعتباره يصح الرجوع، والوصية يصح الرجوع
عنها، سواء قبل الموصى له أم لا، وما في الزيلعي والبدائع موافق لما في الكتب، وعبارة الهداية:
حتى لو أقر في مرضه بأخ وصدقه المقر له ثم أنكر المقر وراثته ثم أوصى بماله كله لانسان كان ماله
للموصى له، ولو لم يوص لاحد كان لبيت المال، لان رجوعه صحيح لان النسب لم يثبت فبطل
الاقرار ا ه‍. وأقره الشراح. وقد صرح بأنه بعد تصديق المقر له لم يصح رجوعه، ونقله المصنف مزاد
به بعد تصديق المقر عليه، وهو الأب مثلا فيما إذا أقر بأخ.
وقال في الدر المنتقى: وعندي في ثبوته بمجرد تصادقهما تردد، ولعل مراد بعض شراحها
بالتصديق تصديق أخ آخر كما مر فتدبر ا ه‍. وذكره بعده فرعا آخر: لو أقر الأخ بابن هل يصح؟ قال
الشافعية لا لان ما دعا وجوده إلى نفيه انتفى من أصله، ولم أره لأئمتنا صريحا وظاهر كلامهم نعم،
فليراجع ا ه‍.
وتوضيحه: أن أخا الميت لو أقر أن للميت ابنا، قالت الشافعية: لا يصح إقراره، لأنه لو صح
لبطل كونه وارثا، وإذا بطل كونه وارثا لم يصح إقراره، وظاهر كلام أئمتنا أنه أقر بسقوط حق في
الميراث، وأن المستحق له من أقر ببنوته للميت فينفذ عليه.
قال في غاية البيان: وينبغي لك أن تعرف أن الرجوع عن الاقرار بالنسب إنما يصح إذا كان
الرجوع قبل ثبوت النسب كما نحن فيه، لان النسب لم يثبت لكونه تحميلا على الغير وليس له ذلك،
فإذا ثبت النسب فلا يصح الرجوع بعد ذلك، لان النسب لا يحتمل النقض بعد ثبوته ا ه‍. وإنما

312
يثبت النسب بتصديق المقر عليه وهو الأب فيما إذا أقر بأخ لا بتصديق الأخ المقر له، والله تعالى أعلم.
قوله: (فليحرر عند الفتوى) تحريره أنه لو صدقه المقر له فله الرجوع، لأنه لم يثبت النسب وهو ما في
البدائع، ولو صدقه المقر عليه لا يصح رجوعه، لأنه بعد ثبوته وهو ما في شروح السراجية فمنشأ
الاشتباه تحريف الصلة فالموضوع مختلف، ولا يخفى أن هذا كله في غير الاقرار بنحو الولد. أفاده
سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
أقول: ويقال أيضا في تحريره أن الاقرار بالنسب إن لم يكن فيه تحميل على الغير ووجد التصديق
لا يصح الرجوع فيه، وإن كان فيه تحميل على الغير وصدقه المقر عليه فله الرجوع، فالكلام في
مقامين، وهذا حيث لم يكن الاقرار بنحو الولد كما علمت، فتأمل (1). قوله: (ومن مات أبوه الخ)
هذه المسألة بعينها فهمت مما تقدم فتقع مكررة، إلا أن يقال: إن المقر في المسألة السابقة مورث وهنا
وارث، وإن كانتا سواء في عدم ثبوت النسب كما في أبي السعود عن العيني.
قال في البدائع: إذا أقر وارث واحد بوارث كمن ترك ابنا فأقر بأخ لا يثبت نسبه عندهما.
وقال أبو يوسف: يثبت وبه أخذ الكرخي، لأنه لما قبل في الميراث قبل في النسب وإن كان أكثر
من واحد بأن كانا رجلين أو رجلا وامرأتين فصاعدا يثبت النسب بإقرارهم بالاجماع لكمال النصاب،
ويستحق حظه من نصيب المقر ا ه‍. حموي. قوله: (فأقر بأخ) وإن كان للمقر له أولاد فلا يشترط في
المقر أن يكون وارثا للمقر له، بل ولو في الجملة ط. قوله: (فيستحق نصف نصيب المقر) ولو معه
وارث آخر شرح الملتقى وبيانه في الزيلعي. قوله: (لما تقرر أن إقراره مقبول في حق نفسه فقط) فصار
كالمشتري إذا أقر أن البائع كان أعتق العبد المبيع يقبل إقراره في العتق، ولم يقبل في الرجوع بالثمن
بيانية.
وفي الزيلعي: فإذا قبل إقراره في حق نفسه يستحق المقر له نصف نصيب المقر مطلقا عندنا،
وعند مالك وابن أبي ليلى: يجعل إقراره شائعا في التركة فيعطى المقر من نصيبه ما يخصه من ذلك،
حتى لو كان لشخص مات أبوه أخ معروف فأقر بأخ آخر، فكذبه أخوه المعروف فيه أعطي المقر نصف
ما في يده. وعندهما: يعني عند مالك وابن أبي ليلى ثلث ما في يده، لان المقر قد أقر له بثلث شائع
في النصفين فنفذ إقراره في حصته، وبطل ما كان في حصة أخيه، فيكون له ثلث ما في يده وهو
سدس جميع المال والسدس الآخر في نصيب أخيه بطل إقراره فيه لما ذكرنا، ونحن نقول: إنه في زعم
المقر أنه يساويه في الاستحقاق والمنكر ظالم بإنكاره، فيجعل ما في يد المنكر كالهالك، فيكون الباقي



(1) وأقول فالذي تحرر من كلامهم إن من أثبت بشاهدين إقرار الميت بالبنوة أو الأبوة صح لا بالاخوة ونحوها الا ان
يبرهن على تصديق المقر عليه أو يقر أحد الورثة أو يشهد آخر بنحو اقرار الميت واعلم أن اثبات الاخوة لا بد من
تفسيرها في الدعوى والشهادة هل هي لأب مع أم أو لأب فقط أو لام فقط وكذا كل قرابة وفي البزازية ان لم يدع مالا
وادعى الاخوة المجردة لا يقبل لان هذا في الحقيقة اثبات البنوة على أبي المدعى عليه والخصم فيه هو الأب لا
الأخ. وفي الزيلعي ولو أقر ابن وبنت بأخ وكذبهما ابن وبنت يقسم نصيب المقربين أخماسا ا ه‍ فالنظر كيف المصادق
لاثنين والمقاسم لهما ما ثبت نسبه لاحتياجه إلى امرأة أخرى فكيف بمن صادق واحد فقط ا ه‍ منه.
313
بينهما بالسوية، ولو أقر بأخت تأخذ ثلث ما في يده، وعندهما خمسة، ولو أقر ابن وبنت بأخ وكذبهما
ابن وبنت يقسم نصيب المقرين أخماسا، وعندهما أربعا والتخريج ظاهر، ولو أقر بامرأة أنها زوجة أبيه
أخذت ثمن ما في يده، ولو أقر بجدة هي أم الميت أخذت سدس ما في يده فيعامل فيما في يده كما
يعامل لو ثبت ما أقر به ا ه‍. وتمامه فيه. قوله: (بابن) أي من أخيه الميت. قوله: (لان ما أدى الخ)
أي لان ما أدى صحة وجوده وهو الاقرار إلى نفيه انتفى، وهنا لو صح إقراره بابن الأخ تبين أنه ليس
بوارث وإذا لم يكن وارثا لا يصح إقراره، فأدى وجود هذا الاقرار إلى نفيه، فينتفي من أصله: يعني لا
يصح.
والحاصل: أن الأخ بإقراره بالابن يصير مقرا على نفيه فيحرم من الميراث بسبب الابن، وإذا
خرج من الميراث صار أجنبيا، فإقراره غير صحيح، ولم يكن مقرا على نفيه فلا يرث الابن فيعود
الميراث له، وهكذا فيلزم الدور الحكمي الذي عده الشافعية من موانع الإرث لأنه يلزم من التوريث
عدمه، فقد أدى وجود الاقرار إلى عدمه بيانه كما في شرح البولاقي على شرح الشنشوري: أنه إذا أقر
أخ حائز بابن للميت يثبت نسبه ولا يرث، لأنه لو ورث لحجب الأخ، فلا يكون الأخ وارثا حائزا فلا
يقبل إقراره بالابن فلا يثبت نسبه فلا يرث، لان إثبات الإرث يؤدي إلى نفيه، وما أدى إثباته إلى نفيه
انتفى من أصله، وهذا هو الصحيح من مذهبهم. ويجب على المقر باطنا أن يدفع له التركة إن كان
صادقا في إقراره، لأنه يعلم استحقاقه المال، والقول الثاني للشافعي: أنه يثبت نسبه ويرث، وبه قال
أحمد، ونقل عن أبي حنيفة. وقيل لا يثبت ولا يرث، وبه قال داود. وقال أبو يوسف: لا يثبت نسبه
إلا بإقرار اثنين من الورثة. وعند مالك: يرث المقر له ولا يثبت نسبه إلا إذا أقر به عدلان من الورثة
أو أقر به عدل وصدقه عدل آخر من الورثة، هذا غاية ما رأيته.
ثم رأيت بعض الأفاضل أوضح المقام. بقوله: بيان الملازمة أو الاقرار لا يصح إلا من وارث،
وإذا صح هذا الاقرار صار هذا الأخ مع وجود الابن غير وارث، وإذا صار غير وارث لم يصح الاقرار
بالنبوة فلم تحصل فائدة، فصار هذا الاقرار عبثا.
ولنا أنه أقر بشيئين المال والنسب على الغير. ومن المعلوم أن إقرار الشخص يسري على نفسه،
والمال ملك نفسه فينفذ فيه، ويلزمه دفعه له. وأما تحميل النسب على غيره فلا يملكه، فلا ينفذ فيه
إقراره، على أن النسب يثبت في حق المقر مؤاخذة له بزعمه، حتى لو مات المقر لا عن وارث فإرثه
لهذا المقر له لا لبيت المال. هذا ما أفاده المتن قريبا.
فلهذا قال الشارح: وظاهر كلامهم نعم. والأولى أن يجزم لان الاطلاق السابق يعمل به حتى
يوجد ما يخصصه، والمطلق السابق هو قوله وإن أقر بنسب على غيره إلى قوله ويصح في حق نفسه،
ونظيره لو أقر بعبد فاكتسب ثم مات ثم صدقه المقر له يلزمه دفع الأكساب له، مع أن الاقرار بالعبد
نفسه بطل بالموت، وكذا لو أقر المشتري بأن البائع أعتق العبد ينفذ في حق نفسه. قوله: (وظاهر
كلامهم نعم فليراجع) أي يصح الاقرار، لان مقتضى ما ذكروه هنا أن المقر إذا ثبت إقراره بنصاب
الشهادة يثبت النسب وإن كان النصاب من الورثة، وإلا فيعمل بالاقرار في حق نفسه وإن لم يثبت

314
النسب، وهنا أقر بنسب على الغير فلا يقبل، وأقر بالمال الذي يستحقه ظاهرا إنما هو للمقر له فيكون
إقراره به على نفسه فيقبل. ويكفي في إقراره كونه وارثا ظاهرا، وإن تبين بإقراره أنه ليس بوارث لكن
تقدم في الشهادات أنه تقبل شهادة العتيق على معتقه إلا في مسألة وهي: رجل مات عن عم وبنت
وأمتين وعبدين فأعتق العم العبدين فشهدا أن الثانية أخت الميت قبل الأولى: أي قبل الشهادة بالبينة أو
بعدها أو معها لا تقبل بالاجماع. لأنا لو قبلناها لصارت عصبة مع البنت، فيخرج العم عن الوارثة
فيبطل العتق ا ه‍.
والحاصل: أن ظاهر كلامهم صحة إقرار هذا الأخ بالابن وثبت نسبه في حق نفسه فقط، فيرث
الابن دونه لما قالوا: إن الاقرار بنسب على غيره يصح في حق نفسه، حتى تلزمه الاحكام من النفقة
والحضانة لا في حق غيره. وقد رأيت المسألة منقولة ولله الحمد والمنة في فتاوى العلامة قاسم بن قطلو
بغا الحنفي.
ونصه: قال محمد في الأصل: ولو كانت للرجل عمة أو مولى نعمة فأقرت العمة أو مولى النعمة
بأخ للميت أبيه أو أمه أو بعم أو بابن عم أخذ المقر له الميراث كله، لان الوارث المعروف أقر بأنه مقدم
عليه في استحقاق ماله وإقراره حجة على نفسه. ا ه‍. هذا كلامه.
ثم قال: فلما لم يكن في هذا دور عندنا لم يذكر في الموانع وذكر في بابه ا ه‍. وهذا مؤيد لما
قدمناه قريبا عن بعض الأفاضل أيضا فاغتنمه. قوله: (فلا شئ للمقر) سبق قبل الاستثناء أن مختار أبي
الليث أنه لا يلزمه قدر حصته، وكان وضع هذا الفرع هناك أولى، لان الديون تقضى بأمثالها قوله:
(لان إقراره ينصرف إلى نصيبه) وذلك لان المائة صارت ميراثا بينهما، فلما أقر أحدهما باقتضاء أبيه
ذلك صح في نصيبه خاصة لا في نصيب أخيه، فبقيت حصة الآخر كما كانت، فيجعل كأن المقر
استوفى نصيبه، ولأن الديون تقضي بأمثالها. وقد أقر المقر أن أباه أخذ خمسين فوجبت، ثم تلتقي
قصاصا على المديون فقد أقر بدين على الميت هو لا ينفذ في حق الوارث الآخر، وينفذ في حقه
خاصة، والدين مقدم على الميراث فاستغرق نصيبه فلا يأخذ منه شيئا، كما إذا أقر عليه بدين آخر فيلزم
المقر كما مر قبيل باب الاستثناء، ولا يجري في هذه المسألة الخلاف السابق كما لا يخفى على الحاذق.
قوله: (بعد حلفه) أي حلف المنكر لأجل الأخ لأجل الغريم، لأنه لا ضرر على الغريم، فلا ينافي ما
يأتي، ولو نكل شاركه المقر في الخمسين. قوله: (لكنه الخ) الاستدارك يقتضي أن لا يحلف في
الأولى، وبه صرح الزيلعي. وهو مخالف لما قدمه عن الأكمل ومر جوابه. قوله: (يحلف) أي المنكر
بالله لم يعلم أنه قبض الدين، فإن نكل برئت ذمة المدين، وإن حلف دفع إليه نصيبه، بخلاف المسألة
الأولى حيث لا يحلف لحق الغريم، لان حقه كله حصل له من جهة المقر فلا حاجة إلى تحليفه، وهنا لم
يحصل إلا النصف فيحلفه زيلعي. وقد وفق أبو السعود بين العبارتين كما ذكرنا، وحينئذ اندفع ما
أبداه الحلبي من التنافي وحينئذ، فقوله حيث لا يحلف مخالف لما قاله الأكمل في المسألة الأولى يحلف

315
الأخ بالله الخ. ولعل الذي نفاه الزيلعي الحلف لحق الغريم، والذي قاله الأكمل لحق أخيه المقر، لان
كل من إذا أقر بشئ لزمه يحلف عند إنكاره ليقضي عليه بالنكول. تأمل.
وفي الدر المنتقى: لو مات عن ابنين وكان لأبيهما الميت دين على شخص فأقر أحدهما بقبض
أخيه نصفه صح في حصته، وحينئذ فالنصف الباقي للآخر بعد حلفه.
قلت: وكذا الحكم لو أقر بقبض كله لكن هنا يحلف لحق الغريم. ذكره الزيلعي وغيره. ا ه‍.
والحاصل: أن في المسألة الأولى لا يحلف لحق الغريم، لان حقه كله حصل له من جهة المقر فلا
حاجة إلى تحليفه، بخلاف المسألة الثانية فإنه يحلف المنكر بالله ما تعلم أنه قبض الدين، فإن نكل برئت
ذمته، وإن حلف دفع إليه نصيبه، والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
فصل في مسائل شتى
قال عزمي زاده: أفرز صاحب التسهيل هاهنا مسائل مهمة وأدرجها تحت زيادة على سائر
المتون، واقتفى صاحب الدرر أثره، وانتخب المسائل المذكورة فيه من الكافي. ا ه‍. والشارح رحمه الله
تعالى جمع بين ما أتى به في التسهيل وبين ما جرت به عادة المتون من ذكر مسائل شتى، فترجم بها،
وفيه ظرفية الشئ في نفسه، لان الفصل هو المسائل، إلا أن يقال: الفصل مراد به الألفاظ مراد بها
المعاني فيكون من ظرفية الدال في المدلول. قوله: (المكلفة) أي العاقلة البالغة: أي وهي حرة أو مأذونة
ط. قوله: (فكذبها زوجها) إما إذا صدقها فيظهر في حقه اتفاقا. قوله: (أيضا) أي كما يصح في
حقها وتركه لظهوره. قوله: (ولا يتعدى إلى غيره) لان كونه حجة إنما هو في زعم المقرر وزعمه ليس
حجة على غيره، ولذا لا يظهر في حق الولد والثمرة، بخلاف البينة فإنها حجة في حق الكل، لان
حجيتها بالقضاء وهو عام. حموي. قوله: (وهذه إحدى المسائل الست) الثانية: لو أقر المؤجر بدين لا
وفاء له إلا من ثمن العين المؤجرة فللدائن بيعها، وإن تضرر المستأجر قال الشيخ صالح في هذا: إشارة
إلى أن رب الدين إذا أراد حبس المديون، وهو في إجارة الغير يحبس، وإن بطل حق المستأجر قاله
تفقها، فوافق بحث المؤلف الآتي.
الثالثة: لو أقرت مجهولة النسب بأنها بنت أبي زوجها وصدقها الأب انفسخ النكاح بينهما، ومثل
الأب الجد، بخلاف ما إذا أقرت بالردة، ولو طلقها ثنتين بعد الاقرار بالرق لم يملك الرجعة.
الرابعة: إذا ادعى ولد الأمة المبيعة وللمدعي على أخ ثبت نسبه وتعدى إلى حرمان الأخ من
الميراث.
الخامسة: المكاتب إذا ادعى نسب ولد حرة في حياة أخيه صحت، وميراثه لولده دون أخيه.
السادسة: باع المبيع ثم أقر أن البيع كان تلجئة وصدقه المشتري، فله الرد على بائعه بالعيب، كذا
في الجامع. قال الحموي: قوله لو أقر المؤجر الخ، قال بعض الفضلاء: يؤخذ من هذا جواب حادثة
لم أجد فيها نقلا، وهو أن رب الدين إذا أراد حبس المديون وهو في إجارة الغير هل يحبس وإن بطل

316
حق المستأجر؟ فهذا يشير إلى أنه يحبس وإن بطل حق المستأجر. قوله: لو أقرت مجهول النسب الخ.
وقعت حادثة بالقاهرة: وهي أن شخصا أقر في مرض موته بأن فلانا أخي وشقيقي، ولهذا المقر
أخت شقيقة والمقر له غير أب المقر، وكل منهما حر الأصل من الأب وصدقت على إقرار أخيها حتى
لا يشاركها بيت المال، وهي شافعية المذهب، وثبت الاقرار بين يدي قاض حنفي، وحكم بصحة
قاض شافعي، فنازع صاحب بيت المال المقر له، ودار سؤالهم بين العلماء، فمنهم من أجاب بصحة
الاقرار وهم الأكثر، ومنهم: من أجاب ببطلانه، ومنهم علامة الورى الشمس الرملي معللا بأنه محال
شرعي، إذ يستحيل أن يكون لواحد أبوان. وقال بعض الفضلاء من الحنفية: مقتضى مذهبنا بطلان
الاقرار: أي في خصوص هذه المسألة. وإلا فلا يستحيل شرعا أن يكون للواحد أبوان أو ثلاثة إلى
خمسة، كما في ولد الجارية المشتركة إذا ادعاه الشركاء، بل قد يثبت نسب لواحد الحر الأصل من
الطرفين، كما في اللقيط إذا ادعاه رجلان حران كل واحد منهما من امرأة حرة كما في التتارخانية.
ا ه‍. قوله: (ولم نرها صريحة) هذا البحث لصاحب المنح، ومثله في حاشية الأشباه للحموي كما
قدمناه قريبا. قوله: (وعندهما لا) لما لم يقف على من يرجح قول الإمام على قولهما صرح بذكر قولهما
في المتن: فإن عادته كعادة أرباب المتون المألوفة التصريح بقولهما أيضا عند رجحان قولهما على قوله،
وكذا عند التساوي بينهما كما في المولى عبد الحليم، ولكن يأتي تصحيح قول الإمام. قوله: (فلا تحبس
ولا تلازم) لان فيه منع الزوج عن غشيانها وإقرارها فيما يرجع إلى بطلان حق الزوج لا يصح انتهى
درر. والظاهر أنه على قولهما يأمرها القاضي بالدفع وبيع عليها ما يباع في الدين ط. قوله: (إفتاء
وقضاء) منصوبين على الحال. قوله: (لان الغالب الخ) فيه نظر، إذ العلة خاصة والمدعي عام، لأنه لا
يظهر فيما إذا كان الاقرار لأجنبي، وقوله لتوصل بذلك إلى منعها بالحبس عنده لا يظهر أيضا، إذا
بالحبس عند القاضي لا عند الأب، فإذا المعول عليه قول الإمام. ا ه‍. إذ لم يستند في هذا التصحيح
لاحد من أئمة الترجيح ط. لكن قوله إذ الحبس عند القاضي مخالف لما مر في بابه أن الخيار فيه
للمدعي. قوله: (في حقها خاصة) أي في بعض الأحكام، فإنه يظهر في حق الزوج في المستقبل،
حتى لو جاءت بولد بعده يكون ملكا للمقر له، ويملك عليها الزوج طلقتين فقط، وقد كان يملك
عليها ثلاثا. وهذا عند أبي يوسف في حق الأولاد وإجماعا في الطلاق والعدة، فإن طلاقها اثنتان
وعدتها حيضتان، وقد كان يملك عليها ثلاثا وتعتد بثلاث حيض، والعدة حق الزوج وحق الشرع،
فقد ظهر إقرارها في حق غيره كما نقله الشرنبلالي عن المحيط عن المبسوط. قوله: فولد التفريع غير
ظاهر، ومحله فيما بعد، والظاهر أن يقال: فتكون رقيقة له كما في العزمية، ويأتي قريبا. قوله:

317
(رقيق) عند أبي يوسف: لأنه حكم برقيتها وولد الرقيقة رقيق. درر. قوله: (خلافا لمحمد) هو يقول:
تزوجها بشرط حرية أولاده منها فلا تصدق في إبطال هذا الحق. ا ه‍. منح: أي فيكون أولادها بعد
الاقرار أحرارا، وهذا ليس على إطلاقه لما في الأشباه: مجهول النسب إذا أقر بالرق لانسان وصدقه المقر
له صح وصار عبدا، وهذا إذا كان قبل تأكد الحرية بالقضاء، أما بعد قضاء القاضي عليه بحد كامل أو
بالقصاص في الأطراف لا يصح إقراره بالرق بعد ذلك. ا ه‍. قوله: (يرد عليه) أي على عدم صحة
إقرارها في حقه. قوله: (انتقاص طلاقها) وكذا عدتها كما علمت. قوله: (كما حققه في الشرنبلالية)
حيث قال ويرد على كون إقرارها غير صحيح في حقه انتقاص طلاقها، لأنه نقل في المحيط عن
المبسوط: أن طلاقها ثنتان وعدتها حيضتان بالاجماع، لأنها صارت أمة، وهذا حكم يخصها.
ثم نقل عن الزيادات: ولو طلقها الزوج تطليقتين وهو لا يعلم بإقرارها ملك عليها الرجعة، ولو
علم لا يملك، وذكر في الجامع: لا يملك علم أو لم يعلم. قيل ما ذكره في الزيادات قياس، وما
ذكره في الجامع استحسان.
وفي الكافي: آلي وأقرت قبل شهرين فهما مدته، وإن أقرت بعد مضي شهرين فأربعة، والأصل
أنه متى أمكن تدارك ما خاف فوته بإقرار الغير ولم يتدارك بطل حقه، لان فوات حقه مضاف إلى
تقصيره فإن لم يمكن التدارك لا يصح الاقرار في حقه، فإذا أقرت بعد شهر أمكن الزوج التدارك وبعد
شهرين لا يمكنه، وكذا الطلاق والعدة حتى لو طلقها ثنتين ثم أقرت يملك الثالثة، ولو أقرت قبل
الطلاق تبين بثنتين، ولو مضت من عدتها حيضتان ثم أقرت يملك الرجعة، ولو مضت حيضة ثم
أقرت تبين بحيضتين ا ه‍.
قلت: وعلى ما في الكافي لا إشكال لقوله: إن فوات حقه مضاف إلى تقصيره. تأمل. قوله:
(وفرع على حقه) الأولى أن يقول على قوله لا في حقه. قوله: (مجهول النسب) قيد به احترازا عمن
علم نسبه وحريته فلا يصح إقراره بالرق لتكذيب العيان له كما لا يخفى، وكذا من علم أنه عتيق
الغير، ويصح هذا الاقرار من المجهول، ولو كان صبيا مميزا كما في تنوير الأذهان، ويستثنى منه
اللقيط حيث لا يصح إقراره بأنه عبد لفلان، إلا إذا كان بالغا. أبو السعود.
وفي الأشباه: مجهول النسب: لو أقر بالرق لانسان وصدقه المقر له صح وصار عبده إن كان قبل
تأكد حريته بالقضاء، أما بعد قضاء القاضي عليه بحد كامل أو بالقصاص في الأطراف لا يصح إقراره
بالرق بعد ذلك، وإذا صح إقراره بالرق فأحكامه بعده في الجنايات والحدود وأحكام العبيد وفي النتف
يصدق، إلا في خمسة: زوجته، ومكاتبه، ومدبره، وأم ولده، ومولى عتقه. انتهى.
أقول: وهذا يفيد مجهول النسب أيضا قوله: (صح إقراره في حقه) أي وصار عبده إن كان قبل
تأكد حريته بالقضاء كما علمت. قوله: (دون إبطال العتق) أي دون ما يتعلق بعصبة المقر من إرث

318
المعتق بعد موت المقر. قوله: (يرثه وارثه الخ) لأنه مقدم على المعتق. قوله: (وإلا) صادق بأن لم يكن
له وارث أصلا، أو وارث لا يرث الكل كأحد الزوجين. قوله: (فيرث الكل) أي إن لم يكن له وارث
أصلا. قوله: (أو الباقي) إن كان له وارث لا يستغرق. قوله: (كافي وشرنبلالية) الأولى: شرنبلالية
عن الكافي، لقوله كذا في الكافي. وعبارة الشرنبلالية عن المحيط: وإن كان للميت بنت كان النصف
لها، والنصف للمقر له. ا ه‍.
فعلم أن المراد بالوارث ذو الفرض أو العصبة، وإن كان المقر له مقدما على الرد وهل يقدم على
ذوي الأرحام يراجع.
قال في الشرنبلالية: وإن جنى هذا العتيق سعى في جنايته لأنه لا عاقلة له، وإن جني عليه
يجب عليه أرش العبد، وهو كالمملوك في الشهادة، لان حريته في الظاهر وهو يصلح للدفع لا
للاستحقاق. ا ه‍. قوله: (المقر له) فاعل يرث: أي وإلا فيرث الكل أو الباقي المقر له. قوله: (فإرثه
لعصبة المقر) لأنه لما مات انتقل الولاء إليهم، بخلاف ما إذا كان حيا. درر. وذلك لان إقراره بالرق
لا يظهر في حقهم، فلو كان عصبة أولاده فمن قبل الاقرار أحرار يرثون، ومن بعده من أمة أرقاء لا
ترثون، فتدبر ط.
والحاصل: أن الاقرار حجة قاصرة، فما دام حيا يكون إرث العتيق للمقر له عند عدم الوارث،
وبعد المقر ينتقل الولاء لعصبته، فيكون الإرث لهم فلا ينفذ إقراره عليهم، ويستحقون الميراث دون
المقر له. قوله: (لأنه لا عاقلة له) إذ الذي أعتقه صار رقيقا والمقر له لم يظهر حكمه في حق ذلك
العتيق. قوله: (ولو جنى عليه يجب أرش العبد) وعليه فقد صار الاقرار حجة متعدية في حق المجني
عليه، فينبغي زيادة هذه المسألة على الست المتقدمة آنفا. قوله: (لان حريته بالظاهر) لأنا نظرنا فيها إلى
ظاهر حرية المعتق حال إعتاقه. قوله: (قال رجل لآخر لي عليك ألف الخ). أقول: هذه المسائل معرفة
أو منكرة أو مكررة أو مقرونا بها البر ينبغي أن تذكر عند قول المصنف في كتاب الاقرار قال: أليس لي
عليك ألف؟ فقال بلى الخ لوجهين.
الأول: أنها من قبيل نعم.
والثاني: أنها نظيرة اتزنها واتزن، فنظير الأول قوله الحق ونحوه، لان المفعول المطلق أو المفعول
به لا يستقل بنفسه، لان الهاء لا بد له من مرجع سابق، ونظير الثاني قوله الحق حق ونحوه، لأنه
كلام تام غير محتاج إلى ما قبله، وكذلك اتزن، ثم هذه الألفاظ الرواية فيها النصب، وعليه كلام
المصنف حيث صرح به في النكرة: إما بكونه على المصدرية والتقدير القول الحق الخ، أو بكونه مفعولا
به: أي ادعيت الحق الخ، وجاز في الكل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف يدل عليه فحوى الكلام.
فالتقدير: قولك الحق أو دعواك الحق الخ، ولو قدر مجرورا فله وجه أيضا فيكون التقدير قولك: أو

319
دعواك بالحق، ولو لم يعرب فيحمل على واحد منهما، فلا يختلف الحكم في الجميع في الصحيح. كذا
في الجامع العاملي. قوله: (ونحوه) بأن كرر اليقين أيضا معرفا أو منكرا. قوله: (أو قرن بها البر) قيد
به لأنه لو قرن بها الصلاح لم يكن إقرارا، لان الصلاح محكم في الرد، إذ القول لا يوصف به فيكون
أمرا بالصلاح والاجتناب عن الكذب، فيحمل ما قرن به عليه أطلقه ولكنه مقيد بالنصب، إذ لو رفع
يكون جملة تامة من مبتدأ وخبر فلا يجعل جوابا لما سبق، بخلاف تكرير هذه الألفاظ حيث يحمل على
التأكيد. وأشار بالمقارنة إلى أن البر لو انفرد معرفا أو منكرا أو مكررا لا يكون إقرارا لعدم العرف.
عبد الحليم. قوله: (البر حق) هذا مما يصلح للاخبار ولا يتعين جوابا، والذي في نسخة الدرر: البر
الحق، وهو في بعض النسخ كذلك، وهو ظاهر فإنه يحمل على الابدال ط. قوله: (لأنه كلام تام) من
مبتدأ وخبر مستقل بنفسه، هذا هو المنطوق، وجعله جوابا إنما هو باعتبار دلالة الحال، وذا ساقط في
مقابله. وقوله: (لأنه لا يصلح للابتداء) أي لان يكون كلاما مبتدأ، هذا هو الظاهر، أو لا يصلح لان
يكون مبتدأ، لأنه لو رفع يكون خبرا لمبتدأ يقدر بدلالة الحال، وهو قولك أو دعواك على ما أشرنا
إليه. قوله: (يا سارقة الخ) مأخذ هذه المسألة بتفاريعها من باب الاقرار بالعيب في الجامع الكبير وإتيان
المصنف بها في أواخر باب العيب أنسب من إتيانه بها هنا كما لا يخفى. قوله: (لأنه نداء) أي فيما عدا
الأخير والنداء إعلام المنادى وإحضاره لا تحقيق الوصف، ولهذا لو قال لامرأته يا كافرة لا يفرق
بينهما. ا ه‍. درر. قوله: (أو شتمة) أي في الأخيرة وهي قوله هذه السارقة فعلت كذا: أي ولم يكن
لتحقيق الوصف، وفي نسخة شتيمة ويحتمل أن أو بمعنى الواو، فإن كل أمثلة النداء تصلح للشتم
وينفرد الشتم في الأخيرة ط. قوله: بخلاف هذه سارقة وكذا هذه السارقة بلام التعريف، الحاصل
أن الاعتبار إلى مجئ الوصف خبرا فيستوي حينئذ كونه معرفا أو منكرا، بخلاف مجيئه نعتا فحينئذ
يحمل على الشتم، هذا هو المصرح به في تلخيص الجامع الكبير، وعليه كلام الكافي، فيظهر منه أن
تنكير هذه الأوصاف في عبارة المصنف ليس للاحتراز. قوله: (حيث ترد بأحدها) أي لو اشتراها من
لم يعلم بهذه الاخبار ثم علم ط.
أقول: فيه نظر، لان الشرط في رد المبيعة بالعيب أن يوجد عند المشتري والبائع، فلو أقر البائع
بالعيب عنده ولم يوجد عند المشتري لا ترد بل يكون قد زال. تأمل. قوله: (بخلاف أول) فإن السيد
لا يتمكن من إثبات هذه الأوصاف فيها. قوله: (بطريق محظور) متعلق بالسكران. قوله: (محرم) لا

320
حاجة إليه. قوله: (صحيح) لتكليفه شرعا لقوله تعالى: * ((4) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (النساء:
34) خاطبهم تعالى ونهاهم حال سكرهم. أشباه. قوله: (أقيم عليه الحد في سكره) لعله سبق قلم.
والصواب القصاص لأنه لا فائدة في انتظاره، وأشار إلى أن الحد تارة يقصد به تأديب بإيصال الألم
إليه، وهذا لا يحصل في حال السكر فلا يقام عليه فيه لأنه لا يحس به كحد الشرب والقذف، وتارة
يقصد به تأديب غيره أو تحصيل ثمرته، وإن أقيم في حال السكر لبقاء أثره بعده كالقود فإنه إن كان
في النفس يحصل به إزهاق الروح، فلا فرق أن يكون في حال الصحو لحصول المقصود به، وهو زجر
غيره أن يفعل كفعله، وكذا فيما دون النفس المقصود به يحصل في حال السكر أو في حال الصحو.
وينبغي أن يكون حد السرقة كذلك لبقاء أثره بعد الصحو. قوله: (وفي السرقة يضمن المسروق) أي لو
أقر بالسرقة يتضمن ذلك الاقرار حق الله، وهو إقامة الحد وحق العبد، وهو ضمان المال فلا يلزمه
الحد لدرئه بالشبهات، ويصح في حق العبد فيضمن المال المسروق. قوله: (سعدي أفندي) وعبارته
هناك.
وقال صاحب النهاية: ذكر الامام التمرتاشي: ولا يحد السكران بإقراره على نفسه بالزنا
والسرقة، لأنه إذا صحا ورجع بطل إقراره ولكن يضمن المسروق، بخلاف حد القذف والقصاص
حيث يقام عليه في حال سكره لأنه لا فائدة في التأخير لأنه لا يملك الرجوع، لأنهما من حقوق
العباد، فأشبه الاقرار بالمال والطلاق والعتاق انتهى.
ولا يخفى عليك أن قوله لأنه لا فائدة في التأخير محل بحث، وفي معراج الدراية: بخلاف حد
القذف فإنه يحبس حتى يصحو ثم يحد للقذف، ثم يحبس حتى يخف منه الضرب، ثم يحد للسكر.
ذكره في المبسوط. وفي معراج الدراية: قيد بالاقرار لأنه لو زنى أو سرق في حاله يحد بعد الصحو،
بخلاف الاقرار، وكذا في الذخيرة انتهى.
أقول: لكن في قوله بخلاف الاقرار أن الاقرار كذلك فما وجه المخالفة. تأمل. قوله: (إلا فيما
يقبل الرجوع كالردة) أي ولو بسب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإنها كسائر ألفاظ الردة خلافا لما
قدمه الشارح في بابها.
وكتب عليه سيدي الوالد رحمه الله تعالى كتابة حسنة حرر فيها أن القبول هو المذهب، وأن عدم
القبول هو مذهب مالك رحمه الله تعالى فارجع إليه. والحكمة في عدم صحة إقراره فيما يقبل الرجوع
أن الردة مبنية على الاعتقاد وهو يعتمد وجود العقل ولا عقل له مع السكر ولو أقر، ولذا لو ارتد في
سكره لا تصح ردته، وعليه فينبغي أن لا تلحقه أحكام المرتد من بينونة زوجة ونحوه، فليراجع. أما
من ثبتت ردته بالبينة وأنكر فإن إنكاره توبة فتلزمه أحكام المرتد كما صرحوا به. قوله: (وشرب
الخمر) أي إذا أقر وهو سكران بأنه شرب الخمر الذي هو فيه أو غيره لا يصح إقراره فلا يقام عليه
الحد، وإنما ترتب على البينة مثلا الاحكام ط. قوله: (لا يعتبر) أي إقراره. قوله: (إلا في سقوط
القضاء) أي قضاء الصلاة أزيد من يوم وليلة، فتسقط بالاغماء لا بالسكر، لأنه بصنعه كما في

321
الأشباه قوله: (وتمامه في أحكامات الأشباه) وعبارتها أحكام السكران هو مكلف لقوله تعالى: *
(لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (النساء: 43) خاطبهم تعالى ونهاهم حال سكرهم، فإن كان السكر من
محرم، فالسكران منه هو المكلف، وإن كان من مباح فلا فهو كالمغمى عليه لا يقع طلاقه.
واختلف التصحيح فيما إذا سكر مكرها أو مضطرا فطلق، وقدمنا في الفوائد أنه من محرم
كالصاحي إلا في ثلاث: الردة، والاقرار بالحدود الخالصة، والاشهاد على شهادة نفسه، وزدت على
الثلاثة: تزويج الصغير والصغيرة بأقل من مهر المثل أو بأكثر فإنه لا ينعقد.
الثانية: الوكيل بالطلاق صاحيا إذا سكر فطلق لم يقع.
الثالثة: الوكيل بالبيع، ولو سكر فباع لم ينفذ على موكله.
الرابعة: غصب من صاح ورده عليه وهو سكران وهي في فصول العمادية فهو كالصاحي، إلا
في سبع فيؤاخذ بأقواله وأفعاله، واختلف التصحيح بما إذا سكر من الأشربة المتخذة من الحبوب أو
العسل، والفتوى على أنه سكر محرم، فيقع طلاقه وعتاقه ولو زال عقله بالبنج لم يقع وعن الامام أنه إن
كان يعلم أنه بنج حين يشرب يقع وإلا فلا، وصرحوا بكراهة أذان السكران، واستحباب إعادته
وينبغي أن لا يصح أذانه كالمجنون. وأما صومه في رمضان فلا إشكال أنه إن صحا قبل خروج وقت
النية أنه يصح إذا نوى، لأنا لا نشرط التبييت فيها، وإذا خرج وقتها قبل صحوة أثم وقضى، ولا يبطل
الاعتكاف بسكره ويصح وقوفه بعرفات كالمغمى عليه، لعدم اشتراط النية فيه. واختلفوا في حد
السكران: فقيل من لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة، وبه قال الامام الأعظم. وقيل
من في كلامه اختلاط وهذيان، وهو قولهما وبه أخذ أكثر المشايخ. والمعتبر في قدح السكر في حق
الحرمة ما قالاه احتياطا في الحرمات، والخلاف في الحد والفتوى على قولهما في انتقاض الطهارة وفي
يمينه لا يسكر كما بيناه في شرح الكنز.
تنبيه قولهم إن السكر من مباح كالاغماء، يستثنى منه سقوط القضاء فإنه لا يسقط عنه وإن
كان أكثر من يوم وليلة لأنه بصنيعه. كذا في المحيط انتهى ما ذكره في الأشباه.
قال في نور العين: ويلحق السكران بالصاحي في العبادات والحقوق فيلزمه سجدة تلاوة وقضاء
الصلاة شح، وإذا أفاق يلزمه الوضوء لو كان بحال لا يعرف الذكر من الأنثى لا كمغمى عليه، ومن
سكر من شراب محرم أو من المثلث لزمه كل التكاليف الشرعية، ويصح جميع عباراته وتصرفاته سواء
شرب مكرها أو طائعا. بزدوي.
السكر لو بمباح كشرب مكره، ومضطر، وشرب دواء، وشرب ما يتخذ من حبوب وعسل عند
أبي حنيفة كالاغماء يمنع من صحة طلاق، وعتاق وسائر التصرفات، والسكر بمحظور كسكر من كل
شراب محرم، ونبيذ المثلث، ونبيذ الزبيب المطبوخ المعتق لا ينافي الخطاب، فيلزمه جميع أحكام الشرع،
وتصح عباراته كلها بطلاق وعتاق وبيع وشراء، وأقارير، ويصح إسلامه لا ردته استحسانا، ولو أقر
بقصاص أو باشر سببا لزمه حكمه، ولو قذف أو أقر به لزمه الحد، ولو زنى حد إذا صحا، ولو أقر
أنه سكر من خمر طائعا لم يحد حتى يصحو فيقرأ وتقوم عليه البينة، ولو أقر بشئ من الحدود لم يحد إلا
في حد قذف، وتقام عليه الحدود إذا صحا.

322
قال في الهداية: لا يحد السكران حتى يعلم أنه سكر من النبيذ وأنه شربه طوعا، إذ السكر من
المباح لا يوجب الحد كالبنج ولبن الرماك، وكذا شرب المكره لا يوجب الحد ولا يحد السكران حتى
يزول عنه السكر تحصيلا لمقصود الانزجار والسكران الذي يحد عند أبي حنيفة، هو من لا يعقل منطقا
لا قليلا ولا كثيرا، ولا يعقل الرجل من المرأة، وعندهما: من يهذي ويخلط كلامه إذا هو السكران في
العرف، وإليه مال أكثر المشايخ، والمعتبر في القدح المسكر في حق الحرمة ما قالا إجماعا أخذا
بالاحتياط انتهى.
وقدمنا عن الأشباه أن الفتوى على قولهما في انتقاض الطهارة، وفي يمينه أن لا يسكر، وأنه
يستثنى سقوط القضاء من قولهم السكر بمباح كإغماء، فإنه لا يسقط عنه وإن كان أكثر من يوم وليلة
لأنه بفعله. قال قاضيخان: يجوز جميع تصرفات السكران إلا الردة والاقرار بالحدود والاشهاد على
شهادة نفسه. وفي محل آخر منه من سكر من خمر أو شراب متخذ من أصل الخمر وهو العنب والزبيب
والتمر كنبيذ ومثلث وغيرهما ينفذ جميع تصرفاته عندنا، وبه أخذ عامة المشايخ. وقال الحسن بن زياد
الطحطاوي والكرخي والصفار ومالك والشافعي في أحد قوليه وداود الأصفهاني: لا يصح منه تصرف
ما وردته لا تصح عندنا استحسانا. إذ الكفر واجب النفي لا واجب الاثبات. وعن أبي يوسف أنه كان
يأخذ بالقياس ويقول: تصح ردته انتهى. قال: فلو قضى قاض بقول واحد من هؤلاء نفذ قضاؤه.
واختلف المشايخ فيما يتخذ من حبوب وثمار وعسل: من قال بوجوب الحد بالسكر به يقول
ينفذ تصرفاته ليكون زجرا له، ومن قال لا يجب الحد به وهو الفقيه أبو جعفر والامام السرخسي
يقول لا ينفذ تصرفاته، ولو شر ب شرابا حلوا فلم يوافقه وذهب عقله بالصداع لا بالشراب فطلق،
قال محمد: لا يقع، وبه يفتى. هذا كله في الشراب طائعا، فلو مكرها فطلق فالصحيح أنه لا يقع،
وفي محل آخر منه: ولو شرب الخمر مكرها أو لضرورة وسكر فطلق اختلفوا فيه، والصحيح أنه كما
لا يلزمه الحد لا يقع طلاقه ولا تنفذ تصرفاته، ولو سكر مما يتخذ من حبوب وفواكه وعسل اختلفوا
فيه، قال الفقيه أبو جعفر: أنه كما لا يلزمه الحد لا تنفذ تصرفاته. قاضيخان.
لو كانت الخمر مغلوبة بالماء تحرم، لكن لا يحد شاربها ما لم يسكر، وفيما سوى الخمر مما يتخذ
من عنب وزبيب لا يحد شاربه ما لم يسكر، ومن سكر بالبنج فالصحيح أنه لا يحد، ولا تصح تصرفاته
ولا تقع ردته. ابن الهمام.
عدم وقوع طلاق السكران بالبنج والأفيون لعدم المعصية، فإنه يكون للتداوي غالبا فلا بكون
زوال العقل بسبب هو معصية، حتى لو لم يكن للتداوي بل للهو وإدخال الآفة قصدا ينبغي أن نقول
يقع. وقال أيضا: اتفق مشايخ الحنفية والشافعية بوقوع طلاق من زال عقله بأكل الحشيش، وهو
المسمى ورق القنب لفتواهم بحرمته اتفاقا من متأخريهم، إذ لم يظهر أمر الحشيش في زمن المتقدمين
سني طلاق السكران غير واقع، وبه أخذ كثير من مشايخ بلخ، وهو قول عثمان رضي الله تعالى عنه:
هذا نبيذ عسل وتين وحنطة وشعير وذرة حلال، وإن لم يطبخ عند أبي حنيفة، وأبي يوسف: إذا شرب
بلا لهو ولا طرب لقوله عليه الصلاة والسلام الخمر من هاتين الشجرتين، وأشار إلى كرم ونخل
خص التحريم بهما، إذا المراد بيان الحكم. ثم قيل: يشترط الطبخ لإباحته، وقيل لا، وهو المذكور في

323
الكتاب. وهل يحد إذا سكر منه؟ قيل لا يحد، وقالوا: الأصح أنه يحد، إذ روي عن محمد فيمن سكر
من الأشربة أنه يحد بلا تفصيل، إذ الفساق يجتمعون عليه في زماننا كما على سائر الأشربة بل فوق
ذلك.
يقول الحقير: قوله الأصح موافق لما اختاره صاحب المبسوط كما مر، لكنه مخالف لما نقله
قاضيخان عن الفقيه أبي جعفر، ولما نقله البزدوي أيضا عن أبي حنيفة، كما مر كلاهما في أول
المبحث، والله تعالى أعلم بالصواب. هداية المثلث. العنبي حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف إذا قصد
به التقوية لا التلهي. وعند محمد: حرام، وعنه أنه حلال، وعند أنه مكروه، وعنه أنه توقف فيه
مختارات النوازل نبيذ تمر ونبيذ زبيب إذا طبخ أدنى طبيخ، وإن اشتد إذا شرب ما يغلب على ظنه أنه لا
يسكر من غير لهو ولا طرب جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو الصحيح، لأنه أبعد من تفسيق
الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ونبيذ حنطة وشعير وعسل حلال وإن لم يطبخ إذا شرب منه بلا لهو،
عند أبي حنيفة وأبي يوسف فهو المثلث ولا يحد شاربه عندهما، ولا يقع طلاقه وإن سكر منه، وعن
محمد أنه حرام، ويحد شاربه إذا سكر منه، ويقع طلاقه. والأصح فيه قول محمد، وكذا المتخذ من
الألبان إذا اشتد، فهو على هذا الخلاف أشباه. صرحوا بكراهة أذان السكران، والاستحباب الإعادة،
وينبغي أن لا يصح أذانه كالمجنون فضك.
سكران جمح فرسه فاصطدم إنسانا فمات، لو كان يقدر على منعه فليس بمسير له فلا يضاف إليه
سيره، وكذا غير السكران لو عاجزا عن منعه.
زوج بنته الصغيرة بأقل من مهرها: لو صاحيا جاز عند أبي حنيفة، أما عندهما فقيل: يجوز
النكاح لا النقصان، ونص في جمع أنه لا يجوز النكاح عندهما، ولو في سكر اختلف على قول أبي
حنيفة، قيل يجوز، وقيل لا، وهو الصحيح فقط.
تزوج امرأة بحضرة سكارى وعرفوا أمر النكاح إلا أنهم لا يذكرون بعد صحوهم جاز ط.
وكله بطلاق فطلقها وهو سكران، فلو وكله وهو سكران يقع إذ رضي بعبارته، ولو وكله وهو
صاح لا يقع إذ رضي بعبارة الصاحي لا السكران خ.
وكيل بيع وشراء إذا سكر نبيذ تمر: فلو يعرف البيع والشراء والقبض قال سنجر: جاز عقده على
موكله كما باشر لنفسه لا لو ببنج كمعتوه. وقال غيره: لا يجوز في النبيذ أيضا، إذ بيع السكران إنما
جاز زجرا عليه فلا يجوز على موكله، فسقط رد الغصب على سكران ورفع ثوبه للحفظ مر في أوائل
فصل الضمان انتهى. قال بعض الفضلاء: وهل يدخل في ذلك تصرفات الصبي السكران من إسلامه
وغيره؟ وكانت واقعة الفتوى تأمل.
أقول: الظاهر أنه لا يدخل في ذلك، لان البالغ السكران من محرم جعل مخاطبا زجرا له
وتغليظا عليه، والصبي ليس أهلا للزجر والتغليظ. كذا ذكره في الحواشي الحموي. قوله: (بطل
إقراره) قال في الذخيرة: من أقر لانسان بشئ وكذبه المقر له فقال المقر أنا أقيم البينة على ذلك لا تقبل
بينته ا ه‍. بيري. ولو عاد المقر في الاقرار ثانيا وصدقه المقر له كان للمقر له أن يؤاخذه بإقراره الثاني.
تتارخانية. والمعنى: أنه إذا كذبه ثم صدقه لا يعمل تصديقه إلا في المواضع المذكورة فإنه يعمل تصديقه
بعد التكذيب ط.

324
أقول: وما نقله في التتارخانية استحسان، والقياس أن لا يكون له ذلك، وفي الذخيرة:
وصدقه المقر له بأن قال لك علي ألف درهم فقال المقر له أجل لي عليك، ولو أقر بالبيع وجحد
المشتري ووافقه المقر في الجحود أيضا ثم إن المقر له ادعى الشراء لا يثبت الشراء، وإن أقام المشتري
بينة على ذلك ولو صدقه البائع على الشراء يثبت الشراء. ا ه‍.
قال السيد الحموي أقول: وجه القياس أن الاقرار الثاني عين المقر به أولا فالتكذيب في الأول
تكذيب في الثاني. ووجه الاستحسان أن يحتمل أنه كذبه بغير حق لغرض من الاغراض الفاسدة
فانقطع عنه ذلك الغرض، فرجع إلى تصديقه فجاء الحق وزهق الباطل. ا ه‍. قوله: (على ما هنا) أي
على ما في المتن، وإلا فسيأتي زيادة عليها. قوله: (الاقرار بالحرية) فإذا أقر أن العبد الذي في يده حر
تثبت حريته، وإن كذبه العبد ط. قوله: (والنسب) قد تقدم في باب دعوى النسب فيما تصح فيه
دعوى الرجل والمرأة أنه لا بد من تصديق هؤلاء، إلا في الولد إذا كان لا يعبر عن نفسه، ومن جملة
ما يشترط تصديقه مولى العتاقة، إلا أن يحمل أنه إذا عاد إلى التصديق بعد الرد يقبل كما قلنا. ويدل
على ذلك عبارة البحر في المتفرقات فإنه قال: وقد بالاقرار بالمال احترازا عن الاقرار بالرق والطلاق
والعتاق والنسب والولاء فإنها لا ترتد بالرد، أما الثلاثة الأول ففي البزازية: قال لآخر أنا عبدك فرد
المقر له ثم عاد إلى تصديقه فهو عبده، ولا يبطل الاقرار بالرق بالرد كما لا يبطل بجحود المولى،
بخلاف الاقرار بالعين والدين حيث يبطل بالرد، والطلاق والعتاق لا يبطلان بالرد لأنهم إسقاط يتم
بالمسقط وحده، وأما الاقرار بالنسب وولاء العتاقة ففي شرح المجمع من الولاء، وأما الاقرار بالنكاح
فلم أره الآن. ا ه‍. فتصور المسائل المذكورة هنا مثل تصوير الرق إلا الطلاق والعتاق لما علل به ط.
قوله: (والوقف) قال في الأشباه: إن المقر له إذا رده ثم صدقه صح كما في الاسعاف. قوله: (في
الاسعاف لو وقف على رجل الخ) يشير به للرد على المتن، ولكن رأيت معزيا للخزانة ما يوافق المتن،
وهو لو قال لا أقبل يبطل، وقيل لا يبطل، وهو المختار عند بعض المتأخرين ا ه‍. لكن فيه أن الكلام
في الاقرار بالوقف لا في الوقف، وأيضا الكلام فيما لا يرتد ولو قبل القبول على أن عبارة الاسعاف
على ما في الأشباه والمنح هكذا: ويزاد الوقف، فإن المقر له إذا زاده ثم صدقه صح، وهي موافقة لما
نحن بذكره من أن الاقرار لا يرتد بالرد ولو قبل القبول، وما نقله الشارح من أن الوقف يرتد بالرد
قبل القبول لا بعده هو غير ما نحن فيه. ونقل الحموي عن الاسعاف ما يناسب هذا فقال: ولو أقر
لرجلين بأرض في يده أنها وقف عليهما أو على أولادهما ونسلهما أبدا ثم من بعدهم على المساكين
فصدقه وكذبه الآخر ولا أولاد لهما يكون نصفها وقفا على المصدق منهما والنصف الآخر للمساكين لو
رجع المنكر إلى التصديق رجعت الغلة إليه، وهذا بخلاف ما لو أقر لرجل بأرض فكذبه المقر له فإنها
تصير له ما لم يقر له ثانيا. والفرق أن الأرض المقر بوقفيتها لا تصير ملكا لاحد بتكذيب المقر له، فإذا
رجع ترجع إليه والأرض المقر بكونها ملكا ترجع إلى ملك المقر بالتكذيب. ا ه‍. وهذا غير ما نقله
الشارح عنه كما علمت، وهو المناسب للمقام والملائم لان المقر له قد كذب المقر ثم صدقه يصح

325
تصديقه، فتأمل. قوله: (والرق) أي لو قال له أنا رفيقك فأنكر ثم ادعاه وصدقه العبد صح، ومنه ما
قدمه الشارح في كتاب العتق عن الخلاصة: قال لعبده أنت غير مملوك الخ. قوله: (ويزاد الميراث) أي
فلا يعمل رد الوارث إرثه من المورث. قوله: (كما في متفرقات قضاء البحر) وعبارته: قيد بالاقرار
بالمال احترازا عن الاقرار بالرق والطلاق والعتاق والنسب والولاء، فإنها لا ترتد بالرد.
أما الثلاثة الأولى، ففي البزازية قال لآخر أنا عبدك فرد المقر له ثم عاد إلى تصديقه فهو عبده،
ولا يبطل الاقرار بالرق بالرد كما لا يبطل بجحود المولى، بخلاف الاقرار بالعين والدين حيث يبطل
بالرد، والطلاق والعتاق لا يبطلان بالرد لأنهما إسقاط يتم بالمسقط وحده، وأما الاقرار بالنسب وولاء
العتاقة ففي شرح المجمع من الولاء، وأما الاقرار بالنكاح فلم أره الآن انتهى قوله: (واستثنى ثمة
مسألتين من الابراء) أي من قولهم الابراء يرتد بالرد، ولا حاجة إلى ذكرهما هنا فإنهما ليسا مما نحن فيه
ح: أي لان الكلام في الاقرار وما ذكره في الابراء.
وعبارته قال: ثم اعلم أن الابراء يرتد إلا فيما إذا قال المديون أبرئني فأبرأه فإنه لا يرتد كما
في البزازية، وكذا إبراء الكفيل لا يرتد بالرد، فالمستثنى مسألتان، كما أن قولهم إن الابراء لا يتوقف
على القبول ولا يخرج عنه الابراء عن بدل الصرف والسلم فإنه يتوقف على القبول ليبطلاه كما قدمنا في
باب السلم.
والحاصل: أن الكلام في أن الاقرار يرتد بالرد إلا في مسائل، وهاتان المسألتان ليستا منها،
وحينئذ فلا وجه لزيادة ذلك. قال في كتاب المداينات: الاقرار يرتد بالرد إلا في مسائل:
الأولى: إذا أبرأ المحتال عليه فرده لم يرتد.
الثانية: إذا قال المديون أبرئني فأبرأه فرده ولا يرتد.
الثالثة: إذا أبرأ الطالب الكفيل فرده لم يرتد، وقيل يرتد.
الرابعة: إذا قبله ثم رده لم يرتد ا ه‍. إلا أن يراد بقوله واستثنى مسألتين من قولهم الابراء يرتد
بالرد: أي كما أنه يستثنى من قولهم إن الابراء لا يتوقف على القبول، إلا الابراء عن بدل الصرف
والسلم فإنه يتوقف على القبول ليبطلاه، فإذا كان الابراء في هاتين المسألتين لا يرتد بالرد وإن لم يقبله
بعد فمن باب أولى إذا رده ثم قبله فإنه لا يبطل، وبهذا الاعتبار عدهما مسألتين مما نحن فيه، فتأمله.
قوله: (فالمستثنى عشرة) أي على هذا المقال. قوله: (ومتى صدقه فيها) أي في الاقرار بعين أو دين
والابراء والوكالة والوقف، هذا ما تفيده عبارة العلامة عبد البر ط.
أقول: ذكر في شرح الوهبانية خمس مسائل: مسألة الوكالة، فقال لو قال لآخر وكلتك ببيع هذا
وسكت يصير وكيلا، ولو قال لا أقبل بطل، وسيأتي في المقولة الآتية إمكان تصويرها، وهذه المسألة
الأولى من النظم. وقال أيضا: الاقرار والابراء لا يحتاجان إلى القبول ويرتدان بالرد وهنا أن الثانية
والثالثة من النظم. وقال أيضا: إذا سكت الموقوف عليه في الوقف على فلان جاز، ولو قال لا أقبل
بطل، وفي وقف الأصل لا تبطل. وهذه المسألة الخامسة من النظم، ثم قال: ولو صدقه في هذا كله

326
ثم رده لا يرتد انتهى، فغير هذا الشارح عبارته إلى ما ترى، فضمير فيها يرجع إلى أربع مسائل مذكورة
في شرح الوهبانية، لا إلى الوكالة، والمسألة الرابعة من شرح الوهبانية هي هبة الدين ممن عليه الدين لا
تصح من غير قبول، خلافا لزفر. كذا اختار السرخسي: وقيل الخلاف على العكس، وفي قاضيخان
مثله، وذكر أبو الليث أنها تصح من غير قبول إلا أنها تبطل بالرد، وفي الذخيرة والواقعات أن عامة
المشايخ على أن هبة الدين (1) وإبراءه يتم من غير قبول.
وفي العمادية: المذكور في أكثر الكتب والشروح: أن القبول ليس بشرط عندنا وهو الصحيح،
ثم ذكر عن الصغرى أنه يرتد بالرد انتهى، فهذه خمس مسائل، لكن لم يذكر قوله ولو صدقه في هذا
كله، إلا بعد الأربعة الأول، وهي الوكالة والاقرار والابراء والوقف، ولا شك أن هذا المقصود لا
يفهم من هذا الشرح. قوله: (لا يرتد بالرد) قد علمت أن من جملة مرجع الضمير الوكالة وهي عقد
غير لازم، فكيف لا ترتد بالرد، ويمكن تصويرها فيما إذا وكله بشراء معين وقبل الوكالة فاشتراه بمثل
ما عين له من قدر الثمن ثم ادعى أنه رد الوكالة فلا يقبل ط. قوله: (وهل يشترط لصحة الرد مجلس
الابراء) ذكره العلامة عبد البر في إبراء الدائن مديونه من الدين، وعبارته بعد ذكر هذه المسألة، وهل
يشترط لصحة الرد مجلس الابراء؟ اختلف المشايخ.
ولو قال أبرئني مما لك علي فقال أبرأتك فقال لا أقبل فهو برئ. وفي بعض النسخ. هبة
الدين ممن عليه لا تتم إلا بالقبول، والابراء يتم لكن للمديون حق الرد قبل موته إن شاء انتهى. قوله:
(والضابط) قال العلامة عبد البر عن تقويم الدبوسي: الصدقة بالواجب: أي الثابت في الذمة إسقاط
كصدقة الدين على الغريم، وهبة الدين له فتتم له بغير قبول، وكذا سائر الاسقاطات تتم من غير
قبول، إلا أن ما فيه تمليك مال من وجه قبل الارتداء بالرد، وما ليس فيه تمليك مال لم يقبل كإبطال
حق الشفعة والطلاق، وهذا ضابط جيد فتنبه له. ا ه‍.
قال بعض الفضلاء: هذا الضابط ظاهر فيما يقبل الرد من الانشاءات، لكن هو خارج عما
البحث فيه من كون الاقرار يرتد أو لا يرتد، إذ الاقرار لا تمليك فيه. تأمل. قوله: (صالح الخ)
وليت هذا الفرع ما جعل متنا ولا شرحا، إذ أصل العبارة: قال تاج الاسلام: وبخط شيخ الاسلام
وجدته: صالح أحد الورثة وأبرأ إبراء عاما ثم ظهر شئ في التركة لم يكن وقت الصلح لا رواية في
جواز الدعوى، ولقائل أين يقول: يجوز دعوى حصته منه، وهو الأصح، ولقائل أن يقول: لا ا ه‍.
ثم اختصرها في الأشباه وتبعه هنا. قال الشرنبلالي: نقلها في الأشباه بما فيه اشتباه لا يليق، لأنه
معزو إلى الخط، وفيه نظر، وبرهن عليه في رسالة ا ه‍. ويؤيده ما سيأتي: لو صالح الورثة أحدهم ثم
ظهر عين لم يعلموها هل تدخل في الصلح؟ قولان: أشهرهما: لا، فهذا بلا إبراء فيه رواية مشهورة
بعدم السماع، فكيف مع الابراء الذي بمفرده يمنع السماع.



(1) هبة الدين ممن عليه أو ابراؤه لا يحتاج فيهما إلى القبول ا ه‍ منه.
327
قال في المحيط: لو أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكروا لا تسمع دعواه، وإن أقروا
بالتركة أمروا بالرد عليه ا ه‍: أي لان الابراء عن العين إذا منع دعواها فمصادقتهم له يعمل بها،
وأيضا فرع المتن يحتمل أن يكون ما ظهر تحت يد الورثة وأنهم أقروا بأنه من التركة بعد ذلك فيكون
بسبب الصلح فيه روايتان: قيل لا تسمع دعواه لان المصالح خرج عن كل التركة، والأشهر تسمع
لأنه ما خرج إلا من قدر ما علم، فإذا انضم الابراء إليه ربما ازداد غير الأشهر قوة عليه وإذا كانت
تحت يد أجنبي، فكذا يقال: إلا أن الابراء لا يقوي غير الأشهر، لعدم يد المبرأ، وخلط الشارح يد
الوصي بهذا الفرع فيه نظر آخر، وإن ظهرت تحت يد الورثة وأنكروا أنه من التركة فالابراء بانفراده
مانع من الدعوى، فكيف مع الصلح؟ فكيف كان قوله لا رواية فيه، فيه ما فيه، بل قيل يعمل
بالابراء الواقع في ضمن الصلح ظهر فساده بفتوى الأئمة، فكيف به في الصحيح؟ فليت التاج أخذ
تخريجه على هذا.
ويمكن توجيهه بأنه أراد أنه ظهر تحت يد أجنبي، وتقدم عن ابن الغرس أنه لو أبرأ مطلقا ثم
ظهر أنه كان قبل الابراء مشغول الذمة بشئ من تركة أبي المبرئ ولم يعلم بذلك ولا بموت أبيه إلا
بعد الابراء عمل الابراء عمله، ولا يعذر المبرئ.
وفي الخلاصة أبرأه عن الدعاوي ثم ادعى عليه مالا بالإرث عن أبيه: إن مات أبوه قبل إبرائه
صح الابراء ولا تسمع دعواه، وإن لم يعلم بموت الأب عند الابراء. ا ه‍. ويأتي تمام الكلام على ذلك
قريبا إن شاء الله تعالى. قوله: (أو قال) عطف على صالح لأنها مسألة أخرى. قوله: (أو قبضت
الجميع) أي لو أقر الوارث أنه قبض ما على الناس من تركة والده ثم ادعى على رجل دينا تسمع
دعواه. منح عن الخانية.
وصي الميت إذا دفع ما كان في يده من تركة الميت إلى ولد الميت وأشهد الولد على نفسه أنه
قبض التركة ولم يبق من تركة والده قليل ولا كثير إلا قد استوفاه ثم ادعى في يد الوصي شيئا وقال
من تركة والدي وأقام على ذلك بينة قبلت بينته.
قلت: ووجه قبولها أن إقرار الولد لم يتضمن إبراء شخص معين، وكذا إقرار الوارث بقبضه
جميع ما على الناس ليس فيه إبراء، ولو تنزلنا للبراءة فهي غير صحيحة في الأعيان. شرح وهبانية
للشرنبلالي. وفيه نظر لان عدم صحتها معناه: أن لا تصير ملكا للمدعى عليه، وإلا فالدعوى لا
تسمع كما يأتي في الصلح. قوله: (ثم ظهر في يد وصيه) هذا إنما يظهر في مسألة الوصي لا في
غيرها، فلو ساق المصنف بتمامه إلى. قوله: (وقت الصلح) ثم يقول أو ادعى في يد الوصي شيئا
وقال هذا من تركة والدي أو ادعى على رجل دينا لوالده تسمع دعواه فيما ذكر لكان أنسب، فتأمل.
قوله: (لم يكن وقت الصلح) أي لم يذكر. قوله: (وتحققه) المراد أنه أثبته، وإلا فتحققه من غير إثبات
لا يعتبر. قوله: (تسمع دعوى حصته منه على الأصح) قال في الدرر: وفي المنتفى إذا دفع الوصي إلى
اليتيم ماله بعد البلوغ فأشهد اليتيم على نفسه أنه قبض جميع تركة والده ولم يبق له من تركة والده قليل
أو كثير إلا وقد استوفاه ثم ادعى شيئا في يد الوصي وقال هو من تركة أبي وأقام البينة قبلت بينته،

328
وكذا لو أقر الوارث أنه قد استوفى جميع ما ترك والده من الدين على الناس ثم ادعى دينا على رجل
تسمع دعواه انتهى.
قال الشرنبلالي: وصحة دعواه به لعدم ما يمنع منها، لأنه إشهاده أنه قبض جميع تركة والده الخ
ليس فيه إبراء المعلوم عن معلوم ولا عن مجهول، فهو إقرار مجرد لا يستلزم إبراء فليس مانعا من
دعواه، ثم قال: وكذلك الحكم في إقرار الوارث أنه استوفى دين والده، فلا يمنع هذا الاقرار دعوى
الوارث بدين لمورثه على خصم له، لأنه إقرار غير صحيح لعدم إبرائه شخصا معينا أو قبيلة معينة،
وهم يحصون، وهذا بخلاف الإباحة لكل من يأكل شيئا من ثمرة بستانه فإنه يجوز، وبه يفتى،
وبخلاف الابراء عن مجهول لمعلوم فإنه صحيح كقول زيد لعمرو حاللني من كل حق لك علي ففعل
برئ مما علم ومما لم يعلم، وبه يفتى. ا ه‍.
قال في الخزانة: رجل قال لآخر حاللني من كل حق لك علي: إن كان صاحب الحق عالما بما
عليه برئ المديون حكما وديانة، وإن لم يكن عالما بما عليه برئ حكما لا ديانة في قول محمد. وقال
أبو يوسف: يبرأ حكما وديانة، وعليه الفتوى ا ه‍. قبل وإن لم تسمع الدعوى لا يحلف لان اليمين
فرع الدعوى، إلا أن يدعي عدم صحة إقراره بأن قال كنت مكرها في إقراري أو كذبت فيه فإنه
يحلف المقر له فقولهم لعدم صحة الدعوى وعدم التحليف بعد الابراء العام إنما هو فيما إذا لم يقع
النزاع في نفس الاقرار الذي تبتني عليه الدعوى واليمين. تأمل. ولا تغفل عند الفتوى فإنه بحث
بعضهم معي في ذلك انتهى. حموي. قوله: (صلح البزازية) عبارتها: قال تاج الاسلام وبخط شيخ
الاسلام وجدته: صالح أحد الورثة وأبرأ إبراء عاما ثم ظهر في التركة شئ لم يكن وقت الصلح لا
رواية في جواز الدعوى، ولقائل أن يقول: تجوز دعوى حصته منه، وهو الأصح، ولقائل أن يقول لا
انتهت. قوله: (ولا تناقض) هذا وارد على ما إذا قال الوارث للوصي قبضت تركة والدي ولم يبق لي
حق من تركة والدي لا قليل، ولا كثير، وحاصل الابراء كما في المنح وأصله لابن وهبان أن قولهم
النكرة في سياق النفي تعم انتقض، لان قوله ولم يبق لي حق نكرة في سياق النفي، فعلى مقتضى
القاعدة لا يصح دعواه بعد ذلك لتناقضه، والمتناقض لا تقبل دعواه ولا بينته، ثم أجاب بما ذكره
المؤلف ط. قوله: (على أن الابراء عن الأعيان باطل) أي الصادر من الوارث للوصي، والمعنى: لو
أبقينا عموم النكرة لا يصح لما ذكره، وظاهر هذا، ولو ذكرت وقت الصلح حيث كان الصلح عنها
نفسها لا عن بدلها مستهلكة، لان الابراء يشمل الدراهم والدنانير التي في يد الموصي أو باقي الورثة،
إذ هي أعيان والدين ما يكون ثابتا في الذمة.
أقول: وكما أن الابراء عن الأعيان باطل، فكذا إجازة تلف المتلفات. قال في الوجيز من
الدعوى: أتلف مال إنسان ثم قال المالك رضيت بما صنعت وأجزت ما صنعت لا يبرأ ا ه‍. وأما
الابراء عن دعوى الأعيان فصحيح، ولوارثا كما في البزازية عن العدة. وقول المصنف: في الصلح أو
الابراء عن دعوى الباقي صريح في ذلك، وقول الشارح ثمة، وظاهر الرواية الصحة مطلقا يفيد
صحة البراءة عن الأعيان، ثم حققه بحمل بطلان الابراء عن الأعيان على بطلانه في الديانة، وقيد في
البحر بطلان الابراء عن الأعيان بالانشاء، أما لو على وجه الاخبار، كهو برئ مما لي قبله فهو صحيح

329
متناول للدين والعين، وكذا لا ملك لي في هذا العين. وفي المبسوط: ويدخل في لا حق لي قبل فلان
كل عين أو دين، وكل كفالة أو إجارة أو جناية أو حد. ثم قال شيخنا: وقوله لا حق لي ونحوه ليس
من الابراء بل إقرار. ثم نقل عن الفواكه البدرية ما نصه: أبرأ مطلقا أو أقر أنه لا يستحق عليه شيئا ثم
ظهر أن المقر له كان مشغول الذمة بتركة أبي المقر ولم يعلم المقر بذلك ولا بموت أبيه إلا بعد الاقرار أو
الابراء عمل الابراء والاقرار عمله ولا يعذر المقر كما قدمناه.
أقول إنما لم يفرق بين الانشاء والاخبار لأنه الصحيح وظاهر الرواية وفيه قطع النزاع، وقد
تعورف من القضاة العمل عليه، وقوله ليس من الابراء يرده قوله البزازية: اتفقت الروايات على أن
المدعي لو قال لا دعوى لي أو لا خصومة لي قبل فلان يصح ولا تسمع دعواه إلا في حق حادث بعد
الابراء. ا ه‍. وسيأتي تمامه قريبا إن شاء الله تعالى. قوله: (كما أفاده ابن الشحنة) لعله في غير هذا
المحل، فإنه لم يذكره هنا عند ذكر هذه المسألة ط. قوله: (واعتمده الشرنبلالي) أي في حاشية الدرر
وشرح الوهبانية: وعبارته في الشرح بعد نقل ما قدمنا عن المنتقى عازيا لقاضيخان.
فإن قلت: إن إقرار الولد لم يتضمن إبراء شخص معين، وكذا إقرار الوارث بقبضه جميع ما على
الناس ليس فيه إبراء فتقبل دعواه، ولو تنزلنا للبراءة فهي غير صحيحة في الأعيان، فإن الابراء عن
الأعيان لا يصح، بخلاف البراءة عن دعواه. ويعلم بهذا أن لا نقض على قول أئمتنا النكرة في سياق
النفي تعم. وإيراد صاحب عقد الفرائض أن هذه المسألة انقضاء عليها لظنه أنه من قبيل الابراء وليس
كذلك، فلا احتياج لما تكلفه الشارح أيضا من الجواب. وقد قال: إنه ظهر له أن الوجه عدم صحة
البراءة وهو كذلك، وهذا ملخصه. ا ه‍. وللشرنبلالي رسالة سماها (تنقيح الاحكام في الاقرار والابراء الخاص
والعام) أجاب فيها بأن البراءة العامة بين الوارثين مانعة من دعوى شئ سابق عليها عينا كان أو دينا
بميراث أو غيره، وحقق ذلك بأن البراءة إما عامة كلا حق أو لا دعوى أو لا خصومة لي قبل فلان أو
هو برئ من حقي أو لا دعوى لي عليه أو لا تعلق لي عليه أو لا أستحق عليه شيئا أو أبرأته من حقي
أو مما لي قبله، وإما خاصة بدين خاص كأبرأته من دين كذا أو عام كأبرأته مما لي عليه فيبرأ عن كل
دين دون العين، وإما خاصة بعين فتصح لنفي الضمان لا الدعوى فيدعي بها على المخاطب وغيره،
وإن كان عن دعواها فهو صحيح كما علمت.
ثم إن الابراء لشخص مجهول لا يصح، وإن لمعلوم صح ولو بمجهول، فقوله قبضت تركة
مورثي كلها أو كل من لي عليه شئ أو دين فهو برئ ليس إبراء عاما ولا خاصا، بل هو إقرار مجرد
لا يمنع من الدعوى، لما في المحيط قال: لا دين لي على أحد ثم ادعى على رجل دينا صح لاحتمال
وجوبه بعد الاقرار ا ه‍.
أقول: لكن فيه أن هذا الاحتمال يصدق في الدعاوي كلها أو أكثرها بعد الابراء العام مع أنها لا
تسمع. والصواب التعليل بعدم صحة الابراء للمجهول. تأمل. وفيه أيضا: وقوله هو برئ مما لي
عنده إخبار عن ثبوت البراءة لا إنشاء.
وفي الخلاصة: لا حق لي قبله، فيدخل فيه كل عين ودين وكفالة وإجارة وجناية وحد ا ه‍.
وفي الأصل: فلا يدعي إرثا ولا كفالة نفس أو مال ولا دينا أو مضاربة أو شركة أو وديعة أو ميراثا أو

330
دارا أو عبدا أو شيئا من الأشياء حادثا بعد البراءة ا ه‍. فما في شرح المنظومة عن المحيط: أبرأ أحد
الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكر وإلا تسمع دعواه، وإن أقروا بالتركة أمروا بالرد عليه ا ه‍. ظاهر
فيما إذا لم تكن البراءة عامة لما علمته، ولما سنذكر أنه لو أبرأه عاما ثم أقر بعده بالمال المبرأ به لا يعود
بعد سقوطه.
وفي العمادية، قال ذو اليد ليس هذا لي أو ليس ملكي أو لا حق لي فيه أو نحو ذلك ولا منازع
له حينئذ ثم ادعاه أحد فقال ذو اليد هو لي فالقول له، لان الاقرار لمجهول باطل، والتناقض إنما يمنع
إذا تضمن إبطال حق على أحد ا ه‍. ومثله في الفيض وخزانة المفتين. فبهذا علمت الفرق بين أبرأتك
أو لا حق لي قبلك وبين قبضت تركة مورثي أو كل من عليه دين فهو برئ ولم يخاطب معينا، وعلمت
بطلان فتوى بعض أهل زماننا بأن إبراء الوارث وارثا آخر إبراء عاما لا يمنع من دعوى شئ من
التركة. وأما عبارة البزازية أي التي قدمناها فأصلها معزو إلى المحيط، وفيه نظر ظاهر، ومع ذلك لم
يقيد الابراء بكونه لمعين أو لا، وقد علمت اختلاف الحكم في ذلك.
ثم إن كان المراد به اجتماع الصلح المذكور في المتون والشروح في مسألة التخارج مع البراءة
العامة لمعين فلا يصح أن يقال فيه لا رواية فيه. كيف وقد قال قاضيخان: اتفقت الروايات على أنه لا
تسمع الدعوى بعده إلا في حادث، وإن كان المراد به الصلح والابراء بنحو قوله قبضت تركة مورثي
ولم يبق لي فيها حق إلا استوفيته فلا يصح قوله لا رواية فيه أيضا لما قدمنا من النصوص على صحة
دعواه بعده.
واتفقت الروايات على صحة دعوى ذي اليد المقر بأن لا ملك له في هذا العين عند عدم المنازع.
والذي يتراءى أن المراد من تلك العبارة الابراء لغير معين مع ما فيه.
ولو سلمنا أن المراد به المعين وقطعنا النظر عن اتفاق الروايات على منعه من الدعوى بعده فهو
مباين لما في المحيط عن المبسوط والأصل والجامع الكبير ومشهور الفتاوى المعتمدة كالخانية والخلاصة
فيقدم ما فيها ولا يعدل عنها إليه.
وأما في الأشباه والبحر عن القنية: افترق الزوجان وأبرأ كل صاحبه عن جميع الدعاوي وللزوج
أعيان قائمة لا تبرأ المرأة منها، وله الدعوى لان الابراء إنما ينصرف إلى الديون لا الأعيان. ا ه‍.
فمحمول على حصوله بصيغة خاصة كقوله أبرأتها عن جميع الدعاوي مما لي عليها، فيختص بالديون
فقط لكونه مقيدا بمالي عليها، ويؤيده التعليل، ولو بقي على ظاهره فلا يعدل عن كلام المبسوط
والمحيط وكافي الحاكم المصرح بعموم البراءة لكل من أبراء إبراء عاما إلى ما في القنية. ا ه‍. هذا حاصل ما
ذكره الشرنبلالي في رسالته المذكورة، ومن رام الزيادة فليرجع إليها.
قال الشارح في شرحه على الملتقى: وأما لو قال أبرأت ك عنها أو عن خصومتي فيها فإنه باطل،
وله أن يخاصم، كما لو قال لمن بيده عبد برئت منه فإنه يبرأ، ولو قال أبرأتك لا لأنه أبرأه عن ضمانه
كما في الأشباه من أحكام الدين.
قلت: ففرقوا بين أبرأتك وبرئت وأنا برئ لإضافة البراءة لنفسه فتعم، بخلاف أبرأتك لأنه
خطاب الواحد فله مخاصمة غيره كما في حاشيتها معزيا للولوالجية.

331
ومن المهم ما في العمادية من الفصل السابع عن دعوى الخانية: اتفقت الروايات أن قوله لا
دعوى لي قبل فلان أو لا خصومة لي قبله يمنع الدعوى، إلا في حق حادث بعد البراءة كقوله برئت
من هذا العبد أو خرجت من أو لا ملك لي فيه فإنه يمنع دعواه ا ه‍. قوله لا حق لي قبله فإنه يعم كل
عين ودين وكفالة وغيرها مطلقا، لان لا حق نكرة في النفي والنكرة في النفي تعم. كذا أطلقه محشي
الأشباه وغيره.
قلت: وهذا قضاء إلا المهر على ما قدمناه قبيل الصلح، فتأمل. وكما لو أبرأه عن الدعاوي فإنه
يعم كلها، إلا إذا ادعى مالا إرثا عن أبيه ولم يعلم بموته وقت الابراء تسمع دعواه، لا إن علم كما
في البزازية من الرابع عشر في دعوى الابراء، ووقع فيها (1) بكراس وفي غيرها بترك جواب الشرط
فليتنبه لذلك. كذا أفاده الحانوتي في فتاويه، وذكر أن معنى الابراء العام أن يكون للعموم مطلقا لا
بقيد تركته أو تركتها فلا يحتاج لما استثناه في الأشباه لأنه مخصص بتركة والده، وقد قدمنا عدم سماعها
ولو بالإرث حيث علم بموت مورثه، إلا أن تخص المسألة المستثناة مسألة الوصي دون الوارث.
فتأمل. قال: وذلك كله حيث لم تكن البراءة والاقرار بعد دعوى بشئ خاص ولم يعمم بأن يقول أية
دعوة كانت أو ما يفيد ذلك، لما في البزازية أيضا بعد قوله السابق. قوله: وفي المنية: ادعى عليه
دعاوى معينة ثم صالحه وأقر أنه لا دعوى له عليه ثم ادعى حقا تسمع، وحمل إقراره على الدعوى
الأولى، إلا إذا عمم وقال أية دعوة كانت، ونحوه كلا خصومة بوجه من الوجوه كما ذكره في
الصلح: أي ونحوه مما يفيد العموم زائدا على قوله لا دعوى له، وبهذا الحل اضمحل توهم تناقض
كلامهم، لان من صرح بعدم سماعها بعد الابراء العام المطلق صرح بسماعها بعد إبراء الوارث
وغيره، لكن في محال مختلفة، وبهذا صارت مؤتلفة وبالله التوفيق. انتهى ما في شرح الملتقى. وقدمنا
قبيل الاقرار عند قوله والتناقض في موضع الخفاء عفو خلاصة ما حرره سيدي الوالد رحمه الله تعالى
في رسالته (إعلام الاعلام بأحكام الابراء العام) التي وفق فيها بين عبارات متعارضة، ودفع ما فيها من
المناقضة، فارجع إليها فإنها مفيدة في بابها، كافية لطلابها.
والذي تحرر فيها في خصوص مسألتنا: أن الابن إذا أشهد على نفسه أنه قبض من وصيه جميع
تركة والده ولم يبق له منها قليل ولا كثير إلا استوفاه ثم ادعى دارا في يد الوصي وقال هذه من تركة
والدي تركها ميراثا لي ولم أقبضها فهو على حجته، وتقبل بينته كما نص عليه في آخر أحكام الصغار
للاستروشني معزيا للمنتقى، وكذا في الفصل الثامن والعشرين من جامع الفصولين، وكذا في أدب
الأوصياء في كتاب الدعوى معزيا إلى المنتقى والخانية والعتابية مصرحين بإقرار الصبي بقبضه من
الوصي فليس إلا إقرار المجهول كما ادعاه الشرنبلالي.
وممن نص على ذلك التصريح أيضا العلامة ابن الشحنة في شرح الوهبانية وذكر الجواب عن
مخالفة هذا الفرع لما أطبقوا عليه من عدم سماع الدعوى بعد الابراء العام بأن الظاهر أنه استحسان.
ووجهه أن الابن لا يعرف ما تركه أبوه على وجه التفصيل غالبا، فاستحسنوا سماع دعواه ا ه‍.



(1) قوله: (وقع فيها الخ) هكذا بالأصل ولتحرر هذه العبارة.
332
ولهذا جعل صاحب الأشباه المسألة مستثناة من ذلك العموم الذي أطبقوا عليه، وهذا بخلاف إقرار
بعض الورثة بقبض ميراثه من بقية الورثة وإبرائه لهم فإنه لا تسمع دعواه، خلافا لما أفتى به الخير
الرملي مستندا إلى ما لا يدل له كما أوضحه سيدي الوالد رحمة الله تعالى في رسالته المذكورة، فلا يعدل
عما قالوه لعدم النص في ذلك.
فالحاصل: الفرق بين إقرار الابن للوصي وبين إقرار بعض الورثة للبعض، لما في البزازية عن
المحيط: لو أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكروا لا تسمع دعواه، وإن أقروا بالتركة أمروا
بالرد عليه ا ه‍.
ووجه الفرق بينهما أن الوصي هو الذي يتصرف في مال اليتيم بلا اطلاعه، فيعذر إذا بلغ وأقر
بالاستيفاء منه لجهله، بخلاف بقية الورثة فإنهم لا تنصرف لهم في ماله ولا في شئ من التركة إلا
باطلاع وصيه القائم مقامه فلم يعذر بالتناقض، ومن أراد زيادة بيان ورفع الجهالة فعليه بتلك الرسالة
ففيها الكفاية لذوي الدراية، وبه علم أن ما كان ينبغي للمصنف أن يذكر ما في البزازية متنا، وأما ما
سيجئ آخر الصلح فليس فيه إبراء عام، وأما الامر بالرد فقد بينا وجهه قريبا فلا تنسه، فتدبر. قوله:
(وسنحققه في الصلح) كان عليه أن يقول: وسنحقق خلافه، لان جعل الابراء عن الأعيان مبطلا
لدعواها قضاء، وقد علمت أنه ليس فيه إبراء عام. قوله: (ربا عليه) أي على القرض. قوله: (شرح
وهبانية) أي لابن الشحنة، ومثله في القنية معزيا لعبد القادر في الطبقات عن علاء الدين، وبه أفتى
في الحامدية والخير الرملي في فتاويه الخيرية من الدعوى. قوله: (قلت وحرر الخ) أقول: يتعين الافتاء
بالمنقول، لأنه مضطر، فلا يرد لا عذر لمن أقر لا سيما وقد علمت أنه أفتى بالمتن هؤلاء الاجلاء
المتأخرون. قوله: (لأنه لا عذر لمن أقر) فيه أن اضطراره إلى هذا الاقرار عذر. قوله: (غايته أن يقال
الخ) ولأنه لا يتأتى على قول الإمام لأنه يقول بلزوم المال ولا يقبل تفسيره وصل أو فصل. وعندهما:
إن وصل قبل وإلا فلا، ولفظة ثم تفيد الفصل فلا يقبل اتفاقا. شرنبلالي. وقد ضمن يقال معنى
يفتى فعداه بالباء ط.
وحاصل ما يقال من تحرير الشرنبلالي: أنه لا فائدة لدعواه أن بعض المقر به ربا إلا تحليف المقر
له بناء على قول الثاني إذا ادعى أنه أقر كاذبا يحلف المقر له، وهذه المسألة من أفرادها فلذا قال في هذه
ونحوها: ولقد أبعد من حمل قول أبي يوسف على الضرورة فقط كما في هذه المسألة كما مر قبيل
استثناء، ولا تنس ما قدمناه في شتى القضاء فتحصل أن المفتى به هو المقول الذي مشى عليه المصنف.
قوله: (بأنه يحلف المقر له) على أنه لم يكن بعضه ربا بل كله دين ثابت في ذمته شرعا. قوله: (وبه) أي
بقول أبي يوسف فيمن أقر: أي قبيل الاستثناء، وفي بعض النسخ فيما مر.

333
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: ويمكن التوفيق بين الكلامين بأن يقال: إن قامت البينة على
إقراره ينبغي أن لا تسمع دعواه أن بعضه ربا، وإن قامت على أن بعضه ربا تقبل، فتأمل. قوله:
(من نسخ الشرح) أي المنح. قوله: (لزمه مهر بالدخول) فيه أن إقراره بعد الدخول أنه طلقها قبل
الدخول إقرار بالزنا، وليس فيه شبهة دارئة للحد، لا شبهة فعل ولا شبهة محل ولا شبهة عقد، إذا لم
تذكر الموطوءة بعد الطلاق قبل الدخول في واحدة منها ولا عدة عليها فكيف يلزمه المهر، وقد تتبعت
المجمع وغيره فلم أر فيه سوى مسألة واحدة في فصل المهر وهي: ولو أزال عذرتها بدفع وطلقها قبل
الدخول فعليه نصفه، وأفتى بكله.
وفي متن المواهب أخرى وتقدمت هنا في باب العدة وهي: لو أقر بطلاقها منذ سنين فكذبته أو
قالت لا أدري تعتد من وقت الاقرار وتستحق النفقة والسكنى، وإن صدقته اعتدت من حين الطلاق.
وقيل الفتوى على وجوبها من وقت الاقرار بلا نفقة ا ه‍. قال الشارح: غير أنه إن وطئها لزمها مهران،
ولا نفقة ولا كسوة ولا سكنى لها لقبول قولها على نفسها. خانية.
قال: ثم لو وطئها حد: أي بعد الثبوت والظهور. وأفاد في البحر أنه بعد العدة لعدم الحد
بوطئ المعتدة ا ه‍. فتأمل وراجع. وقد يقال: إنما سقط الحد هنا لعدم الاقرار بالزنا أربعا صريحا،
فتأمل. قوله: (وسقط حقه) قيل عليه الاقرار على الراجح إخبار، وبنوا عليه أنه إذا أقر بشئ ولم يكن
مطابقا لنفس الامر لا يحل للمقر له أخذه، فغاية ما حصل بالاقرار المؤاخذة به ظاهرا، والسؤال إنما
هو عن سقوط الحق حقيقة فأين هذا من ذاك؟ لكن الاقرار باستحقاق فلان الريع لا يستلزم الاقرار
بكونه هو الموقوف عليه كما قد يتوهم، كما يأتي تتمته قريبا مع بيان ما فيه عند قوله: ولو كتاب
الوقف بخلافه.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى. قوله: وسقط حقه الظاهر أن المراد سقوطه ظاهرا، فإذا لم
يكن مطابقا للواقع لا يحل للمقر له أخذه: ثم إن هذا السقوط ما دام حيا، فإذا مات عاد على ما شرط
الواقف.
قال السائحاني في مجموعته: وفي الخصاف قال المقر له بالغلة عشر سنوات من اليوم لزيد، فإن
مضت رجعت للمقر له، فإن مات المقر له أو المقر قبل مضيها ترجع الغلة على شرط الواقف، فكأنه
صرح ببطلان المصادقة بمضي المدة أو موت المقر.
وفي الخصاف أيضا: رجل وقف على زيد وولده ثم للمساكين فأقر زيد به وبأنه على بكر ثم
مات زيد بطل إقراره لبكر.
وفي الحامدية: إذا تصادق جماعة الوقف ثم مات أحدهم عن ولد فهل تبطل مصادقة الميت في
حقه؟ الجواب: نعم. ويظهر لي من هذا أن من منع عن استحقاقه بمضي المدة الطويلة إذا مات فولده

334
يأخذ ما شرطه الواقف له، لان الترك لا يزيد على صريح المصادقة، ولأن الولد لم يتملكه من أبيه وإنما
تملكه من الواقف ا ه‍.
أقول: اغتر كثيرا بهذا الاطلاق وأفتوا بسقوط الحق بمجرد الاقرار. والحق الصواب أن السقوط
مقيد بقيود يعرفها الفقيه.
قال العلامة الكبير الخصاف: أقر فقال غلة هذه الصدقة لفلان دوني ودون الناس جميعا بأمر حق
واجب ثابت لازم عرفته ولزمني الاقرار له بذلك، قال أصدقه على نفسه وألزم ما أقر به ما دام حيا،
فإذا مات ردت الغلة إلى من جعلها الواقف له، لأنه لما قال ذلك جعلته كأن الواقف هو الذي جعل
ذلك للمقر له. وعلله أيضا بقوله لجواز أن الواقف قال إن له أن يزيد وينقص وأن يخرج وأن يدخل
مكانه من رأى فيصدق زيد على حقه. ا ه‍.
أقول: يؤخذ من هذا أنه لو علم القاضي أن المقر إنما أقر بذلك لاخذ شئ من المال من المقر له
عوضا عن ذلك لكي يستبد بالوقف أن ذلك الاقرار غير معمول به، لأنه إقرار خال عما يوجب
تصحيحه مما قاله الامام الخصاف وهو الاقرار في زماننا فتأمله، ولا حول ولا قوة إلا بالله بيري، أي
لو علم أنه جعله لغيره ابتداء لا يصح كما تقدم في الوقف.
أقول: وإنما قال أصدقه على نفسه الخ لأنه إذا كان الوقف على زيد وأولاده ونسله ثم على
الفقراء فأقر زيد بأن الوقف عليهم وعلى هذا الرجل لا يصدق على ولده ونسله في إدخال النقص
عليهم، بل تقسم الغلة على زيد وعلى من كان موجودا من ولده ونسله، فما أصاب زيدا منها كان بينه
وبين المقر له ما دام زيد حيا، فإذا مات بطل إقراره ولم يكن للمقر له حق، وإن كان الوقف على زيد
ثم من بعده على الفقراء فأقر زيد بهذا الاقرار لهذا الرجل شاركه الرجل في الغلة ما دام حيا، فإذا
مات زيد كانت للفقراء ولم يصدق زيد عليهم، وإن مات الرجل المقر له وزيد حي فنصف الغلة
للفقراء والنصف لزيد، فإذا مات زيد صارت الغلة كلها للفقراء. ا ه‍. خصاف ملخصا. وتمام الكلام
على ذلك في التنقيح لسيدي الوالد رحمه الله تعالى مع فوائد نفيسة، وقد مر في الوقف فراجعه. قوله:
ولو كتاب الوقف بخلافه حملا على أن الواقف رجع عما شرطه وشرط ما أقر به المقر ذكره الخصاف
في باب مستقبل. أشباه.
أقول: لم أر شيئا منه في ذلك الباب، وإنما الذي فيه ما نقله البيري آنفا، وليس فيه التعليل بأنه
رجع عما شرطه، ولذا قال الحموي: إنه مشكل لان الوقف إذا لزم لزم ما في ضمنه من الشروط إلا
أن يخرج على قول الإمام بعدم لزومه قبل الحكم ويحمل كلامه على وقف لم يسجل ا ه‍ ملخصا.
قلت: ويؤيده ما مر عن الدرر قبيل قول المصنف اتحد الواقف والجهة، وهذا التأويل يحتاج إليه
بعد ثبوت النقل عن الخصاف والله تعالى أعلم.
والاقرار باستحقاق فلان الريع لا يستلزم الاقرار بكونه هو الموقوف عليه حقيقة كما قد يتوهم،
ويصح الاقرار مع كون المقر هو الموقوف عليه، ألا ترى أن الوقف لو كان بستانا وقد أثمر فأقر
الموقوف عليه بأن زيدا هو المستحق لهذه الثمرة صح الاقرار بطريق أنه باعه تلك الثمرة، أما جعلها له
بطريق التمليك فلا يملكه لكونه تمليك الثمر بدون الشجر، إذا الاتصال بملك الواهب مخل بالقبض
الذي هو شرط تمام التمليك ا ه‍.

335
قال الحموي: وفيه تأمل. وجهه أن بين ثمرة البستاني وريع الوقف فرقا، وهو أن الثمرة عين
موجودة يمكن قسمتها وتناولها، فالاقرار به للغير يحمل على التمليك بطريق البيع وهو صحيح مطلقا،
وجعلها للغير تمليك لا بطريق البيع بل بطريق الهبة، وهبة المشاع قبل قسمته باطلة. وأما ريع الوقف
فهو ما يخرج منه من أجرة وغيرها، فالاقرار بها للغير لا يكون بطريق البيع. قوله: (ولو جعله لغيره)
بأن أنشأ الجعل من غير إسقاط لتحسن المقابلة بينه وبين. قوله أو أسقطه الخ لأنه إسقاط لمجهول فلا
يسقط حقه. قوله: (لم يصح) أي لا يصح أن يصير لغيره، لان تصحيح الاقرار إنما هو معاملة له
بإقراره على نفسه من حيث ظاهر الحال تصديقا له في إخباره مع إمكان تصحيحه حملا أن الواقف هو
الذي جعل ذلك للمقر له كما مر.
أما إذا قال المشروط له الغلة أو النظر جعلت ذلك لفلان لا يصح لأنه ليس له ولاية إنشاء ذلك
من تلقاء نفسه، وفرق بين الاخبار والانشاء. نعم لو جعل النظر لغيره في مرض موته يصح إذا لم
يخالف شرط الواقف لأنه يصير وصيا عنه، وكذا لو فرغ عنه لغيره وقرر القاضي ذلك الغير يصح
أيضا لأنه يملك عزل نفسه، والفراغ عزل، ولا يصير المفروغ له ناظرا بمجرد الفراغ بل لا بد من
تقرير القاضي كما تحرر سابقا، فإذا قرر القاضي المفروغ له صار ناظرا بالتقدير لا بمجرد الفراغ، وهذا
غير الجعل المذكور هنا، فافهم.
وأما جعل الريع لغيره فقال ط: إن كان الجعل بمعنى التبرع لغيره بأن يوكله ليقبضه ثم يأخذه
لنفسه فلا شبهة في صحة التبرع به، وإن كان بمعنى الاسقاط فقال في الخانية: إن الاستحقاق
المشروط كإرث لا يسقط بالاسقاط ا ه‍.
قلت: ما عزاه للخانية الله أعلم بثبوته فراجعها. نعم المنقول في الخانية ما سيأتي، وقد فرق في
الأشباه في بحث ما يقبل الاسقاط من الحقوق بين إسقاطه لمعين ولغير معين، وذكر ذلك في جملة
مسائل كثر السؤال عنها ولم يجد فيها نقلا فقال: إذا أسقط المشروط له الريع حقه لا لاحد لا يسقط
كما فهمه الطرسوسي، بخلاف ما إذا أسقط حقه لغيره انتهى: أي فإنه يسقط، لكنه ذكر أنه لا يسقط
مطلقا في رسالته المؤلفة في بيان ما يسقط من الحقوق وما لا يسقط أخذا مما في شهادات الخانية: من
كان فقيرا من أصحاب المدرسة يكون مستحقا للوقف استحقاقا لا يبطل بإبطاله، فلو قال أبطلت حقي
كان له أن يأخذه انتهى.
قلت: لكن لا يخفى أن ما في الخانية إسقاط لا لاحد. نعم ينبغي عدم الفرق إذ الموقوف عليه
الريع إنما يستحقه بشرط الواقف، فإذا قال أسقطت حقي منه لفلان أو جعلته له يكون مخالفا لشرط
الواقف حيث أدخل في وقفه ما لم يرضه الواقف لان هذا إنشاء استحقاق، بخلاف إقراره بأنه يستحقه
فلان فإنه إخبار يمكن تصحيحه كما مر. ثم رأيت الخير الرملي أفتى بذلك، وقال بعد نقل ما في
شهادات الخانية: وهذا في وقف المدرسة فكيف في الوقف على الذرية المستحقين بشرط الواقف من
غير توقف على تقرير الحاكم، وقد صرحوا بأن شرط الواقف كنص الشارع فأشبه الإرث في عدم
قبوله الاسقاط، وقد وقع لبعضهم في هذه المسألة كلام يجب أن يحذر انتهى.
فإن قلت: إذا أقر المشروط له الريع أو بعضه أنه لا حق له فيه وأنه يستحقه فلان هل يسقط

336
حقه؟ قلت: نعم، ولو كان مكتوب الوقف بخلافه كما ذكره الخصاف في باب مستقل.
فرع: في إقرار الإسماعيلية فيمن أقرت بأن فلانا يستحق ريع ما يخصها من وقف كذا في مدة
معلومة بمقتضى أنها قبضت منه مبلغا معلوما فالاقرار باطل، لأنه بيع الاستحقاق المعدوم وقت الاقرار
بالمبلغ المعين، وإطلاق قولهم لو أقر المشروط له الريع أنه يستحقه فلان دونه يصح ولو جعله لغيره لم
يصح يقضي ببطلانه فإن الاقرار بعوض معاوضة. قوله: (وكذا المشروط له النظر على هذا) يعني لو
أقر أنه يستحقه فلان دونه صح، ولو جعله لغيره لم يصح. كذا في شرح تنوير الأذهان. فلو أقر
الناظر أن فلانا يستحق معه نصف النظر مثلا يؤاخذ بإقراره ويشاركه فلان في وظيفته ما داما حيين.
بقي لو مات أحدهما، فإن كان هو المقر فالحكم ظاهر، وهو بطلان الاقرار وانتقال النظر لمن
شرطه له الواقف بعده. وأما لو مات المقر له فهي مسألة تقع كثيرا، وقد سئل عنها سيدي الوالد رحمه
الله تعالى مرارا. وأجاب عنها في تنقيح الحامدية بأن الذي يقتضيه النظر بطلان الاقرار أيضا، لكن لا
تعود الحصة المقر بها إلى المقر لما مر، وإنما يوجهها القاضي للمقر أو لمن أراد من أهل الوقف، لأنا
صححنا إقراره حملا على أن الواقف هو الذي جعل ذلك للمقر له كما مر عن الخصاف، فيصير كأنه
جعل النظر لاثنين ليس لأحدهما الانفراد. وإذ مات أحدهما أقام القاضي غيره، وليس للحي الانفراد
إلا إذا أقامه القاضي كما في الاسعاف انتهى. ولا يمكن هنا القول بانتقال ما أقر به إلى المساكين كما
في الاقرار بالغلة، إذا لا حق لهم في النظر وإنما حقهم في الغلة فقط، هذا ما حرره وقال ولم أر
من نبه عليه، فاغتنمه. قوله: (وذكره في الأشباه ثمة وهنا) أي عند قوله يملك الاقرار من لا يملك
الانشاء حيث قال: وعلى هذا لو أقر المشروط له الريع أنه يستحقه فلان دونه صح، ولو جعله له لم
يصح ا ه‍. قوله: (وفي الساقط لا يعود فراجعه) عبارته هناك. قال قاضيخان في فتاويه من الشهادات
في الشهادة بوقف المدرسة: إن من كان فقيرا من أهل المدرسة إلى آخر ما قدمناه قريبا. قوله:
(القصص المرفوعة) في عرض حال ونحوه من المكتوب. قوله: (لا يؤاخذ) أي القاضي صاحبها بما
فيها من إقرار ونحوه، لأنه لا عبرة بمجرد الخط فافهم. قوله: (في الأول) هو قوله في علمي،
وظاهره أنه لا خلاف في قوله فيما أعلم مع أنه بمعناه، إذ قوله في علمي: أي معلومي. قوله: (لزمه
اتفاقا) لان قد في مثله للتحقيق ط.
قال في الكافي: من قال فلان علي ألف درهم فيما أعلم أو قال في علمي لزمه المال، وقالا:
لا يلزمه له أنه أثبت العلم بما أقر به فيوجب تأكيده كما لو قال قد علمت. ولهما أن التشكيك، يبطل
الاقرار، فقوله فيما أعلم يذكر للشك عرفا فصار كقوله فيما أحسب وأظن، بخلاف قوله قد علمت
لأنه للتحقيق. ا ه‍.

337
والحاصل: أن الشك عندنا هو التردد بين الطرفين مطلقا كان أحدهما راجحا أو مرجوحا فيكون
شاملا للظن، فالراجح هو الظن والمرجوح هو الوهم عند أهل المعقود، وغالب الظن هو الطرف
الراجح الذي يكون قريبا من الجزم وفوق الظن، وهو عندهم ملحق باليقين، قال في الهندية في الباب
الثاني من الاقرار: ولو قال لفلان علي ألف درهم فيما أعلم أو في علمي أو فيما علمت. قال أبو
حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى: هذا باطل كله. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: هو إقرار صحيح.
وأجمعوا على أنه لو قال علمت أن لفلان علي ألف درهم أو قال فلان علي ألف درهم وقد
علمت ذلك أن ذلك إقرار صحيح، كذا في الذخيرة: ولو قال له علي ألف درهم فيما أظن أو فيما
ظننت أو فيما أحسب أو فيما حسبت أو فيما أرى أو فيما رأيت فهو باطل. كذا في المبسوط ا ه‍.
وفي البزازية وفيما علمت يلزم.
وفي الخانية قال: علمي أن لفلان علي ألف درهم كان إقرارا في قولهم، وله علي ألف في
شهادة فلان أو في علمه لا يلزم شئ، وبشهادة فلان أو بعلمه كان إقرارا، لان حرف الباء للالصاق
فيقتضي وجود الملصوق به. وفي قضاء فلان القاضي أو المحكم برضانا يلزمه المال. قوله: (مثلا)
فالمراد أنه أشرك معه غيره ولو واحدا. قوله: (كذا في نسخ المتن) أي بعضها وفي بعض نسخ المتن:
المغصوب منه. قوله: (وألزمه زفر بعشرها) لأنه أضاف الاقرار إلى نفسه وإلى غيره فيلزمه بحصته. قال
في الكافي: وعلى هذا الخلاف لو قال أقرضنا أو أودعنا أو له علينا أو أعارنا. وعلى هذا لو قال: كنا
ثلاثة أو أربعة يلزمه الثالث أو الربع. ا ه‍. قوله: (يستعمل في الواحد) قال تعالى: * ((71) إنا أرسلنا) * (نوح: 1) وإنما قلنا
بذلك وإن كان مجازا لما ذكره من قوله والظاهر. قوله: (وقال زفر لكل ثلثه) لان إقراره للأول
صحيح، ولم يصح رجوعه بقوله بل، وصح إقراره للثاني والثالث فاستحقا وقاسه على مسألة الدين إذا
أقر به هكذا. قوله: (لنفاذه من الكل) وقد تقدم قبيل إقراره المريض. قوله: (أقر بشئ ثم ادعى الخطأ
لم يقبل) عزاه في المنح إلى الخانية.
قال محشيه الخير الرملي أقول: وذكر في البزازية من كتاب القسمة في الثاني من دعوى الغلط
فيها: وإن ادعى أنه أخذ من حصته شيئا بعد القسمة يبرهن عليه وإلا حلف عليه، وهذا إذا لم يقر

338
بالاستيفاء، فإن أقر وبرهن على ذلك لا تصح الدعوى إلا على الرواية التي اختارها المتأخرون أن
دعوى الهزل في الاقرار تصح ويحلف المقر له أنه ما كان كاذبا في إقراره ا ه‍. وهذا يدل على أنه يقبل
ويحلف، اللهم إلا أن يحمل كلام الخانية على أنه لا يقبل في حق البينة، أو أنه على قول أبي حنيفة
ومحمد لا على قول أبي يوسف الذي اختاره المتأخرون للفتوى وهو الظاهر، فتأمله هذا.
وقد ذكر في الخانية في باب اليمين الخلاف المذكور. ثم قال: يفوض ذلك إلى رأي القاضي
والمفتي فراجعه إن شئت. ثم إنا لم نر في إقرار الخانية هذه العبارة، والشارح هنا تبع في النقل ما في
الأشباه والنظائر فإن هذه الفروع منقولة منه فكن على بصيرة.
وفي البحر عن خزانة المفتين: لو أقر بالدين ثم ادعى الايفاء لا تقبل إلا إذا تفرقا عن المجلس.
ا ه‍. قوله: (لم يقع يعني ديانة) أما إذا كان ذلك بين يدي القاضي فلا يصدقه في البناء المذكور كما
يؤخذ من مفهومه، وبه صرح في حواشي الأشباه، كما لو أقر أن هذه المرأة أمه مثلا ثم أراد أن
يتزوجها وقال وهمت ونحوه وصدقته المرأة فله أن يتزوجها لان هذا مما يجري فيه الغلط، وكذا لو طلق
امرأة ثلاثا ثم تزوجها وقال لم أكن تزوجتها حين الطلاق صدق وجاز النكاح. بيري.
فإن قيل: كيف يتبين خلافه أجيب بأنه يحتمل أن يكون المفتي غير ماهر في المذهب فأفتى من
أعلم منه بعدم الوقوع، ويحتمل أن المفتي أفتى أولا بالوقوع من غير تثبت ثم أفتى بعد التثبت بعدمه.
قال في البزازية: ظن وقوع الثلاث بإفتاء من ليس بأهل فأمر الكاتب بصك الطلاق فكتب ثم
أفتاه عالم بعدم الوقوع له أن يعود إليها في الديانة لكن القاضي لا يصدقه لقيام الصك ا ه‍.
ومن فروع هذه المسألة ما في جامع الفصولين: تكلمت فقال هذا كفر وحرمت علي به فتبين أن
ذلك اللفظ ليس بكفر، فعن النسفي أنها لا تحرم.
وفي مجمع الفتاوي: ادعى على إنسان مالا أو حقا في شئ فصالحه على مال ثم تبين أنه لم يكن
ذلك المال عليه وذلك الحق لم يكن ثابتا كان للمدعى عليه حق استرداد ذلك المال. كذا ذكره الحموي.
قوله: (فأفتى بعضهم بصحته) ولا يفتى بعقوبة السارق لأنه جور. تجنيس وقهستاني وقد سلف ط.
نقل في كتاب السرقة عن إكراه البزازية: من المشايخ من أفتى بصحة إقراره بها مكرها. قال:
وهو الذي يسع الناس وعليه العمل، وإلا فالشهادة على السرقات من أندر الأمور. ونقل عن الزيلعي
جواز ذلك سياسة، وينبغي التعويل عليه في زماننا لغلبة الفساد، وحكي عن عصام أنه سئل عن
سارق ينكر فقال: عليه اليمين، فقال الأمير سارق ويمين، هاتوا بالسوط فما ضربوه عشرة حتى أقر،
فأتى بالسرقة فقال: سبحان الله ما رأيت جورا أشبه بالعدل من هذا. قوله: (الاقرار بشئ محال)
كقوله إن فلانا أقرضني كذا في شهر كذا وقد مات قبله أو أقر له بأرش يده التي قطعها خمسمائة دينار
ويداه صحيحتان لم يلزمه شئ كما في حيل التتارخانية.
وعلى هذا أفتيت ببطلان إقرار إنسان بقدر من السهام لوارث وهو أزيد من الفريضة الشرعية
لكونه محالا شرعا، مثلا لو مات عن ابن وبنت فأقر الابن أن التركة بينهما نصفان بالسوية فالاقرار

339
باطل لما ذكرنا، ولكن لا بد من كونه محالا من كل وجه، وإلا فقد ذكر في التتارخانية من كتاب الحيل
لو أقر أن لهذا الصغير علي ألف درهم قرضا أقرضنيه أو من ثمن مبيع باعينه صح الاقرار مع أن
الصبي ليس من أهل البيع والقرض ولا يتصور أن يكون منه، لكن إنما يصح باعتبار أن هذا المقر محل
لثبوت الدين للصغير عليه في الجملة. ا ه‍.
أقول: قال المحشي الحموي: هل منه ما إذا أقرت عقب العقد أن مهرها لزيد مثلا. قال في
شرح المنظومة والقنية: إذا أقرت وقالت المهر الذي لي على زوجي لفلان أو لولدي فإنه لا يصح ا ه‍.
ويؤخذ من هذا واقعة الفتوى أن الرجل لو أقر لزوجته بنفقة مدة ماضية هي فيها ناشرة ومن غير
سبق قضاء أو رضا وهي معترفة بذلك فإقراره باطل لكونه محالا شرعا.
قال بعض الفضلاء: وقد أفتيت أخذا من ذلك بأن إقرار أم الولد لمولاها بدين لزمها بطريق
شرعي باطل شرعا، وإن كتب به وثيقة لعدم تصور دين للمولى على أم ولده إذ الملك له فيها كامل
والمملوك لا يكون عليه دين لمالكه. ا ه‍.
وفي الحموي أن عدم صحة إقرار المرأة بالمهر الذي لها على زوجها لوالدها لكونه هبة دين لغيره
من عليه الدين، ومنه ما إذا أقر أنه باع عبده من فلان ولم يذكر الثمن ثم جحد صح جحوده لان
الاقرار بالبيع بغير ثمن باطل كما في قاضيخان، وهو إحدى روايتين كما في الولوالجية. ومنه إذا زوج
بنته ثم طلبوا منه أن يقر بقبض شئ من الصداق فالاقرار باطل لان أهل المجلس يعرفون أنه كذب.
الولوالجية.
قال في البيري: يؤخذ منه حكم كثير من مسائل الاقرار الواقعة في زماننا. قوله: (وبالدين بعد
الابراء منه الخ) قيد به لان إقراره بالعين بعد الابراء العام صحيح مع أنه أمن الأعيان في الابراء العام
كما صرح به في الأشباه وتحقيق الفرق في رسالة الشرنبلالي أفي الابراء العام.
قال الطحطاوي: صورة المسألة: وهبت لزوجها مهرها ثم أقر به بعد الهبة لا يصح إقراره.
وهذا لا ينافي ما ذكره العلامة عبد البر نقلا عن الخلاصة والصغرى قال: رجل أقر لامرأته بمهر ألف
درهم في مرض موته ومات ثم أقامت الورثة البينة أن المرأة وهبت مهرها من زوجها في حياة الزوج
لا تقبل لاحتمال الإبانة والإعادة على المهر المذكور، لكن في فصول العمادي ما يقتضي أن الاقرار إنما
يصح بمقدار مهر المثل. ا ه‍. ملخصا. ثم نقلا عن المصنف أن الهبة في المهر تخالف الابراء، فلو أبرأته
منه ثم أقر به لا يصح إقراره. انتهت عبارة الطحطاوي.
قال في جامع الفصولين: برهن أنه أبرأني عن هذه الدعوى ثم ادعى المدعي ثانيا أنه أقر لي بالمال
بعد إبرائي، فلو قال المدعى عليه أبرأني وقبلت الابراء وقال صدقته فيه لا يصح الدفع: يعني دعوى
الاقرار، ولو لم يقله يصح الدفع لاحتمال الرد، والابراء يرتد بالرد فيبقى المال عليه، بخلاف قبوله
إذ لا يرتد بالرد بعده ا ه‍. لكن كلامنا في الابراء عن الدين، وهذا في الابراء عن الدعوى.
وفي الرابع والعشرين من التتارخانية: ولو قال أبرأتك مما لي عليك فقال علي ألف قال صدقت
فهو برئ استحسانا. لا حق لي في هذه الدار فقال كان لك سدس فاشتريته منك فقال لم أبعه فله
السدس، ولو قال خرجت من كل حق لي في هذه الدار أو برئت منه إليك أو أقررت لك فقال الآخر
اشتريتها منك فقال لم أقبض الثمن فله الثمن. ا ه‍.

340
وفيها عن العتابية: ولو قال لا حق لي قبله برئ من كل عين ودين، وعلى هذا لو قال فلان
برئ مما لي قبله دخل المضمون والأمانة، ولو قال هو برئ مما لي عليه دخل المضمون دون الأمانة،
ولو قال هو برئ مما لي عنده فهو برئ من كل شئ أصله أمانة، ولا يبرأ عن المضمون، ولو ادعى
الطالب حقا بعد ذلك وأقام بينة: فإن كان أرخ بعد البراءة تسمع دعواه وتقبل بينته، وإن لم يؤرخ
فالقياس أن تسمع ويحمل على حق وجب بعدها. وفي الاستحسان: لا تقبل بينته انتهى. قال بعض
الفضلاء بعد أن ذكر عبارة جامع الفصولين المذكورة: فهذا أولى بالاستثناء مما ذكره وسيذكره المصنف
في بيان الساقط لا يعود، وبحث فيه بعض الفضلاء بأنه لا أولوية ولا مساواة عند التأمل، لان هنا
إنما صحت دعواه لاحتمال الرد كما اعترف به، وأما ما استثناه المصنف فالمقصود بالهبة الهبة المعتبرة
شرعا المشتملة على الايجاب والقبول وشرط الصحة واللزوم لأنها عند الاطلاق تنصرف إلى الكاملة.
هذا، وعندي في كون هذا الفرع داخلا تحت الأصل المذكور في التتارخانية نظر يعرف بالتأمل
في كلامهم، لأنه إنما جاز ذلك لأنه يجعل زيادة في المهر، والزيادة في المهر جائزة عندنا. وأما ما وقع
الابراء منه وسقط فلا يعود لان الساقط لا يعود. وعبارة البزازية تفيد ما قلته بعينه.
قال في المحيط: وهبت المهر منه ثم قال اشهدوا أن لها علي مهر كذا فالمختار عند الفقيه أن
إقراره جائز، وعليه المهر المذكور إذا قبلت لان الزيادة لا تصح بلا قبولها. والأشبه أن لا يصح ولا
تجعل زيادة بغير قصد الزيادة، فاستثناؤه في غير محله كما لا يخفى. كذا في الحواشي الحموية، ويأتي
أواخر الباب إن شاء الله تعالى. قوله: (ذكره المصنف في فتاويه) ونصه: سئل عن رجلين صدر بينهما
إبراء عام ثم إن رجلا منهما بعد الابراء العام أقر أن في ذمته مبلغا معينا للآخر فهل يلزمه ذلك أم لا؟
أجاب: إذا أقر بالدين بعد الابراء منه لم يلزمه كما في الفوائد الزينية نقلا عن التتارخانية. نعم إذا
ادعى عليه دينا بسبب حادث بعد الابراء العام وأنه أقر به يلزمه انتهى. وانظر ما في إقرار تعارض
البينات لغانم البغدادي. قوله: (قلت ومفاده) أي مفاد تقييد اللزوم بدعواه بسبب حادث. قوله: (أنه)
أي الغريم. قوله: (ببقاء الدين) أي الذي أبرأه منه فليس دينا حادثا: أي بأن ما أبرأني منه باق في
ذمتي، والفرق بين هذا وبين قوله السابق وبالدين بعد الابراء منه أنه قال هناك بعد الابراء لفلان علي
كذا وفي الثانية قال دين فلان باق علي، والحكم فيهما واحد وهو البطلان. تأمل. قوله: (فحكمه
كالأول) أي الاقرار بالدين بعد الابراء منه: أي فإنه باطل. قوله: (الفعل في المرض) كالاقرار فيه
بدين وكالتزوج والعتق والهبة والمحاباة. قوله: (أحط من فعل الصحة) فإن الاقرار فيه بدين مؤخر عن
دين الصحة والتزوج ينفذ فيه بمهر المثل وتبطل الزيادة، بخلاف الصحة والعتق وما بعده في المرض
تنفذ من الثلث، وفي الصحة من الكل. قوله: (إلا في مسألة إسناد الناظر النظر لغيره) المراد بالاسناد
التفويض، فإنه إذا فوضه في صحته لا يصح إلا إذا شرط له التفويض، وإذا فوضه في مرضه صح.
قوله: (بلا شرط) أي شرط الواقف التفويض له، أما إذا كان هناك شرط فيستويان. قوله: (تتمة) أي
انتهى من التتمة، وهي اسم كتاب.

341
والحاصل: أن الناظر إذا فوض النظر لغيره فتارة يكون بالشرط وتارة لا، وعلى كل إما في
الصحة أو في المرض، وقد تقدم في الوقف فارجع إليه. قوله: (وتمامه في الأشباه) قال فيها بعد عبارة
التتمة: وفي كافي الحاكم من باب الاقرار في المضاربة: لو أقر المضارب بربح ألف درهم في المال ثم
قال غلطت أنها خمسمائة لم يصدق وهو ضامن لما أقر به انتهى.
اختلفا في كون الاقرار للوارث في الصحة أو في المرض فالقول لمن ادعى أنه في المرض، وفي
كونه في الصغر أو البلوغ فالقول لمن ادعى الصغر. كذا في إقرار البزازية: ولو طلق أو أعتق ثم قال
كنت صغيرا فالقول له وإن أسند إلى حال الجنون، فإن كان معهودا قبل، وإلا فلا.
مات المقر فبرهن وارثه على الاقرار ولم يشهدوا له أن المقر له صدق المقر أو كذبه تقبل كما في
القنية.
أقر في مرضه بشئ وقال كنت فعلته في الصحة كان بمنزلة الاقرار بالمرض من غير إسناد إلى
زمن الصحة.
قال في الخلاصة: لو أقر في المرض الذي مات فيه أنه باع هذا العبد من فلان في صحته وقبض
الثمن وادعى ذلك المشتري فإنه يصدق في البيع، ولا يصدق في قبض الثمن إلا بقدر الثلث.
وفي العمادية: لا يصدق على استيفاء الثمن إلا أن يكون العبد قد مات قبل مرضه انتهى.
وتمامه في شرح ابن وهبان انتهى. قوله: (أقر بمهر المثل) هو إصلاح بيت الوهبانية لشارحها ابن
الشحنة، وبيت الأصل:
أقر بألف مهرها صح مشرفا * ولو وهبت من قبل ليس يغير
وصورتها: مريض مرض الموت أقر لزوجته بألف مهرها ثم مات فأقامت ورثته بينة أن المرأة
وهبت مهرها لزوجها قبل مرضه لا تقبل والمهر لازم بإقراره. وفي فصول العمادي ما يقتضي أن ذلك
إذا كان بمقدار مهر المثل، وقد تقدم ذلك قريبا فلا تنسه، وسيأتي قريبا. قال ابن الشحنة: ومسألة
البيت من الخلاصة والصغرى.
أقول: وقيد بمهر المثل، إذ لو كان الاقرار بأزيد منه لم يصح، ولا ينافي هذا ما قدمه الشارح
من بطلان الاقرار بعد الهبة لاحتمال أنه أبانها ثم تزوجها على المهر المذكور في هذه الصورة. وفيه أن
الاحتمال موجود ثمة. تأمل. قوله: (فبينة الايهاب) أي لو أقامت الورثة البينة ومثله الابراء كما حققه
ابن الشحنة. قوله: (من قبل تهدر) أي البينة في حال الصحة أن المرأة وهبت مهرها من زوجها في
حياته لا تقبل، وهذا ظاهر على قول الفقيه الذي اختاره. وأما على المذهب فيظهر لي أن الاقرار بعد
الهبة هو المهدر، لأنهم على ما يظهر فرضوا هذا الخلاف في الصحة فيكون في المرض بالأولى، قال في
المنح: أقر بالدين بعد الابراء منه لم يلزمه إلا إذا أقر لزوجته بمهر بعد هبتها المهر منه على ما اختاره
الفقيه ويجعل زيادة على المهر إن قبلت، والأشبه خلافه لعدم قصد الزيادة ا ه‍. ومر نحوه قريبا فلا
تنسه. قوله: (وإسناد بيع) بالنصب مفعول لأقبلن أو مبتدأ خبره جملة أقبلن. قوله: (فيه) أي في
مرض موته. قوله: (أقبلن) أي إذا صدقه المشتري.

342
وصورة المسألة كما في المنتقى: لو أقر في المرض الذي مات فيه أنه باع هذا العبد من فلان في
صحته وقبض الثمن وادعى ذلك المشتري فإنه يصدق في البيع، ولا يصدق في قبض الثمن إلا بقدر
الثلث. هذه مسألة النظم إلا أنه أغفل فيه تصديق المشتري ابن الشحنة. وفي العمادية: لا يصدق
على استيفاء الثمن إلا أن يكون العبد قد مات قبل موته ا ه‍.
أقول: عدم التصديق في القبض يفيد عدم نفاذ المحاباة في هذا البيع، ويشهد له ما في شرح
تحفة الاقران: أقر في مرضه بشئ وقال كنت فعلته في الصحة كان بمنزلة الاقرار في المرض من غير
إسناد إلى زمن الصحة. ا ه‍. وارجع إلى ما قدمناه أوائل إقرار المريض عند قوله وإبرائه مديونه ولا
تغفل. قوله: (التراث) أي الميراث. قوله: (وليس بلا تشهد الخ) هذا تصويب العلامة عبد البر لا
بيت الأصل وهو:
وليس بإقرار مقالة لا تكن * شهيدا ولا تخبر يقال فينظر
ملخصه أنه لو قال لا تشهد أن لفلان علي كذا لا يكون إقرارا بالاتفاق، وإن قال لا تخبره أن
له علي كذا من حقه أو لحقه اختلف فيه. قال الكرخي وعامة مشايخ بلخ: أن الصحيح أنه ليس
بإقرار وقال مشايخ بخارى: الصواب أنه إقرار. قال في القنية والمنية هو الصحيح.
والفرق على كونه إقرارا أن النهي عن الشهادة نهي عن زور يشهد به، والنهي عن خبر استكتام
علمه عليه، وقوله تشهد بسكون الدال المهملة. قوله: (نعده) بالنون وتشديد الدال: أي لا نعد ذلك
في حكم الاقرار. قوله: (فخلف) قال المقدسي: ذكر محمد أن قوله لا تخبر فلانا أن له علي ألفا
إقرار.
وزعم السرخسي أن فيه روايتين. قال ط: ينظر فيما إذا قاله ابتداء، وذكر رواية الكرخي
ومشايخ بلخ ورواية مشايخ بخارى المذكورتين. ثم قال: وجه كونه إقرارا أن النهي عن الاخبار يصح
مع وجود المخبر عنه لقوله تعالى: * (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به) * (النساء: 38) ذمهم على الاخبار
مع وجود المخبر عنه، ومن شرط صحة الاخبار عنه في الاثبات فكذلك في النفي، فكأنه أثبت المخبر
عنه، وكأنه قال لفلان علي ألف درهم فلا تخبره بأن له علي ذلك، ولو قال ذلك كان إقرارا ا ه‍.
ووجه كونه غير إقرار ما تقدم في لا تشهد، ومسألتا البيت المذكورتان من قاضيخان من المنتقى. قوله:
(ومن قال ملكي الخ) ملخصه: ولو أضاف الشئ إلى نفسه فقال ملكي هذا المعين لفلان كان هبة
يقتضي التسليم فلا يتم إلا به، وإن لم يضفه إلى نفسه كان إظهارا وإقرارا لا يقتضي التسليم، وهبة
الأب لصغيره تتم بالايجاب فلا يحتاج لقبض ابنه الصغير.
والحاصل: أنه إذا قال ملكي ذا لهذا الشخص كان منشئا لتمليكه فيعتبر فيه شرائط الهبة،
ومن قال هذا ملك ذا فهو مظهر: أي مقر ومخبر فلا يشترط فيه شروط الهبة. قوله: (لذا) أي لهذا
الشخص. قوله: (كان منشئا) أي لتمليكه هبته. قوله: (فهو مظهر) أي مقر ومخبر ومسألة البيت من

343
قاضيخان من الملتقى. قوله: (ومن قال لا دعوى لي اليوم) صورتها: قال لآخر لا دعوى لي عليك
اليوم فلا تسمع دعواه بعد ذلك اليوم بما تقدم لأنه إبراء عام حتى يتجدد له غيره عليه بعده، وكذا
لو قال تركته أصلا فهو إبراء وكذا لو قال تركت دعواي على فلان وفوضت أمري إلى الآخرة لا
تسمع دعواه بما لم يتجدد بعد الابراء، والله تعالى أعلم كما في الشرنبلالية: أي ولو إرثا حيث علم
بموت مورثه وقته. بزازية.
وفي الخلاصة: أبرأه عن الدعاوي والخصومات ثم ادعى عليه مالا بالإرث عن أبيه: إن مات
أبوه قبل إبرائه صح الابراء ولا تسمع دعواه، وإن لم يعلم بموت الأب عند الابراء ا ه‍. وتقدم ذلك.
قوله: (لي اليوم) بتحريك الياء من لي. قوله: (منها) أي من دعاوى اليوم أو ما تقدمه، أما إذا كان
بسبب حادث فتسمع كما سمعت. قوله: (فمنكر) بتخفيف الكاف مع إشباع الراء: أي ينكره الشرع،
ولا يقبله.
أقول: ومسألة البيت من القنية على ما نقله صاحب الفوائد عنها، والله تعالى أعلم، وأستغفر الله
العظيم.

344
كتاب الصلح قوله: (مناسبته الخ) يعني أن الصلح يتسبب عن الخصومة المترتبة على إنكار المقر إقراره: أي
فتناسب الصلح والاقرار بواسطتين ولكنها مناسبة خفية. والأظهر أن يقال: إن الصلح يكون عن
الاقرار في بعض وجوهه كما سيبينه، فلذا ذكره بعده ثم ذكر معه قسميه تتميما للفائدة. قوله: (المقر)
الصواب: المدعى عليه كما في الدرر قوله: (اسم من المصالحة) وهي المسألة، والأولى اسم للمصالحة
والتصالح خلاف المخاصمة والتخاصم، وأصله من الصلاح وهو استقامة الحال على ما يدعو إليه
العقل، ومعناه دال على حسنه الذاتي، وكم من فساد انقلب به إلى الصلاح، ولهذا أمر الله تعالى به عند
حصول الفساد والفتن بقوله: * ((49) وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) * (الحجرات: 9)،
* ((4) والصلح خير) * (النساء: 821) والصالح: المستقيم الحال في نفسه. ذكره القهستاني.
وفي صلاة الجوهرة: الصالح القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد، وإنما ذكر الضمير بقوله
هو لكونه مما يذكر ويؤنث كما في الصحاح. قوله: (ويقطع الخصومة) عطف تفسير كما يفيده
الحموي، فإنه فسر رفع النزاع بقطع الخصومة. قوله: (مطلقا) أي فيما يتعين وفيما لا يتعين. قوله:
(فيما يتعين) إنما اشترط القبول لأنه ليس من الاسقاط حتى يتم بالمسقط وحده لعدم جريانه في
الأعيان ط. قوله: (فيتم بلا قبول) أي من المطلوب إذا بدأ هو بطلبه، بأن ادعى شخص على شخص
دراهم ونحوها فطلب المدعى عليه الصلح على نصفها فقال المدعي صالحتك على ذلك، فلا يشترط
قبول المدعى عليه لان ذلك إسقاط من المدعي وهو يتم بالمسقط وحده، وهذا إنما يظهر في صورة
الاقرار ط.
والحاصل: أن الموجب هو المدعي فيشترط قبول المدعى عليه فيما يتعين لا فيما لا يتعين. وأما
إذا كان الموجب هو المدعى عليه فلا بد من القبول من المدعي مطلقا سواء فيه ما يتعين وما لا يتعين.
قوله: (وسيجئ) أي قريبا. قوله: (العقل) لا حاجة إليه لأنه شرط في جميع العقود والتصرفات
الشرعية، فلا يصح صلح مجنون وصبي لا يعقل. درر. وكذا لا يصح صلح المعتوه والنائم والمبرسم
والمدهوش والمغمى عليه إذ ليس لهم قصد شرعي، وخص بذكرهما لكونهما منصوصا عليهما بعدم
جريان الاحكام الفرعية عليهما فيدخل حكم هؤلاء في حكمهما بالدلالة أو بالقياس، لان حالهم
كحالهما بل أشد تارة. صرح به في الفصول. وأما السكران فلا يدخل فيهم لأنه مخاطب زجرا له
وتشديدا عليه لزوال عقله بمحرم، ولذلك قال في منية المفتي: صلح السكران جائز.
أقول: قد سبق في كتاب الطلاق وفي شتى الاقرار إنما هو عند أكثر أئمتنا. وأما الكرخي
والطحاوي ومحمد بن سلام قالوا بعدم وقوعه فيجري على الخلاف المذكور، لكن علمت أن الأصح

345
الوقوع، وعليه فينبغي صحة صلحه على الأصح. قوله: (فصح من صبي مأذون) ويصح عنه بأن
صالح أبوه عن داره وقد ادعاها مدع وأقام البرهان ط. قوله: (إن عري) بكسر الراء: أي خلا، وأما
بفتحها فمعناه حل ونزل. قوله: (عن ضرر بين) بأن كان نفعا محضا أو لا نفع فيه ولا ضرر أو فيه
ضرر غير بين، فإذا ادعى الصبي المأذون على إنسان دينا وصالحه على بعض حقه، فإن لم يكن له عليه
بينة جاز الصلح إذ عند انعدامها لا حق له إلا الخصومة والحلف والمال أنفع منهما، وإن كانت البينة لم
يجز لان الحط تبرع وهو لا يملكه، ومثال ما لا ضرر فيه ولا نفع: صلحه عن عين بقدر قيمتها،
ومثال ما لا ضرر فيه بين: ما إذا أخر الدين فإنه يجوز لأنه من أعمال التجارة ط.
أقول: وهذا ظاهر في الصبي والمكاتب والمأذون المديون. وأما المأذون الغير المديون فينبغي صحة
صلحه كيفما كان حيث كان بإذن سيده لأنه وما في يده لمولاه فيكون صلحه كصلح مولاه، ولا حق
في ماله لغريم كالمديون ولا تصرفه منوط بالمصلحة كالصبي والمكاتب، تأمل. قوله: (وصح من عبد
مأذون) لو لم يكن فيه ضرر بين، لكنه لا يملك الصلح على حط بعض الحق إذا كان له عليه بينة
ويملك التأجيل مطلقا وحط بعض الثمن للعيب لما ذكر، ولو صالحه البائع على حط بعض الثمن جاز
لما ذكر في الصبي المأذون كما في الدرر. قوله: (ومكاتب) فإنه نظير العبد المأذون في جميع ما ذكر لأنه
عبد ما بقي عليه درهم، فإن عجز المكاتب فادعى عليه رجل دينا فاصطلحا أن يأخذ بعضه ويؤخر
بعضه، فإن لم يكن له عليه بينة لم يجز لأنه لما عجز صار محجورا فلا يصح صلحه. درر.
أقول: قوله فادعى عليه رجل دينا: أي كان في زمن كتابته إلا أن الصلح واقع بعد العجز، هذا
هو المراد، فحينئذ لا يكون الشرط الثاني مستغنى عنه، وقيد به لأنه لو كان للمدعي بينة صلح
المحجور لا من حيث إنه محجور بل من حيث أن دينه دين في زمن كتابته. تدبر.
وأقول: ومثل المكاتب المعتوه المأذون فإنه نظير العبد المأذون على ما سبق. قوله: (ولو فيه نفع)
لو قال لو لم يكن فيه ضرر بين لكان أولى، ليشمل ما إذا لم يكن فيه نفع ولا ضرر أو كان فيه ضرر
غير بين كما تقدم أمثلة ذلك قريبا. قوله: (معلوما) سواء كان مالا أو منفعة، بأن صالح على خدمة
عبد بعينه سنة أو ركوب دابة بعينها أو زراعة أرض أو سكنى دار وقتا معلوما فإنه يجوز ويكون في
معنى الإجارة، وخرج ما لم يكن كذلك، فلا يصح الصلح عن الخمر والميتة والدم وصيد الاحرام
والحرم ونحو ذلك، لان في الصلح معنى المعاوضة، فما لا يصلح للعوض والبيع لا يصلح عوضا في
الصلح ط. قال في المنح: أن يكون معلوما بذكر المقدار في مثل الدراهم فيحمل على النقد الغالب في
البلد، وبذكر المقدار والصفة في نحو بر، وبمكان التسليم أيضا عند أبي حنيفة، وبالأجل أيضا في
نحو ثوب، وبإشارة وتعيين في نحو حيوان كما في العمادية، لان جهالة البدل تفضي إلى المنازعة
فيفسد الصلح انتهى.
قال في جامع الفصولين عازيا للمبسوط: الصلح على خمسة أوجه:
الأول: صلح على دارهم أو دنانير أو فلو س، فيحتاج إلى ذكر القدر.
الثاني: على تبر أو كيلي أو وزني مما لا حمل له، ولا مؤنة، فيحتاج إلى قدر وصفة، إذ يكون
جيدا أو وسطا أو رديئا فلا بد من بيانه.

346
الثالث: على كيلي أو وزني مما له حمل ومؤنة، فيحتاج إلى ذكر قدر وصفة ومكان تسليمه عند أبي
حنيفة كما في السلم.
الرابع: صلح على ثوب، فيحتاج إلى ذكر ذرع وصفة وأجل إذ الثوب لا يكون دينا إلا في
السلم وهو عرف مؤجلا.
الخامس: صلح على حيوان، ولا يجوز إلا بعينه، إذ الصلح من التجارة والحيوان لا يصلح دينا
فيما انتهى؟ قوله: (إن كان يحتاج إلى قبضه) فإن كان لا يحتاج إلى قبضه لا يشترط معلوميته مثل أن
يدعي حقا في دار رجل وادعى المدعى عليه حقا في أرض بيد المدعي فاصطلحا على ترك الدعوى
جاز وإن لم يبين كل منهما مقدار حقه، لان جهالة الساقط لا تفضي إلى المنازعة كما في الدرر.
قال في العناية: ويفسده جهالة المصالح عليه لأنها تفضي إلى المنازعة دون جهالة المصالح عنه
لأنه يسقط، وهذا ليس على إطلاقه بل فيه تفصيل، وهو أن الصلح باعتبار بدليه على أربعة أوجه: إما
أن يكون عن معلوم على معلوم وهو جائز لا محالة، وإما أن يكون عن مجهول على مجهول، فإن لم يحتج
فيه إلى التسليم والتسلم، مثل أن يدعي حقا في دار رجل وادعى المدعى عليه حقا في أرض بيد
المدعى فاصطلحا على ترك الدعوى جاز وإن احتيج إليه، وقد اصطلحا على أن يدفع أحدهما مالا ولم
يبينه على أن يترك الآخر دعواه أو على أن يسلم إليه ما ادعاه لم يجز، وإما أن يكون عن مجهول على
معلوم وقد احتيج إليه إلى التسليم، كما لو ادعى حقا في دار يد رجل ولم يسمه فاصطلحا على أن
يعطيه المدعى مالا معلوما ليسلم المدعى عليه ما ادعاه وهو لا يجوز، وإن لم يحتج فيه إلى التسليم كما
إذا اصطلحا في هذه الصورة على أن يترك المدعي دعواه جاز، وإما أن يكون عن معلوم على مجهول
وقد احتيج فيه إلى التسليم لا يجوز، وإن لم يحتج إليه جاز. والأصل في ذلك أن الجهالة المفضية
للمنازعة المانعة عن التسليم والتسلم هي المفسدة، فما لا يجب التسلم والتسليم جاز، وما وجبا فيه لم
يجز مع الجهالة، لان القدرة على تسليم البدل شرط لكونه في معنى البيع انتهى.. قوله: (وكون المصالح
عنه حقا) أي للمصالح ثابتا في المحل لا حقا لله تعالى فخرج بقولنا: أي للمصالح ما إذا ادعت
مطلقة على زوجها أن صبيا في يد أحدهما ابنها منه فصالحها على شئ لتترك الدعوى فإنه يبطل، لان
النسب حق الصبي لا حقهما فلا تملك الاعتياض عن حق غيرها. وخرج بقولنا ثابتا في المحل مصالحة
الكفيل بالنفس على مال على أن يبرئه من الكفالة، لان الثابت للطالب حق المطالبة بتسليم نفس
الأصيل، وهو عبارة عن ولاية المطالبة وأنها صفة الوالي فلا يجوز الصلح عنه كما يأتي.
واختلفت الرواية في بطلان الكفالة كما في الكافي، والأصح بطلانها كما في منية المفتي، وبه
يفتى كما في العناية والبيانية: وبقي من الشروط قبض بدله إن كان دينا بدين، وإلا لا كما سيأتي.
قوله: (كالقصاص) في النفس، إنما جاز الصلح عنه لان المحل فيه يصير مملوكا في حق الاستيفاء
فكان الحق ثابتا في المحل فيملك الاعتياض عنه بالصلح ط. قوله: (والتعزير) الذي هو حق العبد كأن
صالحه عن سبه بما دون قذف، أما التعزير الذي هو حق الله تعالى كقبلة من أجنبية فالظاهر عدم صحة
الصلح عنه، لان الصلح لا يكون إلا من صاحب الحق كما أفاده الرحمتي. قوله: (أو مجهولا) كأن

347
ادعى عليه قدرا من المال فصولح أو ادعى عليه القصاص ولم يبين أنه في نفس أو طرف أو شتمه ولم
يبين بماذا شتمه، وتقدم في باب الاستحقاق صحة الصلح عن مجهول عن معلوم، لان جهالة الساقط
لا تفضي إلى المنازعة، ولأن المصالح عنه ساقط فهو مثل الابراء عن المجهول فإنه جائز عندنا لما ذكر،
بخلاف عوض الصلح، فإنه لما كان مطلوب التسليم اشترط كونه معلوما لئلا يفضي إلى المنازعة،
وانظر ما تقدم عن الفتح أواخر العيب، وكونه مجهولا: أي بشرط أن يكوم مالا يحتاج إلى التسليم
كترك الدعوى مثلا، بخلاف ما لو كان عن التسليم المدعى به.
قال في جامع الفصولين: ادعى عليه مالا معلوما فصالحه على ألف درهم وقبض بدل الصلح
وذكر في آخر الصك وأبرأ المدعى عن جميع دعواه وخصوماته إبراء صحيحا عاما، فقيل لم يصح
الصلح لأنه لم يذكر قدر المال المدعى به، ولا بد من بيانه ليعلم أن هذا الصلح وقع معاوضة أو إسقاطا
أو وقع صرفا شرط فيه التقابض في المجلس أو لا، وقد ذكر قبض بدل الصلح ولم يتعرض لمجلس
الصلح، فمع هذا الاحتمال لا يمكن القول بصحة الصلح. وأما الابراء فقد حصل على سبيل العموم
فلا تسمع دعوى المدعي بعده للابراء العام لا للصلح.
قال في البحر: والجهالة فيه إن كانت تفضي إلى المنازعة كوقوعها فيما يحتاج إلى التسليم منعت
صحته، وإلا لا، فبطل إن كان المصالح عليه، أو عنه مجهولا لا يحتاج إلى التسليم كصلحه بعد دعواه
مجهولا على أن يدفع له مالا ولم يسمه ا ه‍.
أقول: لكن في قوله جامع الفصولين: ولا بد من بيانه نظر، لان المال بالصورة معلوم بدليل
قوله أول عبارته: ادعى عليه مالا معلوما، والظاهر أن لفظ معلوما زائد حتى يتم المراد تأمل. قوله:
(كحق شفعة) يعني إذا صالح المشتري الشفيع عن الشفعة التي وجبت له على شئ على أن يسلم الدار
للمشتري فالصلح باطل، إذ لا حق للشفيع في المحل سوى حق التمليك، وهو ليس بأمر ثابت في
المحل، بل هو عبارة عن ولاية الطلب، وتسليم الشفعة لا قيمة له فلا يجوز أخذ المال في مقابلته كما
في الدرر وأطلقه. وهو على ثلاثة أوجه: أن يصالح على دراهم معلومة على أن يسلم الدار للمشتري،
وأن يصالح على بيت معين منها بحصته من الثمن وأن يصالح على نصف الدار بنصف الثمن، ففي
الأولين يبطل الصلح وكذا الشفعة في الأول، ويصح الصلح في الثالث والشفعة لا تبطل فيه وفي
الثاني كما في المبسوط وغيره فظهر أن المرد بقول الدرر على شئ: دراهم معلومة ونحوها. قوله:
(وحد قذف) بأن قذف رجلا فصالحه على مال على أن يعفو عنه، لأنه وإن كان للعبد فيه حق فالغالب
فيه حق الله تعالى والمغلوب ملحق بالمعدوم، وكذلك لا يجوز الصلح عن حق الله تعالى ولو ماليا
كالزكاة، ولا حد الزنا والسرقة وشرب الخمر، بأن أخذ زانيا أو سارقا من غيره أو شارب خمر فصالحه
على مال على أن لا يرفعه إلى ولي الأمر لأنه حق الله تعالى، ولا يجوز عنه الصلح لان المصالح بالصلح
يتصرف إما باستيفاء كل حقه أو استيفاء بعضه وإسقاط الباقي أو بالمعاوضة، وكل ذلك لا يجوز في
غير حقه كما في الدرر. وإنما لا يجوز الصلح عن حقوقه تعالى لان الأصل فيه أن الاعتياض عن حق
الغير لا يجوز، والحدود المشروعة لما كانت حقا لله تعالى خالصا أو غالبا، فلا يجوز لاحد أن يصالح
على شئ في حق الله تعالى، والمراد من حق الله تعالى ما يتعلق به النفع العام لأهل العالم فلا يختص به
أحد كحرمة الزنا، فإن نفعه عائد إلى جميع أهل العالم وهو سلامة أنسابهم وصيانة فرشهم وارتفاع

348
السيف بين العشائر بسبب التنازع بين الزناة، ولذلك لا يباح الزنا بإباحة المرأة أو أهلها، وإنما نسب
إلى الله تعالى مع أن النفع عائد إلى العباد تعظيما لأنه متعال عن أن ينتفع بشئ، ولا يجوز أن يكون
حقا له بجهة التخليق لان الكل سواء في ذلك، كذا في شرح المنار لجلال الدين. قوله: (وكفالة
بنفس) الوجه فيه كالوجه في سابقه، وقدمنا الكلام عليها قريبا، وقيد الكفالة بكفالة النفس، لأنه لو
صالحه عن كفالة المال يكون إسقاطا لبعض الدين عنه وهو صحيح. قوله: (ويبطل به الأول) أي حق
الشفعة لرضا الشفيع بسقوط
حقه. قوله: (وكذا الثاني) أي حد القذف. قوله: (لو قبل الرفع للحاكم) ظاهره أنه يبطل الصلح
أصلا وهو الذي في الشرنبلالية عن قاضيخان، فإنه قال: بطل الصلح وسقط الحد إن كان قبل أن
يرفع إلى القاضي، وإن كان بعده لا يبطل وقال في الحد، وقد سبق أنه إنما سقط بالعفو لعدم الطلب، حتى لو
عاد وطلب حد
الأشباه: لا يصح الصلح عن الحد ولا يسقط به حد القذف إن كان قبل المرافعة كما في
الخانية. قال البيري: أي فإن الحد يسقط وإن كان الصلح لم يجز. أما إذا كان بعد المرافعة فلا يسقط.
أقول: هذا الذي في الخانية ينافي ما ذكره في الايضاح بأن له أن يطالب بعد العفو والصلح عن
ذلك، فراجعه في الاقرار. وعبارة الأشباه في الاقرار: ولا يملك المقذوف العفو عن القاذف، ولو
قال المقذوف كنت مبطلا في دعواي سقط الحد. كذا في حيل التتارخانية من حيل المداينات. قال
البيري: قال في الايضاح: وإذا ثبت الحد لم يجز الاسقاط ولا العفو، ولذا إذا عفا قبل المرافعة أو أبرأ
أو صالح على مال فذلك باطل ويرد مال الصلح، وله أن يطالبه بالحد بعد ذلك ا ه‍.
وقدم الشارح في باب حد القذف: ولا رجوع بعد إقرار ولا اعتياض: أي أخذ عوض ولا
صلح ولا عفو فيه وعنه. نعم لو عفا المقذوف فلا حد لا لصحة الفعو بل لترك الطلب، حتى لو عاد
وطلب حد. شمني. ولذا لا يتم إلا بحضرته، فأفاد أنه لا صلح فلا يسقط، وظاهره ولو قبل
المرافعة، ولا يقام إلا بطلب المقذوف في الموضعين إلا أن يحمل ما في الخانية على البطلان لعدم
الطلب، وكذا يقال في حد السرقة فإنه لا يصح عنه الصالح كما في مجمع الفتاوى، فكان على المصنف
والشارح أن يستثنيه أيضا. قوله: (لا حد زنا) أي لا يصح الصلح عنه.
صورته: زنى رجل بامرأة رجل فعلم الزوج وأراد أحدهما الصلح فتصالحا معا أو أحدهما على
معلوم على أن يعفو كان باطلا وعفوه باطل، سواء كان قبل الرفع أو بعده. والرجل إذا قذف امرأته
المحصنة حتى وجب اللعان كان باطلا، وعفوها بعد الرفع باطل وقبل الرفع جائز. خانية. قوله:
(وشرب مطلقا) أي إذا صالح شارب الخمر القاضي على أن يأخذ منه مالا ويعفو عنه لا يصح الصلح
ويرد المال على شارب الخمر سواء كان ذلك قبل الرفع أو بعده كما في الخانية. فليحفظ، والآن مبتلون
بذلك، ولا حول ولا قولة إلا بالله العلي العظيم.
فرع: قال في البزازية: وفي نظم الفقه: أخذ سارقا في دار غيره فأراد رفعه إلى صاحب المال
فدفع له السارق مالا على أن يكف عنه يبطل ويرد البدل إلى السارق، لان الحق ليس له، ولو كان

349
الصلح مع صاحب السرقة برئ من الخصومة بأخذ المال، وحد السرقة لا يثبت من غير خصومة
ويصح الصلح ا ه‍.
وفيها أيضا: أتهم بسرقة وحبس فصالح ثم زعم أن الصلح كان خوفا على نفسه، إن حبس
الوالي تصح الدعوى لان الغالب أنه حبس ظلما، وإن كان في حبس القاضي لا تصح لان الغالب أنه
يحبس بحق ا ه‍.
أقول: وهذا على ما كان في زمنهم من تصرف الوالي برأيه وأما في زماننا فلا فرق يظهر بينهما
فإنهما على السواء حتى صار حبسهما واحدا، إذ لا يحبس الواحد إلا بعد ثبوت حبسه بوجهه. قوله:
(من المدعى عليه) متعلق بالقبول وحذف نظيره من الأول، فإن المعنى: وطلب الصلح من المدعى
عليه. قوله: (كالدراهم والدنانير) الكاف للاستقصاء إذ ليس معناه مالا يتعين غيرهما. قوله: (وطلب
الصلح) لا حاجة إلى هذه الجملة بعد قول المتن وطلب الصلح كاف. قوله: (على ذلك) كذا في
بعض النسخ، وفي بعضها عن بدل على. قوله: (لأنه إسقاط) سيأتي في الصلح في الدين أنه أخذ
لبعض حقه وإسقاط للباقي، لكن ليس ذلك مخصوصا بما لا يتعين بالتعيين بل كل ما يثبت في الذمة.
قوله: (وهو يتم بالمسقط) هذا يفيد أنه لا يشترط الطلب كما لا يشترط القبول، وإن هذا في الاقرار
كما صرح به الشارح نقلا عن العناية، فتأمل. قوله: (لأنه كالبيع) أي فتجرى فيه أحكام البيع فينظر،
إن وقع على خلاف جنس المدعي فهو بيع قبض كما يذكره بعد، وإن وقع على جنسه، فإن وقع بأقل
من المدعي فهو حط وإبراء، وإن كان مثله فهو قبض واستيفاء، وإن كان بأكثر منه فهو فضل وربا.
قوله: (وحكمه) أي أثره الثابت له. منح.
قال في البحر: وحكمه في جانب المصالح عليه وقوع الملك فيه للمدعي سواء كان المدعى عليه
مقرا أو منكرا، وفي المصالح عنه وقوع الملك فيه للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك كالمال وكان
المدعى عليه مقرا به، وإن كان مما لا يحتمل التمليك كالقصاص ووقوع البراءة كما إذا كان منكرا مطلقا
ا ه‍. وظاهره أنه لا يملك المصالح عنه مع الانكار مع أنه معاوضة في حق المدعي، ولذا يؤخذ منه
بالشفعة إن كان عقارا وهذا يقتضي أنه يملك. قوله: (وقوع البراءة عن الدعوى) لما مر أنه عقد يرفع
النزاع: أي ما لم يعرض مبطل كاستحقاق البدل، أطلقه فشمل أن حكمه ذلك في أنواعه الثلاثة، حتى
لو أنكر فصالح ثم أقر لا يلزمه ما أقر به، وكذا لو برهن بعد صلحه لا يقبل، ولو برهن على إقرار
المدعي أنه لا حق له من قبل الصلح أو قبل قبض البدل لا يصح الصلح كصلح بعد الحلف فإنه لا
يصح عند الشيخين، خلافا لمحمد، وصلح مودع يدعي الاستهلاك مع المودع يدعي الضياع فإنه لا
يصح عند الطرفين، خلافا لأبي يوسف كما في المقدسي. قوله: (ووقوع الملك) أي للمدعي أو
للمدعى عليه. قوله: (في مصالح عليه) أي مطلقا ولو منكرا قوله: (وعنه لو مقرا) قال في المنح:
وفي المصالح عنه وقوع الملك فيه للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التملك كالمال وكان المدعى عليه مقرا

350
به إلى آخر ما تقدم عن البحر. قوله لو مقرا قيد في قوله وعنه. وأما إذا كان منكرا فالحكم
البراءة عن الدعوى سواء كانت فيما يحتمل التمليك أو لا. أفاده الحموي. قوله: (وهو صحيح) لقوله
تعالى: * (والصلح خير) * (النساء: 821) وقوله عليه الصلاة والسلام: كل صلح جائز فيما بين
المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ومعنى جواز الصلح اعتباره حق يملك المدعي بدل
الصلح ولا يسترده المدعى عليه ويبطل حق المدعي في الدعوى، والمراد بقوله: صلحا أحل حراما
أي لعينه كالخمر، وقوله أو حرم حلالا أي لعينه كالمصالحة على ترك وطئ الضرة. وأما دفع الرشوة
لدفع الظلم فجائز، وليس بصلح أحل حراما ولا بسحت إلا على من أكله.
قال محمد في السير الكبير: بلغنا عن الشعثاء جابر بن زيد أنه قال: ما وجدنا في زمن الحجاج
أو زياد بن زياد شيئا خيرا لنا من الرشا اه‍.
قال أبو السعود: ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام أحل حراما الخ كما إذا صالح على أن لا
يتصرف في بدل الصلح أو أن يجعل عوض الصلح خمرا أو خنزيرا، وقوله عليه الصلاة والسلام لعن
الله الراشي والمرتشي والمراد به إذا كان هو الظالم فيدفعها لبعض الظلمة يستعين بها على الظلم. وأما
لدفع الضرر عن نفسه فلا شبهة فيها، حتى روي عن أبي يوسف أنه أجاز ذلك للوصي من مال اليتيم
لدفع الضرر عن اليتيم الخ. رملي. قوله: (مع إقرار الخ) قال الأكمل: الحصر في هذه الأنواع
ضروري، لان الخصم وقت الدعوى إما أن يسكت أو يتكلم مجيبا وهو لا يخلو عن النفي والاثبات.
لا يقال: قد يتكلم بما لا يتصل بمحل النزاع لأنه سقط بقولنا مجيبا ا ه‍ منح. وقوله مع إقرار أطلقه
فشمل ما يكون حقيقة وصريحا وحكما كطلب الصلح والابراء عن المال أو الحق فيرجع إليه بالبيان كما
في المحيط وفيه تفصيل لطيف فراجعه إن شئت. قوله: (فالأول حكمه كبيع) أي فتجري فيه أحكام
البيع فينظر، أو وقع على خلاف جنس المدعى فهو بيع وشراء كما ذكر هنا، وإن وقع على جنسه، فإن
كان بأقل من المدعى فهو حط وإبراء، وإن كان بمثله فهو قبض واستيفاء، وإن كان بأكثر منه فهو
فضل وربا، ذكره الزيلعي، وقدمناه قريبا.
قال في البحر: فإن وقع عن مال بمال بإقرار اعتبر بيعا إن كان على خلاف الجنس، إلا في
مسألتين:
الأولى: إذا صالح من الدين على عبد وصاحبه مقر بالدين وقبض العبد ليس له المرابحة من غير
بيان.
الثانية: إذا تصادقا على أن لا دين بطل الصلح، كما لو استوفى عين حقه ثم تصادقا أن لا
دين، فلو تصادقا على أن لا دين لا يبطل الشراء ا ه‍. قوله: (وحينئذ) زيادة حينئذ اقتضت زيادة
الفاء في فتجري أي التفريعية في المصنف، وقوله فيه أي في هذا الصلح. منح. فيشمل المصالح
عنه والمصالح عليه وهو بدل الصلح، حتى لو صالح عن دار بدار وجب فيهما الشفعة. قوله:
(الشفعة) أي ويلزم الشفيع مثل بدل الآخر لو مثليا وقيمته لو قيميا غير عقار، حتى لو كان البدلان
عقارا لا شفعة في واحد منهما. قهستاني. ثم قال في فصل السكوت والانكار: تجب الشفعة في

351
الدار المصالح عليها عن دار أو غيرها فإنه معاوضة في زعم المدعي ا ه‍. تأل. هذا مع ما قبله ممعنا.
والذي يظهر لي أنه إذا كان الصلح عن إقرار على دار بدار تجب الشفعة فيهما لان كلا منهما
عوض عن الثانية، وإن كان عن سكوت أو إنكار فتجب في الدار المصالح عليها دون الدار المصالح
عنها، لان المعاوضة هنا في الدار المصالح عليها فقط. أما عبارة القهستاني الأولى فلم أر ما يدل عليها
بل صريح النقول يخالفها.
قال في المجلة من كتاب الصلح في المادة الخمسين وخمسمائة بعد الألف ما نصه: عن إنكار
ياخود عن سكوت صلح أو لمق مدعي حقنده معاوضة ومدعى عليه حقنده يميندن خلاص إيله قطع
منازعه در بناء على ذلك مصالح عليه، أو لان عقار ده شفعة جريان أيدر إما مصالح عنه، أو لان
عقار ده شفعة جريان ايتمز. قوله: (والرد بعيب) نحو إذا كان بدل الصلح عبدا مثلا فوجد المدعي فيه
عيبا له أن يرده، وظاهر إطلاقه أنه يرده بيسير العيب وفاحشه، وقد ذكره الطحاوي. أفاده الحموي
وأطلق الرد بالعيب وهو المراد في الاقرار، قال الطحاوي بالاقرار يرد بيسير وفاحش، وفي الانكار
بالفاحش كخلع ومهر وبدل صلح عن دم عمد. قوله: (وخيار رؤية) فيرد العوض إذا رآه وكان لم يره
وقت العقد، وكذلك يرد المصالح عنه إن كان لم يره. قوله: (وشرط) بأن تصالحا على شئ فشرط
أحدهما الخيار لنفسه مثلا. قال في المنبع: ويبطل الصلح بالرد بأحد هذه الخيارات الثلاث. قوله:
(ويفسده جهالة البدل المصالح عليه) أي إن كان يحتاج إلى تسليمه وإلا فلا يفسد، كما إذا ادعى عليه
ثلث داره فصالحه على أن يترك دعواه في حق مجهول في أرض المدعي كما في العناية لأنه بيع فصار
كجهالة الثمن. عيني. وكذا يفسد بجهالة الاجل إذا جعل البدل مؤجلا زيلعي.
قال الرملي: إن جهالة المصالح عليه تفسد الصلح، وكذا جهالة المصالح عنه إن كان يحتاج إلى
التسليم.
وأقول: ليس جهالة المصالح عليه مفسدة للصلح مطلقا، بل محله إذا لم يكن مستغنيا عن القبض
والتسليم فإن جهالته لا تفسد كما في السراج الوهاج.
وفي القهستاني: ويكفي أن يكون بيان قدر المصالح عليه فحسب إذا كان دراهم أو دنانير أو
فلوسا لان معاملات الناس تغني عن بيان الصفة فيقع على الند الغالب ا ه‍. قال السائحاني: ولطالما
طلبت نفسي هذا النقل لان المشهور أنه لا بد في العقود من بيان الوصف على أن العرف بخلافه.
قوله: (لا جهالة المصالح عنه) أي إذا لم يحتج إلى تسليمه كما مر أيضا أشار إلى ذلك بقوله لأنه يسقط
فإنه تعليل لقوله: لا جهالة المصالح عنه أي والساقط لا تفضي جهالته إلى المنازعة، لكن قال بعض
الأفاضل: لا جهالة المصالح عنه إلا إذا احتيج إلى تسليمه كأن يصالحه على أن يدفع له الحق المجهول
الذي يدعيه أو يدفع المدعي البدل من عنده ا ه‍. تأمل. قوله: (وتشترط القدرة على تسليم البدل)
استئناف واقع موقع التعليل لقوله ويفسده جهالة البدل ولا يصح عطفه على يسقط وحيث كان
كلاما مستأنفا استفيد منه أنه لا يصح الصلح على عبده الآبق وطيره في الهواء وسمكه في الماء وجذعه
في السقف وذراع من ثوب تضره القسمة وحمل الجارية والبهيمة لأنه لا يقدر على تسليمه، ومنه جهالة

352
البدل فإنه لا يقدر على تسليم المجهول، فبذلك يصير الكلام تعليلا. لقوله ويفسده جهالة البدل
فبين التعليل والمعلل لف ونشر مشوش، الأول للثاني والثاني للأول. قوله: (وما استحق من المدعي
الخ) هذا لو الصلح على ترك المدعي في يد المدعى عليه. أما لو أخذه ويدفع لمن في يده شيئا صلحا
فلا يرجع لو استحق لأنه أخذه على أنه ملكه زعما فيؤاخذ به فلا يرجع بالشئ الذي دفعه لرفع النزاع
كما في العمادي. قوله: (إن كلا فكلا أو بعضا فبعضا) المصنف صريح في البعض. لقوله: حصته
فلو قال المؤلف بعد المتن وإن استحق الكل رد الكل لكان أوضح، وأشار بأن إلى أنها بيانية أو تبعيضية
وكل مراد، فتأمل. قوله: (بحصته من المدعي) أي المصالح عنه، هذا إذا كان البدل مما يتعين بالتعيين،
فإن كان مما لا يتعين بالتعيين وهو من جنس المدعي به فحينئذ يرجع بمثل ما استحق، ولا يبطل
الصلح كما إذا ادعى ألفا فصالحه على مائة وقبضها فإنه يرجع عليه بمائة عند استحقاقها سواء كان
الصلح بعد الاقرار أو قبله، كما لو وجدها ستوقة أو نبهرجة، بخلاف ما إذا كان من غير الجنس
كالدنانير هنا إذا استحقت بعد الافتراق فإن الصلح يبطل، وإن كان قبله رجع بمثلها، ولا يبطل
الصلح كالفلوس. كذا في حاشية الحموي نقلا عن البحر.
وفي المنح: هذا إذا كان البدل مما يتعين بالتعيين، وإن كان مما لا يتعين كالدراهم والدنانير لا
يبطل بهلاكه لأنهما لا يتعينان في العقود والفسوخ فلا يتعلق العقد بهما عند الإشارة إليهما، وإنما
يتعلق بمثلهما في الذمة فلا يتصور فيه الهلاك ا ه‍. فقول المتن وما استحق من البدل محمول على
ما إذا أمكن استحقاقه وهو ما يتعين بالتعيين، وأما ما لا يتعين بالتعيين فلا يمكن استحقاقه لأنه ينعقد
الصلح على جنسه وقدره لا على عينه، فتأمل.
وفي القهستاني: وللمدعي أن يرد الباقي ويرجع بكل المدعي، كما لو استحق كل العوض،
وهذا إذا كان المستحق لم يجز الصلح، فإن أجازه وسلم العوض للمدعي رجع المستحق على المدعى
عليه بقيمته كما في شرح الطحاوي. قول: (كما ذكرنا) أي إن كلا فكلا أو بعضا فبعضا ح. وهذا
إذا كان البدل يتعين بالتعيين إلى آخر ما قدمناه في المقولة السابقة. قوله: (لأنه معاوضة) مقتضى
المعاوضة أنه إذا استحق الثمن فإن مثليا رجع بمثله أو قيميا فبقيمته ولا يفسد العقد فالصلح يجري على
هذا. سيدي الوالد.
أقول: لكن هذا فيما يتمحض للثمنية كالدراهم، وأما مثل المذكور فهي من المقايضة، وحكمها
أن كلا من البدلين يكون ثمنا وبيعا باعتبارين فلذا فسد العقد: أي باعتبار أنه مبيع، وعليه فكان على
الشارح أن يقول: لأنه مقايضة. تأمل. قوله: (وحكمه كإجارة الخ) صورته: ادعى رجل على رجل
شيئا فاعترف به ثم صالحه على سكنى داره سنة أو على ركوب دابة معلومة أو على لبس ثوبه أو على
خدمة عبده أو على زراعة أرضه مدة معلومة فهذا الصلح جائز فيكون في معنى الإجارة، فيجري فيه
أحكام الإجارة. كذا صوره العيني. قوله: (إن وقع الصلح عن مال بمنفعة الخ) قال في الحواشي

353
الحموية: وكذا إذا وقع عن منفعة بمال اعتبر بالإجارة لان العبرة في العقود للمعاني، فيشترط فيه
العلم بالمدة كخدمة العبد وسكنى الدار والمسافة كركوب الدابة، بخلاف صبغ الثوب وحمل الطعام
فالشرط بيان تلك المنفعة، ويبطل الصلح بموت أحدهما في المدة إن عقده لنفسه، وكذا بفوات المحل
قبل الاستيفاء، ولو كان بعد استيفاء البعض بطل فيما بقي ويرجع المدعي بقدر ما لم يستوف من
المنفعة، ولو كان الصلح على خدمة عبد فقتل وإن كان القاتل المولى بطل، وإلا ضمن قيمته واشترى بها
عبدا يخدمه إن شاء كالموصى بخدمته، بخلاف المرهون حيث يضمن المولى بالاتلاف والعتق، والاعتبار
بالإجارة قول محمد. قال في شرح المختلف: وهو الأظهر، واعتمده المحبوبي والنسفي، وكذا بطلان
الصلح بموت أحدهما في المدة قول محمد. وقال أبو يوسف: إن مات المدعى عليه لا يبطل الصلح،
وللمدعي أن يستوفي جميع المنفعة من العين بعد موته كما لو كان حيا، وإن مات المدعي لا يبطل
الصلح أيضا في خدمة العبد وسكنى الدار وزراعة الأرض، وتقوم ورثة المدعي مقامه في استيفاء
المنفعة، ويبطل الصلح في ركوب الدابة ولبس الثوب لأنه يتعين فيه العاقد، ثم إنما يعتبر إجارة عند
محمد إذا وقع على خلاف جنس المدعى به، فإن ادعى دارا فصالحه على سكناها شهرا فهو استيفاء
بعض حقه لا إجارة فتصح إجارته للمدعى عليه كما في البحر.
وصورة الصلح عن منفعة بمال: ادعى السكنى لدار سنة وصية من مالكها فأقر به وارثه فصالحه
على مال. ذكره الحموي. قال بعض الفضلاء: إنما قيد بكون المصالح عنه مالا لأنه لو صالح عن
منفعة بمال كان الانكار كالاقرار، فلو ادعى ممرا في دار ومسيلا على سطح أو شربا في نهر فأقر أو
أنكر ثم صالحه على شئ معلوم جاز. والظاهر أن هذا حكمه غير حكم الإجارة لأنها لا تجري في
هذه الأشياء فكان حكم الصلح في هذه الصحة، ولعل كلام الشارح الآتي في منفعة غير هذه. قوله:
(فشرط التوقيت فيه) أي في الصلح الواقع عن مال بمنفعة. قوله: (إن احتيج إليه) كسكنى دار: أي
إن كانت المنفعة تعلم بالوقت كالذي مثل به. قال العلامة مسكين: وإنما يشترط التوقيت في الأجير
الخاص، حتى لو تصالحا على خدمة عبده أو سكنى داره يحتاج إلى التوقيت، وفي المشترك لا يحتاج إليه
كما إذا صالحه على صبغ ثوب أو ركوب دابة إلى موضع كذا أو حمل طعام إليه ا ه‍. قوله: (وإلا لا
كصبغ ثوب) أي مما تعلم المنفعة فيه بالتسمية، وكذا ما تعلم المنفعة فيه بالإشارة كنقل هذا الطعام إلى
كذا فالمدار على العلم بالمنفعة كما يأتي بيانه في كتاب الإجارة. قوله: (ويبطل بموت أحدهما) أي إن
عقده لنفسه. بحر وهذا عند محمد أيضا. وقال أبو يوسف: إن مات المدعى عليه لا يبطل الصلح،
وللمدعي أن يستوفي جميع المنفعة من العين بعد موته كما قدمناه.
فرع: إذا أقر المدعي في ضمن الصلح أنه لا حق له في هذا الشئ ثم بطل الصلح يبطل إقراره
الذي في ضمنه، وله أن يدعيه بعد ذلك، والمدعى عليه إذا أقر عند الصلح بأن هذا الشئ للمدعي
ثم بطل الصلح فإنه يرد ذلك الشئ إلى المدعي انتهى. وقد أوضحه الحموي في شرحه. قوله:
(وبهلاك المحل) أي قبل الاستيفاء، فلو قبض بعضه بطل فيما بقي فيرجع بقدره، وما ذكر من البطلان
بالموت والهلاك قول محمد، وقال أبو يوسف: إن مات المطلوب لا يبطل الصلح والمدعي يستوفيه إلى
آخر ما قدمناه. قوله: (في المدة) تنازع فيه موت وهلاك على أن يكون صفة لكل منهما: أي لو هلك

354
أحد المتصالحين عن مال بمنفعة في المدة أو هلك المحل الذي قامت به تلك المنفعة فيها بطل الصلح
لأنه إجارة، وهي تبطل بذلك إن كانت في كل المدة، وإن كانت في بعضها فبقدره من حين الموت
والهلاك. قوله: (وكذا) يصح لو وقع: أي الصلح عن دعوى منفعة بمال وأقر بها. وفيه أن المنفعة
منفعة ملك المدعى عليه ولا يصح استئجار منفعة ملكه. قوله: (أو بمنفعة عن جنس آخر) كخدمة عبد
في سكنى دار، بخلاف ما إذا اتحد الجنس، كما إذا صالح عن سكنى دار على سكنى دار أو الخدمة
بالخدمة والركوب بالركوب فإنه لا يجوز بيع المنفعة بالمنفعة مع اتحاد الجنس، كما لا يجوز استئجار
المنفعة بجنسها من المنافع فكذا الصلح لكن صور المسألة القهستاني بما لو أوصى بسكنى داره لرجل ثم
مات ثم ادعى الموصى له السكنى فصالحه عن هذه السكنى على سكنى دار أخرى أو دراهم مسماة،
فتبين منه أن المراد من اختلاف جنس المنفعة اختلاف عينها. تأمل وراجع. وكان ينبغي أن يذكر هذه
المسألة قبل. قوله شرط التوقيت فيه. قوله: (ابن كمال) قال في الايضاح: لكن إنما يجوز بمنفعة
عن منفعة إذا كانتا مختلفتي الجنس انتهى، كذا إذا صالحه عن سكنى دار على خدمة عبد، بخلاف ما
إذا اتحد الجنس، كما إذا صالح عن سكنى دار على سكنى دار فإنه لا يجوز كما قدمناه قريبا. قوله: (
لأنه) أي انفساخ العقد بذلك هو حكم الإجارة: يعني إذا كان الصلح عن المال بالمنفعة. قوله: (أي
الصلح) يشير إلى تقدير مضاف في المصنف. وقوله: (بسكوت وإنكار) الباء بمعنى في: أي الصلح
الواقع في سكوت وإنكار، والظرفية مجازية، ولا يصلح جعلها سببية لان سبب الصلح الدعوى.
قوله: (وإنكار) الواو بمعنى أو. قوله: (معاوضة في حق المدعي) لأنه يأخذه عوضا عن حقه في
زعمه. درر فبطل الصلح على دراهم بعد دعوى دراهم إذا تفرقا قبل القبض. بحر. قوله: (وفداء
يمين وقطع نزاع في حق الآخر) إذا لولاه لبقي النزاع ولزم اليمين. قال الزيلعي: وهذا في الانكار
ظاهر، لأنه تبين بالانكار أن ما يعطيه لقطع الخصومة وفداء اليمين، وكذا في السكوت لأنه يحتمل
الاقرار والانكار، وجهة الانكار راجحة إذ الأصل فراغ الذمم فلا يجب بالشك، ولا يثبت به كون ما
في يده عوضا عما وقع بالشك: أي مع أن حمله على الانكار أولى، لان فيه دعوى تفريغ الذمة وهو
الأصل كما علمت. قوله: (فلا شفعة في صلح عن دار مع أحدهما) يعني إذا ادعى رجل على آخر
داره فصالح عنها بدفع شئ لم تجب الشفعة لأنه يزعم أنه يستبقي الدار المملوكة له على نفسه بهذا
الصلح ويدفع خصومة المدعي عن نفسه، لا أنه يشتريها وزعم المدعي لا يلزمه. منح قوله: (فيدلي
بحجته) أي فيتوصل الشفيع بحجة المدعي إلى إثبات الدعوى عليه: أي على المدعي المنكر أو الساكت.
قوله: (لان بإقامة البينة) حذف اسم إن، قوله: (فخلف) بتشديد اللام: أي الشفيع المدعى عليه أن
الدار لم تكن للمدعي.
قال في الخانية: ادعيا أرضا في يد رجل بالإرث من أبيهما فجحد ذو اليد فصالحه أحدهما على
مائة لم يشاركه الآخر، لان الصلح معاوضة في زعم المدعي فداء يمين في زعم المدعى عليه فلم يكن

355
معاوضة من كل وجه، فلا يثبت للشريك حق الشركة بالشك. وفي رواية عن أبي حنيفة يشاركه انتهى
ملخصا.
أقول: لم لم يؤاخذ بزعم، كما يأتي نظيره؟ ولعل العلة في ذلك أنه باع نصيبه فقط ولا شركة
لأخيه فيه، بخلاف ما لو صالح المديون على مقدار معلوم حيث يشاركه أخوه كما هو ظاهر، تأمل.
قوله: (وتجب) أي تجب الشفعة في دار وقع الصلح عليها بأن تكون بدلا. قوله: (بأحدهما) أي
الانكار أو السكوت. قوله: (أو بإقرار) لا حاجة إليه للاستغناء عنه بقوله في الصلح عن إقرار فتجري
فيه الشفعة. قوله: (عن المال) أل عوض عن الضمير. قوله: (فيؤاخذ بزعمه) حتى لو ادعى دارا
فأنكر فصالحه عنها عن دار أخرى وجبت الشفعة في التي صالح عليها دون الأخرى لما ذكرنا. عيني.
وإنكار الآخر المعاوضة لا تمنع وجوب الشفعة فيها، ألا ترى أن رجلا لو قال أنا اشتريت هذه الدار
من فلان وفلان ينكر يأخذها الشفيع بالشفعة، وكذا لو ادعى أنه باع داره من فلان وهو ينكر يأخذها
الشفيع منه بالشفعة لان زعمه حجة في نفسه. زيلعي. قوله: (وما استحق من المدعي) من فيه
للتبعيض، فهو قاصر على ما إذا استحق بعضه. قوله: (فيه) أي في البعض المستحق. قوله: (لخلو
العوض عن الغرض) علة. لقوله: (رد المدعي حصته) وذلك لان المدعى عليه لم يدفع العوض إلا
ليدفع خصومته عن نفسه ويبقى المدعي في يده بلا خصومة أحد، فإذا استحق لم يحصل له مقصوده،
وظهر أيضا أن المدعي لم يكن له خصومة فيرجع عليه انتهى. منح. قوله: (رجع) أي المدعي. قوله:
(في كله) إن استحق كل العوض. قوله: (أو بعضه) إن استحق بعضه، لان المبدل في الصلح عن
إنكار هو الدعوى، فإذا استحق لبدل وهو المصالح عليه رجع بالمبدل وهو الدعوى: أي إلا إذا كان
مما لا يقبل النقض فإنه يرجع بقيمة المصالح عليه كالقصاص والعتق والنكاح والخلع كما في الأشباه
عن الجامع الكبير.
قال الحموي: قوله كالقصاص فيه نظر، فإنه ذكر في الجامع الكبير أنها لو كانت الدعوى
قصاصا فصالحه المدعى عليه من غير إقرار على جارية فاستولدها المدعي ثم استحقت فأخذها المستحق
وضمنه العقر وقيمة الولد فإن المدعي يرجع إلى دعواه، فلو أقام البينة أو نكل المدعى عليه رجع بقيمة
الولد وقيمة الجارية أيضا ولا يرجع بما ادعاه، بخلاف ما تقدم: يعني لو ادعى على رجل ألفا
فجحدها أو سكت فصالحه على جارية فقبضها واستولدها ثم استحقها مستحق فأخذها فإنه لا يرجع
بقيمة الجارية ويرجع بما ادعاه وهو الألف.
والفرق أن الصلح ثمة وقع عن دعوى المال وأنه يحتمل الفسخ بالإقالة والرد بالعيب والخيار،
فكذا تنفسخ بالاستحقاق، وإذا انفسخ عادت الدعوى كما كانت فيرجع بما ادعاه وهو الألف. أما
الصلح عن القصاص فلا يحتمل الفسخ لأنه بعد سقوطه لا يحتمل العود، لان الصلح عفو فلا يحتمل
النقض كالعتق والنكاح والخلع، فإذا لم يفسخ باستحقاق الجارية بقي الصلح على حاله وهو السبب

356
الموجب تسليم الجارية وقد عجز عن تسليمها فيجب قيمتها. كذا في شرح تلخيص الجامع للفخر
المارديني.
ثم قال: وفيه إشكال، وهو أن يقال: إذا أقررتم أن الصلح عن الدم لا ينتقض باستحقاق
الجارية وجب أن لا يرجع إلى دعواه: يعني سواء كان الصلح عن إنكار أو بينة أو نكول لان الرجوع
إلى الدعوى نتيجة انتقاض الصلح كما تقدم آنفا ولم ينتقض انتهى.
قال في البحر: ولو استحق المصالح عليه أو بعضه رجع إلى الدعوى في كله أو بعضه، إلا إذا
كان مما لا يتعين بالتعيين وهو من جنس المدعى به فيحنئذ يرجع بمثل ما استحق ولا يبطل الصلح،
كما إذا ادعى ألفا فصالحه على مائة وقبضها فإنه يرجع عليه بمائة عند استحقاقها سواء كان الصلح بعد
الاقرار أو قبله كما لو وجدها ستوقة أو نبهرجة، بخلاف ما إذا كان من غير الجنس كالدنانير، هذا إذا
استحقت بعد الافتراق فإن الصلح يبطل، وإن كان قبله رجع بمثلها ولا يبطل الصلح كالفلوس ا ه‍.
قوله: (فإن وقع به) أي بلفظ البيع، بأن عبر بلفظ البيع عن الصلح في الانكار والسكوت بأن قال
أحدهما بعتك هذا الشئ بهذا وقال الآخر اشتريته حيث يرجع المدعي عند الاستحقاق على المدعى
عليه بالمدعي نفسه لا بالدعوى، لان إقدام المدعى عليه على المبايعة إقرار منه بأن المدعي ملك المدعى
فلا يعتبر إنكاره، بخلاف الصلح لأنه لم يوجد منه ما يدل على أنه أقر بالملك له، إذ الصلح قد يقع
لدفع الخصومة كما يأتي قريبا قوله: (لان إقدامه) أي المدعى عليه قوله: (إقرار بالملكية) أي للمدعي،
بخلاف الصلح لأنه لم يوجد منه ما يدل على أنه أقر بالملك له، إذ الصلح قد يقع لدفع الخصومة قوله:
(قبل التسليم له) وأما هلاكه بعد تسليمه له فيهلك على المدعي لدخوله في ضمانه. قوله:
(كاستحقاقه) أي كاستحقاق بدل الصلح كذلك: أي كلا أو بعضا. قوله: (في الفصلين) أي مع إقرار
أو مع سكوت وإنكار فيرجع بالمدعي أو بالدعوى، فإن كان عن إقرار رجع بعد الهلاك إلى المدعي،
وإن كان عن إنكار رجع إلى الدعوى. وإذا هلك بعضه يكون كاستحقاق بعضه حتى يبطل الصلح في
قدره ويبقى في الباقي. منح. قوله: (وهذا) أي رجوعه إلى الدعوى عند استحقاق البدل أو هلاكه
قبل التسليم. قوله: (لو البدل) أي لو كان البدل مما يتعين. قوله: (وإلا) بأن كان لا يتعين وهو من
جنس المدعى به. قوله (لم يبطل) أي الصلح. قوله: (بل يرجع بمثله) كأن كان دراهم أو دنانير، فإن
الصلح لا يبطل بهلاكه لأنهما لا يتعينان في العقود والفسوخ فلا يتعلق بهما العقد عند الإشارة إليهما
وإنما يتعلق بمثلهما في الذمة فلا يتصور فيه الهلاك.
والحاصل: أنه إذا ادعى عليه ألفا فصالحه على مائة وقبضها فإنه يرجع عليه بالمائة عند استحقاقها
سواء كان الصلح قبل الافتراق أو بعده، بخلاف ما إذا كان من غير الحنس كالدنانير هنا إذا استحقت
بعد الافتراق فإن الصلح يبطل، وإن كان قبله فإنه يرجع لمثلها ولا يبطل الصلح كالفلوس كما قدمنا.

357
قوله: (كذا في نسخ المتن والشرح) لعله هو الذي وقع له. والذي في نسخة الشرح التي بيدي
علي. قوله: (أي عين يدعيها) تفسير لما وتخصيص لعمومها فإنها تشمل الدين حلبي. وهذا لو
قائما، ويأتي حكم ما إذا كان هالكا عند قول المتن والصلح عن المغصوب الهالك. قوله: (لجوازه
في الدين) لجواز إسقاطه، وهو علة للتخصيص المذكور: إنما كان هذا خاصا بالعين لجوازه في الدين،
لان الصلح عن دين ببعضه أخذ البعض حقه وإسقاط للباقي كما يأتي وإسقاط الدين جائز، وإنما لم
يجز في العين لان الابراء عن الأعيان لا يصح، ولذا لو زاد على البعض ثوبا أو درهما صح لأنه يجعل
الثوب أو الدرهم بدلا عن الباقي، وكذا لو أبرأه عن الدعوى في باقيها يصح، فلو صالحه على بيت
منها على أن يترك الدعوى في باقيها كأن أخذ البعض حقه وإبراء عن الدعوى في الباقي والابراء عن
الدعوى صحيح، فليس له أن يدعي بعد ذلك ولكن لا يملكها ديانة لعدم وجود التمليك لها لفقد
سببه. قوله: (فلو ادعى عليه دارا) تفريع على المتن وتمثيل له ح. قوله: (على بيت معلوم منها) الظاهر
أنه كان على بعض شائع منها كذلك للعلة المذكورة. قوله: (فلو من غيرها صح) الأولى تأخيره عن
قوله لم يصح وعلته ليكون مفهوما للتقييد بقوله منها وليسلم من الفصل بين لو وجوابها وهو
قوله لم يصح بأجنبي وهو. قوله: فلو من غيرها صح. قوله: (لان ما قبضه من عين حقه) أي بعض
عين حقه وهو على دعواه في الباقي، لان الصلح إذا كان على بعض عين المدعي كان استيفاء لبعض
الحق وإسقاطا للبعض، والاسقاط لا يرد على العين بل هو مخصوص بالدين، حتى إذا مات واحد
وترك ميراثا فأبرأ بعض الورثة عن نصيبه لم يجز لكون براءته عن الأعيان. درر. ويأتي قريبا بأوضح مما
هنا. قوله: (كثوب ودرهم) أشار بذلك إلى أنه لا فرق بين القيمي والمثلي. قوله: (فيصير ذلك) أي
المزيد من الثوب والدرهم. قوله: (عوضا عن حقه فيما بقي) أي فيكون مستوفيا بعض حقه وآخذ
العوض عن البعض. قوله: (أو يلحق) منصوب بأن مضمرة مثل - أو يرسل - فيكون مؤولا بمصدر
مجرور معطوف على مجرور الباء وهو بضم الياء من الافعال. قوله: (عن دعوى الباقي) لان الابراء عن
عينه غير صحيح: أي في حق الدعوى وسقوط العين ديانة كما في المبسوط، ولذا قيد به.
وأما الابراء عن دعوى العين فجائز كما في الدرر، وهو أن يقول برئت عنها أو عن خصومتي
فيها أو عن دعواي هذه الدار فلا تسمع دعواه ولا بينته. وأما لو قال أبرأتك عنها أو عن خصومتي
فيها فإنه باطل، وله أن يخاصم: أي غير المخاطب، كما لو قال لمن بيده عبد برئت منه فإنه يبرأ، ولو
قال أبرأتك لا لأنه إنما أبرأه عن ضمان كما في الأشباه من أحكام الدين.
قلت: ففرقوا بين أبرأتك وبرئت أو أنا برئ لإضافة البراءة لنفسه فتعم، بخلاف أبرأتك لأنه
خطاب الواحد فله مخاصمة غيره كما في حاشيتها معزيا للولوالجية شرح الملتقى.
وفي البحر: الابراء إن كان على وجه الانشاء كأبرأتك، فإن كان عن العين بطل من حيث

358
الدعوى فله الدعوى بها على المخاطب وغيره ويصح من حيث نفي الضمان، وإن كان عن دعواها:
فإن أضاف الابراء إلى المخاطب كأبرأتك عن هذه الدار ألا عن خصومتي فيها أو عن دعوى فيها لا
تسمع دعواه على المخاطب فقط، وإن أضافة إلى نفسه كقوله برئت عنها أو أنا برئ فلا تسمع مطلقا،
هذا لو على طريق الخصوص: أي عين مخصوصة، فلو على العموم فله الدعوى على المخاطب وغيره،
كما لو تبارأ الزوجان عن جميع الدعاوي وله أعيان قائمة له الدعوى بها لأنه ينصرف إلى الديون لا
الأعيان. وأما إذا كان على وجه الاخبار كقوله هي برئ مما لي قبله فهو صحيح متناول للدين والعين
فلا تسمع الدعوى، وكذا لا ملك لي في هذا العين. ذكره في المبسوط والمحيط. فعلم أن قوله لا
أستحق قبله حقا مطلقا ولا دعوى يمنع الدعوى بالعين والدين، لما في المبسوط: لا حق لي قبله يشمل
كل عين ودين، فلو ادعى حقا لم يسمع ما لم يشهدوا أنه بعد البراءة ا هما في البحر ملخصا. وقوله
بعد البراءة يفيد أن قوله لا حق لي إبراء عام لا إقرار. قوله: (الصحة مطلقا) ولو من غير هذه الحيلة
فلا تصح الدعوى بعده وإن برهن.
أقول: الابراء عن الأعيان لا يصح اتفاقا، أما في خصوص المسألة، وهو ما إذا ادعى دارا
وصالحه على بيت منها يصح في ظاهر الرواية، ويجعل كأنه قبل منه بعض حقه وأبرأه عن الدعوى في
باقيه كما قدمنا، لان الابراء عن العين إبراء عن الدعوى فيه، والابراء عن الدعوى في الأعيان
صحيح. وعلى ما في المتن وهو رواية ابن سماعة لم يجعله إبراء عن الدعوى وقال بعدم صحته.
قال في الاختيار: ولو ادعى دارا فصالحه على قدر معلوم منها جاز ويصير كأنه أخذ بعض حقه
وأبرأه عن دعوى الباقي، والبراءة عن العين وإن لم تصح لكن البراءة عن الدعوى تصح، فصححناه
على هذا الوجه قطعا للمنازعة ا ه‍.
وفي الذخيرة البرهانية: ادعى دارا في يد رجل واصطلحا على بيت معلوم من الدار فهو على
وجهين: إن وقع الصلح على بيت معلوم من دار أخرى للمدعى عليه فهو جائز، وإن وقع الصلح على
بيت معلوم من الدار التي وقع فيها الدعوى فذلك الصلح جائز لأنه في زعم المدعي أنه أخذ بعض
حقه وترك البعض، وفي زعم المدعى عليه أنه فداء عن يمينه. وإذا جاز هذا الصلح هل يسمع دعوى
المدعى بعد ذلك وهل تقبل إن كان البيت من دار أخرى؟ لا تسمع دعواه باتفاق الروايات، لان هذا
معاوضة باعتبار جانب المدعي فكأنه باع ما ادعى بما أخذ.
وفيما إذا وقع الصلح على بيت من هذه الدار ذكر شيخ الاسلام نجم الدين النسفي في شرح
الكافي أنه تسمع، وهكذا يفتي الشيخ الامام الاجل ظهير الدين المرغيناني، وذكر شيخ الاسلام في
شرحه أنه لا تسمع دعواه. وروى ابن سماعة عن محمد أنه تسمع.
قالوا: وهكذا ذكر في بعض روايات الصلح، واتفقت الروايات أن المدعى عليه لو أقر بالدار
للمدعي أنه يؤمر بتسليم الدار إليه، وفي رواية ابن سماعة أن المدعي بهذا الصلح استوفى بعض حقه أو
أبرأ عن الباقي، إلا أن الابراء لاقى عينا والابراء عن الأعيان باطل، فصار وجوده وعدمه بمنزلة شئ
واحد. وجه ظاهر الرواية أن الابراء لاقى عينا ودعوى فإن المدعي كان يدعي جميع الدار لنفسه
والابراء عن الدار صحيح، وإن كان الابراء عن العين لا يصح، فإن من قال لغيره أبرأتك عن دعوى

359
هذا العين صح الابراء حتى لو ادعى بعد ذلك فلا تسمع.
أو نقول: الابراء لاقى الدعوى، فإن قوله أبرأتك عن هذه العين معناه أبرأتك عن دعوى هذه
العين، ألا ترى أن قول المغصوب منه للغاصب أبرأتك عن العبد المغصوب معناه أبرأتك عن ضمان
العبد المغصوب، وبهذه المسألة تبين أن معنى قولنا البراءة عن الأعيان لا تصح أن العين لا تصير ملكا
للمدعى عليه بالابراء لا أن يبقى المدعي على دعواه.
وفي آخر كتاب الدعوى في منتقى ابن سماعة عن محمد: في رجل خاصم رجلا في دار يدعيها
ثم قال أبرأتك عن هذه الدار أو قال أبرأتك عن خصومتي هذا كله باطل وله أن يخاصم، ولو
قال برئت من هذه الدار أو قال برئت من دعوى هذه الدار كان جائزا ولا حق فيها، ولو جاء ببينة لم
أقبلها.
وفي منتقى إبراهيم بن رستم عن محمد: رجل ادعى دارا في يد رجل فصالحه المدعى عليه على
نصفها وقال برئت من دعواي في النصف الباقي أو قال برئت من النصف الباقي أو قال لا حق لي
في النصف الباقي ثم أقام البينة على جميع الدار لا تقبل بينته، ولو قال صالحتك على نصفها على أني
أبرأتك من دعواي في النصف الآخر ثم أقام بينة كان له أن يأخذ الدار كلها، وفرق بين قوله برئت
وبين قوله أبرأتك. قال: ألا ترى أن عبدا في يد رجل لو قال لرجل برئت منه كان بريئا منه، ولو
قال أبرأتك منه كان له أن يدعيه وربما أبرأه من ضمانه. قال: وقال أصحابنا رحمهم الله تعالى أنت
مني برئ وأنا منك برئ كان له أن يدعي في العبد ا ه‍. قوله: (في العزمية) ووجهه كما في
الحموي أن الابراء لاقى عينا ودعوى والابراء عن الدعوى صحيح، فإن من قال لغيره أبرأتك عن
دعوى هذه العين صح، ولو ادعاه بعد لم تسمع. قوله: (للبزازية) عبارتها: وهذا هو المذكور في أكثر
الفتاوى على اختلاف ظاهر الرواية وفي ظاهر الرواية يصح، ولا تصح الدعوى وإن برهن. قوله:
(وقولهم) جواب سؤال وارد على ظاهر الرواية، تقديره: كيف صح الصلح على بعض العين المدعاة
مطلقا مع أنه يلزم منه البراءة عن باقيها؟
وقد قالوا: الابراء عن الأعيان باطل، ومقتضاه أنه لا يصح. أفاده الطحطاوي. لكن ما ذكره
وارد على كلام الماتن على ظاهر الرواية، إذ لا تعرض للابراء فيها، وما تضمنه الصلح إسقاط للباقي لا
إبراء، فافهم وتأمل. قوله: (عن دعوى الأعيان) الأنسب هنا حذف. قوله: دعوى كما يظهر مما
تقدم من عبارة الذخيرة، وهو المناسب لسياق كلامه ولما يأتي من الاستدراك الآتي في. قوله: لكن
تسمع دعواه في الحكم إذ لو بطل الابراء عن الدعوى لسمعت دعواه، ولأن الفقه صحة البراءة عن
دعوى الأعيان كما مر بلا خلاف فيها، ولو قال الابراء عن الأعيان باطل ديانة لا قضاء لكان أحكم،
والله تعالى أعلم. قوله: (ولم يصر ملكا للمدعى عليه) هو المقصود من المقام: أي أن معنى بطلان
البراءة عن الأعيان أنها لا تصير ملكا للمبرئ منها فحل للمدعي أخذها إن وجدها، وليس معنى

360
البطلان المذكور أنه يسوغ له الدعوى بها بعد الابراء منها. أبو السعود قوله: (وأما الصلح على بعض
الدين) مفهوم. قوله: سابقا أي عين يدعيها.
قال المقدسي معزيا للمحيط: له ألف فأنكره المطلوب فصالحه على ثلاثمائة من الألف صح ويبرأ
عن الباقي قضاء لا ديانة، ولو قضاه الألف فأنكر الطالب فصالحه بمائة صح ولا يحلى له أخذها ديانة،
فيؤخذ من هنا ومن أن الربا لا يصح الابراء عنه ما بقيت عينه عدم صحة براءة قضاة زماننا مما
يأخذونه ويطلبون الابراء فيبرئونهم، بل ما أخذه عن الربا أعرق (1) بجامع عدم المحل في كل.
واعلم أن عدم براءته في الصلح استثنى منه في الخانية ما لو زاد أبرأتك عن البقية. سائحاني:
أي حيث يبرأ حينئذ قضاء وديانة.
قلت: ويظهر من هذا أن ما تضمنه الصلح من الاسقاط ليس إبراء من وجه، وإلا لم يحتج.
لقوله: وأبرأتك عن البقية. قوله: (أي قضاء لا ديانة) هذا إذا لم يبرئ الغريم من الباقي وإلا برئ
ديانة كما علمت.
أقول: تأمل فيه مع أنهم قالوا: إن الصلح عن الدين على بعضه أخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي
وإسقاط الدين يصح. فالذي يظهر أنه يسقط قضاء وديانة، ولو تم ما ذكره هنا لم يبق فرق بين الدين
والعين على ظاهر الرواية. تأمل. قوله: (وتمامه في أحكام الدين من الأشباه) وعبارتها: ومنها صحة
الابراء عن الدين، ولا يصح الابراء عن الأعيان والابراء عن دعواها صحيح، فلو قال أبرأتك عن
دعوى هذا العين صح الابراء فلا تسمع دعواه بها بعده، ولو قال برئت من هذه الدار ومن دعوى هذه
لم تسمع دعواه وبينته، ولو قال أبرأتك عنها أو عن خصومتي فيها فهو باطل وله أن يخاصم، وإنما
أبرأه عن ضمانه. كذا في النهاية من الصلح.
وفي كافي الحاكم: لا حق لي قبله يبرأ من الدين والعين والكفالة والإجارة والحدود والقصاص
ا ه‍.
وبه علم أنه يبرأ من الأعيان في الابراء العام، لكن في مداينات القنية: افترق الزوجان وأبرأ كل
واحد منهما صاحبه عن جميع الدعاوي وكان للزوج بذر في أرضها وأعيان قائمة الحصاد والأعيان
القائمة لا تدخل في الابراء عن جميع الدعاوي. ا ه‍. ويدخل في الابراء العام الشفعة فهو مسقط لها
قضاء لا ديانة إن لم يقصدها. كذا في الولوالجية.
وفي الخانية: الابراء عن العين المغصوبة إبراء عن ضمانها وتصير أمانة في يد الغاصب. وقال
زفر: لا يصح الابراء وتبقى مضمونة، ولو كانت العين مستهلكة صح الابراء وبرئ من قيمتها ا ه‍.
فقولهم حينئذ الابراء عن الأعيان باطل معناه: أنها لا تكون ملكا له بالابراء، وإلا فالابراء عنها
لسقوط ضمانها صحيح أو يحمل على الأمانة ا ه‍: أي إن البطلان عن الأعيان محله إذا كانت الأعيان
أمانة، لأنها إذا كانت أمانة لا تلحقه عهدتها فلا وجه للابراء عنها. تأمل.



(1) قوله: (أعرق) بالقاف: أي أشد حالا في التحريم من الربا ا ه‍ منه.
361
وحاصله: أن الابراء المتعلق بالأعيان: إما أن يكون عن دعواها وهو صحيح مطلقا، وإن تعلق
بنفسها: فإن كان مغصوبة هالكة صح أيضا كالدين، وإن كانت قائمة فهي بمعنى البراءة عنها عن
ضمانها لو هلكت وتصير بعد البراءة من عينها كالأمانة لا تضمن إلا بالتعدي عليها، وإن كانت العين
أمانة فالبراءة لا تصح ديانة بمعنى أنه إذا ظفر بها مالكها أخذها وتصح قضاء فلا يسمع القاضي دعواه
بعد البراءة. هذا ملخص ما استفيد من هذا المقام ط، وقدمنا قريبا زبدته وزيادة وهو كلام حسن
يرشدك إلى أن قول الشارح معناه الخ محمول على الأمانة إلى أن قوله فتصح قضاء فيه أنه باطل والحالة
هذه فلا تصح لا قضاء ولا ديانة، بل حملوا إطلاق قولهم البراءة عن الأعيان باطلة على هذه الصورة
تأمل.
بقي لو ادعى عينا عليه في يده فأنكره ثم أبرأه المدعي عنها فهو بمنزلة دعوى الغصب لأنه
بالانكار صار غاصبا، وهل تسمع الدعوى بعده لو قائمة؟ الظاهر نعم. قوله: (وقد حققته في شرح
الملتقى) نصه قلت: وقولهم عن الأعيان لا يصح معناه أن العين لا تصير ملكا للمدعى عليه لا أنه
يبقى على دعواه بل تسقط في الحكم إذا كان الابراء مضافا للمتكلم كالصلح عن بعض الدين فإنه إنما
يبرأ عن باقيه في الحكم لا في الديانة: أي عن غير ما في غير الذمة إذ لا يسقط بالاسقاط. أما القائم
بها فيسقط به، والصلح إما إسقاط للباقي أو إبراء عنه، وكلاهما صحيح في دين الذمة، ولذا لو ظفر
به أخذه. قهستاني وبرجندي وغيرهما. وأما الابراء عن دعوى الأعيان فصحيح بلا خلاف ا ه‍ ح. لكن
قوله لأنه يبقى على دعواه الخ مخالف لما نقلناه عن شرح الملتقى آنفا عند قوله عن دعوى الباقي.
وفي الخلاصة: أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتي فيها أو عن دعواي فيها فهذا كله باطل،
حتى لو ادعى بعده تسمع، ولو أقام بينة تقبل ا ه‍. لكن في قوله لو ادعى بعده تسمع: أي على غير
المخاطب كما مر عن البحر تأمل.
والحاصل: أن الذي تعطيه عبارة الكتب المشهورة إن كان الابراء عنها على وجه الانشاء، فإما أن
يكون عن نفس العين أو عن الدعوى بها، فإن كان عن نفس العين فهو باطل من جهة أن له الدعوى
بها على المخاطب وغيره صحيح من جهة الابراء عن وصف الضمان، فالابراء الصادر في المنقول
والعقار إبراء عن الأعيان لا يمنع الدعوى بأدواتها على المخاطب ولا غيره، فافهم تغنم. قوله: (وصح
الصلح عن دعوى المال) لأنه في معنى البيع، فما جاز بيعه جاز صلحه. درر.
ولما كان جواز الصلح وعدم جوازه دائرا على أصل وهو وجوب حمل الصلح على أقرب عقد من
العقود المعهودة وأشباهها مهما أمكن وصح هذا الصلح لأنه محمول على عقد البيع لاشتراكهما في
مبادلة المال بالمال وهي حقيقة البيع، وصح عن دعوى المنفعة حملا على الإجارة وعن دعوى الرق حملا
على العتق بمال لاشتراكهما في تمليك المنفعة بعوض في الأول وفي أصل المعنى في الثاني، فيراعى في
الملحق ما يراعى في الملحق به مهما أمكن. وذكر فساد صلح الزوج عن دعوى المرأة النكاح وفساد
صلح عن دعوى حد الخ بناء على هذا الأصل أيضا، لأنه لما لم يكن الحمل على واحد من العقود
المعهودة ولم يكن مصحح آخر في كل منها حكم بفساده. تدبر. قوله: (ولو بإقرار) بيان لوجه
الاطلاق: أي سواء كان بإقرار أو سكوت أو إنكار، وسواء كما بمال أو بمنفعة. قوله: (وبمنفعة) أي

362
ولو بمنفعة، ويكون بمعنى الإجارة إذا كان عن إقرار. قوله: (وعن دعوى المنفعة) صورته: أن يدعي
على الورثة أن الميت أوصى بخدمة هذا العبد وأنكر الورثة لان الرواية محفوظة. على أنه لو ادعى
استئجار عين والمالك ينكر ثم صالح لم يجز ا ه. وفي الأشباه: الصلح جائز عن دعوى المنافع إلا
دعوى إجارة كما في المستصفى ا ه‍. رملي. وهذا مخالف لما في البحر. تأمل قوله: (ولو بمنفعة عن
جنس آخر) الأولى التعبير بمن كالصلح عن السكنى على خدمة العبد، بخلاف الصلح عن السكنى على
سكنى فلا يجوز كما في العيني والزيلعي. قال السيد الحموي: لكن في الولوالجية ما يخالفه، حيث
قال: وإذا ادعى سكنى دار فصالحه على سكنى دار أخرى مدة معلومة جاز، وإجارة السكنى بالسكن
لا تجوز. قال: وإنما كان كذلك لأنهما ينعقدان تمليكا بتمليك ا ه‍. أبو السعود. وذكره ابن ملك في
شرح الوقاية مخالفا لما ذكره في شرحه على المجمع. قال في اليعقوبية: والموافق للكتب ما في شرح
المجمع.
والحاصل: أن الجنس إحدى علتي الربا وبإحدى العلتين يحرم، فتمليك المنافع لا يكون إلا نسيئة
لحدوثه آنا بعد آن، فيمتنع مع اتحاد الجنس لا مع اختلافه. قوله: (وعن دعوى الرق وكان عتقا على
مال) صورته: إذا ادعى على مجهول الحال أنه عبده فصالحه المدعى عليه على مال جاز وكان عتقا بمال
مطلقا: أي في حق المدعي والمدعى عليه إن كان عن إقرار، وفي حق المدعي إن كان عن سكوت أو
إنكار، ويكون حينئذ فداء يمين وقطعا للخصومة في حق المدعى عليه. قوله: (ويثبت الولاء) لو وقع
الصلح بإقرار: أي من المدعى عليه وهو العبد. قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن بإقرار بأن كان الصلح
عن إنكار أو سكوت. قوله: (لا) أي لا يثبت الولاء لأنه لم يصدقه على أنه معتقه بل ينكر العتق
ويدعي أنه حر الأصل، ومن ادعى ولاء شخص لا يثبت له إلا بتصديق المدعى عليه كما تقدم في
الاقرار. قوله: (إلا ببينة) أي إلا أن يقيم المدعي البينة بعد ذلك فتقبل بينته في حق ثبوت الولاء عليه
لا غير حتى لا يكون رقيقا، لأنه جعل معتقا بالصلح فلا يعود رقيقا. منح قوله: (ولا يعود بالبينة
الخ) يغني عنه قوله وكان عتقا على مال، لان بالبينة أثبت أنه كان رقيقا قبل الصلح وقد وقع الصلح
عتقا على مال على ما قدمه فلا وجه لعوده رقيقا. قوله: (المدعي) بالبناء للمجهول، وسيأتي آخر الباب
استثناء مسألة، وهي قوله إلا في الوصي على مال الخ. قوله: (بأخذ البدل) متعلق بنزل. قال
الحموي: ولو كان المدعي كاذبا لا يحل له البدل ديانة. قوله: (نزل بائعا) أي بأخذ البدل: أي فيما
يصلح أن يكون بائعا فيه أو مستأجرا أو مؤجرا أو معتقا على مال أو مختلفا فيما يصلح له. قوله (عن
دعوى الزوج) لو أسقط لفظ الزوج ما ضر. قال في الشرنبلالية: لو أسقط لفظ الزوج لكان أولى. ثم
قال: وهذا إذا لم تكن ذات زوج، لأنه لو كان لها زوج لم يثبت نكاح المدعي فلا يصح الخلع انتهى.
قوله: (على غير مزوجة) أما لو كان لها زوج: أي ثابت لم يثبت نكاح المدعي فلا يصح الخلع.
شرنبلالية. قال القهستاني: لأنه لو كانت ذات زوج لم يصح الصلح، وليس عليها العدة ولا تجديد
النكاح من زوجها كما في العمادية، وشمل كلامه ما إذا ادعى أنها زوجته قبل أن يتزوجها هذا الزوج

363
الموجود في حال الدعوى، لأنه حين ادعى النكاح ادعاه على غير مزوجة. أما لو ادعى أنه تزوجها في
حال قيام الزوجية لم تصح دعواه فلا يصح صلحه لعدم تأتي كونه خلعا، وكذا لو لم يحل له نكاح
المدعى عليه كتزوج أختها أو أربع سواها فدعواه لا تصح حينئذ، ولا وجه لصحة صلحه لعدم إمكان
كونه خلعا، لان الخلع لا يكون إلا بعد النكاح الصحيح. قوله: (وكان خلعا) ظاهر أنه ينقص عدد
الطلاق فيملك عليها طلقتين لو تزوجها بعد، أما إذا كان عن إقرار فظاهر، وأما إذا كان عن إنكار أو
سكوت فمعاملة له بزعمه، فتدبر ط. قوله: (ولا يطيب لو مبطلا) هذا عام في جميع أنواع الصلح.
كفاية.
والحاصل: أن ما يأخذه بدلا عن الصلح إن كان محقا في دعواه فإنه يطيب له، فإن كان في
دعوى المال فإنه بدل ماله، وإن كان في دعوى المنفعة فإنه أجرة ماله، وإن كان في دعوى الرق فإنه
بدل العتق، وإن كان في دعوى النكاح فإنه بدل الخلع، ولو كان مبطلا في دعواه لا يطيب له ما
يأخذه لأنه أكل مال أخيه بالباطل، وهذا عام في كل مسائل الصلح. قوله: (لعدم الدخول) أي إذا
كان كذلك في نفس الامر. أما لو علم صحة دعواه وأنه دخل بها أو اختلى لا يحل لها إلا بعد انقضاء
العدة. قوله: (لم يصح) لأنه إن جعل ترك الدعوى منها فرقة فلا عوض على الزوج في الفرقة منها،
كما إذا مكنت ابن زوجها، وإن لم تجعل فرقة فالحال على ما كان عليه قبل الدعوى، لان الفرقة لما لم
توجد كانت الدعوى على حالها لبقاء النكاح في زعمها فلم يكن شئ ثمة يقابله العوض فكان رشوة
ا ه‍. درر والظاهر أنه لا يجوز لها التزوج بغيره معاملة لها بزعمها ط.
قال الزيلعي: وإن كانت هي المدعية والزوج ينكر ذكر في بعض نسخ المختصر أنه لا يجوز، لأنه
لو جعل ترك الدعوى منها طلاقا فالزوج لا يعطي العوض في الفرقة إذ لم يسلم له شئ في هذه
الفرقة وهي يسلم لها المال والنفس، وإن لم يجعل فرقة فالحال بعد الصلح على ما كان عليه قبله فتكون
على دعواها فلا يكون هذا الصلح مفيدا قطع الخصومة فلا يصار إليه. وذكر في بعضها أنه يجوز لأنه
يجعل كأنه زادها على مهرها ثم خالعها على أصل المهر دون الزيادة فيسقط المهر غير الزيادة انتهى. قال
الحموي: وأطال صاحب غاية البيان في ترجيح عدم الجواز. قوله: (وصحح الصحة في درر البحار)
لأنه يجعل كأنه زاد في مهرها إلى آخر ما قدمناه، وأقره في غرر الأفكار، وعليه اقتصر في البحر فكان
فيه اختلاف التصحيح. وعبارة المجمع: وادعت هي نكاحه فصالحها جاز، وقيل لم يجز.
فائدة: في فروق المحبوبي: لو ادعت امرأة أن زوجها طلقها ثلاثا وأنكر الزوج فصالحها على مائة
درهم على أن تبرئه من الدعوى لم يصح، ويرجع الزوج عليها والمرأة على دعواها. ولو ادعى على امرأة
نكاحها فجحدت فصالحها على مائة درهم لتقر فأقرت صح ويلزمه المال ويكون هذا ابتداء عقد، وبه
يظهر الفرق بين الأولى والثانية، لان في الفصل الأول لا يمكن جعله ابتداء عقد، وفي الثانية ممكن.
قوله: (المأذون له) أي بالتجارة. قوله: (عمدا) قيد به، لأنه لو كان القتل خطأ فالظاهر الجواز لأنه

364
يسلك به مسالك الأموال ط. قوله: (فلم يلزم المولى) لأنه لم يأذن به وإنما أذن له فيما هو من أعمال
التجارة وليس هذا منها. قال المقدسي: فإن أجازه صح عليه، وإلا لا. قوله: (لكن يسقط به القود)
لأنه صحيح بينه وبين أولياء المقتول لأنه مكلف فيصح تصرفه في حق نفسه لا في مال الغير وهو المولى
بغير إذنه، لان الولي أسقطه بالبدل ولا مانع من جانبه.
وحاصله كما في العناية: أن نفس العبد ليست من كسبه فلا يجوز له التصرف فيها، ولم يجب
البدل في حق المولى بل تأخر إلى ما بعد العتق لان صلحه عن نفسه صحيح لكونه مكلفا، ولم يصح
في حق المولى فصار كأنه صالحه على بدل مؤجل يؤاخذ به بعد العتق. قوله: (ويؤاخذ) أي المأذون
المصالح، لأنه قد التزم المال وهو معسر في حال رقه فينظر إلى الميسرة وهي تكون بعد عتقه. قوله:
(وإن قتل عبد له) عبد فاعل قتل. قوله: (وصالحه المأذون) على تقدير مضاف: أي صالح أولياءه:
يعني إذا كان لهذا المأذون عبد قتل رجلا عمدا فصالح عنه مولاه المأذون جاز، وهكذا التصوير في
غاية البيان، فالمراد بالمولى العبد المأذون وهو مولى عبد قاتل عمدا، وأطلق صحة هذا الصلح فشمل أنه
صحيح سواء كان على هذا المولى المأذون دين أو لم يكن، وسواء كان على عبده دين أو لم يكن كما في
تكملة الديري. وفي التعبير بالمولى عن المأذون تعسف، كما نبه عليه عزمي زاده. ووجهه أن المولى إنما
يطلق على الأسفل بعد عتقه ورق المأذون قائم فلا يصح إطلاق المولى عليه كما أفاد المولى أبو السعود.
قوله: (لأنه من تجارته) لان استخلاصه كشرائه. منح. لأنه باستحقاق القتل كالزائل عن ملكه وهو لو
خرج عن ملكه كان له أن يشتريه فكذا له أن يستخلصه، بخلاف المكاتب حيث يجوز له أن يصالح عن
نفسه كما سيأتي. قوله: (والمكاتب كالحر) أي لخروجه عن يد المولى إذ هو حر يدا واكتسابه له ما لم
يعجز، بخلاف المأذون فإنه عبد من كل وجه وكسبه لمولاه ولهذا نفذ تصرفه على نفسه حيث جاز
صلحه عنها. قال في الدرر: ولهذا إن ادعى أحد رقيته فإنه يكون خصما فيه، وإذا جنى عليه كان
الأرش له، وإذا قتل لا تكون قيمته للمولى، بل لورثته تؤدى منها كتابته، ويحكم بحريته في آخر
حياته، ويكون الفضل لهم، فصار كالحر فيجوز صلحه عن نفسه ولا كذلك المأذون. ذكره الزيلعي
انتهى. قوله: (والصلح عن المغصوب) أي القيمي، لأنه لو كان مثليا فهلك فالمصالح إن كان من
جنس المغصوب لا تجوز الزيادة اتفاقا، وإن كان من خلاف جنسه جاز اتفاقا. ابن ملك: أي جاز مع
اختلاف الجنس. قوله: (الهالك) قيد به لأنه لا خلاف في الصلح بالأكثر عند قيامه، إذ لا نظر للقيمة
حينئذ أصلا. ابن ملك. قوله: (على أكثر من قيمته) أي ولو بغبن فاحش. قال في غاية البيان:
بخلاف الغبن اليسير فإنه لما دخل تحت تقويم المقومين لم يعد ذلك فضلا فلم يكن ربا: أي عندهما،
وقيد. بقوله: على أكثر من قيمته لأنه محل الخلاف.
قال في جامع الفصولين: غصب كر بر أو ألف درهم فصالح على نصفه، فلو كان المغصوب
هالكا جاز الصلح، ولو قائما لكن عينه أو أخفاه وهو مقر أو منكر جاز قضاء لا ديانة، ولو حاضرا
يراه لكن غاصبه منكر جاز كذلك، فلو وجد المالك بينة على بقية ماله قضى له به، والصلح على بعض
حقه في كيلي أو وزني حال قيامه باطل، ولو أقر بغصبه وهو ظاهر في يده ويقدر مالكه على قبضه

365
فصالحه على نصفه على أن يبرئه مما بقي جاز قياسا لا استحسانا، ولو صالحه في ذلك على ثوب ودفعه
جاز في الوجوه كلها إذ يكون مشتريا للثوب بالمغصوب، ولو كان المغصوب قنا أو عرضا فصالح
غاصبه مالكه على نصفه وهو مغيبه عن ملكه وغاصبه مقر أو منكر لم يجز، إذ صلحه على نصفه إقرار
بقيامه، بخلاف كيلي أو وزني إذ يتصور هلاك بعضه دون بعضه عادة، بخلاف ثوب وقن اه‍. قوله:
(قبل القضاء بالقيمة) أما بعد القضاء لا يجوز، لان الحق انتقل بالقضاء إلى القيمة. منح. فيرد الزيادة
على القيمة. أبو السعود. قوله: (جائز) عند الامام خلافا لهما لان حق المالك في الهالك لم ينقطع ولم
يتحول إلى القيمة فكان صلحا عن المغصوب لا عن قيمته، فلا يكون اعتياضه بأكثر من قيمته ربا،
والزائد على المالية يكون في مقابلة الصورة الباقية حكما لا القيمة. وعندهما: لا يجوز إذا كان بغبن
فاحش، لان حقه في القيمة فالزائد عليها ربا، ومحل ذلك إذا لم يكن مثليا صولح عنه على مثله فإنه لا
تجوز الزيادة حينئذ، وإن كان من خلاف جنسه جاز اتفاقا.
والحاصل: أن الامام يقول: إن الضمان بدل عن العين المستهلكة فيجوز بالغا ما بلغ، كما إذا
كانت قائمة حقيقة. والصاحبان يقولان: إن القيمة هي الواجبة في ضمان العدوان لأنها هي التي
يمكن وجوبها في الذمة دون العين فيكون المأخوذ بدلا عن القيمة عند الصاحبين، فما زاد عن القيمة
يكون ربا. أبو السعود. قوله: (كصلحه بعرض) أي سواء كانت قيمته كقيمة الهالك أو أقل أو أكثر،
وإنما ذكرها الشارح هنا مع أنها ستأتي متنا إشارة إلى أن محلها هنا، وظاهره أن الصلح عن قيمي
بعرض، وإن كانت قيمته أكثر جاز على هذا الخلاف، وليس كذلك بل الصلح على عرض، وإن كانت
قيمته أكثر من قيمة المغصوب جائز اتفاقا. صرح به في الكافي وغيره.
غاية ما يقال: إن مقارنته بما قبله لمجرد تساويهما في الصحة عند زيادة البدل عن قيمة المبدل
وإن كان أحدهما اختلافيا والآخر اتفاقيا. نعم لو أفرده بالذكر كما في الهداية وكما فعل المصنف لكان
أولى. قوله: (فلا تقبل إلخ) لان بالصلح قد أخذ بعض حقه وأسقط باقيه، والساقط لا يعود. قوله:
(ولا رجوع للغاصب على المغصوب منه بشئ) أي سواء كان قبل القضاء بقيمة المغصوب أو بعده لعدم
ظهور الربا بين العرض وقيمة المغصوب لفقد العلتين فيه، بخلاف ما لو دفعها من جنس القيمة بعد
القضاء بها، لان تقدير القاضي كتقدير الشارع، فإذا دفع أزيد منه تحقق الربا إن كان من جنس ما قدره
القاضي. أما لو قضى بالدراهم فدفع الدنانير أو بالعكس فيجوز أيضا لفقد العلة وهو اتحاد الجنس،
لكن يشترط القبض في مجلس الصلح لئلا يفترقا عن دين بدين. أفاده الرحمتي.
تنبيهات: الصلح على أكثر من مهر المثل جائز، ولو طلقها بعد الدخول أو ماتت لا يجوز إلا
على قدر مهر المثل، لأنه يصير بمنزلة الدين ولم يبق له حكم المهر ولذا لا يجوز الزيادة فيه.
استهلك إناء فضة وقضى بالقيمة وافترقا قبل القبض لم يبطل، وكذا لو اصطلحا بلا قضاء
غصب طوق ذهب مائتا مثقال فضاع فصالحه على مائة ثم أقر المدعي أن أحدهما كان ملك المدعى عليه
فالصلح جائز عن الثاني ولا يرجع عليه، ولو أقام المدعي بينة على الألف والدار بعد الصلح كان على

366
حقه الدار لان المائتين التي أخذهما إنما هما من الألف وقد حط عن الباقي منها، ولو ادعى دارا أو
ألفا فصالحه على ألف ثم برهن على نصف الدار ونصف الألف لم يكن له من ذلك شئ، ولو أقام
البينة على ألف درهم ونصف الدار كانت الألف قضاء بالألف وأخذ نصف الدار، ولو استحقت الدار
من يد المدعى عليه لم يرجع من الألف بشئ لأنه يقول الألف التي قبضت عن التي ادعيت، وقياس
الألف والدار الدرهم والدينار.
ووجه عدم كون البدل عن الجميع أو الشراء الواحد لا ينتظم الاسقاط والمعاوضة، ولو أعطاه
ثوبا عن جميع حقه فهو صلح الجميع. قوله: (ولو أعتق موسر عبدا إلخ) قيد بالموسر، لأنه لو كان
معسرا يسعى العبد في نصفه كما في مسكين. قوله: (لا يجوز لأنه مقدر شرعا) قال في الدرر: لان
القيمة في العتق منصوص عليها، وتقدير الشارع ليس أدنى من تقدير القاضي فلا تجوز الزيادة عليه
اه‍. بخلاف ما تقدم لأنها غير منصوص عليها، وإن صالحه على عرض جاز كيفما كان لأنه لا يظهر
الفضل عند اختلاف الجنس. عيني. قوله: (لعدم الربا) لأنه قوبل صورة بصورة على قوله أو قيمة
بصورة على قولهما، وعلى كل فلا ربا. قوله: (وصح في الجناية العمد إلخ) شمل ما إذا تعدد القاتل
أو انفرد حتى لو كانوا جماعة فصالح أحدهم على أكثر من قدر الدية جاز، وله قتل البقية والصلح
معهم، لان حق القصاص ثابت على كل واحد منهم على سبيل الانفراد. تأمل. رملي. قوله: (ولو في
نفس مع اقرار) تفسير للاطلاق: أي سواء كان العمد في النفس أو ما دونها، وسواء كان الصلح عن
إقرار أو إنكار أو سكوت. قوله: (بأكثر من الدية) أي في النفس. قوله: (والأرش) أي في
الأطراف. قوله: (أو بأقل) أي على أقل وإن كان أقل من عشرة دراهم لأنه لا موجب له، وإنما يجب
بالعقد فيقدر بتقديرهما، بخلاف النكاح حيث لا يجوز تسمية ما دون العشرة فيه لأنه مقدر شرعا.
قوله: (لعدم الربا) لان الواجب فيه القصاص وهو ليس بمال فلا يتحقق فيه الربا، فلا يبطل الفضل
لعدم المجانسة بين موجب العمد وهو القصاص والمدفوع من المال. قوله: (كذلك) أي بأكثر من
الدية: أي مطلقا في النفس أو الأطراف مع الاقرار أو السكوت أو الانكار. قوله: (لا تصح الزيادة)
أفاد بالتقييد بالزيادة صحة النقص ويجعل إسقاط ط. وإذا لم تصح الزيادة فالصلح صحيح والزيادة غير
لازمة كما في الدرر والشرنبلالية. قوله: (لان الدية في الخطأ مقدرة) أي شرعا والزيادة عليها تكون
ربا فيبطل الفضل، ومقاديرها مائة بعير أو مائتا بقرة أو مائتا شاة أو مائتا حلة أو ألف دينار أو عشرة
آلاف درهم. عزمي عن الكافي. فلا تجوز الزيادة عليه، كما لا يجوز الصلح في دعوى الدين على أكثر
من جنسه ط.
قال الرحمتي: وهذا في الدراهم والدنانير ظاهر. وأما في الإبل فينبغي الجواز لفقد القدر. ا ه‍.

367
أقول: سيأتي قريبا ما يؤيده، فافهم. قوله: (بغير مقاديرها) أي بغير الذهب والفضة والإبل،
كأن صالح بعروض أو حيوان غير ما ذكر صح سواء كانت قيمته قدر دية أو لا. وأفاد أن الكلام فيما
إذا صالح على أحد مقادير الدية المتقدمة. قوله: (بشرط المجلس) أي بشرط القبض في المجلس إذا كان
ما وقع عليه الصلح دينا في الذمة، وهذا مقيد بما إذا كان الصلح بمكيل أو موزون كما قيده في
العناية. ح بزيادة من ط. قوله: (لئلا يكون دين بدين) أي افترقا عن دين وهو الدية بدين وهو ما
وقع عليه الصلح. قوله: (أحدهما) كالإبل مثلا. قوله: (يصير) بضم الياء وفتح الصاد وكسر الياء
المشددة فعل مضارع. قوله: (كجنس آخر) فلو قضى القاضي بمائة بعير فصالح القاتل عنها على أكثر
من مائتي بقرة وهي عنده ودفعها جاز، لان الحق تعين فيه بالقضاء فكان غيره من المقادير كجنس آخر
فأمكن الحمل على المعاوضة. منح
وفي الجوهرة: إنما جاز ذلك لان قضاء القاضي عين الوجوب في الإبل، فإذا منح صالح على البقر
فالبقر الآن ليست بمستحقة وبيع الإبل له بالبقر جائز.
وإذا صالح عن الإبل بشئ من المكيل والموزون مؤجل فقد عارض دينا بدين فلا يجوز، وإن
صالح عن الإبل على مثل قيمة الإبل أو أكثر مما يتغابن فيه جاز لان الزيادة غير متعينة، وإن كان لا
يتغابن فيها لا لأنه صالح على أكثر من المستحق ا ه‍. وقوله على أكثر الظاهر أنه بالأقل كذلك
بالأولى. قاله أبو الطيب. قوله: (فسد) لان هذا صلح عن مال فيكون نظير الصلح عن سائر الديون.
قوله: (ويسقط القود) أي في العمد: أي مجانا: إن سمي نحو خمر: يعني يصير الصلح الفاسد فيما
يوجب القود عفوا عنه، وكذا على خنزير أو حر كما في الهندية، وهذا بخلاف ما إذا فسد بالجهالة.
قال في المنح في الكلام على العمد: ثم إذا فسدت التسمية في الصلح كما إذا صالح على دابة أو
ثوب غير معين تجب الدية، لان الولي لم يرض بسقوط حقه مجانا فيصار إلى موجبه الأصلي، بخلاف ما
إذا لم يسم شيئا أو سمى الخمر ونحوه حيث لا يجب شئ لما ذكرنا: أي من أن القصاص إنما يتقوم
بالتقويم ولم يوجد وفي قوله فيصار إلى موجبه الأصلي نظر لأنه القصاص لا الدية، وبعد خطور ذلك
بالذهن رأيت سري الدين نبه عليه ط قوله: (بالصلح عن دم عمد) محله إذا صدر التوكيل من الجاني
قوله: (أو على) نسخ المتن أو عن بدل على قوله: (يدعيه على آخر) تبع الشارح في هذا المصنف في
شرحه، وفي العبارة قلب، والصواب: يدعيه عليه آخر، لما علمت أن التوكيل من طرف المدعى
عليه، وإلا فإذا كان مدعيا على آخر دينا فوكل من يصالحه على بعضه كيف يقال البدل يلزم الموكل مع
أنه هنا آخذ البدل لا دافعه، ويدل عليه قوله الآتي لزم بدله الموكل وعبارة الدرر هكذا وليس فيها
كلمة على وعبارة الكنز: ومن كل رجلا بالصلح عنه فصالح الوكيل لم يلزم الوكيل ما صالح عليه
وهي أحسن، ولو حذف كلمة على آخر كما صنع الدرر لسلم من هذا إلا أن تحمل عبارته هنا على ما
ذكرنا. بأن يقال: أو على بعض دين يدعيه آخر عليه، فتأمل.

368
قال الشمني: لان هذا الصلح إسقاط محض، فكان الوكيل فيه سفيرا ومعبرا فلا يكون البدل
عليه كالوكيل بالنكاح، إلا أن يضمنه فإنه حينئذ يؤاخذ به لضمانه لا لعقد الصلح. ا ه‍. قوله: (من
مكيل وموزون) هكذا قيد بهذا القيد في الدرر وتبعه الشارح، إلا أن عبارة الدرر بلفظ أو والواو
بمعنى أو: أي سواء كان دينا منها بحسب الأصل أو بحسب التقدير.
قال أبو الطيب: إن كان المراد من مكيل وموزون أن من بيانية للدين فلا حاجة إلى اشتراط أن
يكون الدين بدل المكيل والموزون، لان الدين لا يكون إلا أحدهما، لان الأعيان لا تكون ديونا ا ه‍.
وبه ظهر قول بعض الأفاضل: هل مثله المعدود المتقارب والمذروع إذا بين طوله وعرضه وصفته؟ فإنهم
قالوا: يجوز فيه حينئذ السلم ويصح ثبوته في الذمة يراجع ا ه‍. فتأمل. قوله: (لزم بدله الموكل) هذا
ظاهر فيما إذا كان الوكيل من طرف الجاني، ولا يظهر إذا كان من طرف الولي لأنه آخذ فكيف يقال
يلزمه، وكذا لا يظهر في جانب الدين إذا كان الموكل هو المدعي لان الموكل مدع فكيف يلزمه، وأطلق
في لزومه الموكل فشمل الصلح بأقسامه الثلاثة، وبه صرح العيني. قوله: (لأنه إسقاط) أي للقود عن
القائل وبعض الدين عن المدعى عليه. قوله: (فيؤاخذ بضمانه) أي ويرجع على الموكل به، وكذا
الصلح في الخلع، وكذا يرجع في الصورة التالية لهذه كما في المقدسي: وفي النكاح لا يرجع لان
الامر بالصلح عنه أمر بالأداء عنه ليفيد الامر فائدته، إذ الصلح عنه جائز بلا أمره، بخلاف النكاح
لأنه لا ينفذ عليه من الأجنبي، والامر بالخلع كالأمر بالصلح حتى يرجع على الآمر إن ضمن وأدى
عنه. زيلعي.
قال عبد الحليم: قوله إلا أن يضمنه أي يكفل الوكيل البدل وأن يضيف العقد إلى نفسه وإلى
مال نفسه ا ه‍. وهذا كله فيما إذا كان الصلح عن دم العمد كما ذكره المصنف عن إقرار أو سكوت أو
إنكار أو فيما لا يحمل على المعاوضة كالصلح على بعض الدين كما ذكره المصنف أيضا لأنه إسقاط،
فكان الوكيل سفيرا فلا يلزمه شئ إلا بالالتزام. وأما فيما يحمل على المعاوضة فسيذكره بقوله الآتي
هنا كما إذا وقع عن مال بمال الخ. قوله: (فيلزم الوكيل) أي ثم يرجع به على الموكل كما مر
قريبا لان الوكيل أصل في المعاوضات المالية فترجع الحقوق إليه دون الموكل فيطالب هو بالعوض دون
الموكل. عيني. قوله: (لأنه حينئذ كبيع) أي والحقوق في عقد البيع ترجع إلى المباشر فكذا فيما إذا كان
بمنزلته فيلزم الوكيل ما صالح عليه ثم يرجع به على الموكل، ومقتضى الاطلاق أنه يرجع وإن لم تكن
الكفالة بأمر الموكل كما صرحت به عند قوله الآتي بأمره قوله: (مطلقا) سواء كان عن مال بمال أو
لا، وسواء كان في دم عمد ودين أو غيرهما، وهذا إنما يظهر في جانب المدعى عليه إذ هو في جانبه
فداء يمين وقطع نزاع، وهذا إنما يعود إلى الموكل لا إلى الوكيل. قوله: (صالح عنه) أي عن المدعى
عليه فضولي الخ. هذا فيما إذا أضاف العقد إلى المصالح عنه لما في آخر تصرفات الفضولي من جامع
الفصولين.

369
ف: الفضولي إذا أضاف العقد إلى نفسه يلزمه البدل وإن لم يضمنه ولم يضفه إلى مال نفس ولا
إلى ذمة نفسه، وكذا الصلح عن الغير ا ه‍. قال الزيلعي: وهذا مفروض فيما لم يحمل على المعاوضة
كدعوى القصاص وأخواته، أما إذا كان عن معاوضة فيمضي على الفضولي إذا كان شراء عن إقرار.
قوله: (بلا أمر) قيد به لأنه لو كان بأمر نفذ الصلح عن المدعى عليه وعليه البدل إلا في صورة
الضمان فالبدل على المصالح عند الامام الحلواني، وذكر شيخ الاسلام أنه عليه وعلى المدعى عليه أيضا
فيطالب المدعى به أيهما شاء. قهستاني عن المحيط. قوله: (صح إن ضمن المال) لان الحاصل للمدعى
عليه البراءة، وفي مثله يستوي المدعى عليه والأجنبي لأنه لا يسلم للمدعى عليه شئ كما يسلم
للأجنبي، والمقصود من هذا الصلح رضا صاحب الحق لا رضا المدعى عليه إذ لا حظ له فيه، والمدعي
ينفرد بالصلح فيما لا معاوضة فيه غير أنه لم يرض بسقوط حقه مجانا، فإذا سلم له العوض من جهة
المتبرع صح. ا ه‍. قوله: (أو أضاف الصلح) أي البدل الذي وقع عليه الصلح. قوله: (إلى ماله) بأن
يقول صالحتك على ألف من مالي أو على عبدي فلان، لان الإضافة إلى نفسه التزام منه للتسليم إلى
المدعي وهو قادر على ذلك فيلزمه تسليمه. قوله: (أو قال على هذا) أي وأشار إلى نقد أو عين، وإنما
صح فيه لان المعروف المشار إليه كالمضاف إلى نفسه، لأنه تعين التسليم إليه بشرط أن يكون ملكه فيتم
به الصلح. قوله: (أو كذا) أشار به إلى الصورة الرابعة وهي صورة الاطلاق بأن قال علي ألف.
قوله: (وسلم المال) أي في الأخير وهي الصورة الرابعة. قوله: (صح) مكرر بما في المتن، وإنما صح
لأنه بالتسليم حقيقة تم رضاه فوق الضمان والإضافة إلى نفسه.
قال في الدرر: أما الأول فلان الحاصل للمدعى عليه البراءة وفي حقها الأجنبي والمدعى عليه
سواء، ويجوز أن يكون الفضولي أصيلا إذا ضمن كالفضولي للخلع إذا ضمن البدل. وأما الثاني فلانه
إذا أضافه إلى نفسه فقد التزم تسليمه فصح الصلح. وأما الثالث فلانه إذا عينه للتسليم فقد اشترط له
سلامة العوض فصار العقد تاما بقبوله. وأما الرابع فلان دلالة التسليم على رضا المدعي فوق دلالة
الضمان والإضافة إلى نفسه على رضاه ا ه‍ باختصار. قوله: (وصار متبرعا في الكل) أي في أربع صور
الفضولي المارة آنفا: وهي ما إذا ضمن المال، وما إذا أضاف الصلح لما له، وما إذا قال صالحتك عنه
بألف ولم يزد وسلمها، وما إذا قال على ألفي هذه أو عبدي هذا وسلم، فلو استحق العوض في
الوجوه التي تقدمت أو وجده زيوفا أو ستوقا لم يرجع المصالح لأنه متبرع التزم تسليم شئ معين ولم
يلتزم الايفاء من غيره فلا يزمه شئ آخر، ولكن يرجع بالدعوى لأنه لم يرض بترك حقه مجانا إلا في
صورة الضمان فإنه يرجع على المصالح لأنه صار قرينا في ذمته، ولهذا لو امتنع عن التسليم يجبر عليه.
زيلعي. قوله: (إلا إذا ضمن بأمره) ثم يرجع على المصالح عنه إن كان الصلح بغير أمره. بزازية فتقييد
الضمان اتفاقي. وفيها الامر بالصلح والخلع أمر بالضمان لعدم توقف صحتهما على الامر فيصرف
الامر إلى إثبات حق الرجوع، بخلاف الامر بقضاء الدين. ا ه‍. أقول لم يظهر لي الفرق. تأمل. قوله:
(عزمي زاده) لم أجد فيه، فليراجع. قوله: (وإلا يسلم في الصورة الرابعة) الأولى ترك هذا القيد
وإبقاء لا على العموم بأن يقول: وإلا يكن كذلك: أي إن لم يضمن ولم يضف ولم يشر ولم يسلم، أو
يقول: وإلا يوجد شئ مما ذكر من الصور الأربعة، فهو موقوف لأنه لم يسلم للمدعي عوض فلم

370
يسقط حقه مجانا لعدم رضاه، فإن أجازه المدعى عليه جاز ولزمه المشروط لالتزامه باختياره، وإن رده
بطل لان المصالح لا ولاية له على المطلوب فلا ينفذ عليه تصرفه، ومن جعل الصور أربعا جعل الرابعة
بشقيها وهي التسليم وعدمه صورة واحدة كالزيلعي، وبعضهم جعلها خمسة باعتبار التسليم صورة
وعدمه أخرى، وهذه الصورة الخامسة مترددة بين الجواز والبطلان.
ووجه الحصر كما في الدرر أن الفصولي إما أن يضمن المال أو لا، فإن لم يضمن، فإما أن
يضيف إلى ماله أو لا، فإن لم يضفه، فإما أن يشير إلى نقد أو عرض أو لا، فإن لم يشر، فإما أن يسلم
العوض أو لا، فالصلح جائز في الوجوه كلها إلا الأخيرة، وهو ما إذا لم يضمن البدل ولم يضفه إلى
ماله ولم يشر إليه ولم يسلم إلى المدعي حيث لا يحكم بجوازه، بل يكون موقوفا على الإجازة إذ لم يسلم
للمدعي عوض انتهى. وجعل الزيلعي الصور أربعا وألحق المشار بالمضاف. أقول: لكن غير الصورة المذكورة لا يتوقف على الإجازة، وحينئذ فلا يتوجه على الشارح
اعتراض تأمل. قوله: (ولزمه البدل) المشروط لالتزامه باختياره. قوله: (وإلا بطل) لان المصالح لا
ولاية له على المطلوب فلا ينفذ عليه تصرفه. قوله: (والخلع) أي إذا صدر من فضولي عن المرأة ببدل،
فإن ضمنه أو أضافه إلى مال نفسه أو أشار صح ولزمه وكان متبرعا، وإن أطلق إن سلم صح وإلا
توقف على إجازتها. قال في التبيين: وجعل في بعض شروح الجامع في باب الخلع الألف المشار إليه
أو العبد المشار إليه مثل الألف المنكر حتى جعل القول إلى المرأة انتهى. قوله: (من الأحكام الخمسة)
التي خامسها قوله وإلا بطل، أو التي خامسها قوله وإلا فهو موقوف بعد قوله أو على هذا، ويؤيده
قول الشارح سابقا في الصورة الرابعة. والأولى في التعبير أن يقول: والخلع في جميع ما ذكرنا من
الاحكام في الصور الخمسة كالصلح، لأنه ليس لنا إلا حكمان، وهما الجواز في الصور الأربع،
وعدمه في الخامسة، فتأمل. قوله: (ادعى وقفية أرض) أطلق فيه فعم الوقفية من نفسه وغيره. قوله:
(ولا بينة له) مفهومه أنه: إذا أوجد البينة لا يجوز الصلح لأنه لا مصلحة فيه، ولا نظر لكون البينة قد
ترد والقاضي قد لا يعدل. قوله: (وطاب له) أي للمدعي ولم يذكر هل يطيب للمدعى عليه الأرض
إذا كان المدعي صادقا، والظاهر أنها لا تطيب. قوله: (لو صادقا في دعواه) فيه أنه لو كان صادقا في
دعواه كيف يطيب له؟ وفي زعمه أنها وقف وبدل الوقف حرام تملكه من غير مسوغ فأخذه مجرد
رشوة ليكف دعواه فكان كما إذا لم يكن صادقا.
وقد يقال: إنه إنما أخذه ليكف دعواه لا ليبطل وقفيته، وعسى أن يوجد مدع آخر ط. لكن
أطلق في وقف الحامدية الجواب بأنه لا يصح، قال: لان المصالح يأخذ بدل الصلح عوضا عن حقه
على زعمه فيصير كالمعاوضة، وهذا لا يكون في الوقف لان الموقوف عليه لا يملك الوقف فلا يجوز له
بيعه، فها هنا إن كان الوقف ثابتا فالاستبدال به لا يجوز، وإلا فهذا يأخذ بدل الصلح لا عن حق
ثابت فلا يصح ذلك على حال. كذا في جواهر الفتاوى. ا ه‍. ثم نقد الحامدي ما هنا، ثم قال فتأمل.
أقول: تأملته فوجدت أن المعاوضة في الوقف والحالة هذه جائزة لما صرحوا به من جواز

371
استبداله إذا وقع في يد غاصب. نعم يلزم أن يجعله حينئذ بدل الموقوف، أما إذا كان من أهل
الاستحقاق لغلة الوقف وأخذه ما أخذه بالمصالحة عوضا عن حقه في الغلة طاب له ذلك ما لم يتجاوز
عن قدر استحقاقه منه. تأمل. وانظر ما تقدم في باب البيع الفاسد عن النهر عند قوله بخلاف بيع
قن ضم إلى مدبر. قوله: (وبيع الوقف لا يصح) الظاهر أنه من قال يطيب له: أي يطيب له الاخذ
ويجعله مكانا موقوفا لعجزه عن تحصيل الوقف بفقد البينة، ومن قال لا يطيب له
أراد لا يطيب له التصرف فيه لأنه بدل الوقف في زعمه فيكون له حكم الوقف. تأمل. قوله: (فالثاني باطل) فلو ادعى
دارا فأنكر ذو اليد فصالحه على ألف على أن يسلم الدار لذي اليد ثم برهن ذو اليد على صلح قبله
فالصلح الأول ماض والثاني باطل. حموي. وهذا إذا كان الصلح على سبيل الاسقاط، أما إذا كان
الصلح على عوض ثم اصطلحا على عوض آخر فالثاني هو الجائز ويفسخ الأول كالبيع. نور العين عن
الخلاصة. وكذا نقله البيري عن الخلاصة عن المنتقى.
قلت: لكن استظهر سيدي الوالد رحمه الله تعالى أن الصلح على سبيل الاسقاط بمعنى، الابراء،
وبطلان الثاني ظاهر ولكنه بعيد الإرادة هنا، فالمناسب حمل الصلح على المتبادر منه، ويكون المراد به ما
إذا كان بمثل العوض الأول بقرينة قوله كالبيع، وعليه فالظاهر أن حكمه كالبيع في التفصيل المار فيه
كما ذكره في أول الدعوى. قوله: (وكذا النكاح بعد النكاح) فلا يلزمه إلا المهر الأول، ولا ينفسخ
العقد الأول إذ النكاح لا يحتمل الفسخ، والمسألة ذات خلاف، فقيل تجب التسمية الثانية، وقيل كل
منها.
قال في جامع الفتاوى: تزوج امرأة بألف ثم تزوجها بألفين فالمهر ألفان، وقيل ألف.
وفي المنية: تزوج على مهر معلوم ثم تزوج على آخر تثبت التسميتان في الأصح، حموي. قوله:
(والحوالة بعد الحوالة) أي إذا صدرت حوالة عن شخص فقبلها، ثم إذا صدرت على شخص آخر
فالثانية باطلة، لان الدين ثبت في ذمة الأول بالحوالة عليه فلا ينتقل بالحوالة الثانية على غيره كما ذكره
ط.
واستفيد منه أن المحال عليه في الثانية غيره في الأولى، وبه صرح في الأشباه بقوله: الكفالة
بعد الكفالة صحيحة لزيادة التوثق، بخلاف الحوالة فإنها نقل فلا يجتمعان كما في التنقيح. قال
الحموي: وهذا يخرج المسألة عن كونها من جزئيات القاعدة، إذ المتبادر من تجديد عقد البيع تجديده
بالنسبة إلى البيع الأول بعينه والمشتري الأول بعينه، وكذا الكلام في الصلح بعد الصلح والكفالة بعد
الكفالة، ووزانه في الحوالة اتحاد المحال عليه والمحال به في الحوالتين معا، وحينئذ لا ينتهض قوله لأنها
نقل فلا يجتمعان، وينبغي أن تصح الحوالة الثانية وتكون تأكيدا للأولى على طبق الكفالة، فتدبر ذلك
ا ه‍.
وعليه فالمناسب في تصوير المسألة بأن يقال: بأن كان له على آخر ألف فأحال عليه بها شخصا ثم
أحال عليه بها شخصا آخر، أو كما تقدم بأن أحال زيد عمرا بدينه على بكر حوالة صحيحة ثم أحاله
بها على بشر لا تصلح الحوالة الثانية، لان الحوالة نقل الدين من ذمة إلى ذمة، وحيث فرغت ذمة

372
المحيل فكيف يصح أن يحيل مرة ثانية؟ نعم لو تفاسخا الإحالة الأولى صحت الثانية. قوله: (والصلح
بعد الشراء) بعد ما اشترى المصالح عنه.
أقول: فيه أنه تكون الدعوى حينئذ فاسدة، والصلح بعد الدعوى الفاسدة صحيح. تأمل.
وصورتها: إذا اشترى شخص دارا مثلا من آخر ثم ادعى المشتري على البائع أن الدار ملكه
فصالحه البائع فهذا الصلح باطل لتناقضه، فإن إقدامه على الشراء منه دليل أنها ملك البائع ثم الدعوى
والصلح بعدها يناقضه. قال في جامع الفصولين: ولو كان الشراء بعد الصلح فالشراء صحيح
والصلح باطل. ا ه‍. قوله: (إلا في ثلاث مذكورة في بيوع الأشباه الكفالة) أي لزيادة التوثق، فلو أخذ
منه كفيلا ثم أخذ منه كفيلا آخر صح ولا يبرأ الأول بكفالة الثاني كما في الخانية. قوله: (والشراء) أي
يصح بعد الشراء ويبطل الأول. أطلقه في جامع الفصولين، وقيده في القنية بأن يكون الثاني أكثر ثمنا
من الأول أو أقل أو بجنس آخر، وإلا فلا يصح أشباه.
وفي البحر: وإذا تعدد الايجاب والقبول انعقد الثاني وانفسخ الأول إن كان الثاني بأزيد من الأول
أو أنقص، وإن كان مثله لم ينفسخ الأول انتهى.
قال في التتارخانية: قال بعتك عبدي هذا بألف درهم بعتكه بمائة دينار فقال المشتري قبلت
ينصرف إلى الايجاب الثاني ويكون بيعا بمائة دينار، ولو قال بعتك هذا العبد بألف درهم وقبل
المشتري ثم قال بعته منك بمائة دينار في المجلس أو في مجلس آخر وقال المشتري اشتريت ينعقد
الثاني وينفسخ الأول، وكذا لو باعه بجنس الثمن الأول بأقل أو بأكثر نحو أن يبيعه منه بعشرة ثم باعه
بتسعة أو بأحد عشر، فإن باع بعشرة ينعقد الثاني ويبقى الأول بحاله. ا ه‍. فهذا مثال لتكرار الايجاب
فقط ومثال لتكرار العقد قوله: (والإجارة) أي بعد الإجارة من المستأجر الأول فالثانية فسخ للأولى
كما في البزازية. قال في البحر: وينبغي أن المدة إذا اتحدت فيهما واتحد الاجران لا تصح الثانية
كالبيع. وزاد في الفصولين الشراء بعد الصلح فإنه يجوز ويبطل الصلح. قوله: (عن إنكار) إنما خصه
لان ما ذكره لا يتأتى عند الاقرار.
قال في جامع الفصولين: ادعى عليه ثوبا فأنكر ثم برهن أن المدعي أقر قبل الصلح أنه ليس لي لا
يقبل ونفذ الصلح والقضاء لافتداء اليمين، ولو برهن أنه أقر بعد الصلح أن الثوب لم يكن له بطل
الصلح لان المدعي بإقراره هذا زعم أنه أخذ بدل الصلح بغير حق، بخلاف إقراره قبل الصلح. لجواز
أن يملكه بعد إقراره قبل الصلح ذكره الحموي. قوله: (فالصلح ماض على الصحة) ولا تقبل البينة
لاحتمال أنه ثبت له حق بعد هذا الاقرار، بخلاف المسألة الثانية فإنه إقرار من المدعي أنه مبطل في
دعواه.
وذكر الشرنبلالي في رسالة الابراء عن هاشم عن محمد في توجيه المسألة أنه إنما صالحه على
اعتبار أنه فدى يمينه بالصلح وافتداء اليمين بالمال جائز، فكان إقدامه على الصلح اعترافا بصحة الصلح

373
فبدعواه بعد ذلك أنه لم يصح الصلح صار متناقضا والمناقضة تمنع صحة الدعوى. وأفاد تعليل الثانية
بنحو ما ذكرناه.
صورة ذلك: ادعى ثوبا فأنكر فصالح على شئ ثم أقام البينة أن المدعي قال قبل الصلح إنه لا
حق لي في هذا الثوب لا تقبل بينته ويكون الصلح والقضاء ماضيين لأنه افتدى لليمين حيث وقع عن
إنكار فلا ينقض. أفاده بعض الفضلاء. قوله: (بطل الصلح) لأنه بإقراره هذا زعم أنه أخذه بعد
الصلح بغير حق، بخلاف إقراره قبل الصلح لجواز أن يملكه بعد إقراره قبل الصلح.
والحاصل: أن عدم قبول بينته في الأولى لما فيه من التناقض، لان التناقض يمنع قبول البينة
لاقراره، بخلاف الثانية لأنه لم يظهر وجه التناقض لان الصلح ليس اعترافا بالملك كما صرحوا به فإنه
يكون عن إقرار وسكوت وإنكار قوله: (قال المصنف وهو مقيد لاطلاق العمادية) نصه: وفي
العمادية: ادعى فأنكر فصالحه ثم ظهر بعده أن لا شئ عليه بطل الصلح. ا ه‍.
أقول: يجب أن يقيد قوله ثم ظهر بغير الاقرار قبل الصلح لما تقدم من مسألة المختصر، وبه
صرح مولانا في بحره ح. ولا يخفى أن علة مضي الصلح على الصحة في مسألة المتن المتقدمة عدم
قبول الشهادة لما فيه من التناقض، فلم يظهر حينئذ أن لا شئ عليه فلم تشملها عبارة العمادية فافهم.
أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
أقول: لكن ليس هذا من التناقض المردود لأنه يدعي أمرا كان خفيا عليه وهو إقرار المدعي بعدم
حقه في المدعي قبل الصلح، ولو كانت العلة ما ذكره لما صحت في الثانية أيضا لأنه متناقض فيهما
بعد إقدامه على الصلح. والعلة الصحيحة في ذلك أنه إن ثبت أنه قال ذلك قبل الصلح لا يكون مانعا
من صحة الصلح لاحتمال حصول حق له بعد ذلك قبل الصلح، وفي الثانية لا يحتمل.
قال في الخلاصة من آخر الدعوى: لو استعار من آخر دابة فهلكت فأنكر رب الدابة الإعارة
فصالحه المستعير على مال جاز، فلو أقام المستعير بينة بعد ذلك على العارية قبلت بينته وبطل الصلح
ا ه‍: أي لظهور أن لا شئ، والله أعلم.
وفي البزازية أيضا ما يفيد أن المراد بالظهور لا من طريق إقامة المصالح البينة أنها لا تقبل لما فيه
من التناقض. ونص عبارته في كتاب الدعوى من نوع في الصلح.
وفي المنتقى: ادعى ثوبا أو صالح ثم برهن المدعى عليه على إقرار المدعي إنه لا حق له فيه إن
على إقراره قبل الصلح فالصلح صحيح، وإن بعد الصلح يبطل الصلح، وإن علم الحاكم إقراره بعدم
حقه ولو قبل الصلح يبطل الصلح، وعلمه بالاقرار السابق كإقراره بعد الصلح، هذا إذا اتحد الاقرار
بالملك بأن قال لا حق لي بجهة الميراث ثم قال إنه ميراث لي عن أبي، فأما غيره إذا ادعى ملكا لا
بجهة الإرث بعد الاقرار بعدم الحق بطريق الإرث بأن قال حقي بالشراء أو الهبة لا يبطل ا ه‍. قوله:
(ثم نقل) أي المصنف. قوله: (عن دعوى البزازية) عبارتها عن المنتقى: ادعى ثوبا وصالح ثم برهن
المدعى عليه على إقرار المدعي إنه لا حق له فيه: إن على إقراره قبل الصلح فالصلح صحيح، وإن بعد
الصلح يبطل، وإن علم الحاكم إقراره بعدم حقه ولو قبل الصلح يبطل الصلح، وعلمه بالاقرار السابق

374
كإقراره بعد الصلح. هذا إذا اتحد الاقرار بالملك بأن قال إنه ميراث لي عن أبي ثم قال لا حق لي من
هذه الجهة، فأما إذا ادعى ملكا لا بجهة الإرث بعد الاقرار بعدم الحق بطريق الإرث بأن قال حقي
بالشراء أو بالهبة لا يبطل ا ه‍. فظهر أن مراده أنه لو قال بعد الصلح لا حق لي قبل المدعي إنما يبطل
الصلح إذا أطلق. أما إذا عين، بأن قال لا حق لي من جهة الإرث مثلا فقيل له قد بطل الصلح فقال
إنه حقي بجهة الشراء مثلا بقي الصلح صحيحا على حاله وإن علم الحاكم غير معتبر الآن على المفتى
به. قوله: (فيحرر) ما نقله عن البزازية.
أقول: لا يحتاج إلى تحرير، لان ما ذكره البزازي من قوله هذا إذا اتحد الاقرار تقييد لعدم صحة
الصلح إذا أقر المدعي، ولا إشكال فيه، ولعله أراد تحرير ما قاله المصنف من تقييد ما في العمادية فإنه
غير ظاهر كما علمت، والله تعالى أعلم.
فرع: ذكر المصنف عن آخر الدعوى من الخلاصة: لو ادعى أنه استعار دابة فلان وهلكت عنده
فأنكر المالك الإعارة وأراد التضمين فصالحه مدعي العارية على مال ثم أقام بينة على العارية قبلت بينته
وبطل الصلح. قوله: (عن الدعوى الفاسدة) كدعوى وقع فيها تناقض. قوله: (وعن الباطلة) كدعوى
خمر وخنزير من مسلم. قوله: (والفاسدة ما يمكن تصحيحها) بالتوفيق في التناقض مثلا: أي والباطلة
ما لا يمكن تصحيحها، كما لو ادعى أنها أمته فقالت أنا حرة الأصل فصالحها عنه فهو جائز، وإن
أقامت بينة على أنها حرة الأصل بطل الصلح إذ لا يمكن تصحيح هذه الدعوى بعد ظهور حرية
الأصل.
ومثال الدعوى التي يمكن تصحيحها: لو أقامت بينة أنها كانت أمة فلان أعتقها عام أول وهو
يملكها بعد ما ادعى شخص أنها أمته: أي وصالحها لا يبطل الصلح، لأنه يمكن تصحيح دعوى
المدعي وقت الصلح بأن يقول إن فلانا الذي أعتقك كان غصبك مني، حتى لو أقام بينة على هذه
الدعوى تسمع. مدني. وقوله هنا وهو يملكها جملة حالية ط.
أقول: وشهادة الشهود أنه أعتقها وهو يملكها لا تنافي ذلك، لان لهم أن يشهدوا بالملك له
بظاهر اليد. تأمل. ومن الباطلة عن دعوى حد وعن دعوى أجرة نائحة أو مغنية أو تصوير محرم. ا ه‍
وعلم أن قوله قالت أنا حرة الأصل أي وبرهنت عليه بدليل ما قال بعد ظهور حرية الأصل، فإن
الظهور بالبينة وبدليل ما قال في مقابلتها لو أقامت بينة أنها كانت الخ، وقول صاحب الأشباه وهو
توفيق واجب.
قال محشيه في شرح الوقاية لصدر الشريعة: ومن المسائل المهمة أنه هل يشترط لصحة الصلح
صحة الدعوى أم لا؟ فبعض الناس يقولون: يشترط، ولكن هذا غير صحيح لأنه إذا ادعى حقا
مجهولا في دار فصولح على شئ يصح الصلح على ما مر في باب الحقوق والاستحقاق، ولا شك أن
دعوى الحق المجهول دعوى غير صحيحة، وفي الذخيرة ألحق مسائل تؤيد ما قلناه.
قال الشيخ محمد في معين المفتي: إذا علمت هذا علمت أن الصحيح عدم اشتراط صحة
الدعوى لصحة الصلح وعليه فلا يحتاج إلى التوفيق ا ه‍.

375
أقول: إنما صح الصلح في المسألة التي استند إليها صدر الشريعة، لان الدعوى فيها يمكن
تصحيحها بتعيين الحق المجهول وقت الصلح. على أن دعوى أن الصحيح عدم اشتراط صحة الدعوى
مطلقا سواء أمكن تصحيح الدعوى أم لا ممنوع لما في الفتاوى البزازية، والذي استقر عليه فتوى أئمة
خوارزم أن الصلح عن دعوى فاسدة لا يمكن تصحيحها لا يصح. والذي يمكن تصحيحها كما إذا
ترك ذكر الحد أو غلط في أحد الحدود يصح.
وفي مجمع الفتاوى: سئل شيخ الاسلام أبو الحسن عن الصلح عن الانكار بعد دعوى فاسدة
هل هو صحيح أم لا؟ قال لا، ولا بد أن تكون صحيحة ا ه‍. وقد ذكر بما ذكرنا أن قوله فلا يحتاج
إلى التوفيق من عدم التوفيق. ذكره الحموي. وحينئذ فلا بد من التوفيق، فليحرر. قوله: (وحرر في
الأشباه) هذا التحرير غير محرر. ورده الرملي وغيره بما في البزازية.
والذي استقر عليه فتوى أئمة خوارزم أن الصلح عن دعوى الخ وهذا ما ذكره المصنف، وقد
علمت أنه الذي اعتمده صدر الشريعة وغيره فكان عليه المعول. قوله: (فليحفظ) أقول: عبارة
الأشباه: الصلح عن إنكار بعد دعوى فاسدة فاسد كما في القنية، ولكن في الهداية في مسائل شتى
من القضاء أن الصلح عن إنكار جائز بعد دعوى مجهول فليحفظ، ويحمل على فسادها بسبب مناقضة
المدعي لا لترك شرط المدعي كما ذكره وهو توفيق واجب فيقال إلا في كذا، والله تعالى أعلم. ا ه‍.
قال الحموي: وعليه لا يظهر لهذا الحمل فائدة، لان صاحب الهداية صرح بجواز الصلح فيها سواء
كان فسادها بسبب المناقضة أو لترك شرط الدعوى، فإذا صح الصلح مع فسادها بأي سبب كأن خالف
ما في القنية، فتأمل. قال الرملي وغيره: ما حرره في الأشباه غير محرر كما علمته آنفا قوله: (وقيل
اشتراط صحة الدعوى) تطويل من غير فائدة، فلو قال وقيل يصح مطلقا لكان أوضح، وقد علمت
المفتى. قوله: (كما اعتمده صدر الشريعة آخر الباب) قد علمت ما فيه من النظر وقد علمت عبارته
وأن المتبادر أنه أراد الفاسدة بدليل التمثيل، لأنه يمكن تصحيحها بتعيين الحق المجهول الخ.
قال الرملي في حاشيته على المنح بعد نقل عبارته أقول: هذا لا يوجب كون الدعوى الباطلة
كالفاسدة إذ لا وجه لصحة الصلح عنها، كالصلح عن دعوى حد أو ربا حلوان الكاهن وأجرة النائحة
والمغنية، ودعوى الضمان على الراعي الخاص أو المشترك إذا قال أكلها السبع أو سرقت فصالحه رب
الغنم على دراهم معلومة لا يجوز على قول أبي حنيفة كما في الخانية، فقول المصنف المتقدم في كتابه
معين المفتي كما قدمناه قريبا: الصحيح عدم اشتراط صحة الدعوى لصحة الصلح فيه نظر، لأنه إن
أراد بعدم الصحة ما يشمل الباطل فهو باطل، وإن أراد به الفاسد فقد قدمه، فتأمل. ا ه‍.
وكذا ذكره في حاشيته على الفصولين نقلا عن المصنف بعد ذكر عبارة صدر الشريعة. قال ما
نصه: فقد أفاد أن القول باشتراط صحة الدعوى لصحة الصلح ضعيف ا ه‍. قوله: (كما مر فراجعه)
أي في باب الاستحقاق عند قوله ولا رجوع في دعوى حق مجهول ممن دار صولح على شئ معين

376
واستحق بعضها لجواز دعواه فيما بقي ولو استحق كلها رد كل العوض لدخول المدعي في المستحق.
واستفيد منه: أي من جواب المسألة أمران:
أحدهما: صحة الصلح عن مجهول على معلوم، لان جهالة الساقط لا تفضي إلى المنازعة.
والثاني: عدم اشتراط صحة الدعوى لصحته لجهالة المدعى به، حتى لو برهن لم يقبل ما لم يدع
إقراره به. ا ه‍.
والحاصل: أن ما استدل به صدر الشريعة من أنه إذا ادعى حقا مجهولا في دار فصولح على شئ
يصح الصلح لا يفيد الاطلاق، بل إنما صح الصلح فيه، لان الدعوى يمكن تصحيحها بتعيين الحق
المجهول وقت الصلح، ومع هذا فقد علمت المفتى به مما استقر عليه فتوى أئمة خوارزم من أن الصلح
إذا كان من دعوى فاسدة لا يمكن تصحيحها لا يصح، وإن أمكن تصحيحها يصح، هذا غاية ما
حققه المحشون فاغتنمه. قوله: (وصح الصلح عن دعوى حق الشرب) والشرب وهو نصيب الماء،
وكذا مرور الماء في أرض على ما يظهر ط: أي فتسقط الدعوى، ولا يلزم من صحة الصلح لزوم
البدل، لما تقدم من أن الصلح عن الشفعة يسقطها ولا يوجب البدل وكذلك عن دعوى حق الشرب
ووضع جذوع فإنه دعوى حق لا يجوز الاعتياض عنه، إذ لا يجوز بيع الشرب ولا بيع حق وضع
الجذوع. قوله: (وحق الشفعة) معطوف على حق الشرب: أي يجوز الصلح عن دعوى حق الشفعة
لدفع اليمين. أما الصلح عن حق الشفعة الثابت فلا يجوز، لما مر أنه غير مال فلا يجوز الاعتياض عنه.
قوله: (وحق وضع الجذوع على الأصح) لما علمت من أنه يجوز الصلح عما ذكر في حق سقوط
الدعوى، ولا يلزم من صحة الصلح لزوم البدل، لما مر أن الصلح عن الشفعة إلى آخر ما قدمناه
قريبا.
قال الزيلعي: ولو كان لرجل ظلة أو كنيف على طريق العامة فخاصمه رجل على نقضه فصالحه
على شئ كان الصلح باطلا، لان الحق في طريق النافذ لجماعة المسلمين فلا يجوز أن يصالح واحد على
الانفراد، وبخلاف ما إذا صالح الامام عنه على مال حيث يجوز لان للامام ولاية عامة، وله أن
يتصرف في مصالحهم، فإذا رأى في ذلك مصلحة ينفذ لان الاعتياض من المشترك العام جائز من
الامام، ولهذا لو باع شيئا من بيت المال صح بيعه، وبخلاف ما إذا كان ذلك في طريق غير نافذ
فصالحه رجل من أهل الطريق حيث يجوز في حقه، لان الطريق مملوكة لأهلها فيظهر في حق الافراد،
والصلح معه مفيد لأنه يسقط به حقه ثم يتوصل إلى تحصيل رضا الباقين فيجوز. ا ه‍. قوله: (في أي
حق كان) ولو كان مما لا يقبل الاعتياض عنه. قوله: (حتى في دعوى التعزير) بأن ادعى أنه كفره أو
ضلله أو رماه بسوء ونحوه حتى توجهت عليه اليمين فافتداها بدراهم فإنه يجوز على الأصح. منح.
وهذا يدل على أنه يستحلف في دعوى التعزير. قوله: (مجتبى) قال في بعد أن رمز سنج صالح عن
دعوى حق الشرب وحق الشفعة أو حق وضع الجذوع ونحوه، فقيل لا يجوز افتداء اليمين لأنه لا يجوز
شراؤه قصدا، والأصح أنه يجوز لان الأصل أنه متى توجهت اليمين نحو الشخص بأي حق كان
فافتدى اليمين بدراهم يجوز على الأصح.

377
قلت: وهذا يدل على أنه يستحلف في دعوى التعزير. قال: وكذلك إن صالحه من يمينه على
عشرة أو من دعواه فهو كله جائز ا ه‍. وهذا مناف لما قدمه أو الباب من أن شرط صحة الصلح كون
المصالح عليه حقا يجوز الاعتياض عنه، وما في المجتبى أعم منه كما ترى. ولعل التوفيق أن يقال: إنه
جائز في حق المدعى عليه لدفع الخصومة عنه لا في حق المدعي إذا كان حقا لا يجوز الاعتياض عنه،
لان ما يأخذه عوض عن حقه في زعمه فلا بد من إمكان الاعتياض عن حقه، ولعله في المجتبى يفرق
بين الصلح عن الشفعة وعن دعوى الشفعة فلا يصح في الأول كما أطبقوا عليه من عدم لزوم البدل
ووجوب رده بعد أخذه، ويصح في الثاني، فليحرر. قوله: (بخلاف دعوى حد) أي لا يصح الصلح
عنها، لما عرفت أن الصلح لا يجوز في حق الله تعالى ولو حد قذف، ولا عن الابراء منه. منح.
قال في الفوائد الزينية: لا يصح الصلح عن الحدود، ولا يسقط به إلا حد القذف إلا إذا كان
قبل المرافعة كما في الخانية. قوله: (ونسب) كما إذا ادعت أن هذا ولده منها فصالحها لترك دعواها
فالصلح باطل، لان الصلح إما إسقاط أو معاوضة والنسب لا يحتملهما. درر. وأطلقه فشمل ما لو
كانت الدعوى من المطلقة أنه ابن المطلق منها أو الدعوى من الابن أنه ابنه منها وجحد الرجل فصالح
عن النسب على شئ فالصلح باطل في كلتا الصورتين، لما سبق أن النسب لا يقبل الاعتياض مطلقا،
وعليه إطلاق المصنف في الدعوى وفي عدم احتمال النسب المعاوضة هذا، فظهر أن من أراد
التخصيص بالصورة الأولى لم يصب كما لا يخفى. قوله: (بأن كان دينا بعين) أي بدل الصلح دينا
والمصالح عليه عينا أو عكسه فالباء للمقابلة والعوض، وكذا بدين من غير جنسه كالدراهم عن الدنانير
وعكسه كان ذلك معاوضة إن كان بإقرار، وكذا بإنكار وسكوت في حق المدعي، والمعاوضة تصح
الإقالة فيها فلذا ينتقض بنقضهما: أي لو فسخ ذلك الصلح المتصالحان انفسخ لجواز الإقالة فيه كما
تقدم أول الكتاب، وفي نسخة بدين عوضا عن قوله: بعين ومثله فيما يظهر العين بالعين. قوله:
(ينتقض بنقضهما) أي بفسخ المتصالحين: أي لو فسخ ذلك الصلح المتصالحان انفسخ لجواز الإقالة. فيه
قوله: (بل بمعنى الخ) وذلك الصلح عن الدين ببعضه فإنه أخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي فلا
ينتقض بنقضهما لأنه قد سقط والساقط لا يعود. قوله: (قنية وصيرفية) الأولى الاختصار على العزو
إلى القنية، لأنه في الصيرفية نقل الخلاف في الصحة وعدمها مطلقا. وأما في القنية فقد حكى القولين
ثم وفق بينهما بما هنا بحثا منه، فقال: أن الصلح إن كان الخ.
وحاصله: أن الصلح إن كان بمعنى المعاوضة ينتقض بنقضهما، وإن كان بمعنى استيفاء البعض
وإسقاط البعض لا ينتقض بنقضهما.
أقول: والذي يظهر لي أن الصلح: إن تحصيل من فسخه ثمرة وجدت البينة أو توسم الاقرار أو
النكول يصح، وقوله الساقط لا يعود لا يرد علينا، لان الساقط في هذا الباب إنما هو قضاء لا ديانة،
فهو في الحقيقة باق غير ساقط وإن لم تظهر ثمرة من الفسخ يفتى برواية عدم الصحة. قوله: (ولو

378
صالح) العلة فيه ما تقدم فيما لو صالحه على بيت منها، وقد تقدم أن فيها يصح الصلح ويجعل إبراء
عن دعوى الباقي في ظاهر الرواية فينبغي أن يكون هنا كذلك. قاله الرحمتي لكن قال سيدي الوالد
رحمه الله تعالى: قيد بالسكنى لأنه لو صالحه على بيت منها كأن وجد عدم الصحة كونه جزءا من
المدعي بناء على خلاف ظاهر الرواية الذي مشى عليه في المتن سابقا، وقيد بقوله أبدا ومثله حتى
يموت كما في الخانية لأنه لو بين المدة يصح لأنه صلح على منفعة فهو في حكم الإجارة فلا بد من
التوقيت كما مر، وقد اشتبه الامر على بعض المحشين ا ه‍. قوله: (إلى الحصاد) لأنه أحل مجهول
فيؤدي إلى المنازعة، ولأنه بيع معنى فيفسده جهالة الاجل. قوله: (أو صالح مع المودع بغير دعوى
الهلاك) أي الدعوى من المودع لم يصح الصلح في الصور الثلاثة.
أما الأولى: فلانه صلح عن بعض ما يدعيه، وقد تقدم أنه باطل.
وأما الثانية: فلان الصلح بيع معنى كما ذكرنا. وهاتان المسألتان من مسائل السراجية التي نقلها
عنها صاحب المنية.
وأما الثالثة: فعلى أربعة أوجه.
الأولى: ادعى صاحب المال الايداع وجحد المودع ثم صالحه على شئ معلوم جاز الصلح في
قولهم، لان الصلح يبنى جوازه على زعم المدعي، وفي زعمه أنه صار غاصبا بالجحود فيجوز الصلح
معه.
الثاني: إذا ادعى صاحب المال الوديعة وطالبه بالرد فأقر المستودع بالوديعة وسكت ولم يقل شيئا
وصاحب المال يدعي عليه الاستهلاك ثم صالحه على شئ معلوم جاز الصلح في قولهم أيضا.
الثالث: ادعى الاستهلاك والآخر الرد أو الهلاك ثم صالحه جاز في قول محمد وأبي يوسف
الأول، وعليه الفتوى. وأجمعوا على أنه لو صالح بعد حلف المستودع أنه رد أو هلك لا يجوز.
الرابع: إذا ادعى المودع الرد أو الهلاك وصاحب المال لا يصدقه في ذلك ولا يكذبه بل سكت
ذكر الكرخي أنه لا يجوز هذا الصلح في قول أبي يوسف الأول، ويجوز في قول محمد. ولو ادعى
صاحب المال الاستهلاك والمودع لم يصدقه في ذلك ولم يكذبه فصالحه على شئ ذكرنا أنه يجوز هذا
الصلح في قولهم ا ه‍. كما في المنح. فقد ظهر من هذا أن الصلح بغير دعوى الهلاك يصح كما سمعته
ولم يذكر فيما إذا أقر بالوديعة وصالحه عليها، والذي يقتضيه الفقه جوازه لأنه صلح عن مال بمال
بإقرار. تأمل. قوله: (قيد بعدم دعوى الهلاك) صادق بسكوته وبدعواه الرد، وقد تقدم أنه يصح
الصلح فيهما. قوله: (لأنه لو ادعاه) أي الهلاك والمالك يدعي أنه استهلكه. قوله: (وصالحه قبل
اليمين) أما لو صالحه بعد حلف المستودع أنه هلك أو رد لا يجوز الصلح إجماعا. وفيه أن ذلك داخل
في مسألة المصنف المذكورة بعد، وفيها خلاف كما ذكره المصنف. قوله: (خانية) هذا ما نقله في المنح
عنها لكن سقط من عبارته شئ اختل به المعنى، فإنه قال في الوجه الثالث: جاز الصلح في قول
محمد وأبي يوسف الأول، وعليه الفتوى.

379
والذي رأيته في الخانية أن الفتوى على عدم الجواز.
وبقي خامسة ذكرها المقدسي وهي: ادعى ربها الاستهلاك فسكت فصلحه جائز، لكن هذا هو
الثاني في الخانية.
ثم اعلم أن كلام الماتن والشارح غير محرر لان قوله: (بغير دعوى الهلاك) شامل للجحود
والسكوت، ودعوى الرد هو الوجه الأول والثاني وأحد شقي الثالث والرابع، وقد علمت أنه في
الأول والثاني جائز اتفاقا، وكذا في أحد شقي الثالث والرابع على الراجح. والصواب أن يقول بعد
دعوى الرد أو الهلاك بإسقاط غير والتعبير ببعد وزيادة الرد، فيدخل فيه الوجه الثالث بناء على المفتى
به. الوجه الرابع بناء على قول أبي يوسف وهو المعتمد لتقديم صاحب الخانية إياه كما هو عادته.
وقوله: (لأنه لو ادعاه) أي الهلاك شامل لما إذا ادعى المالك الاستهلاك وهو أحد شقي الوجه الثالث أو
سكت وهو أحد شقي الرابع، وعلمت ترجيح الجواز فيهما، فقوله: (صح به يفتى) في غير محله،
وقوله: (وصالحه قبل اليمين) هذا وارد على إطلاق المتن أيضا، ورأيت عبارة الأشباه نحو ما ذكرنا.
ونصها: الصلح عقد يرفع النزاع ولا يصح مع المودع بعد دعوى الهلاك إذ لا نزاع. ثم رأيت عبارة
متن المجمع مثل ما قلته، ونصها: وجاز صلح الأجير الخاص والمودع بعد دعوى الهلاك أو الرد، ولله
الحمد. أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى. قوله: (ويصح الصلح الخ) أي لو ادعى مالا فأنكر وحلف
ثم ادعاه عند قاض آخر فأنكر فصولح صح، ولا ارتباط لهذه بمسألة الوديعة. قوله: (دفعا للنزاع)
علة لقوله يصح وقوله بإقامة البينة متعلق بالنزاع: يعني أن الصلح عن الانكار يكون افتداء
لليمين وقطعا للنزاع، وبعد الحلف يصح للاحتياج إلى قطع النزاع، فإن المدعي يمكنه بعد اليمين أن
يأتي بالبينة فلم يكن اليمين قاطعا للنزاع بل القاطع له الصلح، ولذا قال: ولو برهن المدعي بعده على
أصل الدعوى لم تقبل، لان بالصلح قد أبرأه عن الدعوى فسقط توجهها عليه والساقط لا يعود.
قوله: (بعده) أي بعد الصلح: أي وإن لم يكن هناك حلف. قوله: (إلا في الوصي) ومثله الأب.
قوله: (عن مال اليتيم) أي إذا صالح عن مال اليتيم، وقوله إذا صالح على بعضه بدل من هذا
المقدر ط. ويمكن أن تكون عن بمعنى في أي في ماله إذا صالح عن إنكار على بعضه، فعن
بمعنى في، وقوله: (على إنكار) على بمعنى عن متعلق بصالح: أي ولم يكن هناك بينة. أما إذا كان
الخصم مقرا بدين اليتيم أو كان عليه بينة فالذي يؤخذ من المفهوم أنه لا يجوز الصلح على البعض لعدم
المصلحة لليتيم، وصرح بذلك في أدب الأوصياء. قوله: (فإنها تقبل) لأنه إنما يتصرف له بحسب
المصلحة فيجوز صلحه عند عدم البينة، فإذا وجدت البينة تبين أن لا مصلحة في هذا الصلح وأنه
باطل فتقبل البينة. وصرح في البزازية بأن البينة لو موجودة عند الصلح وفيه غبن لا يصح الصلح. ا
ه‍. وهو مستفاد أيضا من كلام الشارح. قوله: (ولو بلغ الصبي فأقامها تقبل) يعني إذا ادعى وصي أو
أب على رجل ألفا لليتيم ولا بينة له وصالح بخمسمائة عن ألف عن إنكار ثم وجد بينة عادلة فله أن
يقيمها على الألف، سواء في ذلك الأب أو الوصي أو اليتيم بعد بلوغه.
قال في القنية: وفائدة قوله في الكتاب: إذا لم يكن للأب أو الوصي بينة على ما يدعي الصبي

380
فصالح بأقل منه يجوز أن تمتنع دعواهما في الحال، ودعوى الصبي بعد البلوغ في حق الاستحلاف
فليس لهم أن يحلفوه وإنما لهم إقامة البينة كما في حاشية الأشباه. قوله: (ولو طلب) بالبناء
للمجهول: أي لو طلب الوصي بعد الصلح يمين المدعى عليه أو طلبه اليتيم بعد بلوغه كما في
حواشي الأشباه. قول: (وقيل لا) أي لا يصح الصلح بعد حلف المدعى عليه، لان اليمين بدل عن
المدعي، فإذا حلف فقد استوفى البدل فلا يصح، وقدمناه عن القنية قريبا. قوله: (جزم بالأول في
الأشباه) هو رواية محمد عن الامام. قوله: (وبالثاني في السراجية) وهو قولهما، وهو الصحيح كما في
معين المفتي، وكذا جزم به في البحر. قال الحموي: وما مشى عليه في الأشباه، رواية محمد عن أبي
حنيفة، وما مشى عليه في البحر قولهما وهو الصحيح انتهى. وجعله نظير الصلح مع المودع بعد
دعوى الاستهلاك: أي فإنه لا يصح. قال المصنف في منحه: وبالأول جزم ابن نجيم في الفوائد
الزينية ولم يعزه إلى كتاب معروف. وقيل لا يصح ذكره صاحب السراجية ولم يحك به خلافا انتهى.
إنما ذكر الخلاف في القنية كما يأتي بعده قريبا. قوله: (وحكاهما في القنية) فقال: ادعى عليه مالا
فأنكر وحلف ثم ادعاه عند آخر فأنكر فصولح لا يصح، وقيل يصح وروى عن الامام. ووجه القول
بعدم الصحة أن اليمين بدل المدعي فإذا حلفه فقد استوفى البدل فلا يصح انتهى. قوله: (مقدما للأول)
صوابه للثاني على ما نقله الحموي وعلى ما سمعت من عبارته. قوله: (طلب الصلح والابراء) الواو
هنا وفيما يأتي بمعنى أو، ومثلهما طلب تأخير الدعوى كما في الخلاصة. قوله: (لا يكون إقرارا
بالدعوى) أي بالمدعى به. كذا في البزازية في بحث الاستثناء من كتاب الاقرار.
وفي الخلاصة: لو قال أخرها عني أو صالحني فإقرار، ولو قال أبرئني عن هذه الدعوى أو
صالحني عن هذه الدعوى لا يكون إقرارا، وكذا في دعوى الدار انتهى.
وفي البزازية: إذا صالحه من حقه فقد أقر بالحق، والقول في بيان الحق له لأنه المجمل، وإن
صالحه من دعوى الحق لم يكن إقرارا انتهى.
ووجهه أن الصلح عن الدعوى أو الابراء عنها المقصود منه قطع النزاع فلا يفيد ثبوت الحق،
بخلاف طلب الصلح أو الابراء عن الحق فإنه يقتضي ثبوته، وحينئذ يلزمه المدعى به. قوله: (والأول
أصح بزازية) قال الشيخ أبو الطيب: عزو الشارح إلى البزازية فيه ما فيه، لان هذه المسألة بتمامها
ليست فيها، وإنما فيها دعوى البراءة الخ. وأما ما في الصيرفية فهو الموافق لما في المتن، وليس من
عادة البزازية أن تنقل عن الصيرفية فليتأمل. ا ه‍. قوله: (عن عيب) أي عيب كان بياضا في العين أو
حبلا أو تزوجا. قوله: (وظهر عدمه) أي العيب أن الدين، بأن ظهر أن لا دين عليه أصلا، أو أنه على
غيره.

381
وعبارة الغرر كهذا المتن: صالح عن عيب فظهر عدمه أو زال بطل الصلح، فلو قال الشارح بعد
قوله فظهر عدمه أو عن دين فظهر كذلك كان أوضح، لان عبارته هذه ظاهرة في أن ضمير عدمه
للدين وضمير زال للعيب أنهما للعيب.
وصورة العيب على ما في الدرر عن العمادية: ادعى عيبا في جارية اشتراها فأنكر البائع
فاصطلحا على مال على أن يبرئ المشتري البائع من ذلك العيب ثم ظهر أنه لم يكن بها عيب أو كان
ولكنه قد زال فللبائع أن يسترد بدل الصلح. ا ه‍.
وقال في المنح عن السراجية: اشترى حيوانا فوجد بعينه بياضا فصالحه منه على دراهم ثم ذهب
البياض بطل الصلح. ا ه‍.
وفي البدائع: ولو صالحه من العيب ثم زال العيب بأن كان بياضا في عين العبد فانجلى بطل
الصلح. ا ه‍. قال أبو الطيب.
أقول: وفي المنح فروع نفيسة فراجعها إن شئت. قوله: (أو زال العيب الخ) عزاه في الدرر إلى
العمادية، لكن في منية المفتي ما يناقضه. وعبارتها: اشترى حيوانا فوجد في عينه بياضا فصالحه على
دراهم ثم ذهب البياض يصح الصلح ا ه‍. لكن ما نقله الشارح ذكره من نقلنا عنهم كما سمعت.
وذكره مؤيد زاده عن الخزانة ونصها: ادعى المشتري العيب وأنكر البائع فاصطلحا على أن يرد
البائع شيئا من الثمن ثم يبين أنه لم يكن بالمبيع عيب كان على البائع أن يسترد ما أدى، كما لو كان
العيب متحققا ثم زال بعد الصلح.
وعلى هذا لو ادعى على إنسان حقا أو مالا ثم صالحه على مال فتبين أنه لم يكن عليه ذلك المال أو
ذلك الحق: أي إن لم يكن ثابتا كان للمدعى عليه حق استرداد كل المال. ا ه‍. والله تعالى أعلم وأستغفر
الله العظيم.
فصل في دعوى الدين
وهو الذي يثبت في الذمة عيني. والأول أن يقول: فصل في الصلح عن دعوى الدين، ويقال
مثله في العبارة الآتية للمصنف.
قال الحموي: لما ذكر الصلح مطلقا في عموم الدعاوي ذكر الصلح في الدين لأنه صلح مقيد
والمقيد بعد المطلق. ا ه‍. لان ما ذكره في هذا الباب حكم الخاص وهو دعوى الدين، لان الخصوص
أبدا يكون بعد العموم، والأصل أنه متى كان المصالح عليه أدون من حقه قدرا ووصفا أو في أحدهما
فهو إسقاط للبعض وأخذ للباقي، وإن كان أزيد منه بأن دخل فيه ما لم يستحق من وصف أو ما هو
في معناه كتعجيل مؤجل فمعاوضة. قوله: (الصلح الواقع الخ) أطلق الصلح ولكن المراد كونه على
أقل مما عليه من الدين كما هو ظاهر العادة، فتخرج منه صورة التساوي إذ هي استيفاء وقبض عين
حقه، وصورة كون المصالح عليه زيادة من الدين فيكون ربا وحراما ليسا بصلح، وأشار بالصلح إلى أنه

382
لو باع ما في ذمته من الألف بخمسمائة مثلا لم يجز، صرح به في الظهيرية وسيأتي تمامه. قوله: (من
دين) يشمل بدل القرض وثمن المبيع وضمان المتلف وبدل المغصوب وكل ما لزم في الذمة، وقيد في
البعض ليفيد أنه لا يجوز على الأكثر، وأنه يشترط معرفة قدره لكن قال في غاية البيان عن شرح
الكافي: ولو كان لرجل على رجل دراهم لا يعرفان وزنها فصالحه منها على ثوب أو غيره فهو جائز،
لان جهالة المصالح عنه لا تمنع مع صحة الصلح، وإن صالحه على دراهم فهو فاسد في القياس لأنه
يحتمل أن بدل الصلح أكثر منه، ولكني أستحسن أو أجيزه لان الظاهر أنه كان أقل مما عليه، وإن مبنى
الصلح على الحط والاغماض فكان تقديرهما بدل الصلح شئ دلالة ظاهرة على أنهما عرفاه أقل مما
عليه وإن كان لا يعرفان قدر ما عليه في نفسه. ا ه‍.
أقول: لكن في قوله أستحسن أن أجيزه الخ شبهة الربا كما علمت وهي محرمة أيضا، فالظاهر
اعتماد ما في الشرح. تأمل. قوله: (أو غصب) أي غصب قيمي أو مثلي أو غصب منه أحد النقدين
وهو باق في يده معترفا ببقائه فصالحه على بعض مقدار من جنسه. قوله: (أخذ) خبر مبتدأ. قوله:
(وحط لباقيه) لان تصرف العاقل البالغ يصح ما أمكن، ولا يمكن تصحيحه معاوضة لما فيه من الربا،
وقد أمكن الاسقاط فيحمل عليه، فلو قال المدعي للمدعى عليه المنكر صالحتك على مائة من ألف
عليك كان أخذا لمائة وإبراء عن تسعمائة وهذا قضاء لا ديانة إلا إذا زاد أبرأتك. قهستاني. وقدمنا مثله
معزيا للخانية. قوله: (للربا) أي لا يجعل معاوضة لما يلزم عليه من الربا ولا يصح، وتصرف العاقل
يحمل على الصحة ما أمكن كما ذكرنا فيجعل حطا. قوله: (وحينئذ) أي حين إذا كان ما ذكر أخذ
البعض الحق وإسقاطا لباقيه لا معاوضة. قوله: (فصح الصلح) أي عن ألف على مائة، أطلق الصلح
فشمل كون المدعى عليه مقرا أو منكرا أو ساكتا، والمراد بالألف ثمن مبيع كما هو مقتضى عقد
المداينة، وقيد بالألف والمائة بكونهما حالتين احترازا عما إذا كانت الألف مؤجلة والمائة حالة كما
سيذكره بعد، وسنذكر أن هذا فيما إذا شرط ذلك. قوله: (بلا اشتراط قبض بدله) أي الصوري وهو
ما وقع عليه الصلح، وإلا فليس هناك بدل بل هو أخذ لبعض الحق، وهذا إنما يظهر في غير
المغصوب، أما هو مع الاعتراف ببقائه فليس ما دفعه عين حقه إلا أن يجعل عينه حكما، وذلك إنما
هو في العقود والفسوخ لا في الغصب فليحرر. ولعله أراد بالغصب بدله بعد هلاكه. قوله: (على
مائة حالة) ويكون الصلح إسقاطا لبعض الحق فقط. قوله: (أو على ألف مؤجل) ويحمل على إسقاط
وصف الحلول. قوله: (عن ألف جياد على مائة زيوف) هذا شامل لما إذا كان بدل الصلح مؤجلا أو
حالا لأنه يصح كما ذكره، بخلاف ما إذا كان له ألف زيوف وصالحه على خمسمائة جياد حيث لا يجوز
لعدم استحقاق الجياد فيكون معاوضة ضرورة كما في التبيين، وحينئذ فيكون قد أسقط حقه في الكم
والكيف فأسقط من الكم تسعمائة ومن الكيف صفة الجودة، وكذا لو كانت المائة مؤجلة يصح أيضا
لأنه قد أسقط فيها أيضا وصف الحلول، وإنما جاز هذا لان من استحق الجياد استحق الزيوف، وهذا
لو تجوز به في الصرف والسلم جاز، ولو لم يستحقه بالعقد لما جاز لان المبادلة برأس مال السلم وبدل
الصرف لا تجوز، بخلاف ما إذا كان له ألف زيوف وصالحه على خمسمائة جياد حيث لا يجوز لعدم

383
استحقاق الجياد فيكون معاوضة ضرورة: أي لأنه لا يمكن حمله على أنه استوفى بعض حقه وأسقط
الباقي، لأنه لا يستحق الجياد فلا يجوز التفاضل فيها لان جيدها ورديئها سواء كما في الشرنبلالية.
قوله: (لعدم الجنس) فكان معاوضة، ولو كان من الجنس لكان أخذ البعض الحق فيجوز مؤجلا.
قوله: (فكان صرفا) أي بدلا عنه، والاستبدال بالأثمان بعضها عن بعض صرف فيشترط فيه
التقابض. قوله: (فلم يجز نسيئة) أي ولا حالا بدون القبض لاشتراطه في الصرف كما علم في بابه.
قوله: (أو عن ألف مؤجل على نصفه حالا) لان المعجل غير مستحق بعقد المداينة، إذ المستحق به هو
المؤجل والمعجل خير منه، فقد وقع الصلح على ما لم يكن مستحقا بعقد المداينة فصار معاوضة والأجل
كان حق المديون وقد تركه بإزاء ما حطه عنه من الدين فكان اعتياضا عن الاجل وهو حرام، ألا يرى
أن ربا النسيئة حرم لشبهة مبادلة المال بالأجل فلان يحرم حقيقة أولى. ا ه‍. درر. قوله: (إلا في صلح
المولى مكاتبه) يعني إذا صالح المولى مكاتبه على ألف مؤجلة على خمسمائة حالة فإنه يجوز، لان معنى
الارفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضة فلا يكون هذا مقابلة الاجل ببعض المال ولكنه إرفاق من
المولى بحط بعض البدل وهو مندوب إليه في الشرع، ومساهلة من المكاتب فيما بقي قبل حلول الاجل
لتوصل به إلى شرف الحرية، وهو أيضا، مندوب إليه في الشرع. ذكره الزيلعي.
وذكر في شرح الكافي للإسبيجابي جواز هذا الصلح مطلقا على قياس قول أبي يوسف لأنه
إحسان من المديون في القضاء بالتعجيل وإحسان من صاحب الدين في الاقتضاء بحط بعض حقه،
وحسن هذا إذا لم يكن مشروطا في الآخر، وأما إذا شرط أحدهما في مقابلة الآخر فدخل في الصلح
معاوضة فاسدة فيكون فاسدا، وهكذا في غاية البيان. قوله: (أو عن ألف سود على نصفه بيضا) لان
البيض غير مستحقة بعقد المداينة، لان من له السود لا يستحق البيض فقد صالح على ما لا يستحق
بعقد المعاوضة فكان معاوضة الألف بخمسمائة وزيادة وصف الجودة فكان ربا. منح. بخلاف ما لو
صالح على قدر الدين وهو أجود لأنه معاوضة المثل بالمثل، ولا معتبر بالجودة لأنها ساقطة الاعتبار في
الأموال الربوية إلا أنه يشترط القبض في المجلس لأنه صرف الأصل أنه متى كان الذي وقع عليه
الصلح عليه دون الحق قدرا أو وصفا أو وقتا فهو إسقاط للبعض واستيفاء للباقي لأنه استوفى دون
حقه، وإن كان أزيد منه بأن دخل فيه ما لا يستحق من وصف أو تعجيل مؤجل أو كان خلاف جنسه
فهو معاوضة لتعذر استيفاء في غير المستحق فيشترط فيه شروط المعاوضة كما في الشمني.
أقول: وشرطها عند اتحاد الجنس المساواة، فمن له دراهم سود لا يستحق البيض فيكون أخذها
بطريق المعاوضة ولو توجد، حتى لو صالحه على ألف حالة عن الألف المؤجلة أو صالحه على ألف
بيض عن الألف السود جاز بشرط قبضه في المجلس لوجود المساواة في القدر وهو المعتبر في الصرف
دون المساواة في الصفة، ولو كان عليه ألف فصالحه على طعام موصوف في الذمة مؤجل لم يجز لأنه
يكون افتراقا عن دين بدين، ولو كان عليه ألف درهم ومائة دينار فصالحه على مائة درهم جاز، سواء
كانت حالة أو مؤجلة لأنه يجعل إسقاطا للدنانير كلها وللدراهم إلا مائة وتأجيلا للمائة التي بقيت، ولا
يحمل على المعاوضة لان فيه فسادا كما في العيني.
أقول: ويظهر مما قدمناه قريبا عن شرح الأسبيجابي أن المديون لو أعطى الدائن خمسمائة بيضا

384
فأسقط الدائن الألف السود من ذمته وأسقط هو البيض من ذمة الآخر لا بشرط المقابلة ينبغي أن
يصح، ولكنه لا يسمى ذلك صلحا كما لا يخفى. قوله: (أن الاحسان إن وجد من الدائن) بأن صالح
على شئ هو أدون من حقه قدرا أو وصفا أو وقتا. قوله: (وإن منهما) أي من الدائن والمدين، بأن
دخل في الصلح ما لا يستحقه الدائن من وصف كالبيض بدل السود أو ما هو في معنى الوصف
كتعجيل المؤجل أو عن جنس، بخلاف جنسه. قوله: (فمعاوضة) أي ويجري فيه حكمها، فإن تحقق
الربا أو شبهته فسدت وإلا صحت. قوله: (عاد دينه) عندهما. وعند أبي يوسف يبرأ. قوله: (لفوات
التقييد بالشرط) أي من حيث المعنى فكأنه قيد البراءة من النصف بأداء خمسمائة في الغد، فإذا لم يؤد
لا يبرأ لعدم تحقق الشرط.
والحاصل: أن كلمة على وإن كانت للعوض لكنها قد تكون بمعنى الشرط، وقد تعذر العمل
بمعنى المعاوضة فتحمل على الشرط تصحيحا لتصرفه كما في الدرر. قوله: (والثاني إن لم يوقت بالغد)
أي لم يذكر لفظ غد بل قال ادفع إلي خمسمائة على أنه برئ من الباقي لم يعد دينه لعدم الأداء، ويبرأ
مطلقا أدى الخمسمائة في الغد أو لم يؤد، لان البراءة قد حصلت بالاطلاق وإلا فلا تتغير بما يوجب
الشك في آخره. منح. قوله: (لم يعد) أي الدين مطلقا أدى أو لم يؤد. قوله: (لأنه إبراء مطلق) لأنه
لما لم يوقت للأداء وقتا لم يكن الأداء غرضا صحيحا لأنه واجب على الغريم في كل زمان فلم يتقيد بما
حمل على المعاوضة وهو لا يصلح عوضا، والظاهر أن الابراء مقيد بأدائه ولو في آخر جزء من أجزاء
حياته، حتى إذا مات ولم يؤد يؤخذ كل الدين من تركته، لان التعليق بالأداء موجود معنى، بخلاف
الوجه الرابع فإنه يبرأ مطلقا لبداءته بالابراء. قوله: (كالوجه الأول) خبر أول. وقوله: (كما قال) خبر
ثان. قوله: (لبداءته بالابراء لا بالأداء) قال في الدرر لأنه أطلق الابراء وأداء خمسمائة لا يصلح
عوضا ويصلح شرطا مع الشك في تقييده بالشرط فلا يتقيد بالشك، بخلاف ما إذا بدأ بأداء خمسمائة
لان الابراء حصل مقرونا به، فمن حيث إنه لا يصلح عوضا يقع مطلقا، ومن حيث إنه يصلح شرطا
لا يقع مطلقا فلا يثبت الاطلاق بالشك فافترقا. ا ه‍. قوله: (بصريح الشرط) قال القهستاني: وفيه
إشعار بأنه لو قدم الجزاء صح.
في الظهيرية: لو قال حططت عنك النصف إن نقدت إلي نصفا فإنه حط عندهم وإن لم ينقده.
قوله: (كإن أديت إلي كذا) الخطاب للغريم، ومثله الكفيل كما صرح به الأسبيجابي في شرح الكافي
وقاضيخان في شرح الجامع.

385
قال في غاية البيان: وفيه نوع إشكال، لان إبراء الكفيل إسقاط محض ولهذا لا يرتد برده فينبغي
أن يصح تعليقه بالشرط. إلا أنه كإبراء الأصيل من حيث إنه لا يحلف به كما يحلف بالطلاق فيصح
تعليقه بشرط متعارف لا غير المتعارف، ولذا قلنا: إذا كفل بمال عن رجل وكفل بنفسه أيضا على أنه
إن وافى بنفسه غدا فهو برئ عن الكفالة بالمال فوافى بنفسه برئ عن المال لأنه تعليق بشرط متعارف
فصح ا ه‍. قوله: (لما تقرر الخ) قال في المنح: إنما لا يصح لان الابراء المعلق تعليقا صريحا لا يصح،
لان الابراء فيه معنى التمليك ومعنى الاسقاط، فالاسقاط لا ينافي تعليقه بالشرط والتمليك ينافيه
فراعينا المعنيين. وقلنا: إن كان التعليق صريحا لا يصح وإن لم يكن صريحا يصح. ا ه‍. قوله: (لأنه
تمليك من وجه) بدليل أنه لا يرتد بالرد والتمليكات لا تحتمل التعليق بالشرط، وهو إسقاط أيضا بدليل
أنه لا يتوقف على القبول والاسقاط يحتمل ذلك، فلمعنى التمليك فيها قلنا: إذا صرح بالتعليق بالشرط
لم يصح، ولمعنى الاسقاط (1) إذا لم يصرح بالتعليق بالشرط بتقييد. كذا في الكافي. قوله: (وإن قال
المديون لآخر سرا الخ) هذا القيد أهمله في الكنز ولم ينبه عليه شارحه الزيلعي، ونبه عليه ملا مسكين
وصاحب الدرر وملتقى الأبحر والهداية وعبارته بعد ذكر المسألة مطلقة. ومعنى المسألة. إذا قال ذلك
سرا، أما إذا قال علانية يؤخذ به، لان قوله لا أقر بمالك الخ يتضمن الاقرار به حيث أضافه إليه
بقوله مالك، أو لأنه تعليق الاقرار بالشرط فيلزم في الحال، ولذا قيد به ملا مسكين في عبارة الكنز
حيث لم تتقيد بقوله، سرا كما علمت، وقد عزاه هنا وفي البحر إلى المجتبى، ولكن النظر إلى العلة
التي ذكرها الزيلعي وغيره وهي كونه ليس بمكره لتمكنه من إقامة البينة أو التحليف فينكل، وهو نظير
الصلح مع الانكار لان كل واحد منهما لا ينافي الطوع، والاختيار في تصرفه أقصى ما في الباب أنه
مضطر، لكن الاضطرار لا يمنع من نفوذ تصرفه كبيع ماله بالطعام عند المخمصة يوجب التسوية بين
الحالتين فتأمل. ذكره الرملي.
أقول: معنى الاخذ: أي بإقراره وهو. قوله: (بمالك) والمال مجهول فيؤمر ببيانه ولا يلزمه ما
ادعاه المدعي لعدم إقراره به. تأمل. قوله: (قوله بمالك) بفتح اللام وكسرها. حموي. قوله: (صح)
أي فليس له المطالبة في الحال بعد التأخير ولا في المحطوط كما في المنح. قوله: (لأنه ليس بمكره) لأنه
لو شاء لم يفعل ذلك إلى أن يجد البينة، أو يحلف فينكل عن اليمين. إتقاني. وقوله: وليس بمكره على
صيغة اسم المفعول، إذ يمكنه أن يبرهن أو يحلفه فينكل عن اليمين ففعله بلا شروع إلى أحدهما كان رضا
بذلك فنفذ فيكون كصلح عن إنكار، ومن ذلك ذكرت هذه المسألة هنا، هذا هو الموافق لما في غاية
البيان وشرح المقدسي، وما في الكفاية يقتضي كون الضمير المنصوب عائد إلى المديون، وأن يكون مكره
على صيغة اسم الفاعل كما فسر به البعض هنا، والأول هو المتبادر كما لا يخفى. قوله: (عليه) جعل
لفظ عليه صلة لمكره وهو خلاف ما في العيني والدرر. قال العيني عند قول الكنز صح: أي هذا الفعل



(1) قوله: (ولمعنى الاسقاط الخ) هكذا بالأصل، ولعله (ولا لمعنى الاسقاط) قلنا: إذا لم يصرح بالتعليق بالشرط يصح
فليحرر.
386
عليه: أي على الدائن: يعني إن أخره يتأخر، وإن حط عنه بعضه ينحط لان المديون ليس بمكره ا ه‍.
ومثله في الدرر إلا أنه قال صح: أي التأخير والحط لأنه ليس بمكره عليه: أي على الدائن فوصل عليه
بمكره فتوهم الشارح أنه متعلق به، وليس الامر كذلك لان لفظ عليه من المتن في الكنز والدرر،
ويحتمل أنها هنا كذلك إلا أن الناسخ سودها وحينئذ فالعبارة صح عليه: أي نفذ عليه التأخير أو الحط
لأنه ليس بمكره، وضمير عليه: أي على الدائن حتى أنه بعد التأخير لا يتمكن من مطالبته في الحال،
وفي الحط لا يتمكن من مطالبته ما حطه أبدا. قوله: (ولو أعلن ما قاله سرا) يعني أنه تكلم به أولا بين
الناس، وليس المراد أنه بعد أن اتفقا على الحط أو التأخير أعلن فإنه لا ينقض الصلح، والمراد أن الدائن
سكت: إذا لو حط في الاعلان أو أقر صح بل هو أولى من حالة السر. ط.
أقول: وظاهر كلام المصنف يوهم أنه بعدما أخر أو حط عنه كما فهمته مما قدمناه مع أنه ليس
كذلك، فلو قال ولو أعلن. بقوله: لا أقر لك حتى تؤخره عني أو تحط يكون إقرارا فيؤخذ للحال
كله إن لم يؤخر أو يحط. قال المولى عبد الحليم: وقوله: (ولو أعلن) أي المديون وقوله: (ما قاله
سرا) أشار به إلى أن مفعوله محذوف وهو قوله لا أقر لك بمالك الخ. قوله: (أخذ الكل منه للحال)
أي تمكن من أخذ الكل بلا تأخير إن أخر ولا حط إن حط. قال ط: لعل هذا إذا لم يؤخره الطالب
ولم يحط، أما لو فعل ذلك صح لعدم إكراهه. ا ه‍. قوله: (فقال أقرر) بهمزة قطع مفتوحة من أقر.
قوله: (جاز) أي الحط لأنه ليس من تعليق الابراء صريحا بل معنى، وقد سبق جوازه. قوله (بخلاف
على أن أعطيك مائة) فإذا أقر صح الاقرار، ولا يلزم الدائن شئ. قوله: (لا الحط) لان الحط إبراء
وهو معلق بصريح الشرط فلا يصح كما تقدم جلبي. والأولى أن يقول: لأنه وعد معلق بالشرط لا
يجب الوفاء به شرعا. قوله: (الدين المشترك بسبب متحد) شامل لما إذا اشتركا في المبيع بأن كان عينا
واحدة أو لم يشتركا بأن كانا عينين لكل عين بيعتا صفقة واحدة بلا تفصيل ثمن ا ه‍. شرنبلالية. قوله:
(كثمن مبيع بيع صفقة واحدة) بأن كان لكل واحد منهما عين على حدة أو كان لهما عين واحدة
مشتركة بينهما وباعا الكل صفقة واحدة من غير تفصيل ثمن نصيب كل واحد منهما. زيلعي.
واحترز بالصفقة الواحدة عن الصفقتين، حتى لو كان عبد بين رجلين باع أحدهما نصيبه من رجل
بخمسمائة درهم وباع الآخر نصيبه من ذلك الرجل بخمسمائة درهم وكتبا عليه صكا واحدا بألف وقبض
أحدهما منه شيئا لم يكن للآخر أن يشاركه لأنه لا شركة لهما في الدين، لان كل دين وجب بسبب على
حدة. عزمية. وإنما تتحد الصفقة إذا اتحد اللفظ وقدر الثمن ووصفه، كأن قالا بعناك هذا العبد بألف
لكل خمسمائة فقبل كان صفقة واحدة، أما لو باع أحدهما بخمسمائة ثم الآخر بخمسمائة أو باعاه بألف
على أن لأحدهما خمسمائة بيضا وللآخر سودا أو لأحدهما ستمائة وللآخر أربعمائة فذلك كله صفقتان،
فلا يشارك أحدهما الآخر فيما قبض كما يفهم ذلك من المنح. وقيد بالدين المشترك لأنه لو كان الصلح
عن عين مشتركة يختص المصالح، ببدل الصلح وليس لشريكه إن يشاركه فيه لكونه معاوضة من وجه لان
المصالح عنه مال حقيقة، بخلاف الدين. زيلعي. فليحفظ فإنه كثير الوقوع.

387
وفي الخانية: رجلان ادعيا أرضا أو دارا في يد رجل وقالا هي لنا ورثناها من أبينا فجحد
الذي هي في يده فصالحه أحدهما عن حصته على مائة درهم فأراد الابن الآخر أن يشاركه في المائة لم
يكن له أن يشاركه، لان الصلح معاوضة في زعم المدعي فداء يمين في زعم المدعى عليه، فهو
معاوضة من وجه استيفاء من وجه فلا يثبت للشريك حق الشركة بالشك. وعن أبي يوسف في رواية
لشريكه أن يشاركه في المائة. ا ه‍.
سئل العلامة الشلبي عن دار مشتركة بين ثلاثة أوقاف كل وقف له حصة معلومة ومستحقون
مختصون به فإذا قبض بعض النظار شيئا من الأجرة هل لباقي النظار أن يشاركه في المقبوض أم لا؟
فأجاب بأن لباقي النظار الشركة فيما قبضه أحدهم حيث صدرت الإجارة منهم صفقة واحدة قياسا
على ثمن المبيع صفقة واحدة ا ه‍. وتعقبه العلامة الحموي بأن جوابه إنما يصح إذا كان ما أجره كل من
النظار معينا غير مشاع.
وأقول: هذا إنما يرد أن لو صدرت الإجارة في بعض الدار لما يلزم عليه حينئذ من إجارة المشاع
لغير الشريك، ولا شيوع هنا لصدور الإجارة في كل الدار، فتنبه. قوله: (أو دين موروث) أو كان
موصى به لهما أو كان بدل قرضهما أبو السعود. قوله: (إذا قبض) أطلقه فشمل قبضا على طريق
الاقتضاء أو الصلح. قوله: (شاركه الآخر فيه) هذا أصل كلي يتفرع عليه فروع: يعني إذا كان لرجلين
دين على آخر فقبض أحدهما شيئا منه ملكه مشاعا كأصله فلصاحبه أن يشاركه في المقبوض، لأنه وإن
ازداد بالقبض إذ مالية الدين باعتبار عاقبة القبض، لكن هذه الزيادة راجعة إلى أصل الحق فيصير كزيادة
الثمرة والولد فله حق المشاركة ولكنه قبل المشاركة باق على ملك القابض لان العين غير الدين حقيقة
وقد قبضه بدلا عن حقه فيملكه حتى ينفذ تصرفه فيه فيضمن لشريكه حصته. درر وليس بين قوله
ملكه مشاعا كأصله. وقوله: ولكنه قبل المشاركة باق على ملك القابض مخالفة، لان المقبوض عين
الدين من وجه وغيره من وجه كما صرح به في عامة الكتب، والاعتبار الأول يقتضي كون المقبوض
مشتركا والاعتبار الثاني يوجب الاختصاص بالقابض، فعملنا بالوجهين وقلنا على الوجه الأول: إنه
يكون للآخر ولاية المشاركة، وعلى الوجه الثاني: إنه يدخل في ملك القابض وينفذ تصرفه، ومن هذا
يظهر الحسن. قوله: فله حق المشاركة: أي في المقبوض، أشار به إلى أنه ليس له حقيقة المشاركة وإلا
لما نفذ تصرف القابض فيه قبل المشاركة، والمشبه لا يلزم أن يكون في حكم المشبه به من كل وجه، فلا
يلزم من تحقق حقيقة المشاركة في الثمرة والولد تحقق حقيقتها في المقبوض من الدين كما لا يخفى.
قوله: (أو اتبع الغريم) فلو اختار ثم توى نصيبه بأن مات الغريم مفلسا رجع على القابض بنصف ما
قبض ولو من غيره. بحر: أي من غير ما قبض أن حقه فيه سقط بالتسليم فيرجع بمثله ويكون ما
قبضه أخيرا صرفا عما في الذمة.
وعبارة الزيلعي: رجع عليه كما في الحوالة، لكن ليس له أن يرجع في عين تلك الدراهم المقبوضة
لان حقه فيها قد سقط بالتسليم فلا يعود حقه فيها بالتوي ويعود إلى ذمته في مثلها ا ه‍. وعليه فكان ينبغي
إسقاط لفظ ولو ويقول هكذا: ورجع على القابض بنصف ما قبض من غيره، وذلك لان حقه فيها قد
سقط بالتسليم فلا يعود حقه فيها بالتوي ويعود إلى ذمته في مثلها. تأمل. قوله: (وحينئذ فلو صالح) في

388
التفريع نظر، لان الأصل أن يقبض من الدين شيئا، وهذا صلح من نصيبه لا قبض. تأمل. قوله: (أي
على خلاف جنس الدين) احتراز عما إذا كان على جنسه كما تقدم فإنه يشاركه فيه أو يرجع على المدين،
وليس للقابض فيه خيار لأنه بمنزلة قبض بعض الدين. قوله: (أخذ الشريك الآخر نصفه) أي نصف
الدين من غريمه أو أخذ نصف الثوب، لان الصلح وقع عن نصف الدين وهو مشاع، وقسمة الدين
حال كونه في الذمة لا تصح، وحق الشريك متعلق بكل جزء من الدين فيتوقف على إجازته وأخذه
النصف دال على إجازة العقد فيصح ذلك. قوله: (إلا إن ضمن) أي الشريك المصالح. قوله: (ربع
الدين) يعني إلا أن يغرم له حصته من أصل الدين الواصل بواسطة الصلح.
وأفاد أن المصالح مخير إذا اختار شريكه اتباعه، فإن شاء دفع له حصته من المصالح عليه، وإن
شاء ضمن له ربع الدين. ولا فرق بين كون الصلح عن إقرار أو غيره وبعد ضمان المصالح الربع لا
يكون للآخر سبيل على الثوب.
وحاصله: أن الشريك الآخر مخير بين الاتباع للمديون والشريك المصالح، وأن المصالح مخير في
دفع نصف الثوب المقبوض وربع الدين، ولم يلزم عليه دفع الربع لاحتمال تضرر المصالح، لان الصلح
على الحط غالبا فيكون ما استوفاه أنقص، بل يحتمل أن لا يبقى له شئ من مقبوضه، وأشار بكون
البدل ثوبا إلى أن هذا فيما كان بدل الصلح خلاف جنس الدين. أما إذا وقع على جنسه ليس للمصالح
خيار فيه بل لشريكه المشاركة في المقبوض أو يرجع على المديون لأنه بمنزلة قبض بعض الدين كما في
المبسوط. وأطلق الصلح فشمل ما يكون عن إقرار أو سكوت أو إنكار.
ثم الحيلة في أن لا يرجع عليه شريكه أن يهب له الغريم مقدار حظه من الدين ويقبضه ثم يبرئه
عن حظه أو يبيعه شيئا يسيرا ولو كفا من زبيب بقدر حصته من الدين ثم يبرئه عن الدين ويأخذ ثمن
المبيع كما في الذخيرة والتتمة. قوله: (فلا حق له في الثوب) لان حقه في الدين وقد ضمنه له، وقد
علم أن الخيار للمصالح.
والحاصل: أن في تخيير الشريك قيدين: أن يكون المصالح عنه دينا والمصالح عليه ثوبا. فإن
كان المصالح عنه عينا مشتركة ليس لشريكه أن يشاركه فيه، ولو كان المصالح عليه من جنس الدين
شاركه الشريك أو يرجع على المدين.
والفرق بين الصلح على الجنس وغيره أنه إذا صالحه على الجنس يشاركه الشريك فيه أو يرجع
على الغريم، وفي الصلح على خلاف الجنس كذلك، إلا أن يضمن له ربع الدين لان حقه في الدين لا
في الثوب. قوله: (ضمنه شريكه الربع) يعني إن شاء لأنه صار قابضا حقه بالمقاصة ولا ضرورة عليه،
لان مبنى البيع على المماكسة، بخلاف الصلح لان مبناه على الاغماض والحطيطة، فلو ألزمناه دفع ربع
الدين لتضرر.
لا يقال: قسمة الدين قبل القبض لا تتصور فكيف تتصور المقاصة فيه. لأنا نقول: قسمة الدين
قبل القبض تجوز ضمنا، وإنما لا تجوز قصدا وهنا وقعت القسمة في ضمن صحة الشراء وصحة

389
المصالحة وللشريك أن لا يتبع القابض في الجميع ويرجع على المدين، لان القابض قبض حقه إلا أن له
حق المشاركة، ولو كان للمطلوب على أحدهما دين قبل وجوب دينهما عليه حتى صار دينه قصاصا به
فلا ضمان عليه لأنه أحد الدينين قضاء لأولهما لا اقتضاء، والضمان إنما يجب بالاقتضاء، وكذا
المشاركة لا تجب بالقضاء وإنما تجب بالاقتضاء، ولو أبرأه أحدهما عن نصيبه لا يضمن، ولو غصب
أحدهما من المدين عينا أو اشترى منه شراء فاسدا فهلك عنده فهو قبض والاستئجار بنصيبه قبض لا
التزوج به لعدم إمكان المشاركة فيه كالجناية على نفس المدين وكالابراء، بخلاف التزوج على دراهم
مطلقة فإنه قبض بالاجماع لوقوع التقاص زيلعي. قوله: (أو اتبع غريمه في جميع ما مر) أي في مسألة
الصلح والبيع أو القبض. قوله: (لبقاء حقه في ذمته) ولأن القابض استوفى نصيبه حقيقة لكن له حق
المشاركة فله أن يشارك. قوله: (لا يرجع) أي الشريك بنصف المبرئ على الذي أبرأ. قوله: (لأنه
إتلاف لا قبض) والرجوع يكون في المقبوض لا في المتلف ف، ولم يزدد نصيب المشتري بالبراءة فلم يرجع
عليه. قوله: (قبل وجوب دينهما عليه) أما لو كان حادثا حتى التقيا قصاصا فهو كالقبض ويشاركه فيه
كما في البحر. قوله: (عليه) أي المديون. قوله: (لأنه قاض لا قابض) أي والمشاركة إنما تثبت في
المقبوض لا في القضاء. قوله: (ولو أبرأ الشريك المديون) بالنصب مفعول أبرأ، والأولى أن يقول أحد
الشريكين. قوله: (قسم الباقي على سهامه) أي على سهام الباقي، لأنه لعل المراد بالسهام السهام
الباقية لا أصلها، يظهر ذلك فيما لو كان له الثلثان فأبرأه عن الثلث يقسم ما يؤخذ نصفين لان الحق
عاد إلى هذا القدر، ولو اعتبرنا الأصل قسم أثلاثا، وقد صرح ابن الكمال بالأول. قوله: (ومثله
المقاصة) بأن كان للمديون على الشريك خمسة مثلا قبل هذا الدين فإن القسمة على ما بقي بعد
المقاصصة. قوله: (صح عند الثاني) اعتبارا بالابراء المطلق خلافا للطرفين لأنه يؤدي إلى قسمة الدين
قبل القبض كما في الهداية.
وفي النهاية: ما ذكره من صفة الاختلاف مخالف لما ذكر في عامة الكتب حيث ذكر قول محمد
مع قول أبي يوسف، وذلك سهل لجواز أن يكون المصنف قد اطلع على رواية لمحمد مع الامام.
قال في البرهان: تأجيل نصيبه موقوف على رضا شريكه عند أبي حنيفة، وبه نأخذ، وعندهما
لا، وفي عامة الكتب محمد مع أبي يوسف، وذكره في الهداية مع أبي حنيفة فكان عنه روايتان كما في
الشرنبلالية.
وفي البحر: وإن أجله أحدهما فإن لم يكن واجبا بعقد كل منهما بأن ورثا دينا مؤجلا فالتأجيل
باطل، وإن كان واجبا بإدانة أحدهما: فإن كانا شريكين شركة عنان، فإن أخر الذي ولى الإدانة صح
تأجيله في جميع الدين، وإن أخر الذي لم يباشرها لم يصح في حصته أيضا، وإن كانا متفاوضين وأجل

390
أحدهما أيهما أجل صح تأجيله ا ه‍. ولم يظهر وجه لذكر قول الثاني، وترك قول الإمام مع عدم
تصحيحه. قوله: (والغصب) أي إذا غصب أحدهما منه عينا وهلكت عنده فإنه ينزل قابضا نصيبه
فيشاركه فيه الآخر سواء كان من جنس الدين أو من غير جنسه وهلك في يد الغاصب وقضى عليه
بقيمته من جنس الدين، فلو كان من غير جنس الدين وكان حوجودا رد عينه كما في الرحمتي: أي
لأنه يملكه من وقت الغصب عند أداء الضمان. قوله: (والاستئجار) أي بأجرة من جنس الدين لأنها
بيع المنافع، فصار بمنزلة ما إذا اشترى بنصيبه شيئا فإنه يرجع عليه بربع الدين فكذا هذا وكذا خدمة
العبد وزراعة الأرض.
وصورتها بأن استأجر أحدهما من المديون دارا بحصته سنة وسكنها، وكذا لو استأجره بأجر مطلق.
وروى ابن سماعة عن محمد: لو استأجر بحصته لم يشاركه الآخر وجعله كالنكاح، هذا إذا
أضاف العقد إلى الدين لأنه اتلاف كما في الزيلعي. قوله: (لا التزوج) أي تزوج المديونة على نصيبه
فإنه لا يكون قبضا، لأنه ليس بدل مال فكان فيه معنى الاتلاف من وجه فأشبه الابراء، بخلاف ما إذا
تزوجها على دراهم مطلقة أي حتى التقت قصاصا بنصيبه فإنه يكون كالقبض كما في الاتقاني.
وفي الشرنبلالية: والتزوج بنصيبه إتلاف في ظاهر الرواية حتى لا يرجع عليه صاحبه بشئ.
وعن أبي يوسف أنه يرجع بنصيبه منه لوقوع القبض بطريق المقاصة، والصحيح الأول انتهى. قوله:
(والصلح عن جناية عمد) أي لو جنى أحدهما عليه جناية عمد فيما دون النفس أرشها مثل دين الجاني
فصالحه على نصيبه، وكذا لو كان فيها قصاص لأنه لم يملك بمقابلته شيئا قابلا للشركة كما في البرهان
وغيره، قيد بالعمد لان الخطأ يسلك فيه مسلك الأموال فكأنه قابض أفاده في النهاية وغيرها.
وفي الايضاح: لا يلزمه لشريكه شئ لأنه كالنكاح. وفي العناية بعد نقله ما تقدم: ورأى أنه
قيد بذلك لان الأرش قد يلزم العاقلة فلم يكن مقتضيا، وتمامه في تكملة قاضي زاده.
قال الزيلعي: وقوله لا التزوج والصلح عن جناية عمد: أي بأن كان لهما دين على امرأة
فزوجته عليه نفسها أو على مولى الأمة فزوجها المولى منه عليه أو على المكاتب أو على الأمة المأذون لها
فتزوجها عليه بإذن المولى ليس بقبض في ظاهر الرواية حتى لا يرجع عليه شريكه، لأنه لم يسلم له
شئ يمكنه المشاركة فيه فصار كالجناية على نفس المدين. وعن أبي يوسف: أنه يرجع عليه لوجود
القبض بطريق المقاصة على ما بينا. والصحيح الأول لأنه إتلاف، ولأن النكاح يتعلق بعين الدين عند
الإضافة إليه فيملكه بعينه ثم يسقط عن ذمتها كالهبة، بخلاف ما إذا لم يضف العقد إليه بأن سمى
دراهم مطلقة فوقع التقابض بنصيبه حيث يرجع إليه شريكه بالاجماع لأنها لم تملكه وإنما ملكت غيره
فالتقيا قصاصا، والصلح عليه عن جناية العمد ليس بقبض لأنه لم يملك شيئا قابلا للشركة بمقابلته
ا ه‍. قوله: (أن يهبه الغريم) أي المديون فيكون المقبوض هبة لا دينه. قوله: (ثم يبرئه) الضمير في
يبرئه لاحد الدائنين ففيه تشتيت: أي يبرئ الشريك الغريم، فإن بإبرائه المديون لا يرجع عليه بشئ
كما مر. قوله: (أو يبيعه) أي الطالب وهو معطوف على يهبه: أي يبيع الشريك للمديون كفا الخ بقدر
دينه فلم يكن مقتضيا الدين بل آخذا ثمن البيع وقابضا للهبة في الصورة الأولى ثم يبرئه من دينه ولا

391
رجوع للشريك عليه بالابراء. قوله: (به) أي بقدر نصيبه من الدين بأن يجعل ثمن التمر بقدر نصيبه
فيكون المقبوض ثمن المبيع لا نصيبه من الدين. قوله: (ثم يبرئه) أي أحد الدائنين وهو من باع التمر.
قوله: (صالح أحد ربي السلم) إطلاق الصلح هنا مجاز عن الفسخ كما حرره صاحب غاية البيان، لأنه
فسخ في الحقيقة. قالوا: أطلق عليه الصلح بما فيه من الحطيطة التي هي من خواص الصلح كما في
تكملة المولى زكريا.
أقول: الحطيطة هي التي لزمت على المسلم إليه من المسلم فيه حيث سقطت بهذه المصالحة تدبر
كما لا يخفى. قوله: (عن نصيبه) أي من المسلم فيه. قوله: (على ما دفع من رأس المال) على صحته
منه، قيد به لأنه لو كان على غيره لا يجوز بالاجماع لما فيه من الاستبدال بالمسلم فيه قبل قبضه.
زيلعي. قوله: (نفذ عليهما) فيكون المقبوض بينهما، وكذا ما بقي من المسلم فيه درر البحار: أي
فيكون نصف رأس المال فيهما وباقي الطعام بينهما سواء كان رأس المال مخلوطا أو لا. بحر قوله:
(وإن رده رد) وبقي المسلم فيه على حاله. بحر. قوله: (لان فيه قسمة الدين) وهو المسلم فيه وهذا
مذهبهما. وقال أبو يوسف: يجوز اعتبارا بسائر الديون. ولهما أنه لو جاز: فإما أن يجوز في نصيبه
خاصة أو في النصف من النصيبين، فعلى الأول لزم قسمة الدين قبل القبض لان خصوصية نصيبه لا
تظهر إلا بالتمييز ولا تمييز إلا بالقسمة وهي باطلة، وإن كان الثاني فلا بد من إجازة الآخر لأنه فسخ
على شريكه عقده فيفتقر إلى رضاه. درر. قوله: (مفاوضة) نصب على التمييز. قوله: (جاز مطلقا)
الذي في البحر جاز ولو في الجميع: أي جميع المسلم فيه: يعني أن الجواز لا يخص نصيبه بل إذا فسخ
في الجميع جاز. قال: وأما إذا كانت عندنا توقف أيضا إن لم يكن من تجارتهما.
في الكافي: لو أسلم في كر بر ثم اصطلحا على أن يزيد المسلم إليه نصف كر لم يصح إجماعا،
لأنها لو صحت لخرج بعض رأس المال من ذلك السلم فيجعل بإزاء الزيادة فيصير دينا على المسلم إليه
فكأنه أسلم دينا، وإذا لم يجز فعليه يرد ثلث رأس المال إلى رب السلم وعليه كر تام عند الامام. وقالا:
لا يرد، لان الاخراج للزيادة وبطلت فيبطل، قلنا: قصدا شيئين الاخراج والادخال فصح الأول لا
الثاني. ا ه‍. والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.
فصل في التخارج
قال في المنح: هو من الخروج، وهو أي شرعا: أن يصطلح الورثة على إخراج بعضهم من
الميراث بمال معلوم، ووجه تأخيره قلة وقوعه فإنه قلما يرضي أحد بأن يخرج من الورثة بغير استيفاء
حقه. وسببه طلب الخارج من الورثة ذلك عند رضا غيره به، وله شروط تذكر في أثناء كلام. ا ه‍.
قوله: (أخرجت الورثة أحدهم) أي أو الموصى له بمبلغ من التركة. سائحاني. وفي آخر الأشباه عن
الكتاب: لو صولح الموصى له بالثلث على السدس صح. ا ه‍.

392
أقول: لكنه مشكل، لأنه من قبيل الاسقاط في الأعيان وهو لا يجوز، وقد صرحوا بأن
الوارث لا يسقط حقه من التركة بالاسقاط وهذا مثله. وأما المخارجة فبيع، ويأتي تمامه. قوله: (صح
في الكل) أي ويقسم الباقي بينهم على سهامهم الخارجة قبل التخارج إلا أن يجعل هذا التخارج كأن
لم يكن.
بيانه: امرأة وبنت وأخ شقيق أصلها ثمانية واحد للمرأة وأربعة للبنت والباقي للأخ، فإذا
أخرجت المرأة قسم الباقي على سبعة، ولو جعلت كأن لم تكن قسم نصفين. حموي عن الشيخ عماد
الدين.
واعلم أنه إذا أخرجوا واحدا فحصته تقسم بين البقية على السواء إن كان ما أعطوه من مالهم
غير الميراث، وإن كان مما ورثوه فعلى قدر ميراثهم. وقيده الخصاف بأن يكون عن إنكار. أما إذا كان
عن إقرار فهو بينهم على السواء مطلقا. أبو السعود. ويأتي ذلك أواخر الفصل. قوله: (صرفا للجنس
بخلاف جنسه) علة. لقوله: (أو نقدين بهما)، والأولى تأخيره عن قوله: (قل ما أعطوه أو كثر)،
ويوجد في بعض النسخ التعبير باللام عوضا عن الباء في بخلاف الجنس، وهي أولى من الباء: أي لو
صالح عن الذهب والفضة بذهب وفضة صح ويصرف الذهب للفضة وهي له، والمراد بالصرف في
كلامه الصرف المصطلح عليه في الفقه وهو بيع الثمن بالثمن، والباء فيه للمقابلة، ولو كان المراد
بالصرف اللغوي لاختص بمسألة واحدة، وهي ما إذا اشتملت التركة على ذهب وفضة ودفع البدل
كذلك ولعداه بإلى أو اللام. ولقوله: بعد ذلك (لكن بشرط التقابض فيما هو صرف) فإنه متعين
للصرف الاصطلاحي. قوله: (قل ما أعطوه أو كثر) لأنه معاوضة لا إبراء إذ الابراء عن الأعيان باطل
كذا قيل.
وأقول: ما قيل إن الابراء عن الأعيان باطل، قيده في البحر بما إذا كان على وجه الانشاء، فإن
كان على وجه الاخبار. كقوله: (هو برئ مما لي قبله فهو صحيح متناول للدين والعين فلا تسمع
الدعوى)، وكذا إذا قال لا ملك لي في هذا العين. ذكره في المبسوط والمحيط. فعلم أن قوله لا
أستحق قبله حقا مطلقا ولا استحقاقا ولا دعوى يمنع الدعوى بحق من الحقوق قبل الاقرار عينا كان
أو دينا، وتقدم الكلام عليه أوائل الاقرار، وسيأتي آخر الفصل مستوفي إن شاء الله تعالى. قوله: (لكن
بشرط التقابض) قال في البحر: ولا يشترط في صلح أحد الورثة المتقدم أن تكون أعيان التركة
معلومة، لكن إن وقع الصلح عن أحد النقدين بالآخر يعتبر التقابض في المجلس غير أن الذي في يده
بقية التركة إن كان جاحدا يكتفي بذلك القبض لأنه قبض ضمان فينوب عن قبض الصلح، وإن كان
مقرا غير مانع يشترط تجديد القبض. ا ه‍.
أقول: بيانه أن التركة في يد أحد الورثة أمانة، فإذا أنكرها أو منع صار غاصبا والغاصب ضامن
وقبض الأمانة لا ينوب عن قبض الضمان فيلزم تجديد القبض فيما لو كان مقرا غير مانع، وإلا لا،
وهذا في غير النقدين. أما هما في صورة ما إذا صالحا على جنسهما فلا بد من حضور ذلك للمجلس

393
وتجديد القبض فيه لأنه صرف محض كما يأتي. قوله: (وغيرهما) وكذا عن النقدين فقط. قوله: (بأحد
النقدين) قيد بأحد النقدين احترازا عما إذا كان بدل الصلح مجموع النقدين فإنه يصح كيف كان، لأنا
نصرف الجنس إلى خلاف الجنس تصحيحا للعقد كما في المبيع بل أولى، لان المقصود من الصلح قطع
المنازعة، ولكن يشترط فيه التقابض قبل الافتراق لأنه صرف ط. قوله: (إلا أن يكون ما أعطى له أكثر
من حصته من ذلك الجنس) فلو كان ما أعطوه أقل أو مساويا لنصيبه أو لا يعلم قدر نصيبه من
الدراهم فسد الصلح ط.
قال في البحر: ولو صالحوه عن النقدين وغيرهما بأحد النقدين لا يصح الصلح ما لم يعلم أن ما
أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس إن كانوا متصادقين، وإن أنكر وراثته جاز مطلقا بشرط التقابض
فيما يقابل النقد منه، وإن لم يعلم قدر نصيبه من ذلك الجنس فالصحيح أن الشك إن كان في وجود
ذلك في التركة جاز الصلح، وإن علم وجود ذلك في التركة لكن لا يدري أن بدل الصلح من حصتها
أقل أو أكثر أو مثله فسد. كذا في فتاوى قاضيخان. ا ه‍.
وفي المقدسي قال الحاكم: إنما يبطل حال التصادق، وفي التناكر يجوز لا يكون (1) حينئذ بدلا
في حق الآخذ ولا حق الدافع.
في الغاية: قال شيخ الاسلام الصحيح أنه باطل في الوجهين، لأنه يكون معاوضة في حق
المدعي فيدخل فيه معنى الربا من الوجه الذي قلنا، وإن زاد صح فيكون قدر حظه به والباقي بحقه في
باقي التركة. قوله: (تحرزا عن الربا) قال في الدرر ليكون حصته بمثله والزيادة بمقابلة حقه من بقية
التركة صونا عن الربا، فلا بد من التقابض فيما يقابل حصته من الذهب أو الفضة لأنه صرف في هذا
القدر. ا ه‍. قوله: (ولا بد من حضور النقدين عند الصلح) لم يذكر هذا في الشرنبلالية، ولا وجه
لاشتراطه، وإن أراد به حضور البدل إذا كان منهما فقد أفاده بقوله سابقا: لكن بشرط التقابض فيما
هو صرف ط. إلا أن يقال: أراد بالحضور الحكمي بأن يحضرهما قبل الافتراق لان الشرط التقابض
في المجلس، أو يكون ما يراد أن يعطى للمدفوع له تحت يده لا بطريق الأمانة. قوله: (قوله وعلمه
بقدر نصيبه) أي ليعلم أن ما أخذه أزيد من نصيبه من ذلك الجنس تحرزا عن الربا.
قال أبو السعود: وإنما اشترط العلم بقدر نصيبه لاحتمال الربا، لان الفساد على تقدير كونه
مساويا له أو أقل فكان أرجح وأولى بالاعتبار، بخلاف الصحة فإنها من جانب واحد، وهو ما إذا كان
المأخوذ أكثر من واعلم أن صحة الصلح نصيبه فكانت العبرة لجانب الفساد لكونه من وجهين انتهى
على الوجه المذكور ثبتت بالأثر، وهو أن تماضر امرأة عبد الرحمن بن
عوف صالحها ورثته عن ربع ثمنها على ثمانين ألف دينار، وقيل على ثلاثة وثمانين ألفا بمحضر من



(1) قوله: (لا يكون الخ) هكذا بالأصل. وعبارة والده رحمه الله تعالى في حاشية الدرر: وقال الحاكم الشهيد: انما يبطل
على أقل من نصيبه في مال الربا حالة التصادق. واما في حالة التناكر بان أنكروا وراثته فيجوز.
وجه ذلك أن في حالة التكاذب ما يأخذه لا يكون بدلا في حق الآخذ ولا في حق الدافع ا ه‍ وهي واضحة بل سيأتي له
في الصحيفة بعد هذه عبارة الحاكم تامة ا ه‍ مصححة.
394
الصحابة. وروى أن ذلك كان نصف حقها: زيلعي. وتماضر بنت أصبغ بن عمرو الكلبي التي طلقها
عبد الرحمن في مرض موته ثلاثا ثم مات وهي في العدة فورثها عثمان وكانت مع ثلاث نسوة أخر
فصالحوها عن ربع ثمنها على ثلاثة وثمانين ألفا، في رواية هي دراهم، وفي رواية هي دنانير. ابن
كمال باشا.
وتماضر بضم المثناة الفوقية وكسر الضاد المعجمة، قدم بها المدينة فولدت أبا سلمة في سريته إلى
دومة الجندل في شعبان سنة ست كما في الواهب - قال: والضمير في سريته لعبد الرحمن بن عوف.
ودومة بضم الدال وفتحها: مدينة بينها وبين دمشق نحو عشر مراحل، وبعدها من المدينة نحو ثلاث
عشرة مرحلة، سميت بدوما بن إسماعيل، لأنه كان نزلها عليه السلام. أصبح هذا من المخضرمين
وأدرك الجاهلية والاسلام ولم يجتمع به عليه السلام، أسلم على يد سيدنا عبد الرحمن بن عوف.
وقوله روى أن ذلك كان نصف حقها فعلى كون بدل الصلح كان ثمانين ألفا وأنها نصف حقها يكون
جميع ماله المتروك رضي الله عنه خمسة الآلف ألف ألف ومائة وعشرين ألفا ويكون ثمنه ستمائة ألف
وأربعين ألفا وربع الثمن مائة ألف وستون ألفا ونصف ربع الثمن ثمانون ألفا. قوله: (ولو بعرض)
يعني لو كان بدل الصلح عرضا في الصور كلما جاز مطلقا وإن قل ولم يقبض في المجلس، وظاهره
يعم ما لو كان العرض من التركة إذ حقه ليس في جميعه فيكون مبادلا عن نصيبه في بقية التركة بما
زاد عن حقه فيه. قوله: (وكذا لو أنكروا إرثه) أي فإنه يجوز مطلقا. قال في الشرنبلالية: وقال الحاكم
الشهيد: إنما يبطل على أقل من نصيبه في مال الربا حالة التصادق، وأما في حالة التناكر بأن أنكروا
وراثته فيجوز. وجه ذلك إن في حال التكاذب ما يأخذه ليكون بدلا في حق الآخذ ولا في حق
الدافع. هكذا ذكره المرغيناني. ولا بد من التقابض فيما يقابل الذهب والفضة منه لكونه صرفا، ولو
كان بدل الصلح عرضا في الصور كلها جاز مطلقا وإن قل ولم يقبض في المجلس. ا ه‍.
أقول: لكن في قوله لا يكون بدلا لا في حق الآخذ فيه أنه بدل في زعمه، وعليه فينبغي أن لا
يحل له الاخذ ما لم يعلم مقدار حقه من ذلك الجنس، لأنه إن لم يعلم قدر نصيبه من ذلك الجنس لا
يصح، لان فيه شبهة الربا وهي محرمة، وإن شك في وجود ذلك الجنس في التركة صح، لأنه حينئذ
يكون شبهة الشبهة وهي لا تحرم. قوله: (بل لقطع المنازعة) هذا في حق المدعى عليه، أما في حق
المدعي فأخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي لأنهم بجحودهم حقه صاروا غاصبين وصار المال مضمونا
عليهم في ذمتهم من قبيل الدين، وقد علم حكم الصلح عن الدين بجنسه، بخلاف ما إذا أقروا بذلك
فإن المال حينئذ عين وإن كان من النقدين، ولا يصح عن الاسقاط في الأعيان فلذلك تعين أن يكون
صرفا، لكن قد يقال فيه: إن المال القائم إذا صار مضمونا لا ينتقل للذمة، وعليه فلا فرق بين الصورة
المذكورة وما بعدها، في أن بكل منها إسقاط العين وهو لا يجوز، وإنما جوزوا الصورة الأولى باعتبار
أن ما يأخذه بدلا لا في حق الآخذ ولا في حق الدافع. تأمل. قوله: (وبطل الصلح الخ) أي في
الكل عند الكل على الأصح، وقيل عندهما يبقى العقد صحيحا فيما وراء الدين ط. قال العلامة أبو
السعود: هذا ليس على إطلاقه لما سبق عن الزيلعي من أنه ينبغي أن يجوز عندهما في غير الدين إذا
بينت حصته، وأنه يشكل إن كان هو قول الكل لا خلاف لهما، لان قياس مذهبهما في الجمع بين

395
الحر والعبد والشاة الذكية والميتة حيث جوز العقد في العبد والذكية إذا بين ثمن كل منهما أن يجوز
الصلح عندهما في غير الدين إذا بينت حصته اللهم إلا أن يحمل هذا على ما إذا لم يبين ما يقابل كل
واحد منهما أو يفرق عندهما بين البيع والصلح، والظاهر أنه لم يرد نص في الصلح عنهما، ولهذا
ذكره الزيلعي بلفظ ينبغي قياسا على البيع، وكذا قول الشارح. قيل هذا قول أبي حنيفة، وقيل هو قول
الكل ظاهر في عدم ورود نص عنهما، فلهذا اختلف المشايخ فيه انتهى. قوله: (وفي التركة ديون) أي
على الناس لقرينة ما يأتي، وكذا لو كان الدين على الميت.
قال في البزازية: وذكر شمس الاسلام أن التخارج لا يصح إن كان على الميت دين: أي يطلبه
رب الدين، لان حكم الشرع أن يكون الدين على جميع الورثة ا ه‍. قوله: (بشرط) متعلق بأخرج.
قوله: (لان تمليك الدين الخ) وهو هنا حصة المصالح.
قال في الدرر: لأنه يصير مملكا حصته من الدين لسائر الورثة بما يأخذ منهم من العين وتمليك
الدين من غير من عليه الدين باطل وإن كان بعوض، وإذا بطل في حصة الدين بطل في الكل. ا ه‍.
فقول الدرر لأنه أي المصالح عن الدين والعين يعم العرض والعقار والمكيل والموزون الحاضر وغير
من عليه الدين هنا بقية الورثة، وقوله: بطل في الكل لان العقد الواحد إذا فسد في بعض المعقود
عليه فسد في الكل وهو قول أبي حنيفة والدليل له في مسألة الدعوى (1)، وعندهما: يبقى العقد
صحيحا فيما وراء الدين، وقيل هو قول الكل كما في الكافي وغيره كما قدمناه عنه قريبا.
أقول: وينبغي أن ليس اختلاف القولين بين المشايخ على إطلاقه، بل اللائق كون البطلان قول
الكل إذا لم يبين حصة الدين في البدل، وأما إذا بين فيصح الصلح عندهما فيما وراء الدين بحصته، إذ
لا موجب للبطلان حينئذ فيه عندهما. تدبر. وأشار إلى ذلك ابن ملك. قوله: (من غير من عليه
الدين) وهو الورثة هنا. قوله: (باطل) لما ذكر من أنه يصير مملكا حصته من الدين إلى آخر ما قدمناه
عن الدرر: أي ثم يتعدى البطلان إلى الكل لان الصفقة واحدة سواء بين حصة الدين أو لم يبين.
وأقول: هذا إذا لم يسلطهم ولم يوكلهم في مقدار نصيبه من الدين، وأما إذا سلطهم فينبغي أن
يصح الصلح كذا قيل. قوله: (وصح لو شرطوا إبراء الغرماء) أي إبراء المصالح للغرماء، والظهر أن هذه
الحيل لخروجه عن كل التركة، ولذا قال في السراج والمنح: وفي الوجهين ضرر بقية الورثة فلا يصح
قول الشارح وأحالهم بحصته، لأنها سقطت عن الغرماء كما صرح به البزازي أيضا، وسنبينه قريبا في
المقولة الآتية إن شاء الله تعالى، ولم يذكر حيلة مع أنها أحسن مع أنها أحسن مما ذكر وكنت أقتصر عليها.
ورأيتها في المقدسي: وهي أن يأمرهم ليقبضوه له ثم لهم، لكن له أن يرجع، فالوجه الآتي أولى.
فرع: ادعت امرأة ميراثها فصولحت على أقل من حظها أو مهرها صح ولا يطيب لهم إن علموا،



(1) قوله: (والدليل له في مسئلة الدعوى) هي ما إذا جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحدة وبين حصة كل واحد منهما
من الثمن بطل في حق الكل عنده. وعندهما صح في العبد لان الصفقة لا تتعدد بتفصيل الثمن بل لا بد من تكرر لفظ
العقد عنده خلافا لهما ا ه‍ منه.
396
فإن برهنت بعد ذلك بطل الصلح ا ه‍. وسيأتي في المتن أنه الأشهر أو أنه محمول على قول المتن السابق
صولح على بعض ما يدعيه الخ، وإلا فهو بعيد عن القواعد إلا أن يحصل على الديانة، لكنه بعيد أيضا
لا سيما وقد صولحت إحدى زوجات سيدنا عبد الرحمن بن عوف على أقل من حظها بكثير بحضور
جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين كما قدمناه قريبا فلا تنسه. قوله: (منه) أي من الدين
ولا يرجع عليهم بنصيب المصالح فحينئذ يصح الصلح لأنه حينئذ تمليك الدين الخ، أو لأنه إسقاط.
قوله: (وأحالهم بحصته) لا محل لهذه الجملة هنا وهي موجودة في شرح الوقاية لابن ملك، وهي
سبق قلم إذ لم يبق له حصة بعدما قضوه، ولذا قال في المنح: ولا يخفى ما فيه من ضرر بقية الورثة:
أي لأنه لم يستفيدوا من نصيبه في الدين شيئا ا ه‍. وضاع عليهم ما قضوه من الدين عن الغرماء. وفي
بعض النسخ أو أحالهم. قال ط: ذكره ردا على صاحب الدرر وتبعه المصنف حيث قالا: ولا يخفى ما
فيه: أي هذا الوجه من الضرر ببقية الورثة، ولكنه لا يدفع لأنه يرجع عليهم بما أحالهم به فيكون
الضرر عليهم مرتين ا ه‍.
أقول: في قوله فيكون الضرر الخ يأتي بيانه قريبا عن الاتقاني. قوله: (منه) أي من الدين. قوله:
(عن غيره) أي عما سوى الدين. قوله: (بالقرض) أي ببدله الذي أخذه منهم. قوله: (وقبلوا) أي
الغرماء والمصالحون، لان الشرط قبول المحال عليه والمحتال. قوله: (وهذه أحسن الحيل) لان في الأولى
ضررا للورثة حيث لا يمكنهم الرجوع إلى الغرماء بقدر نصيب المصالح، وكذا في الثانية لان النقد خير
من النسيئة. إتقاني. قوله: (والأوجه الخ) لان في الأخيرة لا يخلو عن ضرر وهو تأخير وصولهم قدر
حصته مع أنه ليس لهم نفع في هذا القدر وهو خلاف وضع الصلح غالبا. قوله: (ثم يحيلهم على
الغرماء) أو يحيلهم ابتداء من غير بيع ليقبضوه له ثم يأخذوه لأنفسهم. قوله: (ولا دين فيها) أما إذا كان
فيها دين فلا يصح الصلح لما تقدم. قوله: (اختلاف) فقال الفقيه أبو جعفر بالصحة وهو الصحيح. وقال
ظهير الدين المرغيناني: لا يصح. قوله: (لعدم اعتبار شبهة الشبهة) لان عدم الصحة باحتمال أن يكون
في التركة مكيل أو موزون ونصيبه من ذلك مثل بدل الصلح فيكون ربا، وقيل يصح لاحتمال أن لا
يكون في التركة مكيل أو موزون، وإن كان فيحتمل أن يكون نصيبه أقل من بدل الصلح فكان القول
بعدم الجواز مؤديا إلى اعتبار شبهة الشبهة ولا عبرة بها. ا ه‍. وإنما العبرة للشبهة.
وفي فتاوى قاضيخان: والصحيح ما قاله أبو جعفر من أنه يجوز هذا الصلح، لان الثابت هنا
شبهة الشبهة وذلك لا يعتبر ا ه‍. لأنه يحتمل أن يكون في التركة من جنس بدل الصلح على تقدير أن
يكون زائدا على بدل الصلح، فاحتمال الاحتمال يكون شبهة الشبهة. قوله: (جنس بدل الصلح)
تركيب إضافي بإضافة جنس إلى بدل الصلح. قوله: (لم يجز) أي حتى يكون ما يأخذه أزيد من حصته

397
من ذلك الجنس ليكون الزائد في مقابلة ما يخصه من غير الجنس، ويشترط القبض لأنه بمنزلة البيع
وبيع ما جمعهما قدر وجنس أو أحدهما لا يجوز نسيئة، كذا تقتضيه القواعد. والمراد أنه لا يجوز اتفاقا
كما أن الثاني يجوز اتفاقا. قوله: (وإلا) أي إن لا يكن في التركة جنس بدل الصلح، وهذا التفصيل
لغير ما نحو فيه. قوله: (وإن لم يدر فعلى الخلاف) هي مسألة المتن ويدري بالبناء للمجهول. قوله:
(وهي غير مكيل أو موزون) كذا وقع في الغرر، ولا وجه للتقييد به إلا إذا كان المصالح عليه مكيلا أو
موزونا. أما إذ كان غيرهما فلا يظهر لهذا التقييد وجه، وقد نقل المصنف هذه المسألة عن الزيلعي،
وعبارة الزيلعي خالية عن هذا التقييد، ونصها: وهذا يدل على أن الصلح مع جهالة التركة يجوز،
وقيل لا يجوز لأنه بيع وبيع المجهول لا يجوز، والأول أصح لان الجهالة هنا لا تفضي إلى المنازعة لأنها
في يد بقية الورثة فلا يحتاج فيها إلى التسليم، حتى لو كانت في يد المصالح أو بعضها لا يجوز حتى
يصير جميع ما في يده معلوما للحاجة إلى التسليم ط.
أقول: وكذا يشترط أن لا يكون فيها دين ووقع الصلح على مكيل وموزون كما في الاتقاني.
قوله: (صح في الأصح) وقيل لا يجوز لأنه بيع المجهول، لان المصالح باع نصيبه من التركة وهو
مجهول بما أخذ من المكيل والموزون. إتقاني. قوله: (لأنها) أي جهالة التركة المصالح عنها. قوله: (لا
تفضي إلى المنازعة لقيامها في يدهم) يعني أن العلة في عدم جواز المبيع إذا كان المبيع مجهولا لافضائه
إلى المنازعة، وهنا لا يفضي إليها لان المصالح عنه في يد بقية الورثة فلا يحتاج فيه إلى التسليم ولا
يطلبون شيئا آخر من المصالح بمقابلة بدل الصلح. كذا في العزمية. كمن أقر بغصب شئ فباعه المقر
له منه جاز وإن جهلا قدره، وقيل لا يصح لان المصالح باع نصيبه من التركة وهو مجهول بما أخذه
من المكيل والموزون ومن جهالة المبيع لا يصح كما في شرح المجمع.
قلت: واستفيد منه أن ما يحتاج لتسليمه تلزم معرفته، وما لا فلا. در منتقى.
أقول: واستفيد أن نفس الجهالة غير مانعة لجواز البيع، بل الجهالة المفضية إلى المنازعة مانعة، ألا
ترى أنه لو باع قفيزا من صبره يجوز البيع مع الجهالة، وكذلك لو باع المغصوب كما ذكرنا. قوله: (ما
لم يعلم جميع ما في يده) أي لا يجوز حتى يصير جميع ما في يده معلوما للحاجة إلى التسليم كما ذكرنا
عن الاتقاني، بخلاف ما إذا كانت في أيدي بقية الورثة فإنه يجوز مع الجهالة لأنه يحتاج فيها إلى التسليم
كما مر ويأتي. قوله: (ابن ملك) لم يذكر هذا القيد أصلا.
خاتمة التهايؤ: أي تناوب الشريكين في دابتين غلة أو ركوبا يختص جوزاه بالصلح عند أبي حنيفة
لا الجبر. وجائز في دابة غلة أو ركوبا بالصلح فاسد في غلتي عبدين عنده ولو جبرا. درر البحار.
وفي شرحه غرر الأفكار: ثم اعلم أن التهايؤ جبرا في غلة عبد أو دابة لا يجوز اتفاقا للتفاوت،
وفي خدمة عبد أو عبدين جاز اتفاقا لعدم التفاوت ظاهرا أو لقلته، وفي غلة دار أو دارين أو سكنى
دار أو دارين اتفاقا لامكان المعادلة، لان التغيير لا يميل إلى العقار ظاهرا وأن التهايؤ صلحا جائز في

398
جميع الصور كما جوز أبو حنيفة أيضا قسمة الرقيق صلحا ا ه‍. قوله: (وبطل الصلح) أي مع أحد
الورثة ليخرجوه عنها، فلو قسموا التركة بين الورثة ثم ظهر دين محيط قيل للورثة اقضوه، فإن قضوه
صحت القسمة، وإلا فسخت لان الدين مقدم على الإرث فيمنع وقوع الملك لهم، إلا إذا قضوا الدين
أو أبرأ الغرماء ذممهم فحينئذ تصح القسمة لزوال المال، فكذا إذا لم يكن محيطا لتعلق حق الغرماء بها إلا
إذا بقي في التركة ما يفي بالدين فحينئذ لا تفسخ لعدم الاحتياج. كذا في قسمة الدرر. قوله:
(والقسمة) أي قسمة التركة بين الورثة لأنهم لا يملكون التركة حينئذ لتقدم حاجته فللغريم إبطالها،
ولو أجاز قبل أن يصل إليه حقه.
وفي الظهيرية: ولو لم يضمن الوارث ولكن عزلوا عينا لدين الميت فيه وفاء بالدين ثم صالحوا
في الباقي على نحو ما قلنا جاز ا ه‍. قال العلامة المقدسي: فلو هلك المعزول لا بد من نقض القسمة.
قوله: (بلا رجوع) أما لو كان برجوع كانت التركة مشغولة.
قال في التبيين: ولو ضمن رجل بشرط أن لا يرجع في التركة جاز الصلح، لان هذا كفالة
بشرط براءة الأصيل وهو الميت فتصير حوالة، فيخلو مال اليتيم عن الدين فيجوز تصرفهم فيه. ا ه‍.
قوله: (بشرط براءة الميت) تبع فيه المصنف، وقد علم من عبارة الزيلعي أن المدار على اشتراط عدم
الرجوع في التركة وقد بين وجهه ط. قوله: (يوفى) بالبناء للمجهول بضم ففتح فتشديد. قوله: (من
مال آخر) الأولى تقديمه على أو يضمن أجنبي، فإن الضمير فيه يرجع إلى الوارث إذا لم يبن للمجهول
لفظ يوفي، وسواء وفي الوارث من ماله الخاص به أو من عين أخرى ظهرت للميت. قوله: (ولا
ينبغي أن يصالح) أي بل يكره، وهل هي تنزيهية أو تحريمية حرره ط.
أقول: معنى لا ينبغي خلاف الأولى، وخلاف الأولى مكروه تنزيها. قال في البحر: لا ينبغي
الأولى أن لا يفعلوا ذلك حتى يقضوا الدين ا ه‍. قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يجوز، لان كل جزء
من أجزاء التركة مشغول بالدين لدعم الأولوية بالصرف إلى جزء دون جزء فصار كالمستغرق فيمنع من
دخوله في ملك الورثة.
ووجه الاستحسان ما ذكره من التعليل بقوله لان التركة لا تخلو عن قليل دين الخ. والأولى
تقديم قوله استحسانا عند قوله صح لان التركة الخ لأنه يوهم خلاف المراد، وما هنا موافق لما
في الزيلعي مخالف لما في مسكين والعيني، فإن عبارة مسكين: ولو على الميت دين محيط: أي مستغرق
جميع التركة بأن لا يبقى شئ بعد أدائه بطل الصلح والقسمة، وإن لم يكن مستغرقا لا ينبغي أن يصالحوا
ما لم يعطوا دينه. ولو فعلوا قالوا يجوز الصلح. وذكر الكرخي رحمه الله تعالى في القسمة أنها لا تجوز
استحسانا وتجوز قياسا. ا ه‍. وعبارة الزيلعي: وإن لم يكن مستغرقا جاز استحسانا، والقياس أن لا يجوز
الخ. قوله: (لئلا يحتاجوا) علة لقوله فيوقف قال صدر الشريعة: ولو صالح فالمشايخ قالوا

399
صح، لان التركة لا تخلوا عن قليل دين والدائن قد يكون غالبا، فلو جعلت التركة موقوفة لتضرر
الورثة والدائن لا يتضرر، لان على الورثة قضاء دينه ووقف قدر الدين وقسم الباقي استحسانا ووقف
الكل قياس الخ. قوله: (على السواء) أفاد أن أحد الورثة إذا صالح البعض دون الباقي يصح وتكون
حصته له فقط. وكذا لو صالح الموصى له كما في الأنقروي.
مسألة في رجل مات عن زوجة وبنت وثلاثة أبناء عم عصبة وخلف تركة اقتسموها بينهم ثم
ادعت الورثة على الزوجة بأن الدار التي في يدها ملك مورثهم المتوفي فأنكرت دعواهم فدفعت لهم
قدرا من الدراهم صلحا عن إنكار، فهل يوزع بدل الصلح عليهم على قدر مواريثهم أو على قدر
رؤوسهم؟ الجواب قال في البحر: وحكمه في جانب المصالح عليه وقوع الملك فيه للمدعي سواء كان
المدعى عليه مقرا أو منكرا، وفي المصالح عنه وقوع الملك فيه للمدعى عليه ا ه‍. ومثله في المنح.
وفي مجموع النوازل: سئل عن الصلح عن الانكار بعد دعوى فاسدة هل يصح؟ قال: لا لان
تصحيح الصلح على الانكار من جانب المدعي أن يجعل ما أخذ عين حقه أو عوضا عنه لا بد أن يكون
ثابتا في حقه ليمكن تصحيح الصلح من الذخيرة، فمقتضى قوله وقوع الملك فيه للمدعي وقوله أن
يجعل عين حقه أو عوضا عنه أن يكون على قدر مواريثهم. سيدي الوالد رحمه الله تعالى عن مجموعة
منلا علي التركماني أمين الفتوى بدمشق الشام. قوله: (إن كان ما أعطوه من مالهم) أي وقد استووا
فيه، ولا يظهر عند التفاوت ط. قوله: (فعلى قدر ميراثهم) قال في السراجية وشرحها: من صالح عن
شئ من التركة فاطرح سهامه من التصحيح ثم أقسم باقي التركة على سهام الباقين كزوج وأم وعم
فصالح الزوج عن نصيبه على ما في ذمته من المهر وخرج من البين فيقسم باقي التركة بين الام والعم
أثلاثا بقدر سهامهما سهمان للام وسهم للعم.
فإن قلت: هلا جعلت الزوج بعد المصالحة وخروجه من البين بمنزلة المعدوم، وأي فائدة في
جعله داخلا في تصحيح المسألة مع أنه لا يأخذ شيئا وراء ما أخذه.
قلت: فائدته أنا لو جعلناه كأن لم يكن وجعلنا التركة ما وراء المهر لانقلب فرض الام من ثلث
أصل المال إلى ثلث الباقي، إذ حينئذ يقسم الباقي بينهما أثلاثا فيكون للأم سهم وللعم سهمان وهو
خلاف الاجماع، إذ حقها ثلث الأصل، وإذا أدخلنا الزوج في المسألة كان للام سهمان من الستة وللعم
سهم واحد ويقسم الباقي بينهما على هذه الطريقة، فتكون مستوفية حقها من الميراث. ا ه‍. ملخصا ط.
وسيأتي آخر كتاب الفرائض بيان قسمة التركة مفصلا. قوله: (وقيده الخصاف) أي قيد جريان هذا
التفصيل بما إذا كان الورثة منكرين. قوله: (فعلى السواء) أي مطلقا منح سواء كان الدفع من التركة أو
من غيرها لأنه بمنزلة البيع فكأنهم اشتروه جميعا، ولا يظهر التساوي إلا إذا كان المدفوع متساويا
بينهم، وعليه فينبغي أن يرجع الأكثر حصة في التركة على الأقل حصة بقدر ما دفع من ماله عنه
فليتأمل.
قال الشرنبلالي في شرح الوهبانية: والوجه أنهما في الاقرار يكونان مشتريين فيتنصف، وفي

400
الانكار مدعيين العين للتركة فيكون على قدر الأنصباء، واختاره البعض. قوله: (عن بعض الأعيان)
أشياء به إلى أنه كما يصح الصلح معه عن كل أعيانها يصح عن بعضها اعتبارا للجزء بالكل.
وفي المجتبى: ادعى مالا: أي معلوما أو غيره فجاء رجل واشترى ذلك من المدعي يجوز الشراء
في حق المدعي ويقوم مقامه في الدعوى، فإن استحق شيئا كان له، وإلا فلا، فإن جحد المطلوب ولا
بينة فله أن يرجع ا ه‍. حموي. ومثله في البحر. قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى. وتأمل في وجهه.
ففي البزازية من أول كتاب الهبة: وبيع الدين لا يجوز، ولو باع من المديون أو وهبه جاز ا ه‍.
أقول: لم يظهر لي وجهه مع تصريحهم بعدم صحة بيع الدين لغير من عليه الدين فهو غير
صحيح فيما يظهر وفوق كل ذي علم عليم. قوله: (أفي التركة دين) هكذا في بعض النسخ، وفي
بعضها أن بدل أفي وعليها فيلزم نصب دين وعليها كتب ط. والمراد أن الصك صحيح: يعني إذا
أقر بما فيه عمل به وليس له نقضه إلا بمسوغ. قوله: (وكذا لو لم يذكره في الفتوى) أي في السؤال
الذي رفع ليكتب عليه أو يجاب عنه: أي فلا يجب على المفتي البحث ط. قوله: (والموصى له بمبلغ
من التركة كوارث) صورتها: رجل أوصى لرجل بعبد أو دار فترك ابنا وابنة فصالح الابن والابنة
الموصى له بالعبد على مائة درهم. قال أبو يوسف: إن كانت المائة من مالهما غير الميراث كان العبد
بينهما، نصفين، وإن صالحاه من المال الذي ورثاه عن أبيهما كان المال بينهما أثلاثا لان المائة كانت
بينهما أثلاثا.
وذكر الخصاف في الحيل أن الصلح إن كان عن إقرار كان العبد الموصى به بينهما نصفين، وإن
كان عن إنكار فعلي قدر الميراث، وعلى هذا بعض المشايخ، وكذلك في الصلح عن الميراث، كذا في
قاضيخان. قوله: (من مسألة التخارج) أي بتفاصيلها. قوله: (صالحوا الخ) أقول: قال في البزازية في
الفصل السادس من الصلح: ولو ظهر في التركة عين بعد التخارج لا رواية في أنه هل يدخل تحت
الصلح أم لا، ولقائل أن يقول يدخل، ولقائل أن يقول لا ا ه‍. ثم قال بعد نحو ورقتين: قال تاج
الاسلام وبخط صدر الاسلام وجدته: صالح أحد الورثة وأبرأ إبراء عاما ثم ظهر في التركة شئ لم
يكن وقت الصلح لا رواية في جواز الدعوى. ولقائل أن يقول بجواز دعوى حصته منه وهو الأصح.
ولقائل أن يقول لا.
وفي المحيط: لو أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكروا لا تسمع دعواه، وإن أقروا
بالتركة أمروا بالرد عليه. ا ه‍. كلام البزازية ثم قال بعد أسطر: صالحت: أي الزوجة عن الثمن ثم
ظهر دين أو عين لم يكن معلوما للورثة، قيل لا يكون داخلا في الصلح ويقسم بين الورثة لأنهم إذا لم
يعلموا كان صلحهم عن المعلوم الظاهر عندهم لا عن المجهول فيكون كالمستثنى من الصلح فلا يبطل
الصلح. وقيل يكون داخلا في الصلح لأنه وقع عن التركة والتركة اسم للكل، فإذا ظهر دين فسد
الصلح ويجعل كأنه كان ظاهرا عند الصلح. ا ه‍.
والحاصل من مجموع كلام المذكور: أنه لو ظهر بعد الصلح في التركة عين هل تدخل في

401
الصلح فلا تسمع الدعوى بها أم لا تدخل فتسمع الدعوى؟ قولان وكذا لو صدر بعد الصلح إبراء
عام ثم ظهر للمصالح عين هل تسمع دعواه فيه قولان أيضا. والأصح السماع بناء على القول بعدم
دخولها تحت الصلح فيكون هذا تصحيحا للقول بعدم الدخول، وهذا إذا اعترف بقية الورثة بأن العين
من التركة وإلا فلا تسمع دعواه بعد الابراء كما أفاده ما نقله عن المحيط، وإنما قيد بالعين لأنه لو
ظهر بعد الصلح في التركة دين فعلى القول بعدم دخوله في الصلح يصح الصلح ويقسم الدين بين
الكل. وأما على القول بالدخول فالصلح فاسد كما لو كان الدين ظاهرا وقت الصلح إلا أن يكون
مخرجا من الصلح بأن وقع التصريح بالصلح عن غير الدين من أعيان التركة. وهذا أيضا ذكره في
البزازية حيث قال: ثم ما ظهر بعد التخارج على قول من قال من أنه لا يدخل تحت الصلح، لا
خفاء، ومن قال يدخل تحته فكذلك، إن كان عينا لا يوجب فساده، وإن دينا إن مخرجا من الصلح
لا يفسد وإلا يفسد ا ه‍. قوله: (أشهرهما لا) وعلى مقابله: فإن كان الذي ظهر دينا فسد الصلح كأنه
وجد في الابتداء فيكون هو وغيره بين الكل، وإن كان عينا لا. ا ه‍. منح. قوله: (بل بين الكل) أي
بل يكون الذي ظهر بين الكل. قوله: (قلت وفي البزازية الخ) وفي الثامن والعشرين من جامع
الفصولين أنه الأشبه. قوله: (ولا يبطل الصلح) أي لو ظهر في التركة عين، أما لو ظهر فيها دين فقد
قال في البزازية: إن كان مخرجا من الصلح لا يفسد، وإلا يفسد كما سمعته: أي إن كان الصلح وقع
على غير الدين يفسد، وإن وقع على جميع التركة فسد كما لو كان الدين ظاهرا وقت الصلح. قوله:
(وفي مال طفل) أي والصلح في مال الطفل الثابت بالشهود لم يجز إذ لا مصلحة له، ومفهومه: أنه
يجوز الصلح حيث لا بينة للطفل. والضمير في لم يجز إلى الصلح. قوله: (وما يدعي) عطف على
مأخوذ من المقام: أي فلم يجز الصلح في مال الطفل الثابت بالشهود ولا فيما يدعي خصم ولا يتنور:
أي لم ينور دعواه لبينة.
وحاصل المعنى: إذا كان لطفل مال بشهود لم يجز الصلح فيه، ولم يجز مصالحة من يدعي شيئا
على الصغير بدون بينة بمال الصغير، لان المدعي لم يستحق سوى الاستحلاف، ولا يستحلف الأب
ولا الوصي ولا الصبي حال صغره، والأب لا يصح أن يفدي اليمين بمال الصغير، وإن تبرع الأب
بماله صح كالأجنبي. وإذا كان للمدعي بينة يصح الصلح بمال الصغير بمثل القيمة وزيادة يتغابن فيها
كالشراء، وهذه المسائل تجري في الأب والجد ووصيهما والقاضي ووصيه، وسواء كان الصلح في
عقار أو عبد أو غيرهما في الكل أو البعض. وعليه فالصورة أربع فيما إذا لم يكن للطفل بينة وحيث
كان للخصم بينة، فهذه أربع صور. وأشار المصنف إلى أن الأربعة تجري مع الأب والجد والوصي من
جهة الأب أو الجد، ومن جهة الوصي أو من جهة أحدهما أو القاضي أو وصي القاضي فبلغ اثنتين
وثلاثين مسألة، وسواء كان الصلح في عقار أو عبد أو غيرهما فيبلغ ستة وتسعين، وسواء كان في
الجميع أو البعض فيبلغ مائة واثنين وتسعين حكما كل ذلك مما ذكره صاحب المبسوط.

402
قلت: بقي عليه وصي الام في تركتها ووصيه والأخ. قال في المبسوط: وصلح وصي الام
والأخ مثل صلح وصي الأب في غير العقار، فيبلغ أضعاف ذلك كما في شرح الوهبانية لابن
الشحنة، وتمامه فيه. قوله: (وصح على الابراء عن كل عائب) الضمير في صح يعود إلى الصلح:
يعني جاز الصلح عن البراءة من كل عيب، لان الابراء عن العيب بلا بدل صحيح فكذلك معه، كما
لو سمي عيبا معلوما لأنه إسقاط الحق. ولو قال اشتريت منك العيوب بكذا لم يصح ط. وهذا البيت
للعلامة عبد البر ذكره بعد أبيات بعد البيت الأول. قوله: (ولو زال عيب) أي لو صالحه على عيب في
المبيع ودفع له بدلا عن الصلح ثم زال العيب بطل الصلح ويسترد البدل ويسقط عنه إن لم يكن دفعه
لعود السلامة، وكذا كل عيب زال كطلاق المشتراة، أو لم يوجد يرد بدله كعدم الحبل، وكما لو ظهر
الدين على غير المصالح يرد بدله كما في الشرنبلالية. قوله: (ومن قال) أي لو ادعى عليه شيئا فأنكر
فقال له إن تحلف على عدم ثبوت هذا الحق عليك فأنت برئ منه لم تجز هذه البراءة لعدم جواز
تعليقها بالشرط، فإن كان حلف عند غير القاضي له أن يحلفه عند القاضي، ولو أقام بينة قبلت، وإن
عجز أعاد اليمين عليه. قوله: (ولو مدع) لو للوصل: أي لو قال للمدعي إن حلفت على ما تدعيه
فهو لك فحلف لا يستحق المدعي. قوله: (كالأجنبي) خبر لمبتدأ محذوف: أي وما ذكر من المدعى
عليه والمدعي كالأجنبي حال كونه يصور: أي لو قال له إن حلف فلان الأجنبي فلك ما تدعيه أو
أنت برئ مما ادعى عليك فحلف الأجنبي لا يبرأ.
والحاصل: أنه اشتمل هذا البيت على ثلاث مسائل من قاضيخان.
الأولى: اصطلحا على أنه إن حلف المدعى عليه فهو برئ فحلف أن ماله قبله شئ فالصلح
باطل.
الثانية: اصطلحا على أنه إن حلف المدعي على دعواه فالمدعى عليه يكون ضامنا لما يدعي فالصلح
باطل، فلا يجب المال على المدعى عليه.
الثالثة: اصطلحا على أنه إن حلف فلان وهو غير الطالب فالمال على المدعى عليه كان باطلا فلا
يلزمه المال، وهي المفادة بقوله كالأجنبي، وهذه المسائل تقدمت في كتاب الدعوى.
خاتمة: نسأل الله حسنها. وفي البحر عن مجموع النوازل: وقع بين امرأة وزوجها مشاجرة فتوسط
المتوسطون بينهما للصلح فقالت لا أصالحه حتى يعطيني خمسين درهما يحل لها ذلك، لان لها عليه
حقا من المهر وغيره ا ه‍. قال الحموي نقلا عن المقدسي: قلت: هذه دعوى لا دليل عليها فقد يكون
لا شئ لها وتطلب ذلك ا ه‍.
وأقول: ما ذكره في مجموع النوازل من أنه يحل لها الاخذ مفروض فيما إذا وافقها الزوج بأن
أعطاها ما طلبت بطريق الصلح، وحينئذ لا يتوقف الاخذ على أن يكون لها شئ عليه إذ ليس هو
بأدنى مما سبق التصريح به من أن الصلح يجوز ولو عن إنكار، وقدمنا عن الزيلعي التصريح بأنه يحل
للمدعي أخذه لأنه في زعمه عين حقه أو بدله وإن كان المدعى عليه يزعم أنه لا شئ عليه، ومع هذا
حل له الدفع أيضا للشر عن نفسه، وحينئذ فقوله لان لها عليه حقا من المهر إنما ذكره تحسينا
للظن بها، لا لأنه شرط لجواز الصلح. أبو السعود.

403
وفي البحر عن الخلاصة: ولو استقرض من رجل دراهم بخارية ببخارى أو اشترى سلعة
بدراهم بخارية ببخارى فالتقيا ببلدة لا يوجد بها البخاري، قالوا: يؤجل قدر المسافة ذاهبا وجائيا
ويستوثق منه بكفيل.
وفيه عنها: إذا أقر الوصي أن عنده ألف درهم للميت وللميت ابنان فصالح أحدهما من حقه
على أربعمائة لم يجز، وإن كان استهلكها ثم صالحهما جاز ا ه‍. ولو صالح امرأته من نفقتها سنة على
حيوان أو ثوب سمي جنسه جاز مؤجلا وحالا، بخلاف ما لو صالحها بعد الفرض أو بعد تراضيهما
عن النفقة لا يجوز. كذا في محيط السرخسي.
ولو صالحته عن أجر رضاع الصبي بعد البينونة كان جائزا، ثم ليس لها أن تصالح بما ثبت لها
من دراهم الاجر على طعام بغير عينه كذا في المبسوط.
رجل صالح امرأته المطلقة من نفقتها على دراهم معلومة على أن لا يزيدها عليها حتى تنقضي
عدتها وعدتها بالأشهر جاز ذلك، وإن كان عدتها بالحيض لا يجوز لان الحيض غير معلوم، قد تحيض
ثلاث حيض في شهرين وقد لا تحيض عشرة أشهر. كذا في فتاوى قاضيخان.
لو صالحت مع زوجها من نفقتها ما دامت زوجة له على مال لا يجوز.
لو كانت امرأته مكاتبة أو أمة قد بوأها المولى بيتا فصالحها على دراهم مسماة من النفقة والكسوة
لكل سنة جاز ذلك، وكذلك لو صالح مولى الأمة، فلو لم يكن بوأها المولى بيتا لم يجز هذا الصلح،
وكذلك إن كانت المرأة صغيرة لا يستطيع الزوج أن يقر بها فصالح أباها عن نفقتها لم يجز، وإن كانت
كبيرة والزوج صغير فصالح أبوه عن النفقة وضمن جاز. وإذا صالح الفقير امرأته على نفقة كثيرة في
الشهر لم يلزمه إلا نفقة مثلها. كذا في المبسوط.
لو صالح على نفقة المحارم ثم ادعى الاعسار صدق وبطل الصلح. كذا في التتارخانية.
إذا صالح الرجل بعض محارمه عن النفقة وهو فقير لم يجبر على إعطائه إن أقروا أنه محتاج، فإن لم
يعرف حاله وادعى أنه فقير فالقول قوله، ويبطل عنه ما صالح عليه، إلا أن تقوم بينة أنه موسر
فيقضي بالصلح عليه، ونفقة الولد الصغير كنفقة الزوجة من حيث إن اليسار ليس بشرط لوجوبها،
فالصلح فيه يكون ماضيا، وإن كان الوالد محتاجا، فإن كان صالح على أكثر من نفقتهم بما يتغابن
الناس فيه أبطلت الفضل عنه، وكذلك الصلح في الكسوة للحاجة، والمعتبر فيه الكفاية كالنفقة.
لو صالح امرأته من كسوتها على درع يهودي ولم يسم طوله وعرضه ورفعته جاز ذلك، وكذلك
كسوة القرابة.
ولو صالح رجل أخاه وهو صحيح بالغ على دراهم مسماة لنفقته وكسوته كل شهر لم يجبر ذلك
ولم يجبر عليه. كذا في المبسوط.
إن صالحت المبانة زوجها عن سكناها على دراهم لا يجوز. كذا في فتاوى قاضيخان.
إذا صالح امرأته من نفقتها وكسوتها لعشر سنين على وصيف وسط إلى شهر أو لم يجعل له أجلا
فهو جائز. كذا في المبسوط.

404
سئل الحسن بن علي عمن ادعى على آخر فسادا في البيع بعد قبض المبيع ولم يتهيأ له إقامة البينة
فصولح بينهما عن دعوى الفساد على دنانير هل يصح الصلح؟ فقال لا. قيل: ولو وجد بينة بعد
الصلح هل تسمع البينة؟ فقال نعم، كذا في التتارخانية ناقلا عن اليتيمة. وفي حكم الرد بالعيب
المصالح عليه كالبيع يرد بالعيب اليسير والفاحش ويرجع في الدعوى إن كان رده بحكم أو غير حكم.
كذا في المبسوط.
لو وجد بما وقع عليه الصلح عيبا فلم يقدر على رده لأجل الهلاك أو لأجل الزيادة أو لأجل
النقصان في يد المدعي فإنه يرجع على المدعى عليه بحصة العيب، فإن كان الصلح عن إقرار رجع
بحصة العيب على المدعى عليه في المدعي، وإن كان عن إنكار رجع بحصة العيب على المدعى عليه في
دعواه، فإن أقام البينة أو حلفه فنكل استحق حصة العيب منه، فإن حلفه فحلف فلا شئ عليه. كذا
في السراج الوهاج.
لو اشترى جارية فولدت عند المشتري ثم وجدها عوراء وأقر البائع أنه دلسها له فصالحه على أن
يردها وولدها وزيادة ثوب على أن يرد عليه الآخر الثمن فهو جائز، وكذلك هذا في نقض بناء الدار
وزيادة بنائها. هكذا في المبسوط.
ادعى عيبا في جارية اشتراها وأنكر البائع فاصطلحا على مال على أن يبرئ المشتري البائع من
ذلك العيب ثم ظهر أنه لم يكن بها عيب أو كان ولكنه قد زال فللبائع أن يسترد بدل الصلح. كذا في
الفصول العمادية.
اشترى رجلان شيئا فوجدا به عيبا فصالح أحدهما في حصته جاز، وليس للآخر أن يخاصم عند
أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وعندهما لآخر على خصومته، لان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لو أبرأ
أحدهما عن حصته بطل حق الآخر خلافا لهما. كذا في محيط السرخسي.
إذا اشترى ثوبين كل واحد بعشرة دراهم وقبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا فصالح على أن يرده
بالعيب على أن يزيد في ثمن الآخر درهما فالرد جائز، وزيادة الدراهم باطلة في قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى. كذا في الحاوي.
لو قال لجارية أنت أمتي وقالت لا بل أنا حرة وصالحها من ذلك على مائة درهم فهو جائز،
فإن أقامت البينة أنها كانت أمته أعتقها عام أول أو أنها حرة الأصل من الموالي أو من العرب حرة
الأبوين رجعت بالمائة عليه، ولو أقامت البينة أنها كانت أمة لفلان فأعتقها عام أول لم أقبل ذلك منها
ولم ترجع بالمائة. كذا في المبسوط.
إذا ادعى دارا في يد رجل وأنكر المدعى عليه فصالحه المدعي على دراهم ثم أقر المدعى عليه
فأراد المدعي أن ينقض صلحه وقال إنما صالحتك لأجل إنكارك ليس له أن ينقض الصلح. كذا في
المحيط.
لو ادعى في بيت رجل حقا فصالحه المدعى عليه من ذلك على أن يبيت على سطحه سنة ذكر في
الكتاب أنه يجوز. وقال بعض المشايخ: هذا إذا كان السطح محجرا، فإن لم يكن محجرا لا يجوز
الصلح، كما لا يجوز إجارة السطح. وقال بعضهم: يجوز الصلح على كل حال. كذا في الظهيرية.

405
اختصم رجلان في حائط فاصطلحا على أن يكون أصله لأحدهما وللآخر موضع جذوعه وأن
يبني عليه حائطا معلوما ويحمل جذوعا معلومة لا يجوز. كذا في محيط السرخسي.
إذا اختصم رجلان في حائط فاصطلحا على أن يهدماه وكان مخوفا وأن يبنياه على أن لأحدهما
ثلثه وللآخر ثلثيه والنفقة عليهما على قدر ذلك، وعلى أن يحملا عليه من الجذوع بقدر ذلك فهو جائز.
كذا في الحاوي.
إذا وقع الصلح من دعوى الدار على دراهم وافترقا قبل قبض بدل الصلح لا ينتقض الصلح.
كذا في المحيط.
إذا كان لانسان نخلة في ملكه فخرج سعفها إلى دار جاره فأراد الجار قطع السعف فصالحه رب
النخلة على دراهم مسماة على أن يترك النخلة فإن ذلك لا يجوز، وإن وقع الصلح على القطع، فإن
أعطى صاحب النخلة جاره دراهم ليقطع كان جائزا وأنه أعطى الجار دراهم لصاحب النخلة ليقطع
كان باطلا.
رجل اشترى دارا لها شفيع فصالح الشفيع على أن يعطي للشفيع دراهم مسماة ليسلم الشفيع
الشفعة بطلت الشفعة ولا يجب المال، وإن كان أخذ المال رده على المشتري. كذا في فتاوى قاضيخان.
ولو صالح المشتري مع الشفيع على أن أعطاه الدار وزاده الشفيع على الثمن شيئا معلوما فهو
جائز كذا في المبسوط. وإن صالح على أن يأخذ نصف المشتري أو ثلثه أو ربعه على أن يسلم الشفعة
في الباقي كان جائزا فإن وجد هذا الاصطلاح منهما بعد تأكد حق الشفيع بطلب المواثبة وطلب
الاشهاد فإنه يصير آخذا للنصف بالشفعة حتى لا يتجدد فيما أخذ بالشفعة مرة أخرى ويصير مسلم
الشفعة في النصف، حتى لو كان هذا الشفيع شريكا في المبيع أو في الطريق كان للجار أن يأخذ
النصف الذي لم يأخذه هذا الشفيع بالشفعة، وإن كان هذا الاصطلاح قبل وجود الطلب من الشفيع
فإنه يصير آخذا للنصف بشراء مبتدأ ويتجدد فيما أخذ الشفعة. هكذا في المحيط.
لو صالح المشتري الشفيع على أن يسلم الشفعة على بيت من الدار بحصته من الثمن فالصلح
باطل وحق الشفعة باطل، وهذا إذا كان الصلح بعد تأكد حقه بالطلب، فأما قبل الطلب بطلت
الشفعة. كذا في محيط السرخسي.
إذا ادعى رجل شفعة في دار فصالحه المشتري على أن يسلم له دارا أخرى بدراهم مسماة على
أن يسلم له الشفعة فهذا فاسد لا يجوز. كذا في المبسوط.
رجل قتل رجلا عمدا وقتل آخر خطأ ثم صالح أولياءهما على أكثر من ديتين فالصلح جائز
ولصاحب الخطأ الدية وما بقي فلصاحب العمد، ولو صالح أولياءهما على ديتين أو أقل منهما كان
بينهما نصفين. كذا في محيط السرخسي. وبدل الصلح في دم العمد جار مجرى المهر، فكل جهالة
تحملت في المهر تتحمل هنا، وما يمنع صحة التسمية يمنع وجوبه في الصلح، وعند فساد التسمية
يسقط القود ويجب بدل النفس وهو الدية، نحو أن يصالح على ثوب كما يجب مهر المثل في النكاح إلا
أنهما يفترقان من وجه، وهو أنه إذا تزوجها على خمر يجب مهر المثل. ولو صالح عن دم العمد على خمر
لا يجب شئ كذا في الكافي. وفي الخطأ تجب الدية. كذا في الاختيار شرح المختار. ولو صالحه بعفو
عن دم على عفو عن دم آخر جاز كالخلع. كذا في الاختيار.

406
جرح رجلا عمدا فصالحه لا يخلو: إما إن برئ أو مات منها، فإن صالحه من الجراحة أو من
الضربة أو من الشجة أو من القطع أو من اليد أو من الجناية لا غير جاز الصلح إن برئ بحيث بقي له
أثر وإن برئ بحيث لم يبق له أثر بطل الصلح، فأما إذا مات من ذلك بطل الصلح عند أبي حنيفة رحمه
الله تعالى ووجبت الدية خلافا لهما، وإن صالحه عن الأشياء الخمسة ومات يحدث منها فالصلح جائز إن
مات منها، وأما إذا برئ منها ذكر هاهنا أن الصلح جائز. وذكر في الوكالة لو أن رجلا شج
رجلا موضحة فوكل إنسانا ليصالح عن الشجة وما يحدث منها إلى النفس: فإن مات كان الصلح من النفس.
وإن برئ يجب تسعة أعشار المال ونصف عشره ويسلم للمشجوج نصف عشر المال. وقال عامة
مشايخنا اختلفا لاختلاف الوضع، فإن الوضع ثمة أنه صالح عن الجراحة وعما يحدث منها إلى النفس
وهو معلوم فأمكن قسمة البدل على القائم والحادث جميعا، وها هنا صالحه عن الجراحة، وكل ما
يحدث منها وهو مجهول قد يحدث وقد لا يحدث، وإذا حدث لا يدري أي قدر يحدث فتعذر قسمة
البدل على القائم والحادث فصار البدل كله بإزاء القائم، وأما إذا صالحه عن الجناية يجوز الصلح في
الفصول كلها إلا إذا برئ بحيث لم يبق له أثر. كذا في محيط السرخسي.
رجل قتل عمدا وله ابنان فصالح أحدهما عن حصته على مائة درهم فهو جائز ولا شركة لأخيه
فيها، ولو كان القتل خطأ فصالحه أحدهما على مال كان لشريكه أن يشاركه في ذلك إلا أن يشاء
المصالح أن يعطيه ربع الأرش. هكذا في المبسوط.
في المنتقى عن ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله قال في رجل قطع يمين رجل فصالحه
المقطوع يده على أن يقطع يسار القاطع فقطعه فهذا عفو عن الأول، ولا شئ على قاطع اليسار ولا
شئ له على قاطع اليمين، وإن اختصما قبل أن يقطع يساره وقد صالحه على ذلك فليس له أن يقطع
يساره ولكن رجع بدية يمينه، وإن صالحه على أن يقطع يد القاطع ورجله أو على أن يقتل عبد القاتل،
إن قطع يده ورجله رجع عليه بدية رجله، وإن قتل عبده فله عليه قيمة عبده مقاصة منها بدية يده
ويترادان الفضل. ولو صالح على أن يقطع يد هذا الحر أو على أن يقتل عبد فلان ففعل يغرم دية الحر
الآخر وقيمة عبده ويرجع المقطوع يده على القاطع بدية يده. كذا في محيط السرخسي.
إذا كان في الديوان عطاء مكتوب باسم رجل فنازعه فيه آخر وادعى أنه له فصالحه المدعى عليه
على دراهم أو دنانير حالة أو إلى أجل فالصلح باطل، وكذلك لو صالحه على شئ بعينه فهو باطل،
كذا في المبسوط.
له عطاء في الديوان مات عن ابنين فاصطلحا على أن يكتب في الديوان باسم أحدهما ويأخذ
العطاء والآخر لا شئ له من العطاء ويبذله من كان له العطاء مالا معلوما فالصلح باطل، ويرد بدل
الصلح والعطاء للذي جعل الامام العطاء له. كذا في الوجيز للكردي.
مطلب: لا يصح صلح وكيل الخصومة
الوكيل بالخصومة إذا صالح لا يصح، بخلاف ما إذا أمر. كذا في متفرقات الذخيرة.
لا يجوز التصرف في بدل الصلح قبل الصلح إذا كان منقولا، فلا يجوز للمدعي بيعه وهبته
ونحو ذلك، فإن كان عقارا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى.

407
لا ينبغي للقاضي أن يباشر الصلح بنفسه، بل يفوض ذلك إلى غيره من المتوسطين، وسبيل
القاضي أن لا يبادر في القضاء بل يرد الخصوم إلى الصلح مرتين أو ثلاثا إذا كان يرجو الاصلاح بينهم
بأن كانوا يميلون إلى الصلح ولا يطلبون القضاء لا محالة، فأما إذا طلبوا القضاء لا محالة وأبوا الصلح:
إن كان وجه القضاء ملتبسا غير مستبين للقاضي أن يردهم إلى الصلح، أما إذا كان وجه القضاء
مستبينا: فإن وقعت الخصومة بين أجنبيين يقضى بينهم ولا يردهم إلى الصلح حين أبوا، وإن وقعت
الخصومة بين أهل قبيلتين أو بين المحارم يردهم إلى الصلح مرتين أو ثلاثا وإن أبوا الصلح. هكذا في
الذخيرة.
الكفيل بالنفس إذا صالح على مال على أن يبرئه من الكفالة فالصلح باطل، وهل تبطل الكفالة؟
فيه روايتان. في رواية تسقط. هكذا في البدائع، وبه يفتى، كذا في الذخيرة ا ه‍. والله تعالى أعلم،
وأستغفر الله العظيم.

408
كتاب المضاربة
قالا منلا مسكين: هي كالمصالحة من حيث إنها تقتضي وجود البدل من جانب واحد ا ه‍. قال
الحموي: وفيه تأمل، لان الصلح إذا كان عن مال بإقرار يكون بيعا والبيع يقتضي وجود المبادلة من
الجانبين ا ه‍. وأجاب عنه أبو السعود عن شيخه بأنه يكفي في بيان وجه المناسبة اشتراك المضاربة
والصلح في الوجود الصوري، وباعتباره يكون قاصرا على المصالح عليه، ولا شك أن وجوده من
جانب واحد كرأس مال المضاربة. وأما اعتبار الصلح عن مال بإقرار بيعا فبالنظر إلى المعنى كما لا
يخفى ا ه‍. أي أنه لا يلزم في المناسبة أن تكون من كل الوجوه وقد اعتبرت هنا في قسمين من الصلح
عن إنكار أو سكوت. قوله: (هي مفاعلة) لكونها على غير بابها. قوله: (وهو السير فيها) قال الله
تعالى: * ((73) وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) * (المزمل: 02) يعني يسافرون للتجارة،
وسمي هذا العقد بها لان المضارب يسير في الأرض غالبا لطلب الربح، ولهذا قال الله تعالى - يضربون
في الأرض يبتغون من فضل الله - وهو الربح وأهل الحجاز يسمون هذا العقد مقارضة، وهو مشتق من
القرض لان صاحب المال يقطع قدرا من ماله ويسلمه للعامل. وأصحابنا اختاروا لفظة المضاربة لكونها
موافقة لما تلونا من نظم الآية، وهي مشروعة لشدة الحاجة إليها من الجانبين، فإن من الناس من هو
صاحب مال ولا يهتدي إلى التصرف، ومنهم من هو بالعكس فشرعت لتنتظم مصالحهم، فإنه عليه
الصلاة والسلام بعث والناس يتعاملون بها فأقرهم عليها وتعاملتها الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ألا
ترى إلى ما يروى أن عباس بن عبد المطلب كان إذا دفع مالا مضاربة شرط عليه أن لا يسلك به بحرا
ولا ينزل واديا ولا يشتري ذات كبد رطب، فإن فعل ذلك ضمن، فبلغ ذلك رسول الله (ص)
فاستحسنه فصارت مشروعة بالسنة والاجماع. كذا ذكره الزيلعي. ووجه المناسبة بين الكتابين من
حيث أن كلا منهما مشتمل على الاسترباح. أما المضاربة فإن مبناها على هذا. وأما الصلح فإن المصالح
من المدعى عليه مستربح سواء كان الصلح عن إقرار أو عن إنكار أو عن سكوت. عيني. قوله:
(وشرعا عقد شركة) قال في النهاية: ومن يحذو حذوه أنها دفع المال إلى غيره ليتصرف فيه ويكون
الربح بينهما على ما شرطا. ورجح البرجندي هذا التعريف، وضعفه صاحب التكملة بأن المضاربة
ليست الدفع المذكور، بل هي عقد يحصل قبل ذلك أو معه. ثم عقد الشوكة في الربح لا يستلزم
وجود الربح، فلا يرد عليه أنه قد لا يوجد الربح أصلا، وخروج الفاسدة عن التعريف لا يقدح فيه
لأنها تنقلب حينئذ إلى الإجارة كذا أفاده المنلا عبد الحليم. قوله: (في الربح)
وإن لم يشتركا في الربح خرج العقد إلى البضاعة أو القرض.
قال في البحر: فلو شرط الربح لأحدهما لا تكون مضاربة ا ه‍. ويجوز التفاوت في الربح، وإذا
كان المال من اثنين فلا بد من تساويهما فيما فضل من الربح، حتى لو شرط لأحدهما الثلثان وللآخر
الثلث فيما فضل فهو بينهما نصفان لاستوائهما في رأس المال ا ه‍. كما يأتي قوله: (بمال من جانب
الخ) أي هذا مسمى المضاربة، وأما كونه إيداعا ابتداء فليس هو مفهوما لها بل هو حكمها كما ذكره،
لأنه ترك ماله في يد غيره لا على طريق الاستبدال ولا الوثيقة فيكون أمانة، فهو داخل في معنى

409
الوديعة وليس هو مسمى عقد المضاربة، فإذا عمل فيه كان عاملا فيه بإذن مالكه، وهو معنى الوكيل له
فلذلك كان من حكمها أنها توكيل مع العمل، فإن ربح كان شريكا لأنها قد عقدت بمال من جانب
رب المال وعمل من جانب الآخر على أن يكون الربح بينهما، فلما حصل الربح كان له نصيب منه
فكانت شركة حينئذ وغصب إن خالف، لأنه تصرف في ماله بغير إذنه حيث خالف ما شرطه عليه
وخرجت حينئذ عن كونها مضاربة، فلذا لا تعود وإن أجاز رب المال، لان عقد المضاربة قد انفسخ
بالمخالفة والمفسوخ لا تلحقه الإجازة، وإجارة فاسدة إن فسدت لان الربح إنما يستحق بعقد المضاربة،
فإذا فسدت لا يستحق شيئا منه، ولذا قال: فلا ربح للمضارب، لكنه عمل في ماله بإذنه غير متبرع
فيكون إجارة فلذا وجب أجر مثله ربح أو لا كما هو حكم الإجارة، وإنما كانت فاسدة لعدم وجود
العقد الصحيح المفيد للإجارة، وبهذا التقرير اندفع ما أورده صدر الشريعة. تأمل. قوله: (وعمل من
جانب المضارب) لان قبض المال بإذن مالكه لا على وجه المبادلة والوثيقة، بخلاف المقبوض على سوم
الشراء لأنه قبضه بدلا، وبخلاف الرهن لأنه قبضه وثيقة. درر وهو أي عمل بالرفع. كذا ضبطه
الشرح ا ه‍. شلبي. فيكون عطفا على قوله عقد فيقتضي أن حقيقتها العقد والعمل وهو ينافي ما بعد
من قوله وركنها الخ فلو كان مجرورا عطفا على مال والجار والمجرور في قوله بمال متعلق بمحذوف
تقديره وتكون لكان وجيها.
فالأولى أن يقول: وهي عبارة عن عقد على الشركة في الربح بمال من أحد الجانبين وعمل من
الآخر كما فعل في الهندية، وهو مؤيد ما قلنا كما في ط.
وإنما قيد الشارح بالمضارب لأنه لو اشترط رب المال أن يعمل مع المضارب فسدت، كما
سيصرح به المصنف في باب المضارب يضارب، وكذا تفسد لو أخذ المال من المضارب بلا أمره وباع
واشترى به، إلا إذا صار المال عروضا فلا تفسد لو أخذه من المضارب كما سيأتي في فصل المتفرقات.
قوله: (وركنها الايجاب والقبول) قال الحموي في شرحه: وركنها اللفظ الدال عليها كقوله دفعت إليك
هذا المال مضاربة أو مقارضة أو معاملة أو خذ هذا المال واعمل به على أن لك من الربح نصفه أو ثلثه
أو قال ابتع به متاعا فما كان من فضل فلك منه كذا أو خذ هذا بالنصف، بخلاف خذ هذا الألف
واشتر هرويا بالنصف ولم يزد عليه فليس مضاربة بل إجارة فاسدة له أجر مثله إن اشترى وليس له
البيع إلا بأمر ا ه‍. ويقول المضارب قبلت أو ما يؤدي هذا المعنى ا ه‍. قاضي زاده. قوله: (وحكمهما
أنواع) لكنها بأنظار مختلفة. قال المنلا عبد الحليم. قوله: (وحكمها أنواع):
الأول أقول: اللائق أن يدرج في غيره أيضا قولنا الثاني والثالث وغيرهما كما أدرج في قوله
وشرطها وعد الأنواع المذكورة أحكامها بناء على أن حكم الشئ ما يثبت به ويبتني عليه، ولا خفاء في
أنه يراعي ذلك في كل حكم منها في وقته، فلا يرد عليه أن معنى الإجارة والغصب ناقض لعقد
المضاربة مناف لصحتها فكيف يجعل حكما من أحكامها، ومن هذا يظهر حسن سبك المصنف في
تحرير المتن حيث قال وأما دفع المال الخ لان الابضاع والاقراض لم يبتنيا على هذا العقد بل يفترقان
عنه أول الامر كما لا يخفى ا ه‍. قوله: (لأنها إيداع ابتداء) لأنه قبض المال بإذن مالكه لا على وجه
المبادلة والوثيقة إلى آخر ما قدمناه قريبا، ولو حذف. قوله: (لأنها) ويكون. قوله: (إيداع) بدلا مما

410
قبله ما ضره، وقوله ابتداء ظاهره أنها لا تكون في البقاء كذلك مع أنها تكون أمانة فيه فحكم
الابتداء والبقاء سواء.
فإن قيل: أراد الايداع حقيقة وهي في البقاء أمانة قلنا: هذا غير ظاهر، فتدبر ط. قال الخير
الرملي: سيأتي أن المضارب يملك الايداع في المطلقة مع ما تقرر أن المودع لا يودع، فالمراد في حكم
عدم الضمان بالهلاك وفي أحكام مخصوصة لا في كل حكم فتأمل. قوله: (ومن حيل الضمان الخ)
ليست هذه حيلة في المضاربة بل قد خرج العقد إلى الشركة في رأس المال.
وذكر الزيلعي حيلة أخرى أيضا فقال: وإذا أراد رب المال أن يضمن المضارب بالهلاك يقرض
المال منه ثم يأخذه منه مضاربة ثم يبضع المضارب كما في الواقعات. وذكر هذه الحيلة القهستاني. وفيه
نظر لأنها تكون شركة عنان شرط فيها العمل على الأكثر مالا وهو لا يجوز، بخلاف العكس فإنه يجوز
كما ذكره في الظهيرية في كتاب الشركة عن الأصل للإمام محمد. تأمل. وكذا في شركة البزازية حيث
قال: وإن لأحدهما ألف ولآخر ألفان واشتركا واشترطا العمل على صاحب الألف والربح أنصافا
جاز، وكذا لو شرطا الربح والوضيعة على قدر المال والعمل من أحدهما بعينه جاز، ولو شرطا العمل
على صاحب الألفين والربح نصفين لم يجز الشرط والربح بينهما أثلاثا، لان ذا الألف شرط لنفسه
بعض ربح الآخر بغير عمل ولا مال، والربح إنما يستحق بالعمل أو المال أو بالضمان ا ه‍ ملخصا.
لكن في مسألة الشارح شرط العمل على كل منهما لا على صاحب الأكثر فقط وهو صحيح سالم من
الفساد كما سيصرح به.
والحاصل: أن المفهوم من كلامهم أن الأصل في الربح أن يكون على قدر المال كما قدمناه عن
البحر، إلا إذا كان لأحدهما عمل فيصح أن يكون أكثر ربحا بمقابلة عمله، وكذا لو كان العمل منهما
يصح التفاوت أيضا تأمل. قوله: (ثم يعقد شركة عنان) وهي لا يلزمها أن يكون الربح فيها على قدر
المال فلهما أن يتفقا على مناصفة الربح. ح قوله: (على أن يعملا) ذكره لأنه لو شرط العمل على
أحدهما فسدت كما مر فيها والمفسد اشتراط عمل أحدهما لا الاطلاق. قوله: (ثم يعمل المستقرض
فقط) أي بطيب نفس منه لا بشرط عليه، لان شرط الشركة أن يكون العمل عليهما كما قال على أن
يعملا، لكن الشرط إنما هو اشتراط العمل عليهما لا وجوده منهما، فإن العمل لا يتأتى من اثنين
عادة فيصح أن ينفرد أحدهما به بعد أن شرط عليهما كما هو مقتضى عقد الشركة ويكون الربح بينهما
على حسب الشرط، لان كلا منهما وكيل بما يعمله عن صاحبه فيقع شراء كل لهما بالأصالة عن نفس
المباشر، وبالوكالة عن شريكه لان الشركة تتضمنها ويكون الربح على حسب الشرط كما تقدم في
بابها. قوله: (وتوكيل مع العمل) حتى يرجع بما لحقه من العهدة عليه. منح. كما لو رد على
المضارب بالعيب ولم يوجد ما يؤدي ثمنه من مال المضاربة أو استحق في يد المشتري ورجع على
المضارب بثمنه ولم يوجد ما يؤديه فأدى من مال نفسه يرجع إلى رب المال. هذا ما ظهر لي وكما
سيجئ من قوله شرى عبدا بألفها وهلك الألف قبل نقده دفع المال ثمنه ثم وثم: يعني يرجع
المضارب بالثمن على المالك.

411
وأقول: هذه الوكالة ضمنية كما في وكالة الشركة كما ذكرنا، فشملت وكالة بمجهول الجنس
وجازت، بخلاف الوكالة القصدية فإنها لم تجز وكالة بمجهول الجنس نحو التوكيل بشراء ثوب ونحوه
على ما مر. قوله: (وشركة إن ربح) لان الربح حصل بالمال والعمل فيشتركان فيه. منح.
أقول: بل تكون شركة بمجرد الشراء، ألا ترى ليس لرب المال فسخها بعده، ولو كانت وكالة
لكان له فسخها حينئذ وأخذ البضاعة. نعم استحقاقه لشئ من المال موقوف على ظهور الربح، ولذا
لو عتق عبد المضاربة لا يعتق ما لم يتحقق الربح. تأمل. قوله: (وغصب إن خالف) لتعديه على مال
غيره فيكون ضامنا، واستشكل قاضي زاده عد الغصب والإجارة من أحكامها، لان معنى الإجارة إنما
يظهر إذا فسدت المضاربة، ومعنى الغصب إنما يتحقق إذا خالف المضارب، وكلا الامرين ناقض لعقد
المضاربة مناف لصحتها فكيف يصح أن يجعلا من أحكامها وحكم الشئ ما يثبت به، والذي يثبت
بمنافيه لا يثبت به قطعا.
فإن قلت: قد صلحا أن يكونا حكما للفاسدة. قلنا: الأركان والشروط المذكورة هنا
للصحيحة، فكذا الاحكام، على أن الغصب لا يصح حكما للفاسدة، لان حكمها أن يكون للعامل
أجر عمله ولا أجر للغاصب ا ه‍. مختصرا ط. ولا تنس ما قدمناه عند قوله بمال من جانب الخ. قوله:
(وإن أجاز رب المال بعده) حتى لو اشترى المضارب ما نهى عنه ثم باعه وتصرف فيه ثم أجاز رب المال
لم يجز. منح. فيضمن بالغصب ويكون الربح بعدما صار مضمونا عليه له ولكن لا يطيب له عندهما.
وعند الثاني يطيب له كالغاصب والمودع إذا تصرفا وربحا فإنهما على الخلاف المذكور. ا ه‍. شلبي عن
الغاية. وفي سري الدين عن الكافي أنه بعد الإجازة يكون كالمستبضع: يعني أن البضاعة وديعة في
يده، وإذا خالف ينقلب إلى الغصب ولو أجاز بعده ا ه‍. وفيه مخالفة لما هنا كل المخالفة، وينبغي اعتماد
ما هنا ط بزيادة. قوله: (لصيرورته غاصبا بالمخالفة) فيه تعليل الشئ بنفسه. قوله: (بل له أجر مثل
عمله مطلقا) وهو ظاهر الرواية. قهستاني. لأنه لا يستحق المسمى لعدم الصحة ولم يرض بالعمل مجانا
فيجب أجر المثل. وعن أبي يوسف: إن لم يربح فلا أجر له، وهو الصحيح لئلا تربو الفاسدة على
الصحيحة. شيخنا عن ابن الغرس على الهداية. ا ه‍. أبو السعود.
وفي الهداية: وعن أبي يوسف إذا لم يربح لا يجب الآخر اعتبارا بالمضاربة الصحيحة ا ه‍. اتفق
الشراح على صحة هذا التعليل، لان الفاسد يؤخذ حكمه من الصحيح من جنسه أبدا كما في البيع
الفاسد، ولكن تصدوا في الجواب عنه بأنه نعم كذلك إذا كان انعقاد الفاسد كانعقاد الصحيح كما في
المنبع، وهنا ليس كذلك لان المضاربة الصحيحة تنعقد شركة والفاسدة تنعقد إجارة فتعتبر بالإجارة
الصحيحة عند إيفاء العمل. ورده صاحب البيانة باعتبار فاسد المضاربة بصحيحها أولى من جعلها
إجارة، لأنهما رضيا أن يكون للعامل جزء من الربح لو حصل، وبالحرمان إن لم يحصل ولم يرض رب
المال أن يكون في ذمته شئ في مقابلة عمله، فإيجابه يكون إيجابا بغير دليل، فهدم الأصل الضعيف
أولى من إلغاء التعليل الصحيح هذا. قوله: (بلا زيادة على المشروط أي المسمى كما هو حكم الإجارة
الفاسدة وقد مر، وهذا فيما إذا ربح، وإلا فلا تتحقق الزيادة ولا يكون له أجر ما لم يربح أو يكن

412
الفاسد بسبب تسمية دراهم معينة للعامل لأنه لم يرض حينئذ بالحرمان عند عدم الربح. تأمل. قوله:
(خلافا لمحمد) فيه إشعار بأن الخلاف فيما إذا ربح، وأما إذا لم يربح فأجر المثل بالغا ما بلغ، لأنه لا
يمكن تقدير بنصف الربح المعدوم كما في الفصولين، لكن في الواقعات ما قاله أبو يوسف مخصوص
بما إذا ربح، وما قاله محمد بأن له أجر المثل بالغا ما بلغ فيما هو أعم. ذكره الشمني.
وأفاد في الشرنبلالية نقلا عن التبيين وشرح المجمع والخلاصة أن وجوب أجر المثل مطلقا قول
محمد، ومعنى الاطلاق ربح أو لم يربح زاد على المسمى أولا. وعند أبي يوسف: يجب إن ربح، وإلا
فلا، ولا يجاوز المشروط ا ه‍. وحينئذ فيكون مشى في وجوب الاجر مطلقا على قول محمد، ومشى في
عدم مجاوزة المشروط على قول أبي يوسف.
فحاصل ما قاله أبو يوسف مخصوص بما إذا ربح، وما قاله محمد بأن له أجر المثل بالغا ما بلغ
فهو أعم كما ذكرنا. قوله: (إلا في وصي أخذ مال يتيم مضاربة الخ) ظاهره أن للوصي أن يضارب
في مال اليتيم بجزء من الربح، وسيأتي بيانه في الفروع، وكلام الزيلعي فيه أظهر، وأفاد الزيلعي أيضا
أن للوصي دفع المال إلى من يعمل فيه مضاربة بطريق النيابة عن اليتيم كأبيه. أبو السعود.
قال في أحكام الصغار: الوصي يملك أخذ مال اليتيم مضاربة، فإن أخذ على أن له عشرة
دراهم من الربح فهذه مرابحة فاسدة ولا أجر له، وهذا مشكل لان المضاربة متى فسدت تنعقد إجارة
فاسدة ويجب أجر المثل، ومع هذا قال لا يجب، لان حاصل هذا راجع إلى أن الوصي يؤجر نفسه
لليتيم وأنه لا يجوز. ا ه‍. ومنه يعلم أن الاستثناء الذي ذكره ليس في عبارة الكتاب المذكور وأنه أسقط
من عبارته ما به يتضح الحكم المذكور.
وفي البزازية: بعد أن ذكر الاشكال الذي ذكره في جامع أحكام الصغار قال: والجواب أنه قد
برهن على أن المنافع غير مقومة وأنه الأصل فيها، فلو لزم الاجر لزم التقوم في غير المتقوم نظرا
إلى الأصل، وأنه لا يجوز في مال اليتيم والصغير والتقوم بالعقد الصحيح بالنصوص الدالة عليه والنص
لم يرد في الفاسد، والوارد في الصحيح لا يكون واردا في الفاسد في حق الصغير ا ه‍. ذكره الحموي.
قوله: (كشرطه لنفسه عشرة دراهم) الكاف لتمثيل المضاربة الفاسدة. حلبي. قوله: (فلا شئ له) لأنه
من باب إيجار الوصي لنفسه لليتيم وهو لا يجوز كما ذكرنا. قوله: (فهو استثناء من أجر عمله) لا
حاجة إليه لان المصنف دفع الايهام الذي وقع فيه بقوله فلا شئ له وذلك لأنه يحتمل أن يكون
استثناء من قوله بل له أجر مثله أو من قوله بلا زيادة والمؤلف قصد التوضيح. قوله:
(والفاسدة لا ضمان فيها) لان الفاسد من العقود يأخذ الحكم من الصحيح منها، ولأنه عين في يد
أجيره، ولو تلف بعد العمل فله أجر مثله، وقيل هذا عند أبي حنيفة، وعندهما: يضمن إذا تلف في
يده بما يمكن التحرز عنه. ا ه‍.
وفي النهاية: والمضاربة الفاسدة غير مضمونة بالهلاك، وذكر ابن سماعة عن محمد أنه ضامن
للمال، فقيل المذكور في الكتاب قول أبي حنيفة وهو بناء على اختلافهم في الأجير المشترك إذا تلف

413
المال في يده من غير صنعه، وعندهما: هو ضامن إذا هلك في يده بما يمكن التحرز عنه، وكذلك في
كل مضاربة فاسدة. كذا في المبسوط. قوله: (كله للمالك بضاعة) هو أن يعمل له متبرعا. قوله:
(فيكون وكيلا متبرعا) أي بعمله حيث لم يشترط له جزءا من الربح. قوله: (لقلة ضرره) أي القرض
بالنسبة للهبة فجعل قرضا ولم يجعل هبة، لكن فيه اختصار مخل، وكان عليه أن يقول قرض لا هبة
لقلة ضرره. قال في التبيين: وإنما صار المضارب مستقرضا باشتراط كل الربح له، لأنه لا يستحق
الربح كله إلا إذا صار رأس المال ملكا له لان الربح فرع المال كالثمر للشجر وكالولد للحيوان، فإذا
شرط أن يكون جميع الربح له فقد ملكه جميع رأس المال مقتضى.
وقضيته أن لا يرد رأس المال، لان التمليك لا يقتضي الرد كالهبة، لكن لفظ المضاربة يقتضي رد
رأس المال فجعلناه قرضا لاشتماله على المعنيين عملا بهما، ولأن القرض أدنى التبرعين لأنه يقطع الحق
عن العين دون البدل والهبة تقطعه عنهما فكان أولى لكونه أقل ضررا. ا ه‍. قوله: (سبعة) بضم قوله
ومن شروطها.
مطلب: لا تصح المضاربة بالفلوس الكاسدة]
قوله: (كون رأس المال من الأثمان) أي الدراهم والدنانير عندهما، وبالفلوس النافقة، ولو دفع
له عرضا وقال له بعه واعمل مضاربة في ثمنه فباع بدراهم أو دنانير فتصرف صح. ذكره مسكين.
لكن فيه مخالفة لما في القهستاني عن الكبرى ونصه: في المضاربة بالتبر روايتان. وعن الشيخين أنها
تصح بالفلوس، وعند محمد لا تصح، وعليه الفتوى ا ه‍. وإنما جاز في مسألة ثمن الثوب لان
المضاربة ليس فيها إلا توكيل وإجازة، وكل ذلك قابل للإضافة على الانفراد، فكذا عند الاجتماع كما
في الزيلعي. وإنما اشترط كون رأس المال من الأثمان لأنها شركة عند حصول الربح فلا بد من مال
تصح به الشركة وهو الدراهم والدنانير والتبر والفلوس النافقة ا ه‍. منح وجوازها بالتبر إن كان
رائجا، وإلا فهو كالعروض فلا تجوز المرابحة عليه إلا إذا بيعت العروض فصارت نقودا فإنها تنقلب
مضاربة، وكذلك الكيلي والوزني لا يصلح أن يكون رأس المال عندنا، خلافا لابن أبي ليلى كما في
النهاية.
وذكر في تكملة الديري وما نقله البعض أنه عند مالك تصح بالعروض لا يكاد يصح، وإنما
المنقول عن ابن أبي ليلى أنه يجوز بكل مال وعليه كلام الكاكي ا ه‍. وقيد في الدرر بالفلوس النافقة
أيضا.
قال في الهندية: والفتوى على أنه تجوز بالفلوس الرائجة. كذا في التتارخانية ناقلا عن الكبرى.
ولا يجوز بالذهب والفضة إذا لم تكن مضروبة في رواية الأصل. كذا في فتاوى قاضيخان.
وفي الكبرى: في المضاربة بالتبر روايتان، ففي كل موضع يروج التبر رواج الأثمان تجوز
المضاربة، هكذا في التتارخانية والمبسوط والبدائع. وتجوز بالدراهم النبهرجة والزيوف ولا يجوز
بالستوقة، فإن كانت الستوقة، تروج فهي كالفلوس. كذا في فتاوى قاضيخان.
وفي الحامدية: سئل فيما إذا دفع زيد لعمرو بضاعة على سبيل المضاربة وقال لعمرو بعها

414
ومهما ربحت يكون بيننا مثالثة فباعها وخسر فيها فالمضاربة غير صحيحة ولعمرو أجر مثله بلا زيادة
على المشروط. ا ه‍.
رجل دفع لآخر أمتعة وقال بعها واشتر بها وما ربحت فبيننا نصفين فخسر فلا خسران على
العامل، وإذا طلب صاحب الأمتعة بذلك فتصالحا على أن يعطيه العامل إياه لا يلزمه، ولو كفل إنسان
ببدل الصلح لا يصح ولو عمل هذا العامل في هذا المال فهو بينهما على الشرط، لان ابتداء هذا ليس
بمضاربة بل هو توكيل ببيع الأمتعة، ثم إذا صار الثمن من النقود فهو دفع مضاربة بعد ذلك فلم
يضمن أولا لأنه أمين بحق الوكالة ثم صار مضاربا فاستحق المشروط. جواهر الفتاوى. قوله: (كما
مر في الشركة) من أنها لا تصح مفاوضة وعنانا بغير النقدين والفلوس النافقة والتبر والنقرة إن جرى
التعامل بهما. قوله: (وهو معلوم للعاقدين) لئلا يقعا في المنازعة ولو مشاعا لما في التتارخانية.
مطلب: قرض المشاع جائز
وإذا دفع ألف درهم إلى رجل وقال نصفها عليك قرض ونصفها معك مضاربة بالنصف
صح، وهذه المسألة نص على أن قرض المشاع جائز، ولا يوجد لهذا رواية إلا ها هنا. وإذا جاز هذا
العقد كان لكل نصف حكم نفسه، وإن قال على أن نصفها قرض وعلى أن تعمل بالنصف الآخر
مضاربة على أن الربح كله لي جاز، ويكره لأنه قرض جر منفعة، وإن قال على أن نصفها قرض
عليك ونصفها مضاربة بالنصف فهو جائز، ولم يذكر الكراهية هنا، فمن المشايخ من قال: سكوت
محمد عنها هنا دليل على أنها تنزيهية.
وفي الخانية: قال على أن تعمل بالنصف الآخر على أن الربح لي جاز ولا يكره، فإن ربح
كان بينهما على السواء، والوضيعة عليهما لان النصف ملكه بالقرض والآخر بضاعة في يده، وفي
التجريد يكره ذلك.
وفي المحيط: ولو قال على أن نصفها مضاربة بالنصف ونصفها هبة لك وقبضها غير مقسومة
فالهبة فاسدة والمضاربة جائزة، فإن هلك المال قبل العمل أو بعده ضمن النصف حصة الهبة فقط.
وهذه المسألة نص على أن المقبوض بحكم الهبة الفاسدة مضمون على الموهوب له. ا ه‍. ملخصا. وتمامه
فيه فليحفظ فإنه مهم. وهذه الأخيرة ستأتي قبيل كتاب الايداع قريبا من أن الصحيح أنه لا ضمان في
حصة الهبة أيضا، لأن الصحيح أن الهبة الفاسدة تملك بالقبض ا ه‍. لكن فيه أن الواهب سلط الموهوب
له على قبض ماله في الهبة المذكورة فكيف يضمن، وقد أوضح الجواب عنه في (نور العين) بأن الهبة
الفاسدة تنقلب عقد معاوضة فتكون كالمقبوض على حكم البيع الفاسد وهو مضمون. ا ه‍. وقوله: فإن
ربح كان بينهما على السواء: أي ربح جميع الألف بدليل التعليل المذكور.
ولا يشكل هذا على قولهم: إن الشرط الموجب انقطاع الشركة يفسدها: أي المضاربة به. لأنا
نقول: ما في الصورة المذكورة بحق نصف الألف هو بضاعة لا مضاربة تأمل. قوله: (وكفت به) أي
في الاعلام. منح قوله: (الإشارة) كما إذا دفع لرجل دراهم مضاربة وهو لا يعرف قدرها فإنه
يجوز، فيكون القول في قدرها وصفتها للمضارب مع يمينه والبينة للمالك: أي إذا أشار إليها لئلا يقعا
في المنازعة له في الدرر. قوله: (والبينة للمالك) أي لو ادعى رب المال أنه دفع إليه ألفين وقال

415
المضارب ألفا فسقط أو ادعى رب المال أنها بيض وقال المضارب سود فالقول للمضارب بيمينه لأنه
منكر والبينة لرب المال لأنه مدع. قوله: (لم يجز) لان المضارب أمين ابتداء ولا يتصور كونه أمينا فيما
عليه من الدين: أي لأنه لا يبرأ إلا بتسليمه لربه ويكون الربح للمشتري في قول أبي حنيفة وقال أبو
يوسف ومحمد: الربح لرب الدين ويبرأ المضارب عن الدين. كذا في الخانية عن العزمية.
قال في البحر، وأما المضاربة بدين: فإن كان على المضارب فلا يصح وما اشتراه له والدين في
ذمته ا ه‍. والأوجه تأخير هذا عند قوله وكون رأس المال عينا لا دينا بطريق التفريع عليه كما فعل
صاحب الدرر. قوله: (وإن على ثالث) بأن قال اقبض مالي على فلان ثم اعمل به مضاربة، ولو عمل
قبل أن يقبض الكل ضمن، ولو قال فاعمل به لا يضمن، وكذا بالواو، لان ثم للترتيب فلا يكون
مأذونا بالعمل إلا بعد قبض الكل، بخلاف الفاء والواو، ولو قال اقبض ديني لتعمل به مضاربة لا
يصير مأذونا ما لو يقبض الكل. بحر: أي فلو عمل قبل أن يقبضه كله ضمن. وبحث فيه بأن القول
بأن الفاء كالواو في هذا الحكم نظر، لان ثم تفيد الترتيب والتراخي والفاء تفيد التعقيب والترتيب،
فينبغي أن لا يثبت الاذن فيهما قبل القبض بل يثبت عقبه، بخلاف الواو فإنها لمطلق الجمع من غير
تعرض لمقارنة ولا ترتيب، وعليه عامة أهل اللغة وأئمة الفتوى. تأمل. قوله: (جاز) لان هذا توكيل
بالقبض وإضافة للمضاربة إلى ما بعد قبض الدين وذلك جائز، بخلاف ما إذا قال اعمل بالدين الذي
لي عليك حيث لا يجوز للمضاربة، لان المضاربة توكيل بالشراء والتوكيل بالشراء بدين في ذمة الوكيل
لا يصح حتى يعين البائع أو المبيع عند أبي حنيفة فبطل التوكيل بالكلية، حتى لو اشترى كان للمأمور،
وكذا لا يصح التوكيل بقبض ما في ذمة نفسه فلا يتصور المضاربة فيه. وعندهما: يصح التوكيل
بالشراء بما في ذمة الوكيل من غير تعيين ما ذكرنا حتى يكون مشتريا للآمر، لكن المشتري عروض فلا
تصح المضاربة بها على ما بينا اه‍. زيلعي.
مطلب: حيلة جواز المضاربة في العروض
قوله: (وكره) لأنه اشترط لنفسه منفعة قبل العقد. منح. ويظهر هذا في المسألة التي بعد.
قوله: ولو قال اشتر لي عبدا نسيئة الخ) هذا يفهم أنه لو دفع عرضا وقال له بعه واعمل بثمنه
مضاربة أنه يجوز بالأولى كما ذكرنا، وقد أوضحه الشرح، وهذه حيلة لجواز المضاربة في العروض.
وحيلة أخرى ذكرها الخصاف أن يبيع المتاع من رجل يثق به ويقبض المال فيدفعه إلى المضارب مضاربة
ثم يشتري هذا المضارب هذا المتاع من الرجل الذي ابتاعه من صاحبه ط. قوله: (مجتبى) ومثله في
البحر. قوله: (وكون رأس المال عينا) أي معينا، وليس المراد بالعين العرض. قوله: (كما بسط في
الدرر) حيث قال فيه: لان المضارب أمين ابتداء، ولا يتصور كونه أمينا فيما عليه من الدين، فلو قال
اعمل بالدين الذي بذمتك مضاربة بالنصف لم يجز، بخلاف ما لو كان له دين على الثالث فقال
اقبض مالي من فلان واعمل به مضاربة حيث يجوز، لأنه أضاف المضاربة إلى زمان القبض والدين فيه
يصير عينا وهو يصلح أن يكون رأس المال. ا ه‍. وهو كالذي قدمه في الدين قريبا، وذكر فيه تفصيل
كما هنا بأن هذا إذا كان دينا على المضارب. أما لو كان على غيره جاز وكره، لان ما كان على الغير

416
بقبضه يصير عينا فتقع المضاربة عليه لا على الدين كما سمعت. فمن قال إنه مكرر مع ما تقدم توهم
أنه متقدم متنا، ومن قال إنه موهم للاطلاق: أي يوهم أنه لا فرق أن يكون الدين على المضارب أو
على الأجنبي، وقد علمت الجواب أن ما على الأجنبي يصير عينا بقبضه فلم يقع العقد على الدين بل
على العين المقبوضة. قوله: (وكونه مسلما إلى المضارب) لان المال في المضاربة من أحدا لجانبين والعمل
من جانب الآخر فلان يخلص المال للعامل ليتمكن في التصرف منه ولأن المال يكون أمانة عنده فلا يتم
إلا بالتسليم إليه كالوديعة، فلو شرط رب المال أن يعمل مع المضارب لا تجوز المضاربة، لأنه شرط
يمنع من التسليم، والتخلية بين المال والمضارب سواء كان المالك عاقلا أو لا كالأب والوصي إذا دفع
مال الصغير مضاربة وشرط عمل شريكه: أي الصغير مع المضارب لا تصح المضاربة.
وفي السغناقي: وشرط عمل الصغير لا يجوز، وكذا أحد المتفاوضين أو شريكي العنان إذا دفع
المال مضاربة وشرط عمل صاحبه فسد العقد. تتارخانية. ولو شرط أن يكون المال كل ليلة عند المالك
فسدت المضاربة. قهستاني.
قال الأسبيجابي: إذا رد المضارب رأس المال على المالك وأمره أن يبيع يشتري على المضاربة
ففعل وربح فهو جائز على المضاربة والربح على ما شرطا لأنه لم يوجد صريح النقد ولا دلالته لأنه صار
مستعينا به على العمل. وإذا وقع العمل من رب المال إعانة لا يجعل استردادا، بخلاف ما إذا شرط
عمل رب المال حال العقد أفسد.
وحكى الامام القاضي العامري عن محمد بن إبراهيم الضرير أن شرط عمل رب المال مع
المضارب إنما يكون مفسدا إذا شرط العمل جملة، أما إذا شرط رب المال لنفسه أن يتصرف في المال
بانفراده متى بدا له وأن يتصرف المضارب في جميع المال بانفراده متى بدا له جازت المضاربة كما في
الذخيرة، وقيد برب المال لان العاقد لو لم يكن رب المال: فإن كان أهلا لان يكون مضاربا في ذلك
المال كالأب والوصي يجوز شرط العمل عليه، وإن لم يكن أهلا كالمأذون لا يجوز كما في الشروح ا ه‍.
وسيأتي في الباب الآتي متنا بعض هذا. قوله: (ليمكنه التصرف) أي ولأنها في معنى الإجارة والمال
محل فيجب تسليمه. قوله: (لان العمل فيها من الجانبين) فلو شرط خلوص اليد لأحدهما لم تنعقد
الشركة لانتفاء شرطها وهو العمل منهما. كذا في الدرر. قوله: (شائعا) أنصافا أو أثلاثا مثلا لتحقق
المشاركة بينهما في الربح قل أو كثر. قاله في البرهان.
وفي البحر: الرابع أن يكون الربح بينهما شائعا كالنصف والثلث لا سهما معينا يقطع الشركة
كمائة درهم أو مع النصف عشرة ا ه‍ ط. أي لاحتمال أن لا يحصل من الربح إلا مقدار ما شرط له.
وإذا انتفى الشركة في الربح لا تتحقق المضاربة لأنها جوزت، بخلاف القياس بالنص بطريق الشركة في
الربح فيقتصر على مورد النص. وفي المتن إيماء إلى أن المشروط للمضارب إنما يكون من الربح، حتى
لو شرط من رأس المال أو منه ومن الربح فسدت كما في الخزانة، وعليه تعريف المضاربة. قوله: (فلو
عين قدرا فسدت) لقطعه الشركة في الربح. وإذا فسدت فله أجر مثله لا يجاوز ا لمشروط عند أبي
يوسف لرضاه به إذا كان المسمى معلوما. أما لو كان مجهولا كما هنا أو لم يوجد ربح لا يقال رضي
بالقدر المشروط زيادة عن حصته من الربح لأنه لم يرض بها إلا مع نصف الربح وهو معدوم، فالمسمى

417
غير معلوم فيجب أجر المثل بالغا ما بلغ، وقد يجاب بأن هذا العقد لما كان فاسدا كان ما سمى فيه
محظورا فقطع النظر عما هو موجب المضاربة وعول على ما عين معه على أنه أجر مثل في إجارة لا
موجب مضاربة، ولهذا قالوا: هذه إجارة في صورة مضاربة. حموي عن المقدسي.
قلت: ما بحثه المقدسي صرح به القهستاني معزيا للفصولين، ونصه بعد أن حكى الخلاف عن
الصاحبين في أن أجر المثل هل يجب بالغا ما بلغ أو لا يجاوز به المشروط؟ قال: والخلاف فيما إذا
ربح، وأما إذا لم يربح فأجر المثل بالغا ما بلغ لأنه لا يمكن تقديره الخ، وحينئذ لا حاجة إلى تكلف
الجواب، ولا ينافي كلام القهستاني ما سيأتي في الشارح من قوله: وعن أبي يوسف إن لم يربح فلا أجر
له، لأنه ذكره بلفظ عن فلا ينافي كون المذهب عنده استحقاق الاجر له بالغا ما بلغ.
بقي أن يقال: ظاهر كلام المقدسي أن المسمى للمضارب من الربح إذا كان جزءا شائعا كالنصف
يقال إنه معلوم، وهو مخالف لما في الشمني حيث قال: فإن كان المسمى معلوما لا يزاد عليه، وإن
كان مجهولا كدابة أو ثوب يجب بالغا ما بلغ، وإن كان معلوما من وجه دون وجه كالجزء الشائع مثل
النصف والربع: فعند محمد يجب بالغا ما بلغ لأنه مجهول إذ يكثر بكثرة ما يحصل وينقص بقلته.
وعندهما: لا يزاد على المسمى لأنه معلوم من جملة ما يحصل بعمله ا ه‍. أبو السعود. وإنما تكون إجارة
فاسدة إذا فسدت إن لم يبين مدة معلومة. أما لو بينها ينبغي أن يكون أجيرا خاصا فيستحق بتسليم
نفسه في المدة كما هو حكم الأجير الخاص، وليراجع. قوله: (وكون نصيب كل منهما معلوما عند
العقد) لان الربح هو المعقود عليه وجهالته توجب فساد العقد ا ه‍. درر. قوله: (فسدت) لأنهما
شرطان لا يقتضيهما العقد. قال في التتارخانية: وما لا يوجب شيئا من ذلك لا يوجب فساد المضاربة
نحو أن يشترطا أن تكون الوضيعة عليهما.
وفي الفتاوى العتابية: ولو قال إن الربح والوضيعة بيننا لم يجز، وكذا لو شرطا الوضيعة أو
بعضها على المضارب فسدت. وذكر الكرخي: أن الشرط باطل، وتصح المضاربة إذا شرط فيه نصف
الربح.
وفي الذخيرة: ذكر شيخ الاسلام في أول المضاربة أن المضاربة لا تفسد بالشروط الفاسدة. وإذا
شرط للمضارب ربح عشرة فسدت لأنه شرط فاسد لأنه شرط تنتفي به الشركة في الربح ا ه‍. قوله:
(يوجب جهالة في الربح) كما إذا شرط له نصف الربح أو ثلثه أو ربعه بأو الترديدية حلبي: يعني ذكر
مجموع الثلاثة بطريق الترديد لاقتضاء الترديد جهالة الربح. قوله: (أو يقطع الشركة) كما لو شرط
لأحدهما دراهم مسماة. حلبي.
وأورد الأكمل شرط العمل على رب المال فإنه يفسدها وليس بواحد منهما، وأجيب بأن المراد
بالفساد ما بعد الوجود وهي عند اشتراط ذلك لو توجد المضاربة أصلا، إذ حقيقتها أن يكون العمل
فيها من طرف المضارب. وفي المقدسي: قال الزيلعي وغيرها: فالأصل أن كل شرط يوجب جهل
الربح أو قطع الشركة مفسد، وما لا فلا.

418
قال الأكمل: شرط العمل على رب المال لا يفسدها وليس بواحد منهما فلم يطرد. والجواب أنه
قال: وغير ذلك من الشروط الفاسدة لا يفسدها. وإذا شرط العمل عليه فليس ذلك مضاربة وسلب
الشئ عن المعدوم صحيح يجوز أن تقول زيد المعدوم ليس ببصير، وقوله بعد: وشرط العمل على
المالك مفسد معناه مانع عن تحققه. قال بعض المحققين: مضمونه وإن لم يكن فاسدا في نفسه إلا أنه
مفسد لمعنى المقام، لان معنى القسم الثاني من الأصل على ما صرحوا به هو أن غير ذلك من الشروط
لا يفسد المضاربة بل تبقى صحيحة ويبطل الشرط، وقد أشار إليه المصنف بقوله كاشتراط الوضيعة
على المضارب، وقد كان اعترف به أولا حيث قال: ولما كان من الشروط ما يفسد العقد ومنها ما
يبطل في نفسه وتبقى المضاربة صحيحة أراد أن يشير إلى ذلك بأمر جلي فقال شرط الخ، ولا شك أن
المضاربة لا تندرج في هذا المعنى. ا ه‍. ما في المقدسي. وعبارة الدرر كذا: أن يفسد المضاربة كل شرط
يوجب جهالة الربح، كما لو قال لك نصف الربح أو ثلثه أو ربعه، لما مر أن الربح هو المعقود عليه
فجهالته تفسد العقد وغيره لا: أي غير ذلك من الشروط الفاسدة، بل يبطل الشرط كاشتراط الخسران
على المضارب فإنه لا يقطعها وهو على رب المال. قال المولى عبد الحليم: قوله كما لو قال لك نصف
الربح أو ثلثه أو ربعه ولم يعين واحدا من هذه الكسور والاعداد. وفي بعض النسخ: أو شرط أن
يدفع المضارب داره إلى رب المال ليسكنها أو أرضه سنة ليزرعها. وهو الموافق لما في شروح الهداية.
قوله: وغيره أي غير كل شرط يوجب جهالة الربح أو غير كل شرط يوجب قطع الشركة في الربح
أو جهالة لا يفسد ذلك الغير من الشروط الفاسدة عقد المضاربة بل يبطل الشرط وتبقى المضاربة
صحيحة، هذا هو المعنى من سوق الكلام ومقتضى الكلام. ولكن اعترض عليه بأن شرط العمل على
رب المال شرط ليس بواحد منهما فلم يطرد هذا الضابط الكلي.
أقول: دفعه على ما نسقه المصنف ظاهر، لأنه ذكر هذا الشرط أولا وأتى بالضابط الكلي بعده
فيحمل على غير هذا لشرط بقرينة المقابلة. وأما على ما هو ترتيب صاحب الهداية حيث أخر ذكر هذا
الشرط عن ذلك فيكون مخصصا لعمومه، بل يكون بمنزلة الاستثناء به عنه، ونظائره أكثر من أن
تحصى كما لا يخفى على من تدرب هذا، ولبعض الشراح هنا جواب عنه ولبعضهم اعتراض عليه
ولذلك تركناه، وما ذكرناه أولى.
وما يقال في دفع الاعتراض من أن الشرط الذي يوجب جهالة الربح ليس فساد المضاربة به
لمقارنة شرط فاسد بل لانعدام صحتها وهو معلومية الربح، وكذا فسادها بشرط العمل على رب المال
ليس لكونه شرطا مفسدا بل لتضمنه انتفاء شرط صحة المضاربة وهو تسليم المال إلى المضارب.
أقول: كون كل من هذين الشرطين متفرعا على شرط من الشروط الستة لا يمنع ورود ذلك
الشرط على هذا الضابط الكلي، لأنه في بيان الشرط وغير المفسد والفرق بينهما.
وأقول: الامر أقرب من ذلك كله، فيقال: هذه الكلية غير صحيحة ويزاد فيما يفسد المضاربة
اشتراط العمل الخ. تأمل. قوله: (يفسدها) فللعامل أجر مثل عمله لأنه لم يرض بالعمل مجانا ولا
سبيل إلى المسمى المشروط للفساد فيصار إلى أجر المثل ضرورة والربح لرب المال لأنه نماء ملكه. درر.
قوله: (وإلا) أي وإلا يكن واحد منهما: أي لم يوجب الشرط جهالة في الربح ولا قطعا في الشركة

419
بطل الشرط كاشتراط الخسران على المضارب، وكذا على رب المال أو عليهما كما في التحفة. قوله:
(وصح العقد اعتبارا بالوكالة) لان الخسران جزء هالك من المال فلا يجوز أن يلزم غير رب المال، لكنه
شرط زائد لا يوجب قطع الشركة في الربح، والجهالة فيه لا تفسد المضاربة بالشروط الفاسدة
كالوكالة، ولأن صحتها تتوقف على القبض فلا تبطل بالشرط كالهبة. درر. قوله: (ولو ادعى
المضارب فسادها) الأخصر الأوضح أن يقول: والقول لمدعي الصحة منهما. قوله: (الأصل أن القول
لمدعي الصحة في العقود) قيده في الذخيرة بما إذا اتحد العقد. أما لو اختلف العقد فالقول لرب المال،
إلا إذا اتفقا على ما يكفي لصحة المضاربة وادعى رب المال شرط الزيادة ليوجب فساد العقد فلا يقبل.
وبيانه: أنه لو ادعى المضارب اشتراط ثلث الربح وادعى رب المال استثناء عشرة منه فالقول لرب
المال، لان المضارب يدعي صحة المضاربة ورب المال يدعي الإجارة الفاسدة وهما مختلفان، فصار كما
لو أقر بالإجارة الفاسدة وادعى الآخر الشراء الصحيح منه كان القول لرب المال لاختلاف العقدين.
أما لو ادعى المضارب أن المشروط ثلث الربح وادعى رب المال الثلث وعشرة دراهم كان القول
للمضارب لأنه يدعي شرطا زائدا يوجب فساد العقد فلا يقبل قوله، كما في البيع إذا اتفقا عليه وادعى
أحدهما أجلا مجهولا يوجب فساد العقد وأنكر الآخر، بخلاف. قوله: (اشترطت لك ثلث الربح إلا
عشرة) لان هناك اتفقا على ما يكفي لصحة العقد، لان الكلام المقرون بالاستثناء تكلم بما وراء
المستثنى وذلك مجهول يمنع صحة العقد. قوله: (ولو فيه فسادها) لأنه يمكن أن لا يظهر ربح إلا
العشرة فاستثناؤها مؤد إلى قطع الشركة في الربح. قوله: (إلا إذا قال رب المال شرطت لك ثلث
الربح) قيل عليه لا يظهر استثناء هذا الفرع من القاعدة لان رب المال يدعي الفساد والمضارب الصحة
والقول لمدعيها، فهو داخل تحت القاعدة كما لا يخفى.
أقول: ليست القاعدة على إطلاقها، بل هي مقيدة بما إذا لم يدفع مدعي الفساد بدعوى الفساد
استحقاق مال على نفسه كما هنا، فحينئذ يكون القول. قوله: كما قدمناه عن الذخيرة، وحينئذ لا
صحة لقول المصنف فالقول للمضارب، والصواب فالقول لرب المال، لأنه المدعي للفساد ليدفع بدعواه
الفساد استحقاق مال عن نفسه، وحينئذ يتم الاستثناء، ولا وجه لما قيل إن القول في هذه الصورة قول
مدعي الصحة حيث كانت القاعدة مقيدة بما ذكرناه. ا ه‍. كلام الحموي، فلما كان في كلام الأشباه ما
يقتضي عدم صحة الاستثناء على ما ذكره المصنف موافقا لما في الخانية والذخيرة البرهانية في الفصل
الرابع عشر منها من المضاربة ومخالفا للصواب حيث قال: فالقول للمضارب، والصواب فالقول لرب
المال على ما ذكره الحموي مستندا لعبارة الذخيرة التي نقله عنها. قال الشارح: وما في الأشباه فيه
اشتباه، فليحرر ما يكشف ذلك الاشتباه.
والذي نقله الحموي عن الذخيرة هو ما ذكره في البيوع في الفصل العاشر، وهو أن ما ذكر
في عبارته كما نقله عنه ما إذا قال المضارب لرب المال شرطت لي نصف الربح إلا عشرة ورب المال
يدعي جواز المضاربة بأن قال شرطت لك نصف الربح.

420
وقد صرح صاحب الذخيرة في كتاب المضاربة بأنه لو قال المضارب شرطت لي نصف الربح
وزيادة عشرة أن القول فيه للمضارب، وعلله بأن رب المال يدعي شرطا زائدا يوجب فساد العقد فلا
يقبل كما تقدم في عبارته فلا يتم ما قاله المحشي الحموي لمجرد تعليل صاحب الذخيرة مع نصه أن
الحكم خلاف ذلك ولا سيما أن ما ذكره الفقيه في غير بابه، فالحق ما جرى عليه في المنح. تأمل.
قوله: (وما في الأشباه) من قوله القول قول مدعي الصحة إلا إذا قال رب المال شرطت لك الثلث
وزيادة عشرة وقال المضارب الثلث فالقول للمضارب كما في الذخيرة ا ه‍. قوله: (فيه اشتباه) فإنه
ظن أن الفرع خارج عن القاعدة مع أنه داخل فيها لأنا جعلنا القول فيه لمدعي الصحة وهو المضارب
المدعي وقوعها بالثلث فلا يصح قوله إلا إذا قال رب المال الخ. كذا في المنح. وذكر نحوه أنه الشيخ
صالح في حاشيته عليها، وحينئذ فلا وجه لما ذكره الحموي في حل هذه العبارة ونصه: قوله: أي
صاحب الأشباه القول لمدعي الصحة ليس هذا على إطلاقه، بل هو مقيد بما إذا لم يدفع مدعي الفساد
بدعوى الفساد استحقاق مال عن نفسه، كما إذا ادعى المضارب فساد العقد بأن قال رب المال شرطت
في الربح إلا عشرة ورب المال بدعي جواز المضاربة بأن قال شرطت لك نصف الربح فالقول قول رب
المال، لان المضارب بدعوى الفساد لا يدفع استحقاقا عن نفسه، لان المستحق على المضارب منافعه
والمستحق له على رب المال جزء من الربح وإنه عين المال والمال خير من المنفعة والاستحقاق بعوض هو
خير كالاستحقاق فلم يكن المضارب بدعوى الفساد دافعا عن نفسه استحقاقا فلا يقبل قوله. ورب
المال إذا ادعى فساد المضاربة بأن قال للمضارب شرطت نصف الربح إلا عشرة والمضارب ادعى
جواز المضاربة بأن قال شرطت لي نصف الربح فالقول لرب المال، لأنه بدعوى الفساد يدفع عن
نفسه استحقاق مال، لان ما يستحق لرب المال منفعة المضارب، وما يستحق على رب المال عين مال
وهو خير من الربح والعين خير من المنفعة، وإن كان كذلك كان رب المال بدعوى الفساد دافعا عن
نفسه استحقاق زيادة المال فكان القول قوله. كذا في الذخيرة. قوله: (في المطلقة) بسكون الطاء
المهملة كأن يقول دفعت إليك هذا المال مضاربة ولم يزد عليه. قوله: (التي لم تقيد بمكان) أما لو قيده
في البلد فليس له أن يسافر عنها، كما لو قيده ببلدة أخرى فيتعين السفر، ولا يبيع في بلده للزوم
القيد، وكلام المؤلف على حذف أي التفسيرية فهو بيان للمطلقة. قوله: (أو زمان) فلو قيد بالشتاء
فليس له أن يبيع بالصيف كعكسه. قوله: (أو نوع) فلو قيد بالبر ليس له أن يتجر في الرقيق مثلا،
وينبغي أن يزاد أو شخص من المعاملين بعينه كما سيذكره فإنها حينئذ من المقيدة كما حققه قاضي
زاده، ثم لا يجوز للمضارب أن يعمل في غير ذلك المقيد. شلبي. قوله: (البيع) قال الشهاب الشلبي
في شرحه: اشترى المضارب أو باع بما لا يتغابن الناس فيه يكون مخالفا قال له رب المال اعمل
برأيك أو لا، لان الغبن الفاحش تبرع وهو مأمور بالتجارة لا بالترع. ولو باع مال المضاربة بما لا
يتغابن فيه أو بأجل غير متعارف جاز عند الامام خلافا لهما كالوكيل بالبيع اه‍. وإنما يبيع ويشتري
من غير أصوله وفروعه. كذا في سري الدين عن الولوالجية ط. قوله: (ولو فاسدا) لان المبيع فيه
يملك بالقبض فيحصل الربح بعقد المعاوضة وهو صنيع التجار، بخلاف الباطل كما في الأشباه وليس

421
المراد منه أنه يجوز له مباشرته لحرمته، بل المراد أنه لا يكون به مخالفا فلا يكون غاصبا فلا يخرج المال عن
كونه في يده أمانة. أبو السعود. قوله: (ونسيئة) النسيئة بالهمز والنساء بالمد: التأخر، ولو اختلفا في
النقد والنسيئة فالقول للمضارب في المضاربة وللموكل في الوكالة كما مر متنا في الوكالة. قوله:
(متعارفة) احترز به عما إذا باع إلى أجل طويل. زيلعي: أي كسنتين في عرفنا أو أجل لم يعهد عند
التجار كعشرين سنة كما مر في الدرر، وإنما جاز له النسيئة لأنه عسى لا يحصل له الربح إلا بالنسيئة،
حتى لو شرط عليه البيع بالنقد لا يجوز له أن يبيع بنسيئة. وفي شرط النسيئة يجوز له أن يبيع بالنقد.
وفي الهندية عن المبسوط قالوا: وهذا إذا باعه بالنقد بمثل قيمته أو أكثر أو بمثل ما سمي له من
الثمن، فإن كان بدون ذلك فهو مخالف، ولو قال لا تبعه بأكثر من ألف فباع بأكثر جاز لأنه خير
لصاحبه. كذا في الحاوي.
لو كانت المضاربة مطلقة فخصها رب المال بعد عقد المضاربة نحو إن قال له لا تبع بالنسيئة
أو لا تشتر دقيقا ولا طعاما أو لا تشتر من فلان أو لا تسافر: فإن كان التخصيص قبل أن يعمل
المضارب أو بعدما عمل فاشترى وباع وقبض الثمن وصار المال ناضجا جاز تخصيصه، وإن كان
التخصيص بعد ما عمل وصار المال عرضا لا يصح. وكذا لو نهاه عن السفر فعلى الرواية التي يملك
السفر في المضاربة المطلقة إن كان المال عرضا لا يصح نهيه. كذا في فتاوي قاضيخان. فإذا اشترى
ببعض المال شيئا ثم قال لا تعمل به إلا في الحنطة لم يكن له أن يشتري بالباقي إلا الحنطة، فإذا باع
ذلك الشئ وصار نقدا لم يشتر به إلا الحنطة. كذا في الحاوي انتهى. قوله: (والشراء) أي نقدا أو
نسيئة بغبن يسير، فلو اشترى بغبن فاحش فمخالف، وإن قال له اعمل برأيك كما في الذخيرة،
والاطلاق مشعر بجواز تجارته مع كل أحد، لكن في النظم أنه لا يتجر مع امرأته وولده الكبير العاقل
ووالديه عنده خلافا لهما، ولا يشتري من عبده المأذون، وقيل من مكاتبه بالاتفاق. قهستاني. قوله:
(والتوكيل) لأنه دون المضاربة وجزء منه المضاربة تتضمن الاذن به. قوله: (بهما) أي بالبيع والشراء.
قوله: (والسفر برا وبحرا) إلا أن ينهاه عنه نصا مطلقا على الأصح كما في الظهيرية.
وفي الخانية: له أن يسافر برا وبحرا في ظاهر الرواية في قول أبي حنيفة، ومحمد هو الصحيح
وعن أبي حنيفة أنه لا يسافر، وهو قول أبي يوسف كما في المقدسي.
وفي القهستاني: ولا يسافر سفرا مخوفا يتحابى عنه الناس في قوتهم. قال الرحمتي: وله السفر
برا وبحرا: أي في وقت لا يغلب فيه الهلاك وفي مكان كذلك. قوله: (ولو دفع له المال في بلده على
الظاهر) وعن أبي يوسف عن الامام أنه إن دفع إليه المال في بلده ليس له أن يسافر به، وإن دفع إليه
في غربة كان له أن يسافر به إلى بلده، لان الظاهر أن صاحبه رضي به إذ الانسان لا يقيم في دار
الغربة دائما فإعطاؤه المال في هذه الحالة ثم علمه بحاله يدل على رضاه به.
وجه الظاهر أن المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض فيملكه بمطلق العقد، إذ اللفظ دال
عليه، ولا نسلم أنه تعريض على الهلاك لان الظاهر فيه السلامة ولا معتبر بالموهوم كما في الزيلعي.
قوله: (ولو لرب المال) أراد بالابضاع له استعانة فيكون ما اشتراه وما باعه على المضاربة لا ما هو

422
المتعارف من أن يكون المال للمبضع والعمل من الآخر كما في البرجندي. قوله: (ولا تفسد به
المضاربة) لان حق التصرف للمضارب فيصلح أن يكون رب المال وكيلا عنه في التصرف خلافا لزفر،
لان رب المال عنده حينئذ متصرف لنفسه وهو لا يصلح أن يكون وكيلا فيه فيكون مستردا وقول
العيني: ويكون الربح للعامل صوابه: ولا يكون أن يحمل العامل على المضارب الذي وجد منه
الابضاع وإن لم يعمل بالفعل. كذا ذكره الشيخ شاهين. وليس المراد بالربح الذي يكون للمضارب في
كلام الشيخ شاهين دون رب المال إذا دفع إليه المال بضاعة أصل الربح بل ما يخصه منه فتنبه. أبو
السعود قوله: (كما يجئ) أي في أول المتفرقات قوله: (والرهن والارتهان) قال في البحر: وله أن
يرهن ويرتهن بها، ولو أخذ نخلا أو شجرا معاملة على أن ينفق في تلقيحها وتأبيرها من المال لم يجز
عليها، وإن قال له اعمل برأيك، فإن رهن شيئا من المضاربة ضمنه، ولو أخر الثمن جاز على رب
المال، ولا يضمن، بخلاف الوكيل الخاص لو حط بعض الثمن إن لعيب طعن المشتري فيه، وما حط
حصته أو أكثر يسيرا جاز، وإن كان لا يتغابن الناس في الزيادة يصح ويضمن ذلك من ماله لرب المال
وكان رأس المال ما بقي على المشتري، ويحرم عليه وطئ الجارية ولو بإذن رب المال، ولو تزوجها
بتزويج رب المال جاز إن لم يكن في المال ربح وخرجت الجارية عن المضاربة، وإن كان فيه ربح لا
يجوز، وليس له أن يعمل ما فيه ضرر ولا ما لا يعمله التجار، وليس لاحد المضاربين أن يبيع أو
يشتري بغير إذن صاحبه، ولو اشترى بما لا يتغابن الناس في مثله يكون مخالفا وإن قيل له اعمل
برأيك، ولو باع بهذه الصفة جاز خلافا لهما كالوكيل بالبيع المطلق. وإذا اشترى بأكثر من المال كانت
الزيادة له ولا يضمن بهذا الخلط الحكمي، ولو كان المال دراهم فاشترى بغير الأثمان كان لنفسه
وبالدنانير للمضاربة لأنهما جنس هنا انتهى. قوله: (والاستئجار) أي استئجار العمال للأعمال والمنازع
لحفظ الأموال والسفن والدواب كما في الخانية والايجار كذلك. عبد الحليم. قوله: (فلو استأجر الخ)
كان هذا في عرفهم أنه من صنيع التجار، وفي عرفنا ليس هو من صنيعهم فينبغي أن لا يملكه،
قوله: (أي قبول الحوالة) هذا ليس معنى الاحتيال، لان الاحتيال كونه محتالا وذلك برضا المحيل
والمحال عليه والمحال وإنما اقتصر عليه لأنه المقصود هنا ط. قوله: (من صنيع التجار) أي عملهم،
وفي بعض النسخ صناع جمع صنعة بمعنى مصنوعة. قوله: (لا يملك المضاربة) هذا إذا كانت
المضاربتان صحيحتين. أما إذا كان إحداهما فاسدة أو كلتاهما فلا يمنع منه المضارب. قاله سري
الدين. وهذا أيضا إذا كانت مع غير رب المال. أما إذا كانت معه فهي صحيحة كما تقدم عن
الأسبيجابي.
قال الصدر الشهيد: التصرفات في المضاربة ثلاثة أقسام:
قسم هو من باب المضاربة وتوابعها فيملكها بمطلق الايجاب، وهو الايداع والابضاع والإجارة
والاستئجار والرهن والارتهان وما أشبه ذلك.
وقسم آخر ليس من المضاربة المطلقة لكنه يحتمل أن يلحق بها عند وجود الدلالة، وهو إثبات
الشركة في المضاربة بأن يدفع إلى غيره مضاربة أو يخلط مال المضاربة بماله أو بمال غيره فإنه لا يملك

423
هذا بمطلق المضاربة، لان رب المال لم يرض بشركة غيره، وهو أمر زائد على ما تقوم به التجارة فلا
يتناوله مطلق عقد المضاربة، لكن يحتمل أن يلحقها بالتعميم.
وقسم لا يمكن أن يلحق بها، وهو الاقراض والاستدانة على المال لان الاقرار ليس بتجارة،
وكذا الاستدانة على المال بل تصرف بغير رأس المال والتوكيل مقيد برأس المال انتهى. قوله: (والشركة)
لأنها فوقها. قوله: (والخلط بمال نفسه) وكذا بمال غيره كما في البحر: أي لأنه شركة إلا أن تكون
معاملة التجار في تلك البلد أن المضاربين يخلطون ولا ينهونهم، فإن غلب التعارف في مثله وجب أن
لا يضمن كما في التتارخانية.
وفيها من الثاني عشر: دفع إلى رجل ألفا بالنصف ثم ألفا أخرى كذلك فخلط المضارب المالين
فهو على ثلاثة أوجه، أما إن قال المضارب في كل من المضاربتين اعمل برأيك أو لم يقل فيهما أو
قال في إحداهما فقط، وعلى كل فإما أن يكون قبل الربح في المالين أو بعده فيهما أو في أحدهما.
ففي الوجه الأول: لا يضمن مطلقا.
وفي الثاني: إن خلط قبل الربح فيهما فلا ضمان أيضا، وإن بعده فيهما ضمن المالين وحصة
رب المال من الربح قبل الخلط، وإن بعد الربح في أحدهما فقط ضمن الذي لا ربح فيه.
وفي الثالث: إما أن يكون قوله اعمل برأيك في الأولى أو يكون في الثانية، وكل على أربعة
أوجه: إما أن يخلطهما قبل الربح فيهما، أو بعده في الأولى فقط، أو بعده في الثانية فقط، أو بعده
فيهما قبل الربح فيهما، أو بعده في الثانية، فإن قال في الأولى لا يضمن الأول ولا الثاني فيما لو خلط
قبل الربح فيهما ا ه‍.
قال في مشتمل الاحكام: وفي فتاوى أبي الليث إذا دفع إلى رجل دراهم مضاربة ولم يقل اعمل في
ذلك برأيك والحال أن معاملة التجار في تلك البلدة يخلطون الأموال وأرباب الأموال لا ينهونهم عن ذلك
وقد غلب التعارف في مثل هذا رجوت أن لا يضمن ويكون الامر محمولا على ما تعارفوا. قوله: (إلا بإذن
أو اعمل برأيك) وفي المقدسي: ومما تفارق المضاربة فيه الوكالة لو قال اعمل برأيك فللمضارب أن
يضارب ويقول للثاني اعمل برأيك ويكون للثاني أن يضارب، بخلاف الوكيل الثاني. ومنها لو رام رد
عبد بعيب فنكل عن اليمين أنه ما رضي به بقي العبد على المضاربة، بخلاف الوكيل. وفي الأشباه: إذا
قال له اعمل برأيك ثم قال له لا تعمل برأيك صح نهيه إلا إذا كان بعد العمل. ا ه‍. قوله: (إذ الشئ
لا يتضمن مثله) هذا إنما يظهر علة لنفي المضاربة لا لنفي الشركة منه والخلط، فالأولى أن يقول: ولا أعلى
منه، لان الشركة والخلط أعلى من المضاربة لأنها شركة في أصل المال.
وأورد على قولهم إذ الشئ لا يتضمن مثله المأذون فإنه يأذن لعبده والمكاتب له أن يكاتب
والمستأجر له أن يؤجر والمستعير له أن يعير ما لم يختلف ف بالاستعمال. وأجيب بأن هؤلاء يتصرفون
بطريق الملكية لا النيابة، والكلام في الثاني. أما المأذون فلان الاذن فك الحجر ثم بعد ذلك يتصرف
العبد بحكم الملكية الأصلية والمكاتب صار حرا يدا والمستأجر والمستعير ملكا المنفعة والمضارب يعمل
بطريق النيابة فلا بد من التنصيص عليه أو التفويض المطلق إليه ط. بزيادة من الكفاية. قوله: (ولا
الاقراض والاستدانة) قال في شرح الأقطع: لا يجوز للمضارب أن يستدين على المضاربة وإن فعل ذلك

424
لم يجز على رب المال، ألا ترى أنه إذا اشترى برأس المال فهلك قبل التسليم يرجع المضارب عليه بمثله،
وإذا كان كذلك فرب المال لم يرض أن يضمن إلا مقدار رأس المال، فلو جوزنا الاستدانة لزمه ضمان
ما لم يرض به وذلك لا يصح، وإذا لم يصح استدامته على رب المال لزمه العين خاصة، وقد قالوا:
ليس للمضارب أن يأخذ سفتجة لان ذلك استدانة وهو لا يملك الاستدانة، وكذا لا يعطى سفتجة
لان ذلك قرض وهو لا يملك القرض، ولو قال له اعمل برأيك انتهى ط. عن الشلبي مختصرا.
وإذا لم تصح الاستدانة لزم الدين خاصة وأطلق الاستدانة فشمل الاستدانة على مال المضاربة والاستدانة
على إصلاح مال المضاربة كالاستئجار على حمله أو على قصارته وهو متطوع في ذلك.
وفي القهستاني عن شرح الطحاوي: صورتها كما إذا اشترى سلعة بثمن دين وليس عنده من
مال المضاربة شئ من جنس ذلك الثمن، فلو كان عنده من جنسه كان شراء على المضاربة ولم يكن من
الاستدانة في شئ، والظاهر أن ما عنده إذا لم يوف فما زاد عليه استدانة، وقدمنا عن البحر: إذا
اشترى بأكثر من المال كانت الزيادة له ولا يضمن بهذا الخلط الحكمين.
وفي البدائع: كما لا تجوز الاستدانة على مال المضاربة لا تجوز على إصلاحه، فلو اشترى بجميع
مالها ثيابا ثم استأجر على حملها أو قصرها أو قتلها كان متطوعا عاقدا لنفسه. ط عن الشلبي، وهذا ما
ذكره المصنف بقوله فلو شرى بمال المضاربة ثوبا الخ فأشار بالتفريع إلى الحكمين. قوله: (أي اعمل
برأيك) أشار إلى أن اسم الإشارة راجع له خاصة لا له وللإذن، فإن بالاذن الصريح يملك ذلك كما
سيقول ما لم ينص عليهما. قوله: (ما لم ينص المالك عليهما) قال في البزازية: وكذا الاخذ بالشفعة لا
يملكه إلا بالنص ويملك البيع الفاسد لا الباطل. نقله في الأشباه. قوله: (وإذا استدان كانت شركة
الخ) أي استدان بالاذن، وما اشترى بينهما نصفان وكذا الدين عليهما، ولا يتغير موجب المضاربة
فربح مالهما على ما شرط قهستاني.
أقول: وشركة الوجوه هي أن يتفقا على الشراء نسيئة وبكون المشتري عليهما أثلاثا أو أنصافا
والربح يتبع هذا الشرط، ولو جعلاه مخالفا ولم يوجد ما ذكر فيظهر لي أن يكون المشتري بالدين للآمر
لو المشتري معينا أو مجهولا جهالة نوع وسمي ثمنه أو جهالة جنس وقد قيل له اشتر ما تختاره وإلا
فللمشتري كما تقدم في الوكالة، لكن ظاهر المتون أنه لرب المال وربحه على حسب الشرط، ويغتفر
في الضمني ما لا يغتفر في الصريح، وقوله كانت شركة أي بمنزلة شركة الوجوه كما في الهداية.
وصورة الاستدانة أن يشتري بالدراهم شيئا أو الدنانير بعدما اشترى برأس المال سلعة أو يشتري
بمكيل أو موزون ورأس المال في يده دراهم أو دنانير، لأنه اشترى بغير رأس المال فكان استدانة،
بخلاف ما لو اشترى بدنانير ورأس المال في يده دراهم أو بدراهم ورأس المال في يده دنانير، لان
الدراهم والدنانير جنس في الثمنية فلا يكون هذا اشتراء بدين. كذا في شرح الوافي. واستفيد مما
ذكره الشارح أن شركة الوجوه لا يلزم فيها الخلو عن المال أصلا بل أن يشتريا بالنسيئة سواء كان مع
ذلك شراء بمال كما هنا أو بالنسيئة فقط. قوله: (وحينئذ) أي حين لا يملك القرض والاستدانة،
وكان الأولى تقديمه. على. قوله: (ما لم ينص عليهما). قوله: (فلو اشترى) تفريع على عدم جواز

425
الاستدانة كما ذكرنا. قوله: (أو حمل متاع المضاربة) أي أعطى أجرة الحمال من عند نفسه لا بمالها.
كذا في أخي جلبي. قوله: (بماله) متعلق بكل من قصر وحمل. قوله: (وقد قيل له ذلك) أي اعمل
برأيك. منح. قوله: (فهو متطوع) أي بما زاد فليس له حصته من الثمن. قوله: (لأنه لا يملك
الاستدانة بهذه المقالة) وهي اعمل برأيك.
قلت: والمراد بالاستدانة نحو ما قدمناه عن القهستاني: فهذا يملكه إذا نص، أما لو استدان
نقودا فالظاهر أنه لا يصح لأنه توكيل بالاستقراض وهو باطل كما مر في الوكالة.
وفي الخانية من فصل شركة العنان: ولا يملك الاستدانة على صاحبه ويرجع المقرض عليه لا
على صاحبه، لان التوكيل بالاستدانة توكيل بالاستقراض وهو باطل لأنه توكيل بالتكدي، إلا أن يقول
الوكيل للمقرض إن فلانا يستقرض منك كذا فحينئذ يكون على الموكل لا الوكيل انتهى أي لأنه
رسالة لا وكالة كما قدمناه في باب الوكالة، والظاهر أن المضاربة كذلك كما قلنا فليراجع. قوله:
(فشريك بما زاد الصبغ) أي والنشاء. والأولى أن يقول فشريك بقدر قيمة الصبغ، حتى لو بيع ينقسم
الثمن على قيمة الصبغ والثوب الأبيض كما يأتي قريبا. قوله: (كالخلط) أي يصير شريكا به أيضا، فلا
يضمن به لما سلف أنه يملك الخلط بالتعميم، وفي بعض النسخ. قوله: (بالخلط) أي بسبب خلط ماله
وهو الصبغ أو النشاء بمال المضاربة وكلاهما صحيح. قوله: (وكان له حصة قيمة صبغه الخ) أي إذا
بيع الثياب كان حصة قيمة الصبغ في الثوب للمضارب وحصة الثوب الأبيض في مال المضارب، قاله
أبو الطيب: أي فلو كان الثوب على تقدير أنه أبيض يساوي خمسة، وعلى تقدير كونه أحمر يساوي ستة
كان له سدس الثمن وخمسة الأسداس للمضاربة رأس المال لصاحبه والربح بينهما على ما شرطا. قوله:
(في مالها) أي مال المضاربة فيجريان فيه على ما اشترطا في الربح. قوله: (بل غاصبا) فيخرج مال
المضاربة عن أن يكون أمانة فيضمن ويكون الربح له على ما مر، وسيأتي في كتاب الغصب أنه إذا
غصب ثوبا فصبغه فالمالك بالخيار، إن شاء ضمنه الثوب أبيض أو أخذ الثوب وأعطاه قيمة الصبغ.
قوله: (نقص عند الامام) وعندهما كالأحمر وهو المفتى به، وقد مر أنه اختلاف زمان لا برهان، وفي
زماننا لا يعد نقصا بل هو من أحسن الألوان فيدخل في اعمل برأيك سائر الألوان كالحمرة. قوله:
(ولا يملك أيضا تجاوز بلد) أشار به إلى أنه لو عين سوقا من بلد لم يصح التعيين، لان البلد مع تباين
أطرافه كبقعة واحدة، إلا إذا صرح بنهي سوق منه أو قال لا تعمل بغير هذا السوق منه فحينئذ
يصح كما في الهداية ويأتي قريبا. ثم مجموع صور قيدت المضاربة فيها بالمكان ثمانية: ستة منها يفيد
التقييد فيها، واثنتان لا، فالذي يفيد ستة وهي دفعت المال إليك مضاربة بكذا في الكوفة أو على أن
تعمل به فيها أو لتعمل به فيها أو تعمل به رفعا أو خذه تعمل به فيها جزما أو فاعمل به فيها، واللذان
لا يفيدان وهما دفعت إليك مضاربة اعمل به فيها أو واعمل به. والأصل أنه متى عقب بما لا يبتدأ به
ويمكن بناؤه على ما قبله يجعل مبنيا عليه كما في الألفاظ الستة، وإن صح الابتداء به لا يبنى على ما

426
قبله ويجعل مبتدأ ومستقلا كما في اللفظين الأخيرين، وحينئذ تكون الزيادة شورى وكان له أن يعمل
بالكوفة وغيرها كما في الهندية عن الكافي.
واعترض عليه أن صورة تعمل به الرفع بالرفع ينبغي أن تكون مما لا يفيد التخصيص. لان تعمل كما
يحتمل أن يكون حالا يحتمل أن يكون استئنافا. وأجيب عنه في الشروح بأجوبة أحسنها أن قوله
اعمل بدون الواو استئناف قطعا، وبالواو استئناف أو عطف لا يحتمل الحال، لان الانشاء لا يقع
حالا صرح به في محله والسوق يقتضي كون تعمل به حالا وهو المتبادر فيحمل عليه. قوله: (أو
سلعة) بأن قال له خذ هذا المال مضاربة على أن تشتري به الطعام مثلا أو الرقيق كما في المحيط.
قوله: (أو وقت) بأن وقت للمضاربة وقتا بعينه بأن قال له اعمل بالصيف أو الخريف أو الليل كما
في القهستاني.
ويمكن أن المراد بالوقت أيضا توقيتها بمدة سنة مثلا حتى يبطل العقد بمضيه كما في الهندية عن
الكافي. قوله: (أو شخص عينه المالك) بأن قال على أن يشتري به من فلان ويبيع منه صح التقييد،
وليس أن يشتري ويبيع من غيره كما في الهندية عن الكافي، لأنه لم يملك التصرف إلا بتفويضه فيتقيد
بما فوض إليه، وهذا التقييد مفيد لان التجارات تختلف باختلاف الأمكنة والأمتعة والأوقات
والأشخاص، وكذا ليس له أن يدفعه مضاربة (1) إلى من يخرجه من تلك البلدة لأنه لا يمكن أن
يتصرف بنفسه في غير هذا البلد فلا يمكن أن يستعين بغير أيضا. درر.
قال مسكين: لا يتجاوز عما عينه من هذه الأشياء كما لا يتعدى أحد الشريكين في الشركة
المقيدة مع شئ فيها، والمراد بالشخص شخص معين، لأنه لو قال على أن تشتري من أهل الكوفة أو
قال على أن تعمل في الصرف وتشتري في الصيارفة وتبيع منهم فباع في الكوفة من رجل ليس من
أهل الكوفة أو من غير الصيارفة جاز. ا ه‍. فقول على أن تشتري من أهل الكوفة الخ كذا لو قال خذ
هذا المال تعمل به في الكوفة لأنه تفسير له أو قال فاعمل به في الكوفة لان الفاء للوصل، أو قال
خذه بالنصف بالكوفة لان الباء للالصاق، أو قال خذه مضاربة بالنصف في الكوفة لان في للظرف
وإنما يكون ظرفا فإذا حصل الفعل فيه أو قال على أن تعمل بالكوفة لان على للشرط فيتقيد به،
بخلاف ما لو قال خذ هذا المال واعمل به في الكوفة حيث كان له أن يعمل فيها وفي غيرها لان
الواو للعطف فيصير بمنزلة المشورة. زيلعي.
أقول: وهذا معنى التخصص، وقوله جاز لان المقصود من هذا الكلام التقييد بالمكان أو بالنوع،
حتى لا يجوز له أن يخرج من الكوفة في الأول ويبيع فيها من أهلها أو من غير أهلها، ولا يجوز له أن
يعمل في غير الصرف في الثاني ويشتري ويبيع من الصيارفة وغيرهم، لان التقييد بالمكان والنوع
مفيد، ولا يفيد التقييد بأهل الكوفة والصيارفة، لان كل واحد منهما جمع كثير لا يمكن إحصاؤه.
زيلعي قوله: (لان المضاربة تقبل التقييد المفيد) أي كما في الشركة. بحر. فأفاد أن الشركة تكون
بالأولى في قبول التقييد المفيد.
وفي الذخيرة: لو نهاه عن التصرف والمال عرض فباعه بعرض آخر لا يعمل نهيه، فلو باع
بالدراهم يعمل النهي. ا ه‍.



(1) قوله: (مضاربة) في نسخة (بضاعة) كذا بهامش الأصل.
427
قال وفي الهندية: الأصل أن رب المال متى شرط على المضارب شرطا في المضاربة، إن كان
شرطا لرب المال فيه فائدة فإنه يصح ويجب على المضارب مراعاته والوفاء به، وإذا لم يف به صار مخالفا
وعاملا بغير أمره، وإن كان شرطا لا فائدة فيه لرب المال فإنه لا يصح ويجعل كالمسكوت عنه، كذا في
المحيط. قوله: (ولو بعد العقد) قبل التصرف في رأس المال أو بعد التصرف ثم صار المال ناضا فإنه
يصح تخصيصه لأنه يملك عزله فيملك تخصيصه والنهي عن السفر يجري على هذا كما في المنح. قوله:
(ما لم يضر المال عرضا الخ) قيل لعل العلة في ذلك ظهور كون ما اشترى من البضاعة يروج كمال
الرواج في بلدة كذا، فإذا ظهر له ذلك فالمصلحة حينئذ في السفر إلى تلك البلدة ليكون الربح أوفر
ا ه‍.
قال في الفتاوى الظهيرية: والأصح أن نهيه عن السفر عامل على الاطلاق ا ه‍. قوله: (لا يملك
عزله) ولا نهيه منح. قوله: (فلا يملك تخصيصه) قدمنا قريبا عن الزيلعي معنى التخصيص. قوله:
(كنهيه عن بيع الحال) يعني ثم باعه بالحال بسعر ما يباع بالمؤجل كما في العيني.
وقد يكون في بيع المؤجل ربح وفائدة. منها: أنه يباع بربح أكثر من الحال عادة ولذا قدم في
الوكالة أنه لو أمره بالنسيئة فباع بالنقد جاز إن عين له الثمن، أفاد أنه عند عدم تعيين الثمن لا يجوز
لان النسيئة يكون الثمن أزيد.
قال في الهندية: ولو أمره أن يبيع بالنسيئة ولا يبيع بالنقد فباع بالنقد فهو جائز. قالوا: وهذا إذا
باعه بالنقد بمثل قيمته أو أكثر أو بمثل ما سمي له من الثمن، فإن كان بدون ذلك فهو مخالف. كذا
في المبسوط. لو قال لا تبعه بأكثر من ألف فباع بأكثر جاز لأنه خير لصاحبه كذا في الحاوي ا ه‍.
وقدمناه قريبا.
أقول: لكن هذا القيد لا يظهر على ما في الشرح من عدم اعتباره أصلا، ومقتضاه الاطلاق،
نعم ذكروا ذلك في تقييد الوكيل كما سمعت وهو مفيد هناك، فيلزم أن لا يبيع بدون الثمن الذي عينه
له وهو ثمن النسيئة، فإن باع نقدا بثمنها صح إذ لا يبقى بعده إلا التقييد بالنسيئة وهو غير مفيد
بانفراده قطعا. تأمل. قوله: (فإن صرح بالنهي) مثل لا تبع في سوق كذا. قوله: (صح وإلا لا) وهذا
بخلاف ما إذا قال على أن تشتري في سوق الكوفة حيث لا يصح التقييد إلى آخر ما قدمناه. قوله:
(فإن فعل) أي تجاوز، بأن خرج إلى غير ذلك البلد فاشترى سلعة غير ما عينه أو في وقت غير ما عينه
أو بايع أو اشترى مع غير من عينه. قوله: (ضمن بالمخالفة) وهل يضمن بنفس الاخراج؟ الصحيح
نعم، لكن بالشراء يتقرر الضمان لزوال احتمال الرد إلى البلد الذي عينه كما في الهداية. قوله: وكان
ذلك الشراء له وله ربحه وعليه خسرانه لأنه تصرف في مال غيره بغير أمره درر: أي لأنه فضولي
فيه فينفذ عليه حيث أمكن تنفيذه، أما لو باع مال المضاربة مخالفا لرب المال كان بيعه موقوفا على
إجارته كما هو عقد الفضولي. قال الاتقاني. ولكن يتصدق بالربح عندهما. وعند أبي يوسف: يطيب

428
له أصله المودع إذا تصرف فيها وربح. قوله: (ولو لم ينصرف فيه) أشار إلى أن أصل الضمان واجب
بنفس المخالفة لكنه غير قادر إلا بالشراء فإنه على عرضية الزوال بالوفاق. وفي رواية الجامع أنه لا
يضمن إلا إذا اشترى، والأول هو الصحيح كما في الهداية قهستاني
قلت: والظاهر أن ثمرته فيما لو هلك بعد الاخراج قبل الشراء يضمن على الأول لا على الثاني.
قوله: (عادت المضاربة) أي لو تجاوز بلدا عينها رب المال أو هم بشراء سلعة غير التي عينها أو في
وقت أو مع شخص كذلك ثم عاد للوفاق، بأن رجع للبلد واشترى السلعة التي عينها وانتظر الوقت
وعامل مع ذلك الشخص صح تصرفه لعدم المخالفة، ففي قوله (عادت المضاربة) تسامح، لان العود لا
يكون بعد الانصراف والانصراف عن المضاربة يفسخها ولم يوجد ما يقتضيه، ولم فسخت لم تعد لان
المفسوخ لا يعود جائزا بدون عقد جديد. كذا أفاده الرحمتي.
وقد يقال: المراد بالعود الابراء عن الضمان لأنه أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق ورجع مع مال
المضاربة على حاله، لان المال باقي في يده بالعقد السابق كما في المنح، وهو يفيد أنه لا يتصور العود
إذا خالف في سلعة عينها أو في شخص عينه. نعم يظهر في مخالفته في المكان. تأمل.
وحاصل المعنى: أنه إذا عين له بلدا فتجاوز إلى أخرى خرج المال عن المضاربة خروجا موقوفا
على شرف الزوال، فإن رجع إلى ما عينه رب المال زال الضمان ورجع إلى الوفاق وبقيت المضاربة على
حالها كالمودع إذا خالف في الوديعة ثم ترك فإذا حمل على هذا فلا إشكال. تأمل. قوله: (وكذا لو
عاد) أي إلى الوفاق في البعض: أي بعض المال بعد المخالفة في البعض الآخر، فإن ما اشتراه مع
المخالفة وقع لنفسه، وما بقي لم تحصل به المخالفة، فإذا عاد إلى الوفاق صح تصرفه فيه، لان ذلك إذا
كان حكم كل المال كان حكم جزئه اعتبارا للجزء بالكل، وحكم ما باعه مع المخالفة حيث إنه عقد
فضولي والفضولي يملك الفسخ قبل إجازة المالك كما تقدم، فلو عاد فيه إلى الوفاق صح تصرفه فيه
لان الفسخ بعدم البيع.
قال الاتقاني: فإن اشترى ببعضه في غير الكوفة ثم بما بقي في الكوفة فهو مخالف في الأول،
وما اشتراه بالكوفة فهو على المضاربة، لان دليل الخلاف وجد في بعضه دون بعضه انتهى. قوله: (ولا
يملك تزويج قن من مالها) أي لا يملك المضارب تزويج عبد أو أمة من مال المضاربة كالشريك عنانا
أو مفاوضة كما في البحر. وعن أبي يوسف أن للمضارب تزويج الأمة لأنه من الاكتساب لأنه يصل
إلى المهر وإلى سقوط نفقتها، بخلاف تزويج العبد فإن فيه إشغال رقبته في الدين واستحقاق بيعه به.
ولهما: أنه ليس من باب التجارة فلا يدخل تحت الاطلاق، لان لفظ المضاربة يدل على تحصيل المال
بطريق التجارة لا بأي طريق كان، ألا ترى أنه ليس له أن يكاتب ولا يعتق على مال وإن كان بأضعاف
قيمته، على أن في تزويج الأمة خطرا وهو الحمل وعدم الخلاص منه كما في المنبع، بخلاف المكاتب
حيث يجوز له أن يزوج الأمة دون العبد لان الكتابة تقتضي الاكتساب دون التجارة، ولهذا كان له أن
يكاتب فيملك تزويج الأمة أيضا، ونظيرها الأب والوصي حيث يملكان تزويج الأمة والمكاتبة دون
تزويج العبد، لان تصرفهما مقيد بالنظر للصغير، فمهما كان فيه نظر للصغير فعلاه وما لا فلا. ذكره

429
الزيلعي. قال القهستاني: وفيه إشارة إلى أنه لا يحل للمضارب وطئ جارية المضاربة ربح أو لا وأذن به
أو لا كما في المضمرات انتهى. قوله: (بقرابة) كابنه وأبيه لكونه مخالفا للمقصود. قوله: (أو يمين)
بأن قال إن ملكته فهو حر، لان المضاربة إذن بتصرف يحصل به الربح، وهذا إنما يكون بشراء ما
يمكن بيعه وهذا ليس كذلك. درر ونظير المضاربة الشريك شركة عنان أو مفاوضة حتى كان تزويجه
الأمة على الخلاف. زيلعي. قوله: (فإنه يملك ذلك) لان التوكيل مطلق فيجري على إطلاقه.
قال الشمني: والفرق بينه وبين المضارب حيث يصح شراء الوكيل لمن يعتق على الموكل ولا
يصير به مخالفا، إذ الوكالة في الوكيل بالشراء مطلقة فتجري على إطلاقها، وفي المضاربة مقيدة بما
يظهر فيه الربح بالبيع، فإذا اشترى ما لا يقدر على بيعه خالف انتهى.
وكذا لو وجد في الوكالة أيضا ما يدل على التقييد بأن قال اشتر لي عبدا أبيعه أو جارية أطؤها
كان الحكم كذلك كما ذكره المصنف بقوله: (عند عدم القرينة) فلو اشترى من يعتق على رب المال صار
مشتريا لنفسه ويضمن لأنه نقد الثمن من مال المضاربة. وعند مالك لو كان عالما موسرا ضمن، وإلا
فلا. كذا ذكره العيني، ومقتضاه الضمان عندنا مطلقا موسرا أو لا. قوله: (ولا من يعتق عليه) لأنه
يعتق نصيبه ويفسد بسببه نصيب رب المال أو يعتق على الخلاف بين الامام وصاحبيه. قوله: (إذا كان
في المال ربح هو هنا الخ) قال الزيلعي: والمراد من ظهور الربح المذكور أن تكون قيمة العبد المشتري
أكثر من رأس المال، سواء كان في جملة مال المضاربة ربح أو لم يكن، لأنه إذا كان قيمة العبد مثل
رأس المال أو أقل لا يظهر ملك المضارب فيه بل يجعل مشغولا برأس المال، حتى إذا كان رأس المال
ألفا وصار عشرة آلاف ثم اشترى المضارب من يعتق عليه وقيمته ألف أو أقل لا يعتق عليه، وكذا كان
له ثلاثة أولاد أو أكثر وقيمة كل واحد ألف أو أقل فاشتراهم لا يعتق شئ منهم، لان كل واحد
مشغول برأس المال ولا يملك المضارب منهم شيئا حتى يزيد قيمة كل عين على رأس المال على حدة من
غير ضمنه إلى آخر. ا ه‍. لأنه يحتمل أن يهلك منهم اثنان فيتعين الباقي لرأس المال ولعدم الأولوية.
وقال في المنح: والمراد من الربح هنا أن تكون قيمة العبد المشتري أكثر من رأس المال، سواء
كان في جملة مال المضاربة ربح أو لم يكن، حتى لو كان المال ألفا فاشترى بها المضارب عبدين قيمة كل
واحد منهما ألف فأعتقهما المضارب لا يصح عتقه، وأما بالنسبة إلى استحقاق المضارب فإنه يظهر في
الجملة ربح، حتى لو أعتقهما رب المال في هذه الصورة صح وضمن نصيب المضارب منهما وهو
خمسمائة موسرا كان أو معسرا. كذا في الفتاوى الظهيرية. ا ه‍. وإن لم يظهر ربح بالمعنى المذكور جاز
شراؤه لعدم ملكه. بحر. قوله: (كما بسطه العيني) عبارته هي عين التي نقلناها عن الزيلعي في
المقولة السابقة. قوله: (وقع الشراء لنفسه) لأن الشراء متى وجد نفاذا على المشتري ينفذ عليه. ا ه‍. منح
وضمن في الصورتين.
ففي الوجه الأول: يضمن جميع الثمن إذا دفع من مال المضاربة إذ ليس له فيه من نصيب لعدم

430
ظهور الربح فيه، بخلاف الوجه الثاني حيث يسقط عنه من ثمنه بحسب ما يخصه فيما يظهر فيه من
الربح، هذا ما ظهر لي وكأنهم تركوا التنبيه عليه لظهوره ا ه‍. أبو السعود. قوله: (وإن لم يكن ربح) أي
في الصورة الثانية وهي ما إذا اشترى المضارب من يعتق عليه. قوله: (كما ذكرنا) أي من كون قيمته
أكثر من رأس المال. قوله: (صح للمضاربة) لعدم المفسد لأنه لا يعتق عليه شئ، إذ لا ملك له فيه
لكونه مشغولا برأس المال فيمكنه أن يبيعه للمضاربة فيجوز. قوله: (فإن ظهر الربح) أي في صورة ما
إذا اشترى المضارب من يعتق عليه ولم يكن فيه ربح ظاهر، لان قيمته لا تزيد على رأس المال ثم غلا
سعره أو زادت أوصافه حتى غلت قيمته. قوله: (لعتقه لا بصنعه) لأنه إنما أعتق عند الملك لا بصنع
منه بل بسبب زيادة قيمته بلا اختيار فصار كما لو ورثه مع غيره بأن اشترت امرأة ابن زوجها ثم ماتت
وتركت هذا الزوج وأخا عتق نصيب الزوج، ولا يضمن شيئا لأخيها لعدم الصنع منه: درر.
تتمة: شرى نصفه بمال المضاربة ولا فضل فيه ونصفه بماله صح، لان هذا النصف لا ربح فيه
فلم يثبت العتق فيه، وإنما دخل العتق فيه حكما لما اشتراه لنفسه فلم يصر مخالفا. زيلعي عن الكافي.
قوله: (وسعى العبد المعتق الخ) قال في الجوهرة: وولاؤه بينهما على قدر الملك عند أبي حنيفة،
وعندهما عتق كله وسعى في رأس المال وحصة رب المال من الربح. ا ه‍. وإنما سعى العبد لأنه
احتسبت مالية العبد عند العبد فيسعى فيه. عناية. قوله: (من يعتق على الصغير) ومثله المعتوه.
حموي. قوله: (إذ لا نظر فيه للصغير) أي في شراء الأب والوصي وهي علة قاصرة، والعلة في
الشريك هي المذكورة في المضارب من قصد الاسترباح ط. وأما الشريك فلان الشركة تتضمن الوكالة
والوكيل لا يشتري من يعتق على الموكل عند القرينة كما مر آنفا والشركة قرينة قصد الربح كالمضاربة.
قوله: (وإلا) بأن كان مستغرقا. قوله: (لا) أي لا يعتق ما اشتراه من قريب المولى عند الامام. قوله:
(خلافا لهما) وهذا الخلاف مبني على أن المولى هل يملك أكساب عبده المأذون المستغرق بالدين أو لا؟
فعنده لا يملك، وعندهما يملك: أي فيعتق وإن كان المديون مستغرقا بالدين لماله ورقبته، لان السيد
يملك ما في يده وإن أحاط الدين بذلك، وحينئذ يملك السيد قيمة العبد المعتق لغرماء المديون
عندهما، وعند الكل إذا لم يكن مستغرقا. قوله: (زيلعي) قال: وإن كان فيه دين محيط برقبته وكسبه لا
يعتق عنده، وعندهما يعتق بناء على أنه هل يدخل في ملك الولي أم لا ا ه‍. قوله: (بالنصف) متعلق
بمضارب. قوله: (اشترى أمة) أي قيمتها ألف. قوله: (فولدت) أي ووطئها المضارب فولدت. قوله:
(ولدا مساويا له) أي الولد وحده مساويا للألف، فلو كانت قيمة الولد أكثر من الألف نفذت دعوته
في الحال لظهور الربح فيه. قوله: (فادعاه موسرا) لأنه ضمان عتق.
قال منلا مسكين: واعلم أنه قوله موسرا ليس بقيد لازم، بل ذكره لأنه لما لم يضمن في

431
الولد مع أنه موسر فلان لا يضمن إذا كان معسرا أولى ا ه‍. أي إنما قيد به لنفي الشبهة، وهي أن
الضمان بسبب دعوة المضارب وهو الاعتاق فيختلف باليسار والاعسار، فكان الواجب أن يضمن
المضارب إذا كان موسرا ومع ذلك لا يضمن، لان نفوذ العتق معنى حكمي لا صنع للمضارب فيه فلا
يجب عليه الضمان لعدم التعدي، إذ لا يجب ضمان العتق إلا بالتعدي. كما في أخي جلبي.
والحاصل: أنه لا يضمن لا موسرا ولا معسرا، وإنما قيد به ليعلم أن الموسر لا يضمن بالطريق
الأولى. قوله: (كما ذكرنا) أي في قوله (مساويا له) فالكاف بمعنى مثل خبر صار وألفا بدل منه أو
ألفا هو الخبر والجار والمجرور قبله حال منه. قوله: (نفذت دعوته) بخلاف ما لو أعتقه فزادت قيمته
لأنه إنشاء والدعوة إخبار فتتوقف على ظهور الربح.
فإن قلت: قد ظهر الربح بظهور الولد. قلنا: هذا قول زفر. وأما المذهب فلا يظهر الربح إذا
كان رأس المال أجناسا مختلفة كلها منها قدر رأس المال. قال الشيخ أبو الطيب: وإنما لم تنفذ دعوته إلا
بعد صيرورة قيمته ألفا ونصفه، إذ كل واحد منهما رأس المال فلا يظهر الربح، لما عرف أن مال
المضاربة إذا صار أجناسا مختلفة كل واحد منها لا يزيد على رأس المال لا يظهر الربح عندنا، خلافا
لزفر، لان بعضها ليس بأولى من البعض، فإذا كان كذلك لم يكن للمضارب نصيب في الأمة ولا في
الولد، وإنما الثابت له مجرد حق التصرف فلا تنفذ دعوته، فإذا زادت قيمة الغلام وصارت ألفا
وخمسمائة ظهر فيه في ذلك الوقت فملك المضارب منه نصف الزيادة فنفذت دعوته السابقة فيه لوجود
شرطها وهو الملك. ا ه‍. قوله: (فعتق) قال في التبيين: فإذا نفذت دعوته صار الغلام ابنا له وعتق بقدر
نصيبه منه وهو ربعه ومن يضمن المضارب حصة رب المال من الولد لان العتق ثبت بالملك والنسب،
فصارت العلة ذات وجهين والملك آخرهما وجودا فيضاف الحكم وهو العتق إليه، لان الحكم يضاف
إلى الوصف الأخير، أصله وضع القفة على السفينة والقدح الأخير ولا صنع للمضارب في الملك فلا
يجب عليه الضمان لدعم التعدي إذ لا يجب ضمان العتق إلا بالتعدي. ا ه‍. مختصرا.
قال صاحب الكافي: سفينة لا تحمل إلا مائة من فأوقع فيها رجل منا زائدا على المائة فغرقت
كان الضمان كله عليه ا ه‍. والقدح الأخير المسكر هو المحرم: أي على قول الإمام دون ما قبله، وإن
كان المفتى به قول محمد أن ما أسكر كثيره فقليله حرام ط. قوله: (سعى) حيث زاد الشارح نفذت
يحتاج إلى واو العطف هنا بأن يقول وسعى عطفا على جواب المسألة التي زادها الشارح. قوله: (في
الألف وربعه) أي سعى الولد لرب المال في الألف وربعه وهو مائتان وخمسون لان الألف مستحق له
برأس المال ومائتان وخمسون نصيبه من الربح، فإذا قبض منه ألف درهم صار مستوفيا لرأس ماله
وظهر أن الام كلها ربح لفراغها عن رأس المال فكانت بينهما نصفين ونفذ فيها دعوة المضاربة وصارت
كلها أم ولد له، ويجب نصف قيمتها لرب المال موسرا كان أو معسرا لأنه ضمان التملك، وهو لا
يختلف باليسار والاعسار ولا يتوقف على التعدي، بخلاف ضمان الاعتاق فإنه ضمان الافساد فلا يجب
عليه بغير تعد ولا على معسر. عيني.
فإن قيل: لم لم يجعل المقبوض من الولد من الربح وهو ممكن بأن يجعل الولد كله ربحا والجارية

432
مشغولة برأس المال على حالها؟ قلنا: المقبوض من جنس رأس المال فكان أولى بجعله رأس المال ولأن
رأس المال مقدم على الربح، إذ لا يسلم له شئ من الربح إلا بعد سلامة رأس المال لرب المال، فكان
جعله به أولى بعد وصوله إلى يده. ا ه‍. تبيين. قوله: (أو أعتقه إن شاء) أي رب المال لكونه قابلا
للعتق، فإن المستسعى كالمكاتب، عناية. فيكون لرب المال الخيار إن شاء استسعى الغلام في ألف
ومائتين وخمسين وإن شاء أعتقه. قوله: (بعد قبضه ألفه من الولد) أي ولو حكما كما لو أعتقه، فإن
بإعتاقه يصير قابضا حكما، إنما شرط قبض رب المال الألف من الغلام حتى تصير الجارية أم ولد
للمضارب لأنها مشغولة برأس المال، فإذا قبضه من الغلام فرغت عن رأس المال وصارت كلها ربحا
فظهر فيها ملك المضارب فصارت أم ولد له. زيلعي. قوله: (تضمين المدعي) وهو المضارب. قوله:
(لأنه ضمان تملك) وهو لا يختلف باليسار والاعسار ولا يتوقف على التعدي زيلعي، بخلاف ضمان
الولد لأنه ضمان عتق وهو يعتمد التعدي ولم يوجد. قوله: (لظهور) أي وقوع نفوذ دعوته صحيحة
ظاهرا فيها بظهور ملكه فيها. قوله: (ويحمل على أنه تزوجها الخ) بأن يحمل أن البائع زوجها منه ثم
باعها منه وهي حبلى حملا لامره على الصلاح، لكن لا تنفذ هذه الدعوى لعدم الملك وهو شرط فيها،
إذ كل واحد من الجارية وولدها مشغول برأس المال فلا يظهر الربح فيه، لما عرف أن مال المضاربة إذا
صار أجناسا مختلفة كل واحد منها لا يزيد على رأس المال لا يظهر الربح عندنا، لان بعضها ليس بأولى
به من البعض، فحينئذ لم يكن للمضارب نصيب في الأمة ولا في الولد، وإنما الثابت له مجرد حق
التصرف فلا تنفذ دعوته، فإذا زادت قيمته وصارت ألفا وخمسمائة ظهر الربح وملك المضارب منه
نصف الزيادة فنفذت دعوته السابقة لوجود شرطها وهو الملك فسار ابنه وعتق بقدر نصيبه منه وهو
سدسه، ولم يضمن حصة رب المال من الولد، لان العتق ثبت بالملك والنسب فصارت العلة ذات
وجهين والملك آخرهما وجودا فيضاف العتق إليه ولا صنع له في الملك فلا ضمان لعدم التعدي، فإذا
اختار الاستسعاء استسعاه في ألف رأس ماله وفي سدسه نصيبه من الربح، فإذا قبض الألف صار
مستوفيا لرأس ماله وظهر أن الام كلها ربح بينهما نصفين ونفذ فيها دعوة المضارب وصارت كلها أم
ولد له، لان الاستيلاد إذا صادف محلا يحتمل النقل لا يتجزأ إجماعا ويجب نصف قيمتها لرب المال.
هذا حاصل ما تقدم في هذه المسألة. قوله: (منه) تنازع فيه كل من تزوجها واشتراها. قوله: (وضمن
للمالك ألفا الخ) لأنها لما زادت قيمتها ظهر فيها الربح وملك المضارب بعد الربح فنفذت دعوته فيها،
ويجب عليه لرب المال رأس ماله وهو ألف، ويجب عليه أيضا نصيبه من الربح وهو مائتان وخمسون،
فإذا وصل إليه ألف درهم استوفى رأس المال وصار الولد كله ربحا فيملك المضارب منه نصفه فيعتق
عليه، وما لم يصل الألف إليه فالولد رقيق على حاله على نحو ما ذكرنا في الام، وبهذا علم أنها مسألة
مستقلة موضوعها أنه لم يقبض الألف من الغلام، فتدبر. وقوله: (ولو موسرا) كذا وقع في البحر.
والذي يستفاد من كلامهم أن الضمان عليه مطلقا، لأنه ضمان تملك فصار ذلك الضمان ببدل،
والضمان إذا كان ببدل يستوي فيه اليسار والاعسار، ويدل عليه قول المؤلف فلا سعاية عليها لأنه لا
يضيع على المالك حقه، وما لم يصل إلى رب المال رأس ماله فالولد رقيق، ولذلك أطلقه العيني،

433
وحينئذ. فقوله: (لو موسرا) لا مفهوم له، لأنه لو كان معسرا فكذلك وتقدم أيضا ما يفيده. قوله:
(وتمامه في البحر) قال فيه: ولو لم تزد قيمة الولد على ألف وزادت قيمة الام حتى صارت ألفا
وخمسمائة صارت الجارية أم ولد للمضارب ويضمن لرب المال ألفا ومائتين وخمسين إن كان موسرا،
وإن كان معسرا فلا سعاية عليها لان أم الولد لا تسعى، وما لم يصل إلى رب المال رأس ماله فالولد
رقيق ثم يأخذ منه مائتين وخمسين على أنه نصيبه من الربح، ولو زادت قيمتها عتق الولد وصارت
الجارية أم ولد له لان الربح ظهر في كل واحد منهما ويأخذ رأس المال من المضارب لا ما وجب
عليه (1) أيسر المالين لأنه معجل وهو موسر والسعاية مؤجلة والعبد معسر، ويأخذ منه أيضا ما بقي من
نصيبه من الربح ويضمن أيضا نصف عقرها، لأنه لما استوفى رأس المال ظهر أنه ربح لان عقر مال
المضاربة يكون للمضاربة، ويسعى الغلام في نصيب ب رب المال ويسقط عنه نصيب المضارب ا ه‍. مع
إصلاح من عبارة الزيلعي. أما قوله ويضمن الخ تقدم أنه يحمل على الاستيلاد بالنكاح فكيف يجب
العقر. كذا بحظ الحلبي نقلا عن قارئ الهداية. والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.
باب المضارب يضارب
يصح في باب التنوين وعدمه على أنه مضاف للمضارب، وجملة يضارب حال من المضارب أو
صفة، لان المضارب بمنزلة النكرة إذ الألف واللام فيه للجنس، وهذا على جعلهما متضايفين، أما على
التنوين فالظاهر أن جملة يضارب خبر المضارب. والمعنى أن المضارب تقع منه المضاربة. ويرد على
الحالية أن الحال لا يجئ من المضاف إلا في صور ثلاث وليس هذا منها. ويرد على القطع أن المضارب
ممنوع منها إلا بإذن والباب معقود للمضارب خاصة. فتأمل ط. بزازية. قوله: (لما قدم المفردة شرع
في المركبة) لان المركب يتلو المفرد طبعا فكذا وضعا حموي.
ورده قاضي زاده بأنه مضاربة المضارب وإن كانت بعد مضاربة رب المال إلا أنها مفردة أيضا غير
مركبة من المضاربتين، ألا يرى أن الثاني يتلو الأول ولكنه ليس بمركب من الأول ومن نفسه قطعا،
وإنما المركب منهما الاثنان. واستوجه في المناسبة ما في النهاية ومعراج الدراية حيث قالا: لما ذكر
حكم المضاربة الأولى ذكر في هذا الباب حكم المضاربة الثانية، إذ الثانية تلو الأولى أبدا فكذا بيان
حكمها. ا ه‍ ط. قوله: (بلا إذن) أي أو تفويض بأن لم يقل له رب المال اعمل برأيك، لأنه إذا قال له
ذلك يملك أن يضارب حينئذ ا ه‍. شلبي: أي لان المضارب لا يملك أن يضارب إلا بإذن رب المال.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية عن الامام وهو قولهما. وفي رواية الحسن عنه: لم يضمن ما لم
يربح لأنه يملك الابضاع فلا يضمن بالعمل ما لم يربح، فإذا ربح فقد ثبت له شركة في المال فيصير
كخلط مالها بغيره فيجب الضمان.



(1) قوله: (لا ما وجب عليه الخ) كذا بالأصل وليحرر ا ه‍.
434
وجه ظاهر الرواية: أن الربح إنما يحصل بالعمل فيقام سبب حصول الربح مقام حقيقة حصوله
في صيرورة المال مضمونا به، وهذا إذا كانت المضاربة الثانية صحيحة، فإذا كانت فاسدة لا يضمن
الأول وإن عمل الثاني لأنه أجير فيه والأجير لا يستحق شيئا من الربح فلا تثبت الشركة له، بل له
أجر مثله على المضارب الأول وللأول ما شرط له من الربح ا ه‍. منح. قوله: (فإذا عمل تبين أنه
مضاربة فيضمن) لأنه حصل العمل في المال على وجه لم يرض به المالك فتحقق الخلاف فوجب
الضمان، فجعل الامر مراعي: أي موقوفا قبل العمل حتى إذا عمل الثاني وجب الضمان، وإلا فلا
ط.
فإن قلت: إنه بالعمل مستبضع ولا تظهر المخالفة إلا بظهور الربح، يجاب بأنه لم يعمل مجانا
حتى يكون مستبضعا بل عمل على طمع الاجر وهو ما شرط له من الربح فتحصل المخالفة بمجرد
العمل فيوجد سبب الضمان. قوله: (إلا إذا كانت الثانية فاسدة) قال في البحر: وإن كانت إحداهما
فاسدة أو كلاهما فلا ضمان على واحد منهما، وللعامل أجر المثل على المضارب الأول ويرجع به الأول
على رب المال، والوضيعة على رب المال والربح بين الأول ورب المال على الشرط بعد أخذ الثاني أجرته
إذا كانت المضاربة الأولى صحيحة فللأول أجر مثله ا ه‍: أي لأنه حينئذ يكون الثاني أجيرا والمضارب له
أن يستأجر.
قال في التبيين: هذا إذا كانت المضاربتان صحيحتين. وأما إذا كانت إحداهما فاسدة أو كلتاهما
فلا ضمان على واحد منهما، لأنه إن كان الثانية هي الفاسدة صار الثاني أجيرا، وللأول أن يستأجر
من يعمل في المال، وإن كانت هي الأولى فكذلك، لان فسادها يوجب فساد الثانية، لان الأولى لما
فسدت صارت إجارة وصار الربح كله لرب المال، ولو صحت الثانية في هذه الحالة لصار الثاني
شريكا، وليس للأجير أن يشارك غيره فكانت فاسدة بالضرورة وكانا أجيرين، وكذا إذا كانتا
فاسدتين، وإذا كانا أجيرين لا يضمن واحد منهما. ا ه‍. بتصرف ما.
والحاصل: أن صحة الثانية فرع عن صحة الأولى، فلا تصح الثانية إلا إذا كانت الأولى
صحيحة، فاشتراط صحة الثانية اشتراط لصحة الأولى. قوله: (على المضارب الأول) ويرجع به الأولى
على رب المال. قوله: (وللأول الربح المشروط) يعني والربح بين الأول ورب المال على الشرط بعد أخذ
الثاني أجرته إذا كانت المضاربة الأولى صحيحة، وإلا فللأول أجر مثله أيضا وربح كله لرب المال كما
ذكرنا. قوله: (ولو استهلكه الثاني) قال الاتقاني: والحاصل أنه لا ضمان على واحد منهما قبل عمل
الثاني في ظاهر الرواية عند علمائنا الثلاثة، وإذا عمل الثاني في المال إن عمل عملا لم يدخل تحت
المضاربة بأن وهب المضارب الثاني المال من رجل أو استهلكه فالضمان على الثاني دون الأول، وإن
عمل عملا دخل تحت المضاربة بأن اشترى بالمال شيئا: فإن ربح فعليهما الضمان، وإن لم يربح فلا
ضمان على واحد منهما في ظاهر الرواية ا ه‍. وفيه تأمل ط. قوله: (فالضمان عليه خاصة) والأشهر

435
الخيار فيضمن أيهما شاء كما في الاختيار. قوله: (فإن عمل حتى ضمنه) حتى للتفريع، فإن الضمان
مرتب بالعمل فقط وضمن بالبناء للمجهول فإن الضمان مرتبط بالعمل فقط. قوله: (خير رب المال)
قال في التبيين: ثم رب المال بالخيار، إن شاء ضمن الأول رأس ماله لأنه صار غاصبا بالدفع إلى غيره
بغير إذنه، وإن شاء ضمن الثاني لأنه قبض مال الغير بغير إذن صاحبه، فإن ضمن الأول صحت
المضاربة بين الأول والثاني والربح بينهما على ما شرطا لأنه بأداء الضمان ملكه من وقت خالف، فصار
كما لو دفع مال نفسه مضاربة إلى الثاني، وإن ضمن الثاني يرجع بما ضمن على الأول لأنه التزم له
سلامة المقبوض له عن الضمان، فإذا لم يسلم رجع عليه بالمخالفة إذ هو مغرور من جهته كمودع
الغاصب وصحت المضاربة بينهما، لأنه لما كان قرار الضمان عليه ملك المدفوع مستندا إلى وقت
التعدي، فتبين أنه دفع مضاربة ملك نفسه ويكون الربح بينهما على ما شرطا لصحة المضاربة ويطيب
للثاني ما ربح لأنه يستحقه بالعمل ولا خبث في عمله، ولا يطيب للأول لأنه يستحقه برأس المال
وملكه فيه ثبت مستندا فلا يخلو عن شبهة فيكون سبيله التصدق ا ه‍. لان الثابت بالاستناد ثابت من
وجه دون وجه فلا يثبت الملك من كل وجه فيتمكن الخبث في الربح فلا يطيب ا ه‍. إتقاني.
وفي البحر: ولو دفع الثاني مضاربة إلى ثالث وربح الثالث أو وضع فإن قال الأول للثاني اعمل
فيه برأيك فلرب المال أن يضمن: أي الثلاثة شاء، ويرجع الثالث على الثاني والثاني على الأول،
والأول لا يرجع على أحد إذا ضمنه رب المال، وإلا لا ضمان على الأول وضمن الثاني والثالث. كذا
في المحيط، قوله وإلا لا ضمان على الأول: أي إن لم يقل الأول للثاني اعمل فيه برأيك. قوله:
(وإن شاء ضمن الثاني) فيه إشعار بأنه إذا ضمن يرجع على الأول ويطيب الربح له دون الأول لأنه
ملكه مستندا. قهستاني. قوله: (ليس له ذلك) لان المال بالعمل صار غصبا وليس للمالك إلا تضمين
البدل عند ذهاب العين المغصوبة، وليس له أن يأخذ الربح من الغاصب. كذا ظهر لي ط. قوله: (فإن
أذن) مفهوم قوله بلا إذن. قوله: (عملا بشرطه) لأنه شرط نصف جميع الربح له. قوله: (الباقي) أي
الفاصل عما اشترطه للثاني، لان ما أوجبه الأول له ينصرف إلى نصيبه خاصة، إذ ليس له أن يوجب
شيئا لغيره من نصيب المالك، وحيث أوجب للثاني الثلث من نصيبه وهو النصف يبقى له السدس.
قال في البحر: وطلب الربح للجميع لان عمل الثاني عمل عن المضارب كالأجير المشترك إذا
استأجر آخر بأقل مما استؤجر. قوله: (وللثاني الثلث المشروط) لان الدفع الثاني صحيح لأنه بأمر المالك
وقد شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله وجعل الأول للثاني ثلثه فينصرف ذلك إلى نصيبه إلى آخر ما
تقدم، وكان المناسب أن يقول من كل المال عوضا عن قوله الباقي. قوله: (والباقي بين الأول والمالك
نصفان) لان رب المال هنا شرط أن يكون ما رزق الله المضارب الأول بينهما نصفين والمرزوق للأول

436
هو الثلثان، لان الثلث استحقه الثاني بشرط الأول وهو مأذون له، فلم يكن من رزق الأول إلا الثلثان
فيكون ذلك بينهما نصفين ويطيب لهم بلا شبهة أيضا. عيني. قوله: (باعتبار الكاف) أي في قوله ما
رزقك فقد جعل المناصفة فيما رزق المضارب الأول وهو لم يرزق إلا الثلثين فينصفان. قوله: (ونحو
ذلك) كما كان لك من فضل الله أو النماء أو الزيادة. قوله: (ولو قال له) أي رب المال للمضارب.
قوله: (واستويا فيما بقي) لان الأول شرط للثاني النصف وشرطه صحيح لأنه بإذن المالك واستويا فيما
بقي وهو النصف، لان رب المال لم يشترط لنفسه هنا إلا نصف ما ربحه الأول ولم يربح الثاني الأول
إلا النصف والنصف الآخر صار للثاني بشرطه فلم يكن من ربح الأول. عيني.
أقول: لا فرق بين هذه والتي تقدمت إلا من حيث اشتراط المضارب الثاني، فإن في الأول
شرط له الثلث فكان ما بقي بينهما، وفي الثاني شرط له النصف فكان النصف الباقي بينهما. كذا في
بعض الحواشي. قوله: (ولا شئ للأول) لان قول رب المال ما رزق الله أو ما كان من فضل ينصرف
إلى جميع الربح فيكون له النصف من الجميع وقد شرط المضارب الأول للثاني جميع الربح فلم يبق
للأول شئ. عيني. قوله: (ضمن الأول للثاني سدسا) لان رب المال شرط لنفسه النصف من مطلق
الربح فله ذلك واستحق المضارب الثاني ثلثي الربح بشرط الأول، لان شرطه صحيح لكونه معلوما،
لكن لا ينفذ في حق رب المال، إذ لا يقدر أن يغير شرطه فيغرم له قدر السدس لأنه ضمن له سلامة
الثلثين بالعقد لأنه غره في ضمن عقد المضاربة. عيني. قوله: (لأنه التزم سلامة الثلثين) قال في
الدرر لأنه شرط للثاني شيئا هو مستحق للمالك وهو السدس فلم ينفذ في حق المالك ووجب عليه
الضمان بالتسمية لأنه التزم السلام، فإذا لم يسلم رجع عليه كمن استأجر رجلا ليخيط له ثوبا بدرهم
فاستأجر الأجير رجلا آخر ليخيط بدرهم ونصف فإنه يضمن له زيادة الاجر ا ه‍. قوله: (وشرط لعبد
المالك) التقييد بعبد المالك ليس للاحتراز لان عبد المضارب كذلك. وقيل التقييد به لدفع توهم أن
يده للمولى فلم يحصل التخلية وعليه كلام الدرر. وقيل لما فيه خلاف بين أصحاب الشافعي والحنبلي
وغيرهما لا لاحد، وعبد المالك وعبد المضارب سواء في جواز الشرط والمضاربة لو شرط العمل، وإن
لم يشترط ففي عبد المالك كذلك، وفي عبد المضارب كذلك عندهما، وعلى قول أبي حنيفة لم يصح
الشرط ويكون المشروط لرب المال كما لم يصح الشرط لأجنبي أو لمن لا يقبل شهادة المضارب أو
شهادة رب المال له فيكون المشروط لرب المال. هذه زبدة ما في الذخيرة والبيانية.
قال في البحر: قيد بعبد رب المال لان عبد المضارب لو شرط له شئ من الربح ولم يشترط

437
عمله لا يجوز ويكون ما شرط له لرب المال إذا كان على العبد دين، وإلا لا يصح سواء شرط عمله أو
لا ويكون للمضارب. وقيد بكون العاقد المولى، لأنه لو عقد المأذون له عقدها مع أجنبي وشرط عمل
مولاه لا يصح إن لم يكن عليه دين، وإلا صح كما يأتي، وشمل قوله العبد ما لو شرط للمكاتب
بعض الربح فإنه يصح، وكذا لو كان مكاتب المضارب لكن بشرط أن يشترط عمله فيهما وكان
المشروط للمكاتب له لا لمولاه، وإن لم يشترط عمله لا يجوز، وعلى هذا غيره من الأجانب فتصح
المضاربة وتكون لرب المال ويبطل الشرط ا ه‍. وسيأتي الكلام فيه. والمرأة والولد كالأجانب هنا. كذا
في النهاية. وقيد باشتراط عمل العبد لان اشتراط عمل رب المال مع المضارب مفسد لها كما سيأتي.
قوله: (عادي) أي اشتراط عمل العبد عادي، فإن العادة في نحو ذلك أن يكون العبد معينا في العمل
فهو اتفاقي لا احترازي. قوله: (وليس بقيد) أي للصحة، إذ لو اشترط له الثلث ولم يشترط عمله
صح ويكون لمولاه، لكن فائدة اشتراط عمله تظهر في أخذ غرمائه ما شرط له حينئذ، وإلا فليس لهم
بل للمولى.
قال الزيلعي: وهذا ظاهر لأنه باشتراط عمله صار مضاربا في مال مولاه فيكون كسبه له فيأخذه
غرماؤه، وإلا فهو للمولى الخ. واستفيد منه أنه إذا اشترط عمله فلم يعمل لم يكن للغرماء بل للمولى
لأنه حيث لم يعمل لم يكن من كسبه. أبو السعود. قوله: (صح) أي تقسيم الربح وشرط عمل العبد،
وعلة الأول ما ذكره المؤلف، وعلة الثاني أن العبد أهل أن يضارب في مال مولاه، وللعبد يد حقيقة
ولو كان محجورا حتى يمنع السيد عن أخذ ما أودعه عبده المحجور، والعبد هنا صار مأذونا باشتراط
العمل عليه فلا يد لمولاه بعد تسليم المال إليه فصحت المضاربة. زيلعي. قوله: (وفي نسخ المتن
والشرح هنا خلط) أي في تعبيره للمالك بثلثين أو في تعبيره في بعض النسخ بالثاني، أما نسخ المتن
فقد رأيت في نسخة منه: ولو شرط للثاني ثلثيه ولعبد المالك ثلثه على أن يعمل معه ولنفسه ثلثه صح
ا ه‍. وهو فاسد كما ترى لعدم اجتماع أثلاث أربعة ولعدم وجود مضارب ثان في المسألة.
وأما الشرح فنصه: وقوله على أن يعمل معه عادي وليس بقيد بل يصح الشرط ويكون لسيده،
وإن لم يشرط عمله لا يجوز ا ه‍. فإن الصواب حذف قوله لا يجوز لما علمت من العبارة السابقة. ا ه‍.
حلبي بإيضاح ط.
أقول: وسبق الشارح إلى التنبيه على ذلك محشي المنح العلامة الخير الرملي. قوله: (إن لم يكن
عليه دين) أي مستغرق لماله ورقبته لأنه به يخرج المال عن ملك سيده، وهذا عند الامام كما تقدم
ويأتي، لان المولى لا يملك كسب عبده المديون فصار من أهل أن يعمل في مال المضاربة. وعندهما:
يملك سيده ما في يده، وإن أحاط دينه بماله ورقبته فينبغي أن لا يصح اشتراط العمل على المولى
عندهما مطلقا، فليراجع. قوله: (لا يملك كسبه) فصار السيد من أهل أن يعمل في مال المضاربة وهذا
على الخلاف كما سمعت. قوله: (واشتراط عمل رب المال مع المضارب مفسد الخ) لان المضاربة لا بد

438
فيها من عمل المضارب، ولا يمكنه العمل مع عدم التخلية وهي العلة في المسألة الثانية والثالثة، وهذه
المسألة كالتعليل لما قبلها فكان الأولى تقديمها وتفريع الأولى عليها. قوله: (بخلاف مكاتب شرط عمل
مولاه) أي إذا دفع المكاتب مال مضاربة لآخر وشرط عمل مولاه فيها فإنه لا يفسد مطلقا، سواء كان
عليه دين أو لا، لأنه لا يملك إكتابه لأنه يعامل معاملة الأحرار فيما في يده، فإن عجز قبل العمل
ولا دين عليه فسدت كما في البحر وكان الأنسب ذكره بعد مسألة المأذون. قوله: (كما لو ضارب
مولاه) فإنه يصح لما قلنا. قوله: (أو في الرقاب) أي فكها من أسر الرق وفساد الشرط في الثلاثة لعدم
اشتراط العمل كما سيظهر. قوله: (أو لامرأة المضارب أو مكاتبه الخ) لكن عدم صحة الشرط في
هذين إذا لم يشترط عملهما كما سيشير إليه بقوله ومتى شرط لأجنبي الخ، ومر عن النهاية أن المرأة
والولد كالأجنبي هنا.
وفي التبيين: ولو شرط بعض الربح لمكاتب رب المال أو المضارب إن شرط عمله جاز وكان
المشروط لأنه صار مضاربا، وإلا فلا، لان هذا ليس بمضاربة، وإنما المشروط هبة موعودة فلا
يلزم، وعلى هذا غيره من الأجانب إن شرط له بعض الربح وشرط عمله عليه صح، وإلا فلا. قوله:
(ولم يصح الشرط) وما في السراجية من الجواز فيما إذا شرط ثلث الربح لامرأة المضارب أو مكاتبه أو
للمساكين أو في الرقاب أو الحج محمول على جواز عقد لا الشرط، ويكون ذلك لرب المال، فلا
يخالف ما هنا ولا يحتاج إلى ما وجهه العلامة أبو السعود من أن المسألة خلافية، لأنه لم يقف على هذا
التوفيق هو ولا شيخه فجعل المسألة ذات خلاف، ومحل عدم الشرط في امرأة المضارب ومكاتبه إذا لم
يشترط عملهما. قوله: (ويكون المشروط لرب المال) لأنه لما بطل الشرط كان الربح تبعا لاصله وهو
رأس المال وهو لرب المال، فكذا ربحه. قوله: (لا يصح) حيث لم يشرط عمله فوافق ما بعده. قوله:
(إن شرط عليه عمله صح) أي الاشتراط كالعقد. قوله: (وإلا لا) أي إن شرط البعض للأجنبي ولم
يشترط عمله لا يصح الاشتراط ويكون لرب المال، أما العقد فصحيح.
واستفيد من هذا الشرط أنه لا يشترط المساواة بين المضاربين في المال الواحد، لأنه أطلق البعض
فشمل ما إذا كان مثل ما شرط للمضارب أو أقل أو أكثر، لان أحدهما قد يكون أهدى للعمل أو فيه
مرجح آخر كما في الشركة.
والحاصل: أن ما شرط لثالث إن كان يرجع إلى المضارب جاز ويكون للمضارب كاشتراطه
لعبده غير المديون وإلا فهو لرب المال. والفرق أن شرط الربح لعبده كالشرط له فيصح له. بخلاف
الشرط لزوجته ونحوها لأنه لا يثبت الملك له لان الزوجة والولد كالأجنبي هنا كما قدمناه، وفهم هذا
من قول القهستاني، وفيه إشارة إلى أنه إن شرط شئ لعبد المضارب أو لأجنبي ليعمل مع المضارب

439
صح والمشروط للمضارب: يعني في الأولى وللأجنبي: يعني في الثانية، وإلى أنه لو لم يشترط عمل
أحد منهم صح العقد والمشروط للمالك سواء كان على العبد دين أو لا. وتمامه في الذخيرة. فليت
الشارح سلك هذا النظام ولم يغير التحرير والبيان. قوله: (لكن في القهستاني) لا محل للاستدراك مع
هذا التقرير، لان قوله: (يصح مطلقا) أي عقد المضاربة صحيح سواء شرط عمل الأجنبي أو لا،
غير أنه إن شرط عمله فالمشروط له، وإلا فلرب المال لأنه بمنزلة المسكوت عنه، ولو كان المراد أن
المشروط صحيح مطلقا نافي قوله: (وإلا) أي وإن لم يشترط عمله فللمالك. قوله: (وإلا فللمالك)
أي وإن لم يشترط عمله فللمالك.
قال في النهاية معزيا للذخيرة: إذا شرط في المضاربة بعض الربح لغير المضارب فإن كان
لأجنبي وشرط عمله فالمضاربة جائزة والشرط جائز ويصير رب المال دافعا المال مضاربة لرجلين، وإن
لم يشترط عمل الأجنبي فالمضاربة جائزة والشرط باطل، ويجعل المشروط للأجنبي كالمسكوت عنه
فيكون لرب المال. ا ه‍. قوله: (خلافا للبرجندي) كلامه في العبد لا في الأجنبي كما يعلم بمراجعة
شرح الملتقى. قوله: (جاز) قال في البحر: وإذا كان الاشتراط للعبد اشتراطا لمولاه فاشتراط بعض
الربح لقضاء دين المضارب أو لقضاء دين رب المال جائز بالأولى إلى آخر ما هنا. قوله: (ويكون) أي
البعض. قوله: (قضاء دينه) اسم يكون ضمير يعود على البعض والجار والمجرور هو الخبر وقضاء دينه
نائب فاعل المشروط. والمعنى: ويكون ذلك البعض ض للذي شرط له قضاء دينه من المضارب أو المالك.
واستفيد مما مر أنه لا بد أن يكون البعض شائعا في جميع المال كالثلث والربع والسدس، أما لو
كانت دراهم معينة فإنه تفسد به المضاربة لأنه يؤدي لقطع الشركة في الربح، وإنما أطلقه هنا اعتمادا
على ما قدمه بأن لا يشترط لأحدهما دراهم مسماة من الربح. قوله: (ولا يلزم) أي كل من المالك
والمضارب.
وعبارة البحر: ولا يجبر على دفعه لغرمائه. قوله: (بموت أحدهما) سواء علم المضارب بموت
رب المال أم لم يعلم، حتى لا يملك الشراء بعد ذلك بمال المضاربة ولا يملك السفر ويملك بيع ما كان
عرضا لنض المال لأنه عزل حكمي. قاضيخان. قوله: وحجر يطرأ على أحدهما بجنون أو سفه أو
حجر مأذون. قوله: (وبجنون أحدهما مطبقا) هو داخل تحت قوله وحجر إلا أنه ذكره لتقييده
بالاطباق. قوله: (باعها وصيه) أي وصي المضارب، لان العزل لا يمكن حينئذ في المضارب فلا
يجري على وصيه. وقيل إن ولاية البيع تكون لرب المال ووصي المضارب كليهما، وهو الأصح لان الحق
كان للمضارب ولكن الملك لرب المال، فصار بمنزلة مال مشترك بين اثنين فيكون الامر إليهما. اه‍.

440
قلت: فلو لم يكن له وصي هل يستبدل المالك بالبيع أو ينصب القاضي وصيا يبيع معه؟
الظاهر نعم. حموي.
والذي في الهندية: فإن لم يكن له وصي جعل القاضي له وصيا يبيعها فيوفى رب المال رأس ماله
وحصته من الربح ويعطى حصة المضارب من الربح غرماءه: أي إن كان له غرماء فغرماء المضارب لا
يأخذون عروضها لأنها مال الغير ط. قوله: (تبطل في حق التصرف) أي ولا تبطل في حق كونه
وديعة. قوله: (تبطل في حق المسافرة) أي إلى غير بلد رب المال، فلو أتى مصرا واشترى شيئا فمات
رب المال وهو لا يعلم فأتى بالمتاع مصرا آخر فنفقة المضارب في مال نفسه وهو ضامن لما هلك في
الطريق، فإن سلم المتاع جاز بيعه لبقائها في حق البيع ولو خرج من ذلك المصر قبل موت رب المال
ثم مات لم يضمن نفقته في سفره. ا ه‍. بزازية. وقوله: فأتى بالمتاع مصرا: يعني غير مصر رب
المال، فإنه لو أخرجه يعني بعد موت رب المال إلى مصر رب المال لا يضمن لأنه يجب عليه تسليمه
فيه. ذكره فيها أيضا وذكره قاضيخان، لكن تقدم أن التخصيص يصح قبل صيرورتها عروضا لا بعده،
وكل موضع صح العزل فيه صح التخصيص فيه، وما لا فلا.
ونقل في النهاية: أنه لا يصح نهيه عن المسافرة في الرواية المشهورة، وإن نهاه لم يتعلق بنهيه
حكم حتى ينض ثمنه نحو أن يقول لا تبع نسيئة لان حق التصرف ثابت له لأنه يحتاج إلى أن يبيعه
ليظهر الربح، فإذا نهاه عن ذلك فقد أبطل حقه في التصرف فلم يصح. وإذا لم يملك عزله حتى ينض
لم يملك تخصيص الاذن أيضا عزل من وجه. وأما إذا نهاه عن المسافرة لم يصح على الروايات
المشهورة لأنه يملك المسافرة بإطلاق العقد.
ثم قال وفي الذخيرة: وكل جواب عرفته في الفصول كلها إذا منع رب المضارب عن التصرف
فهو الجواب فيما إذا مات رب المال ا ه‍. فعلم منه أن ما نقله الشارح هنا من بطلانها في حق المسافرة
على غير الروايات المشهورة، فتدبر. قوله: (فله بيعه) أي مال المضاربة بعرض وتقدم ثم يكون العرض
الثاني كالأول فله بيعه بعرض أيضا إلى أن يصير مال المضاربة مثل رأس المال وإن كان مال المضاربة من
جنس رأس المال من حيث الثمنية إلا أنه من خلاف جنسه من حيث الحقيقة بأن كان رأس المال دراهم
ومال المضاربة دنانير أو على العكس بعمل نهى رب المال إياه عما هو شر من كل وجه، حتى لا يملك
شراء العروض به ويملك صرفه بما هو من جنس رأس المال: أي مال المضاربة، وعلى هذا موت رب
المال في بيع العروض: يعني إذا مات رب المال والمال عروض فللمضارب أن يبيع العروض حتى ينض
رأس المال ونحوها بأن كان رأس المال دراهم والمال دنانير كان له أن يبيع الدنانير كما في العزل.
نهاية. قوله: (وبالحكم بلحوق المالك مرتدا) أي إذا حكم بلحوقه من يوم ارتد وانتقل ملكه إلى ورثته:
فإن كان المال يومئذ قائما في يده لم يتصرف فيه ثم اشترى بعد ذلك فما اشتراه له ربحه وعليه وضيعته
لأنه قد انعزل عن المضاربة وزال ملك الامر عن المال فصار متصرفا في ملك الورثة بغير أمره، وإن
كان المال مشاعا أو عروضا أو غير الدراهم والدنانير من سائر الأموال فبيع المضارب وشراؤه فيه جائز
حتى يحصل رأس المال كما في السراج الوهاج، وإنما بطلت لان اللحوق بمنزلة الموت ولهذا يورث
ماله ويعتق أولاده ومدبروه زيلعي والمراد بالمالك خصوص الرجل.

441
ولهذا قال في غاية البيان: ولو كان رب المال امرأة فارتدت فهي بمنزلة المسلمة لأنها لا تقتل
فلم تنعقد الردة سبب التلف في حقها ا ه‍. وسيشير الشارح إليه قريبا. قوله: (فإن عاد الخ) ينبغي أن
يكون هذا إذا لم يحكم بلحوقه، أما إذا حكم بلحوقه فلا تعود المضاربة لأنها بطلت كما هو ظاهر عبارة
الاتقاني في غاية البيان، لكن في العناية أن المضاربة تعود سواء حكم بلحاقه أم لا، فتأمل.
ونص عبارته: وإذا ارتد رب المال عن الاسلام ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة: يعني إذا لم
يعد مسلما. أما إذا عاد مسلما قبل القضاء أو بعده كانت المضاربة كما كانت ا ه‍.
أقول: لكن يشكل على ما ذكر بأن الباطل لا يعود صحيحا فكيف تصح المضاربة بعد الحكم
بلحوقه بعوده؟ والحال أنها بطلت بالحكم بلحوقه، إلا أن يجاب بأن البطلان موقوف إلى حال التبيين،
فإذا تبين رجوعه بقيت على أصلها ويدل لذلك عبارة غاية البيان: كانت المضاربة كما كانت فيكون.
قوله: بطلت أي بطلانا موقوفا إن تبين وإلا فباتا. تأمل. قوله: (حكم بلحاقه أم لا) أما قبل
الحكم فلانه بمنزلة الغيبة وهي لا توجب بطلان المضاربة، وأما بعده فلحق المضارب كما لو مات
حقيقة. ط عن الشرنبلالية. قوله: (بخلاف الوكيل) أي إذا ارتد الموكل وحكم بلحاقه فإن الوكالة
تبطل ولا تعود بعوده إلى الاسلام، لان محل التصرف خرج عن ملك الموكل ولم يتعلق به حق الوكيل.
قوله: (بخلاف المضارب) فإن له حقا فإذا عاد المالك فهي على حالها، والأولى حذفه لأنه مستفاد مما
تقدم فلا حاجة إليه. قوله: (ولو ارتد المضارب فهي على حالها) عندهما، حتى لو تصرف وربح ثم
قتل كان ربحه بينهما على ما شرطا ا ه‍. برهان. فإن لحق وباع واشترى هناك ثم رجع مسلما فله جميع
ما اشترى وباع في دار الحرب ولا ضمان عليه في شئ من ذلك. هندية. وذلك لان تصرفات المرتد
إنما توقفت بالنظر إلى ملكه ولا ملك للمضارب في مال المضاربة وله عبارة صحيحة، فلا توقف في
ملك المالك فبقيت المضاربة على حالها.
قال في العناية: وتوقف تصرف المرتد لتعلق حق الورثة، ولا توقف في ملك رب المال لعدم
تعلقه به، أي فلا يعطى له حكم الموت بالنسبة إليه وظاهره سواء لحق ولم يحكم به أولا كما في الدرر
وصدر الشريعة. قوله: (وما تصرف نافذ الخ) أي حيث كانت المضاربة باقية على حالها في قولهم
جميعا، فجميع ما فعل ذلك جائز والربح بينهما على ما شرطا، خلا أن ما يلحقه من العهدة فيما باع
واشترى حيث يكون على رب المال في قول أبي حنيفة، لان حكم العهدة يتوقف بردته، لأنه لو لزمته
لقضى من ماله ولا تصرف له فيه فكان كالصبي المحجور إذا توكل عن غيره بالبيع والشراء وفي
قولهما حاله في التصرف بعد الردة كهي فيه قبلها فالعهدة عليه ويرجع على رب المال كما في
العناية، وكان الأولى تقديم هذه العبارة على. قوله: (فإن مات).
والحاصل: فرق بين الارتدادين قبل اللحوق وبعده لا فرق بينهما. قوله: (ولو ارتد المالك فقط)
محترز قوله: وبلحوق المالك وعلى هذا لا فرق بين المالك والمضارب، فلو قال وبلحوق أحدهما ثم

442
قال ولو ارتد أحدهما فقط الخ لكان أخصر وأظهر، تأمل. لكن الفرق أنه إذا ارتد المضارب فتصرفه
نافذ. قوله: (أي ولم يلحق) ومثله إذا لحق ولم يحكم بلحاقه. قوله: (فتصرفه) أي المضارب موقوف
عند الامام: أي لتعلق حق ورثة المالك بالمال لزوال ملكه بالردة، فإن عاد إلى الاسلام عاد ملكه ونفذ
تصرف المضارب، وإن مات أن قتل أو حكم بلحاقه عاد المال إلى الورثة ويبطل تصرف المضارب،
وعليه لا فرق بين المالك والمضارب لا بالتصرف فإن تصرف المضارب نافذ دون المالك، وعليه
فالأخضر أن يقول: وبلحوق أحدهما، ثم يقول ولو ارتد أحدهما فقط الخ. قوله: (وردة المرأة غير
مؤثرة) سواء كانت هي صاحبة المال أو المضاربة، إلا أن تموت أو تلحق بدار الحرب فيحكم بلحاقها،
لان ردتها لا تؤثر في أملاكها فكذا لا تؤثر في تصرفاتها. منح. قوله: (إن علم به) أي ولو العزل
حكما فلا ينعزل في الحكمي إلا بالعلم، بخلاف الوكيل حيث ينعزل في الحكمي وإن لم يعلم، كذا
قالوا.
فإن قلت: ما الفرق بينهما، قلت: قد ذكروا أن الفرق بينهما أنه لا حق له، بخلاف المضارب.
منح.
والذي في الهندية عن الخانية: تبطل المضاربة بموت رب المال علم بذلك أو لم يعلم، حتى لا
يملك الشراء بعد ذلك بمال المضاربة ولا يملك السفر. ا ه‍. وتقدم ذكره قوله: (مطلقا) أي وإن لم
يكونا عدلين، بأن كانا فاسقين أو مستورين قوله: (أو فضولي عدل) كان الأنسب أن يقول: أو واحد
عدل، بقرينة السياق، وكأنه راعي ما تقدم في باب عزل الوكيل من أن العزل يثبت بمشافهة وكتابة
ورسالة وإخبار فضولي، ويعتبر فيه أحد شطري الشهادة من العدد أو العدالة. قوله: (مميز) أي ولو
رقيقا أنثى غير بالغ ولا عدل، لان الرسول والوكيل كالأصيل، وهذا عند الامام. وعندهما: لا فرق
بين الرسول وغيره كما في أخواتها. قوله: (ولو حكما) كموت المالك: أي ولو كان العزل حكما فإنه
يشترط فيه العلم على ما سلف لأنه عزل حكمي. قوله: (ولو حكما) كارتداده مع الحكم باللحوق
وجنونه مطبقا. قوله: (فالدراهم والدنانير هنا جنسان) التفريع غير ظاهر، لأنهما قد يكونان جنسا
واحدا في كثير من المسائل، وحينئذ فالأولى الواو كما في البحر والمنح، فإن كان رأس المال دراهم
وعزله معه دنانير فله بيعها بالدراهم استحسانا، وبالعكس بعد العلم بالعزل حتى يكون من جنس
رأس المال ليتميز الربح فيتبين حظه منه، لكن تقدم في البيع الفاسد أن الدراهم والدنانير جنس واحد
في ثمان مسائل منها في المضاربة ابتداء وانتهاء وبقاء ا ه‍.
وكتب سيدي الوالد رحمه الله تعالى ثمة قوله ومضاربة ابتداء وانتهاء وبقاء لم يذكر ذلك التقسيم
في العمادية وإنما ذكر صورتين في المضاربة.
إحداهما: ما إذا كانت المضاربة دراهم فمات رب المال أو عزل المضارب عن المضاربة وفي يده
دنانير لم يكن للمضارب أن يشتري بها شيئا ولكن يصرف الدنانير بالدراهم، ولو كان ما في يده

443
عروضا أو مكيلا أو موزونا له أن يحوله إلى رأس المال، ولو باع المتاع بالدنانير لم يكن له أن يشتري بها
إلا الدراهم.
ثانيتهما: لو كانت المضاربة دراهم في يد المضارب فاشترى متاعا بكيلي أو وزني لزمه، ولو
اشترى بالدنانير فهو على المضاربة استحسانا عندهما ا ه‍. ملخصا فالصورة الأولى تصلح مثالا للانتهاء،
والثانية للبقاء، لكن لم يظهر لي كون الأولى مما نحن فيه، إذ لو كانت الدراهم والدنانير فيها جنسا
واحدا ما كان يلزمه أن يصرف الدنانير بالدراهم. تأمل. ثم رأيت الشارح في باب المضاربة جعلها
جنسين في هذه المسألة، وهذا عين ما فهمته، ولله تعالى الحمد.
وأما مسألة المضاربة ابتداء فقد زادها الشارح وقال ط: صورته عقد معه المضاربة على ألف
دينار وبين الربح فدفع له دراهم قيمتها من الذهب تلك الدنانير صحت المضاربة والربح على ما شرطا
أولا. كذا ظهر لي. ا ه‍. كلام سيدي الوالد رحمه الله تعالى. قوله: (باعها) أي له بيعها ولا يمنعه العزل
من ذلك. إتقاني. قوله: (وإن نهاه عنها) أي عن النسيئة ولا يملك المالك فسخها في هذه الحالة كما
لا يصح نهيه عن المسافرة في الروايات المشهورة، وكما لا يملك عزله لا يملك تخصيص الاذن لأنه
عزل من وجه. بحر عن النهاية وسيأتي. وإنما لا يملك ذلك لان له حقا في الربح. قوله: (ثم لا
يتصرف في ثمنها) أي إذا كان من جنس رأس مالها، لان البيع بعد العزل كان للضرورة حتى يظهر
الربح إن كان فيه ولا حاجة إليه بعد النص، فصار كما إذا عزله بعد ما نص وصار من جنس رأس
المال: زيلعي. قوله: (ولا في نقد) أي لا يتصرف إذا كان رأس المال فضة بفضة ولو أجود كما يفيده
عمومه ط. قوله: (ويبدل خلافه به) أي له أن يبدل خلاف رأس المال من النقد برأس المال. قوله:
(استحسانا) والقياس لا يبدل لان النقدين من جنس واحد من حيث الثمنية. قوله: (لوجوب رد
جنسه) أي إلى رب المال إن امتنع المالك من أخذ خلاف الجنس كما يفيده ما قدمناه عن الاتقاني.
وفي الهندية عن الكافي: له أن يبيعها بجنس المال استحسانا وهو يفيد الجواز، فإن حمل على
عدم التنازع زال الاشكال. ط بزيادة. قوله: (وليظهر الربح) جعله في العيني والدرر علة لبيع
الضرورة حيث قال لان له حقا في الربح، ولا يظهر ذلك إلا بالنص فيثبت له حق البيع ليظهر
ذلك، وموته وارتداده مع اللحوق وجنونه مطبقا والمال عروض كعزله والمال عروض. زيلعي. قوله:
(ولا يملك الخ) هذا معطوف على باعها عطف علة على معلول، وليته قدمه على ثم لا يتصرف، ولا
تنسى ما مر في موت المضارب والمال عروض. ويفهم منه أنه فسخها والمال عروض يبيعها بالنقد.
فرع: قال في القنية من باب المضاربة: أعطاه دنانير مضاربة ثم أراد القسمة له أن يستوفي دنانير،
وله أن يأخذ من المال بقيمتها، وتعتبر قيمتها يوم القسمة لا يوم الدفع ا ه‍.
وفي شرح الطحاوي من المضاربة: ويضمن لرب المال مثل ماله وقت الخلاف بيري في بحث
القول بثمن المثل. وهذه فائدة طالما توقفت فيها، فإن رب المال يدفع دنانير مثلا بعدد مخصوص ثم
تغلو قيمتها ويريد أخذها لا بمثل القيمة تأمل.
والذي يظهر من هذا أنه لو علم عدد المدفوع ونوعه فله أخذه، ولو أراد أن يأخذ القيمة من نوع
آخر يأخذه بالقيمة الواقعة يوم الخلاف: أي يوم النزاع والخصام، وكذا إذا لم يعلم نوع المدفوع كما يقع

444
كثيرا في زماننا حيث يدفع أنواعا ثم يجهل فيضطر إلى أخذ قيمتها لجهالتها فيأخذ بالقيمة يوم الخصام
تأمل. والله تعالى أعلم. قوله: (ولا تخصيص الاذن) أفاده بقوله آنفا وإن نهاه عنها. قوله: (صح)
أي الفسخ والربح بعد ذلك للعامل كما سلف في الشركة. قوله: (افترقا) أي فسخا المضاربة أو
انتهت. قوله: (وفي المال ديون) أي وقد باع المضارب عروضا بثمن لم يقبضه من المشترين. قوله:
(على اقتضاء الديون) أي أخذها واستخلاصها. قوله: (إذ حينئذ يعمل بالأجرة) عبارة البحر: لأنه
كالأجير والربح كالأجرة وطلب الدين من تمام تكملة العمل فيجبر عليه. وظاهره ولو كان الربح
قليلا.
قال في شرح الملتقى: ومفاده أن نفقة الطلب على المضارب، وهذا لو الدين في المصر وإلا ففي
مال المضاربة.
قال في الهندية: وإن طال سفر المضارب ومقامه حتى أتت النفقة في جميع الدين، فإن فضل على
الدين حسب له النفقة مقدار الدين وما زاد على ذلك يكون على المضارب. كذا في المحيط. قوله:
(وإلا) أي وإن لم يكن في المال ربح. قوله: (لا جبر لأنه حينئذ متبرع) أي لأنه وكيل محض ولا جبر
على المتبرع على إنهاء ما تبرع به، ولهذا لا يجبر الواهب على التسليم. زيلعي.
ولا يقال: الرد واجب عليه وذلك إنما يكون بالتسليم كما أخذه. لأنا نقول: الواجب عليه رفع
الموانع وذلك بالتخلية لا بالتسليم حقيقة. ط عن أبي السعود. قوله: (لأنه) أي المالك غير العاقد
فالحقوق لا ترجع إليه بل إلى العاقد الذي هو المضارب فقبض الثمن له لا للمالك، ولا يلزم التقاضي
لأنه متبرع فيؤمر بتوكيل المالك ليقدر على تحصيل الديون كما في العيني. قوله: (وحينئذ) أي حين إذ
كان المتبرع لا يجبر على الاقتضاء، والأولى أن يقول: ولهذا كان الوكيل الخ. قوله: (والسمسار) بكسر
السين الأولى المهملة وهو المتوسط بين البائع والمشتري ليبيع بأجر من غير أن يستأجر، والدلال الواسطة
بين المتبايعين ا ه‍. وفي منلا مسكين: السمسار الدلال قوله: (يجبر على التقاضي) أي طلب الثمن إن
عقد البيع لأنه يبيع ويشتري للناس عادة بأجرة فجعل ذلك بمنزلة الإجارة الصحيحة بحكم العادة
فيجب التقاضي والاستيفاء لأنه وصل إليه بدل عمله فصار كالمضارب إذا كان في المال ربح. زيلعي.
قوله: (وكذا الدلال) مقتضى كلام الشارح أن الدلال غير السمسار كما في القهستاني بأن الدلال
يحمل السلعة إلى المشتري ويخبر بالثمن ويبيع، بخلاف السمسار فإنه لم يكن في يده شئ، ومقتضى ما
مر عن مسكين عدم الفرق بينهما. وفي الدرر كالدلال فإنه يعمل بالأجرة. والسمسار: هو الذي
يجلب إليه العروض والحيوانات لبيعها بأجر من غير أن يستأجر إلى آخر ما فيه. قوله: (لعدم قدرته
عليه) لأن الشراء أو البيع لا يتم إلا بمساعدة غيره وهو البائع أو المشتري فلا يقدر على تسليمه.

445
زيلعي. قوله: زيلعي وتمام كلامه: وإنما جازت هذه الحيلة لان العقد يتناول المنفعة وهي معلومة
ببيان قدر المدة وهو قادر على تسليم نفسه في المدة، ولو عمل من غير شرط وأعطاه شيئا لا بأس به
لأنه عمل معه حسنة فجازاه خيرا وبذلك جرت العادة، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ا
ه‍. قوله: (وما هلك من مال المضاربة يصرف إلى الربح).
أقول: وكذلك ما هلك من مال الشركة فيصرف إلى الربح، والباقي من الربح يصرف على ما
شرطا ورأس المال على حكمه، فإذا زاد الهالك على الربح فهو عليهما بقدر ماليهما، وبه علم حكم
حادثة الفتوى.
مطلب: في حكم حادية الفتوى
شريكان مالهما متفاوت والعمل مشروط عليهما والربح سوية بينهما هلك بعد الربح شئ من
المال وبقي شئ من الربح فما الحكم؟ الجواب: ما فضل من الربح على ما شرطا ورأس المال على
حكمه والهالك عليهما وهو ظاهره. ذكره الخير الرملي. قوله: (لأنه تبع) أي ورأس المال أصل
وصرف الهالك إلى ما هو تابع أولى كما يصرف إلى العفو في الزكاة ولأن الربح فرع عن رأس المال فلا
يثبت له حكم قبل ثبوت أصله كما في العيني.
مطلب: القول للشريك والمضارب في مقدار الربح والخسران
وفي الضياع والرد للشريك
والقول للشريك والمضارب في مقدار الربح والخسران مع يمينه، ولا يلزمه أن يذكر الامر
مفصلا، والقول قوله في الضياع والرد للشريك نهر في الشركة.
تتمة: هلك مال المضاربة قبل أن يشتري به شيئا بطلت، وإن استهلكه المضارب ضمنه ولم يكن
له الشراء بعد ذلك لصيرورته ضمينا، وإن استهلكه غيره فأخذه منه كان له الشراء على المضاربة. حموي
عن الأقطع. قوله: (لم يضمن) لكونه أمينا سواء كان من عمله أو لا. بحر. قوله: (ولو فاسدة) لأنها
أمانة عند الامام. وعندهما: إن كانت فاسدة فالمال مضمون. قوله: (من عمله) ولو الهلاك من عمله
المسلط عليه عند التجار. وأما التعدي فيظهر أنه ضمن به. سائحاني: أي سواء كانت المضاربة صحيحة
أو فاسدة. وسواء كان الهلاك من عمله أو لا، ويقبل. قوله: في هلاكه وإن لم يعلم ذلك كما يقبل
في الوديعة. منح بزيادة: ولم أر زيادة من علمه في العيني ولا في الدرر وحواشيه. فليتأمل معنى
قوله: (من عمله) ولو اقتصر على قوله: (ولو فاسدة) لكان المعنى أظهر.
ثم رأيت في فروق المحبوبي ما نصه: وإذا عمل في المضاربة الفاسدة وربح كان كل الربح لرب
المال وللمضارب أجر مثل عمله، ولا ضمان إذا هلك المال في يده ا ه‍. قوله: (لأنه أمين) علة لعدم
الضمان ويقبل. قوله: في الهلاك وإن لم يعلم ذلك كما يقبل في الوديعة. منح.
أقول: وينبغي أن يضمن ما تلف بعمله لأنه أجير مشترك. وعلى قولهما يضمن ما تلف في يده
وإن لم يكن من عمله كما علم في باب ضمان الأجير، ولعله محمول على ما إذا سافر بمال المضاربة
فإنه يكون بمنزلة الأجير الخاص، وليحرر. قوله: (ترادا الربح) فيضمن المضارب ما أخذه على أنه ربح

446
لأنه أخذه لنفسه، بخلاف ما بقي في يده لا يضمنه إذا لم يأخذه لنفسه. حموي. قوله: (ليأخذ المالك
رأس ماله) فيبدأ برأس المال ثم بالمنفعة ثم بالربح الأهم فالأهم اختيار، فإن فضل شئ اقتسماه. ا ه‍.
در منتقى: أي لان الربح تابع كما ذكرنا فلا يسلم بدون سلامة الأصل. عيني. قوله: (وما فضل فهو
بينهما) لان رب المال لم يبق له حق بعد استيفاء ماله إلا في الربح. عيني. قوله: (لم يضمن) أي إن
نقص الربح عن الهالك لم يضمن المضارب. قوله: (لما مر) من أنه أمين فلا يكون ضمينا. قوله:
(والمال في يد المضارب) مثله في العزمية عن صدر الشريعة وهو نص على المتوهم، وإلا فبالأولى إذا
دفعه لرب المال بعد الفسخ ثم استرده وعقدا أخرى. قوله: (لأنه عقد جديد) أي لان المضاربة الأولى
قد انتهت بالفسخ وثبوت الثانية بعقد جديد فهلاك المال في الثانية لا يوجب انتقاض الأولى فصار كما
إذا دفع إليه مالا آخر. قوله: (وهذه هي الحيلة النافعة للمضارب) أي لو خاف أن يسترد منه رب المال
الربح بعد القسمة بسبب هلاك ما بقي من رأس المال، وعلم مما مر آنفا أنه لا يتوقف صحة الحيلة على
أن يسلم المضارب رأس المال إلى رب المال، وتقييد الزيلعي به اتفاقي كما نبه عليه أبو السعود. والله
تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.
فصل في المتفرقات
قوله: (لا تفسد الخ) حتى لو اشترى رب المال به شيئا وباع فهو على المضاربة، لان الشرط هو
التخلية وقد تحققت، والابضاع توكيل بالتصرف والتصرف حق المضارب فيصح التوكيل به. وقال
زفر: لا تفسد ولا يستحق المضارب من ربحه شيئا لان رب المال تصرف في مال نفسه بغير توكيل ولم
يصرح به فيكون مستردا للمال، ولهذا لا يصح اشتراط العمل عليه ابتداء.
ولنا أن الواجب له التخلية وقد تمت وصار التصرف حقا للمضارب، وله أن يوكل رب المال
صالحا لذلك والابضاع توكيل لأنه استعانة، ولما صح استعان المضارب بالأجنبي فرب المال أولى لكونه
أشفق على المال فلا يكون استردادا، بخلاف شرط العمل عليه ابتداء لأنه يمنع التخلية.
فإن قلت: رب المال لا يصح وكيلا لان الوكيل من يعمل في مال غيره ورب المال لا يعمل في
مال غيره بل في مال نفسه. قلت: أجيب بأن المالك بعد التخلية صار كالأجنبي فجاز توكيله.
فإن قلت: الامر كذلك لصحة المضاربة مع رب المال. قلت: أجيب بأن المضاربة تنعقد شركة
على مال رب المال وعمل المضارب ولا مال هنا، فلو جوزناه أدى إلى قلب الموضوع ا ه‍. قوله: (بدفع
كل المال) أفاد بالدفع أن المضارب لا بد أن يتسلم المال أولا، حتى لو جعل المال بضاعة قبل أن
يتسلمه لا يصح، لان التسليم شرط فيها ا ه‍. مكي. قوله: (تقييد الهداية) الأولى الاتيان بالفاء.
قوله: (بضاعة) المراد بالبضاعة هنا الاستعانة لان الابضاع الحقيقي هنا لا يتأتى لان الربح جميعه فيه

447
لرب المال وليس الامر هنا كذلك. قوله: (لا مضاربة) عطف على بضاعة المسلط عليه المنفي من
عامله، فالمعنى لا ينتفي الفساد بدفعها مضاربة بل تفسد، لان نفي النفي إثبات وقد تبع المؤلف،
ومفهومه: أنه لو دفعه مضاربة تفسد الأولى مع أن الذي يفسد هو الثانية لا الأولى كما في الهداية، قال
في البحر: وتقييده بالبضاعة اتفاقي، لأنه لو دفع المال إلى رب المال مضاربة لا تبطل الأولى بل الثانية،
لان المضاربة به تنعقد شركة على مال رب المال وعمل المضارب ولا مال هنا، فلو حوزناه يؤدي إلى
قلب الموضوع، وإذا لم يصح بقي عمل رب المال بأمر المضارب فلا تبطل الأولى كما تقدم عن الهداية،
وبه علم أنها بضاعة وإن سميت مضاربة لان المراد بالبضاعة هنا الاستعانة، لان الابضاع الحقيقي لا
يتأتى هنا، وهو أن يكون المال للمبضع والعمل من الآخر ولا ربح للعامل، وفهم من مسألة الكتاب
جواز الابضاع كالأجنبي بالأولى، وما وقع في الدرر من أنه لا تبطل بالدفع إلى المالك بضاعة أو
مضاربة فإنه محمول على ما ذكرنا من عدم صحة المضاربة الثانية وإبقاء الأولى. قوله: (لما مر) أي من
أن الشئ لا يتضمن مثله. قوله: (وإن أخذه) محترز قوله يدفع. قوله: (أي المالك الخ) قال في
المبسوط: والحاصل أن كل تصرف صار مستحقا للمضارب على وجه لا يملك رب المال منعه فرب
المال في ذلك يكون معينا له سواء باشره بأمره أو بغير أمره وكل تصرف يتمكن رب المال أن يمنع
المضارب منه فرب المال في ذلك التصرف عامل لنفسه إلا أن يكون بأمر المضارب فحينئذ يكون معينا
له. ا ه‍. منح.
قال الرملي في حاشيته عليها: قوله وإن صار عرضا الخ، أقول: استفيد من ذلك جواز بيع المال
عروض المضاربة وهي واقعة الفتوى. ا ه‍.
قلت: وينطق به الحاصل الذي ذكره صاحب المنح لان هذا التصرف صار مستحقا للمضارب
على وجه لا يملك رب المال منعه، فرب المال معينا له باشره بأمره أو بغير أمره، فإن باشره حتى صار
نقدا كان تصرفه بعد ذلك لنفسه، ولتكن على ذكر مما تقدم أن النقد إذا لم يكن من جنس رأس مال
المضاربة يملك المضارب تبديله من جنس رأس مال المضاربة، فلو بدله المالك كان معينا للمضارب ولو
بغير أمره. أما لو اشترى المالك بنقد ليس من جنس رأس مال المضاربة هل يكون ذلك للمضاربة أم
لنفسه. يحرر. قوله: (ثم إن باع بعرض) أي ما صار عرضا. قوله: (وإن بنقد بطلت) قال في المنح:
فلو باع العروض بنقد ثم اشترى عروضا كان للمضارب حصته من ربح العروض الأولى لا الثانية،
لأنه لما باع العروض وصار المال نقدا في يده كان ذلك نقضا للمضاربة فشراؤه به بعد ذلك يكون
لنفسه، فلو باع العروض بعروض مثلها أو بمكيل أو موزون وربح كان بينهما على ما شرطا، لان رب
المال لا يتمكن من نقض المضاربة ما دام المال عروضا ا ه‍. ونقله ط عن حاشية المكي. قوله: (لما مر)
من أنه عامل لنفسه. قوله: (وإذا سافر) أطلق السفر، فشمل السفر للتجارة ولطلب الديون فيرجع بما
أنفق بطلبه، إلا إذا زاد على الدين فلا يرجع بالزيادة، كما صرح به في المحيط، وأطلق عمله في المصر
فشمل عمله للتجارة ولاقتضاء الديون، ولا رجوع له في ماله فيما أنفقه في الخصومة كما في المحيط.

448
كذا في البحر. قوله: ولو يوما لان العلة في وجوب النفقة حبس نفسه لأجلها، فعلم أن المراد من
السفر هنا أن لا يمكنه أن يبيت في منزله، وإن خرج من المصر وأمكنه أن يعود إليه في ليلة فهو في
المصر لا نفقة له. منح.
ثم نقل عن السراجية: وإذا خرج بنية السفر قل أو كثر فنفقته في مال المضاربة، إلا إذا كان
يغدو إلى بعض نواحي المصر ا ه‍. قوله: (فطعامه) ولو فاكهة. حموي. أي معتادة واللحم كما كان
يأكل، كذا وروي عن أبي يوسف: وإنما لا تلزم نفقة غلمان المالك لان نفقتهم كنفقة نفسه، وهو لو
سافر معه ليعينه على العمل في مال المضاربة لم يستوجب نفقة في مال المضاربة بهذا السبب، فكذا نفقة
غلمانه ودوابه، بخلاف غلمان المضارب ودوابه ا ه‍. مبسوط ط. قوله: (وركوبه) أي في الطريق.
شمني. وكذا فرش نومه. ملتقى وبحر عن المحيط. قوله: (بفتح الراء) ويجوز أن يكون بالضم على أنه
مصدر أريد به اسم المفعول وهو الجاري على الألسنة مكي عن الشلبي، وكذا أجرة خادمه وعلف
دابته. وأما نفقة عبيد المالك ودوابه لو سافر بهم المضارب فعلى المالك لا في مال المضاربة، ولو أنفق
عليهم المالك نفسه من المضاربة كان استردادا لرأس المال لا من الربح ا ه‍. ط عن الحموي. قوله:
(ولو بكراء) هذا يفيد أن له أن يشتري دابة للركوب، فإن لم يشتر واكترى لزمه الكراء فلو قال أو
كراؤه كان أوضح ط. قوله: (وكان ما يحتاجه عادة) قال الزيلعي: ومن مؤنته الواجبة فيه غسل ثيابه
وأجرة من يخدمه والدهن في موضع يحتاج إليه كالحجاز وأجرة الحمام والحلاق وقص الشارب كل
ذلك من مال المضاربة، لان العادة جرت بها، ولأن نظافة البدن والثياب يوجب كثرة من يعامله، لان
صاحب الوسخ يعدونه الناس من المفاليس فيجتنبون معاملته فيطلق له كل ذلك بالمعروف، حتى إذا زاد
يضمن، ولو رجع إلى بلده وفي يده شئ من النفقة رده إلى مال المضاربة كالحاج عن الغير إذا بقي
شئ في يده رده على المحجوج عنه أو على الورثة وكالغازي إذا خرج من دار الحرب يرد إلى الغنيمة ما
معه من النفقة، وكالأمة إذا بوأها المولى منزلا مع الزوج ثم أخرجها إلى الخدمة وقد بقي شئ من
النفقة في يدها استردها المولى. وعن الحسن عن أبي حنيفة أن الدواء أيضا يكون في مال المضاربة لأنه
لا إصلاح دونه وتمكنه من العمل وصار كالنفقة. وجه الظاهر أن النفقة معلوم وقوعها والحاجة إلى
الدواء من العوارض فكان موهوما فلا يجب كما في حق المرأة.
وفي النهاية: الشريك إذا سافر بمال الشركة فنفقته في ذلك المال، روي ذلك عن محمد. قال
في التتارخانية نقلا عن الخانية: قال محمد: هذا استحسان ا ه‍: أي وجوب نفقته في مال الشركة،
وحيث علمت أنه استحسان فالعمل عليه لما علمت أن العمل على الاستحسان إلا في مسائل ليست
هذه منها. ذكره الخير الرملي. وذكر في الكافي بعدما ذكر وجوب النفقة للمضارب فقال: بخلاف
الشريك لأنه لم يجر التعارف أن الشريك العالم ينفق عن نفسه من مال الشريك الآخر ا ه‍. قال في
الشرنبلالية نقلا عن البزازية: وكذا له الخضاب وأكل الفاكهة كعادة التجار ا ه‍. قوله: (بالمعروف) فإن
جاوز المعروف ضمن الفضل كما سيأتي. قوله: (في مالها) سواء كان المال قليلا أو كثيرا. حموي. لان
النفقة تجب جزاء الاحتباس كنفقة القاضي والمرأة والمضارب في المصر ساكن بالسكن الأصلي، وإذا
سافر صار محبوسا بالمضاربة فيستحق النفقة قيد بالمضارب لان الأجير والوكيل والمستبضع لا نفقة لهم

449
مطلقا، لان الأجير يستحق البدل لا محالة والوكيل والمستبضع متبرعان، وكذا الشريك إذا سافر بمال
الشركة لا نفقة له ظاهر الرواية، وفي الاستحسان: له النفقة كما علمت، وسيأتي. قوله: (لا
فاسدة) كنفقة المضارب فيها من مال نفسه. منح. قوله: (لأنه أجير) أي في الفاسدة. قوله:
(كمستبضع ووكيل) فهما متبرعان. وفي الاتقاني: لا نفقة للمستبضع في مال البضاعة لأنه متطوع فيها
إلا أن يكون أذن له فيها ا ه‍. قوله: (وفي الأخير خلاف) قال في المنح: وكذا الشريك إذا سافر بمال
الشركة لا نفقة له لأنه لم يجز التعارف به. ذكره النسفي في كافيه. وصرح في النهاية بوجوبها في مال
الشركة ا ه‍. وكأنه حبس نفسه للمالين فتكون النفقة على قدرهما، وقدمنا قريبا أن الوجوب استحسان
وأن العمل عليه هنا. لكن في ابن ملك ما يفيد أن المعتمد عدم الوجوب فإنه نقل الوجوب رواية عن
محمد فقط.
فالحاصل: أن الذي عليه الفتوى الوجوب لا سيما وقد أفتى به في الحامدية وأقره سيدي
المرحوم الوالد في تنقيحه على أن العرف الآن عليه فاغتنمه. قوله: (وإن عمل في المصر الخ) لأنه لم
يحبس نفسه لأجل المضاربة بل هو ساكن بالسكن الأصلي كما قدمناه قريبا. قوله: (كدوائه على الظاهر)
أي ظاهر الرواية: يعني إذا مرض كان دواؤه من ماله مطلقا: أي في السفر والحضر، لأنه قد يمرض
وقد لا يمرض فلا يكون من جملة النفقة برهان وغيره. وعن أبي حنيفة أن الدواء في مال المضاربة لأنه
لاصلاح بدن، وكذلك النورة والدهن في قولهما خلافا لمحمد في الدهن. وفي سري الدين عن
المبسوط: الحجامة والكحل كالدواء ا ه‍. قوله: (فله النفقة) فلو أخذ مالا بالكوفة وهو من أهل البصرة
وكان قدم الكوفة مسافرا فلا نفقة في المال ما دام في الكوفة، فإذا خرج منها مسافرا فله النفقة حتى
يأتي البصرة لأنه خروج لأجل المال، ولا ينفق من المال ما دام بالبصرة، لان البصرة وطن أصلي له
فكانت إقامته فيه لأجل الوطن لا لأجل المال، فإذا خرج من البصرة له أن ينفق من المال إلى أن يأتي
الكوفة، لان خروجه من البصرة لأجل المال، وله أن ينفق أيضا ما أقام بالكوفة حتى يعود إلى البصرة
لان وطنه بالكوفة كان وطن إقامة وأنه يبطله بالسفر الخ. قوله: (ما لم يأخذ مالا) هذه العبارة تفيد أنه
إذا أخذ مالا غير مال المضاربة بأن تركه في بلده وسافر بمال آخر وأقام بالكوفة فإنه لا نفقة له بدليل
المقابلة والتعليل، وليس الامر كذلك، وكأنه فهم ذلك من قوله المنح: فلو أخذ مالا بالكوفة وهو من
أهل البصرة وكان قدم الكوفة مسافرا فلا نفقة له. ا ه‍.
والمقصود من هذه العبارة هو ما لو نوى الإقامة بمصر ولم يتخذه دارا فله النفقة، إلا إذا كان قد
أخذ مال المضاربة في ذلك المصر فلا نفقة له ما دام فيه، ويدل له ما في المبسوط: ولو دفع المال إليه
مضاربة وهما بالكوفة وليست الكوفة بوطن للمضارب لم ينفق على نفسه من المال ما دام بالكوفة، لان
إقامته فيها ليست للمضاربة فلا يستوجب النفقة ما لم يخرج منها، فإن خرج منها إلى وطنه ثم عاد إليها
في تجارة أنفق في الكوفة من مال المضاربة، لان وطنه بها كان مستعارا وقد انتقض بالسفر فرجوعه بعد
ذلك إلى الكوفة وذهابه إلى مصر آخر سواء. مكي.
قال في البحر: فلو أخذ مالا بالكوفة وهو من أهل البصرة وكان قدم الكوفة مسافرا فلا نفقة له

450
في المال ما دام بالكوفة، فإذا خرج منها مسافرا فله النفقة حتى يأتي البصرة لان خروجه لأجل المال
ولا ينفق من المال ما دام بالبصرة، لان البصرة وطن أصلي له فكان إقامته فيه لأجل الوطن لا لأجل
المال، فإذا خرج من البصرة له أن ينفق من المال إلى أن يأتي الكوفة لان خروجه من البصرة لأجل المال
وله أن ينفق أيضا ما أقام بالكوفة حتى يعود إلى البصرة، لان وطنه بالكوفة كان وطن إقامة وأنه يبطل
بالسفر، فإذا عاد إليها وليس له بها وطن فكأن إقامته فيها لأجل المال. كذا في البدائع والمحيط
والفتاوى الظهيرية ا ه‍ ويظهر منه أنه لو كان له وطن في الكوفة أيضا ليس له الانفاق إلا في الطريق،
ورأيت التصريح به في التتارخانية من الخامس.
والحاصل: أنه إذا أخذ مالا بالكوفة وهو من أهل البصرة وكان قدم الكوفة مسافرا قبل ذلك فلا
نفقة له ما دام بها حتى يرتحل عنها، وعليه فلا يخفى مما في كلام الشارح من الايجاز الملحق بالألغاز.
أقول: وحق العبارة هكذا: ما لم يأخذ مالها فيه لأنه لم يحبس به، ويفيد بمفهومه أنه إذا احتبس
بأن سافر من البلدة التي أخذ المال فيها ثم عاد بالمال إليها كان له النفقة لأنه احتبس به حينئذ. قوله:
(أو خلط الخ) أو بعرف شائع كما قدمنا أنه لا يضمن به. قوله: (بإذن) أي تصير شركة ملك فلا
تنافي المضاربة ونظيره ما قدمناه لو دفع إليه ألفا نصفها قرض ونصفها مضاربة صح ولكل نصف حكم
نفسه ا ه‍. مع أن المال مشترط شركة ملك فلم يضمن المضاربة، وبه ظهر أنه لا ينافي ما قدمه الشارح
عن الكافي من أنه ليس للشريك نفقة، فافهم. قوله: (أو بمالين لرجلين) هذا مخصوص بأن لا يكون
المال الآخر بضاعة.
قال في المحيط البرهاني: ولو كان أحدهما بضاعة فنفقته في المضاربة، إلا أن يتفرغ للعمل في
البضاعة ففي ماله إلا أن يأذن له المستبضع بالنفقة منها لأنه متبرع.
تتارخانية في الخامس عشر فيها من العتابية: ولو رجع المضارب من سفره بعد موت رب المال
فله أن ينفق من المال على نفسه وعلى الرقيق، وكذا بعد النهي، ولو كتب إليه ينهاه وقد صار المال نقدا
لم ينفق في رجوعه ا ه‍. قوله: (رد ما بقي) أي لو ميز مالا للنفقة فأنفق بعضه وبقي منه شئ حين
قدم مصره رد ما بقي إلى المضاربة لان الاستحقاق أمر ينتهي بانتهاء السفر. رحمتي عن ابن ملك.
والظاهر أنه يرد ما زاد عنه مما اشتراه للنفقة من كسوة وطعام عند انتهاء السفر. قوله: (ولو أنفق من
ماله) أو استدان على المضاربة للنفقة. بحر. وهذا يفيد أن قولهم لا يملك الاستدانة مقيد بغير النفقة.
قوله: (له ذلك) وكذا لو استدان على المضاربة للنفقة، لان التدبير في الانفاق إليه كالوصي إذا أنفق من
مال نفسه على الصغير ا ه‍. قوله: (ولو هلك) أي مال المضاربة قبل أن يرجع. قوله: (لم يرجع على
المالك) لفوات محل النفقة. بحر. قوله: (ويأخذ الخ) أي أن المالك يأخذ المال الذي أنفقه المضارب من
رأس المال من المال الذي جاء به المضارب، فإذا استوفى رب المال رأس ماله الذي دفعه إلى المضارب
بما اشترى به البضاعة وما أنفقه وفضل شئ اقتسماه، وإن لم يظهر ربح فلا شئ على المضارب عوضا
عما أنفقه على نفسه. قوله: (من رأس المال) متعلق بأنفق.

451
قال في البحر: وفيه إشارة إلى أن المضارب له أن ينفق على نفسه من مال المضاربة قبل الربح
ا ه‍. قيد بالنفقة لأنه لو كان في المال دين غيرها قدم إيفاؤه على رأس المال كما في المنح.
وفي البحر أيضا: وأطلق المضارب ليفيد أنه لا فرق بين المضارب ومضاربه إذا كان أذن له في
المضاربة وإلا فلا نفقة للثاني. قوله: (إن كان ثمة ربح) الأوضح أن يقول: من الربح إن كان ثمة
ربح. قوله: (وإن لم يظهر ربح فلا شئ عليه) أي على المضارب عوضا عما أنفقه على نفسه.
وحاصل المسألة: أنه لو دفع له ألفا مثلا فأنفق المضارب من رأس المال مائة وربح مائة يأخذ
المالك المائة الربح بدل المائة التي أنفقها المضارب ليستوفي المالك جميع رأس ماله، فلو كان الربح في
هذه الصورة مائتين يأخذ مائة بدل النفقة ويقتسمان المائة الثانية بينهما على ما شرطاه فتكون النفقة
مصروفة إلى الربح ولا تكون مصروفة رأس المال، لان رأس المال أصل والربح تبع فلا يسلم لهما التبع
حتى يسلم لرب المال الأصل. عيني. قوله: (حسب ما أنفق الخ) وفي الكافي: شرى بالمال ثيابا وهو
ألف واستقرض مائة للحمل رابح بألف ومائة عند الامام وعندهما على مائة فقط، ولو باعها بألفين
قسم على أحد عشر جزءا سهم له والعشرة للمضاربة. قوله: (من الحملان) قال في مجمع البحرين:
والحملان بالضم الحمل مصدر حمله، والحملان أيضا أجر ما يحمل ا ه‍. وهو المراد ط. قوله: (وأجرة
السمسار) هو تكرار مع ما تقدم في المتن. قوله: (وكذا يضم إلى رأس المال ما يوجب زيادة) لأنها
بالزيادة عن الثمن صارت كالثمن. زيلعي وهو مستغني عنه بما قبله ط. قوله: (حقيقة) كالصبغ
والخياطة وكسوة المبيع وغيره. قوله: (أو حكما) كالقصارة وحمل الطعام وسوق الغنم وسقي الزرع
وغيره. قوله: (وهذا هو الأصل نهاية) أشار بهذا إلى ما مر في باب المرابحة بقوله: وضابطه كل ما
يزيد في المبيع أو في قيمته يضم، واعتمد العيني عادة التجار بالضم، فإذا جرت العادة بضم ذلك
يضم. قوله: (على نفسه) أي في السفر في الإقامة أولى. قوله: (لعدم الزيادة والعادة) لما كان (1) في
عبارة المنح ما يشعر بأن بعض النفقة تكون سبا لزيادة الثمن لكن لم تجر العادة بضمها، وهذا البحث
يتعلق بباب المرابحة وقد تقدم تحقيقه، وعلى كل فهو تكرار مع ما في المتن، والأولى التمثيل بما يأخذه
العشار. قوله: (بزا) قال محمد في السير: البز عند أهل الكوفة: ثياب الكتان أو القطن لا ثياب
الصوف أو الخز. منح عن المغرب. وقيل هو متاع البيت. ذكره مسكين. قوله: (أي ثيابا) أطلقه
إشارة إلى أن الحكم غير مقيد بحقيقة البز التي هي الكتان أو القطن أو متاع البيت. قوله: (فضاعا) أي



(1) قوله: (لما كان الخ) وهكذا بالأصل ولتحرر هذه العبارة ا ه‍.
452
الألفان هلكا في يده من غير تقصير منه برهان. قوله: (غرم المضارب ربعهما) لان المال لما صار ألفين
ظهر الربح في المال وهو ألف وكان بينهما نصفين فيصيب المضارب منه خمسمائة، فإذا اشترى بالألفين
عبدا صار مشتركا بينهما فربعه للمضارب وثلاثة أرباعه لرب المال، ثم إذا ضاع الألفان قبل النقد كان
عليهما ضمان العبد على قدر ملكهما في العبد، فربعه على المضارب وهو خمسمائة وثلاثة أرباعه على
رب المال وهو ألف وخمسمائة. منح. وهو مشكل لان مال المضاربة في يده أمانة وما شراه إنما شراه
للمضاربة ألا يرى أنه بعد اقتسام الربح قبل فسخ المضاربة لو وقع خسران يسترد منه الربح، فعلمنا أن
الربح لم يملكه بمجرد حصوله ولم يقع الشراء له، فليتأمل وجهه. قوله: (وغرم المالك الباقي) ولكن
الألفان يجبان جميعا للبائع على المضارب ثم يرجع المضارب على رب المال بألف وخمسمائة، لان
المضارب هو المباشر للعقد وأحكام العقد ترجع إليه. إتقاني. قوله: (لكونه مضمونا) علة. لقوله:
خارجا عن المضاربة أي بين الضمان المفهوم من مضمون وبين الأمانة. قوله: (وباقيه لها) لان
ضمان رب المال لا ينافي المضاربة. قوله: (ولو بيع العبد) أي والمسألة بحالها. قوله: (فحصتها ثلاثة
آلاف) ثمن ثلاثة أرباع العبد. قوله: (لان ربعه) أي ربع العبد ملك للمضارب كما تقدم قوله:
(بينهما) أي والألف يختص بها المضارب كما مر. قوله: (ولو شرى من رب المال بألف عبدا) أي قيمته
ألف فالثمن والقيمة سواء، وإنما قلنا ذلك لأنه لو كان فيهما فضل بأن اشترى رب المال عبدا بألف
قيمته ألفان ثم باعه من المضارب بألفين بعد ما عمل المضارب في ألف المضاربة وربح فيها ألفا فإنه
يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة حصة المضارب: أما لو كان مال المضاربة ألفين فهي كالمسألة الأولى
وكذا إذا كان في قيمة المبيع فضل دون الثمن بأن كان العبد يساوي ألفا وخمسمائة فاشتراه رب المال
بألف وباعه من المضارب بألف يبيعه المضارب مرابحة على ألف ومائتين وخمسين، وكذا عكسه بأن
شرى عبدا قيمته ألف بألف فباعه منه بألف. فالمسألة رباعية: قسمان لا يرابح فيهما إلا على ما اشترى
رب المال، وهما إذا كان لا فضل فيهما أو لا فضل في قيمة المبيع فقط. وقسمان يرابح عليه وعلى
حصة المضارب، وهما إذا كان فيهما فضل أو في قيمة المبيع فقط، وهذا إذا كان البائع رب المال، فلو
كان المضارب فهو على أربعة أقسام أيضا كما يأتي. وتمامه في البحر عن المحيط. قوله: (شراه رب المال
بنصفه) صفة عبد. قوله: (رابح بنصفه) جواب شراه، أي فلا يجوز أن يبيعه مرابحة على ألف لان بيعه
من المضارب كبيعه من نفسه لأنه وكيله فيكون بيع ماله بماله فيكون كالمعدوم وهو لا يجوز.
وفي حاشية الشلبي: لان عقد المرابحة عقد أمانة فيجب تنزيهه عن الخيانة وعن شبهة الخيانة،
والعقد الأول وقع لرب المال والثاني كذلك، لان شراء المضارب لا يخرج عن ملك رب المال إلا أنه
صح العقد لزيادة فائدة وهي ثبوت اليد والتصرف للمضارب فبقي شبهة عدم وقوع العقد الثاني فبيعه

453
مرابحة على الثمن الأول وذلك خمسمائة. قوله: (وكذا عكسه) وهو ما لو كان البائع المضارب والمسألة
بحالها بأن شرى رب المال بألف عبدا شراه المضارب بنصفه ورأس المال ألف فإنه يرابح بنصفه: أي
يبيعه مرابحة على خمسمائة، لان البيع الجاري بينهما كالمعدوم، وهذا إذا كانت قيمته كالثمن لا فضل
فيهما، ومثله لو الفضل في القيمة فقط. أما لو كان فيهما فضل أو في الثمن فقط فإنه يرابح على ما
اشترى به المضارب وحصة المضارب، وبه علم أنه المسألة رباعية أيضا. وتمامه في البحر. قوله: (ومنه
علم جواز شراء المالك من المضارب وعكسه) أما شراء المالك من المضارب مال المضاربة فإنه وإن كان
مال المالك لكنه لا يملك التصرف فيه بعد صيرورته عرضا، وصحة العقد تحتمل حصول الثمرة وقد
حصلت بملكه التصرف. وأما شراء المضارب من رب المال فهو صحيح، لان ما شراه لا يملك فيه
العين ولا التصرف، وهو وإن شراه للمالك لأنه وكيل عنه، لكن في شرائه فائدة وهو حصول الربح
له. وفيه فائدة للمالك أيضا لأنه ربما يعجز عن بيعه بنفسه. قوله: (ولو شرى) أي من معه ألف
بالنصف كما قيد به في الكنز. قوله: (لخروجه عن المضاربة بالفداء) لان الفداء مؤنة الملك فيتقدر
بقدره، فإذا فدياه خرج العبد كله عن المضاربة. أما نصيب المضارب فإنه صار مضمونا عليه. وأما
نصيب رب المال فبقضاء القاضي بانقسام الفداء عليهما، لان قضاءه بالفداء يتضمن قسمة العبد بينهما
لان الخطاب بالفداء يوجب سلامة المفدي ولا سلامة إلا بالقسمة. زيلعي.
قال في البحر: لان الفداء مؤنة الملك وقد كان الملك بينهما أرباعا لأنه لما صار المال عينا واحدا
ظهر الربح وهو ألف بينهما وألف لرب المال، فإذا فدياه خرج عن المضاربة لان نصيب المضارب صار
مضمونا عليه ونصيب رب المال صار له بقضاء القاضي بالفداء عليهما، وإذا خرج عنها بالدفع أو
بالفداء غرما على قدر ملكهما. ا ه‍.
والفرق بين هذا وبين ما مر حيث لا يخرج هناك ما خص رب المال عن المضاربة، وهنا يخرج
لان الواجب هنا ضمان التجارة وهو لا ينافي المضاربة، وهنا ضمان الجناية وهو ليس من التجارة في
شئ فلا يبقى على المضاربة. كفاية. قوله: (كما مر) أي قريبا من أن ضمان المضارب ينافي المضاربة.
قوله: (ولو اختار المالك الدفع الخ) قال في البحر: قيد بقوله قيمته ألفان، لأنه لو كانت قيمته ألفا
فتدبير الجناية إلى رب المال، لان الرقبة على ملكه لا ملك للمضارب فيها، فإن اختار رب المال الدفع
والمضارب الفداء مع ذلك فله ذلك، لأنه يستبقي بالفداء مال المضاربة وله ذلك، لان الربح يتوهم.
كذا في الايضاح ا ه‍. ونحوه في غاية البيان.
ولا يخفى أن الربح في مسألة المصنف محقق، بخلاف هذه فقد علل لغير مذكور، على أن الظاهر
أنه في مسألة المتن لا ينفرد أحدهما بالخيار لكون العبد مشتركا، يدل عليه ما في غاية البيان ويكون
الخيار لهما جميعا إن شاء فديا وإن شاء دفعا، فتأمل. ا ه‍.

454
أقول: لكن صدر عبارة البحر ينافي آخرها، ولعلهما قولان:
الأول: أن الخيار لرب المال لان العبد ملكه وحده.
والثاني: أن الخيار للمضاربة لتوهم الربح ولاستبقاء المضاربة. ثم لا تنافي بين قوله هنا لاستبقاء
المضاربة وقول الشارح فيما مر أنه يخرج عن المضاربة بالفداء لان ما مر فيه للمضارب ربح فضمن
قدر ربحه من الفداء والضمان ينافي المضاربة، بخلاف ما هنا. تأمل.
وفي البحر قال: ثم اعلم أن العبد مشترك في المضاربة إذ جنى خطأ لا يدفع بها حتى يحضر
المضارب ورب المال، سواء كان الأرش مثل قيمة العبد أو أقل أو أكثر، وكذا لو كانت قيمته ألفا لا
غير لا يدفع إلا بحضرتهما، لان المضارب له فيه حق ملك حتى ليس لرب المال أن يأخذه ويمنعه من
بيعه كالمرهون إذا جنى خطأ لا يدفع إلا بحضرة الراهن والمرتهن.
والحاصل: أنه يشترط حضرة رب المال والمضارب للدفع دون الفداء، إلا إذا أبى المضارب الدفع
والفداء وقيمته مثل رأس المال فلرب المال دفعه لتعنته، فإن كان أحدهما غائبا وقيمة العبد ألف درهم
ففداه الحاضر كان متطوعا لأنه أدى دين غيره بغير أمره وهو غير مضطر فيه، فإنه لو أقام بينة على
الشركة لا يطالب بحصة صاحبه لا بالدفع ولا بالفداء. كذا في النهاية. وذكر قاضيخان أن المضارب
ليس له الدفع والفداء وحده لأنه ليس من أحكام المضاربة، فلذا كان إليهما. ا ه‍.
قال المقدسي: ولو اختار المضارب وحده الدفاع دفع حصته والمالك مخير في الباقي بين الدفع
والفداء ا ه‍. قوله: (اشترى) أي المضارب. قوله: (ثم وثم) فيه حذف المعطوف ودخول العاطف على
مثله. حموي. قوله: (ورأس المال جميع ما دفع) يعني لا يكون للمضارب شئ من الربح حتى يصل
رب المال إلى جميع ما أوصله المضارب على أنه ثمن. أما إذا أراد المضارب أن يبيعه مرابحة لا يرابح إلا
على ألف كما تقدم ا ه‍ شلبي. قوله: (بخلاف الوكيل) إذا كان الثمن مدفوعا إليه قبل الشراء، ثم
هلك بعد الشراء فإنه لا يرجع إلا مرة لأنه أمكن جعله مستوفيا لان الوكالة تجامع الضمان كالغاصب
إذا وكل ببيع المغصوب ثم في الوكالة في هذه الصورة يرجع مرة. وفيما إذا اشترى ثم دفع الموكل إليه
المال فهلك بعده لا يرجع لأنه ثبت له حق الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيا بالقبض بعده. أما
المدفوع إليه قبل الشراء أمانة في يده وهو قائم على الأمانة بعده فلم يصر مستوفيا فإذا هلك يرجع عليه
مرة ثم لا يرجع لوقوع الاستيفاء. بحر.
والحاصل: أن الوكيل إذا قبض الثمن بعد الشراء ثم هلك فإنه لا يرجع لأنه ثبت له حق
الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيا بالقبض بعده. وأما لو دفع إليه قبل الشراء فهلك بعد الشراء
يرجع مرة، لان المدفوع إليه قبل أمانة في يده وهو قائم على الأمانة بعده، فإذا هلك يرجع عليه مرة
ثم لا يرجع لوقوع الاستيفاء. أفاده المصنف. قوله: (لان يده ثانيا يد استيفاء لا أمانة) بيانه أن المال
في يد المضارب أمانة ولا يمكن حمله على الاستيفاء لأنه لا يكون إلا بقبض مضمون، فكل ما قبض
يكون أمانة وقبض الوكيل ثانيا استيفاء لان وجب له على الموكل مثل ما وجب عليه للبائع، فإذا قبضه

455
صار مستوفيا له فصار مضمونا عليه فيهلك عليه، بخلاف ما إذا لم يكن مدفوعا إليه إلا بعد الشراء
حيث لا يرجع أصلا، لأنه ثبت له حق الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيا بالقبض بعده، إذ المدفوع
إليه قبله أمانة وهو قائم على الأمانة بعده فلم يصر مستوفيا، فإذا هلك يرجع مرة فقط لما قلنا. قوله:
(معه) أي المضارب. قوله: (فالقول للمضارب) وقال زفر: القول لرب المال، وهو قول أبي حنيفة
أولا، لان المضارب يدعي الربح والشركة فيه ورب المال ينكره. فالقول قول المنكر. ثم رجع وقال:
القول قول المضارب، وهو قولهما بأن حاصل اختلافهما في المقبوض فالقول قول القابض في مقدار
المقبوض ولو ضمنيا اعتبارا بما لو أنكره أصلا فإن القول له. قوله: (لان القول في مقدار المقبوض
للقابض) لأنه أحق بمعرفة مقدار المقبوض. قوله: (أمينا) أي كالمودع. قوله: (أو ضمنيا) كالغاصب.
قوله: (كما لو أنكره) أي القبض أصلا فالقول قوله. قوله: (ولو كان الاختلاف مع ذلك) أي مع
الاختلاف في المقبوض الاختلاف في مقدار الربح، بأن قال المال رب رأس المال ألفان وشرطت لك
ثلث الربح وقال المضارب رأس المال ألف وشرطت لي نصف الربح كان القول للمضارب في قدر
رأس المال لأنه القابض، والقول لرب المال في مقدار الربح لأنه المنكر للزيادة، وهو لو أنكر استحقاق
الربح عليه بالكلية بأن ادعى البضاعة قبل منه، فكذا في إنكاره الزيادة. ذكره الزيلعي. قوله: (فقط)
لا في رأس المال، بل القول فيه للمضارب لأنه القابض كما علمت. قوله: (لأنه يستفاد من جهته) أي
من جهة رب المال من حيث إن الربح نماء ملكه. قوله: (وإن أقاماها الخ) أي لان بينة رب المال
في زيادة رأس المال أكثر إثباتا، ولأن بينة المضارب في زيادة الربح أكثر إثباتا كما في الزيلعي.
ويؤخذ من هذا ومن الاختلاف في الصفة أن رب المال لو ادعى المضاربة وادعى من في يده
المال أنها عنان وله في المال كذا وأقاما البينة فبينة ذي اليد أولى، لأنها أثبتت حصة من المال وأثبتت
الصفة.
أقول: لكن قد يقال: إن كلتا البينتين أثبتت حصة وصفة وتزيد بينة رب المال بأنه خارج إلا أن
يقال: إن الصفة التي أثبتتها بينة القابض أقوى، لان شركة العنان أقوى من المضاربة، فليتأمل. قوله:
(في المقدار) أي مقدار المقبوض. قوله: (لأنه لو كان في الصفة) أي صفة الدفع هل هو مضاربة أو
بضاعة؟ وقال المالك بضاعة ولم أجعل لك من الربح شيئا، وقال من في يده المال مضاربة وجعلت لي
نصف الربح فالقول لرب المال، لان العامل يدعي عليه استحقاق أجر على عمله وهو ينكر والقول
للمنكر، وكان الأولى تقديم هذه المسألة على المسألة السابقة فيقول: قيد بكونه في مقدار المقبوض، لأنه
لو كان في مقدار الربح أيضا أو في الصفة فالقول لرب المال.
قال العلامة الرحمتي: وقوله لأنه لو كان في الصفة ليس على إطلاقه، لأنه لو ادعى المالك

456
القرض والقابض المضاربة أو البضاعة أو الوديعة كان القول للقابض كما سيأتي متنا. قوله: (فقال)
أي المضارب. قوله: (وقال المالك) الأولى ذو اليد. قوله: (فالقول للمالك) لأنه منكر، ولأن المضارب
يدعي عليه تقويم عمله أو شرطا من جهته أو يدعي الشركة في الربح وهو ينكر. ذكره ابن الكمال.
قوله: (ولو قال المضارب) الأولى واضع اليد لان المسألتين الأوليين اتفقا فيهما على عدم المضاربة.
قوله: (هي قرض) أي وجميع الربح لي. قوله: (أو وديعة) إنما كان القول له وإن كان ا لربح ليس له
منه شئ لما ذكره المؤلف من أنه يدعي عليه التمليك وهو ينكر. قوله: (والبينة بينة المضارب) سواء
أقامها وحده أو مع رب المال، لأنها تثبت أمرا زائدا وهو التمليك بالقرض. قوله: (لأنه يدعي عليه
التمليك) أي تمليك بعض الربح فيما إذا ادعى المضاربة وتمليك عين المال فيما إذا ادعى القرض، لان
المستقرض يملكه ولذا كان ربحه له. قوله: (لأنه ينكر الضمان) أي ورب المال يدعيه والقول للمنكر،
فقد خرجت هذه عن قاعدة الاختلاف في الوصف لهذه العلة لأنها أكثر إثباتا لأنها تثبت عليه ضمان
البدل ط. قوله: (فبينة رب المال أولى لأنها أكثر إثباتا) لأنه يدعي عليه الضمان بالقرض، وهذا معنى
قوله لأنها أكثر إثباتا وهذا ظاهر فيما إذا ادعى المالك القرض لأنها تثبت الضمان على المستقرض.
أما لو ادعى القابض القرض فينبغي أن تكون البينة له، لان بينته أكثر إثباتا وهو تملك المال المقبوض،
وكذا لو ادعى المضاربة لأنها تثبت استحقاقا في الربح. تأمل.
والحاصل: أن القول لمدعي المضاربة في الوجهين والبينة بينة مدعي القرض فيهما على ما ذكر.
وفي البدائع قال: دفعت لي ألفا مضاربة فهلكت فقال المقر له لا بل غصبتها مني: فإن الهلاك
قبل التصرف فلا ضمان، وإن بعده يضمن: يعني لان التصرف في مال الغير سبب لوجوب الضمان
في الأصل فكان دعوى الاذن دعوى البراءة عن الضمان فلا يثبت إلا بحجة. والظاهر أن هذا لا
يجري فيما نحن فيه لأنه أقر بالقبض المبيح للتصرف. قوله: (وأما الاختلاف في النوع) هذا مقابل قوله
المار: (لأنه لو كان في الصفة) وكان عليه أن يؤخر هذا إلى قوله: (ولو ادعى كل نوعا) لان
الاختلاف في العموم والخصوص ليس من الاختلاف في النوع بل من الصفة فلا يتم التفريع الآتي
عليه وهو قوله: (فإن ادعى المضارب الخ).
قال في البدائع: فإن اختلفا في العموم والخصوص فالقول قول من يدعي العموم بأن ادعى
أحدهما المضاربة في جميع التجارات أو في عموم الأمكنة أو مع عموم الاشخاص، لان قول من
يدعي العموم يوافق المقصود بالعقد، إذ المقصود هو الربح وهنا المقصود بالعموم أوفر، وكذا لو اختلفا
في الاطلاق والتقييد فالقول قول من يدعي الاطلاق، حتى لو قال رب المال أذنت لك أن تتجر في
الحنطة دون ما سواها، وقال المضارب ما سميت لي تجارة بعينها فالقول قول المضارب مع يمينه،
لان الاطلاق أقرب إلى المقصود بالعقد على ما بينا.

457
وقال الحسن بن زياد: القول قول رب المال في الفصلين: فإن قامت لهما بينة فالبينة بينة من
يدعي الخصوص في دعوى العموم والخصوص وفي دعوى الاطلاق والتقييد بينة من يدعي التقييد
لأنها تثبت زيادة قيد وبينة الاطلاق ساكتة. ولو اتفقا على الخصوص لكنهما اختلفا في ذلك الخاص
بأن قال رب المال دفعت المال إليك مضاربة في البر وقال المضارب في الطعام فالقول قول رب المال
اتفاقا، لأنه لا يمكن الترجيح هنا بالمقصود من العقد لاستوائهما في ذلك فترجع بالاذن، وأنه يستفاد
من رب المال، فإن أقاما البينة فالبينة بينة المضارب، لان بينته مثبتة وبينة رب المال نافية، لأنه لا يحتاج
إلى الاثبات والمضارب يحتاج له لدفع الضمان عن نفسه، فالبينة المثبتة للزيادة أولى. كذا في الحواشي
الحموية. قوله: فإن ادعى المضارب العموم أي في أنواع التجارات. قوله: (أو الاطلاق) بأن قال
أطلقت لي في السفر برا وبحرا. قوله: (وادعى المالك الخصوص) أي بنوع من التجارة.
والمناسب أو التقييد لتحسن المقابلة بأن قال قيدت لك السفر بالبر. قوله: (فالقول للمضارب)
لان الأصل في المضاربة العموم، إذ المقصود منها الاسترباح والعموم والاطلاق يناسبانه. وهذا إذا
تنازعا بعد تصرف المضارب، فلو قبله فالقول للمالك، كما إذا ادعى المالك بعد التصرف العموم
والمضارب الخصوص فالقول للمالك. در منتقى. ومثله في الخانية وغاية البيان والزيلعي والبحر
وغيرهما، وحكى ابن وهبان في نظمه قولين.
وفي مجموعة الأنقروي عن محيط السرخسي: لو قال رب المال هو قرض والقابض مضاربة، فإن
بعدما تصرف فالقول لرب المال والبينة بينته أيضا والمضارب ضامن، وإن قبله فالقول قوله ولا ضمان
عليه: أي القابض لأنهما تصادقا على أن القبض كان بإذن رب المال ولم يثبت القرض لانكار القابض
ا ه‍. ونقل فيها عن الذخيرة من الرابع مثله، ومثله في كتاب القول لمن عن غانم البغدادي عن الوجيز،
وبمثله أفتى علي أفندي مفتي الممالك العثمانية، وكذا قال في فتاوى ابن نجيم: القول لرب المال.
ويمكن أن يقال: إن ما في الخانية والمصنف وما قدمناه عن الدار المنتقى فيما إذا كان قبل
التصرف حملا للمطلق على المقيد لاتحاد الحادثة والحكم، وبالله التوفيق، كذا في مجموعة منلا علي
ملخصا. قوله: (ولو ادعى كل نوعا) بأن قال أحدهما في بز وقال الآخر في بر. قوله: (فالقول
للمالك) لأنهما اتفقا على الخصوص فكان القول قول من يستفاد من جهته الاذن والبينة بينة المضارب
لحاجته إلى نفي الضمان وعدم حاجته إلى البينة. ذكره الزيلعي. قوله: (والبينة للمضارب فيقيمها على
صحة تصرفه) يعني أن البينة تكون حينئذ على صحة تصرفه لا على نفي الضمان حتى تكون على النفي
فلا تقبل. قوله: (ولو وقتت البينتان) بأن قال ر ب المال أديت إليك مضاربة أن تعمل في بز في
رمضان وقال المضارب دفعت إلي لاعمل في طعام في شوال وأقاما البينة. قوله: (قضى بالمتأخرة)
لان آخر الشرطين ينقض الأول. عناية. قوله: (وإلا) أي إن لم يوقتا أو وقتت إحداهما دون الأخرى.
قوله: (فبينة المالك) لأنه يتعذر القضاء بهما معا للاستحالة، وعلى التعاقب لعدم الشهادة على ذلك،

458
وإذا تعذر بهما القضاء فبينة رب المال أولى لأنها تثبت ما ليس بثابت. أفاده الأكمل. وهذا ينافي ما
قدمه من أن البينة للمضارب إذ هو عند تعارض البينتين وإلا فهي لمن أقامها، إلا أن يحمل على أن
البينة أقامها المضارب فقط وهو بعيد، لأنه إذا انفرد كل بإقامة البينة قبلت منه فلا وجه للتخصيص.
وحاصله: أنه لم يظهر وجه ما ذكره لان المفهوم من تصوير صاحب الدرر والعزمية أنهما اتفقا
على المضاربة واختلفا في الوقت وأقاما بينة وأرخت البينتان يقضي بالمتأخرة فلا يقال: وإلا لأنهما إذا لم
يوقتا لا حاجة إليهما بعد الاتفاق على المضاربة، إلا أن يقال: إلا أن الاختلاف في التوقيت مبني على
الاختلاف في النوع، لكن المفهوم خلافه.
قال خير الدين الرملي: وجهه أن المضارب بقوله ما سميت لي تجارة بعينها يدعي التعميم وهو
أصل في المضاربة فالقول قول من يدعيه ورب المال بدعواه النوع ادعى التخصيص وهو خلاف الأصل
فيها، والبينة للاثبات والاثبات على من خالف الأصل.
وأقول: على هذا الاختلاف بين الوكيل والموكل في ذلك على العكس. تأمل.
قال في البحر في الوكالة: أمرتك بالاتجار في البر وادعى الاطلاق فالقول للمضارب لادعائه
عمومه. وعن الحسن عن الامام أنه لرب المال، لان الاذن يستفاد منه، وإن برهنا فإن نص شهود
العامل أنه أعطاه مضاربة في كل تجارة فهو أولى لاثباته الزيادة لفظا ومعنى، وإن لم ينصوا على هذا
الحرف فلرب المال. ا ه‍. قوله: (جاز) فيكون عاقدا من الجانبين كما في النكاح وهبة الأب من طفله.
قوله: (وقيده الطرسوسي) أي بحثا منه. ورده ابن وهبان بأنه تقييد لاطلاقهم برأيه مع قيام الدليل على
الاطلاق. واستظهر ابن الشحنة ما قاله الطرسوسي نظرا للصغير: أي ويكون هذا التقييد مراد من
أطلق ليحصل به نفي التهمة، لكن في جامع الفصولين عن الملتقط: ليس للوصي في هذا الزمان أخذ
مال اليتيم مضاربة فهذا يفيد المنع مطلقا. قوله: (بأن لا يجعل الوصي لنفسه من الربح أكثر مما يجعل
لأمثاله) بأن كان الغير يجعل لليتيم النصف منه فجعل الوصي الثلث له. قوله: (وتمامه في شرح
الوهبانية) أي لابن الشحنة، لأنه إذا أطلق شرح الوهبانية ينصرف إليه، كما إذا أطلق شرح الكنز
ينصرف للشارح الزيلعي، وكذا شرح الوقاية للشارح الشمني، وشرح الهداية لصاحب فتح القدير،
وشرح القدوري للجوهرة كما هو مقتضى كلامهم.
وعبارة ابن الشحنة: حيث قال بعد الذي ذكره الشارح: حتى لو كان الناس يعتقدون المضاربة
بالنصف حتى عقدها هو لنفسه في مال الصغير بالثلث لا يجوز له ذلك، وقال: إنه ما زاد ذلك إلا
دفعا لما توهمه عبارة الذخيرة من الجواز للتعليل بالاستنماء وعدم الاستحقاق في مال الصغير، وإنما هو
من الربح الحاصل بعمل المضارب، وقال إنه لم يقف على هذا التقييد في كلام الأصحاب، ولكنه ينبغي
أن يكون كذلك نظرا للصبي.
وتعجب المصنف من تقييده بما أطلقه المشايخ برأيه مع قيام الدليل على الاطلاق لأنه نفع
صرف، ووثوق الوصي بنفسه ليس كوثوقه بغيره، نعم لو جعله من باب الديانة والمروءة لكان حسنا،
لكن لو عقد بأقل صح ا ه‍.

459
قلت: الأظهر عندي ما قاله الطرسوسي، لان تصرف الوصي إنما هو بالولاية النظرية ولا نظر
للصبي في المضاربة في مال بأقل مما يفعله أمثال الوصي من الثقات، بل النظر فيه لجانب الوصي فإنه
يحصل لنفسه ربحا به يتعذر حصوله بدون مال اليتيم مع الحيف على اليتيم وإن كان مصلحة من حيث
إنه يحصل الربح في الجملة، اللهم إلا أن يقال: يكفي حصول المصلحة في الجملة وإن أمكن ما هو
أولى منها ا ه‍. قال الشرنبلالي بعد نقل ما عن الطرسوسي: ونازعه المصنف وارتضى الشارح ذلك
القيد نظرا للصغير بحثا منه انتهى.
أقول: ولا تنس ما قدمناه عن جامع الفصولين عن الملتقط. قوله: (وفيها) أي الوهبانية. قوله:
(مات المضارب الخ) وكذا المودع والمستعير وكل من كان المال في يده أمانة إذا مات قبل البيان ولا
تعرف الأمانة بعينها فإنه يكون عليه دينا في تركته، لأنه صار بالتجهيل مستهلكا للوديعة: أي مثلا ولا
يصدق ورثته على الهلاك والتسليم إلى رب المال، ولو عين الميت في حال الحياة أو علم ذلك يكون
ذلك أمانة في يد وصيه أو وارثه كما كان في يده، ويصدقون على الهلاك والدفع إلى صاحبه كما
يصدق الميت حال حياته انتهى. وسيأتي تمامه في الوديعة. قوله: (عاد دينا في تركته) أي لأنه صار
بالتجهيل مستهلكا كما علمت، وأفتى به في الحامدية قائلا: وبه أفتى قارئ الهداية. قوله: (لكن
صرح في مجمع الفتاوى) نقل في المنح عنه ما نصه: قال الشيخ الامام الاجل: وكان شيخنا يقول:
الجواب في زماننا بخلاف هذا، ولا ضمان على المضارب فيما يعطى من مال المضاربة لسلطان طمع فيه
وقصد أخذه بطريق الغصب، وكذا الوصي إذا صانع في مال اليتيم لأنهما يقصدان الاصلاح بهذه
المصانعة، فلو لم يفعل أخذ المصانع جميع المال فدفع البعض لاحراز ما بقي من جملة الحفظ في زماننا،
والأمين فيما يرجع إلى الحفظ لا يكون ضامنا، أما في زمانهم فكانت القوة لسلاطين العدل. انتهى
مختصرا.
ويؤخذ من هذا أنه إذا دفع من مال نفسه يكون متبرعا فيضيع عليه ما دفع إلا إذا أشهد عند
الدفع أنه يرجع ويحرر. قال الرحمتي: لا يضمن في زماننا لغلبة أهل الظلم والرشوة إذا كانت لدفع
الضرر عن نفسه وعن رب المال كانت جائزة للدافع مأذونا فيها عادة من المالك وإن حرمت على الآخذ
انتهى. قوله: (لأنهما يقصدان الاصلاح) أي في هذه الرشوة فدفع البعض لاحراز ما بقي من جملة
الحفظ والأمين فيما يرجع للحفظ لا يكون ضامنا، منح. قوله: (وسيجئ آخر الوديعة) ونصه: إذا
هدد وخاف تلف نفسه أو عضوه أو خشي أخذ ماله كله فلا ضمان، وفيما سوى ذلك يضمن،
فتأمل. وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى. قوله: (وفيه لو شرى الخ) نقله في المنح بأبسط من
هذا حيث قال: وفيه أيضا: إذا اشترى المضارب بالمال متاعا فقال المضارب أنا أمسكه حتى أجد ربحا
كثيرا وأراد رب المال بيعه فهذا على وجهين: إما أن يكون في مال المضاربة فضل بأن كان رأس المال

460
ألفا فاشترى به متاعا يساوي ألفين، أو لم يكن في المال فضل بأن كان رأس المال ألفا واشترى به متاعا
يساوي ألفا، ففي الوجهين جميعا لا يكون للمضارب حق إمساك المتاع من غير رضا رب المال إلا أن
يعطي رب المال رأس المال، إن لم يكن فيه فضل ورأس المال وحصته من الربح إن كان فيه فضل
فحينئذ له حق إمساكه، وإن لم يعط ذلك ولم يكن له حق إمساكه هل يجبر على البيع، إن كان في المال
فضل يجبر المضارب على بيعه لأنه سلم له بدل عمله فيجبر على العمل، إلا أن يقول لرب المال
أعطيك رأس المال وحصتك من الربح إن كان في المتاع فضل أو يقول أعطيك رأس المال إن لم يكن
فضل فإن اختار ذلك فحينئذ لا يجبر على البيع ويجبر رب المال على قبول ذلك نظرا من الجانبين، وإن لم
يكن في المال فضل لا يجبر على البيع ويقال لرب المال المتاع كله خالص ملكك، فإما أن تأخذه برأس
مالك أو تبيعه حتى تصل إلى رأس مالك. انتهى من مضاربة الذخيرة والمحيط.
والحاصل: أن الكلام هنا في موضعين: الأول حق إمساك المضارب المتاع من غير رضا رب
المال. والثاني إجبار المضارب على البيع حيث لا حق له في الامساك.
أما الأول: فلا حق له فيه سواء كان في المال ربح أو لا إلا أن يعطى لرب المال رأس المال فقط
إن لم يربح أو مع حصته من الربح فحينئذ له حق الامساك.
وأما الثاني: وهو إجباره على البيع فهو أنه إن كان في المال ربح أجبر على البيع إلا أن يدفع
للمالك رأس ماله مع حصته من الربح وإن لم يكن في المال ربح لا يجبر، ولكن له أن يدفع للمالك
رأس ماله أو يدفع له المتاع برأس ماله. هذا حاصل ما فهمته من عبارة المنح عن الذخيرة، وهي عبارة
معقدة كما سمعت، وقد راجعت عبارة الذخيرة فوجدتها كما في المنح ونقلها في الهندية عن المحيط،
ومثله في الفتاوى العطائية. وبقي ما إذا أراد المالك أن يمسك المتاع والضارب يريد بيعه وهو حادثة
الفتوى ويعلم جوابها مما مر قبيل الفصل من أنه لو عزله وعلم به والمال عروض باعها وإن نهاه المالك
ولا يملك المالك فسخها ولا تخصيص الاذن لأنه عزل من وجه. قوله: (كما مر) الذي مر تعليل لغير
هذا، وهو أنه يجبر على قضاء الدين إن كان في المال ربح. قوله: يضمن حصة الهبة لان هبة المشاع
الذي يقبل القسمة غير صحيحة فتكون في ضمانه. قوله: (وهي تملك بالقبض على المفتى به) قال
السائحاني أقول: لا تنافي بين الملك بالقبض والضمان ا ه‍. ونص عليه في جامع الفصولين حيث قال
رامز الفتاوى الفضلي: الهبة الفاسدة تفيد الملك بالقبض وبه يفتى، ثم إذا هلكت أفتيت بالرجوع
للواهب هبة فاسدة لذي رحم محرم منه إذ الفاسدة مضمونة، فإذا كانت مضمونة بالقيمة بعد الهلاك
كانت مستحقة الرد قبل الهلاك. ا ه‍. فتنبه. قوله: (وأودعه عشرا) بعده بيت متوقف عليه وهو:

461
له سبعة قالوا ونصفا إذا نوت له الخمسة الأخرى وفي الشرع ينشر
قال الشرنبلالي: صورتها رجل دفع لغيره عشرة دراهم وقال خمسة منها هبة لك وخمسة وديعة
عندك فاستهلك القابض منها خمسة وهلكت الخمسة الباقية ضمن سبعة ونصفا، لان الخمسة الموهوبة
مضمونة على القابض لأنها هبة مشاع يحتمل القسمة وهي فاسدة، والخمسة التي استهلكها نصفها من
الهبة ونصفها من الأمانة فيضمن هذه الخمسة والخمسة التي ضاعت نصفها من الهبة فيضمن نصفها
فصار المضمون سبعة ونصفا.
قلت: وهذا على غير الصحيح، لان الهبة الفاسدة تملك بالقبض وقد سلطه المالك عليها فلا
ضمان فيها، وكذلك لا ضمان في الوديعة، لما في البزازية: دفع إليه ألفا نصفها هبة ونصفها مضاربة
فهلكت يضمن حصة الهبة لا حصة المضاربة لأنها أمانة. وقوله يضمن حصة الهبة لا حصة المضاربة
إنما هو على رواية عدم الملك وهو خلاف المفتى به، أما على المفتى به، فلا ضمان مطلقا لا في الوديعة
ولا في الهبة الفاسدة لأنه ملكها بالقبض فلذا قال الشارح وبه يضعف قول الوهبانية ا ه‍ ح بتصرف
وإصلاح من شرح العلامة عبد البر. ويضمن درهمين ونصفا من الأمانة التي استهلكها ط.
أقول: قوله وكذلك لا ضمان في الوديعة الخ فيه أن فرض مسألة الوهبانية في الاستهلاك وما
استشهد به في الهلاك فينبغي أن يضمن درهمين ونصفا بناء على المفتى به، لان الخمسة التي استهلكها
نصفها من الهبة فلا يضمن ونصفها من الأمانة فيضمن، وأما الخمسة التي ضاعت فلا يضمن شيئا
منها. تأمل.
فروع: سئل فيما إذا مات المضارب وعليه دين وكان مال المضاربة معروفا فهل يكون رب المال
أحق برأس ماله وحصته من الربح؟ الجواب نعم كما صرح به في الخانية والذخيرة البرهانية حامدية.
وفيها عن قارئ الهداية من باب القضاء في فتاويه: إذا ادعى أحد الشريكين خيانة في قدر
معلوم وأنكر حلف عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل ثبت ما ادعاه، وإن لم يعين مقدارا فكذا الحكم،
لكن إذا نكل عن اليمين لزمه أن يعين مقدار ما خان فيه، والقول قوله في مقداره مع يمينه لان نكوله
كالاقرار بشئ مجهول، والبيان في مقداره إلى المقر مع يمينه إلا أن يقيم خصمه بينة على أكثر ا ه‍.
كل ما جاز للمضارب في المضاربة الصحيحة من شراء أو بيع أو إجارة أو بضاعة أو غير ذلك
فهو جائز له في المضاربة الفاسدة، ولا ضمان على المضارب، وكذلك لو قال اعمل برأيك جاز له ما
يجوز له في المضاربة الصحيحة كذا في الفصول العمادية.
رجلان دفعا إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ونهياه عن الشركة فانشق الكيس الذي فيه
الدراهم واختلط بدراهم المضارب من غير فعله فله أن يشتري بذلك ولا ضمان عليه والشركة بينهما
ثابتة، وليس له أن يخص نفسه ببيع شئ من ذلك المتاع ولا يشتري بثمنه شيئا لنفسه دون صاحبه،
ولكن لو كان قبل أن يشتري بالمال شيئا اشترى للمضاربة متاعا بألف درهم وأشهد ثم نقدها من المال
ثم اشترى لنفسه متاعا بألف درهم ونقدها من المال فهذا جائز. كذا في المحيط. هندية.
لو كان رب المال ملك العبد بغير شئ فباعه من المضارب بألف المضاربة لم يبعه مرابحة حتى
يبين أنه اشتراه من رب المال. هندية عن المبسوط.

462
إذا دفع رجل إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ثم دفع إلى آخر ألف درهم بالنصف
فاشترى أجد المضاربين عبدا بخمسمائة من المضاربة فباعه من المضارب الآخر بألف فأراد الثاني أن
يبيعه مرابحة يبيعه على أقل الثمنين، ولو باعه الأول من الثاني بألفين ألف من المضاربة وألف من مال
نفسه فإن الثاني يبيعه مرابحة على ألف ومائتين وخمسين، لان الثاني اشترى نصفه لنفسه وقد كان
الأول اشترى ذلك النصف الثاني بمائتين وخمسين. كذا في البدائع، ولو قال رب المال استقرض علي
ألفا واتبع بها على المضاربة ففعل كان ذلك على نفسه، حتى لو هلك في يده قبل أن يدفعه لرب المال
لزمه ضمانه لان الامر بالاستقراض باطل. هندية عن الحاوي.
وفيها: كل مضاربة فاسدة لا نفقة للمضارب فيها على مال المضاربة، فإن أنفق على نفسه من
المال حسب من أجر مثل عمله وأخذ بما زاد إن كان ما أنفق منه أكثر من أجر المثل. كذا في المبسوط.
لو قال المضارب لرب المال دفعت إليك رأس المال والذي في يدي ربح ثم قال لم أدفع
ولكنه هلك فهو ضامن كذا في الحاوي.
الأصل أن قسمة الربح قبل قبض رب المال رأس ماله موقوفة، إن قبض رأس المال صحت
القسمة، وإن لم يقبض بطلت. كذا في محيط السرخسي.
ولو دفع حربي إلى مسلم مال المضاربة ثم دخل المسلم دار الحرب بإذن رب المال فهو على
المضاربة. كذا في خزانة المفتين.
إذا دفع المسلم إلى النصراني مالا مضاربة بالنصف فهو جائز إلا أنه مكروه، فإن اتجر في الخمر
والخنزير، فربح جاز على المضاربة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وينبغي للمسلم أن يتصدق
بحصته من الربح. وعندهما: تصرفه في الخمر والخنزير لا يجوز على المضاربة، فإن اشترى ميتة فنقد
فيه مال المضاربة فهو مخالف ضامن عندهم جميعا، وإن أربى فاشترى درهمين بدرهم كان البيع فاسدا
ولكن لا يصير ضامنا لمال المضاربة والربح بينهما على الشرط.
ولا بأس بأن يأخذ المسلم مال النصراني مضاربة ولا يكره له ذلك، فإن اشترى به خمرا أو
خنزيرا أو ميتة ونقد مال المضاربة فهو مخالف ضامن، فإن ربح في ذلك رد الربح على من أخذ منه إن
كان يعرفه، وإن كان لا يعرفه تصدق به، ولا يعطي رب المال النصراني منه شيئا.
ولو دفع المسلم ماله مضاربة إلى مسلم ونصراني جاز من غير كراهة، كذا في المبسوط من باب
شراء المضارب وهبته. والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.

463
كتاب الايداع
كان القياس أن يقول كتاب الوديع بدون التاء، لأنه فعيل بمعنى مفعول وفيه يستوي المذكر
والمؤنث، تقول رجل جريح وامرأة جريح، وإنما عدل عن القياس لأنه جعل من عدد الأسماء
تدخل عليه التاء كالذبيحة والنطيحة فتكون للنقل لا للتأنيث. نوح أفندي. وأصله أوداع وقعت الواو
إثر كسرة قلبت ياء فصار إيداع ا ه‍. سري الدين.
واعلم أن الفقهاء يبحثون عن أفعال المكلف، لكن الفقهاء يعنون بعض الكتب بها كقولهم
كتاب النكاح كتاب البيع والهبة، وفي بعضها بما يتعلق بتلك الافعال ككتاب العارية والمأذون والوجه
فيه غير ظاهر در. منتقى وحفظ الأمانة يوجب سعادة الدارين والخيانة توجب الشقاء فيهما، قال
عليه الصلاة والسلام الأمانة تجر الغنى، والخيانة تجر الفقر.
وروي أن زليخا لما ابتليت بالفقر وابيضت عيناها من الحزن على يوسف عليه السلام قامت له
تنادي: أيها الملك اسمع كلامي، فوقف يوسف عليه السلام، فقالت: الأمانة أقامت المملوك مقام
الملوك، والخيانة أقامت الملوك مقام الملوك، فسأل عنها فقيل إنها زليخا، فتزوجها مرحمة عليها
انتهى. زيلعي والايداع والاستيداع بمعنى. وفي المغرب يقال: أودعت زيدا مالا واستودعته إياه: إذا
دفعته إليه ليكون عنده فأنا مودع ومستودع بالكسر وزيد مودع ومستودع بالفتح والمال مودع
ومستودع: أي وديعة ا ه‍. ط بزيادة. قوله: (وهو الأمانة) قال الزيلعي: وحكم الوديعة الحفظ على
المستودع ووجوب الأداء عند الطلب وصيرورة المال أمانة في يده.
وفي العناية: وجه مناسبة هذا الكتاب لما تقدم قد مر في أول الاقرار، وهو أن المال الثابت له
إن حفظه بنفسه فظاهر، وإن بغيره فوديعة ثم ذكر بعده العارية والهبة والإجارة للتناسب بالترقي من
الأدنى إلى الاعلى، لان الوديعة أمانة بلا تمليك شئ، والعارية أمانة مع تمليك المنفعة بلا عوض،
والهبة تمليك عين بلا عوض والإجارة تمليك المنفعة بعوض، وهي أعلى من الهبة لأنه عقد لازم
واللازم أقوى وأعلى مما ليس بلازم ا ه‍. أي فكان في الكل الترقي من الأدنى إلى الاعلى:
فأول الغيث قطر ثم ينسكب
قوله: (من الودع) فالمزيد مشتق من المجرد. قال في الدر المنتقى. من ودع ودعا: أي ترك
وكلاهما مستعمل في القرآن والحديث. ذكره ابن الأثير. فلا ينبغي أن يحكم بشذوذهما انتهى. وفي
الزيلعي: من الودع، وهو مطلق الترك، وما ذكره النحاة من أن العرب أماتوا مصدر يدع رده قاضي
زاده بأنه عليه الصلاة والسلام أفصح العرب وقد قال لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات أو ليختمن
على قلوبهم أو ليكتبن من الغافلين أي عن تركهم إياها، والمراد من الختم في الحديث أن يحدث في
نفوسهم هيئة تمرنهم على عدم نفوذ الحق فيها، كذا بخط شيخنا. وقوله: ليختمن بضم الياء التحتية
وفتح التاء المثناة من فوق وبفتح الميم أيضا. وقوله: ليكتبن بضم الياء التحتية وفتح التاء المثناة من
فوق. وبضم الباء الموحدة من تحت. كذا السماع من شيخنا أبي السعود. وقال تعالى: * ((93) ما ودعك ربك
وما قلى) * (الضحى: 3) قرئ بالتخفيف والتشديد. قوله: (وشرعا الخ) الأنسب بالمعنى اللغوي أن

464
يقول: هو ترك ماله عند غيره لحفظه. قوله: (كأن انفتق) عبر به لأنه لو فتقه مالكه وتركه فلا ضمان
على أحد، ولو فتقه غيره فالضمان على الفاتق. كذا ظهر لي ويحرر ط. قوله: (فأخذه رجل) أما إذا لم
يأخذه ولم يدن منه لا يضمن، منح عن المحيط. وهذا يفيد أنه إذا دنا منه لزمه وإن لم يأخذه والعلة
تنافيه. قوله: (بغيبة مالكه) أما إذا كان المالك حاضرا لم يضمن في الوجهين. منح أي في الاخذ
وعدمه. قوله: (ثم تركه ضمن) ما ذكره من التعريف ليس خاصا بالوديعة بل بشمل اللقطة، لأنه إذا
رفعها لزمه حفظها، ومع هذا لا تسمى وديعة، ثم في تعريفه على ما ذكره المصنف نظر، لان المذكور
في المصنف التسليط وهو فعل المالك وهذا التزام وهو فعل الأمين، ولم يكن بتسليط من المالك لا
صريحا ولا دلالة، وإنما التسليط دلالة فيما سيأتي، وهو ما لو وضع ثوبا بين يدي رجل ولم يقل
شيئا، فتأمل.
ويقرب من هذا ما ذكره في الأشباه في فن الحكايات عن أبي حنيفة قال: كنت مجتازا فأشارت
إلي امرأة إلى شئ مطروح في الطريق فتوهمت أنها خرساء وأن الشئ لها فلما رفعته إليها قالت
احفظه حتى تسلمه لصاحبه فإنه لقطة انتهى. إلا أن يقال: المراد تسليط الشرع فإنه بالأخذ التزم حفظه
شرعا. تأمل. قوله: (لأنه بهذا الاخذ التزم حفظه دلالة) علة. لقوله: (ضمن) ووجه كونه من التسليط
على الحفظ دلالة أن المالك يجب حفظ ماله ويجب المعاونة على حفظه فكأنه أمره بالحفظ، والمؤلف جعل
الدلالة من قبل المودع بالفتح وهو خلاف الموضوع، فلو قال لأنه بهذا سلطه على حفظه دلالة لكان
أليق ط. قوله: (والوديعة ما تترك عن الأمين) أي للحفظ، زاد البرجندي فقط. ليخرج العارية لأنها
تترك للحفظ والانتفاع، وإنما لم يقيد به تبعا لصاحب الكنز لاعتباره في تعريف الايداع السابق. قوله:
(وهي أخص من الأمانة) لان الأمانة اسم لما هو غير مضمون فيشمل جميع الصور التي لا ضمان فيها
كالعارية والمستأجر والموصي بخدمته في يد الموصى له بها. والوديعة ما ودع للحفظ بالايجاب والقبول
فكانا متغايرين: أي بالعموم والخصوص. والحكم في الوديعة أنه يبرأ عن الضمان إذا عاد إلى الوفاق
ولا يبرأ عن الضمان إذا عاد الوفاق في الأمانة، والفرق بين الوديعة والأمانة العموم والخصوص، فإن
كل وديعة أمانة، والعكس ليس كذلك، وحمل الأعم على الأخص يجوز كما فعله صاحب الدرر دون
عكسه كما فعله القدوري، لان الأمانة تشمل ما إذا كان من غير قصد، كما إذا هبت الريح في ثوب
إنسان فألقته في حجر غيره.
وما يقال من أن الوديعة قد تكون من غير صنع المودع على ما صرح به صاحب الهداية في آخر
باب الاستثناء من كتاب الاقرار فدفعه بحمل الوديعة ثمة على معناها اللغوي لا الاصطلاحي، ومثل
هذا كثير لا يخفى على من تدرب. قوله: (كما حققه المصنف وغيره) قال المصنف في منحه: والفرق
بينهما من وجهين.
أحدهما: أن الوديعة خاصة بما ذكرنا والأمانة عامة تشمل ما لو وقع في يده شئ من غير
قصد، بأن هبت الريح بثوب إنسان وألقته في حجر غيره وحكمها مختلف في بعض الصور، لان في
الوديعة يبرأ من الضمان بعد الخلاف إذا عاد إلى الوفاق، وفي الأمانة لا يبرأ عن الضمان بعد الخلاف.

465
الثاني: أن الأمانة علم لما هو غير مضمون فتشمل جميع الصور التي لا ضمان فيها كالعارية
والمستأجر والموصي بخدمته في يد الموصى له بها، والوديعة مما وضع للأمانة بالايجاب والقبول فكانا
متغايرين، واختاره صاحب الهداية والنهاية، ونقل الأول عن الامام بدر الدين الكردي ا ه‍. وقد
أوسع الكلام في هذا المقام العلامتان صدر الشريعة وقاضي زاده. قوله: (وركنها الايجاب صريحا) أي
قولا أو فعلا. قوله: (أو كناية) المراد بها ما قابل الصريح مثل كنايات الطلاق لا البيانية كما نذكره
قريبا قوله: (كقوله لرجل أعطني الخ) لو قال كقوله لرجل أعطيتك بعد قوله أعطني كان أوضح،
لان الايجاب هو قوله أعطيتك على أن قوله أعطني ليس بلازم في التصوير ط. قوله: (لان الاعطاء
يحتمل الهبة) أي ويحتمل الوديعة. وفيه أن احتمال الوديعة في مثل هذه العبارة بعيد جدا لغة وعرفا
فلماذا عدلوا عن المتبادر إلى غيره. قوله: (لكن الوديعة أدنى) هذا التعليل ذكره في البحر أيضا، ويشير
إلى أن المراد بالكناية الكناية البيانية، وهي إطلاق الملزوم وإرادة اللازم كقوله: فلان طويل النجاد كثير
الرماد على ما عرف في فن البيان، وليس كذلك لعدم انتقاله من اللازم إلى الملزوم ولا عكسه، فعلمنا
أن المراد بالكناية ما احتملها وغيرها كما ذكرنا، فلو قال صريحا أو احتمالا لكان أظهر. تأمل. قوله:
(ولم يقل شيئا) فلو ذهب وتركه ضمن إذا ضاع فهذا من الايجاب دلالة كما أنه من القبول كذلك، أما
لو قال لا أقبل الوديعة لا يضمن إذ القبول عرفا لا يثبت عند الرد صريحا.
قال صاحب جامع الفصولين: أقول دل هذا أن البقار لا يصير مودعا في بقرة من بعثها إليه
فقال البقار للرسول اذهب بها إلى ربها فإني لا أقبلها فذهب بها فينبغي أن لا يضمن البقار، وقد مر
خلافه.
يقول الحقير: قوله ينبغي لا ينبغي، إذ الرسول لما أتى بها إليه خرج عن حكم الرسالة وصار
أجنبيا، فلما قال البقار ردها على مالكها صار كأنه ردها إلى أجنبي أو ردها مع أجنبي فلذا يضمن،
بخلاف مسألة الثوب. نور العين، وتمامه فيه.
وفيه أيضا عن الذخيرة: ولو قال لم أقبل حتى لم يصر مودعا وترك الثوب ربه فذهب فرفعه من
لم يقبل وأدخله بيته ينبغي أن يضمن لأنه لما ثبت الايداع صار غاصبا برفعه.
يقول الحقير: فيه إشكال، وهو أن الغصب إزالة يد المالك ولم توجد ورفعه الثوب لقصد النفع
لا للضرر بل ترك المالك ثوبه إيداع ثان ورفع من لم يقبل قبول ضمنا، فالظاهر أنه لا يضمن، والله
تعالى أعلم ا ه‍.
وفي البحر عن الخلاصة: لو وضع عند قوم فذهبوا وتركوه ضمنوا إذا ضاع، وإن قاموا واحدا
بعد واحد ضمن الأخير لأنه تعين للحفظ فتعين للضمان ا ه‍. فكل من الايجاب والقبول فيه غير صريح
كمسألة الخاني الآتية قريبا بل بطريق الدلالة.
أقول: لكن في النفس شئ من بحث نور العين في مسألة البقار، وهو أن البقار لما لم يقبل
البقرة لم يصر مودعا قطعا والرسول لما أدى الرسالة انتهت يده المأذون بها من المالك وصار كل منهما
أجنبيا في حق حفظ البقرة والبقرة في حكم اللقطة حينئذ، فإذا أمر أجنبيا برفع اللقطة وحفظها لربها

466
لا يضمن. الآمر قطعا، فكذا لا يضمن هنا. وأما تضمين الرسول فلا وجه له أيضا لأنه من قبيل من
رد الضالة لربها وهو مأذون به عادة، هذا ما ظهر لي فليراجع.
فرع في جامع الفصولين: لو أدخل دابته دار غيره وأخرجها رب الدال لم يضمن لأنها تضر
بالدار، ولو وجد دابة في مربطه فأخرجها ضمن. قوله: (فهو إيداع) أي الوضع المرقوم إيداع.
وفي الفصولين في الغصب: والوديعة إذا وضع بين يدي المالك بارئ لا في الدين حتى يضعه
في يده أو حجره ا ه‍. فصار ابتداء الايداع وانتهاؤه سواء. قوله: (أو دلالة كما لو سكت) أي فإنه
قبول. وبعد أن ذكر هذا في الهندية قال: وضع شيئا في بيته بغير أمره فلم يعلم حتى ضاع لا يضمن
لعدم التزام الحفظ.
وضع عند آخر شيئا وقال احفظه فضاع لا يضمن لعدم التزام الحفظ ا ه‍. ويمكن التوفيق بالقرينة
الدالة على الرضا وعدمه. سائحاني. قوله: (دلالة) أي حالية، ولو قال لا أقبل لا يكون مودعا لان
الدلالة لم توجد ذكره المصنف، والأولى ما في شرح المنتقى حيث قال: لان الدلالة لا تعارض الصريح
ا ه‍. ومثله في كثير من الكتب. فظهر من هذا سقوط ما في القنية من أول كتاب الوديعة: وضع عنده
شيئا وقال له احفظه حتى أرجع فصاح لا أحفظه وتركه صاحبه صار مودعا، ويضمن إن ترك حفظه
فهو مشكل لان فيه تقديم الدلالة على الصريح، بخلاف ما إذا قال ضعه في الجانب من بيتي إلا أني لا
ألتزم حفظه حتى يصير مودعا لتعارض الصريحين فتساقط فبقي وديعة عنده. قوله: (بمرأى من الثيابي)
ولا يكون الحمامي مودعا ما دام الثيابي حاضرا، فإذا كان غائبا فالحمامي مودع ا ه‍. بحر.
وفيه عن الخلاصة: لبس ثوبا فظن الثيابي أنه ثوبه فإذا هو ثوب الغير ضمن وهو الأصح ا ه‍.
أي لأنه بترك السؤال والتفحص يكون مفرطا فلا ينافي ما يأتي من أن اشتراط الضمان على الأمين
باطل. أفاده أبو السعود. والثيابي: بكسر الثاء المثلثة هو حافظ الثياب في الحمام، وهو المعروف في
بلادنا بالناطور. قال في القاموس: محمود بن عمر المحدث: الثيابي كان يحفظ الثياب في الحمام ا ه‍.
وفي الذخيرة: رجل دخل الحمام وقال لصاحب الحمام احفظ الثياب فلما خرج لم يجد ثيابه،
فإن أقر صاحب الحمام أن غيره رفعها وهو يراه ويظن أنه رفع ثياب نفسه فهو ضامن، لأنه ترك الحفظ
حيث لم يمنع القاصد وهو يراه، وإن أقر إني رأيت واحدا قد رفع ثيابك إلا أني ظننت أن الرافع أنت
فلا ضمان عليه، لأنه لم يصر تاركا للحفظ لما ظن أن الرافع هو، وإن سرق وهو لا يعلم به فلا ضمان
عليه إن لم يذهب عن ذلك الموضع ولم يضيع وهو قول الكل، لان صاحب الحمام مودع في حق
الثياب إذا لم يشترط له بإزاء حفظه الثياب أجرا، أما إذا شرط له بإزاء حفظ الثياب أجرا وقال الأجرة
بإزاء الانتفاع بالحمام والحفظ فحينئذ يكون على الاختلاف، وإن دفع الثياب إلى الثيابي وهو الذي يقال
بالفارسية جامه دار فعلى الاختلاف لا ضمان عليه فيما سرق عند أبي حنيفة خلافا لهما لأنه أجير
مشترك.
رجل دخل الحمام ونزع الثياب بين يدي صاحب الحمام ولم يقل بلسانه شيئا فدخل الحمام ثم
خرج ولم يجد ثيابه: إن لم يكن للحمام ثيابي يضمن صاحب الحمام ما يضمن المودع، وإن كان للحمام

467
ثيابي إلا أنه لم يكن حاضرا فكذلك، وإن كان حاضرا لا يضمن صاحب الحمام، لان هذا استحفاظ
إلا إذا نص على استحفاظ صاحب الحمام، بأن قال له أين أضع الثياب فيصير صاحب الحمام مودعا
فيضمن ما يضمن المودع.
وفي التجنيس: رجل دخل الحمام ونزع الثياب بمحضر من صاحب الحمام ثم خرج فوجد
صاحب الحمام نائما وسرقت ثيابه، إن نام قاعدا أو مضطجعا بأن وضع جنبه على الأرض، ففي
الوجه الأول لا يضمن، وفي الوجه الثاني قال بعضهم: يضمن. ا ه‍.
وفي الفصول العمادية: رجل دخل حماما وقال للحمامي أين أضع ثيابي فأشار الحمامي إلى
موضع فوضعه ثمة ودخل الحمام ثم خرج رجل ورفع الثياب فلم يمنعه الحمامي لما أنه ظنه صاحب
الثوب ضمن الحمامي لأنه استحفظه وقد قصر في الحفظ، وهذا قول ابن سلمة وأبي نصير الدبوسي.
وكان أبو القاسم يقول: لا ضمان على الحمامي، والأول أصح ا ه‍.
أقول: وهو الموافق لما مر قريبا عن الذخيرة.
وفي فتاوى الفضلي: امرأة دخلت الحمام ودفعت ثيابها إلى المرأة التي تمسك الثياب فلما خرجت
لم تجد عندها ثوبا من ثيابها: قال محمد بن الفضل: إن كانت المرأة دخلت أولا في هذا الحمام ودفعت
ثيابها إلى التي تمسك الثياب فلا ضمان على الثيابية في قولهم إذا لم تعلم أنها تحفظ الثياب بأجر، لأنها
إذا دخلت أول مرة ولم تعلم بذلك ولم تشترط لها الاجر على الحفظ كان ذلك إيداعا، والمودع لا
يضمن عند الكل إلا بالتضييع وإن كانت هذه المرأة قبل هذه المرأة قد دخلت الحمام وكانت تدفع
ثيابها إلى هذه الممسكة وتعطيها الاجر على حفظ الثياب فلا ضمان عليها عند أبي حنيفة، خلافا لهما
لأنها أجيرة مشتركة. والمختار في الأجير المشترك قول أبي حنيفة، وقيل هو قول محمد، والفتوى على
قول أبي حنيفة أن الثيابي لا يضمن إلا بما ضمن المودع. وذكر قاضيخان أنه ينبغي أن يكون الجواب
في هذه المسألة عندهما على التفصيل إن كان الثيابي أجير الحمامي يأخذ منه كل يوم أجرا معلوما بهذا
العمل لا يكون ضامنا عند الكل بمنزلة تلميذ القصار والمودع. ا ه‍.
وفي منهوات الأنقروي: دخل الحمام فوضع الحارس له الفوطة ليضع ثيابه عليها فنزع أثوابه
ووضعها على الفوطة ودخل واغتسل وخرج ولم يجد عمامته هل يضمنها الحارس؟ أجاب: نعم يضمنها
لأنه استحفظ وقد قصر في الحفظ. كذا في فتاوى ابن نجيم.
وفي زماننا الثيابي أجير مشترك بلا شبهة، والمختار في الأجير المشترك الضمان بالنصف، فعلى
هذا ينبغي أن يفتى في الثيابي بضمان النصف. تأمل. ا ه‍. قوله: (كان إيداعا) هذا من الايجاب والقبول
دلالة. قوله: (وهذا) أي اشتراط القبول أيضا. قال في المنح: وما ذكرنا من الايجاب والقبول شرط
في حق وجوب الحفظ، وأما في حق الأمانة فتتم بالايجاب ا ه‍. والمراد بحق الأمانة أنه لا يكون
مضمونا. قوله: (وإن لم يقبل) قد مر أن القبول صريح ودلالة فنفيه هنا بمعنى الرد، أما لو سكت فهو
قبول دلالة. والحاصل: أن المراد نفي القبول بقسميه فتأمل. قوله: (وشرطها كون المال قابلا الخ) فيه

468
تسامح إذ المراد إثبات اليد بالفعل وبه عبر الزيلعي، ولا يكفي قبول الاثبات كما أشار إليه في الدرر.
بقوله: وحفظ شئ بدون إثبات اليد عليه محال ا ه‍. وجرى عليه بعضهم كالحموي والشرنبلالي.
وأجاب عنه العلامة أبو السعود بأنه ليس المراد من جعل القابلية شرطا عدم اشتراط إثبات اليد بالفعل،
بل المراد الاحتراز عما لا يقبل ذلك بدليل التعليل والتفريع اللذين ذكرهما الشارح، فتدبر اه‍.
أقول: لكن الذي قدمه في الدرر يفيد كفاية قبول وضع اليد، فإن من وضع ثيابه بين يدي رجل
ساكت كان إيداعا، وكذلك وضع الثياب في الحمام وربط الدابة في الخان من أنه ليس فيه إثبات اليد
بالفعل. وقوله: وحفظ الشئ بدون إثبات اليد عليه معناه بدون إمكان إثباتها، فتأمل. وعليه فيكون
المراد بقبولها إثبات اليد وقت الايداع والطائر ونحوه ساعة الايداع غير قابل لذلك. قوله: (لم يضمن)
الأولى أن يقول: لا يصح لأنه إذا وجده بعد ووضع يده عليه وهلك من غير تعد لم يضمن فتدبر ط.
قال في الجوهرة: أودع صبيا وديعة فهلكت منه لا ضمان عليه بالاجماع، فإن استهلكها: إن كان
مأذونا في التجارة ضمنها إجماعا، وإن كان محجورا عليه، إن قبضها بإذن وليه ضمن أيضا إجماعا، وإن
قبضها بغير إذن وليه لا ضمان عليه عندهما لا في الحال ولا بعد الادراك. وقال أبو يوسف: يضمن
في الحال، وإن أودعه عبدا فقتله ضمن إجماعا.
والفرق أن الصبي من عادته تضييع الأموال فإذا سلمه مع علمه بهذه العادة فكأنه رضي
بالاتلاف فلم يكن له تضمينه، وليس كذلك القتل لأنه ليس من عادة الصبيان فيضمنه ويكون قيمته
على عاقلته، وإن جنى عليه فيما دون النفس كان أرشه في مال الصبي ا ه‍.
قال العلامة الخير الرملي: أقول: يستثنى من إيداع الصبي ما إذا أودع صبي محجور مثله وهي
ملك غيرهما فللمالك تضمين الدافع والاخذ. كذا في الفوائد الزينية.
وأجمعوا على أنه لو استهلك مال الغير من غير أن يكون عنده وديعة ضمن في الحال. كذا في
العناية لأنه محجور عليه في الأقوال دون الافعال كما ذكر في الحجر، وسيأتي مزيد تفصيل في المسألة
في كتاب الجنايات قبل القسامة فأسطر فراجعه إن شئت ا ه‍. قوله: (ولو عبدا محجورا ضمن بعد عتقه)
أي لو بالغا، فلو قاصرا لا ضمان عليه أصلا. أبو السعود. وإنما لم يضمن في الحال لحق مالكه فإن
المودع لما سلطه على الحفظ وقبله العبد حقيقة أو حكما كما لو كان ذلك بالتعاطي فكان من قبيل
الأقوال، والعبد محجور عنها في حق سيده، فإذا عتق ظهر الضمان في حقه لتمام رأيه، وهذا إذا لم
تكن الوديعة عبدا، فلو أودع صبيا عبدا فقتله الصبي ضمن عاقلته سواء قتله عمدا أو خطأ، لان عمده
خطأ، وليس مسلطا على القتل من جانب المولى لان المولى لا يملك القتل فلا يملك التسليط عليه، فإن
أودع العبد عند عبد محجور فقتله خطأ كان من قبيل الافعال وهو غير محجور عنها، ولم تكن من
الأقوال لان مولى العبد لا يملك تفويض قتله للمودع، فكان على مولى العبد المودع القاتل أن يدفعه أو
يفديه كما هو حكم الخطأ، وإن قتله عمدا قتل به إلا أن يعفو وليه. رحمتي. قوله: (وهي أمانة) هذا
من قبيل حمل العام على الخاص وهو جائز كالانسان حيوان، ولا يجوز عكسه لان الوديعة عبارة عن
كون الشئ أمانة باستحفاظ صاحبه عند غيره قصدا، والأمانة قد تكون من غير قصد، والوديعة

469
خاصة والأمانة عامة، والوديعة بالعقد والأمانة أعم، فتنفرد فيما إذا هبت الريح بثوب إنسان وألقته في
حجر غيره، وتقدم أنه يبرأ عن الضمان في الوديعة إذا عاد إلى الوفاق، والأمانة غيرها لا يبرأ عن
الضمان بالوفاق ط. ومثله في النهاية والكفاية. قال يعقوب باشا: وفيه كلام، وهو أنه إذا اعتبر في
إحداهما القصد وفي الأخرى عدمه كان بينهما تباين لا عموم وخصوص. والأولى أن يقال: والأمانة
قد تكون بغير قصد كما لا يخفى انتهى. لكن يمكن الجواب بأن المراد. بقوله: (والأمانة ما يقع في يده
من غير قصد كونها بلا اعتبار قصد)، لان عدم القصد معتبر فيها حتى يلزم التباين، بل هي أعم من
الوديعة لأنها تكون بالقصد فقط والأمانة قد تكون بالقصد بغير تدبر.
وما في العناية من أنه قد ذكرنا أن الوديعة في الاصطلاح هي التسليط على الحفظ وذلك يكون
بالعقد والأمانة أعم من ذلك فإنها قد تكون بغير عقد فيه كلام، وهو أن الأمانة مباينة للوديعة بهذا
المعنى لا أنها أعم منها، لان التسليط على الحفظ فعل المودع وهو المعنى والأمانة عين من الأعيان
فيكونان متباينين. والأول أن يقول: والوديعة ما تترك عند الأمين كما في هذا المختصر. داماد. قوله:
(والأداء عند الطلب) أي إلا في مسائل ستأتي: منها ما إذا كانت سيفا وأراد قتل آخر ظلما كما في
الدر المنتقى. قوله: (واستحباب قبولها) قال الشمني: وشرعية الايداع. بقوله تعالى: * (إن الله يأمركم
أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (النساء: 85) وأداء الأمانة لا يكون إلا بعدها، ولأن قبول الوديعة من
باب الإعانة لان يحفظها لصاحبها، وهي مندوبة لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (المائدة: 2)
وقوله صلى الله تعالى عنه وسلم: والله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ا ه‍. قال
الزيلعي: وقال عليه الصلاة والسلام على اليد ما أخذت حتى تؤديه رواه أبو داود والترمذي وقال
حديث حسن، وحفظها يوجب سعادة الدارين، والخيانة توجب الشقاء فيهما الخ. ومن محاسنها
اشتمالها على بذل منافع بدنه وماله في إعانة عباد الله واستيجابه الاجر والثناء. حموي.
والحاصل: أنه يبتنى على الايداع أربعة أشياء: كون الوديعة أمانة، ووجوب الحفظ على المودع،
ووجوب الأداء عند الطلب، واستحباب قبولها. قوله: (فلا تضمن بالهلاك) تفريع على كونها أمانة.
قوله: (إلا إذا كانت الوديعة بأجر) سيأتي أن الأجير المشترك لا يضمن وإن شرط عليه الضمان، وبه
يفتى. وأيضا قول المصنف قريبا واشتراط الضمان على الأمين باطل به يفتى، فكيف يقال مع عدم
الشرط أنه يضمن.
وفي البزازية: دفع إلى صاحب الحمام واستأجره وشرط عليه الضمان إذا تلف فذكر أنه لا أثر له
فيما عليه الفتوى، لكن قال الخير الرملي: صرح الزيلعي في كتاب الإجارة في باب ضمان الأجير
الوديعة إذا كانت بأجر تكون مضمونة، وسيأتي مثله في الشرح، ومثله في النهاية والكفاية شرح
الهداية وكثير من الكتب ا ه‍. وعللوه بأن الحفظ حينئذ مستحق عليه كما قدمنا. فأفاد أن الأجرة تخرج
الوديعة عن كونها أمانة إلى الضمان.
وفي صدر الشريعة: إذا سرق من الأجير المشترك والحال أنه لم يقصر في المحافظة يضمن
عندهما، كما في الوديعة التي تكون بأجر فإن الحفظ مستحق عليه. وأبو حنيفة يقول: الأجرة في
مقابلة العمل دون الحفظ فصار كالوديعة بلا أجر ا ه‍. فأفاد أن الوديعة بأجر مضمونة اتفاقا وبلا أجر
غير مضمونة اتفاقا، وأما الأجير المشترك فيضمن عندهما، لان الأجرة في مقابلة العمل والحفظ، ولا

470
يضمن عنده لأنها في مقابلة العمل فقط، فحصل الفرق بين المودع بأجر والأجير المشترك.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: وقد يفرق بأنه هنا مستأجر على الحفظ قصدا، بخلاف الأجير
المشترك فإنه مستأجر على العمل ا ه‍. يؤيده ما سمعت وما قدمنا.
والحاصل: أن الأجير المشترك من يعمل لغيره عملا غير مؤقت ولا مخصوص كالحمامي
والحارس فهو مستأجر لحفظ المكان الذي فيه المتاع فلم يكن مودعا، بخلاف المودع بأجر فإنه يقال له
احفظ هذه الوديعة ولك من الاجر كذا، فينطبق عليه اسم المودع وهو تسليط الغير على حفظ ماله،
فتأمل. قوله: (معزيا للزيلعي) ذكره في ضمان الأجير، وعلل الضمان بأن الحفظ واجب عليه
مقصودا ببدل ا ه‍. قوله: (سواء أمكن التحرز عنه أم لا) وليس منه النسيان، كما لو قال وضعت
عندي فنسيت وقمت بل يكون مفرطا، بخلاف ما إذا قال ضاعت ولا أدري كيف ذهبت الوديعة من
منزلي ولم يذهب من منزلي شئ فإن القول قوله مع يمينه، ولا يضمن لأنه أمين ا ه‍. حموي بتصرف
ط.
قال مؤيد زاده: إذا قال ذهبت يقبل قوله مع يمينه واقعات. قوله: (لحديث الدارقطني) قال في
المنح: وإنما كانت الوديعة أمانة لقوله (ص): ليس على المستعير غير المغل
ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان والغلول والاغلال: الخيانة، إلا أن الغلول في المغنم
خاصة والاغلال عام، وهذا الحديث مسند عن عبد الله بن عمر عن النبي (ص) ا ه‍
ملخصا. ولأن شرعيتها لحاجة الناس إليها، ولو ضمنا المودع امتنع الناس عن قبولها وفي ذلك تعطيل
المصالح. قوله: (واشتراط الضمان إلخ) ولو ضمن تسليمها صح أبو السعود. قوله: (كالحمامي) أي
معلم الحمام الذي يأخذ الأجرة في مقابلة انتفاع الداخل بالحمام، أما من جرى العرف بأنه يأخذ في
مقابلة حفظه شيئا وهو المسمى بالناطور في زماننا وهو الذي سماه الشارح الثيابي فإنه يضمن لأنه
وديعة بأجرة كما تقدم، لكن الفتوى على عدمه ويأتي تمامه. قوله: (والخاني) أي فإنه لا نفع له غير
الحفظ فينبغي أن يكون من قبيل الحافظ بالاجر، إلا أن يقال: قد يقصد الخان لدفع الحر والبرد ومنع
الدابة عن الهروب فلم يكن مستأجر للحفظ. تأمل. قوله: (باطل به يفتى) قال مؤيد زاده في أنواع
الضمانات: استأجر رجلا لحفظ خان أو حوانيت فضاع منها شئ قيل يضمن عندهما لو ضاع من
خارج الحجرة لأنه أجير مشترك، وقيل لا في الصحيح، وبه يفتى. ولو ضاع من داخلها بأن نقب
اللص فلا يضمن الحارس في الأصح وحارس السوق على هذا الخلاف، واختار أبو جعفر أنه يضمن
ما كان خارج السوق لا داخله. جامع الفصولين.
وفي البزازية: نقب حانوت رجل وأخذ متاعه لا يضمن حارس الحوانيت على ما عليه الفتوى،
لان الأمتعة محروسة بأبوابها وحيطانها والحارس يحرس الأبواب. وعلى قول أبي حنيفة: لا يضمن مطلقا
وإن كان المال في يده لأنه أجير ا ه‍.
وفي المنية: دفع الثوب إلى الحمامي ليحفظه فضاع لا يضمن إجماعا لأنه مودع لان محل الاجر

471
بإزاء الانتفاع بالحمام، إلا أن يشترط بإزاء الانتفاع به الحفظ فحينئذ على الخلاف. وإذا دفع إلى من
يحفظ بأجر كالثيابي فعلى الاختلاف. خلاصة وصدر الشريعة. قوله: (حفظها بنفسه) قال في المنح:
وذلك بالحرز وباليد. أما الحرز فداره ومنزله وحانوته سواء كان ملكا أو إجارة أو عارية.
قال الرملي: أقول: لا يخفى أن لفظ الحرز مشعر باشتراط كونه حصينا، حتى لو لم يكن كذلك
بحيث يعد الوضع فيه تضييعا يضمن ذلك كالدار التي ليس لها حيطان ولا لبيوتها أبواب. وقد سئلت
عن خياطة في دار بهذه الصفة خرجت منها هي وزوجها ليلا لعرس جارتها فسرقت أثواب الناس منها
فأفتيت بالضمان والحالة هذه، لان مثل ذلك يعد تضييعا. تأمل ا ه‍.
وفي الأنقروي من الوديعة: سوقي قام من حانوته إلى الصلاة وفي حانوته ودائع فضاع شئ
منها لا ضمان عليه، لأنه غير مضيع لما في حانوته لان جيرانه يحفظونه، إلا أن يكون هذا إيداعا من
الجيران فيقال ليس للمودع أن يودع، لكن هذا مودع لم يضيع. واقعات: في الوديعة: قوله ليس
للمودع أن يودع إلخ ذكر الصدر الشهيد ما يدل على الضمان، فتأمل عند الفتوى. فصولين من الثالث
والثلاثين.
وفي البزازية: قام من حانوته إلى الصلاة وفيه ودائع الناس وضاعت لا ضمان، وإن أجلس على
بابه ابنا له صغيرا فضاع: إن كان الصبي يعقل الحفظ لا يضمن، وإلا يضمن ا ه‍.
وقال قبيله: والحاصل أن العبرة للعرف، حتى لو ترك الحانوت مفتوحا أو علق الشبكة على بابه
ونام ففي النهار ليس بتضييع، وفي الليل إضاعة. وفي خوارزم: لا يعد إضاعة في اليوم والليلة.
أقول: الذي يظهر في مسألة الحانوتي عدم الضمان سواء أجلس صبيا أو لا حيث جرى عرف
أهل السوق لأنه غير مودع قصدا بل تركها في حرزها مع ماله فقد حفظها بما يحفظ به ماله. ولهذا
نقل في جامع الفصولين بعد ما تقدم رامزا إلى فتاوى القاضي ظهير الدين أنه يبرأ على كل حال لأنه
تركها في الحرز فلم يضيع ا ه‍.
والحاصل: أنه يجب حرز كل شئ في حرز مثله، بخلاف الحرز في السرقة فإن كل ما كان
حرز النوع فهو حرز لسائر الأنواع فيقطع بسرقة لؤلؤة من اصطبل، أما هنا فإن حرز كل شئ
بحسبه.
ففي البزازية: لو قال وضعتها بين يدي وقمت ونسيتها فضاعت يضمن، ولو قال وضعتها بين
يدي في دار والمسألة بحالها إن مما لا يحفظ في عرصة الدار كصرة النقدين ضمن، ولو كانت مما يعد
عرصتها حصنا له لا يضمن ا ه‍. وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى. قوله: (وعياله) بالكسر جمع عيل بفتح
فتشديد وهو من يقوته، لكن المراد هنا في تفسير من في عياله أن يسكن معه سواء كان في نفقته أو لم
يكن، والعبرة في هذا للمساكنة إلا في حق الزوجة والولد الصغير والعبد، لكن يشترط في الولد
الصغير أن يقدر على الحفظ، فعلى هذا التفسير ينبغي أن لا يضمن بالدفع إلى أجنبي يسكن معه. ذكره
حفيد السعد في حواشي صدر الشريعة.
ويؤيده ما في الولوالجية: رجل أجر بيتا من داره إنسانا ودفع الوديعة إلى هذا المستأجر: إن كان
لكل واحد منهما غلق على حدة يضمن لأنه ليس في عياله ولا بمنزلة من في عياله، وإن لم يكن لكل

472
منهما غلق على حدة وكل واحد منهما يدخل على صاحبه بغير حشمة لا يضمن لأنه بمنزلة من في
عياله. ا ه‍.
وفي الخلاصة: مودع غاب عن بيته ودفع مفتاحه إلى غيره فلما رجع إلى بيته لم يجد الوديعة لا
يضمن ويدفع المفتاح إلى غيره، وبدفع المفتاح إلى غيره لم يجعل البيت في يد غيره ا ه‍. ط قوله: (أو
حكما) تفسير لمن يسكن معه في عياله. قوله: (فلو دفعها) تفريع على. قوله: (أو حكما) وتفسير له
كما تشعر به عبارة المنح. قوله: (المميز) بشرط أن يكون قادرا على الحفظ. بحر قوله: (ولا يسكن
معها) لأنها في الحكم كأنها في مسكن زوجها. قوله: (خلاصة) قال فيها: وفي النهاية: لو دفعها إلى
ولده الصغير أو زوجته وهما في محلة والزوج يسكن في محلة أخرى لا يضمن، ولو كان لا يجئ إليهما
ولا ينفق عليهما، لكن يشترط في الصغير أن يكون قادرا على الحفظ، فإن الزوجة: أي والولد الصغير
وإن كانا في مسكن آخر إلا أنهما في الحكم كأنهما في مسكن الزوج والأب ا ه‍.
قال الرملي: وقد زاد صاحب المجتبى العبد الذي لم يكن في منزله، وكل ذلك يرجع إلى قولهم
يحفظها بما يحفظ به ماله، فتنبه لذلك ا ه‍. قوله: (وقيل يعتبران معا) أقول: وعليه فيدخل عبده وأمته
وأجيره الخاص كالمشاهرة، بشرط أن يكون طعامه وكسوته عليه دون الأجير بالمياومة وولده الكبير إن
كان في عياله كما ذكره بعضهم، فتأمل. قوله: (عيني) نصه: وتعتبر المساكنة وحدها دون النفقة،
حتى أن المرأة لو دفعتها إلى زوجها لا تضمن وإن لم يكن الزوج في عيالها، لان العبرة في هذا الباب
للمساكنة دون النفقة. وقيل تعتبر المساكنة مع النفقة ا ه‍. قوله: (ضمن) أي بدفعها له، وكذا لو تركه
في بيته الذي فيه ودائع الناس وذهب فضاعت ضمن. بحر عن الخلاصة. قال ط: فلا يضمن في
صورتين: أما إذا علم أمانته وما إذا لم يعلم حاله أصلا. قوله: (الدفع لمن في عياله) الضمير في عياله
الأخير يصح أن يرجع للعيال الأول، وبه صرح الشرنبلالي، ويصح أن يرجع للمودع وبه صرح
المقدسي. وفيه لا يشترط في الأبوين كونهما في عياله، وبه يفتى. ولو أودع غير عياله وأجاز المالك
خرج من البين، ولو وضع في حرز غيره بلا استئجار يضمن لان الوضع في الحرز وضع في يد من في
يده الحرز فيكون كالتسليم إليه. زيلعي: أي فيكون وديعة وليس للمودع أن يودع. رملي.
وفي سكوتهم عن الدفع لعيال المودع بكسر الدال إشارة إلى أنه لا يملكه. ونقل العلامة أبو
السعود اختلافا فقال: والرد إلى عيال المالك كالرد إلى المالك فلا يكون إيداعا، بخلاف الغاصب إذا رد
إلى من في عيال المالك فإنه لا يبرأ.
وفي الخلاصة: إذا رد الوديعة إلى منزل المودع أو إلى من في عياله فضاعت لا يضمن. وفي
رواية القدوري يضمن، بخلاف العارية.
قال في البحر: والفتوى على الأول، وهذا إذا دفع إلى المرأة للحفظ. أما إذا أخذت لتنفق على
نفسها وهو دفع يضمن ا ه‍. فعلى ما ذكر إذا كان ابنها في عيالها ولم يكن متهما يلزمها اليمين أنها

473
دفعتها لابنها المذكور ويسأل المدفوع إليه ماذا صنع ويجعل كأنه نفس المودع، ويجري الحكم الشرعي
فيه. لما في فتاوى مؤيد زاده وصور المسائل عن الفصولين: أتلفها من في عيال المودع ضمن المتلف
صغيرا أو كبيرا لا المودع ا ه‍.
المودع إذا قال دفعت الوديعة إلى ابني وأنكر الابن ثم ما ت الابن فورث الأب مال ابنه كان
ضمان الوديعة في تركة الابن خاينة.
وفي فتاوى قاضيخان: عشرة أشياء إذا ملكها إنسان ليس له أن يملك غيره لا قبل القبض ولا
بعده: المرتهن لا يملك أن يرهن، والمودع لا يملك الايداع، والوكيل بالبيع لا يملك أن يوكل غيره،
ومستأجر الدابة أو الثوب لا يؤجر غيره، والمستعير لا يعير ما يختلف بالمستعمل، والمزارع لا يدفع
الأرض مزارعة إلى غيره والمضارب لا يضارب، والمستبضع لا يملك الابضاع، والمودع لا يملك
الايداع ا ه‍. ولم يذكر العاشر في البحر. وذكره الخير الرملي فقال: العاشر المساقي لا يساقي غيره بغير
إذن كما في السراجية وشرح الوهبانية ا ه‍.
وفي الخلاصة: والوديعة لا تودع ولا تعار ولا تؤجر ولا ترهن، وإن فعل شيئا منها ضمن،
والمستأجر يؤجر ويعار ولم يذكر حكم الرهن، وينبغي أن لا يرهن كما هو الصحيح من عبارة
الخلاصة، ويأتي بيانها في العارية موضحا.
وفي التجريد: وليس للمرتهن أن يتصرف بشئ في الرهن غير الامساك، لا يبيع ولا يؤجر ولا
يعير ولا يلبس ولا يستخدم، فإن فعل كان متعديا ولا يبطل الرهن انتهى. قوله: (بأن كان له عيال
غيره) أي غير البعض الذي نهاه عنه ضمن بدفعه إلى المنهي عنه، وإن لم يكن له إلا ذلك البعض لا
يضمن بدفعه إليه. قوله: (وإلا لا) يعني مع كون المدفوع إليه أمينا لأنه شرط جواز الدفع كما مر.
قوله: (وإن حفظها بغيرهم ضمن) أي لان صاحبها لم يرض بيد غيره والأيدي تختلف بالأمانة، ولأن
الشئ لا يتضمن مثله كالمضارب لا يضارب. أبو السعود. قال الرملي: إنما يضمن إذا كان بغير إذن
صاحبها. ا ه‍.
فرع: لو قال ادفعها لمن شئت يوصلها إلي فدفعها إلى أمين فضاعت: قيل يضمن، وقيل لا
يضمن: تتارخانية.
فرع: آخر حضرتها الوفاة فدفعت الوديعة إلى جارتها فهلكت عند الجارة. قال البلخي: إن لم
يكن بحضرتها عند الوفاة أحد ممن يكون في عيالها لا تضمن، كما لو وقع الحريق في مال المودع له
دفعها لأجنبي خانية. قوله (وعن محمد) رحمه الله تعالى أن المودع إذا دفع الوديعة إلى وكيله وليس
في عياله أو دفع إلى أمين من أمنائه من يثق في ماله وليس في عياله لا يضمن، لأنه حفظه مثل ما
يحفظ ماله وجعله مثله فلا يجب عليه أكثر من ذلك. ذكره في النهاية. ثم قال: وعليه الفتوى، وعزاه
إلى التمرتاشي، وهو إلى الحلواني. ثم قال: وعلى هذا لم يشترط في التحفة في حفظ الوديعة العيال،
فقال: ويلزم المودع حفظه إذا قبل الوديعة على الوجه الذي يحفظ ماله، وذكر فيه أشياء، حتى ذكر أن
له أن يحفظ بشريك العنان والمفاوضة وعبده المأذون له الذي في يده ماله، وبهذا يعلم أن العيال ليس

474
بشرط في حفظ الوديعة ا ه‍. وسيأتي ذكره ط. قوله: (كوكيله) أتى بالكاف لان أمينه كذلك وإن لم
يكن في عياله، وعليه الفتوى كما علمت، وبه صرح في الذخيرة.
وفي التتارخانية: ولو قال ادفعها لمن شئت يوصلها إلي فدفعها إلى أمين فضاعت، قيل يضمن،
وقيل لا يضمن. قوله: (واعتمده ابن الكمال) حيث قال: وله حفظها بنفسه وأمينه، لم يقل وعياله لان
الدفع إلى العيال إنما يجوز بشرط الأمانة، وعند تحققه لا حاجة إلى كونه عيالا.
قال في الذخيرة: لو دفعها إلى أمين من أمنائه ليس في عياله يجوز، وعليه الفتوى ا ه‍. قوله:
(وأقره المصنف) ونقله في البحر وقال قبله: وظاهر المتون أن كون الغير في عياله شرط، واختاره في
الخلاصة وقال: والأبوان كالأجنبي حتى يشترط كونهما في عياله، لكن قد علمت ما قدمناه قريبا عن
المقدسي من أن المفتى به عدم اشتراط كونهما في عياله فلا تنسه. قوله: (إلا إذا خاف الحرق أو الغرق)
الحرق بالسكون من النار، وبالتحريك من دق القصار، وقد روى فيه السكون. مغرب. وفي
المصباح: الحرق بفتحتين اسم من إحراق النار. ا ه‍ وللغرق: بفتحتين مصدر غرق في الماء فهو غريق.
مكي ومثل خوف الغرق والحرق خوف اللصوص.
وفي الخلاصة: فإن دفع لضرورة بأن احترق بيت المودع فدفعها إلى جاره، وكذا فيما يشبه هذا
ا ه‍. إتقاني: أي فإنه لا يضمن ط. قوله: (وكان غالبا محيطا) لا حاجة إليه لان فرض المسألة أنه خاف
الحرق أو الغرق وهو إنما يكون عند كونه غالبا. محيط. إلا أن يراد الغالب الكثير، وحينئذ فلا
منافاة، والمراد أن ذلك في بيت المودع.
قال الحموي: لا بد أن يكون غالبا محيط بمنزلة المودع. وفي القهستاني: إلا إذا خاف الحرق:
أي حرقا يحيط بجميع محلها انتهى. قوله: (فلو غير محيط ضمن) إذ الخوف منتف عند عدم الغلبة
والإحاطة فتأمل. قاله الرملي. قال في الخلاصة أما إذا لم يكن محيطا يضمن بالدفع إلى الأجنبي ا ه‍.
قوله: (فسلمها إلى جاره) الظاهر أن أساليب الكلام أنه لا يجب أن يسلمها إلى جاره، حتى لو تركها
في داره فحرقت لا يضمن، وليحرر. أفاده سري الدين عن المجتبى، لكن في الهندية عن التمرتاشي
أنه يضمن ط.
وفي التتارخانية عن التتمة: وسئل حميد الوبري عن مودع احترق بيته ولم ينقل الوديعة إلى مكان
آخر إن مع تمكنه منه فتركها حتى احترقت ضمن ا ه‍. ومثله في الحاوي وجامع الفتاوى. ومثله ما لو
تركها حتى أكلها العث خلافا لما يأتي في النظم. قال في الحاوي: ويعرف من هذا كثير من الواقعات.
وفي نور العين: ذكر محمد في حريق وقع في دار المودع فدفعها إلى أجنبي لم يضمن، فلو خرج
من ذلك ولم يستردها ضمن، كما لو دفعها إلى امرأته ثم طلقها ومضت عدتها، فلو لم يستردها ضمن
إذ يجب عليه الاسترداد، ولأن الايداع عقد غير لازم فكان لبقائه حكم الابتداء. وقال قاضيخان: لا
يضمن، إذ المودع إنما ضمن بالدفع وحين دفع كان غير مضمون عليه فلا يضمن عليه.
يقول الحقير: هذا الدليل عليل، إذ للبقاء حكم الابتداء، فلو دفع الوديعة إلى أجنبي ابتداء

475
ضمن، فكذا إذا لم يستردها في كلتا المسألتين خصوصا في مسألة الحريق، فإن الثابت بالضرورة يتقدر
بقدرها، فبعد زوال الحريق ارتفعت الضرورة فلم يستردها من الأجنبي فكأنه أودعها إياه ابتداء،
فالصواب أن يضمن في كلتا المسألتين كما ذكره صاحب المحيط. والله تعالى أعلم.
وفي عدة الفتاوى: لا يضمن بدفعها إلى جاره لضرورة كحريق. قال أبو جعفر في فتاويه: هذا
لو لم يجد بدا من الدفع إلى أجنبي، أما لو أمكنه الدفع إلى من في عياله ضمن بدفعها إلى أجنبي. قال
الامام خواهر زاده: هذا لو أحاط الحريق بالمنزل وإلا ضمن بدفعها إلى أجنبي ا ه‍.
وفي العتابية: لا يشترط هذا الشرط في الفتوى. تتارخانية في الفصل الثاني من الوديعة. قوله:
(إلا إذا أمكنه الخ) أي وقت الحرق والغرق. قوله: (أو ألقاها) أي أو ألقى الوديعة في السفينة فوقعت
في البحر يضمن، لأنها قد تلفت بفعله، وإن كان ذلك بالتدحرج لأنه منسوب إليه فهو كفعله.
والظاهر أن قيد في السفينة ساقط من النساخ لوجوده في الأصل.
قال الزيلعي: هذا إذا لم يمكنه أن يدفعها إلى من هو في عياله، وإن أمكنه أن يحفظها في ذلك
الوقت بعياله فدفعها إلى الأجنبي يضمن لأنه لا ضرورة فيه، وكذا لو ألقاها في سفينة أخرى وهلكت
قبل أن تستقر فيها بأن وقعت في البحر ابتداء بالتدحرج يضمن لان الاتلاف حصل بفعله ا ه‍. قوله:
(صدق) أي بيمينه كما هو الظاهر. أبو السعود. قوله: (أي بدار المودع) كأن هذا من قبيل الاحتباك
وأصلها: أي الحرق أو الغرق. وقوله: (بدار المودع) راجع إلى الحرق وحذف من الثاني، أو سفينته
الراجع إلى الغرق لدلالة كل مذكور على ما حذف بإزائه، وهذا على ما نحاه الشارح في شرحه، وأما
على ما بينا من أصل عبارة الزيلعي فالامر ظاهر، وأما جوهر المتن على أنه يصدق إن علم دفعه لها عند
خوف الحرق أو الغرق بالبينة وهو الذي ذكره الشارح بعد. قوله: (وإلا يعلم الخ).
وحاصله: أن صاحب المتن ذكر أنه لا يصدق مدعي الدفع للحرق أو الغرق إلا ببينة، والشارح
صرف كلامه وقال: إن علم ذلك بالبينة على وقوعه في داره وفلكه أغنى عن البينة عن الدفع للخوف
على نفس الوديعة، وإن لم تقم البينة على وقوع الحرق والغرق في داره وفلكه فلا بد من البينة على
الدفع لخوف ذلك على نفس الوديعة، ثم إن الغرق كما يخشى منه على نفس السفينة قد يخشى منه على
نفس الدار إذا كانت البيوت متصلة بطرف البحر أو النهر أو مجرى السيل، ومثل خوف الحرق والغرق
لو خاف فسادها بخرير أسقفه من كثرة الأمطار وعند وقوع النهب في داره ودفعها إلى جاره عند توهم
سلامتها عنده. قوله: (فحصل بين كلامي الخلاصة والهداية التوفيق وبالله التوفيق) وقد ذكر أيضا
صاحب الذخيرة عن المنتقى.
قال المصنف: فإن ادعاه: أي ادعى المودع التسليم إلى جاره أو إلى فلك آخر صدق إن علم
وقوعه ببينة: أي بينة المودع وإلا لا: أي وإن لم يعلم لا يصدق. وفي الهداية وشرح الكنز للزيلعي أنه
لا يصدق على ذلك إلا ببينة، لان تسليم الوديعة إلى غيره يوجب الضمان، ودعوى الضرورة دعوى
مسقط فلا تقبل إلا ببينة، كما إذا أتلفها في الصرف في حاجته بإذن صاحبها.

476
وفي الخلاصة: أنه إذا علم أن وقع الحريق في بيته قبل قوله، وإلا فلا. ويمكن حمل كلام
الهداية على ما إذا لم يعلم وقوع الحريق في بيته وبه يحصل التوفيق، والذي أحوجه إلى ذلك حمل كلام
صاحب الهداية والزيلعي قولهما لا يصدق على ذلك: أي على تسليم الوديعة، ولو حمل لا يصدق على
ذلك: أي على وقوع الحرق أو الغرق بدليل قولهما ودعوى الضرورة الخ فإن الضرورة إنما هي في
الحرق والغرق لا في التسليم لا تحدث مع عبارة الخلاصة. تأمل. قوله: (فلو لحملها إليه لم يضمن)
لان مؤنة الرد على المالك. حموي. وإنما الضمان بمنع التخلية بينه وبين الوديعة بعد الطلب، أما لو
كلفه حملها وردها إليه فامتنع عن ذلك لم يضمن لأنه لا يلزمه سوى التخلية، فلو كان طلب المودع
بكسر الدال بحملها إليه فامتنع المودع من ذلك لم يضمن، هكذا صريح عبارة ابن ملك المنقول عنه.
وأما ما وقع في نسخة الشيخ أبي الطيب فإنه تحريف. والنسخة التي كتب عليها فلو حملها إليه: أي لو
حمل المودع الوديعة إلى ربها: يعني لو طلب استردادها من المودع فحملها إليه لم يضمن لان حملها إليه
يخرجه عن المنع.
وفي القهستاني: لو استردها فقال لم أقدر أحضر هذه الساعة فتركها فهلكت لم يضمن لأنه بالترك
صار مودعا ابتداء ا ه‍.
وعزاه إلى المحيط. وفي البحر: إن تركها عن رضا وذهب لا يضمن، وإن كان من غير رضا يضمن. كذا في
الخلاصة: ولو قال له بعد طلبه اطلبها ثم ادعى ضياعها: فإن قال ضاعت بعد الاقرار فلا ضمان،
وإلا ضمن. قوله: (ولو حكما كوكيله بخلاف رسوله) سوى في التجنيس بين الوكيل والرسول
وقال: إذا منعها عنها لا يضمن. وفي العمادية ذكر الضمان في المنع من الرسول فالمسألة ذات خلاف
فيهما، واقتصار المصنف على ما ذكره يدل على اعتماده، وقد نقله القهستاني عن المضمرات.
وفي الخلاصة: المالك إذا طلب الوديعة فقال المودع لا يمكنني أن أحضر الساعة فتركها وذهب:
إن تركها عن رضا فهلكت لا يضمن، لأنه لما ذهب فقد أنشأ الوديعة، وإن كان عن غير رضا يضمن،
ولو كان الذي يطلب الوديعة وكيل المالك يضمن لأنه ليس إنشاء للوديعة، بخلاف المالك انتهى. وهذا
صريح في أنه يضمن بعدم الدفع إلى وكيل المالك كما لا يخفى، وهو خلاف ما تقدم في كتاب الوكالة
في باب الوكالة بالخصومة.
ونصه: قال إني وكيل بقبض الوديعة فصدقه المودع لم يؤمر بالدفع إليه على المشهور الخ. وكتب
سيدي الوالد رحمه الله تعالى أن مقابل المشهور ما عن أبي يوسف ومحمد أنه يؤمر بالدفع، فلعل ما هنا
على هذه الرواية.
وفي مجموعة مؤيد زاده: ولو قال إني وكيل بقبض الوديعة فصدقه المودع لم يؤمر بتسليم الوديعة
إليه لأنه مأمور بالحفظ فقط، ثم قال قد جاء رسولك فدفعتها إليه وكذبه المالك ضمنها، ولا يرجع بما
ضمن على الرسول إن صدقه في كونه رسوله ولم يشترط عليه الرجوع، وإن كذبه ودفع إليه أو لم
يصدقه ولم يكذبه يرجع على الرسول، وكذلك إن صدقه وشرط عليه الرجوع كما في الوجيز. ثم
قال: ولو دفعها إلى رسول المودع فأنكر المودع الرسالة ضمن ا ه‍.

477
وفي فصول العمادي معزيا إلى الظهيرية: ورسول المودع إذا طلب الوديعة فقال لا أدفع إلا للذي
جاء بها ولم يدفع إلى الرسول حتى هلك ضمن. وذكر في فتاوى القاضي ظهير الدين هذه المسألة
وأجاب عنها نجم الدين أنه يضمن. وفيه نظر بدليل أن المودع إذا صدق من ادعى أنه وكيل بقبض
الوديعة فإنه قال في الوكالة لا يؤمر بدفع الوديعة إليه، ولكن لقائل أن يفرق بين الوكيل والرسول لان
الرسول ينطق على لسان المرسل ولا كذلك الوكيل، ألا ترى أنه لو عزل الوكيل قبل علم الوكيل
بالعزل لا يصح، ولو رجع عن الرسالة قبل علم الرسول صح كذا في فتاواه اه‍. منح.
قال محشيها الرملي في حاشية البحر: ظاهر ما في الفصول أنه لا يضمن في مسألة الوكيل كما
هو منقول عن التجنيس، فهو مخالف للخلاصة كما هو ظاهر، ويتراءى لي التوفيق بين القولين بأن
يحمل ما في الخلاصة على ما إذا قصد الوكيل إنشاء الوديعة عند المودع بعد منعه ليدفع له وقت آخر.
وما في فتاوى القاضي ظهير الدين والتجنيس على ما إذا منع ليؤدي إلى المودع بنفسه، ولذلك قال في
جوابه: لا أدفع إلا للذي جاء بها. وفي الخلاصة: ما هو صريح في أن الوكيل لو تركها وذهب عن
رضا بعد قول المودع لا يمكنني أن أحضرها الساعة: أي وأدفعها لك في غير هذه الساعة، فإذا فارقه
فقد أنشأ الايداع ليس له ذلك، بخلاف قوله لا أدفعها إلا للذي جاء بها فإنه استبقاء للايداع الأول لا
إنشاء إيداع. فتأمل. ولم أر من تعرض لهذا التوفيق، والله تعالى هو الموفق انتهى.
فالحاصل: أنه إذا منعها عن الرسول لا يضمن على ظاهر الرواية كما نقله عن البحر عن
الخلاصة. وأما إذا منعها عن الوكيل ففيه اختلاف. ففي الخلاصة والقاعدية والوجيز والتتارخانية
والحاوي الزاهدي والمضمرات أنه يضمن، واختاره المصنف في منحه، وتبعه الشارح هنا.
وفي شرحه على الملتقى: فتعين المصير إلى ما عليه الأكثر خصوصا والمضمرات شرح القدوري
والشروح مقدمة. ففي مسألتنا منع المودع الوديعة من الوكيل ظلما ولم يقل له لم أدفعها إلا إلى الذي
جاء بها حتى يكون استبقاء للايداع الأول، لان قول الشارح كوكيله يقتضي المنع ظلما، وبه يظهر أن
ما ذكره في الفصول العمادية من الفرق المتقدم بين الوكيل والرسول مبني على خلاف ظاهر الرواية كما
نبه عليه في نور العين.
ثم اعلم أن كلام التتارخانية يفيد تفصيلا في مسألة الوكيل، وذلك أن المودع إنما يضمن بالمنع
عن الوكيل إذا كان توكيله ثابتا بالمعاينة أو بالبينة، أما إذا كان بتصديق المودع فإنه لا يضمن، وكذا لو
كذبه بالأولى. وانظر هل يجري على هذا التفصيل في مسألة الرسول أيضا، ومقتضى ما نذكره في
المقولة الآتية عن الخانية من قوله فجاء رجل وبين تلك العلامة فلم يصدقه المودع حتى هلكت الوديعة
لا ضمان أنه لو صدقه يضمن فيخالف مسألة الوكيل. إلا أن يقال: إن قوله فلم يصدقه ليس قيدا
احترازيا فلا مفهوم له، وهذا إن حمل على أنه رسول، وكذا إن حمل على أنه وكيل يخالف ما ذكرنا من
التفصيل. ثم قال في البحر: وينبغي أن يكون محل هذا التفصيل: أي في أصل المسألة فيما إذا ترك
عن رضا وذهب لا يضمن، وفيما إذا كان عن غير رضا يضمن ما إذا كان المودع يمكنه وكان كاذبا في
قوله، أما إذا كان صادقا فلا يضمن مطلقا لما قلنا انتهى.

478
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: فيه نظر، لما في التجنيس أنه لو طلبها بوكيله أو رسوله
فحبسها لا يضمن فتأمل. وانظر إلى ما ذكره بعيده من قوله: ولو بعلامة منه يحتج بأنه إنما منعه
ليوصلها إلى الأصيل بنفسه لتكذيبه إياه، وفرع الخلاصة فيه المنع للعجز عن التسليم والترك والذهاب
عن رضا إلى وقت آخر، وفيه إنشاء إيداع بخلاف الأول، حتى لو كذبه في الفرع الذي تفقه فيه مع
ذلك، والمسألة بحالها لا يضمن، فتأمل. قوله: (ولو بعلامة منه) لامكان إتيان غير الرسول بهذه
العلامة إلا أن يبرهن أنها له كما في الخلاصة وغيرها.
قال في الخانية: رجل أودع عند إنسان وديعة وقال في السر من أخبرك بعلامة كذا وكذا فادفع
إليه الوديعة، فجاء رجل وبين تلك العلامة فلم يصدقه المودع حتى هلكت الوديعة، قال أبو القاسم:
لا ضمان على المودع. ا ه‍.
وفي حاشية جامع الفصولين للخير الرملي: وهل يصح هذا التوكيل ولا يضمن المودع بالدفع أم
لا يصح لكون الوكيل مجهولا ويضمن بالدفع؟ قال الزاهدي في حاويه رامزا: فيه تفصيل، لو كانا عند
ذلك الاتفاق بمكان لا يمكن لاحد من الناس استماع كلامهما فالدفع لمن جاء إليه بتلك العلامة، وأما
استماعه ذلك من أجنبي فنادر، وإن كان عند ذلك بمكان فيه أحد من الناس ممن يفهم اتفاقهما على
ذلك أو بمكان يمكن فيه لاحد استماع اتفاقهما إلى ذلك خفية وهما لا يريانه فالوكالة باطلة والدفع
مضمن. ا ه‍. هذا ما نقله الرملي.
قلت: كثيرا ما يقع أن المالك بعد اتفاقه مع المودع على ذلك يبعث رجلا بتلك العلامة فيسمعه
آخر فيسبق الأول ويخبر المودع بتلك العلامة.
وقد يقال: إن هذا لا ينافي صحة التوكيل بعد وجود شرطه المتقدم عند اتفاق المالك مع المودع:
والظاهر أن المالك إذا قال لم أذكر العلامة لهذا الرجل الذي جاء وإنما ذكرتها لغيره أن يكون القول له
لأنه منكر فيضمن المودع، فتأمل والله تعالى أعلم. أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى قوله: (على
الظاهر) أي ظاهر المذهب، وهو راجع إلى الوكيل والرسول، وقال الثاني يضمن كما في الهندية، وقد
اختلفت الفتاوى في هذا، وقد علمت المعتمد. قوله: (ضمن) إن ضاعت لوجود التعدي بمنعه لأنه
صار غاصبا، وهذا لأنه لما طالبه لم يكن راضيا بإمساكه بعده فيضمنهما بحبسه عنه. داماد.
قال في البحر: ولو قال له بعد طلبه اطلبها غدا ثم ادعى ضياعها، فإن قال ضاعت بعد الاقرار
لا ضمان، وإلا ضمن انتهى. قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: قوله بعد الاقرار: أي الاقرار ضمنا
في قوله اطلبها غدا، وقوله بعد الاقرار ظرف لضاعت لا لقال.
وفي جامع الفصولين: طلبها ربها فقال اطلبها غدا فقال في الغد تلفت، فلو قال تلفت قبل قولي
اطلبها غدا ضمن، لا لو قال بعده للتناقض في الأول لا الثاني.
قال ربها: ادفعها إلى قني هذا فطلبها فأبى أو قال غدا يضمن ا ه‍. أي لأنه كأنه وكل قنه
بحضرة المودع والوكيل لا يملك ابتداء الايداع في قوله غدا انتهى. والمسألة في الخانية أيضا. قوله:
(بأن كان عاجزا) أي عجزا حسيا كأن لا يستطيع الوصول إلى محل الوديعة أو معنويا، وهو ما أشار إليه
بقوله أو خاف على نفسه: أي من ظالم أن يقتله أو دائن أن يحبسه وهو غير قادر على الوفاء أو كانت

479
امرأة وخافت من فاسق أو خاف على ماله بأن كان مدفونا معهما، فإذا ظهر اغتصبه منه غاصب فامتنع
عن التسليم لذلك لا يضمن، لأنه لم يكن ظالما. قوله: (أو خاف على نفسه أو ماله) في المحيط: لو
طلبها أيام الفتنة فقال لم أقدر عليها هذه الساعة لبعدها أو لضيق الوقت فأغاروا على تلك الناحية فقال
أغير عليها لم يضمن، والقول له: ا ه‍. قوله: (كطلب الظالم) أي وديعته ليظلم بها فإنه بمنعها لا يكون
ظالما، حتى لو ضاعت لا يكون ضامنا كمنعه منه وديعة عبده فإنه به لا يكون ظالما، لان المولى ليس له
قبض وديعة عبده مأذونا كان أو محجورا ما لم يحضر ويظهر أنه من كسبه لاحتمال أنه مال الغير، فإذا
ظهر أنه للعبد بالبينة فحينئذ يأخذه. خلاصة ط. وإنما كان المراد بالظالم هنا المالك لان الكلام في طلبه
هو فما بعده مفرع عليه: أعني قوله فلو كانت الوديعة سيفا الخ، يدل عليه قول المصنف في المنح لما
فيه من الإعانة على الظلم. قوله: (فلو كانت) تفريع على عدم الضمان بالمنع عند طلب الظالم.
وحاصله: أنه لا يضمن بطلب صاحب الوديعة حيث كان ظالما بأن كانت الوديعة سيفا فطلبه
ليقتل به رجلا مظلوما بغير حق ولو معاهدا أو امرأة أو صبيا، فلو منعه لا يضمن لكون الطالب ظالما
ومثل السيف كل مؤذ فيما يظهر. قوله: (ليضرب به رجلا) أي مظلوما ولو معاهدا أو امرأة أو صبيا
ط. قوله: (إلى أن يعلم الخ) فلو شك فيما ذكر لا يعد بمنعه ظالما فلا يضمن بهلاكه. كذا يفاد من
مفهومه ط. قوله: (كما لو أودعت) أتى بالكاف ليفيد أنه مثال غير مخصص، فمثله كل ما كان في
معناه فيما يظهر.
قال في الأشباه: لا يجوز للمودع المنع بعد الطلب إلا في مسائل: لو كان سيفا ليضرب به
ظلما، ولو كان كتابا فيه إقرار بمال الغير أو قبض ا ه‍. قوله: (أي موت المودع) بفتح الدال مجهلا، أما
بتجهيل المالك فلا ضمان، والقول للمودع بيمينه بلا شبهة قال الحانوتي: وهل من ذلك الزائد في
الرهن على قدر الدين ا ه‍.
أقول: الظاهر أنه منه لقولهم: ما تضمن به الوديعة يضمن به الرهن، فإذا مات مجهلا يضمن ما
زاد، وقد أفتيت به. رملي ملخصا. قال ط: من الوديعة الزائد من الرهن على مقدار الدين فيضمن
بالموت عن تجهيل وتكون الوديعة ونحوها كدين الصحة فيحاصص ربها الغرماء، لان اليد المجهولة عند
الموت تنقلب يد ملك، ولأنه لما مات ولم يبين صار بالتجهيل مستهلكا لها. ا ه‍.
قال في مجمع الفتاوى المودع أو المضارب أو المستعير أو المستبضع وكل من كان المال بيده أمانة
إذا مات قبل البيان ولا تعرف الأمانة بعينها فإنه يكون دين عليه في تركته، لأنه صار مستهلكا الوديعة
بالتجهيل، ومعنى موته مجهلا أن لا يبين حال الأمانة كما في الأشباه.
وقد سئل عمر بن نجيم عما لو قال المريض عندي ورقة في الحانوت لفلان ضمنها
دراهم لا أعرف قدرها فمات ولم توجد فأجاب بأنه من التجهيل. لقوله: في البدائع: هو أن يموت

480
قبل البيان ولم يعرف الأمانة بعينها ا ه‍. قال الحموي: وفيه تأمل. قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى:
ولينظر ما وجه التأمل.
وفي نور العين: لو مات المودع مجهلا ضمن: يعني لو مات ولم يبين حال الوديعة، أما إذا عرفها
الوارث والمودع يعلم أنه يعرف المودع فمات لم يضمن، فلو قال الوارث أنا علمتها وأنكر الطالب، لو
فسرها بأن كانت كذا وكذا وقد هلكت صدق لكونها عنده.
وفي الذخيرة: قال ربها مات المودع مجهلا وقالت ورثته كانت قائمة يوم موت المودع ومعروفة ثم
هلكت بعد موته صدق ربها هو الصحيح، إذ الوديعة صارت دينا في التركة في الظاهر فلا يصدق
الورثة. ولو قال ورثته ردها في حياته أو تلفت في حياته لا يصدقون بلا بينة لموته مجهلا فيقر الضمان
في التركة، ولو برهنوا أن المودع قال في حياته رددتها يقبل إذ الثابت ببينة كالثابت بعيان. ا ه‍. قوله:
(إلا إذا علم) بالبناء للفاعل وضميره للمودع بالفتح الذي مات مجهلا، وإذا قال الوارث ردها في حياته
أو تلفت في حياته لم يصدق بلا بينة، ولو برهن أن المودع قال في حياته رددتها يقبل.
قال الحموي في شرحه: وقيد في الخلاصة ضمان المودع بموته مجهلا بأن لا يعرفها الوارث، أما
إذا عرفها والمودع يعلم أنه يعرف فمات ولم يبين لا يضمن ا ه‍. وذلك بأن سئل عنها فقال عند فلان
علمها.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى في تنقيحه في جواب سؤال: والذي تحرر من كلامهم أن المودع
إن أوصى بالوديعة في مرض موته ثم مات ولم توجد فلا ضمان في تركته، وإن لم يوص فلا يخلو إما
أن يعرفها الورثة أو لا: فإن عرفوها وصدقهم صاحبها على المعرفة ولم توجد لا ضمان في التركة، وإن
لم يعرفوها وقت موته فلا يخلو، إما أن تكون موجودة أو لا، فإن كانت موجودة وثبت أنها وديعة إما
ببينة أو إقرار الورثة أخذها صاحبها ولا يتوهم أنه في هذه الحالة مات مجهلا فصارت دينا فيشارك
أصحاب الديون صاحبها، لان هذا عند عدم وجودها، أما عند قيامها فلا شك أن صاحبها أحق بها،
فإن لم توجد فحينئذ هي دين في التركة وصاحبها كسائر غرماء الصحة، وإن وجد بعضها وفقد
بعضها، فإن كان مات مجهلا أخذ صاحبها الموجود ورجع بالمفقود في التركة وإلا أخذ الموجود فقط،
وإن مات وصارت دينا، فإن كانت من ذوات الأمثال وجب مثلها وإلا فقيمتها، فعليك بحفظ هذا
التحرير. والله سبحانه وتعالى أعلم نقل من فتاوى التمرتاشي.
وأجاب قارئ الهداية عن سؤال بقوله: إذا أقام المودع بينة على الايداع وقد مات المودع مجهلا
للوديعة ولم يذكرها في وصيته ولا ذكر حالها لورثته فضمانها في تركته، فإن أقام بينة على قيمتها
أخذت من تركته، وإن لم تكن له بينة على قيمتها فالقول فيها قول الورثة مع يمينهم، ولا يقبل قول
الورثة إن مورثهم ردها لأنه لزمهم ضمانها فلا يبرؤن بمجرد قولهم من غير بينة شرعية على أن مورثهم
ردها. ا ه‍.
وقال في جواب آخر: ادعوا أن مورثهم ادعى قبل موته أنه رده إلى مالكه أو أنه تلف منه
وأقاموا بينة على أنه قال ذلك في حياته تقبل بينتهم، وكذلك إذا أقاموا بينة أنه حين موته كان المال
المذكور قائما وأن مورثهم قال هذا المال لفلان عندي وديعة أو قرض أو قبضته لفلان بطريق الوكالة أو

481
الرسالة لأدفعه إليه فادفعوه إليه ولكنه ضاع بعد ذلك من عندنا لا ضمان عليهم ولا في تركته ا ه‍.
أقول: وفي قوله أو قرض نظر، إن حمل على أن الميت استقرضه منه لأنه دخل في ملكه وصار
مطالبا ببدله، وإذا هلك يهلك عليه بعد قبضه، إلا أن يحمل على أن المالك كان استقرضه ووضعه عند
الميت أمانة فليتأمل هذا.
وفي حاشية الأشباه للبيري عن منية المفتي ما نصه: وارث المودع بعد موته إذا قال ضاعت في
يد مورثي: فإن كان هذا في عياله حين كان مودعا يصدق، وإن لم يكن في عياله لا. ا ه‍. قوله:
(صدق) يعني لو ادعى الطالب التجهيل بأن قال مات المودع مجهلا وادعى الوارث أنها كانت قائمة يوم
مات وكانت معروفة ثم هلكت بعد موته فالقول للطالب في الصحيح، إذ الوديعة صارت دينا في
التركة في الظاهر فلا يصدق الوارث كما في جامع الفصولين والبزازية كما علمت. قوله: (وما لو
كانت عنده) أي عند المورث: يعني أن الوارث كالمودع فيقبل. قوله: (في الهلاك إذا فسرها فهو
مثله)، إلا أنه خالفه في مسألة وهي قوله الآتي إلا في مسألة وهي الخ. قوله: (إلا أنه إذا منعه) أي
المودع السارق: يعني أن المودع بعد ما دل السارق على الوديعة فجاء السارق ليأخذها فمنعه فأخذها
السارق قهرا لا يضمن. قال في الخلاصة: المودع إنما يضمن إذا دل السارق على الوديعة إذا لم يمنعه
من الاخذ حال الاخذ، فإن منعه لم يضمن ا ه‍. إلا إذا منعه أي المودع السارق فأخذ كرها.
فصولين. وهو استثناء من قوله: (والمودع إذا دل ضمن). قوله: (كما في سائر الأمانات) ومنها:
الرهن إذا مات المرتهن مجهلا يضمن قيمة الرهن في تركته كما في الأنقروي، والمراد بالضمان: أي
الزائد كما قدمناه عن الرملي، وكذا الوكيل إذا مات مجهلا كما يؤخذ مما هنا، وبه أفتى الحامدي بعد
الخيري.
وفي إجارة البزازية: المستأجر يضمن إذا مات مجهلا ما قبضه ا ه‍. سائحاني ومنها: المأمور
بالدفع إذا مات مجهلا كما في التنقيح لسيدي الوالد رحمه الله تعالى. وفيه الأب إذا مات مجهلا يضمن،
لكن صحح عدم ضمانه إذ الأب ليس أدنى حالا من الوصي بل هو أوفى حالا من الوصي حيث لا
يضمن إلا إذا كان الأب ممن يأكل مهور البنات كالفلاحين والاعراب، فالقول بتضمينه إذا مات مجهلا
ظاهر لأنه غاصب من أول الامر، لأنه إنما قبض المهر لنفسه لا لبنته، فليكن التعويل على هذا
التفصيل ومثله الجد كما مر ا ه‍. ملخصا. قوله: (فإنها تنقلب مضمونة بالموت عن تجهيل) ويكون أسوة
الغرماء. بيري على الأشباه. قوله: (ومفاوض) عطف خاص وكمرتهن. أنقروي وتقدم عنه. قوله:
(إلا في عشر على ما في الأشباه) وعلى ما في الشرنبلالي على الوهبانية تسعة عشر كما تقف عليه. وفيه
شبه اعتراض على المصنف حيث اقتصر في الاستثناء على ثلاثة والسبعة الباقية ذكرها في الأشباه صارت
عشرة.

482
وعبارة الأشباه: الوصي إذا مات مجهلا فلا ضمان عليه كما في جامع الفصولين. والأب إذا
مات مجهلا مال ابنه، والوارث إذا مات مجهلا ما أودع عند مورثه، وإذا مات مجهلا لما ألقته الريح في
بيته أو لما وضعه مالكه في بيته بغير علمه، وإذا مات الصبي مجهلا لما أودع عنده محجورا. ا ه‍ ملخصا.
وقدمنا قريبا ذكر الأب والجد فلا تنسه، ومن السبعة الباقية أحد المتفاوضين، ويأتي للشارح اعتماد
الضمان. ونذكر تمامه إن شاء الله تعالى. قوله: (ناظر أودع غلات الوقف) عبارة الدرر قبض وهي
أولى. تأمل. والذي في الأشباه: الناظر إذا مات مجهلا غلات الوقف، ثم كلام المصنف عام في
غلات المسجد وغلات المستحقين.
أقول: هكذا أطلقت المسألة في كثير من الكتب، ووقع فيها كلام وجهين:
الأول: أن قاضيخان قيد ذلك بمتولي المسجد إذا أخذ غلات المسجد ومات من غير بيان، أما إن
كانت الغلة مستحقة لقوم بالشرط فيضمن مطلقا بدليل اتفاق كلمتهم فيما إذا كانت الدار وقفا على
أخوين غاب أحدهما وقبض الحاضر غلتها تسع سنين ثم مات الحاضر وترك وصيا ثم حضر الغائب
وطالب الوصي بنصيبه من الغلة. قال الفقيه أبو جعفر: إذا كان الحاضر الذي قبض الغلة هو القيم
على هذا الوقف كان للغائب أن يرجع في تركة الميت بحصته من الغلة، وإن لم يكن هو القيم إلا أن
الأخوين أجرا جميعا فكذلك، وإن أجرا لحاضر كانت الغلة كلها له في الحكم ولا يطيب له انتهى
كلامه. وهذا مستفاد من قولهم غلة الوقف وما قبض في يد الناظر ليس غلة الناظر بل هو مال
المستحقين بالشرط:
قال في الأشباه من القول في الملك: وغلة الوقف يملكها الموقوف عليه وإن لم يقبل انتهى.
وينبغي أن يلحقه بغلة المسجد ما إذا شرط ترك شئ في يد الناظر للعمارة، والله أعلم. كذا حرره
شيخ مشايخنا منلا علي رحمه الله تعالى.
الثاني: أن الامام الطرسوسي في أنفع الوسائل ذكر بحثا أنه يضمن إذا طالبه المستحق ولم يدفع
له ثم مات بلا بيان، أما إذا لم يطالب: فإن محمودا معروفا بالأمانة لا يضمن وإلا ضمن، وأقره في
البحر على تقييد ضمانه بالطلب: أي فلا يضمن بدونه. أما به فيضمن وهو ظاهر. وبه أفتى الشيخ
إسماعيل الحائك، لكن ذكر الشيخ صالح في زواهر الجواهر أنه يضمن وإن لم يطالبه المستحق، لان لما
مات مجهلا فقد ظلم، وقيده بحثا بما إذا لم يمت فجأة، أما إذا مات على غفلة لا يضمن لعدم تمكنه
من البيان، بخلاف ما إذا مات بمرض ونحوه وأقره الشارح، وعدم تمكنه من البيان لو مات فجأة إنما
يظهر لو مات عقب قبضه الغلة كما يأتي.
والحاصل: أن المتولي إذا قبض غلة الوقف ثم مات مجهلا بأن لم توجد في تركته ولم يعلم ما
صنع بها لا يضمنها في تركته مطلقا كما هو المستفاد من أغلب عباراتهم، ولا كلام في ضمانه بعد
طلب المستحق ولا في عدم ضمانه لو كانت الغلة لمسجد، وإنما الكلام فيما لو كانت غلة وقف لها
مستحقون مالكون لها هل يضمنها مطلقا على ما يفهم من تقييد قاضيخان، أو إذا كان غير محمود ولا
معروف بالأمانة كما بحثه الطرسوسي، أو إذا كان موته بعد مرض لا فجأة كما بحثه في الزواهر؟
فليتأمل، وهذا كله في غلة الوقف. أما لو مات مجهلا لمال البدل: أي لثمن الأرض المستبدلة أو لعين

483
الوقف فإن يضمن بموته مجهلا بالأولى كما قال الشارح عن المصنف، وبه يعلم أن إطلاق المصنف
والشارح في محل التقييد، فتنبه. قوله: (لان الناظر لو مات مجهلا لمال البدل ضمنه) أما لو علم ضياعه
لا يضمن.
قال في البحر عن المحيط: لو ضاع الثمن من المستبدل لا ضمان عليه. ا ه‍. وهذا صريح في
جواز الاستبدال بالدراهم والدنانير، فلا يشترط كون البدل عقارا، وهو ينافي ما قدمه في الوقف من
اشتراط كون البدل عقارا، أفاده أبو السعود في حاشية الأشباه ط.
أقول: لكن قدم الشارح في الوقف عن الأشباه أنه لا يجوز استبدال العامر إلا في أربع.
قلت: لكن في معروضات المفتي أبو السعود أنه في سنة 159 ورد الامر الشريف بمنع استبداله
وأمر بأن يصير بأمر السلطان تبعا لترجيح صدر الشريعة ا ه‍ فليحفظ ا ه‍. ونقله سيدي الوالد رحمه الله
تعالى في تنقيحه.
أقول: وعليه المعول. قوله: (أشباه) قال محشيه الحموي: البدل بالدال المهملة ثمن أرض الوقف
إذا باعها بمسوغ الاستبدال كما صرح به في الخانية، قيد بالتجهيل إذ لو علم ضياعه لا يضمن.
قال في الذخيرة: إن المال في يد المستبدل أمانة لا يضمن بضياعه ا ه‍. وإنما ضمن بالموت عن
تجهيل لأنه الأصل في الأمانات إذا حصل الموت فيها عن تجهيل، فافهم. ويستفاد من قولهم إذا مات
مجهلا لمال البدل يضمن جواب واقعة الفتوى، وهي أن المولى إذا مات مجهلا لعين الوقف كما إذا كان
الوقف دراهم أو دنانير على القول بجوازه وعليه عمل الروم أن يكون ضامنا، لأنه إذا كان يضمن
بتجهيل مال البدل فبتجهيل عين الوقف أولى. ذكره المصنف في منحه مع زيادة إيضاح. قوله: (على
القول بجوازه) حيث جرت به العادة وعليه عمل أهل الروم كما علمت. قوله: (قاله المصنف) أي في
منحه. قوله: (وأقره ابنه) الشيخ صالح. قوله: (وقيد) أي صاحب الزواهر. قوله: (موته بحثا
بالفجأة) لعدم تمكنه من البيان فلم يكن حابسا ظلما.
قلت: هذا مسلم لو مات فجأة عقب القبض. تأمل. وهذا راجع إلى المتن في البحث في غلة
المستحقين كما يفيده كلامه الذي رد به على الطرسوسي لا إلى مال البدل وعين الوقف، حيث قال:
لكن يقول العبد الضعيف: ينبغي أن يقال: إذا مات فجأة على غفلة لا يضمن لعدم تمكنه من بيانها فلم
يكن حابسا ظلما، وإن مات بمرض ونحوه فإنه يضمن لأنه تمكن من بيانها ولم يبين وكان مانعا لها
ظلما فيضمن ا ه‍. وكان الأولى تقديم هذه المسألة هناك. قوله: (ورد ما بحثه في أنفع الوسائل) كما
سمعته قريبا وما ذكره ابن المصنف من الرد.
وحاصل ما ذكره بحثا تفصيلا: إن حصل طلب المستحقين منه المال وأخر حتى مات مجهلا
يضمن، وإن لم يحصل طلب منه ومات مجهلا ينبغي أن يقال أيضا: إن كان محمودا بين الناس معروفا
بالديانة والأمانة لا ضمان عليه، وإن لم يكن كذلك ومضى زمان والمال في يده ولم يفرقه ولم يمنعه من

484
ذلك مانع شرعي يضمن، وما ذكره الشيخ صالح ابن المصنف هو قوله.
أقول: هو لما مات مجهلا فقد ظلم وقصر حيث لم يبين قبل موته فكان حابسا لها ظلما فيضمن
سواء طلب منه أو لا، ولا دخل لكونه محمودا أو غير محمود، ولو كان محمودا لبينها قبل موته في
مرضه وخلص نفسه، فالحسن ما عليه المشايخ الاعلام، ثم ذكر بحثه السابق.
قال العلامة الرملي: العمل بإطلاقهم متعين، ولا نظر لما قاله الطرسوسي، وينبغي أن يقال ذلك
فيما قال ابن المصنف في زواهر. ا ه‍. ثم إن هذا من المؤلف خلط مقام بمقام فإنه لا خلاف في عدم
ضمانه بموته مجهلا غلات المسجد، وأما إذا مات مجهلا استحقاق المستحقين ففيه اختلاف المشايخ، وما
عليه مشايخ المذهب أنه يضمن مطلقا خلافا لتفصيل الطرسوسي.
والحاصل: أن بحث الطرسوسي وصاحب الزواهر في غلة المستحقين، ولا تنس ما قدمناه قريبا
من حاصل الكلام في هذه المسألة والسلام. قوله: (ومنها قاض مات مجهلا لأموال اليتامى) قال
المصنف في شرح تحفة الاقران إذا خلط الأمين بعض أموال الناس ببعض أو الأمانة بماله فإنه
ضامن، إلا في مسائل: لا يضمن الأمين بالخلط القاضي إذا خلط ماله بمال غيره أو مال رجل آخر،
والمتولي إذا خلط مال الوقف بمال نفسه وقيل يضمن. ا ه‍.
واعلم ما ذكره المصنف تبع فيه الأشباه من أن القاضي إذا مات مجهلا أموال اليتامى لا يضمن،
لكنه مخالف لما في جامع الفصولين من السابع والعشرين: لو وضع قاض مال اليتيم في بيته ومات
مجهلا ضمن لأنه مودع، ولو دفعه القاضي إلى قوم ثقة ولا يدري إلى من دفع لم يضمن إذ المودع غيره. ا
ه‍. تأمل.
وفيه أيضا: ولا يضمن الوصي بموته مجهلا، ولو خلطاه بماله ضمن وضمن الأب بموته
مجهلا، ولو وضع القاضي مال اليتيم في بيته ومات مجهلا ضمن لأنه مودع الخ.
أقول: لعل وجه الضمان كونها لا تتخطى الورثة فالغرم بالغنم، ويظهر من هذا الوصي إذا
وضع مال اليتيم في بيته ومات مجهلا يضمن، لان ولايته قد تكون مستمدة من القاضي أو الأب
فضمانه بالأولى. وفي الخيرية: وفي الوصي قول بالضمان. ويأتي تمام الكلام على ذلك قريبا إن شاء
الله تعالى.
وأقول: وكذا الغاصب كما ذكره الكمال في فصل الشهادة على الإرث، وكذا المستأجر كما في
البزازية في مسائل موت أحد المتعاقدين أيضا. قوله: (ولابد منه) ويؤيده قول جامع الفصولين: مات
المودع ولا تدري الوديعة بعينها صارت دينا في ماله، وكذا كل شئ أصله أمانه وتفصيل الأشباه
وعبارة الظهيرية والفصولين. قوله: (لأنه وضعها في بيته ومات مجهلا ضمن) وقدمنا وجهه، وكذا إذا
جن جنونا لا يرجى برؤه، كذا في شرح البيري معزيا لخزانة الأكمل. أبو السعود. لكن ذكر
قاضيخان عن إبراهيم بن رستم: لو مات القاضي ولم يبين ما عنده من مال اليتيم لا يضمن.
شرنبلالية وفي البزازية: إذا قبض ماله ووضعه في منزله ولا يدري أين وضعه ومات يضمن إلا إذا

485
قال للقاضي حال حياته ضاع أو أنفقته عليه لا يضمن. ا ه‍. فتأمل. قوله: (ومنها سلطان أودع الخ)
وذلك إنما يكون قبل القسمة.
أقول: وكذا إذا مات مجهلا أموال اليتيم عنده كما في العمادية.
قال ط ومنها: الوصي إذا مات مجهلا فلا ضمان عليه كما في جامع الفصولين ومنها: الأب
إذا مات مجهلا مال ابنه. ومنها: إذا مات الوارث مجهلا ما أودع عند مورثه، وهذه لم يعزها صاحب
الأشباه لاحد. ومنها: إذا مات مجهلا ما ألقته الريح في بيته. ومنها: إذا مات مجهلا لما وضعه مالكه
في بيته بغير علمه كذا في الأشباه.
قال السيد الحموي: والصواب بغير أمره كما في شرح الجامع، إذ يستحيل تجهيل ما لا يعلمه.
ومنها: إذا مات الصبي مجهلا لما أودع عنده محجورا لأنه لم يلتزم الحفظ وهي الستة تمام العشرة،
وكذلك إذا بلغ ثم مات إلا أن يشهدوا أنها في يده بعد البلوغ لزوال المانع وهو الصبا، والمعتوه
كالصبي في ذلك.
وذكر البيري أنه إذا مات الصبي بعد البلوغ ولم يدر متى هلكت الوديعة ولم يعلم كيف حالها
لم يوجب القاضي ضمانا في ماله بالعقد الموقوف حتى يقيم المدعى بينة يشهدون أنهم رأوها في يده بعد
البلوغ ا ه‍. قوله: (وليس منها مسألة أحد المتفاوضين) ذكر محمد في كتاب شركة الأصل مسألة رابعة،
وهي أن أحد المتفاوضين إذا مات ولم يبين المال الذي كان في يده لم يضمن نصيب شريكه كما في المنبع
نقلا عن تهذيب الواقعات للحسام الشهيد. وهكذا في الولوالجية. ولكن في فتاوى قاضيخان: وأما
أحد المتفاوضين إذا كان المال عنده ولم يبين حال المال الذي كان عنده فمات، ذكر بعض الفقهاء أنه لا
يضمن وأحاله إلى شركة الأصل وذلك غلط، بل الصحيح أنه يضمن نصيب صاحبه انتهى.
والعلامة الكمال بن الهمام قال في كتاب الشركة: الأمين إذا مات مجهلا يضمن إلا في ثلاث،
وجعل عدم ضمان المفاوض منها، ثم صرح في كتاب الوقف بأن المستثنى ثلاث وسكت عن ضمان
المفاوض وأورد بدله غيره فليوفق.
أقول: من الله التوفيق، وغايته الحمل على اختلاف الروايتين. ولكن بدفعه تغليط قاضيخان عدم
الضمان ويصحح ضمان نصيب صاحبه، ويدل عليه ما نصه في القنية: مات أحد المتفاوضين ومال
الشركة ديون على الناس ولم يبين ذلك بل مات مجهلا يضمن، كما لو مات مجهلا للعين انتهى. فظهر
أن هذا هو المذهب وأن ما ذكره المحقق الكمال ضعيف.
قال المصنف تبعا للبحر: وأما أحد المتفاوضين إذا كان المال عنده ولم يبين حال المال الذي كان
عنده فمات ذكر بعض الفقهاء أنه لا يضمن وأحاله إلى شركة الأصل وذلك غلط، بل الصحيح أنه
يضمن نصيب صاحبه، كذا في الخانية من الوقف. وبه يتضح أن ما في الفتح وبعض الفتاوى ضعيف
وأن الشريك يكون ضامنا بالموت عن تجهيل عنانا أو مفاوضة ومال المضاربة مثل الشركة إذا مات
المضارب مجهلا لمال المضاربة أو للمشتري بمالها.
قال في البزازية من النوع الخامس عشر في أنواع الدعاوي ما نصه: وفي دعوى مال الشركة

486
بسبب الموت مجهلا لا بد أن يبين أنه مات مجهلا لمال الشركة، وأما المشتري بمالها ومال الشركة
مضمون بالمثل والمشتري بمالها مضمون بالقيمة ومثله مال المضاربة إذا مات المضارب مجهلا بمال
المضاربة أو للمشتري بمالها وهذا صريح في الضمان فإذا أقر في مرضه أنه ربح ألفا ثم مات من غير
بيان لا ضمان، إلا إذا أقر بوصولها إليه كما في قاضيخان من كتاب المضاربة. قوله: (لما نقله المصنف
هنا وفي الشركة) ونقله صاحب البحر في الشركة قوله: (أنه يضمن نصيب شريكه) عنانا أو
مفاوضة، ومال المضاربة مثل مال الشركة إذا مات المضارب مجهلا كما علمت. قوله: (وأقره محشوها)
أي أقر الصواب. محشو الأشباه. قوله: (فبقي المستثنى تسعة) أي بخروج الشريك من العشرة وهي
الثلاثة المذكورة في المصنف والستة المذكورة في الأشباه. قوله: (وزاد الشرنبلالي في شرحه للوهبانية
على العشرة) أي بزيادة مسألة أحد المتفاوضين على ما تقدم. قوله: (الجد) قلت: يفهم من ذكر الأب،
فإن أحكامه أحكامه إلا فيما استثنى وهذه ليست منها، وقدمنا ذكرهما. قوله: (ووصيه ووصي
القاضي) هما داخلان في الوصي في كلام الأشباه فلا وجه لزيادة ما ذكر، إلا أن يقال: حمله على
وصي الأب لبيان التفصيل للايضاح، فتأمل. قوله: (وستة من المحجورين) أي والسابع وهو الصبي
المحجور عليه مذكور هنا.
قلت: هي تعلم من ذكر الصبي ط: أي لو أودع عندهم وماتوا مجهلين فلا ضمان عليهم والستة
من المحجورين وهم ما عدا الصغرى، وإنما أسقطه لأنه مذكور في الأشباه، ومراده الزيادة على ما في
الأشباه، فافهم. قوله: (لان الحجر يشمل سبعة) أي وقد قدمنا ما لو كان المودع صبيا وهي من الصور
التي ذكرها في الأشباه ولم يذكرها شارحنا هنا. قوله: (فإنه) أي الحجر لصغر مسألة الصغر من العشرة
التي في الأشباه إلا أن يقول: عدها هنا باعتبار قوله: (وإن بلغ ثم مات لا يضمن). تأمل. أو يقال:
إن مراده مجرد المحجورين سبعة وأن مراده ستة منهم ما عدا الصغر لأنه مذكور في الأشباه، ولذلك
قال: وستة من المحجورين. قوله: (ورق) قال في الظهيرية لو أن عبدا محجورا عليه أودعه رجل مالا
ثم أعتقه الولي ثم مات ولم يبين الوديعة فالوديعة دين في ماله سواء شهد الشهود بقيام الوديعة بعد
العتق أم لا، وإن مات وهو عبد فلا شئ على مولاه، إلا أن تعرف الوديعة فترد على صاحبها. ا ه‍.
قوله: (ودين) بفتح الدال وسكون الياء. قوله: (والمعتوه كصبي) قال في تلخيص الجامع: أودع صبيا
محجورا يعقل ابن اثنتي عشرة سنة ومات قبل بلوغه مجهلا لا يجب الضمان انتهى. ولعله قصد بكاف
التشبيه الإشارة إلى ما يأتي عن الوجيز تأمل. وعلل في الوجيز شرح الجامع الكبير عدم ضمانه بأنه لم
يلتزم الحفظ، ثم قال: وإن بلغ ثم مات فكذلك إلا أن يشهدوا أنها في يده بعد البلوغ لزوال المانع
وهو الصبا. والمعتوه كالصبي في ذلك، فإن كان مأذونا لهما في ذلك ثم ماتا قبل البلوغ والإفاقة
ضمنا ا ه‍. وبه تتضح عبارة الشارح. قوله: (وإن بلغ) أي الصبي ومثله إذا أفاق المعتوه كما يؤخذ مما

487
سلف. قوله: (مأذونا لهما) أي في التجارة كما في البيري عن خزانة الأكمل، أو في قبول الوديعة
كما في الوجيز، فإن عبارته كما في الحموي: فإن كانا مأذونا لهما في ذلك ثم ماتا قبل البلوغ
والإفاقة ضمنا ا ه‍. ونص في الهندية على ضمانه في الصورتين إجماعا ط. قوله: (ثم ماتا قبل البلوغ
والإفاقة ضمنا) هذا نشر على سبيل اللف، وهذه ثمرة تشبيه الشارح المعتوه بالصبي دون غيره، لا أن
ثمرته جعل السبعة ستة بتداخل العته في الصغر لان الصبي المحجور عليه من عشرة. الأشباه قوله:
(شرح الجامع) أي الكبير، وقوله: (الوجيز) بدل من شرح فإن اسمه الوجيز. قوله: (قال) أي
الشرنبلالي فبلغ: أي المستثنى. قوله: (تسعة عشر) أي بناء على عد المفاوض منها وهو غلط كما تقدم
نقله عن قاضيخان. قوله: (ونظم الخ) أي نظم التسعة وبقية عشرة. الأشباه. قوله: (وهي) أي
الأبيات الأربعة الأولان لابن وهبان. قوله: (والعين) مفعول مقدم ليحصر والجملة حال: أي كل أمين
مات والحال أنه يحوز العين، وما وجدت تلك العين بعينها فتصير دينا فضمير وجدت وتصير راجعان
إلى العين، وكلمة ما نافية وضمير يحصر للأمين، ومعناه يحفظ. قوله: (وما وجدت) أي العين الأمانة
عينا: أي معينة مشخصة. قوله: (تصير) بالبناء للمجهول. قوله: (ثم مفاوض) هذا على خلاف
المعتمد كما قدمناه. قوله: (ومودع) بكسر الدال اسم فاعل، من أودع: أي سوى مودع مال اليتيم:
يعني إذا خرج السلطان إلى الغزو وغنموا فأودع بعض الغنيمة عند الغانمين ومات ولم يبين عند من
أودع لا ضمان عليه. قاله أبو الطيب. قوله: (وهو المؤمر) أي الذي جعل أميرا على الجيش فإن ذلك
له قبل القسمة، فالمؤمر بصيغة اسم المفعول. قوله: (ألقت الريح) أي في تلك الدار شيئا. قوله: (لو
ألقاه) بدرج الهمزة. قوله: (ملاك) جمع مالك. قوله: (بها) أي بالدار. قوله: (ليس يشعر) تبع فيه
صاحب الأشباه حيث قال لغير علمه، واعترضه الحموي بأن الصواب بغير أمره كما في شرح الجامع
إذ يستحيل تجهيل ما لا يعلمه ا ه‍. وقدمناه قريبا فكان عليه أن يقول في النظم ليس يأمر. قوله:
(جميعا) يعني أن وصي الأب والجد والقاضي لا يضمن، وليس المراد أن الجميع أوصوا إليه، وقد مر
الكلام على ذلك، ويأتي قريبا إن شاء الله تعالى. قوله: (ومحجور) بأنواعه السبعة، فإن كان المراد من
المحجور ستة كما قدمه يكون الموجود في النظم سبعة عشر. تأمل. قوله: (فوارث) بغير تنوين: أي
إذا مات مجهلا لما أخبره المورث به من الوديعة. قوله: (يسطر) خبر لمبتدأ محذوف: أي وهذا يسطر
لحفظه ويسطر مخفف.
قال ابن الشحنة: وفي التبيين قاعدة استثنى منها مسائل، فالقاعدة قال في البدائع: لو مات
المضارب ولم يوجد مال المضاربة فإنه يعود دينا فيما خلف المضارب، وكذا المودع والمستعير وكل من
كان المال في يده أمانة إذا مات قبل البيان، ولا تعرف الأمانة بعينها فإنه يكون عليه دينا في تركته لأنه
صار بالتجهيل مستهلكا للوديعة ولا تصدق ورثته على الهلاك والتسليم إلى رب المال، ولو عين الميت

488
المال في حال الحياة أو علم ذلك تكون تلك الأمانة في يد
وصيه أو يد وارثه كما كانت في يده، ويصدقون على الهلاك والدفع إلى صاحبه كما يصدق الميت في حال حياته.
والمسائل الثلاثة المستثناة ذكرها بعد القاعدة في التتمة ناقلا عن واقعات الناطفي، الأمانات
تنقلب مضمونة بالموت إذا لم يبين إلا في ثلاث مسائل:
إحداها: متولي الأوقاف إذا مات ولم يعرف حال غلتها الذي أخذ ولم يبين لا ضمان عليه.
الثانية: إذا خرج السلطان إلى الغزو وغنموا فأودع بعض الغنيمة عند بعض الغانمين ومات ولم
يبين عند من أودع لا ضمان عليه.
الثالثة: أن أحد (1) المتفاوضين إذا مات وفي يده مال الشركة ا ه‍. وقد علم ذلك مما قدمناه
قريبا. قوله: (وكذا لو خلطها المودع) خلط مجاورة كقمح بقمح أو ممازجة كمائع بمائع.
اعلم أن الخلط على أربعة أوجه:
خلط بطريق المجاورة مع تيسر التمييز كخلط الدراهم البيض بالسود والدراهم بالدنانير والجوز
باللوز وأنه لا يقطع حق المالك بالاجماع، ولو هلك قبل التمييز هلك أمانة كما لو هلك قبل الخلط.
وخلط بطريق المجاورة مع تعسر التمييز كخلط الحنطة بالشعير، وذلك يقطع حق المالك ويوجب
الضمان في الصحيح، وقيل لا ينقطع حق المالك عن المخلوط بالاجماع هنا ويكون له الخيار. وقيل
القياس أن يكون المخلوط ملكا للخالط عند أبي حنيفة، وفي الاستحسان لا يصير.
وخلط الجنس بخلافه ممازجة كخلط الخل بالشيرج وهو دهن السمسم والخل بالزيت وكل مائع
بغير جنسه وإنه يوجب انقطاع حق المالك إلى الضمان بالاجماع.
وخلط الجنس بالجنس ممازجة كخلط دهن اللوز بدهن اللوز أو دهن الجوز بدهن الجوز أو اللبن
باللبن أو خلط الجنس بالجنس مجاورة كخلط الحنطة بالحنطة أو الشعير بالشعير أو الدراهم البيض
بالدراهم البيض أو السود بالسود، فعند أبي حنيفة هو استهلاك مطلقا لا سبيل لصاحبه، إلا تضمين
المودع مثله أو قيمته وصار المخلوط ملكا للخالط، ولا يباح له قبل أداء الضمان، ولا سبيل للمالك
عليها عند أبي حنيفة، ولو أبرأه سقط حقه من العين والدين وعندهما لا ينقطع ملك المالك عن
المخلوط بل له الخيار، إن شاء ضمن الخالط مثله، وإن شاء شاركه في المخلوط بقدر دراهمه، لأنه
يمكنه الوصول إلى عين حقه صورة وأمكنه معنى بالقسمة فكان استهلاكا من وجه فيميل إلى أيهما شاء
لان القسمة فيما لا تتفاوت آحاده إفراز وتعيين حتى ملك كل واحد من الشريكين أن يأخذ حصته عينا
من غير قضاء ولا رضا، فكان إمكان الوصول إلى عين حقه قائما معنى فيخير. وله أنه استهلاك من
كل وجه لأنه فعل يتعذر معه الوصول إلى عين حقه ولا يكون الاستهلاك من العباد أكثر من ذلك،
لان إعدام المحل لا يدخل تحت قدرتهم فيصير ضامنا زيلعي ومسكين. وعن أبي يوسف رحمه الله
تعالى أنه جعل الأقل تابعا للأكثر. وقال محمد رحمه الله تعالى: يشاركه بكل حال، وكذلك أبو يوسف
رحمه الله تعالى في كل مائع خلطه بجنسه يعتبر الأكثر وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول بانقطاع حق



(1) قوله: (ان أحد الخ) لعل الظاهر اسقاط لحفظ ان أو زيادة لا ضمان عليه بعد قوله مال الشركة فليحرر ا ه‍ مصححه.
489
المالك في الكل، ومحمد رحمه الله تعالى بالتشريك في الكل. هندية.
ولو خلط المتولي ماله بمال الوقف لم يضمن. وفي الخلاصة ضمن. وطريق خروجه من الضمان
الصرف في حاجة المسجد أو الرفع إلى الحاكم. منتقى.
القاضي لو خلط مال صبي بماله لم يضمن، وكذا سمسار خلط مال رجل بمال آخر، ولو بماله
ضمن، وينبغي أن يكون المتولي كذلك، ولا يضمن الوصي بموته مجهلا، ولو خلط بماله ضمن.
يقول الحقير: وقد مر نقلا عن المنتقى أيضا أن الوصي لو خلط ماله بمال اليتيم لم يضمن.
وفي الوجيز أيضا قال أبو يوسف: إذا خلط الوصي مال اليتيم بماله فضاع لا يضمن نور العين
من أواخر السادس والعشرين.
وبخط السائحاني عن الخيرية: وفي الوصي قول بالضمان ا ه‍. قلت: فأفاد أن المرجح عدمه.
والحاصل: أن من لا يضمن بالخلط بماله المتولي والقاضي والسمسار بمال رجل آخر والوصي،
وينبغي أن الأب كذلك، يؤيده ما في جامع الفصولين: لا يصير الأب غاصبا بأخذ مال ولده، وله
أخذه بلا شئ لو محتاجا وإلا فلو أخذه لحفظه فلا يضمن إلا إذا أتلفه بلا حاجة ا ه‍ بل هو أولى من
الوصي تأمل، والمراد بقوله ولده الولد الصغير كما قيده في الفصول العمادية.
وفي الهندية: ولو خلطت الفضة بعد الإذابة صار من المائعات لأنه مائع حقيقة عند الخلط
فيكون على الخلاف المذكور كذا في التبيين.
وفي الفتاوى العتابية: ولو كان عنده حنطة وشعير لواحد فخلطهما ضمنهما كذا في التتارخانية،
وإن كان الذي خلط الوديعة أحدا من هو في عياله كزوجته وابنه فلا ضمان عليه والضمان على
الخالط. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا سبيل للمودع والمودع على العين إذا خلطها الغير ويضمنان
الخالط. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: إن شاءا ضمنا الخالط وإن شاءا أخذا العين وكانا
شريكين سواء كان الخالط كبيرا أو صغيرا. كذا في السراج الوهاج، حرا كان أو عبدا. كذا في
الذخيرة.
وقد قالوا: إنه لا يسع الخالط أكل هذه الدنانير حتى يؤدي مثلها إلى أربابها، وإن غاب الذي
خلطها بحيث لا يقدر عليه، فإن تراضيا على أن يأخذها أحدهما وقد دفع قيمة مالا الآخر جاز، وإن
أبيا ذلك أو أبى أحدهما وقالا نبيع ذلك فباعاها ضرب كل واحد منهما في الثمن بحصته، فإن كان
المخلوط حنطة وشعيرا ضرب صاحب الحنطة بقيمتها حنطة مخلوطة وضرب صاحب الشعير بقيمة
شعيره غير مخلوط. كذا في السراج الوهاج ا ه‍. قوله: (بحيث لا تتميز) أي أصلا كخلط الشيرج مع
الزيت أو مع التعسر كما مثل به الشارح. بقوله: (بكلفة كحنطة) واستفيد منه أن المراد بعدم التمييز
عدمه على وجه التيسير لا عدم إمكانه مطلقا كما في البحر. قوله: (ضمنها لاستهلاكه بالخلط) وإذا
ضمنها ملكها، ولا تباح له قبل أداء الضمان، ولا سبيل للمالك عليها عند أبي حنيفة كما قدمناه.
قوله: (وصح الابراء) فلو أبرأه سقط حقه من العين والدين كما قدمنا. قوله: (ولو خلطه) أي الجيد

490
قوله: (ضمنه) أي الجيد: أي ضمن مثل الجيد قوله: (وبعكسه) أي لو خلط ردئ الوديعة بجيدها.
قوله: (شريك) نقل نحوه المصنف عن المجتبى، ونص عبارته: لو خلط الوديعة بماله حتى لا تتميز
يضمنها به ولا سبيل للمودع عليها. عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وعندهما يشركه إلى أن ذكر، ولو
صب الردئ على الجيد يضمن مثل الجيد لأنه تعيب، وفي عكسه كان شريكا لان الردئ لا يتعيب
بالجيد ا ه‍. فقد عرفه على قولهما القائلين بأن الخلط سبب الشركة ثم استثنى منها ما إذا خلط الردئ
بالجيد وهو صحيح كما علمت مما قدمناه. وأما ما ذكره هنا مع اقتصاره على قول الإمام فإنه لا معنى
له، لأنه إذا خلطه ملكه ووجب ضمانه ولو أبرأه عنه طاب سواء خلطه بالجيد أو بالردئ أو بالمماثل،
إلا أن هذا في غير الوديعة أو قول مقابل لما سبق من أن الخلط في الوديعة يوجب الضمان مطلقا إذا
كان لا يتميز. تأمل وتدبر. قوله: (لعدمه) أي عدم التعدي وهو علة المحذوف: أي ولا يضمن. قال
في المنح: فإن هلك بعضها هلك من مالهما جميعا ويقسم الباقي بينهما على قدر ما كان لكل واحد
منهما كالمال المشترك ا ه‍. قوله: (كأن انشق الكيس) في صندوقه فاختلط بدراهمه اشتركا: أي المودع
والمودع في المخلوط، حتى لو هلك بعضها هلك من ماليهما دراهم، ويقسم الباقي بينهما على قدر ما
كان لكل منهما. أبو السعود. قوله: (ولو خلطها غير المودع) أي سواء كان أجنبيا أو من في عياله
كما علمت. قوله: (ضمن الخالط) عند الامام. وقالا: إن شاء ضمنها الخالط وإن شاء أخذ العين
وكانا شريكين كما قدمناه عن الهندية. قوله: (ولو صغيرا) لأنه من التعدي على أموال الناس، كما لو
كسر زجاجات الغير فإن الضمان عليه. قوله: (فرد مثله) قال ابن سماعة عن محمد: في رجل أودع
رجلا ألف درهم فاشترى بها ودفعها ثم استردها بهبة أو شراء وردها إلى موضعها فضاعت لم يضمن.
وروي عن محمد: أو قضاها غريمه بأمر صاحب الوديعة فوجدها زيوفا فردها على المودع فهلكت
ضمن. تتارخانية قوله: (خلطا لا يتميز) أي الباقي مع الخلط. قوله: (لخلط ماله بها) قال في
البحر: ضمن الكل البعض بالانفاق والبعض بالخلط لأنه متعد بالانفاق منها، وما رده باق على ملكه. ا
ه‍. قوله: (فلو تأتي التمييز) كخلط الدراهم السود بالبيض أو الدراهم بالدنانير فإنه لا يقطع حق
المالك بإجماع كما قدمناه. قوله: (أو أنفق ولم يرد) فهلك الباقي لا يضمن لأنه حافظ للباقي. قوله:
(وهذا إذا لم يضره التبعيض) مرتبط. بقوله: أو أنفق ولم يرد كما في البحر.
وفيه وقيد بقوله: فرد مثلها لأنه لو لم يرد كان ضامنا لما أنفق خاصة لأنه حافظ للباقي، ولم
يتعيب لأنه مما لا يضره التبعيض، لان الكلام فيما إذا كانت الوديعة دراهم أو دنانير، أو أشياء من
المكيل والموزون ا ه‍.
قال الطحاوي: ولم أر فيما إذا فعل ذلك فيما يضربه التبعيض هل يضمن الجميع أو ما أخذ
ونقصان ما بقي فيحرر ا ه‍.

491
أقول: وتحريره ما قاله العلامة أبو الطيب: فردتا ظفار إذا باع أحدهما فعيب تعيب الثاني أو باع
بعض الفردة فيضمن الكل ا ه‍. قوله: (وإذا تعدى) أي المودع عليها، أما إذا هلكت من غير تعد فلا
ضمان وشرط الضمان باطل كشرط عدمه في الرهن. أبو السعود في حاشية الأشباه. قوله: (أو ركب
دابتها) أو استخدم عبدها أو أودعها غيره. قوله: (حتى زال التعدي) بأن رد الثوب إلى مكانه والدابة
مربطها وأخذ البعض برده إلى يده وترك استخدام العبد واسترد الوديعة من الغير. قوله: (زال ما
يؤدي إلى الضمان) وهو التعدي، ولا حاجة إلى هذه الزيادة لأنها أدت إلى ركاكة عبارة المصنف، لأنه
يصير المعنى: ثم زال التعدي زال التعدي، لان ما يؤدي إلى الضمان هو التعدي، فلو أسقطه لكان
أحسن كما وقع في العيني والدرر حيث قالا: وإن زال التعدي زال الضمان، بمعنى أن الوديعة إذا
ضاعت بعد العود إلى يده لم يضمن خلافا للشافعي. قال العيني: لأن الضمان وجب دفعا للضرر
الواقع وقد ارتفع بالعود إلى الوفاق فلا يضمن، وهذا مقيد بما لم ينقصها الاستعمال فإن نقصها ضمن
أي النقصان لصيرورته حابسا لجزء منها على وجه التعدي. وكذا في شرح تنوير الأذهان، وإنما زال
الضمان لأنه مأمور بالحفظ في كل الأوقات، فإذا خالف في البعض ثم رجع أتى بالمأمور به، كما إذا
استأجره للحفظ شهرا فترك الحفظ في بعضه ثم حفظ في الباقي استحق الأجرة بقدره ا ه‍. منح.
قوله: (إذا لم يكن من نيته العود إليه) فلو لبس ثوب الوديعة ونزعه ليلا ومن عزمه أن يلبسه نهارا ثم
سرق ليلا لا يبرأ عن الضمان. بحر من الجنايات معزيا للظهيرية. ولم يذكر المصنف حكم دعواه العود
هل يكتفي بمجرد دعواه العود وإن لم يصدقه صاحب الوديعة، وهو مذكور في العمادية، وعبارتها:
ولو أقر المودع أنه استعملها ثم ردها إلى مكانها فهلكت لا يصدق إلا ببينة.
فالحاصل: أن المودع إذا خالف في الوديعة ثم عاد إلى الوفاق إنما يبرأ عن الضمان إذا صدقه
المالك في العود فإن كذبه لا يبرأ إلا أن يقيم البينة على العود إلى الوفاق.
ورأيت في موضع آخر: المودع إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق فكذبه المودع فالقول قول المودع كما
في الرهن، بخلاف ما إذا جحد الوديعة أو منعها ثم اعترف فإنه لا يبرأ إلا بالرد على المالك كما في
الحواشي الحموية. قوله: (أشباه) عبارتها: قالوا في المودع إذا لبس ثوب الوديعة ثم نزعه ومن نيته أن
يعود إلى لبسه لم يبرأ من الضمان. اه‍.
قال البيري: هذا عجيب من المؤلف حيث قال: قالوا المشعر بأن ذلك قول علمائنا كافة مع
علمه بأن ذلك قول لصاحب الظهيرية وتخريجه، وقد نقله عنه فيما يأتي، ونصه: عندي المودع إذا لبس
قميص الوديعة بغير إذن المودع فنزعه بالليل للنوم فسرق القميص في الليل، فإن كان من قصده أن
يلبس القميص من الغد لا يعد هذا ترك الخلاف حتى لا يضمن ا ه‍. وبه انتهى كلام البيري.
أقول: ويمكن أنه أتى بلفظ قالوا للتبري، ويؤيد ذلك قول صاحب البحر عقب ذكره عبارة
الخلاصة قوله فراجعه. لكن قال في الذخيرة: لو وضع طبق وديعة على رأس الجب فوقع فيه،
إن وضع على وجه الاستعمال ضمن وإلا فلا. ا ه‍.
وفي جامع الفصولين: وضع طبق الوديعة على رأس الخابية ضمن لو فيها شئ يحتاج إلى التغطية

492
كماء ودقيق ونحوه لأنه استعمال صيانة لما فيها لا لو لم يكن فيها شئ، ولو وضع ثوبا على عجين
ضمن للاستعمال.
وضع الطشت على رأس التنور ضمن لو قصد التغطية، وإلا لا، لأنه مستعمل في الأول لا في
الثاني. ا ه‍. وأنت خبير بأن ما في الذخيرة أعم، فتأمل.
مطلب: رجل تناول مال إنسان بلا أمره في حياته ثم رده لورثته بعد موته
فرع: رجل تناول مال إنسان في حال حياته ثم رده إلى ورثته بعد موته يبرأ عن الدين ويبقى
حق الميت في مظلمته إياه ولا يرجى له الخروج عنها إلا بالتوبة والاستغفار للميت والدعاء له. ا ه‍. نور
العين عن الخانية. قوله: (بخلاف المستعير والمستأجر) يعني إذا تعدى في المستعار والمستأجر بأن استعار
ثوبا ليلبسه فلبسه يومين ونزعه للتسليم أو استأجر الدابة ليركبها أياما معدودة أو ليحمل عليها أمنانا
معلومة فركبها أو حملها أكثر منها ثم ردها كما كانت لم يبرأ خلافا لزفر رحمه الله تعالى فيهما، لان
البراءة منه إنما تكون بإعادة يد المالك حقيقة أو حكما ولم يوجد ذلك لان قبضهما لأنفسهما، بخلاف
المودع فإن يده يد المالك حكما لأنه عامل له في الحفظ: زيلعي. وقيل إذا استأجر الدابة ذاهبا وجائيا
يبرأ، وإن ذاهبا فقط لا يبرأ لان العقد انتهى بالوصول إلى ذلك المكان وبالعود إليه لا يعود العقد
بينهما. شلبي.
قال في جامع الفصولين: مستأجر الدابة والمستعير لو نوى أن لا يردها ثم ندم لو كان سائرا عند
النية ضمن لو هلكت بعد النية، أما لو كان واقفا إذا ترك نية الخلاف عاد أمينا ا ه‍.
واعلم أن ما مشى عليه المصنف تبعا للكنز هو المفتي به كما في الشرنبلالية احترازا عما ذكره في
الدرر من أن منهم من قال المستعير والمستأجر إذا خالفوا ثم عادوا إلى الوفاق برؤوا عن الضمان إذا
كانت مدة الايداع والإعارة باقية الخ. قوله: (فلو أزالاه) أي التعدي. قوله: (لعملهما لأنفسهما)
وعلله البيري بأنهما مأموران بالحفظ تبعا للاستعمال: أي المأذون فيه مقصودا، فإذا انقطع الاستعمال
المذكور لم يبق الحفظ ثابتا فلا يبرآن بالعود. ا ه‍. ط.
وفي جامع الفصولين: ولو مأمورا بحفظ شهر فمضى شهر ثم استعملها ثم ترك الاستعمال
وعاد إلى الحفظ ضمن إذا عاد والامر بالحفظ قد زال. ا ه‍. قوله: (بخلاف مودع) لا حاجة إليه لأنه
أصل المسألة المقصودة بالذكر، ولكن إنما ذكره ليظهر عدها، ويتضح الاستثناء في قوله إلا في هذه
العشرة ط. قوله: (ووكيل بيع) بأن استعمل ما وكل ببيعه ثم ترك وضاع لا يضمن. قوله: (أو حفظ)
تقدم صورته قريبا. قوله: (أو إجارة) بأن وكله ليؤجر له دابته فركبها ثم ترك. قوله: (أو استئجار)
بأن دفع له دراهم ليستأجر له بيتا فدفعها في استئجار دكان ثم استردها بعينها فهلكت فإنه لا يضمن.
قوله: (ومضارب ومستبضع) إذا خالف ودفع المال لنفقته ثم عاد إلى الوفاق صار مضاربا ومستبضعا.
أبو السعود عن الشيخ صالح. قوله: (وشريك عنانا أو مفاوضة) فإنهما يعودان أمينين بالعود إلى
الوفاق. أبو السعود. أما شريك الملك فإنه إذا تعدى ثم أزال التعدي لا يزول الضمان كما هو ظاهر،
لما تقرر أنه أجنبي في حصة شريكه، فلو أعار دابة الشركة فتعدى ثم أزال التعدي لا يزول الضمان،

493
ولو كانت في نوبته على وجه الحفظ فتعدى ثم أزاله يزول الضمان، وهي واقعة الفتوى سئلت عنها
فأجبت بما ذكرت، وإن لم أرها في كلامهم للعلم بها مما ذكر إذ هو مودع في هذه الحالة. وأما
استعمالها بلا إذن الشريك فهي مسألة مقررة مشهورة عندهم بالضمان ويصير غاصبا. رملي على المنح.
قوله: (ومستعير رهن) أي إذا استعار عبدا ليرهنه أو دابة فاستخدم العبد وركب الدابة قبل أن يرهنها
ثم رهنها بمال بمثل القيمة ثم قضى بالمال ولم يقبضها حتى هلكت عند المرتهن لا ضمان على الراهن
لأنه قد برئ عن الضمان حين رهنها، فإذا كان أمينا خالف فقد عاد إلى الوفاق، وإنما كان مستعير
الرهن كالمودع لان تسليمها إلى المرتهن يرجع إلى تحقيق مقصود المعير، حتى لو هلك بعد ذلك يصير
دينه مقضيا فيستوجب المعير الرجوع على الراهن بمثله فكان ذلك بمنزلة الرد عليه حكما فلهذا برئ
عن الضمان، كذا في البحر معزيا إلى المبسوط ا ه‍. نقله في المنح وإنما قال ثم قضى المال ولم يقبضها
لما ذكره أنه لو هلكت قبل أن يقضي المال كان قاضيا بها دينه فيضمن قيمتها لمالكها، وقوله ثم رهنها
بمال بمثل قيمتها، الأولى أن يقول بما شرطه المرتهن لأنه لا يتجاوزه كما يأتي في بابه. تأمل. وقد
علمت أن هذه المسألة مقيدة بما إذا تعدى ثم رهن، فلو استعار ليرهن فتعدى ولم يرهن وضاعت
فالضمان عليه ويكون داخلا في حكم المستعير المذكور في المصنف، وأن هذه المسألة مستثناة من قول
المصنف، بخلاف المستعير كما أفاده في شرح ط.
وقد سئل الخير الرملي عن المرتهن إذا مات مجهلا للرهن هل يضمنه كملا أم لا؟ فأجاب نعم،
لان الزائد عن الدين أمانة فتضمن كما هو ظاهر. ا ه‍. قوله: (ثم أزاله) أي التعدي. قوله: (إلا في
هذه العشرة) بعد الشريك صورتين. قوله: (لان يده كيد المالك) أي حكما لأنه عامل في الحفظ،
وهذه علة لمسألة الوديعة المذكورة في المصنف.
والحاصل: أن كل أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق عاد أمينا لان يده يد المالك حكما لأنه عامل
في الحفظ، إلا المستعير والمستأجر فإنهما ضامنان مطلقا لان قبضهما العين كان لأنفسهما لاستيفاء
المنافع، فإذا ترك الخلاف لم يوجد الرد إلى صاحبها لا حقيقة ولا حكما، بخلاف المودع وما عطف
عليه فإن يده يد المالك حكما لأنه عامل في الحفظ كما ذكرنا. قوله: (فالقول له) أي للمالك إلا أن
يقيم المودع البينة على العود إلى الوفاق، والأولى التصريح بذلك لدفع اللبس الواقع في العبارة، فتأمل
ط. قوله: (وقيل للمودع) بفتح الدال لأنه ينفي الضمان عنه أي لا يشترط إقامة البينة على العود إلى
الوفاق، وظاهر كلامهم اعتماد الأول. قوله: (وبخلاف إقراره بعد جحوده) بأن قال لم تودعني، أما
لو قال: ليس له علي شئ ثم ادعى ردا أو تلفا صدق. أبو السعود عن الشرنبلالية. ومثله جحوده
بلا إقرار بأن أقام بينة بعد الجحود كما في الدرر. وقوله: (وبخلاف إقراره) معطوف على قوله
بخلاف المستعير والمستأجر. قوله: (حتى لو ادعى هبة أو بيعا) يعني قيد. بقوله: (بعد جحوده)،
لأنه لو ادعى أن المالك وهبها لو أو باعها منه وأنكر صاحبها ثم هلكت لا ضمان على المودع لأنهما
اتفقا على اليد واختلفا في الجهة فيحمل على المحقق وهو يد الأمانة والملك للمالك. قوله: (وقيد بقوله

494
بعد طلب ربها) ومثله طلب امرأة الغائب وجيران اليتيم من الوصي لينفق عليه من ماله كما في
الخانية، ومثله في التتارخانية. وقوله بعد متعلق. بقوله: (بجحوده). قوله: (فلو سأله عن حالها)
بأن قال ما حال وديعتي عندك ليشكره على حفظها. بحر. والأولى أن يقول لأنه الخ بدل الفاء، وكذا
يقال فيما يأتي. قوله: (فجحدها) قال الرملي: هذا ليس بجحود حقيقة، وإنما هو حفظ فاستغنى في
الكنز عن ذكره، قوله: (لم يضمن) لان كتمان الوديعة أمكن في حفظها لان بذكرها قد يتنبه لها الظالم
والسارق فكان جحوده من باب الحفظ، بخلاف ما إذا كان جحوده عند طلب المالك لها فإن بالطلب
ينتهي الايداع فإنه ما أودعها إلا ليسلمها له عند حاجته إليها فبالمنع يكون غاصبا فيضمن ولم تبق يده
يد المالك، فبإقراره بعد ذلك لم يحصل الرد إلى مالكها لا حقيقة ولا حكما، فلذا لا يبرأ عن الضمان
إلا بتسليمها إلى المالك حقيقة. قوله: (ونقلها من مكانها وقف الانكار) المراد به زمن الانكار، وليس
المراد نقلها وقته حقيقة لأنه لا يتأتى في نادر من الصور.
وعبارة الخلاصة: وفي غصب الأجناس إنما يضمن إذا نقلها عن موضعها الذي كانت فيه حال
الجحود وإن لم ينقلها وهلكت لا يضمن. ا ه‍. وهو ظاهر، وعليه فهو متعلق. بقوله: (مكانها)، وانظر
ما لو كان نقلها قبله وفي نيته الجحود، وقد نقل هذا التقييد الشرنبلالي عن الناطفي، ونقل عن جامع
الفصولين أنه يضمن بجحوده الوديعة كالعارية ولو لم يحولها. وقوله: (وكانت منقولا) لا حاجة إليه
بعد. قوله: (ونقلها من مكانها) ولو قدمه عليه لكان أولى. قوله: (لأنه لو لم ينقلها وقته) صادق بعدم
النقل أصلا وبنقلها بعده وقبله، وإنما اعتبر النقل ليتحقق الغصب في المنقول، إذا الغصب إزالة اليد
المحققة وإثبات اليد المبطلة، وهو إنما يتحقق بنقلها من مكانها وقت الجحود لان يده عليها يد أمانة لا
ضمان، فإذا جحدها فنقلها فقد أزال يد الأمانة وأثبت يد الغصب، بخلاف ما إذا لم ينقلها فإن يد
الأمانة باقية، وقد نقل هذا القيد الشرنبلالي كما قدمناه.
ونصه: إذا جحد المودع الوديعة بحضرة صاحبها يكون ذلك فسخا للوديعة، حتى لو نقلها
المودع من المكان الذي كان فيه حالة الجحود يضمن، وإن لم ينقلها عن ذلك المكان بعد الجحود فهلكت
لا يضمن. ا ه‍. ونقله في التتارخانية عن الخانية معزيا للناطفي، لكن ذكر في جامع الفصولين أنه
يضمن بجحود الوديعة كالعارية ولو لم يحولها.
وفي المنتقى: لو كانت العارية مما يحول يضمن بالانكار وإن لم يحولها. وفي البدائع أن العقد
ينفسخ بطلب المالك لأنه لما طلبها فقد عزله عن الحفظ أو لما جحده المودع بحضرة المالك فقد عزل
نفسه عن الحفظ فبقي مال الغير في يده بغير إذنه فيكون مضمونا، فإذا هلك تقرر الضمان. ا ه‍.
قال الخير الرملي: لم يظهر لأصحاب المتون صحة هذا القول فلم ينظروا إليه، فراجع المطولات
يظهر لك ذلك ا ه‍. فتأمل. قوله: (وكانت الوديعة منقولا) أقول: العقار مقرر عدم الضمان فيه لعدم
تصور غصبه فلم يصرح في الكنز بنفيه اكتفاء بذلك كما سيذكره في بابه، أو لان الأصح مذهب محمد
فيه فأراد دخوله. تأمل. ذكره الخير الرملي. قوله: (لا يضمن بالجحود عندهما) لعدم تصور غصبه.

495
قوله: (خلافا لمحمد) فإن الغصب يجري فيه عنده، فلو جحده يكون ضامنا. قوله: (في الأصح) أي
قوله هو الأصح. قوله: (غصب الزيلعي) أي ذكره الزيلعي في كتاب الغصب. قوله: (ولم يكن هناك
من يخاف منه عليها) أي لأنه لو جحدها في وجه عدو يخاف عليها التلف، إن أقر ثم هلكت لا
يضمنها لأنه إنما أراد حفظها. كذا في المنح. قوله: (فلو كان لم يضمن) أي أقر ثم هلكت. قوله:
(وقيد بقوله ولم يحضرها الخ) أقول: لم يصرح به في الكنز. والجواب عنه أنه حيث قلتم إنه إيداع
جديد فما مدخله في مسألتنا فتأمله. ذكره الخير الرملي. قوله: (فإن أمكنه) أي ربها أخذها عند
إحضارها ليجعل قابضا لها. قوله: (لم يضمن لأنه إيداع جديد) أي بقوله: دعها فيكون إبقاؤها
إيداعا جديدا قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن المالك أخذها عند إحضارها. قوله: (ضمنها) لأنه لم يجعل
قابضا لها فبقيت مضمونة على جاحدها. قوله: (لأنه لم يتم الرد) أي ردها إلى المالك بإحضارها عند
عدم تمكنه من أخذها فلا يصح الايداع الجديد، لان الايداع إنما يكون لعين ماله، وهو إنما يستحق
على المودع ضمانها فهو كالدين في ذمته والمضمون لا يصير أمانة إلا بعد الخروج عن عهدة ضمانه
وذلك بالتسليم التام الذي يمكن المالك معه القبض والتسليم. قوله: (وقيد بقوله لمالكها) أو وكيله كما
في التتارخانية فاللام بمعنى عند، ويؤيده قول الدرر: أو جحودها عند مالكها.
قال الخير الرملي: لا حاجة إليه أي مالكها لأنه هو المراد لا غيره إذ الكلام فيه فلذا لم يذكره
في الكنز. قوله: (فإذا تمت الشروط) وهي طلب ردها ونقلها وكونه منقولا وعدم الخوف عليها وعدم
إحضارها بعده جحودها وكون الجحود لمالكها لم يبرأ الخ. قوله: (إلا بعد جديد ولم يوجد) والحاصل
على ما ذكره المصنف أنه لا يضمن إلا بشروط: أن يجحد عند سؤال ردها، وأن ينقلها، وأن يكون
نقلها زمن إنكاره، وأن تكون مما ينقل، وأن لا يكون عند الانكار من يخاف عليها منه، وأن لا
يحضرها بعد الجحود، وأن يكون الجحود لمالكها. فإن وجدت هذه الشروط ضمن. وإلا بأن جحد
عند غير صاحبها أو عنده حين يسأله عن حالها من غير أن يطلب منه الرد أو طلب منه الرد عند من
يخاف منه فجحدها لا يضمن. قوله: (قبل) لعدم تناقضه فإنه يقول إني بعد أن جحدتك الوديعة نسيانا
أو ظلما ثم تذكرت (1) أو رجعت عن الظلم كان مدعيا فإذا نور دعواه بالبينة قبلت فيبرأ عن الضمان.
قوله: (كما لو برهن الخ) هكذا نقله في الخانية والخلاصة.
ونقل في البحر عن الخلاصة أنه لا يصدق، لكن في عبارته سقط، ويدل عليه أن الكلام في
البينة لا في مجرد الدعوى، حتى يقال لا يصدق.



(1) قوله: (ثم تذكرت) لعل الظاهر اسقاط ثم.
496
وعبارة الخلاصة بعد قوله لم يستودعني هكذا: وفي الأقضية لو قال لم يستودعني ثم ادعى الرد
أو الهلاك لا يصدق، ففي عبارته سقط.
قال في الخانية: وذكر في المنتقى إذا جحد المودع الوديعة ثم ادعى أنه ردها بعد ذلك وأقام البينة
قبلت بينته، وكذا لو أقام البينة أنه ردها قبل الجحود وقال إنما غلطت الخ، فظهر أن فيما نقله
صاحب البحر عن الخلاصة سقط.
وفي الخانية أيضا: ولو جحد المودع الوديعة ثم أقام البينة على هلاكها قبل الجحود، إن قال ليس
لك عندي وديعة قبلت بينته ويبرأ عن الضمان. ولو قال نسيت في الجحود أو قال غلطت ثم أقام
البينة أنه دفعها إلى صاحبها قبل الجحود برئ ا ه‍. قوله: (وقال غلطت) حال من الضمير في برهن
الثانية التي هي على الرد قبل الجحود لأنه متناقض في دعواه ذلك لأنه حيث جحدها زعم أنه لا وديعة
عنده فلا يتأتى الرد لنفي أصل الوديعة فيحتاج إلى التوفيق، فإذا قال غلطت: أي أردت أن أقول
رددتها فقلت لا وديعة عندي أو لم تودعني شيئا لان الوديعة التي قد أودعتها عندي قد انتهت بالتسليم
إليك فصرت كأن لم تودع شيئا فيقبل حينئذ برهانه لارتفاع التناقض، وكذا لو قال نسيت: أي حين
سألتني عن الوديعة بعد ردها إليك نسيت الايداع والرد فلذلك قلت لك لم تودعني شيئا ثم تذكرت
وهذه بينتي على الرد تقبل. قوله: (أو ظننت أني دفعتها) أي وبعد الدفع لم أكن مودعا فأنا صادق في
قولي لك لم تودعني لأني قد برئت من وديعتك بتسليمها إليك. قوله: (ولو ادعى هلاكها قبل جحودها
حلف المالك الخ) أي عند القاضي بطلب المودع عند عدم إقامة البينة على الضياع من المودع، لان كل
من إذا أقر بشئ لزمه يحلف عند إنكاره، والمالك لو أقر بهلاكها قبل جحود المودع انتفى الضمان، فإذا
أنكره يحلف، فإذا حلف ضمنها المودع لعدم ثبوت مدعاه فيضمن بجحوده، وإن نكل برئ المودع لان
النكول إقرار أو بذل على ما عرف. قوله: (ما يعلم ذلك) لأنه تحليف على غير فعله فيكون على العلم
وذلك عند عدم إقامة البينة على الضياع من المودع. أما إذا أقام بينة، فإن كان قبل الجحود تقبل لعدم
التعدي والتناقض، وإن بعده لا تقبل لأنه بالجحود غاصب ولم يرد إلى المالك كما تقدم.
قال في الهندية: إذا أقام رب الوديعة البينة على الايداع بعد ما جحد المودع وأقام المودع البينة
على الضياع: فإن جحد المودع الايداع بأن يقول للمودع لم تودعني، ففي هذا الوجه المودع ضامن
وبينته على الضياع مردودة سواء شهد الشهود على الضياع قبل الجحود أو بعد الجحود. وإن جحد
الوديعة بأن قال ليس لك عندي وديعة ثم أقام البينة على الضياع: إن أقام البينة على الضياع بعد
الجحود فهو ضامن، وإن أقام بينته على الضياع قبل الجحود فلا ضمان، وإن أقام بينته على الضياع
مطلقا ولم يتعرضوا لكونه قبل الجحود أو بعده فهو ضامن. ا ه‍. قوله: (فإن حلف ضمنه) أي ضمن
المالك المودع لعدم ثبوت مدعاه فيضمن بجحوده، وإن نكل برئ: أي المودع لان النكول إقرار أو
بذل كما سمعت. قوله: (وكذا العارية) أي إذا ادعى المستعير هلاكها قبل جحوده فإن القاضي يحلفه
على العلم. قوله: (ويضمن قيمتها يوم الجحود إن علم) الأصوب علمت: أي القيمة لان الفاعل
ضمير مؤنث متصل فتلزم التاء.

497
ونقل في المنح قبله عن الخلاصة ضمان القيمة يوم الايداع بدون تفصيل، لكنه متابع في النقل
عن الخلاصة لصاحب البحر وفيما نقله سقط كما قدمناه قريبا، فإن ما رأيته في الخلاصة موافق لما
في العمادية فتنبه.
وأصل العبارة: قضى عليه بقيمته يوم الجحود، فإن قال الشهود لا نعلم قيمته يوم الجحود لكن
قيمته يوم الايداع كذا قضى عليه بقيمته يوم الايداع.
وعبارة العمادية: أنه لو جحد الوديعة وهلكت ثم أقام المودع بينة على قيمتها يوم الجحود يقضي
بقيمتها يوم الجحود، وإن لم يعلم قيمتها يوم الجحود يقضي بقيمتها يوم الايداع، يعني إذا أثبت
الوديعة. كذا ذكره في العدة ا ه‍. ولذلك تعقب العلامة المقدسي صاحب البحر بأن الذي في الخلاصة
يقضي عليه بقيمته الخ. قوله: (وإلا فيوم الايداع) قال مؤيد زاده: إن لم تعلم قيمة الوديعة يوم
الجحود يقضي بقيمتها يوم الايداع. قوله: (بخلاف مضارب جحد) أي قال لرب المال لم تدفع لي
شيئا. قوله: (ثم اشترى) أي بعد ما أقر ورجع عن الجحود، بأن قال بلى قد دفعت إلي، بخلاف ما
لو أقر بعد الشراء فيضمن المتاع له. منح عن الخانية. قوله: (لم يضمن خانية) عبارتها كما في المنح:
المضارب إذا قال لرب المال لم تدفع إلي شيئا ثم قال بلى قد دفعت إلي ثم اشترى بالمال ذكر الناطفي أن
المشتري يكون على المضاربة، وإن ضاع المال في يده بعدا لجحود وقبل الشراء فهو ضامن والقياس أن
يضمن على كل حال.
وفي الاستحسان: إن جحد ثم أقر ثم اشترى برئ عن الضمان، وإن جحدها ثم اشترى ثم
أقر فهو ضامن والمتاع له، وكذا الوكيل بشراء شئ بغير عينه بألف ودفع الموكل المال إلى الوكيل، فإن
كان العبد معينا فاشتراه في حالة الجحود أو بعدما أقر فهو للآمر.
ولو دفع رجل عبدا إلى رجل ليبيعه فجحد المأمور ثم أقر به فباعه قال محمد بن سلمة جاز ويبرأ
عن الضمان، وقال غيره من المشايخ في قياس قوله ولو باعه بعد الجحود ثم أقر جاز أيضا. ا ه‍. وبهذا
يعلم ما في عبارته من حذف ما لا بد منه وهو قوله ثم أقر ثم اشترى الخ. فتأمل. وعليه فلو قال
بخلاف مضارب جحد ثم أقر ثم اشترى لم يضمن لأصاب. قوله: (والمودع له السفر بها) أي برا،
وأجمعوا أنه لو سافر بها بحرا يضمن هندية عن غاية البيان.
قال في البحر: ومن المخوف السفر بها في البحر لان الغالب فيه العطب. ا ه‍. وعزاه للاختيار.
وتعقبه المقدسي بحثا منه رحمه الله تعالى بأن من المقرر أن النادر لا حكم له، فلو العطب قليلا
والسلامة أغلب فلا ضمان سواء سافر برا أو بحرا، وبالعكس يضمن، يعمل ذلك من هنا ومن قولهم
للمضارب السفر برا أو بحرا، ومن قولهم يجب الحج إذا كان الأغلب السلامة ولو بحرا، وهذا يختلف
باختلاف الزمان والمكان كما هو مشاهد فتدبر انتهى. وأجيب أيضا بأن التقييد مستفاد من تعليله. ا ه‍.
أقول: وحيث كانت العلة الخوف وهو أيضا منتف بسفينة التجار في زماننا المعروفة بالبابور فإن
الغالب فيها السلامة، لان التجار الآن لا تطمئن قلوبهم في إرسال أموالهم إلا بها بحرا، وإذا انتفت
العلة انتفى المعلول. على أنا قدمنا ويأتي أن العبرة في حفظ الوديعة العرف، وحيث كان العرف كذلك

498
فينبغي أن يقال لا فرق بين السفر بها برا أو بحرا في البابور، فتأمل وراجع. وقيد بالمودع لان الأب
أو الوصي إذا سافر بمال اليتيم لا يضمن إجماعا. والوكيل بالبيع إذا سافر بما وكل ببيعه إن قيد الوكالة
بمكان بأن قال له بعه بالكوفة فأخرجها من الكوفة يصير ضامنا عندنا، وإن أطلق للوكالة فسافر به،
إن كان شئ له حمل ومؤنة يكون ضامنا وإن لم يكن له حمل ومؤنة لا يصير ضامنا عندنا إذا لم يكن له
بد من السفر، وإن كان له بد من السفر لا يكون ضامنا عند أبي حنيفة طال الخروج أم قصر.
وقال أبو يوسف: إن طال الخروج يكون ضامنا، وإن قصر لا يكون ضامنا. كذا في فتاوى
قاضيخان، ويأتي تمامه قريبا. قوله: (ولو لها حمل) فسره في الجوهرة بما يحتاج في حمله إلى ظهر أو
أجرة حمال ا ه‍ مكي.
وفي الهندية عن المضمرات: لو كانت طعاما كثيرا فسافر بها فهلك الطعام فإنه يضمن استحسانا
ا ه‍.
وذكر في المنح: ولا يضمن ولو كان الخروج طويلا، ومؤنة الرد على المالك. قال في التبيين:
وما يلزم الآمر من مؤنة الرد ضرورة صحة أمره فلا يعد ذلك إضرارا به. ا ه‍.
قال الزيلعي: وقال محمد لا يخرج بما له حمل ومؤنة ا ه‍. وجعله في العناية قول الثاني أيضا.
ثم قال: لكن قيل عند الثاني إذا كان بعيدا وعند محمد: مطلقا قريبا كان أو بعيدا ا ه‍. واستثنى في
شرح القدوري الطعام الكثير فإنه يضمن إذا سافر به استحسانا، ونقله في البحر.
وفيه عن قاضيخان: للمودع أن يسافر بمال الوديعة إذا لم يكن له حمل ومؤنة.
وتعقبه الحموي بأن ما في الخانية من اشتراط عدم الحمل والمؤنة مبني على قولهما، أما على قول
أبي حنيفة فيسافر بها مطلقا عند عدم النهي. قوله: (عند عدم نهي المالك وعدم الخوف عليها) قال: إذا
لم يعين مكان الحفظ أو لم ينه عن الاخراج نصا بل أمره بالحفظ مطلقا فسافر بها: فإن كان الطريق مخوفا
فهلكت ضمن بالاجماع، وإن كان آمنا ولا حمل لها ولا مؤنة لا يضمن بالاجماع وإن كان لها حمل
ومؤنة: فإن كان المودع مضطرا في المسافرة بها لا يضمن بالاجماع، وإن كان له بد من المسافرة بها فلا
ضمان عليه قربت المسافة أو بعدت. وعلى قول أبي يوسف: إن بعدت يضمن وإن قربت لا. هذا هو
الملخص والمختار. وهذا كله إذا لم ينه عنها ولم يعين مكان الحفظ نصا، وإن نهاه نصا وعين مكانه
فسافر بها وله منه بد ضمن. كذا في الفتاوى العتابية.
إن أمكنه حفظ الوديعة في المصر الذي أمره بالحفظ فيها مع السفر بأن يترك عبدا له في المصر
المأمور به أو بعض من في عياله، فإذا سافر بها والحالة هذه ضمن، وإن لم يمكنه ذلك بأن لم يكن له
عيال أو كان إلا أنه احتاج إلى نقل العيال فسافر فلا ضمان. كذا في التتارخانية. هندية من الباب
الثالث من كتاب الوديعة. قوله: (فإن له بد من السفر) هذا التفصيل في الصورتين كما أفاده الزيلعي
وقد علمته من عبارة الهندية. قوله: (فإن سافر بنفسه ضمن) أي لو كان له أهل لم يسافروا معه لان له
بدا من السفر بها.
فرع: من استؤجر لحفظ عين أو وكل ببيعها ليس له أن يسافر بها، وكذا إذا قيد الايداع بمكان.

499
وفي المقدسي عن النسفي: للوكيل بالبيع أن يدفع العين إلى السمسار. قوله: (فإن سافر بنفسه
ضمن وبأهله لا) لأنه يمكنه أن يحفظها بعياله، وقدمناه عن الهندية معزيا للتتارخانية.
والحاصل: أن عند أبي حنيفة له أن يسافر بها مطلقا: أي سواء كان لها حمل ومؤنة أو لا،
وسواء له بد من السفر أو لا، ولا فرق بين الطويل والقصير. وعندهما: ليس له السفر بها إذا كان لها
حمل ومؤنة وطالت مدة السفر، وهذا الخلاف في خصوص ماله حمل ومؤنة مع طول مدة السفر، أما
ما ليس له حمل ولا مؤنة ولم تطل مدة سفره فله السفر بها اتفاقا عند عدم النهي والخوف، وكذا مع
النهي والخوف أيضا إن لم يكن له من السفر بد كما سبق. وفي خصوص ما إذا أمكنه الحفظ في المصر
بأن كان بعض عياله ثمة ولم يحتج إلى نقلهم. أما لو لم يمكنه بأن لم يكن أو كان ولكن احتاج إلى نقلهم
لا يضمن بالاجماع، وإن سافر بنفسه من غير عياله يضمن، وبه صرح في البحر عن الخانية كما يستفاد
ذلك من أبي السعود، وهذا كله في سفر البر كما علمت. أما في البحر فليس له أن يسافر في قولهم
جميعا إلا على ما بحثه أبو السعود وأيدناه بما تقدم قريبا فلا تنسه. قوله: (ولو أودعا شيئا مثليا أو
قيميا) لكن عدم جواز الدفع في القيمي بإجماع، وفي المثلي خلاف الصاحبين فإنهما قالا بجواز دفع
حظه له قياسا على الدين المشترك. وفرق أبو حنيفة بينهما بأن المودع لا يملك القسمة بينهما فكان تعديا
على ملك الغير، وفي الدين يطالبه بتسليم حقه إذ الديون تقضي بأمثالها فكان تصرفا في مال نفسه كما
في البحر. قوله: (لم يجز) قدره بناء على ما سيأتي من أنه لو دفع لم يضمن فلم يبق المراد بنفي الدفع إلا
عدم الجواز، وسيأتي ما فيه.
وفي البحر: وأشار بقوله: (لم يدفع) إلى أنه لا يجوز له ذلك حتى لا يأمره القاضي بدفع نصيبه
إليه في قول أبي حنيفة، وإلى أنه لو دفع إليه لا يكون قسمة اتفاقا، حتى إذا هلك الباقي رجع صاحبه
على الآخذ بحصته وإلى أن لأحدهما أن يأخذ حصته منها إذا ظفر بها. ا ه‍.
قال المقدسي: قلنا بل يطالبه بدفع حظ الغائب لأنه طلب المقرر وحقه مشاع، ولا يتميز إلا
بالقسمة ولا يملكها، ولذا لا يقع دفعه قسمة، فلو هلك الباقي رجع صاحبه، وإذا لم يقع قسمة كان
متعديا في النصف فيضمن، وفي الدين يطالبه بتسليم حقه لان الدين يقضي بمثله فتصرف في ملكه
ولا قسمة.
تتمة: في أبي السعود: الغريم المديون أن يأخذ وديعته إن ظفر بها، وليس للمودع الدفع إليها
شيخنا، وإذا مات المودع بلا وارث كان للمودع صرفها إلى نفسه إن كان من المصارف وإلا صرفها إلى
المصرف. ا ه‍. وعزاه إلى الحموي عن البزازية. قوله: (ولو دفع هل يضمن) أي نصيب الغائب وهو
نصف المدفوع إن هلك الباقي في القسمة أو لا يضمن لان لاحد الشريكين أن ينتفع بحصته في المثلى.
قال بالأول الامام، وبالثاني الصاحبان.
واعلم أنهم قالوا: إذا دفع لا يكون قسمة اتفاقا، حتى إذا هلك الباقي رجع الغائب على الآخذ
بحصته.

500
وفي الهندية: إذا دفع المودع إلى الحاضر نصفها ثم هلك ما بقي وحصر الغائب.
قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: إن كان الدفع بقضاء فلا ضمان على أحد، وإن كان بغير قضاء
فإن الذي حضر اتبع الدافع بنصف ما دفع ويرجع به الدافع على القابض، وإن شاء أخذ من القابض
نصف ما قبض: كذا في الذخيرة. فإن هلك ما في يد المودع هلك أمانة بالاجماع ينابيع. ولو هلك
المقبوض في يد القابض فليس له أن يشارك فيما بقي غاية البيان، فأفاد أن المودع لو دفع الكل لأحدهما
بلا قضاء وضمنه الآخر حصته من ذلك فله الرجوع بما ضمنه على القابض، وهذا على قول أبي
يوسف. قوله: (في الدرر نعم) أي يضمن، في فتاوى قاضيخان ما يفيده، ولفظه: ثلاثة أودعوا
رجلا مالا وقالوا لا تدفع المال إلى أحد منا حتى نجتمع فدفع نصيب أحدهم. قال محمد: في القياس
يكون ضامنا، وبه قال أبو حنيفة، وفي الاستحسان: لا يضمن، وهو قول أبي يوسف ا ه‍. فلو لم
يقل لا تدفع حتى نجتمع هل يضمن بالدفع: أي بناء على الاستحسان الذي يأتي ذكره قريبا؟ ظاهر
تقييدهم أنه لا يضمن إلا أن يأتيا بالوديعة حاملين لها وسلماها كذلك، أما إذا سلمها أحدهما بحضرة
الآخر فظاهر أنه يدفع لمن سلمه وحضور الآخر لا يقتضي كونه مودعا لجواز أن يكون شاهدا له
ونحوه. كذا أفاده الحموي.
من مناقب الامام، أن اثنين أودعا الحمامي شيئا فخرج أحدهما وأخذ الوديعة وانصرف فخرج
الآخر وطلبها منه فلم يخبره الحمامي واستمهله وانطلق إلى الامام رحمه الله تعالى فأخبره فقال له قل له
أنا لا أعطي الوديعة إلا لكما معا فانصرف ولم يعد. زيلعي. قوله: (وفي البحر الخ) أي في المثلي
كالمثال الذي ذكره في البحر عن الخانية، أما في القيمي فيضمن اتفاقا لأنه لا يقسم بدون حضور
الشريك أو نائبه. قوله: (فكان هو المختار) تعقبه المقدسي فقال: كيف يكون هو المختار مع أن سائر
المتون على قول الإمام. وقال الشيخ قاسم: أختار قول الإمام النسفي والمحبوبي والموصلي وصدر
الشريعة. وقال المقدسي: وقول بعضهم عدم الضمان هو المختار مستدلا بكونه الاستحسان مخالف لما
عليه الأئمة الأعيان بل غالب المتون عليه متفقون. كذا في حاشية أبي السعود عن الحموي. قوله:
(اقتسماه) أي الرجلان المودعان بفتح الدال وذكر الرجل استطرادي. قوله: (وحفظ كل) أي كل واحد
منهما نصفه، لأنه لا يمكن الاجتماع على حفظها وحفظ كل واحد منهما للنصف دلالة، والثابت
بالدلالة كالثابت بالنص. قوله: (وعدلي رهن) أي العدلين اللذين وضع عندهما الرهن فهو بفتح العين
تثنية عدل كذلك، فإنهما يقتسمان المثلي ويحفظ كل نصيبه، فإن دفع أحدهما نصيبه إلى الآخر ضمن ما
دفع. قوله: (ووكيلي شراء) بأن دفع لهما ألفا يشتريان به عبدا اقتسما الألف، فإن دفع أحدهما نصفه
ضمن الدافع، وأجمعوا أن المدفوع إليه لا يضمن لأنه مودع المودع. هندية قوله: (ضمن) أي النصف
فقط. قوله: (الدافع) أي لا القابض لأنه مودع المودع. بحر. وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: لا يضمنان
به. كذا أفاده مسكين، ومثله في الهداية، وقول أبي حنيفة أقيس، لان رضاه بأمانة اثنين لا يكون رضا
بأمانة واحد، فإذا كان الحفظ مما يتأتى منهما عادة لا يصير راضيا بحفظ أحدهما للكل كما في البيانية.
قوله: (بخلاف ما لا يقسم) فسر ما لا يقسم بالمكيلات والموزونات، ومثلهما كل ما لا يتعيب

501
بالتقسيم، وما لا يقسم هو ما يتعيب بالتقسيم الحسي ا ه‍ مكي.
قال السيد الحموي: وإذا لم تمكن القسمة فيما لا يقسم كان لهما التهايؤ في الحفظ. كذا في
الخلاصة. فلو دفعه زائدا على زمن التهايؤ ينظر ا ه‍. قوله: (لجواز حفظ أحدهما بإذن الآخر) أقول:
الصواب في التعليل أن يقول: لأنه لما أودعهما مع علمه بأنهما لا يجتمعان على حفظها دائما كان
راضيا بحفظ أحدهما. قوله: (فدفعها إلى ما لا بد منه) من عياله وغيرهم كدفع الدابة إلى عبده وما
يحفظه النساء إلى عرسه. درر. وهذا إنما يظهر في صورة ما إذا منعه عن الدفع إلى بعض معين من
عياله لا في النهي عن الدفع إلى العيال مطلقا، ثم عدم الضمان فيما إذا دفع إلى بعض عياله وقد نهى
عن الدفع إليه، محله إذا كانت الوديعة مما يحفظ في يد من منعه. أما لو كانت لا تحفظ عنده عادة فنهاه
عن الدفع إليه فدفع ضمن، كما لو كانت الوديعة فرسا فمنعه من دفعها إلى امرأته أو عقد جوهر فمنعه
من دفعه إلى غلامه ودفع ضمن. أفاده الزيلعي.
ومن حوادث الفتوى: شرط على المودع الحفظ بنفسه فحفظ بزوجته هل يضمن للمخالفة أو لا؟
والذي يظهر من كلامهم عدم الضمان. حموي.
وأقول: ينبغي أن يقيد عدم الضمان بالدفع إلى الزوجة بما إذا كانت الوديعة نحو عقد، فلو
كانت نحو فرس ضمن. أبو السعود.
وفيه: قوله وإن كان له منه بد هذه المسألة صادقة بصورتين.
الأولى أن تكون الوديعة شيئا خفيفا يمكن المودع الحفظ بنفسه كالخاتم فإنه يضمن بدفعه إلى
عياله.
الثانية: أن يكون له عيال سوى من منعه من الدفع إليه. بحر.
فإن قلت: هذا إنما يتجه أن لو منعه من الدفع إلى بعض معين من عياله وهو خلاف ما يستفاد
من قول المصنف: ولو قال لا تدفع إلى عيالك.
قلت: مبنى هذا الاشكال ما هو المتبادر من أن قوله: وإن كان له منه بد مرتبط بقوله: ولو
قال لا تدفع إلى عيالك وليس كذلك، ولهذا شرح العيني قول المصنف: أي الكنز وإن كان له منه بد
بقوله بأن نهاه أن يدفعها إلى امرأته فلانة وله امرأة أخرى أو نهاه أن يسلمها إلى غلامه فلان وله غلام
آخر فخالفه ا ه‍. قوله: (لم يضمن) لأنه لا يمكنه الحفظ مع مراعاة شرطه لان التقييد غير مفيد، لان
الدار حرز واحد بدليل أن السارق إذا أخذ من بيت من الدار فنقل إلى بيت آخر لم يقطع لعدم هتك
الحرز، والحرز الواحد لا فائدة في تخصيص بعضه دون بعض، وما لا فائدة في تخصيصه في الامر
يسقط في الايداع، كما لو قال احفظها بيمينك دون شمالك أو ضعها في يمين البيت دون يساره،
وكما لو قال في كيسك هذا فوضعها في غيره أو في الصندوق، أو احفظ في الصندوق ولا تحفظ في
البيت فحفظ بالبيت فإنه لا يضمن. لكن قد يفرق بين الحرز في السرقة والحرز في الوديعة، وذلك أن
المعتبر في قطع السارق هتك الحرز وذلك لا يتفاوت باعتبار المحروزات، والمعتبر في ضمان المودع

502
التقصير في الحفظ، ألا ترى أنه لو وضعها في داره الحصينة فخرج وكانت زوجته غير أمينة يضمن،
ولو أحد سرقها يقطع لان الدار حرز وإنما ضمن للتقصير في الحفظ، ولو وضعها في الدار وخرج
والباب مفتوح ولم يكن في الدار أحد أو في الحمام أو المسجد أو الطريق أو نحو ذلك وغاب يضمن
مع أنه لا يقطع سارقها، ونظائر هذا كثيرة، فإذا اعتبرنا هنا الحرز المعتبر في السرقة لزم أن لا يضمن
في هذه المسائل ونحوها، فيلزم مخالفة ما أطبقوا عليه في هذا الباب، فظهر يقينا صحة ما قلنا من
الفرق، والله تعالى أعلم.
قال في البزازية: ولو قال وضعتها بين يدي وقمت ونسيتها فضاعت يضمن. ولو قال وضعتها
بين يدي في داري والمسألة بحالها إن مما لا يحفظ في عرصة الدار كصرة النقدين يضمن، ولو كان مما
بعد عرصتها حصنا له لا يضمن ا ه‍. ومثله في الخلاصة والفصولين والذخيرة والخانية وغيرها.
وظاهره أنه يجب كل شئ في حرز مثله، وفي السرقة يعتبر في ظاهر المذهب كل ما كان حرزا لنوع
فهو حرز لكل الأنواع. وعليه فقد ظهر الفرق بين الحرزين.
ففي السرقة يقطع بسرقة لؤلؤة من إصطبل، ولو كانت وديعة وضعها في الاصطبل وهلكت
يضمن المودع، لان الاصطبل ليس حرز مثلها، وبه ظهر جواب حادثة، وهي أن مودعا وضع بقجة
شال غالية الثمن في إصطبل فسرقت. والجواب أنه يضمن وإن قطع سارقها، والله تعالى أعلم. قوله: (
وإلا ضمن) أي في المسألتين وهي: دفعها إلى من لا بد منه، بأن دفعها إلى من له منه بد: أي انفكاك
وفرقة. والثانية حفظها في بيت آخر والبيوت مستوية بأن حفظها في بيت والبيوت مختلفة. قال في
البدائع: والأصل المحفوظ في هذا الباب ما ذكرنا أن كل شرط يمكن مراعاته ويفيد والعمل به ممكن
فهو معتبر، وكل شرط لا يمكن مراعاته ولا يفيد فهو هدر، وهنا إنما ضمن لان التقييد مفيد كما قال
الشارح، كما إذا ظهر البيت المنهي عنه إلى السكة كما في البحر: أي فإنه يضمن لأنه متعد، لان من
العيال من لا يؤتمن على المال: أي فيما إذا نهاه عن الدفع إلى زوجته أو غلامه وللمودع زوجته أو غلام
آخر ولتفاوت البيوت في الحفظ.
بقي لو أمره بالحفظ في دار فحفظ في دار أخرى، فالذي ذكره شيخ الاسلام الضمان وإن كانت
الثانية أحرز.
والذي في شرح الطحاوي: إذا كانت الدار التي خبأها فيها والدار الأخرى في الحرز على
السواء، أو كانت التي خبأها فيها أحرز فلا ضمان عليه سواء نهاه عن الخب ء فيها أو لم ينهه. كذا في
المحيط. ولو قال: احفظها في هذه البلدة ولا تحفظها في بلدة أخرى فحفظها في البلدة المنهية ضمن
بالاتفاق ا ه‍. هندية. قوله: (لان التقييد مفيد) أي والنهي عن الوضع في الدار الأخرى مفيد، لان
الدارين يختلفان في الامن والحفظ فصح الشرط وأمكن العمل به. وأما البيتان في دار واحدة فقلما
يختلفان في الحرز، فالمتمكن من الاخذ من أحدهما يتمكن من الاخذ من الآخر فصار الشرط غير مفيد
وتعذر العمل به أيضا فلا يعتبر وكذا الصندوقان، فإن تعيين الصندوق في هذه الصورة لا يفيد، فإن
الصندوقين في بيت واحد لا يتفاوتان ظاهر إلا أن يكون لهما: أي للبيت والصندوق خلل ظاهر
فحينئذ يفيد الشرط ويضمن بالخلاف، وكذا لو كانت البيت أو الصندوق المأمور بالحفظ فيه أحرز من

503
المنهي عن الوضع فيه فحينئذ يضمن أيضا كما بينا. وذكر شيخ الاسلام خواهر زاده أنه يضمن بالحفظ
المنهي عنه مطلقا كما في الظهيرية، وعليه كلام الذخيرة كما علمته من كلام الهداية المار قريبا. قوله:
(ولا يضمن مودع المودع) أي بالهلاك عنده، أما لو استهلكه ضمن، ومودع الغاصب لو رده على
الغاصب برئ، كما أن غاصب الغاصب لو رد على الغاصب برئ كما سيذكره في الغصب ذكره
الخير الرملي. قوله: (فيضمن الأول) إذا دفع إلى غير من في عياله بغير إذن ولا ضرورة كحرق. در
منتقى. وإنما ضمن الأول لأنه ترك الحفظ دون الثاني لأنه أخذ المال من أمين ولم يترك الحفظ وهذا
قول الإمام. وعندهما يضمن المالك أيهما شاء، فإن ضمن الأول لم يرجع على الثاني لأنه ملكه بالضمان
فظهر أنه أودع ملك نفسه، وإن ضمن الثاني رجع على الأول لأنه عامل له فيرجع عليه بما لحقه من
العهد.
لهما أن الأول جنى بالتسليم إلى الثاني بغير إذن المالك، والثاني تعدى بالقبض بلا إذنه فيميل
المالك إلى أيهما شاء. وللامام أن الأول لا يضمن بالدفع إلى الثاني ما لم يفارقه لان حفظه لا يفوت ما
دام في مجلسه، والمالك إنما رضي بحفظه ورأيه لا بصورة يده بدليل أنها لو هلكت قبل أن يفارقه لا
يضمن واحد منهما بالاجماع، فإذا فارق الأول الثاني ضمن لأنه صار مضيعا والثاني أمين استمر على
الحالة الأولى ولم يوجد منه تعد ولم يكن متعديا من الابتداء بالقبض فلا ينقلب متعديا من غير إحداث
فعل زيلعي. وهنا ضمن في إيداع قصدي، لأنه لو كان ضمنيا قيل لا يضمن، كما لو دخل الحمام
ووضع دراهم الوديعة مع ثيابه بين يدي الثيابي قيل يضمن، لأنه إيداع المودع كما قدمناه عن جامع
الفصولين معزيا للذخيرة. وفيه معزيا للمحيط: لا يضمن لأنه إيداع ضمني وإنما يضمن بإيداع
قصدي. ا ه‍.
ومن هذا القبيل ما في الدرر: أودع حر عبدا محجورا فأودع المحجور محجورا مثله وضاع المودع
ضمن الأول فقط بعد العتق لأنه سلطه على إتلافه وشرط عليه الضمان فصح التسليط وبطل الشرط
في حق المولى، ولا يضمن الثاني لأنه مودع المودع.
وصورة المسألة: أودع عند رجل وديعة فأودعها المودع عند شخص آخر من غير عياله فهلكت:
مسكين. قوله: (لا ضمان) لان حفظه لا يفوت ما دام في مجلسه الخ ولو استهلك الثاني الوديعة ضمن
بالاتفاق ولصاحب الوديعة أن يضمن الأول ويرجع على الثاني وأن يضمن الثاني ولا يرجع ط. قوله:
(لم يصدق) لأنه يدعي زوال سبب الضمان بعد ثبوته والمالك ينكره فالقول للمالك بيمينه والبينة
للمودع. قال في جامع الفصولين: لم يصدق لأنه أقر بوجوب الضمان عليه ثم ادعى البراءة فلا
يصدق إلا ببينة ا ه‍. ووجوب الضمان عليه هنا كونه أودع عند الغير والايداع إلى الغير موجب للضمان
فلا يصدق في رفع الموجب. قوله: (وفي الغصب منه يصدق) يعني لو غصب الوديعة من المودع
غاصب وهلكت فأراد المالك أن يضمن الغاصب فقال المودع رده علي وهلك عندي وقال لا بل هلك

504
عنده فالقول قول المودع إذا لم يفعل المودع ما يوجب الضمان، فهو على ما كان أمين عنه الرد وقبله
وبعده، بخلاف دفعه للأجنبي لأنه موجب للضمان، سائحاني. قوله: (لأنه أمين) ولم يوجد منه تعد
يوجب الضمان. قوله: (فكلاهما ضامن) أي كل من القصار وقاطع الثوب، وللمالك الخيار في
تضمين أيهما شاء، فإن ضمن القصار رجع بما ضمنه على قاطع الثوب، وإن ضمن القاطع لا رجوع
له على القصار.
ونظير هذه المسألة ذكره مؤيد زاده عن جامع الفصولين: لو دفع القصار إلى المالك ثوب غيره
فأخذه على ظن أنه له ضمن والجهل فيه ليس بعذر.
طلب ثوبه من قصار فقال دفعت ثوبك إلى رجل ظننت أنه ثوبه ضمن القصار كثيابي حمام سلم
إليه رجل ثيابه ليحفظها فقال الثيابي خرج رجل ولبس ثيابك فظننت أنها له ا ه‍. قوله: (فلربها تضمين
من شاء) المودع لتعديه لما لم يؤمر به والمعالج لمباشرته سبب الهلاك ط. قوله: (رجع على الأول) في
جامع الفصولين رامزا للذخيرة: مرضت دابة الوديعة فأمر المودع إنسانا فعالجها ضمن المالك أيهما
شاء، فلو ضمن المودع لا يرجع على المعالج ولو ضمن المعالج رجع على المودع علم أنها للغير أو لا،
إلا إن قال المودع ليست لي ولم أومر بذلك فحينئذ لا يرجع ا ه‍. تأمل. ومثله في نور العين رامزا
للاستروشنية ومجموع النوازل. لكن قال في الهندية: فإن ضمن المودع لا يرجع على أحد، وإن ضمن
المعالج: إن علم أنها ليست له لا يرجع عليه، وإن لم يعلم أنها لغيره أو ظنها رجع عليه، ومثله في
القهستاني وهذا هو المناسب لما هنا. وأما ما ذكره في الفصولين واستظهره صاحب الدرر من أنه يرجع
وإن علم أن المودع غاصب في معالجة الوديعة بلا إذن صاحبها، وما ذكره من قوله خلافا لما نقله
القهستاني الخ يوافق ما ذكره الشارح فيما لو عالج الوديعة بإذن المودع كما نبه عليه، فليتأمل. اللهم
إلا أن يحمل قوله إلا إن علم: أي بإخبار المودع صراحة، بأن قال للمعالج ليست لي ولم أومر بذلك.
وأما إذا لم يقل ذلك فلا يعد عالما، وبه يحصل التوفيق بين كلام الشارح والهندية وبين الجامع ونور
العين وإن لم أره مسطورا في كلامهم، والله تعالى أعلم.
وأقول: خلاصة ما ذكرناه أن صاب الدابة إذا ضمن من عالجها بأمر المودع فعطبت يرجع على
المودع، إلا إذا قال المودع حين دفعها للمعالج ليست لي ولم أومر بذلك على ما في الفصولين. ومثله
في نور العين عن الاستروشنية. وفي الهندية عن الجوهرة والشارح عن المجتبى أن صاحب الدابة إذا
ضمن من عالجها فعطبت يرجع على المودع إن لم يعلم: أي المعالج أنها لغير المودع وإلا لم يرجع، وهذا
الذي يعول عليه حيث صرح في صدر عبارته بالرواية عن الامام عن محمد رحمه الله تعالى فلا يعدل
عنه، والله تعالى أعلم. قوله: (بخلاف مودع الغاصب) قال في البحر: والفرق بينهما على قول أبي
حنيفة أن مودع الغاصب غاصب لعدم إذن المالك ابتداء وبقاء، وفي الأول ليس بغاصب لأنه لا

505
يضمن المودع بمجرد الدفع ما لم يفارقه، فإن فارقه صار مضيعا لها وقت التفريق لترك الحفظ الملتزم
بالعقد والقابض منه لم يكن متعديا بالقبض بدليل عدم وجوب الضمان بالهلاك قبل أن يفارقه الأول،
وبعد الافتراق لم يحدث فعلا آخر بل هو مستمر على ذلك الفعل بل هو أمين فيه فلا يضمن ما لم يوجد
منه تعد. ا ه‍. قوله: (فيضمن أيا شاء) قال في شرح الزيادات: رجل غصب جارية فأودعها رجلا
فأبقت منه ثم استحقت كان له الخيار يضمن أيهما شاء، فإن ضمن الغاصب برئ المودع وكانت
الجارية ملكا للغاصب، وإن ضمن المودع كان للمودع أن يرجع على الغاصب بما ضمن لأنه عامل له
وتصير الجارية بنفس تضمينه ملكا للغاصب، حتى لو أعتقها الغاصب جاز ولو أعتقها المودع لا يجوز،
ولو كانت محرما من الغاصب عتقت عليه لا على المودع إذا ضمنها، لان قرار الضمان على الغاصب
لان المودع وإن جاز تضمينه فله الرجوع بما ضمن على الغاصب والمودع لكونه عاملا له فهو كوكيل
الشراء.
ولو اختار المودع بعد تضمينه أخذها بعد عودها ولا يرجع على الغاصب لم يكن له ذلك، وإن
هلكت في يده بعد العود من الإباق كانت أمانة وله الرجوع على الغاصب بما ضمن، وكذا إذا ذهبت
عينها، وللمودع حبسها عن الغاصب حتى يعطيه ما ضمنه للمالك، فإذا هلكت بعد الحبس هلكت
بالقيمة، وإن ذهبت عينها بعد الحبس لم يضمنها كالوكيل بالشراء لان الغاية وصف وهو لا يقابله
شئ، ولكن يتخير الغاصب إن شاء أخذها وأدى جميع القيمة، وإن شاء ترك كما في الوكيل بالشراء،
ولو كان الغاصب أجرها أو رهنها فهو والوديعة سواء، وإن أعارها أو وهبها: فإن ضمن الغاصب كان
الملك له، وإن ضمن المستعير أو الموهوب له كان الملك لهما، لأنهما لا يستوجبان الرجوع على
الغاصب فكان قرار الضمان عليهما فكان الملك لهما، ولو كان مكانهما مشتر فضمن سلمت الجارية
له، وكذا غاصب الغاصب إذا ضمن ملكها لأنه لا يرجع على الأول فتعتق عليه لو كانت محرما منه،
وإن ضمن الأول ملكها فتعتق عليه لو كانت محرمه، ولو كانت أجنبية فللأول الرجوع بما ضمن على
الثاني لأنه ملكها فيصير الثاني غاصبا ملك الأول، وكذا لو أبرأه المالك بعد التضمين أو وهبها له كان
له الرجوع على الثاني، وإذا ضمن المالك الأول ولم يضمن الأول الثاني حتى ظهر الجارية كانت ملكا
للأول، فإن قال أنا أسلمها للثاني وأرجع عليه لم يكن له ذلك لان الثاني قدر على رد العين فلا يجوز
تضمينه، وإن رجع الأول على الثاني ثم ظهرت كانت للثاني ا ه‍. وتمام التفريعات فيه فليراجعه من
رامه.
مطلب: مودع الغاصب لو استهلكها لا يرجع على الغاصب إذا ضمنها
وإذا ضمنها الغاصب يرجع على المودع
قال المقدسي: قلت فلو استهلكها مودع الغاصب فغرم الغاصب ينبغي أن يرجع، ولو غرم هو
لا يرجع. قوله: (درر) وجزم به في البحر وأصله في التبيين. وعبارته: ثم مودع الغاصب إن لم يعلم
أنه غاصب رجع على الغاصب قولا واحدا، وإن علم فكذلك في الظاهر.
وحكى أبو اليسر لا يرجع، وإليه أشار شمس الأئمة. ذكره في النهاية. قوله: (خلافا لما
نقله القهستاني الخ) أي من أنه لا يرجع، وهو الموافق لما جزم به الشارح فيما لو عالج الوديعة بإذن

506
المودع كما مر التنبيه عليه. وعبارة القهستاني: وإنما يرجع على الغاصب إذا لم يعلم أنه غصب كما في
العمادية ا ه‍ قوله: (فتنبه) أشار بالتنبيه إلى ما حررناه قريبا.
أقول: والحاصل أن المودع لو دفع الوديعة إلى أجنبي بلا عذر فللمالك أن يضمنه فقط لا رجوع
على الثاني إلا إذا استهلكها.
وعندهما: له أن يضمن أيا شاء، فإن ضمن الثاني رجع على الأول. وأجمعوا على ذلك في
الغاصب مع مودعه فللمالك تضمين أي شاء، لكن إن ضمن الثاني رجع على الأول بما ضمن إن لم
يعلم أنها غصب كما في القهستاني عن العمادية. قوله: (فنكل لهما) أي أنكر، وليس له عليهما بينة.
وصور هذه المسألة ستة: أقر لهما نكل لهما حلف لهما أقر لأحدهما ونكل للآخر أو حلف نكل
لأحدهما وحلف للآخر.
واعلم أنه إذا حلف لأحدهما لم يقض له حتى يحلفه الثاني لينكشف وجه القضاء، بخلاف ما لو
أقر لأحدهما ليحكم له إذا الاقرار حجة بنفسه والنكول حجة بالقضاء، ولذا لو نكل فحلف برئ.
مقدسي.
وفيه: ولو قال أودعنيها أحدكما فليس له الامتناع إن اصطلحا وليس عليه ضمان ولا
استحلاف، فإن لم يصطلحا فلكل أن يستحلف كما تقدم، وتمام تفصيلها في الزيلعي. قوله: (فهو
لهما) لعدم الأولوية وعليه ألف آخر لاقراره به أو لبذله إياه على اختلاف الأصلين ولأيهما بدأ القاضي
بالتحليف جاز لتعذر الجمع بينهما أو عدم الأولوية.
والأولى عند التشاحن أن يقرع بينهما تطييبا لقلوبهما ونفيا لتهمة الميل، فإن نكل للأول لا يقضى
به لينكشف وجه القضاء هل هو لهما أو لأحدهما، ولا ضرر عليه في التأخير لأنه لا يقضي للمتقدم
حتى يحلف للمتأخر. قوله: (ولو حلف لأحدهما) في التحليف للثاني يقول بالله ما هذه العين له ولا
قيمتها لأنه لو أقر بها للأول ثبت الحق فيها فلا يفيد إقراره بها للثاني، فلو اقتصر على الأول لكان
صادقا. بحر. قوله: (فالألف لمن نكل له) دون الآخر لوجود الحجة في حقه دونه، ولو حلف لهما
فلا شئ لهما لعدم الحجة. زيلعي. قوله: (دفع إلى رجل ألفا وقال ادفعها اليوم الخ) أقول: ذكر في
الخانية قولين في المسألة: إذا كان بعد الطلب قال مودع قال له رب الوديعة إذا جاء أخي فرد عليه
الوديعة فلما طلب أخوه منه قال له المودع بعد ساعة أدفعها إليك فلما عاد إليه قال له هلكت لا يصدق
لأنه متناقض ويكون ضامنا.
وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل: إذا طلب المودع وقال اطلبها غدا فأعيد الطلب في
الغد فقال قد ضاعت، روي عن أصحابنا أنه يسأل المودع متى ضاعت، إن قال ضاعت بعد إقراري لا
يضمن، وإن قال كانت ضائعة وقت إقراري لا يقبل قوله لأنه متناقض ويكون ضامنا، لان قوله
اطلبها غدا إنما يكون للشئ القابل ا ه‍. وقدمنا الكلام عليه بأوضح من ذلك. قوله: (فلم يدفعها

507
الخ) أي إذا لم يطلبها المأمور بدفعها إليه، أما لو طلبها فمنعها منه فهو كما لو منعها من مالكها، وقد
تقدم الكلام فيه.
فرع: في البزازية: له على رجل دين فأرسل الدائن إلى مديونه رجلا ليقبضه فقال المديون دفعته إلى
الرسول وقال: أي الرسول دفعته إلى الدائن وأنكره الدائن فالقول قول الرسول مع يمينه ا ه‍. لكن
الذي في نور العين: القول للمرسل بيمينه، فتأمل. وفي البزازية أيضا قال الدائن ابعث الدين مع
فلان فضاع من يد الرسول ضاع من المديون. قوله: (احمل إلى) أي اليوم كما في الهندية. ويؤخذ من
السياق واللحاق. قوله: (وضاعت) يعني غابت ولم تظهر ولا حاجة إليه. قوله: (صدق المودع مع
يمينه) أي في براءة ذمته من الوديعة لا في إلزام المدفوع إليه. قوله: (لا يضمن على الأصح) مقتضاه
أن الأجير المشترك لا يضمن، لكن أفتى الخير الرملي بالضمان في حاشية الفصولين حيث قال: وفي
البزازية في متفرقات الإجارة من نوع في المتفرقات: دفع إلى المشترك ثورا للرعي فقال لا أدري أين
ذهب الثور فهو إقرار بالتضييع في زماننا. ا ه‍. ولا يخفى أنه ليس مذهب أبي حنيفة، وانظر إلى قوله في
زماننا ا ه‍. قوله: (بخلاف قوله لا أدري أضاعت أم لم تضع) هذا مخالف لما في جامع الفصولين ونور
العين وغيرهما، من أنه لا يضمن على الأصح، وهكذا رأيته في نسخة المنح، لكن لفظة لا ملحقة
بين الأسطر وكأنها ساقطة من النسخ فنقلها الشارح هكذا، فتنبه.
ثم نقل في العمادية بعدها: ولو قال لا أدري أضيعتها أم لم أضيع يضمن لأنه نسب الإضاعة إلى
نفسه فكان ذلك تعديا منه كما يأتي قريبا. قوله: (لا يضمن) أي إن كان للكرم أو للدار باب، وإن لم
يكن لهما باب يضمن. هندية عن المحيط.
وفي نور العين عن قاضيخان قال: وضعتها في داري فنسيت المكان لا يضمنه. ولو قال
وضعتها في مكان حصين فنسيت الموضع ضمن لأنه جهل الأمانة كما لو مات مجهلا.
صع: وقيل لا يضمن كقوله ذهبت ولا أدري كيف ذهبت، ولو قال دفنت في داري أو في
موضع آخر ضمن، ولو لم يبين مكان الدفن ولكن قال سرقت من مكان دفنت فيه لم يضمن.
عدة: لو دفنها في الأرض يبرأ لو جعل هنالك علامة، وإلا فلا. وفي المفازة ضمن مطلقا. ولو
دفنها في الكرم يبرأ لو حصينا. بأن كان له باب مغلق. ولو وضعها بلا دفن برئ لو موضعا لا يدخل
فيه أحد بلا إذن. ا ه‍.
أقول: ولا تنس ما قدمناه من أنه إذا كان الموضع حرزا لتلك الوديعة وإلا يضمن مطلقا ومن أن

508
العبرة للعرف كما نقلناه عن البزازية، فتأمل.
وفيه: توجهت اللصوص نحوه في مفازة فدفنها حذرا فلما رجع لم يظفر بمحل دفنه، لو أمكنه
أن يجعل فيه علامة ولم يفعل ضمن، وكذلك لو أمكنه العود قريبا بعد زوال الخوف فلم يعد ثم جاء
ولم يجدها لا لو دفنها بإذن ربها.
فظ: وضعها في زمان الفتنة في بيت خراب يضمن لو وضعها على الأرض لا لو دفنها ا ه‍.
وفي الهندية عن النوازل: إذا قال المودع سقطت الوديعة أو وقعت مني لا يضمن. ولو قال
أسقطت أو تركتها يضمن.
قال الشيخ الامام ظهير الدين المرغيناني رحمه الله تعالى: لا يضمن في الوجهين، لان المودع لا
يضمن بالاسقاط إذا لم يترك الوديعة ولم يذهب، والفتوى عليه: كذا في الخلاصة: ولو قال: لا أدري
أضاعت أو لم تضع لا يضمن. ولو قال لا أدري أضيعتها أم لم أضيع يضمن. كذا في الفصول
العمادية ا ه‍. وقدمنا وجهه لأنه نسب الإضاعة إلى نفسه، فهذا وجه ما نقلناه، وهي مسألة أخرى،
بخلاف قوله ذهبت ولا أدري كيف ذهبت وقوله أضاعت أم لم تضع الخ، فلا فرق بينهما لان مؤدى
العبارتين واحد كما لا يخفى على من تأمل، فتدبر.
قال في نور العين: ولو قال أسقطت أو تركتها ضمن كذا في ث. وطعنوا أن مجرد الاسقاط
ليس بسبب ضمان، إذ لو أسقطها فرفعها ولم يبرح حتى هلكت يبرأ، فهنا لا يضمن بمجرد قوله
أسقطت، بل بشرط أن يقول أسقطت وتركت أو أسقطت وذهبت أو أسقطت في الماء ونحوه، وقالوا
في قوله سقطت أو وقعت ينبغي الضمان للسقوط بتقصير في الشد أو في جعلها في محل لا يحتملها
فيكون كحمال. وذكر أنه ينبغي أن لا يضمن بمجرد قوله أسقطت أو تركت، إذ لا يفرق العامة بين
سقطت وأسقطت. ولو قال ضاعت فالقول له. ولو قال لم يذهب من مالي شئ لا يضمن. ولو
قال ذهبت ولا أدري كيف ذهبت فالقول له بيمينه. ولو قال ابتداء لا أدري كيف ذهبت اختلف فيه
المتأخرون، والأصح أنه لا يضمن. ا ه‍.
أقول: لكن قدمنا عن العلامة الخير الرملي أنه أفتى بالضمان معللا بأنه تضييع في زماننا فلا
تنسه. وفيه: المودع لو سقط شئ من يده على الوديعة يضمن ا ه‍. وفيه: نام ووضعها تحت رأسه أو
بجنبه يبرأ وكذا بوضعه بين يديه في الصحيح قالوا يبرأ في الفصل الثاني لو نام قاعدا، ولو مضطجعا
ضمن في الحضر لا في السفر.
عدة: يبرأ لو قاعدا لا لو واضعا جنبه على الأرض، وفي السفر لا يضمن، ولو مضطجعا جعل
ثياب الوديعة تحت جنبه، لو قصد به السرقة ضمن لا لو للحفظ. ولو جعل الكيس تحت جنبه يبرأ
مطلقا.
جعل دراهم الوديعة في خفه ضمن في الأيمن لا في الأيسر لأنها في اليمين على شرف سقوط
عند ركوبه، وقيل يبرأ مطلقا، وكذا لو ربطها في طرف كمه أو عمامته، وكذا لو شدها في منديل
ووضعه في كمه يبرأ، ولو ألقاها في جيبه ولم تقع فيه وهو يظن أنها وقعت فيه لا يضمن خلاصة:
ضمن.

509
ولو دخل الحمام وهي في جيبه وتركه في الساكودة فسرق قيل يضمن. قاضيخان. جعلها في
جيبه وحضر مجلس فسق فضاعت بعد ما سكر بسرقة أو سقوط أو نحوهما قيل لا يضمن لأنه حفظها
في محل يحفظ مال نفسه، وقيل هذا إذا لم يزل عقله. أما إذا زال فلو بحيث لا يمكنه حفظ ماله يضمن
لأنه عجز عن الحفظ بنفسه فيصير مضيعا أو مودعا غيره ا ه‍. قوله: (إن خاف الخ) ظاهر صنيعه أن
المنظور إليه ما وقع عند المودع من خوف تلف نفسه أو عضوه أو حبسه أو أخذ ماله وإن كان التهديد
مطلقا أما إذا كان صريحا بأحدها فالحكم ظاهر ط. قوله: (وإن خاف الحبس أو القيد) أو التجريس
كما في الهندية. قوله: (وإن خشي أخذ ماله كله فهو عذر) لأنه يؤدي إلى تلف نفسه، بخلاف ما لو
أبقى له قوت الكفاية.
وفي الهندية: سلطان هدد المودع بإتلاف ماله إن لم يدفع إليه الوديعة ضمن إن بقي له قدر
الكفاية، وإن أخذ كل ماله فهو معذور ولا ضمان عليه. كذا في خزانة المفتين. قال ط: ولم يبين ما
المراد بقدر الكفاية هل كفاية يوم أو شهر أو العمر الغالب؟ فيحرر. ا ه‍. والظاهر أن المراد بها هنا كفاية
شهر أو يوم. قوله: (كما لو كان الجائر هو الآخذ بنفسه فلا ضمان) أي من غير تفصيل كما يؤخذ من
المنح. قوله: (رفع الامر للحاكم) أي على سبيل الأولولة. قوله: (ليبيعه) وإن لم يكن في البلد قاض
باعها وحفظ ثمنها هندية، ولو أنفق عليها بلا أمر قاض فهو متبرع، ولو لم ينفق عليها المودع حتى
هلكت يضمن لكن نفقتها على المودع. منلا علي عن حاوي الزاهدي.
وفي التتارخانية: غاب رب الوديعة ولا يدري أحي هو أو ميت يمسكها حتى يعلم موته ولا
يتصدق بها، بخلاف اللقطة، وإن أنفق عليها بلا أمر القاضي فهو متطوع ويسأله القاضي البينة على
كونها وديعة عنده وعلى كون المالك غائبا، فإن برهن، فلو مما يؤجر وينفق عليها من غلتها أمره به وإلا
يأمره بالانفاق يوما أو يومين أو ثلاثة رجاء أن يحضر المالك لا أكثر بل يأمره بالبيع وإمساك الثمن،
وإن أمره بالبيع ابتداء فلصاحبها الرجوع عليه به إذا حضر، لكن في الدابة يرجع بقدر القيمة لا
بالزيادة، وفي العبد بالزيادة على القيمة بالغة ما بلغت، ولو اجتمع من ألبانها شئ كثير أو كانت أرضا
فأثمرت وخاف فساده فباعه بلا أمر القاضي، فلو في المصر أو في موضع يتوصل إلى القاضي قبل أن
يفسد ذلك ضمن. قوله: (فهلك حال القراءة) نص على المتوهم فلا ضمان بعدها بالأولى. قوله: (لان
له ولاية هذا التصرف) أي وهو القراءة، وسيأتي آخر العارية ما نصه: أما كتب العلم فينبغي أن يجوز
النظر فيها إذا كانت لا تتضرر بالنظر والتقليب، ويكون كالاستظلال بالحائط والاستضاءة بالنار لا سيما
إذا كان مودعا وعادة الناس في ذلك المساهلة والمسامحة، والاحتياط عدم النظر إلا بأمر. قوله: (وكذا
لو وضع السراج) أي سراج الوديعة على المنارة: أي على محل النور فإنه لا يضمن إذا تلف. قوله:

510
(أودع صكا) أي له، أما إذا كان لغيره وقد أودعه هو وجاء الذي له الصك يطلبه فلا يدفعه إليه وعليه
الفتوى. هندية. قوله: (وأنكر الوارث) أي وارث الطالب. قوله: (حبس المودع الصك) لما فيه من
الاضرار، وقد تقدم نحو هذا في المصنف، ولعله محمول على ما إذا كان المكتوب عليه يقر به إذا
عرض عليه، وإلا فمجرد الخط لا يثبت الحق، ثم ظاهر كلامه يعم ما لو أنكر الوارث لكونه لا يعلم
الدفع. قوله: (أبدا) أن ما لم يقر الوارث بالأداء أي بما قبض مورثهم. قوله: (لا يبرأ مديون الميت
بدفع الدين إلى الوارث) الظاهر أن يقيد عدم البراءة بما إذا كان الدين مستغرقا لما دفعه أو لا، وسواء
كان الوارث مؤتمنا أو لا، والظاهر أن يقيد عدم البراءة بما إذا كان الدين مستغرقا لما دفعه والوارث
غير مؤتمن، كما قيد بهما في المودع إذا دفع الوديعة للوارث. حموي. لكن قال في منية المفتي: إذا كان
للميت وديعة عند إنسان وفي التركة دين فدفع المودع الوديعة إلى الوارث بغير أمر القاضي يضمن.
في يده ألف وديعة لرجل مات وعليه ألف درهم دين معروف أنه عليه وترك ابنا معروفا فقضى
المستودع الألف للغريم لم يضمن، لأنه قضى إلى من له الحق وهو غريم الميت، وليس للابن ميراث
حتى يقضي الدين. ا ه‍.
أقول: ولعل عدم البراءة بدفع الدين إلى الوارث ديانة. قال في الفوائد الزينية: ولو قضى المودع
بها دين المودع ضمن على الصحيح، فتأمل وراجع.
فرع: قال بعت الوديعة وقبضت ثمنها لا يضمن ما لم يقل دفعتها للمشتري. شرح تحفة
الاقران.
وفي منية المفتي: لرجل على آخر دين فقضاه فمنعه ظلما فمات صاحب الدين فالخصومة في
الظلم بالمنع للميت وفي الدين للوارث هو المختار.
وفيها: ومن أخذ من السلطان مالا حراما فحق الخصومة في الآخرة لغاصب الحق مع السلطان
ومع القابض إن لم يخلطه السلطان وبعد الخلط يكون مع السلطان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى. قوله:
(ليس للسيد أخذ وديعة العبد) أي ولو غير مأذون لاحتمال أنه مال الغير إلا إذا أقام السيد بينة على أنه
ماله وقد سلف.
وفي البزازية: الرقيق إذا اكتسب واشترى شيئا من كسبه وأودعه وهلك عند المودع فإنه يضمنه
لكونه مال المولى مع أن للعبد يدا معتبرة، حتى لو أودع شيئا وغاب فليس للمولى أخذه انتهى. هذا إذا
لم يعلم أن الوديعة كسب العبد أو ماله، أما إذا علم ذلك فله حق الاخذ بلا حضور العبد كما نقله في
البزازية عن الذخيرة، وقد تقدم ذلك. قوله: (العامل لغيره أمانة لا أجر له إلا الوصي) أي وصي
القاضي وقد نصبه بأجر، وأما وصي الميت فلا يستحق الاجر كما في الأشباه من فن الجمع، والفرق
في الكلام على أجر المثل نقلا عن القنية. وقد علل الولوالجي عدم صحة الاجر له، ولو جعله المتوفى
له لينفذ له وصاياه بأنه بقبول الوصية صار العمل واجبا عليه والاستئجار على هذا لا يجوز انتهى.

511
قال العلامة الخير الرملي: ولا يخفى أن وصي الميت إذا امتنع عن القيام بالوصية إلا بأجر في
مقابلة عمله لا يجبر على العمل لأنه متبرع، ولا جبر على المتبرع. وإذا رأى القاضي أن يعمل له أجرة
على عمله وكانت أجرة المثل فما المانع قياسا واستحسانا، وهي واقعة الفتوى، وقد أفتيت به مرارا،
ولا ينافيه ما في الولوالجية كما هو ظاهر لان الموضوع مختلف كما يظهر بأدنى تأمل. ا ه‍.
أقول: إنما كان الموضوع مختلفا لان موضوع مسألة الولوالجي في وجوب العمل بقبول الوصية
وموضوع ما ذكره في عدم الجبر على العمل وهو لا ينافي الوجوب، لكن قال الطحطاوي: وفيه
تأمل، إذ بعد القبول لا يقال إنه متبرع.
والحاصل: أن وصي الميت لا أجر له إلا إذا كان محتاجا فله الاكل من مال اليتيم بقدر عمله،
وللقاضي أن يفرض له ذلك، لكن للمستقبل لا لما مضى لشروعه فيه متبرعا. وأما وصي القاضي،
فإن كان محتاجا فكذلك، وإلا فإن نصبه القاضي وجعل له أجرة المثل جاز، وكذا إذا امتنع بعد النصب
عن العمل حتى يجعل له أجرة لان وصايته غير لازمة، لان له أن يعزل نفسه فله أن يمتنع عن المضي
في العمل إلا بأجر، وتمام الكلام على ذلك في باب الوصي آخر الكتاب فراجعه إن شئت. قوله: (إذا
عملا) فيستحقان أجرة المثل. أشباه.
قال في القنية: إذا عين القاضي له أجرا فهو له، وإلا فلا، وذكر أن له أجرة مثله ولو لم يعينه
القاضي، وتقدم ذلك في كتاب الوقف، وذكره في الوصايا. قوله: (قلت) القول لصاحب الأشباه.
قوله: (فعلم منه أن لا أجر للناظر الخ) أي من قوله: (إذا عملا) أي إلا إذا كان مشروطا من جهة
الواقف. أفاده أبو السعود. ووجه العمل أنه لا عمل حينئذ ط.
والحاصل: أن الواقف إن عين للناظر شيئا فهو له كثيرا كان أو قليلا على حسب ما شرطه عمل
أو لم يعمل حيث لم يشترطه في مقابلة العمل، وإن لم يعين له الواقف وعين له القاضي أجرة مثله
جاز، وإن عين أكثر يمنع عند الزائد عن أجرة المثل، هذا إن عمل، وإن لم يعمل لا يستحق أجرة،
وبمثله صرح في الأشباه في كتاب الدعوى. وإن نصبه القاضي ولم يعين له شيئا ينظر، إن كان
المعهود أن لا يعمل إلا بأجرة المثل فله أجرة المثل، لان المعهود كالمشروط وإلا فلا شئ له، وبيان
تفصيل ذلك مع أدلته في كتاب الوقف فارجع إليه. قوله: (ودافع ألف مقرضا ومقارضا) قال ابن
الشحنة: مسألة البيت من البدائع. قال: ولو قال خذ هذه الألف على أن نصفها عليك قرض على أن
تعمل بالنصف الآخر مضاربة على أن ربح لي فهذا مكروه لأنه شرط لنفسه منفعة في مقابلة القرض،
وقد نهى رسول الله (ص) عن قرض جر نفعا فإن عمل هذا وربح فالربح بينهما نصفان، لان المضارب
ملك نصف المال بالقرض فكان نصف الربح له والنصف الآخر بضاعة في يده فربحه لرب المال.
قوله: (وربح القراض) أي لرب المال خاصة. قوله: (الشرط جاز) ويجعل النصف بضاعة ونماء
النصف القرض للمستقرض، لان المضاربة لما فسدت باشتراط كل الربح لرب المال صارت بضاعة.

512
قوله: (ويحذر) للنهي عن قرض جر نفعا. وإذا علم صحة الشرط فالربح الحاصل من الألف لهما
والخسران عليهما لأنهما شريكان في الألف. قوله: (وإن يدعي ذو المال قرضا وخصمه إلى آخر البيتين)
قال الشارح: قد اشتمل البيتان على ثلاث مسائل: الأولى من الظهيرية: لو قال المضارب دفعته إلى
مضاربة وقال رب المال دفعته إليك قرضا فالقول قول رب المال، ومع ذلك لو هلك المال قبل التصرف
لا ضمان على ذي اليد لاتفاقهما على قول المالك دفعت فإنها لا تفيد ضمانا قبل التصرف وضمن
بعده: وإن أقاما بينة لرب المال فيكون كل من القول والبينة لرب المال. وفي النهاية وشرح التحرير أن
القول قول المضارب والبينة على رب المال. قوله: (فرب المال قد قيل أجدر) أي بقبول قوله وإن هلك
المال، فإن كان قبل العمل فلا ضمان عليه لاتفاقهما على لفظ الدفع كما تقدم. قوله: (وفي العكس)
وهذه المسألة الثانية من الظهيرية أيضا، وهي عكس الأولى. إذا قال المضارب بعدما تصرف وربح
أقرضتني هذا المال والربح كله لي وقال رب المال دفعته إليك مضاربة بالثلث أو قال دفعته إليك بضاعة
أو قال مضاربة ولم أسم ربحا أو بربح مائة درهم فالقول في ذلك قول رب المال وعلى المضارب البينة.
وفي دعوى البضاعة الربح لرب المال، وفيما إذا لم يسم فالربح لرب المال وللمضارب أجر المثل، وإن
أقام البينة فالبينة للعامل، وإن اختلفا قبل الربح يرد المال إلى مالكه لعدم لزوم العقد. قوله: (كذلك
في الابضاع) بأن قال رب المال دفعته بضاعة والمضارب يدعي القرض فالقول لرب المال. ولو ادعى
المضاربة ورب المال الغصب وضاع المال قبل العمل فلا ضمان، وإن بعد العمل فهو ضامن، وإن أقاما
بينة فالبينة للمضارب في الوجهين، وهذه هي المسألة الثالثة. قوله: (ما يتغير) أي الحكم في هذه
الصورة، وقد قدمنا الكلام على هذين البيتين آخر كتاب المضاربة. قوله: (وإن قال قد ضاعت من
البيت وحدها) مسألة البيت من الواقعات، وقد ذكرناها في هذا الباب، وهي المودع إذا قال ذهبت
الوديعة من منزلي ولم يذهب من مالي شئ قبل قوله مع يمينه كما في الهندية والكافي وجامع
الفصولين ونور العين وغيرها. قوله: (فقد يتصور) بأن يعجل السارق أن تكون هي المقصودة، ومعنى
يصح يصدق. قوله: (وتارك) بغير تنوين. قوله: (لأمر) متعلق بتارك أو بصحيفة والصحيفة مثال،
وهي قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه، وقدمنا ذكر هذه المسألة. وذكر شارحها العلامة ابن الشحنة
أن مسألة البيت من قاضيخان قال: قوم جلوس في مكان فقام واحد منهم وترك كتابه ثم قام الباقون
معا فهلك الكتاب ضمنوا جميعا، لان الأول لما ترك الكتاب عندهم فقد استحفظهم، فإذا قاموا وتركوا
الكتاب فقد تركوا الحفظ الملتزم فضمنوا جميعا، وإن قام القوم واحدا بعد واحد كان الضمان على
آخرهم لان الآخر تعين للحفظ فتعين للضمان. قال المصنف: وهذا ليس خاصا بالصحيفة بل يطرد
في غيرها أيضا. قال ط: وينبغي تقييد هذا الفرع بما لا يقسم فإنه إذا كان مما يقسم يكون القائم أولا
مفرطا بعدم قسمة المودع للحفظ. ا ه‍. قوله: (يضمن المتأخر) لتعينه للحفظ فتعين للضمان ا ه‍. عبد
البر. ومفهومه أنهم إذا قاموا جملة ضمنوا جميعا وبه صرح قاضيخان. ويظهر لي أن كل ما لا يقسم

513
كذلك. سائحاني قوله: (وتارك نشر الصوف صيفا الخ) قد اشتمل البيتان على مسألتين من الظهيرية.
قال في كتاب الوديعة: إذا أفسدها الفأر وقد اطلع المودع على ثقب معروف، إن كان أخبر
صاحب الوديعة أن هاهنا ثقب الفأر فلا ضمان، وإن لم يخبره بعدما اطلع عليه ولم يسده ضمن،
وهي المسألة الثانية.
والأولى ما قال في الظهيرية عن السيد الإمام أبي القاسم أن الانسان إذا استودع عنده ما يقع
فيه السوس في زمان الصيف فلم يبردها في الهواء حتى وقع السوس وفسد لا يضمن، وهذا علم من
صورة النظم إلا أنه يعلم من ذلك الحكم في نظيره. انتهى ما ذكره ابن الشحنة.
قال في الهندية: الوديعة إذا أفسدتها الفأرة وقد اطلع المودع على ثقب ب الفأرة، إن أخبر صاحبها
أن هاهنا ثقب الفأرة لا ضمان عليه، وإن لم يخبر بعدما اطلع عليه ولم يسده يضمن. كذا في الفصول
العمادية. وذكر بعدها عبارة الظهيرية. ثم قال: وفي فتاوى أبي الليث: إذا كانت الوديعة شيئا يخاف
عليه الفساد وصاحب الوديعة غائب: فإن رفع الامر إلى القاضي حتى يبيعه جاز وهو الأولى، وإن لم
يرفع حتى فسدت لا ضمان عليه لأنه حفظ الوديعة على ما أمر به. كذا في المحيط. وإن لم يكن في
البلد قاض باعها وحفظ ثمنها لصاحبها. كذا في السراج الوهاج انتهى. قوله: (فعث) العث بالمثلثة:
السوس أو الأرضة وهي دويبة تأكل الصوف. قوله: (لم يضمن) لأنه حفظ الوديعة كما أمر به. محيط.
ويضمن بتشديد الميم. قوله: (وقرض الفأر) الحاصل أنه إذا أودعه الوديعة فوضعها في محل لا ثقب
فيه فقرضها الفأر أو أحرقتها النار أو أصابها بخس بالباء الموحدة بالتحتية ثم الخاء المعجمة أي نقص،
أو أصابها نخس بالنون ثم الخاء: أي ثقب متسع فلا ضمان عليه. وأما إذا كان في المكان الموضوع فيه
الوديعة ثقب قد اطلع عليه المودع: إن أخبر صاحبها به فلا ضمان عليه، وإن لم يخبره ولم يسده
يضمن. أفاده صاحب الهندية قوله: (بالعكس يؤثر) أي بالخلاف. قوله: (ولم يعلم) الواو بمعنى
أو، فينتفي عنه الضمان بسده أو بإعلام المالك به وإن لم يسده، لان المالك حينئذ رضي بوضعه فيه
على هذا الحال ويعلم بضم الياء. قوله: (وينبغي تفصيله) البحث للطرسوسي حيث قال: وينبغي أن
يكون فيها التفصيل لان الامر دائر بين الاعلام للمودع أو السد بدونه وهو موجود أو ارتضاه. عبد
البر وأقره الشرنبلالي.
تتمة في ضمان المودع بالكسر في قاضيخان: مودع جعل في ثياب الوديعة ثوبا لنفسه فدفعها
إلى ربها ونسي ثوبه فيها فضاع عنده ضمن لأنه أخذ ثوب الغير بلا إذنه والجهل فيه لا يكون عذرا:
قال في نور العين: ينبغي أن تقيد المسألة بما لو كان غير عالم ثم علم بذلك وضاع عنده وإلا
فلا سبب للضمان أصلا، فالظاهر أن قوله والجهل فيه لا يكون عذرا ليس على إطلاقه، والله تعالى
أعلم. ا ه‍. ملخصا.
قال في السراجية: مؤنة الرد على المالك لا على المودع، وإن نقلها في بلده من محلة فمؤنة الرد
على صاحبها بالاتفاق، وكذا إذا سافر فيما يجوز له السفر بها تكون الأجرة على المالك سراج: أي أجرة
الرد كما يؤخذ من سابقه.

514
قال ط: وانظر مؤنة حمله للاخراج هل هي على المودع أو المالك؟
فروع: ندت بقرة من الباقورة وترك الراعي اتباعا فهو في سعة من ذلك ولا ضمان عليه فيما
ندت بالاجماع إن كان الراعي خاصا، وإن كان مشتركا فكذلك عند أبي حنيفة. وعندهما يضمن. وإنما
لا يضمن عنده وإن ترك الحفظ فيما ندت لان الأمين إنما يضمن بترك الحفظ إذا ترك بغير عذر، أما
إذا ترك بعذر فإنه لا يضمن، كما لو دفع الوديعة لأجنبي حالة الحريق فإنه لا يضمن وإن ترك الحفظ
لأنه ترك بعذر، كذا هنا، وإنما ترك الحفظ بعذر كي لا يضيع الباقي. وعندهما يضمن لأنه ترك بعذر
يمكن الاحتراز عنه.
قال صاحب الذخيرة: ورأيت في بعض النسخ: لا ضمان عليه فيما ندت إذا لم يجد من يبعثه
ليردها أو يبعثه ليخبر صاحبها بذلك، وكذلك لو تفرقت فرقا ولم يقدر على اتباع الكل فاتبع البعض
وترك البعض لا يضمن. لأنه ترك حفظ البعض بعذر. وعندهما: يضمن لأنه يمكن الاحتزاز عنه
عمادية من ضمان الراعي.
وفي فتاوى أبي الليث: مكار حمل كرابيس إنسان فاستقبله اللصوص فطرح الكرابيس وذهب
بالحمار قال: إن كان لا يمكنه التخلص منهم بالحمار والكرابيس وكان يعلم أنه لو حمله أخذ اللصوص
الحمار والكرابيس فلا ضمان عليه لأنه ألم يترك الحفظ مع القدرة عليه.
طرح الأمانة في السفينة وسبح في البحر خوفا من الأسر والقتل لا يضمن.
في جامع الفصولين في ضمان الأجير المشترك رامزا للذخيرة: قرية عادتهم أن البقار إذا أدخل
السرح في السكك يرسل كل بقرة في سكة ربها ولا يسلمها إليه ففعل الراعي كذلك فضاعت بقرة،
قيل يبرأ إذ المعروف كالمشروط، وقيل لو لم يعد ذلك خلافا يبرأ ا ه‍. والظاهر أن القولين متقاربان إن
لم يكونا بمعنى واحد، لان ذلك إذا كان معروفا لا يعد خلافا لأنه يكون مأذونا به عادة، وقدمنا نحو
هذه المسألة، وهو ما لو أرسل الوكيل بالبيع الثمن إلى الموكل مع المكاري ونحوه مما جرت به العادة فإنه
لا يضمن، وبه أفتى الخير الرملي لان المعروف عرفا كالمشروط شرطا، ولا فرق بين أن تتلف أو تضيع
أو يأكلها الذئب إلا إذا نهاه ربها عنه.
قال الرملي: ومثله الشريك والمزارع أيضا مثله وهو كالمودع وهذا إذا كانت العادة مطردة، أما إذا
لم تكن كذلك فلا شبهة في الضمان في صورة الضياع أو أكل الذئب تنبه، وهذا أيضا إذا لم يخش
عليها، أما إذا خشي بأن كان على أهل القرية أعداء يقصدون نهب أموالهم أو إتلافها أو كانت كثيرة
اللصوص فلا شبهة في الضمان فاعلم ذلك، والله تعالى أعلم. ا ه‍.
رجل استعار دابة فنام في المفازة ومقودها في يده فجاء السارق وقطع المقود بالدابة لا يضمن
المستعير لأنه لم يترك الحفظ، ولو أن السارق مد المقود من يده وذهب بالدابة ولم يعلم به المستعير كان
ضامنا، لأنه إذا نام على وجه يمكن مد المقود من يده وهو لا يعلم به يكون مضيعا، فإذا نام جالسا لا
يضمن على كل لأنه لو نام جالسا ولم يكن المقود في يده ولكن الدابة تكون بين يديه لا يضمن فها هنا
لا يضمن أولى ا ه‍.
وفي البزازية من الوديعة: جعل الدابة الوديعة في كرم غير رفيع الحائط أو لم يكن له حائط

515
ينظر، إن نام المودع ووضع جنبه على الأرض ضمن إن ضاعت الوديعة، وإن قاعدا لا يضمن، وإن
في السفر لا يضمن وإن نام مضطجعا ا ه‍. ومثله في الذخيرة وعدة الفتاوى والعمادية. وفي البزازية
أيضا في العارية ذكر ما ذكر في الخانية قائلا: وهذا لا يناقض ما مر، إذ نوم المضطجع في السفر ليس
بترك للحفظ لان ذا في نفس النوم وهذا في أمر زاد على النوم. ا ه‍.
كل أمين ادعى إيصال الأمانة إلى مستحقها قبل قوله كالمودع إذا ادعى الرد. أشباه. ومثله ما
تقدم متنا.
المودع أو المستعير أو المضارب أو المستبضع أو المساوم أو المستأجر أو الأب في مال ابنه الصغير
أو الوكيل أو الرسول أو القاضي أو أمين القاضي أو المحضر أو أمير العسكر أو المتولي أو القيم أو
الدلال أو السمسار أو البياع أو المرتهن أو العدل أو الملتقط أو آخذ الآبق أو الشريك أو الحاج عن الغير
أو الأجير الخاص أو المشترك أو المرتهن أو نحوها إذا ادعى الهلاك بغير تعد أو ادعى الرد إلى صاحبها
يصدق مع يمينه لان كل واحد منهم أمين والقول قول الأمين مع اليمين، إن لم يكن له بينة على الرد
أو الهلاك، وإن كان له بينة فلا يمين عليه وإنما طلبت البينة لدفع اليمين عنه.
فالحاصل: أن من تكون العين في يده أمانة إذا ادعى ردها إلى صاحبها أو ادعى الموت أو الهلاك
يصدق مع يمينه بالاتفاق وهذا في الرهن قبل قبضه، وما بعد قبضه فالقول للراهن كما سيأتي.
(سائحاني).
حول الأجنبي الوديعة عن محلها ثم ردها ثم هلكت ضمن. قاضيخان.
دفع إلى آخر قنا مقيدا بسلسلة وقال اذهب به إلى بيتك مع هذه السلسلة فذهب به بلا سلسلة
فأبق القن لم يضمن إذا أمر بشيئين وقد أتى بأحدهما. فصولين.
أقول: أي أمر بالذهاب بالقن وأمر بالذهاب بالسلسلة فلا يضمن القن.
وأقول: المتبادر من كلامه أن يكون القن مصحوبا بها أي مسلسلا فكأنه قال اذهب به مسلسلا
فهو مأمور بالذهاب به مسلسلا فالمأمور به واحد موصوف فينبغي الضمان. تأمل رملي.
بعثه إلى ماشية فركب المبعوث دابة الباعث برئ لو بينهما انبساط في مثل ذلك وإلا ضمن.
فصولين.
وفيه دفع بعيره إلى رجل ليكريه ويشتري له شيئا بكرائه فعمي البعير فباعه وأخذ ثمنه فهلك،
ولو كان في موضع يقدر على الرفع للقاضي أو يستطيع إمساكه أو رده مع العمى ضمن قيمته، وإلا
برئ.
أعاره حماره وقال خذ عذاره وسقه كذلك ولا تخل عنه فإنه لا يستمسك إلا هكذا فقال
نعم فلما مضت ساعة خلى عذاره فأسرع في المشي فسقط ضمن إذ خالف شرطا مفيدا فغصبه.
أعطاه درهما لينقده فغمزه فانكسر برئ لو أمره بغمزه وإلا ضمن، وكذا لو أراه قوسا فمده
فانكسر فهو على هذا ا ه‍.
وفيه معزيا إلى فوائد صاحب المحيط. قال له بعت دمي منك بفلس أو بألف فقتله الآخر يقاد،
لا لو قال اقتلني فقتله لأنه إطلاق فأورث شبهة، وهو هدر في أصح الروايتين عند أبي حنيفة، وتجب

516
الدية في ماله في رواية. ولو قال اقطع يدي أو رجلي أو اقتل قني ففعل لم يجب شئ بالاجماع إذ
الأطراف كأموال فيصح الامر.
وقعت ببخارى واقعة وهي: رجل قال لآخر ارم السهم إلي حتى آخذه فرمى السهم إليه بأمره
فأصاب عينه فذهبت، قال قاضيخان: لم يضمن، كما لو قال له أجن علي فجنى عليه لم يضمن.
وهكذا أفتى بعض المشايخ به، وقاسوا على ما لو قال اقطع يدي الخ. وقال صاحب المحيط: الكلام
في وجوب القود، أما لا شك أنه تجب الدية في ماله إذ ذكر في الكتاب: لو تضاربا بالوكز: أي
النخس، يقال له بالفارسية شت زون فذهبت عين أحدهما يجب القصاص إذا أمكن لأنه عمد.
ص: وإن قال كل واحد منهما للآخر ده ده، وكذا لو بارزا في خانقاه على وجه التعليم أو
الملاعبة فأصابت الخشبة عينه فذهبت يقاد لو أمكن. ا ه‍.
قال في مجمع الفتاوى: ولو قال كل واحد منهما لصاحبه ده ده ووكز كل منهما صاحبه وكسر
سنه فلا شئ عليه، بمنزلة ما لو قال اقطع يدي فقطعها قاضيخان. ا ه‍.
والذي ظهر لي في وجه ما ذكر في الكتاب أنه ليس من لازم قوله ده ده إباحة عينه لاحتمال
السلامة مع المضاربة بالوكزة كاحتماله مع رمي السهم، فلم يكن قوله ارم السهم إلي وقوله ده ده
صريحا في إتلاف عضوه، بخلاف قوله اقطع يدي أو اجن علي فلم يصح قياس الواقعة عليه.
والمصرح به أن الأطراف كالأموال يصح الامر فيها، وكأن في المسألة قولين. تأمل.
في جامع الفصولين رامزا إلى كتاب الدعاوي والبينات لصاحب المحيط: دفع ثوبه إلى دلال
ليبيعه فساومه رب حانوت بثمن معلوم وقال أحضر رب الثوب لأعطيه الثمن فذهب وعاد فلم يوجد
الثوب في الحانوت ورب الحانوت يقول أنت أخذته وهو يقول ما أخذته بل تركته عندك صدق الدلال
مع يمينه لأنه أمين. وأما رب الحانوت فلو اتفقا على أنه أخذه رب الحانوت ليشتريه بما سمى من
الثمن فقد دخل في ضمانه فلا يبرأ بمجرد دعواه فيضمن قيمته، ولو لم يتفقا على ثمن لم يضمن إذ
المقبوض على سوم الشراء إنما يضمن لو اتفقا على ثمنه قنية.
لا يجب ضمان السوم إلا بذكر الثمن، قيل هو قول أبي يوسف. ويكفي عند محمد أن يميل
قلبهما. تجنيس.
دفعه إلى دلال ليبيعه فدفعه الدلال إلى رجل على سوم الشراء ثم نسيه لم يضمن، وهذا إذا أذن له
المالك بالدفع للسوم إذ لا تعدى في الدفع حينئذ إيضاح، أما إذا لم يأذن له فيه ضمن.
ذكر في بعض الفتاوى عن فتاوى النسفي: لو عرضه الدلال على رب دكان وتركه عنده فهرب
رب الدكان وذهب به لم يضمن الدلال في الصحيح لأنه أمر لا بد منه في البيع. وذكر بعض المشايخ
يضمن لأنه مودع، وليس للمودع أن يودع قاضيخان.
دفعه الدلال إلى من استام لينظر إليه ويشتري فذهب به ولم يظفر به الدلال قالوا لم يضمن لاذنه
في هذا الدفع.

517
قال: وعندي أنه إنما لا يضمن لو لم يفارقه، وأما لو فارقه ضمن كما لو أودعه أجنبي أو ترك
عند من لا يريد الشراء.
طلب المبيع رجل من الدلال بدراهم معلومة فوضعه عند طالبه ضمن قيمته لاخذه على سوم
الشراء بعد بيان الثمن. قالوا: ولا شئ على الدلال، وهذا لو مأذونا بالدفع إلى من يريد الشراء قبل
البيع، فلو لم يكن مأذونا ضمن فروق الجامع.
دلال معروف بيده ثوب تبين أنه مسروق فقال رددته على من أخذته منه يبرأ كغاصب الغاصب
إذا رد على الغاصب يبرأ في الذخيرة، إنما يبرأ لو أثبت رده بحجة في عدة الفتاوى، هذا كغاصب
الغاصب إذا قال رددت على الغاصب صدق بيمينه لا بدونها. منتقى.
قال تلفت منذ عشرة أيام وبرهن ربها أنها كانت عنده منذ يومين فقال المودع وجدتها فتلفت تقبل
ولم يضمن. ولو قال أولا ليست عندي وديعة ثم قال وجدتها فتلفت ضمن ا ه‍. قنية.
دلال دفع ثوبا إلى ظالم لا يمكن استرداده منه ولا أخذ الثمن يضمن إذا كان الظالم معروفا
بذلك.
ن: خرج المودع وترك الباب مفتوحا ضمن لو لم يكن في الدار أحد ولم يكن المودع في مكان
يسمع حس الداخل عدة.
المودع: لو حفظها ليس فيه مال ضمن والمراد حرز غيره، أما لو استأجر بيتا لنفسه وحفظها فيه
لم يضمن ولم يكن فيه ماله.
مي: مودع استأجر بيتا في مصر أودع فيه وأحرزها فيه وسافر وتركها فيه لم يضمن.
صع: تختم بخاتم الوديعة قيل ضمن في الخنصر والبنصر لا في غيرهما، وبه يفتى. وقيل ضمن
في الخنصر لا في غيره يماثله المرتهن. وتضمن المرأة مطلقا لأنه استعمال منها. خلاصة في الأقضية.
ادعى وكالة بقبض دين أو وديعة فأقر المطلوب ففي الدين يؤمر بدفعه إليه، وفي العين لا يؤمر
في ظاهر الرواية. وذكر في محل آخر من الخلاصة في الفرق بينهما أن إقراره في الدين لا في ملك
نفسه. وفي الوديعة لا في ملك غيره ا ه‍. فلو أقر بالوكالة وأنكر المال لا يصير خصما، ولا تقبل البينة
على المال إلا أن تقع البينة على الوكالة أو لم يثبت كونه خصما بإقرار المطلوب لأنه ليس بحجة في حق
الطالب، وإن أقر بالمال وأنكر الوكالة لا يحلف الوكيل المطلوب على العلم بوكالته، إذا الحلف يترتب
على دعوى صحيحه ولم تصح، إذ لم تثبت وكالته فلم يصر خصما إلا إذا قامت البينة على الوكالة،
والمال يقبل عند أبي حنيفة بناء على أن وكيل قبض الدين يملك الخصومة عنده.
هد: لا يؤمر بدفع الوديعة إلى الوكيل بقبضها لو صدقه إذا أقر بمال الغير، بخلاف الدين.
قن: عن محمد لو صدقه يجبر بدفع عين كدين غر: وكذا عند أبي يوسف.
حشجي: لو صدقه أو كذبه أو سكت لا يجبر بدفع الوديعة، ولو دفعها لا يسترد، فلو حضر
ربها وكذبه في الوكالة لا يرجع المودع على الوكيل لو صدقه ولم يشترط عليه الضمان، وإلا رجع بعينه
لو قائما وبقيمته لو هالكا.

518
قال صاحب جامع الفصولين: أقول لو صدقه ودفعه بلا شرط ينبغي أن يرجع على الوكيل لو
قائما إذ غرضه لم يحصل فله نقض قبضه على قياس ما مر عن الهداية من أن المديون يرجع بما دفعه إلى
وكيل صدقه لو باقيا، كذا هذا.
شجع: لو لم يؤمر بدفع الوديعة ولم يسلمها فتلفت، قيل لا يضمن وكان ينبغي أن يضمن، إذ
المنع من الوكيل بزعمه كمنعه من المودع، ولو سلمه إلى الوكيل لا يسترد لأنه سعى في نقض ما فعله
ذخيرة.
وكل زيدا الغائب بقبض وديعة فقبضها زيد قبل أن يبلغه ذلك فتلف يخير المالك ضمن زيدا أو
الدافع، ولو علم الدافع بالتوكيل لا زيد برئا إذ للمودع أن يدفعه.
يقول الحقير: الظاهر أنه يبرأ الدافع لا زيد لكونه قبضه حين قبض فضولا، والله تعالى أعلم.
عن: وكله بقبض الوديعة في اليوم فله قبضه غدا، ولو وكله بقبضه غدا لا يملك قبضه اليوم إذ
ذكر اليوم للتعجيل فكأنه قال أنت وكيلي به الساعة فإذا ثبت وكالته الساعة دامت ضرورة، ولا يلزم
من وكالة الغد وكالة اليوم لا صريحا ولا دلالة، وكذا لو قال اقبضه الساعة بدونهم فله قبضه بعدها،
ولو قال اقبضه بمحضر من فلان فقبضه بغيبته جاز.
قال اقبضه بشهود فله قبضه، بخلاف قوله لا تقبضه إلا بمحضر منه حيث لا يملك قبضه إذ
نهى عن القبض واستثنى قبضا بمحضر منه ا ه‍. ما في نور العين.
وفي الهندية: من ترك باب حانوته مفتوحا فقام واحد ثم واحد فضمان ما ضاع على آخرهم.
كذا في الملتقط.
رجل في يده ثوب قال له رجل أعطني هذا الثوب فأعطاه إياه كان هذا على الوديعة. كذا في
الظهيرية.
سئل ابن الفضل عمن دفع جواهر إلى رجل ليبيعها فقال القابض أنا أريها تاجرا لأعرف قيمتها
فضاعت الجواهر قبل أن يريها، قال: إن ضاعت أو سقطت بحركته ضمن، وإن سرقت منه أو سقطت
لمزاحمة أصابته من غيره لم يضمن. كذا في الحاوي للفتاوى.
دفع إلى مراهق قمقمة ليسقي الماء فتغافل عنها فضاعت لا يضمن. كذا في القنية.
قال خلف: سألت أسدا عمن له على آخر درهم فدفع المطلوب إلى الطالب درهمين أو درهما ثم
درهما وقال خذ درهمك فضاع الدرهمان قبل أن يعين درهما قال: هلك على المطلوب وللطالب درهمه.
ولو قال له حين دفع إليه الدرهم الأول: هذا حقك فهو مستوف ولا ضمان عليه للدرهم
الآخر، كذا في التتارخانية.
صبي يعقل البيع والشراء محجور عليه أودعه رجل ألف درهم فأدرك ومات ولم يدر ما حال
الوديعة فلا ضمان في ماله إلا أن يشهد الشهود أنه أدرك وهي في يده فحينئذ يضمن بالموت عن
تجهيل. كذا في الظهيرية. والحكم في المعتوه نظير الحكم في الصبي إذا أفاق ثم مات ولم يدر ما حال
الوديعة لا ضمان في ماله إلا أن يشهد الشهود أنه أفاق وهي في يده وإن كان الصبي مأذونا له في

519
التجارة والمسألة بحالها، فهو ضامن للوديعة وإن لم تشهد الشهود أنه أدرك وهي في يده، وكذا الحكم
في المعتوه إذا كان مأذونا له في التجارة كذا في الذخيرة.
إذا قال المستودع للمودع وهبت لي الوديعة أو بعتها مني وأنكر رب الوديعة ثم هلكت لا يضمن
المودع. كذا في الخلاصة.
سئل عمن أودع عند آخر أواني صفر ثم استردها بعد زمان فرد عليه ستة فقال المالك كانت سبعة
فأين السابع فقال لا أدري أودعتني ستة أو سبعة ولا أدري ضاعت أو لم تكن عندي، وتارة يقول لا
أدري هل جاءني من عندك رسول فاستردها وحملها إليك أم لا هل يضمن؟ قال لا، لأنه لم يقر
بإضاعته فلا يتناقض كذا في فتاوى النسفي.
رجل استقرض من رجل خمسين درهما فأعطاه غلطا ستين فأخذ العشرة ليردها فهلكت في
الطريق يضمن خمسة أسداس العشرة لان ذلك القدر قرض والباقي وديعة. وكذا في السراج الوهاج
وهو الأصح. هكذا في التتارخانية. وكذا لو هلك الباقي يضمن خمسة أسداسه. كذا في فتاوى
قاضيخان.
له على آخر خمسون فاستوفى غلطا ستين فلما علم أخذ عشرة للرد فهلكت يضمن خمسة أسداس
العشرة لان ذلك قبض والباقي أمانة. كذا في الوجيز للكردري.
رجل له على رجل ألف درهم دين فأعطاه ألفين وقال ألف منهما قضاء من حقك وألف يكون
وديعة فقبضها وضاعت قال هو قابض حقه ولا يضمن شيئا كذا في المحيط.
أودعه بقرة وقال إن أرسلت ثيرانك إلى المرعى للعلف فاذهب ببقرتي أيضا فذهب بها دون ثيرانه
فضاعت لا يضمن. كذا في القنية.
أودع شاة فدفعها مع غنمه إلى الراعي للحفظ فسرقت الغنم يضمن إذا لم يكن الراعي خاصا
للمودع. كذا في القنية.
الوديعة إذا كانت قراما فأخذها المودع وصعد بها السطح وتستر بها فهبت بها الريح وأعادتها إلى
المكان الذي كانت فيه من البيت لا يبرأ عن الضمان لأنه لم يوجد منه القصد إلى ترك التعدي. كذا في
خزانة المفتين.
في فتاوى النسفي: طحان خرج من الطاحونة لينظر الماء فسرقت الحنطة ضمن إن ترك الباب
مفتوحا وبعد من الطاحونة. كذا في الخلاصة، بخلاف مسألة الخان، وهي: خان فيها منازل ولكل
منزل مقفل فخرج وترك الباب مفتوحا فجاء سارق وأخذ شيئا لا يضمن، كذا في الوجيز للكردري.
قال المودع للمالك أنا ذاهب إلى المزرعة وأريد أن أضع وديعتك في بيت جاري فقال له
المالك ضعها فوضعها وذهب إلى المزرعة ورجع فأخذها من الجار وجاء إلى بيته ووضعها ثمة فضاعت
من داره هل يضمن المودع الأول أم لا؟ ينبغي الضمان. كذا في الذخيرة معربا عن عبارة فارسية.
ولو كان عنده كتاب وديعة فوجد فيه خطأ يكره أن يصلحه إذا كره ذلك صاحبه في الملتقط
انتهى.

520
أقول: وهذا بخلاف إصلاح غلط المصحف إذا كان بخط يناسب فإنه يجب حينئذ كما يأتي في
آخر العارية.
وفي الهندية: أودع عند رجل صك ضيعة والصك ليس باسمه ثم جاء الذي الصك باسمه
وادعى تلك الضيعة والشهود الذين بذلوا خطوطهم أبوا أن يشهدوا حتى يروا خطوطهم فالقاضي يأمر
المودع حتى يريهم الصك ليروا خطوطهم ولا يدفع الصك إلى المدعي، وعليه الفتوى. كذا في الفتاوى
العتابية.
دفع إلى رجل مالا لينثره على العرس، فإن كان المدفوع دراهم ليس له أن يحبس لنفسه شيئا ولو
نثره بنفسه ليس له أن يلتقط منه كذا في محيط السرخسي، وكذا ليس له أن يدفع إلى غيره لينثره. كذا
في السراج الوهاج. ومثل المال السكر. كذا في الغياثية.
وسئل عن أمة اشترت سوارين بمال اكتسبته في بيت مولاها فأودعتهما امرأة فقبضت تلك المرأة
ولم يكن ذلك بإذن مولى الجارية فهكلت الوديعة هل تضمن فقال نعم، لان ذلك ملك المولى ولا
إيداع بغير إذن فصارت غاصبة كذا في الفتاوى النسفية، انتهى ما في الهندية، والله تعالى أعلم،
وأستغفر الله العظيم.

521
كتاب العارية مشروعيتها بالكتاب، وهو قوله تعالى: * (ويمنعون الماعون) * (الماعون: 7) والماعون: ما
يتعاورونه في العادة، وقيل الزكاة، فقد ذم الله تعالى على منع الماعون وهو عدم إعارته
فتكون إعارته محمودة. وبالسنة: وهي ما روى البخاري أنه عليه الصلاة والسلام استعار من أبي طلحة فرسا يسمى
المندوب فركبه حين كان فزع في المدينة، فلما رجع قال: ما رأينا من شئ وإن وجدناه لبحرا
وبالاجماع فإن الأمة أجمعت على جوازها، وإنما اختلفوا في كونها مستحبة، وهو قول الأكثرين أو
واجبة وهو قول البعض انتهى شمني. قوله: (لان فيها تمليكا) أي وإيداعا فتكون من الوديعة بمنزلة
المفرد من المركب والمركب مؤخر عن المفرد، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما قدمنا في الوديعة من أنه
من باب الترقي، والأنسب في التركيب أن يقول ذكرها بعد الوديعة لاشتراكهما في الأمانة وأخرها
لان فيها تمليكا. قوله: (النيابة عن الله تعالى في إجابة المضطر) أي إن المستعير مضطر وقال تعالى:
* () * (النمل: 26) وقد أغاثه المعير فكأنه نائب عن الله تعالى في إغاثته، وإن
كان فعل المعير من الله تعالى فلا نيابة في الحقيقة ففاعلها قد تخلق بهذا الخلق، وورد تخلفوا بأخلاق
الله. قوله: (لأنها لا تكون إلا لمحتاج) أي غالبا. قوله: (والقرض بثمانية عشر) حقق بعضهم أن
ثواب الصدقة أكثر، وأن إفرادها أكثر كيفا وإن كانت في القرض أكثر كما قال المناوي نقلا عن
الطيبي: القرض اسم مصدر والمصدر بالحقيقة الاقراض، ويجوز كونه بمعنى المقروض. قال البلقيني:
فيه أي في الحديث أن درهم القرض بدرهمي صدقة، لكن الصدقة لم يعد منها شئ والقرض عاد منه
درهم فسقط مقابله وبقي ثمانية عشر، ومن ثم لو أبرأ منه كان عشرون ثوابا بالأصل، وهذا الحديث
يعارضه حديث ابن حبان من أقرض درهما مرتين كان له كأجر صدقة مرة وجمع بعضهم بأن القرض
أفضل من الصدقة ابتداء، فامتيازه عنها يصون وجه من لم يعتد السؤال، وهي أفضل انتهاء لما فيها من
عدم رد المقابل. وعند تقابل الخصوصيتين ترجح الثانية باعتبار الأثر المترتب.
والحق أن ذلك يختلف باختلاف الاشخاص والأحوال والأزمان، وعليه ينزل الأحاديث
المتعارضة ا ه‍ ط. قوله: (مشددة) كأنها منسوبة إلى العار، لان طلبها عار وعيب صحاح. ورده في
النهاية بأنه (ص) باشر الاستعارة، فلو كان العار في طلبها لما باشرها، وعول على ما في المغرب من أنها
اسم من الإعارة وأخذها من العار العيب خطأ ا ه‍. ومثله في معراج الدراية. وذكر في البدرية أنه
يحتمل أن تكون العارية اسما موضوعا لا نسبيا كالكرسي والدردي نظيره كعيت وكميت صيغة تصغير
وليس بتصغير.
وفي المبسوط: قيل العارية مشتقة من التعاور وهو التناوب كأنه يجعل للغير نوبة في الانتفاع
بملكه على أن تعود النوبة إليه بالاسترداد متى شاء، ولهذا كانت الإعارة في المكيل والموزون قرضا لأنه
لا ينتفع به إلا بالاستهلاك فلا تعود النوبة إليه في عنيه ليكون إعارة حقيقة وإنما تعود النوبة إليه في

522
مثله، وما يملك الانسان الانتفاع به على أن يكون مثله مضمونا عليه يكون قرضا انتهى. ومثله في
الكافي. قوله: (وتخفف) قال الجوهري وقد تخفف منسوبة إلى العار. ورده الراغب بأن العار يائي
والعارية واوي وبالمشتقات يقال استعاره منه واستعار الشئ على حذف من قوله: (إعارة الشئ
قاموس) قال في المنح عنه: إعارة الشئ وأعاره منه وعاوره إياه وتعور واستعار: طلبها، واعتوروا
الشئ وتعوروه: تداولوه ا ه‍. وفي المبسوط أنها من العرية تمليك الثمار بلا عوض، ورده المطرذي لأنه
يقال استعاره منه فأعاره واستعاره الشئ على حذف من، والصواب أن المنسوب إليه العارة اسم من
الإعارة، ويجوز أن يكون من التعاور التناوب. قهستاني. قوله: (تمليك المنافع) أشار به إلى رد ما قاله
الكرخي من أنها إباحة نفع، وما في المتن مختار أبي بكر الرازي وهو الصحيح، وهو قول عامة أصحابنا
كما في الهندية عن السراج وعليه المتون وأكثر الشروح، ويشهد لما في المتن كثير من الاحكام من
انعقادها بلفظ التمليك وجواز أن يعير مالا يختلف بالمستعمل، ولو كان إباحة لما جاز لان المباح له ليس
له أن يبيح لغيره كالمباح له الطعام ليس له أن يبيح لغيره، وانعقادها بلفظ الإباحة لأنه استعير للتمليك
كما في البحر وإنما لا يفسد هذا التمليك الجهالة لكونها لا تفضي إلى المنازعة لعدم لزومها. كذا قال
الشارحون، والمراد بالجهالة جهالة المنافع المملكة لا جهالة العين المستعارة بدليل ما في الخلاصة: لو
استعار من آخر حمارا فقال ذلك الرجل لي حماران في الاصطبل فخذ أحدهما واذهب به يضمن إذا
هلك، ولو قال له خذ أحدهما أيهما شئت لا يضمن كما في المنح. قوله: (مجانا) أي بلا عوض. قال
في القاموس: المجان ما كان بلا بدل. قوله: (لزوم الايجاب والقبول ولو فعلا) أي كالتعاطي كما في
القهستاني وهذا مبالغة على القبول. وأما الايجاب فلا يصح به، وعليه يتفرع ما سيأتي قريبا من قول
المولى خذه واستخدمه، والظاهر أن هذا هو المراد بما نقل عن الهندية ركنها الايجاب من المعير. وأما
القبول من المستعير فليس بشرط عند أصحابنا الثلاثة ا ه‍. أي القبول صريحا غير شرط، بخلاف
الايجاب، ولهذا قال في التتارخانية: إن الإعارة لا تثبت بالسكوت ا ه‍. وإلا لزم أن لا يكون أخذها
قبولا. قوله: (وحكمها كونه أمانة) فإن هلكت من غير تعد لم يضمن، وإن تعدى ضمن بالاجماع
ولو شرط الضمان في العارية هل يصح. فالمشايخ مختلفون فيه.
وفي خلاصة الفتاوى: رجل قال لآخر أعرني فإن ضاع فأنا له ضامن قال لا يضمن. هندية عن
غاية البيان، ومثله في الأنقروي عن المضمرات، قوله: (قابلية المستعار) أي يمكن الانتفاع بالمعار مع
بقاء عينه، فلو أعاره مكيلا أو موزونا لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه كان كناية عن القرض.
ولا يصح إعارة الأمة للوطئ ولا من تحت وصايته للخدمة لعدم قابلية المعار لذلك الانتفاع، لان
الإباحة لا تجري في الفروج، ولا يجوز التبرع بمنافع الصغير، ولم تجعل عارية الأمة نكاحا كما جعل
في عارية المكيل والموزون قرضا للمشاكلة بين القرض والعارية، لان كلا منهما تبرع غير لازم لصاحبه
أن يرجع به متى شاء والنكاح لازم فلا ينعقد بلفظ ما يدل على اللزوم، ومن لازم النكاح البدل وهو
المهر. وشرط العارية عدم ذكر البدل.
قال في الهندية: ومن شرائطها العقل، فلا تصح الإعارة من المجنون والصبي الذي لا يعقل.
وأما البلوغ فليس بشرط حتى تصح الإعارة من الصبي المأذون. ومنها القبض من المستعير، ومنها أن

523
يكون المستعار مما يمكن الانتفاع به بدون استهلاكه، فإن لم يكن فلا تصح إعارة. كذا في البدائع.
قال الحاكم الشهيد في الكافي: وعارية الدراهم والدنانير والفلوس قرض، وكذلك كل ما يكال
أو يوزن أو يعد عدا مثل الجوز والبيض وكذلك الأقطان والصوف والإبريسم والكافور وسائر متاع
العطر، والصنادلة التي لا تقع الإجارة على منافعها قرض وهذا إذا أطلق العارية، أما إذا بين الجهة كما
إذا استعار الدراهم أو الدنانير ليعاير بها ميزانا أو يزين بها دكانا أو يتجمل بها أو غير ذلك مما لا ينقلب
به عينه لا يكون قرضا بل يكون عارية تملك بها المنفعة المسماة دون غيرها، ولا يجوز له الانتفاع بها
على وجه آخر غير ما سماه. كذا في غاية البيان.
إذا استعار آنية يتجمل بها أو سيفا محلى أو سكينا محلى أو منطقة مفضضة، أو خاتما لم يكن شئ
من هذا قرضا هكذا في الكافي.
ولو قال لآخر أعرتك هذه القصعة من الثريد فأخذها وأكلها عليه مثلها أو قيمتها وهو قرض،
إلا إذا كان بينهما مباسطة حتى يكون ذلك دلالة الإباحة. كذا في الخلاصة.
ويأتي في كلام الشارح في أثناء الكتاب عن الصيرفية في العيون: استعار من آخر رقعة يرقع بها
قميصه أو خشبة يدخلها في بنائه أو آجرة فهو ضامن لان هذا ليس بعارية بل هو قرض، وهذا إذا لم
يقل لأردها عليك، أما إذا قال لأردها عليك فهو عارية. كذا في المحيط انتهى. قوله: (لأنها تصير
إجارة) الأولى لأنها تصير به إجارة، وقد نصوا أن الإجارة تنعقد بلفظ الإعارة. قوله: (وصرح في
العمادية الخ) أشار إلى إيراد وجواب، وهو أن العارية إذا كانت تمليك المنفعة فكيف يصح إعارة المشاع
فإنه مجهول العين، فأشار إلى الجواب بأن الجهالة المانعة من التمليك الجهالة المفضية إلى المنازعة وجهالة
العين لا تفضي إليه، ولذا جاز بيع المشاع وإيداعه.
وقد نقل في البحر أن الذي لا يضر في العارية جهالة المنافع. أما جهالة العين فمضرة إذا كانت
تفضي إلى المنازعة، لما في الخلاصة: لو استعار من آخر حمارا فقال ذلك الرجل لي حماران في
الاصطبل فخذ أحدهما واذهب فأخذ أحدهما وذهب به يضمن إذا هلك ا ه‍. وقدمنا تمامه قريبا.
وفي العناية من الهبة: وعقد التمليك يصح في المشاع وغيره كالبيع بأنواعه: يعني الصحيح
والفاسد والصرف والسلم، فإن الشيوع لا يمنع تمام القبض في هذه العقود بالاجماع. قوله: (وبيعه)
وكذا إقراضه كما مر، وكذا إيجاره من الشريك لا الأجنبي، وكذا وقفه عند أبي يوسف خلافا لمحمد
فيما يحتمل القسمة، وإلا فجائز اتفاقا وأفتى الكثير بقول محمد، واختار مشايخ بلخ قول أبي يوسف.
وأما وديعته فجائزة وتكون مع الشريك. وأما قرضه فجائز كما إذا دفع إليه ألفا وقال خمسمائة قرض
وخمسمائة شركة. كذا في النهاية هنا. وأما غصبه فمتصور. قال البزازي: وعليه الفتوى، وذكر له في
الفصول صورا: وأما صدقته فكهبته فإنها لا تجوز في مشاع يقسم إلا إذا تصدق بالكل على اثنين فإنه
يجوز على الأصح. وتمامه في أوائل هبة البحر، ويأتي إن شاء الله تعالى. قوله: (لا تفضي للجهالة) كذا
في بعض النسخ وفي بعضها للمنازعة وهي أولى. وفي المقدسي ما يفيد رد هذا التعليل حيث قال:
وشرطها تعيين المستعار، حتى لو قال لي حماران في الاصطبل إلى آخر ما قدمناه عن الخلاصة قوله:

524
(لعدم لزومها) لا حاجة إليه إذ جهالة عين المشاع لا تمنع في اللزوم أيضا ولذا جاز بيعه مع أن البيع
لازم.
والحاصل: أن إعارة المشاع تصح كيفما كان أي في الذي يحتمل القسمة أو لا يحتملها من شريك
أو أجنبي، وكذا إعارة الشئ من اثنين أجمل أو فصل بالتنصيف أو بالأثلاث كما في القنية. قوله:
(وقالوا علف الدابة على المستعير) لان نفعه له فنفقته عليه. قوله: (وكذا نفقة العبد) أي مطلقة كانت
أو مؤقتة كما في المنح. قوله: أما كسوته فعلى المعير لان العارية غير لازمة، وللمعير الرجوع عنها
في كل حين فكان زمنها غير مستطيل عادة، والكسوة تكون في الزمان المستطيل، ألا يرى أنه شرط
في ثوب الكسوة في كفارة اليمين أن يمكن بقاؤه ثلاثة أشهر فصاعدا، والمنافع تحدث في كل آن
وتتجدد في آن غير آن، وبقاؤه غير لازم وإن ذكر لها مدة، فلو لزمت العارية بقدرها لخرجت عن
موضوعها، ولو صح رجوعه لتضرر المستعير بذهاب كسوته من غير حصول انتفاعه. قوله:
(وهذا) يعني إنما يكون تمليك منافع العبد عارية، ونفقته على المستعير لو قال له أعطني عبدك ليخدمني
أو أعرني عبدك، أما لو قال المالك خذه واستخدمه كان إيداعا مأذونا بالانتفاع به، والعبد وديعة فنفقته
على المودع كما في الهندية والبزازية وغيرهما. قوله: (لأنه وديعة) الأقرب أنه إباحة للانتفاع، إذ لو
كان وديعة لما جاز له الانتفاع بها. أو يقال إنها وديعة أباح له المالك الانتفاع بها.
وفي الهندية عن القنية: دفعت لك هذا الحمار لتستعمله وتعلفه من عندك عارية ا ه‍. قوله
(لأنه صريح) أي حقيقة.
قال قاضي زاده: الصريح عند علماء الأصول ما انكشف المراد منه في نفسه فيتناول الحقيقة
الغير المهجورة والمجاز المتعارف ا ه‍. فالأول أعرتك والثاني أطعمتك أرضي. قوله: (أي غلتها) قال في
البحر: لان الاطعام إذا أضيف إلى ما لا يؤكل عينه يراد به ما يستغل منه مجازا لأنه محله ا ه‍. ولو قال
أطعمتك هذا الجزور فهو عارية إلا أن يريد الهبة. هندية. وهذا يفيد تقييد الأرض بما إذا كان فيها
غلة وإلا فلا صحة لهذا التركيب. وفيه أن المراد أنه أعارها له ليزرعها، فإنه إذا عبر بالاطعام اختصت
عاريتها بالانتفاع بزراعتها فلا يبني ولا يغرس كما سيأتي آخر الكتاب، فقوله أي غلتها أي إنك
تزرعها وتستغلها. قوله: (لأنه صريح مجازا الخ) عبارة العيني والدرر: لان الاطعام إذا أضيف إلى ما
لا يطعم كالأرض يراد به غلتها إطلاقا لاسم المحل على الحال.
وحاصله: أن الصريح ما لا يحتمل غيره، وهو يكون حقيقة ومجازا لان المعتبر فيه قرينة مانعة من
المعنى الحقيقي فلذلك كان صريحا لا يحتمل غيره، بخلاف الكناية فإنها لا يعتبر معها قرينة قوله:
(ومنحتك) أصله أن يعطي الرجل ناقة أو شاة ليشرب لبنها ثم يردها إذا ذهب درها ثم كثر ذلك،
حتى قيل في كل من أعطى شيئا منحتك، وإذا أراد به الهبة أفاد ملك العين وإلا بقي على أصل وضعه

525
ا ه‍. زيلعي قوله: (ثوبي أو جاريتي هذه) أتى باسم الإشارة ولم يكتف بإضافة الثوب والجارية إلى
نفسه، لأنه لا يلزم من الإضافة إليه أن يكون الثوب أو الجارية معينا لاحتمال أن يكون له أكثر من
ثوب وجارية لأنه يشترط عدم جهالة العين المستعارة كما سبق، وحينئذ سقط قول السيد الحموي:
ينظر ما الداعي إلى إقحام اسم الإشارة في هذا وما بعده، وهلا أغنت الإضافة إلى نفسه عن ذلك
قوله: (لأنه صريح) هذا ظاهر في منحتك، أما حملتك فقال الزيلعي: إنه مستعمل فيهما. يقال حمل
فلان فلانا على دابته يراد به الهبة تارة والعارية أخرى، فإذا نوى إحداهما صحت نيته، وإن لم تكن له
نية حمل على الأدنى كي لا يلزمه الاعلى بالشك. ا ه‍. وهذا يدل على أنه مشترك بينهما، لكن إنما أريد
به العارية عند التجرد عن النية لئلا يلزمه الاعلى بالشك ط.
وفي الكافي للنسفي: وقوله في الهداية ومنحتك هذا الثوب وحملتك على هذه الدابة. إذا لم يرد به
الهبة لأنهما لتمليك العين، وعند إرادته الهبة يحمل على تمليك المنافع تجوزا مشكل من وجوه
: أحدها: قوله إذا لم يرد به الهبة، وكان ينبغي أن يقول إذا لم يرد بها بدليل التعليل. ويمكن أن
يجاب عنه بأن الضمير يرجع إلى المذكور كقوله تعالى: * ((2) عوان بين ذلك) * (البقرة: 86).
وثانيها: أنه جعل هذين اللفظين حقيقة لتمليك العين ومجازا لتمليك المنفعة، ثم ذكر في كتاب
الهبة في بيان ألفاظها وحملتك على هذه الدابة إذا نوى بالحمل الهبة، وعلل بأن الحمل هو الارتكاب
حقيقة فيكون عارية لكنه يحتمل الهبة.
وثالثها: أنهما لما كانا لتمليك العين حقيقة والحقيقة تراد باللفظ بلا نية، فعند عدم إرادة الهبة لا
يحمل على تمليك المنفعة بل على الهبة.
وفي المستصفى شرح النافع: قلنا جاز أن يكون لتمليك العين حقيقة ولتمليك المنفعة مجازا، وإلى
هذا مال صاحب الهداية في كتاب العارية، ويكون التقدير: إذا لم يرد به الهبة وأراد به العارية: أي
لأنه إذا لم يرد به الهبة وأراد به العارية: أي لأنه إذا لم يرد الحقيقة لا يصار إلى المجاز إلا عند إرادته،
ويحتمل أن يكونا بالعكس، وإليه أشار فخر الاسلام في مبسوطه وصاحب الهداية في كتاب الهبة،
ويكون قوله إذا لم يرد به الهبة للتأكيد: أي لان مطلق الكلام محمول على العارية فليس المراد به
التقييد، ويحتمل أن يكون المعنيان حقيقة لهما، وإنما ترجح أحدهما لأنه أدنى الامرين فيحمل عليه
للتيقن اه‍. كذا في الكفاية موضحا. قوله: (بها) أي بالنية لان هذا اللفظ مستعمل فيها. يقال حمل
فلان فلانا على دابته يراد به الهبة تارة والعارية أخرى، فإذا نوى إحداهما صحت نيته، وإن لم يكن له
نية حمل على الأدنى. زيلعي. وأما منحتك فقد علمت أنه كذلك لان معناه إذا لم يرد به الهبة العارية
لان المنح لتمليك العين عرفا. وعند عدم إرادته يحمل على تمليك المنافع، وإن أراد به الهبة أفاد ملك
العين وإلا بقي على أصل وضعه. قوله: (أي مجازا) لا دليل في الثاني عليه لأنه لا يثبت أحدهما إلا
بالنية وهي القرينة الحالية. قوله: (وأخدمتك عبدي) إنما كان عارية لأنه أذن له في الاستخدام عيني
وهو كحملتك على دابتي صريح في العارية كناية في الهبة، وكان الأولى إقحام اسم الإشارة هنا وفيما
بعده كما في الدرر للوجه الذي ذكرناه. قوله: (شهرا مجانا) أي بلا عوض، وكذا لو لم يقل شهرا

526
وجعله عارية أحد قولين. وقيل لا يكون عارية وظاهر الهندية اعتماده، ومثله في البحر عن الخانية:
أي بل إجارة فاسدة، وقد قيل بخلافه. تتارخانية. وينبغي هذا لأنه إذا لم يصرح بالمدة ولا بالعوض
فأولى أن يكون إعارة من جعله إعارة مع التصريح بالمدة دون العوض. كذا أفاده شيخ سيدي الوالد
رحمه الله تعالى.
ونقل الرملي في حاشية البحر عن إجارة البزازية: لا تنعقد الإعارة بالإجارة، حتى لو قال
أجرتك منافعها سنة بلا عوض تكون إجارة فاسدة لا عارية اه‍. فتأمله مع هذا، وسيأتي في أول
الإجارة اه‍. قوله: (وداري لك إلخ) لان قوله داري لك وإن كان لتمليك العين ظاهرا فهل يحتمل
تمليك المنفعة، وقوله سكني محكم في العارية فحملنا المحتمل على المحكم. حموي. قوله: (تمييز) أي
عن النسبة إلى المخاطب: أي ملكتها لك سكنى، وهذا أولى مما في المغرب والقهستاني من أنه حال.
نعم يجوز أن يكون خبرا ولك متعلق به أو بالنسبة بين المبتدأ والخبر كما في قوله تعالى: * (إن الدين
عند الله الاسلام) * (آل عمران: 91) حموي عن الحفيد على صدر الشريعة. قوله: (أي بطريق السكنى)
أي نسبة داري له بطريق سكناها لا تمليك عينها وهو حقيقة العارية. قوله: (مفعول مطلق) أو ظرف:
أي مدة عمرك. قهستاني: وهو ما أشار إليه الشارح بعد، وهو وجه آخر لكنه مزج احتمالا باحتمال.
قوله: (تمييزه) أي تمييز عمري. قال الزيلعي: لان قوله داري لك يحتمل أن يكون له رقبتها، ويحتمل
أن يكون له منفعتها، ولو قال هي لك لتسكنها كان تمليكا للدار لأنه أضاف التمليك إلى رقبة الدار،
وقوله لتسكنها مشورة فلا يتغير به قضية العقد اه‍. إتقاني. قوله: (يرجع المعير متى شاء) لقوله عليه
الصلاة والسلام: المنحة مردودة والعارية مؤداة ووجه الاستدلال ظاهر، وفيه تعميم بعد
التخصيص، لما عرف أن المنحة عارية خاصة عناية، ولأن المنافع تحدث شيئا فشيئا ويثبت الملك فيها
بحسب حدوثها فرجوعه امتناع عن تمليك ما لم يحدث وله ذلك. زيلعي. قوله: (ولو مؤقتة) لكن
يكره قبل تمام الوقت لان فيه خلف الوعد. ابن كمال.
أقول: من هنا تعلم أن خلف الوعد مكروه لا حرام. وفي الذخيرة: يكره تنزيها لأنه خلف
الوعد. ويستحب الوفاء بالعهد لكن استظهر العلامة أبو السعود كراهة التحريم، ووفق شيخه بحمل
ما في الذخيرة ومن نحا نحوها بأن الكراهة للتنزيه على ما إذا وعد وكان من نيته الوفاء ثم طرأ الخلف
فلا مخالفة اه‍.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: لا يلزم الوفاء بالوعد شرعا، والمسألة في الأشباه من الحظر
والإباحة وتفصيلها في حواشيه.
قال في الهندية: وأما أنواعها فأربعة:
أحدها: أن تكون مطلقة في الوقت والانتفاع. وحكمه أن للمستعير أن ينتفع بها بأي نوع شاء
وأي وقت شاء.
والثاني: أن تكون مقيدة فيهما، فلا يتجاوز ما سماه المعير إلا إذا كان خلافا إلى خير.

527
الثالث: أن تكون مقيدة في حق الوقت مطلقة في الانتفاع.
والرابع: عكسه، فلا يتعدى ما سماه له المعير. هكذا في السراج الوهاج.
وفي فتاوى القاضي ظهير الدين: إذا كانت العارية مؤقتة بوقت فأمسكها بعد الوقت فهو
ضامن، ويستوي فيه أن تكون العارية مؤقتة نصا أو دلالة، حتى أن من استعار قدوما ليكسر الحطب
فكسره وأمسك حتى هلك يضمن ا ه‍.
وفي البزازية: من الرابع من العارية: استعار قدرا لغسل الثياب ولم يسلمه حتى سرق ليلا
ضمن.
وفي جامع الفصولين: العارية لو مؤقتة فأمسكها بعد الوقت مع إمكان الرد ضمن، وإن لم
يستعملها بعد الوقت هو المختار.
وفي الحامدية: والمكث المعتاد عفو، وانظر ما يأتي عند قول المصنف فلو كانت مؤقتة فأمسكها
بعده فهلكت ضمنها ا ه‍. وانظر ما سنكتبه ثمة إن شاء الله تعالى، والقول في إطلاق العارية وتقييدها
قول المعير. قوله: (أو فيه ضرر) يعني في رجوع المعير على المستعير. قوله: (فتبطل) أي بالرجوع.
قوله: (كمن استعار أمة لترضع ولده) قيد بالأمة لان الحرة لا تستعار، وعلل المسألة في العدة بأن
المعروف عرفا كالمشروط شرطا ا ه‍.
قال في الخانية: رجل استعار من رجل أمة لترضع ابنا له فأرضعته فلما صار الصبي لا يأخذ إلا
ثديها قال المعير: أردد علي خادمي، قال أبو يوسف: ليس له ذلك: أي طلب الرد، وله أجر مثل
خادمه إلى أن يفطم الصبي ا ه‍. قوله: (فله أجر المثل) أي للمعير، والأولى فعليه أي فعلى المستعير.
قوله: (إلى الفطام) ومثله ما لو استعار دابة ليغزو عليها فطلبها بعد أن وصل إلى دار الشرك ولا يجد
دابة يكتريها أو يشتريها في ذلك المحل بطلت العارية ولكنها تبقى في يده بأجر المثل إلى أن يجد كراء أو
شراء. كذا في المنح. وينبغي أن يلحق بدار الحرب ما لو طلبها منه في المفازة، ويراد بقوله إلى موضع
يجد فيه كراء أو شراء: أي بثمن وأجر المثل، حتى لو كان في مكان أو وصل إليه وطلب أزيد من أجر
المثل أو ثمن المثل في الشراء ينبغي أن لا يكلف، وكذا لو وجد بثمن وأجر المثل لكن لم يوجد معه ثمة
ما يشتري به أو يستأجر ولا يعطونه إلا حالا، فليراجع. قوله: وتمامه في الأشباه حيث ذكر مسألتين
فيها فقال: لو رجع في فرس الغازي قبل المدة في مكان لا يقدر على الشراء والكراء فله أجر المثل.
وفيما إذا استعار أرضا للزراعة وزرعها لم تؤخذ منه حتى يحصد ولو لم يؤقت وتترك بأجر المثل ا ه‍.
وعزا ذلك للخانية. وعبارتها: كان للمستعير أن لا يدفعه إليه، لأنه ضرر بين، وعلى المستعير أجر
المثل من الموضع الذي طلب صاحبه إلى أدنى الموضع الذي يجد فيه شراء أو كراء ا ه‍. ومنه يعلم ما في
عبارة الأشباه من الايجاز البالغ حد الألغاز، وكذا في قوله إذا استعار أرضا إلى قوله وتترك بأجر المثل.
قال في الخانية: ولو أن رجلا أعار أرضا ليزرعها ووقت لذلك وقتا أو لم يوقف ولم يقارب
الحصاد له ذلك.
وفي الاستحسان: لا يكون له ذلك حتى يحصد الزرع، لان المستعير لم يكن مبطلا في الزراعة

528
فتترك الأرض في يده إلى الحصاد بالإجارة وتصير الإعارة إجارة ا ه‍. ومنه يعلم ما في كلام الأشباه من
الايجاز تأمل وسيأتي. قوله: (وفيها معزيا للقنية) لم أجده في القنية في هذا المحل.
وعبارة الأشباه: تلزم العارية فيما إذا استعار جدار غيره لوضع جذوعه ووضعها ثم باع المعير
الجدار فإن المشتري لا يتمكن من رفعها. وقيل لا بد من شرط ذلك وقت البيع. كذا في القنية. فكان
الأولى حذف نعم. قوله: (لوضع جذوعه) أو أرضا لحفر سرداب. قوله: (وقيل نعم) مثل المشتري
الوارث فيما ذكر، لكن للوارث أن يأمر برفع الجذوع والسرداب بكل حال ا ه‍ بيري: أي ولو مع
شرط القرار وقت وضع الجذوع أو وقت حفر السرداب، بخلاف المشتري حيث لا يتمكن من الرفع
مع هذا الشرط ا ه‍. أبو السعود. قوله: (إلا إذا شرطه وقت البيع) أي إذا شرط البائع بقاء الجذوع،
والوارث في هذا بمنزلة المشتري إلا أن للوارث أن يأمره برفع البناء على كل حال كما في الهندية،
ومنه يعلم أن من أذن لاحد ورثته ببناء محل في داره ثم مات فلباقي الورثة مطالبته برفعه إن لم تقع
القسمة أو لم يخرج في مقسمه.
وفي جامع الفصولين: استعار دارا فبنى فيها بلا أمر المالك أو قال له ابن لنفسك ثم باع الدار
بحقوقها يؤمر الباني بهدم بنائه، وإذا فرط في الرد بعد الطلب مع التمكن منه ضمن سائحاني. قوله:
(قلت وبالقيل جزم في الخلاصة) وكذا في الخانية كما قدمنا عبارته قبيل دعوى النسب، وأفتى به الخير
الرملي في فتاويه. قوله: (واعتمده محشيها في تنوير البصائر) قال فيها: ينبغي اعتماد القول بعدم
لزومها في الصورة المذكورة، وللمشتري المطالبة برفعها إلا إذا شرط قرارها وقت البيع لقولهم إن
العارية غير لازمة كما في الخلاصة والبزازية وغيرهما.
وقد جزم بذلك صاحب الخلاصة في الفرع المذكور فقال: وعلى هذا لو استأذن رجلا في وضع
الجذوع على الحائط أو حفر سردابا تحت داره ففعل ثم باع صاحب الدار داره فطلب المشتري رفع
الجذوع له ذلك وكذا السرداب، إلا إذا شرط وقت البيع قراره ومثله في جامع البزازي انتهى،
والمراد. بقوله: إلا إذا شرط: أي البائع، إذ لا يعتبر الشرط من المستعير، وفي صحة الاشتراط
من البائع نظر.
قال الشارح في باب البيع الفاسد: لو شرط أن يسكنها فلان أو أن يقرضه البائع أو المشتري كذا
فالأظهر الفساد. ذكره أخي زاده. وظاهر البحر ترجيح الصحة: أي فيما إذا كان الشرط فيه نفع
للأجنبي، فما اعتمده صاحب تنوير البصائر من اشتراط إبقاء الجذوع على الحائط وحفر السرداب عارية
أن يبقى ذلك في ملك المشتري بناء على ترجيح صاحب البحر من أن الشرط إذا كان للأجنبي لا يفسد
البيع. تأمل وراجع البحر في باب البيع الفاسد، فإن ظاهره لا يفسد البيع، ولا يلزم الشرط.
فالحاصل: أنه لو شرط ما فيه نفع للأجنبي، قال بعضهم: يفسد البيع وقال البعض: لا يفسد
ولا يلزم الشرط، بل يكون المشارط بالخيار: إما أن يمضي البيع ويترك الشرط، أو يفسخه، ولم يقل
أحد بلزوم الشرط، والقول بلزوم إبقاء الجذوع والسرداب مغاير للقولين. تأمل. وإنما قلنا وإبقاء

529
السرداب عارية، لأنه لو كان ملكه ذلك وباع الباقي صح ذلك وامتنع رجوعه لخروج العين عن ملك
المملك، فكذا المشتري لا يملك الرجوع، فليحرر. قوله: (ولم يتعقبه ابن المصنف) وكذا نقله السيد
الحموي وأقره. قوله: (ولا تضمن بالهلاك) ولو في حال الاستعمال، وهذا إذا لم يتبين أنها مستحقة
للغير، فإن ظهر استحقاقها ضمنها، ولا رجوع له على المعير، لأنه متبرع، وللمستحق أن يضمن
المعير، ولا رجوع له على المستعير، بخلاف المودع والحالة هذه حيث يرجع على المودع لأنه عامل له.
بحر. وإنما ضمنها حينئذ لأنه تبين أنها ليست بعارية، لان العارية تمليك المنفعة والتمليك إنما يكون
من المالك وهذا غصب لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه. أما إذا ضمن المالك المعير فإنه يملكها
بالضمان مستندا إلى حين الإعارة فتبين أنه أعار ملكه فلذا لا يرجع على المستعير لتحقق العارية حينئذ،
وهي لا تضمن، وإنما لا تضمن بالهلاك إذا كانت مطلقة، فلو مقيدة كأن يعيره يوما، فلو لم يردها
بعد مضيه ضمن إذا هلكت كما في شرح المجمع وهو المختار كما في العمادية انتهى.
قال في الشرنبلالية: سواء استعملها بعد الوقت أو لا. وذكر صاحب المحيط وشيخ الاسلام:
إنما يضمن إذا انتفع بعد مضي الوقت لأنه حينئذ يصير غاصبا. أبو السعود. قوله: (من غير تعد) أما
لو تعدى ضمن إجماعا كما لو كبحها باللجام أو دخل المسجد وتركها في السكة فهلكت أو استعارها
ليركبها فحبسها أو أخرجها ليسقيها في غير الجهة المعينة فهلكت، وكذا إذا استعار ثورا ليحرث أرضه
فقرنه بثور أعلى منه ولم تجر العادة بذلك فهلك، ولو تركه يرعى في المرج فضاع إن كانت العادة هكذا
فلا ضمان إن لم يعلم أو كانت العادة مشتركة ضمن.
ولو نام في المفازة ومقود الدابة في يده فسرقت: إن كان مضطجعا ضمن، وإن كان جالسا لا
يضمن، وهذا في غير السفر. أما في السفر لا يضمن بالنوم مطلقا إذا كان المستعار تحت رأسه أو
موضوعا بين يديه لا حواليه بحيث يعد حافظا عادة. بحر.
قال في جامع الفصولين: إذا استعار ثورا ليكرب أرضه فكرب أرضا أخرى يضمن إذا عطب،
وكذا لو قرنه بثور أعلى منه، كما إذا كان الثور المستعار قيمته خمسون وثور المستعير قيمته مائة يبرأ لو
كان الناس يفعلون مثل ذلك، وإلا ضمن.
أقول: ينبغي أن لا يضمن لو كرب مثل الأرض المعينة أو أرخى منها، كما لو استعار دابة
للحمل وسمى نوعا فخالف لا يضمن لو حمل مثل المسمى أو أخف منه كما سيجئ انتهى. فتأمل.
قوله: (وشرط الضمان باطل) هو ما عليه الأكثر كما قدمناه. قوله: (كشرط عدمه) أي عدم الضمان.
قوله: (في الرهن) أي إذا هلك. قوله: (خلافا للجوهرة) حيث جزمت بصيرورتها مضمونة بشرط
الضمان ولم تقل في رواية مع أن فيها روايتين كما يأخذ من عبارة الزيلعي ومما قدمناه عن الهندية.
وفي البزازية: أعرني هذا على أنه إن ضاع فأنا ضامن وضاع لا يضمن انتهى. وفي التحفة: إذا
شرط الضمان في العارية هل يصح؟ فالمشايخ مختلفون فيه انتهى.
قوله: (لان الشئ لا يتضمن ما فوقه) والإجارة أقوى للزومها. وأما الرهن فإنه إيفاء لدينه عند
الهلاك أو الاستهلاك، وليس له أن يوفي دينه من مال الغير بغير إذنه. قوله: (لا تؤجر ولا ترهن)

530
للعلة المذكورة، وهي أن الإعارة دون الإجارة والرهن، والشئ لا يتضمن ما فوقه. درر. لان
الإجارة لازمة والرهن إيفاء: أي فيه إيفاء الدين بها من وجه فهو تمليك لها والعارية لا تمليك فيها،
وهذا بغير إذن المالك كما يأتي، أما به فيصح، ولأنها غير لازمة في الأصل والإجارة لازمة، فلو ملك
المستعير أن يؤجر العارية لوقت إجارته إما لازمة أو غير لازمة، فإن وقعت غير لازمة يلزم عدم لزوم
الإجارة وهو خلاف موضوعها، وإن وقعت لازمة يلزم لزوم العارية وهو خلاف موضوعها، وذلك
لان الإجارة إذا لزمت تصير العارية لازمة لعدم إمكان الاسترداد فيها، ولا ترهن العارية أيضا لأنها
غير لازمة والرهن. لازم، فلو جاز للمستعير أن يرهن العارية لزم لزوم ما لا يلزم وهو العارية، أو
عدم لزوم ما لا يلزم وهو الرهن ذكره الشمني. قوله: (ولا تودع) أي كما أن الوديعة لا تتضمن ما
فوقها كذلك لا تتضمن مثلها. قوله: (ولا تعار) لان العارية أقوى لان فيها تمليك المنافع لان المودع لا
يملك الانتفاع والمعار يملكه. قوله: (بخلاف العارية) أي فإنها تودع وتعار: أي مطلقا عند الاطلاق.
أما عند التقييد بمستعمل فليس له أن يعير إلا إذا كان الاستعمال لا يختلف كالسكنى والحمل
والزراعة، وإن شرط أن ينتفع هو بنفسه لان التقييد فيما لا يختلف غير مفيد كما في شرح المجمع.
قال المصنف في شرحه: واختلفوا في إيداع المستعير. قال بعض المشايخ: ليس له أن يودع
مطلقا منهم الكرخي، واستدلوا عليه بمسألة ذكرها في الجامع أن المستعير إذا بعث العارية إلى صاحبها
على يد أجنبي فهلكت في يد الرسول ضمن المستعير العارية، وليس ذلك إلا إيداعا منه.
قال الباقلاني: هذا القول أصح، لان الايداع تصرف في ملك الغير وهو العين بغير إذنه قصدا
فلا يجوز، بخلاف الإعارة لأنه تصرف في المنفعة قصدا وتسليم العين من ضروراته فافترقا. وأكثرهم
على أنه يجوز، منهم مشايخ العراق وأبو الليث والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل والصدر الكبير
برهان الأئمة، لان الايداع دون الإعارة والعين وديعة عند المستعير في العارية، فإذا ملك الاعلى
فالأولى أن يملك الأدنى. قال ظهير الدين المرغيناني: وعليه الفتوى اه‍. وجعل الفتوى على هذا في
السراجية أيضا.
وفي الصيرفية أن القول بأن العارية تودع أو لا تودع محله ما إذا كان المستعير يملك الإعارة، أما
فيما لا يملكها لا يملك الايداع، والله تعالى أعلم.
أقول: ومن الصور التي لا تملك فيها الإعارة ما لو انتهت مدتها وهو ما ذكره المصنف. ومنها ما
لو عين المعير للمستعير أن لا يعير فيما يختلف بالاستعمال كركوب الدابة ولبس الثوب لأنهما يختلفان
باختلاف المستعملين كما سيذكره المصنف. قوله: (وأما المستأجر) بفتح الجيم فيؤجر: أي من غير
مؤجره، فلا تجوز وإن تخلل ثالث، به يفتى للزوم تمليك المالك، ولا يؤجره بأكثر مما استأجره، أطلقه
وهو مقيد بما لا يختلف الناس بالانتفاع به.
قال في البزازية: إعارة المستأجر تجوز إلا في شيئين: استأجرها ليركبها بنفسه ليس له إركاب
غيره لا ببدل ولا مجانا، وكذا لو استأجره ليلبسه ليس له الإعارة ولا الإجارة لغيره لأنهما يختلفان
باختلاف المستعملين، حتى لو استأجر دابة للركوب مطلقا يقع على أول ما يوجد، فإن ركب أو أركب
تعين وليس له غيره بعد انتهى.

531
وفي الحافظية: وقولهم يؤجر المستأجر ويعير ويودع فيما لا يختلف الناس في الانتفاع به انتهى.
وفي وديعة البحر عن الخلاصة: والوديعة لا تودع ولا تعار ولا تؤجر ولا ترهن، والمستأجر
يؤجر ويعار ويودع، ولم يذكر حكم الرهن، وينبغي أن يرهن اه‍.
وفي قول الخلاصة: وينبغي نظر لأنه قد مر آنفا في مختارات النوازل لصاحب الهداية أن
المستأجر لا يرهن، اللهم إلا أن يكون في المسألة روايتان، أو سقطت كلمة لا من عبارة أن يرهن
في الخلاصة سهوا من قلم الناسخ.
لا يقال: لعل مراد صاحب الخلاصة من قوله ينبغي أن يرهن هو الرهن لا المستأجر. لأنا
نقول: لا مجال لذلك الاحتمال لأنه ذكر في الخلاصة أيضا في كتاب الرهن أن الرهن لا يرهن، أفاده
في نور العين، ولذلك زدت في عبارته لا من غير تنبيه عليها في الوديعة عند قوله الدفع لمن في
عياله. قوله: (ويودع) لكن الأجير المشترك يضمن بإيداع ما تحت يده، لقول الفصولين: ولو أودع
الدلال ضمن. سائحاني. قوله: (ويعار) فيركب من شاء إذا استأجر له ويتعين أول راكب كما يأتي.
قوله: (ولا يرهن) لان فيه إبقاء الدين وهو تمليك لعينه، والمستأجر إنما ملكت منافعه لا عينه. قوله:
(فكالوديعة) فلا يؤجر ولا يرهن ولا يودع ولا يعار.
قال في الأشباه: الوديعة لا تودع ولا تعار ولا تؤجر ولا ترهن، والمستأجر يؤجر ويعار ولا
يرهن، والعارية تعار ولا تؤجر، وإنما جازت إعارة المعار والمؤجر للاطلاق في الانتفاع وهو معدوم
في الايداع.
فإن قيل: إن أعار فقد أودع. قلنا هذا ضمني لا قصدي، والرهن كالوديعة لا يودع ولا يعار
ولا يؤجر. وأما الوصي فيملك الايداع والإجارة دون الإعارة كما في وصايا الخلاصة، وكذا المتولي
على الوقف والوكيل بقبض الدين يعد مودعا فلا يملك الثلاثة كما في جامع الفصولين. قوله:
(ومالك أمر إلخ) مالك مبتدأ وجملة لا يملكه صفة له، وقوله وكيل إلخ هو الخبر.
قال الشارح ابن الشحنة: قد ذكرها قاضيخان مجموعة فقال:
الأولى: الوكيل ليس له أن يوكل فيما وكل فيه، لأنه فوض إليه التصرف دون التوكيل: والناس
متفاوتون في الآراء وقد رضي برأيه دون رأي غيره، فلو أذن له في ذلك جاز.
الثانية والثالثة: المستعير والمستأجر وكل منهما ذكر له صورتين، فالمستعير إذا استعار دابة ليركبها
ليس له أن يعيرها لغيره إلا أن يكون أمره بذلك أو أباحه له.
ولو استعار قباء أو قميصا ليلبسه له أن يعيره لغيره بدون أمره. والأصل في ذلك أن العارية إذا
كانت مما يختلف باختلاف المستعملين ليس للمستعير أن يعير بدون أمر المعير وإن كانت لا تختلف
يجوز. والمستأجر لو استأجر دابة ليركبها بنفسه ليس له أن يؤجرها للغير لا للركوب ولا للحمل إلا
بأمر المؤجر، ولو استأجر الثوب ليلبسه هو بنفسه ليس له أن يؤجره لغيره لما مر، وإلى ذلك أشار بقوله
ركوبا ولبسا فيهما: أي في العارية والإجارة.

532
الرابعة: المضارب بفتح الراء ليس له أن يضارب غيره بغير إذن.
الخامسة: المرتهن لا يملك أن يرهن الرهن بغير إذن الراهن فإنه رضي بحبسه لا بحبس غيره،
فإن فعل فهلك عند الثاني كان للمالك أن يضمن أيهما شاء قيمة الرهن فإن ضمن الأول لا يرجع
على واحد، وإن ضمن الثاني له الرجوع على الأول.
السادسة: القاضي ليس له أن يستحلف بدون إذن الإمام ولم يذكر هذه المسألة قاضيخان هنا،
وذكرها في الهداية، وهي مقيسة على الوكيل.
السابعة: المستودع لا يملك الايداع عند أجنبي إلا أن يأذن له لان المالك إنما رضي بيده دون يد
غيره، والأيدي تختلف في الأمانة. وأيضا الشئ لا يتضمن مثله كما مر.
الثامنة: المستبضع لا يملك الابضاع، فإن أبضع وهلك كان لرب المال أن يضمن أيهما شاء
فإن سلم وحصل الربح كان لرب المال.
التاسعة: رجل أخذ أرضا وبذرا ليزرعها ولم يقل له صاحب الأرض اعمل فيها برأيك لا يدفع
إلى غيره مزارعة، فإن كان البذر من قبل الآخر كان له أن يدفع إلى غيره مزارعة على كل حال، وقد
عدها المصنف أحد عشر، فإنه جعل الركوب واللبس مسألتين مستقلتين، ولا يخفى أنهما صورتان تحت
الإجارة والإعارة ا ه‍. قوله: (بدون أمر) أي من الأصيل، ونصف البيت الواو من دون. قوله:
(وكيل) فليس له أن يوكل فيما وكل فيه لأنه فوض إليه التصرف دون التوكيل الخ. قوله: (مستعير)
أي إذا استعار دابة ليركبها ليس له أن يعيرها لغيره، إلا أن يكون أمره بذلك، أو استعار قميصا ليلبسه
ليس له أن يعيره لغيره بدون أمر المعير الخ. قوله: (ومؤجر) بفتح الجيم: هو المستأجر بكسرها: يعني
لو استأجر دابة ليركبها بنفسه أو قميصا ليلبسه بنفسه ليس له أن يركب غيره ولا يحمل، وكذا ليس له
أن يلبس القميص إلا بأمر. قوله: (ركوبا ولبسا فيهما) أي في المستعار والمؤجر: أي للركوب واللبس
فيهما، فهو منصوب على المفعول لأجله، وإنما لا يملك المستعير والمستأجر ذلك في الركوب واللبس
ونحوهما للاختلاف بالمستعمل إلا بالاذن. أما ما لا يختلف فله ذلك بدون الاذن، ولكن يخالف هذا ما
يأتي متنا من قوله: وله أن يعير ما اختلف استعماله أو لا.
وقال في المنح: ومثله المستأجر، نعم هو صحيح فيما إذا عين المعير فإنه لا يعيره حينئذ بدون
إذن فيما يختلف استعماله لكنه أطلق هنا المستعير والمؤجر، ووافقه عليه الشرنبلالي في شرحه، لكن
الذي يظهر أنه هنا محمول على ما إذا قيد بلبسه وركوبه، وليحرر. قوله: (ومضارب) بكسر الراء فليس
له أن يضارب بعير إذن. قوله: (ومرتهن) فلا يملك أن يرهن بغير إذن الراهن لأنه رضي بحبسه لا
بحبس غيره الخ. قوله: (وقاض يؤمر) أي يستخلف فليس له أن يستخلف بدون إذن الإمام. قوله:
(ومستودع) بفتح الدال لا يملك الايداع عند أجنبي إلا أن يأذن له المالك الخ. قوله: (ومستبضع) فإنه
لا يملك الابضاع، فإن أبضع وهلك كان لرب المال أن يضمن أيهما شاء الخ. قوله (ومزارع) أي من
أخذ الأرض مزارعة وكان البذر من ربها لا يدفعها إلى غيره مزارعة بدون أمر، فإن كان البذر من قبل
المزارع كان له أن يدفع إلى غيره مزارعة مطلقا. قوله: (من عنده) أي المزارع. قوله: (يبذر) بالبناء

533
للمجهول حال من البذر ومن عنده خبر أو هو خبر كان، وقوله من عنده متعلق به. قوله: (وما
للمساقي) ذكره ابن وهبان في فصل المساقاة والمزارعة. ووجه المنع أن الدفع إلى غيره فيما فيه إثبات
الشركة في مال غيره بغير إذنه فلا يصح. قوله: (وإن أذن المولى) أي المالك فإنه من معانيه. قوله:
(ضمنه) بتشديد الميم مبني للفاعل والمعير فاعل والضمير في ضمنه راجع للمستعير. قوله: (أجر ملك
نفسه) أي وكذا رهن ملك نفسه في صورة الرهن. قوله: (ولا رجوع له على أحد) عبارة مسكين: على
المستأجر، وهذا فسره القهستاني وقال: فلا فائدة في النكرة العامة.
قال أبو السعود: وتعقبه شيخنا بأن طلب الفائدة ممنوع لجواز كون قيمة الرهن عشرين وكان
رهنا بعشرة فلا يرجع بالزائد على المرتهن. قوله: (ويتصدق بالأجرة) أي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله تعالى، لأنه صار بمنزلة الغاصب والغاصب إذا أجر يملك الأجرة ويتصدق بها لأنها حصلت بسبب
خبيث وهو استعمال مال الغير فكان سبيله التصدق ا ه‍. إتقاني بزيادة. قوله: (خلافا للثاني) ينظر
وجهه. قوله: (سكت عن المرتهن) أي لو أن المستعير رهن العارية بدون إذن هل يضمن المرتهن أو لا؟
لم يذكر حكمه. ونقل عن شرح الوهبانية أن المرتهن لا يملك الرهن، فلو رهن وهلك الرهن للمالك
الخيار، إن شاء ضمن المرتهن الأول، وإن شاء ضمن الثاني. فإن ضمن الثاني رجع على الأول لأنه غره
في ضمن عقد. ويؤخذ منه جواب مسألتنا. لان كلا من المستعير والمرتهن لا يملكان الرهن، فكما أن
المرتهن إذا رهن يخير المالك في تضمين أيهما شاء ويرجع الثاني على الأول إن ضمنه فكذلك الحكم في
المستعير إذا رهن ومتى ضمن المرتهن الثاني والمرتهن من المستعير يرجع كل منهما بالدين على الراهن
عنده لأنه تبين أن الدين لا رهن به لأنهما ملكاه بضمانه.
وفي حاشية أبو السعود على مسكين: قال الشرنبلالي: وسكت عما لو ضمن المرتهن فينظر
حكمه. قال شيخنا: حكم المرتهن في هذه الصورة حكم الغاصب كما ذكره نوح أفندي لأنه قبض مال
الغير بلا إذنه ورضاه فيكون للمعير تضمينه وبأداء الضمان يكون الرهن هالكا على ملك مرتهنه، ولا
رجوع له على الراهن المستعير بما ضمن، لما علمت من كونه غاصبا ويرجع بدينه ا ه‍. وتقييده بقوله
ولا رجوع له على الراهن المستعير للاحتراز عما لو كان الراهن مرتهنا فإنه يرجع على الأول ا ه‍. وهذا ما
ذكره الشارح. بقوله: (وفي شرح الوهبانية الخ) فليس بيانا لما سكت عنه المصنف كما يوهمه كلامه بل
بيان لفائدة أخرى تأمل. ولكن بيانه الذي قدمناه قبل عبارة أبو السعود.
والحاصل: أن ما في شرح الوهبانية ليس مما نحن فيه، إذ كلامنا في رهن المستعير وما فيه في
رهن المرتهن، وعليه فكان الأولى أن يقول لما سيأتي في كتاب الرهن من أنه إن قيده بقدر أو جنس لو
مرتهنا تقيد، فإن خالف ضمن المعير المستعير أو المرتهن إلا إذا خالف إلى خير، فإن ضم المستعير ثم

534
عقد الرهن، وإن ضمن المرتهن يرجع بما ضمن وبالدين على الراهن، وإن وافق وهلك عند المرتهن
صار مستوفيا لدينه ووجب مثله للمعير على المستعير إن كان كله مضمونا، وإلا ضمن قدر المضمون
والباقي أمانة الخ. قوله: (الخامسة) أي من مسائل النظم المتقدم قريبا وقد سلف ما فيه. قوله: (أن
يرهن) أي بدون إذن الراهن. قوله: (ويرجع الثاني) أي إن ضمن. قوله: (على الأول) يعني أن المرتهن
لا يهلك الرهن، ولو رهن وهلك الرهن فللمالك الخيار، إن شاء ضمن المرتهن الأول: أي ولا يرجع
على أحد كما في ابن الشحنة، وإن شاء ضمن الثاني، فإن ضمن الثاني رجع على الأول لأنه غره في
ضمن عقد، فهذا ليس بيانا لما سكت عنه المصنف كما يوهمه كلامه كما عرفت. قوله: (إذا لم يعلم بأنه
عارية في يده) بأن نص على الاطلاق كما سيذكره قريبا. أما إذا علم فلا رجوع لعدم الغرر. قوله:
(ما اختلف استعماله أولا) الأول كاللبس والركوب والزراعة والثاني كالسكنى والحمل والاستخدام.
قوله: (إن لم يعين المعير منتفعا) أي بأن نص على الاطلاق، كما لو استعار دابة للركوب أو ثوبا للبس
له أن يعيرها ويكون ذلك تعيينا للراكب واللابس، فإن ركب هو بعد ذلك. قال الإمام علي البزدوي:
يكون ضامنا وقال السرخسي وخواهر زاده: لا يضمن. كذا في فتاوى قاضيخان، وصحح الأول
في الكافي. بحر وسيأتي قريبا.
أقول: وهذا بظاهره يخالف ما تقدم عن الوهبانية، والظاهر حمله على ما إذا لم يأمره المالك بذلك
أو لم يبحه له، أما إذا أمره بذلك أو أباحه له فيجوز كما هنا وقدمناه عن شارحها.
وما في البحر عن المحيط: استعار دابة ليركبها فركب وأركب غيره فعطبت ضمن نصف قيمتها،
معناه أنهما ركباها معا لان سبب العطب ركوبهما معا وأحدهما مأذون فيه فلهذا ضمن النصف، حتى
لو أركب غيره فقط ضمن الكل، هكذا استظهره العلامة أبو السعود. وقوله حتى لو أركب غيره:
يعني بعدما ركب هو لان له أن يعير ما اختلف استعماله إن لم يعين منتفعا كما سمعت. قوله: (إن
عين) أي منتفعا. قوله: (وإن اختلف لا) أي إن عين منتفعا واختلف استعماله لا يعير للتفاوت.
قالوا: الركوب واللبس مما اختلف استعماله، والحمل على الدابة والاستخدام والسكنى مما لا يختلف
استعماله. قاله أبو الطيب. وقال الشمني: لان التقييد بالمنتفع فيما لا يختلف استعماله لا يفيد لعدم
التفاوت. بخلاف ما يختلف استعماله، لان المعير رضي بذلك المعين دون غيره ا ه‍. مدني.
قال الشرنبلالي: أقول هذا القيد ليس باحترازي لقول الزيلعي وإن كان لا يختلف يعني النفع
كالسكنى والحمل جاز أن يفعل بنفسه وبغيره في أي وقت شاء، لان التقييد بالانتفاع فيما لا يختلف لا
يفيد، إلا أن يقال: إن للوصل وإن كان الأكثر استعمالها مقرونة بواو الحال على حد قوله تعالى:
* (فذكر إن نفعت الذكرى) * (الاعلى: 9)، فإن فيه وصلية بدون واو وإن كان قليلا ا ه‍.
أقول: هذا البحث ساقط غير وارد، لان المصنف قدم أنه يعير مطلقا إن لم يعين، وأفاد ثانيا أنه
إن عين يعير ما لا يختلف.

535
وقال الشارح: وإن اختلف لا، فكان هذا تصريحا بالمفهوم وتفصيلا له، والشارح رحمه الله تعالى
لم يعول على هذا البحث لما ذكرنا، وهذا إنما يرد على مثل عبارة العيني عند قول الكنز ويعير ما لا
يختلف بالمستعمل: أي باختلاف المستعمل كالسكنى والحمل، هذا إذا صدرت مطلقة، وإن كانت مقيدة
بشئ تتقيد به ا ه‍. فيرد عليه ما قاله من التقييد بالانتفاع فيما لا يختلف لا يفيد. قوله: (ومثله المؤجر)
بفتح الجيم: أي إذا أجر شيئا، فإن لم يعين من ينتفع به فللمستأجر أن يعيره سواء اختلف استعماله أو
لا وإن عين يعير ما لا يختلف استعماله لا ما اختلف. منح. قوله: (مطلقا) بلا تقييد.
أقول: الظاهر أنه أراد بالاطلاق عدم التقييد بمنتفع معين لأنه سيذكر الاطلاق في الوقت والنوع
وإلا لزم التكرار تأمل.
قال في التبيين: ينبغي أن يحمل هذا الاطلاق الذي ذكره هنا فيما يختلف باختلاف المستعمل
كاللبس والركوب والزراعة على ما إذا قال على أن أركب عليها من أشاء، كما حمل الاطلاق الذي ذكره
في الإجارة على هذا ا ه‍. فما أوهمه قول المؤلف بلا تقييد بالنظر لما يختلف لا يتم ط.
قلت: فعلى هذا يحمل قول المصنف سابقا إن لم يعين بالنسبة للمختلف على ما إذا نص على
الاطلاق لا على ما يشمل السكوت، لكن في الهداية: لو استعار دابة ولم يسم شيئا له أن يحمل ويعير
غيره للحمل ويركب غيره الخ فراجعها. قوله: (يحمل ما شاء) أي من أي نوع كان، لان أمره
بالانتفاع مطلقا والمطلق يتناول أي انتفاع شاء في أي وقت شاء، وإليه التعيين بفعله إن شاء استعملها
في الركوب أو في الحمل عليها، وأي ذلك فعل لا يمكنه أن يفعل غيره بعد ذلك، لان المطلق إذا
تعين بقيد لا يبقى مطلقا بعد ذلك، ويشترط في الحمل أن تطيقه الدابة، أما لو كان لا تطيقه فهلكت
ضمن لأنه ليس له ذلك حتى في دابة نفسه. ط بزيادة.
أقول: الذي يظهر لي أن الاطلاق في غير الدواب المعدة للركوب خاصة، أما هي كأصائل الخيل
المعروفة بالقسرافات من خيل العرب كالمعنقية والجدرانية وكحيلة العجوز حتى السطة منها كالمسماة
بسمار الخيل فإنها لا تحمل عادة وعرفا، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا، فلو حمل عليها ولو قدر
طاقتها مما يحمل عادة على غيرها من بقية الخيل التي تحمل عادة وعطبت ينبغي أن يضمن. تأمل
وراجع. قوله: (ويركب) بفتح أوله وضمه أي بنفسه ويعير له، وحذفه للعلم به من سابقه. قوله:
(وضمن بغيره الخ) أي فيما يختلف بالمستعمل كما يفيد السباق واللحاق. سائحاني. وقدمنا عن
الزيلعي أنه ينبغي تقييد عدم الضمان فيما يختلف بما إذا أطلق الانتفاع فافهم. قوله: (هو الصحيح)
فإن ركب وعطبت ضمن لأنه تعين بالفعل فيكون خلافه تعديا.
قال شيخ الاسلام المعروف بخواهر زاده: إنه لا يضمن، وهذا أصح عندي، لان المستعير من
المستعير إذا لم يضمن بالركوب أو اللبس، لأنه استعمل العين بإذن المستعير وتمليكه فلان لا يضمن إذا

536
ركب بعد ذلك بنفسه بالطريق الأولى لأنه استعمله بالملك، لأنه لو لم يملك لما ملك غيره، وأقره
الاتقاني. قوله: (ما شاء) أي أي نوع شاء وأي فعل تعين.
روى بشر عن أبي يوسف: إذا استعار دابة أو ثوبا فاستعمل في المصر ثم خرج بها من المصر
واستعمل فهو ضامن، وإن لم يستعمل ففي الثوب لا يضمن لان الخروج به حفظ، وفي الدابة يضمن
لان الخروج بها تضييع معنى كما في الذخيرة.
ومن استعار دابة ليركبها إلى مكان معلوم ففي أي طريق ذهب وكان مما يسلكه الناس لم
يضمن، وإن كان مما لا يسلكه الناس ضمن، لان مطلق الاذن ينصرف إلى المتعارف كما في الفصول
العمادية. قوله: (لما مر) من العمل بالاطلاق. قوله: (وإن قيده بوقت) أي ولو التقييد معنى، حتى لو
استعار كتابا ليحضر فيه درس فلان فأتمه أو ترك الدرس وجب رده لأنه مقيد معنى بمدة قراءة الكتاب
وهو يحضره، وقدمنا مسألة استعارة القدوم وهي نظيرها.
قال في البحر: وإذا قيدها بوقت فهي مطلقة إلا في حق الوقت، حتى لو لم يردها بعد الوقت
مع الامكان ضمن إذا هلكت سواء استعملها بعد الوقت أم لا ا ه‍، ولو كانت مقيدة بالمكان فهي مطلقة
إلا من حيث المكان، حتى لو جاوزه ضمن، وكذا لو خالف ضمن، وإن كان هذا المكان أقرب من
المكان المأذون فيه خلاصة.
وفي فتاوى قاضيخان: إذا استعار دابة إلى موضع كذا كان له أن يذهب عليها ويجئ، وإن لم
يسم له موضعا ليس له أن يخرج بها من المصر ا ه‍. ومثله في جامع الفصولين. قوله: (أو بهما) أي
فتتقيد من حيث الوقت كيفما كان، وكذا من حيث الانتفاع فيما يختلف باختلاف المستعمل، وفيما لا
يختلف لا تتقيد لعدم الفائدة كما مر، وقد قيد هذا الأخير كما في البدائع، وقضى بالخلاف إلى مثل أو
خير ولم يذكر التقييد بالمكان، لكن أشار إليه الشارح في الآخر. وذكره المصنف قبل قوله ولا تؤجر
فقال: استعار دابة ليركبها في حاجة إلى ناحية سماها فأخرجها إلى النهر ليسقيها في غير تلك الناحية
ضمن إذا هلكت، وكذا إذا استعار ثورا ليكرب أرضه فكرب أرضا أخرى يضمن، وكذا إذا كرى ثورا
أعلى منه لم تجر العادة به.
وفي البدائع: اختلفا في الأيام أو المكان ما يحمل فالقول للمعير بيمينه. وفي الداماد: وإن
اختلفا فيما يحمل على الدابة أو في مسافة الركوب والحمل أو في الوقت فالقول في ذلك كله للمعير
بيمينه.
وفي جامع الفصولين: استعارها شهرا فهو على المصر، وكذا في إعارة خادم وإجارته وموصى
له بخدمته ا ه‍. قوله: (لا إلى مثل) بأن استعار دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة من حنطة معينة فحمل
عليها هذا القدر من حنطة أخرى أو ليحمل عليها حنطة نفسه فحمل عليها حنطة غيره. قوله: (أو
خير) بأن حمل قدر هذه الأقفزة المعينة من الشعير فإنه لا يكون ضامنا لأنه إنما يعتبر من تقييده ما
يكون مفيدا، حتى لو سمى مقدارا من الحنطة وزنا فحمل مثل ذلك الوزن من الشعير ففي القياس
يضمن، واختاره الامام السرخسي لأنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر مما تأخذه الحنطة كذا في النهاية.

537
وصحح الولوالجي عدم الضمان، وخواهر زاده سوى بين الكيل والوزن وهو الصحيح، قال:
لأنه أقل ضررا، بخلاف التبن لأنه يأخذ ما وراء موضع الحمل وهو أضعف من الحمل وهو
الاستحسان، وبه كان يفتي الصدر الشهيد كما في الفصول العمادية. قوله: (مثل العارية) على تقدير
أي. قوله: (والمعدود المتقارب) مثل الجوز والبيض وكذلك الأقطان والصوف والإبريسم والمسك
والكافور وسائر متاع العطر التي لا تقع الإعارة على منافعها قر ض كما قدمناه. قوله: (عند الاطلاق)
هو عدم وجود ما يقتضي الانتفاع بها مع بقاء عينها الذي سيشير إليه بقوله حتى لو استعارها الخ.
قوله: قرض أي إقراض ولو كان قيميا. بحر. لان العارية بمعنى الإعارة كما مر وهي التمليك،
وتمامه في العزمية. قوله: (ضرورة استهلاك عينها) يعني والعارية الحقيقية ما ينتفع بها مع قيام العين.
قال في التبيين: لان الإعارة إذن في الانتفاع به، ولا يتأتى الانتفاع بهذه الأشياء إلا باستهلاك
عينها، ولا يملك الاستهلاك إلا إذا ملكها فاقتضت تمليك عينها ضرورة وذلك بالهبة أو بالقرض،
والقرض أدناهما ضررا لكونه يوجب رد المثل وهو يقوم مقام العين ا ه‍: أي فوجب المصير إليه ولأن
للقرض شبها بالعارية، لان فيها يسترد عينها بعد الانتفاع، وفي القرض يسترد مثله والمثل يقوم مقام
العين عند تعذرها، ومثله في الدرر والعيني. قالوا: هذا إذا أطلق الإعارة. وأما إذا عين الجهة بأن
استعار دراهم ليعير بها ميزانا أو يزين بها دكانا لم يكن قرضا، ولا يكون إلا المنفعة المسماة ذكره في
الايضاح. قوله: (فيضمن المستعير بهلاكها قبل الانتفاع) ويصح بيعه من مقرضه لأنه باع ملك نفسه.
ولو اشتراه من مقرضه لا يصح، لأنه اشترى ملك نفسه، ولو اشترى عليه من مقرض صح
لأنه مقدور التسليم بكونه في ذمته، وإن تفرقا قبل قبضه بدله فسد للافتراق عن دين بدين، وإن نقد
في المجلس صح ا ه‍. عن الشلبي. قوله: (حتى لو استعارهما) أي الثمنين وهو تفريع على مفهوم
قوله عند الاطلاق. قوله: (ليعير الميزان) أي بالدنانير مثلا. قال في القاموس: وعير الدنانير وزنها
واحدا بعد واحد. وفي المختار: وعار المكيل والموازين عيارا ولا تقل عير. والمعيار بالكسر: العيار
والأصل عاير. والجهري نهى عن أن يقال عير. يعقوبية. قوله: (أو يزين) بفتح الياء من زان وهو
متعد، ومنه الحديث ما دخل الرفق في شئ إلا زانه ط. أو بضم الياء مع تشديد الياء الثانية من
الزينة، ومنه قوله تعالى: * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) * (النحل: 8). قوله: (كان عارية)
لأنه أمكن العمل بحقيقة الإعارة وهو تمليك المنافع مع بقاء العين على ملك المعير ط. ولأنه عين
الانتفاع، وإنما تكون قرضا عند الاطلاق كما تقدم. قوله: (فقرض) فعليه مثلها أو قيمتها. خلاصة
ومنح.
أقول: وهو مشكل. لان القرض لا يكون في القيميات ولا يضمن بالقيمة. وجوابه: أن قرض
القيمي فاسد وقدم الشارح أن المقبوض بقرض فاسد كالمقبوض ببيع فاسد أي فيكون مضمونا بالقيمة
تأمل. وقدمناه. قوله: (فإباحة) ولا ضمان لأنه يستهلكها على ملك المبيح.
قال في الخانية: أعرتك هذه القصعة من الثريد فأخذها وأكلها كان عليه مثلها أو قيمتها. قال

538
الفقيه أبو الليث: هذا إذا لم يكن بينهما دلالة الهبة والتهادي ا ه‍ كما قدمناه. قوله: (وتصح عارية
السهم) أي ليغزو دار الحرب لأنه ركن الانتفاع به في الحال وأنه يحتمل عوده إليه برمي الكفرة بعد
ذلك. منح عن الصيرفية. ونقل عنها قبل هذا أنه استعار سهما ليغزو دار الحرب لا يصح، وإن لرمي
الهدف صح، لأنه في الأول لا يمكن الانتفاع بعين السهم إلا بالاستهلاك، وكل عارية كذلك تكون
قرضا لا عارية. قوله: (لان الرمي يجري مجرى الهلاك) أي من غير تعد للاذن فيه فلا يكون ضامنا.
قوله: (صيرفية) عبارتها كما في المنح عنها: استعار سهما، إن استعار ليغزو دار الحرب لا يصح، وإن
استعار لرمي الهدف صح، لأنه في الأول لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك السهم، وكل عارية لا
يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاك ذلك العين تكون قرضا لا عارية، لأنه لو غزا في دار الحرب ورمي إلى
عدو وقع السهم بينهم فلا يقدر على تخليصه فيكون مستهلكا فلا يصح.
قلت: قرد يصح لأنه يمكن الانتفاع به في الحال فإنه يحتمل عوده إليه برمي الكفرة بعد ذلك
وأفتى قح بأنه يصح ثم قال ا ه‍. وتصح عارية السلاح، وذكر في السهم أنه لا يضمن كالقرض، لان
الرمي يجري مجرى الهلاك ا ه‍. وهذه النسخة التي نقلت منها هكذا، والذي في نسخة مصححة عليها
خطوط بعض العلماء: وكان في الأصل مكتوبا لا يضمن فحك منها لفظة لا ويدل عليه تنظيره بقوله
كالقرض، ولكن كان الظاهر على هذا أن يقال في التعليل، لان الرمي يجري مجرى الاستهلاك فتعبيره
بالهلاك يقتضي عدم الضمان، فتأمل وراجع. وقوله إن استعار ليغزو دار الحرب لا يصح: أي عارية،
بل يكون قرضا بدليل قوله بعد يكون قرضا لا عارية، وأراد بالقرض الفساد لأنه غير مثلي، فالذي
نقله الشارح هو ملخص ما أشار إليه صاحبها بقوله قلت الخ. قوله: (والغرس) بفتح الغين وكسرها
كما في البحر عن المغرب. قوله: (للعلم بالمنفعة) أي لان منفعتها معلومة تملك بالإعارة. درر. بل
الإعارة أولى لكونها تبرعا. قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: وفي هذا التعليل تأمل ا ه‍.
أقول: الظاهر أن وجه التأمل في التعليل كون العلم بالمنفعة في العارية لا يشترط، بخلاف
الإجارة حيث يشترط فيها أن تكون المنفعة معلومة لما تقدم عن الشارح أوائل الكتاب عن العمادية من
جواز إعارة المشاع معللا بأن جهالة العين لا تفضي للمنازعة أو للجهالة لعدم لزومها ا ه‍. ومثله ما
نقلناه ثمة عن البحر بأن جهالة المنافع لا تضر في العارية.
أما جهالة العين فمضرة إذا كانت تفضي إلى المنازعة ا ه‍. وحيث لم يشترط العلم بالمنفعة لها لا
يصلح تعليلا لها وبه علم وجه التأمل. قوله: (لما تقرر أنها غير لازمة ويكلفه قلعهما) وأيهما طلب
القلع أجيب. زيلعي ولا يضمن ما نقص من البناء والغرس لعدم الغرور عند عدم التوقيت، لأنه
شغل أرض المعير بهما فيؤمر بتفريغه إلا إذا شاء إن يأخذهما بقيمتهما فيما إذا كانت الأرض تستضر
بالقلع فحينئذ يضمن له قيمتهما مقلوعين ويكونان له كي لا تتلف ف عليه أرضه ويستبد: أي يستقل هو
بذلك لأنه صاحب أصل، بخلاف ما إذا كانت لا تستضر بالقلع حيث لا يجوز الترك إلا باتفاقهما،
بخلاف القلع حيث لا يشترط فيه اتفاقهما كما في الزيلعي. قوله: (فرجع قبله) يكره الرجوع للخلف

539
بالوعد لقوله (ص): المسلمون عند شروطهم إتقاني. وقيد بقوله قبله لأنه لو مضى الوقت فصاحب
الوقت يقلع الأشجار والبناء ولا يضمن شيئا عندنا إلا أن يضر القلع بالأرض فيتملك البناء والغرس
بالضمان، ويعتبر في الضمان قيمته مقلوعا، هندية عن المحيط. قوله: (وضمن المعير للمستعير ما
نقص البناء والغرس) لأنه لما وقت وقتا معلوما فالظاهر الوفاء بما وعد، فقد اعتمد على قوله ووثق
به، فقد غره بخلفه فيضمن، بخلاف غير الموقت، هذا ما مشى عليه في الكنز والهداية.
وذكر في البحر عن المحيط: ضمان القيمة قائما إلا أن يقنعه المستعير ولا ضرر، فإن ضمن
فضمان القيمة مقلوعا.
وعبارة المجمع: وألزمناه الضمان، فقيل ما نقصهما القلع، وقيل قيمتهما ويملكهما، وقيل إن
ضر يخير المالك: يعني المعير يخير بين ضمان ما نقص وضمان القيمة، ومثله في درر البحار والمواهب
والملتقى. وكلهم قدموا الأول، وبعضهم جزم به، وعبر عن غيره بقيل فلذا اختاره المصنف وهو رواية
القدوري، والثاني رواية الحاكم الشهيد كما في غرر الأفكار.
فإن قلت: المغرور إنما يرجع بما لحقه من الضرر على الغار إذا كان في ضمن عقد المعاوضة،
وهنا العارية عقد تبرع سواء وقت أم لم يوقت، فإنه بالتوقيت لا يلحق بالعقود اللازمة: حتى أن المعير
بعد التوقيت كان له الرجوع عن توقيته فيأخذ المستعار قبل مضي الوقت، فكيف جاز رجوع المغرور
على الغار في ضمن عقد التبرع ولا يرجع الموهوب له من ضمان الاستحقاق على الواهب لأنه ثبت في
ضمن عقد تبرع.
قلت: قال في المبسوط: الوجه فيه أن كلام العاقل محمول على الفائدة ما أمكن فلا حاجة إلى
التوقيت في تصحيح العارية شرها، ثم لما وقت المعير مع ذلك لا بد أن يكون لذكر الوقت فائدة،
وليس ذلك إلا التزام قيمة البناء والغرس. فكأنه أراد إخراجه قبله فصار تقرير كلامه كأنه قال ابن في
هذه الأرض لنفسك على أن أتركها في يدك إلى كذا، فإن لم أتركها فأنا ضامن لك ما تنفق في بنائك
ويكون بناؤك لي، فإن بدا له في الاخراج ضمن قيمة بنائه وغرسه ويكون كأنه بنى له بأمره من النهاية
ملخصا، وقوله وليس ذلك الخ بناء على ما ذكر الحاكم الشهيد. وأما على ما ذكره المصنف تبعا للكنز
والقدوري، يقال: وليس ذلك إلا التزام ما نقص البناء والغرس بالقلع على الوجه المشروح، وقول
الشارح ما نقص البناء والغرس أي نقصانه على أن ما مصدرية ويجوز أن تكون موصولة ونقص
حينئذ من نقص المتعدي، فعلى هذا يكون البناء والغرس منصوبين، وعلى الأول مرفوعين. كذا في
العناية.
قال قاضي زاده: لا يظهر وجه صحة كون البناء والغرس منصوبين هاهنا، لان الذي نقص
البناء والغرس إنما هو القلع، فيصير المعنى على تقدير نصب البناء والغرس وضمن المعير قلع البناء
والغرس، وليس هذا بصحيح، لان القلع ليس من جنس ما يضمن بل هو سبب الضمان، وإنما
المضمون قيمة البناء المنتقصة بالقلع وتمنع أيضا صحة المعنى على ذلك التقدير، إذ يصير المعنى حينئذ:
وضمن المعير القلع بالقلع، ولا يخفى ما فيه، فالوجه رفع البناء والغرس لا غير. حموي. قوله: (بأن
يقول الخ) بيانه إذا أعاره أرضا ليبني فيها أو يغرس مدة سنتين مثلا ثم رجع في العارية وأمره بقلع بنائه

540
وغرسه فيسأل أرباب الخبرة بأن هذا البناء والغرس لو بقي المدة المذكورة كم تساوي قيمته الآن، فإذا
كان ألفا مثلا وقيمته الآن مقلوعا مائة فيضمن تسعمائة. قوله: (إلى المدة المضروبة) فيضمن ما نقص
عنها كما علمت. قوله: (وتعتبر القيمة) أي ابتداؤها. قوله: (يوم الاسترداد) أي يوم أراد رب الأرض
استردادها لان اعتبارها يوم الاسترداد أسهل كما في البحر عن الولوالجي. ومثله في أبي السعود.
خلافا لمن اعتبر قيمتها وقت مضي المدة. قوله: (قبل أن يحصد الزرع) من الاحصاد: أي يصير صالحا
للحصاد: حصد الزرع: جزه حصدا وحصادا من باب طلب وضرب. كذا في المغرب. قال أبو
السعود: من الثلاثي المجرد، قيل والأصح أن يقرأ بكسر الصاد من أحصد الزرع: إذا حان حصاده.
قوله: (وقتها أو لا) يوقت استحسانا. قوله: (فتترك بأجر المثل) فإذا حصد الزرع طالبه بأجر المثل وإن
لم يعقد، وكان الفقيه أبو إسحاق الحفاظ يقول: إنما يجب الاجر إذا أجرها منه صاحبها أو القاضي
وبدون ذلك لا يجب الاجر، فإن أبي المزارع ضمان أجر المثل وكره القلع وأراد تضمين رب الأرض
قيمة الزرع اختلف كلام صاحب المنتقى، ففي موضع قال: له ذلك إلا أن يرضى رب الأرض بترك
الزرع حتى يستحصد، وفي موضع قال: ليس له ذلك. هندية مختصرا مزيدا ط. ونص في البرهان
على أن الترك بأجر المثل استحسان. ثم قال عن المبسوط: ولم يبين في الكتاب أن الأرض تترك في يد
المستعير إلى وقت إدراك الزرع بأجر أو بغير أجر، قالوا: وينبغي أن تترك بأجر المثل كما لو انتهت مدة
الإجارة والزرع بقل بعد ا ه‍. شرنبلالية، ومثله في الزيلعي.
أقول: ونظيره ما سبق من إعارة أمة ترضع ولده وإعارة فرس للغزو الخ. قوله: (مراعاة
للحقين) حق صاحب الأرض المعارة لثبوت الرجوع له فيها وحق صاحب الزرع لأنه مغرور بإذنه له
في الزرع. قوله: (أشار إلى الجواز في المعنى) وهو المختار كما في الغياثية.
وفي البحر بعد نقل هذه المسألة وعزوها إلى النهاية: ولو بنى حائطا في الدار المستعارة استرد
المعير الدار، فإذا أراد المستعير أن يرجع إليه بما أنفق ليس له ذلك، وليس له أن يهدم الحائط إن كان
البناء من تراب صاحب الأرض. كذا في الخلاصة.
وفي المحيط: لو استعار أرضا ليبني ويسكن وإذا خرج فالبناء لصاحب الأرض ولصاحب
الأرض أجر مثلها مقدار السكنى والبناء للمستعير، لان هذه إجارة معنى لان الإعارة تمليك المنافع بغير
عوض، ولما شرط البناء له كانت إجارة فاسدة لجهالة المدة والأجرة، لان البناء مجهول فوجب أجر
المثل. ا ه‍. قوله: (على المستعير) لأنه قبض لمنفعة نفسه والرد واجب عليه. زيلعي قوله: (ضمنها) أي
سواء استعملها بعد الوقت أو لا، وهو مختار السرخسي، واختار صاحب المحيط وشيخ الاسلام أنه
إنما يضمن إذا استعملها بعد الوقت، أما إذا استعملها فلا ضمان كما في الشرنبلالية عن المجمع
وفي الكافي أن العارية بعد مضي المدة تكون وديعة، وصححه في المجتبى حيث قال: والصحيح أن
رد العارية لا يجب قبل الطلب وبعده يجب ا ه‍. وهو حكم الوديعة، ففي المسألة قولان مصححان.

541
قال في البزازية أعاره إلى الليل فهلك: قيل لا يضمن، وإن هلك في اليوم الثاني ذكر في
الكتاب أنه يضمن. قيل أراد به إن انتفع في اليوم الثاني به فيكون غاصبا مخالفا بالانتفاع بعد مضي
الوقت، أما إذا لم ينتفع لا يضمن كالمودع الموقت باليوم إذا أمسكها بعده لا يضمن، وقال السرخسي:
يضمن على كل حال، واختاره القاضي، وفرق بين العارية والوديعة أن الامساك في الوديعة للمالك
لأنه بعد مضي الوقت بنى على القبض السابق وهو كان للمالك، وفي العارية الامساك بعد مضي
الوقت لنفسه، لأنه بنى على القبض السابق وذاك كان لنفسه وعدم الضمان في الوقت كان للاذن فلم
يوجد بعد مضيه، ولأن مؤنة رد العارية على المستعير بالتقصير منه وفي الوديعة على المالك ا ه‍. ومثله
في الخلاصة وجامع قارئ الهداية، قال فيه: وهذا هو الأصح، وبه أفتى في الحامدية، وأقره عليه
سيدي الوالد رحمه الله تعالى في العقود الدرية، وقدمنا أوائل الكتاب عند قوله ولعدم لزومها يرجع
المعير متى شاء ولو موقتة.
عن فتاوى القاضي ظهير الدين: إذا كانت العارية موقتة بوقت فأمسكها بعد الوقت فهو ضامن
ويستوي فيه أن تكون العارية موقتة نصا أو دلالة حتى أن من استعار قدوما ليكسر الحطب فكسره
وأمسك حتى هلك يضمن، وتمامه ثمة فراجعه. قوله: (لان مؤنة الرد عليه) أي أجرته عليه لان قبض
العين لمنفعة نفسه والرد واجب عليه عيني، فيضمن إذا أمسكها بعد مضي الوقت لتقصيره فيكون مانعا
بعد مضي الوقت فيضمن، بخلاف المستأجر، لأنه لا يجب عليه الرد بل التخلية عند طلب المالك، فلو
لم يوجد لم يوجد المنع فلا يضمن، ولا يخفى ما في كلام الشارح من التكرار بعد كون ما سلف مفرعا
عليه. قوله: (إلا إذا استعارها ليرهنها) أي فمؤنة الرد على المعير، لان فيها نفع المالك بصيرورتها
مضمونة عند الهلاك، فجعلنا حصول النفع بمنزلة حصول الأجرة للمؤجر، ولذا قال فتكون
كالإجارة. قوله: (فتكون كالإجارة) فإنها تصير مضمونة في يد المرتهن، وللمعير أن يرجع على
المستعير بقيمته فكانت بمنزلة الإجارة، ولأن هذه إعارة فيها منفعة لصاحبها كما في الخانية، فقد
حصل الفرق بين العارية للرهن وغيرها من وجهين: الأول هذا. والثاني ما مر في الباب عند قوله
بخلاف المستعير والمستأجر أن مستعير الرهن لو خالف ثم عاد للوفاق برئ عن الضمان، بخلاف
غيره، أفاده في البحر عن النهاية. قوله: (مؤنة الرد عليه) لأنه هو المنتفع بالعين ولوجوبه عليه ط.
قال القاضي فخر الدين المارديني: وهذا لا رواية فيه ويجب أن تكون على الموصى له بالخدمة لان قبضه
لمنفعة نفسه فصار كالعارية ا ه‍. قوله: (وكذا المؤجر) لان العين المؤجرة مقبوضة لمنفعة المالك لان الاجر
له به فإذا أمسكها المستأجر بعد مضي المدة لا يضمنها ما لم يطالبه صاحبه. ا ه‍. ولا يجب على المستأجر
ردها، وإنما يجب عليه التمكين والتخلية، فلا يكون عليه مؤنة الرد. ولا يقال: قبضه كان لمنفعة نفسه
فوجب أن تكون المؤنة عليه. لأنا نقول: إنما حصل له منفعة وهي عرض يفنى، وما حصل للمؤجر
عين تبقى فكان هو بالوجوب أولى ا ه‍. زيلعي. قوله: والغاصب أي عليه أجرة رد المغصوب لان
الرد إلى المالك واجب عليه والأجرة مؤنته فتجب عليه لأنه يجب عليه نسخ فعله وهو يردها إلى مالكها
لأنه أزال يده عنها، ففي ردها براءة فكان عاملا لنفسه. قوله: (والمرتهن) لان قبضه قبض استيفاء
فكان قابضا لنفسه. زيلعي، ومثله في الوجيز وهو الظاهر.

542
وذكر في التحرير أنها على الراهن. وعبارته: مؤنة رد الرد على الراهن، لان عينه أمانة في يد
المرتهن ولهذا كان نفقته وكفنه على الراهن، والمضمون عليه إنما هو المالية والرد تصرف في العين لا في
المالية، ومنفعة القبض وإن عادت على الراهن والمرتهن جميعا باعتبار قضاء الدين وحصول التوثقة، لكن
ترجيح جانب الراهن بحكم الملك ا ه‍. ومثله في شرح الطحاوي للاسبيجابي، وعليه فيحتاج إلى
التوفيق بين الموضعين، فتأمل. ثم رأيت الاستروشني في فتاواه ذكر كلا من القولين من غير ترجيح
لأحدهما، ولكن ذكر صاحب النهاية القول الأول فقط وشيد أركانه حيث قال: لان الغنم حصل له
ولهذا اختص به من بين سائر الغرماء حتى يستوفي دينه منه أولا فكان الغرم عليه، وتبعه في الدرر،
ولهذا تبعهم المصنف، ولم يذكروا الوديعة ومؤنة ردها على المودع بكسر الدال كما في الكنز، لان
منفعة حفظها عائدة إليه فكانت مؤنة ردها عليه. عيني.
وفي مؤيد زاده: مؤنة رد البيع فاسدا بعد الفسخ على القابض، ومؤنة رد المبيع بخيار رؤية أو
شرط على المشتري.
ولو تقايلا البيع فعلى البائع مؤنة رد مبيع له حمل ومؤنة، والرد في الأجير المشترك كقصار وصباغ
ونساج على الأجير، إذ الرد نقض القبض فيجب على من له منفعة القبض، ومنفعة القبض هنا للأجير
إذ له عين وهو الأجرة، ولرد الثوب المنفعة والعين خير من المنفعة وكان الرد عليه، بخلاف ما إذا آجر
قنا أو دابة فإن الرد على المالك إذ له العين وللمستأجر المنفعة، ورمز لشئ في ضمان النساج من فصل
الضمانات أن مؤنة الرد على الأجير المشترك أم لا؟ فيه اختلاف. ولو شرطت على المالك فإنها عليه.
كذا في الثالث والثلاثين من الفصولين. قوله: (هذا) اسم الإشارة راجع إلى كون مؤنة الرد على
المؤجر: يعني إنما تكون عليه إذا أخرجه المستأجر بإذنه، أما إذا أخرجه بغير إذنه فعلى المستأجر فيكون
كالمستعير لو آجره العين وأذن له في نقلها إلى حيث شاء فيجب عليه: أي على المستعير ردها لا على
المستأجر. أما لو أخرجها بدون إذنه فيجب ردها على المستأجر أيضا لتعديه بالنقل والاخراج بدون
إذن المالك. وفي المنح عن المحيط: هذا إذا كان الاخراج بإذن رب المال، ولو بلا إذن فمؤنة الرد عليه
مستأجرا أو مستعيرا ا ه‍. وكان الأولى ذكره قبل الغاصب لأنه راجع إلى كون مؤنة الرد على المؤجر.
قوله: (لو الاخراج بإذن رب المال) أي إلى بلد آخر مثلا والظاهر أن المراد بالاذن الاذن صريحا، وإلا
فالاذن دلالة موجود. تأمل. سيدي الوالد رحمه الله تعالى. قوله: (بخلاف شركة) أي رد رأس مال
الشركة فيها، وفي المضاربة والبضاعة واللقطة والآبق فإنها على صاحب المال. منح.
وفي إجارة الظهيرية: فإن شرط أجر الرد على المستأجر فسدت، وحكي عن المرغيناني أنها
جائزة، ويجعل اشتراط الرد على المستأجر بمنزلة الزيادة ا ه‍. والأصل أن مؤنة الرد تجب على من وقع
القبض له. أبو السعود. قوله: (قضى بالرجوع) أي فيها فإنها على الواهب. منح. والأولى للمؤلف أن
يزيد لفظ فيها. قوله: (مجتبى) الذي فيه مؤنة الرد فيها على مالكها وزاد اللقطة والآبق ورد نصف مهر
المطلقة قبل الدخول وهو عين، وليس فيه تعرض لما كان النقل فيه بإذن مالكه أولا. نعم ينبغي
الاطلاق لان مقتضى الشركة والمضاربة الاذن في النقل عند الاطلاق، وكذا الهبة لأنه قد ملكه إياها،

543
وللمالك أن ينقل ملكه حيث شاء، وكذا المرأة تملك المهر بالقبض، لكن ينافيه ما قدمناه قريبا عن
سيدي الوالد رحمه الله تعالى من أن الظاهر أن المراد بالاذن صريحا، وإلا فالاذن دلالة موجود، اللهم
إلا أن يخص بما ذكر ثمة وأن المذكور هنا على ما ذكرنا فيحصل الفرق. تأمل. قوله: (وإن رد المستعير
الدابة مع عبده) كذا لو ردها إلى اصطبل مالكها أو رد العبد إلى دار سيده لأنه أتى بالتسليم المتعارف،
وهذا لان الاصطبل أو الدار في يد المالك، ولو ردهما على المالك كأن يردهما إلى الاصطبل أو الدار
فكان الرد إليهما ردا على المالك ا ه‍. زيلعي. وهذا في الاستحسان، والقياس أنه يضمن لأنه لم يردهما
إلى صاحبهما وإنما ضيعهم تضييعا، وهو قول الثلاثة. عيني.
وجه الاستحسان ما ذكرناه من أنه أتى بالتسليم المتعارف، لان رد العواري إلى دار الملاك
متعارف كآلة البيت. بحر عن الهداية. وذكر التمرتاشي عن أبي سلمة أنه إذا كان الاصطبل خارج
الدار لا يبرأ، لان الظاهر أنها تكون هناك بلا حافظ كما في المنبع. وقيل هذا في عادتهم كما في
البيانية. قوله: (أو أجيره مشاهرة) يعلم منه حكم الأجير مسانهة بالأولى لأنه يعد مع من في عيال
المستعير. قهستاني. قوله: (لا مياومة) عللوه بأنه لم يكن في عياله، وهو يفيد أنه لو كان في عياله يبرأ
لو هلك قبل الوصول من غير تعد ويحرر ط. قوله: (أو مع عبد ربها) أي مع من في عيال المعير.
قهستاني.
قال في التبيين: وجه الاستحسان أن كل واحد من المعير والمستعير يحفظ دوابه بسائسه، والدفع
إليه كالدفع إلى صاحبها عادة، ولو دفعها إلى المالك لدفعها هو إلى السائس وحفظه بسائسه كحفظه
بنفسه، فيكتفي منه بالتسليم إلى السائس أو من السائس إلى السائس أو من السائس إلى المالك ا ه‍.
قوله: (يقوم عليها أولا) لأنه يدفع إليه في بعض الأوقات فيكون رضا المالك موجودا دلالة. وقيل لا
يبرأ إلا إذا ردها على من يقوم بها: أي يتعهدها كالسائس، وقوله يقوم عليها الخ بيان للاطلاق في
عبارة المصنف. قوله: (بخلاف نفيس) هذا مفهوم التقييد بالدابة. قال في التبيين: وهذا في الأشياء
التي تكون في يد الغلمان عادة، وأما إذا لم تكن في أيديهم عادة كعقد لؤلؤ ونحوه فردها المستعير إلى
غلام صاحبها أو وضعها في داره أو إصطبله يضمن لان العادة لم تجر به في مثله ا ه‍ ط.
ويفهم منه أنه إذا كانت العادة تجري في تسليم مثل هذه الأشياء أنه يكفي تسليمه إلى غلامه
كالمسمى بالخزاندار عند أصحاب الدول هل يكفي تسليمها إليه؟ الذي يظهر نعم لان العرف جرى
بذلك عادة، ومثله ما إذا كان له أحد ممن في عياله يقوم بسائر مصالحه من قبض وصرف وغيرهما،
وليراجع. قوله: (ثم بعثها مع الأجنبي) معطوف على قوله بخلاف. قوله: (لتعديه بالامساك بعد المدة)
حتى إذا هلكت في يده ضمن فكذا إذا تركها في يد الأجنبي. زيلعي.
يؤخذ منه أن سبب الضمان ليس ردها مع الأجنبي، لان الدفع إلى الأجنبي إيداع والمستعير
يملكه كما يملك الإعارة، إذ الإعارة أقوى منه لان الإعارة إيداع وتمليك المنفعة، بل سببه انقضاء

544
وقت العارية، فإنه لو أمسكها بنفسه فهلكت في يده بعد مضي مدتها يضمنها كما قدمناه فكذا في يد
الأجنبي، ولذا قال لتعديه بالامساك كما يؤخذ من عبارة الزيلعي. قوله: (وإلا فالمستعير يملك
الايداع) إشارة إلى فائدة اشتراط التوقيت. قال الزيلعي: وهذا: أي قوله بخلاف الأجنبي يشهد لمن
قال من المشايخ إن المستعير ليس له أن يودع.
وعلى المختار تكون هذه المسألة محمولة على ما إذا كانت العارية مؤقتة فمضت مدتها ثم بعثها مع
الأجنبي، لأنه بإمساكها بعد يضمن لتعديه فكذا إذا تركها في يد الأجنبي ا ه‍. وفي البرهان. وكذا
يعني يبرأ لو ردها مع أجنبي على المختار بناء على ما قال مشايخ العراق من أن المستعير يملك الايداع،
وعليه الفتوى، لأنه لما ملك الإعارة مع أن فيها إيداعا وتمليك المنافع فلان يملك الايداع وليس فيه
تمليك المنافع أولى، وأولوا قوله وإن ردها مع أجنبي ضمن إذا هلكت بأنها موضوعة فيما إذا كانت
العارية مؤقتة وقد انتهت باستيفاء مدتها وحينئذ يصير المستعير مودعا والمودع لا يملك الايداع بالاتفاق
ا ه‍. شرنبلالية. فالقول بعدم إيداع المستعير ذهب إليه الكرخي. قال البقالي: وهذا أصح، وما مشى
عليه المصنف من أنه يملكه هو قول مشايخ العراق، وبه أخذ أبو الليث والفضلي.
قال في التمرتاشية: وإليه أشار محمد في الأصل. وقال في الكافي: وعليه الفتوى، فبناء هذه
المسألة على مذهب الكرخي ظاهر، أما قول المفتى به فمحمول على انتهاء الإعارة لانقضاء المدة بأن
كانت مؤقتة فمضت مدتها ثم بعثها مع الأجنبي كما في البحر.
قلت: لا فرق في إيجاب الضمان بين رد نفسه ورد غيره لو هلكت بعد مضي المدة، فحينئذ قيد
الأجنبي لا يفيد. تدبر. أو بأن استعارها فاستخدمها وبعد انقضاء العمل ردها مع الأجنبي فهلكت
يضمن، لما سبق من أنه لو عمل بعمل يتعين ذلك، وليس له أن يعمل آخر بعمل والايداع عمل آخر
فيضمن فيظهر منه أنه لو ردها معه قبل الاستخدام ينبغي أن لا يضمن، فظهر أن هذا الحمل أولى.
على أنه لما انتهى العمل والإعارة صارت وديعة عند المستعير فيصير مودعا وهو لا يملك الايداع
بالاتفاق ولذلك يضمن كما في الكافي وغيره.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى بعد كلام: لكن تقدم متنا أنه يضمن في المؤقتة، وفي جامع
الفصولين: لو كانت العارية مؤقتة فأمسكها بعد الوقت مع إمكان الرد ضمن، وإن لم يستعملها بعد
الوقت هو المختار سواء توقتت نصا أو دلالة، حتى أن من استعار قدوما ليكسر حطبا فكسره فأمسك
ضمن ولو لم يوقت ا ه‍. فعلى هذا فضمانه ليس بالارسال مع الأجنبي إلا أن يحمل على ما إذا لم يمكنه
الرد. تأمل. ومع هذا يبعد هذا التأويل التقييد أولا بالعبد والأجير فإنه على هذا لا فرق بينهما وبين
الأجنبي حيث لا يضمن الرد قبل المدة مع أي من كان ويضمن بعدها كذلك، فهذا أدل دليل على
قول من قال: ليس له أن يودع، وصححه في النهاية كما نقله عنه في التتارخانية. قوله: (فيما يملك
الإعارة) وهو ما لا يختلف، وظاره أنه لا يملك الايداع فيما يختلف وليس كذلك. وعبارة الزيلعي:
وهذا لان الوديعة أدنى حالا من العارية فإذا كان يملك الإعارة فيما لا يختلف فالأولى أن يملك
الايداع على ما بينا، ولا يختص بشئ دون شئ، لان الكل لا يختلف في حق الايداع وإنما يختلف
في حق الانتفاع ا ه‍. اللهم إلا أن يقال: ما عبارة عن الوقت أي في وقت يملك الإعارة، وهو قبل

545
مضي المدة إذا كانت موقتة وهو بعيد كما لا يخفى. تأمل. أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى. قوله:
(به يفتى) لم يصرح الزيلعي بالفتوى، وإنما قال المختار كما علمته من عبارته السابقة، وصرح بها
صاحب البحر فقال: وقد تقدم أن المختار المفتى به جوازه إ ه‍. قوله: (فتعين حمل كلامهم) أي في
الضمان بالدفع إلى الأجنبي. قوله: (على هذا) أي على ما إذا دفعها له بعد مضي الوقت، لكن لا يخفى
أن الضمان حينئذ بسبب مضي المدة لا من كونها بعثها مع الأجنبي، إذ لا فرق حينئذ بينه وبين غيره.
قوله: (وبخلاف) معطوف على قول المتن بخلاف، وكان الأولى ذكره هناك. تأمل. قوله: (رد وديعة
ومغصوب الخ) لان الوديعة للحفظ ولم يرض بحفظ غيره، إذ لو رضي به لما أودعها عنده، وبخلاف
الغصب، لأنه صار متعديا بإثبات يده في العين وبإزالة يد صاحبها فلا بد من إزالة يده وإثبات يد
صاحبها وذلك بالتسليم حقيقة، أما في الدفع إلى الغلام فيضمن بدفع الوديعة إلى غلام المالك لا إلى
غلام نفسه. زيلعي مختصرا ط. قوله: (إلى دار المالك) وكذا لعياله هداية والمستأجر كالوديعة. قوله:
(فإنه) كذا في الهداية. قوله: (ليس بتسليم) لكن مسألة الغصب خلافية. ففي الخلاصة قال مشايخنا:
يجب أن يبرأ.
قال في الجامع الصغير: للامام قاضيخان: السارق والغاصب لا يبرآن بالرد إلى منزل ربها أو
مربطه أو أجيره أو عبده ما لم يردها إلى مالكها ا ه‍. قوله: (للزراعة) قيد به لأنه لو استعارها لمطلق
الانتفاع يكتب أعرتني على الظاهر لأنه أدل على العموم ط. قوله: (يكتب المستعير) الظاهر أن هذا على
سبيل الأولى، وهذا عند أبي حنيفة لان لفظة الاطعام أدل على المراد من الإعارة لأنها تختص بالزراعة،
وإعارة الأرض تارة تكون للزراعة وتارة تكون للبناء ونصب الفسطاط، فكانت الكتابة بلفظ الاطعام
أولى ليعلم أن غرضه الزراعة. وعندهما: يكتب أنك أعرتني لان الإعارة هي الموضوعة لهذا العقد،
والكتابة بالموضوع أولى.
وفائدة الكتابة: أمن جحود المستعير عند تطاول المدة أو موت المعير وأمن المستعير من لزوم الاجر
بدعوى المعير أنه إنما آجره ا ه‍. أبو السعود. قوله: (إنك أطعمتني) بفتح الهمزة لأنها وقعت مفعولا
ليكتب فهي مصدرية، ويجوز كسرها على معنى أنه يكتب هذا اللفظ: أعني قوله: إنك أطعمتني
أرضك أبو السعود. قوله: (لأزرعها) اللام التعليل. قوله: (فيخصص) قال في التبيين: لان الاطعام
إذا أضيف إلى ما لا يؤكل يعرف منه المراد به الاستغلال بالتمكين من الزراعة بخلاف لفظ الإعارة
فإنها تنتظم الزراعة والبناء والمراح ونصب الخيام، وعلى هذا ينبغي أن يكتب في كل فصل ما هو أدل
على المقصود فيقول في استعارة الأرض إنك أطعمتني كذا لأزرعها ما إشاء من غلة الشتاء والصيف ا ه‍.
بتصرف ط. قوله: (العبد المأذون يملك الإعارة) لأنها من صنيع التجار، وكذا الصبي المأذون. هندية.
وفي البزازية استعار من صبي مثله كالقدوم ونحوه إن مأذونا وهو ماله لا ضمان، وإن لغير
الدافع المأذون يضمن الأول لا الثاني، لأنه إذا كان مأذونا صح منه الدفع وكان التلف حاصلا
بتسليطه، وإن الدافع محجورا يضمن هو بالدفع والثاني بالأخذ لأنه غاصب انتهى. ويأتي تمامه قريبا

546
قوله والمحجور الخ أشار إلى أن المأذون لو استعار يضمن للحال إذ الاذن شمل الإعارة والاستعارة
فيظهر تصرفه في حق سيده، وأما المحجور فلا يملك شيئا من ذلك، لكنه إن استعار فقد سلطه المعير
على العارية، فلو استهلكها لا نظر في حق سيده لعدم إذنه في ذلك ويظهر في حق نفسه فيضمن بعد
العتق، هذا إذا كان المعير مطلق التصرف، فلو كان عبدا محجورا ومثله الصبي المحجور والمجنون لم
يصح تسليطه لحجره، فباستهلاك المستعير صار متلفا مال الغير بغير إذن معتبر ولا تسليط صحيح،
والحجر إنما يكون عن الأقوال لا عن الافعال كما يأتي فيضمنه في الحال. قوله: (بعد العتق)، لان
المعير سلطه على إتلافه وشرط عليه الضمان فصح تسليطه وبطل الشرط في حق المولى. درر. قوله:
(ولو أعار عبد محجور عبدا محجورا مثله) فعبد الأول فاعل أعار ومحجور صفته وعبد الثاني مفعول أعار
ومحجورا صفته.
قال في الهندية: صبي استعار من صبي شيئا كالقدوم ونحوه وذلك الشئ لغير الدافع فهلك
بيده: إن كان الصبي الأول مأذونا لا يجب على الثاني وإنما يجب على الأول، لأنه إذا كان مأذونا صح
الدفع وكان الهلاك بتسليطه، ولو كان ذلك الشئ للأول لا يضمن، وإن كان الأول محجورا عليه
يضمن هذا بالدفع ويضمن الثاني بالأخذ. ا ه‍. والظاهر أن الحكم كذلك في العبدين فتأمل إلا أن يحمل
ما هنا على أن المدفوع مال سيد الأول ط. قوله: ضمن الثاني بالاستهلاك لأنه أخذه بغير إذن فكان
غاصبا، ولا عبرة للإعارة لأنها مال الغير فكأنه استهلكه من يد صاحبه، وإنما يضمن الثاني للحال
لعدم التسليط من مالكها فيكون دينا متعلقا برقبته للحال فيباع فيه، بخلاف الأول لوجود التسليط من
المالك. كذا في الأشباه من كتاب الحجر ذكره بعض الفضلاء.
أقول: الذي ذكره في الأشباه: إذا أودع صبي محجور ومثله وهي ملك غيرهما فللمالك تضمين
الدافع أو الآخذ. قال في جامع الفصولين: وهي من مشكلات إيداع الصبي.
قلت: لا إشكال لأنه يضمنها الصبي لعدم التسليط من مالكها وهنا لم يوجد كما لا يخفى
انتهى. فتأمل. قوله: (ولو استعار ذهبا) أي حيث قامت القرينة على أنه يريد الانتفاع به مع بقاء عينه،
أما عند الاطلاق فيكون قرضا على ما تقدم فيضمنه بكل حال. قوله: (حفظ) الأولى الاتيان به مضارعا
بيانا ليضبط ط. قوله: (لم يضمن) أي المستعير لأنه لم يضيع، إذ للمستعير أن يعير. قوله: (وإلا
ضمن) لأنه ضيعه حيث وضعه عند من لا يعقل حفظه كذا في المحيط. درر. قوله: (لأنه إعارة)
تعليل لعدم الضمان، وأما ضمانه فيما إذا كان الصبي لا يضبط فلانه إضاعة فيكون به متعديا، وهذا
إذا فارق الصبي، أما عند عدم المفارقة ينبغي أن لا يضمن لعدم التضييع إلا إذا كان بإتلاف الصبي.
قوله: (والمستعير يملكها) أي الإعارة فلا يكون مضيعا. قوله: (وضعها) أي المستعير. قوله: (بين
يديه) أي يدي المستعير. قوله: (وضمن لو نام مضطجعا) هذا في الحضر، وأما في السفر لا يضمن
نام قاعدا أو مضطجعا والمستعار تحت رأسه أو بين يديه أو بحواليه لأنه يعد حافظا، وفي غير السفر لو

547
جعله تحت رأسه لا يضمن لأنه حافظ، ألا يرى أن السارق من تحت رأس النائم يقطع وإن كان في
الصحراء كما في البزازية.
قال في جامع الفصولين: المستعير إذا وضع العارية بين يديه ونام مضطجعا ضمن في حضر لا
في سفر ولو نام فقطع رجل مقود الدابة في يده لم يضمن في حضر وسفر، ولو أخذ المقود من يده
ضمن لو نام مضطجعا في الحضر، وإلا فلا. ا ه‍.
وفي البزازية: نام المستعير في المفازة ومقودها في يده فقطع السارق المقود لا يضمن وإن جذب
المقود من يده ولم يشعر به يضمن. قال الصدر الشهيد: هذا إذا نام مضطجعا، وإن جالسا لا يضمن
في الوجهين، وهذا لا يناقض ما مر أن نوم المضطجع في السفر ليس بترك للحفظ، لان ذاك في نفس
النوم وهذا في أمر زائد على النوم ا ه‍.
وفيها: استعار مرا للسقي واضطجع ونام وجعل المر تحت رأسه لا يضمن لأنه حافظ، ألا ترى
أن السارق من تحت رأس النائم يقطع وإن كان في الصحراء وهذا في غير السفر، وإن في السفر لا
يضمن نام قاعدا أو مضطجعا والمستعار تحت رأسه أو بين يديه أو بحواليه يعد حافظا ا ه‍. ومثله في
الوجيز، لكن زاد في الخانية بعد قوله: ولو أن السارق حل المقود في يده وذهب بالدابة ولم يعلم به
المستعير كان ضامنا، لأنه إذا نام على وجه يمكن حل المقود من يده وهو لا يعلم يكون تضييعا الخ.
أقول: ولعل مراده بوجه التضييع النوم مضطجعا كما أشار إليه بعد، وقدمناه موضحا فلا تنسه.
قوله: (ليس للأب إعارة مال طفله) هذا ما عليه العامة وإجازة بعضهم، وليس له أن يعير نفس الولد
كما ذكره شمس الأئمة في شرح كتاب الوكالة. وأما الصبي المأذون إذا أعار ماله صحت الإعارة كما
في الخانية.
وفي الهندية: وذكر شمس الأئمة في أول شرح الوكالة أن الأب يعير ولده، وهل له أن يعير
مال ولده، بعض المتأخرين من مشايخنا قالوا له ذلك، وعامة المشايخ على أن ليس له ذلك. كذا في
المحيط. فإن فعل وهلك كان ضامنا ا ه‍. لكن في أحكام الصغار للاستروشني من مسائل العارية أن
جواز إعارة ولده إذا كان في تعليم الحرفة بأن دفعه إلى أستاذه ليعلمه الحرفة ويخدم أستاذه، أما إذا كان
بخلاف ذلك لا يجوز ا ه‍. قوله: (لعدم البدل) أي لأنه تصرف بلا بدل. قوله: (وكذا القاضي) مخالف
لما في الهندية حيث قال: وفي شرح بيوع الطحاوي للقاضي أن يعير مال اليتيم. كذا في الملتقط.
ولعل الفرق أن القاضي عنده قدرة الاستيفاء بخلاف الأب، إلا أنه لا مصلحة للولد فيه بل يكون
ضررا محضا بالهلاك فإنها لا تضمن به ا ه‍ ط.
أقول: وهذا نظير إقراض مال اليتيم فإن للقاضي ذلك دون أبيه، وعللوه بما علل به
الطحاوي، فتأمل. قوله: لكن في المجتبى وغيره أنه يضمن وبه جزم في البزازية حيث قال: لأنه
أخذ بلا إذنه ا ه‍.

548
أقول ووجهه ظاهر، لأنه وعده بالإعارة ولم يعره ولم يأذن له بالأخذ.
قال في البزازية: ولو استعار من آخر ثوره غدا فقال نعم فجاء المستعير غدا وأخذه فهلك لا
يضمن لأنه استعار منه غدا وقال نعم فانعقدت الإعارة، وفي المسألة الأولى وعد الإعارة لا غير ا ه‍.
أقول: وبهاتين الصورتين اللتين صورهما البزازي ظهر أنهما مسألتان مختلفتان لا مسألة واحدة
فيها قولان: أولاهما الضمان. وثانيهما عدمه، لان وجه الضمان في الأولى كما علمته أنه وعد ولا
يجب الوفاء به فبأخذه يكون متعديا فيضمن، ووجه عدم الضمان في الثانية أنه عقد الإعارة وبين وقت
الاعطاء فبأخذه يكون مأذونا فلا يضمن، ولعل ما قاله الطحطاوي على عبارة الشارح من أنهما قولان،
وعزا في الهندية الأول إلى مجموع النوازل، والثاني إلى فتاوى أبي الليث على الصورة الثانية، فليس هما
قولين بل هما مسألتان كما علمت، فتأمل. قوله: (جهز ابنته) أي الكبيرة، أما لو اشترى لها في
صغرها فلا سبيل للورثة عليه ويكون للبنت خاصة. أفاده المصنف. قوله: (لا يقبل قوله) يعني سواء
كان ذلك في حياتها أو بعد موتها. قوله: (أو تارة وتارة) عطفه بأو ليفيد أنه غير ما قبله، وليس كذلك
بل هو صادق بصورتين، إذ الثانية تصدق بنفي الموضوع، فمعناه لم يعرف أصلا أو عرف تارة وتارة أو
أن أو بمعنى بل. قوله: (به يفتى) وقيل لا يصدق في أنه عارية إلا أن يشهد بها عند التجهيز، وقيل
يصدق مطلقا لأنه هو الدافع، فما لم يقر بالتمليك يكون القول قوله، وقيل إن كان الأب من كرام
الناس وأشرافهم لا يقبل قوله في الإعارة وإن كان من أوساط الناس كان القول قوله. والمختار للفتوى
أنه إن كان العرف مستمرا أن الأب يدفع ذلك الجهاز ملكا لا إعارة لا يقبل قوله، وإن كان العرف
مشتركا فالقول قول الأب مع يمينه. وقد أفاده الشارح بقوله مما يجهز به مثلها وأفتى قارئ الهداية
بقوله القول قول الأب والام أنهما لم يملكاها وإنما هو عارية عندكم مع اليمين إلا أن تقوم دلالة أن
الأب والام يملكان مثل هذا الجهاز للابنة ا ه‍. وتقدم الكلام على ذلك مستوفى في باب المهر، فراجعه
إن شئت. قوله: (فإن القول له) ظاهره أن القول له حينئذ في الجميع لا في الزائد على جهاز المثل،
وليحرر سيدي الوالد رحمه الله تعالى، لكن خالفه الرحمتي بقوله: فإن القول له: أي فيما زاد على ما
يجهز به مثلها ا ه‍. فتأمل وراجع. قوله: (وولي الصغيرة) أي إذا جهزها بجهاز. قوله: (فيما ذكر) أي
في اعتبار العرف وهذا الحكم في الام والولي بحث لابن وهبان. قال العلامة عبد البر: وفي الولي
عندي نظر: أي فإن الغالب من حاله العارية، بخلاف الأبوين لمزيد شفقتهما، ولكن حيث كان العرف
مستمرا أن الولي يجهز من عنده فلا نظر، وذكر المصنف في باب المهر أن الام كالأب وأن حكم الموت
كحكم الحياة ط. قوله: (وفيما يدعيه الأجنبي) أي من أنه أعار المتوفى هذا الشئ لا يصدق إلا ببينة،
وله أن يحلف الوارث إن أنكر على العلم كما هو الحكم في نظائرها ط. والأظهر من هذا أن يقال:
والحكم فيما يدعيه الأجنبي كذلك: أي لو جهزها الأجنبي ثم ادعى أنه عارية بعد موتها لا يقبل قوله
إلا ببينة، لان الظاهر أنه لا يجهزها ويتركه في يدها إلى الموت إلا بمالها، بخلاف الأب والام فإنهما
يجهزانها بمال أنفسهما، لكن يكون ذلك تمليكا تارة وتارة عارية، ولذا قال شارح الوهبانية: وفي الولي

549
عندي نظر الخ: أي في جعله كالأب والام لان الظاهر في غيرهما أنه لا يجهزها إلا بمالها. قوله:
(كالمودع إذا ادعى الرد) وكذا الوصي إذا ادعى دفعها: أي دفع الأمانة المعينة إلى ربها، ولو أنكر لا
يمين. حموي. أما المرتهن فلا يقبل قوله في الرد كما في جامع الفصولين. قوله: (والوكيل) كالوكيل
بالبيع مثلا إذا ادعى هلاك الأمانة أو تسليمها إلى ربها كان القول قوله مع اليمين ا ه‍. بيري. والأولى أن
يقول: إذا ادعى هلاك المبيع أو الثمن أو ورد المبيع إلى الموكل ط. قوله: (والناظر) قال بعض
الفضلاء: ينبغي أن يقيد ذلك بأن لا يكون الناظر معروفا بالخيانة كأكثر نظار زماننا، بل يجب أن لا
يفتوا بهذه المسألة قاتلهم الله ما ألعنهم ا ه‍. قال بعض الفضلاء: والتقييد بالموقوف عليهم ربما يفيد أنه
إذا ادعى دفع ما هو كالأجرة مثل معلوم الفراش والمؤذن والبواب وغيرهم من أرباب الجهات لا يقبل
قوله إلا ببينة، وبه أفتى شيخ الاسلام أبو السعود العمادي مفتي السلطنة العلية.
وصورة السؤال: هل إذا ادعى المتولي دفع علة الوقف إلى من يستحقها شرعا هل يقبل قوله في
ذلك أم لا؟ الجواب: إن ادعى الدفع إلى من عينه الواقف في الوقف كأولاده وأولاد أولاده يقبل قوله
بيمينه، وهو المراد بقولهم الموقوف عليهم لعدم ملاحظة جانب الإجارة فيهم، وإن ادعى الدفع إلى
الامام بالجامع والبواب ونحوهما لا يقبل قوله، كما لو استأجر شخصا للبناء بالجامع بأجرة معلومة ثم
ادعى تسليم الأجرة له فإنه لا يقبل قوله ا ه‍. قال الشيخ محمد الغزي التمرتاشي: وهو تفصيل حسن
خصوصا في زماننا اه‍.
وقال المولى عطاء الله أفندي في مجموعته: سئل شيخ الاسلام زكريا أفندي عن هذه المسألة:
يعني مسألة قبول قوله فأجاب بأنه إن كانت الوظيفة في مقابلة الخدمة فهي أجرة لا يد للمتولي من
إثبات الأداء بالبينة وإلا فهي صلة وعطية يقبل في أدائها قول المتولي مع يمينه. وأفتى من بعده من
المشايخ الاسلامية إلى هذا الزمان على هذا متمسكين بتجويز المتأخرين الأجرة في مقابلة الطاعات، لكن
قال التمرتاشي في كتابه شرح تحفة الاقران بعد ذكر هذه الفتوى: وهو فقه حسن غير أن علماءنا
على الافتاء بخلافه ا ه‍.
قلت: فالمذكور في الاسعاف والخصاف ووقف الكرابيسي والأشباه من الأمانات والزاهدي عن
وقف الناصحي وغيره أنه يقبل قوله في الدفع إلى الموقوف عليهم بدون تفصيل في ذلك، إلا أن يحمل
على الذرية لا على المرتزقة فيحصل التوفيق بين الكلامين بلامين، وقد اعتمد تفصيل المولى أبي السعود
ابن التمرتاشي المذكور في كتاب الزواهر على الأشباه والنظائر لكن بدون عزو إلى كتاب كما ذكره
الشارح هنا عن أخي زاده على صدر الشريعة بالزيادة التي ذكرها، وهي أنه لا يضمن ما أنكروه بل
يدفعه ثانيا من مال الوقف، فليحفظ.
قال العلامة الخير الرملي في حاشيته على البحر: والجواب عما تمسك به العمادي أنها ليس لها
حكم الإجارة من كل وجه، وقد تقدم أن فيها شوب الأجرة والصلة والصدقة، ومقتضى ما قاله أنه
يقبل قوله في حق براءة نفسه لا في حق صاحب الوظيفة لأنه أمين فيما في يده، فيلزم الضمان في
الوقف لأنه عامل له وفيه ضرر بالوقف، فالافتاء بما قاله العلماء متعين، وقول الغزي هو تفصيل في

550
غاية الحسن فليعمل به في غير محله، إذ يلزم منه تضمين الناظر إذا دفع لهم بلا بينة لتعديه فافهم ا ه‍.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: تفصيل المولى أبي السعود في غاية الحسن باعتبار التمثيل
بالأجرة إذا استعمل الناظر رجلا في عمارة يحتاج إلى البينة في الدفع له فهي مثلها، وقول العلماء
محمول على الموقوف عليهم من الأولاد لا أرباب الوظائف المشروط عليهم العمل، ألا ترى أنهم إذا لم
يعملوا لا يستحقون الوظيفة، فهي كالأجرة لا محالة، وهو كأنه أجير فإذا اكتفينا بيمين الناظر يضيع
عليه الاجر لا سيما نظار هذا الزمان، والله المستعان ا ه‍. وهل يقبل قوله بعد عزله؟ فقد أفتى بعض
المحققين بأنه يقبل قوله في الدفع للمستحقين مع يمينه ما دام ناظرا ا ه‍. لكن في حاشية الأشباه من
كتاب الأمانات قال بعض الفضلاء: إنه يقبل قوله في النفقة على الوقف بعد العزل ويخرج منه قبول
قوله في الدفع للمستحقين بعد التأمل، فإنه قال: لم يتعرض المصنف لحكم المتولي بعد العزل هل يقبل
قوله في النفقة على الوقف من المال الذي تحت يده أم لا؟ لم أره صريحا، لكن ظاهر كلامه أن قوله
مقبول في ذلك إذا وافق الظاهر لتصريحهم بأن القول قول الوكيل بعد العزل في دعواه إنه باع ما وكل
في بيعه وكانت العين هالكة، وفيما إذا ادعى أنه دفع ما وكل بدفعه في براءة نفسه وأن الوصي لو
ادعى بعد موت اليتيم أنه أنفق عليه كذا يقبل قوله، وعللوه بأنه أسنده إلى حالة منافية للضمان، وقد
صرحوا بأن المتولي كالوكيل في مواضع.
ووقع خلاف في أن المتولي وكيل الواقف أو وكيل الفقراء فقال أبو يوسف بالأول، وقال محمد
بالثاني.
ومما هو صريح في قبول قول الوكيل ولو بعد العزل فرع: في القنية قال: وكله وكالة عامة بأن
يقوم بأمره وينفق على أهله من مال الموكل ولم يعين شيئا للانفاق بل أطلق ثم مات الموكل فطالبه الورثة
ببيان ما أنفق ومصرفه: فإن كان عدلا يصدق فيما قال، وإن اتهموه حلفوه وليس عليه بيان جهات
الانفاق، ومن أراد الخروج من الضمان فالقول قوله، وإن أراد الرجوع فلا بد من البينة انتهى. هذا
صريح في قبول قوله في دعوى الانفاق ولو بعد العزل، وتحقيقه أن العزل لا يخرجه عن كونه أمينا
فينبغي أن يقبل قول الوكيل بقبض الدين أنه دفعه لموكله في حياته في حق براءة نفسه كما أفتى به
بعض المتأخرين كما تقدم ا ه‍ ما في الحموي.
ويستنبط من ذلك أن الناظر يصدق بيمينه في الدفع للمستحقين بعد عزله، كالوكيل في قبض
الدين إذا مات الموكل وصدقته الورثة في القبض وكذبوه في الدفع فالقول قوله بيمينه، لأنه بالقبض
صار المال في يده وديعة، فتصديقهم له بعد اعترافهم بأنه مودع كاف، فإن حلف برئ، وإن نكل
لزمه المال كما يأتي قريبا الكلام عليه. وقد أفتى المرحوم الوالد بأنه يصدق بيمينه ما دام ناظرا ولم يذكر
نقلا، والمسألة تحتاج إلى نقل صريح من كتاب صحيح حتى يطمئن القلب في الجواب القبول أو عدمه
بما يرى في الكتاب، والله الموفق للصواب. قوله: (يعني من الأولاد والفقراء) بيان للموقوف عليهم.
قوله: (وأمثالهما) كالعلماء والأشراف. وقيل المراد بالأمثال أولاد الأولاد النسل والعقب والأقارب
والعنقاء. وقال بعض الفضلاء: ينبغي أن يقيد بأن لا يكون الناظر معروفا بالخيانة كأكثر نظار زماننا،
بل يجب أن لا يفتوا بهذه المسألة كما قدمناه قريبا، ونقله ط عن الحموي. قوله: (المرتزقة) مثل الامام

551
والمؤذن والبواب والفراش لان له شبها بالأجرة، بخلاف الأولاد ونحوهم لأنه صلة محضة.
قال ط: والفرق أن استحقاق نحو الأولاد لم يكن بمقابلة عمل فكان صلة محضة، بخلاف
استحقاق الامام ونحوه فإن له شبها بالأجرة، وشبه المفتي أبو السعود ذلك بما إذا استأجر شخصا
للبناء في الجامع بأجرة معلومة ثم ادعى تسليم الأجرة إليه فإنه لا يقبل قوله كما قدمناه آنفا. قوله:
(لكن لا يضمن ما أنكروه له الخ) أي عدم قبول قوله إنما هو في حقهم فلا يلزمهم وصول ما ادعى
إيصاله إليهم بدون بينة، لان ما يأخذونه صلة من وجه وفيه شبه الأجرة، فاعتباره لا يسقط حقهم
بمجرد قوله لكنه أمين في حق ما في يده من المال فلا يلزمه الضمان، وحينئذ يدفعه لهم ثانيا من مال
الوقف لان حيث لم يسقط حقهم وهو متعلق بالوقف ولم يضمن هو ما تلف في يده لكونه أمينا لم يبق
إلا الرجوع على الوقف ثانيا. قوله: (وأقره ابنه) بل قال في حاشية الأشباه وهو تفصيل حسن
خصوصا في زماننا انتهى قوله: (مستحقها) أي الأمانات أو بعد موته.
أقول: أو إلى وكيله، قال الشارح في شرحه على الملتقى في أواخر الوقف: وكذا يقبل قوله: أي
الناظر لو ادعى الدفع للموقوف عليهم ولو بعد موتهم إلا في نفقة زائدة خالفت الظاهر ا ه‍.
قال في شرح تحفة الاقران: الوكيل بقبض الوديعة إذا قال له المودع دفعتها إليك والوكيل ينكر
صدق في حق دفع الضمان عن نفسه لا في إلزام الضمان على الوكيل. قوله: (إلا في الوكيل بقبض
الدين) أي من المدين، والصواب إسقاط في قيل على ما تحرر أنه يقبل قول الوكيل المذكور في حق نفي
الضمان عن نفسه لا في حق إيجاب الضمان على الغير لا يحتاج إلى استثناء هذه المسألة من الكلية، إلا
أن يقال: استثناؤها بالاعتبار الثاني، وقد وهم في هذه المسألة كثيرون، وقد حررها الفاضل الحموي
هنا وفي كتاب الوكالة بما لا مزيد عليه.
قال بعض الفضلاء: وأفاد الحصر قبول القول مع وكيل البيع، يؤيده ما في وكالة الأشباه: إذا
قال بعد موت الموكل بعته من فلان بألف درهم وقبضتها وهلكت وكذبته الورثة في البيع فإنه لا
يصدق إذا كان المبيع قائما بعينه، بخلاف ما إذا كان هالكا ا ه‍. قوله: (إذا ادعى بعد موت الموكل) أما
إذا ادعى القبض والدفع للموكل حال حياته فأنكر الموكل يقبل قوله ولو كان فيه إيجاب الضمان على
الغير، ويقبل قوله أيضا في نفي الضمان عن نفسه فلا يرجع الغريم عليه، لان قبضه منه بالنسبة إليه
ثابت سواء صدقه في الدفع أو كذبه. ا ه‍. أبو السعود. قوله: (لم يقبل قوله) إذا كذبه الورثة في القبض
والدفع، وعدم قبوله حينئذ بالنسبة إلى إيجاب الضمان على الميت لان الديون تقضي بأمثالها، فبادعائه
الدفع إليه يوجب عليه مثل ما قبض ويلتقي قصاصا بماله على المدين وهو لا يملك ذلك، لأنه بموت
الموكل انعزل عن الوكالة، وقد حكى أمرا لا يملك استئنافه، وفيه إيجاب الضمان على الغير فلا يصدق
في ذلك، وصرحوا في كتاب الوكالة أنه إذا صدق المديون وكيل الغائب في الوكالة صار المال المدفوع

552
إليه أمانة لتصديقه عليها فانتفى رجوعه عليه، فلو أقام بينة على الدفع للوكيل قبلت واندفعت الورثة
وإذا صدقه الورثة في القبض والدفع فالامر ظاهر. وإذ صدقه الورثة في القبض أو ثبت ببينة وكذبوه
في الدفع فالقول قوله، لأنه مودع بعد القبض لما نصوا عليه من أن الوكيل بقبض الدين يصير مودعا
بعد قبضه فيجري عليه أحكام المودع، فإذا صدقوه في القبض صاروا مقرين بأن المال في يده وديعة
ط.
أقول: وكذلك الوصي بعد عزله إذا قال قبضت ودفعته أو هلك مني وكذبه من له عليه الطلب
شرعا في القبض لم يقبل قوله إلا ببينة، لأنه بعد العزل لا يملك إنشاء القبض، وفيه إيجاب الضمان
على الغير إذ الديون تقضي بأمثالها، ومن حكى أمرا لا يملك إنشاءه وفيه إيجاب الضمان على الغير لا
يقبل قوله، ولو لم يكن معزولا وكان له ولاية القبض بأن كان وصي الميت مطلقا أو القاضي وأذن له
في القبض قبل قوله في ذلك، فقد صرح في التتارخانية بأن الوصي إذا أقر باستيفاء الدين جاز وذلك
لأنه يملك إنشاء القبض وقد قل من حرر هذه المسألة بل لم أطلع على من حررها غيري، فتأمل. ذكره
العلامة الرملي.
فرع: الوصي إذ وفي الدين بعد ثبوته وأذن القاضي ثم ظهر دين آخر فإنه لا يرجع عليه وإنما
يشارك. والله تعالى أعلم. أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى في تنقيحه في الباب الثالث من كتاب
الوقف. قوله: (بخلاف الوكيل بقبض العين) هي أصل المسألة فلا يحتاج إلى هذه الزيادة. قوله: (في
حياته) أي الموكل. قوله: (لأنه ينفي الضمان عن نفسه) أي وليس المقصود هنا الايجاب على الموكل.
قوله: (وهو ضمان مثل المقبوض) الذي يقع به القصاص عما على المديون لان الديون تقضي بأمثالها.
قوله: (قلت وظاهره) أي ظاهر ما في الولوالجية. قوله: (لا في حق نفسه) أي فيضمن، ولا يبرأ
بدعواه الدفع إلى الميت، وهذا غير ظاهر منها، بل الظاهر من عبارته أنه لا يصدق في حق الموكل
خاصة بقرينة تعليله بقوله لأنه يوجب الضمان على الميت ط. قوله: (ولا في حق الموكل) في إيجاب
الضمان عليه بمثل المقبوض. قوله: (وقد أفتى بعضهم) هو من معاصري صاحب المنح كما ذكره
فيها. وذكر الرملي في حاشيتها: أنه هو الذي لا محيد عنه، وليس في كلام أئمتنا ما يشهد لغيره.
تأمل ا ه‍.
قال في الأشباه: كل أمين يدعي إيصال الأمانة إلى مستحقها قبل قوله كالمودع والوكيل والناظر
إلا في الوكيل بقبض الدين إذا ادعى بعد موت الموكل أنه قبضه ودفعه في حياته لم يقبل إلا ببينة،
بخلاف الوكيل بقبض العين، والفرق في الولوالجية ا ه‍.
وأقول: تعقبه الشرنبلالي أخذا من كلام الولوالجية وغيرها من كتب المذهب بأن دعوى الوكيل
الايصال تقبل لبراءته بكل حال. وأما سراية قوله على موكله ليبرأ غريمه فهو خاص مما إذا ادعى
الوكيل حال حياة موكله، وأما بعد موته فلا تثبت براءة الغريم إلا ببينة أو تصديق الورثة، إلى آخر ما
ذكره في الرسالة المسماة (بمنة الجليل في قبول قول الوكيل) كذا في حاشية أبي السعود.

553
قلت: وللعلامة المقدسي أيضا رسالة في هذه المسألة ذكرها الشرنبلالي في مجموعة رسائله عقب
الرسالة التي ألفها واستشهد بها على ما ادعاه، فارجع إلى تينك الرسالتين، فقد أشبعا الكلام فيهما،
جزاهما الله تعالى خيرا، وقدمنا ذلك في الوكالة فارجع إليه إن شئت، وقدمنا أن الغريم إن صدق أنه
وكيل لا يرجع عليه إن ضاع إلا إذا ضمنه وقت الدفع للقدر المأخوذ ثانيا أو قال له قبضت منك على
أني أبرأتك من الدين.
والحاصل: أنه أمين فيصدق في نفي الضمان عن نفسه فلا رجوع للورثة عليه بالدين ولا للدافع
بعد حلفه، لأنه إنما دفع إليه بناء على أنه أمين لأنه وكيل الدائن في القبض ولا ضمان عليه، ولا
يسقط دين الموكل عن مديونه لان معنى قضاء الدين لزوم مثله للمديون على دائنه بدفعه إياه عند
القضاء فتقع المقاصة بذلك، لان الدين وصف بالذمة لا يمكن قضاؤه فلا يصدق في دعواه لزوم الدين
في ذمة موكله بمجرد دعواه، إذ الأمين يقبل قوله في دفع الضمان لا في إلزام الغير، وهذه نظيرة ما
تقدمت من عدم نفاذ قول المتولي دفعت إلى أرباب الوظائف ولا ضمان عليه.
ثم بعد كتابتي هذا المحل وجدت سؤالا رفع إلى الخير الرملي مذكورا في فتاويه: سئل: فيما إذا
وكلت زوجها في قبض مال فقبضه ودفعه لها ثم ماتت فهل يقبل قوله بيمينه في دفع ذلك أم لا؟
أجاب: إن كان الموكل فيه قبض وديعة ونحوها من الأمانات فالقول قوله بيمينه في القبض والدفع
لها، وإن كان قبض دين وأقرت بقية الورثة بالقبض وأنكرت الدفع فكذلك القول قوله بيمينه في
الدفع، وإن أنكرت القبض والدفع لا يقبل قوله إلا ببينة، وإذا لم تقم بينة رجعت الورثة بحصتها منه
على المديون ولا يرجع المديون على الزوج، لان قوله في براءة نفسه مقبول لا في إيجاب الضمان على
الميت والزوج فيما يخبر يوجب في ذمة الزوجة مثل دينها على الغريم لما تقرر أن الديون تقضى بأمثالها
وقد عزل عن الوكالة بموتها فهو لا يملك استئناف القبض، بخلاف ما إذا كانت حية أو كان الموكل
فيه وديعة، لأنه في الأول يملك الاستئناف فملك الاخبار. وفي الثاني ليس فيه إيجاب الضمان عليها
وهذه المسألة قد زلت فيها أقدام وانعكست فيها أفهام. وقد ذكر بعض معاصري مشايخنا أنها تحتاج إلى
التحرير واعتذر بعضهم عنه بضيق الوقت لا بالتقصير فقال: كان يختلج بخاطري كثيرا أن أجمع في
تحريرها كلاما يزيل إشكالا ويوضح مراما، لكن الوقت يضيق عن كمال التحقيق، ولكنني بفضل الله
تعالى ومنته وفقت لتحريرها على الأوجه الأتم، وأنزلت كل فرع منها منزلته في أصله، وكتبت على
بعض حواشي بعض الكتب ما حاصله:
اعلم أولا أن الوكيل بقبض الدين يصير مودعا بعد قبضه فتجري عليه أحكام المودع وأن من
أخبر بشئ يملك استئنافه يقبل قوله وما لا فلا، وأن الوكيل ينعزل بموت الموكل، وأن من حكى أمرا
لا يملك استئنافه إن كان فيه إيجاب الضمان على الغير لا يقبل قوله على ذلك الغير، وإلا يقبل، ومن
حكى أمرا يملك استئنافه يقبل وإن كان فيه إيجاب الضمان على الغير.
فإذا علمت ذلك فاعلم أنه متى ثبت قبض الوكيل من المديون ببينة أو تصديق الورثة له فالقول
قوله بالدفع بيمينه لان مودع بعد القبض، ولو كذبه الورثة في الدفع لأنهم بتصديقهم له في القبض
صاروا مقرين بأن المال في يده وديعة، وإذا لم يثبت القبض بأن أنكروا القبض والدفع لا يقبل قوله في
إيجاب الضمان على الميت، ويقبل قوله في براءة نفسه فترجع الورثة على الغريم ولا يرجع الغريم عليه،

554
لأنه لا يملك استئناف القبض لعزله بالموت وقبضه لدى الغريم ثابت، فهو بالنسبة إليه مودع والقول
قول المودع في الدفع بيمينه، وذلك لأنه مصدق له معه في الوكالة، وقد صرحوا في كتاب الوكالة أن
المدين إذا صدق وكيل الغائب في الوكالة صار المال المدفوع إليه أمانة لتصديقه عليها فانتفى رجوعه
عليه، فلو أقام المدين بينة على الدفع للوكيل قبل واندفعت الورثة، وإن صدق ورثة الوكيل في القبض
والدفع فالامر ظاهر عدم مطالبة الغريم وقد برئت ذمته بتصديقهم، فتأمل ذلك واغتنمه فإنه مفرد.
ولو أراد الوكيل تحليف الورثة على نفي العلم بالقبض والدفع أو أراد المديون ذلك فله ذلك ولو ضمنوا
المديون بعد الحلف وأراد أن يحلف الوكيل على الدفع للموكل الظاهر أن له ذلك، لما تقرر أن الوكيل
بالقبض خصم ومن أن المال في يده أمانة، وكل أمين ادعى إيصال الأمانة إلى مستحقها فالقول قوله،
وأن كل من قبل قوله فعليه اليمين، وقوله في حق براءة نفسه مقبول وإن لم يقبل في حق إيجاب
الضمان على غيره.
وأيضا كل من أقر بشئ يلزمه فإنه يحلف إذا هو أنكره إلى غير ذلك من الضوابط والقواعد
ولأن المديون له أحد المالين إما الذي دفعه للوكيل وإما للورثة، والذي دفعه للورثة إذا عادوا إلى
تصديق الوكيل يسترده، وكذلك الذي دفعه للوكيل إذا أقر الوكيل بعد أن دفعه المديون للورثة بأنه لم
يدفعه للموكل وأنه باق عنده أو استهلكه يرده على الدافع.
هذا ما ظهر لي من كلامهم وتفقهت فيه، ولم أر من أشبع القول في المسألة ولا من أعطاها حقها
في الاستقصاء، وأرجو الله تعالى أن يكون هذا التفقه صوابا، والله تعالى أعلم. ا ه‍. قوله: (أنه يصدق
في حق نفسه) أي فيبرأ. قوله: (لا في حق الموكل) أي فلا يجب عليه شئ حتى يلتقي قصاصا بما
على المديون، ويلزم من هذا أن المديون لا يبرأ لعدم تصديق الوكيل في حق الموكل، وليس للمديون
الرجوع على الوكيل حيث صدقه في الوكالة كما سلف. قوله: (فيتأمل عند الفتوى) هذا إنما يحتاج
إليه إذا كان ظاهر الولوالجية ما ذكره وليس س بظاهرها فيتعين ما أفتى به البعض، فتأمل. قوله: (ليس
للورثة الرجوع) أي على المستعير الموصى له سواء كانت مطلقة أو مؤقتة، ومحله إذا كانت تخرج الرقبة
من الثلث، وقيل بعد موت الموصي، فلو لم يقبل بعده بطلت كما ذكروه في الوصية بالخدمة
والسكنى. قوله: (تفسخ بموت أحدهما) فلورثة المعير الرجوع، وليس لورثة المستعير الانتفاع، حتى لو
استعملوها فهلكت ضمنوا وهذه فائدة الفسخ كما لا يخفى ط. قوله: (بغير عينها) يعني لم تعلم
عينها: أي بأن مات مجهلا لها. قوله: (فالتركة بينهم) أي بين المعير والغرماء بالحصص إن لم توف
التركة بالكل لأنها صارت مضمونة عليه فكانت كبقية الديون. قوله: (استأجر بعيرا إلى مكة فعلى
الذهاب) لان إلى للغاية وجعل غاية الاستئجار مكة، ولو قال له أعرني هذا البعير لأذهب به إلى مكة
كان على المستعير أن يرد العارية إلى المعير حيث أخذها منه وكانت العارية على الذهاب والرجوع عرفا.
رحمتي.

555
أقول: الفرق بين الإجارة والاستعارة أن الاستعارة تمليك المنفعة بلا عوض، وفي التبرع تجري
المسامحة، فأما الإجارة فتمليك بعوض ومبني ذلك المضايقة. كذا في فروق المحبوبي. قوله: (لان ردها
عليه) أي وهو لا يتمكن من الرد إلا بالمجئ، بخلاف الإجارة فإن مؤنة الرد على المالك، وهذا فرق
آخر غير الذي قدمناه قريبا عن المحبوبي.
وفي الهندية: لو استعارها ليحمل عليها كذا منا من الحنطة إلى البلد وهلكت الحنطة في الطريق
فله أن يركبها إلى البلد، وفي العود أيضا إلى منزل المعير ا ه‍. قوله: (لأنه أعارها للذهاب لا للامساك)
أي فكان به متعديا، لكن قد يقال: إنه خالف إلى خير فلا يكون متعديا، إلا أن يقال: إن إمساك
الدابة في المكان ضرر بها عادة، فتأمل. قوله: (لأنه عارية عرفا) أي وهلكت من غير تعد من المستعير
فلا تضمن، لان القرض إنما يكون في المثليات واستقراض غيرها فاسد يحرم تعاطيه، وفعل المسلم
يحمل على الصلاح ما أمكن، والعارية والقرض ينوب كل منهما عن الآخر استعمالا، فكما أن عارية
المثلي الذي لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه قرض فكذا استقراض العين التي ينتفع بها ثم ترد إلى
صاحبها عارية وهي أمانة لا تضمن. أفاده بعض الفضلاء. قوله: (بلا عوض) أي وهنا قد جعل له
عوضا وهو كون البناء الذي أحدثه المستعير له. قوله: (بجهالة المدة) وكذا البدل لان قدر ما ينفقه في
العمارة غير معلوم حال عقد الإعارة والفاسد يجب فيه أجر المثل بالانتفاع وقد حصل. وعبارة البحر
عن المحيط: لجهالة المدة والأجرة، لان البناء مجهول فوجب أجر المثل ا ه‍. فأفاد أن الحكم كذلك لو
بين المدة لبقاء جهالة الأجرة وهو ظاهر ا ه‍.
قال في البزازية: دفع داره على أن يسكنها ويرمها ولا أجر فهي عارية لان المرمة من باب النفقة
وهي على المستعير، وفي كتاب العارية بخلافه ا ه‍.
أقول: الذي يظهر التفرقة بين استعارة الأرض ليبني فيها ويكون البناء للمالك، فهي إجارة
فاسدة يجب فيها أجر المثل والبناء لصاحبه وبين استعارة الدار ليسكنها ويرمها فهي عارية لما ذكر،
والوجه ظاهر. قوله: (وكذا لو شرط الخراج) أي خراج المقاسمة أو الموظف على المستعير فإنها تكون
إجارة فاسدة، لان الخراج على المعير، فإذا شرطه على المستعير فقد جعله بدلا عن المنافع، فقد أتى
بمعنى الإجارة والعبرة للمعاني في العقود، وتكون إجارة فاسدة لان قدر الخراج مجهول. أما إذا كان
خراج المقاسمة فظاهر لأنه بعض الخارج والخارج يزيد وينقص. وأما إذا كان خراجا موظفا فإنه وإن
كان مقدرا إلا أن الأرض إذا لم تحتمل ذلك القدر ينقص عنه، وجهالة البدل في الإجارة تفسد الإجارة
ا ه‍. منح عن مجمع الفتاوى. قوله: (والحيلة) أي في صحة كون الخراج على المستعير قوله: (أن
يؤجره) أي من أراد العارية. قوله: (منه) أي من ذلك البدل فإنه جائز فإنه وكله بأداء ما عليه من مال

556
له عليه ا ه‍. منح. قوله: (إن علم رضا صاحبه) فإن علم عدم رضاه ينبغي أن لا يصلحه لأنه تصرف
في ملك الغير بغير إذنه.
قال ابن وهبان: ولا شك أن خطه ذلك إن كان يناسب خط الكتاب وهو يقطع أن الصواب
فيما يصلحه وأصلحه لا يكره صاحب الكتاب ذلك إن كان عاقلا، وينبغي للمستعير إذا لم يكن خطه
مناسبا أن يكتب الاصلاح في ورقة ويضعها في الكتاب ويعلم عليه ليعلم به صاحبه فيصلحه، لان
إصلاح كتب العلم من القربات وإلا فلا يفعل، فلو فعل ينبغي أن يضمن، وإن لم يقطع بالغلط راجع
أعلم منه أو نسخة أصح ا ه‍. ومثل المستعير المستأجر.
وفي الحديث من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما نظر في النار وهو محمول عند أهل
العلم على كتب الرسائل، أما كتب العلم فينبغي أن يجوز النظر فيها إذا كانت لا تتضرر بالنظر
والتقليب، وعادة الناس في ذلك المساهلة والمسامحة، والاحتياط عدم النظر إلا بأمر ا ه‍. عبد البر.
قوله: (بخط مناسب) يفهم منه أنه لا يصلحه بخط ردئ ينقص قيمته، لأنه لم يتعين إصلاحه به بل
يمكن إصلاحه بمن له خط يناسبه وهذا في زمانهم. أما في زماننا فلا يصلحه إلا بعد تحقق فساد ما
يريد إصلاحه لا بمجرد فهمه القاصر وإن اعتقد أنه مصيب، لأنه سبب الجهل يظن المستقيم خطأ
فيفسده بإصلاحه، وقد عايناه كثيرا.
والحاصل أنه إن علم أن صاحبه يكره إصلاحه لا يفعل، لان التصرف في ملك الغير لا يجوز،
وإن علم أنه لا يكره إصلاحه وكان خطه يناسب الكتاب وهو يقطع بالصواب فيما يصلحه له ذلك،
وإلا راجع من هو أعلم منه أو نسخة صحيحة أو كتب في ورقة ويضعها في الكتاب ليكتب بخط
مناسب، لان إصلاح كتب العلم من القربات، ولا يأثم بترك الاصلاح إلا في القرآن العظيم، لأنه
واجب الاصلاح بخط مناسب. قوله: (ففي الوهبانية) في نسخ بالفاء، ولا يظهر تفريعه إلا بالنظر إلى
أول المسألة وهو قوله استعار كتابا الخ. وفي نسخ بالواو وهي ظاهرة، وثبت في بعض النسخ بعد
البيت الأول وفي معاياتها:
وأي معير ليس يملك أخذ ما * أعار وفي غير الرهان التصور
قوله: (وسفر) بكسر السين: اسم الكتاب المستعار فإنه تقدم الكلام عليه قريبا. قوله: (وأي
معير الخ) يعني أي معير أعار ملكه لغير الرهن ولا يملك استرجاعه. فالجواب أنها أرض أجرها
المالك للزراعة ثم أعارها من المستأجر وقد زرعها فإنه لا يملك استرجاعها لما فيه من الضرر، وتفسخ
الإجارة من حين الإعارة، ويلزم المزارع أجرة المثل من وقت الرجوع كما في شرح الشرنبلالي عليها.
وكذا معير أمة لارضاع الصغير ولا يجد غيرها أو لا يأخذ إلا ثديها فلا يستردها إلى أن يتم
الرضاع، وله أجر مثلها.

557
وكذا من أعار دابة وطلبها من مكان لا يجد فيه ما يكتري، وقد تقدم ذلك كله، وإنما قيد بغير
الرهن لان من أعار متاعه ليرهنه المستعير لا يسترده إلا بعد قضاء دين المرتهن كما تقدم، ويأتي في
الرهن ا ه‍. قوله: (وهل واهب لابن) أي من النسب. قوله: (يجوز رجوعه) أي رجوع الأب فيما
وهب لابنه.
وصورته: وهب لابنه الرقيق شيئا فإنه يجوز له الرجوع فيه، لان الرقيق لا يملك وتقع الهبة
لسيده فتكون لأجنبي فيثبت له حق الرجوع، وتمام هذا البيت.
ومن غارم إطعام عبد قراضه * وإيجار قوم للحمولة محظر
وصورته: استأجر قوما لحمل جنازة وهناك من يحملها بغير أجر فتحظر هذه الإجارة. قوله:
(وهل مودع ما ضيع المال يخسر) هو ما إذا دفع المال لرجل وقال ادفعه لفلان بعد موتي وصية مني إليه
وكان المذكور وارثا له فدفعها إليه بعد موته ضمن.
ومثله لو قال: ادفع لقاتلي لعدم صحة الوصية إليهما فصار المال للورثة بموت المودع وكان الامر
فيه لهم لا له فبدفعه صار دافعا بغير إذن المالك وقت الدفع والآذن قد بطل إذنه بموته قوله: (ما
ضيع المال) فيه تسامح لأنه دفعه بغير إذن مالكه، وهو تضييع لانقضاء إذن الآذن بموته وخروج المال
عن ملكه ودخوله في ملك الوارث لعدم صحة الوصية للوارث والقاتل، ومن انتقل المال إلى ملكه لم
يأذن له بالدفع لكنه حيث دفع للوارث ينبغي أن يضمن ما زاد على قدر نصيبه فليتأمل. والظاهر أن له
الرجوع على من دفع إليه، وهذا عجز بيت وصدره:
ومن غارم إطعام عبد قراضه
وصورته: مضارب اشترى عبدا بألفين ومال المضاربة ألف فإنه بإنفاقه عليه يكون متبرعا، لأنه لم
يبق في يده شئ من المال فالنفقة استدانة على المال وإنه لا يملكها إلا أن يرفع الامر إلى القاضي فيأذن
له فيكون له الرجوع.
فروع: إذا مات المستعير أو المعير تبطل الإعارة. خانية.
استعار من آخر شيئا فدفعه ولده الصغير المحجور عليه إلى غيره بطريق العارية فضاع يضمن
الصبي الدافع وكذا المدفوع إليه. تتارخانية عن المحيط.
رجل استعار كتابا فضاع فجاء صاحبه وطالبه فلم يخبر بالضياع ووعده بالرد ثم أخبره بالضياع:
قال في بعض المواضع: إن لم يكن آيسا من رجوعه فلا ضمان عليه، وإن كان آيسا ضمن، لكن
هذا خلاف ظاهر الرواية. قال في الكتاب: يضمن لأنه متناقض. ولوالجية.
وفيها: دخل بيت بإذنه فأخذ إناء لينظر إليه فوقع لا يضمن ولو أخذه بلا إذنه، بخلاف ما لو
دخل سوقا يباع فيه الاناء يضمن ا ه‍.
جاء رجل إلى مستعير وقال إني استعرت دابة عند حر من ربها فلان فأمرني بقبضها فصدقه
ودفعها ثم أنكر المعير أمره ضمن المستعير ولا يرجع القابض، فلو كذبه أو لم يصدقه أو شرط عليه
الضمان فإنه يرجع. قال: وكل تصرف هو سبب للضمان لو ادعى المستعير أنه فعله بإذن المعير وكذبه
المعير ضمن المستعير ما لم يبرهن. فصولين.

558
وفيه: استعاره وبعث قنه ليأتي به فركبه قنه فهلك به ضمن القن ويباع فيه حالا، بخلاف قن
محجور أتلف وديعة قبلها بلا إذن مولاه ا ه‍.
لو ذهب إلى مكان غير المسمى ضمن ولو أقرب منه، وكذا لو أمسكها في بيته ولم يذهب إلى
المسمى ضمن، لأنه أعارها للذهاب لا للامساك في البيت.
يقول الحقير: يرد على المسألتين إشكال، وهو أن المخالفة فيهما إلى خير لا إلى شر، فكأن الظاهر
أن لا يضمن فيهما، ولعل في المسألة الثانية روايتين.
إذ قد ذكر في التجريد: لو استأجر قدوما لكسر الحطب فوضعه في بيته فتلف بلا تقصير قيل (1)
وقيل لا، والمكث المعتاد عفو. نور العين.
استعار دابة غدا إلى الليل فأجابه صاحب الدابة بنعم ثم استعارها غدا آخر إلى الليل، فأجاب
بنعم فإن الحق يكون للسابق منهما، وإن استعارا معا فهي لهما جميعا هندية عن خزانة الفتاوى.
وفيها: استعار دابة ليحمل عليها حنطة فبعث المستعير الدابة مع وكيله ليحمل عليها حنطة
فحمل وكيله طعاما لنفسه لم يضمن نص عليه في كتاب الشركة، وهذا عجيب. هكذا في الصغرى.
ولو أدخل المستعير الحمل في بيته وترك الدابة المستعارة في السكة فهلكت فهو ضمان سواء
ربطها أو لم يربطها لأنه لما غيبها عن بصره فقد ضيعها، حتى لو تصور أنه إذا دخل المسجد أو البيت
والدابة لا تغيب عن بصره لا يجب الضمان وعليه الفتوى. كذا في خزانة المفتين.
لو كان يصلي في الصحراء فنزل عن الدابة وأمسكها فانفلتت منه فلا ضمان عليه، وهذه المسألة
دليل على أن المعتبر أن لا يغيبها عن بصره. كذا في الظهيرية.
رجل استعار دابة ليشيع جنازة إلى موضع كذا فلما انتهى إلى المقبرة دفعها إلى إنسان ودخل ليصلي
فسرقت الدابة. قال محمد رحمه الله تعالى: لا يكون ضامنا، كذا في فتاوى قاضيخان، وصار الحفظ
بنفسه في هذا الوقت يستثنى عن العقد. كذا في التتارخانية.
قال: أعرت دابتي أو ثوبي هذا لفلان لم يكن حاضرا ولم يسمع فجاء وذهب به يضمن إلا إذا
سمع هو أو رسوله أو أخبره فضولي قد سمع قال: ينبغي أن لا يضمن إن كان عدلا عند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى كذا في التتارخانية.
ولو زلق الرجل في السراويل فتخرق لم يضمن. كذا في الينابيع.
وفي فتاوى الديناري: إذا انتقص عين المستعار في حال الاستعمال لا يجب الضمان بسبب
النقصان إذا استعمله استعمالا معهودا. كذا في الفصول العمادية.
ولو استعار ثوبا ليبسطه فوقع عليه من يده شئ أو عثر فوقع عليه فتخرق لا يكون ضامنا. كذا
في فتاوى قاضيخان.
رجل استعار من امرأة شيئا مما كان ملك الزوج فأعارت فهلك، إن كان شيئا في داخل البيت



(1) قوله: (قيل الخ) كذا بالأصل، ولعل الصواب قيل يضمن وقيل الخ ا ه‍ مصححه.
559
وما يكون في أيديهن عادة لا ضمان على أحد، أما في الثور والفرس فيضمن المستعير والمرأة. كذا في
الخلاصة.
إذا وضع العارية ثم قام وتركها ناسيا فضاعت ضمن. كذا في السراجية.
رجل دخل الحمام فسقطت قصعة الحمام من يده وانكسرت في الحمام أو انكسر كوز الفقاعي
من يده، قال أبو بكر البلخي: لا يكون ضامنا، قيل هذا إذا لم يكن من سوء إمساكه، فإن كان من
سوء إمساكه يكون ضامنا. كذا في فتاوى قاضيخان.
أعار فارسا أو سيفا ليقاتل فتلف لا يضمن، كذا في التتارخانية.
استعار فأسا وضربه في الحطب ويبست في الحطب فأتى بفأس ثانية وضرب رأس تلك الفأس
فانكسر يضمن كذا في القنية، وبه أفتى القاضي جمال الدين. وقال القاضي بديع الدين: إن كان
الضرب معتادا فلا. كذا في التتارخانية.
وإذا طلب المعير العارية فمنعها المستعير عنه فهو ضامن، وإن لم يمنعها ولكن قال لصاحبها
دعها عندي إلى غد ثم أردها عليك فرضي بذلك ثم ضاعت لا ضمان عليه. كذا في المحيط.
طلبها فقال نعم أدفع ومضى شهر حتى هلكت، إن كان عاجزا وقت الطلب عن الرد. لا
يضمن وإن كان قادرا، إن صرح المعير بالكراهة والسخط في الامساك وأمسك يضمن وكذا إن
سكت، وإن صرح بالرضا بأن قال لا بأس لا يضمن، وإن لم يطلب وهو لم يردها حتى ضاعت وإن
كانت العارية مطلقة لا يضمن، وإن قيدها بوقت ومضى الوقت ولم يردها ضمن، وقد مر ذلك.
وفي المنتقى: رجل قال لغيره أعرتني هذه الدار أو هذه الأرض لابنيها أو أغرس فيها ما بدا من
النخل والشجر فغرستها هذا النخيل وبنيتها هذا البناء وقال المعير أعرتك الدار والأرض وفيها هذا
البناء والغراس فالقول قول المعير، وإن أقاما البينة فالبينة بينة المعير أيضا. كذا في المحيط.
رجلان يسكنان في بيت واحد كل واحد في زاوية فاستعار أحدهما من صاحبه شيئا فطلب المعير
بالرد فقال المستعير وضعته في الطاق الذي في زاويتك وأنكر المعير، فإن كان البيت في أيديهما لا
ضمان عليه. كذا في محيط السرخسي.
قال لآخر: خذ عبدي واستخدمه واستعمله من غير أن يعيره المدفوع إليه فنفقة هذا العبد على
مولاه. كذا في الوجيز للكردري.
وصح التكفيل برد العارية والمغصوب، ولو توكل بالرد لا يجبر الوكيل على النقل إلى منزله بل
يدفعه إليه حيث يجده، كذا في الكافي.
رجل دخل كرم صديق له وتناول شيئا بغير إذنه، إن علم أن صاحب الكرم لو علم لا يبالي بهذا
أرجو أن يكون به بأس. كذا في الخلاصة.
أراد أن يستمد من محبرة غيره، إن استأذنه له ذلك، وإن علم فكذلك إن لم ينهه وإن لم يفعل
شيئا من ذلك، إن كان بينهما انبساط فلا بأس به أيضا، وإن لم يكن أحب أن لا يفعل ذلك. كذا في
الوجيز للكردري.

560
رجل رهن عند رجل خاتما وقال للمرتهن تختم فهلك الخاتم لا يهلك بالدين ويكون الدين على
حاله لأنه صار عارية، ولو تختم ثم أخرج الخاتم من أصبعه ثم هلك يهلك بالدين لأنه عاد رهنا.
قالوا: هذا إذا أمره أن يتختم به في خنصره، فإن أمره أن يتختم به في السبابة فهلك حالة التختم
يهلك بالدين، ولو أمره بأن يتختم به في خنصره ويجعل الفص من جانب الكف فجعل الفص من
الخارج على ظهر الإصبع كان إعارة، وهو وما لو أمره بأن يتختم به في الخنصر ولم يأمره أن يجعل
الفص في جانب الكف سواء ويكون إعارة هو الصحيح. كذا في فتاوى قاضيخان.
وفي رهن الأصل: لو رهن عبدا قيمته ألف بألف ثم استعار الراهن ثم رده عليه وقيمته خمسمائة
فهلك يهلك بجميع الدين تعتبر قيمته في الرهن يوم القبض الأول، ولو كان مكانه غصب فعلى
الغاصب قيمته حين غصب ثانيا كذا في الفصول العمادية.
استعار منشارا فانكسر في النشر نصفين فدفعه إلى الحداد فوصله بغير إذن المعير ينقطع حقه وعلى
المستعير قيمته منكسرا، وكذا الغاصب إذا غصبه منكسرا. كذا في القنية في كتاب الغصب انتهى.
هندية.
وفيها: ولو استعار فرسا ليركبها إلى موضع كذا فركبها وأردف معه آخر فأسقطت جنينا فلا
ضمان عليه في الجنين، ولكن إن انتقصت الام بسبب ذلك فعليه نصف النقصان، وهذا إذا كان
الفرس بحال يمكن أن يركبها اثنان. وأما إذا كان لا يمكن فهو إتلاف فيضمن جميع النقصان. كذا في
العمادية ا ه‍.
وفي الهندية من الباب الثاني: استعار دابة ليركبها بنفسه فركبها وأردف غيره فعطبت يضمن
نصف القيمة كذا في غاية البيان هذا إذا أردف رجلا، فإن أردف صبيا يضمن قدر الثقل، هذا إذا
كانت الدابة تطيق حملهما، فإن كانت لا تطيق يضمن جميع القيمة. كذا في شرح الجامع الصغير
لقاضيخان ا ه‍.
استعار محملا أو فسطاطا وهو في المصر فسافر به لم يضمن. ولو سافر بسيف استعاره للضرب
أو عمامة استعارها للتعميم ضمن. والفرق أن المحمل كالفسطاط يستعمل خارج المصر عادة فيكون
إعارتهما إذنا للسفر بهما، بخلاف السيف والعمامة لكن على قياس مسألة الاخراج بالثوب بأن استعار
ثوبا ودابة حتى وقع على الاستعمال في المصر ثم خرج بهما عن المصر، فإن استعملهما ضمن، إن لم
يستعملهما ففي الثوب لم يضمن لأنه حافظ له خارج المصر كما في المصر وضمن في الدابة لأنها
بمجرد الخروج تصير عرضة للتلف فيكون إخراجها تضييعا لها معنى كما في الفصولين ينبغي أن لا
يضمن بهما: أي المحمل والفسطاط أيضا.
وعلى قياس مسألتهما ينبغي أن يلزمه الضمان في الثوب أيضا كما في إخراج دابة العارية. قال
في الذخيرة: ويجوز أن يفرق بينهما وبين مسألة الثوب بالتأمل فليتأمل فيه أنقروي.
إن المستأجر والمستعير لو خالف ثم عاد إلى الوفاق لا يبرأ عن الضمان على ما عليه الفتوى
فصولين. والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.

561
كتاب الهبة
قال ط: هي من صفات الكمال، فإن الله تعالى وصف بها نفسه بقوله عز وجل: * (أم عندهم
خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب) * (ص: 9) والبشر إذا باشرها فقد اكتسب من أشرف الصفات، لما
فيها من استعمال الكرم، وإزالة شح النفس، وإدخال السرور في قلب الموهوب له، وإيراث المحبة
والمودة بينهما، وإزالة الضغينة والحسد، ولهذا من باشرها كان من المفلحين، قال تعالى: * (ومن يوق
شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * (الحشر: 9) ا ه‍. تبيين. قال الشمني: هي الأصل مصدر محذوف
الأول معوض هاء التأنيث وأصلها وهب بتسكين الهاء وتحريكها ا ه‍. مكي. علة كعدة. عيني.
ويتعدى الفعل بنفسه، وباللام وبمن كما في أحاديث كثيرة، خلافا للمطرزي في أنه خطأ. وللتفتازاني
في أنه عبارة الفقهاء ا ه‍. قهستاني.
قال المولى عبد الحليم: يقال وهب مالا وهبا وهبة وموهبة. والهبة قد تطلق على الموهوب.
قوله: (وجه المناسبة ظاهر) هو أن كلا منهما تمليك بلا عوض، ووجه تأخير الهبة عن العارية هو أنها
تمليك عين ومنفعة بلا عوض، والعارية تمليك المنفعة بلا عوض فكانت العارية كالمفرد والهبة كالمركب
والمفرد مقدم على المركب طبعا فقدم وضعا. قوله: (هي لغة التفضل على الغير) أي بما ينتفع به
مطلقا. قوله: (ولو غير مال) قال الراغب: الهبة أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض. قال عز وجل:
* (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) * (الانعام: 48) ا ه‍. وقال تعالى: * (فهب لي من لدنك وليا) * (مريم: 5) وقال تعالى:
* (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) * (الشورى: 94) والأولى أن يقول: ولو بغير مال.
قوله: (تمليك العين مجانا) هذا الحد غير مانع، إذ يصدق على الوصية فإنها تمليك العين بلا عوض
والصدقة وغيرهما، اللهم إلا أن يقال: إن المصنف جرى على طريقة المتقدمين من جواز التعريف
بالأعم والأخص ا ه‍. سري الدين عن المجتبى وزاد ابن الكمال قوله للحال لاخراج الوصية، وخرج
الإباحة والعارية والإجارة والبيع وهبة الدين ممن عليه فإنه إسقاط وإن كان بلفظ الهبة. منح. قوله
(أي بلا عوض) أي بلا شرط عوض على حذف مضاف، لكن هذا يظهر لو قال بلا عوض كما في
الكنز، لان معنى مجانا عدم العوض لا عدم اشتراطه. على أنه اعترضه الحموي كما في أبي السعود
بأن. قوله: بلا عوض نص في اشتراط عدم العوض والهبة بشرط العوض نقيضه فكيف يجتمعان
ا ه‍. أي فلا يتم المراد بما ارتكبه وهو شمول التعريف للهبة بشرط العوض، لأنه يلزم خروجها عن
التعريف حينئذ كما نبه عليه في العزمية أيضا.
قلت: والتحقيق أنه إن جعلت الباء للملابسة متعلقة بمحذوف حالا من تمليك لزم ما ذكر، أما
لو جعل المحذوف خبرا بعد خبر: أي هي كائنة بلا شرط عوض على معنى أن العوض فيها غير
مشروط، بخلاف البيع والإجارة فلا يرد ما ذكر، فتدبر. قوله: (إلا أن عدم العوض شرط فيه) وإلا
لما شمل الهبة بشرط العوض.
والحاصل: أن المعتبر في الهبة تمليك العين سواء كان بعوض أو بلا عوض لما سيأتي من أن الهبة
بشرط العوض صحيحة فليس عدم العوض شرطا في تحققها، فمعناه أن الهبة تتحقق ولا يشترط فيها

562
العوض، وليس عدم العوض شرطا فإنه يقتضي أنها لا تتحقق مع العوض وليس كذلك.
وقد فرقوا بين الوجود بلا شرط شئ وبين الوجود بشرط لا شئ بأن الأول أعم من الثاني،
وعليه فإن العوض لا يشترط في تعريفها، بل قد تكون بعوض كما إذا شرطه، وقد تكون بلا عوض،
فمعنى قوله بلا عوض: أي ليس العوض من لازمها ومطردا فيها، بخلاف البيع فإنه لا بد فيه من
العوض حتى لو باعه بلا عوض فسد، ولو أسقط هذا النفي لكان تعريفا للهبة من كل وجه وهي الهبة
بلا عوض مشروط، ويكون معنى قوله بلا عوض: أي بلا شرط عوض سواء عوضه من تلقاء نفسه
أو لا، أما الهبة بشرط العوض فهي هبة ابتداء بيع انتهاء كما سيأتي بيانه، وهذا كله على جعل الباء
للملابسة الخ. قوله: (وأما تمليك الدين الخ) هذا جواب على سؤال مقدر وهو أن تقييده بالعين مخرج
لتمليك الدين من غير من عليه مع أنه هبة إذا أمره بقبضه فيخرج عن التعريف. فأجاب بأنه يكون عينا
مالا، فالمراد بالعين في التعريف ما كان عينا حالا أو مالا وهو خارج عن القياس، إذ الهبة لا تصح
إلا في الملك والعين غير مملوكة له وقت الهبة وهو نظير الحمل ولا يصح هبته مع أنه سيصير عينا
مملوكة، وقد يفرق بأن تمام الحمل غير متحقق إذ هو متوقف على إتمام الله تعالى له وفصله عن أمه
والعبد لا يقدر عليه، والدين ثابت في ذمة المديون مأمور بدفعه لربه وصاحبه قادر على قبضه شرعا
فيقدر على تسليمه. قال بعض الفضلاء: ولهذا لا يلزم إلا إذا قبض، وله الرجوع قبله فله منعه حيث
كان بحكم النيابة عن القبض، وعليه تبتني مسألة موت الواهب قبل قبض الموهوب له في هذه،
فتأمل.
بقي هل الاذن يتوقف على المجلس الظاهر؟ نعم فليراجع. ولا ترد هبة الدين ممن عليه لأنها مجاز
عن الاسقاط، والفرد المجازي لا ينقض، والله سبحانه أعلم.
قال في البحر عن المحيط: ولو وهب دينا له على رجل وأمره أن يقبضه فقبضه جازت الهبة
استحسانا فيصير قابضا للواهب بحكم النيابة، ثم يصير قابضا لنفسه بحكم الهبة، وإن لم يأذن بالقبض
لم يجز ا ه‍.
وفي أبي السعود عن الحموي: ومنه يعلم أن تصيير معلومة المتجمد للغير بعد فراغه له غير
صحيح ما لم يأذنه بالقبض، وهي واقعة الفتوى. لكن قال في الأشباه: تصح ويكون وكيلا قابضا
للموكل ثم لنفسه، ومقتضاه أن له عزله عن التسليط قبل قبضه ا ه‍. وهل منه ما تعورف في زماننا من
بيع أوراق الجامكية وكذا أوراق الكميالي والقنصليد إلى غريمه أو إلى غيره أو لمن عليه أموال أميرية أو
لغيره فإنه غير مديون لعين ولعدم تعينه لقضاء الجامكية.
قال المصنف في فتاواه: سئل عن بيع الجامكية، وهو أن يكون لرجل جامكية في بيت المال،
ويحتاج إلى دراهم معجلة قبل أن تخرج الجامكية فيقول له رجل بعني جامكيتك التي قدرها بكذا أنقص
من حقه في الجامكية فيقول له بعتك فهل البيع المذكور صحيح أم لا لكونه بيع الدين بنقد؟ أجاب إذا
باع الدين من غير من هو عليه كما ذكر لا يصح.
قال مولانا في فوائده: وبيع الدين لا يجوز، ولو باعه من المديون أو وهبه جاز ا ه‍.
أقول: وكان الأولى للشارح أن يقول: ولا يرد تمليك الدين وقد أمر بقبضه لرجوعه إلى تمليك

563
العين بسبب الامر بقبضه. قوله: (فإن أمره بقبضه صحت) ويكون وكيلا قابضا للموكل ثم لنفس كما
تقدم. قال في الحاوي القدسي: فإن قال الدين الذي لي على زيد هو لعمرو ولم يسلطه على القبض
ولكن قال واسمي في كتاب الدين عارية صح، ولو لم يقل هذا لا يصح.
وفي البزازية: المرأة وهبت مهرها الذي على زوجها لابنها الصغير من هذا الزوج، إن أمرت
بالقبض صحت وإلا لا، لأنه هبة الدين من غير من عليه الدين. ذكره الحموي. قوله: (إرادة الخير
للواهب) يقصد بها دفع شر الموهوب له، وقد يراد به الخير للموهوب له. قوله: (دنيوي) بضم الدال
وكسرها كما هما في دنيا. قوله: (كعوض) يشمل المال والمنفعة والدعاء، لما ورد في الحديث من
أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له فكان الدعاء عوضا عن العجز. قوله:
(ومحبة) أي من الموهوب له للواهب، لما ورد في الحديث تهادوا تحابوا ولأن القلوب جبلت على
حب من أحسن إليها، بل الفعل الجميل محبب حتى لغير من وصل إليه الجميل عند النفوس الكريمة.
قوله: (وحسن ثناء) لان الواهب يوصف بالجود ومكارم الأخلاق، وينتفي عنه سيمة البخل بالجود
الذي هو دواء الداءات. قوله: (وأخروي) أي وهو الثواب إن حسنت النية، وحذفه للعلم به. وصرح
به في شرح الملتقى فقال: أو الأخروي كالنعيم المقيم، ولأن منه امتثال أمر الله تعالى في قوله:
* (وتعاونوا على البر والتقوى) * (المائدة: 2) وأمر النبي في قوله: تهادوا واتباعا للسنة لما كان عليه النبي
وأصحابه من التهادي وإيثار الاخوان على النفس، وهو واجب على المؤمن أن يفعله ويعلمه ولده، لما
نقله الشارح عن الامام أبي منصور، وفاعل الواجب يثاب في الآخرة. قوله: (قال الإمام أبو منصور)
بيان للأخروي. قوله: (يجب على المؤمن) الذي تفيده هذه العبارة أن هذا التعليم فرض عين ط.
قال بعض الحكماء: أصل المحاسن كلها الكرم، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام،
وسخاؤها بما ملكت على الخاص والعام، وجميع خصال الخير من فروعه. قال عليه الصلاة والسلام
تجافوا عن ذنب السخي، فإن الله آخذ بيده كلما عثر، وفاتح له كلما افتقر وعن جابر بن عبد الله
قال ما سئل رسول الله (ص) شيئا فقال لا وعنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال
السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد من النار. والبخيل بعيد من الله،
بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار وقال بعض السلف: منع الجود سوء ظن بالمعبود،
وتلا * (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) * (سبأ: 93) وقال علي كرم الله وجهه: ما
جمعت من المال فوق قوتك فإنما أنت فيه خازن لغيرك.
ومما يحكى في الجواد والايثار ما روي عن حذيفة العدوي أنه قال: انطلقت يوم اليرموك أطلب
ابن عم لي في القتلى ومعي شئ من الماء وأنا أقول إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به بين القتلى، فقلت
أسقيك؟ فأشار إلي أن نعم، فإذا برجل يقول آه، فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام
بن العاص، فقلت أسقيك فأشار إلي أن نعم، فسمع آخر يقول آه، فأشار إلي أن انطلق إليه، فجئته
فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات رحمهم

564
الله تعالى. قوله: (إذ حب الدنيا الخ) علة لمحذوف تقديره: ولا يتركه من غير تعليم ما ذكر فيشب
على حب الدنيا وهو مذموم، إذ هو رأس كل خطيئة: أي فبهذا التعليم يخلص من هذه الآفة. قوله:
(وهي) أي الهبة. قوله: (وقبولها سنة) أي إلا لعارض، كأن علم أنه مال حرام أو أنه يمتن عليه بما
أهداه إليه. قوله: (تهادوا) بفتح الدال وضمها خطأ، وبسكون الواو لأنه صيغة خطاب للجماعة من
التهادي، وأصله تهاديوا لأنك تقول: تهادى تهاديا تهاديوا قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم
حذفت لالتقاء الساكنين فصار تهادوا كما في مادة تعالوا أصله تعاليوا قال تعالى: * (تعالوا إلى كلمة
سواء) * (آل عمران: 46) والأصل أن فعل الامر إذا لحقته واو الجماعة ينظر إلى مضارعه، فإن ختم بألف
كيتهادى يفتح ما قبل الواو وإن ختم بياء كيرمي أو واو كيدعو يضم ما قبلها. قوله: (تحابوا) بتشديد
الباء المضمومة، وهو أيضا صيغة خطاب للجماعة وأصله تحابوا ولكن سقطت النون لأنه جواب
الامر، وأصله تحاببوا لأنه من التحابب من المحبة أدغمت الباء في الباء. وقال الحاكم: تحابوا إما
بتشديد الباء من الحب وإما بالتخفيف من المحاباة.
قلت: رجح الأول الذي هو المشهور ما أخرجه البيهقي في شعب الايمان عن صفية بنت حرب
عن أم حكيم بنت وداع أو قال وداع قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: تهادوا يزيد في القلب حبا
وفي رواية تهادوا تحابوا تذهب الشحناء بينكم وقال عليه الصلاة والسلام الهدية مشتركة وقال
عليه الصلاة والسلام من سألكم بالله فأعطوه، ومن استعاذكم فأعيذوه، ومن أهدى إليكم كراعا
فاقبلوه وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يقبل الهدية ويثبت عليها ما هو خير منها. وفسر بعضهم
* () * (النساء: 68) بالهدية.
وفي الأمثال: إذا قدمت من سفرك فأهد إلى أهلك ولو حجرا. وقال الفضل بن سهل: ما
استرضي الغضبان، ولا استعطف السلطان، ولا سلت السخائم، ولا دفعت المغارم، ولا استميل
المحبوب، ولا توقي المحذور بمثل الهدية. وفي كلام بعضهم: يفرح بالهدية خمسة: المهدي إذا وفق
للفضل والمهدى إليه إذا أهل لذلك، والحمال إذا حملها، والملكان إذ يكتبان الحسنات: كذا في
بعض كتب الأدب. قوله: (وشرائط صحتها في الواهب) قال في الهندية: وأما ركنها فقول الواهب
وهبت لأنه تمليك، وإنما يتم بالمالك وحده، والقبول شرط ثبوت الملك للموهوب له، حتى لو حلف
لا يهب فوهب ولم يقبل الآخر حنث. كذا في محيط السرخسي.
وأما شرائطها فأنواع: يرجع بعضها إلى نفس الركن، وبعضها يرجع إلى الواهب، وبعضها يرجع
إلى الموهوب. أما ما يرجع إلى نفس الركن: فهو أن لا يكون معلقا بما له خطر الوجود والعدم من
دخول زيد وقدوم خالد ونحو ذلك، ولا مضافا إلى وقت بأن يقول وهبت هذا الشئ منك غدا أو
رأس شهر. كذا في البدائع. وأما ما يرجع إلى الواهب: فهو أن يكون الواهب من أهل الهبة، وكونه

565
من أهلها، أن يكون حرا عاقلا بالغا مالكا للموهوب، حتى لو كان عبدا أو مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد
أو من في رقبته شئ، من الرق، أو كان صغيرا أو مجنونا أو لا يكون مالكا للموهوب لا يصح.
هكذا في النهاية. ا ه‍. قوله: (العقل) للحجر على المجنون والمعتوه وعدم صحة تصرف الصبي ومن في
حكمه كالمعتوه المأذون، والمراد بالعقل ولو حكما، فتصح هبة السكران. قال العلامة أبو السعود:
وإنما قلنا: ولو حكما ليشمل السكران. قوله: (فلا تصح هبة صغير) والأولى ذكر المجنون. قوله:
(ورقيق) لعدم ملكه. قوله: (ولو مكاتبا) أو مدبرا أو أم ولد أو من في رقبته شئ من الرق. قوله:
(وشرائط صحتها) أي بقائها على الصحة كما سيأتي.
قال في الهندية: وأما ما يرجع إلى الموهوب فأنواع: منها: أن يكون موجودا وقت الهبة، فلا يجوز هبة ما
ليس بموجود وقت العقد بأن وهب ما تثمر نخيله العام وما تلد أغنامه السنة ونحو ذلك، وكذلك لو وهب ما في
بطن هذه الجارية أو ما في بطن هذه الشاة أو ما في ضرعها وإن سلطه على القبض عند الولادة والحلب، وكذلك لو وهب زبدا
في لبن أو دهنا في سمسم أو دقيقا في حنطة لا تجوز وإن سلطه على قبضه عند حدوثه لأنه معدوم
للحال فلم يوجد محل حكم العقد وهو الأصح هكذا في جواهر الأخلاطي.
إذا وهب صوفا على ظهر غنم وجزه وسلمه فإنه يجوز.
ومنها: أن يكون مالا منقولا، فلا تجوز هبة ما ليس بمال أصلا كالحر والميتة والدم وصيد الحرم
والخنزير وغير ذلك، ولا هبة ما ليس بمال مطلق كأم الولد والمدبر والمطلق والمكاتب ولا هبة ما ليس
بمال متقوم كالخمر كذا في البدائع.
ومنها: أن يكون الموهوب مقبوضا، حتى لا يثبت الملك للموهوب له قبل القبض، وأن يكون
الموهوب مقسوما إذا كان مما يحتمل القسمة، وأن يكون الموهوب متميزا عن غير الموهوب، ولا يكون
متصلا، ولا مشغولا بغير الموهوب، حتى لو وهب أرضا فيها زرع للواهب دون الزرع أو عكسه أو
نخلا فيها ثمرة للواهب معلقة به دون الثمرة أو عكسه لا تجوز، وكذا لو وهب دارا أو ظرفا فيها متاع
للواهب. كذا في النهاية.
ومنها: أن يكون مملوكا، فلا تجوز هبة المباحات لان تمليك ما ليس بمملوك محال.
ومنها: أن يكون مملوكا للواهب، فلا تجوز هبة مال الغير بغير إذنه لاستحالة تمليك ما ليس
بمملوك للواهب: كذا في البدائع. وهي نوعان: تمليك وإسقاط، وعليهما الاجماع كذا في خزانة
المفتين. قوله: (أن يكون مقبوضا) فلا يثبت الملك للموهوب له قبل القبض كما قدمنا.
وفي الزيلعي: وأما القبض فلا بد منه لثبوت الملك، إذ الجواز ثابت قبل القبض بالاتفاق ا ه‍.
سري الدين، وهذا يفيد أن القبض شرط لثبوت الملك لا للصحة خلاف ما يعطيه كلام المصنف.
قوله: (غير مشاع) هذا شرط الجواز في محتمل القسمة لا في غيره كما يأتي، وهذا في الهبة، وأما إذا
تصدق بالكل على اثنين فإنه يجوز على الأصح بحر، أي بخلاف ما إذا تصدق بالبعض على واحد فإنه
لا يصح كما يأتي آخر المتفرقات، لكن سيأتي أيضا أنه لا شيوع في الأولى.

566
قال في جامع الفصولين: لو وهب من اثنين ما يقبل القسمة لم يجز عند أبي حنيفة رواية واحدة
من غير اختلاف على قوله. وفي الصدقة اختلف المشايخ على قوله: فقيل لا يجوز، وقيل فيه روايتان:
لا يجوز على رواية الأصل، ويجوز على رواية الجامع الصغير، وهو الصحيح كذا حشى.
وفي هد: لو تصدق بعشرة دراهم على محتاجين يجوز، وكذا لو وهبها لهما. ولو تصدق بها على
غنيين أو وهبها لهما لم يجز. وقالا: يجوز لغنيين أيضا، فرق بين الصدقة والهبة في الحكم، وسوى في
الأصل. وقال: إذا الشيوع مانع فيهما لتوقفهما على القبض.
والفرق أن الصدقة يراد بها وجه الله تعالى وهو واحد فلا شيوع، ويراد بالهبة وجه الغني وهما
اثنان، وقيل هذا هو الصحيح، والمراد بما ذكر في الأصل التصدق على غنيين فقط. والأظهر أن في
المسألة روايتين.
بح: قيل جاز التصدق على غنيين لأنهما محل صدقة التطوع.
مق: لا يجوز. وعند أبي يوسف يجوز بشرط المساواة. وعند محمد يجوز في الحالين. ا ه‍.
وفيه: وهبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة تجوز من شريكه ومن غيره، وفيما يحتملها لم تجز لا من
شريكه ولا من أجنبي، وطرو الشيوع لا يفسد الهبة بالاتفاق. ولو وهب الكل من اثنين، فإن أجمل
بأن قال وهبت منكما لم يجز عند أبي حنيفة. وعندهما يجوز. ولو فصل بالتنصيف فهو على هذا
الخلاف، ولو بالتثليث يجوز عند محمد لا عندهما انتهى. قال الخير الرملي: قوله وفيما يحتملها الخ.
أقول: في شرح الغزي وفي الزاهد العتابي أنها تجوز.
أقول: وفي الفتاوى التاجية أنها تجوز من شريكه، قال: وهو المختار ا ه‍. ولا يخفى عليك أنه
خلاف المشهور انتهى كلام الغزي.
قال المقدسي: ولو عليه ألف جيدة وألف غلة فقال ربه وهبتك أحد المالين، قال محمد:
جازت وله البيان، وكذا وارثه من بعده.
وفي منية المفتي: قال: وهبت نصيبي من هذه الدار والموهوب له لا يعلم كم نصيبه صحت
انتهى. ولعل المتفاحشة جهالته لا تصح هبته كقوله وهبتك شيئا من مالي أو من كذا، وبذا يتضح ما
يأتي من اشتراط كون الموهوب معلوما فيما يتم بمجرد العقد.
وفي الهندية عن البحر: ويشترط في صحة المشاع الذي لا يحتمل القسمة أن يكون قدرا
معلوما، حتى لو وهب نصيبه من عبد ولم يعلم به لم يجز، فإن علمه الموهوب له ينبغي أن يجوز عند
الامام دونهما.
وفيها قبل ذلك: جميع ما أملكه لفلان يكون هبة لا تجوز بدون القبض، ومر ذلك متنا في
الاقرار.
وفي الفصولين أيضا: وهبا من واحد دارا جاز إذا سلماه جملة وقبض فلا شيوع. ولو وهبه

567
واحد من اثنين لم يصح عند أبي حنيفة. وقالا: يصح، لان هذه هبة الجملة منهما لتوحيد التمليك فلا
شيوع كرهن من رجلين، وله أنها هبة النصف لكل منهما. وكذا لو فيما لا يقسم فقبل أحدهما صح،
ولأن الملك ثبت لكل في النصف فكذا التمليك لأنه حكمه فتحقق الشيوع، بخلاف الرهن انتهى.
وفيه: التسليم يمكن في الشائع، وهو رفع الموانع عن القبض ا ه‍. وسيأتي الكلام على أحكام
المشاع مفصلا قريبا إن شاء الله تعالى. قوله: (مميزا غير مشغول) هو بمعنى غير مشاع، ولعله أراد
محوزا: أي مجموعا احترازا عن الثمر على الشجر، أو المراد مميزا عن غير الموهوب وغير مشغول بغير
الموهوب حتى لو وهب أرضا فيها زرع للواهب دون الزرع أو عكسه أو نخلا فيها ثمرة للواهب معلقة
به دون الثمر أو عكسه لا يجوز، وكذا لو وهب دارا أو ظرفا فيها متاع للواهب. هندية. قوله: هو
الايجاب والقبول لأنها عقد كسائر العقود. بحر. لكن في الثاني خلاف.
ففي القهستاني: وتصح الهبة بوهبت، وفيه دلالة على أن القبول ليس بركن كما أشار إليه في
الخلاصة وغيرها، وقدمنا عن الهندية أن ركنها قول الواهب وهبت لأنه تمليك وإنه يتم بالمالك وحده،
فحينئذ لا بد من القبض لثبوت الملك، وذكر الكرماني أن الايجاب في الهبة عقد تام، وفي المبسوط أن
القبض كالقبول في البيع، ولذا لو وهب الدين من الغريم لم يفتقر إلى القبول كما في الكرماني، لكن
في الكافي والتحفة أنه ركن، وذكر في الكرماني أنها تفتقر إلى الايجاب، لان ملك الانسان لا ينقل إلى
الغير بدون تمليكه، وإلى القبول لأنه إلزام الملك على الغير، وإنما يحنث إذا حلف أن لا يهب فوهب ولم
يقبل، لان الغرض عدم إظهار الجود ولقد وجد الاظهار، ولعل الحق الأول، فإن التأويلات التصريح
بأنه غير لازم، ولذا قال أصحابنا: لو وضع ماله في طريق ليكون ملكا للرافع جاز. ا ه‍. لكن يمكن
الجواب بأن القبول كما يكون بالصريح يكون بالدلالة فيكون أخذه قبولا دلالة كما يأتي.
وفي أبي السعود: وركنها الايجاب والقبول ولو دلالة، وإنما حنث لو حلف لا يهب فوهب ولم
يقبل الموهوب له لأنه إنما منع نفسه عما هو في وسعه ويقضي بالبيع. وأجاب المقدسي بأن الهبة عقد
تبرع فتتم بالمتبرع، بخلاف البيع. ا ه‍.
وفيه: واختلف في أن ركنها الايجاب والقبول أو الايجاب فقط، وإلى الثاني ذهب صاحب
الهداية والوقاية.
واعلم أن المراد بالايجاب خصوص ما يوجد من طرف الواهب، واستدل له بما نقلناه عن
القهستاني عن الخلاصة، بما نقلناه عن الكرماني ثم قال: فقولهم الايجاب ما يتلفظ به أولا ليس علي
إطلاقه بل بالنسبة لعقود المعاوضات ا ه‍. وفيه: والقبول، ولو فعلا، ومنه ما قدمناه لو قال قد وهبت
جاريتي هذه لأحدكم فليأخذها من شاء فأخذها رجل منهم تكون له وكان أخذها قبولا، وما في
المحيط من أنه أن لا يشترط في الهبة القبول مشكل بحر.
وأقول: يمكن الجواب بأن المراد بالقبول القبول بالقول.
وفي الولوالجية: قال وهبت منك هذه العين فقبضها الموهوب له بحضرة الواهب ولم يقل قبلت
صح، لان القبض في باب الهبة جار مجرى الركن فصار كالقبول ا ه‍.
وفي شرح المجمع لابن مالك عن المحيط: لو كان أمره بالقبض حين وهب لا يتقيد بالمجلس،

568
ويجوز قبضه بعده. ا ه‍. وفي البحر: وكذا بقوله أذنت للناس جميعا في ثمر نخلي، من أخذ شيئا فهو له
فبلغ الناس من أخذ شيئا يملكه. كذا في الملتقى وظاهره أن من أخذه ولم يبلغه مقالة الواهب لا
يكون له كما لا يخفى. ا ه‍.
وأقول: في جامع الفتاوى عن القنية: لو قال رجل من يتناول من مالي فهو مباح فتناول رجل
من غير أن يعلم إباحته جاز الخ، فتأمل.
قال في خزانة الفتاوى: إذا دفع لابنه مالا فتصرف فيه الابن يكون للأب إلا إذا دلت دلالة
التمليك. بيري.
قلت: قد أفاد أن التلفظ بالايجاب والقبول لا يشترط بل تكفي القرائن الدالة على التمليك، كمن
دفع لفقير شيئا وقبضه ولم يتلفظ واحد منهما بشئ، وكذا يقع في الهدية ونحوها فاحفظه، ومثله ما
يدفعه لزوجته وغيرها، وعليه فتصح الهبة بالتعاطي، وسيأتي تمامه قريبا إن شاء الله تعالى. قوله:
(وحكمها) أي الأثر المترتب عليها. منح. قوله: (غير لازم) أي إلا في الصور السبعة. قوله: (فله
الرجوع) أي مع كراهة التحريم كما يأتي. قوله: (والفسخ) عطف خاص، فإن الفسخ من الألفاظ
الدالة على الرجوع. قوله: (وعدم صحة خيار الشرط فيها) الأولى وعدم صحتها بخيار الشرط بقرينة
التفريع، وإلا فمفاده أنها صحيحة مطلقا والشرط باطل لأنه يمنع تمام القبض وهي لا تتم إلا به، وهذا
لو شرط للمالك، فلو للموهوب له لا، إلا إن اختار قبل التفرق أو أبرأه صح لانتفاء المانع من صحة
القبض. قوله (فلو شرطه) بأن وهبه على أن الموهوب له بالخيار ثلاثة أيام. وقوله: وكذا لو أبرأه
هذا فيما لو كان شرط الخيار من جانب الواهب كما علمت، وكان عليه أن يذكرها كما في المنح. ولو
أبرأه على أنه بالخيار ثلاثة أيام صح الابراء وبطل الخيار. قوله: (إن اختاره قبل تفرقهما) لانتفاء المانع
من صحة القبض. قوله: (وكذا لو أبرأه) أي كما تصح إن اختار الهبة وسقط الخيار، وكذا لو أبرأه
عن كل حق له عليه فيشمل حق الخيار فيصح الابراء ويبطل الشرط لدخوله في عموم الابراء، وكذا
لو أبرأه عن خصوص شرط الخيار، لكن في اشتراط كونه قبل التفرق نظر لأنها تتم بالقبض، ولا
يشترط كونه في المجلس فلم لا تنقلب صحيحة بعد سقوط الخيار، ولو بعد المجلس. يتأمل. قال
الحلبي: والصواب إسقاط كذا كما عبر به في المنح، وإلا فالتشبيه غير صحيح. ا ه‍.
أقول: لا غبار عليه، لان التشبيه في عدم صحة خيار الشرط ولا يخفى حسنه، بل الصواب ما
فعله الشارح. قوله: (صح الابراء وبطل الشرط) لدخوله في عموم الابراء، وهذا موافق لما تقدم في
باب خيار الشرط من أن الشرط يدخل في الابراء، بأن قال أبرأتك على أني بالخيار ذكره فخر الاسلام
من بحث الهزل. بحر قال في الأشباه: إن الابراء عن الدين يثبت فيه خيار الشرط ا ه‍.
وفي الشرنبلالية عن الواقعات أنه لو أبرأه عن حقه على أنه بالخيار صح الابراء وبطل الخيار،
لان الابراء دون الهبة في كونه تمليكا، ولو وهب عينا على أنه بالخيار صحت الهبة وبطل الخيار فهذا
أولى. ا ه‍.
لكن نقل الحموي عن العمادية: لو أبرأه من الدين على أنه بالخيار فالخيار باطل، ولعل في

569
المسألة خلافا، وبالثاني جزم الشارح. قوله: (وحكمها أنها لا تبطل بالشروط الفاسدة) قال في الخلاصة
من البيع بشرط من كتاب البيوع: تعليق الهبة بالشرط باطل إن ذكر بكلمة إن: وإن ذكر بكلمة على،
إن كان ملائما بأن قال وهبتك هذا على أن تعوضني كذا صحت الهبة والشرط، وإن كان الشرط مخالفا
صحت الهبة وبطل الشرط ا ه‍. أنقروي. وفي منهواته معزيا للبحر: من الشروط المفسدة في البيع،
وقيد بعلى لان الشرط لو كان بإن فإن البيع يفسد في جميع الوجوه إلا في مسألة ما إذا قال إن رضي
أبي أو فلان في ثلاثة أيام، والظاهر من كلامهم أن كلمة بشرط كذا بمنزلة على لا إن ا ه‍.
أقول: والظاهر الفرق بين البيع والهبة.
قال في الهندية في البقالي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى: إذا قال لغيره هذه العين لك إن شئت
ودفعها إليه فقال شئت يجوز، وعن محمد رحمه الله تعالى في الثمر إذا طلع فقال صاحب الثمر لغيره هو
لك إن أدرك أو قال إذا كان غد فهو جائز، بخلاف دخول الدار. كذا في الذخيرة.
لو وهب غلاما أو شيئا على أن الموهوب له بالخيار ثلاثة أيام، إن أجاز قبل الافتراق جاز، وإن
لم يجز حتى افترقا لم يجز.
ولو وهب شيئا على أن الواهب بالخيار ثلاثة أيام صحت الهبة وبطل الخيار، لان الهبة عقد غير
لازم فلا يصح فيها شرط الخيار. كذا في فتاوى قاضيخان.
رجل له على آخر ألف درهم فقال إذا جاء غد فالألف لك أو قال أنت برئ منه أو قال إذا
أديت إلي نصف المال فأنت برئ من النصف الباقي أو قال فلك النصف الباقي فهو باطل. وكذا في
الجامع الصغير ا ه‍. وسيأتي لذلك فروع آخر الباب إن شاء الله تعالى. قوله: (وتصح بإيجاب) عبر في
الاصلاح بتنعقد.
قال في الايضاح: لم يقل وتصح لان الصحة أمر آخر وراء الانعقاد لها شرائط إن صادفتها تصح
وإلا تنعقد فاسدة، والكلام هاهنا في بيان انعقادها بألفاظ مخصوصة ا ه‍. وقد يقال: المقصد انعقادها
على وجه الصحة لأنه هو الذي يخلو عن الاثم. ط.
قال العلامة الرملي: أقول إذا أطلقت الهبة يراد بها تمليك العين لا لإرادة الثواب من غير حمل
على وجه الهداية، فإن ما يراد به الثواب يسمى صدقة، وما يحمل يسمى، هدية. ويدخل في مسمى
الهبة لغة، ولكن لا يشترط في هذين الايجاب والقبول وأن كل واحد منهما هبة. تأمل. ا ه‍. قوله:
(كوهبت) فإنه أصل فيها.
قال في الهندية: وأما الألفاظ التي تقع بها الهبة فأنواع ثلاثة: نوع تقع به الهبة وضعا. ونوع
تقع به الهبة كناية وعرفا. ونوع يحتمل الهبة والعارية مستويا.
أما الأول: فكقوله وهبت هذا الشئ لك أو ملكته منك أو جعلته لك أو هذا لك أو أعطيتك
أو نحلتك، هذا فهذا كله هبة.

570
وأما الثاني: فكقوله كسوتك هذا الثوب أو أعمرتك هذه الدار فهو هبة، كذا لو قال هذه الدار
لك عمري أو عمرك أو حياتي أو حياتك فإذا مت فهو رد علي جازت الهبة وبطل الشرط.
وأما الثالث: فكقوله هذه الدار لك رقبى أو لك حبس ودفعها إليه فهو عارية عندهما. وعند أبي
يوسف رحمه الله تعالى هي هبة، كذا في محيط السرخسي.
ولو قال: أطعمتك هذا الطعام، فإن قال فاقبضه فهو هبة، وإن لم يقل فاقبضه يكون هبة أو
عارية فقد اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى في شروحهم. كذا في المحيط.
ولو قال: حملتك على هذه الدابة يكون عارية إلا أن ينوي الهبة. وقيل هو من السلطان هبة.
كذا في الظهيرية.
والأصل في هذه المسائل أنه إذا أتى بلفظ ينبئ عن تمليك الرقبة يكون هبة، وإذا كان منبئا عن
تمليك المنفعة يكون عارية، وإذا احتمل هذا وذاك ينوي في ذلك كذا في المستصفى شرح النافع. وكل
ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يكون هبة كقوله منحتك هذا الطعام أو هذه الدراهم أو هذه
الدنانير، فإن أضافها إلى ما يمكن الانتفاع به مع قيامه حملناها على العارية لأنها الأدنى وإن أضافها إلى
ما لا يمكن الانتفاع به إلا بالاستهلاك حملناها على الهبة. كذا في محيط السرخسي ا ه‍. قوله:
(ونحلت) لكثرة استعماله فيه.
قال في مختصر الصحاح: نحل بالكسر أعطى عن طيب نفس من غير مطالبة، وقيل من غير أن
يأخذ عوضا ا ه‍. والنخلة: العطية. مغرب. قوله: (وأطعمتك هذا الطعام) زاد صاحب الدرر فأقبضه
تبعا لما تقدم عن المحيط فقال: إضافة الاطعام إلى ما يطعم عينه يحتمل التمليك والإباحة، فإذا احتمل
الامرين، فإذا قال اقبضه دل ذلك على أن المراد التمليك الخ. قوله: (ولو ذلك على وجه المزاح) نقله
في البحر عن الخلاصة. ورده المقدسي عليه بأنه ليس في الخلاصة ما يفيد دعواه. والذي فيها أنه
طلب الهبة مزاحا لا جدا فوهبه جدا وسلم صحت الهبة، لان الواهب غير مازح، وقد قبل الموهوب
له قبولا صحيحا. كذا في حاشية أبي السعود عن الحموي.
قلت: وليس في كلام البحر ما يقتضي أن المزاح وقع في الايجاب، إذ عبارته أطلقها فشمل ما
إذا كان على وجه المزاح فإن الهبة صحيحة، وعزاه إلى الخلاصة، لان قوله أطلقها: أي أطلق الهبة.
قوله: (فشمل ما إذا كان): أي طلبه لها. تأمل.
وعبارة الخلاصة قال: هب لي على وجه المزاح فوهب وقبل وسلم صح، وهذا لا يدل على
ذلك، إذ المزاح إنما وقع في طلبها وهي وقعت بلا مزاح مستجمعة للشرائط، وما نقله المصنف عن
الخزانة مستدلا به على ما في متنه لا يفيده أيضا فإنه نحو ما في الخلاصة. وكذا ما في القهستاني لا
يفيده أيضا، ونصه: ويدخل فيه ما يكون على وجه المزاح، فلو قال وهبت لي كذا فقال وهبت وقال
الآخر قبلت وسلم إليه جاز. ا ه‍.
على أن الهبة تمليك والتمليك يعتمد الرضا والرضا غير حاصل في الهزل. نعم ذكر في المنح أنه
أخذه مما روي عن عبد الله بن المبارك أنه مر بقوم يضربون الطنبور فوقف عليهم وقال هبوه مني حتى
تروا كيف أضرب فدفعوه إليه فضربه على الأرض وكسره، فقال: رأيتم كيف أضرب؟ قالوا أيها الشيخ

571
خدعتنا، وذكر هذه الواقعة في الخانية. ثم قال: وإنما قال لهم ذلك احترازا عن قول أبي حنيفة فإن
عنده كسر الملاهي يوجب الضمان وهذا دليل على ما مر من أن هبة المازح جائزة. كذا في فتاوى
قاضيخان. والذي مر هو قوله رجل قال لآخر هب لي هذا الشئ مزاحا فقال وهبت وسلم. قال أبو
نصر: إنما يجوز ذلك ا ه‍.
فهذه هبة صحيحة وقعت مزاحا، لان ابن المبارك بزهده وجلالة قدره لا يناسبه هبة الملاهي،
فالظاهر أن ذلك وقع على سبيل المزاح، وكأنه أخذ الهزل من قولهم خدعتنا لأنهم لو وهبوه قصدا لم
يروه خداعا منه وفيه تأمل لان الانسان يسمح بالهبة لمن يحتاج الشئ ولا يسمح به لمن يريد كسره،
فقد رأوه خداعا لهم حيث أوهمهم أنه يستمنح كرمهم وهو يريد إزالة منكرهم، على أن فعل ابن
المبارك لو سلم أنه كان على طريق الهزل ليس بحجة، بل لا بد له من دليل يستند إليه فليطلب ذلك
الدليل. قوله: (بخلاف أطعمتك أرضي الخ) مفهوم قوله هذا الطعام. وقدمنا عن الهندية: لو قال
منحتك هذه الأرض أو هذه الدار أو هذه الجارية فهو إعارة. ولو قال منحتك هذا الطعام أو هذه
الدراهم أو الدنانير وكل ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يكون هبة. قوله: (فإنه عارية لرقبتها)
بهجر الحقيقة لان الأرض لا تطعم، فهو كمسألة النخلة فإن اليمين تنعقد على ثمرتها وهنا التمليك
ينعقد على منفعتها فيكون عارية. قوله: (وإطعام لغلتها) أي التي يزرعها المستعير كما تقدم ما يفيده.
قوله: (أو الإضافة الخ) معطوف على محذوف مأخوذ من الكلام السابق وهو قوله كوهبت الخ، فإن
الافعال الثلاثة واقعة على الطعام وهو كل، فكأنه قال بإيجاب بإضافة الكل وهو المشار إليه بقوله
كوهبت الخ أو الإضافة إلى ما يعبر به عن الكل. وظاهر عبارة المصنف أنه معطوف على مزاح.
والأوضح في التعبير ولو بالإضافة: أي ولو صدر الايجاب بالإضافة الخ. تأمل. قوله: (وجعلته لك)
معطوف على مدخول الكاف في قوله كوهبت. قوله: (لان اللام للتمليك) ولأن الجعل عبارة عن
التمليك. قاله قاضيخان. قوله: (بخلاف جعلته باسمك) فإنه يحتمل الهبة ويستعمله البياع كثيرا يريد
إني خبأته لك البيع، وكذا هي لك حلال يحتمل أن يكون بالعارية أو الهبة أو البيع، فلا تثبت الهبة مع
الاحتمال إلا بالقرينة، وهي التي عناها بقوله إلا أن يكون الخ.
قال في البحر: قيد بقوله لك لأنه لو قال جعلته باسمك لا يكون هبة، ولهذا قال في
الخلاصة: لو غرس لابنه كرما إن قال جعلته لابني يكون هبة، ولو باسم ابني لا يكون هبة. ولو
قال اغرس باسم ابني فالامر متردد وهو إلى الصحة أقرب. ا ه‍.
قال في المنح: وفي الخانية: قال جعلته لابني فلان يكون هبة لان الجعل عبارة عن التمليك وإن
قال اغرسه باسم ابني لا يكون هبة، وإن قال جعلته باسم ابني يكون هبة، لان الناس يريدون به
التمليك والهبة ا ه‍. وفيه مخالفة لما في الخلاصة كما لا يخفى.
قال الرملي في حاشية المنح: ما في الخانية أقرب لعرف الناس ا ه‍. ورأيت في الولوالجية ما
نصه: رجل له ابن صغير فغرس كرما له فهذا على ثلاثة أوجه: إن قال اغرس هذا الكرم باسم ابني
فلان أو قال جعلته لابني فلان هبة لان الجعل إثبات فيكون تمليكا، وإن قال جعلته باسم ابني فالامر

572
متردد وهو أقرب إلى الوجه الأول ا ه‍. ولتراجع نسخة أخرى تأمل، نعم جرى عرف الناس بالتمليك
مطلقا. تأمل.
بقي ما لو قال ملكتك هذا الثوب مثلا فإن قامت قرينة على الهبة صحت وإلا فلا، فإن التمليك
أعم من الهبة لصدقه على البيع والوصية والإجارة وغيرها، وفي الكازروني أنها هبة، لكن في الحامدية
عن الخير الرملي ناقلا عن جامع الفصولين في خليل المحاضر والسجلات برمز التتمة: عرض علي
محضر كتب فيه ملكه تمليكا صحيحا ولم يبين أنه ملكه بعوض أو بلا عوض. قال: أجبت أنه لا تصح
الدعوى ثم رمز لشروط الحاكم اكتفى به في مثل هذا بقوله: وهب له هبة صحيحة وقبضها، ولكن ما
أفاد في التتمة أجود وأقرب إلى الاحتياط ا ه‍. قوله: (فإنه ليس بهبة) هذا أحد قولين وهو غير
الأظهر.
قال في الهندية: أبو الصغير غرس كرما أو شجرا ثم قال جعلته لابني فهو هبة، وإن قال جعلته
باسم ابني لا يكون هو الأظهر وعليه أكثر مشايخنا غياثية، وإن لم يرد الهبة يصدق ملتقط، ولو قال
اغرسه باسم ابني لا يكون هبة خانية.
قال الأب جميع ما هو حقي وملكي فهو ملك لولدي هذا الصغير فهذا كرامة لا تمليك، بخلاف
ما لو عينه فقال حانوتي الذي أملكه أو داري لابني الصغير فهو هبة ويتم بكونها في يد الأب. قنية.
ولو قال هذا الشئ لولدي الصغير فلان جاز ويتم من غير قبول. تتارخانية ا ه‍. فقولهم القبول شرط
لثبوت الملك في الموهوب يستثنى منه الهبة للصغير من أبيه. قوله: (وكذا هي لك حلال) لأنه إن كان
أمة يحتمل حل النكاح أو الإباحة ولا إباحة في الفروج.
فروع: قال لغيره أنت في حل مما أكلت من مالي له أن يأكل إلا إذا قامت أمارة النفاق. ولو قال
من أكل من شجرتي فهو في حل يأكل منها الغني والفقير على المختار. ولو قال حللني من كل حق هو
لك علي ففعل وأبرأ، إن كان صاحب الحق عالما به برئ حكما وديانة، وإن لم يكن عالما به برئ
حكما إجماعا وديانة عند الثاني وعليه الفتوى، والمباح له لا يحل له التناول حتى يعلم بالاذن والإباحة،
ولو تناول قبل ذلك تناول حراما.
وفي البزازية: لو قال أنت في حل مما أكلت من مالي أو أخذت أو أعطيت حل له الاكل
والاخذ والاعطاء ا ه‍. ولو قال المغصوب منه أنت في حل مما غصبت مني والمغصوب قائم فذلك على
البراءة من ضمانها والعين للمغصوب منه. ا ه‍.
وفي الخانية: رجل أضل لؤلؤة فوهبها لآخر وسلطه على طلبها وقبضها متى وجدها. قال أبو
يوسف: هذه هبة فاسدة لأنها على خطر، والهبة لا تصح مع الخطر. وقال زفر: تجوز. قال المقدسي:
فكأنه قاسها على من سيب دابة. قوله: (إلا أن يكون قبله كلام يفيد الهبة) كأن يقول أتهبني ذلك أو
إن نفسي رغبت في إعطاء هذا الشئ أو أنت لم تهبني شيئا قبل هذا ط. قوله: (وأعمرتك هذا
الشئ) هي أن يملكها له طول عمره فإذا مات ترد على المعمر، وهذا كان قبل الاسلام ثم جاء في
الحديث من أعمر عمرى فهي للمعمر له ولورثته من بعده. ولأنها تمليك شرط فيه الاسترداد بعد

573
الموت وهو شرط فاسد لا تبطل به الهبة بل يبطل الشرط كما في الزيلعي قوله: (وحملتك على هذه
الدابة) لان الحمل على الدابة إركاب، وهو تصرف في منافعها لا في عينها فتكون عارية، إلا أن يقول
صاحبها أردت الهبة لأنه نوى محتمل كلامه وفيه تشديد عليه، ومثله أخدمتك هذه الجارية. بحر. ولا
يخفى أن التعيين باسم الإشارة في هذا وما قبله وما بعده تحرزا عن الجهالة إذا كان للمعمر ومن بعده
غيره. قوله: (ناويا بالحمل الهبة) لان الحمل يستعمل في الهبة والعارية وإن كان أصله العارية لان
الحمل تصرف في المنفعة، فإذا نوى الهبة صحت لوجود استعماله في التمليك يقال حمل الأمير فلانا
على دابة إذا ملكه إياها ط. قوله: (كما مر) أي في العارية من قوله ومنحتك ثوبي وجاريتي وحملتك
على دابتي. قوله: (وكسوتك هذا الثوب) لأنه يراد به التمليك. قال تعالى: * (أو كسوتهم) * (المائدة:
98) فإن المراد به تمليك العين لان الكفارة لا تتأدى بالمنافع، ويقال كسا الأمير فلانا ثوبا: إذا ملكه لا
إذ أعاره.
وفي الخلاصة: لو دفع إلى رجل ثوبا وقال ألبس نفسك ففعل يكون هبة. ولو دفع إليه دراهم
وقال أنفقها تكون قرضا ا ه‍. ولو قال متعتك بهذا الثوب أو بهذه الدراهم فهي هبة، كذا في المحيط
بحر. قوله: (وداري لك) مبتدأ وخبر قوله: (هبة) نصب على الحال من ضمير الظرف واللام في لك
للتمليك ا ه‍. درر قوله: (مشورة) بتسكين الشين وفتح الواو وبضم الشين وسكون الواو بمعنى
الشورى: وهي استخراج رأي على غالب الظن ا ه‍. إتقاني. قوله: (لا تفسير) لان الفعل لا يصلح
تفسيرا للاسم، وهذا لا ينافي الهبة بل ينبه على المقصود بمنزلة هذا الطعام لك تأكله كما يأتي قريبا
قوله: (فقد أشار عليه في ملكه) كقوله هذا الطعام لك تأكله وهذا الثوب لك تلبسه بحر. وقد تقدم
أن العمري كالهبة، فقوله هنا هبة ليس بقيد، بل لو قال داري لك عمري تسكنها كان كذلك نص
عليه في الهداية، ولذا نص عليه الشارح رحمه الله تعالى. قوله: (لا لو قال هبة سكنى) أي داري لك
هبة سكنى بنصب هبة على الحال كما تقدم، وسكنى منصوب على التمييز لما في قوله داري لك من
الابهام: يعني أنها عارية فيهما، لان السكني محكم في تمليك المنفعة فكان عارية قدم لفظ الهبة أو
أخره، ولو ذكر بدل سكنى عارية كان عارية بالأولى، ولو قال هي لك هبة إجارة كل شهر بدرهم أو
إجارة هبة فهي غير لازمة فيملك كل فسخها بعد القبض ولو سكن وجب الاجر. كذا في البحر عن
المحيط. قوله: (أخذ بالمتيقن) برفع أخذ على أنه خبر مبتدأ محذوف كما في بعض النسخ، وفي النسخة
التي بيدي أخذا بالنصب. قوله: (إن أنبأ عن تمليك الرقبة) أي فقط، وكذا يقال فيما بعد. قوله: (
اعتبر النية) وعند عدم النية يثبت الأدنى وهو العارية، وهذه المسألة: أعني داري لك هبة سكنى على
تزد تعريف الهبة بأنها تمليك العين الخ لأنه بالنسبة للهبة المطلقة بأن كانت
غير مقيدة فلهذا كانت لتمليك المنفعة، بخلاف تسكنها حيث لا ينافي ثبوت الملك في العين لأنه للتنبيه على ما هو المقصود

574
فلم يكن للتقييد، وأما هبة الدين ممن عليه فمجاز عن الاسقاط كما سبق، فالتعريف المذكور بالنسبة
للحقيقة، وكذا لا يرد على التعريف الوصية لان المتبادر من تعريفها بأنها تمليك العين أي حالا. على أن
الكرماني ذكر أنها هبة معلقة بالموت. ثم رأيت في القهستاني ما يفيد كون العارية من أفراد الهبة حيث
قال بعد أن عرف الهبة بأنها تمليك العين ما نصه: ويخرج عنه الإجارة والعارية والمهايأة، لكن في
النظم أن الهبة لعموم التمليك، حتى لو قال وهبت لك هذه الدار والثوب لتسكن فيها أو تلبسه شهرا
فقبل يصح انتهى. لكن اللائق بالتعريف الذي ذكره المصنف ما قدمناه من الجواب بأن سكنى للتقييد.
قوله: (وفي البحر الخ) نقله عن الخلاصة، والذي في الهندية عن فتاوى قاضيخان أنه لا يكون هبة
وعليه الاعتماد، وقدمنا الكلام فيه قريبا.
وأقول: قوله جعلته باسمك ليس بصحيح كما مر، فكيف يكون ما هو أدنى رتبة منه أقرب إلى
الصحة؟ على أن الغرس باسم فلان يقصد به في عرفنا التبرك. وقد يفرق بأن ما مر ليس خطابا لابنه
بل لأجنبي، وما هنا مبني على العرف تأمل.
قال في جامع الفتاوى: قطع ثوبا لولده الصغير صار واهبا له بالقطع له مسلما له قبل الخياطة،
ولو كان كبيرا لا تصح الهبة إلا بعد الخياطة والتسليم.
وفي البزازية: اتخذ لولده ثيابا ليس له أن يدفعها إلى غيره إلا إذا بين وقت الاتخاذ أنها عارية،
وكذا لو اتخذ لتلميذه ثيابا فأبق التلميذ فأراد أن يدفعها إلى غيره انتهى. لكن فرق في الخانية بين
التلميذ والولد الصغير بأن بمجرد اتخاذ الأب لولده الصغير تصير ملكا له، أما التلميذ وولده الكبير فلا
بد من التسليم كما ذكرنا.
ثم إن قوله إن بين وقت الاتخاذ الخ يفيد أنه لو سلمها لتلميذه ولم يبين أنها إعارة ليس له دفعها
إلى غيره، ولعل وجهه أنه جعلها في مقابلة خدمته له فلا تكون هبة خالصة فلا يمكنه الرجوع فيها
وإلا فما المانع منه. تأمل. قوله: (وتصح بقبول) أي ولو فعلا ومنه وهبت جاريتي هذه لأحدكما
فليأخذها من شاء فأخذها رجل منهما تكون له وكان أخذه قبولا كما قدمنا، وكذا ما ذكره المقدسي:
دفع له ثوبين فقال أيما شئت لك والآخر لابنك فلان، إن بين الذي له قبل التفريق جاز وإلا لا. ا ه‍.
وما في البحر عن المحيط من أنها تدل على أنه لا يشترط في الهبة القبول مشكل انتهى.
قلت: يظهر لي أنه أراد بالقبول قولا، وعليه يحمل كلام غيره أيضا، وبه يظهر التوفيق بين
القولين باشتراط القبول وعدمه، والله تعالى الموفق، وتقدم نظيره في العارية، نعم القبول شرط لو كان
الموهوب في يده كما يأتي.
قال في التتارخانية: وفي الذخيرة: قال أبو بكر رحمه الله تعالى: إذا قال الرجل لغيره وهبت
عبدي هذا منك والعبد حاضر فقبض الموهوب له العبد ولم يقل قبلت جازت الهبة، كذلك لو كان
العبد غائبا فذهب وقبضه ولم يقل قبلت جازت الهبة. قال الفقيه أبو الليث: وبقول أبي بكر نأخذ.
وفي التهذيب: ولو قال قبضته قال أبو بكر جازت الهبة من غير قوله قبلت، ويصير قابضا في
قول محمد وقال أبو يوسف: لا يصير قابضا ما لم يقبض انتهى، وقد سبق عن القهستاني أنه لا يشترط
القبول، فإن من وضع ماله في الطريق ليكون لمن رفعه جاز، لكن قال المقدسي: وفي الخانية ما يخالف

575
ما اختاره. قال رجل قال لختنه بالفارسية: أين زمين ترا: أي هذه الأرض لك فذهب وزرعها إن قال
الختن عندما قال هذه المقالة قبلت صارت الأرض له، فإن لم يقل قبلت لا شئ له ا ه‍. وما مر ويأتي
من مسألة العبد يخالف هذه المسألة في الجواب فليتأمل.
فرع: في التتارخانية: رجل مات فوهبت له امرأته مهرها جاز، لان قبول المديون ليس بشرط
ولو وهب الغريم والدين من الوارث صح بلا خلاف.
وقال قاضيخان: رجل له على آخر دين فبلغه أنه مات فقال جعلته في حل أو قال أبرأته ثم ظهر
أنه حي ليس للطالب أن يأخذ منه لأنه وهب له بغير شرط ا ه‍. قوله: (لأنه تبرع) أي وعقود التبرع
يكفي فيها الايجاب وحده بالنظر للموجب. قوله: (حتى لو حلف) تقدم الكلام عليه، وقد أطال
الكلام في ذلك قاضي زاده. قوله: (بخلاف البيع) أي إذا حلف أنه يبيع لفلان كذا فباع ولم يقبل فإنه
يحنث، لان البيع عقد معاوضة لا يتم إلا بالايجاب والقبول، فما لم يوجد القبول لا يقال إنه باع،
وهذا تعرض لصاحب الدرر حيث قال وقبول عطف على إيجاب، فإنها كالبيع لا تصح إلا بالايجاب
والقبول ا ه‍. وكأنه اقتفى فيه أثر صاحب الكافي والكفاية والتحفة.
وقال الامام خواهر زاده في مبسوطه: ركنها مجرد إيجاب الواهب، والقبول شرط ثبوت الملك
للموهوب له، ومال إليه أكثر الشراح وتبعهم الشارح.
وفي البدائع: القبول ليس بركن استحسانا. والقياس أن يكون ركنا وهو قول زفر. وذكر في
المنبع إنما عدل القدوري عن لفظ تنعقد إلى لفظ تصح، لان الهبة تتم من جانب الواهب لأنه تمليك
من جانب واحد، وباقي التفصيل في التكملة فراجعه. قوله: (وتصح بقبض) قال في المنح: أفاد أنه
لا بد من القبض فيها لثبوت الملك لا للصحة لما في المجتبى: فأما القبض فشرط لثبوت الملك ا ه‍.
قوله: (فإنه هنا كالقبول) فاختص بالمجلس، وهذا استحسان، والقياس أنه لا يجوز إلا بإذنه.
وجه الاستحسان أن القبض كالقبول في الهبة ولهذا لا يملك بها قبله ويغني عن القبول،
والمقصود من الايجاب إثبات الملك فيكون تسليطا على القبض دلالة إذ ملكه لا يتصور إلا به فيتقيد
ذلك بالمجلس كالقبول لأنه بمنزلته ا ه‍. زيلعي. قوله: وبعده به لان الاذن ثبت نصا، والثابت نصا
ثابت من كل وجه فيثبت في المجلس وبعد المجلس شلبي. قوله: (لا يتقيد بالمجلس) لما ذكر أن الاذن
ثبت نصا الخ.
قال في الهندية: ولا يتم حكم الهبة إلا مقبوضة، ويستوي فيه الأجنبي والولد إذا كان بالغا.
هكذا في المحيط والقبض الذي يتعلق به تمام الهبة وثبوت حكمها القبض بإذن المالك، والاذن تارة
يثبت نصا وصريحا، وتارة يثبت دلالة، فالصريح أن يقول اقبضه إذا كان الموهوب حاضرا في المجلس
ويقول اذهب، واقبضه إذا كان غائبا عن المجلس.
ثم إذا كان الموهوب حاضرا وقال له الواهب اقبضه فقبضه في المجلس أو بعد الافتراق عن
المجلس صح قبضه وملكه قياسا واستحسانا.

576
ولو نهاه عن القبض بعد الهبة لا يصح قبضه لا في المجلس ولا بعد الافتراق عن المجلس، وإن
لم يأذن له بالقبض صريحا ولم ينهه عنه، إن قبضه في المجلس صح قبضه استحسانا لا قياسا، وإن
قبضه بعد الافتراق عن المجلس لا يصح قبضه قياسا واستحسانا، ولو كان الموهوب غائبا فذهب
وقبض، إن كان القبض بإذن الواهب جاز استحسانا لا قياسا، وإن كان بغير إذنه لا يجوز قياسا
واستحسانا هكذا في الذخيرة.
لو وهب شيئا حاضرا من رجل فقال الموهوب له قبضته صار قابضا عند محمد رحمه الله تعالى
خلافا لأبي يوسف رحمه الله تعالى. كذا في السراجية.
وفي البقالي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى: إذ قال اقبضه فقال قبضت والموهوب حاضر جاز إذا
لم يبرح الموهوب له قبل قوله قبضت، ولا يكفي قوله قبلت. وإذا لم يقل اقبضه فإنما القبض أن ينقله،
فإذا لم يقل قبلت لم يجز وإن نقل إلا أن تكون الهبة بمسألته. كذا في المحيط.
ولو قال لرجل هب لي هذا العبد فقال وهبت تمت الهبة كذا في الينابيع انتهى، وتقدم الكلام
عليه قريبا فلا تنسه. قوله: (والتمكن من القبض) أي العادي لا العقلي، وموضوع هذا فيما إذا قبض
الموهوب له وغيره. وأما التمكن بالتخلية فقد ذكره بعد ط. قوله: (كالقبض) ولهذا قال في الاختيار:
ولو وهب من رجل ثوبا فقال قبضته صار قابضا عند أبي حنيفة وجعل تمكنه من القبض كالقبض
كالتخلية في البيع. وقال أبو يوسف: لا بد من القبض بيده ا ه‍. بحر.
قال ابن الكمال: قبض كل شئ بما يناسبه، فقبض مفتاح الدار قبض لها، وقبض ما يحتمل
القسمة يكون بها، وقبض ما لا يحتملها يكون بقبض كله ا ه‍.
قال في التتارخانية: قد ذكرنا أن الهبة لا تتم إلا بالقبض والقبض نوعان: حقيقي وأنه ظاهر.
وحكمي وذلك بالتخلية، وقد أشار في هذه المسألة أي مسألة التمكن من القبض قبض إلى القبض
الحكمي وهو القبض بطريق التخلية، وهذا قول محمد خاصة. وعند أبي يوسف التخلية ليست
بقبض، وهذا الخلاف في الهبة الصحيحة. فأما الهبة الفاسدة فالتخلية ليست بقبض اتفاقا ا ه‍. قوله:
(والمختار صحته) أي القبض بالتخلية ظاهرة وإن لم يقبضه الموهوب له، وهو خلاف ما في حاشية
الشلبي عن شرح الأسبيجابي أنه إذا كان العبد حاضرا فقال الواهب قد خليت بينك وبين الهبة فاقبضها
فانصرف الواهب فقبضه الموهوب له جاز، لان التخلية إقباض منه، فإذا قبضه بإذنه تم العقد أما البيع
فينزل قابضا بمجرد التخلية وإن لم يباشر القبض.
والفرق أن القبض واجب عليه في البيع والبائع محتاج إلي إخراج نفسه من عهدة المبيع، فإذا أتى
بما وسعه فقد برئ، وليس في وسعه إلا التخلية، وأما الهبة فإن التسليم ليس بواجب عليه فيها فإذا
لم يسلمه إليه ويقبضه لا يعد مسلما ا ه‍ بتصرف.
ونقل بعده عن المحيط ما نصه: ومن النوادر: رجل وهب من رجل ثوبا وهو حاضر فقال
الموهوب له قبضته. قال أبو حنيفة: صار قابضا لأنه متمكن من قبضه فأقيم تمكنه مقام قبضه كالتخلية

577
في باب البيع. وقال أبو يوسف: لا يصير قابضا ما لم يقبضه بنفسه لأنه غير قابض حقيقة. ا ه‍. فعلى
هذا محمد مع أبي حنيفة رحمهم الله تعالى، والقبض حقيقة عنده بالنقل من ذلك المكان ا ه‍ ط.
وفي الخانية: الأصح أن الاقرار بالهبة لا يكون إقرارا بالقبض ا ه‍.
فرع: لو وهب الغائب دراهم وأرسلها فقال الموهوب له تصدق بها عليك أو على غني لا يجوز،
وإن تصدق يضمن للواهب.
فرع آخر: اختلف الواهب والموهوب له في القبض القول للموهوب له إن قال وهبته لي وقبضته
بإذنك وإن قال كان بمنزلنا لا بحضرتنا فأمرتني بقبضه فقبضته لا. قوله: (وفي النتف الخ) عبارتها:
أحدها الهبة والصدقة والرهن والوقف في قول محمد بن الحسن والأوزاعي وابن شبرمة وابن أبي ليلى
والحسن بن صالح والعمري والنحلة والحبيس والصلح ورأس المال في السلم والبدل في السلم إذا
وجد بعضه زيوفا، فإذا لم يقبض بدلها قبل الافتراق بطل حصتها من السلم، والحادي عشر:
الصرف، والثاني عشر: إذا باع الكيلي بالكيلي والجنس مختلف، مثل الحنطة بالشعير جاز فيها التفاضل،
ولا تجوز النسيئة، والثالث عشر: إذا باع الوزني بالوزني مختلفا مثل الحديد بالصفر أو الصفر بالنحاس
أو النحاس بالرصاص جاز فيها التفاضل، ولا يجوز فيها النسيئة. وقوله الحبيس بالحاء المهملة والياء
الموحدة بعدها ياء تحتية وبالسين المهملة كما هو مثبت بخط السائحاني في هامش الدر نقلا عن المنح،
وقد راجعت المنح بخط الشيخ محفوظ ابن المصنف رحمهما الله تعالى فوجدته ترك لها بياضا ولم يثبت
شيئا، وفي بعض النسخ قال السابع: الجنس بالجنس بالجيم والنون والسين، وفي ظاهرة، وفي بعضها
الجنين، وظاهره أنه يصح إذا قبضه بعد الولادة، لكن نص المصنف فيما يأتي أنه لو وهب الحمل
وسلمه لا يجوز لان في وجوده احتمالا فصار كالمعدوم. ا ه‍. فظهر أنهما نسختان الأولى الجنس بالجنس،
والثانية الحبيس وهي الموافقة لما في نسختي النتف لكنها داخلة في الوقف، لان الحبيس من الخيل
الموقوف في سبيل الله تعالى كما في القاموس، فتأمل.
ثم رأيت في الخانية ما نصه: ولو قال هذه الدار لك حبيس فدفعها إليه كان باطلا في قول أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف: هي هبة جائزة وقوله: حبيس أو رقبي باطل ا ه‍.
قوله: (لان الصريح أقوى من الدلالة) وهذا الصريح أفاد الرجوع عن الهبة قال شيخ الاسلام: لان
نهي الواهب الموهوب له عن القبض رجوع عن الايجاب لان القبض في باب الهبة بمنزلة القبول في
باب البيع. والبائع لو نهى المشتري عن القبول بعد الايجاب كان ذلك رجوعا منه عن الايجاب دلالة
فكذلك هذا ولو رجع ثم قبض لا يصح قبضه، فكذلك هذا. ا ه‍.
والحاصل: أنه إن أذن بالقبض صريحا صح قبضه في المجلس وبعده ولو نهاه لم يصح قبضه له
في المجلس ولا بعده، لان الصريح أقوى من الدلالة، ولو لم يأذن ولم ينه صح قبضه في المجلس لا
بعده، ولو كان الموهوب غائبا فذهب وقبض إن كان بإذن صح وإلا لا ذكره القهستاني ط. قوله:
(وتتم الهبة بالقبض الكامل) قدمنا قريبا عن ابن الكمال بيانه، وهو أن قبض كل شئ بما يناسبه الخ.

578
قال في الدرر: والقبض الكامل في المنقول بما يناسبه وفي العقار بما يناسبه، فقبض مفتاح الدار قبض
لها، والقبض الكامل فيما يحتمل القسمة بالقسمة حتى يقع القبض على الموهوب بالأصالة من غير أن يكون
بتبعية قبض الكل، وفيما لا يحتمل القسمة بتبعية الكل. ا ه‍. وكذا الحكم من غير فرق في الصدقة
والقرض والرهن والبيع الفاسد، لأنها كالهبة في الافتقار إلى القبض كما في المنبع هذا الذي ذكره في
هبة العين. أما إذا وهب الدين فإنه لم يجز ما لم يأذن في قبضه وقبضه في المجلس بحضرته لا يجدي
نفعا كما في الشروح وتقدم ذلك ويأتي. وفي الخانية: وكل الموهوب له رجلين بقبض الدار فقبضاها
جاز. قوله: (ولو الموهوب شاغلا لملك الواهب لا مشغولا به) قال الشمني: ولو وهب دارا بمتاعها
وسلمها فاستحق المتاع صحت الهبة في الدار، لان الاستحقاق تظهر به أن يده في المتاع كانت يد
غصب وصار كما لو غصب الدار والمتاع.
وهب المالك له الدار، أو أودعه الدار والمتاع ثم وهب له الدار فإنه يصح ولو وهب أرضا
وزرعها وسلمها فاستحق الزرع بطلت الهبة في الأرض، لان الزرع مع الأرض بحكم الاتصال كشئ
واحد، فإذا استحق أحدهما صار كأنه استحق البعض الشائع فيما يحتمل القسمة، فتبطل الهبة في
الباقي ا ه‍.
وفي الهندية: واشتغال الموهوب بملك غير الواهب، هل يمنع تمام الهبة ذكر صاحب المحيط في
الباب الأول من هبة الزيادات أنه لا يمنع، فإنه قال: لو أعار داره من إنسان ثم المستعير غصب متاعا
ووضعه في الدار، ثم وهب المعير الدار من المستعير صحت الهبة في الدار، وكذلك لو أن المعير هو
الذي غصب المتاع ووضعه في الدار ثم وهب الدار من المستعير كانت الهبة تامة، وإن تبين أن الدار
مشغولة بما ليس بموهوب، لما أنها لم تكن مشغولة بملك الواهب وهو المانع من تمام الهبة. كذا في
الفصول العمادية.
لو أودعه الدار والمتاع ثم وهب الدار صحت الهبة، فإن هلك المتاع ولم يحوله ثم جاء مستحق
واستحق المتاع كان له أن يضمن الموهوب له وذكر ابن رستم أن هذا قول محمد رحمه الله تعالى. أما في
قول أبي يوسف رحمه الله تعالى: لو استحق وسادة منها تبطل الهبة في الدار، كذا في التتارخانية ومثله
في البحر عن المحيط ا ه‍.
لكن صرح في زيادات قاضيخان: أن الاشتغال بملك غير الموهوب له يمنع صحة الهبة. سواء
كان ملك الواهب أو غيره، لكن الهبة إنما تمتنع إذا كان الاشتغال بمتاع في يد الواهب، أو في يد غير
الموهوب له أما إذا كان المتاع في يد الموهوب له بغصب أو عارية، أو غير ذلك فلا تمتنع. واستدل
عليه بمسائل الإجارة والغصب والاستحقاق، فظهر أن الأصل أن الهبة إذا كانت مشغولة بملك
الواهب أو بملك غير الموهوب له تمنع الهبة إذا لم يكن في يد الموهوب له، كما في جامع الفصولين
وأقره في نور العين، فتأمل. قوله: (والأصل أن الموهوب إن مشغولا بملك الواهب منع تمامها وإن
شاغلا لا) عبارة العمادية: هبة الشاغل تجوز وهبة المشغول لا تجوز، والأصل في جنس هذه المسائل
أن اشتغال الموهوب بملك الواهب يمنع تمام الهبة، لان القبض شرط. وأما اشتغال ملك الواهب
بالموهوب، فلا يمنع تمام الهبة.

579
مثاله: وهب جرابا فيه طعام لا يجوز، ولو وهب طعاما في جراب جازت، وعلى هذا نظائره
ا ه‍.
قال الزيلعي: واعلم أن الدار التي فيها المتاع والجوالق الذي فيه الدقيق كالمشاع، لان الموهوب
مشغول بمتاع الواهب حتى لو نزع وسلم صح ا ه‍. وكلامه يعطي أن هبة المشغول فاسدة، والذي في
العمادية أنها غير تامة.
قال السيد الحموي في حاشية الأشباه: فيحتمل أن في المسألة روايتين كما وقع الاختلاف في
هبة المشاع المحتمل للقسمة، هل هي فاسدة أو غير تامة والأصح كما في البناية أنها غير تامة فكذلك
هنا. كذا بخط شيخنا. ومنه يعلم ما وقعت الإشارة إليه في الدر المختار حيث قال: والأصل أن
الموهوب إن مشغولا الخ، فأشار إلى أحد القولين بما ذكره أولا من عدم التمام، وإلى القول الثاني بما
ذكره آخرا من عدم الصحة. فتدبر. أبو السعود.
واعلم أن الضابط في هذا المقام أن الموهوب إذا اتصل بملك الواهب اتصال خلقة وأمكن فصله
لا تجوز هبته ما لم يوجد الانفصال والتسليم، كما إذا وهب الزرع أو الثمر بدون الأرض والشجر أو
بالعكس وإن اتصل اتصال مجاورة: فإن كان الموهوب مشغولا بحق الواهب لم يجز كما إذا وهب
السرج على الدابة، لان استعمال السرج إنما يكون للدابة، فكانت للواهب عليه يد مستعملة فتوجب
نقصانا في القبض، وإن لم يكن مشغولا جاز، كما إذا وهب دابة مسرجة دون سرجها لان الدابة
تستعمل بدونه. ولو وهب الدابة وعليها حمل لم يجز لأنها مستعملة بالحمل، ولو وهب الحمل عليها
دونها جاز لان الحمل غير مستعمل بالدابة. ولو وهب دارا دون ما فيها من متاعه لم يجز وإن وهب ما
فيها وسلمها دونها جاز. كذا في المحيط شرح المجمع. قوله: (منع تمامها) ولا يعد قبضها حينئذ قبضا
وفاعل منع ضمير يعود على الشغل. قوله: (وإن شاغلا لا) وذلك أن المظروف يشغل الظرف وأما
الظرف فلا يشغل المظروف. قال في جامع الفصولين: تجوز هبة الشاغل لا المشغول.
قال العلامة خير الدين في حاشيته عليه أقول: هذا ليس إطلاقه فإن الزرع والشجر في
الأرض شاغل ما مشغول ومع ذلك لا تجوز هبته، لاتصاله بها تأمل. ا ه‍. وما في الضابط الذي ذكرنا.
كفاية. قوله: (فلو وهب جرابا) بكسر الجيم: ومن لطائف الكلام لا تفتح الجراب والخزانة ولا تكسر
القنديل والقصعة. قوله: (وسلمها كذلك لا تصح) قال صاحب جامع الفصولين: فيه نظر إذ الدابة
شاغلة للسرج واللجام لا مشغولة.
يقول الحقير: صل أي الأصل عكس في هذا، والظاهر أن هذا هو الصواب، يؤيده ما في
قاضيخان: وهب أمة لرجل عليها حلي وثياب وسلمها جاز وكذا الصدقة، ويكون الحلي وما فوق ما
يستر عورتها من الثياب للواهب لمكان العرف، ولو وهب الحلي والثياب دونها لا يجوز حتى ينزعهما
ويدفعهما إلى الموهوب له، لأنها ما داما عليها يكون تبعا لها ومشغولا بالأصل، فلا تجوز هبته. نور
العين.
وفي البحر عن المحيط: إن وهب دارا فيها متاع وسلمها كذلك ثم وهب المتاع منه أيضا جازت
في المتاع خاصة، وإن بدأ فوهب له المتاع، وقبض الدار والمتاع ثم وهب الدار جازت الهبة فيهما لأنه

580
حين هبة الدار لم يكن للواهب فيها شئ، وحين هبة المتاع في الأولى زال المانع عن قبض الدار، لكن
لم يوجد بعد ذلك فعل في الدار ليتم قبضه فيها فلا ينقلب القبض الأول صحيحا في حقها. ا ه‍. قوله:
(وتصح في الطعام الخ) كان عليه أن يقول يصح القبض، لان العقد صحيح حتى في المشاع وإنما
الكلام في القبض، حتى لو وهب الكل وسلم النصف لا يجوز، ولو وهب النصف ثم الآخر وسلم
الكل يصح القبض، ولو وهب الشاغل وسلم بالظرف صح لان اليد على المظروف يد على المتبوع،
فهي أقوى من قيام اليد على الظرف، لأنه تابع كهبة أمة بحلى دونه يصح القبض فيها معه لا عكسه
وتعليل الشارح عليل لأنه علل الصحة في الشاغل دون المشغول بأنه شاغل لا مشغول ويأتي قريبا ما
هو أوضح من هذا، فتأمل. قوله: (شاغل لملك الواهب لا مشغول به) أقول: الذي في البحر والمنح
وغيرهما: تصوير المشغول بملك الغير بما إذا ظهر المتاع مستحقا، أو كان غصبه الواهب أو الموهوب
له قال في الزيادات: جاز هبة المشغول بملك غير الواهب، فلو أعار بيتا فوضع فيه المعير أو المستعير
متاعا غصبه، ثم وهب البيت من المستعير جاز، وكذا لو وهب بيتا بما فيه، أو جوالق بما فيه من
المتاع، وسلمه ثم استحق المتاع جاز في الدار والجوالق إذ يد الواهب كانت ثابتة على البيت والمتاع جميعا
حقيقة فصح التسليم، ثم بالاستحقاق ظهر أن المتاع لغيره ولم يظهر أن البيت مشغول بملك الواهب
وهو المانع. وكذا الرهن والصدقة إذ القبض شرط تمامها كالهبة، وقدمنا تمامه عن جامع الفصولين،
وأقره نور العين كما علمت فلا تنسه. قوله: (لان شغله بغير ملك واهبه) هذا تعليل لمفاد من كلام
المصنف كأنه يقول: وإنما قيد عدم التمام بكونه مشغولا بملك الواهب، لان شغله الخ. وفي نسخة:
لا شغله أي لا يمنع تمامها شغله الخ وعليها يضيع فائدة قوله لا يمنع تمامها ط.
أقول: ولعل في عبارة الشارح سقطا، وهو قيد الشغل بملك الواهب الخ ثم رأيت المصنف ذكر
هذه المسألة حيث قال: واشتغال الموهوب بملك غير الواهب هل يمنع تمام الهبة؟ ذكر صاحب المحيط
في الباب الأول من هبة الزيادات: أنه لا يمنع إلى آخر ما قدمناه قريبا عن الهندية وهو سالم من النقد.
قوله: (كرهن وصدقة) فإنهما لا يتمان إلا بالقبض الكامل ويضر كونه مشغولا بملك الراهن والمتصدق
لا شاغلا لهما، فالتشبيه راجع إلى كلام المصنف.
قال في المنح: وكل جواب عرفته في هبة الدار والجوالق بما فيها من المتاع فهو الجواب في
الرهن والصدقة لان القبض شرط تمامها كالهبة انتهى: أي كما أن شغل الرهن والصدقة بملك غير
الراهن وغير المتصدق لا يمنع تمامها، كما في المحيط وغيره. مدني. قوله: (وفي الأشباه هبة المشغول
لا تجوز الخ) قال الحموي: وذلك كما لو كان لرجل دار وفيها أمتعة فوهبها من رجل لا يجوز لان
الموهوب مشغول بما ليس بموهوب، فلا يصح التسليم فرق بين هذا، وبين ما إذا وهبت المرأة دارها
من زوجها وهي ساكنة فيها ولها أمتعة فيها والزوج ساكن معها حيث يصح، والفرق أنها وما في يدها
في الدار في يده فكانت الدار مشغولة بعياله وهذا لا يمنع صحة قبضه كذا في الولوالجية انتهى. وقد
أوضح المقام في هذه المسألة سيدي الوالد رحمه الله تعالى في تنقيحه فراجعه إن شئت. قوله: (إلا إذا
وهب الأب لطفله) كأن وهبه دارا والأب ساكنها أو له فيها متاع لأنها مشغولة بمتاع القابض لكنه

581
مخالف لما في الخانية فقد جزم أولا بأن لا تجوز، ثم قال: وعن أبي حنيفة في المجرد تجوز ويصير قابضا
لابنه. تأمل.
قال في الولوالجية: رجل تصدق على ابنه الصغير بدار والأب ساكنها، قال الامام: لا يجوز،
وقال أبو يوسف: يجوز، وعيه الفتوى انتهى، لان الشرط قبض الواهب هبتها وكون الدار مشغولة
بمتاع الواهب لا يمنع قبض الواهب.
وفي البزازية: وهب لابنه الصغير دارا وفيها متاع الواهب أو تصدق لابنه الصغير بدار وفيها
متاع الأب والأب ساكن فيها يجوز وعليه الفتوى، أو أسكنها غيره بلا أجر والام كالأب، لو ميتا
والابن في يدها، وليس له وصي وكذا من يعوله، والصدقة في هذا كله كالهبة كما في التبيين، ويفهم
من قوله بلا أجر أن الغير لو كان يسكنها بالاجر لم تجز الصدقة، وبه صرح البزازي ووجهه في
الذخيرة بأنه إذا كان يسكنها بأجر فيده على الموهوب ثابتة بصفة اللزوم، فيمنع قبض غيره تمام الهبة،
بخلاف ما إذا كان بغير أجر ا ه‍. قوله: (قلت وكذا الدار المعارة) بأن أعار داره إنسانا ثم إن المستعير
أو المعير غصب متاعا ووضعه في الدار، ثم وهب المعير الدار من المستعير صحت الهبة في الدار، لأنه
تبين أن الشاغل ملك غير الواهب ط. وقدمنا قريبا نحوه عن الزيادات.
ونقل في الخانية بما لو (1) وهب طفله دارا يسكن فيها قوم بغير أجر جاز ويصير قابضا لابنه لا
لو كان بأجر وهو مستدرك بأن الشغل هنا بغير ملك الواهب، والمراد شغله بملكه، وكأن الشارح
قصد به تكملة عبارة الأشباه، وعليه فما نقله في الخانية أولى، وانظر إذا وهبها لغير الصغير هل
يصح؟ تقدم أن شغلها بملك غير الواهب لا يمنع تمامها، فتأمل. قوله: (والتي وهبتها لزوجها)
تقدمت صورتها قريبا من أنها تصح الهبة وهو المذهب خلافا لما عن أبي يوسف من أنه لا يجوز، لان
يد الواهب ثابتة على الدار كما في الذخيرة. قوله: (المحرر) أي هذا هو المحرر المعول عليه، وبيت
الأصل:
ومن وهبت للزوج دارا لها بها * متاع وهم فيها فقولان يزبر
قول (أن يودع الشاغل أولا) قال في الجوهرة: ولو وهب دارا فيها متاع الواهب وسلم الدار
إليه أو سلمها مع المتاع لم يصح.
والحيلة فيه: أن يودع المتاع أولا عند الموهوب له ويخلي بينه وبينه ثم يسلم الدار إليه فتصح
الهبة، وبعكسه لو وهب المتاع دون الدار وخلى بينه وبينه صح، وإن وهب له الدار والمتاع جميعا وخلي
بينه وبينهما صح فيهما جميعا. قوله: (ثم يسلمه الدار) فلو سلمها ثم وهبه المتاع صح فيه خاصة، ولو
عكس صح فيهما: أي لان اليد إذا كانت على المظروف تكون على الظرف، بخلاف العكس.



(1) قوله: (بما لو) هكذا بالأصل.
582
وأقول: هذا مشكل جدا، لأنه لما صح في المظروف لم لا يصح في الظرف تبعا مع أن عقد الهبة
الأولى باق إلا أن يقال: هذا قول من جعل أن القبض في الهبة الفاسدة غير مفيد للملك، بل عليه
الضمان فصارت يده يد ضمان، فلا ترتفع بيد الهبة التي هي عقد تبرع خصوصا وأن القبض فيه
تبعي، وأما على القول بأن هذا القبض غير موجب للضمان، فيجب أن يصح العقد، والقبض في
المشغول لو وهبه الشاغل الذي في يده أمانة بعد ذلك. قوله: (متعلق بتتم) الأولى أن يؤخره بعد.
قوله: محوز لان المتعلق المجرور. قوله: (محوز) أي مجموع المراد به أن يكون مفرغا عن ملك الواهب
وحقه، واحترز به عن هبة الثمر على النخل ا ه‍. درر. وكصوف على غنم وزرع في أرض فقوله
مفرغ تفسير لمحوز، إلا أن فيه شائبة تكرار مع قوله لا مشغولا به، والأولى أن يفسر المحوز
بالمجموع، لأنه من حازه إذا جمعه لأجل أن يظهر لقوله متميزا فائدة، فإنه أفاد به أنه لو حازه غير
مقسوم بأن حاز الثمر مع النخل لا تتم به الهبة بل حتى يقسم. وفي القاموس: الحوز الجمع وضم
الشئ كالحيازة والاحتياز ا ه‍ المراد منه ط. قوله: (ومشاع) أي غير مقسوم في الصحاح سهم شائع أي
غير مقسوم.
واعلم أن الشائع على قسمين: شائع يحتمل القسمة كنصف الدار ونصف البيت الكبير، وشائع
لا يحتملها كنصف قن ورحى وحمام وثوب وبيت صغير، والفاصل بينهما حرف واحد وهو أن القاضي
لو أجبر أحد الشريكين على القسمة بطلب الآخر فهو من القسم الأول، ولو لم يجبر فهو من الثاني إذ
الجبر آية القبول.
وأمهات مسائل الشيوع سبع: بيع الشائع، إجارته وإعارته، ورهنه وهبته، وصدقته ووقفه، أما
هبته فيما لا يحتمل القسمة جائزة من شريكه ومن غيره وفيما يحتملها لم تجز من شريكه ولا من أجنبي.
وفي شرح الغزي وفي الزاهد العتابي أنها تجوز.
أقول: وفي الفتاوى التاجية أنها تجوز من شريكه. قال: وهو المختار ا ه‍. ولا يخفى عليك أنه
خلاف المشهور ا ه‍ كلام الغزي. أفاده خير الدين الرملي. وطرو الشيوع لا يفسد الهبة بالاتفاق. ولو
وهب الكل من اثنين. فإن أجمل بأن قال وهبت منكما لم يجز عند ح، وعند سم: يجوز. ولو فصل
بالتنصيف فهو على هذا الخلاف. ولو بالتثليث يجوز عند م لا عندهما وتقدمت.
هد: وهبا من واحد دارا جاز إذا سلماه جملة وقبض جملة فلا شيوع، ولو وهبه واحد من اثنين
لم يصح عند ح وقالا يصح، لان هذه هبة الجملة منهما لتوحد التمليك فلا شيوع كرهن من رجلين،
وله أنها هبة النصف لكل منهما. وكذا لو فيما لا يقسم فقبل أحدهما صح، لان الملك ثبت لكل في
النصف، فكذا التمليك، لأنه حكمه فتحقق الشيوع، بخلاف الرهن، لان حكمه الحبس وهو ثبت
لكل منهما كملا إذ لا تضايق فيه، ولذا لو قضى دين أحدهما لا يسترد شيئا من الرهن، ولو نص على
التبعيض لم يجز عند حسن. وفي التنصيف روايتان عند س.
ولو رهن عند رجلين، ونص على الابعاض لم يجز وفاقا، ولو وهب مشاعا تفسد، فلو قسمه
وسلمه جاز إذ تمامه بالقبض، وعنده لا شيوع فقط.
قال لهما: وهبت لكما هذه الدار لذا نصفها ولذا نصفها لم يجز، ولو وهب لهما درهما

583
فالصحيح أنه يجوز، وهبة المشاع الفاسدة لا تفيد الملك، ولو قبض الجملة فروى عن ح: ولو وهب
دقيقا في بر أو دهنا في سمسم، أو سمنا في لبن لم يجز، إذ الموهوب معدوم، ولذا لو استخرجه
الغاصب يملكه، ولو طحن وسلم لم يجز، بخلاف المشاع. والفرق أن المشاع محل للتمليك، والخلل في
القبض، ويزول بالقسمة. وبخلاف ما إذا وهب لبنا في ضرع أو صوفا على ظهر غنم، أو نخلا أو
زرعا في أرض أو ثمرا في شجر أو أرضا فيها نخل أو زرع دونهما أو دارا أو ظرفا فيها متاع الواهب
لزوال الخلل بالتفريغ، والفرق بين لبن في ضرع وبين هبة ولد في بطن. فإنها لم تجز بتسليمه بعد
الولادة في الصحيح، إذ لا يمكن الوقوف على الولد إذ ليس في وسعه، فيكون كتعليقه بالخطر ويمكن
الوقوف على اللبن بالحلب، لأنه في وسعه، فكان كتأخير هذه الجملة.
في هد: والتصدق بالشائع كهبته في كل ما مر، إلا أنه لو وهب من اثنين ما يقبل القسمة، لم
يجز عند أبي حنيفة رواية واحدة من غير اختلاف على قوله. وفي الصدقة اختلف المشايخ على قوله:
فقيل لا يجوز، وقيل فيه روايتان: لا يجوز على رواية الأصل، ويجوز على رواية الجامع الصغير، وهو
الصحيح. كذا حش.
وفي هد: لو تصدق بعشرة دراهم على محتاجين يجوز، وكذا لو وهبها لهما. ولو تصدق بها على
غنيين أو وهبها لهما لم يجز، وقالا: يجوز لغنيين أيضا فرق بين الهدية والصدقة في الحكم، وسوى في
الأصل وقال: إذ الشيوع مانع فيهما لتوقفهما على القبض. والفرق أن الصدقة يراد بها وجه الله تعالى،
وهو واحد فلا شيوع، ويراد بالهبة وجه الغني وهما اثنان. وقيل: هذا هو الصحيح، والمراد بما ذكر
في الأصل: التصدق على غنيين فقط، والأظهر أن في المسألة روايتين.
بخ: قيل جاز التصدق على غنيين، لأنهما محل صدقة التطوع.
مق: لا تجوز وعند س: تجوز بشرط المساواة، وعند م: تجوز في الحالين. جامع الفصولين.
وتمام تفاصيل المشاع، وما يتعلق به فيه في الفصل الحادي والثلاثين فراجعه إن شئت وقد مر بعض ما
ذكرناه ويأتي بعضه.
قال في البحر: وأما إجارته فإن كان من شريكه فهو جائز، وإن من أجنبي لا يجوز مطلقا عند
أبي حنيفة رحمه الله تعالى: وهي فاسدة على قوله فيجب أجر المثل على الأصح خلافا لمن قال ببطلانها
فلم يوجب شيئا، وأما الشيوع الطارئ ففي ظاهر الرواية لا يفسد الإجارة، وأما إعارته فجائزة إن
كانت من شريكه، وإلا فإن سلم الكل فهي إعارة مستأنفة للكل، وإلا لا يجبر. وأما رهنه فهو فاسد
فيما ينقسم أولا من شريكه أو من أجنبي، بخلاف الرهن من اثنين فإنه جائز. وأما وقفه فهو جائز
عند أبي يوسف خلافا لمحمد فيما يحتملها، وإن كان مما لا يحتملها فجائز اتفاقا، وأفتى الكثير بقول
محمد، واختار مشايخ بلخ قول أبي يوسف، وأما وديعته فجائزة وتكون مع الشريك. وأما قرضه
فجائز كما إذا دفع إليه ألفا وقال خمسمائة قرض وخمسمائة شركة. كذا في النهاية هنا. وأما غصبه
فمتصور. قال البزازي: وعليه الفتوى، وذكر له في الفصول صورا.
وأما صدقته: فكهبته، إلا إذا تصدق بالكل على اثنين فإنه يجوز على الأصح، وإذا عرف هذا
فهبة المشاع فيما لا ينقسم تفيد الملك للموهوب له على وجه لا يستحق المطالبة بالقسمة، لأنها لا

584
تمكن. وأما المهايأة فلا تجب في ظاهر الرواية، لأنها إعارة فإن كل واحد منهما يصير معيرا نصيبه من
صاحبه. والجبر على الإعارة غير مشروع وفي رواية: يجب وهو الذي يفيده كلام الزيلعي، لأنها
قسمة المنافع، والتبرع وقع في العين، فيكون إيجابا في غير ما تبرع به فلا يبالي به، وإنما المحظور
الايجاب ففي عين ما تبرع به.
وقال قاضي زاده بعد نقل: إن المهايأة لا تجب مع علته عن صاحب غاية البيان، لعل هذا
الجواب غير صحيح لان التهايؤ يجب، ويجري ففيه جبر القاضي إذا طلبه أحد الشركاء، لا سيما فيما لا
يقسم. نص عليه في عامة الكتب.
وأما دعوى الشائع إذا ادعى رجل ثلاثة أسهم من عشرة أسهم من دار، وقال هذه الثلاثة
الأسهم من العشرة الأسهم من الدار المحدودة ملكي وحقي وفي يد هذا الرجل بغير حق، ولم يذكر أن
جميع هذه الدار في يده وكذلك لم يشهد شهوده أن جميع هذه الدار في يده فإن الدعوى صحيحة
والشهادة مقبولة. وأما استحقاق الشائع إذا استحق نصف الدار شائعا أو ثلثها أو ربعها فالمشتري بالخيار
عندنا: إن شار رد ما بقي ورجع بكل ثمنه، وإن شاء أمسك ما بقي ورجع بثمنه على بائعه انتهى
بزيادة. قوله: (لا يبقى منتفعا به بعد أن يقسم) أي ليس من شأنه أن يقسم بمعنى أنه لا يبقى منتفعا به
بعد القسمة أصلا كعبد واحد ودابة واحدة أو لا يبقى منتفعا به بعد القسمة من جنس الانتفاع الذي
كان قبل القسمة كالبيت الصغير والحمام الصغير انتهى. درر: أي فإن البيت الصغير إذا قسم ربما
ينتفع به مخزنا أو مربطا للحمار، ولكنه لا ينتفع به للبينونة كالانتفاع السابق، فهو مما لا يقسم، فيصح
هبة بعضه مشاعا، وكذا الحمام الصغير إذا قسم يمكن أن يجعل بيتا أو مربطا للدواب، ولكن لا يمكن
أن يبقى حماما كما كان فهو مما لا يقسم، بخلاف الحمام الكبير الذي يمكن أن يقسم، ويجعل له موقد
ثان أو أكثر، فإن هبة بعضه مشاعا لا تصح. واحتياجه إلى موقد ثان لا يخرجه عن كونه قابلا للقسمة،
حيث أمكن أن يتخذ له موقدا كالمقسم الذي يحتاج إلى طريق أو مسيل، ويمكن فيه ذلك فإنه قابل
للقسمة، فكذا هذا. وفي أول كتاب القسمة من البزازية: لا يقسم حمام وحائط وبيت ودكان صغير،
لأنه لو قسم لا يبقى لكل فائدة، وانتفاع فيما يخصه وإن بقي فائدة يقسم بينهما ا ه‍.
قال في الحامدية: لا يقسم الحمام والحائط والبيت الصغير والدكانة الصغيرة، وهذا إذا كان
بحال لو قسم لا يبقى لكل واحد بعد القسمة موضع يعمل فيه، وإن كان فيقسم. خزانة الفتاوى
ومثله في الخلاصة والبزازية انتهى.
أقول: وعليه فينبغي أن يقيد الحمام بالصغير خلافا لما فهمه الحلبي من أن الحمام لا يقسم
مطلقا، وفسر سيدي الوالد رحمه الله تعالى الحمام الكبير بما إذا كان له خزانتان والرحى بما إذا كانت
ذات حجرين، فتأمل. وإنما صح فيه الهبة لان القبض لا يتصور فيه إلا بالقبض الناقص وهو قبض
الكل فاكتفى به.
قال في البحر: هبة المشاع فيما لا يقسم تفيد الملك للموهوب له على وجه لا يستحق المطالبة
بالقسمة، لأنها لا تمكن وأما المهايأة فلا تجب في ظاهر الرواية، وفي رواية تجب انتهى. وقدمنا قريبا
أن التهايؤ يجب، ويجري فيه جبر القاضي إذا طلبه أحد الشركاء لا سيما فيما لا يقسم نص عليه في
عامة الكتب، فلا تنسه.

585
وفي البحر: ويشترط في صحة هبة المشاع الذي لا يحتملها أن يكون قدرا معلوما، حتى لو
وهب نصيبه من عبد ولم يعلم به لم يجز، لأنها جهالة توجب المنازعة ا ه‍.
قال في الهندية: لو وهب نصيبه من عبد ولم يعلم به لم يجز فإن علمه الموهوب له ينبغي أن يجوز
عند الامام دونهما، وفيها قبل ذلك جميع ما أملكه لفلان يكون هبة لا تجوز بدون القبض. وفي منية
المفتي قال: وهبت نصيبي من هذه الدار والموهوب له لا يعلم كم نصيبه صحت ا ه‍. ولعل المتفاحش
جهالته لا تصح هبته كقوله: وهبتك شيئا من مالي أو من كذا. وفي التتارخانية مثل ما في المنية،
فتأمل. قوله: (كبيت وحمام صغيرين) الحد الفاصل بين ما يحتمل القسمة وبين ما لا يحتملها أن ما لا
يبقى منتفعا به بعد القسمة أصلا كعبد واحد ودابة واحدة، أو لم ينتفع بها انتفاعا قبل القسمة كالحمام
والطاحونة والبيت الصغير فإنها لا تصح، وكل ما يوجب قسمته نقصانا فهو مما لا يقسم وإلا فمما
يقسم، واختار الأول أكثر الشراح والثاني صاحب الذخيرة، فإذا وهب درهما صحيحا لرجلين لا
يصح لان تنصيف الدرهم لا يوجب نقصانا فهو مما يقسم، والصحيح أنه يصح، لأن الصحيح لا
يكسر عادة فهو مما لا يقسم انتهى. وذكره الشارح آخر الباب، فتأمل. قوله: (لأنها لا تتم) لا موقع
لهذا التعليل إلا بتقدير: وإنما قيدنا بمشاع لا يقسم، لأنها الخ ط. بل لو قال لأنه لا يتأتى القبض في
مثل ذلك إلا بقبض الكل ولا تتم بذلك فيما يقسم الخ لكان حسنا.
وفي العناية: الهبة فيما يقسم جائزة، ولكن غير مثبتة للملك قبل تسليمه مفرزا. قوله: (لا تتم
بالقبض فيما يقسم) قال علماؤنا: هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تتم، ولا تفيد الملك قبل القسمة،
وبعض أصحابنا قال: إنها فاسدة، والأصح الأول كالهبة قبل القبض ا ه‍. شلبي عن الاتقاني.
وأشار الشارح أنه إنما شرط أن يكون الموهوب مقسوما أو مشاعا لا يقبل القسمة، لان الهبة لا
تتم إلا بالقبض، والقبض إنما يكون في المقسوم، وكذا في المشاع الذي لا يقسم لان قبض كل شئ
بحسبه، والمشاع الذي لا يقبل القسمة لا يكون قبضه إلا مشاعا فاكتفى به كذلك وتمت به الهبة، أما
المشاع الذي يقبل القسمة فإنه يمكن تسليمه بعد قسمته ويكون قبضه كاملا، فلا يكتفي بتسليمه مشاعا
ولا يعد قابضا له مع الشيوع، ولا فرق أن يكون وهبه لشريكه أو لأجنبي خلافا لما في الصيرفية من
جوازه من الشريك، وذكر أنه المختار، ووجهه ظاهر لتصور قبض الشريك له مع شيوعه، لان نصيب
الشريك في يده فيمكنه قبض الشقص الثاني مشاعا، ولكنه لما كانت عامة الكتب على إطلاق المنع
، وهي موضوعة لنقل المذهب كما قال، فكان هو المذهب فوجب العمل به، سواء ظهر وجهه أو لا لان
المقلد عليه اتباع ما قاله إمامه سواء وقف على دليله أو لا، والله تعالى أعلم. قوله: (ولو هبة لشريكه)
لو وصلية: أي ولو كانت الهبة لشريك الواهب. قوله: (أو لأجنبي) الأولى إسقاطه لأنه مفهوم من
لو، ولا خلاف فيه إنما الخلاف في الشريك كما مر ويأتي. قوله: (لعدم تصور القبض الكامل) أي
فيما يتصور فيه. قوله: (كما في عامة الكتب) وصرح به الزيلعي وصاحب البحر. منح. قوله: (فكان
هو المذهب) راجع لمسألة الشريك كما في المنح. قوله: (وهو المختار) الظاهر من عباراتهم اعتماد
الأول، حتى نسب الثاني شيخ الاسلام إلى ابن أبي ليلى بعدما حكي الاطلاق عن أهل المذهب.

586
وفي مؤيد زاده: وهب مشاعا ينقسم لشريكه لا يجوز خلافا لابن أبي ليلى ا ه‍. قال الرملي: وجد
بخط المؤلف: يعني صاحب المنح بإزاء هذا ما صورته: ولا يخفى عليك أنه خلاف المشهور. قوله:
(فإن قسمه) أي الواهب بنفسه أو نائبه أو أمر الموهوب له بأن يقسم مع شريكه كل ذلك تتم به الهبة،
كما هو ظاهر لمن عنده أدنى فقه. تأمل رملي. قوله: (صح لزوال المانع) وهو الإشاعة فإنها زالت
بالقسمة والتسليم لأنه كان عاجزا عن القبض الكامل الذي تتم به الهبة ومعناه أنها تملك بذلك، لا أن
الصحة متوقفة على القسمة، ولو كان شرطا للصحة لاحتيج إلى تجديد العقد. بحر بزيادة. قوله: (ولو
سلمه شائعا) بأن سلمه الكل. قوله: (لا يملكه) لعدم وجود القبض الكامل فيما يتصور فيه. قوله:
(فيضمنه) أي بعد إتلافه ويجب عليه رده قبله، ولا يمتنع الرد ببيعه لعدم نفاذه. قوله: (لكن فيها عن
الفصولين الخ) قال في التتارخانية: بعد نقل هذا القول، وفي السراجية وبه يفتى. ا ه‍. ومع إفادتها
للملك يحكم بنقضها للفساد كالبيع الفاسد ينقض له. تأمل رملي. قوله: (الهبة الفاسدة الخ) ظاهره أن
هبة المشاع قبل القسمة فاسدة، مع أنها صحيحة غير تامة. ولذا قال الشلبي: قوله لأنه لو صح هبة
المشاع فيما يقسم ظاهره كما ترى يشعر بعدم الصحة، وقد قدمت قريبا أن الأصح أنها صحيحة غير
تامة لا فاسدة كما قال به بعض مشايخنا، والله تعالى أعلم. ا ه‍. ويدل عليه كلام صاحب البحر المتقدم،
وعبارة الهندية الآتية تفيد أن الفتوى على الفساد ط.
قال في الفتاوى الخيرية: ولا تفيد الملك في ظاهر الرواية. قال الزيلعي: ولو سلمه شائعا لا
يملكه، حتى لا ينفذ تصرفه فيه فيكون مضمونا عليه، وينفذ فيه تصرف الواهب. ذكره الطحاوي
وقاضيخان. وروي عن ابن رستم مثله، وذكر عصام أنها تفيد الملك وبه أخذ بعض المشايخ. ا ه‍. ومع
إفادتها للملك عند هذا البعض أجمع الكل على أن للواهب استردادها من الموهوب له، ولو كان ذا رحم
محرم من الواهب.
قال في جامع الفصولين رامزا لفتاوى الفضلي: ثم إذا هلكت أفتيت بالرجوع للواهب هبة فاسدة
لذي رحم محرم منه، إذ الفاسدة مضمونة على ما مر، فإذا كانت مضمونة بالقيمة بعد الهلاك كانت
مستحقة الرد قبل الهلاك. ا ه‍. وكما يكون للواهب الرجوع فيها يكون لوارثه بعد موته، لكونها
مستحقة الرد، وتضمن بعد الهلاك كالبيع الفاسد إذا مات أحد المتبايعين فلورثته نقضه، لأنه مستحق
الرد ومضمون بالهلاك، ثم من المقرر أن القضاء يتخصص، فإذا ولى السلطان قاضيا ليقضي بمذهب
أبي حنيفة لا ينفذ قضاؤه بمذهب غيره، لأنه معزول عنه بتخصيصه فالتحق فيه بالرعية نص على ذلك
علماؤنا رحمهم الله تعالى. ا ه‍ ما في الخيرية. وأفتى به في الحامدية أيضا والتاجية، وبه جزم في الجوهرة
والبحر، ونقل عن المبتغى بالغين المعجمة: أنه لو باعه الموهوب له لا يصح، وفي نور العين عن
الوجيز: الهبة الفاسدة مضمونة بالقبض، ولا يثبت الملك فيها إلا عند أداء العوض، نص عليه محمد
في المبسوط، وهو قول أبي يوسف، إذ الهبة تنقلب عقد معاوضة. ا ه‍. وذكر قبله هبة المشاع فيما يقسم
لا تفيد الملك عند أبي حنيفة، وفي القهستاني: لا تفيد الملك، وهو المختار كما في المضمرات، وهذا
مروي عن أبي حنيفة وهو الصحيح. ا ه‍.
فحيث علمت أن ظاهر الرواية وأنه نص عليه محمد ورواه عن أبي حنيفة ظهر أنه الذي عليه

587
العمل، وإن صرح بأن المفتى به خلافه، ولا سيما أنه يكون ملكا خبيثا كما يأتي ويكون مضمونا كما
علمته فلا يجدي نفعا للموهوب فاغتنمه. وإنما أكثرت النقل في مثل هذه لكثرة وقوعها وعدم تنبه
أكثر الناس للزوم الضمان على قول المخالف، ورجاء لدعوة نافعة في الغيب. قوله: (بالقبض) لكن
ملكا خبيثا. وبه يفتى. قهستاني: أي وهو مضمون كما علمت آنفا، فتنبه. قوله: (وبه يفتى) قال في
الهندية: هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تجوز، سواء كانت من شريك أو من غير شريك، ولو
قبضها هل يفيد الملك ذكر حسام الدين رحمه الله تعالى في كتاب الواقعات: أن المختار أنه لا يفيد
الملك، وذكر في موضع آخر أنه يفيد الملك ملكا فاسدا، وبه يفتى. كذا في السراجية ا ه‍. قوله:
(ومثله في البزازية) عبارتها: وهل يثبت الملك بالقبض؟ قال الناطفي عند الامام: لا يفيد الملك. وفي
بعض الفتاوى: يثبت فيها فاسدا، وبه يفتى. ونص في الأصل: أنه لو وهب نصف داره من آخر،
وسلمها إليه فباعها الموهوب له لم يجز وأنه لا يملك، حيث أبطل البيع بعد القبض، ونص في الفتاوى
أنه هو المختار. ا ه‍.
ورأيت بخط بعض الأفاضل على هامش المنح بعد نقله ذلك، وأنت تراه عزا رواية إفادة الملك
بالقبض والافتاء بها إلى بعض الفتاوى، فلا تعارض رواية الأصل، ولذا اختارها قاضيخان. وقوله
لفظ الفتوى الخ قد يقال يمنع عمومه لا سيما مثل هذه الصيغة في مثل سياق البزازي، فإذا تأملته
تقضي برجحان ما دل عليه الأصل ا ه‍. قوله: (على خلاف ما صححه في العمادية) أي عن العدة
بلفظ هو المختار. قوله: (لكن لفظ الفتوى) استدراك على ما يستفاد من قوله ما صححه في العمادية
من أن القولين، سواء وحيث كان لفظ الفتوى آكد، فيكون العمل على ما في الفصول والبزازية لأنه
قال: وبه يفتى، وهو آكد من الصحيح الذي في العمادية، فحينئذ يمتنع الرجوع بعد بيعه لتعلق حق
المشتري به كما تقدم نظيره في البيع الفاسد. قوله: (مع بقية أحكام المشاع) من بيعه فإنه جائز فيما
يقسم، وما لا يقسم ومن إجارته، ومن إعارته وغير ذلك كما قدمناه قريبا. قوله: (قال في الدرر
نعم) عبارتها: قال بعض المشايخ: كانت المسألة واقعة الفتوى وفرقت بين الهبة الصحيحة والفاسدة،
وأفتيت: أي في الفاسدة بالرجوع، وقال الامام الاسروشني والامام عماد الدين: هذا الجواب
مستقيم، أما على قول من لا يرى الملك بالقبض في الهبة الفاسدة فظاهر، وما على قول من يرى
الملك فلان المقبوض في حكم الهبة الفاسدة مضمون على ما تقرر، فإذا كان مضمونا بالقيمة بعد
الهلاك كان مستحق الرد قبل الهلاك، فيملك الرجوع والاسترداد انتهى. قوله: (وتعقبه في
الشرنبلالية) حيث قال: قوله وأما على قول من يرى الملك فلان المقبوض بحكم الهبة الفاسدة مضمون
الخ هذا غير ظاهر، لان قوله فلان المقبوض بحكم الهبة الفاسدة مضمون لا يكون متجها إلا على
القول بعدم الملك، وإلا فكيف يكون مالكا وضامنا؟ انتهى. ونظر فيه الشيخ شاهين بأن المقبوض في
البيع الفاسد مملوك بالقبض مضمون بقيمته فلا يبعد كون الشخص مالكا وضامنا، فكان الجواب
مستقيما، وكان القول بالضمان متجها، حتى على قول من قال يملك الموهوب فاسدا ا ه‍. ذكره أبو
السعود، وفيه: أن هذا قياس مع الفارق، فإن المبيع فاسدا مقبوض في عقد معاوضة، فلا بد من

588
العوض وقد ألغينا الثمن لعدم الصحة. وأوجبنا القيمة عوضا وإلا لزم أخذ ما عقد للمعاوضة بلا
عوض. أما المقبوض في الهبة الفاسدة فهو مقبوض بغير عوض أصلا، وقد قال القائل بالملك فيها،
والملك في الموهوب بلا عوض. أما لو نظرنا إلى كونه ملكا خبيثا، كما قال المؤلف في شرح الملتقى
وقيل يملكه بالقبض لكنه ملك خبيث، وبه يفتى. قهستاني عن المضمرات، يكون موجبه التصدق
بقيمته هالكا كما قيل به في نظائره، فليتأمل.
ويتفرع على القول بثبوت الملك بالقبض في الهبة الفاسدة ما في البحر عن الاسعاف من أنه إذا
وقف الأرض التي وهبت له هبة فاسدة صح وعليه قيمتها انتهى. وهذا يؤيد ما ذكره الشيخ شاهين
تبعا للإمامين الاسروشني والعمادي. وفي أبي السعود عن القهستاني: وكما لا يمنع الرجوع في الهبة
الفاسدة القرابة فكذا غيرها من الموانع انتهى. ويؤيد ذلك أيضا ما قدمناه عن الخيرية ونور العين فلا
تنسه. قوله: (من تمام القبض) أي كون القبض تاما. قوله: (لا طارئ) بالهمز، لأنه حدث بعد
وجود القبض وتمام الهبة فلا يؤثر شيئا.
أقول: ومنه لو وهب دارا في مرضه وليس له سواها ثم مات ولم تجز الورثة الهبة بقيت الهبة في
ثلثها، وتبطل في الثلثين كما صرح به في الخانية. قوله: كأن يرجع في بعضها شائعا فإنه لا يفسدها
اتفاقا، ونظيره ما قالوا: إن الردة لا تبطل التيمم، لان الاسلام شرط لوجود النية التي هي شرط
لصحة التيمم، فإذا صح التيمم بوجود شرطه، وهو النية من المسلم، ثم طرأ عليه الكفر بعد ذلك
والعياذ بالله تعالى لم يبطل تيممه، لأنه قد تم بوجود شرطه. وكذلك هنا الشائع لا تصح هبته لفقد
شرطه، وهو القبض الكامل، فإذا ب غير الشائع وتمت الهبة بقبضه الكامل، ثم طرأ عليه الشيوع
بعد استيفاء شرطه، ولم يبق إلا مجرد الملك للموهوب في الهبة والشيوع لا ينافي الملك كما أن الكفر لا
ينافي رفع الحدث، فكما أن التيمم لا يبطل بالردة كذلك الهبة لا تبطل بطرو الشيوع بعد تمامها.
قوله: (حتى لو وهب الخ) وهذا بخلاف ما إذا وهب دارا بمتاعها وسلمها فاستحق المتاع صحت في
الدار، إذ بالاستحقاق ظهر أن يده في المتاع كانت يد غصب، وقد تقدم أن الهبة المشغولة بملك الغير
تصح، بخلاف المشغولة بملك الواهب وإنما بطلت الهبة في مسألتنا وخالفت مسألة الدار والمتاع لان
الزرع مع الأرض بحكم الاتصال كشئ واحد، فإذا استحق أحدهما صار كأنه استحق البعض الشائع
فيما يحتمل القسمة، فتبطل الهبة في الباقي. كذا في الكافي. درر. ويدل لهذا التعليل قول المؤلف
الآتي كمشاع قال في الخانية: والزرع لا يشبه المتاع. قوله: (لاستحقاق البعض الشائع) أي حكما
كما علمت. قوله: (إذا ظهر بالبينة الخ) انظر ما لو ثبت الاستحقاق بإقرار الواهب، والظاهر أنه لغو،
لأنه أقر بملك الغير وما لو أقر به الموهوب له، والظاهر أنه يعامل بإقراره، فيثبت الزرع لمستحقه وهل
تبطل الهبة يحرر ط. قوله: (فيكون مقارنا لها لا طارئا) هذا الذي في الظهيرية والذي في دعوى

589
النهاية والكرماني جعله على الطارئ. قال القهستاني: فلعل في المسألة روايتين، وبه تعلم أن صدر
الشريعة وابن الكمال لهما سلف فيما ذهبا إليه.
والحاصل: أن صدر الشريعة جعل المفسد هو الشيوع المقارن، لان الشيوع الطارئ كما إذا
وهب، ثم رجع بالبعض الشائع واستحق البعض الشائع.
ورد عليه صاحب الدرر والمصنف حيث قال في الدرر: أقول: عدة صور الاستحقاق من
أمثلة الشيوع الطارئ غير صحيح، والصحيح ما ذكر في الفصولين والكافي، وعبارة الفصولين أن
الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة بالاتفاق، وهو أن يرجع ببعض الهبة شائعا، أما الاستحقاق فيفسد
الكل لأنه مقارن لا طارئ. كذا ذكره شيخ الاسلام أبو بكر في المحيط ا ه‍. قوله: (كمشاع) قال في
شرح الدرر: هذه نظائر المشاع لا أمثلته فلا شيوع في شئ منها لكنها في حكم المشاع حتى إذا
فصلت وسلمت صح.
قال الخير الرملي: أقول لا يذهب عنك أنه لا يلزم أن يأخذ حكمه في كل شئ، وإلا لزم أن
لا تجوز هبة النخل من صاحب الأرض وكذا عكسه، والظاهر خلافه، والفرق بينهما أنه ما من جزء
من المشاع وإن دق إلا وللشريك فيه ملك فلا تصح هبته، ولو من الشريك لان القبض الكامل لا
يتصور، وأما نحو النخل في الأرض والثمر في النخل والزرع في الأرض لو كان كل واحد منها
لشخص فوهب صاحب النخل نخله كله لصاحب الأرض أو عكسه، فإن الهبة تصح لان ملك كل
منهما متميز عن الآخر فيصح قبضه بتمامه، ولم أر من صرح به، لكن يؤخذ الحكم من كلامهم، وقد
صرحوا بأن المانع إنما يعتبر وقت القبض، لا وقت العقد. هذا، وقد قدم عن الصيرفية: لو وهب
نصيبه من الدار لشريكه أو من شئ يحتمل القسمة فإنه يجوز إجماعا.
وفي فتاوى الزاهد العتابي: لو وهب النصف من شريكه من دار لم يجز، وقيل: يجوز هو المختار
وراجعت الصيرفية فرأيته قال: وفي فتاوى زين: لو وهب النصف من شريكه الخ، فإذا كان هذا في
المشاع فما بالك في المتصل الممكن فصله، ولا أدري ما يمنع من ذلك، ولكن النقل إذا وجد لا يسعنا
معه إلا التسليم. ا ه‍.
أقول: ومثال مشاع يقبل القسمة كنصف دار كبيرة وربع صبرة معينة ونحوهما مما سبق من
الأمثلة، وإنما أورد النظائر لاهتمام الإفادة، وللتنبيه على أن الحكم فيها بالطريق الأولى كما هو حال
التشبيه ظاهرا، غايته التساوي، فيكون من قبيل تشبيه أحد المتساويين في الحكم بالآخر، والأول هو
الظاهر.
قال في العمادية: إن هبة اللبن في الضرع في رواية لا تجوز، وفي رواية: تجوز إذا سلطه على
الحلب انتهى.
وفي التتارخانية: وهبة اللبن في الضرع لا تجوز في إحدى الروايتين من كتاب الهبة، وإن سلط
على الحلب هو الصحيح ا ه‍. لعل صحة عدم الجواز لان الحلب يقبل التفاوت فيؤدي إلى النزاع على أن
القبض لم يوجد إذ اللبن في الضرع عند الهبة، وهو متصل بملك الواهب.
هذا وقال في الكافي: ولو وهب زرعا في أرض أو ثمرا في شجر أو حلية في سيف أو بناء

590
في دار أو قفيزا من صبرة وأمره بالحصاد والجذاذ والنزع والنقض والكيل وفعل صح استحسانا،
ويجعل كأنه وهبه بعد الحصاد والجذاذ ونحوهما. ا ه‍. لعل وجه الاستحسان: أن الحصاد ونحوه لا يقبل
التفاوت فلا يؤدي إلى النزاع هذا فيكون كطعام في جرابه، إلا أنه لما كان اتصال كل منها بملك
الواهب خلقة عد من قبيل المشاع، فتأمل. قوله: (ولو فصله وسلمه جاز) إنما جاز في اللبن وإن كان
في وجوده شك، لأنه قد يكون ريحا أو دما لترجح جانب الوجود بالتصرف فيه، فإنه بانفصاله تيقن
وجوده، بخلاف هبة الحمل فإنه لا يصح، ولو سلمه بعد الولادة لعدم إمكان التصرف وقت الهبة.
قوله: (ظاهر الدرر نعم) فإنه قال: وكذا يجوز هبة البناء دون العرصة إذا أذن له: أي للموهب له
الواهب في نقضه وهبة أرض فيها زرع دونه: أي دون الزرع ونخل فيها ثمر دونه: أي دون الثمر إذا
أمره: أي الواهب الموهوب له بالحصاد في الزرع والجذاذ في الثمر لزوال اشتغال الموهوب بملك
الواهب انتهى بتصرف. وأفاد عزمي زاده أنه صحيح في الأول دون الأخيرين، فإنه لا يصح فيهما
مطلقا لأنه متصل به اتصال خلقة، فكان بمنزلة المشاع الذي يحتمل القسمة، فلا تتم بدون الافراز
والحيازة. نعم الحكم صحيح في عكسهما وهو هبة زرع بدون أرضه وهبة ثمر بدون شجرة، فإنه
يصح استحسانا إن أمره بالحصاد والجذاذ وفعله انتهى وعلى كل فما ذكره الشارح صحيح، وبحث
عزمي زاده في التمثيل ط.
أقول: ويحتمل أن الشارح فهم من قول الدرر حتى إذا فصلت هذه الأشياء عن ملك الواهب
وسلمت صح هبتها كما في المشاع ما إذا فصلها الواهب أو الموهوب له بإذنه.
وقال الخير الرملي في حاشيته على المنح: قوله ولو فصله وسلمه أي الواهب، فلو فصله
الموهوب له بغير إذن الواهب لا يملكه إلا بعقد جديد. ا ه‍. فقوله بغير إذن الواهب: إنه لو كان بإذنه
كان كفصله بنفسه، ويحتمل أنه أخذه الشارح من العبارة التي ذكرناها أولا عن الطحطاوي، وكأن
الشارح رأى أنه لا فرق بينهما وإن كانت العلة التي ذكرها في الدرر لا تجري هنا، لأنه علل بأن المانع
الاشتغال بملك الواهب، فإذا أذن بالجذاذ والحصاد وفعل الموهوب له ذلك زال المانع فجازت الهبة،
وهنا يقال: المانع هو شبه الشيوع، فإذا زال بإذن المالك زال المانع، والله أعلم.
قال في الخانية: ولو وهب زرعا بدون الأرض أو ثمرا بدون النخل وأمره بالحصاد والجذاذ ففعل
الموهوب له ذلك جاز، لان قبضه بالاذن يصح في المجلس وبعده. ا ه‍. ومثله في الحامدية عن جامع
الفتاوى، وهو نظير ما فهمه الشارح أولا. قوله: (حيث لا يصح أصلا) أي سواء أفرزها وسلمها أو
لا. درر. قوله: (لأنه معدوم) قال في الدرر: لأنه في حكم المعدوم وسره أن الحنطة استحالت
وصارت دقيقا وكذا غيرها، وبعد الاستحالة هو عين أخرى على ما عرف في الغصب. ا ه‍. وأما الوصية
فتجوز بهذه الأشياء لأنها تجوز بالمعدوم كما ذكره العيني. قوله: (فلا يملك إلا بعقد جديد) لأنه بعد
الاستحالة عين أخرى بخلاف المشاع، لأنه محل للملك إلا أنه لا يمكن تسليمه، فإذا زال المانع جاز.
درر ومنح. قوله: (وملك بالقبول) إنما اشترط القبول نصا لأنه إذا لم يوجد كذلك يقع الملك في الهبة
بغير رضاه لأنه لا حاجة إلى القبض، ولا يجوز أن يقع الملك للموهوب له بغير رضاه لما فيه من توهم

591
الضرر، بخلاف ما إذا وهب عبدا له لم يكن في يده، وأمره بقبضه فإنه يصح إذا قبض. ولا يشترط
القبول، لان العبد ليس في يده حال الهبة، فكان الموهوب له محتاجا إلى إحداث قبض حتى يملك
الهبة، فإذا أقدم على القبض كان ذلك إقداما على القبول ورضا منه بوقوع الملك له فيملكه. قوله: (بلا
قبض) أي بأن يرجع إلى الموضع الذي فيه العين، وينقضي وقت يتمكن فيه من قبضها قهستاني.
قوله: (لو الموهوب في يد الموهب له) لان القبض ثابت فيها، وهو الشرط سواء كانت في يده أمانة
أو مضمونة، لان قبض الأمانة ينوب عن مثله لا عن المضمون، والمضمون ينوب عنهما والأصل أنه
متى تجانس القبضان نا ب أحدهما عن الآخر، وإن اختلفا ناب الأقوى عن الأضعف، دون العكس،
هذا إذا كان الموهوب مضمونا في يده كالغصب والمرهون والمقبوض على سوم الشراء لا إشكال فيه،
لان القبض فيه حقيقة وحكما، فيبرأ عن الضمان بمجرد قبول الهبة، وكذا إذا كان في يده عارية أو
إجارة لأنه قبضها لنفسه ويده ثابتة فيه. وأما إذا كانت في يده بطريق الوديعة فمشكل، لان يده يد
المالك، لكن لما لم يكن عاملا للمالك بعد الهبة اعتبرت يده الحقيقة. زيلعي.
واعلم أن في قول الزيلعي: فيبرأ عن الضمان إشارة إلى أن العين المرهونة تكون مضمونة في يد
الموهوب له بمثلها أو قيمتها احترازا عما إذا كانت العين مضمونة بغيرها كالمبيع المضمون بالثمن
وكالرهن المضمون بالدين، فلا بد من قبض مستأنف بعد عقد الهبة، ومضي وقت يتمكن من قبضها
لان العين وإن كانت في يده مضمونة، إلا أن هذا الضمان لا تصح البراءة منه مع وجود القبض
الموجب له فلم تكن الهبة براءة، وإذا كان كذلك لم يوجد القبض المستحق بالهبة، فلم يكن بد من
تجديد قبض آخر. غاية عن شرح الأقطع. قوله: (لأنه حينئذ) أي حين إذ قبل عامل لنفسه: أي
بسبب وضع يده على ملكه. قوله: (والأصل أن القبضين إذا تجانسا) كأن كان عنده وديعة فأعاره له،
فإن كان القبضين قبض أمانة، فيصح من غير قبض مستأنف أو غصب شيئا فباعه المالك منه. قوله:
(وإذا تغايرا) كأن غصبه منه وأخذه ثم وهبه منه. قوله: (ناب الاعلى عن الأدنى) أي ولا يحتاج إلى
قبض فناب المغصوب عن قبض الهبة، لان في الأعلى مثل ما في الأدنى وزيادة، وليس في الأدنى ما
في الأقوى، وكذا لو كان مقبوضا في يده بطريق البيع الفاسد، لأنه قبض ضمان. أما المبيع فاسدا فإنه
يملك بقبض الضمان كما لو كان في يده مغصوبا قبل الشراء الفاسد، ولا يقبض الأمانة لان قبض الأمانة دون
قبض الضمان فلا ينوب عنه. قوله: (لا عكسه) وهو أن قبض الأمانة لا ينوب عن
قبض الضمان كما في البيع والرهن فقبض الوديعة مع قبض الهبة يتجانسان، لأنهما قبض أمانة ومع
قبض الشراء يتغايران، لأنه قبض ضمان فلا ينوب الأول عنه كما في المحيط، ومثله في شرح
الطحاوي لكن ليس على إطلاقه، فإنه إذا كان مضمونا بغيره كالبيع المضمون بالثمن والمرهون المضمون
بالدين لا ينوب قبضه عن القبض الواجب كما في المستصفى، ومثله في الزاهدي، فلو باع من المودع
احتاج إلى قبض جديد وتمامه في العمادي قهستاني.
قال الأقطع في شرحه: والأصل في ذلك أن العين الموهوبة إذا كانت في يد الموهوب أمانة
كالوديعة والعارية ملكها بعقد الهبة من غير تجديد قبض استحسانا لا قياسا.

592
وجه الاستحسان أن الهبة تقف صحتها على مجرد القبض، فلا يتلف إلى قبض بصفة ومجرد
القبض موجود عقب العقد فصحت الهبة، ولا يشبه هذا بيع الوديعة ممن هي في يده، لان البيع
يقتضي مبيعا مضمونا وقبض المودع عقب العقد قبض أمانة، فلا بد من تجديد القبض، وذلك لا
يكون إلا بالتخلية بينه وبين الوديعة. وأما إذا كانت العين في يد الموهوب له مضمونة فهو على
وجهين: إن كانت مضمونة بمثلها أو بقيمتها كالعين المغصوبة والمقبوضة على وجه السوم، فإنه يملكه
بالعقد، ولا يحتاج إلى تجديد قبض، وذلك لان القبض الذي تقتضيه الهبة قد وجد وزيادة، وهو
الضمان وذلك الضمان تصح البراءة منه، ألا ترى أنه لو أبرأ الغاصب من ضمان الغصب جاز
وسقط، فصارت الهبة براءة من الضمان فبقي قبض من غير ضمان فتصح الهبة، وإن كانت العين
مضمونة بغيرها كالبيع المضمون بالثمن وكالرهن المضمون بالدين، فلا بد من قبض مستأنف بعد الهبة
وهو أن يرجع إلى الموضع الذي فيه العين، ويمضي وقت يتمكن فيه من قبضها، وذلك لان العين
وإن كانت في يده مضمونة إلا أن هذا الضمان لا تصح البراءة منه مع وجود القبض الموجب له، فلم
تكن الهبة براءة، وإذا كان كذلك لم يوجد القبض المستحق بالهبة فلم يكن بد من تجديد قبض. ا ه‍.
قوله: (وهبة الخ) هو من إضافة المصدر إلى فاعله: أي أن يهب من له الولاية على الطفل للطفل يتم
بالعقد، ولا يفتقر إلى القبض لأنه هو الذي يقبض له فكان قبضه كقبضه، وصار كمن وهب لآخر
شيئا وكان الموهوب في يد الموهوب له، فإنه لا يحتاج إلى قبض جديد كما مر قبيل هذه المسألة.
قوله: (في الجملة) أي وإن لم يكن له تصرف في ماله، وقوله على الطفل أخرج به الولد الكبير،
فإن الهبة لا تتم إلا بقبضه، ولو كان في عياله ولا يملك المولى قبض ما وهب لعبده المحجور، وإذا
قبضه العبد ملكه المولى، لأنه كسب عبده ط. قوله: (فدخل الأخ) الأولى: نحو الأخ لما سيأتي من أن
الام والملتقط ممن يعوله لو في حجرهما. قوله: (عند عدم الأب) لان تصرفهم كان للضرورة، ولا
ضرورة مع حضوره والمراد بعدم الأب: ما يعم الغيبة المنقطعة. أفاده في البحر. وأفاد المؤلف أن
قبض غير الأب مشروط بشرطين: عدم الأب، وكون الصغير في عياله. والظاهر أن القول الصحيح
الآتي في أنه لا يشترط عدم الأب في الهبة الصادرة من الأجنبي يأتي هنا، والمراد بالأب من له ولاية
التصرف في ماله ط. قوله: (تتم بالعقد) أي بالايجاب فقط كما يشير إليه الشارح، فلو أرسل العبد
في حاجة أو كان آبقا في دار الاسلام فوهبه من ابنه صحت، ولو لم يرجع العبد حتى مات الأب لا
يصير ميراثا عن الأب. تتارخانية. لكن يعكر على صحة الهبة في الآبق ما قدمناه من أنها لو سقطت
لؤلؤة فوهبها لرجل وسلطه على قبضها وطلبها فطلب وقبضها فالهبة باطلة، لان في قيامها وقت
الطلب خطرا.
ووجهه أن الآبق في وجوده خطر، اللهم إلا أن يحمل على ما إذا علم وجوده وقت الهبة، أو
لان يد المولى باقية عليه حكما لقيام يد أهل الدار عليه، فيمنع ظهور يده تملكهم إن دخل فيها، ولو
وهبه بعد دخوله فيها لم يجز. ذكره الشراح في باب استيلاء الكفار، فتأمل. وإذا وهب أحد لطفل
ينبغي أن يشهد، وهذا إذا أعلمه يشهد عليه والاشهاد للتحرز عن الجحود بعد موته والاعلام لازم لأنه
بمنزلة القبض. بزازية ويأتي قريبا. قوله: (لو الموهوب معلوما) إذ لا يصح تمليك المجهول كنحو

593
وهبت شيئا من مالي ويأتي في قوله وضعوا هدايا الختان بين يد الصبي الخ، وهل يشترط فيه أن يكون
محوزا مقسوما كما هو الشرط في الهبة، أو يقال: إنما شرط ذلك لأجل تمام القبض وهذا مقبوض
لولي القبض فلا يفتقر إلى ذلك الظاهر؟ نعم لان من أودع إنسانا داره الكبيرة وسلمه إياها ثم وهبه
نصفها فإنها لا تصح الهبة مع أنها مقبوضة بيده، وإن كان قبضا غير كامل.
قال محمد رحمه الله تعالى: كل شئ وهبه لابنه الصغير وأشهد عليه وذلك الشئ معلوم في
نفسه فهو جائز، والقصد أن يعلم ما وهبه له، والاشهاد ليس بشرط لازم، فإن الهبة تتم بالأعلام.
تتارخانية. قوله: (وكان في يده أو يد مودعه) وكذا في يد مستعيره لا مستأجره وغاصبه أو مرتهنة أو
المشتري منه بشراء فاسد. بزازية قال الطحطاوي: واحترز بما ذكر: أي كونه في يده أو يد مودعه
عما إذا كانت في يد الغاصب من الولي أو المرتهن أو المستأجر حيث لا تجوز الهبة لعدم قبضه، لان
قبضهم لأنفسهم ا ه‍. واستظهر السائحاني أنه إذا انقضت الإجارة أو ارتد الغصب تتم الهبة كما تتم في
نظائره. قوله: (والأصل أن كل عقد الخ) منه بيع الأب ماله لابنه الصغير. ا ه‍ ذخيرة وتتارخانية،
والأولى أن يقول: ويكفي الايجاب وحده والأصل الخ. قوله: (وهو أحد أربعة) قال الشارح في كتاب
المأذون، عند قول المصنف وإن أذن للصبي الذي يعقل البيع والشراء وليه الخ المراد بالولي، ولي له
التصرف في المال وهو أبوه ثم وصي الأب ثم جده أبو أبيه ثم وصي جده ثم الولي ثم القاضي ووصي
القاضي ا ه‍. سري الدين. وتقدم أن الذي يتصرف في ماله تسعة الأب والجد والقاضي ووصيهم
ووصي وصيهم، ومقتضاه أن قبض هؤلاء جميعا ينوب عن قبضه، ثم رأيت صاحب الهندية نقله عن
غاية البيان ط. ومر قبيل الوكالة في الخصومة. قوله: (وعند عدمهم) ولو بالغيبة المنقطعة. قوله: (تتم
بقبض من يعوله) لان له ولاية التصرف النافع لثبوت يدهم عليه، حتى لا يكون لغيرهم نزعه من
أيديهم، فكانوا أحق بحفظه وتحصيل المال من ضرورات حفظه لصرفه في قوته وملبوسه ط. قوله:
(ولو ملتقطا) لان له ولاية التصرف النافع أيضا. قوله: (لو في حجرهما) بالفتح والكسر والجمع
حجور. صحاح. وحجر الانسان: حضنه، وهو ما دون إبطه إلى الكشح، ومعنى كونه في حجره:
أنه في كنفه ومنعته ا ه‍. أبو السعود الحموي. وفي الكشف: الحجر الكنف والتربية ط. قوله: (وإلا
لا) أي إن لم يكن في الحجر لا تتم بقبضه، وإن كان ذا رحم محرم منه. قوله: (يعقل التحصيل) أي
تحصيل المال وهو بيان لتمييزه. قوله: (لأنه في النافع المحض) أي لأنه جعل في التصرف النافع الذي
لا يحتمل ضررا كالبالغ فينفذ نظرا له وجاز تصرف الولي له في هذه الحالة نظرا له أيضا حتى ينفتح له
سبب تحصيل النفع بطريقين. قوله: (حتى لو وهب له أعمى) تفريع على التقييد بقوله النافع.
أقول: وكذا لو وهب له ترابا في داره لا يصح، وقيل إن كان يشتري ذلك منه بشئ فإنه يصح

594
قبوله ولا يرد. وإن كان لا يشتري ويلزمه مؤنة النقل ونفقة العبد فإنه يرد كما في جامع الصغار
للاسروشني. قوله: (لكن ففي البرجندي) استدراك على قوله وعند عدمهم ح. قوله: (وظاهر
القهستاني الخ) حيث قال: كما جاز قبض هبة الأجنبي لطفل ممن يربيه من الجد أو الأخ أو العم أو
الام أو وصيه، أو أجنبي وهو في عياله وإن لم يكن عاقلا وكان أبوه حاضرا في هذه الصور على ما
قالوا منهم فخر الاسلام. وقال بعضهم: لم يجز قبض غير الزوج حال حضرة الأب، والأول المختار
كما في المضمرات ا ه‍. ونقل صاحب الهندية عن الخانية أنه الصحيح، وأنه به يفتى عن الفتاوى
الصغرى ا ه‍. والوصي كالأب والام كذلك لو الصبي في عيالها إن وهبت له أو وهب له تملك الام
القبض، وهذا إذا لم يكن للصبي أب ولا جد ولا وصيهما. وذكر الصدر أن عدم الأب لقبض الام
ليس بشرط، وذكر في الرجل إذا زوج ابنته الصغيرة من رجل فزوجها يملك قبض الهبة لها، ولا
يجوز قبض الزوج قبل الزفاف، وبعد البلوغ.
وفي التجريد: قبض الزوج يجوز إذا لم يكن الأب حيا فلو أن الأب ووصيه والجد ووصيه غاب
غيبة منقطعة جاز قبض الذي يتولاه، ولا يجوز قبض غير هؤلاء الأربعة مع وجود واحد منهم سواء
كان الصغير في عياله أو لا، وسواء كان ذا رحم محرم أو أجنبيا وإن لم يكن واحد من هؤلاء الأربعة
جاز قبض من كان الصبي في حجره، ولم يجز قبض من لم يكن في عياله. بزازية.
قال في البحر: والمراد بالوجود الحضور. ا ه‍. وفي غاية البيان: ولا تملك الام، وكل من يعول
الصغير مع حضور الأب. وقال بعض مشايخنا: يجوز إذا كان في عيالهم كالزوج، وعنه احترز في
المتن بقوله في الصحيح ا ه‍. ويملك الزوج القبض لها مع حضور الأب، بخلاف الام، وكل من
يعولها غير الزوج، فإنهم لا يملكونه إلا بعد موت الأب أو غيبته غيبة منقطعة في الصحيح، لان
تصرف هؤلاء للضرورة لا بتفويض الأب، ومع حضور الأب لا ضرورة. جوهرة. وإذا غاب أحدهم
غيبة منقطعة جاز قبض الذي يتلوه ففي الولاية، لان التأخير إلى قدوم الغائب تفويت المنفعة للصغير.
فتنقل الولاية إلى من يتلوه كما في الانكاح، ولا يجوز قبض غير هؤلاء مع وجود أحدهم، ولو في
عيال القابض أو رحما ما منه كالأخ والعم والام. بدائع ملخصا. ولو قبض له من هو في عياله مع
حضور الأب قيل لا يجوز وقيل يجوز، وبه يفتى. مشتمل الاحكام. والصحيح هو الجواز كما لو
قبض الزوج والأب حاضر خانية والفتوى على أنه يجوز. أسروشني.
فقد علمت أن الهداية الجوهرة على تصحيح عدم جواز قبض من يعوله مع عدم غيبة الأب،
وبه جزم صاحب البدائع وقاضيخان، وغيره من أصحاب الفتاوى صححوا خلافه، وهو تصحيح
جواز قبض من يعول الصغير ولو مع حضرة الأب، وكن على ذكر مما قاله العلامة قاسم، من أنه لا
يعدل عن تصحيح قاضيخان لأنه أجل من يعتمد على تصحيحه فإنه فقيه النفس، ولا سيما وفيه هنا نفع
للصغير، ويشهد له صحة قبول الصغير بنفسه إذا كان مميزا، ولو كان الأب حاضرا وأيضا قد وجدت
دلالة تفويض الأب أمور الصبي إلى من يعوله كما يأتي في الزوجة الصغيرة بعد الزفاف فليكن العمل
على هذا القول، ولا سيما وقد صحح بلفظ الفتوى، وهو آكد ألفاظ التصحيح، وظاهر كلام الشارح
اختياره حيث نقل تصحيحه عن البرجندي مستدركا على ظاهر عبارة المصنف، فتأمل عند الفتوى.

595
وإنما أكثرت من النقول، لأنه واقعة الفتوى، وبعض هذه النقول نقلتها من خط منلا علي التركماني
واعتمدت في عزوها عليه، فإنه ثقة ثبت رحمه الله تعالى. كذا بخط سيدي الوالد رحمه الله تعالى: (قوله
لكن متنه يحتمله) أي الجواز أي كون الام والأجنبي لهم القبض مع وجود الأب يفيد المدعي الذي هو
القبض مع خصوص الحضور، لان الحضور فرد من أفراد الوجود. قوله: (بوصل ولو) أي بسبب
وصل قول المصنف ولو مع وجود أبيه. قوله: (بأمه والأجنبي) الجار متعلق بوصل: يعني يحتمله إذا
وصل قول المتن ولو مع وجود أبيه بقوله وأمه وأجنبي. ا ه‍: أي وبقبضه، ولو مع وجود أبيه، لكنه
خلاف ظاهر المتن وخلاف ما أوضحه المصنف في شرحه بأن وصله إنما هو بقبضه فقط منقطع عن
قوله وأمه وأجنبي. قوله: (أيضا) أي كما وصل بقوله ولو مميزا. قوله: (وصح رده) أي رد الصبي
وانظر حكم رد الولي، والظاهر أنه لا يصح حتى لو قبل الصبي بعد رد وليه صح، وهل يكره ذلك
لأنه لا مصلحة فيه؟ الظاهر نعم ط. قوله: (لها) أي للهبة. قوله: (كقبوله) أقول: وكذا قبول العبد
المحجور صحيح كما في رمز المقدسي حيث قال فيه: وهب لعبد محجور ونحوه، فالقبول والقبض له
لان ذلك نافع للمولى والعبد مالك لمثله كالاحتطاب والملك للمولى، وكذا المكاتب، لكنه لا يملكه
المولى. ا ه‍.
قلت: ولم يذكر الرد والظاهر أن له الرد، وأطلق صحة القبول منه فشمل ما إذا كان الأب حيا
أو ميتا كما في الخلاصة.
وفي المبسوط: وهب للصغير شيئا ليس له أن يرجع فيه وليس للأب التفويض. ا ه‍. وفي الخانية:
ويبيع القاضي ما وهب للصغير حتى لا يرجع الواهب في هبته ا ه‍. وهو مخالف لما تقدم عن المبسوط،
ويأتي في كلام الشارح عن الخانية، وكذا في باب الرجوع في الهبة مع التكلم على ذلك، وقيد بالهبة،
لان المديون لو دفع ما عليه للصبي، ومستأجره لو دفع الأجرة إليه لا يصح، وأفاد أنه لا تصح الهبة
للصغير الذي لا يعقل ولا تتم بقبضه. وأشار بإطلاقه إلى أن الموهوب له لو كان مديونا للصغير تصح
الهبة ويسقط الدين كما في الخانية. قوله: (حسنات الصبي له) أي فيثاب عليها وترفع درجات إذ لا
ذنوب عليه حتى تكفر بها وهذا هو المعتمد وقيل لوالديه، وعليه فهل يتساويان أو للام الثلثان منه؟
قيل وقيل. قوله: (ولأبويه) عبر بعضهم بوليه، وهو أعم. قال الاسروشني في جامع أحكام
الصغار: حسنات الصبي قبل أن يجري عليه قلم له لقوله تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) *
(النجم: 93) وهذا قول عامة المشايخ وقال بعضهم: ينتفع المرء بعلم ولده بعد مدته، لما روي عن أنس
بن مالك أنه قال: من جملة ما ينتفع به المرء بعد موته أن يترك ولدا علمه القرآن أو العلم، فيكون
لوالده أجر ذلك من غير أن ينقص من أجر الولد شئ ا ه‍. ومثله في كتاب الكراهية للعلامي، ويؤيده
قوله (ص) إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح
يدعو له ا ه‍. قوله: (أجر التعليم) أي إن علماه بزازية قوله: (ونحوه) كالارشاد والتسبب للوجود
والبقاء، كذا في المنح. قوله: (ويباح لوالديه) التقييد بهما مخرج غيرهما. قوله: (من مأكول وهب له)
لان الاهداء إليهما وذكر الصبي لاستصغار الهدية هندية. قال في التتارخانية: روي عن محمد نصا أنه

596
يباح. وفي الذخيرة وأكثر مشايخ بخارى على أنه لا يباح. وفي فتاوي سمرقند إذا أهدى الفواكه
للصغير يحل للأبوين الاكل منها إذا أريد بذلك الأبوان، لكن أهدى للصغير استصغارا للهدية ا ه‍.
قلت: وبه يحصل التوفيق ويظهر ذلك بالقرائن، وعليه فلا فرق بين المأكول وغيره بل غيره
أظهر، فتأمل. قوله: (وقيل لا) قاله أكثر أئمة بخارى. قوله: (فأفاد) أصله لصاحب البحر وتبعه
المصنف في منحه. قوله: (إلا لحاجة) كفقر الوالدين وذلك على وجهين، أما إن كان في المصر واحتاج
لفقره أكل بغير شئ، وإن كان في المفازة واحتاج إليه لانعدام الطعام معه أكل بالقيمة كما في
التتارخانية. وذكره الحموي عن الخانية. قوله: (فما يصلح له) كثياب الصبيان وكشئ يستعمله
الصبيان مثل الصولجان والكرة فالهدية له، لان هذا تمليك للصبي عادة. هندية. قوله: (فالهدية له)
الأولى أن يقول: فهو له. قوله: (وإلا) بأن كانت الهدية لا تصلح للصبي عادة كالدراهم والدنانير
هندية، وكالحيوان ومتاع البيت ينظر إلى المهدي الخ منح؟
تنبيه: في الفتاوى الخيرة: سئل فيما اعتاده الناس في الأفراح والأعراس والرجوع من الحج من
إعطاء الثياب والدراهم، وينتظرون بدله عندما يقع لهم مثل ذلك ما حكمه؟
أجاب: إن كان العرف شائعا فيما بينهم أنهم يعطون ذلك ليأخذوا بدله كان حكمه حكم
القرض فاسده كفساده وصحيحه كصحيحه، إذ المعروف عرفا كالمشروط شرطا، فيطالب به ويحبس
عليه، وإن كان العرف خلاف ذلك بأن كانوا يدفعونه على وجه الهبة، وينظرون في ذلك إلى إعطاء
البدل فحكمه حكم الهبة في سائر أحكامه، فلا رجوع فيه بعد الهلاك أو الاستهلاك، والأصل فيه أن
المعروف عرفا كالمشروط شرطا ا ه‍.
قلت: والعرف في بلادنا مشترك نعم في بعض القرى يعدونه كالقرض، حتى أنهم في كل
وليمة يحضرون الخطيب يكتب لهم جميع ما يهدى، فإذا فعل المهدي وليمة يراجع المهدي إليه دفتر
الخطيب فيهدي الأول للثاني مثل ما أهدى إليه. قوله: (أو من معارف الام) الأولى زيادة أقاربها كما
في الأب وبه صرح في البزازية. قوله: (فللأم) لان التمليك هنا من الام عرفا وهناك من الأب،
فكان التعويل على العرف، حتى لو وجد سبب أو وجه يستدل به على غير ما قلنا يعتمد على ذلك.
هندية. فلو كان من معارف كل منهما أو أقاربه، هل يقسم بينهما؟ يراجع. قوله: (قال هذا للصبي
أولا) أي لا عبرة بهذا العقول لأنهم اعتادوا إرادة بر الوالدين والتستر بمثل هذه العبارة تعظيما لقدر
الأبوين، وهذا إذا لم يمكن استطلاع الحقيقة، أما لو أمكن الاستخبار من المعطي فالعبرة لما يبينه كما
قال الشارح. ولو قال أهديت الخ، قال في الهندية عن الظهيرية: وهذا كله إذا لم يقل المهدي شيئا
وتعذر الرجوع إلى قوله، أما إذا قال أهديت إلى الأب أو الام أو الزوج أو المرأة فالقول للمهدي ا ه‍.
أقول: ولا ينافي هذا قوله هذا الصبي أو لا، لما سمعته من أنه لا عبرة بهذا القول لأنهم اعتادوا
بر الوالدين والتستر الخ. أما هنا فأراد إظهار حقيقة الحال فيعتبر قوله لأنه هو المملك وهو أدرى لمن

597
وهب، فافهم. قوله: (وكذا زفاف البنت) أي وكذلك إن اتخذ وليمة لزفاف ابنته، فأهدى الناس هدايا
فهو على ما ذكرنا من التفصيل بأن كان من أقرباء الزوج أو المرأة أو قال المهدي أهديت للزوج أو
المرأة كما في التتارخانية، والزفاف بكسر الزاي مصدر زففت المرأة أزفها زفا وزفافا ا ه‍. نوح أفندي.
والمراد بالزفاف بعثها إلى بيته. قهستاني. قوله: (اتخذ لولده) أي الصغير، وأما الكبير فلا بد من التسليم
كما قدمنا ومثله في جامع الفتاوى، وأما التلميذ فلو كبيرا فكذلك، ويملك الرجوع عن الهبة له لو
أجنبيا مع الكراهة، ويمكن حمل قوله ليس له ذلك عليه، ونظير ذلك ما يأتي لو سيب دابته وقال هي
لمن أخذها ليس له الرجوع. قوله: (أو لتلميذه) مسألة التلميذ مفروضة بعدما دفع الثياب إليه.
قال في الخانية: اتخذ شيئا لتلميذه فأبق التلميذ بعدما دفع إليه، إن بين وقت الاتخاذ أنه إعارة
يمكنه الدفع إلى غيره، فافهم. قوله: (ليس له ذلك) أي بعدما دفع الثياب إليه. قال في الهندية:
اشترى ثوبا فقطعه لولده الصغير صار واهبا له بالقطع مسلما إليه قبل الخياطة، ولو كان كبيرا لم يصر
مسلما إليه إلا بعد الخياطة والتسليم. ا ه‍. قنية وهذا يفيد تفصيلا بين الولد الصغير والكبير فالاتخاذ
يكفي في الصغير بدون تسليم، لا في الكبير، فيحمل كلامه على الصغير. وفي البزازية: اتخذ لولده
الصغير ثيابا يملكها، وكذا الكبير بالتسليم، وينظر الوجه في التلميذ، فإن ذلك في حقه هبة، وهي لا
تتم إلا بالقبض ولم يحصل بمجرد الاتخاذ، إلا أن يحمل الاتخاذ في حقه على التسليم، فإنه إذا سلمه ثم
هرب التلميذ فليس له أن يعطيها لغيره. وعبارة البزازية: وكذا لو اتخذ لتلميذه ثيابا فأبق التلميذ،
فأراد أن يدفعها لغيره، وإن أراد الاحتياط يبين وقت الاتخاذ أنها عارية ليمكنه الدفع إلى غيره، فقوله
إنها عارية يفيد التسليم، لان العارية لا تتحقق إلا بالتسليم ط. قوله: (ما لم يبين الخ) قال في البحر:
وإن أراد الاحتياط يبين أنها عارية حتى يمكنه أن يدفع إلى غيره ا ه‍.
وفي الحاوي الزاهدي برمز بم: دفع لولده الصغير قرضا فأكل نصفه ثم أخذه منه ودفعه لآخر
يضمن إذا كان دفعه لولده على وجه التمليك، وإذا دفعه على وجه الإباحة لا يضمن قال عرف به أن
مجرد الدفع من الأب إلى الصغير لا يكون تمليكا وأنه حسن ا ه‍. تأمل. قوله: (وفي المبتغى الخ) عبارته
كما في البحر من صنع لولده ثيابا قبل أن يولد ليوضع عليها نحو الملحفة والوسادة، ثم ولدته امرأته
ووضع عليها ثم مات الولد لا تكون الثياب ميراثا ما لم يقر أن الثياب ملك الولد، بخلاف ثياب البدن
فإنه يملكها إذا لبسها كمن قال إن فلانا كان لابسا فهو إقرار له، بخلاف ما إذا كان قاعدا على هذا
البساط، أو نائما عليه لا يكون مقرا له بذلك ا ه‍.
وفي الهندية: قال أبو القاسم ولو جهزت المرأة لولدها الذي في بطنها ثيابا، فولدت فإن وضع
الولد على الثياب فالثياب ميراث. قال الفقيه: وعندي أن الثياب لها ما لم تقر المرأة أنها جعلته ملكا
للغير، ألا ترى أنه لو كان الصبي مقدار عشر سنين أو نحو ذلك فبسطت له كل ليلة فراشا وبسطت
عليه ملحفة أو لحافا لم يصر للولد ما لم تقل هذا لك كذلك هنا، وليس هذا بمنزلة ثياب البدن. ا ه‍: أي
فإنها تصير ميراثا عنه إذا لبسها للعرف بالتمليك منه، ويفرق بينهما وبين مسألة الاتخاذ بأن هذه فيمن
سيولد، ومسألة الاتخاذ فيمن ولد ط. قوله: (يملكها بلبسها) هذا إذا كانت مهيأة عند الأب ودفعها
لولده، أما لو قطعها لتخاط له فإن الولد يملكها بمجرد القطع، لكن يشكل على ذلك ما قدمناه عن

598
الحاوي الزاهدي. قوله: (بخلاف نحو ملحفة ووسادة) لان العرف أن الثياب تملك للولد بخلاف أثاث
المنزل فإنه باق على ملك الأب أو الام وإن انتفع به الأولاد.
أقول: والعرف في ديارنا أن أهل الام يهيئون للولد السرير وفرشه ولبس الولد، فإذا ولد ألبسوه
الثياب ووضعوه في السرير المفروش، وهذا لا شك في كونه للولد كما عليه العادة في بكرها فيورث
ذلك عنه إذا مات. قوله: (لأنها عمل القلب) وذلك غير مقدور له يدل عليه حديث القسم اللهم هذا
قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك والمراد بما لا يملك المحبة. قوله: (وكذا في
العطايا) ويكره ذلك عند تساويهم في الدرجة كما في المنح والهندية. أما عند عدم التساوي كما إذا
كان أحدهم مشتغلا بالعلم لا بالكسب لا بأس أن يفضله على غيره كما في الملتقط: أي ولا يكره.
وفي المنح: روي عن الامام أنه لا بأس به إذا كان التفضيل لزيادة فضل له في الدين.
وفي خزانة المفتين: إن كان في ولده فاسق لا ينبغي أن يعطيه أكثر من قوته كيلا يصير معينا له
في المعصية. ا ه‍.
وفي الخلاصة: ولو كان ولده فاسقا فأراد أن يصرف ماله إلى وجوه الخير ويحرمه عن الميراث
هذا خير من تركه ا ه‍: أي للولد، وعلله في البزازية بالعلة المذكورة. قوله: (إذا لم يقصد به الاضرار)
أي فلا بأس بالتفضيل، ومع قصده لا بأس بالمساواة ولا تجوز الزيادة. رملي. قوله: (وإن قصده)
مصدر قصد، وعبارة المنح: وإن قصد به الاضرار، وهكذا رأيته في الخانية. قوله: (وعليه الفتوى)
أي على قول أبي يوسف من أن التنصيف بين الذكر والأنثى أفضل من التثليث الذي هو قول محمد.
رملي.
قال في البزازية: الأفضل في هبة البنت والابن التثليث كالميراث، وعند الثاني التنصيف، وهو
المختار، ولو وهب جميع ماله من ابنه جاز قضاء وهو آثم، نص عليه محمد ا ه‍. فأنت ترى نص البزازية
خاليا عن قصد الاضرار.
وقال في الخانية: ولو وهب رجل شيئا لأولاده في الصحة وأراد تفضيل البعض على البعض،
في ذلك لا رواية لهذا في الأصل عن أصحابنا، وروي عن الامام أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا
بأس به إذا كان التفضيل له لزيادة فضل في الدين، وإن كانا سواء يكره. وروى المعلى عن أبي يوسف
أنه لا بأس به إذا لم يقصد به الاضرار، وإن قصد به الاضرار سوى بينهم، يعطي الابنة مثل ما يعطي
الابن. وقال محمد رحمه الله: يعطى للذكر ضعف ما يعطى للأنثى. والفتوى على قول أبي يوسف.
قوله: (كل المال للولد) أي وقصد حرمان بقية الورثة كما يتفق ذلك فيمن ترك بنتا وخاف مشاركة
العاصب. قوله: (جاز) أي صح لا ينقص. وفي بعض المذاهب: يرد عليه قصده ويجعل متروكه ميراثا
لكل الورثة ط. قوله: (ولو بعوض) أي ولو كانت الهبة بعوض جاء للصبي قبل أو يحصل بعد،
وظاهره ولو العوض أكثر، وأجازها محمد بعوض مساو كما يذكر آخر الباب الآتي. قوله: (ويبيع

599
القاضي الخ) لأنه من المصلحة للصبي، وهذا مخالف لما في المبسوط. ونصه: وهب للصغير شيئا ليس
له أن يرجع فيه وليس للأب التعويض ا ه‍.
وفي المنية: وهب للصغير فعوض الأول من مال الابن لا يجوز. وإذا لم يجز لم يجز للواهب أن
يرجع؟ وفيها عن السراجية: وهب للصغير لا يملك الرجوع، وقيل: هذا إذا نوى الصدقة. ا ه‍.
أقول: لكن في البزازية: وهب للصغير فعوض أبوه من ماله لا يجوز، وإن عوض فللواهب
الرجوع لبطلان التعويض ا ه‍. وقوله من ماله: أي مال الصغير، فلو من مال الأب صح لما سيأتي في
الباب الآتي من صحة التعويض من الأجنبي، وعليه فيتعين حمل عدم الرجوع فيما إذا عوض الأب أو
الأجنبي من مالهما أو كان نوى الواهب عند الاعطاء الصدقة. فتأمل.
قال ط: وانظر ما حكمه، وإن نظرنا إلى ما عللنا به كان واجبا إن تيقن الرجوع وكان الأب
ونحوه في حكم القاضي، ويحرر. قوله: (ولو قبض زوج الصغيرة) سواء كانت ممن يجامع مثلها أو لا
في الصحيح. بحر. قوله: (فالقبض لها) لا لزوجها لا لأبيها. بحر. قوله: (ما وهب لها) احترز
به عن ديون لها فلا يملك قبضها مطلقا. بحر. قوله: (لنيابته عنه) لأنه فوض أمورها إليه دلالة. قال
الشمني: لأنه حينئذ له عليها ولاية لكونه يعولها.
وفي الذخيرة: شرط بعض أصحابنا أن يكون يجامع مثلها. والصحيح أنه إذا كان يعولها يصح
قبضه لها، سواء كان يجامع مثلها أو لا، لأنها لما زفت إليه أقام الأب الزوج مقام نفسه في حفظها
وحفظ مالها وقبض الهبة من باب الحفظ. ا ه‍. قوله: (فصح قبض الأب كقبضها مميزة) تفريع على
العلة، لان النائب إذا كان يملك قبض ذلك فالأصيل أولى، وقيد به لان الام وكل من يعولها لا
يملكون القبض إلا بعد موت الأب أو غيبته غيبة منقطعة، لان تصرف هؤلاء للضرورة لا بتفويض
الأب، ولا ضرورة مع الحضور. منح. وقدم المؤلف أن الصحيح جواز قبض من يعول الصغير، ولو
مع وجود الأب ط. لكن قدمنا عن الهداية والجوهرة: تصحيح عدم جواز قبض من يعوله مع عدم
غيبة الأب، وبه جزم في البدائع، وأن قاضيخان وغيره صححوا الجواز، كما لو قبض الزوج والأب
حاضر، وأن الفتوى عليه لا سيما وفيه نفع للصغير.
والحاصل: أنه اختلف التصحيح في هذه المسألة كما سمعت، لكن لا يعدل عن تصحيح
قاضيخان كما قرروا لأنه فقيه النفس. قوله: (لعدم الولاية) أي الاستيلاء عليها بالفعل، لان ولايته
عليها إنما تكون بالدخول، لان به تصير هي وما في يدها في تصرفه عادة، وإن لم يكن له عليها ولاية
شرعية فإنه لا يتصرف في مالها، وإنما يقبض هبتها بعد الدخول نيابة عن الأب. وقول الزيلعي لأنه
يعولها: أي يدخلها في عياله بالفعل. وتكون تحت تصرفه هو معنى ما يفهم من قول الشارح هنا لعدم
الولاية: أي قبل الزفاف فافهم أن له الولاية بعده.
قال في الهندية: ولو كانت الصغيرة في عيالة الجد أو الأخ أو الام أو العم فوهب لها هبة
فقبض الزوج جاز. كذا في التتارخانية، فإن أدركت لم يجز قبض الأب ولا الزوج عليها إلا بإذنها.
كذا في الجوهرة.

600
صغيرة في عيال أجنبي عالها برضا أبيها والأب غائب فقبض الأجنبي لها صحيح دون قبض
الأخ. كذا في السراجية، ولو كان الصغير في عيال الجد أو الأخ أو الام أو العم فوهب له هبة فقبض
الهبة من كان الصغير في عياله والأب حاضر، اختلف المشايخ فيه، والصحيح الجواز. هكذا في
فتاوى قاضيخان، وبه يفتى، هكذا في الفتاوى الصغرى ا ه‍. قوله: (وهب اثنان دارا) والمراد بها ما
يقسم. قوله: (لعدم الشيوع) لأنهما سلماه جملة وهو قد قبضها جملة فلا شيوع. بحر. وفيه إشعار بأن
هبة الاثنين للاثنين لا تجوز كما يأتي. قوله: (وبقلبه) وهو هبة واحد من اثنين. قوله: (لكبيرين) أي
غير فقيرين وإلا كانت صدقة فتصح كما يأتي. قوله: (لا عنده للشيوع) هذا إذا لم يبين نصيب كل
واحد منهما. أما إذا بين بأن قال لهذا ثلثاها ولهذا ثلثاها، أو لهذا نصفها ولهذا نصفها لا يجوز عندهما
وإن قبضه. وقال محمد: يجوز إن قبضه. بحر. نظرا إلى أنه عقد واحد فلا شيوع كما إذا رهن من
رجلين. ا ه‍. داماد. وقوله للشيوع: أي لأنه هبة النصف من كل واحد منهما بدليل أنه لو قبل أحدهما
فيما يقسم صحت في حصته دون الآخر فعلم أنهما عقدان. قوله: (كالبيت) أي الصغير الذي لا
يمكن أن يصير بيتين. قوله: (قيدنا بكبيرين) الأولى عدم ذكر هذا القيد، لأنه لا فرق بين الكبيرين
والصغيرين والكبير والصغير عند أبي حنيفة، وقد تبع الشارح والمصنف البحر في عبارته، وظاهرها
أنهما لو كانا صغيرين في عياله جاز عندهما، وفي البزازية ما يدل عليه. ولكن هذا كله على قولهما لا
على قوله كما صرح به في الخانية، فراجعه إن شئت. وأصل الوهم أن صاحب المنتقى ذكر الحكم في
مسألة الاثنين الصغير والكبير، غير مضاف إلى أحد فتوهم أنه قول الكل، ولو كان كذلك لبطل إطلاق
المتون في قوله لا عكسه. تأمل. ا ه‍.
أقول: نص عبارة الخانية هكذا: ولو وهب دارا لابنين له أحدهما صغير في عياله كانت الهبة
فاسدة عند الكل، بخلاف ما لو وهب من كبيرين وسلم إليهما جملة، فإن الهبة جائزة عند أبي يوسف
ومحمد، لان في الكبيرين لم يوجد الشيوع لا وقت العقد، ولا وقت القبض. وأما إذا كان أحدهما
صغيرا فكما وهب يصير الأب قابضا حصة الصغير، فيتمكن الشيوع وقت القبض. ا ه‍. وأنت خبير
بأن إظهار الفرق بين المسألتين مبني على قول الصاحبين القائلين بجوازها للكبيرين مع موافقتهما
الامام، بعدم جوازها لكبير وصغير، بدليل قوله كانت الهبة فاسدة عند الكل، فليست مسألة الكبير
والصغير مبنية على قولهما فقط فما فهمه صاحب البحر من عبارة صاحب المنتقى أنها قول الكل
صحيح لا وهم فيه، وعبارة المتون لا تنافيه كما لا يخفى على نبيه. نعم إذا قلنا إذا كان الولدان
صغيرين تجوز الهبة يكون مخالفا لاطلاق المتون عدم جواز هبة واحد من اثنين، ولكن إذا تأمل الفقيه
في علة عدم الجواز على قول الإمام وهي تحقق الشيوع، يجزم بتقييد كلام المتون بغير ما إذا كانا
صغيرين، لان الأب إذا وهب منهما تحقق القبض منه لهما بمجرد العقد، بخلاف ما إذا كان أحدهما
كبيرا فإن قبض الكبير يتأخر عن العقد فيتحقق الشيوع عند قبضه كما مر عن الخانية، وعبارة البزازية
أوضح في إفادة المراد حيث قال: لان هبة الصغير، منعقدة حال مباشرة الهبة لقيام قبض الأب مقام
قبضه، وهبة الكبير محتاجة إلى قبول فسبقت هبة الصغير، فتمكن الشيوع، والحيلة أن يسلم الدار إلى
الكبير ويهبها منهما ا ه‍: أي فإذا سلمها إلى الكبير أولا ثم وهبها منهما تحقق القبضان معا وقت العقد،

601
فلم يتمكن الشيوع، ومقتضاه أنه لو سلمها للكبيرين ثم وهبها منهما تصح فليراجع. فظهر أن الأولى
عدم هذا القيد لأنه لا يفيد إلا الإشارة إلى خلافهما، فكان الأولى أن لا يذكره لأنه لا فرق بين
الكبيرين والصغيرين والكبير والصغير. ويقول أطلق الاثنين، فأفاد أنه لا فرق بين أن يكونا كبيرين أو
صغيرين أو أحدهما كبيرا والآخر صغيرا، وفي الأولين خلافهما. تأمل.
قال في الهندية: وكل ما يتخلص به من الحرام أو يتصل به إلى الحلال من الحيل فهو حسن. ا
ه‍. قوله: (وصغير في عيال الكبير) صوابه في عيال الواهب كما يدل عليه كلام البحر وغيره. والذي
في البحر والمنح والصغير في عياله، وعللاها تبعا للمحيط بأنه حين وهب صار قابضا حصة الصغير،
فبقي النصف الآخر شائعا. ا ه‍. وهذا يدل على أن الضمير في عياله يرجع إلى الواهب، خلافا لما تفيده
عبارة المؤلف، وهذه العلة تقال في المسألة المذكورة بعد. قوله: (لم يجز اتفاقا) لتفرق القبض، لان
الصغير تتم هبته بقول أبيه: وهبته وينوب قبضه عن قبض الصغير، فبقي نصيب الكبير شائعا فلا
يصح، وإذا لم تصح الهبة للكبير لم تصح للصغير أيضا لأنها لو صحت لكانت هبة مشاع، وبهذا تبين
أن هبة الأب لابنه يشترط فيها الافراز، وإلا لصحت الهبة للصغير، وأفاد أنها للصغيرين تصح لعدم
المرجح لسبق قبض أحدهما، وحيث اتحد وليهما فلا شيوع في قبضه، ويؤيده قول الخانية: داري هذه
لولدي الأصاغر يكون باطلا، لأنها هبة فإذا لم يبين الأولاد كان باطلا. ا ه‍. فأفاد أنه لو بين صح، ولا
يرد على ما مر قوله. عن الخزانة. ولو تصدق بداره على ولدين له صغيرين لم يجز، لأنه مخالف لما في
المتون والشروح من قولهم إن الهبة لمن له عليه ولاية تتم بالعقد. سائحاني بزيادة.
وفي التتارخانية عن التتمة: سئل عمر النسفي عمن أمر أولاده أن يقتسموا أرضه التي في ناحية
كذا بينهم، وأراد به التمليك فاقتسموها، وتراضوا على ذلك، هل يثبت لهم الملك، أم يحتاج إلى أن
يقول لهم الأب ملكتكم هذه الأراضي أو يقول لكل واحد منهم ملكتك هذا النصيب المفرز؟ فقال:
لا، وسئل عنها الحسن فقال: لا يثبت لهم الملك إلا بالقسمة.
وفي تجنيس الناصري: ولو وهب دارا لابنه الصغير ثم اشترى بها أخرى فالثانية لابنه الصغير،
خلافا لزفر. ولو دفع إلى ابنه مالا، فتصرف فيه الابن يكون للابن إذا دلت دلالة على التمليك. ا ه‍.
وفيها وسئل الفقيه: عن امرأة وهبت مهرها الذي لها على الزوج لابن صغير له وقبل الأب،
قال: أنا في هذه المسألة واقف، فيحتمل الجواز كمن كان له عبد عند رجل وديعة فأبق العبد ووهبه
مولاه من المودع فإنه يجوز.
وسئل مرة أخرى عن هذه المسألة فقال: لا يجوز. وقال الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ. وفي
العتابية: وهو المختار. ا ه‍. قوله: (لجواز الرهن) إنما جاز الرهن منهما لان حكمه الحبس الدائم وقد
ثبت لكل واحد منهما كملا فلا شيوع فيه، ألا ترى أنه لو قضى دين أحدهما بقي كله في يد الآخر. ا
ه‍. زيلعي. قوله: (والإجارة من اثنين اتفاقا) بأن قال أجرت الدار منكما جاز بالاتفاق، ولو فصل
بقوله نصف منك أو نحوه كثلث أو ربع يجب أن يكون عند أبي حنيفة على اختلاف مر فيما إذا كان
كله بينهما، وأجر أحدهما النصف من أجنبي أنه يجوز في رواية لا في رواية، إلى أن قال: وأنت على

602
علم من إطلاق المتون قاطبة فساد إجارة المشاع إلا من الشريك، وإطلاق بعضهم صحتها من اثنين
محمول على حالة الاجمال. حامدية ملخصا. ومثله في الخيرية ويأتي في الإجارة. قوله: (وإذا تصدق
الخ) هذه عبارة الجامع الصغير. قوله: (يراد بها وجه الله تعالى) والفقير نائبه. زيلعي. قوله: (وهو)
أي الله سبحانه وتعالى جلت عظمته. قوله: (واحد) أي لا ثاني له في ذاته ولا في صفاته، ولا في
أفعاله بل هو أحد فرد صمد. قوله: (فلا شيوع) أشار بنفي الشيوع في هذه الصورة إلى أن الشيوع إذا
تحقق في الصدقة يفسدها، لأنها كالهبة في ذلك كما سيأتي أواخر الباب الآتي، فإذا تصدق ببعض ما
يحتمل القسمة على فقير واحد، لم يصح لتحقق الشيوع، بخلاف التصدق بكله على فقيرين لما علمته من
عدم الشيوع.
قال في المضمرات: ولو قال وهبت منكما هذه الدار والموهوب لهما فقير أن صحت الهبة
بالاجماع. تتارخانية لكن قال بعده: وفي الأصل هبة الدار من رجلين لا تجوز، وكذا في الصدقة على
غنيين، والأظهر أن في المسألة روايتين. ا ه‍.
قال في البحر: وصحح في الهداية ما ذكره المصنف في الفرق وهو رواية الجامع الصغير، وقد
علم بما قدمناه أن المراد من نفي الصحة هنا نفي الملك، فلو قسمها وسلمها صحت وملكاها كما لا
يخفى، والله تعالى أعلم. ا ه‍. وفي الجوهرة: هذا هو الصحيح: يعني خلافا لهما في تجويزهما الهبة
والصدقة للغنيين أيضا. قوله: (لا لغنيين) أي لا تجوز الصدقة بعشرة دراهم أو هبتها لغنيين وهذا
قوله، وقالا: تجوز، وفي الأصل أن الهبة لا تجوز، وكذا الصدقة عنده ففي الصدقة عنه روايتان.
خانية. قوله: (هبة) قال في البحر والصدقة على الغني مجاز عن الهبة كالهبة من الفقير مجاز عن
الصدقة، لان بينهما اتصالا معنويا، وهو أن كل واحد منهما تمليك بغير بدل، فيجوز استعارة أحدهما
للآخر فالهبة للفقير لا تجوز الرجوع، والصدقة على الغني تجوز الرجوع. قوله: (للشيوع) لان الهبة
لهما يرادان بها وهما اثنان فحصل الشيوع. قوله: (أي لا تملك) فالمراد من نفي الصحة في الملك على
هذا الوجه. أفاده في البحر. وقد علمت أنهما قولان:
الأول: أنها صحيحة، ولا تفيد الملك قبل القسمة.
والثاني: أنها فاسدة وهي المفتى به، وقدم أن المفتى به أن الفاسدة تملك بالقبض، فهو مبني على
ما قدمنا ترجيحه، فكيف يفسر أحد القولين بالآخر؟ فتأمل.
قال في البحر: عند قوله: والصدقة كالهبة لا تصح غير مقبوضة ولا في مشاع يقسم.
فإن قلت: قدم أن الصدقة لفقيرين جائزة فيما يحتمل القسمة بقوله: وصت تصدق عشرة
لفقيرين.
قلت: المراد هنا من المشاع أن يهب بعضه لواحد فقط فحينئذ هو مشاع يحتمل القسمة بخلاف
الفقيرين فإنه لا شيوع كما تقدم. ا ه‍. قوله: (درهما) قال في الهندية: ولو وهب درهما صحيحا من

603
رجلين، اختلفوا فيه، والصحيح أنه يجوز، والدينار الصحيح قالوا: ينبغي أن يكون بمنزلة الدرهم
الصحيح. كذا في قاضيخان. قوله: (إن صحيحا صح) لأنه هبة مشاع لا يقسم. قوله: (لكونه في
حكم العروض) هذا إذا لم تكن أثمانا رائجة أما إذا كانت كذلك فليست في حكم العروض. تأمل
قوله: (إن استويا) أي وزنا وجودة. خانية. قوله: (لم يجز) لأنهما إذا استويا وزنا وجودة تكون هبة
المشاع فيما يحتمل القسمة، لأنه لا يجبر على القسمة. منح. قوله: (وإن اختلفا) بأن كان أحدهما أثقل
أو أجود. هندية. وظاهره أن هذا التفصيل يجري فيما لو قال له وهبت لك أحدهما، وجعله في
الهندية وعزاه إلى الخانية قاصرا على ما إذا قال نصفهما لك، أما إذا قال أحدهما لك هبة لم يجز، سواء
كانا سواء أو مختلفين. ا ه‍. ولعله لأنهما إذا كانا سواء كانا مما يحتمل القسمة، وإن كانا مختلفين
فللجهالة.
والحاصل: أن الهبة في الأولين تناولت أحدهما، أما في قوله أحدهما فظاهر، وأما في قوله
نصفهما، لأنه تجري فيه القسمة جبرا باتحاد الجنس فكان له أحدهما، وهو مجهول، فلا يجوز، وفي
الثاني تناولت قدر درهم منهما، وهو مشاع لا يحتمل القسمة فيجوز، وأن كلام الشارح بقوله وإن
اختلفا جاز مخالف لما في الخانية كما علمت، فإنه ذكر هذا التفصيل فيما إذا قال نصفهما ثم قال: وإن
قال أحدهما لك هبة لم يجز سواء كانا سواء أو مختلفين.
قال في منية المفتي: دفع ثوبين إلى رجلين فقال أيهما شئت فهو لك والآخر لفلان، فإن بين
الذي له قبل أن يفترقا جاز، وإلا فلا. قوله: (ولذا) أي لكونه مشاعا لا يقسم. قوله: (جاز) هذا
يفيد أن المراد بقوله سابقا أو نصفهما واحد منهما لا نصف كل، وإلا فلا فرق بينه وبين الثلث في
الشيوع، بخلاف حمله على أن المراد أحدهما فإنه مجهول فلا يصح. قوله: (مطلقا) أي مستويين أو
مختلفين. منح. قوله: (يدل الخ) هذه الدلالة غير ظاهرة، إذ لا يلزم من كون الحائط بين الدارين كون
سقف الواهب عليه، ولا كون البيت من الدار اختلاطه بحيطان الدار تأمل.
قال ط: فهذا يدل: أي من حيث الاطلاق، وإلا فلا صراحة في كلامه بذلك.
وفي الهندية عن جواهر الأخلاطي: إذا وهب نصيبا له في حائط أو طريق أو حمام وسمى
وسلطه على القبض فهي جائزة، كما لو وهب بيتا له لآخر مع جميع حدوده وحقوقه مقسوما مفروغا
فقبضه الموهوب له بإذن الواهب لكن ممر البيت مشترك بينه وبين آخر جاز. ا ه‍.
وفي الذخيرة: هبة البناء دون الأرض جائزة. وفي الفتاوى عن محمد: فيمن وهب لرجل نخلة
وهي قائمة لا يكون قابضا لها حتى يقطعها ويسلمها إليه، وفي الشراء إذا خلى بينه وبينها صار قابضا
لها كما في متفرقات التتارخانية، وقدمنا نحوه عن حاشية الفصولين للرملي، وسيأتي تمامه قريبا.
قوله: (لا يمنع صحة الهبة) المراد لا يمنع تملكها إذا قبضها كذلك ط.

604
قال سيدي الوالد في تنقيحه: في جواب سؤال حاصله: إذا وهبت امرأة من أولادها حصة من
بناء طاحونة هل تصح أم لا؟
فأجاب: أما هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة، فهي صحيحة كما صرح به في المعتبرات، لكن
في هذه المسألة وهبة البناء دون الأرض لا تصح إلا إذا سلطه الواهب على نقضه.
قال في الدرر: وكذا تجوز هبة البناء دون العرصة إذا أذن الواهب في نقضه وهبة أرض فيها
زرع دونه: أي دون الزرع أو نخل فيها ثمر دونه: أي دون الثمر إذا أمره: أي الموهوب له بالحصاد
في الزرع والجذاذ في الثمر، لان المانع للجواز الاشتغال بملك المولى، فإذا أذن المولى في النقض
والحصاد والجذاذ، وفعل الموهوب له زال المانع، فجازت الهبة. ا ه‍. ونقله في المنح عنها وأقره.
وأفتى المرحوم عماد الدين عن سؤال رفع إليه وصورته: فيما إذا كان لزيد عمارة قائمة في
أرض الغير، فملك زيد العمارة المزبورة لزوجته، ولم يأذن لها بنقض العمارة، فهل يكون التمليك غير
صحيح أم لا؟
الجواب: نعم يكون التمليك غير صحيح، فلينظر في مسألتنا هل سلطته على نقضه أم لا؟ فعند
ذلك يظهر الجواب، والله أعلم بالصواب.
قال في الفتاوى الهندية من الهبة: ومنها أن يكون الموهوب مقبوضا حتى لا يثبت الملك للموهوب
له قبل القبض وأن يكون مقسوما إذا كان مما يحتمل القسمة، وأن يكون متميزا عن غير الموهوب، ولا
يكون متصلا ولا مشغولا بغير الموهوب، حتى لو وهب أرضا فيها زرع للواهب، دون الزرع أو عكسه
أو نخلا فيها ثمرة للواهب معلقة به دون الثمرة أو عكسه لا يجوز، وكذا لو وهب دارا أو ظرفا فيها متاع
للواهب. كذا في النهاية ا ه‍. وعلى هذا فقول البزازية: وهب البناء لا الأرض يجوز يحمل إطلاقه على ما
إذا أذن له الواهب في نقضه كما هو صريح الدرر وجامع الفتاوى كما تقدم، لكن أفتى مفتي الروم علي
أفندي بمقتضى إطلاق البزازية بالجواز من غير قيد كما في فتاواه التركية الشهيرة، والله أعلم.
أقول: وما في البزازية نقل مثله في نور العين عن المنية، ومثله في التتارخانية عن الذخيرة حيث
قال: هبة البناء دون الأرض جائزة، ولو وهب لرجل نحلة: وهي قائمة لا يكون قابضا لها حتى
يقطعها ويسلمها إليه. ا ه‍. هذا والموافق للمتون ما مر عن الدرر لقول الكنز وغيره، تصح في محوز
مقسوم ومشاع لا يقسم، ويظهر لي التوفيق بين كلامهم بأن من قال كالدرر لا تصح إلا إذا سلطه
الواهب على نقضه معناه لا تتم، ولا تملك إلا إذا أذن له الواهب بالنقض ونقضه، لأنه بعد النقض
صار محوزا مسلما، ومن قال تصح ولم يقيد بذلك أراد أنه يصح العقد، وإن لم يغد الملك وحينئذ فلا
تنافي بين الكلامين. اه‍. مختصرا. وتمام تحقيقه ثمة فراجعه، والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
باب الرجوع في الهبة
بمعنى الموهوب لان الرجوع إنما يكون في حق الأعيان لا في حق الأقوال، ولو وهب الدين
من غير من عليه الدين وسلطه على قبضه، وقبل وقبض له الرجوع لان الهبة هنا تمليك لا إسقاط
حموي. بخلاف هبته ممن هو عليه فلا رجوع فيها لأنها إسقاط، والساقط لا يعود. درر منتقى. ويصح
الرجوع فيها كلا أو بعضا ملتقى فلا يمنع الشيوع كما لو وهبا عبدا لأحدهما الرجوع، وأطلق في

605
الرجوع في الهبة فانصرف إلى الأعيان، فلا رجوع في هبة الدين للمديون بعد القبول، بخلافه قبله
لكونه إسقاطا. بحر وسيأتي آخر الفصل عند الكلام على النظم عبارة البحر وأنه اشتبه عليه الرد
بالرجوع، فتأمل.
وفي البحر: لا يخفى حسن تأخير هذا الباب، ودخل في الهبة الهدية، فإن للمهدي الرجوع
كما في المنية وغيرها. در منتقى. وأخرج بالهبة الصدقة: أي للفقير فإنه لا يصح الرجوع فيها لان
القصد فيها الثواب وقد حصل حموي. والمراد بالهبة ما كان هبة لغني، فلو كانت لفقير فلا رجوع
لأنها صدقة. شرنبلالية. قوله: (صح الرجوع فيها) أي في الهبة الصحيحة بعد القبض، وأشار بذكر
الصحة دون الجواز إلى أنه يكره الرجوع فيها كما يأتي، وإنما صح لقوله عليه الصلاة والسلام
الواهب أحق بهبته ما لم يثب أي يعوض.
وقال الشافعي: لا يصح إلا في هبة الوالد لولده لقوله عليه الصلاة والسلام لا يرجع الواهب
في هبته، إلا الوالد فيما وهب لولده ونحن نقول: المراد نفي الاستبداد في الرجوع والتملك
للحاجة. وفي المقدسي: لا ينبغي أن يشتري الواهب الموهوب من الموهوب له لأنه يستحي فيأخذه
بأقل من قيمته ا ه‍. وقد سمعنا أن بعض قضاة الزمن السابق كان لا يشتري من بعض أهل محلته خوف
المراعاة، بخلاف بعض قضاة زماننا فإنهم متى أمكنهم الشراء بأنفسهم لا يعدلون عنه ليأخذوا الكثير
بالقليل للمراعاة والخوف، بل بعضهم له مكس على البياعين.
قال في الهندية: وألفاظ الرجوع: رجعت في هبتي، أو ارتجعتها، أو رددتها إلى ملكي، أو
أبطلتها وأنقضتها، فإن لم يتلفظ بذلك ولكنه باعها أو رهنها أو أعتق العبد الموهوب أو دبره لم يكن
ذلك رجوعا، وكذا لو صبغ الثوب أو خلط الطعام بطعام نفسه لم يكن رجوعا ولو قال إذا جاء رأس
الشهر فقد ارتجعتها لم يصح. كذا في الجوهرة النيرة ا ه‍. وفيها يجب أن يعلم بأن الهبة أنواع: هبة لذي
رحم محرم، وهبة لأجنبي، أو لذي رحم ليس بمحرم. أو لمحرم ليس بذي رحم. وفي جميع ذلك
للواهب حق الرجوع قبل التسليم. كذا في الذخيرة سواء كان حاضرا أو غائبا أذن له في قبضه أو لم
يأذن له. كذا في المبسوط، وبعد التسليم ليس له حق الرجوع في ذي الرحم المحرم، وفيما سوى
ذلك له حق الرجوع إلا أن بعد التسليم لا ينفرد الواهب بالرجوع، بل يحتاج فيه إلى القضاء أو الرضا،
وقبل التسليم ينفرد الواهب بذلك. كذا في الذخيرة. قوله: (فلم تتم الهبة) يعني لو وجد الايجاب
والقبول ثم امتنع عن التسليم، فإنه لا يسمى رجوعا لان الهبة لم تتم فلم يخرج الموهوب عن ملك
واهبه، فلا يقال إن له رجوعا فيه، ولا فرق بين ذي الرحم والزوجين، وغير ذلك والظاهر أنها لا
تخلو عن الكراهة لأنها لا تنزل عن الوعد بل هي فوقه. قوله: (مع انتفاء مانعه الآتي) المشار إليه بدمع
خزقة. قوله: (وإن كره تحريما) بهذا حصل الجمع بين قوله (ص) لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو
يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع كمثل الكلب
يأكل، فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه، وبين قوله عليه الصلاة والسلام من وهب هبة فهو أحق بها ما
لم يثب منها ا ه‍. فبالثاني ثبت الرجوع وبالأول ثبتت كراهة التحريم، ويثب بضم الياء التحتية وفتح
المثلثة مضارع مجهول مجزوم من أثاب يثيب: أي عوض. كذا ضبطه عزمي زاده.

606
قال في الدرر المراد بالحديث الأول: أن الواهب لا ينفرد بالرجوع بلا قضاء، ولا رضا إلا
الوالد إذا احتاج إلى ذلك، فإنه ينفرد بالأخذ لحاجته: أي للانفاق، وسمي ذلك رجوعا نظرا إلى
الظاهر وإن لم يكن رجوعا حقيقة، على أن هذا الحكم غير مختص بالهبة، بل الأب إذا احتاج له الاخذ
من مال ابنه ولو غائبا، ولو لم يحتج لا يجوز له الاخذ. ا ه‍ ملخصا ط. أو المراد: أنه لا يحل الرجوع
بطريق الديانة والمروءة، وهو كقوله عليه الصلاة والسلام لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن
يبيت شبعان وجاره إلى جنبه طاو أي لا يليق ذلك بالديانة والمروءة وإن كان جائزا في الحكم. نهاية.
وقال الزيلعي بعدما أجاب بما أجاب به صاحب الدرر: على أنا لا نسلم أن الحديث الذي رواه ينافي
الرجوع، لأنه خبر عن قبحه، فمعناه: أنه لا يليق به أن يرجع فيه إلا الواهب فيما يهبه لولده، ونظيره
قوله عليه الصلاة والسلام المؤمن لا يكذب وقوله عليه الصلاة والسلام الزاني لا يزني وهو
مؤمن أي لا يليق به أن يكذب أو يزني وهو مؤمن، لا أنه ينافي صفة الايمان به، بل هو قبيح ومع
الايمان أقبح فكذا هذا الخ، أي قبيح من حيث العادة لا الشرع، لان الشرع مكنه من الرجوع،
وبمذهب الإمام الشافعي قال الامام مالك وأحمد في ظاهر مذهبه. عزمي زاده. قوله: (وقيل تنزيها)
أخذا من قول المبسوط إنه غير مستحب، ولا دلالة فيه على أن الكراهة للتنزيه، فإن المكروه تحريما
والحرام غير مستحب، وقول الزيلعي: الرجوع قبيح صريح في أن الكراهة للتحريم، إذ لا يقال
للمكروه تنزيها قبيح، لأنه من قبيل المباح أو قريب منه.
قال في المنح: وقد وصف الرجوع بالقبح الزاهدي والحدادي وكثير من الشارحين، ومن ثم
اخترنا كراهة التحريم.
قال في الفتاوى الغياثية: الرجوع في الهبة مكروه في الأحوال كلها ويصح. وكذا في
التتارخانية انتهى. ودليل الكراهة التحريمية خاص من السنة، وهو الحديث المتقدم، وروى الكرخي
عن أصحابنا أنه حرام. قوله: (فلا يسقط الخ) علم من هذا أن الاسقاط لا يكون في كل حق، فإن
بعض الحقوق لا تسقط وإن أسقطها صاحبها كهذا الحق كما في البزازية فهو نظير الميراث
والاستحقاق في الوقف يثبت جبرا، فلا يسقط بالاسقاط. قوله: (وكان عوضا الخ) أي أن حق الرجوع
لا يسقط بالاسقاط لا مجانا ولا بعوض، وإنما يسقط الرجوع بجعل العوض عوضا عن الهبة
والتعويض عن الهبة يمنع من الرجوع كما يأتي في الموانع. قوله: (لكن سيجئ) أي نقلا عن
المجتبى، وسيقول الشارح إنه لم ير من صرح به غيره وإن فروع المذهب مطلقة، ولا يخفى ما قاله ابن
وهبان: أن ما تفرد به الزاهدي لا يعول عليه، مع أن كلا مؤول بأن العوض إذا لم ينص عليه أنه
عوض عنها لا يكون مانعا من الرجوع، ويكون لكل من الواهبين أن يرجع في هبته، ويكون معنى
قوله إذا كان مشروطا في العقد: أي عقد التعويض، ولذا قال بعده: فأما إذا عوضه بعده فلا وهي
هبة مبتدأة، وهذا قد صرحوا به أنه عند عدم التصريح بالتعويض لكل منهما أن يرجع، فتوافق عبارة
المجتبى بقية نصوص الفقهاء، وظاهر كلام الخير الرملي والخير بن إلياس في كتابتهما على منح الغفار
تسليم ما في المجتبى من هذا الشرط: وقد علمت أنه بهذا المعنى غير مسلم له لاطلاق المتون والشروح

607
والفتاوى صحة التعويض من غير اشتراطه في عقد الهبة، فيتعين تخطئته لو لم يحمل العقد على عقد
العوض كما سمعت، وهذا لا يمنع منه ظاهر عبارة المجتبى.
قال في المنح بعد نقل عبارة الجوهرة: وهو مخالف لما وقع في المجتبى معزيا إلى شرح القدوري
من قوله إنما يسقط الرجوع إذا كان مشروطا في العقد، فأما إذا عوضه بعده فلا، وهي هبة مبتدأة.
قال الرملي: وقد يقال: ما في الجواهر لم يدخل في كلام المجتبى، إذ ما في الجواهر صلح عن
حق الرجوع نصا، وقد صح الصلح فلزم سقوطه ضمنا، بخلاف ما لو أسقطه قصدا فكم من شئ
يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا وليس بحق مجرد حتى يقال يمنع الاعتياض عنه كما هو ظاهر، وما في
المجتبى مسألة أخرى، فتأمله. قوله: (اشتراطه) أي العوض لكن سيجئ البحث في هذا الاشتراط.
قوله: (ويمنع الرجوع) أي ومنع الرجوع في الهبة الموانع الآتي تفصيلها. قوله: (حروف دمع خزقة)
أي منحوتها: أي مرموزها قيل هو من نظم الامام النسفي وقيل لغيره. در منتقى. قال البرجندي:
هذا التركيب لمجرد الضبط، وليس معه معنى يعتد به. ا ه‍. وغاية ما يتكلف له أن يكون دمع خزقة
فاعل يمنع، وفي الصحاح خزقتهم بالنبل: أصبتهم بها. ا ه‍. فالمعنى: إصابة دمع. وفي الدرر:
الخزق: الطعن، والخازق: السنان، فكأنه شبه الدمع بالسنان ا ه‍. وهذا وما قبله يفيد تنوين دمع، وأن
خزق فعل ماض والهاء ضمير يرجع إلى الشخص. قال القهستاني: والمعنى التركيبي أن دمعه لكثرته
كأن أطرافه نصول تجرح وجعه، وله ضوابط أخر كخزع قدمه: أي تخلف ودنى عز خدمه وزعق
خدمه: أي صاح. وفي القهستاني عن العمادي أنه الرجوع يصح في الفاسدة وإن وجد أحد الموانع،
لان المقبوض منها مضمون بعد الهلاك فله الرجوع قبله. ا ه‍. فالمانع إنما هو في الصحيحة ط والنظم
المنسوب للنسفي هو بيت مفرد وهو:
ويمنع الرجوع في فصل الهبة * يا صاحبي حروف دفع خزقه
قال الرملي: قد نظم ذلك ولدي العلامة شيخ الاسلام محيي الدين فقال:
منع الرجوع من المواهب سبعة * فزيادة موصولة موت عوض
وخروجها عن ملك موهوب له * زوجية قرب هلاك قد عرض
قوله: (يعني الموانع السبعة الآتية) بقي ثامن وهو ما ذكره في المبسوط ومنية المفتي من أنه إذا
وهب للصغير شيئا لا يرجع به. ا ه‍. لكن قدمنا عن البزازية عند قول الشارح: ويبيع القاضي الخ أنه
لو وهب للصغير فعوضه أبوه من ماله لا يجوز، وإن عوض فللواهب الرجوع لبطلان التعويض وإن
عدم الرجوع فيما إذا عوض الأب أو الأجنبي من مالهما أو كان نوى الواهب الصدقة عند الاعطاء فلا
تنسه. قوله: (الزيادة في نفس العين) قيد به لأنها لو كانت في قيمتها لا يمنع لأنها حينئذ لرغبة الناس
إذا العين بحالها. ذكره الشمني. ومثله في الهندية، وفيها: وكذا إذا زاد في نفسه من غير أن يزيد في
القيمة: أي فله الرجوع ولو نقله من مكان إلى مكان حتى ازدادت قيمته واحتاج إلى مؤنة النقل ذكر في
المنتقى أنه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ينقطع الرجوع، ولو وهب عبدا كافرا فأسلم في يد
الموهوب له أو وهب عبدا حلال الدم فعفا ولي الجناية في يد الموهوب له لا يرجع، ولو كانت الجناية

608
خطأ ففداه الموهوب له لا يمنع الرجوع، ولا يسترد الفداء كذا في التبيين، وإن رجع قبل أن يفديه
فالجناية على العبد يدفعه الواهب بها أو يفديه. كذا في المبسوط. ولو قطعت يده وأخذ الموهوب له
أرشه كان للواهب أن يرجع ولا يأخذ الأرش. كذا في البحر. ا ه‍. وقيد بالزيادة لان النقصان كالحبل
وقطع الثوب، سواء كان بفعل الموهوب له أو لا غير مانع.
وفي الهندية عن المبسوط: وإذا أراد الواهب الرجوع وهي حبلى، فإن كانت قد ازدادت خيرا
فليس له أن يرجع فيها، وإن كانت قد ازدادت شرا فله أن يرجع فيها، والجواري في هذا تختلف منهن
إذا حبلت سمنت وحسن لونها فكان ذلك زيادة في عينها فيمتنع الرجوع، ومنهن إذا حبلت اصفر
لونها ودق ساقها فيكون ذلك نقصا فيها لا يمنع الواهب من الرجوع. ا ه‍. وينبغي حمل هذا على ما إذا
كان الحبل من غير السيد: أي الموهوب له، أما إذا كان منه فلا رجوع، لأنها ثبت لها منه بالحمل
وصف لا يمكن زواله وهو أنها تأهلت لكونها أم ولده كما إذا ولدت منه بالفعل كما ذكره أبو السعود
عن شيخه وأقره الحموي، وذكره بعض المتأخرين تفقها، وقد ذكروا أن الموهوب له إذا أدبر العبد
الموهوب انقطع الرجوع، لكن قال في السراج الوهاج، ولو وهب له جارية فحبلت في يد الموهوب
له فأراد الرجوع فيها قبل انفصال الولد لم يكن له ذلك، لأنها متصلة بزيادة لم تكن موهوبة، لان
الولد يحدث جزءا فجزءا فلا يصل إلى الرجوع فيما وهب إلا بالرجوع فيما لم يهب كالزيادة المتصلة. ا ه‍.
وقد ذكر الزيلعي أن الحبل لو لم تزد به فللواهب الرجوع فيها لأنه نقصان. ا ه‍. فتأمل ما بينهما.
قلت: وذكر في النهر في باب خيار العيب: أن الحبل عيب في بنات آدم لا في البهائم. ا ه‍.
فتأمل. قوله: (الموجبة لزيادة القيمة) بالرفع صفة لزيادة أما إذا كانت الزيادة في العين لا توجب الزيادة
في القيمة، أما المنقصة التي توجب نقصا في السعر كطول فاحش تنقص به القيمة وكبر طحال فإنه لا
ينقطع به حق الرجوع كما في محيط السرخسي.
أقول: وينبغي أن يكون السمن المفرط كالطول الفاحش، فإنه ينقص القيمة أيضا، فلا ينقطع به
حق الرجوع فتأمل.
قال في البحر: وخرج الزيادة في العين فقط كطول الغلام، وفداء الموهوب له لو كان الموهوب
جنى خطأ. ا ه‍. وتمامه فيه. لكن سيأتي قريبا عن قاضيخان ما ينافيه. قوله: (المتصلة) قيد بها لان
المنفصلة غير مانعة من الرجوع في الأصل والزيادة للموهوب له، بخلاف الرد بالعيب حيث يمتنع
بزيادة الولد كما يأتي. قوله: (وإن زالت قبل الرجوع كأن شب ثم شاخ) فيه أنه من قبيل زوال المانع
كما قاله الأسبيجابي ولهذا سموها موانع. وعبارة القهستاني: مانع الزيادة إذا ارتفع كما إذا بنى ثم هدم
عاد حق الرجوع كما في المحيط وغيره، ومن الظن أنه ينافيه ما في النهاية أن حين زاد لا يعود حق
الرجوع بعده، لأنه قال ذلك فيما إذا زاد وانتقص جميعا كما صرح به نفسه. ا ه‍.
قلت في التتارخانية: ولو كانت الزيادة بناء فانهدم يعود حق الرجوع، والمانع من الرجوع
الزيادة الباقية في العين كما ذكر شمس الأئمة السرخسي. ا ه‍. وعبارة الشارح جملة شرطية سقط جوابها
من قلمه سهوا، والمسألة في شرح المجمع لابن ملك. ولو منع القاضي الرجوع لثبوت الزيادة ثم
زالت عاد للواهب حق الرجوع كما في المحيط. ونقله في الدرر.

609
قال في غاية البيان: وقال في الكافي: رجل وهب لرجل أيضا فبنى فيها الموهوب له بناء ثم
أراد الواهب الرجوع فخاصمه إلى القاضي فقال له القاضي ليس لك أن ترجع فيها ثم هدمها الموهوب
له كان للواهب أن يرجع فيها. قال شيخ الاسلام علاء الدين الأسبيجابي: يريد به أن قول القاضي لم
يقع قضاء حتى لا ينقض، وإنما وقع فتوى بناء على مانع، فإذا زال المانع تغير الحكم. ا ه‍ ومثله في
التتارخانية عن المحيط. قوله: (لكن في الخانية ما يخالفه) وكذا في الظهيرية. قال سري الدين في
حاشية الزيلعي. وفي الظهيرية وقاضيخان: وإذا قضى القاضي بإبطال الرجوع لمانع ثم زال المانع عاد
حق الرجوع. بيانه: إذا بنى في الدار الموهوبة بناء أبطل القاضي رجوع الواهب بسبب البناء، ثم هدم
الموهوب له البناء وصارت كما كانت فله الرجوع فيها ا ه‍. وقد علمت أنه لزوال المانع لا نقض قضاء،
والمسألة المذكورة في المؤلف ذات خلاف أيضا.
فقد قال في المحيط والذخيرة: رجل وهب لرجل وصيفا فشب عند الموهوب وكبر وطال وشاخ
وانتقصت قيمته ليس للواهب الرجوع، لأنه زاد في بدنه وطال في جثته ثم انتقص من وجه آخر
بشيخوخته، وحين زاد سقط حق الرجوع فلا يعود بعد ذلك، ولو كان طويلا يوم وهبه وطال عند
الموهوب له وكان الطول نقصانا وكان ينتقص به فهذه ليست بزيادة حقيقة فلا يمنع الرجوع، ويكون
الشئ زيادة صورة نقصانا معنى كالإصبع الزائدة، وما أشبه ذلك كما في الذخيرة.
وذكر الناطفي في أجناسه: ولو وهب أمة فسمنت وكبرت له أن يرجع، وكذا جميع الحيوانات
ا ه‍. وفي الهندية عن المحيط: ولو وهب أمة فشبت وكبرت لا يرجع وكذلك جميع الحيوانات ا ه‍. فهما
قولان للمشايخ ط. لكن الموافق لما في قاضيخان أوفق، حيث ذكر عدم الرجوع ولم يتعرض لخلافه
كما يأتي قريبا، فتأمل. قوله: (واعتمده القهستاني) حيث قال: وفيه إشعار بأن مانع الزيادة إذا ارتفع
كما إذا بنى ثم هدم عاد حق الرجوع كما في المحيط ا ه‍. قوله: (فليتنبه له) بمنزلة قوله وفيه نظر
وعلله بقوله: لان الساقط الخ. قوله: (لان الساقط لا يعود) وفيه أن هذا من باب زوال المانع، كما
إذ تزوجت المرأة وسقط حقها في الحضانة فإنها إذا بانت عاد حقها فيها لزوال المانع، ولذا اعتمد في
شرح الملتقى العود، هكذا وجد في بعض النسخ، وهي التي كتب عليها الحلبي: وفي بعض النسخ
تقديم العلة على قوله فليتنبه، وعليها فهو تعليل لقوله وإن زالت الخ، وهو الصواب وغيرها خطأ من
الناسخ.
والحاصل: أن هذا من باب زوال المانع لا عود الساقط لما علمت من أن الزيادة المتصلة من
موانع الرجوع فكان الوجه ما في الخانية، وسيصرح به نقلا عن الدرر حيث قال قضى ببطلان الرجوع
لمانع ثم زال المانع عاد الرجوع، فأفاد صحة الرجوع ولو بعد القضاء بعدمه عند وجود المانع إذا زال
ذلك المانع لا من باب الساقط حتى لا يرجع، حتى لو قضى ببطلان الرجوع لمانع ثم زال يعود
الرجوع كما يأتي، ويؤيده ما يأتي في المانع الرابع خروج الموهوب إلا إذا رجع الثاني فله الرجوع
فكذلك هنا. قوله: (إن عدا زيادة) قال في المنح: إذا كان يوجب الزيادة في الأرض، وإن كان يوجب
لا يمنع الرجوع، وإن كان يوجب في قطعة منها بأن كانت الأرض كبيرة بحيث لا يعد مثلها زيادة
فيها كله امتنع في تلك القطعة دون غيرها. كذا في الرمز.

610
وفي السراجية: إذا وهب أرضا فبنى الموهوب له فيها بناء بطل الرجوع، ولو زال البناء عاد في
حق الرجوع انتهى.
وفي المنهاج: رجل وهب لرجل أرضا بيضاء أنبت في ناحية منها نخلا أو بنى بيتا أو دكانا أو
داربا: يعني معلفا للدواب كان ذلك زيادة فيها وليس له أن يرجع في شئ منها ا ه‍. وفيها: أما إذا لم
يعد زيادة أصلا كبناء تنور الخبز في غير محله فإنه لا يمنع الرجوع. ا ه‍. معزيا للزيلعي. قوله: (إلا)
راجع لقوله: إن عدا زيادة فهو مفهومه، وقوله: ولو عدا في قطعة مفهوم قوله في كل الأرض.
وفي الهندية عن الكافي: إن وهب لآخر أرضا بيضاء فأنبت الموهوب له في ناحية منها نخلا أو بنى
بناء أو دكانا وكان ذلك زيادة فيها فليس له أن يرجع في شئ منها، فإن كان لا يعد زيادة أو يعد
نقصانا فإنه لا يمنع الرجوع، حتى لو بنى دكانا صغيرا بحيث لا يعد زيادة أصلا فلا عبرة به، وإن
كان الأرض عظيمة لا يعد ذلك زيادة في الكل، إنما يعد زيادة في تلك القطعة فله أن يرجع في
غيرها. ا ه‍. قوله: (وسمن) قيده في الحواشي اليعقوبية بالمعتدل، وهو حسن.
قال المصنف في منحه: وكذا إذا غيره عن حاله بأن كان حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه أو سويقا
فلته بسمن أو كان لبنا فاتخذه جبنا أو سمنا. ا ه‍.
قال محشيه الخير الرملي: وفي الولوالجية: رجل وهب سويقا فلته بالماء يرجع الواهب لأنه بقي
الاسم وهذا نقصان، كما وهب لرجل حنطة فلتها بالماء فرق بين هذا وبين ما إذا وهب ترابا فلته
بالماء حيث لا يرجع، والفرق أن هاهنا اسم التراب لم يبق فلم يبق الموهوب. ا ه‍.
أقول: وكذا لو وهب عنبا فصيره زبيبا لعدم بقاء الاسم. تأمل ا ه‍. قوله: (وخياطة) أما إذا
قطعه فلا يمتنع الرجوع، ولو قطعه نصفين فخاط نصفه وبقي النصف الآخر له الرجوع في الآخر.
قوله: (وصبغ) ولو بأسود لأنه ربما ينفق على السواد أكثر مما ينفق على صبغ أخر. قاضيخان.
أقول: ولون الأسود في زماننا من أحسن الألوان ويزداد به قيمة عن غيره من الألوان، وما نقل
عن الامام أنه مما ينقص الثمن فهو اختلاف زمان. قوله: (وقصر ثوب) لزيادة قيمة الموهوب بها. قال
في الهندية ولو وهب كرباسا فقصره الموهوب له لا يرجع لأنه زيادة متصلة وصفة متقومة، ولو
غسله يرجع. كذا في محيط السرخسي. وإن فتله لا يرجع إذا كان يزيد بذلك في الثمن. كذا في
الوجيز للكردري. قوله: (وكبر صغير) قد علمت أن فيه خلافا، لكن مشى قاضيخان على عدم
الرجوع ولم يتعرض للقول الآخر.
وعبارته: رجل وهب عبدا صغيرا فشب وصار رجلا طويلا لا يرجع الواهب فيه، لان الزيادة
في البدن تمنع الرجوع وإن كانت تنقص القيمة ا ه‍. وعلله أيضا في الاختيار بأنه زاد في بدنه ثم
انتقص بوجه آخر فلا يرجع. قوله: (ومداواته) أي من مرض كان عند الواهب. أما إذا مرض عند
الموهوب له فداؤه لا يمنع الرجوع. هندية عن البحر. وكأنه أراد بالمداواة حصول أثرها وهو البرء، أما
بدونه فلم تحصل الزيادة والبرء بدون المداواة زيادة، تأمل. قوله: (وعفو جناية) أي صدرت من العبد
كما إذا كان العبد حلال الدم فعفا الولي عنه، وهو في يد الموهوب له لا يرجع، وإن كانت الجناية

611
خطأ ففداه الموهوب له لا يمنع من الرجوع ولا يسترد منه الفداء كما في الزيلعي. ولو جنى العبد على
الموهوب له فللواهب الرجوع والجناية باطلة. هندية عن محيط السرخسي. قوله: (وتعليم قرآن أو كتابة
الخ) أو كانت أعجمية فعلمها أو شيئا من الحروف لا يرجع لحدوث الزيادة في العين كما في
البحر، ومثله في الهندية عن المضمرات بزيادة هو المختار.
قال في التتارخانية معزيا لواقعات الناطفي: رجل وهب لرجل جارية فعلمها القرآن أو الكتابة أو
المشط ليس له أن يرجع هو المختار. ا ه‍: أي وإن كانت هذه الزيادة معنوية، لكن في الزيلعي والعيني ما
يخالفه فليراجع، وما ذكر في منية المفتي نقلا عن السراجية أن الاسلام والتعليم ليس بزيادة مانعة عن
الرجوع فمحمول على مروي عن محمد، وإلا فيكون مخالفا لما في المعتبرات. قوله: (بإعرابه) أي بيان
إعرابه من رفع ونصب وخفض وجزم، هذا إذا كان على الصواب، أما لو كان خطأ فهو تنقيض فلا يمنع
الرجوع وإنما امتنع الرجوع في هذه المسائل لحدوث الزيادة في العين عند أبي يوسف. قال الحموي:
وهو المختار. وعن محمد وزفر: لا يمنع الرجوع، لان هذه ليست زيادة في العين فأشبهت الزيادة في
السعر، وروي الخلاف بالعكس كما في الزيلعي، وعن أبي حنيفة روايتان كما في الشرنبلالية. قوله:
(وحمل تمر من بغداد إلى بلخ مثلا) فإن فيه زيادة القيمة بالنقل من مكان إلى مكان. بحر.
قال في الهندية معزيا إلى التبيين: ولو نقله من مكان إلى مكان حتى ازدادت قيمته واحتاج إلى
مؤنة النقل ذكر في المنتقى أنه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ينقطع الرجوع. ا ه‍. وفي ط:
وانظر حكم ما إذا لم تزد وقد علم أن محل كون زيادة السعر لا تمنع الرجوع إذا لم ينقل الهبة. قال
الزيلعي: ولو نقله من مكان إلى مكان حتى ازدادت قيمته واحتاج فيه إلى مؤنة النقل ذكر في المنتقى أن
عندهما ينقطع الرجوع، وعند أبي يوسف لا، لان الزيادة لم تحصل في العين فصار كزيادة السعر.
ولهما أن الرجوع يتضمن إبطال حق الموهوب له في الكراء ومؤنة النقل، بخلاف نفقة العبد، لأنها
ببدل وهو المنفعة والمؤنة بلا بدل ا ه‍.
وفي شرح السير الكبير للسرخسي: أنه لو كانت الهبة في دار الحرب فأخرجها الموهوب له إلى
موضع يقدر فيه على حملها لم يكن للواهب الرجوع لأنه حدث فيها زيادة بصنع الموهوب له، فإنها
كانت مشرفة على الهلاك في مضيعة وقد أحياها بالاخراج من ذلك الموضع انتهى. لكنه ذكر ذلك في
صورة ما إذا ألقى شيئا وقال حين ألقاه من أخذه فهو له ذكره في التاسع والتسعين. قوله: (ونحوها)
أي المذكورات. وذكر في المنح مسائل من هذا الباب، منها: ما لو وهب له حلقة فركب فيها فصا إن
كان لا يمكن نزعه إلا بضرر لا يرجع، وإن أمكن نزعه بلا ضرر يرجع ا ه‍. والتطيين والتجصيص
وتحديد السكين ونحوها زيادة تمنع الرجوع كما في الدر المنتقى. قوله: (وفي البزازية والحبل إن زاد
خيرا منع وإن نقص لا هذه الجملة موجودة في بعض النسخ دون بعض، وما في البزازية جزم به
في الخلاصة، وقدمنا الكلام عليه عن الهندية لمناسبة ما إذا وهب حاملا، قال فيها: وإن وهب جارية
حاملا فرجع قبل الوضع إن كان رجوعه قبل أن تمضي مدة يعلم فيها زيادة الحمل جاز، فلا ا ه‍.
قوله: (ففي المتولدة ككبر) بأن قال الموهوب له وهبتها لي وهي صغيرة فكبرت عندي وقال الواهب

612
وهبتها هكذا كبيرة. قوله: (القول للواهب) لأنه ينكر لزوم العقد. قوله: (وفي نحو بناء وخياطة)
فقال الواهب وهبتها هكذا مبنية أو مخيطة وقال الموهوب له أحدثته. قوله: (لكنه استثنى الخ) هذا
ظاهر لتيقن كذب الموهوب له من حيث إن العادة تحيل إحداث هذا البناء في مثل هذه المدة، والضمير
في لكنه لصاحب المحيط. وفي المحيط:
لو قال رجل وهب لك مورثي هذا العبد فلم تقبضه في حياته بل بعد وفاته وقال
الموهوب له قبضته في حياته والعبد في يد الوارث فالقول للوارث، لان القبض قد علم الساعة
والميراث قد تقدم القبض. بحر. ومقتضى التقييد بكون العبد في يد الوارث أنه لو كان في يد
الموهوب له لا يكون القول للوارث بل للموهوب له.
قال في الهندية: رجل وهب دارا فبنى الموهوب له في بيت الضيافة تنورا للخبز كان للواهب أن
يرجع في هبته. كذا في الظهيرية.
ولو وهب له حماما فجعله مسكنا أو وهب له بيتا فجعله حماما: فإن كان البناء على حاله لم يزد
فيه شيئا فله أن يرجع، وإن كان زاد فيه بناء أو علق عليه بابا أو جصصه وأصلحه أو طينه فليس له أن
يرجع في شئ فيه. كذا في المحيط. إن هدم البناء رجع في الأرض ولو استهلك البعض له أن يرجع
في الباقي. كذا في الوجيز للكردري.
ولو كانت الزيادة بناء فانهدم يعود حق الرجوع. كذا في التتارخانية.
وهب عبدا فكاتبه فعجز ورده رقيقا فله الرجوع.
ولو زالت الرقبة عن ملكه ثم عاد إليه بالفسخ فللواهب الرجوع.
ولو جنى العبد على الموهوب له فللواهب الرجوع والجناية باطلة. هكذا في محيط السرخسي.
رجل وهب شاة أو بدنة أو بقرة فأوجبها الموهوب له لأضحية أو هدي أو جزاء صيد أو نذر أو
قلد البدنة أو البقرة أو أوجبها تطوعا، فللواهب أن يرجع في الروايات الظاهرة. وعند أبي يوسف
رحمه الله تعالى لا يرجع. كذا في محيط السرخسي.
ولو وهب له شاة فذبحها فله أن يرجع فيها وهذا بلا خلاف، ولو ضحى بها أو ذبحها في
هدي المتعة لم يكن له أن يرجع فيها في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى. وقال محمد رحمه الله تعالى:
يرجع فيها وتجزئه الأضحية والمتعة، ولم ينص على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى. واختلف المشايخ
رحمهم الله تعالى فيه. قال بعضهم: إنه كقول محمد رحمه الله تعالى وهو الصحيح، كذا في المحيط.
ولو وهب درهما ثم استقرضه من الموهوب له فأقرضه إياه جاز وليس للواهب أن يرجع أبدا.
كذا في خزانة المفتين.
رجل وضع حبلا في المسجد أو علق قنديلا له الرجوع بخلاف ما إذا علق حبلا للقنديل. كذا
في السراجية. قوله: (لا يمنع الزيادة المنفصلة) فإن قيل: ما الفرق بين الرد بالعيب والرجوع بالهبة
حتى منعت الزيادة المنفصلة الرد لا الرجوع، والمتصلة بالعكس. قلنا: هو إنه لا يجوز رد العين فقط

613
لسلامة الزيادة للمشتري مجانا وهو ربا ولا مع الزيادة قصدا لعدم ورود العقد عليها، والفسخ يرد على
مورد العقد لا تبعا، إذ الولد لا يتبع الام بعد الانفصال، بخلاف الهبة لعدم الربا فيها والرد في
المتصلة حصل ممن حصلت الزيادة على ملكه فكان إسقاط حقه برضاه فلا يمنعه الزيادة، بخلاف
الرجوع لعدم حصوله برضاه ذلك فمنعه. يعقوبية. قوله: (كولد) بنكاح أو سفاح بزازية. قوله:
(وأرش) أي أرش جناية على العبد كما إذا قطعت يده وأخذ الموهوب له أرشه كان للواهب أن يرجع
ولا يأخذ الأرش. هندية. قوله: (حتى يستغني الولد عنها) ولم يعتبر ذلك في الثمرة لأنه يجوز بيعها
بدا صلاحها أو لا فكذا هنا يأخذها الموهوب له، فتأمل. قوله: (لكن نقل البرجندي الخ) يعني وعنده
غير يرجع بها دون الولد وإن لم يستغن، وحينئذ ينبغي أن تجبر على حضانته بأجر المثل، فليراجع.
قوله: (أنه قول أبي يوسف) قال في الهندية: قال بشر: قلت وإن اختصموا في الرجوع والولد صغير
ثم أدرك الصغير وقد كان القاضي أبطل الرجوع في الام قال له الرجوع فيها. ا ه‍. فأفادت أن القاضي
يبطل الرجوع قبل كبر الولد. وهل على قوله يلزم الموهوب له الاجر مدة الرضاع؟ ومقتضى القواعد
أن ينظر إلى الولد، تارة يقبل غير أمه وتارة لا، فإن لم يقبل إلا إياها أمسكها للرضاع ولا أجر وامتنع
أخذها، وإن قبل غيرها لا تمنع إلا برضا الواهب وله الاجر، ويحرر ط. ثم إن ظاهر الخانية اعتماد
خلاف قول أبي يوسف حيث قال: ولو ولدت الهبة ولدا كان للواهب أن يرجع في الام في الحال.
وقال أبو يوسف: لا يرجع حتى يستغني الولد عنها ثم يرجع في الام دون الولد ا ه‍. قوله: (قال في
السراج لا، وقال الزيلعي نعم) تقدم التوفيق من أن الحبل عيب في الآدمية لا في البهيمة، وتقدم عن
الهندية من أن الجواري تختلف، فمنهن من تسمن به ويحسن لونها فيكون زيادة تمنع الرجوع، ومنهن
بالعكس فيكون نقصانا لا يمنع الرجوع ا ه‍. ويؤيد هذا التوفيق ما قدمناه أيضا، من أن الحبل إن زاد
خيرا منع الرجوع، وإن نقص لا، فإذا كانت الموهوبة أمة وحبلت عند الموهوب له ونقصت بذلك كان
للواهب الرجوع ولا يتبعها حملها، بل إذا ولدت بعد الرجوع يسترده الموهوب له لكونه حدث على
ملكه، كما قالوا فيما لو بنى في الدار الموهوبة بناء منقصا كبناء تنور في بيت السكنى، فإنه لا يمنع
الرجوع كما في الخانية وللموهوب له أخذه، فقد سقط ما قيل إن ما ذكره الشارح لا يوافق القولين،
فافهم. ثم لا يخفى أن هذا في الحبل العارض. أما لو وهبها حبلى ورجع بها كذلك صح، وليس
الكلام فيه خلافا لما فهمه الحموي. وبقي ما لو كان الحبل من الموهوب له فقد قدمنا عن الشيخ أبي
السعود بحثا بأنه مانع من الرجوع. قوله: (مريض) قال في المحيط: يجب أن يعلم أن هبة المريض هبة
عقد وليست بوصية، واعتبارها من الثلث ما كان، لأنها وصية، ولكن لان حق الورثة يتعلق
بالمريض، وقد تبرع بالهبة فيلزم تبرعه بقدر ما جعل الشرع له وهو الثلث، وإذا كان هذا التصرف هبة
عقد اشترط له سائر شرائط الهبة، ومن جملتها قبض الموهوب قبل موت الواهب ا ه‍. قوله: (وقد
وطئت) أطلق في وطئها فعم ما لو كان الواطئ الموهوب له أو غيره. قوله: (ردها مع عقرها) لتعلق
حق الغرماء فيها إذ الدين يتعلق بذمة المديون، فإذا مرض مرض الموت تعلق بتركته، وكانت هبته

614
حينئذ وصية لا تنفذ مع استغراق التركة بالدين فلذا يلزمه عقرها، لأنه لم يملكها قبل الموت حيث
كانت وصية ولا بعد الموت لتعلق حق الغرماء، ولم يجب الحد للشبهة فوجب العقر، فلو حملت من
ذلك الوطئ يراجع حكمه.
فروع: وهب في مرضه ولم يسلم حتى مات بطلت الهبة لأنه وإن كان وصية حتى اعتبر فيه
الثلث فهو هبة حقيقة فيحتاج إلى القبض.
وهب المريض عبدا لا مال له غيره ثم مات، وقد باعه الموهوب له لا ينقض البيع ويضمن
ثلثيه، وإن أعتقه الموهوب له والواهب مديون ولا مال غيره قبل موته جاز، وبعد موت الواهب
لا، لان الاعتاق في المرض وصية وهي لا تعمل حال قيام الدين، وإن أعتقه الواهب قبل موته ومات
لا سعاية على العبد لجواز الاعتاق ولعدم الملك يوم الموت. بزازية.
ورأيت في مجموعة منلا على الصغير بخطه عن جواهر الفتاوى: كان أبو حنيفة حاجا فوقعت مسألة
الدور بالكوفة فتكلم كل فريق بنوع فذكروا له ذلك حيث استقبلوه فقال من غير فكر ولا روية
أسقطوا السهم الدائر تصح المسألة.
مثاله: مريض وهب عبدا له من مريض وسلمه إليه ثم وهبه من الواهب الأول وسلمه إليه ثم
ماتا جميعا ولا مال لهما غيره فإنه وقع فيه الدور متى رجع إليه شئ منه زاد في
ماله، وإذا زاد في ماله زاد في ثلثه، وإذا زاد في ثلثه زاد فيما يرجع إليه، وإذا زاد فيما يرجع إليه زاد في ثلثه، ثم لا
يزال كذلك فاحتيج إلى تصحيح الحساب.
وطريقه: أن تطلب حسابا له ثلث وللثلث ثلث، وأقله تسعة، ثم تقول: صحت الهبة في ثلاثة
منها ويرجع من الثلاثة سهم إلى الواهب الأول، فهذا السهم هو سهم الدور فأسقطه من الأصل يبقى
ثمانية فمنها تصح، وهذا معنى قول أبي حنيفة: أسقطوا السهم الدائر، وتصح الهبة في ثلاثة من
ثمانية والهبة الثانية في سهم، فيحصل للواهب الأول ستة ضعف ما صححنا في هبته، وصححنا الهبة
الثانية في ثلث ما أعطينا، فثبت أن تصحيحه بإسقاط سهم الدور، وقيل دع الدور يدور في الهواء ا ه‍
ملخصا. قوله: (والميم موت أحد العاقدين) يعني حرف الميم إشارة إلى أن موت أحدهما مانع إن كان
بعد التسليم، لان بموت الموهوب له ينتقل الملك إلى ورثته فصار كما إذا انتقل حال حياته، ولأن تبدل
الملك كتبدل العين فصار كعين أخرى، وإذا مات الواهب فوارثه أجنبي عن العقد إذ هو ما أوجبه
وحق الرجوع مجرد خيار فلا يورث كخيار الشرط، ولأن الشارع أوجبه للواهب والوارث ليس
بواهب فإن قلت: إنه بالموت قد خرج الموهوب عن الملك فيستغني بذكر الخاء عن الميم. أجيب بأن
الميت يعطى حكم الحي في أشياء كحق التجهيز والتكفين وقضاء الدين وتنفيذ الوصية فربما يظن أن
الهبة من تلك الأشياء فكان النص صريحا على الموت أولى، ولينظر ما لو حكم بلحاقه مرتدا، ومفاد ما
ذكر من التعليل أنه لو حكم بلحاقه مرتدا فالحكم كذلك وليراجع صريح النقل، والله تعالى أعلم.
قوله: (بعد التسليم) قيد به لأنه لو مات أحدهما قبله بطلت لعدم الملك، ورجوع المستأمن إلى دار
الحرب بعد الهبة قبل القبض مبطل لها كالموت، فإن كان الحربي أذن للمسلم في قبضه وقبضه بعد
رجوعه إلى دار الحرب جاز استحسانا، بخلاف قبضه بعد موت الواهب كذا في المبسوط. بحر.

615
قوله: (بطل) يعني عقد الهبة والأولى بطلت: أي لانتقال الملك للوارث قبل تمام الهبة. قوله: (ولو
اختلفا) أي الشخصان لا بقيد الواهب والموهوب له، وإن كان التركيب يوهمه بأن قال وارث الواهب ما
قبضته في حياته وإنما قبضته بعد وفاته وقال الموهوب له بل قبضته في حياته والعبد في يد الوارث ط.
قوله: (والعين في يد الوارث) هذا ليس بقيد لما في الهندية عن الذخيرة: قال المدعى عليه: وهب لك
والدي هذا العين فلم تقبضه إلا بعد موته، وقال الموهوب له: قبضته في حياته والعين في يد الذي يدعي
الهبة فالقول للوارث، لان القبض قد علم الساعة والميراث قد تقدم القبض ا ه‍. منح وبحر. وفيه تأمل
ط. وقدمناه قريبا ولم يظهر لي وجه التأمل. قوله: (وقد نظم المصنف الخ) لم يذكره في المنح.
قال الحلبي: وهو من الطويل من الضرب الثالث منه، والجزء الأول فيه الثلم، والجزء الثاني
مقبوض مع تسكين هاء دية، ولو زاد واوا وسكن الياء من دية لسلم من العلل ط. ولو زاد الواو (1)
في أوله وشدد الياء مع سكون الهاء في دية لكان أولى، وفيه ما فيه لان الواو يجوز حذفها، ولو قال:
خراج ديات ثم كفارة كذا
لاستقام وزنه وصح معناه أو قال:
زكاة كذا عشر خراج ورابع
لاستقام أيضا
قوله: (كفارة) أطلق فيها فعم كل كفارة وظاهره أنها تسقط بالموت أصلا حتى لا يخرج عنه من
ماله، ولا يجب الوصية به، وهذا خلاف ما نص عليه الشرنبلالي، فإنه قال في نور الايضاح وشرحه
الصغير في أحكام إسقاط الصلاة: ولزمه عليه الوصية بما قدر عليه وبقي في ذمته حتى أدركه الموت من
صوم فرض وكفارة وظهار وجناية على إحرام ومنذور فيخرج عنه وليه من ثلث ما ترك، وإن لم يوص لا
يلزم الوارث الاخراج، وعلى هذا دين صدقة الفطر أو النفقة الواجبة والخراج والجزية والكفارات المالية
والوصية بالحج والصدقة المنذورة والاعتكاف المنذور عن صومه ا ه‍ مختصرا. فإن أراد أنه إذا مات لا
يطالب الوارث بها من تركته صح، أما الذي وجبت بإيصائه فيطالب بإخراجها شرعا ط.
وفي شرح السراجية: وإن كان الدين من حقوق الله تعالى كالزكاة والصلاة والصوم وحجة
الاسلام والنذر والكفارة، فإن أوصى به الميت وجب عندنا تنفيذه من ثلث ماله الباقي بعد دين العباد،
وإن لم يوص لم يجب ا ه‍. وعليه فمعنى سقوطها بالموت عدم وجوب إخراجها من التركة بلا وصية،
أما إذا أوصى بها فيطالب بإخراجها شرعا. قوله: (دية) أي على العاقلة أو على نفس القاتل إن لم يكن
له عاقلة هكذا يفيد إطلاقه ط. قوله: (خراج) يعم خراج الرأس والأرض، وقد علمت من نقل
الشرنبلالي أنه يوصي بهما ويخرجان من الثلث.
قال المصنف في باب العشر: من عليه عشر أو خراج إذا مات أخذ من تركته، وفي رواية لا بل
يسقط بالموت، والأول ظاهر الرواية. قوله: (ضمان لعتق) أي إذا أعتق أحد الشريكين حفظه من عبد
موسرا فضمنه شريكه فمات المعتق سقط بموته. قوله: (هكذا نفقات) أي غير المستدانة بأمر القاضي.



(1) قوله: (ولو زاد الواو الخ) يتأمل في هذا الموضع ا ه‍.
616
وفي حاشية أبي السعود: المراد من النفقة التي تسقط غير المستدانة بأمر القاضي، أما هي فقد جزم في
الظهيرية بعدم السقوط، وصححه في الذخيرة ونسبه إلى كافي الحاكم، وعلله بأن للقاضي ولاية عامة
فكانت استدانتها بأمره بمنزلة استدانة الزوج بنفسه، ولو استدان بنفسه لا يسقط ذلك الدين بموت
أحدهما، فكذا هذا، وقد تقدم في النفقات الكلام على هذا مستوفى، وكذا في رسالة سيدي الوالد
رحمه الله تحرير النقود في نفقات الفروع والأصول فارجع إليها فإنها فريدة في بابها ولم يسبق (1) على
منوالها. قوله: (كذا هبة) يعني إذا وهب ولم يسلم حتى مات فإنها تبطل. قوله: (لما أن الجميع
صلات) أي أو في حكمها كالخراج وقد علمت أنه ليس محصورا فيما ذكره من الخمسة كما علمت
مما مر فتأمل، ولأن الصلات لا تتم إلا بالتسليم، وإذا مات قبل التسليم تسقط.
فإن قيل: لو كانت النفقة صلة كيف يجبر الزوج على التسليم.
قلنا: يجوز أن يجبر، ألا ترى أن من أوصى أو يوهب عبده من فلان بعد موته فمات الموصي
فإن الورثة يجبرون على تنفيذ الوصية في العبد وإن كان صلة، ولو مات العبد تبطل الوصية، وكذا
الشفيع يستحق على المشتري تسليم الدار إليه بالشفعة والشفعة صلة شرعية، ولو مات الشفيع بطلت
الشفعة كما في شرح أدب القضاء. قوله: (بشرط أن يذكر لفظا الخ) لان حق الرجوع ثابت له ولا
يسقط إلا بعوض يرضى به، ولا يتم ذلك بدون رضاه. وفي الجوهرة ما يفيد أنه يكفي العلم بأنه
عوض هبته ط.
قال في الخانية: وهب لرجل عبدا بشرط أن يعوضه ثوبا إن تقايضا جاز، وإلا لا ا ه‍. قوله:
(خذه عوض هبتك) أفاد أنه لو وهب له شيئا أو تصدق عليه ولم يذكر أنه عوض لا يسقط الرجوع بل
لكل منهما أن يرجع في هبته. كذا في البحر. لكن يؤيد كلام الجوهرة المذكور ما يأتي عن اليعقوبية
الآتي قريبا، فتأمل.
وفي أبي السعود بعد أن ذكر ما نقلناه عن البحر وهو صريح في عدم الفرق بين الهبة والصدقة
فيخالف ما قدمناه من أنه إذا كان الموهوب له فقيرا ليس له الرجوع لأنها صدقة، اللهم إلا أن يحمل ما
هنا على أن المتصدق عليه غني فتزول المخالفة لأنها حينئذ تكون مجازا عن الهبة. قوله: (ونحو ذلك)
أي من كل لفظ يفيد التعويض. وفي الخانية: إذا عوض بعد الهبة وقال هذا ثواب هبتك أو مكانها أو
كافأتك أو أثبتك أو تصدقت بها عليك بدلا عن هبتك لا يبقى للواهب الرجوع. قوله: (سقط
الرجوع) أي رجوع الواهب والمعوض كما في الأنقروي، وإليه يشير مفهوم الشارح. قوله: (ولو لم
يذكر أنه عوض) أي فيكون هبة مبتدأة كما في الزيلعي. قوله: (رجع كل بهبته) برفع كل منونا عوضا
عن المضاف إليه، لان التمليك المطلق يحتمل الابتداء ويحتمل المجازاة، فلا يبطل حق الرجوع بالشك



(1) قوله: (ولم يسبق) كذا بالأصل ولعله ولم ينسج ا ه‍ مصححه.
617
مستصفى، لكن قد يقال: إن الأصل أن المعروف كالملفوظ كما صرح به في الكافي، وفي العرف
يقصد التعويض ولا يذكر خذ بدل هبتك ونحوه استحياء، فينبغي أن لا يرجع، وإن لم يذكر البدلية.
وفي الخانية: بعث إلى امرأته هدايا وعوضت المرأة وزفت إليه ثم فارقها فادعى الزوج أن ما بعثه
عارية وأراد أن يسترد وأرادت المرأة أن تسترد العوض فالقول للزوج في متاعه لأنه أنكر التمليك،
وللمرأة أن تسترد ما بعثته إذ تزعم أنه عوض للهبة، فإذا لم يكن ذلك هبة لم يكن هذا عوضا فلكل
منهما استرداد متاعه.
وقال أبو بكر الإسكاف: إن صرحت حين بعثت أنه عوض فكذلك، وإن لم تصرح به ولكن
نوت أن يكون عوضا كان ذلك هبة منها وبطلت نيتها، ولا يخفى أنه على هذا ينبغي أن يكون في
مسألتنا اختلاف. يعقوبية. قوله: (ولذا الخ) قال ط: الأولى حذف لذا لأنه جعله مرتبطا بما زاده،
وإبقاء المصنف على ظاهره لأنه يفيد حكم ما ذكره الشارح بالأولى ا ه‍. نعم هو تعليل لما يفهم من
قوله رجع كل بهبته فإنه حيث سمى العوض هبة لأنه تمليك جديد، وإن سمى عوضا شرط له ما
يشترط للهبة. قوله: (وإفراز) عن مال المعوض فإنه إن عوضه ثمرا على شجر لا يتم حتى يفرزه.
وفي الهندية: إن العوض المتأخر حكمه حكم الهبة يصح بما تصح به ويبطل بما تبطل به إلا في
إسقاط الرجوع على معنى أنه يثبت حق الرجوع في الأول ولا يثبت في الثانية. ا ه‍. وهذا يدل على أن
العوض لا يشترط في عقد الهبة ط. قوله: (ولو العوض مجانسا) أي من جنس الهبة ويسيرا: أي أقل
منها، وذلك لان العوض ليس ببدل حقيقة، إذ لو كان كذلك لما جاز بالأقل للربا، يحقق ذلك أن
الموهوب له مالك للهبة والانسان لا يعطي بدل ملكه لغيره، وإنما عوضه ليسقط حقه في الرجوع،
وأيضا فإنه لما كان العوض تمليكا جديدا، وفيه معنى الهبة المبتدأة ولذا شرط فيه شرائطها فيجوز بأقل
من الموهوب، ولو من جنسه لا فرق بين الأموال الربوية وغيرها، ولو كان عوضا من كل وجه لامتنع
في الأموال الربوية إلا مثلا بمثل يدا بيد عند اتحاد الجنس. قوله: (وهو تحريف) لكن قد يقال على
هذه النسخة إنه أراد بالعقد عقد الهبة، فأل للعهد الحضوري ويراد به المعقود عليه.
والحاصل: أنه لا ملجئ إلى الحكم عليه بالتحريف مع إمكان صحته، إذ الأصل في اللام أو
تكون للعهد والعقد المعهود هو الذي بوب له، وهو عقد الهبة فكان معنى النسختين معتمدا. تأمل.
قوله: (ولا يجوز للأب الخ) لأنه تبرع ابتداء وليس له أن يتبرع من مال الابن، فإن عوض فللواهب أن
يرجع في هبته لبطلان التعويض بزازية، وهذه العلة تفيد أن الأب يرجع بما عوض، لأنه هبة من كل
وجه فصح الرجوع به، والظاهر عدم كراهة الرجوع فيه لأنه لم يتبرع فيه ابتداء، بل لقصد التعويض
ولم يتم له، فكان كما لو استحق الموهوب فإنه يرجع بالعوض، فكذا هنا، ولا يجوز له التعويض، وإن
كانت الهبة للصغير بشرط التعويض كما في الهندية. ومما يتفرع على كون العوض بمعنى الهبة أنه لا
يجوز لأنها تبرع، وليس للأب أن يتبرع بمال ابنه وله مندوحة عن رجوع الواهب في الهبة مع أن
المسلم له مانع من دينه أن يرتكب المكروه، ومع ذلك لو باع العين الموهوبة للصغير امتنع الرجوع، وله
ذلك في المنقول، فإن جاز له ذلك في العقار للضرورة تزاد على المسائل التي يباع فيها عقار الصغير.

618
قوله: (من ماله) الضمير يرجع لأقرب مذكور، لا سيما وقد علم من صريح عبارة البزازية، ولو كان
العوض من مال الأب صح لما مر، وسيأتي من صحة التعويض من الأجنبي. قوله: (ولو وهب العبد)
أي وهب له شخص، ووهب بضم الواو مبني للمجهول: أي وهب له شخص شيئا. قوله: (ثم
عوض) أي عوض العبد عن هبته. قوله: (فلكل منهما الرجوع) وجهه في العبد ظاهر لان الهبة
تبرع وهو ليس من أهله، فإذا ملك العبد الرجوع لبطلان الهبة فكذا للموجب له الرجوع بالعوض،
لان التعويض مبني على الهبة وقد بطلت: أبو السعود. ويحتمل أن وهب مبني للفاعل وعوض مبني
للمفعول.
قال في الخانية: العبد المأذون إذا وهب لرجل فعوضه الموهوب له كان لكل واحد منهما أن
يرجع فيما دفع، لان هبة العبد باطلة مأذونا كان أو محجورا، وإذا بطلت الهبة بطل التعويض. قوله:
(من نصراني) من هنا بمعنى اللام. قوله: (خمرا) مفعول تعويض ومفعول هبة محذوف وهو من إضافة
المصدر لفاعله، والمعنى: لا يجوز أن يعوض المسلم خمرا أو خنزيرا إذا وهب له النصراني شيئا، لأنا
نهينا عن تمليك الخمر والخنزير وتملكهما، فللذمي أن يرجع في هبته. قال الطحطاوي: والظاهر أنه لو
كانت المسألة بالعكس يكون الحكم كذلك، يحرر.
قال في الهندية: وأهل الذمة في الهبة بمنزلة المسلمين لأنهم التزموا أحكام الاسلام فيما يرجع
إلى المعاملات إلا أنه لا تجوز المعاوضة بالخمر من الهبة فيما بين المسلم والذمي، سواء كان المسلم هو
المعوض الخمر أو الذمي، ثم ذكر ذمي وهب لمسلم شيئا فعوضه خمرا له الرجوع في هبته. ا ه‍. قوله:
(بعض الموهوب) قال في العناية: مثل أن يكون الموهوب دارا والعوض بيت منها أو الموهوب ألفا
والعوض درهم منها فإنه لا ينقطع به حق الرجوع، لأنا نعلم بيقين أن قصد الواهب من هبته لم يكن
ذلك فلا يحصل به، خلافا لزفر فإنه قال: التحق بذلك سائر أمواله وبالقليل من ماله ينقطع الرجوع،
فكذا هذا. وتمامه فيها. قوله: (فله الرجوع في الباقي) لان حقه كان ثابتا في الكل فإذا وصل إليه
بعضه لا يسقط حقه في الباقي. زيلعي. قوله: (صح) سواء كانا في مجلس أو مجلسين. بحر. قوله:
(وإلا لا) هي مسألة المصنف. قوله: (في هبة) يعني إذا وهبه دراهم تعينت فلو أبدلها بغيرها كان
إعراضا منه عنها. فلو أتى بغيرها ودفعه له فهو هبة مبتدأة وإذا قبضها الموهوب له وأبدلها بجنسها أو
بغير جنسها لا رجوع عليه، ومثل الدراهم والدنانير ط. قوله: (ورجوع) أي ليس له أن يرجع إلا إذا
كانت دراهم الهبة قائمة بعينها، فلو أنفقها كان إهلاكا يمنع الرجوع ط. قوله: (لحدوثه بالطحن) أي
فهو غير الحنطة، فلا يقال إنه عين الموهوب أو بعضه، ولذا لو وهب الدقيق في الحنطة ثم طحنه
وسلمه لم يصح، لأنه لما وهبه كان معدوما حين الهبة كما قدمنا. قوله: (وكذا لو صبغ) لان الشئ
مع غيره غيره مع نفسه، فالثوب المصبوغ والسويق الملتوت بالسمن غيرهما خاليين عن الصبغ واللت،

619
ولأن ما في الثوب من الصبغ وما في السويق من السمن ونحوه يصلح عوضا. قوله: (ثم عوضه) أي
البعض: أي جعله عوضا عن الهبة صح لحصول الزيادة فيه فكأنه شئ آخر. قوله: (امتنع الرجوع)
لأنه ليس له الرجوع في الولد فصح العوض. ا ه‍. منح. والظاهر أن ذكر الجاريتين اتفاقي، والأولى
للمصنف التعبير بإحدى، وهو كذلك في بعض النسخ ط. قوله: (وصح العوض من أجنبي) أي دفعه
لان الموهوب له لا يحصل له بهذا العوض شئ لم يكن سالما له من قبل، فيصح من الأجنبي كما يصح
منه الخلع، والصلح عن دم العمد. ا ه‍. زيلعي. قوله: (كبدل الخلع) أي كما يصح عن بدل الخلع من
أجنبي، وكان الأولى تقديمه على قوله وسقط كما فعل العيني. قوله: (ولا رجوع) أي للمعوض على
الموهوب له، ولو كان شريكه سواء كان بإذنه أو لا، لان التعويض ليس بواجب عليه، فصار كما لو
أمره أن يتبرع الانسان، إلا إذا قال على أني ضامن، بخلاف المديون إذا أمر رجلا بأن يقضي دينه حيث
يرجع عليه، وإن لم يضمن لان الدين واجب عليه. منح. قوله: (ولو بأمره) يعني لا رجوع للأجنبي
على الموهوب له، ولو كان بأمره. قوله: (لعدم وجوب التعويض) علة لقوله ولا رجوع ولو بأمره.
قوله: (بخلاف قضاء الدين) أي حيث يرجع الأجنبي على المدين إذا قضى بأمره: أي ولو لم يقل إني
ضامن لان الدين ثابت في ذمته، وقد أمره أن يسقط مطالبته عنه فيكون أمرا بأن يملكه ما كان
للطالب، وهو الدين فصار كما لو أمره أن يملكه عينا. ذكره الزيلعي. قال الاتقاني: والفقه فيه أنه لما
أمره بقضاء الدين صار مستقرضا منه ذلك القدر وموكلا إياه بالصرف إلى غيره، لأنا لو لم نجعله
كذلك لا يتصور فراغ ذمته عما عليه، لان الذمة لا تفرغ إلا بالقضاء، ولا يقع الفعل قضاء إلا إذا
انتقل في المؤدي إلى من عليه الدين أو لا، حتى إذا قبض رب الدين وجب للمديون مثل ما عليه
فيلتقيان قصاصا، وهذا لا يحتاج إليه في الهبة، لأنه لا دين على الموهوب له حتى يحتاج إلى فراغ ذمته
بتقدير الاستقراض فافترقا من هذا الوجه ا ه‍. شلبي. قوله: (ما يطلب به الانسان) دخل فيه النفقة
على الزوجة والأولاد. قوله: (بالحبس والملازمة) خرج بذلك الامر بالتكفير عنه وأداء النذر، فإنه وإن
كان يطالب بهما لكن لا بالحبس والملازمة، فليتأمل. قوله: (لكن) استدراك على قوله وما لا فلا.
قوله: (بلا شرط رجوع) كأنه لان العرف قاض بضمان ما يدفع في ذلك، وقد ذكر هذا البحث
المصنف وشيخه في بحره. وأشار بقوله فتأمل إلى نظر في وجه الاستثناء، لكن قد يقال: إن فداء
الأسير والانفاق على بناء الدار ملحقان بمال له مطالب يحبس به، ويلازم عليه، أما الأسير إذا لم يفد
فهو كالرقيق تحت أيدي المشركين بل أعظم بلاء، يتعرضون لفتنته عن دينه ولا يقدر أن
يتخلص إلا بالفداء فألحق بمال له مطالب، وأما بناء الدار فإنه من جملة الحوائج الأصلية، لان عدم

620
مكان يأوي إليه ويستر فيه أهله ويحفظ فيه ماله يؤدي إلى هلاكه فكان لا بد له منه فألحق بماله مطالب
أيضا، نظيره ما قالوا في الكفالة بالنوائب فهي صحيحة، وإن كانت تؤخذ منه بغير حق لأنها تؤخذ
منه فوق أخذ الحق فجازت الكفالة بها لدفع التضييق عليه، فتأمل.
أقول: وقد ذكر الشارح قبل كفالة الرجلين أصلين آخرين: أحدهما من قام عن غيره بواجب
بأمره رجع بما دفع، وإن لم يشترطه كالآمر بالانفاق عليه وبقضاء دينه إلا في مسائل أمره بتعويض عن
هبته وبإطعام عن كفارته وبأداء عن زكاة ماله وبأن يهب فلانا عني ألفا ثانيهما في كل موضع يملك
المدفوع إليه المال مقابلا بملك مال، فإن المأمور يرجع بلا شرط، وإلا فلا فالمشتري أو الغاصب إذا أمر
رجلا بأن يدفع الثمن أو بدل الغصب إلى البائع أو المالك كان المدفوع إليه مالكا للمدفوع بمقابلة مال
هو المبيع أو المغصوب، وظاهره أن الهبة لو كانت بشرط العوض فأمره بالتعويض عنها يرجع بلا
شرط لوجود الملك بمقابلة مال، بخلاف ما لو أمره بالاطعام عن كفارته أو بالاحجاج عنه ونحوه
فإنه ليس بمقابلة مال، فلا رجوع للمأمور على الآمر إلا بشرط الرجوع، ويرد عليه الامر بالانفاق
عليه، فإنه قدم أنه يرجع بلا شرط مع أنه ليس بمقابلة مال، فلا رجوع للمأمور على الآمر إلا بشرط
الرجوع، وكذا الامر بأداء النوائب وبتخليص الأسير على ما مر.
قال في النوازل: قوم وقعت لهم مصادرة فأمروا رجلا أن يستقرض لهم مالا ينفقه في هذه
المؤنات ففعل فالمقرض يرجع على المستقرض، والمستقرض هل يرجع على الآمر إن شرط الرجوع؟
يرجع، وبدون الشرط لا يرجع، والمختار أنه يرجع. تتارخانية في كتاب الوصايا.
وفي مجموعة النقيب عن العمادية: أن المأمور بالانفاق من مال نفسه في حاجة الامر، قال
بعضهم: يوجب الرجوع إذا اشترطه، وقال بعضهم: يوجب الرجوع من غير اشتراطه وهو الأصح.
ولو قال عوض عن هبتي أو أطعم عن كفارتي أو أد زكاة مالي أو وهب فلانا عني ألفا لا يرجع
بلا شرط الرجوع كما في البزازية.
وذكر في السراج الوهاج ضابطا آخر: أن الواهب الذي سقط عن الآمر بدفع المأمور إن كان من
أحكام الآخرة فقط لم يرجع بلا شرط الرجوع، لأنه لو رجع بأكثر مما أسقط، وإن كان من
أحكام الدنيا رجع بلا شرط. ا ه‍. وقيد هذا في الخلاصة بما إذا قال ادفع مقدار كذا إلى فلان عني، فلو
لم يقل عني أو ادفعه فإني ضامن فدفع المأمور إن كان شريك الآمر أو خليطه وتفسيره بأن يكون بينهما
في السوق أخذوا عطاء ومواضعة، فإنه يرجع على الآمر بالاجماع، وكذا لو كان الآمر في عيال المأمور
أو المأمور في عيال الآمر، وإن لم يوجد واحد من هذه الثلاثة فلا رجوع عليه، وعند أبي يوسف يرجع،
وهذا إذا لم يقل اقض عني، فإن قال: ثبت له حق الرجوع بالاجماع من مجموعة النقيب:
قال في الخانية: ذكر في الأصل إذا أمر صيرفيا في المصارفة أن يعطي رجلا ألف درهم قضاء
عنه أو لم يقل قضاء عنه ففعل المأمور فإنه يرجع على الآمر في قول أبي حنيفة، فإن لم يكن صيرفيا لا
يرجع، إلا أن يقول عني، ولو أمره بشرائه أو بدفع الفداء يرجع عليه استحسانا، وإن لم يقل على أن
ترجع علي بذلك، وكذا لو قال أنفق من مالك على عيالي أو في بناء داري يرجع بما أنفق، وكذا لو
قال اقض ديني يرجع على كل حال، ولو قضى نائبة غيره بأمره رجع عليه، وإن لم يشترط الرجوع
هو الصحيح ا ه‍.

621
والحاصل: أنه إذا قال اقض ديني أو نائبتي أو اكفل لفلان بألف علي أو انقده بألف علي أو اقض
ماله على أو أنفق على عيالي أو في بناء داري يرجع مطلقا شرط الرجوع أو لا قال عني أو لا، وكذا لو
قال ادفع إلى فلان كذا وكان المأمور صيرفيا أو خليطا للآمر أو في عياله وإلا فلا ما لم يقل عني أو على
أني ضامن، بخلاف ما لو قال هب لفلان عني ألفا أو أقرضه ألفا أو عوضه عني أو كفر عن يميني
بطعامك أو أد زكاة مالي بمالك أو أحج عني رجلا أو أعتق عني عبدا عن ظهاري فلا رجوع إلا
بشرطه، وإن كان المأمور خليطا أو قال عني، فجملة هذه المسائل أربعة أقسام:
الأول: ما يرجع به المأمور مطلقا.
الثاني: ما يرجع إن كان صيرفيا أو خليطا له أو في عياله.
الثالث: ما يرجع إن قال عني.
الرابع: ما لا رجوع فيه إلا بشرط الرجوع، وقد لخص سيدي الوالد رحمه الله تعالى هذا الحاصل
من كلام الخانية والخلاصة، فهذه المسائل منصوص عليها في الخانية والخلاصة، وبها يستغنى عن
الأصول المارة لأنها غير ضابطة، وكذا الأصل ا لذي ذكرناه عن الشارح، وهو من قام عن غيره بواجب
بأمره رجع بما دفع الخ فإنه غير ضابط أيضا، لأنه لا يشمل الامر بالانفاق في بناء داره وبشراء الأسير
وقضاء النائبة، ولشموله الواجب الأخروي كالأمر بأداء زكاته ونحوه.
وفي نور العين عن مجمع الفتاوى: أمر أحد الورثة إنسانا بأن يكفن الميت فكفن، إن أمره ليرجع
عليه يرجع عليه كما في أنفق في بناء داري وهو اختيار شمس الاسلام، وذكر السرخسي أن له أن
يرجع بمنزلة أمر القاضي.
وفيه عن الذخيرة قال: ادفع إلى فلان قضاء له ولم يقل عني أو قال: اقض فلانا ألفا ولم يقل
عني ولا على أني ضامن لها أو كفيل بها فدفع، فلو كان المأمور شريكا للآمر أو خليطا له رجع على
آمره، ومعنى الخليط: أن يكون بينهما أخذ وإعطاء أو مواضعة، على أنه متى جاء رسول هذا أو وكيله
يبيع منه أو يقرضه فإنه يرجع على الآمر إجماعا، إذ الضمان بين الخليطين مشروط عرفا، إذا العرف أنه
إذا أمر شريكه أو خليطه بدفع مال إلى غيره بأمره يكون دينا على الآمر والمعروف كالمشروط، وكذا لو
كان المأمور في عيال الآمر أو بالعكس يرجع إجماعا، وإن لم يقل على أني ضامن ولم يشترط الرجوع
ا ه‍. وأفاد التعليل بالضمان عرفا أن ما جرى به العرف في الرجوع على الآمر يرجع وإن لم يكن خليطا
ولا في عياله، ولذا أثبتوا الرجوع للصيرفي، فليحفظ. قوله: (وإن استحق نصف الهبة رجع بنصف
العوض) لأنه لم يدفعه إلا ليسلم له الموهوب كله، فإذا فات بعضه رجع عليه بقدره كغيره من
المعاوضات. درر.
قال السمرقندي، وهذا إذا استحق نصف معين أما إذا لم يكن معينا تبطل الهبة أصلا. كذا في
الشرح إ ه‍.
وقال في الجوهرة: وهذا: أي الرجوع فيما إذا لم يحتمل القسمة وإن فيما يحتملها إذا استحق
بعض الهبة بطل في الباقي ويرجع في العوض: أي لان الموهوب له تبين أنه لم يملك ذلك البعض

622
المستحق فبطل العقد فيه من الأصل، فلو جاز في الباقي كان هبة مشاع فيما يحتمل القسمة، وذلك
يمنع ابتداء التمليك بالهبة. أشار إليه سري الدين. قوله: (وعكسه لا) أي إن استحق نصف العوض
لا يرجع بنصف الهبة لأنه ليس عوضا حقيقة على ما تقدم، ولأن النصف الباقي مقابل لكل الهبة فإن
الباقي يصلح للعوض ابتداء، فكذا بقاء إلا أنه يتخير. قوله: (ليسلم العوض) الأولى أن يقول: لأنه لن
يسلم له العوض. فتأمل. قوله: (الغير المشروط) أي في عقد الهبة قوله: (أما المشروط) أي في
العقد. قوله: (فيوزع) لأنه بيع. قوله: (كما لو استحق) تنظير لمفهوم قوله: ما لم يرد ما بقي فإن
مفهومه أنه إذا رد ما بقي رجع بكل الهبة. قوله: (لا إن كانت هالكة) فإن استحق العوض والهبة
هالكة لا يرجع الواهب على الموهوب له أصلا، لان هلاك الهبة مانع من الرجوع إ ه‍. شلبي: أي وقد
هلكت على ملكه واستحال الرجوع فيه، فاستوى في ذلك التعويض وعدمه ط. قوله: (لم يرجع) أي
الواهب على الموهوب له ببدل العوض لان الزيادة مانعة من الرجوع كالهلاك. قوله: (رجع ما لم
يعوض) لان المانع قد خص النصف. قوله: (ولا يضر الشيوع) أي الحاصل بالرجوع في النصف.
قال في البزازية: عوضه في بعض هبته بأن كانت ألفا عوضه درهما منه فهو فسخ في حق
الدرهم ويرجع في الباقي، وكذا البيت في حق الدار. قوله: (ولم أر من صرح به غيره) قائله المصنف
في منحه، وفيه: بل صرحوا بأن العوض قسمان. قال سري الدين: جعل صاحب البدائع والمحيط
العوض على نوعين: عوض مشروط في العقد وسيأتي في كلام المصنف آخر مسألة من هذا الباب،
وعوض متأخر عن العقد، وهو ما ذكره المصنف والعين للعوض: أي المتأخر أ ه‍، وقد عقد صاحب
الهندية بابا مستقلا لهما: ويفرق بينهما بما ذكر هنا من أنه لم يكن مشروطا، واستحق بعضه فإنه يمتنع
الرجوع، وإن كان مشروطا انقسم على الهبة ط.
قال في مشتمل الاحكام ناقلا عن مختصر المحيط: العوض المانع إن كان مشروطا في العقد
فلكل واحد الامتناع ما لم يتقابضا فهو بمنزلة البيع يردان بعيب ويجب له الشفعة، ولو كان العوض
متأخرا عن العقد إن أضافه إلى الهبة بأن قال هذا عوض هبتك أو جاريتك يصح، ويكون العوض
هبة يصح بما تصح به الهبة، ويبطل بما تبطل به الهبة، ويتوقف الملك على القبض ولا يكون في معنى
المعاوضة ابتداء ولا انتهاء. فأما إذا لم يضف العوض إلى الهبة فلكل واحد منهما الرجوع بما وهب.
ونقل عن شرح مختصر القدوري العوض: إذا لم يكن مشروطا في العقد فهو هبة في نفسه فيتوقف
الملك على القبض، ولا يصح الشيوع، وفي حق الأول يعتبر عوضا ثم يسقط به الرجوع، فما في

623
مختصر المحيط موافق للمجتبى بأحد وجهيه. وفي غاية البيان: قال أصحابنا: إن العوض الذي يسقط
به الرجوع ما شرط في العقد، فأما إذا عوضه بعد العقد لم يسقط الرجوع، لأنه غير مستحق على
الموهوب له وإنما تبرع به ليسقط عن نفسه الرجوع فيكون هبة مبتدأة، وليس كذلك إذا شرط في
العقد، لأنه يوجب أن يصير حكم العقد حكم البيع، ويتعلق به الشفعة ويرد بالعيب فدل أنه قد صار
عوضا عنها، وقالوا أيضا: يجب أن يعتبر في العوض الشرائط المعتبرة في الهبة وعدم
الشيوع لأنه هبة. كذا في شرح الأقطع.
وقال في التحفة: فأما العوض المتأخر عن العقد فهو لاسقاط الرجوع، ولا يصير في معنى
المعارضة لا ابتداء ولا انتهاء، وإنما يكون الثاني عوضا عن الأول بالإضافة إليه نصا كهذا عوض عن
هبتك، فإن هذا عوض إذا وجد القبض ويكون هبة يصح ويبطل بما تصح وتبطل به الهبة، وأما إذا لم
يضف إلى الأولى يكون هبة مبتدأة ويسقط حق الرجوع في الهبتين جميعا انتهى مع بعض اختصار.
ومفاده أنهما قولان أو روايتان: الأول: لزوم اشتراطه في العقد. والثاني: لا بل لزوم الإضافة إلى
الأولى، وهذا الخلاف في سقوط الرجوع. وأما كونه بيعا انتهاء فلا نزاع في لزوم اشتراطه في العقد.
تأمل. وسنذكر آخر الفصل في الفروع بيان العوض مفصلا عن الهندية إن شاء الله تعالى، فراجعه.
قوله: (وفروع المذهب مطلقة كما مر) من دقيق الحنطة وولد إحدى جاريتين.
قال في المنح: منها كما قدمناه من أن دقيق الحنطة يصلح عوضا منها، ومنها ما تقدم من أنه لو
عوضه ولد إحدى جاريتين موهوبتين وجد بعد الهبة فإنه يمتنع الرجوع، اه‍. قوله: (فتدبر) قال العلامة
أبو السعود: قلت: الظاهر أن الاشتراط بالنظر لما سبق من توزيع البدل على المبدل، لا مطلقا، وحينئذ
فما في المجتبى لا يخالف إطلاقه فروع المذهب، فتأمل انتهى.
لكن قال العلامة السائحاني: أقول: بل فروع المذهب صريحة في ضده كما قدمته عن الخانية
وكما قدمه الشارح في قوله: ومراده العوض الغير المشروط فلا تلتفت لما في المجتبى، ثم ظهر أن
المراد بعدم كونه عوضا أنه لا يجعل الهبة بيعا انتهاء. ثم رأيت شيخنا أجاب بنظير هذا انتهى. فتأمل.
قوله: (خروج الهبة) لأنه حصل بتسليط الواهب، فلا ينقضه أطلق في الخروج فشمل ما إذا وهب
لانسان دراهم ثم استقرضها منه فإنه لا يرجع فيها لاستهلاكها. خانية. وشمل أيضا ما لو وهب
لمكاتب إنسان، ثم عجز المكاتب لم يرجع المالك في الهبة عند محمد لانتقالها من ملك المكاتب إلى ملك
مولاه خلافا لأبي يوسف كما في المنح. قوله: (سواء كان) أي رجوع الثاني. قوله: (فسخ) فإذا عاد
إلى الواهب الثاني ملكه عاد بما كان متعلقا به. قوله: (لم يرجع الأول) لان حق الرجوع لم يكن ثابتا
في هذا الملك. درر عن المحيط. قوله: (ولو باع نصفه الخ) مرتبط بالمصنف، ويظهر في صورة تكرر

624
الهبة أيضا، قال في المحيط البرهاني: ولو وصل إلى الواهب الثاني بهبة أو إرث أو وصية أو شراء أو ما
أشبه ذلك لم يكن للواهب الأول أن يرجع. قوله: (فلو ضحى الخ) أما لو طبخها بعد أن ضحى بها
أو بدون التضحية ينبغي أن لا يرجع لأنه بمنزلة الاستهلاك كما علم في باب الغصب. قوله: (لا
يمنع الرجوع) وتجزيه عن الأضحية والمتعة عند محمد، وليس له الرجوع في قول أبي يوسف،
والصحيح أن قول الإمام كقول محمد. هندية عن المحيط. قال ط: وسكت عن النذر والظاهر عدم
الاجزاء لعدم الوفاء بالنذر ا ه‍.
قال السائحاني: ويظهر أنها تجزئ عن النذر والقران، أما على رواية أنها غير فسخ من الأصل
إذا لم تكن بقضاء فظاهر، وأما على غيرها فلان هذه الأشياء غير محسوسة، حتى يتأتى فيها النقض،
وصرحوا بأن الزكاة لا تعود وكذا الشفعة فيما لو وهب المال قبل الحول ثم رجع بعده، وفيما لو رجع
بعدما وهب الدار وبيعت دار بجوارها وسيأتي:
ووهب شاة راجع بعد ذبحها * فيجزئ من ضحى عليها ويؤجر
وهذا البيت تصريح ببعض ما ظهر لي. ا ه‍.
أقول: ولأنه وإن لم يبح له أكل المنذور لكنه باق على ملكه بعدم الذبح ولذا يتصدق به والصدقة
لا تكون إلا بما هو ملكه. تأمل. قوله: (والنذر) لعله أراد به هنا المطلق فلا يتكرر مع المصنف. أو
يقال إنما كررها بعد ذكر المتن لها، لأنه نقل عبارة المجتبى برمتها تأييدا لما في المتن. قوله: (فجعله)
أي الموهوب له. قوله: (فله الرجوع) ما لم يقبضه للمتصدق عليه، ولو وهب له شيئا وقبضه فاختلسه
الواهب واستهلكه غرم قيمته للموهوب له، ولو كان شاة فذبحها الواهب بعد قبض الموهوب له يأخذ
الشاة المذبوحة من غير تغريم، بخلاف ما لو كان ثوبا فقطعه الواهب فإن الموهوب له يأخذ الثوب
ويغرم الواهب له ما بين القطع والصحة. هندية. قوله: (خلافا للثاني) أي فلا يمتنع الرجوع عنده،
والخلاف يجري أيضا في مسألة الأضحية وما عطف عليها كما هو في المجتبى. ولذا قال فيما لو
ذبحها من غير تضحية: له الرجوع اتفاقا أي لم يخالف فيها أبو يوسف، لأنها لم تخرج عن ملكه
أصلا. وفي التضحية خرجت لله تعالى وهما يقولان وإن وقعت التضحية لله تعالى لكنها إنما وقعت
القربة بإراقة الدم، ولذا له أن يأكل لحمها، فلم تخرج عن ملكه بالكلية، وهذا ظاهر في الأضحية.
وأما في النذر فكذلك كما علمت. قوله: (فله الرجوع اتفاقا) لأنها لم تخرج عن ملكه أصلا. قوله:
(سقط الدين والجناية) كما قدمناه.
وصورة المسألة: رجل له على عبد دين فوهبه مولاه لصاحب الدين وقبله سقط دينه، لان بقبوله
الهبة كان راضيا بإسقاط حقه في الدين وأرش الجناية لأنهما يتعلقان برقبة العبد، ولا يرجع على العبد
بشئ لان السيد لا يستوجب حقا على عبده. قوله: (ثم لو رجع) أي الواهب في هبته. قوله: (صح

625
استحسانا) وفي القياس لا يصح رجوعه في الهبة، لأنه رضي بسقوط حقه ليسلم له العبد فكان بمنزلة
العوض وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة والمعلى عن أبي يوسف وهشام عن محمد، وعلى قول أبي
يوسف: إذا رجع في الهبة يعود الدين والجناية، وأبو يوسف استفحش قول محمد وقال: أرأيت لو
كان على العبد دين لصغير فوهبه مولاه منه فقبل الوصي وقبض فسقط الدين، فإن رجع بعد ذلك لو
قلنا لا يعود الدين كان قبول الوصي الهبة تصرفا مضرا على الصغير ولا يملك ذلك، ووجه
الاستحسان أنه لم ينص على العوض فكان إسقاطا محضا، وكانت الهبة خالية عن العوض لان شرط
العوض أن يقول: هو عوض عن هبتك كما مر، ولم يوجد.
قال بعض الأفاضل: والذي يظهر ما قاله أبو يوسف، لان الشئ ينتهي بانتهاء علته وعلة سقوط
الدين الملك ولم يبق الملك فيعود الدين، كمن له على آخر دين مؤجل فقضاه قبل الاجل فاستحق ذلك عاد
الدين مؤجلا، لأنه لما بطل القضاء بالاستحقاق بطل، وهو سقوط الاجل، فتأمل. ا ه‍.
فروع: صبي له على مملوك وصيه دين فوهب الوصي عبده للصبي، ثم أراد الوصي الرجوع في
ظاهر الرواية له ذلك، وعن محمد المنع. بزازية. قوله: (ورواية عن الامام) لان الساقط لا يعود كماء
قليل نجس دخل عليه الماء الجاري، حتى كثر وسال ثم عاد إلى القلة لا يعود نجسا. وقال أبو
يوسف: يعود الدين حكما كما كان، لان زوال الدين كان حكما لملكه الموهوب له وقد بطل الملك
كما في المنح. قوله: (كما لا يعود النكاح) وذكر الصدر الشهيد أنه يعود. قال في الخانية: وأما مسألة
النكاح ففيها روايتان عن أبي يوسف. في رواية: إذا رجع الواهب يعود النكاح. ا ه‍.
وفي الهندية بعد ما ذكره عن الصدر الشهيد: وذكر محمد في الكتاب في مواضع أنه بالرجوع
في الهبة يعود إلى الواهب قديم ملكه، والمراد منه العود إلى قديم ملكه فيما يستقبل لا فيما مضى، ألا
ترى أن من وهب مال الزكاة من رجل قبل الحول وسلمه إليه ثم رجع في الهبة بعد الحول لا يجب
على الواهب زكاة ما مضى ا ه‍. فلم يجعل قديم ملكه عائدا إليه في حق زكاة ما مضى، وكذلك من
وهب من آخر دارا وسلمها إلى الموهوب له ثم بيعت دار بجنبها، ثم رجع الواهب فيها لم يكن للواهب
أن يأخذها بالشفعة ولو عاد إليه قديم ملكه فيما مضى وجعل كأن الدار لم تزل عن ملكه لكان له
الاخذ بالشفعة ا ه‍. وعزاه للذخيرة. قوله: (والزاي) فيها لغات، فمدها بعض العرب، ومنهم من
يقول زاي، ومنهم من يقول زا فيقصرها، ومنهم من ينون فيقول زا، وهذا أقبح الوجوه لأنه لم يأت
اسم على حرف، ومنهم من يقول زي فيشدد الياء: أبو السعود عن ابن عبدون قوله: (فلو وهب
لامرأة الخ) الأصل الزوجية نظير القرابة حتى يجري التوارث بينهما بلا حاجب وترد شهادة كل واحد
للآخر فيكون المقصود من هبة كل منهما للآخر الصلة والتوادد دون العوض، بخلاف الهبة للأجنبي
فإن المقصود منها العوض، ثم المعتبر في ذلك حالة الهبة، فإن كانت أجنبية كان مقصوده العوض
فثبت له الرجوع فيها فلا يسقط بالتزويج، وإن كانت حليلته كان مقصوده الصلة دون العوض وقد
حصل فسقط الرجوع فلا يعود بالإبانة ا ه‍. زيلعي ملخصا. قوله: (لا) أي لا يرجع، ولو فارقها بعد
ذلك لا يملك الرجوع لقيام الزوجية وقت الهبة. قوله: (كعكسه) أي لو وهبته لرجل ثم نكحها

626
رجعت، ولو لزوجها لا وإن فارقها، والأولى أن يقول: كما إذا كانت هي الواهبة فيهما. قوله: (ولو
في مرضه) قال في الأصل: ولا يجوز هبة المريض ولا صدقته إلا مقبوضة، فإذا قبضت جازت من
الثلث، وإذا مات قبل التسليم بطلت. ويجب أن يعلم بأن هبة المريض هبة عقد أو ليست بوصية
واعتبارها من الثلث ما كان لأنها وصية، ولكن لان حق الورثة يتعلق بالمريض وقد تبرع بالهبة فيلزم
تبرعه بقدر ما جعل الشرع له وهو الثلث وإذا كان هذا التصرف هبة عقد اشترط له سائر شرائط
الهبة، ومن جملتها قبض الموهوب قبل موت الواهب ا ه‍. محيط قوله: (ولا تنقلب وصية) لما علمت
أن هبة المريض هبة عقدا، وهي ليست بأهل لقبضها لأنها لو قبضتها لكانت ملكا له، ويستحيل أن
يملك الانسان لنفسه. وأيضا أفاد أن قولهم الهبة في مرض الموت وصية أنها تنعقد هبة، وتنقلب
وصية وشرط الهبة القبض، وأم الولد محجورة لقيام الملك حال حياة المولى ولا يد للمحجور، فلا
يتأتى منها القبض ولا يمكن أن تصير مأذونة في تلك الهبة، لأنها لا تملك ما دامت رقيقة، أما لو
أوصى لها فإنها تمليك بعد الموت وهي حرة بعد موت مولاها فتصح الوصية. قوله: (لعتقها بموته)
ويعتبر القول بعد الموت والتمليك واقع لها بعده. قوله: (والقاف القرابة) أي القريبة إلا الوالد إذا
احتاج إلى ذلك.
قال في الدرر: فإنه ينفرد بالأخذ لحاجته إلى الانفاق، ويسمى ذلك رجوعا نظرا إلى الظاهر،
وإن لم يكن رجوعا حقيقة على أن هذا الحكم غير مختص بالهبة، بل الأب إذا احتاج فله الاخذ من مال
ابنه، ولو غائبا كما ذكر في باب النفقات.
قال صدر الشريعة: ونحن نقول به أي لا ينبغي أن يرجع إلى الوالد فإنه يتملك للحاجة،
فتوهم بعض الناس أن قوله ونحن نقول به أنى لأب أن يرجع فيما وهب لابنه عندنا أيضا مطلقا
وهو هم باطل منشؤه الغفلة عن قوله فإنه يتملكه للحاجة، فإن مراده ما ذكرنا، حتى لو لم يحتج لم
يجز له الاخذ من مال ابنه، فإن ما توهمه مخالف لتصريح علمائنا كقاضيخان وغيره أن قرابة الأولاد من
جملة الموانع. ا ه‍. ولهذا لم يتعرض الشارح رحمه الله تعالى لتخصيص القرابة بغير الأب بل تركه على
العموم اتكالا على ما تقرر أن للأب أن يتناول من مال ابنه عند الحاجة بقدرها. قوله: (لذي رحم
محرم) خرج من كان ذا رحم وليس بمحرم، ومن كان محرما وليس بذي رحم. درر. فالأول كابن
العم، فإن كان أخاه من الرضاع أيضا فهو خارج أيضا، واحترز عنه بقوله نسيا، فإنه ليس بذي رحم
محرم من النسب كما في الشرنبلالية والثاني كالأخ رضاعا.
قال السمرقندي: الرحم صاحب القرابة، والمحرم هو الذي يحرم مناكحته ا ه‍. وإنما لا يرجع
فيها لقوله عليه الصلاة والسلام إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجح فيها. ولأن المقصود منها
صلة الرحم وقد حصل، وفي الرجوع قطيعة الرحم ا ه‍. زيلعي. قوله: (منه) صفة محرم، والضمير
في منه للرحم، فخرج الرحم غير المحرم كابن العم والمحرم غير الرحم كالأخ رضاعا والرحم المحرم
الذي محرميته لا من الرحم كابن عم هو أخ رضاعا، وعلى هذا لا حاجة إلى قوله نسبا. نعم يحتاج إليه
لو جعل الضمير للواهب ليخرج به الأخير. تدبر. قوله: (نسبا) حال من محرم، فلو كان الرحم محرما

627
من الرضاع أو المصاهرة لا يمتنع الرجوع لعدم وجوب صلته، ولذا لا يجب إنفاقه عليه عند عجزه
وإن كانت صلته مندوبا إليها. قوله: (ولو ذميا أو مستأمنا) لأنه واجب الصلة ومحل للصدقة لقوله
تعالى: * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم) *
(الممتحنة: 8) ولقبول الذمة والأمان فقد ترك المقاتلة. قال القهستاني: ومثلهما الحربي. قوله: (بلا رحم)
أي بلا رحم موجب للمحرمية، وإن صار له رحم بالرضاع والمصاهرة فإنه لا يمنع الرجوع. قوله:
(ولو ابن عمه) أي ولو كان أخوه رضاعا ابن عمه وهذا خارج بقوله منه أو بقوله نسبا لان
محرميته ليست من النسب بل من الرضاع، ولا يخفى أن وصله بما قبله غير ظاهر، لان قوله لمحرم
بلا رحم لا يشمله لكونه رحما، إلا أن يقال قوله بلا رحم الباء فيه للسببية: أي لمحرم بسبب غير
الرحم كالباء في قوله بعده بالمصاهرة. تأمل. قوله: (ولمحرم) عطف على لمحرم فلا يمنع الرجوع.
قوله: (كأمهات النساء والربائب) ومثلهم أزواج البنين والبنات. خانية قوله: (وأخيه وهو عبد
لأجنبي) أي لان الهبة لم تقع له حينئذ بل لمولاه، لان العبد لا يملك، وإن تملك فهو وما في يده
لسيده، وفي ألغاز الأشباه: أي أب وهب لابنه وله الرجوع، فقل إذا كان الابن مملوكا لأجنبي. قال
الحموي: وإنما قيد بكونه مملوكا لأجنبي لأنه إذ كان مملوكا لقريب ذي رحم محرم منه تكون الهبة
واقعة للقريب والهبة للقريب لا رجوع فيها، وإنما قيد القريب بكونه ذا رحم لامكان تصور المسألة،
وإلا فلا يمكن تصورها. قوله: (أو لعبد أخيه) أي وهو أجنبي لأنه لم يهب للأخ صورة، وإن وقعت
للأخ في الحقيقة لقيام الشك في المانع فلا يثبت مع الشك، ولأن الملك لم يقع فيها للقريب من كل
وجه، بدليل أن العبد أحق بما وهب له إذا احتاج إليه، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: يرجع في الأولى
دون الثانية. منح عن البحر ومثله في شرح المجمع. قوله: (رجع) أي في كل الصور عند الامام
وقالا يرجع في الأول لا في الثانية كما علمت لان الملك يقع للمولى، فكان هو المعتبر وللامام أن
الهبة تقع للمولى من وجه وهو ملك الرقبة وللعبد من وجه وهو ملك اليد، ألا ترى أنه أحق به ما لم
يفضل عن حاجته، فباعتبار أحد الجانبين يلزم فيهما وباعتبار الجانب الآخر لا يلزم فيهما فلا يلزم
بالشك، ولأن الصلة قاصرة في حق كل واحد منهما لما ذكرنا في المعنى والصلة الكاملة هي المانعة
من الرجوع، فلا تتعدى إلى قاصرة. قوله: (ولو كان ذا رحم محرم من الواهب) بأن كان أخوه لأبيه
عبدا لأخيه من أمه. ا ه‍. سري الدين عن المبسوط أي لان الهبة في الصورة وقعت لذي الرحم وكذا
في الحقيقة فامتنع الرجوع للوجهين، ولو عجز قريبه المكاتب، فعند محمد: لا يرجع خلافا لأبي
يوسف، وإن أعتق لا رجوع. منح. فأفاد أنه لا يرجع ما دام مكاتبا اتفاقا لأنه حر يدا، تصوير المسألة
بأن يكون لرجل أختان لكل واحدة منهما ولد وأحد الولدين مملوك للآخر. قوله: (على الأصح) وذكر
الكرخي عن محمد أن قياس قول الإمام أن يرجع لأنه لم يكن لكل واحد منهما صلة كاملة. قوله:
(لان الهبة الخ) أي فليس في المانع شك. قوله: (ما لا يقسم) أي ما لا يقبلها مع بقاء الانتفاع السابق

628
كما تقدم، واحترز به عما وهب لهما ما يقسم فلا تصح لواحد منهما، لان هبة ما يحتمل القسمة
لاثنين غير صحيحة، لأنه وهب لكل منهما مشاعا كما تقدم قبيل باب الرجوع وبقلبه لا: أي لو
وهب لاثنين ما يحتمل القسمة لا يصح. قوله: (له الرجوع في حق الأجنبي) اعتبارا للبعض بالكل.
مبسوط. قوله: (هلاك العين الموهوبة) أي تلف عينها أو عامة منافعها مع بقاء الملك، فلو وهبه سيفا
فجعله سكينا أو سيفا آخر لا يرجع لتعذر الرجوع بعد الهلاك إذ هو غير مضمون عليه، بخلاف شاة
ذبحها. زيلعي ومكي. لو استهلك البعض له أن يرجع بالباقي. بزازية: والاستهلاك كالهلاك كما هو
ظاهر صرح به أصحاب الفتاوى. رملي. وأما هلاك أحد العاقدين فقد قدمه. قوله: (لأنه ينكر الرد)
أي وجوبه عليه، وهذه علة لقوله صدق، ولأن دعواه الهلاك إخبار منه بهلاك ملكه وأنه لا يوجب
يمينا. برهان.
قال العيني: فلو ادعى الموهوب له الهلاك صدق، لأنه منكر لوجوب الرد عليه فأشبه المودع
ا ه‍.
بقي قوله: بلا حلف عزاه في الدرر وغيره إلى الكافي، ولم يذكر العلة مع أن في الوهبانية قال:
إذا ادعى المودع ضياعها وحدها يستحلف، وقد قال العيني: فأشبه المودع، على أن المقرر وإن كان
القول قول المنكر لكنه بيمينه، ولأن كل من أنكر ما لو أقر به لزمه يحلف عند إنكاره، وهذا لو أقر
بعدم الهلاك يلزمه الرد، فلم لا يحلف عند إنكاره بدعوى الهلاك؟ والظاهر أن العلة هي عدم تأكد
ملك الواهب.
قال في الخلاصة: لو قال الموهوب له هلكت فالقول قوله ولا يمين عليه، وعليه الكنز وسائر
المتون. قوله: (حلف المنكر أنها ليست هذه) أي ولا يحلف على الهلاك لما سبق.
والحاصل: أنه لا يمين عليه بدعوى الهلاك ما لم يعين الواهب عينا ويدعي أنها هي الهبة لا
الهالكة ويريد استردادها وأنكر الموهوب له ذلك، وادعى أن الموهوب غيرها حلف. قوله: (كما يحلف
الواهب الخ) قال في الهندية: وإذا أراد الواهب الرجوع في الهبة فقال الموهوب له أنا أخوك أو قال
عوضتك أو تصدقت به علي وكذبه الواهب فالقول للواهب. قوله: (الأخ) الأولى الموهوب له. قوله:
(مسبب النسب) يعني المال لا النسب: أي، ولو كان المقصود النسب لا يجري فيه اليمين على قول الإمام
، خلافا لقول الصاحبين المفتى به من أن التحليف يجري في النسب.
وحاصل التحقيق في هذه المسألة: أنه لو ادعى بسبب النسب مالا لازما وكان المقصود إثباته
دون النسب، فيحلف عليه كما في المنح والطحطاوي وغيرهما حتى قال في البحر: يستحلف الواهب
عند الكل لأنه ادعى بسبب النسب مالا لازما فكان المقصود إثباته دون النسب وعزاه لفتاوى
قاضيخان من باب الاستحلاف، ونظر فيه الرحمتي بأن المال ليس بسبب النسب، بل المعنى الصحيح أن
يقال: إن الامر الذي بسببه النسب، وهو مسبب عنه، وهو لزوم الهبة وعدم صحة الرجوع فيها،

629
وهذا يحلف منكره اتفاقا، أما ما قاله الامام من أنه لا تحليف في النسب: أي إذا ادعى عليه نسبا
لقصد إثباته، أما هنا فالمقصود منه إثبات أمر آخر، وهو لزوم الهبة فهو المدعي في الحقيقة. ا ه‍. فتأمل.
ومسبب بضم الميم وفتح السين وتشديد الباء الأولى وفتح الثانية. قوله: (ولا يصح الرجوع إلا
بتراضيهما أو بحكم الحاكم) فلو استردها بغير قضاء ولا رضا كان غاصبا، حتى لو هلكت في يده
يضمن قيمتها للموهوب له. شمني.
قال قاضيخان: وهب ثوبا لرجل، ثم اختلسه منه فاستهلكه ضمن الواهب قيمة الثوب
للموهوب له. لان الرجوع في الهبة لا يكون إلا بقضاء أو رضا. ا ه‍. وفيه: الواهب إذا رجع في هبته
في مرض الموهوب له بغير قضاء يعتبر ذلك من جميع مال الموهوب له، أو من الثلث فيه روايتان ذكر
ابن سماعة في القياس يعتبر من جميع ماله. ا ه‍. قوله: (للاختلاف فيه) أي بين العلماء، فإن بعض
المجتهدين يقول بعدم الرجوع، فهو ضعيف لا يثبت حكمه إلا بأحد المذكورين، وذكر في الحواشي
اليعقوبية: أنه لان الشافعي يخالفنا، وفيه كلام وهو أن خلافه متأخر فكيف يبني الحكم المتقدم على ما
لم يتحقق بعد؟ والأولى حمله على اختلاف الصحابة لو ثبت. ا ه‍. قوله: (فيضمن بمنعه) يعني لو سأله
رد العين الموهوبة بعد قضاء القاضي بصحة الرجوع فيها فامتنع من تسليمها فهلكت لزمه ضمانها بمثلها
إن كانت مثلية، وإلا فبقيمتها لأنه متعد بالمنع بعد صحة الرجوع بقضاء القاضي، أما قبل القضاء لو
هلكت سقط الرجوع بالهلاك، ولا ضمان عليه بالمنع لأنه غير متعد، لأنه إنما منع ملكه إذ لم يصح
الرجوع لعدم وجود القضاء، ولا رضا مع المنع وقد ملكها بالهبة، ولا يعتبر قوله بلسانه رضيت بردها
لان إمساكها ينقضه، لكن قوله لا يشترط فيه قبض الواهب يفهم منه أنها تتم بقوله رضيت بردها،
فليحرر. أفاده بعض الأفاضل.
قال ط: وانظر ما لو منعه بعد الرجوع بالرضا وهلك، والظاهر أنه يضمن لوجود التعدي كمنعه
بعد القضاء.
أقول: وهذا يؤيد بعض ما فهمه بعض الأفاضل حيث ضمنه بالمنع ولم يعده رجوعا. تأمل.
قوله: (بقضاء أو رضا) على حذف أي. قوله: (كان فسخا) خلافا لزفر في الرجوع بالتراضي كما
يأتي. عناية. قوله: (وإعادة) بالنصب عطفا على فسخا. قوله: (لا هبة للواهب) أي كما قال زفر رحمه
الله تعالى بأن الرجوع بالتراضي عقد جديد فيجعل بمنزلة الهبة المبتدأة. عيني.
قال في البدائع: ولو وهب الموهوب له للواهب قبل القضاء أو الرضا وقبله لا يملكه حتى
يقبضه، فإذا قبضه كان بمنزلة الرجوع بالتراضي أو بقضاء، وليس للموهوب له أن يرجع فيه. ا ه‍.
قوله: (لا يشترط فيه قبض الواهب) والموهوب يكون أمانة في يد الموهوب له حتى لو هلك لا
يضمن. هندية. قوله: (وصح الرجوع في الشائع) أي في البعض الشائع الذي يحتمل القسمة كما إذا
وهب الدار ثم رجع في نصفها لان الشيوع طارئ لا أثر له فيها. ذكره في العناية. قوله: (لما صح
فيه) أي في الشائع، ولا يشترط قبض الواهب. قوله: (وللواهب رده) أي بالعيب: أي له بعد

630
الرجوع منه رد الموهوب إذا كان اشتراه من رجل ثم بعد الرجوع اطلع على عيب فيه. قوله: (مطلقا)
حال من رجوع الواهب: أي لأنه فسخ مطلقا بحكم خيار العيب: يعني ولم يعلم بالعيب قبل الهبة.
وصوره الطحطاوي بما لو اشترى شيئا ثم باعه ثم رد المشتري الثاني على الأول بعيب قديم فإن رده
بقضاء كان فسخا فيثبت حق الرد للمشتري الأول على بائعه، وإن كان برضا لا لأنه بمنزلة البيع
الجديد. قوله: (بخلاف الرد بالعيب) أي لو اشترى شيئا وباعه ورده المشتري الثاني بعد قبضه إياه على
المشتري الأول بغير قضاء ليس للمشتري الأول أن يرده على بائعه كما تقدم في بابه، لان حق المشتري
في وصف السلامة: أي يستحق ما اشتراه سالما من العيوب، فحيث وجد به عيبا رفع الامر للقاضي،
فيطلب منه إيصاله إلى ما يستحقه من وصف السلامة وحيث كان المبيع معيبا ولم يمكن إيصاله إلى ما
يستحقه يفسخ القاضي البيع، وليس حقه في الفسخ، فإذا تفاسخا بغير قضاء بل بتراضيهما كان إقالة،
وهي فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق ثالث، والبائع الأول ثالثهما، ففي حقه يفرض كأن
المشتري الأول اشتراه من المشتري الثاني فليس له أن يرده عليه لأنه مشتري منه، والمشتري لا يرد علي
بائعه بالعيب إذا كان المبيع وصل إلى البائع من جهته ولا على البائع الأول، لان المشتري من شخص لا
يرده على غيره، وإنما قال بعد القبض لان رده قبل القبض فسخ مطلقا فيرده على بائعه كما تقدم.
قوله: (لان حق المشتري في وصف السلامة لا في الفسخ) ولهذا لو زال العيب امتنع الرد لوصول حقه
إليه، وإذا لم يكن سليما فات رضاه فيرجع بالعوض، ويلزم منه فسخ العقد ضرورة من غير أن يثبت
حقه في الفسخ، فإذا لم يكن له حق الفسخ لم يصر مستوفيا حقه، فيكون ملكا مبتدأ ضرورة، غير أنه
إذا حكم الحاكم بالرد عند عجزه عن تسليم حقه جعلناه فسخا لعموم ولايته، ولا كذلك المتعاقدان،
لأنه لا ولاية لهما إلا على أنفسهما بخلاف الهبة فإنها تنعقد موجبة حق الفسخ وهو بالفسخ يكون
مستوفيا حقا ثابتا له بالعقد، لان العقد وقع غير لازم فإن رفع رجع إليه عين ملكه كالعارية فيكون
فسخا في حق الكل، فلا يمكن أن يجعل هبة مبتدأة. ا ه‍. منح بتصرف. وبهذا ظهر قول المؤلف
فافترقا ط. قوله: (لا بطلان أثره أصلا) أي فيما مضى. قوله: (وإلا لعاد المنفصل) أي المتولد من
الموهوب: أي ولو قلنا ببطلان أثره في الماضي لأوجبنا رد الزوائد المنفصلة من الولد والثمر والأرش
التي وجدت عند الموهوب له مع أنه لا يثبت للواهب الرجوع فيها، ولأوجبنا عليه زكاة ماله الموهوب
إذا رجع فيه لما مضى من السنين مع أنه لا يجب عليه كما سلف.
والحاصل: أنه لو كانت الهبة أمة مثلا فقبضها الموهوب لو ووطئها، واستولدها وجنى عليها
فقبض أرشها ووطئها غيره، فأخذ عقرها ثم رجع عليه الواهب بقضاء أو رضا امتنع عليه وطؤها
والتصرف بوجه من الوجوه بعد الفسخ، وما أخذه من الأرش والعقر يطيب له، لأنه نماء ملكه والولد
ولده والواهب إنما يأخذ الأمة فقط، وهذا معنى عدم ترتب الأثر في المستقبل لا فيما مضى. قوله:
(من المواضع السبعة) لا يظهر في الموت، لان الاتفاق حينئذ من الوارث والباقي أحد العاقدين،

631
ويكون الرجوع في العوض بالتراد وفي الهلاك برد البدل. قوله: (جاز هذا الاتفاق منهما) أي على أنه
هبة مبتدأة كما بينته عبارة المجتبى فيشترط فيه ما يشترط في الهبة مما تقدم في الشروط.
ونقل المصنف في آخر الفصل عن المحيط: رجل تصدق بصدقة فسلمها إليه ثم تقايلا الصدقة لم
يجز، حتى تقبض لأنها هبة مستقلة مستأنفة لأنه لا رجوع فيها، وكذا الهبة إذا كانت لذي رحم محرم
. ا ه‍.
والحاصل: أنه تصح الإقالة في الهبة والصدقة في المحارم بالقبض مع أنه وجد فيها ما يمنع من
الرجوع ومع ذلك جاز بتراضيهما، لأنا جعلناه هبة مبتدأة ولذا شرط فيها ما يشترط للهبة، وحينئذ فلا
يظهر ما توقف به الطحطاوي. قوله: (في المحارم) ظاهر تقييده بالمحارم يفيد أن القبض لا يشترط في
غيرهم.
وفي شرح المصنف: وأطلق أبو يوسف في رواية ابن سماعة خلافه تصدق وسلم، ثم استقاله
فأقاله لم يجز حتى يقبض. ا ه‍.
وهذا يفيد ما ذكرنا، ثم فائدة التقييد بالقبض أنه لو لم يقبضه وتصرف فيه الموهوب له صح
تصرفه، ونظيره يقال فيما بعده ط. قوله: (لأنها) أي الإقالة هبة: أي مستقلة. قوله: (وكل شئ
يفسخه الحاكم إذا اختصما إليه فهذا حكمه) أي يفتقر للقبض، لكن الذي نحن فيه عدم فسخ
القاضي، والظاهر أن لفظة لا ساقطة وأصل الكلام وكل شئ لا يفسخه الحاكم كما هو الواقع في
الخانية، وبه يظهر المعنى، ويكون المراد منه تعميم المحارم وغيرهم مما لا رجوع في هبتهم، وسيجئ
أن المعتمد الصحة، ويمكن أن يراد بقوله وكل شئ يفسخه الحاكم الخ أي إن الهبة للمحارم
والصدقة مطلقا إذا رفعت للحاكم وأراد صاحبها الرجوع فيها يفسخ دعواه الحاكم، بمعنى أنه يبطلها
ويحكم عليه بعدم صحتها، فإن اتفقا عليها كانت هبة مبتدأ فيشترط لها شروط الهبة، وكذا كل ما
كان فيها مانع من موانع الرجوع، فتأمل. قوله: (لأنه غير مقبوض) لان هبة الدين من غير من عليه
الدين لا تجوز إلا بأن يسلطه على قبضه، والصغير لا قبض له إلا بقبض وليه، وهو من عليه الدين فلا
يوجد القبض، لكن سيجئ أن المعتمد الصحة، ويفهم منه جواز عكسه وهو هبة الأب دينا على طفله
لأنه مقبوض للأب إذا كان للطفل مال في يده. قوله: (قضى ببطلان الرجوع لمانع) نقله صاحب الدرر
من المحيط، وهكذا في الذخيرة والخانية، وذكر في التبيين وغيره أن الموهوب لو وصيفا فشب عند
الموهوب له وكبر، وطال ثم صار شيخا فقلت قيمته لم يرجع فيه، وعلى هذا جميع الحيوان، وعلل بأنه
زاد من وجه، وانتقص من وجه آخر وحين زاد سقط حق الرجوع، فلا يعود، وأنت خبير بأنه بين
هذا وبين ما ذكر صاحب الذات لم يعد إلى حاله الأول، ولكن ذكر الناطفي في أجناسه أنه يرجع،
ولعل وجهه أن الذات بعد زوال الزيادة هو الذات الأول. قوله: (ثم زال المانع) مبني على ما قدمه في
الخانية. واعتمده القهستاني لكن في كلامه هناك إشارة إلى اعتماد خلافه.

632
قلت: ولا يخفى ما في إطلاق الدرر، فإن المانع قد يكون خروج الهبة من ملكه ثم تعود بسبب
جديد، وقد يكون للزوجية ثم تزول، وفي ذلك لا يعود الرجوع كما صرحوا به فيما إذا بنى في الدار
ثم هدم البناء، وفيما إذا وهبها لآخر ثم رجع. ولعل المراد زوال المانع العارض، فالزوجية وإن زالت
لكنها مانع من الأصل والعود بسبب جديد بمنزلة تجدد ملك حادث من جهة غير الواهب فصارت
بمنزلة عين أخرى غير الموهوبة، بخلاف ما إذا عادت إليه بما هو فسخ هذا ما ظهر لي، فتدبره. أفاده
سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
وكتب الطحطاوي: لا يظهر في الزوجية والقرابة وهلاك العين والموت والعوض، لأنه بيع
انتهاء. وأما الخروج عن الملك فيزول إذا عاد إليه بفسخ. تأمل ا ه‍.
والحاصل: أن ما يمكن زواله من الموانع السبعة الزوجية والزيادة والعوض والخروج عن ملكه
فبزوال الزوجية لا يعود الرجوع، وبزوال الثلاثة الباقية يعود الرجوع على ما فيه من التفصيل. قوله:
(وضمن المستحق الموهوب) ضمن بتشديد الميم فعل ماض، والمستحق فاعله والموهوب مفعوله. قوله:
(لأنها عقد تبرع) أي وهو غير عامل له. قوله: (فلا يستحق فيه السلامة) أي في عقد التبرع، وهكذا
حال المستعير، بخلاف عقد المعاوضة، لان عقود المعاوضات يثبت فيها الغرور، فللمشتري الرجوع
على بائعه، وكذا بكل عقد يكون للدافع كالوديعة، والإجارة إذا هلكت الوديعة أو العين المستأجرة ثم
جاء رجل واستحق الوديعة والمستأجرة وضمن المودع والمستأجر فإنهما يرجعان على الدافع بما ضمنا،
وكذا كل ما كان في معناهما.
والحاصل: أن المغرور يرجع بأحد أمرين إما بعقد المعاوضة أو بعقد يكون للدافع كما في المنح،
وقد انتفى الثاني هنا كما قال، لان قبض المستعير والمتهب كان لنفسه، وقد عقد في الخانية فصلا
لمسائل الغرور من البيع فراجعه، وذكر في الذخيرة أن الواهب لو ضمن سلامة الموهوب للموهوب له
نصا يرجع على الواهب. قوله: (ولا غرور) أي موجب للضمان، لأنه يكون موجبا بأحد أمرين وقد
انتفيا هنا، وكان حق العبارة أن يقول: ولا غرور لان قبض المستعير الخ، لان الغرور إنما يكون
معتبرا بقبضه للدافع أو بعقد المعاوضة. قوله: (لعدم العقد) أي عقد المعاوضة، وإلا فالإعارة والهبة لا
بد فيهما من عقد. قوله: (فيشترط التقابض) أي في المجلس مطلقا أو بعده، بإذنه مسكين ولا يثبت بها
الملك قبل القبض، ولكل واحد أن يمتنع من التسليم، وكذا لو قبض أحدهما فقط فلكل الرجوع
القابض وغيره سواء كما في غاية البيان. قوله: (في العوضين) أي في العين الموهوبة والعوض عنها،
أما إذا كان العوض غير مشروط فهي هبة ابتداء وانتهاء فلا يثبت لها أحكام البيع، وإن امتنع الرجوع
حيث قال له: خذه عوض هبتك ونحوه. قوله: (ويبطل العوض بالشيوع فيما يقسم) هو مبني على
اشتراط التقابض، لان القبض لا يتم مع الشيوع فيما يقسم. قوله: (بيع انتهاء) أي إذا اتصل القبض
بالعوضين. غاية البيان وهذا عندنا، وعند زفر والشافعي بيع ابتداء وانتهاء لان العبرة للمعاني، ولنا
أنه اشتمل على جهتين فيجمع بينهما ما أمكن عملا بالشبهين، وتمامه في الدرر.

633
وفي المقدسي: والعبرة للمعاني كالكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، وعكسه كفالة، وبيع عبد
لنفسه عتق، وهبة تقع ببدل إجارة وهبة امرأة لزوجها نكاح، وعكسه طلاق.
قلنا: ما اشتمل على جهتين يجب الجمع بينهما ما أمكن توفيرا على الشبهين حظهما كالإقالة بيع
وفسخ، وأمكن الجمع هنا باعتبار الهبة ابتداء والبيع انتهاء، ولا تنافى بين حكميهما إذ البيع بتراخي
حكمه بشرط الخيار، والهبة تلزم بمانع وهبة المريض بطلت بالشيوع وبعدم القبض، واعتبرت وصية
من الثلث بعد الدين رعاية للشبهين، وقد يترتب الملك على الهبة فلا فصل، كما لو كانت في يد
الموهوب له فلم يكن عدم اللزوم، وعدم الترتيب من لوازمها على أن المستحيل الجمع في حالة واحدة
لا في الابتداء أو الانتهاء، بخلاف ما استشهد به، لتعذر الجمع لتضاد الحكمين فلغا جانب اللفظ
انتهى.
وفي الشرنبلالية عن البرجندي: أنه يصح العوض، ولو كان أقل منها وهو من جنسها ولا ربا
فيه انتهى. ولا تحالف لو اختلفا في قدر العوض لما في المقدسي عن الذخيرة: اتفقا على أن الهبة
بعوض واختلفا في قدره ولم يقبض والهبة قائمة خير الواهب بين تصديق الموهوب له أو الرجوع في
الهبة أو بقيمتها لو هالكة، ولو اختلفا في أصل العوض فالقول للموهوب له في إنكاره، وللواهب
الرجوع لو قائما، ولو مستهلكا فلا شئ له. ولو أراد الرجوع فقال أنا أخوك أو عوضتك أو إنما
تصدقت بها فالقول للواهب استحسانا ا ه‍ ملخصا. قوله: (فترد بالعيب) أي في العوض والمعوض:
أي يرد كل واحد من العوضين، هذا هو الأوجه من الارجاع إلى الهبة والتعميم، وكذا يرد كل منهما
بخيار الرؤية، ويرجع في الاستحقاق على صاحبه بما في يده لو قائما وبمثله أو قيمته لو هالكا كما
في المنبع. قوله: (على أن تعوضني) لان على للشرط. قوله: (وهبتك بكذا) لان الباء للمقابلة والمال
المقابل بالمال بيع. قوله: (فهو بيع ابتداء وانتهاء) فيثبت لكل منهما الملك في حقه، ولا يمتنعان من
التسليم ولا يشترط قبض، ولا يضره شيوع. قوله: (بطل اشتراطه) أي والهبة لا تبطل به. قوله:
(فيكون) أي المقبوض من الهبة وعوضها إذا دفع. قوله: (وهب الواقف أرضا بشرط استبداله) في
البحر نقلا عن القاضي الجامع بين وقف هلال والخصاف، ولو وهب الواقف الأرض التي شرط
الاستبدال به، ولم يشترط عوضا لم يجز، وإن شرط عوضا فهو كالبيع ا ه‍. فقوله: بشرط متعلق
بالواقف، وقوله بلا شرط متعلق بوهب، وأعاد الضمير مذكرا على الأرض لتأويلها بالوقف أو
العقار. قوله: (وإن شرط الخ) ظاهره أنه يصح ولو كان البدل دراهم أو دنانير، وقد تقدم في الوقف
أنه لا بد أن يكون البدل عقارا وتقدم الكلام فيه فارجع إليه. قوله: (بشرط عوض مساو) أي لقيمة
مال الصغير، وبالأولى إذا كان زائدا عليه. قوله: (بين الوقف) أي الذي شرط استبداله حيث أجازه

634
بشرط العوض. قوله: (ومال الصغير) حيث لم يجوزاه مطلقا. قال الرملي: يفرق بينهما بأن الواقف لما
شرط الاستبدال وهو يحصل بكل عقد يفيد المعاوضة كانت الهبة بشرط العوض داخلة في شرطه،
بخلاف هبة الأب مال ابنه الصغير: أي فإنها تبرع ابتداء، وهو ممنوع عن مطلق التبرع في ماله انتهى.
أقول: وقد يقال: إن المقصود من الاستبدال المنفعة في البدل، لا في نفس الاستبدال، وأما مال
الصغير فيشترط في نفس العقد عليه ظهور المنفعة لأنه عقد تجارة، أو أن الوقف من المستبدل فهو ملكه
في الجملة، بخلاف ملك ابنه، فلعل أحد هذين الفرقين على قولهما الذي طلبه الشارح، لان الواقف
له شائبة ملك حيث شرط الاستبدال لا سيما على قول الإمام، بخلاف مال الطفل إذ لا ملك فيه ولا
شائبة ملك فافترقا، وهذا كله إذا كان ما نقله الناصحي على قول الإمام والصاحبين، ويمكن أن يكون
مشى على قول الإمام، وأنهما يخالفان في الوقف كمال الصغير فلا يحتاجان للفرق، فليراجع مذهبهما
في ذلك، والله تعالى أعلم واستغفر الله العظيم.
فصل في مسائل متفرقة]
لما كانت المسائل المذكورة في هذا الفصل متعلقة بالهبة ذكرها في فصل على حدة. عناية. وأشار
بقوله مسائل متفرقة إلى أن الأولى ترجمته بذلك. قوله: (وهب أمة إلا حملها) اعلم أن استثناء الحمل
ينقسم إلى ثلاثة أقسام: في قسم: يجوز التصرف ويبطل الاستثناء كالهبة والنكاح والخلع والصلح عن
دم العمد. وفي قسم: لا يجوز أصل التصرف كالبيع والإجارة والرهن، لان هذه العقود تبطل
بالشروط، وكذا باستثناء الحمل. وفي قسم: يجوز التصرف والاستثناء جميعا كالوصية، لان إفراد
الحمل بالوصية جائز فكذا استثناؤه. يعقوبية. وباقي التفصيل في البيانية للعيني. قوله: (أو على أن
يردها عليه) أي بعد حين. وقوله: أو يستولدها أي يتخذها أم ولد. قوله: (على أن يرد شيئا منها)
أي أو كرما على أن ينفق عليه من ثمرته كما في الخانية، وهو متعلق بوهب أو تصدق على سبيل
البدل. قوله: (ولو معينا) أشار به إلى أنه لا فرق في التعويض ببعض الموهوب بين المجهول والمعلوم،
لان الفساد ليس من جهة الجهالة بل من جهة كونه بعض الموهوب. قوله: (أو على أن يعوض في الهبة
والصدقة شيئا منها) أي شيئا مجهولا ح. وقيد بقوله: منها فلو من غيرها أفسدها.
قال في الخانية: وهبه أرضا وشرط عليه أن ينفق عليه من الخارج، فهي فاسدة. وقال في
الصرة: العوض المجهول إذا كان من غير عين الموهوب يفسد الهبة، وتقدم لنا أن الفاسدة مضمونة،
وشرطوا لفسادها أن يكون الشرط في العقد لا بعد، وحينئذ فالأولى مجازاة نقوط الأفراح، بل ربما
على عرف من يجعله كالقرض يجب كما تقدم. وفي بعض النسخ: بل أكثرها عنها بدل منها. قوله:
(صحت الهبة) في الصور كلها لأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة. درر.
قال شيخ الاسلام: أي التي تفسد البيع مع كونها غير آيلة إلى الهبة، بشرط العوض كما يظهر

635
ذلك في فتاوى قاضيخان وغيره، وذلك كهبة مهرها بشرط أن يحج بها، أو يحسن إليها أو يقطع لها
في كل حول ثوبا مرتين، فجعلوا اشتراط نفقة الحج والاحسان إليها وقطع الثوب بمنزلة شرط
العوض، بل جعل بعض المشايخ شرط ترك ظلمها في هبتها مهرها أو شرط المكث معها مثله في
الحكم، فحكموا ببطلان هبتها إذا ظلمها أو لم يمكث معها وهو المختار، وكأنه لانتفاعها بهما لشبههما
بالعوض في الجملة، وإن لم يكونا عوضين حقيقة، فكأنهم عملوا فيه بالشبهين، فأفسدوا الهبة متى لم
يحصل المشروط للواهب لشبهه بالعوض، فإنه لا تتم الهبة إذا لم يحصل العوض، وصححوها متى
حصل النفع المشروط وإن كان مجهولا جهالة فاحشة كترك الظلم المجهول لجهالة مدته لأنه ليس بعوض
حقيقة، وهذا بخلاف الشروط المذكورة في الكتاب. وأما إذا شرط عوضا مجهولا جهالة فاحشة كما
إذا شرط أن ينفق على الواهب ما يخرج من الأرض القراح الموهوبة فالهبة فاسدة مطلقا كما صرحوا
به، والظاهر أن الفساد لكونه تعليل الهبة بالخطر إذ الخروج موهوم، هذا ما فهمت من كتب الفتاوى.
كذا ذكره جوى زاده. وسيأتي تمامه آخر الفصل. قوله: (وبطل الاستثناء في الصورة الأولى) لان
الاستثناء لا يعمل إلا في محل يعمل فيه العقد والهبة لا تعمل في الحمل لكونه وصفا للجارية فانقلب
شرطا فاسدا، والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة. وقد أوسع الكلام على الحمل الاتقاني، ونقله الشلبي
عنه فراجعه إن شئت ط.
وفي البحر: وكذا الحكم في كل معاوضة مال بغير مال كالنكاح والخلع والصلح عن دم عمد
والصدقة والعتق، بخلاف المعاوضات المالية كالبيع والإجارة والرهن والكتابة لأنه عليه الصلاة والسلام
نهى عن بيع وشرط، وبخلاف الوصية حيث تجوز في الام دون الحمل، وفي الحمل دون الام لان
بابها أوسع. ولو أعتق حملها ثم وهبها صح لان الجنين غير مملوك له فاشتغال بطنها به لا يوجب
الفساد، بخلاف ما إذا دبر الحمل ثم وهبها حيث لا تجوز الهبة لان ملكه فيه باق فكانت هبة مشغول،
بخلاف الأول. ا ه‍. ويأتي قريبا. قوله: (لأنه بعض) وقد مر أنه يشترط أن لا يكون العوض بعض
الموهوب وهو تعليل لقوله على أن يرد شيئا منها. قوله: (أو مجهول) تعليل لقوله على أن يعوض
في الهبة والصدقة شيئا عنها ولا يشمل الثلاث التي بعد الأولى، فالأولى تعليل الهداية بأن هذه
الشروط تخالف مقتضى العقد فكانت فاسدة والهبة لا تبطل
بها إلا أن يقال: قوله والهبة لا تبطل بالشروط من تتمة التعليل. قوله: (بالشروط) أي الفاسدة. قوله: (ولا تنس ما مر) أي فجهالته
مفسده. قال في السراج: والأصل في هذا أن كل عقد من شرطه القبض فإن الشرط لا يفسده كالهبة
والرهن. ا ه‍. ونبه الشارح بقوله: ولا تنس إشارة إلى دفع ما قاله الزيلعي تبعا للنهاية من أن قوله أو
على أن يعوض الخ فيه إشكال، لأنه إن أراد به الهبة بشرط العوض فهي والشرط جائزان فلا يستقيم
قوله بطل الشرط وإن أراد به أن يعوضه عنها شيئا من العين الموهوبة فهو تكرار محض، لأنه ذكره
بقوله على أن يرد عليه شيئا منها ا ه‍.
وحاصل الدفع: أن المراد الأول، وإنما بطل الشرط لجهالة العوض. كذا أفاده في البحر. ثم
رأيت صدر الشريعة صرح به فقال: مرادهم ما إذا كان العوض مجهولا، وإنما يصح العوض إذا كان
معلوما ا ه‍.

636
أقول: وتابع صدر الشريعة صاحب الدرر حيث قال: واعترض الزيلعي على قولهم أو يعوضه
شيئا منها بأن المراد إما الهبة بشرط العوض فهي والشرط جائزان فلا يستقيم قوله: بطل الشرط وإن
أراد به أن يعوضه عنها شيئا من العين الموهوبة فهو تكرار محض لأنه ذكره بقوله على أن يرد عليه
شيئا منها.
وأقول: المختار الشق الأول، وقوله فهي والشرط جائزان ممنوع، وإنما يجوز إذا كان العوض
معلوما. وأجاب العيني بأن قوله على أن يرد شيئا منها لا يستلزم أن يكون عوضا لان كونه عوضا
إنما هو بألفاظ مخصوصة فيجوز أن يكون ردا ولا يكون عرضا، وأما قوله على أن يعوضه شيئا
منها فتصريح بالعوض، ولا شك أنهما متغايران.
بقي أن يقال: ما أجاب به في الدرر والبحر وسبقهما إليه صدر الشريعة متعقب، فقد ذكر
عزمي زاده ما نصه: يفهم من كلام صاحب الدرر أنه إذا وهب دارا بشرط أن يعوضه شيئا معينا منها
تصح الهبة والشرط مع أنه ليس كذلك، فالصواب في الجواب أن يختار الشق الثاني ولا تكرار، لان
الرد عليه لا يستلزم كونه عوضا، وفي هذا المقام كلام يعلم بمراجعة تكملة قاضي زاده. وقال المولى
عبد الحليم، قوله بأن المراد ما الهبة بشرط العوض الخ أراد به عوضا لا من العين الموهوبة.
أقول: فيه بحث لأنه لم يرد به، إذ المفروض أن يكون العوض شيئا منها وقوله: وإن أراد به الخ
هذا هو المراد ونمنع التكرار، لان رد الشئ منها لا يستلزم كونه مردودا على طريق العوض، بل
المتبادر من الرد أنه مردود لا بطريق العوض فيحمل عليه، على أن العوض إنما يكون بألفاظ مخصوصة
كما مر، وأيضا لا بد في التعويض من الإضافة إلى الهبة. ثم التحقيق أن شرط العوض من العين
الموهوبة لغو لا يمنع الرجوع سواء كان معلوما أو لم يكن دل عليه ما ذكر في التتارخانية وغيرها، من
أن الهبة لو كانت ألف درهم والعوض درهم منها أو كانت دارا والعوض بيت منها لم يكن عوضا،
وكان للواهب أن يرجع في الهبة استحسانا. وقال زفر: يكون عوضا فظهر أن ما أجاب به المصنف
قاصر كما لا يخفى. ا ه‍. قوله: (من اشتراط معلومية العوض) قال المصنف في منحه: وقيدنا العوض
في المختصر بكونه معينا، وهو قيد لازم أخل به صاحب الكنز وغيره من أصحاب المتون ا ه‍.
قال الرملي في حاشيته عليها: قوله وهو قيد لازم أقول لا حاجة إليه بعد قوله بيع انتهاء الخ.
إذ قوله فيرد ويأخذ صريح في أنه معين فالألف واللام في العوض بدل عنه، فالتقدير عوض معين،
وهذا غالب في عبارات المختصرات.
قال في البحر: وأراد بالعوض العوض المعين إذ في اشتراط العوض المجهول تكون هبة ابتداء
وانتهاء لبطلان اشتراطه كما سيأتي. ا ه‍. فلم يقع من أصحاب المتون الخلل ا ه‍. قوله: (أعتق حمل أمة
الخ) قيل فيه روايتان: في رواية: لا تجوز الهبة في الاعتاق والتدبير جميعا. وفي رواية: جازت فيهما
جميعا، والصحيح ما في المتن. ووجه الفرق ما نذكره في المقولة الآتية بعد هذه عن الزيلعي كما في
الخانية. قوله: (ولو دبره ثم وهبها لم يصح) قال الزيلعي: ولو أعتق ما في بطنها ثم وهبها جازت
الهبة في الام لان الجنين غير مملوك واشتغال بطنها لا يوجب الفساد، كما إذا وهب أرضه وفيها

637
أبنيته، بخلاف ما إذا دبر الحمل ثم وهبها حيث لا تجوز الهبة، لان ملكه فيه باق، ولا يمكن إدخاله
في الهبة لان المدبر لا يقبل النقل من ملك إلى ملك، ولا تصح الهبة في الام بدونه لأنها مشغولة به،
فصار نظير هبة النخل بدون الثمر أو الجوالق بدون الدقيق من حيث إن كل واحد منهما يمنع القبض.
ا ه‍. قوله: (بشرط محض) لما في الابراء من معنى التمليك، ولا يصح تعليق التمليكات بالشرط، وقد
تقدم في مسائل شتى من الدعوى. قوله: (فهو باطل) قال في البحر: لان هبة الدين ممن عليه إبراء
وهو تمليك من وجه، فيرتد بالرد ولو بعد المجلس على خلاف فيه كما في النهاية، وإسقاط من وجه
فلا يتوقف على القبول والتعليق بالشروط مختص بالاسقاطات المحضة التي يحلف بها كالطلاق والعتاق
فلا يصح تعليق التمليكات، ولا الاسقاطات من وجه، ولا الاسقاطات من كل وجه دون وجه، ولا
يحلف بها كالعفو عن القصاص، وقيد بقوله إن أديت لأنه لو قال أنت برئ من النصف على أن
تؤدي إلي النصف صح، لأنه ليس بتعليق بل تقييد، ولما قدمناه في باب التعليق أن المعلق بعلى هو ما
بعدها لا ما قبلها، وأشار بقوله لمديونه: إن هبة الدين للكفيل تمليك من كل وجه حتى يرجع بالدين
على المكفول عنه، ولا يتم إلا بقبوله، وإبراء الكفيل عن الدين إسقاط من كل وجه حتى لا يرتد
بالرد. كذا في النهاية ثم قولهم إن الابراء لا يتوقف على القبول يستثنى منه ما إذا أبرأ رب الدين
بدل الصرف والسلم أو وهبه له يتوقف على القبول، لان البراءة عنه توجب انفساخه لفوات القبض
المستحق بعقد الصرف والسلم، ولا ينفرد أحدهما بفسخه فلا بد من قبوله ا ه‍.
أقول: فقوله والتعليق يختص بالاسقاطات المحضة التي يحلف بها إشارة إلى أن من الاسقاطات
المحضة ما لا يحلف بها: أي لا يقبل التعليق بالشرط كالحجر على المأذون وعزل الوكيل والابراء عن
الدين. قوله: (لأنه مخاطرة وتعليق) لاحتمال موت الدائن قبل الغد أو قبل موت المديون ونحو ذلك،
لان المعنى إن مت قبلي وإن جاء الغد والدين عليك، فيحتمل أن يموت الدائن قبل الغد أو قبل موت
المديون، فكان مخاطرة. كذا قرره شيخ سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
وقال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: وأقول الظاهر أن المراد أنه مخاطرة في مثل إن مت من
مرضك هذا، وتعليق في مثل إن جاء الغد والابراء لا يحتملهما، وأن المراد بالشرط الكائن الموجود
حالة الابراء، وأما قوله إن مت بضم التاء فإنما صح وإن كان تعليقا لأنه وصية وهي تحتمل التعليق،
فافهم. وتقدمت المسألة في متفرقات البيوع فيما يبطل بالشرط ولا يصح تعليقه به.
أقول: وهذا يقتضي أن المريض إذا قال في مرضه إن مت من مرضي هذا فعبدي وصية لفلان
أنه باطل لأنه مخاطرة فلا يصح، فليتأمل. فهل فرق بين المسألتين؟ ويمكن أن يقال: ما سمعته من أنه
وإنما صح هنا وإن كان تعليقا لأنه وصية وهي تحتمل التعليق. قوله: (ليكون تنجيزا) الأولى فيكون.
قوله: (وكذا إن مت بضم التاء فأنت برئ منه أو في حل جاز) فرق بينهما في الهندية ونصه: لو قال

638
رب الدين إن مت فأنت في حل منه فهو جائز. كذا في فتاوى قاضيخان ولو قال إن مت فأنت
برئ من ذلك لا يبرأ، وهو مخاطرة كقوله إن دخلت الدار فأنت برئ مما لي عليك لا يبرأ. كذا في
وجيز الكردري. ا ه‍. والتعليق موجود في كل. وقد فرق المؤلف بين قول الدائن إن مت من مرضي
هذا، وبين إن مت بلا قيد، فجعل الأول تعليقا والثاني وصية ط.
والحاصل: أنه إنما لم يجز في الأول وجاز في الثاني مع أن التعليق موجود في كل، لان الأول
مخاطرة وتعليق والثاني وصية. قوله: (جاز العمري) بالضم اسم من الاعمار صحاح. يقال أعمرته
الدار عمري: أي جعلتها عليه يسكنها مدة عمره، فإذا مات عادت إليه، وكانوا يفعلون ذلك في
الجاهلية. وفي الشريعة جعل نحو داره للمعمر له مدة عمره بشرط أن يردها على المعمر أو على ورثته
إذا مات المعمر له أو المعمر، ونحو أعمرتك داري هذه حياتك أو وهبتك هذا العبد حياتك فإذا مت
فهو لورثتي. نقاية وشرحها.
قال الشمني: وصورتها أن يقول: أعمرتك داري هذه أو هي لك عمري أو ما عشت أو مدة
حياتك أو ما حييت فإذا مت فهي رد علي ا ه‍.
وقال الزيلعي والعمري هو أن يجعل داره له عمره فإذا مات ترد عليه، فصح التمليك وبطل
الشرط لما بينا أن الهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة، ويبطل الشرط انتهى. وقال في شرح المجمع:
العمري هي هبة شئ مدة عمر الموهوب له أو الواهب بشرط أن يعود إليه أو إلى ورثته إذا مات
الموهوب له انتهى. فقول الشارح عمره يصح أن يرجع الضمير إلى الواهب أيضا كما في الشرنبلالية.
قوله: (لبطلان الشرط) أي شرط الرد على المعمر أو ورثته. قوله: (لا تجوز الرقبى) هي بالضم من
المراقبة. وهي لغة: أن تعطي إنسانا ملكا وتقول إن مت فهو لك وإن مت فلي. كذا في المبسوط
وغيره. وشريعة أن يقول داري لك رقبى إن مت قبلك فهي لك ا ه‍. ويعني إن مت قبلي فهي لي: أي
فكأنه قال له ارقب حياتي، فإذا مت وأنت حي فهي لك، فهو تعليق للتمليك بالشرط فلا يصح،
وإنما لم تكن وصية، لأنه لم يعلقها بمطلق موته، بل بشرط أن يموت والمرقب حي فكانت مخاطرة،
وهذا قول الإمام ومحمد، والعلة في عدم الجواز ما ذكره الشارح. قال أبو يوسف: إنها صحيحة،
لأنها تمليك في الحال والشرط باطل، والأول هو الصحيح. مضمرات قوله: (وإذا لم تصح تكون
عارية) أي إذا سلمها إليه لتضمن الرقبى إطلاق الانتفاع. حموي عن الينابيع: أي لأنه حينئذ قد أذن له
بالانتفاع بها، وإنما لم يقيد بذلك، لان الهبة المبوب لها من شرطها التسليم. قوله: (لمعمره) بفتح الميم
الثانية. قوله: (في حياته وموته) يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى المعمر بفتح الميم، ومعنى كونها له
في موته أنها من ماله المتروك عنه، ويحتمل رجوع الضمير إلى من في قوله من. قوله: (فهو سبيل
الميراث) على تقدير مضاف في المبتدأ: أي فطريق الشئ المرقب طريق الميراث عن المرقب بالكسر.
وفي كافي الحاكم الشهيد باب الرقبى: رجل حضرته الوفاة فقال داري هذه حبيس لم تكن
حبيسا، وهي ميراث، وكذا إن قال داري هذه حبيس على عقبي من بعدي والرقبى هي الحبيس
وليس بشئ.

639
قال لرجلين: عبدي هذا لأطولكما حياة أو قال عبدي هذا حبيس على أطولكما حياة فهذا
باطل، وهو الرقبى، وكذلك لو قال لرجل داري لك حبيس، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو
يوسف: أما أنا فأرى أنه إذا قال داري لك حبيس فهي له إذا قبضها، وقوله حبيس باطل، وكذلك
إذا قال هي لك رقبى. ا ه‍.
وفيه أيضا: قال داري هذه لك عمرى تسكنها وسلمها إليه فهي هبة، وهي بمنزلة قوله طعامي
هذا لك تأكله وهذا الثوب لك تلبسه. وإن قال وهبت لك هذا العبد حياتك وحياته فقبضه فهي
جائزة. وقوله حياتك باطل. وكذلك لو قال أعمرتك داري هذه حياتك أو قال أعطيتكها حياتك فإذا
مت فهي لي وإذا مت أنا فهي لوارثي. وكذا لو قال هو هبة لك ولعقبك من بعدك، وإن قال أسكنتك
داري هذه حياتك ولعقبك من بعدك فهي عارية، وإن قال هي لك ولعقبك من بعدك فهي هبة له
وذكر العقب لغو انتهى. قوله: (هدايا) أي فيما يظهر وإلا فإنه يدعي العارية، فالأولى حذفه قوله:
(أولا) لان القرينة تدل أنها ما أرسلت إليه إلا مكافأة لصنيعه. قوله: (بعد الزفاف) قيد لبيان الواقع،
لان في مثل هذه الحالة يظهر التجاحد، فلو ادعى ذلك من غير افتراق فالحكم كذلك لأنه هو الدافع
فهو أعلم بجهة الدفع، وإذا ظهر أنه لم يهد تبين أن عوضها لم يصادف محلها، لأنها لم تقصد ابتداء البر
بل مكافأة له على صنيعه، وقد تبين أن لا صنيع منه فتسترد ما دفعت. تأمل. قوله: (وحلف) إنما لم
يطالب ببينة لاتفاقهما على الملك له، فجهة التمليك لغيره تعلم منه فإذا تخالفا حلف، ومحله فيما
يظهر إذا لم تقم بينة على مدعاها. قوله: (وأرادت هي الاسترداد أيضا) فإذا لم ترد سقط حقها لا حقه.
قوله: (فلا عوض) لأنها إنما قصدت التعويض عن هبته، فلما ادعى العارية ورجع لم يوجد التعويض
من جهتها فلها الرجوع. قوله: (فلو استهلك أحدهما) قيد به لاخراج الهلاك، فإنه لا ضمان فيه إذ
هو عارية، وهذا إنما يظهر فيما للزوج، أما هي فلم تدفعه إلا عوضا فيلزمه مطلقا، فتأمل ط. قوله:
(هبة الدين ممن عليه الدين) يعني سواء كان عليه حقيقة أو حكما كما لو وهب غريم الميت الدين من
وارثه، ولو رد الوارث الهبة ترتد بالرد خلافا لمحمد، وقيل لا خلاف هنا والخلاف فيما لو وهبه
للميت فرده الوارث، ولو وهب لبعض الورثة فالهبة لكلهم، ولو أبرأ الوارث صح. أيضا كذا في
البزازية. ذكره الحموي. قوله: (يتم من غير قبول) لما فيه من معنى الاسقاط.
قال المصنف في منحه: فإن قلت هذا منقوض بدين الصرف والسلم فإن رب الدين إذا أبرأ
المديون منه أو وهبه له توقف على قبوله.
قلت: أجيب عنه بأن توقفه على ذلك لا من حيث إنه هبة الدين، بل من حيث إنه يوجب
انفساخ العقد بفوات القبض المستحق بعقد الصرف وأحد العاقدين لا ينفرد بفسخه، فلهذا توقف. ا ه‍.
قوله: (إذا لم يوجب انفساخ عقد صرف أو سلم) أي إذا أبرأه عن أحد بدلي الصرف أو عن رأس مال

640
السلم يتوقف على القبول لما علمت من كونه موجبا للفسخ فيهما لا لكونه هبة. قوله: (لكنه يرتد
بالرد) استدراك على قوله يتم من غير قبول يعني وإن تم من غير قبول لما فيه من معنى الاسقاط
لكنه يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك ح.
قال في الأشباه: الابراء يرتد بالرد إلا في مسائل. الأولى: إذا أبرأ المحتال المحال عليه فرده لا
يرتد. وكذا إذا قال المديون أبرئني فأبرأه. وكذا إذا أبرأ الطالب الكفيل، وقيل يرتد: الرابعة: إذا قبله
ثم رده لم يرتد ا ه‍.
وفي البحر: أطلق الهبة فانصرفت إلى الأعيان فلا رجوع في هبة الدين للمديون بعد القبول
بخلافه قبله لكونها إسقاطا ا ه‍. قوله: (لما فيه من معنى الاسقاط) تعليل للتعميم: يعني وإنما صح
الرد في غير المجلس لما فيه من معنى الاسقاط، إذ التمليك المحض ض يتقيد رده بالمجلس، وليس تعليلا
لقوله يرتد بالرد لما علمت أن علته ما فيه من معنى التمليك فتنبه ح.
والحاصل: أن الابراء عن الدين فيه معنى التمليك ك ومعنى الاسقاط، وهبة الدين كالابراء منه،
فمن حيث الاسقاط لا يتوقف على القبول على خلاف في الهبة، ومن حيث التمليك يرتد بالرد.
قال في الصيرفية: رب الدين إذا وهب الدين من المديون فلم يقبل ولم يرد حتى افترقا فجاء
بعد أيام ورد الصحيح أنه لا يرتد هذا الاختلاف بناء على أن الرجحان في هبة الدين من المديون
بطريق الاسقاط أم بطريق التمليك؟ فمن قال للتمليك قال: يقتصر الجواب على المجلس، ومن قال
للاسقاط قال: لا يقتصر انتهى. ويرد عليه أنه إذا ترجح جانب الاسقاط ينبغي أن لا يرتد مطلقا.
تأمل. قوله: (لكن في الصيرفية) استدراك على تضعيف للعناية القول الثاني ح. وقد يقال: هو وإن
كان صحيحا فغيره أصح، فتحصل أنهما قولان مصححان ط. قوله: (لكن في المجتبى) استدراك على
جعلهم كلا من الهبة والابراء إسقاطا من وجه تمليكا من وجه، وأنت خبير بأن هذا الاستدراك مخالف
للمشهور ح. قوله: (تمليك) أي فتحتاج إلى القبول كما صرح به في المجتبى وعزا التسوية بين الهبة
والابراء لزفر. قوله: (والابراء إسقاط) ومن قال للاسقاط لا يحتاج إليه. منح. قول (تمليك الدين
الخ) قال المحشي الحموي: يستثنى من ذلك ما في القنية من باب الاجر في القرض، ولو قال الأجنبي
للدائن هب دينه لي أو حلله لي أو قال اجعل ذلك لي فقال قد فعلت يبرأ استحسانا، ولو وهبه له ابتداء
لا يبرأ انتهى. قوله: (حوالة) أي إذا كان المحال عليه مديون المحيل وقد أحال شخصا عليه فإن الدين
ينتقل من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، والتعبير بالانتقال يفيد أن المحال لم يملك ما بذمة المحال
عليه من الدين، وإنما هو لما رضي بالحوالة فقد التزم الدفع له بأمر المحيل فإذا دفع عنه بأمره وقعت
المقاصة بينهما، فليتأمل. وأيضا المحال مسلط على قبضه من المحال عليه. ويقال في الوصية ليس فيها
تمليك وإنما هو تسليط أيضا فرجع الامر إلى التسليط في الكل. قوله: (ووصية) أي بأن أوصى بالدين
الذي له على زيد لعمرو فإنه يصح لان الموصى له خليفة عن الميت، وكذا إذا أوصى بثلث ماله مثلا

641
وفي التركة ديون فإن الموصى له يملك من الديون بقدر وصيته: أي يملك المطالبة، وإنما يصير ملكا
حقيقة إذا صار عينا. قوله: (وإذا سلطه على قبضه) أي وقبضه فيصح: يعني لأنه يصير حينئذ وكيلا
عن الدائن في القبض من المديون ثم يقبض لنفسه كما ذكره الحموي، ومقتضاه صحة عزله عن
التسليط. أشباه.
قال في جامع الفصولين: هبة الدين ممن ليس عليه لم تجز إلا إذا وهبه وأذن له بقبضه فقبضه
جاز صك لم يجز إلا إذا سلطه على قبضه، فيصير كأنه وهبه حين قبضه ولا يصح إلا بقبضه انتهى.
فتنبه لذلك. رملي قوله: (فيصح الخ) وحينئذ يصير وكيلا في القبض عن الآمر ثم أصيلا في القبض
لنفسه، ومقتضاه صحة عزله عن التسليط قبل القبض، وإذا قبض بدل الدراهم دنانير صح، لأنه صار
الحق للموهوب له فملك الاستبدال، وإذا نوى في ذلك التصدق بالزكاة أجزأه كما في الأشباه. قوله:
(ومنه) أي مما استثنى. قوله: (ما لو وهبت من ابنها ما على أبيه) أي وامرأته بالقبض. بزازية.
وفي الأشباه في أحكام الدين: وهبت مهرها من أبيها أو لابنها الصغير من هذا الزوج إن أمرت
بالقبض صحت وإلا لا، لأنها هبة الدين من غير من عليه الدين، ومثله في مجموعة مؤيد زاده. قوله:
(فالمعتمد الصحة للتسليط) أي إذا سلطته على القبض كما يشير إليه قوله ومنه. وفي الخانية: وهبت
المهر لابنها الصغير الذي من هذا الزوج الصحيح أنه لا تصح الهبة إلا إذا سلطت ولدها على القبض
فيجوز ويصير ملكا للولد إذا قبض. ا ه‍. فقول الشارح للتسليط أي التسليط صريحا لا حكما وعادة
كما فهمه السائحاني وغيره.
قال في الحاوي القدسي: إن سلطته علي قبضه وهو الصواب، لكن ينظر فيما إذا كان الابن لا
يعقل فإن القبض يكون لأبيه، فهل يشترط أن يفرز الأب قدر المهر ويقبضه لابنه، أو يكفي قبوله كما
في هبة الدين ممن عليه؟ يراجع. قوله: (ويتفرع على هذا الأصل) أي الذي ذكره المصنف. قوله: (لم
يجز) إلا أن يسلطه الدائن على المديون ويقبضه منه، ونقل في الأشباه قولين: بالجواز، وعدمه وقدم
الجواز وظاهره اعتماده.
قال في القنية: قضى دين غيره ليكون له ما على المطلوب فرضي جاز. وفي ط: وصك بخلافه
ا ه‍. ومنه ومما في الأشباه يعلم أن التفريع على أحل القولين. قوله: (ولو كان وكيلا بالبيع) أي فقضى
للموكل الثمن ليصير ما بذمة المشتري له لا يصح فيكون القضاء على هذا فاسدا ويرجع البائع على
الآمر بما أعطاه وكان الثمن على المشتري على حاله. أشباه. إلا أن يسلطه الموكل على القبض بعد
الدفع. أما قبله فالولاية في الطلب له كما لا يخفى. قوله: (وليس منه) أي من تمليك الدين من غير
من عليه الدين. قوله: (حيث صح إقراره) أي قضاء، أما في الديانة فلا يحل له الدين إذا لم يكن له
في نفس الامر، لان الاقرار ليس سببا للملك مع أن التمليك هنا لا يفيد ما لم يأمره. قوله: (فللمقر
له قبضه) فإذا دفعه إليه برئ وكذا إذا دفع إلى المقر كما في المنح، وأكثر النسخ كما هنا، وفي

642
بعضها: فللمقر ولاية قبضه، وهذا الموافق لما في البزازية، فليراجع فإنه مهم. قوله: (وتمامه في
الأشباه من أحكام الدين) لعل الضمير راجع إلى الدين أي تمام بيان أحكامه، وإلا فلم يتكلم في
الأشباه على هذه المسألة ط.
أقول: وعبارتها وفي وكالة الواقعات الحسامية: لو قال وهبت منك الدراهم إلي لي على فلان
فاقبضها منه فقبض مكانها دنانير جاز، لأنه صار الحق للموهوب له فملك الاستبدال. ا ه‍. وهو مقتض
لعدم صحة الرجوع عن التسليط، لكن ينافيه ما قدمناه عن الأشباه. فتأمل. قوله: (لي على فلان) أي وإن
زاد لفظ لي، ولذا استشكله الشارح. قوله: (بزازية الخ) والبزازي تبع ما في الخلاصة، وسبق في الاقرار
الاعتراض عليها وسبق تأييد الاعتراض. قوله: (قلت هو مشكل الخ) أقول: هذا الاشكال ذكره المصنف
في منحه أيضا.
وأجاب عنه الرملي في حاشية المنح في كتاب الاقرار فقال بعد كلام طويل: والحاصل أن الاقرار
يصح مطلقا بلا قبول، ولا يلزم لو كان المقر له غائبا ولعدم لزومه جاز أن يقر به لغيره قبل حضوره،
فاجتمعت كلمتهم على أن القبول ليس من شرط صحة الاقرار، وأما لزومه فشئ آخر، والمصنف لم
يفرق بين الصحة واللزوم فاستشكل على الصحة المجتمعة عليها كلمتهم باللزوم. وأما ما أجاب به
المجيب المذكور ففيه نظر، إذ لو كان كما فهمه لما افترق الاقرار للغائب والحاضر مع أن الظاهر أن
بينهما فرقا في الحكم، ألا ترى إلى قوله في الخانية: ولو أقر لولده الكبير الغائب أو أجنبي بعد قوله
وأما الاقرار للحاضر فيلزم من جانب المقر حتى لا يصح إقراره لغيره به قبل رده ولا يلزم من جانب
المقر له فصح رده. وأما الصحة فلا شبهة فيها في الجانبين بدون القبول كما يفهم من كلامهم، فظهر
الجواب وزال الاشكال بما قررناه والحمد لله تعالى ا ه‍. قوله: (لأنه مع الإضافة إلى نفسه) أي مع إسناد
المال إليه. قوله: (فتأمله) يمكن الجواب بأن المراد الدين الذي لي على فلان بحسب الظاهر هو لفلان:
أي في نفس الامر فلا إشكال ا ه‍. ح. لكن يقال فيه: إنه متى أمكن الحقيقة، فلا يعدل إلى المجاز
وتقدم في الاقرار ما يقوي إشكال الشارح، ولعل المراد بالإضافة في قوله الدين الذي لي على فلان
إضافة نسبة لا ملك كما في قولهم: جميع ما في بيتي لفلان فإنه إقرار، وكذا جميع ما يعرف بي أو
ينسب إلي.
أقول: ويمكن أن يكون مبنيا على الخلاف، فإنه قال في القنية راقما لعلي السغدي: إقرار الأب
لولده الصغير بعين من ماله تمليك إن أضافة إلى نفسه في الاقرار، وإن أطلق فإقرار كما في سدس
داري وسدس هذه الدار، ثم رقم لنجم الأئمة البخاري إقرار في الحالين لا تمليك ا ه‍. قال في إقرار
المنح: فيفيد أن في المسألة خلافا، ولكن الأصل المذكور هو المشهور، وعليه فروع في الخانية وغيرها،
وقد مرت المسألة قبيل إقرار المريض، وأجبنا عنها بجواب حسن، فارجع إليه قوله: (اصطلحا الخ)

643
مناسبة ذكر هذه المسألة كتابة اسم غير المستحق، فإن المكتوب اسمه لا يستحق المكتوب. قوله:
(فالعطاء لمن كتب اسمه) عبارة البزازية: له عطاء في الديوان ومات عن ابنين فاصطلحا على أن يكتب
اسم أحدهما في الديوان ويأخذ العطاء هو والآخر لا شئ له من العطاء، ويبذل من كان له العطاء
مالا فالصلح باطل، ويرد بدل الصلح والعطاء الذي جعل الامام العطاء له، لان الاستحقاق للعطاء
بإثبات الامام لا دخل لرضا الغير وجعله، غير أن السلطان إن منع المستحق فقد ظلم مرتين في قضية
في حرمان المستحق، وإثبات غير المستحق مقامه ا ه‍. قوله: (والصدقة كالهبة الخ) قال في العناية: لما
كانت الصدقة تشارك الهبة في الشروط وتخالفها في الحكم ذكرها في كتاب الهبة ا ه‍. وقدم المصنف
أحكام الهبة على الصدقة لعمومها في حق المسلم والكافر، وكثرت تفاريعها كما في المفتاح، وهو
عكس ما هو المشهور من أن ما كثرت تفاريعه يؤخر لطول الكلام عليه. حموي. قوله: (لا تصح غير
مقبوضة) أي لا تتم. قوله: (ولا في مشاع يقسم) قيد به لأنه لا تصح في مشاع لا يقسم. حموي.
فإن قلت: قدم أن الصدقة لفقيرين جائزة فيما يحتمل القسمة بقوله وصح تصدق عشرة
لفقيرين.
قلت: المراد هنا من المشاع أن يهب بعضه لواحد فقط فحينئذ هو مشاع، يحتمل القسمة بخلاف
الفقيرين فإنه لا شيوع كما تقدم. بحر. قوله: (ولا رجوع فيها) الأولى غير أنه لا رجوع فيها لان
عبارته توهم أنها مثلها فيه، وقد ذكرها في الدرر مستقلة بلا تشبيه حيث قال: تصدق على غني أو
وهبه لفقير لا يرجع اعتبار اللفظ في الأولى، وللمعنى في الثانية.
والحاصل: أنها جملة مستأنفة وليست بداخلة تحت التثنية وإلا لفسد المعنى، فليتأمل. وضمير
فيها للصدقة. وفي القدوري: الصدقة كالهبة لا تصح إلا بالقبض، ولا يصح الرجوع في الصدقة
بعد القبض ا ه‍. قوله: (ولو على غني) أي ولو تصدق على غني ليس له الرجوع، واختاره في الهداية
مقتصرا عليه لأنه قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب لكثرة عياله. بحر. وهذا مخالف لما مر قبيل باب
الرجوع من أن الصدقة على الغني هبة، ولعلهما قولان. تأمل. قال القهستاني: الفقير والغني يستويان
في عدم العود. وقال بعضهم: إن له العود على الغني. ا ه‍. ثم رأيت الشمني ذكره حيث قال: ولو
تصدق على غني لا يعود استحسان، والقياس أن يعود، وبه قال بعض أصحابنا الخ. قوله: (لان
المقصود فيها الثواب) وقد حصل، قيل عليه أن حصول الثواب في الآخرة فضل من الله تعالى ليس
بواجب عندنا خلافا للمعتزلة فلا يقطع بحصوله. ويمكن أن يقال: حصول الوعد بالثواب. أخي
جلبي. قوله: (فالقول للواهب) لأنه الدافع فهو أدرى بجهة الدفع.
أقول: ونقل الرملي في حاشيته على المنح عن الزاهدي في كتابه المسمى بحاوي مسائل المنية:
رجل اشترى حليا ودفعه إلى امرأته واستعملته ثم ماتت ثم اختلف الزوج وورثتها أنها هبة أو عارية
فالقول للزوج مع اليمين أنه دفع ذلك إليها عارية لأنه منكر للهبة.
أقول: وهذا صريح في رد كلام أكثر العوام أن تمتع المرأة يوجب التمليك، ولا شك في فساده

644
ا ه‍. وسبقه إلى هذا صاحب البحر، كما ذكرناه عنه في باب التحالف وكتبنا هناك عن البدائع: أن
المرأة إن أقرت أن هذا المتاع اشتراه لي سقط قولها، لأنها أقرت بالملك لزوجها ثم ادعت الانتقال إليها
فلا يثبت إلا بالبينة. ا ه‍. وظاهره شمول ثياب البدن، ولعله في غير الكسوة الواجبة وهو الزائد عليها.
تأمل وراجع. ويدل عليه ما مر أول الهبة من قوله اتخذ لولده أو لتلميذه ثيابا الخ وكذا ما قدمناه
ثمة عن الخزانة عند قول المصنف: هو الايجاب والقبول فحيث لا رجوع له هناك ما لم يصرح بالعارية،
فهنا أولى.
مطلب: في معنى التمليك
تنبيه: قال السيد الحموي: اعلم أن التمليك يكون في معنى الهبة، ويتم بالقبض، وإذا عري
عن القبض والتسليم اختلف العلماء فيه: فقيل يجوز، وقيل لا يجوز قياسا على الهبة. وأكثر المشايخ
على أنه يجوز بدون التسليم، وأنه غير الهبة، لان التمليك والهبة شيئان اسما وحكما، أما الاسم
فظاهر، وأما حكما فلانه لو وهب الثمار على رؤوس الأشجار لا يجوز، ولو أقر بالتمليك يجوز فثبت
أن التمليك يصح بدون التسليم، وأنه غير الهبة، وعليه الفتوى وعمل الناس، وموت المقر بمنزلة
التسليم بالاتفاق. كذا في المفتاح ا ه‍. قال ط: والمناسب في المقابلة أن يقول ولو ملكه لان الاقرار
بالملك.
صورته أن يقول: هذا الشئ لفلان وهو إخبار لا تمليك ا ه‍. قوله: (جعلتها ملكا له) هذا إنما
يتم في أرض موات أو ملك السلطان، أما إذا أقطعه من غير ذلك فللامام أن يخرجه متى شاء كما
سلف ذلك في العشر والخراج ط. قوله: (القياس نعم) لأنه تمليك يحتاج إلى القبول في المجلس،
والقياس أن لا يكفي الامر بالكتابة، بل يقتضي أن يقول ملكته، وقوله مقام حضوره الأولى: مقام
قبوله. قوله: (أعطت زوجها الخ) ولو كانت تدفع إليه فضة عند الحاجة إلى النفقة أو شيئا آخر وهو
ينفقه على عياله ليس لها أن ترجع بذلك عليه. قوله: (والقول قولها) لأنها الدافعة، فهي أدرى بجهة
الدفع لأنها المملكة، ولا يعلم إلا من جهتها، ولأنها منكرة للتمليك، والقول للمنكر بيمينه، وفي
الصورة الثانية: القول للوارث لما في جامع الفصولين: ادعى على الميت ألفا فبرهن وارثه أن الميت
أعطاه ألفا يقبل، والوارث يصدق بأنه أعطاه بجهة الدين لقيامه مقام مورثه فيصدق في جهة التمليك.
قوله: (إن كانت وهبته أو أقرضته) ذكر في أول الغصب رجل كان يتصرف في غلات امرأته ويدفع
ذهبها بالمرابحة ثم ماتت فادعى ورثتها أنك كنت تتصرف في مالها بغير إذنها فعليك الضمان، فقال
الزوج بل بإذنها، فالقول قول الزوج لان الظاهر شاهد له: أي والظاهر يكفي للدفع. حموي.
قلت: وسيأتي في شتى الوصايا فيما لو عمر دار زوجته أنه لو اختلفا في الاذن وعدمه فالقول
للمنكر. تأمل. ا ه‍. قوله: (لا له) أي ليس للغريم أن يأخذ ذلك المال. قوله: (وإلا) أي وإن لم يعطه

645
هبة بأن أعطاه قرضا أو دفع إليه ليعمل للأب. قوله: (فميراث) فالأصل ميراث والربح له. قوله:
(وتمامه في جواهر الفتاوى) وعبارته: أمير وهب جارية لرجل فأخبرته أنها كانت لتاجر قتله عدوه
واستولى عليه وتداولتها الأيدي والموهوب له لا يجد ورثة المقتول وهو يعلم أنه لو خلاها ضاعت ولو
أمسكها ربما يقع في فتنة فله أن يرفع الامر إلى القاضي ليبيعها للغائب في ذي اليد، حتى إذا ظهر
المالك كان له على ذي اليد الثمن. ا ه‍. قوله: (وإلا) بأن كان فاكهة ونحوه مما لا يذهب التحويل
لذاته. قوله: (فإن كان بينهما انبساط يباح أيضا) أي كما يباح الاكل في إناء الثريد الذي تذهب لذته
بالتحويل، يباح أيضا إذا كان بينهما انبساط: أي رفع كلفة كما تقدم من أن أحدهما يدخل بيت الآخر
بدون إذنه، ويأكل من طعامه ويتناول أوانيه وأشياءه، وإلا فلا. وكذا تعتبر العادة والعرف في وعاء
الهدية كما في زماننا، فإن الحاج حين قدومه يرسل هدايا لأصحابه فيرسل لهم ماء زمزم بإناء ثمين من
الصيني فإن العادة جرت أن يأخذها المهدي إليه مع وعائها، بخلاف ما إذا أهدى رجل لآخر عنبا في
قوصرة أو لبنا في وعاء فإنه يأخذ العنب واللبن دون القوصرة والوعاء.
قال في الهندية: ويقال إذا بعث إليه هدية في ظرف وإناء أو في العادة رد ذلك لم يملكهما
كالقصاع والجراب وما أشبه ذلك، وإن كان من العادة أن لا يرد الظرف كقواصير الثمر فالظرف هدية
أيضا لا يلزمه رده، ثم إذا لم يكن الظرف هدية كان أمانة في يد المهدي إليه، وليس له أن يستعمله في
غير الهدية، وله أن يأكل الهدية فيه إذا لم تقتض العادة تفريغه، فإن اقتضت تفريغه وتحويله لزمه تفريغه.
ا ه‍. قوله: (ليس لأهل خوان) هو كغراب وكتاب: ما يؤكل عليه الطعام. قاموس. قوله: (مناولة
أهل خوان آخر) ولو ناول من معه على خوانه لا بأس به. قال الفقيه: هذا قياس. وفي الاستحسان:
أن كل من كان في تلك الضيافة إذا أعطاه جاز وبه نأخذ. كذا في الحاوي للفتاوى ا ه‍. هندية.
وفيها لو قال الوكيل: لا أسلم من تناول مالك فقال الآمر: أنت في حل من تناولك منه من
درهم إلى مائة درهم، ليس له أن يأخذ مائة أو خمسين جملة، وله أن يتناول من المأكول والمشروب
والدراهم ما لا بد منه، ولو أهدى رجل إلى مقرضه شيئا. فإن لم يهد قبل القرض كره القبول. ا ه‍.
أقول: أي كالقاضي فإنه ليس له أن يتناول هدية من ليس له عادة في مهاداته قبل تقلده
القضاء. قوله: (ولا إعطاء سائل الخ) هو ليس خاصا بأهل الأخونة بل مطلق الضيف، فهو تعميم
بعد تخصيص، أما أهل الأخونة فإنه قد خص كل قوم بطعام أذن لهم فيه، فإذا أطعم أهل خوان آخر
فقد أباحه لغير من أباح له المضيف وفيه إضرار بجماعته، لان حقهم قد تعلق به بإباحة رب المنزل
إياهم، وربما يكون الطعام لا يكفيهم، ففي إطعام أهل الخوان الثاني تصرف في مال غيره بغير إذنه
وإضرار برفقته، فبالنظر إلى الشق الأول: لو كان بينه وبين رب المنزل مباسطة بحيث يسوغ له إطعام

646
طعامه بغير إذنه جاز له إطعام أهل الخوان الثاني، وبالنظر لحق رفقائه لا يجوز. وأما إطعام أهل خوانه
فجائز، لان رب المنزل أباحه لهم، وأما إعطاء السائل فإنه افتيات على رب المنزل فلا يجوز إلا إذا
كان بينهما مباسطة بحيث يعلم أنه يرضى بتصرفه في ماله كما قال تعالى: * ((24) أو صديقكم) * (النور: 16)
فإنه ذكر في تفسيره أن معناه والله أعلم: له أن يدخل دار صديقه ويضيف من طعامه بغير إذنه إذا وثق
برضاه بذلك، فإطعام من ذكر بالأولى. قوله: (وخادم) أي ممن هو قائم على رأس المائدة. جوهرة.
فأفاد أن ذلك في خدمة رب المنزل فغيرهم أولى، وقد صور هذه المسألة في الضيف، وأدرجها المؤلف
في مسألة أهل الخوان لأنهم ضيوف ط. قوله: (لغير رب المنزل) فإن كانت هرة صاحب البيت جاز
استحسانا. جوهرة. قوله: (وتمامه في الجوهرة) وعبارتها: رجل كتب إلى آخر كتابا وذكر فيه اكتب
الجواب على ظهره لزمه رده وليس له التصرف فيه وإلا ملكه المكتوب إليه عرفا.
رجل مات وبعث إلى ابنه كفنا ليكفنه فيه هل يملكه حتى يكون له أن يكفنه في غيره، ويمسكه
لنفسه إن كان الميت ممن يتبرك بتكفينه لفقه أو ورع؟ فإن الابن لا يملكه وإن كفنه في غيره وجب عليه
رده على صاحبه، وإن لم يكن كذلك جاز للابن أن يصرفه إلى حيث أحب ا ه‍. قوله: (لا جبر على
الصلات) بكسر الصاد جمع صلة، وهي عبارة عن أداء مال ليس بمقابلة عوض مالي كالزكاة وغيرها
من النذور والكفارات انتهى. معراج. لكن لا يظهر ذلك في الشفعة ط. قوله: (شفعة) فيجب على
المشتري تسليم العقار إلى الشفيع مع أنها صلة شرعية، ولذا لو مات الشفيع بطلت الشفعة. أشباه.
وإنما وجبت صلة للشفيع لجوازه بأحد الوجوه الثلاثة دفعها للضرر عنه ومع ذلك يأخذها جبرا من
البائع إن كانت في يده أو من المشتري. قوله: (ونفقة زوجته) لأنها وإن كانت صلة من وجه إلا أنها
عوض من وجه آخر لأنها جزاء الاحتباس. ذخيرة. ويجبر عليها ولو بالحبس. بيري. ومثلها نفقة
القرابة، والولاد، بل هي أولى من نفقة الزوجة لأنها صلة محضة، أما نفقة الزوجة فلها شبه بالأجرة
لان فيها جزاء الاحتباس. قال الصدر الشهيد: إذا مات الزوج بطل ما كان عليه واجبا من النفقة ولم
تأخذ ذلك من ميراثه، لان أصل ذلك لم يكن مالا، وإذا لم يكن مالا كانت النفقة في حق وصفية
المالية صلة والصلات لا تتم إلا بالتسليم: وإذا مات قبل التسليم تسقط. فإن قيل: لو كانت صلة
كيف يجبر الزوج على التسليم.
قلنا: يجوز أن يجبر ألا ترى أنه من أوصى أن يوهب عبده من فلان بعد موته فمات الموصي،
فإن الورثة يجبرون على تنفيذ الوصية في العبد وإن كانت صلة، ولو مات العبد تبطل الوصية انتهى.
أقول: وقدمنا في أوائل باب الرجوع في الهبة عند قول المصنف والميم موت أحد العاقدين
وذكر الشارح ثمة ما يسقط بالموت، ونقلنا ثمة عن حاشية أبي السعود: أن المراد من النفقة التي تسقط
غير المستدانة بأمر القاضي، أما هي فقد جزم في الظهيرية بعدم السقوط، وصححه في الذخيرة إلى
آخر ما قدمناه، فارجع إليه. قوله: (وعين موصى بها) فيجب على الوارث دفعها إلى الموصى له بعد
موت الموصي. أشباه. ولم يجز الجبر فيها على الواصل، فإنها صلة من الموصي، والجبر يجري على
الوصي والوارث، وليس هو ذا الصلة، بل متعرض لمال غيره لان الوصية مستحقة للموصى له، وكذا

647
مال الوقف، فإن الصلة من الواقف والجبر على المتولي، فلا خصوصية للجبر فيهما، بل كان من كان
في يده صلة من شخص لآخر يجبر على تسليمها إليه. قوله: (ومال وقف) فإنه يجب على الناظر تسليمه
للموقوف عليه مع أنه صلة محضة إن لم يكن في مقابلة عمل، وإلا ففيه شائبتها انتهى. أشباه. ويزاد ما
تؤديه العاقلة من الدية، فإن الايجاب على العاقلة بطريق الصلة. بيري. قوله: (وقد حررت أبيات
الوهبانية) ركب أشطار بيوت على أشطار بيوت أخر وحذف بعض ما يحتاج إليه منها وزاد فيها ما ليس
منها، وقوله لم يوف بإسكان الواو، وقوله يؤخذ بإسكان الذال، وقوله وعندي بفتح الياء ط. قوله:
(ليس يرجع مطلقا) أي سواء قبل المديون أو لم يقبل بل سكت، فإن سكوته يكون قبولا حكما،
وسواء ثم كان مانع في الرجوع أولا لأنها إسقاط، والساقط يكون متلاشيا فلا يتحقق الرجوع فيه
كالابراء، وكما لو هلك الموهوب، والابراء يتم من غير تصريح بالقبول فيكون صريحا ودلالة. ومن
المشايخ من جعل هبة الدين كالابراء فتتم بلا صريح قبول، ويرتد كل من الابراء والهبة بالرد كما في
الشرنبلالية. وقال ابن شجاع: لا يعمل رده، وجرى المصنف على إطلاق السقوط، ويظهر لك مما في
الشرنبلالية ما في كلام البحر حيث قال أول باب الرجوع: وأطلق الهبة فانصرفت إلى الأعيان، فلا
رجوع في هبة الدين للمديون بعد القبول، بخلافه قبله لكونها إسقاطا انتهى. وكأنه اشتبه عليه الرد
بالرجوع. تأمل. وقدمناه أول باب الرجوع. قوله: (وإبراء ذي نصف يصح) صورته: لهما دين على
رجل قال أحدهما له وهبتك نصيبي جاز فيه وإن قال وهبتك نصف الدين مطلقا عن إضافته إليه
اختلفت الرواية: في رواية ينفذ في الربع كما لو وهبه نصف العبد المشترك، فيصرف إليه الهبة أو
تصرف إلى الكل في إطلاق هبة نصف الدين، وهو ظاهر الرواية. شرنبلالية. فلذا أطلق الشارح.
قوله: وإبراء ذي نصف ليشمل قوله وهبتك نصيبي، وبه يسقط نصيبه بالاتفاق، وكذا قوله أبرأتك
عن نصف الدين في ظاهر الرواية.
وحاصله: أنه لو كان لاثنين دين مشترك على شخص فأبرأه أحدهما، فتارة يقول أبرأتك من
نصيبي فهو كما قال اتفاقا، وتارة يقول وهبتك نصف الدين من غير إضافة، وظاهر الرواية أنه
كالأول، وقيل يكون إبراء من نصف النصف ف وهو الربع. قوله: (المحرر) أي هذا هو المحرر. قوله:
(على حجها) متعلق بوهبت.
وصورته: تركت مهرها للزوج على أن يحج بها فلم يحج، فالمفتي به أنه لا يبرأ لان الرضا بالهبة
كان بشرط العوض، فإذا انعدم العوض انعدم الرضا والهبة لا تصح بدون الرضا. قوله: (أو تركه
ظلمه لها) يعني لو قالت لزوجها وهبت مهري منك على أن لا تظلمني فقبل صحت الهبة، فلو ظلمها
بعد ذلك فالهبة ماضية كما في شرح الواقعات، ونسبه إلى أبي بكر الإسكاف وأبي القاسم الصفار،
وعلله قاضيخان بأنه تعليق الهبة بالقبول، فإذا قبل تمت الهبة فلا يعود المهر بعد ذلك، وفي الأجناس
وابن مقاتل قال: مهرها عليه على حاله إن ظلمها، لأنها لم ترض بالهبة إلا بهذا الشرط، فإذا فات
الشرط فات الرضا.

648
ثم قال: والحاصل أنه لا فرق على ما عليه الفتوى بين مسألة الظلم ومسألة الحج كما صرح به
قاضيخان عبد البر. قوله: (معلق تطليق الخ) ليس هذا في الوهبانية أصلا، وإنما هي مسألة سئل
عنها الشرنبلالي ونظمها وهي قال لها: متى نكحت عليك أخرى وأبرأتني من مهرك فأنت طالق، فهل
إذا ادعى أنه أوفاها المهر فلم يبق ما تبريه عنه وأنكرت؟ يقيل في عدم الحنث وإن لم يقبل بالنظر
لسقوط حقها، كما يقبل قوله لو اختلفا في وجود الشرط.
فأجاب: أن رد الابراء لم يحنث لأنه لو كان كما ادعت فرده أبطله، وإن كما ادعى فالرد معتبر
لبطلان الابراء المقتضي للحنث، وإنما اعتبر للرد مع دعوى الدفع لما يأتي إذا قبض دينه ثم أبرأ غريمه،
وقيل صح الابراء ويرجع عليه بما قبض. ا ه‍ ملخصا: أي ومفهومه لو لم يقبل لم يصح الابراء: أي فلم
يحنث. قال: وإنما سطرته دفعا لما يتوهم من الحنث بمجرد الابراء، ونقل الشارح آخر باب التعليق:
بقي ما يكتب في التعاليق متى نقلها أو تزوج عليها وأبرأته من كذا أو من باقي صداقها، فلو دفع لها
الكل هل تبطل؟ الظاهر لا لتصريحهم بصحة براءة الاسقاط والرجوع بما دفعه. ا ه‍.
وكتب عليه سيدي ثمة قوله: فلو دفع لها الكل: أي كل الدين المعبر عنه بقوله من كذا أو كل
باقي الصداق، وقوله هل تبطل: أي اليمين المذكورة ووجه التوقف أن الطلاق معلق على شرطين:
وهما النقل والابراء، أو التزوج والابراء، فإذا وجد أحدهما فلا بد من وجود الآخر وهو الابراء مع أن
المبرأ عنه قد دفعه لها وقوله لتصريحهم الخ. قال في الأشباه: الابراء بعد قضاء الدين صحيح، لان
الساقط بالقضاء المطالبة لا أصل الدين فيرجع المديون بما أداه إذا أبرأه براءة إسقاط، وإذا أبرأه براءة
استيفاء فلا رجوع. واختلفوا فيما إذا أطلقها، وعلى هذا لو علق طلاقها بإبرائها عن المهر ثم دفعه لها
لا يبطل التعليق، فإذا أبرأته براءة إسقاط وقع ورجع عليها. ا ه‍.
والحاصل: أن الدين وصف في ذمة المديون والدين يقضى بمثله: أي إذا أوفى ما عليه لغريمه
ثبت له على غريمه مثل ما لغريمه عليه فتسقط المطالبة، فإذا أبرأه غريمه براءة إسقاط سقط ما بذمته
لغريمه فتثبت له مطالبة غريمه بما أوفاه فقد صحت البراءة بعد الدفع، فلا يبطل اليمين بل يتوقف
الوقوع على البراءة، بخلاف ما إذا أبرأه براءة استيفاء، لأنها بمعنى إقراره باستيفاء دينه وبابه لا مطالبة
له عليه، فلا يرجع عليه المديون لعدم سقوط ما بذمته بذلك، وأما لو أطلق فينبغي في زماننا حملها
على الاستيفاء لعدم فهمهم غيرها. قوله: (لو يرد فيظفر) الأولى أن يقول: فادعى الدفع يظفر. قوله:
(وإن قبض الانسان الخ) أي قبض البائع الثمن وهو المراد بمال مبيعه: أي مال بدلا عن مبيعه، ثم أبرأ
المشتري عنه يرجع المشتري على بائعه بما دفع عليه، والدائن إذا قبض دينه ثم أبرأ المدين عنه صح
ويرجع المديون على الدائن بما قبض منه.
قال العلامة عبد البر: صورة الأولى: باع وقبض الثمن من المشتري ثم أبرأ البائع المشتري من
الثمن بعد القبض يصح إبراؤه ويرجع المشتري على البائع بما كان دفعه إليه من الثمن.
والثانية لو أبرأ الدائن المديون بعد إيفاء الدين وقبضه صح ورجع المديون عليه. والأصل فيه أن
الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها، فإذا أبرأ مما في الذمة بقي ما قبضه لا في مقابلة شئ فيستحق
المطالبة، ويلزمه رده إذا طالبه به ا ه‍.

649
أقول: وفيه بحث، لأنه لو حلف أن لا دين عليه أو له بعد القبض لا حنث لتقاضيه بما قبضه
عماله.
وفي فصول العمادي أن الرجوع بالابراء بعد القبض اختيار. شمس الأئمة السرخسي والصدر
الشهيد. وذكر خواهر زاده أنه لا يرجع، وهو اختيار بعض المشايخ انتهى. فما ذكره في البيت فيه
اختلاف أهل الترجيح كما ترى، ولما تبع الشارح ابن وهبان اقتداء بمن نقل هذا القول عنهم من أجلاء
أئمة المذهب جعله هو الأظهر كما قال، وأشرت بأظهر لما في العمادية الخ. قوله: (ومن دون) متعلق
هو وقوله في البناء بصحيحة، وصحيحة خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي: أي الهبة. قوله: (وعندي فيه
وقفة) أصلها للعلامة عبد البر بعد أن قال: إن المسألة منقولة عن الذخيرة والمنية والتتمة وعلله في
التتمة بما في كتاب الشفعة أن المشتري إذا قال اشتريت الأرض والبائع وهبني البناء وقال الشفيع بل
اشتريتهما فالقول قول المشتري. ثم قال: وعندي في الاستدلال به نظر، لأنه قد يدعي أن الصحة هنا
إنما جاءت من قبل تقدم ملكه للأرض، وينبغي أن لا يصح هبة البناء بدون الأرض لان القبض شرط
في الهبة، وهذا بمنزلة المشاع، ألا تراهم قالوا: إن هبة النخل بدون الأرض لا تصح، لان القبض
شرط هبة المشاع، وقد صرحوا في كتاب الرهن بأن رهن البناء دون الأرض وعكسه لا يصح لأنه
بمنزلة المشاع انتهى.
وفي الهندية عن الكافي: لو وهب زرعا في أرض أو ثمرا في شجر أو حلية في سيف أو بناء
في دار أو قفيزا من صبرة وأمره بالحصاد والجذاذ والنزع والنقض والكيل وفعل صح استحسانا،
ويجعل كأنه وهبه بعد الجذاذ والحصاد ونحوهما، وإن لم يأذن له بالقبض وفعل ضمن انتهى. وتعين
المصير إلى هذا التفصيل وتحمل الصحة على صحة العقد وإن لم يفد الملك وعدمها على عدم التمام
والتملك، إلا إذا أذن له الواهب بالنقض، وما عطف عليه وفعل لأنه بعد الفعل صار محوزا مسلما
كما قدمناه موضحا فارجع إليه. قوله: (وأشرت بأظهر) أي في قوله سابقا كالدين أظهر: أي وهذا
أظهر. قوله: (أنه لا يرجع) أي بالدين بعد الابراء. قوله: (لما في العمادية) هذا ما أشرنا إليه سابقا
من مخالفة ما فيها وإن اختاره البعض. قوله: (أي بنكاح ضرتها) أي ببقاء نكاحها مع نكاح ضرتها من
غير طلاق يقع عليه: أي فيما قدمناه في مسألة التعليق ورد الابراء حيث كان المعلق طلاقها لا طلاق
الضرة، وفيما ذكره بعد قوله: فلا حنث وعبارة الشرنبلالي: أي لقهر المرأة لبقائها في نكاحه مع
الضرة وهو الأنسب حيث كان المعلق طلاقها لا طلاق الضرة. قوله: (فلا حنث) أي فلا يقع عليه
طلاق.
خاتمة: قال الطحاوي: إذا كانت الهدية لا تحتمل القسمة كالثوب أو مما لا يؤكل في الحال
كاللحم ونحوه لم يجعل لأصحابه منه شيئا، وإن كان مهيأ للاكل في الحال يجعل لأصحابه من ذلك
حظا ويمسك البقية لأهله. كذا في التتارخانية.

650
فروع: قال جعلتك في حل الساعة: أي في الدنيا برئ في الساعات كلها والدارين. خلاصة.
لو قال: لا أخاصمك ولا أطلبك مالي قبلك قالوا ليس هذا بشئ وحقه عليه على حاله.
حاوي.
رجل سيب دابته لعلة فأخذها إنسان وأصلحا فهي لمن سيبها، وإن قال من شاء فليأخذها
فأخذها رجل فهي له.
قال الفقيه أبو الليث: الجواب هكذا: إذا قال لقوم معينين من شاء منكم فليأخذها، وإن لم يقل
ذلك لقوم معينين أو لم يقل ذلك أصلا فالدابة على ملك صاحبها، وله أن يأخذها أين وجدها. وفي
الفتاوى ذكر المسألة مطلقة من غير تفصيل بين ما إذا قال ذلك القول أو قال مطلقا. كذا في المحيط.
غصب عينا فحلله مالكها من كل حق هو له قبله، قال أئمة بلخ: التحليل يقع على ما هو
واجب في الذمة لا على عين قائم. كذا في القنية. وعن محمد رحمه الله تعالى: إذا كان لرجل على آخر
مال فقال في قد حللته لك قال هو هبة وإن قال حللتك منه فهو براءة. كذا في الذخيرة
في نوادر هشام رحمه الله تعالى في سرقين لدابة في الخان، إذا وهبها صاحبها فهي لمن أخذها ولا
يكون صاحب الخان أولى بها. كذا في التتارخانية.
رجل عليه دين فمات قبل القضاء فوهب صاحب الدين لوارث المديون صح، سواء كانت التركة
مستغرقة أم لم تكن. كذا في قاضيخان، لأنه وهب ممن عليه الدين معنى، لأنه يملك التركة إن لم تكن
مستغرقة بالدين. وإن كانت فللوارث فيها حق وهو استحسان، ولو رد الوارث الهبة ترد بالرد خلافا
لمحمد رحمه الله تعالى. وقيل لا خلاف فيه، وإنما الخلاف فيما إذا وهبه من الميت فرده وارثه وقال قبله
غريم الميت أبرأ الميت عن دينه فرد وارثه لم يصح رده كما في جامع الفصولين، ولو وهب لبعض
الورثة فالهبة لكلهم، ولو أبرأ الوارث صح أيضا. كذا في الوجيز للكردري.
وفي فتاوى أهو: لو أبرأ الغريم أحد الورثة من الدين صح في نصيبه. وفي الخزانة: عقدان
يكون الموت فيهما بمنزلة القبول في هبة الدين من المديون: إذا لم يقبله حتى مات المديون، والوصية
إذا لم يقبلها الموصى له حتى مات الموصي تجب الهبة والوصية.
رجل قال لمكاتبه وهبت لك مالي عليك فقال المكاتب لا أقبل عتق المكاتب والمال دين عليه.
كذا في السراج الوهاج.
وفي فتاوى أهو: سئل برهان الدين عمن مات مفلسا وعليه دين فتبرع إنسان بقضاء دينه هل
يسقط دينه؟ قال لا، لان إسقاط الساقط لا يتصور لأنه سقط بموته مفلسا ولا يبطل حق المطالبة في
الآخرة. كذا في التتارخانية.
بقرة بين اثنين تراضيا على أن تكون عند كل واحد خمسة عشر يوما يحلب لبنها، فهذه مهايأة
باطلة، ولا يحل فضل اللبن وإن جعل في حل، إلا أن يستهلك صاحب الفضل فضله ثم جعله في
حل فحينئذ يحل، لان الأول هبة المشاع فيما يحتمل القسمة فلم يجز، والثاني هبة الدين وأنه يجوز وإن
كان مشاعا. كذا في الفتاوى الحمادية.

651
العوض في الهبة نوعان: متأخر عن العقد، ومشروط في العقد. أما العوض المتأخر عن العقد
فالكلام فيه في موضعين: أحدهما في بيان شرط جواز هذا التعويض وصيرورة الثاني عوضا. والثاني
في بيان ماهية هذا التعويض، أما الأول فله شرائط ثلاثة:
الأول: مقابلة العوض بالهبة، وهو أن يكون التعويض بلفظ يدل على المقابلة نحو أن يقول هذا
عوض عن هبتك أو بدل عن هبتك أو مكان هبتك أو نحلتك هذا عن هبتك أو تصدقت بهذا بدلا
عن هبتك أو كافأتك، أو جازيتك أو أثبتك أو ما يجري هذا المجرى، حتى لو وهب الانسان شيئا
وقبضه الموهوب له ثم إن الموهوب له أيضا وهب شيئا للواهب ولم يقل عوضا عن هبتك، ونحو ذلك
مما ذكرنا لم يكن عوضا بل كان هبة مبتدأة لكل واحد منهما حق الرجوع.
والثاني: أن لا يكون العوض في العقد مملوكا بذلك العقد، حتى لو عوض الموهوب له ببعض
الموهوب لا يصح ولا يكون عوضا، وإن كان الموهوب قد تغير عن حالة تغيرا يمنع الرجوع، فإن
بعض الموهوب يكون عوضا عن الباقي، هذا (1) إذا وهب شيئا واحدا أو شيئين في عقد واحد فعوض
أحدهما عن الآخر فقد اختلف فيه. قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى: يكون عوضا. ولو وهب
له شيئا وتصدق عليه بشئ فعوضه الصدقة من الهبة كانت عوضا بالاجماع.
والثالث: سلامة العوض للواهب، فإن لم يسلم أنه استحق من يده لم يكن عوضا، وله أن يرجع
في الهبة إن كان الموهوب قائما بعينه لم يهلك ولم يزدد خيرا أو لم يحدث فيه ما يمنع الرجوع، فإن كان
قد هلك أو استهلكه الموهوب له لم يضمنه، كما لو هلك أو استهلكه قبل التعويض، وكذا إذا ازداد
خيرا لم يضمن. كذا في البدائع.
وإن استحق بعض العوض فما بقي منه فهو عوض عن الهبة كلها، وإن شاء رد ما في يده من
العوض ويرجع بالهبة كلها إن كانت قائمة لم تخرج عن ملك الموهوب له، ولم يزد في بدلها. كذا في
السراج الوهاج وأما سلامة المعوض، وهو الموهوب فشرط التعويض، حتى لو استحق الموهوب كان له
أن يرجع فيما عوض، ولو استحق نصف الموهوب فللموهوب له أن يرجع في نصف العوض إن كان
الموهوب مما يحتمل القسمة، سواء زاد العوض أو نقص في السعر أو زاد في البدل أو زاد فيه كان له
أن يأخذ نصفه ونصف النقصان. كذا في البدائع.
وإن قال أرد ما بقي من الهبة وأرجع في العوض كله لم يكن له ذلك، وإن كان العوض
مستهلكا ضمن قابض العوض بقدر ما وجب الرجوع للموهوب له به من العوض. كذا في السراج
الوهاج.
وإذا استحق كل الهبة والعوض مستهلك يضمن كل قيمة العوض. كذا ذكر في الأصل من غير
خلاف. كذا في البدائع.
هذا إذا كان الموهوب أو العوض شيئا لا يحتمل القسمة فاستحق بعضه، فأما إذا كان مما يحتمل
القسمة فاستحق بعض أحدهما بطل العوض إن كان هو المستحق، وكذا تبطل الهبة إن كانت هي



(1) قوله: (هذا الخ) هكذا بالأصل ولتحرر هذه العبارة.
652
المستحقة، وإذا بطل العوض رجع في الهبة، وإذا بطلت الهبة يرجع في العوض. هكذا في السراج
الوهاج.
الثاني: بيان ماهيته، فالتعويض المتأخر عن الهبة هبة مبتدأة بلا خلاف بين أصحابنا يصح بما
تصح به الهبة، وتبطل بما تبطل به الهبة، لا يخالفها إلا في إسقاط الرجوع على معنى أنه يثبت حق
الرجوع في الأولى ولا يثبت في الثانية، فأما فيما وراء ذلك فهو في حكم هبة مبتدأة، ولو وجد
الموهوب له بالموهوب عيبا فاحشا لم يكن له أن يرد ويرجع في العوض، وكذلك الواهب إذا وجد
بالعوض عيبا لم يكن له أن يرد العوض ويرجع في الهبة، فإذا قبض الواهب العوض فليس لكل واحد
منهما أن يرجع على صاحبه فيما ملكه، سواء عوضه الموهوب له أو أجنبي بأمر الموهوب له أو بغير
أمره. كذا في البدائع. ويشترط شرائط الهبة في الابتداء في العوض بعد الهبة من القبض والحيازة والافراز. كذا
في خزانة المفتين. ولا يكون في معنى المعاوضة ابتداء وانتهاء، فلا يثبت للشفيع الشفعة، ولا للموهوب له الرد
بالعيب. كذا في محيط السرخسي.
النوع الثاني: العوض المشروط في عقد الهبة، فإذا كانت الهبة بشرط العوض شرط لها شرائط
الهبة حتى لا تصح في المشاع الذي يحتمل القسمة، ولا يثبت بها الملك قبل القبض، ولكل
واحد منهما أن يمتنع من التسليم، وبعد التقابض يثبت لها حكم البيع، فلا يكون لأحدهما أن يرجع
فيما كان له ويثبت بها الشفعة، ولكل واحد منهما أن يرد بالعيب ما قبض، والصدقة بشرط العوض
بمنزلة الهبة بشرط العوض، وهذا استحسان، والقياس أن تكون الهبة بشرط العوض بيعا ابتداء
وانتهاء. كذا في فتاوى قاضيخان.
وهب دارا من رجلين بشرط عوض ألف درهم ينقلب بيعا جائزا بعد التقابض. كذا في القنية.
ولو عوض عن جميع الهبة قليلا كان العوض أو كثيرا فإنه يمنع الرجوع ولو عوض عن بعض الهبة عن
ملكه فله الرجوع فيما لم يعوض عنه، وليس له الرجوع فيما عوض. كذا في شرح الطحاوي.
إذا تصدق الموهوب له على الواهب بصدقة أو نحلة أو أعمره فقال هذا عوض هبتك جاز. كذا
في الصغرى.
ويجوز تعويض الأجنبي، سواء كان بأمر الموهوب له أو بغير أمره، وليس للأجنبي المعوض أن
يرجع على الموهوب له سواء عوض بأمره أو بغير أمره إلا أن يقول الموهوب له عوض فلانا عني على
أني ضامن وهو كما لو قال هب لفلان عبدك هذا عني، فإن المأمور لا يرجع على الآمر إلا أن يقول له
الآمر على أني ضامن. هكذا في فتاوى قاضيخان.
والأصل في جنس هذه المسائل أن كل ما يطالب به الانسان بالحبس والملازمة لا يكون الآمر
بأدائه سببا للرجوع من غير اشتراط الضمان، وكل ما لا يطالب به الانسان بالحبس والملازمة لا يكون
الامر بأدائه سببا إلا بشرط الضمان كذا في الظهيرية.
ولو وهب له هبة فعوضه عوضا على غير شرط فقبضه ثم استحق العوض فله أن يرجع في الهبة
إن كانت قائمة في ملك الموهوب له ولم تزدد ولم يحدث فيها ما يمنع الرجوع فيها. كذا في السراج

653
الوهاج. وإن استحق العوض وقد ازدادت الهبة لم يرجع. كذا في الخلاصة. وإن كانت الهبة قد هلكت
أو استهلكها الموهوب له لم يضمنها في قولهم جميعا. كذا في السراج الوهاج.
ولو وهب لرجل ألف درهم فعوضه الموهوب له درهما من تلك الدراهم، لم يكن ذلك عوضا
عندنا وكان له أن يرجع في هبته، وكذا لو كانت الهبة دارا فعوضه بيتا منها. كذا في فتاوى
قاضيخان.
وفي الفتاوى العتابية: ولو وهب دار بشرط عوض وقيمته ألف فباعها بألفين قبل نقد الثمن
أخذها الشفيع بألفين ويدفع الموهوب له للواهب ما شرط أو قيمته، ولو حضر الشفيع بعد ما دفع
المشروط إلى الواهب أخذها به. كذا في التتارخانية.
رجل وهب لرجل ثوبا وخمسة دراهم وسلم الكل إليه ثم عوضه الثوب أو الدراهم لم يكن
عوضا عندنا استحسانا. كذا في فتاوى قاضيخان. الكل من الهندية وتمامه فيها. وإنما ذكرت ذلك
للوعد به فيما تقدم وإن كان بعضه قد تقدم.
وفيها: رجل وهب لآخر أرضا على أن ما يخرج منها من زرع ينفق الموهوب له ذلك على
الواهب قال أبو القاسم الصفار: إن كان في الأرض كرم أو أشجار جازت الهبة ويبطل الشرط، وإن
كانت الأرض قراحا فالهبة فاسدة. كذا في فتاوى قاضيخان. ولو كان الموهوب كرما وشرط أن ينفق
عليه من ثمره تصح الهبة ويبطل الشرط. كذا في محيط السرخسي.
وفي الأسبيجابي: رجل وهب لرجل هبة أو تصدق عليه بصدقة على أن يرد عليه ثلثها أو ربعها
أو بعضها فالهبة جائزة، ولا يرد عليه ولا يعوضه بشئ. كذا في التتارخانية.
امرأة قالت لزوجها إنك تغيب عني كثيرا فإن مكثت معي ولا تغيب فقد وهبت لك الحائط
الذي في مكان كذا فمكث معها زمانا ثم طلقها فالمسألة على خمسة وجوه:
الوجه الأول: إذا كانت عدة منها لا هبة للحال ففي هذا الوجه لا يكون الحائط للزوج.
الوجه الثاني: إذا وهبت إليه وسلمت إليه ووعدها أن يمكث معها ففي هذا الوجه الحائط
للزوج، وإن لم تسلم الحائط إلى الزوج لا يكون له الحائط.
الوجه الثالث: إذا وهبت على شرط أن يمكث معها وسلمت إليه وقبل الزوج ففي هذا الوجه
الحائط للزوج، وهكذا ذكر الشيخ أبو القاسم رحمه الله تعالى، وعلى قول نصير ومحمد بن مقاتل رحمهما
الله تعالى وهو المختار: لا يكون الحائط للزوج.
الوجه الرابع: إذا قالت وهبت لك إن مكثت معي ففي هذا الوجه لا يكون الحائط للزوج.
الوجه الخامس: إذا صالحته على أن يمكث معها على أن الحائط هبة ففي هذا الوجه، لا يكون
الحائط للزوج. كذا في المحيط.
وهبته مهرها إن لم يظلمها فهو باطل، بخلاف على أن لا يظلمها، ثم إن ظلمها عاد لأنها لم
ترض إلا بهذا الشرط فإذا فات فات الرضا، والفتوى على هذا.
ولو قالت له: أولم فما أنفقت فيها أي الوليمة فانقصه من مهري فالامر كما قالت ولو قال
أبرئيني حتى أهب لك كذا فأبرأت وأبى يعود المهر.

654
وسئل أبو جعفر عمن منع امرأته عن المسير إلى أبويها وهي مريضة فقال لها: إن وهبت لي مهرك
أبعثك إلى أبويك، فقالت المرأة أفعل، ثم قدمها إلى الشهود فوهبت بعض مهرها وأوصت بالبعض على
الفقراء أو غير ذلك، وبعد ذلك لم يبعثها إلى أبويها ومنعها قال: الهبة باطلة. قال الفقيه رحمه الله
تعالى: لأنها بمنزلة المكرهة في الهبة. كذا في الحاوي للفتاوى.
المرأة إذا أرادت أن يتزوجها الذي طلقها فقال لها المطلق لا أتزوجك حتى تهبيني مالك علي
فوهبت مهرها على أن يتزوجها فالمهر باق على الزوج تزوجها أو لم يتزوجها، لأنها جعلت المال على
نفسها عوضا عن النكاح. وفي النكاح العوض لا يكون على المرأة. كذا في فتاوى قاضيخان.
ولو قال لرب الدين: إذا مت فأنت في حل فهو جائز. كذا في فتاوى قاضيخان.
ولو قال: إن مت فأنت برئ من ذلك لا يبرأ وهو مخاطرة كقوله إن دخلت الدار فأنت برئ
مما لي عليك لا يبرأ. كذا في الوجيز للكردري.
أبرأه عن الدين الذي عليه ليصلح مهمة عند السلطان لا يبرأ وهو رشوة. كذا في القنية ا ه‍.
وفي الأنقروي برمز عك: حمل إلى خطيبة أمتعة من جنس ما يحمل إليهن في العادة ودفع أهل
الخطيبة إليه مثل ما حمل إليهم فلا رجوع لهم فيه إذا افترقوا، والمساهلة في مثل هذا عزيمة فيما بينهم.
قنية.
بعث إليهم شيئا معينا كما هو العادة ثم تزوجها ولم يدخل بها وخلعت نفسها منه بنصف المهر
فليس له طلب ما بعث إليها إذا عوضته. مت: صح له طلب المبعوث له مع طلب العوض إن لم
تعوضه مع شش للسير الكبير: الرشوة لا تملك عك وغيره قاض أو غيره.
دفع إليه سحت لاصلاح المهم فأصلح ثم ندم يرد ما دفع إليه.
بخ: المتعاشقان يدفع كل واحد منهما لصاحبه أشياء. فهي رشوة لا يثبت الملك فيها وللدافع
استردادها.
وفي خلاصة الغزي: خطب امرأة في بيت أخيها فأبى أن يدفعها حتى يدفع إليه دراهم فدفع
وتزوجها يرجع بما دفع لأنه رشوة. قنية. وكذا في الواقعات الحسامية.
خاصم زوجته وأذاها بالضرب والشتم حتى وهبت الصداق منه ولم يعوضها فالبراءة باطلة قنية
في الاكراه.
ولو أكره على الهبة ووهب لا تصح. قاضيخان ا ه‍.
البكر البالغة يمنعها إخوتها التي هي في ضمنهم عن الدخول بزوجها حتى تهبهم أو تبيعهم
حصتها من أبويها في الإرث أو تشهد لهم بشئ فهو باطل لأنها كالمكرهة في ذلك. رملي.
وفيه عن شرح تحفة الاقران للمصنف: لو زوج ابنته البكر من رجل فلما أرادت أن تخرج من
بيته إلى زوجها منعها الأب، إلا أن تشهد عليها أنها استوفت منه ما يعرف فيه من ميراث أمها فأقرت
بذلك ثم أذن لها في الخروج، فإن الظاهر أن الحكم فيه عدم صحة الاقرار لكونها في معنى المكرهة لما

655
ذكر من المنع لا سيما والجبانة تغلب في الأبكار، وبه أفتى شيخ الاسلام أبو السعود العمادي. ا ه‍. من
منهوات الأنقروي.
رجل له على آخر مائة وخمسون درهما مائة حالة وخمسون مؤجلة فوهب رب الدين للمديون
خمسين فذلك الموهوب ينصرف إلى الحال أم إلى المؤجل؟ أفتى الامام الاجل برهان الدين المرغيناني رحمه
الله تعالى: ينصرف إليهما، وبه أفتى القاضي بديع الدين رحمه الله تعالى. كذا في التتارخانية.
هبة المهر من الزوج الميت تصح استحسانا. كذا في السراجية.
الوكيل في باب الهبة في معنى الرسول حتى يجعل العاقد هو الموكل دون الوكيل.
وفي البقال: التوكيل بالهبة توكيل بالتسليم، وللوكيل بالتسليم أن يوكل غيره. بخلاف الوكيل
بالقبض. كذا في المحيط.
وفي الفتاوى العتابية: ولو وكل الواهب رجلا بالتسليم ووكل الموهوب له رجلا بالقبض وغابا
صح التسليم من الوكيل فإن امتنع وكيل الواهب خاصمه وكيل الموهوب له وينفرد أحد وكيلي التسليم
به، بخلاف وكيلي القبض لا ينفرد أحدهما. كذا في التتارخانية.
وسئل أبو القاسم عمن أمر شريكه بأن يدفع ماله إلى ولده على وجه الهبة وكتب إليه كتابا بذلك
وامتنع الشريك عن الأداء هل للابن خصومة معه؟ قال: هذا شئ لم يجب بعد ولا يجب له إلا
بالقبض، فليس للابن خصومة في ذلك. قال الفقيه رحمه الله تعالى: ولو لم يكن على وجه الهبة فللابن
أن يخاصم إذا كان مقرا بالمال وفي الوكالة. كذا في الحاوي للفتاوى.
إذا دفع الرشوة لدفع الجور عن نفسه أو أحد من أهل بيته لم يأثم.
إذا أجاز ملك دار الحرب لملك دار الاسلام جارية فهي له. ولو اهدى ملك العدو إلى أمير
العسكر فهو لجميع العسكر. كذا في السراجية.
وسئل محمد بن مقاتل عما يهدي أبو الصبي إلى المعلم أو إلى المؤدب في النيروز أو في المهرجان أو
في العيد. قال: إذا لم يسأل ولم يلح عليه فلا بأس به. كذا في الحاوي للفتاوى.
أقول: وهذا فيما إذا كان للأستاذ معلوم من بيت المال يكفيه وإلا فله أجر مثله، وما تعورف من
ثمن الحلو والعيدية والخميسية كما يأتي في كتاب الإجارة.
وسئل الحلواني عمن علق كوزه أو وضعه في سطحه فأمطر السحاب وامتلأ الكوز من المطر
فجاء إنسان وأخذ ذلك الكوز مع الماء هل لصاحب الكوز أن يسترد الكوز مع الماء؟ فقال نعم. قال
رضي الله تعالى عنه: وجوابه في الكوز مما لا إشكال فيه، فأما في الماء فإنه ينظر: إن كان أعده لذلك
حينئذ يسترده، وإن لم يعده لذلك لا يسترده. كذا في التتارخانية.
لقيط في يد ملتقط نقله وينفق عليه وليس لهذا الصغير أحد سواه جاز للأجنبي أن يقبض ما
وهب من الصغير، وإن كان الصغير من أهل أن يقبض بنفسه ولهذا الأجنبي أن يسلمه لتعليم
الأعمال، وليس لأجنبي آخر أن يسترد منه. نص عليه السرخسي في كتاب الهبة.
وسئل علي بن أحمد رحمه الله تعالى عن رجل دخل الحمام وقد دفع إلى صاحب الحمام الأجرة

656
فاغترف من الاناء بإناء دفعه إليه صاحب الحمام كما هو العادة في بلدنا هل يصير ذلك الماء ملكا
للمغترف أم يكون ذلك لصاحب الحمام ويكون منه إباحة للداخلين؟ فقال: صار أحق به من غيره
ولكن ما صار ملكا له. كذا في التتارخانية.
يدخل في هبته الأرض ما يدخل في بيعها من الأبنية والأشجار من غير ذكر ا ه‍. وكذا في
الصلح على أرض أو عنها تدخل، ولا يدخل الزرع في الصلح من غير ذكر.
قال ركن الاسلام الصباغي: الزرع يدخل في الرهن والاقرار والفئ بغير ذكر، ولا يدخل في
البيع والقسمة والوصية والإجارة والنكاح والوقف والهبة والصدقة وفي القضاء بالملك المطلق، ولا
يدخل الثمار والأوراق المتقومة في هبة الأشجار بغير ذكر، فإذا لم يذكر وفيها ثمر وورق فسدت الهبة
لأنه يمنع التسليم كما في القنية.
أقر أنه وهب من فلان دارا كان هذا إقرارا صحيحا.
في الغياثية: الاقرار بالهبة لا يكون إقرارا بالقبض هو الأصح. كذا في جواهر الأخلاطي.
أهل الذمة في حكم الهبة بمنزلة المسلمين، لأنهم التزموا أحكام الاسلام فيما يرجع إلى
المعاملات، إلا أنه لا تجوز المعاوضة بالخمر عن الهبة فيما بين المسلم والذمي سواء كان المسلم هو
المعوض للخمر أو الذمي، وإن صارت الخمر خلافي يد القابض لم تصر عوضا ويرده إلى صاحبه.
وتجوز المعاوضة بالخمر والخنزير فيما بين الذميين كما يجوز ابتداء المبايعة. ولا يجوز بالميتة والدم. كذا
في المبسوط.
وهب المرتد أو النصراني له على أن يعوضه خمرا فذلك باطل. كذا في محيط السرخسي.
رجل وابنه في المفازة ومعهما من الماء ما يكفي أحدهما من أحق بالماء منهما؟ قال: الابن أحق
به، لان الأب لو كان أحق لكان على الابن أن يسقي أباه، وإن سقى أباه مات هو من العطش فيكون
هذا منه إعانة على قتل نفسه، وإن شرب هو لم يعن الأب على قتل نفسه، فصار هذا كرجلين أحدهما
قتل نفسه والآخر قتل غيره، فقاتل نفسه أعظم إثما. قال عليه الصلاة والسلام: من قتل نفسه
بحديدة جاء يوم القيامة وفي يده تلك الحديد يجأ بها بطن نفسه والوجء: الضرب بالسكين، وأصله
يوجأ. كذا في المحيط.
ولو دفع إلى رجل ثوبا بنية الصدقة فأخذه المدفوع إليه ظانا أنه وديعة أو عارية فرده على الدافع
لا يحل للدافع أخذه، لأنه قد زال عن ملكه حين قبضه الرجل، فإن أخذه لزمه رده. كذا في السراج
الوهاج.
محتاج معه دراهم فالانفاق على نفسه أفضل من التصديق على الفقراء، وإن آثرهم على نفسه فهو
أفضل بشرط أن يعلم من نفسه حسن الصبر على الشدة، وإن خاف أن لا يصبر ينفق على نفسه. كذا
في الملتقط.
وسئل بعضهم عن التصدق على المكدين الذين يسألون الناس إلحافا ويأكلون إسرافا؟ قال: ما لم
يظهر لك أن من تتصدق عليه ينفق في المعصية أو هو غني لا بأس بالتصدق عليه، وهو مأجور بما
نوى من سد خلته. كذا في الحاوي للفتاوى.

657
الصبي إذا تصدق بماله لا يصح. كذا في السراجية.
التصدق بثمن العبد على المحتاجين أفضل من الاعتاق. كذا في السراجية.
رجل تصدق على الميت أو دعا له فإنه يصل الثواب إلى الميت إذا جعل ثواب عمله لغيره من
المؤمنين جاز. كذا في السراجية.
تصدق على فقير بطازجة على ظن أنه فلس ليس له أن يستردها ظاهرا. قال القاضي عبد الجبار:
إن كان قال قد ملكت منه فلسا ثم ظهر أنه طازجة له أن يستردها، وإن قال ملكت هذا لا يسترد.
قال سيف السائلي: لا يسترد في الحالين. كذا في القنية.
رجل أخرج دراهم من الكيس أو من الجيب ليدفعها إلى مسكين ثم بدا له فلم يدفع فلا شئ
عليه من حيث الحكم. كذا في السراجية.
وعن الحسن البصري فيمن يخرج كسرة إلى مسكين فلم يجده، قال: يضعها حتى يجئ آخر،
وإن أكلها أطعم مثلها. وقال إبراهيم النخعي مثله. وقال عامر الشعبي: هو بالخيار: إن شاء قضاها،
وإن شاء لم يقضها، لا تجوز الصدقة إلا بالقبض. وقال مجاهد: من أخرج صدقة فهو بالخيار: إن شاء
أمضى، وإن شاء لم يمض. وعن عطاء مثله. قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى: وهو المأخوذ به.
كذا في المحيط.
اختلفوا في التصدق على سائل المسجد. قالوا: لا ينبغي أن يتصدق على السائل في المسجد
الجامع لان ذلك إعانة على أذى الناس. وعن خلف بن أيوب رحمه الله تعالى قال: لو كنت قاضيا لم
أقبل شهادة ن تصدق على سائلي المسجد. وعن أبي بكر بن إسماعيل الزاهدي رحمه الله تعالى قال:
هذا فلس واحد يحتاج إلى سبعين فلسا لتكون تلك السبعون كفارة عن الفلس الواحد، ولكن يتصدق
قبل أن يدخل المسجد أو بعد ما يخرج منه. كذا في فتاوى قاضيخان.
وفي فتاوى الناصري: إذا قال السائل: بحق الله تعالى أو بحق محمد صلى الله تعالى عليه وسلم
أن تعطيني كذا لا يجب عليه في الحكم، والأحسن في المروءة أن يعطيه.
وعن ابن المبارك قال: يعجبني إذا سأل سائل بوجه الله تعالى أن لا يعطي. كذا في التتارخانية.
والله سبحانه وتعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وعلى جميع الأئمة التابعين،
والمجتهدين والعلماء العاملين، وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعله خالصا لوجهك الكريم، وموجبا للفوز العظيم، في جنات النعيم، يا مجيب
الدعوات آمين.
وكان الفراغ من تحرير هذه التكملة الشريفة، والتتمة اللطيفة، المسماة ب‍ (قرة عيون الأخيار، لتكملة
رد المحتار) على يد جامعها أفقر العباد، إلى عفو مولاه يوم التناد، محمد علاء الدين ابن السيد محمد أمين
ابن السيد عمر المدعو بابن عابدين، كان الله تعالى له ولوالديه، وغفر لهم ولأولاده ولمشايخه ولمن له

658
حق عليه بجاه سيد الأنبياء والمرسلين، في الضحوة الكبرى في الساعة الثالثة ونصف من يوم الثلاثاء
العاشر من رجب الفرد الذي هو من شهور سنة تسعين ومائتين وألف، من هجرة من خلقه الله تعالى
على أكمل وصف صلى الله تعالى وسلم عليه وعلى آله الكرام، وأصحابه العظام، الذين نرجو باتباعهم
حسن الختام.
بحمد الله تعالى وحسن توفيقه تم طبع حاشية [رد المختار] لخاتمة المحققين " محمد أمين " الشهير بابن
عابدين: على [الدر المختار، شرح تنوير الابصار] في فقه مذهب الامام أبي حنيفة النعمان، ويليه تكملة ابن
عابدين، المسمى [قرة عيون الأخيار] لسيدي " محمد علاء الدين أفندي " نجل المؤلف:
مصححا بمعرفة لجنة التصحيح بشركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر:
القاهرة في 28 ربيع الثاني سنة 1410 ه‍
27 نوفمبر سنة 1989 م
مدير الشركة
نبيل محمود الحلبي

659
/ 1