بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: كشاف القناع المؤلف: البهوتي الجزء: 1 الوفاة: 1051 المجموعة: فقه المذهب الحنبلي تحقيق: تقديم : كمال عبد العظيم العناني / تحقيق : أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1418 - 1997 م المطبعة: الناشر: منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان ردمك: ملاحظات: كشاف القناع للشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي المتوفى سنة 1051 ه عن متن الإقناع للإمام موسى بن أحمد الحجاوي الصالحي المتوفى سنة 960 ه قدم له الأستاذ الدكتور كمال عبد العظيم العناني حققه أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي الجزء الأول المحتوى: كتاب الطهارة - كتاب الصلاة منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
1 جميع الحقوق محفوظة جميع الحقوق الملكية والفنية محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملا أو مجزأ أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على أسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناشر خطيا. الطبعة الأولى 1418 ه - 1997 م دار الكتب العلمية بيروت - لبنان العنوان: رمل الظريف شارع البحتري، بناية ملكارت تلفون وفاكس: 364398 - 366135 - 602133 (1 961) 00 صندوق بريد: 9434 - 11 بيروت - لبنان
2 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.. أما بعد فهذا كتاب جليل القدر عظيم المقام في فقه السادة الحنابلة قام تلميذنا، محمد حسن محمد حسن الشهير ب (محمد فارس) بتحقيقه حتى خرج على هذا الوجه الذي يراه القارئ، والله أسأل أن ينفع الله به كل طالب علم والله الموفق إلى سوء السبيل. د. كمال عبد العظيم العناني أستاذ الفقه / كلية الشريعة جامعة الأزهر في 14 ربيع الأول - 1417 ه 30 / 7 / 1996 م
3 ترجمة الشيخ شرف الدين موسى الحجاوي صاحب متن الإقناع اسمه ونسبه وكنيته: هو موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجاوي المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الامام العالم العلامة الحبر البحر الفهامة أبو النجا شرف الدين مفتي الحنابلة بدمشق والمعول عليه في الفقه بالديار الشامية. علمه: أخذ الفقه وغيره من العلوم على الشيخ شهاب الدين أحمد بن أحمد الشوبكي الصالحي، والشيخ أبي حفص نجم الدين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الصالحي، وعلي أبي البركات محب الدين أحمد بن محمد خطيب مكة العقيلي. وأخذ عنه جماعة منهم: ولده الشيخ يحيى الحجاوي، والشيخ شهاب الدين أحمد الوقائي المفلحي، والشيخ إبراهيم بن محمد الأحدب الصالحي، أبو النور بن عثمان بن محمد بن إبراهيم. مؤلفاته: ألف شرح منظومة الآداب لابن مفلح، وحاشية على الفروع، والإقناع وفاته: توفي ليلة الجمعة 22 ربيع الأول سنة 96 ه، ودفن بسفح قاسيون. انظر / جامع الرواة (4 / 223) - معجم الثقات (106).
5 ترجمة الشيخ منصور البهوتي صاحب الكشاف هو منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن أحمد بن علي بن إدريس البهوتي المصري. أخذ العلم عن أكثر المتأخرين من الحنابلة منهم: الجمال يوسف البهوتي، وعبد الرحمن البهوتي، ومحمد الشامي المرداوي. من مؤلفاته: شرح الإقناع المسمى كشاف القناع. وشرح المنتهي لتقي الدين الفتوحي سماه دقائق أولى النهي لشرح المنتهي وحاشية على المنتهى المذكور، وشرح زاد المستنقع للحجاوي، وشرح المفردات لمحمد بن علي المقدسي. توفي رحمه الله يوم الجمعة عاشر شهر ربيع الاخر سنة إحدى وخمسين بعد الألف (1051 ه)، ودفن بتربة المجاورين انظر / معجم الثقات (124) - جامع الرواة (26812) دائرة معارف الأعلمي (18 / 25)
6 كلمة المحقق بفضل الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قد استعنا في تحقيق هذا الكتاب على مخطوطة دار الكتب المصرية برقم (12 فقه حنبلي (1961 ميكرو) وهي نسخة واضحة مقروءة. ولا يسعنا في النهاية إلا أن نقدم الشكر لمشايخنا الكرام وهم: الشيخ الحسيني الشيخ أستاذ الفقه المتفرغ جامعة الأزهر. والشيخ جاد الرب رمضان رحمه الله. والشيخ محمد أنيس عبادة - رحمه الله، والدكتور كمال عبد العظيم العناني أستاذ الفقه كلية الشريعة جامعة الأزهر ولمن شاركنا في تحقيق هذا الكتاب وهم: أ - قسم الفقه 1 - الشيخ أحمد محروس أستاذ الفقه الحنبلي في المعاهد الأزهرية. 2 - أ - علاء علي علي غريب. أستاذ الفقه المالكي في المعاهد الأزهرية. 3 - محمد محمد أحمد عيسى. ب - قسم الحديث: 1 - الشيخ محمد عبد الستار. 2 - الشيخ سعيد أحمد كامل العيدروسي. 3 - أ - خالد حسين. 4 - ناصر محمد علي. طالب العلم / أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي الشهير ب (محمد فارس).
7 صورة غلاف الجزء الأول من المخطوط
8 صورة الصفحة الأولى من المخطوط
9 صورة الصفحة الثانية من المخطوط
10 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي شرح صدورنا بالهداية إلى الاسلام، ووفقنا للتفقه في الدين وما شرعه من بديع محكم الاحكام، أحمده سبحانه وتعالى على جزيل الانعام، وأشكره أن علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم فأتقن وأحكم أي أحكام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والاكرام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للأنام، والهادي إلى سواء الصراط وإيضاح الحلال والحرام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام، صلاة وسلاما دائمين لا يعتريهما نقص ولا انثلام. أما بعد: فإن أجل العلوم قدرا، وأعلاها فخرا، وأبلغها فضيلة، وأنجحها وسيلة، علم الشرع الشريف ومعرفة أحكامه، والاطلاع على سر حلاله وحرامه، فلذلك تعينت إعانة قاصده، وتيسير موارده لرائده، ومعاونته على تذكار لفظه ومعانيه، وفهم عباراته مبانيه، ولما رأيت الكتاب الموسوم " بالإقناع " تأليف الشيخ الامام، والحبر العمدة العلام، شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن سالم بن عيسى بن سالم المقدسي الحجاوي، ثم الصالحي الدمشقي. تغمده الله برحمته ورضوانه، وأسكنه الغرفات العليا من جنانه، في غاية حسن الوقع، وعظم النفع، لم يأت أحد بمثاله، ولا نسج ناسج على منواله، غير أنه يحتاج إلى شرح يسفر عن وجوه مخدراته النقاب، ويبرز من خفي مكنوناته بما وراء الحجاب، فاستخرت الله تعالى وشمرت عن ساعد الاجتهاد، وطلبت من الله العناية والرشاد، وكنت أود لو رأيت لي سابقا أكون وراءه مصليا، ولم أن في حلبة رهانة مجليا، إذ لست لذلك كفؤا بلا مرا، والفهم لقصوره يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وسألت الله أن يمدني بذراف لطفه، ووافر عطفه، وسميته (كشاف القناع عن الإقناع) والله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله، وأن يعاملنا بفضله، ومزجته بشرحه حتى صارا كالشئ الواحد لا يميز بينهما إلا صاحب بصر أو بصيرة، لحل ما قد يكون من التراكيب العسيرة، وتتبعت أصوله التي أخذ منها كالمقنع والمحرر والفروع والمستوعب وما تيسر الاطلاع عليه من شروح
11 تلك الكتب وحواشيها، كالشرح الكبير والمبدع والانصاف وغيرهما مما من الله تعالى بالوقوف عليه كما ستراه، خصوصا شرح المنتهى والمبدع، فتعويلي في الغالب عليهما، وربما عزوت بعض الأقوال لقائلها خروجا ن عهدتها، وذكرت ما أهمله من القيود، وغالب علل الاحكام وأدلتها على طريق الاختصار غير المردود. وبينت المعتمد من المواضع التي تعارض كلامه فيها، وما خالف فيه المنتهى. متعرضا لذكر الخلاف فيها. ليعلم مستند كل منهما. وأستغفر الله تعالى مما يقع لي من الخلل في بعض المسائل المسطورة. وأعوذ الله تعالى من شر حاسد يريد أن يطفئ نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره. ومن عثر على شئ مما طغى به القلم. أو زلت به القدم. فليدرأ بالحسنة السيئة، ويحضر بقلبه أن الإنسان محل النسيان، وأن الصفح عن عثرات الضعاف من شيم الأشراف، وأن الحسنات يذهبن السيئات. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. قال المصنف رحمه الله (بسم الله الرحمن الرحيم) تأسيا بالكتاب، وعملا بحديث " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر " أي ذاهب البركة. رواه الخطيب بهذا اللفظ في كتابه الجامع، والحافظ عبد القادر الرهاوي. والباء في البسملة للمصاحبة أو الاستعانة متعلقة بمحذوف. وتقديره فعلا أولى، لأن الأصل في العمل للأفعال. وخاصا لأنه أمس بالمقام، ومؤخرا لإفادة الاختصاص ولأنه أوفق للوجود وأدخل في التعظيم. ولا يرد * (اقرأ باسم ربك) * لكونه مقام أمر بجعل الفعل مقرونا باسم الله، فتقديمه أي الفعل لكونها أول سورة نزلت، على أن في الكشاف أن معناه: اقرأ مفتتحا باسم - ربك أي قل: باسم الله الرحمن الرحيم، ثم اقرأ فيكون معناه: مفتتحا بسم الله اقرأ. وكفي به شاهدا على أن البسملة مأمور بها في ابتداء كل قراءة إذ هو أمر بإيجاد القراءة مطلقا بدون تعلقه بمقروء دون مقروء، فتكون مأمورا بها في ابتداء غير هذه السورة أيضا. وكسرت الباء. وإن كان حق الحروف المفردة الفتح - للزومها الحرفية والجر، ولتشابه حركتها عملها. وحذفت الألف من اسم الله دون اسم ربك ونحوه لكثرة الاستعمال، وعوض عنها تطويل الباء. و " الله " أصله إله حذفت همزته وعوض عنها اللام، وإله اسم لكل معبود بحق أو باطل. ثم غلب على مفهوم كلي هو المعبود بحق و " الله " علم خاص لذات معين هو المعبود بالحق. إذ لم يستعمل في غيره تعالى. قال تعالى: * (هل تعلم له سميا) * [مريم: 65]. ومن ثم كان " لا إله إلا الله " توحيدا، أي لا معبود بحق إلا ذلك الواحد الحق، فهو من الأعلام الخاصة من حيث إنه لم يسم به غيره. ومن الاعلام الغالبة من حيث إن أصله إله، قاله الدلجي في شرح الشفاء. و " الرحمن " خاص لفظا إذ لم يسم به غيره تعالى وما شذ لا يعتد به، عام معنى لأنه صفة بعني كثير الرحمة، ثم غلب على البالغ في الرحمة والانعام بجلائل النعم في الدنيا والآخرة، فهو لوقوعه صفة لا موصوفا
12 وكونه بإزاء المعنى دون الذات من الصفات الغالبة. " الرحيم " عام لفظا لأنه قد يسمى به غيره تعالى، وهما صفة مشبهة من رحم، بجعله لازما بنقله إلى باب فعل بضم ثانية، إذ لا تشتق من متعد. والرحمة عطف، أي تعطف وشفقة وميل روحاني لا جسماني ومن ثم جعف الانعام مسببا عن العطف والرقة لا عن الانحناء الجسماني، وكلاهما في حقه تعالى، محال. فهو مجاز إما عن نفس الانعام فيكون صفة فعل، أو عن إرادته فيكون صفة ذات، وإما تمثيل للغائب أي تمكنه تعالى من الانعام بالشاهد، أي تمكن الملك من ملكه فتفرض حاله تعالى على سبيل التمكن منه بحال ملك عطف على رعيته ورق لهم فعمهم معروفه فأطلقا عليه تعالى على طريق الاستعارة التمثيلية. وقدم " الرحمن " لأنه علم أو كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره، أو لأن الرحيم ذكر كالتتمة والرديف للرحمن، لئلا يتوهم كون دقائق الرحمة لغيره تعالى. (الحمد لله) أي الوصف بالجميل الاختياري على قصد التعظيم ثابت له تعالى. والحمد عرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حي إنه منعم على الحامد أو غيره بدأ بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع " في رواية بحمد الله " وفي رواية " بالحمد " وفي رواية " كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم " قال النووي في شرح المهذب: روينا كل هذه الألفاظ في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي، ورويناه عنه من رواية كعب بن مالك الصحابي رضي الله عنه، والمشهور رواية أبي هريرة وحديثه هذا حسن رواه أبو داود ابن ماجة في سننهما والنسائي في عمل اليوم والليلة وأبو عوانه يعقوب بن إسحاق الأسفرايني في أول صحيحه المخرج على صحيح مسلم. وروي موصولا ومرسلا ورواية الموصول إسنادها جيد. قوله صلى الله عليه وسلم " كل أمر ذي بال " معناه له حال يهتم به، ومعنى " أقطع " أي ناقص قليل البركة و " أجذم " وهو بجيم وذال معجمة، يقال جذم يجذم كعلم يعلم. قال العلماء: تستحب البداءة بالحمد لله لكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب ومزوج ومتزوج، وبين يدي سائر الأمور المهمة انتهى. وفي لفظ " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة " رواه الرهاوي عن أبي هريرة. وقدم البسملة على الحمدلة عملا بالكتاب العزيز والاجماع، فوقع الابتداء بها حقيقة وبالحمدلة بالنسبة لما بعدها، إذ الابتداء أمر عرفي يعتبر ممتدا من الاخذ في التأليف إلى الشروع في المقصود فلا تعارض بين خبريهما. وأصل الحمد النصب لأنه من مصادر شاع استعمالها منصوبة بإضمار أفعالها، عدل إلى رفعه كما في " سلام عليكم " للدلالة على الدوام والثبات، وأل في الحمد للجنس أو الاستغراق أو العهد، واللام في لله للملك أو الاستحقاق أو التعليل، أي جميع المحامد
13 مملوكة أو مستحقة أو ثابتة لأجل الله تعالى (الذي فقه) أي فهم (من أراد) أي الله تعالى (به خيرا) هو ضد الشر (في الدين) متعلق بفقه. وروي الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس ومعاوية وغيرهما مرفوعا " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " أي يفهمه الأحكام الشرعية، إما بتصورها والحكم عليها، وإما باستنباطها من أدلتها. كل ميسر لما وهب له. و " الدين " ما شرعه الله من الاحكام ويطلق على الملة والاسلام والعادة والسيرة والحساب والقهر والقضاء والحكم والطاعة والحال والحلال والحرام والجزاء والرأي والسياسة، ودان عصى وأطاع وذل وعز فهو من الأضداد (وشرع) أي بين (احكام) جمع حكم، وهو في اللغة القضاء والحكمة، وفي الاصطلاح خطاب الله المفيد فائدة شرعية (الحلال) وهو لغة وشرعا ضد الحرام فيعم الواجب والمندوب والمكروه والمباح (والحرام) وهو لغة المنع، وشرعا ما يثاب على تركه امتثالا ويعاقب على فعله. والحكم الشرعي: فرعي لا يتعلق بالخطأ في اعتقاد مقتضاه، ولا في العمل به قدح في الدين ولا وعيد في الآخرة كالنية في الوضوء والنكاح بلا ولي. وأصلي هو بخلافه (في كتابه) أي كلامه المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم. المعجز بنفسه المتعبد بتلاوته. ويحتمل أن يعم سائر الكتب المشتملة على الاحكام كالتوراة لاشتمالها على الحلال والحرام في تلك الشريعة (المبين) أي المشتمل على بيان ما للناس حاجة إليه في دينهم ودنياهم، والإبانة وإن كانت لله تعالى إلا أنه جعلها به. وما ثبت من الاحكام بالسنة أو الاجماع أو القياس أو الاستصحاب فإنه يرجع إلى الكتاب، لأن حجته إنما ثبتت به، كما بين في علم الأصول. فجميع الأحكام ثابتة بالكتاب أصالة قال تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * [الانعام: 38]. وإن كان بعضها بواسطة سنة أو غيرها، قال تعالى: * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) * [النحل: 44]. (وأعز العلم) أي شرفه والعز ضد الذل تقول منه: عز يعز عزا بكسر العين فيهما وعزازة أي قوي بعد ذلة وأعزه الله، وفي المثل: إذ عز أخوك فهن. وفي المثل أيضا: من عز بز أي من غلب سلب، والاسم العزة وهي الغلبة والقوة (ورفع) الرفع ضد الوضع وبابه قطع، ورفع فلان على العامل رفيعة وهو ما يرفعه من قصته ويبلغها. وفي الحديث " كل رافعة رفعت إلينا من البلاغ " أي كل جماعة مبلغة تبلغ " عنا فلتبلغ أني حرمت المدينة " والرفع تقريبك الشئ. وقوله تعالى: * (وفرش مرفوعة) * [الواقعة: 34]. قالوا: مقربة لهم، ومن ذلك رفعته إلى السلطان ومصدره الرفعان بالضم (أهله) أي حملته (العاملين به) أي بالعلم الشرعي كالتفسير والحديث والفقه، فأل في العلم للعهد الشرعي أو للجنس. والمراد غير الحرام، على ما يأتي تفصيله في الجهاد (المتيقن) أي الذين وقوا أنفسهم ما يضرهم في الآخرة، والتقوى
14 مراتب: توقى العذاب المخلد بالتبرئ من الشرك. قال تعالى: (وألزمهم كلمة التقوى) (الفتح: 22). وتوقى ما يؤثم من فعل أو قول حتى الصغائر عند قوم وهو المتعارف بالتقوى في الشرع. ومنه قوله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا) (الأعراف: 96). وتوقى ما يشغل السر عن الحق، والتبتل إليه بشراشره. وهو التقوى الحقيقي المطلوب بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) (آل عمران: 102). وإعزاز العلم ورفع أمره غير خفي. قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (المجادلة: 11). وقال: (وقل رب زدني علما) (طه: 114). وقال (ص) " فضل العلم على العابد كفضلي على أدناكم. إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير " رواه الترمذي عن أبي أمامة. وقال " لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله ما لا فسلطه على هلكته في الخير، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها " رواه البخاري من حديث ابن مسعود، وقال " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة " رواه الترمذي وحسنه عن أبي هريرة، واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح (أحمده) أي أصف الله تعالى بجميل صفاته مرة بعد أخرى، لأن المضارع المثبت يشعر باستمرار التجددي، وفيه موافقة بين الحمد والمحمود عليه، لأن آلاء الله تعالى لا تزال تتجدد في حقنا دائما. كذلك نحمده بمحامد لا تزال تتجدد، أولا بالجملة الإسمية، وثانيا بالفعلية اقتداء به (ص) ففي خبر مسلم وغيره " إن الحمد لله نحمده ونستعينه " (حمدا يفوق حمد الحامدين) مصدر مبين لنوع الحمد لوصفه بالجملة بعده. وهذا إخبار عن الحمد الذي يستحقه الله سبحانه وتعالى كقول من قال: حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. إذا العبد لا يمكنه الاتيان بذلك. وكذلك: الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد، وعدد الرمال والتراب والحصى والقط وعد أنفاس الخلائق وعدد ما خلق الله وما هو خالق. فهذا إخبار عما يستحقه من الحمد لا عما يقع من العبد من الحمد، أشار إليه ابن القيم في عدة الصابرين (وأشكره) أي الله تعالى (على نعمه) جمع نعمة والانعام الاعطاء من غير مقابلة قال في القاموس: أنعمها الله تالي وأنعم بها عطيته. والشكر لغة الحمد عرفا. واصطلاحا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه لما خلق لأجله. قال تعالى: (وقليل من عبادي الشكور) (سبا: 13). فبين الحمد والشكر اللغويين عموم وخصوص من وجه، فالحمد أعم من جهة المتعلق لأنه لا يعتبر في مقابلة نعمة، وأخص من جهة المورد وهو اللسان والشكر أعم من جهة المورد
15 وأخص من جهة المتعلق. والنسبة بين باقي الأقسام تطهر للمتأمل (التي لا تحصى) قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) (النحل: 18). ومن ثم قال عليه السلام " سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " (وإياه أستعين) أي أطلب المعونة منه دون غيره لأنه القدير وغيره العاجز (وأستغفره) أي أطلب منه المغفرة أي الستر عما فرط (وأتوب) أي أرجع (إليه إن الله يحب التوابين) الرجاعين إليه مما فرط منهم من الذنوب (وأشهد) أي أعلم (أن لا إله) أي معبود بحق في الوجود (إلا الله وحده) أي منفردا في ذاته (لا شريك له) في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله (وبذلك أمرت) قال الله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) (محمد: 19). (وأنا من المسلمين) الخاضعين المنقادين لألوهية الله تعالى القابلين لامره ونهيه. ويأتي الكلام على الاسلام والايمان في باب الردة (وأشهد أن محمدا) سمى به لكثرة خصاله المحمودة، وهو علم منقول من التحميد مشتق كأحمد من اسمه تعالى الحميد، وأسماءه عليه السلام كثيرة أفرد لها الحافظ أبو القاسم ابن عساكر كتابا في تاريخه بعضها في الصحيحين وبعضها في غيرهما، منها أحمد ومحمد والحاشر والعاقب والمقفى وخاتم الأنبياء ونبي الرحمة ونبي الملحمة ونبي التوبة والفاتح، وقال بعض الصوفية لله عز وجل ألف اسم، وللنبي (ص) ألف اسم. قال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي: أما أسماء الله تعالى فهذا حقير فيها، وأما أسماء النبي (ص) فلم أحصها إلا من جهة الورود الظاهر بصيغة الأسماء البينة، فوعيت منها أربعة وستين اسما، ثم ذكرها مفصلة مشروحة فاستوعب وأجاد (عبده) قال أبو علي الدقاق: ليس شئ أشرف ولا اسم أتم للمؤمن في أشرف مقاماته. حين دعا الخلق إلى توحيده وعبادته، قال تعالى: (وأنه لما قام عبد الله يدعوه) (الجن: 19) وحين أنزل عليه القران، قال تعالى (وإن كنتم في في ريب ما نزلنا على عبدنا) (البقرة: 23). (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) (الكهف: 1). وحين أسرى به إليه، قال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) (الاسراء: 1). قال بعضهم: فلا تدعني: إلا بيا عبدها * فإنه أشرف أسمائي وله أحد عشر جمعا أشار إليها ابن مالك في هذين البيتين:
16 عباد عبيد جمع عبد وأعبد * أعابد معبود معبدة عبد فكذلك عبدان وعبدان أثبتا * كذلك العبدي وأمدد إن شئت أن تمد (ورسوله) إلى الخلق أجمعين، والرسول إنسان أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه أخص من النبي (الذي مهد) يقال: مهد الفراش بسطه ووطأه، وبابه قطع، وتمهيد الأمور تسويتها وإصلاحها (قواعد الشرع) جمع قاعدة، وهي أمر إلي منطبق على جزئيات موضوعة. والشرع ما شرعه الله من الاحكام (وبينها أحسن تبيين) أي أوضحه وأكمله، لأنه المخصوص بجوامع الكلم (ص) الصلاة من الله تعالى الرحمة ومن الملائكة الاستغفار، من غيرهم التضرع والدعاء. واختار ابن القيم في جلاء الافهام أن صلاة الله عليه ثناؤه عليه وإرادة إكرامه برفع ذكره ومنزلته وتقريبه، وأن صلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى، أن يفعل ذلك به ورد قول من قال: صلاته عليه رحمته ومغفرته من خمسة عشر وجها، وقال بوجوب الصلاة عليه (ص) كلما ذكر اسمه جماعة، منهم ابن بطة منا، والحليمي من الشافعية، واللخمي من المالكية، والطحاوي من الحنفية (وعلى آله) أتباعه على دينه. وقيل مؤمنو بني هاشم وبني المطلب. وقيل: أهله والصواب جواز إضافته للضمير. خلافا للكسائي والنحاس والزبيدي فمنعوها لتوغله في الابهام (وصحبه) نقل الخطيب بإسناده عن الإمام أحمد قال " أصحاب رسول الله (ص) كل من صحبة سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه " وهذا مذهب أهل الحديث نقله عنهم البخاري وغيره. وجمع بينهما ردا على المبتدعة الذين يوالون الآل دون الصحب، وأهل السنة يوالونهما. وقدم الآل للامر بالصلاة عليهم في حديث " كيف نصلي عليك؟ " (أجمعين) تأكيد للآل والصحب لإفادة الإحاطة والشمول (وتابعيهم) أي تابعي الصحب، يقال: تبعه من باب ضرب وسلم إذا مشى خلفه وأمر به فمضى معه (بإحسان) في الاعتقاد والأقوال والأفعال (إلى يوم الدين) أي القيامة لأنه يوم الجزاء تجد كل نفس ما عملت (وسلم) من السلام، وهو التحية أو السلامة من النقائص والرذائل (تسليما) مصدر مؤكد. (أما بعد) يؤتى بها للانتقال من أسلوب آخر استحبابا في الخطب والمكاتبات، لأنه (ص) ان يقولها في خطبه وشبهها. نقله عنه خمسة وثلاثون صحابيا. ذكر في شرح التحرير. ذكر ابن قندس في حواشي المحرر أن الحافظ عبد القادر الرهاوي رواه في الأربعين التي له عن أربعين صحابيا. وقيل إنها فصل الخطاب الذي أوتيه داود. والصحيح إنه الفصل بين الحق والباطل. واختلف في أول من نطق بها. فقيل: داود عليه السلام. وقيل: يعقوب عليه
17 السلام. وقيل: يعرب بن قحطان. وقيل: كعب بن لؤي. وقيل: قس بن ساعدة. وقيل: سحبان بن وائل. قال الحافظ ابن حجر: والأول أشبه، ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة إلى الأولية المحضة، والبقية غير الثاني بالنسبة إلى العرب خاصة، ثم يجمع بينها بالنسبة إلى القائل. والثاني ضعيف جدا فلا يحتاج إلى الجمع. والمعروف بناء " بعد " على الضم وأجاز بعضهم تنوينها مرفوعة ومنصوبة والفتح بلا تنوين على تقدير المضاف إليه، وهي ظرف زمان وربما استعملت ظرف مكان. و " أما " حرف تفصيل ضمن معنى الشرط (فهذا) إشارة إلى ما استحضره في ذهنه وأقامه مقام الملفوظ المقروء الموجود بالعيان، سواء كانت الخطبة قبل التأليف أو بعده، بناء على أن مسمى الكتاب الألفاظ من حيث دلالتها على المعاني (كتاب) أي مكتوب جامع (في الفقه) وهو لغة: الفهم عند الأكثر، وعرفا. معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالفعل أو القوة القريبة أو الأحكام المذكورة نفسها، والفقيه: من عرف جملة غالبة كذلك بالاستدلال. وموضوعة: أفعال العباد من حيث تعلق الأحكام الشرعية بها. ومسائله: ما يذكر في كل باب من أبوابه (على مذهب) بفتح الميم مفعل من ذهب يذهب إذا مضى بمعنى الذهاب أو مكانه أو زمانه، ثم نقل إلى ما قاله المجتهد بدليل ومات قائلا به وكذا ما أجرى مجراه (إمام الأئمة) أي قدوتهم (ومجلي) أي كاشف ومذهب (دجى) جمع دجية والظلمة (المشكلات) جمع مشكلة من أشكل الامر إذا التبس، كشكل وشكل، وشكل الكتاب أي أزال إشكاله (المدلهمة) أي الشديدة الالتباس، من أدلهم الظلام أي كثف واسود، وليلة مدلهمة أي مظلمة (الزاهد) من الزهد، وهو الاعراض بالقلب على الدنيا. وقال الإمام أحمد : الزهد قصر الامل والإياس عما في أيدي الناس. وقسمه إلى ثلاثة أوجه ذكرتها في الحاشية (الرباني) أي المتأله العارف بالله تعالى ومنه قوله تعالى: (ولكن كونوا ربانيين) (آل عمران: 79). (والصديق) البالغ في الصدق وهو ضد الكذب (الثاني) لقب به، لنصرته للسنة وصبره على المحنة، كصبر الصديق الأول أبي بكر رضي الله عنه، قال علي بن المديني: أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة. قال إسحاق بن راهويه: لولا أحمد بن حنبل وبذله نفسه لما بذلها له لذهب الاسلام. وعن بشر بن الحرث: أنه قيل له حين ضرب أحمد بن حنبل: أبا نصر، لو أنك خرجت فقلت إني عل قول أحمد بن حنبل؟ فقال بشر: أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء؟ إن أحمد بن حنبل قام مقام الأنبياء. نقله في المطلع (أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل) بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بالياء المثناة ابن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن
18 صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بكسر الهاء وإسكان النون وبعدها موحدة، ابن أفصى بالفاء والصاد المهملة، ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان (الشيباني) المروزي البغدادي فكذا ذكره الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي وأبو بكر البيهقي وابن عساكر وابن طاهر. قال الجوهري: وشيبان حي من بكر، وهما شيبانان أحدهما شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، والآخر: شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة انتهى. حملت به أمه بمرو وولد ببغداد في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، ودخل مكة والمدينة والشام واليمن والكوفة والبصرة والجزيرة. وتوفي ببغداد يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول، والمشهور الاخر، سنة إحدى وأربعين ومائتين، وله سبع وسبعون سنة. وأسلم يوم موته عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس. وفضائله كثيرة. ومناقبه شهيرة. من مصنفاته المسند ثلاثون ألفا، والتفسير مائة وخمسون ألفا، والناسخ والمنسوخ، والتاريخ، والمقدم والمؤخر في كتاب الله سبحانه، وجوابات القرآن، والمناسك الكبير والصغير. قال القاضي أبو يعلي: إنما اخترنا مذهب أحمد على مذهب غيره من الأئمة، ومنهم من هو أسن منه وأقدم هجرة مثل مالك وسفيان وأبي حنيفة: لموافقته الكتاب والسنة والقياس الجلي. فإنه كان إماما في القرآن، وله فيه التفسير العظيم، وكتب من علم العربية ما اطلع به على كثير من معاني كلام الله عز وجل (رضي الله عنه) أي أثابه (وأرضاه) أي أحل به رضوانه الذي لا سخط بعده (وجعل جنة الفردوس) بكسر الفاء: هو أعلى درجات الجنة، وأصله بستان الذي يجمع النخل والكرم، وإضافة الجنة إليه كشجر أراك (مأواه) أي مكان إقامته (اجتهدت) أي بذلت وسعي (في تحرير نقوله) أي تهذيب مسائله المنقولة عن الامام أو الأصحاب (واختصارها) إي النقول، وفي نسخة بخطه: واختصاره: أي الكتاب، والاختصار: تجريد اللفظ اليسير من اللفظ الكثير مع بقاء المعنى، والايجاز تجريد المعنى من غير رعاية اللفظ (لعدم) أي لأجل عدم (تطويله) لقصور الهمم وكثرة الموانع (مجردا) هذا الكتاب (غالبا عن دليله) وهو لغة: المرشد الحقيقة، وما به الارشاد مجازا أو عرفا: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري (و) مجردا غالبا عن (تعليله) أي ذكر علة الحكم، والعلة لغة: عرض يوجب خروج البدن الحيواني عن الاعتدال الطبيعي، وشرعا: ما أوجب حكما شرعيا لا محالة أو حكمة الحكم أو مقتضيه، وهي أخص من الدليل، إذ كل تعليل دليل ولا عكس، لجواز أن يكون نصا أو إجماعا (على قول واحد) من غير تعرض للخلاف طلبا للاختصار، وكذلك صنعت في شرحه. والقول يعم ما كان رواية عن الامام أو وجها للأصحاب (وهو) أي القول
19 الواحد الذي يذكره ويحذف غيره هو (ما رجحه أهل الترجيح) من أئمة المذهب (منهم العلامة) الجامع بين علمي المعقول والمنقول (القاضي) الإمام الفقيه الأصولي المحدث النحوي الفرضي المقرئ (علاء الدين) علي بن سليمان السعدي المرداوي ثم الصالحي المجتهد في التصحيح، أي تصحيح المذهب (في كتبه الانصاف) في معرفة الراجع من الخلاف أربع مجلدات (وتصحيح الفروع) مجلد واحد مفيد بعد الانصاف (والتنقيح) مجلد بديع لم يسبق إلى نظيره. وله أيضا تحرير المنقول في علم الأصول، وشرحه في مجلدين ومولد وكتاب في الأدعية، وشرع في شرح الطوفي. وتوفي ليلة الجمعة سادس جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وثمانمائة. وأما صاحب الفروع فهو الامام الأوحد شيخ الاسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي تلميذ أبي العباس بن تيمية، قال في حقه ابن القيم من معاصرته له: ما تحت أديم السماء أعلم بالفقه من شمس الدين بن مفلح، وناهيك بكتابة هذا الجامع. توفي ليلة الخميس ثاني رجب سنة ثلاث وستين وسبعمائة (وربما ذكرت بعض الخلاف) في بعض المسائل (لقوته) تكثيرا للفائدة ولتعلم رتبته (و) ربما (عزوت) أي نسبت (حكما إلى قائله) من العلماء (خروجا من تبعته) قال في القاموس: كفرحة وكتابة: الشئ الذي فيه بغية، شبه ظلامة ونحوها انتهى. وقال بعضهم: التبعة ما اتبع به. وقد يكون عزو القول لقائله ارتضاء له وموافقة، كما هو شأن أئمة المذهب، وصرح به ابن قندس في حاشية الفروع (وربما أطلقت الخلاف) في بعض المسائل (لعدم) وقوفي على (مصحح) له من الأئمة المتقدمين (ومرادي بالشيخ) حيث أطلقته (شيخ الاسلام) بلا ريب (بحر العلوم) النقلية والعقلية (أبو العباس أحمد) تقي الدين ابن عبد الحليم ابن شيخ الاسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي (بن تيمية) الحراني، ولد يوم الاثنين عاشر - وقيل ثاني عشر - ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة، وتوفي ليلة الاثنين عشر ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. كان إماما مفردا أثنى عليه الاعلام من معاصريه فمن بعدهم، وامتحن بمحن وخاض فيه أقوام حسدا، ونسبوه للبدع والتجسيم، وهو من ذلك برئ، وكان يرجح مذهب السلف على مذهب المتكلمين، فكان من أمره ما كان، وأيده الله عليم بنصره، وقد ألف بعض العلماء في مناقبه وفضائله قديما وحديثا رحمه الله ونفعنا به. " تتمة " إذا أطلق المتأخرون كصاحب الفروع والفائق والاختيارات وغيرهم: الشيخ أرادوا به الشيخ العلامة موفق الدين أبا محمد عبد الله بن قدامة المقدسي، وإذا قيل الشيخان فالموفق والمجد، وإذا قيل: الشارح. فهو الشيخ شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن ابن
20 الشيخ أبي عمر المقدسي وهو ابن أخي الموفق وتلميذه، وإذا أطلق القاضي فالمراد به القاضي أبو يعلي محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد الفراء، وإذا قيل: وعنه، أي عن الإمام أحمد رحمه الله، وقولهم نصا: معناه لنسبته إلى الإمام أحمد رحمه الله. (وعلى الله) لا على غيره (أعتمد) أي أتكل (ومنه) دون ما سواه (المعونة) أي الإعانة (أستمد) أي أطلب المدد (هو ربي) دون غيره ورب كل شئ مالكه، والرب من أسمائه تعالى، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة. وقد قالوه في الجاهلية للملك (لا إله إلا هو) قال تعالى: (لو كان فيهما آلهة الله لفسدتا) (الأنبياء: 22) (عليه توكلت) أي فوضت أمري إلى الله دون ما سواه (وإليه متاب) إي توبتي، وتاب الله عليه وفقه للتوبة. مقدمة لم يؤلف الإمام أحمد في الفقه كتابا وإنما أخذ الصحابة مذهبه من أقواله وأفعاله وأجوبته وغير ذلك، وإذا نقل عن الامام في مسألة قولان فإن أمكن الجمع وفي الأصح ولو بحمل عام على خاص ومطلق على مقيد فهما مذهبه، وإن تعذر الجمع وعلم التاريخ فمذهبه الثاني لا غير، صحح في تصحيح الفروع وغيره، وإن جهل التاريخ بمذهبه أقر بهما من الأدلة أو قواعد مذهبه، ويخص عام كلامه بخاصة في مسألة واحدة في الأصح، والمقيس على كلامه مذهبه في الأشهر. وقوله: لا ينبغي، أو لا يصلح، أو استقبحه، أو هو قبيح، أو لا أراه: للتحريم، لكن حمل بعضهم، لا ينبغي: في مواضع من كلامه على الكراهة. وقوله: أكره. أو لا يعجبني، أو لا أحبه، أو لا استحسنه: للندب. قدمه في الرعاية الكبرى والشيخ تقي الدين. وقوله للسائل: يفعل كذا احتياطا للوجوب. قدمه في الرعاية والحاوي الكبير. وقال في الرعايتين والحاوي الكبير وآداب المفتي: الأولى: النظر إلى القرائن في الكل. فإن دلت على وجوب أو ندب أو تحريم أو كراهة أو إباحة حمل قوله عليه، سواء تقدمت أو تأخرت أو توسطت، قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب، وكلام أحمد يدل على ذلك انتهى. وأحب كذا، أو يعجبني. أو أعجب إلي: للندب. وقوله: أخشى، أو أخاف أن يكون، أو أن لا يجوز أو لا يجوز، وأجبن عنه مذهبه كقوة كلام لم يعارضه أقوى. وقول أحد صحبه في تفسير مذهبه وإخباره عن رأيه ومفهوم كلامه وفعله مذهبه في الأصح، كإجابته في شئ بدليل. والأشهر قول صحابي، واختار ابن حامد أو قول فقيه. قال في تصحيح الفروع: وهو أقرب إلى الصواب، ويعضده منع الإمام أحمد من اتباع الآراء الرجال. وما انفرد به واحد وقوي دليله، أو صحح الامام خبرا، أو حسنه، أو
21 دونه ولم يرده فهو مذهبه قدمه في الرعايتين وغيرهما، وإن ذكر قولين وحسن أحدهما أو علله: فهو مذهبه، بخلاف ما لو فرع على أحدهما. قال في تصحيح الفروع: والمذهب لا يكون بالاحتمال، وإلا فمذهبه أقربهما من الدليل. وإذا أفتى بكم فاعترض عليه فسكت ونحوه لم يكن رجوعا، قدمه في تهذيب الأجوبة، وتابعه الشيخ تقي الدين. قال في تصحيح الفروع: وهو أولى. وما علله بعلة توجد في مسائل فمذهبه فيها كالمعللة، ويلحق ما توقف فيه بما يشبهه. وإن اشتبهت مسألتان أو أكثر مختلفة بالخفة والثقل، فقال في الرعاية الكبرى، وتبعه في الحاوي الكبير: الأولى العمل بكل منهما، لمن هو أصلح له. والأظهر عنه هنا التخيير. (فائدة) اعلم رحمك الله أن الترجيح إذا اختلف بين الأصحاب إنما يكون ذلك بقوة الدليل من الجانبين. وكل واحد ممن قال بتلك المقالة إمام يقتدي به، فيجوز تقليد والعمل بقوله، ويكون ذلك في الغالب مذهبا لإمامه. لأن الخلاف إن كان للإمام أحمد فواضح، وإن كان بين الأصحاب فهو مقيس على قواعده وأصوله ونصوصه، قاله في الانصاف.
22 كتاب الطهارة بدأ بذلك اقتداء بالأئمة، كالشافعي. لأن آكد أركان الاسلام بعد الشهادتين الصلاة، والطهارة شرطها، والشرط مقدم على المشروط. وهي تكون بالماء والتراب. والماء هو الأصل. وبدأ بربع العبادات اهتماما بالأمور الدينية، وتقديما لها على الأمور الدنيوية، وقدموا المعاملات على النكاح وما يتعلق به لأن سبب المعاملات - وهو الأكل والشرب ونحوهما - ضروري يستوي فيه الكبير والصغير، وشهوته مقدمة على شهوة النكاح. وقدموا النكاح على الجنايات والمخاصمات لأن وقوع ذلك في الغالب بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج. والكتاب: مصدر بمعنى المكتوب كالخلق بمعنى المخلوق، يقال: كتب، كتبا، وكتابا، وكتابة، ومعناها: الجمع، يقال: كتبت البغلة إذا جمعت: بين شفريها بحلقة أو سير، قال سالم بن دارة: لا تأمنن فزاريا خلوت به * على قلوصك واكتبها بأسيار أي واجمع بين شفريها. ومنه الكتيبة، وهي الجيش. والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف. وأما الكثبة بالمثلثة فالرمل المجتمع. واعترض القول بأن الكتاب مشتق من الكتب بأن المصدر لا يشتق من مثله. وجوابه: أن المصدر في نحو ذلك أطلق وأريد به اسم المفعول كما تقدم، فكأنه قيل: المكتوب للطهارة، أو المكتوب للصلاة ونحوها، أو أن المراد به الاشتقاق الأكبر، وهو اشتقاق الشئ الذي يناسبه مطلقا، كالبيع مشتق من الباع أي مأخوذ منه، وأن المصدر المزيد مشتق من المصدر المجرد كما نص عليه بعضهم.
23 وكتاب الطهارة: خبر مبتدأ محذوف، أي هذا كتاب الطهارة، أو مبتدأ خبره محذوف، أو مفعول لفعل محذوف، وكذا تقدر في نظائره الآتية، (وهي) أي الطهارة لغة: النظافة، والنزاهة عن الأقذار حسية كانت أو معنوية، ومنه ما في الصحيح عن ابن عباس أن النبي (ص) كان إذا دخل على مريض قال: لا بأس، طهور إن شاء الله أي مطهر من الذنوب، والطهارة مصدر طهر يطهر بضم الهاء فيهما، وهو فعل لازم لا يتعدى إلا بالتضعيف. فيقال طهرت الثوب، ومصدر طهر بفتح الهاء الطهر، كحكم حكما، وشرعا: (ارتفاع الحدث) أكبر كان أو أصغر، أي زوال الوصف المانع من الصلاة ونحوها باستعمال الماء في جميع البدن، أو في الأعضاء الأربعة على وجه مخصوص. وعبر بالارتفاع ليطابق بين المفسر والمفسر، ولم يعبر بالرفع - كما عبر به جمع - لأنه تعريف للتطهير لا الطهارة، ولكن سهله كون الطهارة أثره وناشئة عنه، وسمي، الوضوء، والغسل: طهارة لكونه ينقي الذنوب والآثام كما في الاخبار. (وما في معناه) أي معنى ارتفاع الحدث كالحاصل بغسل الميت لأنه تعبدي لا عن حدث، والحاصل بغسل يدي القائم من نوم الليل، والوضوء، والغسل المستحبين والغسلة الثانية والثالثة ونحو ذلك، (وزوال النجس) سواء كانت إزالته بفعل فاعل كغسل المتنجس، أو بنفسه كزوال تغير الماء الكثير وانقلاب الخمرة خلا (أو ارتفاع حكم ذلك) أي الحدث وما في معناه والنجس، إما بالتراب كالتيمم عن حدث، أو نجس ببدن، أو عن غسل ميت، أو عن وضوء، أو غسل مسنون، وإما بالأحجار ونحوها في الخارج من سبيل على ما يأتي تفصيله. وأو في كلامه للتنويع. وهذا الحد أجود ما قيل في الطهارة. وقد عرفت بحدود كثيرة وكلها منتقدة، وما حذفه من عبارة التنقيح والمنتهى ليس من الحد،
24 بل من المحدود، كما نبه عليه في حاشيته على التنقيح، وقوله: أو ارتفاع حكم ذلك أولى من قولهما: أو ارتفاع حكمهما: لما قدمته في تفسيره، وحيث أطلق لفظ الطهارة في كلام الشارع، إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي، حيث لا صارف، وكذا كل ما له موضوع شرعي ولغوي كالصلاة. فكتاب الطهارة هو الجامع لأحكام الطهارة من بيان ما يتطهر به، وما يتطهر له، وما يجب أن يتطهر منه إلى غير ذلك. و (أقسام الماء ثلاثة) لأنه لا يخلو إما أن يجوز الوضوء به أو لا. فإن جاز فهو الطهور، وإن لم يجز فلا يخلو. إما أن يجوز شربه أو لا، فإن جاز فهو الطاهر، وإلا فهو النجس، أو تقول: إما أن يكون مأذونا في استعماله أو لا، الثاني: النجس. والأول: إما أن يكون مطهرا لغيره أو لا. الأول: الطهور، والثاني الطاهر. وزاد ابن روين المشكوك فيه. وطريقة الشيخ تقي الدين: أنه ينقسم إلى طاهر ونجس. وقال: إثبات قسم طاهر غير مطهر لا أصل له في الكتاب والسنة. القسم (الأول): ماء (طهور) قدمه لمزيته بالصفتين، وهو الطاهر في ذاته المطهر لغيره، فلهذا قال: (بمعنى المطهر) مثل الغسول الذي يغسل به فهو من الأسماء المتعدية، قال تعالى: * (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) * وقال (ص): وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ولو أراد به الطاهر لم يكن له مزية على غيره لأنه طاهر في حق كل أحد. وروى مالك والخمسة وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة أن رجلا سأل النبي (ص) عن الوضوء بماء البحر، فقال: هو الطهور ماؤه ولو لم يكن متعديا بمعنى المطهر لم يكن ذلك جوابا للقوم حين سألوه عن الوضوء به، إذ ليس كل طاهر مطهرا. وأما قوله تعالى: * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) * (الانسان 21) فقال ابن عباس: أي مطهرا من الغل والغش. قال في الشرح:
25 والنزاع في هذه المسألة لفظي. وقد ذكرت بقية كلامه في الحاشية، قال في الاختيارات: وفصل الخطاب في المسألة أن صيغة التعدي واللزوم أمر مجمل يراد به النحوي، ولم يفرق فيه العرب بين فاعل وفعول، والفقهي: الحكمي. وقد فرق الشرع فيه بين طاهر وطهور، هذا ملخص كلامه. وقال القاضي: فائدة الخلاف أن النجاسة لا تزال بشئ من المائعات غير الماء عندنا، ويجوز عندهم، أي الحنفية. قال الشيخ تقي الدين: ولا تدفع النجاسة عن نفسها، والماء يدفعها لكونه مطهرا. قال وليس طهور معدولا عن طاهر حتى يلزم موافقته له في التعدي واللزوم، بل هو من أسماء الآلات كالسحور والوجور اه. وظاهر هذا أن الخلاف معنوي لا لفظي. والطهور بضم الطاء المصدر قاله اليزيدي. وحكي الضم فيهما والفتح فيهما (لا يرفع الحدث) وما في معناه غيره (ولا يزيل النجس الطارئ غيره) أي غير الماء الطهور. وأما التيمم فمبيح لا رافع كما يأتي في بابه، وكذلك الحجر ونحوه في الاستجمار مزيل للحكم فقط، (وهو) أي الماء الطهور (الباقي على خلقته) أي صفته التي خلق عليها من حرارة، أو برودة، أو عذوبة، أو ملوحة، أو غيرها (حقيقة) بأن لم يطرأ عليه شئ، (أو حكما) كالمتغير بمكث أو طحلب، والمتصاعد من بخارات الحمام ثم يقطر. والماء الطهور ما نزل من السماء كالمطر، وذوب الثلج، والبرد لقوله تعالى: * (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) * (الأنفال) وقوله عليه السلام: اللهم طهرني بالثلج والبرد رواه مسلم. وماء الأنهار، والعيون، والآبار، (ومنه) أي من الطهور (ماء البحر) لحديث أبي هريرة السابق، (و) من الطهور (ما استهلك فيه مائع طاهر) بحيث لم يغير كثيرا من لونه، أو طعمه، أو ريحه، كما يعلم مما يأتي في أقسام الطاهر، (أو) استهلك فيه (ماء مستعمل يسير) ولم يغيره، فهو باق على طهوريته، لأن ذلك لا يسلبه اسم الماء المطلق. أشبه الباقي على
26 خلقته (فتصح الطهارة به ولو كان الماء الطهور لا يكفي لها) أي للطهارة (قبل الخلط) لأن المائع استهلك في الماء فسقط حكمه، أشبه ما لو كان يكفيه فزاده مائعا وتوضأ منه وبقي قدر المائع. وعنه لا تصح الطهارة به، اختاره القاضي في الجامع. وحمله ابن عقيل على أن المائع لم يستهلك. وفرض الخلاف في الرعايتين والفروع في زوال طهورية الماء وعدمه، ورده ابن قندس في حواشي الفروع برد حسن، (ومنه) أي الطهور غير المكروه ماء (مشمس) مطلقا. وما روي عن النبي (ص) أنه قال لعائشة وقد سخنت ماء في الشمس: لا تفعلي فإنه يورث البرص قال النووي: هو حديث ضعيف باتفاق المحدثين، ومنهم من يجعله موضوعا. وكذا حديث أنس أنه سمع النبي (ص) يقول: لا تغتسلوا بالماء الذي سخن بالشمس فإنه يعدي من البرص قال ابن المنجا: غير صحيح، ويعضد ذلك إجماع أهل الطب على أن ذلك لا أثر له في البرص، وأنه لو أثر لما اختلف بالقصد وعدمه، ولما اختص تسخينه في الأواني المنطبعة دون غيرها، (و) منه (متروح بريح ميتة إلى جانبه) قال في الشرح، والمبدع: بغير خلاف نعلمه لأنه تغير مجاورة، (و) منه (مسخن بطاهر) كالحطب نصا لعموم الرخصة، وعن عمر: أنه كان يسخن له ماء في قمقم فيغتسل به. رواه الدارقطني بإسناد صحيح، وعن ابن عمر أنه كان يغتسل بالحميم. رواه ابن أبي شيبة، لأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه قاله في المبدع، قال: ومن نقل عنه الكراهة علل بخوف مشاهدة العورة، أو قصد التنعيم به، (و) منه (متغير بمكثه) أي الماء الآجن الذي تغير بطول إقامته في مقره باق على إطلاقه، لأنه عليه السلام توضأ بماء آجن، ولأنه تغير عن غير مخالطة. أشبه المتغير بالمجاورة، وحكى ابن المنذر إجماع من يحفظ قوله من أهل العلم سوى ابن سيرين، فإنه كره ذلك، وجزم به في الرعاية، (أو) أي ومن الطهور متغير (بطاهر يشق صون الماء عنه كنابت فيه) أي في الماء، (و) ك (- ورق شجر) يسقط في الماء بنفسه، (و) ك (- طحلب و) ك (- سمك ونحوه من دواب البحر وجراد ونحوه مما لا نفس له سائلة)
27 كالخنفساء والعقرب والصراصير، إن لم تكن من كنف ونحوها، لأن ذلك يشق الاحتراز عنه. أشبه المتغير بتبن أو عيدان، (و) من المتغير بما يشق صون الماء عنه المتغير في (آنية أدم) أي جلد، (و) آنية (نحاس ونحوه) كحديد، (و) متغير ب (- مقر وممر) من كبريت ونحوه (فكله غير مكروه) لمشقة التحرز من ذلك (كماء الحمام) لما تقدم من أن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه. وظاهره ولو كان وقودها نجسا. قال في المبدع: لأن الرخصة في دخول الحمام تشمل الموقود بالطاهر والنجس (وإن غيره) أي الماء طاهر (غير ممازج كدهن وقطران وزفت وشمع) فطهور، لأن تغيره عن مجاورة مكروه للاختلاف في سلبه الطهورية، لكن القطران قسمه بعض العلماء قسمين: ما لا يمازج، والكلام فيه لأنه في معنى الدهن، وما يمازج الماء فيسلبه الطهورية، كسائر الطاهرات الممازجة. ولم أره لأصحابنا لكن كلامهم يدل عليه (وقطع كافور وعود قماري) بفتح القاف منسوب إلى قمار موضع ببلاد الهند، (و) قطع (عنبر إذا لم يستهلك في الماء ولم يتحلل فيه) فطهور مكروه لما تقدم. ومفهوم كلامه: أنه إذا استهلك في الماء، أو انماع فيه وذاب وغير كثيرا من صفة من صفاته أنه يسلبه الطهورية لممازجته له. وقال في المبدع: مفهوم كلامه في المغني والشرح: إن تحلل من ذلك شئ فطاهر وإلا فطهور، فلو خالط الماء بأن دق أو انماع فأقوال اه. وقد أوضحت ذلك في الحاشية، (أو) غيره (ملح مائي) فطهور، وهو الماء الذي يرسل على السباخ فيصير ملحا لأن المتغير به منعقد من الماء، أشبه ذوب الثلج، واقتضى ذلك أن الملح المائي لو انعقد من طاهر غير مطهر فحكمه كباقي الطاهرات، وأن الملح المعدني كذلك كما صرح به في الثانية في المغني وغيره، لأنه خليط مستغنى غير منعقد من
28 الماء، أشبه الزعفران (أو سخن بمغصوب) فطهور لأنه ماء مطلق لم يطرأ عليه ما يسلبه الطهورية، مكروه لاستعمال المغصوب فيه (أو اشتد حره) فطهور لعموم الأدلة، مكروه لأنه يمنع كمال الطهارة. وعليه يحمل النهي عن الوضوء بالماء الحميم إن ثبت، لكونه مؤذيا أو يمنع الاسباغ، (أو) اشتد (برده فطهور مكروه) لما تقدم، (وكذا مسخن بنجاسة) وإن برد كما في الرعاية فيكره مطلقا. لحديث: دع ما يريبك ولأنه لا يسلم غالبا من دخانها وصعوده بأجزاء لطيفة منها. وإن تحقق وصول النجاسة إليه وكان يسيرا نجس كما في المغني وغيره (إن لم يحتج إليه) أي إلى المسخن بالنجاسة. فإن احتيج إليه تعين وزالت الكراهة لأن الواجب لا يكون مكروها. قلت: وكذا حكم كل مكروه احتيج إليه كما يدل عليه كلامه في الاختيارات (ويكره إيقاد النجس) في تسخين الماء وغيره لأنه لا يؤمن تعديه إلى المسخن فينجسه، (و) كذا (ماء بئر في مقبرة) فيكره استعماله مطلقا في أكل وغيره، وكره الامام بقل المقبرة وشوكها، (و) كذا (ماء بئر في موضع غصب، أو) ماء بئر (حفرها) غصب، (أو أجرته) أي الحفر (غصب) فيكره الماء لأنه أثر غصب محرم، (و) كذا (ما ظن تنجيسه) فيكره، بخلاف ما شك في نجاسته فلا يكره، كما صرح به في الشرح، (و) كذا يكره (استعمال ماء زمزم في إزالة النجس فقط) تشريفا له، ولا يكره استعماله في طهارة الحدث، لقول علي: ثم أفاض رسول الله (ص) فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ رواه عبد الله بن أحمد بإسناد صحيح، وما روي عن زر بن حبيش قال: رأيت العباس قائما عند زمزم يقول: ألا لا أحله لمغتسل، ولكنه لكل شارب حل وبل وروى أبو عبيد في الغريب: أن
29 عبد المطلب بن هاشم قال ذلك حين احتفره: محمول على من يضيق على الشراب، وكونه من منبع شريف لا يمنع منه كعين سلوان، إلا أن يقال له خصوصية انفرد بها، وهي كونه يقتات به، كما أشار إليه أبو ذر في بدء إسلامه (ولا يكره ما جرى على الكعبة في ظاهر كلامهم) وصرح به بعضهم، قاله في الفروع وفي المبدع، وصرح به غير واحد (فهذا كله يرفع الاحداث) لما تقدم، وهي (جمع حدث، وهو ما) أي وصف يقوم بالبدن (أوجب وضوءا) أي اعتبره الشرع سببا لوجوب الوضوء، ويسمى أصغر (أو) أوجب (غسلا) ويسمى أكبر وأو لمنع الخلو لا الجمع، لأن ما أوجب الغسل أوجب الوضوء غير الموت، ويطلق الحدث على نفس الخارج. قال في الرعاية: والحدث والاحداث ما اقتضى وضوءا أو غسلا أو هما، أو استنجاء أو استجمارا أو مسحا أو تيمما قصدا، كوطئ وبول ونحوهما، غالبا أو اتفاقا، كحيض، ونفاس، واستحاضة ونحوها، واحتلام نائم، ومجنون، ومغمى عليه، وخروج ريح منهم غالبا (إلا حدث رجل وخنثى) بالغ فلا يرتفع (بماء) قليل (خلت به امرأة) مكلفة لطهارة كاملة عن حدث. (ويأتي) في القسم الثاني مفصلا (والحدث ليس) ب (نجاسة، بل معنى يقوم بالبدن تمنع معه الصلاة) لأن الطهارة شرط لها مع القدرة، (و) يمنع معه ( الطواف) بالبيت لأنه صلاة، ويمنع معه أيضا مس المصحف ويمنع أيضا قراءة آية فأكثر إن كان أكبر (والمحدث ليس نجسا) من حيث كونه محدثا لأن الحدث ليس بنجاسة (فلا تفسد الصلاة بحمله) لأنه لم يحمل نجسا، (وهو) أي المحدث (من لزمه للصلاة ونحوها) كالطواف ومس المصحف (وضوء أو غسل) مع القدرة، (أو) لزمه لذلك (تيمم لعذر) من عدم الماء، أو عجزه عن استعماله ونحوه مما يأتي في بابه مفصلا. (والطاهر) شرعا: (ضد النجس، والمحدث) إذ الطهارة ارتفاع الحدث وزوال النجس كما تقدم فالطاهر الخالي منهما (ويزيل الأنجاس الطارئة) معطوف على: برفع
30 الاحداث لقوله (ص): صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء والأنجاس (جمع نجس وهو) لغة: ما يستقذره ذو الطبع السليم وعرفا: (كل عين حرم تناولها) لذاتها (مع إمكانه) أي إمكان التناول، خرج به ما لا يمكن تناوله كالصوان لأن المنع من الممتنع مستحيل (لا لحرمتها) مخرج لصيد الحرم والاحرام، (ولا لاستقذارها) كالبزاق والمخاط فالمنع منه لاستقذاره لا لنجاسته (ولا لضرر بها في بدن) احتراز عن السميات من النبات، (أو) ضرر بها في (عقل) خرج به نحو البنج (قاله في المطلع. وهي) أي النجاسة المعرفة في كلامه (النجاسة العينية، ولا تطهر بحال) لا بغسل ولا باستحالة، قلت: فلا يرد نحو الخمرة والماء المتنجس، لأنه عين حرم تناولها، لكن لما طرأ كما يأتي تفصيله (وإذا طرأت النجاسة على محل طاهر فنجسته) لبللهما أو لبلل أحدهما (ولو بانقلاب) الطاهر (بنفسه كعصير تخمر) ومني صار نطفة (فمتنجس ونجاسته حكمية يمكن تطهيرها) كانقلاب الخمرة بنفسها خلا، وصيرورة النطفة حيوانا طاهرا، (ويأتي) ذلك في باب إزالة النجاسة. (ولا يباح ماء آبار) ديار (ثمود غير بئر الناقة) لقول ابن عمر: إن الناس نزلوا مع رسول الله (ص) على الحجر أرض ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم رسول الله (ص): أن يهريقوا ما استقوا من آبارها، ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة متفق عليه. (قال الشيخ تقي الدين: وهي البئر الكبيرة التي يردها الحجاج في هذه الأزمنة. انتهى) قال في الهدى في غزوة تبوك: بئر الناقة استمر علم الناس بها قرنا بعد قرن إلى وقتنا هذا، فلا ترد الركوب بئرا غيرها، وهي مطوية محكمة البناء واسعة
31 الارجاء آثار العفو عليها بادية لا تشتبه بغيرها. (فظاهره) أي ظاهر القول بتحريم ماء غير بئر الناقة من ديار ثمود (لا تصح الطهارة) أي الوضوء والغسل (به) لتحريم استعماله (كماء مغصوب، أو) ماء (ثمنه المعين حرام) في البيع فلا يصح الوضوء بذلك ولا الغسل به، لحديث: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد قال في المبدع: لا تصح الطهارة بماء مغصوب، كالصلاة في ثوب مغصوب انتهى. قلت: فيؤخذ منه تقييده بما إذا كان عالما ذاكرا كما يأتي في الصلاة، وإلا صحت لأنه غير آثم إذن (فيتيمم معه) أي مع ماء غير بئر الناقة من ديار ثمود، ومع المغصوب وما ثمنه المعين حرام (لعدم غيره) من المباح، ولا يستعمله لأنه ممنوع منه شرعا، فهو كالمعدوم حسا (ويكره ماء بئر ذروان) وهي التي ألقي فيها سحر النبي (ص) بالمدينة وهي الآن مطمومة تلقى فيها القمامة والعذرات ذكره في الحاشية. (و) يكره ماء بئر (برهوت) بفتح الباء والراء ويقال: برهوت بضم الباء وسكون الراء. روي عن علي: شر بئر على الأرض برهوت، وهي بئر عميقة بحضر موت لا يستطاع النزول إلى قعرها. أخرجه أبو عبيد عن علي، وأخرجه الطبراني في المعجم عن ابن عباس مرفوعا. ذكره ابن الأثير في النهاية وهي البئر التي تجتمع فيها أرواح الفجار ذكره ابن عساكر. فصل: هو عبارة عن الحجز بين الشيئين، ومنه فصل الربيع، لأنه يحجز بين الشتاء والصيف وهو في كتب العلم كذلك، لأنه حاجز بين أجناس المسائل وأنواعها. القسم (الثاني): من أقسام الماء: (طاهر) غير مطهر، وهو أنواع: منها المستخرج بالعلاج (كماء ورد ونحوه) كماء الزهر والخلاف والبطيخ لأنه ليس بماء مطلق (وطهور خالطه طاهر فغيره) أي غير اسمه حتى صار صبغا أو خلا، ذكره في الشرح، فيصير طاهرا غير مطهر
32 إلا النبيذ إذا اشتد، أو أتى عليه ثلاثة أيام، فيصير نجسا، ويأتي في باب حد المسكر (في غير محل التطهير، و) إن كان التغير (في محله) أي التطهير فهو (طهور) كما لو تغير الماء بزعفران في محل الوضوء أو الغسل، فهو طهور ما دام في محل التطهير لمشقة التحرز، (أو غلب) الطاهر (على أجزائه) أي الطهور، بأن تكون أجزاء المخالط أكثر من أجزاء الماء حتى يقال، إذا كان المخالط خلا: هذا خل فيه ماء. فيكون الخل أغلب. ولو كان الماء أكثر لقيل: ماء فيه خل، (أو طبخ) الطاهر (فيه) أي في الطهور (فغيره) كماء الباقلا والحمص فطاهر. فإن لم يغيره كما لو صلق فيه بيض فطهور. ولا فرق فيما تقدم بين الطهور الكثير والقليل، (أو وضع فيه) أي الطهور (ما يشق صونه عنه قصدا) بأن وضع آدمي عاقل طحلبا، أو ورق شجر ونحوه بماء فتغير به عن ممازجه، (أو) خلط فيه (ملح معدني فغيره) فطاهر (لأنه ليس بماء مطلق) وإنما يقال ماء كذا، بالإضافة اللازمة، بخلاف ماء البحر والحمام ونحوه، فإن الإضافة فيه غير لازمة، (و) لذلك (لو حلف لا يشرب ماء فشربه لم يحنث، ولو وكله في شراء ماء فاشتراه لم يلزم الموكل) لأن اسم الماء المطلق لا يتناوله، ويلزم الوكيل الشراء إن علم الحال، وإلا فله الرد، كما يأتي تفصيله في الوكالة، (ويسلبه) أي الماء (الطهورية إذا خلط يسيره) أي الطهور، فإن كان كثيرا لم يؤثر خلطه وصار الكل طهورا، كالنجس وأولى (بمستعمل) في رفع حدث أكبر أو أصغر، أو إزالة نجاسة من آخر غسلة زالت بها النجاسة، ولا تغير (ونحوه) أي نحو المستعمل في ذلك، كالذي غسل به الميت، لأنه تعبدي، لا عن حدث، والذي غمس أو غسل به يد القائم من نوم الليل (بحيث لو خالفه) أي لو فرض بشئ يخالفه (في الصفة) كاللون والطعم (غيره) أي غير اليسير الطهور، فيصير طاهرا (ولو بلغا) أي الطهور والطاهر، (قلتين) كالطاهر من غير الماء إذا خالط الطهور، (ويقدر المخالف بالوسط. قال) أبو الوفا علي (بن عقيل) بفتح العين: (يقدر) المخالف (خلا) قال المجد: ولقد نحكم، إذ الخل ليس بأولى من غيره. انتهى
33 قلت: لعله أراد من حيث كونه وسطا، فيكون الحكم للوسط لا له بخصوصه. وقال في الشرح وما ذكرنا من الخبر أنه (ص) اغتسل هو وعائشة من إناء واحد، تختلف أيديهما فيه، كل واحد يقول لصاحبه: إبق لي فظاهر حال النبي (ص) وأصحابه يمنع من اعتباره بالخل، لسرعة نفوذه وسرايته، فيؤثر قليله في الماء، والحديث دل على العفو عن اليسير مطلقا. فينبغي أن يرجع في ذلك إلى العرف، فما عد كثيرا منع وإلا فلا. وإن شك في كثرته لم يمنع، عملا بالأصل (أو كانا) أي المخلوطان (مستعملين فبلغا) بالخلط (قلتين) فهما باقيان على الاستعمال خلافا لابن عبدوس، (أو غير) الطاهر المخالط للطهور، وظاهر كلامه ولو مستعملا (أحد أوصافه) بأن غير (لونه، أو طعمه، أو ريحه، أو) غير (كثيرا من صفة) من صفاته، كلونه، أو طعمه، أو ريحه، فيسلبه الطهورية لأنه ليس بماء مطلق، ولان الكثير بمنزلة الكل. فأشبه ما لو غير كل الصفة. و (لا) يسلبه الطهورية إن غير الطاهر المخالط (يسيرا منها) أي من صفة من صفاته (ولو) كان التغير اليسير من صفة (في غير الرائحة) كالطعم أو اللون، لما روت أم هانئ أن النبي (ص) اغتسل من قصعة فيها أثر العجين رواه أحمد وغيره. وعلم من كلامه أنه لو كان التغير اليسير من صفاته الثلاث أثر وكذا من صفتين، على ظاهر ما قدمه في الفروع. ولعل المراد إذا كان اليسير من صفتين أو ثلاث يعدل الكثير من صفة واحدة، (ولا) يسلب الطهور طهوريته إذا خلط (بتراب) طهور (ولو وضع قصدا) لأنه طاهر مطهر كالماء، فإن كان مستعملا فكباقي الطاهرات، كما يدل عليه تعليلهم (ما لم يصر) الماء المخلوط بتراب طهور (طينا) فلا تصح الطهارة به لعدم إسباغه وسيلانه على الأعضاء (فإن صفي من التراب فطهور) مطهر لزوال المانع، (ولا) يصير الماء طاهرا بتغيره (بما ذكر في أقسام الطهور) كالمتغير بطول المكث أو ريح ميتة بجانبه، أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب، وورق شجر، أو في مقره، أو ممره ونحوه، أو بمجاورة ميتة، أو بما لا يمازجه، كعود قماري، وقطع كافور، ودهن، وشمع ونحوه. (ويسلبه) أي الطهور الطهورية (استعماله) أي اليسير (في رفع حدث) أكبر أو أصغر، فهو طاهر، لأن النبي (ص) صب على جابر من وضوئه رواه
34 البخاري، غير مطهر لقول النبي (ص): لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب رواه مسلم من حديث أبي هريرة. ولولا أنه يفيد معنى لم ينه عنه، ولأنه أزال به مانعا من الصلاة، أشبه ما لو أزال به النجاسة، أو استعمل في عبادة على وجه الاتلاف، أشبه الرقبة في الكفارة. وفي أخرى مطهر اختارها ابن عقيل، وأبو البقاء، والشيخ تقي الدين، لحديث ابن عباس مرفوعا: الماء لا يجنب رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي. وفي ثالثة: نجس. كالمستعمل في إزالة النجاسة، وعليها يعفى عما قطر على بدن المتطهر وثوبه، (و) يسلبه الطهورية استعماله في (غسل ميت إن كان) الطهور (يسيرا) لأنه في معنى المستعمل في رفع الحدث، وفيه ما سبق. و (لا) يسلب الطهورية باستعماله فيما ذكر إن كان (كثيرا) لأنه يدفع النجاسة عن نفسه، فهذا أولى (وإن غسل) به (رأسه بدلا عن مسحه) فطهور، وإن قلنا بإجزاء الغسل عن المسح، لأنه مكروه فلا يكون واجبا. صححه ابن رجب في آخر القاعدة الثالثة وقياسه: ما غسل به نحو خف بدلا عن مسحه (أو استعمل في طهارة مستحبة، كالتجديد وغسل الجمعة) والعيدين (والغسلة الثانية والثالثة) في الوضوء والغسل إذا عمت الأولى فطهور، لأنه لم يرفع حدثا، ولم يزل نجسا أشبه التبرد، (أو) استعمل في (غسل ذمية) أو كافرة وغيرها (لحيض ونفاس وجنابة) وعبارة المنتهى: أو غسل كافر، وهي أعم (فطهور) لأنه لم يرفع حدثا لفقد شرطه (مكروه) للاختلاف فيه. وظاهر انتهى. كالتنقيح، والفروع والمبدع، والانصاف وغيرها: عدم الكراهة، لكن ما ذكره متوجه (وإن استعمل) الطهور (في) طهارة (غير مستحبة كالغسلة الرابعة في الوضوء والغسل والثامنة في إزالة النجاسة) بعد زوالها، (و) المستعمل في (التبرد والتنظيف ونحو ذلك فطهور غير مكروه) لعدم الاختلاف فيه (ولو اشترى ماء فبان) أنه (قد توضئ به فعيب لاستقذاره عرفا) قلت: وكذا لو بان أنه
35 اغتسل به، أو أزال به نجاسة، وكان من الغسلة الأخيرة مع زوالها، وعدم التغير، أو غسل ميت، وظاهره أيضا: ولو كان الوضوء أو الغسل مستحبا، (ويسلبه) أي اليسير الطهورية (إذا غمس غير صغير ومجنون وكافر) وهو المسلم البالغ العاقل، ولو ناسيا أو مكرها، أو جاهلا في ظاهره كلامهم (يده كلها) إلى الكوع (ولا عضوا من أعضائه غيرها) أي غير اليد كالوجه والرجل (واختار جمع) منهم ابن حامد وابن رزين في شرحه، وجزم به في الكافي وقدمه في الإفادات، وصححه الناظم (أن غمس بعضها كغمس كلها) والمذهب ما قدمه كما في الانصاف وغيره - لكن لو نوى غسل يديه وغسل بعض يده فالظاهر أن المنفصل منه طاهر، لأنه استعمل في طهارة واجبة (في ماء يسير) لا كثير (أو حصل) اليسير (فيها) أي في يد غير صغير، ومجنون، وكافر (كلها من غير غمس. ولو باتت) اليد (مكتوفة أو في جراب ونحوه) خلافا لابن عقيل (قائم من نوم ليل) لا نهار خلافا للحسن (ناقض لوضوء) لو كان بخلاف اليسير من قائم وقاعد (قبل غسلها) أي اليد (ثلاثا كاملة) لحديث أبي هريرة يرفعه: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده متفق عليه، ولفظه لمسلم. وفي رواية: فليغسل يديه ولأبي داود والترمذي وصححه: من الليل وهو تعبدي. فيجب، وإن شدت يداه أو جعلت في جراب ونحوه، وسواء كان ذلك الغمس أو الحصول (بعد نية غسلها أو قبلها) أي قبل النية لعموم ما سبق (لكن إن لم يجد) من وجبت عليه الطهارة (غيره) أي غير ما غمس فيه القائم من نوم الليل يده، أو حصل في كلها (استعمله) وجوبا. لأن القائل بطهارته أكثر من القائل بطهارته (فينوي رفع الحدث) ويستعمله (ثم يتيمم) ليقع التيمم بعد عدم الماء بيقين وجوبا، لأن حدثه لم يرتفع لأنه بماء طاهر غير مطهر. قلت: فإن كانت الطهارة عن خبث استعمله، ثم تيمم إن كانت بالبدن (ويجوز استعماله) أي الماء المستعمل في غسل يدي القائم من نوم الليل (في شرب وغيره)
36 كالمستعمل في رفع الحدث، وأولى لطهارته. قلت: ومثله فيما تقدم ما غسل به ذكره وأنثييه لخروج مذي دونه، (ولا يؤثر غمسها) أي يد القائم من نوم الليل (في مائع غير الماء) كاللبن والعسل والزيت، لأنها غير نجسة، لكن يكره غمسها في مائع، وأكل شئ رطب بها. قاله في المبدع (ولو استيقظ محبوس من نومه فلم يدر أهو) أي الاستيقاظ (من نوم ليل أم نهار لم يلزمه غسل يديه) لأنا لا نوجب بالشك، ولم يتحقق الموجب (ولو كان الماء في إناء لا يقدر على الصب منه) كحوض مبني، (بل) يقدر (على الاغتراف) منه (وليس عنده ما يغترف به ويداه نجستان، فإنه يأخذ الماء بفيه) إن أمكنه (ويصب على يديه نصا) حتى يطهرهما (أو يبل ثوبا أو غيره فيه) أي الماء (ويصبه على يديه) حتى يطهرهما إن أمكنه ذلك (وإن لم يمكنه) ذلك (تيمم وتركه) لأنه غير قادر على استعماله. أشبه ما لو وجد بئرا ولم يجد آلة يستقي بها منها. فإن لم تكونا نجستين لكن لم يغسلهما من نوم ليل، ففي الشرح من قال: إن غمسهما لا يؤثر، قال: يتوضأ. ومن جعله مؤثرا قال: يتوضأ ويتيمم معه انتهى. ولعله مبني على أن غمس البعض كالكل، وإلا فالظاهر أنه يغترف ببعض يده، ويغسلهما ثلاثا ثم يتوضأ بلا تيمم (وإن نوى جنب ونحوه) كحائض ونفساء وكافر أسلم (بانغماسه كله أو) انغماس (بعضه) من يد أو غيرها (في ماء قليل) لا كثير (راكد أو جار رفع حدثه لم يرتفع) حدثه بذلك. قال في الحاوي الكبير: قال أصحابنا: يرتفع الحدث عن أول جزء يقع منه، أي في الماء، فيحصل غسل ما سواه بماء مستعمل فلا يجزئه، (وصار) الماء (مستعملا بأول جزء انفصل) من المنغمس. والحاصل: أن الحدث يرتفع عن أول جزء لاقى وهو غير معلوم، والماء يصير مستعملا بأول جزء انفصل، كما أن الماء الوارد على محل التطهير يرفع الحدث بمجرد الإصابة ولا يصير مستعملا إلا بانفصاله. فلهذا قال (ك) - الماء (المتردد على المحل) أي محل التطهير، فإنه يصير مستعملا بانفصاله. قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: ما دام الماء يجري على بدن المغتسل وعضو المتوضي على وجه الاتصال فليس بمستعمل حتى ينفصل. فإن انتقل من عضو إلى عضو لا يتصل به، مثل أن يعصر الجنب شعر رأسه على لمعة من بدنه، أو يمسح المحدث رأسه ببلل يده
37 بعد غسلها فهو مستعمل في إحدى الروايتين، كما لو انفصل إلى غير محل التطهير، والأخرى ليس بمستعمل وهو أصح انتهى. لكن صحح الأولى في الانصاف، ومشى عليه المصنف. وذكر الخلال أن رواية الاجزاء رجع أحمد عنها، واستقر قوله على أن ذلك لا يجزئ (وكذا نيته) أي الجنب (بعد غمسه) أي انغماسه في الماء القليل راكدا كان أو جاريا. قال في الحاوي الكبير: ولو لم ينو الطهارة حتى انغمس به، فقال أصحابنا: يرتفع الحدث عن أول جزء يرتفع منه، فيحصل غسل ما سواه بماء مستعمل انتهى. فقطع بأنه يصير مستعملا بأول جزء انفصل، وعزاه إلى الأصحاب، فيحمل كلام المصنف على هذا. هكذا قال في تصحيح الفروع. وقال المجد: الصحيح عندي أنه يرتفع حدثه عقب نيته، لوصول الطهور إلى جميع محله بشرطه في زمن واحد، فلا تعود الجنابة بصيرورته مستعملا بعد. وقد أوضحت المسألة في الحاشية (ولا أثر لغمسه) أي الجنب بدنه، أو بعضه في ماء قليل (بلا نية رفع حدث، كمن نوى التبرد أو) نوى (إزالة الغبار، أو) نوى (الاغتراف، أو فعله عبثا) لأنه لم يزل مانعا (وإن كان الماء الراكد كثيرا كره أن يغتسل فيه) لحديث أبي هريرة مرفوعا: لا يغتسلن أحدكم في الماء الراكد وهو جنب رواه مسلم. (ويرتفع حدثه) أي الجنب (قبل انفصاله عنه) أي الماء لوصول الطهور إلى محله بشرطه (ويسلبه) أي الماء (الطهورية اغترافه) أي الجنب (بيده أو فمه أو وضع رجله أو غيرها) من أعضائه (في) ماء (قليل بعد نية غسل واجب) لاستعماله في رفع الحدث عن أول جزء يلاقى من المغموس، كما تقدم. ولا يرتفع الحدث عنه لأن ذلك الجزء غير معلوم (ولو اغترف المتوضئ بيده بعد غسل وجهه) لا قبله لاعتبار الترتيب (من) ماء (قليل) لا كثير (ونوى رفع الحدث عنها فيه) أي في القليل (سلبه) ذلك الفعل (الطهورية) لأنه استعمل في رفع حدث (كالجنب). ولم يرتفع حدث اليد، لما تقدم (وإن لم ينو) المتوضئ (غسلها فيه) أي في القليل (فطهور) ولو لم ينو الاغتراف، بخلاف الجنب (لمشقة تكرره) أي الوضوء بخلاف الغسل (ويصير الماء في الطهارتين) الكبرى والصغرى (مستعملا بانتقاله من عضو إلى) عضو (آخر
38 بعد زوال اتصاله) عن العضو (لا بتردده على الأعضاء المتصلة) لأن بدن الجنب كالعضو الواحد، فانتقال الماء من عضو إلى آخر كتردده على عضو واحد، بخلاف أعضاء المحدث، فإنها متغايرة. ولذلك اعتبر لغسلها الترتيب (وإن غسلت به) أي الطهور (نجاسة فانفصل متغيرا بها) فنجس. لقوله عليه السلام: الماء طهور لا ينجسه شئ إلا ما غلب على لونه وطعمه وريحه والواو هنا بمعنى أو. (أو) انفصل غير متغير (قبل زوالها) أي النجاسة، كالمنفصل من السادسة فما دونها (وهو يسير، فنجس) لأنه ملاق لنجاسة لم يطهرها. أشبه ما لو وردت عليه (وإن انفصل) القليل (غير متغير بعد زوالها) أي النجاسة كالمنفصل (عن محل طهر، أرضا كان) المحل (أو غيرها فطهور، إن كان قلتين) فأكثر لقوله عليه السلام: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث وعدم سلب الطهورية أولى (وإلا) أي وإن كان دون قلتين (فطاهر) لأن النبي (ص) أمر أن يصب على بول الأعرابي ذنوب من ماء متفق عليه. ولولا أنه يطهر لكان تكثيرا للنجاسة. ولا فرق بين، أن تنشف أعيان البول أو لا. لأنه عليه السلام لم يفرق بين نشافه وعدمه. والظاهر أنه إنما أمر عقب البول، ذكره في الشرح. وغير الأرض يقاس عليها، ولأنه بعض المتصل، وهو طاهر بالاجماع (وإن خلت امرأة) مكلفة (ولو كافرة) حرة أو أمة (لا) إن خلت به (مميزة) أو مراهقة (أو خنثى مشكل) لاحتمال أن يكون رجلا (بماء) متعلق بخلت (لا) إن خلت (بتراب تيممت به) فلا تؤثر خلوتها به لعدم النص (دون قلتين) صفة لماء (لطهارة كاملة) لا لبعض طهارة (عن حدث) أصغر أو أكبر (لا) عن (خبث وشرب وطهر مستحب فطهور) لأنه لم يوجد ما يسلبه ذلك، فوجب بقاؤه على ما كان عليه (ولا يرفع حدث رجل) لان
39 النبي (ص) نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان. وأما حديث مسلم: كان رسول الله (ص) يغتسل بفضل ميمونة فمحمول على أنها لم تخل به، كما أن الأول محمول على ما إذا خلت به، جمعا بين الأحاديث. أشار إليه ابن المنجا. ووجه المنع قول عبد الله بن سرخس توضأ أنت ههنا وهي ههنا فإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم. تنبيه: عبارة المقنع وغيره. ولا يجوز للرجل الطهارة به، فعمومه يتناول الطهارة عن حدث أصغر أو أكبر، والوضوء والغسل المستحبين وغسل الميت (و) يرفع أيضا ما خلت به المرأة حدث (خنثى مشكل) احتياط لاحتمال أن يكون رجلا. فإن قلت: فهلا أثرت خلوة الخنثى به احتياطا لاحتمال أن يكون امرأة؟. قلت: لا نمنع بالاحتمال، كما لا ننجس بالشك. وهنا المنع تحقق بالنسبة إلى الرجل، والخنثى يحتمل أن يكون رجلا. فمنعناه منه كمن تيقن الحدث وشك في الطهارة (تعبدا) أي المنع للرجل والخنثى من ذلك لأجل التعبد، لما تقدم من الحديث مع عدم عقل المعنى فيه. فليس معللا بوهم النجاسة ولا غيره (ولها) أي للمرأة التي خلت بالماء الطهارة به (ولا لامرأة أخرى) غيرها الطهارة به (ولصبي) مميز أو مراهق (الطهارة به من حدث وخبث، ولرجل الطهارة به من خبث). قلت: وغسل ذكره وأنثييه إذا خرج منه المذي ولم يصبهما، لمفهوم الحديث السابق، مع عدم عقل معناه. فلم يقس عليه. وإذا لم يجد الرجل غير ما خلت به المكلفة استعمله ثم تيمم. كما تقدم فيما غمست فيه يد القائم من نوم الليل وأولى، كما أشار إليه في المنتهى (ولها) أي المرأة (الطهارة بما خلا به) الرجل ولو قليلا لعموم الأدلة (وتزول الخلوة إذا شاهدها عند الاستعمال، أو شاركها فيه زوجها أو من تزول به خلوة النكاح).
40 قلت: وظاهره ولو أعمى (من رجل أو امرأة أو مميز، ولو كان المشاهد) لها (كافرا) من رجل أو امرأة أو مميز، (وتأتي) خلوة النكاح فيما يقرر الصداق (ولا يكره أن يتوضأ الرجل وامرأته) من إناء واحد، (أو) أن (يغتسلا من إناء واحد) لما تقدم من أنه (ص) اغتسل هو وعائشة من إناء واحد تختلف أيديهما فيه، كل واحد منهما يقول لصاحبه: إبق لي (وجميع المياه المعتصرة من النباتات الطاهرة وكل طاهر) من الأقسام السابقة وغيرها (يجوز شربه والطبخ به والعجن) به (ونحوه) كالتبرد به، لقوله تعالى: * (ويحل لهم الطيبات) * (الأعراف 157) (ولا يصح استعماله في رفع الحدث، و) لا في (إزالة النجس، ولا في طهارة مندوبة) لأنه غير مطهر، (والماء النجس لا يجوز استعماله بحال) لقوله تعالى: * (ويحرم عليهم الخبائث) * والنجس خبيث (إلا لضرورة لقمة غص بها، وليس عنده طهور ولا طاهر) لقوله تعالى: * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) * (البقرة 173) (أو لعطش معصوم من آدمي أو بهيمة سواء كانت تؤكل) كالإبل والبقر، (أو لا) كالحمر والبغال، (ولكن لا تحلب) ذات اللبن إذا سقيت النجس (قريبا). قلت: بل بعد أن تسقى طاهرا يستهلك النجس، كما في الزرع إذا سمد بنجس (أو لطفي حريق متلف) لدفع ضرورة (ويجوز بل التراب به) أي بالماء النجس (وجعله) أي التراب (طينا يطين به ما لا يصلى عليه) لأنه لا يتعدى تنجيسه. ولا يجوز أن يطين به نحو مسجد (ومتى تغير الماء) الطهور قليلا كان أو كثيرا (بطاهر ثم زال تغيره) بنفسه أو ضم شئ إليه (عادت طهوريته) لأن السلب للتغير وقد زال، فعاد إلى أصله. وإن زال تغير بعضه عادت طهورية ما زال تغيره (فإن تغير به بعضه فما لم يتغير) منه (طهور) على أصله لعدم ما يزيله عنه. فصل: القسم (الثالث): من أقسام المياه: (نجس) بفتح الجيم وكسرها وضمها وسكونها، وهو
41 لغة: المستقذر ضد الطاهر، يقال: نجس ينجس كعلم يعلم، وشرف يشرف، (وهو) هنا (ما تغير بنجاسة) قليلا كان أو كثيرا، وسواء قل التغير أو كثر (في غير محل التطهير) فينجس إجماعا حكاه ابن المنذر، (و) المتغير بنجاسة (في محله) أي محل التطهير (طهور إن كان) الماء (واردا) على محل التطهير لضرورة التطهير. إذ لو قلنا ينجس بمجرد الملاقاة لم يمكن تطهير نجس بماء قليل. فإن كان الماء مورودا، بأن غمس المتنجس في الماء القليل، تنجس بمجرد الملاقاة، وإن كان الماء كثيرا وتغير تنجس، وإلا فلا (فإن تغير بعضه) أي بعض الماء الكثير (فالمتغير نجس) للتغير (وما لم يتغير منه ف) - هو (طهور إن كان كثيرا) لخبر القلتين قال في المغني: إذا كان الماء كثيرا فوقع في جانب منه نجاسة فتغير بها، نظرت فيما لم يتغير. فإن نقص عن القلتين فالجميع نجس. لأن المتغير نجس بالتغير والباقي ينجس بالملاقاة انتهى. وإذا كان الماء قلتين فقط وغيرت النجاسة منه قدرا يعفى عنه في نقص القلتين كالرطل والرطلين فالباقي طهور لأنه قلتان (وله استعماله) أي ما لا ينجس إلا بالتغير (ولو مع قيام النجاسة فيه) أي في الماء الكثير (وبينه وبينها) أي النجاسة (قليل) لان تباعد الأقطار وتقاربها لا عبرة به، إنما العبرة بكون غير المتغير كثيرا أو قليلا. ويحكم بطهارة الملاصق للنجاسة إذا كان الماء كثيرا، (وإلا) أي وإن لم يكن الذي لم يتغير بالنجاسة كثيرا (ف) - هو (نجس) لملاقاته النجاسة (فإن لم يتغير الماء الذي خالطته النجاسة وهو يسير ف) - هو (نجس) لحديث ابن عمر قال: سئل النبي (ص) عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب فقال: إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شئ وفي رواية لم يحمل الخبث رواه الخمسة والحاكم وقال: على شرط الشيخين ولفظه لأحمد وسئل عنه ابن معين، فقال إسناده جيد وصححه الطحاوي. قال الخطابي: ويكفي شاهدا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه، ولأنه عليه السلام أمر بإراقة الاناء الذي ولغ فيه
42 الكلب ولم يعتبر التغير، وعنه لا ينجس إلا بالتغير، اختاره ابن عقيل، وابن المنجا، والشيخ تقي الدين، وفاقا لمالك، لحديث بئر بضاعة صححه أحمد وحسنه الترمذي. ويعضده حديث أبي أمامة مرفوعا: الماء لا ينجسه شئ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه رواه ابن ماجة والدارقطني، وجوابه حمل المطلق على المقيد، فينجس القليل بمجرد الملاقاة (ولو كانت النجاسة لا يدركها الطرف) أي البصر كالتي بأرجل الذباب خلافا لعيون المسائل، وسواء (مضى زمن تسري فيه) النجاسة (أم لا) لأن النجاسة بالملاقاة لا بالاستهلاك (وما انتضح من) ماء (قليل لسقوطها) أي النجاسة (فيه نجس) لأنه بعض المتصل بالنجاسة. وعلم منه أن ما انتضح من كثير طهور (والماء الجاري كالراكد) خلافا لأبي حنيفة (إن بلغ مجموعه) أي الجاري (قلتين دفع النجاسة إن لم تغيره) وإن لم يبلغ قلتين تنجس مجموعه بمجرد الملاقاة، لعموم ما سبق (فلا اعتبار بالجرية) وهي ما أحاط بالنجاسة فوقها وتحتها ويمنة ويسرة. وقال الموفق: وما انتشرت إليه عادة أمامها ووراءها، وعنه كل جرية من جار كمنفرد. فمتى امتدت نجاسة بجار فكل جرية نجاسة مفردة. فيفضي إلى تنجيس نهر كبير بنجاسة قليلة لا كثيرة لقلة ما يحاذي القليلة. إذ لو فرضنا كلبا في جانب نهر وشعرة منه في جانبه الآخر لكان ما يحاذيها لا يبلغ قلتين لقلته فينجس، وما يحاذي الكلب يبلغ قلالا فلا ينجس. وهذا ظاهر الفساد، والتفريع على الأول (فلو غمس الاناء) المتنجس (في ماء جار فهي غسلة واحدة ولو مر عليه جريات) كما لو حركه في الماء الكثير الراكد (وكذلك لو كان) المتنجس (ثوبا ونحوه) مما يتشرب النجاسة (وعصره عقب كل جرية) كما لو عصره في الماء الراكد فغسلة يبنى عليها (ولو انغمس فيه)
43 أي في الماء الجاري (المحدث حدثا أصغر للوضوء لم يرتفع حدثه، حتى يخرج مرتبا نصا كالراكد ولو مر عليه أربع جريات ولو حلف لا يقف فيه) أي في هذا الماء وهو جار (فوقف) فيه (حنث) هكذا في القواعد الفقهية ويأتي في باب التأويل. فالحلف لا يحنث بلا نية ولا قصد ولا سبب (وينجس كل مائع) قليلا كان أو كثيرا (كزيت ولبن وسمن) وخل وعسل بملاقاة نجاسة ولو معفوا عنها لحديث الفأرة تموت في السمن، وعنه حكمه كالماء وفاقا لأبي حنيفة، (و) ينجس (كل طاهر كماء ورد ونحوه) من المستخرج بالعلاج (بملاقاة نجاسة ولو معفوا عنها) كيسير الدم (وإن كان كثيرا) قياسا على السمن (وإن وقعت) نجاسة (في مستعمل في رفع حدث، أو) وقعت (في طاهر غيره من الماء) كالمستعمل في غسل ميت، أو غسل يدي قائم من نوم ليل، وكالطهور الذي تغير كثير من لونه، أو طعمه، أو ريحه بطاهر (لم ينجس كثيرهما بدون تغير كالطهور) قال في الانصاف على الصحيح في المذهب المنصوص، وقدمه في المغني، وشرح ابن رزين، وابن عبيدان، وصححه ابن منجا في نهايته وغيرهم. ويحتمل أن ينجس، وقدمه في الرعاية الكبرى وقال عن الأول فيه نظر وهو كما قال وأطلقهما في الشرح وابن تميم انتهى. وقطع الثاني في التنقيح وتبعه في المنتهى ووجه الأول
44 عموم حديث: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث وجوابه: أنه غير مطهر. فأشبه الخل (إلا أن تكون النجاسة بول آدمي) كبيرا كان أو صغيرا. وظاهره لو لم يأكل الطعام، (أو عذرته المائعة أو الرطبة أو يابسة فذابت نصا وأمكن نزحه) أي الكثير الطهور، أو الطاهر من الماء على ما ذكره (بلا مشقة) عظيمة نزحه (فينجس) نص عليه في رواية صالح والمروذي وأبي طالب، واختارها الخرقي والشريف والقاضي وابن عبدوس، وأكثر شيوخ أصحابنا. لحديث أبي هريرة يرفعه: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه هذا لفظ البخاري وقال مسلم ثم يغتسل منه وهذا يتناول القليل والكثير، وهو خاص في البول. وخبر القلتين محمول على بقية النجاسات. فحصل الجمع بينهما: والعذرة المائعة كالبول بل أفحش، والرطبة واليابسة إذا ذابت كذلك. وفي الشرح والمبدع: والأولى التفريق بين الرطبة والمائعة (وعنه لا ينجس) الكثير ببول الآدمي ولا عذرته إن لم يتغير (وعليه جماهير) الأصحاب (المتأخرين وهو المذهب عندهم) اختارها أبو الخطاب وابن عقيل، وقدمها السامري، وفي المحرر وغيرهم لخبر القلتين. ولان نجاسة الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب وهو لا ينجس القلتين فهذا أولى. وخبر أبي هريرة: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم إلى آخره لا بد من تخصيصه، فتخصيصه بخبر القلتين أولى. وعلم منه أن ما يشق نزحه كمصانع طريق مكة لا ينجس بالبول ولا بغيره حتى يتغير (وإذا انضم حسب الامكان) بفتح الحاء والسين (عرفا ولو لم يتصل الصب إلى ماء نجس ماء طهور كثير)
45 طهره أي صيره طهورا لأن الكثير يدفع النجاسة عن نفسه وعما اتصل به. ولا ينجس إلا بالتغير. وعلم منه أنه لا يطهر بإضافة يسير إليه ولو زال به التغير. لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه، فكذا عن غيره، خلافا لصاحب المستوعب (أو جرى إليه) أي إلى الماء النجس ماء طهور كثير (من ساقية أو نبع) بفتح الباء أي الماء الطهور (فيه) أي في المتنجس (طهره أي صار) المتنجس (طهورا إن لم يبق فيه تغير) قليلا كان أو كثيرا (إن كان متنجسا بغير بول آدمي أو عذرته) لأن المتصل يدفع تلك النجاسة عن نفسه فدفعها عن غيره. فإن كان متغيرا لم يطهر حتى يزول تغيره، (وإن كان) تنجس (بأحدهما) أي ببول الآدمي، أو عذرته (ولم يتغير) بأن لم يشق نزحه (فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه) بناء على قول أكثر المتقدمين والمتوسطين. وأما قول المتأخرين فظاهر مما تقدم، (وإن تغير) الماء ببول الآدمي، أو عذرته (وكان مما يشق نزحه فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه مع زوال التغير) لأن علة التنجس التغير وقد زال (أو بنزح يبقى بعده ما يشق نزحه) مع زوال التغير قل المنزوح أو كثر. قال ابن عبد القوي في مجمع البحرين: تطهير الماء بالنزح لا يزيد على تحريكه لأن التنقيص والتقليل ينافي ما اعتبره الشرع في دفع النجاسة من الكثرة (أو بزوال تغيره بمكثه) كالخمر تنقلب خلا (وإن كان) المتنجس ببول الآدمي، أو عذرته (مما لا يشق نزحه ف) - تطهيره (بإضافة ما يشق نزحه عرفا، كمصانع طريق مكة مع زوال تغيره إن كان) فيه تغير لما تقدم (والمنزوح طهور ما لم يكن متغيرا أو تكن عين النجاسة فيه) حيث زال التغير به وبقي بعده قلتان، لأنه بعض الباقي بعده، فكان طهورا كالذي انفصل منه، وإنما كان المنفصل من غسل النجاسة بعد طهارة المحل طاهرا لأنهم جعلوا للمنفصل عن المحل حكم الماء الباقي في المحل. وإذا حكم بطهارة المحل كان البلل الباقي في المحل طاهرا، فكذلك المنفصل منه، لأنه بعضه. وإن كان المنزوح متغيرا أو كانت عين النجاسة فيه وهو دون القلتين فنجس. قال ابن قندس: والمراد آخر ما نزح الماء وزال معه التغير، ولم يضف إلى غيره من المنزوح الذي لم يزل التغير بنزحه، (ولا يجب غسل جوانب بئر) ضيقة كانت أو واسعة (نزحت) لنجاسة حصلت بها، (ولا) غسل (أرضها) للحرج والمشقة، بخلاف
46 رأسها. قلت: ظاهر كلامهم يجب غسل آلة النزح، لكن مقتضى قولهم المنزوح طهور كما تقدم: أن الآلة لا يعتبر فيها ذلك للحرج، وإلا لنبهوا عليه، والله أعلم. (وإن كان الماء النجس كثيرا فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده كثير صار طهورا إن كان متنجسا بغير البول والعذرة على ما تقدم ولم يكن مجتمعا من) ماء (متنجس كل ماء) من المياه التي جمعت (دون قلتين كاجتماع قلة نجسة إلى مثلها) فإذا لم يكن كذلك طهر، لزوال علة النجاسة وهي التغير، كما لو أضيف إليه ماء كثير وزال به تغيره (فإن كان) مجتمعا من متنجس كل منه دون قلتين (ف) - هو (نجس) ولو زال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده كثير، ولا يطهر إلا بإضافة كثير (وككمالهما) أي القلتين (ببول أو نجاسة أخرى) غير البول فإنه لا يطهر إلا بإضافة كثير (وكذا إن اجتمع من نجس وطهور وطاهر قلتان ولا تغير فكله نجس) لأن الطهور دون القلتين لا يدفع النجاسة عن نفسه، فكذا عن غيره، بل أولى (وتطهيره في هذه الصورة هو وماء) نجس قليلا كان أو كثيرا (كوثر بماء يسير بالإضافة) أي بإضافة ما يدفع تلك النجاسة لو وقعت فيه ابتداء عن نفسه (فقط) أي دون إضافة يسير، (و) دون زوال التغير بنفسه، أو بنزح (إن كوثر) هذا الماء المذكور (بماء يسير) لم يطهر، (أو كان) المتنجس (كثيرا فأضيف إليه ذلك) أي ماء يسير (أو) أضيف إليه (غير الماء) من تراب أو نحوه (لم يطهر) بذلك لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه فغيره، أولى. فصل: (والكثير قلتان فصاعدا) لأن خبر القلتين دل بمنطوقه على دفعهما النجاسة عن أنفسهما، وبمفهومه على نجاسة ما لم يبلغهما. فلذلك جعلناهما حدا للكثير، وهما تثنية قلة. وهي اسم لكل ما ارتفع وعلا. ومنه قلة الجبل. والمراد هنا الجرة الكبيرة، وسميت قلة لارتفاعها وعلوها، أو لأن الرجل العظيم يقلها بيده أي يرفعها والتحديد وقع بقلال هجر قرية كانت قرب المدينة، لما روى الخطابي بإسناده إلى ابن جريج عن النبي (ص) مرسلا: إذا
47 كان الماء قلتين بقلال هجر وفي حديث الاسراء: ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها مثل آذان الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر رواه البخاري، ولأنها مشهورة الصفة معلومة المقدار، لا تختلف كالصيعان (واليسير دونهما) أي دون القلتين (وهما) أي القلتان (خمسمائة رطل عراقي) لقول عبد الملك بن جريج: رأيت قلال هجر فرأيت القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا. والاحتياط إثبات الشئ وجعله نصفا، لأنه أقصى ما يطلق عليه اسم شئ منكر، فيكون مجموعهما خمس قرب بقرب الحجاز، والقربة تسع مائة رطل عراقية باتفاق القائلين بتحديد الماء بالقرب (تقريبا، فيعفى عن نقص يسير كرطل أو رطلين) عراقية لأن الشئ إنما جعل نصفا احتياطا. والغالب استعماله فيما دون النصف. قال في الشرح: فعلى هذا من وجد نجاسة في ماء فغلب على ظنه أنه مقارب للقلتين توضأ منه، وإلا فلا، (و) القلتان (أربعمائة) رطل (وستة وأربعون رطلا وثلاثة أسباع رطل مصري وما وافقه) أي الرطل المصري (من البلدان) كالمدينة ومكة، (و) القلتان (مائة وسبعة أرطال وسبع رطل دمشقي وما وافقه) من البلدان كصيدا وعكة وصفد (وتسعة وثمانون رطلا وسبعا رطل حلبي وما وافقه) كالبيروتي (وثمانون رطلا وسبعا رطل ونصف سبع رطل قدسي وما وافقه) كالنابلسي (وأحد وسبعون رطلا وثلاثة أسباع رطل بعلي وما وافقه) في وزنه من البلاد (ومساحتهما) أي القلتين (مربعا ذراع وربع طولا، وذراع وربع عرضا وذراع وربع عمقا) في مستوى من الأرض ونحوها، (و) مساحتهما (مدورا ذراع طولا وذراعان
48 ونصف عمقا. والمراد) بالذراع فيما تقدم (ذراع اليد) أي يد الآدمي المعتدل، وهو أربع وعشرون إصبعا معترضة معتدلة قال القمولي الشافعي: وذكر عن الشافعي أنه شبران، وهو تقريب. زاد غيره: والشبر ثلاث قبضات. والقبضة أربع أصابع. والإصبع ست شعيرات بطون بعضها إلى بعض. قال في التنقيح: حررت ذلك فيسع كل قيراط عشرة أرطال وثلثي رطل عراقي انتهى. والمراد كل قيراط من الذراع من الربع. وذلك بأن تضرب البسط في البسط، والمخرج في المخرج، وتقسم حاصل البسط على حاصل المخرج يخرج ذرعه فتحفظ قراريطه، وتقسم عليها الخمسمائة، فبسط الذراع والربع خمسة. وقد تكرر ثلاثا طولا، وعرضا، وعمقا. فإذا ضربت خمسة في خمسة والخارج في خمسة بلغ مائة وخمسة وعشرين. والمخرج أربعة، وقد تكرر أيضا ثلاثا. فإذا ضربته كما تقدم بلغ أربعة وستين. وهي سهام الذراع فتقسم عليها الحاصل الأول يخرج ذراع وسبعة أثمان ذراع وخمسة أثمان ثمن ذراع. فإذا بسطت ذلك قراريط وجدته سبعة وأربعين قيراطا إلا ثمن قيراط. فاقسم عليها الخمسمائة يخرج ما ذكر. وبذلك يتضح لك عدم اتجاه اعتراض المصنف على المنقح في حاشية التنقيح (والرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم) والرطل البعلي تسعمائة درهم، والقدسي ثمانمائة درهم والحلبي سبعمائة درهم وعشرون درهما، والدمشقي ستمائة درهم، والمصري مائة درهم وأربعة وأربعون درهما، وكل رطل اثنتا عشرة أوقية، لا تختلف في سائر البلاد، وأوقية العراقي عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم، وأوقية المصري اثنا عشر درهما، وأوقية الدمشقي خمسون درهما، وأوقية الحلبي ستون درهما، وأوقية القدسي ستة وستون درهما، وثلثا درهم، وأوقية البعلي خمسة وسبعون درهما (وهو) أي الرطل العراقي (سبع القدسي وثمن سبعه) لأن سبع القدسي مائة وأربعة عشر درهما وسبعا درهم (وسبع الحلبي وربع سبعه) لأن سبعه مائة ودرهمان وستة أسباع درهم، (وسبع الدمشقي ونصف سبعه) لأن سبعه خمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم، (وستة أسباع المصري وربع سبعه) لأن سبعه عشرون درهما وأربعة أسباع درهم، (وسبع البعلي، وهو) أي الرطل العراقي (بالمثاقيل تسعون مثقالا. ومجموع القلتين بالدراهم أربعة وستون ألفا ومائتان وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم) إسلامي، لأنه المراد حيث أطلق (فإذا أردت معرفة القلتين بأي رطل فاعرف عدد
49 دراهمه) أي دراهم ذلك الرطل الذي أردت معرفة القلتين به (ثم اطرحه) أي عدد دراهمه (من دراهم القلتين مرة بعد أخرى حتى لا يبقى منها) أي من دراهم القلتين (شئ) أو يبقى أقل من دراهم الرطل (واحفظ الأرطال المطروحة فما كان) أي وجد من عدد الطروحات (فهو مقدار القلتين بالرطل الذي طرحت به) إن لم يبق شئ من دراهم الرطل (وإن بقي) من دراهم القلتين (أقل من) دراهم ال (رطل) الذي طرحت به (فانسبه منه، ثم اجمعه إلى المحفوظ) فما كان فهو مقدار القلتين. فصل: (وإن شك في نجاسة ماء أو غيره) كثوب أو إناء (ولو) كان الشك في نجاسة ماء (مع تغير) الماء بنى على أصله، لحديث: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك والتغير يحتمل أن يكون بمكثه أو نحوه، (أو) شك في (طهارته) وقد تيقن نجاسته قبل ذلك (بنى على أصله) الذي كان متيقنا قبل طرو الشك. لأن الشئ إذا كان على حال فانتقاله عنها يفتقر إلى عدمها ووجود الأخرى. وبقاؤها وبقاء الأولى لا يفتقر إلا إلى مجرد البقاء، فيكون أيسر من الحديث وأكثر، والأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب (ولا يلزمه السؤال) عما لم يتيقن نجاسته، لأن الأصل طهارته (ويلزم من علم نجاسته إعلام من أراد استعماله) في طهارة أو شرب أو غيره (إن شرطت إزالتها) أي تلك النجاسة (للصلاة) لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فيجب بشروطه. ومفهوم كلامه إن لم تشترط إزالتها للصلاة كيسير الدم وما تنجس به لم يجب إعلامه لأن عبادته لا تفسد باستعماله في غير طهارة، وهذا أحد احتمالات ثلاثة أطلقها في الفروع، وضعفه في تصحيح الفروع وصوب أنه يلزمه مطلقا، وقال: قدمه في الرعاية الكبرى انتهى. وهو ظاهر ما قطع به في المنتهى (وإن احتمل
50 تغير الماء بشئ فيه) أي في الماء (من نجس أو غيره عمل به) أي بذلك الاحتمال لأن ما حصل في الماء وأمكن تغير الماء به سبب، فيحال الحكم عليه، والأصل عدم ما سواه. وإن لم يحتمل تغير الماء بما وقع فيه لكثرة الماء وقلة الساقط فيه لم يؤثر لأنه لا يصلح هنا سببا، أشبه ما لو لم يقع فيه شئ، ولو كان بئر الماء ملاصقا لبئر فيها بول أو غيره من النجاسات وشك في وصوله إلى الماء فالماء طاهر بالأصل. وإن أحب علم حقيقة ذلك فليطرح في البئر النجسة نفطا فإن وجد رائحته في الماء علم وصوله إليه وإلا فلا. وإن وجده متغيرا تغيرا يصلح أن يكون منها ولم يعلم له سبب آخر فهو نجس لما سبق. ولو وجد متغيرا في غير هذه الصورة ولم يعلم سبب تغيره فهو طاهر. وإن غلب على ظنه نجاسته، ذكره في الشرح، (وإن احتملهما) أي التغير بالطاهر والنجس (فهو طاهر) أي مطهر، استصحابا للأصل، لعدم تحقق خروجه عنه. وإذا كان الماء قلتين وفيه نجاسة فغرف منه بإناء فالذي في الاناء طاهر والباقي نجس، إن كان الاناء كبيرا يخرجه عن التقريب. وإن ارتفعت النجاسة في الدلو فالماء الذي في الاناء نجس. والباقي طاهر. هذا معنى كلام ابن عقيل (وإن أخبره عدل مكلف ولو) كان (امرأة وقنا) الواو بمعنى أو. (ولو) كان المخبر (مستور الحال) لأنه خبر لا شهادة، (أو) كان (ضريرا لأن للضرير طريقا إلى العلم بذلك) أي بالنجاسة (بالخبر والحس) أي بأن يكون أخبره عدل بنجاسة، أو أحس بنجاسته بحاسة غير البصر (لا) إن أخبره (كافر وفاسق) ظاهر الفسق (ومجنون وغير بالغ) ولو مميزا (بنجاسته) أي الماء أو غيره (قبل) أي وجب عليه قبول خبره، والعمل به، فيكف عن استعماله لعلمه بنجاسته، (إن عين) المخبر (السبب) فإن لم يعينه لم يلزمه قبوله، لجواز أن يكون نجسا عند المخبر دون المخبر، لاختلاف الناس في سبب نجاسة الماء. وقد يكون إخباره بنجاسته على وجه التوهم كالوسواس فلذلك اعتبر التعيين. وإن كان المخبر فقيها موافقا، كما نقل عن إملاء التقي الفتوحي. ولا يلزم السؤال عن السبب، قدمه في الفائق.
51 قلت: وكذا إذا أخبره بما يسلبه الطهورية مع بقاء الطهارة، فيعمل المخبر بمذهبه فيه. (فإن أخبره) العدل المكلف (أن كلبا ولغ) من باب نفع، أي شرب بأطراف لسانه (في هذا الاناء ولم يلغ في هذا) الاناء، (وقال) عدل مكلف (آخر) أي غير الأول (لم يلغ في الأول، وإنما ولغ في الثاني قبل) المخبر وجوبا (قول كل واحد منهما في الاثبات دون النفي. ووجب اجتنابهما) أي الإنائين (لأنه يمكن صدقهما لكونهما) أي الولوغين (في وقتين) مختلفين اطلع كل واحد من العدلين على أحدهما دون الآخر (أو عينا كلبين) بأن قال أحدهما ولغ فيه هذا الكلب دون هذا الكلب وعاكسه الآخر، فيقبل خبرهما ويكف عنهما، لأن كلا منهما مثبت لما نفاه الآخر، والمثبت مقدم لأن معه زيادة علم، (وإن عينا كلبا واحدا و) عينا (وقتا لا يمكن شربه فيه منهما تعارضا وسقط قولهما) لأنه لا يمكن صدقهما، ولا مرجح لأحدهما، كالبينتين إذا تعارضتا، (ويباح استعمال كل واحد منهما) لأن الأصل الطهارة ولم يثبت ما يرفعه (فإن قال أحدهما: شرب من هذا الاناء، وقال الآخر: لم يشرب منه قدم قول المثبت) لما سبق (إلا أن يكون) المثبت (لم يتحقق شربه، مثل الضرير الذي يخبر عن حسه فيقدم قول البصير) لرجحانه بالمشاهدة واستصحابه بالأصل الطهارة، (وإن) علم نجاسة الماء الذي توضأ منه، و (شك هل كان وضوؤه قبل نجاسة الماء أو بعدها لم يعد) أي لم تجب عليه الإعادة لأن الأصل الطهارة. قال في الفروع: لكن يقال: شكه في القدر الزائد، كشكه مطلقا. فيؤخذ من هذا لا يلزمه أن يعيد إلا ما تيقنه بماء نجس، وهو متجه، كشكه في شرط العبادة بعد فراغها. وعلى هذا لا يغسل ثيابه وآنيته. ونص أحمد يلزمه انتهى. وإن علم أن النجاسة كانت قبل وضوئه ولم يعلم أكان دون القلتين، أو كان قلتين فنقص بالاستعمال أعاد، لأن الأصل نقص الماء، (وإن شك في كثرة ماء وقعت فيه نجاسة) ولم تغيره (فهو نجس) لأن اليقين كونه دون القلتين، (أو) شك (في نجاسة عظم) وقع في ماء أو غيره (فهو طاهر) استصحابا للأصل، (أو) شك (في) طهارة (روثة) وقعت في ماء أو غيره (فطاهرة) لما تقدم. نقله حرب وغيره فيمن وطئ روثة، فرخص فيه إذا لم يعلم ما
52 هي، (أو) شك (في جفاف نجاسة على ذباب أو غيره، فيحكم بعدم الجفاف) لأنه الأصل. (أو) شك (في ولوغ كلب أدخل رأسه في إناء ثم) وجد، وفي بعض نسخ الفروع: وثم أي هناك - وجد (بفيه رطوبة فلا ينجس) لأن الأصل عدم الولوغ (وإن أصابه ماء ميزاب ولا أمارة) على نجاسته (كره سؤاله) عنه لقول عمر لصاحب الحوض: لا تخبرنا (فلا يلزم جوابه) وأوجبه الأزجي إن علم نجاسته، قال في الانصاف: وهو الصواب (وإن اشتبه طهور مباح بنجس، أو) اشتبه طهور مباح (بمحرم لم يتحر، ولو زاد عدد الطهور) أو المباح، خلافا لأبي علي النجاد لأنه اشتبه المباح بالمحظور في موضع لا تبيحه الضرورة، كما لو اشتبهت أخته بأجنبيات، أو كان أحدهما بولا لان البول لا مدخل له في التطهير، (أو) أي ولو كان (النجس غير بول) فلا يتحرى. وإذا علم النجس استحب إراقته، ليزيل الشك عن نفسه (ووجب الكف عنهما) أي المشتبهين احتياطا للحظر. (كميتة) اشتبهت (بمذكاة لا ميتة في لحم مصر أو قرية) قال أحمد: أما شاتان لا يجوز التحري، فأما إذا كثرت فهذا غير هذا. ونقل الأثرم أنه قيل له: فثلاثة؟ قال: لا أدري. (ويتيمم) من عدم طهور غير المشتبه (من غير إعدامهما ولا خلطهما) خلافا للخرقي، لأنه عادم للماء حكما (لكن إن أمكن تطهير أحدهما بالآخر) بأن يكون الطهور قلتين فأكثر وعنده إناء يسعهما (لزم الخلط) ليتمكن به من الطهارة الواجبة (وإن علم النجس بعد تيممه وصلاته فلا إعادة) كمن تيمم لعدم الماء، ثم وجده بعد أن صلى. وعلم منه أنه إذا علم في الصلاة وجب القطع والطهارة والاستئناف، وكذا الطواف (وإن توضأ من أحدهما فبان أنه الطهور لم يصح وضوؤه) كما لو صلى قبل أن يعلم دخول الوقت فصادفه، وظاهره سواء تحرى أو لا، خلافا للإنصاف، حيث قال: من غير
53 تحر. وعارضه في شرح المنتهى، (ويلزم التحري ل) - حاجة (أكل وشرب) لأنه حال ضرورة (ولا يلزمه غسل فمه بعده) أي بعد الأكل والشرب، إذا وجد طهورا استصحابا لأصل الطهارة، وكذا لو تطهر من أحدهما لا يلزم غسل أعضائه وثيابه استصحابا للأصل. وقال ابن حمدان: يجب، وعلم منه أنه لا يجوز أن يأكل أو يشرب بلا تحر، (ولا يتحرى) من اشتبه عليه طاهر بنجس (مع وجود غير مشتبه) لعدم الحاجة إليه (وإن توضأ بماء، ثم علم نجاسته أعاد ما صلاه) من الفروض لبطلانه (حتى يتيقن براءته) ليخرج من العهدة بيقين، (وما جرى من الماء على المقابر فطهور، إن لم تكن نبشت) للحكم بطهارتها إذن، (وإن كانت) المقابر (قد تقلب ترابها فإن كانت أتت عليها الأمطار طهرت، قاله في النظم) لأن إزالة النجاسة لا يعتبر لها نية، والأرض تطهر بالمكاثرة بالماء، (وإلا) أي وإن لم تكن أتت عليها الأمطار (فهو نجس إن تغير بها) أي بالنجاسة لما تقدم، (أو) لم يتغير، لكن (كان قليلا) فينجس لملاقاته النجاسة. قلت: مقتضى ما سبق أنه طاهر لأنه ورد على محل التطهير فلا ينجس بالملاقاة، والمنفصل عن الأرض بعد زوال النجاسة طاهر كما تقدم في القسم الثاني، فيحمل كلامه على ما إذا كانت عين النجاسة موجودة (وإن اشتبه طاهر بنجس غير الماء كالمائعات) من خل ولبن وعسل (ونحوهما حرم التحري بلا ضرورة) ويجوز معها، وحيث جاز التحري عند الضرورة ولم يظهر له شئ تناول من أحدهما للضرورة (وإن اشتبه طاهر) غير مطهر (بطهور لم يتحر) أي لم يجتهد في الطهور منهما، كما لو اشتبه الطهور بالنجس (وتوضأ منهما وضوءا واحدا، من هذا غرفة ومن هذا غرفة يعم بكل غرفة المحل) من محال الوضوء، ليؤدي الفرض بيقين. ويجوز له هذا (ولو كان عنده طهور بيقين) لأنه توضأ من ماء طهور بيقين (وصلى صلاة واحدة) أي فلا يلزمه أن يصلي الفرض
54 مرتين. (ولو توضأ من واحد) منهما (فقط ثم بان أنه مصيب أعاد) ما صلاه لعدم صحة وضوئه قلت: والغسل فيما تقدم كالوضوء. وكذا إزالة النجاسة (ولو احتاج إلى شرب تحرى وشرب الطاهر عنده) أي ما ظهر له أنه الطاهر، (وتوضأ بالطهور، ثم تيمم معه احتياطا، إن لم يجد طهورا غير مشتبه) ليحصل له اليقين (وإن اشتبهت ثياب طاهرة مباحة ب) - ثياب (نجسة) أو بثياب (محرمة ولم يكن عنده ثوب طاهر) بيقين، (أو) ثوب (مباح بيقين لم يتحر) لما تقدم في اشتباه الطهور بالنجس (وصلى في كل ثوب صلاة واحدة) يكررها (بعدد) الثياب (النجسة أو المحرمة، وزاد) على عدد النجسة، أو المحرمة (صلاة) ليصلي في ثوب طاهر يقينا (ينوي بكل صلاة الفرض) احتياطا، كمن نسي صلاة من يوم. وفرق أحمد بين ما هنا، وبين القبلة، والأواني بأن الماء يلصق ببدنه فيتنجس به، وأنه يباح صلاته فيه عند العدم، بخلاف الماء النجس. قال القاضي: ولان القبلة يكثر الاشتباه فيها، والتفريط هنا حصل منه بخلافها ولان لها أدلة تدل عليها، بخلاف الثياب. وقوله: ينوي بكل صلاة الفرض، يعني لأنها معادة. والظاهر أنه تكفي نيتها ظهرا مثلا، إذ لا تتعين الفريضة، كما يأتي في باب النية، (وإن جهل) من اشتبهت عليه الثياب (عددها) أي عدد النجسة أو المحرمة (صلى) فرضه في كل ثوب منها. فيصلي في ثوب بعد آخر (حتى يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر أو مباح) ينوي بكل صلاة الفرض كما تقدم، ليخرج من الواجب بيقين، وظاهره: ولو كثرت، لأنه يندر جدا. وقال ابن عقيل: يتحرى في أصح الوجهين دفعا للمشقة. وإن اشتبه مباح بمكروه اجتهد. ويحتمل أن يصلي فيما شاء بدونه. ويحتمل أن يصلي بكل ثوب صلاة. وإن صلى بهما معا كره. قاله في الرعاية الصغرى (وكذا حكم الأمكنة الضيقة) إذا تنجس بعضها واشتبهت ولا بقعة طاهرة بيقين. فإذا تنجست زاوية من بيت وتعذر خروجه منه وما يفرشه عليه صلى الفرض مرتين في زاويتين. وإن تنجس زاويتان صلى ثلاث مرات في ثلاث زوايا، وهكذا (ويصلي في فضاء واسع حيث شاء بلا تحر) كصحراء وحوش كبير تنجس بعضه واشتبه (ولا تصح إمامة من اشتبهت عليه الثياب) أو البقعة الضيقة (الطاهرة بالنجسة) لأنه عاجز عن شرط الصلاة، وهو الطاهر المتيقن، (وإن اشتبهت أخته)
55 أو نحوها من محارمه (بأجنبية أو أجنبيات لم يتحر للنكاح) أي لم يجز له التحري للنكاح منهن (وكف عنهن) احتياطا للحظر، (و) إن اشتبهت أخته ونحوها (في قبيلة كبيرة، و) في (بلدة كبيرة) الواو بمعنى أو، ف (- له النكاح) منهن (من غير تحر) أي ولم يلزمه أن يتحرى. ونظيره ما تقدم في الميتة والمذكاة (ولا مدخل للتحري في العتق والطلاق) فإذا طلق واحدة من نسائه، أو أعتق واحدة من إمائه، ثم نسيها، أو كانت ابتداء مبهمة أقرع بينهن، كما يأتي. ولا تحري. والتحري والاجتهاد والتوخي متقاربة. ومعناها بذل المجهود في طلب المقصود. ولما كان الماء جوهرا سيالا احتاج إلى بيان أحكام أوانيه عقبه، فقال: باب الآنية الباب معروف، وقد يطلق على الضف، وهو ما يدخل منه إلى المقصود ويتوصل به إلى الاطلاع عليه، ويجمع على أبواب. وفي الازدواج على أبوبة (وهي) أي الآنية لغة وعرفا: (الأوعية) وهي ظروف الماء ونحوها. والآنية جمع إناء كسقاء. وأسقية، ووعاء وأوعية وجمع الآنية: أوان. والأصل أأني أبدلت الهمزة الثانية واوا، كراهية اجتماع همزتين كآدم وأوادم، وهو مشتق من الأدمة أو من أديم الأرض وهو وجهها (كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله ولو كان ثمينا كجوهر ونحوه) كالبلور والياقوت والزمرد، وغير الثمين كالخشب والزجاج والجلود والصفر والحديد. لما روى عبد الله بن زيد قال: أتانا رسول الله (ص) فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ رواه البخاري. وقد ورد أنه توضأ من جفنة ومن تور حجارة ومن إداوة ومن قربة، فثبت الحكم فيها لفعله، ما في معناها قياسا لأنه مثلها ولان العلة المحرمة للنقدين مفقودة في الثمين، لكونه لا يعرفه إلا خواص الناس، فلا يؤدي إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، ولان إباحته لا تفضي إلى استعماله لقلته بخلاف النقدين فإنهما في مظنة الكثرة، فيفضي إلى الاستعمال. وكثرة أثمانها لا
56 تصلح جامعا كما في الثياب، فإنه يحرم الحرير وإن قل ثمنه، بخلاف غيره وإن بلغ ثمنه أضعاف ثمن الحرير. وكذلك يباح فص الخاتم جوهرة، ولو بلغ ثمنها مهما بلغ. ويحرم ذهبا ولو كان يسيرا. قاله في المبدع (إلا عظم آدمي وجلده) فيحرم اتخاذ إناء منه واستعماله لحرمته، (و) إلا (إناء مغصوبا) فيحرم لحق مالكه، (و) إلا (إناء ثمنه) المعين (حرام) فيحرم لحق مالكه، (و) إلا (آنية ذهب وفضة ومضببا بهما) أو بأحدهما (فيحرم) أي ما تقدم من الاتخاذ والاستعمال. أما تحريم الاتخاذ فلان ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال، كالملاهي. وأما ثياب الحرير فإنها لا تحرم مطلقا لأنها تباح للنساء وتباح التجارة فيها. وأما تحريم الاستعمال فلما روى حذيفة قال: سمعت النبي (ص) يقول: لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة وروت أم سلمة أن النبي (ص) قال: الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم متفق عليهما. والجرجرة هي صوت وقوع الماء بانحداره في الجوف وغير الأكل والشرب في معناهما. لأن ذكرهما خرج مخرج الغالب، فلا يتقيد الحكم به (على الذكر والأنثى) والخنثى مكلفا كان أو غيره، بمعنى أن وليه يأثم بفعل ذلك له، لعموم الاخبار وعدم المخصص. وإنما أبيح التحلي للنساء لحاجتهن إليه لأجل التزين للزوج. وما حرم اتخاذ الآنية منه حرم اتخاذ الآلة منه، (ولو) كانت (ميلا) بكسر الميم، وهو ما يكتحل به (ومثله) أي مثل الميل في تحريم اتخاذه واستعماله من الذهب والفضة وعظم الآدمي وجلده. (قنديل ومسعط) بضم الميم إناء يجعل فيه السعوط، وهو من النوادر التي جاءت بالضم. وقياسها الكسر لأنه اسم آلة (ومجمرة ومدخنة وسرير وكرسي وخفان ونعلان ومشربة وملعقة وأبواب ورفوف قال) الامام (أحمد: لا تعجبني الحلقة. ونص) أحمد (أنها) أي الحلقة (من الآنية) أي مثلها في الحكم، فتحرم مطلقا. وعند القاضي وغيره: هي كالضبة، فيكون فيها التفصيل الآتي نظرا إلى أنها تابعة للباب (ويحرم) اتخاذ
57 واستعمال إناء ونحوه (مموه) بذهب أو فضة بأن يذاب الذهب أو الفضة ويلقى فيه الاناء من نحاس أو نحوه، فيكتسب منه لونه، (و) يحرم اتخاذ واستعمال إناء ونحوه (مطعم) بذهب أو فضة بأن يحفر في إناء من خشب أو غيره حفرا ويوضع فيها قطع ذهب أو فضة على قدرها، (و) يحرم اتخاذ استعمال إناء ونحوه (مطلي) بذهب أو فضة بأن يجعل الذهب أو الفضة كالورق ويطلى به الحديد ونحوه. وكثير فسر الطلاء بالتمويه، (و) يحرم اتخاذ واستعمال إناء ونحوه (مكفت ونحوه) كالمنقوش (منهما) أي من الذهب والفضة أو من أحدهما. والتكفيت: أن يبرد الاناء من حديد أو نحوه حتى يصير فيه شبه المجاري في غاية الدقة، ثم يوضع فيها شريط دقيق من ذهب أو فضة يدق عليه حتى يلصق، كما يصنع بالمركب، لما روى ابن عمر أن النبي (ص) قال: من شرب من إناء ذهب، أو فضة، أو من إناء فيه شئ من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم رواه الدارقطني. ولان العلة التي لأجلها حرم الخاص، وهي الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وتضييق النقدين موجودة في المموه ونحوه. وقيل: إن كان لو حك لاجتمع منه شئ حرم، وإلا فلا. (وتصح الطهارة) وضوءا كانت أو غسلا أو غيرهما (منها) أي من آنية الذهب والفضة وعظم الآدمي وجلده، بأن يغترف منها بيده، (و) تصح الطهارة أيضا (بها) أي بالآنية المذكورة، بأن يغترف الماء بها، (و) تصح الطهارة أيضا (فيها) بأن يتخذ إناء محرما على ما سبق يسع قلتين ويغتسل، أو يتوضأ داخله، (و) تصح الطهارة (إليها بأن يجعلها مصبا لفضل طهارته، فيقع فيها الماء المنفصل عن العضو) بعد غسله، (و) تصح الطهارة أيضا (من إناء مغصوب أو) من إناء (ثمنه) ولو معينا (حرام) وبه وفيه وإليه. والمسروق ونحوه كالمغصوب، (و) تصح الطهارة أيضا (في مكان مغصوب) بخلاف الصلاة لأن الاناء والمكان ليسا شرطا للطهارة فيعود النهي إلى خارج، أشبه ما لو صلى وفي يده خاتم ذهب. وأيضا أفعال الصلاة من القيام، والقعود، والركوع، والسجود في الدار المغصوبة فتحرم، بخلاف مسألتنا (إلا) المضبب ب (- ضبة يسيرة عرفا) أي في عرف الناس، لأنه لم يرد تحديدها (من فضة لحاجة، كتشعيب قدح) احتاج إلى ذلك فيجوز تشعيبه واستعماله، لحديث أنس: إن قدح النبي (ص) انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة رواه البخاري. وهذا مخصص
58 لعموم الأحاديث المتقدمة، ولأنه ليس فيه سرف ولا خيلاء بخلاف الكبيرة والتي لغير حاجة. وعلم منه أن ضبة الذهب حرام مطلقا، (وهي) أي الحاجة (أن يتعلق بها) أي الضبة (غرض غير زينة) بأن تدعو الحاجة إلى فعلها، لا أن لا تندفع بغيرها، فتجوز الضبة المذكورة عند انكسار القدح ونحوه (ولو وجد غيرها) أي غير الضبة اليسيرة من الفضة لان احتياجه إلى كونها من ذهب أو فضة بأن لا يجد غيرهما ضرورة، وهي تبيح المنفرد (وتباح مباشرتها) أي الضبة الجائزة (لحاجة) تدعو إلى مباشرتها، كاندفاق الماء بدون ذلك ونحوه، (و) مباشرتها (بدونها) أي بدون الحاجة (تكره) لأن فيها استعمالا للفضة بلا حاجة في الجملة. ولا تحرم لإباحة الاتخاذ (وثياب الكفار كلهم) أهل الكتاب كاليهود والنصارى وغيرهم كالمجوس وعبدة الأوثان (وأوانيهم) أي أواني الكفار كلهم (طاهرة إن جهل حالها، حتى ما ولي عوراتهم) من الثياب كالسراويل. لأنه (ص) وأصحابه توضؤوا من مزادة مشركة متفق عليه، لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك، ولكن ما لاقى عوراتهم كالسراويل فروي عن أحمد أنه قال: أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيه. (كما لو علمت طهارتها، وكذا) حكم (ما صبغوه) أي الكفار كلهم (أو نسجوه، و) كذا (آنية مدمني الخمر) وثيابهم، (و) آنية (من لابس النجاسة كثيرا وثيابهم) طاهرة (وبدن الكافر، ولو من لا تحل ذبيحته) طاهر، لأنه لا يجب بجماع الكتابية غير ما يجب بنكاح المسلمة. وقوله تعالى: * (إنما المشركون نجس) * أي من حيث الاعتقاد أو نحوه مما أجيب به عنه (وطعامه) أي الكافر (وماؤه طاهر مباح) لقوله تعالى: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) *، (وتصح الصلاة في ثياب المرضعة، و) ثياب (الحائض، و) ثياب (الصبي) ونحوهم كمدمني الخمر. لأن الأصل طهارتها (مع الكراهة) احتياطا للعبادة. قال في الانصاف قدمه في مجمع البحرين. وعنه لا يكره انتهى. وقال في الشرح: وتباح الصلاة في ثياب الصبيان والمربيات وفي ثوب المرأة التي
59 تحيض فيه، إذا لم تتحقق نجاسته. واستدل له، ثم قال: قال أصحابنا: والتوقي لذلك أولى، لاحتمال النجاسة فيه (ما لم تعلم نجاستها) فلا تصح الصلاة فيها كثياب المسلمين، (ولا يجب غسل الثوب المصبوغ في حب الصباغ، مسلما كان) الصباغ (أو كافرا نصا) قيل لأحمد عن صبغ اليهود بالبول، فقال: المسلم والكافر في هذا سواء. ولا يسأل عن هذا، ولا يبحث عنه، فإن علمت فلا تصل فيه حتى تغسله (وإن علمت نجاسته طهر بالغسل) المعتبر (ولو بقي اللون) بحاله. وسأله أبو الحرث عن اللحم يشترى من القصاب قال: يغسل. وقال الشيخ تقي الدين: بدعة. روي عن عمر: نهانا الله عن التعمق والتكلف وقال ابن عمر: نهينا عن التكلف والتعمق (ولا يطهر جلد ميتة نجس بموتها بدبغه) هذا قول عمر وابنه وعائشة وعمران بن حصين، لما روى عبد الله بن عكيم قال: أتانا كتاب رسول الله (ص) قبل وفاته بشهر أو شهرين: أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب رواه الخمسة، ولم يذكر التوقيت غير أبي داود وأحمد. وقال ما أصح إسناده. وقال أيضا: حديث ابن عكيم أصحها وفي رواية الطبراني والدارقطني كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب وهو دال على سبق الرخصة وأنه متأخر، وإنما يؤخذ بالآخر من أمره عليه السلام. لا يقال: هو مرسل، لكونه من كتاب لا يعرف حامله. لأن كتبه عليه السلام كلفظه. ولهذا كان يبعث كتبه إلى النواحي بتبليغ الاحكام. فإن قيل: الإهاب اسم للجلد قبل الدبغ، وقاله النضر بن شميل؟ أجيب: بمنع ذلك، كما قاله طائفة من أهل اللغة، يؤيده أنه لم يعلم أن النبي (ص) رخص في الانتفاع به قبل الدبغ، ولا هو من عادة الناس. تتمة: قال في المصباح: المراد بالميتة ما مات حتف أنفه، أو قتل على هيئة غير مشروعة، أما في الفاعل أو المفعول. فما ذبح للصنم، أو في الاحرام، أو لم يقطع منه الحلقوم ميتة.
60 وكذا ذبح ما لا يؤكل لا يفيد الحل ولا الطهارة اه. والموت عدم الحياة عما من شأنه الحياة قاله في المطول. وقال السيد: عدم الحياة عمن اتصف بها وهو الأظهر. (ويجوز استعماله) أي الجلد المدبوغ من ميتة طاهرة في الحياة فقط (في يابس بعد دبغه) لأنه عليه الصلاة والسلام وجد شاة ميتة أعطتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال عليه السلام: ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به؟ رواه مسلم. ولان الصحابة رضي الله عنهم لما فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وأسلحتهم، وذبائحهم ميتة ونجاسته لا تمنع الانتفاع به، كالاصطياد بالكلب وركوب البغل والحمار. ومفهوم كلامه أنه لا يباح الانتفاع به قبل الدبغ مطلقا، لمفهوم الحديث. قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: فأما قبل الدبغ فلا ينتفع به قولا واحدا. و (لا) الانتفاع به بعد الدبغ (في مائع) من ماء أو غيره، لأنه يفضي إلى تعدي النجاسة. (قال) أبو الوفاء علي (ابن عقيل ولو لم ينجس الماء بأن كان) جلد الميتة المدبوغ (يسع قلتين فأكثر) قال: لأنها نجسة العين. أشبهت جلد الخنزير. وجوزه الشيخ تقي الدين إذن (ف) - على رواية أنه يباح الانتفاع به بعد الدبغ في يابس (يباح الدبغ) لما يترتب عليه من الانتفاع به. وعلم منه أنه لا يباح دبغه على رواية أنه لا ينتفع به، حتى في اليابس قال في تصحيح الفروع: الصواب أنه أقرب إلى التحريم، إذ لا فائدة في ذلك وهو عبث، (ويحرم بيعه) أي جلد الميتة (بعد الدبغ) وإن قلنا يباح الانتفاع به في يابس، لأنه جزء من ميتة. فلا يكون قابلا للعوض، عملا بالنصوص الدالة على تحريم ثمنه وبيعه (ك) - ما يحرم بيع جلد الميتة النجس (قبله) أي قبل الدبغ، لما تقدم (وعنه) أي عن الامام (يطهر منها) أي من جلود الميتة (جلد ما كان طاهرا في الحياة) من إبل، وبقر، وغنم، وظباء ونحوها، (ولو) كان جلدا لحيوان (غير مأكول) كالهر وما دونه خلقة. قال في الفروع: ونقل جماعة أخيرا طهارته وعنه مأكول اللحم اختارها جماعة والمذهب الأول عند الأصحاب، لعدم رفع التواتر بالآحاد. وخالف شيخنا وغيره، يؤيده نقل الجماعة: لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير
61 من رمضان. ونقل خطاب بن بشير: كنت أذهب إليه ثم رأيت السنة كلها، وهو المذهب عند الأصحاب. قال القاضي: وعندي أن أحمد رجع عن القول الأول، لأنه صرح به في رواية خطاب. قال ابن نصر الله: وفيه نظر، لأن رواية خطاب فيها زيادة على رواية الجماعة، وبيان رجوعه عنها بخلاف روايتي الدباغ (ف) - على رواية أنه يطهر بالدباغ (يشترط غسله) أي الجلد (بعده) أي بعد الدباغ، كما لو أصابته نجاسة سوى آلة الدبغ، (ويحرم أكله) لأنه جزء من الميتة، فيدخل تحت قوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) *، و (لا) يحرم (بيعه) على رواية طهارته كسائر الطاهرات (ولا يطهر جلد ما كان نجسا في حياته) كالكلب (بذكاة ك) - ما لا يطهر (لحمه) بها لأنه ليس محلا للذكاة، فهو ميتة (فلا يجوز ذبحه لذلك) أي لجلده أو لحمه، لأنه عبث وإضاعة لما قد ينتفع به، (ولا) يجوز ذبحه أيضا (لغيره) كلا راحته (ولو) كان (في الترع) وكذا الآدمي بل أولى. ولو وصل إلى حالة لا يعيش فيها عادة، أو كان بقاؤه أشد تأليما له. وقد عمت بذلك البلوى، (ولا يحصل الدبغ بنجس) كالاستجمار. وفي الرعاية: بلى. ويغسل بعده (ولا) يحصل الدبغ (بغير منشف للرطوبة منق للخبث، بحيث لو نقع الجلد بعده في الماء فسد) كالشب والقرظ. لأنه يحصل به مقصود الدباغ (ولا بتشميس) الجلد (ولا بتتريب) ه (ولا بريح) لما سبق (وجعل المصران وترا دباغ وكذا) جعل (الكرش) وترا دباغ لأنه المعتاد فيه ولا يفتقر الدبغ إلى فعل. فلو وقع جلد في مدبغة فاندبغ كفى. لأنه إزالة نجاسة، فأشبه المطر ينزل على الأرض النجسة (ويحرم افتراش جلود السباع) من البهائم والطير إذا كانت أكبر من الهر خلقة (مع الحكم بنجاستها) قبل الدباغ وبعده لما روى أبو داود عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه: أن رسول الله (ص) نهى عن جلود السباع وأما على القول بطهارتها حال الحياة فيجوز بعد دبغها، كجلد الهر وما دونه خلقة. واللبس كالافتراش، لحديث المقدام بن معد يكرب أنه قال لمعاوية أنشدك الله، هل تعلم أن رسول الله (ص) نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها، قال: نعم رواه أبو داود، وقولهم في ستر العورة: ويكره لبسه وافتراشه جلدا مختلفا في نجاسته، أي من حيث إنه مختلف فيه لا من حيث الحكم
62 بنجاسته، كما يشير إليه قول المصنف: مع الحكم بنجاستها (ويكره الخرز بشعر خنزير) لأنه استعمال للعين النجسة، ولا يسلم من التنجيس بها غالبا، (ويجب غسل ما خرز به رطبا) لتنجيسه (ويباح) استعمال (منخل) بضم الميم والخاء المعجمة (من شعر نجس في يابس) لعدم تعدي نجاسته، كركوب البغل والحمار، بخلاف استعماله في رطب (ويكره الانتفاع بالنجاسات) أي في الجملة، فلا يرد ما تقدمت إباحته أو تحريمه. قال في الفروع: ويعتبر أن لا ينجس. ثم قال: واحتج بعضهم بتجويز جمهور العلماء الانتفاع بالنجاسة لعمارة الأرض للزرع مع الملابسة لذلك عادة. وسأله الفضل عن غسل الصائغ الفضة بالخمر: هل يجوز؟ قال: هذا غش لأنها تبيض به (وجلد الثعلب كلحمه) على الخلاف فيه. والمذهب لا يؤكل لحمه فلا يدبغ جلده ولا ينتفع به (ولبن الميتة) نجس لأنه مائع لاقى وعاء نجسا فتنجس (وإنفحتها) بكسر الهمزة وتشديد الحاء المهملة. وقد تكسر الفاء: شئ يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر فيصر في صوفة فيغلظ كالجبن، قاله في القاموس، نجسة، لما تقدم، (وجلدتها) أي جلدة إنفحة الميتة نجسة (وعظمها) أي الميتة (وقرنها وظفرها وعصبها وحافرها وأصول شعرها) إذا نتف (و) أصول (ريشها إذا نتف وهو رطب أو يابس نجس) لأنه من جملة أجزاء الميتة، أشبه سائرها. ولان أصول الشعر، والريش جزء من اللحم لم يستكمل شعرا ولا ريشا (وصوف ميتة طاهرة في الحياة) كالغنم طاهر (وشعرها ووبرها وريشها) طاهر (ولو) كانت (غير مأكولة، كهر وما دونها في الخلقة) كابن عرس والفار، لقوله تعالى: * (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) * والآية سيقت للامتنان فالظاهر شمولها لحالتي الحياة والموت والريش مقيس على هذه الثلاثة. تتمة: حرم في المستوعب نتف ذلك من حي لإيلامه وكرهه في النهاية (وعظم سمك ونحوه) من حيوانات البحر المأكولة طاهر كلحمه (وباطن بيضة مأكول صلب قشرها طاهر (لأنها منفصلة عن الميتة، أشبهت ولد الميتة إذا خرج حيا. وكراهية علي وابن عمر محمولة على التنزيه، استقذارا لها. ويطهر ظاهرها بالغسل لأن لها من القوة ما يمنع دخول أجزاء النجاسة فيها (وما أبين) أي انفصل (من حي من قرن وألية ونحوهما) كحافر وجلد
63 (فهو كميتته) طهارة أو نجاسة، لقوله عليه الصلاة والسلام: ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة رواه الترمذي، قال: حسن غريب. ودخل في كلامه ما يتساقط من قرون الوعول. ويستثنى من ذلك الطريدة، وتأتي. والولد والبيضة إذا صلب قشرها والصوف ونحوه مما تقدم، والمسك وفأرته ويأتي (ولا يجوز استعمال شعر الآدمي) مع الحكم بطهارته (لحرمته) أي احترامه. قال تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * وكذا عظمه وسائر أجزائه (وتصح الصلاة فيه لطهارته) قلت: لعل محله إذا لم يتخذ منه ما يستر به عورته، فإن فعل لم تصح كمن صلى في حرير وأولى. (والمسك وجلدته) طاهران لأنه منفصل بطبعه، أشبه الولد، (ودود القز) وبزره، (ودود الطعام) طاهر، (ولعاب الأطفال) طاهر، لحديث أبي هريرة: رأيت النبي (ص) حامل الحسين بن علي على عاتقه ولعابه يسيل عليه قلت: ظاهره ولو تعقب قيئا ولم تغسل أفواههم، لمشقة التحرز. كالهر إذا أكل نجاسة ثم شرب من ماء (وما سال من فم عند نوم طاهر) كالعرق والريق. باب الاستطابة، وآداب التخلي الاستطابة، والاستنجاء، والاستجمار: عبارة عن إزالة الخارج من السبيلين عن مخرجه. فالاستطابة والاستنجاء يكونان تارة بالماء، وتارة بالأحجار. والاستجمار مختص بالأحجار، مأخوذ من الجمار وهي الحصى الصغار. قال في القاموس: واستطاب استنجى كأطاب انتهى. سمي استطابة لأن نفسه تطيب بإزالة الخبث، واستنجاء من نجوت الشجرة وأنجيتها إذا قطعتها، كأنه يقطع الأذى عنه. وقال ابن قتيبة من النجوة، وهي ما يرتفع من الأرض. وكان الرجل إذا أراد قضاء حاجته يستتر بنجوة. قال الأزهري عن القول الأول: هو أصح. قال في الحاشية: أول من استنجى بالماء إبراهيم عليه السلام. والمراد بآداب
64 التخلي ما ينبغي فعله حال الدخول والخروج وقضاء الحاجة وما يتعلق بذلك (يسن أن يقول عند دخوله الخلاء) بالمد أي المكان المعد لقضاء الحاجة: (بسم الله) لحديث علي يرفعه: ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم الله رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: ليس إسناده بالقوي، ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك) أي ألجأ إليك (من الخبث) بإسكان الباء، قاله أبو عبيدة، ونقل القاضي عياض، أنه أكثر روايات الشيوخ. وفسره بالشر (والخبائث) بالشياطين، فكأنه استعاذ من الشر وأهله. وقال الخطابي: هو بضم الباء، وهو جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، فكأنه استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم. وقيل: الخبث الكفر، والخبائث الشياطين، ولم يزد في الغنية، والمحرر، والفروع على ما ذكره المصنف، لحديث أنس أن النبي (ص): كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث متفق عليه، قال في الفروع: روى البخاري إذا أراد دخوله وفي رواية لمسلم أعوذ بالله انتهى. وروى أبو أمامة أن رسول الله (ص) قال: لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم رواه ابن ماجة واقتصر عليه في الوجيز، وجمع بين الخبرين في المستوعب والمقنع والبلغة والمنتهى (ويكره دخوله) أي الخلاء (بما فيه ذكر الله بلا حاجة) إلى ذلك، لحديث أنس: كان رسول الله (ص) إذا دخل الخلاء نزع خاتمه رواه الخمسة إلا
65 أحمد، وصححه الترمذي، وقد صح أن نقش خاتمه محمد رسول الله ولان الخلاء موضع القاذورات، فشرع تعظيم اسم الله وتنزيهه عنه، فإن احتاج إلى دخوله به بأن لم يجد من يحفظه وخاف ضياعه فلا بأس، قال في المبدع: حيث أخفاه (لا دراهم ونحوها) كدنانير عليها اسم الله (فلا بأس به) أي بدخوله بها (نصا) قال في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم: أرجو أن لا يكون به بأس، وفي المستوعب: أن إزالة ذلك أفضل (ومثلها) أي الدراهم (حرز) فلا بأس بالدخول بها قياسا على الدراهم. قال صاحب النظم. وأولى، وما ذكره المصنف من استثناء الدراهم ونحوها تبع فيه الفروع وقد جزم بذلك جماعة قال في تصحيح الفروع: ظاهر كلام كثير من الأصحاب أن حمل الدراهم ونحوها كغيرها في الكراهة، ثم رأيت ابن رجب ذكر في كتاب الخواتيم أن أحمد نص على كراهة ذلك في رواية إسحاق بن هانئ، وقال في الدراهم: إذا كان فيه اسم الله أو مكتوبا عليه * (قل هو الله أحد) * يكره أن يدخل اسم الله الخلاء، (لكن يجعل فص خاتم) احتاج إلى دخول الخلاء به (في باطن كفه اليمنى) إذا كان مكتوبا عليه اسم الله، لئلا يلاقي النجاسة أو يقابلها، قال في المبدع: ويتوجه إلى اسم الرسول كذلك، وأنه لا يختص بالبنيان. (ويحرم) دخول الخلاء (بمصحف إلا لحاجة) قال في الانصاف: لا شك في تحريمه قطعا، ولا يتوقف في هذا عاقل اه. قلت: وبعض المصحف كالمصحف (ويستحب أن ينتعل) عند دخوله الخلاء لأنه (ص) كان إذا دخل المرفق لبس حذاءه وغطى رأسه رواه ابن سعد عن حبيب بن صالح مرسلا، (و) يستحب أيضا أن (يقدم رجله اليسرى دخولا) أي في دخول الخلاء، (و) أن يقدم (يمنى) رجليه (خروجا) منه، لما روى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة: من بدأ برجله اليمنى قبل يساره إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر ولان اليسرى للأذى واليمنى لما سواه، لأنها أحق بالتقديم إلى الأماكن الطيبة، وأحق بالتأخير عن الأذى ومحله، (و) الذي يريد قضاء حاجته (في غير البنيان أن يقدم يسراه) أي يسرى رجليه (إلى موضع جلوسه، و) يقدم (يمناه
66 عند منصرفه) منه (مع) إتيانه ب (- ما تقدم) عند دخوله الخلاء، لأن موضع قضاء حاجته في الصحراء في معنى الموضع المعد لذلك في البنيان، (ومثله) أي مثل الخلاء في تقديم اليسرى دخولا واليمنى خروجا (حمام ومغتسل ونحوهما) من أماكن الأذى كالمزبلة والمجزرة، وكذا خلع نعل ونحوه (عكس مسجد ومنزل ونعل) أي انتعال (ونحوه) كخف وسرموزة (وقميص ونحوه) كقباء، فيدخل يده اليمنى قبل اليسرى في اللبس، ويقدم اليسرى في الخلع (ويسن أن يعتمد) عند قضاء حاجته (على رجله اليسرى وينصب) رجله (اليمنى) بأن يضع أصابعها على الأرض ويرفع قدمها، لحديث سراقة بن مالك قال: أمرنا رسول الله (ص) أن نتكئ على اليسرى، وننصب اليمنى رواه الطبراني والبيهقي، ولأنه أسهل لخروج الخارج. (و) يسن أن (يغطي رأسه) لحديث عائشة: كان رسول الله (ص) إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه رواه البيهقي من رواية محمد بن يونس الكديمي، وكان يتهم بوضع الحديث، (ولا يرفعه إلى السماء) لأنه محل يحضره الشياطين فتعبث به، فلذلك طلب منه أن يكون على أكمل الأحوال. (ويسن) لمن أراد قضاء الحاجة (في فضاء بعده) لحديث جابر أن النبي (ص): كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد رواه أبو داود، (و) يسن (استتاره عن ناظره) لخبر أبي هريرة مرفوعا: من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستتر به، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج رواه أبو داود. وروى عبد الله بن جعفر قال: كان أحب ما استتر به رسول الله (ص) لحاجته هدف أو حائش نخل رواه مسلم، وفسر بأنه جماعة النخل، لا واحد له من لفظه. (و) يسن (طلبه مكانا رخوا) بتثليث الراء والكسر
67 أشهر، أي لينا هشا (لبوله) لخبر أبي موسى قال: كنت مع النبي (ص) ذات يوم، فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال، ثم قال: إذا بال أحدكم فليرتد لبوله رواه أحمد وأبو داود، وفي التبصرة: ويقصد مكانا علوا اه. أي لينحدر عنه البول (ولصق ذكره بصلب) بضم الصاد أي شديد إن لم يجد مكانا رخوا، لأنه يأمن بذلك من رشاش البول. (و) يسن (أن يعد أحجار الاستجمار قبل جلوسه) لقضاء حاجته لحديث: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن، فإنها تجزئ عنه رواه أبو داود (ويكره رفع ثوبه إن بال قاعدا قبل دنوه من الأرض بلا حاجة) إلى ذلك، لما روى أبو داود من طريق رجل لم يسمه، وقد سماه بعض الرواة: القاسم بن محمد عن ابن عمر أن النبي (ص) كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ولان ذلك أستر له، والمراد أنه يرفع ثوبه شيئا فشيئا (فإذا قام أسبله عليه قبل انتصابه) قال في المبدع: ولعله يجب إن كان ثم من ينظره. (و) يكره حال قضاء الحاجة (استقبال شمس وقمر) بلا حائل، لما فيهما من نور الله تعالى. وقد روي أن معهما ملائكة وأن أسماء الله تعالى مكتوبة عليها. (و) يكره استقبال (مهب ريح بلا حائل) خشية أن يرد عليه البول فينجسه (ومس فرجه بيمينه في كل حال) سواء حال البول وغيره، لخبر أبي قتادة يرفعه: لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه متفق عليه، وغير حال البول مثله وأولى، لأن وقت البول يحتاج فيه إلى مس الذكر، فإذا نهى عن إمساكه باليمين وقت الحاجة فغيره أولى، وخصه بعضهم بحال البول لظاهر الخبر، (وكذا) يكره في كل حال (مس فرج أبيح له مسه) بيمينه، كفرج زوجته وأمته ومن دون سبع، قياسا على فرجه تشريفا
68 لليمنى. (و) يكره أيضا (استجماره) بيمينه (واستنجاؤه بها لغير ضرورة) كما لو قطعت يساره أو شلت (أو حاجة) كجراحة بيساره، لخبر أبي قتادة وتقدم، وحديث سلمان قال: نهانا رسول الله (ص) عن كذا، وأن نستنجي باليمين رواه مسلم. تتمة: إن عجز عن الاستنجاء بيده وأمكنه برجله أو غيرها فعل، وإلا فإن أمكنه بمن يجوز له نظره من زوجة أو أمة لزمه، وإلا تمسح بأرض أو خشبة ما أمكن، فإن عجز صلى على حسب حاله، وإن قدر بعد على شئ من ذلك لم يعد. ذكره ابن عبد الهادي في بغيته بمعناه، قلت: بل متى قدر عليه ولو بأجرة يقدر عليها لزمه، ولو ممن لا يجوز له نظره لأنه محل حاجة كما يأتي في المريض وأولى (فإن كان استجماره من غائط أخذ الحجر بيساره فمسح به) دبره ثلاث مسحات منقيات أو أكثر على ما يأتي بيانه، (وإن كان) استجماره (من بول أمسك ذكره بشماله ومسحه) أي ذكره (على الحجر) الكبير، ولا يمسكه بيمينه لعدم الحاجة إليه (فإن كان الحجر صغيرا أمسكه بين عقبيه أو بين إبهامي قدميه ومسح عليه) ذكره (إن أمكنه) ذلك لاغنائه عن إمساكه بيمينه (وإلا) بأن لم يمكنه ذلك، كجالس في الا خلية المبنية (أمسك الحجر بيمينه) للحاجة (ومسح بيساره الذكر عليه) فتكون اليسار هي المتحركة وعلم منه أنه يكره ذلك مع عدم الحاجة إليه، وأنه لا يكره استنجاؤه بيمينه لحاجة أو ضرورة، قال في التلخيص: يمينه أولى من يسار غيره (وإن استطاب بها) أي بيمينه ولا ضرورة ولا حاجة (أجزأه) لأن النهي عن ذلك نهي تأديب لا نهي تحريم، (وتباح المعونة بها) أي باليمين (في الماء) إذا استنجى به، بأن يصب بها الماء على يساره لدعاء الحاجة إليه غالبا (ويكره بوله في شق) بفتح الشين: واحد الشقوق، (و) في (سرب) بفتح السين والراء، عبارة عن الثقب، وهو ما يتخذه الدبيب والهوام بيتا في الأرض لما روى قتادة عن عبد الله بن سرجس قال: نهى رسول الله (ص) أن يبال في الجحر، قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: يقال: إنها مساكن الجن رواه أحمد وأبو داود. وقد روي أن سعد بن عبادة بال بجحر بالشام ثم استلقى ميتا، فسمع من بئر بالمدينة قائل يقول:
69 نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد، ولأنه يخاف أن يخرج ببوله دابة تؤذيه أو ترده عليه فتنجسه، ومثل السرب ما يشبهه (ولو) كان (فم بالوعة) لما تقدم. (و) يكره بوله في (ماء راكد) لخبر: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم وتقدم، (و) يكره بوله في (قليل جار) لأنه يفسده وينجسه، ولعلهم لم يحرموه لأن الماء غير متمول عادة، أو لأنه يمكن تطهيره بالإضافة كما تقدم، (و) يكره بوله (في إناء بلا حاجة) إليه من نحو مرض، فإن كانت لم يكره، لقول أميمة بنت رقيقة عن أمها: كان للنبي (ص) قدح من عيدان يبول فيه، ويضعه تحت السرير رواه أبو داود والنسائي، والعيدان بفتح العين المهملة طوال النخل، (و) يكره بوله في (نار لأنه يورث السقم، و) في (رماد) ذكره في الرعاية، (و) في (موضع صلب) إلا إذا لم يجد مكانا رخوا ولصق ذكره به لما تقدم، (و) يكره بوله (في مستحم غير مقير أو مبلط) لما روى أحمد وأبو داود عن رجل صحب النبي (ص) قال: نهى النبي (ص) أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله وقد روى أن عامة الوسواس منه رواه أبو داود وابن ماجة (فإن بال في) المستحم (المقير أو المبلط) أو المجصص ونحوه (ثم أرسل عليه الماء قبل اغتساله فيه) قال الإمام أحمد: إن صب عليه الماء وجرى في البالوعة (فلا بأس) للأمن من التلويث، ومثله مكان الوضوء كما في المبدع (ويكره أن يتوضأ) على موضع بوله أو أرض متنجسة لئلا يتنجس، (أو) أي ويكره أن (يستنجي على موضع بوله، أو) على (أرض متنجسة لئلا يتنجس) بالرشاش الساقط عليها، (ويكره استقبال القبلة في فضاء باستنجاء أو استجمار) تشريفا لها. وظاهر كلامه كغيره لا يكره استدبارها إذن. (و) يكره (كلامه في الخلاء، ولو سلاما أو رد سلام) لما روى ابن عمر قال: مر بالنبي (ص) رجل فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه رواه مسلم وأبو داود، وقال: يروى أن
70 النبي (ص) تمم ثم رد على الرجل السلام، (ويجب) الكلام على من في الخلاء كغيره (لتحذير معصوم عن هلكة كأعمى وغافل) يحذره عن بئر أو حية أو نحوها، لأن مراعاة حفظ المعصوم أهم، (ويكره السلام عليه) أي على المتخلي، فلا يجب رده، ويأتي في أواخر الجنائز (فإن عطس) المتخلي (أو سمع أذانا حمد الله) عقب العطاس بقلبه (وأجاب) المؤذن (بقلبه) دون لسانه، ذكره أبو الحسين وغيره ويأتي في الاذان، ويقضيه متخل ومصل (و) يكره (ذكر الله فيه) أي في الخلاء لما تقدم، و (لا) يكره ذكر الله في الخلاء (بقلبه) دون لسانه (وتحرم القراءة فيه، وهو) متوجه (على حاجته) جزم به صاحب النظم. وظاهر كلام صاحب المحرر وغيره يكره، لأنه ذكر أنه أولى من الحمام، لمظنة نجاسته وكراهة ذكر الله فيه خارج الصلاة، قاله في الفروع. وفي الغنية لا يتكلم، ولا يذكر الله، ولا يزيد على التسمية والتعوذ. (و) يحرم (لبثه) في الخلاء (فوق حاجته) لا فرق بين أن يكون في ظلمة أو حمام، أو بحضرة ملك أو جني أو حيوان أو لا، ذكره في الرعاية (وهو) أي لبثه فوق حاجته (مضر عند الأطباء) قيل: إنه يدمي الكبد، ويورث الباسور (وكشف عورة بلا حاجة) إليه. (و) يحرم (بوله وتغوطه في طريق مسلوك) لحديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: اتقوا اللاعنين قالوا: وما اللاعنين؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم رواه مسلم. (و) يحرم (تغوطه في ماء) قليل أو كثير راكد أو جار، لأنه يقذره، ويمنع الناس الانتفاع به، و (لا) يحرم التغوط في (البحر) لأنه لا تعكره الجيف، (ولا) يحرم تغوطه في (ما أعد لذلك ك) - النهر (الجاري في المطاهر) بدمشق لأنه لا يستعمل عادة. (ويحرم بوله وتغوطه على ما نهي عن استجمار) ه به ك (- روث وعظم، وعلى ما يتصل بحيوان، كذنبه، ويده، ورجله، و) على (يد المستجمر وعلى ما له حرمة كمطعوم) لآدمي أو بهيمة. لأن ذلك أبلغ من الاستجمار بها في التقذير. فيكون أولى بالتحريم. (و) يحرم تغوطه وبوله (على قبور
71 المسلمين وبينها) أي بين قبورهم (ويأتي آخر الجنائز) موضحا. (و) يحرم البول والتغوط (على علف دابة وغيرها) وهذا داخل في قوله: كمطعوم. (و) يحرم بوله وتغوطه في (ظل نافع) لحديث أبي هريرة المتقدم، وإضافة الظل إليهم دليل على إرادة المنتفع به (ومثله متشمس) الناس (زمن الشتاء) لأنه في معناه، (و) مثله (متحدث الناس) إن لم يكن بنحو غيبة، وإلا فيفرقهم بما استطاع. (و) يحرم بوله وتغوطه (تحت شجرة عليها ثمرة مقصودة) مأكولة أو لا. لأنه يفسدها وتعافها الأنفس. فإن لم يكن عليها جاز إن لم يكن لها ظل نافع، لأن أثر ذلك يزول بمجئ الأمطار إلى مجئ الثمرة، وأجاب بعضهم عن بوله عليه السلام تحت الأشجار والنخل بأن الأرض تبلع فضلته. (و) يحرم بوله وتغوطه في (مورد ماء) لحديث معاذ: أن النبي (ص) قال: اتقوا الملاعن الثلاث، البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل رواه أبو وابن ماجة. (و) يحرم (استقبال القبلة واستدبارها) حال البول والغائط (في فضاء) لقول أبي أيوب: إن النبي (ص) قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها: ولكن شرقوا أو غربوا رواه الشيخان. ولان جهة القبلة أشرف الجهات فصينت عن ذلك، و (لا) يحرم استقبالها، ولا استدبارها في (بنيان) لما روى الحسن بن ذكوان عن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته، ثم جلس يبول إليها. فقلت: أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟ فقال: إنما نهي عن هذا في الفضاء، أما إذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم، وقال: على شرط البخاري والحسن وإن كان ضعفه جماعة فقد قواه جماعة وروى له البخاري، فهذا تفسير لنهيه عليه السلام العام، فتحمل أحاديث النهي على الفضاء، وأحاديث الرخصة على البنيان (ويكفي انحرافه) عن الجهة نقله أبو داود،
72 ومعناه في الخلاف. وظاهر كلام المجد والشيخ تقي الدين لا يكفي، (و) يكفي (حائل) بينه وبين القبلة (ولو) كان الحائل (كمؤخرة رحل) بضم الميم وسكون الهمزة، ومنهم من يثقل الخاء، وهي الخشبة التي يستند إليها الراكب (ويكفي الاستتار بدابة) لفعل ابن عمر، وتقدم (و) ب (- جدار وجبل ونحوه) كشجرة، (و) يكفي (إرخاء ذيله) لحصول التستر به، قال في الفروع، (و) ظاهر كلامهم (لا يعتبر قربه منها) أي من السترة (كما لو كان في بيت) فإنه لا يعتبر قربه من جداره (وإلا) أي وإن لم نقل لا يعتبر قربه منها، بل قلنا يعتبر، ف (- كسترة صلاة) ثلاثة أذرع فأقل. قال في الفروع: ويتوجه وجه كسترة صلاة، يؤيده أنه يعتبر كآخرة الرحل، لستر أسافله. وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: (بحيث تستر أسافله) ليحصل المقصود من عدم المواجهة (ولا يكره البول قائما ولو لغير حاجة إن أمن تلوثا وناظرا) لخبر الصحيحين عن حذيفة أن النبي (ص): أتى سباطة قوم فبال قائما والسباطة الموضع الذي تلقى فيه القمامة والأوساخ، (ولا) يكره (التوجه إلى بيت المقدس) في ظاهر نقل إبراهيم بن الحارث. وهو ظاهر ما في الخلاف. وجعل النهي حين كان قبلة. ولا يسمى بعد النسخ قبلة، وذكر ابن عقيل في النسخ بقاء حرمته. وظاهر نقل حنبل فيه يكره. تتمة: والأولى أن يقول: أبول. ولا يقول: أريق الماء. وفي النهي خبر ضعيف، بل في بعض ألفاظ الصحيحين ما يدل على جوازه. فصل: (فإذا انقطع بوله استحب) له (مسح ذكره بيده اليسرى من حلقة الدبر إلى رأسه) أي
73 الذكر (ثلاثا) لئلا يبقى شئ من البلل في ذلك المحل، فيضع أصبعه الوسطى تحت الذكر والابهام فوقه ثم يمرهما إلى رأس الذكر، (و) يستحب (نتره) بالمثناة أي الذكر (ثلاثا) قال في القاموس: استنتر من بوله اجتذبه، واستخرج بقيته من الذكر عند الاستنجاء حريصا عليه مهتما به انتهى. وإذا استنجى في دبره استرخى قليلا ويواصل صب الماء حتى ينقى ويتنظف، (والأولى) وفي شرح المنتهى. وسن (أن يبدأ ذكر) بقبل، لئلا تتلوث يده إذا بدأ بالدبر لأن قبله بارز. (و) أن تبدأ (بكر بقبل) إلحاقا لها بالذكر لوجود عذرتها (وتخير ثيب) في البداءة بالقبل أو الدبر (ويكره بصقه على بوله للوسواس) أي لأنه قيل: إنه يورث الوسواس، (ثم يتحول للاستجمار إن خشي تلوثا) تباعدا عن النجاسة، (ثم يستجمر) بالحجر أو نحوه (ثم يستنجي) بالماء (مرتبا ندبا) لقول عائشة للنساء: مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء، فإني أستحييهم، وإن رسول الله (ص) كان يفعله رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، واحتج به أحمد في رواية حنبل. ولأنه أبلغ في الانقاء، لأن الحجر يزيل عين النجاسة، فلا تباشرها يده. والماء يزيل ما بقي (فإن عكس) بأن بدأ بالماء وثنى بالحجر (كره) له ذلك نصا. لأنه لا فائدة فيه إلا التقذير (ومن استجمر في فرج واستنجى في) فرج (آخر فلا بأس) بذلك (ولا يجزى الاستجمار في قبلي خنثى مشكل) لأن الأصلي منهما غير معلوم. والاستجمار لا يجزئ في فرج غير أصلي (ولا) يجزئ الاستجمار (في مخرج غير فرج) أي لو انسد المخرج وانفتح آخر لم يجز فيه الاستجمار، لأنه نادر بالنسبة إلى سائر الناس فلم يثبت فيه أحكام الفرج، ولان لمسه لا ينقض الوضوء، ولا يتعلق بالايلاج فيه شئ من أحكام الوطئ، أشبه سائر البلدان. (ويستحب) للمستنجي (دلك يده بالأرض الطاهرة بعد الاستنجاء) لحديث ميمونة: أن النبي (ص) فعل ذلك. رواه
74 البخاري (ويجزيه أحدهما) أي الاستجمار أو الاستنجاء، فيكفي الاستجمار ولو مع قدرته على الماء، لحديث جابر مرفوعا: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار، فإنها تجزي عنه رواه أحمد وأبو داود، (والماء أفضل) من الحجر لأنه يزيل العين والأثر. وما حكي عن سعد بن أبي وقاص وابن الزبير أنهما أنكرا الاستنجاء بالماء. أجيب عنه: بأنه كان على من يعتقد وجوبه، ولا يرى الأحجار مجزئة، لأنهما شاهدا من الناس محافظة عليه، فخافا التعمق في الدين. (وجمعهما) أي الحجر والماء مرتبا كما مر (أفضل منه) أي من الماء وحده، لما تقدم عن عائشة (وفي التنقيح:) و (الماء أفضل كجمعهما، وهو) أي التسوية بين الماء وجمعهما (سهو) وأجاب التقي الفتوحي وغيره بأنه ليس الغرض التسوية بينهما.. وإنما الغرض تشبيه المختلف فيه بالمتفق عليه، أو المعنى كما أن جميعها أفضل من الماء فلا سهو (إلا أن يعدو) أي يتجاوز (الخارج موضع العادة) كأن ينتشر الخارج على شئ من الصفحة، أو يمتد إلى الحشفة امتدادا غير معتاد (فلا يجزئ إلا الماء للمتعدي فقط) لأن الاستجمار في المحل المعتاد رخصة للمشقة في غسله، لتكرر النجاسة فيه، فما لا يتكرر لا يجزئ فيه إلا الماء. ويجزئ الحجر في الذي في محل العادة. كما لو لم يكن غيره (كتنجيس مخرج بغير خارج) منه، فلا يجزئ فيه إلا الماء. وكذا لو جف الخارج قبل الاستجمار، (و) ك (- استجمار بمنهي عنه) كروث وعظم، فلا يجزئ بعده إلا الماء (وإن خرجت أجزاء الحقنة فهي نجسة ولا يجزئ فيها الاستجمار) قال في الانصاف: فيعابا بها، (والذكر والأنثى الثيب والبكر في ذلك) أي ما يجزئ فيه الاستجمار وما لا يجزئ على ما سبق (سواء) لعموم الأدلة (فلو تعدى بول الثيب إلى مخرج الحيض أجزأ فيه الاستجمار لأنه معتاد) كثيرا، صححه المجد، واختاره في مجمع البحرين، والحاوي الكبير. وقال هو وغيره: هذا إذا قلنا يجب تطهيره باطن فرجها على ما اختاره القاضي، والمنصوص عن أحمد أنه لا يجب، فتكون كالبكر قولا واحدا. وقدم في الانصاف عن الأصحاب أنه يجب غسله كالمنتشر عن المخرج، (ولو شك في تعدي
75 الخارج لم يجب الغسل) وأجزأه الاستجمار، لأن الأصل عدم التعدي (والأولى الغسل) احتياطا. قال علي: إنكم كنتم تبعرون بعرا وأنتم اليوم تثلطون ثلطا، فأتبعوا الماء الأحجار، (وظاهر كلامهم لا يمنع القيام الاستجمار ما لم يتعد الخارج) موضع العادة (فإذا خرج) من نحو الخلاء (سن قوله: غفرانك) لحديث عائشة قالت: كان النبي (ص) إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك رواه البخاري والترمذي. وهو منصوب على المفعولية. أي أسألك غفرانك والغفر الستر، وسره أنه لما خلص من النجو المثقل للبدن سأل الخلاص مما يثقل القلب، وهو الذنب لتكمل الراحة (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) لقول أنس : كان رسول الله (ص) إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني رواه ابن ماجة من رواية إسماعيل بن مسلم، وقد ضعفه الأكثر. وفي مصنف عبد الرزاق أن نوحا عليه السلام كان إذا خرج يقول: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في منفعته، وأذهب عني أذاه (ويتنحنح) ذكره جماعة زاد بعضهم (ويمشي خطوات) وعن أحمد نحو ذلك (إن احتاج إلى ذلك للاستبراء) لما فيه من التنزه من البول، فإن عامة عذاب القبر منه، كما في الخبر. وقال الشيخ تقي الدين: ذلك كله بدعة. ولا يجب باتفاق الأئمة. وذكر في شرح العمدة قولا يكره تنحنحه ومشيه ولو احتاج إليه لأنه وسواس، (وقال الموفق وغيره: ويستحب أن يمكث) بعد بوله (قليلا قبل الاستنجاء حتى ينقطع أثر البول، ولا يجب غسل ما أمكن من داخل فرج ثيب من نجاسة وجنابة، فلا تدخل يدها ولا إصبعها) في فرجها، (بل) تغسل (ما ظهر، لأنه) أي داخل الفرج (في حكم الباطن) عند ابن عقيل وغيره (فينتقض وضوؤها بخروج ما احتشته ولو بلا بلل، ويفسد الصوم بوصول
76 إصبعها) إليه (لا بوصول حيض إليه) بناء على أنه باطن، وقال أبو المعالي، وصاحب الرعاية وغيرهما: هو في حكم الظاهر. وذكره في المطلع عن أصحابنا. فتنعكس الاحكام غير وجوب الغسل. فلا يجب على المنصوص. وإن قلنا هو في حكم الظاهر للمشقة والحرج (ويستحب لغير الصائمة غسله) خروجا من الخلاف (وداخل الدبر في حكم الباطن، لا فساد الصوم بنحو الحقنة، ولا يجب غسل نجاسته، وكذا حشفة أقلف غير مفتوق) لا يجب غسل نجاسته، ولا جنابة ما تحتها، (ويغسلان) أي نجاسة الحشفة وجنابتها (من مفتوق) لأنها في حكم الظاهر (ويستحب لمن استنجى) بالماء (أن ينضح فرجه) أي ما يحاذيه من ثوبه (وسراويله) قطعا للوسواس. وروى أبو هريرة أن النبي (ص) قال: جاءني جبريل فقال: يا محمد إذا توضأت فانضح حديث غريب قاله في الشرح. و (لا) يستحب ذلك ل (- من استجمر) ومن ظن خروج شئ فقال أحمد: لا تلتفت حتى تتيقن، واله عنه فإنه من الشيطان، فإنه يذهب إن شاء الله، ولم ير أحمد حشو الذكر في ظاهر ما نقله عبد الله، وأنه لو فعل فصلى، ثم أخرجه فوجد بللا فلا بأس ما لم يظهر خارجا، وكره الصلاة فيما أصابه الاستجمار حتى يغسله، ونقل صالح أو يمسحه، ونقل عبد الله لا يلتفت إليه، قاله في الفروع. فصل: (ويصح الاستجمار بكل طاهر جامد مباح منق، كالحجر والخشب والخرق) لأن في بعض ألفاظ الحديث: فليذهب بثلاثة أحجار، أو بثلاثة أعواد، أو بثلاث حثيات من تراب رواه الدارقطني، وقال: روي مرفوعا، والصحيح أنه مرسل، ولان النبي (ص) سئل عن
77 الاستطابة فقال: بثلاثة أحجار، ليس فيها رجيع فلولا أنه أراد الحجر وما في معناه لم يستثن الرجيع، ولمشاركة غير الحجر في الإزالة، وفهم منه أنه لا يصح الاستجمار بنجس، لأن ابن مسعود جاء إلى النبي (ص) بحجرين وروثة ليستجمر بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: هذا ركس يعني نجسا، رواه الترمذي، وهذا تعليل منه عليه السلام يجب المصير إليه، ولا بغير جامد كالرخوة والندى. لأنه لا يحصل به الانقاء، فلا يحصل به المقصود كالأملس من زجاج ونحوه، و (لا) ب (- المغصوب) لأن الاستجمار رخصة، والرخص لا تستباح على وجه محرم (والانقاء بأحجار ونحوها) كخشب وخرق (إزالة العين) الخارجة من السبيلين (حتى لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، و) الانقاء (بماء خشونة المحل) أي عوده (كما كان) لزوال لزوجة النجاسة وآثارها مع الاتيان بالعدد المعتبر (إلا الروث والعظام) فلا يجزي الاستجمار بهما، لقوله عليه السلام: لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن رواه مسلم. (و) إلا (الطعام ولو لبهيمة) فلا يجزي الاستجمار به، لأنه عليه السلام علل المنع من الروث والعظم بأنه زاد الجن، فزادنا وزاد بهائمنا أولى، (و) إلا (ما له حرمة كما فيه ذكر الله) قال جماعة منهم الشارح (وكتب حديث وفقه) لما فيه من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها، قال في الرعاية (وكتب مباحة) احتراما لها، (و) إلا (ما حرم استعماله كذهب وفضة) لما تقدم في المغصوب، (و) إلا (متصلا بحيوان) كيده وجلده وصوفه، لأن الحيوان له حرمة، ولهذا منعنا مالكه من إطعامه النجاسة، (و) إلا (جلد سمك وجلد حيوان مذكى) كحال اتصاله، (و) إلا (حشيشا رطبا) لأنه زاد البهائم، ولا يحصل به الانقاء (فيحرم ولا يجزئ) الاستجمار بجميع ما تقدم ذكره. قلت: الظاهر أن المتنجس من نحو حجر إذا استعمله لتخفيف النجاسة ليتبعه الماء لا يحرم، وليس في كلامهم ما يشمله (فإن استجمر بعده بمباح) لم يجزئه ووجب الماء (أو استنجى بمائع غير الماء) كالخل (لم يجزئه) الاستجمار (وتعين الماء) كما لو استجمر بنجس (وإن استجمر بغير منق) كزجاج (أجزأ الاستجمار بعده بمنق كحجر) لبقاء
78 عين النجاسة فتزول بالمنقي بخلاف ما قبل (ولا يجزئ) في الاستجمار (أقل من ثلاث مسحات) لقوله عليه السلام: فليذهب معه بثلاثة أحجار رواه أبو داود، ولقول سلمان: نهانا يعني النبي (ص) أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار رواه مسلم. (إما بحجر ذي) ثلاث (شعب) لأن الغرض عدد المسحات لا الأحجار، بدليل التعدية إلى في معنى الحجارة، (أو بثلاثة) أحجار وما في معناها (تعم كل مسحة المسربة) أي الدبر (والصفحتين) لأنها إن لم تكن كذلك لم تكن مسحة، بل بعضها (مع الانقاء) لأن الغرض إزالة النجاسة (ولو استجمر ثلاثة أنفس بثلاثة أحجار، لكل حجر ثلاث شعب، استجمر كل واحد) منهم (بشعبة من كل حجر) أجزأهم لحصول المعنى (أو استجمر إنسان بحجر ثم غسله) وجففه سريعا (أو كسر ما تنجس منه، ثم استجمر به ثانيا، ثم فعل ذلك) أي الغسل أو الكسر (واستجمر به ثالثا أجزأه، لحصول المعنى والانقاء) بثلاث مسحات بمنق طاهر (فإن لم ينق) بثلاث مسحات (زاد حتى ينقى) لأن الغرض إزالة النجاسة، فيجب التكرار إلى أن تزول. (ويسن قطعه على وتر إن زاد على الثلاث) فإن أنقى برابعة زاد خامسة، وإن أنقى بسادسة زاد سابعة وهكذا، لقوله عليه السلام: من استجمر فليوتر متفق عليه. (وإذا أتى بالعدد المعتبر) كالسبع في الماء والثلاث في الحجر ونحوه (اكتفى في زوال النجاسة بغلبة الظن) لأن اعتبار اليقين حرج، وهو منتف شرعا، (وأثر الاستجمار نجس يعفى عن يسيره)
79 في محله للمشقة (ويجب الاستنجاء، أو الاستجمار من كل خارج) من السبيلين معتاد، كالبول أو كالمذي، لقوله تعالى: * (والرجز فاهجر) * لأنه يعم كل مكان ومحل من ثوب وبدن، ولقوله عليه السلام: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه رواه أبو داود والامر للوجوب. وقال: إنها تجزئ، ولفظ الاجزاء ظاهر فيما يجب (إلا الريح) لقوله عليه السلام: من استنجى من ريح فليس منا رواه الطبراني في معجمه الصغير، قال الإمام أحمد: ليس في الريح استنجاء في كتاب الله، ولا في سنة رسوله (وهي طاهرة فلا تنجس ماء يسيرا) لاقته خلافا للنهاية، وقال في المبهج: لأنها عرض بإجماع الأصوليين. وعورض بأن للريح الخارجة من الدبر رائحة منتنة قائمة بها، ولا شك في كون الرائحة عرضا فلو كانت الريح أيضا عرضا لزم قيام العرض بالعرض، وهو غير جائز عند المتكلمين، (و) إلا (الطاهر) كالمني والولد العاري عند الدم، (و) إلا (غير الملوث) كالبعر الناشف، لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا، وكيف يستنجى أو يستجمر من طاهر وكيف يحصل الانقاء بالأحجار في غير الملوث، وصحح في الانصاف وجوب الاستجمار منهما، لكن خالفه في التنقيح (فإن توضأ) موجب عليه الاستنجاء (أو تيمم قبله لم يصح) وضوؤه أو تيممه، لقوله عليه السلام في حديث المقداد المتفق عليه: يغسل ذكره، ثم يتوضأ ولان الوضوء طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليه كالتيمم (وإن كانت النجاسة على غير السبيلين، أو) كانت (عليهما غير خارجة منهما صح الوضوء والتيمم قبل زوالها) أي النجاسة لأن النجاسة غير الخارجة من السبيلين لم تكن موجبة للطهارتين في الجملة. فلم تجعل إحداهما تابعة للأخرى. بخلاف الخارجة منهما، (ويحرم منع المحتاج إلى الطهارة) بتشديد الهاء، أي الميضأة المعدة للتطهير والحش (قال الشيخ: ولو وقفت على طائفة معينة كمدرسة ورباط، ولو) كانت (في ملكه) لأنها بموجب الشرع والعرف مبذولة للمحتاج. ولو
80 قدر أن الواقف صرح بالمنع، فإنما يسوغ مع الاستغناء، (وقال:) الشيخ (إن كان في دخول أهل الذمة مطهرة المسلمين تضييق أو تنجيس أو إفساد ماء ونحوه وجب منعهم) قلت ومثلهم من يقصد من الرافضة، الافساد على أهل السنة والجماعة. (وإن لم يكن ضرر، ولهم) أي لأهل الذمة (ما يستغنون به عن مطهرة المسلمين فليس لهم مزاحمتهم). باب السواك وغيره من الختان والطيب والاستحداد ونحوها مما يأتي مفصلا وأول من استاك إبراهيم الخليل عليه السلام، قاله في الحاشية. (السواك) بكسر السين جمعه: سوك، بضم السين والواو، ويخفف بإسكان الواو. وربما يهمز فيقال: سؤك، قاله الدينوري. وهو مذكر نقله الأزهري عن العرب قال: وغلط الليث في قوله: إنه يؤنث. وذكر في المحكم أنهما لغتان، (والمسواك) بكسر الميم (اسم للعود الذي يتسوك به، ويطلق السواك على الفعل) وهو الاستياك (قاله الشيخ: والتسوك الفعل) يقال: ساك فاه يسوكه سوكا. وهو شرعا: استعمال عود في الأسنان لاذهاب التغير ونحوه، مشتق من التساوك. وهو التمايل والتردد، لأن المتسوك يردد العود في فمه ويحركه، يقال: جاءت الإبل تساوك، إذا كانت أعناقها تضطرب من الهزال، (وهو) أي التسوك (على أسنانه ولسانه ولثته) بكسر اللام وفتح المثلثة خفيفة، فإن سقطت أسنانه استاك على لثته ولسانه، ذكره في الرعاية الكبرى والإفادات. (مسنون كل وقت) قال في المبدع: اتفق العلماء على أنه سنة مؤكدة لحث الشارع ومواظبته عليه وترغيبه وندبه إليه. يوضحه ما روت عائشة أن النبي (ص) قال: السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب رواه الشافعي، وأحمد،
81 وابن خزيمة، والبخاري تعليقا. ورواه أحمد] عن أبي بكر وابن عمر (لغير صائم)، وأما الصائم ففيه تفصيل يأتي. (بسواك) متعلق بمسنون أي عود (يابس) مندى (ورطب) أي أخضر. (و) يسن التسوك (لصائم بيابس قبل الزوال) لقول عامر بن ربيعة: رأيت رسول الله (ص) ما لا أحصي يتسوك وهو صائم رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي. وقال: حديث حسن رواه البخاري تعليقا. وعن عائشة قالت: قال رسول الله (ص): من خير خصال الصائم السواك رواه ابن ماجة، وهذان الحديثان محمولان على ما قبل الزوال، لما روى البيهقي بإسناده عن علي أن رسول الله (ص) قال: إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي، (ويباح) السواك (له) أي للصائم (ب) - عود (رطب قبله) أي قبل الزوال لما يتحلل منه بخلاف اليابس، (ويكره) التسوك (له) أي للصائم (بعده) أي بعد الزوال (بيابس ورطب) لحديث أبي هريرة يرفعه: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك متفق عليه. وهو إنما يظهر غالبا بعد الزوال، فوجب اختصاص الحكم به. ولحديث علي. ولا فرق فيه بين المواصل وغيره. فإن قيل: لم وصف دم الشهيد بريح المسك من غير زيادة، وخلوف فم الصائم بأنه أطيب ريحا منه، ولا شك أن الجهاد أفضل من الصوم. أجيب بأن الدم نجس: وغايته أن يرفع إلى أن يصير طاهرا بخلاف الخلوف، (وعنه يسن) التسوك (له) أي للصائم (مطلقا) أي قبل الزوال وبعده باليابس والرطب، (اختاره الشيخ) وجمع (وهو أظهر دليلا) لعموم
82 ما سبق، (وكان) التسوك (واجبا على النبي (ص)) عند كل صلاة، اختاره القاضي وابن عقيل وقيل: لا. اختاره ابن حامد. ويدل للأول: حديث أبي داود عن عبد الله بن أبي حنظلة بن أبي عامر أن رسول الله (ص): أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرا أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة. (ويتأكد) التسوك (عند كل صلاة) لحديث أبي هريرة مرفوعا: لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة رواه الجماعة، يعني أمر إيجاب، لحديث أحمد: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك قال الشافعي: لو كان واجبا لأمرهم به شق أو لم يشق، (و) يتأكد عند (انتباه من نوم) ليل أو نهار. لقول عائشة: كان النبي (ص) لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ رواه أحمد. وعن حذيفة: كان النبي (ص) إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك متفق عليه. يعني يغسله، يقال: شاصه وماصه، إذا غسله، (و) عند (تغير رائحة فم بأكل أو غيره) لأن السواك مشروع لتطييب الفم، وإزالة رائحته. فتأكد عند تغيره، (و) عند (وضوء) لحديث أبي هريرة: لامرتهم بالسواك مع كل وضوء رواه أحمد. وكذا البخاري تعليقا، (و) عند (قراءة) قرآن تطييبا للفم، لئلا يتأذى الملك حين يضع فاه على فيه لتلقف القراءة، (و) عند (دخول مسجد ومنزل) لقول عائشة: كان رسول الله (ص) إذا دخل بيته يبدأ
83 بالسواك رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي والمسجد كالمنزل أو أولى، (و) عند (إطالة السكوت وخلو المعدة من الطعام) لأنه مظنة تغير الفم، (و) عند (اصفرار الأسنان) لإزالته ويستاك (عرضا بالنسبة إلى الأسنان) لما في مراسيل أبي داود: إذا استكتم فاستاكوا عرضا ولأنه عليه السلام: كان يستاك عرضا رواه الطبراني والحافظ الضياء وضعفه. ولان الاستياك طولا قد يدمي اللثة ويفسد الأسنان. وقيل: الشيطان يستاك طولا. وفي الشرح: إن استاك على لسانه أو حلقه فلا بأس أن يستاك طولا لخبر أبي موسى رواه أحمد (يبدأ) المتسوك (بجانب فمه الأيمن) لحديث عائشة أن النبي (ص): كان يحب التيامن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله متفق عليه. (من ثناياه) أي ثنايا الجانب الأيمن (إلى أضراسه) قاله في المطلع. وقاله الشهاب الفتوحي في قطعته على الوجيز. يبدأ من أضراس الجانب الأيمن (بيساره) نقله حرب، كانتشاره. قال الشيخ تقي الدين: ما علمت إماما خالف فيه. وذكر صاحب المحرر في الاستنجاء بيمينه يستاك بيمينه. ويؤيده حديث عائشة قالت: كان النبي (ص) يحب التيامن ما استطاع. في طهوره وترجله وتنعله وسواكه رواه أبو داود في سننه. وقد يحمل على أنه كان يبدأ بشق فمه الأيمن في السواك (بعود لين) يابسا كان أو رطبا، واليابس أولى إذا ندى (منق) للفم (لا يجرحه ولا يضره ولا يتفتت فيه) ويكره بما يجرحه أو يضره. أو يتفتت فيه لأنه مضاد لغرض السواك (من أراك، أو عرجون، أو زيتون أو غيرها) واقتصر كثير من الأصحاب على الثلاثة، وذكر الأزجي: لا
84 يعدل عن الأراك والزيتون والعرجون إلا لتعذره. قال في الفروع: ويتوجه احتمال أن الأراك أولى. قال في الانصاف: ويتوجه إن أزال أكثر (قد ندي بماء) إن كان يابسا (وبماء ورد أجود) من غيره (ويغسله) أي السواك (بعده) أي بعد ماء الورد الذي ندي به. (ويسن تيامنه في شأنه كله) لخبر عائشة غير ما مر استثناؤه (فإن استاك بغير عود، كإصبع أو خرقة لم يصب السنة) لأن الشرع لم يرد به، ولا يحصل بذلك الانقاء الحاصل بالعود. وذكر في الوجيز يجزئ الإصبع، لحديث أنس مرفوعا: يجزئ في السواك الإصبع رواه البيهقي والحافظ الضياء في المختارة، وقال: لا أرى بإسناده هذا الحديث بأسا. وفي المغني والشرح: أنه يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الانقاء وذكر أنه الصحيح، (ويكره السواك بريحان، وهو الآس) قيل: إنه يضر بلحم الفم (وبرمان وبعود ذكي الرائحة، وطرفاء وقصب ونحوه) من كل ما يضر أو يجرح (وكذا التخلل بها وبالخوص) لحديث قبيصة بن ذؤيب: لا تخللوا بعود الريحان ولا الرمان فإنهما يحركان عرق الجذام رواه محمد بن الحسين الأزدي. ولان القصب ونحوه وبالخوص ربما جرحه (ولا يتسوك ولا يتخلل بما يجهله، لئلا يكون من ذلك، ولا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعدا) لخبر عائشة. قال في الرعاية: ويقول إذا استاك: اللهم طهر قلبي ومحص ذنوبي. قال بعض الشافعية: وينوي به الاتيان بالسنة (ولا يكره السواك في المسجد) لعدم الدليل الخاص للكراهة. وتقدم أنه يتأكد عند دخوله (ويأتي آخر الاعتكاف).
85 فصل: (ويسن الامتشاط والإدهان في بدن وشعر غبا يوما) يفعله (ويوما) يتركه، لأنه عليه السلام: نهى عن الترجل إلا غبا رواه النسائي والترمذي وصححه والترجل تسريح الشعر ودهنه، واللحية كالرأس في ظاهر كلامهم. ويفعله كل يوم لحاجة، لخبر أبي قتادة. رواه النسائي وقال الشيخ تقي الدين: يفعل ما هو الأصلح للبدن كالغسل بماء حار ببلد رطب، لأن المقصود ترجيل الشعر، وهو فعل الصحابة، وأن مثله نوع المأكل والملبس، فإنهم لما فتحوا الأمصار كان كل منهم يأكل من قوت بلده، ويلبس من لباس بلده، من غير أن يقصدوا قوت المدينة ولباسها. قال: فالاقتداء به تارة يكون في نوع الفعل، وتارة في جنسه. فإنه قد يفعل الفعل لمعنى يعم ذلك النوع وغيره، لا لمعنى يخصه فيكون المشروع هو الامر العام. قال: وهذا ليس مخصوصا بفعله وفعل أصحابه، بل وبكثير لما أمرهم به ونهاهم عنه، (و) يسن (الاكتحال كل ليلة بإثمد مطيب بمسك وترا في كل عين ثلاثة) قبل أن ينام، لما روى ابن عباس عن النبي (ص) أنه كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال رواه أحمد والترمذي وابن ماجة، (و) يسن (اتخاذ الشعر) قال في الفروع: ويتوجه، إلا أن يشق إكرامه. ولهذا قال أحمد هو سنة، ولو نقوى عليه اتخذناه. ولكن له كلفة ومؤنة (ويسن أن يغسله ويسرحه متيامنا، ويفرقه، ويكون للرجل إلى أذنيه، وينتهي إلى منكبيه) كشعره (ص) (ولا بأس بزيادة على منكبيه، وجعله ذؤابة) بضم الذال وفتح الهمزة وهي الضفيرة من الشعر، إذا كانت مرسلة. فإن كانت ملوية فهي عقيصة. قاله في الحاشية. قال أحمد: أبو عبيدة كان له عقيصتان، وكذا عثمان. (وإعفاء
86 اللحية) بأن لا يأخذ منها شيئا. قال في المذهب: ما لم يستهجن طولها، (ويحرم حلقها) ذكره الشيخ تقي الدين (ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة) ونصه لا بأس بأخذه (ولا أخذ ما تحت حلقه) لفعل ابن عمر، لكن إنما فعله إذا حج أو اعتمر. رواه البخاري، (وأخذ) الامام (أحمد من حاجبيه وعارضيه) نقله ابن هانئ. تتمة: قال في الهدي: كان هديه (ص) في حلق رأسه تركه كله أو حلقه كله. ولم يكن يحلق بعضه ويدع بعضه. قال: ولم يحفظ عنه حلقه إلا في نسك، (ويسن حف الشارب أو قص طرفه، وحفه أولى نصا) قال في النهاية: إحفاء الشوارب أن تبالغ في قصها وكذا قال ابن حجر في شرح البخاري: الاحفاء بالحاء المهملة والفاء: الاستقصاء. ومنه حتى أحفوه بالمسألة، (و) يسن (تقليم الأظفار) لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط متفق عليه (مخالفا) في قص أظفاره (فيبدأ بخنصر اليمنى، ثم الوسطى) من اليمنى، (ثم الابهام) منها (ثم البنصر، ثم السبابة، ثم إبهام اليسرى، ثم الوسطى، ثم الخنصر، ثم السبابة، ثم البنصر) صححه في الانصاف. قال في الشرح: روي في حديث: من قص أظفاره مخالفا لم ير في عينيه رمدا وفسره أبو عبد الله بن بطة بما ذكر اه. وقال ابن دقيق العيد: وما اشتهر من قصها على وجه مخصوص لا أصل له في الشريعة، ثم ذكر الأبيات المشهورة. وقال: هذا لا يجوز اعتقاد استحبابه لأن الاستحباب حكم شرعي لا بد له من دليل. وليس استسهال ذلك بصواب اه. ومن تعود القص وفي القلم عليه مشقة كان القص في حقه
87 كالقلم، كما يأتي في حلق الإبط (ويستحب غسلها) أي الأظفار (بعد قصها، تكميلا للنظافة) وقيل: إن الحك بها قبل غسلها يضر بالبدن (ويكون ذلك) أي حف الشارب وتقليم الأظفار وكذا الاستحداد ونتف الإبط (يوم الجمعة قبل الصلاة) وقيل: يوم الخميس، وقيل: يخير. (ويسن أن لا يحيف عليها) أي الأظفار (في الغزو لأنه قد يحتاج إلى حل حبل، أو شئ) قال أحمد: قال عمر: وفروا الأظفار في أرض العدو فإنه سلاح وقال عن الحكم بن عمرو: أمرنا رسول الله (ص) أن لا نحفي الأظفار في الجهاد فإن القوة الأظفار. (و) يسن (نتف الإبط) لخبر أبي هريرة، فإن شق حلقه أو تنور، قاله في الآداب الكبرى. (و) يسن (حلق العانة) وهو الاستحداد لخبر أبي هريرة (وله قصه، وإزالته بما شاء و) له (التنوير في العانة وغيرها، فعله أحمد) وكذا النبي (ص)، رواه ابن ماجة من حديث أم سلمة وإسناده ثقات. قال في الفروع: وقد أعل بالارسال. وقال أحمد: ليس بصحيح. لأن قتادة قال: ما اطلى النبي (ص) كذا قال أحمد، وسكتوا عن شعر الانف. فظاهره بقاؤه ويتوجه أخذه إذا فحش قاله في الفروع، (وتكره كثرته) أي التنوير قاله الآمدي، لأنه يضعف حركة الجماع (ويدفن الدم، والشعر، والظفر) لما روى الخلال بإسناده عن مثلة بنت مشرح الأشعرية قالت: رأيت أبي يقلم أظفاره ويدفنها، ويقول: رأيت النبي (ص) يفعل ذلك وعن ابن جريج عن النبي (ص) قال: كان يعجبه دفن الدم وقال مهنا سألت أحمد عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه. قلت: بلغك فيه شئ؟ قال: كان ابن عمر يفعله (ويفعله كل أسبوع) لما روى البغوي بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي (ص): كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعة، (ويكره تركه فوق أربعين يوما) قيل له في رواية سندي: حلق العانة وتقليم الأظفار كم يترك؟ قال: أربعين للحديث، فأما الشارب ففي كل جمعة لأنه يصير وحشا، (ويكره نتف الشيب) لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله (ص) عن نتف الشيب، وقال: إنه نور الاسلام وعن طارق بن حبيب: أن حجاما أخذ
88 من شارب النبي (ص)، فرأى شيبة في لحيته فأهوى إليها ليأخذها فأمسك النبي (ص) يده، وقال: من شاب شيبة في الاسلام كانت له نورا يوم القيامة رواه الخلال في جامعه. وأول من شاب إبراهيم عليه السلام وهو ابن مائة وخمسين سنة، قاله في الحاشية. (ويسن خضابه) لحديث أبي بكر: أنه جاء بأبيه إلى النبي (ص) ورأسه ولحيته كالثغامة بيضاء، فقال النبي (ص): غيرها، وجنبوه السواد. (بحناء وكتم) لحديث أبي ذر: إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم رواه أحمد وغيره. والكتم بفتح الكاف والتاء نبات باليمن يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة. وصبغ الحناء أحمر فالصبغ بهما معا يخرج بين السواد والحمرة، (ولا بأس) بالخضاب (بورس وزعفران) لقول أبي مالك الأشجعي: كان خضابنا مع رسول الله (ص) الورس والزعفران، (ويكره بسواد) لحديث أبي بكر. قال في المستوعب، والتلخيص، والغنية: في غير حرب (فإن حصل به) أي بالخضاب بسواد (تدليس في بيع أو نكاح حرم) لحديث من غشنا فليس منا. (ويسن النظر في المرآة وقوله: اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي وحرم وجهي على النار) لخبر أبي هريرة رواه أبو بكر بن مردويه والخلق الأول بفتح الخاء الصورة الظاهرة، والثاني: بضمها الصورة الباطنة. (ويسن التطيب) لخبر أبي أيوب مرفوعا: أربع من سنن المرسلين الحناء والتعطر والسواك والنكاح رواه أحمد ويستحب للرجل (بما ظهر ريحه وخفي لونه) كبخور العنبر
89 والعود (وللمرأة في غير بيتها عكسه) وهو ما يظهر لونه ويخفي ريحه كالورد والياسمين لأثر رواه النسائي والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة (لأنها ممنوعة في غير بيتها مما ينم عليها) بإظهار جمالها (من ضربها برجليها ليعلم ما تخفي من زينتها) قال تعالى: * (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) * لأنه يؤدي إلى الفساد مما يظهر من الزينة (ومن نعل صرارة وغير ذلك مما يظهر من الزينة وفي بيتها تتطيب بما شاءت) مما يخفى أو يظهر، لعدم المانع، (ويكره حلق رأسها وقصه من غير عذر) لما روى الخلال بإسناده عن قتادة عن عكرمة قال: نهى النبي (ص) أن تحلق المرأة رأسها فإن كان ثم عذر كقروح لم يكره، (ويحرم) حلقها رأسها (للمصيبة) كلطم خد وشق ثوب. (ويسن تخمير الاناء ولو بأن يعرض عليه عودا) لحديث جابر: أوك سقاءك واذكر اسم الله، وخمر إناءك واذكر اسم الله، ولو أن تعرض عليه عودا متفق عليه. قال في الآداب: ظاهره التخيير. ويتوجه أن ذلك عند عدم ما يخمر به، لرواية مسلم: فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا وحكمة وضع العود والله أعلم ليعتاد تخميره ولا ينساه، وربما كان سببا لرد دبيب بحباله أو بمروره عليه، (وإيكاء السقاء) أي ربط فمه (إذا أمسى) للخبر، (وإغلاق الباب وإطفاء المصباح) عند الرقاد إذا خيف ولهذا قال ابن هبيرة: فأما إن جعل المصباح في شئ معلق، أو على شئ لا يمكن للفواسق والهوام التسلق فيه، فلا أرى بذلك بأسا قاله في الآداب، (و) إطفاء (الجمر عند الرقاد مع ذكر اسم الله فيهن) أي في التخمير والايكاء والاغلاق والاطفاء للخبر. (و) يسن (نظره في وصيته ونفض فراشه) عند إرادته النوم للخبر، (ووضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، ويجعل وجهه نحو القبلة على
90 جنبه الأيمن) للخبر، (ويتوب إلى الله تعالى) والتوبة واجبة من كل معصية على الفور، لكنه في ذلك الوقت أحوج إليها. لقوله تعالى: * (الله يتوفى الأنفس) * الآية، (ويقول ما ورد) ومنه: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ويستحب قراءة * (آلم) * السجدة، و * (تبارك) * نص عليه في رواية جعفر. وروى الإمام أحمد والترمذي والخلال عن جابر أنه (ص): كان يفعل ذلك، (ويقل الخروج إذا هدأت الرجل) لأن لله دواب ينشرها إذن من جن وهوام. كما في الخبر (ويكره النوم على سطح ليس عليه تحجير) لنهيه عليه السلام. رواه الترمذي من حديث جابر وخشية أن يتدحرج فيسقط عنه، (و) يكره (نومه على بطنه وعلى قفاه، إن خاف انكشاف عورته) قال في الآداب الكبرى: النوم على القفا ردئ، يضر الاكثار منه بالبصر، وبالمني، وإن استلقى للراحة بلا نوم لم يضر. وأردأ من ذلك النوم منبطحا على وجهه، (و) يكره نومه (بعد العصر) لحديث: من نام بعد العصر فاختل عقله فلا يلومن إلا نفسه رواه أبو يعلى الموصلي عن عائشة، (و) نومه بعد (الفجر) لأنه وقت قسم الأرزاق، كما في الخبر، (و) نومه (تحت السماء متجردا) من ثيابه، والمراد مع ستر العورة، (و) نومه (بين قوم مستيقظين) لأنه خلاف المروءة، (و) يكره (نومه وحده) لحديث أحمد عن ابن عمر مرفوعا: نهى عن الوحدة وأن يبيت الرجل
91 وحده، (و) يكره (سفره وحده) لخبر: الواحد شيطان (ونومه وجلوسه بين الظل والشمس) لنهيه عليه السلام عنه، رواه أحمد. وفي الخبر: إنه مجلس الشيطان، (و) يكره (ركوب البحر عند هيجانه) لأنه مخاطرة (قال ابن الجوزي في طبه: النوم في الشمس في الصيف يحرك الداء الدفين والنوم في القمر يحل الألوان إلى الصفرة ويثقل الرأس اه. وتستحب القائلة) أي الاستراحة وسط النهار، وإن لم يكن مع ذلك نوم، قاله الأزهري. ويؤيده قوله تعالى: * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) * مع أنه لا نوم في الجنة (و) يستحب (النوم نصف النهار) قال عبد الله: كان أبي ينام نصف النهار شتاء كان أو صيفا، لا يدعها. ويأخذني بها. وفي الآداب: القائلة النوم في الظهيرة ذكره أهل اللغة انتهى. فعلى هذا هو عطف تفسير (ولا يكره) لذكر (حلق رأسه ولو لغير نسك وحاجة) كقصه. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء في جميع الأمصار على إباحة الحلق وكفى بهذا حجة وحرم بعضهم حلقه على مريد لشيخه. لأنه ذل وخضوع لغير الله (ويكره القزع وهو حلق بعض شعر الرأس وترك بعضه) لقول ابن عمر أن النبي (ص) نهى عن القزع وقال: احلقه كله أو دعه كله رواه أبو داود. فيدخل في القزع حلق مواضع من جوانب رأسه وترك الباقي، مأخوذ من قزع السحاب، وهو تقطعه، وأن يحلق وسطه ويترك جوانبه. كما تفعله شمامسة النصارى، وحلق جوانبه وترك وسطه كما يفعله كثير من السفلة، وأن يحلق مقدمه ويترك مؤخره، (و) يكره (حلق القفا) بالقصر (منفردا عن الرأس، إذا لم يحتج إليه لحجامة أو غيرها) قال المروزي، سألت أبا عبد الله عن حلق القفا: فقال هو من فعل المجوس. ومن تشبه بقوم فهو منهم، وقال: لا بأس أن يحلق قفاه في الحجامة، (وهو) أي القفا (مؤخر العنق) وعلم من كلامه أنه لا يكره حلقه مع الرأس، أو منفردا لحاجة
92 إليه (ويجب ختان ذكر وأنثى) لقوله (ص) لرجل أسلم: ألق عنك شعر الكفر واختتن رواه أبو داود. وفي الحديث: اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة متفق عليه، واللفظ للبخاري. وقال تعالى: * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * ولأنه من شعار المسلمين، فكان واجبا كسائر شعارهم. وقال أحمد: كان ابن عباس يشدد في أمره، حتى قد روي عنه أنه لا حج له ولا صلاة. وفي قول النبي (ص): إذا التقى الختانان وجب الغسل دليل على أن النساء كن يختتن، ولان هناك فضلة فوجب إزالتها كالرجل، وقت وجوبه (عند بلوغ) لقول ابن عباس: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك رواه البخاري ولأنه قبل ذلك ليس بأهل للتكليف (ما لم يخف على نفسه) فيسقط وجوبه كالوضوء والصلاة والصوم بطريق الأولى. قال ابن قندس: فظاهر ذلك أن الخوف المسقط للوضوء والغسل مسقط للختان. وحيث تقرر وجوب الختان على الذكر والأنثى (فيختن ذكر خنثى مشكل وفرجه) احتياطا (وللرجل إجبار زوجته المسلمة عليه) كالصلاة، (و) الختان (زمن صغر أفضل إلى التمييز) لأنه أسرع برأ لينشأ على أكمل الأحوال. وختان الذكر (بأخذ جلدة حشفة ذكر) ويقال لها القلفة والغرلة (فإن اقتصر على) أخذ (أكثرها جاز) نقله الميموني وجزم به صاحب المحرر وغيره، (و) خفض الجارية (أخذ جلدة أنثى فوق محل الايلاج تشبه عرف الديك. و) يستحب أن (لا تؤخذ كلها من امرأة نصا) للخبر. ولأنه يضعف شهوتها (ويكره) ختان (يوم سابع) للتشبه باليهود، (و) يكره الختان (من) حين (الولادة إليه) أي إلى يوم السابع. قال في الفروع: ولم يذكر كراهة الأكثر، (وإن أمره به) أي بالختان (ولي الأمر في حر أو برد أو مرض يخاف من مثله الموت من الختان فتلف) بسببه ضمنه، لأنه ليس له (أو أمره) ولي الأمر (به وزعم الأطباء أنه يتلفه أو ظن
93 تلفه ضمن) لأنه ليس له. وفي الفصول: إن فعله في شدة حر، أو برد، أو في مرض يخاف من مثله الموت من الختان. فحكمه كالحد في ذلك، يضمن وهو من خطأ الامام، فيه الروايتان، (ويجوز أن يختن نفسه إن قوي عليه وأحسنه) لأنه قد روي أن إبراهيم ختن نفسه، (وإن ترك الختان من غير ضرر وهو يعتقد وجوبه فسق، قاله في مجمع البحرين) لاصراره على ذلك الذنب (ومن ولد ولا قلفة له سقط وجوبه) ويكره إمرار الموس على محل الختان إذن، لأنه لا فائدة فيه، فتنزه الشريعة عنه، ذكره ابن القيم. (ولا تقطع إصبع زائدة نصا) نقله عبد الله، (ويكره ثقب أذن صبي لا جارية نصا) لحاجتها للتزين، بخلافه، (ويحرم نمص) وهو نتف الشعر من الوجه، (ووشر) أي برد الأسنان لتحدد وتفلج وتحسن، (ووشم) وهو غرز الجلد بإبرة ثم حشوه كحلا، (ووصل شعر بشعر) لما روي أنه (ص): لعن الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة وفي خبر آخر: لعن الله الواشمة والمستوشمة أي الفاعلة والمفعول بها ذلك بأمرها. واللعنة على الشئ تدل على تحريمه، لأن فاعل المباح لا تجوز لعنته (ولو) كان وصل المرأة شعرها (بشعر بهيمة أو إذن زوج) لعموم الخبر (ولا تصح الصلاة) من المرأة الموصول شعرها بشعر (إن كان نجسا) لحملها النجاسة، مع قدرتها على اجتنابها. وتصح إن كان طاهرا، وإن قلنا بالتحريم. لأنه لا يعود إلى شرط العبادة، كالصلاة في عمامة حرير (ولا بأس بما يحتاج إليه لشد الشعر) للحاجة. فإن كان أكثر من ذلك ففيه روايتان، إحداهما أنه مكروه غير محرم. لما روي عن معاوية أنه أخرج كبة من شعر وقال: سمعت النبي (ص) ينهى عن مثل ذلك وقال: إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم فخص التي تصله بالشعر
94 فيمكن جعل ذلك تفسيرا للفظ العام في الحديث السابق. والثانية: لا تصل المرأة برأسها الشعر. والقرامل، ولا الصوف لحديث جابر قال: نهى رسول الله (ص) أن تصل المرأة برأسها شيئا. قال الموفق: والظاهر أن المحرم إنما هو وصل الشعر بالشعر، لما فيه من التدليس، واستعمال الشعر المختلف في نجاسته، وغير ذلك لا يحرم، لعدم ذلك فيه، وحصول المصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة. وتحمل أحاديث النهي على الكراهة، (وأباح) عبد الرحمن بن الجوزي النمص وحده، وحمل النهى على التدليس، أو انه (كان شعار الفاجرات) وفي الغنية وجه: أنه يجوز بطلب زوج (ويحرم نظر شعر أجنبية) كسائر بدنها (لا) الشعر (البائن) المنفصل منها (ولها) أي المرأة (حلق الوجه وحفه نصا) والمحرم إنما هو نتف شعر وجهها، قاله في الحاشية، (و) لها (تحسينه وتحميره ونحوه) من كل ما فيه تزيين له (ويكره حفه) أي الوجه (لرجل) نص عليه (وكذا التحذيف وهو إرسال الشعر الذي بين العذار والنزعة) يكره للرجل، لأن عليا كرهه، رواه الخلال. (لا لها) أي لا يكره التحذيف لها لأنه من زينتها، (ويكره النقش والتكتيب والتطريف، وهو الذي يكون في رؤوس الأصابع. وهو القموع) رواه المروزي عن عمرو بمعناه، عن عائشة وأنس وغيرهما، (بل تغمس يدها في الخضاب غمسا نصا) قال في الافصاح: كره العلماء أن تسود شيئا، بل تخضب بأحمر، وكرهوا النقش قال أحمد: لتغمس يدها غمسا، (ويكره كسب الماشطة) ككسب الحمامي، (ويحرم التدليس) لحديث: من غشنا فليس منا. (و) يحرم (التشبه) من النساء (بالمردان) كعكسه. ويأتي دليله في ستر العورة، (وكره) الامام (أحمد الحجامة يوم السبت، و) يوم (الأربعاء) لقوله عليه السلام: من احتجم يوم السبت أو يوم الأربعاء فأصابه يعني مرضا فلا يلومن إلا نفسه من مراسل الزهري وهو مرسل صحيح.
95 قاله في الآداب الكبرى (وتوقف) أحمد (في) الحجامة يوم (الجمعة) قال القاضي: كرهه جماعة من أصحابه، واستدلوا بأخبار ضعيفة. قال في الفروع: والمراد بلا حاجة. قال حنبل: كان أبو عبد الله يحتجم أي وقت هاج به الدم، وأي ساعة كانت، ذكره الخلال. (والفصد في معناها) أي الحجامة (وهي أنفع منه في بلد حار) كالحجاز (وما في معنى الحجامة كالتشريط والفصد بالعكس) أي أنفع منها ببلد بارد كالشام. باب الوضوء من الوضاءة، وهي النظافة، وهو بالضم اسم للفعل، وبالفتح اسم للماء الذي يتوضأ به. وقيل: بالفتح فيهما، وقيل: بالضم فيهما، وهو أضعفها (وهو شرعا: استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة) وهي الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان (على صفة مخصوصة) في الشرع، بأن يأتي بها مرتبة متوالية مع باقي الفروض، والشروط، وما يجب اعتباره. وسمي وضوءا لتنظيفه المتوضئ وتحسينه. والحكمة في غسل الأعضاء المذكورة في الوضوء دون غيرها أنها أسرع ما يتحرك من البدن للمخالفة فأمر بغسلها ظاهرا، تنبيها على طهارتها الباطنة. ورتب غسلها على ترتيب سرعة الحركة في المخالفة. فأمر بغسل الوجه وفيه الفم و الانف، فابتدئ بالمضمضة لأن اللسان أكثر الأعضاء وأشدها حركة. إذ غيره ربما سلم، وهو كثير العطب قليل السلامة غالبا، ثم بالأنف ليتوب عما يشم به، بالوجه ليتوب عما نظر، ثم باليدين لتتوب عن البطش، ثم خص الرأس بالمسح لأنه مجاور لما تقع منه المخالفة، ثم بالاذن لأجل السماع، ثم بالرجل لأجل المشي، ثم أرشده بعد ذلك إلى تجديد الايمان بالشهادتين، (وفروضه) أي الوضوء جمع فرض، وهو لغة: الحز والقطع، وشرعا: ما أثيب فاعله وعوقب تاركه. (ستة: غسل الوجه) لقوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) *، (و) غسل (اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين) لبقية الآية المذكورة. وهو واضح على النصب. وأما الجر فقيل بالجوار والواو تأباه. وقال أبو زيد: المسح عند العرب غسل ومسح، فغاية الامر أنها
96 تصير بمنزلة المجمل، وصحاح الأحاديث تبلغ التواتر في وجوب غسلها، وقيل: لما كانت الأرجل في مظنة الاسراف في الماء وهو منهي عنه مذموم عطفها على الممسوح، لا لتمسح، بل للتنبيه على الاقتصار على مقدار المطلوب. ثم قيل إلى الكعبين دفعا لظن ظان أنها ممسوحة. لأن المسح لم يضرب له غاية في الشرع. وروى سعيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بسند حسن قال: أجمع أصحاب رسول الله (ص) على غسل القدمين وقالت عائشة: لأن تقطعا أحب إلي أن أمسح القدمين، وهذا في حق غير لابس الخف. وأما لابسه فغسلهما ليس فرضا متعينا في حقه، (والترتيب) بين الأعضاء المذكورة كما ذكر الله لأنه تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات، ولا يعلم لهذا فائدة غير الترتيب، والآية سيقت لبيان الواجب. والنبي (ص) رتب الوضوء، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ولأنه عبادة تبطل بالحدث فكان الترتيب معتبرا فيه كالصلاة يجب فيها الركوع قبل السجود، ولو كان التنكيس جائزا لفعله، ولو مرة لتبيين الجواز فإن توضأ منكوسا لم يصح ويأتي في كلامه وما روي عن علي أنه قال: ما أبالي إذا تممت وضوئي بأي أعضائي بدأت. قال أحمد: إنما عنى به اليسرى قبل اليمنى لأن مخرجهما في الكتاب واحد. وروى أحمد بإسناده أن عليا سئل فقيل له: إن أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شئ، فقال: لا حتى يكون كما أمر الله تعالى. وما روي عن ابن مسعود أنه قال: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء قال في شرح المنتهى: لا يعرف له أصل. (والموالاة) لقوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * لأن الأول شرط، والثاني جواب، وإذا وجد الشرط وهو القيام وجب أن لا يتأخر عنه جوابه وهو غسل الأعضاء يؤيده ما روى خالد بن معدان: أن النبي (ص) رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء. رواه أحمد، وأبو داود وزاد والصلاة، وهذا صحيح وفيه بقية وهو ثقة روى له مسلم ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسل اللمعة فقط، ولم ينقل عن النبي (ص) أنه توضأ إلا متواليا، وإنما لم يشترط في الغسل لأن المغسول فيه بمنزلة العضو الواحد (وسبب وجوبه)
97 أي الوضوء (الحدث) فيجب بالحدث ذكره ابن عقيل وغيره وفي الانتصار بإرادة الصلاة بعده، وقال ابن الجوزي: لا تجب الطهارة قبل إرادة الصلاة، بل تستحب. قال في الفروع: ويتوجه قياس المذهب بدخول الوقت لوجوب الصلاة. إذن ووجوب الشرط بوجوب المشروط ويتوجه مثله في غسل، قال شيخنا وهو لفظي اه. وحديث: لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ مخصوص بحديث: لا يقبل الله صلاة بغير طهور (ويحل) الحدث الأصغر (جميع البدن كجنابة) ذكره القاضي، وأبو الخطاب، وأبو الوفاء، وأبو يعلى الصغير، ويؤيده أن المحدث لا يحل له مس المصحف بعضو غسله في الوضوء حتى يتم وضوءه. قال في الفروع: ويتوجه وجه أعضاء الوضوء، (وطهارة الحدث فرضت قبل التيمم) ذكر ابن عبد البر أنه معلوم عند جميع أهل السير أنه عليه السلام افترض عليه بمكة الصلاة والغسل من الجنابة. قال: ومعلوم أن غسل الجنابة لم يفرض قبل الوضوء، وإنه لم يصل قط بمكة صلاة إلا بوضوء. قال: وهذا مما لا يجهله عالم ولا يدفعه إلا معاند. وعن زيد بن حارثة عن النبي (ص): إن جبريل أتاه في أول ما أوحى إليه فعلمه الوضوء والصلاة. أخرجه الإمام أحمد وتكلم فيه أبو حاتم الرازي وغيره لأجل ابن لهيعة وقد تابعه عليه رشيد بن سعد فرواه قال الشيخ برهان الدين المحدث الحلبي: اعلم أن الوضوء أول ما فرض مع الصلاة اه. وكذلك في المبدع وكان فرضه مع فرض الصلاة كما رواه ابن ماجة فآية المائدة مقررة لا مؤسسة (والنية شرط لطهارة الحدث) وضوءا كانت أو غسلا، (ولتيمم) ولو مسنونا أو عن نجاسة ببدن، (و) ل (- غسل وتجديد وضوء مستحبين ولغسل يدي قائم من نوم ليل ويأتي، ولغسل ميت) لأن الاخلاص عمل القلب وهو النية مأمور به ولخبر إنما الأعمال بالنيات أي لا عمل جائز ولا فاضل ولان النص دل على الثواب في كل وضوء ولا ثواب في غير منوي إجماعا ولان النية للتمييز ولأنه عبادة ومن شرطها النية لأن ما لا يعلم إلا من الشارع فهو عبادة كصلاة وغيرها، وهذا معنى قول الفخر إسماعيل، وأبي البقاء وغيرهما: العبادة ما أمر به شرعا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي قيل لأبي البقاء: الاسلام والنية عبادتان،
98 ولا يفتقران إلى نية. فقال: الاسلام ليس بعبادة لصدوره من الكافر، وليس من أهلها سلمنا، لكن الضرورة لأنه لا يصدر إلا من كافر، وأما النية فلقطع التسلسل ونية الصلاة تضمنت الستر واستقبال القبلة لوجودهما فيها حقيقة ولهذا يحنث بالاستدامة بخلاف الوضوء (إلا طهارة) أي غسل (ذمية) أي كتابية ولو حربية (لحيض، ونفاس، وجنابة) فلا تعتبر فيه النية للعذر. (و) إلا غسل (مسلمة) انقطع حيضها أو نفاسها (ممتنعة) من الغسل (فتغسل قهرا) لحق زوج أو سيد (ولا نية) معتبرة هنا (للعذر) كالممتنع من زكاة (ولا تصلي به) ذكره في النهاية، قال في شرح المنتهى: وقياس ذلك منعها من الطواف، وقراءة القرآن ونحو ذلك مما يشترط له الغسل، لأنه إنما أبيح وطؤها لحق زوجها فيه، فلا تستبيح به العبادة المشترط لها الغسل، وإنما لم يصح أن ينوي عنها لعدم تعذرها منها بخلاف الميتة. (و) إلا غسل (مجنونة من حيض، ونفاس مسلمة كانت، أو كتابية) حرة أو أمة فلا تعتبر النية منها لتعذرها، (و) لكن (ينويه عنها) من يغسلها كالميتة وقال أبو المعالي: لا نية كالكافرة لعدم تعذرها مآلا بخلاف الميت، ولأنها تعيده إذا أفاقت وأسلمت اه. قلت ومقتضاه أنها لا تعيده على الأول لقيام نية الغاسل مقام نيتها، (ولا ثواب في غير منوي) قال في الفروع إجماعا (ويشترط لوضوء أيضا عقل وتمييز) لتتأتى النية (وإسلام) كسائر العبادات (وإزالة ما يمنع وصول الماء) عن أعضاء الوضوء ليصل الماء إلى البشرة (وانقطاع ناقض) سواء كان خارجا، (أو غيره واستنجاء، أو استجمار قبله وتقدم) بدليله في باب الاستنجاء، (وطهورية ماء) لما تقدم أنه لا يرفع الحدث غير الماء الطهور (وإباحته) أي الماء لحديث: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فلا يصح بمغصوب ونحوه وتقدم، (ودخول الوقت على من حدثه دائم لفرضه) أي فرض ذلك الوقت لأن طهارته طهارة عذر وضرورة فتقيدت بالوقت كالتيمم وعلم منه أنه لو توضأ لفائتة أو طواف أو نافلة صح متى أراده فهذه عشرة شروط للوضوء يشاركه الغسل منها في ثمانية كما ذكره المصنف استطرادا بقوله: (ويشترط لغسل نية) كما تقدم وهذا مكرر معه (وإسلام سوى ما تقدم وعقل وتمييز وفراغ موجب غسل وإزالة ما يمنع وصول الماء) عن البدن، (وطهورية ماء وإباحته) لما تقدم، (ولو سبل ماء للشرب لم يجز التطهير منه) في حدث ولا نجس ببدن أو غيره، فلا يرتفع الحدث منه
99 (ويأتي في الوقف، ولا تشترط نية لطهارة الخبث) ببدن كانت أو بثوب أو بقعة، لأنها من قبيل التروك (ومحلها) أي النية (القلب) لأنها من عمله (فلا يضر سبق لسانه، بخلاف قصده) كما لو أراد أن يقول: نويت الوضوء، فقال: نويت الصوم، ولو تلفظ بغير قصد لم يعتبر، (ولا) يضر (إبطالها) أي النية بعد فراغه لأنه قد تم صحيحا ولم يوجد ما يفسده مما عد مفسدا، (ولا) يضر (إبطال الطهارة بعد فراغه) منها لما تقدم، (ولا) يضر (شكه فيها) أي في النية بعد فراغ الطهارة، كسائر العبادات، (أو) شكه (في الطهارة) أي في غسل عضو أو مسحه (بعده) أي بعد الفراغ من الطهارة (نصا) كشكه في وجود الحدث مع تيقن الطهارة، (وإن شك في النية في أثنائها) أي أثناء الطهارة (لزمه استئنافها) لأن الأصل أنه لم يأت بها (وكذا إن شك في غسل عضو) في أثناء طهارته، (أو) شك (في مسح رأسه في أثنائها) أي الطهارة لزمه أن يأتي بما شك فيه، ثم بما بعده، لأن الأصل أنه لم يأت به كما لو شك في ركن في الصلاة (إلا أن يكون وهما، كوسواس فلا يلتفت إليه) لأنه من الشيطان ومتى علم أنه جاء ليتوضأ أو أراد فعل الوضوء مقارنا له أو سابقا عليه قريبا منه فقد وجدت النية (فإن أبطلها) أي النية (في أثناء طهارته بطل ما مضى منها) أي من الطهارة، كالصلاة والصوم، فإن أراد الاتمام استأنف، (ولو فرقها) أي النية (على أعضاء الوضوء) بأن نوى رفع الحدث عن كل عضو عند غسله أو مسحه (صح) وضوؤه، لوجود النية المعتبرة، (وإن توضأ وصلى صلاته) المفروضة عليه (ثم أحدث، ثم توضأ وصلى) صلاة (أخرى، ثم علم أنه ترك واجبا) أي فرضا أو شرطا، بخلاف التسمية (في أحد الوضوءين لزمه إعادة الوضوء) لاحتمال أن المتروك منه هو الوضوء الثاني، (و) لزمه إعادة (الصلاتين) احتياطا لتبرأ ذمته بيقين، ولو كان الوضوء الثاني تجديدا لم يلزم إلا إعادة الصلاة الأولى، لأن الطهارة الأولى إن كانت صحيحة فصلاته صحيحة، لأنها باقية لم تبطل بالتجديد وإن كانت غير صحيحة فقد ارتفع الحدث بالتجديد (وإن جعل الماء في فيه ينوي ارتفاع الحدث الأصغر ثم ذكر
100 أنه جنب) أو كان متذكرا ابتداء لكن لم ينو سوى رفع الأصغر (فنوى ارتفاع الحدثين) والماء في فيه (ارتفعا)، لأن الماء طهور، ما دام في محل التطهير حتى ينفصل (ولو لبث الماء في فيه حتى تغير من ريقه لم يمنع) رفع الحدث الأكبر، لأنه تغير في محل التطهير، فلا يسلبه الطهورية، (وإن غسل بعض أعضائه بنية الوضوء، و) غسل (بعضها بنية التبرد، ثم أعاد فعل ما نوى به التبرد بنية الوضوء قبل طول الفصل أجزأ) ه ذلك لوجود الغسل بالنية مع الموالاة فإن طال الفصل بحيث تفوت الموالاة بطل لفواتها، (والتلفظ بها) أي بالنية (وبما نواه) من وضوء، أو غسل، أو تيمم (هنا) أي في الوضوء، والغسل، والتيمم (وفي سائر العبادات بدعة) قاله في الفتاوى المصرية، وقال: لم يفعله النبي (ص) ولا أصحابه، وفي الهدي: لم يكن رسول الله (ص) يقول في أول الوضوء: نويت ارتفاع الحدث، ولا استباحة الصلاة لا هو ولا أحد من أصحابه، ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد بسند صحيح، ولا ضعيف. (واستحبه) أي التلفظ بالنية (سرا مع القلب كثير من المتأخرين) ليوافق اللسان القلب. قال في الانصاف: والوجه الثاني: يستحب التلفظ بها سرا، وهو المذهب، قدمه في الفروع، وجزم به ابن عبيدان، والتلخيص، وابن تميم، وابن رزين. قال الزركشي: هو أولى عند كثير من المتأخرين اه. وكذا قال الشهاب الفتوحي، وهو المذهب (ومنصوص أحمد وجمع محققين خلافه) قال الشيخ تقي الدين: وهو الصواب (إلا في الاحرام، ويأتي) في محله (وفي الفروع والتنقيح) وتبعهما في المنتهى (يسن النطق بها سرا) لما تقدم (فجعلاه سنة وهو سهو) عند من يفرق بين المسنون والمستحب. كما يعلم من كلامه في حاشية التنقيح. والصحيح أنه لا فرق بينهما. ففي كلامه نظر واضح. وعلى فرض أن لا يكون هو الصحيح، فلا ينبغي نسبتهما إلى السهو لجلالتهما وتحقيقهما للاختلاف فيه، (ويكره الجهر بها) أي بالنية (وتكرارها) قال الشيخ تقي الدين: اتفق الأئمة على أنه لا يشرع الجهر بها وتكريرها، بل من اعتاده ينبغي تأديبه، وكذا بقية
101 العبادات، وقال: الجاهر بها مستحق للتعزير بعد تعريفه لا سيما إذا آذى به أو كرره، وقال: الجهر بلفظ النية منهي عنه عند الشافعي وسائر أئمة الاسلام وفاعله مسئ، وإن اعتقده دينا خرج من إجماع المسلمين. ويجب نهيه ويعزل عن الإمامة إن لم ينته. فإن في سنن أبي داود أمر بعزل إمام لأجل بصاقه في القبلة، فإن الإمام عليه أن يصلي كما النبي (ص) يصلي، (وهي) أي النية (قصد رفع الحدث، أو) قصد (الطهارة لما لا يباح إلا بها) بأن يقصد الوضوء للصلاة، أو الطواف، أو مس المصحف ونحوه (حتى ولو نوى مع) رفع (الحدث) إزالة (النجاسة، أو التبرد، أو التنظيف، أو التعليم) فإنه لا يؤثر في النية، كمن نوى مع الصوم هضم الطعام، أو مع الحج رؤية البلاد النائية ونحوه، لكنه ينقص الثواب على مقتضى ما يأتي في باب النية، (لكن ينوي من حدثه دائم) كالمستحاضة ومن به سلس بول أو نحوه (الاستباحة) دون رفع الحدث لمنافاة وجود نية رفعه، وسواء انتقضت طهارته بخروج الوقت أو طروء حدث آخر، (ويرتفع حدثه) على الصحيح، قدمه ابن حمدان قال المجد: هذه الطهارة ترفع الحدث الذي أوجبها. وقال أبو جعفر: طهارة المستحاضة لا ترفع الحدث قال في الانصاف: والنفس تميل إليه، وهو ظاهر المغني والشرح (ولا يحتاج) من حدثه دائم (إلى تعيين نية الفرض) لأن طهارته ترفع الحدث، بخلاف التيمم (فإن نوى) المتوضي بوضوئه (ما تسن له الطهارة ك) - أن نوى الوضوء ل (- قراءة وذكر وأذان ونوم ورفع شك) في حدث أصغر، (وغضب) لأنه من الشيطان، والشيطان من النار، والماء يطفئ النار كما في الخبر. (وكلام محرم كغيبة ونحوها، وفعل مناسك الحج نصا) كوقوف ورمي جمار (غير طواف) فإن الطهارة تجب له كالصلاة ( وكجلوس بمسجد) وفي المغني (وأكل، وفي النهاية وزيارة قبر النبي (ص)) وقيل ودخول مسجد وقدمه في الرعاية. وقيل: وحديث وتدريس علم، وقدمه في الرعاية أيضا (ويأتي في
102 الغسل تتمته، أو نوى التجديد إن سن) ويأتي بيانه (ناسيا حدثه) ارتفع لأنه يشرع له فعل هذا وهو غير محدث. وقد نوى ذلك، فينبغي أن يحصل له، قاله في الشرح. وقال: لو قصد أن لا يزال على طهارة صحت طهارته، لأنها شرعية وقوله: ناسيا حدثه، أي حال نيته للتجديد. وهذا هو المتبادر من عبارة المصنف. وإن احتمل عوده للمسائل الثلاث. قاله الشهاب الفتوحي. ومفهومه أنه لو كان عالما بحدثه لم يرتفع لتلاعبه، (أو) نوى استباحة (صلاة بعينها لا يستبيح غيرها ارتفع حدثه) وله أن يصلي ما شاء (ولغا تخصيصه) لأن من لازم رفع الحدث استباحة جميع الصلوات من تلك الحيثية. (ويسن التجديد إن صلى بينهما) لحديث أبي هريرة يرفعه: لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالوضوء عند كل صلاة رواه أحمد بإسناد صحيح، (وإلا) أي وإن لم يصل بينهما، (فلا) يسن التجديد. فلو توضأ ولم يصل وأحدث فنسي حدثه ونوى التجديد وتوضأ لم يرتفع حدثه. لأنه لم ينو طهارة شرعية. (ويسن) التجديد (لكل صلاة) أرادها، وظاهره: ولو نفلا، و (لا) يسن (تجديد تيمم وغسل) لعدم وروده (وإن نوى غسلا مسنونا) كغسل الجمعة والعيد (أجزأ عن) الغسل (الواجب) لجنابة أو غيرها، إن كان ناسيا للحدث الذي أوجبه. ذكره في الوجيز: وهو مقتضى قولهم فيما سبق: أو نوى التجديد ناسيا حدثه، خصوصا وقد جعلوا تلك أصلا لهذه فقاسوها عليها، (وكذا عكسه) فإن نوى غسلا واجبا أجزأ عن المسنون بطريق الأولى (وإن نواهما) أي الواجب والمسنون (حصلا) أي حصل له ثوابهما. وعلم منه أن اللتين قبلهما ليس له فيهما إلا ثواب ما نواه، وإن أجزأ عن الآخر، لحديث: وإنما لكل امرئ ما نوى وليس معنى الاجزاء هنا سقوط الطلب: بدليل قوله: (والمستحب أن يغتسل للواجب غسلا، ثم للمسنون غسلا آخر) لأنه أكمل (وإن نوى طهارة مطلقة) بأن نوى مطلق الطهارة لا لرفع حدث أو صلاة أو نحوها. لم يرتفع حدثه لعدم نيته له (أو) نوى (وضوءا مطلقا) لم يرتفع حدثه لأن الوضوء من الوضاءة. وهي النظافة، تارة يكون عادة، وتارة يكون عبادة. فلا بد من تمييزه بالنية. بخلاف ما لو نوى الوضوء للصلاة
103 ونحوها، (أو) نوى (الغسل وحده) أي نوى الغسل وأطلق. لم يرتفع حدثه، لا الأصغر ولا الأكبر. قال أبو المعالي في النهاية: لا خلاف أن الجنب إذا نوى الغسل وحده لم يجزئه. لأنه تارة يكون عبادة، وتارة يكون غير عبادة، فلا يرتفع حكم الجنابة انتهى. وكذا إن نوى الغسل للجنابة لم يرتفع حدثه الأصغر إلا إن نواه. ويأتي في الغسل (أو) نوى الغسل (لمروره في المسجد لم يرتفع) حدثه. لأن المرور فيه لا تشرع له الطهارة. أشبه ما لو نوى بطهارته لبس ثوب ونحوه. ويحتمل أن المعنى إن نوى الجنب الغسل الواجب لمروره في المسجد لم يرفع حدثه الأصغر، بخلاف ما لو قصد الغسل للصلاة (وإن اجتمعت أحداث متنوعة ولو) كانت (متفرقة) في أوقات (توجب وضوءا) كالبول، والغائط، والريح، والنوم، (أو) توجب (غسلا) كالجماع وخروج المني والحيض (فنوى بطهارته أحدها ارتفع هو) أي الذي نوى رفعه، (و) ارتفع (سائرها) لأن الاحداث تتداخل. فإذا نوى بعضها غير مقيد ارتفع جميعها. كما لو نوى رفع الحدث وأطلق، (وإن نوى أحدها) أي الاحداث (ونوى أن لا يرتفع غيره لم يرتفع غيره) لأنه قد تطهر بنية بقاء غيره من الاحداث. فلم يرتفع سوى ما نواه. وإلا لزم حصول ما لم ينوه (ولو كان عليه حدث نوم فغلط ونوى رفع حدث بول ارتفع حدثه) لتداخل الاحداث كما تقدم (ويجب الاتيان بها) أي بالنية (عند أول واجب) في الوضوء أو الغسل أو التيمم أو غيرها من العبادات لأن النية شرط لصحة واجباتها. فيعتبر كونها كلها بعد النية. فلو فعل شيئا من الواجبات قبل النية لم يعتد به، (وهو) أي أول واجب في الوضوء والغسل والتيمم (التسمية) لحديث: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه لأن من ذكرها في الأثناء إنما ذكرها على البعض لا على الكل، (ويستحب) الاتيان بالنية (عند أول مسنوناتها) أي الطهارة (إن وجد) ذلك المسنون (قبل واجب. كغسل اليدين لغير القائم من نوم الليل) إن وجد قبل التسمية في الوضوء أو الغسل، لتشمل النية مفروض الطهارة ومسنونها، فيثاب على كل منهما. (فإن غسلهما) أي اليدين (بغير نية فكمن لم يغسلهما) لحديث: إنما الأعمال بالنيات فتستحب إعادة غسلهما بعد النية، (ويجوز تقديمها) أي النية على الطهارة (بزمن يسير كصلاة) وزكاة (ولا يبطلها) أي النية (عمل يسير)
104 قبل الشروع في الطهارة ونحوها. فإن كثر بطلت واحتاج إلى استئنافها، (ويستحب استصحاب ذكرها) بقلبه بأن يكون مستحضرا لها في جميع الطهارة لتكون أفعاله كلها مقترنة بالنية. والذكر - بضم الذال وكسرها قاله ابن مالك في مثلثته - وقال الكسائي: الذكر باللسان ضد الانصات، وذاله مكسورة، وبالقلب ضد النسيان. وذاله مضمومة: وقال غيره هما لغتان (ولا بد من استصحاب حكمها بأن لا ينوي قطعها) فإن عزبت عن خاطره لم يؤثر ذلك في الطهارة: كما لا يؤثر في الصلاة. ومحله إن لم ينو بالغسل نحو تنظيف أو تبرد كما ذكره المجد. فصل: (صفة الوضوء) الكامل (أن ينوي) الوضوء للصلاة ونحوها أو رفع الحدث. كما تقدم (ويستقبل القبلة) قال في الفروع: وهو متجه في كل طاعة إلا لدليل. (ثم يقول: بسم الله لا يقوم غيرها مقامها) فلو قال: بسم الرحمن.. أو القدوس أو نحوه لم يجزئه لما يأتي، (وهي) أي التسمية (واجبة في وضوء) لحديث أبي هريرة عن النبي (ص) قال: لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. ولأحمد وابن ماجة من حديث سعيد بن زيد وأبي سعيد مثله. قال البخاري: أحسن شئ في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن، يعني حديث سعيد بن زيد. وسئل إسحاق بن راهويه: أي حديث أصح في التسمية؟ فذكر حديث أبي سعيد، ومحلها اللسان لأنها ذكر، ووقتها عند أول الواجبات وجوبا، وأول المسنونات استحبابا كالنية، (و) هي واجبة أيضا في (غسل وتيمم) قياسا على الوضوء، (وتسقط) في الثلاثة (سهوا) نصا. لأنها عبادة تتغاير أفعالها، فكان من واجباتها ما يسقط سهوا كالصلاة قلت: مقتضى قياسهم على الصلاة سقوطها جهلا، خلافا لما بحثه في القواعد الأصولية، قياسا على الذكاة. والظاهر إجزاؤها بغير العربية. ولو ممن يحسنها كالذكاة إذ لا فرق (وإن ذكرها) أي التسمية (في أثنائه) أي
105 أثناء ما ذكر من الوضوء، أو الغسل، أو التيمم (سمى وبنى) لأنه لما عفي عنها مع السهو في جملة الطهارة ففي بعضها أولى. قال المصنف في حاشية التنقيح: هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. اختاره القاضي والموفق في المغني، والكافي، والشارح، وابن عبيدان، وابن تميم وابن رزين في مختصره، والمستوعب والرعاية الصغرى وروضة الفقه والحاوي الكبير. وحكاه الزركشي عن الشيرازي وابن عبدوس انتهى. وشارح المحرر والشيخ يوسف المرداوي في كتابه: نهاية الحكم المشروع في تصحيح الفروع، والعسكري في كتابه المبهج وغيرهم، خلافا لما صححه في الانصاف: وحكاه عن الفروع ولم يذكر غيره انتهى المقصود منه. والذي صححه في الانصاف مشى عليه صاحب المنتهى. قال: لكن إن ذكرها في بعضه ابتداء قال في شرحه: لأنه أمكنه أن يأتي بها على جميعه. فوجب كما لو ذكرها في أوله (فإن تركها) أي التسمية (عمدا) لم تصح طهارته، لما تقدم، (أو) تركها عمدا (حتى غسل بعض أعضائه) المفروضة، أو حتى مسحها بالتراب في التيمم (ولم يستأنف) ما فعله قبل التسمية (لم تصح طهارته) لأنه لم يذكر اسم الله على طهارته، بل على بعضها (والأخرس يشير بها) وكذا المعتقل لسانه. قال في المنتهى: وتكفي إشارة أخرس ونحوه بها. وظاهره وجوب الإشارة مع أنهم لم يوجبوا مثل ذلك في تكبيره الاحرام. وهي آكد. إلا أن يكون فرق، نحو أن يقال: الإشارة إلى التبرك ممكنة. كرفع رأسه إلى السماء. بخلاف افتتاح الصلاة فإنه لا يعلم من الإشارة إلى السماء، (ثم يغسل كفيه
106 ثلاثا ولو تيقن طهارتهما) لأن عثمان، وعليا، وعبد الله بن زيد وصفوا وضوء النبي (ص) وذكروا أنه غسل كفيه ثلاثا. ولأنهما آلة نقل الماء إلى الأعضاء. ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء (وهو سنة) لأنه لم يذكر في الآية (لغير قائم من نوم ليل ناقض لوضوء) أي الذي من شأنه ذلك. بأن لم يكن نائما أو كان نائما بالنهار، أو بالليل نوما لا ينقض الوضوء كاليسير من جالس وقائم (فإن كان) قائما (منه) أي من نوم الليل الناقض للوضوء (ف) يغسلهما ثلاثا (واجب تعبدا) كغسل الميت لحديث: إذا استيقظ أحدكم وتقدم في أول الطهارة. ولكون غسلهما واجبا تعبدا وجب ولو باتتا مكتوفتين أو في جراب ونحوه، (ويسقط) غسل اليدين من قيام الليل (سهوا) قال في المبدع: إذا نسي غسلهما سقط مطلقا لأنها طهارة مفردة وإن وجبت. ومقتضاه أنه لا يستأنف ولو تذكر في الأثناء، بل ولا يغسلهما بعد، بخلاف التسمية في الوضوء لأنها منه. تنبيه: (نقل أبو تميم عن النكت أن غسل اليدين - على القول بوجوبه - شرط لصحة الصلاة. واقتصر عليه. وكذا حكاه الزركشي عن ابن عبدوس وغيره. واقتصر عليه أيضا. ولم يوجد في كلام أحد ممن تأخر عن هؤلاء ما يخالفه. وحيث كان كذلك فكيف يسقط بالنسيان؟ قاله شيخنا عبد الرحمن البهوتي) ويسقط غسل اليدين من نوم الليل سهوا أو جهلا بشروعه في الوضوء. فلا يرجع لغسلهما. قاله شيخنا منصور (وتعتبر له) أي لغسل يدي القائم من نوم الليل الناقض للوضوء (نية وتسمية) كالوضوء وتسقط التسمية سهوا كالوضوء (ولا يجزئ عن نية غسلهما نية الوضوء) ولا نية الغسل (لأنها طهارة مفردة لا من الوضوء، و) الدليل على أنها طهارة مفردة أنه (يجوز تقديمها على الوضوء بالزمن الطويل) ولو كانت منه لم تتقدم عليه كذلك، (ويستحب تقديم اليمنى على اليسرى في هذا الغسل) لقول عائشة فيما سبق: وفي شأنه كله، (وإذا استيقظ أسير في مطمورة، أو) استيقظ (أعمى أو نحوه) كأرمد (من نوم لا يدري أنوم ليل) هو (أو) نوم (نهار لم يجب غسلهما) لأنه شك في الموجب. والأصل عدمه (وتقدم في كتاب
107 الطهارة) و (غسلهما لمعنى فيهما) غير معقول لنا (فلو استعمل الماء ولم يدخل يده في الاناء لم يصح وضوءه وفسد الماء) وفي المستوعب: إن كان وضوؤه من ماء قليل أدخل كفيه فيه قبل غسلهما. لم يصح وضوؤه لما بينا أن ذلك الماء يصير غير مطهر. وإن كان وضوؤه من ماء أكثر من قلتين أو من ماء قليل لم يدخل يده فيه، بأن صب على وجهه بإناء، أو صمد لأنبوب، فجرى على وجهه فوضوؤه صحيح، وكذا في الشرح: لو توضأ أو اغتسل من ماء كثير بغمس أعضائه فيه، ولم ينو غسل اليدين من نوم الليل يرتفع حدثه، ولا يجزيه عن غسل اليد من نوم الليل عند من أوجب النية له، (وتسن بداءته قبل غسل وجهه بمضمضة بيمينه) لحديث عثمان أنه توضأ فدعا بماء، فغسل يديه ثلاثا ثم غرف بيمينه، ثم رفعها إلى فيه، فمضمض واستنشق بكف واحدة، واستنثر بيساره، فعل ذلك ثلاثا، ثم ذكر سائر الوضوء. ثم قال: إن النبي (ص) توضأ لنا كما توضأت لكم رواه سعيد، (و) يسن (تسوكه) عند المضمضة لقوله عليه السلام: لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء رواه أحمد بإسناد صحيح، من حديث أبي هريرة، وهو للبخاري تعليقا، (ثم باستنشاق بيمينه ثلاثا ثلاثا، إن شاء من غرفة، وهو أفضل) لحديث علي: أنه توضأ فمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا بكف واحدة، وقال: هذا وضوء نبيكم (ص) رواه أحمد في المسند (وإن شاء من ثلاث) لحديث علي أيضا: أنه مضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات متفق عليه. (وإن شاء من ست) غرفات، لحديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: رأيت النبي (ص) يفصل بين المضمضة والاستنشاق رواه أبو داود. ووضوؤه كان ثلاثا ثلاثا، فلزم كونها من ست (ولا يفصل بين المضمضة والاستنشاق) استحبابا. وحديث طلحة المذكور يمكن حمله على بيان الجواز (وتجب الموالاة بينهما وبين بقية الأعضاء) لأنهما من الوجه، أشبها سائره (وكذا) يجب (الترتيب) بينهما وبين بقية الأعضاء
108 كما سبق. و (لا) يجب الترتيب (بينهما وبين الوجه) لأنهما منه كما تقدم. وأما الموالاة بينهما وبين الوجه فمعتبرة، (ويسن استنثاره بيساره) لحديث عثمان. وهو مأخوذ من النثرة، وهي طرف الأنف أو هو، (و) تسن (مبالغة فيهما لغير صائم) لما روى لقيط بن صبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء. قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما رواه الخمسة وصححه الترمذي. وعن ابن عباس مرفوعا قال: استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. (وتكره) المبالغة في المضمضة والاستنشاق (له) أي الصائم. لأنها مظنة إيصال الماء إلى جوفه، (و) تسن (مبالغة في سائر) أي باقي (الأعضاء) للصائم وغيره (ف) - المبالغة (في مضمضة إدارة الماء في جميع الفم، و) المبالغة (في الاستنشاق جذبه) أي الماء (بنفس إلى أقصى أنف والواجب) في المضمضة (أدنى إدارة) للماء في فمه، (و) الواجب في الاستنشاق (جذب الماء إلى باطن الانف) وإن لم يبلغ أقصاه (فلا يكفي) في المضمضة (وضع الماء في فيه بدون إدارة) لأنه لا يسمى مضمضة. وكذا لا يكفي في الاستنشاق وضعه في أنفه بدون جذب إلى باطن الانف، لأنه لا يسمى استنشاقا، (ثم) بعد إدارة الماء في فيه (له بلعه ولفظه) أي طرحه، لان الغسل قد حصل (ولا يجعل المضمضة أولا) أي ابتداء من غير إدارة في فمه (وجورا، ولا) يجعل (الاستنشاق) ابتداء (سعوطا) لأن ذلك لا يسمى مضمضة ولا استنشاقا (والمبالغة في غيرهما) أي غير المضمضة والاستنشاق (دلك المواضع التي ينبو عنها الماء) أي لا يطمئن عليها (وعركها به) أي الماء.
109 فصل: (ثم يغسل وجهه) للنص، فيأخذ الماء بيديه جميعا، أو يغترف بيمينه ويضم إليها الأخرى ويغسل بهما (ثلاثا) لأن السنة قد استفاضت به، خصوصا حديث عثمان المتفق عليه. وحد الوجه (من منابت شعر الرأس المعتاد غالبا) فلا عبرة بالأقرع، الذي ينبت شعره في بعض جبهته، ولا بالأجلح الذي انحسر شعره عن مقدم رأسه (مع ما انحدر من اللحيين) بفتح اللام وكسرها، (والذقن) وهو مجمع اللحيين، بفتح الذال والقاف (طولا) أي من جهة الطول، (و) حد الوجه (من الاذن إلى الاذن عرضا) لأن ذلك تحصل به المواجهة، والأذنان ليسا من الوجه (فيدخل فيه) أي الوجه (عذار وهو الشعر النابت على العظم الناتئ) أي المرتفع (المسامت) أي المحاذي (صماخ الاذن) بكسر الصاد، وهو خرقها، وكذا البياض الذي بين العذار والاذن من الوجه. ونص عليه الخرقي. لأنه يغفل الناس عنه. وقال مالك: ليس من الوجه ولا يجب غسله. قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقوله هذا (ولا يدخل) في الوجه (صدغ) بضم الصاد المهملة (وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار يحاذي رأس الاذن وينزل عنه قليلا) وهو من الرأس، لأن في حديث الربيع أن النبي (ص): مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مرة واحدة رواه أبو داود ولم ينقل أحد أنه غسل مع الوجه، (ولا) يدخل أيضا في الوجه (تحذيف، وهو الشعر الخارج إلى طرفي الجبين في جانبي الوجه بين النزعة ومنتهى العذار، ولا النزعتان وهما ما انحسر عنه الشعر من فودي الرأس، وهما جانبا مقدمه) قال في القاموس: الفود: معظم شعر الرأس مما يلي الاذن وناحية الرأس، (بل جميع ذلك
110 من الرأس، فيمسح معه) أما الصدغ فلما تقدم. أما التحذيف: فلأنه شعر متصل بشعر الرأس لم يخرج عن حده، أشبه الصدغ. وأما النزعتان: فلأنه لا تحصل بهما المواجهة، ولدخولهما في حد الرأس وعلا. وقول الشاعر: فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا فالإضافة لأدنى ملابسه، كما في: سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره مع أن الاذنين ليستا من الوجه، بل مجاورتان له. وكذا النزعتان (ولا يجب) غسل داخل عين، (بل ولا يسن غسل داخل عين لحدث) أصغر أو أكبر. قال في الشرح وغيره: لأن النبي (ص) لم يفعله ولا أمر به (ولو أمن الضرر، بل يكره) لأنه مضر. وقد روي أن ابن عمر عمي من كثرة إدخال الماء في عينيه، (ولا يجب) غسل داخل العين (من نجاسة فيهما) أي في العين، لما تقدم فيعفى عنها في الصلاة (والفم والأنف من الوجه) لدخولهما في حده (فتجب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الكبرى والصغرى) فلا يسقط واحد منهما، لما روت عائشة أن النبي (ص) قال: المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه رواه أبو بكر في الشافي. وعن أبي هريرة قال: أمرنا رسول الله (ص) بالمضمضة والاستنشاق وفي حديث لقيط بن صبرة: إذا توضأت فتمضمض رواهما أبو داود والدارقطني. ولان كل من وصف وضوء النبي (ص) يستقصي، ذكر أنه تمضمض واستنشق، ومداومته عليهما تدل على وجوبهما. لأن فعله يصلح أن يكون بيانا لأمر الله تعالى، ولان الفم والأنف في حكم الظاهر، بدليل أن الصائم لا يفطر بوصول شئ إليهما، ويفطر بعود القئ بعد وصوله إليهما، ويجب غسلهما من النجاسة (ويسميان) أي المضمضة والاستنشاق (فرضين) لأن الفرض والواجب مترادفان على الصحيح. وقال ابن عقيل: هما واجبان لا فرضان (ولا يسقطان سهوا) لما تقدم، (ويجب غسل اللحية) بكسر
111 اللام (وما خرج عن حد الوجه منها) من الشعر المسترسل (طولا وعرضا) لأن اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة. وخرج ما نزل من الرأس عنه لعدم مشاركته الرأس في الترأس، (ويسن تخليل الساتر للبشرة منها) أي من اللحية (بأخذ كف من ماء يضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة فيها) أي اللحية، (أو) يضعه (من جانبيها ويعركها) لحديث عثمان: أنه توضأ وخلل لحيته حين غسل وجهه - ثم قال: رأيت النبي (ص) فعل الذي رأيتموني فعلت رواه الترمذي وصححه: وحسنه البخاري، (وكذا عنفقة وشارب وحاجبان ولحية امرأة وخنثى) إذا كان كثيفا (ويجزئ غسل ظاهره) كلحية الذكر، (ويسن غسل باطنه) أي باطن ذلك الشعر غير شعر اللحية، خروجا من خلاف من أوجبه كالشافعي، (و) يسن (أن يزيد في ماء الوجه) لأساريره ودواخله وخوارجه وشعوره. قاله أحمد. وكره أن يأخذ الماء ثم يصبه، ثم يغسل وجهه. وقال: هذا مسح وليس بغسل، (والخفيف) من شعور الوجه كلها، وهو الذي يصف البشرة (يجب غسله، و) غسل (ما تحته) لأن الذي لا يستره شعره يشبه ما لا شعر عليه. ويجب غسل الشعر تبعا للمحل. فإن كان في شعره كثيف وخفيف، فلكل حكمه (وتخليل اللحية عند غسلها) لحديث عثمان السابق (وإن شاء إذا مسح رأسه نصا). فصل: ثم يغسل يديه إلى المرفقين للنص (ثلاثا) لحديث عثمان وغيره (حتى أظفاره) وإن طالت لأنها متصلة بيده اتصال خلقة. فتدخل في مسمى اليد، (ولا يضر وسخ يسير تحتها، ولو منع وصول الماء) لأنه مما يكثر وقوعه عادة. فلو لم يصح الوضوء معه لبينه النبي (ص) لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، (وألحق الشيخ به) أي بالوسخ اليسير تحت الأظفار (كل يسير منع) وصول الماء (حيث كان) أي وجد (من البدن، كدم وعجين
112 ونحوهما، واختاره) قياسا على ما تحت الظفر. وعبارة المنتهى وغيره: تحت ظفر ونحوه. فيدخل فيه الشقوق في بعض الأعضاء، (ويجب غسل إصبع زائدة، و) غسل (يد) زائدة (أصلها في محل الفرض) لأنها بمحل الفرض أشبهت الثؤلول، (أو) أي ويجب غسل يد زائدة أصلها في (غيره) أي غير محل الفرض (ولم تتميز) الزائدة منهما، ليخرج من العهدة بيقين، كما لو تنجست إحدى يديه وجهلها، (وإلا) أي وإن لم تكن الزائدة في غير محل الفرض غير متميزة بل كانت مدلاة من العضد وتميزت (فلا) يجب غسلها، طويلة كانت أو قصيرة. لأنها غير داخلة في مسمى اليد (ويجب إدخال المرفقين في الغسل) لما روى الدارقطني عن جابر قال: كان النبي (ص) إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه وهذا بيان للغسل المأمور به في الآية الكريمة وإلى تكون بمعنى مع. كقوله تعالى: * (ويزدكم قوة إلى قوتكم) * * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * فبين (ص) أنها كذلك. أو يقال: اليد حقيقة إلى المنكب و إلى أخرجت ما عدا المرفق (فإن خلقتا) أي اليدان (بلا مرفقين غسل إلى قدرهما) أي المرفقين (من غالب الناس) إلحاقا للنادر بالغالب (فإن تقلصت) أي كشطت (جلدة من العضد حتى تدلت من الذراع وجب غسلها كالإصبع الزائدة) لأنها صارت في محل الفرض (وإن تقلصت) أي ارتفعت بعد كشطها (من الذراع حتى تدلت من العضد لم يجب غسلها وإن طالت) لأنها صارت في غير محل الفرض (وإن تقلصت من أحد المحلين، والتحم رأسها ب) - المحل (الآخر، غسل ما حاذى محل الفرض من ظاهرها والمتجافي منه) أي من المحاذي لمحل الفرض (من باطنها، و) غسل (ما تحته، لأنها كالنابتة في المحلين) دون ما لم يحاذ محل الفرض.
113 فصل: (ثم يمسح جميع ظاهر رأسه) من منابت الشعر المعتاد غالبا على ما تقدم في الوجه إلى قفاه لأنه تعالى أمر بمسح الرأس وبمسح الوجه في التيمم. وهو يجب الاستيعاب فيه. فكذا هنا إذ لا فرق، ولأنه (ص) مسح جميعه، وفعله وقع بيانا للآية، والباء للالصاق، أي إلصاق الفعل بالمفعول. فكأنه قال: الصقوا المسح برؤوسكم، أي المسح بالماء، وهذا بخلاف ما لو قيل: امسحوا رؤوسكم، فإنه لا يدل على أنه ثم شئ يلصق، كما يقال: مسحت رأس اليتيم. وأما دعوى أن الباء إذا وليت فعلا متعديا أفادت التبعيض في مجرورها لغة، فغير مسلم، دفعا للاشتراك ولانكار الأئمة. قال أبو بكر: سألت ابن دريد وابن عرفة عن الباء: تبعض؟ فقالا: لا نعرفه في اللغة. وقال ابن برهان: من زعم أن الباء تبعض، فقد جاء عن أهل العربية بما لا يعرفونه. وقوله * (يشرب بها عباد الله) * وقول الشاعر: شربن بماء البحر فمن باب التضمين كأنه قيل: يروي. وما روي: أنه (ص) مسح مقدم رأسه فمحمول على أن ذلك مع العمامة، كما جاء مفسرا في حديث المغيرة بن شعبة. ونحن نقول به. والرأس (من حد الوجه) أي من منابت شعر الرأس المعتاد (إلى ما يسمى قفا) ويكون مسح رأسه (بماء جديد غير ما فضل من ذراعيه) لأن الرأس مغاير لليدين (وكيفما مسحه) أي الرأس (أجزأ) ه لحصول المأمور به (ولو) مسحه (بإصبع أو خرقة أو خشبة أو نحوها) كحجر. وظاهر كلام الجمهور: أنه يتعين استيعاب ظاهره كله (وعفا بعضهم) وهو صاحب المبهج والمترجم (عن ترك يسير منه للمشقة) قال في الانصاف: وهو الصواب انتهى. وقال الموفق: والظاهر عن أحمد في الرجل وجوب الاستيعاب، وأن المرأة يجزيها مسح مقدم رأسها، قال الخلال: العمل عليه في
114 مذهب أبي عبد الله، أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها، لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها. ذكره في الشرح (والمسنون في مسحه) أي الرأس (أن يبدأ بيديه مبلولتين من مقدم رأسه، فيضع طرف إحدى سبابتيه على طرف الأخرى، ويضع الابهامين على الصدغين، ثم يمرهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى مقدمه) قاله في المغني والشرح. لما روى عبد الله بن زيد في وصف وضوء النبي (ص) قال: فمسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه متفق عليه. (ولو خاف أن ينتشر شعره) قال في الانصاف: هذا المذهب مطلقا، وعليه الأصحاب، وعنه لا يردهما إن انتشر شعره انتهى. وجزم بالثانية في الشرح والمبدع، رجلا كان أو امرأة (بماء واحد) فلا يأخذ للرد ماء آخر، لعدم وروده (ولو وضع يده مبلولة على رأسه، ولم يمرها عليه) لم يجزئه، (أو وضع عليه) أي على رأسه (خرقة مبلولة) ولم يمرها عليه، (أو بلها) أي الخرقة (وهي عليه) أي على رأسه (ولم يمسح لم يجزئه) ذلك لعدم المسح المأمور به، (ويجزئه غسله) أي الرأس (مع الكراهة) ذكره ابن رجب (بدلا عن مسحه إن أمر يده) لوجود المسح، فإن لم يمر يده لم يجزئه، ما لم يكن جنبا وينغمس في ماء ناويا الطهارتين، كما يعلم مما يأتي في الغسل (وكذا إن أصابه) أي الرأس (ماء وأمر يده) عليه، لوجود المسح، فإن لم يمر يده لم يجزئه (ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر) لعدم مشاركته الرأس في الترؤس (ولا يجزئ مسحه عن الرأس، سواء رده فعقده
115 فوق رأسه أو لم يرده) كما تقدم (وإن نزل الشعر عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض، فمسح عليه، أجزأه ولو كان الذي تحت النازل محلوقا) كما لو كان بعض شعره فوق بعضه (وإن خضبه) أي رأسه (بما يستره لم يجز المسح عليه كما لو مسح على خرقة فوق رأسه) وتقدم أن شرط الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء (ولو مسح رأسه، ثم حلقه) لم يؤثر (أو غسل عضوا، ثم قطع منه جزءا، أو جلدة لم يؤثر، لأنه ليس ببدل عما تحته) بخلاف الجبيرة والخف، ولكن رأيت عن ابن رجب: استحب أحمد أنه إذا حلق رأسه، أو قلم أظفاره، أو قص شاربه بعد الوضوء أن يمسه بالماء ولم يوجبه، وحكي وجوبه عن ابن جرير الطبري، ومن أوجبه ألحقه بخلع الخف بعد مسحه، (وإن تطهر بعد ذلك) أي بعد حلق رأسه، أو قطع جزء، أو جلدة من عضو (غسل)، أو مسح (ما ظهر) لأن الحكم صار له دون الذاهب، (وإن حصل في بعض أعضائه شق، أو ثقب لزم غسله) في الطهارتين لأنه صار في حكم الظاهر، فينبغي التيقظ لثقب الاذن في الغسل. وأما في الوضوء فلا يجب مسحه، كالمستتر بالشعر، ولما فيه من الحرج (والواجب مسح ظاهر شعر الرأس كما تقدم، فلو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة فقط) أي دون ظاهر الشعر (لم يجزئه، كما لو اقتصر على غسل باطن شعر اللحية) ولم يغسل ظاهرها (وإن فقد شعره مسح بشرته) لأنها ظاهر رأسه بالنسبة إليه (وإن فقد بعضه) أي بعض شعر الرأس (مسحهما) أي مسح ما بقي من الشعر وبشرة ما فقد شعره. وتقدم حكم ما لو نزل شعر ما لم يحلق على ما حلق وأنه يجزئه المسح على ظاهره، (ويجب مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، لأنهما من الرأس) لقوله (ص): الأذنان من الرأس رواه ابن ماجة من غير وجه، (ويسن) مسحهما (بماء جديد بعد)
116 مسح (رأسه) لما روى عبد الله بن زيد أنه: رأى رسول الله (ص) يتوضأ، فأخذ لأذنيه ماء خلاف الذي لرأسه رواه البيهقي، وقال: إسناده صحيح (والبياض فوقهما) أي فوق الاذنين (دون الشعر منه) أي من الرأس (أيضا) قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب (فيجب مسحه مع الرأس) وكيف مسح الاذنين أجزأ، كالرأس (والمسنون في مسحهما أن يدخل سبابتيه في صماخيهما، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما) لما في النسائي عن ابن عباس: أن النبي (ص) مسح برأسه وأذنيه: باطنهما بالسبابتين وظاهرها بإبهاميه. (ولا يجب مسح ما استتر) من الاذنين (بالغضاريف) لأن الرأس الذي هو الأصل لا يجب مسح ما استتر منه بالشعر. فالاذن أولى، والغضروف داخل فوق الاذن، أي أعلاها ومستدار سمعها (ولا يستحب مسح عنق) لعدم ثبوت ذلك في الحديث. وعنه بلى. اختاره في الغنية وابن الجوزي في أسباب الهداية وأبو البقاء، وابن الصيرفي، وابن رزين وفاقا لأبي حنيفة، (ولا) يستحب (تكرار مسح رأس وأذن) قال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم. لأن أكثر من وصف وضوء رسول الله (ص) ذكر أنه مسح رأسه واحدة. وكذا قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس واحدة. لأنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا وقالوا فيها: ومسح برأسه ولم يذكروا عددا، كما ذكروا في غيره. قال في الشرح: أحاديثهم لا يصح منها شئ صريح لا يقال: إنه (ص) مسح مرة واحدة، لبيان الجواز وثلاثا ليبين الفضيلة، كما فعل في الغسل. لأن قول الراوي هذا طهور رسول الله (ص) يدل على أنه طهوره على الدوام. فصل: (ثم يغسل رجليه) للآية الكريمة (ثلاثا) لحديث عثمان وغيره (إلى الكعبين) أي كل
117 رجل تغسل إلى الكعبين. ولو أراد كعاب جميع الأرجل لذكره بلفظ الجمع، كقوله: * (وأيديكم إلى المرافق) * لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي توزيع الافراد على الافراد، كقولك: ركب القوم دوابهم ونحوه (وهما) أي الكعبان (العظمان الناتئان في جانبي رجله) قاله أبو عبيدة، ويدل عليه حديث النعمان بن بشير، قال: كان أحدنا يلصق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة رواه أحمد وأبو داود ولو كان مشط القدم لم يستقم، (ويجب إدخالهما في الغسل) لما سبق، ولقوله (ص): ويل للأعقاب من النار متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر (وإن كان أقطع وجب غسل ما بقي من محل الفرض) لقوله (ص): إذا أمرتكم بأمر فآتوا منه ما استطعتم متفق عليه، وسواء كان (أصلا) بأن قطعت يده من دون المرفق، أو رجله من دون الكعب (أو تبعا كرأس عضد) يد قطعت من مفصل المرفق، (و) رأس (ساق) قطعت من مفصل كعب (وكذا يتيمم) إذا قطعت يده، وجب مسح ما بقي من محل الفرض أصلا أو تبعا (فإن لم يبق شئ) من محل الفرض بأن قطعت اليد من فوق المرفق، أو الرجل من فوق الكعب (سقط) ذلك الفرض، لفوات محله (لكن يستحب أن يمسح محل القطع بالماء) لئلا يخلو العضو عن طهارة وظاهره: أنه لو قطعت اليد من فوق الكوع لم يستحب مسح محل القطع بالتراب (وإذا وجد الأقطع ونحوه) كالأشل والمريض الذي لا يقدر أن يوضئ نفسه (من يوضئه أو يغسله بأجرة المثل وقدر عليها من غير إضرار) بنفسه أو من تلزمه نفقته (لزمه ذلك) لأنه في معنى الصحيح (فإن وجد من ييممه ولم يجد من يوضئه لزمه ذلك) كالصحيح. يقدر على التيمم دون الوضوء (فإن لم يجد) من يوضئه ولا من ييممه، بأن عجز عن الأجرة أو لم يقدر على من يستأجره (صلى على حسب حاله) قال في المغني: لا أعلم فيه خلافا. وكذا إن لم يجده إلا
118 بزيادة عن أجرة مثله إلا أن تكون يسيرة، على ما يأتي في التيمم (ولا إعادة) عليه كفاقد لطهورين (واستنجى مثله) أي مثل الوضوء، فكما تقدم (وإن تبرع أحد بتطهيره لزمه ذلك) قال في الفروع: ويتوجه لا. ويتيمم (ويسن تخليل أصابع يديه وتخليل أصابع رجليه) لما روى لقيط بن صبرة أن النبي (ص) قال: وخلل بين الأصابع رواه الخمسة وصححه الترمذي. وهو في حال الرجلين آكد، ذكره في الشرح. ويخلل أصابع رجليه (بخنصره) لخبر المستورد، رواه أحمد وغيره، لكنه ضعيف. (اليسرى) لأنها معدة لإزالة الوسخ والدرن من باطن رجليه، لأنه أبلغ، ذكره في المبدع وغيره (فيبدأ بخنصر يمنى) إلى إبهامها (ويسرى بالعكس) يبدأ من إبهامها إلى خنصرها (للتيامن) أي ليحصل التيامن في تخليل الأصابع. ويخلل أصابع يديه إحداهما بالأخرى. فإن كانت - أو بعضها - ملتصقة سقط، (و) يسن (الغسل ثلاثا ثلاثا) لما تقدم في مواضعه (ويجوز الاقتصار على) الغسلة (الواحدة، و) الغسلتان (الثنتان أفضل) من الواحدة (والثلاث أفضل) من الثنتين، ومن الواحدة بطريق الأولى. لأنه (ص) دعا بماء فتوضأ مرة مرة وقال: هذا وظيفة الوضوء - أو قال هذا وضوء - من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة، ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: هذا وضوء، من توضأه كان له كفلان من الاجر. وتوضأ ثلاثا ثلاثا، وقال: هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي رواه ابن ماجة، وقوله (ص) في حديث عمرو بن شعيب
119 عن أبيه عن جده: إنه لما سئل عن الوضوء، فأراه ثلاثا ثلاثا - فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم رواه أبو داود، وتكلم مسلم على قوله: أو نقص وأوله البيهقي على نقصان العضو. واستحسنه الذهبي (وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض) بأن غسل عضوا مرة أو مرتين وآخر ثلاثا (لم يكره) كما لو غسل الكل متساوية (ويعمل في عددها) أي الغسلات (إذا شك) فيه (بالأقل) كركعات الصلاة، إذ الأصل عدم الاتيان بالمشكوك فيه (وتكره الزيادة عليها) أي على الثلاث، لحديث عمرو المتقدم، (و) يكره (الاسراف في الماء) ولو على نهر جار لما يأتي في الغسل، (ويسن مجاوزة موضع الفرض) بالغسل، لما روى نعيم المجمر أنه رأى أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه ويديه، حتى كاد يبلغ المنكبين. ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل متفق عليه. ولمسلم عنه: سمعت خليلي (ص) يقول: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، (ولا يسن الكلام على الوضوء، بل يكره) قاله جماعة، قال في الفروع: والمراد بغير ذكر الله، كما صرح به جماعة (والمراد بالكراهة ترك الأولى) وفاقا للحنفية والشافعية، مع أن ابن الجوزي وغيره لم يذكروه فيما يكره ويسن. (قال ابن القيم: الأذكار التي تقولها العامة على الوضوء عند كل عضو لا أصل لها) وفي نسخ له: أي للاتيان
120 بها (عنه (ص) ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وفيه حديث كذب عليه (ص) انتهى). قال النووي: وحذفت دعاء الأعضاء المذكور في المحرر، إذ لا أصل له. وكذا قال في الروضة وشرح المهذب، أي لم يجئ فيه شئ عن النبي (ص) كما قال في الأذكار والتنقيح له، والرافعي قال: ورد فيه الأثر عن السلف الصالحين. قال الجلال المحلي: وفاتهما أنه روي عن النبي (ص) من طرق في تاريخ ابن حبان وغيره، وإن كانت ضعيفة، للعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال انتهى. قال في الفروع: وذكر جماعة: يقول: عند كل عضو ما ورد. والأول أظهر، لضعفه جدا، مع أن كل من وصف وضوء النبي (ص) لم يذكره، ولو شرع لتكرر منه ولنقل عنه انتهى. وقوله: ما ورد، أشار به إلى ما أخرجه ابن حبان في التاريخ: إذا غسل وجهه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض الوجوه، وذراعيه: اللهم أعطني كتابي بيميني. ورأسه: اللهم غثنا برحمتك وجنبنا عذابك، ورجليه: اللهم ثبت قدمي يوم تزل الاقدام نقله عنه السيوطي في الكلم الطيب (قال أبو الفرج) أطلقه في الفروع، ولم يبين هل هو الشيرازي، أو ابن الجوزي؟ (يكره السلام على المتوضئ وفي الرعاية: ورده) أي ويكره رد المتوضئ السلام. قال في الفروع: مع أنه ذكر لا يكره متخل، وهو سهو (وفي) الفروع (ظاهر كلام الأكثر: لا يكره السلام ولا الرد) وإن كان الرد على طهر أكمل، لفعله (ص) وفي الصحيحين: إن أم هانئ سلمت على النبي (ص) وهو يغتسل، فقال: من هذه؟ قلت: أم هانئ بنت أبي طالب، قال: مرحبا بأم هانئ وظاهر كلامهم لا تستحب التسمية عند كل عضو.
121 فصل: (والترتيب والموالاة فرضان) في الوضوء، لما تقدم (لا مع غسل) أي بأن نوى بغسله رفع الحدثين. فيسقط الترتيب والموالاة، لأن الحكم صار للأكبر، لاندراج الأصغر فيه، كاندراج العمرة في حج القارن (ولا يسقطان) أي الترتيب والموالاة (سهوا ولا جهلا، كبقية الفروض، فيجب الترتيب) بين الأعضاء الأربعة (على ما ذكر الله تعالى) في كتابه لما تقدم (فإن نكس وضوءه، فبدأ بشئ من أعضائه قبل وجهه، لم يحتسب بما غسله) من الأعضاء (قبله) أي قبل الوجه، لفوات الترتيب (وإن بدأ برجليه وختم بوجهه، لم يصح إلا غسل وجهه) لما تقدم (وإن توضأ منكوسا) يختم بوجهه، ويبدأ برجليه (أربع مرات، صح وضوءه إذا كان متقاربا، يحصل له في كل مرة غسل عضو) فيحصل له من المرة الأولى غسل الوجه، ومن الثانية غسل اليدين، ومن الثالثة مسح الرأس، ومن الرابعة غسل الرجلين، وعلمت ما في كلامه من التغلب (وإن غسل أعضاءه دفعة واحدة لم يصح) وضوؤه، وكذا لو وضأه أربعة، في حالة واحدة، لأن الواجب الترتيب، لا عدم التنكيس، ولم يوجد الترتيب (ولو انغمس في ماء كثير راكد أو جار بنية رفع الحدث) الأصغر (لم يرتفع) حدثه (ولو مكث فيه قدرا يسع الترتيب) أو مرت عليه من الجاري أربع جريات، قال في الانتصار: لم يفرق أحمد بينهما، أي بين الجاري والراكد (حتى يخرج مرتبا نصا، فيخرج وجهه، ثم يديه، ثم يمسح رأسه) لأن غسله من غير إمرار يد غير كاف، وتقدم (ثم يخرج من الماء) قلت: خروجه منه بعد ليس قيدا. لأن الحدث يرتفع عن رجليه، ولو كانتا في الماء قبل انفصاله، كما تقدم، (وتقدم) في كتاب الطهارة (والموالاة) مصدر والى الشئ يواليه إذا تابعه، والمراد هنا: (ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف) العضو (الذي قبله، يليه) بأن لا يؤخر غسل اليدين حتى يجف الوجه، ولا مسح الرأس حتى تجف اليدان، ولا غسل الرجلين حتى تجف الرأس لو كانت مغسولة، وعلم منه أنه لو أخر مسح الرأس حتى جف الوجه دون اليدين لم يؤثر، ويتمه صحيحا (في زمن معتدل) الحرارة والبرودة (أو قدره) أي
122 قدر المعتدل (من غيره) أي غير المعتدل، من زمن حار أو بارد (ولا يضر جفاف لاشتغاله بسنة) من سنن الوضوء (كتخليل) لحية أو أصابع، (و) كاشتغاله ب (- إسباغ) أي إبلاغ الماء مواضع الطهارة، (و) كاشتغاله (بإزالة شك ووسوسة) لأن ذلك من الطهارة، (ويضر) أي يفوت الموالاة إن جف العضو ل (إسراف وإزالة وسخ ونحوه) كحل جبيرة (لغير طهارة) بأن كان في غير أعضاء الوضوء، و (لا) يضر إن كانت إزالة الوسخ ونحوه (لها) أي للطهارة، بأن كان في أعضاء الوضوء. لأنه إذن من أفعال الطهارة، بخلاف ما قبل، (وتضر الإطالة في إزالة النجاسة) بغير أعضاء الوضوء لا بها، لما تقدم في الوسخ، (و) تضر الإطالة في (تحصيل ماء) ولو للطهارة لأنه ليس منها. فصل: (وجملة سنن الوضوء استقبال القبلة والسواك) عند المضمضة وتقدم دليله، (وغسل الكفين ثلاثا لغير قائم من نوم ليل) ناقض لوضوء، ويجب لذلك، وتقدم مستوفى. (والبداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة، ثم الاستنشاق) وكونهما بيمينه، كما تقدم بدليله وعدم الفصل بينهما (والمبالغة فيهما) أي في المضمضة والاستنشاق (لغير صائم) وتكره له، وتقدم (و) المبالغة (في سائر الأعضاء لصائم وغيره، والاستنثار) وكونه بيساره، قال في الآداب الكبرى: ويكره لكل أحد أن ينتثر وينقي أنفه ووسخه ودرنه ويخلع نعله ونحو ذلك بيمينه مع القدرة على ذلك بيساره، مطلقا، وتناول الشئ من يد غيره باليمين، ذكره ابن عقيل من المستحبات للخبر، ولا يكره بيساره، ذكره القاضي والشيخ عبد القادر، وقال: وإذا أراد أن يناول إنسانا توقيعا أو كتابا فليقصد يمينه، (و) من سنن الوضوء (تخليل أصابع اليدين والرجلين) وتقدم دليله وكيفيته (وتخليل الشعور) أي شعور اللحية (الكثيفة في الوجه، والتيامن حتى بين الكفين للقائم من نوم الليل، وبين الاذنين، قاله الزركشي، وقال
123 الأزجي: يمسحهما معا، ومسحهما) أي الاذنين (بعد الرأس بماء جديد، ومجاوزة موضع الفرض، والغسلة الثانية والثالثة) وقال القاضي وغيره: الأولى فريضة والثانية فضيلة والثالثة سنة، وقدمه ابن عبيدان، قال في المستوعب: وإذا قيل لك: أي موضع تقدم فيه الفضيلة على السنة؟ فقل: هنا (وتقديم النية على مسنوناته) إذا وجدت قبل الواجب كما تقدم (واستصحاب ذكرها) أي النية (إلى آخره) أي آخر الوضوء (وغسل باطن الشعور الكثيفة) في الوجه، غير اللحية فيخللها فقط، جمعا بينه وبين ما تقدم (وأن يزيد في ماء الوجه) كما تقدم (وقول ما ورد بعد الوضوء، ويأتي) آخر الباب (وأن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاونة) لحديث ابن عباس: كان النبي (ص) لا يكل طهوره إلى أحد، ولا صدقته التي يتصدق بها إلى أحد، يكون هو الذي يتولاها بنفسه رواه ابن ماجة (وتباح معونة المتطهر) متوضئا كان، أو مغتسلا (كتقريب ماء الغسل، أو) ماء (الوضوء إليه، أو صبه عليه) لان المغيرة بن شعبة أفرغ على النبي (ص) من وضوئه، رواه مسلم. وعن صفوان بن عسال قال: صببت على النبي (ص) الماء في الحضر والسفر في الوضوء رواه ابن ماجة، (و) يباح للمتطهر (تنشيف أعضائه) لما روى سلمان أن النبي (ص) توضأ، ثم قلب جبة كانت عليه فمسح بها وجهه رواه ابن ماجة والطبراني في المعجم الصغير. (وتركهما) أي ترك المعين والتنشيف (أفضل) من فعلهما، أما ترك المعين فلحديث ابن عباس السابق، وأما ترك التنشيف فلحديث ميمونة أن النبي (ص) اغتسل، قالت: فأتيته بالمنديل فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيديه متفق عليه. وترك النبي (ص) لا يدل على الكراهة، فإنه قد يترك المباح. وأيضا هذه قضية في عين يحتمل أنه ترك المنديل لأمر يختص بها. قال ابن
124 عباس: كانوا لا يرون بالمنديل بأسا، ولكن كانوا يكرهون العادة ولأنه إزالة للماء عن بدنه، أشبه نفض يديه (ويستحب كون المعين عن يساره) ليسهل تناول الماء عند الصب (كإناء وضوئه الضيق الرأس) ليصب بيساره على يمينه (وإن كان) إناء وضوئه (واسعا يغترف منه باليد، فعن يمينه) ليغترف منه بها (ولو وضأه) أو غسل له بدنه من نحو جنابة (أو يممه مسلم أو كتابي) أو غيره (بإذنه) أي بإذن المفعول به. قلت: وكذا تمكينه من ذلك، بأن ناوله أعضاءه من غير قول (بأن غسل له الأعضاء، أو يممها من غير عذر كره، وصح) وضوؤه، وغسله، وتيممه لوجود الغسل والمسح، وإنما كره لعدم الحاجة إليه وخروجا من خلاف من قال بعدم الصحة (وينويه المتوضئ) والمغتسل (والمتيمم) لأنه المخاطب. وإنما لكل امرئ ما نوى. فإن لم ينوه لم يصح، ولو نواه الفاعل (فإن أكره من يصب عليه الماء) لم يصح وضوؤه، قدمه في الرعاية، وقيل: يصح انتهى. قلت: والثاني أظهر. لأن النهي يعود لخارج، لأن صب الماء ليس من شرط الطهارة، (أو) أكره من (يوضئه على وضوئه لم يصح) وكذا لو أكره من يغسله أو ييممه، وكذا قال في المنتهى. لا إن أكره فاعل (وإن أكره المتوضئ على الوضوء، أو) أكره إنسان (على غيره) أي غير الوضوء (من العبادات) كالغسل، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج (وفعلها) المكره (لداعي الشرع) بأن نوى بها التقرب إليه تعالى (لا لداعي الاكراه صحت) لوجود النية المعتبرة، (وإلا) أي وإن فعلها لداعي الاكراه (فلا) تصح لعدم وجود النية المعتبرة (ويكره نفض الماء) على الصحيح من المذهب. اختاره ابن عقيل. قاله في الانصاف، وقال في الشرح: ولا يكره نفض الماء بيديه عن بدنه. لحديث ميمونة، ويكره نفض يده. ذكره أبو الخطاب وابن عقيل اه. وقال في غاية المطلب: هل يباح نفض يده أو يكره؟ وجهان، الأصح لا يكره اه. وقال
125 في الفروع: وعنه يكرهان، أي المعاونة والتنشيف، كنفض يده لخبر أبي هريرة: إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان رواه المعمري وغيره من رواية البحتري بن عبيد، وهو متروك، واختار صاحب المغني والمحرر وغيرهما لا يكره، وهو أظهر وفاقا للأئمة الثلاثة، (و) تكره (إراقة ماء الوضوء، و) ماء (الغسل في المسجد، أو في مكان يداس فيه كالطريق تنزيها للماء) لأنه أثر عبادة، (ويباح الوضوء، والغسل في المسجد، إذا لم يؤذ به أحدا، ولم يؤذ المسجد) لأن المنفصل منه طاهر، (ويحرم فيه الاستنجاء والريح) والبول، ولو بقارورة. لأن هواء المسجد كقراره، (وتكره إراقة ماء غمس فيه يده قائم من نوم ليل فيه) أي في المسجد خصوصا على القول بأن غسلهما معلل بوهم النجاسة (قال الشيخ: ولا يغسل فيه ميت) لأنه مظنة تنجيسه بما يخرج من جوفه، وصون المسجد عن النجاسات واجب (وقال: يجوز عمل مكان فيه للوضوء للمصلحة بلا محذور) كقرب جدار، أو بحيث يؤذي المصلين، فيمنع منه إذن. وقال في الفتاوى المصرية: إذا كان في المسجد بركة يغلق عليها باب المسجد، لكن يمشى حولها دون أن يصلى حولها، هل يحرم البول عندها والاستنجاء بالماء بغير الاستجمار بالحجر خارج المسجد؟ الجواب: هذا يشبه البول في المسجد في القارورة، قال: والأشبه أن هذا إذا فعل للحاجة فقريب، وأما اتخاذ ذلك مبالا أو مستنجى فلا. (ولا يكره طهره من إناء نحاس ونحوه) كحديد ورصاص لما تقدم في باب الآنية أنه عليه السلام توضأ من تور نحاس، (ولا) يكره طهره (من إناء بعضه نجس) بحيث
126 يأمن التلويث، (ولا) يكره طهره (من ماء بات مكشوفا، ومن مغطى أولى) قال في الفصول: ومن مغطى أفضل، واحتج بنزول الوباء فيه وأنه لا يعلم هل يختص الشرب أو يعم؟ يشير بذلك إلى حديث مسلم أن رسول الله (ص) قال: غطوا الاناء وأوكوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، ولا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء (ويسن عقب فراغه من الوضوء رفع بصره إلى السماء. وقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) لحديث عمر يرفعه قال: ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ، أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء رواه مسلم ورواه الترمذي وزاد فيه: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ورواه أحمد وأبو داود. وفي بعض رواياته: فأحسن الوضوء، ثم رفع نظره إلى السماء وساق الحديث (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) لخبر أبي سعيد الخدري مرفوعا قال: من توضأ ففرغ من وضوئه فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، طبع الله عليها بطابع ثم رفعت تحت العرش، فلم تكسر إلى يوم القيامة رواه النسائي. قال السامري: ويقرأ سورة القدر ثلاثا. والحكمة في ختم الوضوء والصلاة وغيرهما بالاستغفار، كما أشار إليه ابن رجب في تفسير سورة النصر: أن العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله كما ينبغي، وعن أدائها على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، وإنما يؤدونها على قدر ما يطيقونه، فالعارف يعرف أن قدر الحق أعلا وأجل من ذلك، فهو يستحي من عمله ويستغفر من تقصيره فيه كما يستغفر غيره من ذنوبه وغفلاته، قال: والاستغفار يرد مجردا ومقرونا بالتوبة، فإن ورد مجردا دخل فيه طلب وقاية شر الذنب الماضي بالدعاء والندم عليه، ووقاية شر الذنب المتوقع بالعزم على
127 الاقلاع عنه. وهذا الاستغفار الذي يمنع الاصرار والعقوبة. وإن ورد مقرونا بالتوبة اختص بالنوع الأول، فإن لم يصحبه الندم على الذنب الماضي، بل كان سؤالا مجردا فهو دعاء محض. وإن صحبه ندم فهو توبة. والعزم على الاقلاع من تمام التوبة. (وكذا) يقول ذلك (بعد الغسل قاله في الفائق) قال في الفروع: ويتوجه ذلك بعد الغسل ولم يذكروه. خاتمة: اختلف في الوضوء هل هو من خصائص هذه الأمة؟ فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه من خصائصها، مستدلين بما في صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: لكم سيما ليست لاحد من الأمم، تردون علي غرا محجلين من آثار الوضوء وذهب آخرون إلى أنه ليس مختصا بها، وإنما المخصوص بها الغرة والتحجيل فقط. واحتجوا بالحديث الآخر: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي وأجاب الأولون بضعفه، وبأنه لو صح احتمل أن يكون خاصا بالأنبياء دون أممهم، لا بهذه الأمة. ورد بأنه ورد أنهم كانوا يتوضؤون، ففي قصة جريج الراهب لما رموه بالمرأة أنه توضأ وصلى، ثم قال للغلام: من أبوك؟: قال هذا الراعي وقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث إبراهيم عليه السلام لما مر على الجبار ومعه سارة أنها لما دخلت على الجبار توضأت وصلت ودعت الله عز وجل. باب مسح الخفين (وسائر الحوائل) أعقبه للوضوء لأنه بدل عن غسل، أو مسح ما تحته فيه (وهو) أي مسح الخفين وسائر الحوائل غير الجبيرة، كما يعلم مما يأتي (رخصة) وهي لغة: السهولة، وشرعا: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، وعنه
128 عزيمة، وهي لغة: القصد المؤكد، وشرعا: حكم ثابت بدليل شرعي خال عن معارض راجح، والرخصة والعزيمة، وصفان للحكم الوضعي، قال في الفروع: والظاهر أن من فوائدهما المسح في سفر المعصية، وتعيين المسح على لابسه. قال في القواعد الأصولية: وفيما قاله نظر، (و) المسح على الخفين (أفضل من الغسل) لأنه عليه السلام وأصحابه إنما طلبوا الأفضل. وفيه مخالفة أهل البدع، ولقوله عليه السلام: إن الله يحب أن يؤخذ برخصه (ويرفع) مسح الحائل (الحدث) عما تحته (نصا)، وإن كان مؤقتا، لأن رفع الحدث شرط للصلاة مع القدرة، فلو لم يحصل بالمسح فضل لما صحت الصلاة به لوجود القدرة عليه بالغسل (إلا أنه لا يستحب له أن يلبس) الخف ونحوه (ليمسح) عليه كما كان (ص) يغسل قدميه، إذا كانتا مكشوفتين، ويمسح قدميه إذا كان لابسا للخف، فالأفضل لكل واحد ما هو الموافق لحال قدمه، كما ذكره الشيخ تقي الدين، و (كالسفر، ليترخص) فإنه لا يطلب له ذلك، بل يأتي لو سافر لينظر جرما، (ويكره لبسه) أي الخف (مع مدافعة أحد الأخبثين) لأن الصلاة مكروهة بهذه الطهارة، فكذلك اللبس الذي يراد للصلاة، قال في الشرح: والأولى أن لا يكره، وروي عن إبراهيم النخعي أنه كان إذا أراد أن يبول لبس خفيه ولأنها طهارة كاملة. أشبه ما لو لبسهما عند غلبة النعاس. والصلاة إنما كرهت للحاقن لأن اشتغال قلبه بمدافعة الأخبثين يذهب بخشوع الصلاة، ويمنع الاتيان بها على الكمال، ويحمله على العجلة ولا يضر ذلك في اللبس، والله أعلم. (ويصح) المسح (على خف) في رجليه لثبوته بالسنة الصريحة. قال ابن المبارك: ليس فيه خلاف. وقال الحسن: روى المسح سبعون نفسا، فعلا منه عليه السلام. وقال أحمد: ليس في قلبي من المسح على الخفين شئ، فيه أربعون حديثا عن النبي (ص) قال في المبدع: ومن أمهاتها حديث جرير، قال: رأيت النبي (ص) بال، ثم توضأ ومسح على خفيه قال إبراهيم النخعي:
129 فكان يعجبهم ذلك، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة متفق عليه. فلا يكون الامر الوارد فيها بغسل الرجلين ناسخا للمسح، كما صار إليه بعض الصحابة، وقد استنبطه بعض العلماء من القرآن من قراءة من قرأ: * (وأرجلكم) * بالجر، وحمل قراءة النصب على الغسل، لئلا تخلو إحدى القراءتين عن فائدة. (و) يصح المسح أيضا على (جرموق)، وهو (خف قصير) لما روى بلال قال: رأيت النبي (ص) يمسح على الموق رواه أحمد وأبو داود. ولسعيد بن منصور في سننه عن بلال قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: امسحوا على النصيف والموق، أي الجرموق قال الجوهري: هو مثال الخف، يلبس فوقه لا سيما في البلاد الباردة، وهو معرب. كذا كل كلمة فيها جيم وقاف. (و) يصح المسح أيضا على (جورب صفيق من صوف أو غيره) قال الزركشي: هو غشاء من صوف يتخذ للدف ء وقال في شرح المنتهى: ولعله اسم لكل ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد. قال ابن المنذر: يروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله (ص): علي، وعمار، وابن مسعود، وأنس، وابن عمر، والبراء، وبلال، وابن أبي أوفى، وسهل بن سعد، نعلا أو لم ينعلا. كما أشار إليه بقوله (وإن كان) الجورب (غير مجلد، أو منعل، أو كان) الجورب (من خرق) وأمكنت متابعة المشي فيه، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم: لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا لأنهما لا يمكن متابعة المشي فيهما. فهما كالرقعتين. ولنا حديث المغيرة بن شعبة أن النبي (ص): مسح على الجوربين والنعلين رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح. وهذا يدل على أنهما
130 كانا غير منعولين، لأنه لو كانا كذلك لم يذكر النعلين، فإنه لا يقال: مسح على الخف ونعله. ولأنه قول من ذكر من الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، والجوارب في معنى الخف. لأنه ساتر لمحل الفرض، يمكن متابعة المشي فيه. أشبه الخف. وتكلم في الحديث بعضهم. قال أبو داود: كان ابن مهدي لا يحدث به، لأن المعروف عن المغيرة الخفين. قال في المبدع: وهذا لا يصلح مانعا، لجواز رواية اللفظين، فيصح المسح على ما تقدم (حتى لزمن) لا يمكنه المشي لعاهة، للعموم (ومن له رجل واحدة لم يبق من فرض) الرجل (الأخرى شئ) فلبس ما يصح المسح عليه في الباقية. جاز له المسح عليه لأنه ساتر لفرضه. وعلم منه: أنه لو لبس خفا في إحدى رجليه مع بقاء الأخرى أو بعضها، وأراد المسح عليه، وغسل الأخرى. أو بعضها، وأراد المسح عليه وغسل الأخرى. أو ما بقي منها لم يجز له ذلك، بل يجب غسل ما في الخف تبعا للتي غسلها. لئلا يجمع بين البدل والمبدل في محل واحد، (و) حتى (لمستحاضة ونحوها) لان صاحب العذر أحق بالترخص من غيره، وطهارتها كاملة بالنسبة إليها، بل تقدم أنها ترفع الحدث، و (لا لمحرم لبسهما) أي الخفين، (ولو لحاجة) كعدم النعلين، فلا يمسح عليهما كما لو لبست المرأة العمامة لحاجة برد أو غيره وقيل: يجوز وهو أظهر. قال المنقح في حاشية التنقيح: وهو ظاهر كلام الأصحاب، لاطلاقهم المسح على الخفين، ولم يستثنوا أحدا. ولم أر المسألة إلا في الفروع. وعنده تحقيق انتهى. قلت: قد يقال: قول الأصحاب في اشتراط المسح إباحة الخف مطلقا يمنع قوله: هو ظاهر كلام الأصحاب. لأن الخف لا يباح للمحرم على الاطلاق، بل للحاجة، فهو كخف من حرير لضرورة. (ويصح المسح على عمائم ذكور) لقول عمرو بن أمية: رأيت النبي (ص) مسح على عمامته وخفيه رواه البخاري، وقال المغيرة بن شعبة: توضأ رسول الله (ص) ومسح على الخفين والعمامة، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وروى مسلم أن النبي (ص): مسح على الخفين والخمار وبه قال أبو بكر وعمر، وأنس وأبو أمامة. روى الخلال
131 عن عمر: من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله. (و) يصح المسح (على جبائر، جمع جبيرة، وهي أخشاب أو نحوها تربط على الكسر أو نحوه) كالجرح، سميت بذلك تفاؤلا، لحديث جابر عنه (ص) في صاحب الشجة: إنما يكفيه أن يتيمم ويعضد أو يعصب على جرحه خرقة، ويمسح عليها، ويغسل سائر جسده رواه أبو داود والدارقطني، وهو قول عمرو، لم يعرف له مخالف من الصحابة. (و) يصح المسح أيضا (على خمر النساء المدارة تحت حلوقهن) لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها، ذكره ابن المنذر. ولقوله (ص): امسحوا على الخفين والخمار رواه أحمد ولأنه ساتر يشق نزعه أشبه العمامة المحنكة. ولا يجوز المسح على الوقاية. لأنه لا يشق نزعها. فهي كطاقية الرجل، و (لا) على (القلانس) جمع قلنسوة أو قلنسية (وهي مبطنات تتخذ للنوم و) لا على (الدنيات) وهي (قلانس كبار أيضا. كانت القضاة تلبسها) قديما. قال في مجمع البحرين: هي على هيئة ما تتخذه الصوفية الآن، ووجه عدم المسح عليها: أنه لا يشق نزعها فلم يجز المسح عليها كالكلوتة (ومن شرطه) أي المسح على الخفين وسائر الحوائل (أن يلبس الجميع بعد كمال الطهارة بالماء) لما روى أبو بكر أن النبي (ص) رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما رواه الشافعي وابن خزيمة والطبراني وحسنه البخاري، وقال: هو صحيح الاسناد. والطهر المطلق ينصرف إلى الكامل: وأيضا روى المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي (ص) في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين متفق عليه، ولفظه للبخاري (ولو مسح فيها) أي الطهارة (على خف) بأن لبس خفا على طهارة. ثم أحدث وتوضأ ومسح عليه، ثم لبس عمامة، أو جبيرة فله المسح عليها، (أو) مسح في الطهارة على (عمامة أو جبيرة) أي لو توضأ، ثم لبس عمامة، أو جبيرة، ثم أحدث، وتوضأ، ومسح عليها، ثم لبس خفا جاز له المسح
132 عليه، لأن ما تقدم طهارة كاملة ترفع الحدث. أشبه ما لو غسل الكل، (أو غسل صحيحا وتيمم لجرح)، ثم لبس حائلا، جاز له المسح عليه، لأنه تقدمه طهارة كاملة بالنسبة إليه (فلا يمسح على خف) ولا جرموق ولا جورب ولا عمامة ولا خمار ولا جبيرة (لبسه على طهارة تيمم) لأنه لا يرفع حدثا (ولو غسل رجلا، ثم أدخلها الخف) قبل غسل الأخرى (خلع) الخف، (ثم لبس بعد غسل الأخرى) لتكمل الطهارة (ولو لبس الأولى طاهرة) قبل غسل الأخرى، (ثم غسل) الرجل (الأخرى وأدخلها) خفها (لم يمسح) لأن لبسه للخفين لم يكن بعد كمال الطهارة (فإن خلع الأولى ثم لبسها) مع بقاء طهارته (جاز) له المسح، لأن لبسهما بعد كمال الطهارة (وإن تطهر، ثم أحدث قبل لبسه) الخف أو نحوه لم يمسح عليه لأنه لم يلبسه على طهارة (فان تطهر ثم أحدث قبل لبسه) الخف أو نحوه لم يمسح عليه (أو) تطهر ثم أحدث (بعده) أي بعد لبسه الخف، أو نحوه، لأنه لم يلبسه على طهارة (قبل أن تصل القدم إلى موضعها) لم يجز المسح، لأن الرجل حصلت في مقرها وهو محدث، فصار كما لو بدأ اللبس وهو محدث، (أو لبسه) أي الخف ونحوه (محدثا ثم غسلهما) أي الرجلين (فيه) أي في الخف ونحوه، لم يجز المسح، (أو) لبسه في أثناء الطهارة (قبل كمال طهارته، ثم غسلهما) أي الرجلين (فيه) أي في الخف ونحوه، ثم تمم طهارته لم يجز له المسح (أو نوى جنب ونحوه) كحائض ونفساء انقطع دمهما (رفع حدثه، ثم غسلهما، وأدخلهما فيه) أي في الخف ونحوه، (ثم تمم طهارته لم يجز) له (المسح) لأنه لم يلبسه بعد كمال الطهارة، (وإن) غسل وجهه ويديه و (مسح رأسه ثم لبس العمامة، ثم غسل رجليه خلع) العمامة، (ثم لبسها) ليوجد شرط المسح كالخف (ولو شد الجبيرة على غير طهارة) بالماء (نزع) الجبيرة إذا تطهر ليغسل ما تحتها، بناء على أن تقدم الطهارة على شدها شرط. وهو اختيار القاضي، والشريف، وأبي جعفر، وأبي الخطاب، وابن عبدوس. وقدمها في الرعاية والفروع وغيرهم. لأنه مسح على حائل أشبه الخف. وعنه لا يشترط، قدمها ابن تميم، واختارها الخلال، وابن عقيل، وصاحب التلخيص فيه والموفق، وجزم بها في الوجيز
133 للاخبار وللمشقة، لأن الجرح يقع فجأة أو في وقت لا يعلم الماسح وقوعه فيه، وعلى الأول (فإن خاف) من نزعها تلفا أو ضررا (تيمم) لغسل ما تحتها. لأنه موضع يخاف الضرر باستعماله الماء فيه. فجاز التيمم له، كجرح غير مشدود (فلو عمت) الجبيرة (محل الفرض) في التيمم، بأن عمت الوجه واليدين (كفى مسحها بالماء) لأن كلا من التيمم والمسح بدل عن الغسل. فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر (ويمسح مقيم، ولو عاصيا بإقامة، كمن أمره سيده بسفر فأبى) أن يسافر: يوما وليلة، (و) يمسح (عاص بسفره) بعيدا كان أو قريبا (يوما وليلة) وكذا مسافر دون المسافة، لأنه في حكم المقيم، (و) يمسح (مسافر سفر قصر ثلاثة أيام بلياليهن) لما روى شريح بن هانئ قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين فقالت: سل عليا. فإنه كان يسافر مع النبي (ص) فسألته، فقال: قال رسول الله (ص): للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة رواه مسلم، قال أحمد في رواية الأثرم: هو صحيح مرفوع. ويخلع عند انقضاء المدة. فإن خاف أو تضرر رفيقه بانتظاره تيمم. فلو مسح وصلى أعاد نص عليه. ويمسح المدة المذكورة لابس الخفين (ولو مستحاضة ونحوها) كمن به سلس بول أو نحوه، لعموم الاخبار. وابتداء المدة (من وقت حدث بعد لبس إلى مثله) من الثاني أو الرابع، لحديث صفوان بن عسال قال: أمرنا رسول الله (ص) إذا كنا مسافرين أو سفرا: أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، وإلا من جنابة، ولكن من غائط ونوم وبول رواه أحمد والترمذي وصححه. وقال الخطابي: هو صحيح الاسناد. يدل بمفهومه: أنها تنزع لثلاث مضين من الغائط. ولأنها عبادة مؤقتة. فاعتبر لها أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة، (فلو مضت
134 المدة) بأن مضى من الحدث يوم وليلة، أو ثلاثة إن كان مسافرا (ولم يمسح فيها) على الخف أو نحوه (خلع) لفراغ مدته، وما لم يحدث فلا تحتسب المدة، فلو بقي بعد لبسه يوما على طهارة اللبس، ثم أحدث استباح بعد الحدث المدة. وهذا التوقيت السابق مفصلا في غير الجبيرة. ولذلك قال: (و) يمسح على (جبيرة إلى حلها) لأن مسحها للضرورة، فيقدر بقدرها. والضرورة تدعو إلى مسحها إلى حلها. فقدر بذلك دون غيره. وبرؤها كحلها بل أولى (ومن مسح مسافرا، ثم أقام أتم بقية مسح مقيم، إن كانت) أي وجدت له بقية من اليوم والليلة (وإلا) بأن مضى بعد الحدث يوم وليلة فأكثر، ثم أقام (خلع) الخف ونحوه. لانقطاع السفر. فلو تلبس بصلاة في سفينة فدخلت الإقامة في أثنائها بعد اليوم والليلة، أبطلت. قال في الرعاية: في الأشهر انتهى. وكذا لو نوى الإقامة (وإن مسح مقيم أقل من يوم وليلة ثم سافر) أتم مسح مقيم، تغليبا للإقامة لأنها الأصل (أو شك هل ابتدأ المسح حضرا، أو سفرا أتم مسح مقيم) لأن الأصل الغسل والمسح رخصة. فإذا وقع الشك في شرطها رد إلى الأصل. وسواء شك هل أول مسحه في الحضر أو السفر؟ أو علم أول المدة، أو شك هل كان مسحه حضرا، أو سفرا؟ (وإن شك) الماسح (في بقاء المدة لم يجز المسح) مقيما كان، أو مسافرا، ما دام الشك. لأن المسح رخصة جوزت بشرط، فإن لم يتحقق بقاء شرطها رجع إلى الأصل (فلو خالف وفعل) أي مسح مع الشك في بقاء المدة (فبان بقاؤها صح وضوؤه) ولا يصلي به قبل أن يتبين له بقاؤها. فإن صلى مع الشك أعاد (ومن أحدث) في الحضر (ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر) لأنه ابتدأ المسح مسافرا (ولا يصح المسح إلا على ما يستر محل الفرض) وهو القدم كله، وإلا فحكم ما استتر: المسح، وما ظهر: الغسل. ولا سبيل إلى الجمع بينهما. فوجب الغسل. لأنه الأصل، (و) من شرط المسح على الخف أيضا: أن (يثبت بنفسه) إذ الرخصة وردت في الخف المعتاد، وما لا يثبت بنفسه ليس في معناه. فلا يصح المسح على ما يسقط لفوات شرطه، (أو) أن يثبت (بنعلين ف) - لو ثبت الجوربان بالنعلين فإنه (يصح) المسح عليهما على ما سبق من المدة (إلى خلعهما) ويجب أن يمسح على الجوربين، وسيور النعلين قدر الواجب، قاله القاضي، وقدمه في الرعاية الكبرى. قال في الصغرى والحاويين: مسحهما، وقيل: يجزي مسح الجورب وحده. وقيل: أو النعل. قال المجد في شرحه، وابن عبيدان، وصاحب مجمع البحرين: ظاهر كلام أحمد إجزاء المسح على أحدهما قدر الواجب. قلت: ينبغي أن يكون هذا المذهب.
135 قاله في الانصاف. و (لا) يصح المسح على خف يثبت (بشدة) فقط (نصا) لما تقدم (ولو ثبت) الخف ونحوه (بنفسه لكن ببدو بعضه لولا شده أو شرجه) بالشين المعجمة والجيم بأن يكون له عرى (كالزر بول الذي له ساق) فيدخل بعضها في بعض فيستتر بذلك محل الفرض (ونحوه صح المسح عليه) لأنه خف ساتر يمكن متابعة المشي فيه. أشبه غير ذي الشرج (ومن شرطه) أي المسح على الخف ونحوه (أيضا إباحته) لأن المسح رخصة، فلا تستباح بالمعصية (فلا يصح) المسح (على) خف (مغصوب، و) لا (حرير، ولو في ضرورة، كمن هو في بلد ثلج، وخاف سقوط أصابعه) بخلع الخف المغصوب أو الحرير. فلا يستبيح المسح عليه، لأنه منهي عنه في الأصل. وهذه ضرورة نادرة (فإن صلى) وقد مسح عليه إذن (أعاد الطهارة والصلاة) لبطلانهما (ويصح) المسح (على) خف ونحوه (حرير لأنثى فقط) دون خنثى وذكر. لاباحته لها دونهما ولو صغيرين. (ويشترط) أيضا في مسح الخفين ونحوهما (إمكان المشي فيه) أي الممسوح من خف ونحوه (عرفا ولو لم يكن معتادا، فدخل في ذلك الجلود واللبود والخشب والزجاج والحديد ونحوها) لأنه خف ساتر يمكن المشي فيه. أشبه الجلود. (و) يشترط أيضا (طهارة عينه) لأن نجس العين منهي عنه (فلا يصح) المسح (على نجس ولو في ضرورة) لما تقدم في الحرير (فيتيمم معها) أي الضرورة (للرجلين) أي لا بد عن غسلهما. وكذا لو كان النجس عمامة، أو جبيرة وتضرر بنزعها يتيمم لما تحتها. قال في المنتهى: ويتيمم معها لمستور، (ولا يمسح) على النجس، (ويعيد) ما صلى به لأنه حامل للنجاسة (ولو مسح على خف طاهر العين، لكن بباطنه أو قدمه نجاسة لا يمكن إزالتها إلا بنزعه جاز المسح عليه) لوجود شرطه، (ويستبيح بذلك مس
136 المصحف، و) يستبيح (الصلاة إذا لم يجد ما يزيل) به (النجاسة وغير ذلك) كالطواف، بخلاف الوضوء قبل الاستنجاء. وفرق المجد بينهما بأن نجاسة المحل هناك لما أوجبت الطهارتين جعلت إحداهما تابعة للأخرى. وهذا معدوم هنا. (ويشترط) في الخف ونحوه أيضا (أن لا يصف القدم لصفائه كالزجاج الرقيق) لأنه غير ساتر لمحل الفرض. وكذا ما يصف البشرة لخفته فلا يصح المسح عليه (فإن كان فيه) أي في الخف ونحوه (خرق أو غيره يبدو منه بعض القدم، ولو من موضع الخرز، لم يمسح عليه) لعدم ستره محل الفرض (فإن انضم الخرق ونحوه بلبسه جاز المسح) لحصول الشرط وهو ستر محل الفرض. ويشترط أيضا أن لا يكون واسعا يرى منه محل الفرض، (وإن لبس خفا فلم يحدث حتى لبس عليه آخر، وكانا) أي الخفان (صحيحين مسح أيهما شاء) ف (- إن شاء) مسح (الفوقاني) لأنه خف ساتر ثبت بنفسه، أشبه المنفرد (وإن شاء) مسح (التحتاني، بأن يدخل يده من تحت الفوقاني فيمسح عليه) أي على التحتاني. لأن كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح عليه. كما يجوز غسل قدميه في الخف، مع جواز المسح عليه (ولو لبس أحد الجرموقين في إحدى الرجلين) فوق خفها (دون) الرجل (الأخرى) فلم يلبس فيها جوربا، بل الخف فقط (جاز المسح عليه) أي على الجورب الذي لبسه فوق الخف، (وعلى الخف الذي في الرجل الأخرى) لان الحكم تعلق به وبالخف الذي في الرجل الأخرى، فهو كما لو لم يكن تحته شئ، (فإن كان أحدهما) أي الخفين اللذين لبس أحدهما فوق الآخر (صحيحا) والآخر مفتقا (جاز المسح على الفوقاني) لأنهما كخف واحد، وكذا إن لبس على صحيح مخرقا نص عليه، قاله في المبدع، (ولا يجوز) المسح (على) الخف (التحتاني) إذا كان أحد الخفين صحيحا والآخر مفتقا (إلا أن يكون) التحتاني (هو الصحيح) فيصح المسح عليه، لأنه ساتر بنفسه. أشبه ما لو انفرد، بخلاف ما إذا كان الفوقاني هو الصحيح فلا يصح المسح إذن على التحتاني. لأنه غير ساتر بنفسه.
137 قال في الانصاف: وكل من الخف الفوقاني والتحتاني بدل مستقل من الغسل على الصحيح، (وإن كانا) أي الخفان (مخرقين) وليس أحدهما فوق الآخر (وسترا) محل الفرض (لم يجز المسح) عليهما ولا على أحدهما. لأن كل واحد منهما غير صالح للمسح على انفراده. كما لو لبس مخرقا فوق لفافة (وإن نزع الفوقاني قبل مسحه لم يؤثر) كما لو انفرد، (وإن) توضأ ولبس خفا، ثم (أحدث، ثم لبس) الخف (الآخر) لم يجز المسح عليه لأنه لبسه على غير طهارة، بل على الأسفل، (أو مسح) الخف (الأول) بعد حدثه، (ثم لبس) الخف (الثاني) ولو على طهارة (لم يجز المسح عليه) أي على الثاني. لأن الخف الممسوح بدل عن غسل ما تحته. والبدل لا يكون له بدل آخر (بل على الأسفل) لأن الرخصة تعلقت به (وإن) لبس خفا على آخر قبل الحدث ومسح الأعلى، ثم (نزع الممسوح الأعلى لزمه نزع التحتاني) وإعادة الوضوء. لأنه محل المسح. ونزعه كنزعهما. والرخصة تعلقت بهما، فصار كانكشاف القدم (وقشط ظهارة الخف) بكسر الظاء المشالة ضد البطانة (بعد المسح عليه لا يؤثر) في الوضوء. لبقاء ستر محل الفرض، (ويمسح) خفا (صحيحا) لبسه على طهارة (على لفافة) لأنه خف ساتر لمحل الفرض. أشبه ما لو انفرد، و (لا) يمسح خفا (مخرقا) لبسه (عليها) أي على لفافة، لأنه لا يستر محل الفرض، كما لو انفرد (ولا) يمسح (لفائف وحدها) وهي خرق تشد على الرجل تحتها نعل أو لا، ولو مع مشقة في الأصح، قاله في الفروع. (ويجب مسح أكثر أعلى خف ونحوه) كجورب وجرموق. قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب. ولا يسن استيعابه (مرة) فلا يجب تكراره، بل ولا يسن (دون أسفله) أي الخف (وعقبه، فلا يجزئ مسحهما) عن مسح ظاهره، (بل ولا يسن) مسحهما مع مسح ظاهره لقول علي: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف
138 أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي (ص) يمسح على ظاهر خفيه رواه أحمد وأبو داود، قال الحافظ عبد الغني: إسناده صحيح فبين أن الرأي وإن اقتضى مسح أسفله، إلا أن السنة أحق أن تتبع، لأن أسفله مظنة ملاقاة النجاسة وكثرة الوسخ، فمسحه يفضي إلى تلوث اليد من غير فائدة، وما ورد أنه عليه السلام: مسح أعلى الخف وأسفله فرواه أحمد، وقال: من وجه ضعيف، والترمذي وقال معلول: وقال: سألت أبا زرعة ومحمدا - أي البخاري - عن هذا الحديث، فقالا: ليس بصحيح، (وتكره الزيادة عليها) أي على المرة في مسح الخف، لأنه يفسده (فيضع يديه مفرجتي الأصابع على أطراف أصابع رجليه، ثم يمرهما على مشطي قدميه إلى ساقيه) هذا صفة المسح المسنون، قاله ابن عقيل وغيره، لما روى البيهقي في سننه عن المغيرة بن شعبة أن النبي (ص): مسح على خفيه، وضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح إلى أعلاه مسحة واحدة، (فإن بدأ) في المسح (من ساقه إلى أصابعه أجزأه) قال أحمد: كيفما فعلت فهو جائز، (ويسن مسح) الرجل (اليمنى ب) - اليد (اليمنى، و) الرجل (اليسرى ب) - اليد (اليسرى) لحديث المغيرة السابق (وفي التلخيص والترغيب: يسن تقديم اليمنى) وحكاه في المبدع عن البلغة، وقال: حديث المغيرة السابق ليس فيه تقديم، (وحكم مسحه بإصبع أو إصبعين إذا كرر المسح بها) أي بما ذكر من الإصبع، أو الإصبعين (حتى يصير المسح) بها (مثل المسح بأصابعه) حكم مسح الرأس في الاجزاء، (أو) أي وحكم المسح (بحائل كخرقة ونحوها) كخشبة حكم مسح الرأس في الاجزاء، (و) حكم (غسله حكم مسح
139 الرأس على ما تقدم) فيجزي إن مسحه مع ذلك، وإلا فلا، (ويكره غسله) أي الخف لأنه يفسده، (ويصح) أي يجب (مسح دوائر عمامة) أما صحة المسح على العمامة فلما تقدم، وأما كون الواجب مسح (أكثرها) فلأنها ممسوحة على وجه البدل، فأجزأ فيها ذلك كالخف، واختص ذلك بأكوارها وهي دوائرها (دون وسطها) لأنه يشبه أسفل الخف، وإنما يصح المسح على العمامة (إذا كانت مباحة) بأن لا تكون محرمة، كمغصوبة أو حرير، لما تقدم في الخف، وأن تكون (محنكة) وهي التي يدار منها تحت الحنك كور - بفتح الكاف - أو كوران، سواء كان لها ذؤابة أو لا، لأنها عمامة العرب، ويشق نزعها، وهي أكثر سترا، (أو) تكون (ذات ذؤابة) بضم المعجمة وبعدها همزة مفتوحة - وهي طرف العمامة المرخي، وأصلها الناصية، أو منبتها من الرأس وشعر في أعلى ناصية الفرس، لأن إرخاء الذؤابة من السنة، قال أحمد في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث: ينبغي أن يرخي خلفه من عمامته. كما جاء عن ابن عمر أنه كان يعتم ويرخيها بين كتفيه، وعن ابن عمر قال: عمم النبي (ص) عبد الرحمن بعمامة سوداء وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع ولأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة (كبيرة كانت العمامة أو صغيرة) وأن تكون (لذكر) كبير أو صغير (لا أنثى) كبيرة أو صغيرة، لأنها منهية عن التشبه بالرجال، فلا تمسح أنثى على عمامة (ولو لبستها لضرورة برد وغيره) وكذا خنثى، ويصح مسح الذكر على العمامة غير الصماء (بشرط سترها لما لم تجر العادة بكشفه) كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس، فإنه يعفى عنه، بخلاف خرق الخف ونحوه، لأن هذا مما جرت العادة به، ويشق التحرز منه، (ولا يجب أن يمسح معها) أي العمامة (ما جرت العادة بكشفه) لأن العمامة نابت عن الرأس، فانتقل الفرض إليها وتعلق الحكم بها، وفي نسخ: (بل يسن) نص عليه لأن النبي (ص) مسح بناصيته في حديث المغيرة، وهو صحيح، قاله في الشرح، وعلم مما سبق أنه لا يجوز المسح على العمامة الصماء، لأنها لم تكن عمامة المسلمين ولا يشق نزعها، أشبهت الطاقية. وروي أن النبي (ص) أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط رواه أبو عبيد، والاقتعاط أن لا يكون تحت
140 الحنك منها شئ، قال عبد الله: كان أبي يكره أن يعتم الرجل بالعمامة ويجعلها تحت حنكه. وقد روي عنه أنه كرهه كراهة شديدة، وقال: إنما يعتم مثل هذا اليهود والنصارى، قال الشيخ تقي الدين: والأقرب أنها كراهة لا ترتقي إلى التحريم، ومثل هذا لا يمنع الترخص، كسفر النزهة، كذا قاله في الفروع، وقال: ولعل الظاهر من جواز المسح إباحة لبسها، وهو متجه لأنه فعل أبناء المهاجرين والأنصار، وتحمل كراهة السلف على الحاجة لذلك، لجهاد أو غيره، واختاره شيخنا، أو على ترك الأولى، وحمله صاحب المحرر غير ذات ذؤابة (ويجب مسح جميع جبيرة) لأنه لا ضرر في تعميمها به، بخلاف الخف، فإنه يشق تعميم جميعه، ويتلفه المسح (لم تجاوز) الجبيرة (قدر الحاجة) بشدها، لأنه موضع حاجة، فتقيد بقدرها، وموضع الحاجة هو موضع الكسر ونحوه وما لا بد من وضع الجبيرة عليه من الصحيح، لأنها لا بد أن توضع على طرفي الصحيح، ليرجع الكسر، (ويجزئ) المسح على الجبيرة (من غير تيمم) لأنه مسح على حائل، فأجزأ من غير تيميم، كمسح الخف بل أولى. إذ صاحب الضرورة أحق بالتخفيف، والاستدلال بقصة صاحب الشجة ضعيف بأنه يحتمل أن الواو فيه بمعنى أو، يحتمل أن التيمم فيه لشد العصابة فيه على غير طهارة (فإن تجاوزت) الجبيرة محل الحاجة (وجب نزعها) ليغسل ما يمكنه غسله من غير ضرر (فإن خاف) من نزعها (تلفا أو ضررا تيمم لزائد) على قدر الحاجة، ومسح ما حاذى محل الحاجة، وغسل ما سوى ذلك، فيجمع إذن بين الغسل والمسح والتيمم، (ويحرم الجبر بجبيرة نجسة، كجلد الميتة والخرقة النجسة، و) يحرم الجبر (بمغصوب، والمسح على ذلك باطل وكذا الصلاة فيه) ذكره ابن عقيل وغيره (كالخف النجس وكذلك الحرير لذكر) يحرم الجبر به، ولا يصح المسح عليه (ودواء وعصابة) شد بها رأسه أو غيرها (ولصوق على جرح، أو وجع ولو قارا في شق) وتضرر بقلعه (أو تألمت إصبعه، فألقمها مرارة كجبيرة) إذا وضعها على طهارة جاز المسح عليها، لأنها في معناها، وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر: أنه خرجت بإبهامه
141 قرحة فألقمها مرارة، وكان يتوضأ عليها، قال في الانصاف: لو انقلع ظفره أو كان بإصبعه قرحة، أو فصد، وخاف إصابة الماء أن يزرق الجرح، أو وضع دواء على الجرح، أو وجع ونحوه، جاز المسح عليه، نص عليه (ومتى ظهر بعض قدمه بعد الحدث وقبل انقضاء المدة) فحش أو لا، (أو) ظهر بعض (رأسه، وفحش) ما ظهر (فيه) أي في الرأس فقط: استأنف الطهارة لبطلان ما قبلها بذلك، لأن المسح أقيم مقام الغسل أو المسح. فإذا أزال الممسوح بطلت الطهارة في القدمين أو الرأس، فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض، وسواء فاتت الموالاة أو لم تفت وعلم: منه أن انكشاف يسير من الرأس لا يضر، قال أحمد: إذا زالت عن رأسه فلا بأس به، ما لم يفحش، لأنه معتاد (أو انتقض بعض عمامته) قال القاضي: لو انتقض منها كور واحد بطلت، لأنه زال الممسوح عليه. أشبه نزع الخف، (أو انقطع دم مستحاضة أو زال ضرر من به سلس البول ونحوه) كالرعاف، بأن انقطع استأنف الطهارة وخلع، لأن الحكم بصحة طهارة إنما كان لوجود العذر. فإذا زال حكم ببطلانها على الأصل (أو انقضت مدة مسح) وهي اليوم والليلة أو الثلاثة (ولو) كان الماسح (متطهرا أو في صلاة استأنف الطهارة، وبطلت الصلاة) لأنها طهارة مؤقتة، فبطلت بانتهاء وقتها، كخروج وقت الصلاة في حق المتيمم، ويعيد الوضوء، لا لوجوب الموالاة، بل لأن المسح يرفع الحدث، والحدث لا يتبعض. فإذا خلع عاد الحدث إلى العضو الذي مسح الحائل عنه، فيسري إلى بقية الأعضاء، فيستأنف الوضوء. وإن قرب الزمن. وقطع بهذه الطريقة القاضي أبو الحسين، وصححه المجد في شرحه وابن عبد القوي في مجمع البحرين وغيرهم. وقال أبو المعالي: إن هذا الصحيح من المذهب عند المحققين، (وزوال جبيرة) ولو قبل برء الكسر أو الجرح، وبرؤها (ك) - خلع (خف) لأن مسحها بدل عن غسل ما تحتها، إلا أنها إذا مسحت في الطهارة الكبرى، وزالت أجزأ غسل ما تحتها، لعدم وجوب الموالاة في الطهارة الكبرى قاله في شرح المنتهى وغيره. وقد تقدم لك أن الصحيح عند المحققين أن المسألة ليست مبنية على وجوب الموالاة، بل على رفع المسح للحدث وعدم تبعضه. وإذن لا فرق بينهما، (وخروج قدم) الماسح، (أو بعضه إلى ساق خفه، كخلعه) لأنه لا يمكن متابعة المشي فيه (ولا مدخل لحائل في طهارة كبرى) لحديث صفوان قال: أمرنا
142 رسول الله (ص) أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، (إلا الجبيرة) لحديث جابر. ولان الضرر يلحق بنزعها بخلاف الخف، (وامرأة كرجل في مسح) ما تقدم من الحوائل، لعموم الأدلة (غير العمامة) فيمسح عليها الذكر دون المرأة كما تقدم. ولا يمسح الخنثى على عمامة لاحتمال أن يكون أنثى. باب نواقض الوضوء (وهي مفسداته) النواقض: جمع ناقضة أو ناقض، وقولهم فاعل لا يجمع على فواعل وصفا، وشذ: فوارس وهوالك ونواكس، في فارس وهالك وناكس. خصه ابن مالك وطائفة بما إذا كان وصفا لعاقل. وما هنا ليس منه. يقال: نقضت الشئ إذا أفسدته. والنقض حقيقة في البناء، واستعماله في المعاني مجاز كنقض الوضوء ونقض العلة، وعلاقته الابطال. (وهي) أي نواقض الوضوء (ثمانية) أنواع بالاستقراء. (أحدها: الخارج من السبيلين إلى ما هو في حكم الظاهر، ويلحقه حكم التطهير) من الحدث والخبث. لقوله تعالى: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * ولقوله (ص): ولكن من غائط أو بول الحديث. وقوله في المذي: يغسل ذكره ويتوضأ وقوله: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وقوله: ويلحقه حكم التطهير: مخرج لباطن فرج الأنثى، إن قلنا: هو في حكم الظاهر، لكن لا يلزم تطهيره للمشقة، وعطف تفسير، إن قلنا هو في حكم الباطن
143 (إلا ممن حدثه دائم) فلا يبطل وضوءه بالحدث الدائم للحرج والمشقة (قليلا كان) الخارج (أو كثيرا) لعموم ما تقدم (نادرا) كان (أو معتادا) أما المعتاد، كالبول والغائط والودي والمذي والريح، فلما تقدم. وأما النادر، كالدم والدود والحصى، فلما روى عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، فسألت النبي (ص) فقال: إذا كان دم الحيض، فإنه أسود يعرف فإذا كان كذلك فامسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو دم عرق رواه أبو داود والدارقطني، وقال: إسناده كلهم ثقات فأمرها بالوضوء ودمها غير معتاد، فيقاس عليه ما سواه (طاهرا) كان الخارج، كولد بلا دم (أو نجسا) كالبول وغيره فينقض الخارج من السبيلين، (ولو) كان (ريحا من قبل أنثى، أو) من (ذكر) لعموم قوله (ص): لا وضوء إلا من حدث أو ريح رواه الترمذي وصححه من حديث أبي هريرة. وهو شامل للريح من القبل. وقال ابن عقيل: يحتمل أن يكون الأشبه بمذهبنا أن لا ينقض، لأن المثانة ليس لها منفذ إلى الجوف، ولم يجعلها أصحابنا جوفا، فلم يبطلوا الصوم بالحقنة فيه. قال في المغني: ولا نعلم لهذا - أي خروج الريح من القبل - وجودا ولا نعلم وجوده في حق أحد، وقد قيل: إنه يعلم وجوده بأن يحس الانسان في ذكره دبيبا. وهذا لا يصح، فإن هذا لا يحصل به اليقين والطهارة لا تنقض بالشك، فإن قدر وجود ذلك يقينا نقض الطهارة، لأنه خارج من السبيلين، فنقض قياسا على سائر الخوارج (فلو احتمل) المتوضئ (في قبل أو دبر قطنا أو ميلا، ثم خرج ولو بلا بلل) نقض، صححه في مجمع البحرين، ونصره. قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب. وخروجه بلا بلة نادر جدا، فعلق الحكم على المظنة. وقيل: لا ينقض إن خرج بلا بلل. قال في تصحيح الفروع والانصاف، وهو ظاهر نقل عبد الله عن الإمام أحمد: ذكره القاضي في المجرد، وصححه ابن حمدان وقدمه
144 ابن رزين في شرحه، زاد في الانصاف، وابن عبيدان انتهى. قال في شرح المنتهى: وهو المذهب، (أو قطر في إحليله دهنا)، أو غيره من المائعات (ثم خرج) نقض لأنه لا يخلو من بلة نجسة تصحبه (أو خرجت الحقنة من الفرج) نقضت (أو ظهر طرف مصران أو رأس دودة) نقض. قال في الانصاف على الصحيح من المذهب انتهى، وكلامه في الفروع أنه كخروج المقعدة، فعليه لا نقض بلا بلل (أو وطئ دون الفرج فدب ماؤه فدخل فرجها)، ثم خرج نقض، (أو استدخلته) أي مني الرجل، (أو) استدخلت (مني امرأة أخرى، ثم خرج نقض) الوضوء، لأنه خارج من السبيل (ولم يجب عليها الغسل) لأنه لم يخرج دفقا بشهوة (فإن لم يخرج من الحقنة) شئ (أو) لم يخرج من (المني شئ لم ينقض) الوضوء، (لكن إن كان المحتقن) أو الحاقن (قد أدخل رأس الزراقة ثم أخرجه نقض) لأنه خارج من سبيل (ولو ظهرت مقعدته فعلم أن عليها بللا) ولم ينفصل (انتقض) وضوؤه بالبلل الذي عليها لأنه خارج من سبيل، و (لا) ينتقض وضوؤه (إن جهل) أن عليها بللا، لأنه لا نقض بالشك (أو صب دهنا) أو غيره (في أذنه فوصل إلى دماغه ثم خرج منها أو) خرج (من فيه) لأنه خارج طاهر من غير السبيل، أشبه البصاق (ولا ينقض يسير نجس خرج من أحد فرجي خنثى مشكل غير بول وغائط) لأن الطهارة متيقنة، فلا تبطل مع الشك في شرط الناقض، وهو كونه من فرج أصلي. وأما إذا كان النجس كثيرا أو بولا أو غائطا فإنه ينقض مطلقا، وكذا اليسير إذا خرج منهما. لأن أحدهما أصل ولا بد. (الثاني): من النواقض: (خروج النجاسات من بقية البدن، فإن كانت) النجاسات (غائطا أو بولا، نقض ولو قليلا، من تحت المعدة أو فوقها، سواء كان السبيلان مفتوحين أو
145 مسدودين) لما تقدم من عموم قوله تعالى: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * وقوله (ص): ولكن من غائط أو بول ولان ذلك خارج معتاد. أشبه الخارج من المخرج، ( لكن لو انسد المخرج وفتح غيره فأحكام المخرج باقية) مطلقا (وفي النهاية إلا أن يكون سد خلقة، فسبيل الحدث المنفتح والمسدود كعضو زائد من الخنثى انتهى. ولا يثبت للمنفتح أحكام المعتاد، فلا ينقض خروج ريح منه، ولا يجزئ الاستجمار فيه، وغير ذلك) كوجوب الغسل بالايلاج فيه وخروج المني منه لأنه ليس بفرج (وإن كانت) النجاسات الخارجة من غير السبيلين (غير الغائط والبول، كالقئ أو الدم والقيح) ودود الجراح (لم ينقض إلا كثيرها) أما كون الكثير ينقض فلقوله عليه السلام في حديث فاطمة: إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة رواه الترمذي. ولأنها نجاسة خارجة من البدن. أشبهت الخارج من السبيل. وأما كون القليل من ذلك لا ينقض، فلمفهوم قول ابن عباس في الدم إذا كان فاحشا فعليه الإعادة قال أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه، وابن عمر عصر بثرة فخرج الدم فصلى ولم يتوضأ، وابن أبي أوفى عصر دملا. وذكر غيرهما، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة. فكان إجماعا (وهو) أي الكثير (ما فحش في نفس كل أحد بحسبه) نص عليه. واحتج بقول ابن عباس الفاحش ما فحش في قلبك قال الخلال: إنه الذي استقر عليه قوله، قال في الشرح: لأن اعتبار حال الانسان بما يستفحشه غيره حرج. فيكون منفيا. وقال ابن عقيل: إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس (فلو مص علق أو قراد، لا ذباب وبعوض) قال في حاشيته: صغار البق (دما كثيرا نقض الوضوء) وكذا لو استخرج كثيره بقطنة لأن الفرق بين ما خرج بنفسه أو بمعالجة لا أثر له في نقض الوضوء وعدمه
146 بخلاف مص بعوض، وبق، وذباب، وقمل، وبراغيث. لقلته ومشقة الاحتراز منه (ولو شرب) إنسان (ماء) أو نحوه (وقذفه في الحال فنجس) ولو لم يتغير، لأن نجاسته بوصوله إلى الجوف لا باستحالته، (وينقض كثيره) أي كثير المقذوف في الحال، لما روى معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي (ص) قاء فتوضأ، قال: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فقال: صدق أنا صببت له وضوءه رواه الترمذي. قال هذا أصح شئ، في هذا الباب، قيل لأحمد: حديث ثوبان ثبت عندك؟ قال: نعم (ولا ينقض بلغم معدة وصدر ورأس لطهارته) كالبصاق والنخامة لأنها تخلق من البدن، (ولا) ينقض أيضا (جشاء نصا) وهو القلس بالتحريك وقيل: بسكون اللام ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه. وليس بقئ، ولكنه حكمه في النجاسة. فإن عاد فهو قئ. (الثالث): من النواقض: (زوال العقل) كحدوث جنون أو برسام كثيرا كان، أو قليلا، (أو تغطيته) بإغماء أو سكر قليل أو كثير. قال في المبدع: إجماعا على كل الأحوال، لأن هؤلاء لا يشعرون بحال، بخلاف النائم، (ولو) كانت تغطيته (بنوم، قال أبو الخطاب) محفوظ (وغيره: ولو تلجم فلم يخرج منه شئ) إلحاقا بالغالب، لأن الحس يذهب معه، ولعموم حديث علي: العين وكاء السه - فمن نام فليتوضأ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وعن معاوية قال: قال رسول الله (ص): العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء رواه أحمد والدارقطني. والسه اسم لحلقة الدبر. ولان النوم ونحوه مظنة الحدث، فأقيم مقامه، والنوم رحمة من الله على
147 عبده ليستريح بدنه عند تعبه وهو غشية ثقيلة تقع على القلب تمنع المعرفة بالأشياء (إلا نوم النبي (ص) ولو كثيرا على أي حال كان) فإنه كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، كما يأتي في خصائصه، (و) إلا النوم (اليسير عرفا من جالس وقائم) لقول أنس كان أصحاب النبي (ص) ينتظرون العشاء الآخرة، حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون رواه أبو داود بإسناد صحيح ولقول ابن عباس في قصة تهجده (ص): فجعلت إذا غفيت يأخذ بشحمة أذني رواه مسلم. ولان الجالس والقائم يشتبهان في الانحفاظ واجتماع المخرج وربما كان القائم أبعد من الحدث، لكونه لو استثقل في النوم سقط (فإن شك في الكثير) أي نام وشك هل نومه كان كثيرا أو يسيرا؟ (لم يلتفت إليه) لتيقنه الطهارة، وشكه في نقضها (وإن رأى) في نومه (رؤيا فهو كثير) نص عليه قال الزركشي: لا بد في النوم الناقض من الغلبة على العقل، فمن سمع كلام غيره وفهمه فليس بنائم، فإن سمعه ولم يفهمه فيسير. قال: وإذا سقط الساجد عن هيئته والقائم من قيامه ونحو ذلك بطلت طهارته. لان أهل العرف يعدون ذلك كثيرا (وإن خطر بباله شئ لا يدري أرؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه) لتيقنه الطهارة وشكه في الحدث (وينقض) النوم (اليسير من راكع وساجد) كمضطجع، وقياسها على الجالس مردود بأن محل الحدث فيهما منفتح، بخلاف الجالس، (و) ينقض اليسير أيضا من (مستند ومتكئ ومحتب كمضطجع) بجامع الاعتماد. (الرابع): من نواقض الوضوء: (مس ذكر آدمي إلى أصول الأنثيين مطلقا) أي سواء كان الماس ذكرا أو أنثى بشهوة أو غيرها ذكره أو ذكر غيره، سواء كان صغيرا أو كبيرا. لحديث بسرة بنت صفوان أن النبي (ص) قال: من مس ذكره فليتوضأ رواه مالك والشافعي وأحمد وغيرهم وصححه أحمد وابن معين.
148 قال البخاري: أصح شئ في هذا الباب حديث بسرة. وعن أم حبيبة معناه. رواه ابن ماجة والأثرم، وصححه أحمد وأبو زرعة، وعن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء رواه الشافعي وأحمد. وفي رواية له: وليس دونه ستر وقد روى ذلك عن بضعة عشر صحابيا. وهذا لا يدرك بالقياس، فعلم أنهم قالوه عن توقيف، وما روى قيس بن طلق عن أبيه أن النبي (ص) سئل عن الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة هل عليه وضوء؟ قال: لا، إنما هو بضعة منك رواه الخمسة ولفظه لأحمد وصححه الطحاوي وغيره وضعفه الشافعي وأحمد: قال أبو زرعة وأبو حاتم: قيس لا تقوم بروايته حجة، ولو سلم صحته فهو منسوخ لأن طلق بن عدي قدم على النبي (ص) وهو يؤسس المسجد. رواه الدارقطني. وفي رواية أبي داود قال: قدمنا على النبي (ص) فجاءه رجل كأنه بدوي فسأله - الحديث ولا شك أن التأسيس كان في السنة الأولى من الهجرة، وإسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وبسرة في الثامنة عام الفتح، وهذا وإن لم يكن نصا في النسخ فهو ظاهر فيه. قال في المبدع: وقد روى الطبراني بإسناده وصححه عن قيس عن أبيه عن النبي (ص) قال: من مس ذكره فليتوضأ قال ويشبه أن يكون طلق سمع الناسخ والمنسوخ، وفي تصحيحه نظر، فإنه من رواية حماد بن محمد الحنفي، وأيوب بن عتبة وهما ضعيفان (بيده) فلا ينقض المس بغيرها. لحديث أبي هريرة السابق، وسواء كان المس (ببطن كفه أو بظهره أو بحرفه) للعموم. فالمراد باليد: من رؤوس الأصابع إلى الكوع. كالسرقة (غير ظفر) فلا ينقض المس به لأنه في حكم المنفصل (من غير حائل) لما تقدم من قوله (ص): وليس دونه ستر فإن مسه من وراء حائل لم ينقض لأنه إنما مس الحائل (ولو) كان المس (بزائد) أي لا فرق في نقض الوضوء إذا مس ذكرا بيده بين أن تكون اليد أصلية أو زائدة للعموم، (وينقض مسه) أي الذكر (بفرج غير ذكر) فينقض مس الذكر بقبل أنثى أو دبر مطلقا بلا حائل. لأنه أفحش من مسه باليد، ولا ينقض مس ذكر بذكر (لا قبل بقبل أو دبر وعكسه)، (ولا ينقض وضوء ملموس ذكره أو) ملموس
149 (فرجه) أي قبله، (أو) ملموس (دبره) لأنه (ص) فيما تقدم أمر الماس بالوضوء ولو انتقض وضوء الملموس لامره أيضا به، (ولا) ينقض (مس) ذكر (بائن) أي مقطوع لذهاب حرمته، (و) لا ينقض أيضا مس (محله) أي محل الذكر المقطوع من أصول الأنثيين، كسائر البدن، لأنه لم يمس ذكرا، (و) لا ينقض أيضا مس (قلفة) بضم القاف وسكون اللام، وقد تحرك وهي الجلدة التي تقطع في الختان، بعد قطعها لزوال الاسم والحرمة - وأما قبل قطعها فينقض مسها كالحشفة، لأنها من الذكر، (و) لا ينقض مس (فرج امرأة بائنين) أي القلفة وفرج المرأة لما تقدم، (ولا) ينقض (مس غير فرج، كالمنفتح فوق المعدة أو تحتها) مسدودا كان الأصل، أو منفتحا بأصل الخلقة أو لا، لأنه عضو زائد لا يثبت له حكم المعتاد، (ولا) ينقض (مسه) أي الذكر (بغير يد) كالذراع (غير ما تقدم) من مس الذكر بفرج غيره، فإنه ينقض، (ولا) ينقض (مس) ذكر (زائد) لأنه ليس فرجا (فإن لمس) رجل أو امرأة أو خنثى (قبل خنثى مشكل وذكره، ولو كان هو) أي الخنثى (اللامس) لقبل نفسه وذكره (نقض) الوضوء، لان لمس الفرج متيقن لأن الخنثى إن كان ذكرا فقد لمس ذكره، وإن كان أنثى فقد لمس فرجها، و (لا) ينقض الوضوء إن لمس (أحدهما) أي ذكر الخنثى، أو قبله، لاحتمال أن يكون غير فرج. فلا ينتقض الوضوء مع قيام الاحتمال (إلا أن يمس الرجل ذكره) أي الخنثى (بشهوة) فإنه ينتقض وضوء اللامس. لأن الخنثى إن كان ذكرا فقد مس ذكرا أصليا، وإن كان أنثى فقد مس الرجل امرأة بشهوة، (أو) تمس (المرأة فرجه) أي الخنثى (بها) أي بشهوة فينتقض وضوؤها، لأن الخنثى إن كان امرأة فقد لمست المرأة فرج امرأة، وإن كان ذكرا فقد لمسته بشهوة (وينقض مس حلقة دبر منه) أي من الماس، بأن مس حلقة دبر نفسه (أو من غيره) بأن مس حلقة دبر غيره ذكرا كان أو أنثى، (و) ينقض أيضا (مس امرأة فرجها الذي بين شفريها) وهما حافتا الفرج، (وهو) أي فرجها (مخرج بول ومني وحيض) لقوله (ص): من مس فرجه فليتوضأ رواه ابن ماجة وغيره، والفرج اسم جنس مضاف، فيعم، ولقوله (ص): أيما
150 امرأة مست فرجها فلتتوضأ رواه أحمد من حديث عمرو بن شعيب، وإسناده جيد إليه. وكالذكر. و (لا) ينقض مس امرأة (شفريها وهما أسكتاها) لأن الفرج هو مخرج الحدث وهو ما بينهما دونهما (وينقض مس) امرأة (فرج امرأة أخرى، و) ينقض (مس رجل فرجها، و) ينقض (مسها ذكره، ولو من غير شهوة) لأنه إذا انتقض وضوء الانسان بمس فرجه نفسه مع كون الحاجة قد تدعو إلى مسه، وهو جائز. فلان ينتقض بمس فرج غيره، مع كونه معصية أولى. الخامس: من النواقض: (مس بشرته) أي الذكر (بشرة أنثى) لشهوة، لقوله تعالى: * (أو لامستم النساء) * وأما كون اللمس لا ينقض إلا إذا كان لشهوة فللجمع بين الآية والاخبار. لأنه روي عن عائشة قالت: فقدت النبي (ص) ليلة من الفراش فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان رواه مسلم. ونصبهما دليل على أنه كان يصلي. وروي عنها أيضا قالت: كنت أنام بين يدي النبي (ص) ورجلاي في قبلته. فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي متفق عليه. والظاهر أن غمزه رجليها كان من غير حائل. ولان النبي (ص) صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها متفق عليه. والظاهر أنه لا يسلم من مسها، ولان المس ليس بحدث في نفسه. وإنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت الحالة التي يدعو فيها إلى الحدث، وهي حالة الشهوة (ومس بشرتها بشرته لشهوة) لأنها ملامسة تنقض الوضوء، فاستوى فيها الذكر والأنثى. كالجماع. سئل أحمد عن المرأة إذا مست زوجها قال: ما سمعت فيها شيئا، ولكن هي شقيقة الرجل، يعجبني أن تتوضأ. " تنبيه ": قوله: لشهوة، عبارة المقنع وغيره. وعبارة الوجيز: بشهوة. قال في
151 المبدع: أحسن لتدل على المصاحبة والمقارنة. (من غير حائل) لأنه مع الحائل لم يلمس بشرتها، أشبه ما لو لمس ثيابها لشهوة والشهوة لا توجب الوضوء بمجردها، كما لو وجدت من غير لمس شئ (غير طفلة وطفل) أي لا ينقض مس الرجل الطفلة ولا المرأة الطفل، أي من دون سبع. وينقض اللمس بشهوة كما تقدم، (ولو) كان اللمس (بزائد أو لزائد أو شلل) أي ينقض المس لأشل والمس به كغيره، وينقض اللمس أيضا بشهوة (ولو كان الملموس ميتا، أو عجوزا، أو محرما، أو صغيرة تشتهى)، وهي بنت سبع فأكثر لعموم * (أو لامستم النساء) * لا من دونها كما تقدم (ولا ينتقض وضوء ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة) لأنه لا نص فيه، وقياسه على اللمس لا يصح لفرط شهوته. ولا ينتقض وضوء بانتشار ذكر عن فكر وتكرار نظر. لأنه لا نص فيه، (ولا) ينقض (لمس شعر وظفر وسن) ولا المس به. لأنه في حكم المنفصل، (و) لا ينقض مس (عضو مقطوع) لزوال حرمته (وأمرد مسه رجل) يعني لا ينتقض وضوء رجل مس أمردا ولو بشهوة. لعدم تناول الآية له. ولأنه ليس محلا للشهوة شرعا. قال في القاموس: والأمرد الشاب طر شاربه ولم تنبت لحيته، (ولا) ينقض (مس خنثى مشكل) من رجل أو امرأة ولو بشهوة (ولا بمسه رجلا أو امرأة) ولو لشهوة. لأنه متيقن الطهارة شاك في الحدث، (ولا) ينقض (مس الرجل الرجل ولا المرأة المرأة ولو بشهوة فيهن) أي فيما تقدم من الصور، كما أشرت إليه. تتمة: إذا لم ينقض مس أنثى استحب الوضوء، نص عليه. ذكره في الفروع. (السادس): من نواقض الوضوء: (غسل الميت أو بعضه ولو في قميص) لما روى عطاء أن ابن عمر، وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء، وكان شائعا لم ينقل عنهم الاخلال به. وعن أبي هريرة أقل ما فيه الوضوء ولم يعرف لهم مخالف، ولان الغاسل لا يسلم من مس عورة الميت غالبا. فأقيم مقامه، كالنوم مع الحدث. و (لا) ينقض (تيممه) أي الميت (لتعذر غسل) لعدم النص فيه (وغاسل الميت: من يقلبه ويباشره ولو مرة، لا من
152 يصب الماء ونحوه) ولا فرق في الميت بين المسلم والكافر، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، للعموم. (السابع): من النواقض: (أكل لحم الجزور) لقوله (ص): توضؤوا من لحوم الإبل ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب. وروى مسلم معناه من حديث جابر بن سمرة. والأول صححه أحمد وإسحاق. وقال ابن خزيمة: لم نر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح. قال الخطابي: ذهب إلى هذا عامة علماء الحديث. فعلى هذا لا فرق بين قليله وكثيره، وكونه (نيئا وغير نئ) ولا بين كون الآكل عالما بالحديث أو جاهلا. لا يقال: يحتمل، أن يراد بالوضوء غسل اليدين، لأنه مقرون بالاكل، كما حمل عليه أمر النبي (ص) بالوضوء قبل الطعام وبعده. ويحتمل أن يراد به على وجه الاستحباب، لأن الوضوء الوارد في الشرع يحمل على موضوعه الشرعي. ولأنه جمع ما أمر به، وهو الوضوء من لحومها، وبين ما نهى عنه، وهو عدم الوضوء من لحوم الغنم. والمخالف يقول: إنه يستحب فيهما. لأن السؤال وقع عن الوضوء والصلاة، والوضوء المقترن بها لا يفهم منه غير الوضوء الشرعي ولان مقتضى الامر الايجاب، خصوصا وقد سئل (ص) عن هذا اللحم، فأجاب بالامر بالوضوء، فلو حمل على غير الوجوب لكان تلبيسا لا جوابا. ودعوى النسخ مردودة بأن من شرطه: عدم إمكان الجمع وتأخر الناسخ. ووجب الوضوء من أكل لحم الجزور (تعبدا) لا يعقل معناه فلا يتعدى إلى غيره، ف (- لا) يجب الوضوء ب (- شرب لبنها ومرق لحمها، وأكل كبدها، وطحالها وسنامها) بفتح السين (وجلدها وكرشها ونحوه) كمصرانها، لأن النص لم يتناوله، (ولا) ينقض (طعام محرم أو نجس) ولو كلحم خنزير، لأن الحكم في لحم الإبل غير معقول المعنى. فيقتصر على مورد النص فيه. وما روى أسيد بن حضير أن النبي (ص): سئل عن ألبان الإبل فقال: توضؤوا من ألبانها رواه أحمد، وابن ماجة، وعن ابن عمر ونحوه. أجيب عن حديث
153 أسيد: بأن في طريقه الحجاج بن أرطاة. قال أحمد والدارقطني: لا يحتج به. وعن حديث عبد الله بن عمر: أن ابن ماجة رواه من رواية عطاء بن السائب. وقد اختلط في آخر عمره. قال أحمد: من سمع منه قديما فهو صحيح. ومن سمع منه حديثا لم يكن بشئ. (الثامن): المتمم للنواقض: (موجبات الغسل، كالتقاء الختانين وانتقال المني، وإسلام الكافر) أصليا كان أو مرتدا، ولذلك أسقط الردة. لأنه إذا عاد إلى الاسلام وجب الغسل. وإذا وجب الغسل وجب الوضوء، و (كغير ذلك) من موجبات الغسل. فموجبات الغسل كلها (توجب الوضوء غير الموت) فإنه يوجب الغسل، ولا يوجب الوضوء. (فهذه النواقض) للوضوء (المشتركة) بين الماسح على الخفين وغيره. (وأما) النواقض (المخصوصة، كبطلان) طهارة (المسح) على الخفين ونحوهما (بفراغ مدته بخلع حائله)، و (كغير ذلك) كانتقاض طهارة المستحاضة ونحوها بخروج الوقت. وطهارة المتيمم بوجود الماء ونحوه (فمذكور في أبوابه) فما يتعلق بالمسح تقدم في الباب قبله، وما يتعلق بالمستحاضة ومن به سلس بول ونحوه يأتي في الاستحاضة وما يتعلق بالتيمم يأتي في بابه. وإنما حملت قوله: وغير ذلك: على هذا - لقرينة قوله: في أبوابه. (ولا نقض بكلام محرم) كالكذب والغيبة والقذف والسب ونحوها، بل يستحب الوضوء من الكلام المحرم وتقدم (ولا نقض بإزالة شعر وأخذ ظفر ونحوهما) خلافا لما حكي عن مجاهد والحكم وحماد، لأن غسله أو مسحه أصلي، لا بدل عما تحته، بخلاف الخف ونحوه، (ولا) نقض (بقهقهة) ولو في صلاة، وهي أن يضحك حتى يحصل من ضحكه حرفان. ذكره ابن عقيل. وما روى أسامة عن أبيه قال: بينا نحن نصلي خلف النبي (ص) إذ أقبل رجل ضرير البصر فتردى في حفرة فضحكنا منه، فأمرنا بإعادة الوضوء كاملا وإعادة الصلاة من أولها فقد رواه الدارقطني من طرق كثيرة، وضعفها، وقال: إنما روي هذا الحديث عن أبي العالية مرسلا، وقال نحو ذلك أحمد وعبد
154 الرحمن بن مهدي. قال ابن سيرين: لا تأخذوا بمراسيل الحسن وأبي العالية، فإنهما لا يباليان عمن أخذا، (ولا) نقض (ب) - أكل (ما مسته النار) لقول جابر: كان آخر الامرين من النبي (ص) ترك الوضوء مما مسته النار رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة (ولا يستحب الوضوء منهما) أي من القهقهة وأكل ما مست النار. (ومن تيقن الطهارة في الحدث وشك، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين) وهو الطهارة في الأولى والحدث في الثانية، لحديث عبد الله بن زيد قال: شكي إلى النبي (ص) الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة؟ فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا متفق عليه، ولمسلم معناه مرفوعا من حديث أبي هريرة. ولم يذكر فيه وهو في الصلاة ولأنه إذا شك تعارض عنده الأمران، فيجب سقوطهما. كالبينتين إذا تعارضتا، ويرجع إلى اليقين (ولو عارضه ظن) لأن غلبة الظن إذا لم يكن لها ضابط في الشرع لم يلتفت إليها، كظن صدق أحد المتداعيين، بخلاف القبلة والوقت، هذا اصطلاح الفقهاء، وعند الأصوليين: إن تساوى الاحتمالان فهو شك. وإلا فالراجح ظن، والمرجوح وهم. والأول موافق للغة، قال في القاموس: الشك خلاف اليقين. وهو كما قال الشيخ موفق الدين في مقدمة الروضة في الأصول: ما أذعنت النفس للتصديق به وقطعت به، وقطعت بأن قطعها صحيح، وفيه أقوال أخر. قال ابن نصر الله: في تسمية ما هنا يقينا بعد ورود الشك عليه: نظر. نعم، كان يقينا، ثم صار الآن شكا. فاعتبرت صفته السابقة وقدمت على صفته اللاحقة للأحاديث الصحيحة في ذلك، استصحابا للأصل السابق، لما قارنه من اليقين، وتقديما له على الوصف اللاحق، لنزوله عن درجته (ولو) كان ذلك الشك (في غير صلاة) لما تقدم من حديث مسلم عن أبي هريرة (فإن تيقنهما) أي تيقن الطهارة والحدث، أي تيقن أنه مرة كان متطهرا، ومرة كان محدثا، وكان ذلك وقت الظهر مثلا و (جهل أسبقهما) بأن لم يدر هل اتصافه بالطهارة سابق على اتصافه بالحدث أو بالعكس (فهو على ضد حاله قبلهما) إن علم حاله قبلهما، فإن كان قبل الزوال في المثال محدثا فهو الآن متطهر، لأنه تيقن أنه انتقل عن هذا الحدث إلى الطهارة، ولم
155 يتيقن زوالها، والحدث المتيقن قبل الزوال يحتمل أن يكون قبل الطهارة ويحتمل أنه بعدها، فوجوده بعد هذا مشكوك فيه. فلا يزول عن طهارة متيقنة بشك. وإن كان قبل الزوال متطهرا فهو الآن محدث، لما ذكرنا في الطرف الآخر (فإن جهل حاله قبلهما) بأن لم يدر: هل كان قبل الزوال متطهرا أو محدثا؟ (تطهر) وجوبا، إذا أراد الصلاة ونحوها، لوجود يقين الحدث في إحدى المرتين، والأصل بقاؤه. لأن وجود يقين الطهارة في المرة الأخرى مشكوك فيه: هل كان قبل الحدث أو بعده؟ فلا يرتفع يقين الحدث بالشك في رافعه. ولأنه لا بد من طهارة متيقنة أو مستصحبة. وليس هنا شئ من ذلك. فوجب الوضوء (وإن تيقن فعلهما رفعا لحدث ونقضا لطهارة) بأن تيقن أنه تطهر عن حدث، وأنه أحدث عن طهارة (وجهل أسبقهما، فعلى مثل حاله قبلهما) فإن كان قبلهما متطهرا فهو الآن متطهر. لأنه قد تيقن أنه نقض الطهارة الأولى ثم توضأ، إذ لا يمكن أن يكون ذلك الوضوء مع بقاء الطهارة الأولى، لتيقن كون طهارته عن حدث، ونقض هذا الوضوء مشكوك فيه. فلا يزول به اليقين. وإن تيقن حدثه قبلهما: فهو الآن محدث لأنه انتقل عنه إلى طهارة، ثم أحدث عنها. ولم يتيقن بعد الحدث الثاني طهارة (وكذا لو تيقنهما) أي فعل الطهارة وفعل الحدث (وعين وقتا لا يسعهما سقط اليقين لتعارضه) وكان على مثل حاله قبل ذلك من حدث أو طهارة (فإن جهل حالهما) أي حال الحدث والطهارة، بأن لم يدر الطهارة رافعة لحدث أو لا؟ كالتجديد، ولم يدر الحدث عن حدث آخر أو عن طهارة؟ (و) جهل (أسبقهما) فعلى ضد حاله قبلهما، (أو تيقن حدثا) أي اتصافه بالحدث (وفعل طهارة فقط) ولم يدر الطهارة عن حدث أو لا؟ (فعلى ضد حاله قبلهما) أي قبل التيقنين. وكذا لو تيقن حالة طهارة وفعل حدث فقط. لأن الأصل أن ما تيقنه من حالتي الحدث أو الطهارة هو ما كان عليه قبل ذلك، وأن ضد ذلك هو الطارئ. فوجب أن يكون على ضد حاله قبل التيقنين (وإن تيقن حدثا ناقضا) لطهارة، (و) تيقن (فعل طهارة جهل حالها) من كونها رافعة لحدث أو لا (فمحدث، على أي حال كان) سواء كان متطهرا قبلهما، أو محدثا أو جهل حاله (قبلهما) لتيقنه نقض الطهارة بالحدث وشكه في وجودها بعده (وعكس هذه الصورة) في التصوير، وهو ما إذا تيقن أن الطهارة عن حدث ولم يدر الحدث: عن طهارة أو لا (بعكسها) في الحكم. فيكون متطهرا مطلقا، لتيقنه ورفع الحدث بالطهارة، وشكه في وجوده بعدها، (ويأتي إذا سمع صوت أو شم ريح) ببناء الفعلين للمفعول (من أحدهما) لا بعينه، في أوائل باب الغسل. فصل:
156 (ومن أحدث) حدثا أكبر أو أصغر (حرم عليه الصلاة) لما روى ابن عمر أن النبي (ص) قال: لا يقبل الله الصلاة بغير طهور رواه مسلم. وهو يعم الفرض والنفل، والسجود المجرد كسجود التلاوة، والقيام المجرد كصلاة الجنازة. وحكى ابن حزم والنووي عن بعض العلماء جواز الصلاة على الجنازة بغير وضوء ولا تيمم (فلو صلى معه) أي مع الحدث، ولو عالما (لم يكفر) كسائر المعاصي، خلافا لأبي حنيفة، (و) حرم عليه (الطواف، ولو نفلا) لما روى الترمذي بإسناده عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس أن النبي (ص) قال: إن الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير إسناده جيد إلى عطاء. وهو مختلف فيه. واختلط في آخره عمره. وتقدم كلام أحمد فيه. وقال أحمد: عطاء رجل صالح. قال الترمذي: وقد روي عن طاوس عن ابن عباس موقوفا. ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن السائب (ولم يصح) أي ما تقدم من الصلاة والطواف مع الحدث لما تقدم، (ويحرم عليه) أي المحدث (مس المصحف وبعضه) لقوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * أي لا يمس القرآن، وهو خبر بمعنى النهي. ورد بأن المراد اللوح المحفوظ. والمطهرون: الملائكة لأن المطهر من طهره غيره. ولو أريد بنو آدم لقيل المتطهرون. وجوابه: أن المراد هم، وبنو آدم قياسا عليهم، بدليل ما روى عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي (ص) كتب إلى أهل اليمن كتابا، وكان فيه: لا يمس القرآن إلا طاهر رواه الأثرم والنسائي والدارقطني متصلا. قال الأثرم: واحتج به أحمد. ورواه مالك مرسلا (من غير حائل) لأن النهي إنما ورد عن مسه، ومع الحائل إنما يكون المس له دون
157 المصحف (ولو) كان المس (بغير يده) لعموم ما سبق. ولا يختص المس باليد، بل كل شئ لاقى شيئا فقدمه (حتى جلده) أي المصحف (وحواشيه) والورق الأبيض المتصل به. لأنه داخل في مسماه. بدليل شمول البيع له (ولو كان الماس) للمصحف (صغيرا) فلا يجوز لوليه تمكينه من مسه (إلا بطهارة كاملة) كالمكلف، (ولو) كانت الطهارة (تيمما) مطلقا، وقال الموفق: إن احتاجه، فإن عدم الماء لتكميل الوضوء تيمم للباقي، ثم مسه (سوى مس صغير لوحا فيه قرآن) فلا يحرم مس اللوح من المحل الخالي من الكتابة للمشقة، و (لا) يجوز تمكين الصغير من مس المحل (المكتوب فيه) القرآن من اللوح بلا طهارة، لعدم الحاجة إليه لاستغنائه عنه بمس الخالي (وما حرم) مما تقدم (بلا وضوء حرم بلا غسل) بطريق الأولى، لا العكس. فإن قراءة القرآن تحرم بلا غسل فقط (وللمحدث حمله) أي المصحف (بعلاقته وفي غلافه) أي كيسه (وفي خرج فيه متاع وفي كمه) من غير مس له. لأن النهي ورد عن المس. والحمل ليس بمس، (و) له (تصفحه) أي تصفح المصحف (بكمه أو) ب (- عود ونحوه) كخرقة وخشبة، لأنه غير ماس له، (و) له (مسه) أي المصحف (من وراء حائل) لما تقدم (كحمل رقى وتعاويذ فيها قرآن) قال في الفروع وفاقا. وهل يجوز مس ثوب رقم بالقرآن أو فضة نقشت به؟ قال في الانصاف فيه وجهان أو روايتان. ثم قال: قال الزركشي: ظاهر كلامه الجواز، قال في النظم عن الدرهم المنقوش: هذا المنصور (و) له (مس تفسير ورسائل فيها قرآن) وكذا كتب حديث وفقه ونحوها فيها قرآن لأن اسم المصحف لا يتناولها، وظاهره قل التفسير أو كثر، (و) له مس (منسوخ تلاوته) وإن بقي حكمه كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، (و) له مس (المأثور عن الله) تعالى، كالأحاديث القدسية، (و) له مس (التوراة والإنجيل) والزبور وصحف إبراهيم وموسى وشيت إن وجدت، لأنها ليست قرآنا (فإن رفع الحدث عن عضو من أعضاء الوضوء لم يجز مس المصحف به قبل كمال الطهارة) لأنه لا يسمى متطهرا قبل كمالها (ولو قلنا يرتفع الحدث
158 عنه) أي عن العضو المغسول قبل كمال الطهارة، وفيه وجهان. قال في الانصاف: الذي يطهر أن يكون ذلك مراعى. فإن أكمله ارتفع، وإلا فلا، (ويحرم مسه) أي المصحف (بعضو متنجس) لأنه أولى من الحدث. قال في الفروع: وكذا مس ذكر الله بنجس، و (لا) يحرم مسه (بعضو طاهر إذا كان على غيره نجاسة) لأن النجاسة لا يتعدى وجوب غسلها غير محلها. والحدث يحل جميع البدن، كما تقدم، (وتجوز كتابته لمحدث من غير مس، ولو لذمي) لأن النهي كما تقدم ورد عن مسه، وهي ليست مسا، (ويمنع) الذمي (من قراءته) لأنه أولى بالمنع من الجنب، (و) يمنع الذمي من (تملكه) أي المصحف، (ويمنع المسلم من تمليكه) أي المصحف (له) أي للذمي، لأنه متدين بانتهاكه وإزالة حرمته، والكافر غير الذمي أولى (فإن ملكه) أي المصحف كافر. (بإرث أو غيره ألزم بإزالة ملكه عنه) لما تقدم ويأتي في البيع ما يملك به الكافر المصحف، (ويجوز للمسلم والذمي أخذ الأجرة على نسخه) لأنه عمل لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، (ويحرم بيعه) ولو لمسلم (ويأتي في كتاب البيع) موضحا. ويأتي أيضا أنه لا يكره شراؤه استنقاذا، (و) يحرم (توسده) أي المصحف (والوزن به والاتكاء عليه) لأن ذلك ابتذال له (وكذا كتب العلم التي فيها قرآن، وإلا) بأن لم يكن في كتب العلم قرآن (كره) توسدها والوزن بها الاتكاء عليها (إن خاف عليها) سرقة (فلا بأس) أن يتوسدها للحاجة (ولا يكره نقط المصحف، و) لا (شكله)، بل قال العلماء: يستحب نقطه وشكله، صيانة عن اللحن فيه والتصحيف، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط، فللخوف من التغيير فيه، وقد أمن ذلك اليوم، ولا يمنع ذلك كونه محدثا فإنه من المحدثات الحسنة. كنظائره، مثل تصنيف العلم وبناء المدارس ونحوها. قاله النووي في التبيان، (و) لا (كتابة الأعشار فيه وأسماء السور، وعدد الآيات والأحزاب ونحوها) لعدم النهي عنه، (وتحرم مخالفة خط عثمان) بن عفان رضي الله عنه (في) رسم
159 (واو وياء وألف وغير ذلك) كمد التاء وربطها (نصا) لقوله (ص): عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي الحديث، ولان قول الصحابي ما يخالف القياس توقيف، كما يأتي (ويكره مد الرجلين إلى جهته) أي المصحف (وفي معناه استدباره وتخطيه ورميه إلى الأرض بلا وضع ولا حاجة، بل هو بمسألة التوسد أشبه) قاله في الفروع. قلت: وكذا كتب علم فيها قرآن (قال الشيخ: وجعله) أي المصحف (عند القبر منهي عنه، ولو جعل للقراءة هناك) أي عند القبر. (ورمي رجل بكتاب عند) الامام (أحمد فغضب، وقال: هكذا يفعل بكلام الأبرار) انتهى، فكيف بكتاب الله تعالى، أو ما هو فيه؟ (ويحرم السفر به) أي المصحف (إلى دار الحرب) لحديث الصحيحين أن رسول الله (ص) نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ولأنه عرضة إلى استيلاء الكفار عليه واستهانته، وفي المستوعب: يكره بدون غلبة السلامة، (وتكره تحليته بذهب أو فضة نصا) لتضييق النقدين، (ويحرم في كتب العلم) أن تحلى (ويباح تطييبه) أي المصحف، (وجعله على كرسي، و) يباح (كيسه الحرير) نقله الجماعة، لأن قدر ذلك يسير، (وقال) أبو الحسن علي (بن) محمد (الزاغوني: يحرم كتبه بذهب) لأنه من زخرفة المصاحف، (ويؤمر بحكه، فإن كان يجتمع منه ما يتمول زكاه) وقال أبو الخطاب: يزكيه إن بلغ نصابا، وله حكه وأخذه (واستفتاح الفأل فيه) أي المصحف (فعله) أبو عبد الله عبيد الله (بن بطة) بفتح الباء (ولم يره الشيخ وغيره) ونقل عن ابن العربي أنه يحرم، وحكاه القرافي عن الطرسوسي المالكي وظاهر مذهب الشافعي الكراهة، (ويحرم أن يكتب القرآن،
160 و) أن يكتب (ذكر الله بشئ نجس أو عليه) أي على شئ نجس، (أو فيه) أي في شئ نجس (فإن كتبا) أي القرآن وذكر الله (به) أي بالنجس (أو عليه أو فيه أو تنجس وجب غسله) ذكره في الفنون، وقال: فقد جاز غسله وتحريقه، لنوع صيانة، (وقال) ابن عقيل (في الفنون: إن قصد بكتبه بنجس إهانته فالواجب قتله انتهى، وتكره كتابته) أي القرآن (في الستور وفيما هو مظنة بذله، ولا تكره كتابة غيره من الذكر فيما لم يدس، وإلا) بأن كان يداس (كره شديدا ويحرم دوسه) أي الذكر، فالقرآن أولى، قال في الفصول، وغيره: يكره أن يكتب على حيطان المسجد ذكر أو غيره، لأن ذلك يلهي المصلي، (وكره) الامام (أحمد شراء ثوب فيه ذكر الله، يجلس عليه ويداس، ولو بلي المصحف أو اندرس دفن نصا) ذكر أحمد أن أبا الجوزاء بلي له مصحف، فحفر له في مسجده فدفنه، وفي البخاري: أن الصحابة حرقته - بالحاء المهملة - لما جمعوه. وقال ابن الجوزي: ذلك لتعظيمه وصيانته. وذكر القاضي أن أبا بكر بن أبي داود روى بإسناده عن طلحة بن مصرف قال: دفن عثمان المصاحف بين القبر والمنبر وبإسناده عن طاوس: أنه لم يكن يرى بأسا أن تحرق الكتب وقال: إن الماء والنار خلق من خلق الله، (ويباح تقبيله) قال النووي في التبيان: روينا في مسند الدارمي بإسناد صحيح عن ابن أبي مليكة أن عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف على وجهه، ويقول: كتاب ربي كتاب ربي، (ونقل جماعة الوقف) فيه. و (في جعله على عينيه) لعدم التوقيف. وإن كان فيه رفعه وإكرامه. لأن ما طريقه التقرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله. وإن كان فيه تعظيم، إلا بتوقيف، ولهذا قال عمر عن الحجر: لولا أني رأيت رسول الله (ص) يقبلك ما قبلتك ولما قبل معاوية الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس فقال: ليس شئ من البيت مهجورا، فقال: إنما هي السنة فأنكر عليه الزيادة على فعل النبي (ص) وإن كان فيه تعظيم، ذكر ذلك القاضي، قاله في الفروع، (وظاهر الخبر) المذكور عن عمر، وابن عباس (لا يقام له) لعدم التوقيف (وقال الشيخ: إذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض فقيامهم لكتاب الله أحق) إجلالا وتعظيما، قال ابن الجوزي: إن ترك القيام كان في أول الأمر، ثم لما كان ترك القيام كالأهوان بالشخص استحب لمن يصلح له القيام، ويأتي له تتمة في آخر الجنائز (ويباح كتابة آيتين فأقل إلى الكفار) لحاجة التبليغ،
161 نقل الأثرم: يجوز أن يكتب إلى أهل الذمة كتابا فيه ذكر الله، قد كتب النبي (ص) إلى المشركين، (وقال) أبو الوفا علي (بن عقيل: تضمين القرآن لمقاصد تضاهي مقصود القرآن لا بأس به) تحسينا للكلام (كما يضمن في الرسائل آيات إلى الكفار) مقتضية الدعاية، ولا يجوز في كتب المبتدعة، (و) ك (- تضمينه الشعر لصحة القصد وسلامة الوضع وأما تضمينه لغير ذلك فظاهر كلام ابن القيم التحريم)، كما يحرم جعل القرآن بدلا من الكلام (ولا بأس أن يقول: سورة كذا) كسورة البقرة أو النساء، لأنه قد ثبت في الصحيحين قوله (ص): " سورة البقرة وسورة الكهف " وغيرهما مما لا يحصى، وكذلك عن الصحابة، قاله النووي في التبيان، وفي السورة لغتان الهمز وتركه. والترك أفصح، (و) أن يقول: (السورة التي يذكر فيها كذا لوروده في الاخبار) ومنها قوله (ص): من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران الحديث. رواه الطبراني من حديث أبي هريرة، (وآداب القراءة تأتي) في فصل (صلاة التطوع) مفصلة. باب ما يوجب الغسل (وما يسن له) الغسل (و) باب (صفته) أي الغسل، وما يمنع منه من لزمه الغسل، ومسائل من أحكام المسجد والحمام. قال الجوهري: غسلت الشئ غسلا بالفتح والاسم الغسل بالضم، وبالكسر ما يغسل
162 به الرأس من خطمي. وغيره. وقال عياض: بالفتح الماء، وبالضم الفعل. وقال ابن مالك: بالضم الاغتسال، والماء الذي يغسل به، وذكر ابن بري أن غسل الجنابة بفتح الغين. (وهو) أي الغسل شرعا: (استعمال ماء) خرج التيمم (طهور) لا طاهر (في جميع بدنه) خرج الوضوء (على وجه مخصوص) يأتي كيفيته، بأن يكون بنية وتسمية، والأصل في مشروعيته قوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * يقال: رجل جنب، ورجلان جنب، ورجال جنب، قال الجوهري، وقد يقال: جنبان وجنبون، وفي صحيح مسلم: ونحن جنبان سمي به لأنه نهى أن يقرب مواضع الصلاة، وقيل: لمجانبته حتى يتطهر، وقيل: لأن الماء جانب محله، والأحاديث مشهورة بذلك. ويأتي بعضها في محاله. (وموجبه) أي الحدث الذي هو سبب وجوب الغسل باعتبار أنواعه (ستة) أشياء، أيها وجد كان سببا لوجوبه. (أحدها: خروج المني) وهو الماء الغليظ الدافق يخرج عند اشتداد الشهوة، ومني المرأة أصفر رقيق (من مخرجه) فإن خرج من غيره بأن انكسر صلبه، فخرج منه لم يجب غسل، وحكمه كالنجاسة المعتادة، (ولو) كان المني (دما) أي أحمر كالدم، لقصور الشهوة عن قصره (دفقا بلذة) لقول علي: أن النبي (ص) قال: إذا فضخت الماء فاغتسل، وإن لم تكن فاضخا فلا تغتسل رواه أحمد، والفضخ: هو خروجه بالغلبة، قاله إبراهيم الحربي (فإن خرج) الماء (لغير ذلك) كمرض أو برد أو كسر ظهر (من غير نائم ونحوه) كمجنون ومغمى عليه وسكران (لم يوجب) غسلا. لما تقدم، فعلى هذا يكون نجسا وليس مذيا، قاله في الرعاية (وإن انتبه بالغ، أو من يمكن بلوغه كابن عشر) وبنت تسع من نوم ونحوه (ووجد بللا) ببدنه أو ثوبه (جهل كونه منيا، بلا سبب تقدم نومه، من برد أو نظر أو فكر أو ملاعبة أو انتشار، وجب الغسل، كتيقنه فيها وغسل ما أصابه من بدن وثوب) احتياطا قال في المبدع: ولا يجب، انتهى، ولعله غير ظاهر كلامهم، وليس هذا من باب الايجاب
163 بالشك. وإنما هو من باب الاحتياط في الخروج من عهدة الواجب، كمن نسي صلاة من يوم وجهلها، لأنه في المثال لا يخرج عن كونه منيا أو مذيا، ولا سبب لاحد الامرين يرجح به، فلم يخرج من عهدة الواجب إلا بما ذكر (وإن تقدم نومه سبب من برد، أو نظر، أو فكر، أو ملاعبة، أو انتشار) لم يجب غسل لعدم يقين الحدث. والأصل بقاء الطهارة. قلت: والظاهر وجوب غسل ما أصابه من ثوب وبدن، لرجحان كونه مذيا، بقيام سببه، إقامة للظن مقام اليقين كما لو وجد في نومه حلما، فإنا نوجب الغسل عليه لرجحان كونه منيا، بقيام سببه، وقال الشريف أبو جعفر: لا يجب غسل الثوب ولا البدن جميعا، لتردد الامر فيهما، نقله عنه ابن رجب في ترجمته في الطبقات، وقال: وهذه المسألة تشبه مسألة الرجلين إذا وجدا على فراشهما منيا، ولم يعلما من خرج منه، ثم قال: لكن ليس له أن يصلي بحاله في الثوب، لأنا نتيقن بذلك حصول المفسد لصلاته، وهو إما الجنابة وإما النجاسة، (أو تيقنه) أي البلل (مذيا لم يجب غسل)، بل يغسل ما أصابه وجوبا، (ولا يجب) الغسل (بحلم بلا بلل) لحديث عائشة (فإن انتبه) من احتلم، (ثم خرج) المني (إذن وجب) الغسل من حين الاحتلام، لأنا تبينا أنه كان قد انتقل حينه. تتمة: قال في الهدي: نقلا عن ابن ماسويه: من احتلم فلم يغتسل حتى وطئ أهله، فولدت مجنونا أو مختلا فلا يلومن إلا نفسه. (وإن وجد منيا في ثوب لا ينام فيه غيره) قال أبو المعالي والأزجي: لا بظاهره، لجوازه من غيره، قال في الانصاف: وهو الصحيح، وهو مراد الأصحاب فيما يظهر (فعليه الغسل) لوجود موجبه، (وإعادة المتيقن من الصلاة، وهو) أي المني (فيه) أي الثوب قال ابن قندس: الظاهر أنه يعيد ما تيقن أنه صلاه بعد وجود المني، وما شك فيه لا يعيده، قال في الرعاية: والأولى إعادة صلوات تلك المدة وما يحصل به اليقين في براءته الذمة، وتقدم في كتاب الطهارة إذا توضأ من ماء، ثم علم نجاسته يعيد، ونصه: حتى يتيقن براءته، وقال القاضي وأصحابه: بعد ظنه نجاسته قال ابن قندس: ويمكن أن يقال: الفرق أن المني الأصل عدمه، فيكون في وقت الشك كالمعدوم، بخلاف ما إذا توضأ من ماء، ثم علم
164 نجاسته، فإنه في وقت الشك قد شك في رفع الحدث والأصل عدم رفعه. فيكون الحدث في وقت الشك كالموجود، لأنه الأصل (وإن كان ينام هو) أي من وجد المني في الثوب (وغيره فيه) أي في ذلك الثوب الذي وجد به المني (وكان من أهل الاحتلام، فلا غسل عليهما) لأن كلا منهما متيقن من الطهارة شاك في الحدث، (ومثله) في عدم وجوب الوضوء عليهما: (إن سمع صوت، أو شم ريح من أحدهما، لا يعلم عينه لم تجب الطهارة على واحد منهما) بعينه، لعدم تيقنه الحدث (ولا أحدهما) وحده، ولا مع غيره (بالآخر) لتحقق المفسد. وهو إما حدثه وإما حدث إمامه (ولا يصافه) أي لا يصاف أحدهما الآخر (وحده) لتحقق المفسد، إذ صلاة الفذ غير صحيحة كما يأتي. فإن صافه مع غيره صحت صلاتهما لزوال الفذية (فيهما) أي في مسألة وجدان المني في الثوب، ومسألة سماع الصوت، أو شم الريح أحدهما (وكذا كل اثنين تيقن موجب الطهارة من أحدهما لا بعينه كرجلين)، أو امرأتين، أو رجل، وامرأة (لمس كل واحد منهما أحد فرجي خنثى مشكل لغير شهوة) لأن أحد الفرجين أصلي فانتقض وضوء لامسه، فإن مس لشهوة مثل للامس منه انتقض وضوؤه يقينا وتقدم. قال في المنتهى وشرحه: وإن أرادا ذلك، أي أن يصليا جماعة، أو أن يكونا صفا وحدهما توضأ، ثم فعلا ذلك ليزول الاعتقاد الذي أبطلنا صلاتهما من أجله. ولا يكفي في ذلك وضوء أحدهما لاحتمال أن يكون الذي أحدث منهما هو الذي لم يتوضأ (والاحتياط أن يتطهرا) فيما تقدم مطلقا ليخرجا من العهدة بيقين (وإن أحس) رجل أو امرأة (بانتقال المني فحبسه، فلم يخرج وجب الغسل، كخروجه) لأن الجنابة أصلها البعد لقوله تعالى: * (والجار الجنب) * أي البعيد، ومع الانتقال قد باعد الماء محله. فصدق عليه اسم الجنب. وإناطة للحكم بالشهوة وتعليقا له على المظنة، إذ بعد انتقاله يبعد عدم خروجه، وأنكر أحمد أن يكون الماء يرجع، (ويثبت به) أي بانتقال المني (حكم بلوغ) كما يثبت بخروجه، (و) يثبت به حكم (فطر) من صوم ممن قبل، أو كرر
165 النظر لشهوة ونحوه، لا ممن احتلم، كخروجه (وغيرهما) كوجوب بدنة في الحج حيث وجبت لخروج المني، وفي شرح المنتهى: كفساد نسك. وقال القاضي في تعليقه: التزاما. وهو مبني على القول بفساد النسك بخروجه بالمباشرة (وكذا انتقال حيض. قاله الشيخ تقي الدين) فيثبت به ما يثبت بخروجه (فإن خرج المني بعد الغسل من انتقاله) لم يجب الغسل، (أو) خرج المني (بعد غسله من جماع لم ينزل فيه) بغير شهوة، لم يجب الغسل، (أو خرجت بقية مني اغتسل له بغير شهوة، لم يجب الغسل) لما روى سعيد عن ابن عباس: أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشئ بعد الغسل؟ قال يتوضأ وكذا ذكره الإمام أحمد عن علي، ولأنه مني واحد فأوجب غسلا واحدا، كما لو خرج دفقة واحدة، ولأنه خارج لغير شهوة، أشبه الخارج لبرد، وبه علل أحمد، قال: لأن الشهوة ماضية، وإنما هو حدث أرجو أن يجزيه الوضوء، (ولو) انتقل المني ثم (خرج إلى قلفة الأقلف، أو) إلى (فرج المرأة وجب) الغسل، رواية واحدة وإن لم نقل بوجوب الغسل بالانتقال (ولو خرج منيه من فرجها بعد الغسل فلا غسل عليها) لأنه ليس منيها (ويكفي الوضوء، وإن دب منيه) أي الرجل فدخل فرجها، ثم خرج فلا غسل عليها (أو) دب إلى فرجها (مني امرأة أخرى بسحاق، فدخل فرجها)، ثم خرج (فلا غسل عليها بدون إنزال، وتقدم في الباب قبله) لأنه ليس منيا خارجا من مخرجه دفقا بلذة، لأن الغسل إنما وجب جبرا للبدن لكونه ينقص به منه جزء لخروجه من جميعه، لكون الحيوان يخلق منه، ولكونه ينقص به جزء من البدن ولهذا يضعف بكثرته. تنبيه: محل وجوب الغسل بخروج المني: إذا لم يصر سلسا قاله القاضي وغيره، فيجب الوضوء فقط، لكن قال في المغني والشرح: يمكن منع كون هذا منيا، لان الشارع وصفه بصفة غير موجودة فيه، وتقدم أن الغسل كالوضوء سبب وجوبه الحدث. (الثاني): من موجبات الغسل: (تغييب حشفة أصلية أو قدرها إن فقدت بلا حائل في فرج أصلي) لحديث أبي هريرة مرفوعا: إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب
166 الغسل زاد أحمد ومسلم وإن لم ينزل وفي حديث عائشة قالت: قال رسول الله (ص): إذا قعد بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل رواه مسلم، وما روي عن عثمان وعلي والزبير وطلحة أنه لا يجب إلا بالانزال، لقوله (ص): إنما الماء من الماء فمنسوخ بما روى أبي بن كعب قال: إن الفتيا التي كانوا يقولون: الماء من الماء: رخصة رخص بها النبي (ص) ثم أمر بالاغتسال رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، قال الحافظ عبد الغني: إسناده صحيح على شرط الشيخين، ثم المراد من التقائهما، تقابلهما وتحاذيهما، فلذلك عدل عنه المصنف كغيره، لما تقدم (قبلا كان) الفرج (أو دبرا من آدمي، ولو مكرها أو) من (بهيمة، حتى سمكة وطير) لأنه إيلاج في فرج أصلي، أشبه الآدمية (حي أو ميت) لعموم ما سبق، ولو لم يجد بذلك حرارة خلافا لأبي حنيفة (ولو كان) ذو الحشفة الأصلية (مجنونا أو نائما)، أو مغمى عليه (بأن أدخلتها في فرجها، فيجب الغسل على النائم والمجنون) والمغمى عليه (كهي) أي كما يجب على المجامعة، ولو كانت مجنونة، أو نائمة، أو مغمى عليها، لأن موجب الطهارة لا يشترط فيه القصد، كسبق الحدث، (وإن استدخلتها) أي الحشفة الأصلية (من ميت، أو) من (بهيمة وجب عليها) الغسل (دون الميت، فلا يعاد غسله) لذلك، ولا فرق فيما تقدم بين العالم والجاهل، فلو مكث زمانا يصلي ولم يغتسل احتاط في الصلاة، ويعيد حتى يتيقن نص عليه، لأنه مما اشتهرت به الاخبار، فلم يعذر فيه بالجهل، (ويعاد غسل الميتة الموطوءة) قال في الحاوي الكبير: ومن وطئ بعد غسله أعيد غسله في أصح الوجهين، واختاره في الرعاية الكبرى، ويجب
167 الغسل بالجماع، على ما تقدم (ولو كان المجامع غير بالغ نصا، فاعلا ومفعولا) إن كان (يجامع مثله كابنة تسع، وابن عشر) قال الامام: يجب على الصغير إذا وطئ والصغيرة إذا وطئت، مستدلا بحديث عائشة. (فيلزمه) أي ابن عشر وبنت تسع (غسل ووضوء بموجباته، إذا أراد ما يتوقف على غسل) فقط. كقراءة القرآن (أو) على (وضوء) كصلاة وطواف ومس مصحف (لغير لبث بمسجد) فإنه لا يلزمه الغسل إذا أراده. ويكفيه الوضوء كالمكلف. ويأتي، ومثل مسألة الغسل إلزامه باستجمار ونحوه، ذكره الشيخ تقي الدين. وليس معنى وجوب الغسل، أو الوضوء في حق الصغير: التأثيم بتركه، بل معناه: أنه شرط لصحة الصلاة أو الطواف، أو لإباحة مس المصحف، أو قراءة القرآن (أو مات) الصغير (شهيدا) بعد الجماع (قبل غسله) فيغسل، لوجوبه قبله، كما لو مات غير شهيد (ويرتفع حدثه) أي الصغير (بغسله قبل البلوغ) فلا يجب إعادته بعد بلوغه، لصحة غسله. فيترتب عليها أثرها. وهو ارتفاع الحدث. ثم أخذ يصرح بمفهوم ما سبق فقال: (ولا يجب غسل بتغييب بعض الحشفة) بلا إنزال (ولا بإيلاج بحائل، مثل أن لف على ذكره خرقة، أو أدخله في كيس) بلا إنزال (ولا بوطئ دون الفرج، من غير إنزال) ولا انتقال، لعدم التقاء الختانين (ولا بالتصاق) أي تماس (ختانيهما من غير إيلاج) لحديث أبي هريرة السابق (ولا بسحاق) وهو إتيان المرأة المرأة (بلا إنزال) لما تقدم (ولا بإيلاج في غير أصلي) أو بغير أصلي كإيلاج رجل في قبل الخنثى) المتضح الذكورية أو المشكل، بلا إنزال. لعدم الفرج الأصلي بيقين (أو إيلاج الخنثى) الواضح الأنوثة، أو المشكل (ذكره في قبل أو دبر، بلا إنزال) لعدم تغييب الحشفة الأصلية بيقين (وكذا لو وطئ كل واحد من الخنثيين المشكلين الآخر بالذكر في القبل) لاحتمال زيادتهما، أو زيادة أحدهما، (أو) وطئ كل واحد من الخنثيين الآخر بالذكر في (الدبر) لاحتمال زيادة الذكرين، (وإن تواطأ رجل وخنثى في دبريهما فعليهما الغسل) لأن دبر الخنثى أصلي قطعا. وقد وجد تغييب حشفة الرجل فيه (وإن وطئ الخنثى بذكره امرأة،
168 وجامعه) أي ذلك الخنثى (رجل في قبله فعلى الخنثى الغسل) لأنه إن كان ذكرا فقد غيب ذكره في فرج أنثى، وإن كان أنثى فقد جومعت في قبلها الأصلي (وأما الرجل والمرأة فيلزم أحدهما الغسل، لا بعينه) لأن الخنثى لا يخلو عن أن يكون رجلا، فيجب الغسل على المرأة، أو يكون أنثى، فيجب الغسل على الرجل. والاحتياط أن يتطهرا على ما تقدم: وإن أراد أن يأتم أحدهما بالآخر، أو يصافه وحده. اغتسلا على ما تقدم عن صاحب المنتهى (ولو قالت امرأة بي جني يجامعني، كالرجل فعليها الغسل) وقال في المبدع: لا غسل لعدم الايلاج والاحتلام. ذكره أبو المعالي. وفيه نظر. قال ابن الجوزي في قوله تعالى: * (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) * دليل على أن الجني يغشى المرأة كالإنسي. وفيه نظر. لأنه لا يلزم من الغشيان الايلاج، لاحتمال أن يكون إيلاجه عن ملابسته ببدنه خاصة. انتهى. قلت: وعلى ما ذكره المصنف: لو قال رجل بي جنية أجامعها كالمرأة، فعليه الغسل. (والأحكام المتعلقة بتغييب الحشفة كالأحكام المتعلقة بالوطئ الكامل) من وجوب الغسل والبدنة في الحج، وإفساد النسك قبل التحلل الأول، وتقرر الصداق، والخروج من الفيئة في الايلاء، وغير ذلك، مما يأتي في أبوابه (وجمعها بعضهم، فبلغت أربعمائة) حكم (إلا ثمانية أحكام ذكره ابن القيم في تحفة المودود في أحكام المولود) ومن تتبع ما يأتي يظفر بأكثرها. (الثالث): من موجبات الغسل: (إسلام الكافر، ولو مرتدا أو مميزا) لما روى أبو هريرة: أن ثمامة بن أثال أسلم، فقال النبي (ص): اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل رواه أحمد وابن خزيمة من رواية العمري. وقد تكلم فيه. وروى له مسلم مقرونا. وعن قيس بن عاصم: أنه أسلم فأمره النبي (ص) أن يغتسل بماء
169 وسدر رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح. ولأنه لا يسلم غالبا من جنابة، فأقيمت المظنة مقام الحقيقة، كالنوم، والتقاء الختانين. ولان المرتد مساو للأصلي في المعنى وهو الاسلام. فوجب عليه الغسل (سواء وجد منه في كفره ما يوجب الغسل) من نحو جماع أو إنزال (أو لا، وسواء اغتسل قبل إسلامه أو لا) لأنه (ص) لم يستفصل. ولو اختلف الحال لوجب الاستفصال (ولا يلزمه) أي الذي أسلم (غسل) آخر (بسبب حدث وجد منه في حال كفره، بل يكفيه غسل الاسلام) سواء نوى الكل، أو نوى غسل الاسلام، إلا أن ينوي أن لا يرتفع غيره على ما تقدم، فيما إذا اجتمعت أحداث توجب وضوءا أو غسلا (ووقت وجوبه) أي غسل الاسلام (على المميز) إذا أسلم (كوقت وجوبه على المميز المسلم) إذا جامع، يعني إذا أراد ما يتوقف على غسل، أو وضوء لغير لبث بمسجد، أو مات شهيدا، قال في التنقيح: وقال أبو بكر: لا غسل عليه، أي الكافر إذا أسلم، إلا إذا وجد منه في حال كفره ما يوجبه، فيجب (إلا حائضا ونفساء كتابيتين إذا اغتسلتا لوطئ زوج) مسلم (أو سيد مسلم) انتهى بالمعنى، (ثم أسلمتا فلا يلزمهما إعادة الغسل) لصحته منهما، وعدم اشتراط النية فيه للعذر، بخلاف ما لو اغتسل الكافر لجنابة ثم أسلم، وجب عليه إعادته، لعدم صحته منه. وهذا كما علمت مفرع على قول أبي بكر، ولم يذكره المصنف. فكان الأولى حذفه، لئلا يوهم أنه مفرع على المذهب. كما توهمه عبارة الانصاف. وقد تبعه المصنف (ويحرم تأخير إسلام لغسل أو غيره) لوجوبه على الفور (ولو استشار) كافر (مسلما) في الاسلام (فأشار بعدم إسلامه) لم يجز (أو أخر عرض الاسلام عليه بلا عذر لم يجز) له ذلك (ولم يصر) المسلم (مرتدا) خلافا لصاحب التتمة من الشافعية ورد عليه بعضهم.
170 (الرابع): من موجبات الغسل: (الموت) لقوله (ص): اغسلنها إلى غيره من الأحاديث الآتية في محله (تعبدا) لا عن حدث، لأنه لو كان عنه لم يرتفع مع بقاء سببه، كالحائض، لا تغسل مع جريان الدم، ولا عن نجس. لأنه لو كان عنه لم يطهر، مع بقاء سبب التنجيس وهو الموت (غير شهيد معركة ومقتول ظلما) فلا يغسلان (ويأتي) ذلك مفصلا في محله. الخامس: (خروج حيض) لقوله (ص) لفاطمة بنت أبي حبيش: وإذا ذهبت فاغتسلي وصلي متفق عليه، وأمر به أم حبيبة وسهلة بنت سهيل وحمنة وغيرهن، يؤيده قوله تعالى: * (فإذا تطهرن فائتوهن) * أي إذا اغتسلن، فمنع الزوج من وطئها قبل غسلها فدل على وجوبه عليها، وإنما وجب بالخروج إناطة للحكم بسببه. والانقطاع شرط لصحته، وكلام الخرقي يدل على أنه يجب الانقطاع وهو ظاهر الأحاديث. وتظهر فائدة الخلاف إذا استشهدت الحائض قبل الانقطاع، فإن قلنا يجب الغسل بخروج الدم وجب غسلها للحيض. وإن قلنا لا يجب إلا بالانقطاع لم يجب الغسل. لأن الشهيد لا يغسل، ولم ينقطع الدم الموجب للغسل. قاله المجد، وابن عبيدان، والزركشي، وصاحب مجمع البحرين، والمبدع، والرعاية، والفروع وغيرهم. قال الطوفي في شرحه: وعلى هذا التفريع إشكال وهو أن الموت إما أن ينزل منزلة انقطاع الدم أو لا. فإن نزل منزلته للزم وجوب الغسل لتحقق سبب وجوبه وشرطه على القولين وإن لم ينزل منزلة انقطاع الدم فهي في حكم الحائض على القولين. فلا يجب غسلها، لأنا إن قلنا: الموجب هو الانقطاع، فلم يوجد. وإن قلنا الخروج لم يوجد شرطه، وهو الانقطاع. نعم ينبني عليهما لو علق عتقا، أو طلاقا على ما يوجب غسلا. وقع بالخروج على الأول. وبالانقطاع على الثاني (فإن كان عليها) أي الحائض (جنابة فليس عليها أن تغتسل) للجنابة (حتى ينقطع حيضها نصا) لعدم
171 الفائدة (فإن اغتسلت للجنابة في زمن حيضها صح) غسلها لها (بل يستحب) تخفيفا للحدث (ويزول حكم الجنابة) لأن بقاء أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر، كما لو اغتسل المحدث الحدث الأصغر. قاله في الشرح (ويأتي أول الحيض). السادس: المتمم للموجبات: (خروج نفاس) قال في المغني: لا خلاف في وجوب الغسل بهما اه. وفيه ما تقدم في الحيض، (وهو) أي النفاس (الدم الخارج بسبب الولادة) ويأتي مفصلا في آخر الحيض، (ولا يجب) الغسل (بولادة عريت عن دم) لأنه لا نص فيه، ولا هو في معنى المنصوص (فلا يبطل الصوم) بالولادة العارية عن الدم (ولا يحرم الوطئ بها) قبل الغسل، لما تقدم (ولا) يجب الغسل (بإلقاء علقة) قال في المبدع: بلا نزاع. زاد في الرعاية: بلا دم (أو) بإلقاء (مضغة) لا تخطيط فيها لأن ذلك ليس ولادة، وإنما يثبت حكمه بإلقاء ما يتبين فيه خلق إنسان ولو خفيا (والولد طاهر ومع الدم يجب غسله) كسائر الأشياء المتنجسة. وفيه وجه: لا، للمشقة. فصل: ومن لزمه الغسل لجنابة أو غيرها (حرم عليه الاعتكاف) لقوله تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * ولقوله (ص): لا أحل المسجد لحائض ولا جنب رواه أبو
172 داود من حديث عائشة، (و) حرم عليه (قراءة آية فصاعدا) رويت كراهة ذلك عن عمر وعلي. وروى أحمد، وأبو داود، والنسائي من رواية عبد الله بن سلمة - بكسر اللام - عن علي قال: كان النبي (ص) لا يحجبه - وربما قال لا يحجزه - من القرآن شئ ليس الجنابة رواه ابن خزيمة والحاكم والدارقطني وصححاه، قال شعبة: لست أروي حديثا أجود من هذا. واختار الشيخ تقي الدين أنه يباح للحائض أن تقرأه إذا خافت نسيانه، بل يجب، لان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، و (لا) يحرم عليه قراءة (بعض آية) لأنه لا إعجاز فيه المنقح، ما لم تكن طويلة (ولو كرره) أي البعض (ما لم يتحيل على قراءة تحرم عليه) كقراءة آية فأكثر، لما يأتي أن الحيل غير جائزة في شئ من أمور الدين، (وله) أي الجنب ونحوه (تهجيه) أي القرآن لأنه ليس بقراءة له. فتبطل به الصلاة لخروجه عن نظمه وإعجازه، ذكره في الفصول، وله التفكر فيه وتحريك شفتيه به ما لم يبين الحروف وقراءة أبعاض آية متوالية، أو آيات سكت بينها سكوتا طويلا، قاله في المبدع، (و) له (الذكر) أي أن يذكر الله تعالى، لما روى مسلم عن عائشة قالت: كان النبي (ص) يذكر الله على كل أحيانه ويأتي أنه يكره أذان جنب، (و) له (قراءة لا تجزئ في الصلاة لاسرارها) نقله عن الفروع عن ظاهر نهاية الأزجي، قال: وقال غيره له تحريك شفتيه به إذا لم يبين الحروف، (وله قول ما وافق قرآنا ولم يقصده كالبسملة وقول الحمد لله رب العالمين، وكآية الاسترجاع) * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * وهي بعض آية لا آية، (و) كآية (الركوب) * (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون) * (الزخرف 13) وكذا آية النزول: * (وقل رب أنزلني منزلا مباركا) *، (وله أن ينظر في المصحف من غير تلاوة، و) أن (يقرأ عليه وهو ساكت) لأنه في هذه الحالة لا
173 ينسب إلى القراءة، قاله أبو المعالي، (ويمنع كافر من قراءته ولو رجي إسلامه) قياسا على الجنب وأولى، (ولجنب) ونحوه (عبور مسجد ولو لغير حاجة) لقوله تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * وهو الطريق. وروى سعيد بن منصور عن جابر قال: كان أحدنا يمر في المسجد جنبا مجتازا وحديث عائشة: إن حيضتك ليست في يدك رواه مسلم: شاهد بذلك، وقيل: لحاجة فقط. ومشى عليه في المختصر، ومن الحاجة: كونه طريقا قصيرا، لكن كره أحمد اتخاذه طريقا، (وكذا حائض ونفساء مع أمن تلويثه) أي المسجد فلهما عبوره كالجنب، (وإن خافتا) أي الحائض والنفساء (تلويثه) أي المسجد (حرم) دخولهما فيه (كلبثهما فيه) مطلقا (ويأتي في الحيض، ويمنع من عبوره واللبث فيه السكران) لقوله تعالى: * (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) *، (و) يمنع منه (المجنون) لأنه أولى من السكران بالمنع، (ويمنع) من المسجد (من عليه نجاسة تتعدى) لأنه مظنة تلويثه (ولا يتيمم لها) أي للنجاسة التي تتعدى إن احتاج اللبث (لعذر) وقال بعضهم: يتيمم لها للعذر. قال في الفروع: وهذا ضعيف (ويسن منع الصغير منه) نقل مهنا: ينبغي أن تجنب الصبيان المساجد. قال في الآداب الكبرى: أطلقوا العبارة. والمراد والله أعلم إذا كان صغيرا لا يميز لغير مصلحة ولا فائدة اه. فلهذا يقال: (ويمنع من اللعب فيه، إلا لصلاة وقراءة، ويكره اتخاذ المسجد طريقا) نصا (ويأتي في الاعتكاف، ويحرم على جنب وحائض ونفساء انقطع دمهما اللبث فيه) أي المسجد لقوله تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل، حتى تغتسلوا) * ولقوله (ص): لا أحل المسجد لحائض ولا جنب رواه أبو داود (ولو مصلى عيد، لأنه مسجد) لقوله (ص): وليعتزل الحيض المصلى، (لا مصلى الجنائز)
174 فليس مسجدا، لأن صلاة الجنائز ليست ذات ركوع وسجود بخلاف صلاة العيد (إلا أن يتوضؤوا) أي الجنب والحائض والنفساء إذا انقطع دمهما. فيجوز لهما اللبث في المسجد، لما روى سعيد بن منصور والأثرم عن عطاء بن يسار: قال: رأيت رجالا من أصحاب النبي (ص) يجلسون في المسجد، وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة قال في المبدع إسناده صحيح، ولان الوضوء يخفف حدثه، فيزول بعض ما يمنعه. قال الشيخ تقي الدين: وحينئذ فيجوز أن ينام في المسجد، حيث ينام غيره، وإن كان النوم الكثير ينقض الوضوء فذلك الوضوء الذي يرفع الحدث الأصغر، ووضوء الجنب لتخفيف الجنابة، وإلا فهذا الوضوء لا يبيح له ما يمنعه الحدث الأصغر: من الصلاة والطواف ومس المصحف، نقله عنه في الآداب الكبرى واقتصر عليه (فلو تعذر) الوضوء على الجنب ونحوه (واحتيج إليه) أي إلى اللبث في المسجد لخوف ضرر بخروجه منه (جاز) له اللبث فيه (من غير تيمم نصا) واحتج بأن وفد عبد القيس قدموا على النبي (ص) فأنزلهم المسجد، (و) اللبث (به) أي بالتيمم (أولى) خروجا من الخلاف، (ويتيمم) الجنب ونحوه (لأجل لبثه فيه لغسل) إذا تعذر عليه الوضوء والغسل عاجلا، قال ابن قندس: واحتاج إلى اللبث فيه. ورده في شرح المنتهى بأنه إذا احتاج للبث فيه جاز بلا تيمم قال: والظاهر تقييده بعدم الاحتياج، (ولمستحاضة، ومن به سلس البول عبوره) أي المسجد، (واللبث فيه مع أمن تلويثه) بالنجاسة، لحديث عائشة: أن امرأة من أزواج النبي (ص) اعتكفت معه وهي مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة، وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري (ومع خوفه) أي خوف تلويثه (يحرمان) أي العبور واللبث، لوجوب صون المسجد عما ينجسه، (ولا يكره لجنب ونحوه) كحائض ونفساء (إزالة شئ من شعره وظفره قبل غسله) كالمحدث.
175 فصل: في الأغسال المسنونة وهي ستة عشر. وفي صفة الغسل، وما يتعلق بذلك. (يسن الغسل لصلاة الجمعة) لحديث أبي سعيد مرفوعا: غسل الجمعة واجب على كل محتلم وقوله (ص): من جاء منكم الجمعة فليغتسل متفق عليهما. وقوله: واجب معناه متأكد الاستحباب، كما تقول: حقك واجب علي، ويدل عليه ما روى الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي (ص) قال: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وإسناده جيد إلى الحسن واختلف في سماعه من سمرة ونقل الأثرم عن أحمد: لا يصح سماعه منه، ويعضده أن عثمان أتى الجمعة بغير غسل (لحاضرها) أي الجمعة لما تقدم من قوله (ص): من جاء منكم الجمعة (في يومها) أي يوم الجمعة، وأوله: من طلوع الفجر، فلا يجزئ الاغتسال قبله (إن صلاها) أي الجمعة ولو لم تجب عليه، كالعبد لعموم من جاء منكم الجمعة و (لا) يستحب غسل الجمعة (لامرأة نصا) لظاهر قوله (ص): من أتى منكم الجمعة فليغتسل (والأفضل) أن يغتسل ( عند مضيه إليها) أي إلى الجمعة، لأنه أبلغ في المقصود، وأن يكون (عن جماع) للخبر الآتي في باب الجمعة (فإن اغتسل، ثم أحدث) حدثا أصغر (أجزأه الغسل) المتقدم، لان الحدث لا يبطله (وكفاه الوضوء) لحدثه (وهو) أي غسل الجمعة (آكد الأغسال المسنونة) لما تقدم. قال في الانصاف: الصحيح من المذهب أن الغسل للجمعة آكد الأغسال، ثم
176 بعده الغسل من غسل الميت، صححه في الرعاية. (و) يسن الغسل أيضا لصلاة (عيد) لأن النبي (ص): كان يغتسل لذلك رواه ابن ماجة من طريقين، وفيهما ضعف، ولأنها صلاة شرعت لها الجماعة، أشبهت الجمعة (في يومها) أي العيد، فلا يجزئ قبل طلوع الفجر. وقال ابن عقيل: المنصوص عن أحمد: أنه قبل الفجر وبعده، لأن زمن العيد أضيق من الجمعة (لحاضرها) أي العيد (إن صلى) العيد (ولو) صلى (وحده إن صحت صلاة المنفرد فيها) بأن صلى بعد صلاة العدد المعتبر، وفي التلخيص: إن حضر ولو لم يصل، ومثله الزينة والطيب، لأنه يوم الزينة، بخلاف يوم الجمعة. (و) يسن الاغتسال (ل) - صلاة (كسوف واستسقاء) لأنه عبادة يجتمع لها الناس، أشبهت الجمعة والعيدين، (و) يسن الغسل (من غسل ميت مسلم، أو كافر) لما روى أبو هريرة مرفوعا: من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وحسنه وصحح جماعة وقفه عليه، وعن علي نحوه، وهو محمول على الاستحباب، لأن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر وسألت: هل علي غسل؟ قالوا: لا رواه مالك مرسلا، (و) يسن الغسل (ل) - لافاقة من (جنون أو إغماء بلا إنزال مني) فيهما، قال ابن المنذر: ثبت أن النبي (ص) اغتسل من الاغماء متفق عليه من حديث عائشة. والجنون في معناه، بل أولى (ومعه يجب) أي إن تيقن معهما الانزال وجب الغسل، لأنه من جملة الموجبات كالنائم، وإن وجد بعد الإفاقة بلة لم يجب الغسل قال الزركشي: على المعروف من المذهب، لأنه قد يحتمل أن يكون لغير شهوة أو مرض. ذكره في المبدع، واقتصر عليه، لكن تقدم التفصيل فيما إذا أفاق نائم ونحوه ووجد بللا، (و) يسن الغسل (لاستحاضة لكل صلاة) لأن أم حبيسة استحيضت فسألت النبي (ص) فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل عند كل صلاة متفق عليه، وفي غير الصحيح
177 أنه أمرها به لكل صلاة وعن عائشة أن زينب بنت جحش استحيضت فقال لها النبي (ص): اغتسلي لكل صلاة رواه أبو داود، (و) يسن الغسل (لاحرام) لما روى زيد بن ثابت أن النبي (ص) تجرد لاهلاله واغتسل رواه الترمذي وحسنه، وظاهره: ولو مع حيض ونفاس، وصرح به في المنتهى، لأن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر النبي (ص) أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل رواه مسلم من حديث عائشة، (ودخول مكة) ولو مع حيض، قاله في المستوعب لفعله (ص)، متفق عليه، وظاهره: ولو بالحرم، كالذي بمنى، إذا أراد دخول مكة، فيسن له الغسل لذلك (ودخول حرمها) أي حرم مكة (نصا) نص عليه في رواية صالح (ووقوف بعرفة) رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، ورواه الشافعي عن علي، ورواه ابن ماجة مرفوعا (ومبيت بمزدلفة ورمي جمار، وطواف زيارة، و) طواف (وداع) لأنها أنساك يجتمع لها الناس ويزدحمون، فيعرقون، فيؤذي بعضهم بعضا، فاستحب كالجمعة (ويتيمم للكل، لحاجة) أي يتيمم لما يسن له الغسل، إذا عدم الماء أو تضرر باستعماله، ونحوه مما يبيح التيمم، كما لو أراد الجنب الصلاة ونحوها، (و) يسن التيمم أيضا (لما يسن له الوضوء) كالقراءة والذكر والاذان ورفع الشك والكلام المحرم (لعذر) يبيح التيمم (ولا يستحب الغسل لدخول طيبة) وهي مدينة النبي (ص) قال في المبدع: ونص أحمد: ولزيارة قبر النبي (ص)، أي يغتسل لها (ولا للحجامة) لأنه دم
178 خارج، أشبه الرعاف، وأما حديث عائشة مرفوعا: يغتسل من أربع: من الجمعة والجنابة، والحجامة، وغسل الميت رواه أبو داود، ففيه مصعب بن شيبة، قال الدارقطني: ليس بالقوي ولا بالحافظ، وقال أحمد: إن أحاديثه مناكير، وإن هذا الحديث منها، (و) لا يستحب الغسل أيضا (لبلوغ) بغير إنزال (وكل اجتماع) مستحب، ولا لغير ما تقدم، (والغسل) إما كامل وإما مجزئ ف (- الكامل) المشتمل على الواجبات والسنن: (أن ينوي) أي يقصد رفع الحدث الأكبر، أو استباحة الصلاة ونحوها (ثم يسمي) فيقول: بسم الله، لا يقوم غيرها مقامها، (ثم يغسل يديه ثلاثا) كالوضوء، لكن هنا آكد لاعتبار رفع الحدث عنهما، ولفعله (ص) في حديث ميمونة: فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ويكون قبل إدخالهما الاناء ذكره في الكافي وغيره، (ثم يغسل ما لوثه من أذى) لحديث عائشة: فيفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه وظاهره: لا فرق بين أن يكون على فرجه أو بقية بدنه، وسواء كان نجسا كما صرح به في المحرر، أو مستقذرا طاهرا، كالمني، كما ذكره بعضهم، (ثم يضرب بيده الأرض، أو الحائط مرتين، أو ثلاثا) لحديث عائشة المتفق عليه، (ثم يتوضأ كاملا) لقوله (ص): ثم يتوضأ وضوءه للصلاة وعنه يؤخر غسل رجليه لحديث ميمونة (ثم يحثي على رأسه ثلاثا، يروي بكل مرة أصول شعره) لقول ميمونة: " ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثات " ولقول عائشة: ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ولقوله (ص): تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة رواه أبو داود، يقال: حثوت أحثو حثوا، كغزوت، وحثيت أحثي حثيا كرميت، واستحب الموفق وغيره تخليل أصول شعر رأسه قبل إفاضة الماء عليه، لحديث
179 عائشة، (ثم يفيض الماء على بقية جسده) لقول عائشة: ثم أفاض على سائر جسده ولقول ميمونة: ثم غسل سائر جسده (ثلاثا) قياسا على الوضوء (يبدأ بشقه الأيمن، ثم) بشقه (الأيسر) لما تقدم أنه (ص) كان يعجبه التيمن في طهوره (ويدلك بدنه بيديه) لأنه أنقى، وبه يتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه، وبه يخرج من الخلاف قال في الشرح: يستحب إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء، ولا يجب إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده (ويتفقد أصول شعره) لقوله (ص): تحت كل شعرة جنابة، (وغضاريف أذنيه، وتحت حلقه وإبطيه، وعمق سرته وحالبيه) قال في الصحاح: الحالبان عرقان يكتنفان السرة (وبين أليتيه وطي ركبتيه) ليصل الماء إليها (ويكفي الظن في الاسباغ) أي في وصول الماء إلى البشرة، لأن اعتبار اليقين حرج ومشقة، (ثم يتحول عن موضعه، فيغسل قدميه، ولو) كان (في حمام ونحوه) مما لا طين فيه، لقول ميمونة: ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه، (وإن أخر غسل قدميه في وضوئه فغسلهما آخر غسلة فلا بأس) لوروده في حديث ميمونة، (وتسن موالاة) في الغسل بين غسل جميع أجزاء البدن، لفعله (ص) (ولا تجب) الموالاة في الغسل (كالترتيب) لأن البدن شئ واحد، بخلاف أعضاء الوضوء (فلو اغتسل إلا أعضاء الوضوء)، ثم أراد غسلها من الحدثين (لم يجب الترتيب فيها) ولا الموالاة (لأن حكم الجنابة باق، وإن فاتت الموالاة) قبل إتمام الغسل، بأن جف ما غسله من بدنه بزمن معتدل وأراد أن يتم غسله (جدد لاتمامه نيته وجوبا) لانقطاع النية بفوات الموالاة، فيقع غسل ما بقي بدون نية، (ويسن سدر في غسل كافر أسلم) لحديث قيس بن عاصم: إنه أسلم، فأمره النبي (ص) أن يغتسل بماء وسدر رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، (و) يسن (إزالة شعره، فيحلق رأسه، إن كان رجلا) ويأخذ عانته وإبطيه مطلقا، لقوله (ص) لرجل
180 أسلم: ألق عنك شعر الكفر، واختتن رواه أبو داود، (ويغسل ثيابه) قال أحمد، قال بعضهم: إن قلنا بنجاستها، وجب وإلا استحب، (ويختتن) الكافر إذا أسلم (وجوبا بشرطه) وهو أن يكون مكلفا، وأن لا يخاف على نفسه منه، (ويسن في غسل حيض ونفاس سدر) لحديث عائشة أن النبي (ص) قال لها: إذا كنت حائضا خذي ماءك وسدرك وامتشطي وروت أسماء أنها سألت النبي (ص) عن غسل الحيض فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر - الحديث رواه مسلم والنفاس كالحيض، (و) يسن أيضا أخذها مسكا، إن لم تكن محرمة فتجعله في فرجها في قطنة أو غيرها) كخرقة (بعد غسلها ليقطع الرائحة) أي رائحة الحيض أو النفاس، لقوله (ص) لأسماء: لما سألته عن غسل الحيض: ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها رواه مسلم من حديث عائشة. والفرصة القطعة من كل شئ (فإن لم تجد) مسكا (فطيبا) لقيامه مقام المسك في ذلك (لا لمحرمة) فإن الطيب بأنواعه يمتنع عليها، لما يأتي في الاحرام (فإن لم تجد فطينا، ولو محرمة، فإن تعذر فالماء) الطهور (كاف) لحصول الطهارة به. (والغسل المجزئ) وهو المشتمل على الواجبات فقط (أن يزيل ما به) أي ببدنه (من نجاسة أو غيرها تمنع وصول الماء إلى البشرة إن وجد) ما يمنع وصول الماء إليها، ليصل الماء إلى البشرة، (وينوي) كما تقدم، لحديث: إنما الأعمال بالنيات، (ثم يسمي) قال أصحابنا: هي هنا كالوضوء، قياسا لإحدى الطهارتين على الأخرى. وفي المغني: إن حكمها هنا أخف لأن حديث التسمية إنما يتناول بصريحه الوضوء لا غير. قال في المبدع: ويتوجه عكسه لأن غسل الجنابة وضوء وزيادة اه. وفيه نظر. لأنه ليس بوضوء. وذلك لا تكفي نية الغسل عنه، (ثم يعم بدنه بالغسل) فلا يجزئ المسح (حتى فمه وأنفه) فتجب المضمضة والاستنشاق في غسل (كوضوء) كما تقدم، (و)
181 حتى (ظاهر شعره وباطنه) من ذكر أو أنثى، مسترسلا كان أو غيره، لما تقدم من قوله (ص): " تحت كل شعرة جنابة " (مع نقضه) أي الشعر وجوبا (لغسل حيض ونفاس لا) غسل (جنابة إذا روت أصوله) لحديث عائشة أن النبي (ص) قال لها: إذا كنت حائضا خذي ماءك وسدرك وامتشطي ولا يكون المشط إلا في شعر غير مضفور. وللبخاري انقضي شعرك وامتشطي ولابن ماجة انقضي شعرك واغتسلي ولان الأصل وجوب نقض الشعر، لتحقق وصول الماء إلى ما يجب غسله. فعفى عنه في غسل الجنابة لأنه يكثر فشق ذلك فيه، والحيض بخلافه. فبقي على الأصل في الوجوب. والنفاس في معنى الحيض. وقال بعض أصحابنا: هذا مستحب، وليس بواجب، وهو قول أكثر الفقهاء، قال في المغني والشرح وغيرهما: وهو الصحيح إن شاء الله لأن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة: أنها قالت: للنبي (ص): إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه للحيض؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين رواه مسلم. وهي زيادة يجب قبولها. وهذا صريح في نفي الوجوب (وحتى حشفة أقلف) أي غير مجنون (إن أمكن تشميرها) بأن كان مفتوقا، لأنها في حكم الظاهر، (و) حتى (ما تحت خاتم ونحوه، فيحركه) ليتحقق وصول الماء إلى ما تحته، (و) حتى (ما يظهر من فرجها عند قعودها لقضاء حاجتها) لأنه في حكم الظاهر، (ولا) يجب غسل (ما أمكن من داخله) أي فرج، لأنه إما في حكم الباطن على ما ذكره. وإما في حكم الظاهر، وعفى عنه للمشقة وتقدم، (و) لا غسل (داخل عين) بل ولا يستحب، ولو أمن الضرر، (وتقدم في الوضوء، فإن كان على شئ من محل الحدث) الأصغر أو الأكبر (نجاسة) لا تمنع وصول الماء إلى البشرة بدليل ما تقدم (ارتفع الحدث قبل زوالها كالطاهرات) على محل الحدث التي لا تمنع وصول الماء. وقدم
182 المجد في شرحه، وابن عبيدان وصاحب مجمع البحرين، والحاوي الكبير وصححوه أن الحدث لا يرتفع إلا مع آخر غسلة، طهر عندها، قال الزركشي: وهو المنصوص عن أحمد. وقال في النظم: هو الأقوى. فصل: (ويسن أن يتوضأ بمد، وهو مائة وأحد وسبعون درهما وثلاثة أسباع درهم) إسلامي، (و) بالمثاقيل (مائة وعشرون مثقالا، و) بالأرطال (رطل وثلث رطل عراقي وما وافقه) أي الرطل العراقي في زنته من البلدان (ورطل وأوقيتان وسبعا أوقية مصري، وما وافقه، وثلاث أواق وثلاثة أسباع أوقية دمشقية وما وافقه، وأوقيتان وستة أسباع أوقية حلبية وما وافقه، وأوقيتان وأربعة أسباع أوقية قدسية وما وافقه، وأوقيتان وسبعا أوقية بعلية وما وافقه، و) يسن أن (يغتسل بصاع، وهو) أربعة أمداد فهو (ستمائة وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم وأربعمائة وثمانون مثقالا، وخمسة أرطال وثلث رطل عراقي بالبر الرزين) الجيد وهو المساوي للعدس في زنته (نص عليهما) أي على أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وأنه بالبر الرزين. وذلك لما روى أنس أن النبي (ص) كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع متفق عليه، وقال لكعب بن عجرة: أطعم ستة مساكين فرقا من طعام قال أبو عبيد: لا اختلاف بين الناس أعلمه أن الفرق ثلاثة آصاع. والفرق - بفتح الراء - ستة عشر رطلا بالعراقي، (و) الصاع (أربعة أرطال وتسع أواق وسبع أوقية) رطل (مصري و) الصاع (رطل وأوقية وخمسة أسباع أوقية) رطل (دمشقي وإحدى عشرة أوقية وثلاثة أسباع أوقية حلبية.
183 وعشر أواق وسبعا أوقية قدسية، وتسع أواق وسبع أوقية بعلية. وهذا) أي بيان قدر المد والصاع (ينفعك هنا) أي في المياه (وفي) باب (الفطرة والفدية والكفارة) بسائر أنواعها (وغيرها) كما لو نذر الصدقة بمد أو صاع، (فإن أسبغ بدونهما) بأن توضأ بدون مد، أو اغتسل بدون صاع (أجزأه) ذلك. لأن الله تعالى أمر بالغسل، وقد فعله (ولم يكره) لحديث عائشة قالت: كنت أغتسل أنا والنبي (ص) من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك رواه مسلم. وعن أم عمارة بنت كعب أن النبي (ص) توضأ فأتى بماء في إناء قدر ثلثي المد رواه أبو داود والنسائي، ومنطوق هذا: مقدم على مفهوم قوله (ص): يجزئ في الوضوء المد، وفي الغسل الصاع رواه أحمد والأثرم، (والإسباغ) في الوضوء والغسل: تعميم العضو بالماء، بحيث يجري عليه ولا يكون مسحا، لقوله تعالى: * (فاغسلوا وجوهكم) * الآية والمسح ليس غسلا (فإن مسحه) أي العضو بالماء (أو أمر الثلج عليه لم تحصل الطهارة به، وإن ابتل به) أي الثلج (العضو) الذي يجب غسله. لأن ذلك مسح لا غسل (إلا أن يكون) الثلج (خفيفا فيذوب، ويجري على العضو) فيجزئ، لحصول الغسل المطلوب، (ويكره الاسراف في الماء ولو على نهر جار) لحديث ابن عمر: أن النبي (ص) مر على سعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار رواه ابن ماجة، (وإذا اغتسل ينوي الطهارتين من الحدثين) أجزأ عنهما، ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة. لأن الله تعالى أمر الجنب بالتطهير، ولم يأمر معه بوضوء، ولأنهما عبادتان، فتداخلتا في الفعل. كما تدخل العمرة في الحج، وظاهره كالشرح والمبدع وغيرهما: يسقط مسح الرأس، اكتفاء عنه بغسلها وإن لم يمر
184 يده، وقال أبو بكر: يتداخلان إن أتى بخصائص الصغرى كالترتيب والموالاة والمسح، (أو) نوى (رفع الحدثين وأطلق) فلم يقيده بالأكبر ولا بالأصغر أجزأ عنهما لشمول الحدث لهما، (أو) نوى (استباحة الصلاة، أو) نوى (أمرا لا يباح إلا بوضوء وغسل كمس مصحف) وطواف (أجزأ عنهما) لاستلزم ذلك رفعهما (وسقط الترتيب والموالاة) لدخول الوضوء في الغسل. فصار الحكم للغسل كالعمرة مع الحج (وإن نوى) من عليه غسل بالغسل استباحة (قراءة القرآن ارتفع الأكبر فقط) لأن قراءة القرآن إنما تتوقف على رفعه لا على رفع الأصغر (وإن نوى) الجنب ونحوه (أحدهما) أي نوى رفع أحد الحدثين: الأكبر، أو الأصغر (لم يرتفع غيره) لقوله (ص): وإنما لكل امرئ ما نوى وقال الأزجي والشيخ تقي الدين: إذا نوى الأكبر ارتفع. (ومن توضأ قبل غسله) يعني أوفى أوله (كره له إعادته بعد الغسل) لحديث عائشة قالت: كان (ص) لا يتوضأ بعد الغسل رواه الجماعة (إلا أن ينتقض وضوؤه بمس فرجه أو غيره) كمس امرأة لشهوة، أو بخروج خارج، فيجب عليه إعادته للصلاة ونحوها. وتستحب لنحو قراءة وأذان، لوجود سببه، (وإن نوت من انقطع حيضها)، أو نفاسها (بغسلها حل الوطئ صح) غسلها، وارتفع الحدث الأكبر، لأن حل وطئها يتوقف على رفعه. وقيل: لا يصح، لأنها إنما نوت ما يوجب الغسل، وهو الوطئ، وفيه نظر ظاهر، إذ لا فرق بين الوطئ وحله، (ويسن لكل جنب ولو امرأة وحائضا ونفساء بعد انقطاع الدم) قلت: وكافر أسلم قياسا عليهم (إذا أرادت النوم أو الاكل أو الشرب أو الوطئ ثانيا أن يغسل فرجه) لإزالة ما عليه من الأذى، (ويتوضأ) روي ذلك عن علي وابن عمر. أما كونه يستحب بالنوم، فلما روى ابن عمر أن عمر قال: يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ فليرقد وعن عائشة قالت: كان النبي (ص) إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه
185 وتوضأ وضوءه للصلاة متفق عليهما، وأما كونه يستحب للاكل والشرب فلما روت عائشة قالت: رخص النبي (ص) للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ وضوءه للصلاة رواه أحمد بإسناد صحيح. وأما كونه يستحب لمعاودة الوطئ فلحديث أبي سعيد قال: قال النبي (ص): إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا رواه مسلم ورواه ابن خزيمة والحاكم وزاد: فإنه أنشط للعود، (لكن الغسل ل) - معاودة (الوطئ أفضل) من الوضوء، لأنه أنشط (ويأتي في عشرة النساء ولا يضر نقضه) أي الوضوء (بعد ذلك) أي إذا توضأ الجنب لما تقدم، ثم أحدث قبله لم يضره ذلك، فلا تسن له إعادته، لأن القصد التخفيف أو النشاط، وظاهر كلام الشيخ تقي الدين، يتوضأ لمبيته على إحدى الطهارتين، (ويكره) للجنب ونحوه (تركه) أي الوضوء (لنوم فقط) لظاهر الحديث، ولا يكره تركه لاكل وشرب ومعاودة وطئ (ولا يكره أن يأخذ الجنب ونحوه) كالحائض والنفساء شيئا (من شعره وأظفاره) وتقدم، (ولا أن يختضب قبل الغسل نصا). فصل: في مسائل من أحكام الحمام وآداب دخوله، وأجود الحمامات: ما كان شاهقا عذب الماء معتدل الحرارة، معتدل البيوت قديم البناء (بناء الحمام وبيعه وشراؤه وإجارته) مكروه لما فيه من كشف العورة والنظر إليها. ودخول النساء إليه (وكسبه وكسب البلان والمزين مكروه) قال في الرعاية: وحمامية النساء أشد كراهة (قال) الإمام أحمد: (في الذي يبني حماما للنساء: ليس بعدل) وقال في رواية ابن الحكم: لا تجاز شهادة من بناه للنساء، وحرمه القاضي، وحمله الشيخ تقي الدين على غير البلاد الباردة (وللرجل دخوله إذا أمن وقوع محرم، بأن يسلم من النظر إلى عورات الناس) ومسها، (و) يسلم من (نظرهم إلى عورته)
186 ومسها، لما روي أن ابن عباس دخل حماما كان بالجحفة وروي عنه (ص) أيضا (فإن خافه) أي الوقوع في محرم بدخول الحمام (كره) دخوله (وإن علمه) أي الوقوع في محرم (حرم) دخوله، لحديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر. ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام رواه أحمد. وقال أحمد: إن علمت أن كل من يدخل الحمام عليه إزار فأدخله، وإلا فلا تدخل (وللمرأة دخوله) أي الحمام (بالشرط المذكور) بأن تسلم من النظر إلى عورات النساء ومسها ومن النظر إلى عورتها ومسها (ولوجود عذر من حيض، أو نفاس، أو جنابة، أو مرض، أو حاجة إلى الغسل) لما روى أبو داود عن ابن عمر أن النبي (ص) قال: إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بالأزر وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء وقوله: (ولا يمكنها أن تغتسل في بيتها لخوفها من مرض أو نزلة) قاله القاضي والموفق والشارح. قال في الانصاف: وظاهر كلام أحمد لا يعتبر، وهو ظاهر كلامه المستوعب والرعاية، (وإلا) بأن لم يكن لها عذر مما تقدم (حرم) عليها دخوله (نصا) لما تقدم من الخبرين. واختار أبو الفرج بن الجوزي والشيخ تقي الدين. أن المرأة إذا اعتادت الحمام وشق عليها ترك دخوله إلا لعذر أنه يجوز لها دخوله. و (لا) يحرم عليها الاغتسال (في حمام دارها) حيث لم ير من عورتها ما يحرم النظر إليه، لعدم دخوله فيما تقدم، وكباقي دارها (ويقدم رجله اليسرى في دخول الحمام والمغتسل ونحوهما) لأنها لما خبث. قال في المبدع: وعن سفيان قال: كانوا يستحبون
187 لمن دخله أن يقول: يا بر يا رحيم من وقنا عذاب السموم. (والأولى في الحمام أن يغسل قدميه وإبطيه بماء بارد عند دخوله، ويلزم الحائط) خوف السقوط (ويقصد موضعا خاليا) لأنه أبعد من أن يقع في محظور، (ولا يدخل البيت الحار حتى يعرق في البيت الأول) لأنه أجود طبا (ويقلل الالتفات) لأنه محل الشياطين، فتعبث به، وربما كان سببا لرؤية عورة، (ولا يطيل المقام إلا بقدر الحاجة) لأنه يأخذ من البدن (ويغسل قدميه عند خروجه بماء بارد. قال في المستوعب: فإنه يذهب الصداع، ولا يكره دخوله قرب الغروب، ولا بين العشاءين) لعدم النهي الخاص عنه. وقال ابن الجوزي في منهاج القاصدين: يكره لأنه وقت انتشار الشياطين، (ويحرم أن يغتسل عريانا بين الناس) في حمام أو غيره، لحديث: " احفظ عورتك " إلى آخره، وعن يعلى بن أمية أن النبي (ص) رأى رجلا يغتسل بالبراز فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر رواه أبو داود، (فإن ستره إنسان بثوب) فلا بأس، (أو اغتسل عريانا خاليا) عن الناس (فلا بأس) لأن موسى عليه السلام اغتسل عريانا رواه البخاري، وأيوب عليه السلام اغتسل عريانا قاله في المغني، (والتستر أفضل) وقال في الانصاف وغيره: يكره. قال الشيخ تقي الدين: عليه أكثر نصوصه. قال في الآداب: يكره الاغتسال في المستحم ودخول الماء بلا مئزر انتهى لقول الحسن والحسين وقد دخلا الماء وعليهما برد إن للماء سكانا (وتكره القراءة فيه) أي الحمام (ولو خفض صوته) لأنه
188 محل التكشف ويفعل فيه ما لا يحسن في غيره، فاستحب صيانة القرآن عنه، وحكى ابن عقيل الكراهة عن علي وابن عمر، (وكذا) يكره (السلام) في الحمام، قال في الآداب: وكذلك لا يسلم ولا يرد على مسلم وقال في الشرح: الأولى جوازه من غير كراهة، لعموم قوله (ص): أفشوا السلام بينكم ولأنه لم يرد فيه نص، والأشياء على الإباحة، و (لا) يكره (الذكر) في الحمام، لما روى النخعي أن أبا هريرة دخل الحمام فقال: لا إله إلا الله (وسطحه ونحوه) من كل ما يتبعه في بيع وإجارة (كبقيته) لتناول الاسم له. باب التيمم (وهو) لغة: القصد. قال تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * يقال: يممت فلانا وتيممته. وأممته إذا قصدته، ومنه * (ولا آمين البيت الحرام) * (المائدة 2). وقول الشاعر: وما أدري إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني؟ أألخبر الذي أنا مبتغيه * أم الشر الذي هو مبتغيني؟ وشرعا: (مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه مخصوص) يأتي تفصيله. وهو ثابت بالاجماع، وسنده وقوله تعالى: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) * الآية. وحديث عمار وغيره وهو من خصائص هذه الأمة، لأن الله تعالى لم يجعله طهورا لغيرها، توسعة عليها وإحسانا إليها والتيمم (بدل عن طهارة الماء) لأنه مترتب عليها، يجب فعله عند عدم الماء، ولا يجوز مع وجوده إلا لعذر، وهذا شأن البدل، (ويجوز) التيمم (حضرا وسفرا، ولو) كان السفر (غير مباح، أو) كان (قصيرا) دون المسافة (لأن التيمم عزيمة لا يجوز تركه) عند وجود شرطه (قال القاضي: لو خرج إلى ضيعة له تقارب البنيان
189 والمنازل، ولو بخمسين خطوة، جاز له التيمم) أي بشرطه، (و) جاز له (الصلاة) النافلة (على الراحلة، وأكل الميتة للضرورة) لأنه مسافر عرفا، (ويجوز) وعبارة المبدع: وهو مشروع، والمعنى أنه يجب حيث يجب التطهر بالماء، ويسن حيث يسن ذلك فيشرع (لكل ما يفعل بالماء) أي بطهارته (عند العجز عنه) أي عن استعمال الماء، لعدم أو مرض ونحوهما (شرعا من) بيان لما يفعل بالماء (صلاة) فرض أو نفل (وطواف) فرض أو نفل (وسجود تلاوة وشكر، وقراءة قرآن، ومس مصحف) وقال الموفق: إن احتاج إليه (ووطئ حائض انقطع دمها) ولو لم يكن بالواطئ جراح، أو لم يصل به ابتداء (ولبث في مسجد) إذا تعذر الوضوء عاجلا، وأراد اللبث للغسل فيه (سوى جنب وحائض ونفساء انقطع دمهما في مسألة تقدمت في الباب قبله) وهي: ما إذا تعذر الوضوء واحتاجوا للبث فيه، فإنه يجوز بلا تيمم، وتقدم أنه به أولى، (و) سوى (نجاسة على غير بدن) وهي النجاسة على الثوب وفي البقعة، فلا يصح التيمم لهما، بخلاف نجاسة البدن وتأتي، (ولا يكره الوطئ لعادم الماء) ولو لم يخف العنت، إذ الأصل في الأشياء الإباحة إلا لدليل (والتيمم مبيح) للصلاة ونحوها، و (لا يرفع الحدث) لقوله (ص) في حديث أبي ذر: فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك، فإنه خير لك صححه الترمذي، ولو رفع الحدث لم يحتج إلى الماء إذا وجده، (ولا يصح) التيمم (إلا بشرطين أحدهما: دخول وقت ما يتيمم له، فلا يصح) التيمم (لفرض ولا لنفل معين، كسنة راتبة ونحوها) كوتر (قبل وقتهما نصا) لحديث أبي أمامة مرفوعا قال: جعلت الأرض
190 كلها لي ولأمتي مسجدا وطهورا، فأينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره رواه أحمد والوضوء إنما جاز قبل الوقت، لكونه رافعا للحدث بخلاف التيمم. فإنه طهارة ضرورة، فلم يجز قبل الوقت، كطهارة المستحاضة، (ولا) يصح التيمم (لنفل في وقت نهي عنه) لأنه ليس وقتا له. وعلم منه أنه يصح التيمم لركعتي فجر بعده، ولركعتي طواف كل وقت لاباحتهما إذن، (ويصح) التيمم (لفائتة إذا ذكرها وأراد فعلها) لصحة فعلها كل وقت لا قبله، (و) يصح التيمم (لكسوف عند وجوده) إن لم يكن وقت نهي، (و) إلا فإذا خرج، يصح التيمم (لاستسقاء إذا اجتمعوا) لصلاته، (و) لصلاة (جنازة إذا غسل الميت) أي تم تغسيله، كما في المبدع (أو يمم لعذر) ويعايي بها، فيقال: شخص لا يصح تيممه حتى يتيمم غيره؟ (ولعيد إذا دخل وقته، ولمنذورة) مطلقة (كل وقت) فإن كانت منذورة بمعين اعتبر دخوله، كالمفروضة، (و) يصح التيمم (لنفل عند جواز فعله) لأن ذلك وقته. الشرط: (الثاني العجز عن استعمال الماء) لأن غير العاجز يجد الماء على وجه لا يضره، فلم يتناوله النص (فيصح) التيمم لمن عجز عن الماء (لعدمه) حضرا كان أو سفرا، قصيرا كان أو طويلا، مباحا أو غيره، لقوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا) * ويتصور عدم الماء في الحضر (بحبس) للمتيمم عند الخروج في طلب الماء، أو حبس للماء عن المتيمم، بحيث لا يقدر عليه، ولا يجد غيره (أو غيره) أي غير الحبس، كقطع عدو ماء بلده، لعموم حديث أبي ذر أن النبي (ص) قال: الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين. فإذا وجده فليمسه بشرته. فإن ذلك خير رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه. والتقييد بالسفر مخرج الغالب، لأنه محل العدم غالبا، (و) يصح التيمم (لعجز مريض عن الحركة وعمن يوضئه إذا خاف فوت الوقت. إن انتظر من يوضئه و) عجزه (عن الاغتراف ولو بفمه) لأنه كالعادم للماء، فإن قدر على اغتراف الماء بفمه، أو على غمس أعضائه في الماء الكثير لزمه ذلك، لقدرته على استعمال الماء، (أو) أي ويصح التيمم (لخوف ضرر باستعماله) أي الماء (في
191 بدنه من جرح) لقوله تعالى: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * ولحديث جابر في قصة صاحب الشجة رواه أبو داود والدارقطني. وكما لو خاف من عطش أو سبع. فإن لم يخف من استعمال الماء لزمه كالصحيح، (أو) من (برد شديد) لحديث عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك. فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح. فذكر ذلك للنبي (ص) فقال: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قلت: ذكرت قول الله تعالى: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * فضحك ولم يقل شيئا رواه أحمد وأبو داود، (ولو) كان خوفه على نفسه من البرد (حضرا) فيتيمم دفعا للضرر، كالسفر، وليس المراد بخوفه الضرر أن يخاف التلف، بل يكفي أن (يخاف منه نزلة، أو مرضا ونحوه) كزيادة المرض، أو تطاوله، فيتيمم (بعد غسل ما يمكنه) غسله بلا ضرر. والمراد أنه يغسل ما لا يتضرر بغسله ويتيمم لما سواه، مراعيا للترتيب والموالاة في الحدث الأصغر. كما يأتي، (و) إنما يتيمم للبرد إذا (تعذر تسخينه) أي الماء في الوقت. قال في الشرح وغيره: متى أمكنه تسخين الماء أو استعماله على وجه يأمن الضرر كأن يغسل عضوا عضوا، كلما غسل شيئا ستره. لزمه ذلك، (أو) أي ويصح التيمم (لخوف بقاء شين) أي فاحش في بدنه بسبب استعمال الماء، لعموم قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى) * (النساء: 43). ولأنه يجوز له التيمم إذا خاف ذهاب شئ من ماله. فهنا أولى، (أو) أي ويصح التيمم ل (- مرض يخشى زيادته أو تطاوله) لما تقدم، فإن لم يخف ضررا باستعمال الماء كمن به صداع، أو حمى حارة، أو أمكنه استعمال الماء الحار بلا ضرر. لزمه ذلك، ولا يتيمم لانتفاء الضرر، (و) يصح التيمم (ل) - خوف (فوات مطلوبه) باستعمال الماء، كعدو خرج في طلبه أو آبق، أو شارد يريد تحصيله، لأن في فوته ضررا، وهو منفي شرعا، (أو) أي ويصح
192 التيمم ل (- عطش يخافه على نفسه ولو) كان العطش (متوقعا) لقول علي في الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة، ومعه الماء القليل يخاف أن يعطش: يتيمم ولا يغتسل رواه الدارقطني. ولأنه يخاف الضرر على نفسه، أشبه المريض، بل أولى (أو) يخاف العطش على (رفيقه المحترم) لأن حرمته تقدم على الصلاة بدليل ما لو رأى غريقا عند ضيق وقتها، فيتركها، ويخرج لانقاذه. فلان تقدم على الطهارة بالماء بطريق الأولى. قال أحمد: عدة من الصحابة تيمموا وحبسوا الماء لشفاههم (ولا فرق) في الرفيق المحترم (بين المزامل له، أو واحد من أهل الركب) لأنه لا يخل بالمرافقة، (ويلزمه) أي من معه الماء (بذله له) أي لعطشان يخشى تلفه. وفي حبس الماء لعطش الغير المتوقع روايتان. اختار الشريف وابن عقيل وجوبه، وصوبه في تصحيح الفروع. وقيل: يستحب. قال المجد: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد. وقدمه في الرعاية الكبرى ومجمع البحرين. ولو خاف على نفسه العطش بعد دخول الوقت، ففيه وجهان. قال في تصحيح الفروع: الصواب الوجوب، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. منهم الشيخ الموفق. والقول بعدم الوجوب ضعيف جدا فيما يظهر. و (لا) يلزم بذل الماء (لطهارة غيره بحال) سواء كان يجد غيره أو لا، طلبه بثمنه أو لا، كسائر الأموال، لا يلزم بذلها إلا لضرورة ولا ضرورة هنا. وأخرج بقوله: المحترم: الزاني المحصن والمرتد والحربي. فلا يلزم بذله له إذا عطش، وإن خاف تلفه، (أو) عطش يخافه (على بهيمته أو بهيمة غيره المحترمين) لأن للروح حرمة، وسقيها واجب. ودخل في ذلك كلب الصيد. وخرج عنه العقور والخنزير ونحوه، لعدم احترامه (قال) أبو الفرج عبد الرحمن (بن الجوزي: إن احتاج الماء للعجن والطبخ ونحوهما تيمم وتركه) أي الماء لذلك، اقتصر عليه في الفروع. وجزم به في المنتهى، وحكاه في الرعاية بصيغة التمريض، (وإذا وجد الخائف من العطش ماء طهورا، أو ماء نجسا) وكان (يكفيه كل منهما لشربه حبس الطاهر) لشربه
193 (وأراق النجس إن استغنى عن شربه) سواء كان في الوقت أو قبله، لعدم حاجته إليه (فإن خاف حبسهما) للحاجة وكما لو انفرد النجس، (ولو مات رب الماء) وبقي ماؤه (يممه رفيقه العطشان) كما يتيمم لو كان حيا ذلك، (ويغرم) العطشان (ثمنه) أي قيمة الماء (في مكانه) أي مكان إتلافه (وقت إتلافه لورثته) لانتقاله إليهم كسائر أمواله، وإنما غرمه بثمنه بقيمته مع أنه مثلي، دفعا للضرر عن الورثة، إذ الماء لا قيمة له في الحضر غالبا، ولو كانت فشئ تافه بالنسبة لما في السفر. وظاهر النهاية: إن غرمه في مكانه أي التلف فبمثله (ومن أمكنه أن يتوضأ ويجمع الماء) الذي توضأ به (ويشربه لم يلزمه، لأن النفس تعافه) أي تعاف شربه، (ومن خاف فوت رفقته) باستعمال الماء (ساغ له التيمم) قال في الفروع: ولو لم يخف ضررا بفوت الرفقة لفوت الألف والأنس (وكذا لو خاف على نفسه أو ماله في طلبه) أي الماء (خوفا محققا، لا جبنا) وهو الخوف لغير سبب، والخوف المحقق (كأن كان بينه وبين الماء سبع) أي حيوان مفترس، (أو حريق، أو لص ونحوه) ساغ له التيمم، لأن الضرر منفي شرعا، (أو خاف) بطلب الماء (غريما يلازمه ويعجز عن أدائه) فله التيمم، دفعا للضرر عنه، فإن قدر على وفائه حال دينه لم يجز له التيمم، لإثمه بالتأخير إذن، (أو خافت امرأة) بطلب الماء (فساقا) يفجرون بها، فتتيمم، بل يحرم عليها الخروج (في طلبه) إذن، لأنها تعرض نفسها للفساد، ومثلها الأمرد (ولو كان خوفه بسبب ظنه فتبين عدم السبب، مثل من رأى سوادا بالليل ظنه عدوا، فتبين أنه ليس بعدو بعد أن تيمم وصلى لم يعد) لكثرة البلوى به، بخلاف صلاة الخوف، فإنها نادرة في نفسها (و) هي بذلك أندر (يلزمه) أي عادم الماء إذا وجبت عليه الطهارة (شراء الماء) الذي يحتاجه لها (بثمن مثله في تلك البقعة أو مثلها) أي مثل تلك البقعة (غالبا) لأنه قادر على استعماله من غير ضرر. ولأنه يلزمه شراء سترة عورته للصلاة فكذا هنا. (و) يلزمه أيضا شراؤه ب (- زيادة يسيرة) عرفا لأن ضررها يسير وقد اغتفر اليسير في النفس (كضرر يسير في بدنه من صداع أو برد) فهنا أولى. و (لا) يلزمه شراء الماء (بثمن يعجز عنه) ويتيمم، لأن العجز عن الثمن يبيح الانتقال إلى البدل، كالعجز عن
194 ثمن الرقبة في الكفارة، (أو) أي ولا يلزمه شراء الماء بثمن (يحتاجه لنفقة ونحوها) كقضاء دينه ومؤنة سفره، ولا فرق بين نفقته ونفقة عياله من مؤنة وكسوة وغيرهما (وحبل ودلو، كما) يلزم شراؤهما بثمن مثل أو أزيد يسيرا، إذا احتاج إليهما، و (يلزمه طلبهما) أي الحبل والدلو، أي استعارتهما ليحصل بهما الماء. لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، (و) يلزمه (قبولهما) أي الحبل والدلو (عارية) لأن المنة في ذلك يسيرة (وإن قدر على) استخراج (ماء بئر بثوب يبله ثم يعصره لزمه) ذلك لقدرته على تحصيل الماء، كما لو وجد حبلا ودلوا (إن لم تنقص قيمة الثوب أكثر من ثمن الماء) الذي يستخرجه في مكانه. فإن نقصت أكثر من ثمنه لم يلزمه، كشرائه (ويلزمه قبول الماء قرضا وكذا) يلزمه قبول (ثمنه) قرضا (وله ما يوفيه) منه. لأن المنة في ذلك يسيرة، و (لا) يلزمه (اقتراض ثمنه) أي الماء للمنة (ويلزمه قبول الماء) إذا بذل له (هبة) لسهولة المنة فيه، لعدم تموله عادة، و (لا) يلزمه قبول (ثمنه) هبة للمنة (ولا) يلزمه (شراؤه) أي الماء (بدين في ذمته) ولو قدر على أدائه في بلده، لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته. وربما تلف ماله قبل أدائه، وكالهدي. وقال القاضي: يلزمه كالرقبة في الكفارة. وأجيب: بأن الفرض متعلق بالوقت بخلاف المكفر (فإن كان بعض بدنه جريحا ونحوه) بأن كان به قروح (وتضرر) بغسله ومسحه بالماء (تيمم له) أي للجريح ونحوه، لما تقدم، (و) يتيمم أيضا (لما يتضرر بغسله مما قرب منه) أي من الجريح ونحوه، لمساواته له في الحكم (فإن عجز عن ضبطه) أي ضبط الجريح وما قرب منه، مما يتضرر بغسله (لزمه أن يستنيب إن قدر) على الاستنابة، بأن وجد من يستنيبه وأجرته إن طلبها (وإلا) أي وإن لم يقدر على الاستنابة (كفاه التيمم) فيصلي به، ولا إعادة (فإن أمكن مسحه) أي الجرح ونحوه (بالماء وجب) المسح (وأجزأ) ه لأن الغسل مأمور به والمسح بعضه، فوجب كمن عجز عن الركوع والسجود وقدر على الايماء. فإن كان الجرح نجسا، فقال في التلخيص: يتيمم، ولا يمسح. ثم إن كانت النجاسة معفوا عنها ألغيت، واكتفى بنية الحدث، وإلا نوى الحدث والنجاسة إن شرطت فيها، قاله في المبدع (وإن
195 كان الجرح في بعض أعضاء الوضوء لزمه مراعاة ترتيب، وموالاة في وضوء) لا غسل (فيتيمم له) أي الجرح (عند غسله، لو كان صحيحا) لأن البدل يعطي حكم مبدله (فإن كان الجرح في الوجه قد استوعبه) وأراد الوضوء (لزمه التيمم أولا) لقيامه مقام غسل الوجه، (ثم يتمم الوضوء، وإن كان) الجرح (في بعض الوجه خير بين غسل الصحيح منه) أي من الوجه (ثم يتيمم، وبين التيمم) أو لا، (ثم يغسل صحيح وجهه) لأن العضو الواحد لا يعتبر فيه ترتيب، (ثم يكمل وضوؤه. فإن كان الجرح في عضو آخر) غير الوجه (لزمه غسل ما قبله) مرتبا (ثم كان الحكم فيه) أي الجريح (على ما ذكرنا في الوجه) فإن استوعبه الجرح تيمم بعد غسل ما قبله وإن لم يستوعبه خير بعد غسله ما قبله بين أن يتيمم للجرح، ثم يغسل الباقي، أو يغسل الصحيح، ثم يتيمم للجرح (وإن كان) الجرح (في وجهه ويديه ورجليه احتاج في كل عضو إلى تيمم في محل غسله ليحصل الترتيب) ولو غسل صحيح وجهه، ثم تيمم لجريحه وجريح يديه تيمما واحدا لم يجزئه. لأنه يؤدي إلى سقوط الفرض عن جزء من الوجه واليدين في حال واحدة، فيفوت الترتيب. لا يقال: يبطل هذا بالتيمم عن جملة الطهارة حيث يسقط الفرض عن جميع الأعضاء جملة واحدة. لأنه إذا كان عن جملة الطهارة فالحكم له دونها. وإن كان عن بعضها ناب عن ذلك البعض. فاعتبر فيه ما يعتبر فيما ينوب عنه من الترتيب. (ويبطل وضوؤه وتيممه بخروج الوقت) فلو كان الجرح في رجله فتيمم له عند غسلها، ثم بعد زمن لا تمكن فيه الموالاة خرج الوقت. بطل تيممه. وبطلت طهارته بالماء أيضا، لفوات الموالاة فيعيد غسل الصحيح، ثم يتيمم عقبه (ولا تبطل طهارته بالماء إن كان غسلا لجنابة ونحوها) كحيض أو نفاس (بخروجه) أي الوقت، (بل) يبطل (التيمم فقط) لان غسل الجنابة ونحوها لا يشترط فيه ترتيب ولا موالاة بخلاف الوضوء، (وإن وجد ما يكفي بعض بدنه لزمه استعماله جنبا كان أو محدثا، ثم يتيمم للباقي) لقوله (ص): إذا أمرتكم بأمر
196 فائتوا منه ما استطعتم رواه البخاري. ولأنه قدر على بعض الشرط: فلزمه كالسترة. ولا يصح أن يتيمم قبل استعماله. لقوله تعالى: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * فاعتبر استعماله أولا، ليتحقق الشرط الذي هو عدم الماء، وليتميز المغسول عن غيره، ليعلم ما يتيمم له. وإن تيمم في وجهه، ثم وجد ماء طهورا يكفي بعض بدنه بطل تيممه. قال في الرعاية: إن وجب استعماله بطل، وإلا فلا (وإن وجد ترابا لا يكفيه للتيمم استعمله وصلى) قلت: ولا يزيد على ما يجزئ على ما يأتي. وظاهره: ولا إعادة. وفي الرعاية: ثم يعيد الصلاة إن وجد ما يكفيه من ماء أو تراب، (ومن كان على بدنه نجاسة وهو محدث والماء يكفي أحدهما غسل النجاسة ثم تيمم من الحدث ولو كانت النجاسة في ثوبه أو بقعته فكذلك إلا أن تكون النجاسة في محل يصح تطهيره من الحدث فيستعمله) أي الماء (فيه عنهما) أي عن الحدث والنجس. قاله المجد. قلت: وهذا واضح إن كان الحدث أكبر. فإن كان أصغر، فعلى كلامهم: لا بد من مراعاة الترتيب. فإن كان لا يبقى للنجاسة ما يزيلها بعد مراعاته. قدمها، كما لو كانت بغير أعضاء الوضوء. (ولا يصح تيممه إلا بعد غسل النجاسة) تحقيقا لشرطه (ولو كانت النجاسة في ثوبه) أو بقعته (غسله أولا ثم تيمم) لما تقدم. فصل: (ومن عدم الماء وظن وجوده) لزمه طلبه لقوله تعالى: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * (النساء 43). ولا يقال: لم يجد إلا لمن طلب. ولان التيمم بدل فلم يجز العدول إليه
197 قبل طلب المبدل، كالصيام في كفارة الترتيب (أو شك) أي تردد في وجود الماء (ولم يتحقق عدمه) ولو ظن عدم وجوده، قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب (لزمه طلبه) أي الماء (في رحله) أي ما يسكنه وما يستصحبه من الأثاث (وما قرب منه عرفا) لما تقدم فيه (فيفتش من رحله ما يمكن أن يكون فيه) إذ تفتيش ما لا يمكن أن يكون فيه طلب للمحال (ويسعى في جهاته الأربع) قدامه ووراءه ويمينه وشماله (إلى ما قرب منه مما عادة القوافل السعي إليه) لأن ذلك هو الموضع الذي يطلب الماء فيه عادة، (ويسأل رفقته) ذوي الخبرة بالمكان (عن موارده) أي الماء، (و) يسألهم (عن ماء معهم ليبيعوه له أو يبذلوه) له. قال في المغني والشرح: وإن كان له رفقة يدل عليهم طلبه منهم (ووقت الطلب بعد دخول الوقت) لأنه إذن يخاطب بالصلاة وشرطها (فلا أثر لطلبه قبل ذلك) أي قبل دخول الوقت، لأنه ليس مخاطبا بالتيمم قبله (فإن رأى خضرة أو) رأى (شيئا يدل على الماء لزمه قصده، فاستبرأه) ليتحقق شرط التيمم (وإن كان بقربه ربوة أو شئ قائم أتاه) (فطلب) أي فتش (عنده) قطعا للشك (وإن كان سائرا طلبه أمامه) فقط. لأن في طلبه فيما عدا ذلك ضررا به (فإن دله) أي أرشده (عليه ثقة) أي عدل ضابط. لزمه قصده. إن كان قريبا عرفا (أو علمه قريبا) عرفا (لزمه قصده) ولم يصح تيممه إذن، لقدرته على استعماله، حيث لم يخف ضررا، ولا فوت وقت ولا رفقة (ويلزمه) أي عادم الماء (طلبه لوقت كل صلاة) لأنه مخاطب بها وبشروطها كلما دخل وقتها. وهذا كله إذا لم يتحقق عدمه، كما يفهم مما سبق في كلامه. فإن تحقق عدمه لم يلزمه طلبه. لأنه لا أثر لطلب شئ متحقق العدم (ومن خرج إلى
198 أرض) أي مزارع ومحتطبات (بلده لحرث أو صيد أو احتطاب ونحوها) كأخذ حشيش، وكما لو خرج لحصاد أو دياس ونحوه (حمله) أي إناء معه وجوبا (إن أمكنه) حمله، لأنه لا عذر له إذن في عدم حمله، والواجب لا يتم إلا به (وإن لم يمكنه حمله ولا الرجوع) إلى محل الماء (للوضوء) أو نحوه (إلا بتفويت حاجته تيمم) لأنه عادم للماء (وصلى ولا يعيد) وكذا لو حمله وفقد، أو لم يحمله لغير عذر (كما لو كانت حاجته في أرض قرية أخرى) غير بلده (ولو كانت قريبا) لما تقدم أنه لا فرق بين بعيد السفر وقريبه، لعموم قوله تعالى: * (أو على سفر) *، (ولو مر بماء قبل الوقت، أو كان معه) الماء (فأراقه) قبل الوقت (ثم دخل الوقت وعدم الماء) فلا إثم عليه، لعدم تفريطه. لأنه ليس مخاطبا بالطهارة قبل دخول وقت الصلاة. و (صلى بالتيمم) لأنه عادم الماء (ولا إعادة عليه) لأنه أتى بما هو مكلف به (وإن مر به) أي الماء (في الوقت وأمكنه الوضوء ولم يتوضأ ويعلم أنه لا يجد غيره) حرم، لتفريطه بترك ما هو واجب عليه بلا ضرورة. فإن لم يمكنه الوضوء أو توضأ، ثم انتقض وضوؤه بعد مفارقة الماء وبعده عنه، أو كان لا يعلم أنه لا يجد غيره، فلا إثم عليه، لعدم تفريطه (أو كان) الماء (معه فأراقه في الوقت) حرم، لأنه وسيلة إلى فوات الطهارة بالماء الواجبة، (أو باعه) أي الماء (فيه) أي في الوقت (أو وهبه فيه) لغير محتاج لشرب (حرم) عليه ذلك. لما تقدم (ولم يصح البيع و) لا (الهبة) لأنه تعلق به حق الله تعالى. فهو كالمنذور عتقه نذر تبرر، لعجزه عن تسليمه شرعا، (أو وهب له) ماء أو بذل قرضا في الوقت (فلم يقبله حرم) عليه (أيضا) لتفويته الطهارة الواجبة، (وإن تيمم وصلى في الجميع) أي جميع الصور المتقدمة (صح) تيممه وصلاته لعدم قدرته على الماء حينئذ. أشبه ما لو فعل ذلك قبل الوقت، (ولم يعد) الصلاة لأنها صلاة تيمم صحيح، لما تقدم وهذا كله إذا كان الماء قد عدم، فإن كان باقيا وقدر على تحصيله لم يصح تيممه، ولا صلاته، لقدرته على الماء، ولم يقيد به لوضوحه، (وإن نسي الماء) وتيمم لم يجزئه، قال في الفروع: ويتوجه، أو ثمنه، أي إذا كان الماء يباع ونسي ثمنه وتيمم وصلى لم يجزئه. لأن النسيان لا يخرجه عن كونه واجدا. وشرط إباحة التيمم عدم الوجدان، ولأنها طهارة تجب مع الذكر. فلم تسقط بالنسيان
199 كالحدث، (أو جهله) أي الماء (بموضع يمكنه استعماله وتيمم، لم يجزئه) لتقصيره، كمصل عريانا ناسيا أو جاهلا بالسترة، ويكفر بصوم ناسيا أو جاهلا وجود الرقية (كأن يجده) أي الماء (بعد ذلك) أي التيمم (في رحله وهو) أي رحله (في يده) المشاهدة، أو الحكمية، (أو) يجده (ببئر بقربه أعلامها ظاهرة) وكان يتمكن من تناوله منها. فلا يصح تيممه إذن ولا صلاته لما تقدم، (فأما إن ضل عن رحله وفيه الماء وقد طلبه) فإن التيمم يجزئه. ولا إعادة عليه، (أو) تيمم ثم وجد بئرا بقربه، و (كانت أعلام البئر خفية ولم يكن يعرفها) قبل ذلك، (أو كان يعرفها وضل عنها فإن التيمم يجزئه ولا إعادة عليه) لأنه ليس بواجد للماء، وغير مفرط (وإن أدرج أحد الماء في رحله ولم يعلم به) حتى صلى بالتيمم. فإنه يعيد لتفريطه بعدم طلبه في رحله أو ضل عن موضع التي كان يعرفها، (أو كان الماء مع عبده، ولم يعلم به السيد، ونسي العبد أن يعلمه حتى صلى بالتيمم فإنه يعيد) ما صلاه بذلك التيمم، كما لو كان النسيان منه، وكنسيان رقبة مع عبده وقيل: لا يعيد، لأن التفريط من غيره. (ويتيمم لجميع الاحداث) أما الأكبر. فلقوله تعالى: * (أو لامستم النساء) * (النساء: 43) والملامسة الجماع وعن عمران بن حصين أن النبي (ص) رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم، فقال: ما منعك أن تصلي؟ فقال: أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد. فإنه يكفيك متفق عليه. والحائض والنفساء إذا انقطع دمهما، والكافر إذا أسلم كالجنب. وأما الأصغر فبالاجماع، وسنده قوله تعالى: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * (النساء: 43) وقوله (ص): الصعيد الطيب طهور المسلم ولأنه إذا جاز للجنب جاز لغيره من باب أولى (ولنجاسة على جرح وغيره على بدنه فقط تضره إزالتها، أو) يضره (الماء) الذي يزيلها به، لعموم حديث أبي ذر، ولأنها طهارة في البدن تراد للصلاة. أشبهت الحدث. واختار ابن حامد وابن عقيل. لا يتيمم للنجاسة أصلا كجمهور العلماء لأن الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث، وغسل النجاسة ليس في معناه، لأن الغسل إنما يكون في محل
200 النجاسة دون غيره، وعلم من قوله: فقط: أنه لا يتيمم لنجاسة ثوبه. ولا بقعته، لأن البدن له مدخل في التيمم، لأجل الحدث. فدخل فيه التيمم لأجل النجس. وذلك معدوم في الثوب والمكان ولا يتيمم لنجاسة معفو عنها (ولا إعادة) لما صلاه بالتيمم للنجاسة على البدن، كالذي يصليه بالتيمم للحدث، وإنما يتيمم لنجاسة البدن (بعد أن يخفف منها ما أمكنه) تخفيفه بحك يابسه، ومسح رطبه (لزوما) أي وجوبا، فلا يصح التيمم لها قبل ذلك، لأنه قادر على إزالتها في الجملة لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، (وإن تيمم حضرا، أو سفرا خوفا من البرد) ولم يمكنه تسخينه ولا استعماله على وجه لا يضره، وتقدم (وصلى، فلا إعادة عليه) لحديث عمرو بن العاص. وتقدم. ولم يأمره (ص) بالإعادة. ولو وجبت لامره بها لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. وقيس الحضر على السفر، (ومن عدم الماء والتراب، أو لم يمكنه استعمالهما) أي الماء والتراب (لمانع كمن به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بوضوء ولا تيمم صلى) الفرض فقط (على حسب حاله وجوبا) لقوله (ص): إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ولان العجز عن الشرط لا يوجب ترك المشروط، كما لو عجز عن السترة والاستقبال (ولا إعادة) لما روي عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فضلتها، فبعث رسول الله (ص) رجالا في طلبها، فوجدوها، فأدركتهم الصلاة، وليس معهم ماء، فصلوا بغير وضوء، فشكوا إلى النبي (ص) فأنزل الله آية التيمم متفق عليه. ولم يأمرهم بالإعادة، ولأنه أحد شروط الصلاة، فسقط عند العجز. كسائر شروطها (ولا يزيد هنا على ما يجزئ في الصلاة من قراءة وغيرها) فلا يقرأ زائدا على الفاتحة، ولا يسبح أكثر من مرة ولا يزيد على ما يجزئ في طمأنينة ركوع أو سجود أو جلوس بين السجدتين، وإذا فرغ من قراءة الفاتحة ركع في الحال، وإذا فرغ مما يجزئ في التشهد الأول نهض في الحال، وإذا فرغ مما يجزئ في التشهد الأخير سلم في الحال، (ولا يتنفل) من عدم الماء والتراب ونحوه. لأنه إنما أبيح له الفرض لداعي الضرورة إليه، (ولا يؤم) من يصلي على حسب حاله (متطهرا بماء أو تراب) لعدم صحة اقتداء المتطهر بالمحدث العالم بحدثه، وعلم منه أنه يؤم مثله (ولا يقرأ في غير صلاة إن كان جنبا ونحوه) كحائض ونفساء لما تقدم في الغسل (وتبطل صلاته) أي صلاة المصلي
201 على حسب حاله (بالحدث فيها) وبطروء نجاسة، لا يعفى عنها، لأن ذلك ينافي الصلاة، فاقتضى وجوده بطلانها على أي حالة كانت. ثم يستأنفها على حسب حاله، و (لا) تبطل صلاة المصلي على حسب حاله (بخروج وقتها) بخلاف صلاة المتيمم. لأن التيمم يبطل. فتبطل الصلاة بخلاف ما هنا (وتبطل الصلاة على الميت إذا لم يغتسل ولم يتيمم) لعدم الماء والتراب، وصلى عليه (لغسله أو بتيممه) متعلق بتبطل، والمراد بوجود ما يغسل به أو ييمم به (بعدها) أي بعد الصلاة عليه (وتعاد الصلاة عليه) أي على الميت بعد أن يغسل، أو ييمم وجوبا للقدرة عليها بشرطها، و (يجوز نبشه) بعد دفنه (لأحدهما) أي للغسل، أو التيمم (مع أمن تفسخه) لأنه مصلحة بلا مفسدة، فإن خيف تفسخه لم ينبش. فصل: ولا يصح التيمم إلا بتراب طهور لقوله تعالى: * (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * وما لا غبار له. كالصخر لا يمسح بشئ منه. وقال ابن عباس: الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر يؤيده قوله (ص): وجعل لي التراب طهورا رواه الشافعي وأحمد من حديث علي. وهو حديث حسن، فخص ترابها بحكم الطهارة. وذلك يقتضي نفي الحكم عما عداه، والقول بأن من الابتداء الغاية، قال في الكشاف: قول متعسف، ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل: مسح برأسه من الدهن ومن الماء والتراب. إلا معنى التبعيض. والاذعان للحق أحق من المراء، فلا يصح التيمم برمل ونحت حجارة ونحوه، ولا بتراب زالت طهوريته، وتأتي تتمته (مباح) فلا يصح بمغصوب ونحوه. لحديث: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد قال في الفروع: وتراب مغصوب كالماء، وظاهره ولو تراب مسجد، وفاقا للشافعي وغيره. ولعله غير مراد، فإنه لا يكره بتراب زمزم، مع أنه مسجد (غير محترق) فلا يصح التيمم بما حرق من خزف ونحوه لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب (له غبار يعلق باليد) أو غيرها لما
202 تقدم. (ولو على لبد أو غيره) كثوب، وبساط، وحصير، وحائط، وصخرة، وحيوان، وبرذعة حمار، وشجرة، وخشب، وعدل شعير ونحوه، مما عليه غبار طهور (حتى مع وجود تراب) ليس على شئ مما تقدم، فلا يصح التيمم بسبخة ونحوها مما ليس له غبار، و (لا بطين) رطب، لأنه ليس بتراب (لكن إن أمكنه تجفيفه والتيمم) به (قبل خروج الوقت، لزمه ذلك) لأنه قادر على استعماله في الوقت، فلزمه كما لو وجد ماء بئر، فإن لم يمكنه إلا بعد خروج الوقت لم يلزمه، (ولا) يصح التيمم (بتراب مقبرة تكرر نبشها) لاختلاطه بالصديد (فإن لم يتكرر) نبشها (جاز) التيمم بترابها وإن شك فيه، أو في نجاسة التراب الذي يتيمم به، جاز التيمم به لأن الأصل الطهارة قاله في الشرح، ومنع منه ابن عقيل. وإن لم يتكرر (وأعجب الإمام أحمد حمل التراب لأجل التيمم) احتياطا للعبادة، (وقال الشيخ وغيره: لا يحمله) قال في الفروع: وهو أظهر، وقال في الانصاف: (وهو الصواب) إذا لم ينقل عن الصحابة ولا غيرهم من السلف فعل ذلك، مع كثرة أسفارهم، (ولو وجد ثلجا وتعذر تذويبه لزمه مسح أعضائه) الواجب غسلها (به) لقوله (ص): إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم لأنه ماء جامد تعذر أن يستعمل الاستعمال المعتاد وهو الغسل. لعدم ما يذيبه، فوجب أن يستعمل الاستعمال المقدور عليه، (ويعيد) الصلاة إن لم يجر على الأعضاء بالمس، لأنه صلى مع وجود الماء في الجملة، بلا طهارة كاملة، ومثله لو صلى بلا تيمم، مع وجود طين يابس عنده، لعدم ما يدقه به ليصير له غبار، (وإن كان) الثلج (يجري) أي يسيل على الأعضاء (إذا مس يده) وغيرها من باقي الأعضاء (لم يعد) الصلاة حيث جرى بالمس: لوجود الغسل المأمور به، وإن كان خفيفا (ولو نحت الحجر حتى صار ترابا لم يصح التيمم به) لما تقدم (إلا الطين الصلب ك) - الطين (الأرمني إذا دقه) وصار له غبار، فإنه يصح التيمم به، لأنه تراب (فإن خالط التراب) الطهور (ذو غبار لا يصح التيمم به كالجص ونحوه) كالنورة ودقيق البر ونحوه (فكالماء إذا خالطته الطاهرات) فإن كانت الغلبة للتراب
203 جاز، وإن كانت للمخالط لم يجز، ذكره القاضي وأبو الخطاب. قياسا على الماء وإن خالطته نجاسة، فقال ابن عقيل: لا يجوز التيمم به، وإن كثر التراب لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه، فهو كالمائعات، (ولا يكره التيمم بتراب زمزم مع أنه مسجد، وما تيمم به) وهو ما تناثر من الوجه واليدين، أو بقي عليهما بعد مسحهما به (كماء مستعمل) لأنه استعمل في طهارة إباحة الصلاة، فأشبه الماء، (ولا بأس بما تيمم منه) يعني لو تيمم جماعة من موضع واحد فلا بأس بذلك، بلا خلاف، كما لو توضؤوا من حوض واحد يغترفون منه. (ويشترط النية لما يتيمم له) من حدث أو خبث، لحديث: إنما الأعمال بالنيات ولان التيمم طهارة حكمية، بخلاف غسل النجاسة، (ولو يممه غيره فكوضوء) إن نواه بالمفعول به صح، إن لم يكن الفاعل مكرها (وتقدم في) باب الوضوء (فينوي) بالتيمم (استباحة ما لا يباح إلا به) كالصلاة ونحوها، ويعين ما يتيمم له وفرضه، إن كان له نفل لقوله عليه السلام: " وإنما لكل امرئ ما نوى، (فإن نوى رفع الحدث لم يجزئه) لأن التيمم غير رافع، كما تقدم بخلاف الوضوء والغسل. فصل: (وفرائضه) أي التيمم عن حدث أصغر (أربعة) أشياء: (مسح جميع وجهه ولحيته) لقوله تعالى: * (فامسحوا بوجوهكم) * واللحية من الوجه، لمشاركتها له في حصول المواجهة (سوى ما تحت شعره ولو خفيفا، و) سوى (مضمضة واستنشاق) فلا يدخل التراب فمه وأنفه، قال في الانصاف قطعا، (بل يكرهان) لما فيهما من التقذير (فإن بقي من محل الفرض شئ لم يصله التراب أمر يده عليه ما لم يفصل راحته) لأن الواجب تعميم المسح لا تعميم التراب، لقوله تعالى: * (فامسحوا) *، (فإن فصلها) أي الراحة (وقد كان بقي عليها غبار جاز أن يمسح بها) ما بقي من محل الفرض لأنه غبار طهور (وإن لم يبق عليها
204 شئ) من الغبار (ضرب ضربة أخرى) ليحصل مسح باقي محل الفرض بالتراب (وإن نوى) استباحة ما يتيمم له (وأمر وجهه على التراب) أو مسحه به صح، (أو) نوى ثم (صمده) أي وجهه (للريح فعم التراب) الوجه (ومسحه به صح) التيمم إذا أتمه لوجود المسح بالتراب الطهور بعد النية، كما لو صمد أعضاء الوضوء بعد نيته لمطر أو ميزاب، حتى جرى الماء عليها، و (لا) يصح تيممه (إن سفته) أي التراب (ريح قبل النية، فمسح به) ما يجب مسحه، لمفهوم قوله تعالى: * (فتيمموا صعيدا) * لأنه لم يقصده. (و) الفرض الثاني: (مسح يديه إلى كوعيه) لقوله تعالى: * (وأيديكم) * وإذا علق حكم بمطلق اليدين لم يدخل فيه الذراع، كقطع السارق ومس الفرج، ولحديث عمار قال: بعثني النبي (ص) في حاجة، فأجنبت، فلم أجد ماء، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي (ص) فذكرت ذلك له. فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا. ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه متفق عليه، وفي لفظ أن النبي (ص): أمره بالتيمم للوجه والكفين صححه الترمذي. وأما رواية أبي داود إلى المرفقين فلا يعول عليها، لأنه إنما رواها سلمة، وشك فيها. ذكر ذلك النسائي، فلا تثبت مع الشك، مع أنه قد أنكر عليه، وخالف به سائر الرواة الثقات، (فلو قطعت يده من الكوع لا من فوقه وجب مسح موضع القطع) لبقاء بعض محل الفرض، كما لو قطعت من دون الكوع، (وتجب التسمية) في تيمم، وظاهره: ولو عن نجاسة ببدن (كوضوء وتقدم) في باب الوضوء. (و) الفرض الثالث والرابع: (ترتيب وموالاة في غير حدث أكبر) يعني في حدث أصغر لأن التيمم مبني على الطهارة بالماء والترتيب والموالاة فرضان في الوضوء، فكذا في التيمم القائم مقامه، وخرج التيمم لحدث أكبر ونجاسة ببدن، فلا يعتبر فيه ترتيب ولا موالاة، (وهي) أي الموالاة (هنا) أي في التيمم أن لا يؤخر مسح عضو عما قبله (زمنا بقدرهما في
205 الوضوء) أي بحيث لو قدر مغسولا لجف بزمن معتدل، (ويجب تعيين النية لما يتيمم له) كصلاة وطواف ومس المصحف (من حدث أصغر أو أكبر، أو نجاسة على بدنه) لأن التيمم لا يرفع الحدث، وإنما يبيح الصلاة، فلم يكن بد من التعيين تقوية لضعفه، وصفة التعيين: أن ينوي استباحة صلاة الظهر مثلا من الجنابة إن كان جنبا، أو من الحدث إن كان محدثا، أو منهما إن كان جنبا محدثا. وما أشبه ذلك، (وإن كان) التيمم (عن جرح في عضو من أعضائه نوى التيمم عن غسل ذلك العضو) الجريح، إن لم يكن مسحه بالماء ضررا، وإن كان الجريح جنبا فهو مخير إن شاء قدم التيمم على الغسل، وإن شاء أخره، بخلاف ما إذا كان التيمم لعدم ما يكفيه لجميع أعضائه. فإنه يلزمه استعمال الماء أولا. كما تقدم (فإن نوى جميعها) أي نوى استباحة الصلاة من الحدث الأكبر والأصغر، والنجاسة ببدنه (صح) تيممه (وأجزأه) لأن كل واحد يدخل في العموم. فيكون منويا (وإن نوى أحدها) أي المذكورات (لم يجزئه عن الآخر) أي عن الذي لم ينوه لحديث: وإنما لكل امرئ ما نوى (فلو تيمم للجنابة) ونحوها (دون الحدث) الأصغر (أبيح له ما يباح للمحدث، من قراءة ولبث في المسجد ولم تبح له صلاة، و) لا (طواف، و) لا (مس مصحف) لأنه لم ينو من الاستباحة الحدث الأصغر (وإن أحدث) من تيمم للجنابة ونحوها (لم يؤثر ذلك في تيممه) لأن حكمه حكم مبدله، وهو الغسل (وإن تيمم للجنابة والحدث، ثم أحدث بطل تيممه) للحدث (وبقي تيمم الجنابة) حتى يخرج الوقت، أو يوجد موجب الغسل. وكذا لو تيمم للحدث والخبث ببدنه، وأحدث بطل تيممه للحدث، وبقي تيممه للخبث (ولو تيممت بعد طهرها من حيضها)، أو نفاسها (لحدث الحيض)، أو النفاس، (ثم أجنبت) أو أحدثت (لم يحرم وطؤها) لبقاء حكم تيممها (وإن تنوعت أسباب أحد الحدثين ونوى) الاستباحة من أحدها أجزأ التيمم (عن الجميع) لأن حكمها واحد، وهو إما إيجاب الوضوء أو الغسل. وكطهارة الماء، لكن لو نوى الاستباحة من أحدها على أن لا يستبيح من غيره. لم يجزئه على قياس ما تقدم في الوضوء، وأولى، (ومن نوى) بتيممه (شيئا) أي استباحة شئ تشترط له الطهارة (استباحه) لأنه منوي، (و) استباح (مثله) فمن نوى بتيممه صلاة الظهر مثلا، فله
206 فعلها، وفعل مثلها، كفائتة. لأنهما في حكم صلاة واحدة (و) استباح (دونه) أي دون ما نواه، كالنفل في المثال، لأنه أخف. ونية الفرض تتضمنه. و (لا) يستبيح من نوى شيئا (أعلى منه) فمن نوى النفل لا يستبيح الفرض. لأنه ليس منويا لا صريحا ولا ضمنا (فإن نوى نفلا) لم يصل إلا نفلا، لما تقدم، (أو أطلق النية للصلاة) بأن نوى استباحة الصلاة، ولم ينو فرضا ولا نفلا (لم يصل إلا نفلا) لأن التعيين شرط. ولم يوجد في الفرض، وإنما أبيح النفل لأنه أقل ما يحمل عليه الاطلاق. والطواف كالصلاة فيما تقدم، (وإن نوى) بتيممه (فرضا) كظهر أو عصر (فعله، و) فعل (مثله، كمجموعة وفائتة، و) فعل ما (دونه) كمنذورة ونافلة، لما تقدم (فأعلاه) أي أعلى ما يباح بالتيمم (فرض عين) كالصلوات الخمس (فنذر) صلاة (ف) - فرض (كفاية فنافلة، فطواف نفل) قال في الشرح: وإن نوى نافلة أبيح له قراءة القرآن ومس المصحف والطواف، لأن النافلة آكد من ذلك كله، لكون الطهارة مشترطة لها بالاجماع. قال: وإن نوى فرض الطواف استباح نفله. ولا يستبيح الفرض منه بنية النفل، كالصلاة. وقال في المبدع: ويباح الطواف بنية النافلة في الأشهر، كمس المصحف، قال الشيخ تقي الدين: ولو كان الطواف فرضا، خلافا لأبي المعالي (فمس المصحف، فقراءة فلبث) وسكوتهم عن الوطئ يعلم أنه دون الكل (ولو تيمم صبي لصلاة فرض ثم بلغ، لم يجز له أن يصلي به فرضا، لأن ما نواه كان نفلا) وهو دون الفرض. فصل: في مبطلات التيمم (ويبطل التيمم بخروج الوقت) لقول علي: التيمم لكل صلاة ولأنه طهارة ضرورة. فتقيد بالوقت، كطهارة المستحاضة (حتى) التيمم (من جنب لقراءة ولبث في مسجد، و) حتى التيمم من (حيض لوطئ، و) حتى التيمم (لطواف، و) حتى التيمم من (نجاسة) ببدن، (و) لصلاة (جنازة ونافلة ونحوها) كالتيمم من نفساء لوطئ، فيبطل في هذه الصور كلها
207 بخروج الوقت. كالتيمم للمكتوبة (ما لم يكن في صلاة جمعة) ويخرج الوقت وهو فيها، فلا يبطل ما دام فيها. ويتمها لأنها لا تقضى (فيلزم من تيمم لقراءة ووطئ ونحوه) كلبث بمسجد إذا خرج الوقت (الترك) حتى يعيد التيمم، (لكن لو نوى الجمع في وقت الثانية، ثم تيمم لها) أي للمجموعة، (أو) تيمم (لفائتة في وقت الأولى. لم يبطل) التيمم (بخروجه) أي خروج وقت الأولى لأن نية الجمع صيرت الوقتين كالوقت الواحد، (ويبطل) التيمم (بوجود الماء لعادمه) إذا قدر على استعماله بلا ضرر، على ما تقدم. لأن مفهوم قوله (ص): الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك يدل على أنه ليس بوضوء عند وجود الماء، (و) يبطل التيمم (بزوال عذر مبيح له) أي للتيمم، كما لو تيمم لمرض فعوفي، أو لبرد فزال. لأن التيمم طهارة ضرورة. فيزول بزوالها، (ثم إن وجده) أي الماء (بعد صلاته أو طوافه لم تجب إعادته) لما روى عطاء بن يسار قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يعد الآخر. ثم أتيا النبي (ص) فذكرا ذلك له. فقال للذي لم يعد: أجزأتك صلاتك. وقال للذي أعاد: لك الاجر مرتين رواه أبو داود. قلت: فتستحب الإعادة للخبر (وإن وجده) أي الماء فيها أي في الصلاة أو الطواف (بطلت) صلاته وطوافه. ولو اندفق الماء قبل استعماله. لأن طهارته انتهت بانتهاء وقتها. فبطلت صلاته وطوافه. كما لو انقضت مدة المسح وهو في الصلاة، (ووجبت الإعادة) إن كانت الصلاة أو الطواف فرضا، (و) يبطل التيمم (بمبطلات وضوء) كخروج شئ من سبيل، وزوال عقل، ومس فرج (إذا كان تيممه عن حدث أصغر) لأنه بدل عن الوضوء فحكمه حكمه، (و) يبطل التيمم (عن حدث أكبر بما يوجبه) كالجماع، وخروج المني بلذة (إلا غسل حيض ونفاس، إذا تيممت له، فلا يبطل بمبطلات غسل، ووضوء، بل بوجود حيض ونفاس) فلو تيممت بعد طهرها من الحيض له، ثم أجنبت، فله الوطئ، لبقاء حكم تيمم الحيض. والوطئ إنما يوجب حدث الجنابة، (وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه) كعمامة جبيرة أو خف لبسه على طهارة (ثم خلعه بطل تيممه نصا) في رواية عبد الله على
208 الخفين. وفي رواية حنبل: عليهما وعلى العمامة. وظاهره: لا فرق بين أن يكون مسح عليه قبل التيمم أو لا. وكذا إذا انقضت مدة المسح، لأنه معني يبطل الوضوء وهو وإن اختص صورة بعضوين فإنه متعلق بالأربعة حكما (ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار) بحيث يدرك الصلاة كلها قبل خروجه (لمن يعلم) وجود الماء، (أو يرجو وجود الماء) في الوقت، لأن الطهارة بالماء فريضة، والصلاة في أول الوقت فضيلة، وانتظار الفريضة أولى (فإن استوى عنده الأمران) أي احتمال وجود الماء واحتمال عدمه (فالتأخير) أي تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار (أفضل) منه أول الوقت لما تقدم ولقول علي في الجنب: يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت، فإن وجد الماء وإلا تيمم وعلم منه: أن التقديم لمتحقق العدم أو ظانه، أفضل (وإن تيمم) من يعلم أو يرجو وجود الماء. أو استوى عنده الأمران (وصلى أول الوقت أجزأه) ذلك. ولا تلزمه الإعادة. إذا وجد الماء، لما تقدم. (وصفة التيمم أن ينوي استباحة ما يتيمم له) كفرض الصلاة من الحدث الأصغر، أو الأكبر ونحوه، (ثم يسمي) فيقول: بسم الله، لا يقوم غيرها مقامها. وتسقط سهوا (ويضرب يديه مفرجتي الأصابع) ليصل التراب إلى بينها (على التراب، أو) على (غيره مما له غبار طهور، كلبد، أو ثوب، أو بساط، أو حصير، أو برذعة حمار ونحوها ضربة واحدة) وتقدم لو صمد محل الفرض لريح ونحوه فعمه ومسحه به أجزأه (بعد نزع خاتم ونحوه) ليصل التراب إلى ما تحته) فإن علق بيديه تراب كثير نفخه إن شاء. وإن كان) التراب (خفيفا كره نفخه (لئلا يذهب فيحتاج) إلى إعادة الضرب (فإن ذهب ما عليهما) أي اليدين (بالنفخ أعاد الضرب) ليحصل المسح بتراب (فيمسح وجهه بباطن أصابعه، ثم كفيه براحتيه) لحديث عمار أن النبي (ص) قال في التيمم: ضربة واحدة للوجه واليدين رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح. وفي الصحيحين معناه من حديثه أيضا. وأيضا: اليد إذا أطلقت لا يدخل فيها الذراع بدليل السرقة والمس. لا يقال: هي مطلقة في التيمم مقيدة في الوضوء. فيحمل عليه لاشتراكهما في الطهارة لأن الحمل إنما يصح إذا كان من نوع واحد، كالعتق في
209 الظهار على العتق في الخطأ. والتراب ليس من جنس الوضوء بالماء. وهو يشرع فيه التثليث. وهو مكروه هنا. والوضوء يغسل فيه باطن الفم والأنف بخلافه هنا، (وإن مسح بضربتين) مسح (بإحداهما وجهه، و) مسح (بالأخرى يديه أو بيد واحدة) جاز لأن الغرض إيصال التراب إلى محل الفرض. وقد حصل. وقال القاضي والشريف وابن الزاعوني: المسنون ضربتان يمسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين لحديث جابر وابن عمر وقال أحمد: من قال ضربتين إنما هو شئ زاده. يعني لا يصح. وقال الخلال: الأحاديث في ذلك ضعاف جدا. ولم يرو أصحاب السنن منها إلا حديث ابن عمر. وقال أحمد: ليس بصحيح، وهو عندهم حديث منكر. قال الخطابي: يرويه محمد بن ثابت. وهو ضعيف، (أو) مسح (ببعض يده، أو بخرقة، أو خشبة أو كان التراب ناعما فوضع يديه عليه وضعا جاز) لأن المقصود إيصال التراب إلى محل الفرض. فكيفما حصل جاز كالوضوء (وفي الرعاية: لو مسح وجهه بيمينه ويمينه بيساره، أو عكس) فمسح وجهه بيساره ويساره بيمينه، (وخلل أصابعهما فيهما صح، انتهى) يعني حيث استوعب محل الفرض بالمسح، (وإن مسح بأكثر من ضربتين، مع الاكتفاء بما دونه، كره) قال في المغني: لا خلاف أنه لا تسن الزيادة على ضربتين، إذا حصل الاستيعاب بهما (ومن حبس في المصر، أو قطع المياه) من عدو أو غيره (عن بلده، صلى بالتيمم) لأنه عادم للماء أشبه المسافر (بلا إعادة) لأنه أدى فرضه بالبدل، فلم يكن عليه إعادة كالمسافر، (ولا يصح التيمم) من واجد الماء القادر على استعماله بلا ضرر (خوف فوت جنازة ولا عيد ولا مكتوبة) لأن الله تعالى إنما أباحه عند عدم الماء وهذا واجب له كسائر الشروط (إلا إذا وصل مسافر إلى ماء) بنحو بئر (وقد ضاق الوقت، أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد الوقت) فإنه يجوز له التيمم، لأنه غير قادر على استعماله في الوقت، أشبه العادم له، (أو
210 علمه) أي علم المسافر العادم للماء، الماء (قريبا) عرفا (أو دله) عليه (ثقة) قريبا عرفا، (وخاف) بطلبه (فوت الوقت، أو دخول وقت الضرورة، أو فوت عدو، أو فوت غرضه المباح) كماله جاز له التيمم، دفعا للضرر (وإن اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض، فبذل ما يكفي أحدهم، أو نذر، أو وصى به لأولاهم به، أو وقف عليه، فلميت) أي فيقدم الميت يغسل به، لأن القصد من غسل الميت تنظيفه، ولا يحصل بالتيمم، والحي يقصد بغسله إباحة الصلاة، وهو يحصل بالتراب، قال في المبدع: فعلى هذا إن فضل منه شئ كان لورثته فإن لم يكن حاضرا، فللحي أخذه لطهارته بثمنه في موضعه، لأن في تركه إتلافه، أما إذا احتاج الحي إليه لعطش، فهو مقدم في الأصح اه. ومقتضى كلامه في شرح المنتهى: أن ما فضل منه يكون لمن بعده في الأفضلية، دون ورثته (فإن كان) المبذول أو المنذور، أو الموصى به، أو الموقوف للأولى من حي أو ميت (ثوبا، صلى فيه حي) فرضه (ثم كفن به ميت) ليحصل الجمع بينهما (وحائض أولى) بما تقدم من الماء (من جنب) لأنها تقضي حق الله وحق زوجها في إباحة وطئها، (وهو) أي الجنب (أولى) بالماء (من محدث) حدثا أصغر، لأن الجنابة أغلظ، ولأنه يستفيد به ما لا يستفيد به المحدث به، (ومن كفاه) الماء (وحده منهما) أي من الجنب والمحدث (فهو أولى به) لأن استعماله في طهارة كاملة أولى من استعماله في بعض طهارة (ومن عليه نجاسة على بدنه، أو ثوبه، أو بقعته أولى من الجميع) لأن نجاسة الثوب لا يصح التيمم لها، ونجاسة البدن مختلف في صحة التيمم لها، بخلاف الحدث، (ويقدم) غسل نجاسة (ثوب) وبقعة (على) غسل نجاسة (بدن) لما تقدم، ويقدم ثوب على بقعة، لأن إعادة الصلاة التي تصلى في الثوب النجس واجبة، بخلافها في البقعة التي تعذر غيرها، قال في المبدع: وتقدم نجاسة بدنه على
211 نجاسة السبيلين، أي إذا كان الاستجمار يكفي فيهما، (ويقدم على غسلها) أي النجاسة في أي موضع كانت، من بدن، أو ثوب، أو بقعة (غسل طيب محرم) لما يترتب عليه عن وجوب الفدية بتأخير غسل الطيب من غير عذر. وحاصله: أنه يقدم غسل طيب محرم، فنجاسة ثوب، فبقعة، فبدن، فميت، فحائض، فجنب فمحدث إلا إن كفاه وحده فيقدم على جنب، (ويقرع مع التساوي) كما لو اجتمع حائضان أو محدثان والماء لا يكفي إلا أحدهما، فإنه يقرع بينهما، فمن قرع صاحبه قدم به، لأنه صار أولى بخروج القرعة له (وإن تطهر به غير الأولى) كما لو تطهر به حي مع وجود ميت يحتاجه (أساء، وصحت) طهارته لأن الأولى لم يملكه بكونه أولى، وإنما يرجع لشدة حاجته (وإن كان ملكا لأحدهم) أي المحتاجين إليه (لزمه استعماله) لقدرته عليه وتمكينه منه (ولم يؤثر به) أحدا (ولو لأبويه) لتعينه لأداء فرضه وتعلق حق الله به (وتقدم في الطهارة) لعله في مسودته، وإلا فلم نره في النسخ المشهورة (ولو احتاج حي) إلى (كفن ميت لبرد) ونحوه، زاد المجد وغيره: (يخشى منه التلف، قدم) الحي (على الميت) لأن حرمته آكد، وقال ابن عقيل وابن الجوزي: يصلي عليه عادم السترة في إحدى لفافتيه، قال في الفروع: والأشهر عريانا كلفافة واحدة يقدم الميت بها، ذكره في التكفين. باب إزالة النجاسة الحكمية أي تطهير موارد الأنجاس، وذكر النجاسات وما يعفى عنه منها وتقدم تعريف النجاسة في أول كتاب الطهارة. (وهي) أي النجاسة الحكمية (الطارئة على محل طاهر) بخلاف العينية (ولا تصح إزالتها) أي النجاسة الحكمية (بغير ماء طهور) لحديث أسماء قالت: جاءت امرأة إلى النبي (ص) فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة، كيف تصنع؟ قال: تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم
212 تنضحه، ثم تصلي فيه متفق عليه. وأمر بصب ذنوب من ماء فأهريق على بول الأعرابي ولأنها طهارة مشترطة، فأشبهت طهارة الحدث (ولو) كان الماء الطهور (غير مباح) لأن إزالتها من قسم التروك، ولذلك لم تعتبر له النية، (و) النجاسة (العينية لا تطهر بغسلها بماء، وتقدم) في الطهارة ولا يعقل للنجاسة معنى، ذكره ابن عقيل وغيره (والكلب والخنزير نجسان) وكذا ما تولد منهما وسؤر ذلك وعرقه، وكل ما خرج منه، لا يختلف المذهب فيه، قاله في الشرح (يطهر متنجس بهما، و) متنجس (بمتولد منهما، أو من أحدهما، أو بشئ من أجزائهما) أو أجزاء ما تولد منهما، أو من أحدهما (غير أرض ونحوها) كصخر وحيطان (بسبع غسلات منقية، إحداهن بتراب طهور وجوبا) لحديث أبي هريرة مرفوعا قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا متفق عليه، ولمسلم: فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات وله أيضا: طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب ولو كان سؤره طاهرا لم يأمر بإراقته ولا وجب غسله. والأصل: أن وجوب الغسل لنجاسته، ولم يعهد التعبد في غسل البدن، والطهور لا يكون إلا في محل الطهارة، ولأنه لو كان تعبدا، لما اختص الغسل بموضع الولوغ، لعموم اللفظ في الاناء كله، وإذا ثبت هذا في الكلب فالخنزير شر منه، لنص الشارع على تحريمه وحرمة اقتنائه، فثبت الحكم فيه بطريق التنبيه، وإنما لم ينص الشارع عليه لأنهم لم يكونوا يعتادونه ولم يذكر أحمد في الخنزير عددا. وعلم من كلامه: أنه لا يكفي التراب غير الطهور، كما صرح به في
213 المبدع والانصاف، وقدماه، وأنه إذا لم تنق النجاسة بالسبع زاد حتى تنقى. كسائر النجاسات وأنه لا تتعين إحدى الغسلات للتراب، (و) لكن الغسلة (الأولى أولى) بجعل التراب فيها للخبر وليأتي الماء بعده فينظفه (ويقوم أشنان وصابون ونخالة ونحوها) من كل ما له قوة في الإزالة (مقامه) أي التراب (ولو مع وجوده) وعدم تضرر المحل به. لأن نصه على التراب تنبيه على ما هو أبلغ منه في التنظيف. و (لا) تقوم (غسلة ثامنة) مقام التراب. لأن الامر بالتراب معونة للماء في قطع النجاسة. أو للتعبد. فلا يحصل بالماء وحده (ويعتبر استيعاب المحل به) أي بالتراب. بأن يمر التراب مع الماء على جميع أجزاء المحل المتنجس. ليتحقق معنى قوله (ص): " أولاهن بالتراب (إلا فيما يضر) ه التراب (فيكفي مسماه) أي أقل شئ يسمى ترابا يوضع في ماء إحدى الغسلات. لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم وللنهي عن إفساد المال (ويعتبر مزجه) أي التراب (بماء يوصله إليه) أي إلى المحل المتنجس فلا يكفي مائع غير الماء كما نبه عليه المصنف في حاشية التنقيح. وعبارة الفروع: فيعتبر مائع يوصله إليه. ذكره أبو المعالي والتخليص. وجزم بمعناه في التنقيح والمنتهى ف (- لا) يكفي (ذره) أي التراب على المحل المتنجس (واتباعه الماء) لقوله (ص): أولاهن بالتراب إذ الباء فيه للمصاحبة. قال في الفروع: ويحتمل: يكفي ذره ويتبعه الماء، وهو ظاهر كلام جماعة. وهو أظهر. تتمة: إذا ولغ في الاناء كلاب، أو أصاب المحل نجاسات متساوية في الحكم، فهي كنجاسة واحدة. وإلا فالحكم لأغلظها. لأنه إذا أجزأ عما يماثل، فعما دونه أولى. ولو ولغ فيه فغسل دون السبع، ثم ولغ فيه مرة أخرى. غسل للنجاسة الثانية، واندرج فيها ما بقي من عدد الأولى. (وتطهر بقية المتنجسات بسبع منقية) لقول ابن عمر: أمرنا أن نغسل الأنجاس سبعا ذكره صاحب المبدع وغيره. فينصرف إلى أمره (ص) وقد أمر به في نجاسة الكلب.
214 فيلحق به سائر النجاسات، لأنها في معناها. والحكم لا يختص بمورد النص. بدليل إلحاق البدن والثوب به. فعلى هذا يغسل محل الاستنجاء سبعا كغيره، صرح به القاضي والشيرازي وابن عقيل، ونص عليه أحمد في رواية صالح. لكن نص في رواية أبي داود، واختاره في المغني، أنه لا يجب فيه عدد، اعتمادا على أنه لم يصح عن النبي (ص) في ذلك شئ، لا في قوله ولا في فعله، (ولا يشترط لها) أي بقية النجاسات (تراب) قصرا له على مورد النص (فإن لم ينق) المحل المتنجس (بها) أي بالسبع (زاد) في الغسل (حتى ينقى) المحل (في الكل) أي كل النجاسات، من نجاسة الكلب وغيره، (ولا يضر بقاء لون) النجاسة (أو ريحها أو هما) أي اللون والريح (عجزا) عن إزالتهما، لحديث أبي هريرة: أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله، ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه. قال: فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم، ثم صلي فيه. قالت: يا رسول الله، إن لم يخرج أثره. قال: يكفيك الماء، ولا يضرك أثره، رواه أحمد. (ويطهر) المحل مع بقائهما أو بقاء أحدهما (ويضر) بقاء (طعم) لدلالته على بقاء العين، ولسهولة إزالته، فلا يحكم بطهارة المحل مع بقاء أجزاء النجاسة فيه، (وإن استعمل في إزالته) أي أثر النجاسة (ما يزيله كالملح وغيره، فحسن) لما روى أبو داود عن امرأة من غفار أن النبي (ص) أردفها على حقيبته، فحاضت. قالت: فنزلت، فإذا بها دم مني. فقال: ما لك، لعلك نفست؟ قلت: نعم، قال: فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، (ولا يجب) ذلك لما سبق من حديث أبي هريرة (ويحرم استعمال طعام وشراب في إزالة النجاسة، لافساد المال المحتاج إليه، كما ينهى عن ذبح الخيل التي يجاهد عليها، والإبل التي يحج عليها، والبقر التي يحرث عليها، ونحو ذلك، لما في ذلك من الحاجة إليها. قاله الشيخ) وفي الاختيارات في آخر كتاب الأطعمة: ويكره ذبح الفرس الذي ينتفع به في الجهاد، بلا نزاع (ولا بأس باستعمال النخالة الخالصة) من الدقيق (في التدلك،
215 وغسل الأيدي بها، وكذا) التدلك وغسل الأيدي (ببطيخ ودقيق الباقلاء) وهي الفول، إن شددت اللام قصرت، وإن خففت مددت. ذكره في حاشيته (وغيرها مما له قوة الجلاء، لحاجة) وفي المستوعب: يكره أن يغسل جسمه بشئ من الأطعمة، مثل دقيق الحمص أو العدس أو الباقلاء ونحوه (ويغسل ما نجس ببعض الغسلات بعدد ما يفي بعد تلك الغسلة) لأنها نجاسة تطهر في محلها بما بقي من الغسلات، فطهرت به في مثله، قياسا عليه. فلو تنجس بالغسلة الرابعة مثلا، غسل ثلاث غسلات إحداهن (بتراب إن لم يكن) التراب (استعمل) فيما سبق من الغسلات (حيث اشترط) التراب، بأن كانت نجاسة كلب أو خنزير، أو ما تولد منهما أو من إحداهما. فإن كان استعمل فيما قبل كفى (ويعتبر العصر) في (كل مرة) خارج الماء (مع إمكانه) أي العصر (فيما تشرب نجاسة ليحصل انفصال الماء عنه) أي عن المحل المتنجس (ولا يكفي تجفيفه (بدل العصر وإن لم يمكن عصره، كالزلالي ونحوها) من كل ما لا يمكن عصره (فبدقها، أو دوسها، أو تقليبها) أو تثقيلها (مما يفصل الماء عنها) لقيامه مقام العصر لتعذره (ولو عصر الثوب في ماء ولو جاريا، ولم يرفعه منه لم يطهر) لعدم انفصال الماء عنه (فإذا رفعه منه) ولو بعد عصره مرات (فهي غسلة واحدة، يبني عليها) ويتم السبع (ولا يكفي في العدد تحريكه) أي الاناء في (الماء وخضخضته) ولو غمس الاناء في ماء كثير لم يطهر، حتى ينفصل عنه، ويعاد إليه العدد المعتبر (وإن وضعه) أي الثوب ونحوه (في إناء وصب عليه الماء فغسلة واحدة يبني عليها) بعد عصره، حتى يحصل العدد المعتبر، (ويطهر) الثوب ونحوه بذلك (نصا) لأن الماء وارد على محل التطهير. أشبه ما لو صبه عليه في غير إناء. وإن غمس النجس في ماء قليل، نجس الماء، ولم يطهر النجس. ولا يعتد بها غسلة (وعصر كل ثوب) ونحوه (على قدر الامكان، بحيث لا يخاف عليه الفساد) للنهي عن إضاعة المال (وما لم يتشرب) النجاسة (كالآنية يطهر بمرور الماء عليه وانفصاله) عنه سبع مرات على ما تقدم (ولا يكفي مسحه) أي المتنجس (ولو كان صقيلا، كسيف ونحوه) أي بالسيف
216 المتنجس ونحوه بعد مسحه (قبل غسله مما فيه بلل، كبطيخ ونحوه نجسه) لملاقاة البلل للنجاسة (فإن كان) ما قطعه به (رطبا لا بلل فيه كجبن ونحوه، فلا بأس به) كما لو قطع به يابسا. لعدم تعدي النجاسة إليه (وإن لصقت النجاسة) في الطاهر (وجب في إزالتها الحت) أي الحك بطرف حجر أو عود (والقرص) أي الدلك بأطراف الأصابع والأظفار دلكا شديدا، ويصب عليه الماء حتى تزول عينه، وأثره. ذكره في حاشيته عن الأزهري (إن لم تزل) النجاسة (بدونهما) أي الحت والقرص. لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب. وفي المغني والشرح: إذا أصاب ثوب المرأة حيضها استحب أن تحته بظفرها، حتى تذهب خشونته، ثم تقرصه بريقها ليلين للغسل. ثم تغسله بالماء (قال في التلخيص وغيره: إن لم يتضرر المحل بهما) أي بالحت والقرص، فإن تضرر بهما سقطا (ويحسب العدد في إزالتها) أي النجاسة (من أول غسلة، ولو قبل زوال عينها) لعموم ما سبق (فلو لم تزل) النجاسة (إلا في الغسلة الأخيرة أجزأ) ذلك لحصول الانقاء والعدد المعتبر. فائدة: لو غسل بعض الثوب النجس طهر ما غسل منه. قال الموفق: ويكون المنفصل نجسا لملاقاته غير المغسول. قال ابن تميم وابن حمدان: وفيه نظر اه. فإن أراد غسل بقيته غسل ما لاقاه. قاله في الانصاف. فصل: (وتطهر أرض متنجسة بمائع) كبول (أو) بنجاسة (ذات جرم أزيل) ذلك (عنها، ولو)
217 كانت النجاسة (من كلب، نصا) أو خنزير، (و) يطهر (صخر وأجرنة حمام) ونحوه صغار مبنية أو كبار مطلقا. قاله في الرعاية (وحيطان وأحواض ونحوها بمكاثرة الماء عليها) أي المذكورات، من الأرض والصخر وما عطف عليها، لحديث أنس قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فقام إليه الناس ليقعوا به. فقال النبي (ص): دعوه، وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء متفق عليه. ولو لم يطهر بذلك لكان تكثيرا للنجاسة. ولان الأرض مصاب الفضلات ومطارح الأقذار، فلم يعتبر في تطهيرها عدد، دفعا للحرج والمشقة (ولو) كان ما كوثرت به (من مطر وسيل) لأن تطهير النجاسة لا يعتبر فيه النية. فاستوى ما صبه الآدمي وغيره. والمراد بالمكاثرة: صب الماء على النجاسة (بحيث يغمرها من غير) اعتبار (عدد) لما تقدم (ولم يبق للنجاسة عين ولا أثر من لون أو ريح) فإن لم يذهبا لم تطهر (إن لم يعجز) عن إزالتهما أو إزالة أحدهما. قال في المبدع: وإن كان مما لا يزال إلا بمشقة، سقط كالثوب. ذكره في الشرح. وتطهر الأرض ونحوها بالمكاثرة (ولو لم ينفصل الماء) الذي غسلت به عنها للخبر السابق حيث لم يأمر بإزالة الماء عنها، (و) يضر بقاء (طعم) النجاسة بالأرض، كالثوب، لما تقدم (وإن تفرقت أجزاؤها) أي النجاسة (أو اختلطت بأجزاء الأرض كالرميم والدم إذا جف، والروث لم تطهر) الأرض إذن (بالغسل) لأن عين النجاسة لا تنقلب، (بل) تطهر (بإزالة أجزاء المكان) بحيث يتيقن زوال أجزاء النجاسة (ولو بإدرار البول ونحوه) كالدم (وهو رطب، فقلع التراب الذي عليه أثره، فالباقي طاهر) لعدم وصول النجاسة إليه (وإن جف) البول ونحوه (فأزال ما عليه الأثر) من التراب (لم تطهر) الأرض، لأن الأثر إنما يبين على ظاهرها (إلا أن يقلع ما يتيقن به
218 زوال ما أصابه البول والباقي طاهر) لتحققه عدم وصول النجاسة إليه (ولا تطهر أرض متنجسة ولا غيرها) من المتنجسات (بشمس ولا ريح ولا جفاف) لأنه (ص) أمر بغسل بول الأعرابي ولو كان ذلك يطهر لاكتفى به. ولان الأرض محل نجس. فلم يطهر بالجفاف، كثياب وحديث ابن عمر: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك رواه أحمد وأبو داود بإسناد على شرط البخاري. يحمل أنها كانت تبول في غير المسجد، ثم تقبل وتدبر فيه. فيكون إقبالها وإدبارها بعد بولها، جمعا بين الأدلة، (ولا) تطهر (نجاسة باستحالة) لأنه (ص) نهى عن أكل الجلالة وألبانها لأكلها النجاسة، ولو طهرت بالاستحالة لم ينه عنه، (ولا) تطهر نجاسة أيضا ب (- نار، فالقصر مل) أي الرماد من الروث النجس: نجس (وصابون عمل من زيت نجس، ودخان نجاسة وغبارها) نجس (وما تصاعد من بخار ماء نجس إلى جسم صقيل، أو غيره) نجس (وتراب جبل بروث حمار) أو بغل ونحوه مما لا يؤكل لحمه (نجس) ولو احترق كالخزف. وكذا لو وقع كلب في ملاحة فصار ملحا، أو في صبانة فصار صابونا (إلا علقة خلق منها آدمي) أو حيوان طاهر، فإنها تصير طاهرة، بعد أن كانت نجسة. لأن نجاستها بصيرورتها علقة. فإذا زال ذلك عادت إلى أصلها. كالماء الكثير المتغير بالنجاسة، (و) إلا (خمرة انقلبت خلا بنفسها) فإنها تطهر. لأن نجاستها لشدتها المسكرة الحادثة لها. وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها، فوجب أن تطهر، كالماء الذي تنجس بالتغير إذا زال تغيره بنفسه. ولا يلزم عليه سائر النجاسات، لكونها لا تطهر بالاستحالة، لأن نجاستها لعينها، والخمرة نجاستها لأمر زال بالانقلاب، (أو) انقلبت الخمرة خلا (بنقلها) من موضع إلى آخر، أو من دن إلى آخر (لغير قصد التخليل) فتطهر، كما لو انقلبت بنفسها (ويحرم تخليلها) ولو كانت ليتيم. لحديث مسلم عن أنس قال: سئل النبي (ص) عن الخمر تتخذ خلا؟ قال: لا والنبيذ كالخمر فيما
219 تقدم (فإن خللت) أي فعل بها شئ تصير به خلا (ولو بنقلها لقصده) أي التخليل (لم تطهر) لما تقدم أنه يحرم تخليلها. فلا تترتب عليه الطهارة (ودنها) أي الخمر (مثلها، فيطهر بطهارتها) تبعا لها (ولو مما لم يلاق الخل مما فوقه مما أصابه الخمر في غليانه) فيطهر كالذي لاقاه الخل (كمحتفر من الأرض طهر ماؤه بمكث) أي بزوال تغيره بنفسه (أو بإضافة) ماء كثير، أو بنزح بقي بعده كثير. ويدخل في ذلك ما بني في الأرض من الصهاريج والبحرات. لأن ذلك يطهر بمكاثرته بالماء الطهور، وهي حاصلة (لا إناء طهر ماؤه بمكثه أو كوثر ماء نجس فيه بماء كثير طهور، حتى صار) ما فيه (طهورا لم يطهر الاناء بدون انفصاله) أي الماء (عنه، فإذا انفصل) الماء عنه (حسبت غسلة واحدة) ولو خضخضه مرات (يبنى عليها) ما بقي من الغسلات (ويحرم على غير خلال إمساك خمر ليتخلل بنفسه، بل يراق) الخمر (في الحال، فإن خالف) غير الخلال (وأمسك) الخمر (فصار خلا بنفسه) أو بنقله لا لقصد تخليل (طهر) لما تقدم. وأما الخلال فلا يحرم عليه إمساك الخمر ليتخلل. لئلا يضيع ماله. وإذا تخللت بنفسها أو بنقل، لا لقصد تخليل. حلت وإلا فلا (والخل المباح أن يصب على العنب، أو العصير خل قبل غليانه) وقبل أن تمضي عليه ثلاثة أيام بلياليهن (حتى لا يغلي) قيل للامام: فإن صب عليه خل فغلي؟ قال: يهراق (والحشيشة المسكرة نجسة) اختاره الشيخ تقي الدين. والمراد بعد علاجها. كما يدل عليه كلام الغزي في شرحه على منظومته. وقيل: طاهرة. قدمه في الرعاية الكبرى. وحواشي صاحب الفروع على المقنع. وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. وهو الصواب. قاله في تصحيح الفروع. والقول الثاني: هو ظاهر ما قدمه في المبدع (ولا يطهر دهن) تنجس (بغسله) لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه، ولو تحقق ذلك، لم يأمر النبي (ص) بإراقة
220 السمن الذي وقعت فيه الفأرة وقال أبو الخطاب: يطهر بالغسل منها ما يتأتى غسله. كزيت ونحوه. وكيفية تطهيره: أن يجعل في ماء كثير ويحرك، حتى يصيب جميع أجزائه، ثم يترك حتى يعلو على الماء، فيؤخذ. وإن تركه في جرة وصب عليه ماء وحركه فيه، وجعل لها بزالا، يخرج منه الماء جاز، (ولا) يطهر (باطن حب) تشرب النجاسة، (و) لا (عجين) تنجس. لأنه لا يمكن غسله، (و) لا (لحم تنجس) وتشرب النجاسة (ولا إناء تشرب نجاسة، و) لا (سكين سقيت ماء نجسا)، أو بولا، أو نحوه من النجاسات لأن الغسل لا يستأصل أجزاء النجاسة مما ذكر. قال أحمد في العجين: يطعم النواضح، ولا يطعم لشئ يؤكل في الحال. ولا يحلب لبنه، لئلا ينجس به. ويصير كالجلالة. وقال أبو الفرج المقدسي في المبهج: آنية الخمر منها المزفت، فيطهر بالغسل. لأن الزفت يمنع وصول النجاسة إلى جسم الاناء. ومنها ما ليس بمزفت، فيتشرب أجزاء النجاسة، فلا يطهر بالتطهير. فإنه متى ترك مائع ظهر فيه طعمه أو لونه (وقال ابن عقيل وجماعة: يطهر الزئبق بالغسل) لأنه لقوته وتماسكه يجري مجرى الجامد، وبعده ابن حمدان، (ويجوز الاستصباح بدهن متنجس في غير مسجد) لجواز الانتفاع بالنجاسة على وجه لا تتعدى. وأما في المسجد فلا. لئلا يفضي إلى تنجيسه (ولا يحل أكله ولا بيعه، ويأتي في البيع) لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (وإن وقع في مائع سنور) وهو الهر (أو فأرة ونحوهما مما ينضم دبره إذا وقع) في مائع (فخرج حيا فطاهر) لانضمام دبره (وكذا) إذا وقع (في جامد وهو) أي الجامد (ما لا تسر النجاسة فيه) غالبا، وقال ابن عقيل: ما لو فتح وعاؤه لم تسل أجزاؤه. قال في الشرح: والظاهر خلافه، لأن سمن الحجاز لا يكاد يبلغه (وإن مات فيه) أي الجامد هر، أو نحوه ألقيت وما حولها (أو حصلت منه) أي السنور ونحوه (رطوبة) وفي نسخة (في دقيق ونحوه) كالسمن الجامد (ألقيت وما حولها، وباقيه طاهر) لحديث أبي هريرة في الفأرة تموت في السجن. رواه أحمد وأبو داود (فإن اختلط) النجس بالطاهر (ولم ينضبط) النجس (حرم)
221 الكل، تغليبا لجانب الحظر (وتقدم إذا وقعت النجاسة في مائع) في الثالث من أقسام المياه، وأنه ينجس. وإن كثر. ولو كانت النجاسة معفوا عنها (وإذا خفي موضع نجاسة في بدن أو ثوب أو مصلى صغير، كبيت صغير لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها فلا يكفي الظن) لأنه اشتبه الطاهر بالنجس. فوجب عليه اجتناب الجميع، حتى يتيقن الطهارة بالغسل. كما لو خفي المذكي بالميت. ولأن النجاسة متيقنة. فلا تزول إلا بيقين الطهارة. فإن لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله. وإن علمها في أحد كميه وجهله غسلهما. وإن رآها في بدنه، أو ثوبه الذي عليه غسل ما يقع عليه نظره، (و) إن خفيت نجاسة (في صحراء واسعة ونحوها) كحوش واسع (يصلي فيها بلا غسل ولا تحر) فيصلي فيه حيث شاء، لئلا يفضي إلى الحرج والمشقة (وبول الغلام الذي لم يأكل الطعام بشهوة نجس) صرح به الجمهور، كبول الكبير، لكن (يجزئ نضحه. هو غمره بالماء وإن لم ينفصل) الماء عن المحل (ويطهر) المحل أي بالنضح بول الغلام المذكور، لحديث أم قيس بنت محصن أنها: أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى النبي (ص) فأجلسه في حجره. فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله متفق عليه، وقولها: لم يأكل الطعام أي بشهوة واختيار، لا لعدم أكله بالكلية، لأنه يسقى الأدوية والسكر. ويحنك حين الولادة. فإن أكله بنفسه غسل. لان الرخصة إنما وردت فيمن من لم يأكل الطعام، فيبقى من عداه على الأصل، (وكذا قيؤه) أي قئ الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة (وهو أخف من بوله) فيكفي نضحه، بطريق الأولى، و (لا) ينضح بول (أنثى وخنثى) وقيؤهما، بل يغسل. لقول علي يرفعه: ينضح من بول الغلام ويغسل من بول الجارية قال قتادة: هذا إذا لم يطعما. فإذا طعما غسلا جميعا. والحكمة فيه: أن بول الغلام يخرج بقوة، فينتشر، أو أنه يكثر حمله على الأيدي، فتعظم المشقة بغسله، أو أن مزاجه حار، فبوله رقيق بخلاف الجارية وقال الشافعي: لم يتبين لي فرق من السنة بينهما. وذكر بعضهم: أن الغلام أصله من الماء والتراب. والجارية من اللحم والدم. وقد
222 أفاده ابن ماجة في سننه، وهو غريب (وإذا تنجس أسفل خف أو حذاء) وهو النعل (أو نحوهما) كالسرموزة، (أو) تنجس أسفل (رجل، أو ذيل امرأة بمشي، أو غيره، وجب غسله) كالثوب والبدن. قال في الانصاف: يسير النجاسة إذا كانت على أسفل الخف والحذاء بعد الدلك يعفى عنه، على القول بنجاسته. وقطع به الأصحاب اه. قلت: وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب رواه أحمد وأبو داود من رواية محمد بن عجلان وهو ثقة. روى له مسلم، لأنه عليه السلام هو وأصحابه كانوا يصلون في نعالهم والظاهر أنها لا تسلم من نجاسة تصيبها، فلولا أن دلكها يجزئ لما صحت الصلاة فيها. ولأنه محل يكثر إصابة النجاسة له، فعفي عنه بعد الدلك كالسبيلين. فصل: (ولا يعفى عن يسير نجاسة ولو لم يدركها الطرف) أي البصر (كالذي يعلق بأرجل ذباب ونحوه) لعموم قوله تعالى: * (وثيابك فطهر) * وقول ابن عمر: أمرنا أن نغسل الأنجاس سبعا وغير ذلك من الأدلة (إلا يسير دم، وما تولد منه) أي من الدم (من قيح وغيره) كصديد (وماء قروح) فيعفى عن ذلك (في غير مائع ومطعوم) أي يعفى عنه في الصلاة، لأن الانسان غالبا لا يسلم منه، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم، ولأنه يشق التحرز منه، فعفي عن يسيره، كأثر الاستجمار، وأما المائع والمطعوم فلا يعفى فيه عن شئ من ذلك، (وقدره) أي قدر اليسير المعفو عنه هو (الذي لم ينقض) الوضوء أي ما لا يفحش في النفس، والمعفو عنه من القيح ونحوه: أكثر مما يعفى عن مثله من الدم، وإنما يعفى عن ذلك إذا كان (من حيوان طاهر من آدمي) سواء المصلي وغيره (من غير سبيل) فإن كان من سبيل لم يعف عنه. لأنه في حكم البول، أو الغائط (حتى
223 دم حيض، ونفاس، واستحاضة) لقول عائشة: ما كان لإحدانا إلا ثوب تحيض فيه، فإذا أصابه شئ من دم قالت بريقها، فقصعته بظفرها أي حركته وفركته قاله في النهاية، (أو من غير) دم (آدمي) سواء كان من حيوان (مأكول اللحم) كإبل وبقر (أو لا، كهر) بخلاف الحيوان النجس، كالكلب والخنزير، فلا يعفى عن شئ من دمه، وكذا دم الحمار والبغل، (ويضم متفرق في ثوب) من دم ونحوه. فإن فحش لم يعف عنه، وإلا عفي عنه، و (لا) يضم متفرق ب (- أكثر) من ثوب، بل يعتبر ما في كل ثوب على حدته، لأن أحدهما لا يتبع الآخر، ولو كانت النجاسة في شئ صفيق قد نفذت فيه من الجانبين، فهي نجاسة واحدة، وإن لم تتصل، بل كان بينهما شئ لم يصبه الدم، فهما نجاستان إذا بلغا لو جمعا قدرا لا يعفى عنه لم يعف عنها، كجانبي الثوب (ودم عرق مأكول بعد ما يخرج بالذبح، وما في خلال اللحم طاهر ولو ظهرت حمرته نصا) لأنه لا يمكن التحرز منه (كدم سمك) لأنه لو كان نجسا لتوقفت إباحته على إراقته بالذبح، كحيوان البر، ولأنه يستحيل ماء (ويؤكلان) أي دم عرق المأكول. ودم السمك كالكبد (وكدم شهيد عليه) فهو طاهر (ولو كثر) فإن انفصل عنه، فنجس، كغيره، (بل يستحب بقاؤه) أي بقاء دم الشهيد عليه، حتى على القول بنجاسته فيعايي بها. ذكره ابن عقيل. ويأتي في آخر الجنائز: يجب بقاء دم شهيد عليه (وكدم بق وقمل وبراغيث وذباب ونحوها) من كل ما لا نفس له سائلة، فإنه طاهر (والكبد والطحال) من مأكول طاهران: لحديث: أحل لنا ميتتان ودمان (ودود القز) وبزره طاهر (والمسك وفأرته) وهي سرة الغزال طاهرة (والعنبر) طاهر، ذكر البخاري عن ابن عباس: العنبر شئ دسره البحر أي دفعه ورمى به (وما يسيل من فم وقت النوم) طاهر (والبخار الخارج من الجوف) طاهر لأنه لا تظهر له صفة بالمحل. ولا يمكن التحرز منه (والبلغم) ولو أزرق طاهر، وسواء كان من الرأس أو الصدر، أو المعدة، لحديث مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا
224 - ووصفه القاسم - فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه ببعض ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه، وهو في الصلاة، ولا تحت قدمه (وبول سمك) ونحوه مما يؤكل (طاهر). قاله في الفروع (لا العلقة التي يخلق منها الآدمي، أو) يخلق منها (حيوان طاهر) فإنها نجسة، لأنها دم خارج من الفرج (ولا البيضة المذرة) أي الفاسدة، (أو) البيضة (التي صارت دما) فإنها نجسة، أما التي صارت دما فلأنها في حكم العلقة. وأما المذرة فذكر أبو المعالي وصاحب التلخيص وقاله ابن تميم: الصحيح طهارتها. كاللحم إذا أنتن (وأثر الاستجمار نجس) لأنه بقية الخارج من السبيل (يعفى عن يسيره) بعد الانقاء واستيفاء العدد، بغير خلاف نعلمه قاله في الشرح، والمراد في محله. وقال أحمد في المستجمر يعرق في سراويله: لا بأس به. ذكره في الشرح، (وتقدم) في باب الاستنجاء، (و) يعفى (عن يسير طين شارع تحققت نجاسته) لمشقة التحرز منه، (و) يعفى عن (يسير سلس بول، مع كمال التحفظ) منه للمشقة، (و) يعفى عن (يسير دخان نجاسة، وغبارها، وبخارها ما لم تظهر له صفة) في الشئ الطاهر. وقال جماعة: ما لم يتكاثف، لعسر التحرز عن ذلك، (و) يعفى عن (يسير ماء نجس) بماء عفي عن يسيره. كما يأتي، لأن كل نجاسة نجست الماء، فحكم هذا الماء المتنجس بها حكمها. لأن نجاسة الماء ناشئة عن نجاسة الواقع فيه. فهي فرعه، (و) ويعفى (عما في عين من نجاسة) أي نجاسة كانت للتضرر بغسلها، (وتقدم) في باب الوضوء (وعن حمل نجس كثير في صلاة خوف ويأتي) في صلاة الخوف، (وما تنجس بما يعفى عن يسيره) كالدم ونحوه بعد المسح) لأن الباقي بعد المسح يسير. وإن كثر محله، فعفي عنه. كيسير غيره (والمذي والقئ) نجس. قال
225 في الفروع: ومن غسل فمه من قئ بالغ في الغسل كما ما هو في حد الظاهر. فإن كان صائما فهل يبالغ ما لم يتيقن دخول الماء، أو ما لم يظن، أو ما لم يحتمل؟ يتوجه احتمالات. قال في تصحيح الفروع: الظاهر الثاني. لأن غالب الاحكام منوطة بالظنون (والحمار الأهلي والبغل منه وسباع البهائم وجوارح الطير) من كل ما لا يؤكل. وهو أكبر من الهر خلقة: نجسة، لما تقدم من أنه (ص) سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال: إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس ولو كانت طاهرة لم يحده بالقلتين. وقال (ص) في الحمر يوم خيبر: إنها رجس قال في المغني: والصحيح عندي طهارة البغل والحمار، لأن النبي (ص) كان يركبهما. ويركبان في زمنه، وفي عصر الصحابة. فلو كان نجسا لبين لهم النبي (ص) ذلك. وأما الحمار الوحشي والبغل منه فظاهر مأكول، ويأتي (وريقها وعرقها) أي البغل والحمار وسباع البهائم وجوارح الطير: نجسان لتولدهما من النجس (فدخل فيه) أي في عرق السباع (الزباد) بوزن سحاب، فهو نجس (لأنه من حيوان بري غير مأكول أكبر من الهر) قال ابن البيطار في مفرداته، قال الشريف الإدريسي: الزباد نوع من الطيب يجمع من بين أفخاذ حيوان معروف، يكون بالصحراء يصاد ويطعم اللحم، ثم يعرق فيكون من عرق بين فخذيه حينئذ. هو أكبر من الهر الأهلي اه. ومقتضى كلامه في الفروع: طهارته. قال: وهل الزباد لبن سنور بحري، أو عرق سنور بري؟ فيه خلاف (وأبوالها وأرواثها) أي البغال، والحمير، وسباع البهائم، والطير الجوارح: نجسة (وبول الخفاش والخطاف، والخمر والنبيذ المحرم) أي المسكر أو الذي غلا وقذف بزبده، وأتت عليه ثلاثة أيام بلياليها (والجلالة قبل حبسها) ثلاثا تطعم فيها الطاهر. نجسة. لما تقدم من النهي عن أكلها وألبانها (والودي) ماء أبيض يخرج عقب البول (والبول والغائط) من آدمي وما لا يؤكل (نجسة) من غيره (ص) ومن غير سائر الأنبياء. فالنجس منا طاهر منهم، (ولا يعفى عن يسير شئ منها) أي من المذي وما عطف عليه. لأن الأصل عدم العفو عن النجاسة إلا ما خصه الدليل. وعنه في المذي والقئ وريق البغل، والحمار، وسباع البهائم، والطير، وعرقها، وبول الخفاش، والنبيذ أنه كالدم
226 يعفى عن يسيره، لمشقة التحرز منه، (ويغسل الذكر والأنثيان من المذي) ما أصابه: سبعا كسائر النجاسات. وما لم يصبه: مرة، لما روي عن علي قال: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل النبي (ص)، فأمرت المقداد بن الأسود، فسأله. قال: يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ رواه أبو داود، (وطين الشارع وترابه طاهر) وإن ظنت نجاسته، لأن الأصل الطهارة (ما لم تعلم نجاسته) فيعفى عن يسيره وتقدم. قال في الفروع: ولو هبت ريح فأصاب شيئا رطبا غبار نجس من طريق أو غيره، فهو داخل في المسألة. وذكر الأزجي النجاسة به. وأطلق أبو المعالي العفو عنه، ولم يقيده باليسير. لأن التحرز لا سبيل إليه. وهذا متوجه (ولا ينجس الآدمي، ولا طرفه، ولا أجزاؤه) كلحمه وعظمه وعصبه (ولا مشيمته) بوزن فعيلة - كيس الولد (ولو كافرا بموته) لقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * ولقوله (ص): إن المسلم لا ينجس متفق عليه من حديث أبي هريرة وقال البخاري: قال ابن عباس المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا (فلا ينجس ما وقع فيه) آدمي أو شئ من أجزائه (فغيره، كريقه) أي الآدمي (وعرقه وبزاقه ومخاطه، وكذا ما لا نفس) أي دم (له سائلة) لخبر أبي هريرة مرفوعا: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء رواه البخاري. والظاهر موته بالغمس، لا سيما إذا كان الطعام حارا. ولو نجس الطعام لأفسده. فيكون أمرا بإفساد الطعام. وهو خلاف ما قصده الشارع، لأنه قصد بغمسه إزالة ضرره، ولأنه لا نفس له سائلة. أشبه دود الخل إذا مات فيه. والذي لا نفس له سائلة (كذباب، وبق، وخنافس) جمع خنفساء بضم الخاء وفتح
227 الفاء والمد، ويقال: خنفسة. ذكره في حاشيته (وعقارب، وصراصر، وسرطان، ونحو ذلك، وبوله، وروثه) أي ما لا نفس له سائلة طاهران، قال في الانصاف: فبوله وروثه طاهر في قولهما أي الشيخين. قاله ابن عبيدان وقال بعض الأصحاب: وجها واحدا، ذكره ابن تميم. وقال وظاهر كلام أحمد: نجاسته إذا لم يكن مأكولا، (ولا يكره ما) أي الطعام أو غيره (مات فيه) ما لا نفس له سائلة لظاهر الخبر المتقدم. ومحل الطهارة ما لا نفس له سائلة (إن لم يكن متولدا من نجاسة كصراصر الحش) ودود الجرح (فإن كان متولدا منها فنجس حيا وميتا) لأن الاستحالة غير مطهرة (وللوزغ نفس سائلة نصا، كالحية والضفدع والفأرة) فتنجس بالموت، بخلاف العقرب (وإذا مات في ماء يسير حيوان وشك في نجاسته) بأن لم يدر: أله نفس سائلة أم لا؟ (لم ينجس) الماء. لأن الأصل طهارته. فيبقى عليها، حتى يتحقق انتقاله عنها. وكذا إن شرب منه حيوان يشك في نجاسة سؤره وطهارته (وبول ما يؤكل لحمه وروثه) طاهران. لأنه (ص) أمر العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها والنجس لا يباح شربه، ولو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة، وكان (ص) يصلي في مرابض الغنم وأمر بالصلاة فيها، وطاف على بعيره (وريقه) أي ما يؤكل لحمه (وبزاقه، ومخاطه، ودمعه، ومنيه طاهر) كبوله وأولى (كمني الآدمي) لقول عائشة: كنت أفرك المني من ثوب الرسول (ص)، ثم يذهب فيصلي فيه متفق عليه وقال ابن عباس: امسحه عنك بأذخرة أو خرقة، فإنما هو بمنزلة المخاط والبصاق رواه سعيد ورواه الدارقطني مرفوعا. وفارق البول والمذي بأنه بدء خلق آدمي. ويستحب غسله أو فركه إن كان مني رجل
228 لما تقدم. قال في المبدع: وظاهره لا فرق بين ما أوجب غسلا أو لا، وصرح به في الرعاية (ولو خرج) المني (بعد استجمار) لعموم ما سبق. قال في الانصاف: سواء كان من احتلام أو جماع من رجل أو امرأة، لا يجب فيه فرك ولا غسل. ثم قال: وقيل مني المستجمر نجس دون غيره (وكذا رطوبة فرج المرأة) طاهرة للحكم لطهارة منيها، فلو حكمنا بنجاسة رطوبة فرجها. لزم الحكم بنجاسة منيها (ولبن غير مأكول) كلبن الهر والحمار (وبيضه) أي بيض غير المأكول، كبيض الباز والعقاب والرخم (ومنيه من غير آدمي: نجس) كبوله وروثه (وسؤر) بضم السين وبالهمز (الهر) ويسمى الضيون بضاد معجمة وياء ونون، والسنور، والقط، (وهو) أي سؤره (فضلة طعامه وشرابه) طاهر، (و) سؤر (مثل خلقه) أي مثل الهر في الخلقة، (و) سؤر ما (دونه) أي الهر في الخلقة (من طير وغيره طاهر) لما روى مالك، وأحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه أبي قتادة أن النبي (ص) قال في الهر: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات شبهها بالخدام أخذا من قول الله عز وجل: * (طوافون عليكم) * (النور: 58). ولعدم إمكان التحرر منها، كحشرات الأرض، كالحية قال القاضي: فطهارتها من النص. ومثلها وما دونها من التعليل، (فلو أكل) هر ونحوه (نجاسة ثم ولغ في ماء يسير فطهور ولو لم يغب) الهر ونحوه بعد أكله النجاسة، لأن الشارع عفى عنها مطلقا لمشقة التحرز (وكذا فم طفل وبهيمة) إذا أكلا نجاسة، ثم شربا من ماء يسير. قال ابن تميم: فيكون الريق مطهرا لها. ودل كلامه أنه لا يعفى عن نجاسة بيدها أو رجلها، نص عليه (ولا يكره سؤرهن نصا) قال في المبدع: نص عليه في الهر، ولعموم البلوى بنقر
229 الفأر وغيره (وفي المستوعب وغيره، يكره سؤر الفأر، لأنه يورث النسيان. ويكره سؤر الدجاجة إذا لم تكن مضبوطة نصا) لأن الظاهر نجاسته (وسؤر الحيوان النجس) كالكلب، والبغل، والحمار على القول بنجاستهما (نجس) أما الشراب فلأنه مائع لاقى النجاسة. وأما الطعام فلنجاسة ريقها الملاقي له. باب الحيض والاستحاضة والنفاس وما يتعلق بها من الاحكام (الحيض) لغة: السيلان، مأخوذ من قولهم. حاض الوادي إذا سال. وحاضت الشجرة إذا سال منها شبه الدم. وهو الصمغ الأحمر. يقال: حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا، فهي حائض وحائضة: إذا جرى دمها، وتحيضت، أي قعدت أيام حيضها عن الصلاة. ويسمى أيضا الطمث والعراك، والضحك والاعصار، والاكبار والنفاس والفراك والدراس. وشرعا: (دم طبيعة) أي جبلة، وخلقة، وسجية (يخرج مع الصحة) بخلاف الاستحاضة (من غير سبب ولادة) خرج النفاس (من قعر الرحم) أي بيت منبت الولد ووعائه (يعتاد أنثى، إذا بلغت في أوقات معلومة) وليس بدم فساد، بل خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته. وهو مخلوق من مائهما. فإذا حملت انصرف ذلك بإذن الله إلى غذائه. ولذلك لا تحيض الحامل. فإذا وضعت قلبه الله لبنا يتغذى به. ولذلك قلما تحيض المرضع. فإذا خلت منهما بقي الدم لا مصرف له فيستقر في مكان، ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة. وقد يزيد على ذلك ويقل ويطول شهرها ويقصر، بحسب ما ركبه الله في الطباع. ولهذا أمر النبي (ص) ببر الام ثلاث مرات، وببر الأب مرة واحدة. والأصل في الحيض قوله تعالى: * (يسألونك عن المحيض) * الآية، والسنة. قال أحمد:
230 الحيض يدور على ثلاثة أحاديث: حديث فاطمة، وأم حبيبة، وحمنة. وفي رواية: أم سلمة، مكان أم حبيبة (والاستحاضة: سيلان الدم في غير أوقاته) المعتادة (من مرض، وفساد من عرق فمه في أدنى الرحم يسمى) ذلك العرق (العاذل) بالمهملة، والمعجمة، والعاذر فيه حكاهما ابن سيده، يقال: استحيضت المرأة، استمر بها الدم بعد أيامها، فهي مستحاضة (والنفاس: الدم الخارج بسبب الولادة) يقال: نفست المرأة، بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما إذا ولدت، ويقال في الحيض: نفست بالفتح لا غير، قال في مختصر الصحاح: النفاس ولادة المرأة إذا وضعت، فهي نفساء ونسوة نفاس، وليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال غير نفساء، وعسراء، اه. (ويمنع الحيض خمسة عشر شيئا) بالاستقراء. أحدها: (الطهارة) أي للحيض، لأن انقطاعه شرط لصحة الطهارة له، وتقدم، بخلاف الغسل لجنابة، أو إحرام ونحوه كما تقدم في الغسل. (و) الثاني: (الوضوء) لأن من شرطه انقطاع ما يوجبه كما تقدم. (و) الثالث: (قراءة القرآن) لما تقدم في الغسل من قوله (ص): لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن، (و) الرابع: (مس المصحف) لما تقدم. (و) الخامس: (الطواف) لقوله (ص) لعائشة: إذا حضت افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري متفق عليه. (و) السادس: (فعل الصلاة و) السابع: (وجوبها) أي الصلاة (فلا تقضيها) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إسقاط فرض الصلاة عنها في أيام حيضها، وعلى أن قضاء ما فات عنها في أيام حيضها ليس بواجب، لقوله (ص) لفاطمة بنت أبي حبيش: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ولما روت معاذة: قالت سألت عائشة ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية ولكني أسأل. فقالت: كنا نحيض على عهد رسول الله (ص) فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليهما، ومعنى قولها: أحرورية. الانكار عليها أن تكون من أهل
231 حروراء وهي مكان تنسب إليه الخوارج، لأنهم يرون على الحائض قضاء الصلاة كالصوم لفرط تعمقهم في الدين. حتى مرقوا منه، ولأنه يشق لتكرره وطول مدته، فإن أحبت القضاء فظاهر نقل الأثرم التحريم، قال في الفروع: ويتوجه احتمال يكره لكنه بدعة، كما رواه الأثرم عن عكرمة، ولعل المراد، إلا ركعتي الطواف لأنها نسك لا آخر لوقته فيعايي بها اه. يعني إذا طافت، ثم حاضت قبل أن تصلي ركعتي الطواف فإنها تصليهما إذا طهرت، لأنه لا آخر لوقتهما. فتسميتها قضاء تجوز. (و) الثامن: (فعل الصيام) لقوله (ص) في حديث أبي سعيد: أليس إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل؟ قلت: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها رواه البخاري، و (لا) يمنع الحيض (وجوبه) أي الصوم (فتقضيه) إجماعا، قاله في المبدع، لأنه واجب في ذمتها كالدين المؤجل، لكنه مشروط بالتمكن، فإن لم تتمكن لم تكن عاصية، وتقضيه هي وكل معذور بالامر السابق، لا بأمر جديد. (و) التاسع: (الاعتكاف، و) العاشر: (اللبث في المسجد) ولو بوضوء لقوله (ص): لا أحل المسجد لحائض ولا جنب رواه أبو داود. (و) الحادي عشر: (الوطئ في الفرج) لقوله تعالى: * (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) *، ولقوله (ص): اصنعوا كل شئ إلا النكاح رواه مسلم (إلا لمن به شبق بشرطه) وهو أن لا تندفع شهوته بدون الوطئ في الفرج، ويخاف تشقق أنثييه إن لم يطأ، ولا يجد غير الحائض بأن لا يقدر على مهر حرة، ولا ثمن أمة. (و) الثاني عشر: (سنة الطلاق) لما روى عن ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر ذلك للنبي (ص) فقال: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا متفق عليه، ولم يقل البخاري: أو حاملا ولأنه إذا طلقها فيه كان محرما،
232 وهو طلاق بدعة، لما فيه من تطويل العدة، وسيأتي (ما لم تسأله طلاقا بعوض، أو خلعا) لأنها إذن قد أدخلت الضرر على نفسها (فإن سألته) طلاقا (بغير عوض لم يبح). قلت: ولعل اعتبار العوض لأنها تظهر خلاف ما تبطن، فبذل العوض يدل على إرادتها الحقيقية. (و) الثالث عشر: (الاعتداد بالأشهر) يعني أن من تحيض لا تعتد بالأشهر، بل بالحيض لقوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * فأوجب العدة بالقروء، وشرط في الآيسة عدم الحيض لقوله تعالى: * (واللائي يئسن من المحيض) * الآية (الطلاق:). (إلا المتوفى عنها زوجها) فتعتد بالأشهر، لقوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم) * الآية. (و) الرابع عشر: (ابتداء العدة إذا طلقها في أثنائه) أي الحيض، لقوله تعالى: * (ثلاثة قروء) * وبعض القرء ليس بقرء. (أو) الخامس عشر: (مرورها في المسجد إن خافت تلويثه) لأن تلويثه بالنجاسة محرم، والوسائل لها حكم المقاصد، (ولا يمنع) الحيض (الغسل للجنابة والاحرام) ودخول مكة ونحوه وتقدم، (بل يستحب) الغسل لذلك، (ولا) يمنع (مرورها في المسجد إن أمنت تلويثه) قال في رواية ابن إبراهيم: تمر ولا تقعد، (ويوجب) الحيض (خمسة أشياء:) بالاستقراء (الاعتداد به) لغير وفاة، لما سبق (والغسل) لقوله (ص): دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي متفق عليه، (والبلوغ) لقوله (ص): لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار رواه أحمد وغيره، فأوجب عليها أن تستتر لأجل الحيض، فدل على أن التكليف حصل به، (والحكم ببراءة الرحم في الاعتداد) به، إذ العلة في مشروعية العدة في الأصل: العلم ببراءة الرحم، (و) الحكم ببراءة الرحم في (استبراء الإماء) إذ فائدته ذلك (و) الخامس: (الكفارة بالوطئ فيه) أي في الحيض. قلت: قد يقال الموجب الوطئ، والحيض شرط، كما قالوا
233 في الزنا: إنه موجب والاحصان في ذلك شرط. والخطب في ذلك سهل، (ونفاس مثله) أي الحيض فيما يمنعه ويوجبه. قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، لأنه دم حيض احتبس لأجل الولد (حتى في) وجوب (الكفارة بالوطئ فيه) أي في النفاس (نصا) لما تقدم (إلا في ثلاثة أشياء: الاعتداد به) لأن انقضاء العدة بالقروء، والنفاس ليس بقرء، ولأن العدة تنقضي بوضع الحمل، (وكونه) أي النفاس (لا يوجب البلوغ لحصوله قبله بالحمل) لأن الولد ينعقد من مائهما لقوله تعالى: * (خلق من ماء دافق ئ يخرج من بين الصلب والترائب) *، (الطارق: 7). (ولا يحتسب به) أي بالنفاس (عليه) أي على المولى (في مدة الايلاء) لأنه ليس بمعتاد بخلاف الحيض (وإذا انقطع الدم) أي الحيض، أو النفاس (أبيح فعل الصيام) لأن وجوب الغسل لا يمنع فعله كالجنب، (و) أبيح (الطلاق) لأن تحريمه لتطويل العدة بالحيض، وقد زال ذلك (ولم يبح غيرهما حتى تغتسل) قال ابن المنذر: هو كالاجماع، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماع التابعين، لأن الله تعالى شرط لحل الوطئ شرطين: انقطاع الدم، والغسل، فقال قوله تعالى * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * أي ينقطع دمهن فإذا تطهرن أي اغتسلن بالماء فأتوهن كذا. فسره ابن عباس. لا يقال: ينبغي على قراءة الأكثر بتخفيف يطهرن الأولى أنه ينتهي النهي عن القربان بانقطاع الدم، إذ الغاية تدخل في المغيا لكونها بحرف حتى لأنه قبل: الانقطاع النهي والقربان مطلق فلا يباح بحال، وبعده يزول التحريم المطلق، وتصير إباحة وطئها موقوفة على الغسل وظهر أن قراءة الأكثر أكثر فائدة. تنبيه: تقدم أنه يباح لها اللبث في المسجد بوضوء بعد انقطاع الدم، فالحصر إضافي (فلو أراد وطأها وادعت أنها حائض وأمكن) بأن كانت في سن يتأتى فيه الحيض، ويأتي بيانه (قبل) قولها وجوبا (نصا) لأنها مؤتمنة، قال ابن حزم: اتفقوا على قبول قول المرأة تزف العروس إلى زوجها فتقول هذه زوجتك وعلى استباحة وطئها بذلك، وعلى تصديقها في قولها: أنا حائض، وفي قولها: قد طهرت. (ويباح أن يستمتع منها) أي الحائض (بغير الوطئ في الفرج) كالقبلة واللمس والوطئ دون الفرج، زاد في الاختيارات والاستمناء بيدها، لقوله تعالى: * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * قال ابن عباس:
234 فاعتزلوا نكاح فروجهن، رواه عبد بن حميد وابن جرير، ولان المحيض اسم لمكان الحيض في ظاهر كلام أحمد، قاله ابن عقيل. كالمقيل والمبيت، فيختص بالتحريم بمكان الحيض، وهو الفرج. ولهذا لما نزلت هذه الآية قال النبي (ص): اصنعوا كل شئ إلا النكاح رواه مسلم. وفي لفظ: إلا الجماع رواه أحمد وغيره. ولأنه وطئ منع للأذى. فاختص بمحله، كالدبر. وحديث عبد الله بن سعد أنه سأل النبي (ص): ما يحل من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار رواه أبو داود. أجيب عنه: بأنه من رواية حرام بن حكيم عن عمه. وقد ضعفه ابن حزم وغيره. وإن سلمنا بصحته، فإنه يدل بالمفهوم، والمنطوق راجح عليه. وحديث البخاري عن عائشة: أن النبي (ص) كان يأمرني أن أتزر، فيباشرني وأنا حائض لا دلالة فيه على المنع، لأنه كان يترك بعض المباح تقذرا. كتركه أكل الضب، (ويستحب ستره) أي الفرج (إذن) عند الاستمتاع من الحائض بغير الفرج. لحديث عكرمة عن بعض أزواج النبي (ص): أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا رواه أبو داود وقال ابن حامد: يجب (ووطؤها) أي الحائض (في الفرج ليس بكبيرة) لعدم انطباق تعريفها عليه. ويأتي في الشهادات أنه عنده من الكبائر (فإن وطئها) أي الحائض (من يجامع مثله) وهو ابن عشر فأكثر (ولو غير بالغ) لعموم الخبر (في الحيض، والدم يجري) أي يسيل. سواء كان الوطئ (في أوله) أي الحيض، (أو) في (آخره) لأنه معنى تجب في الكفارة، فاستوى الحال فيه بين إقباله وإدباره وصفاته (ولو) كان الوطئ (بحائل) لفه على ذكره، أو كيس أدخله فيه (أو وطئها وهي طاهر فحاضت في أثناء وطئه، ولو لم يستدم) الوطئ، بل نزع في الحال (لأن النزع جماع فعليه دينار، زنته مثقال، خاليا من الغش، ولو غير مضروب) خلافا للشيخ تقي الدين (أو نصفه على التخيير، كفارة) لما
235 روى ابن عباس عن النبي (ص) قال: عن الذي يأتي امرأته وهي حائض. قال: يتصدق بدينار أو نصفه رواه أحمد والترمذي وأبو داود. وقال: هكذا الرواية الصحيحة. لا يقال: كيف يخير بين الشئ ونصفه؟ لأنه كتخيير المسافر بين الاتمام والقصر. وأخذ صاحب الفروع من كلام ابن عقيل: أن من كرر الوطئ في حيضة أو في حيضتين: أنه في تكرار الكفارة كالصوم (مصرفها) أي هذه الكفارة (مصرف بقية الكفارات) أي إلى من له أخذ زكاة لحاجته (وتجوز إلى مسكين واحد، كنذر مطلق) أي كما لو نذر أن يتصدق بشئ، ولم يتقيد بمن يتصدق عليه، (وتسقط) كفارة الوطئ في الحيض (بعجز) قال ابن حامد: كفارة وطئ الحائض تسقط بالعجز عنها. أو عن بعضها. ككفارة الوطئ في رمضان، (وكذا هي) أي الحائض (إن طاوعته) على وطئها في الحيض. فتجب عليها الكفارة، ككفارة الوطئ في الاحرام، فإن كانت مكرهة فلا شئ عليها. لعدم تكليفها. والكفارة واجبة بوطئ الحائض (حتى) ولو كان الوطئ (من ناس، ومكره، وجاهل الحيض، أو التحريم) أي جاهل الحيض، أو التحريم (أو هما) أي جاهل الحيض والتحريم لعموم الخبر، وقياسا على الوطئ في الاحرام (ولا تجب الكفارة بوطئها بعد انقطاع الدم وقبل الغسل) لمفهوم قوله في الخبر: وهي حائض وهذه ليست بحائض، (ولا) تجب الكفارة أيضا (بوطئها) أي الحائض (في الدبر) لأنه ليس منصوصا عليه، ولا في معنى المنصوص (ولا يجزئ إخراج القيمة) عن الدينار أو نصفه، كسائر الكفارات (إلا) إذا أخرج القيمة (من الفضة) كإجزاء أحدهما عن الآخر في الزكاة، لأن المقصود منهما واحد (وبدن الحائض وعرقها وسؤرها طاهر، و) لذا (لا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك، ولا وضع يديها في شئ من المائعات) ذكر ذلك ابن جرير وغيره إجماعا، سأله حرب: تدخل يدها في طعام، وشراب، وخل، وتعجن وغير ذلك، قال: نعم، ولعل المراد ما لا يفسد من المائعات بملاقاته بدنها، وإلا توجه المنع فيها. وفي المرأة
236 الجنب (وأقل سن تحيض له المرأة تمام تسع سنين) هلالية، فمتى رأت دما قبل بلوغ ذلك السن لم يكن حيضا، لأنه لم يثبت في الوجود والعادة لأنثى حيض قبل استكمالها، ولا فرق فيه بين البلاد الحارة، كتهامة، والباردة كالصين. وإن رأت من الدم ما يصلح أن يكون حيضا، وقد بلغت هذا السن: حكم بكونه حيضا. وثبتت في حقها أحكام الحيض كلها. قال الترمذي: قالت عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة وروي مرفوعا من رواية ابن عمر، أي حكمها حكم المرأة. قال الشافعي: رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة. وذكر ابن عقيل: أن نساء تهامة يحضن لتسع سنين، (وأكثره) أي أكثر سن تحيض فيه المرأة (خمسون سنة) لقول عائشة: إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ذكره أحمد. وقالت أيضا: لن ترى في بطنها ولدا بعد الخمسين رواه أبو إسحاق الشالنجي. ولا فرق بين نساء العرب وغيرهن، لاستوائهن في جميع الأحكام، (والحامل لا تحيض) لحديث أبي سعيد أن النبي (ص) قال في سبي أوطاس: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض رواه أحمد وأبو داود من رواية شريك القاضي. فجعل علما على براءة الرحم. فدل على أنه لا يجتمع معه. وقال (ص) في حق ابن عمر - لما طلق زوجته وهي حائض -: ليطلقها طاهرا، أو حاملا فجعل الحمل علما على عدم الحيض كالطهر. احتج به أحمد (فلا تترك) الحامل (الصلاة لما تراه) من الدم، لأنه دم فساد، لا حيض. وكذا الصوم والاعتكاف والطواف ونحوها. ولو عبر بالعبادة كغيره، لكان أعم (ولا يمنع) زوجها أو سيدها (وطئها) لأنها ليست حائضا (إن خاف العنت) منه أو منها وإلا منع، كالمستحاضة، ولم يذكر هذا القيد صاحب الفروع والانصاف والمبدع والمنتهى وشرحه ولا غيرهم ممن وقفت على كلامه، إلا أن تراه قبل الولادة بيوم، أو بيومين، أو ثلاثة فهو نفاس. ويأتي (وتغتسل) الحامل إذا رأت دما زمن حملها (عند انقطاعه استحبابا،
237 نصا) احتياطا وخروجا من الخلاف. والمراد ما ذكره صاحب الفروع: أن الامام نص على أنها تغتسل، وحمله القاضي على الاستحباب، وكان الأولى: أن يقدم نصا على قوله: استحبابا، (وأقل الحيض يوم وليلة) لقول علي. ولان الشرع علق على الحيض أحكاما، ولم يبينه. فعلم أنه رده إلى العرف، كالقبض والحرز. وقد وجد حيض معتاد يوما، ولم يوجد أقل منه. قال عطاء: رأيت من تحيض يوما رواه الدارقطني، وقال الشافعي: رأيت امرأة قالت: إنها لم تزل تحيض يوما لا تزيده. وقال أبو عبد الله الزبيري: كان في نسائنا من تحيض يوما، أي بليلته، لأنه المفهوم من إطلاق اليوم. والمراد: مقدار يوم وليلة، أي أربع وعشرون ساعة (فلو انقطع) الدم (لأقل منه) أي من اليوم بليلته (فليس بحيض بل) هو (دم فساد) لما تقدم (وأكثره) أي الحيض (خمسة عشر يوما) بلياليهن. لقول علي: ما زاد على الخمسة عشر استحاضة، وأقل الحيض يوم وليلة وقال عطاء: رأيت من تحيض خمسة عشر يوما ويؤيده ما رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في سننه عن ابن عمر مرفوعا: النساء ناقصات عقل ودين قيل: وما نقصان دينهن؟ قال: تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي قال البيهقي: لم أجده في شئ من كتب الحديث وقال ابن منده: لا يثبت هذا بوجه من الوجوه عن النبي (ص). ولهذا قال في المبدع: وذكر ابن المنجا أنه رواه البخاري. وهو خطأ (وغالبه) أي الحيض (ست أو سبع) لقوله (ص) - لحمنة بنت جحش لما سألته: تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة، ثم اغتسلي وصلي أربعا وعشرين ليلة وأيامها، أو ثلاثا وعشرين ليلة فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن رواه أبو داود والنسائي وأحمد والترمذي وصححاه، وحسنه البخاري. (وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما) لما روى أحمد - واحتج به، عن علي أن امرأة جاءته - قد طلقها زوجها - فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض. فقال علي لشريح: قل فيها، فقال شريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرجى دينه وأمانته فشهدت بذلك، وإلا فهي كاذبة. فقال علي: قالون أي جيد
238 بالرومية. وهذا لا يقوله إلا توقيفا وهو قول صحابي اشتهر، ولم يعلم خلافه، ووجود ثلاث حيض في شهر، دليل على أن الثلاثة عشر طهر صحيح يقينا، قال أحمد: لا نختلف أن العدة يصح أن تنقضي في شهر إذا قامت به البينة (وغالبه) أي الطهر بين الحيضين (بقية الشهر الهلالي) فإذا كان الحيض ستا أو سبعا، فالغالب أن يكون الطهر أربعا وعشرين، أو ثلاثا وعشرين، لما تقدم في حديث حمنة، قال في الرعاية: وغالب الطهر ثلاثة أو أربعة وعشرون يوما، وقيل بقية الشهر (ولا حد لأكثره) أي أكثر الطهر بين الحيضتين لأن المرأة قد لا تحيض أصلا، وقد تحيض في السنة مرة واحدة، وحكى أبو الطيب الشافعي: أن امرأة في زمنه كانت تحيض في كل سنة يوما وليلة، وأقل الطهر زمن الحيض خلوص النقاء، بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها، ولا يكره وطؤها زمنه. فصل: (والمبتدأ بها الدم) أي التي رأت دما ولم تكن حاضت (في سن تحيض لمثله) كبنت تسع سنين فأكثر، (ولو) كان ما رأته (صفرة أو كدرة، تجلس بمجرد ما تراه) لأن دم الحيض جبلة وعادة، ودم الاستحاضة لعارض من مرض ونحوه، والأصل عدمه (فتترك الصوم والصلاة) ونحوهما كالطواف والاعتكاف والقراءة، وهذا تفسير لجلوسها (أقله) أي أقل الحيض، هو يوم وليلة، لأن العبادة واجبة في ذمتها بيقين، وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه، فلا نسقطها بالشك، ولو نجلسها الأقل لأدى إلى عدم جلوسها أصلا (فإن انقطع) الدم (لدونه) أي لدون الأقل (فليس بحيض) لعدم صلاحيته له، بل دم فساد (وقضت واجب صلاة ونحوها) لثبوتها في ذمتها (وإن انقطع) الدم (له) أي لأقل الحيض، بأن انقطع عند مضي اليوم والليلة (كان حيضا) لأنه الأصل، كما سبق (واغتسلت له) لأنه آخر حيضها (وإن جاوزه) أي جاوز الدم أقل الحيض، بأن زاد على يوم بليلته (ولم يعبر) أي يجاوز (الأكثر) أي أكثر الحيض، وهو خمسة عشر يوما، بأن انقطع لخمسة عشر فما دونها (لم تجلس المجاوز) لأنه مشكوك فيه (بل تغتسل عقب أقله) أي الحيض، لأنه آخر حيضها حكما، أشبه آخر حسا (وتصوم وتصلي فيما جاوزه) لأن المانع منهما هو الحيض. وقد حكم بانقطاعه، (ويحرم وطؤها فيه) أي في الدم، أي زمنه المجاوز لأقل الحيض (قبل
239 تكراره نصا) لأن الظاهر أنه حيض، وإنما أمرناها بالعبادة احتياطا لبراءة ذمتها فتعين ترك وطئها احتياطا (فإن انقطع) الدم (يوما فأكثر، أو أقل قبل مجاوزة أكثره اغتسلت) عند انقطاعه، لاحتمال أن يكون آخر حيضها، فلا تكون طاهرا بيقين إلا بالغسل، (وحكمها حكم الطاهرات) في الصلاة وغيرها، لأنها طاهرة، لقول ابن عباس: أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل، (ويباح وطؤها) إذا اغتسلت بعد انقطاع دمها، لأنها طاهرة (فإن عاد) الدم (فكما لو لم ينقطع) على ما تقدم تفصيله، لأن الحكم يدور مع علته، (وتغتسل عند انقطاعه) أي الدم (غسلا ثانيا) لما تقدم (تفعل ذلك) الفعل، وهو جلوسها يوما وليلة، وغسلها عند آخرها، وغسلها عند انقطاع الدم (ثلاثا) أي في ثلاثة أشهر (في كل شهر مرة) لأن العادة لا تثبت بدون الثلاث على المذهب، لقوله (ص): دعي الصلاة أيام أقرائك وهي صيغة جمع وأقله ثلاث، ولان ما اعتبر له التكرار اعتبر فيه الثلاث، كالأقراء، والشهور في عدة الحرة وخيار المصراة، ومهلة المرتد (فإن كان) الدم (في الثلاث متساويا ابتداء وانتهاء) ولم تختلف (تيقن أنه حيض، وصار عادة) كما ذكرناه (فلا تثبت العادة بدون الثلاث) لما تقدم (ولا يعتبر فيها) أي الثلاث من الشهور (التوالي) فلو رأت الدم في شهر، ولم تره في الذي يليه، ثم رأته وتكرر ولم يختلف، صار عادة، لأنه لا حد لأكثر الطهر بين الحيضتين، كما تقدم، وحيث تكرر في ثلاثة أشهر، (ف) - إنها ( تجلسه في الشهر الرابع) لأنه صار عادة لها (وتعيد ما فعلته في المجاوز) لأقل الحيض (من واجب صوم، و) واجب (طواف، و) واجب (اعتكاف ونحوها) كواجب قراءة، لتبين أنها فعلته في زمن الحيض (بعد ثبوت العادة) متعلق بتعيد، لأنه قبل ثبوتها لم يتبين الحال (فإن انقطع حيضها ولم يعد) ثلاثا (أو أيست قبل تكرره) ثلاثا (لم تعد) ما فعلته في المجاوز، لأنا لم نتيقنه حيضا، والأصل براءة ذمتها (فإن كان) الدم (على أعداد مختلفة، فما تكرر منه) ثلاثا (صار عادة) لها، لما تقدم، دون ما لم يتكرر (مرتبا كان، كخمسة في
240 أول شهر، وستة في) شهر (ثان، وسبعة في) شهر (ثالث، فتجلس الخمسة لتكرارها) ثلاثا، كما لو لم يختلف (أو غير مرتب عكسه) أي عكس المثال المذكور (كأن ترى في الشهر الأول خمسة. وفي الشهر الثاني أربعة، وفي) الشهر (الثالث ستة، فتجلس الأربعة لتكررها)، ثم كلما تكرر شئ جلسته (فإن جاوز دمها أكثر الحيض، ف) - هي (مستحاضة) لقول النبي (ص): إنما ذلك عرق وليس بالحيضة متفق عليه، ولان الدم كله لا يصلح أن يكون حيضا. والاستحاضة كما تقدم: سيلان الدم في غير وقته من أدنى الرحم، دون قعره، إذ المرأة لها فرجان، داخل بمنزلة الدبر، منه الحيض، وخارج كالأليتين منه الاستحاضة، ثم هي لا تخلو من حالين إما أن يكون دمها متميزا، أو غيره (فإن كان) دمها (متميزا بعضه أسود، أو ثخين أو منتن، وبعضه رقيق أحمر) غير منتن (فحيضها زمن الأسود، أو) زمن (الثخين أو) زمن (المنتن إن صلح أن يكون حيضا. بأن لا ينقص عن أقل الحيض) يوم وليلة (ولا يجاوزه أكثره) خمسة عشر يوما قال ابن تميم: ولا ينقص غيره عن أقل الطهر (فتجلسه من غير تكرار) لما روت عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش، فقالت: يا رسول الله إني أستحاض، فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي متفق عليه. وفي لفظ للنسائي: إذا كان الحيض، فإنه أسود يعرف، فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي، فإنما هو دم عرق ولأنه خارج من الفرج يوجب الغسل، فرجع إلى صفته عند الاشتباه، كالمني والمذي، قال في المبدع: فإن تعارضت الصفات. فذكر
241 بعض الشافعية، أنه يرجح بالكثرة. فإن استوت رجح بالسبق، وتثبت العادة بالتمييز (كثبوتها بانقطاع) الدم، فإذا رأت خمسة أيام أسود في أول شهر، وتكرر ثلاثا، صارت عادتها بالتمييز، لثبوتها بانقطاع الدم. فإذا رأت خمسة أيام أسود في أول كل شهر وتكرر ثلاثا صارت عادة، فتجلسها من أول كل شهر. ولو أطبق الأحمر بعد (ولا يعتبر فيها) أي العادة الثانية بالتمييز (التوالي أيضا) أي كما لا يعتبر عند الانقطاع كما تقدم (فلو رأت دما أسود) يصلح أن يكون حيضا، (ثم) دما (أحمر، وعبرا أكثر الحيض) أي جاوز خمسة عشر يوما، بأن كان الأسود عشرا والأحمر ثلاثين - مثلا - (فحيضها زمن الدم الأسود) إن صلح حيضا فتجلسه (وما عداه استحاضة) لأنه لا يصلح حيضا (وإن لم يكن) دمها (متميزا) بأن كان كله أسود أو أحمر ونحوه (أو كان) متميزا (ولم يصلح) الأسود ونحوه أن يكون حيضا، بأن نقص عن اليوم والليلة، أو جاوز الخمسة عشر (قعدت من كل شهر غالب الحيض ستا أو سبعا بالتحري) أي باجتهادها ورأيها. فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها أو عادة نسائها، أو ما يكون أشبه بكونه حيضا. ووجه كونها تجلس غالب الحيض: حديث حمنة بنت جحش قالت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة شديدة كبيرة، قد منعتني الصوم والصلاة. فقال: تحيضي في علم الله ستا أو سبعا. ثم اغتسلي رواه أحمد وغيره. وعملا بالغالب. ولأنها ترد إلى غالب الحيض وقتا فكذا قدرا. وتفارق المبتدأة في جلوسها الأقل، من حيث أنها أول ما ترى الدم ترجو انكشاف أمرها عن قرب. ولم يتيقن لها دم فاسد. وإذا علم استحاضتها، فقد اختلط الحيض بالفاسد يقينا، وليس ثم قرينة، فلذلك ردت إلى الغالب، عملا بالظاهر (ويعتبر في حقها) أي المبتدأة (تكرار الاستحاضة نصا) بخلاف المعتادة (فتجلس) المبتدأة التي جاوز دمها أكثر الحيض (قبل تكراره) أي الدم ثلاثة أشهر (أقله) أي أقل الحيض، لأنه المتيقن، وما زاد مشكوك فيه كغير المستحاضة، (ولا تبطل دلالة التمييز بزيادة الدمين) أي الدم الذي يصلح حيضا كالأسود، أو الثخين أو المنتن، إذا بلغ يوما وليلة، ولم يجاوز خمسة عشر، والدم الآخر (على شهر) هلالي أو ثلاثين يوما. بأن كان الأسود مثلها عشرة أيام، والأحمر ثلاثين. لأن الأحمر بمنزلة الطهر ولا حد لأكثره لما تقدم.
242 فصل: لما أنهى الكلام على المستحاضة غير المعتادة، أخذ يتكلم على المعتادة إذا استحيضت، مقدما على ذلك تعريف المستحاضة وحكمها العام. فقال: (المستحاضة هي التي ترى دما لا يصلح أن يكون حيضا ولا نفاسا) هكذا في الشرح والمبدع. قال في الانصاف: والمستحاضة من جاوز دمها أكثر الحيض، والدم الفاسد أعم من ذلك انتهى. أي من الاستحاضة. فعلى كلام الانصاف: ما نقص عن اليوم والليلة، وما تراه الحامل لأقرب الولادة، وما تراه قبل تمام تسع سنين: دم فساد. لا تثبت له أحكام الاستحاضة، بخلافه على الأول، (وحكمها) أي المستحاضة (حكم الطاهرات) الخاليات من الحيض والنفاس (في وجوب العبادات وفعلها) لأنها نجاسة غير معتادة، أشبهت سلس البول. وللمستحاضة أربعة أحوال. أحدها: أن تكون معتادة فقط، وقد ذكرها بقوله (وإن استحيضت معتادة، رجعت إلى عادتها) لتعمل بها لما يأتي. الحال الثاني: أن تكون معتادة مميزة. وأشار إليها بقوله: (وإن كانت مميزة) بعض دمها أسود، أو ثخين أو منتن. فتقدم العادة على التمييز، سواء (اتفق تمييزها وعادتها) بأن تكون عادتها أربعة مثلا من أول الشهر، وكان دم هذه الأربعة أسود، ودم باقي الشهر أحمر (أو اختلفا) أي العادة، والتمييز، وسواء كان الاختلاف (بمداخلة) بأن تكون عادتها ستة أيام، من أول العشر الأوسط من الشهر، فترى في أول العشر أربعة أسود، وباقي الشهر أحمر. فتجلس الستة كلها من أول العشر، (أو مباينة) بأن تكون عادتها من أول الشهر. فترى الدم الصالح للحيض في آخره. فتجلس عادتها. ثم تغتسل بعدها، وتتوضأ لوقت كل صلاة
243 وتصلي، لقوله (ص): دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي متفق عليه. ولان العادة أقوى. لأنها لا تبطل دلالتها بخلاف اللون إذا زاد على أكثر الحيض بطلت دلالته. والعادة ضربان: متفقة، بأن تكون أياما متساوية، كسبعة من كل شهر. فإذا استحيضت جلستها. ومختلفة: وهي قسمان مرتبة، بأن ترى في شهر ثلاثة وفي الثاني أربعة، وفي الثالث خمسة، ثم تعود إلى مثل ذلك. فهذه إذا استحيضت في شهر وعرفت نوبته عملت عليه، وإن نسيت نوبته جلست الأقل، وهو ثلاثة، ثم تغتسل وتصلي بقية الشهر. وإن علمت أنه غير الأول وشكت هل هو الثاني أو الثالث؟ جلست أربعة، لأنها اليقين. ثم تجلس في الشهرين الآخرين ثلاثة ثلاثة، وفي الرابع أربعة، ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدا ويكفيها غسل واحد عند انقضاء المدة التي جلستها، كالناسية. وصحح في المغني والشرح أنه يجب عليها الغسل أيضا عند مضي أكثر عادتها، وغير المرتبة، كأن تحيض في شهر ثلاثة، وفي الثاني خمسة وفي الثالث أربعة، فإن أمكن ضبطه بحيث لا يختلف هو فالتي قبلها. وإن لم يمكن ضبطه جلست الأقل في كل شهر واغتسلت عقبه. (ونقص العادة لا يحتاج إلى تكرار) لأنه رجوع إلى الأصل. وهو العدم (فلو نقصت عادتها، ثم استحيضت بعده) أي بعد النقص (كأن كانت عادتها عشرة) أيام (فرأت) الدم (سبعة، ثم استحيضت في الشهر الآخر جلست السبعة) لأنها التي استقرت عليها عادتها. الحال الثالث: أن يكون لها عادة وتمييز. وتنسى العادة، وقد ذكرها بقوله: (وإن نسيت العادة عملت بالتمييز الصالح) لأن يكون حيضا. وتقدم، لما روى أبو داود والنسائي من حديث فاطمة بنت أبي حبيش: إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف. فأمسكي عن الصلاة. فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق ولأنها مستحاضة ولا تعلم لها عادة، تلزمها العمل بالتمييز كالمبتدأة (ولو تنقل) التمييز بأن كانت تراه تارة في أول الشهر، وتارة في وسطه، وتارة في آخره (من غير تكرار) أي تعمل بالتمييز. ولو لم يتكرر، كما تقدم في
244 المبتدأة. لعموم الخبر (فإن لم يكن لها تمييز) بأن كان الدم على نسق واحد، (أو كان) لها تمييز، (و) لكنه (ليس بصالح) بأن نقص عن يوم وليلة، أو جاوز خمسة عشر (فهي المتحيرة) لأنها قد تحيرت في حيضها بجهل العادة وعدم التمييز. وهذا هو الحال الرابع. و (لا تفتقر استحاضتها إلى تكرار) بخلاف المبتدأة (أيضا) أي كما أن تمييزها لا يفتقر إلى تكرار كما تقدم. وللمتحيرة ثلاثة أحوال: أحدها: أن تكون ناسية للعدد فقط (تجلس غالب الحيض إن اتسع شهرها له) بأن كان عشرين يوما فأكثر. لحديث حمنة بنت جحش، وهي امرأة كبيرة، قاله أحمد. ولم يسألها عن تمييزها ولا عادتها. فلم يبق إلا أن تكون ناسية، فترد إلى غالب الحيض، إناطة للحكم بالأكثر. كما ترد المعتادة لعادتها، (وإلا) بأن لم يتسع شهرها لغالب الحيض (جلست الفاضل) من شهرها (بعد أقل الطهر، كأن يكون شهرها ثمانية عشر يوما، فإنها تجلس الزائد عن أقل الطهر بين الحيضتين فقط) لئلا ينقص الطهر عن أقله، (وهو) أي ما تجلسه (هنا) أي في المثال المذكور (خمسة أيام) لأنها الباقي من الثمانية عشر بعد الثلاثة عشر. فتجلسها فقط (لئلا ينقص الطهر عن أقله) فيخرج عن كونه طهرا (وإن جهلت شهرها جلسته) أي غالب الحيض (من) كل (شهر) للخبر (هلالي) لأنه المتبادر عند الاطلاق (وشهر المرأة هو) الزمن (الذي يجتمع لها فيه حيض وطهر صحيحان) أي تامان (وأقل ذلك أربعة عشر يوما) بلياليها (يوم) بليلته (للحيض) لأنه أقله (وثلاثة عشر) يوما بلياليها (للطهر) لأنها أقله (ولا حد لأكثره) أي شهر المرأة. لما تقدم: أنه لا حد لأكثر الطهر بين الحيضتين، (وغالبه) أي شهر المرأة (الشهر الهلالي) لأن غالب الحيض ست أو سبع وغالب الطهر بقية الشهر. وتقدم (ولا تكون) المرأة (معتادة حتى تعرف شهرها) الذي تحيض فيه وتطهر فيه، (و) تعرف (وقت حيضها وطهرها منه) بأن تعرف أنها تحيض خمسة مثلا من ابتدائه وتطهر في باقيه، (ويتكرر) حيضها ثلاثة أشهر، لأن العادة لا تثبت بدونها كما تقدم. الحال الثاني: أن تكون عالمة بالعدد ناسية للموضع. وقد ذكر ذلك بقوله، (وإن علمت عدد أيامها) أي أيام حيضها (ونسيت موضعها) بأن لم تدر أكانت تحيض في أول الشهر أو وسطه أو آخره؟ (جلستها) أي أيام حيضها (من أول كل شهر هلالي) لأنه (ص) جعل حيضة حمنة من أول الشهر والصلاة في بقيته ولان دم الحيض جبلة،
245 والاستحاضة عارضة، فإذا رأته وجب تقديم دم الحيض. الحال الثالث: الناسية للعدد والموضع، وهي المرادة بقوله: (وكذا من عدمتهما) أي عدمت العلم بعدد حيضها وموضعه، فتجلس غالب الحيض من أول كل شهر هلالي. لما تقدم (فإن عرفت ابتداء الدم) بأن علمت أن الدم كان يأتيها في أول العشر الأوسط من الشهر، وأول النصف الأخير منه ونحوه (فهو أول دورها) فتجلس منه، سواء كانت ناسية للعدد فقط، أو للعدد والموضع (وما جلسته ناسية) للعدد، أو الموضع، أو هما (من حيض مشكوك فيه، كحيض يقينا) فيما يوجبه ويمنعه، وعدم قضاء الصلاة ونحو ذلك، بخلاف النفاس المشكوك فيه، لمشقة تكرره (وما زاد على ما تجلسه إلى أكثره) أي الحيض (كطهر متيقن) قال في الرعاية: والحيض والطهر مع الشك فيهما كاليقين فيما يحل ويحرم ويكره، ويجب ويستحب ويباح ويسقط. وعنه يكره الوطئ في طهر مشكوك فيه، كالاستحاضة (وغيرهما) أي غير زمن الحيض، وما زاد عليه إلى أكثر الحيض، وهو نصف الشهر الباقي، إن حيضناها من كل شهر (استحاضة) لأنه لا يصح أن يكون حيضا ولا نفاسا (وإن ذكرت) المستحاضة الناسية لعادتها (عادتها رجعت إليها) فتجلسها، لأن ترك الجلوس فيها إنما كان لعارض النسيان. وإذا زال العارض رجعت إلى الأصل (وقضت الواجب زمن العادة المنسية) كأن كانت صامت فرضا فيها، فتقضيه، لعدم صحته، لموافقة زمن الحيض، (و) قضت الواجب أيضا (زمن جلوسها في غيرها) فتقضي الصلاة والصوم ونحوه، لأنه ليس بزمن حيض (وكذا الحكم في كل موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز، مثل المبتدأة إذا لم تعرف وقت ابتداء دمها ولا تمييز لها) فإنها تجلس غالب الحيض بعد تكرره من أول كل شهر هلالي، وإذا ذكرت وقت ابتداء دمها رجعت إليه، وقضت الواجب زمنه وزمن جلوسها في غيره (وإن علمت) المستحاضة عدد (أيامها في وقت من الشهر) كأن علمت أن حيضها ستة أيام في الشهر، (ونسيت موضعها) بأن لم تدر، أهي في أوله أو آخره؟ (فإن
246 كانت أيامها نصف الوقت) الذي علمت أن حيضها فيه (فأقل) من نصفه (فحيضها من أولها) فإذا علمت أن حيضها كان في النصف الثاني من الشهر، فإنها تجلس من أوله (أو بالتحري) أي للاجتهاد على الوجهين في ذلك، والأكثر على أنها من أولها، كما قطع به من قال: (وليس لها حيض بيقين)، بل حيضها مشكوك فيه (وإن زادت) أيامها (على النصف) من الوقت الذي علمت الحيض فيه (مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول) من الشهر (ضم الزائد) على النصف (وهو) في المثال (يوم) لأن نصف العشرة خمسة (إلى مثله مما قبله، وهو يوم، فيكونان) أي الخامس والسادس (حيضا بيقين) إذ لا يحتمل خلافه (يبقى لها أربعة أيام) تتمة عادتها (فإن جلستها من الأول) على قول الأكثر (كان حيضها من أول العشر إلى آخر السادس منها يومان) وهما الخامس والسادس (حيض بيقين، والأربعة حيض مشكوك فيه) والأربعة الباقية طهر مشكوك فيه (وإن جلست بالتحري) على الوجه المقابل لقول الأكثر (فأداها اجتهادها إلى أنها من أول العشر، فهي كالتي ذكرنا) فيكون حيضها من أول العشر إلى آخر السادس، منها يومان حيض بيقين، والأربعة حيض مشكوك فيه (وإن جلست الأربعة من آخر العشر كانت) الأربعة (حيضا مشكوكا فيه) واليومان قبلها حيضا بيقين (والأربعة الأولى طهر مشكوك فيه. وإن قالت: حيضتي سبعة أيام من العشر) الأول، أو الوسط، أو الأخير (فقد زادت) أيامها (يومين على نصف الوقت) لأن نصف العشرة خمسة (فتضمهما إلى يومين قبلهما فيصير لها أربعة أيام حيضا بيقين، من أول الرابع إلى آخر السابع. ويبقى لها ثلاثة أيام تجلسها. كما تقدم) من أول العشر، أو بالتحري على الوجهين. وهي حيض مشكوك فيه، (وحكم الحيض المشكوك فيه حكم المتيقن في ترك العبادات) وتحريم الوطئ ووجوب الغسل (كما تقدم. وإن شاءت أسقطت الزائد من أيامها)
247 عن نصف الوقت (من آخر المدة، و) أسقطت (مثله من أولها، فما بقي) أي صار بمعنى: اجتمع، كما في بعض النسخ (فهو حيض بيقين. والشك فيما بقي من الوقت المعين) كما تقدم تمثيله (وإن علمت موضع حيضها) بأن علمت أنها تحيض في العشر الأوسط (ونسيت عدده) أي عدد أيام الحيض (جلست فيه) أي في موضع حيضها (غالب الحيض) ستة أيام أو سبعة بالتحري، لما تقدم (وإن تغيرت العادة بزيادتها بأن كانت عادتها ستة أيام، فرأت الدم ثمانية، (أو) تغيرت العادة ب (- تقدم) بأن كانت ترى الدم من وسط الشهر، فرأته في أوله، (أو) تغيرت العادة ب (- تأخر) بأن كانت تراه في أوله. فتأخر إلى آخره (أو انتقال) بأن كان حيضها الخمسة الأول. فتصير الخمسة الثانية، لكن لم يذكره في المحرر والوجيز والفروع والمنتهى. لأنه في معنى ما تقدم (ف) - ما تغير (كدم زائد على أقل حيض) من (مبتدأة) لا تلتفت إليه، حتى يتكرر ثلاث مرات، فتصوم فيه وتصلي قبل التكرار، وتغتسل عند انقطاعه غسلا ثانيا، فإذا تكرر صار عادة تجلسه وتعيد صوم فرض ونحوه فيه، لأنا تبيناه حيضا (فلو لم يعد، أو أيست قبل تكراره) ثلاثا (لم تقض) كما تقدم في المبتدأة (وعنه تصير إليه من غير تكرار) أومأ إليه في رواية ابن منصور (اختاره جمع، وعليه العمل ولا يسع النساء العمل بغيره) قال في الانصاف: وهو الصواب، قال ابن تميم: وهو أشبه. قال ابن عبيدان: هو الصحيح: قال في الفائق، وهو المختار، واختاره الشيخ تقي الدين. وإليه ميل الشارح (وإن طهرت في أثناء عادتها طهرا خالصا لا تتغير معه القطنة إذا احتشتها، ولو أقل مدة) فلا يعتبر بلوغه يوما (فهي طاهر، تغتسل) لقول ابن عباس: إذا ما رأت الطهر فلتغتسل، (وتصلي) وتفعل ما تفعله الطاهرات، لأن الله تعالى وصف الحيض بكونه أذى، فإذا ذهب الأذى وجب زوال الحيض، (ولا يكره وطؤها) بعد الاغتسال، كسائر
248 الطاهرات (فإن عاودها الدم في أثناء العادة ولم يجاوزها جلسته) أي زمن الدم من العادة، كما لو لم ينقطع، لأنه صادف زمن العادة (وإن جاوزها) أي جاوز دمها العائد بعد انقطاعه عادتها (ولم يعبر) أي يجاوز (أكثر الحيض) خمسة عشر يوما (لم تجلسه حتى يتكرر) ثلاثا (وإن عبر أكثره) أي جاوز أكثر الحيض (فليس بحيض) لأن بعضه ليس بحيض، فيكون كله استحاضة، لاتصاله به وانفصاله عن الحيض (وإن عاودها) أي رجع الدم بعد انقطاعه عنها (بعد العادة فلا يخلو إما أن يمكن جعله حيضا)، بضمه أو نفسه (أو لا) يمكن جعله حيضا (فإن أمكن) جعله حيضا إما بضمه إلى ما قبله أو بنفسه (بأن يكون) الدم (بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيهما) أي أول الدمين وآخرهما (أكثر من أكثر الحيض) خمسة عشر يوما (فليفقان) أي الدمان، (ويجعلان حيضة واحدة إن تكرر) الدم الذي بعد العادة ثلاثا، وهذا مثال لما أمكن أن يكون حيضا بالضم. وأشار إلى ما أمكن جعله بنفسه بقوله: (أو يكون بينهما) أي الدمين (أقل الطهر ثلاثة عشر يوما وكل من الدمين يصلح أن يكون حيضا إذن بمفرده) بأن يكون يوما وليلة فأكثر ولا يجاوز الخمسة عشر (فيكونان حيضتين) لوجود الطهر التام بينهما (إذا تكرر) الثاني ثلاثا (وإن نقص أحدهما عن أقل حيض، فهو دم فاسد إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده) يعني إلى الدم الآخر. لأنه لا يصلح حيضا ولا نفاسا، (وإن لم يمكن جعله حيضا لعبوره أكثر الحيض، وليس بينه وبين الدم الأول أقل الطهر) بل كان بينهما دونه (فهذا استحاضة، سواء تكرر أم لا) لمجاوزته أكثر الحيض، (ويظهر ذلك بالمثال فلو كانت العادة عشرة أيام مثلا فرأت منها خمسة دما وطهرت الخمسة الباقية، ثم رأت خمسة) أخرى (دما وتكرر ذلك) ثلاثا (فالخمسة الأولى، و) الخمسة (الثالثة حيضة واحدة بالتلفيق) لأنهما مع ما بينهما لا يجاوزان خمسة عشر يوما (ولو رأت) الدم (الثاني ستة أو سبعة) فأكثر (لم يمكن أن يكون حيضا) لمجاوزته مع الأول وما بينهما أكثر الحيض (ولو كانت رأت يوما) بليلته (دما وثلاثة عشر طهرا، ثم رأت يوما) بليلته (دما وتكرر) الثاني
249 (فهما حيضتان لوجود طهر صحيح بينهما) لأن أقل الطهر ثلاثة عشر يوما (ولو رأت يومين دما، و) رأت (اثني عشر يوما طهرا، ثم) رأت (يومين دما فهنا لا يمكن جعلهما حيضة واحدة، لزيادة الدمين مع ما بينهما من الطهر عن أكثر الحيض) لأن مجموع ذلك ستة عشر يوما، (ولا) يمكن (جعلهما حيضتين، لانتقاء طهر صحيح بينهما) لأن بينهما اثني عشر يوما. وأقل الطهر ثلاثة عشر (فيكون الحيض منهما ما وافق العادة) لتقويه بموافقتها، (و) يكون (الآخر استحاضة) ولو تكرر. (والصفرة والكدرة) وهما شئ كالصديد يعلوه صفرة وكدرة قال في المبدع (في أيام العادة حيض) لدخولهما في عموم النص، ولقول عائشة: وكان النساء يبعثن إليها بالدرجة فيها الصفرة والكدرة: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيض. وفي الكافي قال مالك وأحمد: هي ماء أبيض يتبع الحيضة (لا بعدها) أي ليست الصفرة والكدرة بعد العادة حيضا (ولو تكرر) ذلك. فلا تجلسه، لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا رواه أبو داود والبخاري، ولم يذكر بعد الطهر. فصل: (في التلفيق) وشئ من أحكام المستحاضة ونحوها (ومعناه) أي التلفيق (ضم الدماء بعضها إلى بعض) وجعلها حيضة واحدة (إن تخللها طهر) لا يبلغ أقل الطهر بين الحيضتين (وصلح زمانه) أي الدم المتفرق (أن يكون حيضا)
250 بأن بلغ يوما وليلة، ولم يجاوز مع مدة الطهر خمسة عشر يوما، (فمن كانت ترى يوما، أو أقل، أو أكثر دما يبلغ مجموعه أقل الحيض) يوما وليلة (فأكثر و) ترى (طهرا متخللا) لذلك الدم، سواء كان زمنه كزمن الطهر، أو أقل أو أكثر (فالدم حيض ملفق) فتجلسه. لأنه لما لم يمكن جعل كل واحد حيضة، ضرورة نقصه عن اليوم والليلة، أو كون الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر تعين الضم. لأنه دم في زمن يصلح كونه حيضا. أشبه ما لو لم يفصل بينهما طهر (والباقي) أي النقاء (طهر) لما تقدم، من أن الطهر في أثناء الحيضة صحيح ف (- تغتسل فيه، وتصوم وتصلي) لأنه طهر حقيقة (ويكره وطؤها) زمن طهر، على ما قدمه في الرعاية. وعنه يباح (إلا أن يجاوز زمن الدم، و) زمن (النقاء أكثره) أي أكثر الحيض. كأن ترى يوما دما ويوما نقاء، إلى ثمانية عشر مثلا (فتكون مستحاضة) لقول علي: (وتجلس المبتدأة من هذا الدم) الذي تخلله طهر، وصلح أن يكون حيضا. (أقل الحيض)، ثم تغتسل (والباقي) من الدم (إن تكرر) ثلاثا (فهو حيض بشرطه) بأن لا يجاوز أكثر الحيض، (وإلا) بأن لم يتكرر، أو جاوز أكثره (فاستحاضة) لا تجلسه. والمعتادة تجلس ما تراه في زمن عادتها. وإن كانت عادتها بتلفيق جلست على حسبها وإن لم يكن لها عادة، ولها تمييز صحيح. جلست زمنه. فإن لم يكونا، وقلنا تجلس الغالب. فهل تلفق ذلك من أكثر الحيض، أو تجلس أيام الدم من الست أو السبع؟ وجهان. جزم بالثاني في الكافي، (وإذا أرادت المستحاضة الطهارة ف) - إنها (تغسل فرجها) لإزالة ما عليه من الدم (وتحتشي بقطن، أو ما يقوم مقامه) من خرق ونحوها طاهرة، ليمتنع الدم (فإن لم يمنع ذلك) الحشو (الدم، عصبته بشئ طاهر يمنع الدم حسب الامكان، بخرقة عريضة مشقوقة الطرفين،
251 تتلجم بها، وتوثق طرفيها في شئ آخر قد شدته على وسطها) لقوله (ص) لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم: أنعت لك الكرسف - يعني القطن - تحشين به المكان. قالت: إنه أكثر من ذلك. قال: تلجمي قال في المبدع: وظاهره ولو كانت صائمة، لكن يتوجه أن تقتصر على التعصيب فقط (فإن غلب) الدم (وقطر بعد ذلك لم تبطل طهارتها) لعدم إمكان التحرز منه (ولا يلزمها إذن إعادة شده، و) لا إعادة (غسله لكل صلاة، إن لم تفرط) في الشد للحرج فإن فرطت في الشد وخرج الدم بعد الوضوء أعادته. لأنه حدث أمكن التحرز منه، (وتتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شئ) لقول النبي (ص) لفاطمة: توضئي لكل صلاة، حتى يجئ ذلك الوقت رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. وفي لفظ قال لها: توضئي لكل صلاة قال الترمذي: حديث حسن صحيح. لا يقال فيه وفي غالب الروايات: وتوضئي لكل صلاة لأنه مقيد، فيجب حمله على المقيد به. ولأنها طهارة عذر وضرورة، فتقيدت بالوقت كالتيمم (وإلا) أي وإن لم يخرج شئ، (فلا) تتوضأ لكل وقت صلاة (وتصلي) المستحاضة بوضوئها (ما شاءت) ما دام الوقت (حتى جمعا بين فرضين) لبقاء وضوئها إلى آخر الوقت، وكالمتيمم وأولى (ولها) أي المستحاضة (الطواف) فرضا ونفلا (ولو لم تطل استحاضتها) كالصلاة وأولى (وتصلي عقب طهرها ندبا) خروجا من الخلاف (فإن أخرت) الصلاة عن طهرها (ولو) كان التأخير (لغير حاجة لم يضر) ما دام الوقت. لأنها متطهرة كالمتيمم (وإن كان لها) أي المستحاضة (عادة بانقطاعه) أي الدم (زمنا يتسع للوضوء والصلاة، تعين فعلهما فيه) لأنه قد أمكن الاتيان بالعبادة على وجه لا عذر معه ولا ضرورة، فتعين فعلهما على هذا الوجه. كمن لا عذر له. فإن توضأت زمن انقطاعه ثم عاد، بطل، (وإن عرض هذا الانقطاع) للدم في زمن يتسع للوضوء والصلاة (بعد
252 طهارتها لمن عادتها الاتصال) أي اتصال دم الاستحاضة (بطلت طهارتها ولزمها استئنافها) لأنها صارت بهذا الانقطاع في حكم من حدثها غير دائم، (فإن وجد) هذا الانقطاع (قبل الدخول في الصلاة لم يجز الشروع فيها) حتى تتوضأ، لبطلان وضوئها بالانقطاع (فإن خالفت وشرعت) في الصلاة (واستمر الانقطاع زمنا يتسع للوضوء والصلاة فيه، فصلاتها باطلة) لتبين بطلان الطهارة بانقطاعه، (وإن عاد) دمها (قبل ذلك) أي قبل مضي زمن يتسع للوضوء والصلاة (فطهارتها صحيحة) لأنه لا أثر لهذا الانقطاع (وتجب إعادة الصلاة) لأنها صلت بطهارة لم يكن لها أن تصلي بها، فلم تصح. كما لو تيقن الحدث وشك في الطهارة وصلى، ثم تبين أنه كان متطهرا (وإن عرض) الانقطاع (في أثناء الصلاة أبطلها مع الوضوء) لما تقدم من أنها بالانقطاع تصير كمن لا عذر لها (ومجرد الانقطاع يوجب الانصراف) من الصلاة، لبطلان الوضوء. فتبطل هي (إلا أن يكون لها عادة بانقطاع يسير) فلا يلزمها الانصراف بمجرد الانقطاع من الصلاة، لأن الظاهر حمله على المعتاد لها، وهو لا أثر له (ولو توضأت من لها عادة بانقطاع يسير ف) - انقطع دمها و (اتصل الانقطاع حتى اتسع) للوضوء والصلاة (أو برئت) من الاستحاضة (بطل وضوؤها إن وجد) أي خرج (منها دم) بعد الوضوء، كالمتيمم للمرض، فيعافى. فإن لم يكن خرج منها دم بعد الوضوء لم يبطل (وإن كان الوقت) الذي انقطع فيه الدم (لا يتسع لهما) أي للوضوء والصلاة (لم يؤثر) في بطلان الوضوء ولا الصلاة (ولو كثر الانقطاع) واتسع للوضوء والصلاة، (و) لكن (اختلف بتقدم وتأخر وقلة وكثرة، ووجد مرة وعدم) مرة (أخرى، ولم يكن لها عادة مستقيمة باتصال ولا بانقطاع. فهذه كمن عادتها الاتصال) في الدم (في بطلان الوضوء بالانقطاع المتسع للوضوء والصلاة، دون ما) أي انقطاع (دونه) أي دون ما يتسع للوضوء والصلاة، لما تقدم (وحكمها) كمن عادتها الاتصال (في سائر ما تقدم، إلا أنها لا تمنع من الدخول في الصلاة، و) لا من (المضي فيها بمجرد الانقطاع قبل تعيين اتساعه) للوضوء والصلاة، لعدم انضباط هذا
253 الانقطاع. فيقضي لزوم اعتباره إلى الحرج والمشقة (ولا يكفيها) أي المستحاضة (نية رفع الحدث) قال في التلخيص: قياس المذهب لا يكفي (وتكفي نية الاستباحة) أي تتعين، ولو انتقضت طهارتها بطروء حدث غير الاستحاضة، وظاهره: ولو قلنا إن طهارتها ترفع الحدث. قلت: لأنها لا ترفع الحدث على الاطلاق وإنما ترفع الحدث السابق، دون المقارن، لكنه لم يؤثر كالمتأخر للضرورة. ولهذا تبطل طهارتها بخروج الوقت (فأما تعيين النية للفرض فلا تعتبر) هنا، بخلاف التيمم. لأن طهارتها ترفع الحدث بخلافه (وتبطل طهارتها بخروج الوقت أيضا) أي كما تبطل بدخوله. هذا ظاهر كلامه في الكافي والشرح في غير موضع، كالتيمم. وقال المجد في شرحه: ظاهر كلام أحمد: أن طهارة المستحاضة تبطل بدخول الوقت، دون خروجه. وقال أبو يعلى: تبطل بكل واحد منهما. قال في الانصاف: وهي شبيهة بمسألة التيمم. والصحيح فيه: أنه لا يبطل بخروج الوقت كما تقدم. قال المجد: والأول أولى اه. وكذا قال في مجمع البحرين، وجزم به في نظم المفردات، قال: وبدخول الوقت طهر يبطل لمن بها استحاضة قد نقلوا لا بالخروج منه لو تطهرت للفجر لم يبطل بشمس ظهرت (ولا يصح وضوؤها لفرض) كظهر، أو عصر، أو جمعة (قبل) دخول (وقته) لأنها طهارة ضرورة فتقيدت بالوقت كالتيمم (ومثل المستحاضة) فيما تقدم (لا في الغسل لكل صلاة) فإن استحبابه يختص بالمستحاضة، لما تقدم في باب الغسل (من به سلس البول) أو المذي (والريح والجريح الذي لا يرقأ دمه، و) ذو (الرعاف الدائم) يعني أن حكم هؤلاء حكم المستحاضة فيما تقدم، غير ما استثنى، لتساويهم معنى، وهو عدم التحرز من ذلك.
254 فوجب المساواة حكما، قال إسحاق بن راهويه: كان يزيد بن ثابت به سلس البول، وكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه صلى ولا يبالي ما أصاب ثوبه (لكن عليه أن يحتشي) كما تقدم في المستحاضة، نقل الميموني فيمن به رعاف دائم أنه يحتشي، ونقل ابن هانئ خلافه. قلت: ومن به دود قراح. يعصب المحل بعد حشوه، ثم يصلي وإن كان صائما عصبه فقط، وإن منعه العصب اكتفى به أيضا غير الصائم، (وإن كان) محل الحدث (مما لا يمكن عصبه كالجرح الذي لا) يرقأ دمه، ولا (يمكن شده أو من به باسور أو ناصور، ولا يمكن عصبه، صلى على حسب حاله) لفعل عمر، حيث صلى وجرحه يثقب دما. رواه أحمد (ولو قدر على حبسه) أي الحدث (حال القيام) وحده (لا حال الركوع والسجود لزمه أن يركع ويسجد نصا، ولا يومئ) بهما. وأجزأته صلاته (كالمكان النجس) اليابس إذا حبس به، ويأتي. وقال أبو المعالي: يومئ لأن فوات الشرط لا بدل له (ولو امتنعت القراءة) إن صلى قائما، صلى قاعدا (أو لحقه السلس إن صلى قائما، صلى قاعدا) لأن للقيام بدلا، وهو القعود، بخلاف القراءة والطهارة، (ولو كان) من به سلس البول ونحوه (لو قام وقعد لم يحبسه، ولو استلقى حبسه، صلى قائما) إن قدر عليه، (أو قاعدا) إن لم يقدر على القيام، لأن المستلقي لا نظير له اختيارا (قاله أبو المعالي) واقتصر عليه في المبدع وغيره (فإن كانت الريح تتماسك جالسا لا ساجدا لزمه السجود بالأرض نصا) وقياس قول أبي المعالي: يومئ لأن فوات الشرط لا بدل له، والسجود له بدل، (ولا يباح وطئ المستحاضة من غير خوف العنت منه أو منها) لقول عائشة: المستحاضة لا يغشاها زوجها، ولان بها أذى، فحرم وطؤها كالحائض، وعنه يباح مطلقا، وهو قول أكثر العلماء. لأن حمنة كانت تستحاض، وكان زوجها طلحة بن عبيد الله يجامعها، وأم حبيبة كانت تستحاض، وكان زوجها عبد الرحمن بن عوف يغشاها، رواهما أبو داود، وقد
255 قيل: إن وطئ الحائض يتعدى إلى الولد. فيكون مجذوما (فإن كان) أي وجد خوف العنت منه، أو خافته هي وطلبته منه (أبيح) له وطؤها (ولو لواجد الطول لنكاح غيرها) خلافا لابن عقيل. لأن حكمه أخف من حكم الحيض. ومدته تطول (والشبق الشديد كخوف العنت) فيبيح وطأها. ولو لم يصل إلى حال تبيح وطئ الحائض. لما تقدم (ويجوز شرب دواء مباح لقطع الحيض مع أمن الضرر نصا) كالعزل. و (قال القاضي لا يباح إلا بإذن الزوج) أي لأن له حقا في الولد (وفعل الرجل ذلك بها) أي إسقاؤه إياها دواء مباحا يقطع الحيض (من غير علمها يتوجه تحريمه) قاله في الفروع، وقطع به في المنتهى لاسقاط حقها من النسل المقصود، (ومثله) أي مثل شربها دواء مباحا لقطع الحيض (شربه كافورا) قال في المنتهى: ولرجل شرب دواء مباح يمنع الجماع. قاله في الفائق: (ولا يجوز ما يقطع الحمل) ذكره بعضهم. قال ابن نصر الله: وظاهر ما سبق جوازه. كإلقاء نطفة، بل أولى. ويحتمل المنع. لأن فيه قطع النسل وقد يتوجه جوازه مما سبق في الكافور. فإن شربه يقطع شهوة الجماع وقد تقدم أنه كقطع الحيض، (ويجوز) لأنثى (شرب دواء) مباح (لحصول الحيض، لا قرب رمضان لتفطره) كالسفر للفطر. فصل: في النفاس وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل لأجله. وأصله لغة من التنفس وهو الخروج من الجوف. أو من قولهم: نفس الله كربته، أي فرجها، وهو دم ترخيه الرحم مع ولادة وقبلها بيومين أو ثلاثة. مع أمارة وبعدها إلى تمام أربعين يوما (وأكثر مدة النفاس أربعون يوما من ابتداء خروج بعض الولد) حكاه أحمد عن عمر، وعلي، وابن عباس، وأنس وعثمان بن أبي العاص، وعائذ بن عمرو، وأم سلمة، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم. قال الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي (ص) ومن بعدهم على أن
256 النفساء تدع الصلاة أربعين يوما، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلي قال أبو عبيدة: وعلى هذا جماعة الناس، وقال إسحاق: وهو السنة المجمع عليها (فإن رأته) أي الدم (قبله) أي قبل خروج بعض الولد (بثلاثة أيام فأقل بأمارته كوجع (ف) - هو (نفاس) كالخارج مع الولادة (ولا يحسب) ما قبل الولادة (من مدته) أي النفاس (وإن جاوز) دم النفاس (الأربعين) يوما (وصادف عادة حيضها) ولم يزد عن العادة (ف) - المجاوز (حيض) لأنه دم في زمن العادة أشبه ما لو يتصل بزمن النفاس (فإن زاد) المجاوز (على العادة ولم يجاوز أكثر الحيض) فحيض إن تكرر، (أو لم يصادف عادة) حيضها (ولم يجاوز أكثره) أي أكثر الحيض (أيضا فحيض إن تكرر) ثلاثا. كدم المبتدأة المجاوز لأقل الحيض (وإلا) بأن زاد على العادة، وجاوز أكثر الحيض، أو لم يصادف عادة وجاوز أكثره (فاستحاضة) ولو تكرر، لأنه لا يصلح حيضا ولا نفاسا (ولا تدخل استحاضة في مدة نفاس) كما لا تدخل في مدة حيض، لأن الحكم للأقوى (ويثبت حكم النفاس ولو بتعديها) على نفسها بضرب، أو شرب دواء أو غيرهما، فلا تقضي الصلاة لأن وجود الدم ليس بمعصية من جهتها، ولا يمكنها قطعه، بخلاف سفر المعصية، قال القاضي: والسكر جعل شرعا كمعصية مستدانة يفعلها شيئا فشيئا، بدليل جريان الاثم والتكليف (بوضع ما يتبين فيه خلق الانسان نصا) فلو وضعت علقة، أو مضغة لا تخطيط فيها. لم يثبت لها بذلك حكم النفاس، ويأتي أن أقل ما يتبين فيه خلق الانسان واحد وثمانون يوما. وغالبها على ما ذكره المجد وابن تميم، وابن حمدان وغيرهم: ثلاثة أشهر. قال المجد في شرحه: فمتى رأت دما على طلق قبلها، لم تلتفت إليه. وبعدها تمسك عن الصلاة والصوم. ثم إن انكشف الامر بعد الوضع على الظاهر، رجعت فاستدركت. وإن لم ينكشف، بأن دفن ولم تتفقد أمره. استمر حكم الظاهر. إذ لم يتبين فيه خطأ (ولا حد لأقله) أي النفاس. لأنه لم يرد في الشرع تحديده، فيرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد قليلا عقب سببه فكان نفاسا، كالكثير (فيثبت حكمه) أي النفاس، من وجوب الغسل ونحوه (ولو بقطرة) وعنه: أقله يوم، وقدم في التلخيص لحظة (فإن انقطع) الدم (في مدته) أي في الأربعين (ف) - هي (طاهر) لانقطاع دم النفاس. كما لو انقطع دم الحائض في عادتها. يؤيده ما روت أم سلمة أنها سألت النبي (ص): كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال: أربعين يوما، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك ذكره في
257 المبدع. وحكى البخاري في تاريخه: أن امرأة ولدت بمكة فلم تر دما، فلقيت عائشة فقالت: أنت امرأة طهرك الله، (تغتسل وتصلي) وتصوم ونحوه (لأنه طهر صحيح) لما تقدم (ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد التطهير) قال أحمد: ما يعجبني أن يأتيها زوجها. على حديث عثمان ابن أبي العاص، أنها أتته قبل الأربعين فقال: لا تقربيني ولأنه لا يأمن عود الدم في زمن الوطئ (فإن عاد) الدم بعد انقطاعه (فيها) أي في الأربعين (فمشكوك فيه) أي في كونه دم نفاس أو فساد، لأنه تعارض فيه الأمارتان (كما لو لم تره) أي الدم مع الولادة، (ثم رأته في المدة) أي في الأربعين فمشكوك فيه (فتصوم وتصلي) أي تتعبد. لأنها واجبة في ذمتها بيقين، وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه. وفي غسلها لكل صلاة روايتان قال في تصحيح الفروع: الصواب عدم الوجوب، ويحتمل أن يكون الخلاف في الاستحباب وعدمه، فعلى هذا يقوى عدم الاستحباب أيضا اه ملخصا. قلت: إن الخلاف في الاستحباب قوى الاستحباب، كالمستحاضة. وأولى (وتقضي صوم الفرض) ونحوه، بخلاف الصلاة احتياطا، ولوجوبه يقينا. لا يقال: إنها لا تقضي الصوم قياسا على الناسية. إذا صامت في الدم الزائد على غالب الحيض. لأنه يتكرر. فيشق القضاء بخلاف النفاس، (ولا يأتيها في الفرج) زمن هذا الدم، كالمبتدأة في الدم الزائد على اليوم والليلة قبل تكرره (وإن ولدت توأمين) فأكثر (فأول النفاس وآخره من ابتداء) خروج بعض (الأول) لأنه دم خرج عقب الولادة، فكان نفاسا واحدا، كحمل واحد ووضعه (فلو كان بينهما) أي التوأمين (أربعون) فأكثر (فلا نفاس للثاني نصا) لأن الولد الثاني تبع للأول. فلم يعتبر في آخر النفاس كأوله، (بل هو) أي ما خرج مع الولد الثاني بعد الأربعين من الأول (دم فساد) لأنه لا يصلح حيضا، ولا نفاسا (ويجوز شرب دواء لالقاء نطفة) وفي أحكام النساء لابن الجوزي: يحرم. وفي الفروع عن الفنون: إنما الموؤودة بعد التارات السبع. وتلا: * (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين - إلى - ثم أنشأناه خلقا آخر) * قال: وهذا حلته الروح، لأن ما لم تحله لا يبعث فقد يؤخذ منه: لا يحرم إسقاطه، وله وجه. ومن استمر دمها يخرج من فمها بقدر العادة في وقتها، وولدت فخرجت المشيمة ودم النفاس من فمها: فغايته نقض الوضوء. لأنا لا نتحققه حيضا كزائد على العادة، كمني خرج من غير مخرجه. ذكره في الفنون.
258 كتاب الصلاة واشتقاقها من الصلوين، وأحدهما صلى كعصى، وهما عرقان من جانبي الذنب. وقيل: عظمان ينحنيان في الركوع والسجود. وقال ابن فارس: من صليت العود إذا لينته، لأن المصلي يلين ويخشع. ورده النووي بأن لام الكلمة من الصلاة واوا. أو من صليت ياء. وجوابه: أن الواو وقعت رابعة فقلبت ياء، ولعله ظن أن مراده صليت المخفف. تقول صليت اللحم صليا إذا شويته. وإنما أراد ابن فارس المضعف. وقال ابن الأعرابي: صليت العصا تصلية أدرته على النار لتقومه. (وهي) أي الصلاة لغة: الدعاء بخير. قال تعالى: * (وصل عليهم) * أي ادع لهم. وعدي بعلى لتضمنه معنى الانزال، أي أنزل رحمتك عليهم. وقال النبي (ص): إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب. فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل وقال الشاعر: تقول بنتي وقد قربت مرتحلا * يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي * نوما فإن لجنب المرء مطجعا
259 وشرعا: (أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم) ولا يرد عليه صلاة الأخرس ونحوه، لأن الأقوال فيها مقدرة، والمقدر كالموجود. والتعريف باعتبار الغالب فلا يرد أيضا صلاة الجنازة، (وهي آكد فروض الاسلام بعد الشهادتين) لحديث جابر قال: قال النبي (ص): بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة رواه مسلم. وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أصحاب النبي (ص) لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة رواه الترمذي (سميت صلاة لاشتمالها على الدعاء) وقيل: لأنها ثانية الشهادتين. كالمصلي من خيل الحلبة (وفرضت ليلة الاسراء) لحديث أنس. قال: فرضت على النبي (ص) الصلوات ليلة أسري به خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودي: يا محمد إنه لا يبدل القول لدي، وإن لك بهذه الخمسة خمسين صححه الترمذي. وكان الاسراء (قبل الهجرة) من مكة إلى المدينة (بنحو خمس سنين) على المشهور بين أهل السير. قال في المبدع، وهو بعد مبعثه (ص) بخمس سنين، (و) الصلوات (الخمس فرض عين) بالكتاب، لقوله تعالى: * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * وقوله * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة) * وبالنسبة لما تقدم. ولحديث ابن عمر: بني الاسلام على خمس متفق عليه. وبالاجماع وقال نافع بن الأزرق لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم. ثم قرأ * (فسبحان الله حين تمسون) * الآيتين (على كل مسلم مكلف) قال في المبدع: بغير
260 خلاف (ولو لم يبلغه الشرع) أي ما شرعه الله من الاحكام (كمن أسلم في دار حرب ونحوه) كمن نشأ برأس جبل (ولم يسمع بالصلاة، فيقضيها) إذا دخل دار الاسلام، وتعلم حكمها. لعموم الأدلة. وقيل: لا، ذكره القاضي واختاره الشيخ تقي الدين، بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم، وأجرى الشيخ تقي الدين ذلك في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الشرع، من تيمم وزكاة ونحوهما (إلا حائضا ونفساء) فلا تجب عليهما. ولا يقضيانها، لما مر (ولو طرحت نفسها) بضرب، أو دواء ونحوهما، وتقدم. (وتجب) الخمس (على نائم) أي يجب عليه قضاؤها إذا استيقظ لقوله (ص): من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها رواه مسلم من حديث أبي هريرة، ولو لم تجب عليه حال نومه لم يجب عليه قضاؤها. كالمجنون، ومثله الساهي. (ويجب إعلامه) أي النائم (إذا ضاق الوقت) صححه في الانصاف. وجزم به أبو الخطاب في التمهيد. (وتجب) الخمس (على من تغطي عقله بمرض، أو إغماء أو دواء مباح) لأن ذلك لا يسقط الصوم، فكذا الصلاة، وكالنائم. ولان عمارا غشي عليه ثلاثا، ثم أفاق فقال: هل صليت؟ فقالوا: ما صليت منذ ثلاث، ثم توضأ وصلى تلك الثلاث وعن عمران بن حصين وسمرة بن جندب نحوه. ولم يعرف لهم مخالف. فكان كالاجماع. ولان مدة الاغماء لا تطول غالبا، ولا تثبت عليه الولاية. ويجوز على الأنبياء بخلاف الجنون، (أو) تغطي عقله (بمحرم، كمسكر فيقضي) لأن سكره معصية، فلا يناسب إسقاط الواجب عنه، ولأنه إذا وجب بالنوم المباح فبالمحرم بطريق الأولى وقيل: تسقط إن كان مكرها (ولو زمن جنونه لو جن بعده) أي بعد شربه المسكر
261 (متصلا) جنونه (به) أي بسكره المحرم، تغليظا عليه. قلت: وقياس الصلاة الصوم وسائر العبادات الواجبة (ولا تجب) الخمس (على كافر أصلي) لأنها لو وجبت عليه حال كفره لوجب عليه قضاؤها لأن، وجوب الأداء يقتضي وجوب القضاء، واللازم منتف (بمعنى أنا لا نأمره) أي الكافر (بها) أي بالصلاة (في كفره ولا بقضائها إذا أسلم) لأنه أسلم خلق كثير في عهد النبي (ص) ومن بعده فلم يؤمر أحد بقضاء، لما فيه من التنفير عن الاسلام (ولا تصح) الصلاة (منه) لفقد شروطها (وتجب) الخمس (عليه) أي على الكافر (بمعنى العقاب، لأن الكفار، ولو مرتدين، مخاطبون بفروع الاسلام) من الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها على الصحيح، كالتوحيد إجماعا، لقوله تعالى: * (ما سلككم في سقر؟ قالوا لم نك من المصلين) * - الآية (ولا تجب) الخمس (على مرتد زمن ردته) كالكافر الأصلي، (ولا تصح) الصلاة (منه) لفقد شرطها وهو الاسلام (ويقضي) المرتد إذا عاد إلى الاسلام (ما فاته قبل ردته) لاستقراره في ذمته. و (لا) يقضي ما فاته (زمنها) أي زمن ردته لعدم وجوبه عليه كالأصلي (ولا تبطل عباداته) أي المرتد (التي فعلها قبل ردته بها) أي بردته، وقوله: (من صلاة وصوم وحج وغير ذلك) كزكاة. بيان لعباداته، فلا يلزمه إعادتها إذا أسلم. لأن ذمته قد برئت منه بفعله قبل الردة. فلم تشتغل به بعد ذلك، وإن مات مرتدا حبطت لقوله تعالى: * (ومن يرتد منكم عن دينه) * - الآية وإن ارتد أثناء عبادته بطلت مطلقا، لقوله تعالى: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) *، (ولا تبطل استطاعة قادر على الحج بها) أي بالردة، لقدرته على العود للاسلام. فيستقر الحج عليه، لكن لا يصح منه في ردته (ولا يجب) الحج (باستطاعته فيها) أي في ردته، لعدم أهليته له إذن (ولا تجب على مجنون لا يفيق) لحديث عائشة مرفوعا: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يحتلم رواه أبو داود والترمذي وحسنه، ولأنه ليس من أهل التكليف. أشبه الطفل: وظاهره ولو اتصل جنونه
262 بردته كالحيض وقدم في المبدع: يجب قضاء أيام الجنون الواقعة في الردة، لأن إسقاط القضاء عن المجنون رخصة. والمرتد ليس من أهلها، (ولا تصح) الصلاة (منه) أي من المجنون، لأن من شرطها النية. ولا تمكن منه (ولا قضاء) على المجنون إذا أفاق، لعدم لزومها له (وكذا الأبله الذي لا يفيق) ذكره السامري وغيره، كالمجنون. يقال: بله بلها. كتعب، وتباله: أرى من نفسه ذلك. وليس به. ويقال: الأبله أيضا لمن غلبت عليه سلامة الصدر، وفي الحديث: أكثر أهل الجنة البله قال الجوهري: يعني البله في أمر الدنيا، لقلة اهتمامهم بها، وهم أكياس في أمر الآخرة (وإن أذن) كافر يصح إسلامه، حكم به لاشتمال الاذان على الشهادتين (أو صلى في أي حال، أو) أي (محل كافر يصح إسلامه) كالمميز (حكم بإسلامه) لقوله (ص): من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فله ما لنا وعليه ما علينا لكن في البخاري من حديث أنس موقوفا من قوله حين سأله ميمون بن شاه فقال: من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما للمسلم وعليه ما على المسلم وروى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال النبي (ص): نهيت عن قتل المصلين وظاهره: أن العصمة تثبت بالصلاة، وهي لا تكون بدون الاسلام، ولأنها عبادة تختص شرعنا، أشبهت الاذان. ويحكم بكفر من سجد لصنم. فكذا عكسه، (ويأتي) في باب المرتد بيان من يصح إسلامه، وبيان أنه يحكم بالاسلام بالصلاة (ولا تصح صلاته) أي الكافر (ظاهرا) لفقد شرطها وهو الاسلام، فيؤمر بإعادتها وإن علم أنه كان قد أسلم ثم توضأ وصلى بنية صحيحة، فصلاته صحيحة (ولا يعتد بأذانه) فلا يسقط به فرض الكفاية، لاشتراط النية فيه، وعدم صحتها من كافر. ومعنى الحكم بإسلامه بما ذكر أنه لو مات عقب الصلاة، أو الاذان، فتركته لأقاربه المسلمين، دون الكفار، ويدفن في مقابرنا. وإنه لو أراد البقاء على الكفر، وقال: إنما صليت، أو إنما أذنت متلاعبا، أو مستهزئا لم يقبل منه، كما لو أتى بالشهادتين، ثم قال: لم أرد الاسلام (ولا يحكم بإسلامه بإخراج زكاة
263 ماله وحجه، ولا بصومه قاصدا رمضان) لأن المشركين كانوا يحجون في أول الاسلام حتى نزل قوله: * (إنما المشركون نجس) * - الآية ولم يحكم بإسلامهم بذلك. وكذا باقي العبادات غير الشهادتين والصلاة. ولأنها لا تختص شرعنا بخلاف الصلاة، (ولا تجب) الخمس (على صغير لم يبلغ) للخبر ولأنها عبادة بدنية، فلم تلزمه، كالحج والطفل لا يعقل. والمدة التي يكمل فيها عقله وبنيته تخفى وتختلف، فنصب الشارع عليه علامة ظاهرة، وهي البلوغ، (ولا تصح منه) أي من الصغير (إلا من مميز) أي لا تصح الصلاة من صغير لم يميز لفقد شرطها. وهو النية، وتصح من مميز (وهو من بلغ سبع سنين) قال في المطلع: هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب. ولا ينضبط بسن، بل يختلف باختلاف الافهام، وصوبه في الانصاف، وقال: إن الاشتقاق يدل عليه، (ويشترط لصحة صلاته) أي المميز (ما يشترط لصحة صلاة الكبير) أي البالغ، لعموم الأدلة (إلا في السترة على ما يأتي) تفصيله في باب ستر العورة، لاختلافها بحسب البلوغ وعدمه (والثواب له) أي ثواب صلاة المميز للمميز، لأنه العامل. فهو داخل في عموم * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * (الانعام: 160) (وكذا أعمال البر كلها) إذا عملها غير البالغ، كان ثوابها كالصلاة، ولحديث: ألهذا - أي الصبي - حج؟ قال: نعم، ولك أجر، ويأتي (فهو) أي الصغير (يكتب له) ما عمله من الحسنات، (ولا يكتب عليه) ما عمله من السيئات، لرفع القلم عنه (ويلزم الولي أمره) أي المميز (بها) أي بالصلاة (إذن) أي حين يتم له سبع سنين ذكرا كان أو أنثى، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي (ص) قال: مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع رواه أحمد وأبو داود، من رواية سوار بن داود. وقد وثقه ابن معين وغيره، (و) يلزم الولي (تعليمه إياها) أي الصلاة (وتعليم طهارة نصا) لأنه لا يمكنه فعل الصلاة إلا إذا علمها.
264 فإذا علمها. احتاج إلى العلم بالطهارة، ليتمكن منها. فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الصغير. فإن لم يكن فعل من تلزمه نفقته، وكذا إصلاح ماله وكفه عن المفاسد. وكذلك ذكر النووي في شرح المهذب الصيام ونحوه. ويعرف تحريم الزنا، واللواط، والسرقة، وشرب المسكر والكذب، والغيبة ونحوها. ويعرف أنه بالبلوغ يدخل في التكليف، ويعرفه ما يبلغ به. وقيل: هذا التعليم مستحب. والصحيح وجوبه (ويضرب) المميز (ولو رقيقا على تركها) أي الصلاة (لعشر) أي عند بلوغه عشر سنين تامة (وجوبا) للخبر، والامر. والضرب في حقه لتمرينه عليها. حتى يألفها ويعتادها فلا يتركها عند البلوغ، (وإن بلغ في أثنائها) أي في وقتها لزمه إعادتها، (أو) بلغ (بعدها) أي الصلاة (في وقتها لزمه إعادتها) لأنها نافلة في حقه، فلم تجزئه عن الفرض. كما لو نواها نفلا. وكما يلزمه إعادة الحج، (و) يلزمه (إعادة تيمم لفرض) لأن تيممه قبل بلوغه كان لنافلة. فلا يستبيح به الفرض، و (لا) يلزمه (إعادة وضوء) ولا غسل جنابة، لأن من توضأ، أو اغتسل لنافلة استباح به الفريضة لرفعه الحدث، بخلاف التيمم (وتقدم) ذلك (ولا) يلزمه أيضا (إعادة إسلام) لأن أصل الدين لا يصح نفلا. فإذا وجد فعلى وجه الوجوب. ولأنه يصح بفعل غيره، وهو الأب (ويلزمه إتمامها) أي الصلاة (إذا بلغ فيها) قدمه أبو المعالي في النهاية، وتبعه ابن عبيدان. وقال في الفروع وغيره: وحيث وجبت لزمه إتمامها. وإلا فالخلاف في النفل، أي إن قلنا تجب الصلاة على ابن عشر فبلغ فيها، لزمه إتمامها وإعادتها. وإن قلنا لا تجب عليه قبل البلوغ، كما هو المذهب، فبلغ في أثنائها فوجوب إتمامها: مبني على القولين فيمن شرع في نفل، هل يجب عليه إتمامه؟ والصحيح، كما يأتي: لا يلزمه إتمامه. فعلى هذا لا يلزمه إتمامها (ولا يجوز لمن وجبت عليه) الصلاة (تأخيرها، أو) تأخير (بعضها عن وقت الجواز) أي وقت الصلاة، إن كان لها وقت واحد، ووقت الاختيار إن كان وقتان (إن كان ذاكرا لها قادرا على فعلها) قال في المبدع: إجماعا، لما روى أبو قتادة أن النبي (ص) قال: ليس في النوم تفريط. إنما التفريط في اليقظة، أن تؤخر صلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى رواه
265 مسلم، ولأنه يجب إيقاعها في الوقت، فإذا خرج ولم يأت بها كلها كان تاركا للواجب، مخالفا للامر. ولأنه لو عذر بالتأخير لفاتت فائدة التأقيت (إلا لمن ينوي الجمع) لعذر. فإنه يجوز له التأخير. لأنه (ص) كان يؤخر الأولى في الجمع ويصليها في وقت الثانية، وسيأتي. ولان وقتيهما يصيران وقتا واحدا لهما، ومقتضاه: أنه لا يحتاج إلى استثنائه. لكن لما كان لكل صلاة وقت معلوم، فيتبادر الذهن إليه. فتعين إخراجه، (أو لمشتغل بشرطها الذي يحصله قريبا كالمشتغل بالوضوء والغسل) وستر العورة، إذا انخرق ثوبه، واشتغل بخياطته. وليس عنده غيره، لأن الشرط لا بدل له. و (لا) يجوز التأخير لمشتغل بشرطها (البعيد كالعريان لو أمكنه أن يذهب إلى قرية أخرى يشتري منها ثوبا) أو يستأجره ونحوه (ولا يصلي إلا بعد الوقت) فيصلي عريانا (وكالعاجز عن تعلم التكبير والتشهد ونحو ذلك) كالفاتحة وأدلة القبلة إذا خفيت عليه، (بل يصلي في الوقت على حسب حاله) تقديما للوقت لسقوط الشرط إذن بالعجز عنه (وله) أي لمن وجبت عليه صلاة (تأخيرها عن أول وقت وجوبها) لفعله (ص) في اليوم الثاني من فرض الصلاة (بشرط العزم على فعلها فيه) أي في الوقت المختار كقضاء رمضان ونحوه، ممن وقته موسع (ما لم يظن مانعا منه) أي من فعل الصلاة (كموت وقتل وحيض) فيجب عليه أن يبادر بالصلاة قبل ذلك (وكذا من) عدم السترة إذا (أعير سترة أول الوقت فقط) فيلزمه أداؤها إذن، لتمكنه من الاتيان بها بشرطها، (و) كذا (متوضئ عدم الماء في السفر) كما هو الغالب، أو في الحضر، لقطع عدو ماء بلدة ونحوه (وطهارته لا تبقى إلى آخر الوقت ولا يرجو وجوده) أي الماء في الوقت. فيلزمه أن يصلي بوضوئه، (و) كذا (مستحاضة لها عادة بانقطاع دمها في وقت يتسع لفعلها) وفعل الوضوء (فيتعين فعلها في ذلك الوقت) سواء كان أول الوقت، أو وسطه أو آخره (ومن له التأخير) أي تأخير الصلاة في الوقت (فمات قبل الفعل) في الوقت (لم يأثم) لعدم تفريطه (وتسقط بموته) قال القاضي: لأنها لا تدخلها النيابة فلا فائدة في بقائها في ذمته، بخلاف الزكاة والحج، (ويحرم التأخير) للصلاة أو بعضها (بلا عذر إلى وقت الضرورة) كما يحرم إخراجها عن وقتها وتقدم.
266 فصل: (ومن جحد وجوبها) أي وجوب صلاة من الخمس (كفر، إن كان ممن لا يجهله كمن نشأ بدار الاسلام) زاد ابن تميم: وإن فعلها، لأنه لا يجحدها إلا تكذيبا لله ولرسوله وإجماع الأمة. ويصير مرتدا بغير خلاف نعلمه. قاله في المبدع، (وإن كان ممن يجهله) أي وجوبها (كحديث عهد بالاسلام أو من نشأ ببادية عرف وجوبها ولم يحكم بكفره) لأنه معذور. فإن قال: أنسيتها قيل له: صل الآن، وإن قال: أعجز عنها لعذر، كمرض، أو عجز عن أركانها، اعلم أن ذلك لا يسقط الصلاة، وأنه يجب عليه أن يصلي على حسب طاقته، (فإن أصر) على الجحد (كفر) لما سبق (فإن تركها تهاونا وكسلا) لا جحودا (دعاه إمام أو نائبه إلى فعلها) لاحتمال أن يكون تركها لعذر يعتقد سقوطها به، كالمرض ونحوه. ويهدده فيقول له: إن صليت وإلا قتلناك. وذلك في وقت كل صلاة (فإن أبى) أن يصليها (حتى تضايق وقت التي بعدها) أي بعد التي دعي لها عن فعل الثانية، كما جزم به في مختصر المقنع تبعا للوجيز وغيره (وجب قتله) لقوله تعالى: * (اقتلوا المشركين) * - إلى قوله - * (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) * فمن ترك الصلاة لم يأت بشرط التخلية، فيبقى على إباحة القتل ولقوله (ص): من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله رواه أحمد بإسناده عن مكحول. وهو مرسل جيد. قاله في المبدع. ولأنها من أركان الاسلام لا تدخلها النيابة. فقتل تاركها كالشهادتين. ولا يقتل
267 بترك الأولى. لأنه لا يعلم أنه عزم على تركها إلا بخروج وقتها. فإذا خرج علمنا أنه تركها. ولا يجب قتله بها. لأنها فائتة. فإذا ضاق وقت الثانية وجب قتله، (ولا يقتل) من ترك الصلاة تهاونا وكسلا. وكذا من جحد وجوبها (حتى يستتاب ثلاثة أيام كمرتد) أي كسائر المرتدين (نصا) ويضيق عليه. وذكر القاضي أنه يضرب (فإن تاب) من ترك الصلاة تهاونا وكسلا (بفعلها) أي بفعل الصلاة خلي سبيله. نقل صالح توبته: أن يصلي. لأن كفره بالامتناع منها. فحصلت توبته بها، بخلاف جاحدها، فإن توبته إقراره بما جحده مع الشهادتين. كما يعلم مما يأتي في باب المرتد، (وإلا) أي وإن لم يتب بفعل الصلاة (قتل بضرب عنقه) بالسيف، لقوله (ص): إذا قتلتم فأحسنوا القتلة رواه مسلم أي الهيئة من القتل (لكفره) علة لقتل. لما روى جابر عن النبي (ص) أنه قال: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة رواه مسلم. وروى بريدة أن النبي (ص) قال: من تركها فقد كفر رواه الخمسة وصححه الترمذي. وروى عبادة مرفوعا من ترك الصلاة متعمدا فقد خرج من الملة رواه الطبراني بإسناد جيد. وقال عمر: لاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاة ولقوله (ص): " أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة قال أحمد: كل شئ ذهب آخره لم يبق منه شئ. ولأنه يدخل بفعلها في الاسلام. فيخرج بتركها منه. كالشهادتين (وحيث كفر، ف) إنه يقتل بعد الاستتابة، ولا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين. و (لا يرق ولا يسبى له أهل ولا ولد) كسائر المرتدين (ولا قتل ولا تكفير قبل الدعاية) بحال. لاحتمال أن يكون تركها لشئ يظنه عذرا في تركها (قال
268 الشيخ، وتنبغي الإشاعة عنه بتركها، حتى يصلي ولا ينبغي السلام عليه، ولا إجابة دعوته انتهى) لعله يرتدع بذلك. ويرجع (ومن راجع الاسلام قضى صلاته مدة امتناعه) قدمه في الفروع. وهو ظاهر كلام جماعة. وقال في المبدع: وظاهره أنه متى راجع الاسلام لم يقض مدة امتناعه. كغيره من المرتدين. لعموم الأدلة. ثم حكى كلام الفروع (ومن جحد وجوب الجمعة كفر) للاجماع عليها. وظهور حكمها. فلا يعذر بالجهل به، إلا إذا كان قريب عهد بإسلام أو نشأ ببادية (وكذا لو ترك ركنا) مجمعا عليه، (أو) شرطا (مجمعا عليه، كالطهارة والركوع والسجود) لأنه كتركها، (أو) ترك ركنا، أو شرطا (مختلفا فيه يعتقد وجوبه) فهو كترك جميعها. ذكره ابن عقيل وغيره. قال: كما نحده بفعل ما يوجب الحد على مذهبه، وقدمه في الفروع وغيره (قال) صدر الوزراء عون الدين أبو المظفر يحيى (بن هبيرة) الشيباني البغدادي في قول حذيفة - وقد رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده: ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا (ص) فيه أن إنكار المنكر في مثل هذا يغلظ له لفظ الانكار. وفيه إشارة إلى تكفير تارك الصلاة. وإلى تغليظ الامر في الصلاة. حتى إن (من أساء في صلاته ولم يتم ركوعها ولا سجودها) فإن (حكمه حكم تاركها) اه، (وعند الموفق ومن تابعه) كالشارح (لا يقتل بمختلف فيه) كما لا يحد المتزوج بغير ولي (وهو أظهر) للشبهة (ولا يكفر بترك شئ من العبادات تهاونا غير الصلاة، فلا يكفر بترك زكاة بخلا، ولا بترك صوم وحج يحرم تأخيره تهاونا) لقول عبد الله بن شقيق: لم يكن أصحاب النبي (ص) يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، (ويقتل فيهن حدا) لما يأتي في أبوابها، (ولا يقتل ب) ترك (
269 صلاة فائتة، ولا بترك كفارة ونذر) للاختلاف في وجوبها فورا. خاتمة: اختلف العلماء بم كفر إبليس؟ فذكر أبو إسحاق بن شاقلا: أنه كفر بترك السجود لا بجحوده، وقيل: كفر لمخالفته الامر الشفاهي من الله تعالى، فإنه سبحانه خاطبه بذلك قال الشيخ برهان الدين ولد صاحب الفروع، في الاستعاذات له، وقال جمهور الناس: كفر إبليس لأنه أبى واستكبر وعاند، وطعن وأصر، واعتقد أنه محق في تمرده. واستدل بأنا خير منه، فكأنه ترك السجود لآدم تسفيها لامره تعالى وحكمته. وعن هذا الكبر عبر النبي (ص) بقوله: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية الميموني: إنما أمر بالسجود فاستكبر وكان من الكافرين. والاستكبار كفر وقالت الخوارج: كفر بمعصية الله تعالى. وكل معصية كفر. وهذا قول باطل بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. باب الأذان والإقامة وما يتعلق بهما في الاحكام (وهو) أي الاذان لغة: الاعلام. قال تعالى: * (وأذان من الله ورسوله) * (التوبة: 3). أي إعلام. وقال: * (وأذن في الناس بالحج) * أي أعلمهم. وقال الشاعر: آذنتنا بينها أسماء أي أعلمتنا. يقال: أذن بالشئ تأذينا وأذانا وأذينا، على وزن رغيف، إذا أعلم به. فهو اسم مصدر. وأصله من الاذن، وهو الاستماع. لأنه يلقي في آذان الناس ما يعلمهم به. وشرعا: (الاعلام بدخول وقت الصلاة، أو) الاعلام ب (- قربه لفجر) في الجملة، لأنه يصح الاذان لها بعد نصف الليل، كما يأتي، (وهي) أي الإقامة في
270 الأصل مصدر أقام. وحقيقته: إقامة القاعد أو المضطجع. فكأن المؤذن إذا أتى بألفاظ الإقامة أقام القاعدين، وأزالهم عن قعودهم. وشرعا: (الاعلام بالقيام إليها) أي إلى الصلاة (بذكر مخصوص فيهما) أي في الأذان والإقامة، وهما مشروعان بالكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: * (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا) * و: * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) * وأما السنة فهي شهيرة بذلك. ومنها: حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أمر النبي (ص) بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: أدعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى. قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: تقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت النبي (ص) فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق، إن شاء الله فقم مع بلال، فألقه عليه، فليؤذن فإنه أندى صوتا منك. فقمت مع بلال. فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به. قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب، وهو في بيته، فخرج يجر رداءه، يقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل الذي رأى. فقال النبي (ص): لله الحمد رواه أحمد وأبو داود واللفظ له، وابن ماجة. وأخرج الترمذي بعضه. وقال: حديث حسن صحيح. وفي الصحيحين عن أنس قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشئ يعرفونه. فذكروا أن يوقدوا نارا أو يضربوا ناقوسا. فأمر بلال أن يشفع الاذان ويوتر الإقامة، (وهو) أي الاذان (أفضل من الإقامة) لزيادته عليها، (و) أفضل (من الإمامة)
271 ويدل لفضل الاذان أحاديث كثيرة. منها: حديث أبي هريرة أن الرسول (ص) قال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه متفق عليه. وحديث معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت الرسول (ص) يقول: المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة رواه مسلم وحديث ابن عباس مرفوعا قال: من أذن سبع سنين محتسبا كتبت له براءة من النار رواه ابن ماجة. ويشهد لفضل الاذان على الإمامة حديث أبي هريرة يرفعه الامام ضامن والمؤذن مؤتمن. اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين رواه أحمد وأبو داود والترمذي. والأمانة أعلى من الضمان. والمغفرة أعلى من الارشاد. وإنما لم يتول النبي (ص) وخلفاؤه من بعده الاذان لضيق وقتهم عنه. قال عمر: لولا الخلافة لأذنت قال في الاختيارات: وهما أفضل من الإقامة، وهو أصح الروايتين عن أحمد. واختيار أكثر الأصحاب. وأما إمامته (ص) وإمامة الخلفاء الراشدين. فكانت متعينة عليهم. فإنها وظيفة الامام الأعظم. ولم يمكن الجمع بينها وبين الاذان. فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الاذان، لخصوص أحوالهم. وإن كان لأكثر الناس الاذان أفضل، (وله الجمع بينه) أي الاذان (وبين الإمامة)، بل ذكر أبو المعالي: أن الجمع بينهما أفضل. وقال أيضا: ما صلح له فهو أفضل، (وهو) أي الاذان (والإقامة فرضا كفاية للصلوات الخمس المؤداة والجمعة) لقوله (ص): إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم متفق عليه. والامر يقتضي الوجوب على أحدهم، وعن أبي الدرداء مرفوعا: ما من ثلاثة لا يؤذن
272 ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان رواه أحمد والطبراني، ولأنهما من شعائر الاسلام الظاهرة. فكانا فرض كفاية كالجهاد، وذكر الجمعة. قال في المبدع: لا يحتاج إليه لدخولها في الخمس (دون غيرها) أي غير الخمس، فلا يشرع الأذان والإقامة لمنذورة ولا نافلة، ولا جنازة، ولا عيد. لأن المقصود منهما الاعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة، على الأعيان، والقيام إليها. وهذا لا يوجد في غير الخمس المؤداة (للرجال جماعة) أي عليهم، وهو متعلق بقوله: فرض كفاية، لما تقدم، فلا يجب على الرجل المنفرد بمكان. فعلم أن المراد بالجمع هنا اثنان فأكثر قال في المنتهى: الأحرار، إذ فرض الكفاية لا يلزم رقيقا، أي في الجملة (في الأمصار والقرى وغيرهما حضرا) لعموم ما سبق، (ويكرهان للنساء والخناثى، ولو بلا رفع صوت) قال في الفروع: ويتوجه في التحريم جهرا للخلاف في قراءة وتلبية اه. ويأتي قوله: وتسر بالقراءة إن سمعها أجنبي، أي وجوبا، ولا فرق، والأذان والإقامة (مسنونان لقضاء) فريضة من الخمس، لحديث عمرو بن أمية الضمري قال: كنا مع الرسول (ص) في بعض أسفاره، فنام عن الصبح، حتى طلعت الشمس فاستيقظ (ص) فقال: تنحوا عن هذا المكان، قال: ثم أمر بلالا فأذن، ثم توضأ وصلى ركعتي الفجر، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة، فصلى بهم صلاة الصبح رواه أبو داود، (و) يسن الأذان والإقامة أيضا ل (- مصل وحده ومسافر وراع ونحوه) لخبر عقبة بن عامر قال: سمعت الرسول (ص) يقول: يعجب ربك من راعي غنم في رأس الشظية للجبل، يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة رواه النسائي. (إلا أنه لا يرفع صوته به) أي الاذان (في الفضاء إن خاف تلبيسا، وكذا) لا يرفع صوته إذا أذن (في
273 غير وقت الاذان) المعهود له عادة، كأواسط الوقت وأواخره، لما فيه من التلبيس، (وكذا) لا يرفع صوته لاذان (في بيته البعيد عن المسجد، بل يكره) له رفع الصوت إذن (لئلا يضيع من يقصد المسجد) إذا سمعهما وقصدهما جريا على العادة، (وليسا) أي الأذان والإقامة (بشرط للصلاة، فتصح) الصلاة (بدونهما) لأن ابن مسعود صلى بعلقمة والأسود بلا أذان ولا إقامة، احتج به أحمد (مع الكراهة) ذكره الخرقي وغيره. وذكر جماعة إلا بمسجد قد صلى فيه، ويأتي (ويشرعان) أي يسنان (للجماعة الثانية في غير الجوامع الكبار قاله أبو المعالي) وقال في التلخيص: غير مسجدي مكة والمدينة (وإن كان) من يقضي الصلاة (في بادية رفع صوته) بالاذان، هذا معنى كلامهم في الرعاية، وحسنه في الانصاف، لأمن اللبس (ولا يشرعان) أي الأذان والإقامة (لكل واحد ممن في المسجد، بل حصلت لهم الفضيلة) بأذان أحدهم (كقراءة الإمام) تكون قراءة (للمأموم) وهل صلاة من أذن لصلاته بنفسه أفضل، لأنه وجد منه فضل يختص الصلاة، أم هي وصلاة من أذن له سواء لحصول سنة الاذان؟ ذكر القاضي أن أحمد توقف، نقله الأثرم (ولأنه قام بهما) أي الأذان والإقامة (من يكفي، فسقط عن الباقين) كسائر فروض الكفاية (وتكفيهم) أي السامعين (متابعة المؤذن) في الأذان والإقامة لما يأتي (فإن اقتصر المسافر) على الإقامة لم يكره، (أو) اقتصر (المنفرد على الإقامة) لم يكره. نص عليه (أو صلى بدونها) أي الإقامة (في مسجد صلي فيه. لم يكره) كما ذكر جماعة، وتقدم. قلت: وعليه يحمل فعل ابن مسعود، (وينادى لعيد وكسوف واستسقاء: الصلاة جامعة، أو الصلاة) قال في الفروع: وينادى لكسوف لأنه في الصحيحين، واستسقاء وعيد: الصلاة جامعة أو الصلاة، بنصب الأول على الاغراء، والثاني على الحال، وفي الرعاية: بنصبهما ورفعهما. وقيل: لا ينادى. وقيل: لا ينادى في عيد، كجنازة وتراويح، على الأصح فيهما. قال ابن عباس وجابر: لم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الامام ولا بعد ما يخرج،
274 ولا إقامة ولا نداء، ولا شئ متفق عليه، (ويأتي بعضه) في مواضعه (ولا ينادى على الجنازة والتراويح) لأنه محدث. وأشد من ذلك ما يفعل عند الصلاة على الجنازة من إنشاد الشعر، وذكر الأوصاف التي قد يكون أكثرها كذبا، بل هو من النياحة (فإن تركهما) أي الأذان والإقامة (أهل بلد قوتلوا) أي قاتلهم الامام أو نائبه حتى يفعلوهما لأنهما من أعلام الدين الظاهرة، فقوتلوا على تركهما. كصلاة العيد. وعلم منه: أنه إذا قام بهما من يحصل به الاعلام غالبا أجزأ عن الكل، وإن كان واحدا نص عليه (ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما) لقوله (ص) لعثمان بن أبي العاص: واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه. وقال: العمل على هذا عند أهل العلم. وقال: وكرهوا أن يأخذ على أذانه أجرا، ولأنه يقع قربة لفاعله. أشبه الإمامة، (ويجوز أخذ الجعالة) عليهما (ويأتي في الإجارة) مفصلا (فإن لم يوجد متطوع بهما رزق الامام من بيت المال) أي أعطى من مال الفئ لأنه المعد للمصالح. والرزق العطاء. والرزق ما ينفع ولو محرما. قال ابن الأثير: الأرزاق نوعان ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب والنفوس، كالمعارف والعلوم (من يقوم بهما) لأن بالمسلمين حاجة إليهما. قال في المغني والشرح. لا نعلم خلافا في جواز أخذ الرزق عليه (ولا يجوز بذل الرزق) من بيت المال لمن يقوم بهما (مع وجود المتطوع) بهما لعدم الحاجة إليه (ويسن أذان في أذن مولود اليمنى، حين يولد، و) أن (يقيم في اليسرى) من أذنيه بعده. لأنه (ص) أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة رواه
275 الترمذي. وقال: حسن صحيح. ولخبر ابن السني: من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان أي التابعة من الجن. وليكون التوحيد أول شئ يقرع سمعه. حين خروجه إلى الدنيا، كما يلقن عند خروجه منها. ولما فيه من طرد الشيطان عنه. فإنه يفر عند سماع الاذان. وفي مسند رزين أنه (ص) قرأ في أذن مولود سورة الاخلاص والمراد أذنه اليمنى. قاله في شرح المنتهى. (ويسن كون المؤذن صيتا) أي رفيع الصوت، لقوله (ص) لعبد الله بن زيد: قم مع بلال فالقه عليه، فإنه أندى صوتا منك واختار أبا محذورة للاذان، لكونه صيتا، ولأنه أبلغ في الاعلام (أمينا) أي عدلا، لما روى أبو محذورة أن النبي (ص) قال: أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون رواه البيهقي وفي إسناده يحيى بن عبد الحميد وفيه كلام. ولأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة وغيرها. ولا يؤمن أن يغرهم بأذانه إذا لم يكن كذلك، ولأنه يعلو للاذان، فلا يؤمن منه النظر إلى العورات (بصيرا) لأن الأعمى لا يعرف الوقت، فربما غلط، وكره ابن مسعود وابن الزبير أذانه. وكره ابن عباس إقامته (عالما بالأوقات) ليتحراها، فيؤذن في أولها، وإذا لم يكن عارفا بها لا يؤمن منه الخطأ (ولو) كان المؤذن (عبدا، ويستأذن سيده) قاله أبو المعالي. وذكر ابن هبيرة أنه يستحب حريته اتفاقا، لكن ما ذكره المصنف ظاهر كلام جماعة، أي أنه لا فرق (ويستحب أن يكون) المؤذن (حسن الصوت) قاله في المغني وغيره، ولأنه أرق لسامعه (وأن يكون بالغا) خروجا من الخلاف، ولأنه أكمل (وإن كان) المؤذن (أعمى، وله من يعلمه بالوقت لم يكره نصا) لفعل أم مكتوم (فإن تشاح) من الشح وهو البخل مع حرص (فيه) أي الاذان (اثنان فأكثر. قدم أفضلهما في ذلك) أي في الخصال المذكورة. لأنه (ص) قدم بلالا على عبد الله، لكونه أندى صوتا منه وقسنا بقية
276 الخصال عليه، (ثم) إن استويا في ذلك قدم (أفضلهما في دينه وعقله) لما روى ابن عباس أن النبي (ص) قال: ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم أقرؤكم رواه أبو داود وغيره. ولأنه إذا قدم بالأفضلية في الصوت، فبالأفضلية في ذلك أولى. لأن مراعاتهما أولى من مراعاة الصوت. لأن الضرر بفقدهما أشد، (ثم) إن استووا في ذلك قدم (من يختاره الجيران المصلون، أو أكثرهم) لأن الاذان لإعلامهم. فكان لرضاهم أثر في التقديم، ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته، ومن هو أعف عن النظر (فإن استووا أقرع بينهم) لقوله (ص): لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا متفق عليه. وتشاح الناس في الاذان يوم القادسية، فأقرع بينهم سعد. ولأنها تزيل الابهام (وإن قدم) من له ولاية التقديم (أحدهم بعد الاستواء) في الخصال السابقة (لكونه أعمر للمسجد وأتم مراعاة له، أو لكونه أقدم تأذينا أو أبوة) أقدم تأذينا، (أو لكونه من أولاد من جعل النبي (ص) الاذان فيه، فلا بأس) بذلك وعلم منه أنه لا يقدم بهذه الخصال إلا إذا رآها من له ولاية التقديم، بخلاف الخصال التي قبلها (وبصير، وحر، وبالغ أولى من ضدهم) فالبصير أولى من الأعمى. والحر أولى من العبد. والمبعض، والبالغ أولى ممن دونه لما تقدم، (وتشترط ذكوريته) فلا يعتد بأذان امرأة وخنثى. قال جماعة: ولا يصح. لأنه منهي عنه، كالحكاية. وظاهر كلام جماعة صحته، لأن الكراهة لا تمنع الصحة. فيتوجه على هذا بقاء فرض الكفاية. لأنه لم يفعله من هو فرض عليه (وعقله) فلا يصح من مجنون، كسائر العبادات، (وإسلامه) لاشتراط النية فيه، وهي لا تصح من كافر، (وتمييزه) لما تقدم، فيجزي أذان مميز. وقال في الاختيارات: الأشبه أن الاذان الذي يسقط به الفرض عن أهل القرية ويعتمد في وقت الصلاة والصيام لا يجوز أن يباشره صبي، قولا واحدا، ولا يسقط الفرض، ولا يعتمد في العبادات. وأما الاذان الذي يكون سنة مؤكدة في مثل المساجد التي في مصر، ونحو ذلك، فهذا فيه الروايتان. الصحيح جوازه (وعدالته، ولو مستورا) فلا يعتد بأذان ظاهر الفسق، لأنه (ص) وصف المؤذنين بالأمانة. والفاسق غير أمين. قال في الشرح. فأما مستور الحال
277 فيصح أذانه، بغير خلاف علمناه (ولا يشترط علمه) أي المؤذن (بالوقت) لما تقدم في ابن أم مكتوم (والمختار أذان بلال) بن رباح. وهو أول من أذن لرسول الله (ص) (خمس عشرة كلمة، أي خمس عشرة جملة لا ترجيع فيه. والإقامة إحدى عشرة) جملة. لحديث عبد الله بن زيد. وكان بلال يؤذن كذلك. ويقيم حضرا وسفرا مع النبي (ص) إلى أن مات. وعليه عمل أهل المدينة. قال أحمد: هو آخر الامرين وكان بالمدينة. قيل له: إن أبا محذورة بعد حديث عبد الله لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة. فقال: أليس قد رجع النبي (ص) إلى المدينة. وأقر بلالا على أذان عبد الله؟ ويعضده حديث أنس قال: أمر بلال أن يشفع الاذان ويوتر الإقامة متفق عليه، زاد البخاري: إلا الإقامة وحديث ابن عمر قال: " إنما كان الاذان على عهد رسول الله (ص) مرتين، مرتين والإقامة مرة مرة، غير أنه يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة رواه أحمد، وأبو داود، وابن خزيمة وصححه. فائدة: قوله: الله أكبر أي من كل شئ، أو أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو هو بمعنى كبير. وقوله: أشهد أي أعلم. وقوله: حي على الصلاة أي أقبلوا إليها، وقيل: أسرعوا، والفلاح الفوز والبقاء. لأن المصلي يدخل الجنة إن شاء الله. فيبقى فيها ويخلد، وقيل: هو الرشد والخير وطالبهما مفلح. لأنه يصير إلى الفلاح. ومعناه: هلموا إلى سبب ذلك وختم بلا إله إلا الله ليختم بالتوحيد وباسم الله تعالى، كما ابتدأ به. وشرعت المرة إشارة إلى وحدانية المعبود سبحانه. (فإن رجع في الاذان بأن يقول الشهادتين سرا) بحيث يسمع من يقربه أو أهل المسجد، إن كان واقفا، والمسجد متوسط الخط (بعد التكبير، ثم يجهر بهما) فالترجيع اسم للمجموع من السر والعلانية، سمي بذلك لأنه رجع إلى الرفع بعد أن تركه، أو إلى الشهادتين بعد ذكرهما. (أو ثنى الإقامة لم يكره) لأن ترجيع الاذان فعل أبي محذورة. وعليه عمل أهل مكة إلى اليوم. وعن أبي محذورة أن النبي (ص) علمه الاذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة رواه أحمد وأبو داود. وصححه الترمذي وابن خزيمة
278 وابن حبان، والحكمة أن يأتي بهما بتدبر وإخلاص، لكونهما المنجيتين من الكفر، المدخلتين في الاسلام، وأجاب الشارح بأن النبي (ص) إنما أمر أبا محذورة بذكر الشهادتين سرا ليحصل له الاخلاص بهما. فإنه في الاسرار أبلغ. وخص أبا محذورة بذلك لأنه لم يكن مقرا بهما حينئذ. فإن في الخبر: إنه كان مستهزئا. يحكي أذان مؤذن النبي (ص) فسمعه، فدعاه فأمره بالاذان وقصد نطقه بهما ليسلم بذلك. وهذا لا يوجد في غيره. بدليل أنه لم يأمر به بلالا ولا غيره ممن هو ثابت الاسلام. ويعضده أن خبر أبي محذورة متروك بالاجماع، لعدم عمل الشافعي به في الإقامة وأبي حنيفة في الاذان، (ولا يشرع) الاذان (بغير العربية) لعدم وروده. قال في الانصاف: مطلقا على الصحيح من المذهب، (ويسن أن يقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم مرتين بعد الحيعلة) أي قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح. لقوله (ص) لأبي محذورة: فإذا كان أذان الفجر فقل الصلاة خير من النوم مرتين رواه أحمد وأبو داود. وفي رواية إن بلالا جاء ذات يوم، فأراد أن يدعو رسول الله (ص)، فقيل له: إنه نائم. فصرخ بأعلى صوته الصلاة خير من النوم، مرتين. قال ابن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر (سواء أذن مغلسا أو مسفرا) لعموم ما سبق، (وهو) أي قول: الصلاة خير من النوم يسمى (التثويب) من ثابت بالمثلثة، إذا رجع. لأن المؤذن دعا للصلاة بالحيعلتين، ثم عاد إليها واختصت الفجر بذلك لأنه وقت ينام الناس فيه غالبا (ويكره) التثويب (في غيرها) أي غير الفجر، أي أذانها. لقول بلال: أمرني رسول الله (ص) أن أثوب في الفجر، ونهاني أن أثوب في العشاء رواه أحمد وغيره، (و) يكره
279 التثويب (بين الأذان والإقامة) لما روى مجاهد أنه: لما قدم عمر مكة أتاه أبو محذورة. وقد أذن. فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين، حي على الصلاة حي على الفلاح - فقال: ويحك، يا مجنون. أما كان في دعائك الذي دعوتنا ما نأتيك حتى تأتينا ولأنه دعاء بين الأذان والإقامة إلى الصلاة، فكان مكروها. كتخصيص الامراء به، (وكذا النداء بالصلاة بعد الاذان في الأسواق وغيرها. مثل أن يقول: الصلاة، أو الإقامة، أو الصلاة رحمكم الله. قال الشيخ في شرح العمدة: هذا إذا كانوا قد سمعوا النداء الأول) لعدم الحاجة إليه (فإن لم يكن الامام أو البعيد من الجيران قد سمع النداء الأول فلا ينبغي أن يكره تنبيهه. وقال) الشيخ ابن عقيل: فإن تأخر الامام الأعظم، أو إمام الحي، أو أماثل الجيران فلا بأس أن يمضي إليه منبه يقول له: قد حضرت الصلاة انتهى). لاحتمال أنه لم يسمع الاذان، (ويكره قوله) أي المؤذن (قبل الاذان: * (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا) * - الآية) أي اقرأها ونحوه (وكذلك إن وصله) أي الاذان (بعده بذكر، قاله في شرح العمدة) لأنه محدث، (و) يكره (قوله قبل الإقامة: اللهم صلي على محمد، ونحو ذلك) من المحدثات (ولا بأس بالنحنحة قبلهما) أي قبل الأذان والإقامة (و) لا بأس ب (- أذان واحد بمسجدين لجماعتين) لعدم المحذور فيه (ويستحب أن يؤذن في أول الوقت) ليصلي المتعجل، ويتأهب من يريد الصلاة، (و) يسن (أن يترسل في الاذان) أي يتمهل، ويتأنى، من قولهم: جاء فلان على رسله، (و) أن (يحدر في الإقامة) أي يسرع فيها، لما روى جابر أن النبي (ص) قال لبلال: يا بلال إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فأحدر رواه الترمذي. وقال: لا نعرفه إلا من
280 رواية عبد المنعم صاحب الشفاء. وهو إسناد مجهول. ورواه الحاكم في مستدركه وعن عمر معناه. رواه أبو عبيدة. ولأنه إعلام الغائبين، فالتثبيت فيه أبلغ، والإقامة إعلام الحاضرين، فلا حاجة إليه فيها، (ولا يعربهما) أي الأذان والإقامة، (بل يقف على كل جملة) منهما. قال إبراهيم النخعي: سيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما: الأذان والإقامة، (و) يسن أن (يؤذن) قائما، (و) أن (يقيم قائما) لما روى أبو قتادة أن النبي (ص) قال لبلال: قم فأذن وكان مؤذنوه (ص) يؤذنون قياما قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أنه من السنة، لأنه أبلغ في الاسماع (ويكرهان من قاعد، وراكب، وماش بغير عذر) كالخطبة قاعدا. فإن كان لعذر جاز. قال في المبدع: ولم يذكروا الاضطجاع، ويتوجه الجواز. لكن يكره لمخالفة السنة. و (لا) يكرهان (لمسافر راكبا وماشيا) لأنه (ص) أذن في السفر على راحلته رواه الترمذي وصححه، (ويستحب أن يكون متطهرا من الحدثين) الأصغر والأكبر، لقوله (ص): لا يؤذن إلا متوضئ رواه الترمذي والبيهقي مرفوعا، من حديث أبي هريرة، وموقوفا عليه. وقال: هو أصح. وحكم الإقامة كذلك وفي الرعاية: يسن أن يؤذن متطهرا من نجاسة بدنه وثوبه (فإن أذن محدثا) حدثا أصغر (لم يكره) أذانه كقراءة القرآن (وتكره إقامة محدث) للفصل بينها، وبين الصلاة، (و) يكره (أذان جنب) للخلاف في صحته. ووجهها: أن الجنابة أحد الحدثين، فلم تمنع صحته كالآخر، (ويسن) أن يؤذن (على موضع عال) أي مرتفع، كالمنارة ونحوها، لما روي عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسحر فيجلس على البيت، فينظر إلى الفجر. فإذا رآه تمطى، ثم قال: اللهم إني أستعديك وأستنصرك على قريش أن يقيموا دينك. قالت: ثم يؤذن رواه أبو داود. ويسن أن يكون (مستقبلا القبلة) قال في
281 الشرح: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يستقبل القبلة بالاذان. وذلك لأن مؤذني رسول الله (ص) كانوا يؤذنون مستقبلين القبلة. فإن أخل باستقبال القبلة كره له ذلك وصح (فإذا بلغ الحيعلة التفت) برأسه وعنقه وصدره. وظاهر المحرر: أنه لا يلتفت بصدره (يمينا لحي على الصلاة، و) التفت (شمالا لحي على الفلاح، في الاذان دون الإقامة) لحديث أبي جحيفة ويأتي، (ويقيم) أي يأتي بالإقامة (في موضع أذانه) لقول بلال للنبي (ص): لا تسبقني بآمين لأنه لو كان يقيم بالمسجد لما خاف أن يسبقه بها. كذا استنبطه الإمام أحمد، واحتج به. ولقول ابن عمر: كنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا، ثم خرجنا إلى الصلاة ولأنه أبلغ في الاعلام، وكالخطبة الثانية (إلا أن يشق) على المؤذن أن يقيم في موضع أذانه (بحيث يؤذن في المنارة، أو) يؤذن (في مكان بعيد من المسجد، فيقيم في غير موضعه) الذي أذن فيه، أي فيقيم في المسجد، لئلا يفوته بعض الصلاة، ودفعا للمشقة، (ولا يزيل قدميه) عند قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح في الاذان، بل يلتفت يمينا وشمالا. كما تقدم، ولو أعقبه له لكان أولى. لحديث أبي جحيفة قال: أتيت النبي (ص) وهو في قبة حمراء من أدم، فخرج وتوضأ، وأذن بلال، فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا، يقول يمينا وشمالا: حي على الصلاة حي على الفلاح متفق عليه. ورواه أبو داود، وفيه " فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر (قال القاضي) أبو يعلى (والمجد) عبد السلام بن تميمة (وجمع) منهم صاحب الروضة والمذهب الأحمد. والافادات والمنور (إلا في منارة ونحوها) قال في الانصاف: وهو الصواب، لأنه أبلغ في الاعلام. وهو المعمول به (ويجعل إصبعيه السبابتين في أذنيه) لما روى أبو
282 جحيفة أن بلالا وضع أصبعيه في أذنيه رواه أحمد والترمذي وصححه. وعن سعد القرظ أن رسول الله (ص)، أمر بلالا بذلك. وقال: إنه أرفع لصوتك رواه ابن ماجة، (و) يسن أن (يرفع وجهه إلى السماء فيه) أي الاذان (كله) نص عليه في رواية حنبل. لأنه حقيقة التوحيد. وكذا في الإقامة (ويتولاهما) أي الأذان والإقامة واحد (معا، فلا يستحب أن يقيم غير من أذن) لما في حديث يزيد بن الحرث الصدائي حين أذن قال: فأراد بلال أن يقيم. فقال النبي (ص): يقيم أخو صداء. فإن من أذن فهو يقيم رواه أحمد وأبو داود. قال الترمذي: إنما نعرفه من طريق عبد الرحمن الإفريقي. وهو ضعيف عند أهل الحديث. ولأنهما ذكران يتقدمان الصلاة. فسن أن يتولاهما واحد. كالخطبتين (ولا يصح) الاذان وكذا الإقامة (إلا مرتبا) لأنه ذكر معتد به. فلا يجوز الاخلال بنظمه، كأركان الصلاة (متواليا عرفا) لأنه لا يحصل المقصود منه، وهو الاعلام بدخول الوقت بغير موالاة. وشرع في الأصل كذلك، بدليل أنه (ص) علم أبا محذورة الاذان مرتبا متواليا (منويا) لحديث: إنما الأعمال بالنيات (من واحد فلو أتى) واحد (ببعضه، وكمله آخر لم يعتد به) كالصلاة. قال في الانصاف: بلا خلاف أعلمه (ولو) كان ذلك (لعذر) بأن مات أو جن، ونحوه من شرع في الاذان، أو الإقامة فكمله الثاني، (وإن نكسه) أي الاذان أو الإقامة، بأن قدم بعض الجمل على بعض. لم يعتد به. لعدم الترتيب، (أو فرق بينه بسكوت طويل، ولو ب) - سبب (نوم أو إغماء، أو جنون، أو) فرق بينه ب (- كلام كثير) لم يعتد به، لفوات الموالاة، (أو) فرق بينه بكلام (محرم، كسب وقذف ونحوهما)، وإن كان يسيرا. لم يعتد به لأنه قد
283 يظنه سامعه متلاعبا. أشبه المستهزئ. ذكره المجد (أو ارتد في أثنائه. لم يعتد به) لخروجه عن أهلية الاذان، (ويكره فيه) أي الاذان (سكوت يسير) بلا حاجة، (و) كره فيه (كلام) مباح يسير (بلا حاجة) فإن كان لها لم يكره، لأن سليمان بن صرد - وله صحبة - كان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه (كإقامة) فيكره فيها سكوت يسير وكلام (ولو لحاجة) قال أبو داود: قلت لأحمد: الرجل يتكلم في أذانه؟ قال: نعم. قلت: يتكلم في الإقامة. قال: لا. ولأنه يستحب حدرها. وظاهر ما قدمه في الانصاف وغيره: أن الاذان كالإقامة (وله رد سلام فيهما) أي في الأذان والإقامة. ولا يبطلان به. ولا يجب الرد، لأن ابتداء السلام إذن غير مسنون (ويكفي مؤذن واحد في المصر، بحيث يحصل لأهله العلم) لأن المقصود بالاذان الاعلام. وقد حصل. وفي المستوعب: متى أذن واحد سقط عمن صلى معه مطلقا خاصة، (ويكفي بقيتهم) أي بقية أهل المصر الذي أذن فيه الواحد، بيبث حصل لأهله العلم (الإقامة) فلا يطلب الاذان من كل فرد. وكذا الإقامة لا تطلب من كل فرد. لكن يقيم لكل جماعة واحد (فإن لم يحصل الاعلام ب) - أذان (واحد زيد بقدر الحاجة) ليحصل المقصود منه، يؤذن (كل واحد من جانب) من البلد، (أو) يؤذنون (دفعة واحدة بمكان واحد) قاله في الفروع، (ويقيم أحدهم) إن حصلت به الكفاية. وإلا أقام من يكفي. كما في المنتهى. وإن أذن اثنان واحد بعد واحد، يقيم من أذن أولا. قاله في الفروع (ورفع الصوت به) أي الاذان (ركن) ما لم يؤذن لحاضر، فبقدر ما يسمعه. قال في الانصاف: ويستحب رفع صوته (بقدر طاقته) لأنه أبلغ في الاعلام. وقوله: (ليحصل السماع) متعلق بقوله: ورفع الصوت به ركن على أنه علة له. أي لأن المقصود من الاذان الاعلام. ولا يحصل إلا برفع الصوت (وتكره الزيادة) في رفع الصوت (فوق طاقته) خشية ضرر (وإن أذن لنفسه، أو) أذن (لحاضر) واحدا كان، أو جماعة (خير) بين رفع الصوت وخفضه، (ورفع الصوت أفضل) من خفضه (وإن خافت ببعضه وجهر ببعضه فلا بأس) قاله ابن تميم بمعناه.
284 قال في الانصاف: والظاهر أن هذا مراد من أطلق، بل هو كالمقطوع به. وهو واضح. وقال في الرعاية الكبرى: ويرفع صوته إن أذن في الوقت للغائبين. أو في الصحراء. فزاد: في الصحراء، وهي زيادة حسنة. وقال أبو المعالي: رفع الصوت بحيث يسمع من تقوم به الجماعة ركن (ووقت الإقامة إلى الامام، فلا يقيم) المؤذن الصلاة (إلا بإذنه) أي الامام، (و) وقت (أذان إلى المؤذن) فيؤذن إذا دخل الوقت. وإن لم يؤذن الامام. قال في الجامع: وينبغي للمؤذن أن لا يقيم حتى يحضر الامام، ويأذن له في الإقامة. نص عليه وفي رواية علي بن سعيد وقد سأله عن حديث علي الامام أملك بالإقامة؟ فقال: الامام يقع له الامر، أو تكون له الحاجة. فإذا أمر المؤذن أن يقيم أقام انتهى. وفي الصحيحين أن المؤذن كان يأتي النبي (ص) ففيه إعلام المؤذن للامام بالصلاة وإقامتها. وفيهما قول عمر: الصلاة يا رسول الله، رقد النساء والصبيان وقال أبو المعالي: إن جاء الغائب للصلاة أقام حين يراه للخبر، (ويحرم أن يؤذن غير) المؤذن (الراتب إلا بإذنه، إلا أن يخاف فوت) وقت (التأذين) كالامام. جزم به أبو المعالي (ومتى جاء) الراتب (وقد أذن) غيره (قبله أعاد) الراتب الاذان. نص عليه. قال في الانصاف: استحبابا (ولا يصح) الاذان (قبل دخول الوقت) لما روى مالك بن الحويرث أن النبي (ص) قال: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم متفق عليه. ولأنه شرع للاعلام بدخول الوقت. وهو حث على الصلاة. فلم يصح في وقت لا تصح فيه (كالإقامة إلا الفجر، فيباح) الاذان لها (بعد نصف الليل) لأن معظمه قد ذهب. وبذلك يخرج وقت العشاء المختار. ويدخل وقت الدفع من مزدلفة، ورمي جمرة العقبة، وطواف الإفاضة، فيعتد بالاذان إذن، سواء برمضان أو غيره. ولان وقت الفجر يدخل على الناس، وفيهم الجنب والنائم. فاستحب تقديم أذانه، حتى يتهيئوا لها، فيدركوا فضيلة أول الوقت (والليل هنا ينبغي أن يكون أوله غروب الشمس
285 وآخره طلوعها، كما أن النهار المعتبر نصفه، أوله طلوع الشمس وآخره غروبها) لانقسام الزمان إلى ليل ونهار (قاله الشيخ: ولا يستحب تقديمه) أي أذان الفجر (قبل الوقت كثيرا) لما في الصحيح من حديث عائشة قال القاسم: ولم يكن بين أذانهما إلا أن ينزل ذا ويرقى ذا قال البيهقي: مجموع ما روي في تقديم الاذان قبل الفجر إنما هو بزمن يسير. وأما ما يفعل في زماننا من الاذان للفجر من الثلث الأخير، فخلاف السنة إن سلم جوازه، وفيه نظر. قاله في المبدع. (ويستحب لمن أذن قبل الفجر أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلها) فلا يتقدم ولا يتأخر لئلا يغر الناس (وأن يكون معه من يؤذن في الوقت، وأن يتخذ ذلك عادة لئلا يغر الناس. ويكره) الاذان (في رمضان قبل فجر ثان، مقتصرا عليه) أي على الاذان قبل الفجر، (أما إذا كان معه من يؤذن أول الوقت فلا) يكره، لقول النبي (ص): إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم متفق عليه. زاد البخاري: " وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت، (وما سوى التأذين قبل الفجر) ويوم الجمعة (من التسبيح، والنشيد، ورفع الصوت بالدعاء، ونحو ذلك في الاذان) أو غيرها (فليس بمسنون وما أحد من العلماء قال: إنه يستحب، بل هو من جملة البدع المكروهة) لأنه لم يكن في عهده (ص) ولا عهد أصحابه. وليس له أصل فيما كان على عهدهم يرد إليه، (فليس لأحد أن يأمر به ولا ينكر على من تركه، ولا يعلق استحقاق الرزق به) لأنه إعانة على بدعة، (ولا يلزم فعله ولو شرطه واقف) لمخالفته السنة، (وقال) عبد
286 الرحمن (بن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس: قد رأيت من يقوم بليل كثيرا على المنارة. فيعظ ويذكر، ويقرأ سورة من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات) انتهى، (ويسن أن يؤخر الإقامة) بعد الاذان (بقدر) ما يفرغ الانسان من (حاجته) أي بوله وغائطه، (و) بقدر (وضوئه، وصلاة ركعتين، وليفرغ الآكل من أكله ونحوه) أي كالشارب من شربه. لحديث جابر: إن النبي (ص) قال لبلال: اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمقتضي إذا دخل لقضاء حاجته رواه أبو داود والترمذي، (و) يسن (في المغرب) أي إذا أذن لها أن (يجلس قبلها) أي الإقامة (جلسة خفيفة) لما سبق. ولما روى تمام في فوائده بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا: جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة سنة في المغرب ولان الاذان شرع للاعلام. فسن تأخير الإقامة للادراك. كما يستحب تأخيرها في غيرها، (بقدر ركعتين وكذا كل صلاة يسن تعجيلها) وقيده في المحرر وغيره قال بعضهم: خفيفتين. وقيل: والوضوء، (ثم يقيم) قال في الانصاف: والأول، أي الجلوس جلسة خفيفة: هو المذهب انتهى. قلت: فليست المسألة على قول واحد، كما توهمه عبارته، إلا أن يقال: الخلف لفظي. فقول واحد معني، (ولا يحرم إمام وهو) أي المقيم (في الإقامة) نص عليه، خلافا لأبي حنيفة في الإقامة، (ويستحب) الاحرام (عقب فراغه منها) أي الإقامة. وظاهره: لا تعتبر موالاة بين الإقامة والصلاة، خلافا للشافعي. إذا أقام عند إرادة الدخول في الصلاة، لقول الصحابي لأبي بكر رضي الله عنهما: أتصلي فأقيم ولأنه (ص) لما ذكر أنه
287 جنب ذهب فاغتسل وظاهره: طول الفصل. ولم يعدها. قاله في الفروع، (وتباح ركعتان قبل) صلاة (المغرب) بعد أذانه. فلا يكرهان. ولا يستحبان. وعنه يسن فعلهما للخبر الصحيح. وعنه بين كل أذانين صلاة قاله ابن هبيرة في غير المغرب، (وفيهما) أي الركعتين قبل المغرب (ثواب). قلت: هذا يدل على استحبابهما. وجزم به في المفردات. لأن المباح لا ثواب في فعله ولا تركه، (ويحرم خروج من مسجد بعد الاذان، بلا عذر، أو نية رجوع) لحديث عثمان بن عفان قال الرسول (ص): من أدركه الاذان في المسجد، ثم خرج، لم يخرج وهو لا يريد الرجعة فهو منافق رواه ابن ماجة (إلا أن يكون قد صلى) نقل صالح. لا يخرج، ونقل أبو طالب: لا ينبغي. ونقل ابن الحكم: أحب إلي أن لا يخرج. وكرهه أبو الوفاء وأبو المعالي. وقال ابن تميم: يجوز للمؤذن أن يخرج بعد أذان الفجر. نص عليه (قال الشيخ: إن كان التأذين للفجر قبل الوقت لم يكره الخروج) أي من المسجد قبل الصلاة (نصا) قال في الانصاف: الظاهر أن هذا مراد من أطلق، (ويستحب أن لا يقوم) الانسان (إذا أخذ المؤذن) أي شرع (في الاذان، بل يصبر قليلا) أي إلى أن يفرغ، أو يقارب الفراغ (لأن في التحرك عند سماع النداء تشبها بالشيطان) حيث يفر عند سماعه، كما في الخبر. قال في الاختيارات. إذا أقيمت الصلاة وهو قائم يستحب له أن يجلس، وإن لم يكن صلى تحية المسجد. قال ابن منصور: رأيت أبا عبد الله أحمد يخرج عند المغرب، فحين انتهى إلى موضع الصف أخذ المؤذن في الإقامة فجلس. انتهى. لما روى الخلال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن النبي (ص) جاء وبلال في الإقامة فقعد (ومن جمع بين صلاتين)
288 أذن للأولى، وأقام لكل منهما، سواء كان الجمع في وقت الأولى أو الثانية. لما روى جابر أن النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين رواه مسلم (أو قضى فوائت أذن ل) - لصلاة (الأولى فقط، ثم أقام لكل صلاة) لما روى أبو عبيدة عن أبيه عن ابن مسعود أن المشركين يوم الخندق شغلوا النبي (ص) عن أربع صلوات، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء رواه النسائي والترمذي واللفظ له: وقال ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، (ويجزئ أذان مميز لبالغين) لما روى ابن المنذر بإسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال: كان عمومتي يأمرونني أن أؤذن لهم، وأنا غلام لم أحتلم، وأنس بن مالك شاهد لم ينكر ذلك ولأنه ذكر تصح صلاته. فصح أذانه، كالبالغ، وتقدم كلام الشيخ تقي الدين فيه، (و) يصح أذان (ملحن) وهو الذي فيه تطريب، يقال: لحن في قراءته، إذا طرب به وغرد، لحصول المقصود به، (و) يصح أذان (ملحون إن لم يحل) لحنه (المعنى) كما لو رفع الصلاة أو نصبها. لأن ذلك لا يمنع إجزاء القراءة في الصلاة فهنا أولى (مع الكراهة فيهما) أي في الملحن والملحون. قال أحمد: كل شئ محدث أكرهه مثل التطريب (فإن أخل) اللحن (المعنى وكقوله: الله أكبر) أي بهمزة مع الواو بدليل رسم الألف بعدها. وأما لو قلب الهمزة واو الوقف لم يكن لحنا لأنه لغة، وقرئ به، كما يعلم من كتب القراءات. (لم يعتد به) كالقراءة في الصلاة، ويكره الاذان أيضا من ذي لثغة فاحشة. فإن لم تكن فاحشة. لم يكره. فقد روي أن بلالا كان يبدل الشين سينا، والفصيح أحسن وأكمل قاله في الشرح، (ولا يجزئ أذان فاسق) ظاهر الفسق. وتقدم تعليله، (و) لا أذان (خنثى وامرأة) لأن رفع صوتهما منهي عنه، فيخرج الاذان عن كونه قربة، فلم يصح كالحكاية، (ويسن لمن سمع المؤذن ولو) سمع مؤذنا (ثانيا وثالثا حيث يسن) الاذان ثانيا وثالثا، لسعة البلد أو نحوها. قال في المبدع: لكن لو سمع المؤذن وأجابه وصلى في جماعة لا يجيب الثاني. لأنه غير
289 مدعو بهذا الاذان (حتى) إنه يستحب للمؤذن أن يجيب (نفسه نصا) صرح باستحبابه جماعة، وظاهر كلام آخرين: لا يجيب نفسه، قال ابن رجب في القاعدة السبعين: الأرجح أنه لا يجيب نفسه، (أو) أي ويسن لمن سمع (المقيم) حتى نفسه على ما تقدم (أن) ما (يقول متابعة) ل (- قوله سرا كما يقول) المؤذن والمقيم (ولو) كان السامع (في طواف) فرض، أو نفل، (أو) كان السامع (امرأة أو تاليا ونحوه) كالذاكر (فيقطع القراءة) أو الذكر (ويجيبه) لعموم ما يأتي، و (لا يجيب) السامع إن كان (مصليا) فرضا، أو نفلا (و) لا إن كان (متخليا) أي داخلا الخلاء ونحوه، لقضاء حاجته (ويقضيانه) أي يقضي المصلي والمتخلي ما سمعه من أذان أو إقامة، إذا فرغ من صلاته أو خرج من قضاء حاجته في صفة ما يجيبه عقبه (فإن أجابه المصلي بطلت) الصلاة (بالحيعلة فقط) أي إذا قال السامع مجيبا للمؤذن أو المقيم: حي على الصلاة، أو حي على الفلاح، بطلت صلاته، دون ألفاظ باقي الاذان. لأنها أقوال مشروعة في الصلاة في الجملة، بخلاف الحيعلة، لأنها خطاب آدمي، ومثل الحيعلة إذا أجاب في التثويب. بصدقت وبررت. فتبطل به الصلاة (إلا في الحيعلة) استثناء من قوله. كما يقول (فيقول) السامع للحيعلة: (لا حول) أي تحول من حال إلى حال، (ولا قوة) على ذلك (إلا بالله) وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بمعونة الله. ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيقه. والمعنى الأول أجمع وأشمل. قاله الشيخ تقي الدين في شرح العمدة. (و) يقول المجيب (عند التثويب) أي قول المؤذن في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم (صدقت وبررت) بكسر الراء، (و) إلا (في الإقامة) فيقول (عند لفظها أقامها الله وأدامها) لما روى عمر أن النبي (ص) قال: إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله، فقال: أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: الله أكبر الله أكبر. فقال: الله أكبر الله أكبر ثم قال: لا إله إلا الله. فقال: لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة رواه مسلم. وإنما لم يتابعه في الحيعلة لأنها خطاب، فإعادته عبث، بل سبيله الطاعة، وسؤال الحول والقوة. وتكون الإجابة عقب كل جملة للخبر. والأصل في
290 استحباب إجابة المقيم ما روى أبو داود بإسناده عن بعض أصحاب النبي (ص): أن بلالا أخذ في الإقامة، فلما أن قال: قد قامت الصلاة. قال النبي (ص): أقامها الله وأدامها وقال في سائر ألفاظ الإقامة كنحو حديث عمر في الاذان وإنما استحبت الإجابة للمؤذن والمقيم على ما تقدم، ليجمع بين أجر الأذان والإقامة، والإجابة، والحيعلة هي قول: حي على الصلاة حي على الفلاح، على أخذ الحاء والياء من حي والعين واللام من على، كما يقال: الحوقلة في: لا حول ولا قوة إلا بالله على أخذ الحاء من حول. والقاف من قوة، واللام من اسم الله تعالى، وتقدم معناها، وقال ابن مسعود: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونته قال الخطابي: هذا أحسن ما جاء فيه (ولو دخل المسجد - والمؤذن قد شرع في الاذان - لم يأت بتحية المسجد ولا بغيرها، بل يجيب) المؤذن (حتى يفرغ) من أذانه. فيصلي التحية بشرطه، ليجمع بين أجر الإجابة والتحية. قال في الفروع: (ولعل المراد غير أذان الخطبة) أي الاذان الذي يكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة (لأن سماعها) أي الخطبة (أهم) من الإجابة، فيصلي التحية إذا دخل، (ثم يصلي على النبي (ص) بعد فراغه) من الاذان وإجابته، (ثم يقول) كل من المؤذن وسامعه: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته) لما روى ابن عمر مرفوعا: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة، لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة رواه مسلم. وعن جابر: أن النبي (ص) قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته. حلت له شفاعتي يوم القيامة رواه البخاري.
291 قال في المبدع: ولم يذكر والسلام معه. فظاهره أنه لا يكره بدونه وقد ذكر النووي أنه يكره. تتمة: اللهم أصله يا الله والميم بدل من ياء النداء قاله الخليل وسيبويه وقال الفراء أصله: يا الله أمنا بخير، فحذف حرف النداء. ولا يجوز الجمع بينهما إلا في الضرورة " والدعوة " بفتح الدال. هي دعوة الاذان سميت تامة لكمالها وعظمة موقعها وسلامتها من نقص يتطرق إليها. وقال الخطابي: وصفها بالتمام لأنها ذكر الله، يدعى بها إلى طاعته التي تستحق صفة الكمال والتمام، وما سواها من أمور الدنيا معرض للنقص والفساد، وكان الإمام أحمد يستدل بهذا على أن القرآن غير مخلوق. قال لأنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص، والصلاة القائمة التي ستقوم، وتفعل بصفاتها والوسيلة منزلة عدن الملك وهي منزلة في الجنة والمقام المحمود الشفاعة العظمى في يوم القيامة لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون. والحكمة في سؤال ذلك مع كونه واجب الوقوع بوعد الله تعالى إظهار كرامته، وعظم منزلته، وقد وقع منكرا في الصحيح، تأدبا مع القرآن. فيكون قوله: الذي وعدته منصوبا على البدلية، أو على إضمار فعل، أو مرفوعا على أنه خبر لمبتدأ محذوف (ثم يسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة ويدعو هنا) أي عند فراغ الاذان. لقوله (ص): لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة رواه أحمد والترمذي وحسنه، (و) يدعو (عند الإقامة) فعله أحمد ورفع يديه (ويقول عند أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك فاغفر لي) للخبر. باب شروط الصلاة الشروط: جمع شرط. كفلوس جمع فلس. والشرائط: جمع شريطة كفرائض
292 وفريضة والأشراط واحدها شرط بفتح الشين والراء، وسمي شرطا لأنه علامة على المشروط، ومنه قوله تعالى: * (فقد جاء أشراطها) * وفي الاصطلاح: هو ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم. كالاحصان مع الرجم. فالشرط ما لا يوجد المشروط مع عدمه. ولا يلزم أن يوجد عند وجوده. وهو عقلي، كالحياة للعلم، ولغوي كإن دخلت الدار فأنت طالق، وشرعي كالطهارة للصلاة. (وهي) أي شروط الصلاة (ما يجب لها قبلها) بأن تتقدم على الصلاة وتسبقها (إلا النية) فإنه لا يجب أن تتقدم على الصلاة، بل الأفضل أن تقارن التكبير. ويأتي (ويستمر حكمه إلى انقضائها) أي الصلاة، وبهذا المعنى فارقت الأركان، (والشرط) الشرعي (ما يتوقف عليه صحة مشروطه) صلاة كان أو غيرها (إن لم يكن عذر) تعجز به عن تحصيل الشرط (ولا يكون) ما تتوقف عليه الصحة (منه) أي من المشروط بخلاف الأركان. فإنها تتوقف عليها الصحة، لكنها من العبادة (فمتى أخل بشرط لغير عذر لم تنعقد صلاته) لفقد شرطها (ولو) كان التارك للشرط (ناسيا) له (أو جاهلا) به. (وهي) أي شروط الصلاة (وتسعة الاسلام، والعقل، والتمييز و) هذه الثلاثة شرط في كل عبادة. ولذلك أسقطها في المقنع وغيره، إلا التمييز في الحج فإنه يصح بمن لم يميز. ولو أنه ابن ساعة. ويحرم عنه وليه: كما يأتي والرابع: (الطهارة من الحدث) الأكبر والأصغر، لقوله (ص): لا يقبل الله صلاة بغير طهور الحديث. رواه مسلم (وتقدمت) مفصلة (وتأتي بقيتها) أي الشروط، (والخامس: دخول الوقت) لقوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) *، قال ابن عباس: دلوكها إذا فاء الفئ ويقال: هو غروبها: وقيل طلوعها. وهو غريب. قال عمر: الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصلح إلا به وحديث جبريل حين أم النبي (ص) في الصلوات الخمس. ثم قال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، (وتجب الصلاة بدخول أول وقتها) في حق من هو من أهل الوجوب: وجوبا موسعا، بمعنى أنها تثبت في ذمته يفعلها إذا قدر لقوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * والامر
293 للوجوب على الفور. ولان دخول الوقت سبب للوجوب، فترتب عليه حكمه عند وجوده، فالوقت سبب وجوب الصلاة لأنها تضاف إليه، وهي تدل على السببية وتتكرر بتكرره وهو سبب نفس الوجوب. إذ سبب وجوب الأداء: الخطاب. (والصلوات المفروضات) العينية (خمس) في اليوم والليلة، أجمع المسلمون على ذلك، وأن غيرها لا يجب إلا لعارض. كالنذر. وأما الوتر فسيأتي. والكلام على الجمعة يأتي في بابها، (الظهر) واشتقاقها من الظهور إذ هي ظاهرة في وسط النهار، والظهر: لغة: الوقت بعد الزوال. وشرعا: صلاة هذا الوقت من تسمية الشئ باسم وقته (وهي أربع ركعات) إجماعا، (وهي) أي الظهر (الأولى) قال عياض: هو اسمها المعروف لبداءة جبريل عليه السلام بها لما صلى بالنبي (ص). وفي البداءة بها إشارة إلى أن هذا الدين ظهر أمره وسطع نوره، من غير خفاء ولأنه لو بدأ بالفجر لختم بالعشاء ثلث الليل. وهو وقت خفاء، فلذلك ختم بالفجر لأنه وقت ظهور. وفيه ضعف، إشارة إلى أن هذا الدين يضعف في آخر الامر. وبدأ ابن أبي موسى والشيرازي وأبو الخطاب بالفجر، لبداءته (ص) بها السائل. ولأنها أول اليوم. فإن قيل: إيجابها كان ليلا وأول صلاة تحضر بعد ذلك هي الفجر. فلم يبدأ بها جبريل؟ أجيب: بأنه يحتمل أنه وجد تصريح أن أول وجوب الخمس من الظهر. ويحتمل أن الاتيان بها متوقف على بيانها لان الصلوات مجملة، ولم يتبين إلا عند الظهر، (وتسمى الهجير) لفعلها وقت الهاجرة (ووقتها من زوال الشمس وهو ميلها عن وسط السماء) أجمع العلماء على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس. حكاه ابن المنذر وابن عبد البر، لحديث جابر أن النبي (ص) جاءه جبريل فقال: قم فصل الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه من الغد للظهر، فقال: قم فصل، فصلى الظهر حين صار ظل كل شئ مثله، ثم قال: ما بين هذين وقت إسناده ثقات رواه أحمد والترمذي، وقال البخاري: هو أصح شئ في المواقيت وصححه ابن خزيمة والترمذي وحسنه من حديث ابن عباس ونحوه، وفيه أن رسول الله (ص) قال: أمني جبريل عند البيت مرتين - وفيه - فصلى الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك وهو بشين معجمة مكسورة وراء مهملة وبالكاف: أحد سيور النعل (ويعرف ذلك) أي ميل الشمس عن وسط السماء (بزيادة الظل بعد تناهي قصره) لأن الشمس إذا طلعت رفع لكل شاخص ظل طويل من جانب المغرب، ثم ما دامت الشمس ترتفع فالظل ينقص فإذا انتهت الشمس إلى وسط
294 السماء، وهي حالة الاستواء انتهى نقصانه، فإذا زاد الظل أدنى زيادة دل على الزوال، والظل أصله الستر، ومنه أنا في ظل فلان ومنه ظل الجنة، وظل شجرها وظل الليل سواده، وظل الشمس ما ستر الشخوص من سقطها، ذكره ابن قتيبة قال: والظل يكون غدوة وعشية من أول النهار وآخره. والفئ لا يكون إلا بعد الزوال، لأنه فاء أي رجع من جانب إلى جانب، (ولكن لا يقصر) الظل (في بعض بلاد خراسان لسير الشمس ناحية عنها قاله ابن حمدان وغيره) فصيفها كشتاء غيرها. ولذلك أنيط الحكم بالزوال، دون زيادة الظل (ويختلف الظل باختلاف الشهر والبلد) فيقصر الظل في الصيف، لارتفاعها إلى الجو ويطول في الشتاء لمسامتتها للمنتصب، ويقصر الظل جدا في كل بلد تحت وسط الفلك، وذكر السامري وغيره: أن ما كان من البلاد تحت وسط الفلك مثل مكة وصنعاء في يوم واحد، وهو أطول أيام السنة لا ظل ولا فئ لوقت الزوال، بل يعرف الزوال هناك بأن يظهر للشخص فئ من نحو المشرق، للعلم بأنها قد أخذت مغربة (فأقل ما) أي ظل للآدمي (تزول) الشمس عليه (في إقليم الشام والعراق وما سامتهما) أي حاذاهما من البلاد (طولا، على قدم وثلث) تقريبا (في نصف حزيران) وذلك مقارب لأطول أيام السنة وأطولها سابع عشر حزيران (وفي نصف تموز وأيار، على قدم ونصف وثلث، وفي نصف آب، ونيسان على ثلاثة) أقدام (وفي نصف آذار) بالذال المعجمة (و) نصف (أيلول على أربعة ونصف) قدم (وفي نصف شباط) بضم السين المهملة قاله في حاشيته، (و) نصف (تشرين الأول على ستة) أقدم (وفي نصف كانون الثاني وتشرين الثاني على تسعة، وفي نصف كانون الأول على عشرة وسدس) قدم. وذلك مقارب لأقصر أيام السنة. وأقصرها سابع عشر كانون الأول (وتزول) الشمس (على أقل) من ذلك، (و) على (أكثر) منه (في غير ذلك) الوقت والإقليم فإذا أردت معرفة ذلك فقف على مستو من الأرض، وعلم الموضع الذي انتهى إليه ظلك، ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى. وألصق عقبك بإبهامك. فإذا بلغت مساحة هذا القدر بعد انتهاء النقص فهو وقت زوال الشمس. قاله في المبدع وغيره (وطول الانسان ستة أقدام وثلثان بقدمه تقريبا) وقد تنقص في بعض الناس يسيرا، أو تزيد يسيرا،
295 (ويمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شئ مثله بعد) الظل (الذي زالت عليه الشمس، إن كان) ثم ظل زالت عليه، لما تقدم. فتضبط ما زالت عليه الشمس من الظل، ثم تنظر الزيادة عليه. فإذا بلغت قدر الشخص فقد انتهى وقت الظهر (والأفضل تعجيلها) أي الظهر. لما روى أبو برزة قال: كان النبي (ص) يصلي الهجير، التي تدعونها الأولى، حين تدحض الشمس وقال جابر: كان النبي (ص) يصلي الظهر بالهاجرة متفق عليهما، وقالت عائشة: ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من رسول الله (ص)، ولا من أبي بكر، ولا من عمر حديث حسن (وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب لها) أو لغيرها مما يسن تعجيلها (إذا دخل الوقت) بأن يشتغل بأسباب الصلاة من حين دخول الوقت، لأنه لا يعد حينئذ متوانيا ولا مقصرا (إلا في شدة حر، فيسن التأخير، ولو صلى وحده حتى ينكسر) الحر. لحديث أبي هريرة مرفوعا: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم متفق عليه، وفي لفظ: أبردوا بالظهر وفيح جهنم: هو غليانها. وانتشار لهبها ووهجها، (و) إلا (في غيم لمن يصلي) الظهر (في جماعة) فيؤخرها (إلى قرب وقت الثانية) أي العصر. لما روى ابن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يؤخرون الظهر، ويعجلون العصر في اليوم المغيم لأنه وقت يخاف فيه العوارض من المطر ونحوه، فيشق الخروج لكل صلاة منهما، فاستحب تأخير الأولى من المجموعتين ليقرب من الثانية، لكن يخرج لهما خروجا واحدا طلبا للأسهل المطلوب شرعا (في غير صلاة جمعة، فيسن تعجيلها في كل حال بعد الزوال) حرا كان أو غيما أو غيرهما، لقول سهل بن سعد: ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة
296 وقال سلمة بن الأكوع: كنا نجمع مع النبي (ص)، ثم نرجع فنتتبع الفئ متفق عليهما، (وتأخيرها) أي الظهر (لمن لم تجب عليه الجمعة إلى بعد صلاتها) أي الجمعة أفضل من فعلها قبله، (و) تأخير الظهر (لمن يرمي الجمرات) أيام منى (حتى يرميها أفضل) من فعلها قبله، (ويأتي) ذلك في صفة الحج موضحا، (ثم يليه) أي وقت الظهر (وقت العصر) من غير فصل بينهما ولا اشتراك، والعصر العشي. قال الجوهري: والعصران: الغداة والعشي، ومنه سميت العصر، وذكر الأزهري مثله تقول: فلان يأتي فلانا العصرين والبردين، إذا كان يأتيه طرفي النهار، فكأنها سميت باسم وقتها، (وهي أربع ركعات) إجماعا (وهي) الصلاة (الوسطى) قال في الانصاف: نصف عليه الإمام أحمد. وقطع به الأصحاب، ولا علم عنه ولا عنهم فيها خلافا اه. وفي الصحيحين: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ولمسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وعن ابن مسعود وسمرة قالا: قال النبي (ص): الصلاة الوسطى صلاة العصر قال الترمذي: حسن صحيح. وقاله أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم، والوسطى مؤنث الأوسط، وهو أي الوسط الخيار وفي صفة النبي (ص): أنه من أوسط قومه أي خيارهم وليست بمعنى متوسطة لكون الظهر هي الأولى، بل بمعنى الفضلى (ووقتها) المختار: (من خروج وقت الظهر إلى أن يصير ظل الشئ مثليه، سوى ظل الزوال إن كان) لأن جبريل صلاها بالنبي (ص) حين صار ظل كل شئ مثله في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثليه، وقال: الوقت فيما بين هذين. (وهو) أي بلوغ
297 ظل الشئ مثليه سوى ظل الزوال (آخر وقتها المختار) في اختيار الخرقي وأبي بكر، والقاضي، وكثير من أصحابه، وقدمها في المحرر والفروع، وقطع به في المنتهى وغيره لقوله (ص) في حديث ابن عباس الوقت ما بين هذين (وعنه إلى اصفرار الشمس، اختاره الموفق والمجد وجمع) وصححها في الشرح وابن تميم. وجزم بها في الوجيز. قال في الفروع: وهي أظهر. لما روى ابن عمر أن النبي (ص) قال: وقت العصر ما لم تصفر الشمس رواه مسلم (وما بعد ذلك وقت ضرورة إلى غروبها) فتقع الصلاة فيه أداء، ويأثم فاعلها بالتأخير إليه، لغير عذر (وتعجيلها أفضل بكل حال) في الحر والغيم وغيرها، للأحاديث، (ويسن جلوسه بعدها) أي العصر (في مصلاه إلى غروب الشمس، وبعد فجر إلى طلوعها) لحديث مسلم: أنه (ص) كان يقعد في مصلاه بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، (ولا يستحب ذلك في بقية الصلوات) نص عليه. ذكره ابن تميم، واقتصر عليه في المبدع وغيره (ثم يليه) أي يلي وقت الضرورة للعصر (وقت المغرب) وهو في الأصل: مصدر غربت الشمس - بفتح الراء وضمها - غروبا ومغربا ويطلق في اللغة على وقت الغروب. ومكانه. فسميت هذه الصلاة باسم
298 وقتها. كما تقدم (وهي وتر النهار) لاتصالها به، فكأنها فعلت فهي، وليس المراد: الوتر المشهور، بل إنها ثلاث ركعات (ولا يكره تسميتها بالعشاء) قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب، (و) تسميتها (بالمغرب أولى) قال المجد وغيره: الأفضل تسميتها بالمغرب، (وهي ثلاث ركعات) إجماعا، حضرا وسفرا (ولها وقتان) قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب. وعليه جماهير الأصحاب (وقت اختيار، وهو إلى ظهور النجوم) قال في النصيحة للآجري: من أخر حتى يبدو النجم أخطأ (وما بعده) أي بعد ظهور النجم إلى آخر وقتها (وقت كراهة) على ما تقدم، وقال في المبدع: استفيد من كلامهم: من الصلوات ما ليس له إلا وقت واحد. كالظهر والمغرب والفجر على المختار وما له ثلاثة. كالعصر والعشاء، وقت فضيلة، وجواز، وضرورة. وفي كلام بعضهم: أن لها وقت تحريم أي يحرم التأخير إليه، ومعناه: أن يبقى ما لا يسع الصلاة اه. وكلامه لا ينافي ما تقدم عن الانصاف. لأن قوله: للمغرب وقتان، أي وقت فضيلة وجواز، ومراد صاحب المبدع، أن لها وقتا واحدا: نفى وقت الضرورة فقط، (وتعجيلها) أي المغرب (أفضل) قال في المبدع، إجماعا لما روى جابر: أن النبي (ص) كان يصلي المغرب إذا وجبت وعن رافع ابن خديج قال: كنا نصلي المغرب مع النبي (ص) فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله متفق عليهما، ولما فيه من الخروج من الخلاف (إلا ليلة المزدلفة، وهي ليلة النحر لمن قصدها) أي مزدلفة (محرما فيسن له تأخيرها) أي المغرب (ليصليها مع العشاء) جمع
299 تأخير، إن جاز له. لفعله (ص) (إن لم يوافها) أي مزدلفة (وقت الغروب) فإن حصل بها وقته لم يؤخرها، بل يصليها في وقتها. لأنه لا عذر له (و) إلا (في غيم لمن يصلي جماعة) فيسن تأخيرها إلى قرب العشاء، ليخرج لهما مرة واحدة، طلبا للأسهل، كما تقدم في الظهر، (و) إلا (في الجمع إن كان) التأخير (أرفق) به طلبا للسهولة (ويأتي) في الجمع (ويمتد وقتها) أي المغرب (إلى مغيب الشفق الأحمر) لأنه (ص) صلى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق وعن عبد الله بن عمر عن النبي (ص) قال: وقت المغرب ما لم يغب الشفق رواهما مسلم، وهذا بالمدينة وحديث جبريل كان أول فرض الصلاة بمكة، فيكون منسوخا على تقدير التعارض. أو محمولا على التأكد والاستحباب. وقيد الشفق بالأحمر لقول " رواهما مسلم، وهذا بالمدينة وحديث جبريل كان أول فرض الصلاة بمكة، فيكون منسوخا على تقدير التعارض. أو محمولا على التأكد والاستحباب. وقيد الشفق بالأحمر لقول ابن عمر " الشفق الحمرة " وقد قال الخليل بن أحمد وغيره: البياض لا يغيب إلا عند طلوع الفجر، (ثم يليه) أي وقت المغرب (العشاء) بكسر العين والمد اسم لأول الظلام سميت الصلاة بذلك لأنها تفعل فيه، ويقال لها: عشاء الآخرة، وأنكره الأصمعي وغلطوه في إنكاره (وهي أربع ركعات) إجماعا (ولا يكره تسميتها بالعتمة) لقول عائشة: كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل رواه البخاري. والعتمة في اللغة: شدة الظلمة. والأفضل أن تسمى العشاء. قاله في المبدع. (ويكره النوم قبلها، ولو كان له من يوقظه والحديث بعدها) لحديث أبي برزة الأسلمي أن النبي (ص) كان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة. وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها متفق عليه. وعلله القرطبي: بأن الله تعالى جعل الليل سكنا. وهذا يخرجه عن ذلك (إلا) الحديث (في أمر المسلمين، أو شغل، أو شئ يسير، أو مع أهل، أو
300 ضيف) فلا يكره. لأنه خير ناجز. فلا يترك لمفسدة متوهمة (وآخر وقتها المختار: إلى ثلث الليل) الأول. نص عليه. واختاره الأكثر. لأن جبريل صلاها بالنبي (ص) في اليوم الأول حين غاب الشفق، وفي اليوم الثاني حين كانت ثلث الليل الأول. ثم قال: الوقت فيما بين هذين رواه مسلم، وتقدم حديث عائشة، (وعنه) يمتد وقت العشاء المختار إلى (نصفه) أي الليل (اختاره الموفق والمجد وجمع) منهم القاضي وابن عقيل. وقدمه ابن تميم. قال في الفروع: وهو أظهر لما روى أنس أن النبي (ص) أخرها إلى نصف الليل، ثم صلى، ثم قال: ألا صلى الناس وناموا؟ أما أنكم في صلاة ما انتظرتموها متفق عليه. وعن ابن عمر مرفوعا قال: وقت العشاء إلى نصف الليل رواه مسلم، (ثم وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني) لقوله: ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، أن يؤخر صلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى رواه مسلم من حديث أبي قتادة. ولأنه وقت للوتر. وهو من توابع العشاء. فاقتضى أن يكون وقتا لها. لأن التابع إنما يفعل في وقت المتبوع. كركعتي الفجر والحكم فيه حكم الضرورة في وقت العصر. فيحرم تأخيرها عن وقت الاختيار بلا عذر. و (هو) أي الفجر الثاني: (البياض المعترض في المشرق، ولا ظلمة بعده) ويقال له: الفجر الصادق والفجر الأول يقال له: الفجر الكاذب. وهو مستطيل بلا اعتراض أزرق، له شعاع. ثم يظلم، ولدقته يسمى: ذنب السرحان. أي الذئب. قال محمد بن حسنويه: سمت أبا عبد الله يقول: الفجر يطلع بليل. ولكن تستره أشجار جنات عدن (وتأخيرها) أي العشاء (إلى آخر وقتها المختار أفضل) لقول النبي (ص): لولا
301 أن أشق على أمتي لامرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه رواه الترمذي وصححه (ما لم يشق) التأخير (على المأمومين، أو) على (بعضهم) فإنه يكره. نص عليه في رواية الأثرم، لأنه (ص) كان يأمر بالتخفيف رفقا بهم قاله في المبدع (أو يؤخر مغربا لغيم، أو جمع، فتعجيل العشاء فيهن أفضل) من تأخيرها (ولا يجوز تأخير الصلاة) التي لها وقت اختيار ووقت ضرورة (أو) تأخير (بعضها إلى وقت الضرورة ما لم يكن عذر) قال في المبدع: ذكره الأكثر (وتقدم) في كتاب الصلاة (وتأخير عادم الماء العالم) وجوده (أو الراجي وجوده) أو المستوى عنده الأمران (إلى آخر الوقت الاختياري) إن كان للصلاة وقتان (أو إلى آخر الوقت، إن لم يكن لها وقت ضرورة: أفضل في) الصلوات (الكل. وتقدم في التيمم) موضحا (وتأخير) الكل (لمصلي كسوف أفضل، إن أمن فوتها) لتحصيل فضيلة الصلاتين، (و) التأخير أيضا أفضل (لمعذور كحاقن، وتائق ونحوه) حتى يزيل ذلك. ليأتي بالصلاة على أكمل الأحوال، (وتقدم: إذا ظن مانعا من الصلاة) كحيض (ونحوه) كموت وقتل في كتاب الصلاة (ولو أمره والده بتأخيرها) أي الصلاة (ليصلي به أخر نصا) إلى أن يبقى من الوقت الجائز فعلها فيه بقدر ما يسعها. قال في شرح المنتهى: وظاهره أن هذا التأخير يكون وجوبا (ف) - يؤخذ من نص الامام (لا تكره إمامة ابن بأبيه) لأن الكراهة تنافي ما طلب فعله شرعا (ويجب التأخير) إلى أن يضيق الوقت على من لا يحسن الفاتحة، أو واجب الذكر (لتعلم الفاتحة وذكر واجب في
302 الصلاة) حيث أمكنه التعلم. ليأتي بالصلاة تامة. من غير محذور بالتأخير، (ثم يليه) أي وقت الضرورة للعشاء (وقت الفجر) سمى به لانفجار الصبح. وهو ضوء النهار إذا انشق عنه الليل. وقال الجوهري: هو في آخر الليل كالشفق في أوله. تقول: قد أفجرنا، كما تقول: قد أصبحنا، من الصبح - مثلث الصاد. حكاه ابن مالك. وهو ما جمع بياضا وحمرة. والعرب تقول: وجه صبيح، لما فيه من بياض وحمرة (وهي ركعتان) إجماعا حضرا وسفرا (وتسمى الصبح) وتقدم ما فيه (ولا يكره تسميتها بالغداة) قال في المبدع: في الأصح. وهي من صلاة النهار. نص عليه (ويمتد وقتها إلى طلوع الشمس) لما روى ابن عمر أن النبي (ص) قال: وقت الفجر ما لم تطلع الشمس رواه مسلم (وليس لها وقت ضرورة) وقال القاضي، وابن عقيل، وابن عبدوس: يذهب وقت الاختيار بالاسفار، ويبقى وقت الادراك إلى طلوع الشمس (وتعجيلها) أول الوقت (أفضل) لقول عائشة: كانت النساء المؤمنات يشهدن مع النبي (ص) صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، ما يعرفهن أحد من الغلس متفق عليه. وعن أبي مسعود الأنصاري أن النبي (ص) غلس بالصبح، ثم أسفر، ثم لم يعد إلى الاسفار حتى مات رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه. قال الحازمي: رجال إسناده ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة. قال ابن عبد البر: صح عن النبي (ص) وأبي بكر، وعمر، وعثمان أنهم كانوا يغلسون. ومحال أن يتركوا الأفضل، وهم النهاية في إتيان الفضائل، وحديث: أسفروا بالفجر فإنه أعظم للاجر رواه أحمد وغيره.
303 وحكي الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق: أن معنى الاسفار أن يضئ الفجر. فلا يشك فيه، قال الجوهري: أسفر الصبح. أي أضاء، يقال: أسفرت المرأة عن وجهها، إذا كشفته وأظهرته (ويكره تأخيرها بعد الاسفار بلا عذر) قاله في الرعاية الصغرى. وفرعه في المبدع على قول القاضي ومن تابعه. ومقتضى كلام الأكثر: لا كراهة (ويكره الحديث بعدها) أي صلاة الفجر (في أمر الدنيا حتى تطلع الشمس) ويأتي له تتمة في صلاة التطوع. ووقت المغرب في الطول والقصر يتبع النهار، فيكون في الصيف أقصر، ووقت الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء أطول. لأن النورين تابعان للشمس، هذا يتقدمها وهذا يتأخر عنها. فإن كان الشتاء طال زمن مغيبها فيطول زمن الضوء التابع لها. وإذا كان الصيف طال زمن ظهورها فيطول زمن النور التابع لها، قال الشيخ تقي الدين: ومن زعم أن وقت العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء والصيف فقد غلط غلطا بينا باتفاق الناس (ومن أيام الدجال ثلاثة أيام طوال يوم كسنة، فيصلي فيه صلاة سنة). قلت: وكذا الصوم، والزكاة والحج (ويوم كشهر، فيصلي فيه صلاة شهر، ويوم كجمعة، فيصلي فيه صلاة جمعة) فيقدر للصلاة في تلك الأيام بقدر ما كان في الأيام المعتادة، لا أنه للظهر مثلا بالزوال وانتصاف النهار، ولا للعصر بمصير ظل الشئ مثله، بل يقدر الوقت بزمن يساوي الزمن الذي كان في الأيام المعتادة. قال ابن قندس: أشار إلى ذلك، يعني الشيخ تقي الدين في الفتاوى المصرية. والليلة في ذلك كاليوم، فإذا كان الطول يحصل في الليل كان للصلاة في الليل ما يكون لها في النهار. فصل: فيما يدرك به أداء الصلاة. وحكم ما إذا جهل الوقت (تدرك مكتوبة أداء كلها بتكبيرة إحرام في وقتها) أي وقت تلك المكتوبة، سواء أخرها لعذر، كحائض تطهر، ومجنون يفيق، أو لغيره. لحديث عائشة أن النبي (ص) قال: من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب
304 الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها رواه مسلم، وللبخاري: فليتم صلاته وكإدراك المسافر صلاة المقيم، وكإدراك الجماعة، (ولو) كانت المكتوبة (جمعة) وأدرك منها تكبيرة الاحرام في وقتها، فقد أدركها أداء، كباقي المكتوبات، (ويأتي) ذلك في الجمعة (ولو كان) الوقت الذي أدرك فيه تكبيرة الاحرام (آخر وقت ثانية في جمع) وكبر فيه للاحرام فتكون التي أحرم بها أداء، كما لو لم يجمع (فتنعقد) الصلاة التي أدرك تحريمها في وقتها (ويبني عليها) أي على التحريمة (ولا تبطل) الصلاة (بخروج الوقت وهو فيها، ولو) كان (أخرها عمدا) لعموم ما سبق (قال المجد: معنى قولهم: تدرك بتكبيرة، بناء ما خرج منها عن وقتها على تحريمه الأداء في الوقت، وأنها لا تبطل، بل تقع الموقع في الصحة والاجزاء) وتبعه في مجمع البحرين وابن عبيدان، قال في الفروع: وظاهر كلامه في المغني، أنها مسألة القضاء والأداء الآتية بعد ذلك (ومن شك في دخول الوقت لم يصل (حتى يغلب على ظنه دخوله. لأن الأصل عدم دخوله (فإن صلى) مع الشك (فعليه الإعادة وإن وافق الوقت) لعدم صحة صلاته، كما لو صلى من اشتبهت عليه القبلة من غير اجتهاد. قال ابن حمدان: من أحرم بفرض مع ما ينافيه لا مع ما ينافي الصلاة عمدا، أو جهلا، أو سهوا فسد فرضه. ونقله يحتمل وجهين انتهى قلت: يأتي أنه يصح نفلا إذا لم يكن عالما (فإن غلب على ظنه دخوله) أي الوقت (بدليل من اجتهاد أو تقليد) عارف (أو تقدير الزمان بقراءة، أو صنعة) كمن جرت عادته بقراءة شئ إلى وقت الصلاة، أو بعمل شئ مقدر من صنعته إلى وقت الصلاة (صلى) أي جاز له أن يصلي (إن لم يمكنه اليقين بمشاهدة) الزوال ونحوه (أو إخبار عن يقين) لأنه أمر اجتهادي، فاكتفى فيه بغلبة الظن كغيره، ولان الصحابة كانوا يبنون أمر الفطر على غلبة
305 الظن (والأولى تأخيرها قليلا احتياطا) حتى يتيقن دخول الوقت، ويزول الشك (إلا أن يخشى خروج الوقت، أو تكون صلاة العصر في يوم غيم، فيستحب التبكير) لحديث بريدة قال: كنا مع النبي (ص) في غزوة فقال: بكروا بصلاة العصر في اليوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله رواه البخاري. قال الموفق: ومعناه - والله أعلم - التبكير بها إذا حل فعلها بيقين أو غلبة ظن. وذلك لأن وقتها المختار في زمن الشتاء ضيق، فيخشى خروجه. وقال في الانصاف: فعلى المذهب يستحب التأخير، حتى يتبين دخول الوقت. قال ابن تميم وغيره: (والأعمى ونحوه) كالمطمور (يقلد) العارف في دخول الوقت. وفي الجامع للقاضي: والأعمى يستدل على دخول وقت الصلاة، كما يستدل البصير في يوم الغيم. لأنه يساويه في الدلالة. وهو مرور الزمان، وقراءة القرآن، والرجوع إلى الصنائع الراتبة. فإذا غلب على ظنه دخول الوقت جاز له أن يصلي. والاحتياط التأخير. كما تقدم في البصير، ويفارق التوجه إلى القبلة، حيث قالوا: لا يجتهد له. لأنه ليس معه الآلة التي يدركها بها، وهي حاسة البصر. وليس كذلك دخول الوقت، لأنه يستدل عليه بمضي المدة. ومعناه في المبدع (فإن عدم) الأعمى ونحوه (من يقلده، وصلى أعاد ولو تيقن أنه أصاب) كمن اشتبهت عليه القبلة، فيصلي بغير اجتهاد. قال في المنتهى وشرحه: ويعيد أعمى عاجز عن معرفة وقت تلك الصلاة انتهى. فعلم منه: أن من قدر على الاستدلال كما تقدم لا إعادة عليه (فإن أخبره) أي الجاهل بالوقت أعمى كان أو غيره (مخبر) عارف بدخول الوقت (عن يقين) لا ظن (قبل قوله) وجوبا (إن كان ثقة) لأنه خبر ديني، فقبل فيه قول الواحد، كالرواية (أو سمع أذان ثقة) يعني أنه يلزم العمل
306 بأذان ثقة عارف. لأن الاذان شرع للاعلام بدخول وقت الصلاة. فلو لم يجز تقليد المؤذن لم تحصل الحكمة التي شرع الاذان لها. ولم يزل الناس يجتمعون للصلاة في مساجدهم، فإذا سمعوا الاذان قاموا إلى الصلاة، وبنوا على قول المؤذن من غير مشاهدة للوقت، ولا اجتهاد فيه. من غير نكير، فكان إجماعا (وإن كان) الاخبار بدخول الوقت (عن اجتهاد لم يقبله) لأنه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه وتحصيل مثل ظنه. أشبه حال اشتباه القبلة، زاد ابن تميم وغيره (إذا لم يتعذر عليه الاجتهاد، فإن تعذر) عليه الاجتهاد (عمل بقوله) أي قول المخبر عن اجتهاد (ومنه) أي من الاخبار بدخول الوقت عن اجتهاد (الاذان في غيم إن كان عن اجتهاد) فلا يقبله إذا لم يتعذر عليه الاجتهاد (فيجتهد هو) أي مريد الصلاة، إن قدر على الاجتهاد، لقدرته على العمل باجتهاد نفسه (وإن كان المؤذن يعرف الوقت بالساعات) وهو العالم بالتسيير والساعات والدقائق والزوال، (أو) كان يؤذن ب (تقليد عارف) بالساعات (عمل بأذانه) إذا كان ثقة في الغيم وغيره (ومتى اجتهد) من اشتبه عليه الوقت (وصلى فبان أنه وافق الوقت أو ما بعده، أجزأه) ذلك فلا إعادة عليه. لأنه أدى ما خوطب به وفرض عليه، (وإن وافق) ما (قبله) أي الوقت (لم يجزئه عن فرضه) لأن المكلف إنما يخاطب بالصلاة عند دخول وقتها. ولم يوجد بعد ذلك ما يزيله، ولا ما يبرئ الذمة منه. فبقي بحاله، (وكانت) صلاته (نفلا، ويأتي) في باب النية (وعليه الإعادة) أي فعل الصلاة إذا دخل وقتها (ومن أدرك من أول وقت) مكتوبة (قدر تكبيرة، ثم طرأ) عليه (مانع من جنون، أو حيض ونحوه) كنفاس (ثم زال المانع بعد خروج وقتها لزمه قضاء) الصلاة (التي أدرك) التكبيرة (من وقتها فقط) لأن الصلاة تجب بدخول أول الوقت على مكلف، لم يقم به مانع، وجوبا مستقرا. فإذا قام به مانع بعد ذلك لم يسقطها. فيجب قضاؤها عند زوال المانع. ولا يلزمه غير التي دخل وقتها قبل طروء المانع. لأنه لم يدرك جزءا من وقتها، ولا من وقت تتبعها. فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الأولى شيئا، وفارق مدرك وقت الثانية، فإنه أدرك وقتا يتبع الأولى. فلا يصح قياس الثانية على الأولى. والأصل: أنه لا تجب صلاة إلا بإدراك وقتها (وإن بقي قدرها) أي قدر التكبيرة (من آخره) أي آخر الوقت، (ثم زال المانع) من حيض، أو جنون ونحوه (ووجد المقتضى) للوجوب (ببلوغ صبي، أو إفاقة مجنون، أو إسلام كافر، أو طهر حائض) أو نفساء (وجب قضاؤها وقضاء ما تجمع إليها قبلها، فإن كان) زوال
307 المانع، أو طرو التكليف (قبل طلوع الشمس لزمه قضاء الصبح) فقط. لأن التي قبلها لا تجمع إليها (وإن كان قبل غروبها لزم قضاء الظهر والعصر. وإن كان قبل طلوع الفجر لزم قضاء المغرب والعشاء) لما روى الأثرم وابن المنذر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا في الحائض: تطهر قبل طلوع الفجر بركعة، تصلي المغرب والعشاء. فإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعا، لأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر. فإذا أدركه المعذور لزمه قضاء فرضها، كما يلزم فرض الثانية. وإنما تعلق الوجوب بقدر تكبيرة لأنه إدراك. فاستوى فيه القليل والكثير كإدراك المسافر صلاة المقيم. وإنما اعتبرت الركعة في الجمعة للمسبوق لأن الجماعة شرط لصحتها فاعتبر إدراك الركعة، لئلا يفوته الشرط في معظمها. فصل: في قضاء الفوائت وما يتعلق به: (ومن فاتته صلاة مفروضة فأكثر) من صلاة (لزمه قضاؤها) لحديث: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها متفق عليه (مرتبا) نص عليه في مواضع. لأنه (ص) عام الأحزاب صلى المغرب فلما فرغ قال: هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟ قالوا: يا رسول الله: ما صليتها. فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر، ثم أعاد المغرب رواه أحمد. وقد قال (ص): صلوا كما رأيتموني أصلي وقد رأوه قضى الصلاتين مرتبا. كما رأوه يقرأ قبل أن يركع، ويركع قبل أن يسجد، ولوجوب الترتيب بين المجموعتين. ولان القضاء يحكي الأداء (على الفور) لما تقدم من قوله (ص): فليصلها إذا ذكرها فأمر بالصلاة عند الذكر. والامر للوجوب (إلا إذا حضر) من عليه فائتة (لصلاة عيد) فيؤخر الفائتة حتى
308 ينصرف من مصلاه لئلا يقتدى به (ما لم يتضرر في بدنه، أو ماله، أو معيشة يحتاجها) فيسقط عنه الفور، ويقضيها بحيث لا يتضرر لحديث: لا ضرر ولا ضرار وقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) *، (ويجوز التأخير) أي تأخير الفائتة (لغرض صحيح كانتظار رفقة أو جماعة للصلاة) لفعله (ص) بأصحابه لما فاتتهم صلاة الصبح وتحولوا من مكانهم، ثم صلى بهم الصبح. متفق عليه من حديث أبي هريرة. والظاهر أن منهم من فرغ من الوضوء قبل غيره (ولا يصح نفل مطلق) ممن عليه فائتة (إذن:) أي في الوقت الذي أبيح له فيه تأخير الفائتة، لكونه حضر لصلاة عيد أو يتضرر في بدنه، أو نحوه، أو أخرها لغرض صحيح (لتحريمه) أي النفل المطلق إذن (كأوقات النهي) لتعيين الوقت للفائتة. كما لو ضاق الوقت الحاضر ومفهومه أنه يصح النفل المقيد. كالرواتب والوتر لأنها تتبع الفرائض فلها شبه بها، (وإن قلت الفوائت قضى سننها) الرواتب (معها) لأن النبي (ص) لما فاتته الفجر صلى سنتها قبلها (وإن كثرت) الفوائت (فالأولى تركها) أي السنن، لأن النبي (ص) لما قضى الصلوات الفائتة يوم الخندق لم ينقل أنه صلى بينها سنة، ولان الفرض أهم. فالاشتغال به أولى، قاله في الشرح (إلا سنة الفجر) فيقضيها. ولو كثرت الفوائت، لتأكدها وحث الشارع عليها، (ويخير في الوتر) إذا فات مع الفرض وكثر، وإلا قضاه استحبابا، (ولا تسقط الفائتة بحج ولا تضعيف صلاة في المساجد الثلاثة) المسجد الحرام. ومسجده (ص) والمسجد الأقصى. فإذا صلى في أحد تلك المساجد وعليه فائتة لم تسقط بالمضاعفة، (ولا) تسقط ب (- غير ذلك) المذكور، سوى قضائها. لحديث مسلم: من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها والجملة معرفة الطرفين فتفيد الحصر (فإن خشي فوات
309 الحاضرة أو) خشي (خروج وقت الاختيار سقط وجوبه) أي ما ذكر من الفور والترتيب (إذا بقي في الوقت قدر فعلها، ثم يقضي) الفائتة، لأن الحاضرة آكد، بدليل أنه يقتل بتركها، بخلاف الفائتة. ولئلا تصير الحاضرة فائتة (وتصح البداءة بغير الحاضرة مع ضيق الوقت) ويأثم. و (لا) تصح (نافلة ولو راتبة) مع ضيق الوقت (فلا تنعقد) لتحريمها. كوقت النهي، لتعين الوقت للفرض. وهكذا إذا استيقظ، وشك في طلوع الشمس. بدأ بالفريضة. نص عليه. لأن الأصل بقاء الوقت، (وإن نسي الترتيب بين الفوائت حال قضائها) بأن كان عليه ظهر وعصر مثلا، فنسي الظهر حتى فرغ من العصر، (أو) نسي الترتيب (بين حاضرة وفائتة حتى فرغ) من الحاضرة (سقط وجوبه) أي الترتيب، لقوله (ص): عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان رواه النسائي. وما تقدم في حديث إعادته (ص) صلاة المغرب عام الأحزاب: محمول على أنه ذكر صلاة العصر في أثنائها. بدليل أنه سأل عقب سلامه، كما تدل عليه الفاء، وجمعا بين الاخبار (ولا يسقط) الترتيب (بجهل وجوبه) لقدرته على التعلم. فلا يعذر بالجهل لتقصير، بخلاف النسيان (فلو صلى الظهر، ثم الفجر جاهلا) وجوب الترتيب (ثم صلى العصر في وقتها، صحت عصره) مع عدم صحة ظهره (لاعتقاده) حال صلاة العصر (أن لا صلاة عليه، كمن صلاها) أي العصر، (ثم تبين أنه صلى الظهر بلا وضوء) أو أنه كان ترك منها ركنا أو شرطا آخر. لأنه في معنى الناسي، (ولا يسقط) الترتيب (بخشية فوت الجماعة)، بل يصلي الفائتة، ثم الحاضرة، ولو وحده. ويسقط وجوب الجماعة للعذر، (وعنه يسقط) الترتيب بخشية فوت الجماعة، (اختاره جماعة، لكن عليه فعل الجمعة) إن خشي فوتها لو اشتغل بالفائتة، (وإن قلنا بعدم السقوط) أي سقوط الترتيب بخشية فوت الجمعة، (ثم يقضيها ظهرا) على القول بعدم السقوط. قال في المبدع: وظاهره لا فرق بين الحاضرة أن تكون جمعة أو غيرها فإن خوف فوت الجمعة كضيق الوقت في سقوط الترتيب. نص عليه. فيصلي الجمعة قبل القضاء وعنه لا يسقط، قال جماعة: لكن عليه فعل
310 الجمعة في الأصح، ثم يقضيها ظهرا اه، وقال في المنتهى في باب الجمعة: وتترك فائتة لخوف فوت الجمعة، (ويسن أن يصلي الفائتة جماعة إن أمكن) ذلك، لفعله (ص) كما تقدم، (وإن ذكر فائتة في حاضرة أتمها غير الامام، نفلا إما ركعتين وإما أربعا، ما لم يضق الوقت) عن فعل الفائتة، ثم الحاضرة بعد إتمام ما شرع فيها لقوله (ص): من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الامام فليصل مع الامام. فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي، ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الامام رواه أبو يعلى الموصلي بإسناد حسن. قاله في الشرح. وروي موقوفا على ابن عمر. وألحق بالمأموم المنفرد لأنه في معناه، (ويقطعها) أي الحاضرة (الامام) إذا ذكر فائتة (نصا مع سعته) أي الوقت، لئلا يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل، (واستثنى جمع الجمعة) فلا يقطعها الامام إذا ذكر الفائتة في أثنائها. وإن ضاق الوقت بأن لم يتسع لسوى الحاضرة. أتممها الامام وغيره. وإن اتسع للفائتة، ثم الحاضرة فقط، قطعها أيضا غير الامام، لعدم صحة النفل إذن. وإن ذكر الامام الفائتة قبل إحرامه بالجمعة استناب فيها. وقضى الفائتة. فإن أدرك الجمعة مع نائبه وإلا صلى ظهرا (وإن شك في صلاة هل صلى ما قبلها، ودام) شكه (حتى فرغ) من صلاته (فبان أنه لم يصل أعادهما) أي الفائتة، ثم الحاضرة ليحصل الترتيب، (وإن نسي صلاة من يوم) بليلته (يجهل عينها) بأن لم يدر أظهر هي أم غيرها (صلى خمسا بنية الفرض) أي ينوي بكل واحدة من الخمس الفرض الذي عليه (ولو نسي ظهرا، وعصرا من يومين وجهل السابقة) منهما (بدأ بإحداهما بالتحري) أي الاجتهاد (فإن لم يترجح عنده شئ بدأ بأيهما شاء) للعذر (ولو علم أن عليه من يوم الظهر وصلاة أخرى، لا يعلم هل هي المغرب أو الفجر لزمه أن يصلي الفجر، ثم الظهر، ثم المغرب) اعتبارا بالترتيب الشرعي. وإن ترك عشر سجدات من صلاة شهر قضى صلاة
311 عشرة أيام، لجواز تركه كل يوم سجدة ذكره أبو المعالي وجزم بمعناه في المنتهى. ومن شك فيما عليه وتيقن سبق الوجوب أبرأ ذمته يقينا. نص عليه. وإلا ما يتعين وجوبه. ولو شك مأموم: صلى الامام الظهر أو العصر؟ اعتبر بالوقت فإن أشكل فالأفضل عدم الإعادة (ولو توضأ) مكلف (وصلى الظهر، ثم أحدث، ثم توضأ وصلى العصر، ثم ذكر أنه ترك فرضا) أو شرطا (من إحدى الطهارتين، ولم يعلم عينها لزمه إعادة الوضوء) لاحتمال أن يكون المتروك من الوضوء الثاني، (و) أعاد (الصلاتين) ليخرج من العهدة بيقين (ولو لم يحدث بينهما، ثم توضأ للثانية تجديدا لزمه إعادة الأولى فقط) لاحتمال أن يكون المتروك من الوضوء الأولى. ولا يعيد الثانية، لأنها صحيحة بكل حال، لأن المتروك إن كان من التجديد لم يضره تركه، وإن كان من الوضوء أولا، فالحدث ارتفع بالتجديد (من غير إعادة الوضوء) لما ذكر. وتقدم بعضه في الوضوء (وإن نام مسافر عن الصلاة حتى خرج الوقت سن له الانتقال من مكانه) لحضور الشيطان له فيه (ليقضي الصلاة في غيره) أي غير المكان الذي نام فيه، لفعله عليه الصلاة والسلام لما نام عن صلاة الصبح وتقدم. باب ستر العورة وأحكام اللباس الستر: بفتح السين، مصدر ستره أي غطاه، وبكسرها ما يستر به. والعورة لغة: النقصان، والشئ المستقبح. ومنه كلمة عوراء أي قبيحة، (وهو) أي ستر العورة (الشرط السادس) في الذكر. قال ابن عبد البر: أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به، وصلى عريانا. لقوله تعالى: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * لأنها وإن
312 كانت نزلت بسبب خاص، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولقوله (ص): لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار رواه أبو داود، والترمذي وحسنه من حديث عائشة. ورواه الحاكم وقال: على شرط مسلم. والمراد بالحائض: البالغ. والأحسن في الاستدلال أن يقال: انعقد الاجماع على الامر به في الصلاة، والامر بالشئ نهي عن ضده. فيكون منهيا عن الصلاة مع كشف العورة، والنهي في العبادات يدل على الفساد (والعورة سوأة الانسان) أي قبله ودبره قال تعالى: * (فبدت لهما سوآتهما) *، (وكل ما يستحى منه) على ما يأتي تفصيله، سميت عورة لقبح ظهورها، ثم إنها تطلق على ما يجب ستره في الصلاة. وهو المراد هنا وعلى ما يحرم النظر إليه. ويأتي في النكاح (فمعنى ستر العورة: تغطية ما يقبح ظهوره ويستحى منه) من ذكر أو أنثى أو خنثى، حر أو غيره، (وسترها) أي العورة (في الصلاة عن النظر، حتى عن نفسه) فلو كان جيبه واسعا بحيث يمكن رؤية عورته منه إذا ركع أو سجد، وجب زره ونحوه ليسترها، لعموم الامر بستر العورة، (و) حتى (خلوة) فيجب ستر العورة خلوة. كما يجب لو كان بين الناس. لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا، ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك. أو ما ملكت يمينك. قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: فإن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها، قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحى منه رواه أبو داود، و (لا) يجب ستر العورة عن النظر (من أسفل، ولو تيسر النظر) إليها من أسفل، بأن كان يصلي على مكان مرتفع، بحيث لو رفع رأسه من تحته لرأى عورته. وفي المبدع وغيره: والأظهر بلى، إن تيسر النظر (واجب) خبر قوله: وسترها (بساتر لا يصف لون البشرة، سوادها وبياضها) لأن ما وصف سواد الجلد أو
313 بياضه ليس بساتر له (فإن) ستر اللون، و (وصف الحجم) أي حجم الأعضاء (فلا بأس) لأن البشرة مستورة. وهذا لا يمكن التحرز منه (ويكفي في سترها، ولو مع وجود ثوب ورق شجر وحشيش ونحوهما) كخوص مضفور. لأن المقصود سترها، وقد حصل. ولان الامر بسترها غير مقيد بساتر. فكفى أي ساتر، (و) يكفي في سترها أيضا (متصل به، كيده ولحيته) فإذا كان جيبه واسعا ترى منه عورته فضمه بيده، أو غطته لحيته، فمنعت رؤية عورته. كفاه ذلك. لحصول الستر. وكذا لو كان بثوبه حذاء فخذه ونحوه خرق فوضع يده عليه (ولا يلزمه) ستر عورته (ببارية) والمراد بها: ما يصنع على هيئة الحصير من قصب. وفي القاموس: هي الحصير (وحصير ونحوهما مما يضره) إذا لم يجد غيره، دفعا للضرر والحرج، (ولا) يلزمه أيضا ستر عورته ب (- حفيرة وطين وماء كدر) لأن ذلك لا يثبت. وفي الحفيرة حرج. واختار ابن عقيل: يجب الطين لا الماء (ولا) يكفي سترها (بما يصف البشرة) لأنه ليس بساتر. قلت: لكن إن لم يجد غيره وجب. لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، (ويجب سترها كذلك) أي بما لا يصف البشرة، لا من أسفل حتى خلوة (في غير الصلاة، ولو في ظلمة وحمام) لحديث بهز بن حكيم. قال في الرعاية: يجب سترها مطلقا حتى خلوة عن نظر نفسه، لأنه يحرم كشفها خلوة بلا حاجة، فيحرم نظرها. لأنه استدامة لكشفها المحرم، قال في الفروع: ولم أجد تصريحا بخلاف هذا. لا أنه يحرم نظر عورته حيث جاز كشفها. فإنه لا يحرم هو ولا لمسها اتفاقا، (ويجوز كشفها) أي العورة للضرورة، (و) يجوز (نظر الغير إليها لضرورة، كتداو وختان، ومعرفة بلوغ، وبكارة وثيوبة، وعيب، وولادة ونحو ذلك) كحلق عانة لا يحسنه. ويأتي توضيحه في النكاح، (ويجوز كشفها) أي العورة (ونظرها لزوجته وعكسه) لقوله (ص): احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، (و) يجوز كشفها ونظرها (لامته المباحة، وهي لسيدها) أي يجوز للأمة المباحة كشف عورتها لسيدها. ونظرها لعورته، لما تقدم. وخرج بالمباحة المجوسية ونحوها، والمزوجة والمعتدة والمستبرأة من غيره، (و) يجوز (كشفها لحاجة، كتخل واستنجاء وغسل. وتقدم في
314 الاستطابة والغسل ولا يحرم عليه نظر عورته حيث جاز كشفها) لتداو، ونحوه مما تقدم، لكن يكره كما يأتي في الأنكحة. نقله عن الترغيب وغيره (وعورة الرجل) أي الذكر البالغ (ولو) كان (عبدا أو ابن عشر) حرا أو عبدا: ما بين السرة والركبة. لحديث علي قال، قال لي النبي (ص): لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت رواته ثقات. رواه ابن ماجة، وأبو داود. وقال: هذا الحديث فيه نكارة، وعن جرهد الأسلمي. قال: مر الرسول (ص) وعلي بردة، وقد انكشفت فخذي. فقال: غط فخذك. فإن الفخذ عورة رواه مالك وأحمد وغيرهما. وفي إسناده اضطراب. قاله في المبدع. وقال في الشرح: رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وقال حديث حسن، (و) عورة (الأمة ما بين السرة والركبة) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره، فلا ينظر إلى شئ من عورته. فإن ما تحت السرة إلى ركبته عورة رواه أحمد وأبو داود، يريد به الأمة. فإن الأجير والعبد لا يختلف حاله بالتزويج وعدمه. وكان عمر ينهى الإماء عن التقنع. وقال: إنما القناع للحرائر واشتهر ذلك ولم ينكر. فكان كالاجماع (وكذا أم ولد ومعتق بعضها، ومدبرة ومكاتبة، ومعلق عتقها على صفة) فعورتهن: ما بين السرة والركبة، لبقاء الرق فيهن. والمقتضي للستر بالاجماع: هو الحرية الكاملة. ولم توجد. فبقين على الأصل، (و) كذا عورة (حرة مراهقة ومميزة) لمفهوم حديث: لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، (و) كذا عورة (خنثى مشكل) له عشر سنين فأكثر. لأنه لم تتحقق
315 أنوثيته. فلم يجب عليه ما زاد على ذلك بالاحتمال، (ويستحب استتارهن) أي الأمة، وأم الولد، والمعتق بعضها والمدبرة والمكاتبة والمعلق عتقها على صفة، والحرة المراهقة والمميزة، والخنثى المشكل (كالحرة البالغة احتياطا) قال في المبدع: في الأمة، يسن ستر رأسها في الصلاة. وقال في شرح الهداية: والاحتياط للخنثى المشكل: أن يستتر كالمرأة. وعلم مما سبق: أن السرة والركبة ليستا من العورة، بل العورة ما بينهما. لحديث عمرو بن شعيب. وتقدم. وحديث أبي أيوب أن النبي (ص) قال: أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة رواه أبو بكر. ولأنهما حد العورة فلم يكونا منها (وابن سبع) وخنثى له سبع سنين (إلى عشر) سنين (عورته الفرجان فقط) لأنه دون البالغ (والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة، حتى ظفرها وشعرها) لقول النبي (ص): المرأة عورة رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وعن أم سلمة أنها سألت النبي (ص) أتصلي المرأة في درع وخمار، وليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها رواه أبو داود، وصحح عبد الحق وغيره أنه موقوف على أم سلمة (إلا وجهها) لا خلاف في المذهب: أنه يجوز للمرأة الحرة كشف وجهها في الصلاة. ذكره في المغني وغيره (قال جمع: وكفيها) واختاره المجد. وجزم به في العمدة والوجيز، لقوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * قال ابن عباس وعائشة: وجهها وكفيها رواه البيهقي. وفيه ضعف. وخالفهما ابن مسعود (وهما) أي الكفان (والوجه) من الحرة البالغة (عورة خارجها) أي الصلاة (باعتبار النظر كبقية بدنها) لما تقدم من قوله (ص): المرأة عورة، (ويسن لرجل، والامام أبلغ) أي آكد. لأنه يقتدى به وبين يدي المأمومين. وتتعلق صلاتهم بصلاته (أن يصلي في ثوبين) ذكره بعضهم إجماعا. قال ابن تميم وغيره (مع ستر رأسه) بعمامة وما في
316 معناه، لأنه (ص) كان كذلك يصلي. قاله المجد في شرحه، وقال إبراهيم: كانوا يستحبون إذا وسع الله عليهم أن لا يصلي أحدهم في أقل من ثوبين، (ولا يكره) أن يصلي (في ثوب واحد، يستر ما يجب ستره) من العورة وأحد العاتقين في الفرض (والقميص أولى من الرداء إن اقتصر على ثوب واحد) لأنه أبلغ، ثم الرداء، ثم المئزر أو السراويل. قاله في الشرح، وإن صلى في ثوبين فأفضل ذلك ما كان أسبغ، فيكون الأفضل: القميص والرداء، ثم الإزار أو السراويل مع القميص، ثم أحدهما مع الرداء، وأفضلهما مع الرداء: الإزار، لأنه لبس الصحابة ولأنه لا يحكي تقاطيع الخلقة، وأفضلهما، تحت القميص: السراويل. لأنه أستر، ولا يحكي خلقة في هذه الحالة. ذكره المجد في شرحه (وإن صلى في الرداء، وكان واسعا التحف به وإن كان) الرداء (ضيقا خالف بين طرفيه، على منكبيه كالقصار) لقوله (ص): إذا كان الثوب ضيقا فاشدده على حقويك رواه أبو داود (فإن كان جيب القميص واسعا سن أن يزره عليه ولو بشوكة) لحديث سلمة بن الأكوع قال: قلت: يا رسول الله، إني أكون في الصيد وأصلي في القميص الواحد؟ قال: نعم وازرره ولو بشوكة رواه ابن ماجة والترمذي. وقال حسن صحيح (فإن رؤيت عورته منه بطلت) صلاته، لفوات شرطها، والمراد إن أمكن رؤية عورته وإن لم تر لعمى أو ظلمة أو خلوة ونحوه. كما تقدم، (فإن لم يزره) أي الجيب (وشد وسطه عليه بما يستر العورة، أو كان ذا لحية تسد جيبه صحت صلاته) لوجود الستر المأمور به (فإن اقتصر الرجل) ومثله الخنثى (على ستر عورته، وأعرى العاتقين في نفل: أجزأه) دون الفرض. لأن مبني على التخفيف، ولذلك يتسامح فيه بترك القيام والاستقبال في حال سفره مع القدرة، فسومح فيه بهذا القدر. ولان عادة الانسان في بيته وخلواته قلة اللباس وتخفيفه. وغالب نفله يقع فيه، فسومح فيه لذلك. ولا كذلك الفرض. ويؤيده حديث عائشة: رأيت رسول الله (ص) صلى
317 في ثوب واحد بعضه علي رواه أبو داود. والثوب الواحد لا يتسع لذلك مع ستر المنكبين، (ويشترط في فرض مع سترها) أي العورة (ستر جميع أحدهما) أي العاتقين (بشئ من لباس) لحديث أبي هريرة: لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ رواه البخاري. والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وتقدم الفرق بين الفرض والنفل، واستدل أبو بكر على التفرقة بين الفرض والنفل بقول النبي (ص) في حديث جابر: إذا كان الثوب ضيقا فاشدده على حقوك وفي لفظ: فائتزر به رواه البخاري. وقال: هذا في التطوع. وحديث أبي هريرة في الفرض والمراد بالعاتق: موضع الرداء من المنكب. وقوله: بلباس أي سواء كان من الثوب الذي ستر به عورته أم من غيره. ومحل ذلك إذا قدر عليه، فأي شئ ستر به عاتقه أجزأه (ولو وصف البشرة) لعموم قوله (ص): ليس على عاتقه منه شئ وهو يعم ما يصف وما لا يصف، (فلا يجزئ حبل ونحوه) لأنه لا يسمى لباسا، (ويسن للمرأة الحرة أن تصلي في درع وهو القميص) وقال أحمد: شبه القميص، لكنه سابغ يغطي قدميها، قاله في المبدع، (وخمار وهو غطاء رأسها) وتديره تحت حلقها (وملحفة) بكسر الميم (وهي الجلباب). روى ذلك محمد بن عبد الله الأنصاري في جزئه، عن عمر بإسناد صحيح. وروى سعيد بن منصور عن عائشة: أنها كانت تقوم إلى الصلاة في الخمار والإزار والدرع فتسبل الإزار فتجلبب به، وكانت تقول: ثلاثة أثواب لا بد للمرأة منها في الصلاة إذا وجدتها: الخمار والجلباب والدرع ولأن المرأة أوفى من الرجل عورة، فكانت أكثر منه سترة (ولا تضم ثيابها) قال السامري: (في حال قيامها، ويكره) أن تصلي (في نقاب وبرقع بلا حاجة) قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والاحرام. ولان ستر الوجه يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف،
318 ويغطي الفم. وقد نهى النبي (ص) الرجل عنه، فإن كان لحاجة كحضور أجانب، فلا كراهة (وإن اقتصرت على ستر ما سوى وجهها، كأن صلت في درع وخمار أجزأها) قال أحمد: اتفق عامتهم على الدرع والخمار، وما زاد فهو خير وأستر، ولأنها سترت ما يجب عليها ستره. فاكتفي به (ولا تبطل الصلاة بكشف يسير من العورة) واليسير هو الذي (لا يفحش في النظر عرفا) ويختلف الفحش بحسب المنكشف، فيفحش من السوأة ما لا يفحش من غيرها (بلا قصد) لقول عمر بن سلمة الجرمي قال: انطلق أبي وافدا إلى النبي (ص) في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، وقال: يؤمكم أقرؤكم فكنت أقرأهم فقدموني، فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صفراء صغيرة، فكنت إذا سجدت انكشفت عني. فقالت امرأة من النساء: واروا عنا سوأة قارئكم. فاشتروا لي قميصا يمانيا، فما فرحت بعد الاسلام بشئ فرحي به وفي لفظ فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق. فكنت إذا سجدت فيها خرجت أستي رواه أبو داود والنسائي. وانتشر ذلك، ولم يبلغنا أن النبي (ص) أنكر ذلك، ولا أحد من أصحابه، ولان ثياب الأغنياء لا تخلو من فتق، وثياب الفقراء لا تخلو من خرق غالبا والاحتراز عن ذلك يشق. فعفي عنه (ولو) كان الانكشاف اليسير (في زمن طويل) لما مر (وكذا) لا تبطل الصلاة إن انكشف من العورة شئ (كثير في زمن قصير، فلو أطارت الريح سترته ونحوه) أي نحو الريح (عن عورته، فبدا) أي ظهر (منها ما لم يعف عنه) لو طال زمنه لفحشه (ولو) كان الذي بدا (كلها) أي كل العورة (فأعادها سريعا بلا عمل كثير لم تبطل) صلاته، لقصر مدته. أشبه اليسير في الزمن الطويل. فإن احتاج في أخذ سترته لعمل كثير بطلت صلاته، (وإن كشف يسيرا منها) أي العورة (قصدا بطلت) صلاته. لأن التحرز منه ممكن من غير مشقة. أشبه سائر العورة، وكذا لو فحش وطال الزمن، ولو بلا قصد (ومن
319 صلى - ولو نفلا - في ثوب حرير)، أو منسوج بذهب، أو فضة، (أو) صلى في ثوب (أكثره) حرير، وهو (ممن يحرم عليه) ذلك: لم تصح صلاته إن كان عالما ذاكرا قال في الاختيارات: وينبغي أن يكون على هذا الخلاف: الذي يجر ثوبه خيلاء في الصلاة، لان المذهب أنه حرام، وكذلك من لبس ثوبا فيه تصاوير. قلت: لازم ذلك كل ثوب يحرم لبسه يجري على هذا الخلاف، وقد أشار إليه صاحب المستوعب. (أو) صلى في ثوب (مغصوب) كله (أو بعضه) لم تصح صلاته، إن كان عالما ذاكرا، أو ظاهره، مشاعا كان أو معينا. وذكره ابن عقيل. لأن بعضه يتبع بعضا، (أو) صلى في (ما ثمنه المعين، أو بعضه) أي بعض ثمنه المعين حرام، لم تصح صلاته. إن كان عالما ذاكرا ويأتي في الغصب. إذا كان الثمن في الذمة وبذله من الحرام (رجلا كان أو امرأة ولو كان عليه غيره) أي غير الثوب المحرم (لم تصح صلاته، إن كان عالما ذاكرا) لما روى أحمد عن ابن عمر من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفيه درهم حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه، ثم أدخل إصبعيه في أذنيه وقال: صمتا إن لم يكن النبي (ص) سمعته يقوله وفي إسناده هاشم وبقية. قال البخاري: هاشم غير ثقة، وبقية: مدلس. ولحديث عائشة: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد رواه الجماعة ولان قيامه وقعوده ولبثه فيه محرم منهي عنه، فلم يقع عبادة كالصلاة في زمن الحيض وكالنجس، وكذا لو صلى في بقعة مغصوبة ولو منفعتها، أو بعضها، أو حج بغصب، (وإلا) أي وإن لم يكن المصلي في حرير ممن يحرم عليه كالأنثى (صحت) صلاته، لأنه غير آثم (كما لو كان المنهي عنه خاتم ذهب، أو) كان المنهي عنه (دملجا أو عمامة أو تكة سراويل، أو خفا من حرير) أو ترك ثوبا مغصوبا في كمه. فإن صلاته صحيحة. لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة. أشبه ما لو غصب ثوبا فوضعه في كمه (وإن جهل) كونه حريرا أو غصبا (أو نسي كونه حريرا أو غصبا) صحت صلاته، لأنه غير آثم (أو حبس بمكان غصب) أو نجس. قال في الاختيارات: وكذا كل مكره على الكون بالمكان النجس والغصب، بحيث يخاف ضررا من الخروج في نفسه، أو ماله. ينبغي أن يكون كالمحبوس (أو كان في جيبه
320 درهم) أو دينار أو غيره (مغصوب، صحت) صلاته، لما تقدم (ولو صلى على أرض غيره ولو مزروعة) بلا غصب ولا ضرر. جاز (أو) صلى (على مصلاه) أي الغير (بلا غصب ولا ضرر) في ذلك (جاز وصحت) صلاته لرضاه بذلك عرفا. قال في الفروع: ويتوجه احتمال فيما إذا كانت لكافر، لعدم رضاه بصلاة مسلم في أرضه. وفاقا لأبي حنيفة (ويأتي في الباب بعده، ويصلي في حرير) ولو عارية (لعدم) غيره (ولا يعيد) لأنه مأذون في لبسه في بعض الأحوال، كالحكة والجرب، وضرورة البرد وعدم سترة غيره. فليس منهيا عنه إذن، (و) يصلي (عريانا مع) وجود ثوب (مغصوب) لأنه يحرم استعماله بكل حال. لعدم إذن الشارع في التصرف فيه مطلقا. ولان تحريمه لحق آدمي. أشبه من لم يجد إلا ماء مغصوبا (ولا يصح نفل آبق) لأن زمن فرضه مستثنى شرعا، فلم يغصبه بخلاف زمن نفله. وقال ابن هبيرة في حديث جرير: إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وفي لفظ إذا أبق العبد من مواليه، فقد كفر حتى يرجع إليهم رواهما مسلم. قال: أراه معنى إذا استحل الإباق. قال في الفروع: كذا قال. وظاهره صحة صلاته عنده. وقد روى ابن خزيمة في صحيحه عن جابر مرفوعا: ثلاثة لا تقبل لهم صلاة، ولا تصعد لهم حسنة: العبد الآبق، حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخط عليها زوجها، والسكران حتى يصحو، (ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا ولم يقدر على غسله صلى فيه وجوبا) لأن ستر العورة آكد من إزالة النجاسة، لتعلق حق الآدمي به في ستر عورته. ووجوب الستر في الصلاة وغيرها، فكان تقديم الستر أهم، (وأعاد) ما صلاه في الثوب النجس وجوبا. لأنه قادر على كل من حالتي الصلاة عريانا. ولبس الثوب النجس فيها، على تقدير ترك الحالة الأخرى. وقد قدم حالة التزاحم آكدهما. فإذا أزال التزاحم بوجوده ثوبا طاهرا أوجبنا عليه الإعادة، استدراكا للخلل الحاصل بترك الشرط الذي كان مقدورا عليه من وجه، بخلاف من حبس بالمكان النجس لأنه عاجز عن الانتقال عن الحالة التي هو عليها من كل وجه.
321 كمن عدم السترة بكل حال (فإن صلى عريانا مع وجوده) أي الثوب النجس (أعاد) الصلاة وجوبا. لأنه فوت السترة مع قدرته عليها من وجه. ولو كان نجس العين كجلد ميتة، صلى عريانا من غير إعادة. ذكره بعضهم. قاله في المبدع (فإن كان معه ثوبان نجسان صلى) فرضه (في أقلهما) وأخفهما (نجاسة) لأن ما زاد على ذلك مقدور على اجتنابه. فوجب، لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم وإذا كانت النجاسة في طرف الثوب وأمكنه أن يستتر بالطاهر منه. لزمه ذلك، لأن ملاقاتها، وإن لم يحملها، وحملها وإن لم يلاقها: محذوران. وقد أمكنه اجتناب أحدهما، فلزمه. فصل: (ومن لم يجد إلا ما يستر عورته فقط أو منكبيه فقط: ستر عورته وصلى قائما) وجوبا. وترك ستر منكبيه. لما روى جابر أن النبي (ص) قال: إذا كان الثوب واسعا فخالف بين طرفيه. وإن كان ضيقا فاشدده على حقوك رواه أبو داود. ولان القيام متفق عليه. فلا يترك لأمر مختلف فيه، (وإن كانت) السترة التي وجدها (تكفي عورته فقط، أو منكبه وعجزه فقط) بأن كانت إذا تركها على كتفيه وسدلها من ورائه تستر عجزه (ستر منكبيه وعجزه، وصلى جالسا استحبابا) لكونه يستر معظمها والمغلظ منها، وستر المنكب لا بد له فكأن مراعاته أولى مع صحة الحديث بستر أحد المنكبين، (فإن لم يكف جميعها) أي العورة (ستر الفرجين) لأنهما أفحش وهما عورة بلا خلاف. وغيرهما كالحريم التابع لهم (فإن لم يكف) ما وجده من السترة (إلا أحدهما) أي الفرجين (خير) بين ستر القبل، أو الدبر، لاستوائهما في وجوب الستر بلا خلاف (والأولى ستر الدبر) لأنه أفحش. وينفرج في الركوع والسجود. وظاهره لا فرق بين أن يكون رجلا أو امرأة أو خنثى. ويتوجه أنه يستر آلة الرجل إن كان هناك امرأة، وآلتها إن كان هناك رجل. قاله في المبدع (ويلزمه) أي العاري (تحصيل سترة بشراء، أو استئجار بقيمة المثل) للعين، أو المنفعة، (وبزيادة يسيرة)
322 على عوض المثل (كماء الوضوء) فيعتبر أن يكون فاضلا عن حاجته (وإن بذلت له سترة لزمه قبولها عارية) لأن المنة لا تكثر فيها. فأشبه بذل الحبل والدلو لاستقاء الماء. و (لا) يلزمه قبولها إن بذلت له (هبة) لما يلحقه من المنة. وعلم منه أنه لا يلزمه طلبها عارية (فإن عدم السترة بكل حال صلى) ولا تسقط عنه بأي خلاف نعلمه. كما لو عجز عن استقبال القبلة. قاله في المبدع (جالسا يومئ) بالركوع والسجود (استحبابا فيهما) أي في الجلوس والايماء، لما روى عن ابن عمر: أن قوما انكسرت بهم مركبهم فخرجوا عراة - قال: يصلون جلوسا، يومئون إيماء برؤوسهم ولم ينقل خلافه. ويجعل السجود أخفض من الركوع (ولا يتربع، بل يتضام) نقله الأثرم والميموني (بأن يقيم إحدى فخذيه على الأخرى) لأنه أقل كشفا (وإن صلى قائما أو جالسا وركع وسجد بالأرض جاز) له ذلك. لعموم قوله (ص): صل قائما وإنما قدم الجلوس على القيام. لأن الجلوس فيه ستر العورة، وهو قائم مقام القيام. فلو صلى قائما لسقط الستر إلى غير بدل، مع أن الستر آكد من القيام. لأنه يجب في الصلاة وغيرها. ولا يسقط مع القدرة بحال. والقيام يسقط في النافلة، ولان القيام سقط عنهم، لحفظ العورة، وهي في حال السجود أفحش. فكان سقوطه أولى. لا يقال: الستر كله لا يحصل وإنما يحصل بعضه. فلا يفي ذلك بترك ثلاثة أركان: القيام، والركوع، والسجود. لأن العورة إن كانت الفرجان فقد حصل سترهما. وإلا حصل ستر أغلظها وأفحشها. وإذا صلى قائما لزمه أن يركع ويسجد بالأرض (ولا يعيد العريان إذا قدر على الستر) بعد الفراغ من الصلاة، سواء صلى قائما أو جالسا. كفاقد الطهورين. وفي الرعاية: يعيد على الأقيس (وإن وجد) العاري (سترة مباحة قريبة منه عرفا) أي في مكان يعد في العرف أنه قريب (في أثناء الصلاة ستر) ما يجب ستره (وجوبا، وبنى) على ما صلاه عريانا، كأهل قباء لما علموا بتحويل القبلة استداروا إليها، وأتموا صلاتهم (وإن كانت) السترة (بعيدة) عرفا، بحيث يحتاج إلى زمن طويل، أو عمل كثير (ستر) الواجب ستره (وابتدأ) أي استأنف الصلاة، لأنه لا يمكن فعلها إلا بما ينافيها من العمل الكثير أو بدون شرطها، بخلاف التي قبلها (وكذا لو عتقت) الأمة ونحوها (في الصلاة
323 واحتاجت إليها) أي إلى السترة، بأن كانت رأسها مكشوفة مثلا، فإن كان الخمار بقربها تخمرت به. وبنت، وإلا مضت إليه وتخمرت، واستأنفت. وكذا حكم من أطارت الريح سترته وهو في الصلاة (فلو جهلت العتق، أو) جهلت وجوب الستر، أو جهلت (القدرة عليها. أعادت) الصلاة لتقصيرها (كخيار معتقة تحت عبد) إذا أمكنته من نفسها جاهلة العتق أو ملك الفسخ، فإنه يسقط خيارها. ولا تعذر بالجهل. لتقصيرها في عدم التعلم. (وتصلي العراة جماعة وجوبا) إذا كانوا رجالا أحرارا لا عذر لهم يبيح ترك الجماعة. لأنهم قدروا عليها من غير عذر. أشبهوا المستترين. ولا تسقط الجماعة بفوات السنة في الموقف، كما لو كانوا في ضيق لا يمكن تقدم إمامهم عليهم. ولأنهم أولى بالوجوب من أهل صلاة الخوف. ولا يسقط عنهم وجوب الجماعة، (و) يكون (إمامهم في وسطهم) أي بينهم وإن لم يتساووا من عن يمينه وشماله (وجوبا) لأنه أستر من أن يتقدم عليهم (فإن تقدمهم) الامام (بطلت) قال في المبدع: في الأصح (إلا في ظلمة) فيجوز أن يتقدم عليهم للأمن من رؤيتهم عورته. وكذا لو كانوا عميانا ولا إعادة عليهم (ويصلون) أي العراة (صفا واحدا وجوبا إلا في ظلمة) أو إذا كانوا عميانا، لئلا يرى بعضهم عورة بعض (فإن كان المكان ضيقا صلوا جماعتين فأكثر) بحسب ما يتسع له المكان، كالنوعين (فإن كانوا) أي العراة (رجالا ونساءا، تباعدوا، ثم صلى كل نوع لأنفسهم) لأن المرأة إن وقفت خلف الرجل شاهدت عورته. ومعه خلاف سنة الموقف. وربما أفضى إلى الفتنة (وإن كانوا في ضيق) قال في المبدع: بفتح الضاد مخففا من ضيق. ويجوز فيه الكسر، على المصدر على حذف مضاف، تقديره: ذي ضيق (صلى الرجال واستدبرهم النساء، ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال) لما في ذلك من تحصيل الجماعة، مع عدم رؤية الرجال النساء، وبالعكس (فإن بذلت لهم سترة صلوا فيها واحدا بعد واحد) لقدرتهم على الصلاة بشرطها (إلا أن يخافوا خروج الوقت، فتدفع إلى من يصلح للإمامة، فيصلي بهم، ويتقدمهم) كإمام
324 المستورين (إن عينه ربها) بالعارية، لأن الحق له، فيخص به من يشاء (وإلا) أي وإن لم يعين ربها واحدا منهم (اقترعوا إن تشاحوا) فيقدم بها من خرجت له القرعة، لترجحه بها (ويصلي الباقون عراة) خشية خروج الوقت. هذا معنى كلامه في الشرح وغيره. قال في المبدع: والأصح يقدم إمام مع ضيق الوقت. وجزم به في المنتهى، (فإن كانوا رجالا ونساءا) والمراد فيهما الجنس (فالنساء أحق) بالسترة من الامام وغيره. لان عورتها أفحش وسترها أبعد من الفتنة (فإذا صلين فيها أخذها الرجال) وصلوا فيها إن اتسع الوقت. وإلا صلوا عراة (وإن كان فيهم) أي العراة (ميت صلى فيها) أي السترة. المبذولة لهم (الحي) فرضه، لا على الميت (ثم كفن بها الميت) ليجمع بين الحقين. وتقدم في التيمم (ولا يجوز) للعاري (انتظار السترة) ليصلي فيها و (إن خاف خروج الوقت)، يصلي عريانا إذا خاف خروجه (فإن كانت) السترة (لأحدهم لزمه أن يصلي فيها) لقدرته على السترة (فإن أعارها وصلى عريانا لم تصح صلاته) لأنه ترك السترة مع قدرته عليها، (ويستحب) لرب السترة (أن يعيرها لهم بعد صلاته) لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) *، (ولا يجب) عليه إعارتها لهم، بخلاف بذل الطعام الفاضل عن الحاجة للمضطر (فيصلون فيها واحدا بعد واحد) ولم يجز لهم الصلاة عراة، لقدرتهم على السترة (إلا أن يخافوا خروج الوقت، فيصلي) من خاف خروج الوقت على حسب حاله، ويصلي (بها) أي السترة (أحدهم بين أيديهم) لاستتار عورته (والباقون) يصلون (عراة كما
325 تقدم) خلفه صفا واحدا جلوسا، يومئون استحبابا بالركوع والسجود. وكذا لو كانوا في سفينة، ولم يمكن جميعهم القيام، صلوا واحدا بعد واحد، إلا أن يخافوا خروج الوقت، فيصلي واحد قائما والباقون قعودا. ذكره بمعناه في الشرح (فإن امتنع صاحب الثوب من إعارته، فالمستحب أن يؤمهم) لتحصل له فضيلة الجماعة، (ويقف بين أيديهم) أي قدامهم لاستتار عورته (فإن كان أميا) لا يحسن الفاتحة (وهم قراء) يحسنونها (صلوا) أي العراة (جماعة) وجوبا، (و) صلى (صاحب الثوب وحده) لأنه لا يصح أن يؤمهم، لأنه عاجز عن فرض القراءة مع قدرتهم عليه ولا أن يأتم بأحدهم لقدرته على ستر العورة مع عجزهم عنه، (وإن أعاره) أي الثوب صاحبه (لغير من يصلح للإمامة جاز) لأن الحق له. فيخص به من شاء (وصار حكمه حكم صاحب الثوب) لملكه الانتفاع به، فيصلي وحده. ويصلون جماعة لأنفسهم. فصل: في أحكام اللباس والصلاة وغيرها: (يكره في الصلاة السدل، سواء كان تحته ثوب أو لا) نقل محمد بن موسى: النهي فيه صحيح عن علي. وخبر أبي هريرة. نقل مهنا ليس بصحيح لكن رواه أبو داود بإسناد جيد لم يضعفه أحمد، قاله في الفروع (وهو) أي السدل لغة: إرخاء الثوب قاله الجوهري. واصطلاحا: (أن يطرح ثوبا على كتفيه، ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى) وقال ابن عقيل: هو إرسال الثوب على الأرض. وقيل: وضع الرداء على رأسه وإرساله من ورائه على ظهره، وهي لبسة اليهود وقال القاضي: هو وضع الرداء على عنقه،
326 ولم يرده على كتفيه (فإن رد أحد طرفيه على الكتف الأخرى) لم يكره، لزوال معنى السدل. زاد في الشرح (أو ضم طرفيه بيديه لم يكره) وهو رواية. ومقتضى ما قدمه في الفروع وغيره. وجزم بمعناه في المنتهى ويكره لبقاء معنى السدل (وإن طرح القباء) بفتح القاف (على الكتفين من غير أن يدخل يديه في الكمين، فلا بأس بذلك باتفاق الفقهاء. وليس من السدل المكروه، قاله الشيخ، ويكره) في الصلاة (اشتمال الصماء) لحديث أبي هريرة وأبي سعيد: أن النبي (ص) نهى عن اشتمال الصماء رواه البخاري (وهو) أي اشتمال الصماء (أن يضطبع بالثوب ليس عليه غيره). والاضطباع: أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، وجاء ذلك مفسرا في حديث أبي سعيد، من رواية إسحاق عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد عنه مرفوعا: نهي عن لبستين، وهما اشتمال الصماء. وهو أن يضع ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب. والاحتباء، وهو أن يحتبى به ليس على فرجه منه شئ وعلم منه: أنه إذا كان عليه ثوب آخر لم يكره. لأنها لبسة المحرم. وفعلها (ص) وأن صلاته صحيحة، إلا أن تبدو عورته، (و) يكره في الصلاة (تغطية الوجه) لما روى أبو هريرة أن النبي (ص) نهى أن يغطي الرجل فاه رواه أبو داود بإسناد حسن. ففيه تنبيه على كراهة تغطية الوجه، لاشتماله على تغطية الفم. ولان الصلاة لها تحليل وتحريم. فشرع لها كشف الوجه
327 كالاحرام، (و) يكره في الصلاة (التلثم على الفم والأنف) روي ذلك عن ابن عمر. ولقوله (ص): أمرت أن أسجد على سبعة أعظم متفق عليه (ولف الكم بلا سبب) لقوله (ص): ولا أكف شعرا ولا ثوبا متفق عليه. زاد في الرعاية: وتشمير، (و) يكره (شد الوسط) بفتح السين (بما يشبه شد الزنار) بضم أوله. لنهي النبي (ص) عن التشبه بأهل الكتاب رواه أبو داود (ولو) كان شد الوسط بما يشبه شد الزنار (في غير صلاة، لأنه يكره التشبه بالكفار كل وقت) لما تقدم (قال الشيخ: التشبه بهم) أي الكفار (منهي عنه إجماعا) لما تقدم (وقال: ولما صارت العمامة الصفراء، والزرقاء من شعارهم حرم لبسها) اه (ويكره شد وسطه على القميص. لأنه من زي اليهود) نقله حرب. وظاهر ما قدمه في الانصاف: لا يكره (ولا بأس به) أي بشد الوسط بمئزر أو حبل أو نحوه، مما لا يشبه الزنار (على القباء) لأنه من عادة المسلمين. قاله القاضي، وقال ابن تميم: لا بأس بشد القباء في السفر على غيره. نص عليه. واقتصر عليه. قاله في الانصاف. و (قال ابن عقيل: يكره الشد بالحياصة) وهو رواية حكاها في المبدع وغيره. وظاهره: أن المقدم لا يكره (ويستحب) شد الوسط (بما لا يشبه الزنار) وفعله ابن عمر. قاله المجد في شرحه. وقال: نص عليه، للخبر (كمنديل ومنطقة ونحوها لأنه أستر للعورة) قال ابن تميم: إلا أن يشده لعمل الدنيا، فيكره (ويكره لامرأة شد وسطها في الصلاة ولو بغير ما يشبه الزنار) لأن ذلك يبين به حجم عجيزتها وتقاطع بدنها. والمطلوب ستر ذلك. ومفهوم كلامه: أنه لا يكره لها شد وسطها
328 خارج الصلاة بما لا يشبه شد الزنار. قال في حاشية التنقيح: لأن شد المرأة وسطها معهود في زمن النبي (ص) وقبله. كما صح أن هاجر أم إسماعيل اتخذت منطقا، وكان لأسماء بنت أبي بكر نطاقان. وأطلق في المبدع والتنقيح والمنتهى: أنه يكره لها شد وسطها (وتقدم ولا تضم) المرأة (ثيابها) حال قيامها. لأنه يبين فيه تقاطيع بدنها. فيشبه الحزام (ولا بأس بالاحتباء مع ستر العورة) لما تقدم من مفهوم قوله (ص): ليس على فرجه منه شئ (ويحرم) الاحتباء (مع عدمه) أي عدم ستر العورة لما فيه من كشف العورة بلا حاجة (وهو) أي الاحتباء (أن يجلس ضاما ركبتيه إلى نحو) أي جهة (صدره، ويدير ثوبه من وراء ظهره إلى أن يبلغ ركبتيه، ثم يشده، فيكون) المحتبى (كالمعتمد عليه والمستند إليه) أي الثوب الذي احتبى به (ويحرم، وهو) أي الاسبال (كبيرة) للوعيد عليه الآتي بيانه في الخبر (إسبال شئ من ثيابه ولو عمامة خيلاء) لقوله (ص): من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه متفق عليه، وحديث ابن مسعود: من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام رواه أبو داود (في غير حرب) لما روي أن النبي (ص) حين رأى بعض أصحابه يمشي بين الصفين يختال في مشيته قال: إنها المشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن وذلك لأن الخيلاء غير مذموم في الحرب (فإن أسبل ثوبه لحاجة كستر ساق قبيح من غير
329 خيلاء. أبيح) قال أحمد في رواية حنبل: جر الأزار وإسبال الرداء في الصلاة، إذا لم يرد الخيلاء فلا بأس (ما لم يرد التدليس على النساء) فإنه من الفحش. وفي الخبر: من غشنا فليس منا، (ومثله) أي التدليس بإسبال ثوبه لستر ساق قبيح، ك (- قصيرة اتخذت رجلين من خشب، فلم تعرف) ذكره في الفروع توجيها، (ويكره أن يكون ثوب الرجل إلى فوق نصف ساقه) نص عليه (وتحت كعبه بلا حاجة)، وعنه: ما تحتهما فهو في النار للخبر. فإن كان لحاجة كقبح ساقه. فلا و (لا يكره ما بين ذلك) أي بين نصف الساق وفوق الكعب (ويجوز للمرأة زيادة ذيلها على ذيله) أي الرجل (إلى ذراع ولو من نساء المدن) لحديث أم سلمة قالت: يا رسول الله: كيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن. قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه. والظاهر: أن المراد بذراع اليد، وهو شبران. لما في سنن ابن ماجة عن ابن عمر قال: رخص النبي (ص) لأمهات المؤمنين شبرا، ثم استزدنه فزادهن شبرا، (ويحسن) وقال في الانصاف، عن جماعة من الأصحاب: يسن. وجزم به في شرح المنتهى (تطويل كم الرجل إلى رؤوس أصابعه، أو أكثر يسيرا) لحديث أسماء بنت يزيد قالت: كانت يد كم
330 قميص النبي (ص) إلى الرسغ رواه أبو داود وعن ابن عباس قال: كان الرسول (ص) يلبس قميصا قصير اليدين والطول رواه ابن ماجة. (وتوسيعه قصدا) أي باعتدال من غير إفراط. فلا تتأذى اليد بحر ولا برد. ولا يمنعها خفة الحركة والبطش. قال ابن القيم: وأما هذه الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالاخراج، وعمائم كالأبراج. فلم يلبسها (ص) هو ولا أحد من أصحابه، وهي مخالفة لسنته. وفي جوازها نظر. فإنها من جنس الخيلاء (و) يحسن (قصر كم المرأة) قال ابن حمدان: دون رؤوس أصابعها (وتوسيعه من غير إفراط ويكره لبس ما يصف البشرة) أي مع ستر العورة بما يكفي في الستر. لما تقدم أول الباب. ويأتي (للرجل والمرأة، ولو في بيتها) نص عليه (إن رآها غير زوج، أو سيد تحل له) قال في المستوعب: يكره للرجل والمرأة لبس الرقيق من الثياب. وهو ما يصف البشرة غير العورة. ولا يكره ذلك للمرأة إذا كان لا يراها إلا زوجها ومالكها. وصحح معناه في الرعاية. وظاهر ما قدمه في شرح المنتهى: يكره مطلقا، (ولا يجزئ) ما يصف البشرة (كفنا لميت) لأنه غير ساتر، (ويأتي) في الجنائز (ويكره للنساء لبس ما يصف اللين والخشونة والحجم) لما روي عن أسامة بن زيد قال: كساني الرسول (ص) قبطية كثيفة، كانت مما أهدى له دحية الكلبي. فكسوتها امرأتي فقال (ص): ما لك لا تلبس القبطية؟ قلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي. فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة. فإني أخاف أن تصف حجم عظامها رواه أحمد. (ويحرم عليهن لبس العصائب الكبار التي يتشبهن بلبسها بالرجال) لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): صنفان من أهل النار، لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رؤوسهن أمثال أسنمة البخت المائلة، لا يرين الجنة ولا يجدن ريحها. ورجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس رواه مسلم
331 (ويكره للرجل الزيق العريض، دون المرأة) فلا يكره لها ذلك. والزيق لبنة الجيب، (و) يكره للرجل (لبسه زي الأعاجم، كعمامة صماء، ونعل صرارة للزينة) للنهي عن التشبه بالأعاجم. و (لا) يكره لبس نعل صرارة (للوضوء) قال أحمد: لا بأس أن يلبس للوضوء (ونحوه) كالغسل (ويكره لبس ما فيه شهرة) أي ما يشتهر به عند الناس، ويشار إليه بالأصابع، لئلا يكون ذلك سببا إلى حملهم على غيبته، فيشاركهم في إثم الغيبة (ويدخل فيه) أي في ثوب الشهرة (خلاف) زيه (المعتاد كمن لبس ثوبا مقلوبا أو محولا، كجبة و قباء) محول (كما يفعله بعض أهل الجفاء والسخافة) وعن أبي هريرة مرفوعا أن الرسول (ص): نهى عن الشهرتين. فقيل: يا رسول الله، وما الشهرتان؟ قال: رقة الثياب وغلظها، ولينها وخشونتها، وطولها وقصرها. ولكن سدادا بين ذلك واقتصادا وعن ابن عمر مرفوعا: " من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة حديث حسن رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. وكان الحسن يقول: إن قوما جعلوا خشوعهم في اللباس، وشهروا أنفسهم بلباس الصوف، حتى إن أحدهم بما يلبس من الصوف أعظم كبرا من صاحب المطرف بمطرفه وقال ابن رشد المالكي: كان العلم في صدور الرجال. فانتقل إلى جلود الضأن. قلت: والآن إلى جلود السمور، (ويكره) لبس (خلاف زي) أهل (بلده و) لبس (مزر به) لأنه من الشهرة (فإن قصد به الارتفاع وإظهار التواضع حرم، لأنه رياء)، ومن راءى راءى الله به (ومن سمع سمع الله به، (وكره) الامام (أحمد الكلة) بالكسر (وهي قبة) أي ستر رقيق يخاط شبه البيت. قاله في الحاشية (لها بكر تجر بها. وقال: هي من الرياء، لا ترد حرا ولا بردا) ويشبهها البشخانة والناموسية. إلا أن تكون من حرير، أو منسوج بذهب أو فضة، فتحرم، (ويسن غسل بدنه وثوبه من عرق ووسخ ويكره ترك الوسخ فيهما) لخبر: أما كان يجد هذا ما يغسل به ثوبه وخبر أن الله نظيف يحب النظافة، (و) يكره (الاسراف في
332 المباح) وحرمه الشيخ تقي الدين، لعموم: * (ولا تسرفوا) *. فصل: (ويحرم على ذكر وأنثى لبس ما فيه صورة حيوان) لحديث أبي طلحة قال: سمعت الرسول (ص) يقول: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو كلب متفق عليه. (وتعليقه) أي ما فيه صورة (وستر الجدر به) لما تقدم. (وتصويره كبيرة للوعيد عليه) في قوله (ص): إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة. ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم. (حتى في ستر وسقف وحائط وسرير ونحوها) لعموم ما سبق (لا افتراشه وجعله) أي المصور (مخدا) فيجوز (بلا كراهة) قال في الفروع: لأنه (ص) اتكأ على مخدة فيها صور رواه أحمد. وهو في الصحيحين بدون هذه الزيادة (وتكره الصلاة على ما فيه صورة، ولو على ما يداس، والسجود عليها) أي الصورة (أشد كراهة) لقوله (ص): لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ويأتي ما فيه في صفة الصلاة (ولا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) للخبر السابق. قال في المبدع: والمراد به: كل منهي عن اقتنائه. وفي الآداب: هل يحمل
333 على كل صورة، أم صورة منهي عنها؟ اه. قلت: إلا ظهر الثاني (ولا) تدخل بيتا فيه (جرس) لحديث: لا تدخل الملائكة بيتا فيه جرس رواه أبو داود، (ولا جنب) لقوله (ص): لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب إسناده حسن. قاله في المبدع (إلا أن يتوضأ) لما تقدم أنه رخص له أن ينام إذا توضأ، وحمله بعضهم على الجنب من حرام. وبعضهم على من يتركه عادة وتهاونا (ولا تصحب) الملائكة (رفقة فيها جرس) أو كلب. لخبر أبي هريرة مرفوعا: لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس رواه مسلم. قال في الآداب: ولو اجتمع في الطريق اتفاقا بمن معه كلب أو جرس ولم يقصد رفقته. فهل يكون سببا لعدم صحبة الملائكة أم لا؟. أم إن أمكنه الانفراد فلم يفعل، كان سببا، وإلا فلا؟ يتوجه احتمالات (وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى الحياة معه، كالرأس، أو لم يكن لها رأس، فلا بأس به) أي فلا كراهة في المنصوص (ولا) بأس (بلعب الصغيرة بلعب غير مصورة) أو مقطوع رأسها، أو مصورة بلا رأس، (ولا) بأس ب (- شرائها نصا) للتمرين (ويأتي في الحجر) مع زيادة على هذا (وتباح صورة غير حيوان، كشجر وكل ما لا روح فيه، ويكره) جعل صورة (الصليب في الثوب ونحوه) كالطاقية والدراهم والدنانير والخواتيم وغيرها. لقول عائشة أن الرسول (ص) كان لا يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا قضبه رواه أبو داود. قال في الانصاف: ويحتمل تحريمه. وهو ظاهر نقل صالح. قلت: وهو الصواب (ويحرم على رجل، ولو كافرا) لما تقدم أنه مخاطب بفروع الشريعة، (و) على (خنثى لبس ثياب حرير) لحديث عمر قال: قال رسول الله (ص): لا تلبسوا الحرير، فإنه من
334 لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة متفق عليه. (ولو) كان الحرير (بطانة) لعموم الخبر، (و) لو (تكة سراويل وشرابة) نص عليه، قال في الفروع (والمراد شرابة مفردة، كشرابة البريد، لا تبعا، فإنه كزر) فتباح. وما روي أن عمر بعث بما أعطاه النبي (ص) إلى أخ له مشرك متفق عليه، ليس فيه أنه أذن له في لبسها. وقد بعث النبي (ص) إلى عمر وعلي وأسامة رضي الله عنهم ولم يلزم منه إباحة لبسه، (ويحرم افتراشه) أي الحرير لما روى حذيفة أن النبي (ص) نهى أن يلبس الحرير والديباج وأن يجلس عليه رواه البخاري. (و) يحرم (استناده) أي الرجل والخنثى (إليه واتكاؤه عليه وتوسده، وتعليقه، وستر الجدر به) فيحرم استعماله على الرجال بكل حال، على ظاهر كلامه في المستوعب، وأبي المعالي في شرح الهداية وغيرهم. قال ابن عبد القوي: ويدخل في ذلك شرابة الدواة وسلك المسبحة. كما يفعله جهلة المتعبدة اه. واختار الآبدي إباحة يسير الحرير مفردا (غير الكعبة) المشرفة، فلا يحرم سترها بالحرير (وكلام أبي المعالي يدل على أنه محل وفاق) وتبعه في المبدع (إلا من ضرورة) فلا يحرم معها لبس ما كله حرير، ولا افتراشه ونحوه (وكذا ما غالبه حرير ظهورا) فيحرم استعماله، كما تقدم، كالخالص، لأن الأكثر ملحق بالكل في أكثر الاحكام، و (إلا) يحرم ما كان من حرير وغيره (إذا استويا ظهورا، ووزنا، أو كان الحرير أكثر وزنا والظهور لغيره) وكذا إذا استويا ظهورا، لأن الحرير ليس بأغلب. وإذا انتفى دليل الحرمة بقي أصل الإباحة (ولا يحرم خز وهو ما سدي بإبريسم) وهو الحرير (وألحم بوبر أو صوف ونحوه) كقطن وكتان. لقول ابن عباس: إنما نهى النبي (ص) عن الثوب المصمت من
335 الحرير. أما السدي والعلم فلا نرى به بأسا رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن. قال في الاختيارات: المنصوص عن أحمد وقدماء الأصحاب: إباحة الخز دون الملحم. وغيره. ويلبس الخز، ولا يلبس الملحم ولا الديباج اه والملحم ما سدي بغير الحرير وألحم به (وما عمل من سقط حرير ومشاقته، وما يلقيه الصانع من فمه من تقطيع الطاقات إذا دق وغزل ونسج، فكحرير خالص، وإن سمي الآن خزا) فيحرم على الرجال والخناثى. لأنه حرير وظاهر كلامهم: يحرم الحرير ولو كان مبتذلا، بحيث يكون القطن والكتان أعلى قيمة منه النص (ويحرم على ذكر وخنثى بلا حاجة لبس منسوج بذهب، أو فضة، أو مموه بأحدهما) لما فيه من الخيلاء. وكسر قلوب الفقراء، وتضييق النقدين وكالآنية (فإن استحال) أي تغير (لونه ولم يحصل منه شئ) بعرضه على النار (أبيح) لبسه، لزوال علة التحريم من السرف والخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، (وإلا) أي وإن لم يستحل لونه، واستحال، لكن يحصل منه شئ بعرضه على النار (فلا) يباح، لبقاء علة التحريم (ويباح لبس الحرير لحكة، ولو لم يؤثر لبسه في زوالها) لما في الصحيحين عن أنس أن النبي (ص) رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير في سفر من حكة كانت بهما وما ثبت في حق صحابي ثبت في حق غيره، ما لم يقم دليل على اختصاصه به، والحكة قال في المبدع: بكسر الحاء: الجرب. (و) يباح لبس الحرير (لقمل) لما روى أنس أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكيا إلى النبي (ص) القمل فرخص لهما في قميص حرير. فرأيته عليهما في غزاة رواه البخاري. وظاهره: ولو لم يؤثر لبسه في زواله، (و) يباح لبس الحرير ل (- مرض) ينفع فيه لبس الحرير. على ظاهر كلامه في المبدع، قياسا على الحكة والقمل، (و) يباح
336 لبس الحرير (في حرب مباح، إذا تراءى الجمعان إلى انقضاء القتال ولو) كان لبسه (لغير حاجة) لأن المنع من لبسه لما فيه من الخيلاء. وذلك غير مذموم في الحرب، (و) يباح لبس الحرير (لحاجته كبطانة بيضة) أي خوذة (ودرع ونحوه) كجوشن. قال ابن تميم: من احتاج إلى لبس الحرير لحر، أو برد، أو تحصن من عدو ونحوه، أبيح وقال بعض أصحابنا: يجوز مثل ذلك من الذهب، كدرع مموه به لا يستغني عن لبسه. وهو محتاج إليه (ويحرم إلباس صبي ما يحرم على رجل) من اللباس من حرير، أو منسوج بذهب، أو فضة، أو مموه بأحدهما. لقوله (ص): وحرم على ذكورها وعن جابر قال: كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري رواه أبو داود. وشقيق عمرو بن مسعود وحذيفة قميص الحرير على الصبيان رواه الخلال. ويتعلق التحريم بالمكلفين بتمكينهم من الحرام. كتمكينهم من شرب الخمر. وكونهم محلا للزينة مع تحريم الاستمتاع بهم: أبلغ في التحريم (وصلاته) أي الصبي (فيه) أي في المحرم عليه لبسه (كصلاته) أي الرجل. فلا تصح. قلت: قد تقدم أن محل بطلان صلاة الرجل فيه، إذا كان عالما ذاكرا على المذهب. وعلى هذا فينبغي هنا الصحة، لأن النهي عائد إلى إلباسه، وتمكينه منه، وهو خارج عن الصلاة وشروطها وما حرم استعماله من حرير) كله أو غالبه (ومذهب) ومفضض منسوج، أو مموه، (ومصور ونحوها) كالذي يتخذ لتشبه النساء بالرجال وعكسه (حرم بيعه) لذلك، (و) حرم (نسجه) لذلك (وخياطته) لذلك (وتمليكه) لذلك (وتملكه) لذلك (وأجرته لذلك) أي للاستعمال (والامر به) لقوله تعالى: * (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * ولان الوسائل لها حكم المقاصد، فإن باعه، أو نسجه، أو خاطه، أو ملكه، أو تملكه لغير ذلك، كتجارة وكراء لمن يباح له، فلا. (ويحرم يسير ذهب تبعا، غير فص خاتم كالمفرد) وفي الآنية في المبدع وغيره: يحرم فص خاتم من ذهب، ويأتي ما فيه من زكاة الأثمان، (ويحرم تشبه رجل بامرأة وعكسه) أي تشبه المرأة بالرجل (في لباس وغيره) ككلام ومشي وغيرهما. لأنه (ص)
337 لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال رواه البخاري. ولعن أيضا الرجل يلبس لبس المرأة والمرأة تلبس لبس الرجل قال في الآداب الكبرى: إسناده صحيح. رواه أحمد وأبو داود. (ويباح علم حرير، وهو طراز الثوب) لما تقدم من قول ابن عباس: إنما نهى النبي (ص) عن الثوب المصمت أما العلم وسدى الثوب فليس به بأس رواه أبو داود. (و) يباح (رقاع منه) أي من الحرير (وسجف الفراء) ونحوها قاله في الآداب. لقول عمر: نهى النبي (ص) عن الحرير إلا موضع إصبعين، أو ثلاث، أو أربع رواه مسلم، (و) يباح من الحرير (لبنة الجيب، وهي الزيق) المحيط بالعنق (والجيب هو الطوق الذي يخرج منه الرأس) قال في القاموس: وجيب القميص ونحوه، بالفتح: طوقه، وقال في المنتهى: الجيب ما ينفتح على نحر، أو طوق (إذا كان) ما ذكر من العلم والرقاع والسجف ولبنة الجيب (أربع أصابع) معتدلة على ما يأتي في مسافة القصر (مضمومة فما دون) بالبناء على الضم. لحذف المضاف إليه ونية معناه، أي فما دونها، لما تقدم من حديث عمر، (و) يباح (خياطة به) أي بالحرير، (و) يباح (أزرار) جمع زر: من الحرير، لان ذلك يسير. وكيس المصحف، وتقدم (ويباح الحرير للأنثى) لما روى الترمذي عن أبي موسى أن النبي (ص) قال: أحل الحرير والذهب للإناث من أمتي. وحرم على ذكورها، (ويحرم كتابة مهرها فيه) أي الحرير في الأقيس. قاله في الرعاية الكبرى واختاره ابن عقيل والشيخ تقي الدين (وقيل: يكره) قال في التنقيح: وعليه العمل. قال في تصحيح الفروع:
338 لو قيل بالإباحة لكان له وجه (ويباح حشو الجباب، و) حشو (الفرش به) أي بالحرير، لان ذلك ليس بلبس له ولا افتراش، وليس فيه فخر ولا عجب ولا خيلاء (ولو لبس ثيابا في كل ثوب) من الحرير (قدر يعفى عنه) من سجف أو رقاع ونحوها (ولو جمع) ما فيها من الحرير (صار ثوبا، لم يكره) ذلك. لأن كل ثوب يعتبر بنفسه غير تابع لغيره (ويكره) ل (- لرجل) دون المرأة (لبس مزعفر) لقول أنس: إن النبي (ص) نهى أن يتزعفر الرجل متفق عليه. (و) يكره للرجل لبس (أحمر مصمت) لما ورد عن عبد الله بن عمر قال: مر على النبي (ص) رجل عليه ثوبان أحمران، فسلم فلم يرد النبي (ص) رواه أبو داود قال أحمد: يقال: أول من لبسه آل قارون، أو آل فرعون، (ولو) كان الأحمر المصمت (بطانة) وخرج بالمصمت ما فيه حمرة وغيرها. فلا يكره. ولو غلب الأحمر، وعليه يحمل لبسه الحلة الحمراء، أو البرد الأحمر، (و) يكره للرجل أيضا لبس (طيلسان وهو المقور) على شكل الطرحة، يرسل من فوق الرأس. لأنه يشبه لبس رهبان الملكيين من النصارى. وأما المدور فهو غير مكروه، بل ذكر استحبابه. وقد ذكرت كلام السيوطي فيه في حاشية المنتهى، (وكذا معصفر) فيكره للرجل. لما روى علي قال: نهاني رسول الله (ص) عن التختم بالذهب، وعن لباس القسي، وعن القراءة في الركوع والسجود، وعن لباس المعصفر رواه مسلم. (إلا في إحرام فلا يكره) للرجل لبس المعصفر. نص عليه. ويباح للنساء. لتخصيص الرجل بالنهي (ويكره المشي في نعل واحدة) بلا حاجة، (ولو يسيرا سواء كان في إصلاح الأخرى أو لا) لقوله (ص): لا يمشي أحدكم في نعل واحدة متفق عليه من حديث أبي هريرة، ولمسلم: إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمشي في الأخرى حتى يصلحها رواه
339 أيضا من حديث جابر. وفيه: ولا خف واحد ومشى علي في نعل واحدة، وعائشة في خف واحد. رواه سعيد، (ويكره) المشي (في نعلين مختلفين) كأن يكون أحدهما أصفر والآخر أحمر (بلا حاجة) لأنه من الشهرة، (ويسن استكثار النعال) لحديث مسلم عن جابر مرفوعا: استكثروا من النعال. فإن أحدكم لا يزال راكبا ما انتعل قال القاضي: يدل على ترغيب اللبس للنعال. - لأنها قد تقيه الحر والبرد والنجاسة. (و) يسن (تعاهدها عند أبواب المساجد) لقوله (ص) في حديث أبي سعيد: فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما، فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض، ثم ليصل فيهما رواه أبو داود، (و) تسن (الصلاة في الطاهر منها) أي من النعال. قاله الشيخ تقي الدين وغيره للاخبار. منها عن أبي سلمة يزيد بن سعيد قال: سألت أنسا: أكان النبي (ص) يصلي في نعليه؟ قال: نعم متفق عليه، وقال صاحب النظم: الأولى حافيا، (و) يسن (الاحتفاء أحيانا) لحديث فضالة بن عبيد قال: " كان النبي (ص) يأمرنا أن نحتفي أحيانا رواه أبو داود. ويروى هذا المعنى عن عمر، (و) يسن (تخصيص الحافي في الطريق) بأن ينتحي المنتعل عن الطريق ويدعها للحافي، رفقا به (ويكره كثرة الإرفاه) أي التنعم والدعة، ولين العيش. للنهي عنه. ولأنه من زي العجم. وأرباب الدنيا، (ويستحب كون النعل أصفر والخف أحمر) وذكر أبو المعالي عن أصحابنا (أو أسود) قاله في الفروع. وأن يقابل بين نعليه وكان لنعله (ص) قبالان بكسر القاف. وهو
340 السير بين الوسطى والتي تليها. وهو حديث صحيح. رواه الترمذي في الشمائل. وابن ماجة وغيرهما (ويكره لبس الأزر) قائما، (و) لبس (الخفاف) قائما، (و) لبس (السراويل قائما) خشية انكشاف عورته. و (لا) يكره (الانتعال) قائما. وصحح القاضي وغيره الكراهة. واختلف قوله - أي الامام - في صحة الاخبار. قاله في الفروع (ويكره نظر ملابس حرير وآنية ذهب وفضة ونحوها إن رغبه) النظر إليها (في التزين بها والمفاخرة) ذكره في الرعاية وغيرها، وقال ابن عقيل: ريح الخمر كصوت الملاهي. حتى إذا شتم ريحها كان بمثابة من سمع صوت الملاهي، وأصغى إليها. ويجب ستر المنخرين والاسراع، كوجوب سد الاذنين عند الاسماع. وعلى هذا يحرم النظر إلى ملابس الحرير، وأواني الذهب والفضة. وإن دعت إلى حب التزين والمفاخرة حجت ذلك عنه. قاله في الآداب الكبرى، (و) يكره (التنعم) وتقدم لأنه من الإرفاه، (و) يكره (زي) بكسر الزاي أي هيئة (أهل الشرك) لحديث ابن عمر مرفوعا: من تشبه بقوم فهو منهم رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح. قال الشيخ تقي الدين: أقل أحواله - أي هذا الحديث - أن يقتضي تحريم التشبه. وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، (ويسن التواضع في اللباس) لحديث أحمد عن أبي أمامة مرفوعا البذاذة من الايمان رجاله ثقات. قال أحمد في رواية الجماعة: هو التواضع في اللباس، (و) يسن (لبس الثياب البيض) لحديث: البسوا من ثيابكم البيض، فإنها من خير ثيابكم. وكفنوا فيها موتاكم رواه أبو داود، (وهي) أي الثياب البيض (أفضل) من غيرها، (و) تسن (النظافة في ثوبه وبدنه ومجلسه) لخبر: إن الله نظيف يحب النظافة وكان ابن مسعود يعجبه إذا قام إلى الصلاة الريح الطيبة والثياب النظيفة، (و) يسن (إرخاء الذؤابة خلفه) نص عليه (قال الشيخ: إطالتها) أي الذؤابة (كثيرا من الاسبال) وإن أرخى طرفها بين كتفيه
341 فحسن. قال الآجري. وأرخاها ابن الزبير من خلفه قدر ذراع. وعن أنس نحوه. ذكره في الآداب، (ويسن تحنيكها) أي العمامة لأن عمائم المسلمين كانت كذلك على عهده (ص) (ويجدد لف العمامة كيف شاء) قاله في المبدع وغيره. وروى ابن حبان في كتاب أخلاق النبي (ص) من حديث ابن عمر كان النبي (ص) يعتم يدير كور العمامة على رأسه. ويغرزها من ورائه، ويرخي لها ذؤابة بين كتفيه (ويباح السواد ولو للجند) لأنه (ص) دخل مكة عام الفتح وعليه عمامة سوداء وكذا يباح الأخضر والأصفر، (و) يباح (فتل طرف الثوب) من رداء وغيره (وكذا) يباح (الكتان) والقطن والصوف والشعر والوبر، (و) يباح لبس (اليلمق وهو القباء ولو للنساء والمراد، ولا تشبه) لما تقدم: أنه يحرم تشبه النساء بالرجال وعكسه، (ويسن السراويل) لما روى أحمد عن أبي أمامة قال: قلنا: يا رسول الله. إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون. قال: تسرولوا وائتزروا، وخالفوا أهل الكتاب، (والتبان) بضم التاء وتشديد الباء سراويل قصيرة جدا (في معناه) أي معنى السراويل. لأنه يستر العورة المغلظة. (و) يسن (القميص) لقول أم سلمة: كان أحب الثياب إلى النبي (ص) القميص رواه أبو داود، (و) يسن (الرداء) لفعله (ص) (ولا بأس بلبس الفراء) بكسر الفاء ممدودا جمع فرو، بغيرها. قاله الجوهري. وأثبتها ابن فارس. ويدل له الحديث الآتي (إذا كانت) الفراء (من جلد مأكول مذكى مباح وتصح الصلاة فيها) كسائر الطاهرات. وتقدم في الآنية: يحرم لبس جلود السباع. وأنه يباح دبغ جلد نجس بموت واستعماله بعده في يابس (ولا تصح) الصلاة (في غير ذلك) أي غير جلد مذكى (كجلد ثعلب، وسمور، وفنك، وقاقم وسنور،
342 وسنجاب ونحوه) كذئب ونمر (ولو ذكي) أو دبغ لأنه لا يطهر بذلك كلحمه (ويكره من الثياب ما تظن نجاسته لتربية) كثياب المرأة المربية للأطفال (ورضاع، وحيض، وصفر، وكثرة ملابستها) أي النجاسة (ومباشرتها، وقلة التحرز منها في صنعة وغيرها وتقدم بعضه) هكذا في شرح المنتهى وغيره. ولعل المراد: أن الصلاة فيها خلاف الأولى، كما عبر به في الشرح. فلا ينافي ما تقدم في الآنية: إن ما لم تعلم نجاسته من ثياب الكفار طاهر مباح، (ويكره لبسه) جلدا مختلفا في طهارته. (و) يكره (افتراشه جلدا مختلفا في طهارته) قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب انتهى. وقال في الآداب: قال ابن تميم: إذا دبغ جلد الميتة، وقلنا لا يطهر: جاز أن يلبسه دابته. ويكره له لبسه وافتراشه على الأظهر. قال: ولا يباح الانتفاع بجلد الميتة قبل الدبغ في اللباس وغيره، رواية واحدة انتهى. وهو معنى كلام المجد في شرح الهداية، ولكنه لم يقل على الأظهر، بل قطع بذلك (وله إلباسه) أي الجلد المختلف في طهارته (دابته) لأنه كاستعماله في يابس، (ويحرم إلباسها) أي الدابة (ذهبا أو فضة) قال الشيخ تقي الدين: (وحريرا) وقطع الأصحاب: له أن يلبسها الحرير، قاله في الآداب. وقال: له أن يلبس دابته جلدا نجسا، ذكره في المستوعب. وقدمه في الرعاية (ولا بأس بلبس الحبرة) بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة. قال في الشرح: وهي التي فيها حمرة وبياض. روى أنس. قال: كان أحب الثياب إلى الرسول (ص) أن يلبسها الحبرة متفق عليه. (و) لا بأس بلبس (الأصواف والأوبار، والاشعار من حيوان طاهر، حيا كان أو ميتا) لقوله تعالى: * (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) * (النحل: 80). ولحديث مسلم عن عائشة قالت: خرج النبي (ص) ذات غداة، وعليه مرط
343 مرحل من شعر أسود، (وكذا) تباح (الصلاة عليها، وعلى ما يعمل من القطن والكتان، وعلى الحصر) وغيرها من الطاهرات، لما في حديث أنس مرفوعا قال: ونضح بساط لنا، نصلي عليه صححه الترمذي. قال: والعمل عليه أكثر أهل العلم من أصحاب النبي (ص)، ومن بعدهم. لم يروا بالصلاة على البساط والطنفسة بأسا. وعن المغيرة بن شعبة قال: كان الرسول (ص) يصلي على الحصير والفروة المدبوغة، (ويباح نعل خشب) قال أحمد: إن كان حاجة، (ويسن لمن لبس ثوبا جديدا أن يقول: الحمد لله الذي كساني هذا، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة) للخبر. وعن أبي سعيد قال: كان النبي (ص) إذا استجد ثوبا سماه باسمه: عمامة، أو قميصا، أو رداء. ثم يقول: اللهم لك الحمد، أنت كسوتنيه. أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له رواه الترمذي. وفي نسخة: وأن يتصدق بالخلق العتيق النافع. تتمة: قال عبد الله بن محمد الأنصاري: ينبغي للفقيه أن تكون له ثلاثة أشياء جديدة: سراويله، ومداسه، وخرقة يصلي عليها. باب اجتناب النجاسة (ومواضع الصلاة) أي بيان المواضع التي لا تصح الصلاة فيها مطلقا، وما تصح فيه الصلاة في بعض
344 الأحوال، وما يصح فيه النفل دون الفرض، وما يتعلق بذلك. ومنه يعلم ما تصح فيه الصلاة مطلقا (وهو) أي اجتناب النجاسة (الشرط السابع) للصلاة لتقدم ستة قبله (طهارة بدن المصلي. و) طهارة (ثيابه. و) طهارة (موضع صلاته. وهو محل بدنه. و) محل (ثيابه. من نجاسة غير معفو عنها) وعدم حملها (شرط لصحة الصلاة) لقوله (ص): تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه وقوله (ص) حين مر بالقبرين: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان لا يستنثر من البول بالمثلثة قبل الراء. قاله في شرح المنتهى. والصواب: أنه بالتاء المثناة. كما ذكره ابن الأثير في النهاية في باب النون مع التاء المثناة. وفي رواية: لا يستنزه وقال تعالى: * (وثيابك فطهر) * قال ابن سيرين وابن زيد: أمر بتطهير الثياب من النجاسة التي لا تجوز الصلاة معها. وذلك لأن المشركين كانوا لا يتطهرون ولا يطهرون ثيابهم. وهذا أظهر الأقوال فيها. وهو حمل اللفظ على حقيقته. وهو أولى من المجاز. قاله في المبدع، لكن صح أن النبي (ص) كان يصلي قبل الهجرة في ظل الكعبة. فانبعث أشقى القوم، فجاء بسلا جزور بني فلان ودمها وفرثها، فطرحه بين كتفيه، وهو ساجد حتى أزالته فاطمة رواه البخاري من حديث ابن مسعود. وقال المجد: لا نسلم أنه أتي بدمها، ثم الظاهر أنه منسوخ. لأنه كان بمكة قبل ظهور الاسلام. ولعل الخمس لم تكن فرضت. والامر بتجنب النجاسة مدني متأخر، بدليل خبر النعلين، وصاحب القبرين، والأعرابي الذي بال في طائفة المسجد، وحديث جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي (ص): أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي؟ قال: نعم، إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله رواه أحمد وابن ماجة، وأسناده ثقات، إلى غير ذلك من الأحاديث. فثبت به أنه مأمور باجتنابها. ولا يجب ذلك في غير الصلاة. فتعين أن يكون فيها. والامر بالشئ نهي
345 عن ضده، وهو يقتضي الفساد. وكطهارة الحدث. وعلم منه: أن النجاسة المعفو عنها كأثر الاستجمار بمحله، ويسير الدم ونحوه، ونجاسة بعين: ليس اجتنابها شرطا لصحة الصلاة. وتقدم تعريف النجاسة في أول كتاب الطهارة، وحيث علم أن اجتناب النجاسة ما ذكره، وعدم حملها شرط للصلاة، حيث لم يعف عنها (فمتى) كان ببدنه، أو ثوبه نجاسة لا يعفى عنها، أو (لاقاها ببدنه، أو ثوبه) زاد في المحرر: أو حمل ما يلاقيها (أو حملها عالما) كان (أو جاهلا، أو ناسيا) لم تصح صلاته. لفوات شرطها. زاد في التلخيص: إلا أن يكون يسيرا. وذكر ابن عقيل في سترته المنفصلة عن ذاته. إذا وقعت حال سجوده على نجاسة أنها لا تبطل. قاله في المبدع (أو حمل) في صلاته (قارورة) من زجاج، أو غيره (فيها نجاسة، أو) حمل (آجرة) بمد الهمزة واحدة الآجر. وهو الطوب الأحمر (باطنها نجس، أو) حمل (بيضة مذرة، أو) بيضة (فيها فرخ ميت، أو) حمل (عنقود عنب حباته مستحيلة خمرا، قادرا على اجتنابها) أي النجاسة التي لاقاها، أو على عدم حمل ما حمله من ذلك (لم تصح صلاته) لأنه حامل النجاسة في غير معدنها. أشبه ما لو كانت على بدنه أو ثوبه، أو حملها في كمه. و (لا) تبطل صلاته (إن مس ثوبه) أو بدنه (ثوبا) نجسا، (أو) مس ثوبه، أو بدنه (حائطا نجسا لم يستند إليه) لأنه ليس بموضع لصلاته. ولا محمول فيها. فإن استند إليها حال قيامه أو ركوعه أو سجوده. بطلت صلاته (أو قابلها) أي النجاسة (راكعا أو ساجدا) من غير ملاقاة (أو كانت) النجاسة (بين رجليه من غير ملاقاة) فصلاته صحيحة، لأنه لم يباشر النجاسة. أشبه ما لو خرجت عن محاذاته (أو حمل حيوانا طاهرا، أو) حمل (آدميا مستجمرا) فصلاته صحيحة، لأنه (ص): صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص متفق عليه. ولان ما في باطن الحيوان والآدمي من نجاسة في معدنها. فهي
346 كالنجاسة بجوف المصلي، وأثر الاستجمار معفو عنه بمحله، (أو سقطت) النجاسة (عليه، فأزالها) سريعا (أو زالت) النجاسة (سريعا، بحيث لم يطل الزمن) فصلاته صحيحة. لما روى أبو سعيد قال: بينا النبي (ص) يصلي بأصحابه، إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فخلع الناس نعالهم. فلما قضى (ص) صلاته. قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعلك فألقينا نعالنا. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا رواه أبو داود. ولان من النجاسة ما يعفى عن يسيرها، فعفى عن يسير منها. ككشف العورة (وإن طين أرضا متنجسة) وصلى عليها (أو بسط عليها، ولو كانت النجاسة رطبة) شيئا طاهرا صفيقا، (أو) بسط (على حيوان نجس، أو) بسط (على حرير) كله أو غالبه: من (يحرم جلوسه عليه) من ذكر أو خنثى (شيئا طاهرا صفيقا، بحيث لا ينفذ) النجس الرطب (إلى ظاهره، وصلى عليه) صحت مع الكراهة، (أو) صلى (على بساط باطنه نجس وظاهره طاهر، أو في علوه أو سفله غصب، أو على سرير تحته نجس، أو غسل وجه آجر نجس وصلى عليه صحت) صلاته. لأنه ليس بحامل للنجاسة، ولا مباشر لها. قال في الشرح: فأما الآجر المعجون بالنجاسة، فهو نجس. لأن النار لا تطهر. لكن إذا غسل طهر ظاهره. لان النار أكلت أجزاء النجاسة الظاهرة، وبقي الأثر. فطهر بالغسل. كالأرض النجسة. ويبقى الباطن نجسا. لأن الماء لا يصل إليه (مع الكراهة) لاعتماده على النجاسة، أو الغصب. ورأي ابن عمر النبي (ص) يصلي على حمار، وهو متجه إلى خيبر رواه مسلم. قال الدارقطني: هو غلط من عمرو بن يحيى المازني. والمعروف خلافه على البعير والراحلة، لكنه من فعل أنس، قاله في المبدع. وفيه: فيما إذا بسط على حرير طاهرا صفيقا، فيتوجه إن صح. جاز جلوسه عليه. وإلا فلا، ذكره في الفروع (وإن صلى على مكان طاهر من بساط) أو حصير ونحوه (طرفه نجس) صحت (أو) صلى و (تحت قدميه حبل)، أو نحوه (في طرفه نجاسة، ولو تحرك) الحبل، أو نحوه (بحركته صحت) صلاته. لأنه ليس
347 بحامل للنجاسة. ولا مصل عليها. وإنما اتصل مصلاه بها. أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة، متصلة بأرض نجسة (إلا أن يكون) الحبل أو نحوه (متعلقا به) أي المصلي، وهو مشدود بنجس ينجر معه إذا مشى (أو كان في يده أو)، كان (في وسطه حبل مشدود في نجس، أو) في (سفينة صغيرة) تنجر معه إذا مشى (فيها نجاسة) فلا تصح صلاته ولو كان محمل الربط طاهرا، (أو) كان في يده، أو وسطه حبل مشدود في (حيوان نجس، ككلب وبغل وحمار) وكل ما (ينجر معه إذا مشى) فلا تصح صلاته. لأنه مستتبع للنجاسة أشبه ما لو كان حاملها (أو أمسك) المصلي (حبلا أو غيره ملقى على نجاسة، فلا تصح) صلاته على ما في الانصاف، لحمله ما يلاقيها. ومقتضى كلام الموفق: الصحة فيما إذا كان طرفه ملقي على نجاسة يابسة، بلا شد. لأنه ليس بمستتبع للنجاسة، وكذا حكم ما لو سقط طرف ثوبه على نجاسة. ذكره ابن تميم، (وإن كان) المشدود فيه الحبل ونحوه (لا ينجر معه) إذا مشى (كالسفينة الكبيرة، والحيوان الكبير، الذي لا يقدر على جره إذا استعصى عليه صحت) صلاته، سواء كان الشد في موضع نجس أو طاهر. لأنه لا يقدر على استتباع ذلك، أشبه ما لو أمسك غصنا من شجرة على بعضها نجاسة لم تلاق يده. قلت: وإذا تعلق بالمصلي صغير به نجاسة لا يعفى عنها، وكان له قوة بحيث إذا مشى انجر معه، بطلت صلاته، إن لم يزله سريعا، وإلا فلا، (ومتى وجد عليه) وفي نسخة عليها أي البدن والثوب والبقعة (نجاسة) بعد الصلاة، و (جهل كونها) أي أنها كانت (في الصلاة صحت) صلاته، أي لم يلزمه إعادتها لأن الأصل عدم كونها في الصلاة، لاحتمال حدوثها بعدها. فلا تبطلها بالشك (وإن علم بعد سلامه أنها) أي النجاسة (كانت في الصلاة، لكنه جهل) في الصلاة (عينها) بأن أصابه شئ ولم يعلم أنه نجس حال الصلاة، ثم علمه، (أو) علم أنها
348 كانت في الصلاة، لكن جهل (حكمها) بأن أصابته النجاسة وعلمها وجهل أنها مانعة من الصلاة، ثم علم بعد سلامه، (أو) علم بعد سلامه أنها كانت في الصلاة، لكن جهل (أنها كانت عليه) بأن لم يعلم بها وقت إصابتها إياه، (أو) علم بعد سلامه أنه كان (ملاقيها) ولم يكن يعلم ذلك في صلاته. أعاد لأنها طهارة مشترطة فلم تسقط بالجهل، كطهارة الحدث. وأجيب، بأن طهارة الحدث آكد لكونه لا يعفى عن يسيره، (أو) أصابته نجاسة وهو يصلي، و (عجز عن إزالتها) سريعا (أو نسيها أعاد) لما تقدم، وفيه ما سبق (وعنه لا يعيد وهو الصحيح عند أكثر المتأخرين) اختاره الموفق، وجزم به في الوجيز. وقدمه ابن تميم، وصاحب الفروع، وقاله جماعة منهم ابن عمر، لحديث أبي سعيد في خلع النعلين، ولو بطلت لاستأنفها النبي (ص). تنبيه: ما حكاه من الخلاف - حتى فيما إذا جهل حكمها - تبع فيه الرعاية. وفي الانصاف في هذه: عليه الإعادة عند الجمهور، وقطعوا به. فائدة: إذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة وأمكن إزالتها من غير عمل كثير ولا زمن طويل. فالحكم فيها كما لو علم بعد الصلاة. فإن قلنا: لا تبطل أزالها، وبنى، وقال ابن عقيل: تبطل رواية واحدة، وإن لم يمكن إزالتها إلا بعمل كثير، أو زمن طويل بطلت (وإن خاط جرحه، أو جبر ساقه ونحوه) كذراعه (بنجس من عظم أو خيط، فجبر وصح) الجرح أو العظم (لم تلزمه إزالته) أي الخيط، أو العظم النجس (إن خاف الضرر) من مرض أو غيره (كما لو خاف التلف) أي تلف عضوه، أو نفسه. لأن حراسة النفس وأطرافها من الضرر واجب، وهو أهم من رعاية شرط الصلاة، ولهذا لا يلزمه شراء سترة ولا ماء للوضوء بزيادة كثيرة على ثمن المثل فإذا جاز ترك شرط مجمع عليه لحفظ ماله. فترك شرط مختلف فيه لأجل بدنه بطريق الأولى، (ثم إن غطاه اللحم لم يتيمم له) لتمكنه من غسل محل الطهارة
349 بالماء (وإلا) بأن لم يغطه اللحم (تيمم له) لعدم غسله بالماء. قلت: ويشبه ذلك الوشم إن غطاه اللحم غسله بالماء وإلا تيمم له (وإن لم يخف) ضررا بإزالته (لزمته) إزالته. لأنه قادر على إزالته من غير ضرر. فلو صلى معه لم تصح (فلو مات من تلزمه إزالته) لعدم خوفه ضررا (أزيل) وجوبا. وقال أبو المعالي وغيره، ما لم يغطه اللحم، للمثلة (إلا مع مثلة) فلا يلزم إزالته. لأنه يؤذي الميت ما يؤذي الحي (وإن شرب) إنسان (خمرا ولم يسكر غسل فمه) لإزالة النجاسة عنه (وصلى ولا يلزمه القئ) وكذا سائر النجاسات إذا حصلت في الجوف لحصولها في معدنها الذي يستوي فيه الطاهر والنجس من أصله (ويباح دخول البيع) جمع بيعة بكسر الباء (و) دخول (الكنائس التي لا صور فيها، و) تباح (الصلاة فيها إذا كانت نظيفة) روي عن عمر وأبي موسى لخبر: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (وتكره) الصلاة (فيما فيه صور) بيعة كانت أو كنيسة، لما تقدم من حديث: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة وقال في الانصاف: وله دخول بيعة وكنيسة والصلاة فيهما من غير كراهة، على الصحيح من المذهب، وعنه تكره، وعنه مع صور. وظاهر كلام جماعة: يحرم دخوله معها. ووجه الجواز أنه (ص) صلى في الكعبة وفيها صور ثم قد دخلت في عموم قوله (ص): فأينما أدركتك الصلاة فصل، فإنه مسجد متفق عليه، (وإن سقطت سنه) من آدمي، (أو) سقط (عضو منه فأعاده) أي ما ذكر. وفي نسخة فأعادها (أو لا) أي أو لم يعدها صحت صلاته بها لطهارته (أو جعل موضعه) أي موضع سنه (سن شاة ونحوها مذكاة وصلى به صحت صلاته ثبتت أو لم تثبت لطهارته) أما سنه وعضوه فلان ما أبين من حي كميتته وميتة الآدمي طاهرة. وأما سن المذكاة فواضح.
350 فصل: في بيان المواضع التي نهي عن الصلاة فيها وما يتعلق به: (ولا تصح الصلاة في مقبرة قديمة أو حديثة، تقلب) ترابها (أو لا) لحديث سمرة بن جندب مرفوعا: لا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك رواه مسلم (وهي مدفن الموتى) بني لفظها من لفظ القبر، لأن الشئ إذا كثر بمكان جاز أن يبني له اسم من اسمه. كقولهم: مسبعة لمكان كثر فيه السباع. ومضبعة لمكان كثر فيه الضباع. وهي بفتح الميم مع تثليث الباء، لكن الفتح القياس، والضم المشهور. والكسر قليل، ويجوز كسر الميم وفتح الباء (ولا يضر قبر ولا قبران) أي لا يمنع من الصلاة. لأنه لا يتناولها اسم المقبرة، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا، نقله في الاختيارات عن طائفة من أصحابنا. قال: وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه: هذا الفرق. قال: وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه (وتكره الصلاة إليه) أي إلى القبر (ويأتي) في الباب (ولا يضر) أي لا تمنع الصلاة في (ما أعد للدفن) فيه (ولم يدفن فيه، ولا ما دفن بداره) وإن كثر. لأنه ليس بمقبرة (والخشخاشة) بيت في الأرض له سقف يقبر فيه جماعة لغة عامية. قاله في الحاشية (فيها جماعة) من الموتى (قبر واحد) اعتبارا بها، لا بمن فيها (وتصح صلاة جنازة فيها) أي المقبرة (ولو قبل الدفن، بلا كراهة) أي لا تكره الصلاة على الجنازة في المقبرة (والمسجد في المقبرة إن حدث بعدها كهي) أي لا تصح الصلاة فيه، غير صلاة الجنازة، لأنه من المقبرة (وإن حدثت) المقبرة (بعده) أي المسجد (حوله، أو) حدثت (في قبلته، فكصلاة إليها) أي إلى المقبرة، فتكره بلا حائل (ولو وضع القبر) أي دفن فيها، بحيث سميت مقبرة على ما تقدم. (والمسجد معا لم يجز) فيه، (ولم يصح الوقف ولا الصلاة، قاله) ابن القيم (في الهدي) النبوي، تقديما لجانب الحظر، (ولا) تصح (في
351 حمام داخله وخارجه وأتونه) أي موقد النار (وكل ما يغلق عليه الباب ويدخل في بيع) لشمول الاسم لذلك كله. وذلك لحديث أبي سعيد مرفوعا قال: جعلت لي الأرض كلها مسجدا إلا المقبرة والحمام رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه، وابن حبان، والحاكم، وقال: أسانيده صحيحة، وقال ابن حزم: خبر صحيح. (ولا) تصح الصلاة (في حش) بفتح الحاء وضمها (وهو ما أعد لقضاء الحاجة) ولو مع طهارته من النجاسة، وهو لغة البستان، ثم أطلق على محل قضاء الحاجة، لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، وهي الحشوش. فسميت الا خلية في الحضر حشوشا (فيمنع من الصلاة داخل بابه وموضع الكنيف وغيره سواء) لتناول الاسم له. لأنه لما منع الشرع من ذكر الله والكلام فيه، كان منع الصلاة فيه من باب أولى، (ولا) تصح الصلاة في (أعطان إبل، وهي ما تقيم فيه، وتأوي إليه) واحدها عطن، بفتح الطاء، وهي المعاطن: جمع معطن بكسرها. والأصل في ذلك: ما روى البراء بن عازب أن النبي (ص) قال: صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في مبارك الإبل رواه أحمد وأبو داود وصححه أحمد وإسحاق. وقال ابن خزيمة: لم نر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح، (ولا بأس بالصلاة في مواضع نزولها) أي الإبل (في سيرها، و) لا في (المواضع التي تناخ) الإبل (فيها لعلفها أو وردها) الماء. لأن اسم الأعطان لا يتناولها، فلا تدخل في النهي، (ولا) تصح الصلاة أيضا (في مجزرة، وهي ما أعد للذبح فيه ولا في مزبلة، وهي مرمى الزبالة، ولو طاهرة، ولا في قارعة طريق، وهو ما كثر سلوكه، سواء كان فيه سالك أو لا) لما روى ابن عمر أن النبي (ص) قال: سبع مواطن لا تجوز فيها الصلاة: ظهر بيت الله، والمقبرة والمزبلة، والمجزرة، والحمام، ومعطن الإبل، ومحجة الطريق رواه ابن ماجة، والترمذي، وقال: ليس إسناده
352 بالقوي، وقد رواه الليث بن سعد، عن عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا، (ولا بأس بطريق الأبيات القليلة، وبما علا عن جادة الطريق يمنة ويسرة، نصا) فتصح الصلاة فيه بلا كراهة، لأنه ليس بمحجة، (ولا) تصح الصلاة (في أسطحتها) أي أسطحة المواضع التي قلنا لا تصح الصلاة فيها (كلها) لأن الهواء تابع للقرار، بدليل أن الجنب يمنع من اللبث على سطح المسجد، وأن من حلف لا يدخل دارا يحنث بدخول سطحها، (و) لا تصح الصلاة في (ساباط على طريق) لأن الهواء تابع للقرار لما تقدم، (ولا على سطح نهر) قال ابن عقيل: لأن الماء لا يصلى عليه. وقال غيره: هو كالطريق (قال القاضي: تجري فيه سفينة) كالطريق. وعلله بأن الهواء تابع للقرار، لما تقدم. (والمختار) في الصلاة على سطح النهر (الصحة كالسفينة. قاله أبو المعالي وغيره) مقتضى المنتهى: لا تصح. وقد يفرق بينه وبين السفينة: بأنها مظنة الحاجة (ولو حدث طريق أو غيره من مواضع النهي) كعطن إبل، وحش (تحت مسجد بعد بنائه صحت) الصلاة (فيه) أي في المسجد، لأنه لم يتبع ما حدث بعده (والمنع) من الصلاة (في هذه المواضع تعبد) ليس معللا بوهم النجاسة، ولا غيره، لنهي الشارع عنها، ولم يعقل معناه (ولا تصح) صلاة (في بقعة غصب من أرض أو حيوان بأن يغصبه) أي ما ذكر من الأرض والحيوان (ويصلي عليه) الغاصب (أو غيره) لأنها عبادة أتي بها على الوجه المنهي عنه، فلم تصح. كصلاة الحائض، قال في المبدع: ويلحق به ما إذا أخرج ساباطا في موضع لا يحل له، (أو) من (سفينة) غصبها أو غصب لوحا فجعله سفينة. لم تصح الصلاة فيها (ولا فرق بين غصبه لرقبة الأرض) بأن يستولي عليها قهرا ظلما (أو دعواه ملكيتها) أي ملكية رقبتها بغير حق (وبين غصب منافعها، بأن يدعي إجارتها ظالما، أو يضع يده عليها مدة) ظلما، (أو يخرج ساباطا في موضع لا يحل)
353 إخراجه، كان يخرجه في درب غير نافذ، بلا إذن أهله، أو في نافذ بغير إذن الإمام أو نائبه (ونحو ذلك، ولو) كان المغصوب (جزءا مشاعا فيها) أي في البقعة، فلا تصح الصلاة فيها، فإن كان الغصب جزءا معينا تعلق الحكم به وحده، فإن صلى فيه، لم تصح، وإن صلى في غيره صحت، (أو) أي لا تصح الصلاة في البقعة الغصب، ولو (بسط عليها مباحا، أو بسط غصبا على مباح) جزم به في المبدع وغيره. بخلاف ما لو بسط طاهرا صفيقا على حرير، والفرق: أنه لا يعد مستعملا للحرير إذن، بخلاف البقعة، فإنه حال فيها، وإن كان تحته مباح، (سوى جمعة وعيد وجنازة ونحوها مما تكثر له الجماعات) ككسوف واستسقاء (فيصح فيها) أي في المواضع المتقدمة، كالمقبرة وقارعة الطريق ونحوها (كلها ضرورة) أي لأجل الضرورة، والذي في المنتهى والانصاف، ونقله عن الموفق في المغني والشارح والمجد في شرحه، وصاحب الحاوي الكبير والفروع وغيرهم: صحة ذلك في الغصب. وفي الطريق إذا اضطروا إليه. وأما الحمام والحش ونحوه فيبعد إلحاقه بذلك، قال في الشرح: قال أحمد: يصلي الجمعة في موضع الغصب، يعني إذا كان الجامع أو بعضه مغصوبا، صحت الصلاة فيه لأن الجمعة تختص ببقعة، فإذا صلاها الامام في الموضع المغصوب، فامتنع الناس من الصلاة فيه فاتتهم الجمعة وكذلك من امتنع فاتته. ولذلك صحت خلف الخوارج والمبتدعة، وصحت في الطريق لدعاء الحاجة إليه، وكذلك الأعياد والجنازة، (وتصح) الصلاة (على راحلة في طريق) على ما يأتي تفصيله لصلاته (ص) على البعير، (و) تصح الصلاة على (نهر جمد ماؤه) جزم به ابن تميم. وقدم في الانصاف: أنه كالطريق (وإن غير هيئة مسجد فكغصبه) في صلاته فيه، قاله في الرعاية
354 فيؤخذ منه: لو صلى غيره فيه صحت، لأنه مباح له (وإن منع المسجد غيره وصلى هو فيه، أو زحمه، وصلى مكانه حرمت) أي حرم عليه منعه الغير، لأنه ظلم، (وصحت) صلاته لان المسجد مباح في الجملة، وإنما المحرم عليه منع الغير، أو مزاحمته لإقامته، فعاد النهي إلى خارج. وقال في التنقيح، فيمن أقام غيره وصلى مكانه. قواعد المذهب تقتضي عدم الصحة، وفي الرعاية: وإن لم يغير هيئته لكن منع الناس الصلاة فيه صحت صلاته، مع الكراهة، وتبعه في المبدع، وزاد في الأصح، ولا يضمنه بذلك (ومن وجبت عليه الهجرة من أرض) لكفر أهلها، وعجزه عن إظهار دينه، أو كونهم أهل بدعة ضالة كذلك (لم يجب عليه إعادة ما صلى بها) لأن النهي عن إقامته بها لا يختص الصلاة (ويصح الوضوء والاذان وإخراج الزكاة والصوم والعقود) كالبيع والنكاح وغيرهما، والفسوخ كالطلاق والخلع والعتق (في مكان غصب) لأن البقعة ليست شرطا فيها، بخلاف الصلاة (وتصح صلاته في بقعة أبنيتها غصب، ولو استند) إلى الأبنية لإباحة البقعة المعتبرة في الصلاة. ومقتضى كلامه في المبدع: وتكره. وفي معنى ذلك ما يبنى بحريم الأنهار من مساجد وبيوت. لأن المحرم البناء بها. وأما البقعة فعلى أصل الإباحة. (و) تصح (صلاة من طولب برد وديعة، أو) رد (غصب قبل دفعها إلى ربها) ولو بلا عذر، لأن التحريم لا يختص الصلاة، (و) تصح (صلاة من أمره سيده أن يذهب إلى مكان، فخالفه وأقام) لما تقدم (ولو تقوى على أداء عبادة) من صلاة أو صوم ونحوه (بأكل محرم صحت) عبادته لأن النهي لا يعود إلى العبادة. ولا إلى شروطها، فهو إلى خارج عنها، وذلك لا يقتضي فسادها. لكن لو حج بغصب عالما ذاكرا، لم يصح حجه على المذهب (ولو صلى على أرض غيره ولو) كانت (مزروعة بلا ضرر) ولا غصب، (أو) صلى (على مصلاه بلا غصب ولا ضرر جاز) وصحت صلاته (وتقدم في الباب قبله) ويأتي في الجمعة: لو صلى على مصلى مفروش لغيره. لم تصح. وجوابه (وإن
355 صلى في غصب) من بقعة، أو غيرها (جاهلا) كونه غصبا (أو ناسيا كونه غصبا) صحت لأنه غير آثم (أو حبس به) أي المكان الغصب صحت (صلاته) لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، (ويصلي فيها) أي المقبرة والحمام وغيرها مما تقدم. (كلها لعذر) كأن حبس بحمام أو حش ونحوه، قال في المبدع: وظاهره أنه لا يصلي فيها من أمكنه الخروج، ولو فات الوقت (ولا يعيد) من صلى فيها لعذر لصحة صلاته. وظاهره: ولو زال العذر في الوقت وخرج منها، كالمتيمم يجد الماء بعد الصلاة (وتكره الصلاة إليها) أي إلى المقبرة وغيرها مما تقدم من المواضع المنهي عن الصلاة فيها. لما روى أبو يزيد الغنوي: أنه سمع النبي (ص) يقول: لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا إليها رواه مسلم. قال القاضي: ويقاس على ذلك جميع مواضع النهي، إلا الكعبة. وفيه نظر، لأن النهي عنه تعبد، وشرط القياس فهم المعنى (ما لم يكن حائل، ولو كمؤخرة رحل، وليس كسترة الصلاة، فلا يكفي حائط المسجد) جزم به جماعة منهم المجد، وابن تميم والناظم وغيرهم. وقدمه في الرعايتين والحاويين، وغيرهم، لكراهة السلف الصلاة في مسجد في قبلته حش. وظاهر ما قدمه في الفروع والمبدع وغيرهما: يكفي حائط المسجد وتأول ابن عقيل النص على سراية النجاسة تحت مقام المصلي. واستحسنه صاحب التلخيص، (ولا) يكفي (الخط ونحوه) ولا ما دون مؤخرة رحل (بل) الحائل هنا (كسترة المتخلي) فيعتبر بمؤخرة الرحل (وإن غيرت أماكن النهي، غير الغصب، بما يزيل اسمها، كجعل الحمام دارا، أو مسجدا، أو نبش الموتى من المقبرة، وتحويل عظامهم، ونحو ذلك) كجعل المزبلة، أو المجزرة دارا (صحت الصلاة فيها) لأنها خرجت بذلك عن أن تكون مواضع النهي، (وتصح) الصلاة (في أرض السباخ) نص عليه. قال في الرعاية: مع الكراهة، (و) تصح الصلاة في (الأرض المسخوط عليها، كأرض الخسف، وكل بقعة نزل
356 بها عذاب، كأرض بابل، وأرض الحجر، ومسجد الضرار) لأنه موضع مسخوط عليه. وقد قال النبي (ص) يوم مر بالحجر: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم (وفي المدبغة والرحا. و) تصح الصلاة (عليها) أي على الرحى (مع الكراهة فيهن) أي في تلك المسائل، (و) تصح الصلاة (على الثلج بحائل أو لا، إذا وجد حجمه) لاستقرار أعضاء السجود (وكذا حشيش، وقطن منتفش) تصح الصلاة عليه إذا وجد حجمه (وإن لم يجد حجمه لم تصح) صلاته، لعدم استقرار الجبهة عليه (ولا يعتبر كون ما يحاذي الصدر مستقرا فلو حاذاه روزنة ونحوها) كطاق (صحت) صلاته. لأن الصدر ليس من أعضاء السجود (بخلاف ما تحت الأعضاء) أي التي يجب السجود عليها. فلا تصح إن حاذت روزنة ونحوها (أو صلى في الهواء، أو في أرجوحة، ونحو ذلك، لأنه ليس بمستقر القدمين على الأرض، إلا أن يكون مضطرا) إلى الصلاة كذلك (كالمصلوب) والمربوط للعذر (وتكره) الصلاة (في مقصورة تحمي) للسلطان وحده (نصا) قال ابن عقيل: إنما كره المقصورة لأنها كانت تختص بالظلمة وأبناء الدنيا. فكره الاجتماع بهم. قال: وقيل: كرهها لقصورها على أتباع السلطان، ومنع غيرهم. وتصير كالموضع الغصب (ويصلي في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه) بأن حبس فيه (ويسجد بالأرض وجوبا، إن كانت النجاسة يابسة) تقديما لركن السجود. لأنه مقصود في نفسه. ومجمع على فريضته. وعلى عدم سقوطه. بخلاف ملاقاة النجاسة (وإلا) بأن كانت النجاسة رطبة (أومأ غاية ما يمكنه وجلس على قدميه) لضرورة الجلوس (ولا يضع على الأرض وغيرهما) أي غير القدمين، للاكتفاء بهما عما سواهما (وكذا من هو في ماء وطين) يومئ كمصلوب ومربوط لحديث: " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " (ولا تصح الفريضة في الكعبة) المشرفة (ولا على
357 ظهرها) لقوله تعالى: * (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * والشطر: الجهة. ومن صلى فيها أو على سطحها غير مستقبل لجهتها، ولأنه يكون مستدبرا من الكعبة ما لو استقبله منها وهو خارجها صحت صلاته. ولان النهي عن الصلاة على ظهرها وقد ورد صريحا في حديث عبد الله بن عمر فيما سبق. وفيه تنبيه على النهي عن الصلاة فيها. لأنهما سواء في المعنى. والجدار لا أثر له، إذ المقصود البقعة، بدليل أنه يصلي للبقعة حيث لا جدار (إلا إذا وقف على منتهاها) أي الكعبة. وفي نسخ منتهاه أي البيت الحرام، أو ظهره (بحيث لم يبق وراءه شئ منها، أو صلى خارجها) أي الكعبة (وسجد فيها) فيصح فرضه. لأنه مستقبل لطائفة من الكعبة، غير مستدبر لشئ منها. فصحت. كما لو صلى إلى أحد أركانها (ويصح نذر الصلاة فيها) أي الكعبة (وعليها) كالنافلة. وقال في الاختيارات: وإن نذر الصلاة في الكعبة جاز. كما لو نذر الصلاة على الراحلة. وإن نذر الصلاة مطلقا، اعتبر فيها شروط الفريضة، لأن النذر المطلق يحذى به حذو الفرائض اه. وعبارة المنتهى: وتصح نافلة ومنذورة فيها وعليها، (و) تصح (نافلة) فيها وعليها، (بل يسن التنفل فيها والأفضل) أن يتنفل (وجاهه إذا دخل) لحديث ابن عمر قال: دخل الرسول (ص) البيت، وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم. فلما فتحوا كنت أول من ولج. فلقيت بلالا، فسألته هل صلى النبي (ص) في الكعبة؟ قال: ركعتين بين الساريتين، عن يسارك إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين رواه الشيخان. ولفظه للبخاري. وأما ما روى الشيخان عن أسامة أيضا والبخاري عن ابن عباس أن النبي (ص) لم يصل في الكعبة فجوابه: أن الدخول كان مرتين. فلم يصل في الأولى، وصلى في الثانية. كذا رواه أحمد في مسنده. وذكره ابن حبان في صحيحه (ولو صلى لغير وجاهة إذا دخل. جاز) كما لو صلى وجاهه. لأن كل جهة من جهاتها قبلة (إذا كان بين يديه شئ
358 منها شاخص، تتصل بها، كالبناء والباب، ولو مفتوحا، أو عتبته المرتفعة، فلا اعتبار بالآجر المعبى من غير بناء، ولا الخشب غير المسمور، ونحو ذلك) لأنه غير متصل (فإن لم يكن شاخص) متصل (وسجوده على منتهاها، لم تصح) صلاته لأنه لم يصل إلى شئ من الكعبة (وإن كان بين يديه شئ منها) أي الكعبة (إذا سجد، ولكن ما ثم شاخص لم تصح) صلاته (أيضا، اختاره الأكثر) قاله في التنقيح (وعنه تصح) صلاته. اختاره الموفق في المغني، والمجد في شرحه، وابن تميم وصاحب الحاوي الكبير، والفائق. وهو المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة ذكره في الانصاف. وهو معنى ما قطع به في المنتهى، (والحجر) بكسر الحاء (منها) أي من الكعبة، لخبر عائشة (وقدره ستة أذرع وشئ) قال الشيخ تقي الدين: الحجر جميعه ليس من البيت. وإنما الداخل في حدود البيت ستة أذرع وشئ. فمن استقبل ما زاد على ذلك لم تصح صلاته البتة اه. وهذا بالنسبة لغير الطواف، وإلا فلا بد من خروجه عنه جميعه احتياطا. ويأتي (فيصح التوجه إليه) أي إلى ذلك القدر من الحجر لأنه من البيت. أشبه سائره، وسواء كان المتوجه إليه مكيا أو غيره، وسواء كانت الصلاة فرضا، أو نفلا. (ويسن التنفل فيه) أي في الحجر، لخبر عائشة (وأما الفرض فيه) أي الحجر (فك) - الفرض (داخلها) لا يصح إلا إذا وقف على منتهاه، بحيث لم يبق وراءه شئ منه، أو وقف خارجه وسجد فيه (ولو نقض) أو سقط (بناء الكعبة وجب استقبال موضعها وهوائها، دون أنقاضها) لأن المقصود البقعة لا الأنقاض (ولو صلى على جبل يخرج عن مسامتة بنيانها) كأبي قبيس (صحت) الصلاة (إلى هوائها) وكذا لو حفر حفيرة في الأرض، بحيث ينزل عن مسامتة بنيانها. صحت إلى
359 هوائها: لما تقدم أن المقصود البقعة لا الجدار (ويأتي حكم صلاة الفرض على الراحلة، وفي السفينة أول) باب (صلاة أهل الاعذار) بعد الكلام على صلاة المريض. باب استقبال القبلة (و) بيان (أدلتها) وما يتعلق بذلك، قال الواحدي: القبلة: الوجهة، هي الفعلة من المقابلة، والعرب تقول: ما له قبلة ولا دبرة إذا لم يهتد لجهة أمره. وأصل القبلة في اللغة، الحالة، التي يقابل الشئ غيره عليها، كالجلسة للحالة التي يجلس عليها، إلا أنها صارت كالعلم للجهة التي يستقبلها المصلي. وسميت قبلة، لاقبال الناس عليها، أو لأن المصلي يقابلها. وهي تقابله، والأدلة جمع دليل: وتقدم في الخطبة (صلى النبي (ص) إلى بيت المقدس عشر سنين بمكة) جزم به القاضي في شرح الخرقي الصغير، والسامري في المستوعب. وهي المدة التي أقامها بمكة بعد البعثة، بناء على حديث أنس: بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين - الحديث وما ذكروه من أنه كان يصلي بمكة قبل الهجرة إلى بيت المقدس: هو أحد أقوال ثلاثة. قال الفخر الرازي في تفسيره: اختلفوا في صلاته إلى بيت المقدس. فقال قوم: كان بمكة يصلي إلى الكعبة. فلما صار إلى المدينة أمر بالتوجه إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا. وقال قوم: بل كان يصلي إلى بيت المقدس، لا انه يجعل الكعبة بينه وبينه. وقال قوم: بل: كان يصلى إلى بيت المقدس فقط بمكة، وبالمدينة أولا سبعة عشر شهرا، ثم أمره الله تعالى بالتوجه إلى الكعبة، لما فيه من الصلاح، (و) صلى أيضا (ص) إلى بيت المقدس (ستة عشر شهرا بالمدينة) رواه النسائي عن البراء. وقيل: سبعة عشر شهرا. وقيل: ثمانية عشر شهرا. وجمع بينها بأن من عدها ستة عشر لم يعتبر الكسور. ومن عدها ثمانية عشر اعتد بالشهرين الأول والأخير، ولم ينظر لما فيهما من الكسور. ومن عدها سبعة عشر، حسب كسور الأول والأخير، وألغى بقيتهما، (ثم أمر) (ص) (بالتوجه إلى الكعبة) بقوله تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * الآية،
360 (وهو الشرط الثامن لصحة الصلاة) لأنه قد تقدم عليه سبعة (فلا تصح) الصلاة (بدونه) أي الاستقبال، لقوله تعالى: * (فولوا وجوهكم شطره) * قال علي: شطره: قبله وقال ابن عمر: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت فقال: إن النبي (ص) قد أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة: فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام. فاستداروا إلى الكعبة متفق عليه. (إلا لمعذور) عاجز عن استقبال القبلة (كالتحام حرب) حال الطعن والكر والفر (وهرب من سيل أو) من (نار، أو) من (سبع ونحوه ولو) كان العذر (نادرا، كمريض عجز عنه) أي عن الاستقبال، (و) عجز (عمن يديره إليها) أي القبلة، (وكمربوط ونحوه) أي كمصلوب إلى غير القبلة (فتصح) صلاتهم (إلى غير القبلة منهم، بلا إعادة) لأنه شرط عجزوا عنه. فسقط، كستر العورة، وكالقيام (و) إلا (لمتنفل راكب وماش في سفر، غير محرم، ولا مكروه، ولو) كان السفر (قصيرا) لقوله تعالى: * (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) * قال ابن عمر: نزلت في التطوع خاصة، ولما روى هو أنه (ص) كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه وكان ابن عمر يفعله. متفق عليه. وللبخاري: إلا الفرائض ولم يفرق بين طويل السفر وقصيره، ولان ذلك تخفيف في التطوع، لئلا يؤدي إلى تقليله أو قطعه. فاستويا فيه. وألحق الماشي بالراكب، لأن الصلاة أبيحت للراكب، لئلا ينقطع عن القافلة في السفر، وهو موجود في الماشي. و (لا) يسقط الاستقبال (إذا تنفل في الحضر كالراكب السائر في مصره) أو قريته، لأنه ليس مسافرا، (ولا) يسقط الاستقبال إذا لم يقصد المسافر جهة معينة ك (- راكب تعاسيف، وهو ركوب الفلاة وقطعها على غير صوب) ومنه الهائم والتائه،
361 والسائح، والسفر قطع المسافة، وجمعه أسفار، سمي بذلك لأنه يسفر عن أخلاق الرجال (فلو عدلت به) أي المسافر الذي يتطوع على راحلته (دابته عن جهة سيره) إلى غير جهة القبلة (لعجزه عنها أو لجماحها ونحوه) كحرنها، وطال بطلت صلاته. لأنه بمنزلة العمل الكثير. وإن قصر لم تبطل، (أو عدل هو) أي المسافر (إلى غير القبلة غفلة، أو نوما أو جهلا، أو سهوا، أو لظنه أنها جهة سيره، وطال. بطلت) صلاته. لأنه عمل كثير، فيبطلها عمده وسهوه وجهله (وإن قصر) عدوله لعذر (لم تبطل) صلاته. لأنه يسير، (ويسجد للسهو، وإن كان عذره السهو) لا الغفلة والنوم ونحوه، فيعابى بها (وإن كان غير معذور في ذلك) العدول (بأن عدلت) به (دابته وأمكنه ردها) ولم يردها. بطلت، طال ذلك أو قصر، إن لم يكن عدوله إلى جهة القبلة، (أو عدل) بنفسه (إلى غير القبلة مع علمه) بأنها غير جهة سيره، وغير جهة القبلة (بطلت) صلاته، طال ذلك أو قصر لأنه ترك قبلته عمدا (وإن انحرف عن جهة سيره فصار قفاه إلى القبلة عمدا، بطلت) لاستدباره القبلة. وكذا لو استدار بجملته عن جهة سيره إلى غير جهة القبلة، لتركه قبلته (إلا أن يكون انحرافه إلى جهة القبلة) في جميع ما تقدم. فلا تبطل صلاته لأن التوجه إليها هو الأصل (وإن وقفت دابته تعبا، أو) وقف (منتظرا رفقة، أو لم يسر لسيرهم) استقبل القبلة (أو نوى النزول ببلد دخله استقبل القبلة) ويتمها لانقطاع السير، كالخائف يأمن (ولو ركب المسافر النازل) أي غير السائر (وهو في) صلاة (نافلة بطلت) صلاته، سواء كان يتنفل قائما أو قاعدا. لأن حالته إقامة، فيكون ركوبه فيها بمنزلة العمل الكثير من المقيم، و (لا) تبطل صلاة (الماشي) بركوبه فيها (فيتمها) لأنه انتقل من حالة مختلف في صحة التنفل فيها، وهي المشي، إلى حالة متفق على صحة التنفل فيها، وهي الركوب. مع أن كلا منهما حالة سير (وإن نزل) المسافر (الراكب في أثنائها) أي النافلة (نزل مستقبلا وأتمها نصا) لأنه انتقل إلى حال إقامة. كالخائف إذا أمن، (ويلزم الراكب) إذا تنفل على راحلته (افتتاحها) أي النافلة (إلى القبلة بالدابة) بأن يديرها إلى القبلة إن أمكنه - بلا مشقة (أو بنفسه) بأن يدور إلى القبلة ويدع راحلته سائرة مع الركب (إن
362 أمكنه) ذلك (بلا مشقة) لما روى أنس أن النبي (ص) كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة، فكبر، ثم صلى حيث كان وجهة ركابه رواه أحمد وأبو داود (وكذا إن أمكنه ركوع وسجود واستقبال) في جميع النافلة (عليها) أي الراحلة (كمن هو في سفينة أو محفة) بكسر الميم (ونحوها) كعمارية وهودج، فيلزمه ذلك لقدرته عليه، بلا مشقة. (أو كانت راحلته واقفة) لزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة بلا مشقة، والركوع والسجود إن أمكنه، بلا مشقة (وإلا) أي وإن لم يمكنه افتتاح النافلة إلى القبلة، بلا مشقة، كمن على بعير مقطور، ويعسر عليه الاستدارة بنفسه، أو يكون مركوبه حرونا تصعب عليه إدارته، أو لا يمكنه الركوع ولا السجود (افتتحها) أي النافلة (إلى غيرها) أي غير القبلة، يعني إلى جهة سيره (وأومأ) بالركوع والسجود (إلى جهة سيره) طلبا للسهولة عليه، حتى لا يؤديه إلى عدم التطوع (ويكون سجوده أخفض من ركوعه وجوبا إن قدر) لما روى جابر قال: بعثني النبي (ص) في حاجة، فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع رواه أبو داود. (وتعتبر فيه) أي في نفل المسافر، أي يشترط لصحته (طهارة محله) أي المصلى (نحو سرج وإكاف) كغيره، لعدم المشقة فيه. فإن كان المركوب نجس العين، أو أصاب موضع الركوب منه نجاسة، وفوقه حائل طاهر، من برذعة ونحوها، صحت الصلاة. قاله في شرح الهداية. وقال بعض أصحابنا: هو على الروايتين فيمن فرش طاهرا على أرض نجسة. والصحيح الجواز ههنا على الروايتين لأن اعتبار ذلك يشق. فتفوت الرخصة. وذلك أن أبدان الدواب لا تسلم غالبا من النجاسة، لتقلبها وتمرغها على الزبل والنجاسات، والبغل والحمار منها نجسان في ظاهر المذهب. والحاجة ماسة إلى ركوبهما وقد صح عن النبي (ص) أنه كان يصلي على حماره التطوع وذلك دليل الجواز (وإن وطئت دابته نجاسة فلا بأس) أي لم تبطل صلاته. وقال ابن حمدان: بلى، إن أمكن رده عنها، ولم يردها (وإن وطئها) أي النجاسة (الماشي عمدا فسدت صلاته) كغير المسافر (وإن نذر) المسافر السائر (الصلاة على الدابة جاز) أي انعقد نذره، ومثله نذرها في الكعبة،
363 وتقدم (والوتر وغيره من النوافل) الرواتب وغيرها وسجود التلاوة (عليها) أي الراحلة (سواء) لعدم الفارق. وقد كان (ص) يوتر على دابته متفق عليه. (ويدور في السفينة والمحفة ونحوهما) كالعمارية (إلى القبلة في كل صلاة فرض) لوجوب الاستقبال فيه. لما تقدم. و (لا) يلزمه أن يدور في (نفل) للحرج والمشقة (والمراد غير الملاح) فلا يلزمه أن يدور في الفرض أيضا (لحاجته) لتسيير السفينة (ويلزم الماشي أيضا الافتتاح) أي افتتاح النافلة (إلى القبلة و) يلزمه (ركوع وسجود) إلى القبلة بالأرض، لتيسر ذلك عليه من غير انقطاع عن جهة سيره، (ويفعل الباقي) من الصلاة (إلى جهة سيره) وصحح المجد في شرح الهداية: يومئ بالركوع والسجود إلى جهة سيره كالراكب (والفرض في القبلة لمن قرب منها كمن بمكة: إصابة العين) أي عين الكعبة (ببدنه كله، بحيث لا يخرج شئ منه عنها) أي عن الكعبة، نص عليه. لأنه قادر على التوجه إلى عينها قطعا، فلم يجز العدول عنه. فلو خرج ببعض بدنه عن مسامتتها لم تصح (ولا يضر علو) ه على الكعبة. كما لو صلى على أبي قبيس (ولا نزوله عنها. كما لو صلى في حفيرة تنزل عن مسامتتها لأن العبرة بالبقعة لا بالجدران. كما تقدم (إن لم يتعذر عليه إصابتها) أي إصابة العين ببدنه، كالمصلي داخل المسجد الحرام، أو على سطحه، أو خارجه، وأمكنه ذلك بنظره أو علمه، أو خبر عالم بذلك. فإن من نشأ بمكة، أو أقام بها كثيرا تمكن من الامر اليقين في ذلك. ولو مع حائل حادث كالأبنية (فإن تعذرت) إصابة العين (بحائل أصلي من جبل ونحوه) كالمصلي خلف أبي قبيس (اجتهد إلى عينها) أي عين الكعبة، لتعذر اليقين عليه (ومع حائل غير أصلي كالمنازل) تحول بينه وبين الكعبة (لا بد من اليقين) أي من تيقنه محاذاة الكعبة ببدنه (بنظر) ه إلى الكعبة، أو (خبر) ثقة (ونحوه) والأعمى المكي والغريب إذا أراد الصلاة بدار أو نحوها من مكة، ففرضه الخبر عن يقين، أو عن مشاهدة، مثل أن يكون من وراء حائل. وعلى الحائل من يخبره، أو أخبره أهل الدار، أنه متوجه إلى عين الكعبة. فيلزمه الرجوع إلى قولهم. وليس له الاجتهاد كالحاكم إذا وجد النص. (و) الفرض في القبلة (إصابة الجهة
364 بالاجتهاد ويعفى عن الانحراف قليلا) يمنة أو يسرة (لمن بعد عنها) أي عن الكعبة (وهو) أي البعيد عنها (من لم يقدر على المعاينة) للكعبة (ولا على من يخبره عن علم) لما روى أبو هريرة أن النبي (ص) قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة رواه ابن ماجة، والترمذي وصححه. ولان الاجماع انعقد على صحة صلاة الاثنين المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة، وعلى صحة صلاة الصف الطويل على خط مستو. لا يقال: مع البعد يتسع المحاذي. لأنه إنما يتسع مع التقوس لا مع عدمه (سوى المشاهد لمسجد النبي (ص) والقريب منه، ففرضه إصابة العين) لأن قبلته متيقنة لأنه (ص) لا يقر على الخطأ. وقد روى أسامة بن زيد أن النبي (ص) ركع ركعتين قبل القبلة. وقال: هذه القبلة قال الناظم: وكذا مسجد الكوفة لاتفاق الصحابة عليه، لكن قال في الشرح: في قول الأصحاب نظر. لأن صلاة الصف المستطيل في مسجد النبي (ص) صحيحة مع خروج بعضهم عن استقبال عين الكعبة. لكون الصف أطول منها. وقولهم: إنه (ص) لا يقر على الخطأ: صحيح. لكن إنما الواجب عليه استقبال الجهة. وقد فعله، وهذا الجواب عن الحديث المذكور اه. وأجاب ابن قندس، بأن استقبال الجهة إنما يجب عند تعذر إصابة العين. وهو (ص) متمكن من ذلك بالوحي، بل ذكر القاضي عياض في الباب الثاني من الشفاء: أنه رفعت له الكعبة حين بنى مسجده (ص). قلت: لكن النظر الذي أورده الشارح باق، إلا أن يقال: مراد الأصحاب من إلحاقهم إياه بمن بمكة: أنه يضر انحرافه يمنة ويسرة عن محرابه (ص) بخلاف غيره ممن بعد فلا يضر انحرافه (والبعيد منه) أي من مسجد النبي (ص) يعني ومن مكة: يجتهد (إلى الجهة) لتعذر إصابة العين بالاجتهاد، فتقوم الجهة مقامها للضرورة (فإن أمكنه ذلك) أي معرفة ما هو مأمور بالتوجه إليه من عين، أو جهة (بخبر) مسلم (ثقة مكلف عدل ظاهرا وباطنا) حرا كان أو عبدا، رجلا أو امرأة، (عن يقين) مثل أن يخبره أن الشمس تطلع أو تغرب من جهة عينها، فيعلم أن الجهة بينها وبين مقابلتها مثلا، أو يخبره أن النجم الذي تجاهه الجدي. فيعلم
365 محل القبلة منه ونحوه، لزمه العمل به. ولا يجتهد كالحاكم يقبل النص من الثقة ولا يجتهد. وعلم منه أنه لا يقبل خبر كافر، ولا غير مكلف. ولا فاسق، لكن قال ابن تميم: يصح التوجه إلى قبلته في بيته. وذكره في الإشارات. وجزم به في المبدع. قال في الرعاية الكبرى: قلت: وإن كان هو عملها فهو كإخباره اه. فلو شك في حاله، قبل قوله في الأصح وإن شك في إسلامه. فلا. وأنه إذا أخبره عن اجتهاد لا يجوز تقليده. قال في الفروع والمبدع في الأصح. وقيل مع ضيق الوقت. ذكره القاضي ظاهر كلام أحمد. واختاره جماعة، (أو) أمكنه معرفة القبلة (بالاستدلال بمحاريب المسلمين) جمع محراب، وهو صدر المجلس. ومنه محراب المسجد. وهو الغرفة. وقال المبرد: لا يكون محرابا إلا أن يرتقى إليه بدرج (لزمه العمل به) إذا علمها للمسلمين، عدولا كانوا أو فساقا، لان اتفاقهم عليها مع تكرار الإعصار إجماع عليها ولا تجوز مخالفتها. قال في المبدع: ولا ينحرف. لأن دوام التوجه إليه كالقطع (وإن وجد محاريب) ببلد خراب (لا يعلمها للمسلمين، لم يلتفت إليها) لأنها لا دلالة فيها، لاحتمال كونها لغير المسلمين. وإن كان عليها آثار الاسلام لجواز أن يكون الباني مشركا، عملها ليغر بها المسلمين. قال في الشرح: إلا أن يكون مما لا يتطرق إليه هذا الاحتمال. ويحصل له العلم أنه من محاريب المسلمين فيستقبله. وعلم منه: أنه إذا علمها للكفار لا يجوز له العمل بها. لأن قولهم لا يرجع إليه فمحاربيهم أولى. وفي المغني والشرح: إذا علمت قبلتهم كالنصارى إذا رأى محاريبهم في كنائسهم، علم أنها متقبلة للمشرق. فصل: (فإن اشتبهت عليه القبلة، فإن كان في قرية ففرضه التوجه إلى محاريبهم) لما تقدم
366 (فإن لم تكن) لهم محاريب (لزمه السؤال عنها) أي عن القبلة. قال في المبدع: ظاهره يقصد المنزل في الليل، فيستخبر (إن كان جاهلا بأدلتها) أي القبلة (فإن وجد من يخبره عن يقين ففرضه الرجوع إلى خبره) ولا يجتهد كالحاكم يجد النص (وإن كان) يخبره عن ظن، ففرضه تقليده إن كان المخبر (من أهل الاجتهاد فيها، وهو العالم بأدلتها) وضاق الوقت. وإلا لزمه التعليم والعمل باجتهاده (وإن اشتبهت عليه) القبلة (في السفر، وكان عالما بأدلتها، ففرضه الاجتهاد في معرفتها) لأن ما وجب اتباعه عند وجوده وجب الاستدلال عليه عند خفائه، كالحكم في الحادثة (فإذا اجتهد وغلب على ظنه جهة) أنها القبلة (صلى إليها) لتعينها قبلة له، إقامة للظن مقام اليقين، لتعذره (فإن تركها) أي الجهة التي غلبت على ظنه (وصلى إلى غيرها أعاد) ما صلاه إلى غيرها (وإن أصاب) لأنه ترك فرضه، كما لو ترك القبلة المتيقنة (وإن تعذر عليه الاجتهاد لغيم ونحوه) كما لو كان مطمورا، (أو) كان (به مانع من الاجتهاد، كرمد ونحوه، أو تعادلت عنده الامارات صلى على حسب حاله بلا إعادة) كعادم الطهورين، (وكل من صلى من هؤلاء) المذكورين (قبل فعل ما يجب عليه من استخبار) إن وجد من يخبره عن يقين (أو اجتهاد) إن قدر عليه. ولم يجد من يخبره عن يقين (أو تقليد) إن لم يقدر على الاجتهاد لعدم علمه بالأدلة أو عجزه عنه لرمد أو نحوه، (أو تحر) فيما إذا لم يجد الأعمى أو الجاهل من يقلده (فعليه الإعادة وإن أصاب) القبلة، لتفريطه بترك ما وجب عليه (ويستحب أن يتعلم أدلة القبلة، و) أدلة (الوقت) من لا يعرفها، وقال أبو المعالي: يتوجه وجوبه. وقدمه في المبدع. فقال: ويجب على من يريد السفر تعلم ذلك. ومنعه قوم، لأن جهة القبلة مما يندر التباسه. والمكلف يجب عليه تعلم ما يعم لا ما يندر، (ويستدل عليها) أي القبلة (بأشياء، منها النجوم) وهي أصحها قال تعالى: * (وبالنجم هم يهتدون) * قال: * (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها) *
367 (الانعام 97). وقال عمر: تعلموا من النجوم ما تعرفون به الوقت والطريق. (وأثبتها) وأقواها (القطب) بتثليث أوله حكاه ابن سيده (الشمالي) لأنه لا يزول عن مكانه. ويمكن كل أحد معرفته، (ثم الجدي) نجم نير على ما ذكره جماعة من أصحابنا وغيرهم، خلافا لأبي الخطاب، (والفرقدان والقطب نجم خفي) شمالي يراه حديد البصر إذا لم يكن القمر طالعا. فإذا قوي نور القمر خفي (وحوله أنجم دائرة، كفراشة الرحى، أو كالسمكة في أحد طرفيها أحد الفرقدين) وفي الشرح وشرح المنتهى: في أحد طرفيها الفرقدان، (وفي الطرف الآخر الجدي) قالوا: وبين ذلك أنجم صغار منقوشة كنقوش الفراشة، ثلاثة من فوق وثلاثة من تحت، تدور هذه الفراشة حول القطب دوران فراشة الرحى حول سفودها، في كل يوم وليلة دورة، نصفها بالليل ونصفها بالنهار في الزمن المعتدل، فيكون الفرقدان عند طلوع الشمس في مكان الجدي عند غروبها، ويمكن الاستدلال بها في أوقات الليل وساعاته، وغيره من الأزمنة لمن عرفها، وفهم كيفية دورانها (والقطب في وسط الفراشة لا يبرح من مكانه دائما) قدمه في الشرح وفي شرح المنتهى: إلا قليلا. قال في الشرح: وقيل: إنه يتغير يسيرا لا يؤثر (ينظره) أي القطب (حديد البصر في غير ليالي القمر) فإذا قوي نور القمر خفي، (لكن يستدل عليه بالجدي والفرقدين فإنه بينهما، وعليه تدور بنات
368 نعش الكبرى) قال في شرحه: بنات نعش أربعة كواكب، وثلاثة تتبعها الأربعة نعش. والثلاثة بنات (وغيرها) أي غير بنات نعش الكبرى (إذا جعله) أي جعل الانسان القطب (وراء ظهره كان مستقبلا وسط السماء في كل بلد، ثم إن كان في بلد لا انحراف له عن مسامتة القبلة للقطب مثل آمد، وما كان على خطها فهو مستقبل القبلة، وإن كان البلد منحرفا عنها) أي عن مسامتة القبلة للقطب (إلى جهة المغرب انحرف المصلي إلى المشرق بقدر انحراف بلده، كبلاد الشام وما هو مغرب عنها، فإن انحراف دمشق إلى المغرب نحو نصف سدس الفلك، يعرف ذلك الفلكية. وكلما قرب إلى المغرب كان انحراف المصلي إلى المشرق بقدره. وعكس ذلك بعكسه، فإذا كان البلد منحرفا عن مسامتة القبلة للقطب إلى المشرق انحرف المصلي إلى المغرب بقدر انحرافه) أي بلده (وكلما كثر انحرافه إلى المشرق كثر انحراف المصلي إلى المغرب بقدره، وإن جعل القطب وراء ظهره في الشام وما حاذاها وانحرف قليلا إلى المشرق كان مستقبل القبلة. قال الشيخ في شرح العمدة: إذا جعل الشامي القطب بين أذنه اليسرى ونقرة القفا، فقد استقبل ما بين الركن الشامي والميزاب اه. فمطلع سهيل) وهو نجم كبير يضئ، يطلع من مهب الجنوب، ثم يسير حتى يصير في قبلة المصلي، ثم يتجاوزها، فيسير حتى يغرب بقرب مهب الدبور (لأهل الشام قبلة، ويجعل القطب خلف أذنه اليمنى بالمشرق وقال الشيخ أيضا: العراقي إذا جعل القطب بين أذنه اليمنى ونقرة القفا، فقد استقبل قبلته اه. ويجعله) أي القطب (على عاتقه
369 الأيسر بإقليم مصر) ومن استدبر الفرقدين والجدي في حال علو أحدهما وهبوط الآخر، فهو كاستدبار القطب، وإن استدبر أحدهما في غير هذا الحال، فهو مستقبل للجهة، لكنه إن استدبر الشرقي منها انحرف إلى المشرق قليلا، وإن استدبر الغربي انحرف قليلا إلى المغرب، ليتوسط الجهة، ويكون انحرافه المذكور لاستدبار الجدي أقل من انحرافه لاستدبار الفرقدين لأنه أقرب إلى القطب منهما، وإن استدبر بنات نعش كان مستقبلا للجهة أيضا، لكنه عن وسطها أبعد. فيجعل انحرافه إليه أكثر. قال في شرح الهداية: ومما يستدل به أيضا المجرة، فإنها تكون في الشتاء في أول الليل في ناحية السماء ممتدة شرقا وغربا على الكتف الأيسر من الانسان، إذا كان متوجها إلى المشرق. ثم تصير من آخره ممتدة شرقا وغربا أيضا على كتفه الأيمن، وأما في الصيف فإنها تتوسط السماء (ومنها) أي الأدلة (الشمس والقمر، ومنازلهما، وما يقترن بها) أي بمنازل الشمس والقمر، (أو ما يقاربها كلها تطلع من المشرق على يسرة المصلي في البلاد الشمالية، وتغرب في المغرب عن يمنته) والمنازل ثمانية وعشرون أربعة عشر شامية، تطلع من وسط المشرق، أو مائلة عنه إلى الشمال. وأربعة عشر يمانية تطلع من المشرق مائلة إلى اليمين. ولكل نجم من الشامية رقيب من اليمانية إذا طلع أحدهما غاب رقيبه (والقمر يبدو هلالا أول الشهر) إلى ثلاثة (عن يمنة المصلي عند غروب الشمس، وفي الليلة الثامنة من الشهر يكون على القبلة عند غروب الشمس، وفي الليلة العاشرة على سمت القبلة وقت العشاء بعد مغيب الشفق، وفي ليلة اثنتين وعشرين على سمتها وقت طلوع الفجر تقريبا فيهن بالشام ومنها) أي الأدلة (الرياح والاستدلال بها عسر) إلا (في الصحارى وأما ما بين الجبال والبنيان، فإنها تدور، فتختلف وتبطل دلالتها) ولهذا قال أبو المعالي: الاستدلال بها ضعيف اه. وأمهاتها أربع: الجنوب ومنها قبلة أهل الشام من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في الشتاء. وبالعراق إلى بطن كتف المصلي اليسرى مارة إلى يمنته. والشمال مقابلتها. ومهبها من القطب إلى مغرب الشمس في الصيف. والصبا: وتسمى القبول. ومهبها من يسرة المصلي بالشام. لأنه مطلع الشمس صيفا إلى مطلع العيوق. وبالعراق إلى خلف أذن المصلي اليسرى مارة إلى يمنته. والدبور مقابلتها، لأنها تهب بالشام بين القبلة والمغرب. وبالعراق مستقبلة شطر وجه المصلي
370 الأيمن، وبين كل ريحين من الأربع المذكورات: ريح تسمى النكباء لتنكبها طريق الرياح المعروفة. ولكل من هذه الرياح صفات وخواص تميز بعضها عن بعض عند ذوي الخبرة بها، (ومنها) أي أدلة القبلة (الجبال الكبار، فكلها ممتدة عن يمنة المصلي إلى يسرته، وهذه دلالة قوية) تدرك بالحس، (لكن تضعف من وجه آخر، وهو أن المصلي يشتبه عليه: هل يجعل الجبل الممتد خلفه أو قدامه؟ فتحصل الدلالة على وجهين. والاشتباه على جهتين. هذا إذا لم يعرف وجه الجبل) فإن عرفه استقبله (فإن وجوه الجبال إلى القبلة، وهو) أي وجه الجبل (ما فيه مصعده. قاله في الخلاصة. ومنها) أي الأدلة (الأنهار الكبار، غير المحدودة) أي المحفورة (كدجلة والفرات والنهروان) وهو جيحون (وغيرها) كالنيل (فإنها تجري عن يمنة المصلي إلى يسرته، إلا نهرا بخراسان. وهو المقلوب و) إلا (نهرا بالشام، وهو العاصي، يجريان عن يسرة المصلي إلى يمنته) قال الموفق: وهذا لا ينضبط لأن الأردن بالشام يجري نحو القبلة. وكثير منها يجري نحو البحر، يصب فيه (قلت: والاستدلال بالأنهار فرع على الاستدلال بالجبال، فإنها تجري في الخلال التي بين الجبال ممتدة مع امتدادها) وهذا ظاهر في الجملة.
371 فصل: (وإذا اختلف اجتهاد رجلين) يعني أو امرأتين أو خنثيين، أو رجل وامرأة. ولو قال مجتهدين: لعلم الكل (فأكثر) من مجتهدين (في جهتين فأكثر) بأن جهة غير الجهة التي ظهرت للآخر (لم يتبع واحد) منهما (صاحبه) لأن كل واحد منهما يعتقد خطأ الآخر. فأشبها العالمين المجتهدين في الحادثة إذا اختلفا. والقاصدين ركوب البحر إذا غلب على ظن أحدهما الهلاك. وعلى ظن الآخر السلامة. فيعمل كل منهما بغالب ظنه (ولم يصح اقتداؤه) أي أحدهما (به) أي بالآخر، لأنه تيقن باجتماعهما في الصلاة خطأ أحدهما في القبلة. فتبطل جماعتهما (فإن كان) اختلاف اجتهادهما (في جهة واحدة، بأن قال أحدهما: يمينا، و) قال (الآخر: شمالا. صح أن يأتم أحدهما بالآخر، لاتفاق اجتهادهما) في الجهة، والواجب الاجتهاد إلى الجهة. وقد اتفقا عليها (ومن بان) أي ظهر (له الخطأ) في اجتهاده وهو إمام أو مأموم (انحرف) إلى الجهة التي تغير اجتهاده إليها. لأنها ترجحت في ظنه. فتعينت عليه (وأتم) صلاته. ولا يلزمه الاستئناف. لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد (وينوي المأموم منهما) أي المجتهدين اللذين ائتم أحدهما بالآخر، ثم بان لأحدهما الخطأ (المفارقة) لإمامه (للعذر) المانع له من اقتدائه به. لما تقدم (ويتبعه من قلده) أي يلزم من قلد المجتهد الذي تغير اجتهاده أن يتبعه إلى الجهة التي بانت له، لأن فرضه التقليد. قال في الانصاف: في أصح الوجهين (فإن اجتهد أحدهما ولم يجتهد الآخر لم يتبعه) حيث كان قادرا على الاجتهاد، بل يجتهد (ويتبع) وجوبا (جاهل بأدلة القبلة) وإن كان عالما في الاحكام: أوثق المجتهدين، (و) يتبع (أعمى وجوبا أوثقهما) أي المجتهدين (في نفسه علما بدلائل القبلة) وإن لم يكن عالما بالأحكام الشرعية. لأن الأقرب إصابة في نظره، ولا مشقة عليه في
372 متابعته. وقد كلف الانسان في ذلك باتباع غالب ظنه. قال المجد في شرحه: بخلاف تكليف العامي تقليد الأعلم في الاحكام، فإن فيه حرجا وتضييقا، ثم ما زال عوام كل عصر يقلد أحدهم لهذا المجتهد في مسألة، وللآخر في أخرى. والثالث في ثالثة. وهكذا. وهكذا كذلك إلى ما لا يحصى ولم ينقل إنكار ذلك عليهم، ولا أنهم أمروا بتحري الأعلم والأفضل في نظرهم (فإن تساويا) أي المجتهدان (عنده) أي عند الجاهل بأدلتها أو الأعمى (خير) فيقلد أيهما شاء، لأنه لم يظهر لواحد منهما أفضلية على غيره حتى يترجح عليه (فإن أمكن الأعمى الاجتهاد بشئ من الأدلة) كالأنهار الكبار غير المحدودة والجبال ومهبات الرياح (لزمه) الاجتهاد (ولم يقلد) لقدرته على الاجتهاد، (وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ، أو) صلى (الأعمى بلا دليل) بأن لم يستخبر من يخبره، ولم يلمس المحراب ونحوه، مما يمكن أن يعرف به القبلة (أعادا) ولو أصابا أو اجتهد البصير، لأن الحضر ليس بمحل اجتهاد، لقدرة من فيه على الاستدلال بالمحاريب ونحوها. ولوجود من يخبره عن يقين غالبا، وإنما وجبت الإعادة عليهما لتفريطهما بعدم الاستخبار، أو الاستدلال بالمحاريب، مع القدرة عليه (فإن لم يجد الأعمى) من يقلده، (أو) لم يجد (الجاهل) من يقلده، (أو) لم يجد (البصير المحبوس ولو في دار الاسلام من يقلده صلى بالتحري) إلى ما يغلب على ظنه أنه جهة القبلة (ولم يعد) أخطأ أو أصاب، لأنه أتى بما أمر به على وجهه، فسقطت عنه الإعادة كالعاجز عن الاستقبال (ومن صلى بالاجتهاد) أن كان من أهله (أو التقليد) إن لم يكن أهل اجتهاد، (ثم علم خطأ القبلة بعد فراغه، لم يعد) لأنه أتى بالواجب عليه على وجهه، مع عدم تفريطه، فسقط عنه ولان خفاء القبلة في الاسفار يقع كثيرا لوجود الغيوم وغيرها من الموانع. فإيجاب الإعادة مع ذلك فيه حرج، وهو منتف شرعا (ولو دخل في الصلاة باجتهاد) بعد أن غلب على ظنه جهة القبلة وأحرم، (ثم شك لم يلتفت إليه) أي إلى ذلك الشك، لأنه لا يساوي غلبة الظن التي دخل بها في الصلاة (ويبني) على صلاته (وكذا إن زاد ظنه) الخطأ (ولم يبن له الخطأ ولا ظهر له جهة أخرى) فلا يلتفت إليه ويبني (ولو غلب على ظنه خطأ الجهة التي يصلي إليها) بأن ظهر له أنه يصلي إلى غير القبلة (ولم يظن جهة غيرها بطلت صلاته) لأنه لا يمكنه استدامتها إلى غير القبلة، وليست له
373 جهة يتوجه إليها، فبطلت لتعذر إتمامها (ولو أخبر) من يصلي باجتهاد أو تقليد (وهو في الصلاة بالخطأ) في القبلة (يقينا) وكان المخبر ثقة (لزمه قبوله) بأن يعمل به ويترك الاجتهاد أو التقليد كما لو أخبره بذلك قبل اجتهاده أو تقليده، (وإلا) أي وإن لم يكن الاخبار عن يقين (لم يجز) للمجتهد قبول خبره ولا العمل به، لما تقدم من أنه لا يقلد مجتهد مجتهدا خالفه (وإن أراد مجتهد صلاة أخرى) غير التي صلاها بالاجتهاد (اجتهد لها وجوبا) فيجب الاجتهاد لكل صلاة، لأنها واقعة متجددة، فتستدعي طلبا جديدا، كطلب الماء في التيمم، وكالحادثة في الأصح فيها لمفت ومستفت. قلت: فيؤخذ من التعليل الأول: أن المراد صلاة من الفرائض بخلاف النوافل، فلا يلزمه التحري لكل ركعتين لو أراد التنفل في وقت واحد. ويؤخذ من التعليل الثاني: أنه إذا كان مقلدا لا يلزمه أن يجدد التقليد لكل صلاة، كما هو مفهوم مجتهد (فإن تغير اجتهاده عمل ب) - الاجتهاد (الثاني) لأنه ترجح في ظنه، فصار العمل به واجبا، فيستدير إلى الجهة التي أداه اجتهاده إليها ثانيا (ولم يعد ما صلى ب) - الاجتهاد (الأول) لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، والعمل بالثاني ليس نقضا للأول. بل لأنه مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة، فلم تجز له الصلاة إلى جهة غيرها، ولهذا قال عمر لما قضى في المشركة في العام الثاني بخلاف ما قضى به في الأول: ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي إذا تقرر ذلك: فيعمل بالاجتهاد الثاني، (ولو) كان (في صلاة وبنى) على ما عمله بالاجتهاد الأول (نصا) فلو فرض أنه صلى بكل اجتهاد ركعة من الرباعية إلى جهة صحت صلاته إلى الجهات الأربع لما تقدم (وإن أمكن المقلد) أي الجاهل بأدلة القبلة (تعلم الأدلة والاجتهاد قبل خروج الوقت، لزمه ذلك) عند خفاء القبلة عليه، قال في شرح المنتهى: قولا واحدا، لقصر زمنه، قال في الشرح: فإن صلى قبل ذلك لم تصح صلاته، لأنه قدر على الصلاة باجتهاده، فلم يجز له التقليد كالمجتهد (فإن ضاق الوقت عنه) أي عن تعلم أدلة القبلة (فعليه التقليد) لأن القبلة يجوز تركها للضرورة، وفي شدة الخوف، ولا يعيد، بخلاف الطهارة.
374 باب النية وما يتعلق بها (وهي الشرط التاسع) وبها تمت شروط الصلاة. (وهي) لغة: القصد، يقال: نواك الله بخير أي قصدك به. و (شرعا عزم القلب على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى) بأن يقصد بعمله الله تعالى دون شئ آخر من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح منهم أو نحوه. وهذا هو الاخلاص. وقال بعضهم: هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين. وقال آخر: هو التوقي عن ملاحظة الاشخاص وهو قريب من الذي قبله. وقال آخر: هو أن يأتي بالفعل لداعية واحدة، ولا يكون لغيرها من الدواعي تأثير في الدعاء إلى ذلك الفعل، وفي الخبر: الاخلاص سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي ودرجات الاخلاص ثلاثة: عليا، وهي أن يعمل العبد لله وحده امتثالا لامره، وقياما بحق عبوديته. ووسطى، وهي أن يعمل لثواب الآخرة. ودنيا، وهي أن يعمل للاكرام في الدنيا والسلامة من آفاتها، وما عدا الثلاث من الرياء، وإن تفاوتت أفراده، ولهذا قال أهل السنة: العادة ما وجبت لكونها مفضية إلى ثواب الجنة، أو إلى البعد من عقاب النار، بل لأجل أنك عبد وهو رب. هذا ملخص كلام الشمس العلقمي في حاشية الجامع الصغير (فلا تصح الصلاة بدونها) أي النية (بحال) لقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * والاخلاص: عمل القلب، وهو محض النية. وذلك بأن يقصد بعمله الله وحده. ولقوله (ص): إنما الأعمال بالنيات. وإنما لكل امرئ ما نوى متفق عليه، ولأنها قربة محضة، فاشترطت لها النية كالصوم. وقال الشيخ عبد القادر: هي قبل الصلاة شرط وفيها ركن. واعترض بأنه يلزم أن يقال في بقية الشروط كذلك. ولا قائل به. ومحلها القلب وجوبا واللسان استحبابا على ما تقدم. وزمنها مع أول واجب أو قبله بيسير، وكيفيتها الاعتقاد في القلب. قال في الاختيارات النية تتبع العلم. فمن علم ما يريد فعله قصده ضرورة. ويحرم خروجه لشكه في النية، لعلمه أنه ما دخل إلا بالنية (ولا يضر معها) أي النية (قصد تعليم الصلاة) لفعله (ص) في صلاته على المنبر وغيره، (أو) قصد (خلاص من خصم، أو إدمان سهر) قال في الفروع: كذا وجدت ابن الصيرفي نقله
375 (والمراد: لا يمنع الصحة بعد إتيانه بالنية المعتبرة لا أنه لا ينقص ثوابه ولهذا ذكره ابن الجوزي، فيما ينقص الاجر، ومثله قصده مع نية الصوم وهضم الطعام، أو قصده مع نية الحج رؤية البلاد النائية) أي البعيدة. (ونحو ذلك) كقصد تجارة مع ذلك لأنه قصد ما يلزم ضرورة (كنية التبرد، أو النظافة مع نية رفع الحدث وتقدم) هذا (في الوضوء) ولا يشترط أيضا ذكر عدد الركعات، بأن يقول: نويت أصلي الصبح ركعتين أو الظهر أربعا، لكن إن نوى مثلا الظهر ثلاثا، أو خمسا. لم تصح لتلاعبه، ولا يشترط أيضا أن ينوي مع الصلاة الاستقبال، كستر العورة واجتناب النجاسة، (ويجب أن ينوي الصلاة بعينها إن كانت معينة من فرض، كظهر) أو جمعة، أو عصر، أو مغرب، أو عشاء، أو صبح، وكذا منذورة (ونفل مؤقت كوتر) وتراويح (وراتبة) وضحى، واستخارة وتحية مسجد. فلا بد من التعيين: في هذا كله لتتميز تلك الصلاة عن غيرها. ولأنه لو كانت عليه صلوات فصلى أربعا ينوي بها مما عليه، فإنه لا يجزيه إجماعا. فلولا اشتراط التعيين لأجزأه، (وإلا) أي وإن كان لم تكن الصلاة معينة كالنفل المطلق، كصلاة الليل (أجزأته نية الصلاة) لعدم ما يقتضي التعيين فيها (ولا يشترط نية قضاء في) صلاة (فائتة) فلو قال من عليه الظهر قضاء: أصلي الظهر فقط. كفاه ذلك. لأن كل واحد منهما يستعمل بمعنى الآخر، يقال: قضيت الدين، وأديته. وقال تعالى: * (فإذا قضيتم مناسككم) * أي أديتموها. ولان أصل إيجاب ذلك يرجع إلى تعيين الوقت وهو غير معتبر، بدليل أنه لا يلزم من عليه فائتة تعيين يومها، بل يكفيه كونها السابقة، أو الحاضرة، (ولا) تشترط (نية فرضية في فرض) فلا يعتبر أن يقول: أصل الظهر فرضا أو معادة، فيما إذا كانت معادة. كما في مختصر المقنع، كالتي قبلها، (ولا) تشترط نية (أداء في حاضرة) لأنه لا يختلف المذهب أنه لو صلاها ينويها أداء. فبان وقتها قد خرج فصلاته صحيحة وتقع قضاء. وكذلك لو نواها قضاء فبان فعلها في وقتها وقعت أداء. قاله في الشرح (ويصح قضاء بنية أداء) إذا بان خلاف ظنه، (و) يصح (عكسه) أي الأداء بنية القضاء (إذا بان خلاف ظنه) كما تقدم. و (لا) يصح ذلك (مع العلم) وقصد معناه المصطلح عليه، بغير خلاف. لأنه متلاعب (ولو كان عليه ظهران) مثلا
376 (حاضرة وفائتة، فصلاهما، ثم ذكر أنه ترك شرطا)، أو ركنا (في إحداهما لا يعلم عينها) بأن لم يدر، أهي الفائتة، أو الحاضرة (صلى ظهرا واحدة ينوي بها ما عليه) لما تقدم من أنه لا يشترط نية الأداء في الحاضرة، والقضاء في الفائتة (ولو كان الظهران فائتتين فنوى ظهرا منهما) ولم يعينها (لم تجزئه) الظهر التي صلاها (عن إحداهما، حتى يعين السابقة، لأجل) اعتبار (الترتيب) بين الفوائت (بخلاف المنذورتين) فلا يحتاج إلى تعيين السابقة من اللاحقة، لأنه لا ترتيب بينهما (ولو ظن) مكلف (أن عليه ظهرا فائتة، فقضاها في وقت ظهر اليوم، ثم بان أنه لا قضاء عليه لم تجزئه) الظهر التي صلاها (عن) الظهر (الحاضرة) لأنه لم ينوها. أشبه ما لو نوى قضاء عصر. وقد قال (ص): وإنما لكل امرئ ما نوى، (وكذا لو نوى ظهر اليوم في وقتها وعليه فائتة) لم تجزه عنها لما تقدم، (ولا يشترط إضافة الفعل إلى الله تعالى في العبادات كلها) بأن يقول: أصلي لله، أو أصوم لله. ونحوه. لأن العبادات لا تكون إلا لله (بل يستحب) ذلك خروجا من خلاف من أوجبه (ويأتي بالنية عند تكبيرة الاحرام) إما مقارنة لها أو متقدمة عليها بيسير. ومقارنتها للتكبير بأن يأتي بالتكبير عقب النية. وهذا ممكن لا صعوبة فيه، بل عامة الناس إنما يصلون هكذا. وأما تفسير المقارنة: بانبساط أجزاء النية على أجزاء التكبير، بحيث يكون أولها مع أوله وآخرها مع آخره. فهذا لا يصح. لأنه يقتضي عزوب النية عن أول الصلاة، وخلو أول الصلاة عن النية الواجبة. وتفسيرها بحضور جميع النية مع حضور جميع أجزاء التكبير، فهذا قد نوزع في إمكانه فضلا عن وجوبه. ولو قيل بإمكانه فهو متعسر، فيسقط بالحرج. وأيضا فما يبطل هذا والذي قبله أن المكبر ينبغي له أن يتدبر التكبير ويتصوره فيكون قلبه مشغولا بمعنى التكبير لا بما يشغله عن ذلك من استحضار المنوي. ذكره في الاختيارات (والأفضل مقارنتها) أي النية (للتكبير) خروجا من خلاف من أوجبه، كالآجري وغيره (فإن تقدمت) النية (عليه) أي التكبير (بزمن يسير بعد دخول الوقت في أداء وراتبة ولم يفسخها) أي النية، وكان ذلك (مع بقاء إسلامه) بأن لم يرتد (صحت) صلاته. لأن تقدم النية على التكبير بالزمن اليسير لا
377 يخرج الصلاة عن كونها منوية. ولا يخرج الفاعل عن كونه ناويا مخلصا كالصوم. ولان النية من شروط الصلاة. فجاز تقدمها كبقية الشروط. ولان في اعتبار المقارنة حرجا ومشقة. فوجب سقوطه لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * (الحج: 78). ولان أول الصلاة من أجزائها. فكفى استصحاب النية فيه كسائرها. وعلم مما تقدم: أن النية لو تقدمت قبل وقت الأداء، أو الراتبة ولو بيسير لم يعتد بها، للخلاف في كونها ركنا للصلاة. وهو لا يتقدم كبقية الأركان وأول من اشترط لتقدم النية كونه في وقت المنوية، الخرقي وتبعه على ذلك ابن الزاغوني والقاضي أبو يعلى، وولده أبو الحسين وصاحب الرعاية والمستوعب، والحاويين. وجزم به في الوجيز وغيره. ولم يذكر هذا الشرط أكثر الأصحاب. فإما لاهمالهم أو بناء منهم على الغالب. قال في الانصاف: وظاهر كلام غيرهم، أي غير من تقدم، لكن لم أر الجواز صريحا. وعلم منه أيضا: أنه إذا فسخها لم يعتد بها. لأنه صار كمن لم ينو. وعلم منه أيضا أنه إذا ارتد لم يعتد بها. لان الردة في أثناء العبادة مبطلة لها. كما لو ارتد في أثناء الصلاة. إذا تقرر ذلك فإنها تصح مع التقدم بالزمن اليسير بشرطه (حتى ولو تكلم بعدها) أي النية (وقبل التكبير) لأن الكلام لا ينافي العزم المتقدم ولا يناقض النية المتقدمة فتستمر إلى أن يوجد مناقض (وكذا لو أتى بها) أي النية (قاعدا) في الفرض، (ثم قام) فكبر لأن الواجب استحضار النية عند دخوله في الصلاة، لا أن لا تتقدم. وكذا لو نوى الصلاة وهو غير مستقبل. ثم استقبل وصلى أو وهو مكشوف العورة، ثم سترها ودخل في الصلاة، أو وهو حامل نجاسة، ثم ألقاها ودخل في الصلاة (ويجب استصحاب حكمها) أي النية (إلى آخر الصلاة) بأن لا ينوي قطعها دون استصحاب ذكرها. فلو ذهل عنها، أو عزبت عنه في أثناء الصلاة لم تبطل. لأن التحرز من هذا غير ممكن، وقياسا على الصوم وغيره. وقد روى مالك في الموطأ عن النبي (ص): إذا أقيمت الصلاة أدبر الشيطان وله حصاص. فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه. يقول: أذكر كذا، أذكر كذا، حتى يضل أحدكم أن يدري كم صلى وإن أمكنه استصحاب ذكرها فهو أفضل (فإن قطعها) أي النية (في أثنائها) أي الصلاة بطلت. لأن النية شرط في جميعها. وقد قطعها. أشبه ما لو سلم ينوي الخروج منها (أو عزم عليه) أي على قطع النية بطلت. لأن النية عزم جازم. ومع العزم على قطعها لا جزم فلا نية (أو تردد فيه) أي في قطعها. بطلت الصلاة، لأن استدامة النية شرط لصحتها، ومع التردد تبطل الاستدامة
378 (أو شك) في أثناء الصلاة (هل نوى فعمل مع الشك عملا) من أعمال الصلاة، كركوع وسجود ورفع منهما وقراءة وتسبيح ونحوها، (ثم ذكر أنه نوى) بطلت صلاته، لخلو ما عمله عن نية جازمة (أو شك في تكبيرة الاحرام) بطلت، بمعنى وجب عليه استئناف الصلاة. لأنه لا يدخل في الصلاة إلا بتكبيرة الاحرام. والأصل عدمها (أو شك هل أحرم بظهر أو عصر) أي شك في تعيين الصلاة، (ثم ذكر فيها) أي بعد أن عمل مع الشك عملا فعليا أو قوليا. بطلت صلاته، لخلو ما عمله عن نية جازمة (أو نوى أنه سيقطعها) أي النية (أو علقه) أي قطع النية (على شرط) كأن نوى إن جاء زيد قطعها (بطلت) صلاته لمنافاة ذلك للجزم بها، (وإن شك هل نوى) الصلاة (فرضا أو نفلا أتمها نفلا) لأن الأصل عدم نية الفرض (إلا أن يذكر أنه نوى الفرض قبل أن يحدث عملا) من أعمال الصلاة الفعلية والقولية (فيتمها فرضا) لأنه لم يخل عمل من أعمالها عن النية الجازمة (وإن ذكره) أي ذكر أنه نوى الفرض (بعد أن أحدث عملا بطل فرضه) لخلو ما عمله عن نية الفرضية الجازمة (وإن أحرم بفرض) صلاة (رباعية، ثم سلم من ركعتين يظنها جمعة، أو فجرا، أو التراويح، ثم ذكر) ولو قريبا (بطل فرضه) وظاهره: تصح نفلا (ولم يبن) على الركعتين (نصا) لقطع نية الرباعية بسلامة ظانا ما ذكر (كما لو كان) سلم منها (عالما) لقطع نية الصلاة (وإن أحرم بفرض فبان عدمه، كمن أحرم بفائتة فلم تكن عليه، أو) أحرم بفرض ف (- بان قبل دخول وقته انقلبت نفلا) لأن نية الفرض تشمل نية النفل. فإذا بطلت نية الفرض بقيت نية مطلق الصلاة (وإن كان عالما) أن لا فائتة عليه، أو أن الوقت لم يدخل (لم تنعقد) صلاته (فيهما) لأنه متلاعب (وإن أحرم به) أي الفرض (في وقته المتسع، ثم قلبه نفلا لغرض صحيح، مثل أن يحرم منفردا، ثم يريد الصلاة في جماعة. جاز) لأن نية النفل تضمنتها نية الفرض. فإذا قطع نية الفرض بقيت نية النفل، (بل هو) أي قلب الفرض من المنفرد نفلا ليصليه في جماعة (أفضل) من إتمامه منفردا، لأنه إكمال في المعنى، كنقص المسجد للاصلاح، (ويكره) قلب الفرض نفلا (لغير الفرض) الصحيح، لكونه أبطل عمله. وعن أحمد فيمن صلى ركعة من فرض منفردا، ثم
379 أقيمت الصلاة: أعجب إلي يقطعه ويدخل معهم. فعلى هذا يكون قطع النفل أولى (وإن انتقل من فرض) أحرم به كالظهر (إلى فرض) آخر كالعصر (بمجرد النية من غير تكبيرة إحرام ل) - فرض (الثاني، بطل فرضه الأول) الذي انتقل عنه، لقطعه نيته (وصح) ما صلاه (نفلا إن استمر) على نية الصلاة، لأنه قطع نية الفرضية بنية انتقاله عن الفرض الذي نوى أولا، دون نية الصلاة فتصير نفلا (وكذا حكم ما يبطل الفرض فقط، إذا وجد فيه) أي في الفرض. فإنه يصير نفلا (كترك القيام) بلا عذر يسقطه، فإن القيام ركن في الفرض دون النفل، (و) ك (- الصلاة في الكعبة، والائتمام بمتنفل، وائتمام مفترض بصبي إن اعتقد جوازه)، أي جواز ما يبطل الفرض (ونحوه) أي نحو اعتقاد جوازه، كما لو اعتقد المتنفل مفترضا. فتصح صلاته نفلا لأن الفرض لم يصح. ولم يوجد ما يبطل النفل. فإن لم يعتقد جوازه ونحوه، بل فعله مع علمه بعدم جوازه لم تنعقد صلاته فرضا ولا نفلا، لتلاعبه. كمن أحرم بفرض قبل وقته عالما (ولم ينعقد) الفرض (الثاني) الذي انتقل إليه بمجرد النية من غير تكبيرة إحرام. لأنها فتاحة، ولم توجد (وإن اقترن) بنية الفرض (الثاني تكبيرة إحرام له بطل) الفرض (الأول) لقطعه نيته (وصح) الفرض (الثاني) كما لو لم يتقدمه غيره (ومن شرط الجماعة: أن ينوي الإمام والمأموم حالهما) بأن ينوي الامام: الإمامة وينوي المأموم الائتمام (فرضا ونفلا) لقوله (ص): وإنما لكل امرئ ما نوى (فينوي الامام أنه مقتدى به، وينوي المأموم أنه مقتد) كالجمعة، لأن الجماعة تتعلق بها أحكام وجوب الاتباع وسقوط السهو عن المأموم. وفساد صلاته بفساد صلاة إمامه. وإنما يتميز إمام عن المأموم بالنية فكانت شرطا لصحة انعقاد الجماعة (فلو نوى أحدهما دون صاحبه) بأن نوى الامام دون المأموم أو بالعكس (أو نوى كل واحد منهما أنه إمام الآخر، أو) أنه (مأمومه) لم يصح لهما. لأنه أم من لم يأتم به، أو ائتم بمن ليس إماما (أو نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه كأمي) نوى أن يؤم قارئا (أو) ك (- امرأة) نوت أن (تؤم رجلا ونحوه) كعاجز عن شرط الصلاة، نوى أن يؤم قادرا عليه. لم تصح صلاتهما. لأن كلا من الإمامة والائتمام فاسدان (أو نوى الائتمام بأحد الإمامين لا بعينه) لم تصح صلاته. لعدم تعيينه، (أو) نوى الائتمام (بهما) أي بالإمامين، لم تصح صلاته. لأنه لا يمكنه الاقتداء بهما، (أو) نوى الائتمام (بالمأموم، أو
380 بالمنفرد) لم تصح صلاته. لأنه ائتم بغير إمام (أو شك في الصلاة أنه إمام أو مأموم) لم تصح صلاته (لعدم الجزم بالنية) أي نية الإمامة أو الائتمام (أو أحرم بحاضر، فانصرف) الحاضر (قبل إحرامه) معه، ولم يعد، ولم يدخل غيره معه قبل رفعه من ركوعه. لم تصح صلاته. لأنه نوى الإمامة بمن لم يأتم به (أو عين إماما) بأن نوى أنه يصلي خلف زيد فأخطأ لم تصح صلاته، (أو) عين (مأموما. وقلنا: لا يجب تعيينهما) أي الإمام والمأموم، (وهو) أي القول بعدم وجوب تعيينهما (الأصح) قاله في الفروع وغيره (فأخطأ) لم تصح صلاته. قدمه في الفروع وغيره. وعلم من قوله: عين إماما أو مأموما: أنه لو وصفه في غير تعيين له. لصحت صلاته. وهو الصحيح. وعلم أيضا من قوله: وقلنا لا يجب تعيينهما: أنا إذا قلنا يجب تعيينهما، وأخطأ صحت صلاته. تتمة: وعلم من قوله: عين إماما إلخ أنه لو ظنه ولم يعينه، لصحت صلاته. وهو الصحيح لأنه معذور في التعيين، لصحة صلاته. والخطأ معفو له عنه (أو نوى الإمامة وهو لا يرجو مجئ أحد) يأتم به (لم تصح) صلاته، ولو حضر من ائتم به، لأن الأصل عدم مجيئه (وإن نوى الإمامة ظانا حضور مأموم) بأن يغلب على ظنه حضور من يأتم به (صح) ذلك، كما لو علمه. و (لا) تصح نية الامام (مع الشك) في حضور من يأتم به، كما لو علم عدم مجيئه. لأنه الأصل ف (- إن) نوى الإمامة ظانا حضور مأموم ف (- لم يحضر لم تصح) صلاته، لأنه نوى الإمامة بمن لم يأتم به، وكذا لو حضر ولم يدخل معه، لا إن دخل ثم انصرف قبل إتمامه صلاته. فإن صلاة الامام لا تبطل ويتمها منفردا، (وإن أحرم منفردا، ثم نوى الائتمام) في أثناء الصلاة، (أو) أحرم منفردا، ثم نوى (الإمامة لم يصح فرضا). كانت الصلاة (أو نفلا) كالتراويح والوتر، لما تقدم قال في الانصاف: هذا المذهب. وعليه الجمهور. قال في الفروع: اختاره الأكثر. قال المجد: اختاره القاضي وأكثر أصحابنا (والمنصوص صحة الإمامة) ممن أحرم منفردا (في النفل. وهو الصحيح) عند الموفق ومن تابعه لحديث ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي (ص) يصلي من الليل، فقمت عن يساره. فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه متفق عليه. وروى مسلم معناه من حديث أنس وجابر بن عبد الله. قلت: ولا دليل في ذلك لاحتمال أنه (ص) نوى الإمامة ابتداء، لظنه
381 حضورهم (وإن أحرم مأموما، ثم نوى الانفراد لعذر يبيح ترك الجماعة، كتطويل إمام، و) (كمرض، و) ك (- غلبة نعاس، أو) غلبة (شئ يفسد صلاته) كمدافعة أحد الأخبثين (أو خوف على أهل أو مال، أو) خوف (فوت رفقة، أو خرج من الصف مغلوبا) لشدة زحام (ولم يجد من يقف معه ونحوه) أي نحو ما ذكر من الاعذار (صح) انفراده. فيتم صلاته منفردا. لحديث جابر قال: صلى معاذ بقومه فقرأ سورة البقرة، فتأخر رجل، فصلى وحده. فقيل له: نافقت: قال: ما نافقت، ولكن لآتين رسول الله (ص) فأخبره. فأتى النبي (ص) فذكر له ذلك. فقال: أفتان أنت يا معاذ؟ مرتين متفق عليه. وكذا لو نوى الامام الانفراد لعذر. ومحل إباحة المفارقة لعذر (إن استفاد) من فارق لتدارك شئ يخشى فوته، أو غلبة نعاس، أو خوف ضرر ونحوه (بمفارقته) إمامه (تعجيل لحوقه لحاجته قبل فراغ إمامه) من صلاته، ليحصل مقصوده من المفارقة (فإن كان الامام يعجل، ولا يتميز انفراده عنه بنوع تعجيل لم يجز) له الانفراد، لعدم الفائدة فيه وأما من عذره الخروج من الصف. فله المفارقة مطلقا. لأن عذره خوف الفساد بالفذية. وذلك لا يتدارك بالسرعة (فإن زال العذر وهو) أي المأموم (في الصلاة، فله الدخول مع الامام) فيما بقي من صلاته، ويتمه معه ولا يلزمه الدخول معه (فإن فارقه) أي فارق المأموم الامام لعذر مما تقدم (في قيام قبل قراءته) أي الامام (الفاتحة قرأ) المأموم لنفسه، لصيرورته منفردا قبل سقوط فرض القراءة عنه بقراءة الإمام، (و) إن فارقه المأموم (بعدها) أي بعد قراءة الفاتحة ف (- له الركوع في الحال) لأن قراءة الإمام قراءة للمأموم، (و) إن فارقه (في أثنائها) أي القراءة (يكمل ما بقي) من الفاتحة لما تقدم (وإن كان في صلاة سر) كظهر وعصر، أو في الأخيرتين من العشاء مثلا. وفارق الامام لعذر بعد قيامه (وظن أن إمامه قرأ لم يقرأ) أي لم تلزمه القراءة، إقامة للظن مقام اليقين. قلت: والاحتياط القراءة (وإن فارقه) لعذر (في ثانية الجمعة) وقد أدرك الأولى معه (أتم جمعة) لأن الجمعة تدرك بركعة. وقد أدركها مع الامام (فإن فارقه في) الركعة (الأولى) من الجمعة
382 (فكمزحوم فيها حتى تفوته الركعتان) فيتمها نفلا. ثم يصلي الظهر (وإن كان) انفراد المأموم عن الامام (لغير عذر لم يصح) لقوله (ص): لا تختلفوا على أئمتكم. ولأنه ترك متابعة إمامه وانتقل من الأعلى إلى الأدنى بغير عذر أشبه ما لو نقلها إلى النفل، أو ترك المتابعة من غير نية الانفراد (وإن أحرم إماما، ثم صار منفردا لعذر، مثل أن سبق المأموم الحدث، أو فسدت صلاته لعذر أو غيره فنوى الانفراد). قلت: أو لم ينوه (صح) ويتم صلاته منفردا. قال في الفروع: وإذا بطلت صلاة المأموم أتمها إمامه منفردا. قطع به جماعة. لأنها لا ضمنها ولا متعلقة بها. بدليل سهوه وعلمه بحدثه. وعنه تبطل. وذكره في المغني قياس المذهب (وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه) لارتباطها بها (لا عكسه) أي لا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة مأموم. لما تقدم (سواء كان) بطلان صلاة الامام (لعذر، كأن سبقه الحدث) والمرض، أو حصر عن القراءة الواجبة ونحو ذلك (أو لغير عذر، كأن تعمد الحدث أو غيره من المبطلات) للصلاة. لحديث علي بن طلق مرفوعا: إذا فسا أحدكم في صلاته، فلينصرف، فليتوضأ. وليعد الصلاة رواه أبو داود بإسناد جيد (فلا استخلاف للمأموم) إذا سبق إمامه الحدث، والاستخلاف أيضا للامام (ولا يبني) المأموم (على صلاة إمامه) حينئذ، بل يستأنفها لبطلانها (وعنه لا تبطل صلاة مأموم) إذا كان بطلان صلاة الامام لعذر، بأن يسبقه الحدث (ويتمونها) إذا قلنا بعدم بطلانها (جماعة بغيره) يستخلفونه، أي
383 الامام. قال في الفروع: وكذا بجماعتين، (أو) يتمونها (فرادى، اختاره جماعة) أي اختار القول بعدم بطلان صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه لعذر: جماعة من الأصحاب، وفاقا للشافعي (فعليها) أي على رواية عدم البطلان (لو نوى) أي أحد المأمومين (الإمامة لاستخلاف الامام له إذا سبقه الحدث صح) ذلك منه للعذر لما روى البخاري أن عمر لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فأتم بهم الصلاة ولم ينكر فكان كالاجماع، ولفعل علي. رواه سعيد (وبطلت صلاة الامام) لزوال شرطها، وهو الطهارة (كتعمده لذلك) الحدث (وله) أي للامام إذا سبقه الحدث، بناء على الرواية الثانية: (أن يستخلف من يتم الصلاة بمأموم، ولو) كان الذي يستخلفه (مسبوقا) لم يدخل معه من أول الصلاة، (أو) كان الذي استخلفه (من لم يدخل معه الصلاة) بأن استخلف من كان يصلي منفردا (ويستخلف المسبوق) الذي استخلفه الامام (من يسلم بهم، ثم يقوم فيأتي بما) بقي (عليه) من صلاته. وتكون هذه الصلاة بثلاثة أئمة (فإن لم يستخلف المسبوق) من يسلم بهم (وسلموا منفردين، أو انتظروا) المسبوق (حتى) يأتي بما عليه من صلاته، ثم (يسلم بهم. جاز) لهم ذلك نص عليه. وقال القاضي في موضع من المجرد: يستحب انتظاره حتى يسلم بهم (ويبني الخليفة الذي كان معه) أي الامام (في الصلاة على فعل) أي ترتيب الامام (الأول) المستخلف له، من حيث بلغ الأول. لأنه نائبه (حتى في القراءة يأخذ من حيث بلغ) لأن قراءة الإمام قراءة له (والخليفة الذي لم يكن دخل معه) أي الامام (في الصلاة يبتدئ الفاتحة) ولا يبني على قراءة الإمام. لأنه لم يأت بفرض القراءة. ولم يوجد ما يسقطه عنه لأنه لم يصر مأموما بحال (لن يسر ما كان قرأه الامام منها) أي الفاتحة (ثم يجهر بما بقي) من القراءة ليحصل البناء على فعل مستخلفه، ولو صورة (فإن لم يعلم الخليفة) المسبوق، أو الذي لم يدخل معه في الصلاة (كم صلى) الامام (الأول بنى) الخليفة (على اليقين) كالمصلي يشك في عدد الركعات (فإن سبح به المأموم، رجع إليه) ليبني على ترتيب الأول (فإن لم يستخلف
384 الامام) الذي سبقه الحدث (وصلوا) أي المأمومون (وحدانا) بكسر الواو أي فرادى (صح) ما صلوه (وكذا إن استخلفوا) لأنفسهم من يتم بهم الصلاة. فيصح كما لو استخلفه الامام (ومن استخلف فيما لا يعتد به) إن كان مسبوقا دخل مع الامام بعد رفعه من الركوع، ثم استخلفه الامام أثناء تلك الركعة فإنه لا يعتد بها. لأنه لم يدرك ركوعها مع الامام (اعتد به المأموم) لأنه أدرك ركوعها مع الامام قبل أن يحدث ولغت الركعة بالنسبة للمسبوق المستخلف. قاله جماعة كثيرة، وقدمه في الرعاية، (وقال) أبو عبد الله الحسن (بن حامد) بن علي البغدادي: (إن استخلفه، يعني من لم يكن دخل معه في الركوع، أو) استخلفه (فيما بعده) أي بعد الركوع (قرأ) الخليفة (لنفسه) لأنه لم يقرأ، ولم يوجد ما يسقطها عنه، كما تقدم (وانتظره المأموم) حتى يقرأ (ثم ركع ولحق المأموم) ليحصل الاعتداد بالركعة لكل منهما (وهو) أي ما قاله ابن حامد (مراد غيره) من الأصحاب (ولا بد منه) يعني إذا أراد الاعتداد بالركعة. ومقتضى كلامه: أن لا خلاف في المسألة، وأن كلام غيره محمول على كلامه. وهما كما في الانصاف والمبدع قولان متقابلان. وليس اعتداده بتلك الركعة ضروريا، إذ لا محذور في بنائه على ترتيب الامام، ثم يأتي بما سبق به كما لو لم يستخلفه (وإن استخلف كل طائفة) من المأمومين (رجلا) منهم فصلى بهم صح (أو استخلف بعضهم وصلى الباقون فرادى صح) ذلك. كما لو استخلف كلهم. أو لم يستخلفوا كلهم. وإن استخلف امرأة، وفيهم رجل. أو أمي، وفيهم قارئ صحت صلاة المستخلف بالنساء والأميين فقط، ذكره في المبدع. (هذا) الذي ذكر من أحكام الاستخلاف (كله على الرواية) الثانية، وإنما ذكره المصنف كغيره مع كونه مفرعا على ضعيف، على خلاف عادته. لأن الأصحاب فرعوا هذه المسائل على هذه الرواية. ثم قالوا: وكذا الاستخلاف لمرض ونحوه، مما يأتي. فاحتاج إلى بيان هذه ليعلم منها أحكام الاستخلاف للمرض ونحوه على المذهب (ومحله) أي محل ما تقدم من الاستخلاف لسبق الحدث، (فيما إذا كان ابتداء صلاة الامام صحيحا، وإن كان) ابتداء صلاته (فاسدا، كأن ذكر) الامام (الحدث في أثناء الصلاة فلا) استخلاف. لأن صلاته لم تنعقد ابتداء (وله) أي للامام (الاستخلاف
385 لحدوث مرض، أو) حدوث (خوف، أو) لأجل (حصره عن القراءة الواجبة ونحوه) كالتكبير، أو التسميع، أو التشهد، أو السلام، لوجود العذر الحاصل للامام، مع بقاء صلاته وصلاة المأموم، بخلاف ما إذا سبق الامام الحدث. لبطلان صلاته، ثم صلاة المأموم تبعا له على المذهب. كما تقدم (وإن سبق) الامام (اثنان فأكثر ببعض الصلاة)، ثم سلم الامام (فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما) صح (أو ائتم مقيم بمثله) فيما بقي من صلاتهما (إذا سلم إمام مسافر صح) ذلك، لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة أخرى، لعذر. فجاز كالاستخلاف واستدل في الشرح بقضية أبي بكر حين تأخر وتقدم النبي (ص)، قاله في المبدع. وفيه نظر انتهى. قلت: ليس غرض الشارح أن قضية أبي بكر هي هذه المذكورة، بل تشبهها من حيث الانتقال من جماعة إلى جماعة. لأن الصحابة كانوا مؤتمين بأبي بكر فصاروا مؤتمين به (ص) فحصل بين ذلك وبين المسألة المذكورة الجامع، وهو المشابهة في الانتقال من جماعة إلى أخرى. ومحل صحة اقتداء المسبوق بمثله إذا سلم الامام، (في غير جمعة) (فلا) يصح ذلك (فيها) أي في الجمعة (لأنها إذا أقيمت بمسجد مرة لم تقم فيه) مرة (ثانية) قاله القاضي: وفيه نظر. إذ ليس في ذلك إقامة ثانية. وإنما هو تكميل لها بجماعة. وغايته: أنها فعلت بجماعتين. وهذا لا يضر، كما لو صليت الركعة الأولى منها بستين، ثم فارقه عشرون، وصليت الثانية بأربعين. وقيل: لعله لاشتراط العدد لها، فيلزم لو ائتم تسعة وثلاثون بآخر تصح، (و) إن أم من لم ينوه أولا، ولو باستخلاف (بلا عذر السبق) والقصر المذكورين (لا يصح) لأن مقتضى الدليل منعه، وإنما ثبت جوازه في محل العذر لقضية عمر. فيبقى فيما عداه على الأصل (وإن أحرم إمام لغيبة إمام الحي) أي الامام الراتب، سواء كان الامام الأعظم أو غيره (أو) ل (- إذنه) أي إذن إمام الحي له أن يؤم مكانه، (ثم
386 حضر) إمام الحي (في أثنائها) أي الصلاة (فأحرم بها) أي بالمأمومين الذين أحرموا وراء نائبه (وبنى) إمام الحي (على) ترتيب (صلاة خليفته، وصار الامام) الذي أحرم أولا (مأموما جاز) ذلك (وصح) لما روى سهل بن سعد أن النبي (ص) ذهب إلى بني عمرو بن عوف: ليصلح بينهم فحانت الصلاة، فصلى أبو بكر فجاء النبي (ص) والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف. وتقدم النبي (ص) فصلى ثم انصرف متفق عليه. والأصل عدم الخصوصية (والأولى) للامام (تركه) ذلك. ويدع الخليفة يتم بهم الصلاة، خروجا من الخلاف. باب آداب المشي إلى الصلاة أي التوجه إليها والخروج لها، وما يتعلق به من الاحكام (يستحب الخروج إليها) أي الصلاة (متطهرا بخوف وخشوع) لحديث كعب بن عجرة أن النبي (ص) قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدا إلى المسجد. فلا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة رواه أبو داود، (و) يستحب (أن يقول إذا خرج من بيته، ولو لغير صلاة: بسم الله، آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل) بالبناء للفاعل (أو أضل) بالبناء للمفعول، من الضلال. وهو ضد الهداية (أو أزل أو أزل) من الزلل (أو أظلم أو أظلم) من الظلم، وهو الجور (أو أجهل، أو يجهل علي) من الجهل. وهو إدراك الشئ على خلاف ما هو به، والفعل الأول في الكل مبني للفاعل. والثاني للمفعول، (و) يستحب (أن يمشي إليها) أي الصلاة (بسكينة ووقار) بفتح الواو. وقال القاضي عياض والقرطبي: هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد. وقال النووي:
387 الظاهر أن بينهما فرقا، وأن السكينة التأني في الحركات، واجتناب العبث. والوقار في الهيئة. كغض الطرف، وخفض الصوت، وعدم الالتفات. والأصل في ذلك: حديث الصحيحين: إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا، (و) يستحب أن (يقارب خطاه) لتكثر حسناته. فإن كل خطوة يكتب له بها حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لحديث زيد بن ثابت قال: أقيمت الصلاة، فخرج النبي (ص) يمشي، وأنا معه. فقارب في الخطى، ثم قال: تدري لم فعلت هذا؟ لتكثر خطاي في طلب الصلاة، (ويكره أن يشبك بين أصابعه من حين) وفي نسخة من حيث (يخرج) من بيته قاصدا المسجد. لخبر كعب بن عجرة وتقدم (وهو) أي التشبيك بين الأصابع (في المسجد أشد كراهة) لحديث أبي سعيد أنه (ص) قال: إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن. فإن التشبيك من الشيطان. وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه رواه أحمد. قال بعض العلماء، إذا كان ينتظر الصلاة، جمعا بين الاخبار. فإنه ورد أنه لما انتقل (ص) من الصلاة التي سلم قبل إتمامها شبك بين أصابعه، (و) تشبيك الأصابع (في الصلاة أشد وأشد) كراهة، لقول كعب بن عجرة: إن النبي (ص) رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج (ص) بين أصابعه رواه الترمذي، وابن ماجة، وقال ابن عمر في الذي يصلي وهو مشبك: تلك صلاة المغضوب عليهم، (ويسن أن يقول مع ما تقدم) ذكره إذا خرج من بيته: ما روى أبو سعيد قال: قال النبي (ص): من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا قال الجوهري: البطر: الأشر. وهو شدة المرح، والمرح شدة الفرح والنشاط. (ولا رياء ولا سمعة) الرياء: إظهار العمل للناس، ليروه ويظنوا به خيرا. والسمعة: إظهار العمل ليسمعه الناس (خرجت اتقاء سخطك) أي غضبك (وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار
388 وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) أقبل الله عليه بوجهه، واستغفر له سبعون ألف ملك رواه أحمد وابن ماجة، وأن يقول: (اللهم اجعلني من أوجه من توجه إليك، وأقرب من توسل إليك وأفضل من سألك ورغب إليك، اللهم اجعل في قلبي نورا) أي عظيما كما يفيده التنكير (وفي قبري نورا، وفي لساني) أي نطقي (نورا) استعارة للعلم والهدى (وفي سمعي نورا) ليتحلى بأنواع المعارف، ويتجلي له بصنوف الحقائق (وفي بصري نورا) لينكشف به الحق (وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، وفوقي نورا وتحتي نورا) لأكون محفوفا بالنور من جميع الجهات، وإيذانا بتجاوز النور عن قلبه وسمعه وبصره إلى سائر جهاته، ليهتدي كل أتباعه (وفي عصبي نورا، وفي لحمي نورا وفي دمي نورا، وفي شعري نورا وفي بشري) أي جلدي (نورا، وفي نفسي) أي ذاتي (نورا) أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها (وأعظم لي نورا) أي أجذل من عطائك نورا عظيما لا يكتنه كنهه (واجعلني نورا. اللهم أعطني نورا وزدني نورا). روي عن ابن عباس أن النبي (ص) خرج إلى الصلاة وهو يقول: اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل فوقي نورا ومن تحتي نورا. وأعطني نورا رواه مسلم (وإن سمع الإقامة لم يسع) قال في المصباح: سعى في مشيه، هرول وعدا في مشيه عدوا، من باب قال: قارب الهرولة وهو دون الجري. وذلك لخبر أبي هريرة، وتقدم (فإن طمع في إدراك التكبيرة الأولى، وهو أن يدرك الصلاة) أي موقفه للصلاة (قبل) أن يكبر الامام (تكبيرة الاحرام ليكون خلف الامام إذا كبر للافتتاح، فلا بأس أن يسرع شيئا، ما لم تكن عجلة تقبح) نص عليه. واحتج بأنه جاء
389 عن الصحابة وهم مختلفون (وإن خشي فوات الجماعة أو الجمعة بالكلية، فلا ينبغي أن يكره) له (الاسراع لأن ذلك لا ينجبر إذا فات، هذا معنى كلام الشيخ في شرح العمدة، وتأتي فضيلة إدراك التكبيرة الأولى في) باب (صلاة الجماعة، فإذا دخل المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى) في الدخول، لما تقدم أنه (ص) كان يحب التيامن في شأنه كله، (وأن يقول) عند دخول المسجد: (بسم الله) رواه أبو داود (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) رواه أبو داود. لكن ليس فيه وسلطانه القديم. (الحمد لله) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (اللهم صل وسلم على محمد) رواه أبو داود. وليس فيه وسلم. (اللهم اغفر لي ذنوبي) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (وافتح لي أبواب رحمتك) رواه مسلم (وإذا خرج قدم رجله اليسرى في الخروج) من المسجد وقال (بسم الله، اللهم صل وسلم على محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك) ويقول أيضا: (اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده) لما روى ابن السني في عمل اليوم والليلة عن أبي أمامة مرفوعا قال: إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد تداعت جنود إبليس واجتلبت إليه، كما يجتمع النحل على يعسوبها. فإذا قام أحدكم على
390 باب المسجد فليقل: اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده. فإنها لم تضره واليعسوب: ذكر النحل وقيل: أميرها (فإذا دخل المسجد لم يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد. إن كان في غير وقت نهي، ويأتي) ذلك (آخر الجمعة) لحديث أبي قتادة مرفوعا: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين متفق عليه (ويجلس مستقبل القبلة لأنه خير المجالس) للخبر (ولا يفرقع أصابعه) لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة (ويشتغل بالطاعة من الصلاة والقراءة والذكر أو يسكت) إن لم يشتغل بذلك. والاشتغال بذلك أفضل (ويكره أن يخوض في حديث الدنيا) فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، كما في الخبر (فما دام كذلك) أي مشتغلا بالصلاة والذكر أو ساكتا منتظرا للصلاة (فهو في صلاة والملائكة تستغفر له ما لم يؤذ أو يحدث) للخبر. باب صفة الصلاة وبيان ما يكره فيها، وأركانها وواجباتها وسننها وما يتعلق بذلك: (يسن أن يقوم إمام) عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة (فمأموم غير مقيم إلى
391 (الصلاة) يقوم (عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة) كذا في الكافي وغيره. لأن النبي (ص) كان يفعل ذلك رواه ابن أبي أوفى ولأنه دعاء إلى الصلاة فاستحبت المبادرة إليها. قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل الحرمين. وإنما استثنى المقيم، لأنه يأتي بالإقامة كلها قائما. كالاذان، ومحل استحباب قيام المأموم عند قوله: قد قامت الصلاة (إن كان الامام في المسجد، ولو لم يره المأموم) قاله الموفق. وفي الشرح: إن كان في المسجد، أو قريبا منه قاموا قبل رؤيته، وإلا فلا. وفي الانصاف وجزم بمعناه في المنتهى. والصحيح من المذهب: أن المأموم لا يقوم حتى يرى الامام، وعليه جمهور الأصحاب. وقدمه في الفروع وغيره. وصححه المجد وغيره ا ه. لقول أبي قتادة: قال النبي (ص): إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت رواه مسلم. والمراد بالقيام إليها هو التوجه إليها. ليشمل جلوس العاجز عنه. ولا يحرم الامام حتى تفرغ الإقامة. نص عليه. وهو قول جل أئمة الأمصار (وإن كان) الامام (في غيره) أي المسجد (ولم يعلم قربه. لم يقم حتى يراه) للخبر. وتقدم ما فيه (وليس بين الإقامة والتكبير دعاء مسنون نصا) قيل لأحمد: قبل التكبير تقول شيئا؟ قال: لا، إذ لم ينقل عن النبي (ص) ولا عن أصحابه. ولان الدعاء يكون بعد العبادة لقوله تعالى: * (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب) * (الشرح: 7، 8). ومن هنا تعلم أن قولهم في باب الاذان: ويدعو عند إقامة أي قبلها قريبا، لا بعدها، جمعا بين الكلامين، (وإن دعا) بين الإقامة والتكبير (فلا بأس) به، إذ لا محذور فيه (فعله) الامام (أحمد ورفع يديه) حكاه في الفروع والمبدع في الآذان بعنه. ومقتضاه أن
392 المقدم خلافه، كما هو اصطلاح صاحب الفروع (ثم يسوي) أي يأمر. بدليل ما بعده (الامام الصفوف ندبا بمحاذاة المناكب والأكعب دون أطراف الأصابع فيلتفت) الامام (عن يمينه قائلا: اعتدلوا وسووا صفوفكم. وفي المغني وغيره) وتبعه في شرح المنتهى: (يقول: استووا رحمكم الله وعن يساره كذلك) وفي الرعاية اعتدلوا رحمكم الله وذلك لما روى محمد بن مسلم قال: صليت إلى جانب أنس بن مالك يوما فقال: هل تدري. لم صنع هذا العود؟ فقلت: لا والله فقال: إن النبي (ص) كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه، فقال: اعتدلوا وسووا صفوفكم ثم أخذه بيساره، وقال: اعتدلوا وسووا صفوفكم رواه أبو داود و (لأن تسوية الصف من تمام الصلاة) للخبر. متفق عليه، من حديث أنس (قال) الامام (أحمد: ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الامام) أي موقفه، لحديث أبي هريرة قال: كانت الصلاة لتقام للرسول (ص) فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي (ص) مقامه رواه مسلم، (ويسن تكميل الصفوف الأول فالأول) أي الذي يليه. وهكذا حتى ينتهوا. لما تقدم من حديث: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا على ذلك لاستهموا عليه وظاهره: حتى بمسجد النبي (ص) وإن كانت الصلاة في محراب زيادة عثمان، (و) يسن (تراص المأمومين، وسد خلل الصفوف) لتشبه صفوف المجاهدين (فلو ترك القادر) الصف (الأول فالأول كره) له ذلك. قال في الانصاف على الصحيح
393 من المذهب. وهو المشهور أيضا (والصف الأول) للرجال أفضل لقوله (ص): لتكونوا في الذي يليني (وهو) أي الصف الأول: (ما يقطعه المنبر) قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب. وعليه الأصحاب ا ه. والمراد: أنه أول صف يلي الامام قطعه المنبر أو لا. (لا ما يليه) أي لا أول صف يلي المنبر (ويمنة كل صف للرجال أفضل) من يسرته، أي صلاة المأمومين من جهة يمين الامام أفضل من صلاتهم جهة يساره، إذا كانوا رجالا، (وظاهر كلامهم) حيث أطلقوا أن يمينه للرجال أفضل (أن الأبعد عن اليمين أفضل ممن على اليسار، ولو كان) من على اليسار (أقرب) إلى الامام، لاطلاقهم أن يمينه للرجال أفضل (قال) قاضي القضاة أحمد محب الدين (بن نصر الله) البغدادي (في شرح الفروع) أي شرحه لباب صفة الصلاة من كتاب الفروع (وهو أقوى عندي. انتهى) قال في الفروع: (وظاهر كلامهم يحافظ على الصف الأول وإن فاتته ركعة) أي بسبب مشيه إلى الصف الأول: ويتوجه من نصبه يسرع إلى الأول للمحافظة عليها (لا إن خاف فوت الجماعة) قال في الفروع: والمراد من كلامهم إذا لم تفته الجماعة مطلقا، وإلا حافظ عليها، فيسرع لها، وقال في النكت: لا يبعد القول بالمحافظة على الركعة الأخيرة، وإن كان غيرها مشى إلى الصف الأول. وقد يقال: يحافظ على الركعة الأولى والأخيرة. ولهذا قلنا: لا يسعى إذا أتى الصلاة للخبر المشهور. قال الإمام أحمد: فإن أدرك، أي طمع أن يدرك التكبيرة الأولى. فلا بأس أن تسرع، ما لم تكن عجلة تقبح. قال وقد ظهر مما تقدم. أنه يعجل لادراك الركعة الأخيرة. لكن هل تقيد المسألتان بتعذر الجماعة؟ فيه تردد (وكلما قرب من الامام فهو أفضل، وكذا قرب الأفضل) من الامام أفضل. لحديث: ليليني منكم أولوا الأحلام والنهي، (و) كذا قرب (الصف منه) أي من الامام. وكذا قرب الصفوف بعضها من
394 بعض (والأفضل تأخير المفضول، كالصبي لا البالغ) ولو عبده وولده (والصلاة مكانه) أي مكان الصبي. لأن أبيا نحى قيس بن عبادة وقام مكانه. فلما صلى قال: يا بني لا يسوؤك الله. فإني لم آتك الذي أتيت بجهالة. ولكن النبي (ص) قال لنا: كونوا في الصف الذي يليني، وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك إسناده جيد. رواه أحمد والنسائي. قال في شرح المنتهى: وهذا لا يدل على أنه ينحيه من مكانه. فهو رأي صحابي، مع أنه في الصحابة مع التابعين (وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها عكس صفوف النساء) فخيرها آخرها وشرها أولها. للخبر. والمراد: إذا صلين مع الرجال. وإلا فكالرجال. قال ابن هبيرة: وله، أي الصف الأول: ثوابه وثواب من ورائه ما اتصلت الصفوف لاقتدائهم به (ويسن تأخيرهن) أي النساء خلف صفوف الرجال: لقوله (ص): أخروهن من حيث أخرهن الله، (فتكره صلاة رجل بين يديه امرأة تصلي) لما تقدم من الخبر (وإلا) أي وإن لم تكن تصلي (فلا) كراهة، لما تقدم من حديث عائشة في نواقض الوضوء، (ثم يقول) الامام ثم المأموم، وكذا المنفرد (وهو قائم مع القدرة) على القيام وعدم ما يسقطه مما يأتي، وتقدم بعضه (في الفرض: الله أكبر مرتبا متواليا) وجوبا (لا يجزئه غيرها) لحديث أبي حميد الساعدي قال: كان النبي (ص) إذا استفتح الصلاة استقبل القبلة، ورفع يديه، وقال: الله أكبر رواه ابن ماجة. وصححه ابن حبان، وحديث علي يرفعه قال: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم رواه أحمد، وأبو داود،
395 والترمذي وروي مرسلا. قال الترمذي: هذا أصح شئ في هذا الباب. والعمل عليه عند أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم. وقال (ص) للمسئ في صلاته: إذا قمت فكبر متفق عليه. ولم ينقل أنه كان يستفتحها بغير ذلك. فلا تنعقد بقول: الله أكبر، أو الكبير، أو الجليل. ولا بالله أقبر: بالقاف. ولا الله فقط. ولا أكبر الله (فإن أتمه) أي التكبير (قائما) بأن ابتدأه قبل أن يقوم. وأتمه قائما، (أو) ابتدأه وأتمه (راكعا أو أتى به) أي التكبير (كله راكعا أو قاعدا في غير فرض صحت) صلاته. لأن القيام ليس ركنا في النافلة (وأدرك الركعة) لما يأتي من أن من أدرك الركوع مع الامام أدرك الركعة. (و) إن أتم التكبير قائما أو راكعا أو أتى به كله راكعا أو قاعدا (فيه) أي في الفرض (تصح) صلاته (نفلا إن اتسع الوقت) لاتمام النفل: ولفعل صلاة الفرض كلها بعده في الوقت، لما تقدم من أنه إذا أتى بما يفسد الفرض فقط انقلب نفلا. وإن لم يتسع الوقت استأنفها للفرض، لتعين الوقت له (فإن زاد على التكبير كقوله: الله أكبر كبيرا، أو الله أكبر وأعظم، أو) الله أكبر (وأجل ونحوه. كره) له ذلك. لأنه محدث، والحكمة في افتتاح الصلاة بهذا اللفظ، كما قاله القاضي عياض: استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه، ليمتلئ هيبة فيحضر قلبه، ويخشع ولا يغيب، وسميت التكبيرة التي يدخل بها في الصلاة: تكبيرة الاحرام. لأنه يدخل بها في عبادة يحرم فيها أمور. والاحرام: الدخول في حرمة لا تنتهك (فإن مد) المحرم (همزة الله، أو) مد همزة (أكبر) لم تنعقد صلاته لأنه يصير استفهاما، (أو قال: أكبار. لم تنعقد) صلاته لأنه يصير جمع كبر، بفتح الكاف، وهو الطبل (ولا تضر زيادة المد على الألف بين اللام والهاء، لأنها) أي زيادة المد (إشباع) لأن اللام ممدودة فغايته أنه زاد في مد اللام. ولم يأت بحرف زائد (وحذفها) أي حذفه زيادة المد (أولى، لأنه يكره تمطيطه) أي التكبير (فإن لم يحسن التكبير بالعربية لزمه تعلمه) لأنه ذكر لا تصح الصلاة إلا به، فلزمه تعلمه، كقراءة الفاتحة (مكانه، أو ما قرب منه) فلا يلزمه السفر لتعلمه (فإن
396 خشي فوات الوقت) كبر بلغته، (أو عجز عن التعلم، كبر بلغته) لأنه عجز عن اللفظ فلزمه الاتيان بمعناه، كلفظة النكاح (فإن كان يعرف لغات) فيها أفضل، كبرا به (فالأولى تقديم السرياني، ثم الفارسي، ثم التركي، أو الهندي) فيخير بينهما. لتساويهما (ولا يكبر قبل ذلك) أي قبل التعلم، حيث قدر عليه (بلغته) فلا تنعقد صلاته، لأنه ترك فرضه بلا عذر (فإن عجز عن التكبير) بالعربية وغيرها (سقط عنه، كالأخرس) لقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (ولا يترجم عن) ذكر (مستحب) بغير العربية. ولو عجز عنها. لأنه غير محتاج إليه (فإن فعل) أي ترجم عن الذكر المستحب (بطلت) صلاته. لأنه كلام أجنبي (وحكم كل ذكر واجب) كتشهد وتسبيح ركوع وسجود (كتكبيرة الاحرام) لمساواته لها في الوجوب (وإن أحسن البعض) من التكبير، أو الذكر الواجب، بأن لفظ الله، أو أكبر، أو سبحان، دون الباقي (أتى به) لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم قال ابن نصر الله في شرح الفروع: وكلامه يقتضي أنه لو قدر على الاتيان ببعض حروف إحدى الكلمتين دون بقيتها لزمه الاتيان به. وفيه نظر ا ه. قال في الشرح: فإن عجز عن بعض اللفظ، أو بعض الحروف. أتى بما عجز عن بعض الفاتحة (والأخرس ومقطوع اللسان يحرم بقلبه) لعجزه عنه بلسانه (ولا يحرك لسانه) كمن سقط عنه القيام. يسقط عنه النهوض إليه وإن قدر عليه لأنه عبث. ولم يرد الشرع به، كالعبث بسائر جوارحه. وأنما لزم القادر ضرور (وكذا حكم القراءة والتسبيح وغيره) كالتحميد والتسميع والتشهد والسلام، يأتي به الأخرس ونحوه بقلبه، ولا يحرك لسانه لما تقدم، (ويسن جهر الامام بالتكبير كله) ليتمكن المأموم من متابعته فيه، لقوله (ص): فإذا كبر فكبروا،
397 (وبتسميع) ليحمد المأموم عقبه. لقوله (ص): وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، و (لا) يسن جهر الامام ب (- تحميد) لأنه لا يتعقبه من المأموم شئ فلا فائدة في الجهر به، (و) يسن جهر الامام (بسلام أول) أي بالتسليمة الأولى، ليتابعه المأموم في السلام (فقط) أي دون التسليمة الثانية. لحصول العلم بالسلام بالأولى. إذ من المعلوم أن الثانية تعقب الأولى، (و) يسن جهر إمام ب (- قراءة في) صلاة (جهرية) كأولتي مغرب وعشاء وكصبح وجمعة وعيد ونحوها. لما يأتي. ويكون الجهر في كل موضع قلنا: يستحب (بحيث يسمع من خلفه) أي جميعهم، إن أمكن (وأدناه) أي أدنى جهر الامام به (سماع غيره) ولو واحد ممن وراءه. لأنه سمعه واحد اقتدى به. واقتدى بذلك الواحد غيره. فيحصل المقصود (ويسر مأموم ومنفرد به) أي التكبير (وبغيره) من التسبيح والتحميد والسلام، لأن المنفرد لا يحتاج إلى إسماع غيره، كما وكذا المأموم إذا كان الامام يسمعهم (وفي القراءة تفصيل و يأتي) عند الكلام على قراءة السورة (ويكره جهر مأموم) في الصلاة بشئ من أقوالها، لأنه يخلط على غيره (إلا بتكبير وتحميد وسلام لحاجة) بأن كان لا يسمع جميعهم (ولو بلا إذن الإمام ) له في الجهر بذلك. لدعاء الحاجة إليه، (فيسن) لاحد المأمومين، لأن أبا بكر لما صلى هو والناس قياما وصلى النبي (ص) في مرضه جالسا. فكان أبو بكر يسمع الناس تكبيره. وقال في شرح الفروع: إلا المرأة، إذا كانت مع الرجال، أي فلا تجهر هي، بل أحدهم (قال الشيخ: إذا كان الامام يبلغ صوته المأمومين) كلهم (لم يستحب لاحد المأمومين التبليغ، باتفاق المسلمين) لعدم الحاجة إليه (وجهر كل مصل) من إمام ومأموم، ومنفرد (في ركن) قولي. كقراءة الفاتحة، وتكبيرة إحرام (وواجب) قولي، كتكبير انتقال وتشهد أول وتسميع وتحميد (فرض بقدر ما يسمع نفسه) لأنه لا يكون آتيا بشئ من ذلك بدون صوت. والصوت ما يتأتى سماعه. وأقرب السامعين إليه نفسه. واختار الشيخ تقي الدين الاكتفاء بالحروف. وإن لم يسمعها. قال في الفروع: ويتوجه مثله كل ما تعلق بالنطق، كطلاق وغيره ا ه. ويأتي في الطلاق: أنه يقع. وإن لم يسمع نفسه و (إن لم يكن) به (مانع) من السماع، كصمم (فإن كان) مانع (ف) - إنه يجب الجهر بالفرض والواجب (بحيث يحصل السماع مع عدمه) أي المانع (ويرفع) المصلي (يديه) عند تكبيرة الاحرام
398 (ندبا) قال في الشرح وفي المبدع: بغير خلاف نعلمه، زاد في المبدع: وليس بواجب اتفاقا. وفي شرح الفروع: خلافا لابن حزم في إيجابه هنا فقط، (والأفضل) أن تكون يداه (مكشوفتين هنا، وفي الدعاء) لأن كشفهما أدل على المقصود، وأظهر في الخضوع، (أو) يرفع (إحداهما) أي إحدى اليدين (عجزا) عن رفع اليد الأخرى، لمرضها. وقال في شرح الفروع: وكذا لو عجز عن رفعهما لمانع، يتوجه أن ينوي رفعهما لو كانا. ولم أجد من ذكره، (ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير، وانتهاؤه) أي الرفع (مع انتهائه) أي التكبير. لما روى وائل بن حجر أنه رأى النبي (ص) يرفع يديه مع التكبير ولان الرفع للتكبير. فكان معه. وتكون اليدان حال الرفع (ممدودتي الأصابع برؤوسها) لقول أبي هريرة: كان النبي (ص) يرفع يديه مدا رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي بإسناد حسن، (مضمومة) أصابعهما لان الأصابع إذا ضمت تمتد (ويستقبل ببطونها القبلة) ويكون الرفع (إلى حذو) بالذال المعجمة (منكبيه برؤوسهما) والحذو المقابل. والمنكب: بفتح الميم وكسر الكاف: مجمع عظم العضد والكتف. ومحل ذلك (إن لم يكن) للمصلي (عذر) يمنعه من رفعهما، أو رفع إحداهما إلى حذو منكبيه. لما روى ابن عمر قال: كان النبي (ص) إذا قام إلى الصلاة، رفع يديه، حتى يكونا حذو منكبيه، ثم يكبر متفق عليه. (ويرفعهما) المصلي (أقل) من ذلك (وأكثر) منه (لعذر) يمنعه منه. لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، (ويسقط) ندب رفع اليدين (مع فراغ التكبير كله) لأنه سنة فات محلها وإن نسيه في ابتداء التكبير، ثم
399 ذكره في أثنائه أتى به فيما بقي. لبقاء محل الاستحباب (ورفعهما) أي اليدين (إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه) كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية. ذكره ابن شهاب، (ثم) بعد فراغ التكبير (يحطهما) أي يديه (من غير ذكر) لعدم وروده، (ثم يقبض بكفه الأيمن كوعه الأيسر) نص عليه، لأن النبي (ص) وضع اليمنى على اليسرى رواه مسلم من حديث وائل. وفي رواية لأحمد وأبي داود ثم وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، والرسغ والساعد، (ويجعلهما تحت سرته). روي عن علي وأبي هريرة لقول علي: من السنة وضع اليمنى على الشمال تحت السرة رواه أحمد وأبو داود وذكر في التحقيق: أنه لا يصح قيل للقاضي: هو عورة فلا يضعها عليه كالعانة والفخذ؟ وأجاب: بأن العورة أولى وأبلغ بالوضع عليه لحفظه، (ومعناه) أي معنى وضع كفه الأيمن على كوعه الأيسر وجعلها تحت سرته: إن فاعل ذلك ذو (ذل بين يدي ذي عز) نقله أحمد بن يحيى الرقي (ويكره) جعل يديه (على صدره) نص عليه، مع أنه رواه. قاله في المبدع (ويستحب نظره إلى موضع سجوده في كل حالات الصلاة) لما روى أحمد في الناسخ والمنسوخ على ابن سيرين أن النبي (ص): كان يقلب بصره إلى السماء. فنزلت * (الذين هم في صلاتهم خاشعون) * فطأطأ رأسه ورواه سعيد بسنده أيضا عنه وزاد فيه: " قال: كانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه ولأنه أخشع وأكف لنظره (إلا في صلاة الخوف، إذا كان العدو في جهة القبلة، فينظر إلى العدو) للحاجة (وكذا إذا اشتد الخوف، أو كان خائفا من سيل، أو سبع أو فوات) وقت (الوقوف بعرفة، أو ضياع ماله. وشبه ذلك مما يحصل له به ضرر، إذا نظر إلى موضع سجوده) قال في المبدع: وحال إشارته في التشهد. فإنه ينظر إلى سبابته، لخبر ابن الزبير، وصلاته تجاه الكعبة فإنه ينظر إليها. وفي الغنية: يكره إلصاق الحنك بالصدر. وعلى الثوب. وإنه يروى عن الحسن: أن العلماء من الصحابة كرهته.
400 فصل: ثم يستفتح سرا (فيقول: سبحانك) أي أنزهك تنزيهك اللائق بجلالك (اللهم) أي يا الله (وبحمدك) قيل الواو عاطفة على محذوف، تقديره: سبحتك بكل ما يليق تسبيحك به، وبحمدك سبحتك، أي بنعمتك التي توجب علي حمدا سبحتك. لا بحولي وقوتي. وقال ثعلب معناه سبحتك بحمدك قال أبو عمر: كأنه يذهب إلى أن الواو صلة، أي زائدة. ويجوز أن يكون معناه: وبحمدك اللائق بك أحمدك، (وتبارك) فعل لا يتصرف. فلا يستعمل منه غير الماضي، (اسمك) أي دام خيره والبركة: الزيادة والنماء، أي البركة تكسب وتنال بذكرك. ويقال: تبارك: تقدس. والقدس الطهارة. ويقال: تعاظم (وتعالى جدك) بفتح الجيم، أي علا جلالك، وارتفعت عظمتك (ولا إله غيرك) قال الترمذي: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم من التابعين وغيرهم. لأنه (ص) كان يستفتح بذلك. رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي. ولفظه من حديث أبي سعيد. وهو من رواية علي بن علي الرفاعي. وقد وثقه أبو زرعة وابن معين. وتكلم فيه بعضهم. وعمل به عمر بين يدي أصحاب النبي (ص). ولذلك اختاره الإمام أحمد وجوز الاستفتاح بغيره مما ورد. وهو معنى قول المصنف: (ويجوز، ولا يكره بغيره مما ورد) وقال الشيخ تقي الدين: الأفضل أن يأتي بكل نوع أحيانا، وكذا صلاة الخوف، (ثم يتعوذ سرا، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) لقوله تعالى: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) * الآية أي إذا أردت القراءة. وكان النبي (ص) يقولها قبل القراءة (وكيفما تعوذ) به (من الوارد فحسن) لحديث أبي سعيد مرفوعا: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال الترمذي: هو أشهر حديث في الباب. وهو
401 متضمن للزيادة. والاخذ بها أولى. لكن ضعفه أحمد، واختار ابن بطة وجوب الاستفتاح والتعوذ. واختار الشيخ تقي الدين: التعوذ أول كل قربة، (ثم يقرأ البسملة) أي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم (سرا) لما روى نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، حتى بلغ ولا الضالين. الحديث ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة بالرسول (ص) رواه النسائي. وفي لفظ لابن خزيمة والدارقطني أن النبي (ص) كان يسر بسم الله الرحمن الرحيم، وأبو بكر، وعمر زاد ابن خزيمة في الصلاة فيسر بها (ولو قيل: إنها من الفاتحة) كما اختاره ابن بطة وأبو حفص. وصححه ابن شهاب (وليست) بسم الله الرحمن الرحيم (منها) أي من الفاتحة، جزم به أكثر الأصحاب. وصححه ابن الجوزي وابن تميم، وصاحب الفروع. وحكاه القاضي إجماعا سابقا. و (كغيرها) أي وليست آية من غير الفاتحة، لحديث أبي هريرة قال: سمعت النبي (ص) يقول: قال الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي الحديث رواه مسلم. ولو كانت آية لعدها وبدأ بها. ولما تحقق التنصيف. لأن ما هو ثناء وتمجيد أربع آيات ونصف، وما هو لآدمي آيتان ونصف. لأنها سبع آيات إجماعا. لكن حكى الرازي عن الحسن البصري. أنها ثمان آيات. وقال النبي (ص) في تبارك الذي بيده الملك: إنها ثلاثون آية رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي. إسناده حسن. ولم يختلف العادون أنها ثلاثون آية، بدون البسملة. قال الأصوليون: وقوة الشبهة في بسم الله الرحمن الرحيم: منعت التكفير من الجانبين، فدل على أنها ليست من المسائل القطعية خلافا للقاضي أبي بكر، (بل) بسم الله الرحمن الرحيم بعض آية من النمل إجماعا. و (آية من القرآن) فاصلة بين كل سورتين. فهي (مشروعة قبلها) أي الفاتحة (وبين كل سورتين سوى براءة فيكره ابتداؤها بها) لنزولها بالسيف.
402 وقيل: لأنها مع الأنفال سورة واحدة (فإن ترك الاستفتاح) وفي نسخة الافتتاح (ولو عمدا، حتى تعوذ) سقط، (أو) ترك (التعوذ حتى بسمل) سقط، (أو) ترك (البسملة حتى شرع في القرآن) وفي نسخ القراءة (سقط) لأنه سنة فات محلها. ويسن كتابة البسملة أوائل الكتب. كما كتبها سليمان والنبي (ص) في صلح الحديبية. وإلى قيصر وغيره. نص عليه. فتذكر في ابتداء جميع الأفعال. وعند دخول المنزل والخروج منه للتبرك. وهي تطرد الشيطان. وإنما تستحب إذا ابتدأ فعلا تبعا لغيرها لا مستقلة. فلم تجعل كالحمدلة وغيرها. ونقل ابن الحكم: لا تكتب أمام الشعر ولا معه، وذكر الشعبي: أنهم كانوا يكرهونه. قال القاضي: لأنه يشوبه الكذب والهجو غالبا. وأما حديث أنس المتفق عليه: كان النبي (ص) وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين فمحمول على أن الذي يسمعه أنس منهم * (الحمد لله رب العالمين) * وقد جاء ذلك مصرحا به عن أنس. ويخير في غير صلاة بين الجهر بالبسملة وتركه. قال القاضي: كالقراءة، (ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية مشددة) أي بتشديداتها، وهي ركن في كل ركعة. لحديث عبادة مرفوعا: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب متفق عليه. وفي لفظ لا تجزئ صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب رواه الدارقطني. وقال: إسناده صحيح. وعن أبي هريرة مرفوعا: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج - يقول ثلاثا رواه مسلم. والخداج النقصان في الذات في نقص فساد، وبطلان، تقول العرب: أخدجت الناقة ولدها، أي ألقته وهو دم لم يتم خلقه. فإن نسيها في ركعة لم يعتد بها. وسميت فاتحة لأنه يفتتح بقراءتها في الصلاة، وبكتابتها في المصاحف. وتسمى الحمد والسبع المثاني وأم الكتاب، والراقية، والشافية، والأساس، والصلاة، وأم القرآن لأن المقصود منه تقريرا أمور الإلهيات والمعاد والنبوات، وإثبات
403 القضاء والقدر لله تعالى. فالحمد لله إلى الرحيم على الإلهيات * (مالك يوم الدين) * يدل على المعاد، و * (إياك نعبد وإياك نستعين) * يدل على نفي الجبر والقدر، وعلى أن كل بقضاء الله و * (اهدنا الصراط المستقيم) * إلى آخرها: يدل على النبوات. وتسمى: الشفاء، والشافية، والسؤال، والدعاء. وقال الحسن: أودع الله فيها معاني القرآن كما أودع فيه معاني الكتب السابقة. (والمستحب أن يأتي بها مرتلة معربة) لقوله تعالى: * (ورتل القرآن ترتيلا) * ويأتي لذلك تتمة في أحكام القرآن (يقف فيها) أي الفاتحة (عند كل آية) لقراءته (ص) (وإن) أي ولو (كانت الآية الثانية متعلقة بالأولى تعلق الصفة بالموصوف) كالرحمن الرحيم. بعد الحمد لله رب العالمين) * (أو) كانت متعلقة بها (غير ذلك) التعلق، كتعلق البدل بالمبدل منه، ك * (الصراط الذين أنعمت) *، بعد * (اهدنا الصراط المستقيم) * (ويمكن حروف المد واللين) وهي الألف اللينة والواو المضموم ما قبلها. والياء المكسور ما قبلها. لقوله تعالى: * (ورتل القرآن ترتيلا) * (ما لم يخرجه ذلك) التمكين (إلى التمطيط) فيتركه (وهي) أي الفاتحة (أعظم سورة في القرآن) قال الشيخ تقي الدين: هي أفضل سورة وذكر ابن شهاب وغيره معناه. لقوله (ص) فيها: أعظم سورة في القرآن (وأعظم آية فيه) أي القرآن (آية الكرسي) كما رواه أحمد ومسلم عنه (ص) ومنه: يؤخذ أن بعض القرآن قد يكون أفضل من بعض باعتبار متعلقه من المعاني والبلاغة، وغير ذلك. ولا يمنع من ذلك كون الجميع صفة لله تعالى. لما ذكرنا من أن التفضيل باعتبار المتعلق لا بالذات. وللترمذي وغيره: أنها - آية الكرسي - سيدة آي القرآن (وفيها) أي الفاتحة (إحدى عشرة تشديدة) وذلك في: لله، ورب، والرحمن، والرحيم، والدين، وإياك، وإياك، والصراط، والذين، وفي الضالين ثنتان. وأما البسملة ففيها ثلاث تشديدات (فإن ترك ترتيبها) أي الفاتحة، بأن قدم بعض الآيات على بعض لم يعتد بها. لأن ترتيبها شرط صحة قراءتها. فإن من نكسها لا يسمى قارئا لها عرفا. وقال في الشرح عن القاضي:
404 وإن قدم آية منها في غير موضعها عمدا أبطلها. وإن كان غلطا رجع فأتمها، (أو) ترك (حرفا منها) أي الفاتحة، لم يعتد بها. لأنه لم يقرأها. وإنما قرأ بعضها، (أو) ترك (تشديدة) منها (لم يعتد بها) لأن التشديدة بمنزلة حرف. فإن الحرف المشدد قائم مقام حرفين. فإذا أخل بها فقد أخل بحرف. قال في شرح الفروع: وهذا إذا فات محلها وبعد عنه، بحيث يخل بالموالاة. أما لو كان قريبا منه فأعاد الكلمة أجزأه ذلك. لأنه يكون بمثابة من نطق بها على غير الصواب. فيأتي بها على وجه الصواب. قال: وهذا كله يقتضي عدم بطلان صلاته. ومقتضى ذلك: أن يكون ترك التشديدة سهوا أو خطأ. أما لو تركها عمدا فقاعدة المذهب: تقتضي بطلان صلاته إن انتقل عن محلها. كغيرها من الأركان. فأما ما دام في محلها، وهو حرفها لم تبطل صلاته اه. وفيه نظر فإن الفاتحة ركن واحد محله القيام. لأن كل حرف ركن. تتمة: إذا أظهر المدغم، مثل أن يظهر لام الرحمن. فصلاته صحيحة. لأنه إنما ترك الادغام. وهو لحن لا يحيل المعنى. ذكره في الشرح (وإن قطعها) أي الفاتحة (غير مأموم) وهو الامام أو المنفرد (بذكر) كثير (أو) دعاء كثير (أو قرآن كثير أو سكوت طويل عمدا لزمه استئنافها) لاختلال نظمها (لا إن كان) القرآن، أو الذكر، أو الدعاء (يسيرا) فلا يلزمه استئنافها. لعدم إخلاله بنظمها، (أو) كان القرآن أو الذكر، أو الدعاء (كثيرا سهوا أو نوما) فلا يلزمه استئنافها. لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، (أو انتقل) عن الفاتحة (إلى) قراءة (غيرها غلطا، فطال) ذلك فلا يلزمه استئنافها. لما تقدم (ولا يضر) القطع (في حق مأموم إن كان القطع) مشروعا، (أو) كان (السكوت مشروعا كالتأمين، وسجود التلاوة، والتسبيح بالتنبيه) أي لأجل التنبيه (ونحوه) كالفتح على إمامه، إذا أرتج عليه، أو غلط، (أو) كان السكوت (لاستماع قراءة الإمام) فلا أثر للتقطيع في ذلك كله. لأنه مشروع (ويبني) المأموم على ما قرأه (ولا تبطل) القراءة (بنية قطعها ولو سكت يسيرا) فيبني على ما قرأه لأن القراءة باللسان. فلم تنقطع، بخلاف نية الصلاة (ويأتي في صلاة الجماعة إذا لحن لحنا يحيل المعنى، أو أبدل حرفا بحرف ونحوه). كإدغام ما لا يدغم (ويكره الافراط في التشديد) بحيث يزيد على حرف ساكن. لأنها أقيمت مقامه. فإذا زادها عن ذلك
405 زادها عما أقيمت مقامه، (و) الافراط في (المد) لأنه ربما جعل الحركات حروفا، (و) يكره (أن يقول مع إمامه * (إياك نعبد وإياك نستعين) * ونحوه) لقوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) *. (ومالك أحب إلى) الامام (أحمد من ملك) لما في " مالك " من زيادة حرف الألف. ولأنه كما قال أبو عبيدة: أوسع وأجمع، لأنه يقال: مالك العبيد والطير والدواب. ولا يقال: ملك هذه الأشياء اه. ولا يقال: مالك الشئ إلا هو يملكه، وقد يكون ملك الشئ ولا يملكه. وقال قوم: ملك، أولى لأن كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكا. وهذا غير مفيد هنا. لأن مالك الشئ ملك له وزيادة. والكلام هنا في مالك المضاف إلى يوم الدين. فإذا كان مالكه كان ملكا له (فإذا فرغ) من قراءة الفاتحة (قال: آمين، بعد سكتة لطيفة ليعلم أنها ليست من القرآن) وإنما هي طابع الدعاء. ومعناه: اللهم استجب، وقيل: اسم من أسمائه تعالى: (يجهر بها إمام ومأموم معا في صلاة جهر) لحديث أبي هريرة مرفوعا: إذا أمن الامام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له متفق عليه. وروى أبو وائل أن النبي (ص) كان يقول آمين يمد بها صوته رواه أحمد، وأبو داود، والدارقطني وصححه. وقال عطاء: كان ابن الزبير يؤمن ويؤمنون حتى إن للمسجد للجة رواه الشافعي، (و) يجهر بها (منفرد) إن جهر بالقراءة تبعا لها، (و) يجهر بها (غير مصل إن جهر بالقراءة) تبعا لها، (وإن تركه) أي التأمين عمدا (إمام) أو سهوا أتى به مأموم جهرا (أو أسره) الامام عمدا أو سهوا (أتى به مأموم جهرا ليذكره) أي يذكر الناسي، وكسائر السنن إذا تركها الامام أتى بها المأموم، ولم يتابعه في تركها (ويأتي المأموم أيضا بالتعوذ، ولو تركه الامام) وقياسه: الاستفتاح والبسملة (فإن ترك) المصلي (التأمين، حتى
406 شرع في قراءة السورة لم يعد إليه) لأنه سنة فات محلها (والأولى) في همزة آمين (المد) ذكره القاضي وظاهره: أن الإمالة وعدمها سيان (ويجوز القصر في آمين) لأنه لغة فيه (ويحرم تشديد الميم) لأنه يصير بمعنى قاصدين. قال في المنتهى: وحرم. وبطلت إن شدد ميمها اه. مع أنه في شرح الشذور حكى ذلك لغة فيها عن بعضهم (فإن قال: آمين رب العالمين، لم يستحب) قياسا على قول أحمد في التكبير: الله أكبر كبيرا، لا يستحب (ويستحب سكوت الامام بعدها) أي بعد قراءة الفاتحة (بقدر قراءة مأموم) الفاتحة في الصلاة الجهرية. لحديث أبي داود وابن ماجة عن سمرة: ليتمكن المأموم من قراءة الفاتحة مع الانصات لقراءة الإمام (ويلزم الجاهل) يعني من لم يحسن الفاتحة (تعلمها) لأنها واجبة في الصلاة. فلزمه تحصيلها إذا أمكنه كشروطها (فإن لم يفعل) أي لم يتعلم الفاتحة (مع القدرة عليه، لم تصح صلاته) لتركه الفرض. وهو قادر عليه (فإن لم يقدر) على تعلم الفاتحة لبعد حفظه (أو ضاق الوقت عنه، سقط) كسائر ما يعجز عنه (ولزمه قراءة قدرها) أي الفاتحة (في عدد الحروف والآيات من غيرها) أي من أي سورة شاء من القرآن لمشاركته لها في القرآنية. وإنما اعتبر عدد الحروف، لأنها مقصودة. بدليل اعتبار تقدير الحسنات بها فاعتبرت كالآي (فإن لم يحسن) من القرآن (إلا آية واحدة منها) أي من الفاتحة، (أو من غيرها كررها بقدرها) أي الفاتحة، مراعيا عدد الحروف والآيات، كما تقدم (فإن كان يحسن آية منها) أي الفاتحة، (و) يحسن (شيئا من غيرها) أي آية فأكثر من باقي السور (كرر الآية) التي يحسنها من الفاتحة و (لا) يكرر (الشئ) الذي ليس من الفاتحة (بقدرها) متعلق بكرر، لأن الذي منها أقرب إليها من غيرها (فإن لم يحسن إلا بعض آية لم يكرره وعدل إلى غيره) سواء كان بعض الآية من الفاتحة أو من غيرها. لأن النبي (ص) أمر الذي لا يحسن الفاتحة أن يقول: الحمد لله وغيرها مما يأتي. والحمد لله بعض آية من الفاتحة. ولم يأمره بتكرارها (فإن لم يحسن شيئا من القرآن حرم أن يترجم عنه) أي أن يقوله (بلغة أخرى) غير
407 العربية (كعالم) بالعربية لأن الترجمة عنه تفسير لا قرآن، لأن القرآن، هو اللفظ العربي المنزل على سيدنا محمد (ص) قال تعالى: * (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) * وقال تعالى: * (بلسان عربي مبين) * (وترجمته) أي القرآن (بالفارسية أو غيرها لا تسمى قرآنا فلا تحرم على الجنب ولا يحنث بها من حلف لا يقرأ) لما تقدم. قال أحمد: القرآن معجز بنفسه، أي بخلاف ترجمته بلغة أخرى. فإنه لا إعجاز فيها، فدل أن الاعجاز في اللفظ والمعنى وفي بعض آية إعجاز. ذكره القاضي وغيره. وفي كلامه في التمهيد في النسخ وكلام أبي المعالي: لا (وتحسن للحاجة ترجمته) أي القرآن (إذا احتاج إلى تفهمه إياه بالترجمة) وتكون تلك الترجمة عبارة عن معنى القرآن، وتفسيرا له بتلك اللغة. لا قرآنا. ولا معجزا. كما تقدم (و) على هذا، فإنما (حصل الانذار بالقرآن) أي المعبر عن معناه بتلك اللغة (دون تلك اللغة، كترجمة الشهادة) أي كما لو ترجمت الشهادة للحاكم فإن حكمه يقع بالشهادة، لا بالترجمة (ويلزمه) أي من لم يحسن آية من القرآن (أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) وذكر جماعة: ولا حول ولا قوة إلا بالله لخبر أبي داود عن ابن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن، فعلمني ما يجزيني عنه. فقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ولا حول ولا قوة إلا بالله الحديث، ومن أسقط: لا حول ولا قوة إلا بالله اعتمد على حديث رفاعة بن رافع أن رسول الله (ص) علم رجلا الصلاة فقال: إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله، وكبره، وهلله، ثم اركع رواه أبو داود، والترمذي قال في شرح الفروع: لكن يرد عليه إيجاب سبحان الله. فإنه ليس في حديث رفاعة الامر بالتسبيح. وقد أوجبه، أخذا بحديث ابن أبي أوفى، فكأنهما اتفقا عليه. فوجب عليه. فوجب الاخذ بجميعه. ذكره في شرح الفروع. قلت: ويجاب عنه: بأن الحمد لما كان مقارنا للتسبيح غالبا، فكأنه عبارة عنهما في حديث رفاعة. ودل عليه حديث ابن أبي أوفى. فكأنهما اتفقا عليه بخلاف الحوقلة. فإسقاطها من حديث رفاعة دليل على أن الامر بها في
408 حديث ابن أبي أوفى ليس للوجوب، ومع ذلك فالاحتياط الاتيان بها، للحديث وخروجا من الخلاف. تنبيه: الحدث يدل على أن الذكر السابق يجزئه. وإن لم يكن بقدر الفاتحة بخلاف القراءة من غيرها، خلافا لابن عقيل. لأن هذا بدل من غير الجنس أشبه التيمم (فإن لم يحسن) المصلي (إلا بعض الذكر) المذكور (كرره) أي ما يحسنه (بقدر الذكر) مراعيا لعدد الحروف والجمل، على قياس ما سبق (فإن لم يحسن) المصلي (شيئا منه) أي من الذكر (وقف بقدر الفاتحة كالأخرس) ومقطوع اللسان. لأن القيام ركن مقصود في نفسه. لأنه لو تركه مع القدرة عليه لم يجزئه. فمع القدرة تجب القراءة والقيام بقدرها. فإذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر، لقوله (ص): إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، (ولا يحرك لسانه) كما تقدم في تكبيرة الاحرام (ولم تلزمه) أي الذي لم يحسن الفاتحة (الصلاة خلف قارئ) لأنه (ص) لم يأمر السائل به في حديث ابن أبي أوفى السابق. وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، (لكن يستحب) له أن يصلي خلف قارئ لتكون قراءة الإمام قراءة له، (و) خروجا من خلاف من أوجبه (من صلى وتلقف القراءة من غيره، صحت) صلاته. لأنه أتى بفرض القراءة. أشبه القارئ من حفظه، أو من مصحف. تنبيه: يقال: لقفت الشئ وتلقفته: إذا تناولته بسرعة، قاله الجوهري، وإنما اعتبر ذلك أي سرعة التناول، لئلا تفوت الموالاة. فصل: (ثم يقرأ البسملة سرا) نص عليه. كما في أول الفاتحة، (ثم) يقرأ (سورة كاملة) قال في شرح الفروع: لا خلاف بين أهل العلم في استحباب قراءة سورة مع الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة، (وتجوز) أي تجزئ (آية، إلا أن) الامام (أحمد استحب أن تكون) الآية (طويلة،
409 كآية الدين، وآية الكرسي) لتشبه بعض السور القصار. قلت: والظاهر عدم إجزاء آية لا تستقل بمعنى، أو حكم نحو: ثم نظر، مد هامتان كما يأتي عن أبي المعالي في خطبة الجمعة (فإن قرأ من أثناء سورة فلا بأس أن يبسمل نصا) قال في الرعاية: ويجوز قراءة آخر سورة وأوسطها، فيسمي إذن اه. وظاهر حتى براءة. ولبعض القراء فيه تردد (وإن كان) يقرأ (في غير صلاة، فإن شاء جهر بها) أي البسملة (وإن شاء خافت) بها، كما يخير في القراءة (ويكره الاقتصار) في الصلاة (على) قراءة (الفاتحة) لأنه خلاف السنة المستفيضة. ويستحب أن تكون القراءة (في الفجر بطوال المفصل) لحديث جابر بن سمرة أن النبي (ص) " كان يقرأ في الفجر ب * (ق والقرآن المجيد) * ونحوها. وكانت صلاته بعد إلى التخفيف رواه مسلم، وكتب عمر إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل. واقرأ في الظهر بأوساط المفصل. واقرأ في المغرب بقصار المفصل رواه أبو حفص. وهو السبع السابع، سمي به لكثرة فصوله، (وأوله) أي المفصل سورة (* (ق) *) لما روى أبو داود عن أوس بن حذيفة قال: سألت أصحاب رسول الله (ص) كيف يحزبون القرآن؟ قالوا: ثلث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة وحزب المفصل. وحده. وهذا يقتضي أن أول المفصل السورة التاسعة والأربعون، من أول البقرة، لا من الفاتحة. وهي ق. قاله ابن نصر الله في شرح الفروع. وفي الفنون: أوله الحجرات، (ويكره) أن يقرأ (بقصاره في الفجر من غير عذر، كسفر ومرض ونحوهما) كغلبة نعاس وخوف، لمخالفته السنة (ويقرأ في المغرب من قصاره) أي المفصل، لما يأتي (ولا يكره) أن يقرأ في المغرب (بطواله) أي المفصل (إن لم يكن عذر) يقتضي التخفيف (نصا) لما روى النسائي عن عائشة أنه (ص) قرأ في المغرب بالأعراف، فرقها في ركعتين، (و) يقرأ (في الباقي) وهو الظهر والعصر والعشاء (من
410 أوساطه) أي المفصل، لما روى سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال: ما رأيت رجلا أشبه صلاة برسول الله (ص) من فلان. قال سليمان: فصليت خلفه. فكان يقرأ في الغداة بطوال المفصل، وفي المغرب بقصاره، وفي العشاء بوسط المفصل رواه أحمد والنسائي ولفظه له. ورواته ثقات. قاله في المبدع (إن لم يكن عذر) من مرض وسفر ونحوهما، (فإن كان) ثم عذر (لم يكره) أن يقرأ (بأقصر منه) أي مما ذكر، وقراءة السورة وإن قصرت أفضل من بعضها. ولا يعتد بالسورة قبل الفاتحة (ويجهر الامام بالقراءة) استحبابا (في الصبح، وأولتي المغرب، و) أولتي (العشاء) إجماعا. لفعله (ص). وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف، (ويكره) الجهر بالقراءة (لمأموم) لأنه مأمور بالانصات والامر بالشئ نهي عن ضده (ويخير منفرد وقائم لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه بين جهر) بالقراءة (وإخفات) بها، لأنه يراد منه إسماع غيره ولا استماعه بخلاف الإمام والمأموم، (ولا بأس بجهر امرأة) في الجهرية (إذا لم يسمعها أجنبي) منها، بأن كانت تصلي وحدها، أو مع محرمها، أو مع النساء (وخنثى مثلها) أي مثل المرأة في الجهر وعدمه. وعلم منه: أنه إذا سمعها أجنبي أنها تسر. قال في شرح المنتهى: وجوبا. قال الإمام أحمد: ولا ترفع صوتها. قال القاضي: أطلق المنع، (ويسر في قضاء صلاة جهر) كعشاء، أو صبح قضاها (نهار ولو جماعة) اعتبارا بزمن القضاء (كصلاة سر) قضاها ولو ليلا، اعتبارا بالمقضية (ويجهر بالجهرية) كأولتي المغرب إذا قضاها (ليلا في جماعة فقط) اعتبارا بالقضاء، وشبهها بالأداء، لكونها في جماعة. فإن قضاها منفردا أسرها لفوات شبهها بالأداء، (ويكره جهره) أي المصلي (في نفل نهارا) لحديث: صلاة النهار عجماء، (و) المتنفل (ليلا يراعي المصلحة) فإن كان بحضرته،
411 أو قريبا منه من يتأذى بجهره أسر. وإن كان من ينتفع بجهره جهر (والأظهر أن المراد هنا بالنهار من طلوع الشمس، لا من طلوع الفجر، وبالليل من غروبها) أي الشمس (إلى طلوعها قاله ابن نصر الله). وتقدم في الاذان معناه عن الشيخ تقي الدين، عند قوله: ويصح الفجر بعد نصف الليل، لكن تقدم أن الصبح من صلاة النهار في المواقيت (وإن أسر في) محل (جهر)، أو جهر (في) محل (سر بنى على قراءته) لصحتها، والجهر والسر سنة لا يبطل تركه القراءة (ويستحب أن يقرأ كما في المصحف من ترتيب السور) قال أحمد في رواية مهنا: أعجب إلى أن يقرأ من البقرة إلى أسفل. لأن ذلك المنقول عن رسول الله (ص) (ويحرم تنكيس الكلمات) أي كلمات القرآن، لاخلاله بنظمه، (وتبطل به الصلاة) لأنه يصير بإخلال نظمه كلاما أجنبيا، يبطل الصلاة عمده وسهوه (ويكره تنكيس السور) كأن يقرأ ألم نشرح، ثم يقرأ بعدها والضحى، سواء كان ذلك (في ركعة أو ركعتين) لما روي عن ابن مسعود أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسا فقال: ذلك منكوس القلب وفسره أبو عبيد بأن يقرأ سورة، ثم يقرأ بعدها أخرى هي قبلها في النظم. ذكره ابن نصر الله في الشرح (كالآيات) أي كما يكره تنكيس الآيات. قال في الفروع: وفاقا. قال ابن نصر الله: ولو قيل بالتحريم في تنكيس الآيات كما يأتي من كلام الشيخ تقي الدين: أنه واجب لما فيه من مخالفة النص، وتغيير المعنى - كان متجها. ودليل الكراهة فقط غير ظاهر، والاحتجاج بتعلمه (ص) فيه نظر. فإنه كان للحاجة لأن القرآن كان ينزل بحسب الوقائع. و (قال الشيخ: ترتيب الآيات واجب لأن ترتيبها بالنص إجماعا، وترتيب السور بالاجتهاد لا بالنص، في قول
412 جمهور العلماء، منهم المالكية والشافعية فتجوز قراءة هذه) السورة (قبل هذه) السورة واختاره صاحب المحرر وغيره، واحتج أحمد بأن النبي (ص) تعلم كذلك (وكذا في الكتابة) أي تجوز كتابة هذه قبل هذه (ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها، لكن لما اتفقوا على المصحف زمن عثمان) بن عفان رضي الله عنه (صار هذا مما سنه الخلفاء الراشدون، وقد دل الحديث) أي حديث العرباض بن سارية الذي من جملته: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ الحديث. (على أن لهم سنة يجب اتباعها) لقوله: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، (وإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان) قال في شرح الفروع وظاهره ولو وافق قراءة أحد من العشرة في أصح الروايتين (لم تصح صلاته، ويحرم) قراءة ما خرج عن مصحف عثمان (لعدم تواتره، وعنه يكره) أن يقرأ بما يخرج عن مصحف عثمان، (و) على هذه الرواية (تصح) صلاته (إذا صح سنده) لان الصحابة كانوا يصلون بقراءتهم في عصره (ص) وبعده، وكانت صلاتهم صحيحة بغير شك، (وتصح) الصلاة (بما وافق المصحف) العثماني (وإن لم يكن من العشرة نصا) أو لم يكن في مصحف غيره من الصحابة. كسورة المعوذتين، وزيادة بعض الكلمات، زاد في الرعاية: وصح سنده عن صحابي. قال في شرح الفروع: ولا بد من اعتبار ذلك. والعشرة هم قراء الاسلام المشهورون. فمن أهل المدينة: اثنان، الأول أبو جعفر يزيد بن القعقاع. والثاني نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم. ومن أهل مكة: عبد الله بن كثير. ومن أهل الشام: عبد الله بن عامر. ومن البصرة أبو عمرو يعقوب بن إسحاق الحضرمي. ومن الكوفة: عاصم بن أبي النجود بهدلة، وحمزة بن حبيب الزيات القسملي، وأبو الحسن علي
413 بن حمزة الكسائي، وخلف بن هشام البزار، (وكره) الامام (أحمد قراءة حمزة، والكسائي) لما فيهما من الكسر والادغام والتكلف وزيادة المد. وأنكرها السلف، منهم سفيان بن عيينة ويزيد بن هارون. قال في الفروع: ولم يكره أحمد غيرهما. وعنه (والادغام الكبير لأبي عمرو) للادغام الشديد (واختار) الإمام أحمد (قراءة نافع من رواية إسماعيل بن جعفر) لان إسماعيل قرأ على شيبة شيخ نافع، (ثم قراءة عاصم من رواية أبي بكر بن عياش) لأنه قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وقرأ أبو عبد الرحمن على عثمان، وعلى زيد وأبي ابن كعب وابن مسعود، وظاهر كلام أحمد: أنه اختارها من رواية أبي بكر بن عياش، وهو أضبط من أخذ عنه مع علم وعمل وزهد. وقال له الميموني: أي القراءات تختار لي فأقرأ بها؟ قال قراءة ابن العلاء لغة قريش والفصحاء من الصحابة. وإن كان في قراءة زيادة حرف مثل فأزلهما، وأزالهما، ووصى وأوصى فهي أولى. لأجل عشر الحسنات نقله حرب، واختار الشيخ تقي الدين أن الحرف الكلمة. فصل: ثم يرفع يديه إلى حذو منكبيه (كرفعه الأول) عند افتتاح الصلاة (بعد فراغه من القراءة) قال في الشرح والمبدع: إذا فرغ من قراءته ثبت قائما، وسكت حتى يرجع إليه نفسه قبل أن يركع. ولا يصل قراءته بتكبيرة الركوع. قاله أحمد. لحديث سمرة في بعض رواياته فإذا فرغ من القراءة سكت رواه أبو داود. ويكون رفع اليدين (مع ابتداء الركوع) استحبابا في قول خلائق من الصحابة ومن بعدهم. لما روى ابن عمر قال: رأيت النبي (ص) إذا استفتح الصلاة رفع يديه، حتى يحاذي منكبيه. إذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع متفق عليه وروى أحمد بإسناد جيد عن الحسن: أن أصحاب النبي (ص) كانوا يفعلون
414 ذلك، وكان عمر إذا رأى رجلا لا يرفع يديه حصبه، وأمره أن يرفع ومضى عمل السلف على هذا (مكبرا) لحديث أبي هريرة قال: كان النبي (ص) يكبر إذا قام إلى الصلاة، ثم يكبر حين يركع متفق عليه، (فيضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه، ملقما كل يد ركبة) لما في حديث رفاعة عن النبي (ص) قال: وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك رواه أبو داود. وروى أحمد من حديث ابن مسعود أنه (ص) فرج أصابعه من وراء ركبتيه، (ويمد ظهره مستويا، و) يجعل (رأسه حياله) أي بإزاء (ظهره) لا يرفعه ولا يخفضه، لما روت عائشة قالت: كان النبي (ص) إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك متفق عليه. وروي أنه (ص) كان إذا ركع لو كان قدح ماء على ظهره ما تحرك، لاستواء ظهره " ذكره في المغني والشرح. قال في المبدع: والمحفوظ ما رواه ابن ماجة عن وابصة بن معبد قال: رأيت النبي (ص) يصلي. وكان إذا ركع سوى ظهره، حتى لو صب عليه الماء لاستقر. (ويجافي مرفقيه عن جنبيه) لما روى أبو حميد أن النبي (ص) ركع فوضع يديه على ركبتيه، كأنه قابض عليهما، ووتر يديه، فنحاهما عن جنبيه رواه أبو داود والترمذي وصححه، (ويكره أن يطبق إحدى راحتيه على الأخرى، ويجعلهما بين
415 ركبتيه) وهذا كان في أول الاسلام، ثم نسخ. وقد فعله مصعب بن سعد. قال فنهاني أبي وقال: كنا نفعل ذلك فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب متفق عليه. (وقدر الاجزاء) في الركوع (انحناؤه بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه نصا، إذا كان وسطا من الناس، لا طويل اليدين ولا قصيرهما) لأنه لا يسمى راكعا بدونه. ولا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا به (وقدره) أي الانحناء، بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه ولو كان من أوساط الناس (في حقهما) أي طويل اليدين وقصيرهما. قال في الفروع: أو قدره من غيره، أي غير الوسط من الناس (قال المجد) عبد السلام بن تيمية الحراني: وضابط الاجزاء الذي لا يختلف (بحيث) عبارته: أن (يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل) ومقتضى كلامه في الانصاف وغيره أنه قول مقابل للقول الذي مشى عليه المصنف وقد أوضحت ذلك في الحاشية. وإن كانت يداه عليلتين لا يمكنه وضعهما انحنى، ولم يضعهما. وإن كانت إحداهما عليلة وضع الأخرى. ذكره في المغني والشرح (وقدره) أي الركوع المجزئ (من قاعد مقابلة وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض، أدنى مقابلة. وتتمتها) أي المقابلة (الكمال) أي كمال الركوع من القاعد، قاله أبو المعالي وغيره (ويقول) في ركوعه: (سبحان ربي العظيم) لما روى حذيفة قال: صليت مع النبي (ص) فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى رواه الجماعة إلا
416 البخاري. وعن عقبة بن عامر قال: لما نزلت * (فسبح باسم ربك العظيم) * قال النبي (ص): اجعلوها في ركوعكم. فلما نزلت * (سبح اسم ربك الأعلى) * قال: اجعلوها في سجودكم رواه أحمد وأبو داود. والأفضل الاقتصار عليها من غير زيادة وبحمده والواجب مرة، كما يأتي، والسنة (ثلاثا، وهو أدنى الكمال) لما روى أبو داود وابن ماجة عن ابن مسعود أن النبي (ص) قال: إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاث مرات وذلك أدناه، (وأعلاه) أي الكمال (في حق إمام إلى عشر) تسبيحات، لما روي عن أنس: أن عمر بن عبد العزيز كان يصلي كصلاة النبي (ص) فحزروا ذلك بعشر تسبيحات وقال أحمد: جاء عن الحسن: أن التسبيح التام سبع، والوسط خمس، وأدناه ثلاث. (و) أعلا التسبيح في حق (منفرد: العرف) وقيل: ما لم يخف سهوا. وقيل: بقدر قيامه. وقيل: سبع (وكذا سبحان ربي الأعلى في سجوده) أي حكمها حكم تسبيح الركوع فيما تقدم (والكمال في رب اغفر لي) بين السجدتين (ثلاث. ومحل ذلك في غير صلاة الكسوف) في الكل. لما فيها من استحباب التطويل (ولو انحنى لتناول شئ، ولم يخطر بباله الركوع لم يجزئه) الانحناء (عنه) أي الركوع لعدم النية، (وتكره القراءة في الركوع، والسجود) لنهيه (ص). ولأنها حال ذل وانخفاض. والقرآن أشرف الكلام، (ثم يرفع رأسه مع رفع يديه كرفعه الأول) في افتتاح الصلاة، إلى حذو منكبيه، لما تقدم، من حديث ابن عمر المتفق عليه وغيره (قائلا إمام
417 ومنفرد سمع الله لمن حمده، مرتبا وجوبا) لأنه (ص) كان يقول ذلك وروى الدارقطني أن النبي (ص) قال لبريدة: يا بريدة، إذا رفعت رأسك من الركوع فقل: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فلو قال: من حمد الله: سمع له، لم يجزئه، لتغيير المعنى، فإن الأول صيغة تصلح للدعاء (ومعنى سمع: أجاب) أي استجاب. والثاني: صيغة شرط وجزاء، لا تصلح لذلك، فافترقا، (ثم إن شاء أرسل يديه) من غير وضع إحداهما على الأخرى (وإن شاء وضع يمينه على شماله نصا) أي نص أحمد على تخييره بينهما (فإذا استتم قائما قال: ربنا ولك الحمد) لما روى أبو هريرة قال: كان النبي (ص) يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع صلبه من الركوع. ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد متفق عليه. (ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شئ بعد) لما روى علي قال: كان النبي (ص) إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شئ بعد رواه أحمد، ومسلم، والترمذي وصححه. وفي المحرر والوجيز والمقنع والمنتهى: ملء السماء لأنه كذلك في حديث ابن أبي أوفى، والمنفرد كالامام، خصوصا وقد عضده قوله (ص): صلوا كما رأيتموني أصلي (و) نقل عنه أبو الحرث: (إن شاء زاد على ذلك: أهل الثناء والمجد) قال أحمد: وأنا أقوله.
418 وظاهره يستحب. واختاره أبو حفص، وصححه في المغني والشرح وغيرهما، وتبعهم في الانصاف. وظاهر التنقيح: لا يستحب. وأهل منصوب على النداء، أو مرفوع على الخبر، لمحذوف، أي أنت أهلهما (أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، أنه (ص) كان يقوله (أو) يقول (غير ذلك مما ورد) ومنه: اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. وقال المجد في شرحه: الصحيح عندي أن الأولى ترك الزيادة لمن يكتفي في ركوعه وسجوده بأدنى الكمال، (والمأموم يحمد) أي يقول: ربنا ولك الحمد (فقط في حال رفعه) من الركوع، لما روى أنس وأبو هريرة أن النبي (ص) قال: إذا قال الامام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد متفق عليهما فأما قول: ملء السماء وما بعده فلا يسن للمأموم. لأن النبي (ص) اقتصر على أمرهم بقول: ربنا ولك الحمد فدل على أنه لا يشرع لهم سواه (وللمصلي) إماما كان أو مأموما أو منفردا (قول: ربنا لك الحمد، بلا واو) لورود الخبر به (وبها) أي بالواو (أفضل) نص عليه للاتفاق عليه، من حديث ابن عمر وأنس وأبي هريرة. ولكونه أكثر حروفا. ويتضمن الحمد مقدرا ومظهرا. فإن التقدير: ربنا حمدناك، ولك الحمد، لأن الواو للعطف. ولما لم يكن في الظاهر ما يعطف عليه. دل على أن في الكلام مقدرا، (وإن شاء) المصلي (قال: اللهم ربنا لك الحمد، بلا واو) نقله ابن منصور،
419 لوروده في خبري ابن أبي أوفى، وأبي سعيد الخدري، (وهو) أي قول: اللهم ربنا لك الحمد (أفضل) منه مع الواو (وإن شاء) قاله (بواو) فيقول: اللهم ربنا لك الحمد " (أفضل) منه مع الواو (وان شاء) قاله (بواو) فيقول " اللهم ربنا ولك الحمد " وذلك كله) بحسب الروايات صحة وكثرة، وضدهما. من غير نظر لزيادة الحروف وقلتها. تنبيه: يجوز في ملء السماوات وما عطف عليه النصب، على الحال. أي مالئا، والرفع على الصفة، أي حمدا لو كان أجساما لملا ذلك. وقوله: من شئ بعد أي كالكرسي وغيره مما لا يعلم سعته إلا الله. ولمسلم وغيره: وملء ما بينهما والأول أشهر في الاخبار. واقتصر عليه الامام والأصحاب، (وإن عطس) المصلي (حال رفعه) من الركوع (فحمد) الله (لهما جميعا) بأن قال: ربنا ولك الحمد ونحوه مما ورد، ناويا به العطاس وذكر الانتقال (لم يجزئه نصا) ولا تبطل به، لأنه لم يخلصه للرفع. وصحح الموفق الاجزاء. كما لو قاله ذاهلا. وإن نوى أحدهما تعين، ولم يجزئه عن الآخر (ومثل ذلك: لو أراد الشروع في الفاتحة فعطس. فقال: الحمد لله، ينوي بذلك عن العطاس والقراءة) لم يجزئه، لما تقدم (ورفع اليدين في مواضعه من تمام) فضيلة (الصلاة) وسننها (من رفع) يديه في مواضعه، فهو (أتم صلاة ممن لم يرفع) يديه، لما تقدم من الاخبار. نص عليه وقال لمحمد بن موسى: لا ينهاك عن رفع اليدين إلا مبتدع. فعل ذلك الرسول (ص). ويرفع من صلى قائما وجالسا فرضا ونفلا. قاله في الفروع (وإذا رفع رأسه من الركوع، فذكر أنه لم يسبح في ركوعه، لم يعد إلى الركوع، إذا ذكره بعد اعتداله) لأنه انتقل إلى ركن مقصود، فلا يعود إلى واجب (فإن عاد إليه) أي إلى التسبيح بعد اعتداله (فقد زاد ركوعا، تبطل
420 الصلاة بعمده) كما لو لم يكن نسي التسبيح (فإن فعله) أي عاد إلى التسبيح بعد الاعتدال (ناسيا أو جاهلا لم تبطل) صلاته بذلك (ويسجد للسهو) وجوبا. لأنه زيادة فعلية (فإن أدرك المأموم الامام في هذا الركوع) العائد به إلى التسبيح بعد الاعتدال ناسيا أو جاهلا (لم يدرك الركعة) لأنه ملغى (ويأتي) ذلك (في سجود السهو) موضحا، (ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه) لقول ابن عمر: وكان لا يفعل ذلك في السجود متفق عليه. (فيضع ركبتيه، ثم يديه) لما روى وائل بن حجر قال: رأيت النبي (ص) إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه رواه النسائي، وابن ماجة، والترمذي. وقال: حسن غريب، لا نعرف أحدا رواه غير شريك، والعمل عليه عند أكثرهم. ورواه أبو داود بإسناد جيد من غير طريق شريك. ولأنه أرفق بالمصلي، وأحسن في الشكل، ورأي العين. وأما حديث أبي هريرة مرفوعا إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه، ولا يبرك بروك البعير رواه أحمد وأبو داود والنسائي، فقال الخطابي: حديث وائل أصح. وقال الحاكم: هو على شرط مسلم: وبتقدير مساواته فهو منسوخ، لما روى ابن خزيمة عن أبي سعيد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين لكنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل. وقد تكلم فيه ابن معين والبخاري. والمراد باليدين هنا الكفان، (ثم) يضع (جبهته وأنفه) قال في المبدع: بغير خلاف (ويمكن جبهته وأنفه) من الأرض. لقول أبي حميد الساعدي " كان النبي (ص) إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض رواه الترمذي وصححه، (و)
421 يمكن (راحتيه من الأرض) أي من مصلاه (ويكون على أطراف أصابع رجليه) لقوله (ص): أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ذكر منها أطراف القدمين، (وتكون) أصابع رجليه (مفرقة، إن لم يكن في رجليه نعل، أو خف) وتكون (موجهة إلى القبلة) لما في الصحيح: " أن النبي (ص) سجد غير مفترش ولا قابضهما. واستقبل بأطراف رجليه القبلة وفي رواية " وفتخ أصابع رجليه قوله: فتخ بالخاء المعجمة. قال في النهاية: أي نصبهما. وفي المستوعب: إنه يقيم قدميه، ويجعل أطراف أصابعهما على الأرض. وفيه: ويكره أن يلصق كعبه في سجوده. تتمة: إذا سقط على جنبه بعد قيامه من الركوع، ثم انقلب ساجدا لم يجزه سجوده، حتى ينويه، لأنه خرج عن سنن الصلاة وهيئتها. وإن سقط منه ساجدا، أجزأه بغير نية، لأنه على هيئتها، فلو قطع النية عن ذلك لم يجزئه. قال ابن تميم وغيره: ولا تبطل صلاته (ولو سقط إلى الأرض من قيام أو ركوع ولم يطمئن عاد فأتى بذلك) أي بالركوع والطمأنينة فيه، لأنه لم يأت بما يسقط فرضه. ولا يلزمه أن يبتدئه عن انتصاب. لأن ذلك قد سبق منه، (وإن) ركع (اطمأن)، ثم سقط (عاد) وجوبا (فانتصب قائما، ثم يسجد) ليحصل فرض الاعتدال بين الركوع والسجود. ولم يلزمه إعادة الركوع. لأنه قد سبق منه في موضعه، (فإن) ركع واطمأن، ثم (اعتل) بحيث لا يمكنه القيام (حتى سجد، سقط) عنه الرفع. لعجزه عنه. ويسجد عن الركوع. فإن زالت العلة قبل سجوده بالأرض لزمه العود إلى القيام. لأنه قدر عليه قبل حصوله في الركن الذي بعده. فلم يفت محله (وإن علا موضع رأسه على) موضع (قدميه، فلم تستعل الأسافل بلا حاجة، فلا بأس بيسيره) صححه في المبدع وغيره (ويكره بكثيره) أي يكره الكثير من ذلك (ولا يجزئ) سجوده مع عدم استعلاء الأسافل (إن خرج عن صفة السجود) لأنه لا يعد ساجدا (والسجود بالمصلي على هذه الأعضاء) السبعة: الجبهة، واليدين، والركبتين، والقدمين (مع الانف ركن مع القدرة) لما روى ابن عباس
422 مرفوعا: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه. واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين متفق عليه. وقال: إذا سجد أحدكم سجد معه سبعة أطراف آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه رواه مسلم. وحديث سجد وجهي إلى آخره: لا ينفي سجود ما عداه. وإنما خصه. لأن الجبهة هي الأصل فمتى أخل بالسجود على عضو من هذه لم يصح، (وإن عجز) عن السجود (بالجبهة، أومأ ما أمكنه، وسقط لزوم باقي الأعضاء) لأن الجبهة هي الأصل في السجود، وغيرها تبع لها. فإذا سقط الأصل سقط التبع، ودليل التبعية: ما روى ابن عمر أن النبي (ص) قال: إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه. فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه. وإذا رفعه فليرفعهما رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. وليس المراد: أن اليدين توضعان بعد وضع الوجه، لما تقدم. وإنما المراد: أن السجود بهما تبع للسجود بالوجه. وباقي الأعضاء مثلهما في ذلك. لعدم الفارق (وإن قدر) على السجود (بها) أي الجبهة (تبعها الباقي) من الأعضاء المذكورة لما تقدم (ويجزئ) في السجود (بعض كل عضو منها) أي من الأعضاء المذكورة، إذا سجد عليه. لأنه لم يقيد في الحديث. ويجزيه (ولو على ظهر كف، و) ظهر (قدم ونحوهما) كما لو سجد على أطراف أصابع يديه أو قدميه، لظاهر الخبر، لأنه قد سجد على قدميه أو يديه. و (لا) يجزيه السجود (إن كان بعضها) أي بعض أعضاء السجود (فوق بعض) كوضع يديه تحت ركبتيه، أو جبهته على يديه. لأنه يفضي إلى تداخل أعضاء السجود (ويستحب مباشرة المصلي بباطن كفيه) بأن لا يكون عليهما حائل متصل به (وضم أصابعهما موجهة نحو القبلة، غير مقبوضة، رافعا مرفقيه) لما روى البراء بن عازب قال: قال النبي (ص): إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك، (ولا يجب عليه) أي الساجد (مباشرة المصلي) بشئ (منها) أي من
423 الأعضاء المذكرة (حتى الجبهة) أما سقوط المباشرة بالقدمين والركبتين فإجماع. لصلاته (ص) في النعلين والخفين. رواه ابن ماجة من حديث ابن مسعود. وأما سقوط المباشرة باليدين. فقول أكثر أهل العلم. لما روى ابن عباس قال: رأيت النبي (ص) في يوم مطير، وهو يتقي الطين - إذا سجد - بكساء عليه، يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد، وفي رواية: أن النبي (ص) صلى في ثوب واحد متوشحا به، يتقي بفضوله حر الأرض وبردها رواهما أحمد. وأما سقوط المباشرة بالجبهة فلحديث أنس قال: كنا نصلي مع النبي (ص) في شدة الحر. فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه، فسجد عليه رواه الجماعة. وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن عمر أنه كان يسجد على كور عمامته، وفي صحيح البخاري عن الحسن قال: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة، (لكن يكره تركها) أي ترك المباشرة باليدين والجبهة (بلا عذر) من حر أو برد، أو مرض ونحوه، ليخرج من الخلاف. ويأتي بالعزيمة. وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة (فلو سجد على متصل به غير أعضاء السجود، ككور عمامته) بفتح الكاف، يقال: كار عمامته يكورها كورا، من باب قال، (وكمه وذيله ونحوه، صحت) صلاته لما تقدم. (ولم يكره لعذر، كحر أو برد ونحوه) لما تقدم. وإلا كره (ويكره كشف الركبتين) لأنه تبدو به العورة غالبا (ك) - ما يكره (ستر اليدين) للاختلاف في وجوب كشفهما (وتكره الصلاة بمكان شديد الحر، أو) شديد (البرد) مع إمكان غيره، لأنه يذهب بالخشوع. ويمنع كمال الصلاة (ويأتي) ذلك، (ويسن) للساجد (أن يجافي عضديه عن جنبيه. و) أن يجافي (بطنه عن فخذيه، و) أن يجافي (فخذيه عن ساقيه) لما روى عبد الله بن بحينة كان النبي (ص) إذا
424 سجد يجنح في سجوده، حتى يرى وضح إبطيه متفق عليه. وعن أبي حميد أن النبي (ص) كان إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه ووضع يديه حذو منكبيه رواه أبو داود. وقال أبو عبد الله في رسالته: جاء عن النبي (ص) أنه كان إذا سجد لو مرت بهيمة لنفرت وذلك لشدة رفع مرفقيه وعضديه (ما لم يؤذ جاره) الذي بجانبيه بفعل ذلك. فيجب تركه. لحصول الايذاء المحرم من أجل فعله (ويضع يديه حذو منكبيه) لما تقدم في حديث أبي داود (وله أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال) سجوده، ليستريح بذلك، (و) يسن أن (يفرق بين ركبتيه ورجليه) لأنه (ص) كان إذا سجد فرق بين فخذيه، (ويقول: سبحان ربي الأعلى. وحكمه كتسبيح الركوع) وتقدم تفصيله (ولا بأس بتطويل السجود لعذر) لما روي أنه (ص) خرج وهو حامل حسنا أو حسينا في إحدى صلاتي العشاء، فوضعه، ثم كبر، فصلى، فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، فلما قضى (ص) الصلاة. قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهري صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، وأنه يوحى إليك. قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله، حتى أقضي حاجته رواه أحمد والنسائي. واللفظ له (ثم يرفع رأسه مكبرا) ويكون ابتداؤه مع ابتدائه، وانتهاؤه مع انتهائه (ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب اليمنى، ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعها على الأرض مفرقة، معتمدا عليها لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة) لقول أبي حميد في صفة صلاة النبي (ص): ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه وفي حديث عائشة: وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى متفق عليه. (باسطا يديه على
425 فخذيه، مضمومة الأصابع) قياسا على جلوس التشهد، ولان هذا مما توارثه الخلف عن السلف (قائلا: رب اغفر لي) لما روى حذيفة: أن النبي (ص) كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رواه النسائي، وابن ماجة. وإسناده ثقات. قاله في المبدع، وإن قال: رب اغفر لنا أو اللهم اغفر لنا فلا بأس. قاله في الشرح (ثلاثا، وهو الكمال هنا، وتقدم) عند ذكر تسبيح الركوع، قال في المبدع: ولا يكره في الأصح، لما ورد عن ابن عباس قال: كان النبي (ص) يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني وارزقني وعافني رواه أبو داود، (ولا تكره الزيادة على قول: رب اغفر لي، ولا على: سبحان ربي العظيم. و) لا على (سبحان ربي الأعلى، في الركوع والسجود، مما ورد) من دعاء أو نحوه، ومنه ما روى أبو هريرة: أن النبي (ص) كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وسره وعلانيته رواه مسلم وقال (ص): وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم رواه مسلم، ومعنى قمن: حقيق وجدير، (ثم يسجد) السجدة (الثانية كالأولى) فيما تقدم من التكبير والتسبيح والهيئة، لأن النبي (ص) كان يفعل ذلك وإنما شرع تكرار السجود في كل ركعة دون غيره، لأن السجود أبلغ ما يكون في التواضع، لأن المصلي لما ترقى في الخدمة بأن قام، ثم ركع، ثم سجد، فقد أتى بغاية الخدمة، ثم أذن له في الجلوس في خدمة المعبود، فسجد ثانيا شكرا على اختصاصه إياه بالخدمة وعلى استخلاصه من غواية الشيطان إلى عبادة الرحمن، (ثم يرفع رأسه مكبرا) لأنه (ص) كان يكبر في كل خفض ورفع (قائما على صدور قدميه، معتمدا
426 على ركبتيه بيديه) نص عليه. لحديث وائل بن حجر. وعن ابن عمر قال: نهى النبي (ص) أن يعتمد الرجل على يديه، إذا نهض في الصلاة رواه أبو داود. ولأنه أشق. فكان أفضل، كالتجافي (إلا أن يشق عليه) الاعتماد على ركبتيه، لكبر أو ضعف أو مرض، أو سمن، ونحوه (فيعتمد بالأرض) لما روى الأثرم عن علي قال: من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض أن لا يعتمد بيديه على الأرض، إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع، (ويكره أن يقدم إحدى رجليه) إذا قام. ذكره في الغنية. وكذا في رسالة أحمد. وفيها عن ابن عباس وغيره: أنه يقطع الصلاة. ذكره في الفروع (ولا تستحب جلسة الاستراحة، وهي جلسة يسيرة صفتها كالجلوس بين السجدتين) بعد السجدة الثانية من كل ركعة بعدها قيام، والاستراحة طلب الراحة. كأنه حصل له إعياء فيجلس ليزول عنه. والقول بعدم استحبابها مطلقا: هو المذهب المنصور عند الأصحاب، لما روى أبو هريرة أن النبي (ص) كان ينهض على صدور قدميه رواه الترمذي بإسناد فيه ضعف وروي ذلك عن عمر وابنه، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس. قال أحمد: أكثر الأحاديث على هذا، قال الترمذي: وعليه العمل عند أهل العلم. قال أبو الزناد: تلك السنة، وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب النبي (ص) يفعل ذلك، أي لا يجلس. قال في شرح الفروع: وليس في شئ مما ذكر دليل صريح للمطلوب، كحديث إثبات جلسة الاستراحة. واختيار الخلال رواية الجلوس لها. وقال: رجع أبو عبد الله إلى هذا، لما روى مالك بن الحويرث: أن النبي (ص) كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود، جلس قبل أن ينهض متفق عليه. وفي لفظ له أيضا أنه: رأى النبي (ص) يصلي فإذا كان في وتر من صلاته، لم ينهض، حتى يستوي قاعدا
427 رواه الجماعة إلا مسلما وابن ماجة. وذكره أيضا أبو حميد في صفة صلاة النبي (ص) وهو حديث حسن صحيح. فتعين العمل به والمصير إليه، وأجيب: بأنه كان في آخر عمره عند كبره جمعا بين الاخبار. فصل: (ثم يصلي) الركعة (الثانية ك) - الركعة (الأولى) لقوله (ص) للمسئ في صلاته لما وصف له الركعة الأولى: ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (إلا في تجديد النية) للاكتفاء باستحبابها، ولم يستثنه أكثرهم. لأنها شرط لا ركن. كما تقدم. وقد أوضحته في الحاشية، (و) إلا في (تكبيرة الاحرام) فلا تعاد، لأنها وضعت للدخول في الصلاة. وقد تقدم، (و) إلا في (الاستفتاح، ولو لم يأت به، ولو) كان عدم إتيانه به (عمدا في الأولى) فلا يأتي به في الثانية. لما روى أبو هريرة قال: كان النبي (ص) إذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح القراءة ب * (الحمد لله رب العالمين) *، ولم يسكت رواه مسلم، ولفوات محله (و) إلا في (الاستعاذة، إن كان استعاذ في الأولى) لظاهر خبر أبي هريرة المتقدم، ولان الصلاة جملة واحدة، فاكتفى بالاستعاذة في أولها، (وإلا) بأن لم يكن استعاذ في الأولى (استعاذ) في الثانية (سواء كان تركه لها) أي للاستعاذة (في الأولى عمدا أو نسيانا) لقوله تعالى: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) *، (ثم يجلس) للتشهد إجماعا (مفترشا) كجلوسه بين السجدتين، لحديث أبي حميد أن النبي (ص) كان إذا جلس للتشهد جلس على رجله اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته رواه البخاري. قال في المبدع: (جاعلا يديه على فخذيه) اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى. لأنه أشهر في الاخبار
428 ولا يلقمهما ركبتيه. وفي الكافي، واختاره صاحب النظم: التخيير (باسطا أصابع يسراه مضمومة) على فخذه اليسرى، لا يخرج بها عنها، بل يجعل أطراف أصابعه مسامتة لركبته. وفي التلخيص: قريبا من الركبة (مستقبلا بها القبلة، قابضا من يمناه الخنصر والبنصر، ملحقا إبهامه مع وسطاه) لما روى وائل بن حجر أن النبي (ص) وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم عقد من أصابعه الخنصر والتي تليها. وحلق حلقة بأصبعه الوسطى على الابهام، ورفع السبابة يشير بها رواه أحمد وأبو داود. وروى ابن عمر قال: كان النبي (ص) إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه التي تلي الابهام، فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته باسطا عليها رواه مسلم، (ثم يتشهد) لخبر ابن مسعود وهو في الصحيحين وغيرهما (سرا، ندبا) لقول ابن مسعود: من السنة إخفاء التشهد رواه أبو داود (كتسبيح ركوع وسجود، وقول: رب اغفر لي) بين السجدتين. فيندب الاسرار بذلك. لعدم الداعي للجهر به (ويشير بسبابتها) أي سبابة اليمنى، لفعله (ص). سميت سبابة: لأنهم كانوا يشيرون بها عند السب. و (لا) يشير (بغيرها) أي غير سبابة اليمنى (ولو عدمت) سبابة اليمنى، قال في الفروع. ويتوجه احتمال. لأن علته التنبيه على التوحيد (في تشهده) متعلق بقوله: ويشير (مرارا، كل مرة عند ذكر) لفظ (الله، تنبيها على التوحيد، ولا يحركها) لفعله (ص). قال في الغنية: ويديم نظره إليها. لخبر ابن الزبير. رواه أحمد، (و) يشير أيضا بسبابة اليمنى (عند دعائه في صلاة وغيرها) لقول عبد الله بن الزبير: كان النبي (ص) يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها رواه أبو داود والنسائي، وعن سعد بن أبي وقاص قال: مر علي النبي
429 (ص) وأنا أدعو بأصابعي. فقال: أحد أحد، وأشار بالسبابة رواه النسائي، (فيقول) تفسيرا للتشهد: (التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) لحديث ابن مسعود ولفظه. قال: كنا إذا جلسنا مع النبي (ص) في الصلاة. قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل. السلام على فلان. فسمعنا النبي (ص) فقال: إن الله هو السلام، فإذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله إلى آخره. ثم قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو وفي لفظ: علمني النبي (ص) التشهد. كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن. قال الترمذي: هو أصح حديث في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وليس في المتفق عليه حديث غيره. ورواه أيضا ابن عمر، وجابر، وأبو هريرة، وعائشة. ويرجح بأنه اختص بأنه (ص) أمره بأن يعلمه الناس. رواه أحمد (وبأي تشهد تشهد مما صح عن النبي (ص) جاز) كتشهد ابن عباس، وهو: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله إلى آخره. ولفظ مسلم: وأشهد أن محمدا رسول الله وكتشهد عمر: التحيات لله الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله. سلام عليك إلى آخره والتحيات: جمع تحية، وهي العظمة. وقال أبو عمرو: الملك. وقال ابن الأنباري: السلام. وقيل: البقاء. والصلوات: هي الخمس وقيل: الرحمة. وقيل: الأدعية. وقيل: العبادات. والطيبات: هي الأعمال الصالحة وقال ابن الأنباري: الطيبات من الكلام، ومن خواص الهيللة، أن حروفها كلها مهملة تنبيها على التجرد من كل معبود سوى
430 الله، وجوفية ليس فيها شئ من الشفوية، إشارة إلى أنها تخرج من القلب، وإذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين نوى به النساء ومن لا يشركه في ظاهر كلامهم، لقوله (ص): أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، (ولا تكره التسمية أوله) لما روي عن عمر أنه: كان إذا تشهد قال: بسم الله خير الأسماء وعن ابن عمر أنه كان يسمي أوله، (وتركها) أي ترك التسمية أول التشهد (أولى) لأن ابن عباس سمع رجلا يقول: بسم الله فانتهره (وذكر جماعة أنه لا بأس بزيادة وحده لا شريك له) لفعل ابن عمر (والأولى تخفيفه، وعدم الزيادة عليه) أي التشهد. لحديث أبي عبيدة، عن أبيه، عن ابن مسعود، ولقول مسروق: كنا إذا جلسنا مع أبي بكر كأنه على الرضف حتى يقوم رواه أحمد وقال حنبل: رأيت أبا عبد الله يصلي، فإذا جلس في الجلسة بعد الركعتين أخف الجلوس، ثم يقوم كأنه كان على الرضف، أي الحجارة المحماة بالنار. قال: وإنما قصد الاقتداء بالنبي (ص) وصاحبيه (وإن قال: وأن محمدا) رسول الله (وأسقط أشهد فلا بأس) لأنه لا يخل بالمقصود من المعنى (وهذا التشهد الأول) في المغرب والرباعية، (ثم إن كانت الصلاة ركعتين فقط) فرضا كانت أو نفلا (أتى بالصلاة على النبي (ص) وبما بعدها، فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. هذا الأولى من ألفاظ الصلاة والبركة) عليه صلى الله عليه وسلم وعلى آله. لما روى كعب بن عجرة قال: خرج علينا الرسول (ص) فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد متفق عليه، (ويجوز) أن يصلى على النبي (ص) (بغيره) أي غير هذا اللفظ (مما ورد) ومنه ما رواه أحمد والترمذي وصححه، وغيرهما من حديث كعب، وفيه اللهم صل على
431 محمد وآل محمد. كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم إنك حميد مجيد (وآله أتباعه على دينه) (ص). وإن لم يكونوا من أقاربه. وقال تعالى: * (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) * (غافر: 46). * (وإذ نجيناكم من آل فرعون) *، * (وأغرقنا آل فرعون) * (البقرة: 50). وقد يضاف آل الشخص إليه، ويكون داخلا فيهم كهذه الآيات، (والصواب عدم جواز إبداله) أي آل (بأهل) لأن أهل الرجل أقاربه أو زوجته، وآله أتباعه على دينه، فتغاير (وإذا أدرك) المسبوق (بعض الصلاة مع الامام، فجلس الامام في آخر صلاته لم يزد المأموم على التشهد الأول، بل يكرره) أي التشهد الأول حتى يسلم الامام (ولا يصلي على النبي (ص) ولا يدعو بشئ مما يدعى به في التشهد الأخير) لأنه لم يتعقبه، ولأنه لا يقصر سلامه، (فإن سلم إمامه) قبل أن يتمه (قام ولم يتمه) لعدم وجوبه عليه (إن لم يكن واجبا في حقه) بأن يكون محل تشهده الأول، فيتمه لوجوبه عليه (وتجوز الصلاة على غيره) أي غير النبي (ص) (منفردا) عنه (نصا). نص عليه في رواية أبي داود، واحتج بقوله: على لعمر: صل الله عليك. وذكر في شرح الهداية: أنه لا يصلى على غيره منفردا، وحكي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. رواه سعيد واللالكائي عنه. قال الشيخ وجيه الدين: الصلاة على غير الرسول جائزة تبعا لا مقصودة، واختار الشيخ تقي الدين منصوص أحمد. قال: وذكره القاضي وابن عقيل وعبد القادر، قال: وإذا جازت، جازت أحيانا على كل أحد من المؤمنين. فإما أنه يتخذ شعارا لذكر بعض الناس، أو يقصد الصلاة على بعض الصحابة،
432 دون بعض. فهذا لا يجوز. وهو معنى قول ابن عباس، قال: والسلام على غيره باسمه جائز من غير تردد (وتسن الصلاة على النبي (ص) في غير الصلاة) فإنها ركن في التشهد الأخير. وكذا في خطبة الجمعة (بتأكد) لقوله تعالى: * (إن الله وملائكته يصلون على النبي) * (الأحزاب: 56). الآية. والأحاديث بها شهيرة، (وتتأكد) الصلاة عليه (كثيرا عند ذكره) (ص) بل قيل: بوجوبها إذن. وتقدم توضيحه في شرح الخطبة (وفي يوم الجمعة وليلتها) للخبر. وأما الصلاة على الأنبياء، فقال ابن القيم في جلاء الافهام: هي مشروعة. وقد حكى الاجماع على ذلك غير واحد منهم النووي وغيره، والمسألة ذكرها النووي في أذكاره، وذكر أن الملائكة مع الأنبياء في جواز الصلاة عليهم استقلالا. وذكر أن الصلاة على الأنبياء مستحبة. قاله ابن قندس في حاشية الفروع. تنبيه: إن قيل: إن المشبه دون المشبه به فكيف تطلب صلاة النبي (ص) وتشبه بالصلاة على إبراهيم وآله؟ أجيب: بأنه يحتمل أن مراده أصل الصلاة بأصلها، لا القدر بالقدر كقوله تعالى: * (كتب عليكم الصيام) * الآية. ويحتمل أن التشبيه وقع في الصلاة على الآل، لا على النبي (ص) فيكون وعلى آله متصلا بما بعده. ومقدرا له ما يتعلق به، والأول مقطوع عن التشبيه. قال في المبدع: وفيهما نظر، ويحتمل - وهو أحسنها - أن المشبه الصلاة على النبي وآله بالصلاة على إبراهيم وآله. فتقابلت الحملتان، ويقدر أن يكون لآل الرسول بآل إبراهيم الذين هم الأنبياء، وبأن ما توفر من ذلك حاصل للرسول (ص) والذي تحصل من ذلك هو آثار الرحمة والرضوان، ومن كانت في حقه أكبر كان أفضل، (ويسن أن يتعوذ فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) لما ورد أنه (ص) كان يتعوذ من ذلك ويأمر به. والمحيا والممات والحياة والموت، والمسيح بالحاء المهملة على المعروف (وإن دعا بما ورد في الكتاب والسنة، أو عن الصحابة والسلف، أو بغيره مما يتضمن
433 طاعة، ويعود إلى أمر آخرته نصا. ولو لم يشبه ما ورد، كالدعاء بالرزق الحلال، والرحمة والعصمة من الفواحش ونحوه فلا بأس) لقوله (ص): ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو وعن أبي بكر أنه قال: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم متفق عليه. وعن علي أن النبي (ص) كان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت رواه الترمذي وصححه. وعن معاذ أن النبي (ص) قال: أوصيك بكلمات تقولهن في كل صلاة، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك رواه أحمد. وقال عبد الله: سمعت أبي يقول في سجوده: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن المسألة لغيرك. قال: وكان عبد الرحمن يقوله. وقال: سمعت الثوري يقوله. (ما لم يشق على مأموم) لحديث: من أم بالناس فليخفف (أو يخف سهوا) إن كان منفردا، (وكذا) حكم الدعاء (في ركوع وسجود ونحوهما) كالاعتدال والجلوس بين السجدتين، وفي المغني وغيره. يستحب الدعاء في السجود للاخبار، (ولا يجوز الدعاء بغير ما ورد، وليس من أمر الآخرة، كحوائج دنياه وملاذها كقوله: اللهم ارزقني جارية حسناء، وحلة خضراء، ودابة هملاجة ونحوه) كدار واسعة (وتبطل) الصلاة بالدعاء (به) لأنه من كلام الآدميين (ولا بأس بالدعاء) في الصلاة (لشخص معين) روي عن علي وأبي الدرداء لقول النبي (ص) في قنوته: اللهم أنج
434 الوليد بن الوليد، ومسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة ولأنه دعاء لبعض المؤمنين أشبه ما لو قال: رب اغفر لي. ولوالدي. قال الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول لابن الشافعي: أنا أدعو لقوم منذ سنين في صلاتي، أبوك أحدهم (ما لم يأت بكاف الخطاب فإن أتى به) أي بكاف الخطاب (بطلت) صلاته لخبر تشميت العاطس، وقوله (ص) لإبليس: ألعنك بلعنة الله قبل التحريم أو مؤول أو من خصائصه (وظاهره لغير النبي (ص) كما في التشهد، وهو السلام عليك أيها النبي) فلا تبطل به، فيكون من خصائصه (ص)، (ولا تبطل بقوله) أي المصلي: (لعنة الله، عند ذكر إبليس، ولا بتعويذ نفسه بقرآن لحمي ولا بحوقلة في أمر الدنيا ونحوه) كمن لدغته عقرب فقال: بسم الله، لوجع. ووافق أكثرهم على قول بسم الله لوجع مريض عند قيام وانحطاط، (ويأتي) موضحا. فصل: (ثم يسلم وهو جالس) بلا نزاع في المبدع، وأنه تحليلها. وهو منها لقوله (ص): وتحليلها التسليم وليس لها تحليل سواه (مرتبا معرفا وجوبا) لأن الأحاديث قد صحت أنه (ص) كان يقوله كذلك. ولم ينقل عنه خلافه. وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي (مبتدئا ندبا عن يمينه، قائلا: السلام عليكم ورحمة الله) روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وعمار، وابن مسعود ولقول ابن مسعود: إن النبي (ص) كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم
435 ورحمة الله، حتى يرى بياض خديه رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وقال: حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم (فقط) لما تقدم، (فإن زاد وبركاته جاز) لفعل النبي (ص) رواه أبو داود من حديث وائل (والأولى تركه) كما في أكثر الأحاديث (فإن لم يقل ورحمة الله في غير صلاة الجنازة لم يجزئه) لأنه (ص) كان يقوله. وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي وهو سلام في صلاة ورد مقرونا بالرحمة فلم يجزئه بدونها. كالسلام في التشهد، (و) يسلم (عن يساره كذلك) لما تقدم. وأصح الروايات عن النبي (ص) أنهما تسليمتان. فعن سعد قال: كنت أرى النبي (ص) يسلم عن يمينه ويساره، حتى يرى بياض خده رواه مسلم، (والالتفات سنة) قال أحمد: ثبت عندنا من غير وجه أنه كان النبي (ص) يسلم عن يمينه ويساره، حتى يرى بياض خده، (ويكون) التفاته (عن يساره أكثر) لفعله (ص) رواه يحيى بن محمد بن صاعد عن عمار قال: كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن، وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الأيمن والأيسر، فيلتفت (بحيث يرى خداه. يجهر إمام ب) - التسليمة (الأولى فقط) لأن الجهر في غير القراءة إنما كان للاعلام بالانتقال من ركن إلى آخر. وقد حصل بالجهر بالأولى (ويسرهما) أي التسليمتين (غيره) وهو المنفرد والمأموم إلا لحاجة. وتقدم (ويستحب جزمه، و) هو (عدم إعرابه، فيقف على كل تسليمة) لأن المراد بالجزم هنا معناه اللغوي، أي قطع إعراب آخر الجلالة بحذف الجر منها، وبحذف الرفع منها، وبحذف الرفع من راء أكبر في التكبير، (وحذفه) أي السلام (سنة) لقول أبي هريرة: حذف السلام سنة وروي مرفوعا عنه وصححه الترمذي، (وهو) أي حذف السلام (عدم
436 تطويله، و) عدم (مده في الصلاة، وعلى الناس) قال أبو عبد الله: هو أن لا يطول به صوته. وقال ابن المبارك: معناه أن لا يمد مدا (فإن نكر السلام) كقوله: سلام عليكم. أو عرفه بغير السلام، كسلامي أو سلام الله عليكم، (أو نكسه فقال) عليكم سلام، أو (عليكم السلام، أو قال: السلام عليك بإسقاط الميم، أو نكسه في التشهد، فقال: عليك السلام أيها النبي، أو علينا السلام وعلى عباد الله، لم يجزئه) لمخالفته لقوله (ص): صلوا كما رأيتموني أصلي ومن تعمد قولا من هذه الصور التي قلنا إنها لا تجزئ، بطلت صلاته. لأنه يغير السلام الوارد، ويخل بحرف يقتضي الاستغراق. قاله في شرح المنتهى. (وينوي بسلامه الخروج من الصلاة استحبابا) لتكون النية شاملة لطرفي الصلاة، فإن لم ينو جاز، لأن نية الصلاة قد شملت جميعها والسلام من جملتها كتكبيرة الاحرام (فإن نوى معه) أي مع الخروج من الصلاة والسلام (على) الملائكة (الحفظة والإمام والمأموم جاز) نص عليه، لما روى سمرة بن جندب قال: أمرنا النبي (ص) أن نرد على الامام، وأن يسلم بعضنا على بعض رواه أبو داود، وإسناده ثقات. (ولم يستحب) ذلك (نصا، وكذا لو نوى ذلك) أي السلام على الحفظة والإمام والمأموم (دون الخروج) من الصلاة. فلا تبطل به، خلافا لابن حامد (وإن كانت صلاته أكثر من ركعتين) كمغرب ورباعية (نهض مكبرا كنهوضه من السجود) قائما على صدور قدميه (إذا فرغ من التشهد الأول ولا يرفع يديه) حكاه بعضهم وفاقا، قال في الانصاف: وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم. وعنه يرفعهما اختارها المجد، والشيخ تقي الدين. وصاحب الفائق وابن عبدوس، اه. قال في المبدع: وهي أظهر، وقد صححه أحمد وغيره عن النبي (ص) قال الخطابي وهو قول جماعة من أهل الحديث (وأتى بما بقي من صلاته كما
437 سبق) لقوله (ص) للمسئ في صلاته: ثم افعل ذلك في صلاتك كلها. (إلا أنه لا يجهر) قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه (ولا يقرأ شيئا بعد الفاتحة) قال ابن سيرين: لا أعلمهم يختلفون فيه، لحديث أبي قتادة أنه (ص) كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب وكتب عمر إلى شريح يأمره بذلك، ويستثنى الامام في صلاة الخوف. إذا قلنا: ينتظر الطائفة الثانية في الركعة الثالثة، فيقرأ سورة معها، (فإن قرأ) شيئا بعد الفاتحة في ذلك (أبيح ولم يكره) لفعله (ص) رواه مسلم من حديث أبي سعيد، (ثم يجلس في التشهد الثاني من ثلاثية فأكثر متوركا) لحديث أبي حميد، فإنه وصف جلوسه في التشهد الأول مفترشا، وفي الثاني متوركا، وهذا بيان الفرق بينهما، وزيادة يجب الاخذ بها، والمصير إليها، وحينئذ لا يسن التورك إلا في صلاة فيها تشهدان أصليان في الأخير منهما، وصفته كما رواه الأثرم عنه (يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، ويخرجهما عن يمينه ويجعل أليتيه على الأرض) لقول أبي حميد: فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة رواه أبو داود، وفي لفظ جلس على أليتيه ونصب قدمه اليمنى وذكر الخرقي والقاضي والسامري أنه يجعل باطن قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى. وقدمه ابن تميم وصححه المجد في شرحه، لأنه (ص) كان يفعله رواه مسلم من حديث ابن الزبير، قال في الشرح: وأيهما فعل فحسن، (ويأتي بالتشهد الأول، ثم بالصلاة على النبي (ص) مرتبا وجوبا) فلا يجزئ إن قدم الصلاة عليه، على التشهد الأول، لاخلاله بالترتيب، (ثم) يأتي (بالدعاء) أي التعوذ مما تقدم لما سبق، (ثم يسلم كما سبق) لما مر. (وإن سجد لسهو بعد السلام) ولو كان محله قبله فأخره (في ثلاثية فأكثر تورك في تشهد سجوده) لأن تشهدها يتورك فيه، وهذا تابع له، قاله في الشرح، (و) إن سجد لسهو بعد السلام (في) صلاة (ثنائية) كصبح وجمعة، (و)
438 في ركعة (وتر يفترش) لأنه تابع لجلوس التشهد في ذلك، كما تقدم (والمرأة كالرجل في ذلك) المتقدم في صفة الصلاة لشمول الخطاب لها في قوله (ص): صلوا كما رأيتموني أصلي (إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود وجميع أحوال الصلاة) لما روى زيد بن أبي حبيب: أن النبي (ص) مال مرة على امرأتين تصليان فقال: إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى بعض، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل رواه أبو داود في مراسيله. ولأنها عورة، فكان الأليق بها الانضمام (وتجلس متربعة) لأن ابن عمر كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة (أو تسدل رجليها عن يمينها، وهو أفضل) من التربع، لأنه غالب فعل عائشة، وأشبه بجلسة الرجل (كرفع يديها) أي أنه أفضل لها في مواضعه، لأنه من تمام الصلاة لما تقدم، (وخنثى كامرأة) لاحتمال أن يكون امرأة، وتقدم أنها تسر إن سمعها أجنبي (وينحرف الامام إلى المأموم جهة قصده يمينا أو شمالا، وإلا) بأن لم يكن قاصدا جهة، (ف) - إنه ينحرف (عن يمينه) إكراما لليمين (قبل يساره في انحرافه) إلى المأمومين القبلة (ويستحب للامام ألا يطيل الجلوس بعد السلام مستقبلا القبلة) لقول عائشة: إن النبي (ص) كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والاكرام رواه مسلم. (و) يستحب (أن لا ينصرف المأموم قبله) أي قبل الامام لقوله (ص): إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف رواه مسلم. (إلا أن يطيل) الامام (الجلوس) فينصرف المأموم لإعراضه عن السنة، (فإن كان رجال ونساء) مأمومين به (استحب
439 لهن) أي للنساء (أن يقمن عقب سلامه) وينصرفن، لأنهن عورة فلا يختلطن بالرجال، (و) استحب (أن يثبت الرجال قليلا، بحيث لا يدركون من انصرف منهن) لحديث أم سلمة قالت: كان النبي (ص) إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، وهو يمكث في مكانه يسيرا قبل أن يقوم. قالت: نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال رواه أحمد والبخاري. (ويأتي) ذلك (آخر صلاة الجماعة) بأوضح من هذا. فصل: (يسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة) المكتوبة (كما ورد) في الاخبار على ما ستقف عليه مفصلا. قال ابن نصر الله في الشرح: والظاهر أن مرادهم أن يقول ذلك، وهو قاعد، ولو قاله بعد قيامه وفي ذهابه. فالظاهر: أنه مصيب للسنة أيضا، إذ لا تحجير في ذلك. ولو شغل عن ذلك، ثم تذكره فذكره، فالظاهر حصول أجره الخاص له أيضا إذا كان قريبا لعذر، أما لو تركه عمدا ثم استدركه بعد زمن طويل. فالظاهر فوات أجره الخاص، وبقاء أجر الذكر المطلق له (فيقول: أستغفر الله ثلاثا، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والاكرام) لما روى ثوبان أن النبي (ص): كان إذا سلم استغفر ثلاثا، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والاكرام رواه مسلم. ومما ورد من الذكر: ما روي عن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين،
440 ولو كره الكافرون قال ابن الزبير: وكان النبي (ص) يهلل بهن دبر كل صلاة رواه مسلم. وعن المغيرة بن شعبة أنه كتب إلى معاوية: سمعت النبي (ص) يقول: في دبر كل صلاة مكتوبة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) متفق عليه. (ويسبح ويحمد ويكبر، كل واحدة) من التسبيح والتكبير (ثلاثا وثلاثين) لما في الصحيحين من رواية أبي صالح السمان عن أبي هريرة مرفوعا تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين (والأفضل أن يفرغ منهن) أي من عدد الكل (معا) لقول أبي صالح - راوي الحديث -: تقول: الله أكبر وسبحان الله والحمد لله. حتى تبلغ من جميعهن ثلاثا وثلاثين، (وتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، ويعقده) أي يعقد العدد المتقدم بيده، (و) يعقد (الاستغفار بيده، أي يضبط عدده بأصابعه. كما يأتي) لحديث بسرة مرفوعا: واعقده بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات رواه أحمد وغيره. (قال الشيخ: ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب كل صلاة. انتهى) لقول ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك، إذا سمعته وفي رواية: كنت أعرف انقضاء صلاة النبي (ص) بالتكبير متفق عليه. قال في المبدع: ويستحب الجهر بذلك. وحكى ابن بطة عن أهل المذاهب المتبوعة خلافه، وكلام أصحابنا مختلف. قاله في الفروع. قال: ويتوجه بجهر لقصد التعليم. فقط. ثم يتركه، والمقصود من العدد: أن لا ينقص منه. وأما الزيادة فلا تضر شيئا، لا سيما من غير قصد. لأن الذكر مشروع في الجملة. فهو يشبه المقدر في الزكاة، إذا زاد عليه، (و) يقول (بعد كل من)
441 صلاتي (الصبح والمغرب، وهو ثان رجليه، قبل أن يتكلم، عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير) لخبر أحمد، عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم مرفوعا ولهذا مناسبة، ويكون الشارع شرعه أول النهار والليل، ليحترس به عن الشيطان فيهما. والخبر رواه الترمذي أيضا. وقال: حسن صحيح، والنسائي، ولم يذكر المغرب، فلهذا اقتصر في المذهب وغيره على الفجر فقط، قال في الفروع: وشهر متكلم فيه جدا ا ه. ويقول أيضا، وهو على الصفة المذكورة: (اللهم أجرني من النار سبع مرات) لما روى عبد الرحمن بن حسان عن مسلم بن الحرث التميمي عن أبيه - وقيل الحرث بن مسلم عن أبيه - أن النبي (ص) أسر إليه، فقال: إذا انصرفت من صلاة المغرب، فقل: اللهم أجرني من النار سبع مرات وفي رواية: قبل أن تكلم أحدا، فإنك إذا قلت ذلك ثم مت في ليلتك كتب لك جوارا منها. وإذا صليت الصبح فقل مثل ذلك. فإنك إن مت من يومك كتب لك جوارا منها. قال الحرث: أسر بها النبي (ص) ونحن نخص بها إخواننا رواه أبو داود. وعبد الرحمن تفرد عن هذا الرجل. فلهذا قال الدارقطني: لا يعرف. وكذلك رواه أحمد. وفي لفظه: قبل أن تكلم أحدا من الناس، (و) يقرأ (بعد كل صلاة آية الكرسي والاخلاص) لخبر أبي أمامة من قرأ آية الكرسي، وقل هو الله أحد، دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت إسناده جيد، وقد تكلم فيه. ورواه الطبراني وابن حبان في صحيحه، وكذا صححه صاحب المختارة من أصحابنا ويقرأ (المعوذتين) لما روي عن عقبة بن عامر قال: أمرني النبي (ص) أن أقرأ المعوذات دبر كل صلاة له طرق، وهو حديث حسن أو صحيح. رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي والترمذي. وقال: غريب. قال بعض أصحابنا: وفي هذا سر عظيم في دفع الشر من الصلاة إلى الصلاة، قاله في الفروع (ويدعو) الامام (بعد فجر وعصر، لحضور الملائكة) أي ملائكة الليل والنهار (فيهما فيؤمنون) على الدعاء فيكون
442 أقرب للإجابة (وكذا) يدعو بعد (غيرهما من الصلوات) لأن من أوقات الإجابة: إدبار المكتوبات، (ويبدأ) الدعاء (بالحمد لله والثناء عليه) لقوله (ص): إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي (ص)، ثم يدعو بما شاء رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه، (ويختم) دعاءه (به) أي بالحمد. لقوله تعالى: * (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) * (ويصلي على النبي (ص) أوله وآخره) قال الآجري: ووسطه، لخبر جابر قال: قال (ص): لا تجعلوني كقدح الراكب. فإن الراكب يملأ قدحه، ثم يضعه، ويرفع متاعه. فإن احتاج إلى شراب شرب، أو الوضوء توضأ وإلا أهراقه، ولكن اجعلوني في أول الدعاء، وأوسطه وآخره، (ويستقبل) الداعي (غير إمام هنا القبلة) لأن خير المجالس: ما استقبل به القبلة (ويكره للامام) استقبال القبلة، (بل يستقبل) الامام (المأمومين) لما تقدم: أنه ينحرف إليهم إذا سلم (ويلح) الداعي في الدعاء، لحديث: إن الله يحب الملحين في الدعاء، (ويكرره) أي الدعاء (ثلاثا) لأنه نوع من الالحاح. (و) الدعاء (سرا أفضل) منه جهرا. لقوله تعالى: * (ادعو ربكم تضرعا وخفية) * (الأعراف: 55). لأنه أقرب إلى الاخلاص، (ويعم به) أي بالدعاء، لقوله (ص) لعلي: يا علي عمم الحديث. (ومن آداب الدعاء: بسط يديه ورفعهما إلى صدره) لحديث مالك بن يسار مرفوعا: إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها رواه أبو داود بإسناد حسن. وتكون يداه مضمومتين، لما روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس: كان النبي (ص) إذا دعا ضم كفيه وجعل بطونهما مما يلي وجهه وضعفه في المواهب، ويكون متطهرا، ويقدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار (ويدعو بدعاء معهود) أي مأثور، إما من القرآن، أو السنة، أو عن الصحابة، أو التابعين، أو الأئمة المشهورين، ويكون جامعا (بتأدب) في هيئته وألفاظه، فيكون جلوسه إن كان جالسا كجلوس أذل العبيد بين يدي أعظم الموالي (وخشوع
443 وخضوع، وعزم ورغبة، وحضور قلب ورجاء) لحديث: لا يستجاب من قلب غافل رواه أحمد وغيره، ويتملق ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، ويقدم بين يدي دعائه صدقة، ويتحرى أوقات الإجابة، هي الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند صعود الامام يوم الجمعة على المنبر، حتى تنقضي الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من يوم الجمعة (وينتظر الإجابة) لحديث: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، (ولا يعجل، فيقول: دعوت فلم يستجب لي) لما في الصحيح مرفوعا: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. قالوا: وكيف يعجل يا رسول الله؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم، أر يستجب لي. فيستحسر عند ذلك ويدعو الدعاء وينتظر الفرج. فهو عبادة أيضا. قال ابن عيينة لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي وروى الترمذي وصححه من حديث عبادة: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. فقال رجل من القوم: إذن نكثر. قال: الله أكثر ولأحمد من حديث أبي سعيد مثله. وفيه أما أن يعجلها أو يدخرها له في الآخرة، أو يصرف عنه من السوء مثلها ويبدأ في دعائه بنفسه (ولا يكره رفع بصره إلى السماء فيه) أي الدعاء، خلافا للغنية. لحديث المقداد أن النبي (ص) رفع رأسه إلى السماء، فقال: اللهم أطعم من أطعمن. واسق من سقاني، (ولا بأس أن يخص نفسه بالدعاء نصا) لما في حديث أبي بكرة، وحديث أم سلمة، وحديث سعد بن أبي وقاص، إذ أولها اللهم أني أعوذ بك وأسألك ذلك يخص نفسه الكريمة (ص) قال الشيخ تقي الدين: (والمراد) به أي بالدعاء الذي لا يكره، أن يخص نفسه: الدعاء (الذي لا يؤمن عليه كالمنفرد، وكالدعاء
444 (بعد التشهد) أو في السجود ونحوه (فأما ما يؤمن عليه، كالمأمومين مع الامام، فيعم) بالدعاء (وإلا) بأن كان يؤمن عليه ولم يعمهم، فقد (خانهم، وكدعاء القنوت)، فإنه إذا لم يعم به كان خائنا لهم لخبر ثوبان فإن فيه: لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم. فإن فعل فقد خانهم، (ويستحب أن يخففه) أي الدعاء، لأنه (ص) نهى عن الافراط في الدعاء والافراط يشمل كثرة الأسئلة (ويكره رفع الصوت به في الصلاة وغيرها) قال في الفصول، في آخر الجمعة: الاسرار بالدعاء عقب الصلاة أفضل، لأن النبي (ص) نهى عن الافراط في الدعاء وهو يرجع إلى ارتفاع الصوت، وكثرة الدعاء. قال في الفروع: كذا قال اه. قال ابن نصر الله: ولعل وجه التعقب: إن الافراط لا يشمل الجهر. وإنما يتبادر منه الكثرة فقط. (إلا لحاج) فإن رفع الصوت له أفضل. لحديث: أفضل الحج: العج والثج وشرط الدعاء: الاخلاص. قال الآجري: واجتناب الحرام. قال في الفروع: وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره: أنه من الآداب. وقال شيخنا: يبعد إجابته إلا مضطرا أو مظلوما. قال: وذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده. وظاهر كلام بعضهم: عكسه. وكان النبي (ص): إذا اجتهد في الدعاء قال: يا حي يا قيوم رواه الترمذي من رواية إبراهيم بن الفضل. وهو ضعيف ويجتنب السجع. فصل: فيما (يكره في الصلاة) وما يباح أو يستحب فيها وما يتعلق بذلك: يكره في الصلاة (التفات يسير) لحديث عائشة قالت: سألت النبي (ص) عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد رواه البخاري. (بلا حاجة) فإن كان لحاجة (كخوف) على نفسه أو ماله (ونحوه) أي نحو الخوف كمرض. لم يكره، لحديث سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة، فجعل النبي (ص) يصلي،
445 وهو يلتفت إلى الشعب رواه أبو داود قال: وكان أرسل فارسا إلى الشعب يحرس وعليه يحمل ما روى ابن عباس: كان (ص) يلتفت يمينا وشمالا، ولا يلوي عنقه رواه النسائي. (وتبطل) الصلاة (إن استدار) المصلي (بجملته أو استدبرها) أي القبلة، لتركه الاستقبال بلا عذر (ما لم يكن في الكعبة) فلا تبطل، لأنه إذا استدبر جهة، فقد استقبل أخرى، (أو) في (شدة خوف) فلا تبطل إن التفت بجملته أو استدبر القبلة، لسقوط الاستقبال إذن. وكذا إذا تغير اجتهاده ولم يستثنها المصنف. لعدم الحاجة إليها. لأنه لم يستدبر القبلة، بل استدبر إليها. لأنها صارت قبلته (ولا تبطل) الصلاة (لو التفت بصدره مع وجهه) لأنه لم يستدر بجملته، (و) يكره في الصلاة (رفع بصره إلى السماء) لحديث أنس قال: قال: النبي (ص): ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك. أو لتخطفن أبصارهم رواه البخاري. و (لا) يكره رفع بصره إلى السماء (حال التجشي) إذا كان (في جماعة) لئلا يؤذي من حوله بالرائحة، (و) يكره في الصلاة (تغميضه) نص عليه. واحتج بأنه فعل اليهود. ومظنة النوم (بلا حاجة كخوفه محذورا، مثل إن رأى أمته عريانة، أو) رأى (زوجته) كذلك، (أو) رأى (أجنبية) كذلك (بطريق الأولى) إذ نظره إلى الأجنبية حرام بخلاف أمته وزوجته، (و) يكره (صلاته إلى صورة منصوبة) نص عليه. قال في الفروع: وهو معنى قول بعضهم: صورة ممثلة، لأنه يشبه سجود الكفار لها. فدل أن المراد صورة حيوان محرمة. لأنها التي تعبد. وفيه نظر. وفي الفصول يكره أن يصلي إلى جدار فيه صورة وتماثيل. لما فيه من التشبه بعبادة الأوثان والأصنام. وظاهره: ولو كانت صغيرة لا تبدو للناظر إليها، وأنه لا تكره إلى غير منصوبة، ولا سجوده على صورة، ولا صورة خلفه في البيت، ولا في فوق رأسه في سقف، أو عن أحد جانبيه، خلافا لأبي حنيفة،
446 (و) يكره (السجود عليها) أي الصورة عند الشيخ تقي الدين. وقدم في الفروع كما سبق. لا يكره قال ابن نصر الله: لأنه لا يصدق عليه أنه صلى إليها والأصحاب إنما كرهوا الصلاة إليها، لا السجود عليها، (ويكره حمله فصا) فيه صورة (أو) حمله (ثوبا ونحوه) كدينار أو درهم (فيه صورة) وفاقا. (و) صلاته (إلى وجه آدمي) نص عليه (وفي الرعاية أو حيوان غيره) والأول أصح. لأنه (ص) كان يعرض راحلته ويصلي إليها، (و) يكره استقبال (ما يلهيه) لأنه يشغله عن إكمال صلاته. وعن عائشة أن النبي (ص) صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف. قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بإنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي متفق عليه. والخميصة: كساء مربع. والانبجانية، كساء غليظ، ويكره استقباله شيئا (من نار، ولو سراجا، وقنديلا ونحوه، كشمعة موقدة) لأن فيه تشبها بعبدة النار، (و) يكره (حمله ما يشغله) عن إكمال صلاته. لأنه يذهب بالخشوع، (و) يكره (إخراج لسانه وفتح فمه، ووضعه فيه شيئا) لأن ذلك يخرجه عن هيئة الصلاة. و (لا) يكره وضع شئ (في يده وكمه) إلا إذا شغله عن كمالها، فيكره كما تقدم، (و) تكره الصلاة (إلى متحدث) لأن ذلك يشغله عن حضور قلبه في الصلاة، (و) إلى (نائم) لحديث ابن عباس: نهى النبي (ص) عن الصلاة إلى النائم والمتحدث رواه أبو داود، (وكافر) لأنه نجس وقد يعبث به (واستناد) ه إلى جدار أو نحوه لأنه يزيل مشقة القيام (بلا حاجة) إليه، فلا يكره معها، لأن النبي (ص) لما أسن وأخذه اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه رواه أبو داود، (فإن سقط) المصلي (لو أزيل) ما استند إليه (لم تصح) صلاته. لأنه بمنزلة غير القائم، (و) يكره ابتداء الصلاة في (- ما يمنع كمالها، كحر) مفرط، (وبرد) مفرط، (ونحوه) كجوع شديد وخوف شديد، لأن ذلك يقلقه ويشغله عن حضور قلبه في الصلاة، (و) يكره (افتراش ذراعيه ساجدا) لحديث جابر قال النبي (ص): إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش
447 الكلب رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، (و) يكره (إقعاؤه) لخبر الحارث عن علي قال: النبي (ص): لا تقع بين السجدتين وعن أنس قال: قال النبي (ص): إذا رفعت رأسك من السجود، فلا تقع كما يقعي الكلب رواهما ابن ماجة (وهو) أي الاقعاء (أن يفرش قدميه، ويجلس على عقبيه) كذا فسره الإمام أحمد واقتصر عليه في المغني والمقنع والفروع. قال أبو عبيد: هذا قول أهل الحديث. فأما عند العرب: فهو جلوس الرجل على أليتيه، ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب. قال في المغني: لا أعلم أحدا قال بتفسير الاقعاء على هذه الصفة. وقد ذكرت ما في ذلك في الحاشية، (و) يكره (ابتداؤها) أي الصلاة (حاقنا) بالنون، وهو (من احتبس بوله، أو حاقبا) بالموحدة تحت، وهو (من احتبس غائطه أو)، ابتداؤها (مع ريح محتبسة ونحوه) أي نحو ما ذكر مما يزعجه ويشغله عن خشوع الصلاة، (أو) ابتداؤها (تائقا) أي شائقا (إلى طعام، أو شراب، أو جماع) لما روت عائشة: أنه (ص) قال: لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافع الأخبثين رواه مسلم. وألحق بذلك: ما في معناه مما سبق ونحوه (فيبدأ بالخلاء) ليزيل ما يدافعه من بول أو غائط أو ريح، (و) يبدأ أيضا ب (- ما تاق إليه) من طعام أو شراب أو جماع (ولو فاتته الجماعة) لما روى البخاري: كان ابن عمر يوضع له الطعام، وتقام الصلاة، فلا يأتيها حتى يفرغ، وأنه ليسمع قراءة الإمام (ما لم يضق الوقت فلا يكره) ابتداء الصلاة كذلك، (بل يجب) فعلها قبل خروج وقتها في جميع الأحوال، (ويحرم اشتغاله بالطهارة إذن) أي حين ضاق الوقت، وكذا اشتغاله بأكل أو غيره. لتعين الوقت للصلاة، (ويكره) للمصلي (عبثه) لما روي أنه (ص) رأى رجلا يعبث في الصلاة فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه،
448 (و) يكره (تقليبه الحصى ومسه) أي الحصى، لحديث أبي ذر مرفوعا: إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمس الحصى. فإن الرحمة تواجهه رواه أبو داود، (و) يكره (وضع يده على خاصرته) لقول أبي هريرة: نهى أن يصلي الرجل متخصرا متفق عليه ولفظه للبخاري. ولفظ مسلم: نهى النبي (ص)، (و) يكره (تروحه بمروحة ونحوها) لأنه من العبث (إلا لحاجة، كغم شديد) فلا يكره للحاجة (ما لم يكثر) من التروح. فيبطل الصلاة إن توالى. و (لا) تكره (مراوحته بين رجليه فتستحب) لما روى الأثرم بإسناده عن أبي عبادة قال: رأى عبد الله رجلا يصلي صافا بين قدميه، فقال: لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل ورواه النسائي. وفيه قال: أخطأ السنة، لو راوح بينهما كان أعجب، (ك) - ما يستحب (تفريقهما) قال الأثرم: رأيت أبا عبد الله يفرق بين قدميه. ورأيته يراوح بينهما، (وتكره كثرته) أي كثرة أن يراوح بين قدميه. لما روى البخاري بإسناده عن النبي (ص) أنه قال: إذا قام أحدكم في صلاته فليسكن أطرافه، ولا يميل ميل اليهود قال في شرح المنتهى: وهو محمول على ما إذا لم يطل قيامه، (و) تكره (فرقعة أصابعه) لما روى الحرث عن علي قال: لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة رواه ابن ماجة، (و) يكره (تشبيكها) أي الأصابع. لما روى كعب بن عجرة أن النبي (ص) رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة، ففرج بين أصابعه رواه الترمذي، وابن ماجة، وإسناده ثقات، وقال ابن عمر - في الذي
449 يصلي، وقد شبك أصابعه: تلك صلاة المغضوب عليهم رواه ابن ماجة، (و) يكره للمصلي (لمس لحيته) لأنه من العبث، (و) يكره (نفخه) لما تقدم، وربما ظهر منه حرفان، فتبطل صلاته، (و) يكره (اعتماده على يده في جلوسه) لقول ابن عمر: نهى النبي (ص) أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده رواه أحمد وأبو داود (من غير حاجة) تدعو إليه، (و) تكره (صلاته مكتوفا، وعقص شعره) أي ليه وإدخال أطرافه في أصوله (وكفه) أي الشعر (وكف ثوبه ونحوه) أي نحو كف الثوب، لقوله (ص): ولا أكف شعرا ولا ثوبا ونهى أحمد رجلا كان إذا سجد جمع ثوبه بيده اليسرى. ونقل عبد الله: لا ينبغي أن يجمع ثيابه. واحتج بالخبر. ونقل ابن القاسم يكره أن يشمر ثيابه. لقوله: ترب ترب وذكر بعض العلماء حكمة النهي: أن الشعر ونحوه يسجد معه، (و) يكره (تشمير كمه) قاله في الرعاية لما تقدم (ولو فعلهما) أي عقص الشعر وكف الثوب ونحوه (لعمل قبل صلاته) فيكره له إبقاؤها كذلك، لما سبق، ولحديث ابن عباس: أنه رأى عبد الله بن الحرث يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام، فجعل يحله. فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: ما لك ولرأسي؟ قال سمعت النبي (ص) يقول: إنما مثل الذي يصلي وهو مكتوف رواه مسلم، (و) يكره (جمع ثوبه بيده إذا سجد) لما تقدم، (و) يكره (أن يخص جبهته بما يسجد عليه، لأنه شعار الرافضة) أي من شعارهم، أو جلها، و (لا)
450 تكره (الصلاة على حائل صوف وشعر وغيرهما) كوبر (من حيوان ك) - ما لا تكره الصلاة على (ما تنبته الأرض) من حشيش وزرع وقطن كتان ونحوها. وتقدم موضحا (ولا على ما يمنع صلابة الأرض) حيث حصل المقر. لأعضاء السجود. وتقدم (ويكره التمطي) لأنه يخرجه عن هيئة الخشوع، ويؤذن بالكسل (وإن تثاءب كظم عليه، ندبا) لقول النبي (ص): إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع. فإن الشيطان يدخل في فيه رواه مسلم، (فإن غلبه) التثاؤب ولم يقدر على الكظم (استحب وضع يده على فمه) لقول النبي (ص): فليضع يده على فمه رواه الترمذي، (ويكره مسح أثر سجوده) لحديث أبي هريرة أنه (ص) قال: إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته رواه ابن ماجة. ولذلك ذكر في المغني: يكره إكثاره منه. ولو بعد التشهد، (و) يكره (أن يكتب) بالبناء للمفعول في قبلته شئ، (أو) أن (يعلق في قبلته شئ) لأنه يشغل المصلي. و (لا) يكره (وضعه) شيئا في قبلته (بالأرض، ولذلك) أي لأجل أنه يكره أن يكتب، أو يعلق في القبلة شئ. (كره التزويق) في المسجد (وكل ما يشغل المصلي عن صلاته) لأنه يذهب بالخشوع (قال) الامام (أحمد: كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئا، حتى المصحف و تكره (تسوية التراب بلا عذر) لحديث معيقيب أن النبي (ص) قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: إن كنت فاعلا فواحدة متفق عليه، ولأنه عبث، (و) يكره (تكرار
451 الفاتحة في ركعة) لأنها ركن، وفي إبطال الصلاة بتكرارها خلاف. ولأنه لم ينقل عنه (ص) ولا عن أصحابه. ولم تبطل الصلاة بتكرارها لأنه لا يخل بهيئة الصلاة، بخلاف الركن الفعلي. (وفي المذهب) بضم الميم لابن الجوزي (والنظم: تكره القراءة المخالفة عرف البلد، أي) يكره (للامام في قراءة يجهر بها، لما فيه من التنفير للجماعة) هذا معنى كلام ابن نصر الله في شرح الفروع، (ومن أتى بالصلاة على وجه مكروه استحب) له (أن يأتي بها على وجه غير مكروه، ما دام وقتها باقيا) وظاهره: ولو منفردا، أو وقت نهى. لكن ما يأتي في أوقات النهي لا يساعده (لأن الإعادة مشروعة لخلل في) الفعل (الأول) والاتيان بها على وجه مكروه خلل في كمالها. ومنه تعلم: أن العبادة إذا كانت على وجه مكروه لغير ذاتها، كالصلاة التي فيها سدل، أو من حاقن ونحوه: فيها ثواب، بخلاف ما إذا كانت مكروهة لذاتها. كالسواك بعد الزوال. فإنه نفسه للصائم مكروه، فلا ثواب فيه، بل يثاب على تركه. أشار إليه صاحب الفروع في شروط الصلاة (ولا يكره جمع سورتين فأكثر في ركعة، ولو في فرض) لما في الصحيح أن رجلا من الأنصار كان يؤمهم، فكان يقرأ قبل كل سورة * (قل هو الله أحد) * ثم يقرأ سورة أخرى معها. فقال له النبي (ص): ما يحملك على لزوم هذه السورة؟ فقال: إني أحبها. فقال: حبك إياها أدخلك الجنة وعن ابن عمر أنه كان يقرأ في المكتوبة سورتين في كل ركعة رواه مالك في الموطأ، وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: لقد عرفت النظائر التي كان النبي (ص) يقرن بينهن. فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة متفق عليه، (ك) - ما لا يكره (تكرار سورة في ركعتين) لما روى زيد بن ثابت أن النبي (ص) قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما رواه سعيد (وتفريقها) أي السورة (فيهما) أي في الركعتين. فلا يكره. لما روي عن عائشة أن النبي (ص) كان يقسم البقرة في الركعتين رواه ابن ماجة، (ولا تكره قراءة أواخر السور، وأوساطها
452 كأوائلها) لعموم قوله تعالى: * (فاقرؤا ما تيسر منه) * ولما روى أحمد ومسلم عن ابن عباس أن النبي (ص) كان يقرأ في الأولى من ركعتي الفجر قوله تعالى: * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) * - الآية وفي الثانية في آل عمران: * (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة) * - الآية، (ولا) يكره (ملازمة سورة يحسن غيرها مع اعتقاده جواز غيرها) لما تقدم من ملازمة ذلك الأنصاري على * (قل هو الله أحد) *، (وتكره قراءة كل القرآن في فرض واحد) لعدم نقله، وللاطالة، ولا تكره قراءته كله في نفل. لان عثمان رضي الله عنه كان يختم القرآن في ركعة، و (لا) تكره (قراءة) القرآن (كله في الفرائض على ترتيبه) قال حرب: قلت لأحمد: الرجل يقرأ على التأليف في الصلاة: اليوم سورة، وغدا التي تليها؟ قال: ليس في هذا شئ، إلا أنه روى عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصل وحده، (ويسن رد مار بين يديه بدفعه) أي المار (بلا عنف آدميا كان) المار (أو غيره) فرضا كانت الصلاة، أو نفلا لحديث أبي سعيد قال: سمعت النبي (ص) يقول: إذا صلى أحدكم إلى شئ يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه. فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان متفق عليه. وعن ابن عمر مرفوعا: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدا يمر بين يديه. فإن أبى فليقاتله. فإن معه القرين رواه مسلم. (ما لم يغلبه) المار (فإن غلبه، ومر، لم يرده من حيث جاء) لأن فيه المرور ثانيا بين يديه، (أو يكن) المار (محتاجا) إلى المرور، بأن كان الطريق ضيقا، أو يتعين طريقا، (أو يكن في مكة المشرفة، فلا) يرد المار بين يديه، لأنه (ص) صلى بمكة والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة رواه أحمد وغيره. وألحق في المغني: الحرم بمكة، (وتكره صلاته بموضع يحتاج فيه إلى المرور) ذكره في المذهب وغيره (وتنقص صلاته إن لم يرده) أي المار بين يديه. نص عليه. روي عن ابن مسعود إن
453 ممر الرجل ليضع نصف الصلاة قال القاضي: ينبغي أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله. أما إذا لم يمكنه الرد فصلاته تامة. لأنه لم يوجد منه ما ينقص الصلاة، ولا يؤثر فيها ذنب غيره (فإن أبى) المار أن يرجع حيث رده المصلي (دفعه بعنف، فإن أصر، فله قتاله، ولو مشى) قليلا، لما مر من قوله (ص): فإن أبى فليقاتله، و (لا) يقاتله (بسيف ولا بما يهلكه، بل بالدفع والوكز باليد، ونحو ذلك قاله الشيخ. وقال: فإن مات من ذلك) أي من الدفع والوكز باليد ونحوه (فدمه هدر. انتهى) لأنه تسبب عن فعل مأذون فيه شرعا، أشبه من مات في الحد، (ويأتي نحوه في باب ما يفسد الصوم) إذا أكره زوجته على الوطئ دفعته بالأسهل، فالأسهل، ولو أفضى إلى ذهاب نفسه (فإن خاف إفساد صلاته بتكرار دفعه) بأن احتاج إلى كثير (لم يكرره) أي الدفع، لئلا يفسد صلاته، (ويضمنه) أي يضمن المصلي المار إن قتله (إذن) أي مع خوف فسادها (لتحريم التكرار لكثرته) التي تؤدي إلى إفساد الصلاة المشروع إتمامها، وظاهر كلامهم: سواء كان بين يديه سترة فمر دونها، أو لم تكن فمر قريبا منه، (ويحرم مروره بين مصل وسترته، ولو بعد عنها) لما روى أبو جهم عبد الله بن الحرث بن الصمة قال: قال النبي (ص): لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه قال أبو النصر - أحد رواته: لا أدري قال: أربعين يوما أو شهرا أو سنة متفق عليه، ولمسلم لأن يقف أحدكم مائة عام خير من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي، (ومع عدمها) أي السترة بأن كان يصلي إلى غير سترة (يحرم) المرور (بين يديه قريبا) منه (وهو ثلاثة أذرع فأقل بذراع اليد) لما تقدم من قوله (ص): لأن يقف أحدكم مائة عام خير من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي، (وفي المستوعب: إن احتاج) المار (إلى المرور
454 ألقى شيئا) بين يدي المصلي يكون سترة له، (ثم مر) من ورائه (انتهى). فيكون مروره من وراء السترة، (فإن مر) المار (بين يدي المأمومين، فهل) يسن (لهم رده، وهل يأثم بذلك) المرور؟ (احتمالان، وصاحب الفروع يميل إلى أن لهم) أي المأمومين (رده، وأنه يأثم بذلك) لعموم ما سبق، وعلى هذا: فسترة الامام سترة لمن خلفه بالنسبة إلى عدم قطع صلاتهم بمرور الكلب الأسود البهيم بين أيديهم فقط (كذا ذكره عنه) القاضي أحمد محب الدين (بن نصر الله) البغدادي (في شرح الفروع، وليس وقوفه) بين يدي المصلي (كمروره) لظاهر ما تقدم من الاخبار. قلت: وكذا تناوله شيئا من بين يديه من غير مرور (وله) أي المصلي (مع التسبيح) بأصابعه، (و) له عد (الآي بأصابعه بلا كراهة فيهما) لما روى أنس قال: رأيت النبي (ص) يعقد الآي بأصابعه رواه محمد بن خلف وعد التسبيح في معنى عد الآي وتوقف أحمد في عد التسبيح لأنه يتوالى لقصره. فيتوالى حسابه، فيكثر العمل بخلاف عد الآي (ك) - عد (تكبيرات العيد) وصلاة الاستسقاء. فيباح (وله) أي المصلي (قتل حية وعقرب) لحديث أبي هريرة أن النبي (ص): أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب رواه الخمسة وصححه الترمذي، (و) له قتل (قملة) لأن عمر وأنسا والحسن البصري كانوا يفعلونه. ولان في تركها أذى له إن تركها على جسده، ولغيره إن ألقاها، وهو عمل يسير. فلم يكره. وقال القاضي: التغافل عنها أولى. وفي معناها البرغوث، (و) له (لبس ثوب وعمامة ولفها، وحمل شئ ووضعه) لما روى وائل بن حجر أن النبي (ص) التحف بإزاره وهو في الصلاة، وتقدم حمله (ص) أمامة. وكذا إن سقط رداؤه فله رفعه. ولأنه عمل يسير، (و) له (إشارة بيد ووجه وعين) لما روى أنس: أن النبي (ص) كان يشير في الصلاة رواه الدارقطني بإسناد صحيح
455 وأبو داود. وراه الترمذي من حديث ابن عمر، وقال: حسن صحيح (ونحوه) أي ما ذكر من الأعمال اليسيرة، كحك جسده يسيرا (لحاجة) لأنه عمل يسير. أشبه حمل أمامة. وفتح الباب لعائشة (وإلا) يكن لحاجة (كره) لأنه عبث (ما لم يطل) قال في المبدع: راجع إلى قوله: وله رد المار بين يديه - إلى آخره (ولا يتقدر اليسير بثلاث ولا) ب (- غيرها من العدد، بل) اليسير ما عده (العرف) يسيرا لأنه لا توقيف فيه. فيرجع للعرف كالقبض والحرز (وما شابه فعل النبي (ص)) في حمل أمامة وفتحه الباب لعائشة وتأخره في صلاة الكسوف وتقدمه، (فهو يسير) لا تبطل الصلاة بمثله لأنه المشروع. (وإن قتل القملة في المسجد أبيح دفنها فيه إن كان) المسجد (ترابا ونحوه) كالحصى والرمل. لأنه لا تقذير فيه وهي طاهرة، على ما تقدم. قال في المبدع: وظاهره أنه يباح قتلها فيه وهو المنصوص، وعليه أن يخرجها ويدفنها. قيل للقاضي: يكره قتلها ودفنها فيه كالنخامة؟ فقال: دفن النخامة كفارة لها. فإذا دفنها كأنه لم يتنخم، فكذا القملة. وفيه نظر، لأن أعماقه تجب صيانتها عن النجاسة. كظاهره بخلافها اه. وهذا النظر إنما يتم على القول بنجاسة ميتة ما لا نفس له سائلة. والمذهب طهارتها فلا يتأتى التنظير (فإن طال عرفا) ما (فعل فيها) أي في الصلاة، وكان ذلك الفعل (من غير جنسها غير متفرق، أبطلها) إجماعا. قاله في المبدع (عمدا كان أو سهوا) أو جهلا. لأنه يقطع الموالاة، ويمنع متابعة الأركان، ويذهب الخشوع فيها. ويغلب على الظن أنه ليس فيها. وكل ذلك مناف لها. أشبه ما لو قطعها (ما لم تكن ضرورة) فإن كانت (كحالة خوف وهرب من عدو ونحوه) كسيل وسبع ونار. لم تبطل إلحاقا له بالخائف، (وعد) أبو الفرج عبد الرحمن و (ابن الجوزي من الضرورة إذا كان به حك لا يصبر عنه) وعلم مما تقدم، أن العمل المتفرق لا تبطل الصلاة. لأنه (ص) أم الناس في المسجد، فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب، وإذا سجد وضعها رواه مسلم، وللبخاري نحوه صلى (ص) على المنبر وتكرر صعوده ونزوله عنه متفق عليه. (وإشارة أخرس مفهومة، أو لا كعمل) أي كفعله دون قوله لأنها فعل لا قول، فلا تبطل بها الصلاة إلا إذا كثرت عرفا وتوالت، (ولا تبطل) الصلاة (بعمل القلب، ولو
456 طال) لعموم البلوى به (ولا بإطالة نظر إلى) شئ من (كتاب) أو غيره حتى (إذا قرأ) ما فيه (بقلبه ولم ينطق بلسانه) روي عن أحمد أنه فعله (مع كراهته) للخلاف في إبطاله الصلاة، ولأنه يذهب الخشوع، (ولا أثر لعمل غيره) أي المصلي (كمن مص ولدها) أو ولد غيرها (ثديها) وهي تصلي (فنزل لبنها) ولو كان كثيرا. فلا تبطل صلاتها، لعدم المنافي (ويكره السلام على المصلي) قاله ابن عقيل، وقدمه في الرعاية. لأنه ربما غلط فرد بالكلام (والمذهب لا) يكره السلام على المصلي. نص عليه. وفعله ابن عمر، لقوله تعالى: * (إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) * أي أهل دينكم. ولأنه (ص) حين سلم عليه أصحابه لم ينكر ذلك، (وله) أي المصلي (رده) أي السلام (بإشارة). روى الترمذي وقال: حسن صحيح عن ابن عمر أن النبي (ص) كان يشير في صلاته وكذا روى أبو داود، والدارقطني عن أنس. وعلم منه: أنه لا يجب عليه رده إشارة وإن رده عليه بعد السلام فحسن لحديث ابن مسعود، ولا يرده في نفسه، بل يستحب بعدها، لرده (ص) على ابن مسعود بعد السلام، (فإن رده) أي رد المصلي السلام (لفظا بطلت) الصلاة، لأنه خطاب آدمي. أشبه تشميت العاطس (ولو صافح) المصلي (إنسانا يريد السلام عليه لم تبطل) صلاته لأنه عمل يسير. ولم يوجد منه كلام، (وله) أي المصلي (أن يفتح على إمامه إذا أرتج) بالبناء للمفعول وتخفيف الجيم كأنه منع من القراءة، من أرتجت الباب إرتاجا، أغلقته إغلاقا وثيقا (عليه) أي الامام (أو غلط) في قراءة السورة، فرضا كانت الصلاة أو نفلا. روي ذلك عن عثمان، وعلي، وابن عمر، لما روى ابن عمر أنه (ص) صلى صلاة فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي بن كعب: أصليت معنا؟ قال: لا. قال: فما منعك رواه أبو داود. قال الخطابي: إسناده جيد. ولان ذلك تنبيه في الصلاة بما هو مشروع فيها. أشبه التسبيح، (ويجب) الفتح على إمامه إذا أرتج عليه أو غلط (في الفاتحة) لتوقف صحة صلاته على ذلك، (ك) - ما يجب تنبيهه عند (نسيان سجدة ونحوها) من الأركان، (وإن عجز المصلي عن إتمام الفاتحة بالارتاج عليه، فكالعاجز عن القيام في أثناء الصلاة، يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عنه ولا يعيدها) كالأمي (فإن كان) من
457 عجز عن إتمام الفاتحة في أثناء الصلاة (إماما صحت صلاة الأمي خلفه) لمساواته له (والقارئ يفارقه) للعذر، (ويتم لنفسه) لأنه لا يصح ائتمام القارئ بالأمي، هذا قول ابن عقيل. وقال الموفق: والصحيح أنه إذا لم يقدر على قراءة الفاتحة تفسد صلاته. لأنه قادر على الصلاة بقراءتها. فلم تصح صلاته لعموم قوله (ص): لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ولا يصح قياس هذا على الأمي. لأن الأمي لو قدر على تعلمها قبل خروج الوقت، لم تصح صلاته بدونها. وهذا يمكنه أن يخرج فيسأل عما وقف فيه. ويصلي. ولا يصح قياسه على أركان الأفعال. لأن خروجه من الصلاة لا يزيل عجزه منها، بخلاف هذا (وإن استخلف الامام) الذي عجز عن إتمام الفاتحة في أثناء الصلاة (من يتم بهم) صلاتهم (وصلى معه، جاز) ذلك، لأنه محل ضرورة. وكذا لو عجز في أثناء الصلاة عن ركن يمنع الائتمام به كالركوع. فإنه يستخلف من يتم بهم، وكذا لو حصر عن قول من الواجبات. وتقدم في النية (ولا يفتح) المصلي (على غير إمامه) مصليا كان أو غيره، لعدم الحاجة إليه (فإن فعل كره) لما مر (ولم تبطل) الصلاة به. لأنه قول مشروع فيها (ويكره لعاطس الحمد، بلفظه) أي أن يتلفظ بالحمد للخلاف في كونه مبطلا للصلاة (ولا تبطل) الصلاة (به) لأنه من جنس الصلاة مشروع فيها في الجملة، (ويحمد) العاطس (في نفسه) نقل أبو داود. يحمد في نفسه ولا يحرك لسانه. ونقل صالح: لا يعجبني صوته بها (ومن دعاه النبي (ص) وجبت عليه إجابته في الفرض والنفل) لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) *، (وتبطل) أي الصلاة (به) أي بجوابه للنبي (ص) لأنه خطاب آدمي، (ويجيب) المصلي (والديه في نفل فقط) لتقدم حقهما وبرهما عليه، بخلاف الفرض، (وتبطل) الصلاة (به) أي بجوابه لأبويه لما تقدم، (ويجوز إخراج الزوجة من النفل لحق الزوج) لأنه واجب، فيقدم على النفل. بخلاف الفرض وكذا حكم القن (فإن قرأ آية فيها ذكره (ص)) نحو: * (محمد رسول الله) *، (صلى عليه) (ص) استحبابا لتأكد الصلاة عليه. كلما ذكر اسمه (في نفل) نص عليه (فقط) قال في الفروع: وأطلقه بعضهم
458 (ولا يبطل الفرض به) أي بأن يصلى عليه (ص) لأنه قول مشروع في الصلاة، (ويجب رد كافر معصوم) بذمة أو هدنة أم أمان (عن بئر ونحوه) كحية تقصده (ك) - رد (مسلم) عن ذلك بجامع العصمة (و) يجب (إنقاذ غريق ونحوه) كحريق (فيقطع الصلاة لذلك) فرضا كانت أو نفلا، وظاهره: ولو ضاق وقتها، لأنه يمكن تداركها بالقضاء، بخلاف الغريق ونحوه (فإن أبى قطعها) أي الصلاة لانقاذ الغريق ونحوه أثم، و (صحت) صلاته. كالصلاة في عمامة حرير (وله) أي المصلي (إن فر منه غريمه أو سرق متاعه أو ند بعيره ونحوه) كما لو أبق عبده (الخروج في طلبه) لما في التأخير من لحوق الضرر له، (وإن نابه) أي أصابه (شئ في الصلاة مثل سهو إمامه، أو استئذان إنسان عليه سبح رجل ولا يضر) أي لا تبطل الصلاة بالتسبيح و (لو كثر) لأنه قول من جنس الصلاة (وكذا لو كلمه إنسان بشئ فسبح) المصلي (ليعلم) المكلم له (أنه في صلاة أو خشي) المصلي (على إنسان الوقوع في شئ، أو أن يتلف شيئا، فسبح به ليتركه، أو ترك إمامه ذكرا فرفع) المأموم (صوته به ليذكره ونحوه) لما روى سهل بن سعد قال: النبي (ص): إذا نابكم شئ في صلاتكم فلتسبح الرجال، ولتصفق النساء متفق عليه. وعن علي قال: كنت إذا استأذنت على النبي (ص) فإن كان في صلاة سبح. وإن كان في غير صلاة أذن، (ويباح) التنبيه (بقراءة وتكبير وتهليل ونحوه) كتحميد واستغفار. لأنه من جنس الصلاة، (ويكره) التنبيه (بنحنحة) للاختلاف في إبطالها، (و) يكره ب (- صفير كتصفيقه) لقوله تعالى: * (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) *، (الأنفال: 35). (وتسبيحها) أي ويكره التنبيه من المرأة بالتسبيح. لحديث سهل بن سعد. قال: قال (ص): التسبيح للرجال والتصفيق للنساء وعن أبي هريرة مثله، متفق عليهما. (وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى) معطوف على: سبح رجل. وتقدم دليله. قال
459 في الفروع: وظاهر ذلك لا تبطل بتصفيقها على وجه اللعب، ولعله غير مراد. وتبطل به لمنافاته للصلاة، وفاقا للشافعي، والخنثى كامرأة، (وإن كثر) التصفيق (أبطلها) لأنه عمل من غير جنس الصلاة، فأبطلها كثيره، عمدا كان أو سهوا، (ولو عطس فقال: الحمد لله، أو لسعه شئ) من حية، أو عقرب، أو غيرهما (فقال: بسم الله، أو سمع) ما يغمه (أو رأى ما يغمه، فقال: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) *، أو) سمع، أو (رأى ما يعجبه فقال: سبحان الله، أو قيل له ولد لك غلام. فقال: الحمد لله، أو احترق دكانه ونحوه فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله كره) للاختلاف في إبطاله الصلاة (وصحت) للاخبار. قاله في المبدع (وكذا لو خاطب بشئ من القرآن كأن يستأذن عليه، فيقول: * (ادخلوها بسلام آمنين) *. أو يقول لمن اسمه يحيى: * (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) *) (مريم: 12). لما روى الخلال بإسناده عن عطاء بن السائب قال: أستاذنا علي عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو يصلي فقال: * (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) *. فقلنا: كيف صنعت؟ فقال: استأذنا على عبد الله بن مسعود وهو يصلي، فقال: * (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) * ولأنه قرآن، فلم تفسد به الصلاة، كما لو لم يقصد التنبيه. وقال القاضي: إذا قصد بالحمد الذكر أو القرآن لم تبطل، وإن قصد خطاب آدمي بطلت. وإن قصدهما فوجهان. فأما إن أتى بما لا يتميز به القرآن من غيره كقوله لرجل اسمه إبراهيم: يا إبراهيم ونحوه. فسدت صلاته. لأن هذا كلام الناس. ولم يتميز عن كلامهم بما يتميز به القرآن. أشبه ما لو جمع بين كلمات مفرقة من القرآن. فقال: يا إبراهيم خذ الكتاب الكبير (وإن بدره) أي المصلي (مخاط أو بزاق) ويقال: بالسين والصاد أيضا (ونحوه) كنخامة (في المسجد، بصق في ثوبه) وحك بعضه ببعض، إذهابا لصورته. لحديث أنس أن النبي (ص) قال: إذا قام أحدكم في صلاته فإنه يناجي ربه، فلا يبزقن قبل
460 قبلته. لكن عن يساره أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه، ثم رد بعضه على بعض رواه البخاري. ولمسلم معناه من حديث أبي هريرة، لما فيه من صيانة المسجد عن البصاق فيه. ويبصق ونحوه (في غيره عن يساره، وتحت قدمه) وفي أكثر النسخ: عن يساره تحت قدمه. ولعل فيه سقط الواو، أو ليوافق الخبر. وكلام الأصحاب (اليسرى) لان بعض الأحاديث مقيد بذلك. والمطلق يحمل على المقيد، وإكراما للقدم اليمنى (للحديث الصحيح) وتقدم، (و) بصقه (في ثوبه أولى، إن كان في صلاة) قال في الوجيز: يبصق في الصلاة، أو المسجد في ثوبه. وفي غيرهما يسرة: وفيه نظر، قاله في المبدع، (ويكره) بصقه ونحوه (أمامه وعن يمينه) لخبر أبي هريرة: وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها رواه البخاري. ولأبي داود بإسناد جيد عن حذيفة مرفوعا: من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه ويلزم حتى غير باصق ونحوه - إزالة البصاق ونحوه من المسجد. وسن تخليق محله، (وتسن صلاة غير مأموم) إماما كان أو منفردا (إلى سترة) مع القدرة عليها بغير خلاف نعلمه قاله في المبدع، (ولو لم يخش) المصلي (مارا) حضرا كان أو سفرا، لحديث أبي سعيد يرفعه: إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها رواه أبو داود، وابن ماجة. وليس ذلك بواجب، لحديث ابن عباس أن النبي (ص) صلى في فضاء ليس بين يديه شئ رواه أحمد، وأبو داود. والسترة ما يستتر به (من جدار، أو شئ شاخص، كحربة، أو آدمي غير كافر) لأنه يكره استقباله كما تقدم، (أو بهيم) يعرضه، ويصلي إليه (أو غير ذلك، مثل مؤخرة الرحل تقارب طول ذراع فأكثر) لقوله (ص): إذا وضع أحدكم بين يديه
461 مثل مؤخرة الرحل فليصل، ولا يبالي من يمر وراء ذلك رواه مسلم (فأما قدرها) أي السترة (في الغلظ فلا حد له فقد تكون غليظة كالحائط أو دقيقة كالسهم) لأنه (ص) صلى إلى حربة وإلى بعير رواه البخاري، (ويستحب قربه منها قدر ثلاثة أذرع من قدميه) لأنه (ص) صلى في الكعبة وبين يديه الجدار نحو من ثلاثة أذرع رواه أحمد والبخاري. ولأنه أصون لصلاته، فإن كان في مسجد قرب من الجدار أو السارية نحو ذلك، وإن كان في الفضاء فإلى شئ شاخص مما سبق، (و) يستحب (انحرافه عنها) أي السترة (يسيرا) لفعله (ص) رواه أحمد وأبو داود. من حديث المقداد بإسناد لين. قال عبد الحق: وليس إسناده بقوي. لكن عليه جماعة من العلماء، على ما ذكر ابن عبد البر (فإن لم يجد شاخصا) يصلي إليه (وتعذر غرز عصى ونحوها) كسهم وحربة وضعها بالأرض، وصلى إليها، قال في المبدع: ويكفي العصا بين يديه عرضا لأنها في معنى الخط، (وعرضا) أي وضع العصا ونحوها عرضا (أعجب إلى أحمد من الطول) قال أحمد: ما كان أعرض فهو أعجب إلي. وذلك لما روى سمرة أن النبي (ص) قال: استتروا في الصلاة ولو بسهم رواه الأثرم وقوله: ولو بسهم يدل على أن غيره أولى منه (ويكفي) في السترة (خيط ونحوه، و) كل (ما اعتقده سترة فإن لم يجد خط خطا) نص عليه، قوله (ص): إذا صلى أحدكم فليجعل
462 تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ولا يضره ما مر بين يديه رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة. وذكر الطحاوي أن فيه رجلا مجهولا. وقال البيهقي: لا بأس به في مثل هذا. وصفته (كالهلال) لا طولا. لكن قال في الشرح: وكيفما خط أجزأه (ولا تجزئ سترة مغصوبة) كالصلاة في ثوب مغصوب (فالصلاة إليها) أي السترة المغصوبة (ك) - الصلاة إلى (القبر) أي فتكره. لان السترة المغصوبة كالبقعة المغصوبة، والصلاة إليها كالصلاة إلى القبر (وتجزئ) سترة (نجسة) قال في الانصاف: الصواب أن النجسة ليست كالمغصوبة، وقال في المبدع: وسترة مغصوبة ونجسة كغيرها. قدمه في الفروع. وفيه وجه. فالصلاة إليها كالقبر. قال صاحب النظم: وعلى قياسه: سترة الذهب (فإذا مر شئ من وراء السترة لم يكره) للاخبار السابقة، (وإن مر بينه) أي المصلي (وبينها) أي سترته كلب أسود بهيم (أو لم تكن له سترة فمر بين يديه قريبا) منه (كقربه من السترة) أي ثلاثة أذرع فأقل من قدميه (كلب أسود بهيم، وهو ما لا لون فيه سوى السواد، بطلت صلاته) لقوله (ص): إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل. فإن لم يكن فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود قال عبد الله بن الصامت: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر، من الكلب الأصفر قال: يا ابن أخي، سألت النبي (ص) كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان رواه مسلم، وأبو داود وغيرهما. (ولا تبطل الصلاة بمرور امرأة) لأن زينب بنت أبي سلمة مرت بين يدي النبي (ص) فلم يقطع صلاته رواه أحمد، وابن ماجة بإسناد حسن، (و) لا بمرور
463 (حمار و) لما روى الفضل بن عباس أتانا النبي (ص) ونحن في بادية فصلى في الصحراء ليس بين يديه سترة، وحمار لنا وكلبة يعبثان، فما بالى ذلك رواه أبو داود، ولا بمرور (بغل وشيطان وسنور أسود ولا بالوقوف والجلوس) ولو من كلب أسود (قدامه) من غير مرور، اقتصارا على مورد النص، (ولا يستحب لمأموم اتخاذ سترة) لأنه (ص) كان يصلي إلى سترة دون أصحابه، (فإن فعل) أي اتخذ المأموم سترة (فليست سترة لأن سترة الامام سترة لمن خلفه). قال القاضي عياض: اختلفوا في سترة الامام، هل هي سترة لمن خلفه، أو هي سترة له خاصة، وهو سترة لمن خلفه، مع الاتفاق على أنهم مصلون إلى سترة انتهى. والمعنى أن سترة الامام سترة للمأموم سواء صلى خلف الامام كما هو الغالب، أو عن جانبيه أو قدامه، حيث صحت. أشار إليه ابن نصر الله في شرح الفروع (فلا يضر صلاتهم) أي المأمومين (مرور شئ بين أيديهم) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: هبطنا مع النبي (ص) من ثنية إلى أخرى. فحضرت الصلاة، فعمد إلى جدار فاتخذه قبلة. ونحن خلفه. فجاءت بهيمة تمر بين يديه. فما زال يداريها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من ورائه رواه أبو داود، فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه وخلفه فرق (وإن مر ما يقطع الصلاة) هو الكلب الأسود البهيم (بين الامام وسترته قطع صلاته وصلاتهم) لأنه مر بينهم وبين سترته. قال في المبدع: فظاهره: أن هذا فيما يبطلها خاصة، وأن كلامهم في نهي الآدمي عن المرور على ظاهره. وكذا المصلي لا يدع شيئا يمر بين يديه. وقال صاحب النظم: لم أر أحدا تعرض لجواز مرور الانسان بين يدي المأمومين، فيحتمل جوازه اعتبارا بسترة الامام له حكما. ويحتمل اختصاص ذلك بعدم الابطال. لما فيه من المشقة على الجميع. وتقدم كلام ابن نصر الله، (وله) أي المصلي (القراءة في المصحف ولو حافظا) لما روي عن عائشة زوج النبي (ص) أنها كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف في رمضان رواه البيهقي. قال الزهري: كان خيارنا يقرأون في
464 المصاحف. والفرض والنفل سواء، قاله ابن حامد (وله السؤال والتعوذ في فرض ونفل، عند آية رحمة أو عذاب) فيه لف ونشر مرتب. روى حذيفة قال: صليت مع النبي (ص) ذات ليلة، فافتتح البقرة. فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى. إلى أن قال: إذا مر بآية فيها تسبيح سبح. وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ مختصر رواه مسلم. ولأنه دعاء وخير (حتى مأموم نصا، ويخفض صوته) نقل الفضل: لا بأس أن يقوله مأموم ويخفض صوته. تتمة: قال أحمد: إذا قرأ * (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) * (القيامة: 40). في صلاة وغيرها قال: سبحانك. فبلى، في فرض ونفل. ومنع منه ابن عقيل فيهما. فائدة: سئل بعض أصحابنا عن القراءة بما فيه دعاء. هل يحصلان له؟ فتوقف. ويتوجه الحصول. لخبر أبي ذر أن النبي (ص) قال: إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش، فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم. فإنهما صلاة وقرآن ودعاء رواه الحاكم وقال: على شرط البخاري. فصل: تنقسم أقوال الصلاة وأفعالها إلى ثلاثة أضرب الأول: ما لا يسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلا. وبعضهم يسميه: فرضا، وبعضهم يسميه ركنا تشبيها له بركن البيت الذي لا يقوم إلا به. لأن الصلاة لا تتم إلا به، والخلف لفظي.
465 والضرب الثاني: ما تبطل الصلاة بتركه عمدا لا سهوا أو جهلا. ويجبر بالسجود وأطلقوا عليه الواجبات اصطلاحا. والضرب الثالث: ما لا تبطل بتركه ولو عمدا. وهو السنن. وقد ذكرها على هذا الترتيب، فقال: (أركان الصلاة أربعة عشر) للاستقراء، وعدها في المقنع والوجيز وغيرهما اثني عشرا. وفي البلغة: عشرة. وعد منها النية، (وهي) أي الأركان جمع ركن. وهو جانب الشئ الأقوى. واصطلاحا (ما كان فيها) احتراز عن الشرط (ولا يسقط عمدا) خرج به السنن (ولا سهوا ولا جهلا) خرج به الواجبات. أحد الأركان: (القيام في فرض لقادر) عليه. لقوله تعالى: * (وقوموا لله قانتين) * وقوله (ص) في حديث عمران: صل قائما (سوى عريان) لما تقدم في ستر العورة، (و) سوى (خائف به) أي بالقيام، كالمصلي بمكان له حائط يستره جالسا لا قائما ويخاف بقيامه لصا أو عدوا. فيصلي جالسا للعذر (ولمداواة) لمريض يمكنه القيام. لكن لا تمكن مداواته مع قيامه. فيسقط عنه. ويأتي في صلاة أهل الاعذار: لمريض يطيق قياما الصلاة مستلقيا لمداواة، بقول طبيب مسلم ثقة (وقصر سقف لعاجز عن الخروج) لحبس، أو توكل به ونحوه (ومأموم خلف إمام الحي العاجز عنه) أي عن القيام (بشرطه) وهو أن يرجى زوال علته. ويأتي في صلاة الجماعة مفصلا (وحده) أي القيام (ما لم يصر راكعا) قاله أبو المعالي وغيره (ولا يضر خفض الرأس على هيئة الاطراق) لأنه لا يخرجه عن كونه يسمى قائما، (والركن منه) أي القيام (الانتصاب بقدر تكبيرة الاحرام، وقراءة الفاتحة في الركعة الأولى، وفيما بعدها) أي بعد الركعة الأولى (بقدر قراءة الفاتحة فقط) لما تقدم، إن من عجز عن القراءة وبدلها من الذكر وقف بقدرها. وفي الخلاف والانتصار بقدر التحريمة، بدليل إدراك المسبوق فرض القيام بذلك. ورده في شرح الفروع، بأن ذلك رخصة في حق المسبوق خاصة، لادراك فضيلة الجماعة (وإن أدرك) المأموم (الامام في الركوع ف) - الركن من القيام (بقدر التحريمة) لما تقدم، (ولو وقف غير معذور على إحدى رجليه كره، وأجزأه في ظاهر كلام الأكثر) خلافا لابن الجوزي في
466 المذهب، قال: لم يجزئه. ونقل خطاب بن بشر: لا أدري (وما قام مقام القيام، وهو القعود ونحوه) كالاضطجاع (للعاجز) عن القيام أو عنه وعن القعود، (و) كالقعود في حق (المتنفل فهو ركن في حقه) لقيامه مقام الركن. (و) الثاني: (تكبيرة الاحرام) لحديث: تحريمها التكبير، (وليست) تكبيرة الاحرام (بشرط) حتى تكون من خارج الصلاة، خلافا للحنفية، (بل هي من الصلاة) لقوله (ص): إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن رواه مسلم. (و) الثالث: (قراءة الفاتحة في كل ركعة على الامام والمنفرد، وكذا على المأموم) لحديث: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، (لكن يتحملها الامام عنه) أي عن المأموم للخبر. قال ابن قندس: الذي يظهر أن قراءة الإمام إنما تقوم عن قراءة المأموم: إذا كانت صلاة الامام صحيحة، احترازا عن الامام إذا كان محدثا أو نجسا. ولم يعلم ذلك. وقلنا: بصحة صلاة المأموم. فإنه لا بد من قراءة المأموم لعدم صحة صلاة الامام. فتكون قراءته غير معتبرة بالنسبة إلى ركن الصلاة. فلا تسقط عن المأموم. وهذا ظاهر، لكن لم أجد من أعيان مشايخ المذهب من استثناه. نعم، وجدته في بعض كلام المتأخرين انتهى. وظاهر كلام الأشياخ والاخبار: خلافه للمشقة. (و) الرابع: (الركوع) إجماعا. وسنده قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اركعوا) * وحديث المسئ في صلاته. وهو ما رواه أبو هريرة: أن رجلا دخل المسجد فصلى، ثم جاء فسلم على النبي (ص) فرد عليه، ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل. فعل ذلك ثلاثا. ثم قال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني. فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن. ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها رواه الجماعة، ولمسلم وعزاه عبد الحق إلى البخاري: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر فدل على أن
467 المسماة في الحديث لا تسقط بحال، فإنها لو سقطت لسقطت عن الأعرابي لجهله بها. (إلا) الركوع (بعد) ركوع (أول في) صلاة (كسوف) فسنة. وكذا الرفع منه والاعتدال عنه (وتقدم المجزئ منه) أي من الركوع. (و) الخامس: (الاعتدال بعده) أي بعد الركوع ركن، لما تقدم من قوله (ص) للمسئ في صلاته: ثم ارفع حتى تعتدل قائما ولأنه (ص) داوم عليه وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي، (فدخل فيه) أي في الاعتدال عن الركوع (الرفع منه) لاستلزامه له. هكذا فعل أكثر الأصحاب. وفرق في الفروع والمنتهى وغيرهما بينهما فعدوا كلا منهما ركنا، لتحقق الخلاف في كل منهما، (وتقدم المجزئ منه) أي من الاعتدال في قوله فيما سبق: فإذا استوى قائما. وتقدم حد القيام (ولو طول الاعتدال لم تبطل) صلاته. قال محمد بن حسن الأنماطي: رأيت أبا عبد الله يطيل الاعتدال والجلوس بين السجدتين، لحديث البراء متفق عليه (و) السادس: (السجود) إجماعا. (و) السابع: (الاعتدال عنه) يعني الرفع منه لما تقدم (و) الثامن: (الجلوس بين السجدتين) لما روت عائشة قالت: كان النبي (ص) إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدا رواه مسلم. ولو أسقط ما قبل هذا لدخل فيه كما فعل في الاعتدال من الركوع والرفع منه. (و) التاسع: (الطمأنينة في هذه الأفعال ) أي في الركوع والاعتدال عنه، والسجود والجلوس بين السجدتين. لما سبق. ولحديث حذيفة: أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده. فقال له: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا (ص) رواه البخاري. وظاهره: إنها ركن واحد في الكل. لأنه يعم القيام، قاله في المبدع (بقدر الذكر الواجب لذاكره، ولناسيه بقدر أدنى سكون، وكذا) في أدنى سكون (لمأموم بعد انتصابه من الركوع لأنه لا ذكر فيه) هذه التفرقة لم أجدها في الفروع، ولا المبدع، ولا الانصاف، ولا غيرها مما وقفت عليه. وفيها نظر. لأن الركن لا يختلف بالذاكر والناسي، بل في كلام الانصاف ما يخالفها،
468 فإنه حكي في الطمأنينة وجهين: أحدهما: هي السكون. وإن قل. وقال على الصحيح من المذهب. والثاني: بقدر الذكر الواجب. قال المجد في شرحه: وتبعه في الحاوي الكبير، وهو الأقوى. وجزم به في المذهب. قال في الانصاف: وفائدة الوجهين: إذا نسي التسبيح في ركوعه، أو سجوده، أو التحميد في اعتداله، أو سؤال المغفرة في جلوسه، أو عجز عنه لعجمة أو خرس، أو تعمد تركه، وقلنا هو سنة واطمأن قدرا لا يتسع له. فصلاته صحيحة على الوجه الأول. ولا تصح على الثاني. (و) العاشر: (التشهد الأخير) هو قول عمر، وابنه، وأبو مسعود البدري. لقوله (ص): إذا قعد أحدكم في صلاته فليقل، التحيات - الخبر متفق عليه. وعن ابن مسعود قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله. السلام على جبريل وميكائيل. فقال النبي (ص): لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا التحيات لله - وذكره رواه النسائي وإسناده ثقات، والدارقطني وقال: إسناده صحيح. وقال عمر: لا تجزئ صلاة إلا بتشهد رواه سعيد والبخاري في تاريخه، (والركن منه) أي من التشهد الأخير (ما يجزي في التشهد الأول. وهو التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله. سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله. وأن محمدا رسول الله، أو أن محمدا عبده ورسوله) لاتفاق جميع الروايات على ذلك، بخلاف ما عداه. فإنه أثبت في بعضها، وترك في بعضها (قال الشارح، قلت: وفي هذا القول نظر) لأن الذي ترك في بعض الروايات لم يترك إلى غير بدل، بل أثبت بدله وذلك لا يدل على عدم وجوبه بالمرة، بل على وجوبه أو وجوب بدله (وهو كما قال) أي الشارح: لقوة ما علل به. (و) الحادي عشر (الصلاة على النبي (ص) بعده) أي بعد التشهد الأول. فلا تجزئ إن قدمت عليه. لحديث كعب وسبق ولقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * (الأحزاب: 56). والامر للوجوب. ولا موضع تجب فيه الصلاة أولى من الصلاة، (والركن منه) أي المذكور فيما سبق من الصلاة على النبي (ص) (اللهم صل على محمد) لظاهر الآية
469 وعد المصنف الصلاة عليه (ص) ركنا مستقلا، تبع فيه صاحب الفروع، وأما صاحب المنتهى وكثير من الأصحاب فقد جعلوها من جملة التشهد الأخير. (و) الثاني عشر: (الجلوس) له وللتسليمتين، لمداومته (ص) على الجلوس لذلك، وقوله: صلوا كما رأيتموني أصلي (و) الثالث عشر: (التسليمتان) لقوله (ص): وتحليلها التسليم، وقالت عائشة: كان النبي (ص) يختم صلاته بالتسليم وثبت ذلك من غير وجه. ولأنهما نطق مشروع في أحد طرفيها. فكان ركنا كالطرف الآخر (إلا في صلاة جنازة وسجود تلاوة وشكر) فيخرج منها بتسليمه واحدة، ويأتي في محله، (و) إلا في (نافلة فتجزئ) تسليمة (واحدة على ما اختاره جمع، منهم المجد) عبد السلام بن تيمية (قال في المغني والشرح: لا خلاف أنه يخرج من النفل بتسليمة واحدة. قال القاضي) الثانية سنة في الجنازة والنافلة (رواية واحدة. انتهى)، وظاهر ما قدمه في المبدع وغيره: أن النفل كالفرض. وهو ظاهر ما قطع به في المنتهى (وهما) أي التسليمتان (من الصلاة) كسائر الأركان. فلا يقوم المسبوق قبلهما. (و) الرابع عشر: (الترتيب) أي ترتيب الأركان على ما ذكر هنا، أو في صفة الصلاة، فاللام فيه للعهد. لأنه (ص) كان يصليها مرتبة. وعلمها للمسئ في صلاته مرتبة، بثم. ولأنها عبادة تبطل بالحدث، فكان الترتيب فيها ركنا كغيره. (و) الضرب الثاني من أفعال الصلاة وأقوالها، (واجباتها التي تبطل بتركها عمدا وتسقط سهوا أو جهلا، نصا) خرج به الشروط والأركان (ولا تبطل) الصلاة (به) أي بتركها سهوا أو جهلا، (ويجبره) أي تركها
470 لذلك (السجود) أي سجود السهو (ثمانية) خبر: واجباتها والموصول نعت، وجعله خبرا يؤدي إلى التعريف بالحكم. فيلزمه الدور. أحدها (التكبير) للانتقال (في محله) وهو ما بين انتقال وانتهاء لأنه (ص) كان يكبر كذلك، وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي وعنه سنة لأنه (ص) لم يعلمه المسئ في صلاته. ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. قلنا: ولم يعلمه التشهد ولا السلام، ولعله اقتصر على تعليمه ما أساء فيه، (فلو شرع) المصلي (فيه) أي التكبير (قبل انتقاله) كأن يكبر للركوع أو السجود قبل هويه إليه (أو كمله) أي التكبير (بعد انتهائه) بأن كبر وهو راكع أو وهو ساجد بعد انتهاء هويه (لم يجزئه) ذلك التكبير. لأنه لم يأت به في محله (كتكميله واجب قراءة راكعا، أو شروعه في تشهد قبل قعوده، وكما لا يأتي بتكبير ركوع أو سجود فيه) أي ركوعه أو سجوده (ويجزئه فيما بين ابتداء الانتقال وانتهائه، لأنه في محله) قال المجد في شرحه. وينبغي أن يكون تكبير الخفض والرفع والنهوض ابتداؤه من ابتداء الانتقال وانتهاؤه مع انتهائه. فإن كمله في جزء منه أجزأه، لأنه لم يخرج به عن محله. وإن شرع فيه قبله أو كمله بعده فوقع بعضه خارجا منه، فهو كتركه. لأنه لم يكمله في محله. فأشبه من تعمد قراءته راكعا أو أخذ في التشهد قبل قعوده. هذا قياس المذهب ويحتمل أن يعفي عن ذلك لأن التحرز يعسر، والسهو به يكثر. ففي الابطال به والسجود له مشقة (غير تكبيرتي إحرام وركوع مأموم أدرك إمامه راكعا فإن الأولى) وهي تكبيرة الاحرام (ركن) لما تقدم، (والثانية) وهي تكبيرة مأموم أدرك إمامه راكعا (سنة) للاجتزاء عنها بتكبيرة الاحرام. والاستثناء من التكبير. (و) الثاني من الواجبات: (التسميع) أي قول: سمع الله لمن حمده (لامام ومنفرد) دون مأموم لما تقدم. (و) الثالث: (التحميد) أي قول: ربنا ولك الحمد (لكل) من إمام ومأموم ومنفرد. لما تقدم من النصوص، فعلا له وأمرا به. (و) الرابع: (تسبيح ركوع. و) الخامس: تسبيح (سجود. و) السادس: (رب اغفر لي) بين السجدتين (مرة) و (مرة وفيهن) أي في التسميع والتحميد وسبحان ربي العظيم في ركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود ورب اغفر لي بين السجدتين (ما في التكبير) من اعتبار الاتيان بهن في محلهن المعلوم مما تقدم في صفة الصلاة. فلو أتى بتسبيح الركوع أو السجود في حال هويه، كركوعه أو سجوده، أو برب اغفر لي. قبل قعوده بين السجدتين لم يجزئه. والتسميع يأتي به في انتقاله. والتحميد يأتي
471 به المأموم في رفعه وغيره في اعتداله. (و) السابع: (تشهد أول) لأنه (ص) فعله وداوم على فعله وأمر به. وسجد للسهو حين نسيه. وهذا هو الأصل المعتمد عليه في سائر الواجبات لسقوطها بالسهو وانجبارها بالسجود. كواجبات الحج (على غير مأموم قام إمامه عنه سهوا) فيتابعه (ويأتي في سجود السهو، وتقدم المجزئ منه قريبا) في الأركان. (و) الثامن: (الجلوس له) لما تقدم على غير مأموم قام إمامه عنه سهوا (وما عدا ذلك) المتقدم في الأركان والواجبات (سنن أقوال وأفعال وهيئات، فسنن الأقوال سبعة عشر: الاستفتاح، والتعوذ، والبسملة، والتأمين، وقراءة السورة في كل من) الركعتين (الأوليين) من رباعية أو مغرب، (و) في (صلاة الفجر والجمعة والعيدين والتطوع كله، والجهر والاخفات) في محالهما، وقد تبع في ذلك المقنع وغيره. وناقش فيه بعض المتأخرين بأنهما هيئة للقول، لا قول. ولذلك عدهما فيما يأتي من سنن الهيئات، (وقول: ملء السماوات) وملء الأرض وملء ما شئت من شئ (بعد التحميد في حق من يشرع له قول ذلك) وهو الامام والمنفرد، دون المأموم (وما زاد على المرة من تسبيح الركوع والسجود، ورب اغفر لي بين السجدتين والتعوذ) أي قول: أعوذ بالله من عذاب جهنم إلى آخره (في التشهد الأخير، والدعاء إلى آخره) أي آخر التشهد الأخير، لقوله (ص) في حديث ابن مسعود: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ومقتضى كلامه فيما سبق: كصاحب المنتهى وغيره: أنه مباح لا مسنون، - حيث قالوا: لا بأس به (والصلاة فيه) أي في التشهد الأخير (على آل النبي (ص) والبركة فيه) أي قول: وبارك على محمد وعلى آل محمد إلى آخره في التشهد الأخير (وما زاد على المجزئ من التشهد الأول) وتقدم (والقنوت في الوتر) لما يأتي في بابه (وما سوى ذلك) المذكور (سنن أفعال وهيئات، سميت) أي سماها صاحب المستوعب وغيره (هيئة لأنها صفة في غيرها) كسكون الأصابع مضمومة ممدودة حال (ورفع اليدين مبسوطة) أي ممدودة الأصابع (مضمومة الأصابع مستقبل القبلة) ببطونها إلى حذو منكبيه (عند الاحرام، و) عند
472 (الركوع، و) عند (الرفع منه) أي من الركوع (وحطهما) أي اليدين (عقب ذلك) أي عقب الفراغ من الاحرام، أو الركوع، أو الرفع منه (وقبض اليمين على كوع الشمال وجعلهما تحت سرته) بعد إحرامه (والنظر إلى موضع سجوده) في غير صلاة خوف ونحوها (وتفريقه بين قدميه) يسيرا (في قيامه ومراوحته بينهما) أي القدمين (يسيرا)، وتكره كثرته (والجهر) في محله (والاخفات) في محله. وتقدم أنه عدهما من سنن الأقوال (وترتيل القراءة والتخفيف فيها) أي القراءة (للامام) لحديث: من أم بالناس فليخفف، (والإطالة في) الركعة (الأولى، والتقصير في) الركعة (الثانية) في غير صلاة خوف في الوجه الثاني، (وقبض ركبتيه بيديه) حال كون يديه (مفرجتي الأصابع في الركوع، ومد ظهره) مستويا (وجعل رأسه حياله) فلا يخفضه ولا يرفعه، ومجافاة عضديه عن جنبيه في ركوعه (والبداءة بوضع ركبتيه قبل يديه في سجوده، ورفع يديه أولا في القيام) من سجوده (وتمكين كل) من جبهته و) كل (أنفه، وكل بقية أعضاء السجود من الأرض في سجوده، ومجافاة عضديه عن جنبيه، و) مجافاة (بطنه عن فخذيه و) مجافاة (فخذيه عن ساقيه) في سجوده (والتفريق بين ركبتيه) في سجوده (وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقة فيه) أي في السجود (وفي الجلوس) بين السجدتين، أو للتشهد على ما سبق تفصيله (ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة الأصابع إذا سجد، وتوجيه أصابع يديه مضمومة نحو القبلة، ومباشرة المصلى بيديه وجبهته) بأن لا يكون ثم حائل متصل به، (وعدمها) أي عدم المباشرة (بركبتيه، وقيامه إلى الركعة على صدور قدميه، معتمدا بيديه على ركبتيه) إلا أن يشق فبالأرض، (والافتراش في الجلوس بين
473 السجدتين، و) الافتراش (في التشهد الأول، والتورك في) التشهد (الثاني، ووضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا بها القبلة بين السجدتين، وكذا في التشهد) الأول والثاني، (لكن يقبض من اليمين) وفي نسخة: اليمنى (الخنصر والبنصر، ويحلق إبهامها مع الوسطى، ويشير بسبابتها) عند ذكر الله تعالى. وتسمى السباحة (والتفاته يمينا وشمالا في تسليمه، وتفضيل اليمين على الشمال في الالتفات ونية الخروج من الصلاة) بالسلام. وتقدمت أدلة ذلك في مواضعها (والخشوع)، لقوله تعالى: * (الذين هم في صلاتهم خاشعون) * (وهو معنى يقوم بالنفس يظهر منه سكون الأطراف) لقوله (ص) في العابث بلحيته: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه قال الجوهري: الخشوع الخضوع. والاخبات الخشوع. وقال البيضاوي في قوله تعالى: * (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) *: أي خائفون من الله، متذللون له، ملزمون أبصارهم مساجدهم، وقال في قوله تعالى: * (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) *: (البقرة: 45). أي المخبتين. والخشوع: الاخبات. ومنه الخشعة للرملة المتطامنة. والخضوع: اللين والانقياد. ولذلك يقال: الخشوع بالجوارح. والخضوع بالقلب (قال الشيخ: إذا غلب الوسواس على أكثر الصلاة لا يبطلها) لأن الخشوع سنة. والصلاة لا تبطل بترك سنة. وذكر الشيخ وجيه الدين: أن الخشوع واجب. وعليه فتبطل صلاة من غلب الوسواس على أكثر صلاته. لكن قال في الفروع: مراده - والله أعلم - في بعضها. وإن أراد في كلها فإن لم تبطل بتركه. فخلاف قاعدة ترك الواجب. وإن بطل به، فخلاف الاجماع. وكلاهما خلاف الاخبار اه. ولم يأمر النبي (ص) العابث بلحيته بإعادة الصلاة، مع قوله: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه قال في شرح المنتهى: وهذا منه يدل على انتفاء خشوعه في صلاته كلها، (وتقدم أنها) أي الصلاة (لا تبطل بعمل القلب ولو طال) وهو يدل على أنها لا تبطل بترك الخشوع، (وقال ابن حامد وابن الجوزي: تبطل صلاة من غلب الوسواس على أكثر
474 صلاته) وهذا يقتضي أنه واجب عليهما عندهما (ولا يشرع السجود لترك سنة ولو قولية) كالاستفتاح والتعوذ، لأن السجود زيادة في الصلاة، فلا يشرع إلا بتوقيف (وإن سجد) لترك سنة قولية أو فعلية (فلا بأس، نصا) لعموم حديث ثوبان مرفوعا: لكل سهو سجدتان رواه أحمد، وابن ماجة (وإن اعتقد المصلي الفرض سنة أو عكسه) بأن اعتقد السنة فرضا (أو لم يعتقد شيئا) لا فرضا ولا سنة (وأداها على ذلك) الوجه السابق المشتمل على الشروط والأركان والواجبات (وهو يعلم أن ذلك كله من الصلاة ولم يعرف الشرط من الركن، فصلاته صحيحة) قال أبو الخطاب: لا يضره أن لا يعرف الركن من الشرط والفرض من السنة، ورد المجد على من لم يصحح الائتمام بمن يعتقد أن الفاتحة نفل، بفعل الصحابة فمن بعدهم، مع شدة اختلافهم فيما هو الفرض والسنة. ولان اعتقاد الفرضية والنفلية مؤثر في جملة الصلاة، لا تفاصيلها. لأن من صلى يعتقد الصلاة فريضة يأتي بأفعال تصح معها، بعضها فرض وبعضها نفل. وهو يجهل الفرض من السنة، أو يعتقد الجميع فرضا. صحت صلاته إجماعا، قاله في المبدع. خاتمة: إذا ترك شيئا ولم يدر: أفرض أو سنة؟ لم يسقط فرضه للشك في صحته، ولأنه لما تردد في وجوبه كان الواجب عليه فعله احتياطا للعبادة. وهذا بخلاف من ترك واجبا جاهلا حكمه بأن لم يخطر بباله قط أن عالما قال بوجوبه. فإن حكمه حكم تاركه سهوا. فإن علم قبل فوات وقت سجود السهو. كفاه سجود السهو. ولم يلزمه إعادة الصلاة. باب سجود السهو قال في الحاشية: سها عن الشئ سهوا: ذهل وغفل قلبه عنه، حتى زال عنه. فلم يتذكره، وفرقوا بين الساهي والناسي: إن الناسي إذا ذكرته تذكر، بخلاف الساهي اه.
475 وفي النهاية: السهو في الشئ تركه من غير علم. والسهو عن الشئ تركه مع العلم به ا ه. وبه يظهر الفرق بين السهو في الصلاة الذي وقع من النبي (ص) غير ما مرة. والسهو عن الصلاة الذي ذم فاعله. كما أشار إليه بعضهم. ولا مرية في مشروعية سجود السهو. قال الإمام أحمد: نحفظ عن النبي (ص) خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد. سلم من ثلاث فسجد. وفي الزيادة والنقصان، وقام في اثنتين ولم يتشهد. وقال الخطابي: المعتمد عليه عند أهل العلم: هذه الأحاديث الخمسة، يعني حديثي ابن مسعود، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن بحينة (لا يشرع) سجود السهو (في العمد) لقوله (ص): إذا سها أحدكم فليسجد فعلق السجود على السهو. ولأنه يشرع جبرانا. والعامد لا يعذر. فلا ينجبر خلل صلاته بسجوده، بخلاف الساهي. ولذلك أضيف السجود إلى السهو، (بل) يشرع (للسهو بوجود) شئ من (أسبابه، وهي زيادة ونقص وشك) في الجملة. لأن الشرع إنما ورد به في ذلك (لفرض ونافلة) أي يشرع سجود السهو بوجود أسبابه في فرض ونفل. لعموم الاخبار، ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود، فشرع لها السجود كالفريضة (سوى صلاة جنازة) لأنه لا سجود في صلبها، ففي جبرها أولى، (و) سوى (سجود تلاوة وشكر) لئلا يلزم زيادة الجبر على الأصل، (و) سوى (حديث نفس) لعدم إمكان الاحتراز منه، وهو معفو عنه، (و) سوى (نظر إلى شئ) ولو طال لمشقة التحرز منه، (و) سوى (سهو في سجدتيه) إجماعا حكاه إسحاق، (أو بعدهما قبل سلامه، سواء كان سجوده) للسهو (بعد السلام أو قبله) لأنه يفضي إلى التسلسل، (و) سوى (كثرة سهو) أي شك (حتى يصير كوسواس، فيطرحه، وكذا في الوضوء والغسل وإزالة النجاسة ونحوه) أي نحو ما ذكر، كالتيمم. لأن الوسواس يخرج به إلى نوع من المكابرة. فيفضي إلى زيادة في الصلاة مع تيقن إتمامها. فوجب اطراحه واللهو عنه لذلك، (ولا) سجود للسهو (في صلاة خوف. قاله في الفائق) قال في الانصاف: ظاهر كلام المصنف أي الموفق وغيره: أنه يسجد للسهو في صلاة الخوف وغيرها، في شدة الخوف وغيره. وقال في الفائق: ولا سجود سهو في الخوف. قاله بعضهم واقتصر عليه.
476 قلت: فيعايي بها. لكن لم أر أحدا من الأصحاب ذكر ذلك في شدة الخوف، وهو موافق لقواعد المذهب. وتأتي أحكام سجود السهو في صلاة الخوف إذا لم يشتد، في الوجه الثاني. ثم أخذ في بيان تفصيل الأحوال الثلاثة وحكمها، وبدأ بالزيادة، ثم هي إما زيادة أفعال أو أقوال. وزيادة الأفعال قسمان، أحدهما: ما ذكره بقوله: (فمتى زاد) المصلي فعلا (من جنس الصلاة قياما أو قعودا، أو ركوعا أو سجودا، عمدا بطلت) صلاته إجماعا. قاله في الشرح. لأنه بها يخل بنظم الصلاة. ويغير هيئتها. فلم تكن صلاة، ولا فاعلها مصليا، (و) إن زاد ذلك (سهوا ولو) كان الجلوس الذي زاده في غير موضعه (قدر جلسة الاستراحة) عقب ركعة. بأن جلس عقبها للتشهد، سواء قلنا باستحباب جلسة الاستراحة أو لم نقل به. لأنه لم يردها بجلوسه. إنما أراد التشهد سهوا (سجد) له وجوبا. لقوله (ص) في حديث ابن مسعود: فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين رواه مسلم. ولان الزيادة سهو. فتدخل في قول الصحابي: سها النبي (ص) فسجد، بل هي نقص في المعنى. فشرع لها السجود، لينجبر النقص (ومتى ذكر) من زاد في صلاته (عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير) لالغاء الزيادة، وعدم الاعتداد بها. وإذا رفع رأسه من السجود ليجلس للاستراحة، وكان موضع جلوسه للفصل أو التشهد ثم ذكر. أتى بذلك. ولا سجود عليه. ولو جلس للتشهد قبل السجود. سجد لذلك. وإن جلس للفصل يظنه التشهد وطوله. لم يجب السجود (ولو نوى القصر) من يباح له (فأتم سهوا، ففرضه الركعتان) قاله في المبدع وغيره (ويسجد للسهو) استحبابا. لأن عمده لا يبطلها، (ويأتي) في صلاة المسافر (وإن زاد ركعة) أي قام إلى ركعة زائدة، كثالثة في صبح، أو رابعة في مغرب أو خامسة في ظهر، أو عصر أو عشاء (قطع) تلك الركعة بأن يجلس في الحال (متى ذكر) بغير تكبير. نص عليه، لأنه لو لم يجلس لزاد في الصلاة عمدا. وذلك مبطل لها (وبنى على فعله قبلها) أي قبل الزيادة لعدم ما يلغيه (ولا يتشهد، إن كان تشهد، ثم سجد) للسهو (وسلم) وإن كان تشهد ولم يصل على النبي (ص)، ثم سجد للسهو، ثم سلم، ذكره في الشرح وغيره (ولا
477 يعتد) أي لا يحتسب (بها) أي بالركعة الزائدة من صلاته (مسبوق) دخل مع الامام فيها أو قبلها. لأنها زيادة لا يعتد بها الامام. ولا يجب على من علم الحال متابعته فيها فلم يعتد بها للمأموم (ولا يصح أن يدخل معه) أي مع الإمام القائم لزائدة (فيها من علم أنها زائدة) لأنها سهو وغلط، وعلم منه أنه لو دخل معه فيها مسبوق يجهل أنها زائدة وأنه تنعقد صلاته. وهو الصحيح من المذهب، ثم متى علم في أثناء صلاته أنها زائدة لم يعتد بها لما تقدم. وإن علم أنها زائدة بعد السلام. وكان الفصل قريبا، ولم يأت بمناف تمم صلاته وسجد للسهو. وإلا استأنف الصلاة من أولها. وإن علم بعد السلام فكترك ركعة، على ما يأتي (وإن كان) الذي قام إلى زائدة (إماما أو منفردا، فنبهه ثقتان فأكثر، ويلزمهم تنبيه الامام على ما يجب السجود لسهوه) لارتباط صلاتهم بصلاته، بحيث تبطل ببطلانها، وظاهره لا يجب على غير المأمومين تنبيهه، ولعله غير مراد. ولذلك قال في المنتهى والمبدع وغيرهما: ويلزمهم تنبيهه، فلم يقيدوا بالامام (لزمه الرجوع) جواب الشرط. وما بينهما اعتراض (سواء نبهوه لزيادة أو نقص، ولو ظن خطأهما) نص عليه. لأنه (ص) رجع إلى قول أبي بكر وعمر. وأمر (ص) بتذكيره (ما لم يتيقن صواب نفسه، فيعمل بيقينه) ولا يجوز له الرجوع إليهما. كالحاكم لا يعمل بالبينة إذا علم كذبها، (أو يختلف عليه المنبهون) له (فيسقط قولهم) كالبينتين إذا تعارضتا (ولا يلزمه) أي الامام (الرجوع إلى فعلهم) أي المأمومين، كقيام أو قعود (من غير تنبيه في ظاهر كلامهم) وقطع به في المنتهى. لأمر الشارع بالتنبيه، (ولا) يرجع (إلى تنبيه فاسقين) لعدم قبول خبرهما (ولا إذا نبهه واحد) نص عليه. لأنه (ص) لم يرجع إلى قول ذي اليدين وحده (إلا أن يتيقن صوابه) فيعمل بيقينه لا
478 بتنبيهه (والمرأة المنبهة كالرجل في ظاهر كلامهم) وإلا لم يكن في تنبيه المرأة فائدة، ولما كره تنبيهها بالتسبيح ونحوه وفي المميز خلاف. قاله في الفروع (فإن لم يرجع إمام إلى قول الثقتين) المنبهين له (فإن كان) عدم رجوعه (عمدا، وكان) رجوعه (لجبران نقص) بأن قام قبل أن يتشهد التشهد الأول، ونبه. فلم يرجع (لم تبطل) صلاته. لما روى أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، عن المغيرة بن شعبة أنه نهض في الركعتين. فسبح به من خلفه: فمضى، فلما أتم صلاته وسلم، سجد سجدتي السهو. فلما انصرف قال: رأيت النبي (ص) يصنع كما صنعت، ويأتي الكلام على ذلك بأتم من هذا (وإلا) أي وإن لم يرجع عمدا، وكان لغير جبران نقص (بطلت صلاته) لأنه ترك الواجب عمدا، (و) بطلت (صلاة المأموم، قولا واحدا. قاله ابن عقيل) لتعمده إبطال صلاته (وإن كان) عدم رجوع الامام إلى قول الثقتين لغير جبران نقص (سهوا بطلت صلاته) أي الامام لتركه واجبا وهو الرجوع إلى قول الثقتين، (و) بطلت (صلاة من اتبعه) من المأمومين (عالما) ببطلان صلاته ذاكرا، لأنه اقتدى بمن يعلم بطلان صلاته، كما لو اقتدى بمن يعلم حدثه. و (لا) تبطل صلاة من اتبعه من المأمومين (جاهلا أو ناسيا) لأن الصحابة تابعوا النبي (ص) في الخامسة حيث لم يعلموا. أو توهموا النسخ، ولم يؤمروا بالإعادة، (ووجبت مفارقته) أي الإمام القائم إلى زائدة على من علم ذلك. لاعتقاده خطأه، (ويتم المفارق صلاته) لنفسه للعذر (وظاهره هنا ولو قلنا: تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه) فتكون هذه كالمستثناة من كلامهم لعموم البلوى بكثرة السهو. وقال في المنتهى، تبعا للشرح والمبدع وغيره: فإن أباه إمام قام لزائدة بطلت صلاته، كمتبعه عالما ذاكرا (ويرجع طائف) في عدد الأشواط (إلى
479 قول اثنين نصا) قال في رواية أبي طالب: لو اختلف رجلان فقال أحدهما: طفنا سبعا، وقال الآخر: ستا، فقال: لو كانوا ثلاثة، فقال اثنان: طفنا سبعا. وقال الآخر: طفنا ستا. قبل قولهما لأن النبي (ص) قبل قول القوم، يعني في قصة ذي اليدين. ومنه أخذ الأصحاب وجوب الرجوع إلى تنبيه الثقتين وإن لم يكونا معه في العبادة. لأن الطواف لا مشاركة فيه (ولو نوى ركعتين نفلا نهارا، فقام إلى ثالثة سهوا، فالأفضل إتمامها أربعا ولا يسجد للسهو) لإباحة التطوع بأربع نهارا (وله أن يرجع ويسجد) للسهو (ورجوعه) إذا نوى ركعتين نفلا (ليلا) وقام إلى ثالثة سهوا (أفضل) من إتمامها أربعا، لأن إتمامها مبطل لها، كما يأتي. وعدم إبطال النفل مستحب. لأنه لا يجب إتمامه، (ويسجد) للسهو (فإن لم يرجع) من نوى اثنتين ليلا. وقام إلى ثالثة سهوا (بطلت) لقوله (ص): صلاة الليل مثنى مثنى ولأنها صلاة شرعت ركعتين. أشبهت صلاة الفجر، وهذا معنى قول المنتهى وغيره: وليلا، فكقيامه إلى ثالثة بفجر. قال في الشرح: نص عليه أحمد. ولم يحك فيه خلافا في المذهب فإن قيل: الزيادة على ثنتين ليلا مكروهة فقط، وذلك لا يقتضي بطلانها؟ قلت: هذا إذا نواه ابتداء. وأما هنا فلم ينو إلا على الوجه المشروع. فمجاوزته زيادة غير مشروعة. ومن هنا يؤخذ أن من نوى عددا نفلا، ثم زاد عليه إن كان على وجه مباح فلا أثر لذلك. وإلا كان مبطلا له. ثم أشار إلى القسم الثاني من زيادة الأفعال بقوله: (وعمل متوال مستكثر في العادة من غير جنس الصلاة كمشي، وفتح باب ونحوه) كلف عمامة، وخياطة، وكتابة (يبطلها) أي الصلاة (عمده وسهوه وجهله) لقطعه الموالاة بين الأركان (إن لم تكن ضرورة) كخوف، وهرب من عدو أو سيل ونحوه، فلا يبطل الصلاة. لأن الضرورات تبيح المحظورات. (وتقدم) في الباب قبله (ولا يبطل) الصلاة عمل من غير جنس الصلاة (يسير) عادة، لما تقدم من فتحه (ص) الباب لعائشة، وحمله أمامة ووضعها، وكذا لو كثر العمل وتفرق، (ولا
480 يشرع له سجود) ولو فعله سهوا، لأنه لم يرد السجود له. ولا يصح قياسه على ما ورد السجود له، لمفارقته إياه (ولا بأس به) أي بالعمل اليسير من غير جنسها (لحاجة) لما تقدم من فعله (ص)، (ويكره) العمل اليسير من غير جنسها (لغيرها) أي غير حاجة إليه، لأنه يذهب الخشوع (وإن أكل، أو شرب) في صلاة (عمدا فإن كان) ذلك (في فرض بطلت) صلاته (قل) الاكل أو الشرب (أو كثر) لأنه ينافي الصلاة. قال في المبدع: وهو إجماع من تحفظ عنه في الفرض، إلا ما حكاه في الرعاية قولا: إنها لا تبطل بيسير شرب. لكنه غير معروف، (و) إن كان من أكل أو شرب (في) صلاة (نفل) فإنه (يبطل كثيره عرفا) لقطع الموالاة بين الأركان (فقط) أي دون اليسير من الأكل والشرب. فلا يبطل النفل كغيرهما. وهذا رواية. وعنه أن النفل كالفرض. قدمه جماعة. وصححه في الشرح. قال في المبدع: وبه قال أكثرهم. لأن ما أبطل الفرض أبطل النفل، كسائر المبطلات. وعنه لا يبطل بيسير الشرب فقط. وهي مفهوم ما قطع به في المنتهى. والمصنف في مختصر المقنع. وقال ابن هبيرة: إنه المشهور عنه. قال في الفروع: والأشهر عنه بالاكل اه. أي يبطل النفل بيسير الاكل عمدا، فعلم منه أنه لا يبطل النفل بيسير الشرب. لما روي أن ابن الزبير وسعيد بن جبير شربا في التطوع، قال: الخلال: سهل أبو عبد الله في ذلك. وفي المبدع: وهو المذهب. وذلك لأن كثرة النفل وإطالته مستحبة مطلوبة فتحتاج معه كثيرا إلى أخذ جرعة ماء لدفع العطش، كما سومح به جالسا وعلى الراحلة (وإن كان) الاكل أو الشرب (سهوا أو جهلا) ولم يذكره جماعة (لم يبطل يسيره فرضا كان) ما حصل ذلك فيه، (أو نفلا) لأن تركهما عماد الصوم. وركنه الأصلي. فإذا لم يؤثر فيه حالة السهو فالصلاة أولى وكالسلام. ولعموم قوله (ص): عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان قال في الكافي:
481 فعلى هذا يسجد. لأنه يبطل الصلاة تعمده. وعفي عن سهوه. فيسجد له، كجنس الصلاة، واقتصر عليه في المبدع، (ولا بأس ببلع ما بقي في فيه) من بقايا الطعام من غير مضغ، (أو) بقي (بين أسنانه من بقايا الطعام بلا مضغ، مما يجري به ريقه وهو اليسير) لأن ذلك لا يسمى أكلا، (وما لا يجري به ريقه، بل يجري بنفسه، وهو ما له جرم تبطل) الصلاة (به) أي ببلعه. هذا مفهوم ما في الرعاية والفروع والانصاف والمبدع، وصريح كلام المجد، حيث قال: وكذلك إذا اقتلع من بين أسنانه ما له جرم وابتلعه. بطلت صلاته عندنا. وعلله بعدم مشقة الاحتراز. وقال في التنقيح: ولا يبلع ما بين أسنانه بلا مضغ، ولو لم يجر به ريق. نصا. وتبعه عليه تلميذه العسكري في قطعته. وتبع العسكري تلميذه الشويكي في التوضيح. وصاحب المنتهى (وبلع ما ذاب بفيه من سكر ونحوه) كحلوى وشيرخشك وترنجبيل (كأكل) وكما لو فتح فاه فنزل فيه ماء المطر فابتلعه، ثم شرع يتكلم على زيادة الأقوال، وهي قسمان: أحدهما: ما يبطل عمده الصلاة كالسلام وكلام الآدميين. ويأتي. والثاني: ما لا يبطلها مطلقا. وقد ذكره بقوله: (وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه غير سلام، ولو) كان إتيانه بالقول المشروع غير السلام (عمدا، كالقراءة في السجود، و) في (القعود، و) ك (- التشهد في القيام، و) ك (- قراءة السورة في) الركعتين (الأخريين ونحوه) أي نحو ما ذكر، كالقراءة في الركوع (لم تبطل) الصلاة به. نص عليه لأنه مشروع في الصلاة في الجملة، (ويشرع) أي يسن (السجود لسهوه) لعموم قوله (ص): إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وعلم منه أنه إن أتى بذكر أو دعاء لم يرد الشرع به فيها، كقول: آمين رب العالمين، وفي التكبير: الله أكبر كبيرا، إنه لا يشرع
482 له سجود. وجزم به في المغني والشرح وغيرهما، لأنه روي أن النبي (ص) سمع رجلا يقول في الصلاة: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ولم يأمره بالسجود (وإن سلم قبل إتمام صلاته عمدا أبطلها) لأنه تكلم فيها. والباقي منها إما ركن أو واجب، وكلاهما تبطل الصلاة بتركه تعمدا، (وإن كان) السلام قبل إتمامها (سهوا) لم تبطل به. رواية واحدة قاله. في المغني لأنه (ص) فعله هو وأصحابه. وبنوا عليه صلاتهم ولان جنسه مشروع فيها. أشبه الزيادة فيها من جنسها، (ثم) إن (ذكر قريبا عرفا أتمها) أي الصلاة (وسجد) للسهو (ولو) انحرف عن القبلة، أو (خرج من المسجد) لما روى ابن سيرين عن أبي هريرة قال: صلى بنا النبي (ص) إحدى صلاتي العشي - قال ابن سيرين: قد سماها أبو هريرة لكن نسيت أنا - فصلى بنا ركعتين، ثم سلم. فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها، كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السرعان من باب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة. وفي القوم أبو بكر وعمر. فهابا أن يكلماه. وفي القوم رجل في يده طول يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة، فقال: لم أنس ولم تقصر. فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم فتقدم، فصلى ما ترك، ثم سلم ثم كبر، وسجد مثل سجوده أو أطول. ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه، فيقول: أنبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم متفق عليه. ولفظه للبخاري (فإن لم يذكر) من سلم قبل إتمامها (حتى قام) من مصلاه (فعليه أن يجلس لينهض إلى الاتيان بما بقي) من صلاته (عن جلوس مع النية) لأن هذا القيام واجب للصلاة. ولم يأت به لها (وإن لم يذكر) من سلم قبل إتمام صلاته (حتى شرع في صلاة غيرها قطعها) مع قرب الفصل وعاد إلى الأولى فأتمها. لتحصل له الموالاة بين أركانها، ثم سجد للسهو. وفي الفصول، فيما إذا كانتا صلاتي جمع: أتمهما، ثم سجد عقبهما للسهو عن الأولى. لأنهما كصلاة واحدة. واقتصر عليه في الفروع (وإن كان سلامه) قبل إتمام صلاته (ظنا أن صلاته قد انقضت فكذلك)، أي
483 يعود فيتمها إذا ذكر قريبا عرفا. لما تقدم (لا إن سلم من رباعية) كظهر (يظنها جمعة، أو فجرا) فائتة، (أو التراويح) فيبطل فرضه لأنه ترك استصحاب حكم النية، وهو واجب، (وتقدم) ذلك (في) باب (النية. فإن طال الفصل) عرفا بطلت. لأنها صلاة واحدة. فلم يجز بناء بعضها على بعض، مع طول الفصل. لتعذر البناء معه. قال في المغني والشرح: والمقاربة كمثل حاله (ص) في خبر ذي اليدين، إذا لم يرد بتحديده نص (أو أحدث) بطلت. لأن استمرار الطهارة شرط. وقد فات (أو تكلم لغير مصلحتها) أي الصلاة (كقوله: يا غلام اسقني ونحوه، بطلت) لما روى معاوية بن الحكم أن النبي (ص) قال: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين رواه مسلم، وأبو داود. وقال مكان لا يصلح لا يحل (وإن تكلم) من سلم قبل إتمام صلاته سهوا (يسيرا) عرفا (لمصلحتها) أي الصلاة (لم تبطل) صلاته. إماما كان أو مأموما. نص عليه في رواية جماعة. قال الموفق: إنه الأولى. وصححه في الشرح. وهو ظاهر كلام الخرقي. وجزم به في الإفادات وقدمه ابن تميم، وابن مفلح في حواشيه. لأن النبي (ص)، وأبا بكر، وعمر، وذا اليدين تكلموا وبنوا على صلاتهم، فعلى هذا: إن أمكنه استصلاح الصلاة بإشارة ونحوها فتكلم. فذكر في المذهب وغيره: أنها تبطل صلاته. وعنه إن تكلم لمصلحتها سهوا لم تبطل. وإلا بطلت. قال صاحب المحرر: وهو أصح عندي. لأن النهي عام. وإنما ورد في حال السهو، فيختص به، ويبقى غيره على الأصل، (و) قال القاضي علاء الدين المرداوي، المعروف ب (- المنقح: بلى) تبطل صلاته، وإن تكلم يسيرا لمصلحتها. قال في الانصاف: وهي المذهب. وعليه أكثر الأصحاب. قال
484 المجد وغيره: منهم أبو بكر الخلال، وأبو بكر عبد العزيز، والقاضي، وأبو الحسين. قال المجد: وهي أظهر الروايات. وصححه الناظم. وجزم به في الايضاح. وقدمه في الفروع، والمحرر، والفائق. وأجاب القاضي وغيره عن قصة ذي اليدين بأنها كانت حال إباحة الكلام. وضعفه المجد وغيره، لأن الكلام حرم قبل الهجرة عن ابن حبان وغيره أو بعدها بيسير، عند الخطابي وغيره (ككلامه في صلبها) أي الصلاة، فتبطل به (ولو) كان (مكرها) لأنه أتى بما يفسد الصلاة عمدا، ولان الاكراه نادر (لا إن تكلم مغلوبا على الكلام) بأن خرجت الحروف منه بغير اختياره (مثل إن سلم سهوا) فلا تبطل صلاته به. وتقدم أو نام (فتكلم) لرفع القلم عنه. ولعدم صحة إقراره وعتقه. وقد توقف أحمد عن الجواب عنه (أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة لا من القرآن) لأنه لا يمكنه التحرز منه (أو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب، فبان حرفان) فلا تبطل صلاته، لما مر (وإن قهقه) في الصلاة (بطلت) حكاه ابن المنذر إجماعا (ولو لم يبن حرفان) لما روى جابر أن النبي (ص) قال: القهقهة تنقص الصلاة ولا تنقض الوضوء رواه الدارقطني بإسناد فيه ضعف. ولأنه تعمد فيها ما ينافيها. أشبه خطاب الآدمي. و (لا) تبطل الصلاة (إن تبسم) فيها. وهو قول الأكثر. حكاه ابن المنذر (وإن نفخ) فبان حرفان. فككلام، لما روى سعيد عن ابن عباس: من نفخ في صلاته فقد تكلم وعن أبي هريرة نحوه. لكن قال ابن المنذر: لا يثبت عنهما. وما روي من عدم الابطال به عن ابن مسعود وغيره: الأولى حمله على ما إذا لم ينتظم منه حرفان (أو انتحب) أي رفع صوته بالبكاء (لا من خشية الله) فبان حرفان، فككلام لأنه من جنس كلام الآدميين. وظاهره، لا فرق بين ما غلب صاحبه وما لم يغلبه. لكن قال في المغني والنهاية: إنه إذا غلب صاحبه لم يضره. لكونه غير داخل في وسعه. ولم يحكيا فيه خلافا. قاله في المبدع (أو تنحنح من غير حاجة، فبان
485 حرفان فككلام) لأنه إذا أبانها كان متكلما أشبه ما لو تأوه لغير خشية الله: فبان حرفان، وظاهره، أنه إن تنحنح لحاجة لم تبطل. ولو بان حرفان. نقل المروزي ومهنا عن أحمد: أنه كان يتنحنح في صلاته، ويعضده: ما رواه أحمد وابن ماجة عن علي قال: كان لي مدخلان من النبي (ص) بالليل والنهار. فإذا دخلت عليه وهو يصلي يتنحنح لي وللنسائي معناه، ولأنها صوت لا يدل بنفسه. ولا مع لفظ غيره على معنى لكونها حروفا غير محققة. كصوت أغفل. ولا يسمى فاعلها متكلما. بخلاف النفخ والتأوه. تنبيه: ما ذكره المصنف وصاحب المنتهى ومن وافقهما: كالجمع بين كلام الامام والأصحاب فإن الامام كان يتنحنح في صلاته كما تقدم، والأصحاب جعلوا النحنحة كالنفخ والقهقهة، وحملوا ما روي عن الإمام علي أنه لم يأت بحرفين. ورده الموفق بأن ظاهر حاله أنه لم يعتبر ذلك، لأن الحاجة تدعوا إليها (ويكره استدعاء البكاء ك) - ما يكره استدعاء (الضحك) لئلا يظهر حرفان فتبطل صلاته (ويأتي إذا لحن في الصلاة في) باب (صلاة الجماعة) مفصلا. تتمة: علم مما سبق. إن الكلام المبطل للصلاة: ما انتظم حرفين فصاعدا لأن الحرفين يكونان كلمة، كأب وأخ. وكذلك الأفعال والحروف. لا تنتظم كلمة من أقل من حرفين. قاله في الشرح. ويرد عليه نحو: ق وع. فصل: في السجود عن نقص في صلاته، (من نسي ركنا غير التحريمة) أي تكبيرة الاحرام (لعدم انعقاد الصلاة بتركها) وكذا
486 النية على القول بركنيتها (فذكره بعد شروعه في قراءة) الركعة (التي بعدها) أي المتروك منها الركن (بطلت) الركعة (التي تركه منها فقط) نص عليه. لأنه ترك ركنا ولم يمكنه استدراكه لتلبسه بالركعة التي بعدها. فلغت ركعته. وصارت التي شرع فيها عوضا عنها ولا يعيد الاستفتاح نص عليه في رواية الأثرم. فإن كان الترك من الأولى صارت التي شرع فيها عوضا. الثانية أولته، والثالثة ثانيته، والرابعة ثالثته، ويأتي بركعة. وكذا القول في الثانية والثالثة. وعلم منه: أنه لا يبطل ما مضى من الركعات قبل المتروك ركنها. وقال ابن الزاغوني: بلى، وبعده ابن تميم وغيره (فإن رجع) إلى ما تركه (عالما عمدا، بطلت صلاته) لأنه ترك الواجب عمدا. وإن رجع سهوا أو جهلا لم تبطل صلاته. لكنه لا يعتد بما يفعله في الركعة التي تركه منها لأنها فسدت بشروعه في قراءة غيرها. فلم تعد إلى الصحة بحال. ذكره في الشرح (وإن ذكره) أي الركن المنسي (قبله) أي قبل شروعه في القراءة التي بعدها (عاد لزوما فأتى به) أي بالمتروك. نص عليه لكون القيام غير مقصود في نفسه. لأنه يلزم منه قدر القراءة الواجبة وهي المقصودة. ولأنه أيضا ذكره في موضعه، كما لو ترك سجدة من الركعة الأخيرة فذكرها قبل السلام، فإنه يأتي بها في الحال، (و) أتى (بما بعده نصا) من الأركان والواجبات، لوجوب الترتيب (فلو ذكرا الركوع وقد جلس أتى به وبما بعده) لما تقدم (وإن سجد سجدة، ثم قام) قبل سجوده الثانية ناسيا (فإن كان جلس للفصل) بين السجدتين (سجد الثانية ويجلس) للفصل، لحصوله في محله (وإلا) أي وإن لم يكن جلس للفصل (جلس) له، (ثم سجد) الثانية تداركا لما فاته (وإن كان جلس) بعد السجدة الأولى (للاستراحة لم يجزئه) جلوسه (عن جلسته للفصل، كنيته بجلوسه نفلا) فإنه لا يجزئه عن جلسة الفصل لوجوبها (فإن لم يعد) إلى الركن المتروك من ذكره قبل شروعه في قراءة الأخرى (عمدا، بطلت صلاته) لتركه الواجب عمدا، (و) إن لم يعد (سهوا أو جهلا بطلت الركعة فقط) لأنه فعل غير متعمد. أشبه ما لو مضى قبل ذكر المتروك، حتى شرع في القراءة (فإن علم) بالمتروك (بعد السلام فهو كتركه ركعة كاملة) لأن الركعة التي لغت
487 بتركها ركنها غير معتد بها. فوجودها كعدمها، فإذا سلم قبل ذكرها فقد سلم من نقص ( يأتي بها) أي بالركعة (مع قرب الفصل عرفا كما تقدم) ولو انحرف عن القبلة أو خرج من المسجد، نص عليه. ويسجد له قبل السلام. نقله حرب، بخلاف ترك الركعة بتمامها. قاله في المبدع. وإن طال الفصل. أو حدث. بطلت لفوات الموالاة. كما لو ذكره في يوم آخر (فإن كان المتروك تشهدا أخيرا) أتى به وسجد وسلم، (أو) كان المتروك (سلاما أتى به وسجد) للسهو (وسلم) ولم يكن كترك ركعة. وظاهره أو صريحه: أن السجود هنا بعد السلام، مع أنه ليس من المسألتين الآتي استثناؤهما (وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات) من كل ركعة سجدة (وذكر في التشهد، سجد في الحال سجدة فصحت له ركعة، ثم أتى بثلاث ركعات، وسجد للسهو وسلم) لأن كل واحدة من الثلاث الأول بطلت بشروعه في قراءة التي بعدها. وبقيت الرابعة ناقصة. فيتمها بسجدة فتصح. وتصير أولاه. ويأتي بالثلاث الباقية، (وإن ذكر) أنه ترك أربع سجدات من أربع ركعات (بعد سلامه بطلت صلاته نصا) لأن الركعة الأخيرة بطلت أيضا بسلامه فلم يصح له شئ من صلاته يبني عليه، (وإن ذكر) ذلك (وقد قرأ في الخامسة فهي أولاه) لأن الأولى بطلت بشروعه في قراءة الثانية، والثانية بطلت بشروعه في قراءة الثالثة، والثالثة بطلت بشروعه في قراءة الرابعة، والرابعة بطلت بشروعه في قراءة الخامسة، (فيبني عليها)، (وتشهده قبل سجدتي) الركعة (الأخيرة زيادة فعلية) يجب السجود لسهوها. ويبطل الصلاة عمدها، لأنه ليس محلا للجلوس، (و) تشهده (قبل السجدة الثانية زيادة قولية) يسن السجود لها سهوا، ولا يبطل عمدها الصلاة: لأنه ذكر مشروع في الصلاة في الجملة. والجلوس له ليس بزيادة، لأنه بين السجدتين، فهو محل جلوس. وإن نسي سجدتين أو ثلاثا من ركعتين جهلهما أتى بركعتين وثلاثا، أو أربعا من ثلاث جهلها أتى بثلاث وخمسا من أربع، أو ثلاث أتى بسجدتين، ثم بثلاث ركعات، أو بركعتين ومن الأولى سجدة ومن الثانية سجدتين، ومن الرابعة سجدة أتى بسجدة، ثم بركعتين (وإن نسي التشهد الأول وحده) بأن جلس له ولم يتشهد (أو) نسيه (مع الجلوس له ونهض، لزمه الرجوع والاتيان به) أي بما تركه من التشهد جالسا (ما لم يستتم
488 قائما) لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي (ص) قال: إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما، فليجلس، وإذا استتم فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة من رواية جابر الجعفي. وقد تكلم فيه. ولأنه أخل بواجب، وذكره قبل الشروع في ركن. فلزمه الاتيان به، كما لو لم تفارق ركبتاه الأرض. وظاهره: أنه يرجع، ولو كان إلى القيام أقرب (ويلزم المأموم متابعته) أي الامام إذا رجع إلى التشهد (ولو بعد قيامهم وشروعهم في القراءة) لحديث: إنما جعل الامام ليؤتم به والاعتبار بقيامهم قبله (وإن استتم قائما، ولم يقرأ) أي لم يشرع في القراءة (فعدم رجوعه أولى) من رجوعه. لما تقدم من حديث المغيرة. وإنما جاز رجوعه لأنه لم يلتبس بركن مقصود، لأن القيام ليس بمقصود في نفسه. ولهذا جاز تركه، عند العجز، بخلاف غيره من الأركان، (ويتابعه) أي الامام إذا قام سهوا عن التشهد (المأموم) ويسقط عنه التشهد في الجلوس إذن، كما تقدم (ولو علم) المأموم (تركه) أي ترك الامام التشهد (قبل قيامه) أي المأموم أو الامام (ولا يتشهد) المأموم بعد قيام إمامه سهوا. لحديث: إنما جعل الامام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، (وإن رجع) الامام بعد أن استتم قائما ولم يقرأ - إلى التشهد (جاز) أي لم يحرم، (وكره) خروجا من خلاف من أوجب المضي لظاهر حديث المغيرة. وصححه الموفق، (وإن قرأ) ثم ذكر التشهد (لم يجز له الرجوع) إلى التشهد لحديث المغيرة. ولأنه شرع في ركن مقصود. كما لو شرع في الركوع. وتبطل صلاة الامام إذا رجع بعد شروعه فيها، إلا أن يكون جاهلا أو ناسيا. ومن علم بتحريمه وهو في التشهد. نهض، ولم يتم الجلوس. وكذا حال المأمومين إن تبعوه. وإن سبحوا به قبل أن يعتدل، فلم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتبعوه. وقيل: بل يفارقونه، ويتمون صلاتهم (وعليه السجود لذلك كله) لحديث المغيرة،
489 ولقوله (ص): إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين، (وكذا حكم تسبيح الركوع والسجود ورب اغفر لي بين السجدتين، وكل واجب تركه سهوا ثم ذكره، فيرجع إلى تسبيح ركوع قبل اعتدال، لا بعده) ذكره القاضي، قياسا على القيام من ترك التشهد. قال في المبدع: وليس مثله لأن التشهد واجب في نفسه غير متعلق بغيره. بخلاف بقية الواجبات. لأنها تجب في غيرها كالتسبيح انتهى، وحيث جاز رجوعه فعاد إلى الركوع. أدرك المسوق الركعة به، (وإن ترك ركنا) كالركوع والطمأنينة فيه (لا يعلم موضعه) بأن جهل: أهو من الأولى أو من غيرها؟ (بنى على الأحوط) ليخرج من العهدة بيقين (فلو ذكر في التشهد أنه ترك سجدة لا يعلم) أهي (من الأولى أم من الثانية جعلها من) الركعة (الأولى وأتى بركعة) بدلها (وإن ترك سجدتين لا يعلم) أهما (من ركعة، أو) من (ركعتين) جعلهما من ركعتين احتياطا. فإن ذكرهما قبل الشروع في القراءة (سجد سجدة، وحصلت له ركعة) ثم يأتي بركعة، ليخرج من العبادة بيقين، (وإن ذكره) أي المتروك، وهو سجدتان لا يعلم من ركعة أو من ركعتين (بعد شروعه في قراءة الثالثة لغت الأولتان) لأن الأحوط كونهما من ركعتين. كما تقدم. وكل منهما تبطل بشروعه في قراءة التي بعدها (وإن ترك سجدة لا يعلم من أي ركعة أتى بركعة كاملة) لاحتمال أن تكون من غير الأخيرة (ولو جهل عين الركن المتروك) بأن ذكر أنه ترك ركنا وجهل عينه (بنى على الأحوط أيضا، فإن شك في القراءة والركوع) أي شك هل المتروك قراءة أو ركوع؟ (جعله قراءة) فيأتي بها، ثم بالركوع للترتيب (وإن شك في الركوع والسجود جعله ركوعا) فيأتي به ثم بالسجود، (فإن ترك آيتين متواليتين من الفاتحة جعلهما من ركعة) عملا بالظاهر (وإن لم يعلم تواليهما جعلهما من
490 ركعتين) احتياطا، لئلا يخرج من الصلاة وهو شاك فيها. فيكون مغررا بها لقوله (ص): لا غرار في الصلاة ولا تسليم رواه أبو داود. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن تفسيره. فقال: أما أنا فلا أراه يخرج منها إلا على يقين أنها قد تمت. فصل: القسم الثالث مما يشرع له سجود السهو الشك في بعض صوره وقد ذكره بقوله (من شك في عدد الركعات بنى على اليقين ولو) كان الشاك (إماما) روي عن عمر وابنه وابن عباس. لما روى أبو سعيد أن النبي (ص) قال: إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر: كم صلى؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم رواه مسلم وكطهارة وطواف. ذكره ابن شهاب. ولان الأصل عدم ما شك فيه. وكما لو شك في أصل الصلاة. وسواء تكرر ذلك منه أو لا. قاله في المستوعب وغيره (وعنه يبني إمام على غالب ظنه) والمنفرد على اليقين. ذكر في المقنع: أن هذا ظاهر المذهب وجزم به في الكافي والوجيز. وذكر في الشرح: أنه المشهور عن أحمد، وأنه اختيار الخرقي. ولان للامام من ينبهه، ويذكره إذا أخطأ الصواب، بخلاف المنفرد (إن كان المأموم أكثر من واحد وإلا) أي وإن لم يكن المأموم أكثر من واحد (بنى) الامام (على اليقين) كالمنفرد. لأنه لا يرجع إليه. بدليل المأموم
491 الواحد لا يرجع إلى فعل إمامه (اختاره) أي القول بأن الامام يبني على غالب ظنه (جمع) منهم من سبق بيانه (ويأخذ مأموم عند شكه بفعل إمامه، إذا كان المأموم اثنين فأكثر) لأنه يبعد خطأ اثنين وإصابة واحد قال في المبدع: وأما المأموم فيتبع إمامه، مع عدم الجزم بخطئه. وإن جزم بخطئه لم يتبعه ولم يسلم قبله، (و) المأموم (في فعل نفسه يبني على اليقين) لما تقدم (فلو شك) المأموم (هل دخل معه) أي الامام (في) الركعة (الأولى أو الثانية جعله) أي الدخول معه (في الثانية) فيقضي ركعة إذا سلم إمامه احتياطا، (ولو أدرك) المأموم (الامام راكعا، ثم شك بعد تكبيره) للاحرام (هل رفع الامام رأسه قبل إدراكه راكعا لم يعتد بتلك الركعة) لاحتمال رفعه من الركوع قبل إدراكه فيه (وحيث بنى) المصلي (على اليقين فإنه يأتي بما بقي عليه) من صلاته، ليخرج من عهدته (فإن كان مأموما أتى به بعد سلام إمامه) كالمسبوق، ولا يفارقه قبل ذلك لعدم الحاجة إليه (وسجد للسهو) ليجبر ما فعله مع الشك فإنه نقص في المعنى، (وإن كان المأموم واحدا) وشك في عدد الركعات ونحوه (لم يقلد إمامه) لاحتمال السهو منه (كما لم يرجع (ص) لقول ذي اليدين) وحده (ويبني على اليقين) لما تقدم. فإن سلم إمامه أتى بما شك فيه (ولا أثر لشكه) أي المصلي (بعد سلامه وكذلك سائر العبادات لو شك فيها بعد فراغها) لأن الظاهر أنه أتى بها على الوجه المشروع. وتقدم في الطهارة (ومن شك) قبل السلام (في ترك ركن فهو كتركه) ويعمل باليقين. لأن الأصل عدمه (ولا يسجد لشكه في ترك واجب) لأن الأصل عدم وجوبه فلا يسجد بالشك، (ولا) يسجد (لشكه: هل سها) لأن الأصل عدمه، (أو) شكه (في زيادة) بأن شك في التشهد، هل زاد شيئا أو لا لم يسجد. لأن الأصل عدم الزيادة (إلا إذا شك فيها وقت فعلها) بأن شك في الأخيرة: هل هي زائدة أو لا؟ أو وهو ساجد: هل سجوده زائدة أو لا؟ فيسجد لذلك، جبرا للنقص الحاصل فيه بالشك، (ولا) يسجد (لشكه إذا زال) شكه
492 (وتبين أنه مصيب فيما فعله) إماما كان أو غيره لزوال موجب السجود، (ولو شك) من سها (هل سجد لسهوه أم لا، سجد) للسهو، وكفاه سجدتان (وليس على المأموم سجود سهو) لحديث ابن عمر يرفعه: ليس على من خلف الامام سهو، فإن سها الامام فعليه وعلى من خلفه رواه الدارقطني. وظاهره: ولو كان أتى بما محل سجوده بعد السلام (إلا أن يسهو إمامه فيسجد) المأموم (معه) سواء سها المأموم أو لا. حكاه إسحاق وابن المنذر إجماعا لعموم قوله (ص): إنما جعل الامام ليؤتم به. فإذا سجد فاسجدوا (ولو لم يتم) المأموم (التشهد، ثم يتمه) بعد سجوده مع إمامه متابعة له، (ولو) كان المأموم (مسبوقا سواء كان سهو إمامه فيما أدركه) المسبوق (معه أو قبله، وسواء سجد إمامه قبل السلام أو بعده) لعموم ما تقدم (فلو قام) المسبوق لقضاء ما فاته (بعد سلام إمامه رجع) وجوبا إن لم يستتم قائما (فسجد معه) لسهوه. وإن استتم قائما. كره رجوعه (وإن شرع في القراءة لم يرجع) أي حرم رجوعه. كما لو نهض عن التشهد الأول. هذا معنى كلامه في الشرح (وإن أدركه) المسبوق (في إحدى سجدتي السهو الأخيرة سجد معه) السجدة التي أدركه فيها، متابعة له (فإذا سلم) إمامه (أتى) المسبوق (ب) - السجدة (الثانية) من سجدتي السهو، ليوالي بين السجدتين، (ثم قضى) المسبوق (صلاته نصا) لعموم قوله (ص): فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا، (وإن أدركه) المسبوق (بعد سجود السهو وقبل السلام. لم يسجد) المسبوق لسهو إمامه. لأن سهو الامام قد انجبر بسجوده قبل دخوله معه. أشبه ما لو لم يسه، (ويسجد مسبوق لسلامه مع إمامه سهوا) لأنه صار منفردا بسلام إمامه، (و) يسجد مسبوق (لسهوه معه) أي مع إمامه، (و) يسجد مسبوق لسهوه (فيما انفرد به) رواية واحدة،
493 قاله في المبدع، وظاهره: لو كان سجد مع إمامه لسهوه. كما يعلم مما صوروا به ستة تشهدات في المغرب. ويأتي في الجماعة (حتى فيمن فارقه لعذر) أي لو سها الامام أو المأموم وهو معه، ثم فارقه لعذر يبيح المفارقة، فإنه يسجد للسهو. لأنه صار صلاته منفردا (ولا يعيد) المسبوق (السجود إذا سجد مع إمامه لسهو إمامه) لأنه قد سجد وانجبرت صلاته. وظاهره: ولو كان عليه سهو فيما أدركه مع الامام (وإن لم يسجد) المسبوق (معه) أي مع إمامه لسهوه لعذر (سجد) المسبوق (آخر الصلاة) وجها واحدا قاله في المبدع (وإن لم يسجد الإمام) لسهوه (سهوا أو عمدا، لاعتقاده عدم وجوبه، سجد المأموم بعد سلامه والإياس من سجوده) لأن صلاته نقصت بسهو إمامه. فلزمه جبرها. كما لو انفرد لعذر. ولعموم قوله (ص): فعليه وعلى من خلفه، (لكن يسجد المسبوق) الذي لم يسجد إمامه لسهوه (إذا فرغ) من قضاء ما فاته. لأن محل سجود السهو آخر الصلاة. وإنما كان يسجده مع الامام متابعة. له وإن ترك الامام سجود السهو الواجب قبل السلام مع اعتقاده وجوبه عمدا. بطلت صلاة الامام. قال في المبدع: وفي صلاتهم روايتان. وفي الشرح: وجهان. قلت: مقتضى ما تقدم بطلان صلاتهم. وإن كان محله بعد السلام لم تبطل صلاته، ولا صلاتهم لما يأتي. ولما انتهى الكلام على أسباب سجود السهو أخذ يتكلم على أحكامه، وكيفيته وما يتعلق بذلك فقال: (وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب) لقوله (ص): ثم ليسجد سجدتين والأصل في الامر للوجوب، ودخل فيما يبطل عمده: الزيادة والنقصان والشك في صوره المتقدمة (سوى نفس سجود سهو) محله (قبل السلام، فإنها) أي الصلاة (تصح مع سهوه) أي مع تركه سهوا. كسائر الواجبات (وتبطل بتركه عمدا ولا يجب
494 السجود له) أي لا يجب السجود لتركه سهوا، بل إن ذكره قريبا أتى به بشرطه الآتي، وإلا سقط. لفوت محله (وسوى ما إذا لحن لحنا يحيل المعنى سهوا أو جهلا) فإن عمده يبطل الصلاة. ولا يجب السجود لسهوه، أو فعله جهلا (قاله المجد) عبد السلام بن تيمية (في شرحه) على الهداية (والمذهب: وجوب السجود) للحن المحيل للمعني سهوا أو جهلا. كسائر ما يبطل عمده الصلاة (ومحله) أي سجود السهو (ندبا) قال القاضي: لا خلاف في جواز الامرين، أي السجود قبل السلام وبعده. وإنما الكلام في الأولى والأفضل. فلا معنى لادعاء النسخ (قبل السلام) لأنه إتمام للصلاة، فكان فيها كسجود صلبها (إلا في السلام قبل إتمام صلاته إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر) لحديث عمران بن حصين وذي اليدين، ولأنه من إتمام الصلاة. فكان قبل السلام كسجود صلبها، وقوله: عن نقص ركعة فأكثر: تبع فيه صاحب الخلاف والمحرر وغيرهما حيث قالوا: عن نقص ركعة وإلا قبله. نص عليه ولم يقيده به في المقنع وغيره. قال في المبدع: فظاهره: لا فرق بين أن يسلم عن نقص ركعة أو أقل، ثم حكى ما تقدم عن الخلاف والمحرر وغيرهما، (و) إلا (فيما إذا بنى الامام على غالب ظنه إن قلنا به) وتقدم بيانه، (ف) - إنه يسجد للسهو (بعده) أي بعد السلام (ندبا نصا) لحديث علي وابن مسعود مرفوعا: إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم ما عليه ثم ليسجد سجدتين متفق عليه. وفي البخاري: بعد التسليم، (وإن نسيه) أي سجود السهو (قبل السلام) أتى به بعده، ما لم يطل الفصل، لما روى ابن مسعود أن النبي (ص) سجد بعد السلام والكلام رواه مسلم، (أو) نسيه (بعده) أي بعد السلام أي عقبه (أتى، به ما لم يطل الفصل عرفا. ولو انحرف عن القبلة أو تكلم) لما تقدم (فلو) نسي سجود السهو حتى (شرع في صلاة) ثم ذكره (قضاه إذا سلم) إن لم يطل الفصل (وإن طال الفصل) لم يسجد. لأنه لتكميل الصلاة. فلا يأتي به بعد طول الفصل. كركن من أركانها (أو خرج
495 من المسجد) لم يسجد. لأن المسجد محل الصلاة. فاعتبرت فيه المدة. كخيار المجلس (أو أحدث لم يسجد) للسهو، لفوات شرط الصلاة (وصحت) صلاته لأنه جابر للعبادة، كجبرانات الحج. فلم تبطل بفواته (ويكفيه لجميع السهو سجدتان، ولو اختلف محلهما) أي محل السهوين لأنه (ص) سها فسلم وتكلم بعد سلامه، وسجد لهما سجودا واحدا ولأنه شرع للجبر. فكفى فيه سجود واحد، كما لو كان من جنس. ولأنه إنما أخر ليجمع السهو كله، وأما حديث ثوبان: لكل سهو سجدتان بعد سلام فالسهو اسم جنس. ومعناه: لكل صلاة فيها سهو سجدتان. يدل عليه قوله: بعد السلام ولا يلزمه بعد السلام سجودان، (و) إذا اجتمع سهوان أحدهما قبل السلام والآخر بعده فإنه (يغلب ما قبل السلام) على ما بعده. لأن ما قبل السلام آكد، ولسبقه (وإن شك في محل سجوده) بأن حصل له سهو وشك: هل السجود له قبل السلام، أو بعده؟ (سجد قبل السلام) لأنه الأصل (ومتى سجد) للسهو (بعد السلام) سواء كان محله قبله أو بعده (كبر، ثم سجد سجدتين) كسجود صلب الصلاة، (ثم جلس) مفترشا في الثانية ومتوركا في غيرها (فتشهد وجوبا) التشهد الأخير، ثم سلم وهو قول جماعة منهم ابن مسعود، لحديث عمران بن حصين: أن النبي (ص) سها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم رواه أبو داود، والترمذي وحسنه. ولأنه سجود يسلم له، فكان معه تشهد يعقبه كسجود الصلب، (وتقدم) بعضه (في الباب قبله، وإن سجد قبله) أي قبل السلام (سجد سجدتين بلا تشهد بعدهما) ذكره في الخلاف. إجماعا (وسجود سهو) كسجود صلب الصلاة، (وما يقول فيه) أي في سجود السهو (و) ما يقول (بعد الرفع منه، كسجود صلب الصلاة) لما تقدم من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين: ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، (ومن ترك السجود الواجب) للسهو (عمدا لا سهوا بطلت) صلاته (ب) - ترك (ما) محله (قبل السلام) لأنه ترك الواجب عمدا. كغيره من الواجبات. و (لا) تبطل (ب) - ترك (ما) محله (بعده) أي بعد السلام (لأنه) جبر للعبادة خارج عنها (منفرد عنها) فلم تبطل بتركه، كجبرانات الحج. ولأنه (واجب لها كالاذان) يعني أنه يفرق بين الواجب في الصلاة والواجب لها. لأن الاذان واجب للصلاة كالجماعة. ولا تبطل بتركه بخلاف الواجبات في الصلاة إذا ترك منها شيئا.
496 باب صلاة التطوع قال في الاختيارات: التطوع تكمل به صلاة الفرض يوم القيامة إن لم يكن المصلي أتمها وفيه حديث مرفوع رواه أحمد في المسند وكذلك الزكاة، وبقية الأعمال اه. وقال أبو العباس في الرد على الرافضي: جاءت السنة بثوابه على ما فعله وعقابه على ما تركه، ولو كان باطلا كعدمه لم يجبر بالنوافل شئ. والباطل في عرف الفقهاء ضد الصحيح في عرفهم، وهو ما أبرأ الذمة فقولهم: تبطل صلاة وصوم من ترك ركنا بمعنى وجب القضاء لا بمعنى أنه لا يثاب عليهما شيئا في الآخرة، (وهو) أي التطوع في الأصل: فعل الطاعة، و (شرعا) وعرفا (طاعة غير واجبة) والنفل والنافلة: الزيادة والتنفل والتطوع (وأفضله) أي التطوع (الجهاد) قال أحمد: لا أعلم شيئا بعد الفرائض أفضل من الجهاد. ويأتي له مزيد إيضاح في كتاب الجهاد، (ثم توابعه) أي الجهاد (من نفقة وغيرها، فالنفقة فيه) أي الجهاد (أفضل من النفقة في غيره) من أعمال البر. لقوله تعالى: * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة) * الآية، (ثم علم، تعلمه وتعليمه من حديث وفقه ونحوهما) كتفسير وأصول لحديث: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم الحديث. وتقدم في الخطبة. قال أبو الدرداء: العالم والمتعلم في الاجر سواء، وسائر الناس همج لا خير فيهم ونقل مهنا: طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته. قيل: فأي شئ تصحيح النية؟ قال: ينوي أن يتواضع فيه وينفي عنه الجهل. وقال لأبي داود: شرط النية شديد، حبب إلي، فجمعته. وسأله ابن هانئ: يطلب الحديث بقدر ما يظن أنه قد انتفع به؟ قال: العلم لا يعد له شئ. ونقل ابن منصور: أن تذاكر بعض ليلة أحب إلى أحمد من إحيائها وإنه العلم الذي ينتفع به الناس في أمور دينهم. قلت: الصلاة، والصوم، والحج، والطلاق ونحو هذا؟ قال: نعم. قال الشيخ تقي الدين: من فعل هذا أو غيره مما هو خير في نفسه، لما فيه من المحبة له لا لله ولا لغيره من الشركاء. فليس مذموما، بل قد يثاب بأنواع من الثواب، إما بزيادة فيها وفي أمثالها، فيتنعم بذلك في الدنيا. قال: وقد يكون من فوائد ذلك وثوابه في الدنيا، أن يهديه الله إلى أن يتقرب بها إليه. وهو معنى قول بعضهم: طلبنا
497 العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله وقول الآخر: طلبهم له نية يعني نفس طلبه حسن ينفعهم. قال أحمد: ويجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه. قيل له: فكل العلم يقوم به دينه. قال: الفرض الذي يجب عليه في نفسه لا بد له من طلبه. قيل: مثل أي شئ؟ قال: الذي لا يسعه جهله: صلاته، وصيامه، ونحو ذلك. ومراد أحمد: ما يتعين وجوبه. وإن لم يتعين ففرض كفاية، ذكره الأصحاب. فمتى قامت طائفة بعلم لا يتعين وجوبه قامت بفرض كفاية، ثم من تلبس به فنفل في حقه، ووجوبه مع قيام غيره به دعوى تفتقر إلى دليل. وليحذر العالم ويجتهد، فإن ذنبه أشد، نقل المروزي: العالم يقتدى به. ليس العالم مثل الجاهل، ومعناه لابن المبارك وغيره. وقال الفضيل بن عياض: يغفر لسبعين جاهلا قبل أن يغفر لعالم واحد. وقال الشيخ تقي الدين: أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه. فذنبه من جنس ذنب اليهود. والله أعلم. وفي آداب عيون المسائل: العلم أفضل الأعمال، وأقرب العلماء إلى الله وأولاهم به، أكثرهم له خشية، (ثم صلاة) لما روى سالم بن أبي الجعد عن ثوبان أن النبي (ص) قال: استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة رواه ابن ماجة وإسناده ثقات إلى سالم. قال: أحمد: سالم لم يلق ثوبان، بينهما شعبان بن أبي طلحة. وله طرق فيها ضعف. ولان فرضها آكد الفروض. فتطوعها آكد التطوعات. ولأنها تجمع أنواعا من العبادة: الاخلاص، والقراءة، والركوع، والسجود، ومناجاة الرب، والتوجه إلى القبلة، والتسبيح، والتكبير، والصلاة على النبي (ص) (ونص) الامام (أحمد: أن الطواف لغريب أفضل من الصلاة في المسجد الحرام) نقل حنبل: نرى لمن قدم مكة أن يطوف. لأن الطواف أفضل من الصلاة. والصلاة بعد ذلك. وعن ابن عباس: الطواف لأهل العراق. والصلاة لأهل مكة. وكذا عطاء. وذلك لأن الصلاة لا تختص بمكان، فيمكن التنفل بها في أي مكان أراد، بخلاف الطواف، (ثم سائر ما تعدى نفعه من عيادة مريض، وقضاء حاجة مسلم، وإصلاح بين الناس ونحوه) كإبلاغ حاجة من لا يستطيع إبلاغها إلى ذي سلطان، لأن نفعه متعد. أشبه الصدقة. وعن
498 أبي الدرداء مرفوعا: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام، والصدقة؟ قالوا: بلى: قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه، ونقل حنبل: اتباع الجنازة أفضل من الصلاة. ولهذا حمل صاحب المحرر وغيره أفضلية الصلاة على النافع القاصر كالحج، وإلا فالمتعدي أفضل، (وهو) أي ما تعدى نفعه (متفاوت، فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق) أجنبي، لأنها صدقة وصلة (وعتق أفضل من صدقة على أجنبي) لما فيه من تخليصه من أسر الرق (إلا زمن غلاء وحاجة) فالصدقة، حتى على الأجنبي، أفضل من العتق، لمسيس الحاجة إليها، (ثم حج) لحديث: الحج جهاد كل ضعيف رواه ابن ماجة وغيره. وفي الباب أحاديث كثيرة. قال في الفروع: وظهر من ذلك، أن نفل الحج أفضل من صدقة التطوع، ومن العتق، ومن الأضحية. قال: وعلى ذلك إن مات في الحج مات شهيدا. قال: وعلى هذا فالموت في طلب العلم أولى بالشهادة، على ما سبق. وللترمذي - قال حسن غريب - عن أنس مرفوعا: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع وظاهر كلام أحمد والأصحاب وبقية العلماء: إن المرأة كالرجل في استحباب التطوع بالحج، لما سبق. ونقل أبو طالب: ليس يشبه الحج شئ، للتعب الذي فيه. ولتلك المشاعر. وفيه مشهد ليس في الاسلام مثله عشية عرفة. وفيه إنهاك المال والبدن، وإن مات بعرفة فقد طهر من ذنوبه، (ثم عتق) هكذا في المبدع، وهو معنى كلام الفروع فيما سبق. ومقتضى كلام المنتهى وغيره: إن العتق أفضل من الحج. لأنه مما يتعدى نفعه، كما هو مقتضى كلام المصنف أولا، (ثم صوم) لحديث: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به وإنما أضاف الله تعالى إليه الصوم لأنه لم يعبد به غيره في جميع الملل، بخلاف غيره، وإضافة عبادة إلى غير الله قبل الاسلام لا يوجب عدم أفضليتها في الاسلام. فإن الصلاة في الصفا والمروة أعظم منها في مسجد من مساجد قرى الشام إجماعا. وإن كان ذلك المسجد ما عبد فيه غير
499 الله قط وقد أضافه الله إليه. بقوله تعالى: * (وإن المساجد لله) * فكذا الصلاة مع الصوم. وقيل: أضاف الصوم إليه لأنه لا يطلع إليه غيره. وهذا لا يوجب أفضليته. وسأله (ص) رجل: أي العمل أفضل؟ قال: عليك بالصوم، فإنه لا مثيل له إسناده حسن. رواه أحمد، والنسائي من حديث أبي أمامة. فإن صح مما سبق أصح، ثم يحمل على غير الصلاة، أو بحسب السائل. قاله في الفروع. وكذلك اختار الشيخ تقي الدين أن كل واحد بحسبه. وقال في الرد على الرافضي: وقد يكون كل واحد أفضل في حال، كفعل النبي (ص) وخلفائه رضي الله عنهم، بحسب الحاجة والمصلحة. ويوافقه قول أحمد لإبراهيم بن جعفر: انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله (وقال الشيخ: استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من الجهاد الذي لم تذهب فيه نفسه وماله، وهي) أي العبادة التي تستوعب الليل والنهار (في غير العشر تعدل الجهاد) للأخبار الصحيحة المشهورة. وقد رواها أحمد. (ولعل هذا مرادهم) أي الأصحاب. قال في الفروع: ولعل هذا مراد غيره. وقال: العمل بالقوس والرمح أفضل في الثغر. وفي غيره نظيرها. وفي المتفق عليه عن أبي هريرة مرفوعا: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر وفي لفظ كالذي يصوم النهار ويقوم الليل، (وقال) الشيخ: (تعلم العلم وتعليمه يدخل بعضه في الجهاد، وأنه نوع من الجهاد) من جهة أن به إقامة الحجج على المعاند، وإقامة الأدلة فهو كالجهاد بالرأي على ما يأتي في الجهاد. تتمة: في خطبة كفاية بن عقيل: إنما تشرف العلوم بحسب مؤدياتها، ولا أعظم من الباري، فيكون العلم المؤدي إلى معرفته وما يجب له وما يجوز أجل العلوم. والأشهر عن أحمد: الاعتناء بالحديث والفقه، والتحريض على ذلك. وقال: ليس قوم خيرا من أهل الحديث. وعاب على محدث لا يتفقه، وقال: يعجبني أن يكون الرجل فهما في الفقه، قال الشيخ تقي الدين: قال أحمد: معرفة الحديث والفقه أعجب إلي من حفظه. وفي خطبة مذهب ابن الجوزي: بضاعة الفقه أربح البضائع. وفي كتاب العلم له: الفقه عمدة العلوم ا ه. ونقل مهنا عن أحمد أفضلية الفكر على الصلاة والصوم، فقد يتوجه أن عمل القلب أفضل من عمل الجوارح. ويكون مراد الأصحاب عمل الجوارح، ويؤيده: حديث: أحب
500 الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله وحديث: أوثق عرى الاسلام أن تحب في الله وتبغض في الله وقد جاء صاحب الفروع في هذا الباب بالعجب العجاب. فرحمه الله، وجزاه أحسن الجزاء (وآكد صلاة التطوع صلاة الكسوف) لأنه (ص) لم يتركها عند وجود سببها، بخلاف الاستسقاء فإنه كان يستسقي تارة ويترك أخرى، (ثم) صلاة الاستسقاء لأنه يشرع لها الجماعة مطلقا، أشبهت الفرائض، (ثم التراويح) لأنه لم يداوم عليها (ص) خشية أن تفرض. لكنها أشبهت الفرائض من حيث مشروعية الجماعة لها، (ثم الوتر) قدمه جماعة، منهم صاحب التلخيص. وجزم به في الوجيز وغيره. ووجهه: إن الجماعة شرعت للتراويح مطلقا. بخلاف الوتر. فإنه إنما تشرع له الجماعة تبعا للتراويح. ونقل حنبل: ليس بعد المكتوبة أفضل من قيام الليل، (وكان) الوتر (واجبا على النبي (ص)) لحديث: ثلاث كتبن علي، ولم تكتب عليكم: الضحى، والأضحى، والوتر واعترض بأنه (ص) كان يوتر على الراحلة. كما ثبت في الصحيحين وأجيب: بأنه يحتمل أنه من عذر، أو من خصائصه، أو أنه كان واجبا عليه في الحضر دون السفر، كما قال الحليمي وابن عبد السلام الشافعي، والقرافي، جمعا بين الدليلين. وليس بواجب على أمته (ص) لقوله للأعرابي، حين سأله عما فرض الله عليه من الصلاة قال: خمس صلوات. قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع متفق عليه. وكذب عبادة رجلا يقول: الوتر واجب. وقال سمعت النبي (ص) يقول: خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة الخبر. وعن علي قال: الوتر ليس بحتم كهيئة الصلاة المكتوبة. ولكنه سنة سنها النبي (ص) رواه أحمد والترمذي وحسنه.
501 ولأنه يجوز فعله على الراحلة من غير ضرورة. أشبه السنن. وأما حديث وأبي داود مرفوعا: من لم يوتر فليس منا ففيه ضعف، وحديث أبي أيوب: الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل. ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل. ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة ورواته ثقات، والنسائي. وقال الموفق: أولى بالصواب. فمحمول على تأكيد الاستحباب. لقول الإمام أحمد: من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل له شهادة، (ثم سنة فجر) لقول عائشة: لم يكن النبي (ص) على شئ من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر متفق عليه. وعن أبي هريرة يرفعه: صلوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل رواه أحمد، وأبو داود، (ثم سنة مغرب) لحديث أحمد عن عبيد مولى النبي (ص) قال: سئل أكان الرسول (ص) يأمر بصلاة بعد المكتوبة سوى المكتوبة؟ فقال: نعم، بين المغرب والعشاء، (ثم سواء في رواتب) أي باقي الرواتب، وهي ركعتا الظهر القبلية والبعدية، وركعتا العشاء سواء في الفضيلة (ووقت الوتر بعد صلاة العشاء) لقوله (ص) في حديث خارجة بن حذافة: لقد أمدكم الله بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، هي الوتر، فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر رواه أحمد وغيره. وفيه ضعف. وعن معاذ معناه مرفوعا. رواه أحمد من رواية عبد الله بن زحر. وهو ضعيف، (و) بعد (سنتها) أي العشاء استحبابا، ليوالي بين العشاء وسنتها. وقد أوضحته في حاشية المنتهى بكلام ابن قندس في حاشية الفروع، (ولو) كانت صلاة العشاء (في جمع تقديم) بأن جمعها مع المغرب في وقتها، لعموم ما سبق (إلى طلوع الفجر الثاني) لما
502 تقدم. ولقوله (ص): أوتروا قبل أن تصبحوا رواه مسلم. وأما حديث أبي نضرة مرفوعا: إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، فيحمل على حذف مضاف، أي وقت صلاة الصبح. جمعا بين الاخبار (ولا يصح) الوتر (قبل) صلاة (العشاء) لعدم دخول وقته. وفهم منه: أنه يصح بعد العشاء قبل سنتها، لكنه خلاف الأولى (والأفضل فعله آخر الليل لمن وثق من قيامه فيه وإلا) بأن لم يثق من قيامه (أوتر قبل أن يرقد) لحديث جابر عن النبي (ص) قال: أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر، ثم ليرقد. ومن وثق بقيامه من آخر الليل فليوتر من آخره. فإن قراءة آخر الليل محضورة. وذلك أفضل رواه مسلم، (ويقضيه مع شفعه إذا فات) وقته، لحديث أبي سعيد قال: قال النبي (ص): من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكره رواه أبو داود، (وأقله ركعة. ولا يكره) الايتار (بها مفردة، ولو بلا عذر من مرض، أو سفر ونحوهما) لحديث أبي أيوب. وهو قول كثير من الصحابة (وأكثره) أي الوتر وفي الوجيز: وأفضله (إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بركعة) نص عليه. لقول النبي (ص): صلاة الليل مثنى مثنى مثنى مثنى. فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة متفق عليه. وعن عائشة: كان النبي (ص) يصلي فيما بين أن تفرغ العشاء إلى الفجر: إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة رواه مسلم، (ويسن فعلها) أي الركعة (عقب الشفع، بلا
503 تأخير) لها عنه (نصا، وإن صلاها) أي الإحدى عشرة (كلها بسلام واحد، بأن سرد عشرا وتشهد) التشهد الأول (ثم قام فأتى بالركعة) جاز (أو سرد الجميع) أي الإحدى عشرة (ولم يجلس إلا في الأخيرة، جاز) لكن الصفة الأولى أولى. لأنها فعله (ص) (وكذا ما دونها) أي دون الإحدى عشرة، بأن أوتر بثلاث، أو بخمس، أو سبع أو تسع (وإن أوتر بتسع سرد ثمانيا، وجلس وتشهد) التشهد الأول (ولم يسلم ثم صلى التاسعة، وتشهد وسلم) لما روت عائشة: أن النبي (ص) كان يفعل ذلك رواه مسلم، (وإن أوتر بسبع أو خمس) سردهن، (ولم يجلس إلا في آخرهن) لحديث أم سلمة قالت: كان النبي (ص) يوتر بخمس أو سبع. لا يفصل بتسليم رواه النسائي. وعن عائشة: كان النبي (ص) يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شئ إلا في آخرها رواه مسلم. (وهو) أي عدم جلوسه إلا في آخرهن (أفضل فيهما) أي فيما إذا أوتر بسبع أو بخمس، وجزم في الكافي والمقنع فيما إذا أوتر بسبع: أن يسرد ستا، ويجلس يتشهد. ولا يسلم ثم يصلي السابعة. ويتشهد ويسلم. لفعله (ص) رواه أحمد وأبو داود من حديث عائشة. وأسناده ثقات (وأدنى الكمال ثلاث) ركعات. لأن الركعة الواحدة اختلف في كراهتها. والأفضل أن يتقدمها شفع. فلذلك كانت الثلاث أدنى الكمال (بسلامين) لحديث ابن عمر مرفوعا:
504 أفصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم رواه الأثرم (وهو) أي كون الثلاث بسلامين (أفضل) لما سبق (ويستحب أن يتكلم بين الشفع والوتر) ليفصل بينهما. وكان ابن عمر يسلم من ركعتين، حتى يأمر ببعض حاجته (ويجوز) أن يصلي الثلاث ركعات (بسلام واحد، ويكون سردا) فلا يجلس إلا في آخرهن، (ويجوز) أن يصلي الثلاث ركعات (كالمغرب) جزم به في المستوعب وغيره. وقال القاضي: إذا صلى الثلاث بسلام. ولم يكن جلس عقب الثانية. جاز، وإن كان جلس، فوجهان، أصحهما: لا يكون وترا (ويقرأ في) الركعة (الأولى) إذا أوتر بثلاث بعد الفاتحة (سبح، وفي الثانية * (قل يا أيها الكافرون) *، وفي الثالثة: * (قل هو الله أحد) *) لقول ابن عباس: إن النبي (ص) كان يقرأ ذلك رواه أحمد والترمذي. ورواه أبو داود وغيره من حديث أبي بن كعب، (ويسن أن يقنت فيها) أي في الركعة الأخيرة من الوتر (جميع السنة) لأنه (ص) كان يقول في وتره أشياء، يأتي ذكرها. وكان للدوام ولان ما شرع في رمضان شرع في غيره كعدده. وأما ما رواه أبو داود، والبيهقي أن أبيا كان يقنت في النصف الأخير من رمضان حين يصلي التراويح ففيه انقطاع، ثم هو رأي أبي (بعد الركوع) روي عن الخلفاء الراشدين. لحديث أبي هريرة وأنس: أن النبي (ص) قنت بعد الركوع متفق عليه. (وإن كبر ورفع يديه، ثم قنت قبله) أي قبل الركوع (جاز) لأنه روي عن جمع من الصحابة. قال الخطيب: الأحاديث التي جاء فيها قبل الركوع كلها معلولة (فيرفع يديه إلى صدره) ويبسطهما وبطونهما نحو السماء) نص على ذلك. لقوله (ص): إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك، ولا تدع بظهورهما. فإذا فرغت فامسح بهما وجهك رواه أبو داود، وابن ماجة،
505 (ومن أدرك مع الامام منها) أي من الثلاث ركعات (ركعة فإن كان الامام سلم من اثنتين أجزأ) ه ما أدركه. لأن أقل الوتر ركعة، (وإلا) أي وإن لم يكن الامام سلم من اثنتين (قضى، كصلاة الامام) لحديث: ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا ولان القضاء يحكي الأداء (ويقول في قنوته جهرا إن كان إماما أو منفردا نصا وقياس المذهب: يخير المنفرد في الجهر) بالقنوت (وعدمه كالقراءة) وظاهر كلام جماعة: أن الجهر يختص بالامام فقط. قال في الخلاف: وهو أظهر (اللهم) أصله يا الله كما تقدم. حذفت يا من أوله. وعوض عنها الميم في آخره. ولذلك لا يجمع بينهما إلا في ضرورة الشعر. ولحظوا في ذلك أن يكون الابتداء بلفظ اسم الله تعالى، تبركا وتعظيما. أو طلبا للتخفيف بتصيير اللفظين لفظا واحدا (إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك) أي نطلب منك المعونة والهداية والمغفرة (ونتوب إليك). التوبة: الرجوع عن الذنب، وشرعا: الندم على ما مضى من الذنب. والاقلاع في الحال. والعزم على ترك العود في المستقبل، تعظيما لله. فإن كان الحق لآدمي فلا بد أن يحلله. ذكره في المبدع (ونؤمن بك) أي نصدق بوحدانيتك (ونتوكل عليك) قال الجوهري: التوكل إظهار العجز والاعتماد على الغير. والاسم التكلان. وقال ذو النون المصري: هو ترك تدبير النفس، والانخلاع من الحول والقوة. وقال سهل بن عبد الله: هو الاسترسال مع الله على ما يريد (ونثني عليك الخير كله) أي نمدحك ونصفك بالخير. والثناء في الخير خاصة والثناء بتقديم النون في الخير والشر (ونشكرك ولا نكفرك) أصل الكفر الجحود والستر. قال في المطالع: والمراد هنا كفر النعمة، لاقترانه بالشكر (اللهم إياك نعبد) قال الجوهري: معنى العبادة: الطاعة والخضوع والتذلل. ولا يستحقه إلا الله تعالى. قال الفخر إسماعيل وأبو البقاء: العبادة ما أمر به شرعا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي. وسمي العبد عبدا لذله وانقياده لمولاه، (ولك نصلي ونسجد) لا لغيرك (وإليك نسعى) يقال: سعى يسعى سعيا إذا عدا. وقيل: إذا كان بمعنى الجري عدي بإلى، وإذا كان بمعنى العمل فباللام. لقوله تعالى: * (وسعى لها سعيها) *،
506 (ونحفد) بفتح النون ويجوز ضمها يقال: حفد بمعنى أسرع، وأحفد لغة فيه. فمعنى نحفد نسرع، أي نبادر بالعمل والخدمة (نرجو) أي نؤمل (رحمتك) سعة عطائك، (ونخشى) نخاف (عذابك) أي عقوبتك. لقوله تعالى: * (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم) * (إن عذابك الجد) بكسر الجيم: الحق لا اللعب (بالكفار ملحق) بكسر الحاء أي لاحق بهم. ويجوز فتحها لغة على معنى: أن الله تعالى يلحقه بهم. وهو معنى صحيح. قال في الشرح والمبدع: غير أن الرواية هي الأولى. وهذا الدعاء قنت به عمر رضي الله عنه. وفي أوله: بسم الله الرحمن الرحيم. وفي آخره: اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، وهاتان سورتان في مصحف أبي. قال ابن سيرين: كتبهما أبي في مصحفه إلى قوله: ملحق زاد غير واحد: ونخلع ونترك من يكفرك (اللهم اهدنا فيمن هديت) أصل الهدى: الرشاد والبيان: قال تعالى: * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) * فأما قوله تعالى: * (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) * فهي من الله تعالى: التوفيق والارشاد. وطلب الهداية من المؤمنين مع كونهم مهتدين. بمعنى طلب التثبيت عليها، وبمعنى المزيد منها، (وعافنا فيمن عافيت) من الأسقام والبلايا. والمعافاة أن يعافيك الله من الناس، ويعافيهم منك، (وتولنا فيمن توليت) الولي: ضد العدو. من تليت الشئ إذا عنيت به ونظرت إليه. كما ينظر الولي في مال اليتيم. لأنه تعالى ينظر في أمر وليه بالعناية. ويجوز أن يكون من وليت الشئ، إذا لم يكن بينك وبينه واسطة، بمعنى أن الولي يقطع الوسائط بينه وبين الله تعالى، حتى يصير في مقام المراقبة والمشاهدة وهو مقام الاحسان، (وبارك لنا) البركة الزيادة، وقيل: هي حلول الخير الإلهي في الشئ (فيما أعطيت) أي أنعمت به (وقنا شر ما قضيت، إنك سبحانك تقضي ولا يقضى عليك) سبحانه لا راد لامره، ولا معقب لحكمه. فإنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد (إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت،
507 تباركت ربنا وتعاليت) رواه أحمد. ولفظه له. وتكلم فيه، وأبو داود والترمذي وحسنه من حديث الحسن ابن علي. قال: علمني النبي (ص) كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني - إلى - وتعاليت وليس فيه ولا يعز من عاديت ورواه البيهقي، وأثبتها فيه. وتبعه المؤلف وغيره، والرواية إفراد الضمير، وجمعها المؤلف. لأن الامام يستحب له أن يشارك المأموم في الدعاء. وفي الرعاية لك الحمد على ما قضيت نستغفرك اللهم ونتوب إليك. لا لجأ ولا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك (اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك) قال الخطابي: في هذا معنى لطيف. وذلك أنه سأل الله أن يجيره برضاه من سخطه. وهما ضدان ومتقابلان. وكذلك المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة، لجأ إلى من لا ضد له، وهو الله. أظهر العجز، والانقطاع. وفزع منه إليه، فاستعاذ به منه. قال ابن عقيل: لا ينبغي أن يقول في دعائه: أعوذ بك منك. إذ حاصله أعوذ بالله من الله. وفيه نظر. إذ هو ثابت في الخبر (لا نحصي ثناء عليك) أي لا نحصي نعمك. والثناء بها عليك. ولا نبلغه ولا نطيقه. ولا منتهى غايته. والاحصاء: العد والضبط والحفظ. قال تعالى: * (علم أن لن تحصوه) * أي تطيقوه (أنت كما أثنيت على نفسك) اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء. ورد إلى المحيط علمه بكل شئ جملة وتفصيلا. كما أنه تعالى لا نهاية لسلطانه وعظمته، لا نهاية للثناء عليه لأنه تابع للمثنى عليه. روي أن النبي (ص) كان يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك. أنت كما أثنيت على نفسك رواه الخمسة ورواته ثقات. قال في الشرح: ويقول في قنوت الوتر ما روي عن النبي (ص) وأصحابه. وهو معنى ما نقله أبو الحرث، يدعو بما شاء، واقتصر جماعة على دعاء اللهم اهدنا
508 وظاهره: إنه يستحب، وإن لم يتعين. واختاره أحمد. ونقل المروزي: إنه يستحب بالسورتين. وإنه لا توقيت، (ثم يصلي على النبي (ص)) نص عليه (ولا بأس) أن يقول (وعلى آله، ولا بأس أن يدعو في قنوته بما شاء غير ما تقدم نصا. قال أبو بكر: مهما دعا به جاز) وتقدم ما فيه (ويرفع يديه إذا أراد السجود) نص عليه. لأنه مقصود في القيام. فهو كالقراءة (ويمسح وجهه بيديه) لما روى السائب بن يزيد عن أبيه: أن النبي (ص) كان إذا دعا رفع يديه ومسح بهما وجهه رواه أبو داود من رواية ابن لهيعة، و (كخارج الصلاة، والمأموم يؤمن بلا قنوت) إن سمع. وإن لم يسمع دعا. نص عليه (ويفرد المنفرد الضمير) لما تقدم، (وإذا سلم) من الوتر (سن قوله: سبحان الملك القدوس ثلاثا، يرفع صوته في الثالثة) للخبر. رواه أحمد عن عبد الرحمن بن أبزي. تتمة: قيل لأحمد: رجل قام يتطوع، ثم بدا له، فجعل تلك الركعة وترا. قال: كيف يكون هذا؟ قد قلب نيته. قيل له: أيبتدئ الوتر؟ قال: نعم (ويكره قنوته في غير الوتر) روي ذلك عن ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وأبي الدرداء، لما روى مسلم عن أنس: أن النبي (ص) قنت شهرا يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه وروى أبو هريرة وابن مسعود نحوه مرفوعا وعن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: إنك قد صليت خلف النبي (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان، وخلف علي، ههنا بالكوفة نحو خمس سنين، أكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: أي بني محدث رواه أحمد بإسناد صحيح والترمذي. وقال: العمل عليه عند أهل العلم. وليس فيه في الفجر. وأما حديث أنس: ما زال النبي (ص) يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا رواه أحمد وغيره فيحمل على أنه أراد طول القيام. فإنه يسمى قنوتا، أو أنه كان يقنت إذا دعا لقوم، أو دعا عليهم للجمع بينهما. يؤيده ما روى سعيد عن أبي هريرة أن النبي (ص) كان لا يقنت في الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا
509 عليهم، وكذلك ما روي عن عمر أنه كان يقنت في الفجر بمحضر من الصحابة وغيرهم يحمل على أنه كان في أوقات النوازل. وعن سعيد بن جبير قال: أشهد على ابن عباس أنه قال: القنوت في الفجر بدعة رواه الدارقطني. ولأنها صلاة مفروضة فلم يسن فيها. كبقية الصلوات (فإن ائتم بمن يقنت في الفجر، أو في النازلة تابعه) لحديث: إنما جعل الامام ليؤتم فلا تختلفوا عليه، (وأمن) المأموم (إن كان يسمع) القنوت (وإن لم يسمع) القنوت (دعا) قال في الاختيارات: وإذا فعل الامام ما يسوغ فيه الاجتهاد تبعه المأموم فيه. وإن كان هو لا يراه، مثل القنوت في الفجر، ووصل الوتر (فإن نزل بالمسلمين نازلة) هي الشديدة من شدائد الدهر (غير الطاعون) لأنه لم يثبت القنوت في طاعون عمواس. ولا في غيره. ولأنه شهادة للأخيار فلا يسأل رفعه (سن لامام الوقت خاصة) لأنه (ص) هو الذي قنت. فيتعدى الحكم إلى من يقوم مقامه (واختار جماعة ونائبه) لقيامه مقامه (القنوت بما يناسب تلك النازلة في كل مكتوبة لفعل النبي (ص) في حديث ابن عباس. رواه أحمد وأبو داود (إلا الجمعة) للاستغناء عنه بالدعاء في خطبتها (ويرفع صوته في صلاة جهر) قال في المبدع: وظاهر كلامه مطلقا (وإن قنت في النازلة كل إمام جماعة أو كل مصل لم تبطل صلاته) لأنه من جنس الصلاة. كما لو قال: آمين رب العالمين. فصل: (السنن الراتبة) التي تفعل مع الفرائض (عشر) ركعات (وركعة الوتر فيتأكد فعلها، ويكره تركها، ولا تقبل شهادة من داوم
510 عليه لسقوط عدالته) قال أحمد: من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل شهادته (قال القاضي: ويأثم) واعترض بأنه لا تأثيم بترك سنة. ويأتي له مزيد بيان في الكلام على العدالة في باب شروط من تقبل شهادته (إلا في سفر، فيخير بين فعلها) أي الرواتب، (و) بين (تركها) لأن السفر مظنة المشقة، ولذلك جاز فيه القصر (إلا سنة فجر، و) إلا سنة (وتر، فيفعلان فيه) أي السفر كالحضر، لتأكدهما لما تقدم، (وفعلها) أي الرواتب بل السنن كلها سوى ما تشرع له الجماعة (في البيت أفضل) لحديث ابن عمر الآتي، ولأنه أبعد من الرياء، لكن المعتكف يصليها في المسجد (ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب يقرأ في أولاهما بعد الفاتحة: * (قل يا أيها الكافرون) *) (الكافرون: 1). وفي الثانية، * (قل هو الله أحد) * للخبر (وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر) لقول ابن عمر: حفظت من النبي (ص) عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح. كانت ساعة لا يدخل فيها على النبي (ص). حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه. وكذا أخبرت عائشة وصححه الترمذي، (ويسن تخفيفهما) أي ركعتي الفجر، لحديث عائشة: كان النبي (ص) يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح، حتى إني لأقول: هل قرأ بأم الكتاب؟ متفق عليه. (و) يسن (الاضطجاع بعدهما على جنبه الأيمن) قبل فرضه. نص عليه. لقول عائشة: كان النبي (ص) إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع وفي رواية: فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع متفق عليه. ونقل أبو طالب: يكره الكلام بعدهما إنما هي ساعة تسبيح، ولعل
511 المراد في غير العلم لقول الميموني كنا نتناظر أنا وأبو عبد الله في المسائل قبل صلاة الفجر. وغير الكلام المحتاج إليه، ويتوجه لا يكره لحديث عائشة، قاله في المبدع. وسبقه إليه جده في الفروع، (و) يسن (أن يقرأ فيهما) أي في ركعتي الفجر (كسنة المغرب) في الأولى بعد الفاتحة * (قل يا أيها الكافرون) * وفي الثانية: * (قل هو الله أحد) * لحديث أبي هريرة: أن النبي (ص) قرأ في ركعتي الفجر: * (قل يا أيها الكافرون) * وفي الثانية * (قل هو الله أحد) * رواه مسلم، (أو) يقرأ (في الأولى: * (قولوا آمنا بالله) * - الآية) من البقرة، (وفي الثانية: * (قل يا أهل الكتاب تعالوا) * - الآية) من آل عمران للخبر. وتقدم في صفة الصلاة (ويجوز فعلهما) أي ركعتي الفجر (راكبا) لحديث مسلم عن ابن عمر، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، وللبخاري إلا الفرائض وسأله صالح عن ذلك فقال: قد أوتر النبي (ص) على بعيره. وركعتا الفجر ما سمعت بشئ، ولا أجترئ عليه (ووقت كل راتبة منها) أي من الرواتب (قبل الفرض) كسنة الفجر، والظهر القبلية (من دخول وقته) أي وقت الفرض (إلى) تمام (فعله) فسنة فجر وظهر، الأولى: بعدهما قضاء كما يأتي (وما بعده) أي الفرض من السنن. كسنة الظهر الأخيرة، وسنة المغرب والعشاء وقتها (من فعله إلى آخر وقته) فلا يصح تقديمها عليه (ولا سنة) راتبة (لجمعة قبلها وأقلها) أي أقل السنة الراتبة (بعدها) أي الجمعة (ركعتان) لما في رواية متفق عليها عن ابن عمر وركعتين بعد الجمعة في بيته، (وأكثرها) أي السنة بعد الجمعة (ست) لما يأتي في بابه (وفعلها) أي سنة الجمعة (في المسجد مكانه أفضل نصا) وفيه نظر، مع الحديث السابق عن ابن عمر وفي المبدع: فعل جميع الرواتب في البيت أفضل (وتجزئ السنة عن تحية المسجد) لان المقصود من تحية المسجد بداءة الداخل إليه في الصلاة، وقد وجدت. و (لا عكس) أي
512 لا تجزئ تحية عن سنة، لأنه لم ينو السنة عند إحرامه وإنما لكل امرئ ما نوى ولا تحصل التحية بركعة ولا بصلاة، جنازة، ولا سجود تلاوة وشكر. قال في المنتهى: وإن نوى بركعتين التحية والسنة أو الفرض: حصلا، (ويسن الفصل بين الفرض وسنته بكلام أو قيام) أي انتقال، لقول معاوية: إن النبي أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاتين حتى نتكلم أو نخرج رواه مسلم. (وللزوجة والأجير) ولو خاصا (والولد، والعبد: فعل السنن الرواتب مع الفرض) لأنها تابعة له، (ولا يجوز منعهم) من السنن لأن زمنها مستثنى شرعا. كالفرائض (ومن فاته شئ من هذه السنن سن له قضاؤه) لما روي أن النبي (ص) قضى ركعتي الفجر مع الفجر حين نام عنهما، وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد العصر وقسنا الباقي على ذلك، (وتقدم) في باب شروط الصلاة (إذا فاتت) السنن (مع الفرائض) مفصلا (وسنة فجر، وسنة ظهر، إلا وله بعدهما) أي بعد الفجر والظهر (قضاء) لأن وقتهما يمتد إلى الصلاة. ففعلهما بعد الوقت يكون قضاء (ويبدأ بسنة الظهر) التي (قبلها إذا قضاها) أي السنة (قبل) السنة (التي بعدها) أي بعد الظهر ندبا، مراعاة للترتيب، (ويسن غير الرواتب: أربع قبل الظهر، وأربع بعدها) لما روت أم حبيبة زوج النبي (ص) قالت: قال النبي (ص): من حافظ على أربع قبل الظهر، وأربع بعدها. حرمه الله على النار صححه الترمذي، (وأربع قبل الجمعة) لما يأتي في بابها، (وأربع قبل العصر) لحديث ابن عمر مرفوعا: رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا رواه الترمذي. قال: حسن غريب (وأربع بعد المغرب) لحديث أبي هريرة يرفعه: من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء، عدلن له بعبادة
513 اثنتي عشرة سنة رواه الترمذي. (وقال الموفق) والشارح: (ست) أي بعد المغرب للخبر السابق، (وأربع بعد العشاء) لقول عائشة: ما صلى النبي (ص) العشاء قط، فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات رواه أبو داود. (قال جماعة) منهم الشارح وابن عبيد: أن (يحافظ عليهن) استحبابا لما تقدم، (ويسن لمن شاء ركعتان بعد أذان المغرب قبلها) لما روى أنس قال: كنا نصلي على عهد النبي (ص) ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب قال المختار بن فلفل: فقلت له: أكان (ص) صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما، فلم يأمرنا ولم ينهنا متفق عليه. وأصح الروايتين: إباحتهما. كما تقدم في باب الاذان لحديث عبد الله المزني قال: قال (ص): صلوا ركعتين قبل المغرب، ثم قال: صلوا ركعتين قبل المغرب، ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء، خشية أن يتخذها الناس سنة متفق عليه. وقوله: يسن لمن شاء، فيه نظر. لأن السنة لا تتوقف على المشيئة إلا أن يقال: أشار به إلى أن سنتيهما ليست مؤكدة، (و) يسن (ركعتان بعد الوتر جالسا) والأصح: يباحان. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الركعتين بعد الوتر فقال: أرجو إن فعله إنسان أن لا يضيق عليه، ولكن يكون وهو جالس، كما جاء في الحديث، قلت: تفعله أنت؟ قال: لا ما أفعله انتهى.
514 لأن أكثر الواصفين لتهجده (ص) لم يذكروهما. منهم ابن عباس، وزيد بن خالد، وعائشة، فيما رواه عنها عروة، والقاسم، وعبد الله بن شقيق. فصل: (التراويح) سنة مؤكدة سنها النبي (ص) وليست محدثة لعمر. ففي المتفق عليه من حديث عائشة أن النبي (ص) صلاها بأصحابه ثم تركها خشية أن تفرض وهي من أعلام الدين الظاهرة، سميت بذلك لأنهم كانوا يجلسون بين كل أربع يستريحون. وقيل مشتقة من المراوحة. وهي التكرار في الفعل. وهي (عشرون ركعة في رمضان) لما روى مالك عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة والسر فيه أن الراتبة عشر، فضوعفت في رمضان، لأنه وقت جد. وهذا في مظنة الشهرة بحضرة الصحابة. فكان إجماعا. وروى أبو بكر عبد العزيز في كتابه الشافي عن ابن عباس: أن النبي (ص) كان يصلي في شهر رمضان عشرين ركعة. (يجهر) الامام (فيها بالقراءة) لفعل الخلف عن السلف (وفعلها جماعة أفضل) من فعلها فرادى. قال أحمد: كان علي وجابر وعبد الله يصلونها في الجماعة. وروى البيهقي عن علي: أنه كان يجعل للرجال إماما، وللنساء إماما. وفي حديث أبي ذر: أن النبي (ص) جمع أهله وأصحابه، وقال: إنه من قام مع الامام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة رواه أحمد وصححه الترمذي، (ولا ينقص منها) أي من العشرين ركعة لما تقدم (ولا بأس بالزيادة) على العشرين (نصا) قال عبد الله بن أحمد: رأيت أبي يصلي في رمضان ما لا أحصي. وكان عبد الرحمن بن الأسود يقوم بأربعين ركعة. ويوتر بعدها بسبع (يسلم من كل ركعتين) لحديث: صلاة الليل مثنى مثنى، (وإن
515 تعذرت الجماعة صلى وحده) لعموم قوله (ص): من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، و (ينوي في كل أول ركعتين فيقول) سرا ندبا (أصلى ركعتين من التراويح المسنونة) أو من قيام رمضان. لحديث: إنما الأعمال بالنيات، (ويستريح بعد كل أربع) ركعات من التراويح (بجلسة يسيرة) لما تقدم (ولا بأس بتركها) أي الجلسة بعد كل أربع (ولا يدعو إذا استراح) لعدم وروده (ولا يكره الدعاء بعد التراويح) خلافا لابن عقيل. لعموم * (إذا فرغت فانصب) * (ووقتها) أي التراويح (بعد) صلاة (العشاء. و) بعد (سنتها) قال المجد في شرحه: لأن سنة العشاء يكره تأخيرها عن وقت العشاء المختار. فكان إتباعها لها أولى (قبل الوتر إلى طلوع الفجر الثاني) فلا تصح قبل صلاة العشاء، فمن صلى العشاء ثم التراويح، ثم ذكر أنه صلى العشاء محدثا أعاد التراويح. لأنها سنة تفعل بعد مكتوبة، فلم تصح قبلها. كسنة العشاء. وإن طلع الفجر. فات وقتها. وظاهر كلامهم: لا تقضى، وإن صلى التراويح بعد العشاء وقبل سنتها صح جزما. ولكن الأفضل فعلها بعد السنة على المنصوص. هذا حاصل كلام ابن قندس. قلت: وكذا لو صلاها بعد الوتر وقبل الفجر (وفعلها في المسجد) أفضل لأن النبي (ص) صلاها مرة ثلاث ليال متوالية كما روته عائشة. ومرة ثلاث ليال متفرقة كما رواه أبو ذر. وقال: من قام مع الامام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة وكان أصحابه يفعلونها في المسجد. أوزاعا في جماعات متفرقة في عهده. وجمع عمر الناس على أبي. وتابعه الصحابة على ذلك ومن بعدهم، (و) فعلها (أول الليل أفضل) لأن الناس كانوا يقومون على عهد عمر أوله (ويوتر بعدها) أي التراويح (في الجماعة بثلاث ركعات) لما تقدم عن مالك عن يزيد بن رومان (فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده) استحبابا. لقوله (ص): اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا متفق عليه. (وإلا) أي وإن لم يكن له تهجد (صلاها) أي الوتر مع الامام، لينال
516 فضيلة الجماعة (فإن أحب) من له تهجد (متابعة الامام) في وتره (قام إذا سلم الامام فشفعها) أي ركعة الوتر (بأخرى)، ثم إذا تهجد أوتر. فينال فضيلة متابعة الامام، حتى ينصرف، وفضيلة جعل وتره آخر صلاته، (ومن أوتر) في جماعة، أو منفردا، (ثم أراد الصلاة) تطوعا (بعده) أي الوتر (لم ينقض وتره) أي لم يشفعه (بركعة) لقول عائشة - وقد سئلت عن الذي ينقض وتره - ذاك الذي يلعب بوتره رواه سعيد وغيره، (وصلى شفعا ما شاء إلى طلوع الفجر الثاني) لأنه قد صح عن النبي (ص) أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين (ولم يوتر) اكتفاء بالوتر الذي قبل تهجده. لقوله (ص): لا وتران في ليلة رواه أحمد وأبو داود عن قيس بن طلق عن أبيه، وقيس فيه لين. (ويكره التطوع بين التراويح) نص عليه. وقال فيه: عن ثلاثة من أصحاب الرسول (ص): عبادة، وأبي الدرداء، وعقبة بن عامر. وذكر لأبي عبد الله رخصة فيه عن بعض الصحابة، فقال: هذا باطل. وروى الأثرم عن أبي الدرداء أنه أبصر قوما يصلون بين التراويح فقال: ما هذه التراويح، أتصلي وإمامك بين يديك؟ ليس منا من رغب عنا، و (لا) يكره (طواف بينها) أي التراويح، (ولا) طواف (بعدها) وكان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين أسبوعا، ويصلون ركعتي الطواف، (ولا) يكره (تعقيب، وهو التطوع بعد التراويح. و) بعد (الوتر في جماعة، سواء طال ما بينهما) الفصل (أو قصر) نص عليه. في رواية الجماعة. ولو رجعوا إلى ذلك قبل النوم أو لم يؤخروه إلى نصف الليل. لقول أنس: لا ترجعون إلا لخير ترجونه وكان لا يرى به بأسا، ولأنه خير وطاعة، فلم يكره كما لو أخروه إلى آخر الليل، (ويستحب أن لا ينقص عن ختمة في التراويح) ليسمع الناس جميع القرآن، (ولا) يستحب (أن يزيد) الامام على ختمة. كراهية المشقة على من خلفه، نقله في الشرح عن القاضي. وقال قال أحمد: يقرأ بالقوم في شهر ما يخف عليهم. ولا
517 يشق، سيما في الليالي القصار. انتهى (إلا أن يوتروا) زيادة على ذلك، (و) يستحب أن (يبتدئها) أي التراويح في (أول ليلة بسورة القلم) يعني * (اقرأ باسم ربك) *، (بعد الفاتحة لأنها) أي أولها (أول ما نزل) من القرآن (فإذا سجد) للتلاوة (قام فقرأ من البقرة) نص عليه. والظاهر أنه قد بلغه في ذلك أثر (وعنه أنه يقرأ بها) أي بسورة العلق (في عشاء الآخرة) أي من الليلة الأولى من رمضان (قال الشيخ: وهو أحسن مما نقل عنه، أنه يبتدئ بها التراويح ويختم آخر ركعة من التراويح قبل ركوعه ويدعو) نص عليه. واحتج بأنه رأي أهل مكة وسفيان بن عيينة يفعلونه. قال العباس بن عبد العظيم: أدركت الناس بالبصرة يفعلونه وبمكة وذكر عثمان (بدعاء القرآن) وهو: اللهم ارحمني بالقرآن، واجعله لي إماما ونورا وهدى ورحمة. اللهم ذكرني منه ما نسيت وعلمني منه ما جهلت، وارزقني تلاوته آناء الليل والنهار، واجعله لي حجة يا رب العالمين رواه أبو منصور المظفر بن الحسين في فضائل القرآن، وأبو بكر الضحاك في الشمائل. لكن قال ابن الجوزي: حديث معضل، وقال: لا أعلم ورد عن النبي (ص) في ختم القرآن حديث غيره. انتهى. ولم أر في كلام الأصحاب ما قاله بدعاء القرآن. بل نقلوا عن الفضل بن زياد أنه سأل الامام: بم أدعو؟ قال: بما شئت، لكن قال البيهقي في شعب الايمان: قد تساهل أهل الحديث في قبول ما ورد من الدعوات وفضائل الأعمال. ما لم يكن في رواته من يعرف بوضع الحديث والكذب في الرواية انتهى. فلذلك اختار المصنف الدعاء بالمأثور. لأنه (ص) أوتي جوامع الكلم. ولم يدع حاجة إلى غيره، وفيه أسوة حسنة، (ويرفع يديه) إذا دعا لما سبق (ويطيل) القيام. نص عليه في رواته الفضل بن زياد (ويعظ بعد الختم) نص عليه، (وقيل له): أي الإمام أحمد (يختم في الوتر ويدعو؟ فسهل فيه. قال في الحاوي الكبير: لا بأس به) وقراءة الانعام في ركعة. كما يفعله بعض الناس بدعة إجماعا. قاله الشيخ تقي الدين.
518 فصل: (يستحب حفظ القرآن إجماعا، وحفظه فرض كفاية إجماعا) قال ابن الصلاح: قراءة القرآن كرامة أكرم الله بها بني آدم، والملائكة لم يعطوا هذه الفضيلة. وهي حريصة على استماعه من الإنس. انتهى. قال الدميري: وقد يتوقف فيه من جهة أن جبريل هو النازل بالقرآن على النبي (ص) وقال الله تعالى في وصف الملائكة: * (فالتاليات ذكرا) * أي تتلو القرآن انتهى. قلت: يحتمل أن يكون مراد ابن الصلاح الملائكة غير جبريل، أو يقال: لا يلزم من نزوله به بقاء حفظه له جملة. لكن يبعده حديث مدارسته (ص) إياه القرآن، إلا أن يقال: كان يلهمه إلهاما عند الحاجة إلى تبليغه. وأما تلاوة الملائكة له فلا يلزم منها حفظه، (وهو) أي القرآن (أفضل من سائر الذكر) لقوله (ص): يقول الرب سبحانه وتعالى: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. لكن الاشتغال بالمأثور من الذكر في محله كإدبار الصلوات أفضل من الاشتغال بتلاوة القرآن في ذلك المحل، (و) القرآن (أفضل من التوراة والإنجيل) والزبور وسائر الصحف (وبعضه) أي القرآن (أفضل من بعض) أما باعتبار الثواب أو باعتبار متعلقه، كما يدل عليه ما ورد في * (قل هو الله أحد) * والفاتحة، وآية الكرسي، (ويجب) أن يحفظ (منه) أي القرآن (ما يجب في الصلاة) أي الفاتحة على المشهور، أو الفاتحة وسورة على مقابله (ويبدأ الصبي وليه به قبل العلم، فيقرأه كله) لأنه إذا قرأ أولا تعود القراءة، ثم لزمها (إلا أن يعسر) عليه حفظ كله، فيقرأ ما تيسر منه (والمكلف يقدم العلم بعد القراءة الواجبة) لأنه لا تعارض بين الفرض والنفل (كما يقدم الكبير تعلم نفل العلم على نفل القراءة في ظاهر كلام الامام والأصحاب) فيما سبق في أفضل الأعمال. هذا معنى كلامه في الفروع، (ويسن ختمه في كل أسبوع) قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يختم القرآن في النهار في كل أسبوع، يقرأ كل يوم سبعا، لا يكاد يتركه
519 نظرا. أي في المصحف. وذلك لقوله (ص) لعبد الله بن عمرو: اقرأ القرآن في كل سبع ولا تزيدن على ذلك رواه أبو داود. (وإن قرأه) أي القرآن (في ثلاث فحسن) لما روي عن عبد الله بن عمرو قال: قلت: يا رسول الله، إن لي قوة. قال: أقرأه في ثلاث رواه أبو داود. (ولا بأس به) أي بالختم (فيما دونها) أي الثلاث (أحيانا وفي الأوقات الفاضلة، كرمضان، خصوصا الليالي اللاتي تطلب فيها ليلة القدر) كأوتار العشر الأخير منه، (و) في (الأماكن الفاضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها. فيستحب الإكثار فيها من قراءة القرآن، اغتناما للزمان والمكان) قال بعض الأصحاب: والأظهر أن ذلك مقدر بالنشاط وعدم المشقة. فمن وجد نشاطا في ختمه في أقل من ثلاث لم يكره. وإلا كره. لأن عثمان كان يختمه في ليلة، وروي ذلك عن جمع من السلف (ويكره تأخير الختم فوق أربعين بلا عذر) قال أحمد: أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين، ولأنه يفضي إلى نسيانه والتهاون به، (ويحرم) تأخير الختم فوق أربعين (إن خاف نسيانه. قال) الامام (أحمد: ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه. ويستحب السواك) قبل القراءة. لما تقدم في بابه، (و) يستحب (التعوذ قبل القراءة) لقوله تعالى: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * (النحل: 98). (و) يستحب (حمد الله) تعالى (عند قطعها) أي الفراغ من القراءة (على توفيقه ونعمته) عليه بجعله من آل القرآن، (و) يستحب (سؤال الثبات) عليها، (و) يقصد (الاخلاص) في القراءة، لحديث: إنما الأعمال بالنيات بأن ينوي به التقرب إلى الله تعالى فقط (فإن قطعها) أي القراءة (قطع ترك وإهمال أعاد التعوذ إذا رجع إليها) أي أراد العود إلى القراءة (وإن قطعها لعذر عازما على إتمامها إذا زال) العذر (كتناول شئ أو إعطائه أو أجاب
520 سائلا)، أو عطس ونحوه (كفاه التعوذ الأول) لأنها قراءة واحدة. وإن ترك الاستعاذة قبل القراءة، قال في الآداب: فيتوجه أن يأتي بها ثم يقرأ. لأن وقتها قبل القراءة للاستحباب، فلا تسقط بتركها إذن. لأن المعنى يقتضي ذلك. أما لو تركها حتى فرغ سقطت، (ويختم في الشتاء أول الليل) لطوله (وفي الصيف أول النهار) لطوله. روي عن ابن المبارك. وكان يعجب أحمد لما روى طلحة بن مصرف قال: أدركت أهل الخير من صدر هذه الأمة يستحبون الختم أول الليل وأول النهار، يقولون: إذا ختم في أول النهار: صلت عليه الملائكة حتى يمسي. وإذا ختم في أول الليل: صلت عليه الملائكة حتى الصبح رواه الدارمي عن سعد بن أبي وقاص بإسناد حسن. (ويجمع أهله وولده عند ختمه) رجاء عود نفع ذلك وثوابه إليهم. وعن ابن عباس أنه كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن. فإذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس، فيشهد ذلك. وروى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين عن قتادة عن أنس: كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا ويستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى. لحديث أنس: خير الأعمال الحل والرحلة. قيل: وما هما؟ قال افتتاح القرآن وختمه، (ويدعو) عقب الختم (نصا) لفعل أنس وتقدم، (و) يسن أن (يكبر فقط) فلا يستحب التهليل والتحميد (لختمه آخر كل سورة من آخر الضحى) إلى آخره. لأنه روي عن أبي بن كعب أنه قرأ على النبي (ص) فأمره بذلك رواه القاضي في الجامع بإسناده، (ولا يكرر سورة الصمد، ولا يقرأ الفاتحة وخمسا) أي خمس آيات (من) أول (البقرة عقب الختم نصا) لأنه لم يبلغه فيه أثر، (ويستحب تحسين القراءة وترتيلها وإعرابها) لقوله تعالى: * (ورتل القرآن ترتيلا) *. (والمراد الاجتهاد على حفظ إعرابها، لا أنه يجوز الاخلال به عمدا، فإن ذلك لا يجوز. ويؤدب فاعله لتغييره القراءة، ذكره) الشمس محمد بن مفلح (في الآداب الكبرى عن بعض الأصحاب، والتفهم في القرآن والتدبر بالقلب منه أفضل من إدراجه) أي القرآن (كثيرا بغير تفهم) للآية السابقة، ولقوله تعالى: * (كتاب أنزلناه إليك
521 مبارك ليدبروا آياته) * (ويمكن حروف المد واللين من غير تكلف) لقوله تعالى: * (ورتل القرآن ترتيلا) * (قال) الامام (أحمد: يحسن القارئ صوته بالقرآن، ويقرؤه بحزن وتدبر) لقول أبي موسى للنبي (ص): لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرا وعلى كل فتحسين الصوت والترنم مستحب، إذا لم يفض إلى زيادة حرف فيه، أو تغيير لفظه، ومن الآداب عند القراءة على ما ذكره الآجري وأبو موسى، فإن لم يبك فليتباك. وأن يسأل الله عند آية الرحمة ويتعوذ عند آية العذاب. ولا يقطعها لحديث الناس. ولعل المراد إلا من حاجة، وأن تكون قراءته على العدول الصالحين العارفين بمعناها. وأن يتطهر ويستقبل القبلة إذا قرأ قاعدا، ويتحرى أن يعرضه كل عام على من هو أقرأ منه. ويفصل كل سورة مما قبلها بالوقف أو التسمية. ويترك المباهاة، وأن يطلب به الدنيا، بل ما عند الله تعالى، وينبغي أن يكون ذا سكينة ووقار وقناعة بما قسم الله له، زاد الحافظ أبو موسى وغيره: وأن لا يجهر بين مصلين أو نيام، أو تالين جهرا يؤذيهم. (قال الشيخ تقي الدين: قراءة القرآن أول النهار بعد الفجر أفضل من قراءته آخره) ولعله لقوله تعالى: * (إن قرآن الفجر كان مشهودا) *، (وقراءة الكلمة الواحدة بقراءة قارئ أي من السبعة، و) قراءة الكلمة (الأخرى بقراءة قارئ آخر جائزة ولو في الصلاة، ما لم يكن في ذلك إحالة) أي تغيير (المعنى) فيمتنع. والأولى بقاؤه على الأولى في ذلك المجلس (ولا بأس بالقراءة في كل حال قائما وجالسا ومضطجعا وراكبا وماشيا) لحديث عائشة قالت: كان النبي (ص) يتكئ في حجري وأنا حائض وثم يقرأ القرآن متفق عليه. وعنها قالت إني لأقرأ القرآن وأنا مضطجعة على سريري رواه الفريابي. (ولا تكره) القراءة (في الطريق نصا) لما روي عن إبراهيم التميمي قال: كنت أقرأ على أبي موسى وهو يمشي في الطريق، (ولا) تكره القراءة (مع حدث أصغر وبنجاسة بدن وثوب، ولا حال مس الذكر
522 والزوجة والسرية، وتكره) القراءة (في المواضع القذرة) تعظيما للقرآن، (و) تكره (استدامتها) أي القراءة (حال خروج الريح) فإذا خرجت منه أمسك عن القراءة حتى تنقضي، (و) يكره (جهره بها) أي بالقراءة (مع الجنازة) لأنه إخراج لها مخرج النياحة (ولا تمنع نجاسة الفم القراءة) ذكره القاضي. وقال ابن تميم الأولى: المنع. (وتستحب) القراءة (في المصحف) بتثليث الميم. قال القاضي: إنما اختار أحمد القراءة في المصحف للاخبار، ثم ذكرها. (و) يستحب (الاستماع لها) أي للقراءة، لأنه يشارك القارئ في أجره، (ويكره الحديث عندها) أي القراءة (بما لا فائدة فيه) لقوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) * ولأنه إعراض عن الاستماع الذي يترتب عليه الاجر بما لا طائل تحته (وكره أحمد السرعة في القراءة، وتأوله القاضي: إذا لم يبين الحروف، وتركها) أي السرعة (أكمل) لما تقدم من استحباب الترتيل والتفكر (وكره أصحابنا قراءة الإدارة) وقال حرب: حسنة، وللمالكية وجهان (وهي أن يقرأ قارئ ثم يقطع ثم يقرأ غيره) أي بما بعد قراءته. وأما لو أعاد ما قرأه الأول وهكذا فلا ينبغي الكراهة، لأن جبريل كان يدارس النبي (ص) القرآن في رمضان (وحكى الشيخ عن أكثر العلماء أنها) أي قراءة الإدارة (حسنة كالقراءة مجتمعين بصوت واحد) ولو اجتمع القوم لقراءة ودعاء وذكر. فعنه: وأي شئ أحسن منه، كما قالت الأنصار. وعنه لا بأس. وعنه محدث. ونقل ابن منصور: ما أكرهه إذا اجتمعوا على غير وعد، إلا أن يكثروا. قال ابن منصور: يعني يتخذوه عادة. وكرهه مالك، قال في الفنون: أبرأ إلى الله من جموع أهل وقتنا في المساجد والمشاهد ليالي يسمونها إحياء، (وكره أحمد) والأصحاب (قراءة الألحان. وقال: هي بدعة) لما روي أن
523 النبي (ص) ذكر في أشراط الساعة أن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم غناء ولان الاعجاز في لفظ القرآن ونظمه. والألحان. تغيره (فإن حصل معها) أي الألحان (تغيير نظم القرآن وجعل الحركات حروفا، حرم) ذلك (وقال الشيخ: التلحين الذي يشبه الغناء مكروه، ولا يكره الترجيع) وتحسين القراءة، بل ذلك مستحب لحديث أبي هريرة: ما أذن الله لشئ كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به رواه البخاري. وقال (ص): زينوا القرآن بأصواتكم وقال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن قال طائفة: معناه تحسين قراءته والترنم ورفع صوته بها. وقال أبو عبيدة وجماعة: يستغني به (وكره ابن عقيل القراءة في الأسواق يصيح أهلها فيها بالنداء والبيع) قال في الفنون: قال حنبل: كثير من أقوال وأفعال يخرج مخرج الطاعات عند العامة، وهي مآثم عند العلماء، مثل القراءة في الأسواق، يصيح فيها أهل الأسواق بالنداء والبيع. ولا أهل السوق يمكنهم الاستماع. وذلك امتهان. كذا قال. ويتوجه احتمال يكره. قاله في الفروع. فيعلم منه أن قول ابن عقيل: التحريم كما قال في شرح المنتهى. ولا يجوز، وأن الكراهة بحث صاحب الفروع. قال القاضي عياض: قد أجمع المسلمون على أن القرآن المتلو في جميع الأقطار المكتوب في المصحف الذي بأيدي المسلمين، مما جمعه الدفتان: من أول * (الحمد
524 لله رب العالمين) * - إلى آخر - * (قل أعوذ برب الناس) * كلام الله تعالى ووحيه المنزل على نبيه محمد (ص) وأن جميع ما فيه حق. وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفا آخر مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الاجماع، وأجمع عليه أنه ليس بقرآن عامدا لكل هذا، فهو كافر. واقتصر عليه النووي في التبيان (ويكره رفع الصوت بقراءة تغلط المصلين) لاشغالهم، (ويجوز تفسير القرآن بمقتضى اللغة) لأنه عربي. وقوله: * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * وقوله: * (وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) * المراد الاحكام. و (لا) يجوز تفسير القرآن (بالرأي من غير لغة ولا نقل، فمن قال في القرآن) أي فسره (برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده) أي لينزل منزله (من النار. وأخطأ، ولو أصاب) لما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا: من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه. وعن سهيل بن حزم عن أبي عمران الجوني عن جندب مرفوعا: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والترمذي - وقال غريب - وسهيل، ضعفه الأئمة. وقد روي هذا المعنى عن أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة والتابعين. (ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من الكلام، مثل أن يرى رجلا جاء في وقته، فيقول: * (ثم جئت على قدر يا موسى) *) وإذا قال الصحابي ما يخالف القياس، فهو توقيف (ويلزم الرجوع إلى تفسير الصحابي) لأنهم شاهدوا التنزيل، وحضروا التأويل. فهو إمارة ظاهرة. و (لا) يلزم الرجوع إلى تفسير (التابعي) لأن قوله ليس بحجة على المشهور. قال بعضهم: ولعله مراد غيره إلا أن ينقل ذلك عن العرب. قاله في الفروع. ولا يعارضه ما نقله المروزي: ننظر ما كان عن النبي (ص) فإن لم يكن فعن أصحابه. فإن لم يكن فمن التابعين، لامكان حمله على إجماعهم، لا على ما انفرد به أحدهم. قاله القاضي. (ولا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب نصا) لأنه (ص) غضب حين رأى مع عمر صحيفة من التوراة، وقال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟
525 الحديث. (ولا) النظر في (كتب أهل البدع، و) لا النظر في (الكتب المشتملة على الحق والباطل، ولا روايتها) لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد، (وتقدم في نواقض الوضوء جملة من أحكام المصحف) فينبغي مراجعتها. وينبغي لحامل القرآن أن يكون على أكرم الأحوال وأكرم الشمائل. قال الفضيل بن عياض: حامل القرآن حامل راية الاسلام. لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو. تعظيما لحق القرآن. فصل: (تستحب النوافل المطلقة في جميع الأوقات) من ليل أو نهار (إلا أوقات النهي) فيحرم فيها كما يأتي (وصلاة الليل سنة مرغب فيها. وهي أفضل من صلاة النهار) لحديث أبي هريرة: أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل رواه مسلم وفيه أيضا: إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه ولان الليل محل الغفلة، وعمل السر أفضل من عمل العلانية (وبعد النوم أفضل، لأن الناشئة لا تكون إلا بعد رقدة) ومن لم يرقد فلا ناشئة له. قاله أحمد. وقال: هي أشد وطأة، أي تثبتا: تفهم ما تقرأ، وتعي أذنك. (والتهجد إنما هو بعد النوم) وظاهره: ولو يسيرا (فإذا استيقظ) من نومه (ذكر الله تعالى وقال ما ورد بعد الاستيقاظ. ومنه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم
526 إن قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته) لحديث عبادة ابن الصامت: من تعار من الليل فقال - فذكره رواه البخاري. وقوله: تعار بتشديد الراء، أي استيقظ. وقوله: اغفر لي، أو دعا هو شك من الوليد بن مسلم أحد الرواة. وهو شيخ شيوخ البخاري، وأبي داود، والترمذي وغيرهم في هذا الحديث، (ثم يقول) يعني إذا استيقظ من نومه (الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور) رواه البخاري عن حذيفة بن اليمان، وعن أبي ذر مرفوعا (لا إله إلا أنت لا شريك لك، سبحانك أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك. اللهم زدني علما. ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) روى أبو داود عن عائشة أنه (ص) كان يقوله إذا استيقظ (الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره) رواه ابن السني بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي (ص): إذا استيقظ أحدكم فليقل - ذكره، (ثم يستاك) إذا استيقظ، ويشوص فاه. لما تقدم في السواك. من فعله (ص). (وإذا توضأ وقام إلى الصلاة من جوف الليل، إن شاء استفتح باستفتاح المكتوبة) وسبق في صفة الصلاة، (وإن شاء) استفتح (بغيره. كقوله: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن. ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن. ولك الحمد أنت الحق ولقاؤك حق، وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق، ومحمد حق والساعة حق.
527 اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت) أي رفعت الحكم إليك فلا حكم إلا لك (فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر. لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله) لخبر ابن عباس. قال: كان النبي (ص) إذا قام يتهجد من الليل قال: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق ولقاؤك حق، والجنة حق والنار حق والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد حق. اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت - إلى آخر ما تقدم متفق عليه. (وإن شاء إذا افتتح الصلاة قال: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) رواه مسلم عن عائشة: أنه (ص) كان إذا قام من الليل افتتح به صلاته فقال - فذكره، (ويسن أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين) لحديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين رواه أحمد ومسلم وأبو داود. (و) يسن (أن يقرأ حزبه) أي الحصة التي يقرؤها كل ليلة (من
528 القرآن فيه) أي في تهجده. فإن النبي (ص) كان يفعله. قاله في الشرح (وأن يغفى بعد تهجده) لئلا يظهر عليه أثر النعاس. لقول ابن عباس في وصف تهجده (ص): ثم أوتر، ثم اضطجع، حتى جاءه المؤذن وكذلك قالت عائشة: ثم ينام متفق عليهما. (والنصف الأخير أفضل من) النصف (الأول، و) أفضل (من الثلث الأوسط) لحديث عمرو بن عبسة قال: قلت: يا رسول الله: أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت وفي الصحيحين: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ وفي رواية لمسلم: حين يمضي ثلث الليل وفي أخرى له: إذا مضى شطر الليل، أو ثلثاه قال ابن حبان في صحيحه: يحتمل أن يكون النزول في بعض الليالي هكذا، وفي بعضها هكذا، (والثلث بعد النصف أفضل نصا) لقوله (ص): أفضل الصلاة صلاة داود. كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه. (وكان قيام الليل واجبا على النبي (ص)) لقوله تعالى: * (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) *، (ولم ينسخ) وقطع في الفصول والمستوعب بنسخه. (ولا يقومه كله) لقول عائشة رضي الله عنها: ما علمت أن النبي (ص) قام ليلة حتى الصباح قال في الفروع: وظاهر كلامهم: ولا ليالي العشر، فيكون قول عائشة: إنه أحيى الليل. أي كثيرا منه، أو أكثره. ويتوجه بظاهره احتمال، ويخرج من ليلة
529 العيد. ويحمل قولها الأول: على غير العشر، أو لم يكثر ذلك منه، واستحبه شيخنا وقال: قيام بعض الليالي كلها مما جاءت به السنة (إلا ليلة عيد) لحديث: من أحيى ليلة العيد أحيى الله قلبه يوم تموت القلوب رواه الدارقطني في علله. وفي معناها: ليلة النصف من شعبان. كما ذكره ابن رجب في اللطائف، (وتكره مداومة قيامه كله) لأنه لا بد في قيامه كله من ضرر، أو تفويت حق. وعن أنس مرفوعا: ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد وكسل بكسر السين وعن عائشة مرفوعا: أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل وعنها مرفوعا: خذوا من العمل ما تطيقون. فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا متفق على ذلك. (ويستحب التنفل بين العشاءين وهو) أي التنفل بين العشاءين (من قيام الليل، لأنه) أي الليل (من المغرب إلى طلوع الفجر الثاني) لقول أنس بن مالك في قوله تعالى: * (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) * - الآية قال كانوا يتنقلون بين المغرب والعشاء يصلون رواه أبو داود. قال عبد الله: كان أبي ساعة يصلي عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو. وقال: ما سمعت بصاحب حديث لا يقوم بالليل. (ويستحب أن يكون له تطوعات يداوم عليها، وإذا فاتت يقضيها) لقول عائشة: كان (ص) إذا عمل عملا أثبته. وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى اثنتي عشرة ركعة رواه مسلم. (و) يستحب (أن يقول عند الصباح والمساء) ما ورد. قال الموفق البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: الصباح عند الغروب من نصف الليل الأخير إلى الزوال. ثم المساء إلى آخر نصف الليل اه. ومن الوارد في ذلك قراءة * (قل هو الله أحد)
530 * والمعوذتين ثلاث مرات، حين يمسي، وحين يصبح. وإنه يكفي من كل شئ. وعن عثمان مرفوعا: ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لا يضره شئ رواه أبو داود وغيره. وعنه (ص): من قال إذا أصبح وإذا أمسى: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد (ص) نبيا إلا كان حقا على الله أن يرضيه رواه أبو داود، وابن ماجة. وزاد: يوم القيامة وعنه من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك. فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه. ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته، رواه أبو داود. (و) يستحب أن يقول عند (النوم والانتباه) ما ورد ومنه حديث حذيفة: كان النبي (ص) إذا أخذ مضجعه من النوم وضع يده تحت خده ثم يقول: اللهم باسمك أموت وأحيا. وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور رواه البخاري. (وفي السفر) ما ورد. ومنه حديث مسلم عن ابن عمر أن النبي (ص) كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفره، كبر ثلاثا، ثم قال: * (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون) *. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده. اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل - وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: آيبون تائبون لربنا حامدون ومعنى مقرنين: مطيقين. (وغير ذلك) المتقدم (مما ورد) ومنه: ما تقدم عند النظر في المرآة وآخر الوضوء ونحوهما. ومنه: ما يقال للمسافر سفرا مباحا: استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك. وزودك الله التقوى ويقول إذا نزل منزلا: أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق لحديث مسلم عن خولة ويستحب أن ينوي عند نومه من الليل قيام ليله (واستحب) الامام (أحمد أن تكون له ركعات معلومة من الليل والنهار، فإذا نشط طولها، وإذا لم ينشط خففها) لحديث: أحب العمل إلى الله
531 أدومه وإن قل. (وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى) أي يسلم فيها من كل ركعتين. لحديث ابن عمر مرفوعا: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى رواه الخمسة. واحتج به أحمد. وليس بمناقض للحديث الذي خص فيه الليل بذلك. وهو قوله (ص): صلاة الليل مثنى مثنى متفق عليه. لأنه وقع جوابا عن سؤال سائل عينه في سؤاله. ومثله لا يكون مفهومه حجة باتفاق. ولأنه سيق لبيان حكم الوتر، والنصوص بمطلق الأربع لا تنفي فضل الفصل بالسلام، (وإن تطوع في النهار بأربع، كالظهر فلا بأس) أي لا كراهة لحديث أبي أيوب أن النبي (ص) كان يصلي قبل الظهر أربعا، لا يفصل بينهن بتسليم رواه أبو داود، وابن ماجة، (وإن سردهن) أي الأربع (ولم يجلس إلا في آخرهن جاز، وقد ترك الأفضل) لأنه أكثر عملا (ويقرأ في كل ركعة) من الأربع (بالفاتحة وسورة) كسائر التطوعات (وإن زاد على أربع نهارا) كره، وصح. (أو) زاد على (اثنتين ليلا، ولو جاوز ثمانيا، علم العدد أو نسيه بسلام واحد، كره وصح) أما الكراهة فلمخالفته ما تقدم. وأما الصحة فلان النبي (ص) قد صلى الوتر خمسا وسبعا وتسعا بسلام واحد وهو تطوع: فألحقنا به سائر التطوعات. وعن أم هانئ قالت: صلى النبي (ص) يوم الفتح الضحى ثماني ركعات لم يفصل بينهن وهذا لا ينافي روايتها الأخرى عنه أنه سلم من كل ركعتين لأنه من الجائز أنها رأته يصليها مرتين، أو أكثر. قلت: ينبغي تقييد الكراهة بما عدا الوتر. كما يعلم مما تقدم، (والتطوع في البيت أفضل) لقوله (ص): عليكم بالصلاة في بيوتكم. فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة رواه مسلم. ولأنه أقرب إلى الاخلاص (وإسراره، أي عدم إعلانه أفضل إن كان مما لا
532 تشرع له الجماعة) فإن كان مما تشرع له الجماعة، كالكسوف والاستسقاء والتراويح والوتر بعدها. ففعله في غير البيت كالمسجد وإظهاره أفضل، لشبهه بالفرائض، وكذا السنن من المعتكف، وسنة الجمعة على ما تقدم فعلها في المسجد أفضل (ولا بأس بصلاة التطوع جماعة) كما تفعل فرادى. لأنه (ص) فعل الامرين كليهما، وكان أكثر تطوعاته منفردا، قاله في الشرح، قال في الاختيارات وما سن فعله منفردا، كقيام الليل وصلاة الضحى ونحو ذلك، إن فعل جماعة في بعض الأحيان فلا بأس بذلك، لكن لا يتخذ سنة راتبة، (ويكره جهره فيه) أي التطوع (نهارا) لحديث: صلاة النهار عجماء والمراد: غير الكسوف والاستسقاء، بدليل ما يأتي في بابها. (و) المتطوع (ليلا يراعي المصلحة، فإن كان الجهر أنشط في القراءة، أو بحضرته من يستمع قراءته، أو ينتفع بها، فالجهر أفضل) لما يترتب عليه من هذه المصالح (وإن كان بقربه من يتهجد، أو يستضر برفع صوته) من نائم أو غيره (أو خاف رياء فالاسرار أفضل) دفعا لتلك المفسدة، (وما ورد عن النبي (ص) تخفيفه) كركعتي الفجر، وركعتي افتتاح قيام الليل، وتحية المسجد إذا دخل والامام يخطب يوم الجمعة، (أو) ورد عن النبي (ص) (تطويله) كصلاة الكسوف (فالأفضل اتباعه) لقوله تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *، (وما عداه) أي ما عدا ما ورد عنه (ص) تخفيفه وتطويله (فكثرة الركوع والسجود فيه أفضل من طول القيام) لقول النبي (ص): أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وعن ثوبان قال سمعت النبي (ص) يقول: عليك بكثرة السجود،
533 فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة وعن ربيعة بن كعب السلمي أنه قال للنبي (ص): أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أعني على نفسك بكثرة السجود رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود. وعن عبادة بن الصامت أنه سمع النبي (ص) يقول: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة، ورفع بها له درجة. فاستكثروا من السجود رواه ابن ماجة. ولان السجود في نفسه أفضل وآكد، بدليل أنه يجب في الفرض والنفل. ولا يباح بحال إلا لله تعالى. والقيام يسقط في النفل. ويباح في غير الصلاة للوالدين والعالم وسيد القوم والاستكثار مما هو آكد وأفضل أولى، (ويستحب الاستغفار بالسحر والاكثار منه) لقوله تعالى: * (وبالأسحار هم يستغفرون) * وسيد الاستغفار اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك، من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب، إلا أنت قال في الفروع: وظاهره بقوله: كل أحد. وكذا ما في معناه وقال شيخنا: تقول المرأة: أمتك بنت عبدك أو بنت أمتك وإن كان قولها: عبدك له مخرج في العربية بتأويل شخص (ومن فاته تهجده قضاه قبل الظهر) لما روى أحمد ومسلم وأهل السنن عن عمر مرفوعا من نام عن حزبه من الليل أو عن شئ منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل، (وتقدم في سجود السهو و من نوى عددا فزاد عليه) وحاصله: إن نوى ركعتين نهارا له أن يصليهما أربعا، وليلا فلا، (وصلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم إلا المعذور) لقوله (ص): من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله أجر نصف القائم متفق عليه. ولفظ مسلم:
534 صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة قالت عائشة: إن النبي (ص) لم يمت حتى كان كثيرا من صلاته وهو جالس رواه مسلم. وسومح في التطوع ترك القيام. ترغيبا في تكثيره، (ويسن أن يكون في حال القعود متربعا) روي عن ابن عمر وأنس. (فإذا بلغ الركوع فإن شاء قام فركع، وإن شاء ركع من قعود، لكن يثني رجليه في الركوع والسجود) روي عن أنس. لحديث عائشة قالت: رأيت النبي (ص) متربعا رواه الدارقطني، والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم، قال: على شرط الشيخين، وقالت: لم أر النبي (ص) يصلي صلاة الليل قاعدا قط، حتى أسن، فكان يقرأ قاعدا، حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع متفق عليه، وعنها أن النبي (ص) كان يصلي ليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد رواه مسلم، (ويجوز له القيام إذا ابتدأ الصلاة جالسا) لحديث عائشة المتقدم. (و) يجوز (عكسه) بأن يبتدئ الصلاة قائما ثم يجلس، (ولا يصح) النفل (من مضطجع لغير عذر) لعموم الأدلة على افتراض الركوع والسجود والاعتدال عنهما، ولم ينقل عنه (ص) فعل ذلك ليخصص به العموم، (و) التنفل (له) أي لعذر مضطجعا (يصح) كالفرض وأولى، (ويسجد) المتنفل مضطجعا (إن قدر عليه) أي على السجود (وإلا) بأن لم يقدر على السجود (أومأ) به لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم.
535 فصل: (تسن صلاة الضحى) لما روى أبو هريرة قال: أوصاني خليلي الرسول (ص) بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام رواه أحمد ومسلم وعن أبي الدرداء ونحوه. متفق عليه. (ووقتها) أي صلاة الضحى (من خروج وقت النهي) أي ارتفاع الشمس قيد رمح (إلى قبيل الزوال، ما لم يدخل وقت النهي) أي وقت الاستواء (وعدم المداومة عليها أفضل) وفي المبدع: تكره مداومتها، بل تفعل غبا نص عليه. لقول عائشة: ما رأيت النبي (ص) يصلي الضحى قط متفق عليه. وروى أبو سعيد الخدري قال: كان النبي (ص) يصلي الضحى حتى نقول: لا يدعها، ويدعها حتى نقول: لا يصليها رواه أحمد والترمذي وقال حسن غريب. ولان في المداومة عليها تشبيها بالفرائض. (واستحبها) أي المداومة عليها (جموع محققون) منهم الآجري. وابن عقيل، وأبو الخطاب (وهو أصوب) لما تقدم من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء وغيرهما (واختارها) أي هذه الرواية (الشيخ لمن لم يقم من الليل) حتى لا يفوته كل منهما (والأفضل فعلها إذا اشتد الحر) لحديث زيد بن أرقم أن النبي (ص) قال: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال رواه أحمد ومسلم، ومعناه: أن تحمى الرمضاء وهي الرمل. فتبرك الفصال من شدة الحر (وأقلها ركعتان، وأكثرها ثمان) لحديث أنس أن النبي (ص) قال: من قعد مصلاه حين ينصرف من الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا
536 خيرا غفر له خطاياه، وإن كانت أكثر من زبد البحر رواه أبو داود. وعن عائشة قالت: كان النبي (ص) يصلي الضحى أربع ركعات، ويزيد ما شاء رواه أحمد ومسلم. وعن جابر بن عبد الله قال: كنت أعرض بعيرا لي على النبي (ص) فأبصرته يصلي الضحى ستا رواه البخاري في تاريخه، وروت أم هانئ: أن النبي (ص) عام الفتح صلى ثماني ركعات سبحة الضحى رواه الجماعة. وعن أنس قال: رأيت النبي (ص) في سفر صلى سبحي الضحى ثماني ركعات رواه أحمد (ويصح التطوع المطلق بفرد، كركعة ونحوها، كثلاث وخمس) لقوله (ص) لأبي ذر: الصلاة خير موضوع، استكثروا أو أقل رواه ابن حبان في صحيحه. وعن عمر أنه دخل المسجد فصلى ركعة فتبعه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة، قال: هو تطوع، فمن شاء زاد ومن شاء نقص وصح عن اثني عشر من الصحابة: تقصير الوتر بركة، وهو تطوع (مع الكراهة) لقوله (ص): صلاة الليل والنهار مثنى مثنى والمراد غير الوتر، (و) تسن (صلاة الاستخارة، إذا هم بأمر) أطلقه الامام والأصحاب (وظاهره: ولو في حج أو غيره من العبادات وغيرها. والمراد في ذلك الوقت) فيكون قول أحمد: كل شئ من الخير يبادر به بعد فعل ما ينبغي فعله. قاله في الفروع (إن كان) الحج ونحوه (نفلا) فتكون الاستخارة في المباحات والمندوبات والمحرمات، لا الواجبات والمكروهات (فيركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الامر - ويسميه بعينه - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو في عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الامر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم ارضني به) لحديث
537 جابر رواه البخاري والترمذي. ولفظه: ثم ارضني به له، (ويقول فيه مع العافية ولا يكون وقت الاستخارة عازما على الامر) الذي يستخير فيه، (أو) على (عدمه، فإنه خيانة في التوكل، ثم يستشير، فإذا ظهرت المصلحة في شئ فعله) فينجح مطلوبه، (و) تسن (صلاة الحاجة إلى الله) تعالى (أو إلى آدمي)، ف (- يتوضأ ويحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله) تعالى (وليصل على النبي (ص) ثم ليقل: لا إله إلا الله. الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم. سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين) لحديث عبد الله بن أبي أوفى. رواه ابن ماجة والترمذي. وقال غريب، (و) تسن (صلاة التوبة إذا أذنب ذنبا، يتطهر ثم يصلي ركعتين، ثم يستغفر الله تعالى) لحديث علي عن أبي بكر قال: سمعت النبي (ص) يقول: ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له. ثم قرأ: * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله) * (آل عمران: 135). رواه أبو داود والترمذي. وقال، حسن غريب، لكنه من رواية أبي الورقاء، وهو ضعيف (وعند جماعة: وصلاة التسبيح ونصه: لا) قال: ما يعجبني. قيل.
538 لم؟ قال: ليس فيها شئ يصح، ونفض يده كالمنكر. ولم يرها مستحبة. قال الموفق: وإن فعلها إنسان فلا بأس. فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها، وهي (أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة بالفاتحة وسورة، ثم يسبح ويحمد ويهلل، ويكبر خمس عشرة مرة، قبل أن يركع، ثم يقولها) أي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (في ركوعه عشرا، ثم) يقولها (بعد رفعه منه) أي من الركوع (عشرا، ثم يقولها في سجوده عشرا، ثم) يقولها (بعد رفعه منه عشرا، ثم في سجوده عشرا ثم بعد رفعه) منه (قبل أن يقوم عشرا، ثم) يفعل (كذلك في كل ركعة) من الأربع ركعات. (يفعلها) أي صلاة التسبيح على القول باستحبابها (كل يوم مرة، فإن لم يفعل) كل يوم (ففي كل جمعة مرة، فإن لم يفعل) كل جمعة (ففي كل شهر مرة، فإن لم يفعل) كل شهر (ففي كل سنة مرة، فإن لم يفعل) كل سنة (ففي العمر مرة) لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن النبي (ص) قال للعباس بن عبد المطلب: يا عماه، ألا أعطيك، ألا أمنحك. ألا أفعل بك عشرة خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر لك ذنبك أوله وآخره، وقديمه وحديثه. خطؤه وعمده صغيره وكبيره، سره وعلانيته عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات وذكر ما تقدم. (و) تسن (صلاة تحية المسجد، وتأتي إن شاء الله في آخر) باب صلاة (الجمعة) موضحة، (و) تسن (سنة الوضوء) أي ركعتان عقبه وتقدم، (و) يسن (إحياء ما بين العشاءين) للخبر (وتقدم)، وأنه من قيام الليل (وأما صلاة الرغائب والصلاة الألفية ليلة نصف شعبان فبدعة لا أصل لهما. قاله الشيخ، وقال: وأما ليلة النصف من شعبان ففيها
539 فضل وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لاحيائها في المساجد بدعة اه. وفي استحباب قيامها) أي ليلة النصف من شعبان (ما في) إحياء (ليلة العيد، وهذا معنى كلام) عبد الرحمن بن أحمد (بن رجب) البغدادي ثم الدمشقي (في) كتابه المسمى (اللطائف) في الوظائف. ويعضده حديث: من أحيى ليلتي العيدين وليلة النصف من شعبان، أحيى الله قلبه يوم تموت القلوب رواه المنذري في تاريخه بسنده عن ابن كردوس عن أبيه. قال جماعة: وليلة عاشوراء، وليلة أول رجب، وليلة نصف شعبان. وفي الرعاية وفي الغنية وبين الظهر والعصر. ولم يذكر ذلك جماعة. وهو أظهر لضعف الاخبار وهو قياس نصه في صلاة التسبيح. وأولى، وفي آداب القاضي: صلاة القادم. ولم يذكر أكثرهم صلاة من أراد سفرا. ويأتي في أول الحج. قاله في الفروع. فصل: (سجدة التلاوة سنة مؤكدة) وليست بواجبة، خلافا لأبي حنيفة وأصحابه. لما روى زيد بن ثابت قال: قرأت على النبي (ص) والنجم فلم يسجد فيها رواه الجماعة، وفي لفظ الدارقطني: فلم يسجد منا أحد، وقرأ عمر يوم الجمعة على المنبر سورة النحل، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد. فسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب. ومن لم يسجد فلا إثم عليه. ولم يسجد عمر رواه البخاري، ومالك في الموطأ. وقال فيه: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء ولم يسجد، ومنعهم أن يسجدوا وهذا قاله بمحضر من الصحابة. ولم ينكر.
540 فكان إجماعا. والأوامر به محمولة على الندب.. وإنما ذم من تركه بقوله: * (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) * تكذيبا واستكبارا كإبليس والكفار. ولهذا قال: * (فما لهم لا يؤمنون) * وأما قوله تعالى: * (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا) * فالمراد به: التزام السجود واعتقاده. فإن فعله ليس بشرط في الايمان إجماعا. ولهذا قرنه بالتسبيح، وهو قوله: * (وسبحوا بحمد ربهم) * وليس التسبيح بواجب (للقارئ والمستمع) له (وهو الذي يقصد الاستماع في الصلاة وغيرها، حتى في طواف عقب تلاوتها) لما روى ابن عمر قال: كان النبي (ص) يقرأ علينا السجدة، فيسجد. ونسجد معه. حتى ما يجد أحدنا مكانا لجبهته متفق عليه، ولمسلم: في غير صلاة، (ولو) كان السجود بعد التلاوة والاستماع (مع قصر فصل) بين السجود وسببه. فإن طال الفصل لم نسجد. لفوات محله (ويتيمم محدث ويسجد مع قصره) أي الفصل (أيضا) بخلاف ما لو توضأ لطول الفصل (ولا يتيمم لها) أي لسجدة التلاوة (مع وجود الماء) قدرته على استعماله. لفقد شرط التيمم (والراكب) المسافر (يومئ بالسجود) للتلاوة (حيث كان وجهه) كسائر النوافل، (ويسجد الماشي) المسافر (بالأرض مستقبلا) للقبلة، كما يسجد في النافلة (ولا يسجد السامع وهو الذي لا يقصد الاستماع) روي عن عثمان، وابن عباس، وعمران بن حصين قال عثمان: إنما السجدة على من استمع، وقال ابن مسعود، وعمران: ما جلسنا لها، ولم يعلم لهم مخالف في عصرهم. ولان السامع لا يشارك التالي في الاجر، فلم يشاركه في السجود كغيره. أما المستمع فقال (ص): التالي والمستمع شريكان في الاجر فلا يقاس غيره عليه. فدل على المساواة. قال في الفروع: وفيه نظر. وروى أحمد بإسناده، فيه مقال عن أبي هريرة مرفوعا: من استمع آية كتبت له حسنة مضاعفة. ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة وقول ابن عمر: إنما السجدة على من سمعها يحمل على من سمعها قاصدا، (ولا) يسجد (المصلي لقراءة غير إمامه بحال) أي سواء كان التالي في صلاة أو لا. لأن المصلي غير المأموم مأمور باستماع قراءة نفسه، والاشتغال بصلاته، منهي عن استماع غيره. والمأموم مأمور
541 باستماع قراءة إمامه. فلا تكون قراءة غير إمامه سببا لاستحباب السجود في حقه، (ولا) يسجد (مأموم لقراءة نفسه) لأنه اختلاف على الامام. وهو منهي عنه (ولا) يسجد (الامام لقراءة غيره) لما تقدم (فإن فعل) عمدا (بطلت) صلاته. لأنه زاد فيها سجودا (وهي) أي سجدة التلاوة (وسجدة شكر: صلاة. فيعتبر لهما ما يعتبر لصلاة نافلة، من الطهارة وغيرها) كاجتناب النجاسة، واستقبال القبلة وستر العورة، والنية. لأنه سجود لله تعالى، يقصد به التقرب إليه، له تحريم وتحليل. فكان صلاة، كسجود الصلاة والسهو، (و) ويعتبر لسجود المستمع (أن يكون القارئ يصلح إماما للمستمع) له، أي يجوز اقتداؤه به، لما روى عطاء أن رجلا من الصحابة قرأ سجدة ثم نظر إلى النبي (ص) فقال: إنك كنت أمامنا. فلو سجدت سجدنا معك رواه الشافعي مرسلا. وفيه إبراهيم بن يحيى وفيه كلام وقال ابن مسعود لتميم بن حذلم. اقرأ. فقرأ عليه سجدة فقال: اسجد فإنك إمامنا فيها رواه البخاري تعليقا. (فلا يسجد) المستمع (قدام القارئ ولا عن يساره، مع خلو يمينه ولا رجل لتلاوة امرأة وخنثى) لأن القارئ لا يصلح إماما له في هذه الأحوال (ويسجد) المستمع (لتلاوة أمي وزمن وصبي) لأن قراءة الفاتحة والقيام ليسا بواجب في النفل. واقتداء الرجل بالصبي يصح في النفل، (وله) أي المستمع (الرفع من السجود قبل القارئ في غير الصلاة) لأنه ليس إماما له حقيقة بل بمنزلته. وأما المأموم في الصلاة فلا يرفع قبل إمامه، كسجود الصلب (ويسجد من ليس في صلاة لسجود التالي في الصلاة) إذا استمع له، لعموم ما سبق (وإن سجد) القارئ أو المستمع للتلاوة (في صلاة أو خارجها استحب) له (رفع يديه) لما روى وائل بن حجر أن النبي (ص) كان يكبر في كل رفع وخفض ويرفع يديه في التكبير (وفي المغني والشرح) وغيرهما: وقياس المذهب (لا يرفعهما فيها) أي في الصلاة، لقول ابن عمر: كان لا يفعله في السجود متفق عليه. وهو مقدم على الأول.
542 لأنه أخص منه (ويلزم المأموم متابعة إمامه في صلاة الجهر) إذا سجد للتلاوة، لعموم قوله (ص): وإذا سجد فاسجدوا، (فلو تركها) أي ترك المأموم متابعة إمامه في سجدة التلاوة في الصلاة الجهرية (عمدا بطلت صلاته) لتعمده ترك الواجب. ولو كان هناك مانع من السماع. كبعد وطرش. لأنه لا يمنع وجوب المتابعة (ولا يقوم ركوع في الصلاة أو خارجها، ولا سجودها الذي بعد الركوع عن سجدة التلاوة) نص عليه. لأنه سجود مشروع. أشبه سجود الصلاة. قال في المذهب: إن جعل مكان السجود ركوعا لم يجزه. وبطلت صلاته (وإذا سجد في الصلاة) للتلاوة (ثم قام، فإن شاء قرأ ثم ركع، وإن شاء ركع من غير قراءة) لأن القراءة قد تقدمت. روي عن ابن مسعود (وإن لم يسجد القارئ لم يسجد المستمع) لما تقدم (وهو) أي سجود التلاوة (أربع عشرة سجدة) في الأعراف، والرعد، والنحل، والاسراء، ومريم سجدة سجدة. و (في الحج ثنتان) وفي الفرقان، والنمل، وألم تنزيل، وحم السجدة. (وفي المفصل ثلاث) في النجم، والانشقاق، واقرأ باسم ربك. روى الإمام أحمد عن عمر وعلي وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى أنهم سجدوا في الحج سجدتين ويؤيده ما روى عقبة بن عامر. قال: قلت: يا رسول الله، أفضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال: نعم. ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما رواه أحمد وأبو داود. واحتج به أحمد في رواية ابنه عبد الله، مع أن في إسناده ابن لهيعة. وقد تكلم فيه وسجد (ص) في النجم، وسجد معه المسلمون والمشركون رواه البخاري من حديث ابن عباس. وعن أبي هريرة قال: سجدنا مع النبي (ص) في الانشقاق وفي اقرأ باسم ربك رواه مسلم. (وسجدة ص ليست من عزائم السجود، بل سجدة شكر) لما روى البخاري عن ابن عباس قال: ص ليست من عزائم السجود. وقد رأيت النبي (ص) يسجد فيها، وقال النبي (ص): سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا رواه النسائي. فعلى هذا (ويسجد لها خارج الصلاة و) إن سجد لها (فيها) أي الصلاة (تبطل صلاة غير الجاهل
543 والناسي) كسائر سجدات الشكر، ومواضع السجدات آخر * (بالغدو والآصال) * (الرعد: 15). وفي النحل: * (ويفعلون ما يؤمرون) *. وفي بني إسرائيل: * (ويزيدهم خشوعا) *. وفي مريم: * (خروا سجدا وبكيا) *. وفي أول الحج: * (يفعل ما يشاء) *. وفي الثانية: * (لعلكم تفلحون) *. وفي الفرقان: * (وزادهم نفورا) *. وفي النمل: * (رب العرش العظيم) *. وفي ألم تنزيل: * (وهم لا يستكبرون) *. (وسجدة حم عند: * (يسأمون) *) لأنه تمام الكلام. فكان السجود عنده، والنجم: * (أفتمارونه على ما يرى) *. واقرأ: * (أرأيت إن كذب وتولى) * آخرهما. وفي الانشقاق: * (لا يسجدون) *. (ويكبر) من أراد السجود للتلاوة (إذا سجد بلا تكبيرة إحرام) ولو خارج الصلاة، خلافا لأبي الخطاب في الهداية. لحديث ابن عمر كان (ص) يقرأ علينا القرآن. فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه رواه أبو داود. وظاهره: أنه كبر واحدة. (و) يكبر (إذا رفع) من السجود لأنه سجود مفرد. فشرع التكبير في ابتدائه. وفي الرفع منه كسجود السهو وصلب الصلاة (ويجلس في غير الصلاة) إذا رفع رأسه. لأن السلام يعقبه. فشرع ليكون سلامه في حال جلوسه، بخلاف ما إذا كان في الصلاة (ولعل جلوسه ندب) ولهذا لم يذكروا جلوسه في الصلاة لذلك. قاله في الفروع، وتبعه على معناه، في المبدع. قلت: والظاهر وجوبه كما مر في عد الأركان. (ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه) فتبطل بتركها عمدا أو سهوا. لحديث: وتحليلها التسليم ولأنها صلاة ذات إحرام. فوجب التسليم فيها. كسائر الصلوات. قال في المبدع: وتجزئ واحدة. نص عليه. وعنه لا يجزئه إلا ثنتان. ذكرها القاضي في المجرد. وعنه لا سلام له، لأنه لم ينقل (بلا تشهد) لأنها صلاة لا ركوع فيها، فلم يشرع فيها التشهد، كصلاة الجنازة، بل لا يسن. نص عليه (ويكفيه سجدة واحدة نصا) للاخبار (إلا إذا سمع سجدتين معا فيسجد لكل واحدة سجدة) إذا قصد الاستماع. وكذا لو قرأ سجدة واستمع أخرى لتعدد السبب. ونص عليه في رواية البزار في صورة المتن. قال ابن رجب: ويتخرج أنه يكتفي بواحدة، قاله في المنتهى: ويكرره بتكرارها. أي يكرر السجود بحسب تكرار التلاوة
544 (وسجوده لها) أي للتلاوة (والتسليم ركنان) لما تقدم. وفي عد السجود ركنا نظر. لان الشئ لا يكون ركنا لنفسه، إلا أن يراد كونه على الأعضاء السبعة المتقدمة (وكذا الرفع من السجود) ركن. وعلى هذا: فتكبير الانحطاط والرفع والذكر في السجود واجب كما في سجود صلب الصلاة. وأما الجلوس للتسليم فقد سبق ما فيه (ويقول في سجودها ما يقول في سجود صلب الصلاة) أي سبحان ربي الأعلى وجوبا، قاله في المبدع. (وإن زاد غيره مما ورد، فحسن، ومنه) أي ما ورد (اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وضع) أي امح (عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني، كما تقبلتها من عبدك داود) لحديث ابن عباس رواه أبو داود، وابن ماجة، والترمذي. وقال: غريب. ومنه أيضا سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، (والأفضل سجوده عن قيام) لما روى إسحاق بن راهويه بإسناده عن عائشة: أنها كانت تقرأ في المصحف. فإذا انتهت إلى السجدة قامت فسجدت، وتشبيها له بصلاة النفل. (ويكره لامام قراءة سجدة في صلاة سر) لأنه لا يخلو حينئذ إما أن يسجد لها أو لا. فإن لم يسجد لها كان تاركا للسنة. وإن سجد لها أوجب الابهام والتخليط على المأموم. فكان ترك السبب المفضي إلى ذلك أولى. (و) يكره للامام (سجوده لها) أي لقراءة سجدة في صلاة سر. لأنه يخلط على المأمومين (فإن فعل) أي سجد للتلاوة في صلاة سر (خير المأموم بين المتابعة وتركها) لأنه ليس بتال ولا مستمع (والأولى السجود) متابعة للامام. (ويكره اختصار آيات السجود، وهو أن يجمعها في ركعة واحدة) أو وقت واحد في غير صلاة (يسجد فيها أو أن يسقطها من قراءته) لئلا يسجد لها. قال الموفق: كلاهما محدث. وفيه إخلال الترتيب (ولا يقضى هذا السجود إذا طال
545 الفصل، كما لا تقضي صلاة كسوف، و) صلاة (استسقاء) وتحية مسجد، وعقب الوضوء ونحوها، بخلاف الرواتب، لتبعها للفرائض، (وتستحب سجدة الشكر عند تجدد نعمة ظاهرة، أو رفع نقمة ظاهرة عامتين) له وللناس (أو في أمر يخصه، نصا) كتجدد ولد أو مال أو جاه، أو نصرة على عدو. لحديث أبي بكر أن النبي (ص) كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجدا رواه أحمد والترمذي. وقال: حسن غريب. والعمل عليه عند أكثر العلماء. وكذلك رواه الحاكم وصححه. وسجد (ص) حين قال له جبريل: يقول الله: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه رواه أحمد، وروى البراء أنه (ص) خر ساجدا حين جاءه كتاب علي من اليمن بإسلام همدان رواه البيهقي في المعرفة وفي السنن. وقال: هذا إسناد صحيح، ويسجد حين يشفع في أمته رواه أبو داود. وسجد الصديق حين جاءه قتل مسيلمة. رواه سعيد. وسجد علي حين رأى ذا الثدية من الخوارج. رواه أحمد. وسجد كعب بن مالك حين بشر بتوبة الله عليه. وقصته متفق عليها. (وإلا) أي وإن لم تشترط في النعمة الظهور (فنعم الله في كل وقت لا تحصى) والعقلاء يهنئون بالسلامة من العارض، ولا يفعلونه في كل ساعة (ولا يسجد له) أي الشكر (في الصلاة) لأن سببه ليس منها (فإن فعل بطلت، لا من جاهل وناس) كما لو زاد فيها سجودا (وصفتها) أي سجدة الشكر (وأحكامها كسجود التلاوة) وتقدم (ومن رأى مبتلى في دينه سجد بحضوره وغيره) أي بغير حضوره (وقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، وإن كان) مبتلى (في بدنه سجد. وقال ذلك وكتمه منه، ويسأل الله العافية) قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يسألوا الله العافية بحضرة المبتلي ذكره ابن عبد البر. وروى الحاكم أنه (ص) سجد لرؤية زمن، وأخرى لرؤية قرد. وأخرى لرؤية نغاشي بالنون والغين والشين المعجمتين قيل: ناقص الخلقة، وقيل: المبتلي. وقيل: مختلط العقل. (قال الشيخ: ولو أراد
546 الدعاء فعفر وجهه لله في التراب وسجد له ليدعوه فيه، فهذا سجود لأجل الدعاء، ولا شئ يمنعه، والمكروه هو السجود بلا سبب). فصل: في ذكر الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (أوقات النهي خمسة) هذا هو المشهور. وظاهر الخرقي، وتبعه بعضهم: إنها ثلاثة: بعد الفجر، حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب. وهو يشمل وقتين، وعند قيامها، حتى تزول ولعله اعتمد على أحاديث عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد. وعلى الأول: فالأوقات خمسة، (بعد طلوع فجر ثان إلى طلوع الشمس، وبعد طلوعها حين ترتفع قيد) بكسر القاف، أي قدر (رمح) في رأي العين (وعند قيامها) أي الشمس (ولو يوم جمعة حتى تزول، وبعد فراغ صلاة عصر حتى تشرع) الشمس (في الغروب) لما روى أبو سعيد أن النبي (ص) قال: لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس متفق عليه. وعلم منه أن النهي يتعلق من طلوع الفجر الثاني. نص عليه، لما روى ابن عمر مرفوعا: لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتين رواه أحمد، والترمذي. وقال: هذا ما أجمع عليه أهل العلم. وفي لفظ للترمذي: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر وعن ابن المسيب نحوه مرسلا. وعن عقبة بن عامر: ثلاث ساعات كان النبي (ص) ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع. وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس. وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب رواه مسلم. والظهيرة شدة الحر. وقائمها: البعير، يكون باركا فيقوم من شدة حر الأرض،
547 وتضيف بمثناة من فوق مفتوحة، ثم ضاد معجمة، ثم ياء مشددة. أي تميل. ومنه الضيف تقول: أضفت فلانا، إذا أملته إليك، وأنزلته عندك. ويتعلق النهي في العصر بفعلها لا بالوقت. قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، (ولو) فعلت العصر (جمعا في وقت الظهر، فمن صلى العصر منع التطوع) لما تقدم إلا ما يستثنى (وإن لم يصل) العصر (غيره، ومن لم يصل) العصر (لم يمنع) التنفل (وإن صلى غيره) قال في الشرح: لا نعلم في ذلك خلافا عند من منع الصلاة بعد العصر (والاعتبار بفروغها) أي صلاة العصر (لا بالشروع فيها، فلو أحرم بها ثم قلبها نفلا) أو قطعها (لم يمنع من التطوع حتى يصليها) لقوله (ص): لا صلاة بعد صلاة العصر ولا يتحقق ذلك إلا بفراغها (وتفعل سنة الفجر بعده) أي الفجر (وقبل) صلاة (الصبح) لما تقدم من حديث الترمذي: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر. (و) تفعل (سنة الظهر بعد العصر في الجمع تقديما) كان (أو تأخيرا) لما روت أم سلمة قالت: دخل علي النبي (ص) ذات يوم بعد العصر، فصلى ركعتين. فقلت: يا رسول الله، صليت صلاة لم أكن أراك تصليها؟ فقال: إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر. وإنه قدم وفد بني تميم فشغلوني عنهما، فهما هاتان الركعتان متفق عليه. (و) الخامس من أوقات النهي (إذا شرعت) الشمس (في الغروب حتى تغرب) لما تقدم (ويجوز قضاء الفرائض) في كل وقت منها لعموم قوله (ص): من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها متفق عليه. وحديث: تأخير صلاة الفجر لما نام عنها. حتى طلعت الشمس،
548 أخرها حتى ابيضت الشمس متفق عليه. إنما يدل على جواز التأخير، لا تحريم الفعل. (و) يجوز (فعل المنذورة) في كل وقت منها (ولو كان نذرها فيها) بأن قال: لله علي أن أصلي ركعتين عند طلوع الشمس ونحوه، لأنها صلاة واجبة. فأشبهت الفرائض. (و) يجوز (فعل ركعتي طواف، فرضا كان) الطواف (أو نفلا) في كل وقت منها. لحديث جبير بن مطعم: أن النبي (ص) قال: يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى فيه في أية ساعة شاء من ليل أو نهار رواه الأثرم والترمذي وقال: صحيح. وهذا إذن منه (ص) في فعلهما في جميع أوقات النهي. ولان الطواف جائز في كل وقت مع كونه صلاة، كذلك ركعتاه تبعا له. (و) تجوز (إعادة جماعة إذا أقيمت وهو في المسجد، ولو مع غير إمام الحي، وسواء كان صلى جماعة أو وحده، في كل وقت منها) أي من أوقات النهي، لما روى يزيد بن الأسود قال: صليت مع النبي (ص) صلاة الفجر، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين لم يصليا معه. فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله قد صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلا. إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكم نافلة وهذا نص في الفجر، وبقية الأوقات مثله، ولأنه متى لم يعد لحقته تهمة في حق الامام. وظاهره: إذا دخل وهم يصلون لا يعيد. خلافا لجماعة، منهم الشارح. وهو نص الامام في رواية الأثرم. قال: سألت أبا عبد الله عمن صلى في جماعة، ثم دخل المسجد وهم يصلون، أيصلي معهم؟ قال: نعم: لكن قال ابن تميم وغيره: لا يستحب الدخول. (وتجوز صلاة جنازة في الوقتين الطويلين فقط. وهما بعد الفجر، و) بعد صلاة (العصر) لطول مدتهما. فالانتظار فيهما يخاف منه عليها. و (لا) يجوز الصلاة على جنازة (في الأوقات الثلاثة) الباقية، لحديث عقبة بن عامر. وتقدم. وذكره للصلاة مقرونا بالدفن يدل على إرادة صلاة الجنازة. ولأنها صلاة من غير الخمس. أشبهت النوافل (إلا أن يخاف عليها) فتجوز مطلقا للضرورة (وتحرم) الصلاة (على قبر، و) على (غائب وقت نهي) مطلقا
549 (نفلا وفرضا) لأن المبيح لصلاة الجنازة في وقت النهي خشية الانفجار بالانتظار بها إلى خروج وقت النهي. وهذا المعنى منتف في الصلاة على القبر، وعلى الغائب (ويحرم التطوع بغيرها) أي المستثناة السابقة (في شئ من الأوقات الخمسة) لما تقدم من الأحاديث. (و) يحرم (إيقاع بعضه) أي بعض التطوع بغير المستثنيات (فيها) أي في أوقات النهي (كأن شرع في التطوع فدخل وقت النهي، وهو) أي المتطوع (فيها) أي في الصلاة النافلة. فيحرم عليه الاستدامة. لعموم ما تقدم من الأدلة. وقال ابن تميم: وظاهر الخرقي أن إتمام النفل في وقت النهي لا بأس به. ولا يقطعه بل يخففه (وإن شك) هل دخل وقت النهي؟ (فالأصل بقاء الإباحة حتى يعلم) دخوله بمشاهدة أو إخبار عارف (وإن ابتدأه) أي النفل (فيها) أي في أوقات النهي، والمراد في وقت منها (لم ينعقد، ولو) كان (جاهلا) بالحكم، أو بأنه وقت نهي، لأن النهي يقتضي الفساد (حتى ما له سبب كسجود تلاوة وشكر وسنة راتبة) كسنة الصبح إذا صلاها بعد صلاة الصبح أو بعد العصر. (و) ك (- صلاة كسوف) واستسقاء (وتحية مسجد) وسنة وضوء والاستخارة، لعموم النهي. وإنما ترجح عمومها على أحاديث التحية وغيرها لأنها حاظرة وتلك مبيحة. والصلاة بعد العصر من خصائصه (ص). ومحل منع تحية المسجد وقت النهي (في غير حال خطبة الجمعة، وفيها) أي في حال خطبة الجمعة (تفعل) تحية المسجد، إذا دخل والامام يخطب بمسجد فيركعهما (ولو كان وقت قيام الشمس قبل الزوال) لما روى أبو سعيد أن النبي (ص) نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة رواه أبو داود (بلا كراهة) علم أن الوقت وقت نهي أو لا، شتاء كان أو صيفا لعموم ما سبق (ومكة كغيرها في أوقات النهي) لعموم الأدلة. باب صلاة الجماعة ومن تجوز إمامته، ومن الأولى بالإمامة، وموقف الإمام والمأموم، وما يبيح ترك الجماعة من الاعذار. وما يتعلق بذلك.
550 شرع لهذه الأمة ببركة نبيها محمد (ص) الاجتماع للعبادة في أوقات معلومة. فمنها ما هو في اليوم والليلة للمكتوبات، ومنها ما هو في الأسبوع وهو صلاة الجمعة. ومنها ما هو في السنة متكررا. وهو صلاة العيدين لجماعة كل بلد. ومنها ما هو عام في السنة وهو الوقوف بعرفة لأجل التواصل والتوادد وعدم التقاطع. (أقلها) أي الجماعة (اثنان إمام ومأموم، فتنعقد) الجماعة (بهما) لحديث أبي موسى مرفوعا: الاثنان فما فوقهما جماعة رواه ابن ماجة. ولقوله (ص) في حديث مالك بن الحويرث: إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما، وليؤمكما أكبركما وأم ابن عباس مرة، وحذيفة مرة. (في غير جمعة وعيد) لاشتراط العدد فيهما، على ما يأتي بيانه. وتصح في فرض ونفل (ولو بأنثى) لعموم ما سبق والامام رجلا أو أنثى (أو عبد) والامام حر، أو عبد، أو مبعض (فإن أم عبده، أو) أم (زوجته كانا جماعة) لعموم ما سبق من قوله (ص): الاثنان فما فوقهما جماعة و (لا) تنعقد الجماعة (بصغير في فرض) والامام بالغ. لأن الصبي لا يصلح أن يكون إماما في الفرض. وعلم منه أنه يصح أن يؤم صغيرا في نفل لأن النبي (ص) أم ابن عباس وهو صبي في التهجد وعنه: يصح أيضا في الفرض كما لو أم رجلا متنفلا. قاله في الكافي، (وهي) أي الجماعة (واجبة وجوب عين) لقوله تعالى: * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) * فأمر بالجماعة حال الخوف، ففي غيره أولى. يؤكده قوله تعالى: * (واركعوا مع الراكعين) * وروى أبو هريرة أن النبي (ص) قال: أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. ولقد هممت بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة. فأحرق عليهم بيوتهم بالنار متفق عليه. وروى أيضا أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني
551 إلى المسجد. فسأل النبي (ص) أن يرخص له، فيصلي في بيته. فرخص له. فلما ولى دعاه، فقال: هل تسمع النداء؟ فقال: نعم، قال: فأجب رواه مسلم. وعن ابن مسعود قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين، حتى يقام في الصف رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي. ويعضد وجوب الجماعة أن الشارع شرعها حال الخوف على صفة لا تجوز إلا في الامن، كما ستقف عليه. وأباح الجمع لأجل المطر. وليس ذلك إلا محافظة على الجماعة، ولو كانت سنة لما جاز ذلك (لا وجوب كفاية) كأحد الوجهين للشافعية، مستدلين بقوله (ص): ما من ثلاثة في قرية لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان رواه أحمد (فيقاتل تاركها) أي الجماعة. لحديث أبي هريرة المتفق عليه (كأذان) الظاهر: أنه تشبيه للمنفي أي ليس وجوب الجماعة وجوب كفاية، كأذان. فإن وجوبه وجوب كفاية كما تقدم. ويحتمل أن يكون المعنى: ويقاتل تارك الجماعة، كتارك الاذان، لكن الاذان إنما يقاتل على تركه إذا تركه أهل البلد كلهم، بخلاف الجماعة. فإنه يقاتل تاركها، وإن أقامها غيره. لأن وجوبها على الأعيان، بخلافه. وقوله: (للصلوات الخمس المؤداة حضرا وسفرا) متعلق بواجبة (حتى في خوف) شديد أو غيره. لقوله تعالى: * (وإذا كنت فيهم) * (النساء: 102). لأنها نزلت في صلاة. الخوف. والغالب كون الخوف في السفر. فمع الامن وفي الحضر أولى (على الرجال الأحرار القادرين) عليها (دون) غير الخمس، كالكسوف والوتر والمنذورة، دون المقضيات من الخمس، ودون (النساء والخناثى) والصبيان. ومن فيه رق، أو له عذر مما يأتي في آخر الباب لما يأتي (لا) أي ليست الجماعة ب (- شرط لصحتها) أي
552 الصلوات الخمس. كما اختاره ابن عقيل، قياسا على الجمعة، لخبر ابن عباس يرفعه: من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر، لم يقبل الله منه الصلاة التي صلاها رواه ابن المنذر. وروي عن غير واحد من الصحابة، منهم ابن مسعود وأبو موسى قالوا: من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له لكن قال الشريف: لا يصح عن صاحبنا في كونها شرطا (إلا في جمعة وعيد) فالجماعة شرط فيهما، على ما يأتي توضيحه، (و) حيث تقرر إنها ليست شرطا للخمس فإنها (تصح من منفرد، ولو لغير عذر وفي صلاته) أي المنفرد (فضل مع الاثم) لأنه يلزم من ثبوت النسبة بينهما بجزء معلوم ثبوت الاجر فيهما. وإلا فلا نسبة ولا تقدير (وتفضل الجماعة على صلاته) أي المنفرد (بسبع وعشرين درجة) لحديث ابن عمر قال: قال النبي (ص): صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة رواه الجماعة إلا أبا داود. قال ابن هبيرة: لما كانت صلاة الفذ مفردة أشبهت العدد المفرد، فلما جمعت مع غيرها أشبهت ضرب العدد. وكانت خمسا، فضربت في خمس، فصارت خمسا وعشرين. وهي غاية ما يرتفع إليه ضرب الشئ في نفسه وأدخلت صلاة المنفرد وصلاة الامام مع المضاعفة في الحساب (ولا ينقص أجره) أي المصلي منفردا (مع العذر) لما روى أحمد والبخاري أن النبي (ص) قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحا مقيما قال في الفروع: ويتوجه احتمال تساويهما في أصل الاجر. وهو الجزاء والفضل بالمضاعفة. (وتسن) الجماعة (في مسجد) لحديث زيد بن ثابت مرفوعا: صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة متفق عليه ولما فيه من إظهار الشعار، وكثرة الجماعة (وله فعلها) أي الجماعة (في بيته، و) في (صحراء) لقوله (ص): جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل
553 أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته متفق عليه. (و) فعلها (في مسجد أفضل) لأنه السنة، وحديث: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد يحتمل: لا صلاة كاملة، جمعا بين الاخبار. قال بعضهم: وإقامتها في الربط والمدارس ونحوها: قريب من إقامتها في المساجد. نعم إن كان ذهابه إلى المسجد يؤدي إلى انفراد أهله. فالمتجه إقامتها في بيته فذا. تحصيلا للواجب. ولو دار الامر بين فعل الصلاة في المسجد فذا، وبين فعلها في بيته، تحصيلا للواجب، ولو دار الامر بين فعل الصلاة في المسجد في جماعة يسيرة، وفعلها في بيته في جماعة كثيرة، كان فعلها في المسجد أولى، (وتستحب) الجماعة (لنساء، إذا اجتمعن منفردات عن الرجال، سواء كان إمامهن منهن أو لا) لفعل عائشة وأم سلمة، ذكره الدارقطني، ولان النبي (ص) أمر أم ورقة أن تجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود والدارقطني. ولأنهن من أهل الفرض. أشبهن الرجال (ويباح لهن حضور جماعة الرجال، تفلات غير متطيبات) يقال: تفلت المرأة تفلا، من باب تعب. إذا أنتن ريحها لترك الطيب والإدهان. وتفلت إذا تطيبت، من الأضداد، وذكره في الحاشية (بإذن أزواجهن) لأن النساء كن يحضرن على عهده (ص) كما يأتي في الباب. وفي صلاة الكسوف. وكونهن تفلات لئلا يفتن. وكونه بإذن أزواجهن لما يأتي أنه يحرم خروجها بغير إذن زوجها. (ويكره حضورها) أي جماعة الرجال (لحسناء) شابة أو غيرها، لأنها مظنة الافتتان. (ويباح) الحضور (لغيرها) أي غير الحسناء، تفلة غير متطيبة بإذن زوجها: وبيتها خير لها، للخبر، (وكذا مجالس الوعظ) وأولى (وتأتي تتمته قريبا) أواخر الفصل الثاني من الباب (وإن كان بطريقه إلى المسجد منكر كغناء لم يدع المسجد) وكذا لو كان المنكر بالمسجد فيحضر (وينكره) بحسبه (ويأتي) آخر الباب (قال الشيخ: ولو لم يمكنه) إتيان المسجد (إلا بمشيه في ملك غيره فعل) واقتصر عليه في الفروع (فإن كان البلد ثغرا، وهو)
554 المكان (المخوف) من فروج البلدان (فالأفضل لأهله: الاجتماع في مسجد واحد) لأنه أعلى للكلمة، وأوقع للهيبة. فإذا جاءهم خبر عن عدوهم سمعه جميعهم، وتشاوروا في أمرهم. وإن جاءهم عين للكفار رأى كثرتهم، فأخبر بها، قال الأوزاعي: لو كان الامر إلي لسمرت أبواب المساجد التي للثغور، ليجتمع الناس في مسجد واحد. (والأفضل لغيرهم الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره) لأن فيه تحصيل ثواب عمارة المسجد، وتحصيل الجماعة لمن يصلي فيه. وذلك معدوم في غيره، (أو تقام) فيه الجماعة (بدونه) أي حضوره (لكن في قصده لغيره كسر قلب إمامه أو جماعته) فجبر قلوبهم أولى (قاله جمع) منهم الشارح وابن تميم (ثم المسجد العتيق) لأن الطاعة فيه أسبق، (ثم) إن استويا فالأفضل من المساجد (ما كان أكثر جماعة) لما روى أبي بن كعب أن النبي (ص) قال: صلاة الرجل مع الرجل أولى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أولى من صلاته مع الرجل. وما كان أكثر فهو أحب إلى الله رواه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان، (ثم) إن استويا فيما تقدم، فالصلاة في المسجد (الأبعد) أفضل من الصلاة في الأقرب. لحديث أبي موسى مرفوعا: إن أعظم الناس في الصلاة أجرا أبعدهم فأبعدهم ممشى رواه مسلم. ولكثرة حسناته بكثرة خطاه (وفضيلة أول الوقت أفضل من انتظار كثرة الجمع) قاله في تصحيح الفروع، وظاهر كلام كثير من الأصحاب. ومما يؤيد ذلك: قول أكثر الأصحاب: إن صلاة الفجر في أول الوقت أفضل، ولو قل الجمع، وهو المذهب (وتقدم الجماعة مطلقا على أول الوقت) لأنها واجبة، وأول الوقت سنة ولا تعارض بين واجب ومسنون. (ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه) لأنه بمنزلة صاحب البيت وهو أحق بها لقوله (ص): لا يؤمن الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه، وتبطل فائدة اختصاصه بالتقدم، ومع الاذن له هو نائب عنه. و (لا) يحرم أن يؤم (بعده) أي بعد إمامه الراتب:
555 لأنه استوفى حقه، فلا افتيات عليه، (ويتوجه إلا لمن يعادي الامام) لقصده الايذاء إذن. فيشبه ما لو تقدمه (فإن فعل) أي أم في المسجد قبل إمامه الراتب بلا إذنه (لم تصح في ظاهر كلامهم) قاله في الفروع والمبدع. ومعناه في التنقيح. وقطع به في المنتهى. وقدم في الرعاية: تصح مع الكراهة، ومقتضى كلام ابن عبد القوي: الصحة كما يأتي في نقل كلامه في صلاة الجنازة (إلا أن يتأخر) الراتب (لعذر، أو لم يظن حضوره، أو ظن) حضوره. (ولكن لا يكره) بفتح الياء (ذلك) أي أن يصلي غيره مع غيبته (أو ضاق الوقت، فيصلون) لصلاة أبي بكر بالناس حين غاب النبي (ص) في بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، متفق عليه، وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف مرة، فقال النبي (ص): أحسنتم رواه مسلم، (وإن لم يعلم عذره) أي الراتب (وتأخر عن وقته المعتاد، انتظر، ورود رسول مع قربه وعدم المشقة) في الذهاب إليه (وسعة الوقت) لأن الائتمام به سنة وفضيلة، فلا تترك مع الامكان. ولما فيه من الافتيات بنصب غيره (وإن بعد) مكانه، (أو شق) الذهاب إليه، أو ضاق الوقت (صلوا) لما تقدم. (وإن صلى) فرضه، (ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد) استحب إعادتها. ولو كان صلى أولا في جماعة أو كان وقت نهي، لما تقدم في الباب قبله، (أو جاء) أي المسجد (غير وقت نهي ولم يقصد) بمجيئه المسجد (الإعادة وأقيمت) الصلاة (استحب إعادتها) مع إمام الحي وغيره. لما تقدم. ولئلا يتوهم رغبته عنه (إلا المغرب) فلا تسن إعادتها، لأن المعيدة تطوع، وهو لا يكون بوتر. ولو كان صلى وحده، ذكر، القاضي وغيره. (والأولى فرضه) لما تقدم في الخبر. و (كإعادتها منفردا، فلا ينوي الثانية فرضا، بل ظهرا معيدة مثلا) لأن الأولى أسقطت الفرض (وإن نواها) أي المعيدة (نفلا صح) لمطابقته
556 الواقع. وإن نواها ظهرا مثلا فقط. صحت على مقتضى ما تقدم في باب النية، وكانت نفلا (وإن أقيمت) الصلاة (وهو خارج المسجد، فإن كان في وقت نهي لم يستحب له الدخول) حتى تفرغ الصلاة، لامتناع الإعادة إذن، وإيهام رغبته عنه، حيث لم يصل معه (وإن دخل المسجد وقت نهي يقصد الإعادة انبنى على فعل ما له سبب) في وقت النهي، والمذهب كما جزم به آنفا لا يجوز، فلا إعادة. قلت: وكذا إن لم يقصد الإعادة. كما هو مفهوم قوله وقول صاحب المنتهى فيما سبق. وإعادة جماعة أقيمت وهو بالمسجد (والمسبوق في المعادة يتمها، فلو أدرك من رباعية ركعتين قضى ما فاته منها) ركعتين (ولم يسلم معه نصا) لعموم قوله (ص): وما فاتكم فأتموا وقيل: يسلم معه. قلت: ولعل الخلاف في الأفضل، وإلا فهي نفل. كما تقدم. ولا يلزمه إيقاعه أربعا، إلا أن يقال: يلزم إتمامها أربعا مراعاة لقول من يقول: إنها فرض. وفيه بعد (ولا تكره إعادة الجماعة) أي إذا صلى إمام الحي ثم حضر جماعة أخرى، استحب لهم أن يصلوا جماعة، هذا قول ابن مسعود، لعموم قوله (ص): تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ولقوله: من يتصدق على هذا فيصلي معه؟ فقام رجل من القوم فصلى معه رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي سعيد. وإسناده جيد. وحسنه الترمذي. وما ذكره الأصحاب من قولهم: لا يكره أو يستحب إعادة الجماعة، فهو من المخالفة، فلا ينافي ما تقدم من وجوب الجماعة، أو يقال: هو على ظاهره، ليصلوا في غيره أي غير المسجد الذي أقيمت فيه الجماعة. أشار إليه في الانصاف (في غير مسجدي مكة والمدينة فقط) فالأقصى كسائر المساجد (وفيهما) أي في مسجدي مكة والمدينة (تكره) إعادة الجماعة. وعلله أحمد بأنه في
557 توفير الجماعة، أي لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الراتب في المسجدين إذا أمكنهم الصلاة في جماعة أخرى. قلت: فعلى هذا يكره تعدد الأئمة الراتبين بالمسجدين، لفوات فضيلة أول الوقت لمن يتأخر، وفوات كثرة الجمع، وإن اختلفت المذاهب (إلا لعذر) كنوم ونحوه عن الجماعة. فلا يكره لمن فاتته إذا إعادتها بالمسجدين، لما تقدم من قوله (ص): من يتصدق على هذا؟ ولان إقامتها إذن أخف من تركها، (وإن قصد) مسجدا من (المساجد للإعادة، كره) زاد بعضهم: ولو كان صلى فرضه وحده. ولأجل تكبيرة الاحرام لفواتها لا لقصد الجماعة، نص على ذلك (وليس للامام اعتياد الصلاة مرتين، وجعل الثانية عن فائتة أو غيرها، والأئمة متفقون على أنه بدعة مكروهة، ذكره الشيخ، وفي واضح ابن عقيل لا: يجوز فعل ظهرين في يوم). قلت لعل المراد على اعتقاد فرضيتهما، وإلا فإذا كانت إحداهما معيدة أو فائتة فلا مانع، ومن نذر أنه متى حفظ القرآن صلى مع كل صلاة فريضة أخرى، وحفظه، لا يلزمه الوفاء بما نذره فإنه منهي عنه، ويكفر كفارة يمين، (وإذا أقيمت) أي شرع المؤذن في إقامة (الصلاة) لرواية ابن حبان بلفظ: إذا أخذ المؤذن في الإقامة (التي يريد الصلاة مع إمامها) وإلا لم يمتنع عليه، كما لو أقيمت بمسجد لا يريد الصلاة فيه، قاله في الفروع توجيها (فلا صلاة إلا المكتوبة)، فلا يشرع في نفل مطلق، ولا راتبة من سنة فجر أو غيرها (في المسجد أو غيره ولو ببيته) لعموم قوله (ص): إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة متفق عليه. (فإن فعل) أي شرع في نافلة بعد الشروع في الإقامة (لم تنعقد) لما روي عن أبي هريرة وكان عمر يضرب على كل صلاة بعد الإقامة وأباح قوم ركعتي الفجر والامام يصلي. منهم ابن مسعود (فإن جهل الإقامة فكجهل وقت نهي) وتقدم أن الأصل الإباحة، لكن إن وافق أنه كان بعد الشروع فيها لم تنعقد (وإن أقيمت وهو فيها) أي النافلة (ولو) كان (خارج المسجد أتمها خفيفة، ولو فاتته ركعة) لقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * قاله ابن تميم وغيره (ولا يزيد على ركعتين، فإن كان شرع في) الركعة (الثالثة أتمها) أي النافلة (أربعا) لأنها أفضل من
558 الثلاث (فإن سلم من ثلاث) ركعات (جاز نصا فيهما) أي في المسألتين. ولعل عدم كراهة الثلاث هنا للعذر (إلا أن يخشى) من أقيمت الصلاة وهو في نافلة (فوات ما تدرك به الجماعة، فيقطعها) لأن الفرض أهم. (قال جماعة) منهم صاحب التلخيص: (وفضيلة التكبيرة الأولى) أي تكبيرة الاحرام (لا تحصل إلا بشهود تحريم الامام) واقتصر عليه في المبدع وغيره. (وتقدم في) باب (المشي إلى الصلاة) ما يؤذن بذلك. فصل: (ومن كبر قبل سلام الامام التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس) لأنه أدرك جزءا، من صلاة الامام. أشبه ما لو أدرك ركعة، وكإدراك المسافر صلاة المقيم. ولأنه يلزم أن ينوي الصفة التي هو عليها، وهو كونه مأموما. فينبغي أن يدرك فضل الجماعة، (ومن أدرك الركوع معه) أي الامام (قبل رفع رأسه) من الركوع، بحيث يصل المأموم إلى الركوع المجزئ قبل أن يزول الامام عن قدر الاجزاء منه (غير شاك في إدراكه) أي الامام (راكعا أدرك الركعة ولو لم يدرك معه الطمأنينة إذا اطمأن هو) أي المسبوق ثم لحقه، لحديث أبي هريرة مرفوعا: إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئا. ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة رواه أبو داود بإسناد حسن. ولأنه لم يفته من الأركان غير القيام. وهو يأتي به مع التكبيرة. ثم يدرك مع الامام بقية الركعة، وعلم منه أنه لو شك هل أدركه راكعا أو لا؟ لم يعتد بها. ويسجد للسهو. وتقدم في بابه. وإن كبر والامام في الركوع، ثم لم يركع حتى رفع إمامه لم يدركه ولو أدرك ركوع المأمومين. وإن أتم التكبيرة في انحنائه انقلبت نفلا وتقدم (وأجزأته) أي من أدرك الامام
559 راكعا (تكبيرة الاحرام عن تكبيرة الركوع نصا) واحتج بأنه فعل زيد بن ثابت، وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة. ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد. فأجزأ الركن عن الواجب. كطواف الزيارة والوداع. قيل للقاضي: لو كانت تكبيرة الركوع واجبة لم تسقط. فأجاب: بأن الشافعي أوجب القراءة وأسقطها إذا أدركه راكعا. قال ابن رجب في القاعدة الثامنة عشر: وهذه المسألة تدل على أن تكبيرة الركوع تجزئ في حالة قيام، خلاف ما يقوله المتأخرون (وإتيانه) أي المسبوق (بها) أي تكبيرة الركوع (أفضل) خروجا من خلاف من أوجبه، كابن عقيل، وابن الجوزي، (فإن نواهما) أي نوى المدرك في الركوع الاحرام والركوع (بالتكبيرة لم تنعقد) صلاته. لأنه شرك بين الواجب وغيره في النية. أشبه ما لو عطس عند رفع رأسه، فقال: ربنا ولك الحمد عنهما، وعنه بلى. اختاره الشيخان. ورجحه في الشرح لأن نية الركوع لا تنافي نية الافتتاح. لأنهما من جملة العبادة. وإن نوى تكبيرة الركوع لم يجزئه. لأن تكبيرة الاحرام ركن ولم يأت بها (وإن أدركه) أي المسبوق (بعد الركوع، لم يكن مدركا للركعة، وعليه متابعته قولا وفعلا) لقوله (ص): إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا الحديث. والمراد بمتابعته في الأقوال: أن يأتي بتكبير الانتقال عما أدركه فيه. وما في السجود من التسبيح وما بين السجدتين. وأما التشهد إذا لم يكن محلا لتشهده فلا يجب عليه (وإن رفع الامام رأسه) من الركوع (قبل إحرامه) أي المسبوق (سن دخوله معه) فيسن كيف أدركه للخبر (وعليه) أي المسبوق (أن يأتي بالتكبيرة في حال قيامه) لوجوب التكبير لكل انتقال يعتد به المصلي، (وينحط مسبوق) أدرك الامام بعد رفعة من الركوع (بلا تكبير له) أي لانحطاطه (ولو أدركه ساجدا) نص عليه. لأنه لا يعتد به، وقد فاته محل التكبير، (ويقوم) مسبوق (للقضاء بتكبير ولو لم تكن) الركعة التي قام إليها (ثانيته) أي المسبوق لأنه انتقال يعتد به لأنه. أشبه سائر الانتقالات (فإن قام) مسبوق (قبل) أن يسلم الامام (التسليمة الثانية، بلا عذر يبيح المفارقة)
560 للامام (لزمه) أي المسبوق (العود، ليقوم بعدها) لأنها من جملة الركن، ولا تجوز مفارقته بلا عذر (فإن لم يرجع) المسبوق (انقلبت) صلاته (نفلا) بلا إمام. وظاهره: لا فرق بين العمد والذكر وضدهما وهذا واضح إذا كان الامام يرى وجوب التسليمة الثانية. وإلا فقد خرج من صلاته بالأولى، خصوصا بعض المالكية فإنه ربما لا يسلم الثانية رأسا. فكيف يصنع المسبوق؟ لو قيل لا يفارقه قبلها (وإن أدركه) المسبوق (في سجود سهو بعد السلام لم يدخل معه) لأنه خرج من الصلاة. ولم يعد إليها به، حتى لو أحدث فيه لم تبطل (فإن فعل) أي دخل معه في سجود السهو بعد السلام (لم تنعقد صلاته) لما مر (وما أدرك) المسبوق (مع الامام فهو آخر صلاته، فإن أدركه فيما بعد الركعة الأولى) كالثانية أو الثالثة (لم يستفتح ولم يستعذ، وما يقضيه) المسبوق (أولها) أي أول صلاته (يستفتح له، ويتعوذ، ويقرأ السورة) ولو أدرك ركعة من الصبح مثلا. أطال قراءتها على التي أدركها، وراعى ترتيب السور. كما أشار إليه ابن رجب، لما روى أحمد عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ورواه النسائي من حديث ابن عيينة قال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة: فاقضوا ولا أعلم رواها عن الزهري أو غيره. وفيه نظر. فقد رواها أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وقد رويت عن أبي هريرة من غير وجه. وفي رواية لمسلم: واقض ما سبقك والمقضي هو الفائت فيكون على صفته، (لكن لو أدرك من رباعية أو مغرب ركعة تشهد) التشهد الأول (عقب قضاء) ركعة (أخرى نصا كالرواية الأخرى) أن ما أدرك أول صلاته، وما يقضيه آخرها. لقوله (ص): ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا متفق عليه من حديث أبي قتادة وأبي هريرة. وأجيب: بأن المعنى: فأتموا قضاء، للجمع بينهما. وإنما قلنا: بتشهد من أدرك ركعة عقب أخرى. لئلا يلزم تغيير هيئة الصلاة. لأنه لو تشهد عقب ركعتين، لزم عليه قطع الرباعية على وتر. والثلاثية شفعا. ومراعاة هيئة الصلاة ممكنة. ولا
561 ضرورة إلى تركها فلزم الاتيان بها (ويخير) المسبوق إذا قضى ما فاته (في الجهر) بالقراءة (في صلاة الجهر) غير الجمعة (بعد مفارقة إمامه. وتقدم في صفة الصلاة) وعلى هذا أيضا: يتخرج تكبير العيد والقنوت. فلا يقنت من قنت مع إمامه، لأنه آخر صلاته (ويتورك) المسبوق (مع إمامه) في موضع توركه لأنه آخر صلاته. ولم يعتد له. قلت: جلوسه واجب من حيث متابعة الامام وفي كلام الفروع هنا تأمل (كما يتورك) المسبوق (فيما يقضيه) للتشهد الثاني فعلى هذا: لو أدرك ركعتين من رباعية جلس مع الامام متوركا متابعة له للتشهد الأول، وجلس بعد قضاء الركعتين أيضا متوركا. لأنه يعقبه سلامه (ويكرر التشهد الأول نصا، حتى يسلم إمامه) التسليمتين، لأنه تشهد واقع في وسط الصلاة. فلم تشرع فيه الزيادة على الأول. قلت: وهذا على وجه الندب. فإن كان محلا لتشهده الأول فالواجب منه المرة الأولى. بدليل قوله: (فإن سلم) الامام (قبل إتمامه) أي المسبوق التشهد الأول (قام) المسبوق لقضاء ما فاته (ولم يتمه) إن لم يكن واجبا عليه (وتقدم) في صفة الصلاة (وإن فاتته الجماعة استحب أن يصلي في جماعة أخرى، فإن لم يجد) جماعة أخرى (استحب لبعضهم أن يصلي معه) لقوله (ص): من يتصدق على هذا فيصلي معه؟ وتقدم. (ولا يجب فعل قراءة على مأموم) روي ذلك عن علي، وابن عباس، وابن مسعود، وجابر، وابن عمر لقوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * قال أحمد في رواية أبي داود: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة. وعن أبي هريرة مرفوعا: إنما جعل الامام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا رواه الخمس وصححه أحمد في رواية الأثرم ومسلم بن الحجاج: ولولا أن القراءة لا تجب على المأموم بالكلية، لما أمر بتركها من أجل سنة الاستماع. عن عبد الله بن شداد مرفوعا: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة رواه سعيد وأحمد في مسائل ابنه عبد الله والدارقطني، قد روي مسندا من طرق ضعاف. والصحيح أنه مرسل وهو عندنا جحة. قاله في شرح المنتهى. وقال ابن مسعود: لا أعلم في السنة القراءة خلف الإمام وقال ابن عمر: قراءته
562 تكفيك وقال علي: ليس على الفطرة من قرأ خلف الامام وقال ابن مسعود: وددت من قرأ خلف الامام أن أملا فاه ترابا روى ذلك سعيد. والمراد بأنه لا قراءة على المأموم، إنما يتحملها الامام عنه، وإلا فهي واجبة عليه، نبه عليه القاضي. فلذلك قال: (فيتحمل عنه إمامه ثمانية أشياء: الفاتحة) لما تقدم (وسجود السهو) إذا كان دخل معه في الركعة الأولى. كما تقدم تفصيله في سجود السهو (والسترة قدامه) لما تقدم: سترة الامام سترة لمن خلفه (والتشهد الأول إذا سبقه بركعة) من رباعية لوجوب المتابعة (وسجود تلاوة أتى بها) المأموم (في الصلاة خلفه. وفيما إذا سجد الإمام لتلاوة سجدة قرأها) الامام (في صلاة سر، فإن المأموم إن شاء لم يسجد. وتقدم في الباب قبله). لكن قد يقال: المأموم ليس بتال، ولا مستمع، كما تقدم. فلم تشرع السجدة في حقه ابتداء، حتى يتحملها عنه الامام. إلا أن يقال: توجه إليه الطلب باعتبار المتابعة، فيتحملها عنه (وقول: سمع الله لمن حمده. وقول: ملء السماوات) إلى آخره (بعد التحميد. ودعاء القنوت) إن كان يسمع الامام فيؤمن فقط، وإلا قنت، وتقدم (وتسن قراء) ته أي المأموم (الفاتحة في سكتات الامام، ولو) كان سكوته (لتنفس) نقله ابن هانئ، (ولا يضر تفريقها) أي الفاتحة. (و) تسن قراءته (فيما لا يجهر) الامام (فيه) لما روى جابر بن عبد الله قال: كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الامام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة. وفي الأخريين بفاتحة الكتاب رواه ابن ماجة، وعن علي: اقرأوا في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة رواه الدارقطني. وقال: هذا إسناد صحيح. قال الترمذي: أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين يرون القراءة خلف الإمام ، وخروجا من خلاف من أوجبه، لعموم الأدلة، لكن تركناه إذا جهر الامام للأدلة. فبقي حال تعذر استماعه على مقتضى الدليل، (أو لا يسمعه) أي يسن للمأموم أن يقرأ إذا كان لا يسمع الامام (لبعده) لأنه غير سامع لقراءته. أشبه حال سكتاته. والصلاة السرية (فإن لم يكن للامام سكتات يتمكن) المأموم (فيها من القراءة كره له أن يقرأ نصا) لما تقدم، (و) يقرأ المأموم ندبا (مع الفاتحة سورة في أولتي ظهر وعصر) لما تقدم عن جابر
563 وعلي (فإن سمع) المأموم (قراءة الإمام كرهت له القراءة) للفاتحة والسورة لما تقدم. وفيه تكرار، إلا أن يحمل هذا الأخير على السرية، وما تقدم على الجهرية، (فلو سمع) المأموم (همهمته ولم يفهم ما يقول) الامام (لم يقرأ) لأنه سامع لقراءة إمامه. (ومواضع سكتاته) أي الامام (ثلاثة): إحداها: (بعد تكبيرة الاحرام) ليستفتح ويتعوذ. وعلم منه: اختصاصها بالركعة الأولى. (و) الثانية (بعد فراغ القراءة) ليتمكن المأموم من قراءة السورة قاله في شرح المنتهى. (و) الثالثة: بعد (فراغ) قراءة (الفاتحة وتستحب هنا سكتة بقدر الفاتحة) ليقرأها المأموم فيها (ويقرأ أطرش إن لم يشغل من إلى جنبه) من المأمومين لأنه لا يحصل له مقصود استماع القراءة. أشبه البعيد. فإن أشغل من إلى جنبه عن استماعه أو قراءته لم يقرأ، (ويستحب) للمأموم (أن يستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه الامام إذا لم يسمعه) لبعده أو سكوته، لأن مقصود الاستفتاح والتعوذ لا يحصل باستماع قراءة الإمام لعدم جهره به، بخلاف قراءة الإمام، وكالسرية. فصل: الأولى أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة بعد شروع إمامه من غير تخلف، قاله ابن تميم وغيره. وقال في المغني والشرح، وابن الجوزي في المذهب وغيرهم: يستحب أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة بعد فراغ الامام مما كان فيه اه. وذلك لحديث: إنما جعل الامام ليؤتم به. فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد
564 فاسجدوا إذ الفاء للتعقيب (فلو سبق الامام) المأموم (بالقراءة وركع الامام تبعه) المأموم، لما تقدم، (وقطعها) أي القراءة لأنها في حقه مستحبة. والمتابعة واجبة. ولا تعارض بين واجب ومستحب (بخلاف التشهد) إذا سبق به الامام وسلم فلا يتابعه المأموم، بل يتمه (إذا سلم) إمامه. ثم يسلم لعموم الأوامر بالتشهد، (وإن وافقه) أي وافق المأموم الامام في الأفعال (كره) لمخالفة السنة (ولم تبطل) صلاته، سواء كانت في الركوع أو غيره صححه في الانصاف. وقال: عليه أكثر الأصحاب. (و) أما موافقة المأموم الامام (في أقوالها) أي الصلاة، ف (- إن كبر) المأموم (للاحرام معه) أي مع إمامه، (أو) كبر المأموم (قبل تمامه) أي تمام إحرام إمامه (لم تنعقد) صلاته، عمدا كان أو سهوا، لأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته، (وإن سلم) المأموم (معه كره) لمخالفة السنة (وصحت) صلاته، لأنه اجتمع معه في الركن، (و) إن سلم (قبله عمدا بلا عذر تبطل) لأنه ترك فرض المتابعة متعمدا، و (لا) تبطل إن سلم قبل إمامه (سهوا، فيعيده) أي السلام (بعده) أي بعد سلام إمامه. لأنه لا يخرج من صلاته قبل إمامه، (وإلا) أي وإن لم يعده بعده (بطلت) صلاته. لأنه ترك فرض المتابعة أيضا (والأولى أن يسلم المأموم عقب فراغ الامام من التسليمتين فإن سلم) المأموم (الأولى بعد سلام الامام الأولى) وقبل سلامه الثانية (و) سلم المأموم (الثانية بعد سلامه) أي الامام (الثانية جاز) لأنه لا يخرج بذلك عن متابعة إمامه. إلا أن الأول أبلغ في المتابعة (لا إن سلم) المأموم (الثانية قبل سلام الامام الثانية، حيث قلنا بوجوبها) فلا يجوز له. لتركه متابعة إمامه بلا عذر، كالأولى (ولا يكره) للمأموم (سبقه) أي الامام (ولا موافقته) أي الامام (بقول غيرهما) أي غير الاحرام والسلام، كالقراءة والتسبيح، وسؤال المغفرة والتشهد. قال في الفروع: وفاقا، (ويحرم سبقه) أي سبق المأموم الامام (بشئ من أفعالها، فإن ركع أو سجد، ونحوه) كأن رفع من ركوع أو سجود (قبل إمامه عمدا حرم) لقوله (ص): إنما جعل الامام ليؤتم به. فإذا كبر فكبروا. وإذا ركع فاركعوا. وإذا سجد فاسجدوا
565 وقال البراء: كان النبي (ص) إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع (ص) ساجدا، ثم نقع سجودا بعده، وقال (ص): أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الامام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار متفق عليه. (ولم تبطل) صلاته (إن رفع ليأتي به) أي بما سبق به إمامه (معه، ويدركه فيه) أي فيما سبق به. لأنه سبق يسير. وقد اجتمع معه في الركن بعد. فحصلت المتابعة. والمراد من إتيانه به معه: أي عقبه، وإلا فتقدم: تكره موافقته في الأفعال، (فإن لم يفعل) أي يرجع ليأتي به مع إمامه (عمدا عالما بطلت صلاته) لأنه ترك الواجب عمدا (وإن فعله) أي ركع أو سجد، ونحوه قبل إمامه (جهلا أو سهوا، ثم ذكره لم تبطل) صلاته لما تقدم من أنه سبق يسير. ولحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، (وعليه أن يرفع) يعني يرجع (ليأتي به) أي بما سبق به إمامه من ركوع أو سجود ونحوه (معه) أي مع إمامه، أي عقبه ليكون مؤتما بإمامه (فإن لم يفعل عمدا حتى أدركه إمامه فيه بطلت) صلاته لما تقدم (وإن سبقه بركن فعلي، بأن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالما عامدا بطلت) صلاته (نصا) لأنه سبقه بركن كامل. هو معظم الركعة. أشبه ما لو سبقه بالسلام. للنهي (وإن كان) ركوعه ورفعه قبل إمامه (جاهلا أو ناسيا بطلت تلك الركعة إذا لم يأت بما فاته مع إمامه) لأنه لم يقتد بإمامه في الركوع. أشبه ما لو لم يدركه. وعلم منه: صحة صلاته. لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، (وإن سبقه) المأموم (بركنين، بأن ركع) المأموم (ورفع قبل ركوعه) أي الامام (وهوى إلى السجود قبل رفعه، عالما عامدا بطلت صلاته) لأنه لم يقتد بإمامه في أكثر الركعة (وصحت صلاة جاهل وناس) لما تقدم، (وبطلت) تلك (الركعة) لما سبق (قال جمع) منهم ابن تميم وابن حمدان، وصاحب
566 الفروع: (ما لم يأت بذلك مع إمامه) وجزم به في المنتهى. ولا يعد سابقا بركن حتى يتخلص منه. فإذا ركع ورفع فقد سبق بالركوع. لأنه تخلص منه بالرفع. ولا يكون سابقا بالرفع. لأنه لم يتخلص منه. فإذا هوى إلى السجود فقد تخلص من القيام، وحصل السبق بركنين. ولا تبطل بسبق بركن غير ركوع. ذكره في المنتهى. لأنه الذي يدرك به المأموم الركعة. فتفوت بفواته. وظاهره: أن السبق بركنين يبطل الصلاة مع العمد مطلقا، (وإن تخلف) المأموم (عنه) أي عن إمامه (بركن بلا عذر) من نوم أو زحام، أو غفلة ونحوه (فكالسبق به) بركن، على ما سبق تفصيله، (و) إن تخلف عنه بركن (لعذر) من نوم أو غفلة أو عجلة إمام ونحوه (يفعله ويلحقه) وجوبا. لأنه أمكنه استدراكه من غير محذور. فلزمه (وتصح الركعة) فيعتد بها (وإلا) أي وإن لم يفعل ما فاته مع إمامه ويلحقه لعدم تمكنه من فعل ذلك (فلا) تصح الركعة. بل تلغى لفوات ركنها (وإن تخلف) المأموم (عنه بركعة فأكثر، لعذر من نوم أو غفلة ونحوه) كزحام (تابعه) فيما بقي من صلاته (وقضى) المأموم ما تخلف به (بعد سلام إمامه جمعة) كانت (أو غيرها، كمسبوق) قال أحمد، في رجل نعس خلف الامام حتى صلى ركعتين، قال: كأنه أدرك ركعتين فإذا سلم الامام قضى ركعتين. قلت: والمقضي هنا ليس أول صلاته دائما، بل حكمه حكم ما فاته من صلاته معه (وإن تخلف) المأموم (بركنين) لغير عذر (بطلت) صلاته. لتركه متابعة الامام بلا عذر. (و) إن كان تخلفه بالركنين فأكثر (لعذر، كنوم وسهو وزحام إن أمن فوت الركعة الثانية أتى بما تركه وتبعه) لتمكنه من استدراكه بلا محذور (وصحت ركعته) فيتم عليها، (وإلا) بأن لم يأمن فوت الثانية إن أتى بما تركه (تبعه) لأن استدراكه الفائتة إذن يؤدي إلى فوت ركعة غيرها. فيتركه محافظة على متابعة إمامه (ولغت ركعته والتي تليها
567 عوضها) فيبني عليها (ولو زال عذر من أدرك ركوع الأولى، وقد رفع إمامه من ركوع الثانية تابعه في السجود. فتتم له ركعة ملفقة من ركعتي إمامه، يدرك بها الجمعة فيأتي بعدها بركعة، فتتم جمعته). ولم نقل بالتلفيق فيمن نسي أربع سجدات من أربع ركعات، لتحصل الموالاة بين ركوع وسجود معتبر. وإن ظن تحريم متابعته فسجد جهلا اعتد به. ولو أتى بما تخلف به. وأدرك إمامه في ركوع الثانية تبعه. وتمت جمعته. وبعد رفعه منه تبعه. وقضى كمسبوق. (ويسن للامام تخفيف الصلاة مع إتمامها) لحديث أبي هريرة يرفعه: إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة. وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء رواه الجماعة. وعن ابن مسعود وعقبة بن عامر قالا: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان، مما يطيل بنا. قال: فما رأيت النبي (ص) غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم بالناس فليوجز، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة متفق عليه. قال في المبدع: ومعناه: أن يقتصر على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة (إذا لم يؤثر مأموم التطويل، فإن آثروه كلهم استحب) لزوال علة الكراهة وهي التنفير. قال في المبدع: وعددهم منحصر، وهو عام في كل الصلوات، مع أنه سبق أنه يقرأ في الفجر بطوال المفصل. (و) يسن للامام (أن يرتل القراءة والتسبيح والتشهد، بقدر ما يرى أن من خلفه ممن يثقل لسانه قد أتى به وأن يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يرى أن الكبير والصغير والثقيل قد أتى عليه) ليتمكن كل من المأمومين من متابعته من غير إخلال بسنة. (ويسن له) أي للامام (إذا عرض في الصلاة عارض لبعض المأمومين يقتضي
568 خروجه) من الصلاة (أن يخفف، كما إذا سمع بكاء صبي ونحو ذلك) لقوله (ص): إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه رواه أبو داود. (وتكره) للامام (سرعة تمنع مأموما فعل ما يسن) له. كقراءة السورة والمرة الثانية والثالثة من تسبيح الركوع والسجود، ورب اغفر لي بين السجدتين، وإتمام ما يسن في التشهد الأخير. لما في ذلك من تفويت المأموم ما يستحب له فعله. وقال الشيخ تقي الدين: يلزمه مراعاة المأموم إن تضرر بالصلاة أول الوقت أو آخره ونحوه. وقال: ليس له أن يزيد على القدر المشروع وأنه ينبغي أن يفعل غالبا ما كان النبي (ص) يفعله غالبا. ويزيد وينقص للمصلحة. كما كان النبي (ص) يزيد وينقص أحيانا. (ويسن تطويل قراءة الركعة الأولى أكثر من) قراءة الركعة (الثانية) لما روى أبو قتادة قال: كان النبي (ص) يطول في الركعة الأولى متفق عليه. وقال أبو سعيد: كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي والنبي (ص) في الركعة الأولى مما يطولها رواه مسلم، وليلحقه القاصد إليها لئلا يفوته من الجماعة شئ (فإن عكس) بأن طول الثانية عن الأولى (فنصه: يجزئه، وينبغي أن لا يفعل) لمخالفة السنة (وذلك) أي تطويل قراءة الركعة الأولى عن الثانية (في كل صلاة) ثنائية كانت أو ثلاثية أو رباعية (إلا في صلاة خوف في الوجه الثاني، كما يأتي) في صلاة الخوف (فالثانية أطول) من الأولى، لتتم الطائفة الأولى صلاتها ثم تذهب لتحرس، ثم تأتي الأخرى فتدخل معه، (و) إلا (في صلاة جمعة إذا قرأ بسبح والغاشية) لوروده (ولعل المراد: لا أثر لتفاوت يسير) قاله في الفروع أي إذا كانت الثانية أطول بيسير، لا كراهة لما تقدم في سبح والغاشية (وإن أحس) الامام (بداخل وهو) أي الامام (في ركوع أو غيره، ولو) كان الداخل (من ذوي الهيئات، وكانت الجماعة كثيرة كره) للامام (انتظاره
569 لأنه) أي الحال والشأن (يبعد أن لا يكون فيهم من يشق عليه) ذلك زاد جماعة: أو طال ذلك (وكذلك إن كانت الجماعة يسيرة، والانتظار يشق عليهم أو على بعضهم) فيكره، لأن حرمة المأموم الذي معه في الصلاة أعظم من حرمة من يريد الدخول، فلا يشق على من معه لنفع الداخل (وإن لم يكن كذلك) بأن كانت الجماعة يسيرة، ولا يشق الانتظار عليهم، ولا على بعضهم (استحب انتظاره) للداخل في الركوع أو غيره، لأن الانتظار ثبت عن النبي (ص) في صلاة الخوف لادراك الجماعة. وذلك موجود هنا. ولحديث ابن أبي أوفى المتقدم، ولان ذلك تحصيل مصلحة بلا مضرة، فكان مستحبا، كرفع الصوت بتكبيرة الاحرام (وإن استأذنت امرأة إلى المسجد ليلا أو نهارا، كره لزوج وسيد منعها إذا خرجت تفلة، غير مزينة ولا مطيبة) لقوله (ص): لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن، وليخرجن تفلات رواه أحمد وأبو داود (إلا أن يخشى) بخروجها إلى المسجد (فتنة أو ضررا) فيمنعها عنه، درءا للمفسدة (وكذا أب مع ابنته) إذا استأذنته في الخروج للمسجد. كره له منعها إلا أن يخشى فتنة أو ضررا، (وله) أي الأب (منعها من الانفراد) عنه، لأنه لا يؤمن من دخول يفسدها ويلحق العار بها وبأهلها. قال أحمد: والزوج أملك من الأب (فإن لم يكن أب فأولياؤها المحارم) لقيامهم مقامه استصحابا للحضانة. قال في الفروع: وعلى هذا في رجال ذوي الأرحام، كالخال أو الحاكم: الخلاف في الحضانة. ويتوجه إن علم أنه لا مانع ولا ضرر. حرم المنع على ولي أو على غير أب، (ويأتي في الحضانة. وتنهى المرأة عن تطيبها لحضور مسجد أو غيره) لما تقدم من قوله (ص): وليخرجن تفلات والامر بالشئ نهي عن ضده (فإن فعلت) أي تطيبت للخروج (كره كراهة التحريم) قال في الفروع: وذكر جماعة: يكره تطيبها لحضور مسجد وغيره. وتحريمه أظهر اه. فقد جمع بين القولين (ولا تبدي زينتها) أي تظهرها
570 (إلا لمن في الآية) وهي قوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) * الآية (قال) الامام (أحمد) في رواية أبي طالب (ظفرها عورة) كسائر بدنها فلا تخرج، (فإذا خرجت فلا تبين شيئا ولا خفها فإنه يصف القدم) أي حجمه. (وأحب إلي أن تجعل لكمها زرا عند يدها) واختار القاضي قول من قال: المراد بما ظهر من الزينة من الثياب، لقول ابن مسعود وغيره، لا قول من فسر ببعض الحلي أو ببعضها. فإنها الخفية، ونص أحمد: الزينة الظاهرة الثياب، وكل شئ منها عورة حتى الظفر. وعن ابن عباس مرفوعا: إلا ما ظهر منها: الوجه وباطن الكف (وصلاتها) أي المرأة (في بيتها أفضل) للخبر المتقدم. (وظاهره) حتى من مسجد النبي (ص)، لما روى أحمد وحسنه في الفروع عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي: أنها جاءت إلى النبي (ص) فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيتها، فكانت تصلي فيه، حتى لقيت الله عز وجل. (والجن مكلفون) في الجملة إجماعا، لقوله تعالى: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * (يدخل كافرهم النار) إجماعا (و) يدخل (مؤمنهم الجنة) خلافا لأبي حنيفة في أنه يصير ترابا، وأن ثوابه النجاة من النار كالبهائم. وهم فيها على قدر ثوابهم خلافا لمن قال: لا يأكلون ولا يشربون فيها، أو أنهم في ربض الجنة، أي ما حولها. قال في المنتهى وشرحه: وتنعقد بهم الجماعة إلا الجمعة (قال الشيخ: ونراهم) أي الجن (فيها) أي الجنة (ولا يروننا) فيها عكس ما في الدنيا (وليس منهم رسول) وأما قوله تعالى: * (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) * فهي كقوله: * (يخرج منها اللؤلؤ والمرجان) * وإنما يخرجان من أحدهما، وكقوله: * (وجعل القمر فيهن نورا) * وإنما هو في سماء واحدة. قال ابن حامد: الجن كالإنس في التكليف والعبادات. قال: ومذاهب العلماء إخراج الملائكة من التكليف والوعد والوعيد. وقال الشيخ تقي الدين: ليس الجن كالإنس في الحد والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به وما
571 نهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد والحقيقة. لكنهم شاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم، بلا نزاع أعلمه بين العلماء اه. ويقبل قولهم أن ما بيدهم ملكهم مع إسلامهم فتصح معاملتهم. ولا دليل على المنع منه. ويجري التوارث بينهم، وكافرهم كالحربي يجوز قتله إن لم يسلم. ويحرم عليهم ظلم الآدميين وظلم بعضهم بعضا. وتحل ذبيحتهم، وبولهم وقيئهم طاهران. وأما ما يذبحه الآدمي لئلا يصيبه أذى من الجن فمنهي عنه، والمشهور أن للجن قدرة على النفوذ في بواطن البشر. لقوله (ص): إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم وكان الشيخ تقي الدين إذا أتي بالمصروع وعظ من صرعه، وأمره ونهاه فإن انتهى وفارق المصروع أخذ عليه العهد أن لا يعود. وإن لم يأتمر ولم ينته ولم يفارقه ضربه حتى يفارقه. والضرب يقع في الظاهر على المصروع، وإنما يقع في الحقيقة على من صرعه. ولهذا يتألم من صرعه به، ويصيح. ويخبر المصروع إذا أفاق بأنه لم يشعر بشئ من ذلك. قال في الفروع: وأظن أني رأيت عن الإمام أحمد مثل فعل شيخنا. وإلا فقد ثبت أنه أرسل إلى من صرعه ففارقه، وأنه عاود بعد موت أحمد. فذهب أبو بكر المروزي بنعل أحمد، وقال له: فلم يفارقه. ولم ينقل أن المروزي ضربه. فامتناعه لا يدل على عدم جوازه. فصل: في الإمامة (الأولى بالإمامة الأجود قراءة الأفقه) لحديث أبي سعيد الخدري قال: قال النبي (ص): إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم. وأحقهم بالإمامة أقرؤهم رواه مسلم، وعن ابن عباس مرفوعا: ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم رواه أبو داود، (ثم الأجود قراءة الفقيه، ثم الأقرأ) جودة. وإن لم يكن فقيها. لما تقدم. وأما تقديم النبي (ص) أبا بكر حيث قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس مع أن غيره في ذلك الزمن كان أقرأ منه وأحفظ. كأبي بن كعب
572 ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت فأجاب أحمد عنه: بأنه إنما قدمه على من هو أقرأ لتفهم الصحابة من تقديمه في الإمامة الصغرى استحقاقه للإمامة الكبرى. وتقديمه فيها على غيره. وقال الطبراني: لما استخلف (ص) أبا بكر بعد قوله: يؤم القوم أقرؤهم صح أن أبا بكر أقرؤهم وأعلمهم. لأنهم لم يكونوا يتعلمون شيئا من القرآن حتى يتعلموا معانيه وما يراد به. كما قال ابن مسعود: كان الرجل منا إذا علم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن وإنما قدم الأجود قراءة على الأكثر قرآنا لأن المجود لقراءته أعظم أجرا، لقوله (ص): من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وقال أبو بكر وعمر: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، (ثم) إن استويا في الجودة وعدمها فالأولى بالإمامة (الأكثر قرآنا الأفقه، ثم الأكثر قرآنا الفقيه، ثم) إن استويا في القراءة ف (- القارئ الأفقه، ثم القارئ الفقيه، ثم القارئ العارف فقه صلاته، ثم الأفقه) والأعلم بأحكام الصلاة، وإن كان أميا، إذا كانوا كلهم كذلك، لحديث أبي مسعود البدري قال: قال النبي (ص): يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء. فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا. ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه رواه مسلم (ومن شرط تقديم الأقرأ: أن يكون عالما فقه صلاته) وما يحتاجه فيها. لأنه إذا لم يكن كذلك لا يؤمن أن يخل بشئ مما يعتبر فيها (حافظا للفاتحة) لأن الأمي لا تصح إمامته إلا بمثله (ولو كان أحد الفقيهين) المستويين في القراءة (أفقه أو أعلم بأحكام الصلاة. قدم) لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة (ويقدم قارئ لا يعلم فقه صلاته على فقيه أمي) لا يحسن الفاتحة، لأنها
573 ركن في الصلاة، بخلاف معرفة أحكامها، (ثم) إن استويا في القراءة والفقه يقدم (الأسن) لقوله (ص) لمالك بن الحويرث: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم متفق عليه. ولأنه أقرب إلى الخشوع وإجابة الدعاء، (ثم) إن استفردا فيما تقدم فالأولى (الأشرف وهو من كان قرشيا) إلحاقا للإمامة الصغرى بالكبرى. لقوله (ص): الأئمة من قريش وقوله: قدموا قريشا ولا تقدموها والشرف يكون بعلو النسب (فتقدم منهم بنو هاشم) لقربهم من النبي (ص) (على من سواهم) كبني عبد شمس ونوفل، (ثم الأقدم هجرة، بسبقه إلى دار الاسلام مسلما) وعلم منه: بقاء حكم الهجرة. وأما قوله (ص): لا هجرة بعد الفتح فالمعنى: لا هجرة من مكة بعد أن صارت دار إسلام (ومثله السبق بالاسلام) فيقدم السابق به على غيره إذ استويا في عدم الهجرة كما لو أسلما بدار إسلام. لأن في بعض ألفاظ حديث أبي مسعود: فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم مسلما أي إسلاما، ولأنه قربة وطاعة كالهجرة (ثم الأتقى والأورع) لقوله تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (الحجرات: 13). فيقدم على الأعمر للمسجد، لأن مقصود الصلاة هو الخضوع، ورجاء إجابة الدعاء، والأتقى والأورع أقرب إلى ذلك. قال القشيري في رسالته: الورع اجتناب الشبهات زاد القاضي عياض في المشارق: خوفا من الله تعالى، وتقدم الكلام على التقوى والزهد في الخطبة قال ابن القيم: الفرق بين الزهد والورع أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة، (ثم) إن استووا في ذلك يقدم (من يختاره الجيران المصلون، أو كان أعمر للمسجد) هذه طريقة لبعض الأصحاب، منهم صاحب الفصول والشارح والمذهب، كما في المقنع والمنتهى وغيرهما: يقرع (ثم قرعة) مع
574 التشاح، لأن سعدا أقرع بين الناس يوم القادسية في الاذان. والإمامة أولى، ولأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع، فأقرع بينهم كسائر الحقوق (فإن تقدم المفضول) على الفاضل بلا إذنه (جاز) أي صحت إمامته (وكره) لقوله (ص): إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال ذكره الإمام أحمد في رسالته (وإذا أذن الأفضل للمفضول لم يكره) أن يتقدم (نصا) لأن الحق في التقدم له. وقد أسقطه (ولا بأس أن يؤم الرجل أباه بلا كراهة) إذا كان بإذنه، أو فيه مزية يقدم بها عليه، كما تقدم الصديق على أبيه أبي قحافة، (وصاحب البيت وإمام المسجد ولو عبدا، ولا تكره إمامته) أي العبد إذا كان إمام مسجد، أو صاحب بيت (بالأحرار) جزم به غير واحد لأن ابن مسعود، وحذيفة، وأبا ذر صلوا خلف أبي سعيد مولى أبي أسيد. وهو عبد، رواه صالح في مسائله (أحق بإمامة مسجده وبيته من الكل) ممن تقدم (إذا كان) إمام المسجد أو صاحب البيت (ممن تصح إمامته، وإن كان غيرهما أفضل منهما) قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، لما روي أن ابن عمر أتى أرضا له عندها مسجد يصلي فيه مولى له، فصلى ابن عمر معهم، فسألوه أن يؤمهم فأبى. وقال: صاحب المسجد أحق ولان في تقديم غيره افتياتا عليه وكسرا لقلبه (فيحرم تقديم غيرهما عليهما بدون إذن) لأنه افتيات عليهما (ولهما تقديم غيرهما، ولا يكره) لهما أن يقدما غيرهما لان الحق لهما (بل يستحب) تقديمهما لغيرهما (إن كان أفضل منهما) مراعاة لحق الفضل (ويقدم عليهما) أي على صاحب البيت وإمام المسجد (ذو سلطان، وهو الامام الأعظم، ثم نوابه كالقاضي، وكل ذي سلطان أولى من) جميع (نوابه) لأنه (ص) أم عتبان بن مالك وأنسا في بيوتهما ولان له ولاية عامة. وقد قال (ص): لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، (وسيد في بيت عبده أولى) بإمامته (منه) لولايته على صاحب البيت (وحر أولى من عبد ومن مبعض) لأنه أكمل في أحكامه وأشرف. ويصلح إماما في الجمعة والعيد، (ومكاتب مبعض أولى من
575 عبد) لحصول بعض الأكملية والأشرفية فيهما، (وحاضر) أي مقيم أولى من مسافر. لأنه ربما قصر، فيفوت المأمومين بعض الصلاة في جماعة (وبصير) أولى من أعمى. لأنه أقدر على اجتناب النجاسات واستقبال القبلة باجتهاده، (وحضري) وهو الناشئ في المدن والقرى أولى من بدوي. لأن الغالب على أهل البادية الجفاء وقلة المعرفة بحدود الله تعالى وأحكام الصلاة، لبعدهم عمن يتعلمون منه. قال تعالى في حق الاعراب: * (وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) *، (ومتوضئ) أولى من متيمم. لأن الوضوء رافع للحدث بخلاف التيمم. فإنه مبيح (ومعير) في البيت المعير أولى من مستعير. لأنه مالك العين والمنفعة، والمستعير إنما يملك الانتفاع (ومستأجر أولى من ضدهم) كما تقدم، فيكون أولى من المؤجر. لأنه مالك المنفعة وقادر على منع المؤجر من دخوله (فإن قصر إمام مسافر قضى) أي أتم (المقيم كمسبوق) ما بقي من صلاته (ولم تكره إمامته إذن، كالعكس) أي كإمامة المقيم للمسافر (وإن أتم) المسافر (كرهت) إمامته بالمقيم، خروجا من خلاف من منعها نظرا إلى أن ما زاد على الركعتين نفل. فيلزم اقتداء المفترض بالمتنفل. وجوابه: المنع، وإن الكل فرض. فلذلك قال: (وإن تابعه) أي الامام المسافر (المقيم صحت) صلاته. لأن المسافر إذا نوى الاتمام لزمه، فيصير الجميع فرضا (ولو كان الأعمى أصم صحت إمامته) لأن العمى والصمم فقد حاستين لا يخلان بشئ من أفعال الصلاة ولا بشروطها، فصحت مع ذلك الإمامة كما لو كان أعمى فاقد الشم، (وكرهت) إمامته خروجا من الخلاف (ولا تصح إمامة فاسق بفعل) كزان وسارق وشارب خمر ونمام ونحوه (أو اعتقاد) كخارجي ورافضي (ولو كان مستورا) لقوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا؟ لا يستوون) * ولما روى ابن ماجة عن جابر مرفوعا: لا تؤمن امرأة رجلا ولا أعرابي مهاجرا، ولا فاجر مؤمنا، إلا أن يقهره بسلطان يخاف سوطه وسيفه وعن ابن عمر أن النبي (ص) قال: اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم بينكم وبين ربكم لكن قال البيهقي عن هذا: إسناده ضعيف. ولان الفاسق لا يقبل خبره لمعنى في دينه. فأشبه الكافر. ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة (ولو بمثله) فلا يصح أن يؤم فاسق
576 فاسقا لأنه يمكنه رفع ما عليه من النقص بالتوبة (علم فسقه ابتداء أو لا، فيعيد) المأموم (إذا علم) فسق إمامه. واختار الشيخان أن البطلان مختص بظاهر الفسق، دون خفيه. قال في الوجيز. لا تصح خلف الفاسق المشهور فسقه لكن ظاهر كلامه، وهو المذهب: مطلقا. قاله في المبدع (وتصح الجمعة والعيد) خلف فاسق (بلا إعادة إن تعذرت خلف غيره) لأنهما يختصان بإمام واحد. فالمنع منهما خلفه يؤدي إلى تفويتهما دون سائر الصلوات. نعم لو أقيمتا في موضعين في أحدهما عدل. فعلهما وراءه، ونقل ابن الحكم أنه كان يصلي الجمعة، ثم يصلي الظهر أربعا (وإن خاف أذى) بترك الصلاة خلف الفاسق (صلى خلفه) أي الفاسق، دفعا للمفسدة (وأعاد، نصا) لعدم براءته. (وإن نوى مأموم الانفراد) أي نوى المصلي خلف الفاسق صورة عدم الائتمام به (ووافقه في أفعالها) أي أفعال الصلاة (صح) ما صلاه (ولم يعد) لأنه لم يأتم به (حتى ولو) كانوا (جماعة صلوا خلفه) بإمام عدل. ووافقه الامام في أفعالها. فلا إعادة لعدم الاقتداء بفاسق (وتصح إمامة العدل إذا كان نائبا لفاسق) نص عليه، لأن صلاته إنما ترتبط بصلاة إمامه، فلا يضر وجود معنى في غيره كالحدث (كصلاة فاسق خلف عدل وتصح الصلاة خلف إمام لا يعرفه) أي يجهل عدالته وفسقه، إذا لم يتبين الحال. ولم يظهر منه ما يمنع الائتمام به، لأن الأصل في المسلمين السلامة (والاستحباب) أن يصلي (خلف من يعرفه) عدلا، ليتحقق براءة ذمته (والفاسق من أتى كبيرة) وهي ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة (أو داوم على صغيرة، وتأتي له تتمة في) باب (شروط من تقبل شهادته، ومن صح اعتقادهم في الأصل) كأهل السنة والجماعة (فلا بأس بصلاة بعضهم خلف بعض، ولو اختلفوا في الفروع) كأهل المذاهب الأربعة، لصلاة الصحابة خلف بعضهم مع ما بينهم من الاختلاف في الفروع (ويأتي قريبا، ومن صلى بأجرة لم يصل خلفه، قاله) محمد (بن تميم) قال أبو داود: سمعت أحمد يسأل عن إمام قال: أصلى بكم رمضان بكذا وكذا درهما؟ قال: أسأل الله العافية، من يصلي
577 خلف هذا؟ (فإن رفع إليه) أي الامام (شئ بغير شرط، فلا بأس نصا) وكذا لو كان يعطى من بيت المال أو من وقف (ولا تصح) الصلاة (خلف كافر، ولو) كان كفره (ببدعة مكفرة) على ما هو مذكور في الأصول، ويأتي بعضه في شروط من تقبل شهادته (ولو أسره) أي الكفر، فجهل المأموم كفره، ثم تبين له، لأن صلاته لا تصح لنفسه فلا تصح لغيره ولعموم قوله (ص): لا يؤمن فاجر مؤمنا والكفر لا يخفى غالبا، فالجاهل به مفرط (ولو صلى خلف من يعلمه مسلما فقال بعد الصلاة: هو كافر، لم يؤثر في صلاة المأموم) لأنها كانت محكوما بصحتها وهو ممن لا يقبل قوله (ولو قال من جهل حاله) لمن صلى خلفه (بعد سلامه من الصلاة: هو كافر وإنما صلى تهزئا، أعاد مأموم فقط) نص عليه (كمن ظن كفره أو حدثه فبان بخلافه، أو) ظن (أنه خنثى مشكل فبان رجلا) فيعيد المأموم لاعتقاده بطلان صلاته (ولو علم من إنسان حال ردة وحال إسلام) وصلى خلفه ولم يعلم في أي الحالين هو؟ أعاد (و) لو علم لانسان (حال فاقة وحال جنون كره تقديمه) في المسألتين لاحتمال أن يكون على الحالة التي لا تصح إمامته فيها (فإن صلى خلفه ولم يعلم في أي الحالين هو أعاد) ما صلاه خلفه لأن ذمته اشتغلت بالوجوب ولم يتحقق ما يبرأ به، فبقي على الأصل. وهذا أحد الوجوه في المسألة، قدمه في الرعاية الكبرى وصححه في مجمع البحرين. والوجه الثاني: لا يعيد وصوبه في تصحيح الفروع. والوجه الثالث: إن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه، أو إفاقته وشك في ردته أو جنونه. فلا إعادة لأن الظاهر بقاؤه على ما كان عليه وإن علم ردته أو جنونه وشك في إسلامه أو إفاقته أعاد. قال في تصحيح الفروع: وهو الصحيح من المذهب على ما اصطلحناه، جزم به في المغني والشرح. وشرح
578 ابن رزين وغيرهم انتهى، وقطع به في المنتهى، (وإن صلى خلف من يعلم أنه كافر فقال بعد الصلاة: كنت أسلمت وفعلت ما يجب للصلاة، فعليه الإعادة) لاعتقاده بطلان صلاته، (ولا) تصح الصلاة خلف (سكران) لأن صلاته لا تصح لنفسه، فلا تصح لغيره (وإن سكر في أثناء الصلاة بطلت) صلاته، لبطلان طهارته، (ولا) تصح الصلاة (خلف أخرس، ولو ب) - أخرس (مثله نصا) لأنه يترك ركنا، وهو القراءة والتحريمة وغيرهما. فلا يأتي به ولا ببدله، بخلاف الأمي ونحوه. فإنه يأتي بالبدل، (ولا) تصح الصلاة (خلف من به سلس من بول ونحوه) كنجو وريح ورعاف لا يرقأ دمه، وجروح سيالة إلا بمثله. لأن في صلاته خللا غير مجبور ببدل. لكونه يصلي مع خروج النجاسة التي يحصل بها الحدث من غير طهارة. أشبه ما لو ائتم بمحدث يعلم حدثه. وإنما صحت صلاته في نفسه للضرورة (أو عاجز عن ركوع، أو رفع منه كأحدب، أو) عاجز عن (سجود، أو قعود، أو عن استقبال، أو اجتناب نجاسة، أو) عاجز (عن الأقوال الواجبة ونحوه من الأركان، أو الشروط إلا بمثله) لأنه أخل بركن أو شرط. فلم يجز كالقارئ بالأمي. ولا فرق بين إمام الحي وغيره، وتصح إمامتهم بمثلهم. لأنه (ص) صلى بأصحابه في المطر بالايماء ذكره في الشرح، (ولا) تصح الصلاة (خلف عاجز عن القيام) لأنه عجز عن ركن من أركان الصلاة. فلم يصح الاقتداء به كالعاجز عن القراءة إلا بمثله (إلا إمام الحي وهو كل إمام مسجد راتب) لما في المتفق عليه من حديث عائشة أن النبي (ص) صلى في بيته وهو شاك، فصلى جالسا، وصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: إنما جعل الامام ليؤتم به - إلى قوله - وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون قال ابن عبد البر: روي هذا مرفوعا من طرق
579 متواترة. ولان إمام الحي يحتاج إلى تقديمه بخلاف غيره. والقيام أخف بدليل سقوطه في النفل (المرجو زوال علته) التي منعته القيام، لئلا يفضي إلى ترك القيام على الدوام، أو مخالفة الخبر. ولا حاجة إليه. والأصل فيه: فعله (ص) وكان يرجى زوال علته (ويصلون وراءه) جلوسا. (و) يصلون أيضا (وراء الامام الأعظم) إذا مرض ورجي زوال علته (جلوسا) للخبر، قال في الخلاف: هذا استحسان. والقياس: لا يصح، لأنه (ص) صلى في مرض موته قاعدا وصلى أبو بكر والناس خلفه قياما متفق عليه من حديث عائشة وأجاب أحمد عنه: بأنه لا حجة فيه. لأن أبا بكر ابتدأ بهم قائما فيتمها كذلك والجمع أولى من النسخ، ثم يحتمل أن أبا بكر كان هو الامام. قال ابن المنذر: روي عن عائشة أن النبي (ص) صلى خلف أبي بكر في مرضه، في ثوب متوشحا به ورواه أنس أيضا. وصححهما الترمذي. قال: ولا نعرف أنه (ص) خلف أبي بكر إلا في هذا الحديث. قال مالك: العمل عليه عندنا. لا يقال: لو كان إمام لكان عن يسار النبي (ص) وفي الصحيح: أنه كان عن يسار أبي بكر. قيل لأنه يحتمل أنه فعل ذلك لان خلفه صف، ونقل مثل قولنا أسيد بن حضير وجابر وقيس بن فهد وأبو هريرة (فإن صلوا قياما) خلف إمام الحي المرجو زوال علته (صحت) صلاتهم لأنه (ص) لم يأمر من صلى خلفه قائما بالإعادة. ولان القيام هو الأصل (والأفضل له) أي لامام الحي (أن يستخلف إذا مرض والحالة هذه) أي أنه يرجى زوال علته. لأن الناس مختلفون في صحة إمامته، مع أن صلاة القائم أكمل. وكمالها مطلوب (وإن ابتدأ بهم) الامام (الصلاة قائما، ثم اعتل) أي حصل له علة (فجلس) عجزا (أتموا خلفه قياما، ولم يجز الجلوس نصا) لقصة أبي بكر. ولان القيام هو الأصل. فإذا بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها إذا قدر عليه. كمن أحرم من الحضر ثم سافر. قاله في الشرح: (وإن ترك الامام ركنا) عنده وحده كالطمأنينة، (أو)
580 ترك الامام (واجبا) عنده وحده. كالتشهد الأول، (أو) ترك الامام (شرطا عنده) أي الامام (وحده) أي دون المأموم كستره أحد العاتقين في الفرض، بأن كان المأموم لا يرى المتروك ركنا، ولا واجبا، ولا شرطا، (أو) كان المتروك ركنا، أو واجبا، أو شرطا (عنده، وعند المأموم) حال كون الامام (عالما) بما تركه (أعادا) لبطلان صلاة الامام بتركه الشرط، أو الركن، أو الواجب عمدا، وبطلان صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، وإن كان الترك سهوا. فإن كان المتروك واجبا. صحت صلاتهما. ولا إعادة وإن كانت الطهارة صحت لمأموم وحده، على ما يأتي. وإن كان ركنا وأمكن تداركه قريبا فعلى ما تقدم في سجود السهو. وإن كان شرطا غير طهارة الحدث والخبث. لم تنعقد لهما وأعادا، (وإن كان) المتروك ركنا أو شرطا، أو واجبا (عند المأموم وحده) كالحنبلي اقتدى بمن مس ذكره، أو ترك ستر أحد العاتقين أو الطمأنينة في الركوع ونحوه، أو تكبيرة الانتقال ونحوه، متأولا أو مقلدا من لا يرى ذلك مفسدا (فلا) إعادة على الامام، ولا على المأموم. لأن الامام تصح صلاته لنفسه فجازت خلفه. كما لو لم يترك شيئا. ومثله لو صلى شافعي قبل الامام الراتب. فتصح صلاة الحنبلي خلفه (ومن ترك ركنا، أو شرطا مختلفا فيه بلا تأويل ولا تقليد) أعاد. ذكره الآجري إجماعا، كتركه فرضه، ولهذا أمر (ص) الذي ترك الطمأنينة بالإعادة وجعل في المبدع ترك الواجب كذلك. ومراده: إذا شك في وجوبه. وأما إذا لم يخطر بباله أن عالما قال بوجوبه. فيسقط، كما تقدم في صفة الصلاة. ويجبر بسجود السهو، إن علم فيها. أو قريبا على ما تقدم، (وتصح) الصلاة (خلف من خالف في فرع لم يفسق به) أي بمخالفته فيه، كالصلاة خلف من يرى النكاح بلا ولي. لفعل الصحابة والتابعين مع شدة الخلاف. ولم ينقل عن أحد منهم أنه ترك الصلاة خلف من خالفه في شئ من ذلك (ومن فعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة مما اختلف فيه، كنكاح بلا ولي، وشرب نبيذ ونحوه، فإن داوم عليه فسق) بالمداومة (ولم يصل خلفه) لفسقه (وإن لم يداوم) عليه (فقال الموفق) والشارح: (هو
581 من الصغائر، ولا بأس بالصلاة خلفه) لأن الفسق لا يحصل بالصغيرة، بل بالمداومة عليها، كما تقدم ويأتي. قال تعالى: * (وإن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) * (النساء: 31). وقال الشيخ تقي الدين: لو فعل الامام ما هو محرم عند المأموم دونه مما يسوغ فيه الاجتهاد: صحت صلاته خلفه وهو المشهور عن أحمد (ولا إنكار في مسائل الاجتهاد) على من اجتهد فيها وقلد مجتهدا. لأن المجتهد إما مصيب، أو كالمصيب في حط الاثم عنه وحصول الثواب له، قال في الفروع: وفي كلام أحمد وبعض الأصحاب ما يدل على أنه إن ضعف الخلاف أنكر فيها وإلا فلا اه. قال ابن عقيل: رأيت الناس لا يعصمهم من الظلم إلا العجز. ولا أقول العوام، بل العلماء. كانت أيدي الحنابلة مبسوطة في أيام ابن يونس، فكانوا يستطيلون بالبغي على أصحاب الشافعي في الفروع، حتى ما يمكنوهم من الجهر بالبسملة والقنوت، وهي مسألة اجتهادية فلما جاءت أيام النظام، ومات ابن يونس، وزالت شوكة الحنابلة استطال عليهم أصحاب الشافعي استطالة السلاطين الظلمة، فاستعدوا بالسجن، وآذوا العوام بالسعايات، والفقهاء بالنبذ بالتجسيم. قال: فتدبرت أمر الفريقين فإذا بهم لم تعمل فيهم آداب العلم. وهل هذه إلا أفعال الأجناد، يصولون في دولتهم، ويلزمون المساجد في بطالتهم (ولا تصح إمامة امرأة) برجال. لما روى ابن ماجة عن جابر مرفوعا: لا تؤمن امرأة رجلا ولأنها لا تؤذن للرجال. فلم يجز أن تؤمهم كالمجنون، ولا بخناثى لاحتمال كونهم رجالا (ولا) إمامة (خنثى مشكل برجال) لاحتمال كونه امرأة (ولا) إمامة الخنثى (بخناثى) مشكلين لاحتمال أن يكون امرأة وهم رجال، وعلى المذهب: لا فرق بين الفرض والتراويح وغيرها. وعنه تصح في التراويح إذا كانا قارئين والرجال أميون، ويقفون خلفها، وذهب إليه أكثر المتقدمين (فإن لم يعلم) الرجل المأموم يكون الامام امرأة، أو خنثى (إلا بعد الصلاة أعاد) لأنه مفرط. لأن ذلك لا يخفي غالبا، (وتصح) إمامة المرأة بنساء، لما رواه الدارقطني عن أم ورقة أنه (ص) أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها وتصح أيضا إمامة الخنثى (بنساء) لأن غايته أن يكون امرأة، وإمامتها بهن صحيحة، (ويقفن) أي المأمومات (خلفه) أي خلف الخنثى، إذا أمهن كالرجل. وقال ابن عقيل: يقوم وسطهن (وإن صلى) رجل (خلف من يعلمه خنثى لكن يجهل صلى إشكاله، ثم بان) الخنثى (بعد الصلاة رجلا فعليه) أي المأموم (الإعادة) كمن صلى خلف من يظنه محدثا، فبان متطهرا، (وإن
582 صلى) رجل (خلفه) أي الخنثى (وهو لا يعلم) أنه خنثى (فبان بعد الفراغ رجلا، فلا إعادة عليه) لصحة صلاته في نفس الامر، وعدم شكه حال الفعل فيما يفسدها، (ولا) تصح (إمامة مميز لبالغ في فرض) نص عليه. رواه الأثرم عن ابن مسعود وابن عباس. وقال (ص): لا تقدموا صبيانكم ولأنها حال كمال، والصبي ليس من أهلها. أشبه المرأة، بل آكد. لأنه نقص يمنع التكليف وصحة الاقرار. والامام ضامن. وليس هو من أهل الضمان. ولأنه لا يؤمن منه الاخلال بالقراءة حال السر (وتصح) إمامة المميز للبالغ (في نفل) ككسوف وتراويح، (و) تصح إمامة مميز (بمثله) لأنه متنفل يؤم متنفلا، (ولا) تصح (إمامة محدث) يعلم ذلك، (ولا) إمامة (نجس يعلم ذلك) لأنه أخل بشرط الصلاة مع القدرة. أشبه المتلاعب لكونه لا صلاة له في نفسه. فيعيد من صلى خلفه (ولو جهله) أي الحدث، أو النجس (مأموم فقط) أي وحده وعلمه الامام، فيعيدون كلهم. ولا فرق بين الحدث الأكبر والأصغر. ولا بين نجاسة الثوب والبدن والبقعة (فإن جهله) أي الحدث أو النجس (هو) أي الامام (والمأمومون كلهم حتى قضوا الصلاة. صحت صلاة مأموم وحده) أي دون الامام. لما روى البراء بن عازب أنه (ص) قال: إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم رواه محمد بن الحسين الحراني ولما روي أن عمر صلى بالناس الصبح، ثم خرج إلى الجرف فأهراق الماء، فوجد في ثوبه احتلاما فأعاد الصلاة ولم يعد الناس وروي مثل ذلك عن عثمان وابن عمر وعن علي. قال: إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد، ولا آمرهم أن يعيدوا رواهما الأثرم. وهذا في محل الشهرة. ولم ينكر، فكان إجماعا ولان الحدث مما يخفى. ولا سبيل إلى المعرفة من الامام للمأموم. فكان معذورا في الاقتداء به (إلا في الجمعة إذا كانوا أربعين بالامام، فإنها لا تصح) إذا كان الامام محدثا أو نجسا (وكذا لو كان أحد المأمومين محدثا) أو نجسا (فيها) أي الجمعة وهم أربعون فقط. فيعيد الكل، لفقد العدد المعتبر في الجمعة، لأن المحدث، أو النجس وجوده كعدمه فإن كانوا أربعين غير المحدث، أو النجس فالإعادة عليه وحده، (وتقدم حكم الصلاة بالنجاسة جاهلا) أو ناسيا في باب اجتناب النجاسة، (ولا) تصح (إمامة أمي، نسبة إلى الام)،
583 كأنه على الحالة التي ولدته أمه عليها. وقيل: إلى أمة العرب، وهو لغة: من لا يكتب. ومن ذلك وصف النبي (ص) بالأمي (بقارئ) مضت السنة على ذلك، قاله الزهري. لان القراءة ركن مقصود في الصلاة. فلم يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز عنه، كالطهارة والسترة. وهو يتحملها عن المأموم. وليس هو من أهل التحمل (والأمي) اصطلاحا: (من لا يحسن الفاتحة) أي لا يحفظها (أو يدغم منها حرفا لا يدغم) أي في غير مثله، وغير ما يقاربه في المخرج (وهو الإرث) وفي المذهب: هو الذي في لسانه عجلة تسقط بعض الحروف، (أو يلحن) فيها (لحنا يحيل المعنى، كفتح همزة اهدنا) لأنه يصير بمعنى طلب الهدية لا الهداية (وضم تاء أنعمت) وكسرها، وكسر كاف إياك. فإن لم يحل المعنى كفتح دال نعبد ونون نستعين. فليس أميا (وإن أتى به) أي اللحن المحيل للمعنى (مع القدرة على إصلاحه لم تصح صلاته كما يأتي) لأنه أخرجه عن كونه قرآنا، فهو كسائر الكلام. وحكمه حكم غيره من الكلام (وإن عجز عن إصلاحه) أي اللحن المحيل للمعنى (قرأه في فرض القراءة) لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم (وما زاد عنها) أي عن الفاتحة (تبطل الصلاة بعمده) أي اللحن المحيل للمعنى فيه. واللحن لا يبطل الصلاة إذا لم يحل المعنى، فإن أحاله كان عمده كالكلام وسهوه كالسهو عن كلمة وجهله كجهلها، (ويكفر إن اعتقد إباحته) أي إباحة اللحن المحيل للمعنى، لادخاله في القرآن ما ليس منه (وإن كان) اللحن المحيل للمعنى (لجهل أو نسيان أو آفة) كسبق لسانه، أو غفلته (لم تبطل) صلاته. لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان (ولم تمنع إمامته) لأنه ليس بأمي. وعلم مما تقدم: أنه تصح إمامة الأمي بمثله لمساواته له (وإن أم أمي وقارئا فإن كانا) أي المأمومان (عن يمينه) أي الامام (أو) كان (الأمي فقط) عن يمينه والقارئ عن يساره (صحت صلاة الامام) لأنه نوى الإمامة بمن يصح أن يأتم به، (أو) صحت صلاة المأموم (الأمي) لأنه اقتدى بمثله، ووقف في موقفه (وبطلت صلاة القارئ) لاقتدائه بأمي (وإن كانا) أي الأمي والقارئ المأمومان (خلفه) أي الامام الأمي، (و) كان (القارئ وحده عن
584 يمينه) والأمي عن يساره (فسدت صلاة الكل) أما الامام فلأنه نوى الإمامة بمن لا يصح أن يؤمه، وأما القارئ فلاقتدائه بالأمي. وأما الأمي فلمخالفته موقفه. وفي هذا نظر. لان المأموم الأمي لا تبطل صلاته بيسار إمامه إلا بركعة. كما يأتي. فصح اقتداؤه أولا بالامام. وبطلان صلاته بعد لا يؤثر في بطلان صلاة الامام، كما تقدم في باب النية، وكما يأتي في الفصل عقبه، وقد نبهت على ذلك في الحاشية (ولا يصح اقتداء العاجز عن النصف الأول من الفاتحة بالعاجز عن النصف الأخير) منها (ولا بالعكس) أي اقتداء العاجز عن النصف الأخير من الفاتحة بالعاجز عن النصف الأول (ولا اقتداء من يبدل حرفا منها بمن يبدل حرفا غيره) لعدم المساواة (ومن لا يحسن الفاتحة ويحسن غيرها من القرآن بقدرها لا يصح أن يصلي خلف من لا يحسن شيئا من القرآن) وجوزه الموفق والشارح لأنهما أميان. قال ابن تميم: وفيه نظر. وإن صلى خلف من يحسن دون السبع فوجهان (وإذا أقيمت الصلاة وهو في المسجد والامام ممن لا يصلح) للإمامة (فإن شاء صلى خلفه وأعاد) قاله في الشرح وغيره. قلت: ولعل المراد إن خاف فتنة أو أذى، لما تقدم في الفاسق (وإن شاء صلى وحده جماعة) بإمام يصلح للعذر (أو) صلى (وحده ووافقه في أفعاله، ولا إعادة) عليه. لأنه لم يأثم بمن ليس أهلا (وإن سبق لسانه إلى تغيير نظم القرآن بما هو منه على وجه يحيل معناه، كقوله: إن المتقين في ضلال وسعر، ونحوه لم تبطل) صلاته، لحديث:
585 عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان (ولم يسجد له) إذا كان سهوا عند المجد، وقدم في الفروع وغيره: يسجد له (وحكم من أبدل منها) أي الفاتحة (حرفا بحرف، لا يبدل كالألثغ الذي يجعل الراء غينا ونحوه، حكم من لحن فيها لحنا يحيل المعنى) فلا يصح أن يؤم من لا يبدله. لما تقدم (إلا ضاد المغضوب والضالين) إذا أبدلها (بظاء فتصح) إمامته بمن لا يبدلها ظاء. لأنه لا يصير أميا بهذا الابدال، وظاهره: ولو علم الفرق بينهما لفظا ومعنى (ك) - ما تصح إمامته ب (- مثله، لأن كلا منهما) أي الضاد والظاء (من أطراف اللسان وبين الأسنان وكذلك مخرج الصوت واحد. قاله الشيخ في شرح العمدة، وإن قدر على إصلاح ذلك) أي ما تقدم من إدغام حرف في آخر لا يدغم فيه، أو إبدال حرف بحرف غير ضاد المغضوب والضالين بظاء، أو على إصلاح اللحن المحيل للمعنى (لم تصح) صلاته ما لم يصلحه. لأنه أخرجه عن كونه قرآنا (وتكره وتصح إمامة كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى) كجر دال الحمد ونصب هاء الله. ونصب ياء رب. ونحوه، سواء كان المؤتم مثله أو كان لا يلحن. لأن مدلول اللفظ باق، وهو مفهوم كلام الرب سبحانه وتعالى. قال في الانصاف: وهو المذهب مطلقا. المشهور عند الأصحاب. وقال ابن منجي في شرحه: فإن تعمد ذلك. لم تصح صلاته لأنه مستهزئ ومتعمد قال في الفروع: وهو ظاهر كلام ابن عقيل في الفصول. وعلم من كلامه: أن سبق لسانه باليسير لا تكره إمامته. لأنه قل من يخلو من ذلك، إمام أو غيره، (و) تكره وتصح إمامة (من يصرع) بالبناء للمفعول، من الصرع، وهو داء يشبه الجنون. قاله في الحاشية (أو تضحك رؤيته) أو صورته، أي تكره إمامته وتصح (ومن اختلف في صحة إمامته) قاله في الفروع. فقد يؤخذ منه: كراهة إمامة الموسوس. وهو متجه لئلا يقتدي به عامي. وظاهر كلامهم: لا يكره. (و) تكره وتصح إمامة (أقلف) أما الصحة فلأنه ذكر مسلم عدل قارئ، فصحت إمامته كالمختون، والنجاسة تحت القلفة بمحل لا تمكنه إزالتها منه: معفو عنها. لعدم إمكان إزالتها، وكل نجاسة معفو عنها لا تؤثر في بطلان الصلاة وأما الكراهة فللاختلاف في صحة إمامته وخصه بعضهم بالأقلف المرتتق. وهو الذي لا يقدر على فتق قلفته وغسل ما تحتها. فأما المفتوق القلفة فإن ترك غسل ما تحت القلفة مما يمكنه غسله. لم تصح إمامته ولا صلاته، لحمله نجاسة
586 لا يعفى عنها مع القدرة على إزالتها، قاله بعض الأصحاب، ولعل هذا مراد من أطلق من الأصحاب الخلاف. وهو ظاهر من تعليلهم. (و) تكره وتصح إمامة (أقطع يدين، أو) أقطع (إحداهما، أو) أقطع (رجلين، أو) أقطع (إحداهما) قال في شرح المنتهى: ولا يخفى أن محل الصحة إذا أمكن أقطع رجلين القيام، بأن يتخذ له رجلين من خشب، أو نحوه. وأما إذا لم يمكنه القيام فلا تصح إمامته إلا بمثله (قال ابن عقيل: أو أنف) أي تكره وتصح إمامة أقطع أنف. (و) تكره وتصح إمامة (الفأفاء الذي يكرر الفاء، والتمتام الذي يكرر التاء، ولا من لا يفصح ببعض الحروف) كالقاف والضاد، أما صحة إمامته فلاتيانه بفرض القراءة. وأما كراهة تقديمه فلزيادته ما يكرر، أو عدم فصاحته، (و) يكره (أن يؤم) رجل (أنثى أجنبية فأكثر، لا رجل معهن) لأنه (ص): نهى أن يخلو الرجل بالأجنبية ولما فيه من مخالطة الوسواس (ولا بأس) أن يؤم (بذوات محارمه) أو أجنبيات معهن رجل فأكثر. لأن النساء كن يشهدن مع النبي (ص) الصلاة. وفي الفصول: يكره للشواب وذوات الهيئة الخروج للصلاة، ويصلين في بيوتهن. فإن صلى بهن رجل محرم جاز، وإلا لم يجز، وصحت الصلاة. (ويكره أن يؤم قوما أكثرهم يكرهه بحق، نصا، لخلل في دينه أو فضله) لحديث أبي أمامة مرفوعا: ثلاثة لا تجوز صلاتهم وأذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون رواه الترمذي وقال: حسن غريب، وهو لين. وأخبر (ص): أن صلاته لا تقبل رواه أبو داود من رواية الإفريقي. وهو ضعيف عند الأكثر. قال القاضي: المستحب أن لا يؤمهم صيانة لنفسه. أما إن كان ذا دين وسنة فلا كراهة في حقه (فإن كرهه) أي الامام (بعضهم لم يكره) أن يؤمهم لمفهوم الخبر. والأولى أن لا يؤمهم إزالة لذلك الاختلاف، ذكره في الشرح (قال الشيخ: إذا كان بينهما) أي
587 الإمام والمأموم (معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذاهب، لم ينبغ أن يؤمهم، لعدم الائتلاف) والمقصود بالصلاة جماعة: إنما يتم بالائتلاف، (ولا يكره الائتمام به) حيث صلح للإمامة (لأن الكراهة في حقه) دونهم، للاخبار (وإن كرهوه لدينه وسنته فلا كراهة في حقه، ولا بأس بإمامة ولد زنا ولقيط، ومنفي بلعان، وخصي وجندي) بضم الجيم (وأعرابي إذا سلم دينهم وصلحوا لها) لعموم قوله (ص): يؤم القوم أقرؤهم وصلى الباقون خلف ابن زياد، وهو ممن في نسبته نظر. قالت عائشة: ليس عليه من وزر أبويه شئ، قالت: يقال: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) *. ولان كلا منهم حر مرضي في دينه، يصلح لها كغيره، (ويصح ائتمام من يؤدي الصلاة بمن يقضيها) رواية واحدة، قاله الخلال. لأن الصلاة واحدة. وإنما اختلف الوقت (وعكسه) أي يصح ائتمام من يقضي الصلاة بمن يؤديها لما سبق، (و) يصح ائتمام (قاضي ظهر يوم ب) - قاضي ظهر يوم (آخر لما تقدم، (و) يصح ائتمام (متوضئ بمتيمم) لأنه أتى بالطهارة على الوجه الذي يلزمه. والعكس أولى كما تقدم، (و) يصح ائتمام (ماسح على حائل بغاسل) لما تحت ذلك الحائل. لأن المسح رافع لما تقدم، (و) يصح ائتمام (متنفل بمفترض) لما تقدم من قوله (ص): من يتصدق على هذا؟ فقام رجل فصلى معه، (و) لا يصح أن يؤم (من عدم الماء والتراب) أو به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بأحدهما (بمن تطهر بأحدهما) كما تقدم في ائتمام القادر بالعاجز عن شرط الصلاة، (ولا) يصح أن يأتم (مفترض بمتنفل) لقوله (ص): إنما جعل الامام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه ولان صلاة المأموم لا تؤدى بنية الامام. أشبهت صلاة الجمعة خلف من يصلي الظهر. وهو ينتقض بالمسبوق إذا أدرك من الجمعة أقل من ركعة. فإنه ينوي الظهر
588 من يصليها. قاله في المبدع، وقد يجاب عنه بأن الظهر بدل عن الجمعة بإذن. والبدل والمبدل كالشئ الواحد. وعنه يصح، لما روى جابر: أن معاذا كان يصلي مع النبي (ص) العشاء الأخيرة، ثم يرجع إلى قومه، فيصلي بهم تلك الصلاة متفق عليه. وقد يقال: هذه قضية عين تحتمل الخصوصية فليسقط بها الاستدلال (إلا إذا صلى بهم في صلاة خوف صلاتين) في الوجه الرابع، لفعله (ص). رواه أحمد. فائدة: لو صلى الفجر ثم شك: هل طلع الفجر أو لا؟ لزمته الإعادة. وله أن يؤم فيها من لم يصل. صححه الشارح وغيره. لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته، ووجوب فعلها، أشبه ما لو شك: هل صلى أو لا؟ (ولا يصح ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرهما) كالعشاء (ولا عكسه)، ومثله صلاة كل مفترض خلف مفترض بفرض غيره وقتا واسما. لما تقدم من قوله (ص): فلا تختلفوا عليه لأن الاختلاف في الصفة كالاختلاف في الوصف. تتمة: إذا صلى مريض بمثله ظهرا قبل إحرام صلاة الجمعة، ثم حضر الامام الجمعة. لم تنقلب ظهره نفلا في الأصح. ذكره في المبدع. فصل: في الموقف (السنة وقوف المأمومين خلف الامام) رجالا كانوا أو نساء لفعله (ص) كان إذا قام إلى الصلاة قام أصحابه خلفه وقد روي أن جابرا وجبارا، وقف أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره. فأخذ بأيديهما، حتى أقامهما خلفه رواه مسلم وأبو داود، ولا ينقلهما إلا إلى
589 الأكمل. وما روي عن ابن مسعود أنه صلى بين علقمة والأسود وقال: هكذا رأيت النبي (ص) فعل رواه أحمد ففيه هارون بن عفيرة. وقد وثقه جماعة. وقال ابن حبان: لا يحتج به. وقال ابن عبد البر: لا يصح رفعه. والصحيح أنه من قول ابن مسعود - وأجيب: بأنه منسوخ أو محمول على الجواز. فأجاب ابن سيرين بأن المسجد كان ضيقا. رواه البيهقي (إلا إمام العراة، و) إلا (إمامة النساء، فوسطا وجوبا في الأولى) أي إمام العراة. لما تقدم في ستر العورة (واستحبابا في الثانية) أي إمامة النساء. روي عن عائشة. ورواه سعيد عن أم سلمة. ولأنه يستحب لها التستر. وهذا أستر لها (فإن وقفوا) أي المأمومون (قدامه) أي الامام (ولو ب) - قدر تكبيرة (إحرام) ثم تأخروا (لم تصح صلاتهم) لقوله (ص): إنما جعل الامام ليؤتم به والمخالفة في الأفعال مبطلة. لكونه يحتاج في الاقتداء إلى الالتفات خلفه. ولأنه لم ينقل عنه (ص) ولا هو في معنى المنقول. فلا يصح. كما لو صلى في بيته بصلاة الامام. وهو عام في كل الصلاة، (أو غير داخل الكعبة في نفل، إذا تقابلا) بأن وجه الامام إلى وجه المأموم، (أو) تدابرا بأن (جعل) المأموم (ظهره إلى ظهر إمامه) لأنه لا يعتقد خطأه. وإنما خصه بالنفل لما تقدم من أن الفرض لا يصح داخلها، و (لا) تصح (إن جعل) المأموم (ظهره إلى وجهه) أي الامام (كتقدمه) أي المأموم (عليه) أي على إمامه (و) إلا (فيما إذا استدير الصف حولها) أي الكعبة (فلا بأس بتقدم المأموم إذا كان في الجهة المقابلة للامام) يعني في غير جهة الامام. لأنه لا يتحقق تقدمه عليه (فقط) أي دون جهة الامام. فلا تصح إن تقدم عليه فيها. قال في المبدع: فإن كان المأموم أقرب في جهته من الامام من جهته جاز. فإن كان في جهة واحدة بطلت. وهذا معنى كلامه في المنتهى وغيره، (و) إلا (في شدة الخوف إذا أمكن المتابعة) فلا يضر تقدم المأموم. نص عليه لدعاء الحاجة إليه. فإن لم تمكن المتابعة. لم يصح الاقتداء، (وإن وقفوا) أي المأمومون (معه) أي الامام
590 (عن يمينه، أو) وقفوا (عن جانبيه صح) لما تقدم (وإن كان المأموم واحدا وقف عن يمينه) أي الامام لإدارة النبي (ص) ابن عباس وجابرا إلى يمينه لما وقفا عن يساره. رواه مسلم. ويندب تخلفه قليلا خوفا من التقدم، ومراعاة للمرتبة. قاله في المبدع: (فإن بان عدم صحة مصافته لم تصح) لأنه قال في الفروع والمبدع: والمراد لمن لم يحضر معه أحد، فيجئ الوجه: تصح منفردا، أو كصلاتهم قدامه، في صحة صلاته وجهان انتهيا. قلت: ظاهر المنتهى: صحة صلاة الامام في الثانية. قال: فإن تقدمه مأموم لم تصح له. قال في الفروع: نقل أبو طالب في رجل أم رجلا قام عن يساره يعيد، وإنما صلى الامام وحده. فظاهره تصح منفردا دون المأموم. وإنما يستقيم على الغاية بالإمامة. ذكره صاحب المحرر، (فإن وقف) المأموم الرجل أو الخنثى (خلفه) أي الامام، (أو) وقف المأموم مطلقا (عن يساره) أي مع خلو يمينه (وصلى ركعة كاملة بطلت) صلاته. نص عليه. لما تقدم من إدارة النبي (ص) ابن عباس وجابرا. وعنه تصح. اختاره أبو محمد التميمي والموفق. قال في الفروع: وهي أظهر. وفي الشرح: هي القياس. كما لو كان عن يمينه وكون النبي (ص) رد جابرا وابن عباس: لا يدل على عدم الصحة، بدليل رد جابر وجبار إلى ورائه، مع صحة صلاتهما عن جانبيه، (وإذا وقف) المأموم (عن يساره) أي الامام (أحرم أو لا، سن للامام أن يديره من ورائه إلى يمينه ولم تبطل تحريمته) لما سبق من فعله (ص) بابن عباس وجابر (وإن كبر) مأموم (وحده خلفه) أي الامام (ثم تقدم عن يمينه، أو جاء) مأموم (آخر فوقف معه، أو تقدم إلى الصف بين يديه، أو كانا) أي المأمومان (اثنين فكبر أحدهما) للاحرام (وتوسوس الآخر، ثم كبر قبل رفع الامام رأسه من الركوع صحت صلاتهم)، وكذا لو أحرم واحد عن يمين الامام فأحس بآخر. فتأخر معه قبل أن يحرم الثاني، ثم أحرم، أو أحرم
591 عن يسار الامام. فجاء آخر. فوقف عن يمينه قبل رفع الامام رأسه من الركوع. لأنه لم يصل قدر ركعة ولا أكثرها، (فإن وقف) مأموم (عن يمينه) أي الامام (و) وقف (آخر عن يساره أخرهما خلفه) لما تقدم من رده (ص) جابرا وجبارا وراءه (فإن شق) عليه تأخيرهما تقدم عنهما (أو لم يمكن تأخيرهما تقدم الامام) عنهما ليصيرا وراءه وصلى بينهما (فإن تأخر الأيمن قبل إحرام الداخل ليصلي خلفه جاز) ذلك. وفي النهاية والرعاية، بل أولى لأنه لغرض صحيح، وكتفاوت إحرام اثنين خلفه لأنه يسير، (ثم إن بطلت صلاة أحدهما) لسبقه الحدث ونحوه (تقدم الآخر إلى الصف) إن كان (أو) تقدم (إلى يمين الامام) إن لم يكن وصف (أو جاء آخر فوقف معه خلف الامام) لئلا يصير فذا، (وإلا) بأن لم يمكن تقدمه إلى الصف، بأن لم يكن فيه فرجة واحتاج إلى عمل كثير، ولا إلى يمين الامام، ولا جاء آخر فوقف معه (نوى المفارقة) للعذر (وإن أدركهما) أي أدرك مأموم الإمام والمأموم (جالسين أحرم، ثم جلس عن يمين صاحبه، أو عن يسار الامام، ولا تأخر إذن للمشقة) قال في المبدع: وظاهره أن الزمنى لا يتقدمون ولا يتأخرون للعلة (والاعتبار في التقدم والمساواة بمؤخر قدم، وهو العقب) كما تقدم في صفة الصلاة في تسوية الصفوف، (وإلا) أي وإن لم يمكن تقدم بمؤخر القدم (لم يضر، كطول المأموم عن الامام، لأنه يتقدم برأسه في السجود، فلو استويا). أي الإمام والمأموم (في العقب، وتقدمت أصابع المأموم لم يضر) أي لم يؤثر في صلاة المأموم. لعدم تقدم عقبه على عقب إمامه (وإن تقدم عقب المأموم عقب الامام مع تأخر أصابعه) أي المأموم عن أصابع الامام (لم تصح) صلاة
592 المأموم، لتقدمه على إمامه. اعتبارا بالعقب. ولو قدم رجله وهي مرتفعة عن الأرض. لم يضر لعدم اعتماده عليها، (وكذا لو تأخر عقب المأموم) فإنه المعتبر. وإن تقدمت أصابعه، لكن لا يضر تأخر عقبه إلا إذا بان عدم مصافته لإمامه. لما تقدم عن المبدع: أنه يندب تأخره قليلا، بحيث لا يخرج عن كونه مصافا له (فإن صلى قاعدا فالاعتبار بمحل القعود) لأنه محل استقراره (وهو الألية، حتى لو مد) المأموم (رجليه وقدمهما على الامام لم يضر) لعدم اعتماده عليها. قلت: فإن كان أحدهما قائما والآخر قاعدا. فلكل حكمه. فلا يقدم القائم عقبه على مؤخر ألية الجالس (وإن أم) رجل (خنثى وقف) الخنثى (عن يمينه) احتياطا لاحتمال أن يكون رجلا. فإن كان معهما رجل. وقف الرجل عن يمين الامام، والخنثى عن يساره، أو عن يمين الرجل، ولا يقفان خلفه، لجواز أن يكون امرأة. وإن كان معهم رجل آخر، وقف الثلاثة خلفه صفا (وإن أم رجل) امرأة وقفت خلفه، وسواء كان معه رجل أو رجال أو لا، (أو) أم (خنثى امرأة وقفت خلفه) لقوله (ص): أخروهن من حيث أخرهن الله، (فإن وقفت) المرأة (عن يمينه) أي يمين الرجل، أو الخنثى الامام، فكرجل، فتصح، (أو) وقفت (عن يساره، فكرجل في ظاهر كلامهم) وجزم به في المنتهى وغيره. فإن كان مع خلو يمينه. لم تصح صلاتها بيساره. وإلا صحت وفي التعليق: إذا كان الامام رجلا وهو عريان فإنما تقف عن يمينه (ويكره لها الوقوف في صف الرجال) لما تقدم من أمره (ص) بتأخيرهن (فإن فعلت) أي وقفت في صف الرجال (لم تبطل صلاة من يليها ولا) صلاة (من خلفها) فصف تام من نساء لا يمنع اقتداء من خلفهن من الرجال، (ولا) صلاة من (أمامها ولا صلاتها) كما لو وقفت في غير صلاة. والامر بتأخيرها لا يقتضي الفساد مع
593 عدمه (وإن أم) رجل (رجلا وصبيا استحب أن يقف الرجل عن يمينه) لكمال الرجل (والصبي عن يساره، أو) أم (رجلا وامرأة وقف الرجل عن يمينه والمرأة خلفه) لحديث مسلم عن أنس أن النبي (ص) صلى به وبأمه فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا، (ولا بأس بقطع الصف عن يمينه) أي الامام (أو خلفه، وكذا إن بعد الصف عنه) أي عن الامام فلا بأس به (نصا وقربه) أي الصف (منه) أي الامام (أفضل) من بعده. وكذا قرب الصفوف بعضها من بعض (وكذا توسطه) أي الامام للصف أفضل لحديث أبي هريرة قال: قال النبي (ص): وسطوا الامام وسدوا الخلل رواه أبو داود، (وإن انقطع) الصف (عن يساره) أي الامام (فقال ابن حامد: إن كان) الانقطاع (بعد مقام الثلاثة رجال بطلت صلاتهم) أي صلاة المنقطعين عن الصف عن يسار الامام، وجزم بمعناه في المنتهى (وإن اجتمع) في الصلاة (أنواع) من رجال وصبيان ونساء وخناثى (سن تقديم رجال) لما روى أبو داود عن عبد الرحمن بن غنم قال: قال أبو مالك الأشعري: ألا أحدثكم بصلاة النبي (ص) قال: فأقام الصف فصف الرجال، وصف الغلمان خلفهم ورواه أحمد بمعناه، وزاد فيه والنساء خلف الغلمان، ويقدم من الرجال (أحرار) على أرقاء لمزيتهم بالحرية، (ثم عبيد) بالغون (الأفضل، ثم الأفضل) منهما لحديث أبي مسعود الأنصاري قال: كان النبي (ص) يقول: ليليني منكم أولو الأحلام والنهي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم رواه أبو داود، (ثم صبيان كذلك) أي أحرار، ثم عبيد الأفضل فالأفضل. لما تقدم، (ثم خناثى) هكذا في المقنع. لاحتمال أن يكونوا رجالا. وهذا إن قلنا: يصح وقوف الخناثى صفا. وفي المنتهى: وإن وقف الخناثى صفا لم يصح.
594 وذلك لأن الرجل مع المرأة فذ، (ثم نساء) أحرار بالغات، ثم إماء بالغات، ثم أحرار غير بالغات، ثم إماء غير بالغات، الفضلى فالفضلي، (ويقدم من الجنائز إلى الامام) عند اجتماع موتى في المصلى، (و) يقدم (إلى القبلة في قبر واحد، حيث جاز) دفن ميتين فأكثر في قبر واحد (رجل حر، ثم عبد بالغ، ثم صبي كذلك) أي حر، ثم عبد، (ثم خنثى) حر، ثم عبد بالغ، ثم الصبي فيهما، (ثم امرأة حرة) بالغة، (ثم أمة) بالغة، ثم صبية حرة، ثم صبية أمة، (وتأتي تتمته) في الجنائز. وتقدم مع تعدد النوع الأفضل فالأفضل كما في المصافة (ومن لم يقف معه إلا امرأة) وهو رجل. ففذ (أو) لم يقف معه إلا (كافر أو مجنون أو خنثى أو محدث أو نجس يعلم مصافة ذلك) أي أنه محدث أو نجس. وكذا لو علم المصاف حدث، أو نجس نفسه (ففذ) لأنهم من غير أهل الوقوف معه. ولان وجود الكافر والمجنون والمحدث والنجس كعدمه. وكذا إذا وقف معه سائر من لا تصح صلاته. قاله في الشرح. فدل على أن من صحت صلاته صحت مصافته، (وكذا) من لم يقف معه إلا و (صبي في فرض) وهو رجل. ففذ. لما تقدم. فإن كانت نفلا فليس بفذ. لقول أنس: فقام (ص) وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين، ثمة انصرف (ص) متفق عليه. (كذا وامرأة مع نساء) إذا لم يقف معها إلا كافرة أو مجنونة، أو من تعلم حدثها، أو نجاستها. ففذ. أو وقف معها في فرض غير بالغة. ففذ (وإن لم يعلم المحدث حدث نفسه فيها) أي في الصلاة حتى انقضت (ولا علمه مصافة) كذلك (فليس بفذ) وكذا إن لم يعلم ما ببدنه، أو ثوبه، أو بقعته من نجاسة، ولا علمه مصافه حتى انقضت. فليس بفذ. لأنه لو كان إماما له، إذن لم يعد. فأولى إذا كان مصافا (ومن وقف معه متنفل، أو من لا يصح أن يؤمه كالأمي) يقف مع القارئ، (والأخرس) يقف
595 مع الناطق، (والعاجز) عن ركن أو شرط يقف مع القادر عليه (وناقص الطهارة) العاجز عن إكمالها يقف مع تام الطهارة، (والفاسق) يقف مع العدل (ونحوه) أي نحو ما ذكر (فصلاتهما صحيحة) لأنه لا يشترط لها صحة الإمامة (ومن جاء فوجد فرجة) بضم الفاء وهي الخلل في الصف. دخل فيه (أو وجده) أي الصف (غير مرصوص دخل فيه) نص عليه لقوله (ص): إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصف قال ابن تميم: فإن كانت: أي الفرجة، بحذائه كره أن يمشي إليها عرضا (فإن مشى إلى الفرجة عرضا بين يدي بعض المأمومين كره) له ذلك. لما تقدم من حديث: لو يعلم المار بين يدي المصلي الحديث. ولعل عدم التحريم هنا إما لأن سترة الامام سترة لمن خلفه، أو للحاجة، (فإن لم يجد) موضعا في الصف يقف فيه (وقف عن يمين الامام إن أمكنه) ذلك لأنه موقف الواحد، (فإن لم يمكنه) الوقوف عن يمين الامام (فله أن ينبه بكلام أو بنحنحة أو إشارة من يقوم معه) لما في ذلك من اجتناب الفذية (ويتبعه) من ينبهه، وظاهره وجوبا لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به، (ويكره) تنبيهه (بجذبه نصا) لما فيه من التصرف فيه بغير إذنه (ولو كان عبده أو ابنه) لأنه لا يملك التصرف فيه، حال العبادة كالأجنبي، (فإن صلى فذا ركعة ولو امرأة خلف امرأة) لم تصح. لما روى علي بن شيبان أن النبي (ص) قال: لا صلاة لفرد خلف الصف رواه أحمد وابن ماجة. وعن وابصة بن معبد أن النبي (ص) رأى رجلا يصلي خلف الصف. فأمره أن يعيد الصلاة رواه أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجة وإسناده ثقات. قال ابن المنذر: أثبت أحمد وإسحاق هذا الحديث، ولأنه خالف الموقف، أشبه ما لو وقف قدام الامام. ولا فرق بين العالم والعامد وضدهما، (أو) وقف (عن يساره، ولو) كان المأموم (جماعة مع خلو يمينه،
596 لم تصح) إذا صلى ركعة كذلك، لمخالفته موقفه. وتقدم ما فيه (ولو كان خلفه) أي الامام (صف) فلا تصح صلاة من صلى عن يساره مع خلو يمينه (فإن كبر) فذا (ثم دخل في الصف طمعا في إدراك الركعة، أو وقف معه آخر قبل الركوع فلا بأس) بذلك، لأنه يسير، (وإن ركع فذا، ثم دخل في الصف أو وقف معه) مأموم (آخر قبل رفع الامام) من الركوع (صحت) صلاته، لأنه أدرك في الصف ما يدرك به الركعة (وكذا إن رفع الامام) من الركوع فذا (ولم يسجد) حتى دخل الصف، أو جاء آخر فوقف معه صحت صلاته لأن أبا بكرة واسمه نفيع بن الحرث ركع دون الصف فقال النبي (ص): زادك الله حرصا ولا تعد رواه البخاري. وفعل ذلك أيضا زيد بن ثابت وابن مسعود، وكما لو أدرك معه الركوع، و (لا) تصح صلاته (إن سجد) إمامه قبل دخوله في الصف، ومجئ آخر يقف معه، لانفراده في معظم الركعة (وإن فعله) أي ركع ورفع فذا، ثم دخل الصف، أو وقف معه آخر (لغير عذر)، بأن (لا يخاف فوت الركعة، لم يصح) لأن الرخصة وردت في المعذور، فلا يلحق به غيره (ولو زحم في الركعة الثانية من الجمعة، فأخرج من الصف، وبقي فذا، فإنه ينوي مفارقة الامام) للعذر (ويتمها جمعة) لأنه أدرك منها ركعة مع الامام (وإن أقام على متابعة إمامه، ويتمها معه) جمعة (فذا، صحت جمعته) في وجه. لأن الجمعة لا تقضى فاغتفر فيها ذلك. وصحح في تصحيح الفروع عدم الصحة، ذكره في الجمعة، وهو ظاهر المنتهى وغيره. لعموم ما تقدم.
597 فصل: في أحكام الاقتداء (إذا كان المأموم يرى الامام أو من وراءه، وكانا في المسجد صحت) صلاة المأموم (ولو لم تتصل الصفوف عرفا) لأن المسجد بني للجماعة. فكل من حصل فيه حصل في محل الجماعة، بخلاف خارج المسجد، فإنه ليس معدا للاجتماع فيه. فلذلك اشترط الاتصال فيه، (وكذا إن لم ير) المأموم (أحدهما) أي الامام أو من وراءه (إن سمع التكبير) لأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الاقتداء به بسماع التكبير. أشبه المشاهدة، (وإلا) أي وإن لم يسمع التكبير ولم يره ولا بعض من وراءه (فلا) تصح صلاة المأموم، لعدم تمكنه من الاقتداء بإمامه (وإن كانا) أي الإمام والمأموم (خارجين عنه) أي المسجد، (أو) كان (المأموم وحده) خارجا عن المسجد الذي به الامام. ولو كان بمسجد آخر (وأمكن الاقتداء صحت) صلاة المأموم (إن رأى) المأموم (أحدهما) أي الامام أو بعض من وراءه. ولو كانت جمعة في دار أو دكان. لانتفاء المفسد ووجود المقتضي للصحة وهو الرؤية وإمكان الاقتداء، (ولو) كانت الرؤية (مما لا يمكن الاستطراق منه كشباك ونحوه) كطاق صغيرة، فتصح صلاة المأموم (وإن لم ير) المأموم (أحدهما) أي الامام أو بعض من وراءه، (والحالة هذه) أي وهما خارج المسجد أو المأموم وحده خارجه (لم يصح) اقتداؤه به (ولو سمع التكبير) لقول عائشة لنساء كن يصلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الامام، فإنكن دونه في حجاب ولأنه لا يمكنه الاقتداء به في الغالب. قلت: والظاهر أن المراد إمكان الرؤية لولا المانع، إن كان بالمأموم عمى أو كان في ظلمة وكان بحيث يرى لولا ذلك. صح اقتداؤه حيث أمكنته المتابعة، ولو بسماع التكبير. وكذا إن كان المأموم وحده بالمسجد، أو كان كل منهما بمسجد غير الذي به الآخر، فلا يصح اقتداء المأموم إذن، إن لم ير الامام أو بعض من وراءه، (وتكفي الرؤية في بعض الصلاة) كحال القيام أو الركوع. لحديث عائشة قالت: كان النبي (ص) يصلي من الليل وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي (ص)، فقام أناس يصلون
598 بصلاته - الحديث رواه البخاري. والظاهر: أنهم إنما كانوا يرونه في حال قيامه (وسواء في ذلك الجمعة وغيرها) لعدم الفارق، (ولا يشترط اتصال الصفوف) لعدم الفارق فيما إذا كان خارج المسجد (أيضا) أي كما لا يشترط كانا في المسجد (إذا حصلت الرؤية المعتبرة وأمكن الاقتداء) أي المتابعة (ولو جاوز) ما بينهما (ثلاثمائة ذراع) خلافا للشافعي (وإن كان بينهما نهر تجري فيه السفن) لم تصح (أو) كان بينهما (طريق، ولم تتصل فيه الصفوف عرفا إن صحت) الصلاة (فيه) أي الطريق كصلاة الجمعة والعيد والاستسقاء والكسوف والجنازة لضرورة، لم تصح. فإن اتصلت إذن صحت (أو اتصلت) الصفوف (فيه) أي الطريق (وقلنا لا تصح) الصلاة (فيه) أي الطريق كالصلوات الخمس (أو انقطعت) الصفوف (فيه) أي الطريق (مطلقا) سواء كانت تلك الصلاة مما تصح في الطريق أو لا، وبعضه داخل فيما تقدم (لم تصح) صلاة المأموم، لأن الطريق ليست محلا للصلاة. أشبه ما يمنع الاتصال. والنهر المذكور في معناها. واختار الموفق وغيره: أن ذلك لا يمنع الاقتداء لعدم النص في ذلك والاجماع (ومثله في ذلك من بسفينة وإمامه في أخرى غير مقرونة بها) لأن الماء طريق وليست الصفوف متصلة (في غير شدة خوف) فلا يمنع ذلك الاقتداء في شدة الخوف للحاجة، (ويكره أن يكون الامام أعلى من المأموم) لما روى
599 أبو داود عن حذيفة أن النبي (ص) قال: إذا أم الرجل القوم. فلا يقومن في مكان أرفع في مكانهم وروى الدارقطني معناه بإسناد حسن. وقال ابن مسعود لحذيفة: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى رواه الشافعي بإسناد ثقات، وظاهره: لا فرق بين أن يقصد تعليمهم أم لا. ومحله إذا كان (كثيرا، وهو ذراع فأكثر) من ذراع (ولا بأس ب) - علو (يسير، كدرجة منبر ونحوها) مما دون ذراع، جمعا بين ما تقدم وبين حديث سهل أنه (ص) صلى على المنبر، ثم نزل القهقرى. فسجد وسجد معه الناس، ثم عاد حتى فرغ، ثم قال: إنما فعلت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي متفق عليه. والظاهر أنه كان على الدرجة السفلى. لئلا يحتاج إلى عمل كثير في الصعود والنزول. فيكون ارتفاعا يسيرا، (ولا بأس بعلو مأموم ولو) كان علوه (كثيرا نصا) ولا يعيد الجمعة من يصليها فوق سطح المسجد. روى الشافعي عن أبي هريرة أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الامام ورواه سعيد عن أنس. ولأنه يمكنه الاقتداء. أشبه المتساويين (ويباح اتخاذ المحراب نصا) وقيل: يستحب، أومأ إليه أحمد. واختاره الآجري وابن عقيل. ليستدل به الجاهل. لكن قال الحسن: الطاق في المسجد أحدثه الناس وكان أحمد يكره كل محدث، (ويكره للامام الصلاة فيه) أي المحراب (إذا كان يمنع المأموم مشاهدته) روي عن ابن مسعود وغيره. لأنه يستتر عن بعض المأمومين. أشبه ما لو كان بينه وبينهم حجاب (إلا من حاجة كضيق المسجد) وكثرة الجمع. فلا يكره لدعاء الحاجة إليه، (ولا) يكره (سجوده) أي الامام (فيه) أي في المحراب، إذا كان واقفا خارجه. لأنه ليس محل مشاهدته (ويقف الامام عن يمين المحراب إذا كان المسجد واسعا نصا) لتميز جانب اليمين (ويكره تطوعه) أي الامام (في موضع المكتوبة بعدها) نص عليه. وقال: كذا قال علي بن أبي طالب. لما روى المغيرة بن شعبة مرفوعا قال: لا يصلين الامام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه رواه أحمد وأبو داود إلا أن أحمد قال:
600 لا أعرف ذلك عن غير علي ولان في تحوله من مكانه إعلاما لمن أتى المسجد أنه قد صلى، فلا ينتظره، ويطلب جماعة أخرى (بلا حاجة) كضيق المسجد. فإن احتاج إلى ذلك لم يكره، (وترك مأموم له) أي للتطوع موضع المكتوبة (أولى) لما تقدم أنه يسن الفصل بين فرض وسنته بكلام أو قيام، بل النفل بالبيت أفضل، (ويكره إطالة القعود للامام بعد الصلاة لضيق المسجد مستقبلا القبلة) لقول عائشة: كان (ص) إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والاكرام رواه مسلم. ولأنه إذا بقي على حاله ربما سها فظن أنه يسلم. أو ظن غيره أنه في الصلاة والمأموم والمنفرد على حالهما (إن لم يكن) هناك (نساء ولا حاجة) تدعو إلى إطالة الجلوس مستقبلا. كما إذا لم يجد منصرفا. ولم يمكنه الانحراف (فإن أطال) الامام الجلوس مستقبلا القبلة (انصرف مأموم إذن) لمخالفة الامام السنة (وإلا) أي وإن لم يطل الامام الجلوس (استحب له) أي للمأموم (أن لا ينصرف قبله) لقوله (ص): ولا تسبقوني بالانصراف رواه مسلم. ولأنه ربما يذكر سهوا فيسجد له. وإن انحرف فلا بأس. ذكره في المغني والشرح، (ويستحب للنساء قيامهن عقب سلام الامام، وثبوت الرجال قليلا) لأنه (ص) وأصحابه كانوا يفعلون ذلك قال الزهري: فنرى والله أعلم لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال رواه البخاري من حديث أم سلمة، ولان الاخلال بذلك يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء، (وتقدم في) باب (صفة الصلاة، ويكره اتخاذ غير الامام مكانا بالمسجد، لا يصلي فرضه إلا فيه) لنهيه (ص) عن إيطان المكان كإيطان البعير وفي إسناده تميم بن محمود. وهو مجهول. وقال البخاري، في إسناد
601 حديثه نظر. (ولا بأس به) أي اتخاذ مكان لا يصلي إلا فيه (في النفل) للجمع بين الاخبار. وقال المروزي: كان أحمد لا يوطن الأماكن. ويكره إيطانها. قال في الفروع: وظاهره ولو كانت فاضلة، خلافا للشافعي. ويتوجه احتمال، وهو ظاهر ما سبق من تحري نقرة الامام. لأن سلمة كان يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف. وقال: إن النبي (ص) كان يتحرى الصلاة عندها متفق عليه. قال: وظاهره أيضا: ولو كان لحاجة، كإسماع حديث وتدريس، وإفتاء ونحوه. ويتوجه لا. وذكره بعضهم اتفاقا، (ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم عرفا) رواه البيهقي عن ابن مسعود، وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد النبي (ص)، ونطرد عنها طردا رواه ابن ماجة. وفيه لين. وقال أنس: كنا نتقي هذا على عهد النبي (ص) رواه أحمد وأبو داود. وإسناده ثقات. قال أحمد: لأنه يقطع الصف. قال بعضهم: فتكون سارية عرضها مقام ثلاثة (بلا حاجة) فإن كان ثم حاجة، كضيق المسجد وكثرة الجماعة لم يكره، (ولا يكره للامام) أن يقف بين السواري لأنه ليس ثم صف يقطع (ولو أمت امرأة امرأة واحدة، أو) أمت (أكثر) من امرأة، كاثنتين فأكثر (لم يصح وقوف امرأة واحدة منهن خلفها مفردة) كالرجل خلف الرجل. وكذا لو وقفت عن يسارها، (وتقدم). قال في المستوعب وغيره: (ومن الأدب وضع الامام نعله عن يساره) في حال صلاته إكراما لجهة يمينه، (و) وضع (مأموم) نعله (بين يديه) أي قدامه (لئلا يؤذي غيره) وتقدم: يستحب تفقده عند دخول المسجد والأولى تناوله بيساره.
602 فصل: في الاعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة (ويعذر في ترك الجمعة والجماعة مريض) لأنه (ص) لما مرض تخلف عن المسجد، وقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس متفق عليه، (و) يعذر في ذلك (خائف حدوثه) لما روى أبو داود عن ابن عباس: أن النبي (ص) فسر العذر بالخوف والمرض، (أو) خائف (زيادته) أي المرض (أو تباطؤه) لأنه مريض (فإن لم يتضرر) المريض (بإتيانه) أي المسجد (راكبا أو محمولا أو تبرع أحد به) أي بأن يركبه أو يحمله، أو بقود أعمى (لزمته الجمعة) لعدم تكررها (دون الجماعة) نقل المروزي في الجمعة: يكتري ويركب. وحمله القاضي على ضعف عقب المرض. فأما مع المرض فلا يلزمه لبقاء العذر. ومحل سقوط الجمعة والجماعة عن المريض ونحوه (إن لم يكن في المسجد) فإن كان فيه لزمته الجمعة والجماعة، لعدم المشقة، (و) يعذر بترك الجمعة والجماعة (من هو ممنوع من فعلها كالمحبوس) لقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *، (و) يعذر في ترك الجمعة والجماعة (من يدافع الأخبثين) البول والغائط، (أو) يدافع (أحدهما) لأن ذلك يمنعه من إكمال الصلاة وخشوعها، (أو بحضرة طعام يحتاج إليه وله الشبع) نص عليه، لخبر أنس في الصحيحين: ولا تعجلن حتى تفرغ منه، (أو خائف من ضياع ماله، كغلة في بيادرها، ودواب أنعام لا حافظ لها غيره، ونحوه، أو) خائف (تلفه كخبز في
603 تنور وطبيخ على نار ونحوه، أو) خائف (فواته كالضائع يدل به) أي عليه (في مكان، كمن ضاع له كيس، أو أبق له عبد، وهو يرجو وجوده، أو قدم به من سفر إن لم يقف لاخذه ضاع. لكن قال المجد:) عبد السلام بن تيمية (الأفضل ترك ما يرجو وجوده ويصلي الجمعة والجماعة) لأن ما عند الله خير وأبقى. وربما لا ينفعه حذره، (أو) خائف من (ضرر فيه) أي ماله، (أو في معيشة يحتاجها، أو أطلق الماء على زرعه أو بستانه، يخاف إن تركه فسد أو كان مستحفظا على شئ يخاف عليه) الضياع (إن ذهب وتركه، كناطور بستان ونحوه) لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بل الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق. وقال ابن عقيل: خوف فوت المال عذر في ترك الجمعة إن لم يتعمد سببه، بل حصل اتفاقا. تنبيه: قال في القاموس: الناطر والناطور: حافظ الكرم والنخل. أعجمي، الجمع نطار ونطراء ونواطير ونطرة. والفعل النطر والنطارة بالكسر، (أو كان عريانا ولم يجد سترة، أو لم يجد إلا ما يستر عورته فقط ونحوه، في غير جماعة عراة) لما يلحقه من الخجل. فإن كانوا عراة كلهم صلوا جماعة وجوبا وتقدم، (أو خائف موت رفيقه أو قريبه، ولا يحضره، أو لتمريضهما) يقال: مرضته تمريضا، قمت بمداواته، قاله في المصباح (إن لم يكن عنده) أي المريض (من يقوم مقامه) لأن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد وهو يتجمر للجمعة، فأتاه بالعقيق. وترك الجمعة. قال في الشرح: ولا نعلم في ذلك خلافا، (أو خائف على حريمه أو
604 نفسه من ضرر، أو سلطان ظالم، أو سبع أو لص، أو ملازمة غريم) ولا شئ معه يعطيه، (أو حبسه بحق لا وفاء له) لأن حبس المعسر ظلم. وكذا إن كان الدين مؤجلا وخشي أن يطالبه به قبل محله. وظاهره: أنه إذا قدر على أداء دينه فلا عذر للنص، (أو) خاف (فوات رفقة مسافر سفرا مباحا منشئا) للسفر، (أو مستديما) له لأن عليه في ذلك ضررا، (أو غلبه نعاس يخاف معه فوتها) أي الصلاة (في الوقت، أو) يخاف معه فوتها (مع الامام) لأن رجلا صلى مع معاذ ثم انفرد، فصلى وحده عند تطويل معاذ، وخوف النعاس والمشقة فلم ينكر عليه النبي (ص) حين أخبره. ذكره في الشرح والمبدع، وفي المذهب والوجيز: يعذر فيهما أي الجمعة والجماعة بخوفه نقض الوضوء بانتظارهما، (والصبر والتجلد على دفع النعاس ويصلي معهم) جماعة (أفضل) لما فيه من نيل فضل الجماعة (أو تطويل إمام) لما تقدم من فعل ذلك الرجل الذي انفرد عن معاذ لتطويله. ولم ينكر عليه النبي (ص) (أو من عليه قود إن رجا العفو) عنه. وظاهره ولو على مال حتى يصالح، (ومثله) أي القود (حد قذف) لأنه حق آدمي. وهذا توجيه لصاحب الفروع. ولهذا قال في شرح المنتهى: وكذا لو كان لآدمي كحد قذف على الصحيح، أي إنه لا يكون عذرا. وقطع به في الشرح وغيره. (ومن عليه حد لله) تعالى كحد الزنا، وشرب الخمر، وقطع السرقة (فلا يعذر به) في ترك الجمعة والجماعة. لأن الحدود لا يدخلها المصالحة، بخلاف القصاص، (أو متأذ بمطر أو وحل) بتحريك الحاء والتسكين لغة رديئة، (أو
605 ثلج أو جليد أو ريح باردة في ليلة مظلمة) لقول ابن عمر: كان النبي (ص) ينادي مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر صلوا في رحالكم متفق عليه. ورواه ابن ماجة بإسناد صحيح ولم يقل في السفر. وفي الصحيحين عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير زاد مسلم في يوم جمعة: إذا قلت: أشهد أن محمدا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل صلوا في بيوتكم. قال: فكأن الناس استنكروا ذلك. فقال ابن عباس: أتعجبون من ذلك؟ فقد فعل هذا من هو خير مني النبي (ص). إن الجمعة عزيمة، وإني كرهت أن أخرجكم في الطين والدحض والثلج والجليد والبرد كذلك. إذا تقرر ذلك فالريح الباردة في الليلة المظلمة عذر لأنها مظنة المطر (ولو لم تكن الريح شديدة) خلافا لظاهر المقنع. وذكر أبو المعالي، أن كل ما أذهب الخشوع كالحر المزعج: عذر. ولهذا جعله الأصحاب كالبرد في المنع من الحكم والافتاء (والزلزلة عذر، قاله أبو المعالي) لأنها نوع خوف (قال ابن عقيل: ومن له عروس تجلى عليه) أي على وجه مباح فهو عذر، (والمنكر في طريقه) إلى المسجد (ليس عذرا نصا) لأن المقصود الذي هو الجمعة أو الجماعة مقصود لنفسه لا قضاء حق لغيره. وكذا لمنكر في المسجد. كدعاء البغاة ليس عذرا. أو ينكره بحبسه (ولا العمى) فليس عذرا (مع قدرته) لما تقدم أول الباب (فإن عجز) الأعمى عن قائد (فتبرع قائد) بقوده (لزمه) حضور الجمعة، لا الجماعة، كما ظهر في المنتهى وغيره، وأشرت إليه آنفا (ولا الجهل بالطريق) أي ليس عذرا (إن وجد من يهديه) أي يدله على المسجد. تتمة: قال في الخلاف وغيره: ويلزمه، أي الأعمى إن وجد ما يقوم مقام القائد، كمد الحبل إلى موضع الصلاة. واقتصر عليه في الفروع، (ويكره حضور
606 المسجد) لمن أكل ثوما أو بصلا أو فجلا ونحوه، حتى يذهب ريحه (ولو خلا المسجد من آدمي، لتأذي الملائكة) بريحه ولحديث: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا، (والمراد حضور الجماعة، حتى ولو في غير مسجد، أو غير صلاة) ذكر معناه في المبدع. والحاصل، كما في المنتهى: أنه يكره حضور مسجد وجماعة مطلقا (لمن أكل ثوما أو بصلا) نيئين، (أو فجلا ونحوه) ككراث (حتى يذهب ريحه) لما فيه من الايذاء. ويستحب إخراجه (وكذا جزار له رائحة منتنة، ومن له صنان). قلت: وزيات ونحوه، من كل ذي رائحة منتنة. لان العلة الأذى، (وكذا من به برص، أو جذام يتأذى به) قياسا على أكل الثوم ونحوه، بجامع الأذى. ويأتي في التعزيز منع الجذمى من مخالطة الأصحاء. فائدة: يقطع الرائحة الكريهة مضغ السداب أو السعد. قاله الأطباء. باب صلاة أهل الاعذار وهم: المريض والمسافر والخائف ونحوهم، والاعذار: جمع عذر، كأقفال جمع قفل (يجب أن يصلي مريض قائما إجماعا في فرض، ولو لم يقدر إلا كصفة ركوع كصحيح) لحديث عمران بن حصين مرفوعا: صل قائما. فإن لم تستطع فقاعدا. فإن لم تستطع فعلى جنب رواه البخاري وغيره زاد النسائي: فإن لم تستطع فمستلقيا، وحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، (ولو) كان في قيامه (معتمدا على شئ) من نحو حائط (أو مستندا إلى حائط) ونحوها (ولو) كان
607 اعتماده أو استناده إلى شئ (بأجرة) مثله أو زائدة يسيرا (إن قدر عليها) كما تقدم في ماء الوضوء. فإن لم يقدر على الأجرة صلى على حسب ما يستطيع (سوى ما تقدم) في باب صفة الصلاة، عند عد القيام من الأركان، (فإن لم يستطع) المريض القيام (أو شق عليه) القيام (مشقة شديدة، لضرر من زيادة مرض، أو تأخر برء ونحوه) كما لو كان القيام يوهنه (حيث جاز ترك القيام ف) - إنه يصلي (قاعدا) لما تقدم من الخبر (متربعا ندبا) كمتنفل، (وكيف قعد جاز) كالمتنفل (ويثني رجليه في ركوع وسجود كمتنفل) وأسقطه القاضي بضرر متوهم، وأنه لو تحمل الصلاة والقيام حتى ازداد مرضه أثم (فإن لم يستطع) القعود (أو شق عليه) القعود، كما تقدم في القيام (ولو) كان عجزه عن القيام والقعود (بتعديه بضرب ساقه ونحوه) كفخذه (كتعديها) أي الحامل (بضرب بطنها حتى نفست كما سبق) في آخر باب الحيض (ف) - إنه يصلي (على جنب) لما تقدم في حديث عمران، (و) الصلاة على الجنب (الأيمن أفضل) من الصلاة على الجنب الأيسر. لحديث علي مرفوعا: يصلي المريض قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا. فإن لم يستطع أن يسجد أومأ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه. فإن لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الأيمن مستقبلا القبلة. فإن لم يستطع صلى مستلقيا، رجلاه مما يلي القبلة رواه الدارقطني. فإن صلى على الأيسر فظاهر كلام جماعة، جوازه لظاهر خبر عمران. ولان المقصود استقبال القبلة وهو حاصل. وقال الآمدي: يكره مع قدرته على الأيمن. (ويصح) أن يصلي (على ظهره ورجلاه إلى القبلة مع القدرة) على الصلاة (على جنبه) لأنه نوع استقبال. ولهذا يوجه الميت كذلك عند الموت (مع الكراهة) للاختلاف في صحة صلاته إذن (فإن تعذر) عليه أن يصلي على جنبه (تعين الظهر)
608 لما تقدم في حديث علي (ويلزمه الايماء بركوعه وسجوده برأسه ما أمكنه) لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، (ويكون سجوده أخفض من ركوعه) وجوبا لحديث علي، وتقدم وليتميز أحدهما عن الآخر (فإن عجز) عن الايماء برأسه لركوعه وسجوده (أومأ بطرفه) أي عينه (ونوى بقلبه) لما روى زكريا الساجي بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه (ص) قال: فإن لم يستطع أومأ بطرفه وظاهر كلام جماعة لا يلزمه. وصوبه في الفروع، لعدم ثبوته (كأسير عاجز) عن الركوع والسجود والايماء بهما برأسه (لخوفه) من عدوه بالاطلاع عليه أذن، (ويأتي) حكم الأسير في آخر صلاة الخوف (فإن عجز) عن الايماء بطرفه (ف) - إنه يصلي (بقلبه مستحضرا القول) إن عجز عنه بلفظه، (و) مستحضرا (الفعل) بقلبه، لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * (الحج: 78). وقوله: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وقوله (ص): إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، (ولا تسقط الصلاة حينئذ) عن المكلف (ما دام عقله ثابتا) لقدرته على أن ينوي بقلبه مع الايماء بطرفه، أو بدونه، ولعموم أدلة وجوب الصلاة. وحديث الدارمي وغيره عن ابن عمر مرفوعا: يصلي المريض قاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، فإن لم يستطع فمستلقيا، فإن لم يستطع فالله أولى بالعذر إسناده ضعيف (قال ابن عقيل: الأحدب يجدد للركوع). قلت: ومثله الرفع منه والاعتدال عنه (نية، لكونه لا يقدر عليه، كمريض لا يطيق الحركة، يجدد لكل فعل وركن قصدا) لتتميز الأفعال والأركان (كفلك في) اللغة (العربية) فإنه يصلح (للواحد والجمع) ويتميز أحدهما عن الآخر (بالنية) فإذا أريد
609 الواحد نوى المتكلم ذلك، وإذا أريد الجمع نواه. كذلك أفعال الصلاة إذا لم يكن تمييزها بالفعل فإنها تميز بالنية. قال في الشرح: فإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود. وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حتى رقبته وإن تقوس ظهره فصار كالراكع. زاد في الانحناء قليلا إذا ركع. ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود، حسب الامكان (وإن سجد) العاجز عن السجود (ما أمكنه بحيث لا يمكنه الانحطاط أكثر منه على شئ) من مخدة ونحوها (رفعه) عن الأرض (كره) للخلاف في منعه، وكذا لو كان الرافع له غيره على ظاهر المنتهى وغيره (وأجزأ) لأنه أتى بما يمكنه من الانحطاط. أشبه ما لو أومأ (ولا بأس بسجوده على وسادة ونحوها) موضوعة بالأرض. لم ترفع عنها، واحتج أحمد بفعل أم سلمة وابن عباس وغيرهما. قال: ونهى عنه ابن مسعود وابن عمر (ولا يلزمه) السجود على وسادة ونحوها. ويومئ غاية ما يمكنه. ولا ينقص أجر المريض المصلي على جنبه أو مستلقيا عن أجر الصحيح المصلي قائما، لحديث أبي موسى إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الاجر مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا وذكر في شرح مسلم في المتخلف عن الجهاد لعذر: له شئ من الاجر، لا كله، مع قوله من لم يصل قائما لعجزه ثوابه كثوابه قائما لا ينقص باتفاق أصحابنا ففرق بين من يفعل العبادة على قصور وبين من لم يفعل شيئا. قال ابن حزم: وحديث: ذهب أهل الدثور بالأجور يبين أن فعل الخير ليس كمن عجز عنه. وليس من حج كمن عجز عن الحج (فإن قدر) المريض (على القيام) في أثناء الصلاة انتقل إليه، لقوله تعالى: * (وقوموا لله قانتين) *، (أو) قدر على (القعود ونحوه مما عجز عنه
610 من كل ركن أو واجب في أثناء الصلاة، انتقل إليه وأتمها) أي الصلاة، لأن المبيح العجز. وقد زال، وما صلاه قبل كان العذر موجودا فيه. وما بقي يجب أن يأتي بالواجب فيه، (لكن إن كان) من قدر على القيام (لم يقرأ) الفاتحة (قام فقرأ) بعد قيامه (وإن كان قد قرأ) قاعدا حال العذر (قام وركع بلا قراءة) لوقوعها موقعها. كما لو لم يطرأ صحة (ويبني) المريض (على إيماء) أي على ما صلاه بالايماء، إذا قدر على الركوع أو السجود، لوقوعه صحيحا، والحكم يدور مع علته، (ويبني عاجز فيها) أي لو ابتدأ الصلاة قائما ثم عجز، أتمها على ما يستطيعه، ويبني على ما تقدم، وكذا لو كان يصلي قاعدا فعجز عنه لوجود العذر المبيح (ولو طرأ عجز) على القائم (فأتم الفاتحة في انحطاطه أجزأ) ه. لأن فرضه القعود والانحطاط أعلى منه، و (لا) تجزئ الفاتحة (من برئ فأتمها في ارتفاعه) أي نهوضه، كصحيح قرأها في نهوضه (ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود أومأ بالركوع قائما وبالسجود قاعدا) لأن الراكع كالقائم في نصب رجليه. فوجب أن يومئ به في قيامه، والساجد كالجالس في جمع. فوجب أن يومئ جالسا. وليحصل الفرق بين الإيماءين. ومن قدر أن يحني رقبته دون ظهره حناها، وإذا سجد قرب وجهه من الأرض ما أمكنه (ولو قدر على القيام منفردا، وفي جماعة) لا يقدر على القيام، بل يقدر أن يصلي (جالسا لزمه القيام. قدمه أبو المعالي. قال في الانصاف: قلت: وهو الصواب، لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة) عليه (وهذا قادر) عليه (والجماعة واجبة تصح الصلاة بدونها) حتى مع القدرة وتسقط للعذر (وقدم في التنقيح أنه يخير) بين أن يصلي قائما منفردا وبين أن يصلي جالسا في جماعة، وقطع به في المنتهى وغيره. قال في الشرح: لأنه يفعل في كل منهما واجبا
611 ويترك واجبا (ولو قال: إن أفطرت في رمضان قدرت على الصلاة قائما، وإن صمت صليت قاعدا، أو قال: إن صليت قائما لحقني سلس البول، أو امتنعت على القراءة، وإن صليت قاعدا امتنع السلس) وأمكنت القراءة (فقال أبو المعالي: يصلي قاعدا فيهما) لأن القيام له بدل وهو القعود. ويسقط في النفل، بخلاف الفطر وفوات الشرط أو القراءة. وتقدم في الحيض. (وإن قدر أن يسجد على صدغيه لم يلزمه) السجود عليهما لأنهما ليسا من أعضاء السجود ويومئ ما يمكنه، (وإذا قال طبيب) سمي بذلك لفطنته وحذقه (مسلم ثقة) أي عدل ضابط. فلا يقبل خبر كافر ولا فاسق، لأنه أمر ديني، فاشترط له ذلك كغيره من أمور الدين (حاذق فطن لمريض: إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك. فله) أي المريض (ذلك) أي الصلاة مستلقيا (ولو مع قدرته على القيام) لأن النبي (ص) صلى جالسا حين جحش شقه والظاهر: أنه لم يكن لعجزه عن القيام، بل فعله إما للمشقة أو وجود الضرر. أشبه المرض، وتركه وسيلة إلى العافية. وهي مطلوبة شرعا. واكتفى بالواحد في ذلك لأنه خبر ديني أشبه الرواية، ومن عبر بالجمع فمراده الجنس، إذ لم يقل باشتراط الجمع في ذلك أحد من الأصحاب فيما وقفت عليه. ذكره في الانصاف (ويكفي من الطبيب غلبة الظن) لتعذر اليقين، (ونص) أحمد (أنه يفطر بقول) طبيب (واحد)
612 أي مسلم ثقة (أن الصوم مما يمكن العلة) وقاس القاضي وغيره على ذلك المسألة المتقدمة. (وتصح صلاة فرض على راحلة واقفة أو سائرة خشية تأذ بوحل أو مطر ونحوه) كثلج وبرد. لما روى يعلى بن أمية أن النبي (ص) انتهى إلى مضيق هو و أصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن، فأذن وأقام، ثم تقدم النبي (ص) فصلى بهم، يومئ إيماء، يجعل السجود أخفض من الركوع رواه أحمد والترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم. وفعله أنس، ذكره أحمد. ولم ينقل عن غيره خلافه، (و) يجب (عليه) أي على من يصلي الفرض على راحلته، لعذر مما سبق (الاستقبال) لعموم قوله تعالى: * (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) *، (و) عليه (ما يقدر عليه) من ركوع غيره في الصلاة، (و) عليه ما يقدر عليه (في شدة خوف كما يأتي) في صلاة الخوف (فإن قدر على النزول) عن راحلته (ولا ضرر) عليه في النزول (لزمه) النزول (و) لزمه (القيام والركوع) كغير حالة المطر (وأومأ بالسجود) لما فيه من الضرر، إذا كان يلوث الثياب بخلاف اليسير، وعليه يحمل قول أبي سعيد: أبصرت عيناي النبي (ص) قد انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين متفق عليه. وكان في مسجده في المدينة، (ولا تصح) صلاة الفرض (عليها) أي الراحلة (لمرض) لأنه لا يزول ضرره بالصلاة عليها، بخلاف المطر ونحوه، (لكن إن خاف هو) أي المريض، (أو) خاف (غيره) أي المريض (بنزوله انقطاعا عن رفقته، أو عجزا عن ركوبه) إن نزل (صلى عليها) دفعا للحرج والمشقة (كخائف بنزوله على نفسه من عدو ونحوه) كسبع. قال في الاختيارات تصح صلاة الفرض على الراحلة خشية
613 الانقطاع عن الرفقة، أو حصول ضرر بالمشي، أو تبرز الخفرة (ومن أتى بالمأمور) أي بجميع ما أمر به (من كل ركن ونحوه) وهو الشروط والواجبات (للصلاة وصلى عليها) أي الراحلة (بلا عذر) من مطر ونحوه، (أو) صلى (في سفينة ونحوها) كمحفة (ولو جماعة من أمكنه الخروج منها واقفة) كانت (أو سائرة صحت) صلاته لاتيانه بما يعتبر فيها (ولا تصح) صلاة الفرض (فيها) أي في السفينة (من قاعد مع القدرة) أي قدرته (على القيام) لأنه قادر على ركن الصلاة. فلم يجز تركه. كما لو لم يكن بسفينة. فإن عجز عن القيام والخروج منها جاز له أن يصلي جالسا. ويلزمه الاستقبال، وأن يدور إلى القبلة كلما انحرفت السفينة، وتقام الجماعة في السفينة مع العجز عن القيام، كمع القدرة (وكذا) أي كالسفينة فيما تقدم (عجلة ومحفة ونحوهما) كعمارية وهودج (ومن كان في ماء وطين أومأ) بالسجود (كمصلوب ومربوط) فإنهما يومئان بالركوع والسجود، لأنه غاية الممكن منهم (والغريق يسجد على متن الماء) ولا إعادة على الكل. فصل: (في القصر) أي قصر الرباعية، وهو جائز إجماعا. وسنده قوله تعالى: * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم) * الآية، علق القصر على الخوف لأن غالب أسفار النبي (ص) لم تخل منه. وقال يعلى بن أمية لعمر بن الخطاب: ما لنا نقصر، وقد أمنا؟ فقال: سألت النبي (ص) فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته رواه مسلم. وقال ابن عمر: صحبت النبي
614 (ص) فكان لا يزيد في السفر على الركعتين، وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك متفق عليه. وقيل: إن قوله تعالى: * (إن خفتم) * كلام مبتدأ، معناه: وإن خفتم. وقال الشيخ تقي الدين: القصر قسمان. مطلق: وهو ما اجتمع فيه قصر الأفعال والعدد. كصلاة الخوف، حيث كان مسافرا. فإنه يرتكب فيها ما لا يجوز في صلاة الامن. والآية وردت على هذا، ومقيد: وهو ما فيه قصر العدد فقط. كالمسافر، أو قصر العمل فقط كالخائف، وهو حسن، لكن يرد عليه: خبر يعلى وعمر السابق. لان ظاهر ما فهماه قصر العدد بالخوف. والنبي (ص) أقر على ذلك (من ابتدأ سفرا) أي شرع فيه (واجبا أو مستحبا، كسفر الحج والجهاد والهجرة والعمرة) فالسفر للواجب من ذلك واجب، وللمندوب، منه مندوب. (و) كالسفر (لزيارة الاخوان، وعيادة المرضى، وزيارة أحد المسجدين) أي مسجد النبي (ص) والأقصى، وأما زيارة المسجد الحرام فقد تقدمت وسيأتي الكلام عليها في الحج والعمرة. وهذه أمثلة للمستحب، إلا إن نذرها فتكون واجبة. (و) زيارة (الوالدين) أو أحدهما، (أو) ابتدأ سفرا (مباحا ولو لنزهة، أو فرجة أو تاجرا، ولو) كان (مكاثرا في الدنيا) قال في الفروع: أطلق أصحابنا إباحة السفر للتجارة. ولعل المراد غير مكاثر في الدنيا، وأنه يكره وحرمه في المبهج. قال ابن تميم: وفيه نظر. وللطبراني بإسناد حسن عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعا: ومن طلب الدنيا حلالا مكاثرا لقي الله وهو عليه غضبان ومكحول لم يسمع من أبي هريرة. وأما سورة * (ألهاكم التكاثر) * (التكاثر: 1). فتدل على التحريم لمن شغله عن عبادة واجبة. والتكاثر: مظنة لذلك أو محتمل لذلك. فيكره. وقد قال ابن حزم: اتفقوا على أن الاتساع في المكاسب والمباني من حل إذا أدى جميع حقوق الله تعالى قبله مباح، ثم اختلفوا، فمن كاره ومن غير كاره، (أو) كان (مكرها) على السفر (كأسير، أو زان مغرب) وهو الحر غير المحصن، (أو قاطع) طريق (مشرد) إذا أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالا. لان
615 سفرهما ليس بمعصية. وإن كان بسبب المعصية (ولو) كان المسافر (محرما مع) زانية غير محصنة (مغربة) فيقصر كغيره من المسافرين (يبلغ سفره ذهابا) بفتح الذال مصدر ذهب (ستة عشر فرسخا تقريبا) لا تحديدا، صححه في الانصاف (برا) كان السفر (أو بحرا) لعدم الفرق بينهما (وهي) أي الستة عشر فرسخا (يومان) أي مسيرة يومين (قاصدان في زمن معتدل) الحر والبرد، أي معتدلان طولا وقصرا. والقصد: الاعتدال، قال تعالى: * (واقصد في مشيك) * (بسير الأثقال ودبيب الاقدام) وذلك (أربعة برد) جمع بريد (والبريد أربعة فراسخ) جمع فرسخ (والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية وبأميال بني أمية ميلان ونصف) ميل، (والميل) الهاشمي (اثنا عشر ألف قدم) وهي (ستة آلاف ذراع) بذراع اليد (والذراع أربعة وعشرون أصبعا معترضة معتدلة، كل أصبع) منها عرضه (ست حبات شعير بطون بعضها إلى) بطون (بعض عرض كل شعيرة ست شعرات برذون) بالذال المعجمة. قال ابن الأنباري: يقع على الذكر والأنثى، وربما قالوا في الأنثى برذونة. قال المطرزي: البرذون التركي من الخيل. وهو ما أبواه نبطيان، عكس العراب. قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: الذراع الذي ذكر قد حرر بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذه الأعصار ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن. وعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا. قال: وهذه فائدة نفيسة، قل من ينبه عليها اه. قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: في كم تقصر الصلاة؟ قال: في أربعة برد. قيل له: مسيرة يوم تام؟ قال: لا، أربعة برد، ستة عشر فرسخا، مسيرة يومين. وقد قدره ابن عباس من عسفان إلى مكة. ومن الطائف إلى مكة. ومن جدة إلى مكة. وذلك لما روى ابن عباس أن النبي (ص) قال: يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد، من مكة إلى عسفان رواه
616 الدارقطني. وقد روي موقوفا على ابن عباس. قال الخطابي: هو أصح الروايتين عن ابن عمر. وقول الصحابي حجة، خصوصا إذا خالف القياس. ولأنه الأكثر من أقوال الصحابة (فله قصر الرباعية) من ظهر وعصر وعشاء، جواب: من ابتدأ سفرا (خاصة) أي دون الفجر والمغرب. وإنما لم تقصر الفجر لأنه إذا سقط منها ركعة بقي أخرى. ولا نظير لها في الفرض، ولا المغرب لأنها وتر النهار. فإذا سقط منها ركعة بطل كونها وترا. وإن سقط منها ركعتان صار الباقي ركعة. ولا نظير لها في الفرض (إلى ركعتين إجماعا) لما تقدم (وكذا) للمسافر السفر المتقدم (الفطر) برمضان، لقوله (ص): ليس من البر الصوم في السفر (ولو قطعها) أي المسافة (في ساعة واحدة) لأنه صدق عليه أنه سافر أربعة برد (ومتى صار الأسير ببلدهم) أي الكفار (أتم) الصلاة (نصا) لأنه صار مقيما (وامرأة وعبد وجندي تبع لزوج وسيد وأمير) لف ونشر مرتب (في نيته) أي الزوج أو السيد أو الأمير المسافة والإقامة، (و) في (سفره) يعني أن الزوج والسيد والأمير، إن كانوا بسفر يبيح القصر والفطر، أبيح للزوجة والقن والجندي المسافرين معهم القصر والفطر، وإلا فلا. لأنهم أتباع لهم فلهم حكمهم، (وإن كان العبد لشريكين) أحدهما مسافر والآخر مقيم (ترجح إقامة أحدهما) لأنها الأصل (ولا يترخص في سفر معصية بقصر، ولا فطر، ولا أكل ميتة نصا) لأنها رخص. والرخص لا تناط بالمعاصي، (فإن خاف) المسافر سفر معصية (على نفسه إن لم يأكل) الميتة (قيل له: تب وكل) لتمكنه من التوبة كل
617 وقت. وتقدم معنى التوبة، ويأتي أيضا في الشهادات، (ولا) يترخص (في سفر مكروه) كالسفر لفعل مكروه و (للنهي عنه ويترخص إن قصد مشهدا أو قصد مسجدا ولو غير المساجد الثلاثة أو قصد قبر نبي أو غيره) كولي وحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد أي لا يطلب ذلك، فليس نهيا عن شدها لغيرها، خلافا لبعضهم، لأنه (ص) كان يأتي قباء راكبا وماشيا، ويزور القبور وقال: زوروها فإنها تذكركم الآخرة، (أو) أي ويقصر من ابتدأ سفرا ولو (عصى في سفره الجائز كأن شرب فيه مسكرا ونحوه) كأن زنى فيه. أو قذف أو اغتاب. لأنه لم يقصد السفر لذلك، (ويشترط) لإباحة القصر والفطر (قصد موضع معين أولا) أي في ابتداء السفر (فلا قصر) ولا فطر (لهائم) وهو من خرج على وجهه، لا يدري أين يتوجه، إن سلك طريقا مسلوكا وإلا فهو راكب التعاسيف. ذكره في الحاشية. (و) لا ل (- تائه) ضال الطريق (و) لا ل (- سائح لا يقصد مكانا معينا) لأن السفر إذن ليس بمباح، (والسياحة لغير موضع معين مكروهة) قال في الاختيارات: السياحة في البلاد لغير قصد شرعي، كما يفعله بعض النساك: أمر منهي عنه. قال الإمام أحمد: ليست السياحة من الاسلام في شئ. ولا هي من فعل النبيين والصالحين اه. قال في الحاشية: وفي الحديث: لا سياحة في الاسلام ومراده: إذا كانت السياحة لا لغرض شرعي (والسياحة المذكورة في القرآن غير هذه) وهي الصوم، أو السياحة لطلب العلم، أو الجهاد ونحوه. قال في الفروع: ولو سافر ليترخص، فقد ذكروا أنه لو سافر ليفطر حرم (ويقصر) الرباعية ويفطر برمضان (من) أي مسافر (المباح أكثر قصده) بالسفر (كمن قصد) بسفره (معصية ومباحا) وقصده للمباح أكثر،
618 كالتاجر الذي يقصد أن يشرب من خمر البلد الذي يتجر إليه، (أو) سافر سفر معصية، و (تاب في أثنائه وقد بقي مسافة قصر) فيقصر فيها لأنها سفر مباح. كما لو لم يتقدمها معصية،. (تاب في أثنائه وقد بقي مسافة قصر) فيقصر فيها لأنها سفر مباح. كما لو لم يتقدمها معصية، بخلاف ما لو كان الباقي دونها. و (لا) يقصر (إذا استويا) أي المحرم والمباح، أي تساوى قصداهما (أو كان الحظر أكثر) قصدا. فلا يقصر ولا يفطر، تغليبا لجانب الحظر (ولو انتقل من سفره المباح إلى) قصد سفر (محرم امتنع القصر) والفطر. كما لو كان محرما ابتداء (ولو أقام من له القصر) ونواه (إلى ثالثة عمدا أتم) صلاته أربعا، وصحت. لأن الأصل الاتمام. وقد رجع إليه (وإن سلم) من نوى القصر (من ثلاث عمدا. بطلت) صلاته كغير المسافر (وإن أقام) من يباح له القصر ونواه (سهوا، قطع) أي رجع متى ذكر. وتشهد إن لم يكن تشهد، وسجد وسلم (فلو نوى الاتمام، أتم) كمن لم ينو القصر (وأتى بما بقي) من الرباعية (سوى ما سها عنه، فإنه يلغو) فلا يعتد به، لخلوه عن النية (ولو كان الساهي إماما بمسافر، تابعه) المسافر المأموم لاحتمال أن يكون قطع نية القصر، ونوى الاتمام (إلا أن يعلم سهوه) فلا يتابعه. لأن ما يفعله سهوا لغو (فيسبح به) المأموم إن كان رجلا. وإن كان امرأة صفقت ببطن كفها على ظهر الأخرى. كما تقدم (فإن رجع) الامام تابعه المأموم (وإلا) بأن لم يرجع (فارقه مأموم، وتبطل صلاته بمتابعته) الامام عامدا عالما سهوه، وحيث تقرر جواز القصر بشرطه. فلا يقصر مستوطن بمحل إلا إذا فارقه. فلا يقصر ساكن الخيام أو القرى إلا (إذا فارق خيام قومه، أو بيوت قريته العامرة، سواء كانت داخل السور أو خارجه) فيقصر إذا فارقها (بما يقع عليه اسم المفارقة بنوع من البعد عرفا) لأن الله تعالى إنما أباح القصر لمن ضرب في الأرض. وقبل مفارقته ما ذكر لا يكون ضاربا فيها ولا مسافرا. ولان ذلك أحد طرفي السفر. أشبه حالة الانتهاء. ولان النبي (ص) إنما كان
619 يقصر إذا ارتحل. وقال تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * (الأحزاب: 21). و (لا) يعتبر مفارقة (الخراب) وإن كانت حيطانه قائمة (إن لم يله عامر) لأنه ليس بمحل إيواء (فإن وليه) أي الخراب عامر (اعتبر مفارقة الجميع) من الخراب والعامر (كما لو جعل) الخراب (مزارع وبساتين يسكنه أهله، ولو في فصل النزهة) فلا يقصر حتى يفارقه. ذكر معناه أبو المعالي. واقتصر عليه في الفروع. لأنه في حكم العامر. ولو كانت قريتان متدانيتين، واتصل بناء إحداهما بالأخرى فهما كالواحدة. وإن لم يتصل، فلكل قرية حكم نفسها (ولو برزوا) أي المسافرون لمكان لقصد الاجتماع ثم بعد اجتماعهم ينشؤون السفر من ذلك المكان، فلهم القصر قبل مفارقته في ظاهر كلامهم) قال في الفروع: وهو متجه اه. لأنهم ابتدأوا السفر وفارقوا قريتهم. قلت: إن لم ينووا الإقامة في ذلك المكان أكثر من عشرين صلاة، أو تكون العادة عدم اجتماعهم. قبل ذلك (خلافا لأبي المعالي) حيث قال: لا قصر حتى يفارقوه، (ويعتبر في سكان قصور وبساتين ونحوهم) كأهل العزب من القصب ونحوه (مفارقة ما نسبوا إليه) بما يعد مفارقة (عرفا) ليصيروا مسافرين لما تقدم، (و) يعتبر لإباحة القصر (أن لا يرجع) من فارقه كما تقدم (إلى وطنه) قريبا، (و) أن (لا ينويه قريبا) أي فيما دون المسافة (فإن رجع) أو نوى الرجوع (لم يترخص حتى يفارقه ثانيا) أو تنثني نيته ويسير. فيقصر. لانعقاد سبب الرخصة حينئذ (ولو لم ينو الرجوع) عند مفارقته كما سبق مسافرا، (لكن بدا له) الرجوع (لحاجة) بدت له (لم يترخص) بقصر ولا فطر (في رجوعه بعد نية عوده، حتى يفارقه أيضا) أو تنثني نيته ويسير، لما تقدم (إلا أن يكون رجوعه) إلى وطنه (سفرا طويلا) أي يبلغ مسافة القصر. فيترخص في عوده. لأنه مسافر (والمعتبر) لجواز القصر والفطر (نية) المسافر سفر (المسافة، لا وجود حقيقتها، فمن نوى ذلك) أي السفر الذي يبلغ المسافة (قصر) لوجود نية المسافة المعتبرة. (ولو رجع قبل استكمال المسافة) وقد
620 قصر (لم يلزمه إعادة ما قصر نصا) مع أنه لم يسافر ستة عشر فرسخا. ولذلك عدل في التنقيح عن قول المقنع والمحرر: من سافر إلى قوله: من نوى سفرا. وأورد عليه المصنف في حاشية التنقيح: أنه لا تكفي النية حتى يشرع. وإن قوله: إذا فارق بيوت قريته الغامرة - إلى آخره: لا يكتفي في ذلك لأنه قد ينوي ويفارقها في طلب حاجة. فلا بد من تقدير: إذا فارقها مسافرا. وعبر في الفروع كما عبر المصنف فيما تقدم من ابتداء، لكن قال بعد ذلك بأسطر: ناويا. وهو قريب من صنيع المصنف (وإن رجع) ليعود إلى وطنه مقيما أو لحاجة بدت له، (ثم بدا له العود إلى السفر لم يقصر حتى يفارق مكانه) الذي بدت له فيه نية العود. لأنه موضع إقامة حكما. فاعتبرت مفارقته لمحل وطنه، (فإن شك في) أن سيره إلى البلد الذي قصده يبلغ (قدر المسافة) بأن جهل كونه مسافة قصر. لم يقصر حتى يعلم لان الأصل الاتمام، ولم يعلم المبيح للقصر (أو لم يعلم قدر سفره، كمن خرج في طلب آبق أو ضال ناويا أن يعود به أين وجده، لم يقصر حتى يجاوز المسافة) لعدم تحققه المبيح للقصر. وفي شرح المنتهى في أول القصر: من خرج في طلب ضالة أو آبق حتى جاوز ستة عشر فرسخا، لم يجز له القصر. لعدم نيته على المذهب انتهى. وفي الشرح: ولو خرج طالبا لعبد آبق لا يعلم أين هو؟ أو منتجعا عشبا، أو كلا، متى وجده أقام، أو سليكا في الأرض لا يقصد مكانا. لم يبح له القصر. وإن سار أياما. وقال ابن عقيل: يباح له القصر إذا بلغ مسافة القصر، ثم قال: ولو قصد بلدا بعيدا وفي عزمه أنه متى طلبه دونه رجع أو أقام. لم يبح له القصر. لأنه لم يجزم بسفر طويل، وإن كان لا يرجع ولا يقيم بوجوده. فله القصر (ويقصر من له قصد صحيح) ونوى سفرا يبلغ المسافة (وإن لم تلزمه الصلاة) حال شروعه في السفر (كحائض وكافر ومجنون وصبي) ذكر أو أنثى (تطهر)
621 الحائض (ويسلم) الكافر (ويفيق) المجنون (ويبلغ) الصبي (ولو بقي) بعد الطهر والاسلام والإفاقة والبلوغ (دون مسافة قصر) لأن عدم التكليف ليس بمانع من القصر في أول السفر، بخلاف من أنشأ السفر عاصيا به، ثم تاب في أثنائه. فإنه لا يقصر إذا تاب إلا إذ بقي سفره مسافة قصر. كما تقدم. لأنه ممنوع من القصر في ابتدائه. ويستثنى من جواز القصر بعد وجود ما سبق اعتباره: إحدى وعشرون صورة يجب فيها الاتمام. الأولى منها: أشار إليها بقوله: (ولو مر) المسافر (بوطنه) أتم، ولو لم يكن له بوطنه حاجة سوى المرور عليه. لكونه طريقه إلى ما يقصده لأنه في حكم المقيم به إذ ذاك. الثانية: ذكرها بقوله: (أو) مر (ببلد له فيه امرأة) أتم ولو لم يكن وطنه، حتى يفارقه لما تقدم. الثالثة: المشار إليها بقوله: (أو) مر ببلد (تزوج فيه أتم) أتم حتى يفارق البلد الذي تزوج فيه. لحديث عثمان: سمعت النبي (ص) يقول: من تأهل في بلد فليصل صلاة المقيم رواه أحمد. وظاهره: ولو بعد فراق الزوجة. وعلم منه: أنه لو كان له به أقارب كأم وأب، أو ماشية، أو مال لم يمتنع عليه القصر إذا لم يكن مما سبق (وأهل مكة ومن حولهم) وهم من دون المسافة من مكة (إذا ذهبوا إلى عرفة ومزدلفة ومنى فليس لهم قصر ولا جمع) للسفر. لأنهم ليسوا بمسافرين لعدم المسافة (فهم في) اعتبار (المسافة كغيرهم) لعموم الأدلة. ومثلهم من ينوي الإقامة بمكة، فوق عشرين صلاة. كأهل مصر والشام. فليس لهم قصر ولا جمع بمكة، ولا منى، ولا عرفة، ولا مزدلفة. لانقطاع سفرهم بدخول مكة، إذ الحج قصد مكة لعمل مخصوص كما يأتي. قال في الشرح: وإن كان الذي خرج إلى عرفة في نيته الإقامة بمكة إذا رجع لم يقصر بعرفة، (لكن قال) الامام (أحمد فيمن كان مقيما بمكة ثم خرج إلى عرفة وهو يريد أن يرجع إلى مكة فلا يقيم بها) أي أكثر من أربعة أيام (فهذا يصلي ركعتين بعرفة) أي ومزدلفة ومنى (لأنه حين خرج من مكة أنشأ السفر إلى بلده) بخروجه من البلد
622 الذي كان نوى الإقامة به (والقصر رخصة) لأن سلمان بين أن القصر رخصة بمحضر اثني عشر صحابيا رواه البيهقي بإسناد حسن، ويؤيده ما سبق في حديث مسلم من قوله (ص): صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته، (وهو) أي القصر (أفضل من الاتمام نصا) لأنه (ص) داوم عليه. وكذا الخلفاء الراشدون من بعده، وروى أحمد عن عمر: أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته، (وإن أتم) من يباح له القصر الرباعية (جاز ولم يكره) له الاتمام. لحديث يعلى قال: قالت عائشة: أتم النبي (ص) وقصر قاله الشافعي. ورواه الدارقطني وصححه. الرابعة: من الصور التي يجب فيها الاتمام ما ذكره بقوله: (وإن أحرم مقيما في حضر) ثم سافر لزمه أن يتم. الخامسة: المذكورة بقوله: (أو دخل عليه وقت صلاة فيه) أي في الحضر، (ثم سافر) لزمه أن يتم لوجوبها عليه تامة بدخول وقتها وهذه مغنية عن التي قبلها. السادسة: المشار إليها بقوله: (أو أحرم بها) أي الرباعية (في سفر) مبيح للقصر (ثم أقام كراكب سفينة) أحرم بالصلاة مقصورة فيها. ثم وصلت إلى وطنه في أثناء الصلاة، لزمه أن يتمها أربعا. لأنها عبادة اجتمع فيها حكم الحضر والسفر. فغلب حكم الحضر كالمسح على الخف. السابعة والثامنة: بينهما بقوله: (أو ذكر صلاة حضر في سفر أو عكسه) أي صلاة سفر في حضر. لزمه أن يتم، لأنه الأصل فغلب. التاسعة والعاشرة: أشار إليهما بقوله: (أو ائتم بمقيم أو بمن يلزمه الاتمام) كمن دخل عليه الوقت حضرا، ثم سافر ونحوه. لحديث: إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وقال ابن عباس: تلك السنة رواه أحمد. ولأنها صلاة مردودة من أربع، فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة. وسواء ائتم به في جميع الصلاة أو بعضها، اعتقده مسافرا أو لا. ومن ذلك: لو أحرم مسافر خلف مسافر،
623 ثم طرأ للامام عذر، فاستخلف مقيما. فإن المأموم يلزمه الاتمام دون إمامه الذي استخلف المقيم. الحادية عشرة: ذكرها بقوله: (أو) ائتم (بمن يشك فيه) أي في كونه مسافرا، (أو) ائتم (بمن يغلب على ظنه أنه مقيم، ولو بان) الامام بعد (مسافرا) لزم المأموم أن يتم. لعدم الجزم بكونه مسافرا عند الاحرام. الثانية عشرة: المبينة بقوله: (أو) أحرم (بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت، وأعادها، كمن يقتدي بمقيم فيحدث) في أثناء الصلاة. فيلزمه إعادتها تامة. لأنها وجبت عليه ابتداء تامة، فلا يجوز أن تعاد مقصورة. الثالثة عشرة: المشار إليها بقوله: (أو لم ينو القصر عند دخوله الصلاة) أي إحرامها. لزمه أن يتم لأنه الأصل، وإطلاق النية ينصرف إليه، كما لو نوى الصلاة وأطلق. فإن نيته تنصرف إلى الانفراد. لكونه الأصل. الرابعة عشرة: المذكورة بقوله: (أو شك في الصلاة: هل نوى القصر أم لا؟ ولو ذكر بعد ذلك) في أثناء الصلاة (أنه كان نواه) لزمه أن يتم لوجود ما أوجب الاتمام في بعضها. فغلب. لأنه الأصل. الخامسة عشرة: بينها بقوله: (أو تعمد ترك صلاة أو بعضها في سفر) بأن أخرها بلا عذر (حتى خرج وقتها) عنها أو عن بعضها. لزمه أن يتم، قياسا على السفر المحرم. لأنه صار عاصيا بتأخيرها متعمدا من غير عذر. قال في الفروع: وقيل: يقصر، وفاقا للأئمة الثلاثة، لعدم تحرم السبب، أي لأن السفر الذي هو سبب القصر مباح. والمعصية فيه لا تمنع القصر. كما تقدم. السادسة عشر: أشار إليها بقوله: (أو عزم) المسافر (في صلاته على ما يلزمه به الاتمام من الإقامة وسفر المعصية) بأن قلب السفر للمعصية. لزمه أن يتم، تغليبا له. لكونه الأصل. وكذا لو نوى الرجوع ومدة رجوعه لا يباح فيها القصر. وعبارة المنتهى: أو عزم في صلاته على قطع الطريق، ونحوه. وما ذكره المصنف أولى لما تقدم من أن المعصية في السفر لا تمنع الترخص. بخلاف المعصية به. السابعة عشرة: ذكرها بقوله: (أو
624 تاب منه) أي من سفر المعصية (فيها) أي الصلاة (لزمه أن يتم) ولا تنفعه نية قصرها إذن. ولا تبطل إن كان نوى القصر في ابتدائها جاهلا تحريم ذلك، أو لم ينو القصر عند إحرامها، أما إن نواه عالما لم تنعقد صلاته كما ذكره في ضمن حكم عام، بقوله: (وإن نوى مسافر القصر حيث يحرم عالما) بأنه لا يباح له القصر (كمن نواه) أي القصر (خلف مقيم عالما) بأن إمامه مقيم، فإنه لا يباح له القصر، إذن لم تنعقد. (أو قصر معتقدا تحريم القصر) ولو أنه مخطئ في اعتقاده و (لم تنعقد) نيته. فلم تصح صلاته (كنية مقيم القصر) فلا تصح صلاته (و) ك (- نية مسافر الظهر خلف إمام الجمعة) فلا تصح (نصا) للاختلاف على الامام (ولو ائتم من له القصر) ونواه (جاهلا حدث نفسه بمقيم، ثم علم حدث نفسه. فله القصر) في المعادة. لان الأولى لم تنعقد، بخلاف ما لو ائتم بمقيم ثم سبقه الحدث كما تقدم. فصل: (تشترط نية القصر) لأن الأصل الاتمام، وإطلاق النية ينصرف إليه، كما لو نوى الصلاة مطلقا انصرف إلى الانفراد (والعلم بها عند الاحرام) هكذا في الفروع. قال ابن نصر الله: ولم يعلم معنى قوله: والعلم بها اه. وقال بعض المتأخرين: معناه: العلم بالنية فيما إذا تقدمت بالزمن اليسير، بخلاف غير المقصورة. فإنه يكفي استصحاب النية حكما لا ذكرا، عند التكبير. قلت: وأقرب من ذلك أن يقال: معناه أنه يشترط العلم بكونه نوى القصر في ابتداء إحرامه، بأن لا يطرأ عليه شك هل نواه؟ فإن طرأ عليه لزمه الاتمام. (و) يشترط أيضا العلم ب (- أن إمامه أذن) أي حال الصلاة (مسافر، ولو بأمارة وعلامة، كهيئة لباس) إقامة للظن مقام العلم. و (لا) يشترط أن
625 يعلم (أن إمامه نوى القصر عملا بالظن) لأنه يتعذر العلم (فلو قال) المأموم: (إن أتم) الامام (أتممت، وإن قصر قصرت لم يضر) ذلك في صحة صلاته. وإن سبق إمامه الحدث فخرج قبل علمه بحاله. فله القصر، عملا بالظاهر. وقيل: يلزمه الاتمام لأنه الأصل (وإن صلى مقيم ومسافر خلف) إمام (مسافر أتم المقيم إذا سلم إمامه) إجماعا. وإذا أم مسافر مقيمين فأتم بهم الصلاة صح، لأن المسافر يلزمه الاتمام بنيته (ويسن أن يقول الامام) المسافر (للمقيمين: أتموا فإنا سفر) للحديث. ولئلا يلتبس على الجاهل عدد ركعات الصلاة (ولو قصر الصلاتين) أو صلاهما بتيمم (في وقت أولاهما) جمع تقديم، (ثم قدم) وطنه (قبل دخول وقت الثانية) أو وجد الماء قبله (أجزأه) اعتبارا بوقت الفعل (ولو نوى القصر) من يباح له، (ثم رفضه ونوى في الصلاة الاتمام. أتم) وجوبا لأنه رجع إلى الأصل. قال ابن عقيل وغيره: وفرضه الأولتان. وهذه الثامنة عشرة: مما يجب فيه الاتمام (ولو نوى) مسافر (القصر، ثم أتم سهوا، ففرضه الركعتان، والزيادة سهو يسجد لها ندبا) لأن عمدها لا يبطل الصلاة. وتقدم حكم متابعة المأموم له ولو كان إماما (ومن له طريقان) طريق (بعيد، و) طريق (قريب فسلك البعيد ليقصر الصلاة فيه) قصر، لأنه مظنة قصد صحيح، وكما لو كان الآخر مخوفا أو مشقا، فعدم الحكمة في بعض الصور لا يضره. قال في الفروع: وظاهر كلامهم: منع من قصد قرية بعيدة لحاجة هي في قريته، وجعلها صاحب المحرر أصلا للجواز في التي قبلها، ولعل التسوية أولى، (أو) سلك الطريق البعيد (لغير ذلك) أي لغير القصر، كجلب مال أو نفع، أو نفي ضرر. قصر. قال ابن عقيل: قولا واحدا (أو ذكر صلاة سفر فيه) أي في ذلك السفر (أو في سفر آخر، ولم يذكرها في الحضر، قصر) لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر. أشبه أداءها. فإن ذكرها في الحضر، أو قضى بعضها في الحضر. أتم. التاسعة عشرة: من المسائل التي يجب فيها الاتمام ذكرها بقوله: (ولو نوى إقامة
626 مطلقة) بأن لم يحدها بزمن معين (في بلد، ولو البلد الذي يقصده بدار حرب أو إسلام، أو في بادية لا يقام بها، أو كانت لا تقام فيها الصلاة) أتم، لزوال السفر المبيح للقصر بنية الإقامة. العشرون: المشار إليها بقوله: (أو) نوى إقامة (أكثر من عشرين صلاة) أتم لحديث جابر وابن عباس أن النبي (ص): قدم مكة صبيحة رابعة ذي الحجة. فأقام بها الرابع، والخامس، والسادس، والسابع. وصلى الصبح في اليوم الثامن. ثم خرج إلى منى. وكان يقصر الصلاة في هذه الأيام وقد أجمع على إقامتها، وقال أنس: أقمنا بمكة عشرا نقصر الصلاة متفق عليه -. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يذكر حديث أنس، ويقول: هو كلام ليس يفقهه كل أحد، وجهه: أنه حسب مقام النبي (ص) بمكة ومنى. وليس له وجه غير هذا. الحادية والعشرون: المذكورة بقوله: (أو شك في نيته هل نوى) إقامة (ما يمنع القصر أم لا؟ أتم) لأنه الأصل فلا ينتقل عنه مع الشك في مبيح الرخصة، (وإلا) أي وإن لم ينو إقامة أكثر من عشرين صلاة بأن نوى عشرين فأقل (قصر) لما تقدم (ويوم الدخول ويوم الخروج يحسبان من المدة) فلو دخل عند الزوال احتسب بما بقي من اليوم. ولو خرج عند العصر احتسب بما مضى من اليوم، (وإن أقام) المسافر (لقضاء حاجة) يرجو نجاحها أو جهاد عدو، وسواء غلب على ظنه انقضاء حاجته في مدة يسيرة أو كثيرة، بعد أن يحتمل انقضاؤها في مدة لا ينقطع حكم السفر بها (بلا نية إقامة تقطع حكم السفر) وهي إقامة أكثر من عشرين صلاة، (ولا يعلم قضاء الحاجة قبل المدة) أي مدة أكثر من عشرين صلاة (ولو) كان العلم (ظنا) لاجرائه مجرى اليقين، حيث يتعذر، أو يتعسر، (أو حبس ظلما، أو حبسه مطر، أو مرض ونحوه) كثلج وجليد (قصر أبدا) لأنه (ص) أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة رواه أحمد، وأبو داود، والبيهقي. وقال: تفرد معمر بروايته مسندا. ورواه علي بن المبارك مرسلا. ولما فتح النبي (ص) مكة أقام فيها تسع عشرة يصلي ركعتين رواه البخاري. وقال
627 أنس: أقام أصحاب النبي (ص) برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة رواه البيهقي بإسناد حسن. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة. ولو أتى عليه سنون. وروى الأثرم عن ابن عمر أنه أقام بآذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وقد حال الثلج بينه وبين الدخول فإن حبس بحق لم يقصر. وعن علي قال: يقصر الذي يقول: أخرج اليوم، أخرج غدا، شهرا وعن سعد أنه أقام في بعض قرى الشام أربعين يوما يقصر الصلاة رواهما سعيد (فإن) أقام لحاجة، و (علم) أو ظن (أنها لا تنقضي في أربعة أيام لزمه الاتمام) كما لو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام. قال في الانصاف: وإن ظن أن الحاجة لا تنقضي إلا بعد مضي مدة القصر، فالصحيح من المذهب أنه لا يجوز له القصر، قدمه في الفروع والرعاية. وقيل: له ذلك، جزم به في الكافي ومختصر ابن تميم (ومن رجع إلى بلد) كأن (أقام به ما يمنع القصر) ولم ينو حال العود إقامة به تمنع القصر (قصر، حتى فيه، نصا) لأنه مسافر، وليس كمن مر بوطنه (وإن عزم على إقامة طويلة في رستاق) أي ناحية من أطراف الإقليم. والمراد به: المعاملة المشتملة على أمكنة (ينتقل فيه) أي الرستاق (من قرية إلى قرية، لا يجمع) أي لا يعزم. من جمع: بمعنى نوى (على الإقامة بواحدة منها) أي القرى (مدة تبطل حكم السفر) أي فوق أربعة أيام (قصر)، لأن النبي (ص) أقام عشرا بمكة وعرفة ومنى يقصر في تلك الأيام كلها كما تقدم، (وإن نوى إقامة بشرط كأن يقول: إن لقيت فلانا في هذا البلد أقمت فيه، وإلا فلا، فإن لم يلقه) في البلد (فله حكم السفر) لعدم الشرط الذي علق عليه الإقامة (وإن
628 لقيه به صار مقيما) لاستصحابه حكم نية الإقامة (إن لم يكن فسخ نيته الأولى) للإقامة (قبل لقائه أو حال لقائه) فإن فسخها إذن فله القصر، (وإن فسخ النية بعد لقائه، فهو كمسافر نوى الإقامة المانعة من القصر، ثم بدا له السفر قبل تمامها فليس له أن يقصر في موضع إقامته) لأنه محل ثبت له فيه حكم الإقامة. أشبه وطنه (حتى يشرع في السفر) ويفارق ذلك الموضع. كما تقدم (والملاح) صاحب السفينة قاله الجوهري (الذي معه أهله في السفينة، أو لا أهل له، وليس له نية الإقامة ببلد لا يترخص) بقصر ولا فطر. لأنه غير ظاعن عن وطنه وأهله. أشبه المقيم. ولأنه يعتبر للسفر المبيح كونه منقطعا، بخلاف الدائم (فإن كان له) أي الملاح (أهل، وليسوا معه، ترخص) كغيره من المسافرين لأن الشبه حقيقة لا يحصل إلا بذلك، (ومثله) أي الملاح في التفصيل السابق (مكار وراع وفيج) بالجيم (وهو رسول السلطان وبريد، ونحوهم) كالساعي، فلا يترخصون إذا كان معهم أهلهم. وليس لهم نية إقامة ببلد (نصا) وكذا إن لم يكن لهم أهل. فإن كان لهم أهل وليسوا معهم، فلهم الترخص (وعرب البدو الذين حيث وجدوا المرعى رعوه يصلون تماما، لأنهم مقيمون في أوطانهم) ولا يباح لهم الفطر برمضان لذلك (فإن كان لهم سفر من المصيف إلى المشتى، ومن المشتى إلى المصيف، كما للترك، فإنهم يقصرون في مدة هذا السفر) حيث بلغ المسافة لعموم الاخبار (وكل من جاز له القصر جاز له الجمع والفطر) لوجود مبيحهما، وهو السفر الطويل (ولا عكس) أي ليس كل من أبيح له الفطر والجمع أبيح له القصر (لأن المريض ونحوه) ممن يباح له الفطر أو الجمع (لا مشقة عليه في) إتمام (الصلاة) بخلاف الصوم. (وقد ينوي المسافر مسيرة يومين ويقطعها من الفجر إلى الزوال مثلا، فيفطر، وإن لم يقصر) إذ ليس في ذلك الوقت صلاة يقصرها أو يتمها (قال الأصحاب) منهم ابن عقيل: (الأحكام المتعلقة بالسفر الطويل) الذي يبلغ مسافة القصر (أربعة: القصر، والجمع، والمسح) على
629 الخف ونحوه (ثلاثا، والفطر) برمضان، وأما أكل الميتة والصلاة على راحلته إلى جهة سيره. فلا تختص بالطويل. كما تقدم.