بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: كشاف القناع المؤلف: البهوتي الجزء: 3 الوفاة: 1051 المجموعة: فقه المذهب الحنبلي تحقيق: تقديم : كمال عبد العظيم العناني / تحقيق : أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1418 - 1997 م المطبعة: الناشر: منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان ردمك: ملاحظات: كشف القناع للشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي المتوفى سنة 51. ه عن متن الاقناع للإمام موسى بن أحمد الحجاوي الصالحي المتوفى سنة 960 ه قدم له الأستاذ الدكتور كمال عبد العظيم العناني حققه أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي الجزء الثالث يحتوي على الكتب التالية: تتمة الحج - الجهاد - البيع - بيع الأصول - والثمار وما يتعلق بذلك - الشركة منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
1 بسم الله الرحمن الرحيم فصل: (ولا يجزئ) فيهما أي في الهدي والأضحية (العوراء) البينة العور. وهي (التي انخسفت عينها. فإن كان عليها) أي العين (بياض وهي قائمة لم تذهب أجزأت) لمفهوم ما يأتي. ولان ذلك لا ينقص لحمها، (ولا تجزئ) فيهما (عمياء وإن لم يكن عماها بينا) كقائمة العينين مع ذهاب إبصارهما. لان العمي يمنع مشيها مع رفيقتها. ويمنع مشاركتها في العلف. ولان في النهي عن العوراء تنبيها على النهي عن العمياء. (ولا عجفاء لا تنقي) بضم التاء وكسر القاف، من أنقت الإبل إذ سمنت وصار فيها نقي، وهو مخ العظم، وشحم العين من السمن. قاله في المطلع. (وهي) أي العجفاء (الهزيلة التي لا مخ فيها، ولا) تجزئ، (عرجاء بين ضلعها) بفتح اللام وسكونها أي غمزها. وصوابه: بالظاء المشالة، كما يعلم من الصحاح وغيره. (وهي التي لا تقدر على المشي مع جنسها) الصحيح (إلى المرعى ولا) تجزئ (كسيرة ولا مريضة بين مرضها. وهو المفسد للحمها كجرب أو غيره) لحديث البراء بن عازب قال: قام فينا النبي (ص) فقال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء،
3 البين عورها. والمريضة البين مرضها. والعرجاء البين ظلعها. والعجفاء التي لا تنقي رواه أبو داود والنسائي. (ولا) تجزئ (عضباء) بالعين المهملة والضاد المعجمة، (وهي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها). لحديث علي قال: نهى النبي (ص) أن يضحى بأعضب الاذن، والقرن. قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: العضب النصف، أو أكثر من ذلك، رواه الخمسة وصححه الترمذي. وقال أحمد العضباء ما ذهب أكثر أذنها أو قرنها. نقله حنبل. لأن الأكثر كالكل. (وتكره معيبة أذن بخرق أو شق أو قطع ل) - نصف أو (أقل من النصف. وكذا) معيبة (قرن) بواحد من هذه لحديث علي قال: أمرنا النبي (ص) أن نستشرف العين والاذن. وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء، ولا شرقاء، قال زهير: قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة؟ قال: يقطع من طرف الاذن، قلت: فما المدابرة؟ قال: يقطع من مؤخر الاذن. قلت: فما الخرقاء؟ قال: تشق الاذن. قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشق أذنها للسمة رواه أبو داود. وقال القاضي: الخرقاء التي قد انتقبت أذنها والشرقاء التي تشق أذنها. وتبقى كالشاختين. وهذا نهي تنزيه. ويحصل الاجزاء بها. لأن اشتراط السلامة من ذلك يشق، إذ لا يكاد يوجد سالم من هذا كله. (ولا تجزئ الجداء، وهي جافة الضرع) أي الجدباء التي شاب ونشف ضرعها. لأن هذا أبلغ الاخلال بالمقصود من ذهاب شحمة العين (ولا) تجزئ (هتماء وهي التي ذهبت ثناياها من أصلها) قال في التلخيص: وهو قياس المذهب. (ولا عصماء، وهي التي انكسر غلاف قرنها) قاله في المستوعب والتلخيص. (ويجزئ ما ذهب دون نصف أليتها) وكذا ما ذهب نصفها كما في المنتهى. وقياس ما تقدم في الاذن: وتكره بل هنا أولى. (و) تجزئ (الجماء، وهي التي خلقت بلا قرن، والصمعاء، وهي الصغيرة الاذن، وما خلقت بلا أذن، والبتراء التي لا ذنب لها خلقة أو مقطوعا) لان
4 ذلك لا يخل بالمقصود. (و) تجزئ (التي بعينها بياض لا يمنع النظر) لعدم فوات المقصود من البصر (و) يجزئ (الخصي التي قطعت خصيتاه أو سلتا أو رضتا) لأن النبي (ص): ضحى بكبشين موجوأين. والوجاء رض الخصيتين ولان الخصاء إذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه. ويسمن قال الشعبي: ما زاد في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه. (فإن قطع ذكره مع ذلك) أي مع قطع الخصيتين، أو سلهما أو رضهما، (لم يجز، وهو الخصي المجبوب التي لم يجز)، نص عليه. وجزم به في التلخيص وقدمه في الرعاية الكبرى (وتجزئ الحامل) من الإبل والبقر والغنم كالحائل. فصل (والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فيطعنها بالحربة في الوهدة التي هي بين أصل العنق والصدر) لما روى زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر أتى على رجا أناخ بدنة لينحرها. فقال: أبعثها قائمة مقيدة، سنة محمد (ص) متفق عليه. وروى أبو داود بإسناده عن عبد الرحمن بن سابط: أن النبي (ص) وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها. وفي قوله تعالى: * (فإذا وجبت جنوبها) * دليل على أنها تنحر قائمة. وقيل: في تفسير قوله تعالى: * (فاذكروا اسم الله عليها صواف) * أي قياما، لكن إن خشي عليها أن تنفر أناخها (و) السنة (ذبح بقر وغنم) لقوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) * ولحديث أنس: أن النبي (ص) ضحى بكبشين ذبحهما بيده (ويجوز
5 عكسه) أي ذبح الإبل ونحر البقر والغنم. لأنه لم يتجاوز محل الذكاة. ولعموم قوله (ص): ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل. (ويأتي) ذلك (ويقول بعد توجيهها) أي الذبيحة ( إلى القبلة على جنبها الأيسر) إن كانت من البقر والغنم (حين يحرك يده بالذبح: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك) لما روى ابن عمر: أن النبي (ص) ذبح يوم العيد كبشين، ثم قال حين وجههما: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له. وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك رواه أبو داود. وإن اقتصر على التسمية فقد ترك الأفضل. وكذا يقول عند تحريك يده بالنحر (وإن قال قبل ذلك) أي بسم الله والله أكبر، إلخ (و) قال (قبل تحريك يده) بالذبح، بأن قال عند توجيه الذبيحة إلى القبلة (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له. وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين) فحسن لما تقدم في حديث ابن عمر، لكن بإسقاط أول لمناسبة المعنى. أو قال بعد: هذا منك ولك. (اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك، فحسن) لمناسبة الحال وفي حديث لمسلم: أن النبي (ص) قال: اللهم تقبل من محمد وآل محمد وكره ابن عمر وابن سيرين الاكل من الذبيحة. إذا وجهت لغير القبلة. (والأفضل تولي صاحبها) أي الذبيحة هدايا كانت أو أضحية (ذبحها بنفسه) لأن النبي (ص): ضحى بكبشين أقرنين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما،
6 ونحر البدنات الست بيده، ونحر من البدن التي أهداها في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة بيده. ولان فعل الذبح قربة. وتولي القربة بنفسه أولى من الاستنابة فيها. (وإن وكل من يصح ذبحه ولو ذميا) كتابيا أبواه كتابيان (جاز، ومسلم أفضل) من ذمي، لأنه: استناب عليا في نحر ما بقي من بدنه. (ويكره أن يوكل) في ذبح أضحيته (ذميا) كتابيا. لقول علي وابن عباس وجابر. ولحديث ابن عباس الطويل مرفوعا: لا يذبح ضحاياكم إلا طاهر. (ويشهدها) أي الأضحية ربها (ندبا إن وكل) في تذكيتها لأن في حديث ابن عباس الطويل: واحضروها إذا ذبحتم، فإنه يغفر لكم عند أول قطرة من دمها. وروي أنه (ص) قال لفاطمة: احضري أضحيتك يغفر لك بأول قطرة من دمها. (ولا بأس أن يقول الوكيل: اللهم تقبل من فلان) أي الموكل له. (وتعتبر النية) أي نية كونها أضحية (من الموكل إذن) أي وقت التوكيل في الذبح، (وفي الرعاية: ينوي) الموكل كونها أضحية (عند الذكاة أو الدفع إلى الوكيل) ليذكيها، (إلا مع التعيين) أي تعيين الأضحية. بأن تكون معينة، فلا تعتبر النية. (ولا تعتبر تسمية المضحي عنه) اكتفاء بالنية. ووقت ابتداء ذبح أضحية وهدي ونذر أو تطوع. (و) دم (متعة وقران: يوم العيد بعد الصلاة) أي صلاة العيد. لحديث جندب بن عبد الله البجلي: أن النبي (ص) قال: من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله (ص): من صلى صلاتنا ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك. ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى متفق عليه. (ولو) كان (قبل الخطبة) لظاهر ما سبق (والأفضل) أن يكون الذبح بعد الصلاة، و (بعدها) أي الخطبة، وذبح الامام إن كان، خروجا من الخلاف. (ولو سبقت صلاة
7 إمام في البلد) الذي تتعدد فيه العيد (جاز الذبح) لتقدم الصلاة عليه (أو بعد) مضي (قدرها) أي قدر زمن صلاة العيد (بعد حلها) أي دخول وقتها، (في حق) لا (صلاة في موضعه كأهل البوادي من أهل الخيام والخركاوات ونحوهم)، ممن لا عيد عليه. فدخول وقت ذبح: ما ذكر في حقهم بمضي قدر ما تفعل فيه الصلاة بعد دخول وقتها. لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر. فوجب الاعتبار بقدرها. وأطلق الأصحاب قدر الصلاة، فقال الزركشي: يحتمل أن يعتبر ذلك بمتوسط الناس، وأبو محمد الموفق اعتبر قدر صلاة وخطبة تامتين في أخف ما يكون، انتهى. وقوله: وخطبة مبني على اعتبارها. والمذهب: لا تعتبر كما تقدم. (فإن فاتت الصلاة) أي صلاة العيد (بالزوال) بأن زالت الشمس في موضع تصلي فيه، كالأمصار والقرى قبل أن يصلوا، لعذر أو غيره (ضحى إذن) أي عند الزوال فما بعده لفوات التبعية بخروج وقت الصلاة (وأخره) أي أخر وقت ذبح أضحية، وهدي نذر، أو تطوع، أو متعة، أو قران (آخر اليوم الثاني من أيام التشريق) فأيام النحر ثلاثة: يوم العيد، ويومان بعده. وهو قول عمر وابنه وابن عباس، وأبو هريرة وأنس، وروي أيضا عن علي. قال أحمد: أيام النحر ثلاثة، عن غير واحد من أصحاب رسول الله (ص) وفي رواية: عن خمسة من أصحاب رسول الله (ص) لأنه (ص): نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث. ويستحيل أن يباح ذبحها في وقت يحرم أكلها فيه. ونسخ أحد الحكمين - وهو الادخار - لا يلزمه رفع الآخر. وهو إجزاء الذبح فيما زاد على الثلاثة. وفي الايضاح: إلى آخر أيام التشريق. (وأفضله) أي ذبح ما ذكر، (أول يوم من) دخول (وقته) وهو مضي الصلاة، أو قدرها. والأفضل: أن يكون بعد الخطبتين أيضا. وبعد ذبح الامام إن كان كما تقدم. لما فيه من المبادرة والخروج من الخلاف. (ويجزئ) ذبح ما ذكر (في ليلتهما) أي ليلة يومي التشريق الأولين. لأن الليل زمن يصح فيه الرمي، أي الجملة، كالسقاة والرعاة، وداخل في مدة الذبح. فجاز فيه كالأيام. (مع الكراهة) للخروج من
8 الخلاف. وظاهر المنتهى: لا يكره. (ووقت ما وجب) من الدماء (بفعل محذور) كلبس وطيب وحلق رأس ونحوه. (من حين وجوبه) أي من حين فعل المحذور (وإن فعله) أي أراد فعل المحذور (لعذر، فله ذبحه قبله) أي قبل المحذور. (وتقدم) في باب الفدية (وكذا ما وجب) من الدماء (لترك واجب) يدخل وقته من ترك الواجب. (وإن ذبح) هديا أو أضحية (قبل وقته لم يجزئه) كالصلاة قبل الوقت (وصنع به ما شاء) لأنه لحم (وعليه بدل الواجب) لبقائه في ذمته. (وإن فات الوقت) قبل ذبح هدي أو أضحية (ذبح الواجب قضاء) لأن الذبح أحد مقصودي الأضحية، فلا يسقط بفوات وقته، كما لو ذبحها في الوقت. ولم يفرقها حتى خرج الوقت. (وسقط التطوع) بخروج وقت الذبح، لأن المحصل للفضيلة الزمان. وقد فات. فلو ذبحه وتصدق به كان لحما تصدق به، لا أضحية في الأصح. قاله في التبصرة. فصل: (ويتعين الهدي بقوله: هذا هدي)، لأنه لفظ يقتضي الايجاب، لوضعه له شرعا. فوجب أن يترتب عليه مقتضاه. (أو بتقليده) أي ويتعين الهدي أيضا بتقليده مع النية. (أو إشعاره مع النية) أي نية الهدي، لان الفعل مع النية يقوم مقام اللفظ. إذا كان الفعل يدل على المقصود، كمن بنى مسجدا وأذن للناس في الصلاة فيه. و (لا) يتعين الهدي (بشرائه، ولا بسوقه مع النية فيهما) لأن الشراء والسوق لا يختصان بالهدي والتعيين إزالة ملك على وجه القربة. فلم تؤثر فيه النية المقارنة لهما. كالعتق والوقف، لا يحصلان بالنية حال الشراء، وكإخراجه مالا للصدقة به. (و) تتعين (الأضحية بقوله: هذه أضحية) فتصير واجبة بذلك، كما يعتق العبد بقول سيده: هذا حر، لوضع هذه الصيغة لذلك شرعا. (أو لله، فيهما) أي يتعين كل من الهدي والأضحية بقوله: هذه لله. لأن هذه الصيغ خبر أريد به الانشاء. كصيغ العقود. (ونحوه) أي نحو: هذه لله. (من ألفاظ النذر) كقوله: هذه صدقة. قال في الموجز والتبصرة: إذا أوجبها الذبح نحو: لله علي ذبحها. لزمه تفريقه على الفقراء. وهو معنى قوله في عيون المسائل:
9 لو قال: لله علي ذبح هذه الشاة ثم أتلفها. ضمنها لبقاء المستحق لها. (ولو أوجبها ناقصة نقصا يمنع الاجزاء) كالعوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها. (لزمه ذبحها) كما لو نذره (ولم تجزئه عن الأضحية الشرعية) لما تقدم من الخبر. (ولكن يثاب على ما يتصدق به منها) لحما منذورا، لا أضحية. قال في المستوعب: وإن حدث بها - أي بالمعينة أضحية - عيب، كالعمى والعرج ونحوه. أجزأه ذبحها. وكانت أضحية. (فإن زال عيبها المانع من الاجزاء كبرء المريضة. و) برء (العرجاء. وزوال الهزال. أجزأت) لعدم المانع. كالعبد المنذور يدور مع عليه (وإذا تعينا) أي الهدي والأضحية (لهم يزل ملكة) عنهما. كالبعد المنذور عتقه، والمال المنذور الصدقة به. (وإذا تعينا لم يزل ملكه، وجاز له نقل الملك فيهما) أي في الهدي والأضحية المعينين. (بإبدال وغيره وشراء خير منهما) بأن يبيعهما بخير منهما، أو بنقد أو غيره، ثم يشتري به خيرا منهما. نقله الجماعة عن أحمد، لحصول المقصود مع نفع الفقراء بالزيادة. وأما حديث: أنه (ص) ساق في حجته مائة بدنة، وقدم علي من اليمن، فأشركه في بدنه رواه مسلم، فيحتمل أنه أشرك عليا فيها قبل إيجابها ويحتمل أنه أشركه فيها، بمعنى أن عليا جاء ببدن، فاشتركا في الجميع. فكان بمعنى الابدال لا بمعنى البيع. ويجوز أن يكون أشركه في ثوابها وأجرها. قاله في الشرح. (و) جاز (إبدال لحم) ما تعين من هدي وأضحية (بخير منه) لنفع الفقراء، و (لا) يجوز إبدال ما تعين من هدي أو أضحية أو لحمها (بمثل ذلك، ولا) بما (دونه) إذ لاحظ في ذلك للفقراء. (وإن) اشترى أضحية أو هديا وعينها لذلك، ثم (علم عيبها بعد التعيين ملك الرد) واسترجاع الثمن. قلت: ويشتري به بدلها بدليل ما يأتي. (وإن أخذ الأرش، فكفاضل عن القيمة ما يأتي) فيشتري به شاة، أو سبع بدنة، أو بقرة أو يتصدق به، أو بلحم يشتري به. (وإن) اشترى أضحية أو هديا وعينها ثم (بانت مستحقة بعده) أي بعد التعيين (لزمه بدلها) نصا، نقله علي بن سعيد. قاله في الفروع. ويتوجه فيه كإرش. وعلم منه: إنها لو بانت مستحقة قبل التعيين لم يلزمه بدلها. لعدم صحة التعين إذن. (وإن مات بعد تعيينها) أي الأضحية أو الهدي. (لم يجز بيعها
10 في دينه. ولو لم يكن وفاء إلا منها) لتعلق حق الله بها. وتعين ذبحها، وكما لو كان حيا. (ولزم الورثة ذبحها. ويقومون مقامه في الاكل والصدقة والهدية) كسائر الحقوق له وعليه. (وإن أتلفها متلف) ربها أو غيره، (وأخذت منه القيمة، أو باعها من أوجبها ثم اشترى بالقيمة) في الأولى (أو) اشترى ب (- الثمن) في الثانية (مثلها صارت) المشتراة (معينة بنفس الشراء) كبدل رهن أو وقف أتلف ونحوه لقيام البدل مقام مبدله. (وله) أي لمن عين هديا أو أضحية (الركوب لحاجة فقط. بلا ضرر) قال أحمد: لا يركبها إلا عند الضرورة. لأن النبي (ص) قال: اركبها بالمعروف، إذا ألجئت إليها، حتى تجد ظهرا رواه أبو داود. ولأنه تعلق بها حق المساكين. فلم يجز ركوبها من غير ضرورة، كملكهم. فإن تضررت بركوبه لم يجز. لأن الضرر لا يزال بالضرر (ويضمن نقصها) الحاصل بركوبه. لأنه تعلق بها حق غيره (وإن ولدت) التي عينت هديا أو أضحية ابتداء، أو عن واجب في الذمة. (ذبح ولدها معها) سواء (عينها حاملا حدث) الحمل (بعده) أي بعد التعيين. لأن استحقاق المساكين الوالد حكم ثبت بطريق السراية من الام. فيثبت للولد ما يثبت لامه. كولد أم الولد والمدبرة. (إن أمكن حمله) أي الولد على ظهرها، أو ظهر غيرها (أو) أمكن (سوقه إلى محله) أي محل ذبح الهدي. وتقدم في باب الفدية (وإلا) أي وإن لم يمكن حمل الولد ولا سوقه إلى محله. (فكهدي عطب) على ما يأتي بيانه. وكذا ولد معينة عن واجب في الذمة لأنه تبع لها. (ولا يشرب من لبنها) أي لبن المعينة أضحية أو هديا. (إلا ما فضل عن ولدها) فيجوز شربه. لقول علي: لا يحلبها إلا ما فضل عن تيسير ولدها ولأنه انتفاع لا يضر بها ولا بولدها. والصدقة به أفضل، خروجا من الخلاف. (فإن خالف) وشرب ما يضر بولدها (حرم) عليه ذلك. وكذا لو كان الحلب يضر بها أو ينقص لحمها. (وضمنه) أي اللبن المأخوذ إذن، لتعديه بأخذه (ويجز صوفها ووبرها وشعرها لمصلحة) كما لو كانت تسمن به (وله أن ينتفع به، كلبنها أو يتصدق به) قال القاضي: له الصدقة بالشعر. وله الانتفاع به وذكر ابن
11 الزاغوني أن اللبن والصوف لا يدخلان في الايجاب. وله الانتفاع بهما إذا لم يضر بالهدي، وكذلك قال صاحب التلخيص في اللبن (وإن كان بقاؤه) أي الصوف أو الوبر أو الشعر (أنفع لها، لكونه يقيها الحر والبرد. لم يجز جزه، كما لا يجوز أخذ بعض أعضائها) لتعلق حق الغير بها. (ولا يعطي الجازر شيئا منها أجرة) للخبر. ولا نبيع لبعض لحمها. ولا يصح (بل) يعطيه منها (هدية وصدقة) لأنه في ذلك كغيره، بل هو أولى. لأنه باشرها وتاقت نفسه إليها. (وله أن ينتفع بجلدها وجلها) قال في الشرح: لا خلاف في جواز الانتفاع بجلودها وجلالها، لأن الجلد جزء منها. فجاز للمضحي الانتفاع كاللحم. وكان علقمة ومسروق يدبغان جلد أضحيتهما ويصليان عليه. وعن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، قد كانوا ينتفعون من ضحاياهم يجملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية. قال: وما ذلك؟ قالت: نهيت عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث. قال: إنما نهيتكم للدافة التي دفت، فزودوا وتصدقوا حديث صحيح. ولأنه انتفاع به. فجاز كلحمها. (أو يتصدق بهما) أي بالجلد والجل. (ويحرم بيعهما) أي بيع الجلد والجل. لحديث علي قال: أمرني رسول الله (ص) أن أقوم على بدنه وأن أقسم جلودها وجلها، وأن لا أعطي الجازر منها شيئا. وقال: نحن نعطيه من عندنا. متفق عليه. (و) يحرم (بيع شئ منها) أي الذبيحة، هديا كانت أو أضحية. (ولو كانت تطوعا، لأنها تعينت بالذبح) لقوله (ص) في حديث قتادة بن النعمان: ولا تبيعوا لحوم الأضاحي والهدي، وتصدقوا واستمتعوا بجلودها. قال الميموني: قالوا لأبي عبد الله: فجلود الأضحية نعطيها السلاخ؟ قال: لا، وحكى قول النبي (ص): لا تعط في جزارتها شيئا منها قال: إسناده جيد. (وإن عين أضحية أو هديا فسرق بعد الذبح. فلا شئ عليه، وكذا إن عينه عن واجب في الذمة. ولو) كان وجوبه في الذمة (بالنذر) بأنه نذر
12 هديا أو أضحية ثم عين عنه ما يجزئ. ثم ذبحه فسرق. فلا شئ عليه، لأنه أمانة في يده، ولم يتعد. ولم يفرط فلم يضمن كالوديعة. (وإن تلفت) المعينة هديا كانت أو أضحية. (ولو قبل الذبح أو سرقت أو ضلت قبله) أي الذبح (فلا بدل عليه إن لم يفرط) لأنه أمين (وإن عين عن واجب في الذمة) ما يجزئ فيه كالمتمتع يعين دم التمتع شاة أو بقرة أو بدنة، أو عين هديا بنذره في ذمته. (وتعيب) ما عينه عن ذلك (أو تلف، أو ضل، أو عطب أو سرق ونحوه) كما لو غصب (لم يجزئه) لأن الذمة لم تبرأ من الواجب بمجرد التعيين عنه، كالدين يضمنه ضامن، أو يرهن به رهنا. فإنه يتعلق الحق بالضامن والرهن مع بقائه في ذمة المدين؟ متى تعذر استيفاؤه من الضامن، أو تلف الرهن، بقي الحق في الذمة بحالة. (ولزمه بدله) أي بدل ما تعيب وتلف أو ضل أو عطب أو سرق ونحوه إذا كان عينه عن واجب في ذمته. (ويكون أفضل مما في الذمة إن كان تلفه بتفريطه) هذا معنى كلامه في الفروع والانصاف وشرح المنتهى. قال في تصحيح الفروع: ظاهره مشكل. ومعناه: إذا عين عما في الذمة أزيد مما في الذمة. ثم تلف بتفريط فإنه يلزمه مثل الذي تلف. وإن كان أفضل مما في الذمة، لأن الواجب تعلق بما عينه عما في الذمة، وهو أزيد، فيلزمه مثله. وهو أزيد مما في الذمة. صرح به في المغني والشرح وغيرهما. تتمة: لو ضحى اثنان كل بأضحية الآخر عن نفسه غلطا، كفتهما. ولا ضمان استحسانا والقياس: ضمانهما. ذكره القاضي وغيره. ونقل الأثرم وغيره في اثنين ضحى هذا بأضحية هذا: يترادان اللحم، إن كان موجودا. ويجزئ. ولو فرق أكل منهما لحم ما ذبحه أجزأ، لاذن الشرع في ذلك. (وإن ذبحها) أي المعينة هديا أو أضحية (ذابح في وقتها بغير إذن) ربها أو وليه (ونواها عن ربها أو أطلق. أجزأت) عن ربها (ولا ضمان على الذابح) لأن الذبح فعل لا يفتقر إلى النية. فإذا فعله غير صاحبه أجزأ عن ص أحبه كغسل ثوبه
13 من النجاسة. ولأنها وقعت موقعها بذبحها في وقتها. فلم يضمن ذابحها. حيث لم يكن متعديا. ولان الذبح إراقة دم تعين إراقته لحق الله تعالى. فلم يضمن مريقه. كقاتل المرتد بغير إذن الإمام. (وإن نواها) أي نوى الذابح الأضحية (عن نفسه، مع علمه أنها أضحية الغير. لم تجز عن مالكها) سواء فرق الذابح اللحم أو لا ويضمن الذابح قيمتها إن فرق لحمها، وأرش الذبح إن لم يفرقه. لغصبه واستيلائه على مال الغير. وإتلافه أو تنقيصه عدوانا. (وإلا) أي وإن ذبحها عن نفسه ولم يعلم أنها أضحية الغير، لاشتباهها عليه مثلا (أجزأت عن ربها إن لم يفرق الذابح لحمها) لما تقدم من أن الذبح لا يفتقر إلى نية. كإزالة النجاسة. فإن فرق اللحم إذن ضمن، لأن الاتلاف يستوي فيه العمد وغيره. (وإن أتلفها) أي المعينة من هدي أو أضحية (صاحبها. ضمنها بقيمتها يوم التلف) في محله، كسائر المتقومات. (تصرف في مثلها كإتلاف أجنبي) غير مالكها لها. لبقاء المستحق لها. وهم الفقراء، بخلاف قن نذر عتقه. فلا يلزم صرف قيمته في مثله إذا تلف. لأن القصد من العتق تكميل الاحكام. وهو حق للرقيق الميت. (وإن فضل عن القيمة) أي قيمة الأضحية المعينة أو الهدي المعين، (شئ عن شراء المثل) لنحو رخص عوض (اشترى به شاة إن اتسع) لذلك، أو سبع بدنة أو بقرة، لما فيه من إراقة الدم المقصود في ذلك اليوم. (وإلا) أي وإن لم يتسع لشاة أو شرك في بدنة أو بقرة. (اشترى به لحما فتصدق به، أو تصدق بالفضل) لفوات إراقة الدم (وإن فقأ عينه) أي الحيوان المعين هديا أو أضحية مالكه أو غيره. (تصدق بالأرش) أو بلحم يشتريه إن لم يتسع لشاة أو سبع بدنة أو بقرة. (وإن عطب في الطريق قبل محله، أو) عطب (في الحرم هدي واجب، أو تطوع بأن ينويه هديا، ولا يوجبه بلسانه، ولا بتقليده وإشعاره. وتدوم نيته فيه قبل ذبحه، أو عجز) الهدي (عن المشي) إلى محله (لزمه نحره)، أي تذكية الهدي (موضعه مجزئا. وصبغ نعله) أي نعل الهدي (التي في عنقه في دمه، وضرب) به (صفحته ليعرفه الفقراء، فيأخذوه. ويحرم عليه وعلى خاصة رفقته، ولو كانوا فقراء: الاكل منه) أي من الهدي العاطب. (ما لم يبلغ محله) لحديث ابن عباس: إن ذؤيبا أبا
14 قبيصة حدثه أن رسول الله (ص) كان يبعث معه بالبدن، ثم يقول: إن عطب منها شئ فخشيت عليها فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها. ثم اضرب به صفحتها. ولا تطعمها لا أنت ولا أحد من أهل رفقتك رواه مسلم، وفي لفظ: يخليها والناس، ولا يأكل منها هو ولا أحد من أصحابه رواه أحمد. ولا يصح قياس رفقته على غيرهم. لأن الانسان يشفق على رفقته ويحب التوسعة عليهم. وربما وسع عليهم من مؤنته. وإنما منع السائق ورفقته الاكل منه، لئلا يقصر في حفظه ليعطبه، ليأكل هو ورفقته منه، فتلحقه التهمة لنفسه ورفقته. (فإن أكل) السائق (منه) أي من الهدي العاطب. (أو باع) منه لاحد (أو أطعم غنيا، أو) أطعم (رفقته. ضمنه) لتعديه (بمثله لحما) لأنه مثلي (وإن أتلفه) أي الهدي، (أو تلف) الهدي (بتفريطه) أو تعديه (أو خاف عطبه فلم ينحره حتى هلك. فعليه ضمانه) كسائر الودائع إذا فرط فيها أو تعدى (يوصله) أي بدل الهدي (إلى فقراء الحرم)، لأنهم مستحقوه (وإن فسخ في التطوع نيته قبل ذبحه صنع به ما شاء) من بيع وأكل وإطعام لرفقته، لأنه لحم (وإن ساقه عن واجب في ذمته) لتمتع أو فعل محذور ونحوه. (ولم يعينه بقوله: هذا هدي ونحوه: لم يتعين) بالسوق مع النية لأن السوق لا يختص بالهدي والنية وحدها ضعيفة، لا يحصل التعيين بها. (وله التصرف فيه بما شاء) من بيع وأكل وغيره. (فإن بلغ) الهدي الذي ساقه عما في ذمته من الواجب. (محله سالما فنحره) في محله (أجزأ عما عينه عنه) لصلاحيته لذلك وعدم المانع. (وإن عطب) ما ساقه عن واجب في ذمته (دون محله. صنع به ما شاء) من أكل وغيره. لأنه لحم (وعليه إخراج ما في ذمته) في محله لعدم سقوطه. (وإن تعيب هو) أي الهدي (أو) تعيبت (أضحية) بغير فعله (ذبحه) أي ما ذكر من الهدي أو الأضحية. (وأجزأ إن كان واجبا بنفس التعيين) بأن قال ابتداء: هذا هدي أو أضحية. ولم يكن عن شئ في
15 ذمته. لما روى أبو سعيد قال: ابتعنا كبشا نضحي به، فأصاب الذئب من أليته. فسألنا النبي (ص) فأمرنا أن نضحي به رواه ابن ماجة. ولأنها أمانة عنده فلم يضمن تعيبها. ولم يمنع من الاجزاء. (وإن تعيب) الهدي المعين أو أو ضحية المعينة (بفعله) أي تعديه أو تفريطه (فعليه بدله). كالوديعة يفرط فيها. و (إن كان واجبا قبل التعيين بأن) وفي نسخة فإن لكن الأولى أولى. (عينه عن واجب في الذمة، كالفدية والمنذور في الذمة) وتعيب عنده عيبا يمنع الاجزاء (لم يجزئه) لأن الواجب في ذمته دم صحيح فلا يجزئ عنه دم معيب. والوجوب متعلق بالذمة، كالدين به رهن ويتلف، لا يسقط بذلك. (وعليه بدله) أي بدل ما عينه عن الواجب في ذمته. (كما لو أتلفه أو تلف بتفريطه. ولو كان) ما عينه عما في ذمته (زائدا عما في ذمته). كما لو كان الذي في ذمته شاة فعين عنها بدنة أو بقرة فتعيبت يلزمه بدنة أو بقرة بدل التي عينها، وإن كان بغير تفريطه ففي المغني: لا يلزمه أكثر مما كان في ذمته. لان الزيادة وجبت بتعيينه. وقد تلفت بغير تفريطه فسقطت، كما لو عين هديا تطوعا ثم تلف. قاله في القاعدة الحادية والثلاثين، ومعناه في الشرح. (وكذا لو سرق) ما عينه هديا أو أضحية ابتداء، أو عن واجب في الذمة، على ما سبق من التفصيل. (أو ضل ونحوه) كما لو عصب (وتقدم) قريبا (ويذبح واجبا قبل نفل) من هدي وأضحية. ولعل المراد: استحبابا مع سعة الوقت. وقد تقدم لمن عليه زكاة: الصدقة تطوعا قبل إخراجها. ولا يكاد يتحقق الفرق. (وليس له) أي لمن نحر بدل ما عطب من أضحية، أو هدي، أو تعيب، أو ضل ونحوه (استرجاع عاطب ومعيب وضال ونحوه) كمغصوب قدر عليه (بعد ذبح بدله)، وقوله (إلى ملكه) متعلق باسترجاع (بل يذبحه) لما روي عن عائشة: أنها أهدت هديين فأضلتهما. فبعث إليها ابن الزبير بهديين فنحرتهما. ثم عاد الضالان فنحرتهما وقالت: هذه سنة الهدي رواه الدارقطني. وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله (ص) ولأنه تعلق حق الله تعالى بهما بإيجابهما على نفسه، فلم يسقط بذبح بدلهما. (وإن غصب شاة فذبحها عما في ذمته) من دم فدية أو تمتع أو نذر ونحوه (لم يجزئه. وإن رضي مالكها) لأنه لم يكن قربة في ابتدائه،
16 فلم يصر قربة في أثنائه، كما لو ذبحها للاكل، ثم نواها للتقرب (ولا يبرأ من الهدي) الواجب عليه (إلا بذبحه ونحوه) في وقته ومحله، إذ المقصود إراقة الدم كالتوسعة على الفقراء. (ويباح للفقراء الاخذ من الهدي إذا لم يدفعه إليهم بالاذن. كقوله) أي المالك (من شاء اقتطع، أو بالتخلية بينهم وبينه) لأنه (ص): نحر خمس بدنات وقال: من شاء فليقتطع وقال لسائق البدن: اصبغ نعلها في دمها واضرب به صفحتها وفيه دليل على اكتفاء الفقراء بذلك من غير لفظ. وإلا لم يكن مفيدا. فصل: (سوق الهدي من الحل مسنون) لأن النبي (ص) فعله. فساق في حجة الوداع مائة بدنة وكان يبعث بهديه إلى الحرم وهو بالمدينة. (ولا يجب) سوق الهدي. لأنه (ص) لم يأمر به. والأصل عدم الوجوب. (إلا بالنذر) لحديث: من نذر أن يطيع الله فليطعه. (ويستحب أن يقفه) أي الهدي (بعرفة) روي عن ابن عباس. وكان ابن عمر لا يرى هديا إلا ما وقفه بعرفة. ولنا أن المراد نحره. ونفع المساكين بلحمه. وهذا لا يتوقف على وقوفه بعرفة. ولم يرد بذلك دليل يوجبه. (و) يسن أن (يجمع فيه) أي الهدي (بين الحل والحرم) لما تقدم (ويسن إشعار البدن) بضم الباء جمع بدنة. (فيشق صفحة سنامها) بفتح السين (اليمنى أو) يشق (محله) أي السنام (مما لا سنام له من إبل وبقر، حتى يسيل الدم. وتقلد هي) أي البدن. (و) تقلد (بقر وغنم نعم أو
17 أذان القرب، أو العري) بضم العين جمع عروة. لحديث عائشة قالت: فتلت قلائد هدي رسول الله (ص). ثم أشعرها وقلدها متفق عليه. وفعله الصحابة أيضا. وعن ابن عباس أن النبي (ص): صلى بذي الحليفة ثم دعا ببدنه، فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم عنها بيده رواه مسلم. لا يقال: إنه إيلام، لأنه لغرض صحيح. فجاز كالكي والوسم والحجامة. وفائدته: أن لا تختلط بغيرها. وأن يتوقاها اللص. ولا يحصل ذلك بالتقليد بمفرده، لأنه يحتمل أن يحل ويذهب. (ولا يسن إشعار الغنم) لأنها ضعيفة، ولان صوفها وشعرها يستر موضع إشعارها لو أشعرت. (وإذا ساق الهدي) من (قبل الميقات، استحب إشعاره وتقليده من الميقات) لحديث ابن عباس. (وإذا نذر هديا مطلقا، فأقل ما يجزئ شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة) كالواجب بأصل الشرع المطلق. (فإن ذبح) من نذر هديا وأطلق (البدنة أو البقرة. كانت كلها واجبة) لتعينها عما في ذمته بذبحها عنه. (وإن نذر بدنة أجزأته بقرة إن أطلق البدنة) لمساواتها لها. (وإلا) أي وإن لم يطلق، بل نوى معينا من الإبل (لزمه ما نواه) كما لو نوى كونها أو من البقر، وكما لو عينه باللفظ. (فإن عين) شيئا ( بنذره) بأن قال: هذا هدي، أو لله علي هذا هديا ونحوه. (أجزأه ما عينه، صغيرا كان، أو كبيرا، من حيوان، ولو معيبا. وغير حيوان كدرهم وعقار وغيرهما) لأنه إنما وجب بإيجابه على نفسه. ولو لم يوجب سوى هذا. فأجزأه كيف كان. (والأفضل) كون الهدي (من بهيمة الأنعام ) لفعله (ص). (وإن قال: إن لبست ثوبا من غزلك فهو هدي، فلبسه. أهداه) وجوبا إلى مساكين الحرم، لوجود شرط النذر. (وعليه إيصاله) أي الهدي مطلقا (إلى فقراء الحرم) لقوله تعالى: * (ثم محلها إلى البيت العتيق) * ولان النذر يحمل على المعهود
18 شرعا. والمعهود في الهدي الواجب: بالشرع، كهدي المتعة يذبحه بالحرم. فكذا يكون المنذور. (ويبيع غير المنقول كالعقار. ويبعث ثمنه إلى الحرم) لتعذر إهدائه بعينه، فانصرف إلى بدله. يؤيده ما روى عن ابن عمر: أن رجلا سأله عن امرأة نذرت أن تهدي دارا. قال: تبيعها وتتصدق بثمنها على فقراء الحرم. (وقال) أبو الوفاء علي (بن عقيل: أو يقومه) أي العقار (ويبعث القيمة) إلى فقراء الحرم. لأن الغرض القيمة التي هي بدله. لا نفس البيع. (إلا أن يعينه) أي المنذور (لموضع سوى الحرم. فيلزمه ذبحه فيه) أي في الموضع الذي عينه. (وتفرقة لحمه على مساكينه) أي مساكين ذلك الموضع. (أو إطلاقه لهم) أي لمساكينه (إلا أن يكون الموضع) الذي عينه (به صنم أو شئ من أمر الكفر أو المعاصي كبيوت النار والكنائس ونحوها فلا يوف به) أي بنذره روى أبو داود: أن رجلا سأل النبي (ص) فقال: إني نذرت أن أذبح بالأبواء. قال: أبها صنم؟ قال: لا. قال: أوف بنذرك (ويستحب أن يأكل من هديه التطوع، ويهدي ويتصدق أثلاثا) لقوله تعالى: * (فكلوا منها) * (الحج 28) وأقل أحوال الامر الاستحباب ولان النبي (ص) أكل من بدنه. وقال جابر: كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث. فرخص لنا النبي (ص) فقال: كلوا وتزودوا، فأكلنا وتزودنا رواه البخاري. وعن ابن عمر: الضحايا والهدايا: ثلث لك، وثلث لأهلك، وثلث للمساكين. قال في الشرح وشرح المنتهى: والمستحب أن يكون أي المأكول: اليسير، لما روى جابر: أن النبي (ص) أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فأكلنا منها، وحسينا من مرقها ولأنه نسك. فاستحب الاكل منه (كالأضحية). وله التزود والاكل كثيرا. لحديث جابر. (فإن أكلها) أي الذبيحة هديا تطوعا (كلها. ضمن المشروع للصدقة منها كأضحية) أكلها كلها. فإنه يضمن أقل ما يقع عليه الاسم، ويأتي. (وإن فرق أجنبي
19 نذرا بلا إذن) مالكه (لم يضمن) لوقوعه (ولا يأكل من كل واجب) من الهدايا (ولو) كان إيجابه (بالنذر أو بالتعيين، إلا من دم متعة وقران) نص على ذلك، لأن سببهما غير محظور. فأشبها هدي التطوع ولان أزواج النبي (ص): تمتعن معه في حجة الوداع وأدخلت عائشة الحج على العمرة فصارت قارنة. ثم ذبح عنهن النبي (ص) البقر، فأكلن من لحومها. قال أحمد: قد أكل من البقر أزواج النبي (ص) في حديث عائشة خاصة. (وما جاز له أكله) كأكثر هدي التطوع (فله هديته) لغيره، لقيام المهدي له مقامه. (وما لا) يملك أكله، كالهدي الواجب غير دم تمتع وقران (فلا) يملك هديته، بل يجب صرفه لفقراء الحرم. لتعلق حقهم به. (فإن فعل) أي أكل مما لا يجوز له الاكل منه، أو أهدى منه (ضمنه بمثله لحما) لأن الجميع مضمون عليه بمثله. فكذلك أبعاضه. وكذلك إن أعطى الجزار بأجرته شيئا منها (كبيعه وإتلافه) أي كما لو باع شيئا من الهدي أو أتلفه. فإنه يضمنه بمثله لحما. وإن أطعم منه غنيا على سبيل الهدية. جاز كالأضحية. (ويضمنه) أي المتلف من الهدي (أجنبي بقيمته) قال في الشرح: لان اللحم من غير ذوات الأمثال. فضمنه بقيمته كما لو أتلف لحما لآدمي معين ا ه. وفيه نظر. لأنه موزون لا صناعة فيه، يصح فيه السلم، فهو مثلي. (وفي الفصول: لو منعه الفقراء حتى أنتن. فعليه قيمته) أي إن لم يبق فيه نفع. وإلا ضمن نقصه. كما في المنتهى. فصل: (والأضحية) مشروعة إجماعا وسنده: قوله تعالى * (فصل لربك وانحر) * قال جماعة من
20 المفسرين: المراد بذلك التضحية بعد صلاة العيد. وما روي أن النبي (ص): ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما، متفق عليه. وهي (سنة مؤكدة لمسلم) تام الملك. لحديث ابن عباس: أن النبي (ص) قال: ثلاث كتبت علي، وهن لكم تطوع - وفي رواية - الوتر، والنحر، وركعتا الفجر رواه الدارقطني. وقوله (ص): من أراد أن يضحي فدخل العشر. فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئا رواه مسلم. فعلقه على الإرادة، والواجب لا يعلق عليها. ولان الأضحية ذبيحة لا يجب تفريق لحمها. فلم تكن واجبة كالعقيقة. وأما حديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا. وحديث: يا أيها الناس إن على أهل كل عام أضحاة وعتيرة فقد ضعفه أصحاب الحديث. ثم يحمل على تأكد الاستحباب، جمعا بين الأحاديث. كحديث: غسل الجمعة واجب على كل محتلم. و: من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا. (ولو) كان المسلم (مكاتبا بإذن سيده) لأن منعه من التبرع لحق سيده فإذا أذن فقد أسقط حقه. (وبغير إذنه) أي سيد المكاتب (فلا) تسن للمكاتب (لنقصان ملكه. ويكره تركها) أي الأضحية (لقادر عليها) لحديث أبي هريرة السابق. ومن عدم ما يضحي به اقترض، وضحى مع القدرة على الوفاء. ذكره في الاختيارات. وهو قياس ما يأتي في العقيقة. (وليست) الأضحية (واجبة)
21 لما سبق (إلا أن ينذرها) فتجب بالنذر. لحديث: من نذر أن يطيع الله فليطعه (وكانت) الأضحية (واجبة على النبي (ص)) لحديث ابن عباس السابق، (وذبحها) أي الأضحية (ولو عن ميت) ويفعل بها كعن حي (وذبح العقيقة أفضل من الصدقة بثمنها) وكذا الهدي. صرح به ابن القيم في تحفة الودود. وابن نصر الله في حواشيه، لأن النبي (ص) ضحى والخلفاء. ولو كانت الصدقة أفضل لعدلوا إليها. ولحديث عائشة مرفوعا: ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من إراقة دم. وأنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها. وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا رواه ابن ماجة. ولان إيثار الصدقة على الأضحية يفضي إلى ترك سنة رسول الله (ص). قال في الشرح وشرح المنتهى: وما روي عن عائشة من قولها: لأن أتصدق بخاتمي هذا أحب إلي من أن أهدي إلى البيت ألفا فهو في الهدي لا في الأضحية ا ه. وفيه نظر. إذ الهدي كالأضحية. كما تقدم عن ابن القيم وغيره. فالأولى أن يجاب عن الأثر بأن الموقوف لا يعارض المرفوع. (ولا يضحي عما في البطن) روي عن ابن عمر، لأنه لا تثبت له أحكام الدنيا، إلا في الإرث والوصية. لكن يقال: قد تقدم أنه قد يسن إخراج الفطرة عنه، إلا أن يقال ذلك لفعل عثمان. ولان القصد من زكاة الفطرة: الطهرة. وما هنا على الأصل. (ومن بعضه حر إذا ملك بجزئه الحر) ما يضحي به (فله أن يضحي بغى إذن سيده) لأن ملكه تام على ملكه بجزئه الحر. (والسنة: أكل ثلثها. وإهداء ثلثها. ولو لغني. ولا يجبان) أي الاكل والاهداء لأن النبي (ص): نحر خمس بدنات وقال: من شاء فليقتطع، ولم يأكل منهن شيئا، ولأنها ذبيحة يتقرب بها إلى الله. فلم يجب الاكل منها. كالعقيقة. فيكون الامر للاستحباب. (ويجوز الاهداء منها) أي الأضحية. (لكافر، إن كانت تطوعا) قال أحمد: نحن نذهب إلى حديث عبد الله: يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق بالثلث على المساكين. قال علقمة: بعث معي عبد الله بهدية. فأمرني أن آكل ثلثا إلى أهل أخيه. وأن أتصدق بثلث. فإن كانت واجبة لم يعط منها الكافر شيئا، كالزكاة
22 والكفارة (والصدقة، بثلثها، ولو كانت) الأضحية (منذورة أو معينة) لحديث ابن عباس في صفة أضحية النبي (ص) قال: ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقرا جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث رواه الحافظ أبو موسى في الوظائف. وقال: حديث حسن. وهو قول ابن مسعود وابن عمر. ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة. ولقوله تعالى: * (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) * والقانع: السائل، يقال: قنع قنوعا إذا سأل. والمعتر: الذي يعتر بك، أي يتعرض لك لتطعمه. ولا يسأل. فذكر ثلاثة أصناف. ومطلق الإضافة يقتضي التسوية. فينبغي أن يقسم بينهم أثلاثا. (ويستحب أن يتصدق بأفضلها) لقوله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) *. (و) أن (يهدي الوسط، و) أن (يأكل الأدون) ذكره بعضهم (وكان من شعار الصالحين: تناول لقمة من الأضحية من كبدها أو غيرها تبركا) وخروجا من الخلاف من واجب الاكل. (وإن كانت) الأضحية (ليتيم فلا يتصدق الولي عنه) منها بشئ. (ولا يهدي منها شيئا. ويأتي في الحجر. ويوفرها له) لأنه ممنوع من التبرع من ماله. (وكذا المكاتب لا يتبرع منها بشئ) إلا بإذن سيده. لما سبق. (فإن أكل أكثر) الأضحية (أو أهدى أكثر) ها (أو أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها، جاز. أو أهداها كلها إلا أوقية تصدق بها، جاز. لأنه يجب الصدقة ببعضها) نيئا (على فقير مسلم) لعموم: * (وأطعموا القانع والمعتر) * (فإن لم يتصدق بشئ) نيئ منها (ضمن أقل ما يقع عليه الاسم) كالأوقية، (بمثله لحما) لأن ما أبيح له أكله لا تلزمه غرامته ويلزمه غرم ما وجبت الصدقة به. لأنه حق يجب عليه أداؤه مع بقائه. فلزمته غرامته إذا أتلفه كالوديعة. (ويعتبر تمليك الفقير) كالزكاة الكفارة (فلا يكفي إطعامه) لأنه إباحة. (ومن أراد التضحية) أي ذبح الأضحية. (فدخل العشر، حرم عليه وعلى من يضحي عنه أخذ شئ من شعره وظفره وبشرته إلى الذبح، ولو بواحدة لمن يضحي بأكثر). لحديث أم سلمة مرفوعا: إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي رواه مسلم.
23 وفي رواية له: ولا من بشره. وأما حديث عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله (ص) ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها. ولا يحرم عليه شئ أحله الله له، حتى ينحر الهدي متفق عليه. فأجيب عنه: بأنه في إرسال الهدي لا في التضحية. وأيضا فحديث عائشة عام وحديث أم سلمة خاص فيحمل العام عليه. وأيضا فحديث أم سلمة من قوله. وحديث عائشة من فعله. وقوله مقدم على فعله. لاحتمال الخصوصية. (فإن فعل) أي أخذ شيئا من شعره أو ظفره أو بشرته، (تاب) إلى الله تعالى، لوجوب التوبة من كل ذنب. قلت: وهذا إذا كان لغير ضرورة وإلا فلا إثم كالمحرم وأولى. (ولا فدية عليه) إجماعا، سواء فعله عمدا أو سهوا. (ويستحب حلقه بعد الذبح) قال أحمد: على ما فعل ابن عمر، تعظيما لذلك اليوم. ولأنه كان ممنوعا من ذلك قبل أن يضحي. فاستحب له ذلك بعده كالمحرم. (ولو أوجبها) بنذر أو تعيين (ثم مات قبل الذبح أو بعده قام وارثه مقامه) في الاكل والاهداء والصدقة كسائر حقوقه. (ولا تباع في دينه، وتقدم قريبا. ونسخ تحريم ادخار لحمها) أي الأضحية (فوق ثلاث. فيدخر ما شاء) لحديث مسلم: كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فامسكوا ما بدا لكم، وحديث عائشة: إنما نهيتكم للدافة التي دفت، فكلوا وتزودوا وتصدقوا، وادخروا. ولم يجز ذلك علي وابن عمر. لأنه لم تبلغهما الرخصة. (قال الشيخ: إلا زمن مجاعة) لأنه سبب تحريم الادخار. (وقال: الأضحية من النفقة بالمعروف. فتضحي المرأة من مال زوجها عن أهل البيت بلا إذنه) عند غيبته، أو امتناعه. كالنفقة عليهم. (و) يضحي (مدين لم يطالبه رب الدين) ولعل المراد: إذا لم يضر به. (ولا يعتبر التمليك في العقيقة) لأنها لسرور حادث فتشبه الوليمة. بخلاف الهدي والأضحية.
24 فصل: (والعقيقة، وهي النسيكة: وهي التي تذبح عن المولود) قال أبو عبيد: الأصل في العقيقة: الشعر الذي على المولود، وجمعها عقائق. ثم إن العرب سمت الذبيحة عند حلق شعر المولود عقيقة، على عادتهم في تسمية الشئ باسم سببه، أو ما يجاوره. ثم اشتهر ذلك، حتى صار من الأسماء العرفية، بحيث لا يفهم من العقيقة عند الاطلاق إلا الذبيحة. وقال ابن عبد البر: أنكر أحمد هذا التفسير. وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه. ووجهه: أن أصل العق القطع. ومنه عق والديه، إذا قطعهما. والذبح قطع الحلقوم والمرئ والودجين ا ه. وقيل: العقيقة: الطعام الذي يصنع ويدعي إليه من أجل المولود (سنة مؤكدة على الأب غنيا كان الوالد أو فقيرا) قال أحمد: العقيقة سنة عن رسول الله (ص)، قد عق عن الحسن والحسين وفعله أصحابه. وقال (ص): الغلام مرتهن بعقيقته. وهو إسناد جيد عن أبي هريرة مرفوعا. ومن جعلها من أمر الجاهلية فلأنه لم يبلغه ما ورد فيهما من الأحاديث. (عن الغلام شاتان متقاربتان سنا وشبها) لما روت أم كرز الكعبية قالت: سمعت النبي (ص) يقول: عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة، وفي لفظ: عن الغلام شاتان مثلان. وعن الجارية شاة رواه أبو داود. (وإن تعذرتا) أي الشاتان عن الغلام (ف) - شاة (واحدة) لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم. (فإن لم يكن عنده ما
25 يعق اقترض)، وعق (قال) الامام (أحمد: أرجو أن يخلف الله عليه) أحيي سنة قال ابن المنذر: صدق أحمد، إحياء السنن واتباعها أفضل. (قال الشيخ: محله لمن له وفاء) وإلا فلا يقترض لأنه إضرار بنفسه وغريمه. (ولا يعق غير الأب) قال الحافظ ابن الحجر في شرح البخاري: وعن الحنابلة يتعين الأب، إلا أن يتعذر بموت أو امتناع، ا ه. قلت: وما تقدم أنه (ص) عق عن الحسن والحسين. فلأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. (ولا) يعق (المولود عن نفسه إذا كبر) نص عليه. لأنها مشروعة في حق الأب فلا يفعلها غيره كالأجنبي. (فإن فعل) أي عق غير الأب والمولود عن نفسه بعد أن كبر (لم يكره) ذلك (فيهما) لعدم الدليل عليها. قلت: لكن ليس لها حكم العقيقة. و (اختار جمع: يعق عن نفسه) استحبابا إذا لم يعق عنه أبوه، منهم صاحب المستوعب والروضة والرعايتين، والحاويين والنظم. قال في الرعاية: تأسيا بالنبي (ص) ومعناه في المستوعب. وهو قول عطاء والحسن، لأنها مشروعة عنه. ولأنه مرتهن بها. فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه. (وقال الشيخ: يعق عن اليتيم) أي من ماله. (كالأضحية وأولى) لأنه مرتهن بها، بخلاف الأضحية. (وعن الجارية شاة) لما تقدم (تذبح يوم سابعه من ميلاده) لحديث سمرة قال: قال النبي (ص): كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه، ويحلق رأسه رواه أهل السنن كلهم. وقال الترمذي: حسن صحيح. (قال في المستوعب وعيون المسائل: ضحوة النهار) لعله تفاؤلا. (ويجوز ذبحها قبل السابع) قال في تحفة الودود في أحكام المولود: والظاهر أن التقييد بذلك، أي بالسابع ونحوه، استحبابا، وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر، أو ما بعدة أجزأته. والاعتبار بالذبح لا بيوم الطبخ والاكل. (ولا تجوز قبل الولادة) كالكفارة قبل اليمين، لتقدمها على سببها. (وإن عق ببدنة أو بقرة لم تجزئه إلا كاملة. فلا يجزئ فيها شرك في دم) أي في بدنة أو بقرة، نص عليه. لعدم وروده قال في النهاية: وأفضله شاة. (وينوي بها عقيقة) لحديث: إنما الأعمال بالنيات. (ويسمي)
26 المولود (فيه) أي في يوم السابع، لحديث سمرة. وتقدم (والتسمية للأب) فلا يسميه غيره مع وجوده (وفي الرعاية: يسمي يوم الولادة) لحديث مسلم في قصة ولادة إبراهيم ابنه عليه السلام: ولد لي الليلة مولود فسميته إبراهيم باسم أبي إبراهيم. (ويسن أن يحسن اسمه) لقوله (ص): إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم رواه أبو داود. (وأحب الأسماء إلى الله. عبد الله وعبد الرحمن) رواه مسلم مرفوعا. (وكل ما أضيف إلى) اسم من أسماء (الله) تعالى (فحسن) كعبد الرحيم وعبد الرزاق وعبد الخالق ونحوه. (وكذا أسماء الأنبياء) كإبراهيم ونوح ومحمد وصالح وشبهها. لحديث: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي رواه أبو نعيم. قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا عذبت أحدا تسمى باسمك في النار. (ويجوز التسمية بأكثر من اسم واحد كما يوضع اسم). وهو ما ليس كنية ولا لقبا. (وكنية) وهي ما صدرت بأب وأم (ولقب) وهو ما أشعر بمدح، كزين العابدين، أو ذم كبطة، (والاقتصار على اسم واحد أولى) لفعله (ص) في أولاده. (ويكره) من الأسماء (حرب، ومرة وحزن، ونافع، ويسار، وأفلح، ونجيح، وبركة، ويعلى، ومقبل، ورافع، ورباح، والعاصي، وشهاب والمضطجع، ونبي، ونحوها) كرسول، (وكذا ما فيه تزكية. كالتقي والزكي، والأشرف، والأفضل، وبرة. قال القاضي: وكل ما فيه تفخيم أو تعظيم) قال ابن هبيرة في حديث سمرة:
27 لا تسم غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا، ولا أفلح. فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون فتقول: لا. فربما كان طريقا إلى التشاؤم والتطير. فالنهي يتناول ما يطرق إلى الطيرة إلا أن ذلك لا يحرم. لحديث عمر: أن الآذن على مشربة رسول الله (ص) عبد يقال له: رباح. (ويحرم) التسمية (بملك الأملاك ونحوه) مما يوازي أسماء الله. كسلطان السلاطين، و شاهنشاه لما روى أحمد: اشتد غضب الله على رجل تسمى ملك الأملاك. لا ملك إلا الله. (و) يحرم أيضا التسمية (بما لا يليق إلا بالله. كقدوس، والبر. وخالق ورحمن) لأن معنى ذلك لا يليق بغيره تعالى. (ولا يكره) أن يسمى (بجبريل) ونحوه من أسماء الملائكة (وياسين). قلت: ومثله طه، خلافا لمالك. فقد كره التسمية بهما. وقال ابن القيم في التحفة. ومما يمنع التسمية بأسماء القرآن، وسوره مثل طه ويس، وحم. وقد نص مالك على كراهة التسمية بيس. ذكره السهيلي. وأما ما يذكره العوام: من أن يس وطه من أسماء النبي (ص) فغير صحيح. ليس ذلك في حديث صحيح، ولا حسن، ولا مرسل ولا أثر عن صاحب. وإنما هذه الحروف مث ألم وحم والر ونحوها ا ه. لكن قال العلائي في تفسيره في سورة طه: وقيل هو اسم من أسماء النبي (ص) سماه الله به، كما سماه محمدا. وروي عن النبي (ص) أنه قال: لي عشرة أسماء فذكر أن منها طه ويس ا ه. وعليه فلا تمتنع التسمية بهما. وقال ابن القيم: أيضا لا تجوز تسمية الملوك بالقاهر والظاهر. (قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله) تعالى، (كعبد العزى وعبد عمرو وعبد علي، وعبد الكعبة. وما أشبه ذلك) ا ه. (ومثله عبد النبي، وعبد الحسين، كعبد المسيح. قال ابن القيم: و) أما (قوله (ص): أنا ابن عبد المطلب. فليس من باب إنشاء التسمية، بل من باب الاخبار بالاسم الذي عرف به المسمى. والاخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم، فباب الاخبار أوسع من باب الانشاء. قال: وقد كان جماعة من أهل الدين يتورعون عن إطلاق قاضي القضاة. وحاكم
28 الحكام) قياسا على ما يبغضه الله ورسوله من التسمية بملك الأملاك. (وهذا محض القياس. قال: وكذلك تحريم التسمية بسيد الناس. وسيد الكل. كما يحرم بسيد ولد آدم. انتهى) لأنه لا يليق إلا به (ص). (ومن لقب بما يصدقه فعله) بأن يكون فعله موافقا للقبه (جاز، ويحرم) من الألقاب (ما لم يقع على مخرج صحيح)، لأنه كذب (على أن التأويل في كمال الدين، وشرف الدين: أن الدين كمله وشرفه. قاله) يحيى (بن هبيرة. ولا يكره التكني بأبي القاسم، بعد موت النبي (ص)) وصوبه في تصحيح الفروع. قال: وقد وقع فعل ذلك من الأعيان، ورضاهم به يدل على الإباحة. وقال في الهدي: والصواب أن التكني بكنيته ممنوع. والمنع في حياته أشد. والجمع بينهما ممنوع ا ه. فظاهره: التحريم. ويؤيده حديث: لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي. (وتجوز تكنيته أبا فلان وأبا فلانة، وتكنيتها أم فلان كأم فلانة) لعدم المحذور، (و) تباح (تكنيته الصغير) ذكرا كان أو أنثى، لما تقدم من قوله (ص): يا أبا عمير ما فعل النغير. (ويحرم أن يقال لمنافق أو كافر: يا سيدي) كبداءته بالسلام. لما فيه من تعظيمه. (ولا يسمى الغلام) أي العبد (بيسار، ولا رباح، ولا نجيح، ولا أفلح). لما تقدم عن ابن هبيرة. (قال ابن القيم، قلت: وفي معنى هذا مبارك، ومفلح وخير، وسرور، ونعمة. وما أشبه ذلك) لما تقدم من أنه ربما كان طريقا للتشاؤم والتطير. (ومن) الأسماء (المكروهة: التسمية بأسماء الشياطين كخنزب) بالخاء المعجمة والنون والزاي والباء الموحدة. (وولهان والأعور، والأجدع. و) من
29 التسمية المكروهة: التسمية ب (- أسماء الفراعنة والجبابرة، كفرعون، وقارون وهامان، والوليد. ويستحب تغيير الاسم القبيح) قال أبو داود: وغير النبي (ص) اسم العاص وعزيرة وعفرة وشيطان. والحكم وغراب وحباب وشهاب، فسماه هشاما. وسمى حربا سلما. وسمى المضطجع المنبعث. وأرض عفرة سماها خضرة. وشعب الضلالة: شعب الهدى. وبنو الزنية سماهم بني الرشدة. وسمى بني مغوية بني مرشدة. قال: وتركت أسانيدها للاختصار. (قال) ابن عقيل (في الفصول: ولا بأس بتسمية النجوم بالأسماء العربية، كالحمل، والثور، والجدي، لأنها أسماء أعلام، واللغة وضع). أي جعل لفظ دليلا على المعنى. فليس معناها أنها هذه الحيوانات، حتى يكون كذبا. (فلا يكره) وضع هذه الألفاظ لتلك المعاني. (كتسمية الجبال والأودية والشجر بما وضعوه لها. وليس من حيث تسميتهم) أي العرب (لها) أي النجوم (بأسماء الحيوان) السابقة (كان) الظاهر زيادتها (كذبا) أي ليس الوضع كذبا من حيث التسمية. (وإنما ذلك توسع ومجاز. كما سموا الكريم بحرا) لكن استعمال البحر للكريم مجاز. بخلاف استعمال تلك الأسماء في النجوم فإنه حقيقة. والتوسع في التسمية فقط. (و) سن أن (يؤذن في أذن المولود اليمنى) ذكرا كان أو أنثى (حين يولد، و) أن (يقيم في اليسرى) لحديث أبي رافع قال: رأيت رسول الله (ص) أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة رواه أبو داود والترمذي وصححاه. وعن الحسن بن علي مرفوعا: من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى رفعت عنه أم الصبيان. وعن ابن عباس: أن النبي (ص) أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد وأقام في أذنه اليسرى. رواهما البيهقي في الشعب، وقال: وفي إسنادهما ضعف. (و) سن أن (يحنك) المولود (بتمرة بأن تمضغ ويدلك بها داخل فمه، ويفتح فمه حتى ينزل إلى جوفه منها شئ). لما في الصحيحين عن أبي موسى قال: ولد لي غلام
30 فأتيت به النبي (ص) فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة، زاد البخاري: ودعا له بالبركة ودفعه إلي، وكان أكبر ولد أبي موسى. (ويحلق رأس ذكر. لا) رأس (أنثى يوم سابعه، ويتصدق بوزنه ورقا) أي فضة.. لحديث سمرة، وتقدم وقوله (ص) لفاطمة لما ولدت الحسن: احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين، والأوقاص، يعني أهل الصفة، رواه أحمد. (فإن فات) يوم السابع من غير عقيقة ولا تسمية ولا حلق رأس ذكر، (ف) - إن ذلك يفعل (في أربعة عشر) أي في اليوم الرابع عشر. (فإن فات ففي أحد وعشرين) روي عن عائشة. ومثله لا يقال من قبل الرأي. (ولا تعتبر الأسابيع بعد ذلك. فيعق بعد ذلك) اليوم الحادي والعشرين. (في أي يوم أراد) لأنه قضاء دم فائت. فلم يتوقف على يوم كقضاء الأضحية. (ولا تختص العقيقة بالصغير) فيعق الأب عن المولود، ولو بعد بلوغه، لأنه لا آخر لوقتها. (ولو اجتمع عقيقة وأضحية ونوى الذبيحة عنهما) أي عن العقيقة والأضحية (أجزأت عنهما نصا). وقال في المنتهى: وإن اتفق وقت عقيقة وأضحية فعق أو ضحى. أجزأ عن الأخرى ا ه. ومقتضاه. إجزاء إحداهما عن الأخرى. وإن لم ينوها. لكن تعبير المصنف موافق لما عبر به في تحفة الودود: آخرا. (قال) الشيخ شمس الدين محمد (ابن القيم في) كتابه (تحفة الودود في أحكام المولود: كما لو صلى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة أو صلى بعد الطواف فرضا أو سنة مكتوبة. وقع) أي ما صلاه (عنه) أي عن فرضه (وعن ركعتي الطواف. وكذلك لو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النحر. أجزأ عن دم المتعة) أي أو القران. (وعن الأضحية ا ه. وفي معناه: لو اجتمع هدي وأضحية) فتجزئ ذبيحة عنهما، لحصول المقصود منهما بالذبح. وهو معنى قول ابن القيم: وكذلك لو ذبح المتمتع، إلخ. (واختار الشيخ: لا تضحية بمكة. إنما
31 هو الهدي) لظاهر الاخبار. (ويكره لطخه) أي المولود (من دمها) لقوله (ص): مع الغلام عقيقة فهريقوا عنه دما. وأميطوا عنه الأذى رواه أبو داود. وهذا يقتضي أن لا يمس بدم. لأنه أذى. وعن يزيد بن عبد المزني عن أبيه: أن النبي (ص) قال: يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم رواه ابن ماجة. ولم يقل: عن أبيه. قال مهنا: ذكرت هذا الحديث لأحمد. فقال: ما أظرفه، وأما من روي: ويدمي، فقال أبو داود: ويسمي، يعني مكان يدمي أصح. هكذا قال سلام بن أبي مطيع عن قتادة وإياس بن دغفل عن الحسن، ووهم همام، فقال: ويدمي، قال أحمد: قال فيه عن أبي عروبة: يسمى، وقال همام: يدمي وما أراه إلا خطأ. (وإن لطخ رأسه بزعفران فلا بأس) لقول بريدة: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح عنه شاة، ويلطخ رأسه بدمها. فلما جاء الاسلام، كنا نذبح شاة، ونحلق رأسه، ونلطخه بزعفران رواه أبو داود. (وقال) شمس الدين محمد (ابن القيم) لطخ رأسه بزعفران (سنة) لما مر (وينزعها أعضاء. ولا يكسر عظمها) لقول عائشة: السنة شاتان مكافئتان عن الغلام، وعن الجارية شاة تطبخ جدولا. لا يكسر لها عظم أي عضو، وهو الجدل بدال مهملة. والإرب، والشلو، والعضو، والوصل. كله واحد. والحكمة فيه أنها أول ذبيحة عن المولود، فاستحب فيها ذلك تفاؤلا بالسلامة. كذلك قالت عائشة رضي الله عنها. (وطبخها أفضل من إخراج لحمها نيئا فيطبخ بماء وملح نصا عليه. ثم يطعم منها الأولاد والمساكين والجيران. قيل ل) - لامام (أحمد: فإن طبخت بشئ آخر غير الماء والملح؟ فقال: ما ضر ذلك. قال جماعة) منهم صاحب المستوعب والمنتهى: (ويكون منه بحلو). قال في المستوعب: ويستحب أن يطبخ منها طبيخ حلو، تفاؤلا بحلاوة أخلاقه. وجزم به في الرعايتين والحاويين وتجريد العناية. (قال أبو بكر) في التنبيه (ويستحب أن يعطي القابلة منها فخذا) لما في مراسيل أبي داود عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي (ص) قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين: أن يبعثوا إلى القابلة برجل، وكلوا وأطعموا
32 ولا تكسروا منها عظما. (وحكمها) أي العقيقة (حكم الأضحية في أكثر أحكامها كالأكل والهدية والصدقة) قال في رواية الحارث وصالح ابنه: يأكل ويطعم جيرانه. وقال له ابنه عبد الله: كم يقسم من العقيقة؟ قال: ما أحب. وقال الميموني: سألت أبا عبد الله: يؤكل من العقيقة؟ قال: نعم، يأكل منها. قلت: كم؟ قال: لا أدري. أما الأضاحي: فحديث ابن مسعود وابن عمر، ثم قال لي: ولكن العقيقة يؤكل منها. قلت: يشبهان في أكل الأضحية؟ قال: نعم. يؤكل منها. (والضمان) إذا أتلفها أو أمسك اللحم حتى أنتن ولم ينتفع به. (والولد) فيذبح معها (واللبن والصوف) أو الشعر أو الوبر، فتستحب الصدقة به. (والذكاة) فلا يجزئ إخراجها حية (والركوب وما يجوز من الحيوان وغير ذلك) مما تقدم في الهدي والأضحية، كاستحباب استحسانها واستسمانها وأن أفضل ألوانها البياض. لاشتراكهما في تعلق الفقراء بهما. (ويجتنب فيها) أي العقيقة (من العيب ما يجتنب في الأضحية)، فلا تجزئ فيها العوراء البين عورها. والمريضة البين مرضها ونحوها. (ويباع جلدها ورأسها وسواقطها، ويتصدق بثمنها بخلاف الأضحية، لأن الأضحية أدخل منها في التعبد). والذكر أفضل في العقيقة لأن النبي (ص): عق عن الحسن والحسين بكبش كبش. (ويقول عند ذبحها: بسم الله، اللهم لك وإليك، هذه عقيقة فلان ابن فلان) لحديث عائشة قالت، قال النبي (ص): اذبحوا على اسمه فقولوا بسم الله لك وإليك. اللهم هذه عقيقة فلان رواه ابن المنذر بإسناده. وقال: هذا حسن. تتمة: قال في الشرح: وروينا أن رجلا قال لرجل عند الحسن يهنيه بابن: ليهنأك الفارس، فقال الحسن: وما يدريك أفارس هو أم حمار؟ فقال: كيف نقول؟ قال قل: بورك في الموهوب وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت به بره. (ولا تسن الفرعة) بفتح الفاء والراء وتسمى أيضا الفرع. (وهي ذبح أول ولد الناقة) كانوا في الجاهلية يأكلون لحمه ويلقون جلده على شجرة. (ولا العتيرة وهي ذبيحة رجب) أي شاة كانت العرب تذبحها في العشر
33 الأول من رجب، لطواغيتهم، وأصنامهم. ويأكلون لحمها، ويلقون جلدها على شجرة. قاله في المستوعب، لحديث أبي هريرة: لا فرع ولا عتيرة متفق عليه. وأما حديث عائشة أمرنا رسول الله (ص) بالفرعة من كل خمسين واحدة قال ابن المنذر: حديث ثابت. فهو منسوخ، لتأخر إسلام أبي هريرة. فإنه كان في فتح خيبر في الس السابعة من الهجرة. ولان الفرع والعتيرة كان فعلهما أمرا متقدما على الاسلام. فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه. واستمرار النسخ من غير رفع له. (ولا يكرهان) أي الفرعة والعتيرة. لأن المراد بالخبر نفي كونهما سنة، لا تحريم فعلهما. ولا كراهته ولكن إذا لم يكن على وجه التشبيه بما كان في الجاهلية، وهذا واضح. لحديث: من تشبه بقوم فهو منهم.
34 كتاب الجهاد ختم به العبادات لأنه أفضل تطوع البدن. وهو مشروع بالاجماع لقوله تعالى: * (كتب عليكم القتال) * إلى غير ذلك ولفعله (ص) وأمره به. وأخرج مسلم: من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق. (وهو) أي الجهاد مصدر جاهد جهادا ومجاهدة من جهد إذا بالغ في قتل عدوه. فهو لغة بذل الطاقة والوسع. وشرعا (قتال الكفار) خاصة بخلاف المسلمين من البغاة وقطاع الطريق، وغيرهم. فبينه وبين القتال عموم مطلق. (وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط وجوبه عن غيرهم) وإن لم يقم به من يكفي أثم الناس كلهم. فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع، كفرض الأعيان. ثم يختلفان بأن فرض الكفاية يسقط بفعل البعض، وفروض الأعيان لا تسقط عن أحد بفعل غيره. والدليل على أنه فرض كفاية: قوله تعالى: * (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى) * فهذا يدل على أن القاعدين غير آثمين مع جهاد غيرهم. وقال تعالى: * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) * - الآية ولان النبي (ص): كان يبعث السرايا ويقيم هو وأصحابه. وأما قوله تعالى: * (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) * فقد قال ابن عباس: نسخها قوله تعالى: * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) * رواه الأثرم وأبو داود. ويحتمل أنه حين استنفرهم النبي (ص) إلى غزوة تبوك، وحينئذ يتعين كما يأتي. ولذلك هجر النبي (ص) كعب بن مالك، وأصحابه. لما تخلفوا حتى تاب الله عليهم. (ويسن في حقهم) أي حق غير الكافين فيه (بتأكد) لحديث أبي داود عن أنس مرفوعا: ثلاث من أصل الايمان: الكف عمن قال لا إله
35 إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه عن الاسلام بعمله. والجهاد ماض منذ بعثني الله حتى يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والايمان بالأقدار ومعنى الكفاية في الجهاد: أن ينهض إليه قوم يكفون في جهادهم، إما أن يكونوا جندا لهم دواوين من أجل ذلك، أو يكونوا أعدوا أنفسهم له تبرعا، بحيث إذا قصدهم العدو حصلت المنعة بهم. ويكون في الثغور من يدفع العدو عنها. ويبعث في كل سنة جيشا يغيرون على العدو في بلادهم. (وفرض الكفاية: ما قصد حصوله من غير شخص معين. فإن لم يوجد إلا واحد تعين عليه) كرد السلام، والصلاة على جنازة المسلمين. (فمن ذلك دفع ضرر المسلمين، كستر العاري، وإشباع الجائع) وفك الأسرى. (على القادرين عليه إن عجز بيت المال عن ذلك، أو تعذر أخذه منه) لمنع أو نحوه (و) من ذلك (الصنائع المباحة المحتاج إليها لمصالح الناس غالبا، الدينية والدنيوية، البدنية والمالية، كالزرع والغرس ونحوهما)، لان أمر المعاد والمعاش لا ينتظم إلا بذلك. فإذا قام بذلك أهله بنية التقرب. كان طاعة، وإلا فلا (و) من ذلك (إقامة الدعوى) إلى دين الاسلام. (ودفع الشبه بالحجة والسيف) لمن عاند لقوله تعالى: * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * (و) من ذلك (سد البثوق) بتقديم الموحدة. وهو ما انفتح من جانب النهر (و) من ذلك (حفر الآبار والأنهار، وكريها. وهو تنظيفها. وعمل القناطر والجسور، والأسوار وإصلاحها) أي القناطر والجسور والأسوار. (وإصلاح الطرق والمساجد) لعموم حاجة الناس إلى ذلك (و) من ذلك (الفتوى، وتعليم الكتاب والسنة، وسائر العلوم الشرعية) كالفقه وأصوله والتفسير والفرائض. (وما يتعلق بها من حساب ونحوه ولغة ونحو، وتصريف وقراءات. وعكس العلوم الشرعية علوم محرمة أو مكروهة، فالمحرمة كعلم الكلام) إذا تكلم فيه بالمعقول المحض، أو المخالف للمنقول الصريح الصحيح. فإن تكلم فيه بالنقل فقط، أو بالنقل والعقل الموافق له، فهو أصل الدين وطريقة أهل السنة. وهذا معنى كلام الشيخ تقي الدين، وفي حاشيته: ما فيه كفاية في ذلك.
36 (و) كعلم (الفلسفة والشعبذة والتنجيم، والضرب بالرمل والشعير، وبالحصا، و) كعلم (الكيمياء، وعلوم علم الطبائعيين، إلا الطب، فإنه فرض كفاية في قول). قال في الآداب الكبرى، ذكر ابن هبيرة: أن علم الطب فرض كفاية. وهذا غريب في المذهب. (ومن المحرم: السحر، والطلسمات) بغير العربية لمن لا يعرف معناها. كما يأتي في آخر الردة. (و) من المحرم (التلبيسات، وعلم اختلاج الأعضاء والكلام عليه. ونسبته إلى جعفر الصادق) بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (كذب. كما نص عليه الشيخ، و) من المحرم (حساب اسم الشخص واسم أمه بالجمل، وأن طالعه كذا، ونجمه كذا. والحكم على ذلك بفقر أو غنى. أو غير ذلك من الدلائل الفلكية على الأحوال السفلية. كما يصنع الآن)، في التقاويم المشهورة (وأما علم النجوم الذي يستدل به على الجهات والقبلة، وأوقات الصلوات، ومعرفة أسماء الكواكب لأجل ذلك. فمستحب كالأدب). وقد يجب إذا دخل الوقت وخفيت القبلة كما تقدم في باب استقبال القبلة. (و) العلم (المكروه: كالمنطق والاشعار المشتملة على الغزل، والبطالة والمباح منها) أي الاشعار (ما لا سخف فيه وما لا يكره، ولا ينشط على الشر، ولا يثبط عن الخير) ويأتي: أن الشعر كالكلام، حسنه حسن وقبيحه قبيح. (ومن) العلم (المباح: علم الهيئة والهندسة والعروض) ومثله القوافي، (و) منه علم (المعاني والبيان). قلت: لو قيل بأنه فرض كفاية لكان له وجه وجيه، إذ هو كالنحو في الإعانة على الكتاب والسنة. (ومن فروض الكفايات: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) والمعروف: كل ما أمر به شرعا. والمنكر: كل ما نهى عنه شرعا. فيجب على من علمه جزما وشاهده وعرف من ينكره ولم يخف أذى. قال القاضي: ولا يسقط فرضه بالتوهم. فلو قيل له: لا تأمر على فلان بالمعروف. فإنه يقتلك. لم يسقط عنه لذلك. وقال ابن عقيل في آخر الارشاد: من شروط الانكار أن يعلم أو يغلب على ظنه أنه لا يفضي إلى مفسدة. قال أحمد في رواية الجماعة: إذا أمرت ونهيت فلم ينته، فلا ترفعه إلى السلطان، ليعدى عليه. وقال أيضا: من شرطه أن يأمن على نفسه
37 وماله خوف التلف وكذا قال جمهور العلماء. ومن شرطه أيضا: رجاء حصول المقصود، وعدم قيام غيره به. نقله في الآداب عن الأصحاب. وعلى الناس: إعانة المنكر. ونصره على الانكار. وأعلاه: باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب، وهو أضعف الايمان. قال في رواية صالح: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح. قال القاضي: ويجب فعل الكراهة للمنكر، كما يجب إنكاره. وفي الحاشية ما يغني عن الإطالة. (وذكرنا في الكتاب جملة من فروض الكفايات كثيرا في أبوابه. فلا حاجة إلى إعادته) لما فيها من التكرار، على أن بعض المذكورات مذكور أيضا في مواضعه. (ولا يجب الجهاد إلا على ذكر) لحديث عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ فقال: جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة ولأنها ليست من أهل القتال لضعفها وخورها. ولذلك لا يسهم لها، ومثلها الخنثى المشكل. لأنه لا تعلم ذكوريته. (حر) فلا يجب على عبد. لما روي أنه (ص): كان يبايع الحر على الاسلام والجهاد، والعبد على الاسلام دون الجهاد. ولأنه عبادة تتعلق بقطع مسافة. فلم تجب على العبد كالحج. وفرض الكفاية: لا يلزم رقيقا. وظاهره: ولو مبعضا ومكاتبا، رعاية لحق السيد (مكلف) لحديث: رفع القلم عن ثلاث والكافر غير مأمون على الجهاد (مستطيع) لأن غير المستطيع عاجز، والعجز ينفي الوجوب (وهو) أي المستطيع (الصحيح) في بدنه من المرض والعمي والعرج. لقوله تعالى: * (ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج) * ولأن هذه الاعذار تمنع من الجهاد. (الواجد بملك أو بذل إمام، أو نائبه لمراده، وما يحمله إذا كان) السفر (مسافة قصر. ولما يكفي أهله في غيبته) لقوله تعالى: * (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج، إذا نصحوا لله ورسوله. ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم. ولا على الذين إذا أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا) * - الآية ولأنه لا يمكن القدرة عليه إلا بآلة فاعتبرت القدرة عليها كالحج. ولا تعتبر الراحلة مع قرب المسافة. كالحج. ويعتبر أن يكون ذلك
38 فاضلا عن قضاء دينه وأجرة مسكنه وحوائجه، كالحج. وإن بذل له غير الامام ونائبه ما يجاهد به لم يصر مستطيعا. كما تقدم في الحج. (ولا يجب) الجهاد (على أنثى ولا خنثى، ولا عبد ولو أذن له سيده، ولا صبي ولا مجنون، ولا ضعيف، ولا مريض مرضا شديدا) لما تقدم. و (لا) يسقط وجوبه بالمرض إن كان (يسيرا، لا يمنعه) أي الجهاد (كوجع ضرس، وصداع خفيف ونحوهما) كالعور، (ولا) يجب (على فقير، ولا كافر ولا أعمى، ولا أعرج، ولا أشل، ولا أقطع اليد أو الرجل، ولا من أكثر أصابعه ذاهبة، أو إبهام يده) ذاهبة (أو) قطع منه (ما يذهب بذهابه نفع اليد أو الرجل)، لأنه ليس بصحيح. ويؤخذ بيان ذلك من الكفارة. (ويلزم) الجهاد (الأعور والأعشى. وهو الذي يبصر بالنهار فقط) أي دون الليل. لأنه لا يمنع الجهاد. (قال الشيخ: الامر بالجهاد) أعني الجهاد المأمور به (منه ما يكون بالقلب) كالعزم عليه (والدعوة) إلى الاسلام وشرائعه، (والحجة) أي إقامتها على المبطل (والبيان)، أي بيان الحق و إزالة الشبهة، (والرأي والتدبير) فيما فيه نفع المسلمين (والبدن) أي القتال بنفسه (فيجب) الجهاد (بغاية ما يمكنه) من هذه الأمور. قلت: ومنه هجو الكفار. كما كان حسان رضي الله تعالى عنه يهجو أعداء النبي (ص). (وأقل ما يفعل) الجهاد (مع القدرة عليه: كل عام مرة) لأن الجزية تجب على أهل الذمة مرة في العام. وهو بدل النصرة. فكذا مبدلها (إلا أن تدعو حاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين) من عدد أو عدة (أو قلة علف) في الطريق (أو) قلة (ماء في الطريق، أو انتطار مدد) يستعين به إمام، (فيجوز تركه) أي الجهاد (بهدنة وبغيرها) لأنه (ص): صالح قريشا عشر سنين، وأخر قتالهم حتى نقضوا العهد، وأخر قتال قبائل العرب بغير هدنة. و (لا) يجوز تأخيره (إن رجى إسلامهم) أي الكفار، خلافا
39 للموفق ومن تابعه. (ولا يعتبر أمن الطريق) لأن وضعه على الخوف (وتحريم القتال في الأشهر الحرم) وهي رجب وذو الحجة والمحرم (منسوخ نصا) وهو قول الأكثرين، بقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * وبغزوه (ص) الطائف. واختار في الهدي: لا. وأجاب: بأنه لا حجة في غزوة الطائف. وإن كانت في ذي القعدة. لأنها كانت من تمام غزوة هوازن، وهم بدأوا النبي (ص) بالقتال. قال: ويجوز القتال في الشهر الحرام، دفعا إجماعا. وأطال في الفروع فيه في كتاب الحدود. (وإن دعت الحاجة إلى القتال في عام أكثر من مرة. وجب) لأنه فرض كفاية فوجب منه ما تدعو إليه الحاجة. (ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد) وهو الذكر الحر المكلف المستطيع المسلم (أو) من (عبد، أو مبعض، أو مكاتب. أو حصره) عدو (أو) حصر (بلده عدو أو احتاج إليه بعيد) في الجهاد (أو تقابل الزحفان) المسلمون والكفار، (أو استنفره من له استنفاره، ولا عذر تعين عليه) أي صار الجهاد فرض عين عليه. لقوله تعالى: * (إذا لقيتم فئة فاثبتوا) * وقوله تعالى: * (ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) * ولحديث عائشة وابن عباس مرفوعا: إذا استنفرتم فانفروا متفق عليه. (ولم يجز لاحد أن يتخلف عن النفير. لما تقدم إلا) لحاجة ل (- من يحتاج إليه لحفظ أهل، أو مال أو مكان. ومن منعه الامام من الخروج. ذكره في البلغة. وإن نوى بالصلاة والنفير معا، صلى ثم نفر مع البعد) أي بعد العدو (ومع قرب العدو: ينفر ويصلي راكبا. وذلك أفضل) نص عليه. (ولا ينفر في خطبة الجمعة. ولا بعد الإقامة لها) عبارة المبدع
40 والمنتهى: ولا بعد الإقامة. فعمومه يتناول الجمعة وغيرها (ولا يقطع الصلاة إذا كان فيها) لأجل النفير (ولا تنفر الخيل إلا على حقيقة) دفعا للضرر. (ولا ينفر على غلام إذا آبق) لئلا يهلك الناس بسببه (ولا بأس أن يشتري الرجلان فرسا بينهما يغزوان عليها، يركب هذا عقبة وهذا عقبة. ويأتي في باب قسمة الغنيمة. ولو نادى الامام: الصلاة جامعة. لحادثة شاورهم فيها. لم يتأخر أحد) عن الحضور (بلا عذر)، لوجوب الجهاد بغاية ما يمكن من البدن والرأي والتدبير. والحرب خدعة. (ومنع النبي (ص) من نزع لامة الحرب إذا لبسها حتى يلقى العدو) للخبر. علقه البخاري. وأسنده أحمد وحسنه البيهقي. واللامة: كتمرة بالهمزة، ويجوز تخفيفها. وهي الدرع. وجمعها: لام، كتمرة وتمر، ولؤم: كصرد، على غير قياس. (كما منع) (ص) (من الرمز بالعين والإشارة بها) لحديث: ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين رواه أبو داود وصححه الحاكم على شرط مسلم. وهي الايماء إلى مباح، من نحو ضرب أو قتل على خلاف ما هو ظاهر. وسمي خائنة الأعين: لشبهه بالخيانة بإخفائه. ولا يحر ذلك على غيره إلا في محظور. (و) منع (ص) (من الشعر والخط وتعلمهما) لقوله تعالى: * (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) *. وقوله: * (ولا تخطه بيمينك) * ويأتي في الخصائص له تتمة. (وأفضل ما يتطوع به: الجهاد) قال أحمد: لا أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد. والأحاديث متظاهرة بذلك. فمنها حديث ابن مسعود، وحديث ابن هريرة. وروى أبو سعيد قال: قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن مجاهد في سبيل الله بنفسه وماله متفق عليه (وغزو البحر أفضل من غزو البر) لحديث أم حرام أن
41 النبي (ص) نام عندها. ثم استيقظ، وهو يضحك. قالت: فقلت: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر، ملوك على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة متفق عليه. قال ابن عبد البر: أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم، خالة رسول الله (ص) من الرضاعة. أرضعته أخت لهما ثالثة. وروى ابن ماجة بإسناده عن أبي أمامة مرفوعا: شهيد البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر. وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله تعالى. وإن الله تعالى قد وكل ملك الموت يقبض الأرواح إلا شهيد البحر، فإن الله يتولى قبض أرواحهم، وشهيد البر يغفر له كل شئ إلا الدين، وشهيد البحر يغفر له كل شئ والدين وإسناده ضعيف. ولأنه أعظم خطرا ومشقة. لكونه بين خطر العدو والغرق. ولا يتمكن من الفرار إلا مع أصحابه. فكان أفضل من غيره (والجهاد من السياحة) المرغوب فيها (وأما السياحة في الأرض لا لمقصود) شرعي (ولا إلى مكان معروف. فمكروهة) لأنها من العبث. (ويغزي مع كل أمير بر وفاجر، يحفظان المسلمين) لحديث أبي هريرة مرفوعا: الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا أو فاجرا رواه أبو داود. وفي الصحيح: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ولان تركه مع الفاجر يفضي إلى تركه وظهور الكفار على المسلمين، واستئصالهم، وإعلاء كلمة الكفر (ولا يكون) الأمير (مخذلا ولا مرجفا، ولا معروفا بالهزيمة. وتضييع المسلمين) لعدم المقصود من حفظه المسلمين (ولو عرف بالغلول وشرب الخمر، إنما ذلك في نفسه) أي إثمه عليه، لا يتعداه إلى غيره. فلا يمنع الغزو معه. (ويقدم القوي منهما) أي من الأميرين، نص عليه. لأنه أنفع للمسلمين. (ويستحب تشييع
42 غاز ماشيا إذا خرج) إلى الغزو (ولا بأس بخلع نعله) أي المشيع (لتغبر قدماه في سبيل الله. فعله أحمد) فشيع أبا الحرث الصائغ ونعلاه في يده. لما روي عن أبي بكر الصديق: أنه شيع يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام، ويزيد راكب وأبو بكر يمشي. فقال له: ما تريد يا خليفة رسول الله، إما أن تركب وإما أن أنزل أنا فأمشي معك. فقال: لا أركب، ولا تنزل، إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله. وشيع علي رسول الله (ص) في غزوة تبوك ولم يتلقه. وفي الخبر: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار. (ولا يستحب تلقيه) أي الغازي لأنه تهنئة له بالسلامة من الشهادة. قال في الفروع: ويتوجه مثله حج، وأنه يقصده للسلام. (وفي الفنون: تحسن التهنئة بالقدوم للمسافر) كالمرضى، تحسن تهنئة كل منهم بسلامته. (وفي شرح الهداية لأبي المعالي) أسعد. ويسمى محمد، وجيه الدين ابن المنجا بن بركات (تستحب زيارة القادم، ومعانقته والسلام عليه) ونقل عن الامام في حج: لا. إلا إن كان قصده، أو ذا علم، أهاشميا، أو يخاف شره. ونقل ابناه: أنه قال لهما: اكتبا لي اسم من سلم علينا ممن حج، حتى إذا قدم سلمنا عليه. قال القاضي: جعله مقابلة. ولم يستحب أن يبدأهم. قال ابن عقيل: محمول على صيانة العلم، لا على الكبر. (وذكر) أبو بكر (الآجري: استحباب تشييع الحاج ووداعه، ومسألته أن يدعو له). وشيع أحمد أمه لحج. (ويتعين أن يقاتل كل قوم من يليهم من العدو) لقوله تعالى: * (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * ولان الاشتغال بالعدو البعيد يمكن القريب من انتهاز الفرصة في المسلمين، لاشتغالهم عنه. (إلا لحاجة) إلى قتال الأبعد. (كأن يكون) العدو (الأبعد أخوف، أو) لمصلحة في البداءة بالأبعد (لغرته) بكسر الغين المعجمة. (وإمكان الفرصة منه، أو يكون الأقرب مهادنا ويمنع مانع من قتاله) أي الأقرب، (فيبدأ بالأبعد) للحاجة (ومع التساوي) أي تساوي العدو في البعد والقرب (قتال أهل الكتاب أفضل) لأنهم يقاتلون عن دين. قاله ابن المبارك، وكان يأتي من مرو لغزو الروم. واستبعده أحمد من
43 حيث ترك العدو القريب والمجئ إلى البعيد. وحمل على أنه متبرع بالجهاد والكفاية حاصلة بغيره، لكن يؤيده حديث أم خلاد من قوله (ص) لها: إن ابنك له أجر شهيدين. قالت: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأنه قتله أهل الكتاب رواه أبو داود. (ويقاتل من تقبل منهم الجزية) وهم أهل الكتاب والمجوس، (حتى يسلموا) لحديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله. (أو يبذلوا الجزية) بشرطه، لقوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) * الآية (و) يقاتل (من لا تقبل منهم) الجزية (حتى يسلموا) للحديث السابق، خص منه أهل الكتاب للآية، والمجوس: لاخذه (ص) الجزية من مجوس هجر. وبقي من عداهم (فإن امتنعوا من ذلك) أي من بذل الجزية، حيث تقبل منهم، ومن الاسلام، (وضعف المسلمون عن قتالهم انصرفوا) عن الكفار بلا قتال. لما تقدم من مصالحته (ص) قريشا على ترك القتال عشر سنين. (إلا إن خيف على من يليهم) أي الكفار (من المسلمين) فلا ينصرفون عنهم، لئلا يسلطوهم على المسلمين. (وتسن الدعوة) أي دعوة الكفار إلى الاسلام. (قبل القتال لمن بلغته) أي الدعوة، قطعا لحجته. (ويحرم) القتال (قبلها) أي الدعوة (لمن لم تبلغه) الدعوة لحديث بريدة قال: كان النبي (ص) إذا بعث أميرا على سرية أو جيش. أمره بتقوى الله تعالى في خاصة نفسه، وبمن معه من المسلمين. وقال: إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث، فإن هم أجابوك إليها فاقبل منهم، وكف عنهم: أدعهم إلى الاسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم رواه مسلم. (وقيد) أبو عبد الله محمد شمس الدين (ابن القيم وجوبها) أي الدعوة لمن لم تبلغه (واستحبابها) لمن بلغته
44 (بما إذا قصدهم) أي الكفار (المسلمون. أما إذا كان الكفار قاصدين) المسلمين بالقتال (فللمسلمين قتالهم من غير دعوة، دفعا عن نفوسهم وحريمهم. وأمر الجهاد موكول إلى الامام واجتهاده) لأنه أعرف بحال الناس، وبحال العدو. ونكايتهم، وقربهم وبعدهم. (ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك) لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * وقوله: * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) *. (وينبغي أن يبتدئ) الامام (بترتيب قوم في أطراف البلاد، يكفون من بإزائهم من المشركين، ويأمر بعمل حصونهم، وحفر خنادقهم وجميع مصالحهم) لأن أهم الأمور الامن، وهذا طريقه. (ويؤمر في كل ناحية أميرا، يقلده أمر الحرب، وتدبير الجهاد، ويكون) الأمير (ممن له رأي وعقل وخبرة بالحرب، ومكايد العدو، ومع أمانة ورفق بالمسلمين، ونصح لهم) ليحصل المقصود من إقامته (ويوصيه) أي يوصي الامام الأمير، إذا ولاه: بتقوى الله في نفسه، و (أن لا يحمل المسلمين على مهلكة، ولا يأمرهم بدخول مطمورة يخاف أن يقتلوا تحتها) لحديث بريدة السابق، (فإن فعل) أي حملهم على مهلكة، أو أمرهم بدخول مطمورة يخاف أن يقتلوا تحتها، (فقد أساء ويستغفر الله) أي يتوب إليه من ذلك، لوجوب التوبة من كل معصية. (ولا عقل) أي دية (عليه، ولا كفارة إذا أصيب أحد منهم بطاعته) لأنه فعل ذلك باختياره، (فإن عدم الامام لم يؤخر الجهاد) لئلا يستولي العدو على المسلمين وتظهر كلمة الكفر. (وإن حصلت غنيمة قسموها على موجب الشرع) كما يقسمها الامام، على ما يأتي بيانه في باب قسمة الغنيمة. (قال القاضي. وتؤخر قسمة الامام حتى يقوم إمام) فيقسمها (احتياطا للفروج فإن بعث الامام جيشا) أو سرية، (وأمر عليهم أميرا فقتل أو مات) الأمير (فللجيش أن يؤمروا أحدهم) كما فعل
45 أصحاب النبي (ص) في جيش مؤتة، لما قتل أمراؤهم، أمروا عليهم خالد بن الوليد فبلغ النبي (ص) فرضي أمرهم، وصوب رأيهم. وسمى خالدا يومئذ: سيف الله. (فإن لم يقبل أحد منهم أن يتأمر عليهم دفعوا عن أنفسهم) لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (البقرة 195) (ولا يقيمون في أرض العدو إلا مع أمير) يقيمونه، أو يبعثه الامام إليهم. (ويسن الرباط) نص عليه. لحديث سلمان قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر، وقيامه. فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان رواه مسلم. وعن فضالة بن عبيد مرفوعا: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويأمن من فتان القبر رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح. (وهو) أي الرباط (الإقامة بثغر تقوية للمسلمين) مأخوذ من رباط الخيل. لأن هؤلاء يربطون خيولهم وهؤلاء يربطون خيولهم، كل يعد لصاحبه، والثغر: كل مكان يخيف أهله العدو ويخيفهم، أي الرباط. (وأقله ساعة) قال أحمد: يوم رباط، وليلة رباط، وساعة رباط. (وتمامه) أي الرباط (أربعون يوما) قاله أحمد. وروى عن ابن عمر. لحديث: تمام الرباط أربعون يوما رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب. وعن أبي هريرة: رباط يوم في سبيل الله أحب إلي أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين مسجد الحرام، ومسجد رسول الله (ص). ومن رابط أربعين يوما فقد استكمل الرباط رواه سعيد. (وإن زاد) الرباط على أربعين يوما (فله أجره) كسائر أعمال البر. (وهو) أي الرباط (بأشد الثغور خوفا: أفضل) لأنهم أحوج، والمقام به أنفع. (و) الرباط (أفضل من المقام بمكة) ذكره الشيخ تقي الدين إجماعا. (والصلاة بها) أي بمكة (أفضل من الصلاة بالثغر) قال أحمد: فأما فضل الصلاة فهذا
46 شئ خاصة فضل لهذه المساجد. (ويكره لغير أهل الثغر نقل أهله من الذرية والنساء إليه) أي إلى الثغر: إن كان مخوفا لقول عمر: لا تنزلوا المسلمين خيفة البحر رواه الأثرم. وقال أحمد: كيف لا أخاف الاثم وهو يعرض ذريته للمشركين. ولا يكره نقل أهله (إلى غير مخوف) للأمن (كأهل الثغر) أي كإقامة أهل الثغر بأهليهم. فلا تكره. فإنه لا بد لهم من السكنى بأهليهم، وإلا لخربت الثغور وتعطلت. (والحرس في سبيل الله ثوابه عظيم) لحديث ابن عباس مرفوعا: عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله تعالى، وعين باتت تحرس في سبيل الله رواه الترمذي وقال: حسن غريب. وعن عثمان مرفوعا: حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة قيام ليلها وصيام نهارها رواه ابن سنجر. (وحكم هجرة باق لا ينقطع إلى يوم القيامة) لحديث معاوية مرفوعا: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة. ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها رواه أبو داود. وعنه (ص): لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد رواه سعيد وغيره، مع إطلاق الآيات والاخبار، وتحقق المعنى المقتضي لها في كل زمان. وأما حديث: لا هجرة بعد الفتح يعني من مكة. (وكل بلد فتح لا تبقى منه هجرة، إنما الهجرة إليه) لأن الهجرة الخروج من بلد الكفار فإذا فتح لم يبق بلد الكفار. فلا تبقى منه هجرة (وتجب) الهجرة (على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب، وهي ما يغلب فيها حكم الكفر)، لقوله تعالى: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) * الآية ولقوله (ص): أنا برئ من مسلم بين المشركين. لا ترائى ناراهما رواه أبو داود والنسائي
47 والترمذي. ومعناه لا يكون بموضع يرى نارهم ويرون ناره إذا أوقدت، ولان القيام بأمر الدين واجب والهجرة من ضرورة الواجب، وما لا يتم الواجب إلا به واجب. (زاد جماعة) وقطع به في المنتهى. (أو بلد بغاة أو بدع مضلة، كرفض واعتزال) فيخرج منها إلى دار أهل السنة وجوبا إن عجز عن إظهار مذهب أهل السنة فيها، (وإن قدر عليها) أي على الهجرة من أرض الكفر. وما ألحق بها، لقوله تعالى: * (إلا المستضعفين) * (ولو) كان من يعجز عن إظهار دينه بما ذكر (امرأة) لدخولها في العمومات، (ولو) كانت (في عدة أو بلا راحلة ولا محرم) بخلاف الحج. وفي عيون المسائل والرعايتين: إن أمنت على نفسها من الفتنة في دينها. لم تهاجر إلا بمحرم، كالحج. ومعناه: في الشرح وشرح الهداية للمجد، وزاد: وأمنتهم على نفسها. وإن لم تأمنهم فلها الخروج، حتى وحدها، بخلاف الحج (وتسن) الهجرة (لقادر على إظهاره) أي دينه، ليتخلص من تكثير الكفار، ومخالطتهم ورؤية المنكر بينهم، ويتمكن من جهادهم، وإعانة المسلمين ويكثرهم. ولا تجب الهجرة من بين أهل المعاصي. لكن روى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: * (ألم تكن أرض الله واسعة) * إن المعنى: إذا عمل بالمعاصي في أرض فأخرجوا منها. وقاله عطاء. ويرده ظاهر قوله (ص): من رأى منكم منكرا فليغيره الخبر. (ولا يجاهد تطوعا من عليه دين، ولو مؤجلا لآدمي، لا وفاء له إلا بإذن غريمه)، لأن الجهاد يقصد منه الشهادة، وبها تفوت النفس، فيفوت الحق بفواتها. (فإن أقام ضامنا مليئا أو رهنا محرزا، أو وكيلا يقضيه متبرعا جاز) وكذا لو كان له وفاء، نص عليه. لأن عبد الله بن حرام والد جابر: خرج إلى أحد وعليه ديون كثيرة، فاستشهد. وقضى عنه ابنه مع علمه (ص) من غير نكير ولعدم ضياع حق الغريم إذن. (ولا) يجاهد تطوعا (من أبواه حران مسلمان عاقلان، إلا بإذنهما، وإن كان أحدهما) أي أحد أبويه (كذلك) أي حرا مسلما عاقلا. لم يجاهد تطوعا، (إلا بإذنه) لحديث عبد الله بن
48 عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله أجاهد؟ فقال: لك أبوان؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد وروى البخاري معناه من حديث ابن عمر. وروى أبو داود عن أبي سعيد: أن رجلا هاجر إلى النبي (ص) من اليمن فقال: هل لك أحد باليمن؟ فقال: أبواي، فقال: أذنا لك؟ قال. لا، قال: فارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما. ولان برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية، والأول مقدم. (إلا أن يتعين عليه) الجهاد لحضور الصف، أو حصر العدو، أو استنفار الامام له ونحوه. (فيسقط إذنهما وإذن غريم) لأنه يصير فرض عين، وتركه معصية. (لكن يستحب للمديون أن لا يتعرض لمكان القتل من المبارزة والوقوف في أول المقاتلة) لأن فيه تغريرا بتفويت الحق، (ولا طاعة للوالدين في ترك فريضة، كتعلم علم واجب يقوم به دينه من طهارة وصلاة وصيام، ونحو ذلك، وإن لم يحصل ذلك) أي ما وجب عليه من العلم (ببلده فله السفر لطلبه بلا إذنهما) أي أبويه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. (ولا إذن لجد، ولا جدة) لظاهر الاخبار، ولا للكافرين، لفعل الصحابة، ولا لرقيقين، لعدم الولاية، ولا لمجنونين لأنه لا حكم لقولهما. (فإن خرج في جهاد تطوع بإذنهما ثم منعاه منه بعد سيره وقبل تعيينه عليه. فعليه الرجوع) لأنه معنى لو وجد في الابتداء منع، فمنع إذا وجد في أثنائه كسائر الموانع. (إلا أن يخاف على نفسه في الرجوع، أو يحدث له عذر من مرض ونحوه. فإن أمكنه الإقامة في الطريق) أقام حتى يقدر على الرجوع، فيرجع، (وإلا مضى مع الجيش. وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره، وسقط إذنهما وإن كان رجوعهما عن الاذن بعد تعيين الجهاد عليه. لم يؤثر شيئا) لعدم اعتبار الاذن إذن. (وإن كانا) أي الأبوان (كافرين، فأسلما ثم منعاه. كان كمنعهما بعد إذنهما) على ما تقدم
49 تفصيله (وكذا حكم الغريم) يأذن ثم يرجع (فإن عرض للمجاهد في نفسه مرض، أو عمى، أو عرج. فله الانصراف، ولو بعد التقاء الصفين) لخروجه عن أهلية الوجوب، (وإن أذن له أبواه في الجهاد، وشرطا عليه أن لا يقاتل. فحضر القتال تعين عليه، وسقط شرطهما) قلت: وكذا لو استنفره من له استنفاره ونحوه مما يتعين به الجهاد عليه. فصل: (ويحرم فرار مسلم من كافرين) ويحرم فرار (جماعة من مثليهم) لقوله تعالى: * (فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) * قال ابن عباس: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر. (ويلزمهم) أي المسلمين (الثبات وإن ظنوا التلف) لقوله تعالى: * (إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) * ولأنه (ص) عد الفرار من الكبائر. (إلا متحرفين لقتال) لقوله تعالى: * (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) *. (ومعنى التحرف) لقتال (أن ينحازوا إلى موضع يكون القتال فيه أمكن، مثل أن ينحازوا من ضيق إلى سعة، أو من معطشة إلى ماء، أو من نزول إلى علو، أو من استقبال شمس أو ريح إلى استدبارهما، أو يفروا بين أيديهم لينقض صفهم، أو تنفر خيلهم من رجالتهم، أو ليجدوا فيهم فرصة أو يستندوا إلى جبل ونحو
50 ذلك)، مما جرت به عادة أهل الحرب. قال عمر: يا سارية الجبل فانحازوا إليه وانتصروا على عدوهم. (أو متحيزين إلى فئة ناصرة تقاتل معهم، ولو بعدت) لعموم قوله تعالى: * (أو متحيزا إلى فئة) *، (قال القاضي: لو كانت الفئة بخراسان، والفئة بالحجاز. لجاز التحيز إليها) لحديث ابن عمر: أن النبي (ص) قال: إني فئة لكم وكانوا بمكان بعيد منه. وقال عمر: أنا فئة لكل مسلم. وكان بالمدينة وجيوشه بالشام والعراق، وخراسان. رواهما سعيد. (وإن زادوا على مثليهم فلهم الفرار) قال ابن عباس: لما نزلت * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) * (الأنفال: 65). مشق ذلك على المسلمين، حين فرض الله عليهم أن لا يفر واحد من عشرة. ثم جاء التخفيف، فقال: * (الآن خفف الله عنكم) * الآية فلما خفف عنهم من العدد، نقص من الصبر بقدر ما خفف من القدر رواه أبو داود. وظاهره: إنه يجوز لهم الفرار مع أدنى زيارة، (وهو) أي الفرار (أولى) من الثبات (إن ظنوا التلف بتركه) أي الفرار، وأطلق ابن عقيل: استحباب الثبات للزائد، لما في ذلك من المصلحة. (وإن ظنوا الظفر فالثبات أولى) من الفرار (بل يستحب) الثبات لاعلاء كلمة الله، ولم يجب لأنهم لا يأمنون العطب. (كما لو ظنوا الهلاك فيهما) أي في الفرار والثبات، (فيستحب الثبات وأن يقاتلوا، ولا يستأسروا. قال) الامام (أحمد: ما يعجبني أن يستأسروا. وقال: يقاتل أحب إلي، الأسر شديد، ولا بد من الموت. وقال: يقاتل، ولو أعطوه الأمان، قد لا يفوا. وإن استأسروا جاز) قال في البلغة وغيرها: وقال عمار: من استأسر برئت منه الذمة. فلهذا قال الآجري: يأثم، وأنه قول أحمد ( فإن جاء العدو بلدا فلأهله التحصن منهم، وإن كانوا) أي أهل الحصن (أكثر من نصفهم، ليلحقهم مدد أو قوة) ولا يكون ذلك توليا ولا فرارا. إنما التولي بعد اللقاء. (وإن لقوهم خارج الحصن فلهم التحيز إلى الحصن) ليلحقهم مدد، أو قو. لأنه بمنزلة التحرف للقتال أو التحيز لفئة. (وإن غزوا فذهبت دوابهم) لشر وأو قتل (فليس ذلك عذرا في الفرار) إذ القتال ممكن
51 بدونها. وإن تحيزوا إلى جبل ليقاتلوا فيه رجالة جاز) لأنه من التحرف للقتال (وإن فروا) أي المسلمون قبل إحراز الغنيمة. فلا شئ لهم إن أحرزها غيرهم) لأن ملكها لمن أحرزها. (وإن قالوا) أي الفارون (أنهم فروا متحرفين للقتال. فلا شئ لهم أيضا) لأنهم لم يشهدوا الواقعة حال تقضي الحرب، والاعتبار به كما يأتي. (وإن ألقى في مركبهم) أي المسلمين (نار فاشتعلت، فعلوا ما يرون فيه السلامة) لأن حفظ الروح واجب، وغلبة الظن كاليقين في أكثر الاحكام. فهنا كذلك. (من المقام أو الوقوع في الماء) ليتخلصوا من النار (فإن شكوا) في أيهما السلامة (فعلوا ما شاءوا) لأنهم ابتلوا بأمرين، ولا مزية لأحدهما على الآخر. (كما لو تيقنوا الهلاك فيهما، أو ظنوه ظنا متساويا أو ظنوا السلامة) فيهما (ظنا متساويا) قال أحمد: كيف شاء صنع. وقال الأوزاعي: هما موتتان فاختر أيسرهما، انتهى. وهم ملجؤون إلى الالقاء، فلا ينسب إليهم الفعل بوجه فلا يقال: ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة. فصل: (ويجوز تبييت الكفار وهو كبسهم ليلا، وقتلهم وهم غارون) أي مغرورون. (ولو قتل فيه) أي في التبييت (من لا يجوز قتله من امرأة وخنثى) وغيرهما كمجنون وشيخ فان، إذا لم يقصدوا. لحديث الصعب بن جثامة قال: سمعت النبي (ص): يسأل عن ديار المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم؟ فقال: هم منهم متفق عليه. (وكذا قتلهم) أي الكفار (في مطمورة إذا
52 لم يقصدهم) أي النساء والصبيان ونحوهم، (و) يجوز أيضا (رميهم بالمنجنيق) نص عليه. لأنه (ص): نصب المنجنيق على أهل الطائف رواه الترمذي مرسلا. ونصبه عمرو بن العاص على الإسكندرية. ولان الرمي به معتاد كالسهام، وسواء مع الحاجة وعدمها. (و) يجوز (قطع المياه عنهم، و) قطع (السابلة) عنهم (وإن تضمن ذلك قتل الصبيان والنساء) لأنه في معنى التبييت السابق فيه حديث الصعب بن جثامة، ولان القصد إضعافهم وإرهابهم ليجيبوا داعي الله. (و) يجوز (الإغارة على علافيهم وحطابيهم ونحوه) أي نحو ما ذكر مما فيه إضعاف وإرهاب لهم، (ولا يجوز إحراق نحلهم) بالمهملة (ولا تغريقه) لما روى مكحول أن النبي (ص): أوصى أبا هريرة بأشياء قال: إذا غزوت فلا تحرق نحلا، ولا تغرقه. وروى مالك أن أبا بكر قال ليزيد بن أبي سفيان ونحوه. ولان قتله فساد فيدخل في عموم قوله تعالى: * (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها) * - الآية ولأنه حيوان ذو روح فلم يجز إهلاكه ليغيظهم، كنسائهم (ويجوز أخذ العسل وأكله) لأنه مباح (و) يجوز (أخذ شهده كله، بحيث لا يترك للنحل شيئا فيه) لأن الشهد من الطعام المباح، وهلاك النحل بأخذ جميعه يحصل ضمنا غير مقصود. فأشبه قتل النساء والذراري في البيات. (والأولى أن يترك له) أي للنحل (شيئا) من الشهد ليبقى به. (ولا يجوز عقر دوابهم ولو شاة) لنهيه (ص) عن قتل الحيوان صبرا. وقول الصديق ليزيد بن أبي سفيان في وصيته: ولا تعقرن شجرا مثمرا، ولا دابة عجماء ولا شاة إلا لمأكله. (أو من دواب قتالهم) فلا يجوز عقرها لما تقدم. (إلا حال قتالهم) فيجوز بلا خلاف، لأن الحاجة تدعو إلى ذلك. إذ قتل بهائمهم مما يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم، وهو المطلوب. قاله في المبدع. (أو لاكل يحتاج إليه) فيباح قتلها لذلك. لما تقدم من قول الصديق: إلا لمأكله. ولان الحاجة تبيح مال المعصوم. فغيره أولا (ويرد الجلد في الغنيمة) لأنه ليس بطعام، وإن لم تدع الحاجة إلى أكله. وكان مما يحتاج إليه في القتال كالخيل، لم يبح ذبحه للآكل. (وأما الذي لا يراد إلا للاكل، كالدجاج والحمام وسائر الطيور والصيود، فحكمه حكم الطعام) في قول الجميع. (ويجوز
53 حرق شجرهم، وزرعهم، وقطعه إذا دعت الحاجة إلى إتلافه لو كان) كائن (لا يقدر عليهم) أي الكفار، (إلا به) كالذي يقرب من حصونهم ويمنع من قتالهم، أو يستترون به من المسلمين. أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة الطريق. (أو كانوا يفعلونه) أي حرق الشجر والزرع وقطعهما (بنا) أي معاشر المسلمين، (فيفعل بهم ذلك لينتهوا) عنه وينزجروا. (وما تضرر المسلمون بقطعه) من الشجر والزرع (لكونهم ينتفعون ببقائه لعلوفتهم، أو يستظلون به، أو يأكلون من ثمره، أو تكون العادة لم تجر بيننا وبين عدونا) بقطعه (حرم قطعه)، لما فيه من الاضرار بنا. (وما عدا هذين القسمين مما لا ضرر فيه من المسلمين ولا نفع لهم) به (سوى غيظ الكفار والاضرار بهم. فيجوز إتلافه) لقوله تعالى: * (ما قطعتم من لينة) * - الآية ولما روى ابن عمر: أن النبي (ص) حرق نخل بني النضير، وقطع وهي البويرة. فأنزل الله الآية. ولها يقول حسان: وهان على سراه بني لؤي * حريق بالبويرة مستطير متفق عليه. (وكذلك يجوز رميهم) أي الكفار (بالنار، والحيات، والعقارب في كفات المجانيق ويجوز تدخينهم في المطامير، وفتح الماء ليغرقهم، وفتح حصونهم وعامرهم). أي هدمها عليهم لأنه في معنى التبييت. (فإذا قدر عليهم لم يجز تحريقهم) لحديث: إن الله كتب الاحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتهم فأحسنوا الذبحة
54 ولقوله (ص): فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار رواه أبو داود. وكان أبو بكر يأمر بتحريق أهل الردة بالنار. وفعله خالد بن الوليد بأمره. (ويجوز إتلاف كتبهم المبدلة) وفي المنتهى: يجب. (وإن أمكن الانتفاع بجلودها وورقها) أي فيجوز إتلافها تبعا. (وإذا ظفر) بالبناء للمفعول (بهم) أي بأهل الحرب (حرم قتل صبي وامرأة) لقول ابن عمر: إن النبي (ص) نهى عن قتل النساء والصبيان متفق عليه. ولأنهم يصيرون أرقاء بنفس السبي، ففي قتلهم إتلاف المال. فإن شك في بلوغ الصبي عول على شعر العانة قال في البلغة: (وخنثى)، لاحتمال أن يكون امرأة، (وراهب ولو خالط الناس). لقول عمر: ستمرون على قوم في صوامع لهم، احتبسوا أنفسهم فيها، فدعوهم حتى يبعثهم الله على ضلالهم. (وشيخ فان) لأنه (ص) نهى عن قتله رواه أبو داود. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: * (ولا تعتدوا) * بقوله: لا تقتلوا النساء والصبيان، والشيخ الكبير، ولأنه ليس من أهل القتال. أشبه المرأة ويحمل ما روي على قتل المقاتلة الذين فيهم قوة، مع أنه عام. وخبرنا خاص فيقدم عليه. (وزمن وأعمى) لأنه ليس فيهما نكاية. فأشبها الشيخ الفاني. (وفي المغني) والشرح (وعبد، وفلاح) لا يقاتل لقول عمر: اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب. ولان الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يقاتلوهم حين فتحوا البلاد، ولأنهم لا يقاتلون. أشبهوا الشيوخ والرهبان. وفي الارشاد: وحبر، (لا رأي لهم) فمن كان من هؤلاء ذا رأي - وخصه في الشرح بالرجال - وفيه شئ. قاله في المبدع - جاز قتله، لأن دريد بن الصمة قتل يوم حنين، وهو شيخ لا قتال فيه، لأجل استعانتهم برأيه فلم ينكر (ص) قتله. ولان الرأي من أعظم المعونة على الحرب. وربما كان أبلغ في القتال. قال الرأي قبل شجاعة الشجعان * هو أول وهي المحل الثاني
55 فإذا هما اجتمعا المتنبي لنفس * مرة بلغت من العلياء كل مكان ولربما طعن الفتى أقرانه * بالرأي قبل تطاعن الفرسان (إلا أن يقاتلوا) فيجوز قتلهم بغير خلاف. لأن النبي (ص): قتل يوم قريظة امرأة ألقت رحى على محمود بن سلمة. وروى ابن عباس أن النبي مر على امرأة مقتولة يوم الخندق. فقال: من قتل هذه؟ فقال رجل: أنا، نازعتني قائم سيفي، فسكت. (أو يحرضوا عليه) أي على القتال. فإن حرض أحد منهم جاز قتله. فإن تحريض النساء والذرية أبلغ من مباشرتهم القتال بأنفسهم. (ولا يقتل معتوه) أي مختل العقل (مثله لا يقاتل) لأنه لا نكاية فيه. أشبه الصبي. (ويأتي ما يحصل به البلوغ) في الحجر (ويقتل المريض إذا كان ممن لو كان صحيحا قاتل، كالاجهاز على الجريح) لأن في تركه حيا ضررا على المسلمين، وتقوية للكفار (وإن كان) المريض (مأيوسا من برئه فكزمن) لعدم النكاية بقتله، (فإن تترسوا) أي الكفار (بهم) أي بالصبي والمرأة والخنثى ونحوهم، ممن تقدم أنه لا يقتل (جاز رميهم) لأن كف المسلمين عنهم حينئذ يفضي إلى تعطيل الجهاد، وسواء كانت الحرب قائمة أو لا (ويقصد) الرامي لهم (المقاتلة) لأنهم المقصودون بالذات، (ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم. جاز رميها والنظر إلى فرجها للحاجة إلى رميها) ذكره في المغني والشرح. قال في المبدع: وظاهر نص الامام والأصحاب: خلافه، ويتوجه أن حكم غيرها ممن منعنا قتله كهي. (وكذلك يجوز لهم رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام، أو تسقيهم الماء) كالتي تحرض على القتال. وفيه شئ، (وإن تترسوا) أي أهل الحرب (بمسلمين لم يجز رميهم) لأنه يؤول إلى قتل المسلمين، مع أن
56 لهم مندوحة عنه (فإن رماهم فأصاب مسلما، فعليه ضمانه) لعدوانه (إلا أن يخاف علينا) من ترك رميهم (فقط فيرميهم) نص عليه للضرورة (ويقصد الكفار) بالرمي. لأنهم هم المقصودون بالذات. فلو لم يخف على المسلمين، لكن لا يقدر عليهم إلا بالرمي. لم يجز رميهم لقوله تعالى: * (لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) * - الآية، قال الليث: ترك فتح حصن يقدر على فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حق. فصل: (ومن أسر أسيرا لم يجز قتله حتى يأتي به الامام) فيرى فيه رأيه: لأن الخيرة في أمر الأسير إليه، (إلا أن يمتنع) الأسير من المسير معه. ولا يمكنه إكراهه بضرب أو غيره أو يهرب منه، أو يخاف هربه، أو يخاف منه، أو يقاتله، أو كان مريضا. أو مرض معه) أو كان جريحا، فله قتله، لأن تركه حيا ضرر على المسلمين، وتقوية للكفار، وكجريحهم إذا لم يأسره، (ويحرم عليه قتل أسير غيره، قبل أن يأتي الامام) ليرى فيه رأيه. لأنه افتيات على الامام، (إلا أن يصير) الأسير (في حالة يجوز فيها قتله لمن أسره) بأن يمتنع من المسير، ولا يمكن إكراهه بضرب أو غيره، أو بهرب ونحوه مما مر، (فإن قتل أسيره، أو) قتل (أسير غيره قبل ذلك) أي قبل أن يصير في حالة يجوز فيها قتله، (وكان) الأسير (المقتول رجلا. فقد أساء) القاتل لافتياته على الامام، (ولا شئ عليه) أي القاتل، نص عليه. لأن عبد الرحمن بن عوف أسر أمية بن خلف وابنه عليا يوم بدر، فرأهما بلال، فاستصرخ الأنصار عليهما، حتى قتلوهما. ولم يغرموا شيئا، ولأنه أتلف ما ليس بمال، (وإن كان) الأسير (صغيرا أو امرأة ولو راهبة عاقبه) أي القاتل (الأمير) لافتياته، (وغرمه قيمة غنيمة، لأنه صار رقيقا بنفس السبي) بخلاف الحر المقاتل، (ومن أسر فادعى أنه كان مسلما. لم يقبل قوله إلا ببينة) لأنه خلاف الظاهر، (فإن شهد له) أي للأسير
57 رجل (واحد وحلف معه. خلي سبيله) فيثبت بما يثبت به المال كالعتق والكتابة والتدبير. واستدل الأصحاب بحديث عبد الله بن مسعود: أن النبي (ص) قال يوم بدر: لا يبقى منهم أحد، إلا أن يفدى أو يضرب عنقه. فقال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء، فإني سمعته يذكر الاسلام، فقال النبي (ص): إلا سهيل بن بيضاء فقبل شهادة عبد الله وحده. قلت: هذا يقتضي أن يكون كهلال رمضان، فيقبل فيه خبر عدل واحد إذ لم يذكر في الخبر تحليف. (قال جماعة: ويقتل المسلم أباه وابنه ونحوهما من ذوي القرابة في المعترك) لأن أبا عبيد قتل أباه في الجهاد. فأنزل الله تعالى: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) *. الآية (ويخير الأمير تخيير مصلحة واجتهاد) في الأصلح (لا تخيير شهوة في الاسراء الأحرار المقاتلين. والجاسوس - ويأتي - بين قتل) لعموم قوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين) * ولان النبي (ص) قال: قتل رجال قريظة، وهم بين الستمائة والسبعمائة، وقتل يوم بدر عقبة بن أبي معيط. والنضر بن الحرث. وفيه تقول أخته: ما كان ضرك لو مننت فربما من الفتى، وهو المغيظ المحنق فقال النبي (ص): لو سمعته ما قتلته. (واسترقاق) لقول أبي هريرة: لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله (ص) سمعته يقول: هم أشد أمتي على الدجال. وجاءت صدقاتهم فقال النبي (ص): هذه صدقات قومنا. قال: وكانت سبية منهم عند عائشة فقال النبي (ص): أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل متفق عليه. ولأنه يجوز إقرارهم على كفرهم بالجزية، فبالرق أولى. لأنه أبلغ في صغارهم (ومن) لقوله تعالى: * (فإما منا بعد وإما فداء) * ولان النبي (ص): من على أبي عزة الشاعر، يوم بدر، وعلى أبي العاص بن الربيع، وعلى ثمامة بن أثال. (وفداء بمسلم) للآية. ولما روى عمران بن حصين: أن النبي (ص) فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل. رواه
58 أحمد والترمذي وصححه. (أو) فداء (بمال) للآية. ولان النبي (ص): فادى أهل بدر بالمال. (فما فعله) الأمير من هذه الأربعة (تعين) ولم يكن لاحد نقضه. (ويجب عليه اختيار الأصلح للمسلمين) لأنه يتصرف لهم على سبيل النظر. فلم يجز له ما فيه الحظ. كولي اليتيم. لان كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى. فإن منهم من له نخوة ونكاية في المسلمين، فقتله أصلح. ومنهم الضعيف ذو المال الكثير. ففداؤه أصلح. ومنهم حسن الرأي في المسلمين يرجى إسلامه، فالمن عليه أولى. ومن ينتفع بخدمته ويؤمن شره، استرقاقه أصلح. (فمتى رأى المصلحة في خصلة لم يجز اختيار غيرها) لما سبق (ومتى رأى قتله ضرب عنقه بالسيف) لقوله تعالى: * (فضرب الرقاب) * (ولا يجوز التمثيل به، ولا التعذيب) لقول النبي (ص) في حديث بريدة: ولا تعذبوا ولا تمثلوا. (وإن تردد رأيه ونظره) في الأسرى (فالقتل أولى) لكفاية الشر. (والجاسوس المسلم: يعاقب، ويأتي) حكم الجاسوس (الذمي) في أحكام الذمة (ومن استرق منهم) أي الكفار (أو فدي بمال، كالرقيق والمال للغانمين حكمه حكم الغنيمة) على ما يأتي. قال في المبدع والشرح بغير خلاف نعلمه. لأن النبي (ص): قسم فداء أسارى بدر بين الغانمين، (وإن سأل الأسارى من أهل الكتاب) أو المجوس (تخليتهم على إعطاء الجزية. لم يجز) ذلك (في نسائهم وصبيانهم) لأنهم صاروا أرقاء بنفس السبي. (ويجوز في الرجال) ولا تجب إجابتهم إليه. لأنهم صاروا في يد المسلمين بغير أمان (ولا يزول التخير الثابت فيهم) بمجرد بذل المال قبل إجابتهم لعدم لزومها لما سبق. (ولا يبطل الاسترقاق حقا لمسلم) قاله ابن عقيل. وفي الانتصار: لا يسقط حق قود له أو عليه، وفي سقوط دين في ذمته لضعفها
59 برقه، كذمة مريض احتمالان. وفي البلغة: يتبع به بعد عتقه، إلا أن يغنم بعد إرقاقه، فيقضي منه دينه، فيكون رقه كموته. وعليه يخرج حلوله برقه. وإن غنما معا فهما للغانم ودينه في ذمته. (والصبيان والمجانين من كتابي وغيره، والنساء، ومن فيه نفع ممن لا يقتل، كأعمى ونحوه: رقيق بنفس السبي) لأن النبي (ص): نهى عن قتل النساء والولدان متفق عليه. وكان يسترقهم إذا سباهم. (ويضمنهم قاتلهم بعد السبي) بالقيمة، وتكون غنيمة، (ولا) يضمنهم قاتلهم (قبله) أي قبل السبي، لأنهم لم يصيروا مالا (وقن) أهل الحرب (غنيمة) لأنه مال كفار، استولى عليه، فكان للغانمين كالبهيمة (وله) أي الأمير (قتله) أي القن (لمصلحة) كالمرتد (ويجوز استرقاق من تقبل منه الجزية) وهم أهل الكتاب والمجوس، لما تقدم (و) يجوز استرقاق (غيره) أي غير من تقبل منه الجزية. كعبدة الأوثان وبني تغلب، ونحوهم. لأنه كافر أصلي. أشبه أهل الكتاب. (ولو كان عليه ولاء لمسلم أو ذمي) لأنه يجوز قتله. فيجوز استرقاقه كغيره. (وإن أسلموا) أي الأسرى الأحرار المقاتلون (تعين رقهم في الحال، وزال التخيير) فيهم (وصار حكمهم حكم النساء) وعليه الأكثر. نص عليه. لقوله (ص): لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وهذا مسلم. ولأنه أسير يحرم قتله. فيجوز استرقاقه فصار رقيقا كالمرأة. (وقيل: يحرم القتل، ويخير) فيهم الأمير (بين رق ومن وفداء، صححه الموفق وجمع) منهم الشارح وصاحب البلغة، وقدمه في الفروع وجزم به في الكافي قال في التنقيح: وهو المذهب اه. لأنه إذا جاز ذلك في حال
60 كفره. ففي إسلامه ولي (فيجوز الفداء ليخلص من الرق) وله أن يمن عليه لما سبق، (ويحرم رده) أي الأسير المسلم (إلى الكفار قاله الموفق) والشارح (إلا أن يكون له) أي الأسير المسلم (من يمنعه) من الكفار (من عشيرة ونحوها) فلا يمنع رده لأمنه (ومن أسلم) من الكفار (قبل أسره لخوف أو غيره، فلا تخيير) فيه (وهو كمسلم أصلي) لأنه لم يحصل في أيدي الغانمين (ومتى صار لنا رقيقا محكوما بكفره من ذكر وأنثى) وخنثى (وبالغ وصغير) مميز أو دونه (حرم مفاداته بمال وبيعه لكافر ذمي، و) كافر (غيره) أي غير ذمي، كمستأمن ومعاهد، (ولم يصح) بيعه لهم. قال أحمد: ليس لأهل الذمة أن يشتروا مما سبى المسلمون. قال: وكتب عمر بن الخطاب: ينهى عنه أمراء الأمصار. هكذا حكى أهل الشام اه. ولان فيه تفويتا للاسلام الذي يظهر وجوده إذا بقي مخالطا للمسلمين، بخلاف ما إذا كان رقيقا لكافر. (وتجوز مفاداته) أي المسترق منهم (بمسلم) لدعاء الحاجة لتخليص المسلم. (ويفدى الأسير المسلم من بيت المال) لما روى سعيد بإسناده عن حبان بن أبي جبلة أن رسول الله (ص) قال: إن على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسيرهم ويؤدوا عن غارمهم ولأنه موضوع لمصالح المسلمين. وهذا من أهمها. و (إن تعذر) فداؤه من بيت المال لمنع أو نحوه. (فمن مال المسلمين) فهو فرض كفاية. لحديث: أطعموا الجائع وعودوا المريض، وفكوا العاني (ولا يرد) الأسير المسلم (إلى بلاد العدو بحال) لأنه تسليط لهم عليه. (ولا يفدى) الأسير (بخيل ولا سلاح) لأنه إعانة علينا (ولا بمكاتب وأم ولد) لانعقاد سبب الحرية فيهما (بل) يفادى (بثياب ونحوها) من العروض والنقود. (وليس
61 للامام قتل من حكم حاكم برقه) لأن القتل أشد من الرق. وفيه إتلاف الغنيمة على الغانمين وكما لو حكم الامام برق إنسان ليس له قتله بعد. (ولا رق من حكم بقتله) أي ليس للامام رق من حكم حاكم بقتله. لأنه قد يكون ممن يخاف من بقائه النكاية في المسلمين ودخول الضرر عليهم. (ولا رق، ولا قتل من حكم بفدائه) أي ليس للامام أن يسترق، ولا أن يقتل من حكم حاكم بفدائه. لأنه ليس له ذلك فيمن حكم هو بفدائه. لأن القتل والرق أشد من الفداء. ويكون نقضا للحكم بعد لزومه. (وله) أي الامام (المن على الثلاثة المذكورين) أي من حكم بقتله ورقه ومفاداته. لأن المن أخف من الثلاثة. فإذا رآه الامام مصلحة جاز له فعله. لأنه أتم نظرا، وكما لو رآه ابتداء. (وله) أي للامام (قبول الفداء ممن حكم) هو أو غيره (بقتله أو رقه) لأنه أخف منهما. ولأنه نقض للحكم برضا المحكوم له. ولأنهما حق الامام. فإذا رضي بتركهما إلى غيرهما جاز. (ومتى حكم) إمام وغيره (برق أو فداء ثم أسلم) محكوم عليه (فحكمه بحاله لا ينقض) لوقوعه لازما. (ولو اشتراه) أي الأسير (أحد من أهل دار الحرب، ثم أطلقه أو أخرجه إلى دار الاسلام فله) أي المشتري (الرجوع عليه بما اشتراه) أي ببدله، إن كان دفعه عنه (بنية الرجوع) على الأسير (إذا كان) الأسير (حرا. أذن) الأسير (في ذلك أو لم يأذن) لما روى سعيد بإسناده عن الشعبي قال: أغار أهل ماه وأهل جلولاء على العرب، فأصابوا سبايا من سبايا العرب فكتب السائب إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم، فكتب عمر: أيما رجل أصاب رقيقه ومتاعه بعينه، فهو أحق به من غيره، وإن أصابه في أيدي التجار بعد ما انقسم. فلا سبيل إليه، وأيما حر اشتراه التجار فإنه يرد إليهم رؤوس أموالهم. فإن الحر لا يباع ولا يشترى، ولان الأسير يجب عليه فداء نفسه ليتخلص من حكم الكفار فإذا أناب عنه غيره في ذلك كان له الرجوع، كما لو أدى عنه دينا واجبا عليه. فإن لم ينو الرجوع لم يرجع لأنه متبرع. (ويأتي) ذلك (في الباب بعده. ومن سبي من أطفالهم) أي الكفار (أو مميزيهم منفردا) عن أبويه فمسلم، لأن التبعية انقطعت، فيصير تابعا لسابيه المسلم في دينه. (أو) سبي (مع أحد أبويه. فمسلم) لحديث أبي هريرة مرفوعا: ما من مولود إلا يولد على الفطرة. فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه متفق عليه. فجعل التبعية
62 لأبويه. فإذا لم يكن كذلك انقطعت التبعية، ووجب بقاؤه على حكم الفطرة. قال أحمد: الفطرة التي فطر الناس عليها شقي أو سعيد. وذكر الأثرم معنى الفطرة على الاقرار بالوحدانية حين أخذهم من صلب آدم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. وبأن له صانعا ومدبرا وأن عبد شيئا غيره وسماه بغير اسمه، وأنه ليس المراد على الاسلام، لأن اليهودي يرثه ولده الطفل إجماعا. (وإن كان السابي) لغير البالغ منفردا أو مع أحد أبويه (ذميا تبعه) المسبي على دينه (ك) - مسبي (مسلم) لانقطاع تبعيته لأبويه (وإن سبي) غير البالغ (مع أبويه فهو على دينهما) لبقاء التبعية (وإن أسلم أبو حمل أو طفل أو مميز) فمسلم (لا) إن أسلم (جد وجدة) فلا يحكم بإسلامه بذلك، الخبر السابق (أو) أسلم (أحدهما) أي أحد أبوي الحمل أو الطفل أو المميز فمسلم. (أو ماتا) أي أبوي غير بالغ (أو) مات (أحدهما في دارنا عدما) أي الأبوان (أو) عدم (أحدهما بلا موت، كزنا ذمية، ولو بكافر، أو اشتبه ولو مسلم بكافر. فمسلم في الجميع) للخبر السابق وانقطاع التبعية. ولا يقرع فيما إذا اشتبه، خشية أن يقع ولد المسلم للكافر (وكذا إن بلغ) ولد الكافر (مجنونا) فإنه يحكم بإسلامه في الحال الذي يحكم فيه بإسلام غير البالغ. كإسلام أحد أبويه أو موته بدارنا، كما هو صريح الكافي وغيره. وليس المراد: أنه مسلم مطلقا. إلا لما صح قولهم فيما سبق: إن المسبي المجنون رقيق بالسبي، وقولهم في باب الذمة: لا تؤخذ من مجنون وغير ذلك. (وإن بلغ) من حكم بإسلامه تبعا لاحد أبويه أو موته بدارنا (عاقلا ممسكا عن الاسلام والكفر قتل قاتله) لأنه مسلم معصوم. وليس المعنى: أنه يكون مسلما مطلقا. كما يدل عليه قوله: (ويرث ممن جعلناه مسلما بموته حتى ولو تصور موتهما) أي أبويه (معا يورثهما) إذ الحكم بالاسلام يعقب الموت، فحال الموت كان على دين مورثه. لكن الحمل لا يرث أباه إذا مات بدارنا. كما يأتي في ميراث الحمل. (وإن ماتا) أي أبوا غير البالغ (بدار حرب،
63 لم يجعل مسلما) بذلك، لأنها دار كفر لا إسلام. (ولا ينفسخ النكاح باسترقاق الزوجين، ولو سبى كل واحد منهما رجل) لأن الرق معنى لا يمنع ابتداء النكاح، فلا يقطع استدامته كالعتق. (ولا يحرم التفريق بينهما) أي الزوجين (في القسمة، و) لا في (البيع) لعدم ورود الشرع به (وإن سبيت المرأة وحدها) أي دون زوجها (انفسخ نكاحها وحلت لسابيها) لحديث أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس، ولهن أزواج في قومهن فذكر ذلك للنبي (ص) فنزل: * (والمحصنات) * الآية رواه الترمذي وحسنه. والمراد: تحل لسابيها بعد الاستبراء، لما سيأتي في بابه. (وإن سبي الرجل وحده لم ينفسخ) نكاحه، لأنه لا نص فيه ولا يقتضيه القياس. (وليس بيع الزوجين القنين و) بيع (أحدهما طلاقا لقيامه) أي المشتري (مقام البائع) وكذا هبتهما أو أحدهما ونحوها. فصل: (ويحرم. ولا يصح أن يفرق بين ذي رحم محرم ببيع ولا غيره) من قسمة وهبة ونحوهما (ولو رضوا به) لأنهم قد يرضون بما فيه ضررهم، ثم يتغير قلبهم فيندمون. (أو كان بعد البلوغ) لعموم حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة رواه الترمذي وقال: حسن غريب. وعن علي قال: وهب لي رسول الله (ص) غلامين أخوين، فبعت أحدهما، فقال لي رسول الله (ص): ما فعل غلامك، فأخبرته. فقال: رده رده رواه
64 الترمذي وقال: حسن غريب. وقيس على ذلك كل ذي رحم محرم (إلا بعتق) فيجوز أن يعتق أحدهما دون الآخر. (أو افتداء أسير) مسلم بكافر (أو بيع فيما إذا ملك أختين ونحوهما على ما يأتي) في كتاب النكاح فإنه إذا وطئ إحداهما لم يجز له وطئ الأخرى حتى يحرم الموطوءة فيجوز التفريق بينهما بالبيع، أو الهبة، ونحوهما للضرورة. (ولو باعهم) أي باع الامام أو غيره السبايا (على أن بينهم نسبا يمنع التفريق) من أخوة ونحوها (ثم بان عدمه) أي النسب المحرم للتفريق (فللبائع الفسخ) أي فسخ البيع واسترجاعهم ليبيعهم بثمنهم متفرقين إن كانوا باقين. فإن فاتوا رد المشتري الفضل الذي فيهم بالتفريق. ويرد إلى المغنم إن كانوا غنيمة. (وإذا حضر الامام حصنا) للكفار (لزمه عمل الأصلح) للمسلمين (من مصابرته، وهي ملازمته) مهما أمكن (أو انصرافه) لانصرافه (ص) عن حصن الطائف قبل فتحه. (فإن أسلموا) قبل القدرة عليهم أحرزوا مالهم ودماءهم. (أو) أحرز (أسلم من أسلم منهم قبل القدرة عليه) أحرز ماله ودمه. (أو أسلم حربي في دار الحرب. أحرز دمه وماله. ولو منفعة إجازة) لقوله (ص): أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم. (و) أحرز (أولاده الصغار والمجانين، ولو حملا في السبي كانوا أو في دار الحرب) للحكم بإسلامه، تبعا له. ولا يعصم أولاده الكبار، لأنهم لا يتبعونه. (ولا يحرز امرأته إذا لم تسلم) لعدم تبعيتها له (وإن سبيت صارت رقيقة) كغيرها من النساء (ولا ينفسخ نكاحه برقها) لأن منفعة النكاح لا تجري مجرى الأموال. بدليل أنها لا تضمن باليد ولا يجوز أخذ العوض عنها، (ويتوقف) بقاء النكاح (على إسلامها في العدة) إن كان دخل بها، ولو كتابية. لأن الأمة الكتابية لا تحل للمسلم. كما يأتي. (وإن دخل) كافر (دار الاسلام، فأسلم، وله أولاد صغار في دار الحرب) أو حمل (صاروا مسلمين) تبعا له، (ولم يجز
65 سبيهم) لعصمتهم بالاسلام. (وإن سألوا الموادعة) أي المهادنة (بمال أو غيره وجب) أن يجيبهم (لأن فيه مصلحة، سواء أعطوه) أي المال (جملة، أو جعلوها خراجا) يؤخذ منهم ( مستمرا عليهم كل عام) لأن الغرض إعلاء كلمة الاسلام، وصغار الكفرة، وهو حاصل بالموادعة. فيجب كالمن عليهم. وشرط بعض الأصحاب في عقدها بغير مال: عجز المسلمين أو استضرارهم بالمقام. ليكون ذلك عذرا في الانصراف. (فإن بذلوا الجزية، وكانوا ممن تقبل منهم) الجزية (لزم) الامام أو نائبه (قبولها. وحرم قتالهم) كغير المحاصرين، (وإن بذلوا) أي أهل الحصن (مالا على غير وجه الجزية. فرأى) الامام أو نائبه (المصلحة في قبوله. قبلها) منهم. لما فيه من المصلحة (وإن استأجر أرضا من حربي ثم استولى عليها المسلمون. فهي غنيمة) كسائر أراضي الحرب (ومنافعها للمستأجر) إلى قضاء مدة الإجارة، لأنها مال مسلم معصوم. (وإذا أسلم رقيق الحربي وخرج إلينا) أي إلى جيش المسلمين (فهو حر) لحديث ابن عباس قال: كان رسول الله (ص) يعتق العبيد إذا جاءوا مواليهم رواه سعيد. ولا ولاء عليه لاحد. كما يعلم من كلامه في الاختيارات في العتق. (وإن أسر) عبد خرج إلينا مسلما (سيده) الكافر (أو غيره) من الكفار (وأولاده) أي أولاد سيده (وخرج إلينا فهو حر. ولهذا لا نرده في هدنة) قاله في الترغيب وغيره. لما روى الشعبي عن رجل من ثقيف قال: سألنا النبي (ص) أن يرد علينا أبا بكرة. وكان عبدا لنا، أتى رسول الله (ص) وهو محاصر ثقيفا. فأسلم. فأبى أن يرده علينا. وقال: هو طليق الله، ثم طليق رسوله. فلم يرده علينا. (والمال له والمسبي) من سيده وأولاده وغيرهم (رقيقه) لاستيلائه عليه. فانظر رحمك الله إلى عز الطاعة وذل المعصية (وإن أسلم) عبد (وأقام بدار الحرب) مسلما (فهو على رقه. ولو) لحق العبد بنا، ثم (جاء مولاه بعده لم يرد إليه) لأنه
66 صار حرا. للحوقه بنا (ولو جاء) السيد (قبله مسلما ثم جاء العبد مسلما. فهو لسيده) لحديث أبي سعيد الأعسم قال: قضى رسول الله (ص) في العبد وسيده قضيتين. قضى: أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيده: أنه حر. فإن خرج سيده بعد لم يرد عليه. وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد، ثم خرج العبد رد على سيده رواه سعيد. ولأنه بإسلامه عصم ماله. والعبد من جملته. (وإن خرج إلينا عبد بأمان) فهو حر (أو نزل) إلينا عبد (من حصن فهو حر) نص عليه (وإن نزلوا) أي أهل الحصن (على حكم حاكم عينوه، ورضيه الامام جاز) لأنه (ص): لما حاصر بني قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأجابهم إلى ذلك متفق عليه من حديث أبي سعيد. (إذا كان) الذي نزلوا على حكمه (مسلما حرا بالغا عاقلا ذكرا عدلا من أهل الاجتهاد في الجهاد) لأنه حاكم. أشبه ولاية القضاء. ولا يشترط أن يكون مجتهدا في جميع الأحكام التي لا تعلق لها في الجهاد، لعدم الحاجة إليه إذن. (ولو أعمى) فلا يعتبر أن يكون بصيرا. لأنه إنما اعتبر في القاضي ليعرف المدعي من المدعى عليه، والشاهد من المشهود عليه. وهنا ليس كذلك (ويعتبر له من الفقه ما يتعلق بهذا الحكم) لدى الحاجة إليه (وإن كانا) أي اللذان نزلوا على حكمهما (اثنين جاز) ذلك (ويكون الحكم ما اجتمعا عليه) دون ما انفرد به أحدهما (وإن جعلوا الحكم إلى رجل يعينه الامام. جاز) لأنه إنما يختار الأصلح. (وإن نزلوا على حكم رجل منهم) لم يجز لعدم نفوذ حكمه. (أو جعلوا التعيين إليهم لم يجز) لأنهم ربما اختاروا غير الأصلح. (وإن مات من اتفقوا عليه، ثم اتفقوا على غيره ممن يصلح قام مقامه) كما لو عينوه ابتداء. (وإن لم يتفقوا) مع الامام (وطلبوا حكما لا يصلح ردوا إلى مأمنهم. وكانوا على الحصار حتى يتفقوا) مع
67 الامام على من يصلح لذلك، (وكذلك إن رضوا باثنين) ينزلون على حكمهما (فمات أحدهما. فاتفقوا على من يقوم مقامه جاز) حيث كان أهلا. (وإلا ردوا إلى مأمنهم) حتى يتفقوا على غيره ممن يصلح، (وكذلك إن رضوا بتحكيم من لا تجتمع الشرائط فيه. ووافقهم الامام عليه) لعدم علمه بأنه لا يصلح. (ثم بان أنه لا يصلح) لفقد شئ من الشروط السابقة. (لم يحكم، ويردون إلى مأمنهم كما كانوا) حتى يتفقوا على من يصلح (ولا يحكم) من نزلوا على حكمه، (إلا بما فيه حظ للمسلمين) لأنه نائب الامام. فقام مقامه في اختيار الأحظ. كهو في الأسرى. وحينئذ يلزمه ذلك. وحكمه لازم (من القتل والسبي) لأن سعدا حكم في بني قريظة بقتلهم وسبي ذراريهم. فقال النبي (ص): لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة. (والفداء) لما سبق (فإن حكم بالمن على غير الذرية. لزمه قبوله) لأنه نائب الامام. فكان له المن كهو. وظاهره: ولو أباه الامام (وإن حكم بقتل أو سبي. لزمه قبوله) لما تقدم في قضاء سعد على بني قريظة. (فإن أسلموا قبل الحكم عليهم) بشئ مما سبق (عصموا دماءهم وأموالهم. كما تقدم) لخبر: أمرت أن أقاتل الناس (وإن كان) إسلامهم (بعد الحكم بالقتل عصموا دماءهم فقط) لأن قتل المسلم حرام. ولا يعصمون مالهم ولا ذريتهم، لأنها صارت للمسلمين قبل إسلامهم، (ولا يسترقون) لأنهم أسلموا قبل استرقاقهم، (ويكون المال على ما حكم فيه) كالأنفس (وإن حكم بأنهم للمسلمين. كان) المال (غنيمة) للمسلمين (وإن حكم عليهم بإعطاء الجزية لم يلزم حكمه) لأن عقد الجزية عقد معاوضة يتوقف على التراضي. (وإن سألوه) أي أهل الحصن (أن ينزلهم على حكم الله) تعالى (لزمه أن ينزلهم. ويخير فيهم كالأسرى) لأن ذلك هو الحكم بحسب اجتهاده لهم. لكن في حديث بريدة الذي أخرجه أحمد ومسلم مرفوعا وغيرهما: وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك.
68 فإنك لا تدري أتصيب فيهم أم لا وأجاب عنه النووي في شرح مسلم بأن المراد: أنه لا يأمن أن ينزل وحي عليه (ص) بخلاف ما حكم به. وهذا الحكم منتف بعد النبي (ص). فلهذا قال في الواضح: يكره. وقال في المبهج: لا ينزلهم. لأنه كإنزالهم بحكمنا. ولم يرضوا به. وعلى الأول: فيخير، (بين القتل، والرق، والمن والفداء) لما تقدم في الامام. (ويكره نقل رأس) كافر من بلد إلى بلد (ورميه بمنجنيق بلا مصلحة) لما روى عقبة بن عامر: أنه قدم على أبي بكر الصديق برأس بنان البطريق. فأنكر ذلك، فقال: يا خليفة رسول الله، فإنهم يفعلون ذلك بنا. قال: فأذن بفارس والروم: لا يحمل إلي رأس، إنما يكفي الكتاب والخبر قال الشيخ تقي الدين: وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد. ولا يكون نكالا لهم عن نظيرها. فأما إن كان في التمثيل السائغ دعاء لهم إلى الايمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع. ولم تكن القصة في أحد كذلك. فلهذا كان الصبر أفضل. (ويحرم أخذه) أي الأمير (مالا ليدفعه) أي الرأس (إليهم) أي إلى الكفار. لحديث ابن عباس: إن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين. فأبى النبي (ص) أن يبيعهم وضعفه عبد الحق وابن القطان. ورواه أحمد وفيه: ادفعوا إليهم جيفته فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدية فلم يقبل منهم شيئا. وله في رواية حنبل: فخلى بينهم وبينه. باب ما يلزم الامام والجيش يلزم كل أحد: إخلاص النية لله تعالى في الطاعات. ويجتهد في ذلك. ويستحب أن يدعو سرا بحضور قلب، لما في حديث أنس قال: كان النبي (ص) إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي، ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل رواه أبو داود بإسناد جيد. وكان جماعة منهم الشيخ تقي الدين يقوله عند قصد مجلس العلم. و (يلزم الامام أو الأمير إذا أراد الغزو أن يعرض جيشه، ويتعاهد الخيل والرجال) لأن ذلك من مصالح الجيش.
69 فلزمه فعله، كبقية المصالح. فيختار من الرجال ما فيه غنى ومنفعة للحرب ومناصحة، ومن الخيل ما فيه قوة وصبر على الحرب. ويمكن الانتفاع به في الركوب وحمل الأثقال. و (يمنع ما لا يصلح للحرب، كفرس حطيم، وهو الكسير، و) كفرس (قحم، وهو الشيخ الهرم. والفرس المهزول الهرم. وضرع، وهو الرجل الضعيف والنحيف، ونحو ذلك) كالفرس الصغير. وكل ما لا يصلح للحرب، (من دخوله أرض العدو) لئلا ينقطع فيها. ولأنه يكون كلا على الجيش، ومضيقا عليهم. وربما كان سببا للهزيمة. (ويمنع مخذلا للهزيمة. فلا يصحبهم، ولو لضرورة. وهو الذي يصد غيره عن الغزو) ويزهدهم في الخروج إليه. (و) يمنع (مرجفا. وهو من يحدث بقوة الكفار وبضعفنا) لقوله تعالى: * (ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين، لو خرجوا فيكم) * - الآية (و) يمنع (صبيا لم يشتد، ومجنونا) لأنه لا منفعة فيهما، (و) يمنع (مكاتبا بأخبارنا وراميا بيننا العداوة، وساعيا بالفساد، ومعروفا بنفاق وزندقة) لأن هؤلاء مضرة على المسلمين. فلزم منعهم إزالة للضرر. (و) يمنع (نساء) للافتتان بهن، مع أنهن لسن من أهل القتال. لاستيلاء الخور والجبن عليهن. ولأنه لا يؤمن ظفر العدو بهن، فيستحلون منهن ما حرم الله تعالى. قال بعضهم (إلا امرأة الأمير لحاجته) لفعله (ص) (و) إلا امرأة (طاعنة في السن لمصلحة فقط. كسقي الماء ومعالجة الجرحى) لقول الربيع بنت معوذ: كنا نغزو مع النبي (ص) نسقي الماء ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة رواه البخاري. وعن أنس معناه رواه مسلم. ولان الرجال يشتغلون بالحرب عن ذلك. فيكون معونة للمسلمين، وتوفيرا في المقاتلة. (ويحرم أن يستعين بكفار) لحديث عائشة: أن النبي (ص) خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين. فقال له: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا. قال: فارجع، فلن أستعين بمشرك متفق عليه. ولان الكافر لا يؤمن مكره وغائلته لخبث طويته. والحرب يقتضي
70 المناصحة. والكافر ليس من أهلها. (إلا لضرورة) لحديث الزهري: أن النبي (ص) استعان بناس من المشركين في حربه رواه سعيد. وروى أيضا أن صفوان بن أمية شهد حنينا مع النبي (ص). وبهذا حصل التوفيق بين الأدلة. والضرورة مثل كون الكفار أكثر عددا، أو يخاف منهم، وحيث جاز اشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم يجز كالمرجف وأولى. (و) يحرم (أن يعينهم) المسلم (على عدوهم إلا خوفا) من شرهم. لقوله تعالى: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * (قال الشيخ: ومن تولى منهم) أي من الكفار (ديوانا للمسلمين انتقض عهده) إن كان (ويحرم أن يستعين) مسلم (بأهل الأهواء) كالرافضة (في شئ من أمور المسلمين من غزو وعمالة وكتابة وغير ذلك) لأنه أعظم ضررا، لكونهم دعاة، بخلاف اليهود والنصارى. (ويسن أن يخرج) الامام (بهم) أي بالجيش (يوم الخميس) لحديث كعب بن مالك قال: قلما كان رسول الله (ص) يخرج في السفر إلا يوم الخميس رواه البخاري. وعن صخر الغامدي عن النبي (ص) قال: اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس. وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم أول النهار رواه الترمذي وحسنه. (ويرفق بهم في السير بحيث يقدر عليه الضعيف. ولا يشق على القوي) لقوله (ص): أمير القوم أقطعهم أي أقلهم سيرا، ولئلا ينقطع منهم أحد أو يشق عليهم. (فإن دعت الحاجة إلى الجد في السير جاز) لأن النبي (ص): جد حين بلغه قول عبد الله بن أبي: ليخرجن الأعز منها الأذل. ليشتغل الناس عن الخوض فيه. (ويعد) الامام أو الأمير (لهم) أي لجيشه (الزاد) لأنه لا بد منه، وبه قواهم. وربما طال سفرهم، فيهلكون حيث لا زاد لهم. (ويقوي نفوسهم
71 بما يخيل إليهم من أسباب النصر) فيقول مثلا: أنتم أكثر عددا وعددا، وأشد أبدانا، و أقوى قلوبا. ونحو ذلك. لأنه مما تستعين به النفوس على المصابرة. ويبعثها على القتال، لطمعها في العدو. (ويعرف عليهم العرفاء) جمع عريف (وهو القائم بأمر القبيلة أو الجماعة من الناس، كالمقدم عليهم ينظر في رجالهم. ويتفقدهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم) لأنه (ص): عرف عام خيبر على كل عشرة عريفا، ولأنه أقرب أيضا لجمعهم. وقد ورد: العرافة حق لأن فيها مصلحة الناس. وأما قوله: العرفاء في النار فتحذير للتعرض للرياسة. لما في ذلك من الفتنة. ولأنه إذا لم يقم بأمرها استحق العقوبة. (ويستحب له) أي الامام أو الأمير (عقد الألوية البيض. وهي العصائب تعقد على قناة ونحوها) قال صاحب المطالع: اللواء راية لا يحملها إلا صاحب جيش الحرب، أو صاحب دعوة الجيش اه. قال ابن عباس: كانت راية النبي (ص) سوداء ولواؤه أبيض رواه الترمذي. وعن جابر أن النبي (ص) دخل مكة ولواؤه أبيض رواه أبو داود. وظاهر المقنع، وصرح به في المحرر: أنها تكون بأي لون شاء. لاختلاف الروايات. (و) يعقد لهم (الرايات، وهي أعلام مربعة. ويغاير ألوانها. ليعرف كل قوم رايتهم) لقوله (ص) للعباس حين أسلم أبو سفيان: احبسه على الوادي حتى تمر به جنود الله تعالى فيراها. قال: فحبسته حيث أمرني رسول الله (ص)
72 ومرت به القبائل على راياتها، ولان الملائكة إذا نزلت بالنصر نزلت مسومة بها. نقله حنبل (ويجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به عند الحرب) لما روى سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع أبي بكر زمن النبي (ص) وكان شعارنا: أمت أمت رواه أبو داود وقد ورد أيضا. * (ثم لا ينصرون) * ولان الانسان ربما احتاج إلى نصرة صاحبه. وربما تهتدي بها إذا ضل. قال في الشرح: ولئلا يقع بعضهم على بعض. (ويتخير) الامام أو الأمير (لهم من المنازل) أي (أصلحها لهم) كالخصبة، (وأكثرها ماء ومرعى) لأنها أرفق بهم. وهو من مصلحتهم (ويتبع مكامنها) جمع مكمن، وهو المكان الذي يحفظها (فيحفظها ليأمنوا) هجوم العدو عليهم (ولا يغفل الحرس والطلائع) لئلا يأخذهم العدو بغتة. والطلائع جمع طليعة. وهي من يبعث ليطلع طلع العدو. قاله الجوهري. قال: والطلع بالكسر: الاسم من الاطلاع، تقول منه: اطلع طلع العدو (ويبعث العيون على العدو ممن له خبرة بالفجاج) أي الطرق (حتى لا يخفى عليه أمرهم) أي أمر أعدائه. لأنه (ص): بعث الزبير يوم الأحزاب، وحذيفة بن اليمان في غزوة الخندق، ودحية الكلبي في أخرى. (ويمنع جيشه من الفساد والمعاصي) لأنها سبب الخذلان. وتركها داع للنصر، وسبب للظفر. (و) يمنع جيشه أيضا من (التشاغل بالتجارة المانعة لهم من القتال) لأنه المقصود (ويعد) الأمير (ذا الصبر بالأجر والنفل) بفتح الفاء، وهو الزيادة على سهمه. لأنه وسيلة إلى بذل جهده وزيادة صبره. (ويشاور أمير الجهاد والمسلمين ذا الرأي والدين) لقوله تعالى: * (وشاورهم في الامر) * وعن أبي هريرة قال: ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله (ص) رواه أحمد. ولان فيه تطبيبا لقلوبهم. (ويخفي من أمره ما أمكن إخفاؤه. وإذا أراد غزوة ورى بغيرها) متفق عليه من حديث كعب بن مالك مرفوعا. (لأن الحرب خدعة) متفق عليه من حديث جابر. (ويصف جيشه) لقوله تعالى: * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) * - الآية قال الواقدي: كان النبي (ص) يسوي الصفوف يوم بدر. ولان فيه ربط
73 الجيش بعضه ببعض. وسدا لثغورهم. فيصيرون كالشئ الواحد. (ويجعل في كل جنبة كفؤا) لحديث أبي هريرة قال: كنت مع النبي (ص)، فجعل خالدا على إحدى الجنبتين. والزبير على الأخرى، وأبا عبيدة على الساقة. ولأنه أحوط للحرب، وأبلغ في إرهاب العدو. و (لا يميل) الأمير (مع قرابته وذي مذهبه على غيره، لئلا تنكسر قلوبهم) أي قلوب الذين مال مع غيرهم (فيخذلوه) عند الحاجة. ولأنه يفسد القلوب. ويشتت الكلمة (ويراعي أصحابه، ويرزق كل واحد بقدر حاجته) وحاجة من معه. فصل: (ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ولا يقبل من غيرهم إلا الاسلام) وتقدم موضحا. (ويجوز أن يبذل) الامام أو الأمير (جعلا لمن يعمل ما فيه غناء) بفتح الغين والمد، أي كفاية أو نفع (كمن يدله على ما فيه مصلحة للمسلمين، كطريق سهل، أو ماء فيه مفازة. أو قلعة يفتحها أو مال يأخذه، أو عدو يغير عليه، أو ثغرة يدخل منها. و) يجعله (لمن ينقب نقبا أو يصعد هذا المكان، أو يجعل لمن جاء بكذا من الغنيمة) شيئا (أو من الذي جاء به ونحوه) لأنه (ص) وأبا بكر: استأجرا في الهجرة من دلهم على الطريق. ولأنه من المصالح. أشبه أجرة الوكيل (ويستحق الجعل بفعل ما جعل له) الجعل (فيه) كسائر الجعالات (مسلما كان) المجاعل (أو كافرا، من الجيش أو غيره، بشرط أ) ن (لا يجاوز) الجعل (ثلث الغنيمة بعد الخمس، في هذا وفي النفل كله) لأنه أكثر ما جعله (ص) للسرية. (ويأتي في الباب بعده، وله) أي الأمير (إعطاء ذلك)
74 العطاء لمن عمل ما فيه غناء. (ولو بغير شرط) تقوية لقلوبهم على فعل ما فيه المصلحة. (ويجب أن يكون الجعل معلوما إن كان من بيت المال) كالجعل في المسابقة والضالة وغيرهما. (وإن كان) الجعل (من مال الكفار جاز) أن يكون (مجهولا) لأنه (ص): جعل للسرية الثلث والربع مما غنموا. وللقاتل سلب المقتول. وهو مجهول. لأن الغنيمة كلها مجهولة. ولأنه مما تدعو الحاجة إليه. (وهو) أي الجعل من مال الكفار (له) أي للمجاعل (إذا فتح) الحصن له ذلك من غنيمته، (فإن احتيج إلى جعل أكثر من الثلث لمصلحة، مثل أ) ن (لا تنهض السرية ولا ترضى بدون النصف. وهو محتاج إليها، جعله من مال المصالح) أي من مال الفئ المعد للمصالح. ليحصل الغرض مع عدم مخالفة النص. (وإن جعل له امرأة منهم) معينة (أو) جعل له (رجلا) منهم معينا (مثل أن يقول: بنت فلان من أهل الحصن أو القلعة) لم يستحق شيئا حتى تفتح القلعة. فإن فتحت عنوة سلمت إليه (و) إن (ماتت قبل الفتح أو بعده أو لم يفتح) ما ذكر من الحصن أو القلعة (أو فتح ولم توجد) الجارية (فلا شئ له، إن ماتت) حرة كانت أو أمة. لأن حقه متعلق بعينها. فيسقط بفواتها من غير تفريط كالوديعة. (وإن أسلمت قبل الفتح عنوة، وهي حرة فله قيمتها) لأنها عصمت نفسه بإسلامها. فتعذر دفعها إلى، فاستحق القيمة. كما لو أتلف مال غيره الذي لا مثل له. (وإن أسلمت بعده) أي بعد الفتح عنوة، سلمت إليه، حرة كانت أو أمة إذا كان مسلما. لأنه أمكن الوفاء بشرطه. فكان واجبا. ولان الاسلام بعد الأسر، فكانت رقيقة، (أو) أسلمت (قبله) أي قبل الفتح (وهي أمة سلمت إليه) وفاء بشرطه (إلا أن يكون كافرا فله قيمتها) لتعذر تسليمها إليه لكفره. ثم إن أسلم ففي أخذها احتمالان. (فإن فتحت صلحا ولم يشترطوا الجارية. فله قيمتها) إن رضي بها. لأن تسليمها متعذر لدخولها تحت الصلح. وحينئذ تتعين قيمتها، لأنها بدلها. فإن شرط في الصلح تسلمهم عينها. لزم تسليم عينها لما فيه من الوفاء بالشرط. (فإن أبى إلا الجارية وامتنعوا من بذلها فسخ الصلح) لتعذر إمضائه. لأن حق صاحب الجعل سابق. ولم يمكن الجمع بينهما. فعلى هذا: لصاحب القلعة أن يحصنها كما كانت من غير زيادة. وظاهر ما نقله ابن هانئ: أنها له لسبق حقه. ولرب الحصن القيمة. (وإن بذلوها) أي الجارية (مجانا لزم أخذها ودفعها إليه) وكذا لو بذلوها
75 بالقيمة. كما في المبدع نقلا عن الأصحاب. لأنه أمكن إيصال حقه إليه من غير ضرر. (قال في الفروع: والمراد غير حرة الأصل وإلا) وجبت (قيمتها) لأن حرة الأصل غير مملوكة. لأن الصلح جرى عليها. فلا تملك كالذمية. ولم يجز تسليمها كالمسلمة بخلاف الأمة. فيأخذها لأنها مال. كما لو شرط دابة أو متاعا. هذا معنى كلام المجد، كما حكاه عنه في المبدع. قال: وفيه نظر. لأن الجارية لولا عقد الصلح. لكانت أمة. وجاز تسليمها إليه. فإذا رضي أهل الحصن بإخراجها من الصلح بت سليمها إليه، فتكون غنيمة للمسلمين وتصير رقيقة. (وكل موضع أوجبنا القيمة ولم يغنم) الجيش (شيئا) فإنها تعطى (من بيت المال) لأنه مال المصالح (وله) أي للامام أو الأمير (أن ينفل) من النفل، وهو الزيادة على السهم المستحق. ومنه نفل الصلاة (في البداءة: الربع، فأقل بعد الخمس. وفي الرجعة: الثلث فأقل بعده) لحديث حبيب بن مسلمة الفهري قال: شهدت النبي (ص) نفل الربع في البداءة، والثلث في الرجعة رواه أبو داود. وعن عبادة بن الصامت مرفوعا نحوه. رواه الترمذي وقال: حسن غريب. وإنما زيد في الرجعة على البداءة لمشقة الرجعة. لأن الجيش في البداءة ردء للسرية بخلاف الرجعة. وقال أحمد: لأنهم يشتاقون إلى أهليهم. فهذا أكثر مشقة. ولا يعدل شئ عند أحمد الخروج في السرية مع غلبة السلامة. لأنه أنكى للعدو. (وذلك أنه ينبغي للامام إذا غزا غزاة أن يبعث سرية أمامه تغير، وإذا رجع بعث) سرية (أخرى خلفه) تغير (فما أتت به) السرية (أخرج خمسه) لقوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ) * - الآية ولحديث معن بن يزيد مرفوعا: لا نفل إلا بعد الخمس رواه أبو داود. (وأعطى السرية ما جعل لها) من ربع فأقل، أو ثلث
76 فأقل. ولا تجوز الزيادة على الثلث. نص عليه (وقسم الباقي في الجيش والسرية معا) لأنها وصلت إلى ذلك بقوة الجيش. (ولا تستحقه السرية إلا بشرط) فإن لم يشترط لها شيئا لم تستحق سوى المقاسمة كآحاد الجيش، لكن للأمير إعطاؤها ذلك بلا شرط. (فإن شرط الامام لهم أكثر من ذلك) أي من الثلث في الرجعة أو الربع في البداءة. (ردوا إليه) أي إلى الثلث أو الربع، ولم يستحقوا الزائد لمخالفة النص. فصل: (ويلزم الجيش طاعة الأمير) لقوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * وقوله (ص): من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني رواه النسائي. (و) يلزمهم (النصح له) لحديث: الدين النصيحة. ولان نصحه نصح للمسلمين. ولأنه يدفع عنهم. فإذا نصحوه، كثر دفعه. وفي الأثر: أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. ومعناه: يكف. (و) يلزمهم (الصبر معه في اللقاء وأرض العدو) لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا) * ولأنه من أقوى أسباب النصر والظفر (و) يلزمهم (اتباع رأيه والرضا بقسمته للغنيمة وبتعديله لها) لأن ذلك من جملة طاعته، (وإن خفي عنه صواب عرفوه ونصحوه، فلو أمرهم بالصلاة جماعة وقت لقاء العدو فأبوا، عصوا) قال الآجري: لا نعلم فيه خلافا. ولو قال: سيروا وقت كذا، دفعوا معه. نص عليه. قال ابن مسعود: الخلاف شر ذكره ابن عبد البر. وقال كان يقال: لا خير مع الخلاف ولا شر مع الائتلاف. ونقل المروذي: لا يخالفوه، يتشعث أمرهم. (ولا يجوز لاحد أن يتعلف) وهو تحصيل العلف للدواب، (ولا يتحطب) وهو تحصيل الحطب (ولا يبارز)
77 علجا (ولا يخرج من العسكر، ولا يحدث حدثا إلا بإذنه) أي الأمير. لأنه أعرف بحال الناس، وحال العدو، ومكامنهم وقوتهم. فإذا خرج إنسان أو بارز بغير إذنه. لم يأمن أن يصادف كمينا للعدو، فيأخذوه، أو يرحل بالمسلمين ويتركه فيهلك، أو يكون ضعيفا لا يقوى على المبارزة، فيظفر به العدو، فتنكسر قلوب المسلمين، بخلاف ما إذا أذن. فإنه لا يكون إلا مع انتفاء المفاسد. ويؤيد ذلك: قوله تعالى: * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) * (ولا ينبغي أن يأذن في موضع إذا علم أنه مخوف) نص عليه. لأنه تغرير بهم (وإن دعا كافر إلى البراز) بكسر الباء: عبارة عن مبارزة العدو، وبفتحها: اسم للفضاء الواسع. (استحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير) لمبارزة الصحابة في زمن النبي (ص) ومن بعده. قال قيس بن عباد: سمعت أبا ذر: يقسم قسما في قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * أنها نزلت في الذين بارزوا يوم بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة متفق عليه. قال علي: نزلت في مبارزتنا يوم بدر رواه البخاري. وكان ذلك بإذنه (ص)، وبارز البراء بن مالك مرزبان الدارة فقتله، وأخذ سلبه، فبلغ ثلاثين ألفا. ولان في الإجابة إليها إظهارا لقوة المسلمين وجلدهم على الحرب. (فإن لم يثق من نفسه) القوة والشجاعة (كره) له أن يجيب، لما فيه من كسر قلوب المسلمين بقتله ظاهرا. (فإن كان الأمير لا رأي له. فعلت المبارزة بغير إذنه. ذكره) محمد (بن تميم) الحراني (في صلاة الخوف) لنكاية العدو (والمبارزة التي يعتبر فيها إذن الإمام: أن يبرز رجل بين الصفين قبل التحام الحرب، يدعو إلى المبارزة) بخلاف الانغماس في الكفار، فلا يتوقف على إذن، لأنه يطلب الشهادة ولا يترقب منه ظفر ولا مقاومة. بخلاف المبارزة. فإن قلوب الجيش تتعلق به، وترتقب ظفره (ويباح للرجل المسلم الشجاع طلبها ابتداء) لأنه غالب بحكم الظاهر (ولا يستحب) له
78 ذلك. لأنه لا يأمن أن يقتل. فتنكسر قلوب المسلمين ف (- إن شرط الكافر) المبارز (أ) ن (لا يقاتله غير الخارج إليه، أو كان هو العادة. لزمه) الشرط لقوله (ص): المسلمون على شروطهم، والعادة بمنزلة الشرط (ويجوز رميه وقتله قبل المبارزة) لأنه كافر، لا عهد له. ولا أمان. فأبيح قتله كغيره (إلا أن تكون العادة جارية بينهما) أي بين المسلمين وأهل الحرب. (أن من يخرج بطلب المبارزة لا يعرض له. فيجري ذلك مجرى الشرط) ويعمل بالعادة (وإن انهزم المسلم) تاركا للقتال (أو أثخن) المسلم (بالجراح. جاز لكل مسلم الدفع عنه، والرمي) أي رمي الكافر وقتله. لأن المسلم إذا صار إلى هذا الحال. فقد انقضى قتاله، وزال الأمان، وزال القتال. لأن حمزة وعليا أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة، حين أثخن عبيدة. وإن أعان الكفار صاحبهم فعلى المسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقاتلوا من أعان عليه، لا المبارز. لأنه ليس بسبب من جهته. (وتجوز الخدعة) بفتح الخاء والدال. وهي الاسم من الخداع، أي إرادة المكروه به من حيث لا يعلم. كالخديعة (في الحرب للمبارزة وغيره) لحديث: الحرب خدعة وروي: أن عمرو بن عبد ود لما بارز عليا قال له علي: ما برزت لأقاتل اثنين، فالتفت عمرو فوثب علي فضربه. فقال عمرو: خدعتني. فقال: الحرب خدعة. (وإن قتله) أي الكافر المبارز (المسلم أو أثخنه، فله سلبه) لحديث أنس وسمرة أن النبي (ص) قال: من قتل قتيلا فله سلبه وفي حديث أبي
79 قتادة: وله عليه بينة متفق عليه. وعن أنس مرفوعا قال (ص): يوم حنين: من قتل قتيلا فله سلبه. فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم، رواه أبو داود. وظاهره: ولو كانت المبارزة بغير إذن. وقطع به في المغني، لعموم الأدلة. وفي الارشاد: وإن بارز بغير إذن الإمام فلا يستحق السلب. وجزم به ناظم المفردات (غير مخموس) لما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد: أن النبي (ص) قضى بالسلب للقاتل. ولم يخمس السلب رواه أبو داود (وهو) أي السلب (من أصل الغنيمة، لا من خمس الخمس) لأنه لم ينقل عنه (ص) أنه احتسبه من الخمس. ولان سببه لا يفتقر إلى اجتهاد، فلم يكن من خمس الخمس كسهم الفارس. (ولو) كان القاتل للكافر (عبدا بإذن سيده، أو) كان (امرأة أو كافرا بإذن) الامام (أو صبيا) لعموم ما سبق، و (لا) يستحقه القاتل إن كان (مخذلا، ولا مرجفا، ومعينا على المسلمين، وكل عاص) بسفره (كمن دخل بغير إذن) الأمير (أو منع منه) الأمير. لأنه ليس من أهل الجهاد. ويستحق السلب القاتل بشرطه، (ولو كان المقتول صبيا أو امرأة ونحوهما) كالخنثى والشيخ الكبير (إذا قاتلوا) للعمومات (وكذا كل من قتل قتيلا أو أثخنه. فصار في حكم المقتول. فله سلبه إذا كان القاتل ممن يستحق السهم) كالرجل الحر (أو الرضخ) كالعبد بإذن سيده، والمرأة والكافر بإذن الأمير. والصبي (كما تقدم. قال ذلك الامام) أي سواء قال الامام: من قتل قتيلا فله سلبه (أو لم يقله) الامام. لعموم الأدلة (إذا قتله حال الحرب لا قبلها ولا بعدها) لأن عبد الله بن مسعود: ذفف على أبي جهل. وقضى النبي (ص) بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، لأنه أثبته (منهمكا على القتال، أي مجدا فيه مقبلا عليه) فإن كان منهزما فلا سلب له، نص عليه. لأنه لم يغرر بنفسه في قتله (وغرر بنفسه في قتله، كأن بارزه) أو كانت الحرب قائمة. فلا سلب له (لا إن رماه بسهم من صف المسلمين، أو قتله مشتغلا بأكل ونحوه) لعدم التغرير. وكذا إن أغرى عليه كلبا عقورا فقتله. وإن عانق رجل رجلا فقتله آخر أو كان الكافر مقبلا على
80 رجل يقاتله. فجاء آخر من ورائه فضربه فقتله، قطع به في المغني. واستدل له (أو) قتله (منهزما مثل أن ينهزم الكفار كلهم، فيدرك إنسانا منهزما فيقتله) فلا سلب له، لأنه لم يغرر بنفسه (وإن كانت الحرب قائمة وانهزم أحدهم متحيزا) إلى فئة، أو متحرفا لقتال (فقتله إنسان فله سلبه) ذكره في البلغة والترغيب (ويشترط في استحقاق سلبه) أي المقتول (أن يكون غير مثخن، أي موهن بالجراح) لما تقدم في قضية عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن عمرو بن الجموح (وإن قطع أربعة) إنسان (ثم قتله آخر، أو ضربه اثنان، وكانت ضربة أحدهما أبلغ فسلبه للقاطع) لأربعته (وللذي ضربته أبلغ) لأنه كفى المسلمين شره (وإن قتله اثنان فأكثر فسلبه غنيمة) لأنه (ص) لم يشرك بين اثنين في سلب، ولأنه إنما يستحق بالتغرير في قتله. ولا يحصل بالاشتراك (وإن أسره فقتله الامام أو استحياه) أي أبقاه حيا رقيقا، أو بفداء أو من. (فسلبه ورقه إن رق. وفداؤه إن فدى: غنيمة) لأن الذي أسره لم يقتله. ولأنه قد أسر المسلمون يوم بدر أسرى. فقتل النبي (ص) منهم واستبقى منهم. ولم ينقل أنه أعطى أحدا ممن أسرهم سلبا ولا فداء. (وإن قطع يده أو رجله، وقتله آخر، فسلبه للقاتل) لأن الأول لم يثخنه. (وإن قطع) واحد (يده ورجله أو قطع يديه أو رجليه، ثم قتله آخر. فسلبه غنيمة) لأنه لم ينفرد أحدهما بقتله، ولم يستحقه القاتل. لأنه مثخن بالجراح (ولا تقبل دعوى القتل) لاخذ السلب (إلا بشهادة رجلين. نصا) لأن الشارح اعتبر البينة، وإطلاقها ينصرف إلى شاهدين، وكالقتل العمد. ويأتي في أقسام المشهود به، يقبل رجل
81 وامرأتان، ورجل ويمين، كسائر الأموال. (والسلب: ما كان عليه) أي الكافر (من ثياب وحلي وعمامة، وقلنسوة، ومنطقة. ولو مذهبة، ودرع، ومعفر، وبيضة، وتاج، وإسورة وران وخف بما في ذلك من حلية. و) ما كان عليه من (سلاح من سيف، ورمح، ولت، وقوس ونشاب ونحوه). لأنه يستعين به في حربه، فهو أولى بالأخذ من الثياب، وسواء (قل) السلب (أو كثر) لما تقدم من أخذ البراء بن مالك سلب مرزبان الدارة. وأنه بلغ الثلاثين ألفا (ودابته التي قاتل عليها بآلتها من السلب إذا قتل وهو عليها) لحديث عوف بن مالك رواه الأثرم ولان الدابة يستعان بها في الحرب كالسلاح. وآلتها كالسرج واللجام تبع لها. (ونفقته ورحله وخيمته، وجنيبته غنيمة) لأن ذلك ليس من اللبوس، ولا مما يستعان به في الحرب. أشبه بقية الأموال (ويجوز سلب القتلى وتركهم عراة غير مستوري العورة) لأنهم غير معصومين، وكرهه الثوري وغيره. لما فيه من كشف عوراتهم. (ويحرم السفر بالمصحف إلى أرض العدو) لنهيه (ص) عنه خوفا من أن يستولوا عليه، فيهان (وتقدم في نواقض الطهارة. ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير) لأنه أعرف بالحرب وأمره موكول إليه. ولأنه إذا لم تجز المبارزة إلا بإذنه فالغزو أولى. (إلا أن يفجأهم) أي يطلع عليهم بغتة (عدو يخافون كلبه) بفتح الكاف واللام، أي شره، وأذاه (بالتوقف على الاذن) لأن الحاجة تدعو إليه، لما في التأخير من الضرر. وحينئذ لا يجوز التخلف لاحد إلا من يحتاج إلى تخلفه، لحفظ المكان والأهل والمال. ومن لا قوة له على الخروج، ومن يمنعه الامام. (أو) يجدون (فرصة يخافون فوتها) إن تركوها حتى يستأذنوا الأمير. فإن لهم الخروج بغير إذنه، لئلا تفوتهم. ولأنه إذا حضر العدو صار الجهاد فرض عين. فلا يجوز التخلف عنه. ولذلك لما أغار الكفار على لقاح النبي (ص) وصادفهم سلمة بن الأكوع خارج المدينة تبعهم، وقاتلهم من غير إذن، فمدحه النبي (ص) وقال: خير رجالتنا سلمة بن الأكوع وأعطاه سهم فارس وراجل. (وإذا قال الامام لرجل: أخرج عليك أن لا تصحبني، فنادى)
82 الامام (بالنفير لم يكن) النفير (إذنا له) في الخروج لتقديم الخاص على العام، (ولا بأس بالنهدة) بكسر النون، وهو المناهدة (في السفر) فعله الصالحون. كان الحسن إذا سافر ألقى معهم، ويزيد أيضا بعد ما يلقي، وفيه أيضا رفق. (ومعناه) أي النهد (أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئا من النفقة يدفعونه إلى رجل منهم ينفق عليهم. ويأكلون منه جميعا. ولو أكل بعضهم أكثر من بعض) لجريان العادة بالمسامحة في مثل ذلك (ولو دخل قوم لا منعة) بفتح الأحرف الثلاث، وقد تسكن النون، أي القوة والدفع (لهم، أو لهم منعة أو) دخل (واحد، ولو عبدا ظاهرا كان) الدخول (أو خفية: دار حرب بغير إذن الأمير: فغنيمتهم فئ لعصيانهم) بافتياتهم على الامام لطلب الغنيمة. فناسب حرمانهم كقتل الموروث (ومن أخذ من دار الحرب ولو بلا حاجة) إلى المأخوذ (ولا إذن) الأمير (طعاما مما يقتات أو يصلح به القوت من الأدم أو غيره، ولو سكرا ومعاجين وعقاقير ونحوه، أو علفا. فله أكله وإطعام سبي اشتراه، وعلف دابته، ولو كانا) أي السبي والدابة (لتجارة) لقول ابن عمر: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه رواه البخاري. وعنه: أن جيشا غنموا في زمان رسول الله (ص) طعاما وعسلا. فلم يأخذ منهم الخمس رواه أبو داود. ولان الحاجة تدعو إليه، إذ الحمل فيه مشقة. فأبيح توسعة على الناس (ما لم يحرز) ما تقدم من الطعام والعلف. (أو يوكل الامام من يحفظه. فلا يجوز إذن) أن يأكله أو يعلفه دابته (إلا لضرورة) نص عليه. لأنه صار غنيمة للمسلمين. وتم ملكهم عليه، (ولا يطعم منه) أي من الطعام، وإن لم يحرز (فهدا، و) لا (كلبا، و) لا (جارحا. فإن فعل) أي أطعم ذلك (غرم قيمته) لأن هذا يراد للتفرج ولا حاجة إليه في الغزو، (ولا يبيعه) أي الطعام والعلف. لأنه لم ينقل. لعدم الحاجة إليه، بخلاف الاكل. (فإن) كان (باعه رد ثمنه في
83 المغنم) لما روى سعيد: أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر: إنا أصبنا أرضا كثيرة الطعام والغلة، وكرهت أن أتقدم في شئ من ذلك. فكتب إليه: دع الناس يعلفون ويأكلون، فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين قال في المبدع: وظاهره أن البيع صحيح، لأن المنع منه إنما كان لأجل حق الغانمين وفي رد الثمن تحصيل لذلك، ولان له فيه حقا، فصح بيعه. كما لو تحجر مواتا. وفرق القاضي والمؤلف أي الموفق في الكافي: إن باعه لغير غاز. فهو باطل، كبيعه الغنيمة بغير إذن فيرد المبيع إن كان باقيا أو قيمته أو ثمنه إن كان تالفا. وإن باعه لغاز فلا يخلو إما أن يبيعه بما يباح له الانتفاع به أو بغيره. فإن كان الأول فليس بيعا في الحقيقة، إنما دفع إليه مباحا، وأخذ مثله، ويبقى أحق به لثبوت يده عليه. فعلى هذا لو باع صاعا بصاعين، وافترقا قبل القبض، جاز إذ لا بيع. وإن أقرضه إياه فهو أحق به، فإن وفاه أورد إليه. عادت يده كما كانت. وإن كان الثاني فليس بصحيح. ويصير المشتري أحق به، لثبوت يده عليه. ولا ثمن عليه. ويتعين رده إليه. (والدهن المأكول كسائر الطعام) لأنه طعام. أشبه البر (وله دهن بدنه ودابته منه) لحاجة، ونقل أبو داود دهنه بزيت للتزين لا يعجبني. (و) له دهن بدنه ودابته (من دهن غير مأكول) ظاهره: ولو نجسا. ولعله غير مراد. وتقدم ما فيه في أول الجنائز. (و) له (أكل ما يتداوى به، وشرب جلاب، وسكنجبين ونحوهما لحاجة) لأنه في معنى الطعام (ولا يغسل ثوبه بالصابون) لأنه ليس بطعام. فإن فعل رد قيمته في المغنم. (ولا يركب دابة من دواب المغنم) لما روى رويفع بن ثابت الأنصاري مرفوعا: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فئ المسلمين حتى إذا أعجفها ردها. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من فئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده رواه سعيد. ولأنها تتعرض للعطب غالبا. وقيمتها كثيرة بخلاف السلاح (ولا يتخذ النعل والجرب) جمع جراب (من جلودهم. ولا الخيوط والحبال) بل ترد على المغنم كسائر أموالهم. (وكتبهم المنتفع بها ك) - كتب (الطب واللغة والشعر ونحوها) كالحساب والهندسة (غنيمة) لاشتمالها على نفع مباح (وإن كانت) كتبهم (مما لا ينتفع به،
84 ككتب التوراة والإنجيل، وأمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد غسله غسل) إزالة لما فيه من التغيير والتبديل. (وهو غنيمة) كسائر ما ينتفع به (وإلا) أي وإن لم يمكن الانتفاع بها بعد غسلها، (فلا) تكون غنيمة. بل يتلفها (ولا يجوز بيعها) ولو لاتلافها ككتب الزندقة ونحوها. (وجوارح الصيد كالفهود والبزاة: غنيمة تقسم) لأنها مال ينتفع به. كباقي الأموال. (وإن كانت كلابا مباحة. لم يجز بيعها) لنهيه (ص) عن ثمن الكلب، (فإن لم يردها أحد من الغانمين جاز إرسالها. و) جاز (إعطاؤها غيرهم) أي غير الغانمين (وإن رغب فيها بعض الغانمين دون بعض. دفعت إليه) لأنه أولى من غير الغانمين، (ولم تحتسب عليه) من سهمه لأنها ليست بمال (وإن رغب فيها) أي الكلاب المعلمة (الجميع) أي جميع الغانمين (أو) رغب فيها (ناس كثير) من الغانمين (وأمكن) قسمتها عددا (قسمت عددا من غير تقويم) لأنه لا قيمة لها (وإن تعذر ذلك) أي قسمتها بالعدد (أو تنازعوا في الجيد منها أقرع بينهم) لأنه لا مرجح غير القرعة (ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويراق الخمر، وتكسر أوعيته إن لم يكن فيهما نفع للمسلمين) وإلا أبقيت (وإن فضل معه من الطعام ونحوه) كالعلف (شئ ولو يسيرا. فأدخله بلدة في دار الاسلام رده في الغنيمة) لأنه إنما أبيح له ما يحتاج إليه. فما بقي تبينا أنه أخذ أكثر مما يحتاجه فبقي على أصل التحريم. (و) إن فضل معه شئ (قبل دخولها) أي دخول بلده في دار الاسلام (يرد ما فضل معه) وفي نسخ، منه (على المسلمين) لما تقدم (وإن أعطاه أحد من أهل الجيش ما يحتاج إليه) من طعام وعلف (جاز له أخذه، وصار أحق به من غيره) كما لو أخذه هو ابتداء (وله أخذ سلاح من الغنيمة، ولو لم يكن محتاجا إليه يقاتل به، حتى تنقضي الحرب، ثم يرده) لقول ابن مسعود: انتهيت إلى أبي جهل فوقع سيفه من يده فأخذته فضربته به حتى برد رواه الأثرم،
85 ولان الحاجة إليه أعظم من الطعام، وضرر استعماله أقل من ضرر أكل الطعام، لعدم زوال عينه بالاستعمال (ويجوز له أن يلتقط النشاب ثم يرمي به العدو) لأنه في معنى القتال بالسيف (وليس له القتال على فرس من الغنيمة) لما تقدم في ركوب دابة من دوابها (ولا لبس ثوب) من الغنيمة لما تقدم (وليس لأجير لحفظ غنيمة ركوب دابة منها) أي من الغنيمة. لأنه استعمال لها بما لا يقتضيه العقد (إلا بشرط) بأن شرط له الأمير ركوبها إذا كانت معينة وعينت المسافة. بل ظاهره: وإن لم يعينا (ولا) لأجير لحفظ الغنيمة (ركوب دابة حبيس) أي موقوفة على الغزاة، لوجوب صرف الوقف للجهة التي عينها الواقف. وهذا ليس منها (ولو بشرط) أي ولو شرط الأمير للأجير ركوب الحبيس. فلا يستبيحه بذلك. لمخالفته لشرط الواقف. (فإن فعل) أي ركب الأجير الفرس الحبيس (ف) - عليه (أجرة مثلها) لتعديه بإتلاف المنفعة. فيرد في الغنيمة إن كانت منها. وتصرف في نفقة الحبيس، إن كانت الدابة حبيسا (ومن أخذ ما يستعين به في غزاة معينة فالفاضل) منه (له) لأنه أعطاه على سبيل المعاونة والنفقة. فكان الفاضل له، كما لو وصى أن يحج عنه فلان حجة بألف يصرف في حجة، إلا إذا كان من الزكاة (وإلا) أي إن لم يأخذه ليستعين به في غزاة معينة، بل ليستعين به في الغزو، أو في سبيل الله (أنفقه في الغزو) لأنه أعطاه إياه، لينفقه في جهة قربة. فلزمه إنفاق الجميع فيها. كما لو وصى أن يحج عنه بألف. فإنه يصرف في حجة بعد أخرى حتى ينفد (وإن أعطيه) أي المال (ليستعين به في الغزو لم يترك منه لأهله شيئا) قبل خروجه، ولا عنده لأنه لا يملكه، (إلا أن يصير إلى رأس مغزاه) فيكون كهيئة ماله (فيبعث إلى عياله منه) لأنه من جملة حوائجه (ولا يتصرف فيه) أي فيما أعطيه ليستعين به في الغزو (قبل الخروج، لئلا يتخلف عن الغزو) فلا يكون مستحقا لما أنفقه (إلا أن يشتري منه سلاحا وآلة الغزو) كالترس والفرس (ومن أعطى دابة ليغزو عليها غير عارية ولا حبيس. فغزا عليها ملكها) بالغزو عليها. لقول عمر: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه صاحبه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه بائعه برخص. فسألت رسول الله (ص) فقال: لا تشتره، ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكه بدرهم، فإن
86 العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه متفق عليه. وهذا يدل على أنه ملكه. لأنه لولا ذلك ما باعه. ويدل على أنه ملكه بعد الغزو، ولأنه أقامه للبيع بالمدينة. ولم يكن ليأخذه من عمر ثم يقيمه للبيع في الحال. فدل على أنه أقامه للبيع بعد غزوه عليه. ذكر أحمد نحو هذا الكلام. وسئل: متى تطيب له الفرس،؟ قال: إذا غزا عليها. قيل له: فإن العدو جاءنا فخرج على هذا الفرس في الطلب إلى خمس فراسخ، ثم رجع؟ قال: لا. حتى يكون غزوا. (ومثلها) أي الدابة التي أعطيها ليغزو عليها (سلاح ونفقة) أعطيه ليغزو به، فيملكه بالغزو (فإن باعه بعد الغزو فلا بأس. ولا يشتريه من تصدق به) مما تقدم (ولا يركب دواب السبيل في حاجة) نفسه، لأنه لم تسبل لذلك (ويركبها ويستعملها في سبيل الله) تعالى، لأنها سبلت لذلك (ولا تركب في الأمصار والقرى) لزينة ولا غيرها، (ولا بأس أن يركبها ويعلفها) أي لعلفها وسقيها. لأنه لحاجتها، (وسهم الفرس الحبيس: لمن غزا عليه) يعطى منه نفقته والباقي له. باب قسمة الغنيمة يقال: غنم فلان الغنيمة يغنمها واشتقاقها من الغنم. وأصلها الربح والفضل. والمغنم مرادف للغنيمة. والأصل فيها قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول) * - الآية، وقوله: * (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) * وقد اشتهر وصح: أنه (ص) قسم الغنائم. وكانت في أول الاسلام خاصة لرسول الله (ص) لقوله تعالى: * (يسألونك عن الأنفال) * - الآية ثم صارت أربعة أخماسها للغانمين، وخمسها لغيرهم. (وهي ما أخذ من مال حربي) خرج به ما يؤخذ من أموال أهل الذمة من جزية وخراج ونحوه. (قهرا بقتال) خرج به ما جلوا وتركوه فزعا، وما يؤخذ منهم من العشر إذا اتجروا إلينا ونحوه. (وما ألحق به) أي بالمأخوذ بالقتال (كهارب) استولينا عليه
87 (وهدية الأمير ونحوهما) كالمأخوذ في فداء الأسرى، وما يهدى لبعض قواد الأمير بدار حرب (ولم تحل) الغنائم (لغير هذه الأمة) لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس غيركم، كانت تنزل نار من السماء تأكلها متفق عليه. (وإن أخذ منهم) أي من الحربيين (مال مسلم أو) مال (معاهد) ذمي أو مستأمن (فأدركه صاحبه قبل قسمه. لم يقسم، ورد إلى صاحبه بغير شئ) لما روى ابن عمر: أن غلاما له أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده النبي (ص). وذهب فرس له فأخذه المسلمون فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي (ص) رواهما البخاري. (فإن قسم) ما أخذه منهم من مال مسلم أو معاهد (بعد العلم بأنه مال مسلم أو معاهد. لم تصح قسمته وصاحبه أحق به بغير شئ) لأن قسمته كانت باطلة من أصلها. فهو كما لو لم يقسم. (ثم إن كان) مال المسلم أو المعاهد المأخوذ منهم (أم ولد. لزم السيد أخذها) قبل القسمة مجانا (وبعد القسمة بالثمن) ولا يدعها يستحل فرجها من لا تحل له. (وما سواها) أي أم الولد (لربه) أخذه قبل القسمة مجانا وبعدها بالثمن. (و) له (تركه غنيمة) للغانمين لأن الحق له. فإن شاء استوفاه وإن شاء تركه. (فإن أخذه) قبل القسمة (أخذه مجانا) لما تقدم. (وإن أبى أخذه) قسم، لأن ربه لم يملكه. وإنما هو أحق به. فإذا تركه سقط من التقديم. (أو غنم المسلمون شيئا عليه علامة المسلمين من مراكب أو غيرها، ولم يعرف صاحبه، قسم، وجاز التصرف فيه) لأن الكفار قد ملكوه، فصار كسائر أموالهم إذا استولى عليها المسلمون. وإنما لربه حق التملك إذا عرف. (وإن كانت) الأمة المأخوذة من الكفار، (جارية لمسلم، أولدها أهل الحرب فلسيدها أخذها) إذا أدركها كما تقدم (دون أولادها ومهرها) للحوق النسب لمالك،
88 لأنهم يملكونها بالاستيلاء كسائر أموالنا (وإن أدركه) أي أدرك المسلم أو المعاهد ماله المأخوذ من أهل الحرب (مقسوما) فهو أحق به بثمنه. لما روى ابن عباس: أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه فقال له النبي (ص): إن أصبته قبل القسمة فهو لك. وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة وإنما امتنع أخذه له بغير شئ لئلا يفضي إلى حرمان آخذه بالغنيمة. ولو لم يأخذه لأدى إلى ضياع حقه. فالرجوع بشرط وزن القيمة جمع بين الحقين، (أو) أدركه ربه (بعد بيعه. و) بعد (قسم ثمنه. فهو أحق به بثمنه كأخذه) أي كما أن له أخذه (من مشتريه من العدو) بثمنه. لئلا يضيع الثمن على المشتري، وحقه ينجبر بالثمن، فرجوع صاحب المال في عينه كأخذ الشقص المشفوع. (وإن وجده) أي وجد رب المال ماله. (بيد مستول عليه) من الحربيين (وقد جاءنا بأمان، أو) جاءنا (مسلما. فلا حق له) أي لربه (فيه) لحديث: من أسلم على شئ فهو له قال في الاختيارات: وإذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين فهي لهم. نص عليه الإمام أحمد. وقال في رواية أبي طالب: ليس بين المسلمين اختلاف في ذلك قال أبو العباس: وهذا يرجع إلى أن كل ما قبضه الكفار من الأموال قبضا يعتقدون جوازه. فإنه يستقر لهم بالاسلام. كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها. ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين بالاجماع، انتهى. وإن كان أخذه من المستولي عليه هبة أو سرقة أو شراء، فكذلك. لأنه استولى عليه حال كفره. فأشبه ما لو استولى عليه بقهره المسلم. (وإن أخذه من الغنيمة بغير عوض، أو سرقة أحد من الرعية من الكفار، أو أخذه) أحد (هبة. فصاحبه أحق به بغير شئ) لحديث عمران بن حصين: إن قوما أغاروا على سرح النبي (ص) فأخذوا جارية وناقة من الأنصار. فأقامت عندهم أياما. ثم خرجت، فركبت الناقة، ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها. فلما قدمت المدينة أخذ النبي (ص) ناقته فأخبرت النبي (ص) بنذرها، فقال: سبحان الله، بئس ما جزيتيها نذرت لله إن نجاك الله عليها لتنحرنها، لا وفاء في معصية ولا فيما لا يملك العبد رواه مسلم. (وإن تصرف فيه من أخذه منهم) أي من الحربيين (صح تصرفه) لأنه تصرف من مالك، فصح كما لو لم يؤخذ من الكفار. (مثل أن باعه المغتنم، أو رهنه، ويملك ربه انتزاعه من الثاني) كما لو كان بيد الأول. وإن أوقفه أو أعتقه، لزم وفات على ربه. (وتمنع
89 المطالبة التصرف فيه كالشفعة) أي كما أن الطلب بالشفعة يمنع المشتري من التصرف في الشقص المشفوع. (وترد مسلمة سباها العدو إلى زوجها) لأنهم لا يملكونها وكذا ذمية. (وولدها) أي الحرة (منهم) أي من الحربيين (ك) - ولد (ملاعنة، و) ولد (زنا) لأنه لا ملك لهم، ولا شبهة ملك. وإن كانت مسلمة وأبى والدها الاسلام حبس وضرب حتى يسلم. لأنه لا يقر على الكفر. (وما لم يملكوه) كالوقف (فلا يغنم بحال ويأخذه ربه إن وجده مجانا، ولو بعد إسلام من هو معه، أو قسمه) بعد (شرائه منهم) لأنه ليس بمال لهم. ولم يزل ملك ربه عنه. (وإن جهل ربه) أي رب ما لا يملكونه من أموالنا، (وقف) حتى يعلم ربه، ولا يقسم لأنه ليس غنيمة (ويملك أهل الحرب مال مسلم بأخذه) لأن الاستيلاء سبب يملك به المسلم مال الكافر فكذا عكسه كالبيع، وكما يملكه بعضهم من بعض، وسواء اعتقدوا تحريمه أو لا. ذكره في الانتصار. (ولو قبل حيازته إلى دار الكفر) قدمه فالشرح وغيره لأن ما كان سببا للملك أثبته حيث وجد كالبيع. (ولو كان) أخذهم مال مسلم (بغير قهر، كأن أبق أو شرد إليهم) مال مسلم فأخذوه كعكسه، (حتى أم ولد ومكاتبا) لأنهما يضمنان بقيمتهما على متلفهما فملكوهما كالقن. والأصح عند ابن عقيل: أنها كوقف (و) مما يترتب على ملكهم مال المسلم بأخذه، (لو بقي مال مسلم معهم) أي الحربيين (حولا أو أحوالا. فلا زكاة فيه) لأنه خرج من ملك المسلم، (و) من ذلك أنه (إن كان) ما أخذوه (عبدا) أو أمة (وأعتقه سيده لم يعتق) لأنه أعتق ما لا يملكه (ولو كانت أمة مزوجة فقياس المذهب: انفساخ نكاحها) إذا سبوها وحدها كعكسه. ومن ذلك: إذا كان لمسلم أختان أمتان. واستولى الكفار على إحداهما، وكان وطئها فله وطئ الثانية. لأن ملكه قد زال عن أختها، (قال الشيخ: الصواب أنهم يملكون أموال المسلمين ملكا مقيدا لا يساوي أملاك المسلمين من كل وجه. انتهى) لما تقدم من أن ربه إذا أدركه أخذه إما مجانا أو بالثمن على
90 التفصيل السابق. و (لا يملكون حبيسا ووقفا) لعدم تصور الملك فيهما، فلم يملكا بالاستيلاء كالحر، (و) لا يملكون (ذميا) حرا (و) لا (حرا) مسلما ذكرا كان أو أنثى، لأنه لا يضمن بالقيمة فلا تثبت اليد عليه بحال. فإذا قدر المسلمون بعد ذلك على أهل الذمة وجب ردهم إلى ذمتهم ولم يجز استرقاقهم. لأن ذمتهم باقية. ولم يوجد منهم ما يوجب نقضها. (ومن اشتراه) أي الأسير الحر مسلما كان أو ذميا ذكرا أو أنثى، (منهم) أي الكفار (وأطلقه أو أخرجه إلى دار الاسلام رجع بثمنه بنية الرجوع. ولا يرد إلى بلاد العدو بحال. وتقدم) في الباب قبله بدليله. (فإن اختلفا) أي المشتري والأسير (في) قدر (ثمنه، فقول أسير) لأنه منكر للزيادة والأصل براءته منها. (ويعمل بقول عبد ميسور أنه لفلان) قيل لأحمد: أصيب غلام في بلاد الروم، فقال: أنا لفلان رجل بمصر قال: إذا عرف الرجل لم يقسم ورد على صاحبه وقيل له: أصبنا مركبا في بلاد الروم فيها النواتية قالوا: هذا لفلان، قال: هذا قد عرف صاحبه لا يقسم (و) يعمل (بوسم على حبيس) ونظيره، كما يأتي في آخر أقسام المشهود به: العمل بما على أسكفة مدرسة ونحوها، وكتب علم بخزانة مدة طويلة. لتعذر إقامة البينة على ذلك غالبا. (وما أخذه من دار الحرب من) فاعل أخذ (هو مع الجيش وحده أو بجماعة لا يقدر عليه) أي المأخوذ (بدونهم من ركاز أو مباح له قيمة في مكانه كالدارصيني وسائر الأخشاب والأحجار والصموغ والصيود، ولقطة حربي، والعسل من الأماكن المباحة ونحوه. فهو غنيمة) لأنه مال حصل الاستيلاء عليه قهرا بقوة الجيش. فكان غنيمة كسائر أموالهم (في الاكل منه) إذا كان طعاما (وغيره)، أي غير الاكل. فثبتت له أحكام الغنيمة كلها. (وإن لم يكن) الاخذ لذلك (مع الجيش، كالمتلصص ونحوه. فالركاز لواجده) كما وجد بدار الاسلام. (وفيه) أي الركاز (الخمس) كما تقدم في محله. وما عدا الركاز من المباحات يكون أيضا لواجده غير مخموس، حيث قدر عليه وحده كسائر المباحات. (وإن لم يكن له) أي للمأخوذ من مباح دار الحرب (قيمة بنقله كالأقلام والمسن) بكسر الميم. (والأدوية، فهو لآخذه) ولو
91 وصل إليه بقوة الجيش. (ولو صار له قيمة بنقله ومعالجته) لأن ذلك أمر طارئ (وإن وجد لقطة في دار الحرب من متاع المسلمين فكما لو وجدها في غير دار الحرب) يعرفها حولا. فإن لم يعرف ربها ملكها وإن كانت من متاع المشركين فهي غنيمة. (وإن شك هل هي من متاع المسلمين أو) من متاع (المشركين عرفها حولا) لاحتمال أن تكون من متاع المسلمين. (ثم) إن لم تعرف (جعلها في الغنيمة) لأن الظاهر أنها من متاع المشركين. قال في الشرح والمبدع، نص عليه ولم يحكيا فيه خلافا. ومحله: إذا وصل إليها بقوة الجيش، (ويعرفها في بلاد المسلمين) نص عليه، أي يتم تعريفها في بلادنا. وأما الشروع فمن حين الوجدان. كما نبه عليه في المغني (وإن ترك صاحب القسم) أي المفوض إليه أمره، وهو الامام أو الأمير أو نائبه (شيئا من الغنيمة عجزا عن حمله ولم يشتر) ذلك المتروك (فقال) صاحب القسم (من أخذ شيئا فهو له. فمن أخذ شيئا ملكه) كسائر المباحات (وللأمير إحراقه) حتى لا يعود إليه الكفار فينتفعون به. (و) للأمير (أخذه لنفسه كغيره) أي غير الأمير، فإن له أخذه لما تقدم. (ولو أراد الأمير أن يشتري لنفسه من الغنيمة. فوكل من لا يعلم أنه وكيله صح البيع) لانتفاء المانع وهو المحاباة. ولعل المراد إذا كان البائع بعض الغانمين لحصته. فإن كان البائع الأمير أو وكيله لم يصح مطلقا. كما هو مقتضى ما يأتي في الوكالة، وهو ظاهر نص الامام كما لا يجوز لأمير الجيش أن يشتري من مغنم المسلمين شيئا. لأنه يحابي. ولان عمر رد ما اشتراه ابنه في غزوة جلولاء. وقال: إنه يحابي. احتج به أحمد. قال في المغني: ولأنه هو البائع أو وكيله، فكأنه يشتري من نفسه أو وكيل نفسه (وإلا) بأن اشترى بنفسه أوكل من يعلم أنه وكيله (حرم) عليه ذلك نص عليه.
92 واحتج بأن عمر رد ما اشتراه ابن عمر في قصة جلولاء للمحاباة وظاهره بطلان البيع. (وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب) لأنها مال مباح، فملكت بالاستيلاء عليها. كسائر المباحات. ويؤيده: أنه لا ينفذ عتقهم في رقيقهم الذين حصلوا في الغنيمة. ولا يصح تصرفهم فيه. وأنه لو أسلم عبد الحربي ولحق بجيش المسلمين صار حرا. وفي الانتصار وعيون المسائل باستيلاء تام، لا في فور الهزيمة للبس الامر. هل هو حيلة أو ضعف؟ وفي البلغة كذلك. وأنه ظاهر كلامه. والمنصوص عن أحمد، وعليه أكثر الأصحاب: أن مجرد الاستيلاء وإزالة أيدي الكفار عنها كاف. (ويجوز قسمها وتبايعها) في دار الحرب. قال أبو إسحاق الفزاري للأوزاعي: هل قسم النبي (ص) شيئا من الغنائم في المدينة؟ قال: لا أعلمه. وقسم النبي (ص) غنائم بني المصطلق على مياههم، وغنائم حنين بأوطاس، ولأنهم ملكوها بالاستيلاء فجاز قسمتها فيها وبيعها. كما لو أحرزت بدار الاسلام. (وهي) أي الغنيمة (لمن شهد الوقعة) لما روى الشافعي وسعيد بإسنادهما عن طارق بن شهاب أن عمر قال: الغنيمة لمن شهد الوقعة. (من أهل القتال إذا كان قصده الجهاد، قاتل أو لم يقاتل، من تجار العسكر، وأجير التجار، ولو) كان الأجير (للخدمة ولمستأجر مع جندي كركابي وسايس، والمكاري والبيطار والحداد والإسكاف والخياط والصناع) أي أرباب الصنائع، (الذين يستعدون للقتال ومعهم السلاح) لأنه ردء للمقاتل لاستعداده أشبه المقاتل وحمل المجد إسهام النبي (ص) لمسلمة وكان أجيرا لطلحة. رواه مسلم على أجير قصد مع الخدمة الجهاد. (حتى من منع لدينه) أي منعه الشرع الجهاد لدين عليه (أو منعه أبواه) من الجهاد، فيسهم له (لتعينه) أي الجهاد (بحضوره) أي لصيرورة الجهاد فرض عين بحضوره فلا يتوقف إذن على الاذن. ويعطى أيضا لمن بعثهم الأمير لمصلحة كرسول مخوف وغزا إذن على الاذن (و) يعطى (أيضا لمن بعثهم الأمير لمصلحة كرسول وجاسوس ودليل، وشبههم، وإن لم يشهدوا. ولمن خلفه الأمير في بلاد العدو ولو مرض بموضع مخوف وغزا) الأمير (ولم يمر بهم فرجعوا نصا. فكل هؤلاء يسهم لهم) لأنهم في
93 مصلحة الجيش أو خلفهم الأمير. وهم أولى بالاسهام ممن شهد ولم يقاتل. و (لا) يسهم (لمريض عاجز عن القتال كالزمن والمفلوج والأشل) لأنه لا نفع فيهم (لا) إن كان المرض لا يمنع القتال ك (- المحموم ومن به صداع ونحوه) كوجع ضرس، فيسهم له لأنه من أهل القتال، (ولا) يسهم (لكافر وعبد لم يؤذن لهما) لعصيانهما. فإن أذن لهما أسهم للكافر ورضخ للعبد، (ولا) يسهم (لمن لم يستعد للقتال من التجار وغيرهم) كالخدم والصناع (لأنه لا نفع فيهم) للقتال (ولا) يسهم (لمن نهى الامام عن حضوره) القتال (أو) غزا (بلا إذنه) لعصيانه، (ولا لطفل ومجنون) لأنهما ليسا من أهل الجهاد (و) لا (فرس عجيف ونحوه) لخروجه عن أهلية الجهاد عليه، (ولا لمخذل ومرجف ولو تركا ذلك وقاتلا) وكذا رام بيننا بفتن ونحوه (ولا يرضخ لهم لعصيانهم. وكذا من هرب من كافرين) لا يسهم ولا يرضخ له لعصيانه (ولا) يسهم ولا يرضخ (لخيلهم) تبعا لهم (وإذا لحق المسلمين مدد) هو ما مددت به قوما في الحرب، (أو هرب من الكفار إلينا أسير، أو أسلم كافر أو بلغ صبي، أو عتق عبد أو صار الفارس راجلا. أو عكسه: قبل تقضي الحرب. أسهم لهم وجعلوا كمن حضر الوقعة كلها) لقول عمر، ولأنهم شاركوا الغانمين في السبب. فشاركوهم في الاستحقاق كما لو كان ذلك قبل الحرب. قال في المبدع: وظاهره أنه يسهم لهم، وإن لم يقاتلوا. (وإن كان) لحوق المدد أو الأسير أو إسلام الكافر أو بلوغ الصبي أو عتق العبد، (بعد التقضي) للحرب (ولو لم تحرز الغنيمة) فلا يسهم لهم. لحديث أبي هريرة أن: أبان بن سعيد بن العاص وأصحابه قدموا على النبي (ص) بخيبر بعد أن فتحها فقال أبان: أقسم لنا يا رسول الله. فقال رسول الله: اجلس يا أبان. ولم يقسم له رسول الله (ص) رواه أبو داود. ولأنهم لم يشهدوا الوقعة. أشبه ما لو أدركوا بعد القسمة. فلو لحقهم عدو وقاتل المدد معهم حتى سلموا الغنيمة. فلا شئ لهم فيها. لأنهم إنما قاتلوا عن أصحابها. لأن الغنيمة في أيديهم وحوزهم، نقله الميموني، وقال: قيل له: إن أهل المصيصة غنموا ثم استنقذ
94 منهم العدو. فجاء أهل طرطوس فقاتلوا معهم حتى استنقذوهم؟ فقال: أحب إلي أن يصطلحوا. أي لأن الأولين إذا ملكوها بالحيازة لم يزل ملك الكفار بأخذها. (أو مات أحد من العسكر أو انصرف قبل الاحراز) للغنيمة (فلا) شئ له. هذا مقتضى كلام الخرقي. لأنه مات قبل ثبوت ملك المسلمين عليها. واقتصر عليه الزركشي، وقدمه في الشرح، وجزم به في المغني ونصره. وظاهر كلامه في المقنع: أن الميت يستحق سهمه بمجرد انقضاء الحرب، سواء أحرزت الغنيمة أو لا، ويقتضيه كلام القاضي. قاله في الشرح وقدمه في الفروع وجزم به المصنف فيما يأتي، (وكذا لو أسر في أثنائها) أي أثناء الوقعة. فلا شئ له، لأنه لم يشهد الوقعة. فصل: (وإذا أراد القسمة بدأ بالأسلاب فدفعها إلى أهلها) لأن القاتل يستحقها غير مخموسة، (فإن كان في الغنيمة مال لمسلم أو ذمي دفع إليه) لأن صاحبه متعين، (ثم) يبدأ (بمؤنة الغنيمة من أجرة نقال وحمال، وحافظ ومخزن وحاسب) لأنه من مصلحة الغنيمة، (وإعطاء جعل من دله على مصلحة) كطريق أو قلعة، (إن شرطه من) مال (العدو) قال في الشرح: لأنه في معنى السلب لكن يأتي في كلام المصنف أنه بعد الخمس، (ثم يخمس الباقي) فيجعله خمسة أقسام متساوية. (فيقسم خمسه على خمسة أسهم) نص عليه. لقوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ) * - الآية وإنما لم يقسم على ستة أسهم لأن سهم الله ورسوله شئ واحد. لقوله تعالى: * (والله ورسوله أحق أن يرضوه) * وأن الجهة جهة مصلحة، (سهم الله) تعالى (ورسوله (ص)) وذكر
95 اسمه تعالى للتبرك لأن الدنيا والآخرة له. وكان النبي (ص): يصنع بهذا السهم ما شاء، ذكره في المغني والشرح. (ولم يسقط بموته) (ص) بل هو باق. (يصرف مصرف الفئ) للمصالح لقوله (ص): ليس لي من الفئ إلا الخمس، وهو مردود عليكم رواه سعيد. ولا يكون مردودا علينا إلا إذا صرف في مصالحنا. وفي الانتصار: هو لمن يلي الخلافة بعده (وخص) النبي (ص) (أيضا من المغنم بالصفي، وهو شئ يختاره قبل القسمة. كجارية وعبد وثوب وسيف ونحوه) ومنه كانت صفية أم المؤمنين رضي الله عنها. قال في المبدع: وانقطع ذلك بموته بغير خلاف نعلمه إلا أبا ثور، فإنه زعم أنه باق للأئمة بعده. (وسهم لذوي القربى) للآية، وهو ثابت بعد موته (ص) لم ينقطع. لأنه لم يأت ناسخ ولا مغير. (وهم بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف) لما روى جبير بن مطعم قال: قسم النبي (ص) سهم ذوي القربى بين هاشم وبني المطلب. وقال: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد وفي رواية لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام رواه أحمد والبخاري بمعناه. فرعى لهم نصرتهم وموافقتهم لبني هاشم (ويجب تعميمهم وتفرقته بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، حيث كانوا حسب الامكان) لأنه مال مستحق بالقرابة. فوجب فيه ذلك كالتركة. ولأنه استحق بقرابة الأب، ففضل فيه الذكر على الأنثى كالميراث، ويسوى فيه بين الكبير والصغير. (غنيهم وفقيرهم فيه سواء) لأنه (ص) لم يخص فقراء قرابته، بل أعطى الغني كالعباس وغيره، مع أن شرط الفقر ينافي ظاهر الآية ولأنه يؤخذ بالقرابة، فاستويا فيه كالميراث. (جاهدوا أو لا) لعموم الآية. (فيبعث الامام إلى عماله في الأقاليم ينظروا ما حصل من ذلك) أي من خمس الخمس، المتعلق بذوي القربى (فإن استوت الأخماس) المتحصلة من الأقاليم (فرق كل خمس فيما قاربه) أي في ذلك الإقليم الحاصل منه وما قاربه، (وإن اختلفت) الأخماس (أمر بحمل الفاضل ليدفعه إلى مستحقه)، ليحصل التعديل بينهم. (فإن لم
96 يأخذوا) أي بنو هاشم وبنو المطلب سهمهم، (رد في سلاح وكراع) أي خيل عدة في سبيل الله، لفعل أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ذكره أبو بكر. (ولا شئ لمواليهم) لأنهم ليسوا منهم، (ولا) شئ (لأولاد بناتهم) من غيره، لأنه (ص) لم يدفع إلى أقارب أمه من بني زهرة ولا إلى بني عماته كالزبير. (ولا) شئ (لغيرهم) أي غير بني هاشم وبني المطلب، ( من قريش) لما تقدم. (وسهم لليتامى) للآية (الفقراء) لأن اسم اليتيم في العرف للرحمة. ومن أعطي لذلك اعتبرت فيه الحاجة بخلاف القرابة (واليتيم من لا أب له ولم يبلغ). لقوله (ص): لا يتم بعد احتلام ولا يدخل فيه ولد الزنا ويأتي في الوصايا. (ولو كان له أم. ويستوي فيه الذكر والأنثى) لظاهر الآية. (وسهم للمساكين) للآية، وهم من لا يجد تمام كفايته (فيدخل فيهم الفقراء، فهما صنفان في الزكاة فقط. وفي سائر الأحكام صنف واحد، وسهم لأبناء السبيل) للآية، (ويشترط في ذوي قربى ويتامى ومساكين وأبناء سبيل كونهم مسلمين) لأن الخمس عطية من الله تعالى فلم يكن لكافر فيها حق كالزكاة. (و) يجب (أن يعطوا كالزكاة) أي يعطى هؤلاء الخمس كما يعطون من الزكاة فيعطى المسكين تمام كفايته مع عائلته سنة، وكذا اليتيم ويعطى ابن السبيل ما يوصله إلى بلده. (ويعم بسهامهم جميع البلاد حسب الامكان) لأن كل سهم منها مستحق بوصف موجب دفعه إلى كل مستحقيه كالميراث. فيبعث الامام إلى عماله بالأقاليم كما تقدم في ذوي القربى. (وإن اجتمع في واحد أسباب كالمسكين اليتيم ابن السبيل استحق بكل واحد منها) لأنها أسباب لأحكام، فوجب أن تثبت أحكامها مع الاجتماع كالانفراد. (لكن لو أعطاه ليتمه فزال فقره) بأن استغنى بما أعطيه ليتمه، (لم يعط لفقره شيئا) لأنه لم يبق فقيرا (ولا حق في الخمس لكافر) لما تقدم. (ولا لقن) لأنه لو أعطى لكان لسيده لأن القن لا يملك. (وإن أسقط بعض الغانمين ولو مفلسا حقه) من الغنيمة (فهو للباقين) من أهل الغنيمة لضعف الملك. ولان اشتراكهم في
97 الغنيمة اشتراك تزاحم فإذا أسقط أحدهم حقه كان للباقين بخلاف الميراث لقوته. (وإن أسقط الكل) أي كل الغانمين حقهم من الغنيمة (ف) - هي (فئ) أي صارت فيئا. فتصرف مصرفه. (ثم يعطى الامام) أو الأمير (النفل بعد ذلك) أي بعد الخمس، لما روى معن بن زائدة مرفوعا: لا نفل إلا بعد الخمس رواه أبو داود. ولأنه مال استحق بالتحريض على القتال. فكان (من أربعة أخماس الغنيمة) وقدم على القسمة لأنه حق ينفرد به بعض الغانمين. فأشبه الأسلاب (وهو) أي النفل (الزيادة على السهم لمصلحة، وهو المجعول لمن عمل عملا، كتنفيل السرايا بالثلث والربع ونحوه. وقول الأمير: من طلع حصنا أو نقبه) فله كذا (و) قوله (من جاء بأسير ونحوه فله كذا) وكذا من دل على قلعة أو ماء أو ما فيه غناء (ويرضخ لمن لا سهم له) لأنه استحق بحضور الوقعة. فكان بعد الخمس كسهام الغانمين (وهم العبيد) لحديث عمير مولى آبي اللحم قال: شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا رسول الله (ص)، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشئ من خرثي المتاع رواه أحمد. واحتج به وصححه الترمذي. ولأنهم ليسوا من أهل وجوب القتال كالصبي. (ولمعتق بعضه بحسابه من رضخ وإبهام) كالحد (والنساء) لحديث ابن عباس قال: كان النبي (ص) يغزو بالنساء، فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة. ولم يضرب لهن بسهم رواه مسلم. وما روي أنه أسهم لامرأة فيحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما. (والصبيان المميزون) لما روى سعيد بن المثيب قال: كان الصبيان يحذون من الغنيمة إذا حضروا الغزو ويكون الرضخ للمذكورين. (على ما يراه الامام من التسوية بينهم، والفضل على قدر غنائهم ونفعهم)
98 بخلاف السهم. لأنه منصوص عليه غير موكول إلى اجتهاده. فلم يختلف كالحدود بخلاف الرضخ. (ومدبر ومكاتب كقن، وخنثى مشكل كامرأة) لأنه المتيقن. (فإن انكشف حاله قبل تقضي الحرب والقسمة أو بعدهما. فتبين أنه رجل أتم له سهم رجل) كغيره من الرجال (ويسهم لكافر أذن له الامام) لما روى سعيد عن الزهري أن النبي (ص): استعان بناس من اليهود فأسهم لهم ولان الكفر نقص في الدين فلم يمنع استحقاق السهم كالفسق، بخلاف الرق فإنه نقص في الدنيا والاحكام. (ولا يبلغ برضخ الراجل سهم راجل، ولا) يرضخ (الفارس سهم فارس) لأن السهم أكمل من الرضخ. فلم يبلغ به إليه. كما لا يبلغ بالتعزير الحد. ولا بالحكومة دية العضو. (ويكون الرضخ له ولفرسه في ظاهر كلامهم) قال في شرح المنتهى: إن غزا الصبي على فرس له والمرأة على فرس لها، رضخ للفرس ولراكبها من غير إسهام للفرس. لأنه لو أسهم للفرس كان سهما لمالكها. فإذا لم يستحق مالكها السهم بحضوره للقتال فبفرسه أولى، بخلاف العبد إذا غزا على فرس سيده. فإن سهمها لغير راكبها وهو سيده. (فإن غزا العبد بغير إذن سيده لم يرضخ له، ولا لفرسه) لعصيانه. (وإن كان) غزو العبد (بإذنه) أي بإذن سيده (على فرس لسيده) رضخ لعبد وأسهم للفرس. (فيؤخذ للفرس) العربي (سهمان) كفرس الحر. لأنه فرسه شهد الوقعة وقوتل عليه، فأسهم له، كما لو كان السيد راكبه. وتقدم الفرق بينه وبين فرس الصبي ونحوه. (إن لم يكن مع سيده فرس غير فرس العبد. فإن كان) مع السيد فرس غير فرس العبد (لم يسهم لفرس العبد). لأنه لا يقسم لأكثر من فرسين على ما يأتي، وإن كان مع العبد فرسان قسم لهما إذا لم يكن مع سيده غيرهما. ورضخ للعبد وسهم الفرسين لمالكهما ويعايى بها فيقال: يستحق الرضخ والسهم. (وإن انفرد بالغنيمة من لا سهم له، كعبيد وصبيان دخلوا دار الحرب) بالاذن (فغنموا أخذ) الامام (خمسه، وما بقي لهم) لعموم: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ) *
99 - الآية (وهل يقسم بينهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم؟) لأنهم تساووا كالأحرار البالغين (أو) يقسم (على ما يراه الامام من المفاضلة) كما لو كان معهم رجال أحرار؟ (احتمالان) وأطلقهما في المغني وغيره. (وإن كان فيهم رجل، أعطي سهما. وفضل عليهم) لمزيته بالبلوغ والحرية (ويقسم الباقي بين من بقي) وهم العبيد أو الصبيان (على ما يراه الامام من التفضيل) لأن فيهم من له سهم، بخلاف التي قبلها. (وإن غزا جماعة الكفار وحدهم فغنموا فغنيمتهم لهم) لأنهم الذين شهدوا الوقعة (وهل يؤخذ خمسها؟ احتمالان). فصل: (ثم يقسم باقي الغنيمة) لأن الله تعالى لما جعل لنفسه الخمس، فهم منه: أن الأربعة الأخماس للغانمين. لأنه أضافه إليهم. كقوله تعالى: * (وورثه أبواه فلأمه الثلث) * فهم منه: أن الباقي للأب (للرجل الحر المكلف) مسلما كان أو كافرا بإذن الإمام. وتقدم (سهم) بغير خلاف، ولأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الفارس من الكلفة. (والفرس العربي، ويسمى) العربي (العتيق قاله في المطلع وغيره) لخلوصه ونفاسته (سهمان، فيكمل للفارس ثلاثة أسهم:
100 سهم له، وسهمان لفرسه) لما روى ابن عمر أن النبي (ص): أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه وسهم له متفق عليه. وقال خالد الحذاء: لا يختلف فيه عن النبي (ص) أنه أسهم للفرس سهمين، ولصاحبه سهما، وللراجل سهما. (وينبغي أن يقدم قسم الأربعة أخماس على قسم الخمس) لأن الغانمين حاضرون ورجوعهم إلى أوطانهم يقف على القسمة. وأهل الخمس في أوطانهم. (وإن كان فرسه هجينا، وهو ما أبوه عربي وأمه غير عربية، أو) كان فرسه (مقرنا عكس الهجين) فتكون أمه عربية وأبوه غير عربي، (أو) كان فرسه (برذونا) بكسر أوله (وهو ما أبواه نبطيان فله سهم ولفرسه سهم واحد) قال الخلال: تواترت الرواية عن أبي عبد الله بذلك. لما روى مكحول: أن النبي (ص) أعطى الفرس العربي سهمين، وأعطى الهجين سهما رواه سعيد وأبو داود في مراسيله، وروي موصولا. قال عبد الحق: والمرسل أصح. ولان نفع العراب وأثرها في الحرب أفضل. فيكون سهمه أرجح لتفاضل من يرضخ له. (وإن غزا اثنان على فرس لهما هذا عقبة وهذا عقبة، والسهم) أي سهم الفرس (لهما) على حسب ملكيهما (فلا بأس) نص عليه. (ولا يسهم لأكثر من فرسين) نص عليه، لما روى الأوزاعي: أن النبي (ص) كان يسهم للخيل، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين. وإن كان معه عشرة أفراس ولان به حاجة إلى الثاني بخلاف الثالث. (ولا) يسهم (لغير الخيل، كفيل وبعير وبغل ونحوها. ولو عظم غناؤها) بفتح الغين أي نفعها (وقامت مقام الخيل) لأنه لم ينقل عنه (ص) أنه أسهم لغير الخيل، وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرا. ولم تخل غزاة من غزواته من الإبل. بل هي غالب دوابهم وكذا أصحابه من بعده، فلم يعلم أنهم أسهموا لغير الخيل، ولو أسهم لها لنقل. ولان غير الخيل لا يلحق بها في التأثير في الحرب. ولا يصلح للكر والفر، فلم يلحق بها في الاسهام (ومن استعار فرسا أو استأجره أو كان) الفرس (حبيسا وشهد به الوقعة فله سهمه) لأنه يستحق
101 نفعه فاستحق سهمه. ويعطى راكب الحبيس نفقة الحبيس من سهمه لأنه نماؤه. (وإن غصبه) أي الفرس فغزا عليه، (ولو) كان الغاصب للفرس (من أهل الرضخ) كالعبد والمرأة. لان الجناية من راكبه، فيختص المنع به (فقاتل) الغاصب (عليه. فسهم الفرس لمالكه) لان استحقاق نفع الفرس مرتب على نفعه وهو لمالكه، فكذا السهم (ومن دخل دار الحرب راجلا، ثم ملك فرسا أو استعاره أو استأجره وشهد به الوقعة، فله سهم فارس، ولو صار بعد الوقعة راجلا) لأن العبرة باستحقاق سهم الفرس أن يشهد به الوقعة، لا حال دخول دار الحرب. ولا ما بعد الوقعة. ولان الفرس حيوان يسهم له فاعتبر وجوده حالة القتال كالآدمي. (وإن دخلها) أي دار الحرب (فارسا ثم حضر الوقعة راجلا حتى فرغ الحرب لموت فرسه أو شروده أو غير ذلك) كمرضه (فله سهم راجل. ولو صار فارسا بعد الوقعة) اعتبارا بحال شهودها كما تقدم، (ويحرم قول الإمام: من أخذ شيئا فهو له) لأنه (ص) والخلفاء بعده كانوا يقسمون الغنائم، لأن ذلك يفضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال، وإلى ظفر العدو بهم. ولان الغزاة اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية. (ولا يستحقه) أي لا يستحق الشئ آخذه، بل يأتي به المغنم ليقسم. (وقيل: يجوز لمصلحة) لقوله (ص) يوم بدر: من أخذ شيئا فهو له ورد بأن قضية بدر لما اختلف فيها نسخت بقوله تعالى: * (يسألونك عن الأنفال) * - الآية. تتمة: قال في السياسة الشرعية: فإن ترك الامام الجمع والقسمة، وأذن في الاخذ إذنا جائزا. فمن أخذ شيئا بلا عدوان حل له بعد تخميس. وكل ما دل على الاذن فهو إذن. وأما إذا لم يأذن أو أذن إذنا غير جائز جاز للانسان أن يأخذ مقدار ما يصيبه بالقسمة، متحريا للعدل في ذلك. (ويجوز تفضيل بعض الغانمين على بعض لغناء) بفتح المعجمة أي نفع (فيه، كشجاعة ونحوها) كالرأي والتدبير، لأنه يجوز له أن ينفل ويعطي السلب. فجاز التفضيل لذلك (وإلا) أي وإن لم يكن التفضيل لغناء فيه (حرم) عليه. لأن الغانمين اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية. فوجب التعديل بينهم، كسائر الشركاء. (ولا تصح الإجارة على الجهاد. ولو كان) الأجير (ممن لا يلزمه) الجهاد كالعبد والمرأة. لأنه عمل يختص
102 فاعله أن يكون من أهل القربة. أشبه الصلاة (فيرد) الأجير (الأجرة) لبطلان الإجارة، (وله سهمه) إن كان من أهل الاسهام (أو رضخه) إن لم يكن من أهل الاسهام. (ومن أجر نفسه بعد أن غنموا على حفظ الغنيمة أو حملها وسوق الدواب ورعيها ونحوه. أبيح له أخذ الأجرة على ذلك ولم يسقط من سهمه شئ) لأن ذلك من مؤنة الغنيمة. فهو كعلف الدواب وإطعام السبي، يجوز للامام بذله، ويباح للأجير أخذ الأجرة عليه. لأنه قد أجر نفسه لفعل للمسلمين إليه حاجة، فحلت له الأجرة. كالدليل على الطريق. (ولو أجر نفسه) لذلك (بدابة معينة من المغنم، أو جعلت أجرته ركوب دابة منها صح) ذلك كما لو أجر بنقد منها (ومن مات بعد انقضاء الحرب، فسهمه لوارثه، لاستحقاق الميت له بانقضاء الحرب ولو قبل إحراز الغنيمة) لأنه أدركها في حال لو قسمت فيه صحت قسمتها. وكان له سهمه منها. فيجب أن يستحق سهمه فيها كما لو مات بعد بعد إحرازها في دار الاسلام ولقول عمر: الغنيمة لمن شهد الوقعة وهذا قد شهدها. (ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت، وتشاركه فيما غنم) أي أيهما غنم شاركه الآخر. نص عليه. لأنه (ص): لما غزا هوازن بعث سرية من الجيش قبل أوطاس، فغنمت فشارك بينها وبين الجيش. ولان الجميع جيش واحد. وكل منهما ردء لصاحبه. فلم يختص بعضهم بالغنيمة. كأحد جانبي الجيش. وهذه الشركة بعد النفل. (وتقدم في الباب قبله. وإن أقام الأمير ببلاد الاسلام وبعث سرية فما غنمت فهو لها) بعد الخمس لانفرادها بالغزو. والمقيم بدار الاسلام ليس بمجاهد. (وإن أنفذ) الامام (جيشين أو سريتين. فكل واحدة منفردة بما غنمته) لانفرادها بالقتال عليه. (وإن قسمت الغنيمة في أرض الحرب، فتبايعوها أو تبايعوا غيرها. ثم غلب عليها العدو فهي من ضمان مشتر) لأنها مال مقبوض يجوز له التصرف فيه. أشبه سائر أمواله. (وكذا لو تبايعوا شيئا في دار الاسلام زمن خوف ونهب ونحوه) فاستولى عليه العدو، فإنه من مال المشتري. (وللامام البيع من الغنيمة قبل القسمة لمصلحة) لأن ولايته ثابتة عليه. أشبه ولي اليتيم، وسواء كان البيع للغانمين أو
103 غيرهم. (ومن وطئ جارية من المغنم قبل قسمة ممن له فيها حق أو لولده، أدب) لأنه وطئ حرام، لكونه في ملك مشترك. (ولم يبلغ به الحد) لأن له في الغنيمة ملكا أو شبهة ملك. فيدرأ عنه الحد للشبهة، (وعليه مهرها يطرح في المقسم) لأنها ليست مملوكة له. أشبه وطئ أمة الغير. ولا يسقط عنه من المهر بقدر ملكه كالمشتركة، خلافا للقاضي. لأن مقدار حقه يعسر العلم به، ولا ضرر عليه بوضع المهر في الغنيمة. فيعود إليه حقه. (إلا أن تلد منه فيكون عليه قيمتها) لأنه فوتها على الغانمين. كما لو أتلفها وحينئذ تطرح في الغنيمة. فإن كان معسرا كانت في ذمته (فقط) أي دون مهرها وقيمة الولد، لأنه ملكها حين علقت. فلم يكن للغانمين سوى قيمتها. (وتصير أم ولد له) ولو كان معسرا. لأنه استيلاد صير بعضها أو ولد. فيجعل جميعها كذلك. كاستيلاد جارية ابنه، وهو أقوى من العتق، لكونه فعلا. وينفذ من المجنون. (والولد حر ثابت النسب) للشبهة (ولا يتزوج في أرض العدو) لئلا يسترق ولده، (ويأتي في النكاح) مفصلا (وإذا أعتق بعض الغانمين أسيرا من الغنيمة، أو كان يعتق عليه) كأبيه وابنه وأخيه (عتق عليه إن كان قدر حقه) لأن ملكه ثبت عليه في شركة الغانمين باستيلائهم عليه. أشبه المملوك بالإرث (وإلا) أي إن لم يكن قدر حقه بأن زاد (فكمعتق شقصا) من مشترك يعتق قدر ما يملكه. وباقيه بالسراية إن كان موسرا بقيمة الباقي، وإلا فبقدر ما هو موسر به منها. (وقطع في المغني وغيره) كالشرح (لا يعتق رجل) حر مقاتل أسر بالاعتاق. (قبل خيرة الامام) لأن العباس عم النبي (ص) وعم علي وعقيلا أخا علي كانا في أسرى بدر. ولم يعتقا عليهما. ولأنه إنما يصير رقيقا بالاسترقاق. فيحمل الكلام على من استرق منهم، أو يصير رقيقا بنفس السبي. كالنساء والصبيان. (ويحرم الغلول وهو كبيرة) للوعيد عليه بقوله تعالى: * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) * (والغال من الغنيمة وهو من كتم ما غنمه، أو) كتم (بعضه: يجب
104 حرق رحله كله) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي (ص) وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال رواه أبو داود. ولحديث عمر بن الخطاب أن النبي (ص) أمره بذلك رواه سعيد والأثرم. واختار جماعة أن ذلك من باب التعزير لا الحد الواجب فيجتهد الامام بحسب المصلحة. قال في الفروع: وهو أظهر. (ما لم يكن باعه أو وهبه) فلا يحرق لأنه عقوبة لغير الجاني. (إذا كان) الغال (حيا) فإن مات قبل إحراقه لم يحرق، نص عليه، لأنه عقوبة فتسقط بالموت كالحدود. (حرا) فإن كان رقيقا لم يحرق رحله. لأنه لسيده ولا يعاقب بجناية عبده. (مكلفا) لأن الاحراق عقوبة وغير المكلف ليس من أهلها. (ولو) كان الغال (أنثى أو ذميا) لأنهما من أهل العقوبة. ولذلك يقطعان في السرقة. وغير الملتزم لأحكامنا لا يحرق متاعه. (إلا سلاحا) لأنه يحتاج إليه في القتال. (ومصحفا) وجلده وكيسه وما يتبعه لحرمته. (وكتب علم) لأنه ليس القصد الاضرار به في دينه، بل في بعض دنياه. (وحيوانا بآلته من سرج ولجام وحبل ورحل ونحوه وعلفه) لأنه يحتاج إليه. ولنهيه (ص) أن يعذب بالنار إلا ربها. (وثياب الغال التي عليه) فلا تحرق تبعا له، (ونفقته) لأنها لا تحرق عادة. (وسهمه) لأنه لم يكن من رحله حال الغلول. (وما غله) لأنه للغانمين. (ولا يحرم) الغال (سهمه) من الغنيمة. لأن سبب الاستحقاق موجود فيستحق كما لو لم يغل. ولم يثبت حرمان سهمه في خبر. ولا يدل عليه قياس، فبقي بحاله. (وما لم تأكله النار) كالحديد (أو استثني من التحريق فهو له) أي الغال، (ويعزر) الغال (مع ذلك بالضرب ونحوه) لأنه فعل محرما، وهو الغلول (ولا ينفي) لعدم وروده (ويؤخذ ما غل للمغنم) لأنه حق للغانمين. فتعين رده إليهم. (فإن تاب قبل القسمة رد ما أخذه في المغنم) لما سبق. (وإن تاب) الغال (بعدها) أي القسمة (أعطى الامام خمسه، وتصدق ببقيته على مستحقه) لأنه مال لا يعرف مستحقوه. وهذا قول ابن مسعود ومعاوية. ولم يعرف لهما مخالف في عصرهما. (ومن سرق من الغنيمة أو ستر على الغال أو أخذ منه) أي من الغال (ما أهدى له منها) أي من
105 الغنيمة أي مما غله منها (أو باعه إمام أو حاباه فليس بغال) لعدم صدق حده عليه. (ولا يحرق رحله) لأنه ليس بغال. (وإن لم يحرق رحل الغال حتى استحدث متاعا آخر ورجع إلى بلده) أو لم يرجع (أحرق ما كان معه حال الغلول) دون المستحدث، اعتبارا بوقت الجناية. (ولو غل عبد أو صبي لم يحرق رحله) لما تقدم. (وإن استهلك العبد ما غله فهو في رقبته) كأرش جنايته. (ومن أنكر الغلول، وذكر أنه ابتاع ما بيده لم يحرق متاعه) لأن الأصل عدم الغلول. والحدود تدرأ بالشبهات. (حتى يثبت) الغلول (ببينة أو إقرار ولا يقبل في بينة إلا) رجلان (عدلان) لأنه مما يطلع عليه الرجال غالبا، ويوجب عقوبة. أشبه سائر ما يوجب التعزير. (وما أخذ من الفدية) أي فدية الأسارى فغنيمة بغير خلاف نعلمه. لأنه (ص) قسم فداء أسارى بدر بين الغانمين. ولأنه مال حصل بقوة الجيش. أشبه السلاح (أو أهداه الكفار لأمير الجيش أو لبعض قواده) جمع قائد وهو نائبه. أو) أهداه الكفار ل (- بعض الغانمين في دار الحرب ف) - هو (غنيمة) للجيش، لأن ذلك فعل خوفا من الجيش. فيكون غنيمة كما لو أخذه بغيرها. فلو كانت الهدية بدارنا فهي لمن أهديت له. لأنه (ص) قبل هدية المقوقس، واختص بها. (ولنا قطع شجرنا المثمر إن خفنا أن يأخذوه. وليس لنا قتل نسائنا وصغارنا إن خفنا أن يأخذوهم قاله في الرعاية) لعصمة النساء والذرية. وأما الشجر فمال، وإتلافه لمصلحة جائز. باب حكم الأرضين المغنومة يعني المأخوذة من الكفار بقتال أو غيره، (وهي) أي الأرضون (على ثلاثة أضرب) للاستقراء (أحدها: ما فتح عنوة) أي قهرا أو غلبة، من عنا يعنو إذا ذل وخضع (وهي) شرعا (ما أجلي عنها أهلها بالسيف، فيخير الامام تخيير مصلحة) كالتخيير في الأسارى. فيلزمه أن يفعل ما يراه أصلح، (لا) تخيير (تشبيه) لأنه نائب المسلمين، فلا يفعل إلا ما فيه
106 صلاحهم (بين قسمتها) على الغانمين (كمنقول) لأنه (ص): قسم نصف خيبر ووقف نصفها لنوائبه وحوائجه. رواه أبو داود من حديث سهل بن أبي حثمة. (فتملك الأرض التي فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين (به) أي بقسمها (ولا خراج عليها) لأنها ملك الغانمين (ولا) خراج أيضا (على ما أسلم أهله عليه، كالمدينة، أو صولح أهله على أن الأرض لهم، كأرض اليمن والحيرة) بكسر الحاء المهملة. مدينة قرب الكوفة. (وبانقيا) بالباء الموحدة وكسر النون وسكون القاف بعدها ياء مثناة تحت. (أو أحياه المسلمون كأرض البصرة) بتثليث الباء (وبين وقفها للمسلمين) كما وقف عمر الشام ومصر والعراق، وسائر ما فتحه. وأقره الصحابة على ذلك. وعن عمر قال: أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببانا - أي لا شئ لهم - ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله (ص) خيبر. ولكني أتركها لهم خزانة يقتسمونها رواه البخاري. (بلفظ يحصل به الوقف). لأن الوقف لا يثبت. بنفسه فحكمها قبل الوقف حكم المنقول. وقال في أحكام الذمة. معنى وقفها: تركها على حالها لم يقسمها بين الغانمين، لا أنه أنشأ تحبيسها وتسبيلها على المسلمين. هذا لم يفعله رسول الله (ص) ولا عمر، ولا أحد من الأئمة بعده. (ويمتنع بيعها ونحوه) كهبتها بعد وقفها. كسائر الوقوف. ويأتي ما فيه في أول البيع. (ويضرب عليها) الامام بعد وقفها (خراجا مستمرا، يؤخذ ممن هي في يده من مسلم ومعاهد. يكون أجرة لها) لما روى أبو عبيد في كتاب الأموال عن الماجشون قال: قال بلال لعمر بن الخطاب في القرى التي افتتحوها عنوة: اقسمها بيننا وخذ خمسها. فقال عمر: لا، ولكني أحبسه، فيجري عليهم وعلى المسلمين. فقال بلال وأصحابه: اقسمها فقال عمر: اللهم اكفني بلالا وذويه. فما حال الحول ومنهم عين تطرف. قال القاضي: ولم ينقل عن النبي (ص) ولا عن أحد من الخلفاء أنه قسم أرضا أخذت عنوة إلا خيبر. وفي المحرر: أو يملكها لأهلها أو غيرهم بخراج. فدل كلامهم: أنه لو ملكها بغير خراج كما فعل النبي (ص) في مكة. لم يجز. وقاله أبو عبيد: لأنها مسجد لجماعة المسلمين، وهي مناخ من سبق، بخلاف بقية البلدان. قاله في المبدع. (ويلزمه) أي الامام (فعل الأصلح) للمسلمين من القسمة أو الوقف، لما تقدم.
107 (وليس لاحد نقضه) لأنه حكم (ولا نقض ما فعله النبي (ص) من وقف أو قسمة، أو فعله الأئمة بعده، ولا تغييره) أي تغيير ما تقدم ذكره، لأنه نقض للحكم اللازم. وإنما التخيير والاختلاف فيما استؤنف فتحه. الضرب (الثاني) من الأضرب الثلاثة (ما جلا عنها أهلها خوفا) وفزعا منا، (وظهرنا عليها. فتصير وقفا بنفس الظهور عليها) قدمه في المقنع وغيره. قال في الانصاف: هذا المذهب، وعليه الأصحاب، وجزم به في الوجيز وغيره. وقدمه في المغني والمحرر والشرح والفروع وغيرهم، انتهى. لأنها ليست غنيمة فتقسم. فيكون حكمها حكم الفئ أي للمسلمين كلهم، وعنه: حكمها حكم العنوة قياسا عليها. فلا تصير وقفا، حتى يقفها الامام. وقطع بها في التنقيح، وتبعه في المنتهى. قال في المبدع: لكن لا تصير وقفا إلا بوقف الامام لها، صرح به الجماعة. لأن الوقف لا يثبت بنفسه. فعلى هذا: حكمها قبل وقف الامام كالمنقول يجوز بيعها والمعارضة بها. وعلى الأولى: يمتنع. الضرب (الثالث ما صولحوا عليه) من الأرض (وهو ضربان. أحدهما: أن يصالحهم) الامام أو نائبه (على أن الأرض لنا، ونقرها معهم بالخراج، فهذه) الأرض (تصير وقفا بنفس ملكنا لها، كالتي قبلها) على الخلاف السابق بلا فرق، (وهما) أي المصالح على أنها لنا ونقرها معهم بالخراج وما جلوا عنها خوفا منا. (دار إسلام، وسواء سكنها المسلمون أو أقر أهلها عليها) كأرض العنوة (ولا يجوز إقرار كافر بها سنة إلا بجزية ولا إقرارهم) أي الكفار (بها على وجه الملك لهم) لأنها دار الاسلام، كأرض العنوة. (ويكون خراجها أجرة) لها (لا يسقط بإسلامهم. ويؤخذ) الخراج (منهم وممن انتقلت إليه من مسلم ومعاهد) كسائر الاجر (وما كان فيها) أي في أرض الخراج (من شجر وقت الوقف. فثمره المستقبل لمن تقر بيده)
108 الأرض (فيه عشر الزكاة) قال في الانصاف: هذا الصحيح من المذهب، قدمه في الفروع والمحرر والحاويين، وقيل: هو للمسلمين بلا عشر، جزم به في الترغيب. (ك) - الشجر (المتجدد فيها) أي في الأرض الخراجية. فإن ثمرته لمن جدده. وفيها عشر الزكاة بشرطه (الضرب الثاني) مما صولحوا عليه (أن يصالحهم) الامام أو نائبه (على أنها) أي الأرض (لهم، ولنا الخراج عنها) فهو صلح صحيح لا مفسدة فيه (فهذه ملك لهم) أي لأربابها وتصير دار عهد (خراجها كالجزية) التي تؤخذ على رؤوسهم ما دامت بأيديهم (إن أسلموا سقط عنهم) لأن الخراج الذي ضرب عليها إنما كان لأجل كفرهم. فيسقط بإسلامهم كالجزية. وتبقى الأرض ملكا لهم بغير خراج يتصرفون فيها كيف شاءوا. (كما لو انتقلت) هذه الأرض (إلى مسلم) فإنه لا خراج عليه. لأنه قد قصد بوضعه الصغار، فوجب سقوطه بالاسلام كالجزية. و (لا) يسقط خراجها إن انتقلت (إلى ذمي من غير أهل الصلح) لأنه بالشراء رضي بدخوله فيما دخل عليه البائع. فكأنه التزمه (ويقرون فيها) أي في الأرض التي صولحوا على أنها (بغير جزية ما أقاموا على الصلح. لأنها دار عهد، بخلاف ما قبلها) من أرض العنوة وما جلوا عنها خوفا منا، وما صولحوا على أنه لنا. فلا يقرون فيها إلا بجزية. لأنها دار إسلام. فصل: (والمرجع في الخراج والجزية إلى اجتهاد الامام في نقص وزيادة) قال الخلال: رواه الجماعة، وعليه مشايخنا. لأنه مصروف في المصالح. فكان مفوضا إلى اجتهاد الامام. (ويعتبر الخراج بقدر ما تحتمله الأرض) التي يضعه عليها. لأنه أجرة لها. ويختلف باختلافها. وهذا في ابتداء الوضع.
109 وأما ما وضعه إمام فلا يغيره آخر ما لم يتغير السبب، كما يدل عليه كلام القاضي في الأحكام السلطانية. وكلام الأصحاب أيضا في نظائره. وقد أوضحته في حاشية المنتهى. (وعنه يرجع إلى ما ضربه) أمير المؤمنين (عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) ف (- لا يزاد) عليه (ولا ينقص) عنه. لأن اجتهاد عمر أولى من قول غيره، كيف كان. ولم ينكره أحد من الصحابة مع شهرته. فكان كالاجماع. (وقد روي عنه) أي عمر رضي الله تعالى عنه (في الخراج روايات مختلفة. قال في المحرر: والأشهر عنه أنه جعل على جريب الزرع درهما وقفيزا من طعامه. وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم عشرة) دراهم (وعلى جريب الرطب ستة) دراهم. قال في المبدع: هذا هو الذي وظفه عمر في أصح الروايات عنه (وظاهر ذلك: أن جريب الزرع والحنطة وغيرها سواء في ذلك) لاطلاق قوله: على جريب الزرع درهما وقفيزا من طعامه وقال في المقنع: قال أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام: أعلى وأصح حديث في أرض السواد حديث عمرو بن ميمون: أن عمر وضع على كل جريب درهما وقفيزا، انتهى، وجزم بمعناه في المنتهى. لكن حمله في المبدع على ما ذكره المصنف. (وفي) الهداية لأبي خطاب و (الرعايتين: خراج عمر رضي الله عنه على جريب الشعير درهم والحنطة أربعة) دراهم (والرطبة ستة) دراهم (والنخل ثمانية) دراهم (والكرم عشرة) دراهم (والزيتون اثنا عشر) درهما. وهذا رواه أبو عبيد عن عمر: أنه بعث عثمان بن حنيف لمساحة أرض السواد، فضربه والروايات مختلفة في ذلك. فالأخذ بالأعلى والأصح. وهو حديث عمرو بن ميمون أولى. (ويأتي ما ضربه) عمر (في الجزية والقفيز ثمانية أرطال. قال القاضي: وجمع: بالمكي) لأن الرطل العراقي لم يكن. وإنما كان المكي (و) قال (المجد وجمع: بالعراقي) لأنه هو الذي كان معروفا بالعراق. وهو المسمى بالقفيز الحجاجي: قال في المبدع: وينبغي أن يكون من جنس ما تخرجه
110 الأرض حنطة أو شعيرا. ذكره في الكافي والشرح. (فعلى الأول يكون) القفيز (ستة عشر رطلا بالعراقي. وهو الصحيح) قال في الانصاف هذا الصحيح قدمه في الشرح. وقال: نص عليه، انتهى. وقطع به في المقنع. (و) القفيز على القول (الثاني، وهو قفيز الحجاج، وهو صاع عمر نصا. والقفيز الهاشمي مكوكان. وهو ثلاثون رطلا عراقية) وحكاه أبو بكر هنا قولا. (والجريب عشر قصبات في عشر قصبات) أي مائة قصبة مكسرة. ومعنى الكسر ضرب أحد العددين في الآخر. فيصير أحدهما كسرا للآخر. (والقصبة) ما يسمح به الزراع كالذراع للبز. واختير القصب غيره. لأنه لا يطول ولا يقصر، وهو أحق، وهو أخف من الخشب وهي (ستة أذرع بذراع عمر) قال في المبدع: والمعروف بالذراع الهاشمية، سماه المنصور به، (وهو ذراع وسط) أي بيد الرجل المتوسط الطول. (وقبضة وإبهام قائمة) وهو معروف بين الناس، (فيكون الجريب ثلاثة آلاف ذراع وستمائة ذراع مكسرا) لأن القصبة ستة أذرع في مثلها فتكون ستة وثلاثين ذراعا مكسرة تضربها في مكسر الجريب، وهو مائة ذراع يخرج ما ذكر. فعلم أن الجريب ربع فدان بعرف مصر. (وما بين الشجر من بياض الأرض) وهي الخالي من الشجر (تبع لها) أي للشجر فلا يؤخذ سوى خراج الشجر. (والخراج على المزارع دون المساكن) لما تقدم عن عمر رضي الله عنه، (حتى مساكن مكة) فلا خراج عليها (ولا خراج على مزارعها) أي مكة. ولا على مزارع الحرم. لأن النبي (ص) لم يضرب عليها شيئا. ولان الخراج جزية الأرض. ولا يجوز إعطاؤها عن أرض مكة. (وإنما كان) الامام (أحمد يمسح داره) ببغداد (ويخرج عنها) الخراج فيتصدق به، (لأن بغداد كانت حين فتحت مزارع) ومقتضى ذلك: أن ما كان مزارع حين فتحه وجعل مساكن يجب
111 فيه الخراج، وظاهر كلامهم خلافه. ويحمل فعل الإمام أحمد على الورع. بدليل أنه لم يأمر به أهل بغداد عامة. (ويجب خراج على ما له ماء يسقي به إن زرع) نبت أو لم ينبت لاستيفاء المنفعة. (وإن لم يزرع فخراجه خراج أقل ما يزرع) على ما تقدم بيانه (ولا خراج على ما لا يناله الماء إذا لم يمكن زرعه) لأن الخراج أجرة الأرض، وما لا منفعة فيه لا أجرة له. وعبارة المنتهى: لا على ما يناله ماء. ولو أمكن زرعه إحياؤه ولم يفعل. (وإن أمكن زرعه عاما ويراح عاما عادة. وجب نصف خراجه في كل عام) لأن نفع الأرض على النصف. فكذا الخراج لكونه في مقابلة النفع. (قال الشيخ: ولو يبست الكروم بجراد أو غيره. سقط من الخراج حسبما تعطل من النفع) لأن الخراج في نظير النفع. كما تقدم (وإذا لم يمكن النفع به ببيع أو إجارة أو عمارة أو غيره. لم يجز المطالبة بالخراج) انتهى. لأن ما لا منفعة فيه لا خراج له. (والخراج) يجب (على المالك دون المستأجر والمستعير) لأنه على الرقبة وهي للمالك. كفطرة العبد. بخلاف العشر. (وتقدم في) باب (زكاة الخارج من الأرض. وهو) أي الخراج (كالدين) قال أحمد: يؤديه ثم يزكي ما بقي. (يحبس به الموسر) لأنه حق عليه. أشبه أجرة المساكن (وينظر به المعسر) لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (ومن كان في يده أرض) خراجية (فهو أحق بها بالخراج كالمستأجر) إلا أن مدة الإجارة لم تقدر للحاجة، (وتنتقل) الأرض الخراجية عمن مات (إلى وارثه من بعده على الوجه الذي كانت) عليه (في يد مورثه) كسائر حقوقه (فإن آثر) الذي بيده أرض خراجية (بها أحدا ببيع أو غيره صار الثاني أحق بها) من غيره، لقيامه مقام الأول. (ومعنى البيع هنا: بذلها بما عليها من خراج إن منعنا بيعها الحقيقي) كما هو المذهب. لما تقدم من أن عمر وقفها. وأقرها بأيدي أربابها بالخراج. والوقف لا يباع إلا إذا تعطلت مصالحه على ما يأتي. (وإن عجز من هي) أي الأرض الخراجية (في يده عن
112 عمارتها و) عن (أداء خراجها أجبر على إيجارها أو رفع يده عنها. لتدفع إلى من يعمرها ويقوم بخراجها) لأن الأرض للمسلمين، فلا يجوز تعطيلها عليهم. (ويجوز شراء أرض الخراج استنقاذا كاستنقاذ الأسير. ومعنى الشراء أن تنتقل الأرض) إليه (بما عليها من خراجها) لامتناع الشراء الحقيقي لما تقدم، (ويكره شراؤها) أي الخراجية (للمسلم) لما في دفع الخراج من الذل والهوان. تتمة: إن اختلف العامل ورب الأرض في كونها خراجية أو عشرية، وأمكن قول كل منهما فقول رب الأرض، فإن اتهم استحلف ويجوز أن يعتمد في مثل هذا على الشواهد الديوانية السلطانية إذا علم صحتها ووثق بكتابتها ولم يتطرق إليها تهمة. (ويجوز لصاحب الأرض) الخراجية (أن يرشو العامل) القابض لخراجها (ويهدي له لدفع ظلمه في خراجه) لأنه يتوصل بذلك إلى كف اليد العادية عنه. و (لا) يجوز له أن يرشوه أو يهديه (ليدع له منه) أي الخراج (شيئا) لأنه يتوصل به إلى إبطال حق، فهو كرشوة الحاكم ليحكم له بغير الحق، (فالرشوة) بتثليث الراء (ما يعطى) للمرتشي (بعد طلبه والهدية والدفع إليه ابتداء) أي بغير طلب (ويحرم على العامل الاخذ فيهما) لحديث: هدايا العمال غلول (ويأتي في) باب (أدب القاضي) بأوسع من هذا (ومن ظلم في خراجه لم يحتسبه من عشره) الواجب عليه في زرعه أو ثمره. قال أحمد لأنه غصب. وعنه بلى اختاره أبو بكر. (وإن رأى الامام المصلحة في إسقاط الخراج عن إنسان أو) في (تخفيفه جاز)، لأنه لو أخذ الخراج وصار في يده جاز له أن يخص به شخصا إذا رأى المصلحة فيه فجاز له تركه بطريق الأولى. (ويجوز للامام إقطاع الأراضي والمعادن والدور) التي لبيت المال، (ويأتي بعضه في) باب (إحياء الموات) موضحا (والكلف التي تطلب من البلد بحق أو غيره يحرم توفير بعضهم، وجعل قسطه على
113 غيره. ومن قام فيها بنية العدل وتقليل الظلم مهما أمكن لله) تعالى، (فكالمجاهد في سبيل الله) تعالى (ذكره الشيخ) لقيامه بالقسط والانصاف. (ويأتي في) باب (المساقاة بعضه) وليس لاحد تفرقة خراج عليه بنفسه، ومصرف الخراج كفئ لأنه منه كما يأتي. باب الفئ أصله من الرجوع. يقال فاء الظل إذا رجع نحو المشرق. وسمي المال الحاصل على ما يذكره فيئا لأنه رجع من المشركين إليهم. والأصل فيه قوله تعالى: * (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) * - الآيتين (وهو ما أخذ من مال كافر بحق الكفر) احترازا عما أخذ من ذمي غصبا ونحوه أو بيع ونحوه (بلا قتال) خرج الغنيمة (كجزية وخراج وزكاة تغلبي وعشر مال تجارة حربي) أتجر به إلينا. (ونصفه) أي نصف عشر مال تجارة (من ذمي) أتجر إلى غير بلده (وما تركوه) فزعا، (وهربوا أو بذلوه فزعا منا في الهدنة وغيرها، وخمس خمس الغنيمة، ومال من مات منهم ولا وارث له). يستغرق (ومال المرتد إذا مات على ردته) بقتل أو غيره، (فيصرف في مصالح) أهل (الاسلام) للآيتين. ولهذا لما قرأ عمر: * (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله) * - حتى بلغ - * (والذين جاءوا من بعدهم) * قال: هذه استوعبت المسلمين وقال أيضا: ما من أحد من المسلمين إلا له في هذا المال نصيب إلا العبيد. وذكر أحمد الفئ فقال: فيه حق لكل المسلمين وهو بين الغني والفقير، ولان المصالح نفعها عام والحاجة داعية إلى فعلها تحصيلا لها. (ويبدأ بالأهم فالأهم) من المصالح العامة لأهل الدار التي بها حفظ المسلمين فيبدأ (لجند المسلمين) الذين يدبون عنهم (ثم بالأهم فالأهم من عمارة الثغور بمن فيه كفاية). وهم أهل القوة من الرجال الذين لهم منعة وأسلحة. (وكفاية أهلها) أي القيام بكفاية أهل الثغور (وما يحتاج إليه من يدفع عن المسلمين من غير أهل السلاح والكراع) أي الخيل (ثم الأهم فالأهم من سد البثوق جمع بثق) بتقديم الموحدة (وهو الخرق
114 في أحد حافتي النهر) وهو حرف الجسور لحصول النفع بعلو الماء بسبب ذلك. (وكري الأنهار أي حفرها وتنظيفها وعمل القناطر أي الجسور و) إصلاح (الطريق والمساجد وأرزاق القضاة والأئمة والمؤذنين والفقهاء ومن يحتاج إليه المسلمون. وكل ما يعود نفعه على المسلمين) لأن ذلك من المصالح العامة، أشبه الأول. (ولا يخمس) لأن الله تعالى أضافه إلى أهل الخمس كما أضاف خمس الغنيمة. فإيجاب الخمس فيه لأهله دون باقيه منع لما جعله الله تعالى لهم بغير دليل، ولو أريد الخمس منه لذكره الله تعالى. كما ذكره في خمس الغنيمة، فلما لم يذكره ظهر إرادة الاستيعاب. (وإن فضل عن المصالح منه) أي من الفئ (فضل قسم بين المسلمين غنيهم وفقيرهم) للآية. ولأنه مال فضل عن حاجتهم، فقسم بينهم كذلك، ويستوون فيه كالميراث. (إلا عبيدهم فلا يفرد العبد بالعطاء) نص عليه لأنه مال، فلا حظ له فيه كالبهائم. (بل يزاد سيده) لأجله. ذكر الخطابي أن الصديق أعطى العبيد. (وعنه يقدم المحتاج قال الشيخ: وهو أصح عن أحمد) لقوله تعالى: * (للفقراء) * ولان المصلحة في حقه أعظم منها في حق غيره، لأنه لا يتمكن من حفظ نفسه من العدو بالعدة ولا بالهرب لفقره بخلاف الغني. (واختار أبو حكيم والشيخ لاحظ للرافضة فيه، وذكره في الهدي عن مالك وأحمد) وقيل يختص بالمقاتلة، لأنه كان لرسول الله (ص) في حياته لحصول النصرة فلما مات صارت بالخيل، ومن يحتاج إليه المسلمون. (ويكون العطاء كل عام مرة أو مرتين) ولا يجعل في أقل من ذلك، لئلا يشغلهم عن الغزو. (ويفرض للمقاتلة قدر كفايتهم وكفاية عيالهم) ليتفرغوا للجهاد. (وتسن البداءة بأولاد المهاجرين) جمع مهاجر اسم فاعل من هاجر، بمعنى هجر ثم غلب على الخروج من أرض إلى أخرى. وتطلق الهجرة بأن يترك الرجل أهله وماله، وينقطع بنفسه إلى مهاجرة. ولا يرجع من ذلك بشئ، وهجرة الاعراب وهي أن يدع البادية، ويغزو مع المسلمين وهي دون الأول في الاجر والمراد هنا أولا: المهاجرين الذين هجروا أوطانهم وخرجوا إلى رسول الله (ص) وهم جماعة مخصوصون. فيقدم منهم (الأقرب فالأقرب من رسول الله (ص)) لما روى أبو هريرة قال: قدمت على عمر ثمانية آلاف درهم فلما أصبح أرسل إلى نفر من أصحاب رسول الله (ص) فقال لهم: قد جاء
115 الناس ما لم يأتهم مثله مذ كان الاسلام، أشيروا علي: بمن أبدأ؟ قالوا: بك يا أمير المؤمنين، إنك ولي ذلك. قال: لا ولكن أبدأ برسول الله (ص) الأقرب فالأقرب. فوضع الديوان على ذلك. (فيبدأ من قريش ببني هاشم) لأنهم أقربهم إلى رسول الله (ص)، (ثم بني المطلب) لقوله عليه الصلاة والسلام: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد وشبك بين أصابعه. (ثم بني عبد شمس) لأنه هو وهاشم أخوان لأب وأم. (ثم بني نوفل) لأنه أخو هاشم لأبيه، (ثم يعطي بنو عبد العزى) لأن فيهم أصهار رسول الله (ص) فإن خديجة منهم. (ثم بنو عبد الدار) ثم الأقرب فالأقرب. (حتى تنقضي قريش) لما تقدم عن عمر (وقريش بنو النضر بن كنانة وقيل: بنو فهر بن مالك بن النضر) بن كنانة قاله في الشرح، واقتصر عليه في المبدع. وقال الموفق في التبيين: هم بنو النضر بن كنانة على ما قال (ص): نحن بنو النضر بن كنانة، وأطلق القولين في المنتهى. (ثم بأولاد الأنصار) وهم الحيان الأوس والخزرج وقدموا على غيرهم لسابقتهم وآثارهم الجميلة. (ثم سائر العرب) لفضلهم على من سواهم (ثم العجم ثم الموالي) أي العتقاء ليحصل التعميم بالدفع. (وللامام أن يفاضل بينهم بحسب المسابقة) في الاسلام (ونحوها) كالشجاعة وحسن الرأي. وهذا قول عمر وعثمان. قال عمر: لا أجعل من قاتل على الاسلام كمن قوتل عليه. ولأنه (ص) قسم النفل بين أهله متفاضلا على قدر غنائهم. وهذا معناه: وقد فرض عمر لكل واحد من المهاجرين من أهل بدر خمسة آلاف ولأهل بدر من الأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، وفرض لأهل الحديبية ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، ولأهل الفتح ألفين ألفين. ولم يفضل أبو بكر وعلي (وإن استوى اثنان من أهل الفئ) فيما تقدم. و (في درجة قدم أسبقهما إسلاما) فإن استويا فيه (فأسن) فإن استويا فيه (فأقدم هجرة وسابقة ثم) إن استووا في جميع ذلك ف (- ولي الأمر مخير إن شاء
116 أقرع بينهما، وإن شاء رتبهما على رأيه) أي اجتهاده. (وينبغي للامام أن يضع ديوانا يكتب فيه أسماء المقاتلة، و) يكتب فيه (قدر أرزاقهم) ضبطا لهم ولما قدر لهم. (ويجعل لكل طائفة عريفا يقوم بأمرهم ويجمعهم وقت العطاء ووقت الغزو) ليسهل الامر على الامام. (والعطاء الواجب: لا يكون إلا لبالغ عاقل حر بصير صحيح يطيق القتال) ويتعرف قدر حاجة أهل العطاء وكفايتهم ويزيد ذا الولد من أجل ولده، وذا الفرس من أجل فرسه. وإن كان له عبيد في مصالح الحرب حسب مؤنتهم في كفايته، وإن كانوا لتجارة أو زينة لم يحتسب مؤنتهم. وينظر في أسعار بلادهم لأن الأسعار تختلف، والغرض الكفاية، ولهذا تعتبر الذرية. قال الشيخ: وهذا والله أعلم على قول من رأى التسوية فأما من رأى التفضيل فإنه يفضل أهل السوابق والغناء في الاسلام على غيرهم بحسب ما يراه، كما فعل عمر رضي الله عنه، ولم يقدر ذلك بالكفاية. (فإن مرض مرضا غير مرجو الزوال كزمانة ونحوها) كالسل والفالج. (خرج من المقاتلة وسقط سهمه) لخروجه عن أهلية القتال بخلاف ما يرجى زواله كالحمى والصداع. (ومن مات بعد حلول وقت العطاء دفع إلى ورثته حقه) لأنه مات بعد الاستحقاق فانتقل حقه إلى ورثته كسائر الحقوق. قلت: وقياسه جهات الأوقاف إذا مات بعد مضي زمن استحقاقه يعطى لورثته. (ومن مات من أجناد المسلمين دفع إلى امرأته وأولاده الصغار قدر كفايتهم)، لتطيب قلوب المجاهدين، لأنهم إذا علموا أن عيالهم يكفون المؤنة بعد موتهم توفروا على الجهاد بخلاف عكسه. (وإذا بلغ ذكورهم أهلا للقتال، واختاروا أن يكونوا مقاتلة فرض لهم بطلبهم) لأهليتهم لذلك كآبائهم وفي الأحكام السلطانية: مع الحاجة إليهم. (وإلا) أي وإن لم يبلغوا أهلا للقتال، أو بلغوا كذلك، ولم يختاروا أن يكونوا مقاتلة. (قطع فرضهم) لعدم أهليتهم في الأول وعدم اختيارهم في الثاني. (ويسقط فرض المرأة والبنات بالتزويج) لحصول الغنى به (وبيت المال ملك للمسلمين يضمنه متلفه ويحرم الاخذ منه) والتصرف فيه (بلا إذن الإمام) ذكره في عيون المسائل والانتصار. وذكر القاضي وابنه أن المالك غير معين، (ويأتي) في باب ذوي الأرحام (أنه غير وارث) وإنما هو جهة ومصلحة.
117 باب الأمان (وهو ضد الخوف). مصدر أمن أمنا وأمانا. والأصل فيه قوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) * الآية، وقوله (ص): ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم متفق عليه، من حديث علي. (ويحرم به) أي الأمان (قتل ورق وأسر وأخذ مال) والتعرض لهم لعصمتهم به، (ويشترط أن يكون) الأمان (من مسلم) فلا يصح من كافر ولو ذميا للخبر، ولأنه متهم على الاسلام وأهله. فلم يصح منه كالحربي. (عاقل) لا طفل ومجنون لأن كلامه غير معتبر فلا يثبت به حكم. (مختار) فلا يصح من مكره عليه، (ولو) كان القاتل (مميزا) لعموم الخبر. ولأنه عاقل فصح منه كالبالغ. (حتى من عبد) لقول عمر: العبد المسلم رجل من المسلمين يجوز أمانه، رواه سعيد. ولقوله (ص): يسعى بها أدناهم فإن كان كذلك صح أمانا للحديث، وإن كان غيره أدنى منه صح من باب أولى. ولأنه مسلم عاقل أشبه الحر. (و) حتى من (أنثى) نص عليه لقوله (ص): قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ رواه البخاري. وأجارت زينب بنت رسول الله (ص) أبا العاص بن الربيع، وأجازه النبي (ص). (وهرم وسفيه) لعموم ما سبق. و (لا) يصح الأمان (من كافر ولو ذميا) لما تقدم (ولا من مجنون وسكران وطفل ونحوه، ومغمى عليه) لأنهم لا يعرفون المصلحة من غيرها. (و) يشترط للأمان (عدم الضرر علينا) بتأمين الكفار (و) يشترط أيضا (أ) ن (لا تزيد مدته) أي الأمان (على عشر سنين)، فإن زادت لم يصح، لكن هل يبطل ما زاد كتفريق الصفقة أو كله. (ويصح) الأمان (منجزا) كقوله: أنت آمن. (و) يصح (معلقا) بشرط كقوله: من فعل كذا فهو
118 آمن. لقول النبي (ص) يوم فتح مكة: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. (ويصح). الأمان (من إمام وأمير لأسير كافر بعد الاستيلاء عليه، وليس ذلك لآحاد الرعية إلا أن يجيزه الامام) لأن أمر الأسير مفوض إلى الامام. فلم يجز الافتيات عليه فيما يمنعه ذلك: كقتله. جزم به في المغني والشرح. واختاره القاضي. وقال في الانصاف: يصح أمان غير الامام للأسير الكافر. نص عليه في رواية أبي طالب. وقدمه في المحرر والرعايتين والنظم والحاويين ه. وقطع به في المنتهى، وقدمه في المبدع، لقصة زينب في أمانها زوجها. وأجاب عنه في المغني والشرح. بأنه إنما صح بإجازة النبي (ص). تنبيه: قال الجوهري: الرعية العامة (ويصح) الأمان (من إمام لجميع المشركين) لان ولايته عامة. (و) يصح (أمان أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم) أي ولي قتالهم لأن له الولاية عليهم فقط. (وأما في حق غيرهم فهو كآحاد) الرعية (المسلمين، لأن ولايته على قتال أولئك دون غيرهم ويصح أمان أحد الرعية لواحد وعشرة وقافلة وحصن صغيرين عرفا) لأن عمر أجاز أمان العبد لأهل الحصن. (كمائة فأقل) هكذا في شرح المنتهى، ومقتضى كلام
119 الفروع أنهما قولان. أحدهما: أن يكونا صغيرين عرفا، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب، وقدمه في الرعايتين والحاويين. والثاني أن يكونا مائة فأقل، كما اختاره ابن البناء. ولا يصح أمان أحد الرعية لأهل بلدة كبيرة، ولا رستاق، ولا جمع كبير. لأنه يفضي إلى تعطيل الجهاد والافتيات على الامام. (و) يصح (أمان أسير بدار حرب إذا عقده غير مكره) نص عليه للعمومات. (وكذا أمان أجير وتاجر في دار الحرب) لقول النبي (ص): ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم (ومن صح أمانه) ممن تقدم (صح إخباره به إذا كان عدلا كالمرضعة على فعلها) والقاسم ونحوه. (ولا ينقض الامام أمان) ال (- مسلم) حيث صح لوقوعه لازما (إلا أن يخاف خيانة من أعطيته) فينقضه لفوات شرطه، وهو عدم الضرر. (ويصح) الامام (بكل ما يدل عليه من قول) وتأتي أمثلته. (وإشارة مفهومة) حتى مع القدرة على النطق لقول عمر: والله لو أن أحدكم أشار بإصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل بأمانه فقتله لقتلته به رواه سعيد، بخلاف البيع والطلاق، تغليبا لحقن الدم مع أن الحاجة داعية إلى الإشارة. لأن الغالب فيهم عدم فهم كلام المسلمين كالعكس. (ورسالة) بأن يراسله بالأمان (وكتاب) بأن يكتب له بالأمان كالإشارة وأولى. (فإذا قال لكافر: أنت آمن) فقد أمنه لقوله (ص) يوم فتح مكة: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن (أو) قال لكافر (لا بأس عليك) فقد أمنه. لأن عمر لما قال للهرمزان: تكلم ولا بأس عليك، ثم أراد قتله قال له أنس والزبير: قد أمنته لا سبيل لك عليه، رواه سعيد. (أو آجرتك) لقوله (ص): قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ (أو) قال له (قف أو قم) أ (ولا تخف، أو لا تخش أو لا خوف عليك، أو لا تذهل أو ألق سلاحك) فقد أمنه لدلالة ذلك عليه. (أو) قال له (مترس بالفارسية) ومعناه: لا تخف. وهو بفتح الميم والتاء وسكون الراء آخره سين مهملة. ويجوز سكون التاء وفتح الراء. قال ابن مسعود: إن الله يعلم بكل لسان فمن كان منكم أعجميا فقال: مترس فقد أمنه، (أو سلم عليه) فقد أمنه لأن السلام معناه الأمان (أو
120 أمن يده أو بعضه فقد أمنه) لأنه لا يتبعض. (وكذا لو باعه الامام) وقال أحمد: إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله لأنه إذا اشتراه فقد أمنه. (فإن أشار إليهم بما اعتقدوه أمانا: وقال أردت به الأمان فهو أمان) لصحته بالإشارة لما تقدم. (وإلا) بأن قال: لم أرد به الأمان. (فالقول قوله) لأنه أعلم بمراده وإن خرج الكفار من حصنهم بناء على هذه الإشارة لم يجز قتلهم ويردون إلى مأمنهم. (قال أحمد: إذا أشير إليه بشئ غير الأمان فظنه أمانا. فهو أمان) وكل شئ يرى العلج أنه أمان فهو أمان. (وإن مات المسلم) الذي وقعت منه تلك الإشارة المحتملة، (أو غاب ردوا إلى مأمنهم) لأن الأصل عدم الأمان. (وإذا قال لكافر: أنت آمن، فرد) الكافر (الأمان لم ينعقد) أمانه أي انتقض لأنه حق له يسقط بإسقاطه كالرق. (وإن قبله) أي قبل الأمان (ثم رده ولو بصوله على المسلم وطلبه نفسه أو جرحه أو عضوا من أعضائه انتقض) الأمان، لفوات شرطه وهو عدم الضرر علينا. (وإن سبيت كافرة وجاء ابنها يطلبها، وقال إن عندي أسيرا مسلما فأطلقوها حتى أحضره. فقال له الامام: أحضره فأحضره لزم إطلاقها) لأن المفهوم من هذا إجابته إلى ما سأل. (فإن قال الامام لم أرد إجابته لم يجبر) الكافر. (على ترك أسيره ورد إلى مأمنه) لأن هذا يفهم منه الشرط فوجب الوفاء به كما لو صرح به. ولان الكافر فهم منه ذلك وبني عليه. فأشبه ما لو فهم الأمان من الإشارة. (ومن جاء بمشرك فادعى أنه أسره أو اشتراه بماله. وادعى المشرك عليه أنه أمنه فأنكر فالقول قول المسلم لأن الأصل عدم الأمان. (ويكون) الأسير (على ملكه) لأن الأصل إباحة دم الحربي. (ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الاسلام. لزم إجابته ثم يرد إلى مأمنه) لقوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) * قال الأوزاعي هي إلى يوم القيامة. (وإذا أمنه) من يصح أمانه (سرى) الأمان (إلى من معه) أي المؤمن (من أهل ومال إلا أن يقول) مؤمنه (أمنتك وحدك ونحوه) مما يقتضي تخصيصه بالأمان فيختص
121 به. (ومن أعطى أمانا ليفتح حصنا ففتحه)، واشتبه (أو أسلم واحد منهم) قبل الفتح (ثم ادعوه) أي أدعى كل واحد منهم أنه الذي أعطى الأمان أو أنه الذي أسلم قبل. (واشتبه علينا) الذي أمناه أو كان أسلم (فيهم حرم قتلهم) نص عليه. لأن كل واحد منهم يحتمل صدقه. واشتبه المباح بالمحرم فيما لا ضرورة إليه فوجب تغليب التحريم، كما لو اشتبه زان محصن بمعصومين. (و) حرم (استرقاقهم) لأن استرقاق من لا يحل استرقاقه محرم. قال في الفروع: ويتوجه مثله لو نسي، أو اشتبه من لزمه قود فلا قود. وفي التسوية بقرعة الخلاف. (وإن قال) كافر (كف عني حتى أدلك على كذا، فبعث معه قوما ليدلهم فامتنع من الدلالة فلهم ضرب عنقه) لأنه في معنى الأمان المعلق بشرط ولم يوجد شرطه. (قال) الامام (أحمد: إذا لقي علجا فطلب منه الأمان فلا يؤمنه لأنه يخاف شره) وشرط الأمان أمن شره. (وإن كانوا سرية فلهم أمانه) لأمنهم شره (وإن لقيت السرية أعلاجا فادعوا أنهم جاءوا مستأمنين قبل منهم إن لم يكن معهم سلاح) لأن ظاهر الحال قرينة تدل على صدقهم. (ويجوز عقده) أي الأمان (لرسول ومستأمن) أي طالب الأمان. لقول ابن مسعود: جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبي (ص) فقال لهما: أتشهدان أني رسول الله؟ قالا: إن مسيلمة رسول الله. فقال النبي (ص): آمنت بالله ورسوله، لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما. قال عبد الله: فمضت السنة أن الرسل لا تقتل، رواه أحمد. ولأبي داود نحوه من حديث نعيم ابن مسعود الأشجعي ولان الحاجة داعية إلى ذلك إذ لو قتل لفاتت مصلحة المراسلة. قال في المبدع: فظاهره جواز عقد الأمان لكل منهما مطلقا ومقيدا بمدة قصيرة وطويلة، بخلاف الهدنة فإنها لا تجوز إلا مقيدة، لأن في جوازها مطلقا تركا للجهاد. (ويقيمون الهدنة) أي الأمان (بغير جزية) نص عليه، لأنه كافر أبيح له المقام في دارنا من غير التزام جزية فلم تلزمه كالنساء. ومن دخل منا) معاشر المسلمين (دارهم) أي الكفار (بأمان حرمت عليهم خيانتهم) لأنهم إنما أعطوه الأمان بشرط عدم خيانتهم وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ. فهو معلوم في المعنى، ولا يصلح في ديننا الغدر. (و) حرمت عليه (معاملتهم بالربا)
122 لعموم الاخبار. (فإن خانهم) شيئا (أو سرق منهم) شيئا (أو اقترض) منهم (شيئا وجب رده إلى أربابه) فإن جاءوا إلى دار الاسلام أعطاه لهم وإلا بعثه إليهم، لأنه مال معصوم بالنسبة إليه. (ومن جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضا لأمانه) لمنافاة الخيانة له. (ومن دخل) منهم (دار الاسلام بغير أمان وادعى أنه رسول أو تاجر ومعه متاع يبيعه قبل منه إن صدقته عادة كدخول تجارهم إلينا ونحوه) لأن ما ادعاه ممكن، فيكون شبهة في درء القتل. ولأنه يتعذر إقامة البينة على ذلك فلا يتعرض له ولجريان العادة مجرى الشرط. (وإلا) فإن انتفت العادة وجب بقاؤه على ما كان عليه من عدم العصمة، وكذا إن لم يكن معه تجارة لم يقبل منه إذا قال جئت مستأنسا. لأنه غير صادق وحينئذ (ف) - يكون (كأسير) يخير فيه الامام بين قتل ورق ومن وفداء. (وإن كان جاسوسا) وهو صاحب سر الشر وعكسه الناموس. (فكأسير) يخير فيه الامام لقصده نكاية المسلمين. (وإن كان ممن ضل الطريق أو حملته ريح في مركب إلينا، أو شرد إلينا بعض دوابهم، أو أبق بعض رقيقهم فهو لمن أخذه غير مخموس). لأنه مباح ظهر عليه بغير قتال دار الاسلام. فكان لآخذه ذلك كالصيد. (ولا يدخل أحد منهم إلينا بلا إذن ولو رسولا وتاجرا) أي يحرم ذلك كما في المبدع. (وينتقض الأمان بردة وبالخيانة) لأنه لا يصلح في ديننا الغدر. (وتقدم) في الباب (وإن أودع المستأمن ماله مسلما أو ذميا أو أقرضه) المستأمن (إياه) أي ماله (ثم عاد) المستأمن (إلى دار الحرب لتجارة أو حاجة على عزم عوده إلينا فهو على أمانه) لأنه لم يخرج عن نية الإقامة بدار الاسلام. (وإن دخل إلى دار الحرب مستوطنا أو محاربا أو نقض ذمي عهده لحق بدار الحرب أم لا. انتقض عهده في نفسه وبقي في ماله) لأنه لما دخل دار الاسلام بأمان ثبت لماله، فإذا بطل في نفسه بدخوله
123 إليها، وبقي في ماله الذي لم يدخل لاختصاص المبطل بنفسه. لا يقال: إذا بطل في المتبوع فالتابع كذلك. لأنه لم يثبت فيه تبعا. وإنما ثبت فيهما جميعا. فإذا بطل في أحدهما بقي الآخر. ولو سلم فيجوز بقاء حكم التبع وإن زال في المتبوع كولد أم الولد بعد موتها حكم الاستيلاد باق. ويأتي في آخر أحكام الذمة: أن مال الذمي إذا انتقض عهده فئ. وفي الانصاف أنه المذهب، انتهى. قال في المبدع: وظاهر كلام أحمد أنه ينتقض في مال الذمي دون مال الحربي وصححه في المحرر، لأن الأمان ثبت في مال الحربي بدخوله معه. فإن الأمان فيه على وجه الأصالة، كما لو بعثه مع وكيل أو مضارب، بخلاف مال الذمي فإنه يثبت له تبعا لأنه مكتسب بعد عقد ذمته. (فيبعث به) أي بمال المعاهد الذمي على الأول. (إليه إن طلبه) لأنه ملكه (وإن تصرف) المستأمن أو الذمي بعد نقضه العهد (ببيع أو هبة ونحوهما)، كشركة وإجارة (صح تصرفه) لبقاء ملكه عليه. (وإن مات فلوارثه) كسائر أملاكه واختلاف الدارين ليس بمانع. كما يأتي في كتاب الفرائض. (فإن عدم) وارثه (ف) - هو (فئ) لأنه مال كافر لا مستحق له كما لو مات بدارنا. (وإن كان المال معه) أي مع من لحق بدار الحرب مستوطنا أو محاربا، (انتقض الأمان فيه) أي في المال (ك) - ما ينتقض الأمان في (نفسه) لوجود المبطل فيهما. (وإن أسر المستأمن واسترق وقف ماله فإن عتق أخذه) لأن مال المالك لم يوجد فيه سبب الانتقال فيوقف حتى يتحقق السبب. (وإن مات قنا ففئ) لأن الرقيق لا يورث، وإن لم يسترق بل من عليه الامام أو فودي بمال فماله له. وإن قتله فماله لورثته. (وإن أخذ مسلم من حربي في دار الحرب مالا مضاربة أو وديعة ودخل به دار الاسلام فهو) أي المال (في أمان) بمقتضى العقد المذكور، (وإن أخذه) أي أخذ المسلم مال حربي في دار الحرب (ببيع في الذمة أو قرض فالثمن في ذمته) بمقتضى العقد (عليه أداؤه إليه) لعموم: أد الأمانة إلى من ائتمنك (وإن اقترض حربي من حربي مالا ثم دخل
124 إلينا فأسلم فعليه البدل). لاستقراره في ذمته (كما لو تزوج حربية ثم أسلم لزمه رد مهرها) إليها إن كان دخل بها. (وإذا سرق المستأمن في دارنا أو قتل أو غصب) أو لزمه مال بأي وجه كان (ثم عاد إلى دار الحرب ثم خرج مستأمنا مرة ثانية. استوفى منه ما لزمه في أمانة الأول) لاستقراره عليه وعدم ما يسقطه. (وإن اشترى) المستأمن (عبدا مسلما فخرج به إلى دار الحرب ثم قدر عليه) أي العبد (لم يغنم لأنه لم يثبت ملكه عليه. لكون الشراء باطلا) فلا يترتب عليه أثره من انتقال الملك. (ويرد) العبد (إلى بائعه ويرد بائعه الثمن إلى الحربي) إن كان باقيا وبدله إن كان تالفا، لأنه مقبوض بعقد فاسد. (فإن كان العبد تالفا فعلى الحربي قيمته) فرط فيه أو لم يفرط لأن فاسد العقود كصحيحها في الضمان وعدمه كما يأتي. (ويترادان) أي البائع والمشتري (الفضل) أي الزائد فيسقط من الأكثر بقدر الأقل، ويرجع رب الزائد به إن كان، (وإذا دخلت الحربية) دار الاسلام (بأمان فتزوجت ذميا في دارنا، ثم أرادت الرجوع لم تمنع إذا رضي زوجها أو فارقها). قلت: وانقضت عدتها، على ما يأتي في العدد. (وإن أسر كفار مسلما فأطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة أو أبدا لزمه الوفاء) لهم، نص عليه لقوله تعالى: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * ولقوله (ص): المسلمون عند شروطهم فليس له أن يهرب، (قال الشيخ: ما ينبغي له أن يدخل معهم في التزام الإقامة أبدا لأن الهجرة واجبة عليه، انتهى) أي حيث عجز عن إظهار دينه، وإلا فهي مستحبة. وتقدم (وإن) أطلقوه و (لم يشترطوا شيئا أو شرطوا كونه رقيقا ولم يؤمنوه فله أن يقتل) أ (ويسرق ويهرب)، نص عليه لأنه لم يصدر منه ما يثبت به الأمان، لأن الاطلاق من الوثاق لا يكون أمانا، والرق حكم شرعي لا يثبت عليه بقوله. لكن قال أحمد إذا أطلقوه فقد أمنوه. (وإن أحلفوه على ذلك) أي على كونه رقيقا (وكان مكرها) على الحلف (لم تنعقد يمينه) لفوات شرطها وهو الاختيار. (وإن أمنوه فله الهرب فقط) أي لا الخيانة. ويرد ما أخذ
125 منهم صاروا بأمانه في أمان منه. فإذا خالف فهو غادر. (ويلزمه المضي إلى دار الاسلام إن أمكنه) أي حيث عجز عن إظهار دينه لوجوب الهجرة إذن، وإلا سن له ذلك. (فإن تعذر عليه) المضي إلى دار الاسلام، (أقام) حتى يقدر عليه لقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (وكان حكمه حكم من أسلم في دار الحرب) في أداء الفرائض والاجتهاد لأوقاتها على ما سبق. (فإن خرج) الأسير بعد أن أطلقوه وأمنوه، (وتبعوه فأدركوه قاتلهم وبطل الأمان) بقتالهم إياه، (وإن أطلقوه بشرط أن يبعث إليهم مالا باختياره، فإن عجز عاد إليهم لزمه الوفاء) نص عليه، لأن في الوفاء مصلحة للأسارى، وفي الغدر مفسدة في حقهم لكونهم لا يؤمنون بعده. والحاجة داعية إليه. (إلا أن تكون امرأة فلا ترجع) إليهم لقوله تعالى: * (فلا ترجعوهن إلى الكفار) *. ولان في رجوعها تسليطا لهم على وطئها حراما. (ويجوز نبذ الأمان إليهم. إن توقع شرهم) لقوله تعالى: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * (وإذا أمن العدو في دار الاسلام على مدة) معلومة (صح) أمانه بشرطه السابق (فإذا بلغها واختار البقاء في دارنا أدى الجزية) إن كان ممن تعقد له الذمة. (وإن لم يختر) البقاء في دار الاسلام أو كان ممن لا تقبل منه الجزية (فهو على أمانه حتى يخرج إلى مأمنه) أي حتى يفارق المحل الذي أمناه فيه لبقاء أمانه. باب الهدنة (وهي) لغة السكون وشرعا (العقد على ترك القتال مدة معلومة) بقدر الحاجة فإن زادت بطلت في الزيادة فقط. والأصل فيها قوله تعالى: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) * ومن السنة ما روى مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أن النبي (ص) صالح قريشا على وضع القتال عشر سنين، والمعنى يقتضي ذلك. لأنه يكون بالمسلمين ضعف، فيهادنونهم حتى يقووا. (بعوض) منهم أو منا عند الضرورة كما يأتي (وبغير عوض)
126 بحسب المصلحة لفعله (ص). (وتسمى مهادنة وموادعة) من الدعة وهي الترك. (ومعاهدة) من العهد بمعنى الأمان. (ومسالمة) من السلم بمعنى الصلح (ولا يصح عقدها إلا من إمام أو نائبه) لأنه يتعلق بنظر واجتهاد. وليس غيرهما محلا لذلك لعدم ولايته. ولو جوز ذلك للآحاد لزم تعطيل الجهاد. (ويكون العقد) أي عقد الهدنة (لازما) لا يبطل بموت (الامام أو نائبه) ولا عزله، بل يلزم الثاني إمضاؤه لئلا ينقض الاجتهاد، بالاجتهاد ويستمر ما لم ينقضه الكفار بقتال أو غيره. (ويلزمه) أي الامام أو نائبه (الوفاء بها) أي بالهدنة للزومها (فإن هادنهم) أي الكفار (غيرهما) أي غير الامام أو نائبه (لم تصح) الهدنة لما سبق، (ولا تصح) الهدنة (إلا حيث جاز تأخير الجهاد) لمصلحة (فمتى رأى) الامام أو نائبه (المصلحة في عقدها لضعف في المسلمين عن القتال، أو لمشقة الغزو أو لطمعه في إسلامهم، أو في أدائهم الجزية أو غير ذلك) من المصالح (جاز) له عقدها. لأنه (ص): هادن قريشا لكن قوله: لطمعه في إسلامهم رواية قطع بها في شرح المنتهى وغيره، والثانية لا يجوز عقدها لذلك ويقتضي كلامه في الانصاف أنها صحيحة لأنه صحح أنه لا يجوز عقدها إلا حيث يجوز تأخير الجهاد، كما هو صدر عبارة المصنف. وقد تقدم أنه لا يجوز تأخير الجهاد لذلك على الصحيح ويجوز عقد الهدنة عند المصلحة (ولو بمال منا ضرورة) مثل أن يخاف على المسلمين الهلاك أو الأسر، لأنه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال فكذا هنا. وجاز تحمل صغار دفعه لدفع صغار أعظم منه وهو القتل أو الأسر، وسبي الذرية المفضي إلى كفرهم. وقد روى عبد الرزاق في المغازي عن الزهري قال: أرسل رسول الله (ص) إلى عيينة بن حصن وهو مع أبي سفيان يعني يوم الأحزاب: أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك من غطفان أو تخذل بين الأحزاب؟ فأرسل إليه عيينة: إن جعلت الشطر فعلت ولولا أن ذلك جائز لما بذله النبي (ص). (مدة معلومة) لأن ما وجب تقديره. وجب أن يكون معلوما كخيار الشرط. (ولو فوق عشر سنين) لأنها تجوز في أقل من عشر،
127 فجازت في أكثر منها كمدة الإجارة، ولأنه إنما جاز عقدها للمصلحة فحيث وجدت جازت تحصيلا للمصلحة. (وإن هادنهم مطلقا) بأن لم يقيد بمدة لم يصح، لأن الإطلاق يقتضي التأييد، وذلك يفضي إلى ترك الجهاد بالكلية وهو غير جائز. (أو) هادنهم (معلقا بمشيئة. كما شئنا أو شئتم أو شاء فلان، أو ما أقركم الله عليه. لم يصح) كالإجارة ولجهالة المدة. (وإن نقضوا) أي المهادنون (العهد بقتال أو مظاهرة) أي معاونة عدونا علينا، (أو قتل مسلم، أو أخذ مال انتقض عهدهم وحلت دماؤهم وأموالهم وسبي ذراريهم) لأنه (ص): قتل رجال بني قريظة حين نقضوا عهده وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم. ولما هادن قريشا فنقضوا عهده حل له منهم ما كان حرم عليه منهم. (وإن نقض بعضهم) العهد (دون بعض فسكت باقيهم عن الناقض) للعهد (ولم يوجد منهم إنكار) على الناقض (ولا مراسلة الامام) في شأنه (ولا تبر) ؤ منه، (فالكل ناقضون) للعهد لرضاهم بفعل أولئك، وإقرارهم لهم (وإن أنكر من لم ينقض على الباقين) أي الناقضين (بقول أو فعل ظاهرا أو اعتزال) بأن اعتزلوا الناقضين (أو راسل الامام بأني منكر ما فعله الناقض مقيم على العهد لم ينتقض في حقه) أي حق من أنكر وفعل ما سبق، لعدم ما يقتضي نقضه منه. (ويأمره الامام بالتمييز، ليأخذ الناقض وحده) لنقض عهده (فإن امتنع من التمييز لم ينتقض عهده) أي عهد المنكر. لما فعله الناقض، وفي الشرح: فإن امتنع من التمييز أو إسلام الناقض صار ناقضا. لأنه منع من أخذ الناقض، فصار بمنزلته: وإن لم يمكنه التمييز لم ينتقض عهده لأنه كالأسير. وفي الانصاف في آخر أحكام الذمة: وكذا أي في نقض العهد من لم ينكر عليهم أو لم يعتزلهم أو لم يعلم بهم الامام. وفي المنتهى وشرحه: فإن أبوهما أي التسليم والتمييز حال كونهم قادرين على واحد منها انتقض عهد الكل بذلك. (فإن أسر الامام منهم) أي ممن وقع النقض من بعضهم (قوما فادعى الأسير أنه لم
128 ينقض) العهد (وأشكل ذلك عليه) أي الامام (قبل قول الأسير) لأنه لا يتوصل إلى ذلك إلا منهم. (وإن شرط) العاقد للهدنة (فيها شرطا فاسدا كنقضها متى شاء أو رد النساء المسلمات) إليهم بطل الشرط فقط لمنافاته لمقتضى العقد. ولقوله تعالى: * (فلا ترجعوهن إلى الكفار) *. وقوله (ص): إن الله قد منع الصلح في النساء. ولأنه لا يؤمن أن تفتن في دينها ولا يمكنها أن تفر. (أو) رد (صداقهن) بطل الشرط، لمنافاته مقتضى العقد. وأما قوله تعالى: * (وآتوهم ما أنفقوا) * فقال قتادة: نسخ، وقال عطاء والزهري والثوري: لا يعمل بها اليوم، إنما نزلت في قضية الحديبية حين كان النبي (ص) شرط رد من جاءه مسلما. (أو رد صبي عاقل) لأنه بمنزلة المرأة في ضعف العقل والعجز عن التخلص والهرب (أو رد الرجال) المسلمين (مع عدم الحاجة إليه، أو رد سلاحهم، أو إعطائهم شيئا من سلاحنا أو من آلات الحرب أو شرط لهم مالا) منا (في موضع لا يجوز بذله أو إدخالهم الحرم بطل الشرط) في الكل لمنافاته مقتضى العقد. ولقوله تعالى: * (إنما المشركون نجس. فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) * (فقط) أي دون العقد فيصح، وكذا عقد الذمة كالشروط الفاسدة في البيع، لكن في المغني والشرح: إذا شرط أن لكل واحد نقضها متى شاء، فإنه ينبغي أن لا تصح وجها واحدا، لأن طائفة الكفار يبنون على هذا الشرط. فلا يحصل إلا من الجهتين فيفوت معنى الهدنة. (فلا يجب الوفاء به) أي بالشرط الفاسد (ولا يجوز) الوفاء به. لما تقدم (وأما الطفل الذي لا يصح إسلامه) وهو من دون التمييز. (فيجوز شرط رده) لأنه ليس بمسلم شرعا (ومتى وقع العقد) للهدنة (باطلا، فدخل ناس من الكفار) العاقدين له (دار الاسلام معتقدين الأمان، كانوا آمنين ويردون إلى دار الحرب ولا يقرون في دار الاسلام) لبطلان الأمان (وإن شرط رد من جاء من الرجال مسلما جاز لحاجة) لأنه (ص) فعل ذلك في صلح الحديبية. قال في المبدع: وظاهره وإن لم تكن له عشيرة تحميه. فإن لم تكن حاجة كظهور المسلمين وقوتهم. فلا يصح
129 اشتراطه. (فلا يمنعهم) أي الكفار الامام (أخذه) أي أخذ الرجل الذي جاء منهم مسلما. (ولا يجبره على ذلك) أي على العود معهم. لأن أبا بصير: جاء إلى النبي (ص) بعد صلح الحديبية فجاءوا في طلبه. فقال له النبي (ص): إنا لا يصلح في ديننا الغدر، وقد علمت ما عاهدناهم عليه. ولعل الله أن يجعل لك فرجا ومخرجا. فرجع مع الرجلين فقتل أحدهما، ورجع فلم يلمه النبي (ص). (وله) أي الامام (أن يأمره سرا بقتالهم وبالهرب منهم) لأنه رجوع إلى باطل. فكان له الامر بعدمه كالمرأة إذا سمعت طلاقها، وفي الترغيب يعرض له أن لا يرجع. (وله) أي لمن جاءنا منهم مسلما (ولمن أسلم معه أن يتحيزوا ناحية، ويقتلوا من قدروا عليه من الكفار. ويأخذوا أموالهم ولا يدخلون في الصلح. فإن ضمهم الامام إليه بإذن الكفار دخلوا في الصلح) وحرم عليهم قتال الكفار وأخذ أموالهم. لأن أبا بصير لما رجع إلى النبي (ص). فقال له: يا رسول الله قد أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم وأنجاني الله منهم. فلم ينكر عليه النبي (ص) ولم يلمه، بل قال: ويل أمه مسعر حرب، لو كان معه رجال. فلما سمع بذلك أبو بصير لحق بساحل البحر، وانحاز إليه أبو جندل بن سهيل ومن معه من المستضعفين بمكة، فجعلوا لا يمر عليهم عير لقريش إلا عرضوا لها وأخذوها وقتلوا من معها. فأرسلت قريش إلى النبي (ص) تناشده الله والرحم أن يضمهم إليه، ولا يرد إليهم أحدا جاءه ففعل، رواه البخاري مختصرا. (وإذا عقدها) أي عقد الامام الهدنة (من غير شرط لم يجز لنا رد من جاءنا مسلما أو بأمان حرا كان أو عبدا رجلا أو امرأة) لأنه رد لهم إلى باطل (ولا يجب رد مهر المرأة) إليهم لأنها استحقته بما نيل منها فلا يرد لغيرها (وإذا طلبت امرأة) مسلمة (أو صبية مسلمة الخروج من عند الكفار جاز لكل مسلم إخراجها) لما روي أن النبي (ص): لما خرج من مكة، وقفت ابنة حمزة على الطريق. فلما مر بها علي. قالت: يا ابن عم: لمن تدعني؟ فتناولها فدفعها إلى فاطمة حتى قدم بها المدينة. (وإن هرب منهم) أي المهاجرين ابن (عبد أسلم لم يرد إليهم وهو حر)، لأنه ملك نفسه بإسلامه،
130 و: * (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (ويضمنون) أهل الهدنة (لما أتلفوه لمسلم) من مال (ويحدون لقذفه، ويقادون لقتله، ويقطعون بسرقة ماله) لأن الهدنة تقتضي أمان المسلمين منهم وأمانهم من المسلمين في النفس والمال والعرض. فلزمهم ما يجب في ذلك. (ولا يحدون لحق الله تعالى) لأنهم ليسوا بملزمين أحكامنا. فصل: (و) يجب (على الامام حماية من هادنه من المسلمين وأهل الذمة) لأنه أمنهم ممن هو في يده وتحت قبضته. فلو أتلف أحد من المسلمين أو أهل الذمة عليهم شيئا، فعليه الضمان. (دون غيرهم، كأهل حرب) فلا يلزم الامام حمايتهم، ولا حماية بعضهم من بعض، لأن الهدنة التزام الكف عنهم فقط. (فلو أخذهم) أي المهادنين، غير المسلمين، وأهل الذمة (أو) أخذ (مالهم غيرهما حرم أخذنا) ذلك بشراء غيره. لأنهم في عهدنا (وإن سباهم كفار آخرون، أو سبى بعضهم بعضا، لم يجز لنا شراؤهم) لأن الأمان يقتضي رفع الأذى عنهم وفي استرقاقهم أذى لهم بالاذلال بالرق، فلم يجز كسبيهم والواحد كالكل. ولا يلزم الامام استنقاذهم (وإن سبى بعضهم ولد بعض ثم باعه صح) كبيع عربي ولده (ولنا شراء ولدهم وأهليهم) منهم، أو ممن سباهم (كحربي باع أهله وأولاده) بخلاف الذمي. وقد ذكرت كلام ابن نصر الله. وإن ذلك ليس ببيع حقيقة، لأنهم ليسوا أرقاء قبل، وإنما يصيرون أرقاء بالاستيلاء عليهم كالسبي ذكر ذلك في حاشية المنتهى (وإن خاف) الامام (نقض العهد منهم بأمارة تدل عليه جاز نبذه إليهم بخلاف ذمته) فيقول لهم قد نبذت عهدكم وصرتم حربيين. لقوله تعالى: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * أي أعلمهم بنقض العهد، حتى تصير أنت وهم سواء في العلم (فيعلم بنقض عهدهم وجوبا قبل الإغارة) عليهم (والقتال) للآية (ومتى
131 نقضها) أي نقض الامام الهدنة (وفي دارنا منهم أحد. وجب ردهم إلى مأمنهم) لأنهم دخلوا بأمان، فوجب أن يردوا آمنين (وإن كان عليهم حق استوفي منهم) كغيرهم للعمومات (وينتقض عهد نسائهم وذريتهم بنقض عهد رجالهم تبعا) لما تقدم من أن النبي (ص) قتل رجال بني قريظة، حين نقضوا عهده، وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم ولما هادن قريشا فنقضوا عهده، حل له منهم ما كان حرم عليه منهم (ويجوز قتل رهائنهم إذا قتلوا رهائننا، ومتى مات إمام، أو عزل لزم من بعده الوفاء) بعقد الهدنة للزومه كما تقدم. باب عقد الذمة قال أبو عبيد: الذمة الأمان. لقوله (ص) يسعى بذمتهم أدناهم والذمة الضمان والعهد، وهي فعلة من أذم يذم. إذا جعل له عهدا. ومعنى عهد الذمة إقرار بعض الكفار على كفره بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملة (لا يصح عقدها إلا من إمام أو نائبه) لان ذلك يتعلق بنظر الامام، وما يراه من المصلحة، ولأنه عقد مؤبد. فلا يجوز أن يفتات به على الامام (ويحرم) عقد الذمة (من غيرهما) أي غير الامام ونائبه، لأنه افتيات على الامام (ويجب عقدها إذا اجتمعت الشروط) السابق ذكرها، وتأتي أيضا (ما لم يخف غائلة منهم) أي غدرا بتمكينهم من الإقامة بدار الاسلام، فلا يجوز عقدها، لما فيه من الضرر علينا. (وصفة عقدها: أقررتكم بجزية واستسلام) أي انقياد والتزام لأحكام الاسلام. (أو يبذلون ذلك فيقول: أقررتكم على ذلك ونحوهما) أي هاتين الصيغتين. كقوله: عاهدتكم على أن تقيموا بدارنا بجزية والتزام حكمنا، ولا يعتبر ذكر قدر الجزية في العقد. (فالجزية) مأخوذة من الجزاء (مال يؤخذ منهم على وجه الصغار) بفتح الصاد المهملة. أي الذلة والامتهان. (كل عام بدلا عن قتلهم وإقامتهم بدارنا) فإنهم لو لم يبذلوها، لم يكف عنهم. (ولا يجوز
132 عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين أحدهما: التزام إعطاء الجزية كل حول. والثاني: التزام أحكام الاسلام. وهو قبول ما يحكم به عليهم من أداء. حق، أو ترك محرم) فإن عقد على غير هذين الشرطين لم يصح. لقوله تعالى: * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * قيل: الصغار جريان أحكام المسلمين عليهم. (ولا يجوز عقدها، إلا لأهل الكتابين) التوراة والإنجيل، وهم اليهود والنصارى. (ولمن وافقهما) أي اليهود والنصارى (في التدين بالتوراة والإنجيل كالسامرة) قبيلة من بني إسرائيل نسب إليهم السامري. ويقال لهم في زمننا سمرة بوزن شجرة، وهم طائفة من اليهود يتشددون في دينهم، ويخالفونهم في بعض الفروع (والفرنج) وهم الروم يقال لهم بنو الأصفر. والأشبه أنها مولدة نسبة إلى فرنجة بفتح أوله وثانيه، وسكون ثالثه، وهي جزيرة من جزائر البحر. والنسبة إليها فرنجي. ثم حذفت الياء. والأصل في ذلك قوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) *، إلى قوله * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * وقول المغيرة بن شعبة لعامل كسرى أمرنا نبينا (ص) أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده. أو تؤدوا الجزية رواه، أحمد والبخاري. والاجماع على قبول الجزية لمن بذلها من أهل الكتاب ومن يلحق بهم وإقرارهم بذلك في دار الاسلام. (ولمن له شبهة كتاب كالمجوس) لأن عمر لم يأخذها منهم حتى شهد عنده عبد الرحمن بن عوف أن النبي (ص) أخذها من مجوس هجر، رواه البخاري. وفي رواية أنه (ص) قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب رواه الشافعي، وإنما قيل لهم شبهة كتاب لأنه روي أنه كان لهم كتاب فرفع فصار لهم بذلك شبهة أوجبت حقن دمائهم، وأخذ الجزية منهم ولا تنهض في إباحة نسائهم وحل ذبائحهم. (و) ك (الصابئين وهم جنس من النصارى نصا) وعنه أنهم يسبتون وروي عن عمر. فهم بمنزلة اليهود وقال مجاهدهم بين اليهود والنصارى، وروي أنهم يقولون أن الفلك حي ناطق، وإن الكواكب السبعة آلهة وحينئذ فهم كعبدة الأوثان. (ومن عداهم) أي عدا أهل الكتاب ومن وافقهم في التدين بالكتابين ومن له شبهة كتاب كالمجوس. (فلا يقبل منهم إلا الاسلام أو القتل) لحديث:
133 أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله خص منه أهل الكتاب ومن ألحق بهم لما تقدم وبقي من عداهم على الأصل، فأما أهل صحف إبراهيم وشيث وزبور داود فلا تقبل منهم الجزية لأنهم غير أولئك، ولأن هذه لم يكن فيها شرائع إنما هي مواعظ وأمثال. كذلك وصف النبي (ص) صحف إبراهيم وزبور داود في حديث أبي ذر. (وإذا عقد الامام) أو نائبه (الذمة للكفار زعموا أنهم أهل كتاب ثم تبين يقينا أنهم عبدة أوثان) أو نحوهم (فالعقد باطل) لفوات شرطه، (ومن انتقل إلى أحد الأديان الثلاثة من غير أهلها بأن تهود أو تنصر أو تمجس قبل بعثة نبينا محمد (ص)، ولو بعد التبديل فله حكم الدين الذي انتقل إليه من إقراره بالجزية وغيره). كحل ذبيحته ومناكحته إذا تهود أو تنصر. (وكذا) من تهود أو تنصر أو تمجس، (بعد بعثته) (ص) لأنه (ص) كان يقبلها منهم من غير سؤال، ولو اختلف الحكم بذلك لسأل عنه ولو وقع لنقل. (وكذا من ولد بين أبوين لا تقبل الجزية من أحدهما) كمن ولد بين مجوسي ووثنية. (إذا اختار دين من يقبل منه الجزية) فتقبل منه لعموم النص فيهم، ولأنه اختار أفضل الدينين، وأقلهما كفرا. (ويأتي إذا انتقل أحد أهل الأديان الثلاثة إلى غير دينه) في الباب مفصلا. تتمة: في تسمية اليهود بذلك أقوال إما لأنهم هادوا عن عبادة العجل أي تابوا أو لأنهم مالوا عن دين الاسلام، أو لأنهم يتهودون عند قراءة التوراة أي يتحركون أو لنسبتهم إلى يهود بن يعقوب بالمعجمة ثم عرب بالمهملة. والنصارى واحدهم نصراني والأنثى نصرانية، نسبة إلى قرية بالشام يقال لها نصران وناصرة. فصل: (ولا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب) ابن وائل من العرب من ولد ربيعة بن نزار فإنهم انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية
134 فدعاهم عمر إلى بذل الجزية فأبوا وأنفوا، وقالوا: نحن عرب خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض باسم الصدقة فقال: لا آخذ من مشرك صدقة، فلحق بعضهم بالروم فقال النعمان بن زرعة: يا أمير المؤمنين إن القوم لهم بأس وشدة وهم عرب يأنفون من الجزية فلا تعن عليك عدوك بهم، وخذ منهم الجزية باسم الصدقة، فبعث عمر في طلبهم وردهم، وضعف عليهم الزكاة. (ولو بذلوها) أي الجزية فلا تؤخذ منهم لأن عقد الذمة مؤبد وقد عقده معهم عمر هكذا فليس لأحد نقضه. (بل) تؤخذ الجزية (من حربي منهم) أي من بني تغلب (لم يدخل في الصلح إذا بذلها) قطع به في الفروع. لأنه ليس فيه نقض لفعل عمر لعدم دخوله فيه. (وليس للامام نقض عهدهم) أي بني تغلب (وتجديد الجزية عليهم لأن عقد الذمة مؤبد وقد عقده عمر رضي الله عنه هكذا، فلا يغيره إلى الجزية) أحد (وإن سألوه) لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد. (وتؤخذ الزكاة منهم) أي من بني تغلب (عوضها) أي الجزية (من ماشية وغيرها مما تجب فيه زكاة مثلي ما يؤخذ من المسلمين) لأن تمام حديث عمر أنه ضعف عليهم من الإبل في كل خمس شاتان، وفي كل ثلاثين بقرة تبيعان وفي كل عشرين دينارا دينار، وفي كل مائتي درهم عشرة، وفيما سقت السماء الخمس، وفيما سقى بنضج أو دولاب العشر واستقر ذلك من قوله ولم ينكر فكان كالاجماع، وفي عبارته تسامح. والأولى أن يقال ويؤخذ عوض الجزية منهم مثلي زكاة المسلمين. (حتى ممن لا تلزمه جزية فيؤخذ من نسائهم وصغارهم ومجانينهم وزمناهم ومكافيفهم) أي العمي منهم، (وشيوخهم ونحوهم) لأن اعتبارها بالأنفس سقط، وانتقل إلى الأموال بتقديرهم فتؤخذ من كل مال زكوي سواء كان صاحبه من أهل الجزية أو لم يكن، ولان نساءهم وصبيانهم صينوا عن السبي بهذا الصلح، ودخلوا في حكمه فجاز أن يدخلوا في الواجب به كالرجال العقلاء. (و) لهذا (لا تؤخذ من فقير) ولو معتملا (ولا ممن له مال دون نصاب أو) له مال (غير زكوي) كالخيل والرقيق ونحوه الذي لم يكن للتجارة، ويكتفي بما يؤخذ منهم باسم الزكاة. (ولو كان المأخوذ من أحدهم أقل من جزية ذمي) لعموم ما سبق. (ويلحق بهم) أي ببني تغلب (كل من أباها) أي الجزية (إلا باسم الصدقة من العرب وخيف منهم الضرر كمن تنصر من تنوخ) قبيلة
135 سموا بذلك لأنهم اجتمعوا فأقاموا في مواضعهم يقال: تنخ بالمكان أقام به. (وبهراء) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وفتح الراء بعدها ألف وزان حمراء، قبيلة من قضاعة قاله في حاشيتيه. (أو تهود من كنانة) بكسر الكاف (وحمير) بكسر الحاء المهملة، (أو تمجس من بني تميم ومضر) لأنهم من العرب أشبهوا بني تغلب (ومصرف ما يؤخذ منهم كجزية) لأنه مأخوذ من مشرك فكان جزية وغايته أنه جزية مسماة بالصدقة، ولهذا قال عمر: هؤلاء حمقاء رضوا بالمعنى وأبوا عن الاسم. (ولا جزية على من لا يجوز قتله إذا أسر) لأن قتلهم ممتنع وتقدم أن الجزية بدل عن قتلهم. وكتب عمر إلى أمراء الأجناد: أن اضربوا الجزية ولا تضربوها على النساء والصبيان رواه سعيد. (فلا تجب) الجزية (على صغير ولا امرأة) لما مر (ولا) على (خنثى) مشكل لأنه لا يعلم كونه رجلا. (فإن بان) الخنثى (رجلا أخذ منه للمستقبل فقط) أي دون الماضي. (ولا) جزية (على مجنون ولا زمن ولا أعمى ولا شيخ فان. لا راهب بصومعة، وهو الذي حبس نفسه وتخلى عن الناس في دينهم ودنياهم) لأنهم لا يقتلون فلم تجب عليهم الجزية كالنساء والصبيان. (ولا يبقى بيده) أي الراهب بصومعة (مال إلا بلغته فقط، ويؤخذ ما بيده) زائدا على ذلك. (وأما الرهبان الذين يخالطون الناس ويتخذون المتاجر والمزارع، فحكمهم كسائر النصارى. تؤخذ منهم الجزية باتفاق المسلمين، قاله الشيخ. وتؤخذ) الجزية (من الشماس كغيره) لعدم الفرق. (ولا) جزية (على عبد ولو لكافر) نص عليه. لقوله (ص): لا جزية على عبد. وعن أبي عمر مثله. ولأنه مال
136 فلم تجب عليه كسائر الحيوانات. (بل تجب) الجزية (على معتق ذمي) لما يستقبل (ولو أعتقه مسلم) لأنه حر مكلف موسر من أهل القتل، فلم يقر في دارنا بغير جزية. كحر الأصل. (و) تجب الجزية على (معتق بعضه بقدر حريته) لأنه حكم يتجزأ يختلف بالرق والحرية، فيقسم على قدر ما فيه منهما كالإرث، (ولا) تجب الجزية (على فقير يعجز عنها غير معتمل) لان عمر جعل الجزية على ثلاث طبقات: جعل أدناها على الفقير المعتمل، فدل على أن غير المعتمل لا شئ عليه. ولقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (فإن كان) الفقير (معتملا وجبت عليه) الجزية. لما سبق (ومن بلغ أو أفاق أو استغنى ممن تعقد له الجزية. فهو من أهلها بالعقد الأول، ولا يحتاج إلى استئناف عقد) له لأنه لم ينقل تجديده لمن ذكر، ولان العقد يقع مع سادتهم، فيدخل فيه سائرهم. (وتؤخذ) منه الجزية (في آخر الحول بقدر ما أدرك) منه، فإن كان في نصفه فنصفها، ولا يترك حتى يتم بحول من حين وجد سببه. لأنه لا يحتاج إلى إفراده بحول. وضبط كل إنسان بحول يشق ويتعذر. ومثلهم من عتق في أثناء الحول. (ومن كان) من أهل الجزية (يجن) تارة (ويفيق) أخرى (لفقت إفاقته فإذا بلغت) إفاقته (حولا أخذت منه) الجزية، لأن حوله لا يكمل إلا حينئذ. (وإن كان في الحصن نساء أو من لا جزية عليه) كالأعمى والشيوخ، (فطلبوا عقد الذمة بغير جزية أجيبوا إليها) فيعقد لهم الأمان. (وإن طلبوا عقدها) أي الذمة (بجزية أخبروا أنه لا جزية عليهم) لينكشف لهم الامر، (فإن تبرعوا بها، كانت هبة) لا جزية. فلا تلزم قبل القبض ف (- متى امتنعوا منها لم يجبروا) عليها لعدم اللزوم. (وإن بذلتها) أي الجزية (امرأة لدخول دارنا فسكنت مجانا) أي بلا شئ، وإن كانت أعطت شيئا رد عليها. لأن من أدى شيئا يظن أنه عليه فتبين أنه لا شئ عليه. وجب رده على آخذه لفساد القبض. (إلا أن تتبرع به) أي بما تدفعه (بعد معرفتها أن لا شئ عليها) فتكون هبة لا تلزم إلا بالقبض فإن شرطت ذلك على نفسها ثم رجعت. فلها ذلك (لكن يشترط) الامام أو نائبه (عليها) أي على المرأة إذا أرادت دخول دارنا (التزام أحكام الاسلام) كما يشترطه على المقاتلة. (ويعقد لها الذمة) بعد إجابتها
137 لذلك. (ومرجع جزية وخراج: إلى اجتهاد الامام. وتقدم) في الأرضين المغنومة. (وعنه) يرجع فيهما (إلى ما ضربه عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فيجب أن يقسمه) أي مال الجزية (الامام عليهم، فيجعل على الموسر ثمانية وأربعين درهما، وعلى المتوسط أربعة وعشرين) درهما، (وعلى الأدون اثني عشر) درهما. لفعل عمر ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر. فكان كالاجماع. ويجاب عن قوله (ص) لمعاذ: خذ من كل حالم دينارا بأن الفقر كان في أهل اليمن أغلب. لذلك قيل لمجاهد: ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جعل ذلك من أجل اليسار. وبأن الجزية يرجع فيها إلى اجتهاد الامام، وليس التقدير واجبا لأنها وجبت صغارا وعقوبة. فاختلفت باختلافهم. (ويجوز أن يأخذ) في الجزية (عن كل اثني عشرة درهما دينارا) لأنه يعد لها قيمة بحسب الزمن الأول. (ولا يتعين أخذها) أي الجزية (من ذهب ولا فضة بل من كل الأمتعة بالقيمة). لحديث معاذ: أن النبي (ص) لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم - يعني محتلما - دينارا أو عدله من المعافر - ثياب تكون باليمن، رواه الترمذي وحسنه. (ويجوز أخذ ثمن الخمر والخنزير عن الجزية والخراج إذا تولوا بيعها وقبضوه) أي الثمن، لأنه من أموالهم التي نقرهم على اقتنائها كثيابهم. قال في أحكام الذمة قلت: ولو بذلوها في ثمن مبيع، أو إجارة، أو قرض أو ضمان، أو بدل متلف جاز للمسلم أخذها وطابت له. (والغني فيهم من عده الناس غنيا عرفا) لأن المقادير توقيفية، ولا توقيف هنا فوجب رده إلى العرف. كالقبض، والحرز. (ومتى بذلوا الواجب) عليهم من الجزية (لزم قبوله) لقوله (ص) لمعاذ: أدعهم إلى أداء الجزية. فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم. (ودفع من قصدهم بأذى في دارنا) ولو كانوا منفردين ببلد. قال في الترغيب: والمنفردون ببلد متصل ببلدنا يجب
138 ذب أهل الحرب عنهم على الأشبه، ولو شرطنا أن لا نذب عنهم لم يصح. واقتصر عليه في الفروع فإن كانوا بدار الحرب لم يلزمنا الذب عنهم. (وحرم قتالهم وأخذ مالهم) بعد إعطاء الجزية. لأن الله تعالى جعل إعطاء الجزية غاية لقتالهم. (ومن أسلم) منهم (بعد الحول سقطت عنه الجزية) لعموم قوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * وقوله (ص): الاسلام يجب ما قبله وعن ابن عباس مرفوعا: ليس على المسلم جزية، رواه أبو داود والترمذي. ولأنها عقوبة سببها الكفر. فسقطت بالاسلام. فإن كان إسلامه قبل تمام الحول لم تؤخذ بطريق الأولى. و (لا) الجزية (إن مات) الذمي بعد الحول (أو طرأ عليه مانع من جنون ونحوه) كعمي، (فتؤخذ من تركة ميت ومن مال حي) لأنها دين. فلم تسقط بذلك كدين الآدمي. (وإن طرأ المانع في أثناء الحول كموت سقطت) لأن الجزية لا تجب ولا تؤخذ قبل كمال حولها. (ومن اجتمعت عليه جزية سنين استوفيت كلها ولم تتداخل) كدين الآدمي، ولأنها حق مالي يجب في آخر كل حول. فلم تتداخل كالدية. (وتؤخذ) الجزية (كل سنة هلالية مرة) واحدة (بعد انقضائها) أي السنة لأنها مال يتكرر بتكرار الحول فلم تؤخذ قبله. كالزكاة (ولا تجوز مطالبته بها عقب عقد الذمة)، لأنه لا يصح شرط تعجيلها، ولا يقتضيه الاطلاق. قال الأصحاب: لأنا لا نأمن نقض أمانه. فيسقط حقه من العوض. (ويمتهنون عند أخذها) أي الجزية منهم (وتجر أيديهم عند أخذها، ويطال قيامهم حتى يألموا ويتعبوا، ويؤخذ منهم وهم قيام. والآخذ) للجزية (جالس) لقوله تعالى: * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * قال في المبدع: وظاهره. أن هذه الصفة مستحقة. (ولا يقبل منهم إرسالها) أي الجزية (مع غيرهم لزوال الصغار. كما لا يجوز تفريقها بنفسه. بل يحضر الذمي بنفسه ليؤديها وهو قائم) صاغر،
139 (وليس للمسلم أن يتوكل لهم في أدائها، ولا أن يضمنها، ولا أن يحيل الذمي عليه بها) لفوات الصغار. (ولا يعذبون) أي أهل الذمة (في أخذها) أي الجزية. (ولا يشتط) وفي نسخة: ولا يتسطط (عليهم)، لما روى أبو عبيد: أن عمر أتى بمال كثير. قال أبو عبيد: أحسبه الجزية فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: والله ما أخذنا إلا عفوا صفوا. قال: بلا سوط ولا نوط. قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني. فصل: (ويجوز أن يشرط عليهم) في عقد الذمة (مع الجزية ضيافة من يمر بهم من المسلمين المجاهدين وغيرهم حتى الراعي وعلف دوابهم)، لما روي أنه (ص): ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار. وكانوا ثلاثمائة نفس، وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين. وعن عمر: أنه قضى عليهم ضيافة ثلاثة أيام، وعلف دوابهم، وما يصلحهم، وروى أحمد عن الأحنف بن قيس: أن عمر شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة، وأن يصلحوا القناطر، وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته. (ويبين) الامام أو نائبه لهم (أيام الضيافة، والأدام والعلف، وعدد من يضاف من الرجالة والفرسان والمنزل فيقول: تضيفون في كل سنة مائة يوم، في كل يوم عشرة من المسلمين من خبز كذا وكذا) ومن الأدم كذا (وللفرس من الشعير كذا، ومن التبن كذا) لأن ذلك من الجزية، فاعتبر العلم به كالنقود، قاله القاضي. (ويبين لهم ما على الغن والفقير) من الضيافة كما في الجزية. (فيكون ذلك بينهم على قدر جزيتهم) قطع به في المبدع.
140 وحكاه في الانصاف قولا عن الرعاية، مقابلا لما قدمه من أنه يبين ما على الفقير والغني. (فإن شرط الضيافة مطلقا. قال في الشرح والفروع: صح) وقدمه في الكافي لأن عمر لم يقدر ذلك، وقال: أطعموهم مما تأكلون. تنبيه: في عزوه ذلك للفروع نظر، فإنه أطلق فيه الخلاف، وقال في الانصاف: قدمه في الفروع. فيحتمل أن النسخ مختلفة (وتكون مدتها) أي الضيافة (يوما وليلة) قال أبو بكر: الواجب يوم وليلة كالمسلمين. ولا يكلفون إلا من طعامهم وإدامهم (ولا تجب الضيافة من غير شرط) لأنها مال فلا يلزمهم بغير رضاهم كالجزية (فلا يكلفون الضيافة) مع عدم الشرط (ولا) يكلفون (الذبيحة) وإن شرطت عليهم الضيافة (ولا) يكلفون (أن يضيفونا (بأرفع من طعامهم) لما تقدم من قول عمر: أطعموهم مما تأكلون. (وللمسلمين النزول في الكنائس والبيع) فإن عمر صالح أهل الشام على أن يوسعوا أبواب بيعهم وكنائسهم لمن يجتاز بهم من المسلمين ليدخلوها ركبانا. (فإن لم يجدوا) أي المسلمون (مكانا فلهم النزول في الأفنية وفضول المنازل. وليس لهم تحويل صاحب المنزل منه)، لأنه إضرار به، وقد قال (ص): لا ضرر ولا ضرار. وإن شرط عليهم الضيافة فامتنعوا من قبولها لم يعقد لهم الذمة. (فإن) قبلوا و (امتنع بعضهم من القيام بما يجب عليه أجبر عليه) كسائر الحقوق الواجبة، (فإن امتنع الجميع) مما وجب عليهم (أجبروا) على القيام به لوجوبه (فإن لم
141 يمكن) إجبارهم (إلا بالقتال قوتلوا) عليه. (فإن قاتلوا انتقض عهدهم) بالقتال (فإن جعل الضيافة مكان الجزية، صح) لما روي أن عمر كتب لراهب من أهل الشام: إنني إن وليت هذه الأرض أسقطت عنك خراجك. فلما قدم عمر الجابية وهو أمير المؤمنين جاء به قال: إنني جعلت لك ما ليس لي، ولكن اختر إن شئت أد الخراج وإن شئت أن تضيف المسلمين. فاختار الضيافة. لكن يشترط أن يكون الضيافة يبلغ قدرها ما يقابل ما يجب عليهم من الدراهم أو الدنانير. قاله في شرح المنتهى. قال في المبدع: ويشترط أن يبلغ قدرها أقل الجزية إذا قلنا هي مقدرة لئلا ينقص خراجه من أقلها. ه. ومعناه في الشرح. ومقتضاه أنه لا يشترط إذ الأصح أنها إلى اجتهاد الامام. (وإذا شرط في) عقد (الذمة شرطا فاسدا مثل أن يشترط أ) ن (لا جزية عليهم أو) يشترط (إظهارهم المنكر أو إسكانهم الحجاز ونحوه فسد العقد) لفساد الشرط. وصحح في تصحيح الفروع: أنه يفسد الشرط دون العقد، ذكره في الهدنة، وجزم به في المنتهى هناك. (وإذا تولى إمام فعرف قدر جزيتهم. أو قامت به بينة أو كان) قدر جزيتهم (ظاهرا أقرهم عليه) لأن الخلفاء أقروهم على ذلك ولم يجدوا لمن كان في زمنهم عقدا، ولأنه عقد لازم كالإجارة أو عقد بالاجتهاد فلا ينقض. (وإن لم يعرفه) أي ما عليهم (رجع إلى قولهم فيما يسوغ أن يكون جزية) لانكارهم ما زاد. (وله) أي الامام (تحليفهم مع التهمة) أي اتهامه إياهم فيما يذكرونه. (فإن بان له) أي الامام (كذبهم)، وأنهم أخبروه بنقص عما كانوا يؤدونه لمن قبله (رجع عليهم) بما بقي لبقائه عليهم. وإن قالوا: كنا نؤدي كذا جزية وكذا هدية استحلفهم يمينا واحدة لأن الظاهر فيما يدفعونه أنه كله جزية. وإن قال بعضهم: كنا نؤدي دينارا وبعضهم كنا نؤدي دينارين، أخذ كل واحد منهم بما أقر به، ولا يقبل قول بعضهم على بعض، لأن أقوالهم غير مقبولة. (وإذا عقد الامام الذمة كتب أسماءهم وأسماء آبائهم) فيكتب فلان بن فلان، (و)
142 كتب (حلاهم) جمع حلية بكسر الحاء، ويجوز ضمها، فيكتب طويل أو قصير، أو ربعة أسمر أو أخضر أو أبيض مقرون الحاجبين أو مفروقهما أدعج العين، أقنى الانف أو ضدهما، ونحو ذلك من الصفات اللازمة التي يتميز بها كل واحد منهم عن غيره. (و) كتب (دينهم) فيقول يهودي، أو نصراني، أو مجوسي. (وجعل لكل طائفة عريفا) وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة، وتقدم حديث: العرافة حق. (مسلما) ليقبل خبره (يجمعهم عند أداء الجزية، ويكشف حال من بلغ أو استغنى أو أسلم أو سافر ونحوه) كمن عتق من أرقائهم، أو أفاق من مجانينهم ليتعرف أمر الجزية، (أو نقض العهد أو خرق شيئا من أحكام الذمة) ليترتب عليه مقتضاه. (وما يذكره بعض أهل الذمة: أن معهم كتاب النبي (ص) بإسقاط الجزية عنهم. لم يصح) وسئل ابن شريح عن ذلك؟ فقال: لم ينقل ذلك أحد المسلمين. وروى: أنهم طولبوا بذلك فأخرجوا كتابا ذكروا فيه أنه بخط علي بن أبي طالب. كتبه عن النبي (ص)، وأن فيه: شهادة سعد بن معاذ، ومعاوية فوجد تاريخه بعد موت سعد، وقبل إسلام معاوية. فاستدل بذلك على بطلانه. (ومن أخذت منه الجزية كتب له براءة لتكون له حجة إذا احتاج إليها) كما تقدم في الزكاة، بل هنا أولى. لأنه لا يقبل قوله في أداء الجزية بلا بينة. (ويأتي) ذلك (في الباب بعده). باب أحكام الذمة أي ما يجب عليهم أو لهم بعد عقد الذمة مما يقتضيه عقدها لهم. (ويلزم الامام أن يأخذهم) أي أهل الذمة (بأحكام الاسلام في ضمان النفس). فمن قتل أو قطع طرفا أخذ بموجب ذلك، كالمسلم. لما روي: أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها. فقتله رسول الله (ص) متفق عليه. (والمال) فلو أتلف مالا لغيره ضمنه. (والعرض) فمن قذف إنسانا أو سبه ونحوه، أقيم عليه ما يقام على المسلم بذلك، لأن الاسلام نقض حكم ما يخالفه. (و)
143 يلزمه (إقامة الحد عليهم فيما يعتقدون تحريمه. كزنا وسرقة) لما في الصحيح عن ابن عمر: أن النبي (ص) أتي برجل وامرأة من اليهود زنيا. فرجمهما. ولأنه يحرم في دينهم. وقد التزموا حكم الاسلام، فثبت في حقهم كالمسلم. و (لا) يقيم الحد عليهم (فيما يعتقدون حله، كشرب خمر، ونكاح محرم) وأكل لحم خنزير لأنهم يعتقدون حله. ولأنهم يقرون على كفرهم. وهو أعظم جرما، إلا أنهم يمنعون من إظهار ذلك بين المسلمين، لتأذيهم به. (أو يرون صحته من العقود، ولو رضوا بحكمنا) فلا نتعرض لهم فيه، ما لم يرتفعوا إلينا. (قال الشيخ: واليهودي إذا تزوج بنت أخيه، أو) بنت (أخته. كان ولده منها يلحقه ويرثه باتفاق المسلمين. وإن كان هذا النكاح باطلا باتفاق المسلمين) أي لأنه وطئ شبهة، لاعتقادهم حله. (ويلزمهم التمييز عن المسلمين، فيشترطه الامام عليهم) لاشتراط أهل الجزيرة على أنفسهم ذلك. حيث قالوا: وأن تلزم زينا حيثما كنا، وأن لا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة، ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر إلخ. وكتبوا به إلى عبد الرحمن بن غنم. فكتب به إلى عمر بن الخطاب. فكتب عمر: أن امض لهم ما سألوه، الخبر مطولا، رواه الخلال. ويكون التمييز في أمور منها (ف شعورهم بحذف) أي حلق (مقادم رؤوسهم، بأن يجزوا نواصيهم) وهي مقدار ربع الرأس. (ولا يتخذون شرابين لأنه من عادة الاشراف) فيمنعون منه. (و) يلزمهم التمييز أيضا في شعورهم (بترك الفرق) وهو قسم شعر الرأس نصفين بالسوية. وجعله ذؤابتين. (فلا يفرق) الذمي (شعر جمته) أي رأسه (فرقتين. كما يفرق النساء) لأن الفرق من سنة المسلمين، بل تكون شعور رؤوسهم جمة، لما تقدم. (وكناهم، فلا يكتنون بكنى المسلمين، كأبي القاسم، وأبي عبد الله، وأبي محمد، وأبي الحسن، وأبي بكر ونحوها) مما هو في الغالب في المسلمين. لقولهم في الخبر السابق:
144 ولا نكتني بكناهم. (وكذا) ال (- لقب) أي يمنعون من ألقاب المسلمين (كعز الدين ونحوه) كزين الدين. (ولا يمنعون الكنى بالكلية) قال أحمد لطبيب نصراني: يا أبا إسحاق. واحتج بفعل النبي (ص) وفعل عمر. ونقل أبو طالب: لا بأس به لأن النبي (ص) قال لأسقف نجران: يا أبا الحارث أسلم تسلم. وعمر قال لنصراني: يا أبا حسان وفي الفروع يتوجه احتمال: يجوز للمصلحة. وقال بعض العلماء: ويحمل ما روى عليه. (ويلزمهم الانقياد لحكمنا إذا جرى عليهم) ولو اعتقدوا خلافه. لنسخ الاسلام سائر الشرائع، والتزامهم ذلك بالعقد، إذ شرطه التزام حكمنا. كما سبق. (ولهم ركوب غير خيل) يدخل فيه: البغال. وصرح به القاضي في الأحكام السلطانية. قلت: ولعل المراد: إذا لم ترد للغزو، لأنها إذن كالخيل. والمقصود إذلالهم (بلا سرج، عرضا. بأن تكون رجلاه إلى جانب وظهره إلى) الجانب (الآخر على الأكف. جمع إكاف) بوزن كتب وكتاب. (وهو البرذعة) لما روى الخلال: أن عمر أمرهم بذلك. وظاهره: قربت المسافة أو بعدت. قاله في المبدع. (و) يلزمهم التمييز أيضا (في لباسهم بالغيار. فيلبسون ثوبا يخالف لونه بقية ثيابهم. كعسلي ليهود، وهو ضرب من اللباس معروف، وأدكن لنصارى) وهو لون (يضرب إلى السواد، وهو الفاختي، ويكون هذا في ثوب واحد لا في جميعها) أي الثياب. لحصول المقصود بواحد منها. (ولا امرأة غيار بخفين مختلفي اللون، كأبيض وأحمر. ونحوهما إن خرجت بخف) قال في المبدع: فإن أبوا الغيار لم يجبروا ونغيره نحن. (و) مما يتميزون به (شد الخرق الصفر ونحوها) كالزرق في (قلانسهم وعمائمهم، مخالفة للونها) أي تكون الخرقة مخالف لونها لون القلانس والعمائم، ليحصل التمييز. (ولما صارت العمامة الصفراء والزرقاء والحمراء من شعارهم. حرم على المسلم لبسها). قاله الشيخ تقي الدين. لكن في الزرقاء والصفراء واضح، لا في الحمراء. (والظاهر: أنه يجتزأ بها) أي بالعمامة الزرقاء ونحوها. كالذي
145 اعتاده اليهود ببلدنا. (في حق الرجال: عن الغيار ونحوه) كشد الزنار (لحصول التمييز الظاهر بها. وهو في هذه الأزمنة وقبلها كالاجماع، لأنها صارت مألوفة لهم. فإن أرادوا العدول عنها منعوا. وإن تزيا بها مسلم، أو علق صليبا بصدره حرم) لحديث: من تشبه بقوم فهو منهم. ويكون قولهم فيما تقدم: يكره التشبيه بزي أهل الكتاب ونحوهم: مخصوص بما هنا. والفرق ما في هذه من شدة المشابهة. (ولم يكفر) بذلك كسائر المعاصي. والخبر للتنفير (ولا يتقلدوا السيوف ولا يحملوا السلاح، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا بأس أن يعلموا الصلاة على النبي (ص)) قال مهنا: سألت أبا عبد الله هل يكره للمسلم أن يعلم غلاما مجوسيا شيئا من القرآن؟ قال: إن أسلم فنعم. وإلا فأكره أن يضع القرآن في غير موضعه قلت: فيعلمه أن يصلي على النبي (ص) قال: نعم. (ولا يتعلمون العربية) لاشتراطهم على أنفسهم في كتابهم لعبد الرحمن بن غنم، وأمر عمر أن يكتب لهم قالوا فيه: ولا نتكلم بكلامهم. (ويمنعون من العمل بالسلاح، وتعلم المقاتلة بالثقاف، والرمي وغيره) كلعب برمح ودبوس. لأن في ذلك معونة لهم علينا. (ويؤمر النصارى بشد الزنار فوق ثيابهم) لأنهم إذا شدوه من داخل لم ير، فلم تكن له فائدة. (وهو) أي الزنار (خيط غليظ على أوساطهم خارج الثياب) لما تقدم، (وليس لهم إبداله بمنطقة ومنديل ونحوهما) لعدم حصول المقصود من التمييز. (و) يكون الزنار (للمرأة تحت ثيابها) قاله القاضي. وعلل بأنها إن شدته فوق كل الثياب انكشف رأسها وقال في المبدع: لكن ا لمرأة تشد فوق ثيابها تحت الإزار، لأنه لو شد فوقه لم يثبت. (ويكفي أحدهما، أي الغيار
146 أو الزنار) لأن المقصود التمييز وهو حاصل. قال في المستوعب: فالتمييز في الملبوس بالغيار - إلى أن قال: ويؤمرون مع ذلك بشد الزنار فوق ثيابهم. فمقتضاه: الجمع بينهما. وهو ظاهر كلام غيره. (ولا يمنعون فاخر الثياب ولا العمائم، والطيلسان. لحصول التمييز بالغيار والزنار ويجعل في رقابهم خواتيم من رصاص أو حديد لا من ذهب وفضة) لتحريمها على الذكور. (و) كذلك (لو جعل في عنقه صليبا لم يجز) لما فيه من إظهار الصليب، (أو) يجعل في رقابهم (جلجل جرس صغير، لدخولهم حمامنا) ليحصل الفرق. وظاهره جواز دخولها الحمام مع المسلمات. (ويلزم تمييز قبورهم عن قبورنا تمييزا ظاهرا كالحياة وأولى) وذلك بأن لا يدفنوا أحدا منهم في مقابرنا. (وينبغي مباعدة مقابرهم عن مقابر المسلمين. وظاهره: وجوبا، لئلا تصير المقبرتان مقبرة واحدة، لأنه لا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين. وكلما بعدت) مقابرهم (عنها كان أصلح) للتباعد عن المفسدة. (ويكره الجلوس في مقابرهم) لأنه ربما أصابهم عذاب. قال تعالى: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * (ولا يجوز تصديرهم في المجالس) لأن فيها تعظيما لهم. (ولا) يجوز (القيام لهم) لأنه في معناه (ولا لمبتدع يجب هجره) كرافضي. قلت: ويكره ذلك لمن يسن هجره. كمتجاهر بمعصية كعيادته. (ولا يوقرون كما يوقر المسلم) لانحطاط رتبتهم. (ولا تجوز بداءتهم بالسلام) لحديث أبي هريرة مرفوعا: لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدا منهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح وقال في المنتقى والمبدع: متفق عليه.
147 وعزاه في الشرحين إلى الترمذي. (فإن كان معهم مسلم نواه) أي المسلم (بالسلام) لأهليته له، (ولا يجوز قوله) أي المسلم (لهم) أي لواحد من أهل الذمة (كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ وكيف أنت؟ وكيف حالك؟) نص عليه. قال في رواية أبي داود: هذا عندي أكبر من السلام. (وقال الشيخ: يجوز أن يقال له: أهلا وسهلا وكيف أصبحت؟ ونحوه) مثل كيف حالك. (ويجوز قوله) أي المسلم (له) الذمي (أكرمك الله وهداك الله، يعني بالاسلام) قال إبراهيم الحربي لأحمد: يقول له أكرمك الله؟ قال: نعم يعني بالاسلام. (ويجوز) قول المسلم للذمي (أطال الله بقاءك، وأكثر مالك وولدك. قاصدا بذلك كثرة الجزية) لكن كره أحمد الدعاء لكل أحد بالبقاء ونحوه، لأنه شئ فرغ منه. واختاره الشيخ تقي الدين، ويستعمله ابن عقيل وغيره. وصح: أنه (ص) دعا لأنس بطول العمر. وقد روى أحمد وغيره من حديث ثوبان: لا يرد القدر إلا الدعاء. ولا يزيد في العمر إلا البر أسناده ثقات، قاله في المبدع وفي شرح المهذب للنووي: نقل أبو جعفر النحاس اتفاق العلماء على كراهة قول أطال الله تعالى بقاءك. وقال بعضهم: هي تحية الزنادقة. (ولو كتب كتابا إلى كافر. وكتب) أي أراد أن يكتب (فيه سلاما كتب: سلام على من اتبع الهدى) لأن ذلك معنى جامع. (وإن سلم على من ظنه مسلما ثم علم أنه ذمي استحب قوله) أي المسلم (له) أي الذمي (رد علي سلامي) لما روي عن ابن عمر: أنه مر على رجل فسلم عليه. فقيل: إنه كافر. فقال: رد علي ما سلمت عليك فرد عليه. فقال: أكثر الله مالك وولدك. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أكثر للجزية. (وإن سلم أحدهم) أي أهل الذمة. (لزم رده. فيقال له: وعليكم، أو عليكم) بلا واو، (وبالواو أولى) لكثرة الاخبار. وروى أحمد بإسناده عن أنس أنه قال: نهينا أو أمرنا ألا نزيد أهل الذمة على: وعليكم وعند الشيخ تقي الدين: يرد مثل تحيته. فيقول: وعليك مثل تحيتك. (وإذا لقيه المسلم في طريق. فلا يوسع له ويضطره
148 إلى أضيقه) لحديث الترمذي عن أبي هريرة. وتقدم (وتكره مصافحته) نص عليه (و) يكره (تشميته) قاله القاضي. وهو ظاهر كلام أحمد وابن عقيل عن أبي موسى: أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي (ص) رجاء أن يقول لهم: يرحمكم الله. فكان يقول لهم: يهديكم الله ويصلح بالكم رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه. (و) يكره (التعرض لما يوجب المودة بينهما) لعموم قوله تعالى: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * - الآية (وإن شمته كافر أجابه) لأن طلب الهداية جائز. للخبر السابق. (ويحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم) لأنه تعظيم لهم. أشبه السلام. (وعنه تجوز العيادة) أي عيادة الذمي (إن رجي إسلامه، فيعرضه عليه. واختاره الشيخ وغيره) لما روى أنس: أن النبي (ص) عاد يهوديا، وعرض عليه الاسلام، فأسلم. فخرج وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار رواه البخاري. ولأنه من مكارم الأخلاق. (وقال) الشيخ (ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى) وغيرهم من الكفار، (وبيعه لهم فيه). وفي المنتهى: لا بيعنا لهم فيه (ومهاداتهم لعيدهم) لما في ذلك من تعظيمهم. فيشبه بداءتهم بالسلام. (ويحرم بيعهم) وإجازتهم (ما يعملونه كنيسة أو تمثالا) أي صنما. (ونحوه) كالذي يعملونه صليبا، لأنه إعانة لهم على كفرهم. وقال تعالى: * (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * (و) يحرم (كل ما فيه تخصيص كعيدهم وتمييز لهم، وهو من التشبه بهم، والتشبه بهم منهي عنه إجماعا) للخبر. (وتجب عقوبة فاعله. وقال: والكنائس ليست ملكا لاحد. وأهل الذمة ليس لهم منع من يعبد الله فيها، لأنا صالحناهم عليه. والعابد) ون ( بينهم وبين الغافلين أعظم أجرا، انتهى) قلت: وفي معناه الأماكن التي تكثر فيها المعاصي، لما فيه من إحيائها، ولهذا قيل: إني اطلعت على البقاع وجدتها تشقى كما تشقى الرجال، وتسعد
149 تتمة: قال ابن هبيرة في الحديث الرابع من حديث أبي موسى. وروي عن أحمد بن حنبل: أنه كان إذا رأى يهوديا أو نصرانيا غمض عينيه. ويقول: لا تأخذوا عني هذا فإني لم أجده عن أحد ممن تقدم، ولكني لا أستطيع أن أرى من كذب على الله. (وتكره التجارة والسفر إلى أرض العدو. وبلاد الكفر مطلقا) مع الامن والخوف. (وإلى بلاد الخوارج والبغاة والروافض، والبدع المضلة ونحو ذلك) لأن الهجرة منها أن لو كان فيها مستحبة إن قدر على إظهار دينه. (وإن عجز عن إظهار دينه فيها. فحرام سفره إليها) لأنه تعرض بنفسه إلى المعصية (ويمنعون من تعلية بنيان، لا) من (مساواته على بنيان جار مسلم. ولو كان بنيان المسلم في غاية القصر، أو رضي) المسلم لأنه حق لله تعالى. زاد ابن الزاغوني: يدوم على مداومة الأوقات، ورضاه يسقط حق من يأتي بعده. (وإن لم يلاصق) بنيانه بنيان مسلم (بحيث يطلق عليه اسم الجار. قرب أو بعد) لأن الاسلام يعلو ولا يعلى، ولان فيه ترفعا على المسلمين. فمنعوا منه كالتصدير في المجالس. (حتى ولو كان البناء مشتركا بين مسلم وذمي) لأن ما لا يتم اجتناب المحرم إلا باجتنابه محرم، قاله الشيخ تقي الدين. (ويجب هدمه، أي العالي إن أمكن هدمه بمفرده، واقتصر عليه) أي على هدم العالي، لزوال المفسدة به. وأما المساواة فلا يمنعون منها، كما تقدم. لأنها لا تفضي إلى علو الكفر، ولا إلى اطلاعهم على عوراتنا. (ويضمن ما تلف به) أي العالي (قبله) أي قبل هدمه، لتعديه بالتعلية لعدم إذن الشارع فيها. (وإن ملكوه عاليا من مسلم) لم ينقض سواء كان بشراء أو غيره. لأنهم ملكوها بهذه الصفة، ولم يعملوا شيئا. وإن كانت ملكت من كافر وجب نقضها. (أو بنى المسلم) إلى جانب دار الذمي (أو ملك) المسلم (دارا إلى جانب دار) ا (لذمي دونها. لم تنقض) لأنه لم يعملها بل ملكها كذلك. (لكن لا تعاد عالية لو انهدمت أو هدمت) ظلما أو بحق. لأنه بعد انهدامها كأن لم توجد. (فإن تشعث العالي) الذي لا يجب هدمه (ولم ينهدم. فله رمه وإصلاحه) لأنه استدامة، لا إنشاء تعلية. (وإن كانوا في محلة منفردة عن
150 المسلمين لا يجاورهم فيها مسلم. تركوا وما يبنونه، كيف أرادوا) وكذا لو كانت داره في طرف البلد حيث لا جار، لأنه لا معنى للمطاولة. فلا يمنع من التعلية ذكره في البلغة. (ولو وجدنا دار ذمي عالية ودار مسلم أنزل منها. وشككنا في السابقة فقال) بعض الأصحاب: لم يعرض له فيها. وقال أبو عبد الله بن محمد شمس الدين (بن) أبي بكر (القيم) بالمدرسة الجوزية (في كتاب أحكام الذمة له: لا تقر) دار لذمي عالية (لأن التعلية مفسدة. وقد شككنا في شرط الجواز. انتهى) والأصل عدمه. (ولو أمر الذمي بهدم بنائه) العالي (فبادر) الذمي (وباعه من مسلم) أو وهبه له أو وقفه عليه ونحوه مما يخرجه عن ملكه (صح) البيع ونحوه (وسقط الهدم كما لو بادر وأسلم) لزوال المفسدة (ويمنعون من إحداث كنائس وبيع في دار الاسلام. و) من (بناء صومعة لراهب، ومجتمع لصلواتهم. قاله في المستوعب) لقول ابن عباس: أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة رواه أحمد واحتج به. والكنائس: واحدها كنيسة، وهي معبد النصارى. والبيع جمع بيعة قال الجوهري: هي للنصارى. فهما حينئذ مترادفان. وقيل: الكنائس لليهود، والبيع للنصارى. فهما متباينان وهو الأصل. (وما فتح) من الأراضي (صلحا على أن الأرض لهم، ولنا الخراج عنها. فلهم إحداث ما يختارون). ولا يمنعون شيئا مما تقدم لأنهم في بلادهم أشبهوا أهل الحرب زمن الهدنة. (وإن صولحوا على أن الدار للمسلمين. فلهم الاحداث بشرط فقط) لأنه فعل استحقوه بالشرط، فجاز لهم فعله كسائر الشروط. فإن لم يشترطوها منعوا من إحداثها. (ولا يجب هدم ما كان موجودا منها) أي من البيع والكنائس ونحوها (وقت فتح) الأرض التي هي بها، (ولو كان) فتحها (عنوة) لمفهوم خبر ابن عباس السابق وغيره. (ولهم) أي أهل الذمة (رم ما تشعث منها) أي الكنائس والبيع ونحوها. لأنهم لما ملكوا استدامتها ملكوا رم شعثها. (لا الزيادة) أي ليس لهم الزيادة بتوسعة أو تعلية للكنائس ونحوها. لأن الزيادة في معنى إحداثها إذا. لمزيد منها محدث، فكان كإحداث الكنائس ونحوها، المنهي عنه. (ويمنعون من بناء ما استهدم منها) أي الكنائس ونحوها. (ولو) كان المنهدم منها (كلها. أو
151 هدم) منها (ظلما) لأنه بناء كنيسة في دار الاسلام، فمنعوا منه، كابتداء بنائها. قال في المبدع: والمذهب أن الامام إذا فتح بلدا فيها بيعة خراب، لم يجز بناؤها. لأنه إحداث لها في حكم الاسلام. (و) يمنعون (من إظهار منكر) كنكاح المحارم (و) من (إظهار ضرب ناقوس، ورفع صوتهم بكتابهم، أو) صوتهم (على ميت، وإظهار عيد وصليب)، لأن في شروطهم لابن غنم: وأن لا نضرب ناقوسا إلا ضربا خفيفا في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها. ولا نرفع أصواتنا في الصلاة، ولا القراءة في كنائسنا، فيما يحضره المسلمون. وأن لا نظهر صليبا، ولا كتابا في سوق المسلمين. وأن لا نخرج باعوثا ولا شعانين ولا نرفع أصواتنا مع موتانا. وأن لا نجاورهم بالجنائز، ولا نظهر شركا. (و) يمنعون أيضا من إظهار (أكل وشرب في نهار رمضان، ومن إظهار بيع مأكول فيه، كشوي. ذكره القاضي) لما فيه من المفاسد. قال في المبدع: فظهر أنه ليس لهم إظهار شئ من شعار دينهم في دار الاسلام، لا وقت الاستقاء ولا لقاء الملوك، ولا غير ذلك. وقاله الشيخ تقي الدين (و) يمنعون (من شراء مصحف) وكتاب فقه، وحديث رسول الله (ص) قال في المستوعب: أو أخبار صحابته. (و) يمنعون (من ارتهان ذلك. ولا يصحان) أي بيع ورهن المصحف وما عطف عليه لهم. لقوله تعالى: * (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * ولما يؤدي إليه ذلك من امتهان كلام الله تعالى وكلام رسوله (ص). (ولا يمنعون من شراء كتب اللغة والأدب، والنحو، والتصريف، التي لا قرآن فيها) ولا أحاديث (دون كتب الأصول)، أي أصول الدين والفقه، فيمنعون من شرائها، ككتب الفقه وأولى. (ويكره بيعهم ثيابا مكتوبا عليها بطراز أو غيره ذكر) ه (الله تعالى، أو كلامه) حذرا من أن يمتهن. (ويمنعون من قراءة قرآن، و) من (إظهار خمر وخنزير. فإن فعلوا أتلفناهما. وإلا) أي وإن لم يظهروهما، (فلا) نتعرض لهما (وإن باعوا الخمر للمسلمين استحقوا العقوبة من السلطان وللسلطان أن
152 يأخذ منهم الأثمان التي قبضوها من مال المسلمين بغير حق) لبطلان بيع الخمر وتحريم الاعتياض عنه. (ولا ترد إلى من اشترى بها منهم الخمر، فلا يجمع له بين العوض والمعوض. ومن باع خمرا للمسلمين، لم يملك ثمنه). لحديث: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (ويصرف) ما أخذ منه (في مصالح المسلمين. كما قيل في مهر البغي وحلوان الكاهن. وأمثال ذلك، مما هو عوض عن عين أو منفعة محرمة، إذا كان المعاض قد استوفى المعوض. قاله الشيخ) لئلا يجمع له بين العوض والمعوض. قلت: مقتضى قواعد المذهب: بقاء العوض على ملك باذله لبطلان العقد فلا يترتب عليه أثره من انتقال الملك. (وإن صالحوا) أي الكفار (في بلادهم على إعطاء جزية، أو خراج. لم يمنعوا شيئا من ذلك) لأن بلدهم ليس ببلد إسلام، لعدم ملك المسلمين إياه، فلا يمنعون من إظهار دينهم فيه كمنازلهم، بخلاف أهل الذمة. فإنهم في دار الاسلام فمنعوا منه. (ويمنعون من دخول حرم مكة) نص عليه. لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس، فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) * والمراد: حرم مكة: * (وإن خفتم عيلة) * أي ضررا بتأخير الجلب عن الحرم. ويؤيده: * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) * أي الحرم: لأنه أسرى به من بيت أم هانئ لا من نفس المسجد. وإنما منع منه دون الحجاز، لأنه أفضل أماكن العبادات للمسلمين وأعظمها. لأنه محل النسك. فوجب أن يمنع منه من لا يؤمن به. وظاهره: مطلقا. أي سواء أذن له أو لا، لإقامة أو غيرها. (ولو) كان الكافر (غير مكلف) لعموم الآية. و (لا) يمنعون دخول (حرم المدينة) لأن الآية نزلت واليهود بالمدينة. ولم يمنعوا من الإقامة بها. (فإن قدم رسول) من الكفار (لا بد له من لقاء الامام وهو) أي الامام (به) أي بالحرم المكي، (خرج) الامام (إليه. ولم يأذن له) في الدخول لعموم الآية. فإن كان معه تجارة أو ميرة خرج إليه من يشتري منه، ولم يمكن من الدخول. للآية. (فإن دخل) الكافر الحرم رسولا كان أو غيره. (عالما
153 عزر) لاتيانه محرما. (وأخرج) من الحرم (وينهى الجاهل) عن العود لمثل ذلك. (ويهدد ويخرج. قاله الموفق والشارح وابن عبيدان وغيرهم). ولا يعزر، لأنه معذور بالجهل (فإن مرض) بالحرم (أو مات) به (أخرج) منه، لأنه إذا وجب إخراجه حيا، فإخراج جيفته أولى. وإنما جاز دفنه بالحجاز سوى حرم مكة، لأن خروجه من حرم مكة سهل ممكن، لقرب الحل منه، وخروجه من أرض الحجاز، وهو مريض أو ميت: صعب مشق لبعد المسافة. (وإن دفن) بالحرم (نبش) وأخرج (إلا أن يكون قد بلي) فيترك. وكذا لو تصعب خراجه لنتنه وتقطعه، للمشقة في إخراجه. ذكره في الشرح. (وإن صالحهم الامام على دخول الحرم بعوض، فالصلح باطل) لأنه صلح يحل حراما. (فإن دخلوا إلى الموضع الذي صالحهم عليه. لم يرد عليهم العوض) لئلا يجمعوا بين العوض والمعوض. قال في الشرح: ويحتمل أن يرد عليهم العوض بكل حال، لأن ما استوفوه لا قيمة له. والعقد لم يوجب العوض، لبطلانه. (وإن دخلوا إلى بعضه) أي بعض الموضع الذي صالحهم عليه (أخذ من العوض بقدره) لما تقدم. وفيه ما سبق (ويمنعون من الإقامة بالحجاز. وهو الحاجز بين تهامة) بكسر التاء، وهي اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تهامة. سميت تهامة من التهم - بفتح التاء والهاء - وهو شدة الحر، وركود الريح. ذكره في حاشيته. (ونجد) وهو ما ارتفع من الأرض. وعبارة المبدع: قيل هو، يعني الحجاز، ما بين اليمامة والعروض، وبين اليمن ونجد. (كالمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفدك) بفتح الفاء والدال المهملة قرية بينها وبين المدينة يومان. (وما والاها من قراها. قال الشيخ: منه تبوك ونحوها، وما دون المنحني.
154 وهو عقبة صوان من الشام، كعمان) والأصل في ذلك: ما روى أبو عبيدة بن الجراح: أن آخر ما تكلم به النبي (ص) قال: أخرجوا اليهود من أرض الحجاز رواه أحمد. وقال عمر: سمعت النبي (ص) يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب. فلا أترك فيها إلا مسلما رواه الترمذي. قال: حسن صحيح. والمراد: الحجاز بدليل أنه ليس أحد من الخلفاء أخرج أحدا من اليمن وتيماء. قال أحمد: جزيرة العرب المدينة وما والاها. يعني أن الممنوع من سكنى الكفار به المدينة وما والاها، وهو مكة والمدينة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها. (وليس لهم دخوله) أي الحجاز (إلا بإذن الإمام) كما أن أهل الحرب لا يدخلون دار الاسلام إلا بإذن الإمام. فكذلك أهل الذمة لا يدخلون أرض الحجاز إلا بإذنه. (وفي المستوعب: وقد وردت السنة بمنعهم من جزيرة العرب) كما تقدم في الخبر. (وحد الجزيرة على ما ذكره) الأصمعي، و (أبو عبيد) القاسم بن سلام (من عدن إلى ريف العراق) والريف أرض فيها زرع وخصب، والجمع أرياف. قاله في الحاشية. (طولا. ومن تهامة إلى ما وراءها إلى أطراف الشام) عرضا. قال الخليل: إنما قيل لها جزيرة، لأن بحر الحبشة وبحر فارس والفرات أحاطت بها. ونسبت إلى العرب. لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها. (فإن دخلوا الحجاز لتجارة) أو غيرها (لم يقيموا في موضع واحد أكثر من ثلاثة أيام) لأن عمر: أذن لمن دخل تاجرا في إقامة ثلاثة أيام. فدل على المنع في الزائد (وله أن يقيم مثل ذلك) أي ثلاثة أيام فما دون (في موضع آخر) من أرض الحجاز. (وكذا) له أن يقيم ثلاثة فما دون (في) موضع (ثالث. و) موضع (رابع) وهكذا (فإن أقام أكثر منها في موضع واحد) من الحجاز (عزر إن لم يكن له عذر. فإن كان فيهم) أي في أهل الذمة الداخلين أرض الحجاز لتجارة (من له دين) حال (أجبر غريمه على وفائه) ليخرج (فإن تعذر جازت الإقامة لاستيفائه) لأن العذر من غيرهم. وفي إخراجهم قبل استيفائه ذهاب أموالهم. وسواء
155 كان التعذر لمطل أو تغيب أو غيرهما. (وإن كان) الدين (مؤجلا لم يمكن) من الإقامة حتى يحل. لئلا يتخذ ذريعة للإقامة. (ويوكل) من يستوفيه له إذا حل (وإن مرض) من دخل الحجاز منهم (جازت إقامته) به (حتى يبرأ) من مرضه لأن الانتقال يشق على المريض (وتجوز الإقامة أيضا لمن يمرضه) لضرورة إقامته (وإن مات دفن به) لأنه موضع حاجة (ولا يمنعون) أي أهل الذمة (من تيماء فيد) بفتح الفاء وياء مثناة بعدها وهي من بلاد طي، (ونحوهما) من باقي الجزيرة غير الحجاز. لما مر أن أحدا من الخلفاء لم يخرج واحدا منهم من ذلك. (وليس لهم دخول مساجد الحل. ولو بإذن مسلم) لأن عليا بصر بمجوسي وهو على المنبر، فنزل وضربه وأخرجه. وهو قول عمر. ولان حدث الجنابة والحيض يمنع. فالشرك أولى. وصحح في الشرح وغيره: أنه يجوز بإذن مسلم، لأنه (ص): قدم عليه وفد أهل الطائف فأنزلهم في المسجد قبل إسلامهم وأجيب عنه وعن نظائره: بأنه كان بالمسلمين حاجة، وبأنهم كانوا يخاطبونه (ص) ويحملون إليه الرسائل والأجوبة، وقد يسمعون منه الدعوة. ولم يكن النبي (ص) ليخرج لكل من قصده من الكفار. (ويجوز دخولها) أي مساجد الحل (للذمي إذا استؤجر لعمارتها) لأنه نوع مصلحة. قال في المبدع: تجوز عمارة كمسجد وكسوته وإشعاله بمال كل كافر. وأن يبنيه بيده. ذكره في الرعاية وغيرها. وهو ظاهر كلامهم في وقفه عليه ووصيته له. فيكون على هذا: العمارة في الآية دخوله وجلوسه فيه، يدل عليه خبر أبي سعيد مرفوعا: إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالايمان. فإن الله تعالى يقول: * (إنما يعمر مساجد الله) * - الآية رواه أحمد وغيره. وفي الفنون واردة على سبب وهي عمارة المسجد الحرام فظاهره: المنع فيه فقط. لشرفه وذكر ابن الجوزي في تفسيره: أنه يمنع من بنائه وإصلاحه. ولم يخص مسجدا، بل أطلق. وقاله طائفة من العلماء.
156 فصل: (وإن أتجر ذمي ولو صغيرا، أو أنثى أو تغلبيا إلى غير بلده ثم عاد) إلى بلده. (ولم يؤخذ منه الواجب في الموضع الذي سافر إليه من بلادنا. فعليه نصف العشر مما معه من مال التجارة) لما روى أنس قال: أمرني عمر أن آخذ من المسلمين ربع العشر. ومن أهل الذمة نصف العشر رواه أحمد. وروى أبو عبيد: أن عمر بعث عثمان بن حنيف إلى الكوفة. فجعل على أهل الذمة في أموالهم التي يختلفون فيها في كل عشرين درهما درهما وهذا كان بالعراق واشتهر، وعمل به، ولم ينكر. فكان كالاجماع. وهو حق واجب. فاستوى فيه الكبير والصغير والرجل والمرأة، كالزكاة. (ويمنعه) أي نصف العشر (دين ثبت على الذمي ببينة، كزكاة) أي كما أن الدين يمنع وجوب الزكاة وعلم منه أنه لا يقبل قوله في الدين بمجرده، إذ الأصل عدمه. (ولو كان معه جارية فادعى أنها زوجته، أو ابنته. صدق) لتعذر إقامته البينة على ذلك. ولان الأصل عدم ملكه إياها. فلا يؤخذ منه نصف عشر قيمتها. (ولا يعشر ثمن خمر وخنزير يتبايعونه) نص عليه. قال أبو عبيد: ومعنى قول عمر: ولوهم بيعها. وخذوا أنتم من الثمن أن المسلمين كانوا يأخذون من أهل الذمة الخمر والخنزير من جزيتهم. وخراج أرضها بقيمتها. ثم يتولى المسلمون بيعها. فأنكره عمر. ثم رخص لهم أن يأخذوا من أثمانها إذا كان أهل الذمة المتولين لبيعها. وروي بإسناده عن سويد بن غفلة: أن بلالا قال لعمر: إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج. فقال: لا تأخذوها. ولكن ولوهم بيعها وخذوا من الثمن. (وإن أتجر حربي إلينا ولو صغيرا أو أنثى أخذ من تجارته العشر، دفعة واحدة. سواء عشروا أموال المسلمين إذا دخلت إليهم أم لا) لأن عمر أخذ من أهل الحرب العشر. واشتهر ولم ينكر وعمل به الخلفاء بعده. وكذا حكم المستأمن إذا أتجر إلى بلد الاسلام (ولا يؤخذ) العشر ولا نصفه. (من أقل من عشرة دنانير فيهما) أي فيما إذا أتجر الحربي أو الذمي. نص عليه، لأنه مال يجب فيه حق بالشرع، فاعتبر له النصاب، كالزكاة وخص بالعشر. لأن ذلك المأخوذ مال يبلغ واجبه نصف دينار. فوجب اعتباره كالعشرين في حق المسلم. (ويؤخذ) نصف العشر من الذمي
157 والعشر من الحربي. (من كل عام مرة) نص عليه. لما روي أن نصرانيا جاء إلى عمر فقال: إن عاملك عشرني في السنة مرتين. قال: ومن أنت؟ قال: أنا الشيخ النصراني. فقال عمر: وأنا الشيخ الحنيف. ثم كتب إلى عامله أن لا يعشر في السنة إلا مرة رواه أحمد. ولان الجزية والزكاة إنما يؤخذان في السنة مرة فكذا هنا. وذكر الموفق: للامام تركه إذا رأى المصلحة فيه. ومتى أخذ ذلك كتب لهم به حجة لتكون وثيقة لهم، وحجة على من يمرون عليه. ولا يعشرهم ثانية إلا من معه أكثر من المال الأول فيأخذ من الزيادة لأنها لم تعشر. (ويحرم تعشير أموال المسلمين، والكلف التي ضربها الملوك على الناس بغير طريق شرعي إجماعا. قال القاضي: لا يسوغ فيها اجتهاد. قال الشيخ: لولي) أي في نكاح (يعتقد تحريمه: منع موليته من التزويج ممن لا ينفق عليها إلا منه). لأنه منع بحق (وعلى الامام حفظهم) أي أهل الذمة (والمنع من أذاهم) لأنهم بذلوا الجزية على ذلك. (واستنقاذ أسراهم) لأنه جرت عليهم أحكام الاسلام، وتأبد عهدهم، فلزمه ذلك. كما يلزمه للمسلمين. (بعد فك أسرانا) فيبدأ بفداء المسلمين قبلهم. لأن حرمة المسلم أعظم. (ولو لم يكونوا في معونتنا) خلافا للقاضي قال: إنما يجب فداؤهم إذا استعان بهم الامام في قتال فسبوا. (ويكره أن يستعين مسلم بذمي في شئ من أمور المسلمين، مثل كتابة وعمالة، وجباية خراج، وقسمة فئ وغنيمة، وحفظ ذلك في بيت المال وغيره، ونقله). أي نقل ما ذكر من موضع إلى آخر. (إلا لضرورة) لأن أبا موسى دخل على عمر ومعه كتاب قد كتبه فيه حساب عمله فقال له عمر: ادع الذي كتبه ليقرأه. قال: إنه لا يدخل المسجد. قال: ولم لا يدخل؟ قال: إنه نصراني. فانتهره عمر. (ولا يكون) الذمي (بوابا ولا جلادا، ولا جهبذا وهو النقاد الخبير ونحو ذلك) لخيانتهم، فلا يؤمنون. (ويحرم توليتهم الولايات من ديوان المسلمين أو غيره) لما فيه من إضرار المسلمين للعداوة الدينية. (وتقدم نحو الاستعانة بهم في القتال في باب ما يلزم الامام
158 والجيش. ويكره أن يستشاروا أو يؤخذ برأيهم) لأنهم غير مأمونين. (فإن أشار الذمي بالفطر في الصيام، أو) أشار (بالصلاة جالسا لم يقبل) خبره (لتعلقه بالدين، وكذا لا يستعان بأهل الأهواء) كالرافضة، أي تحرم الاستعانة بهم في شئ من أمور الدين، لأنهم يدعون إلى بدعتهم كما سبق. (ويكره للمسلم أن يستطب ذميا لغير ضرورة، وأن يأخذ منه دواء لم يقف على مفرداته المباحة. وكذا ما وصفه من الأدوية أو عمله، لأنه لا يؤمن أن يخلطه بشئ من المسمومات أو النجاسات). قال تعالى: * (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) * (و) يكره (أن تطب ذمية مسلمة) ولو بينت لها المفردات للاختلاف في إباحة النظر (لكن ينبغي جوازه للضرورة كالرجل والأولى أ) ن (لا تقبلها) أي تكون قابلة لها، (في ولادتها مع وجود مسلمة) لما سبق (وإن تحاكموا إلى حاكمنا مع مسلم لزم الحكم بينهم) لما فيه من إنصاف المسلم من غيره أو رده عن ظلمه، وذلك واجب. ولان في ترك الإجابة إليه تضييعا للحق. (وإن تحاكم بعضهم) أي أهل الذمة (مع بعض) ولو زوجة مع زوجها، (أو) تحاكم إلينا (مستأمنان أو استعدى بعضهم على بعض خير) الحاكم (بين الحكم وتركه)، قال تعالى: * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) *. (فيحكم) لأحدهما على الآخر إن شاء (ويعدى بطلب أحدهما) إحضار الآخر إن شاء لما تقدم. (وفي المستأمنين باتفاقهما) فإن أبى أحدهما. لم يحكم لعدم التزامهما حكمنا، بخلاف الذميين. (ولا يحكم إلا بحكم الاسلام) لقوله تعالى: * (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) * (ويلزمهم حكمنا) إن حكم به عليهم لالتزامهم بالعقد ذلك. (لا شريعتنا) لاقرارنا لهم بالجزية. فلا يلزمهم قضاء الصلوات ولا الزكاة ولا الحج. ولا غير ذلك من شرائع الاسلام. وإن كانوا يعاقبون على سائر الفروع كالتوحيد. (وإن لم يتحاكموا إلينا ليس للحاكم أن يتبع شيئا من
159 أمورهم ولا يدعو) هم (إلى حكمنا نصا)، لظاهر الآية (ولا يحضر) الحاكم (يهوديا يوم السبت. ذكره ابن عقيل) لبقاء تحريمه عليه أو لضرره بإفساد سبته. ولهذا لا يكره امرأته على إفساده مع تأكيد حقه. وذلك لقوله (ص) في أثناء حديث صححه الترمذي: وأنتم يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت فيستثنى من عمل في إجارة. (وإن تبايعوا بيوعا فاسدة) كبيع الخمر ونحوه (وتقابضوا من الطرفين ثم أتونا) أ (وأسلموا لم ينقض فعلهم) لأنه قد تم بالتقابض. ولان فيه مشقة وتنفيرا عن الاسلام بتقدير إرادته. وكذا سائر عقودهم ومقاسماتهم إذا تقابضوها. (وإن لم يتقابضوا) من الطرفين أو أحدهما (فسخه) حاكمنا، لأنه لم يتم فنقض لعدم صحته. (سواء كان قد حكم بينهم حاكمهم أو لا، لعدم لزومهم حكمه، لأنه لغو) لفقد شرطه. وهو الاسلام. (وإن تبايعوا بربا في سوقنا منعوا) منه لأنه عائد بفساد نقودنا (وإن عامل الذمي بالربا وباع الخمر والخنزير، ثم أسلم. وذلك المال في يده. لم يلزمه أن يخرج منه شيئا) لأنه مضي في حال كفره فأشبه نكاحه في الكفر إذا أسلم. (وأطفال المسلمين في الجنة) لقوله تعالى: * (وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان) * (وأولاد الزنا من المؤمنين في الجنة) إذ ليس عليهم من الوزر شئ، ولأنهم من ذرية المؤمنين. (وأطفال المشركين في النار) للخبر. (قال القاضي) أبو يعلى (هو منصوص أحمد. قال الشيخ: غلط القاضي على أحمد، بل يقال: الله أعلم بما كانوا عاملين) وهذا مصادمة في النقل. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. ولهذا جزم في المنتهى وغيره بقول القاضي. والمسألة ذات أقوال. والاخبار فيها ظاهرها التعارض. وقال أحمد: أذهب إلى قول النبي (ص): الله أعلم بما كانوا عاملين. قال وكان ابن عباس يقول: وأبواه يهودانه أو ينصرانه - حتى سمع: الله أعلم بما كانوا عاملين -
160 فترك قوله. وقال أحمد أيضا: ونحن نمر هذه الأحاديث على ما جاءت به، ولا نقول شيئا ونسأل عن المجوسيين يجعلان ولدهما مسلما. فيموت وهو ابن خمس سنين فقال: يدفن في مقابر المسلمين. لقول النبي (ص): وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه يعني أن هذين لم يمجساه فبقي على الفطرة. ذكره في الشرح. وقال في أحكام الذمة: لأن أبويه يهودانه وينصرانه. فإذا جعلاه مسلما صار مسلما. (ويأتي: إذا مات أبو الطفل أو أحدهما في) باب حكم (المرتد) وتقدم أيضا في السبي (وإن أسلم بشرط أن لا يصلي إلا صلاتين أو يركع ولا يسجد ونحوه). كألا يسجد إلا سجدة واحدة. (صح إسلامه. ويؤخذ بالصلاة كاملة) للعمومات (وينبغي أن يكتب لهم كتابا بما أخذ منهم) ليكون لهم حجة إذا احتاجوا إليه. (و) ينبغي أن يكتب (وقت الاخذ وقدر المال، لئلا يؤخذ منهم شئ قبل انقضاء الحول وأن يكتب ما استقر من عقد الصلح معهم في دواوين الأمصار. ليؤخذوا به إذا تركوه) أو أنكروه أو شيئا منه. (وإن تهود نصراني أو تنصر يهودي. لم يقر. ولم يقبل منه إلا الاسلام أو) الدين ( الذي كان عليه) لأن الاسلام دين الحق. والدين الذي كان عليه دين صولح عليه، فلم يقبل منه غيرهما لاعترافه بأن ما انتقل إليه دين باطل، فلم يقر عليه. أشبه ما لو انتقل إلى المجوسية. (فإن أبى) الاسلام وما كان عليه (هدد وضرب وحبس. ولم يقتل) لأنه لا يخرج عن دين أهل الكتاب. فلم يقتل كالباقي على دينه. (وإن اشترى اليهود نصرانيا فجعلوه يهوديا عزروا) لفعلهم محرما. (ولا يكون) العبد (مسلما) لعدم إتيانه بالشهادتين لفظا وحكما. (وإن انتقلا) أي اليهودي والنصراني (إلى دين المجوس أو انتقلا) إلى غير دين أهل الكتاب أو انتقل مجوسي (إلى غير دين أهل الكتاب. لم يقر) لأنه انتقل إلى ما اعترف ببطلانه. (ولم يقبل منه إلا الاسلام) لأن غيره أديان باطلة، فلم يقر عليها لاقراره ببطلانها، كالمرتد (أو السيف. فيقتل إن أبى الاسلام بعد) استنابته لأنه انتقل إلى أدنى من دينه كالمرتد. (وإن انتقل غير الكتابي) كالوثني (إلى دين أهل الكتاب) بأن تهود أو تنصر (أقر) على ذلك. لأنه أعلى
161 وأكمل من دينه، لكونه يقر عليه أهله، وتؤكل ذبائحهم، وتحل مناكحتهم. (ولو) كان المنتقل إلى ذلك (مجوسيا) لما سبق (وكذا إن تمجس وثني) لأنه انتقل إلى دين أفضل من دينه أشبه ما لو تهود. (ومن أقررناه على تهود أو تنصر متجدد أبيحت ذبيحته ومناكحته) قطع به في المبدع. ويأتي ما يخالفه في النكاح والزكاة (وإن تزندق ذمي لم يقتل لأجل الجزية نصا) نقله ابن هاني. (وإن كذب نصراني بموسى) بن عمران على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام. (خرج من النصرانية كتكذيبه) لنبيه عيسى في قوله: * (ومصدقا لما بين يدي من التوراة) * لتكذيبه بنبيه (عيسى) تصريحا. (ولم يقر) على غير الاسلام، فيستتاب، فإن أسلم وإلا قتل. و (لا) يخرج (يهودي) من دينه إن كذب (بعيسى) ويبقى عليه. لأنه ليس فيه تكذيب لنبيه موسى. فصل: (في نقض العهد)، وما يتعلق به ( من نقضه) أي العهد (بمخالفة شئ مما صولحوا عليه) مما ينتقض العهد به على ما يأتي تفصيله. (حل ماله ودمه) لما في كتاب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم: وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه. فلا ذمة لنا. وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق وأمره عمر أن يقرهم على ذلك. (ولا يقف نقضه) أي العهد (على حكم الامام) بنقضه، حيث أتى ما ينقضه. لمفهوم ما سبق (فإذا امتنع) أحدهم (من
162 بذل الجزية أو) من (التزام أحكام ملة الاسلام، بأن يمتنع من جري أحكامنا عليه، ولو لم يحكم بها عليه حاكمنا) خلافا لما في المغني والشرح. انتقض عهده، لأن الله تعالى أمرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية، ويلتزموا أحكام الملة الاسلامية، لأنها نسخت كل حكم يخالفها. فلا يجوز بقاء العهد مع الامتناع من ذلك. (أو أبى الصغار، أو قاتل المسلمين منفردا، أو مع أهل الحرب، أو لحق بدار حرب مقيما بها انتقض عهده) لأنه صار حربا لنا بدخوله في جملة أهل الحرب. (ولو لم يشترط عليهم) أنهم إذا فعلوا شيئا من ذلك انتقض عهدهم. لأن ذلك هو مقتضى العقد. (وكذا لو تعدى) الذمي (على مسلم ولو عبدا بقتل عمدا) قيده به أبو الخطاب في خلافه الصغير. (أو فتنه عن دينه، أو تعاون على المسلمين بدلالة، مثل مكاتبة المشركين، ومراسلتهم بأخبارهم) أي المسلمين (أو زنى بمسلمة. ولا يعتبر فيه) أي الزنا من حيث نقض العهد (أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره. قال الشيخ) قال في المبدع: وفيه شئ (أو أصابها) أي المسلمة (باسم نكاح) وقياس الزنا اللواط بالمسلم على ما ذكره السراج البلقيني الشافعي. (أو) تعدى (بقطع طريق أو تجسس للكفار، أو إيواء جاسوسهم) وهو عين الكفار. (أو ذكر الله تعالى أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء ونحوه) لما روي عن عمر: أنه رفع إليه ذمي أراد استكراه امرأة على الزنا فقال: ما على هذا صالحناكم وأمر به فصلب في بيت المقدس، وقيل لابن عمر: إن راهبا يشتم رسول الله (ص) فقال: لو سمعته لقتلته، إنا لم نعط الأمان على هذا. ولان في ذلك ضررا على المسلمين أشبه الامتناع من الصغار. (فإن سمع المؤذن، فقال له: كذبت، قال) الامام (أحمد: يقتل) و (لا) ينتقض عهده (بقذف المسلم وإيذائه بسحر في تصرفه) كإبطال بعض أعضائه لأن ضرره لا يعم المسلمين. أشبه ما لو لطمه،
163 بخلاف ما سبق، فإن فيه غضاضة على المسلمين، خصوصا بسبب الله تعالى، ورسوله ودينه (ولا ينتقض بنقض عهده عهد نسائه وأولاده الصغار الموجودين، لحقوا بدار الحرب أولا) لأن النقض وجد منه دونهم، فاختص حكمه به. (ولو لم ينكروا) عليه (النقض) وأما من حملت به أمه وولدته بعد النقض فإنه يسترق ويسبي، لعدم ثبوت الأمان له. وإن نقض بعضهم دون بعض اختص حكم النقض بالناقض. ولو سكت غيره، وإن لم ينقضوا لكن خاف منهم النقض. لم يجز أن ينبذ إليهم عهدهم. لأن عقد الذمة لحقهم. بدليل أن الامام يلزمه إجابتهم إليه، بخلاف عقد الأمان والهدنة. فإنه لمصلحة المسلمين. (وإن أظهر) الذمي (منكرا أو رفع صوته بكتابه، أو ركب الخيل ونحوه) مما تقدم أنهم يمنعون منه (لم ينقض عهده) بذلك لأن العقد لا يقتضيه. ولا ضرر على المسلمين فيه. (ويؤدب) لارتكابه المحرم (وحيث انتقض) عهده (خير الامام فيه كالأسير الحربي على ما تقدم) لفعل عمر. ولأنه كافر لا أمان له. أشبه الأسير وكما لو دخل متلصصا. (وماله فئ) لأن المال لا حرمة له في نفسه، إنما هو تابع لمالكه حقيقة. وقد انتقض عهد المالك في نفسه، فكذا في ماله. وقال أبو بكر: يكون لورثته. وهو مقتضى ما تقدم في الأمان وسبق ما فيه. (ويحرم قتله لأجل نقضه العهد إذا أسلم. ولو لسبه النبي (ص)) لعموم قوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * وقوله (ص): الاسلام يجب ما قبله. ويحرم أيضا رقه بعد إسلامه، لا إن كان رق قبل (ويستوفي منه ما يقتضيه القتل) إذا أسلم. وقد قتل: من قصاص، أو دية لأنه حق آدمي. ولا يسقط بإسلامه كسائر حقوقه. (وقيل يقتل سابه) (ص) (بكل حال). وإن أسلم (اختاره جمع) منهم ابن أبي موسى وابن النباء والسامري. (قال الشيخ: وهو الصحيح من المذهب) قال في المبدع: ونص عليه أحمد لأنه قذف لميت فلا يسقط بالتوبة. (وقال: إن سبه) (ص) (حربي ثم تاب بإسلامه، قبلت توبته إجماعا) للآية. والحديثين السابقين (وقال: من تولى منهم). أي من أهل الذمة (ديوان المسلمين انتقض
164 عهده. وتقدم في باب ما يلزم الامام والجيش. وقال: إن جهر بين المسلمين بأن المسيح هو الله) تعالى عما يقولون علوا كبيرا (عوقب على ذلك إما بقتل أو بما دونه) أي لاتيانه بهتانا عظيما. و (لا) يعاقب بذلك (إن قاله سرا في نفسه أو قال) ذمي (هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب، إن أراد طائفة معينة من المسلمين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله) عن أن يعود لذلك القول الشنيع. (وإن ظهر منه قصد العموم انتقض عهده ووجب قتله) لما فيه من الغضاضة على المسلمين. ومن جاءنا بأمان ثم نقض العهد، وقد حصل له ذرية فكذمي. وتقدم وتخرج نصرانية لشراء الزنار. ولا يشتري مسلم لها، لأنه من علامات الكفر. ويأتي في عشرة النساء. ولا يأذن المسلم لزوجته النصرانية أو أمته كذلك أن تخرج إلى عيد، أو تذهب إلى بيعة. وله أن يمنعها ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.
165 باب كتاب البيع قدمه على الأنكحة وما بعدها لشدة الحاجة إليه. لأنه لا غنى للانسان عن مأكول ومشروب ولباس. وهو مما ينبغي أن يهتم به، لعموم البلوى. إذ لا يخلو مكلف غالبا من بيع وشراء. فيجب معرفة الحكم في ذلك قبل التلبس به. وقد حكى بعضهم الاجماع على أنه لا يجوز لمكلف أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه. وبعث عمر رضي الله عنه من يقيم من الأسواق من ليس بفقيه. والبيع جائز بالاجماع لقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * ولفعله (ص) وإقراره أصحابه عليه. والحكمة تقتضيه. لأن حاجة الانسان تتعلق بما في يد صاحبه. ولا يبدله بغير عوض غالبا. ففي تجويز البيع وصول لغرضه ودفع حاجته. (وهو) أي البيع مصدر باع يبيع إذا ملك، ويطلق بمعنى شرى. وكذلك شرى يكون للمعنيين. وقال الزجاج، كغير باع أباع بمعنى. واشتقاقه من الباع في قول الأكثر. منهم صاحب المغني والشرح، لأن كل وحد يمد باعه للاخذ والاعطاء. وذكرت في الحاشية: ما رد به ذلك. والجواب عنه. ومعناه لغة: دفع، عوض، وأخذ ما عوض عنه. وشرعا (مبادلة مال) من نقد أو غيره، معين أو موصوف. (ولو) كان المال (في الذمة) كعبد وثوب صفته كذا (أو) مبادلة (منفعة مباحة) على الاطلاق. بأن لا تختص إباحتها بحال دون حال. (ك) - نفع (ممر الدار) وبقعة تحفر بئرا. (بمثل أحدهما) أي بمال أو منفعة مباحة. والجار متعلق بمبادلة. وشمل صورا: بيع نحو عبد بثوب أو دينار في الذمة، أو ممر في دار، وبيع نحو دينار في ذمة لمن هو عليه بدراهم معينة، أو في الذمة إذا قبضت قبل التفرق، أو بممر دار، وبيع نحو ممر دار بعبد ودينار في ذمة، أو ممر آخر. ومعنى
166 المبادلة: جعل شئ مقابلة آخر. وأتى بصيغة المفاعلة لأن البيع لا يكون إلا بين اثنين حقيقة أو حكما، كتولي طرفي العقد. وعدل عن التعبير بعين مالية لأن ما ذكره أخصر ولان المبيع يجوز أن يكون معينا، وأن يكون في الذمة. وقوله (على التأبيد) متعلق بمبادلة أيضا. وخرج به الإجارة والإعارة في نظير الإعارة. وإن لم تقيد بزمن. لأن العواري مردودة. فلذلك لم يقل: للملك. وقوله (غير ربا وقرض) إخراج لهما. فإن الربا محرم والقرض وإن قصد فيه المبادلة، لكن المقصود الأعظم فيه: الارفاق ثم البيع ثلاثة أركان: عاقد، ومعقود عليه وصيغة، والكلام على العاقد والمعقود عليه يأتي في الشروط. وأما الصيغة فذكرها بقوله (وله) أي للبيع (صورتان ينعقد) أي يوجد عقده (بهما) أي بكل واحدة منها (إحداهما: الصيغة القولية، وهي) أي الصيغة القولية (غير منحصرة في لفظ بعينه) كبعت واشتريت. (بل) هي (كل ما أدى معني البيع) لأن الشارع لم يخصه بصيغة معينة. فتناول كل ما أدى معناه (فمنها) أي من الصيغة القولية (الايجاب) وهو ما يصدر (من بائع، فيقول) البائع (بعتك) كذا (أو ملكتك) هذا، (ونحوهما. كوليتك، أو أشركتك فيه. أو وهبتكه) بكذا (ونحوه) كأعطيتك (و) منها (القبول) بفتح القاف. وحكى في اللباب الضم (بعده) أي بعد الايجاب ويأتي حكم ما لو تقدم عليه. والقبول ما يصدر (من مشتر ب) أي (لفظ دال على الرضا) بالبيع (فيقول) المشتري (ابتعت، أو قبلت، أو رضيت، وما في معناه) أي معنى ما ذكر (كتملكته أو اشتريته أو أخذته ونحوه) كاستبدلته، (ويشترط) لانعقاد البيع (أن يكون القبول على وفق الايجاب في القدر) فلو خالف، كأن يقول: بعتك بعشرة. فقال: اشتريته بثمانية. لم ينعقد (و) أن يكون على وفقه أيضا في (النقد وصفته، والحلول. والأجل. فلو قال: بعتك بألف) درهم فقال اشتريته بمائة دينار، أو قال: بعتك بألف (صحيحة فقال: اشتريت بألف مكسرة. ونحوه) كاشتريته بألف نصفها صحيح ونصفها مكسر، أو قال: بعتك بألف حالة. فقال: اشتريته بألف مؤجلة، أو قال البائع بألف مؤجلة إلى رجب. فقال المشتري إلى شعبان. (لم يصح) البيع في ذلك كله. لأنه رد للايجاب لا قبول له. (ولو قال) البائع (بعتك) كذا (بكذا فقال) المشتري (أنا آخذه بذلك لم يصح) أي لم
167 ينعقد البيع. لأن ذلك وعد بأخذه. (فإن قال) المشتري لمن قال له بعتك كذا بكذا (أخذته منك أو) أخذته (بذلك. صح) البيع، لوجود الايجاب والقبول. (ولا ينعقد) البيع (بلفظ السلم والسلف. قاله في التلخيص) في باب السلم. وهو ظاهر كلام أحمد في رواية المروزي: لا يصح البيع بلفظ السلم. ذكره في القاعدة الثامنة والثلاثين. وقيل يصح بلفظ السلم، قاله القاضي: قاله في الانصاف (فإن تقدم القبول على الايجاب صح) البيع إن كان القبول (بلفظ أمر، أو) كان بلفظ (ماض مجرد عن استفهام ونحوه) كتمن وترج. ويأتي مثاله في كلامه. (ومعه) أي مع الاستفهام، ونحوه. (لا يصح ماضيا مثل أبعتني أو مضارعا مثل: أتبيعني) وكذا لو تجرد عن الاستفهام لأنه ليس بقبول ولا استدعاء. (فإن قال) المشتري (بعني) كذا (بكذا) فقال: بعتكه صح. وهذا مثال الامر (أو) قال (اشتريت منك) هذا (بكذا فقال) البائع (بعتك ونحوه) مما تقدم. صح البيع (أو قال) المشتري: بعني بكذا أو اشتريت منك بكذا. فقال البائع (بارك الله لك فيه، أو هو مبارك عليك. أو) قال (أن الله قد باعك) صح البيع لدلالة ذلك على المقصود. (أو قال) المشتري (أعطنيه بكذا فقال) البائع (أعطيتك أو أعطيت صح) لما تقدم، (وإن قال البائع للمشتري: اشتره بكذا، أو ابتعه بكذا. فقال: اشتريته أو ابتعته لم يصح) البيع (حتى يقول البائع بعد) - ه أي بعد قول المشتري. ذلك (بعتك أو ملكتك. قاله في الرعاية) قال في النكت: وفيه نظر ظاهر. والأولى أن يكون كتقدم الطلب من المشتري وأنه دال على الايجاب والقبول والبذل. (ولو قال) البائع (بعتك) إن شاء الله (أو) قال المشتري (قبلت إن شاء الله صح) البيع (ويأتي) في الشروط في البيع (وإن تراخى أحدهما على الآخر) أي القبول على الايجاب أو عكسه (صح) المتقدم منهما، ولم يلغ (ما داما) أي المتبايعان (في المجلس. ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفا) لأن حالة المجلس كحالة العقد، بدليل أنه يكتفي بالقبض فيه لما يعتبر قبضه. (وإلا) بأن تفرقا قبل الاتيان بما بقي منهما، أو
168 تشاغلا بما يقطعه عرفا. (فلا) ينعقد البيع، لأن ذلك إعراض عن العقد. أشبه ما لو صرحا بالرد. (وإن كان) المشتري (غائبا عن المجلس. فكاتبه) البائع (أو راسله: إني بعتك) داري بكذا (أو) أني (بعت فلانا) ونسبه بما يميزه (داري بكذا. لما بلغه) أي المشتري (الخبر قبل) البيع (صح) العقد. لأن التراخي مع غيبة المشتري لا يدل على إعراضه عن الايجاب، بخلاف ما لو كان حاضرا. ففرق المصنف في تراخي القبول عن الايجاب بين ما إذ كان المشتري حاضرا، وما إذا كان غائبا. وهذا يوافق رواية أبي طالب في النكاح. قال في رجل يمشي إليه قوم. فقالوا: زوج فلانا، فقال: قد زوجته على ألف. فرجعوا إلى الزوج فأخبروه. فقال: قد قبلت، هل يكون هذا نكاحا؟ قال: نعم. قال الشيخ التقي: ويجوز أن يقال إن كان العاقد الآخر حاضرا اعتبر قبوله. وإن كان غائبا جاز تراخي القبول عن المجلس. كما قلنا في ولاية القضاء، انتهى. وظاهر كلام أكثر الأصحاب خلافه. فإنهم اعتبروا في القبول أن يكون عقب الايجاب، ثم ذكروا حكم التراخي على ما ذكره من التفصيل في المجلس فقط، وحكموا رواية أبي طالب في النكاح مقابلة لما قدموه. (و) الصورة (الثانية) لعقد البيع (الدلالة الحالية وهي المعاطاة تصح) فينعقد البيع بها (في القليل والكثير) نص عليه. وجزم به أكثر الأصحاب لعموم الأدلة. ولم ينقل عن النبي (ص) ولا أحد من أصحابه استعمال إيجاب وقبول في بيعهم. ولو استعمل لنقل نقلا شائعا. ولبينه (ص) ولم يخف حكمه. ولم يزل المسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على البيع بالمعاطاة. وقال القاضي: يصح بها في اليسير خاصة. وهو رواية واختارها ابن الجوزي. ومن صور بيع المعاطاة (ونحوه) قول المشتري: (أعطني بهذا الدرهم خبزا فيعطيه) البائع (ما يرضيه) وهو ساكت، (أو يقول بائع) للمشتري (خذ هذا بدرهم فيأخذه) وهو ساكت، (ومنها) أي المعاطاة (لو سلمه سلعة بثمن فيقول) البائع (خذها) فأخذه المشتري وهو ساكت، (أو) يقول البائع (هي لك، أو) يقول (أعطيتكها) فيأخذها (أو يقول) المشتري للبائع: (كيف تبيع الخبز؟ فيقول) البائع: (كذا بدرهم. فيقول) المشتري (خذ درهما أو وزنه). ومن المعاطاة أيضا ما أشار إليه بقوله: (أو وضع ثمنه) أي القدر المعلوم أنه ثمنه (عادة) كقطع الحلوى، وحزم البقل (وأخذه). قال في المبدع وشرح المنتهى:
169 وظاهره، ولو لم يكن المالك حاضرا. (و) ينعقد البيع ب (- نحو ذلك مما يدل على بيع وشراء) في العادة. (ويعتبر في) صحة بيع (المعاطاة معاقبة القبض) للطالب. في نحو: خذ هذا بدرهم (أو) معاقبة (الاقباض للطلب) في نحو: أعطني بهذا خبزا. (لأنه إذا اعتبر عدم التأخير في الايجاب والقبول اللفظي) أي إذا اعتبر أن لا يتأخر أحدهما عن الآخر حتى يتفرقا من المجلس، أو يتشاغلا بما يقطعه عرفا. (ف) باعتبار عدم التأخير (في المعاطاة أولى). نبه عليه ابن قندس، والعطف بالفاء في نحو: فيعطيه، وما بعده يدل عليه. وظاهره أن التأخير في المعاطاة مبطل. ولو كان بالمجلس، لم يتشاغلا بما يقطعه لضعفها عن الصيغة القولية. (وكذا هبة، وهدية، وصدقة) فتنعقد بالمعاطاة، لاستواء الجميع في المعنى. ولم ينقل عن النبي (ص)، ولا عن أحد من أصحابه استعمال إيجاب، وقبول في شئ من ذلك. (فتجهيز بنته) أو غيرها. قال الشيخ التقي: تجهيز المرأة (بجهاز إلى بيت زوج تمليك) لها (ولا بأس بذوق المبيع عن الشراء) نص عليه. لقول ابن عباس، ولجريان العادة به. ونقل حرب: لا أدري. إلا أن يستأذنه. فلذا قال (مع الاذن) وكأنه جمع بين الروايتين، لكن قدم الأولى في الفروع، والمبدع، والانصاف. وغيرها. (وشروط البيع سبعة. أحدها التراضي به منهما) أي من المتبايعين. (وهو أن يأتي به اختيارا) لقوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * ولحديث: إنما البيع عن تراض رواه ابن حبان. (ما لم يكن بيع تلجئة وأمانة، بأن يظهرا بيعا لم يريداه باطنا، بل) أظهراه (خوفا من ظالم ونحوه) كخوف
170 ضياعه، أو نهبه ودفعا له (ف) - البيع إذن (باطل) حيث تواطأ عليه (وإن لم يقولا في العقد: تبايعنا هذا تلجئة) لدلالة الحال عليه. (قال الشيخ: بيع الأمانة) هو (الذي مضمونه اتفاقهما) أي اتفاق البائع والمشتري (على أن البائع جاءه بالثمن، أعاد إليه) المشتري (ملك ذلك ينتفع به) أي بالملك المبيع (المشتري بالإجارة والسكنى، ونحو ذلك) كركوب ما يركبه، أو حلبه. (وهو) أي البيع إذن (عقد باطل بكل حال. ومقصودهما: إنما هو الربا بإعطاء دراهم إلى أجل، ومنفعة الدار) أو نحوها (هي الربح)، فهو في المعنى قرض بعوض (والواجب رد المبيع إلى البائع، وأن يرد) البائع إلى (المشتري ما قبضه منه لكي يحسب له) أي البائع (منه ما قبضه المشتري من المال الذي سموه أجرة). وإن كان المشتري هو الذي سكن. حسب عليه أجرة المثل. فتحصل المقاصة بقدره، ويرد الفضل. (وكذا) أي كبيع التلجئة (بيع الهازل) فهو باطل لأنه لم ترد حقيقته. (ويقبل منه) أي من البائع: أن البيع وقع تلجئة، أو هزلا (بقرينة) دالة على ذلك (مع يمنيه) لاحتمال كذبه. فإن لم توجد قرينة، لم تقبل دعواه إلا ببينة. (فإن باعه) أي باع إنسان ماله (خوفا من ظالم، أو خاف) إنسان (ضيعته، أو نهبه، أو سرقته، أو غصبه) فباعه (من غير تواطؤ) مع المشتري على أن البيع تلجئة وأمانة، (صح بيعه) لأنه صدر من أهله في محله من غير إكراه. (قال الشيخ: ومن استولى على ملك بلا حق. فطلبه فجحده) إياه حتى يبيعه له (أو منعه إياه حتى يبيعه) له فباعه (على هذا الوجه. فهذا مكره بغير حق) فلا يصح بيعه، لأنه ملجأ إليه. (فإن كانا) أي المتبايعان (أو) كان (أحدهما مكرها لم يصح) البيع لما تقدم (إلا أن يكره بحق. كالذي يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه) أو على شراء ما يوفي ما عليه من دين (فيصح) العقد، لأنه قول حمل عليه بحق فصح. كإسلام المرتد (وإن أكره) إنسان
171 (على وزن مال. فباع ملكه) في ذلك (صح) البيع، لأنه غير مكره عليه. (ولو كره الشراء) منه (وهو بيع المضطرين) قال في المنتخب: لبيعه بدون ثمنه. أي ثمن مثله. (ومن قال لآخر: اشترني من زيد فإني عبده. فاشتراه) المقول له (فبان حرا. لم يلزمه) أي القائل (العهدة) أي عهدة الثمن الذي قبضه البائع. (حضر البائع، أو غاب) لأنه إنما وجد منه الاقرار، دون الضمان. (كقوله) أي كقول إنسان لآخر (اشتر منه عبده هذا) فاشتراه، فتبين حرا. فلا تلزم القائل العهدة (ويؤدب، هو وبائعه) لما صدر منهما من التغرير. (ويرد) كل منهما (ما أخذه) لأنه قبضه بغير حق (وعنه) أي عن الامام. رواية (يؤخذ البائع والمقر بالثمن. فإن مات أحدهما، أو غاب أخذ الآخر بالثمن، واختاره الشيخ) قال في الانصاف وهو الصواب: قال في الفروع (ويتوجه هذا في كل غار) قال في الانصاف، وما هو ببعيد. (ولو كان الغار أنثى) فقالت لآخر: اشترني من هذا فإني أمته، فاشتراها ووطئها (حدت) دون (ولا مهر) لها، لأنها زانية مطاوعة ( ويلحقه الولد) للشبهة، ولو أقر شخص لآخر (أنه عبده فرهنه فكبيع) فلا تلزم العهدة القائل: حضر الراهن، أو غاب على المختار. فصل: الشرط (الثاني) من شروط البيع (أن يكون العاقد) من بائع ومشتر (جائز التصرف، وهو) الحر (البالغ الرشيد) فلا يصح من صغير ومجنون وسكران ونائم ومبرسم وسفيه، لأنه قول يعتبر له الرضا. فلم
172 يصح من غير رشيد. كالاقرار (إلا الصغير المميز والسفيه فيصح، تصرفهما بإذن وليهما ولو في الكثير). لقوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى) * أي اختبروهم وإنما يتحقق بتفويض البيع والشراء إليهم. (وحرم) على الولي (إذنه لهما) أي للمميز والسفيه في التصرف (لغير مصلحة) لما فيه من الإضاعة، (ولا يصح منهما) أي من المميز والسفيه (قبول هبة) ونحوها (ووصية بلا إذن) ولي كالبيع. (واختار الموفق وجمع) منهم الشارح والحارثي. (صحته) أي صحة قبول هبة ووصية (من مميز) بلا إذن وليه (كعبد) أي كما يصح في العبد قبول الهبة، والوصية بلا إذن سيده نصا. ويكونان لسيده. (ويصح تصرف صغير، ولو دون تمييز) في يسير، لما روي: أن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفورا فأرسله ذكره ابن أبي موسى. (و) يصح أيضا تصرف (رقيق وسفيه بغير إذن) ولي وسيد (في) شئ (يسير) كباقة البقل والكبريت ونحوها، لأن الحكمة في ا لحجر خوف ضياع المال، وهو مفقود في اليسير. (وشراء رقيق) بغير إذن سيده (في ذمته) لا يصح للحجر عليه. وكذا شراؤه بعين المال بغير إذن السيد، لأنه فضولي (واقتراضه) أي اقتراض الرقيق مالا (لا يصح كسفيه) بجامع الحجر (وتقبل من مميز) حر أو رقيق. قال أبو الفرج ودونه (هدية أرسل بها و) يقبل منه أيضا (إذنه في دخول الدار ونحوها) عملا بالعرف، (قال القاضي) في جامعة (ومن كافر وفاسق) وذكره القرطبي إجماعا. وقال القاضي: في موضع يقبل منه. (إذا ظن صدقه) بقرينة وإلا فلا. قال في الفروع: وهذا متجه.
173 فصل: الشرط (الثالث أن يكون المبيع والثمن مالا) لأنه مقابل بالمال، إذ هو مبادلة المال بالمال. (وهو) أي المال شرعا (ما فيه منفعة أو لغير حاجة ضرورة) فخرج ما لا نفع فيه أصلا كالحشرات، وما فيه منفعة محرمة كالخمر، وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب، وما فيه منفعة تباح للضرورة كالميتة في حال المخمصة وخمر لدفع لقمة غص بها. تنبيه: ظاهر كلامه هنا كغيره: أن النفع لا يصح بيعه، مع أنه ذكر في حد البيع صحته. فكان ينبغي أن يقال هنا: كون المبيع مالا أو نفعا مباحا مطلقا أو يعرف المال بما يعم الأعيان والمنافع. (فيجوز بيع بغل وحمار وعقار) بفتح العين، ومأكول ومشروب وملبوس ومركوب ودقيق لأن الناس يتبايعون ذلك وينتفعون به في كل عصر من غير نكير، وقياسا، لما لم يرد به النص من ذلك على ما ورد. (و) يصح بيع (دود قز وبزره) قبل أن يدب لأنه طاهر يخرج منه الحرير الذي هو أفخر الملابس، بخلاف الحشرات التي لا نفع فيها. (و) يصح بيع (ما يصاد عليه كبومة) يجعلها (شباشا) وهو طائر تخاط عيناه ويربط لينزل عليه الطير فيصاد. (ويكره فعل ذلك) لما فيه من تعذيبها (و) يصح بيع (ديدان لصيد سمك و) يصح بيع (علق لمص دم و) يصح بيع (طير لقصد صوته كبلبل وهزار) لأن فيه نفعا مباحا. (و) كذا (ببغاء وهي الدرة و) كذا (نحوها) كقمري (و) يصح بيع (نحل منفردا عن كوارته) لأنه حيوان طاهر يخرج من بطونه شراب فيه منافع للناس فهو كبهيمة الأنعام، وكذا يصح بيعه خارجا عن كوارته معها. (بشرط كونه مقدورا عليه) وإلا لم يصح بيعه للغرر. (وفيها) أي ويصح بيع نحل في كوارته. (معها) إذا شوهد داخلا إليها (و) يصح بيع النخل في كوارته (بدونها إذا شوهد داخلا إليها) أي إلى كوارته. هذا قول الأكثر، واقتصر عليه في المنتهى وغيره. وقوله: (فيشترط معرفته بفتح رأسها) أي الكوارة (ومشاهدته) أي النحل: يقتضي أنه لا يشترط مشاهدته داخلا إليها، بل يكفي رؤيته فيها، وهو قول أبي الخطاب قال:
174 (وخفاء بعضه لا يمنع الصحة) أي صحة البيع (كالصبرة) لا يمنع صحة بيعها استتار بعضها ببعض ففي كلامه نظر ظاهر (ولا يصح بيعها) أي الكوارة (بما فيها من عسل ونحل) للجهالة، (ولا) يصح (بيع ما كان مستورا) من النحل (بأقراصه) للجهالة. (ويجوز بيع هر) لما في الصحيح: أن امرأة دخلت النار في هرة لها حبستها والأصل في اللام الملك، ولأنه حيوان يباح نفعه واقتناؤه مطلقا أشبه البغل. (وعنه لا يجوز بيعه، اختاره في الهدى والفائق وصححه في القواعد الفقهية) لحديث مسلم عن جابر: أنه سئل عن السنور فقال زجر النبي (ص) عن ذلك. وفي لفظ: أن النبي (ص) نهى عن ثمن السنور رواه أبو داود. ويمكن حمله على غير المملوك منها، أوما لا نفع منها (ويجوز بيع فيل) لأنه يباح نفعه واقتناؤه أشبه البغل. (و) يجوز بيع (سباع بهائم) كالفهد (و) بيع (جوارح طير) كصقر وباز، (يصلحان) أي السباع والجوارح (لصيد) بأن تكون (معلمة أو تقبله) أي التعليم لأن فيها نفعا مباحا. (و) يصح بيع (ولده) أي ولد ذكر من سباع البهائم، (و) يصح بيع (فرخه) أي فرخ طير الصيد (وبيضه لاستفراخه) لأنه ينتفع به في المآل. أشبهت الجحش الصغير، فإن اشترى البيض المذكور لنحو أكل لم يصح لعدم إباحته. (و) يصح بيع (قرد لحفظ) لأن الحفظ من المنافع المباحة و (لا) يصح بيع قرد (للعب. وكره أحمد بيعه وشراءه) قال: أكره بيع القرد قال ابن عقيل: هذا محمول على الإطاقة به واللعب. فأما بيعه لحفظ المتاع والدكان ونحوه فيجوز لأنه كالصقر. (و) يصح بيع قن (مرتد) ولو لم تقبل توبته. لأنه مملوك ينتفع به وخشية هلاكه لا تمنع بيعه كالمريض. (و) يصح بيع قن (جان عمدا أو خطأ على نفس أو ما دونها) سواء (أوجبت) الجناية (القصاص أو لا) لأن الجناية حق ثبت بغير رضا سيده فلم يمنع بيعه كالدين. (ولجاهل) بالردة أو الجناية حال الشراء (الخيار) بين الرد والأرش كالعيب، (ويأتي آخر خيار العيب و) يصح بيع (مريض ولو مأيوسا منه) لأن خشية هلاكه لا تمنع بيعه. (ولجاهل) بمرضه حال الشراء (الخيار) بين الرد والامساك مع الأرض لأن المرض عيب.
175 (و) يصح بيع قن (قاتل في محاربة متحتم قتله بعد القدرة) عليه، لأنه ينتفع به إلى قتله. ويعتقه فيجر ولاء ولده. (و) يصح بيع قن (متحتم قتله بكفر) لما تقدم، وهو داخل تحت قوله: ومرتد كما تقدم. (و) يصح بيع (أمة لمن به عيب يفسخ به النكاح كجذام وبرص)، لان البيع يراد للوطئ وغيره بخلاف النكاح. (وهل لها) أي للأمة المبيعة لمن به جذام أو برص (منعه من وطئها؟ يحتمل وجهين، أولهما ليس لها منعه) لملكه لها ولمنافعه (وبه قالت الشافعية، حكاه عنهم ابن العماد في كتاب التبيان فيما يحل ويحرم من الحيوان و) يصح بيع (لبن آدمية ولو) كانت (حرة) أي المنفصل منها، لأنه طاهر منتفع به كلبن الشاة ولأنه يجوز أخذ العوض عنه في إجارة الظئر فيضمه متلفه، (ويكره) للمرأة بيع لبنها نص عليه (و لا يصح بيع لبن رجل) فلا يضمن بإتلاف، (ولا) بيع (خمر ولو كانا) أي المتبايعان (ذميين) لحديث جابر سمعت النبي (ص) يقول: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير و الأصنام متفق عليه. (ولا) بيع ولو مباح الاقتناء (كلب) صيد (ولو مباح الاقتناء) لحديث أبي سعيد الأنصاري: أن النبي (ص) نهى عن ثمن الكلب متفق عليه. (ومن قتله) أي الكلب (وهو معلم) الصيد. والمراد من قتل كلبا يباح اقتناؤه، كما في الكافي وغيره. (أساء لأنه فعل محرما ولا غرم عليه، لأن الكلب لا يملك) ولا قيمة له. ويأتي في الصيد أنه يحرم قتل غير أسود بهيم وعقور، ولو غير معلم. (ويحرم اقتناؤه) أي الكلب (ك) - ما يحرم اقتناء (خنزير، ولو لحفظ البيوت ونحوها. إلا كلب ماشية، وصيد، وحرث) لحديث أبي هريرة
176 مرفوعا: من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية، أو صيد أو زرع، نقص من أجره كل يوم قيراط متفق عليه، وإنما يجوز اقتناء الكلب للماشية والصيد والحرث. (إن لم يكن أسود بهيما أو عقورا. ويأتي في الصيد) بيان ذلك وتعليله. (ويجوز تربية الجرو الصغير لأجل الثلاثة) أي لواحد من الماشية والصيد والحرث، لأنه قصد به ما يباح. (ومن اقتنى كلب صيد ثم ترك الصيد مدة وهو يريد العود إليه. لم يحرم اقتناؤه في مدة تركه) الصيد. (وكذا) من اقتنى كلب زرع (لو حصد الزرع أبيح اقتناؤه حتى يزرع زرعا آخر. وكذا لو هلكت ماشية) اقتنى لها كلبا. (أو باعها وهو يريد شراء غيرها. فله إمساك كلبها لينتفع به في التي يشتريها) لأن ذلك لا يمكن التحرز منه. (ومن مات وفي يده كلب) يباح اقتناؤه (فورثته أحق به) كسائر الاختصاصات. (ويجوز إهداء الكلب المباح والإثابة عليه) لا على وجه البيع. (ولا يصح بيع) قن (منذور عتقه. قال ابن نصر الله: نذر تبرر) لأن عتقه وجب بالنذر، فلا يجوز إبطاله ببيعه، كالهدي المعين. واحترز ابن نصر الله عن نذر اللجاج فيصح البيع لاجزاء الكفارة عنه. (ولا) بيع (ترياق يقع فيه لحوم الحيات) لأن نفعه إنما يحصل بالاكل، وهو محرم، فخلا من نفع مباح، ولا يجوز التداوي به، ولا بسم الأفاعي. ويصح بيع الترياق الخالي من لحوم الحيات ومن الخمر، لأنه مباح كسائر المعاجين الخالية من محرم. (ولا) بيع (سموم قاتلة كسم الأفاعي) لخلوها من نفع مباح (فأما السم من الحشائش والنبات. فإن كان لا ينتفع به، أو كان يقتل قليله. لم يجز بيعه) لما تقدم. (وإن انتفع به وأمكن التداوي بيسيره كالسقمونيا ونحوها، جاز بيعه) لما فيه من النفع المباح. (ويحرم بيع مصحف ولو في دين) قال أحمد: لا
177 نعلم في بيع المصحف رخصة. قال ابن عمر: وددت أن الأيدي تقطع في بيعها. ولان تعظيمه واجب وفي بيعه ابتذال له وترك لتعظيمه. (ولا يصح) بيع المصحف. مقتضى كلامه في الانصاف: أنه المذهب. وقال في التنقيح: ولا يصح لكافر. وتبعه في المنتهى. ومقتضاه: صحته للمسلم مع الحرمة. (ك) ما لا يصح (بيعه لكافر) لأنه يمنع من استدامة ملكه فمنع من ابتدائه (فإن ملكه) الكافر (بإرث أو غيره) كاستيلاء عليه من مسلم (ألزم بإزالة يده عنه) خشية امتهانه، (وكذا) أي كبيع المصحف (إجارته ورهنه) فيحرمان ولا يصحان. (ويلزم بذله) أي المصحف (لمن احتاج إلى القراءة فيه. ولم يجد مصحفا غيره) للضرورة (ولا تجوز القراءة فيه بلا إذن) مالكه (ولو مع عدم الضرر) لأن فيه افتياتا على ربه. (ولا يكره شراؤه) أي شراء المصحف (لأنه استنقاذ) له كشراء الأسير. (ولا) يكره (إبداله) أي إبدال المصحف (لمسلم بمصحف آخر) لأنه لا يدل على الرغبة عنه، ولا على الاستبدال به بعوض دنيوي، بخلاف أخذ ثمنه. (ولو وصى ببيعه) أي المصحف ولو في دين (لم يبع) لما تقدم. (ويجوز نسخه) أي المصحف (بأجرة) لقول ابن عباس. احتج به الامام. (ولا يقطع) سارق (بسرقته) أي المصحف لأنه لا يباع. (ويجوز وقفه) أي المصحف (وهبته والوصية به) لأنه لا اعتياض في ذلك عنه. (وتقدم بعض أحكامه في نواقض الوضوء) فلم نطل بإعادتها. ويجوز بيع كتب العلم ونقل أبو طالب: لا تباع. (ويصح شراء كتب زندقة ليتلفها، لا) شراء (خمر ليريقها، لأن في الكتب مالية الورق) وتعود ورقا منتفعا به بالمعالجة. قال ابن عقيل: يبطل بآلة اللهو، وسقط حكم مالية الخشب. (ولا يصح بيع آلة لهو) كمزمار وطنبور ومنها النرد والشطرنج على ما يأتي في الغصب، (ولا) يصح بيع (حشرات) كخنافس (سوى ما تقدم) من دود القز وديدان يصاد بها. والحشرات (كفأر وحيات وعقارب ونحوها) كصراصر، (ولا) يصح بيع (ميتة ولا شئ منها، ولو لمضطر) لما تقدم (إلا سمكا وجرادا
178 ونحوهما) كجندب لحل أكلها. (ولا) يصح بيع (دم وخنزير وصنم) لحديث جابر السابق. (ولا) يصح بيع (سباع بهائم) لا تصلح لصيد. (و) لا (جوارح طير لا تصلح لصيد، كنمر وذئب ودب وسبع وغراب) لا يؤكل. (وحدأة ونسر وعقعق ونحوها) لأنه لا نفع فيها كالحشرات. (ولا) يصح بيع (سرجين) أي زبل بكسر السين وفتحها. ويقال: سرقين (نجس) بخلاف الطاهر منه. كروث الحمام وبهيمة الأنعام. (و) لا يصح بيع (أدهان نجسة العين من شحوم الميتة وغيرها) لقوله (ص): إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه. (ولا يحل الانتفاع بها) أي بالادهان النجسة العين (باستصباح ولا غيره) لحديث جابر: قيل: يا رسول الله. أرأيت شحوم الميتة. فإنه يدهن بها الجلود وتطلى بها السفن، وتستصبح بها الناس؟ فقال: لا بل هو حرام متفق عليه. (ولا) يصح (بيع) نحو (نصف معين من إناء وسيف ونحوهما) من كل ما لا ينتفع به لو كسر. لأنه لا يمكن تسليمه مفردا إلا بإتلافه، وإخراجه عن المالية، بخلاف بيع جزء منه مشاعا. (ولا) يصح (بيع أدهان متنجسة) كزيت لاقى نجاسة (ولو) بيع (لكافر) يعلم حاله. (لحديث: إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه) رواه الشيخان مختصرا. (ويجوز الاستصباح بها) أي بالادهان المتنجسة (في غير مسجد على وجه لا تتعدى نجاسته) لأنه أمكن الانتفاع بها من غير ضر. واستعمالهما على وجه لا تتعدى بأن تجعل في إبريق ويصب منه في المصباح. ولا يمس، أو يدع على رأس الجرة التي فيها الدهن سراجا مثقوبا ويطينه على رأس إناء الدهن. وكلما نقص دهن السراج صب فيه ماء بحيث يرفع الدهن فيملأ السراج. وما أشبه ذلك. وهذا القيد قاله جماعة. ونقله طائفة عن الامام. قال في الانصاف: الذي يظهر أن هذا ليس شرطا في جواز الاستصباح. وعلم من قوله في غير مسجد: أنه لا يجوز الاستصباح بها فيه مطلقا. (و) يجوز (أن تدفع) الادهان
179 المتنجسة (إلى كافر في فكاك مسلم. ويعلم بنجاستها، لأنه ليس بيعا حقيقة) بل افتداء. (وإن اجتمع من دخانه) أي الدهن المتنجس (شئ فهو نجس) كغبارها وبخارها. وتقدم (فإن علق) دخان النجاسة (بشئ) طاهر (عفي عن يسيره) وهو ما لا تظهر صفته للمشقة وتقدم. (و يصح بيع نجس يمكن تطهيره كثوب ونحوه) كإناء، لأنه ينتفع به بعد تطهيره. (ويجوز بيع كسوة الكعبة إذا خلعت) عنها (وتقدم) ذلك (ولا يصح بيع الحر) لقوله (ص): ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة - ذكر منهم رجلا باع حرا وأكل ثمنه. متفق عليه (ولا) بيع (ما ليس بمملوك كالمباحات) من نحو كلا وماء ومعدن، (قبل حيازتها وتملكها) لفقد الشرط الرابع (ولو باع أمة حاملا بحر قبل وضعه صح) البيع (فيها) لأنها معلومة، وجهالة الحمل لا تضر. وقد يستثنى بالشرع ما لا يصح استثناؤه باللفظ. كبيع الأمة المزوجة. يصح ومنفعة البضع مستثناة بالشرع. ولا يصح استثناؤها باللفظ. فصل: الشرط (الرابع أن يكون) المبيع (مملوكا لبائعه) وقت العقد وكذا الثمن (ملكا تاما) لقوله (ص) بن حزام: لا تبع ما ليس عندك رواه ابن ماجة والترمذي وصححه، وخرج بقوله: ملكا تاما. الوقوف على معين والمبيع زمن الخيارين، على ما يأتي بيانه. (حتى أسير) فيصح بيعه لملكه، إذ الأسر لا يزيل ملكه. (أو) أن يكون (مأذونا في بيعه وقت إيجاب وقبول) لفظيين أو فعليين، أو مختلفين، لقيام المأذون له مقام المالك، لأنه نزله منزلة نفسه. (ولو لم يعلم) المالك أن المبيع ملكه (بأن ظنه) أي ظن البائع المبيع (لغيره، فبان) أنه (قد ورثه، أو)
180 لم يعلم المأذون له الاذن بأن ظن عدم الإذن فتبين أنه (قد وكل فيه) وقوله (كموت أبيه وهو) أي البائع (وارثه) مثال للأول (أو توكيله) والوكيل لا يعلم: مثال للثاني. وإنما صح البيع فيهما لأن الاعتبار في المعاملات بما في نفس الامر، لا بما في ظن المكلف. إذا تقرر أن الملك والاذن شرط. (فإن باع ملك غيره بغير إذنه ولو بحضرته وسكوته) لم يصح البيع. ولو أجازه المالك بعد. لفوات شرطه. وحديث عروة بن الجعد: أن النبي (ص) أعطاه دينارا ليشتري به شاة. فاشترى به شاتين فباع إحداهما بدينار. ثم عاد بالدينار والشاة فدعاه بالبركة في بيعه رواه أحمد والبخاري: محمول على أنه وكيل مطلق، بدليل أنه سلم وتسلم. وليس ذلك لغير المالك والوكيل المطلق باتفاق. ذكره في الشرح والمبدع. (أو اشترى له) أي لغيره (بعين ماله شيئا بغير إذنه. لم يصح) الشراء ولو أجيز بعد لما تقدم. (وإن اشترى له) أي لغيره شيئا (في ذمته بغير إذنه. صح إن لم يسمه) أي لم يسم المشتري من اشترى له (في العقد) بأن قال: اشتريت هذا ولم يقل لفلان فيصح العقد. (سواء نقد) المشتري (الثمن من مال الغير) الذي اشترى له (أو لا) بأن نقده من مال نفسه أو لم ينفده بالكلية، لأنه متصرف في ذمته. وهي قابلة للتصرف. والذي نقده إنما هو عوض عما في الذمة. فإن سماه في العقد لم يصح إن لم يكن أذن. (فإن أجازه) أي المشتري (من اشترى له) ولم يسم (ملكه من حين العقد) فمنافعه ونماؤه له، لأنه اشترى لأجله ونزل المشتري نفسه منزلة الوكيل. (وإلا) بأن لم يجزه من اشترى له (لزم من اشتراه. فيقع الشراء له) لأن الغير لم يأذن فيه. فتعين كونه للمشتري، كما لو لم ينو غيره. (وإن حكم بصحة مختلف فيه) ممن يراه (كتصرف فضولي بعد إجازته. صح) العقد واعتبرت آثاره (من الحكم لا من حين العقد) ذكره القاضي. فالمختلف فيه باطل من حين العقد إلى الحكم. وقال في الفروع. ويتوجه كالإجازة. وقال في الفضول، في النكاح الفاسد: إنه يقبل الانبرام والالزام بالحكم. والحكم لا ينشئ الملك بل يحققه. (ولا يصح بيع) شئ (معين لا يملكه
181 ليشتريه ويسلمه) لحديث حكيم السابق (بل) يصح بيع (موصوف) بما يكفي في السلم (غير معين) ولو لم يوجد في ملكه مثله (بشرط قبضه) أي الموصوف (أو قبض ثمنه في مجلس العقد) وإلا لم يصح السلم. (ويأتي) البيع بالوصف (قريبا) في الشرط السادس. (ولا يصح بيع ما فتح عنوة ولم يقسم، وتصح إجارته) وكذا الأرض التي جلا عنها أهلها خوفا منا أو صولحوا على أنها لنا، ولنا الخراج عنها، بخلاف ما فتحت صلحا على أنها لهم، أو فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين، كنصف خيبر، أو أسلم أهلها عليها كالمدينة، فيصح بيعها. والذي فتح عنوة ولم يقسم. (كأرض الشام والعراق ومصر ونحوها) فتصح إجارتها ممن هي بيده دون بيعها (لأن عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين. وأقرها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضربه أجرة لها في كل عام، ولم يقدر عمر مدتها). أي مدة الإجارة (لعموم المصلحة فيها). قاله في الكافي وغيره. قال: وقد اشتهر ذلك في قصص نقلت عنه (ويصح بيع المساكن) من أرض العنوة (الموجودة حال الفتح، أو حدثت بعده. وآلتها) أي المساكن (منها) أي من أرض العنوة (أو من غيرها) لأن الصحابة اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر، وبنوا مساكن وتبايعوها من غير نكير. فكان كالاجماع. وقدم في الفروع: أنه يجوز بيع بناء ليس منها، (كبيع غرس محدث) فيها. فإنه يصح لأنه مملوك لغارسه. وكلامه هنا كالفروع يقتضي أن الغرس الموجود حال الفتح لا يصح بيعه، وأنه يتبع الأرض في الوقف. لكن تقدم في الأرضين المغنومة أنه أوجب الزكاة في ثمرتها على من تقر بيده. كالمتجدد. فعليه تكون ملكا له. فيصح بيعها. (وكذا إن رأى الامام المصلحة في بيع شئ منها) مثل أن يكون في الأرض ما يحتاج إلى عمارة ولا يعمرها إلا من يشتريها. (فباعه أو وقفه أو أقطعه إقطاع تمليك) فيصح ذلك كله لأن فعل الامام كحكمه. بذلك يصح كبقية المختلف فيه هذا معنى ما علل به في المغني صحة البيع منه، وهو يقتضي أن محل ذلك إذا كان الامام يرى صحة بيعه أو وقفه، وإلا ينفذ حكم حاكم بما يعتقد خلافه. وفي صحة الوقف نظر، لأن الأرض إما موقوفة فلا يصح وقفها
182 ثانيا. أو فئ لبيت المال. والوقف شرطه أن يكون من مالك، إلا أن يقال إن الوقف هنا من قبيل الأرصاد والافراز لشئ من بيت المال على بعض مستحقيه، ليصلوا إليه بسهولة كما أوضحته في الحاشية. (وقال في الرعاية في حكم الأراضي المغنومة: وله) أي الامام (إقطاع هذه الأرض) أي التي فتحت عنوة ولم تقسم. (والدور والمعادن إرفاقا لا تمليكا ويأتي) وقال في المغني في باب زكاة الخارج من الأرض: وحكم إقطاع هذه الأرض حكم بيعها. وقدم في البيع أنه لا يجوز. وقال أيضا ولا يخص أحد بملك شئ منها، ولو جاز تخصيص قوم بأصلها لكان الذين فتحوها أحبها. (ومثله) أي مثل الامام لها في صحته. (لو بيعت وحكم بصحته حاكم يراه قاله الموفق وغيره) كبقية المختلف فيه (إلا أرضا من العراق فتحت صلحا على أنها لهم) أي لأهلها فيصح بيعهم لها لملكهم إياها وسمي عراقا لامتداد أرضه وخلوها من جبال مرتفعة وأودية منخفضة. قال السامري: (وهي) أي الأرض المذكورة (الحيرة) بكسر الحاء مدينة بقرب الكوفة. والنسبة إليها حيري وحاري على غير قياس، قاله الجوهري. (وأليس) بضم الهمزة وتشديد اللام بعدها ياء ساكنة ثم سين مهملة مدينة بالجزيرة (وبانقيا) بزيادة ألف بين الباء والنون المكسورة، ثم قاف ساكنة تليها ياء مثناة تحت، ناحية بالنجف دون الكوفة. (وأرض بني صلوبا) بفتح الصاد المهملة وضم اللام بعدها واو ساكنة تليها باء موحدة. فهذه الأماكن فتحت صلحا لا عنوة، فيصح بيعها. ومثلها الأرض التي لو أسلم أهلها عليها كأرض المدينة فإنها ملك أربابها. (ولا يصح بيع وقف غيره) أي غير ما فتح عنوة، ولم يقسم (ونفعه والمراد منه باق) جملة حالية أي في حال بقاء نفعه المقصود، فإن تعطل جاز بيعه. (ويأتي في الوقف) بأتم من هذا. (ولا يصح بيع رباع مكة) بكسر الراء جمع ربع (وهي المنازل ودار الإقامة، ولا الحرم كله. وكذا بقاع المناسك) كالمسعى والمرمى، والموقف ونحوها. (و) القول بعدم صحة بيع المناسك (أولى) من القول بعدم صحة بيع رباع مكة. (إذ هي) أي بقاع المناسك (كالمساجد) لعموم
183 نفعها. وإنما لم يصح بيع رباع مكة (لأنها فتحت عنوة) بدليل أنه (ص): أمر بقتل أربعة فقتل منهم ابن خطل، ومقيس بن صبابة. ولو فتحت صلحا لم يجز قتل أهلها. ولم تقسم بين الغانمين فصارت وقفا على المسلمين. (ولا) تصح (إجارة ذلك) أي رباع مكة والحرم وبقاع المناسك، لما روى سعيد بن منصور عن مجاهد مرفوعا: مكة حرام بيعها، حرام إجارتها. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده مرفوعا: مكة لا تباع رباعها ولا تكرى بيوتها، رواه الأثرم. (فإن سكن بأجرة) في رباع مكة (لم يأثم بدفعها) صححه في الانصاف. وقال الشيخ التقي: هي ساقطة يحرم بذلها (ولا يملك ماء عد) بكسر العين وتشديد الدال قبل حيازته. (وهو الذي له مادة لا تنقطع كمياه العيون و) ك (- نقع البئر) لقوله عليه السلام: المسلمون شركاء في ثلاث، في الماء والكلأ والنار رواه أبو داود وابن ماجة. (ولا) يملك (ما في معدن جار) إذا أخذ منه شئ خلفه غيره (كملح وقار ونفط ونحوها) قبل جنازته لعموم نفعه فهو كالماء. (ولا) يملك (كلا) قبل حيازته. للحديث السابق. (ولا) يملك (شوك نبت في أرضه قبل حيازته) لأن الشوك كالكلأ. وقوله (بملك أرض) متعلق بلا يملك، أي لا تملك هذه الأشياء بملك الأرض بالحيازة. (فلا يصح بيعه) أي بيع شئ من ذلك قبل حيازته (ولا يدخل) ما في الأرض من ذلك (في بيعها) لأن البائع لم يملكه فلم يتناوله البيع. (ك) - ما لو كان في (أرض مباحة) غير مملوكة (ولكن صاحب
184 الأرض أحق به، لكونه في أرضه. قاله الموفق وغيره. ومن حاز من ذلك) أي من الماء العد والكلأ والشوك والمعدن الجاري. (شيئا ملكه) وجاز بيعه. لما روي أن النبي (ص): نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه رواه أبو عبيد في الأموال وعلى ذلك مضت العادة من غير نكير. (إلا أنه يحرم دخول ملك غيره بغير إذنه لأجل أخذ ذلك إن كان) رب الأرض (محوطا عليها) لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه. (وإلا) بأن لم يحوط عليها (جاز) الدخول بلا إذنه (بلا ضرر) لدلالة القرينة على رضاه حيث لم يحوط (ولو استأذنه) أحد في الدخول (حرم) على رب الأرض (منعه إن لم يحصل ضرر) بدخوله لما تقدم (وسواء) فيما تقدم (كان ذلك) أي الماء العد والمعدن الجاري، والكلأ والشوك (موجودا في الأرض خفيا أو حدث بها بعد ملكها) وسواء ملكها بشراء أو إحياء أو إرث أو غيرها، (ولو حصل في أرضه) أي في أرض إنسان (سمك) لم يملكه بذلك، (أو عشش فيها طائر لم يملكه) بذلك. فلا يصح بيعه قبل حيازته (ويأتي ذلك) في الصيد موضحا. (والمصانع المعدة لمياه الأمطار) يملك ربها ما يحصل فيها منها (و) المصانع العدة لها إذا (جرى إليها ماء نهر غير مملوك) كالنيل، (يملك ماؤها) الحاصل فيها، (بحصوله فيها) لأن ذلك حيازة له (ويجوز) لمالكه (بيعه إذا كان معلوما) وهبته والتصرف فيه بماء شاء لعدم المانع. (ولا يحل) لاحد (أخذ شئ منه بغير إذن مالكه) لجريان ملكه عليه كسائر أملاكه. (والطلول التي تجتني منها النحل) إذا كانت على نبت مملوك (ككلأ) في الإباحة، (وأولى) بالإباحة من الكلأ لما يأتي (ولا حق) أي لا عوض (على أهل النحل لأهل الأرض التي يجني منها قال الشيخ: لأن ذلك لا ينقص من ملكهم شيئا) ولا يكاد يجتمع منها ما يعد شيئا إلا بمشقة. ذكر ابن عادل في تفسيره عن الفخر الرازي: في كتب الطب أن الطلال هي التي يتغذى منها النحل إذا تساقطت على
185 أوراق الأشجار والأزهار، فيلتقطها النحل ويتغذى منها ويكون منها العسل، انتهى. والطل نوع من القطر. ونحل رب الأرض أحق به فله منع غيره إن أضر به. ذكره الشيخ التقي. (فأما المعادن الجامدة كمعادن الذهب والفضة، والصفر، والرصاص والكحل، وسائر الجواهر كالياقوت والزمرد والفيروزج ونحوها، فتملك بملك الأرض على ما يأتي) في إحياء الموات لأنها من أجزاء الأرض (ويجوز لربها) أي رب الأرض (بيعه) أي بيع ما بها من معدن جامد، ولو قبل حيازته لأنه ملكه. (ولا تؤخذ) المعادن الجامدة (بغير إذنه) أي إذن رب الأرض لما تقدم (ويستوي) في ذلك (الموجود) من تلك المعادن (فيها) أي في الأرض (قبل ملكها خفيا وما حدث بعده كما تقدم) وأما ما كان فيها ظاهرا وقت إحيائها فلا يملك بملكها ولو كان جامدا. ويأتي في إحياء الموات. فصل: الشرط (الخامس أن يكون) المبيع ومثله الثمن. (مقدورا على تسليمه) حال العقد لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم والمعدوم لا يصح بيعه فكذا ما أشبهه، (فلا يصح بيع آبق) ولا جعله ثمنا سواء (علم) الآخذ له (مكانه أو جهله ولو) كان ذلك (لقادر على تحصيله) لما روى أحمد عن أبي سعيد أن رسول الله (ص): نهى عن شراء العبد وهو آبق. (وكذا جمل شارد وفرس غائر ونحوهما) مما لا يقدر على تسليمه. (ولا) يصح بيع (نحل) في الهواء (و) بيع (طير في الهواء يألف الرجوع أو لا) لأنه غير مقدور على تسليمه. (ولا) يصح بيع (سمك في لجة ماء) لما روى أحمد عن ابن مسعود مرفوعا: لا تشتروا السمك في الماء
186 لأنه غرر قال البيهقي: فيه انقطاع ولما تقدم. واللجة بضم اللام معظم الماء. (فإن كان الطير في مكان) كالبرج (مغلق) عليه (ويمكن أخذه منه) صح بيعه لأنه مقدور على تسليمه. وشرط القاضي مع ذلك أخذه بسهولة. فإن لم يكن إلا بتعب ومشقة لم يجز. (أو) كان (السمك في ماء) نحو بركة (صاف) ذلك الماء (يشاهد فيه) السمك (غير متصل) الماء (بنهر ويمكن أخذه) أي السمك (منه) أي الماء (صح) البيع لعدم الغرر. (ولو طالت مدة تحصيلهما) أي الطير والسمك. هذا إن سهل أخذه، فإن لم يسهل بحيث يعجز عن تسليمه لم يصح البيع لعجزه عن تسليمه في الحال وللجهل بوقت تسليمه. وهذا المذهب قاله في الانصاف (ولا يصح بيع مغصوب) لأن بائعه لا يقدر على تسليمه. (إلا لغاصبه لأن المانع من معدوم هنا كما تقدم. فصل الشرط السادس أن يكون المبيع معلوما لها أي للبائع والمشتري لأن جهالة المبيع غرر فيكون منهيا عنه، فلا يصح، والعلم به يحصل (برؤية تحصل بها معروفة) أي المبيع (مقارنة) تلك الرؤية للعقد بأن لا تتأخر عنه. ويأتي لو تقدمت (له) متعلق برؤية أي لجميع المبيع إن لم تدل بقيته عليه، كالثوب المنقوش، ومعنى الرؤية أن تكون (وقت العقد، أو) برؤية (لعضه إن ذلت) رؤية بعضه (على بقيته) لحصول المعرفة بها (وإلا) تدل رؤية بعضه على بقية كالثوب لا منقوش (فلا تكفي رؤية) بعضه فتكفي (رؤية أحد وجهي ثوب غير منقوش و) تكفي (رؤية وجه الرقيق و) تكفي رؤية (ظاهر الصبر المتساوية الاجزاء من حب وقز وتمر ونحوها) بخلاف المختلفة
187 الاجزاء، كصبرة بقال القرية. (و) تكفي رؤية ظاهر (ما في ظروف وأعدال من جنس واحد متساوي الاجزاء، ونحو ذلك) من كل ما تدل بعضه على كله، لحصول الغرض بها. (ولا يصح بيع الأنموذج) بضم الهمزة وهو ما يدل على صفة الشئ قاله في المصباح. ( بأن يريه صاعا) مثلا من صبرة (ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه) فلا يصح لعدم رؤية المبيع وقت العقد. (وما عرف) مما يباع (بلمسه أو شمه أو ذوقه، فكرؤيته) لحصول المعرفة. (ويحصل العلم بمعرفته) أي المبيع (ويصح) البيع (بصفة) تضبط ما يصح السلم فيه، لأنها تقوم مقام الرؤية في تمييزه (وهو) أي البيع بالصفة (نوعان: أحدهما بيع عين معينة، سواء كانت العين) المعينة (غائبة مثل أن يقول: بعتك عبدي التركي. ويذكر صفاته) أي تضبط وتأتي في السلم (أو) كانت العين المبيعة بالصفة (حاضرة مستورة، كجارية منتقبة، وأمتعة في ظروفها، أو نحو ذلك. فهذا) النوع (ينفسخ العقد عليه برده على البائع) بنحو عيب أو نقص صفة، وليس للمشتري طلب بدله لوقوع العقد على عينه كحاضر، فإن شرط ذلك في عقد البيع بأن قال: إن فاتك شئ من هذه الصفات، أعطيتك ما هذه صفاته، لم يصح العقد، قاله في المستوعب. (و) ينفسخ العقد عليه أيضا ب (- تلفه قبل قبضه) لزوال محل العقد (و) هذا النوع (يجوز التفريق) من متبايعيه (قبل قبض الثمن، وقبل قبض المبيع كحاضر) بالمجلس (ويجوز تقديم الوصف في بيع الأعيان على العقد. كما يجوز تقديم الرؤية ذكره القاضي، محل وفاق. وكذلك لا يجوز تقديم الوصف) للمعقود عليه (في السلم على العقد ولا فرق بينهما) أي بين تقديم الوصف في بيع الأعيان على العقد، وتقديمه في السلم على العقد وكذا تقديم الوصف في بيع ما في الذمة. (فلو قال) لآخر (أريد أن أسلفك في كر حنطة ووصفه بالصفات فلما كان بعد ذلك) ولو طال الزمن. (قال: قد أسلفتك في كر حنطة على الصفات التي تقدم ذكرها وعجل الثمن) قبل التفريق
188 (جاز) وصح العقد للعلم بالمعقود عليه، والكر بضم الكاف كيل معروف بالعراق وهو ستون قفيزا وأربعون أردبا قاله في القاموس. (و) النوع (الثاني) من نوعي البيع بالصفة (بيع موصوف غير معين، ويصفه بصفة تكفي في السلم إن صح السلم فيه) بأن انضبطت صفاته (مثل أن يقول: بعتك عبدا تركيا. ثم يستقصي صفات السلم فيه. فهذا في معنى السلم) وليس سلما لحلوله (فمتى سلم) البائع (إليه عبدا على غير ما وصفه له. فرده) المشتري عليه (أو) سلم إليه عبدا (على ما وصف له، فأبدله) المشتري لنحو عيب (لم يفسد العقد) برده. لأن العقد لم يقع على عينه، بخلاف النوع الأول (ويشترط في هذا النوع قبض المبيع، أو قبض ثمنه في مجلس العقد) لأنه في معنى السلم. ويشترط أيضا أن لا يكون بلفظ سلم أو سلف. لأنه لا يكون إذن سلما، ولا يصح حالا. ولم يذكره المصنف لأنه اقتصر فيما تقدم على قول التلخيص: إن البيع لا ينعقد بلفظ السلم والسلف. (و) يحصل العلم بمعرفة المبيع (برؤية متقدمة) على العقد (بزمن لا يتغير فيه المبيع يقينا، أو) لا يتغير فيه (ظاهرا) لان شرط الصحة العلم. وقد حصل بطريقه وهي الرؤية المتقدمة. والمبيع منه ما يسرع فساده، كالفاكهة وما يتوسط كالحيوان، وما يتباعد كالعقارات. فيعتبر كل نوع بحسبه. ولو (مع غيبة المبيع، ولو في مكان بعيد لا يقدر) البائع (على تسليمه في الحال، لكن يقدر على استحضاره غير آبق ونحوه) كشارد، فلا يصح بيعه لما تقدم (ثم إن وجده) أي وجد المشتري ما تقدمت رؤيته (لم يتغير. فلا خيار له) لسلامة المبيع (وإن وجده متغيرا. فله الفسخ على التراخي) كخيار العيب. وكذا لو وجد بالصفة ناقصا صفة. (ويسمى) هذا الخيار (خيار الخلف في الصفة) من إضافة الشئ إلى سبيله (إلا أن يوجد منه) أي من المشتري (ما يدل على الرضا) بالمبيع (من سوم ونحوه) فيسقط خياره لذلك. و (لا) يسقط خياره (بركوب الدابة) المبيعة (في طريق الرد) إلى البائع، لأنه لا يدل على الرضا بالتغير (ومتى أبطل) المشتري (حقه من رده، فلا أرش له). أي للمشتري في الأصح، قاله في الفروع.
189 فيخير بين الرد والامساك مجانا. لئلا يعتاض عن صفة كالسلم. وهذا بخلاف البيع بشرط صفة. فإن له أرش فقدها، كما يأتي في الشروط في البيع. (وإن اختلفا) أي البائع والمشتري (في الصفة) بأن قال المشتري: ذكرت في وصف الأمة أنها بكر مثلا. وأنكره البائع (أو) اختلفا في (التغير) أي قال المشتري: إن المبيع الذي سبقت رؤيته تغير، وأنكر البائع. وقال: كان على هذا الحال حين رأيته. (فالقول قول المشتري) بيمينه لأن الأصل براءة ذمته من الثمن. (وإن كان) المبيع الذي تقدمت رؤيته (يفسد في الزمن) الذي مضي بين الرؤية والعقد. (أو) كان (يتغير) فيه (يقينا أو ظاهرا أو شكا) مستويا (لم يصح) العقد، لفقد شرطه، أو للشك فيه. (ولو قال) البائع: (بعتك هذا البغل بكذا. فقال: اشتريته، فبان) المشار إليه (فرسا أو حمارا لم يصح) البيع. ومثله بعتك هذا العبد فبان أمة، أو هذا الجمل فبان ناقة، ونحوه. فلا يصح البيع للجهل بالمبيع، وعدم رؤية يحصل بها معرفته. (ولا يصح استصناع سلعة) بأن يبيعه سلعة يصنعها له. (لأنه باع ما ليس عنده على غير وجه السلم) ذكره القاضي وأصحابه. (ويصح بيع أعمى) بالصفة لما يصح السلم فيه. (و) يصح (شراؤه بالصفة) ما يصح السلم فيه (كما تقدم نصا. كتوكيله) أي كما يصح أن يوكل الأعمى في البيع والشراء. (بصيرا وله) أي للأعمى إن وجد ما اشتراه بالصفة ناقصا صفة (خيار الخلف في الصفة) كالبصير وأولى، (و) يصح بيع الأعمى وشراؤه (بما يمكنه معرفته) أي معرفة ما يبيعه أو يشتريه (بغير حاسة البصر كشم ولمس وذوق) لحصول العلم بحقيقة المبيع. وكذا لو كان رآه قبل عماه بزمن لا يتغير فيه المبيع ظاهرا على ما تقدم. (وإن اشترى) إنسان (ما لم يره، وما لم يوصف له) لم يصح العقد (أو) اشترى شيئا (رآه ولم يعلم ما هو) لم يصح البيع. (أو) اشترى شيئا لم يره ولم يوصف له بما يكفي في السلم، بل (ذكر له من صفته ما لا يكفي في السلم. لم يصح البيع) للجهالة بالبيع (وحكم ما لم يره بائع حكم مشتر) يه (فيما تقدم) من التفصيل. فلا يصح البيع إن لم يوصف له بما يكفي في السلم، ولم يعرفه بشم أو لمس أو ذوق. ويصح إن وصف بذلك أو عرفه بلمس أو شم أو ذوق (ولا يصح بيع
190 الحمل مفردا) عن أمه إجماعا (وهو بيع المضامين والمجر) بفتح الميم وكسرها وبسكون الجيم وفتحها. روى أبو هريرة مرفوعا: أنه نهى عن بيع المضامين والملاقيح قال أبو عبيد: المضامين ما في أصلاب الفحول. والملاقيح: ما في البطون وهي الأجنة. وروى ابن عمر: أن النبي (ص) نهى عن بيع المجر. قال ابن الأعرابي: المجر ما في بطن الناقة. والمجر القمار. والمجر: المحاقلة والمزابنة. (ولا) يصح بيع الحمل أيضا (مع أمه بأن يعقد عليه معها) أي مع أمه. لعموم ما سبق (ومطلق البيع) أي إذا باع الحامل ولم يتعرض للحمل، فالعقد يشمله تبعا) لامه إن كان مالكها متحدا، وإلا بطل. قال في شرح المنتهى: (كالبيض واللبن) قياسا على أس الحائط. ويغتفر في التبعية ما لا يغتفر في الاستقلال. (ولا) يصح (بيع ما في أصلاب الفحول) لما تقدم. (ولا) بيع (عسب الفحل) وهو ضرابه، للنهي عنه في حديث ابن عمر. رواه البخاري (ولا) يصح (بيع حبل الحبلة ومعناه: نتاج النتاج) وهو أولى بعدم الصحة من بيع الحمل. (ولا) بيع (اللبن في الضرع، و) لا (البيض في الطير) كالحمل (و) لا يصح بيع (المسك في الفأر) وهو وعاؤه. ويسمى: النافجة ما لم يفتح ويشاهد. لأنه مجهول كاللؤلؤ في الصدف واختار في الهدي صحته، لأنها وعاء له، ولأنه يصونه. وتجاره يعرفونه (و) لا بيع (النوى في التمر) للجهالة (و) لا (الصوف على الظهر) لحديث ابن عباس يرفعه: نهى أن يباع صوف على ظهر، أو لبن في ضرع رواه الخلال وابن ماجة ولأنه متصل بالحيوان. فلم يجز إفراده بالبيع كأعضائه. (ولا) بيع (ما قد تحمل هذه الشجرة أو) ما قد تحمل هذه (الشاة) لأنه قد يحصل وقد لا يحصل. مع أنه مجهول أيضا، وغير مقدور على تسليمه حال البيع. (ولا) يصح (بيع الملامسة والمنابذة بأن يبيعه شيئا ولا يشاهده. فيقول: أي ثوب لمسته أو نبذته) فهو بكذا. (أو) أي ثوب (لمست
191 أو نبذت فهو بكذا) لما روى أبو هريرة: أن النبي (ص) نهى عن الملامسة والمنابذة. متفق عليه. (ولا) يصح (بيع مستور في الأرض يظهر ورقه فقط. كلفت وفجل وجزر وقلقاس وبصل وثوم ونحوه، قبل قلعه ومشاهدته) للجهالة بما يراد منه. (ويصح بيع ورقه) أي ورق الفجل ونحوه الظاهر (المنتفع به) لعدم المنافي. (ولا) يصح (بيع ثوب مطوي) ولو تام النسج. قال في شرح المنتهى حيث لم ير منه ما يدل على بقيته. فإن الناس لم يزالوا في جميع الأمصار والأعصار يبيعون الثياب المطوية، ويكتفون بتقليبهم منها ما يدل على بقيتها. واستدل له بقول المغني: ولو اشترى ثوبا فنشره فوجده معيبا إلى آخر المسألة. فقوله: فنشره يدل على أنه كان مطويا: وكونه يمكن رده بالعيب: دليل على صحة البيع. (ولا) يصح بيع (ثوب نسج بعضه على أن ينسج بقيته) ولو منشورا للجهالة والتعليق. (فإن أحضر) البائع ما نسجه من الثوب وبقية السدا و (اللحمة وباعها مع الثوب. وشرط على البائع نسجها) أي البقية (صح) البيع والشرط (إذ هو اشتراط منفعة البائع، على ما يأتي في الشروط في البيع) كاشتراط الحطب أو تكسيره. (ولا يصح بيع العطاء قبل قبضه) لأن العطاء مغيب. فيكون من بيع الغرر. (وهو) أي العطاء (قسطه في الديوان. ولا) يصح (بيع رقعة به) أي العطاء. لأن المقصود بيع العطاء. لا هي (ولا) يصح (بيع معدن وحجارته) قال في شرح المنتهى: قبل حوزه، انتهى. وهذا واضح في ا لمعدن الجاري، لأنه لا يملك الأرض، بخلاف الجامد. فيصح بيعه كما تقدم قبل حوزه، لكن بشرط العلم به. فما هنا محمول على المعدن الجاري مطلقا. وعلى الجامد غير المعلوم.
192 (و) لا يصح (السلف فيه) أي في المعدن، نص عليه. لأنه لا يدرى ما فيه. فهو من بيع الغرر. (ولا) يصح (بيع الحصاة) لحديث أبي هريرة: أن النبي (ص) نهى عن بيع الحصاة رواه مسلم. (وهو) أي بيع الحصاة (أن يقول البائع: ارم هذه الحصاة. فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا. أو يقول: بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا. أو يقول: بعتك هذا بكذا، على أني متى رميت هذه الحصاة وجب البيع. وكلها) أي كل هذه الصور (فاسدة) لما تقدم. ولما فيها من الغرر والجهالة. (ولا) يصح (بيع عبد غير معين) إن لم يوصف بما يكفي في السلم. لما تقدم. (ولا) بيع (عبد) غير معين (من عبدين أو من عبيد) للجهالة. (ولا) بيع (شاة من قطيع. ولا) بيع (شجرة من بستان) لما في ذلك من الغرر والجهالة. (ولا) يصح: بعتك (هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين. ولا) بعتك (هذا القطيع إلا شاة غير معينة). ولا هذا البستان إلا شجرة مبهمة، لأنه (ص): نهى عن الثنيا إلا أن تعلم. قال الترمذي: حديث صحيح ولان ذلك غرر. ويفضي إلى التنازع. (ولو تساوت القيمة في ذلك) المذكور من العبيد والشياه والشجر (كله. وإن استثنى معينا من ذلك يعرفانه جاز) وصح البيع، والاستثناء، لأن المبيع معلوم بالمشاهدة. لكون المستثني معلوما. فانتفى المفسد. فصل: (وإن باعه قفيزا من هذه الصبرة وهي) أي الصبرة (الكومة المجموعة من طعام وغيره) سميت صبرة: لافراغ بعضها على بعض. ومنه
193 قيل فوق السحاب: صبر. ويقال صبرت المتاع إذا جمعته، وضممت بعضه إلى بعض. (صح) البيع (إن تساوت أجزاؤها وكانت) الصبرة (أكثر من قفيز) لأنه بيع مقدر معلوم في جملة. فصح (ك) - بيع (كلها) أي كل الصبرة (أو) بيع (جزء مشاع منها) كربعها أو ثلثها (سواء علما) أي المتعاقدان (مبلغ الصبرة) أي عدد قفزانها، (أو جهلاه) فيصح البيع. (للعلم بالمبيع في) المسألة (الأولى) وهي ما إذا باعه قفيزا من الصبرة (بالقدر. وفي) المسألة (الثانية) وهي ما إذا باعه جزءا مشاعا منها، (بالاجزاء) كالربع أو الثلث. (وكذا) يصح بيع (رطل من دن) زيت أو نحوه. (أو) رطل (من زبرة حديد ونحوه) لما تقدم (وإن تلفت) الصبرة أو الدن أو الزبرة (إلا) قفيزا أو رطلا (واحدا فهو المبيع). فيأخذه المشتري (ولو فرق قفزانها) أي الصبرة (وباع) قفيزا (واحدا مبهما) أو اثنين فأكثر مبهمين. (مع تساوي أجزائها صح) المبيع، لأنه لا يفضي إلى التنازع. (وإلا) بأن لم تتساو أجزاؤها بل اختلفت (فلا) يصح البيع في قفيز أو أكثر حتى يعينه. وكذا إن تزد على قفيز. (وإن قال: بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا جاز) وصح البيع. (لأنهما) أي القفيز والمكوك مكيالان (معلومان). واستثناء المعلوم صحيح. قال في حاشيته: القفيز ثمانية مكاكيك. والمكوك: صاع ونصف (وإن قال: بعتك هذه الصبرة بأربعة دراهم إلا بقدر درهم. صح) البيع (وصار كأنه قال: بعتك ثلاثة أرباع هذه الصبرة بأربعة دراهم) وذلك صحيح، لأنه لا جهالة فيه. (وإن قال) بعتك هذه الصبرة بأربعة دراهم. (إلا ما يساوي درهما لم يصح) البيع للجهالة بما يساوي درهما في الحال، بخلاف إلا بقدر درهم. إذ قدر الواحد من الأربعة معلوم أنه ربع (وإن اختلفت أجزاء الصبرة، كصبرة بقال القرية و) صبرة البقال (المحدر من قرية إلى قرية) أخرى (بجمع ما يبيع به من البر مثلا) المختلف الأوصاف (أو) من (الشعير المختلف الأوصاف، وباع قفيزا منها. لم يصح) البيع لعدم تساوي أجزائها المؤدي إلى الجهالة بالقفيز المبيع. (وإن باعه الصبرة إلا قفيزا) أو قفيزين (أو) باعه الصبرة (إلا أقفزة. لم يصح،
194 إن جهلا) أي المتعاقدان (قفزانها) لأن جهل قفزانها يؤدي إلى جهل ما يبقى المستثنى. (وإلا) بأن لم يجهلا، بل علما قفزانها (صح) البيع، للعلم بالمبيع والمستثنى. (واستثناء صاع من ثمرة بستان كاستثناء قفيز من صبرة) فلا يصح البيع إذا باعه الثمرة إلا قفيزا فأكثر من الجهل بآصعها لما تقدم. وكذا لو باعه الدن أو الزبرة أو رطلا أو الثوب إلا ذراعا. (ولو استثنى مشاعا من صبرة، أو) من ثمرة (حائط) أي بستان محوط باعهما. (كثلث أو ربع، أو ثلاثة أثمان. صح البيع والاستثناء) للعلم بالمبيع والثنيا. (وإن باعه ثمرة الشجرة إلا صاعا لم يصح) البيع لما تقدم. (ويصح بيع الصبرة جزافا مع جهلهما). أي جهل المتبايعين كيلها، اكتفاء برؤيتها. ويؤيده حديث ابن عمر: كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا. فنهانا رسول الله (ص) أن نبيعه، حتى ننقله من مكانه متفق عليه. (أو) مع (علمهما) أي علم المتبايعين مقدارها. لعدم المانع. (ومع علم بائع وحده) قدرها (يحرم) عليه بيعها جزافا لما روى الأوزاعي: أن النبي (ص) قال: من عرف مبلغ شئ فلا يبيعه جزافا حتى يعينه. ولما فيه من التغرير. (ويصح) العقد لأن المبيع معلوم بالمشاهدة. (ولمشتر) اشترى صبرة جزافا مع علم البائع وحده مقدارها (الرد) لأن كتم البائع قدرها غش وغرر. (وكذا) بيع الصبرة جزافا ونحوها مع (علم مشتر وحده) مقدارها يحرم ذلك على المشتري، لما تقدم في البائع، ويصح العقد. (ولبائع) وحده (الفسخ) لما تقدم في عكسه. (ولا يشترط) لصحة البيع (معرفة) أي رؤية (باطن الصبرة) المتساوية الاجزاء، اكتفاء برؤية ظاهرها لدلالته عليها. (ولا) يشترط أيضا (تساوي موضعها) أي موضع الصبرة، لأن معرفتها لا تتوقف عليه. (ولا يحل لبائعها) أي بائع الصبرة (أن يغشها بأن يجعلها على دكة أو ربوة أو حجر ينقصها، أو يجعل الردئ) منها في باطنها (أو المبلول) منها (في باطنها) كسائر أنواع الغش فيها. أو في
195 غيرها. لحديث: من غشنا ليس منا. (وإذا وجد) بالبناء للمفعول (ذلك) الغش، ولو بلا قصد من البائع أو غيره. (ولم يكن للمشتري به علم فله الخيار بين الفسخ وأخذ تفاوت ما بينهما) من الثمن، بأن تقوم غير مغشوشة بذلك، ثم تقوم مغشوشة به. ويؤخذ بقسط ما نقص من الثمن لأنه عيب. (وإن) باعه صبرة جزافا ف (- ظهر تحتها حفرة، أو) ظهر (باطنها خيرا من ظاهرها. فلا خيار للمشتري) لأن ذلك ينفعه ولا يضره. (وللبائع الخيار إن لم يعلم) بالحفرة، أو بأن باطنها خير من ظاهرها (كما لو باع بعشرين درهما فوزنها بصنجة ثم وجد الصنجة زائدة. كان له الرجوع) بالزيادة. (وكذا مكيال زائد) أي لو باع الصبرة بمكيال معهود، ثم وجد زائدا كان له الرجوع بالزيادة. (ولا يشترط) لصحة البيع (معرفة عدد رقيق وثياب ونحوهما) كأوان (إذا شاهده صبرة) اكتفاء بالرؤية. لحصول العلم بها (وكل ما تساوت أجزاؤه من حبوب وأدهان ومكيل وموزون ولو أثمانا. فحكمه حكم الصبرة فيما ذكر فيها) مما تقدم، لعدم الفرق. (وما لا تتساوى أجزاؤه كأرض وثوب ونحوهما) كسيف وسكين (فتكفي فيه الرؤية) لكل فرد منه. ولا يكتفي برؤية بعض الافراد عن بعض. لما تقدم (ولو قال: بعتك هذا الدار وأراه حدودها) صح البيع (أو) باعه (جزءا مشاعا منها كالثلث ونحوه) صح البيع (أو) باعه (عشرة أذرع) منها (وعين الطرفين) أي الابتداء والانتهاء. (صح) البيع لانتفاء المانع. وإن قال: بعتك نصيبي من هذه الدار وجهلاه، أو أحدهما، لم يصح. (وإن عين ابتداءها) أي العشرة أذرع مثلا (ولم يعين انتهاءها) أو بالعكس، (لم يصح) البيع (نصا) لأنه لا يعلم إلى أين ينتهي قياس العشرة. فيؤدي إلى الجهالة. (وكذا) لو باعه عشرة أذرع مثلا. (من ثوب) وعين ابتداءها دون انتهائها أو بالعكس. لم يصح البيع لما تقدم. (ومثله) أي مثل ما تقدم من بيع عشرة أذرع عين ابتداءها فقط في عدم الصحة. (بعني نصف
196 دارك التي تلي داري) على جعل (التي) صفة للنصف فكان الصواب تذكيره. كما في بعض النسخ والمنتهى وغيره، ويكون تعيينا، لابتداء النصف دون انتهائه. (قال) الامام (أحمد: لأنه) أي العاقد (لا يدري إلى أين ينتهي) النصف الذي يلي الدار. فيؤدي إلى الجهالة بالمبيع. (وإن قصد) بقوله: بعتك نصف داري التي تلي دارك (الإشاعة) في النصف، بأن اعتبر التي تلي دارك: نعتا للدار. وأبقى النصف في إطلاقه، فيكون مشاعا. (صح) البيع في النصف مشاعا، لعدم الجهالة. (وإن باعه أرضا) معلومة (إلا جريبا) تقدم مقداره في الأرضين المغنومة. (أو) باعه (جريبا من أرض) غير معين (وهما) أي المتعاقدان (يعلمان) عدد (جربانها، صح) البيع (وكان) الجريب (مشاعا فيها) أي الأرض للبائع في الأولى. وللمشتري في الثانية. (وإلا) بأن لم يعلما جربانها (لم يصح) البيع، لأنه ليس معينا ولا مشاعا. (وكذا الثوب) لو باعه إلا ذراعا أو باع ذراعا منه... فإن علما ذرعه صح، وإلا لم يصح لما تقدم. (وإن باعه أرضا من هنا إلى هنا صح) البيع لتعيى الابتداء والانتهاء لما تقدم. (وإن قال: بعتك من هذا الثوب من هذا الموضع إلى هذا) الموضع (صح) البيع للعلم بالمبيع. (فإن كان القطع لا ينقصه) أي الثوب قطعاه، (أو) كان (شرطه البائع) للمشتري (قطعاه). ولو نقصه إذن وفاء بالشرط (وإن كان) القطع (ينقصه) أي الثوب ولم يشترطاه، (وتشاحا) في القطع (صح) البيع. ولم يجبر البائع على قطع الثوب. (وكانا شريكين فيه) لان الضرر لا يزال بالضرر فإن تنازعا بيع وقسط الثمن على حقها. وكذا لو باعه خشبة بسقف، أو فصا بخاتم. (وإن باعه نصفا) أو نحوه (معينا من) نحو (حيوان) أو إناء أو سيف أو نحوه، (لم يصح) البيع (وتقدم بعضه. وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجلده وأطرافه صح) البيع والاستثناء. (سفرا وحضرا) لأنه (ص): لما خرج من مكة - أي مهاجرا - إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة فمروا براعي غنم فاشتريا منه شاة. وشرطا له سلبها رواه أبو الخطاب. ويلحق الحضر بالسفر. (وإن باع ذلك) أي الجلد والرأس والأطراف، (منفردا) أي مستقلا (لم
197 يصح) البيع، كبيع الصوف على الظهر. (والذي يظهر، أن المراد بعدم الصحة إذا لم تكن الشاة) أو نحوها (للمشتري. فإن كانت) الشاة أو نحوها (له. صح) بيع ذلك للمشتري. منفردا له. (كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها لمن الأصل له) هذا معنى كلامه في الانصاف. (فإن امتنع مشتر من ذبحه) أي ذبح المستثنى منه (لم يجبر) عليه (إذا أطلق العقد) بأن لم يشترط عليه البائع ذبحه، لأن الذبح ينقصه. (ولزمته) أي المشتري (قيمة المستثنى تقريبا) للبائع. وفي الفروع: يتوجه إن لم يذبحه أن للمشتري الفسخ. وإلا فقيمه. كما روي عن علي. قال في المبدع: ولعله مرادهم. وقوله للمشتري، قال ابن نصر الله: صوابه للبائع. (فإن شرط البائع) لحيوان دون رأسه وجلده وأطرافه (الذبح ليأخذ المستثنى. لزم المشتري الذبح) وفاء بالشرط، لأنه أدخل الضرر على نفسه. (و) لزمه (دفع المستثنى. قاله في شرح المحرر) هو كلام غيره (وللمشتري الفسخ لعيب يختص هذا المستثنى) بأن كان العيب بالرأس أو الجلد أو الأطراف. لأن الجسد كله يتألم لتألم شئ منه. (وإن استثنى حمله) أي حمل المبيع (من حيوان أو أمة) لم يصح البيع (أو) باعه حيوانا واستثنى (شحمه، أو) استثنى (رطلا من لحمه، أو) رطلا من (شحمه) لم يصح البيع بما يبقى. (أو باعه سمسما. واستثنى كسبه) لم يصح، لأنه قد باعه الشيرج في الحقيقة، وهو غير معلوم. فإنه غير معين ولا موصوف. (أو) استثنى (شيرجه، أو) باعه (قطنا) فيه حبه (واستثنى حبه، لم يصح) البيع لما تقدم (كبيع ذلك) المذكور من حمل، أو شحم، وما بعده (منفردا) فما لا يصح بيعه منفردا لا يصح استثناؤه إلا رأس مأكول وجلده وأطرافه. كما تقدم. (وكذا الطحال والكبد
198 ونحوهما) كالرئة والقلب. لا يصح بيعها مفردة ولا استثناؤها. (ولو استثنى جزءا مشاعا معلوما من) نحو (شاة، كربع. صح) البيع والاستثناء، للعلم بالمبيع. و (لا) يصح بيع نحو شاة إن استثنى (ربع لحمها) وحده. لأنه لا يصح بيعه منفردا بخلاف بيع ربعها. (ويصح بيع) أمة (حامل بحر. وتقدم) في آخر الشرط الثالث، (و) يصح (بيع حيوان مذبوح) كما قبل الذبح (و) يصح (بيع لحمه) أي لحم الحيوان المذبوح (في جلده. و) يصح (بيع جلده) أي جلد الحيوان المذبوح (وحده) أي دون لحمه وباقي أجزائه. (ولو عد ألف جوزة ووضعها في كيل) على قدرها (ثم فعل مثل ذلك بلا عد) بأن صار يملأ الكيل ويعتبر ملأه بألف (لم يصح) ذلك. بل لا بد من العد. لاختلاف الجوز كبرا وصغرا. (ويصح بيع ما مأكوله في جوفه كرمان وبيض وجوز ونحوها) من لوز وبندق، لأن الحاجة تدعو إلى ذلك ولكونه من مصلحته، ويفسد بإزالته. (و) يصح (بيع الباقلا والجوز واللوز ونحوه) كالحمص (في قشره مقطوعا. وفي شجره) لأن النبي (ص): نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. فدل على الجواز بعد بدو الصلاح، سواء كانت مستورة بغيرها أو لا. (و) يجوز بيع (الطلع قبل تشققه) إذا قطع من شجرته كاللوز في قشره (و) يصح (بيع الحب المشتد في سنبله مقطوعا وفي شجره) لأن النبي (ص) جعل الاشتداد غاية للبيع، وما بعد الغاية مخالف ما قبلها، فوجب زوال المنع، ويدخل الساتر من قشر وتبن تبعا. فإن استثنى القشر أو التبن. لم يصح البيع لأنه يصير كبيع النوى ويصح بيع التين دون الحب قبل تصفية الحب منه، لأنه معلوم بالمشاهدة كما لو باع القشر دون ما داخله، أو باع التمر دون نواه، قال في شرح المنتهى: وفيه نظر، لأن ما لا يصح بيعه مفردا لا يصح استثناؤه.
199 فصل: الشرط (السابع) من شروط البيع (أن يكون الثمن معلوما) للمتعاقدين (حال العقد) بما يعلم به المبيع مما تقدم من رؤية مقارنة أو متقدمة بزمن لا يتغير فيه الثمن ظاهرا، لجميعه أو بعضه الدال على بقيته، أو شم أو ذوق أو مس، أو وصف كاف على التفصيل السابق، لأن الثمن أحد العوضين. فاشترط العلم به كالمبيع. (ولو) كان الثمن (صبرة) من دراهم أو فلوس ونحوها وعلماها. (بمشاهدتها) كالمبيع (و) يصح البيع (بوزن صنجة لا يعلمان وزنها) كبعتك هذا بوزن الحجر فضة. ولا يعلمان وزنه. (و) يصح البيع (بما يسع هذا الكيل) وهما لا يعلمان ما يسع (ولو كان) ذلك (بموضع فيه كيل معروف) اكتفاء بالمشاهدة. (و) يصح البيع (بنفقة عبده) فلان، أو أمته فلانة (شهرا) أو زمنا معينا قل أو كثر، لأن ذلك له عرف يضبطه، بخلاف نفقة بعيره أو نحوه. وكذا حكم إجارة (فلو فسخ العقد) بنحو عيب (رجع) المشتري (بقيمة المبيع عند تعذر معرفة الثمن) بتلف الصبرة أو الصنجة أو الكيل المجهولين، وعدم ضبط نفقة العبد. وقلنا: يرجع بقيمة المبيع إذن، لأن الغالب أن الشئ يباع بقيمته. (ولو أسرا) أي المتعاقدان (ثمنا) بأن اتفقا سرا أن الثمن مائة مثلا. (بلا عقد ثم عقداه ب) - ثمن (آخر) كمائتين مثلا (فالثمن) هو (الأول) الذي أسراه بلا عقد. وهو المائة لأن المشتري إنما دخل عليه فقط فلم يلزمه الزائد. (وإن عقداه) أي المبيع (سرا بثمن) كعشرة (و) عقداه (علانية ب) - ثمن (آخر) أكثر منه كاثني عشر (أخذ) المشتري (ب) - الثمن (الأول) دون الزائد، كالتي قبلها وأولى. لأنه إذا أخذ بالأول فيما إذا اتفقا عليه بلا عقد. فأولى أن يؤخذ به فيما عقداه. وقال الحلواني: كنكاح. واقتصر عليه في الفروع. وفي التنقيح: الأظهر أن الثمن هو الثاني إن كان في مدة خيار. وإلا فالأول انتهى. وقال في المنتهى: إنه الأصح واستدل له في شرحه بما يأتي أن الزيادة في مدة
200 الخيارين في الثمن أو المثمن ملحقة بالعقد. ويجاب عنه: بأن الزيادة هناك مرادة، وهنا غير مرادة باطنا. وإنما أظهرت تجملا وكبيع في ذلك إجارة. (وإن باعه السلعة برقمها أي) مرقومها ( المكتوب عليها)، ولم يعلماه. لم يصح البيع. (أو) باعه السلعة (بما باع به فلان) أي بمثله (ولم يعلماه) أي الرقم أو ما باع به فلان (أو) لم يعلمه (أحدهما) لم يصح للجهالة. (أو) باعه السلعة (بألف درهم ذهبا وفضة) لم يصح. لأن مقدار كل واحد منهما من الألف مجهول. أشبه ما لو قال: بمائة بعضها ذهب. (أو أسقط لفظة: درهم) بأن قال: بعتك بألف ذهبا أو فضة. لم يصح البيع للجهالة. (أو) باعه (بما ينقطع به السعر) أي بما يقف عليه من غير زيادة، لم يصح للجهالة. وكذا لو قال: كما يبيع الناس، أي بما يقف عليه من غير زيادة. لم يصح للجهالة. (أو) باعه (بدينار مطلق) أي غير معين ولا موصوف. (وفي البلد نقود) مختلفة من الدنانير (كلها رائجة. لم يصح) البيع، لأن الثمن غير معلوم حال العقد. (وإن كان فيه) أي في البلد المعقود فيه (نقد واحد) صح البيع. وانصرف إليه، لأنه تعين بانفراده وعدم مشاركة غيره له. فلا جهالة. (أو) كان في البلد (نقود واحدها الغالب) رواجا (صح) البيع (وانصرف) الاطلاق (إليه) لدلالة القرينة الحالية على إرادته. فكأنه معين (وإن باعه) سلعة (بعشرة) دنانير (صحاحا أو أحد عشر مكسرة) لم يصح، ما لم يفترقا على أحدهما. (أو) باعه (بعشرة نقدا، أو عشرين نسيئة، لم يصح) البيع. لعدم الجزم بأحدهما وقد فسر جماعة حديث النهي عن بيعتين في بيعة: بذلك لما ذكر. (ما لم يتفرقا على أحدهما) فإن تفرقا على الصحاح أو المكسرة في الأولى، أو على النقد أو النسيئة في الثانية، صح، لانتفاء المانع بالتعيين، ولا يصح البيع أيضا إن جعل مع الثمن رطلا من خمر أو كلبا ونحوه. (ولا) يصح إن قال: اشتريت (بمائة على أن أرهن بها) أي بالمائة التي بها الثمن (وبالقرض الذي لك) أو نحوه مما له عليه من دين (هذا) الشئ لأن الثمن مجهول لكونه جعله مائة ومنفعة، وهي الوثيقة بالدين الأول. وتلك المنفعة مجهولة. ولأنه بمنزلة بيعتين في بيعة. لأنه باع بشرط أن يرهنه على الدين الأول. وكذا لو أقرضه بشرط أن يرهنه عليه وعلى دين له آخر كذا. فلا يصح القرض، لأنه شرط يجر نفعا. (وإن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم) صح البيع (و) إن باعه (القطيع كل شاة بدرهم) صح البيع، (و) إن باعه (الثوب كل ذراع بدرهم صح) البيع وإن لم يعلما قدر الصبرة والقطع والثوب. لأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم، لاشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا
201 تتعلق بالمتعاقدين، وهو الكيل والعد والذراع، و (لا) يصح البيع إن باعه (منها) أي من الصبرة (كل قفيز بدرهم ونحوه) أي ما ذكر، بأن باعه من القطيع كل شاة بدرهم، أو من الثوب كل ذراع بدرهم. فلا يصح لأن من للتبعيض، وكل للعدد، فيكون مجهولا. بخلاف ما لو أسقط من فإن المبيع الكل لا البعض. فانتفت الجهالة. (وإن قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزا أو أنقصك قفيزا. لم يصح) البيع للجهالة. (لأنه لا يدري أيزيده) القفيز (أم ينقصه) إياه، (ولو قال) بعتك هذه الصبرة (على أن أزيدك قفيزا لم يصح) البيع للجهل بالقفيز لأنه لم يعينه ولم يصفه. (وإن قال) بعتك هذه الصبرة (على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الأخرى، أو وصفه) أي القفيز ب (- صفة يعلم بها صح) البيع لانتفاء الجهالة. (وإن قال) بعتك هذه الصبرة (على أن أنقصك قفيزا. لم يصح) البيع، لأن معناه: بعتكها إلا قفيزا بدرهم وشئ مجهول. (وإن قال: بعتكها) أي الصبرة (كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الأخرى لم يصح) البيع. لافضائه إلى جهالة المثمن في التفصيل. لأنه باعه قفيزا وشيئا بدرهم، وهما لا يعرفانه لعدم معرفتهما بكمية ما في الصبرة من القفزان. (ولو قصد) البائع بقوله: على أن أزيدك قفيزا (أني أحط ثمن قفيز من الصبرة لا أحتسب به. لم يصح) البيع للجهالة المذكورة. (وإن علما قدر قفزانها) أي الصبرة صح البيع في الصورتين لانتفاء الجهالة (أو قال) البائع (هذه الصبرة عشرة أقفزة بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة، أو) على أن أزيدك قفيزا (ووصفه بصفة يعلم بها. صح) البيع، (لان معناه: بعتك كل قفيز وعشر قفيز بدرهم) ذلك معلوم لا جهالة فيه. (وإن لم يعلم القفيز) بأن لم يعينه ولم يصفه، لم يصح للجهالة. (أو جعله هبة) بأن قال: بعتك هذه الصبرة بكذا على أن أهبك قفيزا ولو عينه. (لم يصح) لأنه بيع بشرط آخر، وهو بيعتان في بيعة. على ما يأتي (وإن) علما أن الصبرة عشرة أقفزة، أو قال: هذه الصبرة عشرة أقفزة بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أنقصك قفيزا، و (أراد: أني لا أحتسب عليك بثمن قفيز منها. صح) البيع، لأن معناه بعتك
202 العشرة أقفزة بتسعة دراهم. وذلك معلوم. (وإن قال) بعتك هذه الصبرة وهما يعلمان أنها عشرة أقفزة بعشرة دراهم، (على أن أنقصك قفيزا) منها (صح) البيع (لأن معناه: بعتك تسعة أقفزة بعشرة دراهم) ولا خفاء في ذلك. (وما لا تتساوى أجزاؤه كأرض وثوب وقطيع غنم فيه نحو) أي شبه (من مسائل الصبرة) المتقدمة. فلو باعه الأرض كل جريب بكذا على أن يزيده جريبا أو ينقصه جريبا، لم يصح. وإن قال: على أن أزيدك جريبا. لم يصح حتى يعينه. فإن عينه صح، وإن قال: على أن أنقصك جريبا لم يصح إلا إن علما جربانها على منوال ما تقدم فيما يتأتى فيه ذلك إذ الوصف لا يأتي هنا. وكذا تمثل للثوب والقطيع وشجر البستان والأواني ونحوها. (وإن باعه) سلعة (بمائة درهم إلا دينارا) لم يصح البيع (أو) باعه بمائة درهم (إلا قفيزا من حنطة أو غيره) كشعير (لم يصح) البيع، لأنه قصد استثناء قيمة الدينار من المائة الدرهم، أو قيمة القفيز منها. وذلك غير معلوم. واستثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولا. وكذا لو باعه بدينار إلا درهما. (ويصح بيع دهن) كسمن وزيت وشيرج (وعسل وخل ونحوه) كلبن (في ظرفه معه) أي مع ظرفه (موازنة كل رطل بكذا سواء علما) أي المتعاقدان (مبلغ كل منهما) أي من الظرف والمظروف (أو لا) لأن المشتري رضي أن يشتري كل رطل بكذا من الظرف ومما فيه. وكل منهما يصح إفراده بالبيع. فصح الجمع بينهما. كالأرض المختلفة (وإن) باعه ما ذكر في ظرفه دونه، و (احتسب) بائع (بزنة الظرف على مشتر. وليس) الظرف (مبيعا وعلما) أي البائع والمشتري (مبلغ كل منهما) أي الظرف والمظروف، بأن علما أن السمن مثلا عشرة أرطال وأن ظرفه رطلان، وباعه السمن كل رطل بدرهم على أن يحتسب عليه بزنة الظرف (صح) البيع، وكأنه قال: بعتك العشرة أرطال التي في الظرف باثني عشر درهما. (وإلا) بأن لم يعلما مبلغ كل منهما. (فلا) البيع (لجهالة الثمن) في الحال (وإن باعه) ذلك (جزافا بظرفه) صح (أو) باعه إياه جزافا (دونه) أي دون ظرفه صح. (أو باعه إياه في ظرفه) موازنة (كل رطل بكذا على أن يطرح منه) أي من مبلغ وزنهما (وزن الظرف. صح) كأنه قال: بعتك ما في هذا الظرف كل رطل بكذا. (وإن اشترى) إنسان (زيتا أو سمنا في ظرف، فوجد فيه ربا) أو نحوه (صح البيع في الباقي) من الزيت أو السمن (بقسطه) من الثمن، كما لو اشترى صبرة على أنها عشرة أقفزة فبانت تسعة، (وله) أي للمشتري (الخيار) لتبعض الصفقة في حقه
203 (ولم يلزمه) أي البائع (بدل الرب) للمشتري، سواء كان عنده من جنس المبيع أو لم يكن. وإن تراضيا على البدل جاز. فصل: (في تفريق الصفقة) وهي المرة من صفق له بالبيعة والبيع ضرب بيده على يده وهي عقد البيع، لان المتبايعين يفعلان ذلك. ومعنى تفريقها: أي تفريق ما اشتراه في عقد واحد. (وهو أن يجمع بين ما يصح بيعه وما لا يصح) بيعه (صفقة واحدة بثمن واحد. وله) أي للجمع المذكور (ثلاث صور: أحدها باع معلوما ومجهولا تجهل قيمته) أي يتعذر علمه (فلا مطمع في معرفته. ولم يقل: كل منهما)، أي من المعلوم والمجهول (بكذا) وذلك (كقوله: بعتك هذه الفرس وما في بطن هذه الفرس الأخرى بكذا. فلا يصح) البيع فيهما، لأن المجهول لا يصح بيعه لجهالته. والمعلوم مجهول الثمن ولا سبيل إلى معرفته، لأن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما، والحمل لا يمكن تقويمه، فيتعذر التقسيط. (فإن لم يتعذر علمه) أي المجهول بل أمكن (أو قال: كل منهما) أي من المعلوم والمجهول تعذرت معرفته أولا. (بكذا صح) البيع (في المعلوم بقسطه) من الثمن بعد تقويمه وتقويم المجهول الذي لا يتعذر علمه، ليعلم قسط المعلوم (و) صح البيع (في قول: كل منهما بكذا بما سماه) للمعلوم من الثمن للعلم به. وهذا بخلاف: بعتك الفرس وحملها بكذا، فلا يصح. ولو بين ثمن كل منهما كما تقدم، لأن دخوله بالتبعية لا يتأتى بعد مقابلته بثمن. وإبطال البيع فيه دون أمه بمنزلة استثنائه، وهو مبطل للبيع كما تقدم هذا ما ظهر لي، والله أعلم. الصورة (الثانية) من صور تفريق الصفقة (باع مشاعا) أي جميع ما يملك منه جزءا مشاعا من شئ مشترك (بينه) أي بين البائع (وبين غيره بغير إذن شريكه. كعبد مشترك بينهما، أو) باع (ما ينقسم عليه الثمن، بالاجزاء كقفيزين متساويين لهما) أي للبائع وشريكه. (فيصح) البيع (في نصيبه بقسطه)
204 فإنه لا يلزم منه جهالة في الثمن لانقسامه هنا على الاجزاء. (وللمشتري الخيار) بين الرد والامساك (إذا لم يكن عالما) بأن المبيع مشترك بينه وبين غيره، لأن الشركة عيب. فإن كان عالما فلا خيار له. لاقدامه على الشراء مع العلم بالشركة، ولا خيار للبائع، لأنه بزوال ملكه عما يجوز بيعه بقسطه. أي (وله) أي للمشتري (الأرش إن أمسك) وليفسخ (فيما ينقصه التفريق) كزوج خف إحداهما له والأخرى لآخر باعهما. وكانت قيمتهما مجتمعتين ثمانية دراهم. وقيمة كل واحدة منفردة درهمين. فإذا اختار المشتري الامساك أخذها بنصف الثمن واسترجع من البائع ربعه. فتستقر معه بربع الثمن المعقود به، (ذكره في المغني وغيره في الضمان) وجزم به هنا في المنتهى وغيره. (ولو وقع العقد على شيئين يفتقر) البيع (إلى القبض فيهما) أي تتوقف صحة البيع على قبضهما صفقة، كمدبر ومد شعير بحمص. (فتلف أحدهما قبل قبضه) كما لو تلف البر في المثال المذكور. (فقال القاضي: للمشتري الخيار بين إمساك الباقي بحصته) أي قسطه من الثمن (وبين الفسخ) لأن حكم ما قبل القبض في كون المبيع من ضمان البائع حكم ما قبل العقد، بدليل أنه لو تعيب قبل قبضه لملك المشتري لفسخ به. الصورة (الثالثة) من صور تفريق الصفقة (باع) نحو (عبده وعبد غيره بغير إذنه) صفقة واحدة، (أو) باع (عبدا حرا) صفقة واحدة (أو) باع (خلا وخمرا صفقة واحدة. فيصح) البيع (في عبده) بقسطه دون عبد غيره، ودون الحر. (و) يصح (في الخل بقسطه) من الثمن، فيوزع (على قدر قيمة المبيعين) ليعلم ما يخص كلا منهما فيؤخذ ما يصح التصرف فيه بقسطه لأنه، الذي يقابله. ولا يبطل البيع في عبده ولا في الخل. لأنه يصح بيعه مفردا. فلم يبطل بانضمام غيره إليه. وظاهره: سواء كان عالما بالخمر ونحوه أو جاهلا (ويقدر الخمر) إذا بيع من الخل (خلا) ليقسط الثمن عليهما، (و) يقدر (الحر) إذا بيع معه القن (عبدا)، كذلك. (ولمشتر الخيار) بين الفسخ والامساك (إن جهل الحال وقت العقد) لتفرق الصفقة. (وإلا) بأن لم يجهل، بل علم الحال (فلا خيار له) لدخوله على بصيرة. (ولا
205 خيار للبائع) مطلقا لما تقدم. (وإن وقع العقد على مكيل أو موزون) بيع بالكيل أو الوزن، (فتلف بعضه قبل قبضه) انفسخ العقد في التالف، و (لم ينفسخ العقد في الباقي) منه (سواء كانا) أي التالف والباقي (من جنس واحد أو من جنسين ويأتي) ذلك (في الخيار في البيع) وأنه له الخيار. (وإن باع) نحو (عبده وعبد غيره بإذنه بثمن واحد صح) البيع لأن جملة الثمن معلومة. كما لو كانا لواحد. (ويقسط) الثمن (على قدر القيمة) أي قيمة العبدين. فيأخذ كل ما يقابل عبده (ومثله) أي مثل بيع عبده وعبد غيره بإذنه بثمن واحد. (بيع عبديه لاثنين بثمن واحد، لكل واحد منهما عبد) فيصح البيع، ويقسط الثمن على قيمة العبدين ويؤدي كل مشتر ما يقابل عبده (أو اشتراهما) أي العبدين (منهما) أي من اثنين، (أو من وكيلهما) شخص واحد بثمن واحد. فيصح ويقسطان الثمن على قيمة العبدين. ويأخذ كل ما يقابل عبده (أو كان لاثنين عبدان لكل واحد منهما عبد فباعاهما لرجلين بثمن واحد) فيصح البيع. ويقسط الثمن كما تقدم (ومثله) أي مثل البيع (الإجارة) فيما تقدم. فلو أجر داره ودار غيره بإذنه بأجرة واحدة. صحت، وقسطت الأجرة على الدارين. وكذا باقي الصور. قال الموفق والشارح وغيرهما: الحكم في الرهن والهبة وسائر العقود إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز كالحكم في البيع إلا أن الظاهر فيها الصحة أي ولو لم تصحح البيع لأنها ليست عقود معاوضة. فلا توجد جهالة العوض فيها. (ولو اشتبه عبده بعبد غيره. لم يصح بيع أحدهما قبل القرعة) قدمه في الرعاية الكبرى. وقيل: يصح إن أذن شريكه. وقيل: بل يبيعه وكيلهما أو أحدهما بإذن الآخر له. ويقسم الثمن بينهما بقيمة العبدين. قال القاضي في خلافه: هذا أجود ما يقال فيه. كما قلنا في زيت اختلط بزيت الآخر وأحدهما أجود من الآخر. (وإن جمع مع بيع إجارة) بأن باعه عبدا وآجره آخر بعوض واحد. قال القاضي: فإن قال بعتك داري هذه وأجرتكها شهرا بألف فالكل باطل، لأن من ملك الرقبة
206 ملك المنافع. فلا يصح أن يؤاجر منفعة ملكها عليه. قلت: وللصحة وجه بأن تكون مستثناة من البيع. قاله الشيخ التقي في شرح المحرر. (أو) جمع مع بيع (صرفا) بعوض واحد بأن باعه عبدا وصارفه مائة درهم بمائة دينار. قال الشيخ التقي في شرح المحرر: ولا بد أن يكون الثمن من غير جنس ما مع المبيع، مثل أن يبيعه ثوبا ودراهم بذهب. فإن كان من جنسه فهي مسألة عد عجوة، (أو) جمع مع بيع (خلعا) بعوض واحد، بأن قالت ابتعت منك عبدك واختلعت نفسي بمائة درهم، (أو) جمع مع بيع (نكاحا بعوض واحد) كبعتك عبدي وزوجتك أمتي بألف (صح) البيع وما معه (فيهن) أي في المسائل المذكورة، لأن اختلاف العقدين لا يمنع الصحة. (ويقسط الثمن على قيمتهما) أي قيمة المبيع وقيمة المنفعة. وهي أجرة المثل في الإجارة أو قيمة المبيع والمصروف في الصرف. (ومهر مثل في خلع ونكاح كقيمة) فيوزع العوض فيهما على قيمة المبيع ومهر المثل. ومتى اعتبر قبض لأحدهما لم يبطل الآخر بتأخره. تنبيه: قال في الاختيارات: وإذا جمع البائع بين عقدين مختلفي الحكم بعوضين متميزين. لم يكن للمشتري أن يقبل أحدهما بعوضه (وإن جمع بين كتابة وبيع، فكاتب عبده وباعه شيئا صفقة واحدة مثل أن يقول) لعبده (بعتك عبدي هذا وكاتبتك بمائة كل شهر عشرة. بطل البيع) لأنه باع ماله لعبده القن كما لو باعه من غير كتابة. (وصحت الكتابة بقسطها) لان البطلان وجد في المبيع فاختص به. فيقسط العوض على قيمتي العبدين، (كما تقدم). وإن باع عبده لزيد وكاتب عبدا آخر بعوض واحد صح وقسط العوض على قيمتي العبدين. فصل: (ويحرم) البيع والشراء (ولا يصح البيع ولا الشراء قليله وكثيره) قال في المبدع: حتى شرب الماء إلا
207 لحاجة كمضطر، (ممن تلزمه الجمعة. ولو كان) الذي تلزمه الجمعة (أحد العاقدين) والآخر لا تلزمه. (وكره) البيع والشراء (للآخر) الذي لا تلزمه، لما فيه من الإعانة على الاثم. (أو) كان (وجد أحد شقي البيع) من إيجاب أو قبول ممن تلزمه (بعد الشروع في ندائها) أي أذان الجمعة (الثاني الذي عند الخطبة) لقوله تعالى: * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) * فنهى عن البيع بعد النداء. وهو ظاهر في التحريم، لأنه يشغل عن الصلاة، ويكون ذريعة إلى فواتها أو فوات بعضها، فلم ينعقد. وخص النداء بالثاني الذي بين يدي المنبر، لأنه الذي كان على عهده (ص)، فتعلق الحكم به. وأما الأول فحدث في زمن عثمان. وقوله: ممن تلزمه، يحترز به عن المسافر والمقيم في قرية لا جمعة فيها عليهم، والعبد والمرأة ونحوهم. لأن غير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي. (قال المنقح: أو قبله) أي لا يصح البيع ولا الشراء ممن تلزمه الجمعة قبل ندائها (لمن منزله بعيد) إذا كان في وقت (بحيث إنه يدركها) أي يدرك الجمعة بعد النداء الثاني إذا سعى في ذلك الوقت، وما ذكره المنقح معنى كلام المستوعب. قال: ولا يصح البيع في وقت لزوم السعي إلى الجمعة، (فإن كان في البلد جامعان) فأكثر (تصح الجمعة فيهما) لسعة البلد ونحوها (فسبق نداء أحدهما) أي أحد الجامعين (لم يجز البيع قبل نداء) الجامع (الآخر. صححه في الفصول) لعموم الآية. (وتحرم الصناعات كلها) ممن تلزمه الجمعة بعد الشروع في النداء الثاني للجمعة، لأنها تشغل عن الصلاة وتكون ذريعة لفواتها. (ويستمر التحريم) أي تحريم البيع والصناعات من الشروع في الاذان الثاني، أو من الوقت الذي إذا سعى فيه أدركها من منزل بعيد (إلى انقضاء الصلاة)، أي صلاة الجمعة مما وجبت عليه. (ومحله) أي محل تحريم البيع والشراء إذن. (إن لم تكن ضرورة أو حاجة) فإن كانت لم يحرم (كمضطر إلى طعام أو شراب إذا وجده يباع) فاشتراه، (أو) ك (- عريان وجد سترة تباع، أو) كعادم ماء وجد (ماء للطهارة، وكذا) شراء (كفن ميت ومؤنة تجهيزه إذا خيف عليه الفساد بالتأخير. و) كذا (وجود أبيه ونحوه) كأمه وأخيه (يباع مع من لو تركه معه ذهب) به. (و) كذا (شراء مركوب لعاجز. و) كذا (ضرير لا يجد قائدا ونحوه) أي نحو ما ذكر من كل ما دعت إليه ضرورة أو حاجة (ووجد ذلك يباع) بعد النداء فله شراؤه دفعا لضرورته أو
208 حاجته. (وكذا) يحرم البيع والشراء على من تجب عليه الخمس المكتوبات، (لو تضايق وقت مكتوبة غيرها) أي غير الجمعة قبل فعلها. لأن ذلك الوقت تعين للمكتوبة. فإن كان الوقت متسعا لم يحرم البيع. قال في الانصاف: قلت ويحتمل أن يحرم إذا فاتته الجماعة بذلك وتعذر عليه جماعة أخرى حيث قلنا بوجوبها، انتهى. فإن لم يؤذن للجمعة حرم البيع إذا تضايق وقتها. (ولو أمضى) من وجبت عليه الجمعة بعد ندائها (بيع خيار أو فسخه صح) الامضاء أو الفسخ. (ك) - صحة (سائر العقود من النكاح والإجارة والصلح وغيرها). من القرض والرهن والضمان ونحوها، لأن النهي ورد في البيع وحده. وغيره لا يساويه لقلة وقوعه. فلا تكون إباحته ذريعة لفوات الجمعة. (وتحرم مساومة ومناداة ونحوهما مما يشغل) عن الجمعة بعد ندائها الثاني، (كالبيع) بعده. (ويكره) بعد النداء (شرب الماء بثمن حاضر أو في الذمة) مقتضى ما سبق: تحريمه كما تقدم عن المبدع، وخصوصا إذا كان في المسجد، إلا أن يقال: ليس هذا بيعا حقيقة، بل إباحة. ثم تقع الإثابة عليها. (ولا يصح بيع ما قصد به الحرام كعنب، و) ك (- عصير لمتخذهما خمرا) وكذا زبيب ونحوه. (ولو) كان بيع ذلك (لذمي) يتخذه خمرا، لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة. (ولا) بيع (سلاح ونحوه في فتنة، أو لأهل حرب، أو لقطاع طريق، إذا علم) البائع (ذلك) من مشتريه (ولو بقرائن) لقوله تعالى: * (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * (ويصح بيع السلاح لأهل العدل لقتال البغاة، و) قتال (قطاع الطريق) لأن ذلك معونة على البر والتقوى. (ولا يصح بيع مأكول ومشروب ومشموم لمن يشرب عليه مسكرا. ولا) بيع (أقداح ونحوها لمن يشربه) أي المسكر (بها. و) لا بيع (بيض وجوز ونحوهما لقمار، ولا بيع غلام وأمة لمن عرف بوطئ دبر، أو للغناء. وكذا إجارتهما) لأن ذلك كله إثم وعدوان. (ومن اتهم بغلامه فدبره وهو) أي المتهم (فاجر معلن) لفجوره (أحيل بينهما) أي بين الرجل وغلامه. خوفا من إتيانه له،
209 كما لو لم يدبره و (كمجوسي تسلم أخته) أو نحوها (ويخاف أن يأتيها) فيحال بينهما دفعا لذلك. (ولا يجوز شراء البيض والجوز الذي اكتسبوه من القمار، ولا أكله) لأنه لم ينتقل إلى ملك المكتسب. (ويصح البيع ممن قصد أ) ن (لا يسلم المبيع) لصدوره من أهله في محله. ويلزمه تسليمه (أو ثمنه) أي ويصح الشراء ممن قصد أن لا يسلم الثمن ويلزمه تسليمه. (ولا يصح بيع عبد مسلم لكافر) لأنه يمنع من استدامة الملك عليه. فمنع من ابتدائه كالنكاح. (ولو كان) الكافر (وكيلا لمسلم) في شراء العبد المسلم، لم يصح لأنه لا يصح أن يشتريه لنفسه. فلم يصح أن يتوكل فيه. (إلا أن يعتق) العبد المسلم (عليه) أي على الكافر المشتري له (بملكه) إياه لقرابة أو تعليق. فيصح الشراء، لأن ملكه لا يستقر عليه، ولأنه وسيلة إلى تحصيل حرية المسلم. (وإن أسلم عبد الذمي) أو عبد المستأمن بيده، أو بيد مشتريه، ثم رده عليه لنحو عيب (أجبر) الذمي (على إزالة ملكه عنه) أي عن العبد المسلم، بنحو بيع أو هبة عتق. لقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * و (لا تكفي كتابته) لأن الكتابة لا تزيل ملك السيد عنه، بل يبقى إلى الأداء. وكذا بيعه بشرط خيار لا يكفي، لعدم انقطاع ملكه عنه. (ويدخل العبد) أي الرقيق ذكرا كان أو أنثى (المسلم في ملك الكافر ابتداء بالإرث) من قريب أو مولى أو زوج، (و) ب (- استرجاعه بإفلاس المشتري) بأن اشترى كافر عبدا كافرا من كافر، ثم أسلم العد وأفلس المشتري وحجر عليه. ففسخ البائع البيع. (وإذا رجع في هبته لولده) بأن وهب الكافر عبده الكافر لولده. ثم أسلم العبد. ورجع الأب في هبته (وإذا رد عليه بعيب) أي باعه كافرا ثم أسلم وظهر به عيب فرده. وكذا لو رد بغبن أو تدليس أو خيار مجلس. (وإذا اشترى من يعتق عليه كما تقدم) قريبا (وإذا باعه بشرط الخيار مدة) معلومة (وأسلم العبد فيها) وفسخ البائع البيع (وإذا وجد) البائع (الثمن المعين معيبا فرده) أي الثمن واسترجع العبد (وكان قد أسلم العبد، فيما إذا ملكه الحربي) بأن استولى عليه من مسلم قهرا (وفيما إذا قال الكافر لشخص: أعتق عبدك المسلم عني وعلي ثمنه. ففعل) المسلم بأن أعتقه عنه (كما يأتي في باب الولاء) فهذه تسع
210 مسائل يدخل فيها العبد المسلم في ملك الكافر ابتداء، ويزاد عليها عاشرة، وهي إذا استولد الكافر أمة مسلمة لولده. ويدخل المصحف في ملك الكافر ابتداء. بالإرث ولرد عليه لنحو عيب وبالقهر، وذكره ابن رجب. (ويحرم سومه على سوم أخيه) أي على سوم المسلم (مع رضا البائع صريحا) لحديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: لا يسم الرجل على سوم أخيه رواه مسلم. (وهو) أي السوم الذي يحرم معه السوم من الثاني (أن يتساوما في غير) حال (المناداة) حتى يحصل الرضا من البائع (فأما المزايدة في المناداة فجائزة) إجماعا. فإن المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة (ويصح البيع) مع سومه على سوم أخيه لأن النهي إنما ورد عن السوم إذن، وهو خارج عن البيع. (وكذا سوم إجارة) يحرم بعد سوم أخيه والرضا له صريحا. وتصح الإجارة (وكذا استئجاره على إجارة أخيه في مدة خيار) مجلس أو شرط إذا كانت المدة لا تلي العقد كما يأتي، فيحرم ولا يصح. ولو أخر هذه عن الشراء على شراء أخيه كان أنسب، لأنها ملحقة بها (ويحرم ولا يصح بيعه على بيع أخيه زمن الخيارين) أي خيار المجلس وخيار الشرط. (وهو) أي بيعه على بيع أخيه (أن يقول) شخص (لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك خيرا منها بثمنها، أو أعطيك مثلها بتسعة. أو يعرض عليه سلعة يرغب فيها المشتري لينفسخ البيع ويعقد معه) فلا يصح البيع. لحديث ابن عمر يرفعه: لا يبع الرجل على بيع أخيه متفق عليه. والنهي يقتضي الفساد. وعلم من قوله: زمن الخيارين. أنه لو قال له ذلك بعد مضي الخيار ولزوم البيع، لا يحرم لعدم تمكن المشتري من الفسخ إذن، (و) يحرم، و (لا) يصح (شراؤه على شرائه، وهو أن يقول) زمن الخيارين (لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة ليفسخ) البيع (ويعقد معه)
211 قياسا على البيع، ولأن الشراء يسمى بيعا. فيدخل في عموم النهي. (وكذا اقتراضه على اقتراضه) بأن يعقد القرض معه، فيقول له آخر: أقرضني ذلك قبل تقبيضه للأول فيفسخه ويدفعه للثاني. (و) كذا (اتهابه على اتهابه. وكذا افتراضه - بالفاء - في الديوان) على افتراضه (و) كذا (طلبه العمل من الولايات) بعد طلب غيره (ونحو ذلك. وكذا المساقاة والمزارعة، والجعالة، ونحو ذلك) كلها كالبيع. فتحرم ولا تصح إذا سبقت للغير، قياسا على البيع. لما في ذلك من الايذاء (وكذا بيع حاضر لباد) بأن يكون سمسارا له، ولو رضي الناس فيحرم ولا يصح ( لبقاء المنهي عنه) لقول أنس: نهينا أن يبيع حاضر لباد، وإن كان أخاه لأبيه وأمه متفق عليه. والمعنى فيه: أنه لو ترك القادم يبيع سلعته اشتراها الناس منه برخص. فإذا تولى الحاضر بيعها لم يبعها إلا بغلاء فيحصل الضرر للناس. (بخمسة شروط) أحدها: (أن يحضر البادي، وهو) المقيم في البادية. والمراد هنا (من يدخل البلد من غير أهلها، ولو غير بدوي) لأنه متى لم يقدم إلى بلد آخر لم يكن باديا. (لبيع سلعته) متعلق بيحضر، لأنه إذا حضر لخزنها أو أكلها فقصده الحاضر وحضه على بيعها. كان توسعة لا تضييقا. الثاني: أن يريد بيعها (بسعر يومها) لأنه إذا قصد أن لا يبيعها رخيصة، كان المنع من جهته. لا من جهة الحاضر. الثالث: أن يكون (جاهلا بالسعر) لأنه إذا علمه لم يزده الحاضر على ما عنده. (و) الرابع: أن (يقصده حاضر عارف بالسعر) فإن قصده البادي لم يكن للحاضر أثر في عدم التوسعة - (و) الخامس: أن يكون (بالناس إليها حاجة) لأنهم إذا لم يكونوا محتاجين لم يوجد المعنى الذي نهى الشرع لأجله. (فإن اختل شرط منها) أي من هذه الشروط الخمسة (صح البيع) من الحاضر للبادي ولم يحرم. لما تقدم (ويصح شراؤه) أي شراء الحاضر (له) أي للبادي، لأن النهي إنما ورد عن البيع لمعنى يختص به. وهو الرفق بأهل الحضر، وهذا غير موجود في الشراء للبادي. (وإن أشار حاضر على باد ولم يباشر) الحاضر (له) أي للبادي (بيعا، لم يكره) ذلك لأن النهي كما تقدم إنما ورد في بيعه له. وهنا لم يبع له (وإن استشاره) أي استشار (البادي) الحاضر (وهو) أي البادي (جاهل
212 بالسعر. لزمه) أي الحاضر (بيانه له) أي للبادي (لوجوب النصح) لحديث: الدين النصيحة وإن لم يستشره ففي وجوب إعلامه إن اعتقد جهله به: نظر. بناء على أنه هل يتوقف وجوب النصح على استنصاحه؟ ويتوجه وجوبه. وكلا الأصحاب لا يخالفه. ذكره في الفروع. فصل: (ومن باع سلعة بنسيئة) أي بثمن مؤجل (أو بثمن) حال (لم يقبضه. صح) الشراء حيث لا مانع، (وحرم عليه) أي على بائعها (شراؤها. ولم يصح) منه شراؤها (نصا بنفسه أو بوكيله ب) - نقد من جنس الأول (أقل مما باعها) به (بنقد)، أي حال (أو نسيئة. ولو بعد حل أجله) أي أجل الثمن الأول، (نصا) نقله ابن القاسم وسندي. لما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية قالت: دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم على عائشة. فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء. ثم اشتريته منه بستمائة درهم نقدا. فقالت لها: بئس ما اشتريت. وبئس ما شريت. أبلغي زيدا: أن جهاده مع رسول الله (ص) بطل، إلا أن يتوب رواه أحمد وسعيد. ولا تقول مثل ذلك إلا توقيفا، ولأنه ذريعة إلى الربا ليستبيح بيع ألف بنحو خمسمائة إلى أجل. والذرائع معتبرة في الشرع، بدليل مع القاتل من الإرث. (إلا أن تتغير صفتها بما ينقصها) كعبد قطعت يده (أو يقبض ثمنها) بأن باع السلعة وقبض ثمنها، ثم اشتراها. فيصح لأنه لا توسل به إلى الربا. (وإن اشتراها أبوه أو ابنه ونحوهما) كغلامه أو مكاتبه، أو زوجته (ولا حيلة) جاز وصح، لأن كل واحد منهما كالأجنبي بالنسبة إلى الشراء. (أو اشتراها) بائعها (من غير مشتريها) كما لو اشتراها من وارثه أو ممن انتقلت إليه منه ببيع أو نحوه جاز لعدم المانع. (أو) اشتراها بائعها (بمثل الثمن) الأول (أو بنقد آخر غير الذي باعها به، أو اشتراها بعوض، أو باعها بعوض ثم اشتراها بنقد
213 صح) الشراء (ولم يحرم) لانتفاء الربا المتوسل إليه به. (وإن قصد بالعقد الأول) العقد (الثاني بطلا) أي العقدان (قاله الشيخ، وقال: هو قول أحمد وأبي حنيفة، ومالك. قال في الفروع: ويتوجه أنه مراد من أطلق)، لأن العلة التي من أجلها بطل الثاني، وهو كونه ذريعة للربا، موجودة إذن في الأول. (وهذه المسألة تسمى) مسألة (العينة) سميت بذلك (لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا) قال الشاعر: أندان أم نعتان أم يشتري لنا * فتى مثل نصل السيف ميزت مضاربه ومعنى نعتان نشتري عينة: كما وصفتا. وروى أبو داود عن ابن عمر: سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. (وعكسها) أي عكس مسألة العينة وهو أن يبيع السلعة أولا بنقد يقبضه، ثم يشتريها من مشتريها بأكثر من الأول من جنسه نسيئة، أو لم يقبض (مثلها) في الحكم، نقله حرب، لأنه يتخذ وسيلة إلى الربا. (قال الشيخ: ويحرم على صاحب الدين أن يمتنع من انتظار المعسر، حتى يقلب عليه الدين. ومتى قال) رب الدين (إما أتقلب) الدين (وإما أن تقوم معي إلى عند الحاكم، وخاف أن يحبسه الحاكم لعدم ثبوت إعساره عنده، وهو معسر، فقلب على الوجه. كانت هذه المعاملة حراما غير لازمة باتفاق المسلمين. فإن الغريم مكره عليها بغير حق. ومن نسب جواز القلب على المعسر بحيلة من الحيل إلى مذهب بعض الأئمة. فقد أخطأ في ذلك. وغلط. وإنما تنازع الناس في المعاملات الاختيارية مثل التورق والعينة، انتهى) كلام
214 الشيخ رحمه الله تعالى. وهو ظاهر (ولو احتاج) إنسان (إلى نقد، فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين، فلا بأس) بذلك. نص عليه. (وهي) أي هذه المسألة تسمى (مسألة التورق) من الورق وهو الفضة، لأن مشتري السلعة يبيع بها. (وإن باع) إنسان (ما يجري فيه الربا) كالمكيل والموزون بثمن (نسيئة ثم اشترى) منه أي من المشتري (بثمنه الذي في ذمته قبل قبضه من جنسه) أي جنس ما كان باعه، كما لو باعه برا بعشرة دراهم.. ثم اشترى منه بالدراهم برا. (أو) اشترى بالثمن قبل قبضه من غير جنس المبيع (ما لا يجوز بيعه به) أي بالمبيع (نسيئة) بأن اشترى بثمن المكيل مكيلا، أو بثمن الموزون موزونا (لم يجز) ذلك، ولم يصح حسما لمادة ربا النسيئة. روي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاوس، لأن بيع ذلك ذريعة إلى بيع الربوي بالربوي نسيئة. ويكون الثمن المعوض عنه بينهما كالمعدوم لأنه لا أثر له، بخلاف ما لو كان المبيع الأول حيوانا أو ثيابا (فإن اشتراه) أي اشترى الربوي (بثمن آخر وسلمه) أي الثمن (إليه) أي إلى البائع (ثم أخذه منه وفاء) عن ثمن الربوي الأول جاز (أو لم يسلمه) أي الثمن (إليه بل اشترى في ذمته وقاصه جاز) صرح به في المغني والشرح. ومعنى قاصه: أنه لما ثبت لأحدهما في ذمة الآخر مثل ماله عليه سقط عنه. ولا يحتاج بذلك لرضاهما ولا لقولهما، كما يأتي في محله. (ويحرم التسعير) على الناس، بل يبيعون أموالهم على ما يختارون. لحديث أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله (ص) فقالوا: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا. فقال: إن الله هو المسعر، القابض، الباسط الرزاق، إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي. وقال: حسن صحيح. (وهو) أي التسعير (أن يسعر الامام) أو نائبه (على الناس سعرا ويجبرهم على التبايع به) أي بما سعره (ويكره الشراء منه) عبارتهم: به، أي بما سعره (وإن هدد) المشتري (من خالف) التسعير (حرم) البيع (وبطل) لأن الوعيد إكراه (ويحرم
215 قوله) لبائع غير محتكر، (بع كالناس) لأنه إلزام له بما لا يلزمه (وأوجب الشيخ إلزامهم) أي الباعة (المعاوضة بثمن المثل. وأنه لا نزاع فيه، لأنه مصلحة عامة لحق الله تعالى. ولا تتم مصلحة الناس إلا بها كالجهاد. وكره) الامام (أحمد البيع والشراء من مكان ألزم الناس بهما) أي بالبيع والشراء (فيه، لا الشراء إلا ممن اشترى منه) أي ممن ألزم بالبيع في ذلك المكان. (ويحرم الاحتكار في قوت الآدمي فقط) لحديث أبي أمامة: أن النبي (ص) نهى أن يحتكر الطعام رواه الأثرم. وعنه (ص): الجالب مرزوق والمحتكر ملعون. (وهو) أي الاحتكار في القوت (أن يشتريه للتجارة ويحبسه ليقل فيغلو) وهو بالحرمين أشد تحريما. (ويصح الشراء) من المحتكر لأن النهي عنه هو الاحتكار. ولا تكره التجارة في الطعام إذا لم يرد الاحتكار. (ولا يحرم) الاحتكار (في الادام كالعسل والزيت ونحوهما. ولا) احتكار (علف البهائم)، لأن هذه الأشياء لا تعم الحاجة إليها. أشبهت الثياب والحيوان. (وفي الرعاية الكبرى وغيرها: أن من جلب شيئا أو استغله من ملكه، أو) استغله (مما استأجره، أو اشترى زمن الرخص، ولم يضيق على الناس إذن، أو اشتراه من بلد كبير، كبغداد والبصرة ونحوهما. فله حبسه حتى يغلو، وليس بمحتكر نصا. وترك ادخاره لذلك أولى. انتهى) قال في تصحيح الفروع بعد حكايته ذلك. قلت: إذا أراد بفعل ذلك وتأخيره مجرد الكسب فقط كره. وإن أراده للتكسب ونفع الناس عند الحاجة إليه لم يكره والله أعلم. (ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس) دفعا للضرر. (فإن أبى) أن يبيع ما احتكره من الطعام (وخيف التلف) بحبسه عن الناس (فرقه الامام) على المحتاجين إليه. (ويردون مثله) عند زوال الحاجة،
216 (وكذا سلاح) احتاجوا إليه. (ولا يكره) لاحد (ادخار قوت لأهله ودوابه سنة وسنتين نصا)، ولا ينوي التجارة. وروي أنه (ص): ادخر قوت أهله سنة. (وإذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة وأصابت الضرورة خلقا كثيرا، وكان عند بعض الناس قدر كفايته وكفاية عياله، لم يلزم بذله للمضطرين) لأن الضرر لا يزال بالضرر. (وليس لهم أخذه منه) لذلك (ويأتي آخر الأطعمة. ومن ضمن مكانا ليبيع فيه ويشتري وحده. كره الشراء منه بلا حاجة) إلى الشراء كجالس على طريق. (ويحرم عليه) أي على من ضمن مكانا ليبيع ويشتري فيه وحده، (أخذ زيادة) عن ثمن أو مثمن (بلا حق) قاله الشيخ تقي الدين (ويستحب الاشهاد في البيع) لقوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * والامر فيه للندب. لقوله تعالى: * (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته) * (إلا في قليل الخطر، كحوائج البقال والعطاء وشبهها) فلا يستحب للمشقة. (ويحرم البيع والشراء في المسجد) للمعتكف وغيره في القليل والكثير. (فإن فعل) بأن باع أو اشترى في المسجد، (فباطل وتقدم) ذلك (في الاعتكاف) موضحا. تتمة: قال أحمد: لا ينبغي أن يتمنى الغلا، وفي الرعاية: يكره. واختاره الشيخ تقي الدين. ويكره أن ينفق سلعته بالحلف. باب الشروط في البيع (وهي) أي الشروط (جمع شرط ومعناه) لغة: العلامة. واصطلاحا: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. والمراد به. (هنا إلزام أحد المتبايعين) العاقد (الآخر بسبب العقد) متعلق بإلزام (ما) أي شيئا (له) أي للملزم (فيه منفعة) أي غرض صحيح (ويعتبر لترتب الحكم عليه) أي على الشرط (مقارنته للعقد. قاله في الانتصار) وقال في الفروع: يتوجه كنكاح. ويأتي أن زمن الخيارين كحال العقد. (وهي) أي الشروط في
217 البيع (ضربان. الأول: صحيح لازم) ليس لمن اشترط عليه فكه (وهو ثلاثة أنواع أحدها: شرط مقتضى عقد البيع) بأن يشترط شيئا يطلبه البائع بحكم الشرع. (كالتقابض، وحلول الثمن، وتصرف كل واحد منهما) أي من المتبايعين (فيما يصير إليه) من ثمن أو مثمن (ونحوه) كرد بعيب قديم (فلا يؤثر ذكره) أي ذكر هذا النوع وهو ما يقتضيه العقد (فيه)، أي في العقد فوجوده كعدمه، لأنه بيان وتأكد لمقتضى العقد. النوع (الثاني) من الشروط الصحيحة (شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله أو بعضه أو) أي مصلحة تعود على المشترط (رهن معين) بالثمن، أو بعضه (ولو) كان الراهن (المبيع) فيصح اشتراط رهن المبيع على ثمنه. فلو قال: بعتك هذا على أن ترهنه على ثمنه، فقال: اشتريت ورهنتك. صح الشراء والرهن. (أو) اشتراط (ضمين معين به) أي بالثمن أو ببعضه (وليس له) أي البائع (طلبهما) أي طلب الرهن والضمين (بعد العقد) إن لم يكن اشترطهما فيه. ولو (لمصلحة) لأنه إلزام للمشتري بما لم يلزمه. (أو اشتراط) المشتري (صفة في البيع، ككون العبد كاتبا) أو فحلا (أو خصيا، أو ذا صنعة بعينها، أو مسلما، أو الأمة (تحيض، أو) اشتراط (الدابة هملاجة) بكسر الهاء. والهملجة: مشية سهلة في سرعة (أو) اشتراط الدابة (لبونا) أي ذات لبن (أو غزيرة اللبن، أو الفهد صيودا، أو الطير مصوتا أو يبيض، أو يجئ من مسافة معلومة، أو الأرض خراجها كذا. فيصح) الشرط في كل ما ذكر (لازما) لأن الرغبات تختلف باختلاف ذلك. فلو لم يصح اشتراط ذلك لفاتت الحكمة التي لأجلها شرع البيع. يؤيده: قول النبي (ص): المسلمون عند شروطهم (فإن وفى به) بأن حصل لمن اشترط شرطه. لزم البيع، (وإلا) بأن لم يحصل له شرطه (فله الفسخ) لفوات الشرط لما تقدم. لكن إذا شرط الأمة تحيض فلم تحض. قال ابن شهاب: فإن كانت صغيرة فليس بعيب، لأنه يرجى زواله، بخلاف الكبيرة (أو أرش فقد الصفة) يعني أن من فات شرطه يخير بين الفسخ وبين الامساك مع
218 أرش فقد الصفة التي شرطها، إلحاقا له بالعيب. قلت: يؤخذ منه: إن الأرش قسط ما بين قيمته بالصفة وقيمته مع عدمها من الثمن. (فإن تعذر) على المشترط رد) ما وجده فاقد الصفة (تعين) له (أرش) فقد الصفة، كالمعيب إذا تلف عند المشتري. ولم يرض بعينه. (وإن شرط) المشتري (أن الطير يوقظه للصلاة، أو) شرط (أن الدابة تحلب كل يوم كذا) أي قدرا معينا (أو) شرط (الكبش مناطحا، أو) شرط (الديك مناقرا، أو اشترط) المشتري (الغناء أو الزنا في الرقيق. لم يصح الشرط) لأنه إما لا يمكن الوفاء به، أو محرم. فهو ممنوع الوفاء شرعا (وإن شرط العبد كافرا) فبان مسلما. فلا فسخ له (أو) شرط (الأمة ثيبا كافرة، أو) شرط (أحدهما) أي أنها ثيب أو كافرة (فبانت أعلى) مما شرط (فلا فسخ له) لأنه زاده خيرا، كما لو شرط العبد كاتبا، فبان أيضا عالما. (كما لو شرطها سبطة فبانت جعدة، أو) شرطها (جاهلة فبانت عالمة) فلا فسخ له لما ذكر. (وإن شرطها) أي المبيعة (حاملا، ولو) كانت المبيعة (أمة. صح) الشرط لما تقدم (لكن إن ظهرت الأمة) التي شرطها حاملا (حائلا) لا حمل بها (فلا شئ) أي لا خيار (له) لان الحمل عيب في الإماء. (وإن شرط أنها لا تحمل، أو) أنها (تضع الولد في وقت بعينه: لم يصح) الشرط، لأنه لا يمكن الوفاء به. (وإن شرطها) أي المبيعة (حائلا فبانت حاملا، فله الفسخ في الأمة فقط لأنه) أي الحمل (عيب في الآدميات لا في غيرها) أي ليس عيبا في غير الآدميات. (زاد في الرعاية والحاوي: إن لم يضر باللحم) وجزم به في المنتهى في الصداق. (ويأتي في خيار العيب. ولو أخبره) أي المشتري (بائع بصفة) في المبيع يرغب فيها (فصدقه بلا شرط، فلا خيار له. ذكره أبو الخطاب) قال في الفروع: ويتوجه عكسه. النوع (الثالث: شرط بائع نفعا) مباحا (معلوما) غير وطئ ودواعيه (في المبيع كسكنى الدار) المبيعة (شهرا) أو أقل منه أو أكثر. (وكحملان البعير) أو نحوه (إلى موضع معلوم فيصح) لما روى جابر: أنه كان يسير على جمل قد أعيى، فضربه النبي (ص) فسار سيرا لم يسر مثله.
219 فقال: بعنيه. فبعته، واستثنيت حملانه إلى أهلي متفق عليه. يؤيده: أنه (ص): نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه معلومة. وأكثر ما فيه تأخير تسليمه مدة معلومة. فصح، كما لو باعه أمة مزوجة، أو دارا مؤجرة ونحوهما. و (كحبسه على ثمنه). وخبر: أنه (ص): نهى عن بيع وشرط أنكره أحمد. وقال: لا نعرفه مرويا في مسند. ونفقة المبيع المستثنى نفعة مدة الاستثناء: الذي يظهر أنها على البائع، لأنه مالك المنفعة، لا من جهة المشتري، كالعين الموصى بنفعها لا كالمؤجرة والمعارة. (لا وطئ الأمة) المبيعة (ودواعيه) أي دواعي الوطئ من قبلة ونحوها، فلا يصح استثناؤه. لأن ذلك لا يباح إلا بملك أو نكاح وقد انتفيا. (وله) أي للبائع (إجارة ما استثناه) من النفع (وإعارته لمن يقوم مقامه) كالعين المؤجرة لمستأجرها إجارتها وإعارتها. و (لا) يملك إجارتها أو إعارتها (لمن هو أكثر منه ضررا) كالمستأجر (وإن تلفت العين) المستثنى نفعها (قبل استيفاء بائع له) أي للنفع (بفعل مشتر أو تفريطه. لزمه) أي المشتري (أجرة مثله) أي فعل النفع المستثنى فيما بقي من المدة، لتفويته المنفعة المستحقة على مستحقها. (لا إن تلف) المبيع (بغير ذلك) أي بغير فعل المشتري وتفريطه، لأن البائع لم يملكها من جهته، فلم يلزمه عوضها له. قال في الاختيارات: وإذا شرط البائع نفع المبيع لغيره مدة معلومة. فمقتضى كلام أصحابنا: جوازه. فإنهم احتجوا بحديث أم سلمة: أنها أعتقت سفينة وشرطت عليه أن يخدم النبي (ص) ما عاش. واستثناء خدمة عبده في العتق كاستثنائها في البيع. (أو شرط مشتر نفع بائع في مبيع ك) اشتراطه عليه (حمل الحطب) للمبيع (أو تكسيره أو خياطة ثوب) مبيع (أو تفصيله، أو حصاد زرع) مبيع (أو جز رطة) مبيعة (ونحوه) كضرب قطعة حديد اشتراها منه سيفا أو نحوه (صح)
220 الشرط، لأن غايته أنه جمع بيعا وإجارة وهو صحيح. (إن كان) النفع (معلوما. ولزم البائع فعله) وفاء بالشرط. (فلو شرط) المشتري (الحمل إلى منزله، وهو) أي البائع (لا يعرفه) أي المنزل (لم يصح) الشرط كما لو استأجره لذلك ابتداء. قاله في شرح المنتهى. وظاهره صحة البيع. وعليه فيثبت له الخيار على ما يأتي في الشرط الفاسد غير المفسد. (وإن باع المشتري العين المستثنى نفعها) مدة معلومة (صح البيع. وتكون في يد المشتري الثاني مستثناة أيضا) كالدار المؤجرة إذا بيعت. (وإن كان) المشتري الثاني (عالما بذلك) أي بأنها مبيعة مستثنى نفعها (فلا خيار له، كمن اشترى أمة مزوجة. أو) اشترى (دارا مؤجرة) عالما بذلك (وإلا) بأن لم يكن عالما بذلك (فله الخيار) كمن اشترى أمة مزوجة لا يعلم ذلك. (وإن جمع) في بيع (بين شرطين ولو صحيحين) كحمل حطب وتكسيره، أو خياطة ثوب وتفصيله (لم يصح البيع) لحديث عبد الله بن عمر، عن النبي (ص) أنه قال: لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح (إلا أن يكونا) أي الشرطان المجموعان (من مقتضاه) أي مقتضى البيع. كاشتراط حلول الثمن مع تصرف كل منهما فيما يصير إليه. فإنه يصح بلا خلاف. (أو) إلا أن يكونا (من مصلحته) أي مصلحة العقد، وكاشتراط رهن وضمين معينين بالثمن فيصح كما لو كانا من مقتضاه. (ويصح تعليق فسخ بشرط) كالطلاق والعتق (ويأتي تعليق خلع بشرط) وأنه يصح، لأنه لما كان العوض شرطا لصحته ألحق بعقود المعاوضات. (وإن أراد المشتري أن يعطي البائع ما يقوم مقام المبيع) المستثناة منفعته (في المنفعة) المستثناة (أو يعوضه عنها لم يلزمه قبول). وله استيفاء المنفعة من عين المبيع لتعلق حقه به (وإن تراضيا على ذلك) أي على ما يقوم مقام المبيع في المنفعة أو على العوض عنها، (جاز) لأن الحق لهما لا يعدوهما. (وإن أقام البائع مقامه من يعمل العمل) المشترط عليه (فله ذلك، لأنه
221 بمنزلة الأجير المشترك. وإن أراد) البائع (بذل العوض عن ذلك) العمل (لم يلزم المشتري قبوله) وله طلبه بالعمل، لأنه ألزم نفس له به (وإن أراد المشتري أخذ العوض عنه) أي عن ذلك العمل، وأبى البائع (لم يلزم البائع بذله) لأنها معاوضة. فلا يجبر عليها من أباها منهما. (وإن تراضيا على ذلك جاز) لأن الحق لا يعدوهما (وإن تعذر العمل) المشروط (بتلف المبيع) المشروط عمله. كتلف حطب اشترط تكسيره قبله. رجع المشتري بأجرة ذلك. (أو استحق) نفع بائع بأن أجر نفسه إجارة خاصة، رجع المشتري بأجرة العمل. (أو) تعذر العمل (بموت البائع رجع المشتري بعوض ذلك) النفع المشروط عليه في البيع، لأن عقد البيع مع الشرط المذكور قد جمع بيعا وإجارة. وقد فات ما ورد عليه عقد الإجارة. فانفسخت كما لو استأجر أجيرا خاصا فمات. وإذا انفسخت الإجارة بعد قبض عوضها رجع المستأجر بعوض المنفعة. (وإن تعذر) العمل على البائع (بمرض أقيم مقامه من يعمل. والأجرة عليه) أي على البائع (كالإجارة) لما تقدم. فصل: (الضرب الثاني) من الشروط في البيع (فاسد يحرم اشتراطه. وهو ثلاثة أنواع: أحدها أن يشترط أحدهما على صاحبه عقدا آخر، كسلف) أي سلم (أو قرض أو بيع، أو إجارة أو شركة، أو صرف الثمن، أو) صرف (غيره) أو غير الثمن (ف) - اشتراط هذا الشرط (يبطل البيع. وهو بيعتان في بيعة، المنهي عنه) والنهي يقتضي الفساد. (قاله) الامام (أحمد) هكذا في المبدع
222 والانصاف وغيرهما. فقوله (وكذلك كل ما كان في معنى ذلك. مثل أن يقول) بعتك داري بكذا (على أن تزوجني ابنتك، أو على أن أزوجك ابنتي. وكذا على أن تنفق على عبدي أو دابتي، أو على حصتي من ذلك، قرضا أو مجانا) مقيس على كلام أحمد، وليس هو بقوله. قال ابن مسعود: صفقتان في صفقة: ربا ولأنه شرط عقدا في آخر، فلم يصح كنكاح الشغار. النوع (الثاني) من الشروط الفاسدة (شرط في العقد ما ينافي مقتضاه نحو أن يشترط أ) ن (لا خسارة عليه، أو) شرط أنه (متى نفق المبيع وإلا رده، أو) يشترط البائع على المشتري (أ) ن (لا يبيع) المبيع (ولا يهبه ولا يعتقه) أي لا يفعل واحدا من هذه. فالواو بمعنى أو. (أو) شرط البائع (إن أعتق) المشتري المبيع (فالولاء له) أي للبائع (أو يشترط) البائع على المشتري (أن يفعل ذلك، أو وقف المبيع فهذا) الشرط (لا يبطل البيع) لحديث عائشة قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية فأعينيني. فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم، ويكون ولاؤك لي فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها. فقالت لهم، فأبوا عليها. فجاءت من عندهم ورسول الله (ص) جالس. فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء. فسمع النبي (ص) فأخبرت عائشة النبي (ص) فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق، ففعلت عائشة. ثم قام النبي (ص) في الناس فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد، ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، ودين الله أوثق. وإنما الولاء لمن أعتق متفق عليه. فأبطل الشرط ولم يبطل العقد. وقوله (ص): واشترطي لهم الولاء لا يصح حمله على: واشترطي عليهم الولاء. بدليل أمرها به ولا يأمرها بفاسد. لأن الولاء لها بإعتاقها. فلا حاجة إلى اشتراطه. ولأنهم أبوا البيع
223 إلا أن تشترط لهم الولاء. فكيف يأمرها بما علم أنهم لا يقبلونه؟ وأما أمرها بذلك فليس بأمر على الحقيقة. وإنما هو صيغة أمر بمعنى التسوية. كقوله تعالى: * (اصبروا أو لا تصبروا) * التقدير: اشترطي لهم الولاء أو لا تشترطي: ولهذا قال عقبة: فإنما الولاء لمن أعتق. (والشرط باطل في نفسه) لما تقدم (إلا العتق. فيصح) أن يشترطه البائع على المشتري. لحديث بريرة (ويجبر) المشتري (عليه) أي على العتق (إن أباه، لأنه حق لله تعالى كالنذر، فإن امتنع) المشتري من عتقه (أعتقه حاكم عليه) لأنه عتق مستحق عليه. لكونه قربة التزمها كالنذر. وكما يطلق على المولى، وإن باعه المشتري بشرط العتق لم يصح. صححه الأزجي في نهايته. لأنه يتسلسل. ولان تعلق حق العتق الواجب عليه يمنع الصحة كما لو نذر عتق عبد. فإنه لا يصح بيعه. وافقه ابن رجب في قواعده. إن قلنا: الحق في العتق لله كالمنذور عتقه. وهذا هو الذي جزم به المصنف. (وإن شرط رهنا فاسدا كخمر ونحوه) كخنزير لم يصح الشرط. (أو) شرط (خيارا أو أجلا مجهولين) بأن باعه بشرط الخيار وأطلق أو إلى الحصاد ونحوه، أو بثمن مؤجل إلى الحصاد ونحوه. لم يصح الشرط. (أو) شرط (تأخير تسليم مبيع بلا انتفاع) به (لغا الشرط) لما تقدم (وصح البيع) كما تقدم. (ويأتي الرهن في بابه. وللذي فات غرضه) بفساد الشرط من بائع ومشتر (في الكل) أي كل ما تقدم من الشروط الفاسدة سواء (علم بفساد الشرط أو لا: الفسخ) أي فسخ البيع، لأنه لم يسلم له ما دخل عليه من الشرط. (أو أرش ما نقص من الثمن بإلغائه) أي بإلغاء الشرط (إن كان) المشترط (بائعا) فإذا باعه بأنقص من ثمنه، وشرط شرطا فاسدا. فله الخيار بين الفسخ وبين أخذ أرش النقص، لأنه إنما باع بنقص لما يحصل له من الغرض الذي اشترطه. فإذا لم يحصل غرضه رجع بالنقص. (أو ما زاد إن كان مشتريا) يعني إذا اشترى بزيادة على الثمن، وشرط شرطا فاسدا. فله الخيار بين الفسخ وأخذ ما زاد لما تقدم، النوع (الثالث) من الشروط الفاسدة (أن يشترط) البائع (شرطا يعلق البيع عليه. كقوله: بعتك إن جئتني بكذا أو) بعتك (إن رضي فلان) وكذا تعليق الشراء، كقبلت إن جاء زيد ونحوه. فلا يصح البيع، لأن مقتضى البيع نقل الملك حال التبايع، والشرط هنا يمنعه. (أو يقول) الراهن (للمرتهن: إن جئتك بحقك في محله) بكسر الحاء أي أجله (وإلا
224 فالرهن لك مبيعا بمالك) من الدين. (فلا يصح البيع) لقوله (ص): لا الرهن من صاحبه رواه الأثرم. وفسره أحمد بذلك. (إلا: بعت) إن شاء الله أ (وقبلت إن شاء الله. فيصح) كما تقدم. (وإلا بيع العربون وإجارته. فيصح) لما روى نافع بن عبد الحارث: أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان، فإن رضي عمر، وإلا له كذا وكذا ذكره في المبدع. (وهو) أي بيع العربون وإجارته (أن يشتري شيئا أو يستأجره ويعطي) المشتري (البائع أو المؤجر درهما أو أكثر) من الدرهم، أو أقل منه (من المسمى) صفة لدرهم. (ويقول) له (إن أخذته) أي أخذت المبيع أو المؤجر، وسواء عين وقتا لاخذه أو أطلق، صححه في الانصاف. (فهو) أي الدرهم (من الثمن) أو الأجرة (وإلا) أي وإن لم آخذه (فالدرهم لك) أيها البائع أو المؤجر. (فإن تم العقد فالدرهم من الثمن) أو الأجرة (وإلا) بأن لم يتم العقد (ف) - الدرهم (لبائع ومؤجر) كما شرطا، لما تقدم (وإن دفع) من يريد الشراء أو الإجارة (إليه) أي إلى رب السلعة (الدرهم) أو نحوه (قبل) عقد (البيع) أو الإجارة (وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري) أو لا نؤجرها لغيري. و (إن لم أشترها) أو أستأجرها (فالدرهم) أو نحوه (لك، ثم اشتراها) أو استأجرها (منه، وحسب الدرهم من الثمن) أو الأجرة (صح) ذلك. (وإن لم يشترها) أو يستأجرها (فلصاحب الدرهم الرجوع فيه) لان رب السلعة لو أخذه لاخذه بغير عوض. ولا يجوز جعله عوضا عن إنظاره. لان الانظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه. لو جازت لوجب أن يكون معلوم القدر كالإجارة. (ومن علق عتق رقبته ببيعه) فقال له: إن بعتك فأنت حر (ثم باعه عتق) عقب القول. لوجود الصفة (ولم ينتقل الملك) فيه لمشتر لما يأتي. (و) إن قال لزوجته (إن خلعتك فأنت طالق. ففعل) أي فخلعها (لم تطلق) لأن البائن لا يلحقها الطلاق، ويأتي
225 في الخلع. (وإن قال) مالك عبد (لزيد إن بعتك هذا العبد فهو حر. فقال زيد) له: (إن اشتريته منك فهو حر. ثم اشتراه) أي العبد زيد منه أو من وكيله (عتق) العبد (على البائع من ماله قبل القبول) ذكره في المستوعب والمغني والتلخيص وغيرها، وفيه نظر، كما قال ابن رجب. وقال القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب، وفي رؤوس المسائل وغيرهم: يعتق على البائع في حال انتقال الملك إلى المشتري، حيث يترتب على الايجاب والقبول انتقال الملك وثبوت العتق. فيدافعان، وينفذ العتق لقوته وسرايته. ولتقدم سببه، وهو التعليق، كالوصية من حيث إنها وصية، والانتقال إلى الورثة: يترتبان على الموت، وتقدم هي لتقدم سببها. كما أشار إليه الإمام أحمد في رواية الأثرم. قال ابن قندس في حواشي المحرر: وهذا هو الصواب، وأطال. فصل: (وإن قال) البائع إن (بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاثة) أيام (أو) إلى (مدة معلومة) أقل من ذلك أو أكثر. (وإلا فلا بيع بيننا. صح) البيع. وهو قول عمر، كشرط الخيار. (وينفسخ) البيع (إن لم يفعل) أي إن لم ينقده المشتري الثمن في المدة. (وهو) أي قوله: وإلا فلا بيع بيننا (تعليق فسخ) البيع (على شرط)، لأنه علقه على عدم نقد الثمن في المدة التي عينها وهو صحيح (كما تقدم) قريبا. (و) إن قال البائع (بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاثة أو أكثر. فإن لم تفعل فلي الفسخ) صح. وله الفسخ إن لم ينقده له فيها لما تقدم. (أو قال) المشتري (اشتريت على أن تسلمني المبيع إلى ثلاث. فإن لم تفعل فلي الفسخ. صح) البيع والشرط. (وله الفسخ إذا فات شرطه) لما تقدم (وإن باعه سلعة وشرط) عليه (البراءة من كل عيب) بها (أو) شرط عليه البراءة (من عيب
226 كذا إن كان) ذلك العيب بها (أو) باعه (بشرط البراءة من الحمل) إن كان (أو) باعه بشرط البراءة (مما يحدث بعد العقد، وقبل التسليم. فالشرط فاسد لا يبرأ) البائع (به سواء كان العيب ظاهرا أو لم يعلمه المشتري، أو) كان (باطنا). لما روي أن عبد الله بن عمر باع زيد بن ثابت عبدا بشرط البراءة بثمانمائة درهم. فأصاب زيد به عيبا. فأراد رده على ابن عمر، فلم يقبله، فترافعا إلى عثمان، فقال عثمان لابن عمر: تحلف أنك لم تعلم هذا العيب؟ قال: لا، فرده عليه. فباعه ابن عمر بألف درهم رواه أحمد، ولان خيار العيب إنما يثبت بعد البيع. فلا يسقط بإسقاطه قبله كالشفعة. (وكذا لو أبرأه) قبل البيع (من جرح لا يعلم غوره. ويصح العقد) للعلم بالمبيع (وإن سمي) البائع (العيب وأوقف) البائع (المشتري عليه، وأبرأه منه، برئ) لأنه قد علم بالعيب ورضي به. وكذا إن أسقطه بعد العقد، لأنه أسقطه بعد ثبوته له، والبراءة من المجهول صحيحة، (وإن باعه أرضا) على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر (أو) باعه (دارا) على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر، (أو) باعه (ثوبا على أنه عشرة أذرع فبان أكثر. فالبيع صحيح) لأن ذلك نقص على المشتري فلم يمنع صحة البيع كالعيب. (والزائد) عن العشرة (للبائع) لأنه لم يبعه له (مشاعا) في الأرض أو الدار أو الثوب لعدم تعينه. (ولكل منهما) أي من البائع والمشتري (الفسخ) دفعا لضرر الشركة. (إلا أن المشتري إذا أعطى الزائد مجانا) بلا عوض (فلا فسخ له) لأن البائع زاد خيرا. (وإن اتفقا على إمضائه) أي إمضاء البيع في الكل (لمشتر بعوض) للزائد (جاز)، لأن الحق لهما لا يعدوهما، كحالة الابتداء. (وإن بان) ما ذكر من الأرض أو الدار أو الثوب (أقل) من عشرة (فكذلك) أي فالبيع صحيح، لأن ذلك نقص حصل على البائع. فلم يمنع صحة البيع كما تقدم. (والنقص على البائع) لأنه التزمه بالبيع. (ولمشتر الفسخ) لنقص المبيع (وله إمضاء البيع بقسطه) أي المبيع (من الثمن برضا البائع) لأن الثمن يقسط على كل جزء من أجزاء المبيع. فإذا فات جزء استحق ما قابله من الثمن. (وإلا) بأن لم يرض البائع بأخذ المشتري له بقسطه (فله) أي للمشتري (الفسخ) دفعا لذلك الضرر. (وإن بذل
227 مشتر جميع الثمن لم يملك البائع الفسخ) لأنه لا ضرر عليه في ذلك. ولا يجبر أحدهما على المعارضة. (وإن اتفقا على تعويضه عنه جاز) لأن الحق لا يعدوهما (وإن باع صبرة على أنها عشرة أقفزة) أو زبرة حديد على أنها عشرة أرطال (فبانت أحد عشر. فالبيع صحيح) لصدوره من أهله في محله. (والزائد للبائع مشاعا) لما تقدم (ولا خيار للمشتري) لعدم الضرر. وكذا البائع (وإن بانت) الصبرة أو الزبرة (تسعة فالبيع صحيح) لما تقدم. (وينقص من الثمن بقدره) أي قدر نقص المبيع لما تقدم (ولا خيار له) أي للمشتري، بل ولا للبائع (أيضا) بخلاف الأرض ونحوها لذا ينقصه التفريق. (والمقبوض بعقد) بيع (فاسد، لا يملك به، ولا ينفذ تصرفه فيه) ببيع ولا غيره، لكن يأتي في النكاح أن العتق في بيع فاسد كالطلاق في نكاح فاسد. فينفذ لقوته وسرايته وتشوف الشارع إليه. ومحله إذا لم يحكم به من يراه. وإلا نفذ كما تقدم. (ويضمنه) أي يضمن المشتري المقبوض ببيع فاسد (كالغصب. ويلزمه) أي المشتري (رد لنماء المنفصل والمتصل، وأجرة مثله مدة بقائه في يده) انتفع به أو لا. (وإن نقص) بيده (ضمن نقصه. وإن تلف) أو أتلف (فعليه ضمانه بقيمته) يوم تلف ببلد قبضه فيه، إن كان متقوما وإلا فبمثله. (وإن كانت) المبيعة بعقد فاسد (أمة فوطئها) المشتري (فلا حد عليه) للشبهة بالاختلاف فيه. (وعليه مهر مثلها وأرش بكارتها) فلا يندرج في مهرها، بخف الحرة. (والولد حر) للشبهة (وعليه قيمته) لأنه فوته على مالكه باعتقاد الحرية (يوم وضعه)، لأنه أول أوقات إمكان تقويمه. (وإن سقط) الولد (ميتا) بغير جناية (لم يضمنه) كولد المغصوبة. (وعليه) أي على المشتري (ضمان نقص الولادة) لحصوله بيده العادية (وإن ملكها الواطئ) لها في العقد الفاسد بعد أن حملت منه فيه (لم تصر أم ولد) له بذلك الحمل، لأنه لم يكن مالكا لها إذ ذاك. (ويأتي) ذلك (في أواخر الخيار في البيع. و) يأتي في (الغصب) أيضا مفصلا.
228 باب الخيار في البيع والتصرف في المبيع قبل قبضه (وقبضه والإقالة) وما يتعلق بذلك. (الخيار: اسم مصدر اختار) يختار اختيارا، لا مصدره، لعدم جريانه على الفعل. (وهو) أي الخيار في بيع وغيره (طلب خير الامرين) وهما هنا: الفسخ والامضاء. (وهو) أي الخيار (على) ما هنا بحسب أسبابه (سبعة أقسام) وتقدم الثامن كما يأتي التنبيه عليه في كلامه. (أحدها: خيار المجلس) بكسر اللام، وأصله مكان الجلوس. والمراد هنا مكان التبايع على أي حال كانا. (فيثبت) خيار المجلس (ولو لم يشترطه) العاقد (في البيع) متعلق بيثبت. لحديث: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا متفق عليه. من حديث ابن عمر وحكيم بن حزام. وحمله على أنهما بالخيار قبل العقد: غير صحيح، لرواية إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار فجعل لهما الخيار بعد تبايعهما. (و) يثبت خيار المجلس (في الشركة فيه) أي فيما إذا أشركه في ملكه بالنصف ونحوه بقسطه من ثمنه المعلوم، كما يأتي، لأنها صورة من صور البيع بتخيير الثمن. (و) يثبت خيار المجلس (في الصلح على مال) عن دين أو عين أقر بهما. لأنه بيع كما يأتي في بابه. (و) يثبت خيار المجلس في (الإجارة على عين) كدار وحيوان (ولو كانت مدتها تلي العقد) بأن أجره الدار مثلا شهرا من الآن. (أو) كانت الإجارة على (نفع في الذمة) بأن استأجره لخياطة ثوب، أو بناء حائط ونحوه، لأن الإجارة نوع من البيع (و) يثبت خيار المجلس (في الهبة إذا شرط فيها) الواهب (عوضا معلوما) لأنها حينئذ بيع. وكون البيع وما بمعناه مما ذكر يثبت فيه خيار المجلس (بمعنى أنه يقع جائزا، سواء كان فيه) أي في البيع بصوره المذكورة (خيار شرط أم لا) فكل من العاقدين له إمضاء البيع وفسخه (غير كتابة)
229 فلا خيار فيها. لأنها وسيلة للعتق. (و) غير (تولي طرفي عقد بيع، و) تولي (طرفي عقد هبة بعوض) أو تولي طرفي صلح بمعنى بيع، وسائر صور البيع السابقة إذا تولى طرفيها واحد، لا خيار فيها. لانفراد العاقد بالعقد كالشفيع. (وغير قسمة إجبار) فلا خيار فيها (لأنها إفراز حق لا بيع) وخرج بقسمة الاجبار قسمة التراضي، فيثبت فيها خيار المجلس. كما في المنتهى وغيره. ويأتي في القسمة التنبيه على ما فيه (وغير شراء من يعتق عليه) لقرابة أو تعليق، كما لو باشر عتقه (قال المنقح: أو يعترف بحريته قبل الشراء) بأن أقر بأنه حر، أو شهد بذلك فردت شهادته، ثم اشتراه. لم يثبت له خيار المجلس، لأنه صار حرا باعترافه السابق. وشراؤه له افتداء كشراء الأسير. وليس شراء حقيقة. (ويثبت) خيار المجلس (فيما) أي في عقد بيع ما (قبضه شرط لصحته) أي صحة عقده (كصرف وسلم، وبيع مال الربا بجنسه) يعني بيع مكيل وموزون بموزون، ولو من غير جنسه. فالمراد بجنسه: المجانس له في الكيل أو الوزن فقط. (ولا يثبت) خيار المجلس (في بقية العقود والفسوخ كالمساقاة، والمزارعة، والحوالة، والإقالة، والاخذ بالشفعة، والجعالة، والشركة والوكالة، والمضاربة والعارية) والمسابقة (والهبة بغير عوض، والوديعة، والوصية قبل الموت) لأنه لا أثر لرد الموصى له. ولا لقبوله قبله، كما يأتي. (ولا في النكاح، والوقف، والخلع، والابراء، والعتق على مال، والرهن، والضمان والكفالة) والصلح عن نحو دم عمد، لأن ذلك كله ليس بيعا ولا في معناه. (ولكل من المتبايعين الخيار) أي خيار المجلس (ما لم يتفرقا بأبدانهما عرفا. ولو أقاما فيه) أي في المجلس (شهرا أو أكثر) من شهر. (ولو) أقاما (كرها) فهما على خيارهما لعدم التفرق. فإن تفرقا باختيارهما سقط خيارهما ولزم البيع لما تقدم من قوله (ص): ما لم يتفرقا (لا إن تفرقا كرها، ومعه) أي مع تفرقهما مكرهين (لا يسقط) خيارهما. (ويبقى الخيار) لهما (في) هذا الحال إلى أن يتفرقا من (مجلس زال الاكراه فيه) لأن فعل المكره لا يعتد به شرعا. (فإن أكره
230 أحدهما) وحده على التفرق (انقطع خيار صاحبه) لتفرقه باختياره. (ويبقى الخيار للمكره منهما في) حال تفرقه في (المجلس الذي زال فيه الاكراه حتى يتفرقا عنه) اختيارا لما تقدم. (فإن رأيا) أي المتبايعان وهما في مجلس التبايع (سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه أو حملهما) من مجلس التبايع (سيل، أو فرقتهما ريح، فكإكراه، قاله ابن عقيل). فيثبت لهما الخيار إلى أن يتفرقا من مجلس زال فيه ذلك. لأن فعل الملجأ غير منسوب إليه. (ومتى تم العقد وتفرقا) من مجلسه (لم يكن لواحد منهما الفسخ) للزوم البيع كما تقدم. (إلا بعيب أو خيار كخيار شرط أو غبن) أو تدليس أو نحوه (على ما يأتي) في الباب مفصلا. (أو بمخالفة شرط صحيح اشترط) وكذا فاسد لمن فات غرضه. كما تقدم في الباب قبله. (وإن تبايعا على أ) ن (لا خيار بينهما) فلا خيار لهما (أو قال البائع: بعتك على أ) ن (لا خيار بيننا. فقال المشتري: قبلت. ولم يزد على ذلك) فلا خيار لهما. (أو أسقطا الخيار بعده) أي بعد البيع (مثل أن يقول كل منهما بعد العقد: اخترت إمضاء العقد، أو التزامه سقط) خيارهما لقوله (ص): المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع عن خيار. فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع أي لزم، متفق عليه من حديث ابن عمر. والتخاير في ابتداء العقد وبعده في المجلس واحد (أو) تبايعا على (أ) ن ( لا خيار لأحدهما بمفرده أو أسقطه) أحدهما وحده. (أو قال لصاحبه: اختر. سقط) خياره لظاهر الخبر السابق (وبقي خيار صاحبه) لأنه خيار في البيع. فلم يبطل حق من لم يسقطه كخيار الشرط. (ويبطل خيارهما بموت أحدهما) لأنها أعظم الفرقتين. (و) يبطل خيارهما (بهربه) أي هرب أحدهما (من الآخر) لوجود التفرق. و (لا) يبطل خيارهما (بجنونه) أي جنون أحدهما. (وهو) أي المجنون (على خياره إذا أفاق) من جنونه. فلا خيار لوليه. قال في شرح المنتهى: على الأصح لأن الرغبة في المبيع أو عدمها لا تعلم إلا من جهته. (ولو خرس أحدهما قامت
231 إشارته) المفهومة (مقام نطقه) لدلالتها على ما يدل عليه نطقه. قلت: وكذا كتابته (فإن لم تفهم إشارته، أو جن، أو أغمي عليه) أي الأخرس (قام أبوه أو وصيه أو الحاكم مقامه) قاله في المغني والشرح، ولم يعلله. ولعله إلحاقا له بالسفيه. (ولو ألحقا) أي المتبايعان (بالعقد) أي عقد البيع (خيارا بعد لزومه) أي العقد (لم يلحق) الخيار به لما تقدم من أن محل المعتبر من الشروط صلب العقد. (والتفرق بأبدانهما عرفا يختلف باختلاف مواضع البيع. فإن كان) البيع (في فضاء واسع أو مسجد كبير، إن صححنا البيع فيه) والمذهب: لا يصح، وتقدم. (أو) في (سوق ف) - التفرق (بأن يمشي أحدهما مستدبرا لصاحبه خطوات) جمع خطوة. قال أبو الحارث: سئل أحمد عن تفرقة الأبدان؟ فقال: إذا أخذ هذا كذا وأخذ هذا كذا، فقد تفرقا. وقوله (بحيث لا يسمع كلامه المعتاد) قدمه في الكافي. وعلى ما قطع به ابن عقيل وقدمه في المغني والشرح والمبدع. وصححه في شرح المنتهى: لا يعتبر ذلك. وهو ظاهر المستوعب حيث لم يقيد بذلك. (و) إن كان البيع (في سفينة كبيرة) ف (- بأن يصعد
232 أحدهما إلى أعلاها. وينزل الآخر في أسفلها. و) إن كان البيع (في) سفينة (صغيرة) ف (- بأن يخرج أحدهما منها ويمشي. و) كان البيع (في دار كبيرة ذات مجالس وبيوت) فالتفرق (بخروجه) أي أحدهما (من بيت إلى بيت أو) من (مجلس) إلى آخر (أو) من (صفة) إلى محل آخر (ونحوه) أي نحو ذلك بأن يفارقه (بحيث يعد مفارقا له)، في العرف، لأن التفرق لم يحده الشرع. فرجع فيه إلى ما يعده الناس تفرقا. كالحرز (و) إن كان البيع (في) دار (صغيرة) فالتفريق (بأن يصعد أحدهما السطح، أو يخرج منها. وإن بنى بينهما) أي بين المتبايعين وهما (في المجلس: حائط من جدار، أو غيره، أو أرخيا بينهما سترا) في المجلس (أو ناما) فيه (أو قاما) منه (فمضيا جميعا ولم يتفرقا. فالخيار) باق (بحاله) لبقائهما بأبدانهما بمحل العقد. (و) إذا فارق أحدهما صاحبه لزم البيع (سواء قصد بالمفارقة لزوم البيع، أو) قصد (حاجة أخرى). روي عن ابن عمر: أنه سواء كان إذا اشترى شيئا يعجبه مشى خطوات ليلزم البيع. (لكن تحرم الفرقة) من أحدهما (بغير إذن صاحبه، خشية فسخ البيع) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي (ص) قال: البائع والمبتاع بالخيار، حتى يتفرقا، إلا أن يكون صفقة خيار. ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله رواه النسائي والأثرم والترمذي وحسنه. وما تقدم عن ابن عمر محمول على أنه لم يبلغه الحديث، ولو بلغه لما خالفه. فصل: القسم (الثاني) من أقسام الخيار (خيار الشرط. وهو أن يشترطا في العقد أو بعده) أي العقد (في زمن الخيارين) أي
233 خيار المجلس وخيار الشرط. و (لا) يصح إن اشترطاه (بعد لزومه) أي العقد (مدة معلومة) مفعول ليشترطا، فيصح الشرط. (فيثبت) الخيار (فيها) أي المدة المعلومة (وإن طالت) لعموم قوله (ص): المسلمون على شروطهم ولأنه حق مقدر يعتمد الشرط. فيرجع في تقديره إلى شرطه. (فلو كان المبيع) بشرط الخيار مدة معلومة (لا يبقى إلى مضيها، كطعام رطب بيع) أي باعه أحدهما بإذن الآخر أو الحاكم إن تشاحا. (وحفظ ثمنه) إلى انقضاء المدة، كرهنه على مؤجل (وإن شرطه) أي الخيار بائع (حيلة ليربح فيما أقرضه. حرم نصا) لأنه يتوصل به إلى قرض يجر نفعا (ولم يصح البيع) لئلا يتخذ ذريعة للربا. (فإن أراد أن يقرضه شيئا) وهو (يخاف أن يذهب) بما أقرضه له (فاشترى منه شيئا) بما أراد أن يقرضه له، (وجعل له الخيار) مدة معلومة (ولم يرد الحيلة) على الربح في القرض (فقال) الامام (أحمد: جائز. فإذا مات فلا خيار لورثته) يعني إذا لم يطالب به قبل موته. (وقوله) أي الامام: جائز (محمول على مبيع لا ينتفع به إلا بإتلافه) كنقد، وبر، ونحوهما (أو) محمول (على أن المشتري لا ينتفع بالمبيع مدة الخيار) لكونه بيد البائع مدته. (ف) - لا (يجر قرضه نفعا) فلا حيلة يتوصل بها إلى محرم (ولا يصح الخيار مجهولا لها مثل أن يشترطاه أبدا أو مدة مجهولة) بأن قالا: مدة أو زمنا، أو مدة نزول المطر ونحوه (أو) أجلاه (أجلا مجهولا. كقوله) بعتك ولك الخيار (متى شئت أو شاء زيد، أو قدم) زيد (أو هبت الريح، أو نزل المطر، أو قال أحدهما: لي الخيار ولم يذكر مدته، أو شرطا خيارا ولم يعينا مدته، أو) شرطاه (إلى الحصاد أو الجذاذ) ونحوه (فيلغو) الشرط (ويصح البيع) مع فساد الشرط. (وتقدم) ذلك (في الباب قبله) وأن لمن فات غرضه بسبب إلغاء الشرط الفسخ (وإن شرطه)
234 أي الخيار (إلى العطاء) وهو القسط من الديوان. (وأراد وقت العطاء وكان) وقت العطاء (معلوما صح) البيع والشرط، للعلم بأجله. (وإن أراد نفس العطاء) أي الوقت الذي يحصل فيه العطاء بالفعل، دون الوقت المعتاد له عادة (ف) - هو (مجهول) فيصح البيع ويلغو الشرط للجهالة. (ولا يثبت) خيار الشرط (إلا في بيع) غير ما يأتي استثناؤه (و) إلا في (صلح بمعناه) كما لو أقر له بدين أو عين وصالحه بمال بشرط الخيار أمدا معلوما، لأنه بيع. وكذا هبة بعوض معلوم. (و) كذا (إجارة في الذمة) بأن استأجره لخياطة ثوب أو بناء حائط بشرط الخيار. (أو) إجارة (على مدة لا تلي العقد) بأن أجره ربيع الثاني في الأول مثلا، بشرط الخيار أمدا ينقضي قبل دخول الثاني. فيصح لأن الإجارة نوع من البيع. و (لا) يثبت خيار الشرط في إجارة عين (إن وليته) أي وليت المدة العقد بأن أجره شهرا من الآن. فلا يصح شرط الخيار لأنه يفضي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها، أو إلى استيفائها في مدة الخيار. وكلاهما غير جائز. (ويثبت) خيار الشرط (في قسمة تراض) وهي ما فيها ضرر، أو رد عوض، لأنها نوع من البيع. و (لا) يثبت في قسمة (إجبار) لأنها إفراز حق لا بيع. (كما تقدم في خيار المجلس. وإن شرطاه) أي الخيار (إلى الغد لم يدخل) الغد (في المدة) لان إلى لانتهاء الغاية. وما بعدها يخالف ما قبلها. كقوله تعالى: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * (ويسقط) الخيار إذن (بأوله) أي أول الغد. وهو طلوع فجره (و) إن شرطاه (إلى الظهر، أو) شرطاه إلى (صلاة الظهر) صح لأنه معلوم. و (يسقط) الخيار (بأول وقتها) أي وقت صلاة الظهر. وهو الزوال (وإن شرطه) أي الخيار (إلى طلوع الشمس، أو إلى غروبها صح) الشرط. لأنه أمد معلوم (كتعليق طلاق وعتق عليهما) أي على غروب الشمس وطلوعها. (فإن شك في طلوعها، أو) شك في (غروبها بغيم ف) - الخيار باق (حتى يتيقن) الطلوع أو الغروب، لأن الأصل بقاؤه (وإن جعله) أي الخيار (إلى طلوعها) أي الشمس (من تحت السحاب) لم يصح (أو إلى غيبتها تحته) أي السحاب (لم يصح) شرط الخيار المذكور (لجهالته. ولا يثبت) خيار الشرط (في بيع القبض) لعوضيه، أو أحدهما (شرط لصحته، كصرف وسلم ونحوهما) كبيع مكيل بمكيل وموزون بموزون،
235 لأن موضوع هذه العقود على أن لا يبقى بين المتعاقدين علقة بعد التفرق. بدليل اشتراط القبض وثبوت خيار الشرط فيها يبقى بينهما علنا. فلا يصح شرطه فيها. (وإن شرطاه) أي الخيار (مدة) كعشرة أيام (على أن يثبت) الخيار (يوما. ولا يثبت يوما. صح في اليوم الأول) مكانه (فقط) أي فلا يصح فيما بعده، لأنه إذا لزم في اليوم الثاني لم يعد إلى الجواز. (وإن شرطاه) أي الخيار في العقد (مدة) معلومة (فابتداؤها من حين العقد) كأجل الثمن لا من حين التفرق. وإن شرطاه بعد العقد زمن الخيارين فابتداؤه من حين شرطه (وإن شرطاه) في العقد على أن يكون ابتداؤه (من حين التفرق لم يصح) الشرط (لجهالته) أي الأمد، إذ لا يدريان متى يتفرقان. (وإن شرطه) أي شرط أحد العاقدين الخيار (لزيد، ولم يقل) المشترط (دوني) صح (أو) شرطه العاقد (له ولزيد صح) الشرط. (وكان اشتراطا) للخيار (لنفسه، وتوكيلا لزيد فيه) لأن تصحيح الاشتراط ممكن. فوجب حمله عليه، صيانة لكلام المكلف عن الالغاء، وصار بمنزلة ما لو قال: أعتق عبدك عني. (ويكون لكل واحد من المشترط ووكيله الذي شرط له الخيار الفسخ) أي فسخ البيع مدة الخيار، لأن وكيل الشخص يقوم مقامه غائبا كان أو حاضرا (وإن قال) بشرط الخيار (له) أي لزيد (دوني لم يصح) الشرط، لأن الخيار شرع لتحصيل الحظ لكل واحد من المتعاقدين. فلا يصح جعله لمن لاحظ له فيه. (ولو كان المبيع عبدا) أو أمة (فشرط) أحد المتعاقدين (الخيار له صح) الشرط (سواء شرطه له البائع، أو المشتري) أو كل منهما. ويكون للمشترط أصالة، وللمبيع توكيلا منه، كما تقدم في الأجنبي. (وإن قال) بائع (بعتك) كذا أو قال مشتر: اشتريت منك كذا (على أن أستأمر فلانا) أي أستأذنه (وجد ذلك بوقت معلوم) كثلاثة أيام أو أكثر (صح) الشرط. كأنه قال: بشرط الخيار كذا (وله) أي للمشترط (الفسخ قبل أن يستأمر) فلانا لملك الخيار بالشرط. (وإن شرطه) أي الخيار (وكيل) في البيع (فهو) أي الخيار (لموكله) لان حقوق العقد متعلقة بالموكل (وإن شرطه) الوكيل (لنفسه ثبت) الخيار (لهما) أي للموكل، لأن حقوق العقد متعلقة به. ولوكيله لقيامه مقامه في البيع، وذلك من متعلقاته. (وإن شرطه)
236 الوكيل (لنفسه دون موكله) لم يصح الشرط. كما لو شرطه أحد المتعاقدين لأجنبي دونه. (أو) شرطه الوكيل (لأجنبي لم يصح) الشرط. وظاهره: ولو لم يقل دوني، لأن الوكيل ليس له أن يوكل في مثل ذلك. (وأما خيار المجلس فيختص) ب (- الوكيل) حيث لم يحضر الموكل لتعلقه بالمتعاقدين. (فإن حضر الموكل في المجلس وحجر) الموكل (على الوكيل في الخيار رجعت حقيقة الخيار إلى الموكل) لأن حقوق العقد متعلقة بالموكل. (وإن شرطا) أي المتعاقدان (الخيار لأحدهما) من بائع أم مشتر (أو) شرطاه (لهما، ولو متفاوتا) بأن شرطاه للبائع يوما وللمشتري يومين مثلا (صح) وكان على ما شرطا، لأنه حق لهما، جوز رفقا بهما. فكيفما تراضيا به جاز. (وإن اشترى شيئين) كعبد وأمة (وشرط الخيار في أحدهما بعينه) دون الآخر (صح) الشرط. لما تقدم (فإن فسخ فيه) أي في أحد المبيعين (البيع رجع بقسط) - ه (من الثمن) الذي وقع عليه العقد، لأن الثمن في مقابلة المبيع. فكل جزء منه في مقابلة جزء من المبيع كما تقدم. (وإن شرطاه) أي الخيار (في أحدهما) أي أحد المبيعين (لا بعينه) لم يصح. (أو) شرطا الخيار (لاحد المتعاقدين لا بعينه ف) - هو (مجهول لا يصح) شرطه للجهالة. (ولمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه) لأن الفسخ على حل عقد جعل إليه، فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه كالطلاق. (أطلقه الأصحاب وعنه) في رواية أبي طالب إنما يملك الفسخ (برد الثمن إن فسخ البائع وجزم به الشيخ كالشفيع، وقال) الشيخ: (وكذا التملكات القهرية كأخذ الغراس والبناء من المستعير والمستأجر) بعد انقضاء مدة الإجارة. (و) كأخذه (الزرع من الغاصب) إذا أدركه رب الأرض قبل حصاده، (قاله في الانصاف. وهذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه خصوصا في زمننا هذا، وقد كثرت الحيل) وهذا زمنه، فكيف بزمننا؟ (ويحتمل أن يحمل كلام من أطلق على ذلك، انتهى. وإن
237 مضت المدة ولم يفسخ) بالبناء للمفعول أي البيع (بطل خيارهما) إن كان الخيار لهما أو خيار أحدهما إن كان الخيار له وحده. (ولزم البيع) لأن اللزوم موجب البيع يختلف بالشرط، فإذا زالت مدته لزم العقد بموجبه لخلوه عن المعارض. (وينتقل الملك في المبيع زمن الخيارين) السابقين (إلى المشتري سواء كان الخيار لهما) أي المتعاقدين (أو لأحدهما) أيهما كان. لقوله عليه السلام: من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع رواه مسلم. فجعل المال للمبتاع باشتراطه وهو عام في كل بيع. فشمل بيع الخيار، ولان البيع تمليك بدليل صحته بقوله: ملكتك، فيثبت به الملك في بيع الخيار كسائر البيع يحققه. إن التمليك يدل على نقل الملك إلى المشتري ويقتضيه لفظه. ودعوى القصور فيه ممنوعة وجواز فسخه لا يوجب قصوره، ولا يمنع نقل الملك فيه كالمعيب وامتناع التصرف لأجل حق الغير لا يمنع ثبوت الملك كالمرهون. (فإن تلف) المبيع زمن الخيارين (أو نقص) بعيب (ولو قبل قبضه) فمن ضمان مشتر (إن لم يكن مكيلا ونحوه) كموزون ومعدود ومذروع بيع بذلك، (ولم يمنعه منه) أي لم يمنع المشتري من القبض (البائع أو كان) مبيعا بكيل أو وزن أو عد أو ذرع، (وقبضه مشتر) وتلف أو نقص زمن الخيارين (ف) - هو (من ضمانه) أي المشتري، لأنه ماله تلف بيده (ويبطل خياره) أي المشتري بتلف المبيع المضمون عليه لاستقرار الثمن بذلك في ذمته. وحيث قلنا ينتقل الملك للمشتري، (فيعتق) عليه (قريبه) كأبيه وأخيه إذا اشتراه بمجرد العقد زمن الخيارين وكذا من علق عتقه بشرائه أو اعترف بحريته ثم اشتراه، (وينفسخ نكاحه) أي إذا اشترى أحد الزوجين الآخر انفسخ النكاح بمجرد العقد زمن الخيارين، (ويخرج) المشتري (فطرته) أي المبيع إذا غربت الشمس آخر رمضان زمن الخيارين. (ويلزمه) أي المشتري (مؤنة الحيوان و) مؤنة (العبيد) بمجرد الشراء زمن الخيارين. (ولو باع نصابا من الماشية) السائمة (بشرط الخيار حولا زكاه المشتري) أمضي البيع أو فسخ لمضي الحول وهو في ملكه. وكذا لو كان النصاب من أثمان أو عروض
238 تجارة اشتراها بنية التجارة بشرط الخيار حولا، زكاها له المشتري فإن اشترى حبا أو ثمرة قبل بدو صلاحها وصح بأن كان مالك الأصل بشرط الخيار مدة، فبدا صلاحها فيها ثم فسخ العقد فهل زكاته على المشتري لأنه المالك وقت الوجوب أو لا، لعدم الاستقرار. لم أر من تعرض له؟ ويتوجه إن فسخ البائع فلا زكاة على المشتري كما لو تلف بغير فعله، وإن فسخ المشتري فعليه زكاته كما لو باعه. (ويحنث البائع إذا حلف أ) ن (لا يبيع) وباع بشرط الخيار. وكذا يحنث من حلف لا يشتري فاشترى بشرط الخيار، لوجود الصفة (ولو باع محل صيدا بشرط الخيار ثم أحرم) البائع (في مدته) أي الخيار (فليس له الفسخ) لأنه ابتداء تملك للصيد في حال الاحرام وهو غير جائز لما تقدم محظوراته، وتقدم هناك عكس المسألة. (ولو باع الملتقط اللقطة بعد الحول) وتعريفها فيه (ثم جاء ربها في مدة الخيار وجب) على الملتقط (فسخ البيع وردها إليه) أي إلى مالكها جزم به في الكافي. (ولو باعت الزوجة الصداق قبل الدخول بشرط الخيار ثم طلقها الزوج) في مدة الخيار ففي لزوم استردادها وجهان. قال في الانصاف: (فالأولى عدم لزوم استردادها) انتهى. ولعل وجهه أنه سلطها على ذلك بالعقد معها، بخلاف رب اللقطة مع الملتقط. فإنه لم يحصل بينهما عقد. (ولو تعيب) المبيع (في مدة الخيار لم يرد) المشتري المبيع (به) أي بالعيب المذكور، لأنه حدث في ملكه (إلا أن يكون) المبيع (غير مضمون على المشتري لانتفاء القبض) كالمبيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع فله رده بعيبه الحادث بعد العقد وقبل القبض ويأتي. (ولو باع أمة بشرط الخيار ثم فسخ البيع وجب على البائع الاستبراء) لتجدد ملكها لها (ولو استبرأها) أي الأمة المبيعة بشرط الخيار (المشتري في مدة خياره) أو خيار البائع أو خيارهما (كفاه) أي المشتري (ذلك) الاستبراء وإن كان في مدة الخيار لأنه في ملكه. (ولا يثبت) للشفيع (الاخذ بالشفعة في مدة الخيار) ولو قلنا بانتقال الملك للمشتري لقصوره ومنعه من التصرف فيه باختياره فلا يؤخذ منه حتى تمضي مدة الخيار. (ولو باع أحد الشريكين) في عقار (شقصا)
239 بكسر الشين أي نصيبا منه (بشرط الخيار فباع الشفيع حصته في مدة الخيار استحق المشتري الأول انتزاع) ال (- شقص المبيع) ثانيا من (يد مشتريه، لأنه) أي المشتري الأول (شريك الشفيع حال بيعه). وظاهره: سواء أمضى البيع الأول أو فسخ لأن المعتبر كونه شريكا حال البيع وقد وجد ذلك. وأما البائع فلا شفعة له على المشتري الأول لبيعه بعد علمه بشرائه كما يأتي في الشفعة. (وينتقل) الملك في (الثمن المعين) إلى البائع (و) ينتقل الملك في الثمن (المقبوض إلى البائع زمن الخيار) ين لما تقدم عنه في انتقال المبيع إلى المشتري. (فما حصل في المبيع من كسب أو أجرة أو نماء منفصل ولو من عينه) أي عين المبيع (كثمرة وولد ولبن ولو) حصل ذلك (في يد بائع قبل قبضه) المشتري المبيع. (وهو) أي النماء المنفصل والكسب من المبيع قبل قبضه (أمانة عنده) أي عند البائع، فلا يضمنه للمشتري إن تلف بغير تعد ولا تفريط. ولو كان المبيع نفسه مضمونا قبل قبضه (فلمشتر) جواب: فما حصل أو خبره. أي نماء المبيع زمن الخيارين وكسبه للمشتري (أمضيا) أي العاقدان (العقد أو فسخاه) لأن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ لا من أصله كما يأتي. (والنماء المتصل) كالسمن وتعلم الصنعة (تابع للمبيع) في الفسخ فيرد معه، (والحمل الموجود وقت العقد مبيع) لا نماء. (فإذا) اشترى حاملا و (ولد) بالبناء للمفعول أي الحمل (في مدة الخيار ثم ردها) المشتري (على البائع) بخيار الشرط (لزم رده) لأن تفريق المبيع ضرر على البائع وإن ردها بعيب ردها بقسطها كما في المنتهى، كمن اشترى شيئين فوجد أحدهما معيبا، إلا أن تكون أمة فيرد معها ولدها ويأخذ قيمته. فصل: (ويحرم تصرفهما) أي البائع والمشتري (في مدة الخيارين في ثمن معين أو) في ثمن (كان في الذمة ثم
240 صار إلى البائع)، لأنه ليس ملكا للمشتري فيتصرف فيه ولم تنقطع علقه عنه، فيتصرف فيه البائع (و) يحرم تصرفهما في مدة الخيارين (في ثمن) معين أو غير معين، ثم صار إلى المشتري لما تقدم (سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما) أيهما كان (أو لغيرهما)، إن لم يشترط للغير وحده وإلا ففاسد كما تقدم، (إلا إذا كان الخيار للمشتري وحده وتصرف في المبيع) فينفذ تصرفه وبطل خياره، وكذا لو كان الخيار لبائع وتصرف في الثمن نفذ تصرفه وبطل خياره كالتي قبلها، (وإلا) ب (- ما تحصل به تجربة المبيع) فلا يحرم (كركوب الدابة لينظر سيرها و) ك (- حلب الشاة ليعلم قدر لبنها و) ك (- الطحن على الرحى) ليعلم كيف طحنها (ونحو ذلك) مما تحصل به تجربة المبيع، (وإن كان الثمن في الذمة وتصرف البائع فيه) زمن الخيارين (بحوالة) عليه (أو مقاصة) بأن قاصص به المشتري مما له عليه (لم يصح) تصرفه فيه حذرا من إبطال حق المشتري لكن يأت أن المقاصة لا تتوقف على رضاهما. (فإن تصرف المشتري) في المبيع (ببيع أو هبة أو نحوها) كوقف (والخيار له وحده) جملة حالية من الفاعل (نفذ تصرفه وسقط خياره) لأن ذلك دليل رضاه وإمضائه للبيع، وكذا تصرف بائع في الثمن إن كان الخيار له وحده، (وكذا إن كان) الخيار (لهما) أي للبائع والمشتري وتصرف المشتري بالعتق نفذ تصرفه وبطل الخيار، (أو) كان الخيار (للبائع وحده وتصرف بالعتق) المشتري نفذ تصرفه وبطل الخيار (كما يأتي)، وكذا إن كان الثمن عبدا وتصرف بالعتق فيه البائع بالعتق، (أو تصرف) المشتري في المبيع ببيع أو غيره زمن الخيارين (بإذن البائع أو معه) بأن باعه السلعة التي كان اشتراها منه بشرط الخيار لهما أو لأحدهما، فيصح ويكون إمضاء للبيع منهما. و (لا) ينفذ تصرف المشتري في المبيع (مع أجنبي) بأن باعه له زمن الخيارين (بلا إذنه)، أي إذن البائع لما تقدم إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده، وتقدم. (وإن تصرف البائع) في المبيع (لم ينفذ تصرفه ولو) كان (عتقا) لانتقال الملك عنه للمشتري (سواء كان الخيار له) أي للبائع (وحده أو لا) بأن كان للمشتري وحده أولهما، (إلا) إذا تصرف البائع في المبيع (بإذن مشتر) فيصح، (ويكون) إذن المشتري للبائع في التصرف (توكيلا للبائع) في التصرف،
241 لأن الوكالة تنعقد بكل ما أدى معناها. (و) يكون تصرف البائع بإذن المشتري في المبيع (مسقطا) لخياره و (لخيار المشتري) كتصرف المشتري، كتصرف المشتري بإذن البائع (ووكيلهما)، أي وكيل البائع والمشتري (مثلهما) في جميع ما تقدم، لأن فعل الوكيل كفعل موكله. (وإذا لم ينفذ تصرفهما) بأن تصرف أحدهما بغير إذن الآخر، (فتصرف مشتر) ببيع ونحوه مبطل لخياره، وإن لم ينفذ تصرفه، لأنه دليل على رضاه. (ووطؤه) الأمة المبيعة بشرط الخيار (وقبلته) لها (ولمسه) إياها (لشهوة، وسومه) المبيع (إمضاء) للبيع (وإبطال لخياره) لما تقدم. (ومتى بطل خياره بتصرفه) أو وطئه ونحوه عما ذكر (فخيار البائع باق بحاله) لعدم ما يبطله، (إلا أن يكون) المشتري (تصرف بإذن البائع)، أو معه (فيسقط) خياره أيضا لما تقدم، (وتصرف بائع) في المبيع (ليس فسخا) للبيع، وتصرفه في الثمن إمضاء للبيع وإبطال للخيار. (وإن استخدم المشتري) العبد (المبيع ولو بغير استعلام لم يبطل خياره) لأن الخدمة لا تخص الملك فلم تبطل الخيار كالنظر. (وكذلك إن قبلته الجارية المبيعة ولو لشهوة ولم يمنعها أو استدخلت ذكره) أي المشتري (وهو نائم ولم تحبل) لم يسقط خياره، (كما لو قبلت البائع، وإن أعتقه) أي المبيع (المشتري نفذ عتقه) لقوته وسرايته. (وبطل خيارهما) لأن المشتري تصرف بما يقتضي اللزوم وهو العتق. (وإن تلف المبيع قبل القبض وكان) المبيع (مكيلا) بيع بكيل (ونحوه)، كالمبيع بوزن أو عد أو ذرع (بطل البيع) لما يأتي. (وبطل معه الخيار) أي خيار المجلس والشرط سواء كان لهما أو لأحدهما، لأن التالف لا يتأتى عليه الفسخ. (وإن كان) تلف المبيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع (بعده)، أي بعد القبض فهو من ضمان المشتري وبطل الخيار. (أو) كان التلف قبله أو بعده (فيما عدا مكيل ونحوه بطل أيضا خيارهما) لما تقدم من أن التالف لا يتأتى عليه فسخ. (وأما ضمان ذلك وعدمه فيأتي آخر الباب) مفصلا، (ووقف المبيع) زمن الخيارين (كبيع) فلا ينفذ من أحدهما إلا بإذن الآخر. (وإن وطئ المشتري الجارية) زمن الخيارين (فأحبلها صارت أم ولد له) لأنه صادف محله. أشبه ما لو
242 أحبلها بعد مدة الخيار. وفي سقوط خيار البائع بإحبال المشتري الجارية روايتان، فعلى عدم سقوط خياره إذا فسخ له قيمتها لتعذر الفسخ فيها ذكره في شرح المنتهى. قلت قياس ما سبق في العتق وتلف المبيع سقوط خياره. (وولده) أي ولد المشتري (حر ثابت النسب) لأنه من مملوكته ولا تلزمه قيمته. (وإن وطئها) أي المبيعة (البائع) زمن الخيارين (فعليه الحد) لأن وطأه لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك. (إن علم زوال ملكه) عن الجارية بالعقد، (و) علم (تحريم وطئه نصا) زاد في المقنع والمنتهى تبعا لبعض الأصحاب: إذا علم أن البيع لا ينفسخ بوطئه فإن اعتقد أنه ينفسخ بوطئه فلا حد عليه لتمكن الشبهة. وقال أكثر الأصحاب عليه الحد إذا كان عالما بالتحريم وهو المنصوص عن أحمد في رواية مهنا، وهو اختيار أبي بكر وابن حامد والأكثرين. قاله في القواعد الفقهية ذكره في الانصاف. (وولده) أي ولد البائع من المبيعة إذا وطئها زمن الخيارين (رقيق لا يلحقه نسبه) لأنه وطئ في ملك الغير. (وعليه المهر ولا تصير أم ولد له) لأنه وطئها في غير ملكه. (وقيل: لا حد عليه) أي على البائع بوطئه المبيعة إذن مطلقا لأن وطأه صادف ملكا أو شبهة ملك للاختلاف في بقاء ملكه. (اختاره جماعة) منهم الموفق والشارح والمجد في محرره، والناظم وصاحب الحاوي. قال في الانصاف وهو الصواب. (وإن لم يعلم) البائع زوال ملكه وتحريم وطئه (لحقه النسب وولده حر) للشبهة، (وعليه قيمته) أي الولد للمشتري لأنه فوته عليه باعتقاده الإباحة. وتعتبر القيمة (يوم ولادته) لأنه أول وقت يتأتى فيه تقويمه. (ولا بأس بنقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار) سواء كان خيار مجلس أو شرط، (لكن لا يجوز التصرف) لواحد منهما (غير ما تقدم) تفصيله (ويأتي في الباب آخر الخيار السابق لذلك تتمة. ومن مات
243 منهما) أي البائع والمشتري (بطل خياره وحده ولم يورث) لأنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة، (إن لم يكن طالب به قبل موته فإن طالب به قبله ورث كشفعة وحد قذف) قال أحمد: الموت يبطل به ثلاثة أشياء الشفعة والحد إذا مات المقذوف والخيار إذا مات الذي اشترط الخيار. لم تكن للورثة هذه الثلاثة أشياء إنما هي بالطلب فإذا لم يطلب فليس يجب إلا أن يشهد: إني على حق من كذا وكذا. وإني قد طلبته. فإن مات بعده كان لوارثه الطلب به ولا يشترط ذلك في إرث خيار غير خيار الشرط، (وإن جن) من اشترط الخيار (أو أغمي عليه قام وليه مقامه) لخيار المجلس وفيه ما تقدم. وأيضا فالمغمى عليه لا تثبت عليه الولاية لاحد. (وإن خرس فلم تفهم إشارته ف) - هو (كمجنون) على ما تقدم. وإن فهمت إشارته قامت مقام نطقه. (وإن مات) أحدهما (في خيار المجلس بطل خياره وخيار صاحبه كما تقدم ولم يورث) خيار المجلس. فصل: القسم (الثالث) من أقسام الخيار (خيار الغبن) بسكون الباء مصدر غبنه من باب ضرب إذا خدعه، (ويثبت) خيار الغبن (في ثلاث صور. إحداها إذا تلقى الركبان وهم) جمع راكب وهو في الأصل راكب البعير ثم اتسع فيه، فألق على كل راكب والمراد بهم هنا (القادمون من السفر بجلوبة، وهي ما يجلب للبيع، وإن كانوا مشاة) قال في الرعاية يكره تلقي الركبان، وقيل يحرم وهو أولى. (ولو) كان تلقيهم (بغير قصد التلقي) لهم، (واشترى منهم أو باعهم، شيئا فلهم الخيار إذا هبطوا السوق وعلموا أنهم قد غبنوا غبنا يخرج عن العادة) لقوله عليه السلام: لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار رواه مسلم من حديث أبي هريرة. وثبوت
244 الخيار لا يكون إلا في صحيح. والنهي لا يرجع لمعنى في البيع، وإنما لضرب من الخديعة يمكن استدراكه بالخيار. أشبه المصراة (الثانية: في النجش وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها) من نجشت الصيد إذا أثرته، كأن الناجش يثير كثرة الثمن بنجشه. (وهو) أي النجش (حرام لما فيه من تغرير المشتري وخديعته)، فهو في معنى الغش، (ويثبت له) أي للمشتري بالنجش (الخيار إذا غبن الغبن المذكور) كالصورة الأولى. قال في المبدع: وظاهره أنه لا بد من حذق الذي زاد فيها، لأن تغرير المشتري لا يحصل إلا بذلك. وأن يكون المشتري جاهلا. فلو كان عارفا واغتر بذلك. فلا خيار له لعجلته وعدم تأمله. (ولو) كانت زيادة من لا يريد شراء (بغير مواطأة من البائع) لمن يزيد فيها (أو) كان البائع (زاد) في الثمن (بنفسه)، والمشتري لا يعلم ذلك، لوجود التغرير (فيخير) المشتري (بين رد) المبيع (وإمساك) - ه، (قال ابن رجب في شرح) الأربعين (النواوية: ويحط ما غبن به من الثمن) أي يسقط عنه، ويرجع به إن كان دفعه (ذكره الأصحاب. قال المنقح: ولم نره لغيره. وهو قياس خيار العيب والتدليس، على قول. انتهى) كلام المنقح. (اختاره) أي القول في التدليس (جمع) منهم أبو بكر في التنبيه، وصاحب المبهج والتلخيص والترغيب والبلغة والرعاية الصغرى. والحاوي الصغير وتذكرة ابن عبدوس. (ومن النجش) قول بائع سلعة: (أعطيت فيها كذا، وهو كاذب) فيثبت للمشتري الخيار لتغريره. وكذا: لو أخبر أنه اشترى السلعة بكذا وهو زائد عما اشتراها به، فلا يبطل البيع. وللمشتري الخيار على الصحيح ذكره في الانصاف: (الثالثة: المسترسل وهو) اسم فاعل من استرسل، إذا اطمأن واستأنس. والمراد هنا (الجاهل بالقيمة من بائع ومشتر
245 ولا يحسن بماكس فله الخيار إذا غبن الغبن المذكور)، أي الذي يخرج عن العادة. لأنه حصل لجهله الخيار فثبت له الخيار كما ثبت. (ويقبل قوله مع يمينه أنه جاهل بالقيمة) لأنه الأصل (ما لم تكن قرينة تكذبه) في دعوى الجهل فلا تقبل منه. وقال ابن نصر الله: الأظهر احتياجه، يعني في دعوى الجهل بالقيمة إلى بينة، لأنه ليس مما تتعذر إقامة البينة به. (وأما من له خبرة بسعر المبيع، ويدخل على بصيرة بالغبن، ومن غبن لاستعجاله في البيع، ولو توقف) فيه (ولم يستعجل لم يغبن، فلا خيار لهما) لعدم التغرير. (وكذا إجارة) يثبت فيها خيار الغبن إذا جهل أجرة المثل، ولم يحسن المماسكة فيها. (فإن فسخ) المغبون (في أثنائها) أي أثناء مدة الإجارة (كان الفسخ رافعا للعقد من أصله)، وسيأتي أن الفسخ رافع للعقد من حين الفسخ، لا من أصله. (ويرجع المؤجر) إن كان هو الفاسخ (على المستأجر بالقسط من أجرة المثل، لا) بالقسط (من المسمى) في الإجارة، لأنه لو رجع عليه بذلك، لم يستدرك ظلامة الغبن، لأنه يلحقه فيما يلزمه من ذلك لمدته. ويفارق ما لو ظهر على عيب في الإجارة، ففسخ أنه يرجع عليه بقسطه من المسمى، لأنه يستدرك ظلامته بذلك، لأنه يرجع بقسطه منها معيبا، فيرتفع عنه الضرر بذلك قال المجد: نقلته من خط القاضي. على ظهر الجزء الثلاثين من تعليقه. (وإن كان) المؤجر (قبض الأجرة) من المستأجر، ثم فسخ (رجع عليه) أي على المؤجر (مستأجر بالقسط من المسمى من الأجرة في المستقبل) الباقي من مدة الإجارة، (و) رجع عليه أيضا (بما زاد من أجرة المثل في الماضي، إن كان هو المغبون. وإن كان) المغبون هو (المؤجر، ف) - إنه يرجع (بما نقص عن أجرة المثل في الماضي) لما تقدم، (والغبن محرم) لأنه تغرير وغش (والعقد صحيح فيهن) أي في الصور الثلاث. ما تقدم في تلقي الركبان. (وغبن أحد الزوجين في مهر مثل) بأن تزوجها، بأقل منه، أو أكثر، (لا فسخ فيه) للمغبون (فليس كبيع) لأن المهر ليس ركنا فيه (ويحرم) على بائع (تغرير مشتر. بأن يسومه كثيرا، ليبذل قريبا منه) لأنه في معنى الغش. (ذكره الشيخ.
246 وهو) أي خيار الغبن (كخيار العيب، في الفورية وعدمها) ويأتي أنه على التراخي. لا يسقط إلا بما يدل على رضاه. (ومن قال عند العقد: لا خلابة) بكسر الخاء (أي لا خديعة) ومنه قولهم، إذا لم تغلب، فاخلب (فله الخيار إذا خلب) أي غبن (نصا) لما روي: أن رجلا ذكر للنبي (ص): أنه يخدع في البيع فقال له: إذا بايعت، فقل لا خلابة متفق عليه. وللامام جعل علامة تنفي الغبن عمن يغبن كثيرا. فصل: القسم (الرابع) من أقسام الخيار (خيار التدليس) من الدلسة وهي الظلمة، (فعله) أي التدليس (حرام للغرور والعقد) معه (صحيح) لحديث المصراة الآتي، حيث جعل له الخيار. وهو يدل على صحة البيع. (ولا أرش فيه) أي في خيار التدليس. بل إذا أمسك فمجانا. لأن الشارع، لم يجعل فيه أرشا (في غير الكتمان)، أي كتمان العيب ويأتي حكمه. (وهو) أي التدليس (ضربان، أحدهما: كتمان العيب. والثاني: فعل يزيد به الثمن) وهو المراد هنا. (وإن لم يكن عيبا، كتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده، وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها) للبيع، ليزيد دورانها بإرسال الماء بعد حبسه. فيظن المشتري أن ذلك عادتها، فيزيد في الثمن. (وتحسين وجه الصبرة، وتصنع النساج وجه الثوب، وصقال الإسكاف وجه المتاع) الذي يداس فيه (ونحوه. وجمع اللبن في ضرع بهيمة الأنعام) أو غيرها (وهو) أي جمع
247 اللبن في الضرع (التصرية) مصدر صري يصري كعلي يعلي، ويقال صرى يصري، كرمى يرمي. قال البخاري: أصل التصرية حبس الماء، والضرع لذوات الظلف والخف كالثدي للمرأة وجمعه ضروع كفلس وفلوس قاله في حاشيته. (فهذا) المذكور من التدليس (يثبت للمشتري خيار للرد إن لم يعلم به، أو الامساك) لحديث أبي هريرة يرفعه: لا تصروا الإبل والغنم. فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها. إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر. متفق عليه. وغير التصرية من التدليس ملحق بها. (وكذا لو حصل ذلك) التدليس (من غير قصد) البائع (كحمرة وجه الجارية بخجل، أو تعب ونحوهما) لأن عدم القصد، لا أثر له في إزالة ضرر المشتري. (ولا يثبت) الخيار (بتسويد كف عبد و) تسويد (ثوبه ليظن أنه كاتب أو حداد) لتقصير المشتري. إذ كما يحتمل أن يكون كذلك، يحتمل أن يكون غلاما لأحدهما (ولا) خيار (بعلف شاة أو غيرها ليظن أنها حامل) لأن كبر البطن يتعين للحمل (ولا) خيار (بتدليس ما لم يختلف به الثمن كتبييض الشعر وتبسيطه)، لأنه لا ضرر على المشتري في ذلك (أو كانت الشاة عظيمة الضرع خلقة فظنها كثيرة اللبن) فلا خيار لعدم التدليس، (وإن تصرف) المشتري (في المبيع بعد علمه بالتدليس بطل رده) لتعذره، (ويرد) المشتري (مع المصراة في) أي من (بهيمة الأنعام عوض اللبن الموجود حال العقد ويتعدد بتعدد المصراة صاعا من تمر) لحديث أبي هريرة (سليم) لأن الاطلاق يحمل عليه (ولو زادت قيمته) أي قيمة صاع التمر (على المصراة أو نقصت) قيمته (عن قيمة اللبن) لعموم الحديث (فإن لم يجد) المشتري (التمر ف) - عليه (قيمته موضع العقد) لأنه بمنزلة ما لو أتلفه، (واختار الشيخ يعتبر في كل بلد صاع من غالب قوته) لأن التمر قوت الحجاز إذ ذاك
248 واحترز بقوله الموجود حال العقد: عما تجدد بعده فلا يلزمه رده ولا رد بدله لأنه حدث على ملكه (فإن كان اللبن باقيا بحاله بعد الحلب لم يتغير) بحموضة ولا غيرها (رده) المشتري (ولزم) البائع (قبوله ولا شئ عليه) لأن اللبن هو الأصل، والتمر إنما وجب بدلا عنه فإذا رد الأصل أجزأ كسائر الأصول مع مبدلاتها، (كردها) أي المصراة (قبل الحلب وقد أقر له) البائع (بالتصرية أو شهد به) أي بالمذكور من التصرية (من تقبل شهادته) فإن لم يقر البائع بالتصرية ولم يشهد بها من تقبل شهادته لم يكن الرد قبل الحلب، (وإن تغير اللبن بالحموضة) أو غيرها (لم يلزم البائع قبوله) لأنه نقص في يد المشتري فهو كما لو أتلفه، (وإن رضي) المشتري (بالتصرية فأمسكها) أي المصراة (ثم وجد بها عيبا ردها به) لأن رضاه بعيب لا يمنع الرد بعيب آخر، (ولزمه) أي المشتري (صاع التمر عوض اللبن) الذي حلبه منها لما تقدم، (ومتى علم) المشتري (التصرية خير ثلاثة أيام منذ علم بين إمساكها بلا أرش وبين ردها مع صاع تمر كما تقدم) لقوله (ص): من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر رواه مسلم. (فإن مضت) الثلاثة أيام ولم يرد المشتري المصراة (بطل الخيار) لانتهاء غايته ولزم البيع، (وخيار غيرها) أي غير المصراة (من التدليس على التراخي كخيار عيب) بجامع أن كلا منهما ثبت لإزالة ضرر المشتري، (وإن صار لبنها) أي المصراة (عادة) سقط الرد لأن الخيار ثبت لدفع الضرر وقد زال، (أو زال العيب) من المبيع (لم يملك) المشتري (الرد في قياس قوله) أي الامام (إذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج أي بائنا) ذكره في الفصول. قال في الانصاف: ولعله مراد النص والمذهب. (لم يملك) المشتري (الرد) لزوال الضرر فإن طلقت رجعيا لم يسقط الرد لأنها في حكم الزوجات. (وإن كانت التصرية في غير بهيمة الأنعام) كالأمة والأتان، (فله) أي المشتري (الرد مجانا) أي من غير عوض عن اللبن لأنه لا يعتاض عنه عادة. قال في الفروع:
249 كذا قالوا، وليس بمانع. وقال المنقح: بل بقيمة ما تلف من اللبن يعني إن كان له قيمة. فصل: القسم (الخامس) من أقسام الخيار (خيار العيب وهو) أي العيب، (نقص عين المبيع كخصاء ولو لم تنقص به القيمة بل زادت) أو نقص (قيمته عادة في عرف التجار) وإن لم تنقص عينه، (و) قال (في الترغيب وغيره) العيب (نقيصة يقتضي العرف سلامة المبيع عنها) غالبا ثم شرع في تعداد ما ينقص الثمن، فقال (كمرض) على جميع حالاته (وذهاب جارحة) من نحو يد أو رجل، (أو) ذهاب (سن من كبيرة) أي ممن ثغر ولو آخر الأضراس. (أو زيادتها كالإصبع الزائدة أو الناقصة و) ك (- العمى والعور والحول والخوص)، يقال: رجل أخوص أي غائر العين. (والسبل وهو زيادة في الأجفان والطرش والخرس والصمم والقرع والصنان والبخر في الأمة والعبد، والبهق والبرص والجذام والفالج والكلف والعفل والقرن والفتق والرتق). وسيأتي معناها في النكاح. (والاستحاضة والجنون والسعال والبحة وكثرة الكذب والتخنيث والتزوج في الأمة والدين في رقبة العبد والسيد معسر) جملة حالية، فإن كان موسرا فلا فسخ للمشتري، ويتبع رب الدين البائع. (والجناية الموجبة للقود) في النفس أو ما في دونها. (وكونه خنثى) ولو متضحا. (والثآليل والبثور وآثار القروح والجروح والشجاج والجدد) أي جفاف اللبن، ومنه الجداء، وهي الجدباء ما شاب نشف ضرعها، (والحفر هو وسخ يركب أصول الأسنان والثلوم فيها) أي في الأسنان، (والوسم وشامات) في غير موضعها، (ومحاجم في غير موضعها، وبشرط يشين) أي يعيب، (وإهمال الأدب والوقار في أماكنهما نصا. ولعل المراد في غير
250 الجلب والصغير) قاله في الانصاف. (والاستطالة على الناس والحمق من كبير فيهما) أي في الاستطالة والحمق. (وهو) أي الحمق (ارتكاب الخطأ على بصيرة) اقتصر على ذلك في الانصاف والمنتهى وغيرهما، وقوله: (يظنه صوابا) فيه نظر لأن ظنه صوابا ينافي ارتكابه على بصيرة، إلا أن يحمل على ما إذا تلبس به ابتداء يظنه صوابا، ثم تبين له خطؤه فأتمه على بصيرة. (وزنا من بلغ عشرا فصاعدا، عبدا كان أو أمة) لأنه ينقص قيمته ويقلل الرغبة فيه، قال في المبدع وقولهم: ويعرضه لإقامة الحد ليس بجيد، وظاهره سواء تكرر منه ذلك أولا. وصرح جماعة لا يكون عيبا إلا إذا تكرر، (ولواطة) أي من بلغ عشرا (فاعلا ومفعولا) به (وسرقته وشربه مسكرا وإباقه وبوله في فراش) وعلم منه أن ذلك ليس بعيب في الصغير، لأن وجوده يدل على نقصان عقله وضعف بنيته، بخلاف الكبير فإنه يدل على خبث طويته، والبول يدل على داء في بطنه. (و) ك (- حمل الأمة دون البهيمة، زاد في الرعاية والحاوي: إن لم يضر باللحم) وتقدم. (و) ك (- عدم ختان) ذكر (كبير) و (لا) يكون عدم الختان عيبا (في أنثى و) لا في (صغير) لأنه الغالب، (وكونه أعسر لا يعمل باليمين عملها المعتاد) فإن عمل بها أيضا. فليس بعيب (و) ك (- تحريم عام) غير خاص بالمشتري، (كأمة مجوسية، بخلاف أخته من الرضاع، وحماته ونحوهما) كموطوءة أبيه أو ابنه، (وكون الثوب غير جديد، ما لم يظهر عليه أثر الاستعمال) فإن ظهر. فالتقصير من المشتري (و) ك (- الزرع والغرس) في الأرض لا الحرث (و) ك (- الإجارة، أو في المبيع ما يمنع الانتفاع به غالبا. كسبع، أو نحوه في ضيعة أو قرية، أو حية أو نحوها في دار، أو حانوت، والجار السوء قاله الشيخ، وبق ونحوه غير معتاد بالدار، واختلاف الأضلاع والأسنان، وطول أحد ثديي الأنثى، وخرم
251 شنوفها) جمع شنف كفلوس وفلس، وهو القرط الأعلى. ذكره في الصحاح، فهو على حذف مضاف. وفي نسخة شفوفها وليس بمناسب هنا، لأن الشف ستر رقيق. () ك (- أكل الطين) لأنه لا يطلبه إلا من به مرض. (والوكع، وهو إقبال الابهام على السبابة من الرجل، حتى يرى أصلها خارجا كالعقدة، وكون الدار ينزلها الجند) أي صارت منزلا لهم، لما في ذلك من تفويت منفعتها زمن نزولهم فيها. (وليس الفسق من جهة الاعتقاد) عيبا، لأنه إذا لم يملك الفسخ بالكفر فبهذا أولى. وكذا الفسق بالأفعال غير ما تقدم. (و) ليس (التغفيل عيبا) لأن الغالب على الرقيق عدم الحذق (وكذا الثيوبة ومعرفة الغناء والحجامة، وكونه ولد زنا، وكون الجارية لا تحسن الطبخ ونحوه، أو لا تحيض، والكفر وعجمة اللسان)، لأنه الغالب في الرقيق. (والفأفاء) الذي يكرر الفاء. (والتمتام) الذي يكرر التاء. وكذا باقي الحروف. (والإرث) تقدم في الإمامة. (والقرابة والألثغ) وتقدم في الإمامة. (والاحرام)، إن ملك تحليله. (والصيام وعدة البائن) ليست عيبا (لا) عدة (الرجعية) فهي عيب، لأنها في حكم الزوجات (ومن العيوب: عثرة المركوب وكدمه) أي عضه بأدنى فمه، يقال: كدم من باب ضرب وقتل. (ورفسه وقوة رأسه، وحزنه، وشموسه) أي استعصاؤه. قال في حاشيته: ولا يقال بالصاد (و) من العيوب (كيه، أو) كون (بعينه ظفرة، أو بأذنه شق خيط، أو بحلقه نغانغ) وهي لحمات تكون في الحلق عند اللهات. واحدها: نغنغ بالضم. قاله في الصحاح. (أو غدة أو عقدة أو به زور، وهو) أي الزور (نتوء) أي ارتفاع (الصدر عن البطن، أو بيده أو رجله شقاق، أو بقدمه فدع، وهو نتوء) (وسط القدم) وقال في الصحاح: رجل أفدع بين الفدع وهو معوج الرسخ من اليد أو الرجل (أو به دحس، وهو ورم حول الحافر، أو خروج العرقوب في الرجلين عن قدم في) الرجل (اليمين أو الشمال، وهو الكوع) وفي الانصاف: الكوع انقلاب أصابع القدمين عليهما، (أو بعقبيهما) أي الرجلين صكك، (وهو
252 تقاربهما، أو بالفرس خيف. وهو كون إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء)، أي سوداء. فصل: (فمن اشترى معيبا لم يعلم) حال العقد (عيبه ثم علم بعيبه) فله الخيار، سواء (علم البائع بعيبه فكتمه) عن المشتري، (أو لم يعلم) البائع بعيبه، (أو حدث به) أي بالمبيع (عيب بعد عقد وقبل قبض فيما ضمانه على بائع، كمكيل وموزون ومعدود ومزروع) بيع بذلك، (و) ك (- ثمر على شجر ونحوه) كمبيع بصفة أو رؤية متقدمة (خير) المشتري (بين رد) استدراكا لما فاته، وإزالة لما يلحقه من الضرر في بقائه في ملكه ناقصا عن حقه. (وعليه) أي المشتري إذا ختار الرد (مؤنة رده) إلى البائع. لحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. (و) إذا رده (أخذ الثمن كاملا) لان المشتري بالفسخ استحق استرجاع جميع الثمن. (حتى ولو وهبه) البائع (ثمنه) أي ثمن البيع (أو أبرأه منه) أي من الثمن كله أو بعضه ثم فسخ، رجع بكل الثمن. كزوج طلق قبل دخول بعد أن أبرأته من الصداق أو وهبته له. فإنه يرجع بنصفه. (وبين إمساك) المبيع (مع أرش) العيب (ولو لم يتعذر الرد، رضي البائع) بدفع الأرش، (أو سخط) به، لان المتبايعين تراضيا على أن العوض في مقابلة المعوض. فكل جزء من العوض يقابله جزء من المعوض. ومع العيب فات جزء منه، فيرجع ببدله وهو الأرض، وهل يأخذ الأرش من عيب الثمن، أو حيث شاء البائع؟ فيه احتمالان. وصحح ابن نصر الله الثاني في باب الإجارة. قال في تصحيح الفروع: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. قال في الاختيارات: ويجبر المشتري على الرد، أو أخذ الأرش، لتضرر البائع بالتأخير. (ما لم يفض إلى ربا، كشراء حلي فضة بزنته دراهم، أو قفيز مما يجري فيه الربا) اشتراه (بمثله ثم وجده
253 معيبا. فله الرد أو الامساك مجانا) أي من غير أرش، لأن أخذ الأرش يؤدي إلى ربا الفضل، أو إلى مسألة مد عجوة. (وإن تعيب) أي الحلي أو القفيز المعيب (أيضا عند مشتر فسخ حاكم البيع) إن لم يرض المشتري بإمساكه معيبا. لتعذر الفسخ من كل البائع والمشتري. لأن الفسخ من أحدهما إنما هو لاستدراك ظلامته، لكون الحق له. وكل منهما هنا الحق له وعليه. فلم يبق طريق إلى التوصل للحق إلا بفسخ الحاكم. هذا معنى تعليل المنقح في حاشيته. (و) إذا فسخ الحاكم البيع (رد البائع الثمن، ويطالب) المشتري (بقيمة المبيع) المعيب بعيبه الأول (لأنه لا يمكن إهمال العيب) من حيث هو (بلا رضى ولا أخذ أرش) لأن المشتري لم يرض بإمساكه معيبا. ولم يمكنه أخذ أرش العيب الأول، ولا رده مع أرش العيب الحادث عنده. لافضاء كل منهما إلى الربا. (وإن اشترى حيوانا أو غيره، فحدث به عيب عند مشتر) ولو (قبل مضي ثلاثة أيام، أو حدث في الرقيق برص أو جنون أو جذام) ولو (قبل مضي سنة. ف) - العيب (من ضمان المشتري. وليس له رد نصا) ولا أرش، كما لو تلف عنده (وإن ظهر) المشتري (على عيب في الحلي) المبيع بزنته دراهم (أو) في (القفيز) المبيع بمثله، (بعد تلفه عنده) أي المشتري (فسخ) المشتري (العقد) لأنه وسيلة إلى استدراك ظلامته. (ورد) البائع (الموجود وهو الثمن، وتبقى قيمة المبيع) إن كان متقوما، أو مثله إن كان مثليا (في ذمته) أي المشتري، لاستقرار الضمان عليه. وليس له أخذ الأرش، لئلا يفضي إلى الربا. كما تقدم (ولا فسخ بعيب يسير، كصداع وحمى يسيرة. وسقط آيات يسيرة في مصحف للعادة. كغبن يسير، وكيسير التراب والعقد في البر. قال ابن الزاغوني: لا ينقص شئ من أجرة الناسخ بعيب يسير) لعسر الاحتراز عنه غالبا، (وإلا) بأن لم يكن العيب يسيرا، بل كان كثيرا (فلا أجرة لما وضعه) الناسخ (في غير مكانه) بأن قدمه على موضعه، أو أخره عنه. لعدم الإذن فيه. والعقد عليه (وعليه نسخه في مكانه) لأنه التزمه بالعقد، (ويلزمه) أي الناسخ (قيمة ما أتلفه بذلك) التقديم أو التأخير (من الكاغد)
254 لتعديه (وإن ظهر في المأجور عيب) تنقص به أجرته عادة (فلا أرش له) أي للمستأجر إن اختار الامساك. وعليه الأجرة كاملة، (ويأتي في الإجارة) مفصلا. (والأرش: قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب، فيرجع) المشتري إذا اختار الامساك (ب) - مثل (نسبته من ثمنه) المعقود به. نص عليه (فيقوم المبيع صحيحا، ثم يقوم معيبا) فيؤخذ قسط ما بينهما من الثمن. (فإذا كان الثمن - مثلا - مائة وخمسين، فقوم المبيع صحيحا بمائة درهم ومعيبا بتسعين، فالعيب نقص عشرة دراهم. نسبته إلى قيمته صحيحا) وهي مائة (عشر، فتنسب ذلك إلى المائة وخمسين. تجده خمسة عشر. وهو الواجب للمشتري، ولو كان الثمن) في المثال المذكور (خمسين وجب له) أي المشتري (خمسة) لأنها عشر الخمسين لأن المبيع مضمون على المشتري بثمنه ففوات جزء منه يسقط منه ضمان ما قبله من الثمن، ولأنا لو ضمناه نقص القيمة، لأفضى إلى اجتماع الثمن والمثمن للمشتري في صورة ما إذا اشترى شيئا بعشرة وقيمته عشرون، فوجد به عيبا ينقصه النصف، فأخذها. وهذا لا سبيل إليه. (ولو أسقط المشتري خيار الرد بعوض بذله له البائع) أو غيره قليلا كان أو كثيرا. (وقبله) المشتري (جاز) ذلك (وليس) ما يأخذه المشتري (من الأرش في شئ. ونص على مثله في خيار معتقة تحت عبد) إذا أسقطت خيارها بعوض بذله زوجها أو سيدها، أو غيرهما. وعلى قياس ذلك: النزول عن الوظائف ونحوها بعوض، ويأتي (وما كسب) المبيع (قبل الرد ف) - هو (للمشتري. وكذلك نماؤه المنفصل فقط. كالثمرة واللبن) لقوله (ص): الخراج بالضمان. والمبيع مضمون على المشتري فنماؤه له. (وإن حملت) أمة أو بهيمة (بعد الشراء ف) - الحمل (نماء متصل) يتبعها في الفسخ. (وإن حملت بعد الشراء وولدته) أيضا (بعده) أي بعد الشراء
255 (فنماء منفصل) فيكون للمشتري. (ولا يرده) المشتري إذا فسخ، لما تقدم (إلا لعذر، كولد أمة) فيرد معها. لتحريم التفريق بينها وبينه. (ويأخذ) المشتري (قيمته) أي الولد من البائع، لأنه ملكه. (والنماء المتصل) إذا فسخ البيع (للبائع، كالسمن، والكبر، وتعلم صنعة) فتتبع المبيع إذا رد لتعذر رد بدونها. (و) من النماء المتصل (الثمرة قبل ظهورها) جزم به في المبدع ومفهومه: أنه بعد ظهورها زيادة منفصلة، ولو لم تجف. وصرح القاضي وابن عقيل في التفليس والرد بالعيب، وذكره منصوص أحمد. وجعل في الكافي كل ثمرة على شجرة زيادة متصلة. (ومنه) أي النماء المتصل (إذا صار الحب زرعا و) صارت (البيضة فرخا) قاله القاضي وابن عقيل عن أكثر الأصحاب، وذكر الموفق وجها وصححه: أنه مما تغير بما يزيل الاسم، لأن الأول استحال، وكذا قال ابن عقيل في موضع آخر. (ووطئ المشتري) الأمة (الثيب لا يمنع الرد) بعيب علمه بعد (فله ردها مجانا) أي من غير شئ معها. لأنه لم يحصل بوطئه نقص جزء ولا صفة. (وله) أي المشتري (بيعها) أي بيع الأمة الثيب بعد أن وطئها واستبرأها (مرابحة) بأن يبيعها بثمنها وربح معلوم، (بلا خيار) بأنه وطئها. لما تقدم (كما لو كانت) الثيب (مزوجة فوطئها الزوج) ثم أراد المشتري ردها للعيب أو بيعها مرابحة. فإن وطئ الزوج لا يمنع ذلك (فإن زوجها) أي الثيب (المشتري) لها (فوطئها الزوج، ثم أراد) المشتري (ردها بالعيب فإن كان النكاح باقيا. فهو عيب) فيرد معها أرشه (وإن كان قد زال) بأن طلقها الزوج بائنا (ف) - وطئ الزوج (كوطئ السيد) لا يمنع الفسخ إذا كانت ثيبا، لما تقدم (وإن زنت) المبيعة (في يد المشتري، ولم يكن عرف) بالبناء للمفعول (ذلك) أي الزنا (منها) أي من الأمة قبل البيع (فهو عيب. حادث حكمه ك) - سائر (العيوب الحادثة) فإن ردها رد معه أرشه. (ولو اشترى متاعا. فوجده خيرا مما اشترى. فعليه) أي المشتري (رده إلى بائعه، كما لو وجده أردأ) مما اشترى (كان له رده) على بائعه. قال في الانصاف. (ولعل محل ذلك إذا كان البائع جاهلا به) أي بالمبيع. أما إن كان البائع عالما
256 بحقيقة الحال. فلا يجب على المشتري الرد لدخول البائع على بصيرة. (وإن وطئ) المشتري الأمة (البكر أو تعيبت) البكر (أو) تعيب (غيرها) من المبيع (عنده) أي عند المشتري، (ولو) كان التعيب (بنسيان صنعة أو) نسيان (كتابة أو قطع ثوب. خير) المشتري (بين الامساك وأخذ الأرش) للعيب الأول، كما لو لم يتعيب عنده. (وبين الرد مع أرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن) لما روى الخلال بإسناده عن ابن سيرين: أن عثمان قال في رجل اشترى ثوبا ولبسه، ثم اطلع على عيب فرده وما نقص فأجاز الرد مع النقصان. وعليه اعتمد أحمد. (والواجب رد ما نقص قيمتها الواطئ) بوطئه (فإذا كانت قيمتها بكرا مائة وثيبا ثمانين رد معها عشرين، لأنه بفسخ العقد يصير) المبيع (مضمونا عليه) أي المشتري (بقيمته) فيلزمه ما نقص منها (بخلاف أرش العيب الذي يأخذه المشتري) من البائع، لأنه في مقابلة ما فات من البيع والمبيع مضمون على بائعه بالثمن لا بقيمته، (إلا أن يكون البائع دلس العيب أي كتمه عن المشتري. فله) أي للمشتري (رده) أي رد المبيع إذن ولو تعيب عنده (بلا أرش) العيب الحادث عنده (ويأخذ الثمن كاملا) من البائع لأنه قد ورط المشتري وغره. (قال) الامام (أحمد في رجل اشترى عبدا فأبق فأقام بينة أن إباقه كان موجودا في يد البائع: يرجع على البائع بجميع الثمن. لأنه غر المشتري. ويتبع البائع عبده) فإن وجده كان له. وإن فات ضاع عليه. لأنه أدخل الضرر على نفسه. (وكذا لو دلس البائع) بأن أخفى العيب على المشتري (ثم تلف) المبيع (عند المشتري رجع) المشتري (بالثمن كله على البائع نصا) كما تقدم في الآبق (وسواء تعيب) المبيع عند المشتري (أو تلف بفعل الله) تعالى (كالمرض، أو بفعل المشتري كوطئ البكر) ونحوه مما هو مأذون فيه شرعا، بخلاف قطع عضو وقلع سن ونحوه. فإنه لا يذهب هدرا ذكره في شرح المنتهى. (أو) بفعل
257 (أجنبي، مثل أن يجنى عليه أو بفعل العبد كالسرقة) إذا قطع فيها (وسواء كان) التلف (مذهبا للجملة أو بعضها) فيفوت التلف على البائع حيث دلس العيب، ويرد الثمن كله. لما تقدم (وإن زال العيب الحادث عنده) أي عند المشتري قبل رده، (رده) أي المبيع (ولا شئ معه) لعدم نقصه حال الرد، (وإن) رد المشتري المبيع المتعيب عنده ورد معه أرش عيبه، ثم (زال) العيب الحادث عنده (بعد رده. لم يرجع مشتر على بائع بما دفعه له) لأنه استقر عليه بالفسخ، بخلاف ما إذا أخذ المشتري أرش العيب من البائع، ثم زال سريعا. فإنه يرد الأرش لزوال نقص المبيع الذي وجب لأجله الأرش. وفي خط المصنف: وإن زاد وهو غير ظاهر. فصل: (وإن أعتق) المشتري العبد المبيع ثم علم عيبه (أو عتق عليه) بقرابة أو تعليق ثم علم عيبه، (أو قتل) العبد المبيع، ثم علم المشتري عيبه (أو استولد) المشتري (الأمة) ثم علم عيبها، (أو تلف المبيع ولو بفعله) أي المشتري (كأكلة ونحوه، أو باعه) أي باع المشتري المبيع (أو وهبه أو رهنه، أو وقفه غير عالم بعيبه) ثم علم (تعين الأرش) لما تقدم. وسقط الرد لتعذره. ويقبل قول المشتري في قيمة المبيع إذن، ذكره في المنتخب وجزم في المنتهى. (ويكون) الأرش (ملكا له) أي للمشتري، لأنه في مقابلة الجزء الفائت من المبيع، (لكن لو رد) المبيع (عليه) أي على المشتري، وقد علم بعيبه (فله رده) على بائعه (أو أرشه) ولا يكون البيع مانعا من ذلك. لعوده لملكه بالرد عليه. (ولو أخذ منه) أي من المشتري الأول (أرشه) أي أرش العيب ولم يفسخ المشتري الثاني، (فله) أي المشتري الأول (الأرش) لما تقدم. ومفهومه: ليس مراد، بل له أخذ الأرش سواء أخذ المشتري منه أرشه أو لا. (ولو باعه) المبيع قبل علمه بعيبه (مشتر لبائعه له. كان له) أي لبائعه الأول (رده على البائع الثاني) وهو المشتري الأول، (ثم للثاني رده عليه) أي على البائع
258 الأول، لوجود مقتضى الرد وهو العيب، (وفائدته) أي فائدة وجود الرد من الجانبين: تظهر عند (اختلاف الثمنين) إذا اختار الرد أو الأرش. لما تقدم من أن الأرش قسط ما بين قيمته صحيحا ومعيبا من ثمنه. قال في شرح المنتهى: وفيه احتمال: لا رد كما لو اتفق الثمنان. (وإن فعل) المشتري (ذلك) أي ما ذكر من العتق والاستيلاء أو البيع ونحوه في المبيع (عالما بعيبه) ولم يختر الامساك. فلا أرش له. (أو تصرف) المشتري في المبيع بعد علمه بالعيب (بما يدل على الرضا) بالعيب (من وطئ وسوم وإيجار، واستعمال، حتى ركوب دابة لغير خبرة) أي تجربة لها (و) لغير طريق (رد ونحوه) أي ما تقدم من الوطئ، وما عطف عليه. كالقبلة واللمس لشهوة، أو نحو طريق الرد كما لو ركبها لعلفها أو سقيها (ولم يختر) المشتري (الامساك) مع الأرش (قبل تصرفه) المذكور (فلا أرش له) للعيب. لأنه قد رضي بالمبيع ناقصا. فسقط حقه من الأرش (كرد) أي كما أنه لا رد له (وعنه: له الأرش كإمساك) أي كما لو كان اختار إمساكه قبل تصرفه (قال في الرعاية الكبرى والفروع: وهو أظهر) لأنه وإن دل على الرضا فمع الأرش كإمساكه. (وقال في القاعدة العاشرة بعد المائة: هذا قول ابن عقيل. وقال) في القاعدة المذكورة (عن القول الأول: فيه بعد. قال الموفق: قياس المذهب: أن له الأرش بكل حال) قال في التلخيص: وذهب إليه بعض أصحابنا. (وصوبه في الانصاف) قال في الشرح والفائق: ونص عليه في الهبة والبيع (وإن باع) المشتري (بعضه) أي بعض المبيع غير عالم بعيبه (فله أرش الباقي) الذي لم يبعه (لا رده) على البائع لتضرره بتفريق المبيع، (وله) أي للمشتري أيضا (أرش) البعض (المبيع) كما لو كان باعه كله. وإن باع بعضه عالما بعيبه فكما لو باعه كله على الخلاف السابق. (وإن صبغه) أي صبغ المشتري المبيع المعيب، (أو نسجه) غير عالم عيبه (فله الأرش ولا رد) لأنه
259 شغل المبيع بملكه فلم يكن له رده. لما فيه من سوء المشاركة. (وإن أنعل) المشتري (الدابة ثم أراد ردها بالعيب) فله ذلك. و (نزع النعل) لأنه عين ماله (فإن كان النزع يعيبها لم ينزع) لأن فيه إدخالا للضرر على البائع، (ولم يكن له) أي للمشتري (قيمته) أي النعل (على البائع) لأنه لم يحل بينه وبينه بفعله، (ويهمله) أي النعل مشتر (إلى سقوطه ونحوه) كموتها فيأخذه، لأنه ملكه (ولو باع) إنسان (شيئا بذهب، ثم أخذ عنه دراهم ثم رده المشتري بعيب قديم. رجع المشتري بالذهب) وكذا لو رد بغير العيب من خيار شرط ونحوه، لأنه الذي وقع عليه العقد الأول، (لا بالدراهم) المعوضة عن الذهب، لأن المعاوضة عقد آخر استقر حكمه. وكذا لو باع بدراهم وأخذ عنها ذهبا. وكذا حكم الإجارة وغيرها من عقود المعاوضة. (وإن اشترى) إنسان (ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسدا. ولا قيمة لمكسوره كبيض دجاج) وجد مزرا (و) ك (- بطيخ) وجده (لا نفع فيه) رجع المشتري (بالثمن كله) لأنا تبينا فساد العقد من أصله، لكونه وقع على ما لا نفع فيه كبيع الحشرات. (وليس عليه) أي على المشتري (رد المبيع) الفاسد من ذلك (إلى البائع، لأنه لا فائدة فيه) إذ لا قيمة له (وإن كان الفاسد) من بيض الدجاج، أو البطيخ، أو الجوز أو اللوز ونحوه، (في بعضه) أي بعض المبيع دون كله (رجع بقسطه) أي قسط الفاسد من الثمن. فإن كان الفاسد النصف. رجع بنصف الثمن، وإن كان الربع. رجع بربعه وهكذا، (وإن كان لمكسوره) أي مكسور الفاسد (قيمة كبيض نعام وجوز هند) وبطيخ فيه نفع (خير) المشتري بين الرد والامساك مع الأرش كما تقدم، (فإن رده) على بائعه (رد ما نقصه) بكسر عنده (ولو كان الكسر بقدر الاستعلام) لأنه عيب حدث عنده (وإن كسره) المشتري (كسرا لا تبقى معه قيمته تعين الأرش) للمشتري. وسقط الرد لتعذره بإتلاف المبيع كما سبق (ولو اشترى ثوبا) مطويا إما بالصفة أو برؤية بعضه الدال على بقيته على ما تقدم عن شرح المنتهى
260 (فنشره فوجده معيبا) فله الخيار، كما تقدم (فإن كان) الثوب (مما لا ينقصه النشر) فله (رده) له مجانا، (وإن كان) الثوب (ينقصه) النشر (كالهسنجاني الذي يطوى على طاقين. فكجوز هند) كسره. ثم أراد رده، أي فله ذلك مع رد أرشه للنقص بالنشر، (وله) أي للمشتري (أخذ أرشه) أي أرش العيب من البائع (إن أمسكه) أي الثوب مطلقا لما تقدم (وخيار عيب) على التراخي (و) خيار (خلف في الصفة) أو لتغير ما تقدمت رؤيته على التراخي. (و) خيار (الافلاس المشتري) بالثمن (على التراخي) لأنه شرع لدفع ضرر متحقق. فلم يبطل بالتأخير الخالي عن الرضا، كخيار القصاص (فمن علم العيب، وأخر الرد) به (لم يبطل خياره) بالتأخير، (إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضا)، من تصرف في المبيع أو نحوه (وتقدم قريبا) لأن دليل الرضا منزل منزلة التصريح به (ولا يفتقر الرد إلى رضا البائع، ولا) إلى ( حضوره، ولا) إلى (حكم حاكم) به سواء كان الرد به (قبل القبض أو بعده) لأنه رفع عقد جعل إليه فلم يعتبر فيه ذلك. كالطلاق (وإن اشترى اثنان شيئا) من بائع واحد (وشرطا الخيار) فرضي أحدهما فللآخر رد نصيبه (أو) اشترى اثنان شيئا و (وجداه معيبا. فرضي أحدهما فللآخر رد نصيبه) لأن نصيبه جميع ما ملكه بالعقد. فجاز له بالعيب تارة وبالشرط أخرى. و (كشراء واحد من اثنين) شيئا بشرط الخيار أو وجده معيبا (فله) أي للمشتري (رده عليهما. و) له (رد نصيب أحدهما) عليه (وإمساك نصيب الآخر) لأن عقد الواحد مع اثنين عقدان. فكأن كل واحد منهما باع نصيبه مفردا. (فإن كان أحدهما غائبا) والآخر حاضرا (رد) المشتري (على الحاضر) منهما (حصته بقسطها من الثمن، ويبقى نصيب الغائب في يده حتى يقدم) فيرده عليه. ويصح الفسخ في غيبته، كما تقدم. والمبيع بعد فسخ أمانة كما في المنتهى. (ولو كان أحدهما) أي أحد البائعين عينا لواحد (باع العين كلها بوكالة الآخر) له. (فالحكم كذلك سواء كان الحاضر الوكيل أو الموكل) لأن حقوق العقد متعلقة بالموكل دون الوكيل. (وإن قال) بائع يخاطب اثنين (بعتكما) هذا بكذا (فقال أحدهما) وحده (قبلت جاز)
261 ذلك، وصح العقد في نصف المبيع بنصف الثمن (على ما مر) من أن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين. فكأنه خاطب كل واحد بقوله: بعتك نصف هذا بنصف المسمى. (وإن ورث اثنان خيار عيب فرضي أحدهما) بنصيبه معيبا (سقط) حقه و (حق) الوارث (الآخر من الرد) لأنه خرج من ملك البائع دفعة واحدة. فإذا رد واحد منهما نصيبه رده مشتركا مشقصا. فلم يكن له ذلك. ومثاله لو ورث اثنان خيار شرط بأن طالبا به المورث قبل موته فإذا رضي أحدهما. فليس للآخر الفسخ (وإن اشترى واحد معيبين) صفقة واحدة (أو) اشترى (طعاما) أو نحوه (في وعاءين صفقة واحدة. فليس له إلا ردهما معا أو إمساكهما والمطالبة بالأرش) لأن في رد أحدهما تفريقا للصفقة على البائع، مع إمكان أن لا يفرقها. أشبه رد بعض المعيب الواحد (وإن تلف أحدهما) أي المعيبين وبقي الآخر (فله) أي المشتري (رد الباقي بقسطه من الثمن) لتعذر رد التالف (والقول في قيمة التالف) إذا اختلفا فيها (قوله) أي المشتري لأنه منكر لما يدعيه البائع من زيادة قيمته (مع يمينه) لاحتمال صدق البائع، (وإن كان أحدهما معيبا) والآخر سليما (وأبى) المشتري أخذ (الأرش) عن المعيب (فله رده بقسطه) من الثمن، لأنه رد للمبيع المعيب من غير ضرر على البائع كما سبق، (ولا يملك) المشتري (رد السليم) لعدم عيبه (إلا أن ينقصه تفريق، كمصراعي باب، وزوجي خف أو يحرم) تفريق، (كجارية وولدها ونحوه) كأخيها (فليس له) أي المشتري (رد أحدهما) وحده (بل) له (ردهما) معا، (أو الأرش) دفعا لضرر البائع، أو لتحريم التفريق. ومثله: جان له ولد يباعان وقيمة الولد لمولاه، (وإن كان البائع) هو (الوكيل فللمشتري رده) أي المبيع إذا ظهر معيبا (على الوكيل) لما تقدم من أن حقوق العقد متعلق به دون الموكل. (فإن كان العيب مما يمكن حدوثه) بعد البيع كالإباق واختلفا فيه. (فأقر به الوكيل وأنكره الموكل. لم يقبل إقراره على موكله) لأنه لم يوكله في الاقرار بالعيب. فكما لو أقر على أجنبي. (بخلاف خيار الشرط) لأنه يملك شرطه للعاقد معه. فملك الاقرار به. (فإذا رده المشتري على الوكيل) لاقراره بالعيب دون الموكل (لم يملك الوكيل رده على الموكل) لعدم اعترافه بالعيب. (وإن
262 أنكره) أي العيب (الوكيل) ولم يعترف بأن المبيع كان معيبا (فتوجهت اليمين عليه فنكل) عن اليمين (فرده) المشتري (عليه بنكوله، لم يملك) الوكيل (رده على موكله) لأنه غير معترف بعيبه. وهذا كله إذا قلنا: إن القول قول البائع. والمذهب: أن القول قول المشتري فيحلف ويرده على الموكل، كما يعلم مما ذكره بقوله. (وإن اختلفا) أي البائع والمشتري عند من حدث العيب) في المبيع (مع احتمال قول كل منهما، كخرق ثوب، رفوه ونحوهما) كجنون (ف) - القول (قول مشتر) حيث لا بينة لواحد منهما. لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت. فكان القول قول من ينفعه كما لو اختلفا في قبض المبيع، (مع يمينه) لاحتمال صدق البائع (على البت. فيحلف بالله أنه اشتراه وبه هذا العيب، أو أنه) أي العيب (ما حدث عنده) لأن الايمان كلها على البت. إلا ما كان على نفي فعل الغير (وله) أي للمشتري (رده) أي رد المبيع الذي اختلفا في حدوث عيبه بعد حلفه، (إن لم يخرج) المبيع (عن يده) أي المشتري (إلى يد غيره) بحيث لا يشاهده. فإن خرج عن يده كذلك فليس له الحلف ولا رده، لأنه إذا غاب عنه احتمل حدوثه عند من انتقل إليه. فلم يجز له الحلف على البت، فلم يجز له الرد. قال في المبدع وغيره: إذا خرج من يده إلى يد غيره لم يجز له أن يرده، نقله مهنا. (ومنه) أي من العيب الذي يحتمل الحدوث (لو اشترى جارية على أنها بكر ووطئها، وقال: لم أصبها بكرا. فقوله) أي المشتري (مع يمينه) على البت لما تقدم (وإن اختلفا قبل وطئه) أبكر أم ثيب؟ (أريت النساء الثقات ويقبل قول امرأة ثقة) تشهد ببكارتها أو ثيوبتها. كسائر عيوب النساء تحت الثياب، ويأتي في الشهادات. (وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما) أي البائع أو المشتري (كالإصبع الزائدة، والشجة المندملة التي لا يمكن حدوث مثلها) إذا ادعى البائع حدوثها. فالقول قول المشتري بلا يمين. (و) ك (- الجرح الطري الذي لا يحتمل كونه قديما) إذا ادعى المشتري كونه قديما. (فالقول قول من يدعي ذلك) أي الذي لا يحتمل إلا هو (بغير يمين) لعدم الحاجة إلى استحلافه. (ويقبل قول بائع أن المبيع) المعين. فإن كان في الذمة فقول المشتري على قياس ما يأتي في الثمن والسلم.
263 (ليس المردود) لأنه ينكر كون هذا سلعته. وينكر استحقاق الفسخ. والقول قول المنكر بيمينه. (إلا في خيار الشرط) إذا أراد المشتري رد المبيع. وأنكر البائع أن يكون هو المردود. (فقول مشتر) بيمينه، لأنهما هنا اتفاقا على استحقاق الفسخ، بخلاف التي قبلها. وكذا لو اعترف البائع بعيب ما باعه. ففسخ المشتري البيع، ثم أنكر البائع أن المبيع هو المردود. فقول المشتري لما تقدم. وصرح به في المغني في التفليس. (ويقبل قول مشتر مع يمينه في عين ثمن معين بعقد) إذا اختلفا في أنه المردود (أنه ليس الذي دفعه) المشتري (إليه) أي إلى البائع لما تقدم. وينبغي أن يقال: إلا في خيار شرط. كما تقدم (و) يقبل (قول قابض مع يمينه في ثابت في الذمة من ثمن مبيع وقرض وسلم وغير ذلك) كأجرة وصداق وجعالة (مما هو في ذمته) إذا دفعه لمستحقه ثم رده عليه، وأنكر المقبض منه أن يكون هو المأخوذ. فالقول قول القابض بيمينه (إن لم يخرج عن يده) بحيث يغيب عنه، لأن الأصل بقاؤه في الذمة. (وإن باع أمة بعبد ثم وجد) البائع (بالعبد عيبا. فله الفسخ واسترجاع الأمة) إن كانت باقية (أو قيمتها لعتق مشتر لها) أو بيعها أو وقفها أو موتها (و) نحو ذلك مما يتعذر معه ردها (كذلك سائر السلع المبيعة) أو المجعولة ثمنا (إذا علم بها) من صارت إليه (بعد العقد) فإن له الفسخ واسترجاع عوضها من قابضه، إن كان إباقا أو بدله إن تعذر رده كما تقدم. (وليس لبائع الأمة) بالعبد الذي ظهر معيبا (التصرف فيها قبل الاسترجاع) أي في فسخ المبيع (بالقول. لأن ملك المشتري عليها تام مستقر) لعقد البيع الصحيح وملكه الفسخ لا يمنع نقل الملك كملك الأب الرجوع فيما وهبه لولده. لا يمنع انتقال ملك الموهوب للولد، (فلو أقدم البائع وأعتق الأمة أو وطئها. لم يكن ذلك فسخا بغير قول) فلا بد من قوله: فسخت البيع ونحوه (ولم ينفذ عتقه) لها. لأنه من غير مالك وحكم وطئه لها حكم وطئه المبيعة بشرط الخيار على ما تقدم، (ومن باع عبدا) أو أمة (يلزمه عقوبة من قصاص أو غيره)
264 كقتل ردة، أو قطع سرقة (يعلم المشتري ذلك) اللازم (فلا شئ له) أي للمشتري. لأنه رضي به معيبا أشبه سائر المعيبات، (وإن علم) المشتري بذلك (بعد البيع. فله الرد) وأخذ الثمن كاملا، (أو) الامساك مع (الأرش) لأنه عيب. فملك به الخيار كبقية العيوب، (وإن لم يعلم) المشتري بالعقوبة (حتى قتل) المبيع (تعين له) أي المشتري (الأرش على البائع) لتعذر الرد، والأرش قسط ما بين قيمته مع كونه جانيا وغير جان. فلو قوم غير جان بمائة، وجانيا بخمسين فما بينهما النصف. فالأرش إذن نصف الثمن. (وإن قطع) المبيع المشتري لقصاص أو سرقة قبل البيع (فكما لو عاب) المبيع (عنده) أي المشتري (على ما تقدم) فله الأرش أو رده مع أرش قطعه عنده. فيقوم مستحق القطع ومقطوعا، ويرد ما بينهما. لان استحقاق القطع دون حقيقته. وهذا إن لم يكن البائع دلس على المشتري - كما تقدم - فإن دلس عليه رجع بالثمن كله. وذهب العبد عليه إن قتل أو قطع كما تقدم، (وإن كانت الجناية) من العبد المبيع قبل بيعه (موجبة لمال، أو) موجبة (للقود فعفى عنه إلى مال - والسيد وهو البائع معسر - قدم حق المجني عليه) لأن حق الجناية سابق على حق المشتري. فإذا تعذر إمضاؤهما قدم السابق. (فيستوفيه) أي المال الواجب بالجناية (من رقبة الجاني. وللمشتري الخيار إن لم يكن عالما) بالجناية. لأن تمكن المجني عليه من انتزاعه عيب. فملك المشتري به الخيار كغيره. (فإن فسخ) المشتري البيع (رجع بالثمن) كله (وكذا إن لم يفسخ) البيع (وكانت الجناية مستوعبة لرقبة العبد فأخذ) كله (بها) لأن أرش مثل ذلك جميع الثمن (وإن لم تكن) الجناية (مستوعبة) لرقبة العبد (رجع) المشتري (بقدر أرشه) إن جهل الحال (وإن كان) المشتري (عالما بعيبه. لم يرجع بشئ) لرضاه بالعيب (وإن) وجب بالجناية مال أو قصاص وعفى عنه إلى مال، و (كان السيد) وهو البائع (موسرا تعلق الأرش بذمته) أي البائع. لأن الخيرة له في تسليمه الجناية أو فدائه. فإذا باعه تعين فداؤه، لزوال ملكه عنه. (ويزول الحق عن رقبة العبد: والبيع لازم) فلا خيار للمشتري، إذ لا ضرر عليه لرجوع المجني عليه على البائع. (ويأتي في الإجارة: لو غرس) مشتر (أو بنى مشتر ثم فسخ البيع
265 بعيب) أن للبائع قلع الغراس أو البناء، ويغرم نقصه أو يتملكه بقيمته إن لم يختر المشتري أخذه. فصل: القسم (السادس) من أقسام الخيار (خيار يثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة. إذا أخبره) أي أخبر البائع المشتري (بزيادة في الثمن أو نحو ذلك) كإخفاء تأجيله، (ولا بد في جميعها) أي الأربعة المذكورة (من معرفة) البائع و (المشتري رأس المال) لأن معرفة الثمن شرط كما تقدم فمتى فاتت لم يصح (وهن) أي التولية والشركة والمرابحة والمواضعة (أنواع من البيع) اختصت بهذه الأسماء، كاختصاص السلم. والمشتري قد يكون له غرض في الشراء على الوجه الذي أوقعه، لكونه حالفا أو وصيا في الشراء على هذا الوجه (فتصح) هذه الأنواع (بألفاظها أو) تصح (بلفظ البيع) وبما يؤدي ذلك المعنى، (وهي) صورة (البيع بتجبير الثمن، وبيع المساومة أسهل منها نصا) قال في الحاوي الكبير: لضيق المرابحة على البائع. لأنه يحتاج أن يعلم المشتري بكل شئ من النقد والوزن وتأخير الثمن وممن اشتراه ويلزمه المؤنة والرقم، والقصارة، والسمسرة والحمل. ولا يغر فيه. ولا يحل له أن يزيد على ذلك شيئا إلا ببينة له ليعلم المشتري بكل ما يعلمه البائع وليس كذلك المساومة، انتهى. وفي الانصاف قلت: أما بيع المرابحة في هذه الأزمان فهو أولى للمشتري وأسهل، انتهى. ولا مخالفة بينهما، لأن كلام الحاوي في الضيق على البائع كما بينه. وكلام صاحب الانصاف في سهولة الامر على المشتري بترك المماكسة. (فالتولية) لغة: تقليد العمل. والمراد بها هنا (البيع برأس المال) فقط (فيقول البائع: وليتكه، أو بعتكه برأس ماله، أو بما
266 اشتريته به، أو برقمه المعلوم عندهما) أي البائع والمشتري، (وهو) أي رقمه (الثمن المكتوب عليه) فإن جهلا أو أحدهما الثمن. لم تصح وإن دفع الثياب إلى قصار وأمره برقمها. فرقم ثمنها عليها لم يجز بيعها بتجبير الثمن حتى يرقمها بنفسه. لأنه لا يعلم ما فعل القصار. (والشركة: بيع بعضه) أي المبيع (بقسطه من الثمن) المعلوم لهما (نحو أشركتك في نصفه أو ثلثه ونحوه) كربعه، و (كقوله: هو شركة بيننا) فيكون له نصفه. لأن مطلق الشركة يقتضي التسوية. (فلو قال) إنسان اشترى شيئا (لمن قال له أشركني فيه: أشركتك انصرف) الاشراك (إلى نصفه) لأن مطلق الشركة يقتضي التسوية. (وإن لقيه آخر فقال) الآخر (أشركني وكان الآخر عالما بشركة الأول فشركه. فله نصف نصيبه. وهو الربع) لأنه طلب منه أن يشركه في النصف. وأجابه إلى ذلك فيأخذ الربع، (وإن لم يكن) الآخر (عالما) بشركة الأول. وقال: أشركتك (صح) ذلك (وأخذ) الآخر (نصيبه كله. وهو النصف) لأنه طلب منه نصف المبيع، وأجابه إليه. وإن طلبا منه الشركة فشركهما معا، فلهما الثلثان وله الثلث. (وإن كانت السلعة لاثنين فقال لهما آخر أشركاني فيها، فأشركاه معا، فله الثلث) لما سبق من أن مطلق الشركة يقتضي التسوية. (وإن أشركه أحدهما) وحده (ف) - له (نصف نصيبه) وهو الربع لما سبق (وإن أشركه كل واحد منهما منفردا كان له النصف ولكل واحد منهما الربع) لما تقدم، (ولو اشترى) شخص (قفيزا من طعام) أو غيره مما يكال (فقبض) المشتري (نصفه. فقال له آخر: بعني نصفه، فباعه) نصفه (انصرف) البيع (إلى النصف المقبوض) لأنه الذي يصح تصرف المشتري فيه. (وإن قال) الآخر لمشتري القفيز القابض لنصفه (أشركني في هذا القفيز بنصف الثمن ففعل) أي قال له: أشركتك فيه بنصف الثمن (لم تصح الشركة إلا فيما قبض منه، وهو النصف. فيكون لكل واحد) من النصف المقبوض (الربع بربع الثمن) والنصف الذي لم يقبض باق للمشتري الأول، لأن تصرف المشتري بالشركة لا يصح فيما قبض منه. (والمرابحة) من الربح هي (أن يبيعه بثمنه) المعلوم
267 (وربح معلوم. فيقول: رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وربح عشرة. فيصح) ذلك (بلا كراهة) لأن الثمن والربح معلومان. (ويكون الثمن مائة وعشرة. وكذا قوله: على أن أربح في كل عشرة درهما) يصح، ويكره، نص عليه. واحتج بكراهته ابن عمر وابن عباس. ونقل أحمد بن هاشم: كأنه دراهم بدارهم. (أو قال) بعتكه (ده يازده) أي العشرة أحد عشر (أو) بعتكه (ده دوازده) أي العشرة اثنا عشر يصح (ويكره نصا) قال: لأنه بيع الأعاجم، (والمواضعة) المشاركة في المبيع، فيكون بدون رأس المال. (عكس المرابحة. ويكره فيها) أي المواضعة ما يكره فيها أي المرابحة. كقوله: ثمنه كذا بعتكه به. على أن أضع من كل عشرة درهما. (ف) المواضعة: أن (يقول: بعتكه بها) أي بالمائة التي هي رأس ماله مثلا، (ووضيعة درهم من كل عشرة. ف) - يصح البيع. لأنه لفظ محصل لمقصود البيع بدون رأس المال. قال في المبدع: وهذه الصورة مكروهة بخلاف ما إذا قال: بعتكه به أي برأس ماله، وأضع لك عشرة. و (يحط منه) أي من رأس المال وهو المائة (عشرة. ويلزم المشتري تسعون درهما) لأن المائة عشر عشرات. فإذا سقط من كل عشرة درهم بقي تسعون. (وإن قال) البائع: بعتكه بالمائة، (ووضيعة درهم لكل عشرة كان الحط) للدرهم (من أحد عشر) لأنه اقتضى أن يكون الحط من غير العشرة، (ك) - قوله: بعتك بالمائة ووضيعة درهم (عن كل عشرة فيلزمه) أي المشتري (تسعون درهما وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم) لأنه يسقط من تسعة وتسعين. ومن درهم جزء من أحد عشر جزءا يبقى ما ذكر. ولا تضر الجهالة بذلك حال العقد، لزوالها بالحساب. وما ذكره من ثبوت الخيار في الصور الأربعة إذا ظهر أن الثمن أقل مما أخبر به البائع تبع فيه المقنع. وهو رواية حنبل. (و) المذهب: أنه (من أخبر بثمن فعقد به) تولية أو شركة أو مرابحة أو وضيعة. (ثم ظهر الثمن أقل) مما أخبر به (فللمشتري حط الزيادة) في التولية والشركة، ولا خيار. وللمشتري أيضا حط الزيادة (في المرابحة و) حط (حظها) أي قسطها (من الربح) ولا خيار (وينقصه) أي الزائد (في المواضعة)
268 لأنه باعه برأس ماله وما قدره من الربح أو الوضيعة. فإذا بان رأس ماله قدرا كان مبيعا به. وبالزيادة أو النقص بحسب ما اتفقا عليه. (ويلزم البيع بالباقي) فلا خيار للمشتري فيها. لأن الثمن إذن بأقل مما أخبر به وسقط عنه الزائد فقد زيد خير. فلم يكن له خيار كما لو وكل من يشتري له معينا بمائة. فاشتراه بتسعين. (وإن بان) أي ظهر الثمن الذي أخبر به البائع المشتري (مؤجلا وقد كتمه) أي التأجيل (بائع في تخييره) بالثمن (ثم علم مشتر) تأجيله (أخذ) المبيع (به) أي بالثمن (مؤجلا) بالأجل الذي اشتراه البائع إليه، (ولا خيار) للمشتري (فلا يملك الفسخ فيهن) أي في الصور الأربعة السابقة، لما تقدم من أنه زيد خيرا. (ولو قال) البائع (مشتراه مائة ثم قال: غلطت والثمن زائد عما أخبرت به فالقول قوله مع يمينه) فيحلف (بطلب مشتر) تحليفه (اختاره الأكثر) منهم القاضي وأصحابه وابن عبدوس في تذكرته. وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والمحرر، ونظم المفردات والرعايتين، والحاويين والفائق. وجزم به في المنور. قال ابن رزين في شرحه: وهو القياس، انتهى، لأن المشتري لما دخل مع البائع في المرابحة فقد ائتمنه، والقول قول الأمين. (فيحلف) بائع (أنه لم يكن يعلم وقت البيع أن ثمنها أكثر) مما أخبر به (فإن حلف) بائع (خير مشتر بين الرد و) بين (دفع الزيادة) التي ادعاها البائع (وإن نكل) البائع (عن اليمين) قضى عليه بالنكول. وليس له إلا ما وقع عليه العقد (أو أقر) بعد الغلط، (لم يكن له غير ما وقع عليه العقد) لرضاه من - غير عذر. (وقدم في التنقيح أنه لا يقبل) قول البائع (إلا ببينة) واختاره الموفق، وحمل كلام الخرقي عليه. واختاره أيضا الشارح، وهو رواية عن أحمد. وقدمه ابن رزين في شرحه. قال في الانصاف: وهو المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة، انتهى. وجزم به في المنتهى لأنه أقر بالثمن وتعلق به حق الغير وكونه مؤتمنا لا يوجب قبول دعواه الغلط كالمضارب إذا أقر بربح ثم قال: غلطت. (ثم قال) في التنقيح: (وعنه يقبل قول معروف بالصدق وهو أظهر، انتهى) وهي رواية أبي طالب. (ولا يحلف مشتر
269 بدعوى بائع عليه علم الغلط) قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب. اختاره القاضي، وقدمه في الفروع. لأنه قد أقر له، فيستغنى بالاقرار عن اليمين. (وخالف الموفق والشارح) فقالا: الصحيح أن عليه اليمين أنه لا يعلم ذلك. وجزم به في الكافي. (وإن باع) سلعة (بدون ثمنها عالما لزمه) البيع ولا خيار له. ولا يلزم المشتري غير ما وقع عليه العقد لما تقدم. (وإن اشتراه) أي المبيع (بدنانير وأخبر) في البيع بتخبير الثمن (أنه اشتراه بدراهم وبالعكس) بأن اشتراه بدراهم وأخبر أنه اشتراه بدنانير. فللمشتري الخيار. والعبرة بما وقع عليه العقد، لا بما أقبض عليه (أو اشتراه بعرض) ولو فلوسا نافقة. (فأخبر أنه اشتراه بثمن) أي بنقد من دراهم أو دنانير فللمشتري الخيار. (أو بالعكس) بأن اشتراه بنقد. فأخبر أنه اشتراه بعرض فللمشتري الخيار. (وأشباه ذلك) كما لو اشتراه بعرض فأخبر أنه اشتراه بعرض آخر. (أو) اشتراه (ممن لا تقبل شهادته له كأبيه وابنه أو مكاتبه) وزوجته، وكتم ذلك عن المشتري في تخييره بالثمن. فللمشتري الخيار، لأنه متهم في حقهم لكونه يحابيهم ويسمح لهم. (أو) اشتراه (بأكثر من ثمنه حيلة كشرائه من غلام). و (كأنه الحر أو من غيره، وكتمه) أي كتم البائع ما ذكر عن المشتري (في تخييره) بالثمن، (فللمشتري الخيار إذا علم بين الامساك والرد) كالتدليس. وهو حرام كتدليس العيب. فإن لم يكن حيلة جاز وصححه في المغني والشرح، لأنه أجنبي أشبه غيره. (وإن اشترى شيئين صفقة واحدة ثم أراد بيع أحدهما بتخبير الثمن أو اشترى اثنان شيئا وتقاسماه، وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة) أو تولية أو مواضعة، (فإن كان) أحد الشيئين اللذين اشتراهما صفقة واحدة أو قسم أحد المشتريين في الثانية (من المتقومات التي لا ينقسم عليها الثمن بالاجزاء كالثياب ونحوها) من العبيد ونحوها (لم يجز) أن
270 يبيع بتخبير الثمن (حتى يبين الحال على وجهه) لأن قسمة الثمن على ذلك تخمين، واحتمال الخطأ فيه كثير، (لكن لو أسلم ثوبين) أو نحوهما (بصفة واحدة فأخذهما على الصفة فله بيع أحدهما) بتخبير ثمنه (مرابحة) أو مواضعة أو تولية، (بحصته من الثمن لان الثمن ينقسم عليهما نصفين باعتبار القيمة) فهما كالمكيلات والموزونات المتماثلة، (وكذلك لو أقاله في أحدهما أو تعذر تسليمه كان له نصف الثمن وإن حصل في أحدهما) أي الثوبين المسلم فيهما بصفة واحدة (زيادة على الصفة) التي أوقعا عليها العقد. (جرت) الزيادة (مجرى) النماء (الحادث بعد البيع) فلا يؤثر عدم الاخبار به في بيع الثاني بتخبير الثمن. (وإن لم يبين) البائع الحال على وجهه فيما اشتراه. كما تقدم (فللمشتري الخيار بين الرد والامساك) دفعا لما قد يلحقه من الضرر. (وإن كان أحد الشيئين اللذين اشتراهما صفقة واحدة، أو قسم المشتريين صفقة واحدة (من المتماثلات التي ينقسم عليها الثمن بالاجزاء، كالبر والشعير المتساويين جاز بيع بعضه مرابحة) ومواضعة وتولية (بقسطه من الثمن) قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه (وإن اشترى) إنسان (شيئا بثمن لرغبة تخصه كحاجة إلى إرضاع) نحو ولده وأراد البيع بتخبير الثمن (لزمه أن يخبر بالحال ويصير) ذلك ك (- الشراء بثمن غال لأجل) الموسم (الذي كان حال الشراء) وذهب. وكذا لو اشترى دارا بجواره فإن كتمه فللمشتري الخيار لأنه تدليس، (وإذا أراد البائع الاخبار بثمن السلعة وكانت) السلعة (بحالها لم تتغير) بزيادة ولا نقص (أو) كانت (زادت زيادة متصلة كسمن وتعلم صنعة أخبر بثمنها) الذي اشتراها به، (سواء غلت أو رخصت) لأنه إنما أخبر بما اشتراها به لا بقيمتها الآن، (فإن) رخصت و (أخبره بدون ثمنها ولم يبين الحال) أي أنه أخبر بدون ثمنها لكونها رخصت، (لم يجز لأنه كذب) والكذب حرام (وإن تغيرت) السلعة (بنقص بمرض أو) تغير
271 المبيع (بجناية عليه أو) ب (- تلف بعضه أو بولادة أو عيب أو) تغير (بأخذ المشتري بعضه كالصوف) الموجود (واللبن الموجود) حين الشراء، (ونحوه أخبر بالحال) لئلا يغر المشتري فإن كتمه عنه فله الخيار كالتدليس. (وإن حط البائع بعض الثمن عن المشتري) زمن الخيارين (أو زاده) أي زاد البائع المشتري (في الاجل) أي أجل الثمن (أو) زاد البائع المشتري في (المثمن) بأن أعطاه شيئا آخر مع المبيع زمن الخيارين، (أو زاد) ه أي البائع (المشتري في الثمن) بأن اشترى منه بعشرة، ثم زاده درهمين زمن الخيارين. (أو حط) المشتري (له) أي للبائع (في الاجل) بأن عقد معه بثمن إلى رجب، ثم قال له بل إلى جمادى الأولى مثلا (في مدة الخيارين) خيار المجلس والشرط. (لحق) ذلك الفعل (بالعقد وأخبر) المشتري (به في) البيع بتخبير (الثمن)، لأن ذلك من الثمن فوجب إلحاقه برأس والاخبار به كأصله. (وإن حط البائع) عن المشتري (كل الثمن فهو هبة) ولا يبطل البيع به. (وما كان) من زيادة في ثمن أو مثمن أو نقص منهما، (بعد ذلك) أي بعد مضي مدة الخيارين (لا يلحق به) أي بالعقد للزومه فلا يلزم الاخبار به. (كخيار وأجل) فإنهما لا يلحقان بالعقد بعد لزومه كسائر الشروط وتقدم. (وكما لو جنى) المبيع (ففداه المشتري) فإن الفداء لا يلحق بالعقد ولا يجبر به. (ولو كان) الفداء (في مدة الخيارين) لأنه لم يزد به المبيع قيمة ولا ذاتا، وإنما هو مزيل لنقصه بالجناية. (وكالأدوية والمؤنة والكسوة فإنه لا يخبر به في الثمن) وجها واحدا ذكره في الشرح. (وإن أخبر بالحال فحسن) فإنه أتم في الصدق (ولا يخبر) إذا باع بتخيير الثمن (بأخذ نماء) كصوف ولبن غيره موجودين حال الشراء. (و) لا ب (- استخدام ووطئ ثيب إن لم ينقصه) أي ينقص الوطئ المبيع كوطئ البكر فيجب الاخبار به، كما لو وطئها غيره وأخذ الأرش. (وما أخذه) المشتري (أرشا لعيب، أو) أرشا ل (- جناية عليه) أي المبيع (أخبر به) إذا باع بتخبير الثمن. (على وجهه ولو كان في مدة الخيارين) لأن المأخوذ في مقابل جزء من المبيع، ومعنى الاخبار به على وجهه أن يخبر أنه اشتراه بكذا، أو أخذ أرشه كذا، ولا يحط
272 أرشه من ثمنه. ويخبر بالباقي خلافا لأبي الخطاب ومتابعيه. (وهبة مشتر لوكيل باعه كزيادة) في ثمن فتلحق بالعقد في مدة الخيارين، وتكون للموكل (ومثله عكسه). أي هبة بائع لوكيل اشترى منه فتلحق بالعقد، وتكون للموكل زمن الخيارين. وإن كانت الهبة بعد لزوم البيع فهي للموهوب له فيهما. (فإن اشترى ثوبا بعشرة وقصره) المشتري (أو نحوه) بأن صبغه (بعشرة بنفسه أو غيره) متعلق بقصره (أخبر به على وجهه فقط)، بأن يقول اشتريته بعشرة وقصرته أو صبغته بعشرة (ومثله) أي مثل (أجرة مكانه وكيله ووزنه) وعده وذرعه (وحمله وخياطته وعلف الدابة) ونحوه فيخبر بذلك على وجهه (ولا يجوز أن يخبر) أنه اشتراه (بعشرين، ولا) يجوز (أن يقول تحصل علي بها) لأنه كذب وتغرير للمشتري، (وإن اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة لم يبعه مرابحة) مخبر بثمنه الثاني، (بل يخبر بالحال) أنه اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة، (ويحط الربح) وهو خمسة في المثال المذكور. (من الثمن الثاني) وهو عشرة، (ويخبر أنه تقوم عليه بخمسة) لأن الربح أحد نوعي النماء فوجب أن يخبر به في المرابحة، كالنماء من نفس المبيع كالثمرة ونحوها. قاله في المبدع وشرح المنتهى وغيرهما، وفيه نطر لما تقدم من النماء لا يجب الاخبار به. (ولا يخبر أنه اشتراه بخمسة لأنه كذب) والكذب حرام، (وقيل يجوز) أن يخبر (أنه اشتراه بعشرة) قدمه في المقنع واختاره الموفق والشارح وقدمه في الفروع. (وهو أصوب) قال في الانصاف: وهو الصواب وقال عن الأول إنه المذهب، ثم قال وهو ضعيف. ولعل مراد الإمام أحمد استحباب ذلك لا أنه على سبيل اللزوم، انتهى. قال في الشرح: وهذا من أحمد على سبيل الاستحباب، لما ذكرناه، ولأنه الثمن الذي حصل به الملك الثاني. (وعلى) القول (الأول لو لم يبق شئ) بأن اشتراه بعشرة ثم باعه بعشرين ثم اشتراه بعشرة (أخبر بالحال) على وجهه لأنه أقرب إلى الحق وأبلغ في الصدق. (ولو اشتراه بخمسة عشر ثم باعه بعشرة ثم اشتراه بأي
273 ثمن كان بينه) أي الثمن إذا باع بتخبير الثمن. (ولم يضم الخسارة إلى الثمن الثاني) لأنه كذب. (ولو اشترى) شخص (نصف شئ بعشرة واشترى غيره باقيه بعشرين، ثم باعاه مرابحة أو مواضعة أو تولية صفقة واحدة فالثمن لهما بالتساوي). لأن الثمن عوض عن المبيع فكان على قدر ملكيهما. (كمساومة) أي كما لو باعاه مساومة فإن الثمن بينهما نصفين. (ولو اشترى اثنان ثوبا) مثلا (بعشرين ثم بذل) بالبناء للمفعول لهما (فيه اثنان وعشرون فاشترى أحدهما نصيب صاحبه بذلك السعر) المبذول، (أخبر) في المرابحة ونحوها (بأحد وعشرين) عشرة ثمن نصيبه الأول، وأحد عشر ثمن نصيب صاحبه (لا) ب (- اثنين وعشرين) لأنه كذب. فصل: القسم (السابع) من أقسام الخيار (خيار يثبت لاختلاف المتبايعين) في الثمن وكذا لو اختلف المؤجر والمستأجر في الأجرة. (فمتى اختلفا) أي المتعاقدان (في قدر ثمن أو) في قدر (أجرة) بأن قال بعتكه بمائة، فقال المشتري: بل بثمانين، وكذا في الإجارة. (ولا بينة) لأحدهما تحالفا (أو لهما) بينة (تحالفا)، وسقطت بينتاهما لتعارضهما. (ولو كانت السلعة) المبيعة (تالفة. لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه صورة، وكذا حكما لسماع بينتهما). قال في عيون المسائل: (ولا تسمع إلا بينة المدعي، باتفاقنا) ويؤكد ذلك: حديث ابن مسعود يرفعه: إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما. تحالفا وإنما قلنا: يتحالفان، وإن كانت السلعة تالفة. لقول
274 الامام في الجواب عن الحديث المذكور: لم يقل فيه: والمبيع قائم. إلا يزيد بن هارون، وقد أخطأ. رواه الخلق الكثير عن المسعودي، ولم يقولوا هذه الكلمة. ولكنها في حديث معن. (إلا إذا كان) الاختلاف في قدر الثمن. (بعد قبض ثمن وفسخ عقد بإقالة، أو) بعد (رد معيب) أو نحوه (ف) - القول (قول بائع) بيمينه لأن البائع منكر لما يدعيه المشتري بعد انفساخ العقد. فأشبه ما لو اختلفا في القبض. (و) إلا (في كتابة) إذا اختلفا في قدر ما كتب السيد عليه عبده. فيؤخذ (بقول سيد. ويأتي) ذلك موضحا في باب الكتابة. إذا تقرر أنهما يتحالفان. (ف) - صفة التحالف: أن (يبدأ بيمين بائع) لأنه أقوى جنبة من المشتري. لكون المبيع يرد إليه. (ثم) يمين (مشتر) بعده (يجمعان) أي البائع والمشتري والمؤجر (فيهما) أي في يمينهما (نفيا وإثباتا) الاثبات لدعواه، والنفي لما ادعى عليه (ويقدمان النفي) على الاثبات، لأن الأصل في اليمين أنها للنفي، (فيحلف البائع: ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا) والمؤجر: ما أجرته بكذا وإنما أجرته بكذا. (ثم) يحلف (المشتري ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا)، والمستأجر ما استأجرته بكذا وإنما استأجرته بكذا (وإن نكل أحدهما) أي البائع أو المشتري (لزمه ما قاله صاحبه بيمينه) أي ما حلف عليه صاحبه. لقضاء عثمان على ابن عمر، رواه أحمد، لأن النكول بمنزلة الاقرار. قال في المبدع: وظاهره ولو أنه بدل أحد شقي اليمين. فإنه يعد ناكلا ولابد أن يأتي فيهما بالمجموع. فقول المصنف: (وكذا لو نكل مشتر عن الاثبات فقط بعد حلف بائع) لا مفهوم له. بل كذلك لو نكل عن النفي فقط. أو نكل البائع عن أحدهما. (فإن نكلا) أي البائع والمشتري أو المؤجر والمستأجر. (صرفهما الحاكم) كما لو نكل من ترد عليه اليمين على القول بردها. قاله المنقح. (وإن تحالفا) أي البائع والمشتري أو المؤجر والمستأجر. (فرضي أحدهما بقول صاحبه. أقر العقد) لأن من رضي بقول صاحبه قد حصل له ما ادعاه فلم يملك خيارا. (وإلا) أي وإن لم يرض أحدهما بقول صاحبه. (فلكل منهما الفسخ بلا حاكم) أي لا يفتقر الفسخ لحكم حاكم. لأنه فسخ لاستدراك الظلامة. أشبه رد المعيب. (ولا ينفسخ) العقد (بنفس التحالف) لأنه عقد صحيح. فلم ينفسخ باختلافهما وتعارضهما في الحجة. كما لو أقام كل منهما بينة.
275 (ولا) ينفسخ أيضا (بإباء كل واحد منهما الاخذ بما قال صاحبه) بل لا بد من تصريح أحدهما بالفسخ. (وإن كانت السلعة تالفة وتحالفا) لاختلافهما في قدر الثمن وفسخ العقد، رجعا (إلى قيمة مثلها إن كانت مثلية وإلا) بأن لم تكن مثلية، (ف) - إلى (قيمتها) لتعذر رد العين، (فيأخذ مشتر) من بائع (الثمن إن كان قد قبض إن لم يرض بقول بائع) وفسخ العقد، (و) يأخذ (بائع) من مشتر (القيمة) لأنه فوت عليه المبيع، (فإن تساويا) أي الثمن والقيمة، (وكانا من جنس) أي نقد واحد (تقاصا وتساقطا) لأنه لا فائدة في أخذه ثم رده. (وإلا) بأن كان أحدهما أقل، وهما من جنس واحد. (سقط الأقل. ومثله من الأكثر) ويبقى الزائد يطالب به صاحبه. وإن اختلف الجنس فلا مقاصة. ويأتي (وإن اختلفا) أي البائع والمشتري (في القيمة) أي قيمة السلعة التالفة بعد التفاسخ. فقول مشتر بيمينه (أو) اختلفا (في صفة) السلعة التالفة ككون العبد كان كاتبا، فقول مشتر بيمينه (أو) اختلفا في (قدر) السلعة التالفة بأن قال البائع: كان المبيع قفيزين. فقال المشتري: بل قفيزا، (فقول مشتر بيمينه) لأنه غارم. والقول قول الغارم. (فلو وصفها) مشتر (بعيب، كبرص وخرق ثوب وغيرهما) كقطع إصبع (فقول من ينفيه) وهو البائع (بيمينه) كما في بعض النسخ، لأن الأصل عدم العيب. وإن ثبت أن السلعة كانت معيبة، قبل قول المشتري في تقدم العيب على البيع، لما تقدم. وإن تعيب المبيع عند مشتر قبل تلفه. ضم أرشه إلى قيمته لكونه مضمونا عليه حين التعيب. قاله في المنتهى وشرحه ومقتضاه: أن صفته تعتبر حين التلف لا حال العقد. وإلا لم تحتج إلى ضم أرشه إلى قيمته. لكن القيمة تعتبر حال العقد على ما أوضحته في الحاشية. وكل غارم حكمه حكم المشتري في ذلك. (وإن ماتا) أي المتعاقدان (أو) مات (أحدهما. فورثتهما بمنزلتهما) وورثة أحدهما إن مات وحده بمنزلته. (وإن كان الموت بعد التحالف وقبل الفسخ) فإن رضي ورثة أحدهما بما قاله ورثة الآخر أقر العقد. وإلا فلكل الفسخ. ومتى رضي بعض ورثة أحدهما فليس للبقية الفسخ، على قياس ما تقدم في خيار العيب. (وإن كان) الموت (قبله) أي قبل التحالف (و) أراده الورثة فإن (كان الوارث حضر
276 العقد وعلمه، حلف على البت) لأنه الأصل في الايمان (وإن لم يعلم) الوارث قدر الثمن حضر العقد أو لا. (حلف على نفي العلم) لأنه على فعل الغير (وإذا فسخ العقد في التحالف) لاختلاف المتبايعين أو ورثتهما أو أحدهما وورثة الآخر (انفسخ) العقد (ظاهرا وباطنا في حقهما. ولو مع ظلم أحدهما) لأنه فسخ لاستدراك ظلامة. أشبه الرد بالعيب (وإن اختلفا) أي المتعاقدان (في صفة ثمن) اتفقا على تسميته في العقد. (أخذ نقد البلد) إن لم يكن بها إلا نقد واحد وادعاه أحدهما. فيقضي له به، عملا بالقرينة، على ما ذكره ابن نصر الله. (ثم) إن كان بالبلد نقود واختلفت رواجا أخذ (غالبه رواجا) لأن الظاهر وقوع العقد به لغلبته. (فإذا استوت) النقود رواجا (فالوسط) تسوية بين حقيهما، لأن العدول عنه ميل على أحدهما. وعلى مدعي نقد البلد أو غالبه رواجا، أو الوسط: اليمين، وإن اختلفا في جنس الثمن كما لو ادعى أحدهما أنه عقد بنقد، والآخر بعرض، أو أحدهما أنه عقد بذهب والآخر بفضة، فالظاهر أنهما يتحالفان، لأنهما اختلفا في الثمن على وجه لا يترجح قول أحدهما. فوجب التحالف كما لو اختلفا في قدره (وإن اختلفا في أجل) بأن قال المشتري: اشتريته بدينار مؤجل. وأنكره البائع. فقوله (أو) اختلفا في (رهن) بأن قال: بعته بدينار على أن ترهنني عليه كذا. وأنكره مشتر. فقوله (أو) اختلفا في (قدرهما) أي قدر الاجل والرهن. فقول منكر الزائد (سوى أجل في سلم) فقول مسلم إليه. (لما يأتي) في باب السلم (أو) اختلفا في (شرط صحيح أو فاسد يبطل العقد أو لا) يبطله، بأن ادعى أحدهما اشتراطه وأنكره الآخر. فقول منكره. (أو) اختلفا في شرط (ضمين) بالثمن أو بعهدته أو عهدة المبيع (فقول من ينفيه) بيمينه لأن الأصل عدمه (نص عليه) الامام (في دعوى عبد عدم الإذن) من سيده بعد البيع فلا يقبل منه مع إنكار المشتري (و) نص في (دعوى البائع الصغر) بأن ادعى أنه حال العقد كان صغيرا وأنكره المشتري فقوله، لأن الظاهر من حال المسلم أنه لا يتعاطى إلا عقدا صحيحا. (ومثله) أي مثل ما ذكر من دعوى عدم الإذن والصغر. (دعوى إكراه أو جنون) فلا تقبل بغير بينة. (لأنه إذا ادعى أحدهما صحة العقد و) ادعى (الآخر فساده صدق مدعي الصحة) منهما (بيمينه) لأن الأصل عدم المفسد، لكن يأتي في الاقرار: تقبل دعوى إكراه بقرينة كتوكل به وترسيم عليه. (وإن اختلفا في قدر مبيع فقال) المشتري (بعتني هذين)
277 العبدين مثلا (بثمن واحد فقال) البائع (بل) بعتك (أحدهما) وحده صدق البائع لأنه منكر للبيع في الثاني. والأصل عدمه. والبيع يتعدد بتعدد المبيع فالمدعي شراء عينين يدعي عقدين أنكر البائع أحدهما بخلاف الاختلاف في الثمن. (أو) اختلفا في (عينه) أي عين المبيع (فقال) المشتري (بعتني هذا) العبد (فقال) البائع (بل) بعتك (هذا) العبد، (فقول بائع) بيمينه، لأنه كالغارم. وورثة كل منهما بمنزلته فيما تقدم. (وكذا حكم إجارة) في سائر ما تقدم (ولا يبطل البيع بجحوده) أي جحود أحد العاقدين له، فلو قال: بعتك الأمة بكذا فأنكر المشتري لم يطأها البائع، لكن إن لم يبذل له الثمن فيتوجه له الفسخ كما لو أعسر المشتري. (ولو ادعى) من بيده أمة (بيع الأمة ودفع الثمن فقال) من كانت بيده (بل زوجتكها فقد اتفقا على إباحة الفرج له) لأنها إما ملك يمين أو زوجة (وتقبل دعوى النكاح) ممن كانت بيده (بيمينه) لأن الأصل عدم البيع. (وإن قال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه، وقال المشتري لا أسلم) الثمن (حتى أقبض المبيع و) الحال أن (الثمن عين) أي معين (من نقد أو عرض جعل بينهما عدل) ينصبه الحاكم (يقبض منهما ثم يسلم إليهما) قطعا للنزاع لأنهما استويا في تعلق حقهما بعين الثمن والمثمن. (فيسلم) العدل (المبيع أولا ثم الثمن) لجريان العادة بذلك، (ومن امتنع منهما) أي من البائع والمشتري (من تسليم ما عقد عليه) من مبيع أو ثمن، (مع إمكانه) تسليمه (حتى تلف ضمنه كغاصب) لتعديه بمنعه. وأيهما بد بالتسليم أجبر الآخر. (وإن كان) الثمن (دينا حالا فنصه: لا يحبس) البائع (المبيع على قبض ثمنه) لأن حق المشتري تعلق بعين المبيع، وحق البائع تعلق بالذمة. فوجب تقديم ما تعلق بالعين كتقديم حق المرتهن على سائر الغرماء، (فيجبر بائع على تسليم مبيع ثم) يجبر (مشتر على تسليم ثمنه الحال إن كان معه في المجلس) لأنه غني ومطله ظلم. (ويجبر بائع على تسليم مبيع في) ما إذا باع بثمن (مؤجل) ولا يطلب بالثمن حتى يحل أجله، (وإن كان) الدين الحال (غائبا عنه) أي عن المجلس (في البلد حجر) الحاكم (على مشتر في المبيع و) في (بقية ماله من غير فسخ) للبيع (حتى يحضر) المشتري (الثمن) كله يسلمه للبائع لئلا يتصرف في ماله
278 تصرفا يضر البائع. (وكذا إن كان) ماله (خارجه) أي خارج البلد (دون مسافة القصر) لأنه في حكم البلد (وإن كان) الثمن (أو بعضه مسافته) أي مسافة قصر (فصاعدا أو) كان (المشتري معسرا ولو ببعض الثمن فللبائع الفسخ في الحال) لأن في التأخير ضررا عليه. (و) له (الرجوع في عين ماله) بعد الفسخ (كمفلس) إذا باعه جاهلا بالحجر عليه، له الفسخ والرجوع بعين ماله كما يأتي في الحجر. وقوله: في الحال يعني إنه لا يلزمه أن ينظره ثلاثة أيام لأن الفسخ يكون فورا بل هو على التراخي كخيار العيب كما تقدم، لأنه لاستدراك ظلامة. (وإن كان) المشتري (موسرا مماطلا) بالثمن (فليس له) أي البائع (الفسخ) لأن ضرره يزول بحجر الحاكم عليه ووفائه من ماله. (وقال الشيخ: له) أي البائع (الفسخ) إذا كان المشتري مماطلا دفعا لضرر المخاصمة. (قال في الانصاف: وهو الصواب). قلت خصوصا في زماننا هذا. (وكل موضع قلنا له الفسخ) في البيع (فإنه يفسخ بغير حكم حاكم) وفي النكاح تفصيل يأتي بيانه. (وكل موضع قلنا يحجر عليه فذلك إلى الحاكم) لأنه يحتاج لنظر واجتهاد. (وكذا) حكم (مؤجر بنقد حال) على ما تقدم تفصيله (وإن هرب المشتري قبل وزن الثمن وهو) أي المشتري (معسر) بالثمن أو بعضه (فللبائع الفسخ في الحال) كما لو لم يهرب. (وإن كان) المشتري (موسرا) وهرب قبل دفع الثمن. (قضاه الحاكم من ماله إن وجد) له مالا. (وإلا باع المبيع وقضى ثمنه منه) وحفظ الباقي لأن للحاكم ولاية مال الغائب كما يأتي في القضاء. (وليس للبائع) إذا باع أمة (الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن لأجل الاستبراء) لتعلق حق المشتري به، وانتقال ملكه إليه (ولو طالب المشتري البائع بكفيل لئلا تظهر) الأمة المبيعة (حاملا لم يكن له) أي للمشتري (ذلك) إن لم يشترطه في صلب العقد. لأنه إلزام له بما لا يلزمه ولم يلتزمه. وإن أحضر المشتري بعض الثمن لم يملك أخذ ما يقابله إن
279 نقص الباقي بالتنقيص وقلنا للبائع حبس المبيع على ثمنه، وإلا فله أخذ المبيع. (وإن كان) البائع (بيع خيار لهما أو) خيار (لأحدهما) من بائع أو مشتر (لم يملك البائع مطالبته) أي المشتري (بالنقد) أي بالثمن نقدا كان أو عرضا، إن كان الثمن في ذمته، وإلا قبضه إن كان معينا وسواء كان الخيار خيار مجلس أو شرط، لأن من الخيار إن لم تنقطع علقه عن المبيع، (ولا) يملك (مشتر قبض مبيع في مدة خيار بغير إذن صريح من البائع) إن كان له خيار لان علقه لم تنقطع عن المبيع. فصل: في التصرف في المبيع (ومن اشترى شيئا بكيل أو وزن أو عد أو ذرع ملكه) بالعقد (ولزم) البيع (بالعقد) إن لم يكن فيه خيار كباقي المبيعات، (ولو كان) المبيع (قفيزا من صبرة أو) كان (رطلا من زبرة) حديد ونحوه، (ولم يصح) من المشتري (تصرفه فيه) أي فيما اشتراه بكيل أو وزن أو عد أو زرع. (قبل قبضه ولو) تصرف فيه مشتر (من بائعه) له (ببيع) متعلق بتصرفه أي لم يصح بيعه لنهيه عليه السلام عن بيع الطعام قبل قبضه. متفق عليه. وكان الطعام يومئذ مستعملا غالبا فيما يكال ويوزن وقيس عليهما المعدود والمذروع لاحتياجهما لحق توفية. (ولا) يصح التصرف فيه أيضا ب (- إجازة ولا هبة ولو بلا عوض ولا رهن ولو بعد قبض ثمنه ولا الحوالة عليه ولا) الحوالة (به ولا غير ذلك) من التصرفات، (حتى يقبضه) المشتري قياسا على البيع. والمراد بالحوالة عليه أو به صورة ذلك وإلا فشرط الحوالة كما يأتي أن تكون بما في ذمة على ما في ذمة. (ويصح عتقه) كما لو اشترى عشرة أعبد مثلا فأعتقها قبل قبضها، قال في المبدع قولا واحدا. (و) يصح أيضا (جعله مهرا ويصح الخلع عليه) لاغتفار الغرر اليسير
280 فيهما. (و) تصح (الوصية به) لأنها ملحقة بالإرث وتصح بالمعدوم، زاد بعضهم. وتزويجه فلو (قبضه) أي ما اشتراه بكيل أو وزن أو عد أو ذرع. (جزافا مكيلا كان أو نحوه) موزون ومعدود ومزروع (لعلمهما) أي المتعاقدين (قدره بأن شاهدا كيله ونحوه) من وزنه أو عده أو ذرعه. (ثم باعه) أي ما قبضه جزافا (به) أي بالكيل ونحوه الذي شاهده قبل (من غير اعتبار) لكيله أو وزنه أو عده أو ذرعه، (صح) تصرفه فيه لحصول المقصود به ولأنه مع علمهما قدره يسير كالصبرة المعينة. (وإن أعلمه) بائع (بكيله ونحوه) كوزنه وعده وذرعه. (فقبضه) المشتري جزافا (ثم باعه به) أي بالكيل ونحوه الذي أخبره به البائع. (لم يجز) أي لم يصح البيع قبل اعتباره لفساد القبض لعدم علمه قدره. (وكذا إن قبضه) أي المبيع بكيل أو نحوه (جزافا) ولم يعلما قدره لم يصح، (أو كان مكيلا فقبضه وزنا) أو موزونا فقبضه كيلا، (وإن قبضه) المشتري جزافا (مصدقا لبائعه بكيله ونحوه) كوزنه أو عده أو ذرعه، (برئ) البائع (من عهدته) بحيث لو تلف، كان من ضمان المشتري. (ولا يتصرف) فيه المشتري ببيع أو نحوه (قبل اعتباره لفساد القبض) كما تقدم فإن ادعى المشتري نقصا لم يقبل منه مؤاخذة له بتصديقه البائع (وإن لم يصدقه) أي يصدق المشتري البائع فيما ذكره من كيله ونحوه بأن قبضه مع سكوته (قبل قوله)، أي المشتري (في قدره) أي المبيع (إن كان المبيع) مفقودا (أو) كان (بعضه مفقودا أو اختلفا في بقائه على حاله)، وأنه لم يذهب منه شئ. (وإن اتفقا على بقائه على حاله وأنه لم يذهب منه شئ أو ثبت) ذلك (ببينة اعتبر بالكيل) أو الوزن أو العد أو الذرع ليزول اللبس. (فإن وافق) كيله ونحوه (الحق أو زاد) يسيرا (أو نقص يسيرا لا يتغابن الناس بمثله. فلا شئ على البائع) في صورة ما إذا نقص يسيرا. (والمبيع بزيادته للمشتري) في صورة الزيادة اليسيرة (وإن زاد) كثيرا (أو نقص كثيرا) نقصا لا (يتغابن بمثله) عادة (فالزيادة للبائع والنقصان عليه) أي على البائع. فإن كان المبيع قفيزا من صبرة مثلا تممه البائع منها. وإن وقع العقد على معين رد البائع قسط ما نقص من الثمن كما تقدم. (والمبيع بصفة) معينا كان أو في الذمة (أو برؤية سابقة) بزمن لا يتغير فيه المبيع غالبا (من ضمان البائع حتى
281 يقبضه مشتر)، لأنه تعلق به حتى توفية فأشبه المبيع بكيل أو نحوه. (ولا يجوز للمشتري التصرف فيه) أي فيما بيع بصفة أو رؤية سابقة. (قبل قبضه) ظاهره، ولو بعتق أو جعله مهرا ونحوه. ولعله غير مراد بل المراد التصرف السابق فأل للعهد. (ولو غير مكيل ونحوه) من موزون ومعدود ومذروع لما تقدم. (وإن تلف المكيل ونحوه) أي الموزون والمعدود والمذروع المبيع بالكيل ونحوه، (أو) تلف (بعضه بآفة) أي عاهة (سماوية) لا صنع لآدمي فيها (قبل قبضه) أي قبل قبض المشتري له (فهو من مال بائع) لأنه عليه السلام: نهى عن ربح ما لم يضمن. والمراد به ربح ما بيع قبل القبض قال في المبدع. لكن إن عرض البائع المبيع على المشتري فامتنع من قبضه ثم تلف كان من ضمان المشتري كما أشار إليه ابن نصر الله واستدل له بكلام الكافي في الإجازة. (وينفسخ العقد فيما تلف) بآفة سماوية مما بيع بكيل أو نحوه قبل قبضه سواء كان التالف الكل أو البعض لأنه من ضمان بائعه. (ويخير مشتر) إذا تلف بعضه وبقي بعضه، (في الباقي بين أخذه بقسطه من الثمن وبين رده) وأخذ الثمن كله لتفريق الصفقة وكذا لو تعيب البائع كما تقدم في خيار العيب. ومقتضى ما سبق هناك له الأرش وقطع في الشرح والمنتهى وغيرهما هنا لا أرش له. (فلو باع ما) أي مبيعا (اشتراه بما) أي ثمن (يتعلق به حق توفية من مكيل ونحوه) كموزون ومعدود ومذروع. (كما لو اشترى شاة أو شقصا بطعام) أي بقفيز مثلا من طعام، (فقبض) المشتري (الشاة وباعها) ثم تلف الطعام قبل قبضه. وقوله: فقبض الشاة. جرى على الغالب ولو باعها قبل القبض صح كما يأتي، والمسألة بحالها. (أو أخذ الشقص بالشفعة ثم تلف الطعام قبل قبضه انفسخ العقد الأول). لما تقدم (دون) العقد (الثاني) لأن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ لا
282 من أصله. (ولم يبطل الاخذ بالشفعة) لما ذكر (ويرجع البائع الأول على مشتري الشاة) منه بقيمتها (أو) يرجع على مشتري (الشقص بقيمة ذلك) لتعذر رده، (ويأخذ المشتري من الشفيع مثل الطعام) الذي اشترى به الشقص (لأنه الذي وقع عليه العقد، لتعذر الرد فيهما) أي في الشاة أو الشقص علة لقوله: ويرجع البائع الأول على مشتري الشاة أو الشقص بقيمة ذلك، (وإن أتلفه) أي المبيع بكيل أو نحوه آدمي، (غير مشتر بائعا كان) المتلف (أو غيره) أي غير البائع (خير مشتر بين الفسخ وأخذ الثمن) الذي دفعه إن كان. (وللبائع مطالبة متلفه ببدله) أي بمثلها إن كان مثليا وإلا فبقيمته لأنه لما فسخ المشتري عاد الملك للبائع فكان له الطلب على المتلف. (وبين إمضاء) البيع (وينقد هو) أي المشتري للبائع (الثمن) إن كان لم يدفعه (ويطالب) المشتري (متلفه) بائعا كان أو أجنبيا (بمثله) أي المتلف (إن كان مثليا وإلا فبقيمته) لأن الاتلاف كالعيب وقد حصل في موضع يلزم البائع ضمانه. فكان للمشتري الخيار كالعيب في المبيع وفارق ما إذا كان تلفه بآفة سماوية. لأنه لم يوجد ما يقتضي الضمان بخلاف ما إذا أتلفه آدمي، فإن إتلافه يقتضي الضمان بالبدل وحكم العقد يقتضي بالضمان بالثمن فكانت الخيرة للمشتري في التضمين بأيهما شاء. (وإتلاف مشتر) للمبيع (ولو) كان الاتلاف (غير عمد) كقبضه (و) إتلاف (متهب بإذنه) أي إذن واهب لا غصبه الموهوب فليس قبضا. فلا تلزم الهبة به لعدم إذن الواهب لكن تصرف الموهوب فبه يصح حتى قبل القبض على ما يأتي في الهبة. وكذا غصب مشتر ما يحتاج لحق توفيته ليس قبضا. فلا يصح تصرفه على ما في المنتهى وفيه نظر. (كقبضه ويستقر عليه) أي على المشتري إذا أتلف المبيع (الثمن) فينقده للبائع إن لم يكن دفعه. وإن كان دفعه فلا رجوع له به. (وكذا) أي كالمبيع بكيل ونحوه فيما تقدم من أحكام التلف والاتلاف (حكم ثمر على شجر قبل جذاذه) فهو من ضمان بائع حتى يجذه مشتر على ما يأتي في بيع الأصول والثمار. (ويأتي قريبا لو غصب) البائع (الثمن وإن اختلط) المبيع بكيل ونحوه (بغيره ولم يتميز لم ينفسخ) البيع لبقاء عين المبيع (وهما) أي المشتري ومالك ما اختلط به المبيع (شريكان في المختلط) بقدر ملكيهما ولمشتر الخيار. (وإن نما) المبيع (ولو بكيل أو نحوه في يد بائع قبل قبضه، ف) - النماء (للمشتري لأنه من ملكه وهو) أي النماء (أمانة في يد بائع
283 لا يضمنه) البائع (إذا تلف بغير تفريط) منه، ولو كان المبيع مضمونا لأن النماء غير معقود عليه (ولو باع شاة ب) - كيل معلوم من نحو (شعير فأكلته) الشاة (قبل قبضه. فإن لم تكن الشاة بيد أحد انفسخ البيع ك) - ما لو تلف ب (- الآفة السماوية) لأن التلف هنا لا ينسب إلى آدمي. (وإن كانت) الشاة (بيد المشتري أو بيد أجنبي ف) - الشعير (من ضمان من هي في يده) لأنه كإتلافه. فعلى مقتضى ما تقدم: إن كانت بيد البائع فكقبضه واستقر البيع. وإن كانت بيد المشتري أو أجنبي خير البائع بين الفسخ ويرجع فيها، وبين الامضاء ومطالبة من كانت بيده بمثله. (وما) ء أي مبيع (عدا مكيل ونحوه كعبد) معين (وصبرة) معينة (ونصفهما يجوز التصرف فيه قبل قبضه ببيع وإجارة وهبة ورهن وعتق وغير ذلك) لأن التعيين كالقبض (فإن تلف) المبيع بغير كيل ونحوه (فمن ضمان مشتر تمكن) المشتري (من قبضه أم لا) لقول ابن عمر: مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع رواه البخاري. (إذا لم يمنعه) أي المشتري (منه) أي من قبض المبيع (بائع) فإن منعه بائع كان من ضمانه لأنه كالغاصب، وتقدم. (ولمن اشترى) المبيع بغير كيل ونحوه (منه) أي من مشتريه قبل قبضه (المطالبة من شاء من البائع الأول) لأن ماله بيده (أو) البائع (الثاني) لأن عليه تسليم المبيع لمشتريه. (ويصح قبضه) أي المبيع (قبل نقد) أي بذل (الثمن وبعده ولو بغير رضا البائع) لأنه ليس له حبس المبيع على ثمنه كما تقدم. (ولو كان) المبيع (غير معين) بأن كان مشاعا كنصف عبد ودار، (والثمن الذي ليس في الذمة كمثمن) في كل ما سبق من أحكام التلف وجواز القبض بغير إذن المشتري. (وما في الذمة) من ثمن ومثمن إذا تلف، (له أخذ بدله لاستقراره) فلا ينفسخ العقد بتلفه ولو مكيلا ونحوه، لأن المعقود عليه في الذمة لا عين التالف. (وحكم كل عوض ملك بعقد) موصوف بأنه (ينفسخ بهلاكه) أي العوض (قبل قبضه كأجرة معينة وعوض معين في صلح بمعنى بيع) بأن أقر له بدين أو عين وصالحه عن ذلك بعوض معين. (ونحوهما) كعوض هبة معين (حكم عوض في بيع) خبر قوله:
284 وحكم كل عوض (في جواز التصرف) إن كان مما لا يحتاج لحق توفية ونحوه، (ومنعه) أي التصرف إن كان كذلك بغير عتق وجعله مهرا ونحوه، (وكذا) حكم (ما) أي عوض (لا ينفسخ) العقد (بهلاكه قبل قبضه، كعوض طلاق، و) عوض (خلع، و) عوض (عتق على مال ومهر ومصالح به عن دم عمد، وأرش جناية وقيمة متلف ونحوه)، فلا يجوز التصرف فيه بغير نحو عتق قبل قبضه إن احتاج لحق توفية والإجاز. (لكن يجب) على من تلف ذلك بيده قبل إقباضه، (ب) - سبب (تلفه مثله) إن كان مثليا (أو قيمته) إن كان متقوما، لأنه من ضمانه حتى يقبضه مستحقه إلحاقا له بالبيع. (وإلا فسخ) بتلف ذلك قبل قبضه (وإن تعين ملكه) أي ملك إنسان (في موروث أو وصية أو غنيمة لم يعتبر) لصحة تصرفه فيه، (قبضة وله التصرف فيه قبله) أي القبض (لعدم ضمانه بعقد معاوضة) فملكه عليه تام لا يتوهم غرر الفسخ فيه. (كمبيع وكوديعة ومال شركة وعارية) لما تقدم، (وما قبضه شرط لصحة عقده كصرف وسلم) وربوي بربوي (لا يصح تصرف) من صار إليه أحد العوضين (فيه قبل قبضه) لأنه لم يتم الملك فيه. أشبه التصرف في ملك غيره. (ويحرم تعاطيهما عقدا فاسدا من) بيع أو غيره (فلا يملك) المبيع ونحوه (به) أي بالعقد الفاسد لأن وجوده كعدمه. (ولا ينفذ تصرفه) في المعقود عليه عقدا فاسدا لعدم ملكه غير العتق. ويأتي في الطلاق. (ويضمنه) القابض (و) يضمن (زيادته بقيمته) إن كان متقوما وإلا فبمثله (كمغصوب). ويضمن أجرة مثله ونقصه ونحوه كما تقدم. و (لا) يضمنه (بالثمن) لعدم انتقال الملك فيه. فصل: في قبض المبيع (ويحصل القبض فيما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع: بذلك) أي بالكيل أو الوزن
285 أو العد أو الذرع. لما روى عثمان مرفوعا: إذا بعت فكل. وإذا ابتعت فاكتل رواه أحمد. فلا يشترط نقله، (بشرط حضور مستحق أو نائبه) ككيله أو وزنه أو عده أو ذرعه. للخبر السابق. (فإذا ادعى) القابض (بعد ذلك) أي بعد أن كاله، أو وزنه أوعده، أو ذرعه بحضوره أو حضور نائبه (نقصان ما اكتاله أو اتزنه ونحوه) كالذي عده أو ذرعه. لم يقبل (أو) ادعى القابض (أنهما غلطا فيه) أي في الكيل ونحوه. (أو ادعى البائع زيادة) في المقبوض (لم يقبل قولهما) أي قول القابض في الأولين، ولا قول البائع في الأخيرة، لأن الظاهر خلافه. (ويأتي ذلك آخر السلم) مع زيادة (وتكره زلزلة الكيل) عند القبض. لاحتمال زيادة الواجب. قال في شرح المنتهى: ولان الرجوع في كيفية الاكتيال إلى عرف الناس في أسواقهم. ولم تعهد فيها، اه. وفيه نظر، بل عهد ذلك في بعض الأشياء فعليه لا تكره فيها كالكشك (ولو اشترى جوزا عددا معلوما، فعد في وعاء ألف جوزة، فكانت ملئه، ثم اكتال) باقي (الجوز بذلك الوعاء بالحساب فليس بقبض) للباقي لعدم عده (وتقدم) ذلك (في كتاب البيع. ويصح قبض وكيل من نفسه لنفسه) فمن عليه دين فدفع لربه شيئا. وقال: بعه واستوف حقك من ثمنه. ففعل جاز (إلا ما كان من غير جنس ماله) بأن باعه بغير جنس دينه. فلا يصح أن يستوفي من نفسه عوض دينه. لأنها معاوضة لم يوكل فيها. ويأتي (ويصح استنابة من عليه الحق للمستحق في القبض) لنفسه. فلو اشتريا قفيزا من صبرة فدفع ربها المكيل للمشتري، وأذنه أن يكتاله. ففعل: جاز لقيام الوكيل قيام موكله (ووعاؤه كيده) فلو اشترى منه مكيلا بعينه، ودفع إليه الوعاء. وقال: كله. فإنه يصير مقبوضا. قال في التلخيص: وفيه نظر (ولو قال) البائع للمشتري (اكتل من هذه الصبرة قدر حقك. ففعل) المشتري، بأن اكتال منها قدر حقه (صح) القبض لصحة استنابة من عليه الحق للمستحق.
286 كما تقدم (ويأتي لذلك تتمة آخر السلم) مفصلة (ولو أذن لغريمه في الصدقة عنه بدينه، أو) في (صرفه، أو) في (المضاربة به) أو شراء سلعة (لم يصح) الاذن، لأنه لا يملكه حتى يقبضه (ولم يبرأ) الغريم إذا تصدق به أو صرفه أو ضارب به ونحوه لعدم أدائه لربه. ويأتي في آخر السلم تتمة (ومؤنة توفية المبيع) والثمن ونحوهما (من أجرة كيل و) أجرة (وزن، و) أجرة (ذرع، و) أجرة (نقد على باذله) أي باذل المبيع أو الثمن (من بائع ومشتر) ونحوهما. لأن توفيته واجبة عليه. فوجب عليه مؤنة ذلك (كما أن على بائع الثمرة) حيث يصح بيعها (سقيها) لأن تسليمها إنما يتم به. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (والمراد بالنقاد) الذي تجب أجرته على الباذل نقاد الثمن ونحوه (قبل قبض البائع) ونحوه (له لان عليه) أي المشتري (تسليم الثمن صحيحا) وهذه طريقة (أما) أجرة النقد (بعد قبضه) أي قبض البائع الثمن، (ف) - هي (على البائع. لأنه ملكه بقبضه، فعليه أن يبين أنه معيب ليرده) ولا غرض للمشتري في ذلك، (وأجرة نقله) أي المبيع (على مشتر) لأن التسليم قد تم. وكذا غير المبيع أجرة نقله على قابضه. لأنه ملكه فمؤنته عليه (وما كان من العوضين) أي المبيع والثمن (متميزا لا يحتاج إلى كيل ووزن ونحوهما) كعد وذرع، كهذا العبد، أو هذه الصبرة (فعلى المشتري مؤنته) لأنه كمقبوض كما تقدم (ويتميز الثمن عن المثمن بدخول باء البدلية) فإذا باعه عبدا بثوب فالثمن الثوب، (ولو كان المثمن أحد النقدين) بأن باعه دينارا بثوب. فالثمن الثوب أيضا (ولو غصب البائع الثمن) غير المعين (أو أخذه بلا إذن) المشتري (لم يكن قبضا) لأنه غصب، لأن حقه لم يتعين في هذا بعينه (إلا مع المقاصة) بأن أتلفه، أو تلف بيده، وكان موافقا. لما له على المشتري نوعا وقدرا فيتساقطان (ولا ضمان على نقاد حاذق أمين في خطأه) متبرعا كان أو بأجرة إذا لم يقصر لأنه أمين. فإن لم يكن حاذقا أو كان غير أمين، فهو ضامن لتغريره (ويحصل القبض في صبرة) بنقلها. لحديث ابن عمر: كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا. فنهانا النبي (ص) أن نبيعه حتى ننقله رواه مسلم
287 (و) يحصل القبض (فيما ينقل) كالثياب والحيوان (بنقله) كالصبرة قال في الشرح والمبدع: فإن كان حيوانا فقبضه تمشيته من مكانه (و) يحصل القبض (فيما يتناول) وكالأثمان والجواهر (بتناوله) إذ العرف فيه ذلك (و) يحصل القبض (فيما عدا ذلك) المتقدم ذكره (من عقار) وهو الضيعة والأرض والبناء والغراس (ونحوه) كالثمر على الشجر (بتخليته مع عدم مانع) أي حائل، بأن يفتح له باب الدار أو يسلمه مفتاحها ونحوه. وإن كان فيه متاع للبائع. قال الزركشي: ويأتي عملا بالعرف (لكن يعتبر في جواز قبض مشاع بنقل) كنصف فرس أو بغير (إذن شريكه) في قبضه، لأن قبضه نقله. ونقله لا يتأتى إلا بنقل حصة شريكه والتصرف في مال الغير بغير إذن حرام. وعلم منه: أن قبض مشاع لا ينفل، كنصف عقار لا يعتبر له إذن شريك. لأن قبضه تخليته. وليس فيها تصرف (فيسلم) البائع (الكل) المبيع بعضه بإذن شريكه (إليه) أي إلى المشتري (ويكون سهمه) أي الشريك (في يد القابض أمانة) ذكره القاضي في المجرد، وفي الفنون: بل عارية (ويأتي في الهبة) مفصلا محررا. فإن أبى الشريك الاذن للبائع في تسليم الكل للمشتري قيل للمشتري: وكل الشريك في القبض. ليصل إلى مقصوده من قبض المبيع (فإن أبى) أن يوكل. أو أبى الشريك أن يتوكل (نصب الحاكم من يقبض) الكل جمعا بين الحقين، فيكون في يده لهما أمانة أو بأجرة. والأجرة عليهما (ولو سلمه) بائع (بلا إذن) شريكه (فالبائع غاصب) لحصة شريكه لتعديه بتسليمها بلا إذنه (فإن علم المشتري ذلك) أي أن البائع شريكا لم يأذن في تسليم حصته وتلفت العين بيده، (فقرار الضمان عليه) لحصول التلف بيده (وإلا) بأن لم يعلم أنه لم يأذن، (ف) - قرار الضمان (على البائع) لتغريره للمشتري، (وكذا إن جهل) المشتري (الشركة) أو علمها وجهل وجوب الاذن، ومثله يجهله. فقرار الضمان على البائع لما تقدم
288 (وفي المغني والشرح، في الرهن: لا يكفي هنا التسليم) أي تسليم المشترك بغير إذن الشريك، (إن قلنا استدامة القبض شرط) للزوم الرهن، كما هو المذهب لتحريم الاستدامة. فصل: (والإقالة للنادم مشروعة) أي مستحبة لحديث أبي هريرة مرفوعا: من أقال مسلما أقال الله عثرته يوم القيامة رواه ابن ماجة ورواه أبو داود. وليس فيه ذكر يوم القيامة (وهي) أي الإقالة (فسخ) للعقد لا بيع، لأنها عبارة عن الرفع والإزالة. يقال: أقالك الله عثرتك أي أزالها. وبدليل جوازها في السلم مع إجماعهم على المنع من بيعه قبل قبضه، ف (- تصح) الإقالة (في المبيع ولو قبل قبضه من مسلم وغيره) كمبيع في ذمة أو بصفة أو رؤية متقدمة. لأنها فسخ والفسخ لا يعتبر فيه القبض (و) تصح (في مكيل وموزون) ومعدود ومذروع بغير كيل ووزن وعد وذرع. لأنها فسخ (و) تصح الإقالة (بعد نداء الجمعة) الثاني ممن يلزمه الجمعة لما تقدم (و) تصح الإقالة (من مضارب وشريكه تجارة) سواء كانت شركة عنان أو وجوه (بغير إذن) شريكه (فيما اشتراه) شريكه (لظهور المصلحة) فيها (كما يملك) المضارب ونحوه (الفسخ بالخيار) لعيب أو نحوه (ومن وكل في بيع فباع) لم يملك الإقالة بغير إذن موكله (أو وكل في شراء فاشترى لم يملك الإقالة بغير إذن الموكل) لأنه لم يوكل في الفسخ، (وتصح) الإقالة (في الإجارة) كما تصح في البيع (و) تصح الإقالة (من مؤجر وقف إن كان الاستحقاق) كله (له) لأنه كالمالك له. وظاهره: إن كان الاستحقاق مشتركا أو لمعين غيره، أو كان الوقف على
289 جهة. لم تصح الإقالة. وعمل الناس على خلافه. وفي الفروع في الحج: من استؤجر عن ميت يعني ليحج عنه، إن قلنا تصح الإجارة. فهل تصح الإقالة، لأن الحق للميت؟ يتوجه احتمالان. قال في تصحيح الفروع: الصواب الجواز. لأنه قائم مقامه، فهو كالشريك والمضارب اه. وقياسها: جوازها من الناظر وولي اليتيم لمصلحة (و) تصح الإقالة (من مفلس بعد حجر) الحاكم عليه لمصلحة كفسخ البيع لخيار (و) تصح الإقالة ( بلا شروط بيع لمصلحة) من معرفة المقال فيه، ومن القدرة على تسليمه وتمييزه عن غيره. كما يصح الفسخ لخيار مع عدم ذلك. (ولو وهب والد ولده شيئا ثم باعه الولد)، أي باع ما وهبه له أبوه، (ثم رجع إليه) أي إلى الولد بإقالة (لم يمنع ذلك رجوع الأب) فيه كما لو رجع إلى الابن بفسخ الخيار، بخلاف ما لو رجع إلى الابن ببيع أو هبة. فإنه يمنع رجوع الأب، ويأتي (ولو باع أمة، ثم أقال فيها قبل القبض، أو بعده. ولم يتفرقا لم يجب) على البائع (استبراء) لعدم احتمال إصابة المشتري لها. والصحيح من المذهب: أنه يجب استبراؤها حيث انتفل الملك، ولو قبل القبض. قاله في تصحيح الفروع. (ولو تقايلا في بيع فاسد، ثم حكم حاكم بصحة) ذلك (العقد) الفاسد (لم ينفذ حكمه) لأن العقد ارتفع. فلم يبق ما يحكم به (ومؤنة رد المبيع بعد الإقالة لا تلزم المشتري) بخلاف الفسخ لعيب. فتلزمه مؤنة الرد، لأنه فسخ بالعيب قهرا على البائع، بخلاف الإقالة. فالفسخ منهما بتراضيهما (ويبقى) المبيع بعد الإقالة (في يده) أي يد المشتري (أمانة كوديعة) لحصوله في يده بغير تعديه (وتصح) الإقالة (بلفظها) بأن يقول: أقلتك، (و) تصح (بلفظ مصالحة. وظاهر كلام كثير من الأصحاب: و) تصح (بلفظ بيع، وما يدل على معاطاة) لأن المقصود المعنى فكل ما يتوصل به إليه أجزأ (خلافا للقاضي) في أن ما يصلح للعقد لا يصلح للحل وما يصلح للحل لا يصلح للعقد. (ولا خيار فيها) أي في الإقالة للمجلس. ولا لغيره. لأنها فسخ والفسخ لا يفسخ (ولا شفعة) بالإقالة. لأن المقتضى لها هو البيع ولم يوجد (ولا ترد) الإقالة (بعيب) في المقال فيه. لأن الفسخ لا يفسخ. ولا تصح الإقالة من العاقدين مع غيبة الآخر (ولو قال: أقلني ثم غاب) فأقاله في غيبته (لم تصح) مطلقا (لاعتبار رضاه). وحال الغائب مجهول. وذكر القاضي وأبو الخطاب في تعليقهما لو قال: أقلني، ثم دخل
290 الدار فأقاله على الفور. صح، إن قيل هي فسخ لا بيع، لأن البيع يشترط له حضور العاقدين في المجلس (ولا يحنث بها) أي الإقالة (من حلف) لا يبيع (أو علق طلاقا أو عتقا لا يبيع) فأقال لم يحنث. لأنها فسخ لا بيع. (ولا يبر بها) أي بالإقالة (من حلف بذلك) أي بالله أو بعتق أو طلاق، (ليبيعن) لما تقدم (وتصح) الإقالة (مع تلف ثمن لا لبيع) مع تلف مبيع، لتعذر الرد فيه (ولا) تصح أيضا (مع موت متعاقدين، أو أحدهما) كخيار المجلس والشرط (ولا) تصح أيضا (بزيادة على الثمن) المعقود به (أو قبض منه أو بغير جنسه) لأن مقتضى الإقالة رد الامر إلى ما كان عليه (والمالك باق للمشتري) لأنه شرط التفاضل فيما يعتبر فيه التماثل. فبطل كبيع درهم بدرهمين. وإن طلب أحدهما الإقالة وأبى الآخر. فاستأنفا بيعا. جاز بزيادة عن الثمن الأول ونقص عن الثمن الأول وبغير جنسه. وإذا وقع الفسخ بإقالة أو خيار شرط أو عيب أو تدليس أو نحوه. فهو رفع للعقد من حين الفسخ. لا من أصله كالخلع والطلاق، (فما حصل) في المبيع (من كسب أو نماء منفصل. فهو للمشتري) لحديث: الخراج بالضمان وكذا طلع تشقق، ولو لم يؤبر وثمرة ظهرت، فتكون للمشتري، ولا تتبع في الفسخ. لأنها في حكم المنفصلة. ويأتي توضيحه في بيع ا لأصول والثمار (و) الفسخ (في إجارة غبن فيها) رفع للعقد من أصله (كما تقد) في خيار الغبن، وتقدم ما فيه. باب الربا والصرف، وتحريم الحيل (الربا) مقصور، يكتب بالألف والواو والياء. وهو لغة الزيادة. قال تعالى: * (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) * أي علت وارتفعت. وقال: * (أن تكون أمة هي أربى من أمة) * أي أكثر عددا. وهو (محرم) إجماعا. لقوله تعالى:
291 * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * (وهو من الكبائر) لعده (ص) له في السبع الموبقات في الحديث المتفق عليه. وحكي عن ابن عباس وغيره إباحة ربا الفضل. لحديث: لا ربا إلا في النسيئة رواه البخاري. ثم رجع ابن عباس عنه، رواه الأثرم. وقاله الترمذي وابن المنذر. والحديث محمول على الجنسين. (وهو) شرعا (تفاضل في أشياء) كمكيل بجنسه، أو موزون بجنسه، (ونسأ في أشياء) كمكيل بمكيل وموزون بموزون، ولو من غير جنسه (مختص بأشياء) وهو المكيلات والموزونات، ورد الشرع بتحريمها. أي بتحريم الربا فيها (وهو) أي الربا (نوعان) أحدهما: (ربا الفضل. و) الثاني (ربا النسيئة. فأما ربا الفضل) أي الزيادة (فيحرم في كل مكيل) بيع بجنسه (و) في كل (موزون) بيع بجنسه لعدم التماثل. لما روى عبادة بن الصامت: أن النبي (ص) قال: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد. فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد رواه أحمد ومسلم. وعن أبي سعيد مرفوعا نحوه، متفق عليه. واختلف في العلة التي لأجلها حرم الربا في هذه الأصناف الستة. والأشهر عن إمامنا ومختار عامة الأصحاب: أن علة الربا في النقدين، كونهما موزوني جنس. وفي الأعيان الباقية: كونها مكيلات جنس، فيجر الربا في كل مكيل، أو موزون بجنسه. (ولو) كان (يسيرا لا يتأتى كيله، كتمرة بتمرة، أو تمرة بتمرتين) لعدم العلم بتساويهما في الكيل. (ولا) يتأتى (وزنه، كما دون الأرزة من الذهب والفضة) ونحوها لما تقدم. (مطعوما كان) المكيل أو الموزون (أو غير مطعوم) كالحبوب من بر وشعير وذرة ودخن وأرز وعدس، وباقلا وغيرهما. كحب الفجل والقطن والكتان وكالأشنان والنورة. وكالحرير والصوف والحناء والكتم، والحديد والنحاس والرصاص والذهب والفضة، ونحو
292 ذلك مما يكال أو يوزن. (فتكون العلة في النقدين: كونهما موزوني جنس) فتتعدى إلى كل موزوني جنس مما تقدم. (ويجوز إسلامهما) أي الذهب والفضة (في الموزون من غيرهما) كالحرير والصوف والحناء والكتان ونحوها، للحاجة. قال القاضي: القياس المنع، وإنما جاز للمشقة. (سوى ما فاته لا ربا فيه بحال. ولو قيل: هو مكيل لعدم تموله عادة) لاباحته في الأصل. قال في المبدع: وفيه نظر، إذ العلة عندنا ليست هي المالية. (ولا يجري) الربا (في مطعوم لا يكال ولا يوزن، كالمعدودات من التفاح والرمان والبطيخ والجوز والبيض ونحوها) فيجوز بيع بيضة وخيارة وبطيخة بمثلها. نص عليه، لأنه ليس مكيلا ولا موزونا، لكن نقل مهنا: أنه كره بيع بيضة ببيضتين. وقال: لا يصلح إلا وزنا بوزن لأنه مطعوم. (ولا) يجري الربا أيضا (فيما لا يوزن) عرفا (لصناعته) ولو كان أصله الوزن، غير المعمول من النقدين، كالمعمول من الصفر والحديد والرصاص ونحوه، (كالخواتم) من غير النقدين. (و) ك (- اللجم والأسطال والإبر والسكاكين والثياب والأكسية من حرير وقطن وغيرهما) كصوف وشعر ووبر. (فيجوز بيع سكين بسكينتين و) بيع (إبرة بإبرتين ونحوه. وكذا) يجوز بيع (فلس بفلسين) عددا، ولو نافقة. لأنها ليست بمكيل ولا موزون. أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن مجاهد قال: لا بأس بالفلس وبالفلسين يدا بيد. وأخرج عن حماد مثله. ونص أحمد: لا يباع فلس بفلسين، ولا سكين بسكينتين. (وجيد الربوي ورديئه) سواء (وتبره ومضروبه) سواء (وصحيحه ومكسوره في جواز البيع متماثلا) يدا بيد (وتحريمه متفاضلا) أو مع تأخير القبض (سواء) فلا تعتبر المساواة في القيمة، بل في معياره الشرعي من كيل أو وزن. فلا يجوز بيع مصنوع من الموزونات. لم تخرجه الصناعة عن الوزن بجنسه، (إلا بمثله وزنا) سواء ماثله في الصناعة أو لا. لعموم الحديث السابق. (وجوز الشيخ بيع مصنوع مباح) الاستعمال (كخاتم ونحوه بيع بجنسه بقيمته حالا. جعلا للزائد) عن وزن الخاتم، (في مقابلة الصنعة) فهو كالأجرة، (و) كذا جوزه أي بيع خاتم بجنسه بقيمته
293 (نساء ما لم يقصد كونها ثمنا) فإن قصد ذلك لم يجز للنسأ، (وقال) الشيخ: (وما خرج عن القوت بالصنعة كنسأ) ككلأ (فليس بربوي، وإلا) أي وإن لم يخرج عن القوت، (فجنس بنفسه) فيباع خبز بهريسة، على اختيار الشيخ. والمذهب ما يأتي من أنه لا يصح. وفي المغني والشرح: وإن قال للصائغ: صغ لي خاتما وزنه درهم، وأعطيك مثل زنته، وأجرتك درهمان. فليس ذلك بيع درهم بدرهمين. قال أصحابنا: وللصائغ أخذ الدرهمين أحدهما في مقابلة فضة الخاتم، والآخر أجرة له، في نظير عمله. وجزم بمعناه في المنتهى. (وجهل التساوي حالة العقد) على مكيل بجنسه أو على موزون بجنسه (كعلم التفاضل) في منع الصحة إذا اتحد جنس المكيل أو الموزون. (فلو باع بعضه) أي بعض الربوي (ببعض) من جنسه (جزافا) لم يصح (أو كان) الجزاف (من أحد الطرفين) كمد بر جزافا، (حرم) البيع (ولم يصح) لعدم العلم بالتساوي. (كقوله: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة) مكايلة صاع بصاع، (وهما) أي الصبرتان (من جنس واحد وهما) أي المتعاقدان (يجهلان كيلهما) أي كيل الصبرتين وهذا مثال للأولى، (أو) يجهلان (كيل إحداهما) أي إحدى الصبرتين، ويعلمان كيل الأخرى. وهذا مثال الثانية (وإن علما) أي المتعاقدان (كيلهما) أي كيل الصبرتين، (و) علما (تساويهما) في الكيل (صح) البيع للعلم بالتساوي، (وإن قال) البائع (بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة مكايلة صاعا بصاع أو) قال، (مثلا بمثل، فكيلتا. فبان تساويهما في الكيل. صح) البيع، (وإلا فلا) أي وإن لم يتساويا بأن زادت إحداهما على الأخرى بطل البيع، للتفاضل. (وإن كانتا) أي الصبرتان (من جنسين) كما لو كانت إحداهما شعيرا والأخرى باقلا. فقال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة. (مثلا بمثل. فكيلتا فكانتا سواء. صح البيع) لعدم المانع. (وإن تفاضلتا) أي زادت إحداهما على الأخرى. (فرضي صاحب الزيادة بدفعها إلى الآخر مجانا، أو رضي صاحب الناقصة بها مع نقصها. أقر العقد) لأن الحق لهما. فجاز ما
294 تراضيا عليه والجنس مختلف. فلم يضر التفاضل (وإن تشاحا فسخ) العقد بينهما. قطعا للنزاع، (ولا يباع ما أصله الكيل) كالحبوب والمائعات، (بشئ من جنسه وزنا. ولا) يباع (ما أصله الوزن) بشئ من جنسه (كيلا إلا إذا علم تساويهما في معياره) أي الأصل (الشرعي) لحديث أبي هريرة مرفوعا الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وزنا بوزن مثلا بمثل. فمن زاد أو استزاد فهو ربا رواه مسلم. وروى أبو داود من حديث عبادة مرفوعا البر بالبر مدين بمدين، والملح بالملح مدين بمدين، والشعير بالشعير مدين بمدين والتمر بالتمر مدين بمدين. فمن زاد أو ازداد فقد أربى فاعتبر الشارع المساواة في الموزونات بالوزن. وفي المكيلات بالكيل. فمن خالف ذلك خرج عن المشروع المأمور به، إذ المساواة المعتبرة فيما يحرم فيه التفاضل هي المساواة في معياره الشرعي. (فإن اختلف الجنس جاز بيع بعضه ببعض كيلا أو وزنا وجزافا متفاضلا) لقوله (ص): فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد. (كذهب بفضة و) ك (- تمر بزبيب و) ك (- حنطة بشعير و) ك (أشنان بملح و) ك (- جص بنورة ونحوه) كحديد بنحاس، وخز بكتان (والجنس: ما له اسم خاص يشمل أنواعا) أي الجنس هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها. (والنوع: هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها) وقد يكون النوع جنسا بالنسبة إلى ما تحته. والجنس نوعا بالنسبة إلى ما فوقه. والمراد هنا: الجنس الأخص والنوع الأخص. فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص فهو جنس. ثم مثله فقال: (كذهب) وأنواعه المغربي والدكروري، (وفضة) وأنواعها: الريال والبنادقة ونحوها، (وبر) وأنواعه: البحيري والصعيدي. (وشعير) كذلك (وتمر) وأنواعه: البرني والمقلي والصيحاني وغيرها. (وملح) وأنواعه المنزلاوي والدمياطي. (فكل شيئين فأكثر أصلهما واحد، فهما جنس واحد. وإن اختلفت مقاصدهما، كدهن ورد، و) دهن بنفسج، ودهن (زنبق، و) دهن (ياسمين ونحوها) كدهن
295 بان، (إذا كانت كلها من دهن واحد) كالشيرج (فهي جنس واحد) لاتحاد أصلها. وإنما طيبت بهذه الرياحين. فنسبت إليها فلم تضر أجناسا. (و) قد يكون الجنس الواحد مشتملا على جنسين، ك (- التمر يشتمل على النوى) وغيره، (وهما) أي النوى وما عليه (جنسان) بعد النزع، لأن كلا منهما اسم خاص يشمل أنواعا. (و) ك (- اللبن يشتمل على المخيض و) على (الزبد، وهما) أي المخيض والزبد (جنسان) لما تقدم، (فما داما) أي التمر والنوى أو المخيض والزبد (متصلين) اتصال خلقه (فهما جنس واحد) لاتحاد الاسم (وإذا ميز أحدهما عن الآخر صارا جنسين)، ولو خلطا يجوز التفاضل بينهما كما تقدم. وفروع الأجناس أجناس، كأدقة وأخباز وأدهان وخلول. لأن الفرع يتبع أصله. فلما كانت أصول هذه أجناسا وجب أن تكون هذه أجناسا إلحاقا للفروع بأصولها. فعلى هذا دقيق الحنطة جنس وخبزها جنس، ودقيق الشعير جنس وخبزه جنس، ودهن السمسم جنس، ودهن الزيتون جنس، وخل التمر جنس، وخل العنب جنس، وهكذا. فعسل النحل، وعسل القصب: جنسان. واللحم أجناس باختلاف أصوله لأنها فروع. هي أصول أجناس. فكانت أجناسا كالأخباز. (وكذلك اللبن) أجناس باختلاف أصوله. (فضأن ومعز نوعا جنس) لا يباع أحدهما بالآخر إلا مثلا بمثل يدا بيد. وكذا البقر والجواميس والبخاتي والعراب. (وسمين ظهر، و) سمين (جنب، ولحم أحمر جنس واحد) يتناوله اسم اللحم (والشحم، والألية والكبد والطحال) بكسر الطاء، يقال: هو لكل ذي كرش إلا الفرس، فلا طحال له. قاله في الحاشية. والرئة والرؤوس والأكارع والدماغ والكرش والمعى والقلب والجلود والأصواف والعظام ونحوها أجناس. لأنها مختلفة في الاسم والخلقة. فكانت أجناسا كبهيمة الأنعام. فلا يحرم التفاضل بين أجناسها. ولو شحما بلحم. لأنهما جنسان كالنقدين. (ويحرم بيع جنس منها بعضه متفاضلا) لما تقدم. لكن لكل واحد منها أجناس باختلاف أصوله فيجوز بيع رطل من رأس الضأن برطلين من رأس البقر كاللحم، (و) يحرم (بيع خل عنب بخل زبيب، ولو متماثلا) لانفراد خل الزبيب بالماء. (ويجوز بيع دبس ب) - دبس (مثله متساويا) لا متفاضلا. لاتحاد الجنس. ويصح بيع لحم بمثله من جنسه إذا نزع عظمه، وتساويا وزنا يدا بيد وإن اختلفا في الجنس. جاز التفاضل لما تقدم. (ولا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه) لما روى
296 مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب: أن النبي (ص): نهى عن بيع اللحم بالحيوان قال ابن عبد البر: هذا أحسن أسانيده. ولأنه مال ربوي بيع بما فيه من جنسه مع جهالة المقدار كالسمسم بالشيرج. (ويصح) بيع لحم (بحيوان غير جنسه) لأنه مال ربوي بيع بغير أصله وبغير جنسه. فجاز كما لو باعه بنقد. لكن يحرم بيعه نسيئة عند جمهور الفقهاء. ذكره الشيخ تقي الدين. (كبعير مأكول) أي كما يجوز بيع لحم بحيوان غير مأكول كحمار وبغل. (ولا يصح بيع حب بدقيقه، ولا) بيع حب (بسويقه) لأن كل واحد منهما مكيل. ويشترط في بيع المكيل بجنسه التساوي، وهو متعذر هنا، لأن أجزاء الحب تنتشر بالطحن، والنار وأخذت من السويق. (ولا) يصح بيع (دقيق حب) كبر (بسويقه) لان النار قد أخذت من السويق فهو كبيع الحنطة المقلية بالنية، (ولا) يصح بيع (خبز بحب كبر سويقه ولا خبز وزلابية وهريسة وفالوذج ونشا ونحوها) كسنبوسك وحريرة، (بحبه) لأن فيها ماء. فلا يتأتى العلم بالمماثلة، (ولا) يصح بيع خبز وما عطف عليه (بدقيقه) أو سويقه (كيلا ولا وزنا) لعدم العلم بالمماثلة. ولا يصح بيع نيئه بمطبوخه كخبز بعجين وحنطة مقلية بنيئة. لاخذ النار من أحدهما فتفوت الماثلة، (ولا) يصح بيع (أصله) أي أصل ربوي (بعصيره كزيتون بزيته ونحوه) كسمسم بشيرجه وحب كتان بزيته (ولا) بيع (خالصه) بمشوبه (أو مشوبه بمشوبه، كحنطة) خالصة أو فيها شعير (بحنطة فيها شعير، يقصد تحصيله أو فيها زوان أو تراب يظهر أثره) لانتفاء التساوي (إلا اليسير) أي إذا كان الشعير ونحوه يسيرا لا يقصد تحصيله، ولا يظهر أثره. فلا يمنع الصحة، لأنه لا يخل بالتماثل، (ولا يصح بيع عسل) خالص عن شمعه أو فيه شمعه، (بعسل فيه شمعه) لعدم العلم بالتماثل. (ولا) بيع (لبن بكشك) لأن اللبن فيه مقصود، فهو بيع لبن بلبن، ومع أحدهما غيره. (ولا) بيع (حب جيد بمسوس) لعدم العلم بالتماثل، (بل) يصح بيع الحب الجيد (بخفيف وعتيق) من جنسه إذا تساويا كيلا. لأنهما تساويا في معيارهما الشرعي. فلا يؤثر اختلافهما في القيمة. (ولا) يصح بيع (رطبه) أي رطب جنس ربوي (بيابسه ك) - بيع (الرطب بالتمر والعنب بالزبيب والحنطة المبلولة أو الرطبة باليابسة) لحديث سعد بن أبي وقاص: أن النبي (ص) سئل عن بيع الرطب بالثمر؟ فقال: أينقص
297 الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم فنهى عن ذلك رواه مالك وأبو داود. فعلل بالنقصان إذا يبس وهذا موجود في كل رطب بيع بيابسه. (إلا في العرايا. ويأتي) قريبا. فيصح بيع الرطب بالتمر فيها بشروطه. للحاجة الداعية إلى ذلك ويصح بيع دقيقه بدقيقه كيلا إذا استويا في النعومة. فإن اختلفا فالنعومة، لم يصح البيع. لعدم التساوي. وإن اختلف جنس الدقيقين صح كيف تراضيا عليه يدا بيد. (و) يصح بيع (مطبوخه) أي مطبوخ جنس ربوي (بمطبوخه) كخبز إذا استويا، وكسمن بسمن ولا تمنع زيادة أخذ النار من أحدهما أكثر من الآخر إذا لم يكثر أخذ النار من أحدهما لأنه لا يمنع من التساوي. فإن كثر منع الصحة لعدم التساوي، (وما فيه من الملح والماء غير المقصود لا يضر) أي لا يمنع الصحة (كالملح في الشيرج) فلا يصير كبيع مد عجوة ودرهم، لعدم قصد الماء والملح. فإن يبس الخبز ودق وصار فتيتا بيع بمثله في اليبوسة والدقة. (كيلا) لأنه بالدق انتقل من الوزن إلى الكيل، (فإن كان فيه) أي في المطبوخ (من غيره من فروع الحنطة مما هو مقصود كالهريسة والحريرة والفالوذج وخبز الأبازير فلا يجوز) أي الخبز المضاف إليه الأبازير المقصودة لا اليسيرة التي لا تقصد كما تقدم والخشكتانك (والسنبوسك ونحوه) كالكعك، فلا يجوز بيع بعضه ببعض كبيع هريسة بهريسة لأنه من مسألة مد عجوة ودرهم. ويأتي (ولا) يصح أيضا (بيع نوع منه بنوع آخر) كبيع خبز بهريسة أو هريسة بحريرة أو سنبوسكة بخشكتانكة لما تقدم، (ويجوز بيع الرطب) بمثله متساويا (و) بيع (العنب) بمثله متساويا (و) بيع (اللبأ) بمثله متساويا. واللبأ بوزن عنب مهموزا أول اللبن في النتاج. ذكره في الحاشية (و) بيع (الأقط) بمثله متساويا وبيع الجبن بمثله متساويا (و) بيع (السمن ونحوه بمثله متساويا) لما تقدم، (والتساوي بين الأقط و الأقط) بالكيل (وبين الرطب والرطب بالكيل) لأنه معيارهما الشرعي. (و) التساوي بين الجبن والجبن بالوزن لأنه لا يمكن كيله. وكذلك العنب والزبد والسمن. فهي موزونة لا يمكن كيلها. قلت ومثله العجوة إذا تجبلت فتصير من الموزون لأنه لا يمكن كيلها. ويصح
298 بيع خبز حب كبر بخبزه إذا تساويا، (و) بيع (نشائه بنشائه إذا استويا في النشاف أو الرطوبة وزنا متساويا) فإن اختلفا لم يصح للتفاضل، (وفي المبهج: لا يجوز بيع فطير بخمير) ولعل مراده إذا لم يتساويا في النشاف أو الرطوبة. فيوافق كلام الأصحاب. ويصح بيع عصير جنس بعصيره كعصير عنب بعصير عنب، ولو مطبوخين إذا استويا كما تقدم. فإن كان أحدهما مطبوخا دون الآخر لم يصح البيع كما تقدم، (و) يصح بيع (رطب برطبه) بسكون الطاء، أي رطب جنس ربوي برطبه من عنب ورطب ونحوهما، كمشمش وتوت بيع بمثله من جنسه متساويا. (ولا يصح بيع زبد بسمن) لأنه كبيع مشوب بخالص لفوات التساوي. (ويجوز أن) أي يجوز بيع الزبد والسمن (بمخيض) يدا بيد لاختلاف الجنس، و (لا) يجوز بيع سمن أو زبد (بلبن) لأنه أصلهما. ولا يباع فرع بأصله كما تقدم، (و) لا بيع السمن أو الزبد ب (- فروعه) أي فروع اللبن، (كاللبأ ونحوهما) من جبن أو أقط ونحوه. (ولا) يصح (بيع لبن بمخيض) لأن المخيض فرع اللبن. (ولا) يصح (بيع أصل بفرعه أو جامد) أي لا يصح بيع لبن بلبن جامد، لعدم طريق العلم بالتساوي، (أو) أي لا يصح بيع لبن (بمصل أو جبن أو أقط) لأنه بيع أصل بفرعه. (ولا يصح بيع المحاقلة) لقول أنس: نهى النبي (ص) عن المحاقلة، رواه البخاري. والنهي يقتضي التحريم والفساد. (وهو) أي بيع المحاقلة (بيع الحب المشتد في سنبله بحب من جنسه). لأن الحب إذا بيع بجنسه لا يعلم مقداره بالكيل، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل. والمحاقلة: من الحقل. وهو الزرع إذا تشعب قبل أن تغلظ سوقه. (ويصح) بيع الحب المشتد في سنبله (بغير جنسه مكيلا كان أو غيره) لأنه إذا اختلف الجنس جاز البيع. كيف شاء المتبايعان يدا بيد. (ولا) تصح (المزابنة) لقول ابن عمر: نهى النبي (ص) عن المزابنة متفق عليه. (وهي) أي المزابنة بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر. والزبن لغة: الدفع الشديد، ومنه وصفت الحرب بالزبون، لشدة الدفع فيها. وسمي الشرطي زبينا، لأنه يدفع الناس بشدة وعنف، إلا في العرايا (التي رخص فيها) أي رخص
299 فيها (ص)، رواه أبو هريرة وزيد بن ثابت وسهل بن أبي حثمة، متفق عليه. (وهي) أي العرايا جمع عرية. قال الجوهري: العرية النخلة يعريها رجلا محتاجا، فيجعل ثمرتها طعاما، فعيلة بمعنى مفعولة. وقال أبو عبيد. هي اسم لكل ما أفرد عن جملة سواء كان للهبة أو البيع أو الاكل. وقيل: سميت به لأنها معروية من البيع المحرم أي مخرجة منه، (بيع الرطب في رؤوس النخل) لأن الرخصة وردت في بيعه على أصوله للاخذ شيئا فشيئا لحاجة التفكه. روي عن محمود بن لبيد قال: قلت لزيد: ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي (ص) أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا، وعندهم فضول من التمر. فرخص لهم: أن يتبايعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطبا، متفق عليه. (خرصا بماله) أي بما يؤول إليه الرطب، (يابسا) لا أقل ولا أكثر. لأن الشارع أقام الخرص مقام الكيل. ولا يعدل عنه كما لا يعدل عن الكيل فيما يشترط فيه الكيل (بمثله من التمر) فلا يجوز بيعها بخرصها رطبا، ولا بزيادة عن خرصها أو أنقص منه (كيلا) أي يكون التمر المشترى به كيلا (معلوما لا جزافا) لقوله في الحديث: رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا، ولان الأصل اعتبار الكيل من الجانبين. سقط في أحدهما، وأقيم الخرص مقامه للحاجة. فيبقى الآخر على مقتضى الأصل. (فيما دون خمسة أوسق) لقول أبي هريرة: إن النبي (ص) رخص في العرايا أن تباع بخرصها فيما دون خمسة، أو خمسة أوسق متفق عليه. شك داود بن الحصين أحد رواته. فلا يجوز في الخمس لوقوع الشك فيها (لمن به حاجة إلى أكل الرطب) لما تقدم من الحديث. وما جاز للحاجة لا يجوز عند عدمها. كالزكاة للمساكين، (ولا نقد معه) أي مع المشتري لما تقدم في حديث زيد. (فيصح) بيع العرايا بهذه الشروط. (ولو) كان ثمر النخل أي الرطب الذي على رؤوس النخل (غير موهوب لبائعه) أي لا يشترط في العرية أن تكون موهوبة لبائعها خلافا للخرقي وصاحب التلخيص. (فإن كان) الرطب في العرية. وفي نسخ: فإن كانت أي العرية (خمسة أوسق فأكثر بطل) البيع (في الجميع) لما تقدم من حديث أبي هريرة. (ويشترط فيها) أي في
300 العرايا (حلول وقبض من الطرفين في مجلس بيعها. فالقبض في نخل بتخليته) أي تخلية البائع بين المشتري وبينه، (و) القبض (في تمر بكيله) لما تقدم. (ولو أسلم أحدهما) ما عليه (ثم مشيا معا إلى الآخر فتسلمه. صح) البيع، لعدم التفرق قبل القبض، (ولو باع رجل عارية من رجلين فأكثر وفيها) أي في معرية (أكثر من خمسة) أوسق (جاز) البيع حيث كان ما أخذه كل واحد دون خمسة أوسق (فلا ينفذ) البيع (في حق البائع) بخمسة أوسق، (بل ينفذ في حق المشتري. وإن اشترى) إنسان (عريتين فأكثر من رجلين فأكثر، وفيهما أقل من خمسة أوسق جاز) البيع لوجود شرطه. وإن كان فيهما خمسة أوسق فأكثر لم يجز، (ولا يجوز بيع العرية لغني) معه نقد يشتري به. لمفهوم ما تقدم. (ولو باعها) أي العرية لواهبها تحرزا من دخول صاحب العرية، أو من دخول غيره لا لحاجة الاكل لم يجز لما سبق، (أو اشتراها) أي العرية (ب) - مثل (خرصها رطبا لم يجز) لما سبق، (ولو احتاج) إنسان (إلى أكل التمر ولا ثمن معه إلا الرطب لم يبعه به) أي بالتمر. (فلا تعتبر حاجة البائع) لأن الرخصة لا يقاس عليها، وقال أبو بكر والمجد: بجوازه. وهو بطريق التنبيه، لأنه إذا جاز مخالفة الأصل لحاجة التفكه فلحاجة الاقتيات أولى. والقياس على الرخصة جائز إذا فهمت العلة. (ولا يباع الرطب الذي على الأرض بتمر) للنهي عنه كما سبق. ولا تصح في سائر الثمار اقتصارا على مورد النص، وغيرها لا يساويها في الحاجة، وفي الترمذي من حديث رافع وسهل مرفوعا: أنه نهى عن المزابنة التمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم. وعن بيع العنب بالزبيب. (ولا يصح بيع ربوي بجنسه ومع أحدهما أو معهما) أي الثمن والمثمن. (من غير جنسهما كمد عجوة ودرهم بمثلهما) أي بمد عجوة ودرهم. ولو كان الدرهمان والمدان من نوع واحد. (أو بمدين) من عجوة أو بدرهمين، نص عليه. وتسمى مسألة مد عجوة ودرهم، ولو كان الدرهمان المدان من نوع. ولما روى فضالة بن عبيد قال: أتي النبي (ص) بقلادة فيها خرز وذهب ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة. فقال له النبي (ص): لا، حتى تميز ما
301 بينهما، قال: فرده، رواه أبو داود. وفي لفظ مسلم: أن النبي (ص) أمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده. ثم قال لهم: الذهب بالذهب وزنا بوزن. وللأصحاب في توجيه البطلان مأخذان. أحدهما: وهو مأخذ القاضي وأصحابه أن الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفي القيمة انقسم الثمن على قدر قيمتهما. كما لو اشترى شقصا وسيفا. فإن الشفيع يأخذ الشقص بقسطه منه، وهذا يؤدي هنا إما إلى العلم بالتفاضل، أو إلى الجهل بالتساوي، وكلاهما يبطل العقد. فإنه إذا باع درهما ومدا يساوي درهمين بمدين يساويان ثلاثة دراهم، كان الدرهم في مقابلة ثلثي مد. ويبقى مد في مقابلة مد وثلث، وذلك ربا. فلو فرض التساوي كمد يساوي درهما ودرهم بمد يساوي درهما ودرهم، لم يجز. لأن التقويم ظن وتخمين، فلا يتحقق معه المساواة. والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل. وضعف هذه الطريقة ابن رجب، قال: لأن التقسيم هو قسمة الثمن على قيمة المثمن، لا أجزاء أحدهما على قيمة الآخر. والمأخذ الثاني: سد ذريعة الربا لئلا يتخذ ذلك حيلة على الربا الصريح، كبيع مائة درهم في كيس بمائتين، جعلا للمائة في مقابلة الكيس، وقد لا يساوي درهما. وفي كلام الامام إيماء إلى هذا المأخذ. (ولو دفع إليه) أي إلى آخر (درهما وقال: أعطني) بنصف هذا الدرهم نصف درهم وبنصفه الآخر فلوسا، أو حاجة كخبز ونحوه جاز. (أو) دفع إليه درهما وقال: أعطني (بالدرهم نصفا وفلوسا ونحوه) كما لو دفع درهمين وقال: أعطني بأحدهما لحما وبالآخر نصفين ففعل (جاز)، وصح (كما لو دفع إليه درهمين وقال: أعطني بهذا الدرهم فلوسا. وبالآخر نصفين) وفعل، فإنه يجوز لوجود التساوي. ولان ذلك بمنزلة عقدين، أحدهما: (صرف نصف) الدرهم أو صرف الدرهم بنصفين، والآخر: بيع الفلوس أو الحاجة بالنصف أو الدرهم الآخر. فليس من مسألة مد عجوة (وإن باع نوعي جنس) بنوع منه أو نوعين جاز، كتمر معقلي وإبراهيمي ببرني، أو ببرني وصيحاني مثلا بمثل يدا بيد، (أو) باع (نوعا بنوع منه) أي من جنس واحد (أو) باع نوعا ب (- نوعين) من جنس كدينار قراضة. وهي قطع ذهب أو فضة بدينار صحيح، (أو) باع (قراضة وصحيحا بصحيحين أو بقراضتين، أو حنطة حمراء وسمراء ببيضاء أو تمرا برنيا ومعقليا بإبراهيمي ونحوه صح)
302 البيع في هذه الصور وما أشبهها. لأن الشارع اعتبر المثلية في ذلك. فدل على الإباحة عندها. وهي في الموزون وزنا وفي المكيل كيلا، والجودة ساقطة هنا. أشبه ما لو اتفق النوع. (وما لا يقصد عادة ولا يباع مفردا كذهب مموه به سقف دار) كالمعدوم، (فيجوز بيع الدار) المموه سقفها بذهب (بذهب) وبدار مثلها سقفها مموه بذهب لأن الذهب في السقف غير مقصود ولا مقابل بشئ من الثمن. (وكذا ما لا يؤثر في كيل أو وزن فيما بيع بجنسه لكونه يسيرا، كالملح فيما يعمل فيه) كخبز وجبن وكحبات الشعير في الحنطة. ولو كان في أحدهما دون الآخر، لأنه غير مقصود. فيجوز بيع رغيف برغيف مثله ورطل من جبن برطل من جبن. وكذا إن كان غير المقصود (أو كثيرا إلا أنه لمصلحة المقصود كالماء في خل التمر وخل الزبيب ودبس التمر، فلا يمنع من بيعه). أي ما ذكر من الخل الدبس (بمثله)، فيجوز بيع خل التمر بخل الثمر، وخل الزبيب بخل الزبيب ودبس التمر بدبس التمر، مثلا بمثل يدا بيد. ولا أثر لما فيه من الماء لأنه غير مقصود، و (لا) يجوز (بيعه) أي خل الزبيب (بخل العنب لأنه كبيع التمر بالرطب) وهو غير جائز لما تقدم. (وإن كان) غير المقصود (كثيرا. وليس من مصلحته) أي مصلحة ما أضيف إليه (كاللبن المشوب بالماء) إذا بيع (بمثله، والأثمان المغشوشة) إذا بيعت (بغيرها) أي بأثمان خالصة من جنسها (لم يجز) للعلم بالتفاضل، (وإن باع دينارا) أو درهما (مغشوشا بمثله) أي بدينار أو درهم مغشوش، والغش فيهما، أي في الثمن والمثمن متفاوت أو غير معلوم المقدار. لم يجز، لأن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل. وإن علم التساوي في الذهب الذي في الدينار، (وعلم تساوي الغش الذي فيها جاز) بيع أحدهما بالآخر، (لتماثلهما في المقصود) وهو الذهب (و) لتماثلهما (في غيره) أي الغش وليست من مسألة مد عجوة، لكون الغش غير مقصود. فكأنه لا قيمة له كالملح في الخبز على ما تقدم. قال في الرعاية: وكذا يعني ما لا يقصد عادة: ثوب طرازه ذهب لا يمنع من البيع بجنسه أي بثوب طرازه ذهب. (ولا يمنع بيع نخلة عليها رطب أو تمر بمثلها) أي نخلة عليها رطب أو تمر، (أو) بيع نخلة عليها رطب أو تمر
303 (برطب) أو تمر، ويأتي بيع العبد ذي المال آخر باب بيع الأصول والثمار، (ولا يصح بيع تمر منزوع النوى بما) أي بتمر (نواه فيه، لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه، وكذا إن نزع النوى) من التمر (ثم باع النوى والتمر المنزوع نواه بنوى وتمر لم يصح) البيع لان التبعية قد زالت فصار كمسألة مد عجوة. (وإن باع) تمرا (منزع النوى ب) تمر (منزوع النوى جاز البيع للتساوي، كما لو كان في كل واحد منهما نواه. ويصح ويصح بيع نوى بتمر فيه نوى متساويا ومتفاضلا) لأن النوى في التمر غير مقصود أشبه ما لو باع دارا موه سقفها بذهب بذهب (و) يصح بيع لبن بشاة ذات لبن وبيع صوف بنعجة عليها صوف، حية كانت النعجة أو مذكاة، لأن اللبن في الشاة والصوف عليها غير مقصود، كالنوى في التمر. (و) يصح بيع (درهم فيه نحاس بنحاس) لأن النحاس في الدرهم غير مقصود (أو) أي ويصح بيع درهم فيه نحاس، (بمثله) أي بدرهم فيه نحاس (متساويا) أي إذا تساوى ما فيهما من الفضة والنحاس لكون النحاس فيهما غير مقصود. ويصح بيع ذات لبن بذات لبن: لان الصوف واللبن بها غير مقصود. أشبه الملح في الخبز أو الشيرج ويصح بيع تراب معدن وصاغة بغير جنسه، (ومرجع الكيل: عرف المدينة) على عهد النبي صلى الله عليه وسلم (و) مرجع (الوزن: عرف مكة على عهد النبي (ص)) لما روى عبد الملك بن عمير أن النبي (ص) قال: المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة وكلامه (ص) إنما يحمل على تبيين الاحكام. فما كان مكيالا بالمدينة في زمنه (ص) انصرف التحريم بتفاضل الكيل إليه. فلا يجوز أن يتغير بعد ذلك، وهكذا الموزون، (وما لا عرف له بهما)، أي بمكة والمدينة (اعتبر عرفه في موضعه). لأن ما لا حد له في الشرع يرجع فيه إلى العر ف كالحرز والقبض. (فإن اختلفت البلاد) التي هي مواضعه (اعتبر الغالب) منها (فإن لم يكن) غالب (رد إلى أقرب الأشياء به شبها بالحجاز) لأن الحوادث ترد إلى أشبه المنصوص عليه بها. وقوله (فإن تعذر رده) إلى أقرب الأشياء به شبها بالحجاز (رجع إلى عرف بلده) مبني على الوجه الثاني في أن ما لا عرف له
304 بمكة والمدينة يرد إلى أقرب الأشياء به شبها بالحجاز، كما نقله في الانصاف عن الحاوي وغيره. وليس مبنيا على المذهب. لأن رده إلى ذلك على المذهب إنما هو إذا لم يكن له عرف ببلده (والبر والشعير مكيلان) وكذا الأقط. وكذا الدقيق والسويق وسائر الحبوب والأبازير والإشنان. وكذا الجص والنورة. ويأتي في السلم أنه يسلم فيهما وزنا (ونحوهما) أي نحو الجص والنورة وكذا التمر والرطب والبسر وباقي تمر النخل. وسائر ما يجب فيه الزكاة من الثمار مثل الزبيب والفستق والبند واللوز والبطم والعناب والمشمش والزيتون والملح، والمائع كله من لبن وخل وزيت وشيرج وسائر الادهان. وجعل في الروضة العسل موزونا. (ويجوز التعامل بكيل لم يعهد) أي لم يتعارف (ومن الموزون الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والزئبق والكتان والقطن والحرير والقز والشعر والوبر) والصوف (والغزل واللؤلؤ والزجاج والطين الأرمني الذي يؤكل دواء، واللحم والشحم والشمع والزعفران والعصفر، والدرس، والورس والخبز) إلا إذا يبس ودق وصار فتيتا فهو مكيل، وتقدم. (والجبن والعنب والزبد ونحوه) أي نحو ما ذكر. قال الموفق والشارح: يباح السمن بالوزن ويتخرج أن يباع بالكيل (وغير المكيل والموزون كالثياب والحيوان، والجوز والبيض والرمان والقثاء والخيار، وسائر الخضر والبقول، والسفرجل والتفاح والكمثري والخوخ ونحوه) كالإجاص وكل فاكهة رطبة، ذكره القاضي.
305 فصل: (وأما ربا النسيئة) من النساء بالمد، وهو التأخير، يقال: نسأت الشئ وأنسأته أخرته. وقد أشار إلى معناه الخاص هنا. فقال (فكل شيئين) من جنس أو جنسين (ليس أحدهما نقدا) ذهبا أو فضة وعلة ربا الفضل وهو الكيل والوزن كما تقدم. فيهما واحدة، كمكيل بمكيل من جنسه أو غيره (بأن باع مدبر بجنسه) أي ببر (أو) باع مدبر (بشعير ونحوه) كباقلا وعدس وأرز وموزون بموزون، بأن باع رطل حديد (بجنسه) أي بحديد (أو) باع رطل حديد (بنحاس ونحوه) كرصاص وقطن وكتان. (لا يجوز النساء فيهما) بغير خلاف نعلمه. قاله في الشرح لقوله (ص) في حديث أبي سعيد: ولا تبيعوا منها غائبا بناجز ولقوله (ص): الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء ومعناها على اختلاف لغاتها: خذ وهات. في الحال، يدا بيد (فيشترط) لصحة البيع في ذلك (الحلول والقبض في المجلس) لما ذكر. ثم إن اتحد الجنس اعتبر التماثل. وإلا جاز التفاضل كما تقدم (فإن تفرقا) أي المتعاقدان (قبله) أي قبل القبض من الجانبين (بطل العقد) لما تقدم من قوله (ص): فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد. والمراد به القبض (وإن كان أحدهما) أي أحد المبيعين (نقدا فلا) يحرم النساء. ولا يبطل العقد بتأخير القبض. ولو كان الثاني موزونا كبيع حديد أو نحاس أو نحوه بذهب أو فضة. قال في المبدع: بغير خلاف، لأن الشارع أرخص في
306 السلم. والأصل في رأس ماله: النقدان. فلو حرم النساء فيه لا نسد باب السلم في الموزونات غالبا، (ولو في صرف فلوس نافقة به) أي بنقد. فيجوز النساء واختاره الشيخ وغيره كابن عقيل وذكره الشيخ رواية. قال في الرعاية: إن قلنا هي عرض جاز، وإلا فلا خلافا لما في التنقيح من أنه يشترط الحلول والتقابض في صرف نقد بفلوس نافقة. والذي قاله في التنقيح قدمه في المبدع. وذكر في الانصاف: أنه الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. ونص عليه وقدمه في المحرر والفروع والرعايتين والحاويين والفائق اه. وجزم به في المنتهى. (وإن اختلفت العلة فيهما) أي في المبيعين (كما لو باع مكيلا بموزون جاز التفرق قبل القبض و) جاز (النساء) أي التأجيل لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل. أشبه الثياب بالحيوان. (وما كان مما ليس بمكيل ولا موزون، كثياب وحيوان وغيرهما يجوز النساء فيه) سواء بيع بجنسه، أو بغير جنسه (متساويا أو متفاضلا) لأمر النبي (ص) عبد الله بن عمر: أن يأخذ على قلائص الصدقة. فكان يأخذ البعير بالبعيرين، أي إلى إبل الصدقة رواه أحمد والدارقطني وصححه. وإذا جاز في الجنس الواحد ففي الجنسين أولى، (ولا يصح بيع كالئ بكالئ) بالهمزة فيهما وبعض الرواة يتركه تخفيفا. وهو بيع دين بدين مطلقا. لنهي النبي (ص): عن بيع الكالئ رواه أبو عبيد في الغريب، إلا أن الأثرم روى أن أحمد سئل: أيصح هذا الحديث؟ قال: لا، قاله في الشرح. (وله) أي لبيع الدين بالدين (صور. منها بيع ما في الذمة حالا من عروض وأثمان بثمن إلى أجل لمن هو) أي الدين (عليه أو) بيع ما في الذمة (لغيره) أي غير من عليه مطلقا، ومنها جعل رأس
307 مال السلم دينا بأن يكون له دين على آخر، فيقول: جعلت ما في ذمتك رأس مال سلم على كذا. (ومنها. لو كان لكل واحد من اثنين دين على صاحبه من غير جنسه) أي جنس دينه (كالذهب والفضة وتصارفا) هما، (ولم يحضرا شيئا) أي أحدهما أو هما فإنه لا يجوز سواء كانا حالين أو مؤجلين لأنه بيع دين بدين، فإن أحضر أحدهما أي أحد الدينين، (أو كان) أحد العوضين دينا والآخر، (عنده أمانة) أو غصب ونحوه (جاز) التصارف. ولم يكن بيع دين بدين، بل بعين وتصارفا على ما يرضيان به من السعر لأنه بيع فيجوز ما تراضيا به. لكن يأتي في الباب: إذا عوضه نقدا عن نقد آخر بذمته أنه يكون بسعر يومه (ولا يجبر أحدهما) أي المدينين (على سعر ما لا يريده) لأن البيع عن تراض فإن لم ينفقا على سعر أدى كل واحد ما عليه من الدين لأنه الأصل الواجب. (ولو كان لرجل على رجل دينار فقضاه دراهم) متفرقة (شيئا بعد شئ. فإن كان يعطيه كل) نقدة أمن (درهم) فأكثر (بحسابه من الدينار) بأن يقول: هذا الدرهم عن عشر دينار مثلا، وهذان الدرهمان عن خمسه. (صح) القضاء. لأنه بيع دين بعين، (فإن لم يفعل) ذلك بأن أعطاه وسكت (ثم تحاسبا بعد) إعطاء الدراهم (وصارفه بها وقت المحاسبة. لم يجز لأنه بيع دين بدين) وهو غير جائز كما تقدم. (وإن صارفه عما) استقر له (في ذمته ولو كان) ما له في ذمته (مؤجلا بعين مقبوضة بالمجلس صح) الصرف. ويأتي ذلك مفصلا. فصل: (في المصارفة وهي بيع نقد بنقد) اتحد الجنس أو اختلف. سميت بذلك لصريفهما وهو تصويتهما في الميزان. وقيل: لانصرافهما أي المتصارفين عن مقتضى البياعات من عدم جواز التفرق قبل القبض ونحوه. (والقبض في المجلس شرط لصحته) أي الصرف، حكاه ابن المنذر، إجماع من يحفظ عنه
308 من أهل العلم. ولقوله (ص): وبيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد (فإن طال المجلس) قبل القبض وتقابضا قبل التفرق جاز، (أو) تصارفا ثم (تماشيا مصطحبين إلى منزل أحدهما) فتقابضا (أو) تماشيا (إلى الصراف فتقابضا عنده جاز) أي صح الصرف. لان المجلس هنا كمجلس الخيار في البيع، ولم يتفرقا قبل القبض. ولا يطل الصرف بتخابر فيه. وقياسه سلم، وبيع نحو مد بر بمثله أو بشعير. فيصح العقد دون الشرط، كسائر الشروط الفاسدة (ويجوز) الصرف (في الذمم بالصفة) كصارفتك دينارا بعشرة دراهم. ويصف ذلك إن تعددت النقود، وإلا لم يحتج لوصفه وينصرف لنقد البلد. ويكفي القبض في المجلس وإن لم تكن معينة، (لأن المجلس كحالة العقد) لعموم ما سبق من قوله (ص): بيعوا الذهب الفضة كيف شئتم يدا بيد (فمتى افترقا قبل التقابض) من الجانبين بطل العقد لما سبق، (أو افترقا) أي المتعاقدان (عن مجلس) عقد (السلم قبل قبض) المسلم إليه (رأس ماله) أي السلم (بطل العقد) لما يأتي في السلم، (وإن قبض البعض فيهما) أي في الصرف والسلم (ثم افترقا كفرقة خيار المجلس) قبل تقابض الباقي (بطل) العقد (فيما لم يقبض فقط) لفوات شرطه (ولو وكل المتصارفان) من يقبض لهما، (أو) وكل (أحدهما من يقبض له فتقابض الوكيلان) أو تقابض أحد المتصارفين ووكيل الآخر (قبل تفرق الموكلين) أو قبل تفرق الموكل والعاقد الثاني الذي لم يوكل (جاز) العقد، أي صح. لأن قبض الوكيل كقبض موكله، (وإن تفرقا) أي الموكلان أو الموكل والعاقد الثاني (قبل القبض بطل الصرف، افترق الوكيلان أو لا) لتعلق القبض بالعقد. ولو تفرق الوكيلان ثم عادا بالمجلس وموكلاهما باقيان. لم يتفرقا إلى التقابض. صح العقد لما تقدم (ولو كان عليه دنانير)، أ (و) كان عليه (دراهم فوكل غريمه في بيع داره) أو نحوها (و) في (استيفاء دينه من ثمنها فباعها بغير جنس ما عليه) أي على رب الدار (لم يجز) للوكيل (أن يأخذ منها) أي من ثمن الدار (قدر حقه لأنه) أي المدين (لم يأذن له) أي للوكيل (في مصارفة نفسه) فإن أذن له في ذلك جاز.
309 فيتولى طرفي عقد المصارفة. (وإن مات أحد المتصارفين قبل التقابض بطل) العقد لعدم تمامه. لأن القبض هنا كالقبول في البيع. (لا) إن مات أحدهما (بعده) أي بعد التقابض وقبل التفرق، فلا يبطل العقد. لأنه قد تم ونفذ. (وإن تصارفا على عينين) أي معينين (من جنسين) كهذا الدينار بهذه الدراهم. (ولو بوزن متقدم) على العقد (أو) ب (- إخبار صاحبه) بأن وزن نقده كذا (وظهر غصب) أي إن أحد العوضين مغصوب، بطل العقد، لأنه باع ما لا يملكه. (أو) ظهر (عيب في جميعه) أي جميع أحد العوضين (ولو) كان العيب (يسيرا من غير جنسه كنحاس في الدراهم، و) ك (- المس) وهو نوع من النحاس (في الذهب. بطل العقد) لأنه باعه غير ما سمي له. فلم يصح كبعتك هذا البغل، فتبين أنه فرس. (وإن ظهر) الغصب أو العيب من غير الجنس (في بعضه)، بأن صارفه دينارين بعشرين درهما. فوجد أحد الدينارين مغصوبا أو به مس (بطل العقد فيه فقط) بما يقابله وصح في السلم بما يقابله. (فإن كان العيب من جنسه) أي جنس المعيب (كالسواد في الفضة والخشونة) فيها (وكونها تنفطر) أي تتشقق، (عند الضرب أو أن سكتها مخالفة لسكة السلطان. فالعقد صحيح) لأن العيب لا يبطل البيع، سواء ظهر العيب قبل التفرق أو بعده. (وله) أي لمن صار إليه المعيب (الخيار) بين الرد والامساك مع الأرش (فإن رده بطل) العقد، وليس له البدل. لأن العقد وقع على عينه. فإذا أخذ غيره أخذ ما لم يشتره، (وإن أمسكه) أي المعيب (فله أرشه في المجلس) من غير جنس السلم لئلا يفضي إلى مسألة مد عجوة. (وكذا) يجوز له أخذ الأرض (بعده) أي بعد المجلس (إن جعل) أي الأرش (من غير جنس الثمن) أي النقدين كبر أو شعير. لأنه لا يعتبر قبضه فيه إذا بيع بنقد. (وكذا سائر أموال الربا إن بيعت بغير جنسها) أي مما يشترط فيه القبض على ما تقدم بيانه. (فلو باع تمرا بشعير فوجد بأحدهما عيبا فأخذ أرشه درهما ونحوه) مما ليس بمكيل (جاز ولو بعد التفرق) من المجلس. لما تقدم. (وإن تصارفا في الذمة على جنسين) كدينار بعشرة دراهم وتقابضا ثم ظهر عيب في أحدهما. (والعيب من جنسه فإن وجد) أي علم العيب (فيه قبل التفرق. فالعقد صحيح. وله أخذ بدله) قبل التفرق
310 سليما. لأن العقد وقع على مطلق. والاطلاق يقتضي السلامة من العيب، (أو) أخذ (أرشه) أي العيب (قبل التفرق) من غير جنس السليم لما تقدم. (وإن وجد) أي علم (بعد التفرق لم يبطل العقد أيضا) كمن اشترى سلعة فوجدها معيبة. (وله إمساكه مع أرش) عيبه (و) له (رده وأخذ بدله في مجلس الرد) لأن قبض بدله يقوم مقامه. (فإن تفرقا قبل أخذ بدله في مجلس الرد بطل) العقد. لقوله (ص): لا تبيعوا غائبا منها بناجز (فلو ظهر بعضه) أي بعض أحد العوضين (معيبا فحكمه حكم ما لو وجد جميعه) معيبا. فله رد المعيب وأخذ بدله قبل التفرق أو إمساكه مع أرشه، (وإن كان) العيب (من غير جنسه) كالنحاس في الفضة والمس في الذهب، (فالعقد صحيح وله رده) أي المعيب (قبل التفرق وأخذ بدله) قبل التفرق (و) إن علم الغيب من غير الجنس (بعده) أي بعد التفرق (يفسد العقد) لأن قبضه كلا قبض، وقد تفرقا قبل التقابض. (وإن عين أحدهما) أي أحد العوضين في الصرف (دون) العوض (الآخر) كصارفتك هذا الدينار بعشرة دراهم، كذا. أو هذه الفضة بدينار مصري، (فلكل) من المعين وما في الذمة (حكم نفسه) إذا ظهر معيبا على ما سبق من التفضيل، (وكذا الحكم فيهما) أي في المعين. وما في الذمة (إذا كانت المصارفة) على شيئين من جنس واحد لكن لا أرش. (أو) كان (ما يجري فيه الربا من جنس واحد) كبر معين أو في الذمة ببر كذلك. (إلا أنه لا يصح أخذ أرش) مطلقا لئلا يؤدي إلى التفاضل، أو إلى مسألة مد عجوة. وإن تلف العوض في الصرف بعد القبض. ثم علم عيبه فسخ العقد. ويرد الموجود وتبقى قيمة المعيب في ذمة من تلف في يده فيرد مثلها أو عوضها إن اتفقا عليه، سواء كان الصرف لجنسه أو غير جنسه. ولا يجوز أخذ الأرش إلا إذا كان في المجلس والعوضان من جنسين. (ومتى صارفه) ثم أراد الشراء منه (كان له الشراء) منه (من جنس ما أخذ منه بلا مواطأة) بينهما على ذلك. لما روى أبو هرير وأبو سعيد: أن النبي (ص) استعمل رجلا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب. فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله. إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة. فقال النبي (ص): لا تفعل. بع التمر بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبا متفق
311 عليه. ولم يأمره أن يبيعه من غير من يشتري منه، ولو كان ذلك محرما لبينه له. (ولو اشترى فضة بدينار ونصف) دينار (ودفع) المشتري (إلى البائع دينارين ليأخذ قدر حقه منه) أي من المدفوع له وهو الديناران، (فأخذه) أي فأخذ البائع قدر حقه من الدينارين (ولو بعد التفرق صح) الصرف لحصول التقابض قبل التفرق. والذي تأخر إنما هو تمييز حقه من حق الآخر. (والزائد) من الدينارين (أمانة في يده) أي يد البائع لعدم المقتضى لضمانه، (ولو صارفه خمسة دراهم بنصف دينار فأعطاه دينارا) ليأخذ منه نصفه (صح) الصرف لوجود القبض، ولو تأخر التمييز حتى تفرقا. (ويكون نصفه له والباقي) من الدينار (أمانة في يده) أي يد قابض الدينار لما تقدم، (ويتفرقان) أي لهما أن يتفرقا قبل تمييز النصف، (ثم إن صارفه) أي صارف قابض الدينار صاحبه (بعد ذلك للباقي له منه) أي من الدينار جاز، (أو اشترى به) أي بالباقي من في الدينار (منه شيئا) جاز، (أو جعله) أي الباقي (سلما في شئ) جاز لأنه عين ماله وليس دينا، (أو وهبه) أي وهب دافع الدينار قابضه (إياه) أي الباقي منه (جاز)، لأنه تصرف من أهله في محله، (ولو اقترض) آخذ الدينار (الخمسة) دراهم (منه) أي من قابضها (وصارفه بها عن) النصف (الباقي) صح بلا حيلة (أو صارفه دينارا) بعشرة. فأعطاه الخمسة، (ثم اقترض منه ودفعها عن الباقي) من العشرة بذمته (صح) ذلك (بلا حيلة) أي مواطأة. فإن كان حيلة لم يصح لما يأتي، (ومن عليه دينار فقضاه دراهم متفرقة كل نقدة بحسابها من الدينار) بأن يقول له: هذا الدرهم عن عشر دينار وهذان الدرهمان عن خمسه مثلا وهكذا، (صح) ذلك (وإلا فلا) وإن أعطاه الدراهم مع السكوت ثم حاسبه بعد ذلك وصارفه بها. لم يصح لأنه بيع دين بدين. وتقدم قريبا (ويصح اقتضاء نقد من) نقد (آخر) لحديث ابن عمر: كنا نبيع الأبعرة بالبقيع بالدنانير ونأخذ عنها الدراهم، وبالدراهم ونأخذ عنها الدنانير. فسألنا النبي (ص) فقال: لا بأس أن تأخذوها بسعر يومها، ما لم تتفرقا وبينكما شئ رواه أبو داود
312 وابن ماجة. (إن أحضر أحدهما) أي أحد النقدين وإلا لم يصح، لأنه دين بدين. (أو كان) أحد النقدين (أمانة) أو غصبا (عنده) أي عند المقتضى، (و) النقد (الآخر في الذمة) وهو (مستقر) كثمن وقرض وأجرة استوفى نفعها، بخلاف دين كتابة وجعل قبل عمل، ونحوه مما لم يستقر (بسعر يومه) أي يوم الاقتضاء. لما تقدم في حديث ابن عمر وهذا الصحيح من المذهب. كما يدل عليه كلام الأصحاب هنا، بخلاف ما قدمه في الفصل قبل هذا. (ولا يشترط حلول) أي حلول ما في الذمة. فلو كان مؤجلا وقضاه عنه بسعر يوم القضاء جاز لأنه رضي بتعجيل ما في الذمة بغير عوض. (وإن كان) كل من النقدين (في ذمتيهما فاصطرفا) من غير إحضار أحدهما، (لم يصح) الصرف لأنه بيع دين بدين، (وتقدم بعضه) في مواضع. (ولو كان لرجل على رجل عشرة دنانير فوفاه) عشرة دنانير (نقدا. فوجدها أحد عشر) دينارا وزنا (كان الدينار الزائد في يد القابض مشاعا مضمونا لمالكه) المقبض، لان القابض قبضه على أنه عوض ماله. فكان مضمونا عليه. (وإن كان له عنده دينار وديعة فصارفه) أي صارف رب الدينار الوديع (به) أي بالدينار، (وهو) أي الدينار (معلوم بقاؤه أو مظنون) بقاؤه (صح الصرف) لانتفاء الغرر، (وإن ظن عدمه) أي الدينار (لم يصح) الصرف للغرر، (وإن شك فيه) أي في عدم الدينار (صح) الصرف لأن الأصل بقاؤه، (فإن تيقن عدمه) أي الدينار (حين العقد تبينا أن العقد وقع باطلا) لعدم المعقود عليه، ومن اشترى شيئا بنصف دينار لزمه شق. ثم إن اشترى آخر بنصف آخر، لزمه شق أيضا. ويجوز إعطاؤه عنهما صحيحا. لكن إن شرط ذلك في العقد الثاني أبطله. وقيل: لزوم الأول يبطلهما. (والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في جميع عقود المعاوضات كبيع وصلح بمعناه) أي بمعنى البيع بأن أقر له بدين أو عين وصالحه بدراهم أو دنانير معينة. (و) ك (- أجرة وصداق وعوض عتق وخلع وما صولح به عن دم عمد أو غيره) لأن الدراهم والدنانير أحد العوضين فتعينت
313 بالتعيين كالعوض الآخر. (ف) - على هذا (لا يصح ولا يجوز للمشتري) ونحوه (إبدالها) أي إبدال الدراهم المعينة أو الدنانير المعينة، (ويبطل العقد) أي البيع وما بمعناه (ب) - ظهور (كونها مغصوبة) كما لو ظهر المبيع مغصوبا. (ويملكها) أي الدراهم والدنانير المعينة بالعقد (بائع) ونحوه (بمجرد) العقد مع (التعيين) لها، (فيصح تصرفه) أي البائع ونحوه (فيها) أي في الدراهم والدنانير المعينة (قبل قبضها) إن لم تحتج إلى وزن أو عد (وإن تلفت) الدراهم أو الدنانير المعينة قبل قبضها (ف) - هي (من ضمانه)، أي البائع ونحوه إن لم تحتج لوزن أو عد كالمبيع المعين، (وإن وجدها البائع) أي الدراهم أو الدنانير المعينة (معيبة من غير جنسها)، بأن وجد في الدراهم نحاسا أو الدنانير مسا، (بطل العقد) أي البيع وما بمعناه، لأنه باعه غير ما سمي له. فإن كان العيب في بعضها فقد بطل العقد فيه، أي المعيب (فقط) وصح في السلم بقسطه، (و) إن ظهر في الدراهم أو الدنانير المعيبة عيب (من جنسها خير) البائع ونحوه (بين فسخ) فيردها، ولا يطالب ببدلها. (وإمساك بلا أرش إن كان العقد على) عوضين من (جنس) واحد لئلا يفضي إلى عدم التماثل. (وإلا) بأن كان العوضان من جنسين (فله أخذ أرش في المجلس) لأن التماثل في الجنسين غير معتبر، (و) له أخذ أرش (بعده) أي بعد المجلس (إن جعلاه من غير جنس الثمن) أي النقد لئلا يفضي إلى بيع نقد بنقد مع تأخير التقابض (كما تقدم) تفصيله. تنبيه: هو لغة الايقاظ. واصطلاحا عنوان بحث يفهم مما قبله، (يحصل التعيين بالإشارة) سواء ضم إليهما الاسم أو لا (كقوله: بعتك هذا الثوب بهذه الدراهم) أو بهذه فقط من غير ذكر الدراهم (أو بعتك هذا بهذا) من غير تسمية العوضين. قلت: ويحصل التعيين بالاسم، كبعتك عبدي سالما أو داري بموضع كذا وهما يعلمانهما أو بما في يدي أو كيسي من الدراهم أو الدنانير، ويعلمان ذلك (ويحرم الربا بين المسلمين و) يحرم الربا (بين المسلم والحربي في دار الاسلام ودار الحرب، ولو لم يكن بينهما أمان) لعموم قوله تعالى: * (وحرم الربا) * وغيره من الأدلة (ما لم يكن) الربا (بينه) أي بين إنسان
314 (وبين رقيقه، ولو) كان رقيقه (مدبرا أو أم ولد) لأن المال كله للسيد. (و) لو كان الرقيق (مكاتبا) فلا يجري بينه وبين سيده ربا (في مال الكتابة) فقط على ما يأتي في الكتابة إن شاء الله، (وتجوز المعاملة ب) - نقد (مغشوش من جنسه لم يعرف) أي الغش لعدم الغرر، (وكذا) تجوز المعاملة بنقد مغشوش (بغير جنسه وكذا يجوز ضربه) أي النقد المغشوش. نقل صالح عن الامام في دارهم يقال لها: المسبية عامتها نحاس إلا شيئا فيها فضة، فقال (إذا كان شيئا اصطلحوا عليه كالفلوس) واصطلحوا عليها فأرجو أن لا يكون فيها بأس، (ولأنه لا تغرير فيه) ولا يمنع منه لأنه مستفيض في سائر الأعصار، جار بينهم من غير نكير (لكن يكره) ضرب النقد المغشوش لأنه قد يتعامل به من لا يعرفه (وإن اجتمعت عنده دراهم زيوف) أي نحاس (فإنه يسبكها ولا يبيعها ولا يخرجها في معاملة ولا صدقة فإن قابضها ربما خلطها بدراهم جيدة وأخرجها على من لا يعرف حالها. فيكون) ذلك (تغريرا للمسلمين) وإدخالا للغرر عليهم. قال أحمد: إني أخاف أن يغر بها مسلما. وقال: ما ينبغي أن يغر بها المسلمين. ولا أقول: إنه حرام. قال في الشرح: فقد صرح بأنه إنما كرهه، لما فيه من التغرير بالمسلمين. (وكان) عبد الله (ابن مسعود) رضي الله عنه (يكسر الزيوف وهو على بيت المال وتقدم بعض ذلك في) باب (زكاة الذهب والفضة، وتقدم) هناك أيضا (كلام الشيخ في الكيمياء) وأنها غش فتحرم مطلقا. (وقال: لا يجوز بيع الكتب التي تشتمل على معرفة صناعتها ويجوز إتلافها، انتهى) دفعا لضررها. (ويحرم قطع درهم ودينار) ونحوهما من السكة الجائزة بين المسلمين، (وكسره) أي ما ذكر من الدراهم والدينار ونحوهما. (ولو) كان كسره (لصياغة وإعطاء سائل) لعموم: نهيه (ص) عن كسر السكة الجائزة بين المسلمين، ولان فيه
315 تضييقا للمعاملة. (إلا أن يكون رديئا، أو يختلف في شئ منها هل هو جيد أو ردئ. فيجوز كسره استظهارا لحاله. وتكره كتابة القرآن على الدرهم والدينار والحياصة. قال أبو المعالي: ونثرها) أي الدراهم والدنانير (على الراكب) ويأتي في الوليمة: يكره نثار والتقاطه. (وأول ما ضربت الدراهم) ضرب الاسلام (على عهد الحجاج) الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان، (ولا يجوز بيع تراب الصاغة و) تراب (المعدن بشئ من جنسه) فتراب معدن الذهب وصياغته. لا يجوز بيعه بذهب للجهل بالتساوي. ويجوز بفضة وتراب معدن الفضة وصياغتها لا يجوز بيعه بفضة كذلك. ويجوز بيعه بذهب لا يؤثر استتار المقصود بالتراب في المعدن. لأنه بأصل الخلقة، فهو كالرمان ونحوه. وتراب الصاغة بالحمل عليه. (والحيل التي تحرم حلالا أو تحلل حراما) أي التي يتوسل بها إلى ذلك (كلها محرمة لا تجوز في شئ من الدين) لقوله (ص): من أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار. ومن أدخل فرسا بين فرسين ولا يأمن أن يسبق فليس بقمار رواه أبو داود وغيره. فجعله قمارا مع إدخال الفرس الثالث لكونه لا يمتع معنى القمار وهو كون كل واحد من المتسابقين لا ينفك عن كونه آخذا ومأخوذا منه. وإنما دخل صورة، تحيلا على إباحة المحرم. وسائر الحيل مثل ذلك. ولان الله تعالى إنما حرم المحرمات لمفسدتها والضرر الحاصل منها. ولا يزول ذلك مع بقاء معناها، وأما حديث خيبر المشهور وهو: بع الجمع - أي التمر الردئ - بالدراهم ثم اشتر بها جيدا فإنما أمرهم بذلك لأنهم كانوا يبيعون الصاعين من الردئ بالصاع من الجيد. فعلمهم (ص) الحيلة المانعة من الربا. لأن القصد هنا بالذات تحصيل أحد النوعين دون الزيادة. فإن قصدت حرمت الحيلة جمعا بين الاخبار. فعلم أن كل ما قصد التوصل إليه من حيث ذاته لا من حيث كونه حراما جاز وإلا حرم. (وهي) أي الحيلة (أن يظهر عقدا) ظاهره الإباحة (يريد به مخادعة، وتوصلا إلى فعل ما حرم الله) تعالى من الربا ونحوه (أو) إلى (إسقاط واجب) لله تعالى أو لآدمي، كهبة ماله
316 قرب الحول لاسقاط الزكاة أو لاسقاط نفقة واجبة، (أو) إلى (دفع حق) عليه من نحو دين (فمنها) أي الحيل (لو أقرضه شيئا وباعه سلعة بأكثر من قيمتها أو اشترى) المقرض (منه) أي من المقترض (سلعة بأقل من قيمتها توسلا إلى أخذ العوض عن القرض، ومنها) أي الحيل (أن يستأجر أرض البستان بأمثال أجرتها. ثم يساقيه على ثمر شجر بجزء من ألف جزء للمالك)، أو لجهة الوقف. (والباقي) من الثمر للعامل. (ولا يأخذ المالك) ولا الناظر (منه شيئا. ولا يريدان) ذلك. (وإنما قصدهما بيع الثمرة قبل وجودها) أو بدو صلاحها (بما سمياه) أجرة (والعامل لا يقصد سوى ذلك وربما لا ينتفع بالأرض التي سمى الأجرة في مقابلتها) بل قد تكون الأرض لا تصلح للزرع بالكلية (وقد ذكر ابن القيم في) كتابه (أعلام الموقعين من ذلك صورا كثيرة جدا. يطول ذكرها. فلتعاود) لعموم الحاجة إليها.
317 تم بحمد الله الجزء الثاني من كتاب كشاف القناع بعونه تعالى ويليه الجزء الثالث وأوله كتاب بيع الأصول والثمار كتاب بيع الأصول والثمار (الأصول) جمع أصل، وهو ما يتفرع عنه غيره. والمراد به هنا (أرض ودور وبساتين ونحوها) كمعاصر وطواحين. والثمار جمع ثمر. كجبل وجبال. وواحد الثمر: ثمرة. وجمع الثمار: ثمر ككتاب وكتب. وجمع ثمر: أثمار. كعنق وأعناق. فهو رابع جمع. (إذا باع دارا تناول البيع أرضها) أي إذا كانت الأرض يصح بيعها: فإن لم يجز، كسواد العراق فلا. قاله في المبدع وشرح المنتهى. وظاهر ما تقدم من صحة بيع المساجد: خلافه (بمعدنها الجامد) لأنه كأجزائها. (و) تناول البيع (بناءها وسقفها ودرجها) لأن ذلك داخل في مسماها، (و) تناول البيع أيضا (فناءها) إن كان فناء، لأن غالب الدور ليس لها ذلك. والفناء بكسر الفاء. ما اتسع أمام الدار، (و) تناول البيع (ما اتصل بها) أي الدار (لمصلحتها كسلاليم) مسمرة، والسلاليم: جمع سلم بضم السين وفتح اللام. وهو المرقاة، مأخوذ من السلامة تفاؤلا (ورفوف مسمرة وأبواب منصوبة) وحلقها (وخوابي مدفونة للانتفاع بها. وأجرنة مبنية، وحجر رحى سفلاني منصوبة) لأنه متصل بها لمصلحتها. أشبه الحيطان. (وكذا) يتناول البيع (ما كان في الأرض من الحجارة المخلوقة، أو) كان (مبنيا كأساسات الحيطان المنهدمة والآجر) المتصل بالأرض، وحكم الهبة والرهن والوقف والاقرار والوصية بدار حكم بيعها فيما ذكر (وإن كان ذلك) المتصل بالأرض (يضر بالأرض وينقصها
318 كالصخر) المخلوق في الأرض، (المضر بعروق الشجر. فهو عيب يثبت للمشتري الخيار بين الرد و) بين (الامساك مع الأرش إذا لم يكن) المشتري (عالما) به كسائر العيوب. وإن علمه فلا خيار له، لدخوله على بصيرة. (وإن كانت الحجارة) مودعة فيها للنقل عنها (و) وكان (الآجر مودعا فيها للنقل عنها. فهو للبائع) كالفرش والستور، (ويلزمه نقلها) أي نقل الحجارة المودعة فيها للنقل. ونقل الآجر غير المبني بها. (وتسوية الأرض وإصلاح الحفر) لأن عليه تسليم المبيع تاما، ولا يمكن إلا بذلك. فوجب (وإن كان قلعها) أي الحجارة (يضر بالأرض ويتطاول. فهو عيب) يثبت به للمشتري الخيار (كما تقدم). والواو بمعنى أو (ولا يتناول البيع أيضا ما كان مودعا فيها) أي في الدار (من كنز مدفون) لأنه ليس من أجزائها. (ولا) يتناول البيع (منفصلا عنها) كحبل ودلو وبكرة وقفل وفرش ورفوف موضوعة على الأوتاد بغير تسمير. ولا غرز في الحائط لعدم اتصالها. فإن كانت مسمرة أو مغروزة في الحائط دخلت. وتقدم بعضه. (وكذا رحى غير منصوبة، وخوابي موضوعة من غير أن يطين عليها) فلا يتناولها البيع، ولعدم اتصالها بالأرض. وكذا كل متصل. (ولو كان من مصلحة المتصل بها، كمفتاح وحجر رحى فوقاني إذا كان السفلاني منصوبا) لأن اللفظ لا يتناوله، ولا هو متصل بها. ولو كانت الصيغة المتلفظ بها الطاحونة ونحوها دخل الفوقاني أيضا، (و) لا يدخل في بيع دار وأرض (معدن جار، أو ماء نبع في بئر) أ (وعين) لما تقدم في البيع، (لا نفس البئر) وأرض العين (ونحوه) مما يتصل بها. (فإنه لمالك الأرض) وينتقل لانتقالها. ولاتصاله بها. (فإن كان فيها) أي في الدار (متاع له) أي للبائع (لزمه نقله منها بحسب العادة) يسلمها للمشتري فارغة، (فلا يلزمه) النقل (ليلا ولا) يلزمه أيضا (جمع الحمالين) الذين بالبلد. لأنه ليس المعتاد (فإن طالت مدة نقله) أي المتاع (عرفا نقل) وصوابه وقيده كما في الانصاف
319 (جماعة) منهم صاحب الرعاية الكبرى (فوق ثلاثة أيام. ف) - هو (عيب) يثبت به للمشتري الخيار إن لم يعلمه به، (فتثبت اليد عليها) أي الدار (وإن كانت مشغولة بمتاعه) أي متاع البائع ونحوه (وكذا كل موضع يعتبر فيه القبض، كرهن ونحوه) فتثبت اليد على الدار المرهونة ونحوها. وإن كانت مشغولة بمتاع الراهن ونحوه، (قال في المغني في) باب (الراهن: وإن خلى) الراهن (بينه) أي بين المرتهن (وبينها) أي الدار المرهونة (من غير حائل بأن فتح له باب الدار وسلم إليه مفتاحها. صح التسليم) أي لزم الرهن (ولو كان فيها قماش للراهن) وظاهره: أنه إذا لم يسلمه المفتاح مع كون قماشه بها أنه لا يلزم الرهن، إلا أن يقال: الواو بمعنى أو (وكذا لو رهنه دابة عليها حمل للراهن وسلمها إليه) أي المرتهن (به) أي بالحمل. فيلزم الرهن لوجود القبض المعتبر، (ولا أجرة) على بائع (لمدة نقله) متاعه من الدار المبيعة. وظاهره: ولو طالت (وإن أبى) البائع (النقل فللمشتري إجباره على تفريغ ملكه) وإن لم يتضرر المشتري ببقائه لأنه إشغال لملك المشتري بغير حق (وإن ظهر في الأرض) المبيعة (معدن جامد) لم يعلم به البائع ( فله) أي البائع (الخيار) بين إمضاء البيع أو فسخه. وكذا لو ظهر فيها بئر أو عين ماء ويلزم المشتري إعلام البائع بذلك. كما تقدم فيمن اشترى متاعا. فوجده خيرا مما اشتراه، (وإن باع أرضا أو بستانا أو رهن أرضا أو بستانا أو أقر) بأرض أو بستان (أو أوصى به) أي بالمذكور من أرض أو بستان (أو أوقفه أو أصدقه) في نكاح (أو جعله عوضا في خلع) أو عتق أو جعالة ونحوه (أو وقفه، أو أصدقه) في نكاح (أو جعله عوضا في الخلع) أو عتق. ؤ جعالة ونحوه أو وهبه) أو تصدق به (دخل أرض وغراس وبناء، ولو لم يقل بحقوقها) لأنهما من حقوق الأرض. ويتبعان الأرض من كل وجه، لأنهما يتخذان للبقاء فيها. وليس لانتهائهما مدة معلومة بخلاف الزرع والثمرة. وفي مسألة البستان، لأنه اسم للأرض والشجر والحائط. بدليل أن الأرض المكشوفة لا تسمى به. (لا) يدخل في بيع أرض أو بستان (شجر مقطوع ومقلوع) لأن اللفظ لا يتناوله. والتبعية انقطعت بانفصاله. (فإن) قال (بعتك هذه الأرض وثلث
320 بنائها، أو) بعتك هذه الأرض (وثلث غراسها ونحوه) كالربع (لم يدخل في البيع) من البناء والغراس (إلا الجزء المسمى) لقرينة العطف (وكذلك لو قال: بعتك نصف الأرض وربع الغراس) لم يتناول البيع من غراس النصف، سوى الجزء المسمى منه، لقرينة العطف. (ويدخل ماؤها) أي ماء الأرض المبيعة (تبعا) لها بمعنى أن المشتري يصير أحق به كالبائع. لأنه يملكه. إذ لا يملك إلا بالحيازة كما تقدم في البيع. (ولو) باع (قرية لم تدخل مزارعها) في البيع (إلا بذكرها) أي ذكر المزارع، بأن باعه إياها بمزارعها. (أو) إلا (بقرينة كمساومة على أرضها) أي أرض المزارع (و) ك (- ذكر الزرع والغرس فيها) أي في المزارع، (و) ك (- ذكر حدودها) أي المزارع (أو بذل ثمن لا يصلح إلا فيها) أي القرية. (وفي أرضها) التي تزرع (ونحوه) أي نحو ما ذكر من القرائن، (قاله الموفق وغيره) كالشارح. قال في الفروع: وهو أولى. قال في الانصاف: وهو الصواب. (وإن) باعه القرية، ولم يذكر مزارعها. و (لم تكن قرينة) تدل على دخول مزارعها (فالبيع يتناول البيوت والحصن) إن كان بها حصن، (و) السور (الدائر عليها) أي على قرية. لأن ذلك هو مسمى القرية، وهي مأخوذة من القر وهو الجمع. لأنها تجمع الناس. (وأما الغراس بين بنيانها) أي بنيان القرية سواء كان في البيوت أو بينها (فحكمه حكم الغراس في الأرض) المبيعة، (فيدخل) تبعا للأرض (كما تقدم) قريبا. وكذا أصول البقول والباذنجان ونحوها. (ولا يدخل زرع ولا بذره) وكذا لا يدخل منفصل عن القرية من نحو مفاتيح وأحجار رحى فوقية وأحبال، وبكرات وأدلية ونحوها، بخلاف المتصل من عرش وخوابي مبنية وأبواب وحجر رحى سفلاني إن كانت منصوبة، ونحو ذلك مما يدخل في بيع دار. (وإن باعه) أي باع رب البستان إنسانا (شجرة) فأكثر من بستانه (فله) أي للمشتري (تبقيتها في أرض البائع) إن لم يشترط قلعها (كثمر على شجر) بيع بعد بدو صلاحه (ويثبت له) أي للمشتري (حق الاجتياز) إليها لدلالة الحال عليه
321 (وله) أي للمشتري. وكان الأولى: العطف بالفاء (الدخول لمصالحها) من نحو سقي وتأبير (فلا يدخل منبتها من الأرض) تبعا لها. لأن اللفظ قاصر عنه، والغرس أصل. فلا يكون تبعا إلا بشرط. ولا يبطل البيع بشغلها بمساقاة ونحوها بل تبطل المساقاة مع البيع ومع عدم الشرط. (بل يكون له) أي للمشتري (حق الانتفاع في الأرض) النابتة بها، (فلو انقلعت) الشجرة (أو بادت لم يملك إعادة غيرها مكانها) لأنه لم يملكه كما تقدم. وانقطع حقه من الانتفاع بذلك. (وإن كان في الأرض) المبيعة (زرع يجز مرة بعد أخرى كالرطبة) بفتح الراء وهي الغضة. فإذا يبست فهي قت. (والبقول) كالنعناع والشمر والكراث، (وسواء كان) الزرع المذكور (مما يبقى) في الأرض سنة (كالهندبا أو أكثر) من سنة (كالرطبة، أو) كان بالأرض زرع (تتكرر ثمرته كالقثاء والباذنجان، أو) كان بالأرض ما يتكرر (زهره كبنفسج ونرجس وورد وياسمين ونحوها) كبان، (فالأصول) من جميع ذلك (للمشتري) لأن ذلك يراد للبقاء. أشبه الشجر. (وكذلك أوراقه وغصونه. فهو كورق الشجر وأغصانه) للمشتري، لأنه من أجزائه. (والجزة) بالكسر اسم لما تهيأ للجز، وبالفتح المرة قاله في المطلع. (واللقطة الظاهرتان والزهر الظاهر منه. وهو الذي تفتح للبائع) ونحوه، لأنه يجنى مع بقاء أصله. أشبه ثمر الشجر المؤبر (إلا أن يشترطه المبتاع) ونحوه. فيكون له، عملا بالشرط، (وعلى البائع قطع ما يستحقه منه) أي مما ذكر من الجزة واللقطة الظاهرتين والزهر المتفتح. (في الحال) أي على الفور، لأنه ذلك ليس له حد ينتهي إليه. وربما ظهر غير ما كان ظاهرا. فيعسر تمييز حق كل منهما، (وإن كان فيها) أي الأرض المبيعة (زرع لا يحصد إلا مرة) واحدة سواء (نبت) ذلك الزرع (أو لا، كبر وشعير وقطنيات) بكسر القاف وهي العدس والباقلا ونحوها. من قطن بالمكان: أقام به (ونحوها كجزر وفجل وثوم وبصل ونحوه) كدخن وذرة، (أو) كان
322 به (قصب سكر) فإنه يؤخذ مرة واحدة قاله في المغني. (وكذا القصب الفارسي) لأن له وقتا يقطع فيه (إلا أن عروقه للمشتري) ونحوه، لأنها تترك في الأرض للبقاء أشبهت الشجر، (لم يدخل) ما ذكر من الزرع في البيع لأنه مودع في الأرض يراد للنقل. أشبه الثمرة المؤبرة. (وهو لبائع) ونحوه (يبقى إلى حصاد و) إلى (قلع بلا أجرة) على البائع. لأن المنفعة حصلت مستثناة له (إن لم يشترطه مشتر) ونحوه (فإن اشترطه فهو له، قصيلا كان أو ذا حب، مستترا أو ظاهرا، معلوما أو مجهولا) لأنه بالشرط يدخل تبعا للأرض. فهو كأساسات الحيطان. (ويأخذه بائع) ونحوه (أول وقت أخذه. ولو كان بقاؤه أنفع له) كالثمرة (ويؤخذ القصب الفارسي في أول وقته الذي يقطع فيه وعليه) أي البائع (إزالة ما يبقى من عروقه المضرة بالأرض ك) - عروق قطن و (ذرة) لأن عليه تسليم الأرض خالية. (وكذا) يلزم البائع إزالة ما يبقى من عروق القصب الفارسي ونحوها. و (إن لم يضر بها) كنقل متاعه (و) عليه أيضا (تسوية الحفر) كما تقدم (وإن ظن مشتر) لأرض (دخول زرع البائع أو) دخول (ثمر على شجر) في البيع (وادعى الجهل به، ومثله يجهله. فله الفسخ) لأنه يفوت عليه منفعة الأرض والشجر عاما. وإن اختار الامساك فلا أرش له. (ولو كان في الأرض) المبيعة (بذر) فلن كان أصله يبقى في الأرض كالنوى وبزر الرطبة ونحوها كبزر الهندبا (فحكمه حكم الشجر، علقت. عروقه أو لا) لأنه يراد به البقاء، (إذا أريد به) أي النوى ونحوه (الدوام في الأرض) ولا تضر جهالته، لأنه يدخل تبعا، كالحمل والنوى في التمر (وإن لم يرد به الدوام) في الأرض (بل) أريد به (النقل) منها (إلى موضع آخر، ويسمى الشتل، أو كان أصله لا يبقى في الأرض) كبذر البر ونحوه (فكزرع) فهو للبائع ونحوه، (فإن لم يعلم المشتري بذر الزرع ونحوه) كالشتل (فله فسخ البيع وإمضاؤه) مجانا، لأن فيه تفويتا لمنفعة الأرض عليه مدة،
323 (فإن تركه) أي الزرع أو البذر له أو الشتل (البائع للمشتري) فلا خيار له لأنه زاده خيرا فلزمه قبوله. لأن فيه تصحيحا للعقد، (أو قال) البائع (أنا أحوله وأمكن ذلك) أي تحويله (في زمن يسير لا يضر بمنافع الأرض فلا خيار للمشتري) لأنه أزال العيب بالنقل على وجه لا يضر بمنافع الأرض. (وكذلك إن اشترى) إنسان (نخلا فيها طلع. فبان قد تشقق) ولم يكن علم به المشتري (فله الخيار) بين الامساك والرد، (فإن تركها) أي الثمرة (له البائع. فلا خيار له) أي للمشتري لما تقدم في الزرع. (وإن قال: أنا أقطعها الآن لم يسقط خياره) أي المشتري لأنه لا تأثير له، لأنه قد فات المشتري ثمرة ذلك العام. (ولو باع الأرض بما فيها من البذر صح) البيع (فيدخل) البذر (تبعا) فلا تضر جهالته كأساسات الحيطان. (وإن ذكر) البائع (قدره) أي البذر (و) ذكر (صفته) كسلم (كان أولى) لصيرورته معلوما بالوصف. (والحصاد ونحوه) كالجذاذ واللقاط فيما قلنا إنه للبائع ونحوه، (على البائع) ونحوه. لأن ذلك من مؤنة نقل ملكه. فهو كنقل الطعام المبيع. (فإن حصده) أي الزرع بائع ونحوه، (قبل أوان الحصاد لينتفع بالأرض في غيره) أي غير ذلك الزرع (لم يملك) البائع ونحوه (الانتفاع بها) لانقطاع ملكه عنها، (كما لو باع دارا فيها متاع لا ينقل في العادة إلا في) أ (شهر. فتكلف) البائع (نقله في يوم لينتفع بالدار في غيره بقية الشهر) لم يملك ذلك، لأن ملكه قد انقطع عنها. وإنما أمهل للتحول بحسب العادة. دفعا لضرره، حيث تكلفه فقد رضي به. فصل: (ومن باع نخلا قد تشقق طلعه) بكسر الطاء بخلاف العنقود. قاله في الحاشية، (ولم يؤبر) أي يلقح، والتلقيح وضع طلع الفحال في طلع الثمر، (أو) باع نخلا (طلع فحال تشقق يراد للتلقيح) صفة لطلع،
324 فحال أو حال منه (أو صالح به) أي بالنخل المذكور (أو جعله صداقا أو) جعله (عوض خلع) أو طلاق أو عتق، (أو) جعله (أجرة) أو جعالة ونحوه (أو رهنه. أو وهبه أو أخذه) تبعا للأرض (بتشققه. فالتمر فقط، دون العراجين ونحوها) كليف وجريد وخوص (لمعط) من بائع وواهب ومصدق وراهن ونحوهم، لقول ابن عمر. سمعت النبي (ص) يقول: من باع نخلا مؤبرا فثمرتها للبائع: إلا أن يشترطها المبتاع متفق عليه، والحكم منوط بالتشقيق. وإن لم يؤبر، لصيرورته في حكم عين أخرى. وإنما نص على التأبير لملازمته التشقق غالبا، (متروكا) أي الثمر (في النخل إلى الجذاذ. وذلك حين تتناهى حلاوة ثمرها) ولا يلزمه قطعها في الحال. إذ التفريغ جار على العرف، (و) أوان الجذاذ (في غير النخل حين يتناهى إدراكه) أي الثمر (سواء استحقها) البائع ونحوه، و (بشرطه) بأن باع ونحوه قبل التشقق والظهور، واشتراطها (أو) استحقها (بظهورها) بأن باع ونحوه بعد التشقق ونحوه، فترك إلى أوان أخذها في الموضعين لما تقدم. (ما لم تجر عادة بأخذه) أي ثمر النخل (بسرا أو كان بسره خيرا من رطبه. فإنه يجزه حين تستحكم حلاوة بسره) للعادة، (وإن قيل، إن بقاءه في شجره خير له، أبقى) كما سلف، وفي نسخ: وأبقى. فإن وصلية، وقوله: وأبقى، أي إلى أن يصير بسرا (فإن لم يشترط) المبتاع ونحوه (قطعه ولم تتضرر الأصول ببقائه، فإن شرط) المبتاع ونحوه (قطعه أو تضرر الأصل) ببقائه (أجبر) البائع ونحوه (على القطع) عملا بالشرط في الأولى، وإزالة للضرر في الثانية، (هذا) أي كون الثمر للمعطى محله (إن لم يشترطه آخذ الأصل) وهو المبتاع ونحوه، لما تقدم من حديث ابن عمر فإن اشترطه كان له. وما عدا البيع من المذكورات مقيس عليه. (بخلاف وقف ووصية. فإن الثمرة تدخل فيها) إذا أبقيت إلى يوم الموت. وإن تشققت وظهرت (كفسخ لعيب ومقايلة في بيع ورجوع أب في هبة) أي لولده (قاله في المغني ومن
325 تابعه. لأن الطلع المتشقق عنده) أي عند صاحب المغني (زيادة متصلة لا تتبع في الفسوخ) الصواب إسقاط لا كما هو مصير عبارته، وعبارة المغني فإن الزيادة المتصلة تابعة في الفسوخ، (انتهى. لكن يأتي في الهبة: أن الزيادة المتصلة تمنع الرجوع، فيحمل ما هنا على ما إذا كان الطلع موجودا حال الهبة ولم يزد. وصرح القاضي وابن عقيل أيضا في التفليس والرد بالعيب: أنه) أي الطلع المتشقق (زيادة منفصلة. وذكره منصوص أحمد. فلا تدخل الثمرة في الفسخ ورجوع الأب) في هبته لولده (وغير ذلك) من العقود، (وهو المذهب على ما ذكروه في هذه المسائل) وجزم به المصنف فيما تقدم في خيار العيب، (ولو اشترط أحدهما) أي المعطي أو الآخذ (جزءا من الثمرة) مشاعا (معلوما) كنصف أو ربع (صح) الاشتراط (فيه)، أي في الجزء المشروط ك (- اشتراط) من ليست الثمرة له (جميعها. فمن اشترطها) أي الثمرة (منهما. فهي له) سواء كان ذلك (قبل أن تتشقق، أو بعده) عملا بالشرط. ولما تقدم في حديث ابن عمر، وقياس الباقي عليه. (وكذلك) أي كالنخل إذا بيع بعد تشقق طلعه. (الشجر إذا) بيع ونحوه، و (كان فيه ثمر باد) أي ظاهر (عند العقد، كعنب وتين وتوت ورمان وجوز وما ظهر من نوره و) لو (يتناثر) نوره (كمشمش وتفاح وسفرجل ولوز، وما خرج من أكمامه) جمع: كم بكسر الكاف. (كورد وقطن) فالثمر لبائع، ونحوه قياسا على الطلع المتشقق، (وما) بيع ونحوه (قبل ذلك) أي قبل ظهور الثمرة كما ذكر، (فهو للمشتري) كالطلع قبل تشققه (فإن اختلفا) أي المتعاقدان (هل بدا) الثمر أو تشقق الطلع (قبل بيع) ونحوه (أو بعده، فقول بائع) ونحوه: أنه بعد العقد. لأنه ينكر خروجه عن ملكه والأصل عدمه. (والورق) بالشجر المبيع (للمشتري سواء كان ورق توت يقصد أخذه لتربية دود القز أو نحوه) لأنه داخل في مسمى الشجر، ومن أجزائه وخلق لمصلحته فهو كسائر المبيع. (وإن ظهر بعض الثمرة)
326 المبيعة شجرها (أو تشقق طلع بعض نخل) بيع، ونحوه (فما ظهر) وما تشقق (لبائع و ما لم يظهر) من ثمر (أو يتشقق) من طلع (ف) - هو (لمشتر) ونحوه (سواء كان من نوع ما تشقق أو غيره) لعموم ما سبق، (إلا في الشجرة الواحدة) إذا تشقق بعض طلعها أو ظهر بعض ثمرها، (فالكل) أي جميع ثمرها (لبائع) ونحوه إلحاقا لما لم يتشقق منها أو لم يظهر منها بما تشقق أو ظهر منها، (ونص) الامام (أحمد) مبتدأ، أي نصه أن ما أبر للبائع وما لم يؤبر للمشتري، (ومفهوم الحديث) يعني حديث ابن عمر السابق: من باع نخلا مؤبرا فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع متفق عليه. و (عمومها يخالفه) خير. أي يخالف ما ذكره الأصحاب من أن الكل للبائع هذا معنى كلامه في المغني. قلت: لا مخالفة لأن قول الإمام: ما أبر صادق بما إذا أبر جميع النخلة أو بعضها، وكذلك الحديث فقوله: نخلا مؤبرا. صادق بتأبير جميع ثمرة كل واحدة من النخل، وبتأبير بعض كل نخلة منه. (ولبائع) سقي ثمرته لمصلحة. (ولمشتر سقي ماله إن كان فيه) أي السقي (مصلحة لحاجة وغيرها ولو تضرر الآخذ) بالسقي (فلا يمنعان). ولا أحدهما منه لأنهما دخلا في العقد على ذلك، وليس لأحدهما السقي لغير مصلحة، لأن سقيه يتضمن التصرف في ملك غيره والأصل المنع وإنما إباحته للمصلحة. (وأيهما التمس) أي طلب (السقي فمؤنته عليه) وحده. (ولا يلزم أحدهما سقي ما للآخر) ولا مشاركته في سقيه لأنه لم يملكه من قبله. فصل: (ولا يصح بيع الثمرة قبل بدو صلاحها) لحديث ابن عمر قال: نهى النبي (ص) عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، نهى البائع
327 والمبتاع متفق عليه. والنهي يقتضي الفساد (ولا) يصح بيع (الزرع قبل اشتداد حبه) لحديث ابن عمر: أن النبي (ص): نهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة رواه مسلم. وعن أنس مرفوعا: أنه نهى عن بيع الحب حتى يشتد رواه أحمد والحاكم. وقال على شرط مسلم. (إلا) إذا باع الثمرة قبل بدو صلاحها والزرع قبل اشتداد حبه (بشرط القطع في الحال) فيصح، قال في المغني: بالاجماع لأن المنع إنما كان خوفا من تلف الثمرة وحدوث العاهة عليها، بدليل ما روى أنس أن النبي (ص): نهى عن بيع الثمار حتى تزهى. قال: أرأيت إذا منع الله الثمرة بما يأخذ أحدكم مال أخيه؟ رواه البخاري. (إن كان) ما ذكر (منتفعا به حينئذ) أي حين القطع فإن لم ينتفع بها كثمرة الجوز وزرع الترمس لم يصح لعدم النفع بالمبيع. (ولم يكن) ما بيع من الثمر قبل بدو صلاحه والزرع قبل اشتداد حبه (مشاعا، بأن يشتري نصف الثمرة قبل بدو صلاحها مشاعا، أو) يشتري (نصف الزرع قبل اشتداد حبه مشاعا فلا يصح) الشراء ب (- شرط القطع، لأنه لا يمكنه قطعه) أي قطع ما لا يملكه (إلا بقطع ما يملكه. وليس له ذلك) أي قطع ما لا يملكه، (إلا أن يبيعه) أي ما ذكر من الثمرة قبل بدو صلاحها والزرع الأخضر. (مع الأصل بأن يبيع الثمرة مع الشجر) فيجوز
328 (أو يبيع الزرع مع الأرض) فيجوز، (أو يبيع الثمرة لمالك الأصل) أي الشجر فيجوز، (أو) يبيع (الزرع لمالك الأرض فيجوز) البيع. ويصح لأنه إذا بيع مع أصل دخل تبعا في البيع. فلم يضر احتمال الغرر فيه. كما احتملت الجهالة في بيع اللبن في الضرع مع الشاة، والنوى في التمر مع التمر، فيما إذا بيع مفردا لمالك الأصل قد حصل التسليم التام للمشتري لكونه مالك الأصل والقرار، (فإن شرط عليه) أي على المشتري للثمر مع أصله، أو للزرع مع أرضه، أولهما منفردين وهو مالك الأصل (القطع في الحال، صح) البيع، (ولا يلزم مشتر الوفاء به) أي بالشرط (لأن الأصل له) فإن شاء فرغه وإن شاء أبقاه مشغولا، (وكذا حكم رطبه وبقول. فلا يباع) شئ منها (مفردا بعد بدو صلاحه إلا جزة جزة بشرط جذه)، أي قطعه (في الحال) لأن الظاهر منه معلوم لا جهالة فيه ولا غرر بخلاف ما في الأرض، فإنه مستور مغيب، وما يحدث منه معلوم فلم يجز بيعه كالذي يحدث من الثمرة. (وإن اشترى الثمرة) قبل بدو صلاحها ب (- شرط القطع) في الحال، (ثم استأجر الأصول أو استعارها) أي الأصول (لتبقيتها) أي الثمرة (إلى) أوان (الجذاذ لم يصح) وكذا لو اشترى الزرع أخضر بشرط القطع في الحال، ثم استأجر الأرض في الحال أو استعارها لتبقيته لم يصح. ويأتي أن البيع يبطل بأول الزيادة. (ولا يباع القثاء ونحوه) كالخيار والباذنجان (إلا لقطة لقطة) لان الزائد على اللقطة لم يخلق فلم يجز بيعه، كما لو باعه قبل ظهوره، (إلا أن يبيعه) أي القثاء ونحوه (مع أصله) فيصح لأنه إذن تبع للأصل أشبه الحمل مع أمه، وأس الحائط معه، (ولو لم يبع معه أرضه) كالثمر إذا بيع مع الشجر، (وإن باعه) أي ما ذكر من القثاء ونحوه (دون أصله فإن لم يبد صلاحه لم يصح) البيع (إلا بشرط قطعه في الحال إن كان ينتفع به) كما تقدم في الثمرة. وإن لم ينتفع به إذن لم يصح بيعه كسائر ما لا نفع فيه، (ويصح بيع هذه الأصول التي تتكرر ثمرتها) كأصول القثاء والخيار والباذنجان. (من غير شرط القطع) كبيع الشجر (صغارا، كانت الأصول أو كبارا مثمرة) كانت (أو غير مثمرة) بدا صلاح ثمرها أو لم يبد كالشجر، لأن العقد على الأصول. وأما الثمرة فتابعة كالحمل مع أمه. (والقطن) ضربان أحدهما ما
329 له أصل يبقى في الأرض أعواما، والثاني ما يتكرر زرعه كل عام، ف (- إن كان له أصل يبقى في الأرض أعواما كقطن الحجاز فحكمه حكم الشجر فيجوز إفراده بالبيع) كالشجر وأصول القثاء، (وإن بيعت الأرض دخل في البيع) كالشجر (وثمره كالطلع إن تفتح فلبائع وإلا فلمشتر. وإن كان يتكرر زرعه كل عام) كقطن مصر والشام، (ف) - حكمه حكم (زرع) بر، ونحوه لشبه به، (ومتى كان جوزه ضعيفا رطبا لم يقو) أي لم يشتد (ما فيه لم يصح بيعه) كالزرع الأخضر، (إلا بشرط القطع) في الحال (كالزرع الأخضر) لما تقدم، (وإن قوي حبه واشتد جاز بيعه) مطلقا، و (بشرط التبقية كالزرع إذا اشتد حبه) جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية. (وكذا الباذنجان) فحكمه حكم القطن على ما تقدم، (والحصاد) لزرع اشتراه، (واللقاط) للقطة اشتراها، (والجذاذ) للثمرة المشتراة، (على المشتري) لأن ذلك من مؤنة ما اشتراه، كنقل الطعام المبيع، بخلاف أجرة الكيال ونحوه. فإنها على البائع، لأنها من مؤنة تسليم المبيع إلى المشتري، وهو على البائع. وهنا حصل التسليم بالتخلية دون القطع. بدليل جواز التصرف فيه. (فإن شرطه) أي الحصاد أو الجذاذ أو اللقاط المشتري، (على البائع صح) الشرط. كشرطه حمل الحطب أو تكسيره، (وإن باعه) أي ما ذكر من الثمرة قبل بدو صلاحها والزرع الأخضر والقثاء ونحوها دون أصوله (مطلقا. فلم يذكر قطعا ولا تبقية أو باعه بشرط التبقية لم يصح) البيع لما سبق من الأدلة على اشتراط بدو الصلاح في الثمرة، واشتداد الحب في الزرع. وجز المبيع لقطة لقطة فيما تتكرر ثمرته، (وإن اشترى) إنسان (حصيدا) ف (- قطعه ثم نبت) في العام المقبل. فلصاحب الأرض لأن المشتري ترك الأصول على سبيل الرفض لها، فسقط حقه كما يسقط حق حاصد الزرع من السنابل التي يخلفها. ولذلك أبيح التقاطها. (أو سقط من الزرع حب) عند الحصاد (فنبت في العام المقبل، ويسمى الزريع) بالتصغير، (فلصاحب الأرض) ويأتي في المساقاة (وإن شرط القطع) أي باع الثمرة قبل بدو
330 صلاحها أو القثاء ونحوها الظاهرة. بشرط القطع في الحال. (ثم أخره) أي القطع (حتى بدا صلاح الثمرة) أو اشتد الحب (أو طالت الجذة) الرطبة ونحوها، أو كبرت اللقطة من القثاء ونحوها. (أو اشترى عرية ليأكلها رطبا) بشروطها السابقة (فأخر) أخذها (حتى أثمرت) أي صارت تمرا (أو) أخر (الزرع) الأخضر إذا اشتراه بشرط القطع (حتى اشتد) الزرع، (بطل البيع) فيما ذكر (بمجرد الزيادة)، لأن صحة ذلك يجعل ذريعة إلى الحرام، ووسائل الحرام حرام كبيع العينة. وقد عاقب الله تعالى أهل السبت بصنيعهم. (و) إذا بطل البيع ف (- الأصل) من الثمرة والزرع والجذة واللقطة على البائع، (والزيادة) الطارئة بعده (للبائع) كأن العقد لم يوجد (لكن يعفى عن يسيرها) أي يسير الزيادة (عرفا ك) - تركه القطع (اليوم واليومين)، فلا يبطل البيع بذلك لمشقة التحرز منه. (وإن تلفت) الثمرة المبيعة دون أصولها قبل بدو صلاحها بشرط القطع (بجائحة قبل التمكن من أخذه) أي الثمر، أنث أولا، وذكر ثانيا، لأن اسم الجنس يجوز تأنيث ضميره وتذكيره. كقوله تعالى: * (أعجاز نخل خاوية) * * نخل منقعر) * (ضمنه) أي الثمر (بائع) لحديث جابر أن النبي (ص): أمر بوضع الجوائح رواه مسلم. (وإلا) أي وإن تلفت بعد تمكن المشتري من أخذها، (فعلى مشتر) أي فتفوت على المشتري لتقصيره بتركها (ولو باع شجرا فيه) أي الشجر (ثمر له) أي البائع بأن كان نخلا تشقق طلعه، أو شجرا ظهرت ثمرته (ونحوه) بأن باع ما فيه زهر أو قطن خرج من أكمامه، وأصول قثاء ونحوها بعد ظهور ثمرتها (ولم يأخذه) أي يأخذ البائع الثمر الذي له ونحوه (حتى حدثت ثمرة أخرى) واختلطت بها (فلم تتميز، فهما) أي البائع والمشتري (شريكان) في الثمرة (بقدر ثمرة كل واحد منهما) فيقسمانها كذلك. كما لو اشترى حنطة فانهالت عليها أخرى (فإن لم يعلم قدرها) أي قدر الثمرة الحادثة (اصطلحا) أي البائع والمشتري على الثمرة لدعاء الحاجة لذلك. إذ لا طريق لمعرفة حق كل منهما. (والبيع صحيح) فلا يبطل بالاختلاط. كما تقدم في اختلاط الحنطة المبيعة بغيرها (وإن أخر) المشتري (قطع خشب) اشتراه (مع شرطه) أي القطع (فنما) الخشب (وغلظ. فالبيع
331 لازم) لا يبطل بذلك (ويشتركان في الزيادة) لأنها حصلت في ملكهما. فإن الخشب ملك للمشتري وأصله ملك البائع، وهما سبب الزيادة. فيقوم الخشب يوم العقد ويوم الاخذ. فالزيادة ما بين القيمتين، فيشتركان فيها. فصل: (وإذا بدا صلاح الثمرة واشتد الحب جاز بيعه مطلقا) أي بغير شرط قطع أو تبقية، (و) جاز بيعه (بشرط التبقية) لأن النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وعن بيع الحب حتى يشتد: يدل بمفهومه على جواز البيع بعد بدو الصلاح والاشتداد. لأنه (ص) علل بخوف التلف. وهذا المعنى مفقود هنا. (وللمشتري تبقيته) أي ما ذكر من الثمر والزرع (إلى الحصاد والجذاذ) لأن العرف يقتضيه، (ويلزم البائع سقيه) إن احتاج إليه لأنه يجب عليه تسليمه كاملا. ولا يحصل إلا به، بخلاف ما إذا باع الأصل وعليه ثمرة للبائع. فإنه لا يلزم المشتري سقيها، لأن البائع لم يملكها من جهته. وإنما بقي ملكه عليها. (ويجبر) البائع على السقي إذن (إن أبى) السقي (ولو تضرر الأصل) بالسقي، لأنه دخل على ذلك (ولمشتريه) أي الثمر بعد بدو صلاح (تعجيل قطعه وبيعه قبل أخذه) لان ملكه عليه تام (وإن تلفت ثمرة ولو في غير النخل) كرمان وعنب، (أو) تلف (بعضها) أي الثمرة (ولو) كان التالف (أقل من الثلث) أي من ثلث الثمرة (بجائحة سماوية وهي ما لا صنع لآدمي فيها كريح ومطر وثلج وبرد) بفتح الراء المطر المنعقد، (وبرد) بسكون الراء ضد الحر. (وجليد وصاعقة) وحر وعطش ونحوها. وكذا جراد ونحوه كجندب، (ولو) كان التلف (بعد قبضها وتسليمها بالتخلية) لأنها ليست بقبض تام. فوجب كونه من ضمان البائع. كما لو لم يقبض (رجع) المشتري (على بائع الثمر التالفة) بثمنها إن تلفت كلها. (لكن يسامح في تلف يسير لا ينضبط) فلا يرجع بقسطه من الثمن. (ويوضع من الثمن بتلف البعض) من الثمرة المبيعة (بقدر التالف) منها. والأصل في ذلك كله: حديث جابر أن النبي (ص): أمر بوضع الجوائح وعنه أن النبي (ص): قال: إن بعت من أخيك تمرا فأصابته جائحة، فلا يحل
332 لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ رواهما مسلم (وإن تعيبت) الثمرة (بها) أي الجائحة المذكورة (من غير تلف خير) المشتري (بين إمضاء) البيع (مع) أخذ (أرش) العيب (وبين رد وأخذ الثمن كاملا) لأن ما ضمن تلفه بسبب في وقت كان ضمان تعييبه فيه بذلك أولى، (وإن اختلفا) أي البائع والمشتري (في التلف) أي بأن قال البائع: لم يتلف شئ. وقال المشتري: بل تلف (أو) اختلفا في (قدره) أي التالف (فقول بائع) لأنه منكر لما يدعيه المشتري. والأصل عدمه، (ومحل) وضع (الجائحة) عن المشتري (ما لم يشترها مع أصلها) لحصول القبض التام وانقطاع علق البائع عنه. قاله في شرح المنتهى. ومقتضاه: أنها لو بيعت وحدها لمالك الأصل، فالحكم كذلك. ولم أجده منقولا. (أو يؤخرها عن وقت أخذها) المعتاد (فإن كان ذلك) التأخير عن الوقت المعتاد (ف) - الثمرة التالفة (من ضمان مشتر) لتفريطه (وما له أصل يتكرر حمله، كقثاء وخيار وباذنجان وشبهها كشجر) فيما تقدم، (وثمره كثمر) شجر كبار (فيما تقدم من) وضع (جائحة وغيرها) على التفصيل السابق (وإن أتلفه) أي ما ذكر من الثمر (آدمي معين أو) أتلفه (عسكر ولصوص خير مشتر بين فسخ) البيع ويرجع بما دفعه (و) بين (إمضاء ومطالبة متلف) بالبدل كالمكيل إذا أتلفه آدمي قبل القبض (وإن تلف الجميع) أي جميع المبيع من الثمرة (بالجائحة بطل العقد) فلا تخيير للمشتري، (ويرجع المشتري بجميع الثمن) على البائع إن كان دفعه له، وإلا سقط عنه. لما تقدم من حديث جابر. (وفي الأجوبة المصرية) لشيخ الاسلام أبي العباس (لو استأجر بستانا أو أرضا وساقاه على الشجر بجزء من ألف جزء إذا أتلف الثمر بجراد ونحوه
333 من الآفات السماوية. فإنه يجب وضع الجائحة عن المستأجر) صورة (المشتري) حقيقة (فيحط عنه من العوض بقدر ما تلف) من الثمرة (سواء كان العقد فاسدا أو صحيحا) لعموم حديث جابر السابق، ولان فاسد العقود كصحيحها في الضمان وعدمه، (وإن اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع فتلفت بجائحة) سماوية (بعد تمكنه من قطعها ف) - هي (من ضمانه) أي المشتري لتفريطه. (وإن لم يتمكن) المشتري من قطعها حتى تلفت (ف) - هي (من ضمان البائع) لحديث جابر السابق، وتقدم ذلك في الفصل السابق. وعلم مما تقدم: أن الحب إذا اشتراه وتلف أنه من ضمان المشتري. وليس كالثمرة. (وإن استأجر) إنسان (أرضا فزرعها فتلف الزرع) ولو بجائحة سماوية (فلا شئ على المؤجر) فيما قبضه من الأجرة. وإن لم يكن قبضها فله الطلب بها، لأنها تستقر بمضي المدة، انتفع المستأجر أو لا، (وصلاح بعض ثمرة شجرة) في بستان (صلاح لها) أي للشجرة (و) صلاح (لسائر النوع الذي في البستان الواحد) لأن اعتبار الصلاح في الجميع يشق كالشجرة الواحدة، و (لا) يكون صلاح ثمرة شجرة أو بعضها صلاحا لسائر (الجنس) الذي بالبستان، لأن الأنواع تتباعد ويتميز بعضها عن بعض. ولا يخشى اختلاطها، (ولو أفرز ما لم يبد صلاحه) من البستان (مما بدا صلاحه وباعه) أي ما لم يبد صلاحه (لم يصح) البيع. لحديث النهي السابق. وإنما صح مع ما بدا صلاحه تبعا له، (وإذا اشتد بعض حب الزرع جاز بيع جميع ما في البستان من نوعه) أي نوع الحب المشتد (كالشجرة) إذا بدا صلاح بعضها كان صلاحا لجميع نوعها، كما تقدم إذا تقرر ذلك. (فصلاح تمر النخل) وهو البلح (أن يحمر أو يصفر، و) صلاح (العنب أن يتموه بالماء الحلو) أي أن يصفو لونه ويظهر ماؤه وتذهب عفوصته من الحلاوة. قاله في الحاشية. قال: فإن كان أبيض حسن قشره وضرب إلى البياض، وإن كان أسود فحين يظهر فيه السواد، (و) صلاح (ما يظهر ثمره فما واحدا من سائر الثمرة) كرمان ومشمش وخوخ وجوز (أن يظهر فيه النضج ويطيب) أكله لأنه (ص): نهى
334 عن بيع الثمرة حتى تطيب متفق عليه. وقال المجد وتبعه في الفروع وجماعة: بدو صلاح الثمر أن يطيب أكله ويظهر نضجه. قال في الانصاف: وهذا الضابط أولى. والظاهر: أنه مراد غيرهم. وما ذكروه علامة على هذا، انتهى. وجزم به في المنتهى. (و) صلاح ما يظهر فما بعد فم كقثاء ونحوه: أن يؤكل عادة. وصلاح (في حب: أن يشتد أو يبيض) لأنه (ص) جعل اشتداد الحب غاية لصحة بيعه، كبدو الصلاح في الثمرة. فصل: (ومن باع رقيقا عبدا أو أمة له مال ملكه) أي الرقيق (سيده إياه) أي المال (أو خصه به، أو) باع رقيقا (عليه حلي) كأساور وحياصة (فماله وحليه للبائع، إلا أن يشترطه) المبتاع (أو) يشترط (بعضه المبتاع، فيكون له) أي للمبتاع (ما اشترط) من كل أو بعض. لحديث ابن عمر أن النبي (ص) قال: من باع عبدا وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع رواه مسلم، ولان العبد وماله للبائع. فإذا باع العبد بقي المال وسواء قلنا العبد يملك بالتمليك أو لا. (فإن كان) المبتاع (قصده المال) الذي هو مع الرقيق بأن لم يقصد تركه للرقيق كما يأتي، (اشترط علمه) بالمال (وسائر شروط البيع) لأنه مبيع مقصود. أشبه ما لم ضم إليه عينا أخرى. (وله) أي المبتاع (الفسخ بعيب ماله) أي مال الرقيق المقصود (كهو)، أي كما أن له الفسخ بعيب يجده في الرقيق. (وإن لم يكن قصده) أي المبتاع (المال وقصد) المبتاع (ترك المال للرقيق لينتفع) الرقيق (به وحده لم يشترط) علمه بالمال ولا غيره من الشروط، لأن المال دخل تبعا (فإن كان عليه) أي الرقيق (ثياب فقال) الامام (أحمد: ما كان للجمال فهو للبائع) لأنه زيادة عن العادة: فلا تتعلق به حاجة العبد إلا أن يشترطه المبتاع. (وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري) لجريان العادة
335 ببيعها معه. وتتعلق بها مصلحته وحاجته إذ لا غنى له عنها. (ويدخل عذار فرس) أي لجامها (ومقود دابة) بكسر الميم (ونعلها ونحوهن في مطلق البيع) لجريان العادة ببيعه معها، (وإذا اشترط مال الرقيق ثم رده) أي الرقيق (بإقالة أو خيار أو عيب) أو غبن أو تدليس ونحوه (رد ماله) معه لأنه عين مال أخذه المشتري به فيرده بالفسخ كالعبد (فإن تلف ماله) أي الرقيق (وأراد) المشتري (رده) بنحو عيب، (ف) - له ذلك و (عليه) أي المشتري (قيمة ما تلف) من المال (عنده) كما لو تعيب عنده ثم رده، (ولا يفرق بينه) العبد أي المبيع (وبين امرأته ببيعه، بل النكاح باق) مع البيع لعدم ما يوجب التفريق. باب السلم والتصرف في الدين وما يتعلق به قال الأزهري: السلم والسلف واحد في قول أهل اللغة، إلا أن السلف يكون قرضا. لكن السلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق. قاله الماوردي. وسمي سلما لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفا لتقديمه. (وهو) أي السلم (عقد على) شئ يصح بيعه (موصوف في الذمة). وهي وصف يصير به المكلف أهلا للالزام والالتزام (مؤجل) أي الموصوف (بثمن) متعلق بعقد (مقبوض) أي الثمن (في المجلس) أي مجلس العقد قال في المبدع: واعترض بأن قبض الثمن شرط من شروطه. لا أنه داخل في حقيقته. فالأولى: أنه بيع موصوف في الذمة إلى أجل وأجمعوا على جوازه. ذكره ابن المنذر. ودليله من الكتاب قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * ومن السنة ما روى ابن عباس: أن النبي (ص) قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث. فقال: من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم متفق عليه. ولحاجة الناس إليه. (ويشترط له) أي السلم (ما يشترط للبيع) لأنه نوع
336 منه (إلا أنه) أي السلم لا (يجوز) إلا (في المعدوم) لما يأتي بخلاف البيع. فإنه يجوز في الموجود وفي المعدوم بالصفة كما تقدم، والمراد بالمعدوم هنا: الموصوف في الذمة. وإن كان جنسه موجودا، (ويصح) السلم (بلفظ بيع) كابتعت منك قمحا صفته كذا وكيله كذا إلى كذا، لأنه نوع من البيع. (و) يصح أيضا بلفظ (سلم وسلف) لأنهما حقيقة فيه. (و) يصح أيضا (بكل ما يصح به البيع) كتملكت، واتهبت ونحوه. (ولا يصح) السلم (إلا بشروط سبعة) تأتي مفصلة (أحدها: أن يكون) السلم (فيما يمكن ضبط صفاته) ما لا تنضبط صفاته يختلف كثيرا، فيفضي إلى المنازعة والمطلوب عدمها، بأن يكون المسلم فيه (من المكيل من حبوب وغيرها) كأدهان وألبان (والموزون من الأخباز واللحوم النيئة، ولو مع عظمه) لأنه كنوى في التمر. (إن عين موضع القطع، كلحم فخذ وجنب وغير ذلك) فإن لم يعين لم يصح السلم فيه بعظمه، لاختلافه، (ويعتبر قوله إذا أسلم في) لحم (بقر) أو جواميس (أو غنم) الأولى إسقاطهما، كما يأتي في نظائره (أو ضأن أو معز جذع أو ثني، ذكر أو أثنى خصي أو غيره رضيع أو فطيم، معلوفة، أو راعية أو سمين أو هزيل) لأن الثمن يختلف بهذه الأشياء. فاعتبر بيانها (ويلزم) المسلم إذا أسلم في اللحم، وأطلق (قبول اللحم بعظامه) لأن اتصاله بها اتصال خلقة (كالنوى في التمر، فإن كان السلم في لحم طير لم يحتج) في الوصف (إلى ذكر الأنوثية والذكورية إلا أن يختلف) اللحم (بذلك) أي بالذكورية والأنوثية (كلحم الدجاج) فيحتاج إلى البيان (ولا) يحتاج أيضا في السلم في الطير (إلى ذكر موضع القطع إلا أن يكون كبيرا يؤخذ منه بعضه) كخمسة أرطال من لحم نعام. فيبين موضع القطع لاختلاف العظم (ولا يلزمه) أي المسلم (إذا أسلم في لحم طير قبول الرأس والساقين) لأنه لا لحم بها (ويذكر في السمك) إذا أسلم فيه (النوع) فيقول (بركي أو غيره و) يذكر (الكبر
337 والصغر والسمن والهزال والطري والملح ولا) يلزم المسلم أن (يقبل الرأس والذنب وله ما بينهما) أي ما بين الرأس والذنب بعظامه، (ولا يصح) السلم (في اللحم المطبوخ ولا) اللحم (المشوي) لأنه يختلف (ويصح) السلم (في الشحوم) كاللحوم. قيل لأحمد: إنه يختلف؟ فقال: كل سلف يختلف. (و) يصح السلم في (المذروع من الثياب) والخيوط (وأما المعدود المختلف فيصح) السلم (في الحيوان منه) خاصة، لأنه الذي يتأتى ضبطه (ولو) كان المسلم فيه (آدميا) ويأتي وصفه. و (لا) يصح السلم (في الحوامل من الحيوان) بأن أسلم في أمة حامل أو فرس حامل ونحوها، لأن الحمل مجهول غير متحقق، (ولا) يصح السلم (في شاة لبون) أي ذات لبن، لأنه كالحمل. (ولا في أمة وولدها أو أختها أو عمتها أو خالتها) ونحوها من أقاربها (لندرة جمعهما في الصفة ولا) يصح السلم (في فواكه معدودة) كالرمان والسفرجل والخوخ ونحوها، لأنها تختلف بالصغر والكبر. (فأما) الفواكه (المكيلة كالرطب ونحوه و) الفواكه (الموزونة كالعنب ونحوه فيصح) السلم (فيه)، أي فيما ذكر من المكيلات والموزونات، (ولا يصح) السلم (في بقول) لأنها تختلف. ولا يمكن تقديرها بالحزم. (و) لا في (جلود) لأنها تختلف ولا يمكن ذرعها لاختلاف الأطراف. (و) لا في (رؤوس وأكارع) لان أكثر ذلك العظام والمشافر واللحم فيها قليل وليست موزونة. (و) لا يصح السلم في (بيض) لاختلافه كبرا وصغرا، (و) لا في (رمان ونحوها) أي المذكورات من المعدودات المختلفة (ولا) يصح السلم (في أوان مختلفة رؤوس وأوساط كقماقم) جمع قمقم بضم القافين، (و) ك (- أصطال ضيقة رؤوس) لاختلافها (وقيل: يصح) السلم فيها (حيث أمكن ضبطها) صححه في التصحيح: فيضبط نحو رمان بوزن، وإناء بارتفاع حائط ودور أسفله وأعلاه، (ويصح) السلم (فيما يجمع أخلاطا) واحدها خلط بكسر الخاء (معقودة متميزة، كثياب منسوجة من نوعين) كإبريسم وقطن لأن ضبطها ممكن (ونشاب ونبل مريشين وخفاف ورماح متوزة ونحوها) لامكان ضبطها بالصفة، و (لا) يصح السلم (فيما يجمع
338 أخلاطا غير متميزة كقسي مشتملة على خشب وقرن وعصب وتوز) بفتح المثناة فوق وسكون الواو. (ونحوها) كطلاء. إذ لا يمكن تمييز ما في القوس من كل نوع من هذه، (ويصح) السلم (في شهد) وهو العسل في شمعها (وزنا) لأنه اتصال خلقة. كالنوى في التمر والعظم في اللحم، (ولا يصح) السلم (فيما لا ينضبط كالجواهر كلها من در وياقوت وعقيق وشبهه) كلؤلؤ ومرجان لأنه يختلف اختلافا متباينا بالكبر والصغر وحسن التدوير وزيادة ضوئها. ولا يمكن تقديرها ببيض العصفور. لأن ذلك يختلف ولا بشئ معين لأنه قد يتلف، (ولا) يصح السلم (في عين من عقار وشجر نابت وغيرهما) لأن المعين يمكن بيعه في الحال. فلا حاجة إلى السلم فيه. ولأنه ربما تلف قبل أوان تسليمه. فلم يصح كما لو شرط مكيالا بعينه غير معلوم. (و) لا يصح السلم في مخلوط ب (- ما لا ينفعه خلط كلبن مشوب) بماء وحنطة مخلوطة بزوان لأنه مجهول لا ينضبط بالصفة. (أو لا يتميز كمغشوش من أثمان) فلا يصح السلم فيها لأن غشها يمنع العلم بالقدر المقصود منها، (و) ك (- معاجين) وحلوى (وطوب وند وغالية) فلا يصح السلم فيها لعدم ضبطها بصفة، (ويصح) السلم (فيما يترك فيه شئ غير مقصود لمصلحة) كالجبن يوضع فيه الإنفحة، والخبز يوضع فيه الملح، وخل التمر يوضع فيه الماء، والسكنجبين يوضع فيه الخل ونحوها، كدهن ورد وبنفسج لأن ذلك يسير غير مقصود لمصلحة فلم يؤثر. (ويصح) السلم (في أثمان) خالصة (ويكون رأس المال غيرها) أي غير الأثمان (لأنه) يحرم النساء بين النقدين كما تقدم، و (كل مالين حرم النساء فيهما لا يجوز أن يسلم) بالبناء للمفعول (أحدهما في الآخر) لفوات التقابض في المجلس. فلا يصح أن يسلم برا في شعير. ولا خبزا في جبن. (ويصح) السلم (في فلوس) ولو نافقة (عددية أو وزنية ولو كان رأس مالها أثمانا لأنها) أي الفلوس (عرض) لا ثمن (وهذا أصوب)، لكن تقدم لك في الربا أنها ملحقة بالأثمان على الصحيح. فلا يصح إن كان رأس مالها ثمنا لفوات التقابض. (لكن إن كانت) الفلوس (وزنية) أي يتعامل بها وزنا (فأسلم فيها موزونا كصوف ونحوه) كخز وكتان (لم يصح) السلم (لاجتماعهما في
339 علة ربا النسيئة) وهي الوزن (ويصح) السلم (في عرض بعرض) إن لم يجر بينهما ربا النسيئة، (فلو جاءه) أي جاء المسلم المسلم إليه (بعين ما أخذ منه عند محله) بكسر الحاء أي حلوله (لزمه) أي المسلم (قبوله إن اتحدا صفة) لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفته فلزمه قبوله. كما لو أتاه بغيره والمثمن إنما هو في الذمة وهذا عوض عنه، (ومنه) أي من مثال ما لو جاء بعين ما أخذ منه، (لو أسلم جارية صغيرة في) جارية (كبيرة) ووصفها (فجاء المحل وهي) أي الجارية المأخوذة (على صفة المسلم فيه) وهو الجارية الكبيرة الموصوفة، (فأحضرها) المسلم إليه (لزمه) أي المسلم (قبولها) لما تقدم إن لم يكن حيلة. (فإن فعل ذلك حيلة لينتفع بالعين) التي جعلت رأس مال السلم، (أو ليطأ الجارية) التي أخذها رأس مال السلم. (ثم يردها بغير عوض لم يجز) لما تقدم من تحريم الحيل. ويصح السلم في السكر والفانيد والدبس ونحو ذلك مما مسته النار. لأن عمل النار فيه معلوم بالعادة ممكن ضبطه بالنشافة والرطوبة. فصح السلم فيه كالمجفف بالشمس. فصل: الشرط (الثاني) للسلم (أن يصفه) أي المسلم فيه (بما يختلف به الثمن) اختلافا (ظاهرا) لأن السلم عوض يثبت في الذمة. فاشترط العلم به كالثمن، وطريقه الرؤية أو الصفة. والأول ممتنع فتعين الوصف. (ف) - على هذا (يذكر جنسه) أي المسلم فيه. فيقول مثلا تمر. (و) يذكر (نوعه فيقول) مثلا (برني أو معقلي ونحوه و) يذكر (قدر حبه) فيقول: (صغارا أو كبارا و) يذكر (لونه إن اختلف) اللون (كالطير زد) نوع من التمر يكون منه أسود وأحمر. (ويذكر بلده فيقول) مثلا (كوفي أو بصري و) يذكر (حداثته وقدمه. فإن أطلق العتيق) ولم يقيده بعام أو أكثر، (أجزأ أي عتيق كان) لتناول الاسم له. (ما لم يكن مسوسا ولا حشفا) وهو ردئ التمر، قاله
340 في القاموس. (ولا متغيرا) فلا يلزم المسلم قبوله. لأن الاطلاق يقتضي السلامة من العيب. (وإن شرط) المسلم (عتيق عام أو عامين. فهو على ما شرط) لوقوع العقد على ذلك، (فيقول: حديث أو قديم) بيان لذكر حداثته وقدمه. (و) يذكر (جودته ورداءته. فيقول: جيد أو ردئ. والرطب كالتمر في هذه الأوصاف إلا الحديث والعتيق) لأنه يتأتى فيه ذلك، (وله) أي المسلم في الرطب (من الرطب ما أرطب كله) لانصراف الاسم إليه، (ولا يأخذ) من أسلم في رطب (مشدخا) كمعظم: بسر يغمر حتى يتشدخ. قاله في القاموس. (ولا) يأخذ (ما قارب أن يتمر) لعدم تناول الاسم له. (وهكذا) أي كالرطب في نحو هذه الأوصاف، (ما يشبههه من العنب والفواكه) التي يصح السلم فيها. (وكذلك سائر الأجناس) التي يسلم فيها. (يذكر فيها ما يختلف به الثمن) اختلافا ظاهرا. (فالجنس والجودة والرداءة والقدر شرط في كل مسلم فيه) من الحبوب وغيرها. (ويميز مختلف نوع و) يذكر (سن حيوان) فيقول مثلا: بنت مخاض أو لبون ونحو ذلك. (و) يذكر (ذكوريته وسمنه وراعيا وبالغا وضدها) وهو الأنوثية والهزال والعلف والصغر. (ويذكر اللون إن كان النوع الواحد مختلفا) لونه كما تقدم في التمر. (ويرجع في سن الرقيق إليه) أي الرقيق (إن كان بالغا) لأنه أدرى به من غيره. (وإلا) بأن لم يكن بالغا. (فالقول قول سيده) في قدر سنه لأن قول الصغير غير معتد به. (فإن لم يعلم) سيده سنه (رجع في ذلك إلى أهل الخبرة على) حسب (ما يغلب على ظنونهم تقريبا) لعدم القدرة على اليقين، (ويصف البر بأربعة أوصاف: النوع، فيقول سلموني، والبلد، فيقول حوراني أو بقاعي) إن كان بالشام، أو بحيري إن كان بمصر مثلا، (وصغار الحب أو كباره، وحديث أو عتيق، وإن كان النوع الواحد يختلف لونه ذكره) كما تقدم. (ولا يسلم فيه) أي البر (إلا مصفى) من تبنه وعقده. (وكذلك الشعير والقطنيات وسائر الحبوب) فيصفها بأوصاف
341 البر. (ويصف العسل بالبلد ك) - مصري و (ربيعي أو صيفي، أبيض أو أشقر أو أسود، جيد أو ردئ وله مصفى) من الشمع. (ويذكر) إذا أسلم في صيد (آلة صيد: أحبولة أو كلبا أو فهدا أو غيرها) كباز وشرك (لأن الأحبولة يوجد الصيد فيها سليما ونكهة الكلب أطيب من) نكهة (الفهد). بل أطيب الحيوانات نكهة لكونه مفتوح الفم أكثر الأوقات، قال في المغني: والصحيح أن هذا لا يشترط لأنه يسير. (ويذكر في الرقيق قدرا) فيقول (خماسي أو سداسي) يعني خمسة أشبار أو ستة (أسود أو أبيض، أعجمي أو فصيح، وكحلا) ء (أو دعجا) ء والكحل محركا سواد العين مع سعتها، والدعج أن يعلو الأجفان سواد خلقة موضع الكحل، ذكره في القاموس. (وتكلثم وجه) أي استدارة (وبكارة وثيوبة ونحوها و) يذكر (كون الجارية) المسلم فيها (خميصة ثقيلة الأرداف سمينة ونحو ذلك مما يقصد. ولا يطول) في الأوصاف (ولا ينتهي في عزة الوجود فإن استقصى الصفات حتى انتهى إلى حال يندر وجود المسلم فيه بتلك الصفات بطل) السلم لأن من شرطه أن يكون المسلم فيه عام الوجود عند المحل واستقصاء الصفات يمنع منه. (ولا يحتاج في) وصف (الجارية) المسلم فيها (إلى ذكر الجعودة والسبوطة) لأنه لا يختلف به الثمن اختلافا بينا. (كما لا تراعى صفات الحسن والملاحة) لأن الثمن لا يختلف معها اختلافا ظاهرا. (فإن ذكر) المسلم إليه (شيئا من ذلك) وعقد عليه (لزمه) الوفاء به، (وتضبط الإبل بأربعة أوصاف: النتاج، فيقول من نتاج بني فلان، والسن) فيقول (بنت مخاض) أو (بنت لبون ونحوه) كحقة أو جذعة. (واللون) فيقول (بيضاء أو حمراء أو زرقاء و) يقول (ذكر أو أنثى، وأوصاف الخيل كأوصاف الإبل) الأربعة، (وأما
342 البغال والحمير فينسبها إلى بلدها لأنها. لا تنسب إلى نتاج والبقر والغنم إن عرف لها نتاج تنسب إليه وإلا) بدن لم يعرف لها نتاج (فهي كالحمر) تنسب إلى بلدها (ولا بد من ذكر النوع في هذه الحيوانات فيقول في الإبل: بختية أو عرابية، وفي الخيل عربية أو هجين أو برذون) وتقدم تفسيرها في قسمة الغنيمة. (و) يقول (في الغنم ضأن أو معز إلا البغال والحمير فلا أنواع فيها. ويضبط الثمن بالنوع من ضأن أو غيره) كمعز أو بقر أو جاموس. (واللون) فيقول (أبيض أو أصفر و) يقول (جيد أو ردئ قال القاضي: ويذكر المرعي، ولا يحتاج إلى ذكر حديث أو عتيق، لأن الاطلاق يقتضي الحديث. ولا يصح السلم في عتيقه لأنه عيب، ولا ينتهي إلى حد يضبط به. ويصف الزبد بأوصاف السمن) السابقة (ويزيد: زبد يومه أو أمسه ولا يلزم قبول متغير من السمن والزبد ولا) سمن أو زبد (رقيق، إلا أن تكون رقته) أي ما ذكر منهما (للحر ويصف اللبن بالمرعي والنوع ولا يحتاج إلى اللون) لعدم اختلافه، (ولا) إلى قوله (حلب يومه) لأن إطلاقه يقتضي ذلك فإن ذكر كان مؤكدا (ولا يلزمه قبول) لبن (متغير) لنحو حموضة، لأن الاطلاق يقتضي السلامة. (ويصح السلم في المخيض نصا) لأن ما فيه من الماء يسير، لمصلحته. وجرت به العادة فهو كالملح في الجبن قلت: والظاهر وصفه بوصفي اللبن، (ويصف الجبن بالنوع) كبقري (و) ب (- المرعى و) ب (- رطب أو يابس، جيد أو ردئ. ويصف اللباء ويسلم فيه وزنا) لأنه يجمد عقب حلبه فلا يتحقق فيه الكيل (بصفات اللبن) من المرعى والنوع، (ويزيد) اللبأ (اللون ويذكر) في وصفه (الطبخ وعدمه ويصف غزل القطن و) غزل (الكتان بالبلد واللون والغلظ والرقة والنعومة والخشونة،
343 ويصف القطن بذلك) أي بالبلد واللون. (ويجعل مكان الغلظ والدقة طويل الشعرة أو قصيرها. وإن شرط فيه منزوع الحب جاز)، وله شرطه. (وإن أطلق كان له) القطن (بحبه كالتمر بنواه ويصف الإبريسم بالبلد واللون والغلظ والرقة. ويصف الصوف بالبلد واللون وطويل الشعرة أو قصيرها والزمان). كقوله: (خريفي أو ربيعي من ذكر أو أنثى). وفي المغني والشرح: احتمال أنه لا يحتاج إلى ذكر الذكورة والأنوثة لان التفاوت فيه يسير. (وعليه) أي المسلم إليه (تسليمه) أي الصوف (نقيا من الشوك والبعر ولو لم يشترط) عليه لأنه مقتضى الاطلاق. (وكذلك الشعر والوبر) فيوصفان بأوصاف الصوف ويسلمان نقيين من الشوك والبعر وإن لم يشترط. (ويضبط الرصاص) بفتح الراء (والنحاس) بضم النون (والحديد) بالنوع. فيقول في الرصاص. قلعي أو أسرب. (و) يذكر (النعومة والخشونة واللون إن كان يختلف) لونه، (ويزيد في الحديد ذكرا أو أنثى، فإن الذكر أحد وأمضى) من الأنثى. (وتضبط الأواني غير مختلفة الرؤوس والأوساط)، لأن السلم لا يصح في مختلفها (بقدرها) أي كبرها وصغرها (وطولها وسمكها ودورها، كالأسطال القائمة الحيطان، ويضبط القصاع والأقداح من الخشب بذكر نوع خشبها)، فيقول: (من جوز أو توت) أو نحوه، (وقدرها في الصغر والكبر والعمق والضيق والثخانة والرقة. وإن أسلم في سيف ضبط) السيف (بنوع حديده، و) ضبط (طوله وعرضه ودقته وغلظه وبلده وقديم الطبع أو حديثه، ماض أو غيره. ويصف قبيعته وجفنه) أي قرابه. (ويضبط) خشب (البناء بذكر نوعه ورطوبته ويبسه وطوله ودوره)
344 إن كان مدورا (أو سمكه وعرضه) إن لم يكن مدورا (ويلزمه أن يدفع إليه من طرف إلى طرف بذلك والعرض أو الدور) الموصوف، (وإن كان أحد طرفيه أغلظ مما وصف له) والآخر كما وصف (فقد زاده خيرا) ويلزمه قبوله. (وإن كان) أحد طرفيه (أدق) مما وصف له (لم يلزمه) قبوله لأنه دون ما أسلم فيه. (وإن ذكر الوزن أو) ذكر (سمحا، أو لم يذكره جاز) السلم. وصح (وله سمح) أي (خال من العقد) لأنه مقتضى الاطلاق. (وإن كان) الخشب المسلم فيه (للقسي ذكر هذه الأوصاف، وزاد سهليا) أو جبليا، أو خوطا، أو فلقة. فإن الجبلي أقوى من السهلي، (والخوط أقوى من الفلقة، ويذكر فيما) أي في خشب (للوقود الغلظ) أو الدقة (واليبس والرطوبة والوزن ويذكر فيما) أي في خشب (للنصب النوع والغلظ وسائر ما يحتاج إلى معرفته. ويذكر في النشاب والنبل نوع خشبه وطوله) أي النشاب أو النبل، (وقصره ودفته وغلظه ولونه ونصله وريشه. ويضبط حجارة الأرحية بالدور والثخانة والبلد والنوع إن كان يختلف، وإن كان) الحجر (للبناء ذكر اللون والقدر، والنوع والوزن. ويذكر في حجار الآنية: النوع واللون والقدر واللين والوزن. ويصف البلور بأوصافه) هكذا في المغني، مع أنه قال قبله: لا يصح السلم في البلور. (ويصف الآجر، واللبن بموضع التربة، واللون والدور والثخانة. ويذكر في الجص والنورة: اللون والوزن) هكذا في المغني وفي المبدع وغيرهما. وتقدم في الربا أنهما من المكيلات. وقال في الانصاف هناك. وعليه فيبدل الوزن بالكيل. (ولا يقبل) المسلم من الجص والنورة. (ما أصابه الماء،
345 فجف) لذهاب المقصود منه (ولا) يقبل أيضا منهما (ما قدم قدما يؤثر فيه. ويضبط العنبر باللون والبلد. وإن شرط قطعة أو قطعتين جاز) وله شرطه. (وإلا فله إعطاؤه صغارا) باللون (ويصف العود الهندي ببلده، وما يعرف به. ويضبط اللبان والمصطكي وصمغ الشجر) بالوزن والبلد وما يختلف به. (و) يضبط (سائر ما يصح السلم فيه مما يختلف به، ويقول في الخبز: خبز بر أو شعير أو دخن) أو ذرة (أو أرز) ونحوه، (و) يذكر (النشافة والرطوبة واللون، فيقول: حواري) بضم الحاء وتشديد الواو وفتح الراء، أي خالص من النخالة. (أو خشكار. والجودة والرداءة، ويذكر في طير لونا ونوعا وكبرا وصغرا وجودة ورداءة) وصيد أحبولة ونحوها على ما تقدم. (وما يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره. فإن شرط الأجود) لم يصح لتعذر الوصول إليه إلا نادرا. إذ ما من جيد إلا ويحتمل وجود أجود منه. (أو) شرط (الأردأ. لم يصح) لأنه لا ينحصر. (وإن جاءه) أي جاء المسلم إليه المسلم (بدون ما وصف) له فله أخذه (أو) جاءه ب (- نوع آخر) من جنس المسلم فيه ولو بأجود منه، (فله أخذه) لأن الحق له، وقد رضي بدونه. ومع اتحادهما في الجنس هما كالشئ الواحد، بدليل تحريم التفاضل. (ولا يلزمه) أي لا يلزم المسلم أخذ دون ما وصف، ولا أحد نوع آخر، لأنه غير المسلم فيه ولا يجبر على إسقاط حقه. (وإن جاءه) المسلم إليه (بجنس آخر) بأن أسلم في بر، فجاءه بأرز، أو شعير. (لم يجز له أخذه) لحديث: من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره رواه أبو داود وابن ماجة. (و) إن جاءه ب (- أجود) مما وصف له (من نوع) أي نوع ما أسلم فيه. (لزمه قبوله) لأنه جاءه بما تناوله العقد وزيادة تنفعه. قال في المبدع: وظاهره ولو تضرر، انتهى. فإن كان من نوع آخر لم يلزمه. (فإن قال خذه) أي الأجود (وزدني درهما. لم يجز) لأن الجودة صفة. فلا يجوز إفرادها بالعقد. (وإن جاء
346 بزيادة في القدر فقال ذلك) أي خذه وزدني درهما (صح) ذلك، لأن الزيادة هنا يصح إفرادها بالبيع. (وإن قبض) المسلم فيه (ووجد) به (عيبا فله إمساكه مع أرشه أو رده) كسائر المعيبات، (ويضبط الثياب) إذا أسلم فيها (فيقول: كتان أو قطن) أو إبريسم (والبلد والطول والعرض والصفاقة والرقة والغلظ والنعومة والخشونة. ولا يذكر الوزن. فإن ذكره لم يصح) السلم لندرة جمع الأوصاف مع الوزن. (وإن ذكر) في الوصف (الخام والمقصور. فله شرطه. وإن لم يذكره جاز) لأن الثمن لا يختلف بذلك اختلافا ظاهرا. (وله خام) لأنه الأصل. (وإن ذكر) في وصف الثوب (مغسولا أو لبيسا لم يصح) السلم. لأن اللبس مختلف ولا ينضبط. (وإن أسلم في مصبوغ مما يصبغ غزله صح) السلم لأنه مضبوط (وإن كان) المصبوغ (مما يصبغ بعد نسجه لم يصح) السلم فيه، لأن الصبغ لا ينضبط، ولان صبغ الثوب يمنع الوقوف على نعومته وخشونته (وإن أسلم في ثوب مختلف الغزل) أي من نوعين فأكثر (كقطن وكتان، أو قطن وإبريسم، وإن كانت الغزول) من كل نوع (مضبوطة بأن يقول: السدى إبريسم واللحمة كتان، أو نحوه) كقطن (صح) السلم للعلم بالمسلم فيه، وإلا لم يصح (ويصح السلم في الكاغد. ويضبطه بذكر الطول والعرض والرقة والغلظ واستواء الصنعة). فصل: الشرط (الثالث) للسلم (أن يذكر قدره) أي المسلم فيه (بالكيل في المكيل والوزن في الموزون) لما روى ابن عباس: أن ا
347 لنبي (ص) قال: من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم متفق عليه، ولفظه لمسلم (و) أن يذكر قدره ب (- الذرع في المذروع والعد في المعدود يصح السلم فيه) لأنه عوض غائب فيثبت في الذمة. فاشترط معرفة قدره كالثمن، (فإن أسلم في كيل وزنا أو) أسلم (في موزون كيلا. لم يصح) السلم، لأنه قدره بغير ما هو مقدر به. فلم يجزئ كما لو أسلم في المذروع وزنا وبالعكس. (وعنه يصح) نقلها المروزي. لأن الغرض معرفة قدره، وإمكان تسليمه من غير تنازع، فبأي قدر قدره جاز. (اختاره الموفق وجمع) منهم الشارح وابن عبدوس في تذكرته. وجزم بها في الوجيز والمنور ومنتخب الأزجي. (ولا يصح) السلم (في المذروع إلا بالذرع) لما تقدم. (ولا بد أن يكون المكيال ونحوه) كالصنجة والذراع (معلوما عند العامة) لأنه إذا كان مجهولا تعذر الاستيفاء به عند التلف وذلك مخل بالحكمة التي اشترط معرفة القدر لأجلها، (فإن شرط مكيالا) بعينه (أو ميزانا) بعينه. (أو ذراعا بعينه أو صنجة بعينها غير معلومات، أو أسلم في مثل هذا الثوب ونحوه. لم يصح) السلم. لأنه قد يهلك فتتعذر معرفة المسلم فيه، وهو غرر. (لكن لو عين مكيال رجل أو ميزانه أو صنجته أو ذراعه صح) السلم (ولم يتعين) فله أن يسلم بأي مكيال أو ميزان أو صنجة أو ذراع لعدم الخصوصية وما لا يمكن وزنه بميزان كالأحجار الكبار يحط في سفينة، وينظر إلى أي موضع تغوص ثم يرفع ويحط مكانه رمل أو أحجار صغار إلى أن يبلغ الماء الموضع الذي كان بلغه، ثم يوزن فما بلغ فهو زنة ذلك الشئ، (ويسلم في معدود مختلف يتقارب غير حيوان) كالجوز والبيض (عددا) لأن التفاوت فيه يسير. ولهذا لا تكاد القيمة تختلف بين البيضتين والجوزتين، بخلاف البطيخ. فإنه يتفاوت كثيرا. (وفي غيره) أي يسلم في المعدود الذي لا يتقارب، كالبطيخ والفواكه المعدودة من الرمان ونحوه، (وزنا) لأنه
348 يختلف كثيرا ويتباين جدا. فلا ينضبط إلا بالوزن. وما ذكر من السلم في المعدود غير الحيوان: محله (إن صح السلم فيه. وتقدم قريبا) في الشرط الأول حكاية الخلاف في ذلك. وقدم المصنف أنه لا يصح، وهو المذهب. فصل: الشرط (الرابع) للسلم (أن يشترط) المسلم إليه. (أجلا معلوما) لقوله (ص): من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم إلى أجل معلوم فأمر بالأجل كما أمر بالكيل والوزن. والأصل في الامر الوجوب. (له) أي الاجل (وقع في الثمن عادة كالشهر) لأن الاجل إنما اعتبر ليتحقق الرفق الذي شرع من أجله السلم. فلا يحصل ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن. (وفي الكافي: ونصفه) أ (ونحوه) أي نحو النصف. وفي المغني والشرح: وما قارب الشهر، قال الزركشي: وكثير من الأصحاب بمثل بالشهر والشهرين. فمن ثم قال بعضهم: أقله شهره (فإن اختلفا في قدره) أي قدر الاجل بأن قال المسلم: إلى شهر مثلا. فقال المسلم إليه: بل شهرين. فقول مسلم إليه. (أو) اختلفا (في مضيه) أي الاجل (أو) اختلفا في (مكان التسليم فقول مسلم إليه) بيمينه، لأن الأصل بقاء الاجل وبراءة ذمة المسلم إليه من مؤنة نقله إلى الموضع الذي يدعيه المسلم. وكذا إن اختلفا في قدر المسلم فيه أو صفته. كما في المستوعب. (وإن اختلفا في أداء المسلم فيه فقول المسلم) بيمينه، لأنه منكر للقبض والأصل عدمه، (أو) اختلفا (في قبض الثمن) الذي وقع عقد الثمن عليه (فقول المسلم إليه) بيمينه، لأنه منكر. والأصل عدم القبض (فإن اتفقا عليه) أي على قبض السلم، (وقال أحدهما كان) القبض (في المجلس قبل التفرق. وقال الآخر) بل كان القبض (بعده)
349 أي بعد التفرق (ف) - القول (قول من يدعي القبض في المجلس) بيمين، لأنه يدعي الصحة وذاك يدعي الفساد. والظاهر في العقود الصحة. (فإن أقاما بينتين بما ادعياه أو أقام مدعي القبض في المجلس بينة به، وأقام الآخر بينة بضد ذلك. قدمت أيضا بينته) أي بينة مدعي القبض في المجلس، لأنها مثبتة. وتلك نافية، ولان معها زيادة علم. (وإن أسلم حالا) لم يصح لما تقدم من حديث ابن عباس. (أو) أسلم (مطلقا) أي لم يعين أجلا (لم يصح) السلم لما تقدم، (إلا أن يعقدا بلفظ البيع، فيصح حالا. ويكون بيعا بالصفة. وتقدم) في البيع. قال القاضي: ويجوز التصرف قبل قبض رأس المال، لأنه بيع ويحتمل أن لا يصح، لأنه بيع دين بدين، ذكره في الكافي. وتقدم في البيع: إن كان الموصوف في الذمة لم يصح إن تفرقا قبل قبضه، أو قبض ثمنه. (وإن أسلم إلى أجل قريب كاليومين والثلاثة لم يصح) السلم لفوات شرطه. وهو أن مثل ذلك لا وقع له في الثمن. (إلا إن أسلم في شئ) كخز ولحم ودقيق ونحوها، (يؤخذ منه كل يوم جزءا معلوما. فيصح) السلم، لأن الحاجة داعية إلى ذلك. (فإن قبض البعض) مما أسلم فيه ليأخذ منه كل يوم قدرا معلوما. (وتعذر قبض الباقي رجع بقسطه من الثمن. ولا يجعل للباقي فضلا على المقبوض) لأنه مبيع واحد متماثل الاجزاء. فقسط الثمن على أجزائه بالسوية كما لو اتحد أجله. (وإن أسلم في جنس واحد إلى أجلين) كبر، بعضه إلى رجب وبعضه إلى شعبان. جاز بشرطه الآتي، لأن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى أجلى وآجال، كبيوع الأعيان. (أو) أسلم (في جنسين) كبر وشعير (إلى أجل) واحد (صح) السلم كالبيع. (إن بين قسط كل أجل) وثمنه في الأولى (و) بين (ثمن كل جنس) في الثانية. لأن الاجل الأبعد له زيادة وقع على الأقرب فما يقابله. أقل مما يقابل الآخر، فاعتبر معرفة قسطه وثمنه، وبهذا يحصل التمييز للثمن الآخر (وإلا) بأن لم يبين قسط كل أجل وثمنه. (فلا) يصح السلم لما تقدم (وإن أسلم جنسين) كذهب وفضة (في جنس
350 واحد) كبر (لم يصح) السلم (حتى يبين حصة كل جنس من المسلم فيه) كما لو أسلم في جنسين على ما تقدم. قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب. (ولا بد أن يكون الاجل مقدارا) بزمن (من معلوم) لما تقدم في الحديث. (فإن أسلم) مطلقا أو إلى حصاد ونحوه. (أو باع أو شرط الخيار مطلقا أو إلى حصاد أو جذاذ ونحوهما) من كل ما يختلف، كنزول المطر وهبوب الريح وقدوم الحاج. (لم يصح الشرط والعقد في السلم) لفوات شرطه. وهو الاجل المعلوم. لاختلاف هذه الأشياء (ولا) يصح (الشرط في البيع والخيار) للجهالة (ويصح البيع فيهما) أي فيما إذا باع مطلقا أو إلى الحصاد ونحوه. ويكون الثمن حالا. وفيما إذا شرط الخيار مطلقا أو إلى الحصاد ونحوه. (وتقدم) ذلك (في الشروط في البيع) مفصلا (وإن قال) أسلمت في كذا (إلى شهر كذا) أي رمضان ونحوه، (أو) قال (محله شهر كذا أو) قال محله (فيه) أي في شهر كذا (صح) لأنه أجل معلوم، (وحل بأوله) كما لو علق عليه طلاقا أو عتقا. (وإن قال) المسلم للسلم إليه (تؤديه) أي السلم (فيه) أي في شهر كذا (لم يصح) السلم. لأنه جعله كله ظرفا فاحتمل أوله وآخره. فلم يكن أجلا معلوما (و) إن قال: أسلمت في كذا (إلى أوله) أي إلى أول شهر كذا (أو) إلى (آخره يحل) في الأولى (بأول جزء) من الشهر (و) في الثانية (آخره) أي آخر جزء من الشهر، (فإن قال) أسلمت في كذا (إلى ثلاثة أشهر، كان إلى انقضائها) فإن كانت مبهمة، فابتداؤها حين تلفظ بها. وإن قال: إلى شهر، انصرف إلى الهلال. إلا أن يكون في أثنائه، فإنه يكمل بالعدد. (وينصرف) إطلاق الشهر (إلى الأشهر الهلالية) لقوله تعالى: * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله) * (و) يصح السلم (إلى شهر رومي كشباط ونحوه) مثل كانون الأول، أو الثاني (أو) إلى (عيد لهم) أي للروم (لم يختلف كالنيروز والمهرجان ونحوهما مما يعرفه المسلمون. يصح إن عرفاه) أي المتعاقدان. لأنه معلوم، أشبه عيد المسلمين. (وإلا) بأن اختلف ذلك العيد المشروط (فلا) يصح السلم (كالسعانين، وعيد الفطير) ونحوهما، مما
351 يجهله المسلمون غالبا. ويجوز تقليد أهل الذمة فيه. والسعانين بسين ثم عين مهملتين. قاله ابن الأثير وغيره. وهو عيد النصارى، قبل عيدهم الكبير بأسبوع. قال النووي، ويقوله العوام ومثلهم من المتفقهة بالشين المعجمة وذلك خطأ. (و) إن شرطه (إلى العيد، أو) إلى (ربيع، أو) إلى (جمادى، أو) إلى (النفر) من منى ونحوها (مما يشترك فيه شيئان) كالنحر (لم يصح) السلم حتى يعين أحدهما للجهالة. (و) إن شرطه (إلى عيد الفطر، أو) إلى عيد (النحر، أو) إلى (يوم عرفة، أو عاشوراء، أو نحوها) كالنفر الأول، أو الثاني، وهما ثاني أيام التشريق وثالثها، فالنفر الأول لمن تعجل في يومين، والنفر الثاني لمن تأخر (صح) السلم، لأنه أجل معلوم. (ومثله) أي مثل السلم (الإجارة) فيما ذكر، مما يصح أو يبطل (وإن جاء) ه أي جاء المسلم إليه المسلم (بالمسلم فيه في محله) أي وقت حلول أجله، (لزمه) أي المسلم (قبضه، كالمبيع المعين. ولو تضرر بقبضه) لأن الضرر لا يزال بالضرر. (وإن أحضره بعد محل الوجوب، فكما لو أحضر المبيع بعد تفرقهما) من المجلس فيلزمه قبضه، ولو تضرر. (وإن أحضره) أي المسلم فيه (قبل محله. فإن كان فيه) أي في قبضه (ضرر لكونه) أي المسلم فيه (مما يتغير كالفاكهة التي يصح السلم فيها) من الرطب والعنب ونحوهما، (أو كان) المسلم فيه (قديمه دون حديثه كالحبوب. أو كان) المسلم فيه (حيوانا، أو ما يحتاج في حفظه إلى مؤنة كالقطن ونحوه. أو كان الوقت مخوفا فيخشى) المسلم (على ما يقبضه لم يلزم المسلم قبوله) أي قبول السلم قبل محله. لما عليه من الضرر فيه، (وإن لم يكن في قبضه) أي المسلم فيه (ضرر ولا يتغير) أي يختلف قديمه وحديثه. (كالحديد والرصاص والزيت والعسل ونحوها. لزمه قبضه) لأن الغرض حاصل، مع زيادة تعجيل المنفعة. فجري مجرى زيادة الصفة. (وحيث قلنا: يلزمه القبض) لكونه بعد محله، أو عنده، أو قبله، ولا ضرر، وأتاه بالمسلم فيه على صفته. (وامتنع) المسلم (منه) أي من قبضه (قيل) أي قال (له) الحاكم (إما أن تقبض حقك وإما أن تبرئ منه فإن أبى) الامرين
352 (رفع) المسلم إليه (الامر إلى الحاكم فقبضه) أي المسلم فيه (له. وبرئت ذمة المسلم إليه فيه) أي في ذلك المقبوض منه، لأن الحاكم يقوم مقام الممتنع بولايته. وليس له أن يبرئ. قلت وقياسه لو غاب المسلم، (وكذا) أي وكدين السلم (كل دين لم يحل إذا أتى) صاحبه (به) يلزمه قبضه حيث لا ضرر عليه فيه. وإن أتى به عند محله أو بعده لزمه مطلقا. (ويأتي إذا عجل الكتابة قبل محلها) أي حلولها في باب الكتابة، (لكن لو أراد) إنسان (قضاء دين عن غيره، فلم يقبله رب الدين، أو أعسر زوج بنفقة زوجته فبذلها أجنبي) وكذا لو لم يعسر وبذلها أجنبي. (فلم تقبل) الزوجة (لم يجبر) ا أي رب الدين والزوجة على القبول من الأجنبي: لما فيه من تحمل منة الدافع. وتملك الزوجة حينئذ الفسخ بالاعسار، وعلم من قوله: فبذلها أجنبي، أنه لو أعسر الزوج وبذلها قريبه الواجب عليه نفقته، كوالده، وولده، وأخيه. وجب عليها القبول وأجبرت عليه. ولا فسخ لها. (إلا أن يكون) من أراد قضاء الدين عن غيره أو بذل النفقة للزوجة (وكيلا) عن المدين أو الزوج، فيجبران على القبول منه لقيامه مقام موكله (كتمليكه) أي تمليك الأجنبي (للزوج أو المديون) ما ينفقه أو يفي به دينه، إذا قبضاه ووفيا به ما عليهما أجبرت الزوجة ورب الدين على القبول منه، لعدم المنة عليهما إذن. (وليس) يلزم المسلم إليه (للمسلم إلا أقل ما يقع عليه الصفة) التي عقد عليها فإذا أتاه به لم يطلب منه أعلى منه، لأنه أتاه بما تناوله العقد فبرئت ذمته منه. (و) يجب (على المسلم إليه أن يسلم الحبوب) المسلم فيها (نقية) أي خالصة (من التبن و) من (العقد و) من (غير جنسها) كتراب وزوان في البر (فإن كان فيها تراب ونحوه) كزوان (يأخذ وضعا من المكيال لم يجز) له تسليمها كذلك. ولا يجبر المسلم على قبولها كذلك. (وإن كان) التراب أو نحوه (يسيرا لا يؤثر لزمه) أي المسلم (أخذه) لأنه متعارف، (ولا يلزمه) أي المسلم (أخذ التمر) المسلم فيه (ونحوه) كالزبيب وسائر الفواكه اليابسة التي يصح فيها السلم (إلا جافا) جفافه المعتاد، (ولا يلزم أن يتناهى جفافه) لما تقدم من أنه ليس له إلا أقل ما يقع عليه الصفة. (ولا يلزمه) أي المسلم (أن يقبل معيبا) لأن الاطلاق يقتضي السلامة. (فإن قبضه) أي المسلم فيه (فوجده معيبا فله إمساكه مع الأرش كما تقدم. وله رده والمطالبة بالبدل) سليما (كالمبيع) غير المعين.
353 فصل: الشرط (الخامس) للسلم (أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله) بكسر الحاء أي وقت حلوله غالبا لوجوب تسليمه إذن، (سواء كان) المسلم فيه (موجودا حال العقد أو معدوما) كالسلم في الرطب والعنب زمن الشتاء إلى الصيف، (فإن كان) المسلم فيه (لا يوجد فيه) أي في وقت حلوله، (أو لا يوجد) فيه (إلا نادرا كالسلم في الرطب والعنب إلى غير وقته. لم يصح) السلم لأنه لا يمكن تسليمه غالبا عند وجوبه. أشبه بيع الآبق وأولى، (وإن أسلم في ثمرة نخلة بعينها أو) أسلم (في ثمرة بستان بعينه بدا صلاحه أولا أو) أسلم (في زرعه) أي زرع بستان بعينه (استحصد)، أي طلب الحصاد بأن اشتد حبه، (أولا أو) أسلم في ثمرة أو زرع (قرية صغيرة أو) أسلم في (نتاج فحل فلان غنمه ونحوه. لم يصح) السلم في ذلك كله، لأنه لا يؤمن انقطاعه. ولما روي عنه (ص): أنه أسلف إليه يهودي في تمر حائط بني فلان. فقال النبي (ص): أما في حائط بني فلان فلا ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى رواه ابن ماجة وغيره. قال ابن المنذر: المنع منه كالاجماع لاحتمال الجائحة. (وإن أسلم إلى محل) أي وقت (يوجد فيه عاما، فانقطع وتعذر حصوله، أو) حصول (بعضه إما لغيبة المسلم إليه) وقت وجوبه (أو بعجزه عن التسليم حتى عدم المسلم فيه أو لم تحمل الثمار تلك السنة وما أشبهه خير) المسلم (بين صبر) إلى أن يوجد المسلم فيه فيأخذه، (و) بين (فسخ في الكل) المتعذر. (أو البعض المتعذر ويرجع برأس مال) ما فسخ فيه، كلا كان أو بعضا إن كان رأس المال موجودا. (أو عوضه إن كان معلوما) لتعذر رده وعوضه، مثل مثلي وقيمة
354 متقوم. وعلم مما تقدم: أنه لو تحقق بقاء المسلم فيه لزم المسلم إليه تحصيله. قال في شرح المنتهى: ولو شق كبقية الديون. (وإن أسلم ذمي إلى ذمي في خمر ثم أسلم أحدهما رجع المسلم) أي صاحب السلم (فأخذ رأس ماله) الذي دفعه إن كان موجودا أو عوضه إن عدم. لأنه إذا أسلم الأول فقد تعذر عليه استيفاء المعقود عليه. وإن أسلم الآخر فقد تعذر عليه الايفاء. فصل: الشرط (السادس) للسلم (أن يقبض) المسلم إليه أو وكيله (رأس ماله) أي السلم (في مجلس العقد) قبل التفرق. استنبطه الشافعي رضي الله تعالى عنه من قوله (ص) من أسلف فليسلف أي فليعط قال: لأنه لا يقع اسم السلف فيه حتى يعطيه ما أسلفه قبل أن يفارق من أسلفه، انتهى. وحذرا أن يصير بيع دين بدين فيدخل تحت النهي، (أو ما في معنى القبض كما لو كان عنده) أي المسلم إليه (أمانة أو عين مغصوبة) ونحوها فجعلها ربها رأس مال سلم. فيصح لأنه في معنى القبض. و (لا) يصح عقد السلم (بما في ذمته) أي المسلم إليه بأن يكون له عليه دين فيجعله رأس مال سلم، لأنه بيع دين بدين. فهو داخل تحت النهي، وتقدم. (فإن قبض) المسلم إليه (والبعض) من رأس مال السلم قبل التفرق (ثم افترقا قبل قبض الباقي، صح فيما قبض بقسطه وبطل فيما لم يقبض) لتفريق الصفقة. (وتقدم) ذلك (في الصرف) لكن لو تعاقدا على مائة درهم في كر طعام مثلا وشرط أن يعجل له منها خمسين إلى أجل. لم يصح العقد في الكل، ولو قلنا بتفريق الصفقة، لأن للمعجل فضلا على المؤجل (ويشترط كونه) أي رأس مال السلم (معلوم الصفة والقدر) كالمسلم فيه لأنه قد يتأخر تسليم
355 المعقود عليه ولا يؤمن انفساخه، فوجب معرفة رأس ماله ليرد بدله كالقرض. (ف) - على هذا (لا يصح) السلم (بصبرة) مشاهدة لا يعلما قدرها (ولا) يصح السلم (بما لا يمكن ضبطه بصفة كجوهر ونحوه فإن فعلا) أي عقداه بذلك، (فباطل) لفوات شرطه. (ويرجع) أي يرد المقبوض إذن (إن كان باقيا وإلا) بأن لم يكن باقيا (فبقيمته) إن كان متقوما، أو مثله إن كان مثليا، كصبرة من نحو حبوب. (فإن اختلفا فيها) أي في قيمة رأس مال السلم الباطل، أو في قدر الصبرة المجعولة رأس مال سلم. (فقول المسلم إليه) بيمينه لأنه غارم. (فإن تعذر) علم قدر القيمة أو الصبرة، بأن قال المسلم إليه: لا أعلم قدر ذلك. (فقيمة مسلم فيه مؤجلا) إلى الاجل الذي عيناه، لأن الغالب في الأشياء أن تباع بقيمتها. (ولو قبض) المسلم إليه (رأس مال السلم المعين ثم افترقا فوجده) المسلم إليه (معيبا من غير جنسه) كالنحاس في الفضة والمس في الذهب، (أو ظهر) رأس مال السلم المعين (مستحقا بغصب أو غيره بطل العقد) كما لو ظهر ثمن المبيع المعين كذلك، (وإن كان العيب من جنسه) أي جنس رأس المال كالسواد في الفضة والوضوح في الذهب، (فله) أي المسلم إليه (إمساكه وأخذ أرش عيبه، أو رده وأخذ بدله في مجلس الرد) هكذا في الانصاف، وهو غير ظاهر. بل متى رده بطل العقد، كما في المغني لوقوعه على عينه بخلاف ما في الذمة كما تقدم. وقد ذكرت كلام المستوعب في الحاشية. (وإن كان العقد وقع على مال في الذمة)، وقبضه ثم ظهر به عيب من جنسه (فله المطالبة ببدله في المجلس. ولا يبطل العقد برده) لأنه لم يتعين. فإن كان العيب من غير الجنس بطل العقد بالتفرق على الصحيح كما في الانصاف. (وإن تفرقا) عن المجلس بعد قبضه (ثم علم) المسلم إليه (عيبه فرده لم يبطل) السلم (إن قبض) المسلم إليه (البدل في مجلس الرد) إقامة لمجلس الرد مقام مجلس العقد. (وإن تفرقا عن مجلس الرد قبل قبض البدل بطل) السلم لفوات شرطه، وهو القبض قبل التفرق. وإن
356 كان العيب من غير جنسه وتفرقا قبل أخذ بدله بطل العقد. وتقدم نظير ذلك في الصرف، (وإن وجد) المسلم إليه (بعض الثمن رديئا فرده. ففي المردود ما ذكرنا) ه (من التفصيل) المذكور. فصل: الشرط (السابع) للسلم (أن يسلم في الذمة. فإن أسلم في عين) كدار وشجر نابتة (لم يصح) السلم (لأنه ربما تلف) أي المعين (قبل آوان تسليمه) ولان المعين يمكن بيعه في الحال. فلا حاجة إلى السلم فيه وتقدم. (ولا يشترط) للسلم (ذكر مكان الايفاء) لأنه (ص) لم يذكره، ولأنه عقد معاوضة أشبه بيوع الأعيان. (إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كبرية وبحر ودار وحرب) فيشترط ذكره لتعذر الوفاء في موضع العقد. وليس البعض أولى من البعض. فاشترط تعيينه بالقول كالكيل. (ويجب) إيفاء (مكان العقد) إن عقدا في محل يصلح للإقامة (مع المشاحة)، لأن العقد يقتضي التسليم في مكانه فاكتفى بذلك عن ذكره. (وله) أي المسلم (أخذه) أي المسلم فيه (في غيره) أي غير مكان العقد (إن رضيا)، لأن الحق لا يعدوهما و (لا) يجوز أخذه (مع أجرة حمله إليه) أي إلى مكان العقد. قال القاضي: (كأخذ بدل السلم ويصح شرطه) أي الايفاء (فيه) أي في مكان العقد، (ويكون) ذلك الشرط (تأكيدا) لمقتضى العقد (و) يصح شرط الايفاء (في غيره)، أي غير مكان العقد كبيوع الأعيان. (ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه) قال في المغني والمبدع: بغير خلاف نعلمه لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الطعام قبل قبضه. ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه فلم يجز بيعه قبل قبضه كالمكيل. (ولو) كان بيع المسلم فيه (لمن هو في ذمته) لعموم ما سبق، (ولا) تصح (هبته) أي
357 هبة المسلم فيه قبل قبضه لغير من هو عليه، لأنها تنقل الملك كالبيع (ولا هبة دين غيره) أي غير السلم (لغير من هو في ذمته)، لأن الهبة تقتضي وجود معين وهو منتف هنا. (ويأتي) ذلك (في الهبة) مفصلا (ولا) يصح (أخذ غيره) أي المسلم فيه (مكانه). لقوله عليه الصلاة والسلام: من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره ولان أخذ العوض عنه بيع فلم يجز كبيعه، وسواء كان المسلم فيه موجودا أو معدوما، وسواء كان العوض مثله في القيمة أو أقل أو أكثر. (ولا) تصح (الحوالة به) أي بثمن السلم لأنها معاوضة بالمسلم فيه قبل قبضه. فلم تجز كالبيع. (ولا) الحوالة (عليه) لأنها لا تصح إلا على دين مستقر، والسلم عرضة للفسخ. (ولا) تصح الحوالة (برأس مال سلم بعد فسخه. ويأتي) ذلك (في) باب (الحوالة) موضحا. (ويأتي في الهبة البراءة من الدين و) من (المجهول و) يأتي (في) باب (الشركة القبض من الدين المشترك) مفصلا و (يصح بيع دين مستقر من ثمن) مبيع (وقرض ومهر بعد دخول وأجرة استوفي نفعها) إن كانت الإجارة على عمل كخياطة ثوب. (أو فرغت مدتها) إن كانت على مدة كإجارة دار شهرا، (وأرش جناية وقيمة متلف ونحوه) كجعل بعد عمل (لمن هو) أي الدين (في ذمته) لخبر ابن عمر: كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدنانير ونأخذ عنها الدراهم، وبالدراهم ونأخذ عنها الدنانير فسألنا رسول الله (ص) عنه. فقال: لا بأس إن أخذتها بسعر يومها، ما لم تتفرقا وبينكما شئ رواه أبو داود وابن ماجة. فدل على جواز بيع ما في الذمة من أحد النقدين بالآخر وغيره يقاس عليه. (و) يجوز (رهنه) أي رهن الدين المستقر (عنده) أي عند من هو في ذمته (بحق له) أي لمن هو في ذمته. هذا أحد روايتين ذكرهما في الانتصار. قال في الانصاف: الأولى الجواز. وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب حيث قالوا: يجوز رهن ما يصح بيعه، انتهى. قلت: بل يكاد صريح كلامهم أن يكون بخلافه، حيث قالوا الرهن توثقه دين بعين، بل صرح المجد في شرحه بعدم صحته. (إلا رأس مال سلم بعد فسخ) السلم (وقبل قبض) رأس ماله، فلا يصح بيعه ولو لمن هو عليه ولا رهنه عنده لما تقدم. (لكن إن كان)
358 الدين (من ثمن مكيل أو موزون باعه بالنسيئة) أو بثمن لم يقبض، (فإنه لا يصح أن يأخذ عوضه ما يشارك البيع في علة ربا فضل أو نسيئة) فلا يعتاض عن ثمن مكيل مكيلا، ولا عن ثمن موزون موزونا. (حسما لمادة ربا النسيئة، وتقدم) ذلك (آخر كتاب البيع) مبينا. (ويشترط) لصحة بيع الدين الثابت في الذمة لمن هو عليه. (أن يقبض عوضه في المجلس إن باعه بما لا يباع به نسيئة)، كأن باع الذهب بفضة أو عكسه، (أو) باعه (بموصوف في الذمة) فيعتبر قبضه قبل التفريق لئلا يصير بيع دين بدين وهو منهي عنه كما تقدم. (وإلا) بأن باعه بمعين يباع به نسيئة كما لو كان الدين ذهبا وباعه ببر معين. (فلا) يشترط قبضه في المجلس. (ولا يصح بيعه) أي الدين (لغيره) أي غير من هو في ذمته مطلقا. لأنه غير قادر على تسليمه. أشبه بيع الآبق. (ولا) يصح (بيع دين الكتابة) ولو لمن هو في ذمته لأنه غير مستقر. (ولا) بيع (غيره) أي غير دين الكتابة حال كونه (غير مستقر) كصداق قبل دخول، وجعل قبل عمل وأجرة قبل فراغ مدة. (ولا يصح بيع الدين من الغريم) الذي هو عليه (بمثله) بأن كان له عليه دينا فباعه له بدينار. (لأنه نفس حقه) الواجب له فلا أثر للتعويض. (ولو قال) المسلم إليه للمسلم (في دين السلم: صالحني منه) أي من أجله (على مثل الثمن) المعقود عليه (صح) ذلك (وكان إقالة) بلفظ الصلح، لأنها تصح بكل ما أدى معناها. (وتصح الإقالة في المسلم فيه) حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه، ولأنها فسخ للعقد وليست بيعا. (و) تصح الإقالة أيضا (في بعضه) أي بعض المسلم فيه لأن الإقالة مندوب إليها، وكل مندوب إليه جاز في الجميع جاز في البعض كالابراء والانظار. (ولا يشترط فيه) أي في التقايل (قبض رأس مال السلم) في مجلس الإقالة لأنها ليست بيعا. (ولا) قبض (عوضه) أي عوض رأس مال السلم (إن تعذر) رأس مال السلم بأن عدم (في مجلس الإقالة) متعلق بقبض. أي لا يشترط القبض في مجلسها لأنها ليست بيعا كما تقدم. (ومتى انفسخ عقده) أي عقد السلم (بإقالة أو غيرها) كعيب في الثمن (لزمه) أي المسلم إليه (رد الثمن الموجود) لأنه عين مال السلم عاد إليه بالفسخ. (وإلا) أي وإن لم يكن الثمن موجودا رد (مثله) إن كان مثليا (ثم قيمته) إن كان متقوما، لأن ما تعذر رده رجع بعوضه (وإن أخذ بدله) أي بدل رأس مال
359 السلم بعد الفسخ (ثمنا وهو ثمن، فصرف. يشترط فيه التقابض) قبل التفرق (وإن كان) رأس مال السلم (عرضا فأخذ) المسلم (عنه عرضا أو ثمنا) بعد الفسخ (فبيع. يجوز فيه التفرق قبل القبض) لكن إن عوضه مكيلا عن مكيل أو موزونا عن موزون. اعتبر القبض قبل التفرق كالصرف. (وإن كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه فقال) الرجل (لغريمه: اقبض سلمي لنفسك، ففعل. لم يصح قبضه لنفسه، إذ هو حالة سلم) وتقدم أنها لا تصح به. (ولا) يصح أيضا قبضه (للآمر لأنه) أي الآمر (لم يجعله) أي القابض (وكيلا) عنه في القبض. (والمقبوض باق على ملك الدافع) لعدم القبض الصحيح. (وإن قال) الرجل (اقبضه) أي السلم (لي ثم اقبضه لنفسك) وفعل (صح) القبض لكل منهما، لأنه استنابه في قبضه له إذا قبضه لموكله جاز أن يقبضه لنفسه، كما لو كان له وديعة، عند من له عليه دين وأذنه في قبضها عن دينه. (فيصح قبض وكيل من نفسه لنفسه نصا، إلا ما كان من غير جنس ماله) أي دينه فلا يصح قبضه من نفسه لنفسه، لأنها معاوضة لم يأذن فيها. (و) يصح (عكسه) أي عكس قبض الوكيل من نفسه، (وهو) أي عكس قبض الوكيل من نفسه لنفسه، (استنابة من عليه الحق للمستحق) في أخذ حقه بأن يوكل المدين رب الدين في قبضه. (وتقدم) ذلك (آخر) باب (خيار البيع. ولو قال الأول) وهو من له سلم وعليه سلم (للثاني) الذي له عليه السلام، (أحضر اكتيالي منه) أي ممن لي عليه السلام (لأقبضه لك ففعل) أي حضر اكتياله منه وسلمه له بغير كيل، (لم يصح قبضه للثاني) لعدم كيله، (ويكون) الأول (قابضا لنفسه) لاكتياله إياه. (ولو قال) الأول للثاني (أنا أقبضه لنفسي وآخذه بالكيل الذي تشاهده صح) ذلك، (وكان) ذلك (قبضا لنفسه ولم يكن قبضا للغريم المقول له ذلك) لعدم كيله إياه. أشبه ما لو قبضه جزافا. وتقدم في البيع أنه يجوز قبض المبيع جزافا إن علماه، فأما أن يكون كل من القولين على رواية، لأن المسألة ذات روايتين، وإما أن يقال ما هنا خاص بالسلم لأنه أضيق. والأول مقتضى كلامه في تصحيح الفروع. فإنه جعل ما هنا فردا من أفراد المسألة السابقة. وقال:
360 ظاهر كلام كثير من الأصحاب أنه لا يكفي ذلك أي قبض المكيل جزافا. ولا بد من كيل ثان فيحمل ما تقدم على غير المكيل. ومعنى القول أنه ليس بقبض للغريم (لأنه لا يباح له التصرف بدون كيل ثان فيه لا بمعنى أنه لا تبرأ ذمة الدافع) منه (وإن كاله) الأول (ثم تركه) في المكيال (وسلمه إلى غريمه فقبضه صح القبض لهما) معا لأن الأول قد اكتاله حقيقة والثاني حصل له استمرار الكيل، واستدامته كابتدائه، مع أنه لا تحصل زيادة علم بابتدائه. فلا معنى له (وإن دفع زيد لعمرو دراهم) وعلى زيد طعام لعمرو، (فقال) زيد لعمرو (اشتر لك بها مثل الطعام الذي علي، ففعل. لم يصح) الشراء. قال في الفروع: لأنه فضولي، لأنه اشترى لنفسه بمال غيره. (وإن قال) زيد لعمرو (اشتر لي) بها أي بالدراهم (طعاما ثم اقبضه لنفسك صح الشراء) لأنه وكيل عنه فيه (ولم يصح القبض لنفسه) لأن قبضه لنفسه فرع عن قبض موكله ولم يوجد. (وإن قال) زيد لعمرو: اشتر لي بدراهم مثل الطعام الذي علي و (اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك ففعل) بأن اشترى بها طعاما له ثم قبضه له ثم قبضه لنفسه. (صح) ذلك كله. لأنه وكله في الشراء والقبض ثم الاستيفاء من نفسه لنفسه وذلك صحيح كما تقدم. (ولو دفع إليه كيسا وقال استوف منه قدر حقك ففعل، صح) كما تقدم لأنه من استنابة من عليه الحق للمستحق والزائد أمانة. (ولو أذن لغريمه في الصدقة عنه بدينه الذي له عليه أو في صرفه أو) في (المضاربة به) ونحوه (أو قال: اعزله وضارب به) ففعل، (لم يصح) ذلك (ولم يبرأ) الغريم من الدين بذلك لأن رب الدين لا يملكه حتى يقبضه. (ولو قال) رب الدين (له) لغريمه (تصدق عني بكذا) ولم يقل من ديني (أو) قال (أعط فلانا كذا ولم يقل من ديني صح) ذلك (وكان اقتراضا) لا تصرفا في الدين قبل قبضه (كما لو قاله لغير غريمه) فإنه يكون اقتراضا (ويسقط من الدين) الذي للقائل على الغريم (بمقداره) أي مقدار ما قال له: تصدق به أو أعطه فلانا عني (للمقاصة) الآتية وكذا لو قال: اشتر لي كذا
361 بكذا ولم يقل من ديني. (ومن ثبت له على غريمه مثل ما له عليه) من الدين (قدرا وصفة وحالا) أ (ومؤجلا أجلا واحدا، لا حالا ومؤجلا. تساقطا) إن اتفق الدينان قدرا، (أو بقدر الأقل) إن كان أحد الدينين أكثر من الآخر، (ولو بغير رضاهما) لأنه لا فائدة في اقتضاء الدين من أحدهما ودفعه إليه بعد ذلك لشبهه بالعبث. (إلا إذا كانا) أي الدينان (أو) كان (أحدهما دين سلم) فلا مقاصة، (ولو تراضيا) لأنه تصرف في دين السلم قبل قبضه وهو غير صحيح. وكذا لو تعلق بأحد الدينين حق كما لو باع الراهن الرهن لتوفية دين المرتهن ممن له عليه حق مثل الثمن الذي باعه به فلا مقاصة لتعلق حق المرتهن به وكما لو بيع بعض مال المفلس على بعض غرمائه بثمن في الذمة من جنس ماله على المفلس فلا مقاصة، لتعلق حق باقي الغرماء بذلك. (ومن عليها دين من جنس واجب نفقتها لم يحتسب به) عليها من نفقتها (مع عسرتها) لأن قضاء الدين بما فضل عن النفقة ونحوها، (ويأتي) ذلك (في النفقات) موضحا (ومتى نوى مديون بأدائه) دينه إلى غريمه (وفاء دينه برئ) منه (وإلا) ينو قضاءه (فتبرع) هكذا ذكروه هنا. وفي كتب الأصول: من الواجب ما لا يفتقر إلى نية كأداء الدين ورد الوديعة ونحوهما. ويمكن حمل ما هنا على ما إذا نوى التبرع لا على ما إذا غفل، جمعا بين الكلامين كما أوضحته في الحاشية. (وإن وفاه) أي الدين (حاكم قهرا) على مدين لامتناعه (كفت نيته) أي الحاكم (إن قضاه من) مال (مديون) وكذا إن وفاه عن غائب لقيامه مقامه. وكذا لو قضاه غير حاكم عن مديون من مال نفسه. (ويجب أداء ديون الآدميين على الفور عند المطالبة) لحديث: مطل الغني ظلم (ولا يجب) أداء ديون الآدميين (بدونها) أي بدون المطالبة (على الفور) بل يجب موسعا (قال ابن رجب: إذا لم يكن) المدين (عين له) أي لرب الدين (وقت الوفاء) فيقوم تعيينه مقام المطالبة عنده (ويأتي) ذلك (أول الحجر)
362 بأتم من هذا (وإذا كان عليه دين لم يعلم به صاحبه وجب عليه) أي المدين (إعلامه) أي رب الدين بدينه لئلا يكون خائنا له، (ولا يقبض) رب السلم (المسلم فيه إلا بما قدر به من كيل وغيره) كوزن وذرع وعد (فإن قبضه) أي المسلم فيه (جزافا) اعتبره بما قدر به أولا، لأنه عليه الصلاة والسلام: نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان (ومثله) أي مثل قبضه جزافا في عدم الصحة، (لو قبض المكيل وزنا أو) قبض (الموزون كيلا) فلا يصح القبض لما تقدم من أن قبض ما يكال بالكيل وما يوزن بالوزن، (أو اكتال) من عليه الحق (له) أي للمستحق (في غيبته، ثم قال) له بعد حضوره (خذ هذا قدر حقك فقبضه بذلك) الكيل السابق لم يكن قبضا لعدم مشاهدته كيله، و (اعتبره) قبل التصرف فيه (بما قدر) أي كيل (به أولا) وكذا حكم موزون ومذروع ومعد. (ولا يتصرف في حقه) إذا قبضه بغير معياره الشرعي (قبل اعتباره)، لفساد القبض (ثم يأخذ) المستحق (قدر حقه منه) أي من المقبوض جزافا ونحوه (فإن زاد فالزائد في يده أمانة) لا مضمون عليه. لأنه قبضه بإذن ربه (يجب رده) لربه، (وإن كان ناقصا طالب بالنقص) وأخذه. (والقول قوله) أي القابض (في قدره) أي النقص (مع يمينه) لأنه منكر لقبض الزائد. والأصل عدمه. (ويسلم) المسلم (إليه) أي إلى رب السلم (ملء المكيال. وما يحمله) لأنه المتعارف. (ولا يكون) المكيال (ممسوحا ما لم تكن عادة) فيعمل بها لأن المطلق في الشرع يحمل على العرف. (ولا يدق) المكيال (ولا يهزه) فتكره زلزلة الكيل كما تقدم. لأنه قد يؤدي إلى أن يأخذ فوق حقه، ولأنه غير متعارف. (وإن قبضه) أي المسلم فيه (كيلا) إن كان مكيلا (أو وزنا) إن كان موزونا (ثم ادعى غلطا ونحوه لم يقبل قوله) لأن الأصل عدم الغلط. (وكذا حكم ما قبضه من مبيع، أو دين آخر) غير السلم إن قبضه جزافا. قبل قوله في قدره، وإن قبضه بكيل أو وزن لم تقبل دعواه الغلط، وتقدم. ومن قبض دينه ثم بان لا دين له ضمن ما قبضه، ولو أقر بأخذ مال غيره لم يبادر إلى إيجاب ضمانه حتى يفسر
363 أنه عدوان. (ولا يصح أخذ رهن ولا كفيل، وهو الضمين بمسلم فيه) رويت كراهته عن علي وابن عباس وابن عمر. إذ وضع الرهن للاستيفاء من ثمنه عند تعذر الاستيفاء من الغريم. ولا يمكن استيفاء المسلم فيه من ثمن الرهن، ولا من ذمة الضامن، حذرا من أن يصرفه إلى غيره قال في المبدع: وفيه نظر، لأن الضمير في: لا يصرفه راجع إلى المسلم فيه. ولكن يشتري ذلك من ثمن الرهن ويسلمه ويشتريه الضامن ويسلمه، لئلا يصرفه إلى غيره. ولهذا اختار الموفق وجمع: الصحة. (ولا) يصح أخذ الرهن والضمين أيضا (بثمنه) أي رأس مال السلم بعد فسخه، لما تقدم، وفيه ما سبق. باب القرض بفتح القاف. وحكي كسرها. (وهو) في اللغة: القطع، مصدر قرض الشئ يقرضه بكسر الراء قطعه. ومنه المقراض، والقرض: اسم مصدر بمعنى الاقتراض. وشرعا (دفع مال إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله) وهو نوع من المعاملات على غير قياسها لمصلحة لاحظها الشارع، رفقا بالمحاويج. والأصل فيه: الاجماع: لفعل النبي (ص). (و) هو (نوع من السلف لارتفاقه أي انتفاع المقترض (به) أي بما اقترضه، (ويصح) القرض (بلفظ: قرض، و) لفظ (سلف) لورود الشرع بهما. (وبكل لفظ يؤدي معناهما) أي معنى القرض والسلف (كقوله: ملكتك هذا على أن ترد لي بدله) أو خذ هذا انتفع به ورد لي بدله ونحوه. (أو توجد قرينة دالة على إرادته) أي القرض كأن سأله قرضا. (فإن قال) ملكتك (ولم يذكر البدل ولم توجد قرينة) تدل عليه (فهو هبة) لأنه صريح في الهبة. (فإن اختلفا) فقال المعطي: هو قرض. وقال الآخذ: هو هبة. (فالقول قول الآخذ) إنه هبة، لأن الظاهر معه. (وهو) أي القرض (عقد لازم في حق المقرض) بالقبض. لكونه أزال ملكه عنه بعوض من غير خيار. فأشبه البيع. (جائز في حق المقترض) في الجملة. لأن الحق له فيه (ولا يثبت فيه) أي
364 القرض (خيار) لأنه ليس بيعا ولا في معناه. (وهو من المرافق) جمع مرفق بفتح الميم وكسرها مع الفاء وفتحها، وهو ما ارتفقت به وانتفعت. (المندوب إليها في حق المقرض) لقول النبي (ص): من كشف عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة قال أبو الدرداء: لأن أقرض دينارين ثم يردان، ثم قرضهما أحب إلي من أن أتصدق بهما. و (لما فيه من الاجر العظيم) ومنه: ما في حديث أنس: أن النبي (ص) قال: رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشرة أمثالها. والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده. والمقترض لا يستقرض إلا من حاجة رواه ابن ماجة. والقرض (مباح للمقترض) وليس مكروها. لفعل النبي (ص) ولو كان مكروها كان أبعد الناس منه. (ولا إثم على من سئل فلم يقرض) لأنه ليس بواجب، بل مندوب. كما تقدم (وليس هو) أي سؤال القرض (من المسألة المذمومة) لما تقدم من فعل النبي (ص) ولأنه إنما يأخذه بعوضه. فأشبه الشراء بدين في ذمته. (وينبغي) للمقترض (أن يعلم المقرض بحاله، ولا يغره من نفسه، ولا يستقرض إلا ما يقدر أن يؤديه، إلا الشئ اليسير الذي يتعذر مثله) عادة، لئلا يضر بالمقرض. (وكره) الإمام أحمد (الشراء بدين ولا وفاء) للدين (عنده، إلا اليسير) لعدم تعذره عادة. (وكذا الفقير يتزوج) المرأة (الموسرة ينبغي أن يعلمها بحاله) أي فقره (لئلا يغرها ويشترط معرفة قدره) أي القرض (بمقدار معروف) من مكيال، أو صنجة، أو ذراع، كسائر عقود المعاوضات. (فلو اقترض دراهم، أو دنانير غير معروفة الوزن. لم يصح) القرض للجهالة بمقدارها فيتعذر رد مثلها. (وإن كانت) الدراهم أو الدنانير (عددية يتعامل بها عددا) لا وزنا (جاز قرضها عددا ويرد بدلها عددا) عملا بالعرف. (ولو اقترض مكيلا) جزافا (أو موزونا جزافا
365 أو قدره) أي المكيل (بمكيال بعينه، أو) قدر الموزون ب (- صنجة بعينها، غير معروفين عند العامة. لم يصح) القرض. لأنه لا يأمن تلف ذلك. فيتعذر رد المثل، (كالسلم). وإن كان لهما عرف صح القرض، لا التعيين. (ويشترط وصفه) أي معرفة وصفه ليرد بدله (و) يشترط (أن يكون المقرض ممن يصح تبرعه) لأنه عقد إرفاق. فلم يصح إلا ممن يصح تبرعه كالصدقة. (ومن شأنه) أي القرض (أن يصادف ذمة) قال ابن عقيل: الدين لا يثبت إلا في الذمم. ومتى أطلقت الأعواض تعلقت بها. ولو عينت الديون من أعيان الأموال لم يصح. (فلا يصح قرض جهة، كمسجد ونحوه) كمدرسة ورباط (وقال في الفروع، في باب الوقف: وللناظر الاستدانة عليه بلا إذن حاكم لمصلحة، كشرائه له) أي للوقف ( نسيئة أو بنقد لم يعينه) وفي باب اللقيط: يجوز الاقتراض على بيت المال لنفقة اللقيط. وكذا قال في الموجز: يصح قرض حيوان وثوب لبيت المال، ولآحاد المسلمين. نقله في الفروع. قلت: والظاهر أن الدين في هذه المسائل يتعلق بذمة المقترض، وبهذه الجهات كتعلق أرش الجناية برقبة العبد الجاني. فلا يلزم المقترض الوفاء من ماله، بل من ريع الوقف. وما يحدث لبيت المال، أو يقال: لا يتعلق بذمته رأسا. وما هنا، بمعنى الغالب. فلا ترد المسائل المذكورة لندرتها. (ويصح) القرض (في كل عين يجوز بيعها) من مكيل وموزون ومذروع ومعدود وغيره (إلا الرقيق فقط) فلا يصح قرضه، ذكرا كان أو أنثى. لأنه لم ينقل، ولا هو من المرافق، ولأنه يفضي إلى أن يقترض جارية يطؤها ثم يردها. (ولا يصح قرض المنافع) لأنه غير معهود (وجوزه الشيخ، مثل أن يحصد معه) إنسان (يوما، ويحصد الآخر معه يوما) بدله، (أو يسكنه دارا ليسكنه الآخر) دارا (بدلها) كالعارية بشرط العوض. (ويتم) عقد القرض (بقبول) كسائر العقود. (يملك) القرض بقبضه (ويلزم بقبضه) لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض. فوقف الملك عليه كالهبة. قاله
366 في المبدع وشرح المنتهى. وفيه نظر، لأن الهبة تملك بالعقد كما يأتي (مكيلا كان) القرض (أو موزونا أو معدودا أو مذروعا، أو غير ذلك. وله) أي للمقترض (الشراء به) أي بالقرض (من مقرضه) نقله مهنا، لأنه ملكه. فكان له التصرف فيه بما شاء. (ولا يملك المقرض استرجاعه) أي القرض للزومه من جهته بالقبض (ما لم يفلس القابض، ويحجر عليه) للفلس قبل أخذ شئ من بدله. فله الرجوع به، كما يأتي في الحجر. (وله) أي للمقرض (طلب بدله) أي القرض (في الحال) مطلقا. لأن القرض يثبت في الذمة حالا. فكان له طلبه كسائر الديون الحالة. ولأنه سبب يوجب رد المثل أو القيمة. فكان حالا كالاتلاف. (ولا يلزم المقترض رد عينه) أي عين ما اقترضه لأنه ملكه ملكا تاما بالقبض. (فإن ردها) أي عين ما اقترضه (عليه) أي على المقرض (لزمه قبوله) أي المردود (إن كان مثليا) لأنه رده على صفة حقه، فلزمه قبوله كالسلم. (وهو) أي المثلي (المكيل والموزون) الذي لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيه. ويأتي في الغصب بأوضح من هذا (وإلا) أي وإن لم يكن القرض مثليا ورده المقترض بعينه (فلا) يلزم المقرض قبوله، لأن الذي وجب له بالقرض قيمته. فلا يلزمه الاعتياض عنها. وإذا كان القرض مثليا ورده المقترض بعينه. لزم المقرض أخذه. (ولو تغير سعره) ولو بنقص، (ما لم يتعيب) كحنطة ابتلت أو عفنت. فلا يلزمه قبولها، لأن عليه فيه ضررا. لأنه دون حقه. (أو) يكن القرض (فلوسا، أو) يكن دراهم (مكسورة فيحرمها) أي يمنع الناس من المعاملة بها (السلطان) أو نائبه، سواء اتفق الناس على ترك المعاملة بها أو لا، لأنه كالعيب. فلا يلزمه قبولها. (فله) أي للمقترض (القيمة) عن الفلوس والمكسرة في هذه الحال (وقت قرض) سواء كانت باقية أو استهلكها، وسواء نقصت قيمتها قليلا أو كثيرا. والمغشوشة إذا حرمها السلطان كذلك. وعلم منه: أن الفلوس إن لم يحرمها وجب رد مثلها، غلت أو رخصت، أو كسدت. وتكون قيمة ذلك (من غير جنسه إن جرى فيه ربا فضل. كما لو أقرضه دراهم
367 مكسورة. فحرمها السلطان أعطى قيمتها ذهبا) حذرا من ربا الفضل. (وعكسه بعكسه) فلو أقرضه دنانير مكسورة فحرمها السلطان، أعطي قيمتها فضة. (وكذا) في الحكم المذكور (لو كانت) الفلوس أو المكسرة التي حرمها السلطان (ثمنا معينا) في عقد بيع (لم يقبضه البائع في وقت عقد) على مبيع حتى حرمها السلطان (أو رد) المشتري (مبيعا) لعيب، أو خيار مجلس، أو شرط، أو تدليس، أو غبن. (ورام أخذ ثمنه) وكان فلوسا أو مكسرة، فحرمها السلطان. فله قيمتها يوم عقد من غير جنسه إن جرى بينهما ربا فضل. وكذا سائر الديون. كعوض خلع وعتق ومتلف من غصب ونحوه وأجرة ونحوها. كما أشار إليه الشيخ تقي الدين. قال: وإذا كان المقرض ببلد المطالبة تحرم المعاملة به في سيرة السلطان. فالواجب على أصلنا: القيمة، إذ لا فرق بين الكساد لاختلاف الزمان أو المكان، إذ الضابط أن الدين الذي في الذمة كان ثمنا فصار غير ثمن. (ويجب) على المقترض (رد مثل) في قرض (مكيل وموزون) يصح السلم فيه لا صناعة فيه مباحة. قال في المبدع: إجماعا، لأنه يضمن في الغصب والاتلاف بمثله. فكذا هنا، مع أن المثل أقرب شبها بالقرض من القيمة (سواء زادت قيمته) أي المثل (عن وقت القرض أو نقصت) قيمته عن ذلك. (فإن أعوز المثل) قال في الحاشية عوز الشئ عوزا من باب: عز، فلم يوجد، وأعوزني المطلوب. مثل أعجزني لفظا ومعنى. (لزم) المقترض (قيمته) أي المثل (يوم إعوازه) لأنها حينئذ ثبتت في الذمة. (ويجب) على المقترض رد (قيمة ما سوى ذلك) أي المكيل والموزون. لأنه لا مثل له. فضمن بقيمته كالغصب. قال في الاختيارات: ويتوجه في المتقوم أن يجوز رد المثل بتراضيهما، انتهى. وهو ظاهر. لأن الحق لهما لا يعدوهما. وتعتبر قيمة ما لا يصح السلم فيه (من جواهر أو غيرها) مما لا ينضبط بالصفة (يوم قبضه) لأنها تختلف قيمتها في الزمن اليسير باعتبار قلة الراغب وكثرته، فتنقص، فينضر المقترض، وتزيد زيادة كثيرة. فينضر المقرض، وقيمة ما سوى ذلك يوم القرض، كما في التنقيح والانصاف. وقال: جزم به في المعنى والشرح
368 والكافي والفروع وغيرهم. (ولو اقترض خبزا) عددا (أو) اقترض (خميرا عددا أو رد) خبزا أو خميرا عددا (بلا قصد زيادة، ولا) قصد (جودة ولا شرطهما. جاز) ذلك. لحديث عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، الجيران يستقرضون الخبز والخمير، ويردون زيادة ونقصانا. فقال: لا بأس، إنما ذلك من مرافق الناس. لا يراد به الفضل ذكره أبو بكر في الشافي بإسناده، ولأنه مما تدعو الحاجة إليه فإن قصد الزيادة والجودة أو شرطهما حرم لأنه يجر نفعا. (ولو اقترض تفاريق لزمه) أي المقترض (أن يردها جملة) بطلب ربها لأن الجميع حال (ويصح قرض الماء كيلا) كغيره من المكيلات. لأن كل مائع مكيل كما تقدم. (وكذا) يجوز (قرضه) أي الماء (لسقي الأرض إذا قدر) الماء (بأنبوبة) أو نحوها، مما يتخذ من فخار، أو رصاص ونحوه على هيئتها (وسئل) الامام (أحمد عن عين) ماء (بين قوم لهم نوبات في أيام، يقترض أحدهم الماء من نوبة صاحب) يوم (الخميس ليسقي به ويرد عليه) نوبته في (يوم السبت؟ فقال) الامام (إذا كان) الماء (محدودا يعرف كم يخرج منه، فلا بأس) لتمكنه من رد المثل (وإلا) بأن لم يكن محدودا يعرف كم يخرج منه (أكرهه) لأنه لا يمكنه رد مثله. لعله لا يحرم. لأن الماء العد لا يملك بملك الأرض، بل ربها أحق به كما سبق (ويثبت العوض) عن القرض (في الذمة) أي ذمة المقترض (حالا. وإن أجله) لأنه عقد منع فيه من التفاضل. فمنع الاجل فيه كالصرف، إذ الحال لا يتأجل بالتأجيل. وهو عدة تبرع لا يلزم الوفاء به. قال أحمد: القرض حال وينبغي أن يفي بوعده (ويحرم الالزام بتأجيله) أي القرض، لأنه إلزام بما لا يلزم. وهذا معنى قوله في الفروع وغيره يحرم تأجيله. (وكذا كل دين حال، أو) كان مؤجلا (حل أجله) لا يصح تأجيله يحرم الالزام به (ولا يلزم) المقرض ( الوفاء به) أي بالتأجيل (لأنه وعد. لكن ينبغي له) أي المقرض (أن يفي بوعده) نصا (واختار الشيخ صحة تأجيله. ولزومه إلى أجله، سواء كان) الدين (فرضا أو غيره) كثمن مبيع وقيمة متلف ونحوه. لعزم حديث: المؤمنون عند شروطهم (ويجوز شرط الرهن، و) شرط
369 (الضمين فيه) أي في القرض. لأنه (ص): استقرض من يهودي شعيرا ورهنه درعه متفق عليه. وما جاز فعله جاز شرطه. ولأنه يراد للتوثق بالحق. وليس ذلك بزيادة، والضمان كالرهن. فلو عينهما وجاء بغيرهما. لم يلزم المقرض قبوله. وإن كان ما أتى به خيرا من المشروط. وحينئذ يخبر بين فسخ العقد وبين إمضائه. بلا رهن ولا كفيل. (وإن شرط) المقترض (الوفاء أنقص مما اقترض) لم يجز، لافضائه إلى فوات المماثلة. (أو شرط أحدهما على الآخر أن يبيعه أو يؤجره أو يقرضه. لم يجز) ذلك لأنه كبيعتين في بيعة، المنهي عنه. (كشرط) المقرض (زيادة وهدية، وشرط ما يجر نفعا نحو أن يسكنه المقترض داره مجانا، أو رخيصا أو يقبضه خيرا منه) فلا يجوز. لأن القرض عقد إرفاق وقربة. فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه. ولا فرق بين الزيادة في القدر أو الصفة، مثل أن يقرضه مكسرة فيعطيه صحاحا ونحوه. (أو) شرط أن يعطيه بدل القرض (في بلد آخر) لم يجز. لان فيه نفعا في الجملة. وفي المغني (يبيعه شيئا يرخصه عليه) لم يجز لأنه يجر به نفعا (أو) شرط المقرض على المقترض أن (يعمل له عملا، أو) أن (ينتفع بالرهن، أو) أن (يساقيه على نخل أو يزارعه على ضيعة. أو) أن (يسكنه المقرض عقارا بزيادة على أجرته، أو) أن (يبيعه شيئا بأكثر من قيمته، أو) أن (يستعمله في صنعة ويعطيه أنقص من أجرة مثله، ونحوه) كل ما فيه جر منفعة. فلا يجوز لما تقدم. (وإن فعله) أي فعل شيئا مما تقدم (بغير شرط بعد الوفاء) ولا مواطأة، جاز لأنه لم يجعله عوضا في القرض، ولا وسيلة إليه، ولا إلى استيفاء دينه. أشبه ما لو لم يكن قرض. (أو قضى) المقترض (أكثر) مما اقترضه جاز. قال في الفصول: وأما الذهب والفضة فيعفى فيهما عن الرجحان في القضاء إذا كان يسيرا. انتهى.
370 وقال في المبدع: وإن كان زيادة في القضاء بأن يقرضه درهما فيعطيه أكثر منه. لم يجز، لأنه ربا. وصرح في المغني والكافي: بأن الزيادة في القدر والصفة جائزة للخبر وهو: أنه (ص) كان يقول للوزان: أرجح ويقول: خيركم أحسنكم قضاء فيوافق كلام صاحب الفصول. وعليه يحمل كلام المصنف (أو) قضى (خيرا منه) أي مما اقترضه (في الصفة) بأن قضى صحاحا عن مكسرة، أو جيدا عن ردئ، أو أجود سكة مما اقترضه جاز، لأن مبنى القرض على العفو لأجل الرفق (أو) قضى (دونه) أي دون ما اقترضه (بتراخيهما) أي المقترض والمقرض (بغير مواطأة) على ذلك جاز، لأن الحق لا يعدوهما. (أو أهدى) المقترض (له) أي للمقرض (هدية) بعد الوفاء، جاز بلا شرط ولا مواطأة. لأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضا في القرض، ولا وسيلة إليه، ولا إلى استيفاء دينه. أشبه ما لو لم يكن قرض (أو علم) المقرض (منه) أي من المقترض (الزيادة لشهرة سخائه وكرمه جاز) لأنه (ص): كان معروفا بحسن الوفاء فهل يسوغ لاحد أن يقول: إن إقراضه مكروه؟ (ولو أراد إرسال نفقة إلى عياله فأقرضها) أي النفقة (رجلا ليوفيها لهم. فلا بأس) بذلك (إذا لم يأخذ عليها شيئا) زائدا عنها (وإن فعل) المقترض (شيئا مما فيه نفع) للمقرض من هدية ونحوها (قبل الوفاء. لم يجز) كما تقدم (ما لم ينو) المقرض (احتسابه من دينه، أو مكافأته عليه) أي ما فعله مما فيه نفع فيجوز. نص عليه. (إلا أن تكون العادة جارية بينهما) أي بين المقرض والمقترض (به) أي بما ذكر من الاهداء ونحوه (قبل القرض) فإن كانت جارية به. جاز لحديث أنس مرفوعا قال: إذا أقرض أحدكم قرضا، فأهدي إليه أو حمله على الدابة. فلا يركبها ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك رواه ابن ماجة بسند فيه كلام. (وكذا) أي كالمقترض فيما ذكر (الغريم) أي كل مدين غيره. (فلو استضافه) أي استضاف المقترض المقرض (حسب له) أي المقرض (ما أكل) عنده قبل الوفاء، لما تقدم،
371 أو كافأه عليه إن لم تجر العادة بينهما به قبل القبض. على قياس ما تقدم. (وهو) أي المقرض (في الدعوات) إذا فعل المقترض وليمة أو عقيقة ونحوهما (كغيره) ممن لا دين له. (ولو أقرض) إنسان (فلاحه في شراء بقر، يعمل عليها في أرضه) بالحرث ونحوه (أو) أقرضه في شراء (بذر يبذره فيها) أي أرضه (فإن شرط) المقرض (ذلك في القرض لم يجز) لما تقدم، (وإن كان) ذلك (بلا شرط. أو قال) المقترض (أقرضني ألفا وادفع إلي أرضك أزرعها بالثلث. حرم أيضا) لأنه يجر به نفعا نص عليه. واختاره ابن أبي موسى (وجوزه الموفق وجمع) لعدم الشرط والمواطأة عليه وصححه في النظم والرعاية الصغرى. وقدمه في الفائق والرعاية الكبرى. (ولو أقرض) إنسان (من له عليه بر شيئا يشتريه) أي البر (به ثم يوفيه إياه جاز) العقد بلا كراهة. وفي المستوعب: يكره. وقاله سفيان: قال: أمرتين؟ (ولو قال) المقرض للمقترض (إن مت - بضم التاء - فأنت في حل فوصية صحيحة) كسائر الوصايا. (و) إن قال له: إن مت (بفتحها) أي التاء. فأنت في حل (لا يصح، لأنه إبراء معلق بشرط) وشرط الابراء أن يكون منجزا، كالهبة (ولو جعل) إنسان (له) أي لآخر (جعلا على اقتراضه له بجاهه. جاز) لأنه في مقابلة ما يبذله من جاهه فقط. (لا إن جعل له جعلا على ضمانه له) فلا يجوز. نص عليهما، لأنه ضامن. فيلزمه الدين. وإن أداه وجب له على المضمون عنه، فصار كالقرض. فإذا أخذ عوضا صار القرض جارا للمنفعة، فلم يجز. ومنعه الأزجي في الأول أيضا (قال) الامام (أحمد: ما أحب أن يقترض بجاهه) لإخوانه قال القاضي إذا كان من يقترض له غير معروف بالوفاء، لكونه تغريرا بمال المقرض وإضرارا به. أما إن كان معروفا بالوفاء، فلا يكره، لكونه إعانة له، وتفريجا لكربته. (ولو أقرض غريمه المعسر ألفا ليوفيه منه) أي الألف (ومن دينه الأول كل وقت شيئا) جاز، والكل حال (أو قال) المقرض (أعطني بديني رهنا، وأنا أعطيك ما تعمل فيه وتقضيني) ديني كله أي الأول والثاني. (ويبقى كل، ويكون الرهن عن الدينين، أو عن أحدهما)
372 بعينه (جاز) لأنه ليس فيه اشتراط زيادة عما يستحقه عليه. (والكل) أي جميع الدين الأول والثاني (حال) لا يتأجل بقول ذلك. كما تقدم. (وإن أقرضه أثمانا أو غيرها) أو غصبه أثمانا أو غيرها. (فطالبه المقرض أو المغصوب منه ببدلها) أي ببدل الأثمان أو غيرها (ببلد آخر) غير بلد القرض أو الغصب (لزمه) أي المقترض أو الغاصب دفع المثل الذي لا مؤنة لحمله. لأنه أمكنه قضاء الحق بلا ضرر. (إلا ما لحمله مؤنة وقيمته في بلد القرض والغصب أنقص) من قيمته في بلد الطلب. (فيلزمه) أي المقترض أو الغاصب إذن (أداء قيمته فيه) أي في بلد القرض والغصب فقط. ليس له أي للمقرض والمغصوب منه إذن مطالبته بالمثل لأنه لا يلزمه حمله إلى بلد الطلب، فيصير كالمتعذر. وإذا تعذر المثل تعينت القيمة. وإنما اعتبرت ببلد القرض أو الغصب، لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه. (وله) مطالبة لربه (بقيمته في بلد المطالبة) لما تقدم. (وإن كانت قيمته) أي القرض أو الغصب (في البلدين) أي بلد القرض أو الغصب وبلد المطالبة (سواء، أو) كانت قيمته (في بلد القرض) أو الغصب (أكثر) من قيمته في بلد المطالبة (لزمه أداء المثل)، لأنه أمكنه بلا ضرر عليه في أدائه. (وإن كان) القرض أو الغصب (من المتقومات فطالبه) أي طالب ربه المقترض أو الغاصب، (بقيمته في بلد القرض) أو الغصب (لزمه أداؤها) لأنه أمكنه أداء واجب بلا ضرر عليه فيه. وعلم منه، أنه إن طالبه بقي في بلد المطالبة، وكانت أكثر. لم تلزمه، لأنه لا يلزمه حمله إليها. (ولو بذل المقترض) للمقرض (أو) بذل (الغاصب) للمغصوب منه (ما في ذمته) من مثل أو قيمة، (ولا مؤنة لحمله) أي المبذول والجملة حالية (لزم) المقرض والمغصوب منه (قبوله مع أمن البلد والطريق) لأنه لا ضرر عليه إذن، فإن كان لحمله مؤنة أو كان البلد أو الطريق مخوفا. لم يلزمه قبوله، ولو تضرر المقترض أو الغاصب، لأن الضرر لا يزال بالضرر (فإن كان المغصوب باقيا) وبذل الغاصب بدله لربه. (لم يجبر ربه على قبوله) أي البدل (بحال) لا مع مؤنة للحمل، ولا مع عدمها، ولا مع أمن البلد والطريق، ولا مع الخوف لأن دفع ا لبدل معاوضة. لا يجبر عليها الممتنع. وإذا اقترض دراهم فاشترى منه بها شيئا فخرجت زيوفا، فالبيع صحيح. ولا يرجع البائع على المشتري ببدل الثمن لأنها دراهمه. فعيبها عليه. وإنما له على المشتري بدل ما أقرضه إياه بصفته زيوفا. قاله أحمد. وحمله في
373 الشرح والمغني على ما إذا باعه بها وهو يعلم عيبها. أما إذا باعه بثمن في ذمته ثم قبض هذه بدلا عنها غير عالم بعيبها. فينبغي أن يجب له دراهم خالية من العيب. ويرد هذه عليه. وللمشتري ردها على البائع وفاء عن القرض وبقي الثمن في ذمته والمذهب الأول. ولو أقرض ذمي ذميا خمرا ثم أسلما أو أحدهما. بطل القرض ولم يجب على المقترض شئ. باب الرهن (وهو) في اللغة الثبوت والدوام يقال: ماء راهن، أي راكد. ونعمة راهنة أي دائمة. وقيل: هو الحبس. لقوله تعالى: * (كل نفس بما كسبت رهينة) * أي محبوسة. وهو قريب من الأول لأن المحبوس ثابت في مكان لا يزايله. وشرعا (توثقه دين بعين) أي جعل عين مالية وثيقة بدين، (يمكن أخذه) أي الدين (أو) أخذ (بعضه منها) أي من العين إذا كانت من جنس الدين، (أو) يمكن أخذه أو بعضه (من ثمنها) أي ثمن العين، إن لم تكن من جنس الدين، (إن تعذر الوفاء من غيرها) أي من غير العين. وفي الزركشي: توثقه دين بعين أو بدين - على قول - يمكن أخذه منه إن تعذر الوفاء من غيره انتهى. فعلم منه أن المقدم لا يصح رهن الدين، ولو لمن هو عنده، خلافا لما قدمه في السلم، وتقدم ما فيه. والرهن جائز بالاجماع. وسنده قوله تعالى: * (فرهان مقبوضة) * والسنة مستفيضة بذلك. وليس بواجب إجماعا لأنه وثيقة بالدين، فلم يجب كالضمان. (ويجوز في الحضر كالسفر) خلافا لمجاهد، لفعله (ص). وذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب، لكون الكاتب يعدم في السفر غالبا. وهو لا يشترط عدم الكاتب مع ذكره فيها. (وهو لازم في حق الراهن) أي بعد قبضه، لأن الحظ فيه لغيره فلزم من جهته، كالضمان في حق الضامن (جائز في حق المرتهن) لأن الحظ فيه له وحده. فكان له فسخه كالمضمون له. و (يجوز عقده) أي الرهن (مع الحق) بأن يقول: بعتك هذا بعشرة إلى شهر ترهنني بها عبدك فلانا. فيقول الآخر: اشتريت منك ورهنتك عبدي، لأن الحاجة داعية إلى جوازه إذن. (و) يجوز عقده (بعده) أي بعد الحق إجماعا، لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة
374 به كالضمان، و (لا) يجوز عقده (قبله) أي قبل الحق، لأنه وثيقة بحق. فلم يجز قبل ثبوته كالشهادة، ولان الرهن تابع للحق، فلا يسبقه كالثمن لا يتقدم البيع. والفرق بينه وبين الضمان أن الضمان التزام مال تبرعا بالقول. فجاز في غير حق ثابت كالنذر. (والمرهون: كل عين معلومة جعلت وثيقة) ب (- حق يمكن استيفاؤه منها) إن كانت من جنسه، (أو من ثمنها) إن لم تكن من جنسه. وكثيرا ما يطلق الرهن ويراد به المرهون، من إطلاق المصدر على اسم المفعول، (والمراد كل عين يجوز بيعها) لأن المقصود منه الاستيثاق بالدين، ليتوصل إلى استيفائه من ثمن الرهن عند تعذر استيفائه من الرهن. وهذا يتحقق في كل عين يصح بيعها. فلا يجوز رهن المنافع، لأنها تملك إلى حلول الحق. ولو رهنه أجرة داره شهرا لم يصح لأنه مجهول. (حتى المؤجر) يجوز لمالكه رهنه، لأنه يجوز له بيعه. فهو كالعار، (و) حتى (المكاتب) لأنه يجوز بيعه وإيفاء الدين من ثمنه (ويمكن) بالبناء للمفعول أي المكاتب (من الكسب كما كان) قبل أن يرهن. ولا يصح شرط منعه من التصرف (وما أداه) من دين الكتابة (رهن معه) لأنه كنمائه. (فإن عجز) عن أداء ما بقي من الكتابة ورق (كان هو وكسبه رهنا) بالدين، (وإن عتق) المكاتب (كان ما أداه بعد عقد الرهن رهنا) كمن مات بعد كسبه. (فأما) الرقيق (المعلق عتقه بصفة) بأن قال له سيده: إذا جاء وقت كذا فأنت حر. (فإن كانت) الصفة (توجد قبل حلول الدين لم يصح رهنه) لعدم إمكان بيعه عند حلوله، (وإلا) بأن لم توجد قبل حلوله (صح) رهنه لامكان بيعه. (وإن كانت) الصفة (تحتمل الامرين) أي الوجوب قبل حلول الدين وبعده، (ك) - أن علق عتقه ب (- قدوم زيد صح) رهنه (أيضا) كالمدبر والمريض، (وتصح زيادة رهن) بأن استدان منه مائة ورهنه عليها عبدا، ثم زاده عليها ثوبا. فيصح لأنه توثقه. (ويكون حكمها) أي الزيادة (حكم الأصل) المرهون أولا. و (لا) تصح (زيادة دينه) أي دين الرهن بأن استدان منه مائة ورهنه عليها عينا، ثم استدان منه مائة أخرى وجعل الرهن على المائتين، لم يصح، لأنه رهن مرهون. (كالزيادة في الثمن) بعد لزوم البيع، فإنها لا تلحق بالعقد، كما تقدم. ولو كان ذلك قبل قبض الرهن صح. وكان رهنا على المائتين. (ويصح الرهن ممن يصح بيعه وتبرعه) لأنه تبرع. إذ ليس بواجب كما تقدم. (ولو كان) الرهن (من غير من عليه الدين) المرهون عليه (فيجوز أن يرهن الانسان مال نفسه على دين غيره، ولو بغير رضاه) أي المدين، (كما يجوز أن يضمنه) بغير رضاه (وأولى)
375 أي صحة الرهن عنه بغير رضاه أولى من صحة ضمانه بغير رضاه. (وهو) أي الرهن عنه بغير إذنه (نظير إعارته) أي المدين شيئا (للرهن، وصرح به) أي بجواز رهن الانسان ماله عن غيره بغير رضاه (الشيخ) إذا علمت أن الرهن يصح ممن يصح بيعه وتبرعه. (فلا يصح) الرهن (من سفيه ومفلس) لأنه لا يصح بيعهما. (و) لا من (مكاتب وعبد، ولو مأذونا لهم في تجارة) لأنه لا يصح تبرعهم. (ونحوهم) كالمميز. لولي اليتيم ونحوه رهن ماله لمصلحة. ويكون بيد عدل. (ولا يصح) الرهن (معلقا بشرط) كالبيع (ولا) يصح الرهن (بدون إيجاب وقبول، أو ما يدل عليهما) من الراهن والمرتهن، كسائر العقود. (ولا بد من معرفته) أي الرهن (و) معرفة (قدره وصفته وجنسه) لأن الرهن عقد على مال. فاشترط العلم به، كباقي العقود. (و) لا بد من (ملكه) أي الراهن للرهن، (ولو) كان يملك (منافعه) دون عينه (بأن يستأجر) إنسان (شيئا) ليرهنه (أو) كان يملك الانتفاع به، بأن (يستعيره ليرهنه بإذن ربه فيهما) فيصح الرهن إذن، (ولو لم يبين) المدين (لهما) أي للمؤجر والمعير (قدر الدين) الذي يرهنهما به. (لكن ينبغي) للمدين (أن يذكر) للمؤجر، والمعير (المرتهن والقدر الذي يرهنه به وجنسه) أي جنس القدر الذي يرهنه أ (و) أن يذكر لهما (مدة الرهن) لئلا يغرهما. (ومتى شرط) الراهن (شيئا من ذلك) المذكور، وهو المرتهن وقدر الدين وجنسه ومدة الرهن، (فخالف ورهنه بغيره. لم يصح الرهن) لأنه لم يؤذن له فيه. أشبه ما لو لم يؤذن له في أصل الرهن. (وإن أذن) المؤجر والمعير (له) أي للراهن (في رهنه) أي رهن ما استأجره أو استعاره لذلك، (بقدر من المال) كمائة مثلا (فنقص عنه) بأن رهنه بثمانين مثلا. (صح) الرهن، لأنه فعل بعض المأذون له فيه، (و) إن رهنه (بأكثر) كمائة وخمسين مثلا، (صح) الرهن (في القدر المأذون فيه). وهو المائة (فقط) وبطل في الزيادة، كتفريق الصفقة، بخلاف ما لو أذنه بدنانير فرهنه بدراهم، أو بمؤجل فرهنه بحال ونحوه. فإنه لا يصح، لأن العقد لم يتناول مأذونا فيه بحال. (ولمعير) للرهن (أن يكلف راهنه فكه في محل الحق) أي أجله، (وقبله) أي قبل محله، لأن العارية لا تلزم. (وله) أي للمعير للرهن (الرجوع) في الاذن في الرهن (قبل إقباضه المرتهن)، لأن الرهن إنما يلزم بالقبض. وكذا المؤجر له الرجوع إذا أذن
376 للمستأجر في رهنه قبل إقباضه، (لا المؤجر) عينا لمن يرهنها أو ينتفع بها ثم أذنه أن يرهنها أو أقبضها. فلا رجوع له. (قبل مضي مدة الإجارة) للزومها، (ويباع) الرهن المستأجر أو المستعار. (إن لم يقض الراهن الدين) فيبيعه الحاكم. إن لم يأذن ربه، لأنه مقتضى عقد الرهن. (فإن بيع) الرهن (رجع) المؤجر أو المعير على الراهن (بمثله في المثلي، وإلا) بأن لم يكن الرهن مثليا رجع به. (بأكثر الامرين: من قيمته أو ما بيع به) لأنه إن بيع بأقل من قيمته ضمن الراهن النقص. وإن بيع بأكثر. كان ثمنه كله. ويؤيده: أن المرتهن لو أسقط حقه من الرهن رجع الثمن كله إلى صاحبه. فإذا قضى به الراهن دينه رجع به عليه. ولا يلزم من وجوب ضمان النقص أن لا تكون الزيادة للمالك، كما لو كان باقيا بعينه. والمنصوص: يرجع ربه بقيمته لا بما بيع به. سواء زاد على القيمة أو نقص. صححه في الانصاف. وقال: قدمه في الفروع والفائق والرعاية الصغرى والحاويين. (ولو تلف) الرهن المؤجر، أو المستعار بغير تعد ولا تفريط، (ضمن) الراهن (المستعير فقط) لأن العارية مضمونة مطلقا. كما يأتي دون المؤجر. فلا يضمنه بلا تعد ولا تفريط. (وإن فك المعير أو المؤجر الرهن، وأدى) الدين (الذي عليه بإذن الراهن رجع) المعير أو المؤجر (به) أي بما أداه عنه (عليه) أي على الراهن. (وإن قضاه) أي الدين المؤجر أو المعير (متبرعا لم يرجع بشئ) لتبرعه به. وكذا إن لم ينو تبرعا ولا رجوعا. (وإن قضاه) أي قضى المعير أو المؤجر الدين عن الراهن (بغير إذنه ناويا الرجوع) عليه (رجع) لقيامه عنه بدين واجب عليه. فإن لم ينو رجوعا لم يرجع، (فإن) استأجر أو استعار شيئا ليرهنه ورهنه بعشرة ثم (قال) الراهن لربه (أذنت لي في رهنه بعشرة. فقال) ربه (بل) أذنت لك في رهنه (بخمسة. فالقول قول المالك) بيمينه، لأنه منكر للاذن في الزيادة. ويكون رهنا بالخمسة فقط (ولو رهنه) أي رهن مدين رب دين (دارا فانهدمت قبل قبضها. لم ينفسخ عقد الرهن) لبقاء المالية (وللمرتهن الخيار، إن كان الرهن مشروطا في البيع) فإن شاء أمضي البيع وإن شاء فسخه، لفوات شرطه في البيع. فإن لم يكن مشروطا في البيع فلا خيار له فيه. وكذا قرض. (ويصح) الرهن (بكل دين واجب) كقرض، وقيمة متلف (أو) دين (مآله إلى الوجوب) كثمن في مدة خيار،
377 (حتى) يصح أخذ الرهن (على) عين (مضمونة: كالغصوب والعواري، والمقبوض على وجه السوم، والمقبوض بعقد فاسد)، لأن مقصود الرهن الوثيقة بالحق. وهذا حاصل فإن الرهن بهذه الأعيان يحمل الراهن على أدائها. وإن تعذر أداؤها استوفى به لها من ثمن الرهن فأشبهت ما في الذمة. (قال في الفائق، قلت: وعليه يخرج الرهن على عواري الكتب الموقوفة ونحوها) كالأسلحة والدروع الموقوفة على الغزاة، (انتهى) يعني إن قلنا: هي مضمونة. صح أخذ الرهن بها. وإلا فلا. ويأتي في العارية أنها غير مضمونة. فلا يصح أخذ الرهن بها. وعلم من ذلك: أنه يصح أخذ الرهن للوقف. فيصح الضمان أيضا لجهة الوقف، لأن ما صح رهنه صح ضمانه. (ويصح) أخذ الرهن (على نفع إجارة في الذمة ك) - من استؤجر ل (- خياطة ثوب وبناء دار ونحو ذلك) كحمل معلوم إلى موضع معين. فإن لم يفعله الأجير بيع الرهن واستؤجر منه من يعمله، (لا) يصح أخذ الرهن (على دية على عاقلة قبل الحلول) لعدم وجوبها إذن. (و) أخذ الرهن بها (بعده) أي بعد الحلول (يصح) لوجوبها إذن. (ولا) يصح أخذ الرهن (على دين كتابة) لعدم وجوبه (و) لا على (جعل في جعالة) قبل العمل، لعدم وجوبه (و) لا على (عوض في مسابقة قبل العمل) لعدم وجوبه. ولا يتحقق أنه يؤول للوجوب. (و) أخذ الرهن بالجعل في الجعالة وبالعوض في المسابقة. (بعده) أي بعد العمل (يصح فيهما) لاستقرار الجعل والعوض إذن، (ولا) يصح أخذ الرهن (على عهدة مبيع) لأن البائع إذا وثق على عهدة المبيع فكأنه ما قبض الثمن، ولا ارتفق به، ولأنه ليس له حد ينتهي إليه. فيعم ضرره بمنع البائع التصرف فيه. (و) لا يصح أخذ الرهن ب (- عوض غير ثابت في الذمة، كثمن معين، وأجرة معينة في إجارة ومعقود عليه فيها)، أي الإجارة (إذا كان منافع) عين (معينة، كدار) معينة (وعبد) معين (ودابة) معينة، (لحمل شئ معين إلى مكان معلوم) لأن الذمة لم يتعلق بها في هذه الصور حق واجب، ولا يؤول إلى الوجوب، لأن الحق في أعيان هذه الأشياء. وينفسخ عقد الإجارة عليها بتلفها. (ويصح رهن ما يسرع) إليه (فساده) كالعنب والرطب (بدين حال أو مؤجل) لأنه لا يجوز بيعه، فيحصل
378 المقصود، (فإن كان) الدين (مؤجلا وكان الرهن مما يمكن تجفيفه كالعنب. فعلى الراهن تجفيفه) لأنه من مؤنة حفظه وتبقيته أشبه نفقة الحيوان. (وإن كان) الرهن (مما لا ممكن تجفيفه كالبطيخ والطبيخ وشرط) في الرهن (بيعه، وجعل ثمنه رهنا) مكانه، (فعل ذلك، وإن أطلق بيع) أي باعه الحاكم. إن لم يأذن ربه (أيضا) وجعل ثمنه مكانه، كما يأتي، لان الثمن بدل العين، وبدل الشئ يقوم مقامه. وهذا إن لم يكن الدين قد حل، وإلا قضى من ثمنه. صرح به في المغني والشرح. ونقل أبو طالب فيمن رهن وغاب وخاف المرتهن فساده أو ذهابه. فليأت السلطان حتى يبيعه: كما أرسل ابن سيرين إلى إياس يأذن له في بيعه. فإذا باعه حفظه حتى يجئ صاحبه فيدفعه إليه بأسره حتى يكون صاحبه يقضبه. (وإن شرط) في رهن ما يسرع إليه الفساد أن (لا يباع. لم يصح) الشرط لمنافاته مقتضى العقد (كما لو شرط) في الرهن (عدم النفقة على الحيوان) المرهون لأنه يؤدي إلى هلاكه. فيفوت الغرض من التوثيق، (وحيث يباع) الرهن (فإن كان) الرهن (جعل للمرتهن بيعه) في العقد (أو أذن له فيه بعد العقد) باعه المرتهن، لأنه وكيل ربه (أو اتفقا) أي الراهن والمرتهن (على أن) الراهن يبيعه باعه أو اتفقا على أن (غيره يبيعه باعه) لأنه وكيل مالكه ومأذونا له من قبل المرتهن (وإلا) أي وإن لم يتفقا على شئ من ذلك (باعه الحاكم) لقيامه مقام الممتنع والغائب، (وجعل ثمنه رهنا) مكانه (إلى الحلول) لقيام البدل مقام المبدل (وكذلك الحكم إن رهنه ثيابا. فخاف) المرتهن (تلفها، أو) رهنه (حيوانا فخاف) المرتهن (موته) فيباع، على ما تقدم نقله عن أبي طالب. (ويصح رهن المشاع من الشريك ومن أجنبي) لأنه يجوز بيعه في محل الحق، أشبه المفرز. (ثم إن كان) المرهون بعضه (مما لا ينقل) كالعقار (خلى) الراهن (بينه) أي الرهن (وبينه، وإن لم يحضر الشريك) ولم يأذن، إذ ليس في التخلية بينه وبينه تعد على حصة الشريك. (وإن كان) المرهون بعضه (مما ينقل) كالثياب والبهائم (فرضي الشريك
379 والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما. جاز) لأن الحق لهما لا يتجاوزهما. (وإلا) بأن لم يتراضيا على ذلك (جعله حاكم في يد أمين أمانة، أو بأجرة) لأن قبض المرتهن واجب. ولا يمكن ذلك منفردا، لكونه مشاعا. فتعين ما ذكر. لكونه وسيلة إلى القبض الواجب. (وله) أي للحاكم (أن يؤجره) عليهما لوجود المصلحة لهما بذلك. (ويصح أن يرهن) إنسان (بعض نصيبه من المشاع، كأن يرهن نصف نصيبه، أو) يرهن (نصيبه من معين) في مشاع (مثل) أن يكون له (نصف دار فيرهن نصيبه من بيت منها)، أي الدار (بعينه لشريكه. أو غيره) أي غير شريكه، فيصح. لأنه يجوز بيعه كما تقدم. (ولو كان) النصيب (مما) أي من عقار (تمكن قسمته بالأرفق) بلا ضرر، (ولا رد عوض فإن اقتسما) أي الراهن وشريكه العقار المشترك (فوقع) المعين (المرهون) بعضه، وهو البيت في المثال المذكور (لغير الراهن لم تصح القسمة) لأن الراهن ممنوع من التصرف في الرهن بما يضر المرتهن. فيمنع من القسمة المضرة، كما يمنع من بيعه (قطع به) أي بعدم صحة القسمة، (الموفق والشارح) ومعناه في شرح المنتهى. (ويصح رهن القن المرتد، و) القن (العاقل في المحاربة) ولو تحتم قتله. (و) القن (الجاني عمدا كانت الجناية أو خطأ، على النفس أو دونها) كالأطراف لأنه يصح بيعه في محل الحق. (فإن كان المرتهن عالما بالحال) من الردة والقتل في المحاربة والجناية (فلا خيار له) لدخوله على بصيرة، (وإن لم يكن) المرتهن (عالما) بالحال (ثم علم) به (بعد إسلام المرتد وفداء الجاني. فكذلك) أي لا خيار له، (لأن العيب زال) بلا ضرر يلحقه. (وإن علم) المرتهن بالحال (قبل ذلك) أي لا قبل إسلام المرتد أو فداء الجاني. (فله رده) أي الرهن (وفسخ البيع إن كان) الرهن (مشروطا في العقد) أي عقد البيع. إذ الاطلاق
380 يقتضي السلامة. فلم يوف له بشرطه (وإن اختار) المرتهن (إمساكه) في هذه الحالة (فلا أرش له) لذلك العيب، لأن الرهن لو تلف بجملته قبل قبضه لم يملك بدله. فبعضه أولى. (وكذلك لا أرش له) أي للمرتهن. (لو لم يعلم) الحال حتى (قتل العبد بالردة) أو المحاربة (أو القصاص، أو أخذ بالجناية) أي بيع فيها. أو سلم لوليها. ومتى امتنع السيد من فداء الجاني لم يجبر. ويباع في الجناية لتقدم حق المجني عليه على الرهن. أشبه ما لو جنى بعد الرهن. (ويصح رهن المدبر) لأنه يجوز بيعه. (والحكم فيما إذا علم) المرتهن (وجود التدبير. أو لم يعلم) به (كالحكم في العبد الجاني) على ما ذكر من التفصيل. (فإن مات السيد قبل الوفاء فعتق المدبر) لخروجه كله من الثلث بعد الدين. (بطل الرهن) كما لو مات (وإن عتق بعضه) أي بعض المدبر لعدم خروجه كله من الثلث، (بقي الرهن فيما بقي) منه قنا. كما لو تلف البعض. (وإن لم يكن للسيد مال يفضل عن وفاء الدين بيع المدبر) كله (في الدين. وبطل التدبير) كالوصية. (وإن كان الدين لا يستغرقه) أي المدبر كله. (بيع منه بقدر الدين وعتق ثلث الباقي) منه بالتدبير، (وباقيه للورثة) إرثا. (ويحرم رهن مال يتيم لفاسق) لأنه عرضة لضياعه. فإن شرط جعله بيد عدل جاز. (ويصح رهن مبيع بعد قبضه) مطلقا. لجواز بيعه إذن. (وكذا) يصح رهن البيع (قبله) أي قبل قبضه (في غير مكيل وموزون ومعدود ومذروع) ومبيع بصفة أو رؤية متقدمة على ما سبق في البيع، ورهن المبيع على الوجه المذكور صحيح. (ولو) كان رهنه (على ثمنه) لأن الثمن صار دينا في الذمة، والمبيع صار ملكا للمشتري. فجاز رهنه بالثمن كغيره من الديون. (وتقدم) في المبيع (حكم المكيل ونحوه). كالمعدود والموزون والمذروع والمبيع بصفة أو رؤية متقدمة (وما لا يصح بيعه. كالمصحف وأم الولد والوقف والعين المرهونة والكلب) ولو معلما (وما لا يقدر على تسلمه والمجهول الذي لا يصح بيعه، لا يصح رهنه) لأن القصد من الرهن استيفاء الدين
381 من ثمنه عند التعذر. وما لا يجوز بيعه لا يمكن فيه ذلك. والمصحف لا يصح رهنه. ولو قلنا: يصح بيعه. نقل الجماعة عن الامام: لا أرخص في رهن المصحف. (فلو قال) الراهن للمرتهن (رهنتك أحد هذين العبدين أو نحوهما لم يصح للجهالة، أو) قال: رهنتك (عبدي) فلانا (الآبق) لم يصح لعدم قدرته على تسليمه. (أو) قال الراهن: رهنتك (هذا الجراب) بكسر الجيم بما فيه، (أو) هذا (البيت) بما فيه (أو هذه الخريطة بما فيها. لم يصح) الرهن للجهالة (وإن) قال: رهنتك هذا الجراب أو البيت أو الخريطة. و (لم يقل بما فيها. صح) الرهن (للعلم بها) أي بالجراب والبيت والخريطة. (ولا) يصح رهن (ما لا يجوز بيعه من أرض الشام والعراق ونحوهما) كأرض مصر. (مما فتح عنوة) ولم يقسم. لما تقدم من أن عمر رضي الله عنه وقفه، وأقره بأيدي أربابه بالخراج. (وكذا حكم بنائها) أي بناء الأرض المذكورة إذا كان بناؤها (منها) قطع به في المغني وفي المبدع، لكن تقدم في البيع: أن بيد المساكن من أرض العنوة صحيح، سواء كانت آلتها منها أو من غيرها. فيصح رهنها. (فإن كان) بناء هذه الأرض (من غير أجزائها) صح رهنه (أو رهن الشجر المجدد فيها) بعد الوقف (صح رهنه)، كسائر الأملاك، لأنه يجوز بيعه (ولا) يصح (رهن مال غيره بغير إذنه) لأنه لا يصح بيعه. (فإن رهن عينا يظنها لغيره، نحو أن يرهن عبد أبيه فيتبين أنه) أي أباه (قد مات وصار العبد ملكه بالميراث) أو كان أذن له. (صح) الرهن كما تقدم في البيع، إذ العبرة في المعاملات بما في نفس الامر (ولا) يصح (رهن المبيع في مدة الخيار إلا أن يرهنه المشتري، و) الحال أن (الخيار له وحده. فيصح) الرهن (ويبطل خياره) لان تصرفه دليل رضائه بالبيع وإمضائه. ويصح أيضا رهنه بإذن البائع أو عنده، ولو كان الخيار للبائع. ويصح رهن البائع له بإذن المشتري، كما يعلم مما سبق في الخيار. (ولو أفلس المشتري) مثلا (فرهن البائع عين ماله التي له الرجوع فيها) لعدم أخذه ثمنها (قبل الرجوع)
382 لم يصح. (أو رهن الأب العين التي وهبها لولده قبل رجوعه) فيها (لم يصح) الرهن، لأنه لا يجوز له بيعها لانتقال الملك عنه لغيره. (لكن) استدراك من قوله: وما لا يصح بيعه لا يصح رهنه. (يصح رهن الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع و) يصح رهن (الزرع الأخضر) بلا شرط القلع، لأن النهي عن البيع إنما كان لعدم الامن من العاهة. ولهذا أمر بوضع الجوائح، وهذا مفقود هنا. وبتقدير تلفهما لا يفوت حق المرتهن من الدين، لتعلقه بذمة الراهن. فمتى حل الحق بيعا. وإن اختار المرتهن تأخير بيعهما، فله ذلك. (و) يصح رهن (الأمة دون ولدها) أو أخيها ونحوه (وعكسه) أي يصح رهن ولدها ونحوه دونها. وكذا رهن الأب دون ولده، أو ولده دونه ونحوه. لأن النهي عن بيع ذلك إنما هو لأجل التفريق بين ذي الرحم المحرم (و) ذلك مفقود هنا. فإنه إذا استحق بيع الرهن (يباعان) أي الأمة وولدها أو الاخوان ونحوهما، (ويوفي الدين من) ثمن (المرهون منهما. والباقي) من ثمن المرهون منها (للراهن) وإن لم يف ثمنه بالدين فما بقي من الدين مرسل في الذمة. لا رهن به. (فإذا كانت الجارية هي المرهونة) دون ولدها وبيعا معا (وكانت قيمتها مائة مع كونها ذات ولد، وقيمة الولد خمسين. فحصتها) أي الجارية (ثلث الثمن) الذي بيعا به، قطع به في المغني، وصحح في التلخيص: أنها تقوم مع ولدها وولدها معها - لأن التفريق محرم. فيقوم كل منهما مع الآخر. قال في الرعاية الكبرى: وهو أولى. (فإن لم يعلم المرتهن) للجارية (بالولد ثم علم) به (فله الخيار في الرد والامساك. فإن أمسك فلا شئ له غيرها. وإن ردها فله فسخ البيع، إن كانت مشروطة فيه) أي في البيع، لفوات شرطه. فإن لم تكن مشروطة فيه فلا فسخ له. (وإن تعيب الرهن) قبل قبضه (أو استحال العصير) المرهون (خمرا قبل قبضه. فللبائع الخيار بين قبضه معيبا ورضاه بلا رهن فيما إذا تخمر العصير، وبين فسخ البيع) يعني إن كان مشروطا فيه لفوات شرطه. وإلا فلا (و) إذا فسخ البيع (رد الرهن) لربه لبطلانه. (وإن علم) المرتهن (بالعيب بعد قبضه) أي الرهن (فكذلك) أي يخير بين إمساكه أو رده وفسخ البيع، إن كان مشروطا فيه. (وليس له) أي للمرتهن (مع إمساكه) أي
383 الرهن المعيب (الأرش من أجل العيب) لأن الرهن لو تلف بجملته لم يملك الطلب ببدله. فبعضه أولى. (وإن رهن ثمرة إلى محل) بكسر الحاء أي أجل (فحدث فيه أي المحل (ثمرة أخرى لا تتميز. فالرهن باطل) لأنه مجهول عند حلول الحق. (وإن رهنها) أي الثمرة (بدين حال، أو) رهنها بدين مؤجل، و (شرط قطعها عند خوف اختلاطها) بأخرى (جاز) لأنه لا غرر فيه (فإن لم يقطعها) أي الثمرة (حتى اختلطت) بغيرها (لم يبطل الرهن) لأنه وقع صحيحا. (فإن سمح الراهن ببيع الجميع) من الثمرة المرهونة وما اختلطت به. (على أنه رهن) جاز، لأنه كزيادة الرهن (أو اتفقا) أي الراهن والمرتهن (على) بيع (قدر منه جاز) لأن الحق لا يعدوهما. (وإن اختلفا أو تشاحا ف) - يقدم (قول الراهن مع يمينه) لأنه منكر وإن رهن المكاتب من يعتق عليه من ذوي رحمه المحرم كأبيه وأخيه وعمه، لم يصح رهنه لأنه لا يملك بيعه لما يأتي في الكتابة. (ولو رهن العبد المأذون له) في التجارة (من يعتق على السيد) كأبي سيده، وأخيه وعمه، (لم يصح) رهنه (لأنه صار حرا بشرائه) لأن حقوق العقد متعلقة بالسيد، لأنه المالك. (ولو رهن الوارث تركة الميت، أو باعها، وعلى الميت دين، ولو من زكاة. صح) الرهن أو البيع. لانتقال التركة إليه بموت مورثه. وتعلق الدين بها كتعلق أرش الجناية برقبة الجاني. لا يمنع من صحة التصرف (فإن قضى) الوارث (الحق) الذي على الميت، (من غير) أي من غير ما رهنه أو باعه. (فالرهن) والبيع (بحاله) لا ينقض، كما لو رهن السيد العبد الجاني، أو باعه في أرش الجناية من غيره (وإلا) يوف الوارث الحق. (فللغرماء انتزاعه) أي انتزاع ما رهنه أو باعه وإبطال تصرفه لسبق حقهم. (والحكم فيه) أي فيما انتزعه الغرماء من المرتهن أو المشتري من تركة الميت. (كالحكم في) العبد (الجاني) فيباع ويوفي من ثمنه ما على الميت. وإن فضل شئ فللوارث. كما يأتي تفصيله (وكذا الحكم لو تصرف) الوارث (في التركة ثم رد عليه) أي على الوارث (مبيع باعه الميت) قبل موته (بعيب) متعلق برد (ظهر فيه) أي في المبيع. فإن وفى الوارث المشتري ثمنه نفذ
384 تصرفه، وإلا فله انتزاع التركة ممن هي بيده وأخذ ثمنه منها (أو حق) أي حكم حق (تعلق تجدده) وفي نسخة: تجدد تعلقه. وهي موافقة لما في المغني. (بالتركة) بعد تصرف الوارث فيها (مثل أن وقع إنسان أو بهيمة في بئر حفره) المورث قبل موته (في غير ملكه) تعديا، وقوله: (بعد موته) متعلق بوقع. وقوله (لأن تصرفه) أي الوارث في التركة إذن (صحيح) علة لقوله: ولو رهن الوارث تركة الميت، إلخ (لكن) تصرف الوارث في التركة مع حق غرماء الميت بها (غير نافذ) بل موقوف. (فإن قضى) الوارث (الحق) اللازم للميت (من غيره) أي غير ما تصرف فيه، (نفذ) تصرفه (وإلا) يقضيه من غيره (فسخ البيع والرهن) وقضى ما على الميت، لسبق حق صاحب الدين. وعلم من قوله: فسخ البيع والرهن. أنه لو أعتقه لم يتأت فسخ العتق، بل يجبر الوارث على قضاء الحق، كما لو عتق السيد العبد الجاني، أو عتق الراهن الرهن، على ما يأتي. (ويصح رهن عبد مسلم لكافر) لأن الرهن لا ينقل الملك إلى الكافر، بخلاف البيع. (إذا اشترط كونه) أي العبد المسلم (في يد مسلم عدل) وإلا لم يصح لقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (ومثله) أي مثل العبد المسلم فيما ذكر (كتب الحديث والتفسير) فيصح رهنها لكافر إذا شرط أن تكون بيد مسلم عدل (ولا يلزم الرهن في حق الراهن إلا بالقبض) لقوله تعالى: * (فرهان مقبوضة) * ولأنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول، فافتقر إلى القبض، كالقرض. وعلم من ذلك: أنه لا يلزم في حق المرتهن مطلقا لأن الحق له. وتقدم وقوله، (للمرتهن أو وكيله أو من اتفقا) أي الراهن والمرتهن (عليه) أي على أن يكون الرهن بيده متعلق بالقبض. ولا فرق في ذلك بين المكيل والموزون وغيرهما. (وليس له) أي للمرتهن أو وكيله (قبضه) أي الرهن (إلا بإذن الراهن) لأنه له قبل القبض. فلا يملك المرتهن إسقاط حقه بغير إذنه كالموهوب. (فإن قبضه) أي الرهن مرتهن أو نائبه (بغير إذن) الراهن (لم يثبت حكمه) وهو اللزوم. (وصار بمنزلة ما لم يقبض) لفساد القبض لعدم إذن الراهن فيه، (فلو استناب المرتهن الراهن في القبض لم يصح) قبضه، ولم يكن الرهن لازما، لأن المرتهن لم يقبضه هو ولا وكيله. (وعبد الراهن وأم ولده كهو) فلا تصح استنابتهما في قبض الرهن. لان يد سيدهما ثابتة عليهما وعلى ما بيدهما. (لكن تصرح استنابة مكاتب) - ه أي مكاتب الراهن، (وعبده المأذون له)
385 في التجارة في قبض الرهن، لاستقلالهما بالتصرف، (وصفة قبضه) أي قبض الرهن (ك) - صفة قبض (مبيع، فإن كان) الرهن (منقولا فقبضه نقله) كالحلي، (أو تناوله) إن كان يتناول كالدراهم ونحوها، (موصوفا كان) الرهن (أو معينا، لعبد وثوب وصبرة وإن كان) الرهن (مكيلا ف) - قبضه (بكيله أو) كان (موزونا ف) - قبضه (بوزنه أو) كان (مذروعا ف) - قبضه (بذرعه، أو) كان (معدودا ف) - قبضه (بعده. وإن كان) الرهن (غير منقول كعقار) من أرض وبناء وغراس. (و) ك (- ثمر على شجر وزرع في أرض ف) - قبضه (بالتخلية بينه وبين مرتهنه من غير حائل) لأنه المتعارف في ذلك كله. كما تقدم في البيع. (ولو رهنه دارا فخلى) الراهن (بينه) أي المرتهن (وبينها، وهما فيها. ثم خرج الراهن) منها (صح القبض، لوجود التخلية. و) الرهن (قبل قبضه جائز غير لازم) لعدم وجود شرط اللزوم، وهو القبض. (فلو تصرف فيه) أي الرهن (راهن قبله) أي قبل القبض (بهبة أو بيع أو عتق، أو جعله صداقا، أو عوضا في خلع) أو طلاق أو عتق، أو جعله أجرة، أو جعلا في جعالة، ونحو ذلك مما يخرج به عن ملكه (أو رهنه ثانيا نفذ تصرفه) لعدم لزوم الرهن (وبطل الرهن الأول) لأن هذه التصرفات تمنع الرهن، فانفسخ بها. (سواء أقبض) الراهن (الهبة والبيع والرهن الثاني أو لم يقبضه) كما تقدم. (وإن دبره) أي دبر الراهن الرهن قبل قبضه (أو أجره، أو كاتبه، أو زوج الأمة) المرهونة قبل القبض (لم يبطل الرهن) لأن هذه التصرفات لا تمنع البيع فلا تمنع صحة الرهن. (ولو أذن) الراهن للمرتهن (في قبضه) أي الرهن (ثم تصرف) الراهن (قبله) أي قبل القبض (نفذ) تصرفه. (أيضا) لعدم اللزوم بعد القبض (وإن امتنع) الراهن (من إقباضه) الرهن (لم يجبر) عليه لعدم لزومه. ويبقى الدين بغير رهن. وكذا إن انفسخ الرهن قبل القبض. (لكن إن شرطه) البائع (في عقد بيع وامتنع) المشتري (من إقباضه) الرهن (فللبائع فسخ البيع) لأنه لم يسلم له ما شرط. وكذا لو شرط في قرض (ولو رهنه) شخص (ما هو في
386 يده) أي المرتهن ومضمون عليه كالغصوب والعواري، والمقبوض على وجه سوم، والمقبوض بعقد فاسد. صح الرهن. (وزال الضمان) لانتقاله إلى الأمانة. (كما لو كان) ما في يده (غير مضمون عليه كالوديعة ونحوها) كالمضاربة والشركة. (ويلزم الرهن) حينئذ (بمجرد ذلك) أي بمجرد العقد، لأن يده ثابتة عليه وإنما تغير الحكم فقط، فلم يحتج إلى قبض، كما لو منع الوديعة صارت مضمونة. (ولا يحتاج) لزوم الرهن (إلى أمر زائد على ذلك) أي على العقد، كمضي زمن يتأتى قبضه فيه، (كهبة) أي هبة إنسان ما بيده. فإنها تلزم بمجرد العقد. ولا يحتاج لمضي زمن يتأتى فيه القبض. (فإن جن أحد المتراهنين قبل القبض أو مات) أحدهما قبله (لم يبطل زمن الرهن) لأنه يؤول إلى اللزوم. فأشبه البيع في مدة الخيار، بخلاف نحو الوكالة. (ويقوم ولي المجنون مقامه. فإن كان المجنون هو الراهن فعلى وليه ما فيه الحظ له من التقبيض) للرهن، (وعدمه) يعني إن كان الحظ للمجنون في التقبيض بأن يكون شرط في بيع والحظ في إتمامه أقبضه. وإن كان الحظ في تركه لم يجز تقبيضه. وإنما اعتبر الاذن لشبهه بالهبة، من حيث إنه لا يلزم إلا بالقبض. (وإن كان) المجنون هو (المرتهن قبضه) له (وليه) لأنه الأحظ له. (وإن مات) أحدهما (قام وارثه مقامه) في التقبيض والقبض كسائر حقوقه (فإن مات الراهن لم يلزم ورثته تقبيضه) أي الرهن، لأنه لا يلزم مورثهم. وإن أرادوا إقباضه. (فإن لم يكن على المستدين سوى هذا الدين فللورثة تقبيض الرهن) للمرتهن لأن الحق لهم. (وإن كان عليه) أي الميت (دين سواه. فليس للورثة تخصيص المرتهن بالرهن) لأن حقوق الغرماء تعلقت بالتركة قبل لزوم حقه. فلم يجز تخصيصه به بغير رضاهم (وسواء فيما ذكرنا ما) إذا مات أحدهما أو جن (بعد الاذن في القبض، وما) إذا حصل ذلك (قبله) أي قبل الاذن في القبض. (لأن الاذن يبطل بالموت والجنون والاغماء والحجر) لأنه وكالة (فلو حجر على الراهن بفلس قبل التسليم. لم يكن له تسليمه) لأنه تخصيص ببعض الغرماء، (وإن كان) الحجر (لسفه فكما لو زال عقله بجنون) فيقوم وليه مقامه في فعل الأحظ، (وإن أغمي عليه) أي على الراهن قبل إقباض الرهن (لم يكن
387 للمرتهن قبض الرهن) بنفسه، (وليس لاحد تقبيضه) له (لأن المغمى عليه لا تثبت عليه الولاية) لاحد، لقصر مدة الاغماء (وانتظرت إفاقته) من إغمائه ليقبضه إن شاء. (وإن خرس) الراهن (وكانت له كتابة مفهومة أو إشارة معلومة فكمتكلم) لحصول المقصود بكتابته أو إشارته. (وإلا) بأن لم يكن له كتابة مفهومة ولا إشارة معلومة (لم يجز) للمرتهن (القبض. وإن كان أحد هؤلاء قد أذن في القبض بطل حكمه) أي حكم إذنه (لأن إذنهم يبطل بما عرض لهم) من موت وجنون وإغماء وحجر وخرس، وتقدم بعضه. (واستدامة قبضه) أي الرهن (شرط في لزومه) لأن الرهن يراد للوثيقة. ليتمكن من بيعه واستيفاء دينه. فإذا لم يكن في يده زال ذلك بخلاف الهبة. فإن القبض في ابتدائها يثبت الملك. فإذا ثبت استغنى عن القبض. (فإن أخرجه) أي الرهن (المرتهن باختياره إلى الراهن زال لزومه وبقي) الرهن (كأنه لم يوجد فيه قبض) لأن استدامة القبض شرط في اللزوم وقد زالت. والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه. (سواء أخرجه) المرتهن إلى الراهن (بإجارة أو إعارة أو إيداع أو غير ذلك) لما تقدم، (فإن رده) أي رد الراهن الرهن (إليه) أي إلى المرتهن (باختياره عاد لزومه بحكم العقد السابق) لأنه أقبضه باختياره، فلزم كالأول. ولا يحتاج إلى تجديد عقد، لأن العقد الأول لم يطرأ عليه ما يبطله. أشبه ما لو تراخى القبض عن العقد. (وإن أزيلت) أي أزال الراهن أو غيره (يده) أي المرتهن (بغير حق كالغصب والسرقة وإباق العبد وضياع المتاع ونحوه فلزومه) أي الرهن (باق) لأن يد المرتهن ثابتة عليه حكما. ولو سبى الكفار العبد المرهون ثم استنقذ منهم عاد رهنا بحاله، نص عليه. قاله في القاعدة الثلاثين. وقال لو صالحه عن دين الرهن على ما يشترط قبضه في المجلس صح الصلح وبرئت ذمته من الدين وزال الرهن. فإن تفرقا قبل القبض بطل الصلح وعاد الدين والرهن بحاله (وإن أقر الراهن بالتقبيض) للرهن (ثم أنكر) ه، (وقال: أقررت بذلك ولم أكن أقبضت شيئا) فقول المرتهن، مؤاخذة للراهن بإقراره. (أو أقر المرتهن بالقبض ثم أنكره فقول المقر له) مؤاخذة للمقر
388 بإقراره. لحديث: لا عذر لمن أقر. (فإن طلب المنكر يمينه) أي يمين خصمه أنه ما أقر كاذبا (فله ذلك) أي تحليفه لاحتمال صدقه. ويأتي في الاقرار (وإن اختلفا) أي الراهن والمرتهن (في القبض، فقال المرتهن: قبضته) أي الرهن فصار لازما. (وأنكر الراهن) ذلك (فقول صاحب اليد) فإن كان بيد الراهن فقوله، لأن الأصل عدم القبض. وإن كان بيد المرتهن فقوله لأن الظاهر قبضه بحق. (وإن اختلفا في الاذن) في القبض (فقال الراهن أخذته) أي الرهن (بغير إذني) فلم يلزم (فقال) المرتهن (بل) أخذته (بإذنك وهو في يد المرتهن فقول الراهن) لأنه منكر. (جزم به في الكافي. وإن قال) الراهن (أذنت لك) في قبضه، (ثم رجعت قبل القبض فأنكر المرتهن) رجوعه (فقوله) أي المرتهن، لأن الأصل عدم الرجوع. وإن كان الرهن في يد الراهن فقال المرتهن: قبضته ثم غصبتنيه، فأنكر الراهن فالقول قوله، لأن الأصل عدمه. (ولو رهنه عصيرا فتخمر زال لزومه) لأن تخميره بمنزلة إخراجه من يده لأنه لا يد لمسلم على خمر. (ووجبت إراقته) حينئذ كسائر الخمر. (فإن أريق) ما تخمر من العصير (بطل العقد فيه ولا خيار للمرتهن) لأن التلف حصل في يدا. وهذا بالنسبة للمسلمين. (وإن عاد) ما تخمر من العصير (خلا) قبل إراقته. (لزمه بحكم العقد السابق) كما لو زالت يد المرتهن عنه ثم عادت إليه. فلو استحال خمرا قبل قبض المرتهن بطل العقد فيه ولم يعد بعوده خلا، لأنه عقد ضعيف لعدم القبض. أشبه إسلام أحد الزوجين قبل الدخول. (وإن أجره) أي أجر الراهن (أو أعاره لمرتهن أو) أجره أو أعاره ل (- غيره) أي غير مرتهن (بإذنه) أي إذن مرتهن، (فلزومه) أي الرهن (باق) لأن هذا التصرف لا يمنع البيع. فلم يفسد القبض (لكنه يصير) الرهن (في العارية مضمونا) على المستعير من مرتهن أو غيره. لأن العارية مضمونة كما يأتي.
389 فصل: (وتصرف راهن في رهن لازم) أي مقبوض (بغير إذن مرتهن بما يمنع ابتداء عقده، كهبة ووقف وبيع ورهن ونحوه) كجعله عوضا في صداق أو طلاق (لا يصح) لأنه تصرف يبطل حق المرتهن من الوثيقة، وليس بمبني على السراية والتغليب، فلم يصح بغير إذن المرتهن كفسخ الرهن. (إلا العتق مع تحريمه) لما فيه من إبطال حق المرتهن من الوثيقة. (فإنه ينفذ) لأنه إعتاق من مالك تام الملك فنفذ كعتق المستأجر ولأنه مبني على السراية والتغليب، بدليل أنه ينفذ في ملك الغير. ففي ملكه أولى. (ولو) كان الراهن (معسرا) نفذ عتقه لما تقدم (ويؤخذ من) راهن (موسر) إذا أعتق الرهن (قيمته) لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة. أشبه ما لو أتلفه (وقت عتقه) لأنه وقت إتلافه تكون (رهنا مكانه) لأنها نائبة عن الرهن أو بدل عنه. (ومتى أيسر) راهن (معسر) وقد أعتق الرهن (بقيمته قبل حلول الدين أخذت) القيمة (منه وجعلت رهنا) مكانه لأنها بدله. (وإن أيسر) الراهن (بعده) أي بعد حلول الدين وكان قد أعتق الرهن. (طولب بالدين فقط) لأن ذمته تبرأ به من الحقين معا. (وإن أذن) المرتهن (فيه) أي العتق (أو في غيره مما تقدم) كالهبة والوقف والبيع والرهن ونحوه. (صح) التصرف المأذون فيه لان الراهن إنما منع من مثل ذلك لتعلق حق المرتهن وقد أسقطه بالاذن (وبطل الرهن) لأن ما أذن فيه يمتنع معه جواز الرهن ابتداء. فامتنع معه دواما ولهذا قيد فيما تقدم بقوله: بما يمنع ابتداء عقده. احترازا من نحو الإجارة والعارية والتزويج والكتابة ونحوها فتصح بإذن المرتهن، ويبطل بها الرهن. لأنها لا تمنع ابتداء عقده. (وإن أذن) المرتهن للراهن (في البيع ففيه تفصيل يأتي قريبا. وله) أي للراهن (إخراج زكاته) أي الرهن (منه بلا إذن مرتهن إن عدم غيره) لتعلق الزكاة بعين المال، كتعلق أرش الجناية برقبة العبد الجاني. (ومتى أيسر) الراهن (جعل بدله) أي بدل ما أخرج زكاة (رهنا) مكانه كبدل ما أعتقه. (وله) أي للراهن (غرس) أرض مرهونة (إذا كان الدين مؤجلا) لأن تعطيل منفعتها إلى حلول الدين تضييع للمال.
390 وقد نهي عنه بخلاف الحال. فإن الراهن حينئذ يجبر على فك الرهن بالوفاء أو بيعه، فلا تعطل منفعتها. قال في الكافي: ولو ارتهن أرضا فنبت فيها شئ دخل في الرهن لأنه من إنمائها سواء نبت بنفسه أو بفعل الراهن. (و) للراهن (وطئ) مرهونة (بشرط أو إذن مرتهن) لأن الراهن إنما منع من ذلك لأجل حق المرتهن، وقد أسقطه بالاذن فيه أو الرضا به. (و) لراهن (إجارة) الرهن (وإعارته بإذنه) أي المرتهن (أيضا والرهن) بحاله، وتقدم قريبا. و (يحرم) على الراهن ما ذكر من الوطئ والإجارة والإعارة (بدونه)، أي بدون إذن المرتهن. فيه له في رواية ابن منصور: أله أن يطأ؟ قال: لا والله. (ولا يمنع) الراهن (من إصلاح الرهن، ودفع الفساد عنه، من سقي شجر، وتلقيح وإنزاء فحل على إناث ومداواة وفصد، ونحوه) كتشريط (وفتح رهصة وهو التبزيع) أي البيطرة، (لأن ذلك مصلحة للرهن، وزيادة في حق المرتهن من غير ضرر عليه فلم يملك المنع منه. وكذا تعليم فن صناعة. ودابة السير. وإن كان الرهن فحولا. لم يكن له) أي للراهن (إطراقها بغير رضا المرتهن) لأنه انتفاع بها. (إلا إن تضرر) الفحول (بتركه) أي الاطراق (فيجوز) لأنه (كالمداواة) له (ويمنع) الراهن (من قطع أصبع زائدة. و) قطع (سلعة فيها خطر) من مرهون، لأنه يخاف عليه من قطعها، بخلاف ما لو كان به أكلة. فإنه يخاف من تركها، لا قطعها. (ويمنع) الراهن (من ختانه) أي الرهن (إلا مع دين مؤجل يبرأ) المختون (قبل أجله. والزمان معتدل لا يخاف عليه) أي المختون (فيه) لان الختان لا يضر المرتهن إذن. ويزيد به الثمن (وللمرتهن مداواة ماشية) مرهونة (لمصلحة) لأن له فيها حق التوثق. (وليس للراهن الانتفاع بالرهن باستخدام، ولا وطئ الأمة. ولو) كانت (آيسة أو صغيرة) لا تحمل كالمستبرأة. (ولا) للراهن (سكنى) المرهون (ولا التصرف فيه بإجارة ولا إعارة، ولا غير ذلك بغير رضا المرتهن). ولا يملك ذلك المرتهن بغير رضا الراهن (وتكون منافعه معطلة). إذا لم يتفقا على التصرف (فإن كانت) المرهونة (دارا أغلقت.
391 وإن كان) المرهون (عبدا أو غيره تعطلت منافعه، حتى يفك الرهن). ولا ينفرد أحدهما بالتصرف، لأنه لا ينفرد بالحق. (ويصح رهن الأمة المزوجة) لأنه يصح بيعها. (وليس له) أي الراهن (تزويج الأمة المرهونة) بغير إذن المرتهن. (فإن فعل) أي زوجها بغير إذن المرتهن (لم يصح) لأنه ينقص ثمنها. فلم يصح كتزويج العبد. (ولا وطؤها) أي ليس للراهن وطئ الأمة المرهونة. (فإن فعل فلا حد عليه) لأنها ملكه. (ولا مهر) لذلك. (وإن أتلف جزءا منها أو نقصها، مثل إن افتض البكر) أي زال بكارتها (أو أفضاها) أي خرق ما بين سبيليهما، أو ما بين مخرج بول ومني، (فعليه قيمة ما أتلف) أي أرش نقصها (فإن شاء) الراهن (جعله رهنا معها. وإن شاء جعله قضاء من الحق إن لم يكن) الحق قد (حل. وإن كان) الحق (قد حل جعله قضاء) عن الحق (لا غير) لأنه يبرأ به من الحقين (وإن أولدها) الراهن (بأن) وطئ المرهونة ف (- أحبلها بعد لزوم الرهن وولدت ما تصير به أم ولد) وهو ما تبين فيه خلق إنسان، ولو خفيا (خرجت من الرهن) لأنها صارت أم ولد له، لأنه أحبلها بحر، في ملكه. (وأخذت منه) أي الراهن (قيمتها حين أحبلها) لأنه وقت إتلافها (فجعلت رهنا) مكانها، كما لو أتلفها بغير ذلك. وإن تلفت بسبب الحمل فعليه قيمتها، لأنها تلفت بسبب كان منه (إلا أن يكون الوطئ بإذن المرتهن) لأن الوطئ يفضي إلى الاحبال. ولا يقف على اختياره فالاذن في سببه إذن فيه. (فإن أذن) المرتهن في الوطئ (ثم رجع) قبله (فكمن لم يأذن) فيه، (وإن اختلفا) أي الراهن والمرتهن أو أحدهما، وورثة الآخر أو ورثتهما. (في الاذن) في الوطئ أو غيره، (فالقول قول من ينكر) الاذن، لأن الأصل عدمه. فإن توجهت اليمين على وارث المرتهن حلف على نفي العلم. وإن نكل من توجهت عليه اليمين قضي عليه بالنكول. (وإن أقر المرتهن بالاذن) في الوطئ، (وأنكر) المرتهن (كون الولد من الوطئ المأذون فيه) وقال: هو من وطئ آخر. (أو قال هو) أي الولد (من زوج أو زنا. فقول الراهن بغير يمين) لأنا لم نلحقه به بدعواه، بل بالشرع. (إن اعترف المرتهن بالاذن في الوطئ. و) اعترف
392 (بالوطئ. و) اعترف (بالولادة. و) اعترف (بمضي مدة بعد الوطئ يمكن أن تلده فيها) فإن عاش (اعتبر مضي ستة أشهر من وطئه)، لأنها أقل مدة الحمل. (ولو أذن) الراهن للمرتهن (في ضربها) أي ضرب المرهونة (فضربت فتلفت. فلا ضمان عليه) لأنه تولد من الضرب المأذون فيه. (وإذا رهنها) أي الأمة (فبانت حائلا) لا حمل بها (أو) بانت (حاملا بولد لا يلحق) ب (- الراهن) لكونه من وطئ شبهة، أو زنا، أو زوج. (فالرهن) باق (بحاله) لعدم ما يبطله (وكذلك إن كان) الولد (يلحق به) أي بالراهن (لكن لا تصير به) الأمة (أم ولد. مثل إن وطئها وهي زوجته) أو بشبهة أو زنا، (ثم ملكها ثم رهنها) فبانت حاملا من ذلك الوطئ (وإن بانت) الأمة (حاملا بما تصير به أم ولد) بأن وطئها في ملكه، ثم رهنها. ثم ظهر حملها (بطل الرهن) أي تبينا بطلانه، لأنه لا يصح بيعها. (ولا خيار للمرتهن. ولو كان) رهنها (مشروطا في البيع) لأن المنع من رهنها من قبل الشرع، لا من المشتري. (وإن أقر الراهن بالوطئ بعد لزوم الرهن) وأنكر المرتهن، (قبل) قول الراهن (في حقه) وحده (ولا يقبل) قوله (في حق المرتهن) لأن الأصل عدم ذلك. وبقاء التوثقة حتى تقوم البينة به. (وإن أذن مرتهن لراهن في بيع الرهن) فله ثلاثة أحوال. أحدها: أن يأذن له في البيع. (بشرط أن يجعل ثمنه رهنا مكانه) فيصح البيع. والشرط الثاني: ما أشار إليه بقوله. (أو أذن) مرتهن (في بيعه) أي الرهن (بعد حلول الدين. صح البيع) لصدوره من المالك بإذن المرتهن. (وبطل الرهن في عينه. وصار الثمن رهنا) لأنه بدل الرهن. (ويأخذ الدين الحال منه) لان مقتضى الرهن بيعه واستيفاء الحق من ثمنه (وما سواه) أي سوى ما أخذ في الدين الحال (يبقى رهنا إلى) حلول (أجله) أي المؤجل. فيوفي منه، أي في حال الشرط. (و) الثالث: إذا أذن في بيع الرهن (بدونهما أي حلول الدين، أو الشرط) جعل (ثمنه رهنا) ف (- يبطل الرهن بالبيع) لخروجه عن ملك الراهن بإذن المرتهن. ولا يكون ثمنه رهنا مكانه، لعدم اشتراطه. وحلول الدين، خلافا للقاضي ومتابعيه. وعبارة المصنف توهم بطلان البيع. وليس كذلك. قال في الفروع: وبدونهما يبطل الرهن. وقال في
393 الكافي. الثاني: أن يبيعه قبل حلول الدين بإذن مطلق. فيبطل الرهن ويسقط حق المرتهن من الوثيقة، لأنه تصرف في عين الرهن تصرفا لا يستحقه المرتهن، فأبطله كالعتق. وكذا في المغني. (فإن اختلفا في الاذن) بأن قال الراهن: بعته بإذن المرتهن. وقال المرتهن: لم آذن له. (فقول مرتهن) أو وارثه بيمينه، لأن الأصل عدم الإذن. (فإن أقر) المرتهن (به) أي الاذن (واختلفا في شرط جعل ثمنه رهنا) مكانه، بأن قال الراهن: لم تشترطه. وقال المرتهن: اشترطته. (فقول الراهن) أو وارثه بيمينه، لأنه منكر. والأصل عدم الاشتراط. (وإن أذن) المرتهن (له) أي للراهن (في بيعه) أي الرهن والدين مؤجل. (بشرط أن يجعل دينه من ثمنه) فباعه (صح البيع) للاذن (ولغا الشرط)، لأن التأجيل أخذ قسطا من الثمن. فإذا أسقط بعض مدة الاجل في مقابلة الاذن فقد أذن بعوض، وهو ما يقابل الباقي من مدة الاجل من الثمن. وهذا لا يجوز أخذ العوض عنه فيلغو. (ويكون الثمن) حينئذ (رهنا) مكانه، لان المرتهن لم يأذن في البيع إلا طامعا في وفاء دينه من ثمنه. فلم يسقط حقه منه مطلقا. (وللمرتهن الرجوع في كل تصرف أذن فيه) لراهن (قبل وقوعه) لعدم لزومه، (فإن ادعى) المرتهن (أنه رجع) عن الاذن (قبل البيع) ونحوه (لم يقبل) قوله، (لأنه) أي المبيع ونحوه (تعلق به حق ثالث) فلم يقبل قوله في إبطاله. (ولو ثبت رجوعه) أي أن المرتهن رجع قبل تصرف الراهن. (وتصرف الراهن جاهلا رجوعه. لم ينفذ تصرفه) كالوكيل إذا تصرف غير عالم بعزل موكله له. (ونماء الرهن، منفصلا كان) النماء (أو متصلا. وكسبه وغلاء ثمنه وصوفه ولبنه، وورق شجره المقصود، ومهره، وأرش الجناية عليه الموجبة للمال) أو للقصاص، أو اختير المال (وما يسقط من سيفه وسعفه وعراجينه، وزرجون الكرم) بزاي ثم راء مفتوحتين وجيم مضمومة: قضبان الكرم. ذكره الجواليقي. (وما قطع من الشجر من حطب، وأنقاض الدار: تكون رهنا في يد من الرهن في يده) من المرتهن أو وكيله أو من اتفقا عليه (كالأصل. فتباع معه إذا
394 بيع) لأن الرهن عقد على العين. فيدخل فيه ما ذكر كالبيع والهبة. وفي الجناية عليه. لأنها بدل جزء منه، فكانت من الرهن كقيمته. إذا أتلفه إنسان. (وتأتي الجناية) على الرهن (الموجبة للقصاص) مفصلة (وإذا رهن أرضا أو دارا أو غيرهما) كبستان وطاحون. (تبعه في الرهن ما يتبع) المبيع (في البيع من شجر وغيره. وما لا) يتبع في البيع (فلا) يتبع في الرهن. فصل: (ومؤنة الرهن من طعامه وكسوته ومسكنه وحفظه وكفنه وبقية تجهيزه إن مات، وأجرة مخزنه إن كان مخزونا. و) أجرة (سقيه وتلقيحه وزباره) أي قطع الأغصان الرديئة لتخلفها أغصان جديدة من الكرم. (وجذاذه، ورعي ماشية) مرهونة (ورده) أي رد المرهون (من إباقه. و) أجرة (مداواته لمرض أو جرح، وختانه: على الراهن) لما روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه رواه الشافعي والدارقطني. وقال إسناده حسن متصل، ولأنه ملك للراهن. فكان عليه نفقته وما يحتاج إليه ومؤنة تجهيزه تابعة لمؤنته. (فإن) امتنع الراهن من بذل ما وجب عليه مما تقدم أجبره الحاكم عليه. فإن لم يفعل أخذ الحاكم من ماله وفعله. فإن (تعذر أخذ ذلك من الرهن) لغيبة أو غيرها ولم يقدر له على مال (بيع منه) أي الرهن (فيما يجب عليه) أي الراهن (فعله بقدر الحاجة)، لأن حفظ البعض أولى من إضاعة الكل. واحترز بقوله: فيما يجب عليه فعله من نحو مداواته وختانه. (فإن خيف استغراقه) أي استغراق البيع للرهن في الانفاق عليه ونحوه. (بيع كله) وجعل ثمنه رهنا
395 مكانه. لأنه أحظ لهما. (وعلى الراهن تجفيف الثمرة) المرهونة (إذا احتاجت إليه) أي التجفيف. (والحق مؤجل) لأنه من جملة المؤنة التي تحفظ بها. وتقدم (وإن كان) الحق (حالا بيعت) الثمرة ووقي منها الدين. لعدم الحاجة إلى تجفيفها. (وإن اتفقا) أي الراهن والمرتهن (على بيعها) أي الثمرة (وجعل ثمنها رهنا) مكانها (ب) - دين (مؤجل. جاز) لان الحق لا يعدوهما (فإن اختلفا) بأن طلب أحدهما البيع والآخر بقاءها (قدم قول من يستبقيها) إلى حلول الدين. لأنه وقت وجوب بيعها (إلا أن تكون) الثمرة (مما تقل قيمته بالتجفيف، وقد جرت العادة ببيعه رطبا) أو عنبا (فيباع) كذلك. لأنه أحظ لهما. (ويجعل ثمنه رهنا) مكانه. لأنه بدله (وإن اتفقا) أي المتراهنان (على قطعها) أي الثمرة (في وقت جاز، حالا كان الحق أو مؤجلا، أو كان الأصلح القطع أو الترك) لأن الحق لهما لا يعدوهما. فمهما تراضيا عليه جاز. (ويقدم قول من طلب الأصلح) من القطع أو الترك (إن كان ذلك) القطع (قبل حلول الحق) لأنه لم يدخل وقت بيعها (وإلا) بأن كان بعد حلول الحق قدم (قول من طلب القطع) منهما. وإن لم يكن أصلح. لأنه إن طلبه الراهن فالضرر عليه. وإن طلبه المرتهن فهو لا يجبر على تأخير حقه بعد حلوله. (وإن كانت الثمرة مما لا ينتفع بها قبل كمالها) كثمرة الجوز (لم يجز قطعها قبله) أي قبل كمالها (ولم يجبر عليه) لأنه إضاعة مال. وقد نهى (ص) (وإن أراد الراهن السفر بالماشية ليرعاها في مكان آخر، وكان لها في مكانها مرعى تتماسك به. فللمرتهن منعه) من السفر بها، لأن فيه إخراجها عن يده ونظره (وإن أجدب مكانها) أي محل رعيها (فلم تجد ما تتماسك به فله) أي الراهن (السفر بها) لأنه موضع حاجة (إلا أنها تكون) الماشية (في يد عدل يرضيان به، أو ينصبه الحاكم) فيسافر هو بها. (ولا ينفرد الراهن بها) لئلا يفوت حق المرتهن من التوثق (فإن امتنع الراهن من السفر بها) مع جدب مكانها، (فللمرتهن نقلها) للحاجة (وإن أراد كل منهما السفر بها و) لكن (اختلفا في مكانها قدم من يعين الأصلح. فإن
396 استويا قدم قول المرتهن) لأنه أحق باليد (وأيهما أراد نقلها عن البلد مع خصبه إلى مثله، أو) إلى (أخصب منه لم يكن له ذلك) بغير إذن صاحبه، لعدم الحاجة إليه. (وإن اتفقا) أي الراهن والمرتهن (عليه) أي على نقلها إلى خصب مثل مكانها، أو أخصب (جاز) لأن الحق لا يعدوهما. (ولا يجبر الراهن على مداواة الرهن) ولا فتح عرقه. لأن الشفاء بيد الله تعالى . وقد يجئ بدونه، بخلاف النفقة. (ولا) يجبر الراهن على (إنزاء الفحل على الإناث) لأنه ليس مما يحتاج إليه لبقائها. (و) لا يجبر على (نحو ذلك مما لا يحتاج إليه لبقاء الرهن). وإن احتاجت الماشية لراع لزم الراهن. لأنه لا قوام لها بدونه. (وإن جربت الماشية) المرهونة (فللراهن دهنها بما يرجى نفعه ولا يخاف ضرره، كالقطران والزيت اليسير) كمداواة القن (وإن خيف ضرره ك) - الزيت (الكثير فللمرتهن) منعه، لأنه ربما فوت عليه الرهن. (وهو) أي الرهن (أمانة في يد المرتهن) لحديث أبي هريرة السابق. ولأنه لو ضمن لامتنع الناس من فعله خوفا من الضمان. وذلك وسيلة إلى تعطيل المداينات، وفيه ضرر عظيم، وهو منفي شرعا، لأنه وثيقة بالدين. فلا يضمن كالزيادة على قدر الدين (ولو قبل العقد) بأن وضع له العين ليرهنها بعد فتلفت. فلا ضمان (كما) لو تلف الرهن (بعد الوفاء أو الابراء) من الدين (وإن تلف) الرهن (بغير تعد منه) أي المرتهن (أو تفريط، فلا شئ عليه) أي المرتهن (كما لو تلف تحت يد العدل) لما تقدم من أنه أمانة بيده. (وليس عليه) أي المرتهن مؤنة (رده) بل يخلى بين المالك وبينه. (كالوديعة) والأجرة، بخلاف العارية (فإن سأله مالكه) أي الرهن (دفعه إليه) بعد فكه، (لزم من هو في يده من المرتهن أو العدل دفعه إليه) أي أن يخلى بينه وبينه، كما تقدم. (إذا أمكنه) ذلك (فإن لم يفعل) المرتهن أو العدل مع الامكان (صار ضامنا) بمنعه ربه منه بلا عذر، (وإن تعدى) المرتهن (فيه) أي الرهن (أو فرط، زال ائتمانه، كوديعة. ويصير) الرهن (مضمونا) حينئذ لتعديه أو تفريطه (والرهن) باق (بحاله) لأنه يجمع أمانة واستيثاقا. فإذا زال أحدهما بقي الآخر. (ولا يسقط بهلاكه) أي الرهن (شئ من دينه) إن لم
397 يتعذر أو يفرط، لأنه كان ثابتا في ذمة الراهن قبل التلف. لم يوجد ما يسقطه فبقي بحاله. (كدفع عبد) أو نحوه لرب دين (يبيعه ويأخذ حقه من ثمنه. وكحبس عين مؤجرة) تعجل ربها أجرتها ثم انفسخ العقد. (بعد الفسخ على الأجرة. ويتلفا) أي العبد المدفوع لمن يبيعه ويأخذ حقه من ثمنه والعين المؤجرة المحبوسة على أجرتها بعد الفسخ. فلا يسقط الدين ولا الأجرة بتلفها، لعدم تعلقه بهما. (بخلاف حبس البائع المبيع المتميز على ثمنه فإنه يسقط) ثمنه (بتلفه) في رواية، لأنه عوضه. والرهن ليس بعوض الدين. (وإذا تلف الرهن لم يلزم الراهن أن يرهن مكانه رهنا آخر) لأن الراهن من أصله جائز غير واجب (وإن قضى بعض دينه) أي دين المدين (أو أبرأه منه وببعضه) أي الدين (رهن أو كفيل. وقع مما نواه الدافع أو المبرئ) لأن التعيين في ذلك له، فينصرف إلى ما عينه. فمن عليه مائتان بأحدهما رهن أو كفيل فوفى منهما مائة، أو أبرئ منها. فإن نوى القاضي أو المبرئ المائة التي بها الرهن أو الكفيل وقع عنها وانفك الرهن، وبرئ الكفيل. وإن نوى الآخر وقع عنها. والرهن أو الكفيل بحاله. (والقول قوله) أي القاضي أو المبرئ (في النية واللفظ)، لأنه أدرى بما صدر منه (فإن أطلق) ولم يعين إحدى المائتين بلفظه ولا نيته حال القضاء أو الابراء صرفه بعد ذلك (إلى أيهما شاء) لأن له ذلك في الابتداء. فكان له ذلك بعده، كما لو كان له مالان حاضر وغائب. فأدى قدر زكاة أحدهما كان له صرفه إلى أيهما شاء. (وإن تلف بعض الرهن) وبقي بعضه (فباقيه رهن بجميع الدين) لأن الدين كله متعلق بجميع أجزاء الرهن. (ولو) كان الرهن (عينين تلفت إحداهما) فالدين متعلق بالأخرى، لما تقدم. (ولا ينفك شئ من الرهن ولو أمكن قسمته حتى يقضي جميع الدين) حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه. لأن حق الوثيقة متعلق بجميع الرهن. فيصير محبوسا بكل الحق وبكل جزء منه، لا ينفك شئ يقضي جميعه. (حتى ولو قضى أحد الوارثين ما يخصه من دين برهن) رهنه مورثه، لما تقدم. (ويقبل قوله) أي المرتهن (في التلف) بيمينه إن أطلق أو ذكر سببا
398 خفيا كسرقة، لأنه أمين (دون الرد) فلا يقبل قوله فيه، لأنه قبض العين لحظ نفسه. (وإن ادعاه المرتهن)، أي التلف (بحادث ظاهر قبل قوله) أي المرتهن (فيه) أي في التلف (ببينة تشهد بالحادث) الظاهر لعدم خفائه (ثم) بعد إقامة البينة بالحادث الظاهر. فيقبل (قوله) أي المرتهن (في تلفه به) أي بالحادث الظاهر (بدونها) أي بدون بينة تشهد بأنه تلف بالحادث الظاهر. (وإن رهنه عند رجلين) مثلا (فوفى أحدهما) انفك في نصيبه، لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين. فكأنه رهن كل واحد منهما النصف منفردا. (أو رهنه رجلان) مثلا (شيئا فوفاه أحدهما) ما عليه (انفك) الرهن (في نصيبه) لأن الراهن متعدد. فتعلق على كل منهما بنصيبه. (كتعدد العقد) فلو رهن اثنان عبدا لهما عند اثنين بألف. فهذه أربعة عقود ويصير كل ربع منه رهنا بمائتين وخمسين. فمتى قضي في شئ انفك من الرهن بقدر ذلك. ذكره القاضي. (فإن أراد من انفك نصيبه) من الرهن (مقاسمة المرتهن وكان الرهن مما لا تنقصه القسمة) كالمكيل والموزون. (فله ذلك وإلا) بأن كان مما تنقصه القسمة. (فلا) يجيبه المرتهن، لما عليه من الضرر. (ويقيد في يد المرتهن، بعضه رهن وبعضه وديعة) حتى يوفي دينه دفعا للضرر. (وإذا حل الدين لزم) المدين (الراهن الايفاء) لأنه دين حال. فلزم إيفاؤه كالذي لا رهن به. (فإن امتنع) المدين (من وفائه فإن كان الراهن أذن للمرتهن) في بيعه (أو) أذن (العدل في بيعه باعه) لأنه مأذون له فيه (ووفى الدين) من ثمنه (لكن لو باعه العدل) بإذن الراهن (اشترط إذن المرتهن) لأن البيع لحقه. فلم يجز حتى يأذن فيه. (ولا يحتاج إلى تجديد إذن الراهن) لأن الأصل بقاؤه على الاذن. (ويجوز للعدل أو المرتهن) إذا أتلف الرهن وأخذ قيمته مكانه. (بيع قيمة الرهن) أو مثله (كأصله) المأخوذ عنه القيمة. (بالاذن الأول) ولا يحتاج إلى تجديد إذن، لأن البدل يقوم مقام مبدله. (فإن لم يكن) الراهن (أذن) في بيع الرهن (أو) كان (أذن) فيه (ثم عزله. رفع) المرتهن (الامر إلى حاكم. فيجبره) أي المدين (على وفاء الدين أو بيع الرهن) للوفاء من ثمنه. لأن هذا شأن الحاكم. قال في المغني:
399 وقياس المذهب أنه متى عزله عن البيع فللمرتهن فسخ البيع الذي جعل الرهن بثمنه، كما لو امتنع الراهن من تسليم الرهن المشروط في البيع. (فإن لم يفعل) الراهن ذلك (حبسه) الحاكم (أو عزره ليبيعه) أو يوفي الدين (فإن أبى) الراهن (باعه) الحاكم (عليه. وقضى الدين) من ثمنه، لأنه تعين طريقا إلى أداء الواجب أداؤه. (وحكم) المدين (الغائب حكم الممتنع من الوفاء) فيبيع الحاكم عليه ويوفي الدين. لأن له ولاية مال الغائب، كما يأتي في القضاء. (قال الشيخ: ومتى لم يمكن بيع الرهن إلا بخروج المديون من الحبس، أو كان في بيعه وهو في الحبس ضررا عليه. وجب إخراجه) من الحبس ليبيعه. (ويضمن عليه، أو يمشي معه هو) أي رب الحق (أو وكيله) إن خيف هربه، دفعا للضرر. فصل: (وإذا قبض الرهن من تراضي المتراهنان أن يكون) الرهن (على يده صح قبضه) للرهن (وكان وكيلا للمرتهن) في قبضه (وقام قبضه مقام المرتهن في اللزوم به) أي بقبضه (إذا كان ممن يجوز توكيله. وهو الجائز التصرف) أي الحر البالغ الرشيد (مسلما كان) من اتفقا على أن يكون الرهن تحت يده. (أو كافرا، عدلا أو فاسقا. ذكرا أو أنثى) لأنه جاز توكيله في غير الرهن، فجاز فيه كالعدل. قاله في الكافي والمغني وغيرهما. وهو واضح بخلاف ما توهمه عبارة المقنع والمنتهى من اعتبار العدالة. (لا صبيا) أو مجنونا أو سفيها. لأنه غير جائز التصرف. (فإن فعلا) أي جعلاه تحت يد صبي أو نحوه (فقبضه وعدمه سواء) لا أثر له، (ولا
400 عبدا بغير إذن سيده) لأن منافعه لسيده. فلا يجوز تضييعها في الحفظ من غير إذنه. (ولا مكاتبا بغير جعل) لأنه ليس له التبرع. وإن كان بجعل جاز، لأن له التكسب من غير إذن سيده. (وإن شرط جعله) أي الرهن (في يد اثنين. لم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه) لان المتراهنين لم يرضيا إلا بحفظهما معا. فلم يجز لأحدهما الانفراد كالوصيين. (ويمكن اجتماعهما في الحفظ بأن يجعلاه) أي الرهن (في مخزن عليه لكل واحد منهما قفل) بضم القاف. وهو الغلق من خشب أو حديد (فإن سلمه) أي الرهن (أحدهما إلى الآخر. فعليه ضمان النصف) لأنه القدر الذي تعدى فيه. (فإن مات أحدهما) أي أحد الاثنين اللذين شرط جعل الرهن بيدهما. (أو تغيرت حاله بفسق أو ضعف عن الحفظ، أو عداوة) لاحد المتراهنين (أقيم مقامه عدل يضم إلى الآخر) فيقيمه الحاكم إن لم يتراض المتراهنان. وإن شرط أن يكون الرهن يوما بيد المرتهن ويوما بيد فلان جاز. ذكره القاضي في مواضع. قاله المجد في شرحه. (وليس للراهن ولا المرتهن إذا لم يتفقا، ولا للحاكم نقل الرهن عن يد من تشارطا) أي الراهن والمرتهن (أن يكون) الرهن (على يده إن كان) المشروط جعله تحت يده عدلا (ولم تتغير حاله عن الأمانة ولا حدثت بينه وبين أحدهما عداوة) إذا لم يملكاه فالحاكم أولى. (وله) أي لمن اتفقا أن يكون الرهن تحت يده (رده أي الرهن (عليهما) أي المتراهنين (وعليهما قبوله) منه، لأنه أمين متطوع بالحفظ. فلم يلزمه المقام عليه. كسائر الأمانات. (فإن امتنعا) أي المتراهنان من أخذ الرهن من العدل (أجبرهما الحاكم) على أخذه منه. (فإن دفعه) الحاكم (إلى أمين من غير امتناعهما) من أخذه (ضمن الحاكم والأمين معا) الرهن، لتعدي الحاكم بدفعه مع حضور مستحقيه وعدم امتناعهما. إذ لا ولاية له على الحاضر غير الممتنع. وتعدي الأمين بأخذه مال الغير بغير مقتض. (وكذلك لو تركه) أي الرهن (العدل عند آخر مع وجودهما) أي المتراهنين (ضمن العدل والقابض) الرهن، لما تقدم (فإن امتنعا) أي المتراهنان من قبض الرهن من العدل، (ولم يجد العدل حاكما) أهلا (فتركه) العدل (عند عدل آخر لم يضمن) أحد منهما
401 الرهن للعذر (وإن امتنع أحدهما) أي المتراهنين من قبض الرهن من العدل (لم يكن له) أي للعدل (دفعه) أي الرهن (إلى الآخر) فإن امتنع الراهن لم يدفعه للمرتهن، أو امتنع المرتهن لم يكن له دفعه للراهن، لأنه متى سلمه لأحدهما فوت على الآخر حقه (فإن فعل) أي دفع العدل الرهن لأحدهما بغير إذن الآخر (ضمن) ما فات على الآخر، (فإن كانا) أي المتراهنان (غائبين أو تغيبا) مسافة القصر (وكان للعدل عذر من مرض أو سفر أو نحوه دفعه) العدل أي الرهن إلى الحاكم (فقبضه) منه، (أو أقبضه الحاكم عدلا) لقيام الحاكم مقامهما حينئذ (فإن لم يجد) العدل (حاكما أودعه) العدل (ثقة) للحاجة، (فإن أودعه) العدل (الثقة مع وجود الحاكم) العدل (ضمن) لقيام الحاكم مقامهما. وقد عدل عنه (وإن لم يكن له) أي للعدل (عذر) من مرض أو سفر ونحوهما (وكانت الغيبة) أي غيبة المتراهنين (دون مسافة القصر، فكما لو كانا حاضرين) لأن ذلك في حكم الإقامة. وإن كانت مسافة القصر قبضه الحاكم منه. فإن لم يجد حاكما دفعه إلى عدل، قاله في المغني. (وإن كان أحدهما) أي الراهن والمرتهن (غائبا وحده فحكمهما حكم الغائبين وليس له) أي العدل (دفعه) أي الرهن (إلى الحاضر منهما) لأن في رده إليه تضييع حق الغائب منه. (وكل موضع قلنا لا يجوز له) أي العدل (دفعه) أي الرهن (إلى أحدهما) أي الراهن والمرتهن (إذا دفعه) العدل (إليه فعليه) أي العدل (رده) أي الرهن (إلى يده) استدراكا لحظ الآخر (فإن لم يفعل) العدل (ضمن حق الآخر) لأنه فوته عليه. (وإن اتفقا) أي الراهن والمرتهن (على نقله) أي الرهن (عن يده) أي العدل (جاز) لأن الحق لا يعدوهما. (وكذلك لو كان الرهن في يد المرتهن فلم تتغير حاله. لم يكن للراهن ولا للحاكم نقله عن يده) إذ لا حاجة تدعو إلى ذلك. (فإن تغير حال العدل بفسق أو ضعف، أو حدثت عداوة بينه وبينهما، أو بينه وبين أحدهما. فلمن طلب نقله) أي الرهن (عن يده ذلك) لدعاء
402 الحاجة إليه، (ويضعانه) أي يضع الراهن والمرتهن الرهن (في يد من اتفقا عليه) أي على أن يكون تحت يده. لأن الحق لا يعدوهما (فإن اختلفا) فيمن يضعانه عنده، (وضعه الحاكم عند عدل) قطعا للنزاع (وإن اختلفا) أي الراهن والمرتهن (في تغيير حاله) أي العدل (بحث الحاكم) عن حاله (وعمل) الحاكم (بما ظهر له) لأنه محل اجتهاد. (وهكذا لو كان) الرهن (في يد المرتهن فتغيرت حاله) أي المرتهن (في الثقة) أي العدالة (والحفظ. فللراهن رفعه) أي الرهن (عن يده إلى الحاكم ليضعه) أي الرهن (في يد عدل) لدعاء الحاجة إلى ذلك. وإن اختلفا في تغير حال المرتهن بحث الحاكم وعمل بما ظهر له. كما تقدم في العدل (وإن مات العدل) والرهن بيده (أو) مات (المرتهن) والرهن بيده (لم يكن لورثتهما إمساكه) أي الرهن (إلا برضاهما) أي الراهن والمرتهن فيما إذا مات العدل. لأن المتراهنين لم يأمنا الورثة. وإن مات المرتهن والرهن بيده. لم يكن لورثته إمساكه إلا برضا الراهن لأن الراهن لم يرض بحفظهم. (فإن اتفقا عليه) أي على بقاء الرهن بيد ورثة العدل أو المرتهن جاز (أو) اتفقا (على عدل يضعانه) أي الرهن (عنده) حينئذ (فلهما ذلك) لأن الحق لا يعدوهما. (وإن اختلفا) أي الراهن والمرتهن (عند موت العدل) فيمن يضعانه عنده. (أو اختلف الراهن وورثة المرتهن) بعد موته فيمن يضعانه عنده (رفعا الامر إلى الحاكم ليضعه بيد عدل) قطعا للنزاع، (وإن أذن الراهن والمرتهن للعدل في البيع) وعينا له نقدا لم يخالفهما، لأنه وكيلهما (أو أذن الراهن للمرتهن فيه) أي في بيع الرهن (وعين) الراهن له (نقدا تعين) ذلك النقد. ولم يكن له مخالفته. لأنه وكيل (وإلا) بأن لم يعينا للعدل نقدا في الأولى، ولم يعين الراهن للمرتهن نقدا في الثانية. (لم يبع) العدل أو المرتهن (إلا بنقد البلد) لأن الحظ فيه (فإن كانت فيه نقود باع بأغلبها) رواجا (فإن تساوت) في الرواج (باع) الرهن (بجنس الدين) لأنه أقرب إلى وفاء الحق (فإن لم
403 يكن فيه) أي في نقد البلد (جنس الدين باع بما بدا أنه أصلح) لأن عليه الاحتياط فيما هو متوليه، كالحاكم. (فإن تساوت) في نظره (عين حاكم) له نقدا بيع به لأنه أعرف بالأحظ، وأبعد عن التهمة. (وإن اختلف الراهن والمرتهن على العدل فتعيين النقد لم يسمع العدل قول واحد منهما، ويرفع) العدل (الامر إلى الحاكم فيأمره) الحاكم (ببيعه بنقد البلد، سواء كان من جنس الحق أو لم يكن) من جنسه، وسواء (وافق قول أحدهما أو لا) لأن الحظ في ذلك. (وحكمه) أي حكم العدل أو المرتهن (في البيع) للرهن (حكم الوكيل في وجوب الاحتياط) على ما سيذكره في الوكالة، لأنه وكيل (و) حكمه أيضا. حكم الوكيل في (المنع من البيع، بدون ثمن المثل وغير ذلك) مما يأتي تفصيله. (لكن لا يبيع هنا نساء) أي حتى على القول بأن الوكيل يبيع نساء، لأن قرينة الحال هنا تخالفه. (ومتى خالف) العدل أو المرتهن (لزمه) في مخالفته (ما يلزم الوكيل المخالف) على ما يأتي. (وإن قبض) العدل (الثمن فتلف في يده من غير تعد ولا تفريط ويقبل قوله في تلفه) أي تلف الثمن. وفي نفي تعد وتفريط. لأنه أمين. (فمن ضمان الراهن) لأنه ملكه فيفوت عليه. وإن قال الراهن للعدل: ما قبضت الثمن من المشتري. فالقول قول العدل، لأنه أمين. فصل: (وإن استحق الرهن المبيع) أي خرج مستحقا، (رجع المشتري على الراهن) المبيع له. فالعهدة عليه كما لو باع بنفسه. وحينئذ لا رجوع له على العدل (إن أعلمه العدل أنه وكيل) لا يقال: يرجع المشتري على العدل، لكونه قبض الثمن بغير حق، لأنا نقول: إنما سلم إليه على أنه أمين في قبضه، يسلمه إلى المرتهن فلم يجب عليه ضمانه. (وإلا) بأن لم يعلم أنه وكيل (ف) - إنه يرجع (على العدل)، لأنه غره. (وهكذا كل وكيل باع مال غيره) ثم بان مستحقا (فإن علم المشتري بعد تلف الثمن في يد العدل رجع أيضا على
404 الراهن) بالثمن. (ولا شئ على العدل) حيث أعلم المشتري بالحال، لما تقدم. (فأما المرتهن فقد بان له أن عقد الرهن كان فاسدا) لكون الراهن رهنه ما لا يملك بغير إذن ربه. (فإن كان) الرهن (مشروطا في البيع ثبت له) أي للمرتهن (الخيار فيه) أي في البيع، لأن المشتري لم يوف له بشرطه. (وإلا) يكن الرهن مشروطا في البيع (سقط حقه) من الاستيثاق، ولم يملك المطالبة ببدله، لأن الرهن واجب.. وكذا حكم قرض. (وإن كان الراهن مفلسا حيا أو ميتا) وباع العدل الراهن وتلف ثمنه بيده، ثم ظهر مستحقا. (كان المرتهن والمشتري أسوة الغرماء) لأنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في الذمة. (وإن خرج) الرهن (مستحقا بعد دفع الثمن إلى المرتهن. رجع المشتري على المرتهن) بما قبضه لأنه صار إليه بغير حق. فكان رجوعه عليه، كما لو قبضه منه (وإن كان) الرهن ليس مستحقا لكن (المشتري رده بعيب. لم يرجع على المرتهن) لأنه قبضه بحق. (ولا على العدل) إن أعلمه أنه وكيل، لأنه أمين. (ويرجع) حينئذ (على الراهن) لأن الرهن ملكه، وعهدته عليه كما تقدم. (وإن كان العدل حين باعه) أي الرهن (لم يعلم المشتري أنه وكيل كان) للمشتري (الرجوع عليه) أي العدل لأنه غره (ويرجع هو) أي العدل (على الراهن) لأن قرار الضمان عليه لما تقدم (وإن أقر العدل بالعيب) في المبيع لأنه يقبل قوله فيما وكل فيه (أو ثبت) العيب (ببينة، وإن أنكر) العدل العيب (فقوله مع يمينه) لأن الأصل عدم العيب. جزم به في شرح المنتهى وغيره هنا، تبعا للمغني. لكنه نبه بعد ذلك على الخلاف في المسألة. وتقدم أن القول قول المشتري بيمينه، حيث احتمل حدوث العيب فلا يحتاج إلى إقرار العدل، ولا إلى بينة، ولا إلى تحليف العدل ثم فرع على الأول: (فإن نكل) العدل (فقضى عليه بالنكول، ورجع المشتري عليه) أي العدل، (لم يرجع العدل على الراهن. لأنه يقول إن المشتري ظلمه)، ولا يرجع المظلوم إلا على من ظلمه، أو تسبب في ظلمه. (وإن تلف المبيع في يد المشتري ثم
405 بان) المبيع (مستحقا قبل وزن ثمنه) أو بعده، (فللمغصوب منه تضمين من شاء من الغاصب) وهو الراهن. (والعدل والمرتهن والمشتري) ذكر معناه في المغني والكافي. وقال: لان كل واحد منهم قبض ماله بغير حق، انتهى. وهذا ظاهر إن وضع المرتهن يده عليه، وإلا فلا طلب عليه، كما يدل عليه تعليله. قال ابن نصر الله: إذ لا تعلق للمرتهن به، لأنه لم يقبضه ولا قبض ثمنه، فكيف يضمنه؟ (ويستقر الضمان على المشتري ولو لم يعلم) بالغصب (لأن التلف) حصل (في يده) ويرجع على الراهن بالثمن الذي أخذ منه، إن كان أخذه منه. وإذا باع العدل الرهن بيعا فاسدا وجب رده، فإن تعذر رده فللمرتهن تضمين من شاء من العدل والمشتري: أقل الأمرين من قيمة الرهن أو قدر الدين. لأنه يقبض ذلك مستوفيا لحقه، لأنه رهنه. فلم يكن له أكثر من دينه، وما بقي للراهن يرجع به على من شاء منهما، وإن وفى الراهن المرتهن رجع بقيمته على من شاء منهما. ويستقر الضمان على المشتري، لحصول التلف في يده. قاله في الكافي. (وإن ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر) المرتهن أخذه (ولم يكن) العدل (قضاه ببينة ولا حضور راهن ضمن) العد، لتفريطه في القضاء بغير بينة. (كما لو أمره) الراهن (بالاشهاد فلم يفعل) أي يشهد. (ولا يقبل قوله) أي العدل (عليهما) أي على الراهن والمرتهن (في تسليمه). أي الثمن (لمرتهن) أما كونه لا يقبل قوله وعلى الراهن فلأنه يدعي الدفع إلى غيره. وأما أنه لا يقبل قوله على المرتهن فلأنه إنما هو وكيله في الحفظ، لا في دفع الثمن إليه. (فيحلف مرتهن) أنه ما أخذ دينه مثلا. (ويرجع على أيهما شاء) أي على العدل أو الراهن. (فإن رجع) المرتهن (على العدل. لم يرجع العدل على أحد) لأنه يقر ببراءة ذمة الراهن، ويدعي أن المرتهن ظلمه. (وإن رجع) المرتهن (على راهن رجع) الراهن (على العدل) لتفريطه في القضاء بغير بينة. (وإن دفعه العدل) أي الثمن (إلى المرتهن بحضرة الراهن) لم يرجع الراهن عليه إذا أنكر المرتهن، وغرم، لأنه لا يعد مفرطا حينئذ. (أو) دفع العدل الثمن للمرتهن (ببينة. وسواء
406 كانت) البينة (حاضرة أو غائبة، حية أو ميتة، إن صدقه المرتهن) صوابه: الراهن. إذ لو صدق المرتهن لم يطالب بدينه. (لم يرجع) الراهن إذا أنكر المرتهن ورجع على الراهن (عليه) أي العدل، لأنه لا يعد مفرطا مع الاشهاد. وعلمنه: أن العدل لو ادعى القضاء بحضرة الراهن، أو أنه أشهد وغاب، أو مات شهوده وأنكر الراهن فقوله. لأن الأصل عدم ذلك. (ويأتي حكم الوكيل) في قضاء دين إذا أنكره المقضى في الوكالة، وأنه كالعدل في ذلك. (وإن غصب المرتهن الرهن من العدل ثم رده إليه. زال عنه الضمان) لأنه رده إلى وكيل الراهن في إمساكه. فأشبه ما لو أذن له في دفعه إليه. (ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدى) المرتهن فيه (ثم زال التعدي أو سافر) المرتهن (به)، أي الرهن (ثم رده) أي عاد به من السفر. (لم يزل عنه الضمان) كما لو صدر ذلك من العدل، لأن استئمانه زال بذلك. فلم يزل بفعله مع بقائه بيده، بخلاف ما قبلها. فإنه رده إلى يد نائب مالكه، وعلم من ذلك: أنه ليس له أن يسافر بالرهن مع القدرة على صاحبه. فإن فعل صار ضامنا بخلاف ما قالوه في الوديعة. قال المجد: ولعل الفرق أن الرهن يتعلق ببلده أحكام: من بيعه بنقده، وبيعه فيه لوفاء الدين، وغير ذلك. فلذلك تعين بقاؤه فيه عند حاكم أو ثقة. (وإذا استقرض ذمي من مسلم مالا، فرهنه خمرا، لم يصح سواء جعله في يد ذمي أو غيره) لأنها ليست مالا. (فإن باعها الراهن) الذمي (أو نائبه الذمي) من ذمي (وجاء المقرض بثمنها. لزمه قبوله. فإن أبى) قبوله (قيل له: إما أن تقبض، وإما أن تبرئ). لأن أهل الذمة إذا تقابضوا العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيحة. قال عمر في أهل الذمة معهم الخمور: ولوهم بيعها وخذوا ثمنها. (وإن جعلها) أي الخمر (في يد مسلم فباعها المسلم) ولو من ذمي (لم يجبر المرتهن على قبول الثمن) بل ولا يجوز له قبوله، لبطلان البيع وبقاء الثمن على ملك ربه، الأول. (وإن شرط) في الرهن (أن يبيع المرتهن أو العدل الرهن) عند حلول الحق (صح) شرطه، لأن ما صح توكيل غيرهما فيه صح توكيلهما فيه، كبيع عين أخرى. (ولم يؤثر) ذلك الشرط (فيه) أي في عقد الرهن فسادا، كسائر الشروط الصحيحة في سائر العقود. (وكذا كل شرط وافق مقتضى العقد) ولم ينافه، سواء كان العقد رهنا أو غيره. فلو أعاره شيئا ليرهنه
407 إلى أجل على دين حال. يعني أنه شرط على المرتهن أن لا يباع قبل الاجل المسمى، فرهنه على ذلك، صح الرهن عندي. وظاهر كلام القاضي في المجرد: أنه لا يصح. قاله المجد في شرح الهداية. (وإن عزلهما) الراهن، أي المرتهن أو العدل عن بيع الرهن (أو مات) الراهن (عزلا) لأن الوكالة عقد جائز، فلم يلزم المقام عليها. وسواء (علما) بعزله أو موته. (أو لم يعلما) ذلك. كسائر الوكلاء. (وإن أتلف الرهن في يد العدل أجنبي. فعلى المتلف بدله) أي مثل الرهن إن كان مثليا، وإلا فقيمته. (يكون رهنا في يده) أي العدل (بمجرد الاخذ) من المتلف، كبدل هدي وأضحية. (وله) أي للعدل (المطالبة به) أي بالبدل على المتلف، كالوديعة. لأن له ولاية حفظه. (فإن كان البدل من جنس الدين، وقد أذن) الراهن (له) أي العدل (في وفائه) أي الدين (من ثمن الرهن. ملك إيفاءه منه) أي من البدل من جنسه، لأنه كثمنه. وإن كان البدل من غير الجنس، فقياس المذهب: له بيعه، كنمائه على ما ذكره القاضي. وجزم به المصنف فيما تقدم. وفي الكافي: الصحيح لا، لأنه لم يؤذن له فيه. ولا هو تبع لما أذن فيه، بخلاف النماء. (وإن شرط) في الرهن (شرطا لا يقتضيه العقد، كالمحرم) من خمر أو خنزير ونحوهما، (و) شرط رهن (المجهول) و (المعدوم، وما لا يقدر على تسليمه) كآبق وشارد (ونحوه) مما لا يصح بيعه، (أو) شرط ما (ينافيه) أي ينافي مقتضى عقد الرهن. (نحو: أ) ن (لا يباع) الرهن (عند حلول الحق، أو لا يباع ما خيف تلفه) مما يسرع إليه الفساد ونحوه. (أو) شرط (بيعه بأي ثمن كان، أو) شرط أن (لا يبيعه إلا بما يرضيه، أو) أن (ينتفع به الراهن، أو) أن ينتفع به (المرتهن، أو) شرط (كونه مضمونا على المرتهن، أو) مضمونا على (العدل، أو) شرط أن (لا يقبضه، أو) شرط (إن جاءه) الراهن (بحقه في محله) أي أجله، (وإلا فالرهن له) أي المرتهن (بالدين أو) إن لم يأته بحقه، ( الراهن بمبيع له بالدين الذي له عليه) أي على الراهن. (أو) شرط الراهن أن المرتهن (لا يستوفي الدين من ثمنه، أو شرطا الخيار للراهن، أو) شرطا أن (لا يكون العقد لازما في
408 حقه) أي الراهن (أو) شرطا (توقيت الرهن) بأن قالا: هو رهن عشرة أيام. (أو) شرطا أن (يكون الرهن يوما) رهنا (ويوما لا) يكون رهنا، (أو) شرطا (كون الرهن في يد الراهن، فالشرط فاسد) لمنافاته مقتضى العقد. (والرهن صحيح) مع فساد الشرط. لحديث: لا يغلق الرهن. رواه الأثرم عن عبد الله بن جعفر. قال الامام: لا يدفع رهنا إلى رجل ويقول: إن جئتك بالدراهم إلى كذا وإلا فالرهن لك. ووجه الدليل منه: أنه (ص) نفى غلق الرهن دون أصله، فدل على صحته. وقيس عليه: سائر الشروط الفاسدة. (لكن إذا لم يكن) الرهن (مقبوضا) بيد المرتهن أو نائبه (ف) - هو (غير لازم) لأن شرط لزومه: قبضه، كما سبق. (و) لكن (إن كان) الرهن (مجهولا، أو) كان (محرما ونحوه) كالمعدوم وسائر ما لا يصح بيعه، مما لا يقدر على تسليمه ونحوه. (فباطل) لعدم حصول المقصود منه. وتقدم بعضه (وإذا رهنه أمة وشرط كونها عند امرأة. أو) عند (ذي) رحم (محرم لها) بنسب أو غيره، (أو) شرط (كونها في يد المرتهن، أو أجنبي على وجه لا يفضي إلى الخلوة بها، مثل أن يكون لهما) أي للأجنبي أو المرتهن (زوجات، أو سراري أو نساء من محارمهما معهما في دارهما. جاز) لأنه لا يفضي إلى الخلوة المحرمة بها. (وإن لم يكن كذلك) بأن لم يكن للمرتهن أو الأجنبي زوجات ولا سراري ولا نساء معهما في دارهما (فسد الشرط لافضائه إلى الخلوة المحرمة. ولا يفسد الرهن) لأنه لا يفضي إلى نقص ولا ضرر في حق المتعاقدين. (ويجعلها) أي الأمة المرهونة (الحاكم) حينئذ (على يد من يجوز أن تكون عنده) من امرأة أو محرم، أو أمين له زوجات أو سراري، أو محارم على وجه لا يفضي إلى الخلوة المحرمة. (وإن كان مرتهن العبد امرأة لا زوج لها. فشرطت كونه عندها على وجه يفضي إلى خلوته بها). بأن لم يكن معها محرم ولا زوج (لم يجز أيضا) لافضائه المحرمة. ويجعله الحاكم عند أمين. (وإن قال الغريم: رهنتك عبدي هذا على أن تزيد لي في الاجل) بأن كان الدين مؤجلا إلى رجب، ورهنه على أن يمده إلى رمضان مثلا (كان) الرهن (باطلا) لان
409 الاجل لا يثبت في الدين إلا أن يكون مشروطا في عقد وجب به. وإذا لم يثبت الاجل فسد الرهن، لأنه في مقابلته. (وإن فسد الرهن وقبضه المرتهن. فلا ضمان عليه) إن تلف بيده. لما ذكره من أن فاسد العقود كصحيحها في الضمان وعدمه، والرهن الصحيح غير مضمون، ففاسد كذلك. (وكل عقد كان صحيحا مضمونا) كالبيع (أو غير مضمون) كالإجارة (ففاسده كذلك)، أي كصحيحه في الضمان وعدمه. (فإن كان) الرهن (مؤقتا) فهو فاسد، جزم به في الكافي، وظاهر ما قدمه في المغني والمبدع: صحته، كما هو مقتضى كلام المصنف أولا (أو شرط أنه) أي الرهن (يصير للمرتهن بعد انقضاء مدته. صار بعد ذلك) أي بعد انقضاء مدته (مضمونا. لأنه مقبوض بحكم بيع فاسد) جزم به في المغني وغيره. قال في القواعد الفقهية: والمنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحسين بن هارون: أنه لا يضمنه بحال. ذكره القاضي في الخلاف، لأن الشرط فسد، فيصير وجوده كعدمه. (وحكم الفاسد من العقود: حكم الصحيح في الضمان) فالمبيع بعقد صحيح مضمون. فكذا المقبوض ببيع فاسد كما سبق. فصل: (وإذا اختلفا) أي الراهن والمرتهن (في قدر الدين الذي به الرهن، نحو أن يقول الراهن: رهنتك عبدي هذا بألف. فقال المرتهن: بل بألفين) فقول راهن بيمينه، سواء اتفقا على أن الدين ألفان، (أو) اختلفا (في قدر الرهن، نحو أن يقول) الراهن (رهنتك هذا. فقال المرتهن: وهذا أيضا. فقول راهن
410 بيمينه، أو) اختلفا في (رده) أي رد الرهن، بأن قال المرتهن: رددته إليك. وأنكر الراهن، فقول بيمينه. وتقدم (أو قال) الراهن (رهنتك ب) - الدين (المؤجل من الألفين. فقال) المرتهن (بل) رهنتنيه (بالحال) منهما. فقول الراهن بيمينه (أو قال) الراهن: رهنتكه (ببعض الدين)، أي بنصفه أو ربعه ونحوه (فقال المرتهن: بل بكله) أي الدين. فقول الراهن بيمينه (أو قال) الراهن (أقبضتك عصيرا في عقد شرط فيه رهنه) بأن باعه بشرط أن يرهنه هذا العصير وأقبضه إياه، ثم وجده خمرا. فقال الراهن: أقبضتكه عصيرا أو تخمر عندك، فلا فسخ لك، لأني وفيت بالشرط. (فقال) المرتهن (بل) أقبضتنيه (خمرا) فلي الفسخ، لعدم الوفاء بالشرط. فقول راهن (أو اختلفا في عين الرهن نحو رهنتك هذا) العبد (فقال المرتهن: بل هذا) العبد (فقول الراهن مع يمينه) لأنه منكر، والأصل عدم ما أنكره. ولان القول قوله في أصل العقد. فكذلك في صفته. (وإن اختلفا) أي الراهن والمرتهن (في تلف العين) المرهونة، (أو) اختلفا (في قيمتها حيث لزمت) القيمة (المرتهن) لتلف العين المرهونة بتعديه أو تفريطه، (فقوله) أي قول المرتهن بيمينه. أما في تلف العين فلأنه أمين وأما في قيمتها حيث لزمته فلأنه غارم. (وإن أبرأه) أي الراهن (المرتهن من أحد الدينين) اللذين له عليه، (واختلفا في تعيينه) أي الدين المبرأ منه (فقول مرتهن) وهو المبرئ لأنه أدرى بما صدر منه. وتقدم (وإن قال) الراهن (رهنتك هذا العبد، فقال) المرتهن (بل هذه الجارية. خرج العبد من الرهن) لاقرار المرتهن بأنه ليس رهنا (وحلف الراهن أنه ما رهنه الجارية. وخرجت) الجارية (من الرهن أيضا) لأن القول قوله في عدم رهنها. لأنه الأصل. (وإن ادعى المرتهن أنه قبضه) أي الرهن (منه) أي الراهن، وأنكره الراهن، (قبل قوله) أي المرتهن (إن كان) الرهن (بيده) أنه قبضه، عملا بظاهر اليد. وإلا فقول راهن. (ولو كان بيد رجل عبد. فقال) لرجل (آخر: رهنتني عبدك هذا بألف. فقال) مالكه (بل غصبتنيه. أو) قال (هو وديعة عندك أو عارية، فقول السيد، سواء اعترف السيد بالدين أو جحده) لأن الأصل عدم الرهن.
411 (ولو قال) المرتهن (أرسلت وكيلك فرهن عندي هذا على ألفين قبضهما مني. فقال) الراهن (ما أذنت له إلا في رهنه بألف. فإن صدق الرسول الراهن حلف الرسول ما رهنه إلا بألف، ولا قبض إلا ألفا. ولا يمين على الراهن). لأن الدعوى على غيره. (فإذا حلف الوكيل برئا جميعا، أي الرسول والراهن. وإن نكل) الرسول عن اليمين وقضى عليه بالنكول، (فعليه الألف المختلف فيه. ولا يرجع به على أحد) لأنه يدعي أن المرتهن ظلمه. ولا يرجع الانسان بظلامته إلا على من ظلمه أو تسبب في ظلمه. (وإن صدق) الرسول (المرتهن. فقول الراهن مع يمينه) أنه وصله ألف فقط. ولم يأذنه في غيرها. (فإن نكل) الراهن عن اليمين (قضى عليه بالألف. ويدفع) الألف (إلى المرتهن)، ولا يرجع به على الرسول. (وإن حلف) الراهن (برئ) من الألف (وعلى الرسول الألف). لأنه أقر بقبضها. (ويبقى الرهن بالألف. وإن عدم الوكيل أو تعذر إحلافه) لنحو أسر أو مرض، (فعلى الراهن اليمين: أنه ما أذن في رهنه إلا بألف، ولا قبض أكثر منه. وبقي الرهن بألف) لأنه منكر للزائد. (ولو قال: رهنتك عبدي الذي بيدك بألف. فقال) ذو اليد (بل بعتنيه بها. أو قال) المالك (بعتكه) أي العبد (به) أي بالألف، (فقال) ذو اليد (بل رهنتنيه) به (ولا بينة) لواحد منهما (حلف كل منهما على نفي ما ادعى عليه به) لأنه ينكره، والأصل عدمه. (وسقط) ما ادعى به كل منهما على الآخر، يحلف كل على نفيه. (ويأخذ الراهن رهنه. ويبقى الألف بلا رهن) ومن نكل منهما قضى عليه بالنكول. فإن نكلا صرفهما، على قياس ما تقدم في اختلاف المتبايعين. (وكل أمين يقبل قوله في الرد) كالوديع والوكيل والوصي بغير جعل (فطلب منه) الرد (فليس له تأخيره أي الرد (حتى يشهد عليه) لعدم الحاجة إلى ذلك. (ولو
412 قلنا: يحلف) إذ لا ضرر في الحلف صادقا (وكذا مستعير ونحوه) ممن لا يقبل قوله في الرد، كمرتهن ووكيل بجعل، (لا حجة) أي بينة (عليه) إذا طلب منه الرد ليس له تأخيره حتى يشهد، لتمكنه من الإجابة، بنحو: لاحق له قبلي. (وإن كان عليه) أي على المستعير ونحوه (حجة. فله تأخيره) حتى يشهد (كدين بحجة) له تأخيره حتى يشهد، لدعاء الحاجة إلى ذلك. (فإذا قبض الوديعة ببينة دفعها ببينة) بناء على رواية: أنه إذا قبض الوديعة ببينة لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة. والمذهب: يقبل قوله في ردها بيمينه. وإن قبضها ببينة، كما يأتي في الوديعة. فعلى هذا إذا طلبت منه لزمه دفعها، ولا يؤخره ليشهد، كما تقدم. (ولا يلزمه) أي من له دين أو عارية ونحوها بوثيقة (دفع الوثيقة) إلى خصمه. (بل) يلزمه (الاشهاد بأخذه) أي أخذ الدين ونحوه، لأنها ملكه. والغرض يحصل بالاشهاد بأخذه. (قال قي الترغيب: لا يجوز للحاكم إلزامه به) أي بدفع الوثيقة، لما تقدم. (وكذا الحكم في تسليم بائع كتاب ابتياعه إلى مشتر) أي لا يلزم البائع ذلك. (ويأتي) ذلك (آخر الوكالة. وإن أقر الراهن أنه أعتق العبد) المرهون (قبل رهنه، وكذبه المرتهن. عتق) العبد، لأن السيد غير متهم في الاقرار بعتقه، لأنه لو أعتقه نفذ عتقه. فكذا إذا أخبر به، لأن كل من صح منه إنشاء عقد صح منه الاقرار به. (وأخذت منه) أي من الراهن (قيمته إن كان موسرا وجعلت) القيمة (رهنا) مكانه، (كما لو باشر عتقه) لأنه فوت عليه الوثيقة بالاقرار بالعتق، فلزمته القيمة، تجعل مكانه، جبرا لما فاته من الوثيقة. وإن كان معسرا. فعلى ما سبق من التفصيل. (وإن أقر) الراهن (أنه) أي الرهن (كان جنى) قبل الرهن، (أو أنه) كان (باعه، أو) كان (غصبه) قبل الرهن، (قبل) إقرار الراهن (على نفسه) إذ لا عذر لمن أقر (ولم يقبل) إقراره (على المرتهن)، لأنه متهم في حقه. وقول الانسان على غيره غير مقبول. (إلا أن يصدقه) أي الراهن المرتهن، فيبطل الرهن. لوجود المقتضى السالم عن المعارض (ويلزم المرتهن اليمين) إذا طلب منه (أنه ما يعلم) صدق (ذلك) الذي أقر به الراهن. (فإن نكل) المرتهن عن اليمين (قضى عليه) بالنكول، لما يأتي في بابه.
413 فصل: (وإذا كان) الرهن (مركوبا أو محلوبا. فله) أي المرتهن (أن يركب ويحلب حيوانا، ولو أمة مرضعة بغير إذن راهن بقدر نفقته نصا) من رواية محمد بن الحكم وأحمد بن القاسم. لحديث أبي هريرة: أن النبي (ص) قال: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا. ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة رواه البخاري لا يقال: المراد به أن الراهن ينفق وينتفع، لأنه مدفوع بما روى: إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها فجعل المرتهن هو المنفق. فيكون هو المنتفع. وقوله: بنفقته أي بسببها إذ الانتفاع عوض النفقة. وذلك إنما يأتي من المرتهن. أما الراهن فإنفاقه وانتفاعه ليسا بسبب الركوب والشرب، بل بسبب الملك. ويكون المرتهن (متحريا للعدل في ذلك) أي في كون الركوب والحلب بقدر النفقة، لئلا يحيف على الراهن. (وسواء أنفق) المرتهن (مع تعذر النفقة من الراهن ب) - سبب (غيبة أو امتناع) أو غيرهما، (أو) أنفق (من القدرة على أخذ النفقة منه) أي الراهن (أو استئذانه) لعموم الخبر. (ولا ينهكه) أي المحلوب والمركوب بالحلب والركوب لما فيه من الضرر به. (فإن فضل) عن النفقة (من اللبن شئ باعه المأذون) له من مرتهن أو غيره. لقيامه مقام المالك. (وإلا) بأن لم يأذن الراهن لاحد في بيعه (باعه الحاكم) لقيامه مقامه، إذ لو تركه لفسد. (وإن فضل من النفقة شئ) بأن لم يف اللبن والركوب بها (رجع) المرتهن (به على راهن) إن نوى الرجوع عليه. لأنه قام عنه بواجب. وللمرتهن الرجوع في هذه الصورة إذا نوى الرجوع. (وإن لم يرجع إذا أنفق على الراهن في غير هذه الصورة في ظاهر كلامهم) هذا
414 معنى كلامه في الانصاف، نقلا عن الزركشي. (وإن كان) المرتهن (متطوعا) بما فضل عن النفقة (لم يرجع) بشئ (ولا يجوز للمرتهن أن يتصرف في) الرهن (غير المركوب والمحلوب. فلا ينفق على العبد والأمة ويستخدمهما بقدر النفقة) قصرا للنص على مورده. (و) يجوز (للمرتهن أن ينتفع بالرهن بإذن راهن مجانا) أي بغير عوض وبعوض، (ولو بمحاباة) في الأجرة. لأنه كالانتفاع به بغير عوض. (ما لم يكن الدين قرضا) فلا ينتفع به المرتهن. ولو أذن الراهن مجانا أو بمحاباة لأنه يصير قرضا جر نفعا. تنبيه: فر المصنف هنا - كأكثر الأصحاب - بين القرض وغيره من الديون. وتقدم في القرض: أن كل غريم كالمقترض في الهدية ونحوها. فمقتضاه: عدم الفرق هناك وذكر صاحب المستوعب: أن في غير القرض روايتين، فيكون المصنف كصاحب المنتهى مشي في كل باب على رواية. (وإن استأجره) أي الرهن (المرتهن أو استعاره) المرتهن (لم يخرج) المرهون (بذلك عن الرهن) خلافا للقاضي، (لأن القبض مستدام) بيده. ولا تنافي بين العقدين. (لكن يصير) الرهن (في العارية مضمونا) بالانتفاع وتقدم. (وإن انتفع) المرتهن بالرهن (بغير إذن الراهن. فعليه أجرته) في ذمته كالغاصب. فإن كانت من جنس الدين سقط منه بقدرها بالمقاصة بشرطها. (وإن تلف الرهن ضمنه) المرتهن (لتعديه) بانتفاعه به بغير إذن ربه، كالوديعة. (وإن أنفق) المرتهن (على الرهن بغير إذن راهن مع إمكانه) أي قدرته على استئذانه، (ف) - هو (متبرع. ولو نوى الرجوع) لأنه مفرط، حيث لم يستأذن المالك. إذ الرجوع فيه معنى المعاوضة. فافتقر إلى الاذن والرضا، كسائر المعاوضات. (وإن عجز) المرتهن (عن استئذانه) أي المالك لنحو غيبة (رجع) المرتهن عليه. لأنه قام عنه بواجب، وهو محتاج إليه لحرمة حقه. (بالأقل مما أنفقه ونفقة مثله). فإن كانت نفقة مثله خمسة، وأنفق أربعة، رجع بالأربعة، لأنها التي أنفقها. وإن كانت بالعكس رجع أيضا بالأربعة. لأن الزائد على نفقة المثل تبرع. (إذا نوى الرجوع) فإن لم ينوه فهو متبرع لا رجوع له. وله الرجوع في هذه الحالة. (ولو قدر على استئذان حاكم،
415 ولم يستأذنه ولم يشهد) أنه ينفق ليرجع على الراهن، لما تقدم. (وكذا) أي مثل حكم النفقة على الرهن حكم النفقة على (وديعة) وعارية (وجمال ونحوها) كبغال وحمير، (إذا هرب صاحبها وتركها في يد مكتر) وأنفق عليها فإن كان بنية الرجوع رجع، وإلا فلا. (وتأتي هذه) أي مسألة هرب الجمال ونحوه (في الإجارة) قال في الهداية وغيرها: وكذلك الحكم إذا مات العبد المرهون فكفنه، (وإن انهدت الدار) المرهونة (فعمرها المرتهن بغير إذن الراهن لم يرجع) المرتهن (به) أي بما أنفقه في عمارتها. لأنه ليس بواجب على الراهن، بخلاف نفقة الحيوان. (ولو نوى) المرتهن (الرجوع لكن له) أي المرتهن (أخذ أعيان آلته) لأنها عين ماله. لم تخرج عن ملكه. وكذا مستأجر ومستعير ووديع. فصل: (وإن جنى الرهن كالعبد جناية موجبة للمال) كالخطأ وشبه العمد. (على بدن أو مال تستغرق) جنايته (قيمته) أي قيمة الرهن (تعلق أرشها برقبته) أي برقبة الجاني. (وقدمت على حق المرتهن) قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، ومعناه في المغني: لأنها مقدمة على حق المالك. والملك أقوى من الرهن. فأولى أن تقدم على الرهن. لا يقال: حق المرتهن مقدم أيضا على حق المالك، لأن حق المرتهن ثبت من جهة المالك بعقده، بخلاف حق الجناية، فإنه ثبت بغير اختياره مقدما على حقه. فقدم على ما ثبت بعقد ولان حق الجناية يختص بالعين فيسقط بفواتها. وحق المرتهن لا يسقط بفوات العين، ولا يختص بها، فكان تعلقه بها أحق وأولى. (وخير سيده
416 بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته) لأنه إن كان الأرش أقل فالمجني عليه لا يستحق أكثر من أرش جنايته. وإن كانت القيمة أقل فلا يلزم السيد أكثر منها، لأن ما يدفعه عوض عن العبد، فلا يلزمه أكثر من قيمته كما لو أتلفه. (ويبقى الرهن بحاله) لأن حق المرتهن قائم لوجود سببه. وإنما قدم حق المجني عليه لقوته. فإذا زال ظهر حق المرتهن. (وبين بيعه) أي الجاني (في الجناية أو تسليمه إلى ولي الجناية، فيملكه ويبطل الرهن فيهما). أي فيما إذا باعه أو سلمه لوليها. لأن الجناية تعلقت بالعبد وبالبيع فيها، أو تسليمه لوليها، استقر كونه عوضا عنها. فبطل كونه محلا للرهن. (فإن لم يستغرق الأرش قيمته) أي قيمة العبد (بيع منه) أي من العبد (بقدره) أي الأرش. لأن بيعه إنما جاز ضرورة، فيتقيد بقدر الحق. (وباقيه) أي العبد رهن لزوال المعارض. (فإن تعذر بيع بعضه) أي العبد (بيع كله) للضرورة. وكذا إن نقصت قيمته بتشقص. (ويكون باقي ثمنه رهنا) مكانه (وإن فداه) أي الجاني (مرتهن بإذن راهن غير متبرع) بفدائه (رجع به) أي بفدائه لأدائه بإذن مالكه كما لو قضى عنه دينه بإذنه. (وإلا) بأن لم يكن بإذن مالكه. (لم يرجع. ولو نوى الرجوع، حتى ولو تعذر استئذانه. لأن المالك لم يجب عليه الافتداء هنا) بخلاف النفقة عليه. وكذا لا يرجع إذا كان بإذن المالك ونوى التبرع. (فإن فداه) أي الجاني (المرتهن، وشرط) المرتهن (أن يكون) الجاني (رهنا بالفداء مع الدين الأول. لم يصح) ذلك، لأن العبد مرهون بدين. فلم يجز رهنه بآخر. (كما لو رهنه) أي المرهون (بدين سوى هذا) الفداء، لأن المشغول لا يشغل. (وإن كانت جنايته) أي المرهون (موجبة للقصاص في النفس. فلوليها استيفاؤه) أي القصاص (فإن اقتص) منه وليها (بطل الرهن كما لو تلف) الرهن (وإن كانت) الجناية (في طرف اقتص منه. وبقي الرهن في باقيه) لزوال المعارض (ولو عفا) ولي الجناية (على مال تعلق) ذلك المال (برقبة العبد) الجاني (وصار كالجناية الموجبة للمال) على ما تقدم. (ويأتي
417 حكم جنايته) أي العبد (عمدا أو خطأ في) باب (مقادير الديات بأتم من هذا) مفصلا (وإن جنى المرهون بإذن سيده، وكان) المرهون (يعلم تحريم الجناية. وأنه لا يجب عليه قبول ذلك) الامر (من سيده، فكالجناية بغير إذنه) على ما سبق تفصيله. (وإن كان) المرهون (صبيا أو أعجميا لا يعلم ذلك) أي تحريم الجناية، وأنه لا يجب عليه قبول ذلك من سيده. (فالجاني هو السيد) والعبد كالآلة. و (يتعلق به) أي بالسيد أي بذمته (موجب الجناية. ولا يباع العبد فيها) لعدم تعلقها برقبته. (موسرا كان السيد أو معسرا) كما لو باشر السيد القتل. (وحكم إقرار العبد بالجناية حكم إقرار غير المرهون) على ما يأتي تفصيله في الحجر والاقرار. (وإن جنى عليه) أي المرهون (جناية موجبة للقصاص أو غيره) أي مال (فالخصم سيده) لأنه المالك له. والأرش الواجب بالجناية ملكه. وإنما للمرتهن فيه حق الوثيقة. (فإن أخر) السيد (المطالبة لغيبة أو عذر من) نحو مرض أو (غيره. فللمرتهن المطالبة) لأن حقه متعلق بموجبها. كما لو كان الجاني سيده. (ويأتي آخر الوديعة بعض ذلك. ولسيده) أي سيد المرهون المجني عليه عمدا (القصاص بإذن مرتهن وبدونه) أي بدون إذن المرتهن. (إن أعطاه) أي السيد (ما يكون رهنا) مكانه، لتعلق حقه به. وللسيد أيضا العفو على مال. ويتعلق به حق الراهن والمرتهن، ويجب من غالب نقد البلد، كقيم المتلفات. فلو أراد الراهن أن يصالح عنها أو يأخذ عنها عوضا. لم يجز إلا بإذن المرتهن، وما قبض منه جعل رهنا، لأنه بدل عنه، فيعطي حكمه. قاله في المبدع. (فإن اقتص) سيد المرهون من الجاني عليه (في نفس أو دونها) فعليه قيمة أقلهما، تجعل رهنا مكانه، لأنه أتلف ما لا استحق بسبب إتلاف الرهن، فغرم قيمته، كما لو كانت الجناية موجبة للمال. وإنما وجب أقل القيمتين لأن حق المرتهن تعلق بالمالية، والواجب من المال هو أقل القيمتين. فعلى هذا: لو كان الرهن يساوي عشرة والجاني خمسة، أو بالعكس. لم يكن عليه إلا الخمسة. (أو عفا) السيد عن الجاني (على مال فعليه) أي السيد (قيمة أقلهما) أي الجاني والمجني عليه (قيمة تجعل رهنا مكانه) أي مكان الرهن لما تقدم.
418 (وإن كانت الجناية) من الرهن (على سيد العبد) المرهون. (فإن كانت) الجناية (إتلاف مال، أو) كانت إتلاف نفس، لكن (موجبة للمال. فهي هدر)، لأنه مال لسيده. فلا يثبت له مال، كما لو لم يكن رهنا. (وإن كانت) الجناية على سيده (موجبة للقود وكانت) الجناية (على ما دون النفس وعفا السيد على مال، أو) عفا على (غير مال سقط. القصاص) للعفو. (ولم يجب المال) لما تقدم (وإن اقتص) السيد (فعليه) أي السيد (قيمته) لأنه فوته على المرتهن (تكون رهنا مكانه) إن كان الدين مؤجلا (أو قضاء عن الدين) إن كان الدين حالا. لأنه يخرجه عن كونه رهنا باختياره. فكان عليه بدله، كما لو أعتقه. (وكذلك إن كانت الجناية على النفس فاقتص الورثة) من المرهون الجاني. (وتجب عليهم القيمة) فعليه قيمته تكون رهنا مكانه، أو قضاء عن الدين. (وليس لهم) أي للورثة (العفو على مال فإن عفوا) على مال أو عفا بعضهم، (فعلى ما ذكرناه) يسقط القصاص للعفو والمال. لأنه لو وجب لكان لهم. ولا يجب للانسان في ماله مال. (وإن جنى العبد المرهون على عبد سيده، فإن لم يكن) المجني عليه (مرهونا فكالجناية على طرف سيده) إن أوجبت مالا فهدر، وإن أوجبت قصاصا فلسيده القصاص بإذن مرتهن، أو إعطائه ما يكون رهنا مكانه. وبدونهما عليه قيمة أقلهما رهنا مكانه. وإن كانت الجناية على مورث سيده، وكانت على طرفه أو ماله، فكأجنبي. وله القصاص إن كانت موجبة له، والعفو على مال وغيره. فإن انتقل ذلك إلى السيد بموت المستحق، فله ما لمورثه من القصاص والعفو على مال. لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، فجاز إن ثبت بها مالا يثبت في الابتداء. وإن كانت على نفسه بالقتل ثبت الحكم لسيده. وله أن يقتص فيما يوجب القصاص، ومكاتب السيد كولده، وتعجيزه كموت ولده. (وإن كان) المجني عليه (مرهونا عند مرتهن القاتل والجناية موجبة للقصاص) بأن كانت عمدا محضا. (فإن اقتص السيد بطل الرهن في المجني عليه) كما لو مات حتف أنفه. (وعليه قيمة المقتص منه) لأنه فوته على المرتهن بغير إذنه. (وإن عفا) السيد (على مال، أو كانت) الجناية (موجبة للمال)
419 بأن كانت خطأ، أو شبه عمد. (وكانا) أي الجاني والمجني عليه (رهنا بحق واحد. فجنايته هدر) لأن الحق متعلق بكل واحد منهما. فإذا قتل أحدهما بقي الحق متعلقا بالآخر، كما لو مات حتف أنفه. (وإن كان كل واحد منهما) أي الجاني والمجني عليه (رهنا بحق منفرد فإن كان الحقان سواء) من جنس أو جنسين (و) كانت (قيمتهما سواء. فالجناية هدر) لأنه لا فائدة في اعتبارها. وتعلق دين المقتول برقبة القاتل. ذكره في الكافي. (وإن اختلف الحقان واتفق القيمتان، مثل أن يكون دين أحدهما مائة ودين الآخر مائتين، وقيمة كل واحد منهما مائة. فإن كان دين القاتل أكثر) وهو المائتان، (لم ينقل إلى دين المقتول) لعدم الفائدة. (وإن كان دين المقتول أكثر) بأن كان مرهونا بالمائتين، (نقل) دينه وهو المائتان (إلى القاتل بحاله) فيصير رهنا بالمائتين، (ولا يباع) القاتل. لأنه لا فائدة فيه، بل إذا حلت المائتان. (وإن اتفق الدينان واختلف القيمتان بأن يكون دين كل واحد منهما مائة... و) يكون (قيمة أحدهما مائة والآخر مائتين، فإن كانت قيمة المقتول أكثر بقي بحاله) لأنه لا غرض في النقل. (وإن كانت قيمة الجاني أكثر، بيع منه بقدر جنايته، يكون رهنا بدين المجني عليه، والباقي) منه (رهن بدينه. وإن اتفقا) أي الراهن والمرتهن (على تبقيته) أي القاتل (ونقل الدين) أي دين المقتول ( إليه. صار) القاتل (مرهونا بهما) أي بدين القاتل والمقتول. (فإن حل أحد الدينين بيع بكل حال) لأنه إن كان دينه المعجل بيع ليستوفي من ثمنه، وما بقي منه رهن بالدين الآخر. وإن كان المعجل الآخر بيع ليستوفي منه بقدره، والباقي رهن بدينه. (وإن اختلف الدينان والقيمتان، كأن يكون أحد الدينين خمسين والآخر ثمانين، و) تكون (قيمة أحدهما مائة، و) قيمة (الآخر مائتين. فإن كان دين المقتول أكثر نقل إليه) أي إلى القاتل، (وإلا) يكن أكثر
420 (فلا) ينقل إليه لما تقدم، (وأما إذا كان) العبد (المجني عليه رهنا عند غير مرتهن القاتل، واقتص السيد) من القاتل (بطل الرهن في المجني عليه) لأن الجناية عليه لم توجب مالا يجعل رهنا مكانه. (وعليه) أي السيد (قيمة) العبد (المقتص منه تكون رهنا) مكانه، لأنه أبطل حق الوثيقة فيه باختياره. (وإن عفا) السيد (على مال) صارت الجناية كالجناية الموجبة للمال، و (ثبت المال) المعفو عليه، (في رقبة العبد) الجاني، لأن السيد لو جنى على العبد لوجب أرش جنايته لحق المرتهن. فبأن يثبت على عبده أولى (فإن كان الأرش لا يستغرق قيمته) أي العبد (بيع منه بقدر الأرش يكون رهنا عند مرتهن المجني عليه. وباقيه) أي للعبد (رهن عند مرتهنه) لخلوه عن المعارض. (وإن لم يمكن بيع بعضه بيع كله) للضرورة. (وقسم ثمنه بينهما على حسب ذلك) فقدر الأرش من ثمنه. (يكون رهنا) عند مرتهن المجني عليه، وباقيه رهن عند مرتهنه. (وإن كان) الأرش (يستغرق قيمته نقل الجاني فجعل رهنا عند) المرتهن (الآخر) لما سبق. ولا يباع حتى يحل دينه. (وإن أقر رجل بالجناية على الرهن فكذبه الراهن والمرتهن. فلا شئ لهما) لتكذيبهما له. (وإن كذبه المرتهن وصدقه الراهن فله) أي الراهن (الأرش، ولا حق للمرتهن فيه) لاقراره بذلك. (وإن صدقه) أي المقر (المرتهن وحده) وكذبه لسيد (تعلق حقه) أي المرتهن (بالأرش) لما تقدم. (وله) أي المرتهن (قبضه) أي الأرش (فإذا قضى الراهن الحق أو أبرأه المرتهن) منه (رجع الأرش إلى الجاني) لاقرار السيد له بذلك. (ولا شئ للراهن فيه) لما تقدم (وإن استوفى) المرتهن (حقه من الأرش لم يملك الجاني مطالبة الراهن) بما استوفاه المرتهن من الأرش. (لأنه) أي الجاني (مقر له) أي للراهن (باستحقاقه) الأرش (وإن كان الرهن أمة فضرب بطنها فألقت جنينا. فما وجب فيه) من عشر قيمة أمه إن سقط ميتا، أو قيمته إن سقط حيا لوقت يعيش لمثله،
421 ثم مات. (وأخذ) من الضارب (فهو رهن معها) لأنه بدل عن الجنين التابع لها في الرهن. (وإن كانت) المرهونة (بهيمة) فضربت فألقت ولدها ميتا من الضربة (ففيه) أي في ولدها (ما نقصها لا غير) لما يأتي: من أن في جنين دابة ما نقص أمه. ويكون المأخوذ رهنا معها كسائر أرش الجنايات. (وإن كانت الجناية) على الرهن (موجبة للمال، فما قبض منه) أي من المال (جعل) رهنا (مكانه) أي مكان المرهون، لقيامه مقامه. (فإن عفا السيد) الراهن (عن المال. صح في حقه) لأنه يملكه (ولم يصح في حق المرتهن) لأن الراهن لا يملكه. (فيؤخذ من الجاني الأرش فيدفع إلى المرتهن) لتعلق حقه به. (فإذا انفك الرهن بأداء راهن أو إبراء) مرتهن (رد) المرتهن (إلى الجاني ما أخذ منه) من الأرش، لأنه لا مستحق له غيره. (وإن استوفاه) أي استوفى المرتهن دينه (من الأرش) الذي أبرأ الراهن الجاني منه (رجع جان على راهن) لأن ماله ذهب في قضاء دينه. فلزمه غرامته كما لو استعاره فرهنه. (وإن وطئ المرتهن الجارية المرهونة من غير شبهة. فعليه الحد) لأنه حرام إجماعا. إذ لا نكاح، ولا ملك ولا شبهة (و) عليه أيضا (المهر) لأنه استوفى المنفعة المملوكة لسيدها بغير إذنه. فكان عليه عوضها، كأرش البكارة. (وولده رقيق) لأنه لا ملك له فيها. ولا شبهة ملك، أشبه الأجنبي. وهو ملك. (للراهن رهنا مع أمه) لأنه من جملة نماء الرهن. (وإن وطئها) مرتهن (بإذن راهن، وادعى الجهالة، وكان مثله يجهل ذلك، كمن نشأ ببادية، أو) كان (حديث عهد بإسلام. فلا حد عليه) لأن ذلك شبهة يدرأ بها الحد. (ولا مهر) عليه، لأنه يجب للسيد بسبب الوطئ. وقد أذن فيه. أشبه ما لو أتلفها بإذنه. (وولده حر) للشبهة (لا يلزمه قيمته) بخلاف المغرور، لأنه حدث من وطئ مأذون فيه كالمهر. (وإن كان) المرتهن (عالما بتحريمه) أي الوطئ المأذون له فيه من الراهن. (فلا مهر) لما تقدم (وعليه الحد. وولده رقيق) لانتفاء الشبهة. (وإن وطئها) المرتهن (من غير إذن راهن جاهلا التحريم فلا حد) عليه،
422 (وولده حر) للشبهة. (وعليه) أي المرتهن (الفداء) فيفديه بقيمته يوم الولادة، لأنه فوته على الراهن باعتقاده الحرية. (و) عليه (المهر) أيضا لما تقدم. (وله) أي للمرتهن (بيع رهن جهل ربه إن أيس من معرفته والصدقة بثمنه بشرط، ضمانه) لربه أو وارثه إذا عرفه. فإذا عرفهم خيرهم بين الاجر أو يغرم لهم. قال في الاختيارات: وليس لصاحبه إذا عرف رد المعاوضة. لثبوت الولاية عليها شرعا، انتهى. وظاهر كلامه: بيعه ولو بلا إذن حاكم. وهو مقتضى كلام الحارث. وقدم في الرعاية الكبرى: ليس له بيعه بغير إذن حاكم. قال في تصحيح الفروع: الصواب استئذان الحاكم في بيعه، إن كان أمينا. (ولا يستوفي) المرتهن (حقه) من الثمن الذي باع به الرهن (نصا) وظاهره: ولو عجز عن إذن الحاكم. وهو أحد وجهين أطلقهما في الفروع. قال في تصحيح الفروع: والصواب أن الحاكم إذا عدم، يجوز له أخذ قدر حقه من ثمنه. (وعنه: بلى) أي له أخذ حقه من ثمنه، (ولو باعها) أي العين المرهونة (الحاكم ووفاه) من ثمنها (جاز)، لأن الحاكم له ولاية مال الغائب. (ويأتي في) باب (الغصب: لو بقيت في يده غصوب ونحوها) كعوار أو أمانات (لا يعرف أربابها) فيدفعها إلى الحاكم أو يبيعها ويتصدق بثمنها. باب الضمان والكفالة وما يتعلق بهما (الضمان) مشتق من الضم. قدمه في المغني والشرح والفائق وغيرهما. ورد بأن لام الكلمة في الضم ميم وفي الضمان نون. وأجيب: بأنه من الاشتقاق الأكبر. وهو المشاركة في أكثر الأصول مع ملاحظة المعنى. وقال القاضي: مشتق من التضمن، لان ذمة الضامن تتضمن الحق. وقال ابن عقيل: من الضمن فذمة الضامن في ضمن ذمة المضمون عنه. وشرعا (التزام من يصح تبرعه) وهو الحر غير المحجور عليه. (أو) التزام (مفلس برضاهما) أي من يصح تبرعه، والمفلس (ما) أي دينا (وجب) على غيره، (أو) ما
423 (يجب على غيره مع بقائه) أي ما وجب أو يجب (عليه) أي على الغير. وهو ثابت بإجماع. وسنده: قوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير، وأنا به زعيم) * <ع 1 <قال ابن عباس: الزعيم: الكفيل وقوله (ص): الزعيم غارم، رواه أبو داود والترمذي وحسنه. (غير ضمان مسلم) أو كافر (جزيته) فلا يصح، ولو بعد الحول. لأنها إذا أخذت من الضامن فات الصغار المضمون عنه. (و) غير (كفالته) أي كفالة مسلم وكذا كفالة كافر. (من هي) أي الجزية (عليه) فلا تصح الكفالة ولو بعد الحول، لفوات الصغار إذا استوفيت من الكفيل (فلا يصح) أي الضمان ولا الكفالة (فيهما) أي في جزية وجبت ولا جزية ستجب كما تقدم. (ويصح) الضمان (بلفظ) أنا (ضمين وكفيل، وقبيل، وحميل، وصبير، وزعيم) بما عليه. يقال: قبل به، بكسر الباء. فهو قبيل، وحمل به حمالة فهو حميل. وزعم به يزعم - بالضم - زعما. وصبر يصبر - بالضم - صبرا. وصبارة: بمعنى واحد. وهو معنى كفيل. (و) يصح الضمان أيضا بلفظ (ضمنت دينك أو تحملته، وضمنت إيصاله، أو هو) أي دينك (علي ونحوه) من كل ما يؤدي معنى التزامه ما عليه. (فإن قال) شخص (أنا أؤدي) ما عليه (أو) أنا (أحضر) ما عليه (لم يصر ضامنا) بذلك، لأنه وعد، وليس بالتزام. (وقال الشيخ: قياس المذهب يصح) الضمان (بكل لفظ فهم منه الضمان عرفا. مثل) قوله: (زوجه، وأنا أؤدي الصداق، أو) قوله: (بعه وأنا أعطيك الثمن، أو) قوله: (اتركه ولا تطالبه، وأنا أعطيك) ما عليه (ونحو ذلك) مما يؤدي هذا لمعنى. لأن الشرع لم يحد ذلك بحد. فرجع إلى العرف، كالحرز والقبض. (وإن ضمن) إنسان (وهو) أي الضامن (مريض مرضا غير مخوف) كصداع وحمى يسيرين. ولو صار مخرفا ومات به، (أو) وهو مريض مرضا (مخوفا ولم يتصل به الموت. ف) - هو (كالصحيح) كسائر تبرعاته. وإن كان الضامن وقت الضمان مريضا مرض الموت المخوف. حسب ما ضمنه من ثلثه لأنه تبرع. فهو كسائر تبرعاته
424 وكالوصية. وقياس المريض كذلك: من باللجة عند الهيجان، أو وقع الطاعون ببلده ونحوهما ممن ألحق بالمريض مرض الموت المخوف كما سيأتي في عطية المريض. (ويصح الضمان من أخرس بإشارة مفهومة) كسائر تصرفاته. لأنها كاللفظ في الدلالة على المراد. (ولا يثبت) الضمان (بكتابته) أي الأخرس حال كونها (منفردة عن إشارة يفهم بها) عنه (أنه قصد الضمان، لأنه قد يكتب عبثا أو تجربة قلم) فلا يكون ضامنا بالاحتمال. (ومن لا تفهم إشارته) من الخرس (ولا يصح ضمانه) أي أن يضمن غيره، ولو بكتابة. لما تقدم من أنه قد يكتب عبثا أو تجربة قلم. فليست صريحة. (وكذلك) أي كالضمان (سائر تصرفاته) فتصح بإشارة مفهومة، لا بكتابة مفردة عن إشارة يفهم بها المقصود، ولا ممن ليس له إشارة مفهومة، وتأتي صحة الوصية والطلاق والاقرار بالكتابة. (ولصاحب الحق: مطالبة من شاء منهما) أي من المضمون عنه والضامن (لثبوته) أي الحق (في ذمتيهما جميعا) فلا يبرأ المضمون عنه بمجرد الضمان كما يبرأ المحيل. بل يثبت الحق في ذمتيهما جميعا، لصحة هبته لهما. ولان الكفيل لو قال: تكفلت بالمطالبة دون أصل الدين، لم يصح اتفاق ذكره في المبدع. (و) لصاحب الحق أيضا (مطالبتهما) أي المضمون عنه والضامن (معا في الحياة والموت. ولو كان المضمون عنه) مليئا (باذلا) للدين لما تقدم. وقوله (ص): الزعيم غارم (فإن أحال رب الحق) على المضمون عنه بدينه، برئ الضامن. (أو أحيل) أي أحاله المضمون عنه بدينه برئ، الضامن (أو زال العقد) بأن انفسخ البيع الذي ضمن فيه الثمن، أو انفسخت الإجارة وقد ضمن الأجرة. (برئ الضامن) بغير خلاف نعلمه، لأنه تبع له. والضمان وثيقة، فإذا برئ الأصل زالت الوثيقة، قاله المبدع. (و) برئ (الكفيل، وبطل الرهن إن كان) هناك رهن لما تقدم. وإن ورث الدين لم يبرأ ضامن ولا كفيل. ولم يبطل رهن. (فإن برئ المضمون عنه) بأداء أو إبراء حوالة (برئ الضامن) لأنه فرعه كما سبق. (وإن برئ الضامن) لم يبرأ المضمون عنه، لأنه أصل. فلا يبرأ ببراءة التبع. (أو أقر)
425 المضمون له (ببراءته) أي الضامن (كقوله) أي رب الحق للضامن (برئت من الدين، أو أبرأتك) منه (لم يكن) رب الحق (مقرا بالقبض) للدين (ولم يبرأ مضمون عنه) لأصالته. فلا يبرأ ببراءة تبعه. (و) القائل للضامن (برئت إلي من الدين: مقر بقبضه) لأنه أقر ببراءته بفعل واصل إليه. وذلك لا يكون إلا بقبضه. (و) قول رب الحق للضامن (وهبتك الحق: تمليك له. فيرجع) الضامن بالدين (على مضمون) ويأخذه منه، لأن ربه ملكه له (ويصح أن يضمن الحق عن) المدين (الواحد اثنان فأكثر، سواء ضمن كل واحد جميعه) أي الدين (أو جزءا) معلوما (منه) لأن ما جاز ثبوته في ذمة اثنين جاز ثبوته في ذمة أكثر منهما. (فإن قالا: كل واحد منا ضامن لك الألف) الذي عليه (فهو) أي قولهما (ضمان اشتراك في انفراد) لأنهما اشتركا في الضمان. وكل واحد ضامن من الدين منفرد بضمانه (له) أي لرب الحق (مطالبتهما معا بالألف. و) له (مطالبة أحدهما به) لثبوته في ذمة كل منهما كاملا. (فإن قضاه) أي الألف (أحدهما لم يرجع) القاضي بالألف (إلا على المضمون عنه) لأنه الأصل. (فإن أبرأ) رب الحق (المضمون عنه برئ الجميع) لأنهم تبعه. (وإن أبرأ) رب الحق (أحد الضامنين برئ وحده) دون المضمون عنه، لأنه أصله، ودون الضامن الثاني. لأنه ليس تبعا لرفيقه. (وإن ضمن أحدهما) أي أحد الضامنين (صاحبه لم يصح) ضمانه له. لأن الحق ثبت في ذمته بضمانه الأصل، فهو أصل. فلا يجوز أن يصير فرعا. (وإن قالا: ضمنا لك الألف، فهو بينهما بالحصص) أي نصفين (فكل واحد منهما ضامن لحصته)، وهي النصف من الألف. لأن مقتضى الشركة التسوية (ولو تكفل ب) - بدن المدين (الواحد اثنان) فأكثر، (صح) ذلك كالضمان (ويصح أن يتكفل كل واحد من الكفيلين ب) بدن الكفيل (الآخر)، لأن الكفالة بالبدن لا بما في ذمته، بخلاف الضمان. (فلو سلمه أحدهما) أي الكفيلين (برئ) الذي سلمه منه، (وبرئ كفيله به) من كفالته برفيقه. لبراءة الفرع ببراءة أصله. و (لا) يبرأ كفيله (من إحضار المكفول) لأنه لم يسلمه. ولم يبرئه رب الحق، ولا برئ أصله. (وإن كفل
426 المكفول به) وهو المدين (الكفيل. لم يصح) ذلك، لأنه أصل. فلا يجوز أن يصير فرعا. (وإن كفل) المكفول (به) أي بالكفيل (في غيره) أي غير ما كفله فيه، بأن كان على الكفيل دين فكفله المكفول به لربه، (صح) ذلك لعدم المانع (ولو ضمن ذمي عن ذمي خمرا. فأسلم المضمون له أو المضمون عنه. برئ) المضمون عنه (هو والضامن) معا. لأن مالية الخمر بطلت في حق من أسلم. فإن كان هو المضمون له لم يملك مطالبة المضمون عنه. ولا الضامن لأنه تبع لأصله. وإن كان الذي أسلم هو المضمون عنه، فإنه لا يجوز وجوب خمر على مسلم والضامن فرعه. (وإن أسلم الضام) في خمر (برئ وحده) لما تقدم (ولا يصح) الضمان (إلا من جائز التصرف) أي ممن يصح تصرفه في ماله. لأنه إيجاب مال بعقد. فلم يصح من غير جائز التصرف كالبيع، رجلا كان أو امرأة. (إلا المحجور عليه لفلس. فيصح ضمانه) لأنه تصرف في ذمته، وهو أهل له. (ويتبع) به (بعد فك الحجر عنه) كسائر ديونه التي في ذمته الثابتة بعد الحجر. إذا تقرر أنه لا يصح إلا من جائز التصرف. (فلا يصح) ضمان (من مجنون ولا مبرسم ولا صبي ولو مميزا) لعدم صحة تصرفهم. (فلو ضمن) شخص شخصا (وقال) الضامن (كان) الضمان (قبل بلوغي. وقال خصمه) وهو المضمون له، (بل) كان الضمان (بعده) أي بعد البلوغ. (فالقول قول المضمون له) لأنه يدعي سلامة العقد. وهي الأصل. (وتقدم مثله في الخيار في البيع) فيما إذا ادعى أحد المتبايعين ما يفسد العقد، وأنكره الآخر: القول قول المنكر. (وكذا لو ادعى) الضامن (الجنون) وقت الضمان وأنكره خصمه. فالقول قوله. (ولو عرف له حال جنون) لأن الأصل سلامة العقد. (ولا يصح) الضمان (من سفيه) لعدم صحة تصرفه. (ولا) يصح الضمان (من عبد بغير إذن سيده. ولو كان مأذونا له في التجارة) لأنه عقد تضمن إيجاب مال. فلم يصح بغير إذن السيد كالنكاح. (ويصح) ضمان العبد (بإذنه) أي إذن سيده، لأنه لو أذن له في التصرف لصح. فكذا هنا. (ويتعلق) ما ضمنه العبد بإذن سيده (بذمة السيد) كاستدانة (فإن أذن) السيد (له في الضمان فيكون القضاء من المال الذي في يده. صح) ذلك، (ويكون ما في ذمته متعلقا بالمال الذي
427 في يد العبد، كتعلق حق الجناية برقبة) العبد (الجاني) لأنه إنما التزمه كذلك. (كما لو قال الحر: ضمنت لك هذا الدين على أن تأخذ) ما ضمنته (من مالي هذا، صح) ذلك. ويكون متعلقا بالمال الذي عينه كتعلق أرش الجناية برقبة الجاني. فعلى هذا: إذا تلف المال سقط الضمان. وإن أتلفه متلف تعلق الضمان ببدله، (ولا يصح ضمان المكاتب) بأن يضمن إنسانا (لغيره بغير إذن سيده) لأنه تبرع (كالقن) إذا ضمن بغير إذن سيده. فإذا أذن له صح. ويؤخذ مما بيد مكاتب. (ولا يصح) الضمان (إلا برضا الضامن) فلا يصح ضمان المكره، لأنه التزام مال. فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر، (ولا يعتبر) لصحة الضمان (رضا المضمون له) لأن أبا قتادة ضمن الميت بغير رضا المضمون له وأقر الشارع (ص). (ولا) رضا (المضمون عنه) قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه. لحديث أبي قتادة، ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح. فكذا إذا ضمن عنه (ولا) يعتبر أيضا (معرفة الضامن لهما) أي للمضمون له والمضمون عنه. لأنه لا يعتبر رضاهما. فكذا معرفتهما. (ولا) يعتبر (كون الحق معلوما) لأنه التزام حق في الذمة من غير معاوضة. فصح في المجهول كالاقرار. (ولا) كون الحق (واجبا إذا كان مآله) أي الحق (إلى العلم والوجوب) فيصح ضمان ما لم يجب إذا آل إلى الوجوب. لقوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير، وأنا به زعيم) * فدلت الآية على ضمان حمل البعير، مع أنه لم يكن وجب. لا يقال: الضمان ضم ذمة إلى ذمة. فإذا لم يكن على المضمون عنه شئ فلا ضم، لأنه قد ضم ذمته إلى ذمة المضمون عنه في أنه يلزمه ما يلزمه. ويثبت في ذمته ما يثبت وهذا كاف. (فلو قال ضمنت لك ما على فلان) صح (أو) قال (ما على فلان علي) أو عندي ونحوه صح. وهذه من أمثلة المجهول فيها (أو) قال: ضمنت لك (ما تداينه به) صح. وهو من أمثلة ما يؤول إلى الوجوب. (أو) قال: ضمنت لك (ما يقر لك به) فلان، صح. (أو ما تقوم) لك (به البينة) عليه (أو ما يخرجه الحساب بينكما ونحوه) كضمنت لك ما يقضي به عليه (صح) ذلك. وهذه من أمثلة المجهول أيضا. (ومنه) أي من ضمان ما يجب (ضمان السوق. وهو أن
428 يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقبضه من عين مضمونة له، قاله الشيخ، وقال) الشيخ: (وتجوز كتابته والشهادة به لمن لم ير جوازه. لأنه محل اجتهاد). قال: وأما الشهادة على العقود المحرمة على وجه الإعانة عليها، فحرام. (واختار) الشيخ (صحة ضمان حارس ونحوه. وتجار حرب ما يذهب من البلد أو البحر، وإن غايته ضمان ما لم يجب وضمان المجهول، كضمان السوق. وهو أن يضمن الضامن ما يجب على التجار للناس من الديون، وهو جائز عند أكثر العلماء. كمالك وأبي حنيفة وأحمد. وقال) الشيخ أيضا: (الطائفة الواحدة الممتنعة من أهل الحرب التي ينصر بعضهم بعضا: تجري مجرى الشخص الواحد في معاهداتهم. وإذا شورطوا على أن تجارهم يدخلون دار الاسلام بشرط أ) ن (لا يأخذوا للمسلمين شيئا، وما أخذوه كانوا ضامنين له. والمضمون يؤخذ من أموال التجار، جاز ذلك. ويجب على ولي الأمر إذا أخذوا مالا) ل (لتجار المسلمين أن يطالبهم بما ضمنوه ويحبسهم على ذلك ك) - سائر (الحقوق الواجبة. انتهى) واقتصر عليه في المبدع وغيره. (ولا تصح الكفالة ببعض الدين مبهما) كجزء منه، أو حظ، أو شئ. لأنه مجهول لا يؤول إلى العلم. (ولا) تصح الكفالة (بدين السلم. وتقدم) ذلك (في بابه) موضحا (وإن قال) إنسان (ما أعطيته) فلانا (فهو علي، ولا قرينة) تدل على إرادة ما أعطاه في الماضي، أو ما يعطيه في المستقبل (فهو لما وجب في الماضي) حملا للفظ على حقيقته. إذ هي المتبادرة منه، (وله) أي الضامن ما لم يجب (إبطال الضمان) فيما يؤول للوجوب (قبل وجوبه) لعدم اشتغال ذمته.
429 فصل: (ويصح ضمان دين الضامن نحو أن يضمن الضامن) ضامن (آخر) لأنه دين لازم في ذمته فصح ضمانه. كسائر الديون. (فيثبت الحق في ذمم الثلاثة أيهم قضاه برئت ذممهم كلها) لأنه حق واحد. فإذا سقط لم يجب مرة أخرى. (وإن أبرأ الغريم المضمون عنه برئ الضامنان) لأنهما تبعه فيبرءان ببراءته. (وإن أبرأ) الغريم (الضامن الأول برئ الضامنان) الأول لإبراء الغريم له. والثاني لأنه فرعه. (ولم يبرأ المضمون عنه) لأنه أصل. فلا يبرأ ببراءة فرعه. (وإن أبرأ) الغريم الضامن (الثاني برئ وحده) دون الأول والمضمون عنه. لأنهما أصله. (ومتى حصلت براءة الذمة بالابراء) من الغريم (فلا رجوع فيها) أي البراءة. فإذا أبرأ المضمون له الضامن. لم يرجع الضامن على المضمون عنه بشئ. (والكفالة كالضمان في هذا المعنى) لأنها في معنى الضمان (ويصح ضمان دين الميت ولو غير مفلس). لأن أبا قتادة ضمن دين الميت (ولا تبرأ ذمته) أي الميت من الدين (قبل القضاء) لقوله (ص): نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. ولما أخبر أبو قتادة النبي (ص) بوفاء الدينارين قال: الآن بردت عليه جلدته رواه أحمد. ولأنه وثيقة بدين. فلم يسقط قبل القضاء كالرهن. (و) يصح (ضمان كل دين صح أخذ الرهن به) مما تقدم. وإذا ضمن الضامن آخر (فإن أدى الدين الضامن الأول) بنية الرجوع (رجع على المضمون عنه) لأنه قام عنه بواجب (وإن أداه) الضامن (الثاني، وهو ضامن الضامن، رجع على الضامن الأول) لأنه أصله. (وهو) أي ثم يرجع الضامن الأول بعد أدائه للثاني (على الأصيل) وهو
430 المضمون عنه، لقيامه عنه بواجب كما تقدم (ويصح ضمان المهر قبل الدخول)، لأنه يؤول إلى الوجوب، بل وجب بالعقد، ولكنه يستقر بالدخول. (و) يصح ضمان المهر (بعده) أي بعد الدخول لاستقراره، (ولو) كان ضمان المهر (عن ابنه الصغير ك) - ابنه (الكبير) أو أجنبي. لأنه دين واجب، أو يؤول إليه. (و) يصح (ضمان عهدة بائع لمشتر، بأن يضمن) الضامن (عنه) أي عن البائع (الثمن متى خرج المبيع مستحقا، أو رد) ه المبيع (بعيب، أو) يضمن (أرش العيب. و) يصح ضمان العهدة (عن مشتر لبائع، بأن يضمن الثمن الواجب تسليمه، أو) يضمن الثمن (إن ظهر به عيب أو استحق، فضمان العهدة في الموضعين ضمان الثمن) كله، (أو بعضه عن أحدهما للآخر) وهو صحيح عند جماهير العلماء، لأن الحاجة تدعو إلى الوثيقة. وهي ثلاثة: الشهادة، والرهن، والضمان. فالأولى لا يستوفى منها الحق، والثانية: ممنوعة، لأنه لا يلزم حبس الرهن إلى أن يؤدى، وهو غير معلوم، فيؤدي إلى حبسه أبدا. فلم يبق غير الضمان، ولأنه لو لم يصح لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف، وفيه ضرر عظيم رافع لأصل الحكمة التي شرع البيع من أجلها. (وألفاظ ضمان العهدة: ضمنت عهدته، أو ثمنه، أو دركه، أو يقول) الضامن (للمشتري: ضمنت خلاصك منه، أو متى خرج المبيع مستحقا فقد ضمنت لك الثمن). فلو ضمن خلاص المبيع، فقال أحمد: لا يحل، واختاره أبو بكر لأنه إذا خرج حرا أو مستحقا لم يستطع خلاصه. (ولو بنى المشتري) في عقار اشتراه وضمن له آخر دركه ثم ظهر العقار مستحقا (فنقضه المستحق، فالانقاض للمشتري) لأنها أعيان ماله (ويرجع بقيمة التالف على البائع) لأنه غره. وقيده الشيخ التقي في موضع بما إذا كان عالما وإلا فلا تغرير. (ويدخل) ما يغرمه المشتري من قيمة التالف. وكذا لو أخذ منه الأجرة (في ضمان العهدة في حق ضامنها) فللمشتري الطلب بما غرمه من ذلك على الضامن للعهدة. (ولو خاف المشتري فساد البيع بغير استحقاق المبيع) كدعوى البائع صغرا أو إكراها أو نحوهما، (أو) خاف أحدهما (كون العوض معيبا، أو شك) المشتري (في كمال الصنجة) التي تسلم بها المبيع، وكذا المكيال.
431 (أو) شك البائع في (جودة جنس الثمن. فضمن) الضامن (ذلك صريحا. صح) ضمانه له (كضمان العهدة) لأنه يرجع إليه (ويصح ضمان نقص الصنجة ونحوها) كالمكيال. (ويرجع) القابض بما نقص. وإذا اختلفا في قدر النقص أخذ (بقوله مع يمينه) لأنه منكر لقبض ما ادعاه خصمه، والأصل عدمه، وإن باعه شيئا بشرط ضمان دركه إلا من زيد، ثم ضمن دركه منه أيضا لم يعد صحيحا، ذكره في الانتصار. وجزم به في المنتهى. (وولد المقبوض على وجه السوم كهو) أي كالمقبوض على وجه السوم في الضمان وعدمه، على التفصيل الآتي لأنه فرعه. (ولا يصح ضمان دين الكتابة) لأنه ليس بلازم ولا مآله إلى اللزوم. لأن المكاتب له تعجيز نفسه والامتناع من الأداء. فإذا لم يلزم الأصل فالفرع أولى. (ولا) يصح أيضا (ضمان الأمانات كالوديعة والعين المؤجرة، و) مال (الشركة والمضاربة، والعين المدفوعة إلى الخياط والقصار ونحوها). لأنها غير مضمونة على من هي في يده، فكذا على ضامنه. وفي عيون المسائل: لأنه لا يلزمه إحضارها، وإنما على المالك أن يقصد الموضع فيقبضها. (إلا أن يضمن التعدي فيها) أي الأمانات. فيصح الضمان، لأنها إذن مضمونة على من هي في يده، أشبهت الغصوب. (ويصح ضمان الأعيان المضمونة، كالغصوب والعواري، والمقبوض على وجه السوم من بيع) أي البيع، (وإجارة) لأنها مضمونة على من هي في يده. كالحقوق الثابتة في الذمة، وضمانها في الحقيقة ضمان استنقاذها وردها أو قيمتها عند تلفها. فهي كعهدة المبيع. (فلو ضمن) الضامن (مقبوضا على وجه سوم) صح، وذلك (بأن يساوم) المضمون عنه (إنسانا على عين ويقطع ثمنها) أو أجرتها (أو لم يقطعه، ثم يأخذها ليريها أهله فإن رضوها) أخذها (وإلا ردها) لربها. فإذا قبضه كذلك (ضمنه) أي ضمن القابض المقبوض على وجه السوم (إذا تلف) فيهما مطلقا. لأنه مقبوض على وجه البدل والعوض. فهو كمقبوض بعقد فاسد. (وصح ضمانه فيهما) أي في البيع والإجارة لما سبق. (إلا إن أخذه) أي أخذ إنسان شيئا (بإذن ربه ليريه) الآخذ (أهله فإن رضوه أخذه وإلا رده من غير مساومة ولا قطع ثمن. فلا يضمنه) الآخذ (إذا تلف بغير تفريط) لأنه ليس مقبوضا على وجه سوم، لعدم السوم. (ولا
432 يصح ضمانه) لأنه أمانة إلا أن يضمن التعدي فيه على ما سبق. (قال الشيخ: لو تغيب مضمون عنه، أطلقه) الشيخ (في موضع وقيده) الشيخ (في) موضع (آخر: بقادر على الوفاء. فأمسك) رب الحق (الضامن وغرم) الضامن (شيئا بسبب ذلك) أي تغيب المضمون عنه، (وأنفقه) الضامن (في الحبس. رجع) الضامن (به) أي بما غرمه وأنفقه في الحبس (على المضمون عنه). قال في الانصاف: وهو الصواب الذي لا يعدل عنه، انتهى. لأنه تسبب في غرمه. لكن قال في شرح المنتهى: إذا ضمنه بإذنه، وإلا فلم يتسبب في ظلمه. (ويأتي) ذلك (أول) باب (الحجر) موضحا (ويصح ضمان الجعل في الجعالة. و) الجعل (في المسابقة. و) الجعل (في المناضلة)، ولو قبل العمل (لأنه) أي الجعل (يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل لا ضمان العمل فيها). أي في الجعالة والمسابقة والمناضلة. لأنه لا يؤول إلى اللزوم. (ويصح ضمان أرش الجناية، نقودا كانت) الأروش (كقيم المتلفات، أو حيوانا كالديات) لأنها واجبة أو تؤول إلى الوجوب. (ويصح ضمان نفقة الزوجة، مستقبلة كانت أو ماضية) لما تقدم. (ويلزمه) أي الضامن (ما يلزم الزوج) على ما يأتي (ولو زاد على نفقة المعسر) من نفقة الموسر أو المتوسط، لأنه فرعه. وقال القاضي: إذا ضمن النفقة المستقبلة لزمه نفقة المعسر، لأن الزيادة على ذلك تسقط بالاعسار. فصل: (وإن قضى الضامن الدين أو أحال) الضامن (به)، أي بالدين (متبرعا لم يرجع) الضامن (بشئ) سواء (ضمنه بإذنه أو بغير إذنه) لأنه متطوع بذلك، أشبه الصدقة. (و) إن قضاه الضامن وأحال به (ناويا الرجوع يرجع)
433 على المضمون عنه، لأنه قضاء مبرئ من دين واجب. فكان من ضمان من هو عليه، كالحاكم إذا قضاه عنه امتناعه، فكان له الرجوع. وسواء قبض الغريم من المحال عليه أو أبرأه أو تعذر عليه الاستيفاء، لفلس أو مطل، لأن نفس الحوالة كالاقباض. (ولو كان الضمان والقضاء) بغير إذن المضمون عنه (أو) كان (أحدهما) أي القضاء أو الضمان (بغير إذن المضمون عنه). وأجاب في المغني والشرح عن قضية أبي قتادة رضي الله عنه: بأنه تبرع بالضمان والقضاء، قصدا لتبرئة ذمته، أي الميت ليصلي (ص) عليه، مع علمه بأنه لم يترك وفاء. (وإن لم ينو) حال القضاء أو الحوالة (رجوعا ولا تبرعا، بل ذهل عن قصد الرجوع وعدمه. لم يرجع) الضامن على المضمون عنه بشئ كالمتبرع، لعدم قصده الرجوع. (وكذا حكم من أدى عن غيره دينا واجبا) كفيلا كان أو أجنبيا إن نوى الرجوع رجع، وإلا فلا. (لا) من أدى (زكاة ونحوها) كنذر وكفارة وكل ما افتقر إلى نية، فلا رجوع له ولو نوى الرجوع، لأنه لا يبرأ المدفوع عنه بذلك لعدم النية منه. (ويرجع الضامن) وكل من أدى عن غيره دينا واجبا بنية الرجوع حيث قلنا يرجع (بأقل الامرين مما قضى) به الدين. (حتى قيمة عرض عوضه) لرب الدين (به، أو قدر الدين) لأنه إن كان الأقل الدين فالزائد لم يكن واجبا عليه، فهو متبرع بأدائه. وإن كان المقضي أقل إنما يرجع بما غرم. ولهذا لو أبرأه غريمه لم يرجع بشئ. (وللضامن مطالبة المضمون عنه بتخليصه قبل الأداء إذا طولب به)، أي الدين (إن كان ضمن بإذنه) لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه. فلزمه تخليصها كما لو استعار عبده فرهنه بإذنه. فإن عليه تخليصه إذا طلبه ربه. (وإلا) بأن لم يطالبه أو كان ضمنه بغير إذنه، (فلا) يلزمه تخليصه. إذا لم يأذن له، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه. وإن أذن له ولم يطالبه رب الحق فلا ضرر عليه يزيله. (لكن إن أدى) الضامن (الدين) بنية الرجوع (فله) أي الضامن (المطالبة) على المضمون عنه (بما أدى) عنه لما سبق، (وإذا كان له ألف على رجلين، على كل واحد منهما نصفه) أي الألف أصالة، (وكل واحد منهما) أي من الرجلين (ضامن عن صاحبه) ما عليه (فأبرأ
434 الغريم أحدهما من الألف برئ منه)، أي من الألف. لأن الابراء صادف ما عليه أصالة وضمانا. (وبرئ صاحبه من ضمانه) لبراءة الأصل، فيبرأ الفرع. (وبقي عليه) أي على صاحبه (خمسمائة) وهي ما كان عليه أصالة، لأنه لم يوجد ما يسقطها عنه. (وإن قضاه) أي رب الحق (أحدهما)، أي أحد الرجلين (خمسمائة أو أبرأه) أي أحدهما (الغريم منها)، أي من خمسمائة. (وعين) الذي قضى (القضاء) أو عين المبرئ ما أبرأ منه (بلفظه) بأن قال: هذا قضاء عن الأصل أو الضمان (أو) عينه ب (- نية) بأن نواه (عن الأصل أو الضمان انصرف إليه) أي إلى ما عينه من الأصل أو الضمان، كمن وجبت عليه زكاة نصابين وأدى قدر زكاة أحدهما وعينه. (وإن أطلق) القاضي أو المبرئ اللفظ والنية، فلم يعينهما. (صرفه) أي ما قضاه أو أبرأ منه (إلى ما شاء منهما) أي من الأصل والضمان (كما تقدم) في الرهن والزكاة إذا وجبت عليه النصابين. (والمعتبر في القضاء: لفظ القضاء ونيته) وصرفه (وفي الابراء لفظ المبرئ ونيته) وصرفه كما تقدم. ومتى اختلفوا في ذلك فالقول قول من اعتبر لفظه ونيته وصرفه. لأنه أدرى بما صدر منه. (وإن ادعى ألفا على حاضر وغائب، وأن كلا منهما ضامن عن صاحبه) ما عليه، (فإن اعترف الحاضر بذلك) أي أن عليهما الألف وبالضمان، (فله) أي للمدعي (أخذ الألف منه) لاعترافه له به أصالة وضمانا. (فإذا قدم الغائب واعترف) بذلك (رجع عليه صاحبه بنصفه) الذي أداه عنه إن نوى الرجوع، (وإن أنكر) الغائب ذلك (فقوله مع يمينه) مع عدم البينة، لأن الأصل براءته. (وإن كان الحاضر أنكر) ذلك (فقوله مع يمينه) لحديث: البينة على المدعي واليمين على من أنكر. (فإن قامت عليه بينة) بالدعوى (فاستوفى) المدعي (الألف منه. لم يرجع) الغارم (على الغائب بشئ) لاقراره أن لا حق عليهما. وإنما المدعي ظلمه، (فإن اعترف الغائب) بما عليه، (ورجع الحاضر عن إنكاره فله)
435 أي للحاضر (الاستيفاء منه) أي الرجوع على الغائب بما غرمه عنه. لأنه يدعي عليه حقا يعترف له به. (وإن لم تقم على الحاضر بينة) بما ادعى عليه من الألف أصالة وضمانا. (حلف) لأنه منكر (وبرئ) أي انقطعت الخصومة بينه وبين المدعي. فإذا قدم الغائب، فإن أنكر ما كان ادعى به عليه من الأصالة والضمان. وحلف، لأنه منكر برئ أي انقطعت الخصومة معه، (وإن اعترف) بالدعوى (لزمه دفع الألف) مؤاخذة له باعترافه، ولا رجوع له على الحاضر إلا ببينة، أو إقرار من الحاضر بعد. (وإن ادعى الضامن: أنه قضى الدين) عن المضمون (وأنكر المضمون له) ذلك. (ولا بينة) للضامن بالقضاء (وحلف) المضمون له أن الضامن لم يقضه، (لم يرجع ضامن على مضمون عنه) ولو أذنه، لأنه لم يأذنه إلا في قضاء مبرئ، ولم يوجد. وللمضمون له مطالبة الضامن والأصيل. (ولو صدقه) أي صدق المضمون عنه الضامن، لأن المانع من الرجوع تفريط الضامن، حيث إنه قضى بغير بينة. وذلك مشترك بين التصديق والتكذيب. فإن استوفى مضمون له الحق بعد ذلك من الضامن، رجع على المضمون عنه بما قضاه عنه ثانيا، لبراءة ذمته به ظاهرا، قاله القاضي، ورجحه في المغني والشرح، وفيه وجه. ويرجع بالأول للبراءة به باطنا. (إلا أن يكون) قضاء الضامن الدين (بحضرته) أي حضرة المضمون عنه. فللضامن الرجوع على المضمون عنه، لأنه هو المفرط بترك الاشهاد. (أو) إلا أن القضاء ب (- إشهاد) بأن أشهد الضامن بينة عادلة، فله الرجوع. (ولو مات الشهود أو غابوا إن صدقه المضمون عنه) أنه أشهد، (أو ثبت) لأن الضامن لم يقصر ولم يفرط، وإن كانت البينة مردودة بأمر ظاهر، كالكفر والفسق الظاهر. لم يرجع الضامن مطلقا لتفريطه. وإن ردت بأمر خفي كالفسق الباطن، أو لكون الشهادة مختلفا فيها كشهادة العبيد، فاحتمالان، وكذا شاهد واحد. (وإن اعترف المضمون له بالقضاء) أي الاستيفاء من الضامن، (وأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره) لأن ما في ذمته حق المضمون له. فإذا اعترف بالقبض من الضامن فقد اعترف بأن الحق الذي له صار للضامن. فيجب أن
436 يقبل إقراره لكونه إقرارا في حق نفسه. (وإن قضى) الضامن (الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع) على المضمون عنه (حتى يحل) أجله، لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل. فلم يرجع قبل الاجل، كما لو قضاه أكثر من الدين. (وإن مات المضمون عنه أو الضامن. لم يحل الدين) لأن التأجيل حق من حقوق الميت. فلم يبطل بموته كسائر حقوقه. (وإن ماتا) أي الضامن والمضمون عنه. (فكذلك) أي لم يحل الدين لما تقدم. و (إن وثق الورثة) برهن يحرز، أو كفيل ملئ بأقل الامرين من الدين أو التركة. (وإلا) بأن لم توثق الورثة (حل) الدين لما يأتي في الحجر. (ويصح ضمان الحال مؤجلا) نص عليه. لحديث رواه ابن ماجة عن ابن عباس مرفوعا، ولأنه التزمه مؤجلا بعقد، فكان مؤجلا كالبيع. لا يقال: الحال لا يتأجل. وكيف يثبت في ذمتيهما مختلفا. لأن الحق يتأجل في ابتداء ثبوته بعقد، وهنا كذلك، لأنه لم يكن ثابتا عليه حالا. ويجوز تخالف ما في الذمتين. (فلصاحب الحق مطالبة المضمون عنه في الحال دون الضامن) فلا يطالبه حتى يحل الاجل، (وإن ضمن المؤجل حالا، صح) الضمان ولم يصر حالا، (ولم يلزمه) أي الضامن (قبل أجله) لان الضامن فرع المضمون عنه، فلا يستحق مطالبته دون أصله. والفرق بينهما وبين التي قبلها: أن الحال ثابت مستحق القضاء في جميع الزمان، فإذا ضمنه مؤجلا فقد التزم بعض ما يجب على المضمون عنه، فصح، كما لو كان الدين عشرة فضمن خمسة. وأما المؤجل فلا يستحق قضاؤه إلا عند أجله. فإذا ضمنه حالا التزم ما لم يجب. كما لو كان الدين عشرة فضمن عشرين. فصل: (الكفالة) صحيحة لقوله تعالى: * (قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم) * ولان الحاجة داعية إلى الاستيثاق بضمان المال أو البدن. وضمان المال يمتنع منه كثير من الناس. فلو لم تجز الكفالة بالنفس لأدى إلى الحرج، وعدم
437 المعاملات المحتاج إليها. وهي (التزام رشيد) ولو مفلسا (برضاه إحضار مكفول به) لأن العقد في الكفالة واقع على بدن المكفول به، فكان إحضاره هو الملتزم به كالضمان، وقوله: (تعلق به حق مالي) لمكفول به، ويأتي محترزه. وقوله (إلى مكفول) له متعلق بإحضار. ولو قال: إحضار من عليه حق مالي إلى ربه. لكان أخصر وأولى، لأنه لا دور فيه. (حاضرا كان المكفول به أو غائبا). وتصح إن كفل (بإذنه وبغير إذنه) كالضمان، (ولو) كان المكفول به (صبيا ومجنونا، ولو بغير إذن وليهما). لأنه قد يلزم إحضارهما مجلس الحكم. ولذلك قال: (ويصح إحضارهما مجلس الحكم للشهادة عليهما بالاتلاف) أي إتلاف نفس أو مال. لأنهما يضمنان الجناية وإتلاف ما لم يدفع إليهما. (وتنعقد) الكفالة (بألفاظ الضمان) السابقة (كلها) نحو: أنا ضمين ببدنه، أو زعيم به. (وإن ضمن) الضامن (معرفته) أي معرفة إنسان بأن جاء إنسان إلى آخر يستدين منه. فقال له: أنا لا أعرفك، لا أعطيك. فضمن له إنسان معرفته، فداينه ثم غاب المستدين أو توارى (أخذ) بالبناء للمفعول، أي ضامن المعرفة (به) أي بالمستدين. قال أحمد في رواية أبي طالب، فيمن ضمن لرجل معرفة رجل: أخذ به. فإن لم يقدر ضمن. (و) قال الشيخ التقي في شرح المحرر: ضمان المعرفة (معناه: إني أعرفك من هو وأين هو؟). وقال ابن عقيل في الفصول بعد حكايته لنص الامام المذكور: وهذا يعطي أن أحمد جعل ضمان المعرفة توثقة لمن له المال. ف (- كأنه قال: ضمنت لك حضوره) متى أردت لأنك أنت لا تعرفه، ولا يمكنك إحضار من لا تعرفه. فأنا أعرفه فأحضره لك متى أردت. فصار كقوله: تكفلت ببدنه، انتهى. فيطالب ضامن المعرفة بإحضاره. فإن عجز عن إحضاره مع حياته لزمه ما عليه لمن ضمن معرفته له، وقوله: (فإن لم يعرفه) من هو وأين هو؟ (ضمن) ما عليه (وإن عرفه) ذلك (فليس عليه أن يحضر) هذا تتمة كلام الشيخ التقي مفرعا على ما اختاره. قال وظاهر هذه الرواية، أي رواية أبي طالب المذكورة: لا يخالف ذلك. بل يوافقه لأنه قد قال غيره. وأما قوله: فإن لم يقدر عليه فيحتمل: لم يقدر على إحضاره، ويحتمل على تعريفه، انتهى. والاحتمال الثاني: رده في شرح المنتهى بأربعة أوجه، وأحسن في الرد. وقد علمت ما في كلام المصنف وخلطه أحد القولين بالآخر، وجعل المفرع على الأول مفرعا على الثاني، (وتصح) الكفالة (ببدن من
438 عليه دين لازم) أو يؤول إلى اللزوم، غير جزية سلم، وتقدم. وأشار إليه بقوله: (ويصح ضمانه). ولو حذف لازم لكان أوضح (معلوما كان الدين) المكفول بدن من هو عليه، (أو مجهولا) إذا كان يؤول إلى العلم، وتقدم. وقوله: (من كان يلزمه الحضور إلى مجلس الحكم) بيان لمن عليه دين، واحترز به عن الأب. فلا تصح كفالته لولده. لأنه لا تسمع دعواه عليه بغير النفقة الواجبة. فلا يلزمه الحضور لمجلس الحكم. (ولو) كان من عليه الدين (محبوسا) بحبس الشرع (لكون المحبوس يمكن تسليمه بأمر الحاكم) لرب الحق. (ثم يعيده) الحاكم (إلى الحبس بالحقين جميعا) ويبرأ الكفيل كما يأتي، (وإن كان) المكفول (محبوسا عند غير الحاكم لم يلزمه) أي المكفول به (تسليمه) أي تسلمه (محبوسا)، بدليل قوله: (لان ذلك الحبس يمنعه استيفاء حقه) فلا أثر لتسلمه، بخلاف المحبوس عند الحاكم كما تقدم، (وتصح) الكفالة (بالأعيان المضمونة، كالغصوب والعواري) لأنه يصح ضمانها. (ولا تصح) الكفالة (بالأمانات) كالوديعة والشركة والمضاربة. (إلا) إن كفله (بشرط التعدي) فيها. فيصح كما تقدم في الضمان. (ولا) تصح الكفالة (بزوجة لزوجها ولا بشاهد ليشهد له). لأن الذي عليهما أداؤه ليس بمالي، ولا يمكن استيفاؤه من الكفيل. (ولا) تصح الكفالة (إلى أجل مجهول ولو في ضمان) أي لا يصح الضمان إلى أجل مجهول. (ك) - قوله: ضمنته أو كفلته إلى (مجئ المطر وهبوب الرياح)، فلا يصحان (وقت يستحق مطالبته فيه). بما ضمنه أو كفله (وإن جعله) أي الضمان أو الكفالة (إلى الحصاد أو الجذاذ) أو العطاء ( فكأجل في بيع) لا يصح في المتقدم (والأولى صحته هنا) لأنه تبرع من غير عوض جعل له أجل لا يمنع من حصول المقصود منه، فيصح كالنذر، وهكذا كل مجهول لا يمنع مقصود الكفالة. قاله الموفق والشارح. (ولا تصح) الكفالة (ببدن من عليه حد أو قصاص لإقامة
439 الحد، لأنه لا يجوز استيفاؤه من الكفيل، كحد زنا وسرقة وقذف) وشرب. (إلا) إذا كفل بدنه (لأجل مال بالدفع) أي بالعفو إلى الدية ليدفعها. (و) إلا إذا ضمن السارق بسبب (غرم السرقة) أي المسروق، فتصح، لأنه حق مالي. (ولا تصح) الكفالة (بغير معين ك) - كفلت (أحد هذين) المدينين، لأن المكفول غير معلول في الحال، ولا المال فلا يمكن تسليمه. (ولا) تصح الكفالة (بالمكاتب من أجل دين الكتابة) لأن الحضور لا يلزمه، إذ له تعجيز نفسه. وعلم منه: أنه تصح كفالته بغير دين الكتابة. (وإن كفل) إنسان (بجزء شائع من إنسان، كثلثه وربعه ونحوهما) كخمسه وجزء من ألف جزء منه، (أو) كفل ب (- عضو منه كوجهه ويده ورجله ونحوه) كرأسه وكيده. (أو) كفل ب (- روحه أو نفسه) صحت الكفالة، لأنه لا يمكنه إحضاره إلا بإحضار الكل. والنفس تستعمل بمعنى الذات. (أو كفل بإنسان على أنه إن جاء به وإلا فهو كفيل بآخر) وعينه. (أو) فهو (ضامن ما عليه) من المال صحت الكفالة. لأن تعليق الكفالة والضامن على شرط صحيح كضمان العهدة. (أو) قال: (إذا قدم الحاج فأنا كفيل بفلان شهرا. صح) ذلك لأنها جمعت تعليقا وتوقيتا. وكلاهما صحيح مع الانفراد، فكذا مع الاجتماع. (ولو قال: كفلت ببدن فلان على أن يبرئ فلانا) أي زيدا مثلا، (الكفيل، أو) قال كفلت بفلان (على أن يبرئه) أي يبرئ المكفول عنه الكفيل، (من الكفالة فسد الشرط والعقد) لأنه شرط فسخ العقد في عقد. فلم يصح كالبيع بشرط فسخ بيع آخر. (وكذا لو قال: كفلت لك بهذا الغريم على أن تبرئني من الكفالة بفلان) الآخر، (أو) قال (ضمنت لك هذا الدين على أن تبرئني من ضمان الدين الآخر، أو) قال: ضمنت لك هذا الدين (على أن تبرئني من الكفالة بفلان) فيفسد الشرط والعقد لما تقدم. (وكذا لو شرط في الكفالة أو الضمان أن يتكفل المكفول به) أو المضمون (بآخر) بأن قال: أنا كفيل بفلان على أن يتكفل لي بفلان أو يضمنه لي، أو أنا ضامن ما على فلان على أن يتكفل لي بفلان أو يضمنه لي، (أو) كفل أو ضمن على أن (يضمن) المكفول به أو المضمون عنه (دينا عليه)، أي على الكفيل والضامن. (أو) كفل أو ضمن على أن يبيعه المكفول به أو المضمون عنه شيئا
440 عينه. أي الكفيل أو الضامن لي وعلى أن (يؤجره داره ونحوه) كعلي أن يهبه كذا، فلا يصح الضمان ولا الكفالة في ذلك كله. لأنه من قبيل بيعتين في بيعة المنهي عنه. (ولا تصح) الكفالة (إلا برضا الكفيل) لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه. (ولا يعتبر رضا مكفول له) لأنها وثيقة لا قبض فيها. فصحت من غير رضاه كالشهادة. (ولا) يعتبر أيضا رضا (مكفول به) كالضمان. تتمة: إذا قال شخص للآخر: اضمن عن فلان، أو اكفل عنه ففعل. كان الضمان والكفالة لازمين للمباشر دون الآمر، لأنه كفل باختيار نفسه، وإنما الامر للارشاد. فلا يلزم به شئ. (وتصح) الكفالة (حالة ومؤجلة كالضمان والثمن) في البيع (فإن أطلق) كقوله: أنا كفيل ببدن فلان. (كانت حالة كالضمان) إذا أطلق يكون حالا، (لأن كل عقد يدخله الحلول) كالثمن في البيع، والأجرة والصداق. (اقتضى إطلاقه الحلول. فإن عين) الكفيل (تسليمه) أي المكفول به (في مكان لزمه تسليمه فيه) وفاء بالشرط كالمسلم فيه. (وإن وقعت الكفالة مطلقة) بأن لم يعين موضعا لتسليمه، (وجب تسليمه. وكان العقد كالسلم. وإذا تكفل) كفيل بإحضاره أي المكفول به (حالا. فله) أي للمكفول له (مطالبته) أي الكفيل (بإحضاره) حالا، لأنه مقتضى العقد كما سبق. (فمتى أحضره) الكفيل (مكان العقد لتعيينه) أي تعيين مكان العقد (فيه) أي في العقد، (أو) أحضره مكان العقد (لكون الكفالة وقعت مطلقة) لم يعين فيها موضع التسليم، برئ الكفيل، لأنه عقد على عمل فبرئ منه بالعمل المعقود عليه كإجارة. (أو أحضره) الكفيل (في مكان عينه غيره) أي غير مكان العقد، (بعد حلول أجل الكفالة) برئ الكفيل لما سبق، (أو أحضره) الكفيل (قبله) أي قبل أجل الكفالة. (و) الحال أنه (لا ضرر) على المكفول له (في قبضه، وسلمه) الكفيل للمكفول له برئ لما سبق. (أو سلم مكفول به نفسه في محله) أي محل التسليم وأجله (برئ) الكفيل، كما لو قضى المضمون عنه الدين. ويبرأ الكفيل بتسليم المكفول به. (ولو لم يقل: قد برئت إليك منه، أو قد سلمته أو قد أخرجت نفسي من كفالته) خلافا لابن أبي موسى، لأنه قد وفى بما عليه من العمل
441 كالأجير. ومحل براءة الكفيل بتسليمه. (ما لم تكن هناك يد حائلة ظالمة) تمنعه منه، لأنه لا يحصل له غرضه. (وإن أحضره) أي أحضر الكفيل المكفول به، (وامتنع) المكفول له (من تسلمه) بلا ضرر (برئ) الكفيل. (ولو لم يشهد على امتناعه) أي المكفول له (من تسلمه) وقال القاضي: يرفعه إلى الحاكم فيسلمه إليه. فإن لم يجده أشهد. (وإن كانت الكفالة مؤجلة لم يلزمه)، أي الكفيل (إحضاره قبل أجلها) كسائر الحقوق. (قال الشيخ: إن كان المكفول في حبس الشرع فسلمه) الكفيل (إليه فيه) أي في الحبس (برئ) الكفيل، (ولا يلزمه إحضاره منه) أي الحبس (إليه عند أحد من الأئمة. ويمكنه الحاكم من الاخراج ليحاكم غريمه ثم يرده) إلى الحبس، (وإن مات مكفول به) برئ الكفيل (سواء توانى الكفيل في تسليمه حتى مات أو لا) لأن الحضور سقط عنه. فبرئ كفيله كما لو أبرئ من الدين، وفارق ما إذا غاب. فإن الحضور لم يسقط عنه. ولو قال الكفيل في الكفالة: إن عجزت عن إحضاره أو متى عجزت عن إحضاره كان علي القيام بما أقر به. فقال ابن نصر الله: لم يبرأ بموت المكفول، ولزمه ما عليه. قال: وقد وقعت هذه المسألة، وأفتيت فيها بلزوم المال. (أو تلفت العين المكفول بها) ولو عارية ونحوها. كما يعلم من كلامه في تصحيح الفروع. (بفعل الله تعالى قبل المطالبة بها، برئ الكفيل) لأن تلفها بمنزلة موت المكفول به. وظاهره: أنها إذا تلفت بفعل آدمي لم يبرأ الكفيل وعلى المتلف بدلها. لا بموت الكفيل فلا يبرأ الكفيل بموته. (فيؤخذ من تركته ما كفل به) يعني حيث تعذر إحضار المكفول به. كما لو مات الضامن. (فإن كان) ما على المكفول به (دينا مؤجلا فوثق ورثته) أي الكفيل (برهن) بحرز (أو ضمين) ملئ. لم يحل الدين قبل أجله. (وإلا) يوثقوا بذلك (حل) الدين، لما يأتي في الحجر. (ولا) يبرأ الكفيل (بموت المكفول له) كالضمان، (وورثته) أي ورثة المكفول له (كهو في المطالبة) للكفيل (بإحضاره) أي المكفول به، لانتقال الحق إليهم، كسائر حقوقه. (وإن ادعى الكفيل) بالمال أو البدن (براءة المكفول به من الدين وسقوط الكفالة) لم يقبل منه بغير بينة، لأن الأصل عدم ذلك. (أو قال) الضامن أو الكفيل (لم يكن
442 عليه) أي على المضمون عنه أو المكفول به (دين حين) ضمنته، أو (كفلته. فقول) المضمون له، و (المكفول له مع يمينه) لأن الأصل صحة الكفالة والضمان. فإن نكل قضى عليه بالنكول، وإذا مات المديون فأبرأه رب الدين فلم تقبل ورثته. برئ مع كفيله. (وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه) لرب الحق (لزمه ذلك، إن كانت الكفالة بإذنه) ولو لم يطالبه به رب الحق، لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه، فلزمه تخليصه، كما لو استعار منه عبده ليرهنه. (أو طالبه) أي الكفيل (صاحب الحق بإحضاره) أي المكفول به، وإن لم يكفله له بإذنه لأن حضور المكفول به حق للمكفول له. وقد استناب الكفيل في ذلك بمطالبته به، أشبه ما لو صرح بالوكالة. (وإلا) بأن كفله بغير إذنه، ولم يطالبه صاحب الحق بإحضاره. (فلا) يلزمه الحضور معه إلى رب الحق. لأن المكفول به لم يشغل ذمته. وإنما شغلها الكفيل باختياره ولم يوكله صاحب الحق. (فإن كان المكفول به غائبا غيبة تعلم غير منقطعة) بأن غاب بموضع معلوم، (ولو) كان المكفول به (مرتد الحق بدار الحرب) بموضع معلوم (أمهل) الكفيل (بقدر ما يمضي) إلى محل المكفول به، (ويحضره) منه، ليتحقق إمكان التسليم. وسواء كانت المسافة قريبة أم بعيدة. (وإن لم يعلم فيها) أي في الغيبة (خبره) أي المكفول به، (لزمه) أي الكفيل (الدين من غير إمهال) إذ لا فائدة في الامهال مع عدم العلم بموضعه. (فإن) علم موضعه، و (مضى) الكفيل إليه (ولم يحضره) أي المكفول به. (إما لتوان أو لهربه) أي المكفول به (واختفائه أو لامتناعه، أو لغير ذلك) كذي سلطان، (بحيث تعذر إحضاره مع حياته. لزمه) أي الكفيل (ما عليه من الدين) لعموم قوله (ص): الزعيم غارم ولأنها أحد نوعي الكفالة، فوجب الغرم بها إذن، كالكفالة بالمال. ولا يسقط عن الكفيل المال بإحضار المكفول به بعد الوقت المسمى، نصا. (إلا إذا شرط) الكفيل (البراءة منه) أي من الدين، فلا يلزمه، عملا بشرطه، لأنه إنما التزم الكفالة على هذا الشرط. فلا يلزمه سوى ما اقتضاه التزامه. (وكذا عوض العين الملزوم بها) يلزم لكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به ليسلمها، (إذا لم يشرط) الكفيل (أ) ن (لا مال عليه بتلفها) أي بسبب تعذر ردها
443 لتلفها بفعل آدمي، أو هربه بها ونحوه أما إذا تلف بفعل الله. فقد تقدم أن الكفيل يبرأ بذلك، كموت المكفول به. (فإن اشترط) الكفيل البراءة (برئ) لما تقدم، (والسجان ونحوه ممن هو وكيل على بدن الغريم) كرسول الشرع (بمنزلة الكفيل للوجه) أي كفيل البدن (عليه) أي السجان ونحوه (إحضار الخصم. فإن تعذر) عليه (إحضاره ضمن ما عليه. قاله الشيخ)، واقتصر عليه في الفروع. وقال ابن نصر الله: الأظهر أنه كالوكيل يجعل في حفظ الغريم، إن هرب منه بتفريطه، لزمه إحضاره، وإلا فلا. (وقال) الشيخ (وإذا لم يكن الوالد ضامنا لولده ولا له عنده مال، لم يجز لمن له على الولد حق أن يطالب والده بما عليه، لكن إن أمكن الوالد معاونة صاحب الحق على إحضار ولده بالتعريف بمكانه ونحوه. لزمه ذلك) أي التعريف بمكانه ونحوه، لأنه من قبيل نصحه له وحيث أدى الكفيل ما لزمه لتعذر إحضار المكفول به عليه، (ثم قدر) الكفيل (على المكفول به) فقال في الفروع: (فظاهر كلامهم) أي الأصحاب (أنه) أي الكفيل (في رجوعه عليه) أي المكفول به (كضامن)، إن نوى الرجوع رجع على المكفول به، وإلا فلا. (وأنه) أي الكفيل (لا يسلمه) أي المكفول به (إلى المكفول له ثم يسترد) الكفيل منه (ما أداه) إليه، (بخلاف مغصوب تعذر إحضاره مع بقائه) فغرم الغاصب قيمته ثم قدر عليه، فإنه يرده للمغصوب منه ثم يسترد منه ما أداه. (لامتناع بيعه) لأن الغاصب لم يملكه بدفع القيمة. وإنما أخذت منه للحيلولة وقد زالت، بخلاف ما على المكفول من الدين. فإنه يصير الكفيل ببذل عوضه ناويا الرجوع، يملكه ملكا تاما. وله منعه والتصرف فيه بما شاء، وإن أدى الكفيل لغيبة المكفول وقد تعذر إحضاره ثم ثبت بالبينة موت المكفول به قبل غرم الكفيل المال، استرده لتبين براءته بموت المكفول. (وإن كفل اثنان واحدا فسلمه أحدهما. لم يبرأ الآخر) بذلك لأن إحدى الوثيقتين انحلت من غير استيفاء. فلم تنحل الأخرى، كما لو أبرأ أحدهما. (وإن أسلم) المكفول به (نفسه برئا) لأنه أدى ما يلزم الكفيلين لأجله، وهو إحضار نفسه. فبرئت ذمتهما. (وإن كفل واحد غريما لاثنين فأبرأه) أي الكفيل (أحدهما. لم يبرأ) الكفيل (من الآخر) لأن عقد
444 الواحد مع اثنين بمنزلة عقدين. فقد التزم إحضاره عند كل واحد منهما. فإذا أبرأه أحدهما بقي حق الآخر. (وإن كفل الكفيل كفيل آخر صح) ذلك، لأنه تصرف من أهله في محله. (فإن برئ) الكفيل (الأول برئ) الكفيل (الثاني)، لأنه فرعه. (ولا عكس) فإذا برئ الثاني لم يبرأ الأول. لأن الأصل لا يبرأ ببراءة الفرع. (وإن كفل) الكفيل (الثاني) شخص (ثالث برئ وكل منهم) أي الكفلاء (ببراءة من قبله) لأنه فرعه. (ولا عكس) أي لا يبرأ أحدهم ببراءة من بعده. لأنه ليس فرعه. ولا عكس أي لا يبرأ أحدهم ببراءة من بعده لأنه ليس فرعه، (كضمان) في مال. (ولو كفل اثنان واحدا وكفل كل واحد منهما) أي من الكفيلين (كفيل آخر فأحضره أحدهما)، أي أحد الكفيلين الأولين (برئ هو ومن تكفل به) الأول: بتسلمه، والثاني: ببراءة أصله. (وبقي) الكفيل (الآخر ومن تكفل به) حتى يسلماه أو أحدهما، أو يسلم نفسه، أو يبرأ من الحق. (ومتى أحال رب الحق) على الغريم بدينه (أو أحيل) رب الحق بدينه (أو زال العقد) من بيع أو نحوه، (برئ الكفيل) بالمال أو البدن. (وبطل الرهن) إن كان (لان الحوالة استيفاء في المعنى) سواء استوفى المحال به أو لا. ولبراءة الغريم بزوال العقد. (وتقدم) ذلك (أول الباب). تتمة: لو قال: أعط فلانا ألفا ففعل، لم يرجع على الآمر. ولم يكن ذلك كفالة ولا ضمانا. إلا أن يقول: أعطه عني، خليطا كان أو غيره. (ولو خيف من غرق سفينة فألقى بعض من فيها متاعه في البحر لتخف. لم يرجع) الملقى (به) أي بمتاعه (على أحد. ولو نوى الرجوع) لأنه أتلف مال نفسه باختياره من غير ضمان (ويجب الالقاء) أي إلقاء ما لا روح فيه من السفينة، (إن خيف تلف الركاب بالغرق) لأن حرمة ذي الروح آكد. فإن خيف الغرق بعد ذلك ألقى الحيوان غير الآدمي لأن حرمته آكد. (ولو قال بعض أهلها) أي السفينة لواحد منهم (ألق متاعك) في البحر (فألقاه. فلا ضمان على الآمر) لأنه لم يكرهه على إلقائه ولم يضمنه له (وإن قال: ألقه) في البحر (وأنا ضامنه ضمن) الآمر به الجميع (وحده)، لأن ضمان ما لم يجب صحيح. وإن قال
445 ألقه في البحر وأنا ضامنه وركبان السفينة ضامنون، وأطلق. ضمن الآمر وحده بالحصة لأنه لم يضمن الجميع، وإنما ضمن حصته، وأخبر عن سائر ركبان السفينة بضمان سائره، فلزمته حصته، ولم يسر قوله على الباقين. (وإن قال) ألقه في البحر و (كل واحد منا ضامن لك متاعك أو قيمته. ضمن) أي لزم (القائل) وحده (ضمان الجميع، سواء كانوا) أي ركبان السفينة (يسمعون قوله فسكتوا، أو قالوا لا نفعل، أو لم يسمعوا) قوله، لأن سكوتهم لا يلزمهم به حق. (وإن رضوا) أي الركبان (بما قال. لزمهم) الغرم، ويوزع على عددهم. لاشتراكهم في الضمان فإن قالوا: ضمنا لك الدين، كانوا شركاء، على كل حصته، وإن قالوا: كل منا ضامن لك الدين، طولب كل واحد به كاملا، وتقدم. (وكذا الحكم في ضمانهم في ما عليه من دين، ولو قال) جائز التصرف (لزيد: طلق زوجتك وعلي ألف، أو) علي (مهرها) فطلقها (لزمه) أي القائل (ذلك) أي الألف أو مهرها (بالطلاق. قال في الرعاية، وقال: لو قال بع عبدك من زيد بمائة وعلي مائة أخرى. لم يلزمه شئ) والفرق: أنه ليس في الثاني إتلاف بخلاف الأول. وإن شرط في ضمان أو كفالة خيارا فسدا. باب الحوالة بفتح الحاء وكسرها، واشتقاقها من التحول، لأنها تحول الحق من ذمة إلى ذمة أخرى. قال في المبدع: وهي ثابتة بالاجماع، ولا عبرة بمخالفة الأصم. وسنده: السنة الصحيحة. فمنها: ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: مطل الغني ظلم، وإذا أحيل أحدكم على ملئ فليتبع. وفي لفظ: من أحيل بحقه على ملئ فليحتل. (وهي عقد إرفاق) منفرد بنفسه ليس محولا على غيره. (لا خيار فيه وليست) الحوالة (بيعا) لأنها لو كانت بيعا لكانت بيع دين بدين، ولما جاز التفرق قبل القبض، لأنها بيع مال الربا بجنسه. ولجازت بلفظ البيع، وبين جنسين كالبيع كله. ولان لفظها يشعر بالتحول. وليست أيضا
446 في معنى البيع، لعدم العين فيها، (بل) الحوالة (تنقل المال) المحال به (من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه) لما سبق، من أنها مشتقة من التحول أو التحويل. وفيها شبه بالمعارضة من حيث إنها دين بدين، وشبه بالاستيفاء من حيث براءة المحيل بها. ولترددها بينهما ألحقها بعض الأصحاب بالمعاوضة، وبعضهم بالاستيفاء وتلزم بمجرد العقد. (فلا يملك المحتال على الملئ) الرجوع على المحيل بحال، لأن الحق انتقل. فلا يعود بعد انتقاله. هذا إذا اجتمعت شروطها، لأنها براءة من دين ليس فيها قبض ممن هو عليه، ولا ممن يدفع عنه. أشبه ما لو أبرأه من الدين. (ولا) يملك (المحتال) ولو على غير ملئ (برضاه) بالحوالة (إذا لم يشترط يسار المحتال عليه وجهله) أي يساره (أو ظنه مليئا) ثم تبين خلافه (الرجوع على المحيل بحال. أي سواء أمكن استيفاء الحق) من المحال عليه (أو تعذر) استيفاؤه (لمطل، أو فلس، أو موت، وكذا) لو تعذر استيفاؤه (الجحود. صرح به في الفروع وغيره) بأن جحد المحال عليه الدين وحلف. (ولعل المراد) بأنه لا يرجع مع الجحود (إذا كان المحتال يعلم الدين، أو صدق) المحتال (المحيل عليه) أي على أن دينه بذمة المحال عليه الجاحد. (أو ثبت) الدين (ببينة ثم ماتت ونحوه) بأن أقر المحتال عليه أولا ثم أنكر، (أما إن ظنه) أي ظن المحتال الدين (عليه) أي على المحال عليه (فجحد) المحال عليه الدين، (ولم يمكن إثباته. فله) أي المحتال (الرجوع عليه) أي على المحيل، لأن الأصل بقاء دينه عليه. ولم تتحقق براءته منه. (وتصح) الحوالة (بلفظها) كأحلتك بدينك على فلان، (أو معناها الخاص) كأتبعتك بدينك على فلان ونحوه، لدلالته على المقصود. (ولا تصح) الحوالة (إلا بشروط) أربعة (أحدها: أن يحيل على دين مستقر في ذمة المحال عليه) لان ما ليس بمستقر عرضة للسقوط. ومقتضى الحوالة إلزام المحال عليه بالدين مطلقا. فلا تثبت فيما هذا صفته. (ولو) كانت الحوالة (على الضامن بما ضمنه ووجب) لأنه دين مستقر، بخلاف ما إذا ضمن ما يؤول إلى الوجوب. فلا تصح الحوالة به قبل وجوبه لأنه لا دين عليه إذن. (أو) أي وتصح الحوالة على ما (في ذمة ميت) من دين مستقر لما سبق، (وفي الرعاية الصغرى والحاويين: إن قال أحلتك بما عليه) أي الميت (صح) ذلك (لا أحلتك به
447 عليه. أي الميت) فلا يصح، لأن ذمته قد خربت. (وتصح) الحوالة (على المكاتب بغير مال الكتابة) كبدل قرض وثمن مبيع، لأنه دين مستقر. (وإن أحال) السيد (على مال الكتابة) لم تصح الحوالة (ولو حل) لعدم استقراره. (أو) أحال المسلم على (السلم) لم تصح الحوالة، لعدم استقراره. (أو) أحال على (رأس ماله) أي السلم (بعد فسخه) لم تصح الحوالة، لأنه لم يصح التصرف فيه قبل قبضه، (وتقدم) في أواخر السلم (أو) أحالت الزوجة على (الصداق قبل الدخول) ونحوه مما يقرر الصداق، لم تصح الحوالة لعدم استقراره (أو) أحال على (الأجرة بالعقد قبل استيفاء المنافع) فيما إذا كانت الإجارة لعمل، (أو) قبل (فراغ المدة) إن كانت الإجارة على مدة. لم تصح الحوالة لعدم استقرارها. (أو) أحال البائع (بثمن المبيع على المشتري في مدة الخيار) أي خيار المجلس أو الشرط. (أو) أحال (على عين من وديعة، أو مضاربة أو على استحقاق في وقف أو على ناظره، أو على ولي بيت المال، أو أحال ناظر الوقف بعض المستحقين على جمعه ونحوه، لم يصح) ذلك حوالة، لأنها انتقال مال من ذمة إلى ذمة. والحق هنا ليس كذلك. لكن يكون ذلك وكالة كالحوالة على ما له في الديوان. (ولا يشترط) للحوالة (استقرار المحال به. فإن أحال المكاتب سيده) بدين الكتابة (أو) أحال (الزوج امرأته) بالصداق قبل الدخول، (أو) أحال (المشتري البائع بثمن المبيع في مدة الخيارين. صح) ذلك، لأن المدين له تسليم الدين قبل استقراره. وحوالته به تقوم مقام تسليمه. (ولا تصح) الحوالة (بمسلم فيه، ولا برأس ماله بعد فسخ) العقد، لأنه تصرف في السلم، أو رأس ماله قبل القبض، وذلك غير صحيح. وتقدم في السلم (ولا) تصح الحوالة (بجزية) لفوات الصغار. ولا على الجزية لذلك ولعدم استقرارها. (وإن أحال من لا دين عليه شخصا على من له عليه دين فهي وكالة) جرت (بلفظ الحوالة). إذ ليس فيها تحويل حق من ذمة إلى ذمة. وإنما جازت الوكالة بلفظ الحوالة لاشتراكهما في المعنى، وهو استحقاق الوكيل مطالبة من عليه الدين كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه (تثبت فيها أحكامها)، أي أحكام الوكالة من عزل الوكيل بموت الموكل وعزله ونحوه. (وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه. فهو) وكالة في (اقتراض. فلا
448 يصارفه) لأنه لم يأذن له في المصارفة. (فإن قبض المحتال منه) أي من المحال عليه الذي لا دين عليه (الدين. رجع) المحال عليه إذن (على المحيل) بما دفعه عنه للمحتال، (لأنه قرض) حيث لم يتبرع (وإن أبرأه) أي أبرأ المحتال المحال عليه الذي لا دين عليه (منه. لم تصح البراءة لأنها براءة لمن لا دين عليه. وإن) قبض المحتال من المحال عليه الذي لا دين عليه ما أحيل به، ثم (وهبه) المحتال (إياه بعد أن قبضه منه) ملكه و (رجع المحال عليه) حينئذ (على المحيل) بما دفعه عنه لأنه قرض وهبة المحتال بعد ذلك غير مانعة. (وإن أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه، فهي وكالة في اقتراض أيضا، وليس شئ من ذلك حوالة) لانتفاء شرطها. الشرط (الثاني. تماثل الدينين) لأنها تحويل للحق ونقل له. فينتقل على صفته (في الجنس، كأن يحيل من عليه ذهب بذهب، و) أن يحيل (من عليه فضة بفضة. فلو أحال من عليه ذهب بفضة أو بالعكس) بأن أحال من عليه فضة بذهب، (لم يصح) ذلك للتخالف (و) تماثل الدينين (في الصفة. فلو أحال من عليه) دراهم (صحاح بمكسرة أو من عليه) دراهم (غورية بسليمانية لم يصح) ذلك، للتخالف. (و) تماثل الدينين في ( الحلول والتأجيل) بأجل واحد (فإن كان أحدهما) أي الدينين (حالا والآخر مؤجلا) لم تصح (أو كان أحدهما) مؤجلا إلى شهر والدين الآخر مؤجلا (إلى شهرين. لم تصح الحوالة) لأنها إرفاق كالقرض. فلو جوزت مع الاختلاف لكان المطلوب منها الفضل، فتخرج عن موضوعها. (ولو كان الحقان) أي المحال به والمحال عليه (حالين فشرط على المحتال أن يؤخر حقه أو) يؤخر (بعضه إلى أجل) ولو معلوما. (لم تصح) الحوالة (أيضا) لأن الحال لا يتأجل بأجل. ولو قيل يفسد الشرط، وتصح الحوالة كالشروط الفاسدة في البيع. لكان أوفق بالقواعد. ولم أر المسألة لغيره. (فيشترط ذلك) أي تماثل الدينين فيما ذكر ( كما يشترط) ذلك (في المقاصة. وتقدم آخر السلم) بيان المقاصة وشروطها، (و) يشترط
449 تماثل الدينين في (القدر فلا تصح) الحوالة (بعشرة على خمسة، ولا عكسه) إن أحال بخمسة على عشرة، للتخالف كما سبق. (وتصح) الحوالة (بخمسة من العشرة على الخمسة. و) تصح الحوالة (بالخمسة على خمسة من العشرة) للمرافقة. (ولا يضر اختلاف سببي الدينين) بأن يكون أحدهما عن قرض، والآخر ثمن مبيع أو نحوه. الشرط (الثالث: أن تكون) الحوالة (بمال معلوم على مال معلوم مما يصح السلم فيه من المثليات وغيرها. كمعدود ومذروع) لأنها إن كانت بيعا فلا يصح في مجهول. وإن كانت تحول الحق فيعتبر فيها التسليم، والجهالة تمنع منه. ولا تصح فيما لا يصح السلم فيه كالجوهر. وإن أحال بإبل الدية على إبل القرض، لم يصح على المذهب، من أنه يرد القيمة. لاختلاف الجنس، وإن كان بالعكس لم يصح مطلقا. وفي الحوالة بإبل الدية على من عليه مثلها وجهان. قال القاضي: تصح، لأنها تختص بأقل ما يقع عليه الاسم في السن والقيمة وسائر الصفات. والوجه الثاني: لا تصح، لأنها مجهولة. (قال الشيخ: الحوالة على ماله في الديوان) ومثله الحوالة على ماله في الوقف (إذن في الاستيفاء فقط) كما تقدم. (وللمحتال) إذن (الرجوع) كعزل الوكيل نفسه (ومطالبة محيله) بدينه. لأنه لم يبرأ منه بوفاء ولا إبراء ولا حوالة حقيقة. الشرط (الرابع: أن يحيل برضاه) قال في المبدع: بغير خلاف، لأن الحق عليه. فلا يلزمه أداؤه من جهة الدين على المحال عليه. (ولا يعتبر رضا المحال عليه) لان
450 للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله. وقد أقام المحتال مقام نفسه في القبض، فلزم المحال عليه الدفع إليه كالوكيل. (ولا) يعتبر أيضا (رضا المحتال إن كان المحال عليه مليئا. فيجب) على من أحيل على ملئ (أن يحتال) لظاهر قوله (ص): إذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع. (فإن امتنع) المحتال (أجبر على قبولها) أي الحوالة للخبر، (ويبرأ المحيل بمجرد الحوالة قبل الأداء، وقبل إجبار) الحاكم (المحتال على قبولها) أي الحوالة. فلا رجوع له على المحيل لو مات المحال عليه، أو أفلس، أو جحد بعد ذلك، وتقدم. وفسر الإمام أحمد الملئ فقال: هو أن يكون قادرا بماله وقوله وبدنه. فلذلك قال: (وتعتبر الملاءة في المال والقول والبدن)، وجزم به في المحرر والنظم والفروع والفائق والمنتهى وغيرها. زاد في الرعاية الصغرى والحاويين: (وفعله)، وزاد في الكبرى عليهما: (وتمكنه من الأداء. ف) - الملاءة (في المال: القدرة على الوفاء. و) الملاءة (في القول: أ) ن (لا يكون مماطلا. و) الملاءة (في البدن: إمكان حضوره مجلس الحكم) هذا معنى كلام الزركشي. والظاهر أن فعله يرجع إلى عدم المطل، إذ الباذل غير مماطل. وتمكنه من الأداء يرجع إلى القدرة على الوفاء، إذ من ماله غائب أو في الذمة ونحوه: غير قادر على الوفاء، ولذلك أسقطهما الأكثر كما تقدم ولم يفسرهما. (فلا يلزم) رب الدين (أن يحتال على والده) لأنه لا يمكنه إحضاره إلى مجلس الحكم. (ولا) يلزم أن يحتال (على من هو في غير بلده) لعدم قدرته على إحضاره مجلس الحكم. وقياسه: الحوالة على ذي سلطان لا يمكنه إحضاره مجلس الحكم، (ولا يصح أن يحيل) رب الدين (على أبيه) لأن المحيل لا يملك مطالبة المحال عليه ففرعه كذلك. (ومتى صحت) الحوالة (فرضيا) أي المحتال والمحال عليه (بخير منه)، أي الدين (أو بدونه، أو) رضيا ب (- تعجيله) وهو مؤجل (أو) ب (- تأجيله) وهو حال، (أو) أخذ (عوضه. جاز) ذلك، لأن ذلك يجوز في القرض، فهنا أولى، لكن إن جرى بين العوضين ربا النسيئة كما لو كان الدين المحال به من الموزونات، فعوضه فيه موزونا من غير جنسه، أو كان مكيلا، فعوضه عنه مكيلا من غير جنسه. اشترط فيه.
451 التقابض بمجلس التعويض. (وإن رضي) المحتال بالحوالة، (واشترط) في المحال عليه (اليسار) صح الاشتراط. لحديث: المسلمون على شروطهم ولأنه شرط فيه مصلحة للعقد في عقد معاوضة. فكان كشرط صفة في المبيع. فإن بان معسرا فله الرجوع على المحيل. لفوات شرطه. (أو لم يرض) المحتال بالحوالة (فبان) المحال عليه (معسرا. فله) أي المحتال (الرجوع على المحيل) ولا يجبر على اتباعه، لأنه لم يحتل على ملئ. (وإذا أحال المشتري البائع بالثمن) فبان البيع باطلا. فالحوالة باطلة. (أو أحال البائع عليه) أي المشتري (به) أي بالثمن (فبان البيع باطلا، كظهور العبد المبيع حرا) أو مستحقا. (فإن كان) ظهور البطلان (ببينة. فالحوالة باطلة) لأنه ببطلان البيع تبينا أن لا ثمن على المشتري، والحوالة فرع على الثمن. فإذن يبطل الفرع لبطلان أصله فيرجع المشتري على من كان له عليه الدين في مسألة حوالته. وعلى المحال عليه في مسألة الحوالة عليه لا على البائع. لان الحوالة لما بطلت وجب بقاء الحق على ما كان. (وإن كان) ظهور المبيع حرا (باتفاق المحيل والمحتال عليه على حريته) أي العبد المبيع، (من غير بينة. فإن صدقهما المحتال فكذلك) أي بطلت الحوالة. لاتفاق الكل على بطلانها. (وإن كذبهما) المحتال (لم يقبل قولهما عليه) لأنهما يبطلان حقه. (أشبه ما لو باع المشتري العبد ثم اعترف هو وبائعه أنه كان حرا، لم يقبل قولهما على المشتري الثاني. وإن أقاما) أي المحيل والمحال عليه (بينة) بحريته (لم تسمع) بينتهما، (لأنهما كذباها بدخولهما في التبايع. وإن أقام العبد بينه بحريته قبلت) البينة لعدم ما يمنعها، (وبطلت الحوالة) لأنه ببطلان البيع ظهر أن لا ثمن على المشتري. والحوالة فرع على سلامة الثمن. (وإن صدقهما) أي البائع والمشتري (المحتال) على حرية العبد، (وادعى أن الحوالة بغير ثمن العبد) الذي اتفقوا على حريته، (ف) - القول (قوله مع يمينه) لأنه يدعي سلامة العقد. وهي الأصل. (إذا لم يكن لهما) أي للبائع والمشتري (بينة) بأن الحوالة بثمن العبد. فإن كانت عمل بها، (وإن اتفق المحيل والمحتال على حريته)
452 أي العبد (وكذبهما المحتال عليه لم يقبل قولهما عليه في حرية العبد)، لأنه إقرار على غيرهما. (وتبطل الحوالة) لاعتراف المحيل والمحتال ببطلانها. (والمحال عليه يعترف للمحتال بدين لا يصدقه) المحتال (فيه. فلا يؤخذ منه شيئا، وإن اعترف المحتال والمحال عليه بحرية العبد عتق) العبد (لاقرار من هو في يده بحريته، وبطلت الحوالة بالنسبة إليهما) مؤاخذة لهما بحكم إقرارهما. (ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل، لأنه معترف ببراءته) بدخوله معه في الحوالة. (وإن فسخ البيع) وقد أحال المشتري البائع بالثمن، أو أحال البائع عليه به (بعيب أو) تدليس ونحوه، أو (إقالة أو خيار أو انفسخ النكاح) بعد الحوالة بالصداق بما يسقطه أو ينصفه (ونحوه)، أي أو انفسخ نحو النكاح كإجارة بعد الحوالة بأجرتها، (بعد قبض المحتال مال الحوالة لم تبطل) الحوالة، لان عقد البيع لم يرتفع من أصله، فلم يسقط الثمن، فلم تبطل الحوالة لانتفاء المبطل. (وللمشتري الرجوع على البائع في مسألتي حوالته) للبائع، (والحوالة عليه) من البائع. لأنه لما رد المعوض استحق الرجوع بالعوض. والرجوع في عينه متعذر للزوم الحوالة فوجب في بدله. وإذا لزم البدل وجب على البائع، لأنه هو الذي انتفع بمبدله. و (لا) رجوع للمشتري. (على من كان عليه الدين في المسألة الأولى)، وهو الذي أحال المشتري عليه البائع. (ولا) رجوع للمشتري أيضا (على من أحيل) أي أحاله البائع (عليه في) المسألة (الثانية) لصحة الحوالة وعدم بطلانها لما تقدم. (وإن كان الفسخ) للبيع على أي وجه: من تقايل، أو عيب، أو خيار ونحوه. (قبل القبض) أي قبض المحتال مال الحوالة، (لم تبطل الحوالة أيضا) لأن الحق انتقل عن المحيل، فلم يعد إليه. وثبت للمحتال، فلم يزل عنه، ولان الحوالة بمنزلة القبض، فكأن المحيل أقبض المحتال دينه (كما لو أخذ البائع بالثمن عرضا) أو كان دراهم وأخذ عنها دنانير أو بالعكس ثم فسخ البيع. لم يرجع المشتري إلا بما وقع عليه العقد، لا بما عوضه البائع. (ويرجع المشتري على البائع بالثمن) لعود المبيع إليه بالفسخ، كما سبق. (ويأخذه) أي الثمن
453 (البائع من المحال عليه) لبقاء الحوالة، (وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشتري عليه في الصورة الأولى) وهي ما إذا كان المشتري أحال البائع بالثمن، لأن دين البائع ثابت على من أحاله المشتري عليه، فصحت الحوالة، كسائر الحقوق. (وللمشتري أن يحيل المحتال عليه) من البائع (على البائع في) الصورة (الثانية) وهي ما إذا كان البائع أحال على المشتري بالثمن، لاستقرار الدين عليه كما تقدم. (فإذا أحال شخص رجلا على زيد بألفه فأحاله) أي الرجل (زيد بها على عمرو. صح) ما ذكر، لأنه حوالة دين ثابت. (وهكذا لو أحال الرجل عمرو على زيد بما ثبت له في ذمته. فلا يضر تكرار المحال والمحيل) أي لا يمنع من صحة الحوالة، لعدم منافاته لها. (وإذا) اختلف المحيل والمحتال. بأن (قال) المحيل (أحلتك) ف (- قال) المحتال (بل وكلتني) في القبض، فقول مدعي الوكالة، لما يأتي. وله القبض لأنه إما وكيل أو محتال. فإن قبض منه بقدر دينه فأقل، فله أخذه لنفسه، لأن رب الحق يعترف له به. وهو يقول: إنه أمانة في يده، وله مثله عليه. فإذا أخذه لنفسه حصل غرضه له. وإن استوفى مدعي الوكالة دينه من مدعي الحوالة رجع هو على المحال عليه. وإن كان مدعي الوكالة قد قبض وأتلف أو تلف في يده بتفريطه، سقط حقه. وإن تلف في يده بلا تفريط فالتالف على خصمه، وله طلبه بحقه. ولا رجوع لخصمه على المحال عليه لاعترافه ببراءته. (أو قال) المحيل (وكلتك) في القبض (قال: بل أحلتني. فقول مدعي الوكالة) لأنه يدعي بقاء الحق على ما كان، وينكر انتقاله. والأصل معه (وكذا إن اتفقا) أي رب الدين والمدين (على أنه) أي المدين (قال) لرب الدين (أحلتك) وادعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة فقوله، لأن الأصل بقاء الحق على المحال عليه، فيحلف المحيل. ويبقى حقه في ذمة المحال عليه، قاله الموفق والشارح. قال في الرعاية الكبرى والفروع: لا يقبض المحتال من المحال عليه لعزله بالانكار. وله طلب حقه من المحيل، صححه الموفق، والشارح.
454 قالا: هما وصاحب المبدع وشرح المنتهى. وعلى كلا الوجهين: إن كان المحتال قد قبض الحق من المحال عليه وتلف في يده. فقد برئ كل واحد منهما من صاحبه. ولا ضمان عليه، سواء تلف بتفريطه أو غيره، انتهى. وفي الفروع: والتالف من عمرو، أي مدعي الوكالة، وتبعه في المنتهى. وإن لم يتلف فله أخذه منه في الأصح. (أو قال) المدين لرب الدين (أحلتك بديني، أو) أحلتك (بالمال الذي قبل فلان، وادعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة، وأنكر الآخر) أن يكون أريد بها الوكالة. فقول مدعي الوكالة، لما سبق من أن الأصل معه، ولا موضع للبينة هنا. لأنهما لم يختلفا في لفظ يسمع، ولا فعل يرى. وإنما يدعي أحدهما بنيته. وهذا لا تشهد به البينة نفيا ولا إثباتا. (وإن قال) المدين لرب الحق (أحلتك بدينك، واتفقا على) صدور (ذلك) اللفظ بينهما (وادعى أحدهما أنه أراد بها الوكالة. فقول مدعي الحوالة) لأن الحوالة بدينه لا تحتمل الوكالة، فلم يقبل قول مدعيها. ومن له دين على آخر فطالبه به، فقال: أحلتك به فلانا الغائب وأنكر رب الحق، فقوله مع يمينه ويعمل بالبينة. باب الصلح وأحكام الجواز بكسر الجيم، مصدر بمعنى المجاورة، وأصله الملازمة. لأن الجار يلزم جاره في المسكن (الصلح) لغة (التوفيق والسلم) بفتح السين وكسرها،، أي قطع المنازعة (3) (وهو) أي الصلح شرعا (معاقدة يتوصل بها إلى موافقة بين المختلفين) أي متخاصمين (4). وهو جائز. بالاجماع. لقوله تعالى: (وطن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) (الحجرات: 9). وقوله: (والصلح خير) (النساء: 128). ولحديث أبي هريرة مرفوعا الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا، أو أحل حراما (5) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن
455 صحيح، وصححه الحاكم (وهو) أي أصل الصلح (أنواع) تأتى الإشارة الإشارة إليها في كلامه (ومن أنواعه: الصلح) بين متخاصمين (في الأموال، وهو المراد) بالترجمة (هنا) في هذا الباب (ولا يقع) الصلح (في الغالب إلا عن انحطاط من رتبة إلى ما دونها، على سبيل المدارة لبلوغ بعض الغرض) أي للوصل إلى بعض الحق (وهو) أي الصلح (من أكبر العقود فائدة) لما فيه من قطع النزاع والشقاق - ولذلك) أي لكونه من أكبر العقود فائدة (حسن) أي أبيح (فيه الكذب) كما يأتي في الشهادات موضحا (ويكون) الصلح (بين مسلمين وأهل حرب) بعقد الذمة أو الهدنة أو الأمان، وتقدم (و) يكون أيضا (بين أهل بغي، و) أهل (عدل) ويأتي في الحدود (و) يكون أيضا (بين زوجين إذا خيف الشقاق بينهما، أو خافته امرأة أعرض زوجها عنها) ويأتي في النشوز (و) يكون أيضا (بين متخاصمين في غير مال) غير من سبق ذكر هم، وليس له باب يخصه، ويكون أيضا بين متخاصمين ف - المال، وهو المقصود بالباب، كما تقدم وهذه أنواعه التي. شار إليها أولا (وهو) أي الصلح بين متخاصمين (في الأموال قسمان: أحدهما: صلح على الاقرار، وهو) أي صلح الاقرار (نوعان أحدهما: الصلح على جنس الحق) المقر به (مثل أن يقر) رشيد (له بدين، فيضع أي يسقط (عنه بعضه) ويأخذ الباقي، (أو) يقر رشيد لآخر (بعين فيهب) المقر له (له) أي للمقر (بعضها، ويأخذ الباقي، فيصح) الصلح (إن كان) ما صدر من إبراء أو هبة (بغير لفظ الصلح، لأن الأول) أي وضع بعض الحق (إبراء والثاني) أي هبة بعض العين (هبة، يعتبر له شروط الهبة) من كونه جائز التصرف، والعلم بالموهوب ونحوه، ولا يمنع الانسان من إسقاط بعض حقه أو هبته، كما لا يمنع من استيفائه لأنه صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جاز ليضعوا عنه، وقضية كعب مع ابن أبي حدرد شاهدة بذلك، فإن كان بلفظ الصلح لم يصح، لأنه صالح عن بعض ماله ببعض، فهو هضم للحق، وبالجملة فقد منع الخرفي وابن أبي موسى الصلح على الاقرار، وأباه الأكثر، فعلى الأول: إن وفاه من جنس حقه فهو وفاء، ومن غير جنسه معاوضة، وأن أبرأه عن بعضه فهو إبراء وإن وهبة بعض العين فهو
456 هبة، ولا يسمى صلحا، فالخلاف إذن في التسمية. قاله في المغني (1) والشرح (2). وأما المعنى فمتفق عليه (ويصح) ما ذكر من الابراء والهبة (إن لم يكن بشرط، مثل أن يقول) أبرأتك أو وهبتك (على أن تعطيني الباقي) فإن فعل ذلك لم يصح، لما يأتي في الهبة من أنه لا يصح تعليقها، ولا تعليق الابراء بشرط (أو يمنعه) أي لا يصح الابراء والهبة إذا منعه المقر (حقه بدونه) أي بدون الابراء أو الهبة فلا يصح، لأنه من أكل أموال الناس بالباطل (ولا يصح ذلك) أي ما ذكر من الابراء والهبة (ممن لا يملك التبرع كالمكاتب، و) العبد أو المميز (المأذون له) في التجارة (و) لا من (ولي اليتيم وناظر الوقف، ونحو هم) كالوكيل في استيفاء الحقوق لأن تبرع، وهؤلاء لا يملكونه (إلا في حال الانكار، وعدم البينة) فيصح، لأن استيفاء البعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه (ويصح) الصلح (عما ادعى) بالبناء للمفعول. به (على موليه، وبه بينة) للمدعي، لأنه مصلحة للمولى لعيه، فإن لم يكن به بينة لم يصح (وإن صالح) رشيد (عن) دين (مؤجل ببعضه حالا، لم يصح) الصلح، لأنه ببذل القد الذي يحطه عوضا عن تعجيل ما في ذمته، أشبه ما لو أعطاه عشرة حالة بعشرين مؤجلة (إلا في) دين (كتابة) فإذا عجل المكاتب البعض وأبرأه السيد من الباقي صح، لان الربا لا يجري بين المكاتب وسيده في دين الكتابة، كما تقدم (وإن وضع) أي أسقط رب الدين (بعض) الدين (الحال، وأجل باقيه) بأن كان له عليه مائة حالة أبرأه منها بخمسين مؤجلة (صح الاسقاط) لأنه أسقطه عن طيب نفسه، وليس في مقابلة تأجيله، فوجب أن يصح كما لو أسقطه كله (دون التأجيل) لأن الحال لا يتأجل، و (لأنه وعد) فلا يلزم الوفاء به، وكذا لو صالحه عن مائة صحاح بخمسين مكسرة، وهو إبراء في خمسين، ووعد في الأخرى (وإن صالح) من عليه حق (عن الحق بأكثر منه من جنسه، مثل أو يصالح عن دية الخطأ) بأكثر منها من جنسها (أو) صالح (عن قيمة متلف متقوم بأكثر منها من جنسها لم يصح) الصلح لأن الدية والقيمة ثبتت في الذمة مقدرة، فلم يجز أن يصالح عنها بأكثر منها من جنسها، إذ الزائد لا مقابل له، فيكون حراما، لأنه من أكل المال بالباطل، و (كمثلي)
457 أتلفه وصالحه عنه بأكثر من مثله من جنسه (وإن صالحه عن دية الخطأ وقيمة المتلف بعرض قيمته أكثر منها) أي من دية الخطأ أو قيمة المتلف (صح) الصلح (فيهما) أي في مسألة الدية ومسألة القيمة، لأنه لا ربا بين العوض والمعوض، فصح، كما لو باعه ما يساوي خمسة بدرهم (ويصح) الصلح عن المثلى (المتلف بأكثر) من قيمته (وبعرض من غير جنسه، لما سبق) وإن صالحه (صاحب بيت) ببعض بيت أقر له به (لم يصح) الصلح، لأنه صالحه عن بعض حقه ببعضه (أو) صالحه (على أن يسكنه) المقر سنة، (أو) صالحه على أن (يبني له) المقر فوقه (أي فوق البيت المقر به) غرفة لم يصح (الصلح، لأنه صالحه عن ماله على ماله، أو منفعته،) وإن أسكنه (السنة أو) بعضها أو بنى له فوقه غرفة (كان) ذلك تبرعا منه (أي من صاحب البيت بمنافعه) متى شاء (المقر له أخرجه منها) أي من الدار المعلومة من ذلك البيت، لأن كالعارية (وإن أعطاه) أي أعطى المقر له المقر (بعض داره بناء على هذا) الصلح، لم يلزم الاعطاء لترتبه على الصلح الفاسد (فمتى شاء) المقر له (انتزعه) أي ما أعطاه له (منه) أي من المقر (وإن فعل) المقر له (ذلك أي ما ذكر، بأن أسكنه البيت أو أعطاه بعضه، أو بنى له فوقه غرفة (على سبيل المصالحة معتقدا أن ذلك وجب على الصلح رجع) المقر له (عليه) أي على (بأجرة ما سكن) في الدار (أو أجرة ما كان في يده من الدار) إذا كان في يده بعضها (وإن بنى) المقر (فوق البيت غرفة) بناء على السطح (أجبر) بالبناء للمفعول أي المقر (على نقضها) لأنه وضعها بغير حق (و) أجبر أيضا على أداء (أجرة السطح مدة مقامه في يده) لأنه بيده بعقد فاسد (وله) أي المقر (أخذ آلته) التي بنى بها الغرفة لبقائها في ملكه (وإن اتفقا) الذي المقر والمقر له بالبيت الذي بيت فوقه الغرفة (على أن يصالحه صاحب البيت عن بنائه) الذي هو الغرفة (بعوض جاز) الصلح لأن الحق لهما (وإن بنى) المقر (الغرفة بتراب من أرض صاحب البيت، وآلاته، فليس له) أي للمقر (أخذ بنائه، لأنه ملك صاحب البيت) لا حق لمقر فيه، ولا رجوع له
458 بمؤنة التالف كالغاصب (وإن أراد) الباني بتراب صاحب البيت وآلاته (نقض البناء لم يكن له ذلك، أي نقض النباء لأنه لا حق له فيه (إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف به) أي بالبناء، وتصح البراءة منه، كما يأتي في الغصب (وإن قال) رب الدين لمدين (أقر لي بديني وأعطيك) أو خذ (منه) أو من غيره (مائة ففعل) أي أقر له بدينه (صح الاقرار) لأن أقر بحق يحرم عليه إنكاره (ولم يصح الصلح) لأن يجب عليه الاقرار بما عليه من الحق، فلم يحل له أخذ العوض عما يجب عليه فإن أخذ شيئا رده (وإن صالح) شخص (إنسانا مكلفا ليقر له بالعبودية) أي بأنه مملوكه، لم يصح الصلح (أو) صالح امرأة مكلفة لتقر له بالزوجية، (لم يصح) الصلح، لأن ذلك صلح يحل حرما، لأن إرقاق النفس وبذل المرأة نفسها بعوض لا يجوز (وإن دفع المدعى عليه العبودية) مالا للمدعي صلحا عن دعواه، صح لأنه يجوز أن يعتق عبده بعوض الخلع، والمرأة تبذله لقطع الخصومة (فإن ثبتت الزوجية بعد ذلك) أي بعد دفعها كعوض له (بإقرارها أو ببينة، فالنكاح باق بحاله) لأن لم يوجد من الزوج طلاق ولا خلع (ولم يكن ما أخذه) من العوض (صلحا) عن دعوى الزوجية (خلعا) لأنها لم تدفعه في مقابلة إبانتها، لأنها لم تعترف بالزوجية حتى تطلب الإبانة (وإن) طلقها وأنكر ف (دفعت إليه مالا ليقر لها بما وقع) منه (من طلاقها، صلح) لأنه يجوز لها أن تبذل له مالا ليبينها (وحرم عليه الاخذ) لان الاقرار بما وقع منه واجب عليه، فلا يجوز له أن يعتاض عنه (ولو طلقها ثلاثا أو) طلقها (أقل) من ثلاث (فصالحها على مال لتترك دعواها) الطلاق (لم يجز) الصلح، لأنه يحل حراما. فصل النوع الثاني من نوعي الصلح على إقرار (أن يصالح عن الحق المقر به بغير جنسه، فهو معاوضة) أي بيع كما اعترف لو له
459 بعين في يده أو دين في ذمته ثم عوض عنه ما يجوز تعويضه، وهو ينقسم ثلاثة أقسام، نبه عليها بقوله (فإن كان بأثمان عن أثمان فصرف، له حكمه) لأن بيع أحد النقدين بالآخر يشترط له القبض في المجلس (و) إن كان (بعرض عن نقد، أو) كان (عن العرض بنقد، أو) كان عن العرض (بعرض، فبيع) يشترط فيه العلم، لأنه مبادلة مال بمال (و) الصلح (عن دين يصح بغير جنسه بأكثر من الدين وأقل) منه، لأنه بيع (بشرط القبض) قبل التفرق لئلا يصير بيع دين بدين (ويحرم) الصلح عن الدين (بجنسه) إذا كان مثليا (مكيلا أو موزونا) لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيه (بأكثر) من الدين (أو أقل) منه (على سبيل المعاوضة) لأنه ربا (لا) إن ترك له بعض الدين وأخذ الباقي (على سبيل الابراء أو الحطيطة) كما لو أبرأه من الكل، وتقدم، وإن كان الدين غير مكيل ولا موزون وصالحه عنه بأكثر منه من جنسه، لأن الواجب في غير المثلى قيمته، فالصلح في فالصلح في الحقيقة عن القيمة، وهي إنما تكون من النقدين، فاختلف الجنس، فلا ربا (وإن كان) الصلح عن نقد أو عرض (بمنفعة كسكنى دار وخدمة عبد) مدة معلومة (أو) صالحه عن ذلك (على أن يعمل له عملا معلوما) كخياطة ثوب وبناء حائط (ف) - هو (إجارة) لأنها بيع المنافع (تبطل بتلف الدار وموت العبد لا عتقه أو بيعه أو هبته (كسائر الإجارات، فإن كان) التلف (قبل استيفاء شئ من المنفعة) انفسخت (ورجع بما صالح عنه) من دين أو عين (وإن كان) التلف (بعد استيفاء بعضها) أي بعض المنفعة انفسخت فيما بقي، و (رجع بقسط ما بقي) من المدة (وإن صالحه) أي صالح المقر المقر له بدين أو عين (على أن يزوجه أمته، وكان) المقر له (ممن يجوز له نكاح الإماء) بأن (صداقها) لأنهما جعلاه ف - نظير تزوجها (فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصدق) كفسخه لعيبه (رجع الزوج) المقر له على المقر (بما صالح عنه) من دين أو عين، لعوده إليه بالفسخ (وإن طلقها) الزوج (قبل الدخول) تنصف الصداق، و (رجع) الزوج
460 (بنصفه) أي بنصف ما صالح عنه، وإن طلقها بعد الدخول ونحوه فلا رجوع له بشئ لتقرر الصداق بنحو الدخول (وإن صالح) البائع (عن عيب مبيع بشئ) أي عين، كدينا أو منفعة، كسكنى دار معينة (صح) الصلح، لأنه يجوز أخذ العوض عن عيب المبيع (فإن بان أنه) أي المصالح عنه (ليس بعيب) كانتفاخ بطن أمة ظن أنه حمل فتبين عدمه (أو زال) العيب (سريعا كما يأتي، رجع) البائع على المشتري (بما صالح به) لظهور عدم استحقاق المشتري له لعدم العيب في الأولى وزواله في الثانية، بلا ضرر يلحقه (وإن صالحت المرأة) عن دين أو عين أقرت به (بتزويج نفسها، صح) الصلح والنكاح (وكان ما أقرت به من دين أو عين صداقا لها) لأن عقد التزويج يقتضي عوضا، فإذا جعلت ذلك عوضا عن الحق الذي عليها، صح، كغيره، ويكون عقد النكاح من الولي بحضرة شاهدي عدل، على ما يأتي تفصيله في النكاح، ولم ينبهوا عليه لظهوره (وإن كان الصلح) بتزويجها (عن عيب) أقرت به في مبيعها وانفسخ نكاحها بما يسقط به صداقها) لمجئ الفرقة من قبلها كفسخها أقرت به في مبيعها وانفسخ نكاحها بما يسقط به صداقها) لمجئ الفرقة من قبلها كفسخها لعيبه (رجع) الزوج (عليها بأرشه) أي أرش العيب وهو قسط ما بين قيمته صحيحا ومعينا من ثمنه كما تقدم، لأنه صداقها (وإن لم ينفسخ النكاح وتبين عدم العيب كبياض في عين العبد) الذي باعته (ظنة عمى، وزال) البياض (سريعا بغير كلفة وعلاج، ولم يحصل به تعطيل نفع، رجعت بأرشه) على الزوج وهو المشتري، لأنه صداقها الذي رضيت به، كما لو تزوجها على عبد فبان حرا ونحوه (لا بمهر مثلها) لأنها مسمى لها (وإن صالح عما في الذمة) من نحو قرض وقيمة متلف (بشئ من الذمة لم يجز التفريق قبل القبض، لأن بيع أقربه (على دراهم) أو دنانير (جاز على الوجه يجوز به بيع الزرع، على ما ذكر في البيع) أي بيع الأصول والثمار، نحو أن يكون بعد اشتداد حبه، أو بشرط القطع في حال (ويصح) الصلح (عن المجهول بمعلوم، إذا كان) المجهول (مما لا يمكن معرفته) وقوله (للحاجة، نصا) متعلق فيصح، علة له (سواء كان) المجهول (عينا أو دينا، أو كان المجهول
461 من الجانبين، كصلح الزوجة عن صداقها الذي لا بينه لها به، ولا علم لها ولا للورثة بمبلغه، وكذلك الرجلان بينهما معاملة وحساب قد مضى عليه زمن طويل ولا علم لكل منهما بما عليه لصاحبه، أو) كان الجهل (ممن هو) أي الدين (عليه) إن كان عليه حق (لا على به بقدره، ولو علمه صاحب الحق، ولا بينه له) بما يدعيه، وقوله (بنقد) أي حال (ونسيئة) متعلق بيصح، لقوله صلى الله عليه وسلم لرجلين اختصما في مواريث اندرست بينهما استهما وتوخيا الحق، وليحلل أحدكما صاحبه) رواه أحمد وأبو داود، ولأنه إسقاط حق فصح في المجهول في المجهول كالعتاق والطلاق، ولو قيل: بعدم جوازه لأفضى إلى ولأنه ضياع الحق، والبيع قد يصح في المجهول في الجملة كأساسات الحيطان فإن كان الصلح بمجهول لم يصح لان تسليمه واجب، والجهالة تمنعه (فإن أمكن معرفته) أي المجهول (ولم تتعذر) معرفته (كتركة موجودة صولح بعض الورثة عن ميراثه منها) ولم يعرف كميته (لم يصح الصلح) في ظاهر نصوصه. وهذا ظاهر ما جزم به في الارشاد. وقطع به الشيخان والشرح (2) لعدم الحاجة. قال أحمد: إن صولحت المرأة من ثمنها لم يصح الصلح. واحتج بقول شريح. وقدم قي الفروغ والمبدع (3) واقتصر عليه في التنقيح والمنتهى: أنه كبراءة من مجهول، أي إن قلنا الصلح عن المجهول. صلح الصلح وإلا فلا. قال في التلخيص: وقد نزل أصحابنا لقطع النزاع انتهى. وظاهر هذا: لا فرق بين الدين والعين، قال في المبدع (4): وقيل لا يصح عن أعيان مجهولة، لكونه إبراء (ولا تصح البراءة من عين بحال) أي سواء كانت معلومة أو مجهولة بيد المبرئ أو المبرأ، ويأتي في الصداق: إذا كانت العين بيد أحدهما وعفا الذي ليست بيده، يصح بلفظ العفو والابراء والهبة ونحوها، وهو ظاهر كلام
462 المغني (1) والشرح (2)، لكن مقتضى ما قدمه في الفروع والرعاية: عدم صحة الهبة بلفظ الابراء والعفو، ولو كانت العين بيد الموهوب كما نيه عليه ابن قندس في حاشية المحرر في المجهول عدم صحة الصلح عنه، لأنه أوسع، بدليل ما لو صالح الورثة من وصي له بخدمة أو سكنى أو حمل أمة بدراهم مسماة، فإنه يصح الصلح، كما في المنتهى وغيره، مع أنه لا يجوز بيع ذلك، والحمل عين، فلا تصح البراءة منه. فصل القسم الثاني من قسمي الصلح (الصلح على إنكار) وذلك (بأن يدعي) إنسان (عليه عينا في يده، أو دينا في ذمته فينكره) المدعى عليه (أو يسكت وهو يجهله) أي المدعى به (ثم يصالح على مال، فيصح) الصلح في قول أكثر العلماء، لعموم ما سبق. فإن قال صلى الله عليه وسلم إلا صلحا أحل حرما (3) وهذا داخل فيه، لأنه لم يكن له أن يأخذه من مال المدعى على فحل بالصلح. قال جواب: أنه لا يصلح دخوله فيه، ولا يمكن حمل الخبر عليه لأمرين، أحدهما: أن ما ذكرتم يوجد في الصلح صحيحا، أن الصلح الفاسد لا يحل الحرام، وإنما معناه ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه على تحريمه، نحو أن يصالح حرا على استرقاقه (بنقد ونسيئة) متعلق بيصح، لأن المدعي ملجأ إلى التأخير بتأخير خصمه (ويكون) الصلح على (المال المصالح
463 به بيعا في حق المدعي) لأنه يعتقده عوضا عن حقه، فيلزمه حكم اعتقاده (فإن وجد) المدعي (فيما أخذه) ما المال (عيبا فله رده وفسخ الصلح) أو إمساكه مع أشه، كما لو اشترى شيئا فوجده معيبا (وإن كان) ما أخذه المدعي عوضا عن دعواه (شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة) لشريك المدعى عليه لأنه بيع، لكونه أخذه عوضا كما لو اشتراه. (ويكون) صلح الانكار (إبراء في حق المنكر، لأنه دفع إليه) أي المدعي (المال افتداء ليمينه، ودفعا للضر ر عنه) من التبذل والخصومة، ولا عوضا عن حق يعتقده عليه (فإن وجده) المنكر (بالمصالح عنه عيبا لم يرجع به) أي بما دفعه من المال، ولا بأرشه (على المدعي وإن كان) ما صالح به المنكر (شقصا لم تثبت فيه الشفعة) لاعتقاده أنه ليس عوضا (ولو دفع المدعى عليه) المنكر (إلى المدعي ما ادعاه أو بعضه مصالحا به) كان المدع فيه كالمنكر، و (لم يثبت فيه حكم البيع ولا الشفعة) لأن المدعي يعتقد أنه أخذ ماله أو بعضه مسترجعا له ممن هو عنده، فلم يكن بيعا كاسترجاع العين المغصوبة، وإن ادعى على آخر وديعة أو قرضا، أو تفريطا في وديعة أو مضاربة، فأنكره واصطلحا، صح لما تقدم (و) شرط مسترجعا صلح بالانكار: أن يعتقد المدعي حقيقة ما ادعاه، والمدعى عليه عكسه: ف (متى كان أحدهما عالما بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه وما أخذه) العالم بكذب نفسه (حرام عليه) لأنه من أكل المال بالباطل (ولا يشهد له) الشاهد به (طن علم ظلمه) لأنه إعانة على باطل، (وإن صالح عن المنكر أجنبي بإذنه) أي المنكر (أو بغير إذنه اعترف) الأجنبي (للمدعي بصحة دعواه) على المنكر (أو لم يعترف) له بصحتها (صح) الصلح (سواء كان) المدعى به (دينا أو عينا، ولو لم يذكر) الأجنبي (أن المنكر وكله) في الصلح عنه، لأنه قصد براءته وقطع الخصومة عنه، أشبه ما لو قضى دينه (ويرجع) الأجنبي على المنكر بما دفعه عن العوض (مع الاذن) في الأداء أو في الصلح (فقط) أما مع الاذن في الأداء فظاهر، وأما مع الاذن في الصلح فقط، فلأنه يجب عليه الأداء بعقد الصلح، فإذا أدى فقد أدى واجبا عن
464 غيره محتسبا بالرجوع، فكان له الرجوع وأما إذا لم يأذنه في الصلح ولا في الأداء فلا رجوع له، ولو نوى الرجوع عليه، لأنه أدى مالا يلزمه أداؤه، فكان متبرعا (وإن صالح الأجنبي المدعي بنفسه لتكون المطالبة له) أي للأجنبي حال كونه (غير معترف بصحة الدعوى، أو معترفا بها، والمدعى به دين) لم يصح مطلقا (أو) المدعى به (عين) فإن كان الأجنبي منكرا، لم يصح الصلح أيضا مطلقا، وإن كان الأجنبي مقرا بها (عالما بعجزه عن استنقاذها، لم يصح) الصلح (فيهن) أي فيا ذكر من المسائل (لكونه شراء مال م يثبت البائع) ولم يتوجه إليه خصومة يفتدي منها، وهذا تعليل لعدم صحة الصلح فيما إذا كان الأجنبي منكرا (أو) لكونه شراء (دين لغير من هو في ذمته) تعليل لعدم صحة الصلح من الأجنبي عن الدين، مع إقرار الأجنبي به (أو) لكونه شراء (مغصوب لا يقدر على تخليصه) تعليل لعدم صحة صلح الأجنبي عن العين مع إقرار ه بها، إذا كان الأجنبي عالما بعجزه عن استنقاذها (وتقدم حكمهن) أي حكم هذه المسائل، بعضها (في السلم،، و) بعضها في (البيع) بل مسألة الدين تكررت فيهما (وإن علم) الأجنبي القدرة (ثم تبين) له أي على الاستنقاذ من المدعى على (أو) علم أو ظن (عدمهما) أي عدم القدرة (ثم تبين) له (القدرة صح في) - ما إذا كان الأجنبي مقرا والمدعى به (العين فقط لأن الصلح تناول ما يمكن تسليمه، وأما في الدين إذا كان الأجنبي منكرا: فلا يصح مطلقا، لما تقدم ثم إن عجز) الأجنبي بعد أن صالح عن العين المقر بها لتكون له (عن ذلك) أي عن استنقاذها (فهو) أي الأجنبي (مخير بين فسخ الصلح) ويرجع بما دفعه للمدعي، لأن المعقود عليه لم يسلمه له (و) بين (إمضائه) أي الصلح، ويصبر حتى يقدر على استنقاذها. تنبيه إذا قال الأجنبي: أنا وكيل المدعى عليه في مصالحتك، وهو مقر لك في الباطن. فظاهر الخرقي: أنه لا يصح لأنه هضم للحق (1). وقال القاضي (2): يصح، ومتى
465 صدقه المنكر ملك العين ولزمه ما ادعى عن بإذنه، وإن أنكر الوكالة حلفه وبرئ وأما ملكها في الباطن فإن كان وكله فلا يقدح انكاره، وإن كان يوكله لم يملكها، وإن قال الأجنبي للمدعي: قد عرف المدعى صحة دعواك، وهو يسألك أن تصالحه عنه. وقد وكلني في المصالحة عنه، صح. لأنه لم يمتنع أقر قبل الصلح لم تسمع، ولم ينقض الصلح، ولو شهدت بأصل الملك. فصل في الصلح عما ليس بمال (ويصح الصلح عن كل ما يجوز العوض عنه سواء كان) المصالح عنه (مما يجوز بيعه) من عين ودين (أم لا يجوز بيعه وكقصاص عيب وسعيد بن العاص بذلوا للذي وجب له القصاص على هدبد بن خشرم سبع ديات، فأبي أن يقبلها، ولان المال غير متعين، فلا يقع العوض في مقابلته (و) يصح الصلح عن القصاص أيضا (بدية وبأقل منها. وبكل ما ثبت مهرا) وهو أقل متمول (حالا) كان (أو مؤجلا) لأنه يصح إسقاطه مجانا، فعلى ذلك أولى (و) يصح الصلح (عن سكنى الدار) التي يستحقها بإجارة أو وصية ونحوها (و) عن (عيب المبيع) قال في المجرد: وإن لم يصح بيع ذلك، لأنه لقطع الخصومة (ولو صالح) الجاني (عن القصاص بعبد أو غيره) كأمة ودار (فخرج) العبد (مستحقا أو حرا) أو كانت الأمة كذلك، أو الدار مستحقة أو موقوفة (رجع) ولي القصاص (بقيمته) أي قيمة العبد أو نحوه لتقذر تسليمه، فيرجع إلى بدله (وإن علما) أي المتصالحان (كونه) أي العبد أو نحو (مستحقا أو حرا) لم يصح (أو كان) المصالح به عن القصاص (مجهولا كدار وشجرة بطلت التسمية) لعلمهما بطلانها (ووجبت الدية) لرضا مستحق القصاص بإسقاطه (أو) وجب (أرش الجرح) إن كانت الجناية جرحا وعفا على مجهول، أو نحو
466 حر يعلمانه (وإن صالح) الجاني (على حيوان مطلق من آدمي) كعبد أو أمة غير معينين ولا موصوفين (أو) صالح على حيوان مطلق (غيره) أي غير آدمي كفرس أو بعير غير معين، ولا موصوف (صح) الصلح (ووجب الوسط) لأنه أقرب للعدل بينهما (ولو صالح) المدعى عليه الدار) المصالح عنها (أو) رجع في (- ما صالح عنه) بعبد، فبان (حرا، رجع) المدعي (في بقيمته إن كان) المصالح عنه متقوما (تالفا) وإن كان مثليا فبمثله (لأن الصلح هنا بيع حقيقة إذا كان عن إقرار) فإذا تبين أن العوض كان مستحقا أو حرا، كان البيع فاسدا، فيرجع فيما كان له (وإن كان) الصلح (عن إنكار) وظهر العوض مستحقا أو حرا (رجع) المدعي (بالدعوى) أي إلى دعواه قبل الصلح لتبين بطلانه (ولو صالح) إنسان (سارقا أو شاربا أو زانيا ليطلقه ولا يرفعه للسلطان) لم يصح الصلح، لأن الرفع إلى السلطان ليس حقا يجوز الاعتياض عنه (أو) صالح (شاهدا على أن لا يشهد على بحق آدمي، أو بحق الله، كزكاة ونحوها، أو) لئلا يشهد عليه (بما يوجب حدا، أو) صالحه (على أن لا يشهد عليه بالزور) لم تصح، على حرام، أو على تركه، ولا يجوز الاعتياض عنه (أو) صالح (شفيعا عن شفعة) لم يصح، لأنها ثبتت لإزالة الضرر، فإذا رضي بالعوض تبينا أن لا ضرر، فلا استحقاق، فيبطل العوض لبطلان معوضة، نقل ابن منصور: الشفعة لا تباع ولا تباع ولا توهب وأما الخلع فهو معاوضة عما ملكه بعوض، وههنا بخلافه (أو) صالح قاذف (مقذوفا) عن حد القذف، لم يصح، وإن قلنا، هو له، فليس له الاعتياض عنه لأنه ليس بمال ولا يؤول إليه، بخلاف القصاص، (أو صالح بعوض عن خيار) في بيع أو إجازة (لم يصح الصلح) لأن الخيار لم يشرع لاستفادة مال، وإنما شرع للنظر في الأحظ، فلم يصح الاعتياض عنه (وتسقط الشفعة وحد القذف) والخيار لرضا مستحقها بتركها (وإن صالحه على موضع قناة من أرضه يجري فيها) أي القناة (المأة وبينا موضعها) أي القناة (و) بينا (عرضها وطولها جاز) الصلح بعوض معلوم، لأنه إما بيه أو إجارة، وكلا هما جائز (ولا
467 حاجة إلى بيان عمقه، لأنه إذا ملك الموضع كان له إلى تخومه، فله أن ينزل فيه ما شاء) إن كان بيعا (وطن كان إجارة) بأن تصالحا على إجراء الماء فيها مع بقاء الملك بحاله (اشترط ذكر العمق) كما في الكافي (1). وأطلق في الفروع والانصاف (2) والمنتهى وغيرها: لا يشترط ذكر العمق.. قال في شرح المنتهى: لأنه إذا ملك عين الأرض أو نفعها كان له إلى التخوم. فله أن ينزل فيها ما شاء (3) (وإن صالحه عليه إجراء الماء في ساقية) أي قناة (من أرض رب الأرض مع بقاء ملكه) أي رب الأرض (عليها) أي أرض الساقية (فهو إجارة للأرض) لأن بيع منفعتها بعوض معلوم (يشترط فيه تقدير المدة وسائر شروط الإجارة)، كسائر شروط الإجارة) كسائر الإجارات، قطع به في الكافي (4) والمغني (5). ومقتضى كلامه في الانصاف (6). كالفروع وغيره، لا يعتبر بيان المدة للحاجة، وتبعهم في المنتهى (ويعلم تقدير الماء) الصالح على إجرائه في الساقة (بتقدير الساقية) التي يخرج منها الماء إلى الموضع الذي يجري فيه من أرض المصالح، لأن لا يمكن أن يجري فيها أكثر من مثلها (وإن كانت الأرض في يد رجل بإجارة جاز له) أي للمستأجر فها (مدة لا تجاوز مدة الإجارة) لأن يملك المنفعة، فكان له أن يستوفيها بنفسه ويمن يقوم مقامه (وإن لم تكن الساقية محفورة لم يجز) للمستأجر (أن يصالحه على ذلك) أي على إجراء ساقية فيها (لأنه) يحتاج إلى إحداث الساقية والمستأجر (لا يجوز) له (إحداث ساقية في أرض في يده بإجارة، فإن كانت الأرض بي يده وقفا عليه) وأراد أن يصالح على إجراء الماء في ساقية في الأرض
468 لا موقوفة (ف) الموقوف عليه (كالمستأجر) إ كانت محفورة جاز وإلا فلا، قاله القاضي وابن عقيل، وقال المغني: والأولى أنه يجوز له حفر الساقية لأن الأرض له، وله التصرف فيها كيف شاء، ما لم ينقل الملك فيها إلى غيره () قال في الفروغ: فدل أن الباب والخوخة والكوة ونحو ذلك لا يجوز في مؤجرة، وفي موقوفه الخلاف، ويجوز قولا واحدا: گ گ، وهو أولى، وظاهره: لا تعتبر المصلحة، وإذن الحاكم، بل عدم الضرر انتهى. قلت ينبغي أن يكون ناظر الوقف وولي اليتيم كالمستأجر إن رأى مصلحة وإلا فلا، وفي المنتهى: وموقوفه كمؤجرة وهي تشمل الموقوفة على معين أو غيره (وكذا المستعير) له أن يصالح على إجراء الماء في ساقية محفورة بالأرض المستعارة كالمستأجر، وليس له أن يصالح على إحدائها، وهذا ما جزم به في الانصاف (2) وغيره، وف يه نظر لأن المستعير لا يملك المنفعة، فكيف يصالح عليها؟ ولهذا لا يجوز أن يؤجر ولا يعير، وعلى تسليم الصحة ينبغي أن يكون العوض المصالح به عن ذلك لمالك الأرض، كما يأتي فيما لو أجرها بإذن معير (وأن صالحه على إجراء ماء سطحه من المطر على سطحه، أو) صالحه على إجراء ماء المطر (في أرضه) حال كون الماء (من سطحه، أو) صالحه على إجراء ماء المطر (في أرضه) حال كونه (عن أرضه، جاز) الصلح في ذلك (إذا كان ما يجري ماؤه) من أرض أو سطح (معلوما) لهما (إما بالشاهدة بصغر السطح) والأرض (وكبر هما) فاشترط معرفتهما (ويشترط) أيضا (معرفة الموضع الذي يخرج منه الماء إلى السطح) أو إلى الأرض، دفعا للجهالة (ولا تفتقر) صحة الإجارة (إلى ذكر المدة لدعوى الحاجة) إلى تأبيد ذلك (فيجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة غير مقدر مدة، كنكاح، لكن قال) ابن
469 رجب (في القواعد) في السابعة والثمانين (ليس بإجارة محضة، لعدم تقدير المدة) بل هو شبيه البيع (بخلاف الساقية) التي يجري فيها غير ماء المطر (فكانت بيعا تارة وإجارة) تارة الذي يجري عليه الماء مستأجرا أو عارية، لم يجز أن يصالح) المستأجر أو لا مستعير (على الذي يجرى ي عليه الماء مستأجر أو عارية لم يجز أن يصالح) المستأجر أو المستعير (على أجراء الماء عليه بغير إذن مالكه) أما في السطح فلتضرره بذلك، وأما في الأرض فلأنه يجعل لغير صاحب لأرض رسما، فربما ادعى ملكها بعد (ويحرم إجراء ماء في ملك إنسان بلا إذنه، ولو مع معدم تضرره، أو) مع عدم (تضرر أرضه) بذلك، أي إجرائه في ملك غيره، لملك الغير بغير إذنه (ولو كان) رب الماء (مضرورا إلى ذلك) أي إجرائه في ملك غيره، فلا يجوز له لما سبق (ولو صالحه على أن يسقي أرضه من نهره، أو) من (عينه) أو بئره (مدة ولو معينة، لم يصح) الصلح (لعدم ملكه الماء) لأن الماء العد لا يملك بملك الأرض ربع أو خمس (جاز) الصلح (وكان) ذلك (بيعا للقرار) أي للجزء المسمى من القرار (والماء تابع له) أي للقرار فيقسم بينهما على قدر مال كل منهما فيه (ويصح أن يشتري ممرا في ملك غيره) دارا كان أو غيرها (و) أن يشتري (موضعا في حائط يفتحه بابا، و) فجاز بيعه كالدور (و) يصح أيضا أن يشتري (علو بيت يبني عليه بنيانا موصوفا) أو ليضع عليه خشبة موصوفا، لأنه ملك للبائع، فجار بيعه كالأرض، ومعنى: موصوفا، أي معلوما. قال في المبدع، (1) وظاهره أنه لا يجوز أن يحدث ذلك على الوقف، قال في الاختيارات: وليس لاحد أيبني على الوقف ما يضره اتفاقا، وكذا إن لم يضره عند المجهور (وكذا لو كان البيت) الذي اشترى علوه (غير مبني إذا وصف العلو والسفل) ليكون معلوما، وإنما صح
470 لأنه ملك للبائع، فكان له الاعتياض عنه (ويصح فعل ذلك) أي ما ذكره من اتخاذ ممر في ملك غيره أو موضوع في حائط يفتحه بابا، أو بقعة في أرضه يحفرها بئرا، أو علو بيت يبني عليه بنيانا، أو يضع عليه خشبا معلومين (صلحا أبدا) أي مؤيدا، وهو في معنى البيع (و) فعله (إجارة مدة معلومة) ل. لأن ما جاز بيعه جازت إجارته، قال في المنتهى: وإذا مضت بقي: وله لسقوطه) أي سقوط البنيان أو الخشب (أو) زال (سقوط الحائط) الذي استأجره لذلك (أو) زال (- غير ذلك) كهدمه إياه (ويرجع) المصالح على رب البيت (بأجرة مدة زواله) أي زوال بنائه أو خشبه في أثناء مدة الإجارة سقوطا لا يعود، قاله في المغني (1) (عنه) أي عن البيت. جزم به في الانصاف (2) والمنتهى وغيرهما، وعلى مقتضى ما في الإجارة: إنما يرجع إذا كان من فعل رب البيت، أو من غير فعلهما. أما إن كان من قبل المستأجر وحده، فلا رجوع له (وله) أي لرب البيت (الصلح على زواله) أي إزالة العلو عن بيته (أو) الصلح بعد انهدامه على (عدم عوده) سواء كان ما صالحه به مثل العوض الذي صولح به على وضعه أو أقل أو أكثر، لأن هذا عوض عن المنفعة له، فيصح بما اتفقا عليه. فصل في أحكام الجواز قال صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه من حديث ابن عمر وعائشة، وجاء في معناه أحاديث كلها تدل على مثل ذلك، وهذا الفصل، وضع البيان ما يجب من ذلك (وإن حصل في هوائه) المملوك له هو أو منفعة (أو) في
471 (هواء جدار له فيه شركة) في عنه أو منفعته) في عينه أو منفعته (أغصان شجرة غيره) أو حصلت الأغصان على جداره (فطالبه) أي طالب رب العقار أو بعضه أو منفعة صاحب الأغصان (بإزالتها، لزمه) أي لزم رب الأغصان إزالتها، لأن الهواء تابع للقراء، فوجب إزالة ما يشغله من ملك غيره، كالدابة إذا دخلت ملكه، و طريقه: إما بالقطع أولية إلى ناحية أخرى، وسواء أثر ضررا أو لا (فإن أبى) رب الأغصان إزالتها، (لم يجبر، لأنه) أي حصولها في هوائه (ليس من فعله، ويضمن ربها) أي الأغصان (ما تلف بها بعد المطالبة) قطع به في التنقيح. وصحح في الانصاف عدم الضمان ونقل الضمان عن المعنى (2) والشرح (3). وشرح ابن رزين ونقل في المبدع (4) عن الشرح أنه قدم عدم الضمان، قلت: وقدمه في المغني، وهو قياس ما يأتي في الغصب فيمن مال حائطه، لأنه ليس من فعله، بل جعل في المغني هذه المسألة مبنية على تلك (ولمن حصلت) الأغصان (في هوائه إزالتها) إذ أبى مالكها (بلا حكم حاكم) لأن ذلك إخلاء ملكه الواجب إخلاؤه (فإن أمكنه) أو رب الهواء (إزالتها) أي الأغصان (بلا إتلاف) لها (ولا قطع من غير مشقة، ولا غرامة، مثل أن يوليها ونحوه، لم يجز له إتلافها) كالبهيمة الصائلة إذا اندفعت بدون القتل (فإن أتلفها في هذه الحالة غرمها) لتعديه به (وإن لم يمكنه إزالتها إلا بقطع ونحوه، فله ذلك، ولا شئ عليه) كالصائل إذا لم يندفع إلا بالقتل (وإن صالح) رب الأغصان (عن ذلك) أي عن بقاء الأغصان بهوائه (بعوض لم يصح) الصلح (رطبا كان الغصن أو يابسا) لأن الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقض،
472 وربما ذهب بالكلية (وفي المغني (1): اللائق بمذهبنا صحته) أي الصلح مطلاق (واختاره ابن حامد وابن عقيل وجزم به جماعة) منهم صاحب المنور. وقدمه ابن رزين في شرحه، لان الحاجة داعية إلى ذلك لكثرتها في الأملاك المتجاورة وفي القلع إتلاف وضرر، والزيادة المتجددة يعفى عنها كالسمن الحادث في المستأجر للركوب. قال في المغني (2) وكذلك قوله: دعني أجري في أرضك ماء ولك أن تسقي به ما شئت، وتشرب منه ونحو ذلك (وإن اتفقا) أي رب الهواء والأغصان (على أن الثمرة) أي الأغصان الحاصلة بهواء الجاز (له) أي لصاحب الهواء (أو) أن الثمر (بينهما، جاز) الصلح، لأنه أسهل من القطع (ولم يلزم) الصلح فلكل منهما إبطاله متى شاء، لأنه مجرد إباحة من كل منهما لصاحبه، وصحة الصلح هنا مع جهالة العوض وهو الثمر خلاف القياس لخبر مكحول يرفعه، أيما شجرة ظللت على قوم فهم بالخيار بين قطع ما ظلل أو كل ثمرها (وفي المبهج في الأطعمة: ثمرة غصن في هواء طريق عام للمسلمين) ومعناه أيضا لا ابن القيم في أعلام الموقعين، لأن إبقاءه إذن عرفا تناول ما سقط من ه (و / إن امتد من عروق شجرة إلى أرض جارة) ولو مشتركة (فأثرت) العروق (ضررا كتأثيره) أي الممتد (في المصانع وطئ) أي بنا (الآبار، وأساس الحيطان، أو) كتأثيره في (منعها) أي الأرض التي امتدت إليها العروف (من بنات شجر، أو) نبات (زرع لصاحب الأرض، أو لم يؤثر) الممتد شيئا من ذلك (فالحكم في قطعه) أي إزالته (و) في الصلح عنه كالحكم في الأغصان) على ما تقدم من التفصيل والخلاف (إلا أن العروق لا ثمر لها) بخلاف الأغصان (فإن اتفقا على أن ما ينبت من عروقها لصاحب الأرض) كله (أو جزء معلوما منه، فكالصلح على الثمرة) فيصح جائرا
473 لا زما، قياسا على الثمرة (فإن) وقع الصلح على ذلك و (مضت مدة ثم أبي صاحب الشجرة دفع نباتها) أو ثمرتها (إلى صاحب الأرض فعلية أجرة المثل) لبقائها تلك المدة، لأنه لم يرض بالتبقية إلا على عوض ولم يسلم له (وصلح من مال حائطه) إلى ملك غيره (أو) من (زلق يجوز) لاحد (أن يخرج إلى طريق نافذ جناحا، وهو الروشن) على أطراف خشب مدفونة في الحائط (ولا) أن يخرج (ظلة) أي بناء يستظل به من نحو حر (ولا) أن يخرج (ساباطا، وهو سقيفة بين حائطين تحتها طريق ولا) أن يخرج (دكانا) بضم الدال (وهو الدكة) فتح الدال (المبنية للجلوس عليها. ولا) أن يخرج (ميزابا) لأن ذلك تصرف في ملك غيره بغير إذنه كغير النافذ، وسواء ضر بالمارة أو لا، لأنه إذا لم يضر حالا فقد يضر مآلا (إلا بإذن ونائبه إن لم يكن فيه) أي في الميزاب والجناح والساباط (ضرر) فتجوز هذه الثلاثة لأن الامام أو نائبه نائب المسلمين، فإذنه كإذنهم، ولما روى أحمد أن عمر اجتاز على دار العباس رضي الله عنهما وقد نصب ميزابا إلى الطريق فقلعه، فقال: تقلعه وقد نصبه رسوله الله صلى الله عليه وسلم بيده؟ فقال: والله لا تنصبه إلا على ظهري. فانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه ولان العادة جارية به (وانتفاء الضرر في الساباط) والجناح والميزاب (بحيث يمكن عبور محمل ونحوه تحته) أي الساباط (قال الشيخ: والساباط الذي يضر بالمارة مثل أن يحتاج الراكب أن يحني رأسه إذا مر هناك) أي تحته (وإن غفل) الراكب (عن نفسه رمى) الساباط (عمامته أو شج) الساباط (رأسه، ولا يمكن هناك) أي تحته (فمثل هذا الساباط لا يجوز إحداثه على طريق المارة باتفاق المسلمين. بل يجب على صاحبه) أي الساباط (إزالته، فإن لم يفعل كان على ولاة الأمور إلزامه بإزالته، حتى يزول الضرر، ولو
474 كان الطريق منخفضا) وقت وضع الساباط بحيث لا ضرر فيه إذا ذاك (ثم ارتفع) الطريق (على طول الزمان وجب) على ربه (إزالته) دفعا لضرره (إذا كان الامر على ما ذكر) من أنواع الضرر (وقال) الشيخ (ومن كانت له ساحة يلقي فيها التراب والحيوان) الميت (وتضرر الجيران بذلك، فإنه يجب على صاحبها أن يدفع ضرر الجيران إما بعمارتها أو بإعطائها من بعمرها أو) بأن (يمنع أن يلقي فيها ما يضر بالجيران، وقال) الشيخ (لا يجوز لاحد أن يخرج في طريق المسلمين شيئا من أجزاء النباء، حتى إنه ينهي عن تجصيص الحائط، إلا أن يدخل) رب الحائط به (في حده بقدر غلظ الجص انتهى، ولا يجوز أن يبني أحد في الطريق دكانا، ولو كان الطريق واسعا) لما تقدم (ولو بإذن إمام) أو نائبه، بخلاف الجناح والساباط والميزاب، لأنه تضييق فيها، لأنها في العلو، بخلاف الدكان (ولا أن يفعل ذلك) أي بناء دكان أو إخراج جناح أو ساباط أو ميزاب (في ملك إنسان، ولا هوائه ولا) في (درب غير نافذ إلا بإذن أهله) لأن المنع لحقهم، فإذا رضوا بإسقاطه جاز، وأما الطريق النافذ فالحق فيه لجميع المسلمين، والاذن من جميعهم، غير متصور (ويضمن) من بني دكانا أو أخرج جناحا أو ساباطا أو ميزابا لا يجوز له (ما تلف به) من نفس أو طرف أو مال، لتعدية به (ولا يسقط شئ من ضمانه) أي ضمان له يتلف بسبب ما ذكر من الدكان والجناح ونحوه (يتآكل أصله) وفيه وجه يسقط به نصف الضمان (فإن صالح) رب الميزان والدكان صح) الصلح (ولو في الجناح والسباط) لأن الهواء يصح أخذ العوض عنه، كالقرار كما سبق (بشرط كون ما يخرجه) من جناح أو ساباط أو ميزاب أو دكان (معلوم المقدار في الخروج والعلو) دفعا للجهالة (ولا يجوز) لاحد (أن يحفر في الطريق النافذ بئرا لنفسه سواء جعلها لماء المطر أو استخراج منها ماء) عدا (ينتفع به) ولو بلا ضرر، لأن الطريق
475 ملك للمسلمين كلهم، فلا يجوز أن يحدث فيها شيئا بغير إذنهم، وإذنهم كلهم غير متصور (وإن أراد حفرها) أي البئر (للمسلمين ل) - أجل (نفعهم) مثل أن يحفرها لسقي الناس والمارة من مائها أو لينزل فيها ماء المطر عن الطريق (في طريق ضيق) منع للضرر (أو كانت الطريق واسعة وأراد حفر (في ممر الناس بحيث يخاف سقوط إنسان فيها، أو) كانت) الطريق واسعة وأراد حفرها (في ممر الناس بحيث يخاف سقوط إنسان فيها، أو) يخاف سقوط (دابة فيها (أو) بحيث (يضيق عليهم ممر هم، لم يجز) له حفرها، لان للمسلمين (في زاوية من طريق واسع، وجعل عليها ما يمنع الوقوع فيها جاز) له ذلك، لأنه مصلحة بلا مفسدة (كتمهيدها) أي الطريق (وبناء رصيف فيها) يمر عليه الناس لنحو مطر، وكذا بناء مسجد فيها، ويأتي في الغصب (و) حفر البئر (في درب غير نافذ لا يجوز إلا بإذن أهله) لأن الدر ملك لهم، فليس لأحد التصرف فيه إلا بإذنهم (ولو صالح) من يريد حفر البئر (أهل الدرب عن ذلك بعوض جاز) الصلح، لأن الحق لهم (سواء حفرها لنفسه أو للسبيل، وكذا إن فعل ذلك) أي حفر البئر في ملك (إنسان) لم يجز إلا بإذنه، وإن صالح عنه بعوض جاز (وإذا كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح بابا) فيه (لغير الاستطراق، جاز له، لأن له رفع جميع حائطه) فبعضه أولى (ولا يجوز) له ولات لاحد (الاستطراق) منه (إلا بإذنهم) لأن الملك فيه لهم كما تقدم (وإن صالحهم) عن ذلك بعوض (جاز) الصلح، وكان لازما، لأن ذلك حقهم، فجاز لهم أخذ العوض عليه، كسائر الحقوق (ويجوز) لمن ظهر داره (في درب نافذ) أن يفتح له بابا للاستطراق، لأن الحق فيه لجميع المسلمين، وهو من جملتهم، ولا ضرر فيه على المجتازين (قال الشيخ: وإن كان له باب في درب غير نافذ يستطرق منه استطراقا خاصا، مثل أبواب السر التي يخرج منها النساء أو الرجل المرة بعد المرة، هل له أن يستطرق منها استطراقا عاما؟ ينبغي أن لا يجوز هذا انتهى) لأن الظاهر أنه
476 إنما استحق الاستطراق كذلك، فلا يتعداه (ويحرم) على الجار (إحداثه في ملكه ما يضر بجاره) لخير (لا ضرر ولا ضرار) احتج به أحمد (ويمنع) الجار (منه) أي من إحداث ما يضر بجاره (إذا) أراد (فعله) لما تقدم (ك) - ما يمنع من (ابتداء إحيائه) ما يضر بجاره، وأمثلة إحداث ما يضر بالجار (كحفر كنيف إلى جنب حائط جاره) يضره (وبناء حمام يتأذى بذلك ونصب تنور يتأذى) جاره (كحفر كنيف إلى جنب حائط جاره) يضره (وبناء حمام يتأذى بذلك ونصب تنور يتأذى) جاره (باستدامة دخالة، وعمل دكان قصارة أو حدادة يتأذى بكثرة دقه، و) يتأذى (بهز الحيطان) من ذلك (و) نصب (رحى) يتأذى بها جاره (وحفر بئر ينقطع بما ماء بئر جاره، وسقي، وإشعال نار يتعديان إليه) أي إلى الجار (ونحو ذلك) من كل ما يؤديه (ويضمن) من أحدث بملكه ما يضر بجاره (ما تلف به) أي بسبب الاحداث، لتعديه به (بخلاف طبخه) أي الجار (وخبزه فيه) أي في ملكه على العادة، فلا يمنع من ذك لان الضرر لا يزال بالضرر (ويمنع) رب حمام ونحوه (من إجراء ماء الحمام) ونحوه (في نهر غيره) لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه (وإن كان هذا الذي حثل من الضرر) للجار من حمام ورحى ونحوهما (سابقا) على ملك الجار (مثل من له في ملكه مدبغة ونحوها) من رحى وتنور (فأحيا إنسان إلى جانبه مواتا أو بناه) أي بنى (دارا). قلت أو اشترى دارا بجانبه بحيث (يتضرر) صاحب الملك المحدث (بذلك) المذكور من المدبغة ونحوها (لم يلزمه) أي صاحب المدبغة ونحوها (إزالة الضرر) لأنه لم يحدث بملكه ما يضر بجاره (وليس له) أي الجار (منعه) أي منع جاره (من تعلية داره ولو أفضى) إعلاؤه (إلى سد القضاء عنه) قاله الشيخ، قال في الفروع: وقد احتج أحمد بالخبر لا ضرر ولا ضرار فيتوجه منه منعه (أو خاف) أي ليس للجار منع جاره من تعلية بناته ولو خاف (نقص أجرة داره) قال الشيخ: لا نزاع قال في الفروع: كذا قال (وإن حفر) إنسان (بئرا في ملكه فانقطع ماء بئر جاره أمر) حافر البئر (بسدها ليعود ماء البئر الأول) لأن الظاهر أن انقطاعه بسببها
477 (فإن) سد الثاني بئره و (لم يعد) ماء الأولى (كلف صاحب البئر الأول حفر البئر التي سدت لأجله من ماله) لأنه تسبب في سدها بغير حق (ولو ادعى) إنسان (أن بئره فسدت من خلاء جاره أو) من (بالوعته، وكانت البئر أقدم منها) أي من الخلاء والبالوعة (طرح في الخلاء أو البالوعة نفط)، فإن لم يظهر طعمه ولا رائحته في البئر علم أن فسادها بغيره أي غير الخلاء الخلاء والبالوعة نقل ذلك) أي الخلاء والبالوعة، دفعا لضرره (إن لم يمكن إصلاحها) بنحو بناة ء يمنع وصوله إلى البئر، وإن كانت البئر بعد هما لم يكلف ربهما نقلهما مطلقها، لأنه لم يحدثهما، وإنما رب البئر أحدثها (ولو كان لرجل مصنع (جاره غرس شجرة مما تسري عروقه كشجرتين ونحوه) كجميز (فيشق) عرفه (حائط مصنع جاره ويتلفه، لم يملك) جاره (ذلك) لما فيه من ضرر جاره، فإن فعل ضمن (وكان لجاره منعه) من غرسها (و) لجاره (قلعها إن غرسها) دفعا لضررها (ولو أن بابه في آخر درب غير نافذ ملك نقله) أي الباب (إلى أوله) أي الدرب، لأنه ترك بعض حقه، لأنه له الاستطراق إلى آخره (إن لم يحصل منه ضرر، كفتحه مقابل باب غيره ونحوه) كفتحه عاليا يصعد إليه بسلم يشرف منه على دار غيره (و) إن كان بابه في أول الدرب أو وسط (لم يملك نقله إلى داخل منه) تلقاء صدر الزقاق، لأن يقدم بابه إلى موضوع الاستطراق له فيه (إن لم يأذن) له (من فوقه) أي من هو داخل عنه، فإن أذن جاز (ويكون إعارة إن أذنوا) فإذا سده ثم أراد فتحه لم يملكه إلا بإذن متجدد، ليكن ليس للآذن الرجوع بعد فتحه ما دام مفتوحا، قياسا على ما قالوه فيما لو أذن لجاره في البناء على حائط، أو وضع خشبه عليه، ليس له الرجوع، لأنه إضرار به، ذكره في شرح المنتهى (1) (وحيث نقله) أي الباب عن آخر الدرب (إلى أول الدرب، فله رده إلى
478 موضعه الأول) لأن تركه لبعض حقه لا يسقطه فله الرجوع متى شاء (ولو كان له داران متلاصقان ظهر كل واحد منهما إلى ظهر الأخرى، وباب كل واحدة منهما في درب غير نافذ، فرفع) صاحب الدارين (الحاجز بينهما وجعلهما دارا واحدة جاز) له ذلك، إذ لا حجر عليه في ملكه (وإن فتح من كل واحدة منهما) أي من الدارين (بابا إلى) الدار (الأخرى ليتمكن من التطرق من كل واحدة منهما إلى الدارين جاز) لأن له رفع الحاجز فبعضه أولى (ولو كان في الدرب) غير النافذ (بابان فقط لرجلين أحدهما) أي البابين (قريب من باب الزقاق و) الباب (الآخر داخله) أي الدب (فتنازعا) أي الرجلان (في الدرب حكم بالدرب من أوله إلى الباب الذي يليه) أي أول الدرب (بينهما) لأن لهما الاستطراق فيه جميعا (و) حكم (بما بعده) أي بعد الباب الأول (إلى صدر الدرب الآخر، يختص به ملكا له) لان الاستطراق في ذلك له وحده، فله اليد والتصرف فيما جاوز بابه (وله) أي لصاحب الباب الآخر (أن يجعله) أي ما بعد الأول (دهليزا لنفسه، و) له (أن يدخله في داره على وجه لا يضر بجاره) لأنه ملكه، فجاز له التصرف فيه كيف شاء بلا ضرر (ولا يضح) أحد من أهل الدرب المشترك (على حائطه) أي الدرب (شيئا) لأنه تصرف في مشترك بغير إذن باقي الشركاء (وليس له أن يفتح في حائط جاره) روزنة ونحوها (ولا) أن يفتح في (الحائط) المشترك روزنة ولا طاقا ولا غيرهما من التصرفات، حتى يضرب وتدا) أو مسمارا ونحوه إذا لا فرق لأن انتفاع بملك غيره بماله قيمة بغير إذنه، فمنع من كالبناء عليه والروزنة الكوة بفتح الكاف وضمها: الخرق في الحائط. والطاق: عطف عليه من لبنيان ومنه طاقة القبلة (ولا أن يعليه) أي يعلى حائط أو المشترك (ولا) أن (يحدث عليه سترة، ولا (أن يحدث عليه (حائطا، ولا خصا يحجز به بين السطحين إلا بإذن صاحبه) أو شريكه لما تقدم (وإن صالحه عن ذلك) أي عن البناء عليه، أو وضع السترة أو الخص ونحو
479 (بعوض جاز) الصلح سواء كان إجارة في معلومة أو صلحا على وضعه على التأبيد، ومتى زال فله إعادته، ويحتاج، لوصف البناء كما تقدم (وله الاستناد إليه) أي إلى جدار جاره أو المشترك (وإسناد شئ لا يضره، والجلوس في ظله، ونظره في ضوء سراجه بلا إذن) لأن هذا لا مضرة فيه، والتحرز منه يشق (قال الشيخ: العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة لا يصح أن يرد عليها عقد بيع، و) لا عقد (إجارة اتفاقا، كمسألتنا) أي كالاستناد إلى الحائط ونحوه، ومثلها في العين نحو حبة بر (ولو كان له حق ماء يجري على سطح جاره لم يجز له) أي لجاره (تعلية سطحه ليمنع) جريان (الماء) على سطحه، لأنه إبطال لحق جاره وكذا ليس له تعليته ليكثر ضرر جاره (ولو كثر ضرره) بجريان الماء على سطحه، لان الضرر لا يزال بالضرر (وليس سطحه ليمنع) جريان (الماء) على سطحه، لأنه إبطال لحق إذنه (إلا عند الضرورة بأن لا يمكنه التسقيف إلا به) أي بوضع الخشب على حائط الجار أو المشترك (فيجوز) وضعه، سواء كان له حائط واحد. وحائطان، لحديث أبي هريرة مرفوعا لا يمنعن جاره أن يضع خشبة على جداره ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين. والله لأرمين بها بين أكتافكم (1) متفق عليه، ومعناه لأضعن هذه النسبة بين أكتافكم، ولأحملنكم على العمل بها، وقيل معناه، لأضعن جذوع الجيران على أكتافكم مبالغة ولأنه انتفاع بحائط جاره على وجه لا يضر به أشبه الاستناد إليه وإن أمكن وضعه على غيره لم يجز وضعه عليه إلا بإذن ربه، وإن لم يمكن إلا به جاز (ولو) كان الحائط (ليتم ومجنون) أو مكاتب أو وقف ونحوه، لعموم ما سبق (ما لم يتضرر الحائط) بوضع الخشب عليه، فلا يوضع بغير إذن ربه مطلقا، لحديث (لا ضرر ولا ضرار (وليس له) أي الجاز رب الحائط (منعه) أي منع الجار (منه) أي من وضع خشبه (إذا) أي إذا لم يمكن تسقيف إلا به بلا ضرر على الحائط لما تقدم (فإن أبى) رب الحائط تمكينه منه (أجبره حاكم) عليه، لأنه حق عليه، لأنه حق عليه (وإن صالحه عنه بشئ جاز) قاله في
480 الانصاف. (1) وظاهره حتى في الحالة يجب فيها التمكين، وقال في المبدع: إذا أذن له المالك في وضع خشبه أو النباء على جداره بعوض جاز (2). قال، وإن كان في الموضع الذي يجوز له يجز أن يأخذ عوضا، لأنه يأخذ عوض ما يجب عليه بدله (وكذا حلكم جدار مسجد) إذا لم يمكن جاره تسقيف إلا بوضع خشبه على، بلا ضرر، كالطلق (ومن ملك الحائط فله) أي رب الخشب عن الحائط (بسقوطه) أي الخشب (أو قلعه أو سقوط الحائط فله) أي رب الخشب (إعادته بشرطه) بأن لا يمكن تسقيف إلا به بلا ضرر، لأن السبب المجوز لوضعه مستمر فاستمر استحقاق ذلك، وان خيف سقوط الحائط بعد وضعه لوزم إزالته، لأنه يضر بالمالك، وإن لم يخف عليه لكن استغنى عن إبقائه عليه لم تلزم إزالته، قاله في المعنى (2) (ومتى وجده) أي خشبه (أو) وجد (بناءه أو مسيل مائه ونحوه) كجناحه أو ساباطه (في حق غيره، أو) وجد (مجرى مأة ء سطحه على سطح غيره ولم يعلم سببه، فهو) أي ما وجده حق (له، لأن الظاهر وضعه بحق) من صلح أو غيره، خصوصا مع تطاول الأزمنة (فإن اختلفا) في أنه وضع بحق أولا (فقول صاحب الخشب والبناء والمسيل) ونحوه إنه وضع بحق (مع يمينه) عملا بالظاهر (فإن زال) الخشب ونحوه (فله) أي لربه (إعادته) لأن الظاهر استمرار حقه فيه، فلا يزول حتى يوجد ما يخالفه (وله) أي لمن وجد خشبه أو بناءه، ونحوه على جدار غيره (أخذ عوض عنه) بأن يصالحه بعوض على زالته أو عدم عادته (ولو كان له وضع خشبه على جدار غيره) لكونه لا يمكن تسقيف إلا به بلا ضرر (لم يملك) من قلنا له وضع خشبه (إجارته) أي الحائط (ولا إعارته ولا بيعه، ولا المصالحة عنه للمالك) أي قلنا له وضع خشبه (إجارته) أي الحائط (ولا إعارته ولا بيعه، ولا المصالحة عنه للمالك) أي مالك الحائط (ولا لغيره، لأنه) أي وضع خشب (أبيح له من حق غيره لحاجته) كطعام غيره إذا أبيح له من أجل الضرورة، وليس ملكا حتى يتصرف فيه (ولو صاحب الحائط) الذي استحق الجار وضع خشبه عليه (إعارته أو
481 إجارته على وجه يمنع هذا المستحق من وضع خشبه، لم يملك ذلك) لأنه يسقط به حقا وجب عليه، وإن باعه صح البيع، ولا يملك المشتري منعه (ولو أراد هدم الحائط لغير حاجة، لم يملك ذلك) أي هدمها، لأنه يسقط به ما وجب عليه من تمكين جاره من وضع خشبه عليه (وإن احتاج) رب الحائط (إلى ذلك) أي إلى هدمه (للخوف من انهدامه أو لتحويله) أي الحائط (إلى مكان آخر، أو لغرض صحيح) غير ذلك (ملك ذلك) أي هدمه، لأنه ملكه فله التصرف فيه بما شاء غير مضار لجاره (ولو أذن صاحب الحائط لجاره في البناء على حائط، أو وضع سترة وخشبه عليه) ونحو ذلك (في الموضع الذي لا يستحق وضعه) عليه (جاز) لأن الحق له وصارت (عارية لازمة، ويأتي، وإن أذن له في ذلك، أي في وضع خشبه أو بنائه (بأجرة جاز سواء كانت إجارة أو صلحا على وضعه على التأييد، ومتى زال فله إعادته، ويشترط معرفة البناء) أو الخشب (و) معرفة (العرض والطول والمسك والآلات، من الطين واللبن، أو الطين والآخر ومما أشبه ذلك) قطعا للنزاع والمخاصمة (وإذا سقط الحائط الذي عليه البناء أو الخشب في أثناء مدد الإجارة سقوطا لا يعود انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة) لتعذر استيفاء المعقود عليه (ورجع) المستأجر على رب الحائط فيأخذ (من الأجرة) العذر استيفاء المعقود عليه (ورجع) المستأجر على رب الحائط، فيأخذ (من الأجرة) إن كان عجلها له (بقسط ما بقي من المدة) وإن لم يكن عجلها سقط عنه بقسط الباقي (وإن أعيد) الحائط (رجع) رب البناء أو الخشب (من الأجرة بقدر سقط عنه بقسط الباقي (وإن أعيد) الحائط (رجع) رب البناء أو الخشب (الأجرة بقدر مدة السقوط) الانفساخ الإجارة فيه (وإن صالحه مالك الحائط على رفع خشبه، أو بنائه بشئ معلوم) لهما (جاز، سواء كان ما صالح به مثل العوض الذي صولح به على وضعه، أو) كان (أقل أو أكثر) لأنه ملك المنفعة، فجاز له أخذ العوض عنها كالمستأجر يؤجر (وكذلك لو كان له مسيل ماء في أرض غيره، أو) كان له (ميزاب أو غيره) من جناح أو ساباط
482 ونحوه (فصالحه صاحب الأرض مستحق ذلك يعوض ليزيله عنه، جاز) الصلح (وإن كان الخشب أو الحائط) الذي بناه على ملك غيره (قد سقط فصالحه) صاحب الحائط (بشئ على أن لا يعيده) أي الخشب أو النباء على الحائط (جاز) لأنه ملك المنفعة، فجاز له الاعتياض عنها. فصل ويلزم أعلا الجارين بناء سترة تمنع مشارفة الأسفل لأن الاشراف على الجار إضرار له، لأنه يكشفه ويطلع على حرمه، فمنع منه، لحديث (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة عن ابن عباس مرفوعا، (كما لو كانت السترة قديمة فانهدمت، فإنه يجب إعادتها، فإن استويا) بحيث لم يكن أحدهما أعلى من الآخر (اشتركا) لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر بالسترة فلزمتهما (وأيهما) أي أي المستويين (أبى) بناء السترة مع جاره (أجير) عليه (مع الحاجة إلى السترة) لأن حق عليه، لتضرر جاره بمجاورته له من غير سترة فأجبر عليه مع الامتناع كسائر الحقوق (فإن كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخر فليس لصاحب) السطح (الأعلى الصعود على سطحه على وجه يشرف على سطح جاره إلا أن يبني) الأعلى (سترة تستره) عن رؤية الأسفل (كما تقدم، ولا يلزم الأعلى سد طاقته إذا لم ينظر منها ما يحرم نظره من جهة جاره) إذ لا ضرر فيها على الجار حينئذ، فإن رأى منها لزمه سدها (ويجبر الشريك على العمارة مع شريكه في الأملاك والأوقاف المشتركة لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وكنقضه عند خوف سقوطه، وكالقسمة والبناء، وإن كان لا حرمة له في نفسه لكن حرمة الشريك الذي يتضرر بترك البناء توجب ذلك (فإن انهدم حائطهما) المشرك (أو) انهدم (سقفهما) المشترك
483 (فطالب أحدهما صاحبه ببنائه معه أجبر) الممتنع منهما لما تقدم (فإن امتنع أخذ الحاكم من ماله) النفقة (وأنفق عليه) مع شريكه بالمحاصة (فإن لم يكن له) للمتنع (عين مال) أي نقد (وكان له متاع باعه) أي باع الحاكم متاعه (وأنفق منه) على حصة مع الشريك، كوفاء دين الممتنع منه (فإن لم يكن له) أي للمتنع نقد ولا عرض (اقترض) الحاكم (عليه وأنفق) على حصته، وكنفقه حيوانه (وإن أنفق الشريك) على بناء حصة شريكه (بإذنه) أي إذن شريكه (أو إذن حاكم، أو) أنفق (بنيه رجوع) بغير إذنهما (رجع) على شريكه بما أنفق بالمعروف (على حصة الشريك) لأنه قام عنه بواجب (وكان) البناء (بينهما) أي بين الشريكن (كما كان قبل انهدامه) لا يختص به الباني، لرجوعه على شريكه بما يقال حصته منه، وإن بناء الشريك لنفسه بآلته فشركة بينهما كما كان، وليس له منع شريكه من الانتقاع به قبل أخذ نصف نفقة تالفة، كما أنه ليس له نقضه، وإن بناه بغير آلته فهو له، وله نقضه، لا إن دفع له شريكه نصف قيمته، وإن أراد غير الباني نقضه وإجبار بانيه على نقضه، لم يكن له ذلك، (وإن استهدم) أي آل الانهدام (جدار هما أو سقفهما وخيف ضرره نقضاه يكن له ذلك (وإن استهدم) أي آل إلى الانهدام (جدار هما أو سقفهما وخيف ضرره، نقضاه وجوبا) دفعا لضرره (فإن أبى أحدهما) هدمه (أجبره الحاكم) عليه إزالة للضرر (ويأتي في الغصب ضمان ما تلف به) مفصلا (وأيهما) أي شئ شريكين (هدمه) أي هدم ما خيف سقوط (إذن بغير إذن صاحبه فلا شئ) أي فلا ضمان (عليه) لأنه محسن، بل قياس ما سبق يرجع بما يقابل حصته من أجرة الهدام إن نوى الرجوع (كما لو انهدام) المشترك (بنفسه) من غير فعل أحدهما (وإن اتفقا على بناء الحائط المشترك بينهما نصفين، وملكه بينهما) نصفين (والنفقة كذلك) أي نصفان (على أن ثلثه لاحد هما، وللآخر الثلثان، لم يصح الصلح (لأنه يصالح على بعض ملكه ببعض) وذلك غير صحيح (إن اتفقا على أن يحمله) أي الحائط المشترك بعد بنائهما له (كل واحد منهما) أي من الشريكين (ما شاء) من بناء أو خشب (لم يجز) الصلح (لجهالة الحمل، ول ا يجبر) الشريك (على بناء حاجز بين
484 ملكيهما) لأن انتفاعهما لا يتوقف على ذلك، فلا ضرر في تركه، بخلاف المشترك والسقف، فإن أراد أحدهما النباء فله ذلك في ملكه خاصة (ولو انهدم سفل) لانسان، و (علوه لغيره، انفرد صاحب السفل ببنائه) لانفراده بملكه (وأجبر) صحاب السفل (عليه) ليتمكن صاحب العلو من انتفاعه به (وإن كان على العلو طبقة ثالثة) لآخر (فصاحب الوسط مع من فوقه، كمن) أي كالذي (تحته) وهو صاحب السفل (معه) أي مع صاحب العلو، فيجبر رب الوسطى على نبائها وينفرد به كما تقدم ذلك (إلى عمارة، أو كري) أي تنظيف (أو) إلى (سد شق فيه، أو إصلاح حائط، أو) إصلاح (شئ منه، كان غرم ذلك) الذي يحتاج إليه (بينهم على حسب ملكهم فيه) أي في ذلك المشترك كما تقدم في الحائط والسقف (يجبر الممتنع) منهم، عن العمارة لحق شركائه (وليس لأحدهم منع صاحبه من عمارته) إذا أرادها كالحائط (فإن عمره) أحد هم (فالماء بينهم على الشركة) ولا يختص به المعمر، لأن الماء ينبع من ملكيهما، وإنما آثر أحدهما في نقل الطين منه، وليس له فيه عين مال والحكم في الرجوع بالنفقة كما تقدم في الحائط (فإن كان بعضهم) أي بعض الشركاء في النهر ونحوه (أدنى) أي أقرب (إلى أوله من بعض اشترك الكل في كريه) أي تنظيف النهر ونحوه (أدنى) أي (إصلاحه، حتى يصلوا إلى الأول، ثم) إذا وصلوا إلى الأول ف (- لا شئ على الأول) لأنها استحقاقه، لأنه لا حق له فيما وراء ذلك (ويشترك الباقون حتى يصلوا إلى الثاني، ثم لا شئ) لأنه الثاني لما تقدم (ويشترك من بعده) أي بعد الثاني إلى أن ينتهوا إلى الثالث، ثم لا شئ عليه. وهكذا (كلما انتهى العمل إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شئ) لأنه لا ملك له فيا وراء موضعه (ومتى هدم) أحد الشركاء (مشتركا من حائط أو سقف فد خشي سقوطه، ووجب هدمه) لذلك (فلا شئ عليه) لأنه محسن (كما لو انهدم بنفسه) وتقدم (وإن كان) هدم أحد الشريكين الحائط، أو السقف المشترك (لغير ذلك) أي خوف سقوطه (لحاجة أو غيرها، التزام إعادته أولا، فعليه
485 إعادته) كما كان لتعديه على حصة شريكه، ولا يمكن الخروج من عهدة ذلك إلا بإعادته جميعه، هذا كلامهم. ومقتضى القواعد: أنه يضمن أرش نقص حصة شريكه (ولو اتفقا) أي الشريكان (على بناء حائط بستان فبنى أحدهما) ما عليه وأهمل الآخر (فما تلك من الثمرة بسبب إهمال الآخر ضمنه) أي ضمن نصيب شريكه منه (الذي أهمل: قاله الشيخ) لتلفه بسببه (ولو كان السفل لواحد والعلو لآخر) وتنازعا في السقف ولا بينة (فالسقف بينهما) لانتفاع كل منهما به (لا لصاحب العلو) وحده، ويأتي في الدعاوى بأو ضح من هذا باب الحجر هو لغة المنع والتضييق. ومنه سمي الحرام حجرا. قال تعالى: (ويقولون حجرا محجوز (الفرقان: 22) أي حراما وسمي العقل حجرا لأنه صحابه من
486 نفي الحقيقة، بل إنما أراد فلس الآخرة، لأنه وأعظم، حتى إن فلس الدنيا عنده بمنزلة الغنى. (و) المفلس (شرعا: من لزمه) من الدين (أكثر من ماله) الموجود، وسمي مفلسا وإن كان ذا مال، لأن ماله مستحق الصرف في جهة دينه فكأنه معدوم، أو باعتبار ما يؤول من عدم ماله بعد وفاء دينه، أو لأنه يمنع من التصرف في ماله إلا الشئ التافه الذي لا يعيش إلا به، كالفلوس ونحوها. (و) الضرب الثاني (حجر لحظ نفسه) أي نفس المحجور عليه (كحجر على صغير ومجنون وسفيه) إذ فائدة الحجر عليهم لا تتعداهم. (فحجر المفلس: منع الحاكم من) أي شخص (عليه دين حال يعجز عنه ماله الموجود) حال الحجر (مدة الحجر من التصرف فيه) أي في ماله، ويأتي محترز قيوده. (ومن لزمه دين مؤجل) من ثمن مبيع أو صداق أو غيره (حرمت مطالبته به قبل) حلول (أجله) لأنه لا يلزمه أداؤه قبل الاجل. ومن شروط المطالبة: لزوم الأداء. أو لم يحجر عليه من أجله لأن المطالبة لا تستحق فكذا الحجر. (وإن أراد سفرا طويلا) فوق مسافة القصر عند الموفق وابن
487 أخيه وجماعة. قال في الانصاف: ولعله أولى. ولم يقيده به في التنقيح والمنتهى وغيرهما فمقتضاه العموم ولعله أظهر. (يحل الدين) المؤجل (قبل فراغه) أي السفر (أو) يحل (بعده، مخوفا كان) السفر (أو غيره) أي غير مخوف (وليس به) أي الدين (رهن يفي به. ولا كفيل ملئ) بالدين (فلغريمه منعه) من السفر، لأن عليه ضررا في تأخير حقه عن محله، وقدومه عند المحل غير متيقن، ولا ظاهر فملك منعه. (في غير جهاد متعين) فلا يمنع منه، بل يمكن لتعينه عليه (حتى) أي لغريم من أراد سفرا منعه إلا أن (يوثقه بأحدهما) أي برهن يحرز الدين، أو كفيل ملئ. فإذا وثقه بأحدهما لم يمنعه لانتفاء الضرر. (فلو أراد ا لمدين وضامنه معا السفر فله) أي الغريم (منعهما. و) له (منع أحدهما أيهما شاء) فإن شاء منع المدين أو ضامنه (حتى يوثق بما ذكر) من رهن محرز، أو كفيل ملئ. (وكذلك لو كان الضامن غير ملئ) بالدين وأراد المدين السفر. (فله) أي للغريم (أن يطلب منه) أي المدين (ضامنا مليئا، أو رهنا) مليئا، أو رهنا محرزا، (ولو كان بالدين رهن لا تفي قيمته به) أي بالدين، (فله) أي الغريم (أن يطلب) من المدين (زيادة الرهن حتى تبلغ قيمة الجميع قدر الدين، أو يطلب منه) أي المدين (ضامنا بما بقي من الدين بعد قيمة الرهن) ليزول عنه الضرر. (وإن أراد) المدين (سفرا وهو عاجز عن وفاء دينه فلغريمه منعه حتى يقيم كفيلا ببدنه. قاله الشيخ) لأنه قد يؤسر في البلد الذي سافر إليه فلا يتمكن الغريم من طلبه فإذا كان كفيل طلبه بإحضاره. (ولا يملك) رب دين (تحليل) مدين (محرم) بالحج أو العمرة فرضا أو نفلا. لوجوب إتمامهما بالشر. (وإن كان دينه) أي المدين (حالا وهو قادر على وفائه) أي الدين الحال، وطلب) الدين (منه) أي من المدين (فسافر) المدين (قبل وفائه. لم
488 يجز له أن يترخص بقصر ولا غيره) كفطر وأكل ميتة، لأنه عاص بسفره. (فإن كان) المدين (عاجزا عن وفاء شئ منه) أي الدين (حرمت مطالبته والحجر عليه وملازمته) تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * وقوله (ص) لغرماء الذي كثر دينه: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك. (وإن كان له) أي المدين (مال يفي بدينه الحال لم يحجر عليه ولو كان عليه دين مؤجل غيره) لعدم الحاجة إلى ذلك. لأن المؤجل لا يطالب به قبل أجله. (و) يجب (على الحاكم أن يأمره) أي المدين (بوفائه إن طلبه) أي الامر (الغرماء منه) أي من الحاكم، لما فيه من فصل القضاء المنتصب له. (ويجب على) مدين (قادر وفاؤه) أي الدين الحال (على الفور بطلب ربه) لقوله (ص): مطل الغني ظلم. وبالطلب يتحقق المطل. (أو عند) حلول (أجله إن كان) الدين (مؤجلا) ابتداء ثم حل، قاله ابن رجب. وتقدم (وإلا) بأن لم يطالب به ربه. (فلا) يجب عليه على الفور لمفهوم ما سبق. (فإن كان له) أي المدين (سلعة فطلب) من رب الحق (أن يمهله حتى يبيعها ويوفيه) الدين (من ثمنها، أمهل بقدر ذلك) أي بقدر ما يتمكن من بيعها والوفاء. وكذا إن طولب بمسجد، أو سوق، وماله بداره، أو مودع، أو ببلد آخر. فيمهل بقدر ما يحضره فيه. (وكذلك إن أمكنه) أي المدين (أن يحتال لوفاء دينه باقتراض ونحوه) فيمهل بقدر ذلك، ولا يحبس لعدم امتناعه من الأداء، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وإن خاف رب الحق هربه، احتاط بملازمته، أو كفيل (و) إن (طلب) المدين (أن يرسم عليه حتى يفعل ذلك) أي ما يتمكن به من الوفاء (وجبت إجابته إلى ذلك) دفعا لضرره. (ولم يجز منعه منه) أي الوفاء (بحبسه) لأنه عقوبة لا محوج إليها. (وكذا إن طلب تمكينه منه) أي من الوفاء (محبوس)، فيمكن (أو توكل) إنسان (فيه) أي في وفاء الدين.
489 فيمهل يتمكن فيه من الوفاء، (قاله الشيخ). كما يمهل الموكل (ولو مطل) المدين الحق (حتى شكى عليه. فما غرمه) رب الحق (فعلى) المدين (المماطل) إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، ذكره في الاختيارات. لأنه تسبب في غرمه بغير حق. (وفي الرعاية: لو أحضر مدعي به ولم يثبت للمدعي لزمه) أي المدعي (مؤنة مؤنة (رده) إلى موضعه، لأنه ألجأه إلى ذلك بغير حق. (وإلا) بأن أثبت (لزم المنكر) لحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. (وقال الشيخ: لو تغيب مضمون عنه فغرم الضامن بسببه) رجع بما غرمه أو أنفقه في الحبس، كما تقدم، أطلقه في موضع وقيده في آخر بقادر على الوفاء، وتقدم. قال في شرح المنتهى: ولعل المراد ضمنه بإذنه، وإلا فلا فعل له ولا تسبب. (أو غرم) شخص (بسبب كذب عليه عند ولي الأمر) أو بإغراء أو دلالة عليه، (رجع) الغارم (على المتسبب) بما غرمه لتسببه. وقرار الضمان على الآخذ إن كان الاخذ ظلما. (فإن أبى من) أي مدين (له مال يفي بدينه) الحال (الوفاء، حبسه الحاكم) لما روى عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي (ص) قال: لي الواجد ظلم، يحل عرضه وعقوبته رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. قال أحمد: قال وكيع: عرضه شكواه، وعقوبته وظاهر كلامه: أنه متى توجه حبسه حبس. ولو كان أجيرا في مدة الإجارة، أو امرأة مزوجة، لأن الإجارة والزوجية لا تمنع من الحبس، ذكره في المبدع. تتمة: قال الشيخ تقي الدين: ولا يجب حبسه في مكان معين، بل المقصود: منعه من التصرف حتى يؤدي الحق، فيحبس ولو في دار نفسه بحيث لا يمكن من الخروج. (وليس له) أي للحاكم (إخراجه) أي المدين من الحبس. (حتى يتبين له أمره) أي أنه معسر. فيجب إطلاقه (أو يبرأ) المدين (من غريمه بوفاء أو إبراء) أو حوالة. فيجب إطلاقه لسقوط
490 الحق عنه. (أو يرضي) غريمه (بإخراجه) من ا بأن سأل الحاكم إخراجه. لأن حبسه حق لرب الدين وقد أسقطه. فائدة: روى البخاري عن أبي موسى: الحبس على الدين من الأمور المحدثة. وأول من حبس عليه شريح وكان الخصمان يتلازمان (فإن أصر) المدين الملئ على الحبس ولم يقبض الدين باع) الحاكم (ماله وقضى دينه)، لما روى كعب بن مالك: أن النبي (ص) حجر على معاذ ماله، وباعه في دين كان عليه رواه الخلال والدارقطني. ورواه الحاكم وقال: على شرطهما. (وقال جماعة) منهم صاحب الفصول (إذا أصر) المدين (على الحبس وصبر عليه ضربه الحاكم. قال في الفصول وغيره: يحبسه. فإن أبى) الوفاء (عزره قال: ويكره حبسه وتعزيره حتى يقضيه) أي الدين. (قال الشيخ: نص عليه الأئمة من أصحاب أحمد وغيرهم، ولا أعلم فيه نزاعا، لكن لا فقال المدعي للحاكم: المال معه، وسأل) المدعي (تفتيشه وجب على الحاكم إجابته إلى ذلك) أي إلى تفتيشه، لاحتمال صدق المدعي وعدم المفسدة فيه. (وإن صدقه) أي المدين (غريمه) في دعوى الاعسار (لم يحبس. ووجب إنظاره) إلى ميسرة (ولم تجز ملازمته) ولا الحجر عليه كما تقدم. لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) *. (وإن أكذبه) أي أكذب المدعي المدين في دعواه الاعسار (وكان دينه) أي مدعي الاعسار (عن عوض) مالي (كالبيع والقرض، أو عرف له) أي للمدين (مال سابق، والغالب بقاء ذلك)
491 المال الذي عرف، (أو) كان دينه (عن غير عوض، كأرش جناية، وقيمة متلف ومهر، أو ضمان، أو كفالة، أو عوض خلع. و) كان (أقر أنه ملئ حبس) لأن الأصل بقاء ماله، وحبسه وسيلة إلى قضاء دينه. (إلا أن يدعي) المدين (تلفا ونحوه) كنفاد ماله، ويصدقه رب الدين فلا يحبس. (أو يسأل) المدين (سؤاله) أي رب الدين (ويصدقه) على أنه معسر (فلا) يحبس، لما تقدم (فإن أنكر) ه أي أنكر رب الدين إعسار المدين (وأقام) رب الدين (بينة بقدرته) على وفاء الدين. حبس لثبوت ملائته. (أو حلف) رب الدين (أنه لا يعلم عسرته) أي المدين، حبس (أو) حلف رب الدين (أنه) أي المدين (موسر أو ذو مال ونحوه) أي نحو ما ذكر، بأن حلف مثلا أنه قادر على الوفاء، ويكون حلفه بحسب جوابه كسائر الدعاوى، (حبس) المدين، لعدم ثبوت عسرته. (فإن لم يحلف) رب الدين بعد سؤال المدين حلفه: أنه لا يعلم عسرته. (حلف المدين) أنه معسر (وخلى سبيله) لأن الأصل عدم المال. (إلا أن يقيم) رب الدين (بينة تشهد له) بما ادعاه من يساره. فيحبس المدين ويحتمل أن يكون المعنى: إلا أن يقيم المدين بينة بإعساره فلا يحبس. (وإن كان الحق عليه) أي المدين (ثبت في غير مقابلة مال أخذه) المدين. (كأرش جناية وقيمة متلف، ومهر أو ضمان، وكفالة أو عوض خلع، ولم يعرف له) أي المدين (مال) الغالب بقاؤه. (ولم يقر) المدين (أنه ملئ. حلف) المدين (أنه لا مال له وخلى) سبيله. لأن الأصل عدم المال. قال ابن المنذر: الحبس عقوبة، لا نعلم له ذنبا يعاقب به، فإن نكل حبس. (فإن شهدت) بينة (بنفاد ماله، أو) شهدت (بتلفه، ولم تشهد) البينة (بعسرته حلف) المدين (معها) أي مع البينة (أنه لا مال له في الباطن) لأن اليمين على أمر محتمل، خلاف ما شهدت به البينة. ولا يعتبر في البينة إذا شهدت بتلف ماله، أو نفاده أن تكون ممن تخبر باطن حاله. (وإن شهدت) البينة للمدين ( بإعساره، اعتبر فيها) أي البينة (أن تكون ممن تخبر باطن حاله. لأنها) أي الشهادة بإعساره (شهادة على نفي. قبلت للحاجة) لأن الاعسار من الأمور الباطنة التي لا يطلع عليها في
492 الغالب إلا المخالط له. لا يقال: هذه شهادة على نفي، فلا تسمع، كالشهادة على أنه لا دين له، لأن الشهادة على النفي لا ترد مطلقا إذ لو شهدت بينة أن هذا وارثه لا وارث له غيره. قبلت ولأن هذه الشهادة وإن تضمنت النفي، فهي تثبت حالة تظهر وتقف عليها بالمشاهدة بخلاف ما إذا شهدت أنه لا حق له. فإن هذا مما لا يوقف عليه. ولا يشهد به حالة يتوصل بها إلى معرفة. (ويكتفي فيها) أي في الشهادة بعسرته (باثنين) كالنكاح والرجعة، (ولا يحلف) مدعي الاعسار (معها) أي مع بينته الشاهدة بعسرته، (لأنه تكذيب للبينة. ويكفي في الحالين) أي في حال شهادتها بالتلف، وحال شهادتها بالاعسار، (أن تشهد بالتلف، أو) أن تشهد ب (- الاعسار). وفي التلخيص: لا يكتفي بالشهادة بالاعسار، بل لا بد من الشهادة بالتلف والاعسار معا. وفي الرعايتين والحاويين والفائق: تشهد بذهابه وإعساره. لا أنه لا يملك شيئا. (وتسمع) البينة بذلك (قبل حبسه وبعده، ولو بيوم) لأن كل بينة جاز سماعها بعد مدة جاز سماعها في الحال كسائر البينات، لكن قال في الاختيارات: ليس له إثبات إعساره عند غير من حبسه بلا إذنه، وإذا حبست الزوجة زوجها، لم يسقط من حقوقه عليها شئ. فله إلزامها ملازمة بيته، وأن لا تدخله أحدا إلا بإذنه. وليس على محبوس قبول ما يبذله غريمه مما عليه منه فيه. ولو طلب من زوجته الاستمتاع في الحبس، فعليها أن توفيه ذلك. قاله الشيخ تقي الدين. (ولو قامت بينة للمفلس بمال معين، فأنكر) المفلس (ولم يقر به) أي بالمال (لاحد، أو قال) المفلس (هو لزيد فكذبه زيد قضى منه دينه)، ولا يثبت الملك للمدين، لأنه لا يدعيه. قال في الفروع: وظاهر هذا أن البينة هنا لا يعتبر لها تقدم دعوى. قال ابن نصر الله: أي من المالك، بل قد تحتاج إلى دعوى الغريم، وإن كانت له بينة قدمت لاقرار رب اليد. وفي المنتخب تقدم بينة المدعي، لأنها خارجة، ولابن نصر الله هنا: كلام حسن، ذكرته في حاشية المنتهى. (وإن صدقه) أي المفلس (زيد لم يقض منه) أي من المال (الدين، ويكون) المال (لزيد) عملا بإقرار رب اليد (مع يمينه) أي يمين زيد، لاحتمال المواطاة معه. (ويحرم على المعسر أن) ينكر أن لا حق عليه. وأن (يحلف: أنه لا حق له) أي للمدعي، (ويتأول) لأنه ظالم للمدعي بذلك. فلم ينفعه التأويل. وفي الانصاف: لو قيل بجواره إذا تحقق ظلم رب الحق له وحبسه، ومنعه من القيام على عياله لكان له وجه، انتهى. ومن سئل عن غريب وظن إعساره شهد. قاله في الفروع. وفي
493 الرعاية: والغريب العاجز عن بينة إعساره يأمر الحاكم من يسأل عنه، فإذا ظن السائل إعساره شهد به عنده. (وإن كان له) أي المدين (مال لا يفي بدينه فسأل غرماؤه كلهم) الحاكم الحجر عليه (أو) سأل (بعضهم الحاكم الحجر عليه لزمه) أي الحاكم (إجابتهم) إلى الحجر عليه. لما روى كعب بن مالك: أن رسول الله (ص): حجر على معاذ، وباع ماله رواه الخلال. فإن لم يسأل أحد من غرمائه الحاكم الحجر عليه لم يحجر عليه، لأنه لا يحكم بغير طلب رب الحق. و (لا) يلزم الحاكم (إجابة المعسر) إلى الحجر عليه (إذا طلب) المعسر (من الحاكم الحجر على نفسه)، لأن الحجر عليه حق لغرمائه لا له. (ويستحب) للحاكم (إظهار) ه (الحجر عليه، لتجتنب معاملته. و) يستحب (الاشهاد عليه لينتشر ذلك. وربما عزل الحاكم أو مات فيثبت الحجر عليه عند) الحاكم (الآخر. فلا يحتاج إلى ابتداء حجر ثان)، بخلاف ما إذا لم يشهد (وكل ما فعله المفلس في ماله قبل الحجر عليه: من البيع، والهبة، والاقرار، وقضاء بعض الغرماء، وغير ذلك فهو نافذ) لأنه من مالك جائز التصرف، (ولو استغرق) التصرف (جميع ماله مع أنه يحرم) على المدين التصرف (إن أضر) تصرفه (بغريمه) وتقدم. فصل: (ويتعلق بالحجر عليه) أي المفلس (أربعة أحكام أحدها: تعلق حق الغرماء بماله) لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن في الحجر عليه فائدة، ولأنه يباع في ديونهم، فكانت حقوقهم متعلقة به، كالرهن. (فلا يقبل إقراره) أي المفلس (عليه) أي على ماله، لأن حقوق الغرماء متعلقة بأعيان ماله، فلم يقبل الاقرار عليه كالعين المرهونة، حتى ولو أقر بعتق عبده لم يقبل منه، لأنه لا يصح منه. فلم يقبل إقراره به، بخلاف الراهن. (ولا يصح تصرفه فيه) أي في ماله ببيع ولا غيره. (حتى
494 ما يتجدد له) أي للمفلس (من ماله) بعد الحجر. فحكمه كالموجود حال الحجر (من أرش جناية) عليه، أو على قنه (وإرث ونحوهما) كوصية وصدقة وهبة. (ولو) كان تصرفه (عتقا أو صدقة بشئ، كثير أو يسير) فلا ينفذ لأنه ممنوع من التبرع لحق الغرماء، فلم ينفذ عتقه، كالمريض الذي يستغرق دينه ماله. (إلا بتدبير) ووصية، لأن تأثيرهما بعد زوال الحجر بالموت. وإنما يظهر أثر ذلك. إذا مات عن مال يخرج المدبر أو الموصي به من ثلثه بعد وفاء دينه. (وله) أي للمفلس (رد ما كان اشتراه قبل الحجر) عليه (لعيب أو خيار) شرط أو غبن، أو تدليس ونحوه (غير متقيد بالأحظ) لأن ذلك إتمام لتصرف سابق حجره فلم يمنع منه، كاسترداد وديعة أودعها قبل الحجر، (ويكفر هو) أي المفلس (و) يكفر (سفيه بصوم) لأن إخراج الكفارة من مال المفلس يضر بغرمائه، ومن مال السفيه يضر به. وللمال المكفر به بدل، وهو الصوم، فرجع إليه. كما لو وجبت الكفارة على من لا مال له. (فإن فك حجره قبل تكفيره، وقدر) على المال (كفر بغيره) أي غير الصوم، وهو العتق في كفارة الترتيب، كموسر لم يحجر عليه قبل ذلك. ولعل المراد: أنه يجوز له التكفير بغير الصوم، لأنه يجب، لأن المعتبر في الكفارات وقت الوجوب على المذهب، كما يأتي في الظهار. (فإن كان المفلس صانعا، كالقصار والحائك في يده متاع. فأقر) المفلس (به لأربابه. لم يقبل) إقراره لأنه متهم (وتباع العين التي في يده وتقسم بين الغرماء) كسائر ماله (وتكون قيمتها) أي العين المقر بها (واجبة على المفلس إذا قدر عليها) بعد فك الحجر عنه مؤاخذة له بإقراره، وإن باع ماله لغرمائه أو بعضهم، ولو بكل الدين لم يصح. (فإن توجهت على المفلس يمين) بأن ادعى عليه بشئ فأنكر. فطلب الخصم يمينه (فنكل عنها فقضى عليه) بالنكول، (فكإقراره، يلزم في حقه) فيتبع به بعد فك الحجر عنه (دون الغرماء) فلا يشاركهم، للتهمة. (وإن تصرف) المفلس (في ذمته بشراء أو ضمان، أو إقرار، صح) تصرفه (ويتبع به) أي بما لزمه من ثمن مبيع، أو ضمان أو إقرار (بعد فك الحجر عنه، لأن الحجر متعلق بماله) لحق الغرماء (لا بذمته) بخلاف السفيه ونحوه. (ولا يشاركون) أي غرماء الدين الذي
495 تعلق بذمته، من ثمن مبيع أو قرض، أو ضمان ونحوه أو إقرار (غرمائه قبل الحجر) عليه (سواء نسب ما أقر به إلى ما قبل الحجر، أو بعده) بأن قال: أخذت منه كذا قبل الحجر، أو بعده، أو أطلق. (وسواء علم من عامله بعد الحجر أنه محجور عليه أم لا) لأن من علم فلسه ثم عامله فقد رضي بالتأخير، ومن لم يعلم فقد فرط. (وإن ثبت عليه) أي المفلس (حق) لزمه قبل الحجر (ببينة شارك صاحبه الغرماء)، كما لو شهدت به قبل الحجر. (وإن جنى) المفلس (جناية موجبة للمال شارك المجني عليه الغرماء) بأرش الجناية، لأنه حق ثبت على الجاني بغير اختيار من له الحق. ولم يرض بتأخيره كما قبل الحجر (وإن كانت) الجناية (موجبة للقصاص) كالعمد (فعفا صاحبها إلى مال، أو صالحه المفلس على مال شارك) المجني عليه (الغرماء) أيضا، لما سبق. (وإن جنى عبده) أي عبد المفلس جناية موجبة للمال أو للقصاص، وعفا وليها إلى مال (قدم المجني عليه بثمنه) أي العبد (على الغرماء) لتعلق حقه بعينه، كما تقدم المجني عليه على المرتهن. فصل: (الحكم الثاني) من الأحكام المتعلقة بالحجر (إن من وجد عنده) أي المفلس (عينا باعها إياه، ولو) كان بائعها إياه (بعد الحجر عليه غير عالم به) أي بالحجر عليه، لعدم تقصيره، لأنه مما يخفى كثيرا (أو) وجد عنده (عين قرض، أو رأس مال سلم، أو غير ذلك) كشقص أخذه منه المفلس بشفعة. (حتى عينا مؤجرة، ولو) كانت (نفسه) بأن أجر حر نفسه فحجر على المستأجر لفلس، (أو غيرها) بأن أجر عبده أو دابته، فحجر على المستأجر لفلس، و (لم يمض من المدة) أي مدة الإجارة (شئ) له أجرة عادة، (فهو) أي واجد عين ماله عند المفلس (أحق بها إن شاء) الرجوع
496 فيها، روي عن علي وعمار وأبي هريرة. لحديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: من أدرك متاعه عند إنسان أفلس فهو أحق به متفق عليه. وحينئذ فالبائع ونحوه بالخيار بين الرجوع فيها، وبين أن يكون أسوة الغرماء، وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو لا. (ولو بعد خروجها من ملكه) أي المفلس (وعودها إليه بفسخ أو شراء أو نحو ذلك) كإرث وهبة ووصية. (فلو اشتراها) المفلس (ثم باعها، ثم اشتراها فهي لاحد البائعين بقرعة) فأيهما قرع الآخر كان أحق بها. لأنه يصدق على كل منهما أنه أدرك متاعه عند من أفلس. فتقدم أحدهما ترجيح بلا مرجح، فاحتجنا إلى تمييزه بالقرعة. فإن ترك أحدهما فللثاني الاخذ بلا قرعة. (فإن بذل الغرماء لصاحب السلعة) التي أدركها بها بيد المفلس (الثمن من أموالهم، أو خصوه به) أي بثمنها (من مال المفلس ليتركها، أو قال المفلس: أنا أبيعها وأعطيك ثمنها. لم يلزمه) أي رب السلعة (قبوله) وله أخذها، لعموم ما سبق. (وإن دفعوا) أي الغرماء (إلى المفلس الثمن فبذله) المفلس (له) أي لرب السلعة (لم يكن له الفسخ) واستقر البيع، لزوال العجز عن تسليم الثمن، فزال ملك الفسخ، كما لو أسقط الغرماء حقهم عنه، أو وهب له مال فأمكنه الأداء منه، أو غلت أعيان ماله، فصارت قيمتها وافية بحقوق الغرماء، بحيث يمكنه أداء الثمن كله. (ومن استأجر أرضا) مثلا (للزرع) أو غيره، (فأفلس) المستأجر (قبل مضي شئ من المدة) له أجرة، (فللمؤجر فسخ الإجارة) لأنه أدرك عين ماله عند من أفلس. (وإن كان) الحجر عليه (بعد انقضائها) أي المدة (أو) بعد (مضي بعضها. لم يملك الفسخ) لأنه لم يجد عين ماله (تنزيلا للمدة منزلة البيع. ومضي بعضها) أي المدة (بمنزلة تلف بعضها) أي بعض العين المبيعة. وهو مسقط للرجوع كما يأتي. (ومن اكترى من يحمل له
497 متاعا إلى بلد) أو مكان معين (ثم أفلس المكتري قبل حمل شئ) من المتاع، (فللمكري) أي الأجير (الفسخ) لما تقدم. (وإن أصدق امرأة عينا ثم انفسخ نكاحها بسبب يسقط صداقها) كفسخها لعيب (أو فارقها) الزوج (قبل الدخول فرقة تنصف الصداق) بأن طلقها ونحوه، (وقد أفلست ووجد) الزوج (عين ماله فهو أحق به) أي بما وجب له. وهو جميع الصداق في الأولى، ونصفه في الثانية. وظاهره: ولو كانت باعتها ثم رجعت إليها ونحوه مما يسقط الرجوع. وإلا فترجع إليه قهرا كما يأتي. ويشترط لملك الرجوع سبعة شروط وذكرها بقوله: (بشرط أن يكون المفلس حيا إلى حين أخذه) أي المبيع ونحوه. لما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن النبي (ص) قال: أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه، ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا، فوجد متاعه بعينه. فهو أحق به. وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء رواه مالك وأبو داود مرسلا. ورواه أبو داود مسندا من حديث إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن أبي بكر عن أبي هريرة، قال أبو داود: وحديث مالك أصح. فعلى هذا إذا مات المشتري فالبائع أسوة الغرماء، وسواء علم بفلسه قبل الموت فحجر عليه ثم مات، أو مات فتبين فلسه، لأن الملك انتقل عن المفلس إلى الورثة، أشبه ما لو باعه. والشرط الثاني: ذكره بقوله (ولم ينقد) المفلس (من ثمن المبيع) ونحوه (شيئا، ولا أبرأه) البائع (من بعضه) فإن أدى بعض الثمن أو الأجرة، أو القرض، أو السلم ونحوه، أو أبرئ منه فهو أسوة الغرماء في الباقي أو نحوه، لما تقدم من الحديث، ولان في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة على المشتري وأضرارا له: (و) الشرط الثالث: كون (السلعة بحالها. و) الشرط الرابع: كونها (لم يزل ملكه عن بعضها بتلف ولا غيره) من بيع أو هبة ونحوهما، (فإن تلف جزء منها) أي السلعة (ك) - قطع (بعض أطراف العبد) أو الأمة (أو ذهبت عينه، أو جرح) جرحا تنقص به قيمته (أو وطئت البكر، أو تلف بعض الثوب، أو انهدم بعض الدار ونحوه، لم يكن للبائع الرجوع) في العين، ويكون أسوة الغرماء لما تقدم. (وإن باع) المشتري (بعض المبيع، أو وهبه، أو وقفه، فكتلفه) فيمنع
498 الرجوع (هذا إن كانت) السلعة (عينا واحدة في مبيع، وإن كانت عينين كعبدين ونحوهما) كثوبين. (وبقي واحدة) وتلفت الأخرى (رجع فيها) أي الباقية، لأنه وجدها بعينها. فيدخل في العموم فيأخذها بقسطها من الثمن، ويفرق بين هذه وبين ما إذا قبض بعض الثمن. لأن المقبوض من الثمن يقسط على المبيع، فيقع القبض من ثمن كل واحدة من العينين. وقبض شئ من ثمن ما يريد الرجوع فيه مبطل له، بخلاف التلف. فإنه لا يلزم من تلف إحدى العينين تلف شئ من العين الأخرى. (و) معنى (كون السلعة بحالها) بأن (لم تتغير صفتها بها يزيل اسمها، كنسج غزل، وخبز دقيق، وعمل زيت صابونا، وقطع ثوب قميصا، ونجر خشب أبوابا) أو رفوفا، (وعمل شريط إبرا) وعمل حديد مسامير ونحوها، ونحاس صحونا ونحوها. (وطحن حب) من بر، أو نحوه (أو) كان (حبا فصار زرعا أو عكسه) بأن اشترى زرعا فحصده وصار حبا، (أو) كان (نوى) فغرسه (فنبت شجرا، أو) كان ( بيضا فصار فراخا) ونحو ذلك، فيمنع الرجوع ويكون ربها أسوة الغرماء، لأنه لم يجد متاعه بعينه. (و) بأن (لم يخلطها بما لا تتميز) منه. فلو كانت زيتا فخلطه بنحو زيت، أو قمحا فخلطه بقمح. فلا رجوع وقوله (ص): من أدرك متاعه بعينه أي قدر عليه وتمكن من أخذه. (و) الشرط الخامس: كون السلعة (لم يتعلق بها حق من شفعة، أو جناية بأن يشتري) شقصا مشفوعا، ثم يفلس أو يشتري (عبدا ثم يفلس بعد تعلق أرش الجناية برقبته) فلا رجوع للبائع. ويكون أسوة الغرماء لسبق حق الشفيع لكونه ثبت بالبيع، والبائع ثبت حقه بالحجر، ولان حق المجني عليه مقدم على الرهن المقدم على حق البائع، فمنع بالأولى (فإن أبرأ الغريم) المشتري (من) أرش (الجناية فللبائع الرجوع) لأنه وجد متاعه بعينه، لم يتعلق به حق لغيره. (وكذا لو أسقط الشفيع) حقه من الشفعة (أو) أسقط (المرتهن حقه) من الرهن، فللبائع ونحوه الرجوع. لما تقدم (أو رهن) بالجر عطف على شفعة. فإن رهنه المشتري ثم أفلس، فلا رجوع للبائع لسبق حق المرتهن، (ونحوه) أي نحو الرهن كالعتق قاله في المبدع. فلو اشترى عبدا وأعتقه، ثم حجر عليه فالبائع أسوة الغرماء. والحكم
499 صحيح، لكن منع الرجوع لزوال ملكه عن العتق، لا لتعلق حق الغير به. ويمكن تمثيله بالإجارة، بأن اشترى عبدا ثم أجره ثم أفلس. (لكن إن كان الرهن أكثر من الدين) وأخذ الدائن دينه منه (فما فضل منه رد على المال) ليقسم معه بين سائر الغرماء كما يأتي. (وليس لبائعه الرجوع في الفاضل) منه لما تقدم، (وإن كان المبيع عينين فرهن) المشتري (إحداهما) أو تعلق بها حق شفعة أو جناية (ملك البائع الرجوع في) العين (الأخرى، كما إذا تلفت إحدى العينين) وبقيت الأخرى، لأنه وجدها بعينها. لم يتعلق بها حق لاحد. (ولو مات الراهن وضاقت تركته عن الديون، قدم المرتهن برهنه) فيأخذ دينه منه مقدما على سائر الغرماء، لتعلق حقه به. فإن بقي من ثمنه شئ رد عليهم، وإن بقي له شئ حاصصهم به، وتقدم. (ولو رهن) المشتري (بعض العبد) ونحوه (لم يكن للبائع الرجوع في باقيه) كما لو تلف، لأن تبعيض الصفقة ضرر بالمشتري. (ولم يكن) المبيع (صيدا والبائع محرم) إذ لا يدخل الصيد في ملك المحرم ابتداء بغير إرث. (فلا يأخذه) البائع المحرم (حال إحرامه) ولا يباع مع باقي ماله، بل يؤخر له إلى أن يحل من إحرامه فيأخذه. () الشرط السادس: كون السلعة (لم تزد زيادة متصلة، كسمن وكبر، وتعلم صنعة و) تعلم (كتابة و) تعلم (قرآن وتجدد حمل. إلا إن ولدت) فهو زيادة متصلة، (فإن وجد شئ من ذلك) أي مما ذكر من السمن وما عطف عليه ونحوه (منع الرجوع)، لأنه فسخ بسبب حادث. فلم يملك الرجوع في عين المال الزائد زيادة منفصلة كفسخ النكاح بالاعسار أو الرضاع إذا زاد الصداق. كذلك لا رجوع للزوج بعينه بل ببدله، ولأنها زيادة في ملك المفلس، فلم يستحق أخذها. وفارق الرد بالعيب، لأن الفسخ من المشتري وهو راض بإسقاط حقه من الزيادة. ولان الفسخ للعيب لمعنى قارن العقد، وهو العيب. والفسخ هنا لسبب حادث. والخبر محمول على من وجد متاعه على صفته ليس بزائد (ووطئ الثيب ما لم تحمل، وتزويج الأمة لا يمنع الرجوع) لأن ذلك لا يخرجه عن كونه عين ماله. (وهي) أي الأمة التي زوجها المفلس (على نكاحها) فلا ينفسخ برجوع البائع، لأنه عقد لازم (ويشترط أيضا أن يكون البائع حيا) إلى حين الرجوع، وهو الشرط السابع: قال في الترغيب والرعاية الكبرى: ولربه دون ورثته
500 على الأصح أخذه، وقدمه في الرعاية الصغرى، والفائق، والزركشي، والتلخيص. وظاهر كلامه في المقنع والمنتهى: لا يشترط. ولورثته أخذ السلعة، كما لو كان صاحبها حيا. قال في الانصاف: وهو صحيح، وهو ظاهر ما قدمه في الفروع. وظاهر كلام أكثر الأصحاب، لعدم اشتراطهم ذلك. قال في المبدع: والأصح أنه يثبت لهم. (وإن كان الثمن مؤجلا رجع) البائع (فيها) أي في السلعة المبيعة (فأخذها عند حلول الأجل، فتوقف إليه) أي إلى أن يحل الدين فيختار البائع الفسخ أو الترك، ولا تباع، لأن حق البائع تعلق بها. فقدم على غيره، وإن كان مؤجلا كالمرتهن (ويصح الرجوع فيها) أي في العين المبيعة، (و) يصح الرجوع أيضا (في غيرها) أي في غير المبيعة، كالقرض ورأس مال السلم ونحوه، مما تقدم أول الفصل (بالقول) كرجعت في متاعي، أو أخذته، أو استرجعته، أو فسخت البيع أو نحوه، ولو (على التراضي) كرجوع الأب في الهبة. ويكون رجوعه (فسخا) حقيقة أو حكما، لأنه قد لا يكون هناك عقد بفسخ، كاسترجاع الزوج الصداق الذي انفسخ النكاح فيه بما يسقطه قبل فلس المرأة إذا باعته ثم عاد إليها ونحوه. وإلا فيرجع إلى ملكه قهرا، حيث استمر في ملكها بصفته (بلا حكم حاكم) لثبوته بالنص، كفسخ المعتقة. (إذا كملت الشروط) السابقة (ولو حكم حاكم بكونه) أي الذي وجد متاعه عند المفلس (أسوة الغرماء نقض حكمه نصا). قال أحمد: ولو أن حاكما حكم أنه أسوة الغرماء، ثم رفع إلى رجل يرى العمل بالحديث، جاز له نقض حكمه. ذكره في المغني والشرح. (ولا يفتقر الرجوع إلى شروط البيع: من المعرفة والقدرة على تسليمه) ونحو ذلك لأنه فسخ لا بيع. (فلو رجع) البائع ونحوه (في) عبد (آبق صح) الرجوع، (وصار) العبد ملكا (له. فإن قدر) البائع أو نحوه (أخذه وإن تلف) الآبق (فمن ماله) أي البائع ونحوه، كسائر أمواله. (وإن بان تلفها) أي السلعة (حين استرجاعه) لها (بطل رجوعه) أي تبينا أن رجوعه كان باطلا. إذ لا يمكن الرجوع في المعدوم، ومنه لو رجع في أمة وطئها المفلس ثم تبين أنها كانت حملت قبل الرجوع، إذ الاستيلاء إتلاف. (فأما الزيادة
501 المنفصلة كالولد والثمرة، والكسب، والنقص) بالرفع عطف على الزيادة (بهزال أو نسيان صنعة، أو) نسيان (كتابة، أو كبر أو تغير عقله، أو كان) المتاع (ثوبا فخلق. فلا يمنع الرجوع) لأن العين قائمة مشاهدة لم يتغير اسمها ولا صفتها. (فيأخذه) أي المتاع (ولو ناقصا) ب (- جميع حقه) إن شاء أو يضرب مع الغرماء بثمنه، لأن الثمن لا يتقسط على صفة السلع من سمن وهزال وعلم ونحوه، فيصير نقصه لتغير الأسعار. (والزيادة) المنفصلة (لبائع) نصا كالمتصلة: قال الامام في رواية حنبل، في ولد الجارية ونتاج الدابة: هو للبائع، وعنه لمفلس. قال في التنقيح: وهو أظهر. وقال الشارح: هذا أصح إن شاء الله. وجزم به في الوجيز. قال في المغني: وقياسهم على المتصلة غير صحيح، لأنها تتبع في الفسوخ والرد بالعيب، بخلاف المنفصلة. قال: ولا ينبغي أن يقع في هذا خلاف، لظهوره. وحمل النص على أنه باعهما في حال حملهما، فيكونان مبيعين. ولهذا خص هذين بالذكر، دون بقية النماء. (وإن صبغ) المشتري (الثوب أو قصره، أو لت السويق بزيت لم يمنع الرجوع) لأن العين قائمة مشاهدة، لم يتغير اسمها ولا صفتها. (ما لم ينقص بها) أي الثوب بالصبغ أو القصر أو السويق باللت. فإن نقص بذلك سقط الرجوع لأنه نقص بفعله، فأشبه إتلاف البعض. ورد هذا التعليل في المغني بأن هذا النقص نقص صفة فلا يمنع الرجوع، كنسيان صنعة وهزال عبد. وقال المجد: إنه أي الرجوع الأصح، وجزم به في المبدع، والأول صححه في الفروع، وقطع به في التنقيح والمنتهى. (و) إن زادت قيمة الثوب أو السويق ف (- الزيادة عن قيمة الثوب) بالصبغ أو القصارة (و) الزيادة عن قيمة (السويق)
502 باللت (للمفلس) لأنها حصلت بفعله في ملكه. فيكون شريكا للبائع بما زاد عن قيمة الثوب والسويق. فإن كانت القصارة بفعل المفلس، أو بأجرة وفاها، فهما شريكان في الثوب. فإن اختار البائع دفع قيمة الزيادة إلى المفلس لزمه قبولها، لأنه يتخلص بذلك من ضرر الشركة. وإن لم يختر بيع الثوب، وأخذ كل واحد بقدر حقه. فلو كانت قيمة الثوب خمسة، فصار يساوي ستة. فللمفلس سدسه وللبائع خمسة أسداسه. وإن كان العمل من صانع لم يستوف أجرة، فله حبس الثوب على استيفاء أجرته. اقتصر عليه في الشرح. (ولو كانت السلعة صبغا، فصبغ به) المشتري ثيابا وحجر عليه (أو) كانت (زيتا فلت به) سويقا (أو) كانت ( مسامير، فسمر بها بابا. أو) كانت (حجرا فبنى عليه) بنيانا (أو) كانت (خشبا، فسقف به) سقفا (فلا رجوع) للبائع، لأن المشتري شغل المبيع بغيره على وجه التبع. فلم يملك بائعه الرجوع. (فإن كان الصبغ والثوب لواحد) واشتراهما منه وصبغ الثوب بالصبغ وحجر عليه (رجع) البائع (في الثوب وحده. ويكون المفلس شريكا) للبائع (بزيادة الصبغ ويضرب بائع الصبغ بثمنه مع الغرماء). كما لو كان لاثنين (وإن اشترى رفوفا) جمع رف، أي ألواح خشب (ومسامير من واحد، وسمرها) أي الرفوف (بها) أي بالمسامير (رجع) بائعهما (فيهما) لأنه وجد عين ماله. فكان له الرجوع فيه. (وإن غرس) المشتري (الأرض) التي اشتراها، (أو بنى فيها) وحجر عليه (فله) أي لبائعها (الرجوع فيها) لأنه أدرك متاعه بعينه. ومال المشتري دخل على وجه التبع كالصبغ. (و) إذا رجع في الأرض فله (دفع قيمة الغراس والبناء. فيملكه، أو قلعه وضمان نقصه) لأنهما حصلا في ملكه لغيره بحق، كالشفيع والمعير. (إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع) فإن اختاروه ملكه، لأن البائع لا حق له في الغراس والبناء. فلا يملك إجبار مالكهما على المعاوضة عنهما. (ف) - على هذا (يلزمهم إذن تسوية الأرض، و) يلزمهم (أرش بنقصها الحاصل به) لأن ذلك نقص حصل لتخليص ملك المفلس، فكان
503 عليه. (ويضرب له) أي بأرش نقص الأرض (البائع مع الغرماء) كسائر ديون المفلس. (وله) أي لبائع الأرض (الرجوع فيها) أي أرضه (ولو قبل القلع) أي قلع الغراس والبناء (ودفع قيمة الغراس والبناء أو قلعه) وضمان نقصه، وتقدم قريبا. (وإن امتنعوا) أي المفلس والغرماء (من القلع. لم يجبروا عليه) لأنهما وضعا بحق. (وإن أبوا) أي الغرماء (القلع وأبى) البائع (دفع القيمة) أو أرش نقص القلع (سقط الرجوع) لما فيه من الضرر على المشتري والغرماء، والضرر لا يزال بمثله. ولو اشترى أرضا فزرعها، ثم أفلس. بقي الزرع لربه مجانا إلى الحصاد، فإن اتفق المفلس والغرماء على الترك أو القطع، جاز. وإن اختلفوا وله قيمة بعد القطع قدم قول من يطلبه. وإن اشترى غراسا فغرسه في أرضه، ثم أفلس ولم يزد الغراس فله الرجوع فيه. فإن أخذه لزمه تسوية الأرض وأرش نقصها. وإن بذل الغرماء والمفلس له القيمة. لم يجبر على قبولها. وإن امتنع من القلع فبذلوا القيمة له ليملكه المفلس، وأرادوا قلعه وضمان النقص، فلهم ذلك. وكذا لو أرادوا قلعه من غير ضمان النقص في الأصح، قاله في المبدع وغيره. وإن أراد بعضهم القلع وبعضهم التبقية. قدم قول من طلب القلع. وإن اشترى أرضا من واحد وغرسا من آخر وغرسه فيها، ثم أفلس. ولم يزد، فلكل الرجوع في عين ماله. ولصاحب الأرض قلع الغراس من غير ضمان. فإن قلعه بائعه لزمه تسوية الأرض وأرش نقصها الحاصل به. وإن بذل صاحب الغراس قيمة الأرض لصاحبها، لم يجبر على ذلك. وفي العكس إذا امتنع من القلع. له ذلك في الأصح قاله في المبدع. وتقدم في بيع الأصول والثمار حكم الطلع، والخلاف في أنه زيادة متصلة أو منفصلة. فصل: (الحكم الثالث) من الأحكام المتعلقة بحجره (بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه) بين الغرماء بالمحاصة، لأنه (ص) لما حجر على معاذ باع
504 ماله في دينه، وقسم ثمنه بين غرمائه، ولفعل عمر. ويكون ذلك (على الفور) لأن تأخيره مطل، وفيه ظلم لهم. (ويجب عليه) أي الحاكم (ذلك) أي بيع ماله وقسم ثمنه (إن كان مال المفلس من غير جنس الديون. فإن كانت ديونهم من جنس الأثمان أخذوها) أي الأثمان إن وجدت في ماله. ولا بيع لعدم الحاجة إليه، وإلا بيع بالأثمان وقسمت بينهم. (وإن كان فيهم) أي الغرماء (من دينه من غير جنس الأثمان، وليس في مال المفلس من جنسه، ورضي أن يأخذ عوضه من الأثمان جاز) حيث لا محظور في الاعتياض. (وإن امتنع) من أخذ عوضه (وطلب جنس حقه، اشترى له بحصته من الثمن) التي آلت إليه بالمحاصة (من جنس دينه) لأنه الواجب، ولا يجبر على الاعتياض. وكذا لو كان دين سلم، فيشتري له بحصته من المسلم فيه، ولا اعتياض لما سبق، ويأتي. (ولو أراد الغريم الاخذ من المال المجموع، وقال المفلس: لا أقضيك إلا من جنس دينك. قدم قول المفلس) لأنه طالب للأصل الواجب فلا يجبر على المعاوضة. (ولا يحتاج) الحاكم (إلى استئذان المفلس في البيع) لأنه محجور عليه يحتاج إلى قضاء دينه. فجاز بيع ماله بغير إذنه كالسفيه. (لكن يستحب) للحاكم (أن يحضره) أي المفلس، (أو) يحضر (وكيله) وقت البيع لفوائد. منها: أن يحضر ثمن متاعه ويضبطه. ومنها أنه أعرف بالجيد من متاعه. فإذا حضر تكلم عليه، ومنها: أنه تكثر فيه الرغبة، ومنها: أنه أطيب لنفسه، وأسكن لقلبه. (و) يستحب للحاكم أيضا أن (يحضر الغرماء) لأنه لهم، وربما رغبوا في شئ فزادوا في ثمنه. وأطيب لقلوبهم وأبعد للتهمة. وربما يجد أحدهم عين ماله فيأخذها. (وإن باعه) الحاكم (من غير حضورهم كلهم) أي المفلس والغرماء (جاز) لما تقدم (ويأمرهم) أي المفلس والغرماء (الحاكم أن يقيموا مناديا ينادي على المتاع) لأنه مصلحة. (فإن تراضوا بثقة أمضاه) الحاكم وإن تراضوا بغير ثقة رده، بخلاف المرهون إذا اتفق الراهن والمرتهن على غير ثقة، لم يكن له رده. والفرق: أن للحاكم هنا نظرا. فإنه قد يظهر غريم آخر. (وإن اختار المفلس رجلا) ينادي (واختار الغرماء آخر، أقر) الحاكم ل (- لثقة) من الرجلين، (فإن كانا ثقتين قدم) الحاكم
505 (المتطوع) منهما، لأنه أحظ (فإن كانا متطوعين ضم) الحاكم (أحدهما إلى الآخر) جمعا بين الحقين (وإن كانا بجعل قدم أوثقهما وأعرفهما) لأنه أنفع (فإن تساويا) في ذلك (قدم) الحاكم (من يرى) منهما، لأنه لا مرجح لأحدهما على الآخر. (ويستحب) للحاكم أو أمينه (أن يبيع كل شئ في سوقه) لأنه أحوط، وأكثر لطلابه (ويجوز) بيعه (في غيره) أي غير سوقه، لأن الغرض تحصيل الثمن كالوكالة. (وربما أدى الاجتهاد إلى أنه) أي بيع الشئ في غير سوقه (أصلح) من بيعه في سوقه، (بشرط أن يبيعه بثمن مثله المستقر في وقته) أي وقت البيع، فلا اعتبار بحال الشراء، (أو أكثر) من ثمن مثله. فإن باع بدون ثمن المثل لم يجز، لكن مقتضى ما يأتي في الوكالة: أنه يصح. ويضمن النقص (فإن زاد في السلعة أحد في مدة الخيار لزم الأمين) أي أمين الحاكم (الفسخ) لأنه أمكنه بيعه بثمن فلم يجز إمضاؤه بدونه، كما لو زيد فيه قبل العقد. (وإن كان) زاد في السلعة (بعد لزومه) أي البيع (استحب له) أي لأمين الحاكم (سؤال المشتري الإقالة، واستحب للمشتري الإجابة) إلى الإقالة، لأنه معاونة على قضاء دين المفلس، ودفع حاجته. وتقدم في البيع: يحرم البيع على بيع المسلم والشراء على شرائه. فهذه الصور إما مستثناة للحاجة أو محمولة على ما إذا زاد غير عالم بعقد البيع. (ويجب) على الحاكم أو أمينه (أن يترك له) أي للمفلس (من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم) صالحين لمثله، لأن ذلك مما لا غنى له عنه. فلم يبع في دينه كلباسه وقوته. وقوله (ص): خذوا ما وجدتم قضية عين يحتمل أنه لم يكن فيما وجدوه مسكن ولا خادم. (إن لم يكونا) أي المسكن والخادم (عين مال الغرماء. فإن كانا) عين مال الغرماء (لم يترك له) أي للمفلس (منه) أي من مال الغرماء (شئ)، بل من وجد عين ماله فهو أحق بها بالشروط السابقة. (ولو كان) المفلس (محتاجا) إلى ذلك، لعموم ما سبق من الخبر. (لكن إن كان له) أي المفلس (داران يستغني بإحداهما بيعت الأخرى) لعدم احتياجه إلى سكناها، (وإن كان له مسكن واسع عن سكنى مثله. بيع) المسكن الواسع (واشترى له
506 مسكن مثله) لاندفاع حاجته به. (ورد الفضل) من ثمنه (على الغرماء) جمعا بين المصلحتين (وكذلك ثيابه) أي المفلس (إذا كانت رفيعة، لا يلبس مثله مثلها) بيعت، واشترى له ما يلبسه مثله. ورد الفضل على الغرماء. (وإن كانت) الثياب (إذا بيعت واشترى له كسوة لا يفضل عنها) أي عن كسوة مثله (شئ) من ثمن الثياب الرفيعة (تركت) بحالها. إذ لا فائدة إذن في البيع والشراء. (وشرط) ترك (الخادم) له (أن لا يكون نفيسا) لا يصلح لمثله. وإلا بيع واشترى له ما يصلح لمثله إن كان مثله يخدم. ورد الفضل على الغرماء. (ويترك) الحاكم (له) أي للمفلس (أيضا آلة حرفته) فلا يبيعها، لدعاء حاجته إليها كثيابه ومسكنه. (فإن لم يكن) المفلس (صاحب حرفة ترك) الحاكم (له ما يتجر به لمؤنته) أي لتحصيل مؤنته. وفي الموجز والتبصرة: وفرس يحتاج ركوبها. (وينفق) الحاكم (عليه) أي المفلس (وعلى من تلزمه نفقته) من زوجة وخادم وقريب، لأنهم يجرون مجرى نفسه. (من ماله بالمعروف) لقوله (ص): ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، ولان ملكه باق عليه قبل القسمة. (وهو) أي المعروف (أدنى ما ينفق على مثله، وأدنى ما يسكنه مثله). وقوله (من مأكل ومشرب وكسوة) بيان لما ينفق على مثله (إلى أن يفرغ من قسمه) أي قسمة ماله (بين غرمائه إن لم يكن له) أي المفلس (كسب يفي بذلك)، أي بنفقته وكسوته. فأما إن كان يقدر على التكسب فنفقته في كسبه. فإنه لا حاجة في إخراج ماله مع غناه بكسبه، قاله في المغني والشرح. قال في الانصاف: وهو قوي. (وإن كان كسبه) أي المفلس (دون نفقته) وكسوته (كملت من ماله) كما لو لم يكن له كسب. (ويجهز هو) أي المفلس (ومن تلزمه مؤنته غير زوجته من ماله إن
507 مات) هو أو من تلزمه نفقته، كنفقته. وأما الزوجة فمؤنة تجهيزها في تركتها مطلقا. (مقدما) أي المفلس ومن يلزمه تجهيزه بمؤنة تجهيزه (على غيره) من الغرماء. (كما تقدم) في التكفين، (ويكفن) المفلس إذا مات. وكذا من مات من الرجال الذين تلزمه نفقتهم (في ثلاثة أبواب) بيض من قطن، (كما) أي مما (كان يلبس في حياته) أي من ملبوس مثله في الجمع والأعياد، وتقدم. والمرأة في خمسة أثواب كذلك. (وقدم في الرعاية) يكفن (في ثوب واحد) اقتصارا على الواجب، (وإن تلف شئ من ماله) أي المفلس (تحت يد الأمين) أي أمين الحاكم فمن مال المفلس (أو بيع شئ من ماله، وأودع ثمنه، فتلف عند المودع) من غير تعد ولا تفريط، (فمن ضمان المفلس) أي فالتالف من مال المفلس، لأن نماءه له فتلفه عليه كالعروض. (ويبدأ) الأمين (ببيع أقله بقاء، وأكثره مؤنة. فيبيع أولا ما يسرع إليه الفساد: كالطعام الرطب) والفاكهة لأن بقاءه متلفة بيقين. (ثم) يبيع (الحيوان) لأنه معرض للاتلاف. ويحتاج إلى مؤنة في بقائه. (ثم) يبيع (الأثاث) لأنه يخاف عليه، ويناله الأذى. (ثم) يبيع (العقار) لأنه لا يخاف عليه، بخلاف غيره. وبقاؤه أشهر له وأكثر لطلابه. والعهدة على المفلس إذا ظهر مستحقا فقط، قاله في الشرح. (ويبيع) الأمين (بنقد البلد) لأنه أصلح. فإن كان فيه نقود باع بأغلبها رواجا. فإن تساوت باع بجنس الدين. (وتقدم في الرهن نظيره: ويعطي) بالبناء للمفعول (منادي وحافظ المتاع، و) حافظ (الثمن، و) يعطي (الحمالون) وفي نسخ: الحمالين بالياء عطفا على نائب الفاعل، باعتبار أصله لأنه مفعول به. (أجرتهم من مال المفلس) لأنه حق على المفلس لكونه، طريقا إلى وفاء دينه، فمؤنته عليه. (تقدم) أي أجرة المنادي والحافظ والحمال (على ديون الغرماء) لأنه من مصلحة المال. ومحل ذلك (إن لم يوجد متبرع) بالنداء والحفظ والحمل. فإن وجد قدم على من يطلب أجرة. و (نظيره) أي نظير أجرة المنادي ونحوه (ما يستدان على تركة الميت لمصلحة التركة. فإنه مقدم على الديون الثابتة في ذمة الميت. ويبدأ) عند قسم ماله (بالمجني عليه إذا كان
508 الجاني عبد المفلس)، سواء (كانت الجناية قبل الحجر أو بعده)، لأن الحق متعلق بعينه يفوت بفواتها، بخلاف بقية الغرماء. (فيدفع) الحاكم أو أمينه (إليه) أي إلى المجني عليه (الأقل من الأرش، أو) من (ثمن العبد) الجاني، (ولا شئ له) أي للمجني عليه (غيره) أي غير الأقل منهما، لأن الأقل إن كان هو الأرش فهو لا يستحق إلا أرش الجناية. وإن كان ثمن الجاني فهو لا يستحق غيره لأن حقه متعلق بعينه. هذا إذا كانت الجناية بغير إذن السيد. فإن كانت بإذنه أو أمره تعلقت بذمته، كما يأتي في الجنايات. فيضرب للمجني عليه بجميع أرشها مع الغرماء. وعلى الأول: إن فضل شئ من ثمن العبد عن أرش الجناية رد على المال. (وإن لم يف) ثمنه (بأرش الجناية) فلا شئ له غيره لما تقدم، (وإن كان الجاني المفلس. فالمجني عليه أسوة الغرماء) فيضرب له معهم بأرش الجناية، سواء كانت قبل الحجر أو بعده، وتقدم. (ثم) يبدأ (بمن له رهن لازم) أي مقبوض (فيختص بثمنه) إن كان قدر دينه، سواء كان المفلس حيا أو ميتا، لأن حقه متعلق بعين الرهن وذمة الراهن، بخلاف الغرماء. (وإن فضل له) أي للمرتهن (فضل) من دينه (ضرب به مع الغرماء) لأنه ساواهم في ذلك. (وإن فضل منه) أي من ثمن الرهن (فضل) عن دينه (رد على المال) ليقسم بين الغرماء، لأنه انفك من الرهن بالوفاء. فصار كسائر مال المفلس. (ثم) يبدأ (بمن له عين مال) فيأخذها بشروطه لما تقدم. (أو) له (عين مؤجرة) استأجرها المفلس منه، ولم يمض من مدتها شئ، فيأخذها كما تقدم. (أو) له منفعة عين هو (مستأجرها من مفلس، فيأخذها) لأن حقه متعلق بالعين والمنفعة. وهي مملوكة له في هذه المدة. (وكذا مؤجر نفسه) للمفلس ثم حجر عليه قبل أن يمضي من مدة الإجارة شئ، فله فسخ الإجارة، لدخوله فيما سبق. (وإن بطلت الإجارة في أثناء المدة) بأن ماتت العين التي استأجرها من المفلس وعجل له أجرتها (ضرب له) أي للمستأجر (بما بقي) له من الأجرة التي عجلها (مع الغرماء) كسائر الديون، إن لم تكن عين الأجرة باقية. وإن كان ذلك بعد قسم ماله رجع على الغرماء بحصته، (ولو باع) المفلس (شيئا أو باعه وكيله وقبض) المفلس أو وكيله (الثمن فتلف وتعذر رده، وخرجت السلعة مستحقة) وحجر على المفلس، (ساوى المشتري) بما كان دفعه (الغرماء) فيضرب له به معهم
509 كسائر الديون. (وإن أجر) المفلس (دارا) بعينها (أو بعيرا بعينه، أو) أجر (شيئا غيرهما بعينه، ثم أفلس. لم تنفسخ الإجارة) بالحجر عليه (بالفلس) للزومها. (وكان المستأجر أحق بالعين التي استأجرها من الغرماء حتى يستوفي حقه، فإن هلك البعير) المؤجر (أو انهدمت الدار) المؤجرة (قبل انقضاء المدة انفسخت الإجارة) لفوات المعقود عليه. (ويضرب) المستأجر (مع الغرماء ببقية الأجرة) إن كان عجلها، وتقدم. (وإن استأجر جملا) أو نحوه (في الذمة، ثم أفلس المؤجر، فالمستأجر أسوة الغرماء) لعدم تعلق حقه بالعين. و (إن أجره دارا ثم أفلس) المؤجر (فاتفق المفلس والغرماء على البيع قبل انقضاء مدة الإجارة. فلهم ذلك) لان الحق لا يعدوهم (ويبيعونها مستأجرة) للزوم الإجارة. (فإن اختلفوا) بأن طلب أحدهم البيع في الحال، والآخر البيع إذا انقضت الإجارة (قدم قول من طلب البيع في الحال) لأنه الأصل، ولا ضرر فيه. (فإذا استوفى المستأجر) المدة أو المنفعة (تسلم المشتري) العين لعدم المعارض، و (إن اتفقوا) أي المفلس والغرماء (على تأخير البيع حتى تنقضي مدة الإجارة فلهم ذلك) لأن الحق لهم. وقد رضوا بتأخيره. (ولو باع سلعة) قبل الحجر، (ولو) كان المبيع (مكيلا أو موزونا قبض ثمنها أولا، ثم أفلس) أو مات (قبل تقبيضها) أي السلعة المبيعة، (فالمشتري أحق بها من الغرماء) لأنها عين ملكه. (وإن كان على المفلس دين سلم، فوجد المسلم الثمن بعينه. فهو) أي المسلم (أحق به كما تقدم. وإن لم يجده) أي الثمن (فإن حل) السلم (قبل القسمة ضرب) المسلم (مع الغرماء بقيمة المسلم فيه) كسائر الديون، (فإن كان في المال من جنس حقه) المسلم فيه (أخذ) المسلم (منه بقدر ما يستحقه) بالمحاصة (وإن لم يكن فيه) أي في مال المفلس (من جنس حقه) الذي أسلم فيه، (عزل له) أي
510 للمسلم (من المال قدر حقه) الذي يخرج له بالمحاصة (فيشتري به المسلم فيه، فيأخذه. وليس له أن يأخذ المعزول بعينه) لأنه اعتياض عن المسلم فيه، وهو لا يجوز. (فإن أمكنه) أي الحاكم أو أمينه. (أن يشتري بالمعزول) لرب السلم (أكثر مما قدر له) أي من المعقود عليه (لرخص المسلم فيه اشترى له) أي لرب السلم (بقدر حقه) أي قدر سلمه، (ويرد الباقي) مما خرج له بالمحاصة (على الغرماء)، لأنه لا مستحق له غيرهم. (ثم يقسم) الحاكم أو أمينه (الباقي) من مال المفلس (بين باقي الغرماء) لتساوي حقوقهم في تعلقها بذمة المفلس، (على قدر ديونهم) لأن فيه تسوية بينهم ومراعاة لكمية حقوقهم. فلو قضى الحاكم أو المفلس بعضهم لم يصح، لأنهم شركاؤه. فلم يجز اختصاصه دونهم، (ولا يلزمهم) أي الغرماء (بيان أن (لا غريم سواهم) بخلاف الورثة، ذكره في الترغيب والفصول وغيرهما لئلا يأخذ أحدهم ما لا حق له فيه. (فإن كان فيهم) أي الغرماء (من له دين مؤجل. لم يحل) لأن الاجل حق للمفلس، فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه. ولأنه لا يوجب حلول ماله. فلا يوجب حلول ما عليه كالاغماء. (ولم يوقف له) أي للدين المؤجل (شئ) من المال (ولا يرجع) رب الدين المؤجل، (على الغرماء إذا حل) دينه بشئ، لأنه لم يستحق مشاركتهم حال القسمة. فلم يستحق الرجوع عليهم بعد. (لكن إن حل) دينه (قبل القسمة شاركهم) لمساواته لهم. (وإن حل) دينه (بعد قسمة البعض) من المال (شاركهم في الباقي) من المال. (ويضرب فيه بجميع دينه، ويضرب باقي الغرماء ببقية ديونهم، ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل) الدين بموته (إذا وثق الورثة أو) وثق (غيرهم برهن أو كفيل ملئ على أقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين)، لأن الاجل حق للميت. فورث عنه كسائر حقوقه. و (كما لا تحل الديون التي له بموته فتختص أرباب الديون الحالة بالمال) ويتقاسمونه بالمحاصة، ولا يترك منه للمؤجل شئ، ولا يرجع ربه عليه بعد حلوله، بل على من وثقه. (فإن تعذر التوثق لعدم وارث) بأن مات عن غير وارث حل ولو ضمنه الامام. (أو) ل (- غيره) أي غير عدمه، بأن خلف وارثا
511 لكنه لم يوثق، (حل) الدين لغلبة الضرر. (فيأخذه) ربه (كله) إن اتسعت التركة له، أو يحاصص به الغرماء، ولا يسقط منه شئ في مقابلة الاجل. وإن ضمنه ضامن وحل على أحدهما لم يحل على الآخر. (وحكم من طرأ عليه جنون حكم المفلس والميت في حلول الدين) المؤجل بجنونه (وعدمه)، أي عدم حلوله. فعلى المذهب: لا يحل (وإن ظهر غريم بعد القسمة لم تنقض) القسمة، (ورجع) الغريم الذي ظهر (على كل واحد بقدر حصته) لأنه لو كان حاضرا شاركهم، فكذا إذا ظهر، (فلو كان) للمفلس (ألف اقتسمه غريماه نصفين، ثم ظهر ثالث، دينه كدين أحدهما رجع) الثالث (على كل واحد بثلث ما قبضه) وهو خمسمائة، وثلثها مائة وستة وستون وثلثان. قال في الفروع: (وظاهر كلامهم يرجع على من أتلف ما قبضه بحصته)، واقتصر عليه في الانصاف. وهذا بخلاف ما إذا قبض أحد الشريكين شيئا من الدين المشترك على ما يأتي. ولعل الفرق أن بالحجر تعلق حق جميع الغرماء بماله. فتخصيص بعضهم باطل، كما سبق، بخلاف مسألة القبض من المشترك إذ المدين فيها غير محجور عليه. (ولا يمنع الدين انتقال التركة إلى الورثة) إذا مات المدين لقوله (ص): من ترك حقا أو مالا فلورثته ولان تعلق الدين بالمال لا يزيل الملك في حق الجاني والراهن والمفلس. فلم يمنع نقله. (ويتعلق حق الغرماء بها) أي بالتركة (كلها، وإن لم يستغرقها الدين) لتعلق أرش الجناية برقبة العبد الجاني (سواء كان) الدين (دينا لآدمي، أو) كان (دينا لله تعالى) كزكاة وكفارة ونذر حج، وسواء (ثبت) الدين (في الحياة أو تجدد بعد الموت بسبب يقتضي الضمان، كحفر بئر) تعديا (ونحوه) كبناء تعدى به، فإذا تلف بذلك شئ بعد موت الحافر والباني. تعلق بتركته. (وتأتي تتمته في كتاب الوصايا. و) في (آخر) باب (القسمة. والدين باق في ذمة الميت) لما
512 تقدم في الضمان من قوله (ص): الآن بردت جلدته حال كون الدين (في التركة) أي متعلقا بها، (حتى يوفى) منها أو من غيرها (ويصح تصرف الورثة في التركة) ببيع أو غيره لانتقالها إليهم، كتصرف السيد في العبد الجاني. وإنما يجوز لهم التصرف (بشرط الضمان) قاله القاضي. وقال: ومتى خلى الورثة بين التركة وبين الغرماء سقطت مطالبتهم بالديون. ونصب الحاكم من يوفيهم منها، ولم يملكها الغرماء بذلك، انتهى. وأما صحة التصرف فلا تتوقف على الضمان، كما هو المتبادر من عبارة المبدع وشرح المنتهى وغيرهما، حيث قالوا: فإن تصرفوا فيها صح. كتصرف السيد في العبد الجاني. (ويضمنون) أي الورثة إذا تصرفوا في التركة (الأقل من قيمة التركة أو الدين) لأنه الواجب عليهم. (فإن تعذر وفاؤه) أي الدين بعد تصرفهم في التركة (فسخ تصرفهم) قاله في المبدع وغيره. وعبارة شرح المنتهى: فسخ العقد، انتهى. فعليها إن تصرفوا بعتق لم يتأت فسخه. وعليهم الأقل من قيمته أو الدين، كما لو أعتق السيد الجاني والراهن الرهن. (وإن بقي على المفلس) بعد قسم ماله (بقية) من الدين (أجبر المحترف على الكسب، و) على (إيجار نفسه فيما يليق بمثله) من الصنائع (لقضاء ما بقي عليه) من الديون، لأنه (ص): باع سرقا في دينه بخمسة أبعرة رواه الدارقطني، وسرق رجل دخل المدينة وذكر أن وراءه مالا فداينه الناس، وركبته ديون، ولم يكن وراءه مال. فسماه سرقا، والحر لا يباع فعلم أنه باع منافعه، إذ المنافع تجري مجرى الأعيان في صحة العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة فكذا هنا، ولان الإجارة عقد معاوضة فأجبر عليها، كبيع ماله، (مع) بقاء (الحجر عليه إلى الوفاء) أو حكم الحاكم بفكه. ويأتي (و) يجبر أيضا على (إيجار موقوف عليه) يستغني عنه () على إيجار (أم ولده إن استغنى عنها) لأنه قادر على وفاء دينه، فلزمه، كما لك ما يقدر على الوفاء منه. (لا إن لزمه
513 حج وكفارة) ونحوهما من حقوق الله تعالى، فلا يجبر على إيجار نفسه ووقفه وأم ولده في ذلك، لأن ماله لا يباع فيه فنفعه أولى. (ولا يجبر) المدين مطلقا (على قبول هبة وصدقة) وعطية (ووصية، ولو كان المتبرع ابنا) له. لما فيه من الضرر عليه بتحمل المنة التي تأباها قلوب ذوي المروءات. (ولا يملك غير المدين وفاء دينه) عنه (مع امتناعه) أي المدين منه. وكذلك لو بذله غير المدين وامتنع ربه من أخذه منه. (ولا يملك الحاكم قبض ذلك) أي ما ذكر من هبة وصدقة ووصية ونحوها للمدين (لوفائه)، أي وفاء دينه (بلا إذن) من المدين (لفظي أو عرفي) لأنه لا يملك إجباره عليه، فلم يملك فعله عنه. (ولا يجبر) المفلس (على تزويج أم ولد) لوفاء دينه مما يأخذ من مهرها. وظاهره: ولو لم يكن يطؤها. لما فيه من تحريمها عليه بالنكاح، وتعلق حق الزوج بها. (ولا) تجبر (امرأة) مدينة (على نكاح) نفسها لمن يرغب في نكاحها، لتأخذ مهرها وتوفي منه دينها. لأنه يترتب عليها بالنكاح من الحقوق ما قد تعجز عنه، (أو) أي ولا يجبر (رجل على خلع) إذا بذلت له زوجته أو غيرها مالا ليخالعها أو يطلقها عليه ويوفي منه الدين، لأن عليه فيه ضررا بتحريم زوجته عليه. وقد يكون له إليها ميل. (ولا) يجبر مدين أيضا باع أو اشترى بشرط الخيار، (على رد مبيع، و) لا على (إمضائه) أي البيع، ولو كان فيه حظ، لأن ذلك إتمام لتصرف سابق على الحجر، فلم يجبر عليه فيه. (و) لا على (أخذ دية عن قود) وجب له بجناية عليه، أو على مورثه، لأن ذلك يفوت المعنى الذي لأجله شرع القصاص. ثم إن اقتص فلا شئ للغرماء، وإن عفا على مال ثبت وتعلق به دينهم. (و) لا يجبر أيضا على (نحوه) أي نحو ما ذكر. كما لو بذلت له امرأة ما ليتزوجها عليه، لم يجبر على قبوله، أو ادعى على إنسان بشئ فأنكره وبذل له مالا على أن لا يحلفه. (ولا تسقط) الدية (بعفوه) أي المفلس (على غير مال) كأن عفا على نحو خمر (أو) عفا (مطلقا)، بأن قال: عفوت. (أو) عفا (مجانا) بأن قال: عفوت بلا شئ ويأتي في العفو عن القصاص تحرير ذلك. وأن له العفو مجانا. لان المال لم يجب عينا. (ولا يجبرون أيضا على ذلك) أي لا يجبر من له أم ولد على تزويجها، ولا رجل على خلع امرأته، ولا امرأة على نكاح، ولا من له قود على العفو عنه على مال، (لأجل نفقة واجبة) عليهم، لما تقدم من أنهم لا يجبرون عليه لوفاء الدين. (ولا يمنعون أخذ
514 الزكاة لأجله) أي لأجل ما يبذل لهم في تزويج أم ولد ونحوها مما ذكر، لأنه لا يثبت به غني. (ولا ينفك الحجر عنه) أي المفلس (إلا بحكم حاكم إن بقي عليه شئ) من الدين، لأنه حجر ثبت بحكم. فلا ينفك إلا به كالمحجور عليه لسفه بعد رشده. (وإلا) بأن لم يبق عليه شئ من الدين (انفك) عنه الحجر بلا حكم. لأن المعنى الذي حجر عليه من أجله قد زال. (وإذا فك) الحاكم (عنه الحجر فليس لأحد مطالبته ولا ملازمته حتى يملك مالا) لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (فإن جاء الغرماء عقب فك الحجر عنه فادعوا أن له مالا، لم يقبل إلا ببينة) لأنه خلاف الظاهر، (فإن ادعوا بعد مدة أن في يده مالا أو ادعوا ذلك) أي أن في يده مالا (عقب فك الحجر عنه، وبينوا سببه) أي المال (أحضره الحاكم وسأله) عما ذكره الغرماء، (فإن أنكر) أن بيده مالا (فقوله مع يمينه) لأنه منكر، والأصل عدمه. (وإن أقر) أن بيده مالا، (وقال هو) أي المال (لفلان) وأنا وكيله أو عامله، وفلان حاضر، (وصدقه حلف المقر له) لجواز تواطئهما، (وإلا) بأن لم يقل: هو لفلان ويصدقه، ويحلف بأن أقر المفلس أنه له. أو أنه لفلان وكذبه فلان، أو صدقه ولم يحلف (أعيد الحجر عليه إن طلب الغرماء ذلك) وكان لا يفي بدينه، وإلا وفاه منه. ولا حاجة إلى الحجر كما تقدم. (وإن أقر) المفلس (أنه) أي المال (لغائب. أقر) المال (في يده) أي المفلس (حتى يحضر الغائب ثم نسأله) فإن صدقه وحلف أخذه، وإلا أعيد الحجر عليه (كما تقدم في الحاضر، وإذا انفك) الحجر (عنه) بحكم الحاكم (فلزمته ديون) أخرى (وحجر عليه) ثانيا ولو بطلب أرباب الديون الثانية، (شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني في ماله) الموجود إذن، لأنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في ذمته إلا أن الأولين يضرب لهم ببقية ديونهم، والآخرين بجميعها. (وإن كان للمفلس) أو الميت (حق له به شاهد) واحد (وحلف) المفلس أو الوارث (معه. ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء) كسائر أمواله. (فإن أبى) المفلس أو الوارث (أن يحلف معه) أي مع شاهده (لم يجبر) على ذلك، لأنا لا نعلم صدق الشاهد. (ولم يكن لغرمائه) أي المفلس أو الميت (أن يحلفوا) مع شاهد، لأنهم يثبتون ملكا لغيرهم، لتعلق حقوقهم به بعد ثبوته، فلم يجز، كالمرأة تحلف لاثبات ملك زوجها لتعلق نفقتها به.
515 فصل: (الحكم الرابع) المتمم لأحكام الحجر على المفلس (انقطاع المطالبة عنه) لما تقدم من قوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * وقوله (ص) لغرماء معاذ: خذوا ما وجدتم ثم ليس لكم إلا ذلك (فمن أقرضه شيئا أو باعه) شيئا (لم يملك مطالبته) ببدله (حتى ينفك عنه الحجر) لأنه هو الذي أتلف ماله بمعاملة من لا شئ معه، لكن إن وجد المقرض أو البائع أعيان مالهما فلهما أخذها، كما سبق إن لم يعلما بالحجر. فصل: (الضرب الثاني) حجر (المحجور عليه لحظه) أي حظ المحجور نفسه، (وهو الصبي) أي من لم يبلغ من ذكر أو أنثى، (والمجنون والسفيه) لأن فائدة الحجر عائدة عليهم كما سبق. والحجر عليهم عام، بخلاف المفلس ونحوه. (فلا يصح تصرفهم) أي الصبي والمجنون والسفيه (في أموالهم ولا ذممهم قبل الاذن) لأن تصحيح تصرفهم يفضي إلى ضياع مالهم، وفيه ضرر عليهم. (ومن دفع إليهم) أو إلى أحدهم (ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقيا) لأنه عين ماله، (وإن أتلفوه أو أتلف في أيديهم) بتعد أو تفريط أو لا (لم يضمنوا وكان من ضمان مالكه) لأنه سلطهم عليه برضاه، سواء (علم بالحجر أو لم يعلم) لتفريطه (وإن جنوا) على نفس أو طرف أو جرح، (فعليهم أرش الجناية) لأنه لا تفريط من المجني عليه، والدية على العاقلة، مع الصغر والجنون بشرطه (ويضمنون) أي الصبي والمجنون والسفيه (ما لم يدفع إليهم إذا أتلفوه) لأنه لا تفريط من المالك. والاتلاف يستوي فيه الأهل وغيره، وحكم المغصوب كذلك، لحصوله في يدهم بغير اختيار مالكه. وإذا دفع محجور عليه لحظه ماله
516 لمحجور عليه لحظه فتلف. فالظاهر أنه مضمون على المدفوع له، لأنه لا تسليط من المالك. وقد تلف بفعل القابض له بغير حق فضمنه، لأنه إتلاف يستوي فيه الكبير والصغير، والعمد والسهو. ولم أره منقولا. (ويأتي حكم وديعة وعارية) إذا تلفت بيد أحدهم. وأنه لا ضمان عليه فيها. (و) يأتي أيضا في الوديعة حكم (عبد) أودع. (ومن أعطوه) أي الصبي أو المجنون أو السفيه (مالا) بغير إذن الولي (ضمنه) أي صار في ضمان آخذه، لتعديه بقبضه ممن لا يصح منه دفع. (حتى يأخذه وليه) أي ولي الدافع. لأنه هو الذي يصح قبضه. (ويأتي بعضه. وإن أخذه) أي المال إنسان من المحجور عليه (ليحفظه) من الضياع، (لم يضمنه) بذلك إن لم يفرط (كمغصوب أخذه ليحفظه لربه) فلا يضمنه. لأن في ذلك إعانة على رد الحق إلى مستحقه. (ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا) ذكرين كانا أو أنثيين (ولو بلا حكم) حاكم (انفك الحجر عنهما بلا حكم)، أما في الثاني فلقوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى) * - الآية وأما الأول فلان الحجر عليه كان لجنونه، فإذا زال وجب زوال الحجر لزوال علته. (ودفع إليهما) أي إلى من بلغ رشيدا أو عقل رشيدا (مالهما) لقوله تعالى: * (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) *. (ويستحب أن يكون الدفع) لهما (بإذن قاض، و) أن يكون (ببينة بالرشد، و) أن يكون ببينة (بالدفع ليأمن التبعة) أي الرجوع عليه بعد ذلك. (ولا ينفك) الحجر عنهما (قبل ذلك) أي البلوغ أو العقل مع الرشد (بحال)، ولو صارا شيخين. وروى الجوزجاني في المترجم قال: كان القاسم بن محمد يلي أمر شيخ من قريش ذي أهل ومال، لضعف عقله قال ابن المنذر: أكثر علماء الأمصار من أهل الحجاز والشام والعراق ومصر يرون الحجر على كل مضيع لماله، صغيرا كان أو كبيرا. (ويحصل البلوغ) في الذكر والأنثى بواحد من ثلاثة أشياء: (بإنزال المني يقظة أو مناما باحتلام، أو جماع أو غير ذلك) لقوله تعالى: * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) * قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الفرائض والاحكام تجب على المحتلم العاقل. (أو بلوغ خمس عشرة سنة) أي استكمالها لما روى ابن عمر قال: عرضت على النبي (ص) يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة. فلم يجزني. وعرضت عليه يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة فأجازني متفق عليه. (أو نبات الشعر الخشن القوي حول القبل) لأنه
517 (ص) لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم. فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت فهو من الذرية. فبلغ ذلك النبي (ص) فقال: لقد حكم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة متفق عليه. (دون) نبات (الزغب الضعيف) لأنه ينبت للصغير، (وتزيد الجارية) على الذكر بشيئين (بالحيض) لقوله (ص): لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار رواه الترمذي وحسنه. (والحمل لأن حملها دليل إنزالها، فيحكم ببلوغها منذ حملت) لأن الله تعالى أجرى العادة بخلق الولد من مائهما. لقوله تعالى: * (فلينظر الانسان مم خلق خلق من ماء دافق. يخرج من بين الصلب والترائب) *. (ويقدر ذلك) أي الوقت الذي حكم ببلوغها منه (بما قبل وضعها بستة أشهر، لأنه اليقين) لأنها أقل مدة الحمل. (إذا كانت توطأ) بأن كانت مزوجة (وإن طلقت وكانت لا توطأ، فولدت لأكثر مدة الحمل) وهي أربع سنين (فأقل) من ذلك (منذ طلقت فقد بلغت قبل الفرقة) لأنه لا يحتمل خلاف ذلك. (و) يحصل بلوغ (خنثى) بأحد خمسة أشياء: (بسن) أي تمام خمس عشرة سنة، (أو نبات) شعر خشن (حول الفرجين، أو مني من أحدهما. أو حيض من فرج) أي مما يشبه فرج الأنثى (أو هما) أي الحيض والمني. (من فرج واحد، أو مني من ذكره، وحيض من فرجه) لأنه إن كان ذكرا فقد أمنى، وإن كان أنثى فقد حاضت. ويأتي حكم إشكاله وما يزول به في ميراثه. (ولا اعتبار) في البلوغ (بغلظ الصوت. و) لا (فرق الانف. و) لا (نهود الثدي. و) لا (شعر الإبط ونحو ذلك) لعدم اطراده، (والرشد: الصلاح في المال لا غير) في قول أكثر العلماء. لقوله تعالى: * (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) * قال ابن عباس: يعني صلاحا في أموالهم وقال مجاهد: إذا كان عاقلا، ولان العدالة لا تعتبر في الرشد في الدوام فلا تعتبر في الابتداء، كالزهد في الدنيا فعلى هذا يدفع إليه ماله، وإن كان مفسدا لدينه. كمن ترك
518 الصلاة ومنع الزكاة ونحو ذلك. (ولا يدفع إليه مال) بعد بلوغه (قبله)، أي قبل رشده (ولو صار شيخا) لما تقدم. (ولا يدفع إليه) أي إلى المحجور عليه لحظة ماله، (حتى يختبر) أي يمتحن (بما يليق به ويؤنس) أي يعلم (رشده) لقوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) * - الآية أي فاختبروهم، فعلق الدفع على الاختبار والبلوغ وإيناس الرشد، فوجب اختباره بتفويض التصرف إليه وهو يختلف. (فإن كان من أولاد التجار، وهم) أي التجار (من يبيع ويشتري) لطلب الربح، (ف) - إيناس الرشد منه (بأن يتكررا) أي البيع والشراء (منه، فلا يغبن غالبا غبنا فاحشا. وأن يحفظ ما في يده من صرفه فيما لا فائدة فيه، كالقمار والغناء وشراء المحرمات) كالخمر وآلات اللهو (ونحوه. وليس الصدقة به وصرفه في باب بر) كغزو وحج، (و) صرفه في (مطعم ومشرب وملبس ومنكح لا يليق به: تبذيرا، إذ لا إسراف في الخير) قال في الاختيارات: الاسراف ما صرفه في المحرمات، أو كان صرفه في المباح يضر بعياله أو كان وحده. ولم يثق بإيمانه أو أسرف في مباح قدرا زائدا على المصلحة، انتهى. وقال المصنف في الحاشية: الفرق بين الاسراف والتبذير: أن الاسراف صرف الشئ فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي، والتبذير صرف الشئ فيما لا ينبغي. (ويختبر ابن المزارع بما يتعلق بالزراعة والقيام على العمال والقوام. و) يختبر (ابن المحترف) أي صاحب الصناعة (بما يتعلق بحرفته. و) يختبر (ابن الرئيس والصدر الكبير، و) ابن (الكاتب الذين يصان أمثالهم عن الأسواق، بأن تدفع إليه نفقته مدة لينفقها في مصالحه. فإن صرفها في مصارفها ومرافقها استوفى على وكيله فيما وكل فيه، واستقصى عليه) أي على وكيله (دل ذلك على رشده) فيعطى ماله، ويشترط في الكل ما تقدم، في ابن التاجر من حفظ ما في يده عن صرفه فيما لا فائدة فيه. ولو أخره وأرجعه إلى الكل كما صنع غيره لكان أفيد. (و) إذا علم رشده أعطى ماله (سواء رشده الولي أو لا) لقوله تعالى: * (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) * (قال الشيخ: وإن نوزع) أي
519 نازع وليه (في الرشد فشهد) به (شاهدان قبل) الحاكم شهادتهما وعمل بها، (لأنه) أي الرشد (قد يعلم بالاستفاضة) كالنسب (ومع عدمها) أي البينة (له اليمين على وليه) لعموم حديث: البينة على المدعي واليمين على من أنكر. (أنه لا يعلم رشده) لأن اليمين على فعل الغير فكانت على نفي العلم. (ولو تبرع) من لم يعلم رشده (وهو تحت الحجر فقامت بينة برشده) وقت التبرع (نفذ) تبرعه، وكذلك سائر عقوده، لأن العبرة في العقود بما في نفس الامر. (والأنثى) إذا أريد اختبارها (يفوض إليها ما يفوض إلى ربة البيت من الغزل والاستغزال) أي دفعها الكتان ونحوه إلى الغزالات، (بأجرة المثل وتوكيلها في شراء الكتان ونحوه) كالقطن (وحفظ الأطعمة من الهر والفأر وغير ذلك. فإن وجدت ضابطة لما في يدها مستوفية من وكيلها فهي رشيدة) يدفع إليها مالها وإلا فلا. (ووقت الاختبار قبل البلوغ) لقوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى) * فظاهرها: أن ابتلاءهم قبل البلوغ، لأنه سماهم يتامى، وإنما يكون ذلك قبل البلوغ. ومد اختبارهم إلى البلوغ بلفظ حتى فدل على أنه قبله، ولان تأخيره إلى البلوغ يفضي إلى الحجر على البالغ الرشيد. لكونه ممتدا حتى يختبر ويعلم رشده. (ولا يختبر إلا المراهق المميز الذي يعرف البيع والشراء والمصلحة والمفسدة) وإلا أدى إلى ضياع المال وحصول الضرر. (وبيع الاختبار وشراؤه صحيح) لقوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى) * ولا يأمر بغير الصحيح. فصل: (وتثبت الولاية على صغير ومجنون) ذكر أو أنثى (لأب) لأنها ولاية. فقدم فيها الأب كولاية النكاح. ولكمال شفقته (بالغ
520 رشيد عاقل حر عدل، ولو ظاهرا) لأن تفويض الولاية إلى غير من هذه صفاته تضييع للمال. ولان غير البالغ الرشيد الحر العاقل قد يحتاج إلى ولي. فلا يكون وليا على غيره، ولكن تثبت الولاية للمكاتب على ولده التابع له في الكتابة. ويتصور أن يكون الأب غير بالغ إذا ألحق الولد بابن عشر احتياطا للنسب، فيلحق به الولد ولا يثبت به بلوغه. (ولو) كان الأب (كافرا) فله الولاية (على ولده) الكافر لمساواته له في الكفر. ولا ولاية للكافر على ولده المسلم. لقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) *. وإنما تثبت الولاية لكافر (ب) - شرط (أن يكون عدلا في دينه) ممتثلا لما يعتقدونه واجبا، منتهيا عما يحرمونه، مراعيا للمروءة. (ثم) تثبت الولاية على صغير ومجنون (بعد الأب) ل (- وصيه) العدل (ولو) كان (بجعل وثم متبرع) بالولاية، لأنه نائب الأب أشبه وكيله في الحياة. (ثم) إن لم يكن أب ولا وصيه، أو كان الأب موجودا وفقد شئ من الصفات المعتبرة فيه ثبتت الولاية عليهما (لحاكم) لأن الولاية انقطعت من جهة الأب، فتكون للحاكم، لأنه ولي من لا ولي له. وقوله (كذلك) أي بالصفات المعتبرة. قال الامام: أما حكامنا هؤلاء اليوم فلا يجوز أن يتقدم إلى أحد منهم ولا يدفع إليه شيئا. (فلو لم يوص الأب إلى أحد) بالصفات المعتبرة، أو كان الأب موجودا غير متصف بالصفات المعتبرة، كما يدل عليه كلامه في الهبة. (أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم) والمجنون لانتقال الولاية إليه. (فإن لم يوجد حاكم) بالصفات المعتبرة (فأمين يقوم به) أي باليتيم. سأل الأثرم الامام عن رجل مات وله ورثة صغار، كيف يصنع؟ فقال: إن لم يكن لهم وصي ولهم أم مشفقة تدفع إليها. (والجد) لا ولاية له، لأنه لا يدلي بنفسه. وإنما يدلي بالأب فهو كالأخ. (والأم وسائر العصبات لا ولاية لهم) لأن المال محل الخيانة، ومن عدا المذكورين أو لا قاصر عنهم، غير مأمون على المال. (ولا يجوز لوليهما) أي الصغير والمجنون، (أن يتصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما) لقوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * والمجنون في معناه. (فإن تبرع) بهبة أو صدقة (أو حابى) بأن اشترى بزيادة أو باع بنقصان، (أو زاد على النفقة عليهما) بالمعروف (أو) زاد على النفقة (على من تلزمهما مؤنته) من زوجة ونحوها (بالمعروف. ضمن) لأنه مفرط، كتصرفه في مال غيرهما. قال في المبدع:
521 ومراده - والله أعلم - أنه يضمن القدر الزائد على الواجب لا مطلقا. (ولوليهما: الانفاق عليهما من مالهما بغير إذن حاكم، ك) - إنفاقه على (لقيط) بغير إذن حاكم لولايته. (ولو أفسد) طفل أو مجنون (نفقته دفعها) الولي (إليه يوما بيوم) دفعا للمفسدة. وعلم أن من لم يفسدها يجوز أن يعجل له ما جرت به عادة أهل بلده (فإن أفسدها) المولى عليه بإتلافها أو دفعها لغيره، (أطعمه) الولي (معاينة) أي حال كونه معاينا له، وإلا كان مفرطا. (ولو أفسد كسوته ستر عورته فقط في بيت إن لم يمكن التحيل) على إبقائها عليه، (ولو بتهديد وزجر وصياح عليه. ومتى أراه) الولي (الناس ألبسه) ثيابه (فإذا عاد) إلى البيت (نزع) الثياب (عنه) وستر عورته فقط، (ويقيد المجنون بالحديد لخوف) عليه، نص عليه. وكذا ينبغي لو خيف منه. (ولا يصح أن يرتهن) الولي من مالهما لنفسه، (أو يشتري) الولي (من مالهما) شيئا (لنفسه أو يبيعهما) شيئا من نفسه، لأنه مظنة التهمة. (إلا الأب) لأن التهمة بين الولد ووالده منفية، إذ من طبع الوالد الشفقة عليه، والميل إليه، وترك حظ نفسه لحظه، وبهذا فارق الوصي والحاكم (ويأتي) ذلك. (ويجب على وليهما إخراج زكاة مالهما) من مالهما (و) إخراج (فطرتهما من مالهما) وكذا فطرة من تلزمهما مؤنته، وتقدم في الزكاة. (ولا يصح إقراره) أي الولي (عليهما) بمال ولا إتلاف ونحوه، لأنه إقرار على الغير. وأما تصرفاته النافذة منه، كالبيع والإجارة وغيرهما فيصح إقراره بها كالوكيل. (ولا) يصح (أن يأذن لهما في حفظ مالهما) لعدم حصول المقصود. (ويستحب إكرام اليتيم، وإدخال السرور عليه، ودفع الإهانة عنه) أي عن اليتيم (فجبر قلبه من أعظم مصالحه. قال الشيخ) لحديث أبي الدرداء مرفوعا: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك رواه الطبراني في الكبير. (ولوليهما مكاتبة رقيقهما) لأن ذلك تحصيل لمصلحة الدنيا والآخرة وقيدها بعض الأصحاب بما إذا كان فيها مصلحة. (و) لوليهما (عتقه) أي عتق رقيقهما (على مال إن كان فيه حظ كما تقدم، مثل أن تكون قيمته ألفا، فيكاتبه على ألفين،
522 أو يعتقه عليهما) أي على ألفين (ونحو ذلك) مما فيه حظ لهما، لأنها معاوضة فيها حظ. فملكها الولي كالبيع. (وإن كان) ما ذكر من الكتابة والعتق (على مال بقدر قيمته) أي القن (أو) كان على مال (أقل) من قيمته (لم يجز) ذلك، لأنه لاحظ فيه للمولى عليه، (كعتقه مجانا) أي بغير عوض، وعنه بلا مصلحة، بأن تساوى أمة مع ولدها مائة وبدونه مائتين، ولا يمكن إفرادها بالبيع. فيعتق الولد لتكثر قيمة الام. اختاره أبو بكر قال في الانصاف: ولعل هذا كالمتفق عليه. (وله) أي لولي اليتيم والمجنون (تزويج رقيقهما من عبيد وإماء لمصلحة) ولو بعضا ببعض، لأن في ذلك إعفافا عن الزنا وإيجابا لنفقة الإماء على أزواجهن. (و) لوليهما (السفر بمالهما لتجارة وغيرها) بأن عرض له سفر (في مواضع أمنه) لأنه أحظ لهما، ولأنه عادة البالغين في أموالهم. وقوله: (في غير بحر) لم يقيد به في الانصاف ولا المبدع، ولم أره لغيره، بل مقتضى كلامهم: يجوز أيضا مع غلبة السلامة. (ولا يدفعه) أي يدفع الولي مالهما (إلا إلى الامناء) لأنه لاحظ لهما في دفعه لغير أمين. (ولا يغرر) الولي (به) أي بمالهما، بأن يعرضه لما هو متردد بين السلامة وعدمها لعدم الحظ لهما. (وله) أي للولي (المضاربة) أي التجارة (به) أي بالمال (بنفسه، ولا أجرة له) في نظير اتجاره به. (والربح كله للمولى عليه) لأنه نماء ماله. (والتجارة بمالهما أولى من تركها) وفي الاختيارات: تستحب التجارة بمال اليتيم لقول عمر وغيره: اتجروا في أموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة. (وله) أي لولي الصغير والمجنون (دفعه) أي دفع مالهما (مضاربة إلى أمين) يتجر فيه (بجزء من الربح)، لأن عائشة أبضعت مال محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم. ولان الولي نائب عن محجوره في كل ما فيه مصلحته. (وله) أي الولي (إبضاعه.
523 وهو) أي إبضاعه (دفعه) أي مالهما (إلى من يتجر به. والربح كله للمولى عليه. و) للولي أيضا (بيعه نسيئا لملئ. و) له (قرضه لمصلحة فيهما) بأن يكون الثمن المؤجل أكثر مما يباع به حالا (كحاجة سفر أو خوف عليه) أي على المال (أو غيرهما) فيجوز حينئذ (ولو بلا رهن ولا كفيل به) فعل ذلك (بهما)، أي بالرهن والكفيل (أو بأحدهما أولى) من تركه، لأنه الاحتياط. (فإن تلف) المال، أي ضاع بسبب ترك الرهن والكفيل، (لم يضمن) الولي، لأن الظاهر السلامة. (قال القاضي: ومعنى الحظ) في قرض مال الصبي والمجنون (أن يكون للصبي) أو المجنون (مال في بلد فيريد) الولي (نقله إلى بلد آخر فيقرضه) الولي (من رجل في ذلك البلد ليقتضيه بدله، في بلده يقصد) الولي (به حفظه من الغرر) أي المخاطرة (في نقله)، أي المال (أو يخاف عليه) أي على المال (الهلاك من نهب أو غرق أو غيرهما أو يكون) المال (مما يتلف بتطاول مدته أو) يكون (حديثه خيرا من قديمه، كالحنطة ونحوها. فيقرضه) الولي (خوفا من السوس، أو) خوفا من أن (تنقص قيمته وأشباه ذلك. وإن لم يكن فيه) أي في قرضه (حظ لم يجز) لوليه قرضه، لأنه يشبه التبرع (وإن أراد) الولي (أن يودع ماله) أي مال الصغير أو المجنون (فقرضه لثقة أولى) من إيداعه، لأنه أحفظ له. (وإن أودعه) الولي (مع إمكان قرضه جاز) له ذلك (ولا ضمان عليه)، أي الولي إن تلف لعدم تفريطه. (وكل موضع قلنا. له) أي للولي (قرضه) بأن رأى فيه المصلحة (فلا يجوز) قرضه (إلا ل) - ملئ (أمين) لئلا يعرضه للتلف، وكذا بيعه نساء. (ولا يقرضه) الولي (لمودة ومكافأة) نصا، لأنه لاحظ للمولى عليه في ذلك (ولا يقترض وصي ولا حاكم منه شيئا) لنفسه، كما لا يشتري من نفسه، ولا يبيع لها للتهمة، وظاهره أن الأب له ذلك لعدم التهمة. (وله) أي للولي (هبته بعوض) قدر قيمته فأكثر. أما بدونها فمحاباة على قياس ما سبق.
524 (و) للولي (رهنه عند ثقة لحاجة) وللأب أن يرتهن مالهما لنفسه، ولا يجوز ذلك لولي غيره. (ولوليهما) أي الصغير والمجنون، أبا كان أو غيره (شراء العقار لهما) من مالهما ليستغل مع بقاء الأصل لهما. (و) له أيضا (بناؤه) أي العقار لهما (بما جرت عادة أهل بلده به. وفي المغني وغيره نقلا عن الأصحاب: يبنيه بالآجر والطين لا باللبن)، لأنه إذا انهدم فسد. ورد بأن كل الأماكن لا يقدر فيها على الآجر. وإن وجد فبقيمة كثيرة. قال: فيحمل قول الأصحاب على من عادتهم البناء به، كالعراق ونحوها. ولا يصح حمله في حق غيرهم (وإن كان الشراء أحظ من البناء، وهو) أي شراء العقار (ممكن تعين تقديمه) أي الشراء على البناء، لكونه أحظ. (وله) أي الولي (شراء الأضحية ليتيم له مال كثير من مال اليتيم) وحمل النص في المغني على يتيم يعقلها لأنه يوم سرور وفرح، ليحصل بذلك جبر قلبه، وإلحاقا بمن له أب، كالثياب الحسنة مع استحباب التوسعة في هذا اليوم. (وتحرم صدقته) أي الولي (بشئ منها) أي الأضحية، (وتقدم) في الأضاحي (ومتى كان خلط قوته) أي اليتيم بقوت وليه (أرفق به وألين لعيشه في الخبز. وأمكن في حصول الأدم فهو) أي الخلط (أولى) طلبا للرفق. قال تعالى: * (وإن تخالطوهم فإخوانكم) *. (وإن كان إفراده) أي اليتيم (أرفق به أفرده) الولي، مراعاة للمصلحة، (ويجوز) للولي (تركه) أي اليتيم (في المكتب) ليتعلم ما ينفعه (و) له أيضا (تعليمه الخط والرماية والأدب وما ينفعه، و) له (أداء الأجرة عنه) من ماله لأن ذلك من مصالحه، أشبه ثمن مأكوله. (و) له (أن يسلمه في صناعة إذا كانت مصلحة، و) له أيضا (مداواته) أي مداواة محجوره لمصلحة، (و) له أيضا (حمله ليشهد الجماعة بأجرة فيهما) أي في المداواة والحمل (بلا إذن حاكم إذا رأى)
525 الولي (المصلحة في ذلك كله. وله) أي الولي (بيع عقارهما) أي الصغير والمجنون، (لمصلحة، ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله) أي مثل العقار، (وأنواع المصلحة كثيرة إما لاحتياج) الصغير والمجنون (إلى نفقة أو كسوة أو قضاء دين) عليهما، (أو ما لا بد منه) للصغير والمجنون (وليس له ما تندفع به حاجته، أو يخاف عليه) أي العقار (الهلاك بغرق أو خراب ونحوه، أو يكون في بيعه) أي العقار (غبطة، وهي أن يبذل فيه زيادة كثيرة على ثمن مثله، ولا يتقيد بالثلث، أو يكون) أي العقار (في مكان لا ينتفع به) لكونه لا غلة فيه لخراب محلته مثلا. (أو نفعه قليلا، فيبيعه ويشتري له) عقارا (في مكان يكثر نفعه، أو يرى) الولي (شيئا يباع في شرائه غبطة ولا يمكنه شراؤه إلا ببيع عقاره. وقد تكون داره في مكان يتضرر الغلام بالمقام فيه، لسوء الجوار أو غيره، فيبيعها ويشتري له بثمنها دارا يصلح له)، أي للمولى عليه (المقام بها. وأشباه هذا مما لا ينحصر) فالمعتبر أن يراه مصلحة. قال في المبدع: وحاصله أنه لا يباع إلا بثمن المثل. فلو نقص منه لم يصح، ذكره في المغني والشرح، انتهى. وفي حواشي ابن نصر الله: وبيع الولي بدون القيمة صحيح على المذهب، يعني، ويضمن النقص كالوكيل. (وإن وصى لأحدهما) أي صغير أو مجنون (بمن يعتق عليه) كأبيه وأخيه، (ولا تلزمه) أي المحجور عليه (نفقته لإعسار الموصى له أو غير ذلك)، كأن يكون الموصي به قادرا على التكسب. (وجب على الولي قبول الوصية) لأنه مصلحة محضة. (وإلا) بأن كانت نفقة واجبة على المحجور عليه (لم يجز له) أي للولي (قبولها) أي الوصية
526 لعدم المصلحة والهبة في ذلك كالوصية. وعلم منه أنه ليس لوليهما شراء من يعتق عليهما مطلقا، لأنه تبرع. (وللولي أن يأذن للصغيرة أن تلعب بلعب غير مصورة أي بلا رأس. وله شراؤها) أي اللعب غير المصورة لمحجورته (من مالها، نصا) لأنه لا محظور فيه، بل فيه مصلحة التمرن على ما يطلب منها. (و) شراؤه لها (من ماله أولى) ليوفر لها مالها، (وتقدم في ستر العورة بعضه) ولوليها أيضا: تجهيزها إذا زوجها بما يليق بها من ثياب وحلي وفرش على العادة، لأنه من مصالحها. (وإن لم يمكن الولي تخليص حق موليه) من دين أو عين (إلا برفعه إلى وال يظلمه. فله) أي الولي (رفعه) أي من عليه الحق، لأنه هو الذي جر الظلم إلى نفسه. (كما لو لم يمكن رد المغصوب إلا بكلفة عظيمة)، فإن للمالك تكليف الغاصب ذلك، والمؤنة على الغاصب، لأنه المتسبب، فيؤخذ منه: أن الانسان إن لم يمكنه أخذ حقه إلا برفع من هو عليه لوال يظلمه، جاز له رفعه فصل: (ومن بلغ سفيها) واستمر (أو) بلغ (مجنونا. فالنظر) في ماله (لوليه قبله) أي قبل البلوغ: من أب أو وصيه، أو الحاكم، لما تقدم. (وإن فك عنه الحجر) بأن بلغ عاقلا رشيدا (فعاوده السفه) أعيد الحجر عليه، (أو جن) بعد بلوغه ورشده (أعيد الحجر عليه)، لأن الحكم يدور مع علته. (فإن فسق السفيه ولم يبذر. لم يحجر عليه) خصوصا على القول بأن الرشد إصلاح المال فقط. (ولا يحجر عليهما) أي على من سفه أو جن بعد بلوغه ورشده إلا حاكم، لأن التبذير الذي هو سبب الحجر عليه ثابتا يختلف، فاحتاج إلى الاجتهاد. وما احتاج إلى الاجتهاد لم يثبت إلا بحكم الحاكم كالحجر على المفلس. وهذا واضح بالنسبة لمن سفه. وأما من جن فالجنون قال في المبدع: لا يفتقر إلى الاجتهاد بغير
527 خلاف. ومعناه في المغني. (ولا ينظر في أموالهما) أي مال من سفه أو جن بعد بلوغه ورشده وحجر عليه. (إلا الحاكم) لأن الحجر عليهما يفتقر إلى الحاكم، وفكه كذلك. فكذا النظر في مالهما. (ولا ينفك) الحجر (عنهما إلا بحكمه) لأنه حجر ثبت بحكمه. فلم يزل إلا به، كالفلس. (والشيخ الكبير إذا اختل عقله حجر عليه بمنزلة المجنون) لعجزه عن التصرف في ماله. ونقل المروزي: أرى أن يحجر الابن على الأب إذا أسرف في ماله، بأن يضعه في الفساد، وشراء المغنيات ونحوه، (ومن حجر عليه) الحاكم (استحب إظهاره عليه والاشهاد عليه) أي على الحجر عليه (لتجتنب معاملته). وعلم منه: أن الاشهاد عليه ليس بشرط. لأنه ينتشر أمره لشهرته. (وإن رأى الحاكم أن يأمر مناديا ينادي بذلك) أي بالحجر عليه (ليعرفه الناس فعل) أي أمر من ينادي به. (ولا يصح تزوجه إلا بإذن وليه) لأنه تصرف يجب به مال. فلم يصح بغير إذن وليه كالشراء، (إن لم يكن) السفيه (محتاجا إليه)، أي إلى التزوج. (وإلا) بأن احتاج إليه (صح) التزوج بغير إذنه، لأنه إذن مصلحة محضة. والنكاح لم يشرع لقصد المال، وسواء احتاجه لمتعة أو خدمة، (ويتقيد) السفيه إذا تزوج (بمهر المثل) فلا يزيد عليه، لأن الزيادة تبرع. وليس من أهله (وإن عضله الولي بالزواج)، أي منعه منه (استقل) السفيه (به) كما لو لم يمنعه لما تقدم. (فلو علم) الولي (أنه) أي السفيه (يطلق) إذا زوجه (اشترى له أمة) يتسرى بها، ولا ينفذ عتقه فيها، لأنه تبرع أشبه هبته ووقفه. والطلاق ليس بإتلاف مال، لأن الزوج لا ينفذ بيعه في زوجته، ولا تورث عنه إذا مات فليست بمال، بخلاف الرقيق. وغرم الشاهدين نصف المسمى إذا شهدا بالطلاق قبل الدخول ورجعا بعد حكم الحاكم به، إنما هو لأجل تفويت الاستمتاع، بما أوقعا من الحيلولة،
528 وإن لم يتلفا مالا. (ويأتي تزويج وليه) أي السفيه (له مفصلا، (وينفق عليه) من ماله (ويكسي) من ماله (بالمعروف)، ويتولى ذلك وليه. (فإن أفسد) السفيه (ذلك) أي نفقته وكسوته (فعل) الولي (به كما تقدم في الصبي والمجنون) فيدفع النفقة إليه يوما بيوم. فإن أفسدها أطعمه معاينة ويستر عورته فقط في بيت، إن لم يمكن تحيل عليه بتهديد ونحوه. وإذا خرج للناس ألبسه ثيابه، (ويصح تدبيره ووصيته) لأنه لا ضرر عليه فيهما. ويأتي (ولا) يصح (عتقه، و) لا (هبته، و) لا (وقفه) لأنه تبرع، وليس من أهله، لكن إن كان الوقف معلقا بموته فالظاهر صحته، لأنه وصية. وفارق عتقه عتق الراهن لان الحجر على الراهن لحق غيره، وينجبر بأخذ قيمته مكانه. (وله) أي السفيه (المطالبة بالقصاص) لأنه يستقل بما لا يتعلق بالمال مقصوده. (و) له (العفو) عن القصاص (على مال. ولا يصح) عفوه عن القصاص (على غير مال)، ويأتي في العفو عن القصاص تحريره، وأنه يصح. (ويصح استيلاده) أي استيلاد السفيه الأمة المملوكة له (وتعتق الأمة المستولدة) له (بموته) لعموم ما يأتي في أمهات الأولاد. (وإن أقر) السفيه (بحد) زنا أو شرب أو قذف (أو طلق زوجته أو خلعها بمال صح) الاقرار والطلاق والخلع، لان مقصودها لا يتعلق بالمال. (ويلزمه) أي السفيه (حكمه) أي حكم الاقرار والطلاق والخلع. (في الحال)، لأنه غير متهم في نفسه. والحجر إنما يتعلق بماله. (وإن قبض) السفيه (عوض الخلع) أو الطلاق (لم يصح قبضه)، لأنه تصرف في مال. (فلو أتلفه) أو تلف بيده (لم يضمن) السفيه (ولا تبرأ المرأة بدفعها إليه) أي إلى السفيه عوض الخلع أو الطلاق، كالصغير لعدم أهليته للقبض، (ويصح ظهاره وإيلاؤه ولعانه ونفي النسب به) أي باللعان عن السفيه، (وإن أقر) السفيه (بما يوجب القصاص) في نفس أو طرف ونحوه، (وطلب) المقر له (إقامته كان لربه استيفاؤه) في الحال. (فإن عفا) ربه عنه (على مال صح) العفو (والصواب: أنه لا يجب المال) الذي عفا عليه (في الحال) لأن السفيه والمقر له قد يتواطآن على ذلك. بل يجب إذا انفك الحجر عنه. (وسقط القصاص) للعفو، (وإن أقر) السفيه (بنسب ولد) أو نحوه (صح) إقراره (ولزمته أحكامه: من النفقة وغيرها)
529 كالسكنى والإرث، كنفقة الزوجة) والخادم، (ولا يفرق السفيه زكاة ماله بنفسه، بل) يفرقها (وليه) كسائر تصرفاته المالية. (ولا تصح شركته) أي السفيه (ولا حوالته، ولا الحوالة عليه، ولا ضمانه) لغيره، (ولا كفالته) ببدن إنسان لأن ذلك تصرف مالي. فلم يصح منه كالبيع والشراء، (ويصح منه) أي السفيه (نذر كل عبادة بدنية من حج وغيره) كصوم وصلاة، لأنه غير محجور عليه في بدنه. (لا نذر عبادة مالية) كصدقة وأضحية، لأنه تصرف في مال: قال في المغني: وكفر بالصيام. (وإن أحرم) السفيه (بحج فرض، صح) إحرامه به كسائر عباداته. (والنفقة من ماله تدفع إلى ثقة ينفق عليه في الطريق) حتى يعود. (وإن كان) الحج الذي أحرم به (تطوعا وكانت نفقته في السفر كنفقته في الحضر، أو) كانت نفقته في السفر (أزيد، لكن يكتسب) السفيه (الزائد) في سفره (لم يمنعه وليه) من إتمام الحج، لأنه وجب بالشروع. (ودفع النفقة إلى ثقة) ينفق عليه، (كما تقدم) في الفرض (وإلا) بأن كانت نفقة السفر أزيد ولم يكتسبها، (فله) أي لوليه (تحليله) من الاحرام بحج النفل. لما عليه من الضرر فيه (ويتحلل) السفيه (بالصيام)، أي صيام عشرة أيام (كالمعسر) إذا أحصر. (وتقدم) ذلك (في كتاب الحج) مفصلا (وإن لزمته) أي السفيه (كفارة يمين، أو) لزمته (كفارة غيرها) كقتل وظهار، (كفر بالصوم) لأن المال يضره. (وإن أعتق أو أطعم) أو كسي (لم يجزه. ولم ينفذ) عتقه ونحوه، لأنه تصرف مالي فلم يصح منه. (فإن فك عنه الحجر قبل تكفيره كفر بما يكفر به الرشيد) على ما يأتي تفصيله. وتقدم ما فيه (لا إن فك) حجره (بعد التكفير)، فلا يعيد الكفارة، لأنه فعل ما كان واجبا عليه، كمن صلى بالتيمم ثم وجد الماء. (وإن أقر) السفيه (بمال، صح) إقراره (ولم يلزمه) ما أقر به (في حال حجره) بل يتبع به بعده. لكن إن
530 علم الولي صحة ما أقر به السفيه، كدين جناية ونحوه، لزمه أداؤه، ذكره في الشرح والوجيز. (وحكم تصرف ولي السفيه كحكم تصرف ولي الصغير والمجنون) على ما سلف، لأن ولايته على السفيه لحظه أشبه ولي الصبي. فصل: (وللولي المحتاج غير الحاكم وأمينه أن يأكل من مال المولى عليه) لقوله تعالى: * (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) * وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا أتى النبي (ص) فقال: إني فقير وليس لي شئ، ولي يتيم. فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف رواه أبو بكر. (الأقل من أجرة مثله، أو قدره كفايته) لأنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعا فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجدا فيه. (ولو لم يقدره حاكم) وأما الحاكم وأمينه فلا يأكلان شيئا، لأنهما يستغنيان بمالهما في بيت المال كما يأتي. (ولا يلزمه) أي الولي (عوضه) أي ما أكله (إذا أيسر) لأن ذلك جعل عوضا له عن عمله. فلم يلزمه عوضه، كالأجير والمضارب. ولأنه تعالى أمر بالاكل ولم يذكر عوضا. (وإن كان) الولي (غنيا لم يجز له ذلك) أي الاكل من مال المولى عليه. لقوله تعالى: * (ومن كان غنيا فليستعفف) * (إذا لم يكن أبا) لما يأتي: أن الأب له أن يتملك من مال ولده ما شاء، (فإن فرض) أي قدر (للولي الحاكم شيئا جاز له أخذه مجانا) فلا يغرم بدله بعد، (ولو مع غناه) وللحاكم الفرض، حيث رأى فيه مصلحة (ولا يقرأ) الولي ولا غيره، (في مصحف اليتيم إن كان) ذلك (يخلقه) أي يبلي المصحف، لما فيه من الضرر عليه. (ويأكل ناظر وقف بمعروف نصا. إذا لم يشترط الواقف له شيئا) لأنه يساوي الوصي معنى وحكما، (وظاهره) أن الناظر يأكل بالمعروف (ولو لم يكن محتاجا. قاله في القواعد.
531 وقال الشيخ له) أي الناظر (أخذ أجرة عمله مع فقره) قال في المبدع: قال الشيخ تقي الدين: لا يقدم بمعلومه بلا شرط إلا أن يأخذ أجرة عمله مع فقره، كوصي اليتيم، (والوكيل في) تفريق (الصدقة لا يأكل منها شيئا لأجل العمل) لأنه يمكنه موافقة الموكل على الأجرة، بخلاف الوصي. أشار إليه القاضي. ولا يأكل أيضا لفقره، ولو كان محتاجا لأنه منفذ، (ومتى زال الحجر) عن الصغير أو المجنون أو السفيه (فادعى) أحدهم (على الولي تعديا) في ماله، (أو) ادعى (ما يوجب ضمانا) من نحو تفريط أو محاباة أو تبرع، (ونحوه بلا بينة. فقول ولي) لأنه أمين كالمودع، (حتى في قدر نفقة عليه، و) قدر (كسوة، أو) قدر نفقة وكسوة (على ماله) أي مال المحجور من رقيق وبهائم. وكذا يقبل قوله في قدر النفقة على من تلزمه نفقته من زوجة وقريب، (أو) قدر نفقة على (عقاره) إن أنفق عليه في عمارة (بالمعروف من ماله)، أي مال الولي، ليرجع على المحجور عليه. وظاهره: لا تقبل دعواه اقتراضا عليه، لأنه خلاف الظاهر (ما لم يعلم كذبه) أي الولي، بأن كذب الحس دعواه، (أو تخالفه عادة وعرفا) فلا يقبل قوله، لمخالفته الظاهر. (لكن لو قال الوصي: أنفقت عليك ثلاث سنين. وقال اليتيم: بل مات أبي منذ سنتين وأنفقت علي من أوان موته. فقول اليتيم) بيمينه، لأن الأصل موافقته. (ويقبل قول ولي أيضا في وجود ضرورة وغبطة ومصلحة) اقتضت بيع عقار المحجور. فعلم منه: أنه لا يعتبر ثبوت ذلك عند الحاكم. لكنه أحوط، دفعا للتهمة، (و) يقبل قول ولي أيضا في (تلف) مال المحجور أو بعضه، لأنه أمين (و) حيث قلنا: القول قول ولي. فإنه (يحلف) لاحتمال قول اليتيم (غير حاكم) فلا يحلف مطلقا، لعدم التهمة. (ويقبل قوله) أي الولي (في دفع المال إليه بعد) بلوغه، و (رشده وعقله، إن كان) الولي (متبرعا) لأنه أمين أشبه المودع (وإلا) يكن الولي متبرعا بل بأجرة (فلا) يقبل قوله في دفعه المال إليه، بل قول اليتيم، لأن الولي قبض المال لحظه. فلم تقبل
532 دعواه الرد كالمرتهن والمستعير. (وليس لزوج حجر على امرأته الرشيدة في تبرع بشئ من مالها، ولو زاد) تبرعها (على الثلث) لقوله تعالى: * (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) * وهي ظاهرة في فك الحجر عنهن وإطلاقهن في التصرف. وقوله (ص): يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن وكن يتصدقن ويقبل منهن، ولم يستفصل. وقياسها على المريض فاسد، لأن المرض سبب يفضي إلى وصول المال إليهم بالميراث، والزوجية إنما تجعله من أهل الميراث، فهي أحد وصفي العلة فلا يثبت الحكم بمجردها، كما لا يثبت لها الحجر على زوجها. وليس لحاكم حجر على مقتر على نفسه وعياله. وقال الأزجي: بلى. أي لا يمنع من عقوده، ولا يكف عن التصرف في ماله. لكن ينفق عليه جبرا بالمعروف من ماله. فصل: (لولي مميز) ذكرا كان أو أنثى (و) ل (- سيد عبد) مميز أو بالغ، (الاذن لهما في التجارة) لقوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى) * - الآية أي اختبروهم لتعلموا رشدهم. وإنما يتحقق ذلك بتفويض الامر إليهم من البيع والشراء ونحوه، ولان المميز عاقل محجور عليه، فصح تصرفه بإذن وليه. كالعبد الكبير. فلو تصرف بلا إذن لم يصح، (فينفك عنهما) أي عن المميز والعبد (الحجر فيما أذن) الولي أو السيد (لهما فيه فقط)، فإذا أذن لهما في التجارة في مائة. لم يصح تصرفهما فيما زاد عليهما. (و) ينفك عنهما الحجر أيضا (في النوع الذي أمرا به) أي بأن يتجرا فيه، (فقط) لأنهما يتصرفان بالاذن من جهة آدمي. فوجب أن يتقيدا بما أذن لهما فيه، كوكيل ووصي في نوع من التصرفات. قال في الفروع: (وظاهر كلامهم أنه) أي المأذون في التجارة من مميز وعبد، (كمضارب في البيع نسيئة ونحوه) كالبيع بعرض، لا كوكيل، لأن الغرض هنا الربح كالمضاربة. ولو كان العبد مشتركا لم يصح تصرفه إلا بإذن الجميع
533 لأن التصرف يقع بمجموع العبد. (وإن أذن) الولي أو السيد (له) أي للمميز أو العبد، (أن يشتري في ذمته. جاز) له الشراء في ذمته، عملا بالاذن. (ويصح إقرارهما) أي المميز والعبد (بقدر ما أذن لهما فيه)، لأن الحجر انفك عنهما فيه. ويأتي في الاقرار بأتم من هذا. (وليس لاحد منهما أن يوكل فيما يتولى مثله) من العمل (بنفسه) إذا لم يعجزه، لأنهما يتصرفان بالاذن فاختصا بما أذن لهما فيه كالوكيل. (وإن أذن) الولي أو السيد (له) أي للمميز أو العبد (في جميع أنواع التجارة. لم يجز أن يؤجر نفسه، ولا) أن (يتوكل لغيره، ولو لم يقيد) الولي أو السيد (عليه)، لأنه عقد على نفسه، فلا يملكه إلا بإذن، كبيع نفسه وتزويجه، ولان ذلك يشغله عن التجارة المقصودة بالاذن. وفي إيجار عبيده وبهائمه خلاف في الانتصار. قال في تصحيح الفروع: الصواب الجواز، إن رآه مصلحة، وإلا فلا. (وإن وكل) المميز أو العبد المأذون (فكوكيل) يصح فيما يعجزه، وفيما لا يتولى مثله بنفسه فقط. (ومتى عزل سيد قنه) المأذون (انعزل وكيله) أي وكيل القن، كوكيل وكيل مضارب، لأنه متصرف لغيره بإذنه. وتوكيله فرع إذنه. فإذا بطل الاذن بطل ما هو مبني عليه، بخلاف وكيل صبي ومكاتب وراهن أذنه مرتهن في بيع رهن، فإذا وكلوا وبطل الاذن لم تبطل الوكالة لأن كلا منهم متصرف في مال نفسه. فلم ينعزل وكيله بتغير الحال لكن لا يتصرف الوكيل في حال المنع لموكله. (والمجنون والطفل دون التمييز لا يصح تصرفهما بإذن ولا غيره) لعدم الاعتداد بقولهما. (ويصح شراء العبد من يعتق على سيده لرحم أو غيره) كتعليق، بأن قال السيد لعبد: إن اشتريتك فأنت حر فاشتراه مأذونه. قلت: الظاهر أنه ليس له شراء من اعترف سيده بحريته، لأنه افتداء وتبرع فلا يملكه. (و) للعبد المأذون أيضا (شراء امرأة سيده، و) له أيضا شراء (زوج صاحبة المال وينفسخ نكاحهما) لما يأتي من أنه متى ملك أحد الزوجين الآخر أو بعضه انفسخ النكاح، (وإن رآه) أي العبد (سيده) يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا له، (أو) رأى المميز (وليه يتجر لم ينهه لم يصر مأذونا له) لأنه تصرف يفتقر إلى الاذن. فلم يقم السكوت مقامه، كما لو تصرف أحد الراهنين في الرهن والآخر ساكت، وكتصرف الأجانب، (وإذا تصرف) المميز أو العبد (غير المأذون له ببيع أو شراء بعين المال، أو في ذمته، أو) تصرف (بقرض، لم يصح) التصرف لأنه محجور عليه كالسفيه. (ثم إن وجد ما
534 أخذه) المميز أو العبد (من بيع أو غيره فلربه أخذه منه) أي من العبد أو المميز (و) له أخذه أيضا (من السيد) أو الولي (إن كان بيده. و) له أخذه (حيث كان) لفساد العقد، (فإن تلف) ما أخذه المميز والعبد بنحو بيع (في يد السيد أو غيره رجع عليه) مالكه (بذلك) أي ببدل ماله، لأنه تلف في يده بغير حق. (وإن شاء) المالك (كان) ما تلف بيد السيد (متعلقا برقبة العبد) لأنه الذي أحال بينه وبين ماله. فعلى هذا يخير المالك بين أن يرجع على السيد أو العبد. قاله في المغني والشرح والتلخيص. (وإن أهلكه العبد) أي أهلك ما قبضه ببيع أو غيره بغير إذن سيده، (تعلق) البدل (برقبته يفديه سيده، أو يسلمه) لمستحق البدل أو يبيعه (إن لم يعتقه. فإن أعتقه لزم السيد الذي) كان (عليه قبل العتق)، وهو أقل الأمرين من قيمته أو البدل. و (لا) يلزم السيد (أرش الجناية كله، إذا كان أكثر من قيمته)، كما لو لم يعتقه، فإذا تعلق برقبته مائة وقيمته خمسون فأعتقه سيده، لم يلزمه سوى الخمسين، لأنه لم يفوت إلا الخمسين (ويضمنه) أي ما قبضه العبد ببيع وقرض ونحوه (بمثله، إن كان مثليا، وإلا بقيمته) لأنه مقبوض بعقد فاسد. وأما ما قبضه المميز غير المأذون وأتلفه أو تلف بيده فغير مضمون عليه. وتقدم. (ويتعلق دين مأذون له في التجارة بذمة سيده بالغا ما بلغ) لأنه غر الناس بمعاملته. (وحكم ما استدانه) العبد المأذون (أو اقترضه بإذن السيد حكم ما استدانه للتجارة بإذنه) فيتعلق بذمة السيد، ولو زاد على قيمة العبد. (ويبطل الاذن بالحجر على سيده) لسفه أو فلس (و) ب (- موته وجنونه المطبق) بفتح الباء وبسائر ما يبطل الوكالة. لأن إذنه له كالوكالة يبطل بما يبطلها، (وتتعلق أروش جناياته) أي العبد (وقيم متلفاته برقبته، سواء كان مأذونا له) في التجارة (أو لا) إذ الاذن في التجارة لا يتضمن الاذن في الجنايات والاتلافات، (و) حيث قلنا يتعلق المأذون بذمة سيده ف (- لا فرق فيما لزمه من الدين بين أن يكون) لزمه
535 (في التجارة المأذون) له (فيها أو) لزمه (فيما لم يؤذن له فيه مثل أن يأذن له في التجارة في البر فيتجر في غيره) أو يستدين لغير ذلك، (لأنه) أي إذنه في التجارة له (لا ينفك عن التغرير، إذ يظن الناس أنه مأذون له في ذلك أيضا) فيعاملونه، (وإذا باع السيد عبده المأذون له شيئا) أو اشتراه منه (لم يصح) لأن العبد وما بيده ملك للسيد. وليس له أن يسافر بلا إذن سيده بخلاف المضارب والمكاتب، لأن ملك السيد في رقبته وما له أقوى، ذكره المجد. (وإذا ثبت عليه) أي العبد (دين أو أرش جناية ثم ملكه من له الدين أو الأرش) بغير شراء، (سقط عنه ذلك) الدين أو الأرش، لعدم البدل عن الرقبة الذي يتحول إليه الدين. وإن ملكه بشراء فإن كان الدين متعلقا بذمته سقط أيضا، لأن السيد لا يثبت له الدين في ذمة مملوكه. وإن كان متعلقا برقبته تحول إلى ثمنه، لأنه بدله، فيقوم مقامه. (وإن حجر) السيد (عليه) أي على العبد المأذون، (وفي يده مال) فأقر به لم يصح إقراره لحق السيد. (ثم) إن (أذن) السيد (له فأقر) المأذون (به) أي بالمال الذي بيده (صح) إقراره، لأن المانع من صحة إقراره الحجر عليه، وقد زال، ولان تصرفه صحيح، فصح إقراره كالحر. (ولا يملك عبد) ولا أمة غير مكاتب ومكاتبة (بتمليك، ولا غيره) لأنه مال. فلا يملك المال، (وتقدم) ذلك (في كتاب الزكاة) مفصلا. (وما كسب) عبد (غير مكاتب) من مباح، أو قبله من نحو هبة (فلسيده) قال في المبدع: ولا يصح قبول سيده عنه مطلقا، (وله) أي لمن يريد بيعا أو شراء ونحوه (معاملة عبد، ولو لم يثبت كونه مأذونا له) لأن الأصل صحة التصرف، (ومن وجد بما اشتراه من قن عيبا) فأراد رده على القن (فقال: أنا غير مأذون لي في التجارة، لم يقبل) منه، لأنه إنما أراد أن يدفع عن نفسه. ولو صدقه سيده. ونقل مهنا فيمن قدم ومعه متاع يبيعه، فاشتراه الناس منه، فقال: أنا غير مأذون لي في التجارة. قال: هو عليه في ثمنه، مأذونا له أو غير مأذون، وقال الشيخ تقي الدين: إن علم السيد بتصرفه لم يقبل، ولو قدر صدقه، فتسليطه عدوان منه فيضمنه. (ولا يعامل صغير) لم يعلم أنه مأذون له، (إلا في
536 مثل ما يعامل مثله) لأن الأصل عدم الإذن، وتقدم في البيع: يصح تصرفه في اليسير. (ولا يبطل إذن) السيد لعبده في التجارة. (بإباق وتدبير وإيلاد وكتابة وحرية وأسر، وحبس بدين، وغصب) لأن ذلك لا يمنع ابتداء الاذن له في التجارة. فلا يمنع استدامة. (ولا يصح تبرع مأذون له بدراهم، و) لا ب (- كسوة ثياب ونحوها) كفرس وحمار، لأن ذلك ليس من التجارة، ولا يحتاج إليه، كغير المأذون له. وظاهره: ولو قل، قاله في المبدع. (ويجوز له) أي للمأذون له (هدية مأكول وإعارة دابة، وعمل دعوة ونحوه) كإعارة ثوبه، (بلا إسراف) لأنه (ص): كان يجيب دعوة المملوك، ولأنه مما جرت به عادة التجار فيما بينهم، فيدخل في عموم الاذن: وقال في النهاية: الأظهر أنه لا يجوز، لأنه تبرع بمال مولاه، فلم يجز كنكاحه، وكمكاتب في الأصح. (ول) - قن (غير مأذون له صدقة من قوته برغيف ونحوه، إذا لم يضر به) لأنه مما جرت العادة بالمسامحة فيه. (وللمرأة الصدقة من بيت زوجها) بغير إذنه (بنحو ذلك) أي الرغيف. لحديث عائشة ترفعه: إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجر ما كسب، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا متفق عليه، ولم تذكر إذنا. إذ العادة السماح وطيب النفس به. (إلا أن يمنعها) الزوج من ذلك، (أو يكون) الزوج (بخيلا فتشك في رضاه. فيحرم) عليها الصدقة بشئ من ماله (فيهما)، أي فيما إذا منعها أو كان بخيلا فشكت في رضاه، وكذا إذا اضطرت عرف وشكت في رضاه. (كصدقة الرجل بطعام المرأة) فيحرم بغير إذنها، لأن العادة لم تجر به. (فإن كان في بيت الرجل من يقوم مقامه امرأته، كجاريته وأخته وغلامه المتصرف في بيت سيده وطعامه. فهو كزوجته) يجوز له الصدقة بنحو رغيف من ماله، ما لم يمنع أو يكن بخيلا، أو يضطرب عرف ويشك في رضاه، (وإن كانت المرأة ممنوعة من التصرف في
537 بيت زوجها كالتي يطعمها بالفرض ولا يمكنها من طعامه فهو كما لو منعها) من الصدقة (بالقول) عملا بدلالة الحال، فلا تتصدق من ماله بشئ. باب الوكالة بفتح الواو وكسرها اسم مصدر بمعنى التوكيل (وهي) لغة: التفويض. يقال: وكلت أمري إلى الله، أي فوضته إليه واكتفيت به، وقد تطلق ويراد بها الحفظ. ومنه قوله تعالى: * (وما أنت عليهم بوكيل) *. وشرعا (استنابة جائز التصرف مثله) أي جائز التصرف، ذكرين كانا أو أنثيين أو مختلفين، (فيما تدخله النيابة) من حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين، ويأتي تفصيله. وهذا التعريف باعتبار الغالب، أو المراد: جائز التصرف في ذلك الفعل الذي وكل فيه. وإن لم يكن مطلق التصرف. فلا يرد صحة توكيل نحو عبد فيما لا يتعلق بالمال مقصوده وهي جائزة إجماعا. لقوله تعالى: * (فابعثوا أحدكم بورقكم) * - الآية وفعله (ص) فقد وكل عمرو بن الجعد في شراء الشاة، وأبا رافع في تزوج ميمونة، وعمرو بن أمية الضمري في تزوج أم حبيبة، (وتصح) الوكالة، أي إيجابها (بكل قول يدل على الاذن) في التصرف، (كوكلتك أو فوضت إليك) في كذا (أو أذنت لك فيه، أو بعه، أو أعتقه، أو كاتبه ونحو ذلك) كأقمتك مقامي، أو جعلتك نائبا عني لأنه لفظ دال على الاذن، فصح كلفظها الصريح. قال في الفروع: ودل كلام القاضي على انعقادها بفعل دال، كبيع وهو ظاهر كلام الشيخ فيمن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط. وهو أظهر كالقبول، انتهى. (و) يصح قبول الوكالة ب (- كل قول أو فعل من الوكيل يدل على القبول)، لأن وكلاء النبي (ص) لم ينقل عنهم سوى امتثال أوامره، ولأنه إذن في التصرف، فجاز قبوله بالفعل، كأكل الطعام. (ولو لم يعلم) الوكيل (بها) أي بالوكالة له، مثل أن وكله في بيع داره ولم يعلم الوكيل، فباعها نفذ بيعه، لأن الاعتبار في العقود بما في نفس الامر،
538 وتقدم في البيع. (ويصح قبولها) أي الوكالة (على الفور والتراخي، بأن يوكله في بيع شئ فيبيعه بعد سنة، أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول: قبلت) لأن قبول وكلائه (ص) كان بفعلهم. وكان متراخيا عن توكيله إياهم، ولأنه إذن في التصرف، والاذن قائم ما لم يرجع عنه، أشبه الإباحة. (وكذا سائر العقود الجائزة)، كشركة (مضاربة ومساقاة. ونحوها) كالمزارعة (في أن القبول يصح بالفعل) فورا ومتراخيا، لما سبق. (ولو أبى الوكيل أن يقبل) الوكالة (فكعزله نفسه) كالموصي له إذا لم يقبل الوصية ولم يردها يحكم عليه بالرد. وعلى قياس ذلك باقي العقود الجائزة، (ويعتبر) لصحة الوكالة (تعيين وكيل) فلو قال: وكلت أحد هذين، لم تصح للجهالة. و (قال في الانتصار: فلو وكل زيدا وهو لا يعرفه) لم تصح، لوقوع الاشتراك في العلم، فلا بد من معرفة المقصود، إما بنسبة، أو إشارة إليه، أو نحو ذلك مما يعينه، (أو لم يعرف الوكيل موكله) بأن قيل له: وكلك زيد. ولم ينسب له، ولم يذكر له من وصفه أو شهرته ما يميزه، (لم يصح) ذلك للجهالة (وتصح) الوكالة (مؤقتة) كأنت وكيلي شهرا، (و) تصح أيضا (معلقة بشرط. نحو إذا قدم الحاج فافعل كذا، أو إذا جاء الشتاء فاشتر لنا كذا، أو إذا طلب أهلي منك شيئا فادفعه إليهم. وإذا دخل رمضان فقد وكلتك في كذا، أو فأنت وكيلي ونحوه)، كوصية وإباحة أكل وقضاء وإمارة، (ولا يصح التوكيل في شئ) من بيع أو عتق أو طلاق ونحوها. (إلا ممن يصح تصرفه فيه) أي في ذلك الذي وكل فيه (لنفسه) لأن من لا يصح تصرفه بنفسه فنائبه أولى. (سوى توكيل أعمى ونحوه) كغائب (في عقد) نحو بيع أو إجارة على (ما يحتاج إلى رؤية) لأن منعه من التصرف لعجزه عن العلم بالمبيع لا لمعنى فيه، (وتقدم) ذلك (في البيع، ومثله)، أي مثل التوكيل فيما ذكر (التوكل) فلا يصح أن يتوكل في شئ من لا يصح منه لنفسه، (سوى توكل حر واجد الطول) أو غير خائف العنت، (في قبول نكاح أمة لمن تباح له) الأمة من عبد أو حر عادم الطول خائف العنت، (و) سوى (توكل غني في قبض زكاة) أو كفارة أو نذر (لفقير، و) سوى (قبول نكاح أخته ونحوها)
539 كعمته (من أبيه) أو جده ونحوه، (لأجنبي) لأن المنع منه لنفسه إنما هو على سبيل التنزيه لا لمعنى فيه يقتضي منع التوكل، ولو وكل الزوج الولي في القبول، صح. ويتولى طرفي العقد، ويأتي في النكاح. (و) سوى (طلاق امرأة نفسها و) طلاقها (غيرها) من ضرة أو غيرها (بالوكالة. فيصح فيهن) لأنها لما ملكت طلاق نفسها بجعله إليها ملكت طلاق غيرها. (ولا يصح) أن يوكل (في بيع ما سيملكه، ولا) في (طلاق من يتزوجها) لأن الموكل لا يملكه حين التوكيل. وإن قال: إن تزوجت فلانة فقد وكلتك في طلاقها لم يصح، بخلاف: إن اشتريت فلانا فقد وكلتك في عتقه. لصحة تعليق العتق على الملك، بخلاف تعليق طلاق المرأة على نكاحها. (ولا) يصح (توكيل العبد، و) لا (السفيه في غير ما لهما فعله) من نحو طلاق، وكل ما لا يتعلق بالمال مقصوده، (وتصح وكالة المميز بإذن وليه) في كل تصرف لا يعتبر له البلوغ (كتصرفه)، أي المميز (بإذنه) أي الولي، فإنه صحيح وتقدم. وأما توكيله في نحو إيجاب النكاح، فلا يصح، لما مر ويأتي في النكاح. ويصح توكيله في الطلاق بغير إذن وليه إذا عقله لصحته منه. ويأتي في الطلاق. (ويصح التوكيل في كل حق آدمي من العقود) لأنه (ص) وكل في الشراء والنكاح، وسائر العقود، كالإجارة والقرض، والمضاربة، والابراء في معناه. (و) من (الفسوخ) لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، أشبه البيع (حاضرا كان الموكل أو غائبا) صحيحا كان أو مريضا. (ولو) كان التوكيل في خصومة (بغير رضا الخصم، حتى في صلح وإقرار) فيصح التوكيل فيهما، كغيرهما وصفة التوكيل في الاقرار: أن يقول له وكلتك في الاقرار، فلو قال له: أقر عني لم يكن ذلك وكالة ذكره المجد، (ولا بد من تعيين) الموكل (ما يقر به) وكيله عنه (وإلا) بأن قال: وكلتك في الاقرار لزيد بمال أو شئ، فأقر كذلك، (رجع في تفسيره إلى الموكل) لأنه أعلم بما عليه. (ولو أذن له أن يتصدق بمال) من دراهم أو غيرها، (لم يجز له أن يأخذ منه) الوكيل (لنفسه) صدقة، (إذا كان من أهل الصدقة، ولا) شيئا (لأجل العمل) لأن إطلاق لفظ الموكل ينصرف إلى دفعه إلى غيره. وهل يجوز له أن يدفع منه لوالده وولده زوجته؟ فيه وجهان، أولاهما: جوازه، لدخولهم في عموم لفظه، قاله في المغني:
540 (وتقدم في الحجر) موضحا. وكذا لو وصى إليه بتفريق ثلثه على قوم وهو منهم، أو دفع إليه مالا وأمره بتفريقه على من يريد، أو دفعه إلى من شاء، قاله في المغني. (ويصح) التوكيل (في عتق وإبراء، ولو) كان التوكيل (لغريمه) في الابراء (و) ل (- عبده) في العتق (ويملكانه)، أي يملك الغريم الابراء والعبد العتق (لأنفسهما بالوكالة الخاصة) بأن وكله غريمه في إبراء نفسه، أو وكل عبده في إعتاق نفسه، و (لا) يملكان ذلك بالوكالة (العامة) ومثلهما الطلاق (فلو وكل) السيد (العبد في إعتاق عبيده، أو) وكل الزوج (امرأته في طلاق نسائه، لم يملك العبد إعتاق نفسه، ولا المرأة طلاق نفسها)، لأن ذلك ينصرف بإطلاقه إلى التصرف في غيره، (وإن وكله) رب الدين (في إبراء غرمائه، لم يكن له) أي الوكيل (أن يبرئ نفسه، كما لو وكل) - ه (في حبسهم)، أي الغرماء (لم يملك حبس نفسه) لما سبق (ويصح) التوكيل (في طلاق ورجعة، وحوالة، ورهن، وضمان، وكفالة، وشركة، ووديعة، ومضاربة، وجعالة، ومساقاة) ومزارعة (وإجارة، وقرض، وصلح، وهبة، وصدقة، ووصية، وكتابة، وتدبير، وإيقاف، وقسمة وحكومة) بأن يوكل القاضي من يحكم بين الخصمين على ما يأتي تفصيله، (و) يصح التوكيل أيضا في (إثبات حق ومحاكمة فيه) أي مخاصمة في إثبات الحق، بأن يوكل المدعى عليه من يجيب عنه، (و) يصح التوكيل أيضا في (تملك مباحات، من صيد وحشيش ونحوهما) كحطب وإحياء موات، لأنه تملك مال بسبب لا يتعين عليه. فجاز كالابتياع، بخلاف الالتقاط، لأن المغلب فيه الائتمان، (سوى ظهار، ولعان، وأيمان، ونذور، وإيلاء، وقسامة، وقسم بين زوجات، وشهادة والتقاط) لقطة أو لقيط (واغتنام، ومعصية وجزية، ورضاع، ونحوه مما لا تدخله النيابة) فلا تصح الوكالة فيه، لعدم قبول ا
541 لنيابة، (وله أن يوكل من يقبل له النكاح، لكن يشترط لصحة عقده) أي الوكيل (تسمية الموكل في صلب العقد. فيقول) الولي: زوجت موكلك فلانا أو زوجت فلانا - وينسبه - فلانة، ويقول الوكيل: (قبلت هذا النكاح لفلان) ابن فلان (أو لموكلي فلان، فإن قال) الوكيل (قبلت هذا النكاح، ونوى أنه قبله لموكله. ولم يذكره) في العقد (لم يصح) النكاح، ويأتي في النكاح بأوضح من هذا (وله أن يوكل من يزوج موليته. ولو) كان الولي (غير مجبر) قبل إذنها له في التزويج، (لأن ولايته ثابتة بالشرع من غير جهة المرأة) لأنها لا تملك عزله، (والذي يعتبر إذنها فيه: هو التزويج، وهو) أي التزويج (غير ما يوكل فيه) الولي. ولهذا يعتبر إذن غير مجبرة لوكيل بعد الوكالة، وإن كانت أذنت لوليها قبل. (ويأتي) ذلك (في أركان النكاح) مفصلا. ومحل صحة توكيل الزوج في القبول، (إذا كان الوكيل ممن يصح منه ذلك) أي قبول النكاح (لنفسه) كالحر البالغ ولو فاسقا، بخلاف المميز والعبد. (و) محل صحة توكيل الولي في الايجاب: إذا كان الوكيل ممن يصح منه إيجابه. (لموليته) بخلاف فاسق وغير مكلف، ومن لا يعرف الكفء ومصالح النكاح ونحوهم. (إلا توكل حر واجد الطول في قبول نكاح أمة لمن تباح له) الأمة (فيصح كما تقدم) قريبا، (وتصح) الوكالة أيضا (في كل حق لله تعالى تدخله النيابة من العبادات) و (كتفرقة صدقة وزكاة ونذر وكفارة)، لأنه (ص): كان يبعث عماله بقبض الصدقات وتفريقها وحديث معاذ شاهد بذلك، (وحج وعمرة) نفلا مطلقا أو فرضا من نحو معضوب. وتقدم في الحج (وركعتا طواف تدخل تبعا لهما) أي للحج والعمرة (بخلاف عبادة بدنية محضة، كصلاة وصوم وطهارة من حدث) أصغر أو أكبر (ونحوه). كاعتكاف (فلا تصح) الوكالة فيها، لأنها تتعلق ببدن من هي عليه. وعلم من قوله: من حدث أنه تصح الوكالة في تطهير البدن والثوب من النجاسة. ويصح أيضا أن ينوي رفع الحدث ويستنيب من يصب له الماء أو يغسل له أعضاءه، وتقدم. (والصوم) ونحوه (المنذور يفعل عن الميت) أداء لما وجب عليه (وليس ذلك بوكالة) لأن الميت لم يستنب
542 الولي بذلك، وإنما أمره الشرع به إبراء لذمة الميت. والحاصل: أن الحقوق ثلاثة أنواع، نوع تصح الوكالة فيه مطلقا، وهو ما تدخله النيابة من حقوق الله تعالى وحقوق الآدمي. ونوع لا تصح الوكالة فيه مطلقا، كالصلاة والظهار. ونوع تصح فيه مع العجز دون القدرة، كحج فرض وعمرته. (ويصح قوله) أي قول مكلف رشيد لمثله (أخرج زكاة مالي) وبينها له (من مالك)، لأنه اقتراض من مال الوكيل، وتوكيل في إخراجه. (ويصح) التوكيل (في إثبات الحدود، و) في (استيفائها) ممن وجبت عليه. لقوله (ص): واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها. فاعترفت فأمر بها فرجمت، متفق عليه. فقد وكله في الاثبات والاستيفاء جميعا. (وله) أي للوكيل (استيفاء) ما وكل فيه (بحضرة موكله وغيبته) لعموم الأدلة. ولان ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته كسائر الحقوق، (ولو) كان الاستيفاء (في قصاص وحد قذف) لأن احتمال العفو بعيد، والظاهر أنه لو عفا لأعلم وكيله. (والأولى) الاستيفاء (بحضوره) أي الموكل (فيهما) أي في القصاص وحد القذف، لأن العفو مندوب إليه. فإذا حضر احتمل أن يرحمه فيعفو، (وليس لوكيل توكيل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن موكل) لأنه لم يأذن له في التوكيل، ولا تضمنه إذنه لكونه يتولى مثله، ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه. فلم يكن له أن يوليه غيره كالوديعة، (أو يقول) الموكل، وفي نسخة: إلا أن يقول (له) أي للوكيل (اصنع ما شئت، أو تصرف كيف شئت. فيجوز) للوكيل أن يوكل، لأنه لفظ عام فيدخل في عموم التوكيل (وإن أذن) الموكل لوكيله في التوكيل، (تعين أن يكون الوكيل الثاني أمينا) لأنه لاحظ للموكل في توكيل من ليس أمينا، وكذا حيث جاز له التوكيل. (إلا مع تعيين الموكل الأول) بأن يقول له: وكل زيدا، فيوكله أمينا كان أو خائنا، لأنه قطع نظره بتعيينه له. (فإن وكل) الوكيل حيث جاز (أمينا فصار خائنا، فعليه عزله) لان تركه يتصرف تضييع وتفريط. (وكذا وصي يوكل) فيما أوصى به إليه، أي حكمه حكم الوكيل. فليس له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه. لأنه متصرف في مال غيره بالاذن، أشبه الوكيل. وإنما يتصرف فيما اقتضته الوصية كالوكيل إنما يتصرف فيما اقتضته الوكالة. قال
543 في المبدع: ويلحق بهذا مضارب. (و) كذا (حاكم يتولى القضاء في ناحية فيستنيب غيره) أي حكمه حكم الوكيل، ليس له ذلك فيما يتولى مثله بنفسه. وحيث جازت الاستنابة فله أن يستنيب من غير مذهبه. ذكره القاضي في الأحكام السلطانية وابن حمدان في الرعاية. ويأتي بأتم من هذا في القضاء. (وما يعجز عنه) أي الوكيل ونحوه (لكثرته له التوكيل في جميعه)، لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل، فجاز في جميعه، كما لو أذن فيه لفظا (كتوكيله) أي كما يجوز للوكيل أن يوكل (فيما لا يتولى مثله بنفسه) أي إذا كان العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله، كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها عادة. فإن الاذن ينصرف إلى ما جرت به العادة. قال في الفروع، بعد ذكر المسألة: ولعل ظاهر ما سبق يستنيب نائب في الحج لمرض خلافا لأبي حنيفة والشافعي، (ويكون من وكل) من قبل الوكيل (وكيل الوكيل) لأنه قائم مقامه، فله عزله (وإن قال الموكل للوكيل: وكل عنك، صح) ذلك. (وكان) الثاني (وكيل وكيله) فينعزل بعزل الوكيل الأول وموته. (وإن قال) الموكل (وكل عني، أو) قال: وكل و (أطلق) بأن لم يقل عنك ولا عني (صح، وكان) الثاني (وكيل موكله) لا ينعزل بعزل الوكيل له ولا بموته. ولو قال لشخص: وكل فلانا عني في بيع كذا، فقال الوكيل الأول للثاني: بع هذا، ولم يشعره أنه وكيل الموكل. فقال الشيخ لا يحتاج إلى تبيين أنه وكيله أو وكيل فلان، ذكره في الاختيارات. (وحيث قلنا: إن الوكيل الثاني وكيل الموكل. فإنه ينعزل بعزله وبموته ونحوه) كجنونه وحجر عليه. (ولا يملك الوكيل الأول عزله) لأنه ليس وكيلا عنه، (ولا ينعزل) الوكيل الثاني (بموته) ونحوه لأنه ليس وكيلا عنه. (وحيث قلنا) إن الوكيل الثاني (وكيل الوكيل، فإنه ينعزل بعزلهما أو بموتهما) أو أحدهما والحجر عليهما، أو على أحدهما ونحوه. (وكذا) قول الموصي لوصيه (أوص إلى من يكون وصيا لي) فإنه يكون من أوصى إليه الوصي وصيا للموصي الأول (ولا يوصي وكيل مطلقا) أي سواء أذن له في التوكيل أو لا. (ويأتي) ذلك (ويصح توكيل عبد غيره بإذن
544 سيده) لأن المنع لحقه. فإذا أذن صار كالحر (ولا يصح) توكيل العبد بغير إذن سيده) لأنه محجور عليه. (ولو في إيجاب النكاح، وقبوله) لأنه لا يصح منه ذلك لنفسه بغير إذن سيده، فكذا لغيره. (وإن وكله) إنسان (بإذنه) أي إذن سيده (في شراء نفسه من سيده) صح، لأنه يجوز أن يوكله في شراء عبد غيره فجاز أن يشتري نفسه، (أو) وكله (في شراء عبد غيره) بإذن سيده (صح) التوكيل والشراء لما سبق (فلو قال) العبد (اشتريت نفسي لزيد) الموكل (وصدقاه) أي زيد وسيده (صح) الشراء (ولزم زيد الثمن) الذي وقع به العقد. لأن ذلك مقتضى البيع (وإن صدقه السيد) على أنه اشترى نفسه لزيد (وكذبه زيد نظرت، فإن كذبه) زيد (في الوكالة حلف) أي حلف زيد أنه لم يوكله (وبرئ) من الثمن، لأن الأصل عدم الوكالة. (وللسيد فسخ البيع واسترجاع عبده) لتعذر ثمنه (وإن صدقه) زيد (في الوكالة، وقال) زيد (ما اشتريت نفسك لي. فالقول قول العبد) لأن الوكيل يقبل إقراره بما وكل فيه، (وإن قال السيد) للعبد (ما اشتريت نفسك إلا لنفسك. فقال) العبد (بل) اشتريت نفسي (لزيد فكذبه) زيد (عتق) العبد لاقرار السيد على نفسه بما يعتق به العبد، (ولزمه الثمن في ذمته للسيد) لأن الظاهر وقوع العقد له، (وللمكاتب أن يوكل فيما يتصرف فيه بنفسه) من نحو بيع، لعموم ما سبق (وله أن يتوكل) عن غيره (بجعل) ولو بغير إذن سيده، لأنه من اكتساب المال (وليس له) أي المكاتب (أن يتوكل بغير جعل) لأنه تبرع بمنافعه. فلا يملكه (إلا بإذن سيده) فإن أذن جاز، والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالقن. وكذا المبعض لان التصرف يقع بجميع بدنه، ويحتمل إذا كان بينه وبين سيده مهايأة أن يصح في نوبته. فصل: (والوكالة عقد جائز من الطرفين) لأنها من جهة الموكل إذن، ومن جهة الوكيل بذل نفع، وكلاهما جائز. (تبطل بفسخ
545 أحدهما) أي وقت شاء، لعدم لزومها لما تقدم (فلو قال) الموكل (لوكيله: كلما عزلتك فقد وكلتك، فهي الوكالة الدورية) لأنها تدور مع العزل، فكلما عزله عاد وكيلا (وهي) الوكالة أي الوكالة الدورية (صحيحة) لأن تعليق الوكالة صحيح. كما تقدم (وانعزل) الوكيل في الوكالة الدورية (ب) - قول الموكل: عزلتك. و (كلما وكلتك فقد عزلتك فقط) أي دون عزلتك، فلا ينعزل بها. (وهي) أي مقالته كلما وكلتك فقد عزلتك (فسخ معلق بشرط) وهو التوكيل. والفسخ المعلق صحيح كما تقدم، وعلى هذا: فلا يصير وكيلا إذا وكله بعد العزل الدوري. لأنه متى صار وكيلا انعزل، ذكر معناه في شرح المنتهى. (وتبطل الوكالة بموت الموكل، أو) بموت (الوكيل) لأن الوكالة تعتمد الحياة فإذا انتفت انتفت صحتها، لانتفاء ما تعتمد عليه. وهو أهلية التصرف. (لكن لو وكل ولي اليتيم وناظر الوقف أو عقد) ولي اليتيم أو ناظر الوقف (عقدا جائزا غيرها، كالشركة والمضاربة، لم تنفسخ بموته، لأنه متصرف على غيره) ذكره في القواعد، واقتصر عليه في الانصاف. (وتبطل) الوكالة (بجنون مطبق) بفتح الباء (من أحدهما) أي الموكل أو الوكيل، لأن الوكالة تعتمد العقل فإذا انتفى انتفت صحتها، لانتفاء ما تعتمد عليه، وهو أهلية التصرف. (و) تبطل كبيع وشراء، لعد م أهليته للتصرف بخلاف نحو طلاق (و) تبطل الوكالة أيضا (بفلس موكل فيما حجر عليه فيه) كتصرف في عين ماله، لانقطاع تصرفه فيه، بخلاف ما لو وكله في تصرف في الذمة، (و) تبطل الوكالة أيضا (بفسق) أحدهما (فيما ينافيه) الفسق (فقط كإيجاب في نكاح)، لخروجه عن أهلية التصرف بخلاف الوكيل في قبوله أو في بيع أو شراء، فلا ينعزل بفسق موكله ولا بفسقه، لأنه يجوز منه ذلك لنفسه، فجاز لغيره كالعدل. (وإن كان) وكل (وكيلا فيما تشترط فيه الأمانة كوكيل ولي اليتيم، وولي الوقف على المساكين ونحوه، انعزل
546 بفسقه وفسق موكله) لخروجه عن أهليته لذلك التصرف. (وكذلك كل عقد جاز من الطرفين، كشركة ومضاربة وجعالة) يبطل بموت أحدهما وعزله وجنونه المطبق، والحجر عليه لسفه أو فلس، حيث نافاه. (ويأتي) ذلك مفصلا في أبوابه، (ولا تبطل) الوكالة (بالنوم والسكر الذي يفسق به في غير ما ينافيه)، لأنه لا يخرجه عن أهلية التصرف، وتقدم حكم ما ينافيه الفسق. (ولا) تبطل أيضا (بالاغماء) كالنوم، لأنه لا تثبت عليه الولاية، (ولا) ب (- التعدي كلبس ثوب) وكله في نحو بيعه (وركوبه دابة ونحوهما)، لأن الوكالة اقتضت الأمانة والاذن، فإذا زالت الأولى بالتعدي بقي الاذن بحاله، بخلاف الوديعة، فإنها مجرد أمانة، فنافاها التعدي. (ويصير) الوكيل (بالتعدي ضامنا، فلو وكل في بيع ثوب فلبسه صار ضامنا) لتعديه، (فإذا باعه) الوكيل (صح بيعه) له (وبرئ من ضمانه) لدخوله في ملك المشتري وضمانه، (فإذا قبض) الوكيل (الثمن) حيث جاز له (صار أمانة في يده غير مضمون عليه)، لأنه لم يحصل منه تعد عليه، (فإن رده) أي رد المشتري الثوب (عليه)، أي على الوكيل (بعيب عاد الضمان) لأن العقد المزيل للضمان زال، فعاد ما زال به. وإن عاد إلى يد الوكيل بعقد آخر لم يعد الضمان إلا إن تعدى، لأن هذه وكالة أخرى، لم يقع عنه فيها تعد (ولو دفع إليه مالا ووكله أن يشتري به شيئا فتعدى) الوكيل (في الثمن صار ضامنا، فإذا اشترى به وسلمه) أو لم يسلمه على قياس المبيع (زال الضمان، وقبضه للمبيع قبض أمانة. فإن رده بعيب وقبض الثمن عاد مضمونا عليه) كما تقدم في البيع. (وتبطل) الوكالة أيضا (بتلف العين التي وكل في التصرف فيها) لأن محل الوكالة قد ذهب، (و) تبطل أيضا (بدفعه) أي الوكيل (عوضا لم يؤمر بدفعه)، فلو وكله في شراء عبد بهذه الدراهم، وفي شراء أمة بدراهم أخرى، فبذل ثمن أحدهما في الآخر بطلت، لأنه إنما وكله في شرائه. (و) تبطل أيضا ب (- اقتراضه) أي الوكيل (المال الذي بيده) للموكل، (كتلفه) أي كما تبطل الوكالة بتلفه ، (ما إذا دفع) الموكل (إليه دينارا وكله في الشراء به، فاستقرض الوكيل الدينار) وتصرف فيه
547 لنفسه، بطلت الوكالة. (و) لو (عزل دينارا عوضه واشترى به) الوكيل (فيصير كالشراء له) أي للموكل (من غير إذن، لأن الوكالة بطلت والدينار الذي عزله) الوكيل (عوضا لا يصير للموكل، حتى يقبضه، فإذا اشترى للموكل به شيئا) ولم يسمه في العقد (وقف) الشراء (على إجازته. فإن أجازه) الموكل (صح) الشراء له كما تقدم في البيع، (ولزمه الثمن، وإلا) بأن لم يجزه الموكل (لزم) البيع (الوكيل)، فيؤدي ثمنه. (وتبطل) الوكالة (بردة موكل) لعدم صحة تصرفه في ماله. وفي الشرح: لا تبطل بردة الموكل فيما له التصرف فيه، و (لا) تبطل بردة (وكيل، ولو لحق) الوكيل (بدار حرب) لأن ردته لا تؤثر في تصرفه. وإنما تؤثر في ماله. (إلا فيما ينافيها) أي إلا إذا وكل في تصرف ينافي الردة كإيجاب أو قبول نكاح مسلمة. (ويصح توكيل المسلم كافرا فيما يصح تصرفه)، أي الكافر (فيه) من بيع أو نحوه (ذميا كان) الوكيل (أو مستأمنا أو حربيا أو مرتدا)، لأن العدالة غير معتبرة فيه. فكذلك الدين كالبيع. (وإن وكله) أي وكل إنسان آخر (في طلاق امرأته فوطئها) الموكل، (أو قبلها ونحوه) كمباشرتها دون فرج، بطلت الوكالة، لأن ذلك دليل رجوعه. وجزم في المنتهى: بأنها لا تبطل بالقبلة، (أو) وكل (في عتق عبده، فكاتبه أو دبره بطلت) الوكالة بذلك، لأنه دليل رجوعه. (ولا يبطل توكيله عبده بعتقه ولا بيعه، و) لا (هبته، و) لا (كتابته، و) لا (إباقه) لأن ذلك لا يمنع ابتداء الوكالة، فلا يمنع استدامتها. (وكذا إن وكل) إنسان (عبد غيره فأعتقه السيد أو باعه) أو وهبه أو كاتبه أو أبق العبد لما سبق. (لكن في صورة البيع) والهبة (إن رضي المشتري) أو المتهب، (ببقائه على الوكالة إن لم يكن المشتري) أو المتهب (الموكل) فالوكالة
548 باقية، (وإلا) بأن لم يرض المشتري أو المتهب ببقاء العبد على الوكالة، (بطلت) الوكالة، لان العبد لا يتصرف بغير إذن مالكه. وأما إذا اشتراه أو اتهبه الموكل من مالكه. فلا بطلان لان ملكه إياه لا ينافي إذنه في البيع والشراء. (ولا تبطل) الوكالة (بطلاق امرأة) وكلها زوجها أو غيره، (ولا بجحود الوكالة من أحدهما) أي الوكيل والموكل، (ولا) تبطل (بسكناه) أي الموكل (داره بعد أن وكله في بيعها ونحوه)، لأن ذلك لا يدل على رجوعه عن الوكالة ولا ينافيها. (وينعزل الوكيل بموت موكل وعزله قبل عمله) أي الوكيل (به)، أي بموت موكله أو عزله، لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه. فصح بغير علمه كالطلاق. (فيضمن) الوكيل (إن تصرف) بعد موت موكله أو عزله (لبطلان تصرفه إلا ما يأتي في باب العفو عن القصاص) من أن الوكيل لو اقتص ولم يعلم عفو موكله لا ضمان عليهما. (ولا يقبل قوله) أي الموكل (أنه كان عزله) أي الوكيل قبل تصرفه، لتعلق الحق بثالث (بلا بينة) فإن أقام بينة عمل بها، (ويقبل قوله) أي الموكل (أنه أخرج زكاته قبل دفع وكيله) الزكاة (إلى الساعي) لأنها عبادة فقبل قوله فيها. (وتؤخذ) الزكاة (منه) أي من الساعي، (إن كانت) الزكاة (بيده) أي الساعي، وترد لربها. (وإلا) تكن بيد الساعي بأن تلفت أو أعطاها لمستحقيها، (فلا) تؤخذ منه. وظاهره أنه لو كان الوكيل دفع الزكاة لنحو فقير لا يقبل قول الموكل أنه كان أخرج قبل ذلك حتى ينتزعها من الفقير بلا بينة. (ولا ينعزل مودع قبل علمه) بموت المودع أو عزله. فيما بيده أمانة. (ولو قال شخص لآخر: اشتر كذا بيننا. فقال: نعم، ثم قال لآخر) فقال له: اشتره بيننا، قال : (نعم، فقد عزل نفسه من وكالة الأول. ويكون ذلك) الذي اشتراه (له) أي للوكيل (وللثاني) نصفين، لأن إجابته للثاني دليل رجوعه عن إجابة الأول. (وتنفسخ شركة ومضاربة بعزله) أي الشريك، أو رب المال، (قبل العلم) بعزله كالوكيل. (ومتى صح العزل في الكل) أي في الوكالة والشركة والمضاربة (كان ما بيده) أي الوكيل والشريك والمضارب (أمانة)، لا يضمنه إذا تلف بغير تعد منه ولا تفريط، حيث لم يتصرف. وأما ما تلف بتصرفه فيضمنه كما سبق. (وكذلك عقود الأمانات كلها كالوديعة والرهن إذا انتهت)، بأن كانت مغياة بمدة وانقضت. (أو
549 انفسخت) بموت أو عزل حيث أمكن فإنها تكون أمانة. (و) كذلك (الهبة) للولد (إذا رجع فيها الأب) فهي أمانة ما دامت بيد ولده. (ويأتي في آخر باب صريح الطلاق وكناياته قبول قول موكل: أنه) كان (رجع قبل طلاق وكيله). ويأتي هناك أيضا حكم دعوى (عتقه ورهنه) ما وكل في بيعه قبل بيع وكيله له، (وإذا وقعت الوكالة مطلقة ملك) الوكيل (التصرف أبدا ما لم تنفسخ) الوكالة لأنه مقتضى اللفظ (ويحصل فسخها) أي الوكالة (بقوله: فسخت الوكالة أو أبطلتها، أو نقضتها أو أزلتك أو صرفتك أو عزلتك عنها أو ينهاه) الموكل (عن فعل ما أمره به وما أشبه ذلك من الألفاظ المقتضية عزله، و) الألفاظ (المؤدية معناه) أي معنى العزل ، (أو يعزل الوكيل نفسه، أو يوجد ما يقتضي فسخها حكما على ما ذكرنا، أو يوجد ما يدل على الرجوع عن الوكالة، كوطئ امرأته بعد توكيله في طلاقها)، ونحو ذلك مما تقدم. فصل: (وحقوق العقد) كتسليم الثمن وقبض المبيع، وضمان الدرك، والرد بالعيب ونحوه، (متعلقة بالموكل، لأن الملك ينتقل إليه) أي الموكل (ابتداء، ولا يدخل) المبيع (في ملك الوكيل، فلا يعتق قريب وكيل عليه) لأنه لم يملكه. وكذا لو قال لعبد: إن اشتريتك فأنت حر، واشتراه بالوكالة. لم يعتق على الوكيل. (ولا يطالب) الوكيل (في الشراء بالثمن، ولا) يطالب الوكيل (في البيع بتسليم المبيع، بل يطالب بهما الموكل) لأن حقوق العقد متعلقة به. وفي المغني والشرح: وإن اشترى وكيل في شراء في الذمة فكضامن. وقاله
550 المجد وابن نصر الله. وقال الشيخ تقي الدين، فيمن وكل في بيع أو شراء أو استئجار. فإن لم يسم موكله في العقد فضامن وإلا فروايتان. وظاهر المذهب: يضمنه فيحمل كلام المصنف على الثمن المعين. (ولو وكل مسلم ذميا) أو معاهدا أو حربيا (في شراء خمر أو خنزير) أو نحوهما (لم يصح التوكيل) لأن شراء المسلم لذلك لا يصح، فتوكيله فيه كذلك. (ولا) يصح (الشراء) لما سبق. (ولا يصح إقرار الوكيل على موكله) بغير ما وكل فيه، لأنه إقرار على غيره كالأجنبي. (لا عند الحاكم ولا عند غيره ولا صلحه) أي الوكيل (عنه) أي عن موكله، (ولا الابراء) أي إبراء الوكيل (عنه) أي عن موكله، (إلا أن يصرح) الموكل (بذكر ذلك) للوكيل (في توكيله) فيملك كسائر ما يوكل فيه. (ويرد الموكل) المبيع (بعيب) أو تدليس أو غبن ونحوه، (ويضمن) الموكل (العهدة) إذا ظهر المبيع أو الثمن مستحقا أو معيبا، (ونحو ذلك) من سائر ما يتعلق بالعقد لما تقدم من أن حقوق العقد متعلقة به دون الوكيل. (وإذا وكل) شخص (اثنين) واحدا بعد آخر ولم يصرح بعزل الأول، أو وكلهما معا (لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف)، لأن الموكل لم يفوضه إليه وحده وكذا الناظران والوصيان. و (إلا أن يجعل) الموكل (ذلك) أي الانفراد بالتصرف (إليه). أي إلى أحدهما بعينه أو يجعله لكل منهما، فيكون له الانفراد به. (وإن غاب أحدهما) أي أحد الوكيلين، ولم يكن الموكل جعل لكل منهما الانفراد. (لم يكن للآخر) الحاضر (أن يتصرف) في غيبة رفيقه، (ولا الحاكم ضم أمين إليه ليتصرفا) معا (وفارق ما لو مات أحد الوصيين حيث يضيف الحاكم إلى الوصي أمينا ليتصرف لكون الحاكم له النظر، فإن له النظر في حق الميت واليتيم، ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم) بخلاف الموكل. فإنه رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه. (وإن حضر الحاكم أحد الوكيلين، و) الوكيل (الآخر غائب) عن البلد أو المجلس، (فادعى) الوكيل الحاضر (الوكالة لهما) أي له ولرفيقه الغائب، (أقام بينة) بدعواه
551 (سمعها الحاكم وحكم بثبوت الوكالة لهما)، أي للحاضر والغائب، (ولم يملك الحاضر التصرف وحده) لما تقدم. (فإذا حضر) الوكيل (الآخر تصرفا معا. ولا يحتاج إلى إقامة بينة، وجاز الحكم المتقدم للغائب، تبعا للحاضر، كما يجوز أن يحكم بالوقف الذي ثبت لمن لم يخلق لأجل من يستحقه في الحال، وإن جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه، لم يكن للآخر أن يتصرف) لأن الموكل لم يرض تصرف أحدهما منفردا بدليل إضافة الغير إليه، كما سبق. (وجميع التصرفات) من بيع أو طلاق، أو اقتضاء دين، أو إبراء منه ونحوها (في هذا) المذكور في التفصيل السابق، (سواء) لعدم الفارق، (ولا يصح بيع وكيل) شيئا وكل في بيعه (لنفسه)، لأن العرف في البيع بيع الرجل من غيره، فحملت الوكالة عليه. وكما لو صرح به ولأنه يلحقه به تهمة، ويتنافى الغرضان في بيعه لنفسه فلم يجز كما لو نهاه. (ولا) يصح (شراؤه) أي الوكيل شيئا وكل في شرائه (منها)، أي من نفسه (لموكله) لما تقدم في البيع، (ولو زاد) الوكيل في البيع (على مبلغ ثمنه في النداء، أو وكل من يبيع) حيث جاز (وكان هو أحد المشترين)، فلا يصح البيع لما تقدم من أن العرف بيعه لغيره. فتحمل الوكالة عليه (إلا بإذنه) بأن أذن له في البيع من نفسه أو الشراء منها فيجوز لانتفاء التهمة. (فيصح تولي طرفي عقد فيهما) أي في البيع والشراء لانتفاء التهمة. (كأبي الصغير، وتوكيله في بيعه، و) توكيل (آخر له) أي للوكيل (في شرائه)، فيتولى طرفي العقد. (ومثله) أي مثل البيع في تولي طرفي العقد (نكاح. ويأتي) مفصلا في كتاب النكاح، (و) مثله أيضا (دعوى) إذا وكلاه فيها فيدعي عن أحدهما. ويجيب عن الآخر، ويقيم حجة كل واحد منهما. وقال الأزجي في الدعوى: الذي يقع الاعتماد عليه لا يصح للتضاد. (ويصح بيعه) أي الوكيل في البيع (لإخوته وأقاربه) كعمه وابني أخيه وعمه. وقال في الانصاف، قلت: وحيث حصل تهمة في ذلك لا يصح، (لا) بيعه (لولده ووالده ومكاتبه ونحوهم) كزوجته وسائر من ترد شهادته له، لأنه متهم في حقهم، ويميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن، كتهمته في حق
552 نفسه. ولذلك لا تقبل شهادته لهم. (إلا بإذن) الموكل فيجوز لانتفاء التهمة. قلت: والشراء منهم كالبيع لهم فيما سبق. (وكذا) أي كالوكيل فيما تقدم من البيع ونحوه لنفسه أو أقاربه (حاكم وأمينه ووصي وناظر) وقف. فلا يبيع من مال الوقف ولا يشتري منه لنفسه ولا لوالده وولده ومكاتبه ونحوهم، كإجارة الزوجة لزوجها وعكسه. وأما إجارته فقال ابن عبد الهادي في جمع الجوامع: إن كان الوقف على نفس الناظر فإجارته لولده صحيحة بلا نزاع. وإن كان الوقف على غيره ففيه تردد، يحتمل أوجها. منها: الصحة وحكم به جماعة من قضاتنا، منهم البرهان بن مفلح. والثاني: تصح بأجرة المثل فقط. والثالث: لا تصح مطلقا. وهو الذي أفتى به بعض إخواننا. والمختار من ذلك: الثاني، انتهى كلامه ملخصا. والذي أفتى به مشايخنا: عدم الصحة. (و) كذا (مضارب وشريك عنان ووجوه)، وكذا عامل بيت المال ونحوه. والإجارة كالبيع فيما سبق. لأنها نوع منه . فصل: (ولا يصح أن يبيع) الوكيل (نساء) أي بثمن مؤجل، (ولا) أن يبيع (بغير نقد البلد) لأن الأصل في البيع الحلول. واطلاق النقد ينصرف إلى نقد البلد. ولهذا لو باع وأطلق انصرف إلى الحلول ونقد البلد، (ولا) أن يبيع (بغير غالبه) رواجا (إن كان فيه) أي البلد (نقود. فإن تساوت) النقود رواجا، (فبالأصلح) لأنه الذي ينصرف إليه الاطلاق، (هذا إذا لم يبين الموكل نقدا. فإن عينه أو قال) بع بكذا (حالا، تعين) ما عينه الموكل، كتعيينه إياه، لكن لو لم يقل حالا، تعين أيضا الحال. فلا فائدة له إلا التوكيد. (ولا أن يبيع) الوكيل (بعرض) كثوب وفلوس، (ولا نفع) كسكنى دار وخدمة عبد (مع الاطلاق)، بأن قال له: بع هذا. فلا يبيعه بعرض ولا نفع. لأن عقد الوكالة لم يقتضه. لكن التافه الذي يباع بالفلوس عادة يصح بيعه بها، عملا بالعرف. والفرق بين الوكيل والمضارب، حيث يبيع نساء وبعرض: أن المقصود في المضاربة الربح. وهو في
553 النساء ونحوه أكثر، ولا يتعين ذلك في الوكالة، بل ربما كان المقصود تحصيل الثمن لدفع حاجة، فيفوت بتأخير الثمن، ولان استيفاء الثمن وتنضيضه في المضاربة على المضارب فيعود الضرر عليه، بخلاف الوكالة. وإن عين له شيئا تعين، ولم يجز مخالفته، لأنه متصرف بإذنه (وليس لوكيل في بيع تقليبه) أي المبيع (على مشتر إلا بحضرته) أي الموكل، لأن الوكالة لا تقتضيه. (وإلا) بأن أعطاه الوكيل لمن يريد الشراء ليقلبه وغاب به عن الوكيل، (ضمن) الوكيل المبيع إن تلف، لتعديه بدفعه له. (ولا) لوكيل (بيعه ببلد آخر. فيضمن) إن فعل، لعدم تضمن الاذن لذلك. (ويصح) البيع لما تقدم أن التعدي لا يبطلها. (و) إن نقل المبيع إلى بلد آخر وباعه به، (مع مؤنة نقل) للمبيع (لا) يصح البيع، لأن فعله ذلك يدل على رجوعه عن الوكالة، وأنه يتصرف لنفسه ذكره في شرح المنتهى من عنده، (وليس له) أي الوكيل (العقد مع فقير) لا يقدر على الثمن، (ولا) مع (قاطع طريق) لما فيه من إضرار الموكل (إلا إن يأمره) الموكل بذلك، (وإن باع هو) أي وكيل (ومضارب بدون ثمن المثل)، إن لم يقدر له ثمنا (أو) باع (بأنقص مما قدره له) الموكل أو رب المال (صح) البيع، لأن من صح بيعه بثمن المثل صح بدونه كالمريض، (وضمنا) أي الوكيل والمضارب (النقص كله إن كان مما لا يتغابن به عادة)، لأن فيه جمعا بين حظ المشتري بعدم الفسخ وحظ البائع، فوجب التضمين، وأما الوكيل فلا يعتبر حظه لأنه مفرط. (فأما ما يتغابن الناس بمثله) عادة (كالدرهم في العشرة فمعفو عنه) لا يضمنه الوكيل ولا المضارب، لأنه لا يمكن التحرز منه. (إذا لم يكن الموكل قد قدر الثمن) للوكيل (ويضمن) الوكيل والمضارب (الكل) أي كل النقض. ولو كان يتغابن به عادة، (في المقدر فإن قال: بعه بعشرة. وباعه بتسعة ضمن الواحد) لمخالفته، (ولا يضمن عبد) باع بأنقص عن ثمن المثل أو عما قدره له سيده (لسيده)، لأنه لا يثبت له على عبده الدين. (ولا) يضمن (صبي) باع كذلك (لنفسه)، لأن الانسان لا يثبت له الدين على نفسه، (ويصح البيع) من العبد والصبي بأنقص كالوكيل. (ولو حضر من يزيد) في المبيع (على ثمن مثل. لم يجز) للوكيل ولا للمضارب (بيعه به)، أي بثمن المثل، لأن عليه الاحتياط وطلب الحظ للموكل. فإن خالف وباع، فمقتضى ما سبق: يصح البيع .
554 وظاهر كلامهم: ولا ضمان ولم أره مصرحا به. (فإن باع) الوكيل أو المضارب (بثمن المثل)، أو أكثر (فحضر من يزيد) في الثمن (في مدة خيار) مجلس أو شرط، (لم يلزمه) أي الوكيل أو المضارب (فسخ) البيع. لأن الزيادة منهي عنها، والدافع لها قد لا يثبت عليها. وتقدم في الحجر: أن أمين الحاكم إذا باع مال المفلس وحضر من يزيد يلزمه الفسخ في مدة الخيار، وبعدها يستحب له سؤال المشتري الإقالة. (وإذا باع) وكيل أو مضارب (بأكثر منه) أي من ثمن المثل أو المقدر، (صح) البيع (سواء كانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به) الموكل أو رب المال (أو لم تكن) الزيادة من جنسه، لأنه باع بالمأذون فيه وزاده خيرا زيادة تنفعه ولا تضره، والعرف يقتضيه. أشبه ما لو وكله في الشراء فاشتراه بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له. (و) إن قال الموكل (بعه بدرهم فباعه بدينار، أو) قال (اشتره بدينار فاشتراه بدرهم، صح) البيع والشراء (لأنه مأذون فيه عرفا) فإن من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار. ومن رضي ببذل دينار رضي مكانه بدرهم. قال في المبدع: وإن اختلط الدرهم بآخر، عمل بظنه. ويقبل قوله حكما، ذكره القاضي. و (لا) يصح البيع إذا قال: بعه بدرهم. (إن باعه بثوب يساوي دينارا) لمخالفة موكله. والعرف لا يقتضيه. (وإن قال) الموكل (بعه بمائة درهم فباعه) الوكيل (بمائة ثوب قيمتها) أي الثياب (أكثر من الدراهم) لم يصح البيع للمخالفة، (أو) قال: بعه بمائة درهم فباعه (بثمانين درهما وعشرين ثوبا لم يصح) البيع. ولو زادت قيمة الثياب للمخالفة في الجنس. (وإن قال) الموكل: (اشتره بمائة ولا تشتره بدونها فخالفه) الوكيل (لم يجز) أي لم يصح الشراء للمخالفة لنصه. وصريح قوله مقدم على دلالة العرف. (وإن قال: اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين. صح شراؤه بما بينهما) أي بين المائة والخمسين، بأن اشتراه بستين مثلا، لأن إذنه في الشراء بمائة دل عرفا على الشراء بما دونها، خرج منه الخمسون بصريح النهي، بقي فيما فوقها على مقتضى الاذن. (و) كذا لو اشتراه (بدون الخمسين) فيصح لأنه لم ينهه عنه، (و) إن قال الموكل، (اشتر لي نصفه بمائة، ولا تشتره جميعه فاشترى) الوكيل (أكثر من النصف وأقل من الكل بمائة. صح) الشراء لما
555 تقدم. (و) إن قال الموكل: (بعه بألف نساء فباعه) الوكيل (به حالا يصح) لأنه زاده خيرا. فهو كما لو وكله في بيعه بعشر فباعه بأكثر منها، (ولو استضر) الموكل (بقبض الثمن في الحال) من حيث حفظه أو خوف تلفه أو تعد عليه ونحوه، اعتبارا بالغالب إذ النادر لا يفرد بحكم . (ما لم ينهه) بأن يقول: لا تبع حالا. فلا يصح للمخالفة. (وإن وكله في الشراء فاشترى) الوكيل (بأكثر من ثمن المثل مما لا يتغابن به عادة) إذا لم يقدر له ثمن، صح. (أو) اشترى الوكيل (بأكثر مما قدره له) الموكل (صح) كالبيع فيما سبق، (وضمن) الوكيل (الزائد) عن ثمن المثل أو المقدر لما سبق. (ومثله) أي الوكيل (مضارب) فيما ذكر. وكذا الوصي وناظر الوقف إذا باع بدون ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه، ذكره الشيخ تقي الدين. (وإن وكله في بيع عبد) أو غيره (بمائة فباع) الوكيل (نصفه بها) أي بالمائة (صح) البيع لأنه حصل غرضه وزاده زيادة تنفعه ولا تضره. (وله) أي الوكيل (بيع النصف الآخر) لأنه مأذون في بيعه، فأشبه ما لو باع العبد كله بمثلي ثمنه، (وكذا لو وكله في بيع عبدين بمائة فباع) الوكيل (أحدهما بها) صح البيع، (وله بيع) العبد (الآخر) لأنه لم يوجد ما يقتضي عزله. (وإن وكله في بيع شئ فباع) الوكيل (بعضه بدون ثمن الكل لم يصح) البيع لأنه غير مأذون فيه ولما فيه من الضرر. أشبه ما لو وكله في شراء شئ فاشترى بعضه (ما لم يبع) الوكيل (الباقي) من العبد، فإن باعه صح. وعلى هذا فالبيع الأول موقوف. إن باع الباقي تبينا صحته وإلا تبينا بطلانه، ولم أره صريحا. (أو يكن) المبيع (عبيدا أو صبرة ونحوهما. فيصح) بيعه (مفرقا) لأنه العرف (ما لم يأمره) الموكل (ببيعه صفقة واحدة) فلا يخالفه. (وإن اشتراه) الوكيل (بما قدره) الموكل (له) بأن قال: له اشتره بمائة فاشتراه بها، (مؤجلا) صح، لأنه زاده خيرا. (أو قال) الموكل (اشتر لي شاة بدينار، فاشترى) الوكيل (به) أي الدينار (شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشترى) الوكيل (شاة تساوي دينارا بأقل منه صح) الشراء، (وكان) الزائد
556 (للموكل) لحديث عروة بن الجعد: أن النبي (ص) بعث معه بدينار يشتري له ضحية مرة - وقال مرة - أو شاة فاشترى له اثنتين فباع واحدة بدينار وأتاه بالأخرى فدعا له بالبركة. فكان لو اشترى التراب لربح فيه. وفي رواية قال: هذا ديناركم وهذه شاتكم. قال: كيف صنعت؟ فذكره. رواه أحمد، ولأنه حصل المأذون فيه وزيادة. وكذا لو اشترى شاتين كل منهما تساوي دينارا، (وإن لم تساوه) أي الدينار إحداهما فيما إذا اشترى شاتين أو لم تساو التي اشتراها بدون الدينار. (لم يصح) الشراء، لأنه لم يحصل له المقصود، فلم يقع البيع له، لكونه غير مأذون فيه لفظا ولا عرفا. (وإن باع) الوكيل (إحدى الشاتين) اللتين اشتراهما بدينار ، (لا) إن باع (كلتيهما بغير إذن) الموكل (صح) البيع. (إن كانت) الشاة (الباقية تساوي دينارا) لما تقدم من حديث عروة بن الجعد. (ولا يملك الوكيل في البيع والشراء شرط الخيار للعاقد معه)، لأنه إلزام لموكله بما لم يلتزمه، وعقد الوكالة لا يقتضيه. (وله) أي الوكيل (شرطه) أي الخيار (لنفسه) ويكون له ولموكله. وإن شرطه لنفسه فقط لم يصح، (و) له شرطه (لموكله) لأنه زاده خيرا. وتقدم أنه يختص بخيار مجلس لم يحضره موكله. ويختص به موكلهما إن حضره. قاله في المبدع. (وليس له) أي للوكيل (شراء معيب) أي لا يجوز له، لأن الاطلاق يقتضي السلامة. (فإن فعل) أي اشترى معيبا (غير عالم فله الرد) بالعيب قيامه مقام الموكل. (وإن فعله) أي اشترى الوكيل المعيب (عالما) بعيبه (لزمه)، أي لزم البيع الوكيل (ما لم يرض الموكل) لأن الحق له، (وليس له) أي للوكيل (ولا لموكله رده) أي ما اشتراه الوكيل عالما بعيبه، لدخول الوكيل على بصيرة فيلزمه البيع إن لم يرضه موكله. (وإن اشترى) الوكيل ما علم عيبه (بعين المال) الذي وكل في الشراء به، (فكشراء فضولي) فلا يصح على المذهب. (وله) أي للوكيل (وللموكل رده) أي رد ما اشتراه الوكيل غير عالم بعيبه. أما الموكل فلان
557 حقوق العقد متعلقة به، وأما الوكيل فلقيامه مقامه، وتقدم. (فإن حضر الموكل قبل رد الوكيل) المعيب (ورضي) الموكل (بالعيب، لم يكن للوكيل رده) لأن الحق للموكل وقد أسقطه، بخلاف المضارب، لأن له حقا ولا يسقط برضا غيره. (وإن لم يحضر) الموكل (فأراد الوكيل الرد، فقال له البائع: توقف حتى يحضر الموكل، فربما رضي بالعيب لم يلزمه) أي الوكيل (ذلك) لأنه لا يأمن فوات الرد بهرب البائع. فإن أخره لذلك فله الرد، (فلو أسقط الوكيل خياره فحضر موكله فرضي به) أي المعيب (لزمه) البيع لأن الحق له. (وإلا) بأن لم يرض به (فله رده) لأن الحق له، فلا يسقط بإسقاط وكيله. (ولو ظهر به) أي المبيع (عيب) وأسقط الوكيل خياره، وأراد الموكل الرد به، (فأنكر البائع أن الشراء وقع للموكل) قبل قوله، و (لزم الوكيل) لأن الظاهر فيمن يباشر عقدا أنه لنفسه، (وليس له) أي الوكيل (رده) لاسقاطه خياره، (فإن قال البائع) للوكيل (موكلك قد رضي بالعيب. فالقول قول الوكيل مع يمينه أنه لا يعلم ذلك) لأنه الأصل، (ويرده) الوكيل (ويأخذ حقه في الحال)، لأنه لا يأمن فوات الرد لو أخر حتى يحضر الموكل. (ولو ادعى الغريم أن الموكل عزل الوكيل في قضاء) أي اقتضاء (الدين أو ادعى موت الموكل) أو نحوه مما تنفسخ به الوكالة، (حلف الوكيل على نفي العلم) بما ادعاه الغريم، لأن الأصل عدمه. (فإن رده) أي رد الوكيل المعيب في غيبة الموكل، (فصدق الموكل البائع في الرضا بالعيب، لم يصح الرد، وهو باق للموكل)، لأن رضا الموكل بالعيب عزل للوكيل عن الرد، ومنع له بدليل أن الوكيل لو علم لم يكن له الرد، فللموكل استرجاعه. وللبائع رده عليه. (ولا يسمع قوله) أي الغريم (لوكيل غائب) في الاقتضاء منه (احلف: إن لك مطالبتي أو) احلف (أنه) أي الموكل (ما عزلك) لأنه طلب للحلف على البت على نفي فعل الغير. فلا يلزم الإجابة إليه. (ويسمع قوله) أي الغريم (أنت تعلم ذلك) أي أنه عزلك، (فيحلف) الوكيل على نفي العلم لاحتمال صدقه.
558 (ورضا الموكل الغائب بالعيب) في مبيع اشتراه وكيله (عزل لوكيله عن رده)، فلا يصح رد الوكيل بعده، وتقدم، (ولو قال) الغريم (موكلك أخذ حقه أو أبرأ) من الدين (لم يقبل) منه ذلك بلا بينة، لأنه خلاف الأصل. (فإن حلف) الوكيل أنه لا يعلم ذلك (طالبه وأخذ) الدين منه، (ولم) يلزمه أن (يؤخر) الطلب (ليحلف الموكل) لأنه لا يأمن من الفوات. فصل: (وإن وكله في شراء شئ معين فاشتراه ووجده) الوكيل (معيبا فله)، أي الوكيل (الرد قبل إعلام موكله). صححه في الانصاف وتصحيح الفروع، لأن الامر يقتضي السلامة، أشبه ما لو وكله في شراء موصوف. وفي التنقيح والمنتهى: ليس له رده. قال في المبدع: وهو الأشهر، لان الموكل قطع نظره بالتعيين فربما رضيه بجميع صفاته. (وإن علم) الوكيل (عيبه) أي عيب ما عينه لو موكله (قبل الشراء فليس له)، أي الوكيل (شراؤه) كغير المعين، بناء على أن له رده لو لم يعلم. قال في المبدع: والمقدم له شراؤه، انتهى. أي لأن الموكل قطع نظره بالتعيين كما تقدم. (وإن قال) الموكل: (واشتر لي بهذه الدراهم، ولم يقل بعينها، جاز) له، أي الوكيل (أن يشتري له) أي الموكل (في ذمته، و) أن يشتري له (بعينها) لأن الاطلاق يتناولهما، (وإن قال) الموكل (اشتر لي بعين هذا الثمن، فاشترى) الوكيل بثمن (في ذمته. صح البيع) للوكيل (ولم يلزم) البيع (الموكل) لأن الثمن إذا تعين انفسخ العقد بتلفه، أو كونه مغصوبا. ولم يلزمه ثمن في ذمته، وهذا غرض صحيح للموكل فلتجز مخالفته،
559 (وعكسه) بأن قال: اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن، فاشترى بعين (يصح) الشراء، (ويلزمه) أي الموكل، لأنه أذنه في عقد يلزمه به الثمن، مع بقاء الدراهم وتلفها، فكان إذنا في عقد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائها. (ويقبل إقرار الوكيل بعيب فيما باعه) لما يأتي من أنه يقبل إقراره في كل ما وكل فيه. (وإن أمره) أي أمر الوكيل (ببيعه في سوق بثمن فباعه) الوكيل (به في) سوق (آخر، صح) البيع، لأن القصد البيع بما قدره له. وقد حصل، كالإجارة وغيرها ، (إن لم ينهه) الموكل عن بيعه في غيره، فلا يصح للمخالفة. (ولم يكن له) أي الموكل (فيه) أي في ذلك السوق (غرض) صحيح، بأن يكون ذلك السوق معروفا بجودة النقد أو كثرة الثمن أو حله، أو صلاح أهله، فلا يبيعه في غيره. (وإن قال) الموكل (بعه من زيد فباعه) الوكيل (من غيره، لم يصح) البيع للمخالفة، لأنه قد يقصد نفعه، فلا تجوز مخالفته. قال في المغني والشرح: إلا أن يعلم بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري. (وإن وكله في التصرف في زمن مقيد) كرجب (لم يملك التصرف قبله ولا بعده)، لأن الوكيل في زمن معين لا يكون وكيلا في غيره. (فلو قال) الموكل: (بع ثوبي غدا لم يجز) للوكيل بيعه (قبله ولا بعده) ولم يصح، لأنه لم يتناوله نطقا ولا عرفا، لأنه قد يؤثر التصرف في زمن الحاجة إليه دون غيره. (وإن وكله في بيع شئ ملك تسليمه) لأن إطلاق الوكالة في البيع يقتضي التسليم، لكونه من تمامه. (ولم يملك الوكيل) الابراء من ثمنه، لأنه ليس من البيع ولا من تتمته. ولم يملك أيضا (قبض ثمنه) أي ثمن ما وكل في بيعه، لأنه قد يوكل في البيع من لا يأتمنه على الثمن. (ف) - على هذا (إن تعذر قبضه) لموت المشتري مفلسا ونحوه، (لم يلزمه) أي الوكيل (شئ) من الثمن لأنه ليس بمفرط، لكونه لا يملكه. و (كما لو ظهر المبيع مستحقا أو معيبا) فإنه لا شئ، على الوكيل في شرائه لعدم تفريطه. (كحاكم
560 وأمينه) إذا باعا على صغير أو غائب وفات الثمن، لا شئ عليهما. (إلا أن يأذن) الموكل (له) أي للوكيل (في قبض الثمن) فيملك قبضه، (أو تدل عليه) أي على قبض الثمن (قرينة، مثل توكيله في بيع ثوب) أو نحوه (في سوق غائب عن الموكل، أو) في (موضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل ونحوه) فيملك الوكيل قبضه، لدلالة القرينة على الاذن في قبضه. هذا أحد الوجوه جزم به في الوجيز، وهو ظاهر ما جزم به في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق، واختاره الموفق، وقدمه في المحرر والرعاية الكبرى. قال في الانصاف: وهو الصواب. والوجه الثاني: لا يملك قبض ثمنه مطلقا. وهو المذهب، كالحاكم وأمينه، اختاره القاضي وغيره. وجزم به في الهداية والمذهب، ومسبوك الذهب، والمستوعب، والخلاصة، والتلخيص، وقدمه في الفروع. والوجه الثالث: يملكه مطلقا. قال ابن عبدوس في تذكرته: له قبض الثمن إن فقدت قرينة المنع. وجزم بالثاني في المنتهى. (ف) - على الأول: إن أذنه. أو دلت قرينة على القبض، (متى ترك) الوكيل (قبضه) وسلم المبيع ففات الثمن (ضمنه) الوكيل، لأنه يعد مفرطا (وكذلك لو أفضى) عدم
561 القبض (إلى ربا) كبيع ربوي بآخر، (ولم يحضر الموكل) فيقبضه الوكيل. ذكره في التنقيح، لأن القبض حينئذ من مقتضى العقد، (وكذا الحكم في قبض سلعة وكل في شرائها) فلا يملك قبضها مطلقا، ما لم يفض إلى ربا، وعلى ما قدمه: أو قرينة. (وإن أمره بقبض دراهم، أو) أمره بقبض (دينار لم يصارف بغير إذن) الموكل، لأن المصارفة عقد لم يأذن فيه، (وإن أخذ) الوكيل في قبض دين (رهنا أساء) الوكيل، لعدم الإذن، (ولم يضمن) الوكيل الرهن إذا تلف بلا تفريط، لأن صحيحه غير مضمون. ففاسده لا ضمان فيه. (ولا يسلم) الوكيل (المبيع قبل) قبض (ثمنه حيث جاز القبض) أي حيث جاز له قبض ثمنه، لأنه يعد مفرطا. (أو حضوره) أي إلا بحضور الموكل، (فإن سلمه) أي سلم الوكيل المبيع بغير حضور الموكل (قبل قبضه) أي الثمن حيث جاز (ضمن) لما تقدم، (وكذا وكيل في شراء وقبض مبيع) لا يسلم الثمن حتى يتسلم المبيع. (وإن كان له) أي الوكيل (عذر، مثل أن ذهب لينقد) الثمن (ونحوه) فضاع المبيع (فلا ضمان عليه)، لأنه لا يعد مفرطا إذن. (وإن وكله في شراء ذلك ملك) الوكيل (تسليم ثمنه) لأنه من تمام العقد. (فإن أخر) الوكيل (تسليمه بلا عذر ضمنه) إذا تلف، لتفريطه بإمساكه. (فإن اشترى) الوكيل (عبدا) أو نحوه (فنقد ثمنه، فخرج العبد) أو نحوه (مستحقا. فله) أي الوكيل (المخاصمة في ثمنه) ومطالبة البائع به، (إن دلت القرينة على ذلك، كبعده) أي الوكيل (عن موكله ونحوه) بأن يكون في موضع لو تركه الوكيل لفات على موكله. صوبه في تصحيح الفروع. وصوب فيه أيضا: أنه يجوز للوكيل تزكية بينة خصمه. قال: بل هو أولى من الأجنبية. (وإن وكله في بيع فاسد، كشرطه) أي الموكل (على وكيل أ) ن (لا يسلم المبيع لم يصح) التوكيل، (ولم يملكه) أي البيع الفاسد، لان الله تعالى لم يأذن فيه، ولان الموكل لا يملكه فوكيله أولى. وقوله: كشرطه على وكيل أن لا يسلم المبيع. تشبيه للشرط الفاسد بالبيع الفاسد في أنه لا يصح التوكيل فيه. فذكره بعد: لم يصح أولى كما فعل في المبدع. (ولم يملك) الوكيل في البيع الفاسد البيع
562 (الصحيح)، لأنه لم يوكل فيه، (وإن وكله في كل قليل وكثير لم يصح) ذكره الأزجي اتفاق الأصحاب. وكذا لو قال: وكلتك في كل شئ، أو في كل تصرف يجوز لي، أو كل ما لي التصرف فيه، لأنه يدخل فيه كل شئ من هبة ماله، وطلاق نسائه، وإعتاق رقيقه. فيعظم الغرر والضرر، ولان التوكيل لا بد وأن يكون في تصرف معلوم. قال في المبدع: ومثله وكلتك في شراء ما شئت من المتاع الفلاني. فلو قال: وكلتك بما إلي من التصرفات فاحتمالان. (وإن وكله في بيع ماله كله) صح، لأنه يعرف ماله فيقل الغرر، (أو) وكله في بيع (ما شاء منه) أي من ماله، صح لما تقدم. (أو) وكله في (المطالبة بحقوقه كلها) أو في قبض دينه كله وما يتجدد له في المستقبل، صح. (أو) وكله في (الابراء منها) أي من حقوقه كلها، (أو) وكله في المطالبة أو الابراء (فيما شاء منها صح) التوكيل لقلة الغرر. قال في المبدع: وظاهر كلامهم في بع من مالي ما شئت: له بيع ماله كله. (وإن قال) الموكل لوكيله (اشتر لي ما شئت) لم يصح، لأنه قد يشتري ما لا يقدر على ثمنه، (أو) قال (اشتر لي عبدا بما شئت. لم يصح) التوكيل (حتى يذكر النوع وقدر الثمن) لأن ما يمكن شراؤه والشراء به يكثر فيكثر فيه الغرر، فإن ذكر النوع وقدر الثمن صح لانتفاء الغرر. واقتصر القاضي على ذكر النوع، لأنه إذا ذكر نوعا فقد أذن في أعلاه ثمنا. فيقل الغرر قال في المبدع: فمن اعتبره، أي ذكر الثمن. جوز أن يذكر أكثر الثمن وأقله، (وإن وكله في مخاصمة غرمائه صح) التوكيل، (وإن جهلهم الموكل والوكيل) لامكان معرفتهم بعد ذلك فلا غرر، (وإن وكله في الخصومة صح) التوكيل، (ولم يكن وكيلا في القبض) لأن الاذن لم يتناوله نطقا ولا عرفا، لأنه قد يرضى للخصومة ما لا يرضاه للقبض. إذ معنى الوكالة في الخصومة: الوكالة في إثبات الحق. (ولا) يكون الوكيل في الخصومة وكيلا (في الاقرار على موكله) بقبض ولا غيره، نص عليه، لأنه لم يتناوله الاذن نطقا ولا عرفا. (كإقراره) أي الوكيل (عليه) أي على موكله (بقود وقذف)، فإنه غير صحيح، (وكالولي) لا يصح إقراره على
563 مولاه. (ولهذا لا يصح منهما يمين) لأنها لا تدخلها النيابة، (وفي الفنون: لا تصح الوكالة ممن علم ظلم موكله في الخصومة، ولا شك فيما قال) قاله في الانصاف: لقوله تعالى: * (ولا تكن للخائنين خصيما) * ذكر القاضي فيه: لا يجوز لاحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق أو نفيه وهو غير عالم بحقيقة أمره، وفي المغني في الصلح نحوه. قاله في المبدع: (وكذا لو ظن) الوكيل (ظلمه) أي ظلم موكله. لم يجز أن يتوكل عنه، (أيضا) لما سبق إجراء للظن مجرى العلم. (وإلا) يكن المراد من كلام الفنون ذلك (فبعيد جدا القول به) أي بجواز التوكيل (مع ظن ظلمه)، أي ظن الوكيل ظلم موكله، ومع الشك احتمالان. (وإن وكله في القبض) أي قبض الدين أو الوديعة ونحوها، (كان وكيلا في الخصومة) لأنه لا يتوصل إلى القبض إلا بها، فكان إذنا فيها عرفا، لأن القبض لا يتم إلا به. (وإن وكله في قبض الحق) من دين أو عين (من إنسان تعين) أي لم يجز إلا (قبضه منه)، أي من ذلك الانسان (أو من وكيله) لقيامه مقامه، و (لا) يملك قبضه (من وارثه) لأنه لم يؤمر بذلك. ولا يقتضيه العرف. لا يقال: الوارث قائم مقام المورث، فهو كالوكيل، لان الوكيل إذا دفع بإذنه جرى مجرى تسليمه. وليس الوارث كذلك فإن الحق انتقل إليه. واستحقت المطالبة عليه لا بطريق النيابة عن المورث. ولهذا لو حلف لا يفعل شيئا حنث بفعل وكيله دون مورثه. (وإن قال) الموكل: اقبض (حقي الذي عليه، أو) اقبض حقي الذي (قبله)، أي في جهته (ف) - للوكيل القبض (منه أو من وارثه)، لأن الوكالة اقتضت قبض حقه مطلقا، فشمل القبض من الوارث. (وإن قال) الموكل (اقبضه) أي الحق (اليوم لم يملك) الوكيل (قبضه غدا) لتقييد الوكالة بزمن معين، لأنه قد يختص غرضه في زمن حاجته إليه، و (وله) أي الوكيل (إثبات وكالته مع غيبة موكله) فيقيم البينة بلا دعوى. كما يأتي في القضاء. (وإن أمره بدفع ثوب إلى) نحو (قصار معين فدفعه) الوكيل (ونسيه لم يضمنه) أي الثوب،
564 لأنه لم يعد مفرطا، بل التفريط من الموكل. (وإن أطلق المالك) ولم يعين قصارا، (ودفعه) الوكيل (إلى من لا يعرف عينه ولا اسمه ولا دكانه. ضمنه الوكيل لتفريطه ولوكيل في شراء حنطة أو) في شراء (طعام) شراء (بر فقط)، لأن الحنطة هي البر، والطعام هو البر أيضا. لكن هذا عرف العراق سابقا. و (لا) يملك شراء (دقيقه) لأن اللفظ لا يتناوله ولا العرف. (وإن وكله في الايداع فأودع ولم يشهد) الوكيل، (لم يضمن) الوكيل (إذا أنكر المودع) الايداع لعدم الفائدة في الاشهاد، لأن المودع يقبل قوله في الرد والتلف. فلم يكن مفرطا في عدم الاشهاد. فإن قال الوكيل: دفعت المال إلى المودع فأنكر قبل قول الوكيل، لأنهما اختلفا في تصرفه فيما وكل فيه. ذكره في المبدع وشرح المنتهى. (وإن وكل) مدين (مودعا أو غيره في قضاء دين) عنه (ولم يأمره) الموكل (بإشهاد قضاه) الوكيل (في غيبته)، أي الموكل (ولم يشهد) على القضاء. (فأنكر الغريم ضمن الوكيل) لأنه مفرط، حيث لم يشهد. (قال القاضي وغيره) من الأصحاب (سواء صدقه الموكل) في القضاء (أو كذبه) لأنه إنما أذن في قضاء مبرئ. ولم يوجد، (كما لو أمره بالاشهاد فلم يفعل) أي يشهد، فيضمن لمخالفته. (إلا أن يقضيه) الوكيل (بحضرة الموكل) فإنه لا يضمن، لأن حضوره قرينة رضاه بالدفع بغير بينة. (أو) إلا أن (يأذن) الموكل (له) أي للوكيل (في القضاء بغير إشهاد) فلا يضمن، لأنه ممتثل، فلا ينسب إليه تفريط. (وإن) أشهد فماتوا أو غابوا فلا ضمان عليه. لعدم تفريطه. وإن أشهد بينة فيها خلاف فوجهان. فإن (قال) الوكيل (أشهدت فماتوا) أي
565 الشهود أو غابوا، (أو) قال الوكيل للموكل: (أذنت فيه) أي القضاء (بلا بينة، أو) قال الوكيل للموكل: (قضيت بحضرتك، فأنكر الموكل) ذلك (فقوله) أي الموكل بيمينه، لأن الأصل عدم ذلك، وتقدم في الضمان والقول في الرهن ونحوه. فصل: (والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده من ثمن ومثمن وغيرهما بغير تفريط ولا تعد) لأنه نائب المالك في اليد والتصرف. فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك كالمودع (سواء كان بجعل أم لا)، حتى لو كان له دين ولآخر عليه دين، فوكله في قبض دينه وأذن له أن يستوفي حقه منه فتلف المال قبل استيفائه، فإنه لا يضمنه. نص عليه أحمد في رواية مثنى الأنباري. ذكره في القاعدة الثالثة والأربعين. (فلو قال) الوكيل (بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف، فأنكره) أي البيع (الموكل، أو قال) الموكل (بعته ولم تقبض شيئا) فقول الوكيل بيمينه. لأنه يملك البيع والقبض، فقبل قوله فيهما كالولي، ولأنه أمين وتتعذر إقامة البينة على ذلك، فلا يكلفها كالمودع. (أو اختلفا) أي الوكيل والموكل (في تعديه أو تفريطه في الحفظ، أو) اختلفا في (مخالفة) الوكيل، (أمر موكله) فقول وكيل بيمينه، لأن الأصل براءته. فدعوى التعدي والتفريط (مثل أن يدعي) الموكل (أنك حملت على الدابة فوق طاقتها أو حملت عليها شيئا لنفسك، أو فرطت في حفظها، أو لبست الثوب)، ونحو ذلك. (أو) قال الموكل للوكيل (أمرتك برد المال فلم تفعل) ذلك (أو يدعي) الوكيل (الهلاك من غير تفريط ونحو ذلك)، وأنكره الموكل (فقول وكيل مع يمينه) لأنه أمين (وكذا) أي كالوكيل في ذلك، (كل من كان بيده شئ لغيره على سبيل الأمانة. كالأب والوصي، وأمين الحاكم والشريك، والمضارب، والمرتهن والمستأجر) والمودع. يقبل قولهم في التلف وعدم التفريط والتعدي.
566 (ويقبل إقراره) أي الوكيل (بأنه تصرف في كل ما وكل فيه) لأن من ملك شيئا ملك الاقرار به، (ولو) كان وكل (في عقد نكاح) وأقر بالعقد قبل منه كغيره، (ولو وكل في شراء عبد فاشتراه واختلفا في قدر الثمن، فقال) الوكيل (اشتريته بألف، فقال الموكل: بل بخمسمائة فقول الوكيل) لأنه أمين وأدرى بما عقد عليه، (وإن اختلفا في رد عين) وكل فيها، (أو) في رد (ثمنها إلى موكل. فقول وكيل مع يمينه إن كان) الوكيل (متبرعا) بعمله. لأنه قبض المال لنفع مالكه فقط، فقبل قوله فيه، كالوصي والمودع المتبرع. (وكذا وصي وعامل وقف وناظره) إذا كانوا (متبرعين) فالقول قولهم بيمينهم، (لا) إن كانوا (بجعل فيهن) أي في مسائل دعوى الوكيل والوصي وعامل الوقف وناظره إذا ادعوا رد العين. (وأجير ومستأجر) ونحوه من كل من قبض العين لحظه. فلا تقبل دعواه الرد وتقدم في الرهن كالمستعير، (ولا يقبل قول وكيل في رده) أي ما ذكر من العين أو الثمن، (إلى ورثة موكل) لأنهم لم يأتمنوه. (ولا) يقبل قول (ورثة وكيل في دفعه إلى موكل) لأنه لم يأتمنهم، (أو) أي ولا يقبل قول ورثة الوكيل في الرد إلى (ورثته) أي الموكل لما تقدم، (ولا) يقبل (قول وكيل في دفع مال الموكل إلى غير من ائتمنه بإذنه) بأن دفع إليه دينارا مثلا ليقرضه لزيد، ويقول الوكيل: دفعته إلى زيد، وينكره لأنه ليس أمينا للمأمور بالدفع إليه، فلا يقبل قوله في الرد إليه كالأجنبي. قال في الفروع: فلا يقبل قوله في دفع المال إلى غير ربه وإطلاقهم، ولا في صرفه في وجوه عينت له من أجرة لزمته. وذكره الآمدي البغدادي، انتهى. وفي القواعد: يقبل قول الوكيل على الصحيح من المذهب، نص عليه. واختاره أبو الحسن التميمي. (وكذا) لا يقبل (قول كل من ادعى الرد إلى غير من ائتمنه) جزم به في الرعاية الكبرى. فائدة: الوكيل في الضبط مثل من وكل رجلا في كتابة ماله، وما عليه كأهل الديوان، قوله أولى بالقبول من وكيل التصرف، لأنه مؤتمن على نفس الاخبار بما له وبما عليه. ونظيره إقرار كتاب الأموال وكتاب السلطان بما على بيت المال، وسائر أهل الديوان بما على جهاتهم من الحقوق، من ناظر الوقف وعامل الصدقة والخراج، ونحو ذلك. فإن هؤلاء لا يخرجون عن وكالة أو ولاية، ذكره في الاختيارات. (ومن ادع من وكيل ومرتهن ومضارب ومودع التلف بحادث ظاهر، كحريق ونهب جيش ونحوه. لم
567 يقبل) قوله (إلا ببينة تشهد ب) - وجود (الحادث في تلك الناحية) لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه غالبا، ولان الأصل عدمه. (ثم يقبل قوله) أي من ذكر من وكيل ومرتهن ومضارب ومودع، (في التلف) بيمينه، بخلاف ما لو ادعى أحدهم التلف وأطلق، أو أسنده إلى أمر خفي، كنحو سرقة. (وتقدم) ذلك (في الرهن) مفصلا (ولا ضمان) على وكيل (بشرط) بأن قال له: وكلتك بشرط ضمان ما يتلف منك. فإذا تلف منه شئ بغير تفريط لم يضمنه، لأنه أمين. والشرط لاغ، لأنه ينافي مقتضى العقد. (وإن قال وكيل أو مضارب) لرب المال (أذنت لي في البيع نساء) أي إلى أجل، (أو) قال: أذنت لي (في الشراء بكذا أو) قال وكيل (أذنت لي في البيع بغير نقد البلد. فأنكره) الموكل، (أو قال) الوكيل (وكلتني في شراء عبد، فقال) الموكل: (بل) وكلتك (في شراء أمة) فقول وكيل (أو اختلفا) أي الوكيل والمضارب مع رب المال (في صفة الاذن) في الوكالة أو المضاربة، (فقولهما) أي الوكيل والمضارب بيمينهما، لأنهما أمينان في التصرف، فقبل قولهما كالخياط. (ولو وكله في بيع) نحو (عبد فباعه) الوكيل (نسيئة. فقال الموكل ما أذنت) لك (في بيعه إلا نقدا، فصدقه الوكيل والمشتري) في ذلك (فسد البيع) للمخالفة، (وله) أي الموكل (مطالبة من شاء منهما) أي الوكيل والمشتري (بالعبد إن كان باقيا، وبقيمته إن تلف) أما طلبه للوكيل فلكونه أحال بينه وبين ماله. وأما المشتري فلوضعه يده على ماله بغير حق. والقرار على المشتري. (فإن أخذ) الموكل (القيمة من الوكيل رجع) الوكيل (على المشتري بها) أي بالقيمة لحصول التلف في يده. (وإن أخذها) أي أخذ الموكل القيمة (من المشتري لم يرجع) المشتري (على أحد) بها لاستقرارها عليه، (وإذا قبض الوكيل ثمن المبيع) حيث جاز له كما يعلم مما سبق (فهو أمانة في يده. لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه) إذا تلف (بتأخيره) كالوديعة، بخلاف الثوب الذي أطارته الريح إلى داره كالوديعة، لأن الوكيل
568 مأذون به في القبض صريحا أو ضمنا بخلاف صاحب الدار. (فإن أخر) الوكيل (رده) أي الثمن (بعد طلبه) أي الموكل الثمن (مع إمكانه) أي الرد (فتلف) الثمن (ضمنه) الوكيل لتعديه بإمساكه بعد الطلب، وتمكنه منه. وإن تلف قبل التمكن من رده لم يضمنه، لأنه لا يعد مفرطا. (وإن) طلب الموكل الثمن من الوكيل، و (وعده) الوكيل (رده ثم ادعى) الوكيل (أني كنت رددته قبل طلبه) أي الموكل. (أو أنه) أي الثمن (كان تلف) قبل طلبه (لم يقبل قوله)، لأنه رجوع عن إقرار بحق آدمي، فلم يقبل. (ولو) كان (ببينة) أقامها الوكيل، لأن وعده برده يتضمن تكذيبها. (وإن صدقه الموكل) في أنه كان رده أو تلف (برئ) الوكيل لاعتراف رب الحق ببراءته. (وإن لم يعده) أي يعد الوكيل الموكل (برده) أي الثمن، (لكن منعه) الوكيل (أو مطله) بالثمن (مع إمكانه، ثم ادعى الرد أو التلف. لم يقبل قوله) لأنه صار كالغاصب. فلا يبرأ بدعواه ذلك، لكن في دعوى التلف يقبل منه، ويغرم القيمة كالغاصب. (إلا) أن يدعي الوكيل ذلك (ببينة) فيعمل ببينته. ويبرأ إذا شهدت بالرد مطلقا، أو بالتلف قبل المنع، أو المطل. وإلا ض من كالوديع، ويأتي (وإن أنكر) الوكيل (قبض المال ثم ثبت) القبض (ببينة أو اعتراف) الوكيل به، (فادعى) الوكيل (الرد أو التلف لم يقبل) قوله، (ولو أقام) بالرد أو التلف (بينة) لأنه كذبها بإنكار القبض ابتداء. (فإن كان جحوده) أي جحود الوكيل القبض بقوله (إنك لا تستحق علي شيئا، أو) بقوله (ما لك عندي شئ) أو نحوه مما ليس بصريح في إنكار القبض ابتداء (سمع قوله) أي قول الوكيل في دعوى التلف أو الرد. لأنه لا ينافي جوابه المذكور. (إلا أن يدعي) الوكيل (رده أو تلفه بعد قوله: ما لك عندي شئ) فلا يسمع قوله، لمنافاته لجوابه. لكن في مسألة التلف يقبل قوله بيمينه بالنسبة لغرم البدل. كما يأتي في الغاصب. (وإن قال: وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت) أي تزوجتها لك، (وصدقته المرأة) أنه تزوجها له (فأنكره) أي أنكر المدعى عليه أن يكون وكله بأن قال: ما وكلتك. (فقول المنكر) لأنهما اختلفا في أصل الوكالة، فقبل قول المنكر، لأن الأصل عدمها. ولم يثبت أنه أمينه حتى يقبل قوله عليه (بغير يمين) نص عليه، لأن الوكيل يدعي حقا لغيره. ومقتضاه أنه يستحلف
569 إذا ادعته المرأة. صرح به في المغني والكافي والشرح والوجيز، ويأتي، لأنها تدعي الصداق في ذمته. فإذا حلف لم يلزمه شئ. (ويلزمه) أي الموكل (تطليقها إن لم يتزوجها) لإزالة الاحتمال. لأنه يحتمل صحة دعواها فيتنزل منزلة النكاح الفاسد. (ولا يلزم الوكيل شئ) من الصداق لتعلق حقوق العقد بالموكل، هذا إن لم يضمنه. فإن ضمنه فلها الرجوع عليها بنصفه لضمانه عنه، (ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر) لأنه لم يثبت نكاحها فترثه. وهو منكر أنها زوجته فلا يرثها. (فإن ادعته) أي النكاح (المرأة فأنكره) المدعى عليه (حلف) المدعى عليه، (وبرئ) لأن الأصل عدمه. وإنما حلف (لأنها تدعي الصداق في ذمته) وهو ينكره. (ولو ادعى) إنسان (أن فلانا الغائب وكله في تزويج امرأة فتزوجها له ثم مات الغائب لم ترثه)، أي الغائب (المرأة) لعدم تحقق صحة النكاح، إذ لا يقبل قوله: إنه وكله (إلا بتصديق الورثة، أو) إلا أن (يثبت ببينة) أنه وكله فترثه، (وإن أقر الموكل بالتوكيل في التزويج وأنكر) الموكل (أن يكون الوكيل تزوج له. فالقول قول الوكيل). فيثبت التزويج لأنه مأذون له أمين قادر على الانشاء وهو أعرف. (وإن وكله أن يتزوج له امرأة فتزوج) الوكيل (له غيرها)، لم يصح العقد للمخالفة. (أو تزوج) إنسان (له) أي لآخر (بغير إذنه فالعقد فاسد لو أجازه) المعقود له كبيع الفضولي، (وإن ادعى البائع أنه باع مال غيره بغير إذنه فأنكر المشتري) فقوله، (أو قال المشتري) للبائع (إنك بعت مال غيرك بغير إذنه فأنكر البائع وقال: بل بعت ملكي، أو بعت مال موكلي بإذنه. فقول المنكر) بيمينه لأنه يدعي صحة العقد والآخر يدعي
570 فساده. والظاهر الصحة. (وإن اتفق البائع والمشتري على ما يبطل البيع) كعدم الإذن أو المعرفة بالمبيع أو نحوه. (وقال الموكل: بل البيع صحيح ف) - القول (قوله) لأنه يدعي الأصل وهو الصحة. ولا يقبل إقرارهما عليه. (ولا يلزمه رد ما أخذ من العوض) لأن الظاهر أنه قبضه بحق. (ويجوز التوكل بجعل معلوم) لأنه (ص): كان يبعث عماله لقبض الصدقات ويجعل لهم على ذلك جعلا، ولأنه تصرف لغيره لا يلزمه، فهو كرد الآبق. (و) يصح التوكيل أيضا (بغير جعل) إذا كان الوكيل جائز التصرف، لأن النبي (ص): وكل أنيسا في إقامة الحد، وعروة في شراء شاة، وعمرا وأبا رافع في قبول النكاح بغير جعل. (ويستحق) الوكيل (الجعل مع الاطلاق) بأن قال: بع هذا ولك كذا، (قبل قبض) الوكيل (الثمن) لأن البيع يتحقق قبل قبضه. (ما لم يشترط عليه الموكل) قبض الثمن فلا يستحقه قبله، لعدم توفيته العمل. (ولو قال) موكل (بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك. صح) نص عليه. ورواه سعيد عن ابن عباس بإسناد جيد، ولأنها عين تنمي بالعمل عليها، فهو كدفع ماله مضاربة. (ولا يصح) التوكيل (بجعل مجهول) لفساد العوض، (ويصح تصرفه) أي الوكيل (ب) - عموم (الاذن) في التصرف. (وله) أي الوكيل حينئذ (أجرة مثله) لأنه عمل بعوض لم يسلم له، (وإذا قال) رب دين (لرجل) مدين له (اشتر لي بديني عليك طعاما) أو غيره ففعل. لم يصح لأنه لم يملكه إلا بقبضه. (أو) قال لرجل (أسلفني) وفي بعض النسخ: أسلف لي (ألفا من مالك في كر طعام ففعل)، أي فأسلف له ألفا كذلك، (لم يصح) لأن المقترض لا يملك القرض إلا بقبضه، فلا يصح تصرفه فيه قبله، فلا يصح توكيله. (فإن قال) لرجل (اشتر لي) كذا (في ذمتك) واقبض الثمن عني من مالك صح. (أو) قال (أسلف لي ألفا في كر طعام واقبض الثمن عني من مالك، أو) اقبض الثمن (من الدين الذي لي عليك صح) لأنه وكله في الشراء والإسلاف، وفي الاقتراض منه، أو القبض من دينه والدفع عنه. وكل منها صحيح مع الانفراد، فكذا مع الاجتماع. (ولو كان له على رجل دراهم فأرسل إليه رسولا بقبضها فبعث إليه مع الرسول
571 دينارا فضاع) الدينار (مع الرسول، ف) - الدينار (من مال باعث) وهو المدين فيضيع عليه، (لأنه) أي المرسل (لم يأمره) أي الوكيل (بمصارفته، إلا أن يخبر الرسول الغريم أن رب الدين أذن له في قبض الدينار عن الدراهم، فيكون) الدينار (من ضمان الرسول) لتغريره الغريم، (ولو كان لرجل عند آخر دنانير وثياب، فبعث إليه رسولا فقال) رب الدنانير والثياب (خذ دينارا وثوبا. فأخذ دينارين وثوبين فضاعت) المأخوذات. (فضمان الدينار والثوب الزائدين على الباعث، أي الذي أعطاه الدينارين والثوبين، ويرجع) الباعث (به) أي الزائد من الدينار والثوب (على الرسول) ذكره في المغني والمستوعب والمبدع، لأنه دفع إليه مال غيره بغير إذنه فضمنه لربه. وعزاه في المغني إلى رواية مهنا. وفي القواعد: يضمن المرسل لغريره، ويرجع هو على الرسول. وعزاه إلى رواية مهنا، واقتصر عليه في الانصاف في الحوالة. وجزم به في المنتهى: وللموكل تضمين الوكيل لأنه تعدى بقبض ما لم يؤمر بقبضه. فإن ضمنه لم يرجع على آخذه. لاستقرار الضمان عليه، لحصول التلف تحت يده. نص عليه. (وإذا وكله في قبض زوجته ونقلها إلى داره، أو) وكله (في بيع عبده، أو) وكله (في قبض دار له في يد رجل ثم غاب) الموكل، (فأقامت الزوجة البينة أنه طلقها)، أ (و) أقام (العبد) البينة (أنه أعتقه) أ (و) أقام (من في يده الدار) البينة (أنه ملكها منه) أو وقفها عليه (زالت الوكالة) لزوال محلها، (وإن وكله في عتق عبده ثم كاتبه سيده) الموكل في عتقه (انعزل الوكيل)، لأن ذلك دليل رجوعه. (ولو باع له وكيله ثوبا) أو نحوه (فوهب له) أي للوكيل
572 (المشتري منديلا) بكسر الميم أو نحوه، (في مدة الخيارين، فهو) أي المنديل (لصاحب الثوب) نص عليه. (لأنه زيادة في الثمن) في مدة الخيارين. (فلحق به) أي بالثمن، وكذا عكسه. وعلم منه: أنه لو وهبه شيئا بعد مدة الخيارين أنه للموهوب له. فصل: (فإن كان عليه) أي على إنسان (حق) من دين، كثمن وقيمة متلف. (أو عنده وديعة لانسان، فادعى آخر أنه وكيل صاحبه في قبضه) الدين أو الوديعة، (فصدقه) المدين أو الوديع (لم يلزمه الدفع إليه) لأن عليه فيه تبعة، لجواز أن ينكر الموكل الوكالة، فيستحق عليه الرجوع. إلا أن يقيم به بينة. (وإن كذبه) أي كذب المدين أو الوديع مدعي الوكالة (لم يستحلف) لعدم فائدة استحلافه. وهي الحكم عليه بالنكول. (كدعوى) إنسان (وصية به) أي بالدين أو الوديعة. فلا يلزم المدين ولا المودع الدفع إليه إن صدقه، ولا الحلف إن كذبه لما تقدم. (فإن دفع) المدين أو الوديع (إليه) أي إلى مدعي الوكالة (فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف) صاحب الحق أنه لم يوكله، لان الأصل عدمه. (ورجع) صاحب الحق (على الدافع وحده) بدينه (إن كان) الحق (دينا) لان حقه في ذمته. ولم يبرأ منه بتسليمه إلى غير وكيله. (و) يرجع (هو) أي الدافع (على الوكيل) بما دفع له (مع بقائه أو تعديه في تلف أو تفريط) - ه حتى تلف، لاستقراره عليه بالتعدي أو التفريط، (وإن لم يتعد) الوكيل (فيه) أي فيما قبضه (مع تلفه) بيد الوكيل (لم يرجع الدافع) على الوكيل حيث صدقه على دعوى الوكالة، لأنه يدعي أن ما أخذه المالك ظلم. ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه تعد. فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره. وإن كان دفع بغير تصديق رجع مطلقا. (وإن كان) المدفوع (عينا كوديعة ونحوها فوجدها) ربها (أخذها) ممن هي بيده، لأنها عين حقه. (وله مطالبة من شاء بردها) فإن شاء طالب الوديع لأنه أحال بينه وبين ماله.
573 وإن شاء طالب مدعي الوكالة، لأنه قبض عين ماله بغير حق. (فإن طالب) رب الوديعة (الدافع فللدافع مطالبة الوكيل بها وأخذها من يده) ليسلمها لربها. ويبرأ من عهدتها إن كانت باقية. (وإن كانت تالفة أو تعذر ردها. فله) أي لربها (تضمين من شاء منهما) أي من الدافع والقابض، لأن الدافع ضمنها بالدفع، والقابض قبض ما لا يستحقه. (ولا يرجع بها من ضمنه على الآخر) لأن كل واحد منهما يدعي أن ما أخذه المالك ظلم. ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه تعد. فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره. (إلا أن يكون الدافع دفعها إلى الوكيل من غير تصديق فيرجع) الدافع (على الوكيل) ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا، لكونه لم يقر بوكالته، ولم تثبت ببينته. قال: ومجرد التسليم ليس تصديقا. (وإن ضمن) رب الوديعة (الوكيل لم يرجع على الدافع. وإن صدقه) لاعتراف الوكيل ببراءته وأن رب الحق ظلمه. فلا يرجع بظلمه على غير من ظلمه. (لكن إن كان الوكيل تعدى فيها) أي الوديعة (أو فرط استقر الضمان عليه)، ولو كان الدافع صدقه. (فإن ضمن) رب الوديعة الوكيل (لم يرجع على أحد) بما غرمه، (وإن ضمن) رب الوديعة (الدافع رجع) الدافع (عليه) أي على الوكيل، (ولو شهد بالوكالة اثنان. فقال أحدهما) أي أحد الشاهدين قبل الحكم بها، (قد عزله) الموكل (لم تثبت الوكالة)، لأن رجوع الشاهد قبل الحكم يمنع الحكم بشهادته. (فإن قاله) أي قال: قد عزله (بعد حكم الحاكم بصحتها) ثبتت، لأن رجوعه بعد الحكم لا يرفعه، ولم يتم النصاب بعزله. (أو قاله) أي قال: قد عزله (واحد غيرهما)، أي غير الشاهدين قبل الحكم أو بعده (ثبتت) الوكالة، لأنه قد تم النصاب بها، ولم يتم بالعزل. (فإن قالا جميعا) أي الشاهدان أو قال اثنان غيرهما: (كان قد عزله ثبت العزل) لتمام نصابه. وسواء كان ذلك قبل الحكم أو بعده. (وإن شهد شاهد أنه وكله يوم الجمعة. و) شهد (شاهد أنه وكله يوم السبت) لم تتم الشهادة، لأن التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت. فلم تكمل شهادتهما على فعل واحد. (أو شهد أحدهما أنه وكله بالعربية، و) شهد (آخر أنه) وكله (بالعجمية) لم تتم الشهادة. لأن التوكيل بالعربية غير التوكيل بالعجمية، فلم تكمل الشهادة
574 على فعل واحد. (أو شهد أحدهما أنه قال) له: (وكلتك، و) شهد (الآخر أنه قال) له: (أذنت لك في التصرف) لم تتم الشهادة، (أو) شهد أحدهما أنه قال: وكلتك، والآخر (أنه قال: جعلتك وكيلا أو جريا). قال في الصحاح: الجري الوكيل والرسول. (لم تتم الشهادة) لأن اللفظ مختلف فلم تكمل الشهادة على شئ واحد. وهذا معنى ما ذكره في المغني وغيره هنا، وفيه ما يأتي في الشهادات، تأمل. (وإن شهد أحدهما) أي أحد الشاهدين (أنه أقر بتوكيله يوم الجمعة، وشهد الآخر أنه أقر) بتوكيله (يوم السبت) كملت، لأن الاقرارين بعقد واحد، ويشق جمع الشهود ليقر عندهم حالة واحدة. (أو شهد) أحدهما (أنه أقر عنده بالوكالة بالعجمية. و) شهد (الآخر أنه أقر بها) أي الوكالة (بالعربية) كملت لعدم التنافي، (أو شهد أحدهما أنه وكله، و) شهد (الآخر أنه أذن له في التصرف) كملت لاتحاد المعنى. وهذا بخلاف ما تقدم، لأنهما هناك اتفقا على اتحاد الصيغة واختلفا فيها. وهنا لم يتعرضا للصيغة . (أو قال أحدهما) أي الشاهدين: (أشهد أنه) أي الموكل (أقر عندي أنه وكيله. وقال) الشاهد (الآخر: أشهد أنه أقر عندي أنه جريه) تمت الشهادة بالوكالة له لعدم التنافي لما سبق. (أو) شهد أحدهما أنه أقر أنه وكله والآخر أنه أقر (أنه أوصى إليه بالتصرف في حياته، تمت الشهادة، وثبتت الوكالة بذلك) لعدم التنافي لامكان تعدد الاقرار. (وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده وشهد) الشاهد (الآخر أنه وكله وزيدا) لم تتم الشهادة للتنافي، (أو شهد) أحدهما (أنه وكله في بيعه) أي العبد (وقال) الشاهد (الآخر: وكله في بيعه، وقال، لا تبعه حتى تستأمرني، أو) حتى (تستأمر فلانا. لم تتم الشهادة) ولم تثبت الوكالة للتنافي، لان الأول أثبت استقلاله بالبيع، والثاني ينفي ذلك. (وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده. و
575 شهد الآخر أنه وكله في بيع عبده و جاريته حكم بالوكالة في العبد) لتمام النصاب بالنسبة إليه. وله أن يحلف مع الشاهد الثاني وتثبت الوكالة أيضا في الجارية، وإن لم يحلف فلا. (وكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد، و) شهد (الآخر أنه وكله في بيعه لزيد، وإن شاء) فله بيعه (لعمرو) فيحكم بالوكالة في بيعه لزيد. وإن حلف مع الآخر ثبتت أيضا، وإلا فلا، لأن الشهادة في الوكالة في المال تثبت بما يثبت به المال، ويأتي. (ولا تثبت الوكالة و) لا (العزل بخبر واحد) بل باثنين في غير المال وما يقصد به. ويأتي أن الوكالة فيه تثبت بما يثبت هو به. وفي المغني: العزل لا يثبت إلا بما يثبت به الوكيل. (فإن شهد اثنان) حسبة (بلا دعوى التوكيل: أن فلانا الغائب وكل فلانا الحاضر، فقال الوكيل: ما علمت هذا وأنا أتصرف عنه. ثبتت الوكالة) لان معنى: ما علمت هذا، أي أنه وكلني، وذلك ليس تكذيبا لهما، لأنه قبل شهادتهما لم يعلمه، وبها علمه. (وإن قال) المشهود له (ما أعلم صدق الشاهدين لم تثبت وكالته) لتكذيبه شاهديه. (وإن قال) المشهود له (ما علمت، وسكت. قيل له: فسر، فإن فسر بالأول) أي أنه ما علم هذا وأنه يتصرف (ثبتت) لما تقدم. (وإن فسر بالثاني) بأن قال: ما أعلم صدق الشاهدين (لم تثبت) الوكالة لما سبق (وتقبل شهادة الوكيل على موكله)، لعدم التهمة. كشهادة الأب على ولده، وأولى (و) تقبل شهادة الوكيل (له) أي لموكله (فيما لم يوكله فيه) لأنه أجنبي بالنسبة إليه، (فإن شهد) الوكيل (بما كان وكيلا فيه بعد عزله) من الوكالة (لم تقبل) شهادته (أيضا، سواء كان) الوكيل (خاصم فيه بالوكالة أو لم يخاصم)، لأنه بعقد الوكالة صار خصما فيه. فلم تقبل شهادته فيه كما لو خاصم فيه. (وإذا كانت أمة بين نفسين فشهدا أن زوجها وكل) زيدا (في طلاقها) لم تقبل (أو شهدا بعزل الوكيل في الطلاق لم تقبل) شهادتهما، لأنها تجر نفعا. أما في الأولى فلعود منفعة
576 البضع إليهما. وأما في الثانية فلبقاء النفقة على الزوج. (ولا تقبل شهادة ابن الرجل) له بالوكالة (ولا) شهادة (أبويه له بالوكالة)، ولا شهادة أبيه وابنه لأنها شهادة فرع لأصل وعكسه، (ويثبت العزل بها) أي بشهادة أبوي الموكل أو ابنيه أو أبيه وابنه، (لأنهما يشهدان لمن لا يدعيها) أي يطلبها. فهي كالشهادة عليه، (فإن قبض الوكيل) الدين من الغريم (فحضر الموكل وادعى أنه كان قد عزل الوكيل، وأن حقه باق في ذمة الغريم وشهد له ابناه)، أي الموكل، أو أبواه وابنه، (لم تقبل شهادتهما) لأنها شهادة فرع لأصله وبالعكس، (وإن ادعى مكاتب الوكالة فشهد له سيده أو ابنا سيده أو أبواه لم تقبل) شهادتهما، لأنها شهادة مالك لرقيقه، أو شهادة فرع أو أصل لرقيق أصله أو فرعه، (وإذا حضر رجلان عند الحاكم فأقر أحدهما أن الآخر وكله) يعني قال أحدهما: أنه وكل الآخر. (ولم يسمعه) أي الاقرار (شاهدان مع الحاكم، ثم غاب الموكل وحضر الوكيل. فقدم خصما لموكله. وقال: أنا وكيل فلان فأنكر الخصم كونه وكيلا، لم تسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته، لأن الحاكم لا يحكم بعلمه) في غير تعديل وجرح. ويأتي في القضاء: يحكم بعلمه بالاقرار في مجلس حكمه. وإن لم يسمعه معه غيره، لكن إقراره بالوكالة توكيل وليس إقرارا، لأنه لم يظهر حقا عليه، وإنما هو إشهاد، فليس مما يأتي. (ولو حضر رجل) قاضيا (وادعى على غائب مالا في وجه وكيله فأنكره) الوكيل. (فأقام) المدعي (بينة بما ادعاه) من الدين (حلفه الحاكم) على رواية تأتي في القضاء استظهارا. (وحكم له بالمال) ويأتي: أنه لا يحلف مع البينة التامة (فإذا حضر الموكل وجحد الوكالة) لم يؤثر في الحكم أو حضر. (وادعى أنه كان قد عزله لم يؤثر ذلك في الحكم)
577 لأن القضاء على الغائب صحيح. وإن لم يكن وكيل (وإن ادعى) إنسان (أن صاحب الحق) أي الدين (أحاله به) على الغريم (فكدعوى وكالة، و) دعوى (وصية على ما تقدم) فإن صدقه لم يلزم الدفع إليه. وإن كذبه لم يستحلف، لأن الدفع إليه غير مبرئ. لاحتمال أن ينكر المحيل الحوالة، فهو كدعوى الوكالة والوصية. وعنه: يلزمه الدفع إليه، لأنه معترف أن الحق انتقل إليه، أشبه الوارث. ورد بأن وجوب الدفع إلى الوارث لكونه مستحقا والدفع إليه مبرئ. فإنه أقر أن لا حق لسواه، بخلافه هنا. فإلحاقه بالوكيل أولى. وتقبل بينة المحال عليه على المحيل، فلا يطالبه. وتعاد لغائب محتال بعد دعواه. فيقضي له بها إذن، قاله في المبدع. وإن دفع المدعى عليه الحوالة للمدعي ما ادعاه بلا إثباتها ثم أنكرها رب الحق رجع على الغريم، وهو على القابض مطلقا. صدقه أو لا. تلف في يده أو لا، لأنه قبضه على أنه مضمون عليه. (وإن ادعى) إنسان (أنه) أي رب الحق (مات وأنا وارثه لا وارث له غيري. لزمه) أي الغريم (الدفع إليه مع التصديق) لأنه مقر له بالحق، وأنه يبرأ بهذا الدفع فلزمه، كما لو جاء صاحب الحق. و (لا) يلزمه الدفع مع (الانكار) أنه مات أو أنه وارثه لا وارث له غيره، (ويلزمه) أي الغريم (اليمين مع الانكار أنه لا يعلم صحة ما قاله)، لأنه حلف على نفي فعل الغير (عينا كان) الحق (أو دينا، وديعة) كانت العين (أو غيرها) من عارية ومضاربة ونحوهما. (ومن طلب منه حق) من دين أو عين (وامتنع) المطلوب منه (من دفعه حتى يشهد القابض على نفسه بالقبض، وكان الحق عليه) أي المطلوب منه (بغير بينة لم يلزم القابض الاشهاد)، ولم يجز للمطلوب منه التأخير لذلك، لأنه لا ضرر عليه في الدفع حتى يطلب زواله، لأنه متى ادعى عليه قال: لا يستحق علي شيئا. ويقبل قوله مع يمينه. (وإن كان الحق ثبت ببينة، وكان من عليه الحق يقبل قوله في الرد، كالمودع والوكيل بغير جعل) والوصي بغير جعل. (فكذلك) لا يلزم القابض الاشهاد على نفسه بالقبض، ولا للمطلوب منه التأخير لذلك، لما تقدم. (وإن كان) من عليه الحق (ممن لا يقبل قوله في الرد، أو) كان ممن هو (مختلف في قبول قوله) في الرد (كالغاصب والمستعير) والمقترض
578 (والمرتهن)، والوصي والوكيل بجعل، وكل من قبض العين لحظ نفسه. (لم يلزمه تسليم ما قبله) من دين أو عين (إلا بالاشهاد) على القابض بالقبض. لحديث: لا ضرر ولا ضرار. (ومتى شهد) القابض (على نفسه بالقبض. لم يلزم) القابض (تسليم الوثيقة بالحق إلى من عليه الحق) لأنها ملكه، فلا يلزمه دفعها. وكذا من باع عقارا ونحوه وبه وثيقة لا يلزمه دفعها للمشتري. (وتقدم بعضه في الرهن. وإذا شهد بالوكالة رجل وامرأتان، أو) شهد (شاهد) بها (وحلف) مدعي الوكالة (معه، ثبت ذلك. إن كانت الوكالة في المال) أو ما يقصد به المال، لأن الوسائل لها حكم المقاصد. (ومن أخبر بوكالة وظن صدقه) أي صدق مخبره (تصرف) اعتمادا على غلبة ظنه، (و) إذا تصرف وأنكر المخبر عنه (ضمن) الوكيل ما فات بتصرفه إن لم تثبت وكالته، لتبين أنه تصرف بغير حق.
579 كتاب الشركة بوزن سرقة، وتمرة، ونعمة. وهي جائزة بالاجماع. لقوله تعالى: * (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض) * الآية والخلطاء: هم الشركاء. لقوله (ص): يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه. فإذا خانه خرجت من بينهما، رواه أبو داود من حديث أبي هريرة وإسناده ثقات. (وهي) نوعان (اجتماع في استحقاق، أو) اجتماع في (تصرف ف) - النوع (الأول: شركة في المال) كاثنين ملكا عينا بمنافعها بإرث، أو شراء، أو هبة ونحوها، أو ملكا الرقبة دون المنفعة، أو بالعكس. ويلحق بذلك ما إذا اشتركا في حق الرقب، كما لو قذفهما إنسان بكلمة واحدة، فإنه يحد لهما حدا واحدا، ويأتي. (و) النوع (الثاني: شركة عقود، وهو المراد هنا) بالترجمة، (وتكره معاملة من في ماله حلال وحرام يجهل) وكذا إجابة دعوته، وأكل هديته وصدقته ونحوها، ويأتي في الوليمة. وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته. لقوله (ص): فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه الحديث. (و) تكره (مشاركة مجوسي ووثني ومن في معناه) ممن
580 يعبد غير الله تعالى. وظاهره، ولو كان المسلم يلي التصرف. قال أحمد في المجوسي: ما أحب مخالطته ومعاملته، لأنه يستحل ما لا يستحل، هذا (وكذا) تكره (مشاركة كتابي ولو غير ذمي، لأنه يعمل بالربا، إلا أن يلي المسلم التصرف) فلا تكره للأمن من الربا. ولما روى الخلال بإسناده عن عطاء. قال: نهى النبي (ص) عن مشاركة اليهودي والنصراني إلا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم. (وهي) أي شركة العقود (خمسة أقسام. لا يصح شئ منها إلا من جائز التصرف) لأنها عقد على تصرف في مال. فلم تصح من غير جائز التصرف في المال كالبيع. (أحدها: شركة العنان) بكسر العين. سميت بذلك لأن الشريكين فيها يتساويان في المال والتصرف، كالفارسين إذا استويا بين فرسيهما وتساويا في السير. وقال الفراء: مشتقة من عن الشئ إذا عرض، يقال عنت لي حاجة إذا عرضت، لأن كل واحد منهما قد عن أي عرض له مشاركة صاحبه. وقيل: من عانه، إذا عارضه، فكل منهما قد عارض صاحبه بمثل ماله وعمله. قال في المبدع: وقوله في الشرح: أنه راجع إلى قول الفراء ليس بظاهر، وما قاله في الشرح هو في المغني أيضا، وهي جائزة إجماعا، ذكره ابن المنذر، وإن اختلف في بعض شروطها. (بأن يشترك اثنان فأكثر بماليهما) خرج به المضاربة، لأن المال فيها من جانب، والعمل من آخر، بخلافها، فإنها تجمع مالا وعملا من كل جانب. لقوله: (ليعملا فيه)، أي المال (ببدنيهما وربحه بينهما) على حسب ما اشترطاه، (أو) يشترك اثنان فأكثر بماليهما على أن (يعمل) فيه (أحدهما، بشرط أن يكون له) أي العامل (من الربح أكثر من ربح ماله) ليكون الجزء الزائد في نظير عمله في مال شريكه ، (فإن شرط) صاحبه (له ربحا قدر ماله) أي العامل، (فهو إبضاع لا يصح) لأنه عمل في مال الغير بغير عوض، (وإن شرط له) صاحبه (أقل منه) أي من ربح ماله (لم يصح أيضا، لاخذه
581 جزءا من ربح مال صاحبه بلا عمل) منه، لكن التصرف صحيح لعموم الاذن وله ربح ماله، ولا أجرة له لتبرعه بعمله. (بما يدل على رضاهما) متعلق بيشترك أو محذوف تقديره. وتنعقد (بمصير) بتشديد الياء المكسورة (كل منهما)، أي المالين (لهما) أي للشريكين فقوله: بمصير متعلق بقوله على رضاهما. (ولها) أي شركة العنان (شروط. منها: أن يكون المالان) المعقود عليهما (معلومين) فلا تصح على مجهولين للغرر. (فإن اشتركا في) مال (مختلط بينهما شائعا) كما ورثاه، أو اتهباه، ولم يعلما كميته (صح) عقد الشركة (إن علما قدر مال كل منهما)، فيه من نصف أو ربع ونحوه لانتفاء الغرر بذلك. (ومنها) أي شروط الشركة (حضور المالين كمضاربة) لتقرير العمل وتحقيق الشركة. (فلا تصح) الشركة (على) مال (غائب، ولا) على مال (في الذمة) لأنه لا يمكن التصرف فيه في الحال. وهو مقصود الشركة، لكن إذا أحضراه وتفرقا ووجد منهما ما يدل على الشركة فيه انعقدت حينئذ، (ولا) تصح الشركة على مال (مجهول) من الطرفين أو أحدهما، كما تقدم (وهي) أي الشركة التي وقع العقد فيها على مالين منهما ليعمل فيه أحدهما بجزء زائد عن ربح ماله (عنان)، من حيث إن المال منهما، (ومضاربة) من حيث إن العمل من أحدهما في مال غيره وبجزء من ربحه، وإنما حملت كلامه على هذا مع بعده، ليوافق كلام غيره من الأصحاب (ويغني لفظ الشركة عن إذن صريح) من كل منهما للآخر. (في التصرف) لتضمنها للوكالة (وينفذ تصرف كل واحد منهما) أي الشريكين (في) جميع (المالين بحكم الملك في نصيبه، و) بحكم (الوكالة في نصيب شريكه)، لأنه متصرف بجهة الاذن. فهو كالوكالة فعلمت أن كلا من المالين يصير شركة بينهما بمجرد العقد. وإن لم يقع خلط بالفعل (ومنها) أي شروط الشركة، (أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين) لأنهما ثمن المبيعات وقيم الأموال. والناس يشتركون بهما من زمن النبي (ص) إلى زمننا من غير نكير. (فلا تصح شركة العنان ولا المضاربة بعرض، ولو) كان العرض (مثليا) كبر وحرير، لأن قيمته ربما زادت قبل بيعه. فيشاركه الآخر في نماء العين التي هي ملكه. (ولا) تصح الشركة ولا المضاربة. (بقيمته) أي
582 العرض، لأن القيمة قد تزيد بحيث تستوعب جميع الربح. وقد تنقص، بحيث يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح، مع أن القيمة غير متحققة المقدار فيفضي إلى التنازع. (ولا) تصح شركة العنان ولا المضاربة (بثمنه) أي ثمن العرض (الذي اشترى به) لأنه معدوم حال العقد. وأيضا قد خرج عن ملكه للبائع. (ولا) تصح شركة عنان ولا مضاربة (بثمنه) أي ثمن العرض. (الذي سيباع به) لأنه معدوم. ولا يملكه إلا بعد البيع. (ولا) تصح شركة عنان ومضاربة (بمغشوش) من النقدين غشا، (كثيرا) عرفا، لأنه لا ينضبط غشه. فلا يتأتى رد مثله لأن قيمتها تزيد وتنقص، فهي كالعروض. (ولا فلوس ولو نافقة) لأنها عروض. (ولا نقرة، وهي التي لم تضرب) لأن قيمتها تزيد وتنقص. فأشبهت العروض. (ولا أثر هنا) أي في شركة العنان والمضاربة، (و) لا (في الربا وغيره) كالصرف والقرض (لغش يسير لمصلحة، كحبة فضة ونحوها في دينار) لأنه لا يمكن التحرز منه. (ومنها) أي شروط شركة عنان ومضاربة، (أن يشترطا لكل واحد منهما جزءا من الربح مشاعا معلوما. كنصف أو ثلث أو غيرهما) لأن الربح مستحق لهما بحسب الاشتراط. فلم يكن بد من اشتراطه. (سواء شرطا لكل واحد) منهما (على قدر ماله من الربح، أو) شرطا (أقل) منه (أو أكثر) لأن الربح مستحق بالعمل. وقد يتفاضلان فيه، لقوة أحدهما وحذقه. فجاز أن يجعل له حظا من ربح ماله كالمضارب (فإن قالا: الربح بيننا تناصفاه) لأن الإضافة إليهما إضافة واحدة من غير ترجيح، فاقتضت التسوية. كقوله: هذه الدار بيني وبينك. (وإن لم يذكراه) أي الربح لم يصح لأنه المقصود من الشركة. فلا يجوز الاخلال به. (أو شرطا لأحدهما في الشركة والمضاربة جزءا مجهولا) كحظ أو جزء ونصيب لم يصحا، لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب. (أو) شرطا فيهما لأحدهما. (دراهم معلومة) لم يصحا، لأنه قد لا يربح غيرها فيأخذ جميع الربح وقد لا يربح فيأخذ جزءا من المال، وقد يربح كثيرا فيتضرر من شرطت له (أو) شرطا لأحدهما (ربح أحد الثوبين، أو) ربح (إحدى السفرتين، أو ربح تجارته في شهر) بعينه، (أو) في (عام بعينه) لم يصحا، لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره، أو بالعكس، فيختص أحدهما بالربح. وهو مخالف
583 لموضوع الشركة (أو) شرطا لأحدهما (جزءا وعشرة دراهم، أو جزءا إلا عشرة دراهم) ونحوها لم يصحا. كما لو شرط له مثل ما شرط لزيد في شركة أخرى، وهما لا يعلمانه. (أو دفع إليه ألفا مضاربة وقال) الدافع: (لك ربح نصفه. لم يصح العقد) لما تقدم، (وكذا مساقاة ومزارعة) قياسا على الشركة. فيعتبر لصحتها تسمية جزء مشاع معلوم للعامل. ويأتي في بابه مفصلا. (ولا يشترط) في شركة عنان (خلط المالين) لأنه عقد يقصد به الربح. فلم يشترط فيه ذلك كالمضاربة، ولأنه عقد على التصرف فلم يشترط فيه الخلط كالوكالة. (ولا) يشترط أيضا (اتفاقهما) أي المالين (قدرا، و) لا (جنسا، و) لا (صفة) لأنهما أثمان. فصحت الشركة فيهما كالمتفقين. (فلو نما أحدهما) أي المالين (قبل الخلط أو خسر) أحدهما قبل الخلط، (ف) - النماء (لهما و) الخسران (عليهما) لأن المال صار مختلطا بمجرد العقد كما تقدم. (ولو أخرج أحدهما) مائتين أي الشريكين (دراهم، و) أخرج (الآخر دنانير، أو) أخرج (أحدهما مائة و) أخرج (الآخر مائتين أو) أخرج (أحدهما) دراهم (ناصرية)، أي ضرب الناصر محمد بن قلاوون. (و) أخرج (الآخر) دراهم (ظاهرية) نسبة للظاهر بيبرس. (صح) العقد لما تقدم (وعند التراجع) بعد فسخ الشركة (يرجعان بما أخرجاه) أي يأخذ كل منهما مثل ما أخرجه قدرا وجنسا وصفة (وما بقي فربح. وما يشتريه كل منهما) أي الشريكين (بعد عقد الشركة ف) - هو (بينهما) مشترك حيث لم ينوه لنفسه، لأن العقد وقع على ذلك، ولأنه أمينه ووكيله. (وأما ما يشتريه) أحدهما (لنفسه فهو له) خاصة (والقول قوله في ذلك) أي أنه اشتراه للشركة أو لنفسه، لأنه أعلم بنيته. (وإن تلف أحد المالين) أو بعضه (ولو قبل الخلط. ف) - التالف (من ضمانهما) معا، لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد كنمائه، لصحة القسمة بالكلام، كخرص ثمار، فكذا الشركة. احتج به أحمد، قاله الشيخ تقي الدين. (والوضيعة) أي الخسران، ولو في أحد المالين قبل الخلط عليهما. (على قدر المال) بالحساب، لأنها عبارة عن نقصان رأس المال. وهو مختص بالقدر فيكون النقص منه دون غيره، وسواء كانت الوضيعة لتلف أو نقصان في الثمن أو غير ذلك.
584 فصل: (و) يجوز (لكل منهما) أي من الشريكين (أن يبيع ويشتري مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة)، لأنه بالنسبة إلى شريكه وكيل. فملك ذلك كالوكيل (ويقبض) ثمنا ومثمنا (ويقبض) ذلك لأنه مؤتمن في ذلك فملكها، بخلاف الوكيل في قبض الثمن. فإنه قد لا يأمنه. (ويطالب بالدين ويخاصم فيه) لأن من ملك قبض شئ ملك المطالبة والمخاصمة فيه، كالوكيل في قبض الدين. (و) لكل منهما أن (يحيل ويحتال) لأنهما عقد معاوضة وهو يملكهما (ويؤجر ويستأجر) من مال الشركة، لان المنافع أجريت مجرى الأعيان، فصار كالشراء والبيع. وله المطالبة بالاجر لهما ودفعه عليهما، لأن حقوق العقد لا تختص بالعاقد. (و) لكل منهما أن (يرد بالعيب للحظ فيما وليه) من البيع، (أو وليه صاحبه) لأن الوكيل يرد، فالشريك أولى (ولو رضي) به (شريكه. و) له أن (يقربه) أي بالعيب كما يقبل إقرار الوكيل على موكله به. (و) له أن (يقابل) لان الحظ قد يكون فيها. قال في المبدع: وظاهره مطلقا وهو الأصح في الشرح، لأنها إن كانت بيعا فقد أذن له فيه. وإن كانت فسخا فكالرد بالعيب. (و) له أن (يقر بالثمن وببعضه، وبأجرة المنادي والحمال ونحوه. ويأتي قريبا) لأن ذلك مما يحتاج إليه كالاقرار بالعيب. (و) له أن يفعل (كل ما هو من مصلحة تجارتهما) لأن مبناها على الوكالة والأمانة. (وإن ردت السلعة عليه) أي الشريك (بعيب فله أن يقبلها) ويرد الثمن، (و) له أن (يعطي الأرش أو يحط من ثمنه) لأجل العيب، (أو يؤخر ثمنه لأجل العيب) لأنه عادة التجارة (وليس له) أي
585 لأحدهما (أن يكاتب الرقيق) لأنه لم يأذن فيه شريكه. والشركة تنعقد على التجارة وليست منها. (ولا) أن (يزوجه) لما ذكرنا، سيما وتزويج العبد ضرر محض. (ولا) أن (يعتقه ولو بمال ولا يهبه) لكن نقل حنبل: يتبرع ببعض الثمن لمصلحته، (ولا) أن (يقرض) ظاهره ولو برهن، (ولا يحابي) فيبيع بأنقص من ثمن المثل، أو يشتري بأكثر منه لأن الشركة انعقدت على التجارة بالمال وهذه ليست منها. (ولا) أن (يضارب بالمال) لأن ذلك يثبت في المال حقوقا ويستحق ربحه لغيره، (ولا) أن (يشارك فيه) أي في مال الشركة (ولا أن يخلط مال الشركة بماله ولا مال غيره)، لأنه يتضمن إيجاب حقوق في المال، وليس هو من التجارة المأذون فيها. (ولا أن يأخذ به) أي بمال الشركة (سفتجة) بفتح السين والتاء ذكره في حاشيته. (بأن يدفع إلى إنسان شيئا من مال الشركة ويأخذ منه كتابا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه ذلك المال) بتلك البلد، لأن فيها خطرا (ولا يعطيها) أي السفتجة (بأن يأخذ من إنسان عرضا ويعطي بثمنه كتابا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه ذلك) المال، (إلا بإذن شريكه فيهن) أي فيما ذكر من هذه المسائل، لأنه ليس من التجارة المأذون فيها. وهو راجع للكتابة وما بعدها. (ويملك) الشريك (البيع نساء) أي إلى أجل معلوم، لأنه من عادة التجار. ومهم فات من الثمن لم يلزمه ضمانه. إلا أن يفرط ببيع من لا يوثق به، أو من لا يعرفه. قاله في المغني في المضارب. (ويملك الايداع) لأنه عادة التجار (و) يملك (الرهن والارتهان) لأن الرهن يراد للايفاء، والارتهان يراد للاستيفاء وهو يملكهما. فكذا ما يراد لهما (لحاجة فيهن) أي في الايداع والرهن والارتهان. ولا فرق بين من يلي العقد وغيره، (و) لشريك (عزل وكيل وكله هو، أو) وكله (شريكه) لأنه وكيل وكيله (وليس له أن
586 يبضع. وهو) أي الابضاع في الأصل طائفة من المال تبعث للتجارة قاله الجوهري. والمراد (أن يدفع من مال الشركة إلى من يتجر فيه والربح كله للدافع وشريكه) لما فيه من الغرر. (وليس له أن يوكل فيما يتولى مثله) من العمل (بنفسه) كالوكيل. وعلم منه: أن له التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه أو يعجزه. (وهو) أي شريك العنان (كمضارب فيما له) فعله (و) فيما يجب (عليه) فعله، (وفيما يمنع) المضارب (منه) لتساويهما في الحكم. (وله) أي الشريك (السفر مع الامن) أي أمن البلد والطريق، كولي اليتيم. (فلو سافر والغالب العطب ضمن) لتفريطه، (وكذا) لو سافر (فيما ليس الغالب السلامة فيه) ولو استوى الأمران لتفريطه، (ومثله ولي يتيم) ومضارب (وإن لم يعلما) أي الشريك وولي اليتيم. ومثله المضارب (بخوفه)، أي البلد أو الطريق (أو) لم يعلما (بفلس مشتر لم يضمنا) ما فات بذلك لأنهما لا يعدان مفرطين. (وإن علم) الشريك (عقوبة سلطان ببلد بأخذ مال فسافر إليه فأخذه ضمنه) أي المال (لتعريضه) أي الشريك المال (للآخذ وليس له) أي الشريك (أن يستدين على مال الشركة)، لأنه يدخل فيها أكثر مما رضي الشريك بالمشاركة فيه. فلم يجز كما لو ضم إليها شيئا من ماله. والاستدانة (بأن يشتري بأكثر من رأس المال، أو بثمن ليس معه من جنسه إلا في النقدين) لجريان العادة بقبول أحدهما عن الآخر، (فإن فعل) أي استدان على الشركة (فهو) أي فضمان ما استدانه (عليه) إن تلف أو خسر، (وربحه له) إن ربح، لأنه لم تقع الشركة فيه. (إلا أن يأذن شريكه) فيجوز كبقية أفعال التجارة المأذون فيها. وإن أخذ أحدهما مالا مضاربة، فربحه له دون صاحبه، لأنه يستحقه بعمله. ويجئ فيه ما يأتي في المضاربة. ذكره، في المغني. (وهذا المنع المتقدم مع الاطلاق. أما لو أذن). الشريك (له) أي لشريكه (فيه) أي فيما تقدم أنه ممنوع منه من التصرفات جاز. (أو قال) الشريك لشريكه
587 (اعمل برأيك جاز) له (أن يعمل كل ما يقع في التجارة من الابضاع والمضاربة بالمال والمشاركة) به (وخلطه بماله، والزراعة وغير ذلك، إذا رأى فيه مصلحة) لتناول الاذن لذلك دون التبرع والحطيطة والقرض، وكتابة الرقيق وعتقه، وتزويجه لأنه ليس بتجارة، وإنما فوض إليه العمل برأيه في التجارة. (وإن أخر) أحد الشريكين (حقه من الدين الحال جاز) لأنه أسقط حقه من المطالبة فصح أن ينفرد به كالابراء. (لا) إن أخر (حق شريكه) فلا يجوز، لأنه غير مأذون فيه نطقا ولا عرفا. (لكن لو قبض شريكه شيئا مما لم يؤخر كان له) أي للمؤخر (مشاركته فيه) أي فيما قبضه، (وله) أي الشريك (حبس غريم مع منع الآخر منه) أي من حبسه لأنه مدينه، (وإن تقاسما الدين في الذمة) بأن كان لهما على زيد مائة. فقال: أنا آخذ منه خمسين وأنت تأخذ خمسين، لم تصح. (أو) تقاسما الدين في (الذمم) بأن كان لهما ديون على جماعة ورضي كل ببعضهم (لم يصح)، لأن الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل، والقسمة لا تقضيهما، لأنها بغير تعديل بمنزلة البيع، ولا يصح بيع الدين بالدين. فلو تقاسما وضاع البعض وقبض البعض، فما قبض لهما وما ضاع عليهما. (وإن أبرأ) أحدهما (من الدين لزم) الابراء (في حقه) لأنه تبرع (دون) حق (صاحبه) لأنه ليس من التجارة. ومثله لو أجل ثمن مبيع في مدة خيار على ما في المبدع. (وكذلك إن أقر) أحد الشريكين (بمال على الشركة غير المتعلق بها. وتقدم) المتعلق بها وأنه عليهما (قريبا، عينا كان) المقر به (أو دينا قبل) حصول (الفرقة بينهما. لزم) الاقرار (في حقه ولم يقبل) إقراره (على شريكه) لأنه إنما أذن له في التجارة. وليس الاقرار داخلا فيها. (وإذا قبض أحد الشريكين من مال مشترك بينهما بإرث أو إتلاف، أو عقد من ثمن مبيع، أو قرض أو غيره) قال الشيخ تقي الدين: أو ضريبة سبب استحقاقها واحد. (ولو كان القبض بعد تأجيل شريكه حقه فلشريكه الاخذ من الغريم) مثل ما قبضه شريكه، (وله الاخذ من القابض) لأنهما سواء في الملك. (حتى ولو أخرجه)
588 القابض عن يده، (برهن أو قضاء دين فيأخذه) الشريك (من يده) أي أي ممن هو بيده، (كمقبوض بعقد فاسد. فإن كان القبض بإذن شريكه أو تلف) المقبوض (في يد قابضه. فلا محاصة) ويتعين الغريم. ويأخذ الشريك منه مثل ما قبضه شريكه. (وللغريم) غير المحجور عليه (التخصيص) لبعض الغرماء (مع تعدد سبب الاستحقاق)، بأن باعه واحد شيئا وأقرضه آخر شيئا. فله تقديم من شاء منهما في الوفاء. إذ لا معين لذلك غيره. (لكن ليس لأحدهما إكراهه على تقديمه) على الآخر.. لأنه إكراه بغير حق. (و) يجب (على كل واحد) من الشريكين (أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه، من نشر الثوب وطيه، وختم الكيس وإحرازه، وقبض النقد). لأن إطلاق الاذن يحمل على العرف. وهو يقتضي أن هذه الأمور يتولاها بنفسه. (فإن) استأجر من (فعله بأجرة غرمها) من ماله، لأنه بذلها عوضا عما يلزمه، (وما جرت العادة) ب (- أن يستنيب) الشريك (فيه، كالاستئجار للنداء على المتاع ونحوه. فله أن يستأجر من مال الشركة من يفعله) لأنه العرف. (وليس له) أي الشريك (فعله) أي فعل ما جرت العادة أن لا يتولاه، (ليأخذ أجرته بلا شرط) لأنه تبرع بما لا يلزمه، فلم يستحق شيئا، كالمرأة التي تستحق خادما إذا خدمت نفسها. (وإذا استأجر أحدهما الآخر فيما لا يستحق أجرته إلا بعمل فيه، كنقل طعام بنفسه أو غلامه أو دابته، جاز، ك) - استئجار (داره) أو أجنبي لذلك، (وبذل خفارة وعشر على المال. قال) الامام (أحمد: ما أنفق على المال) المشترك (فعلى المال) بالحصص. كنفقة العبد المشترك. (وليس لاحد من الشركاء أن ينفق) من المال المشترك (أكثر من نفقة شريكه إلا بإذنه) أي أذن شريكه، لأنه بغير إذنه خيانة أو غصب. (وإن اتفقا) أي الشريكان (على شئ معلوم من النفقة لكل واحد منهما. كان) ذلك (أحوط) قطعا للنزاع. (ويحرم على شريك في زرع فرك شئ من سنبله يأكله بلا إذن)
589 شريك. لأنه تصرف المال المشترك بغير إذن صاحبه، وفي الفروع: ويتوجه عكسه. فصل: (والشروط في الشركة ضربان) كالبيع والنكاح أحدهما: (صحيح، مثل أن يشترط أ) ن (لا يتجر إلا في نوع من المتاع) أي المال، سواء كان مما يعم وجوده أو لا. وقال في الرعاية: عام الوجود. والمراد به عمومه حال العقد في الموضع المعين للتجارة، لا عمومه في سائر الأزمنة والأمكنة. (أو) أن لا يتجر إلا في (بلد بعينه) كمكة ونحوها، (أو) أن (لا يبيع إلا بنقد كذا. أو) أن (لا يسافر بالمال، أو) أن (لا يبيع) إلا من فلان، (أو) أن (لا يشتري إلا من فلان) فهذا كله صحيح، سواء كان الرجل مما يكثر المتاع عنده أو يقل، لأنه عقد يصح تخصيصه بنوع، فصح تخصيصه برجل وبلد معينين، كالوكالة. فإن جمع البيع والشراء من واحد لم يضر، ذكره في المستوعب. وفي المغني والشرح: خلافه. قال في المبدع: وهو ظاهر. (و) الثاني (فاسد، كاشتراط ما يعود بجهالة الربح. وتقدم) بيانه (في الباب. فهذا يفسد العقد في الشركة والمضاربة) كما تقدم مفصلا. (وإن اشترط) الشريك أو رب المال (عليه) أي على شريكه أو المضارب (ضمان المال) إن تلف، (أو) شرط (أن عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله) فسد الشرط وحده، لمنافاته مقتضى العقد. (أو) شرط عليه (الارتفاق في السلع) فسد الشرط، لأنه لا مصلحة فيه. أشبه اشتراط ما ينافيه. (أو) شرط عليه أن (لا يفسخ الشركة مدة بعينها، أو) أن (لا يبيع إلا برأس المال أو أقل) من رأس المال، (أو) أن (لا يبيع إلا ممن اشترى منه، أو)
590 أن (لا يبيع أو لا يشتري، أو لزوم العقد، أو) شرط عليه (خدمة، ولو في شئ معين، أو قرضا، أو مضاربة أخرى) له في مال آخر، (أو شرطه) أي ما ذكر من الخدمة وما عطف عليهما (لأجنبي، أو) شرط، (أيما أعجبه أخذه بثمنه. وهو التولية ونحوها) كشرطه على المضارب جزءا من الوضيعة. (فهذه شروط فاسدة) لأنها ليست من مصلحة العقد ولا مقتضاه. أشبهت ما ينافيه، (ولا تفسد) هذه الشروط الفاسدة (العقد) لأنه عقد على مجهول، فلم تبطله الشروط الفاسدة كالنكاح. وهذا ما صححه في الانصاف وغيره. لكن مقتضى القواعد: أنه إذا شرط عليه قرضا أو مضاربة أخرى يفسد العقد، لأنه كبيعتين في بيعة، المنهي عنه. كما يأتي بعضه في المضاربة. (وإذا فسد العقد) أي عقد الشركة بأنواعها (قسم ربح شركة عنان ووجوه على قدر المالين) لأن التصرف صحيح، لكونه بإذن مالكه والربح نماء المال. (كالوضيعة) فهي بقدر المالين (وما عمله كل واحد منهما) أي الشريكين (في الشركتين) أي شركة العنان وشركة الوجوه، (فله أجرته) لأنه عمل في نصيب شريكه، فيرجع به، لأنه عقد يبتغي الفضل فيه في ثاني الحال. فوجب أن يقابل العمل فيه عوض، كالمضاربة، وبيان قدر أجرته في نصيب شريكه: أن ينظر أجرة عمل كل واحد منهما في المالين. و (يسقط منها أجرة عمله في ماله) لأن الانسان لا يجب على نفسه المال. (ويرجع على) شريكه (الآخر بقدر ما بقي له) من أجرة العمل. لأنه الذي عمله في مال شريكه (فإن تساوى مالاهما وعملاهما تقاص الدينان) لأنه قد ثبت لكل منهما على الآخر مثل ماله عليه . (واقتسما الربح نصفين. وإن فضل أحدهما صاحبه بفضل تقاص دين القليل بمثله) من الكثير. (ويرجع على الآخر بالفضل) أي بنصفه لما تقدم، (وقسمت أجرة ما تقبلاه في) شركة (الأبدان) إذا فسدت (بالسوية. ويرجع كل واحد منهما فيها على الآخر بأجرة نصف عمله) لما تقدم. (وإن تعدى شريك) ما أمر به شريكه فتلف شئ من المال (ضمن) التالف،
591 كسائر الامناء. (والربح لرب المال) أي ربح نصيب الشريك له، لا شئ فيه للمعتدي كالغاصب. قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب. ونقله الجماعة. (و) العقد (الفاسد في كل أمانة وتبرع، كمضاربة وشركة، ووكالة، ووديعة ورهن، وهبة، وصدقة ونحوها، كصحيح في ضمان وعدمه. فكل عقد لا ضمان في صحيحه) كالمذكورات، (لا ضمان في فاسده. وكل عقد لازم) أو جائز (يجب الضمان في صحيحه يجب) الضمان (في فاسده كبيع وإجارة ونكاح ونحوها) كعارية. والمراد ضمان الأجرة والمهر في الإجارة الفاسدة والنكاح الفاسد. وأما العين فغير مضمونة فيهما. والحاصل: أن ما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده، ومالا فلا. قال في القواعد: وليس المراد أن كل حال ضمن فيها في العقد الصحيح ضمن فيها في العقد الفاسد. فإن البيع الصحيح لا يجب فيه ضمان المنفعة. وإنما تضمن العين بالثمن والمضمون بالبيع الفاسد يجب ضمان الأجرة فيه على المذهب. ولا يقال: إذا باع العدل الرهن وقبض الثمن وتلف في يده، ثم خرج الرهن مستحقا رجع على العدل إن لم يعلمه بالحال. كما سبق، مع أنه لا ضمان عليه في صحيحه، لأن هذا من القبض الباطل لا الفاسد. (والشركة) بسائر أنواعها (عقد جائز) من الطرفين، لأن مبناها على الوكالة والأمانة. (تبطل بموت أحد الشريكين و) ب (- جنونه) المطبق، (و) ب (- الحجر عليه لسفه) أو فلس، أو فيما حجر عليه فيه (وبالفسخ من أحدهما) وسائر ما يبطل الوكالة. (فإن عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول) ولو لم يعلم، كالوكيل. (ولم يكن له أن يتصرف إلا في قدر نصيبه) من المال. فإن تصرف في أكثر ضمن الزائد، (وللعازل التصرف في الجميع) أي جميع مال الشركة، لأنها باقية في حقه، لان شريكه لم يعزله، بخلاف ما إذا فسخ أحدهما الشركة. فلا يتصرف كل إلا في قدر ماله. (هذا) أي ما ذكر من العزل، (إذا نض المال) أي صار مثل حاله وقت العقد عليه دنانير أو دراهم. (وإن كان) المال عرضا لم ينعزل) أحدهما بعزل شريكه له. (وله التصرف بالبيع)
592 لتنضيض المال كالمضارب، (دون المعاوضة بسلعة أخرى، ودون التصرف بغير ما ينض به المال) لأنه معزول. ولا حاجة تدعو إلى ذلك بخلاف التنضيض. هذا ما ذكره القاضي. وظاهر كلام أحمد والمذهب: أنه ينعزل مطلقا. وإن كان عرضا. ورد قياسه على المضارب بأن الشركة وكالة والربح يدخل ضمنا، وحق المضارب أصلي. (وإذا مات أحد الشريكين وله وارث رشيد فله) أي الوارث (أن يقيم على الشركة، ويأذن له الشريك في التصرف) ويأذن هو أيضا لشريكه فيه، (وهو) أي بقاؤه على الشركة (إتمام الشركة، وليس بابتدائها، فلا تعتبر شروطها) أي شروط الشركة من حضور المال وكونه نقدا مضروبا، وبيان الربح ونحوها مما تقدم. هذا مقتضى كلامه في المغني والمبدع. وقال في المستوعب: إن مات يخرج من الشركة، ويتسلم حقه ورثته، انتهى. فصريحه بطلان الشركة بموت أحدهما. وهو صريح كلامه قريبا. وكلام المنتهى وغيرهما فيما تقدم في الوكالة، ومقتضى ما يأتي في المضاربة. إذ لا فرق (وله) أي الوارث (المطالبة) للشريك (بالقسمة) لمال الشركة، (فإن كان) الوارث (مولى عليه) لكونه محجورا عليه (قام وليه مقامه في ذلك) أي في إبقاء الشركة والمقاسمة، (ولا يفعل) الولي (إلا ما فيه المصلحة للمولى عليه) كسائر التصرفات، (فإن كان الميت قد وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين. فالموصى له) إذا قبل (كالوارث فيما ذكرنا) لانتقال الملك إليه. (وإن كان) الايصاء به (لغير معين كالفقراء، لم يجز للوصي الاذن في التصرف، ووجب دفعه إليهم) أي دفع المال الموصى به إلى الموصى لهم، (ويعزل) الوصي (نصيبه) أي نصيب الميت، (ويفرقه عليهم) أي على الموصى لهم،
593 عملا بالوصية. (فإن كان على الميت دين تعلق) الدين (بتركته. فليس للوارث إمضاء الشركة حتى يقضي دينه. فإن قضاه) أي الوارث (من غير مال الشركة، فله الاتمام) أي إتمام الشركة. (وإن قضاه منه، بطلت الشركة في قدر ما قضى) ذكره في المغني والمبدع وغيرهما. لكن مقتضى ما تقدم: أن الوارث لا يمنع من إتمام الشركة قبل القضاء، لكن يكون موقوفا إن قضاه نفذت الشركة كسائر تصرفاته، وإلا نقضت ووفى الدين من حصة الميت. (ويأتي في المضاربة: لو مات أحد المتضاربين) مفصلا. فصل: القسم (الثاني: المضاربة وهي) تسمية أهل العراق، مأخوذة من الضرب في الأرض، وهو السفر فيها للتجارة. قال تعالى: * (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) * ويحتمل أن يكون من ضرب كل منهما بسهم في الربح، وسماها أهل الحجاز قراضا. فقيل: هو من القرض بمعنى القطع. يقال: قرض الفأر الثوب إذا قطعه. فكأن رب المال اقتطع من ماله قطعة، وسلمها إلى العامل، واقتطع له قطعة من ربحها. وقيل: من المساواة والموازنة. يقال: تقارض الشاعران إذا توازنا وهي جائرة بالاجماع. حكاه ابن المنذر. ورويت عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وحكيم بن حزام رضي الله تعالى عنهم، ولم يعرف لهم مخالف والحكمة تقتضيها، لأن بالناس حاجة إليها. فإن النقدين لا تنمى إلا بالتجارة. وليس كل من يملكها يحسن التجارة، ولا كل من يحسنها له مال، فشرعت لدفع الحاجة والمضاربة (دفع مال) أي نقد مضروب خال من الغش الكثير، وتقدم. (وما في معناه) أي معنى الدفع بأن كان له عند إنسان نقد مضروب من نحو وديعة، (معين معلوم قدره) ف (- لا) تصح على (صبرة نقد) لجهالتها، (ولا) على (أحد كيسين في كل واحد منهما مال
594 معلوم تساوى ما فيهما) أي الكيسين (أو اختلف) ما فيهما للابهام، وقوله (إلى من يتجر فيه) أي المال متعلق بدفع، وسواء كان المدفوع إليه واحدا أو أكثر ولذلك عبر بمن، وقوله (بجزء) مشاع (معلوم من ربحه) أي المال، متعلق بيتجر. فإن سمي له كل الربح أو دراهم ولو معلومة أو جزءا مجهولا، كحظ أو قسط، أو نصيب، فسدت وتقدم. وكذا لو جعل له جزءا من نفس المال المدفوع (له)، أي للعامل (أو لعبده) أي عبد العامل. إذ المشروط للعبد لسيده (أو) شرط الجزء للعامل، و (لأجنبي مع عمل منه) أي من الأجنبي، بأن يقول: اعمل في هذا المال بثلث الربح لك ولزيد، على أن يعمل معك، لأنه في قوة قوله: اعملا في هذا المال بالثلث، (ويسمى أيضا) دفع المال على الوجه المذكور (قراضا) وتقدم. (ومعاملة) من العمل (وتنعقد) المضاربة (بما يؤدي معنى ذلك) أي معنى المضاربة والقراض من كل قول دل عليها، لأن المقصود المعنى. فجاز بكل ما يدل عليه. (وهي) أي المضاربة (أمانة ووكالة) لأنه متصرف لغيره بإذنه. والمال تحت يده على وجه لا يختص بنفعه، (فإن ربح) العامل في المال (فشركة) لاشتراكهما في الربح. (وإن فسدت) المضاربة (فإجارة) لأن العامل يأخذ أجرة عمله، (وإن تعدى) العامل ما أمر به رب المال، (فغصب) يرد المال وربحه ولا شئ له في نظير عمله كالغاصب. (قال) ابن القيم (في الهدي) النبوي (المضارب أمين وأجير ووكيل وشريك. فأمين إذا قبض المال، ووكيل إذا تصرف فيه) أي المال (وأجير فيما يباشره من العمل بنفسه) لأنه يعمل لغيره بعوض، وهو الجزء المسمى له من الربح، وإن كانت المضاربة صحيحة. ولعل مراده: أنه في حكم الأجير، وإلا فتعريف الإجارة الآتي لا ينطبق عليه. ولذلك لم يجعل المصنف قوله: مقابلا لما قدمه من أنه أجير إذا فسدت. (وشريك إذا ظهر فيه) أي المال (الربح) لما تقدم، (ومن شرط صحتها) أي المضاربة (تقدير نصيب العامل) من الربح، لأنه لا يستحقه إلا بالشرط. (فإن قال) رب المال (خذ هذا المال مضاربة، ولم يذكر سهم العامل) لم تصح، (أو قال) خذ هذا المال مضاربة (ولك جزء) أو حظ أو نصيب (من الربح ف) - المضاربة فاسدة، لجهالة نصيب العامل. و (الربح كله لرب المال) لأنه نماء ماله، (والوضيعة عليه) أي على رب
595 المال وحده، لأن العامل أمين (وللعامل أجر مثله)، وإن لم يحصل ربح لأنه عمل بعوض لم يسلم له. (وتكفي مباشرته) أي العمل قبولا (فلا يعتبر نطق) العامل بالقبول كالوكالة. (فإن قال) رب المال (خذه فاتجر فيه والربح كله لي، ف) - هو (إبضاع) أي يصير جميع الربح لرب المال (لا حق للعامل فيه) فيصير وكيلا متبرعا، لأنه قرن به حكم الابضاع. فلو قال مع ذلك: وعليك ضمانه، لم يضمنه. لأن العقد يقتضي كونه أمانة غير مضمونة، ما لم يتعد أو يفرط، فلا يزول ذلك بشرطه. (وإن قال): خذه فاتجر به. و (الربح كله لك، ف) - المال المدفوع (قرض) لا قراض، لأن اللفظ يصلح له وقد قرن به حكمه. فانصرف إليه ، كالتمليك والربح كله للعامل. (لا حق لرب المال فيه) أي الربح، وإنما يرجع بمثل ما دفعه . (وليسا) أي الابضاع والقرض (بشركة) ولا مضاربة، لعدم تحقق معناها فيهما. (فإن زاد) رب المال (مع قوله: والربح كله لك ولا ضمان عليك. فهو قرض شرط فيه نفي الضمان. فلا ينتفي) لأنه شرط فاسد لمنافاته مقتضى العقد. (وإن قال) رب المال: أتجر به و (الربح بيننا. ف) - الربح (بينهما نصفين) لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة. ولم يترجح فيها أحدهما على الآخر، فاقتضى التسوية كهذه الدار بيني وبينك. (وإن قال) رب المال (خذه مضاربة والربح كله لك) فسدت (أو قال) خذه مضاربة (والربح كله لي. فسدت) المضاربة، لأنها تقتضي كون الربح بينهما. فإذا شرط اختصاص أحدهما بالربح، فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد . ففسد، كما لو شرط الربح في شركة العنان لأحدهما. ويفارق إذا لم يقل مضاربة لان اللفظ يصلح لما ثبت حكمه من الابضاع والقرض. وينفذ تصرف العامل، لأن الاذن باق ، (وله) أي العامل (أجرة المثل في الأولى) وهي قوله: خذه مضاربة والربح كله لك، لأنه عمل على عوض لم يسلم له. (ولا شئ له) أي للعامل. (في الثانية) وهي قوله: خذه مضاربة والربح كله لي، لأنه تبرع بعمله. (وإن قال) خذه مضاربة و (لك) ثلث الربح، صح. والمسكوت عنه حينئذ لرب المال (أو) قال: خذه مضاربة، و (لي ثلث الربح، ولم يذكر نصيب الآخر صح) القراض (والباقي) من الربح (للآخر) المسكوت عنه، لأن الربح لهما. فإذا قدر نصيب أحدهما منه، فالباقي للآخر بمفهوم اللفظ، كما علم أن ثلثي الميراث للأب من قوله تعالى: * (وورثه أبواه فلأمه الثلث) * (وإن أتى معه) أي مع الجزء
596 المسمى (بربع عشر الباقي ونحوه) كربع خمس جزء من سبعة عشر، (صح) لأن جهالته تزول بالحساب. (وإن قال) رب المال: خذه مضاربة (لي النصف ولك الثلث وسكت عن) السدس (الباقي، صح. وكان لرب المال) لأنه يستحق الربح بماله، لكونه نماءه وفرعه. والعامل يأخذ بالشرط، فما شرط له استحقه، وما بقي فلرب المال بحكم الأصل. (وإن قال) رب المال (خذه مضاربة على الثلث، أو قال) خذه مضاربة (بالثلث، أو على الثلثين أو بالثلثين ونحوه) كقوله: خذه مضاربة بالربع، أو على خمسين ونحوه، (صح) ذلك (وكان تقديرا لنصيب العامل). لأن حصته إنما تتقدر بالشرط، بخلاف رب المال. فإنه يستحق الربح بماله، (وإن اختلفا) أي رب المال والعامل (لمن الجزء المشروط ف) - هو (للعامل، قليلا كان) الجزء المشروط (أو كثيرا) لأنه يستحقه بالعمل، وهو يقل ويكثر. وإنما تتقدر حصته بالشرط، بخلاف رب المال، فإنه يستحق الربح بماله. ويحلف مدعيه، لأنه يحتمل خلاف ما قاله. فيجب لنفي الاحتمال، وإن اختلفا في قدر الجزء بعد الربح، فقال العامل: شرطت لي النصف، وقال المالك: الثلث. قدم قوله. لأنه منكر للزيادة. فإن أقام كل منهما بينة قدمت بينة العامل، ذكره في المبدع. (وإن قال) رب المال (خذه مضاربة، ولك ثلث الربح، وثلث ما بقي. صح. وله) أي العامل (خمسة أتساع الربح) ، لأن مخرج الثلث وثلث الباقي تسعة، وثلثها ثلاثة، وثلث ما بقي اثنان. ونسبتها إلى التسعة ما ذكر. (وإن قال) خذه مضاربة ولك (ثلث الربح وربع ما بقي. فله النصف) لأن مخرج الثلث وربع الباقي من ستة. وثلثها، اثنان وربع الباقي واحد، والثلاثة نصف الستة. (وإن قال) خذه مضاربة و (لك ربع الربح وربع ما بقي. فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن) لأن مخرج الربع وربع الباقي من ستة عشر، وربعها أربعة، وربع الباقي ثلاثة، والتسعة نسبتها إلى الستة عشر ما ذكر، (وسواء عرفا) أي المتقارضان (الحساب أو جهلاه)، لأن إزالته ممكنة بالرجوع إلى غيرهما، ممن يعرف الحساب، (ويجوز أن يدفع) واحد (إلى اثنين مضاربة في عقد واحد) كما يجوز في عقدين، (فإن شرط) رب المال (لهما جزءا) معلوما (من الربح بينهما نصفين.
597 صح) قليلا كان أو كثيرا، (وإن قال) رب المال (لكما كذا وكذا) كالنصف أو الثلث (من الربح، ولم يبين كيف هو)؟ أي كيفية قسمته بينهما من تساو أو تفاضل، (فهو) أي الجزء المشروط (بينهما نصفين) لأن مطلق الإضافة يقتضي التسوية. (وإن شرط) رب المال (لأحدهما) أي أحد العاملين (ثلث الربح، و) شرط (للآخر ربعه) أي الربح، (والباقي له) أي لرب المال (جاز) ذلك. وكان الربح على ما شرطوا لأن الحق لا يعدوهم. فجاز ما تراضوا عليه، (وإن قارض اثنان واحدا بألف لهما جاز) كما لو قارضه كل منهما منفردا بخمسمائة، (فإن شرطا) أي صاحبا المال (له) أي للعامل في مالهما، (ربحا متساويا منهما) بأن شرط له كل منهما نصف الربح أو ثلثه (جاز. وكذلك إن) شرطاه متفاضلا، بأن (شرط أحدهما له النصف، و) شرط (الآخر) له (الثلث) كما لو انفرد كل منهما بعقده، لأن العقد يتعدد بتعدد العاقد. (ويكون باقي ربح مال كل واحد منهما له) أي لصاحب ذلك المال، لأنه نماء ماله. (وإن شرطا كون الباقي من الربح بينهما نصفين لم يجز) لأنه شرط ينافي مقتضى العقد . وكل منهما لاحق له في مال الآخر، ولا عمل له فيه، فلا يستحق من ربحه شيئا. (وإذا شرطا) أي المتقارضان (جزءا) معلوما (من الربح لغير العامل. فإن كان) شرط (لعبد أحدهما، أو) كان شرط (لعبديهما، صح. وكان) في الحقيقة (مشروطا لسيده) لأن العبد لا يملك، وماله لسيده. (وإن جعلاه) أي جعل المتقارضان الربح (بينهما وبين عبد أحدهما أثلاثا. فلصاحب العبد الثلثان) أي الثلث المشروط له، والثلث المشروط لعبده. (وللآخر الثلث) لأنه الذي شرط له، (وإن شرطاه) أي شرط المتقارضان الجزء من الربح (لأجنبي، أو لولد أحدهما) كبيرا كان أو صغيرا (أو امرأته أو قريبه) كأبيه وأخيه، (وشرطا عليه) أي على المشروط له الجزء (عملا مع العامل، صح) الشرط. (وكانا عاملين) بمنزلة ما لو قال: اعملا في هذا المال ولكل منكما كذا. (وإن لم يشرطا عليه) أي على المشروط له الجزء غير عبد أحدهما، (عملا) مع العامل (لم تصح المضاربة) لأنه شرط فاسد يعود إلى الربح، ففسد به
598 العقد، كما لو شرطا دراهم معلومة. (وكذلك حكم المساقاة والمزارعة في) جميع (ما تقدم) في المضاربة قياسا عليها، لأن العامل في كل منها إنما يستحق بالعمل. (وحكم المضاربة: حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله) من البيع والشراء، أو القبض والاقباض وغيرها، (أو لا يفعله) كالقرض وكتابة الرقيق وتزويجه ونحوه. (و) في (ما يلزمه فعله) كنشر الثوب وطيه، وختم الكيس والاحراز ونحوه. (وفي الشروط) صحيحة كانت أو فاسدة، مفسدة أو غير مفسدة، (لأن) كل (ما جاز في إحداهما جاز في الأخرى) لاشتراكهما في التصرف بالاذن. (وكذا المنع) أي ما امتنع في إحداهما امتنع في الأخرى، (وإن فسدت) المضاربة (فالربح لرب المال) لأنه نماء ماله، والعامل إنما يستحق بالشرط. فإذا فسدت فسد الشرط، فلم يستحق شيئا. (وللعامل) إذا فسدت (أجرة مثله، خسر المال أو ربح) لأن عمله إنما كان في مقابلة المسمى، فإذا لم تصح التسمية وجب رد عمله عليه. وذلك متعذر فوجب له أجرة المثل. (وما تصرفه) للعامل في المضاربة الفاسدة من التصرفات (نافذ) لاذن رب المال له في التصرف. (ولو لم يعمل العامل) في المضاربة (شيئا إلا أنه صرف الذهب بالورق فارتفع الصرف استحق العامل حصته) من الربح، لأنه مقتضى ذلك العقد الصحيح. (ولا ضمان عليه) أي العامل (فيها) أي في المضاربة الفاسدة لما تقدم من أن ما لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده. ولو قدم ذلك على مسألة الصرف لكان أنسب، وحمل كلامه هنا على المضاربة الصحيحة ممكن لكنه يأتي في كلامه. (ويصح تعليقها) أي المضاربة ولو على شرط مستقبل. كإذا جاء رأس الشهر فضارب بهذا على كذا، لأنه إذن في التصرف فجاز تعليقه كالوكالة. (والمنصوص) عن الامام، (و) يصح (بع هذا) العرض (وما حصل من ثمنه فقد ضاربتك به)، لأنه وكيل في بيع العرض، فإذا باعه صار الثمن في يده أمانة. أشبه ما لو كان المال عنده وديعة. (ويصح تأقيتها) أي المضاربة ب (- أن يقول) رب المال (ضاربتك على هذه الدراهم) أو الدنانير (سنة. فإذا مضت السنة فلا تبع ولا تشتر)، لأنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع، فجاز توقيته بالزمان كالوكالة. (ولو قال) رب المال: ضارب بهذا المال شهرا (ومتى مضى الاجل فهو) أي مال المضاربة (قرض) صح ذلك، (ف) - إن (مضى) الاجل،
599 (وهو) أي المال (ناض صار) المال (قرضا. وإن مضى) الاجل (وهو متاع) فعلى العامل تنضيضه. (فإذا باعه) ونضضه (صار قرضا) لأنه قد يكون لرب المال فيه غرض، نص عليه في رواية مهنا. (وإن قال) رب عرض (بع هذا العرض وضارب بثمنه) صح لما تقدم. (أو) قال رب وديعة (اقبض وديعتي) من زيد أو منك وضارب بها، (أو) قال رب دين اقبض (ديني) من فلان (وضارب به) صح، لأنه وكله في قبض الدين أو الوديعة. وعلق المضاربة على القبض، وتعليقها صحيح. (أو) قال: ضارب (بعين مالي الذي غصبته مني، صح) ذلك، لأنه في معنى الدفع، (وزال ضمان الغصب) بمجرد عقد المضاربة، وصار المال أمانة بيده. لاذن ربه في بقائه بيده. (ويصح قوله) أي قول رب وديعة ونحوها. (إذا قدم الحاج فضارب وديعتي أو غيرها) لأن تعليق المضاربة صحيح، لما تقدم، (وإن قال) رب دين (ضارب بالدين الذي عليك) لم تصح. لعدم حضور المال، ولان المال الذي في يده المدين له. وإنما يصير لغريمه بقبضه، ولم يقبضه. (أو) قال: ضارب (بديني الذي على زيد فاقبضه) لم يصح ذلك، لأنه عقد على ما لا يملكه، لأنه لا يملك ما في يد مدين إلا بقبضه، ولم يوجد، بخلاف اقبض ديني وضارب به. فيصح وتقدم قريبا. (أو قال) رب مال (هو) أي هذا المال (قرض عليك شهرا) أو نحوه (ثم هو مضاربة، لم يصح) ذلك. لأنه إذا صار قرضا ملكه المقترض. فلم يصح عقد المضاربة عليه، وهو في ذمته، لعدم ملك رب الدين له إذن. فإن اشترى في هذه الصور بالدين شيئا للمضاربة فهو للمشتري، وربحه له وخسرانه عليه. (وإن أخرج) إنسان (مالا) تصح المضاربة عليه (يعمل فيه هو) أي مالكه (وآخر، والربح بينهما. صح وكان مضاربة) لأن غير صاحب المال يستحق المشروط بعمله من الربح في مال غيره، وهذا حقيقة المضاربة. (وكذا مساقاة ومزارعة) إذا عمل المالك مع العامل وسمي للعامل جزءا معلوما فيصحان كالمضاربة. (وإن شرط فيهن) أي في المضاربة والمساقاة والمزارعة (عمل المالك) مع العامل، (أو) عمل (غلامه معه) أي مع العامل (صح) العقد والشرط، (ك) - اشتراط العامل فيهن (بهيمته) أي بهيمة المالك يحمل عليها. (ولا يضر) أي لا يفسد المضاربة والمساقاة والمزارعة (عمل المالك) مع العامل (بلا شرط) نص عليه. وإنما تظهر فائدته على القول بأن اشتراط عمله يفسدها، والمقدم خلافه.
600 تتمة: نقل أبو طالب فيمن أعطى رجلا مضاربة على أن يخرج إلى الموصل فيوجه إليه بطعام فيبيعه، ثم يشتري به ويوجه إليه إلى الموصل. قال: لا بأس إذا كانوا تراضوا على الربح. (وإن باع المضارب بدون ثمن المثل) أو اشترى بأكثر منه صح، و (ضمن الوكيل)، وتقدم (وله) أي المضارب (أن يشتري المعيب إذا رأى فيه مصلحة، بخلاف وكيل) لأن القصد في المضاربة الربح، وهو قد يحصل بشراء المعيب، بخلاف الوكالة. فإن الغرض تحصيل ما وكل فيه، وإطلاقه يقتضي السلامة. فصل: (وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال بغير إذنه) لأن فيه ضررا ولاحظ للتجارة فيه، إذ هي معقودة للربح حقيقة أو مظنة. وهما منتفيان هنا. (فإن فعل) أي اشترى من يعتق على رب المال (صح) الشراء، لأنه مال متقوم قابل المعقود، فصح كما لو اشترى من علق رب المال عتقه بملكه. (وعتق) أي على رب المال، لأنه ملكه، وذلك موجب عتقه. (وضمن) العامل (ثمنه) سواء (علم) بأنه يعتق على رب المال (أو لم يعلم)، لأن الاتلاف الموجب للضمان لا فرق فيه بين العلم والجهل. وقال أبو بكر: إن لم يعلم لم يضمن، لأنه معذور. (وإن اشتراه) العامل (بإذنه) أي إذن رب المال (صح) الشراء (أيضا)، لأنه يصح شراؤه بنفسه، فكذا نائبه. ولا ضمان عليه، لأن رب المال هو الاذن في إتلافه (وتنفسخ المضاربة في قدر ثمنه فيهما). أي فيما إذا اشتراه بغير إذنه وفيما إذا اشتراه بإذنه كتلفه. (وإن كان في المال ربح رجع العامل بحصته منه) أي من الربح لأنه استحقه بالعقد والعمل، ولم يوجد ما يسقطه. (وإن اشترى) العامل (امرأة رب المال) صح (أو كان ربه) أي المال (امرأة فاشترى) عاملها (زوجها، أو) اشترى (بعضهما صح. ولو كان) الشراء (بعين المال) لأنه اشترى ما يمكن طلب الربح فيه أشبه ما لو اشترى أجنبية أو أجنبيا. (وانفسخ النكاح فيهما) أي فيما إذا اشترى امرأة رب المال أو بعضها، أو اشترى زوج ربة المال أو بعضه، لما يأتي من أنه متى ملك أحد الزوجين الآخر أو بعضه انفسخ النكاح.
601 (ولا ضمان على العامل فيما يفوت) المرأة (من المهر) إذا فسد نكاحها بشراء زوجها. (و) لا فيما (يسقط من النفقة) لأن ذلك لا يعود إلى المضاربة. ولا فرق بين شرائه في الذمة أو بعين المال. وإذا اشترى زوجة رب المال وانفسخ النكاح، وكان قبل الدخول وجب على الزوج نصف الصداق، ورجع به على عامله، لأنه سبب تقريره عليه. كما لو أفسدت امرأة نكاحه بالرضاع. ذكره في المغني والشرح وشرح المنتهى. (وإن اشترى) العامل (من يعتق على نفسه) كأبيه وأخيه، (ولم يظهر ربح لم يعتق) لأنه لا يملكه، وإنما هو ملك رب المال. (وإن ظهر ربح عتق عليه) أي المضارب (قدر حصته، وسرى) العتق (إلى باقيه إن كان) المضارب (موسرا) بقيمة باقيه، لأنه ملكه بفعله فعتق عليه. أشبه ما لو اشتراه بماله. وإن اشتراه ولم يظهر ربح ثم ظهر بعد ذلك والعبد باق في التجارة، فهو كما لو كان ظاهرا. (وغرم) المضارب (قيمته) أي قيمة من عتق عليه للمضاربة، (وإن كان) المضارب (معسرا لم يعتق منه إلا ما ملكه) ولا سراية. وإن أيسر بالبعض فقط عتق قدر ما هو موسر به، وغرم قيمة ما عتق. (وليس له) أي المضارب (الشراء من مال المضاربة إن ظهر) في المضاربة (ربح)، لأنه شريك لرب المال فيه. (وإلا) بأن لم يظهر ربح صح (كشراء الوكيل من موكله)، فيشتري من رب المال أو من نفسه بإذن رب المال. (وليس له) أي المضارب (وطئ أمة المضاربة ولو ظهر ربح) كالأمة المشتركة. (فإن فعل) أي وطئ المضارب أمة المضاربة، (فعليه المهر) إن لم يكن الوطئ بإذن رب المال. (و) عليه (التعزير) نص عليه (ولا حد، ولو لم يظهر ربح) لأن ظهور الربح ينبني على التقويم، والتقويم غير متحقق، لأنه يحتمل أن السلع تساوي أكثر مما قومت. به، فيكون ذلك شبهة في درء الحد. (وإن علقت منه) أي المضارب (ولم يظهر في المال ربح فولده رقيق) ملك لرب المال، لأنه لا ملك له ولا شبهة ملك. (وإن ظهر ربح) في المضاربة ووطئ المضارب منها أمة وعلقت منه (فالولد حر، وتصير) الأمة (أم ولد له) أي المضارب، (وعليه قيمتها) يوم إحبالها، كالأمة المشتركة
602 إذا أحبلها أحد الشريكين ولا مهر عليه، ولا فداء للولد كما يأتي في الأمة المشتركة. (وليس لرب المال وطئ الأمة) من مال المضاربة (أيضا ولو عدم الربح) لأنه ينقصها إن كانت بكرا ويعرضها للخروج من المضاربة والتلف. (فإن فعل) أي وطئ رب المال أمة المضاربة (فلا حد عليه) بذلك لأنها ملكه (وإن أحبلها صارت أم ولد له وولده حر، وتخرج من المضاربة) لأن أم الولد لا يصح بيعها، وتحسب عليه قيمتها، ويضاف إليها بقية المال. فإن كان فيه ربح فللعامل حصته منه. (وليس له) أي المضارب (أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول) بلا إذنه. ككون المال الثاني كثيرا فيستوعب زمانه فيشغله عن تجارة الأول. (فإن فعل) أي ضارب لآخر مع تضرر الأول، (حرم. ورد نصيبه من الربح في شركة الأول) نص عليه، لأنه استحق ذلك بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول. فينظر ما ربح في المضاربة الثانية فيدفع إلى رب مالها منه نصيبه، لأن العدوان من المضارب لا يسقط حق رب المال الثاني. ويأخذ المضارب نصيبه من الربح فيضمه إلى ربح المضاربة الأولى فيقتسمانه. وقال في المغني والشرح: النظر يقتضي أن رب المضاربة الأولى لا يستحق من ربح الثانية شيئا، لأنه إنما يستحق بمال أو عمل. وهما منتفيان. وتعدى المضارب بترك العمل واشتغاله عن المال الأول لا يوجب عوضا، كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه أو أجر نفسه. (وإن لم يكن فيه) أي في ضرابه لثان (ضرر على الأول، ولم يكن) الأول (اشترط للعامل نفقة أو كان) ضرابه للثاني (بإذنه)، أي الأول (جاز) مطلقا لانتفاء الضرر في الأولى والاذن في الثانية. (وامتنع الرد) أي رد نصيب العامل من المضاربة الثانية في الأولى، بل نصيبه له وحده، وإن كان رب الأولى اشترط للعامل النفقة لم يأخذ لغيره مضاربة، وإن لم يتضرر نص عليه. قاله في الفائق وقدمه في الشرح، وحمله الموفق على الاستحباب.
603 (وإن أخذ) إنسان (من رجل مضاربة ثم أخذ) المضارب (من آخر بضاعة، أو عمل في مال نفسه واتجر فيه، فربحه في مال البضاعة لصاحبها، وفي مال نفسه له) لا حق لرب المضاربة فيه، لأنه لا عمل منه ولا مال. (وإن دفع) رب المال (إليه) أي إلى المضارب (ألفين في وقتين لم يخلطهما) بغير إذن رب المال، لأنه أفرد كل واحد بعقد فكانا عقدين، فلا تجبر وضيعة أحدهما بربح الآخر، كما لو نهاه عن ذلك. (فإن أذن) رب المال (له) أي المضارب في الخلط (قبل تصرف) المضارب (في) المال (الأول) جاز، (أو) أذنه في الخلط (بعده) أي التصرف. (وقد نض) الأول (جاز. وصار) المال كله (مضاربة واحدة) كما لو دفعه إليه دفعة واحدة. (وإلا) بأن تصرف في الأول ولم ينصه، وأذنه في الخلط. (فلا) يجوز الخلط لان حكم العقد الأول استقر، فكان ربحه وخسرانه مختصا به. فضم الثاني إليه يوجب جبران خسران أحدهما بربح الآخر. فإذا شرط ذلك في الثاني فسد. (وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه لأنه) أي مال المضاربة (ملكه، وكشراء الموكل من وكيله، وكذلك شراء السيد من عبده المأذون) له في التجارة، ولو استغرقه الديون، لأن ملك السيد لم يزل عنه، واستحقاق انتزاع ما في يده لا يوجب زوال الملك كالمفلس، بخلاف شرائه من مكاتبه، لأن السيد لا يملك ما في يد المكاتب ولا تجب عليه زكاته. (فإن اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح) لأنه ملك لغيره، فصح شراؤه كالأجنبي، إلا أن من علم مبلغ شئ لم يبعه صبرة. (وإن اشترى) أحد الشريكين (الجميع) أي جميع مال الشركة (لم يصح) الشراء (في نصيبه)، لأنه ملكه (وصح في نصيب شريكه) بناء على تفريق الصفقة. (وليس للمضارب نفقة) من مال المضاربة، (ولو مع السفر) بمال المضاربة، لأنه دخل على أن يستحق من الربح شيئا، فلا يستحق غيره، إذ لو استحقها لأفضى إلى اختصاصه به حيث لم يربح سوى النفقة. (إلا بشرط كوكيل). قال الشيخ تقي الدين: أو عادة (فإن شرطها) أي النفقة رب المال (له) أي المضارب (وقدرها فحسن) قطعا للمنازعة. (فإن لم يقدرها) أي النفقة، (واختلفا) أي تشاحا في قدر النفقة، (فله نفقة مثله عرفا، من طعام وكسوة) كالزوجة،
604 لأن إطلاق النفقة يقتضي جميع ما هو ضروراته المعتادة. فكان له النفقة والكسوة، وهي إباحة. فلا ينافي ما تقدم أن شرط دراهم معلومة يبطلها. وتردد ابن نصر الله، هل هي من رأس المال أو الربح؟ قلت: بل الظاهر أنها من الربح. (وإن كان معه) أي المضارب (مال لنفسه يتجر فيه، أو) معه (مضاربة أخرى، أو) معه (بضاعة لآخر. فالنفقة على قدر المالين) لأن النفقة للعمل في المال. فكانت على قدر ما لكل فيه. (إلا أن يكون رب المال قد شرط له) أي العامل (النفقة من ماله، مع علمه بذلك) أي بما معه من مال نفسه، أو مضاربة، أو بضاعة لغيره، (وإن لقيه) أي العامل (رب المال ببلد أذن له في سفره إليه، وقد نض) المال (فأخذه) ربه منه. (فلا نفقة لرجوعه) إلى البلد الذي سافر منه. لأنه إنما استحق النفقة ما داما في القراض. وقد زال فزالت النفقة، (وإن مات) العامل (لم يجب تكفينه) لأن القراض انقطع بموته فانقطعت النفقة. (وله) أي للعامل (التسري) أي شراء أمة من مال المضاربة ليطأها (بإذن) من رب المال (فإذا اشترى) المضارب لنفسه (جارية) من مال المضاربة بإذن ربه (ملكها. وصار ثمنها قرضا) في ذمته، لأن رب المال قد أذن له في التسري. والاذن فيه يستدعي الاذن في الوطئ، لأن البضع لا يباح إلا بملك أو نكاح. ورب المال لم يوجد منه ما يدل على تبرعه بالثمن، فوجب كونه قرضا، لأنه المتيقن (وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال). قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه. يعني أنه لا يستحق أخذ شئ من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه، (فإن اشترى) المضارب (سلعتين فربح في إحداهما)، وخسر في الأخرى (أو) ربح (في إحدى السفرتين وخسر في الأخرى جبرت الوضيعة من الربح كما يأتي). لأنه هو الفاضل عن رأس المال. وما لم يفضل فليس بربح (والمضاربة بحالها) فلا تنفسخ في الوضيعة.
605 فصل: (وإن تلف رأس المال أو) تلف (بعضه) بعد تصرفه، (أو تعيب) رأس المال (أو خسر) رأس المال (بسبب مرض) عبد التجارة أو دابتها، (أو) خسر بسبب (تغير صفة) كعبد عمي، أو حنطة ابتلت، (أو نزل السعر بعد تصرفه) أي المضارب (فيه) أي في رأس المال (جبرت الوضيعة من ربح باقيه قبل قسمته، ناضا أو تنضيضه مع المحاسبة) لأنها مضاربة واحدة. فلا شئ للعامل إلا بعد كمال رأس رأس المال. (وإن تلف بعض رأس المال قبل تصرفه) أي العامل (فيه انفسخت فيه) أي التالف (المضاربة. وكان رأس المال) هو (الباقي خاصة) لأنه مال هلك على جهته قبل التصرف، أشبه التالف قبل القبض. وفارق ما بعد التصرف لأنه دار في التجارة، وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية للربح. (وإن تلف المال) قبل التصرف، (ثم اشترى) المضارب (سلعة في ذمته للمضاربة فهي) أي السلعة (له)، أي للمضارب (وثمنها عليه) سواء (علم) المضارب (تلف المال قبل نقد الثمن أو جهله)، لأنه اشتراها في ذمته. وليست من المضاربة لانفساخها بالتلف، فاختصت به. ولو كانت للمضاربة لكان مستدينا على غيره. والاستدانة على الغير بغير إذنه لا تجوز (إلا أن يجيزه رب المال) فيكون له كما تقدم فيمن اشترى لغيره سلعة في ذمته ولم يسمه. (وإن تلف) مال المضاربة (بعد الشراء قبل نقد ثمنها) أي السلعة (بأن اشترى في الذمة) للمضاربة سلعة في ذمته. ثم تلف مال المضاربة قبل إقباضه. (أو تلف هو) أي مال المضاربة (والسلعة. فالمضاربة) باقية (بحالها) لأن الموجب لفسخها هو التلف، ولم يوجد حين الشراء ولا قبله. (والثمن على رب المال) لأن حقوق العقد متعلقة به كالموكل. (ويصير رأس الثمن دون التالف) لفواته، (ولصاحب السلعة مطالبة كل منهما) أي من رب المال والعامل (بالثمن) لبقاء الاذن من رب المال، ولمال،
606 ولمباشرة العامل فإن غرمه رب المال لم يرجع على أحد، لأن حقوق العقد متعلقة به. (ويرجع به العامل) إن غرمه على رب المال، لما تقدم، (فلو كان) رأس (المال مائة فخسر عشرة ثم أخذ ربه عشرة لم ينقص رأس المال بالخسران، لأنه قد يربح فيجبر الخسران) من الربح. (لكنه) أي رأس المال (ينقص بما أخذه رب المال، وهو العشرة وقسطها من الخسران، وهو درهم وتسع) درهم، (ويبقى رأس المال ثمانية وثمانين وثمانية أتساع درهم. فإن كان) رب المال (أخد نصف التسعين الباقية) وهو خمسة وأربعون، (بقي رأس المال خمسين) درهما (لأنه) أي رب المال (أخذ نصف المال، فسقط نصف الخسران وإن كان) رب المال (أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع) لأنه أخذ خمسة أتساع المال. فسقط خمسة أتساع الخسران. وهو خمسة وخمسة أتساع درهم يبقى ما ذكر. (وكذلك إذا ربح المال، ثم أخذ رب المال بعضه) أي المال، (كان ما أخذه) رب المال (من الربح ورأس المال. فلو كان رأس المال مائة فربح عشرين فأخذها) رب المال، (فقد أخذ سدسه فينقص المال) وهو مائة (سدسه، ستة عشر وثلثين وقسطها) من الربح. (ثلاثة وثلث، بقي رأس المال ثلاثة وثمانين وثلثا). ولو كان أخذ ستين بقي رأس المال خمسين، لأنه أخذ نصف المال، فبقي نصف المال. وإن أخذ خمسين بقي ثمانية وخمسون وثلث، لأنه أخذ ربع المال وسدسه، فيبقى ثلثه وربعه، وهو ما ذكرنا. (ولو اشترى) العامل (عبدين بمائة فتلف أحدهما وباع) العامل (الآخر بخمسين، فأخذ منها رب المال خمسة وعشرين بقي رأس المال خمسين، لأن رب المال أخذ نصف المال الموجود، فسقط نصف الخسران، ولو لم يتلف العبد وباعهما) أي العبدين العامل (بمائة وعشرين فأخذ رب المال ستين، ثم خسر العامل
607 فيما معه) من المال (عشرين، فله من الربح خمسة لأن سدس ما أخذه رب المال ربح) وسدسه عشرة (للعامل نصفه) خمسة، إذا كانت المضاربة على أن الربح بينهما نصفين. (وقد انفسخت المضاربة فيه) بأخذ رب المال له، (فلا يجبر به خسران الباقي) لمفارقته إياه. (وإن اقتسما) أي المتقارضان (العشرين الربح خاصة ثم خسر) المال (عشرين، فعلى العامل رد ما أخذه، وبقي رأس المال تسعين لأن العشرة الباقية مع رب المال تحسب من رأس المال. ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه، وإن اقتسما الربح) لأنها مضاربة واحدة. (وتحرم قسمته) أي الربح (والعقد باق إلا باتفاقهما) على قسمته، لأنه مع امتناع رب المال وقاية لرأس ماله، لأنه لا يأمن الخسارة فيجبره بالربح. ومع امتناع العامل لا يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقت لا يقدر عليه، فلا يجبر واحد منهما. (قال) الامام (أحمد): وقد سئل عن المضارب يربح ويضع مرارا يرد الوضيعة على الربح (إلا أن يقبض رأس المال صاحبه، ثم يرده إليه، فيقول: اعمل به ثانية، فما ربح بعد ذلك لا يجبر به وضيعة الأول) لأنه مضاربة ثانية. قال: فهذا ليس في نفسي منه شئ. (وأما ما لا يدفع) إليه (فمتى يحتسبا حسابا كالقبض) كما قال ابن سيرين. (قيل: وكيف يكون حسابا كالقبض؟ قال: يظهر المال. يعني ينض ويجئ، فيحتسبان عليه. وإن شاء صاحبه قبضه. قيل له) أي الامام (فيحتسبان على المتاع؟ قال: لا يحتسبان إلا على الناض، لأن المتاع قد ينحط سعره ويرتفع. انتهى) ما رواه الأثرم عنه رحمه الله. (وأما قبل ذلك) أي قبل قبض رب
608 المال رأس ماله وتنضيضه مع المحاسبة، (فالوضيعة) إذا حصلت (تحسب من الربح) لبقاء المضاربة، (وكذلك لو طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال، لم تجب إجابته، لأنه) أي الممتنع (لا يأمن الخسران في الثاني)، أي ثاني الحال. فإن كان الممتنع المالك فهو يجبر الخسران بالربح. وإن كان العامل فإنه لا يأمن أن يلزمه الرد في وقت لا يقدر عليه، وتقدم. (وإن اتفقا) أي المتقارضان (على قسمه) أي الربح، (أو) على (قسم بعضه، أو) اتفقا (على أن يأخذ كل واحد منهما كل يوم قدرا معلوما جاز) لأن الحق لهما لا يعدوهما. (وإتلاف المالك للمال كقسمه) الربح (فيغرم حصة عامل) من الربح، (ك) - ما لو أتلفه (أجنبي) فإنه يغرم للعامل حصته، ولرب المال رأس ماله وحصته. وإن قتل قن المضاربة فلرب المال القصاص بشرطه. وتبطل المضاربة فيه إذن، لذهابه، وله العفو على مال، ويكون كبدل المبيع، والزيادة على ثمنه ربح. ومع ربح القود إليهما لاشتراكهما فيه. (ومن الربح: مهر) وجب بوطئ أمة من مال المضاربة أو بتزويجها باتفاقهما، (وثمرة) ظهرت من شجر اشترى من مالها. (وأجرة) وجبت بعقد على شئ من مال المضاربة أو بتعد به، (وأرش عيب) وأرش جناية، (ونتاج) نتجته بهيمتها. (وإذا ظهر ربح) في المال (لم يكن له) أي العالم (أخذ شئ منه إلا بإذن رب المال) لأن نصيبه مشاع، وليس له أن يقاسم نفسه، ولان ملكه عليه غير مستقر، ولأنه وقاية لرأس المال ولا يؤمن الخسران. (ويملك العامل حصته من الربح بالظهور قبل القسمة، كرب المال وكمساقاة) لأن هذا الجزء مملوك. ولا بد له من مالك، ورب المال لا يملكه اتفاقا. فلزم أن يكون للمضارب، ولأنه يملك المطالبة بالقسمة، ولا يمتنع أن يملكه ويكون وقاية لرأس المال. (ويستقر الملك فيها) أي ملك العامل في حصته (بالمقاسمة وبالمحاسبة التامة)، لأنه قبل ذلك عرضة لأن يخرج عن يده لجبران خسران. (وتقدم نص أحمد فيه قريبا وإن طلب العامل البيع) أي بيع مال المضاربة (مع بقاء قراضه أو فسخه، فأبى رب المال) البيع (أجبر) عليه رب المال، (إن كان فيه) أي المال (ربح)، لأن حق العامل في الربح لا يظهر إلا بالبيع. فأجبر الممتنع على توفيته كسائر الحقوق. فإن لم يكن
609 فيه ربح ظاهر لم يجبر المالك على البيع، لأن العامل لا حق له فيه. وقد رضيه مالكه عرضا. (وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله من العرض فله ذلك، فيقوم) العرض (عليه ويدفع حصة العامل) لأنه أسقط من العامل البيع، وقد صدقه على الربح. فلا يجبر على بيع ماله من غير حظ يكون للعامل في بيعه، إن لم يكن حيلة على قطع ربح عامل، كشرائه خزا في الصيف ليربح في الشتاء ونحوه، فيبقى حقه في ربحه. (ثم إن ارتفع السعر بعد ذلك) أي بعد التقويم على المالك ودفعه حصة العامل (لم يطالبه العامل بشئ)، كما لو ارتفع بعد بيعه لأجنبي، (وإن لم يرض) رب المال (بأخذه) أي المال (من ذلك) العرض (وطلب البيع، أو طلبه) أي البيع (ابتداء) من غير فسخ المضاربة (فله ذلك. ويلزم المضارب بيعه، ولو لم يكن في المال ربح) وقبض ثمنه، لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه، (وإن نض) العامل (رأس المال جميعه) وطلب رب المال أن ينض الباقي (لزم العامل أن ينض له الباقي) كرأس المال، (وإن كان رأس المال دراهم فصار دنانيرا وعكسه)، بأن كان دنانير فصار دراهم، (فكعرض) إن رضيه رب المال، وإلا لزم العامل إعادته كما كان. وكذا لو كان رأس صحاحا فنضه قراضة أو مكسرة، (وإن انفسخ) القراض (والمال دين لزم العامل تقاضيه، سواء كان فيه ربح أو لم يكن) فيه ربح لأن المضاربة تقتضي رد رأس المال على صفته، والديون لا تجري مجرى الناض فلزمه أن ينضه، ولا يقتصر في التقاضي على رأس المال. (فإن اقتضى) العامل (منه قدر رأس المال أو كان الدين قدر الربح أو دونه)، أي الربح (لزم العامل تقاضيه أيضا) لأنه إنما يستحق نصيبه من الربح عند وصوله إليهما على وجه يمكن قسمته، ووصول كل واحد منهما إلى حقه منه، ولا يحصل ذلك إلا بعد تقاضيه. (ولا يلزم الوكيل تقاضي الدين) لأنه ليس مقتضى عقد الوكالة، (وإن قارض) المريض (في المرض) المخوف ومات فيه، (فالربح من رأس المال، وإن زاد على تسمية المثل) أي ما يسمى لمثله (ولا يحتسب به من ثلثه، ويقدم به على سائر الغرماء) لأن ذلك لا
610 يأخذه من ماله. وإنما يستحقه بعمله من الربح الحادث. ويحدث على ملك المضارب دون المالك، بخلاف ما لو حابى الأجير في الاجر. فإنه يحتسب بما حاباه من ثلثه، لأن الاجر يؤخذ من ماله. (وإن ساقى) المريض (أو زارع في مرض موته) المخوف (حسب) الزائد (من الثلث) لأنه من عين المال، بخلاف الربح في المضاربة. (وإن مات المضارب فجأة أو لا) أي غير فجأة (ولم يعرف مال المضاربة لعدم تعيين العامل له)، أي للمال (وجهل بقاؤه فهو دين في تركته) أي العامل (لصاحبه أسوة الغرماء) لأن الأصل بقاء المال في يد الميت، واختلاطه بجملة التركة، ولا سبيل إلى معرفة عينه فكان دينا. ولأنه لا سبيل إلى إسقاط حق مالك المال، ولا إلى إعطائه عينا من التركة، لاحتمال أن تكون غير عين ماله. فلم يبق إلا تعلقه بالذمة. (وكذلك الوديعة) إذا مات الوديع وجهل بقاؤه. (ومثله لو مات وصي وجهل بقاء مال موليه) فيكون دينا في تركته. قلت: وقياسه ناظر وقف وعامله إذا قبض للوقف شيئا ومات وجهل بقاؤه. وقد وقعت مسألة الناظر وأفتيت فيها باللزوم. (وإذا مات أحد المتقارضين أو جن) جنونا مطبقا (أو توسوس) بحيث لا يحسن التصرف، (أو حجر عليه لسفه انفسخ القراض) لأنه عقد جائز من الطرفين فبطل بذلك كالوكالة. (فإن كان) الميت أو المجنون ونحوه (رب المال، فأراد الوارث) الجائز التصرف، (أو وليه) إن لم يكن الوارث جائز التصرف (إتمامه) أي القراض أي البقاء عليه، (والمال نض جاز. ويكون رأس المال) الذي أعطاه الموروث (وحصته من الربح رأس المال، وحصة العامل من الربح شركة له مشاع) وهذه الإشاعة لا تمنع صحة العقد. لأن الشريك هو العامل، وذلك لا يمنع التصرف. (وإن كان المال عرضا وأرادوا) أي الوارث مع العامل (إتمامه) أي القراض (لم يجز، لأن القراض قد بطل بالموت. وكلام) الامام (أحمد في جوازه محمول على أنه يبيع ويشتري بإذن الورثة، كبيعه وشرائه بعد انفساخ القراض)، ذكره الموفق وللعامل بيع
611 عروض، واقتضاء ديون كفسخ والمالك حي. (وإن كان) الميت أو المجنون ونحوه هو (العامل وأراد رب المال ابتداء القراض مع وارثه) أي وارث العامل، (أو) مع (وليه) إن لم يكن الوارث جائز التصرف، (والمال ناض جاز) لعدم المانع. (وإن كان) المال (عرضا. لم يجز) القراض عليه (ورفع) العرض (إلى الحاكم فيبيعه)، ويقسم الربح على ما شرطا عند ابتداء المضاربة. ولا يبيعه أحدهما بغير إذن الآخر، لاشتراكهما فيه. فصل: (والعامل أمين) في مال المضاربة لأنه متصرف فيه بإذن مالكه على وجه لا يختص بنفعه، فكان أمينا كالوكيل. وفارق المستعير، لأنه يختص بنفع العارية. (لا ضمان عليه فيما تلف) من مال المضاربة (بغير تعد ولا تفريط) الوديع والمرتهن. (القول قوله) أي العامل (في قدر رأس المال) لأن رب المال يدعي عليه قبض شئ وهو ينكره. فلو جاء بألفين وقال: رأس المال ألف والربح ألف، فقال رب المال: بل الألفان رأس المال، فالقول قول العامل. (و) في قدر (الربح) لأنه أمين (و) في (أنه ربح أو لم يربح وفيما يدعيه من هلاك وخسران). لأن تأمينه يقتضي ذلك. ومحل ذلك: إن لم تكن لرب المال بينة تشهد بخلاف ذلك. وإن ادعى الهلاك بأمر ظاهر كلف بينة تشهد به ثم حلف أنه تلف به. (و) القول قوله ف (- ما) يذكر أنه (اشتراه لنفسه أو للقراض) لأن الاختلاف هنا في نية المشتري وهو أعلم بما نواه لا يطلع عليه أحد سواه. ومثله وكيل وشريك عنان ووجوه. (و) يقبل أيضا قول العامل في نفي (ما يدعي عليه من خيانة أو جناية، أو مخالفته شيئا مما شرطه) رب المال (عليه)، لأن الأصل عدم ذلك. ولو
612 كان المضارب يدفع إلى رب المال في كل وقت شيئا معلوما، ثم طلب رب المال رأس ماله، فقال المضارب: كل ما دفعت إليك من رأس المال، ولم أكن أربح شيئا، فقول المضارب في ذلك نص عليه في رواية مهنا. (ويقبل قوله) أي العامل (أنه) أي رب المال (لم ينهه عن بيعه نساء، أو) أنه لم ينهه عن (الشراء بكذا)، لأن الأصل معه (وتقدم في الوكالة. وكذا لو اشترى) العامل (عبدا فقال رب المال: كنت نهيتك عن شرائه فأنكر) العامل النهي، فالقول قوله، لأن الأصل عدمه. (والقول قول رب المال في رده) أي المال (إليه) أي إذا اختلفا في رد مال المضاربة فالقول قول رب المال بيمينه، لأنه منكر. والعامل قبض المال لنفع له فيه، فلم يقبل قوله في رده كالمستعير. (و) القول قول رب المال أيضا (في الجزء المشروط للعامل بعد الربح) فلو قال: شرطت لي نصف الربح وقال المالك: بل ثلثه. فالقول قول المالك. لأنه ينكر السدس الزائد واشتراطه له، والقول قول المنكر. (كقبوله) أي قول المالك (في صفة خروجه) أي المال (عن يده) أي يد الآخذ، (فلو أقام كل واحد منهما بينة بما قاله. قدمت بينة العامل) لأن معها زيادة علم. وهو ما يقتضي عدم ضمان المال، ولأنه خارج. (فلو دفع إليه مالا يتجر به ثم اختلفا، فقال رب المال: كان قراضا) على النصف مثلا. (فربحه بيننا. وقال العامل: كان قرضا، فربحه كله لي. فالقول قول رب المال). لأن الأصل بقاء ملكه عليه (فيحلف) رب المال. (ويقسم الربح بينهما) نصفين (وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه تعارضتا) أي البينتان وسقطتا، (وقسم) الربح (بينهما نصفين) نص عليه في رواية مهنا. واقتصر عليه في المغني، لان الأصل بقاء ملك رب المال عليه، وتبع الربح، لكن قد اعترف بنصف الربح منه للعامل، فبقي الباقي على الأصل. والمذهب: تقدم بينة العامل، كما قدمه أولا. (وإن قال رب
613 المال: كان بضاعة) فربحه لي، (وقال العامل: كان قراضا) فربحه لنا، (أو) كان (قرضا) فربحه لي (حلف كل منهما على إنكاره ما ادعاه خصمه)، لأن كلا منها منكر لما ادعاه خصمه عليه، والقول قول المنكر. (وكان للعامل أجرة) مثل (عمله لا غير)، والباقي لرب المال، لأنه نماء ماله تابع له (وإن خسر المال أو تلف) المال (فقال رب المال: كان قرضا. وقال العامل: كان قراضا أو بضاعة. فقول رب المال) لأن الأصل في القابض لمال غيره الضمان. (وإن قال العامل) في مال المضاربة (ربحت ألفا ثم خسرتها، أو هلكت. قبل قوله) بيمينه لأنه أمين، (وإن قال: غلطت) في قولي (أو نسيت أو كذبت لم يقبل) قوله. لأنه رجوع عن إقرار بحق لآدمي، ولو خسر العامل واقترض ما تمم به رأس المال ليعرضه على ربه تاما، فعرضه عليه وقال: هذا رأس مالك فأخذه، فله ذلك. ولا يقبل رجوع العامل عن إقراره له، ولا تقبل شهادة المقرض لأنه يجر بها إلى نفسه نفعا. وليس له مطالبة رب المال، بل العامل. (وإن دفع رجل إلى رجلين مالا قراضا على النصف) له والنصف لهما، (فنض المال، وهو) أي المال (ثلاثة آلاف. فقال رب المال: رأس المال ألفان فصدقه أحدهما، وقال الآخر: بل هو ألف، فقول المنكر مع يمينه. فإذا حلف أنه ألف فالربح ألفان، ونصيبه منهما خمسمائة، ويبقى ألفان وخمسمائة، يأخذ رب المال ألفين) لأن الآخر يصدقه، (يبقى خمسمائة ربحا بين رب المال والعامل الآخر، يقتسمانها أثلاثا لرب المال ثلثاها وللعامل ثلثها)، لأن نصيب رب المال من الربح نصفه، ونصيب هذا العامل ربعه. فيقسم بينهما باقي الربح على ثلاثة. وما أخذه الحالف فيما زاد على قدر نصيبه كالتالف منهما، والتالف يحسب في المضاربة من الربح. (وإذا شرط المضارب النفقة، ثم ادعى أنه أنفق من ماله، وأراد الرجوع فله ذلك). أي الرجوع (ولو يعد رجوع المال إلى مالكه) لأنه أمين. فكان
614 القول قوله، كالوصي إذا ادعى النفقة على اليتيم. (ولو دفع عبده، أو) دفع (دابته إلى من يعمل بهما بجزء من الأجرة) جاز، (أو) دفع (ثوبا) إلى من (يخيطه، أو) دفع (غزلا) إلى من (ينسجه بجزء من ربحه)، قال في المغني: وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا ليبيعها وله نصف ربها بحق عمله، جاز. نص عليه في رواية حرب. وإن دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه، جاز نص عليه. (أو) دفع ثوبا إلى من يخيطه أو غزلا إلى من ينسجه (بجزء منه) مشاع معلوم (جاز)، لأن ذلك عين تنمى بالعمل عليها فصح العقد عليها ببعض نمائها، كالشجر في المساقاة، والأرض في المزارعة. وبهذا يتبين أن تخريجها على المضاربة بالعروض فاسد. فإن المضاربة إنما تكون بالتجارة والتصرف في رقبة المال، وهذا بخلافه. وعلى قياس ما سبق: لو دفع شبكته إلى صياد ليصيد بها ويكون بينهما نصفين قاله الموفق. وقال ابن عقيل: لا يصح. والصيد كله للصائد. وعليه أجرة الشبكة. (ومثله) أي ما ذكر (حصاد زرعه) بجزء مشاع منه، (وطحن قمحه) بجزء مشاع منه، (ورضاع رقيقه) بجزء مشاع منه، (وبيع متاعه بجزء مشاع من ربحه، واستيفاء مال بجزء منه ونحوه) كبناء دار ونجر باب، وضرب حديد نحو إبر بجزء مشاع منها، (وغزوه بدابته) أي فرسه (بجزء من السهم) الذي يعطي لها، وأل فيه للجنس فيصدق بالسهمين إن كانت عربية. (وهي) أي هذه المسألة (مسألة قفيز الطحان) ذكره في الانصاف. وما رواه الدارقطني عن النبي (ص): أنه نهى عن عسب الفحل وقفيز الطحان، لا ينافي ذلك، لأن المقدر هنا جزء مشاع، بخلاف ما إذا قدر له قفيزا، فإنه لا يدري الباقي بعد القفيز كم هو؟ فتكون المنفعة مجهولة، أشار إليه في المغني. وأنت خبير بأن الحقيق أن يسمى بمسألة قفيز الطحان إذا
615 سمي له قفيز لا جزء مشاع. (لكن لو دفع إليه الثوب) ليخيطه أو ينسجه (ونحوه) كالقمح ليطحنه (بالثلث أو الربع ونحوه) كالخمس، (وجعل) الدافع (له) أي للعامل (مع ذلك) الجزء المشاع (درهما أو درهمين ونحوه) كأربعة دراهم، (لم يصح) ذلك. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: لا بأس بالثوب يدفع بالثلث أو الربع. وسئل عن الرجل يعطي الثوب بالثلث ودرهم أو درهمين؟ قال: أكرهه، لأن هذا شئ لا يعرف. والثلث إذا لم يكن معه شئ نراه جائزا. لحديث جابر: أن النبي (ص): أعطى خيبر على الشطر قيل لأبي عبد الله: فإن كان النساج لا يرضى حتى يزاد على الثلث درهما. قال: فليجعل له ثلثا وعشر الثلث أو نصف عشر وما أشبهه. (ولو دفع) إنسان (دابته، أو) دفع (نحله لمن يقوم به بجزء من نمائه، كدر ونسل وصوف وعسل ونحوه) كمسك وزباد، (لم يصح) لحصول نمائه بغير عمل منه. (وله) أي العامل (أجرة مثله) لأنه عمل بعوض لم يسلم له، (و) إن دفع ذلك (بجزء) مشاع معلوم (منه) أي من المدفوع، (يجوز) إذا كان العقد على (مدة معلومة) كسنة ونحوها ، (ونماؤه) أي المدفوع (ملك لهما) على حسب ملكهما في الأصل. لأنه نماء ملكها. فصل: القسم (الثالث: شركة الوجوه وهي أن يشتريا في ذمتيهما بجاهيهما شيئا يشتركان في ربحه، من غير أن يكون لهما رأس مال على أن ما اشترياه فهو بينهما نصفين أو أثلاثا أو نحو ذلك) مما يتفقان عليه. سميت بذلك لأنهما يعاملان فيها بوجههما. والجاه والوجه واحد. يقال: فلان وجيه إذا كان ذا جاه وهي جائزة، إذ معناها: وكالة كل واحد منهما صاحبه في الشراء والبيع
616 والكفالة بالثمن، وكل ذلك صحيح. لاشتمالها على مصلحة من غير مفسدة. (فيكون الملك) فيما يشتريان (بينهما على ما شرطاه، ويبيعان ذلك. فما قسم الله من الربح فهو بينهما) على ما شرطا. لقوله (ص): المؤمنون عند شروطهم ولان عقدها مبناه على الوكالة فيتقيد بما أذن فيه، وسواء (عينا جنسه) أي ما يشتريان (أو قدره، أو قيمته، أو لا) لأن ذلك إنما يعتبر في الوكالة المفردة. أما الوكالة الداخلة فضمن الشركة فلا يعتبر فيها ذلك بدليل المضاربة وشركة العنان. فإن في ضمنهما توكيلا. ولا يعتبر فيهما شئ من هذا. (فلو قال كل منهما للآخر: ما اشتريت من شئ فبيننا، صح) لما تقدم. (وما ربحا فهو بينهما على ما شرطاه) كشركة العنان وغيرها. (وكل منهما وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن)، لأن مبناها على الوكالة والكفالة (والوضيعة على قدر ملكيهما فيه) أي فيما يشتريانه. فعلى من يملك فيه الثلثين: ثلثا الوضيعة. وعلى من يملك فيه الثلث: ثلثها، سواء كانت لتلف أو بيع بنقصان وسواء كان الربح بينهما كذلك أو لم يكن، لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال وهو مختص بملاكه. فوزع بينهما على قدر حصصهما. (وهما) أي شريكا الوجوه (في التصرف) بنحو بيع وإقرار وخصومة، (كشريكي العنان فيما يجب لهما وعليهما) وفيما يمتنع وسائر ما تقدم. تتمة: إذا أقضى العامل بمال المضاربة دينه ثم أتجر بوجهه، وأعطى رب المال نصف الربح، فنقل صالح أما الرابح: فأرجو إذا كان متفضلا عليه. فصل: القسم (الرابع: شركة الأبدان) أي شركة بالأبدان، فحذفت الباء ثم أضيفت. لأنهم بذلوا أبدانهم في الأعمال
617 لتحصل المكاسب، (وهي) ضربان. أحدهما (أن يشتركا) أي اثنان فأكثر (فيما يتقبلان بأبدانهما في ذممهما من العمل، فهي شركة صحيحة) روى أبو طالب: لا بأس أن يشترك القوم بأبدانهم، وليس لهم مال، مثل الصيادين والبقالين والحمالين. وقد أشرك النبي (ص) عمار وسعد وابن مسعود، فجاء سعد بأسيرين، ولم يجيئا بشئ. والحديث رواه أبو داود والأثرم. وكان ذلك في غزوة بدر. وكانت غنائمها لمن أخذها قبل أن يشرك الله تعالى بين الغانمين. ولهذا نقل أن النبي (ص) قال: من أخذ شيئا فهو له. فكان ذلك من قبيل المباحات ولا يشترط لصحتها اتفاق الصنعة، فتصح. (ولو مع اختلاف الصنائع) كاشتراك حداد ونجار وخياط، لأنهم اشتركوا في مكسب مباح فصح، كما لو اتفقت الصنائع (وما يتقبله أحدهما من العمل يصير في ضمانهما يطالبان به، ويلزمهما عمله)، لأن مبنى هذه الشركة على الضمان. فكأنها تضمنت ضمان كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه. (ويلزم غير العارف منهما) بذلك العمل (أن يقيم مقامه) في العمل، ليحصل المقصود لكل من الشريكين والمستأجر. (ولو قال أحدهما: أنا أتقبل وأنت تعمل، صحت الشركة) جعلا لضمان المتقبل كالمال. (ولكل منهما المطالبة بالأجرة) لعمل تقبله وهو أو صاحبه. (وللمستأجر دفعها إلى كل) واحد (منهما، ويبرأ منها) أي الأجرة (الدافع) بالدفع لأحدهما، لأن كل واحد منهما كالوكيل عن الآخر. (وإن تلفت) الأجرة (في يد أحدهما من غير تفريط، فهي من ضمانهما) تضيع عليهما، لأن كل واحد منهما وكيل الآخر في المطالبة والقبض. (وما يتلف) من الأعيان أو الأجرة (بتعدي أحدهما أو تفريطه أو تحت يده، على وجه يوجب الضمان عليه) كمنع أو جحود، (فهو) أي التالف (عليه وحده) لانفراده بما يوجب الضمان. (وإن أقر أحدهما بما في يده) من الأعيان (قبل) إقراره (عليه، وعلى شريكه) لأن اليد له فيقبل إقراره بما فيها، بخلاف إقراره بما في يد شريكه، أو بدين عليه. (ولا يقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدين عليه) أي على شريكه، لأنه لا يدله على ذلك. الضرب الثاني ذكره
618 بقوله: (ويصح) الاشتراك (في تملك المباحات من الاحتشاش، والاصطياد، والتلصص على دار الحرب، وسائر المباحات). لما تقدم من نص الامام واحتجاجه. و (كالاستئجار عليها) أي على المباحات (وإن مرض أحدهما) أي الشريكين، (أو ترك العمل ولو بلا عذر. فالكسب بينهما) على ما شرطاه، لأن العمل مضمون عليهما، وبضمانهما له وجبت الأجرة فتكون لهما. ويكون العامل منهما عونا لصاحبه في حصته، ولا يمنع ذلك استحقاقه، كمن استأجر رجلا ليقصر له ثوبا فاستعان بآخر. (فإن طالبه) أي المريض (الصحيح) ب (- أن يعمل) معه (أو) أن (يقيم مقامه من يعمل) معه (لزمه ذلك)، لأنهما دخلا على أن يعملا. فإذا تعذر عمل أحدهما بنفسه لزمه أن يقيم مقامه، توفية لما يقتضيه العقد. (فإن امتنع) المريض ونحوه من أن يقيم مقامه، (فللآخر الفسخ) أي فسخ الشركة، بل له فسخها. وإن لم يمتنع، لأنها غير لازمة كما سبق. (فإن اشتركا ليحملا على دابتيهما ما يتقبلان حمله في الذمة والأجرة بينهما، صح) ذلك، لأن تقبلهما الحمل أثبت الضمان في ذمتهما (ولهما أن يحملاه على أي ظهر كان)، والشركة تنعقد على الضمان كشركة الوجوه. (وإن اشتركا في أجرة عين الدابتين) لم يصح، (أو) اشتركا (في أجرة أنفسهما إجارة خاصة، لم يصح) ذلك. لأن المكتري استحق منفعة البهيمة التي استأجرها، أو منفعة المؤجر نفسه. ولهذا تنفسخ بموت المؤجر من بهيمة أو إنسان، فلم يتأت ضمان فلم تصح الشركة لأن مبناها عليه. (ولكل) واحد (منهما أجرة دابته، و) أجرة (نفسه) لعدم صحة الشركة. (فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل. كان له) عليه (أجرة مثله) لأنه عمل طامعا في عوض لم يسلم له. (وإن اشترك اثنان لأحدهما آلة قصارة، وللآخر بيت، فاتفقا على أن يعملا) أي أن يقصرا ما يتقبلان عمله من الثياب (بآلة هذا في بيت هذا والكسب بينهما صح) ذلك، لأن الشركة وقعت على عملهما. والعمل يستحق به الربح في الشركة. والآلة والبيت لا يستحق بهما شئ لأنهما يستعملان في العمل المشترك. فصارا كالدابتين اللتين يحملان عليهما ما يتقبلان حمله في ذمتهما، (فإن فسدت الشركة) لنحو جهالة ربح (قسم الحاصل بينهما على
619 قدر أجر عملهما، و) على قدر (أجرة الدار والدابة) لأن العوض قد أخذ في مقابلة تلك المنافع، فلزم توزيعه عليها بالمحاصة كما لو أجروها بأجر واحد. (وإن كانت لأحدهما) أي الشريكين (آلة وليس للآخر شئ، أو لأحدهما بيت وليس للآخر شئ. فاتفقا) أي الشريكان (على أن يعملا بآلة أو) على أن يعملا (في البيت والأجرة بينهما) أنصافا، أو متفاضلة. (جاز) لما ذكرنا فيما لو كان لأحدهما آلة والآخر بيت (وإن دفع) إنسان (دابة إلى آخر ليعمل عليها، وما رزق الله بينهما على ما شرطاه) من تساو أو تفاضل، (صح. وهو يشبه المساقاة والمزارعة وتقدم قريبا) في آخر المضاربة. (ولو اشترك ثلاثة، لواحد دابة ولآخر راوية وثالث يعمل) بالراوية على الدابة على أن ما رزقه الله فهو بينهم. (أو اشترك أربعة، لواحد دابة ولآخر رحى ولثالث دكان ورابع يعمل) الطحن بالدابة والرحى في الدكان، وما رزقه الله فبينهم، (ففاسدتان) لأنهما ليسا من قبيل الشركة ولا المضاربة، لأنه لا يجوز أن يكون رأس مالهما العروض. ولا إجارة لأنها تفتقر إلى مدة معلومة وأجر معلوم ففسدتا (وللعامل الأجرة) لأنه هو المستأجر لحمل الماء والطحن. (وعليه) أي العامل (لرفقته أجرة آلتهم) لأنه استعملها بعوض لم يسلم لهم. فكان لهم أجرة المثل، كسائر الإجارات الفاسدة. (وقياس نصه) أي الامام في الدابة يدفعها إلى آخر يعمل عليها وما رزقه الله بينهما (صحتها) أي مسألة اشتراك الأربعة (واختاره الموفق وغيره) كالشارح وقدمه في الفروع والرعاية. (قال المنقح: وهو أظهر، وصححه في الانصاف)
620 والأول اختيار القاضي وأكثر الأصحاب. (ومن استأجر من الأربعة ما ذكر) من الدابة والرحى والدكان والعامل، (صح) العقد (و) تكون (الأجرة) بين الأربعة (بقدر القيمة). أي توزع عليهم على قدر أجر مثل الأعيان المؤجرة، (كتوزيع المهر فيما إذا تزوج) الرجل (أربعا) من النساء (بمهر واحد)، كما يأتي في الصداق. (وإن تقبل الأربعة) أي صاحب الدابة، وصاحب الرحى، وصاحب الدكان والعامل (الطحن في ذممهم) بأن قال لهم إنسان: استأجرتكم لطحن هذا القمح بمائة فقبلوا (صح) العقد، (و) تكون (الأجرة) بينهم (أرباعا)، لأن كل واحد منهم مؤجر لطحن ربعه بربع الأجرة. (ويرجع كل واحد) من الأربعة (على رفقته) الثلاثة (ل) أجل (تفاوت قدر العمل) منهم (بثلاثة أرباع أجر المثل) على كل واحد بالربع. فلو كانت أجرة مثل الدابة أربعين والرحى ثلاثين والدكان عشرين وعمل العامل عشرة، فإن رب الدابة يرجع على الثلاثة بثلاثة أرباع أجرتها. وهي ثلاثون مع ربع أجرتها الذي لا يرجع به على أحد وهو عشرة، فيكمل له أربعون. ويرجع رب الرحى على الثلاثة باثنين وعشرين ونصف مع ما لا يرجع به، وهو سبعة ونصف. فيكمل له ثلاثون ويرجع رب الدكان بخمسة عشر مع ما لا يرجع به وهو خمسة. فيكمل له عشرون، ويرجع العامل بسبعة ونصف مع ما لا يرجع به وهو درهمان ونصف فيكمل له عشرة. ومجموع ذلك مائة درهم، وهي القدر الذي استؤجروا به. وإنما لم يرجع بالربع الرابع لأن كل واحد منهم قد لزمه ربع الطحين بمقتضى الإجارة فلا يرجع بما لزمه على أحد. ولو تولى أحدهما الإجارة لنفسه كانت الأجرة كلها له، وعليه لكل واحد من رفقته أجرة ما كان من جهته. (وإن قال) إنسان لآخر (أجر عبدي أو) أجر (دابتي وأجرته بيننا) ففعل، (فالأجرة كلها لربه) أي العبد أو الدابة لأنها في مقابلة نفعه. (وللآخر أجرة مثله) فقط. لأنه عمل بعوض لم يسلم له. (وتصح شركة شهود. قاله الشيخ)، وقال أيضا إن اشتركوا على أن ما حصله كل واحد منهم بينهم، بحيث إذا كتب أحدهم وشهد شاركه الآخر، وإن لم يعمل فهي شركة الأبدان، تجوز حيث تجوز الوكالة. وأما حيث لا تجوز ففيه وجهان، كشركة الدلالين، انتهى. قلت:
621 فمقتضى هذا لا تصح كما لا تصح شركة الدلالين. (وقال) الشيخ: (وللشاهد أن يقيم مقامه إن كان) الجعل (على عمل في الذمة. وكذا إن كان الجعل على شهادته بعينه، انتهى. وموجب العقد المطلق) في شركة وجعالة وإجارة (التساوي في العمل والاجر) لأنه لأمر حج لواحد، فيستحق الفضل. (ولو عمل واحد) منهم (أكثر ولم يتبرع) بالزيادة (طالب بالزيادة) ليحصل التساوي، (ولا تصح شركة دلالين لأن الشركة الشرعية لا تخرج عن الوكالة والضمان، ولا وكالة هنا. فإنه لا يمكن توكيل أحدهما) للآخر (على بيع مال الغير، ولا ضمان، فإنه لا دين يصير بذلك في ذمة واحد منهما. ولا تقبل عمل. فهي) أي شركة الدلالين (كأجر دابتك والأجرة بيننا) فلا تصح، (وهذا في الدلالة التي فيها عقد. كما دل عليه التعليل) المذكور (قال الشيخ: فأما مجرد النداء والعرض) أي عرض المتاع للبيع (وإحضار الزبون فلا خلاف في جواز الاشتراك فيه. وقال: وليس لولي الأمر المنع بمقتضى مذهبه في شركة الأبدان، والوجوه، والمساقاة، والمزارعة، ونحوهما). وفي بعض النسخ: ونحوها، أي نحو المذكورات من مسائل الخلاف (مما يسوغ فيه الاجتهاد، انتهى). لأن فيه تضييقا وحرجا والاختلاف رحمة. (وإن جمعا) أي اثنان فأكثر، (بين شركة عنان، وأبدان، ووجوه ومضاربة، صح) لأن كل واحدة منها تصح مفردة فصحت مجتمعة. قال ابن منجا: وكما لو ضم ماء طهور إلى مثله.
622 فصل: (الخامس شركة المفاوضة) والمفاوضة: لغة الاشتراك في كل شئ، كالتفاوض. (وهي قسمان: أحدهما أن يدخلا فيها الأكساب النادرة، كوجدان لقطة، أو) وجدان (ركاز، أو ما يحصل لهما). أي الشريكين (من ميراث أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب، أو أرش جناية ونحو ذلك. ف) - هذه شركة (فاسدة) لأنه عقد لم يرد الشرع بمثله. ولما فيه من كثرة الغرر، لأنه قد يلزم فيه شئ لا قدرة للشريك على القيام به، ولأنه تضمن ما لا يقتضيه العقد من كفالة وغيرها. (ولكل منهما) أي الشريكين (ربح ماله. و) له (أجرة عمله و) كذا (ما يستفيده له) وحده، (ويختص بضمان ما غصبه أو جناه، أو ضمنه عن الغير) لفساد الشركة، ولكل نفس ما كسبت، وعليها ما اكتسبت القسم (الثاني) من قسمي شركة المفاوضة (تفويض كل منهما إلى صاحبه شراء، وبيعا. ومضاربة، وتوكيلا، وابتياعا في الذمة، ومسافرة بالمال وارتهانا، وضمانا) أي تقبل (ما يرى من الأعمال) كخياطة وحدادة، (ف) - هي (صحيحة) وهي الجمع بين عنان ومضاربة، ووجوه وأبدان. وتقدم وجه صحتها. (وكذا لو اشتركا في) كل (ما يثبت لهما أو) يثبت (عليهما إن لم يدخلا فيها كسبا نادرا) كميراث ووجدان لقطة (أو) يدخلا فيها (غرامة) من ضمان عصب، أو أرش جناية، أو مهر وطئ ونحوها، فإن أدخلا ذلك فهي الفاسدة، وتقدمت.
623 باب المساقاة، والمناصبة، والمزارعة جمعها في باب لاشتراكها في الاحكام. (المساقاة) مفاعلة من السقي، لأنه أهم أمرها، وكانت النخل بالحجار تسقى نضحا، أي من الآبار، فيعظم أمره وتكثر مشقته. وهي (دفع أرض وشجر له ثمر مأكول) خرج به الصفصاف، والحور، والعفص، ونحوه، والورد ونحوه. (لمن يغرسه) ويعمل عليه بجزء مشاع معلوم من ثمرته أو منه، وهي المناصبة وتأتي. (أو) دفع شجر له ثمر مأكول (مغروس معلوم) بالمشاهدة (لمن يعمل عليه، ويقوم بمصلحته بجزء مشاع معلوم من ثمرته) لا منه، ولا بآصع أو دراهم ويأتي. فعلمت: أن المساقاة أعم من المناصبة. (والمزارعة) مشتقة من الزرع. وتسمى مخابرة من الخبار بفتح الخاء، وهي الأرض اللينة، ومؤاكرة، والعامل فيها خبير ومؤاكر. (دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه، أو) دفع حب (مزروع) ينمى بالعمل (لمن يعمل عليه بجزء مشاع معلوم من المتحصل)، والأصل في جوازها السنة. فمنها ما روى ابن عمر قال: عامل النبي (ص) أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع متفق عليه. وقال أبو جعفر محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب: عامل النبي (ص) أهل خيبر بالشطر، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث أو الربع. وهذا عمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكر. فكان كالاجماع، ولان الحاجة تدعو إلى ذلك لأن كثيرا من الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر، وأهل الشجر يحتاجون إلى العمل، ففي تجويزها دفع للحاجتين، وتحصيل لمنفعة كل منهما، فجاز كالمضاربة. (ويعتبر كون عاقديهما) أي المساقاة والمزارعة (جائزي التصرف) لأن كلا منهما عقد معاوضة، فاعتبر لها ذلك كالبيع . (فتجوز المساقاة في كل شجر له ثمر مأكول) وإن لم يكن نخلا ولا كرما لما تقدم. لا
624 يقال: ابن عمر قد رجع عما روى، لقوله: كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج أن النبي (ص) نهى عن المخابرة لأنه لا يجوز حمل حديث رافع على ما يخالف الاجماع، لأنه (ص) لم يزل يعامل أهل خيبر حتى مات، ثم عمل به الخلفاء بعده، ثم من بعدهم. فكيف يتصور نهيه (ص) عن ذلك. بل هو محمول على ما روى البخاري عنه قال: كنا نكري الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الأرض، فربما يصاب ذلك وتسلم الأرض، وربما تصاب الأرض ويسلم ذلك، فنهينا. فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ وروى تفسيره، أيضا بشئ غير هذا من أنواع الفساد، وهو مضطرب أيضا. قال الامام: رافع يروى عنه في هذا ضروب. كأنه يريد: أن اختلاف الروايات عنه يوهن حديثه. فعلى المذهب: لا تصح المساقاة على ما ليس له ثمر مأكول، كالصفصاف، والسرو، والورد ونحوها، لأنه ليس منصوصا عليه، ولا في معنى المنصوص عليه، ولان المساقاة إنما تكون بجزء من الثمرة، وهذا لا ثمرة له. (وقال الموفق) والشارح (تصح) المساقاة (على ماله ورق يقصد، كتوت، أو له زهر يقصد كورد ونحوه) كياسمين، إجراء للورق والزهر مجرى الثمرة، (وعلى قياسه) أي قياس ماله ورق أو زهر يقصد. (شجر له خشب كحور وصفصاف) لكن صرح الموفق والشارح: أنها لا تصح في الصنوبر والحور والصفصاف ونحوها بلا خلاف، مع أن خشبه مقصود أيضا، فكيف يقاس على
625 كلامهما ما صرحا بنفيه. إلا أن يقال: القصد منه إلزامهما الحجة، أي هذا لازم لكم مع أنكم لا تقولون به. وقوله: (بجزء مشاع معلوم من ثمره) متعلق بقوله: فتجوز المساقاة (أو) من (ورقه ونحوه) كزهره على قول الموفق والشارح، (بجعل) أي يسمى ذلك الجزء (للعامل) أو لرب الشجر، فيكون ما عداه للعامل، كما تقدم في المضاربة. (ولو ساقاه على ما يتكرر حمله من أصول البقول والخضراوات كالقطن) الذي يؤخذ مرة بعد أخرى. (و) ك (- المقاثي) من نحو بطيخ وقثاء، (و) ك (- الباذنجان ونحوه) لم تصح، لأن ذلك ليس بشجر. وتصح المزارعة عليه على مقتضى ما يأتي تفصيله. (أو) ساقاه (على شجر لا ثمر له، كالحور والصفصاف، لم يصح على الأول) كما تقدم. (وتصح) المساقاة (بلفظ مساقاة) لأنه لفظها الموضوع لها، (و) بلفظ (معاملة ومفالحة، واعمل بستاني هذا حتى تكمل ثمرته وبكل لفظ يؤدي معناها) لأن القصد المعني، فإذا دل عليه بأي لفظ كان صح كالبيع. (وتقدم) في الوكالة (صفة القبول) وإنه يصح بما يدل عليه من قول وفعل. فشروعه في العمل قبول، (وتصح هي) أي المساقاة بلفظ إجارة، (و) تصح (مزارعة بلفظ إجارة). فلو قال: استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط بنصف ثمرته أو زرعه صح. لأن القصد المعني، وقد وجد ما يدل على المراد منه. (وتصح إجارة الأرض) معلومة مدة معلومة، (بنقد) معلوم (و) ب (- عروض) معلومة. وهو ظاهر (و) تصح إجارتها أيضا (بجزء مشاع معلوم) كالنصف والثلث، (مما يخرج منها) سواء كان طعاما، كالبر والشعير، أو غيره كالقطن والكتان وهو إجارة حقيقة، كما لو أجرها بنقد. وقال أبو الخطاب ومن تبعه: هي مزارعة بلفظ الإجارة مجازا. (فإن لم يزرعها) أي المستأجر (في إجارة أو مزارعة) أي سواء قلنا: إنها إجارة أو مزارعة، كما عبر به شارح المنتهى وغيره. (نظر إلى معدل المغل) من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي إلى المغل المعدل أي الموازن لما يخرج منها لو زرعت. (فيجب القسط
626 المسمى فيه) أي في العقد، وإن، فسدت فأجرة المثل. (وتصح إجارتها) أي الأرض (بطعام معلوم من جنس الخارج منها) كما لو أجرها ليزرعها برا بقفيز بر. فإن قال: مما يخرج منها. فسدت صرح به المجد. (و) تصح إجارتها أيضا بطعام معلوم (من غير جنسه)، أي الخارج منها بأن أجرها بشعير لمن يزرعها برا، (وتصح المساقاة على) شجر له (ثمرة موجودة لم تكمل) تنمى بالعمل، (و) تصح المزارعة (على زرع نابت ينمى بالعمل) لأنها إذا جازت في المعدوم مع كثرة الغرر فيه، ففي الموجود مع قلة الغرر أولى. (فإن بقي من العمل ما لا نزيد به الثمرة) أو الزرع، (كالجذاذ ونحوه) كالحصاد. (لم يصح) عقد المساقاة ولا المزارعة. قال في المغني والمبدع: بغير خلاف. (وإذا ساقاه على ودي نخل) أي صغاره (أو) ساقاه على (صغار شجر إلى مدة يحمل فيها غالبا بجزء من الثمرة، صح) العقد، لأنه ليس فيه أكثر من أن عمل يكثر ونصيبه يقل. وهذا لا يمنع صحتها كما لو جعل له جزء من ألف جزء. وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء) مشاع (معلوم من الثمرة أو من الشجر، أو منهما. وهي المغارسة والمناصبة. صح) العقد، نص عليه. واحتج بحديث خيبر، ولان العمل وعوضه معلومان. فصحت كالمساقاة على شجر موجود. و (إن كان الغرس من رب المال) يعني الأرض كالمزارعة (قال الشيخ: ولو كان) المغارس (ناظر وقف، و) قال (إنه لا يجوز للناظر بعده بيع نصيب الوقف) من الشجر (بلا حاجة، انتهى). ومراده بالحاجة: ما يجوز معه بيع الوقف، ويأتي مفصلا. (فإن كان الغراس من العامل فصاحب الأرض بالخيار بين قلعه ويضمن له نقصه، وبين تركه في أرضه ويدفع إليه) أي العامل (قيمته) أي الغراس (كالمشتري إذا غرس في الأرض) التي اشتراها، (ثم أخذه) أي الشقص المشفوع (الشفيع) بالشفعة كما يأتي. (وإن اختار العامل قلع شجره فله ذلك، سواء
627 بذل له) صاحب الأرض (القيمة أو لا) لأنه ملكه. فلم يمنع تحويله. (وإن اتفقا) أي صاحب الأرض والعامل (على إبقائه)، أي الغراس في الأرض، (ودفع أجرة الأرض جاز) لأن الحق لا يعدوهما. (وقيل: يصح كون الغراس من مساق ومناصب. قال الشيخ: وعليه العمل) وقال في الانصاف حكمه حكم المزارعة، اختاره المصنف أي الموفق، والشارح وابن رزين وأبو محمد الجوزي، والشيخ تقي الدين والحاوي الصغير، وجزم به ابن رزين في نهايته ونظمها. قلت: وهو أقوى دليلا، انتهى. (ولو دفع أرضه) لمن يغرسها (على أن الأرض والغراس بينهما فسد). قال في المغني: ولا نعلم فيه مخالفا، لأنه شرط اشتراكهما في الأصل. (كما لو دفع إليه الشجر المغروس) مساقاة (ليكون في الأصل والثمرة بينهما، أو شرط في المزارعة كون الأرض والزرع بينهما) فلا يصحان لما تقدم، وكذا المضاربة. (ولو عملا في شجر لهما وهو) أي الشجر (بينهما نصفان وشرطا) أي الشريكان (التفاضل في ثمره) بأن قالا: على أن لك الثلث ولي الثلثين (صح) لأن من شرط له الثلثان قد يكون أقوى على العمل وأعلم به ممن شرط له الثلث. (ومن شرط صحة المساقاة: تقدير نصيب العامل بجزء) مشاع (من الثمرة، كالثلث والربع) والخمس، لما سبق من أنه (ص): عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع. (فلو جعل) رب شجر (للعامل جزءا من مائة جزء) جاز (أو) جعل رب الشجر (الجزء) من مائة جزء (لنفسه، والباقي للعامل، جاز) ما تراضوا عليه، لأن الحق لا يعدوهما. (ما لم يكن) شرطهما لرب الشجر جزءا من مائة جزء، والباقي للعامل (حيلة) على بيع الثمرة بدو صلاحها، فلا يصح. (ويأتي قريبا) موضحا. (ولو جعل) رب الشجر (له) أي للعامل (آصعا معلومة) كعشرة. لم تصح، لأنه قد لا يخرج إلا ذلك، فيختص به العامل. (أو) جعل له (دراهم) ولو معلومة لم تصح لأنه قد لا يخرج من
628 النماء ما يساوي تلك الدراهم. (أو جعلها) أي الأصع المعلومة أو الدراهم (مع الجزء) المشاع (المعلوم)، بأن ساقاه على الثلث وخمسة آصع أو خمسة دراهم، (فسدت) المساقاة لخروجها عن موضوعها. (وكذلك) تفسد (إن شرط) رب الشجر (له) أي للعامل (ثمر شجر بعينه) لأنه قد لا يحمل غيره، أو لا يحمل بالكيلة. فيحصل الضرر والغرر. (فإن جعل) رب الشجر (له) أي للعامل (ثمرة سنة غير الستة التي ساقاه عليها) أي الثمرة (فيها) أي السنة، بأن ساقاه على سنة أربع بجزء من ثمرة سنة خمس، لم تصح. (أو) جعل له (ثمر) ة (شجر غير الشجر الذي ساقاه عليه) بأن قال له: اعمل في هذا البستان الشرقي بربع ثمر الغربي لم تصح. (أو) شرط عليه (عملا في غير الشجر الذي ساقاه عليه) بأن ساقاه على بستان بنصف ثمره على أن يعمل له في بستان آخر. (أو) شرط عليه (عملا في غير السنة) بأن قال له: اعمل في هذا البستان سنة بنصف ثمره على أن تعمل فيه في السنة الآتية. (فسد العقد)، لان هذا كله يخالف موضوع المساقاة. إذ موضوعها أنه العمل في شجر معين بجزء مشاع من ثمرته في ذلك الوقت الذي يستحق عليه فيه العمل، (سواء جعل ذلك) الثمر (كله حقه) أي العامل في نظير عمله، (أو) جعله (بعضه) بأن سمى له النصف أو نحوه، (أو) شرط (جميع العمل) على العامل (أو بعضه)، بأن شرط أن يعمل نصف السنة أو نحو ذلك. (وإذا كان في البستان شجر من أجناس، كتين وزيتون وكرم. فشرط) رب البستان (للعامل من كل جنس) من الشجر (قدرا) معلوما (كنصف ثمر التين وثلث) ثمر (الزيتون، وربع) ثمر (الكرم) صح، (أو كان فيه) أي البستان (أنواع من جنس. فشرط من كل نوع قدرا) كنصف البرني، وثلث الصيحاني، وربع الإبراهيمي. (وهما) أي رب البستان والعامل (يعرفان قدر كل نوع. صح) العقد على ما شرطا، لأن ذلك بمنزلة ثلاثة بساتين، ساقاه على كل بستان بقدر مخالف للقدر المشروط من الآخر، ولو ساقاه على بستان واحد نصفه هذا بالثلث ونصفه هذا بالربع، وهما متميزان، صح، لأنهما كبستانين. (وإن كان البستان لاثنين فساقيا عاملا واحدا، على أن له نصف نصيب أحدهما، وثلث نصيب الآخر، والعامل عالم ما لكل واحد
629 منهما) من البستان (صح). العقد. لأنه بمنزلة بستانين ساقاه كل واحد منهما على واحد بجزء مخالف للآخر. (وكذا إن جهل) العامل (ما لكل واحد منهما) من البستان (إذا شرطا قدرا واحدا) كأن يقولا اعمل في هذا البستان بالثلث، لأن ثلث نصيب كل منهما بالغا ما بلغ. (كما لو قالا: بعناك دارنا هذه بألف، ولم يعلم) المشتري (نصيب كل واحد منهما) فإنه يصح، لأنه اشترى الدار كلها منهما. وهما يقتسمان الثمن على قدر ملكيهما. (ولو ساقى واحد) على بستان له (اثنين ولو مع عدم التساوي بينهما في النصيب) بأن جعل لأحدهما السدس وللثاني الثلث، صح (أو ساقاه) أي ساقى واحدا (على بستانه ثلاث سنين على أن له في السنة الأولى النصف، وفي) السنة (الثانية الثلث، وفي) السنة (الثالثة الربع. صح) لأن قدر الذي له في كل سنة معلوم، فصح. كما لو شرط له من كل نوع قدرا. (ولا تصح المساقاة إلا على شجر معلوم) للمالك والعامل (بالرؤية أو الصفة التي لا يختلف) الشجر (معها، كالبيع). هكذا في المعنى وشرح المنتهى وغيرهما. والمراد كما يصح البيع بالوصف، لما تقدم من أنه خاص بما يصح السلم فيه. (فإن ساقاه على بستان لم يره، ولم يوصف له، أو على أحد هذين الحائطين لم تصح) المساقاة، لأنها معاوضة يختلف الغرض فيها باختلاف الأعيان، فلم تجز على غير معين كالبيع. (وتصح) المساقاة (على البعل) الذي يشرب بعروقه (كالسقي) الذي يحتاج لسقي، لأن الحاجة تدعو إلى المعاملة في ذلك، كدعائها إلى المعاملة في غير، فيقاس عليه. وكذا الحكم في المزارعة.
630 فصل: (والمساقاة والمزارعة عقدان جائزان) من الطرفين. لما روى مسلم عن ابن عمر في قصة خيبر: فقال رسول الله (ص): نقركم على ذلك ما شئنا. ولو كان لازما لم يجز بغير توقيت مدة، ولا أن يجعل الخيرة إليه في مدة إقرارهم، ولأنها عقد على جزء من نماء المال. فكانت جائزة كالمضاربة. (يبطلان بما تبطل به الوكالة) من موت، وجنون، وحجر لسفه، وعزل. (ولا يفتقران إلى القبول لفظا) بل يكفي الشروع في العمل قبولا كالوكيل. (ولا) يفتقران (إلى ضرب مدة يحصل الكمال فيها)، لأنه (ص) لم يضرب لأهل خيبر مدة، ولا خلفاؤه من بعده. (ولكل منهما فسخها) أي المساقاة أو المزارعة متى شاء، لأنه شأن العقود الجائزة. (فإن فسخت) المساقاة (بعد ظهور الثمرة، فهي) أي الثمرة (بينهما)، أي المالك والعامل (على ما شرطاه) عند العقد. لأنها حدثت على ملكهما، وكالمضاربة. (ويملك. العامل حصته) من الثمرة (بالظهور) كالمالك، وكالمضارب. (ويلزمه) أي العامل (تمام العمل) في المساقاة (كما يلزم المضارب بيع العروض، إذا فسخت المضاربة) قال المنقح: (فيؤخذ منه دوام العمل على العامل في المناصبة ولو فسخت) المناصبة (إلى أن تبيد) الشجر التي عقدت عليها المناصبة، والواقع كذلك. (فإن مات) العامل، في المساقاة أو المناصبة (قام وارثه مقامه في الملك والعمل)، لأنه حق ثبت للموروث وعليه فكان لوارثه. فإن أبى الوارث أن يأخذ ويعمل لم يجبر. ويستأجر الحاكم من التركة من يعمل. فإن لم تكن تركة أو تعذر الاستئجار منها بيع من نصيب العامل ما يحتاج إليه لتكميل العمل، واستؤجر من يعمله، ذكره في المغني.
631 (وإن باعه) أي نصيب العامل هو أو وارثه (لمن يقوم مقامه) بالعمل، (جاز) لأنه ملكه. وإن تعلق به حق المالك من حيث العمل، لم يمنع صحة البيع، لأنه لا يفوت عليه، لكن إن كان المبيع ثمرا لم يصح إلا بعد بدو الصلاح، أو لمالك الأصل. وإن كان المبيع نصيب المناصب من الشجر صح مطلقا. (وصح شرطه) أي العمل من البائع على المشتري (كالمكاتب إذا بيع على كتابته، وللمشتري الملك وعليه العمل)، لأنه يقوم مقام البائع فيما له وعليه. (فإن لم يعلم) المشتري بما لزم البائع من العمل، (فله الخيار بين الفسخ وأخذ الثمن) كاملا (وبين الامساك وأخذ الأرش، كمن اشترى مكاتبا لم يعلم أنه مكاتب. وإن فسخ العامل أو هرب قبل ظهورها) أي الثمرة (فلا شئ له) لأنه قد رضي بإسقاط حقه. فصار كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح، وعامل الجعالة إذا فسخ قبل تمام عمله. (وإن فسخ رب المال) المساقاة قبل ظهور الثمرة، وبعد شروع العامل في العمل (فعليه للعامل أجرة) مثل (عمله) بخلاف المضاربة، لأن الربح لا يتولد من المال بنفسه، وإنما يتولد من العمل، ولم يحصل لعمله ربح. والثمر متولد من عين الشجر، وقد عمل على الشجر عملا مؤثرا في الثمر. فكان لعمله تأثير في حصول الثمر، وظهوره بعد الفسخ، ذكره ابن رجب في القواعد. (ويصح توقيتها) أي المساقاة. لأنه لا ضرر في تقدير مدتها، ولا يشترط توقيتها، لأنها عقد جائز كالوكالة. (وإن ساقاه إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبا فلم تحمل) الثمرة (تلك السنة، فلا شئ للعامل) لأنه دخل على ذلك، وكالمضاربة، (وإن مات العامل وهي) أي المساقاة (على عينه) أي ذاته، (أو جن أو حجر عليه لسفه انفسخت) المساقاة، (ك) - ما لو مات (رب المال) أو جن أو حجر عليه لسفه،، (وكما لو فسخ) المساقاة (أحدهما) لأنها عقد جائز من الطرفين. ولو حذف قوله: وهي على عينه، كالمقنع والفروع والانصاف والمبدع والمنتهى وغيرها، لأصاب (وإن ظهر الشجر مستحقا بعد العمل
632 أخذه) أي الشجر (ربه، و) أخذ (ثمرته) لأنه عين ماله، (ولا حق للعامل في ثمرته، ولا أجرة له) على رب الشجر، لأنه لم يأذن له في العمل. (وله) أي العامل (على الغاصب أجرة مثله) لأنه غره واستعمله. كما لو غصب نقرة واستأجر من ضربها دراهم. (وإن شمس) العامل (الثمرة فلم تنقص) قيمتها بذلك (أخذها ربها) أي المغصوب منه، (وإن نقصت) الثمرة بذلك (فله) أخذها و (أرش نقصها. ويرجع) به (على من شاء منهما) أي الغاصب والعامل، (ويستقر الضمان على الغاصب)، لأنه سبب يد للعامل. (وإن استحقت) الثمرة (بعد أن اقتسماها وأكلاها) أي الغاصب والعامل. (فللمالك تضمين من شاء منهما. فإن ضمن الغاصب فله تضمينه الكل، وله تضمينه قدر نصيبه) لان الغاصب سبب يد العامل. فلزمه ضمان الجميع. (و) له (تضمين العامل قدر نصيبه) لتلفه تحت يده، (فإن ضمن) المالك (الغاصب الكل رجع على العامل بقدر نصيبه) لان التلف وجد في يده فاستقر الضمان عليه. (ويرجع العامل على الغاصب بأجرة مثله) لأنه غره. وإن ضمن العامل احتمل أن لا يضمنه إلا نصيبه خاصة، لأنه ما قبض الثمرة كلها، بل كان مراعيا لها وحافظا. ويحتمل أن يضمنه الكل، لأن يده ثبتت عليه مشاهدة بغير حق. فإن ضمنه الكل رجع على الغاصب ببدل نصيبه منها وأجر مثله. وإن ضمن كل ما صار إليه رجع العامل على الغاصب بأجرة مثله لا غير، وإن تلفت الثمرة في شجرها أو بعد الجذاذ قبل قسمة. فمن جعل العامل قابضا لها بثبوت يده على حائطها قال: يلزمه ضمانها. ومن قال: لا يكون قابضا إلا بأخذ نصيبه منها. قال: لا يلزمه الضمان، ويكون على الغاصب، ذكره في المغني، وشرح المنتهى.
633 فصل: (ويلزم العامل) في مساقاة ومزارعة (ما فيه صلاح الثمرة والزرع وزيادتهما من السقي) بماء حاصل لا يحتاج إلى حفر بئر، ولا إلى إدارة دولاب. وقوله (والاستقاء) أي إخراج الماء من بئر أو نحوها بإدارة الدولاب لذلك، لا حفر البئر أو تحصيل الماء بنحو شراء. فإنه على المالك كما يأتي. (والحرث وآلته وبقره والزبال) بكسر الزاي: تخفيف الكرم من الأغصان. وكأنه مولد، قاله في الحاشية. (وقطع ما يحتاج إلى قطعه) من نحو جريد النخل، (وتسوية الثمرة وإصلاح الحفر التي يجتمع فيها الماء على أصول النخل، وإدارة الدولاب، والتلقيح والتشميس، وإصلاح طرق الماء، و) إصلاح (موضع التشميس، وقطع الحشيش المضر) بالشجر أو الزرع (من شوك وغيره، وقطع الشجر اليابس، وآلة ذلك كالفأس ونحوه) كالمنجل، (وتفريق الزبل) والسباخ، (ونقل الثمر ونحوه إلى جرين، وتجفيفه وحفظه) أي الثمر (في الشجر وفي الجرين إلى قسمة) لأن ذلك كله فيه صلاح الزرع وزيادتهما. فهو لازم للعامل بإطلاق العقد (وكذا الجذاذ إن شرط عليه) وصح شرطه عليه، لأنه لا يخل بمصلحة العقد، فصح كتأجيل الثمن، وشرط الرهن والضمين في البيع. (وإلا) يشترطه العامل (ف) - هو (عليهما بقدر حصتيهما) لأنه إنما يكون بعد تكامل الثمرة وانقضاء المعاملة، فكان عليهما، كنقل الثمرة إلى المنزل، وهكذا عللوه وفيه نظر. فإن
634 نقل الثمرة إلى الجرين والتشميس والحفظ نحوه، تقدم أنه على العامل مع أنه بعد الجذاذ. (فإن شرط العامل أن أجر الاجراء الذين يحتاج إلى الاستعانة بهم) يؤخذ (من) ثمن (الثمرة، وقدر) العامل (الأجرة أو لم يقدرها. لم يصح) ذلك (كما لو شرط لنفسه أجر عمله، لان العمل عليه) فلا يصح شرط أخذ عوضه، (و) يجب (على رب المال ما فيه حفظ الأصل من شد الحيطان ومثله)، أي مثل ما يحفظ الأصل تحصيل (السباخ. قاله الشيخ، وإجراء الأنهار، وحفر البئر والدولاب وما يديره) أي الدولاب (من آلة ودابة وشراء الماء، و) شراء (ما يلقح به وتحصيل الزبل. وقال الموفق وغيره: والأولى أن البقر التي تدير الدولاب على العامل، كبقر الحرث) وهو قول ابن أبي موسى. (فإن شرط) في مساقاة أو مزارعة (على أحدهما) أي المالك أو العامل (ما يلزم الآخر أو بعضه فسد الشرط والعقد) لأنه شرط يخالف مقتضى العقد فأفسده، كالمضاربة إذا شرط العمل فيها على رب المال. (وحكم العامل) في مساقاة ومزارعة (حكم المضارب فيما يقبل قوله و) في (- ما يرد) قوله فيه، لأن رب المال ائتمنه بدفع ماله. (فإن اتهم) رب المال العامل بخيانة (حلف) العامل، لاحتمال صدق المدعي. (وإن ثبتت خيانته قبل تمام العمل بإقراره أو ببينة أو نكوله (ضم إليه من يشارفه كالوصي إذا ثبتت خيانته) تحصيلا للغرضين، (فإن لم يمكن حفظه) أي المال من العامل (استؤجر من ماله من يعمل العمل يقوم مقامه ويزيل يده) لخيانته، (فإن عجز) العامل (عن العمل كضعفه مع أمانته ضم إليه قوي) أمين، (ولا تنزع يده) لأن العمل مستحق عليه، ولا ضرر في بقاء يده. (فإن عجز) العامل (بالكلية أقام) العامل (مقامه من يعمل، والأجرة عليه في الموضعين) لأن عليه توفية العمل، وهذا من توفيته. (وإذا ظهرت الثمرة ثم تلفت إلا
635 واحدة فهي بينهما) على ما شرطا كالكل. (ويلزم من بلغت حصته منهما نصابا زكاته) لان العامل يملك حصته بالظهور، كرب المال، (وإن ساقاه على أرض خراجية فالخراج على رب المال) لأنه يجب على رقبة الأرض، سواء أثمرت الشجر أو لم تثمر، زرع الأرض أو لم يزرعها. (وإذا ساقى) رب المال (رجلا أو زارعه فعامل العامل غيره على الأرض أو الشجر بغير إذن ربه لم يجز) كالمضارب لا يضارب بالمال. (فإن استأجر أرضا فله أن يزارع فيها) لأن منافعها صارت مستحقة له، فملك المزارعة فيه كالمالك. (والأجرة على المستأجر دون المزارع) لما تقدم في الخراج. (وكذلك يجوز لمن في يده أرض خراجية أن يزارع فيها والخراج عليه دون المزارع)، كما مر في المساقاة. (وللموقوف عليه أن يزارع في الوقف ويساقي على شجره) كالمالك. وكذلك ينبغي في ناظر الوقف إذا رآه مصلحة (ويتبع في الكلف السلطانية) أي التي يطلبها السلطان (العرف ما لم يكن شرط) فيعمل بمقتضاه. فما عرف أخذه من رب المال كان عليه، وما عرف أخذه من العامل كان عليه. (وما طلب من قرية من كلف سلطانية ونحوها فعلى قدر الأموال، فإن وضع على الزرع فعلى ربه، أو) وضع (على الغفار فعلى ربه، ما لم يشرط على مستأجر، وإن وضع مطلقا فالعادة) قاله الشيخ، وقال: ولمن له الولاية على المال أن يصرف فيما يخصه من الكلف، كناظر الوقف والوصي والمضارب والوكيل. قال: ومن لم يخلص مال غير من التلف إلا بما أدى عنه. رجع به في أظهر قولي العلماء. (ويعتبر) في مزارعة (معرفة جنس البذر ولو تعدد) البذر، (و) معرفة (قدره) أي البذر كالشجر في المساقاة، ولأنها معاقدة على عمل فلم تجز على غير معلوم الجنس والقدر كالإجارة. (وفي المغني: أو تقدير المكان) وتعيينه أو بمساحته، (وإن شرط) رب المال للعامل (إن سقي سيحا أو زرعها شعيرا فالربع، و) إن سقى (بكلفة، أو)
636 زرع (حنطة النصف) لم يصح للجهالة، (أو) قال رب المال (لك نصف هذا النوع، وربع الآخر ويجهل العامل قدرهما) أي النوعين، لم يصح للجهالة، (أو) قال (لك الخمسان إن لزمتك خسارة وإلا الربع) لم يصح للجهالة. (أو قال) رب المال (ما زرعت من شعير فلي ربعه، وما زرعت من حنطة فلي نصفه) ولم يبين البذر، لم يصح للجهالة. (أو) قال (ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك على الآخر بالربع لم يصح) لأنه كبيعتين في بيعة، المنهي عنه، (وإن قال: ما زرعت من شئ فلي نصفه، صح) لما تقدم أن النبي (ص) عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع. (وإن ساقى أحد الشريكين شريكه وجعل له من الثمر أكثر من نصيبه، مثل، أن يكون الأصل بينهما نصفين. فجعل له ثلثي الثمرة صح. وكان السدس حصته من المساقاة) كما لو ساقى أجنبيا بذلك، (وإن جعل الثمرة بينهما نصفين أو جعل للعامل الثلث فسدت) المساقاة لأنه لم يجعل للعامل شئ في مقابلة عمله. (ويكون الثمر بينهما بحكم الملك) نصفين. وشرط الثلث للعامل باطل، لأن غير العامل يأخذ من نصيب العامل جزءا ويستعمله بلا عوض. فلا يصح (ولا يستحق العامل شيئا) في نظير عمله، (لأنه متبرع) به. وإن شرط للعامل كل الثمرة فسدت أيضا، وله أجرة مثله. فصل: في المزارعة وتقدم تفسيرها أول الباب (تجوز) المزارعة (بجزء مشاع معلوم للعامل من الزرع، كما تقدم) لقصة خيبر. (فإن كان في الأرض شجر، فزارعه على الأرض وساقاه على الشجر) الذي بها (صح)، سواء قل
637 بياض الأرض أو كثر، نص عليه. وقال: قد: دفع النبي (ص) خيبر على هذا، ولأنهما عقدان يجوز إفراد كل واحد منهما، فجاز الجمع بينهما، كالبيع والإجارة. (وإن أجره الأرض وساقاه على الشجر) الذي بها (صح، كجمع بين إجارة وبيع) ما لم يكن حيلة. (وإن كان حيلة على بيع الثمرة قبل وجودها، أو قبل بدو صلاحها بأن أجره الأرض بأكثر من أجرتها، وساقاه على الشجر بجزء من ألف جزء ونحوه، حرم) ذلك. (ولم يصح) كل من الإجارة والمساقاة. قال المنقح: قياس المذهب بطلان عقد الحيلة مطلقا. ومقتضى ما قدمه في المنتهى: أنه يصح في الإجارة ويبطل في المساقاة. (وسواء جمعا بين العقدين) أي الإجارة والمساقاة، (أو عقدا واحدا بعد الآخر فإن قطع بعض الشجر المثمر - والحالة هذه - فإنه ينقص من العوض المستحق بقدر ما ذهب من الشجر، سواء قيل بصحة العقد أو فساده، وسواء قطعه المالك أو غيره ونحوه) قاله الشيخ تقي الدين. قلت: مقتضى القواعد. أنه لا ينقص من أجرة الأرض شئ إذا قلنا بصحتها، لأن الأرض هي المعقود عليها ولم يفت منها شئ. وأما إذا فسدت فعليه أجرة مثل الأرض، ويرد الثمرة وما أخذه من ثمر الشجر. وله أجرة مثل عمله فيها والله أعلم. (وتصح إجارة الأرض وشجر فيها لحملها) أي حمل الشجر وهو ثمرها وورقها ونحوه، وحكاه أبو عبيد إجماعا. وجوزه ابن عقيل تبعا للأرض. ولو كان الشجر أكثر، واختاره الشيخ تقي الدين وصاحب الفائق. (وتصح إجارتها) أي الشجرة (لنشر الثياب عليها ونحوه) كاستظلال بها، لأنه نفع مباح. (ويشترط) للمزارعة (كون البذر من رب الأرض، ولو أنه العامل، ويقر العمل من الآخر) لأنهما يشتركان في نمائه. فوجب أن يكون رأس المال من أحدهما كالمضاربة. (ولا تصح) المزارعة (إن كان البذر من العامل، أو) كان البذر (منهما) أي من العامل ورب الأرض. (أو) كان البذر (من أحدهما والأرض
638 لهما) لما تقدم، (أو) البذر من واحد، و (الأرض والعمل من الآخر، أو) الأرض من واحد والعمل من آخر، و (البذر من ثالث، أو) الأرض من واحد والعمل من آخر والبذر من ثالث، و (البقر من رابع) فلا تصح في جميع هذه الصور، لأنه البذر ليس من رب الأرض. (وعنه، لا يشترط كون البذر من رب الأرض، واختاره الموفق والمجد والشارح وابن رزين وأبو محمد) يوسف (الجوزي والشيخ وابن القيم وصاحب الفائق والحاوي الصغير، وهو الصحيح) قاله في المغني. قال في الانصاف: وهو أقوى دليلا. (وعليه عمل الناس) لأن الأصل المعول عليه في المزارعة قضية خيبر. ولم يذكر النبي (ص) أن البذر على المسلمين. (وإن قال) رب أرض لعامل (آجرتك نصف أرضي بنصف البذر ونصف منفعتك ومنفعة بقرك وآلتك، وأخرج المزارع البذر كله، لم يصح لجهالة المنفعة. وكذلك لو جعلها) أي المنفعة (أجرة لأرض أخرى، أو) أجرة ل (- دار. لم يجز)، لجهالة المنفعة (و) إذا فسدت وكان البذر من العامل. (الربح والزرع كله للمزارع) لأنه صاحب البذر، لأنه عين ماله تقلب من حال إلى حال. (وعليه أجرة مثل الأرض) لأن ربها دخل على أن يأخذ ما سمي له. فإذا فات رجع إلى بدله، لكونه لم يرض ببذل أرضه مجانا. وإن كان البذر منهما فالزرع لهما بحسبه. (فإن أمكن علم المنفعة) أي منفعة العامل وبقره وآلته. (وضبطها بما لا يختلف معه معرفة البذر)، وأجرة نصف الأرض بنصف البذر والمنفعة (جاز) لانتفاء الغرر
639 والجهالة. (وكان الزرع بينهما) نصفين، لأن البذر الذي هو أصله كذلك. (وإن شرط) المزارع (أن يأخذ رب الأرض مثل بذره، و) أن (يقتسم الباقي ففاسد)، كأنه اشترط لنفسه قفزانا معلومة. وهو شرط فاسد تفسد به المزارعة. لأنه قد لا يخرج من الأرض إلا ذلك القدر. فيختص به المالك، وربما لا تخرجه، وموضوعها على الاشتراك. (وإن شرط) في المزارعة أو المساقاة (لأحدهما) أي رب البذر والشجر أو العامل (قفزانا معلومة) لم تصح لما تقدم. (أو) شرط لأحدهما (دراهم معلومة) لم تصح لأنه ربما لا يخرج من الأرض إلا ذلك فيؤدي إلى الضرر. (أو) شرط لأحدهما (زرع ناحية معينة) فسدت. قال في المغني والمبدع: بإجماع العلماء. (أو) يشترط لأحدهما (ما على الجداول إما منفردا أو مع نصيبه، فسدت المزارعة والمساقاة. ومتى فسد العقد) أي عقد المزارعة والمساقاة، (فالزرع) لصاحب البذر، وعليه أجرة العامل. (والثمر لصاحبه) أي البذر أو الشجر (وعليه الأجرة) للعامل، لأنه عمل بعوض لم يسلم له. (وحكم المزارعة حكم المساقاة فيما ذكرنا) فيما تقدم من الاحكام. (والحصاد والدياس والتصفية) أي تصفية الحب من التبن، (واللقاط على العامل) لأنه من العمل الذي لا يستغنى عنه، ولقصة خيبر. (ويكره الحصاد والجذاذ ليلا) لأنه ربما أصابه أذى من نحو حية. (وإن دفع رجل بذره إلى صاحب الأرض ليزرعه في أرضه، ويكون ما يخرج بينهما ففاسد) لكون البذر ليس من رب الأرض. (ويكون الزرع لمالك البذر) لأنه عين ماله تقلب من حال إلى حال، (وعليه أجرة الأرض، و) وأجرة (العمل) في الزرع لأنه إنما بذل نفعه ونفع أرضه بعوض، لم يسلم له. فرجع ببدله. (وإن قال) رب أرض (أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي، وتسقيها بمائك والزرع بيننا، لم يصح) لأن موضوع المزارعة على أن يكون من أحدهما الأرض ومن الآخر العمل. وصاحب الماء ليس منه أرض ولا عمل
640 ولا بذر، ولأن الماء لا يباع ولا يستأجر، فكيف تصح المزارعة به. (وإن زارع شريكه في نصيبه صح، بشرط أن يكون للعامل أكثر من نصيبه). بأن يكون الأصل بينهما نصفين فيقول أحدهما للآخر: أعمل عليه ولك الثلثان. فيصح ويكون السدس الزائد في نظير عمله في حصة شريكه. (وتقدم) ونحوه في المساقاة (قريبا. وما سقط من حب وقت حصاد فنبت في العام القابل. فلرب الأرض، مالكا كان) رب الأرض (أو مستأجرا أو مستعيرا) نص عليه لأن رب الحب أسقط حقه منه بحكم العرف وزال ملكه عنه. لأن العادة ترك ذلك لمن يأخذه. (وكذا نص) الامام (فيمن باع قصيلا، فحصده فبقي يسيرا فصار سنبلا. ف) - هو (لرب الأرض) لما تقدم. (ويباح التقاط ما خلفه الحصادون من سنبل وحب وغيرهما) بلا خلاف لجريان ذلك مجرى نبذه على سبيل الترك له. (ويحرم منعه، قاله في الرعاية) لأنه منع من مباح. (وإذا غصب زرع إنسان وحصده) الغاصب (أبيح للفقراء التقاط السنبل المتساقط، كما لو حصدها المالك وكما يباح رعي الكلأ من الأرض المغصوبة) واستشكل بدخول الأرض المغصوبة، (وإن خرج الأكار) أي الزارع (باختياره وترك العمل قبيل الزرع أو بعده قبل ظهوره) أي الزرع، (وأراد) الأكار (أن يبيع عمل يديه في الأرض) من حرث ونحوه، (وما عمل) أي أنفق في الأرض (لم يجز) ذلك، خلافا للقاضي في الأحكام السلطانية. (ولا شئ له) كالعامل في المساقاة. (وإن أخرجه مالك ذلك فله أجرة) مثل (عمله. وما أنفق في الأرض) لأنه عمل بعوض لم يسلم له، فوجب له بدله وهو قيمته. وعلم منه: أنه إذا فسخت المزارعة بعد ظهور الزرع للعامل نصيبه، وعليه تمام العمل كالمساقاة. (ولا يجوز) لرب الأرض (أن يشرط على الفلاح شيئا مأكولا ولا غيره)، أي غير مأكول (من دجاج ولا غيرها التي يسمونها خدمة) ويسمى الآن ضيافة. (ولا أخذه) أي الدجاج ونحوه (بشرط ولا غيره) إلا أن ينوي مكافأته أو الاحتساب به من أجرة الأرض، أو كانت العادة جارية بينهما
641 به قبل أن يعطيه أرضه على قياس ما تقدم في القرض، (ولو أجر) إنسان (أرضه سنة لمن يزرعها فزرعها) المستأجر زرعا ينبت في سنة (فلم ينبت الزرع) في (تلك السنة، ثم نبت في السنة الأخرى، فهو للمستأجر. وعليه الأجرة لرب الأرض مدة احتباسها). فيلزمه المسمى للسنة الأولى، وأجرة المثل للثانية. (وليس لرب الأرض مطالبته) أي المستأجر (بقلعه) أي الزرع (قبل إدراكه) لأنه وضعه بحق، وتأخره ليس بتقصيره باب الإجارة مشتقة من الاجر وهو العوض، ومنه سمي الثواب أجرا، لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته أو صبر، عن معصيته. وهي ثابتة بالاجماع. وسنده من الكتاب قوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * ومن السنة حديث عائشة في خبر الهجرة قالت: واستأجر رسول الله (ص) وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا، والخريت الماهر بالهداية، رواه البخاري. والحاجة داعية إليها إذ كل إنسان لا يقدر على عقار يسكنه، ولا على حيوان يركبه، ولا على صنعة يعملها. وأرباب ذلك لا يبذلونه مجانا، فجوزت طلبا للرفق. (وهي) لغة المجازاة وشرعا (عقد على منفعة مباحة معلومة تؤخذ شيئا فشيئا) وهي ضربان. أشار إلى الأول منهما بقوله: (مدة معلومة من عين معلومة) معينة، كأجرتك هذا البعير. (أو) من عين (موصوفة في الذمة) كأجرتك بعيرا صفته كذا. ويستقصي صفته وأشار إلى الضرب الثاني بقوله: (أو عمل معلوم)، وقوله: (بعوض معلوم)، راجع للضربين فعلمت أن المعقود عليه هو المنفعة لا العين، خلافا لأبي إسحاق المروزي لأن المنفعة هي التي تستوفى والاجر في مقابلتها، ولهذا تضمن دون العين. وإنما أضيف العقد إلى العين، لأنها محل المنفعة ومنشؤها، كما يضاف عقد المساقاة إلى البستان والمعقود عليه الثمرة، والانتفاع تابع، ضرورة أن المنفعة لا توجد إلا عقبه. (ويستثنى من قولهم مدة معلومة) صورتان. إحداهما تقدمت في الصلح، والأخرى (ما فتح عنوة ولم
642 يقسم) بين الغانمين، (فيما فعله عمر رضي الله عنه) في أرض الخراج فإنه وقف أرض ذلك على المسلمين وأقرها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضربه أجرة لها كل عام، ولم يقدر مدتها لعموم المصلحة فيها. وأركان الإجارة خمسة: المتعاقدان والعوضان والصيغة. (وهي) أي الإجارة (والمساقاة والمزارعة والعرايا والشفعة والكتابة ونحوها) كالسلم (من الرخص المباحة المستقر حكمها على وفق القياس). قال في الفروع: لأن من لم يخصص العلة، لا يتصور عنده مخالفة قياس صحيح. ومن خصصها فإنما يكون الشئ خلاف القياس إذا كان المقتضى للحكم موجودا فيه، وتخلف الحكم عنه. (ولا تصح) الإجارة (إلا من جائز التصرف) لأنها عقد معاوضة كالبيع، (وتنعقد) الإجارة (بلفظ: آجرت وما في معناه) كالكراء، سواء (أضافه إلى العين نحو آجرتكها أو أكريتكها، أو) أضافه (إلى النفع نحو) قوله (آجرتك) نفع هذا الدار (أو أكريتك) نفع هذه الدار (أو ملكتك نفعها. و) تنعقد أيضا (بلفظ بيع أضافه إلى النفع نحو) قول (بعتك نفعها أو) بعتك (سكنى الدار ونحوه، أو أطلق) لأنها بيع، فانعقدت بلفظه كالصرف، قال الشيخ تقي الدين: التحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت بأي لفظ كان من الألفاظ التي عرف بها المتعاقدان مقصودهما، وهذا عام في جميع العقود. فإن الشارع لم يحد حدا لألفاظ العقود، بل ذكرها مطلقة. وكذا قال ابن القيم في أعلام الموقعين، وصححه في تصحيح الفروع والنظم. وقال في المنتهى: وبلفظ بيع إن لم يضف إلى العين. ومعناه في التلخيص قال: مضافا إلى النفع، كبعتك نفع هذه الدار شهرا، وإلا لم يصح، نحو بعتك شهرا. (ولا تصح) الإجارة (إلا بشروط ثلاثة. أحدها: معرفة المنفعة) لأنها هي المعقود عليها، فاشترط العلم بها كالمبيع. ومعرفتها (إما بالعرف) وهو ما يتعارفه الناس بينهم (كسكنى الدار شهرا)، السكنى متعارفة بين الناس. والتفاوت فيها يسير فلم تحتج إلى ضبطه. (و) ك (- خدمة الآدمي سنة) لأن الخدمة أيضا معلومة بالعرف، فلم تحتج إلى ضبط كالسكنى (فيخدمه في الزمن الذي يقتضيه العرف) قال في النوادر والرعاية: إن استأجره شهرا يخدم ليلا ونهارا، فإن استأجره للعمل استحقه ليلا،
643 انتهى. والمراد ما جرت به العادة من الليل. قال في الهداية: يخدم من طلوع الشمس إلى غروبها، وبالليل ما يكون من خدمة أوساط الناس. (فإذا كان لهما عرف أغنى عن تعيين النفع. و) عن تعيين (صفته وينصرف الاطلاق إليه) أي إلى العرف لتبادره إلى الذهن، (فإذا كان عرف الدار السكنى، أو لم يكن واكتراها لها فله السكنى. و) له (وضع متاعه فيها، ويترك فيها من الطعام ما جرت عادة الساكن به). قال في المبدع: ويستحق ماء البئر تبعا للدار في الأصح. (وله) أي المستأجر (أن يأذن لأصحابه وأضيافه في الدخول) بها، (والمبيت فيها) لأنه العادة. وقيل لأحمد يجئ زوار عليه أن يخبر صاحب البيت بهم؟ قال: ربما كثروا. أرى أن يخبر. وقال: إذا كان يجيئه الفرد، ليس عليه أن يخبره. (وليس له) أي للساكن (أن يعمل فيها حدادة ولا قصارة). لأنه ليس العرف وأيضا يضر بجدرانها، (ولا) يجعلها (مخزنا للطعام) لأنه يضر بها. والعرف لا يقتضيه. (ولا أن يسكنها دابة) لما تقدم. قلت إن لم تكن قرينة كالدار الواسعة التي فيها إسطبل معد للدواب، عملا بالعرف. (ولا يدع) المستأجر (فيها رمادا ولا ترابا ولا زبالة ونحوها) مما يضر بها. لحديث: لا ضرر ولا ضرار. (وله) أي المستأجر (إسكان ضيف وزائر) لأنه ملك السكنى. فله استيفاؤها بنفسه وبمن يقوم مقامه. (وإما بالوصف، كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين)، فلا بد من ذكر الوزن والمكان الذي يحمل إليه، لأن المنفعة إنما تعرف بذلك، وكذا كل محمول. (ولو كان المحمول كتابا فوجد) الأجير (المحمول إليه غائبا)، ولا وكيل له (فله) أي الأجير (الأجرة) المسماة (لذهابه. و) له أجرة مثل (رده)، لأنه ليس سوى رده إلا تضييعه. وقد علم أنه لا يرضى تضييعه فيتعين رده. (وإن وجده) أي وجد الأجير المحمول إليه (ميتا. ففي الرعاية وهو ظاهر
644 الترغيب: له المسمى فقط. ويرده) لأنه أمانة بيده. ولعل الفرق أن الموت ليس من فعل الميت، بخلاف الغيبة، فكان الباعث مفرطا بعدم الاحتياط. (قال أحمد: يجوز أن يستأجر) الأجنبي (الأمة والحرة للخدمة) لأنها منفعة مباحة. (ولكن يصرف) المستأجر (وجهه عن النظر) للحرة (ليست الأمة مثل الحرة)، فلا يباح للمستأجر النظر لشئ من الحرة بخلاف الأمة، فينظر منها إلى الأعضاء الستة، أو إلى ما عدا عورة الصلاة على ما يأتي في النكاح، والحاصل: أن المستأجر لهما كالأجنبي. (ولا يخلو) المستأجر (معها) أي الحرة (في بيت) بل ولا مع الأمة، كما يأتي في النكاح. (ولا ينظر إليها متجردة، ولا إلى شعرها) المتصل، لأنه عورة من الحرة بخلاف الأمة. (وتصح) الإجارة (لبناء) دار ونحوها، لأنه نفع مباح. (ويقدر) البناء (بالزمان) كيوم أو شهر (وإن قدر بالعمل) بأن استأجر لبناء حائط، (فلا بد من معرفة موضعه) أي البناء. (لأنه يختلف بقرب الماء وسهولة التراب. ولا بد من ذكر طول الحائط وعرضه وسمكه) بفتح السين وسكون الميم أي ثخانته، وهو في الحائط بمنزلة العمق في غير المنتصب، ذكره في الحاشية. (وآلته) أي البناء (من طين ولبن وآجر، وشيد) أي جير (وغير ذلك)، كالجص لأن معرفة المنفعة لا تحصل إلا بذلك. والغرض يختلف فلا بد من ذكره. (ولو استؤجر لحفر بئر عشرة أذرع طولا وعشرة أذرع عرضا وعشرة أذرع عمقا فحفر) الأجير (خمسة طولا في خمسة عرضا في خمسة عمقا) وأردت أن تعرف ما يستحقه من الأجرة المسماة له، (فاضرب عشرة في عشرة تبلغ مائة، ثم اضرب المائة في عشرة تبلغ ألفا). فهي التي استؤجر لحفرها. (واضرب خمسة في خمسة بخمسة وعشرين، ثم اضربها في خمسة بمائة وخمسة وعشرين)، وذلك الذي حفره. (و) إذا نسبت (ذلك) إلى الألف وجدته (ثمن الألف، فله ثمن الأجرة). لأنه وفى بثمن العمل (إن وجب له شئ) من الأجرة بأن ترك العمل لنحو صخرة منعته من الحفر، هذا قول
645 صاحب الرعاية، ويأتي في الباب ما يقابله. والآتي هو الصحيح من المذهب (وإن استأجره ليبني له بناء معلوما) كحائط موصوفة بما تقدم. (أو) ليبني له (زمن معلوم) كيوم أو أسبوع، (فبناه) الأجير (ثم سقط البناء. فقد وفى) الأجير (ما عليه واستحق الأجرة) كاملة. لان سقوطه ليس من فعله ولا تفريطه. هذا (إن لم يكن سقوطه من جهة العامل. فأما إن) كان سقوطه من جهته بأن (فرط أو بناه محلولا أو نحو ذلك. فسقط. فعليه إعادته وغرامة ما تلف منه) لتفريطه (وإن استأجره لبناء أذرع معلومة، فبنى بعضها، ثم سقط) على أي وجه كان (فعليه إعادة ما سقط. و) عليه (تمام ما وقعت عليه الإجارة من الأذرع) مطلقا، لأنه لم يوف بالعمل وعليه غرم ما تلف إن فرط. (ويصح الاستئجار لتطيين الأرض والسطوح والحيطان، و) الاستئجار ل) (تجصيصها) ونحوه لأنه مباح. ويقدر بالزمن (ولا يصح) الاستئجار، (على) ذلك إذا قدر ب (- عمل معين) بأن يقول: استأجرتك لتطيين هذا الحائط أو تجصيصها، (لأن الطين) أو الجص (يختلف في الرقة والغلظ. و) كذلك (الأرض منها العالي والنازل وكذلك الحيطان والسطوح) منها العالي والنازل (فلذلك لم يصح) الاستئجار لذلك (إلا على مدة) معلومة، كيوم أو شهر و (تصح إجارة أرض معينة) برؤية. لان الأرض لا تنضبط بالصفة (لزرع كذا) من برأ وقطن ونحوهما (أو غرس) معلوم كمشمش (أو بناء معلوم) كدار وصفها بلا خلاف. (أو) إجارتها (لزرع ما شاء أو لغرس ما شاء) أو لبناء ما شاء (أو لزرع وغرس ما شاء كأجرتك لتزرع ما شئت، أو) أجرها (لغرس) ويسكت، أو لبناء أو زرع ويسكت (أو أجره الأرض، وأطلق) بأن لم يعين زرعا ولا غرسا ولا بناء. (وهي تصلح للزرع وغيره) فتصح الإجارة في جميع هذه الصور، للعلم بالمعقود عليه. قال الشيخ تقي الدين: إن أطلق، أو قال: انتفع بها ما شئت. فله زرع وغرس وبناء. (ويأتي له تتمة) في الباب
646 (ويجوز الاستئجار لضرب اللبن على مدة) كيوم أو شهر (أو) على (عمل) معلوم (فإن قدره بالعمل احتاج إلى تعيين عدده، و) إلى (ذكر قالبه وموضع الضرب) لأنه يختلف باعتبار التركيب والماء (فإن كان هناك قالب معروف لا يختلف جاز). كما لو كان المكيال معروفا (وإن قدره بالطول والعرض والسمك جاز) لانتفاء الغرر (ولا يكتفي بمشاهدة قالب الضرب إذا لم يكن معروفا) لأن فيه غررا وقد يتلف كالسلم (ولا يلزمه) أي الأجير (إقامة اللبن ليجف) لأنه إنما استؤجر للضرب لا للإقامة. (ما لم يكن شرط أو عرف) فيرجع إليه. وظاهر ما قدمه في المبدع وشرح المنتهى: يلزمه مع عرف. (ومثله) أي إقامة اللبن (إخراج الآجر من التنور الذي استؤجر لشيه)، فلا يلزمه إن لم يكن شرط أو عرف لما تقدم. (وإن استؤجر لحفر قبر لزمه رد ترابه) أي القبر، (على الميت لأنه العرف). و (لا) يلزمه (تطيينه) لأنه ليس بمشروع. وظاهره: ولو كان العرف. (وإن استأجر للركوب ذكر) المستأجر (المركوب فرسا أو بعيرا ونحوه) كحمار (كمبيع) إن لم يكن مرئيا، (و) ذكر (ما يركب به من سرج وغيره) لأن ضرر المركوب يختلف باختلافه. (و) ذكر (كيفية سيره من هملاج وغيره) لأن الغرض يختلف باختلافه. والهملاج بكسر الهاء: من الهملجة مشية معروفة. (ولا يشترط ذكر ذكوريته) أي المركوب (وأنوثيته ونوعه)، فلا يشترط في الفرس أن يقول: حجر أو حصان، ولا عربي أو برذون ونحوه. لأن التفاوت بين ذلك يسير. (ولا بد من معرفة راكب برؤية أو صفة كمبيع) لاختلافه بالطول والسمن وضدهما. (ويشترط) أيضا (معرفة توابعه) أي الراكب (العرفية، كزاد وأثاث من الأغطية والأوطية والمعاليق، كالقدر والقربة
647 ونحوهما، إما برؤية أو صفة أو وزن) لأن ذلك لا يختلف (وله) أي الراكب (حمل ما نقص من معلومه) أي من الذي قدره للمؤجر. (ولو بأكل معتاد. ويأتي في الباب) موضحا (وإن كان) استأجر (للحمل) لم يحتج (إلى ذكر ما تقدم). من ذكر ما يحمل عليه وآلته (إن لم يتضرر المحمول بكثرة الحركة، أو يفوت غرض المستأجر) باختلاف ما يحمل عليه. (وإلا) بأن تضرر المحمول أو فات غرض المستأجر باختلافه. (اشترط كحامل زجاج وخزف) أي فخار و (فاكهة ونحوه) أي نحو ما ذكر، لأن فيه غرضا. (ويشترط معرفة المتاع المحمول برؤية أو صفة وذكر جنسه من حديد أو قطن أو غيره، و) معرفة (قدره بالكيل أو بالوزن. فلا يكفي ذكر وزنه فقط). لاختلاف الغرض، خلافا لابن عقيل (ويشترط معرفة أرض) إذا استؤجر (لحرث) برؤية، لأنها لا تنضبط بالصفة فيختلف العمل باختلافها. فصل: الشرط (الثاني) للإجارة (معرفة الأجرة) لأنه عوض في عقد معاوضة. فوجب أن يكون معلوما كالثمن. وقد روي عنه (ص): من استأجر أجيرا فليعلمه أجره ويصح أن تكون في الذمة وأن تكون معينة. (فما في الذمة) حكمه (كثمن) فما صح أن يكون ثمنا في الذمة صح أن يكون أجرة. (و) الأجرة (المعينة كمبيع) معين (ولو جعل الأجرة صبرة دراهم، أو) صبرة (غيرها. صحت) الإجارة (كبيع) بخلاف السلم، لأن المنفعة هنا أجريت مجرى الأعيان. لأنها متعلقة بعين حاضرة والسلم متعلق بمعدوم، فافترقا. (وتجوز إجارة الأرض بجنس ما يخرج منها) بأن أجرها لمن يزرعها برا بقفيز بر، إن لم يقل مما يخرج منها، وإلا لم يصح. (وتقدم في الباب قبله) مفصلا (ويصح استئجار أجير وظئر) أي مرضعة ولو أما (بطعامهما وكسوتهما) وإن لم
648 يصف الطعام والكسوة (أو بأجرة معلومة وطعامهما وكسوتهما) أما المرضعة فلقوله تعالى: * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) *. فأوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع، ولم يفرق بين المطلقة وغيرها، بل في الآية قرينة تدل على طلاقها. لأن الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية، وإن لم ترضع. ولقوله تعالى: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * والوارث ليس بزوج. وأما الأجير فلما روي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى رضي الله تعالى عنهم: أنهم استأجروا الاجراء بطعامهم وكسوتهم، ولم يظهر له نكير. فكان كالاجماع. (وكما لو شرطا) أي المرضعة والأجير (كسوة ونفقة معلومتين موصوفتين، كصفتهما في السلم) بأن يوصفا بما لا يختلفان معه غالبا. (وهما) أي المرضعة والأجير (عند التنازع) في الكسوة والنفقة أو قدرهما (كزوجة) قال في الشرح: لأن الكسوة عرفا وهي كسوة الزوجات والاطعام عرفا، وهو الاطعام في الكفارات، وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله. لأن الاطلاق يجزي فيه أقل ما يتناوله اللفظ، كالوصية. (ويسن إعطاء ظئر حرة عند الفطام عبدا أو أمة إن كان المسترضع موسرا) لما روى أبو داود بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج عن أبيه قال، قلت: يا رسول الله ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ قال: الغرة، العبد أو الأمة قال الترمذي حسن صحيح. (قال الشيخ: لعل هذا في المتبرعة بالرضاعة، انتهى. وإن كانت الظئر أمة استحب) لمسترضع موسر (إعتاقها) لأنه يحصل أخص الرقاب بها لها، وتحصل به المجازاة التي جعلها النبي (ص) مجازاة للوالد من النسب. (ولو استؤجرت) المرأة (للرضاع والحضانة لزماها) أي الرضاع والحضانة، لأنه مقتضى العقد. (وإن استؤجرت للرضاع وأطلق) الرضاع (لزمها الحضانة تبعا) عملا بالعرف، (وإن استؤجرت للحضانة وأطلق) العقد (لم يلزمها الرضاع) لأنه ليس داخلا في الحضانة. وقال في المنتهى: وإن أطلقت أو خصص رضاع لم يشمل الآخر، (والمعقود عليه في الرضاع: الحضانة واللبن) لأن كلا منهما
649 مقصود، ولان العقد لو كان على الخدمة وحدها لما لزمها سقي لبنها. وأما كونه عينا فلا يمنع للضرورة لحفظ الآدمي، لأن غيره لا يقوم مقامه. (ولو وقعت الإجارة على الحضانة والرضاع، وانقطع اللبن بطلا) أي بطلت الإجارة فيهما، لتعذر المقصود منها. (ويجب على المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر لبنها ويصلح به. وللمكتري مطالبتها بذلك) لأنه من تمام التمكين من الرضاع، وفي تركه إضرار بالصبي (فإن لم ترضعه لكن سقته لبن الغنم) أو غيرها (أو أطعمته أو دفعته إلى خادمها) أو غيرها (فأرضعته فلا أجرة لها) لأنها لم توف بالمعقود عليه. (وإن) اختلفا ف (- قالت: أرضعته فأنكر المسترضع، فالقول قولها) بيمينها. لأنها مؤتمنة (ويشترط) لصحة الإجارة للرضاع (رؤية المرتضع)، ولا يكفي وصفه لأن الرضاع يختلف باختلاف كبره وصغره، ونهمته وقناعته. (و) يشترط أيضا (معرفة مدة الرضاع) لأنه لا يمكن تقدير الرضاع إلا بها. فإن السقي والعمل فيها يختلف، (و) يشترط أيضا معرفة (مكانه) أي الرضاع. (هل هو عند المرضعة أو عند وليه) لأنه يختلف، فيشق عليها في بيت المستأجر، ويسهل في بيتها. (ولا بأس أن ترضع المسلمة طفلا للكتابي بأجرة لا) طفلا (لمجوسي) ونحوه ممن يعبد غير الله. قال في الفروع: رخص أحمد في مسلمة ترضع طفلا لنصارى بأجرة لا لمجوسي، وسوى أبو بكر وغيره بينهما لاستواء البيع والإجارة. (ولا يصح استئجار دابة بعلفها أو بأجر معين وعلفها) لأنه مجهول. ولا عرف له يرجع إليه. (إلا أن يشترطه) أي العلف (موصوفا). كشعير ونحوه وقدره، بمعلوم. فيجوز (وعنه يصح) مطلقا (اختاره الشيخ وجمع) كاستئجار الأجير بطعامه، (وإن شرط للأجير) لخدمة أو رضاع، (طعام غيره وكسوته) أي الغير (موصوفا) ما ذكر من الطعام والكسوة، (جاز لأنه معلوم ك) - ما لو شرط له طعام (نفسه. ويكون ذلك للأجير إن شاء أطعمه). له (وإن شاء تركه)، لأنه في مقابلة منافعه (وإن لم يكن) ما شرطه للأجير من طعام غيره وكسوته (موصوفا لم
650 يصح) لأن ذلك مجهول. (وإنما جاز) ذلك إذا شرط للأجير نفسه، (للحاجة إليه) وجري العادة به. فلا يلزم احتمالها مع عدم ذلك. (وليس له) أي المستأجر (إطعامه) أي الأجير (إلا ما يوافقه من الأغذية) لأن عليه ضررا. ولا يمكنه استيفاء الواجب له منه. (وإن استغنى الأجير عن طعام المستأجر) بطعام نفسه أو غيره، (أو عجز عن الاكل لمرض أو غيره، لم تسقط نفقته وكان له المطالبة بها)، لأنها عوض. فلا تسقط بالغنى عنه كالدراهم. (وإن احتاج) الأجير (إلى دواء لمرض لم يلزم المستأجر) لأنه ليس من النفقة كالزوجة. (لكن يلزمه) أي المستأجر (بقدر طعام الصحيح) يدفعه له، فيصرفه فيما أحب من دواء أو غيره. (وإن قبض الأجير طعامه فأحب) الأجير (أن يستفضل بعضه لنفسه، وكان المستأجر دفع إليه أكثر من الواجب له ليأكل منه قدر حاجته ويفضل الباقي) منع منه، لأنه لم يملكه إياه، وإنما أباحه أكل قدر حاجته. (أو كان في تركه لاكله كله ضرر على المستأجر، بأن يضعف الأجير عن العمل، أو يقل لبن الظئر. منع منه) لأن على المستأجر ضررا بتفويت بعض ماله من منفعته. فمنع منك الجمال إذا امتنع عن علف الجمال. (وإن دفع) المستأجر (إليه قدر الواجب فقط) من غير زيادة، (أو) دفع إليه (أكثر منه) أي الواجب (وملكه إياه ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمستأجر، جاز) للأجير أن يستفضل بعضه لنفسه، لأنه لا حق للمستأجر فيه ولا ضرر عليه، أشبه الدراهم. (فإن قدم) المستأجر (إليه) أي الأجير (طعاما، فنهب أو تلف قبل أكله وكان) الطعام (على مائدة لا يخصه) المستأجر (فيها بطعامه. ف) - الطعام (من ضمان المستأجر) لأنه لم يسلمه إليه (وإن خصه) المستأجر (بذلك) الطعام، (وسلمه إليه) ثم نهب أو تلف، (فمن مال الأجير) لأنه تسليم عوض على وجه التمليك، أشبه البيع. (والداية التي تقبل) الولد (في الولادة يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك. و) يجوز لها (أن تأخذ) على ذلك (بلا شرط) لأنه عمل لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، (ولا بأس أن) يستأجر من (يحصد الزرع) بجزء مشاع منه، (و) أن يستأجر من (يصرم) أي
651 يجذ ثمر (النخل بسدس ما يخرج منه) أو بربعه ونحوه، (قال) الامام (أحمد: هو أحب إلي من المقاطعة، يعني مع جوازها) أي المقاطعة، (ولا يجوز نفر ض الزيتون ونحوه ببعض ما يسقط منه) أي بأصع معلومة منه للجهالة، لأنه لا يدري الباقي بعدها. (وله) أي الأجير (أجرة مثله) لأنه عمل بعوض لم يسلم له، (ويجوز نفض كله) أي الزيتون ونحوه (ولقطه ببعضه مشاعا) كالثلث والسدس، كما سبق في الزرع والنخل. وتقدم ذلك في آخر المضاربة. (ويجوز للرجل) وللمرأة أن يؤجر أمته) ولو أم ولد (للارضاع) لأنها ملكه ومنافعها له، (وليس لها إجارة نفسها) لرضاع ولا غيره، لأنها لا تملك منافعها إلا بإذن سيدها. (فإن كان لها ولد لم يجز) لسيدها (إجارتها لذلك) أي للارضاع، (إلا أن يكون فيها) أي الأمة (فضل عن ربه) أي ولدها (لأن الحق) في اللبن (للولد. وليس للسيد إلا الفاضل عنه) أي عن الولد من اللبن. (فإن كانت) الأمة (متزوجة بغير عبده لم يجز) للسيد (إجارتها لذلك)، أي للرضاع (إلا بإذن الزوج)، لأن فيه تفويتا لحقه. (وإن أجرها) السيد (للرضاع ثم زوجها. صح النكاح ولا تنفسخ الإجارة) بالنكاح كالبيع. (وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغها من الرضاع والحضانة) لسبق حق المستأجر. (وتأتي إجارة الحرة) نفسها (في) باب (عشرة النساء) مفصلة (ولا يقبل قولها) أي التي أجرت نفسها ثم ادعت، (أنها ذات زوج) لتسقط حق المستأجر من الإجارة إلا ببينة. (أو مؤجرة) أي إذا تزوجت ثم ادعت أنها كانت مؤجرة (قبل نكاح)، لم يقبل قولها (بلا بينة) لأنه يتضمن إسقاط حق الزوج في مدة الإجارة. فصل: (وإن دفع إنسان ثوبه إلى قصار أو خياط ونحوهما) كصباغ (ليعمله)، أي ليقصره أو يخيطه أو يصبغه ونحوه، (ولو لم تكن له) أي للقصار
652 ونحوه، (عادة بأخذ أجرة ولم يعقدا) أي القصار والخياط (عقد إجارة) صح وله أجرة مثله حيث كانا منتصبين لذلك، وإلا لم يستحقا أجرا إلا بشرط، أو عقد تعريض، لأنه لم يوجد عرف يقوم مقام العقد، فهو كما لو عمل بغير إذن مالكه. (أو استعمل) إنسان (حمالا ونحوه، أو) استعمل (شاهدا إن جاز له) أي الشاهد، (أخذ أجرة) بأن عجز عن المشي، أو تأذى به، فله أخذ أجرة مركوب كما يأتي في الشهادات. (صح وله أجرة مثله) لأن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول. وقال شيخ مشايخنا الفارضي: فإن قيل يحرم الاخذ على الشهادة فالجواب إن الذي يحرم إنما هو في نحو ما إذا تحمل الشهادة، وأبى أن يؤديها إلا بجعل، أو سئل في أن يشهد، فأبى أن يشهد إلا بجعل. أما لو دعا زيدا مثلا فذهب معه وشهد وتكلف زيد لدابة مثلا، أو مضى زمن لمثله أجرة لا سيما مع بعد المكان، فله أجرة مثله. نقلته من خط شيخي ولد العم عبد الرحمن البهوتي على حاشية الفروع. (كتعريضه) أي الدافع (بها) أي بالأجرة (أي نحو خذه، وأنا أعلم أنك متعيش، أو) خذه و (أنا أرضيك ونحوه) مما يدل على إعطاء الأجرة. (وكذا دخول حمام وركوب سفينة ملاح وحلق رأسه وتغسيله. وغسل ثوبه وبيعه له) شيئا (وشربه منه ماء) أو قهوة ونحوها من المباحات، وما يأخذه من الماء أو القهوة ونحوها، وأجرة الآنية والساقي والمكان، قياسا على المسألة بعدها. (وقال في التلخيص: ما يأخذه الحمامي أجرة المكان والسطل والمئزر ويدخل الماء تبعا) لأنه لا يصح عقد الإجارة عليه. وهذا بخلاف مسألة الشرب فإن الماء مبيع. ولا ينبغي لمن دخل الحمام أن يستعمل فوق المعتاد لأنه غير مأذون فيه لفظا ولا عرفا، بل يحرم عليه كاستعماله من الموقوف فوق القدر المشروع، أخذا من قولهم يجب صرف الوقف للجهة التي عينها الواقف. (ويجوز إجارة دار بسكنى دار) أخرى، (و) ب (- خدمة عبد، و) ب (- تزويج امرأة) لقصة شعيب (ص)، لأنه جعل النكاح عوض الأجرة، ولان كل ما جاز أن كون ثمنا في البيع جاز عوضا في الإجارة. فكما جاز أن يكون العوض عينا جاز أن يكون منفعة، سواء كان الجنس واحدا كالأول، أو مختلفا كالثاني. قال المجد في شرحه: فإذا دفعت عبدك إلى خياط أو قصار أو نحوهما ليعلمه ذلك العمل بعمل الغلام سنة جاز ذلك في مذهب مالك وعندنا. (وتصح إجارة حلي بأجرة من غير جنسه. وكذا) بأجرة (من جنسه) لأنه عين ينتفع بها منفعة مقصودة مع بقائها، فجازت إجارته كالأراضي (مع الكراهة)
653 أي يكره إجارة الحلي بنقد من جنسه، خروجا من خلاف من قال: لا تصح، لأنها تحتك بالاستعمال فيذهب منه جزء. وإن كانت يسيرة، ليحصل الاجر في مقابلتها ومقابلة الانتفاع بها، فيفضي إلى بيع ذهب بذهب، وشئ آخر. ورد بأن الأجرة في مقابلة الانتفاع، لا في مقابلة الذاهب وإلا لما جاز إجارة أحد النقدين بالآخر لافضائه إلى التفرق قبل القبض. (وإن قال) صاحب الثوب لخياط (إن خطت هذا الثوب اليوم) فلك درهم (أو) إن خطته (روميا فلك درهم و) إن خطته (غدا أو فارسيا ف) - لك (نصفه) أي نصف درهم، لم يصح. (أو) قال رب أرض (إن زرعتها برا) فبخمسة (أو) قال رب حانوت: (إن فتحت خياطا فبخمسة، و) إن زرعت (ذرة أو) فتحت (حدادا فبعشرة ونحوه) مما لم يقع فيه جزم، (لم يصح)، العقد، لأنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير ونحوهما، فلم يصح، كبعتك بعشرة نقدا، أو إحدى عشر نسيئة، ما لم يتفرقا، على أحدهما كما تقدم في البيع. (وإن أكراه دابة، وقال: إن رددتها اليوم فبخمسة وغدا فبعشرة، أو أكراه عشرة أيام بعشرة) دراهم (وما زاد فلكل يوم كذا، صح) لأنه لا يؤدي إلى التنازع. لأنه عين لكل زمن عوضا معلوما، فصح (ولا يصح أن يكتري مدة مجهولة ك) - اكترائه فرسا (مدة غزاته أو غيرها) لأنه لا يدري متى تنقضي، وقد تطول وتقصر، فيؤدي إلى التنازع. (وإن سمى لكل يوم شيئا معلوما جاز) وصح العقد لما تقدم. (وإن أكراه) الدار ونحوها (كل شهر بدرهم، أو) اكتراه للسقي (كل دلو بثمرة. صح) العقد. لما روي عن علي قال: جعت مرة جوعا شديدا، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة. فإذا أنا بامرأة قد جمعت بذرا، فظننت أنها تريد بله، فقاطعتها كل ذنوب بتمرة، فمددت ستة عشر ذنوبا، فعدت لي ست عشرة تمرة. فأتيت النبي (ص) فأخبرته فأكل معي منها رواه أحمد. ومثله ما تقدم إذا باعه الصبرة كل قفيز بدرهم فعلى هذا تلزم الإجارة في الشهر الأول بإطلاق العقد، قاله في المغني والشرح، وما بعده يكون مراعي. ونبه عليه بقوله. (وكلما دخل شهر لزمهما حكم الإجارة
654 إن لم يفسخا) الإجارة أوله، لأن دخوله بمنزلة إيقاع العقد على عينه ابتداء، لأن شروعه في كل شهر مع ما تقدم في العقد من الاتفاق على تقدير أجره، والرضا ببذله به جرى ابتداء العقد عليه. وصار كالبيع بالمعاطاة إذا جرى من المساومة ما دل على الرضا بها، قاله في المغني. (ولكل) واحد (منهما) أي من المؤجر والمستأجر، (الفسخ عقب تقضي كل شهر على الفور في أول الشهر) بأن يقول: فسخت الإجارة في الشهر الآخر، وليس بفسخ على الحقيقة. لأن العقد الثاني لم يثبت، قاله في المغني والشرح. وفي الرعاية: قلت أو يقول إذا مضى هذا الشهر فقد فسختها، انتهى. وهو ظاهر لما تقدم أنه يصح تعليق فسخ بشرط. قال في المغني والشرح: إذا ترك التلبيس به فهو كالفسخ لا تلزمه أجرة، لعدم العقد. (ولو أجره) دارا أو نحوها (شهرا غير معين. لم يصح) العقد للجهالة، (ولو قال) المؤجر (أجرتك هذا الشهر بكذا وما زاد فبحساب. صح) العقد (في الشهر الأول) فقط. لأنه معلوم دون ما بعده. (و) إن قال (أجرتك داري عشرين شهرا) من وقت كذا (كل شهر بدرهم، صح) العقد، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، لأن المدة والأجرة معلومان. وليس لواحد منهما الفسخ، لأنهما مدة واحدة. أشبه ما لو قال: أجرتك عشرين شهرا بعشرين درهما. (و) إن قال رب صبرة: (استأجرتك لحمل هذه الصبرة إلى مصر بعشرة) صح لأنه عين المحمول والمحمول إليه، (أو) قال: استأجرتك (لتحملها) لي كذا (كل قفيز بدرهم) صح. لأن القفيز معلوم وأجره معلوم، وجهالة عدد قفزاتها تزول باكتيالها (أو) قال: استأجرتك (لتحملها لي) إلى كذا (كل قفيز بدرهم، وما زاد) على القفيز (فبحساب ذلك. صح) العقد، لأنه في قوة قوله: كل قفيز بدرهم (وكذلك كل لفظ يدل على إرادة حمل جميعها، كقوله: لتحمل قفيزا منها بدرهم وسائرها بحساب ذلك، أو قال: وما زاد فبحساب ذلك، يريد باقيها كله إذا فهما) أي العاقدان (ذلك من اللفظ. لدلالته) أي اللفظ
655 (عندهما عليه، أو لقرينة صرفت إليه) لأن الغرض يحصل به، (وإن قال) استأجرتك (لتحمل منها قفيزا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك يريد) المستأجر (بذلك) القول، (مهما حملته من باقيها) فلك بكل قفيز درهم. لم يصح للجهالة. (أو) قال: استأجرتك (لتنقل لي منها قفيزا بدرهم) لم يصح لأن: من للتبعيض، وكل للعدد، فكأنه قال: لتحمل منها عددا. فلم يصح للجهالة، بخلاف ما لو أسقط منها. (أو) قال استأجرتك (على أن تحمل لي منها قفيزا بدرهم، وعلى أن تحمل الباقي بحساب ذلك، لم يصح) العقد، لأنه من قبيل بيعتين في بيعة المنهي عنه. (وإن قال) استأجرتك (لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، وتنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك. فإن كانا يعلمان الصبرة التي في البيت بالمشاهدة) أو وصفاها (صح) العقد فيهما للعلم بهما. (وإن جهلها أحدهما صح) العقد (في الأولى) للعلم بها. (وبطل في الثانية) للجهل بها. (وإن قال) استأجرتك (لتحمل لي هذه الصبرة والتي في البيت بعشرة. فإن كانا يعلمان التي في البيت صح فيهما) بالعشرة. وإن جهلاها أو أحدهما فقياس ما تقدم في البيع: إذا جمع بين معلوم ومجهول لا يتعذر علمه: يصح في المعلوم بقسطه: أنه يصح في المعلومة بقسطها من العشرة ويبطل في الأخرى. (وإن قال): استأجرتك (لتحمل لي هذه الصبرة، وهي عشرة أقفزة بدرهم. فإن زاد على ذلك فالزائد بحساب ذلك. صح) العقد (في العشرة فقط) للعلم بها دون ما زاد، فإنه مجهول. وأيضا عقده معلق، ولا يصح تعليق الإجارة. وقال في المنتهى: أو على حمل زبرة إلى محل كذا على أنها عشرة أرطال، وإن زادت فلكل رطل درهم صح انتهى. ويمكن حمله على ما هنا، أي صح في الزبر فقط. (وإن قال) استأجرتك (لتحملها كل قفيز بدرهم. فإن قدم لي طعام فحملته فبحساب ذلك. صح أيضا في الصبرة فقط) لما تقدم، دون ما زاد.
656 فصل: الشرط (الثالث) للإجارة (أن تكون المنفعة مباحة لغير ضرورة) أي بأن تباح مطلقا بخلاف ما يباح للضرورة أو للحاجة كأواني الذهب والكلب، (مقصودة) عادة، إذا تقرر ذلك، (فلا تصح الإجارة على الزنا، والزمر، والغناء، والنياحة لأنها غير مباحة، (ولا إجارة كاتب يكتب ذلك) أي الغناء والنوح. وكذا كتابة شعر محرم أو بدعة، أو كلام محرم. لأنه انتفاع محرم. (ولا إجارة الدار لتجعل كنيسة، أو بيت نار، أو لبيع الخمر، أو للقمار) لأن ذلك إعانة على معصية. وقال تعالى: * (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * وسواء (شرط) ذلك (في العقد أو لا) إذا دلت عليه القرائن، (ولو اكترى ذمي من مسلم دارا) ليسكنها (فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه) من ذلك، لأنه معصية. (ولا تصح إجارة ما يجمل به دكانه من نقد وشمع ونحوهما) كأوان، (ولا طعام ليتجمل به على مائدته ثم يرده، لأن منفعة ذلك غير مقصودة) وما لا يقصد لا يقابل بعوض، (ولا) يصح استئجار (ثوب لتغطية نعش) الميت ذكره في المغني والشرح. (ولا يصح الاستئجار على حمل ميتة ونحوها لاكل لغير مضطر) لأنه إعانة على معصية. فإن كان الحمل لمضطر صحت، (و) لا يصح الاستئجار على حمل (خمر) لمن (يشربها) لأنه (ص): لعن حاملها والمحمولة إليه. (ولا أجرة له) أي لمن استؤجر لشئ محرم مما تقدم. (ويصح) الاستئجار (لالقاء) الميتة (وللاراقة) الخمر، لأن ذلك تدعو الحاجة إليه. ولا تندفع بدون إباحة الإجارة له (ولا يكره أكل أجرة
657 ذلك) أي الالقاء والإراقة (ويصح) الاستئجار (لكسح كنيف) لدعاء الحاجة إليه. (ويكره له أكل أجرته) لما فيه من الدناءة (ك) - ما يكره للحر أكل (أجرة حجام) لقوله (ص): كسب الحجام خبيث متفق عليه. وقال: أطعمه ناضحك ورقيقك قلت: ولعل الفرق بين ذلك وبين ما سبق من أجرة الالقاء والإراقة: مباشرة النجاسة إذ إلقاء الميتة وإراقة الخمر لا مباشرة فيه للنجاسة غالبا بخلاف كسح الكنيف، والله أعلم. (ولو استأجره على سلخ بهيمة بجلدها) لم يصح لأنه لا يعلم هل يخرج سليما أو لا؟ وهل هو ثخين أو رقيق؟ ولأنه لا يجوز أن يكون عوضا في البيع، فكذا هنا. (أو) استأجره (على إلقاء ميتة بجلدها، لم يصح) لأنه ليس بمال. وإن قيل: إنه مال. فلما تقدم. (وله) أي الأجير على سلخ البهيمة بجلدها أو إلقاء الميتة بجلدها (أجرة مثله) لأنه عمل بعوض لم يسلم منه. ويصح الاستئجار لالقاء الميتة بالشعر الذي على جلدها إن كان محكوما بطهارته، ذكره في الفصول. ومن أعطى صيادا أجرة ليصيد له سمكا ليختبر بخته، فقد استأجره ليعمل بشبكته. قاله أبو البقاء، واقتصر عليه في الفروع. (ومثله) أي مثل استئجاره على سلخ بهيمة بجلدها في عدم الصحة استئجاره. (لطحن قمح بنخالته، وعمل السمسم شيرجا بالكسب) الخارج منه (والحلج) أي حلج القطن (بالحب) الذي يخرج منه. فلا يصح للجهالة بالأجرة. لأنه لا يعلم ما يخرج منه (وتجوز إجارة المسلم) حرا كان أو عبدا. (للذمي إذا كانت الإجارة) على عمل معين (في الذمة) كخياطة وبناء وطحن، وحصد وصبغ، وقصر. (وكذا) تجوز إجارة المسلم لذمي لعمل غير (خدمة) مدة معلومة بأن يستأجر ليستقي، أو يقصر له أياما معلومة، لأنه عقد معاوضة لا يتضمن إذلال المسلم ولا استخدامه أشبه مبايعته. وأما إجارته له للخدمة فلا تجوز لأنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر وإذلاله واستخدامه مدة الإجارة. أشبه بيع المسلم لكافر. (ولا تجوز إعارة الرقيق المسلم له) أي
658 للذمي للخدمة. ويجوز لغيرها لما تقدم. (ولا بأس أن يحفر للذمي قبرا بالأجرة) كبناء بيت له بالأجرة. (ويكره) دفن المسلم للذمي (إن كان) المدفون فيه (ناووسا) لأن فيه إعانة على مكروه. والناووس: حجر ينقر ويوضع فيه الميت. فصل: (والإجارة على ضربين، أحدهما: إجارة عين) وله صورتان: إحداهما أن تكون إلى أمد معلوم. الثانية: أن تكون لعمل معلوم وسيأتيان. ثم العين تارة تكون معينة، كاستأجرت منك هذا العبد ليخدمني سنة بكذا أو ليخيط لي هذا الثوب بكذا، وتارة تكون موصوفة في الذمة، كحمار صفته كذا ليركبه سنة إلى موضع كذا بكذا. (فما حرم بيعه فإجارته مثله) تحرم. لأنها نوع من البيع (إلا الحر والحرة) فتصح إجارتهما، لأن منافعهما مضمونة بالغصب. فجازت إجارتها كمنافع القن. (و) إلا (الوقف) فتصح إجارته، لأن منافعه مملوكة للموقوف عليه. فجازت إجارته ممن له الولاية عليه كالمؤجر. (و) إلا (أم الولد) فتصح إجارتها، لأن منافعها مملوكة لسيدها فجاز له إجارتها كإعارتها. (وتصح إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها) أي العين كالأرض والدور والبهائم والثياب ونحوها. (ولا تصح إجارة ما لا يمكن استيفاؤها) أي المنفعة (منها، كأرض سبخة لا تنبت) إذا أوجرت (للزرع) لأن الإجارة عقد على المنفعة ولا يمكن تسليم هذه المنفعة في هذه العين. (أو) أرض (لا ماء لها) بحيث لا يمكن زرعها، (أو) أرض (لها ماء لا يدوم لمدة الزرع)، فلا تصح إجارتها للزرع لما تقدم. (ولا) إجارة (ديك ليوقظه لوقت الصلاة). ولا طائر ليسمع صوته. لأن هذه المنفع ليست متقومة ولا مقدورا على تسليمها. لأنه قد يصح وقد لا يصح. (ولا) إجارة (ما لا ينتفع به مع بقاء عينه ك) - إجارة (المطعوم والمشروب ونحوه) كالمشموم من الرياحين وماء الورد، (ويصح استئجار دار يجعلها مسجدا) يصلى فيه. لأنها منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من الدار مع
659 بقائها. (أو) استئجار (حائط ليضع عليه أطراف خشبه إذا كان الخشب معلوما) والمدة معلومة. وكذا لو استأجرها ليبني عليها بناء معلوما، لأنها مباحة فتستوفي مع بقاء العين. (و) يصح (استئجار فهد وهر وصقر وباز ونحوه) مما يصلح (للصيد)، لأن فيه نفعا مباحا. وكذا يصح استئجار حيوان للحراسة. و (لا) يصح استئجار (سباع البهائم التي لا تصلح لها) أي للصيد لأنها لا تنفع فيها. (ولا) يصح استئجار (خنزير ولا كلب، ولو كان يصيد أو يحرس) لأنه لا يصح بيعه (ويصح استئجار كتاب للقراءة) فيه (والنظر فيه) أي مراجعة المسائل، (أو فيه) أي الكتاب (خط حسن يجود خطه عليه) لأن نفعه مباح مقصود يستوفي مع بقاء الكتاب (إلا المصحف. فلا تصح) إجارته. وإن صححنا بيعه تعظيما له. (ويجوز نسخه) أي المصحف (بأجرة) لأنه عمل مباح مقصود (وتقدم) ذلك (في كتاب البيع. و) في (غيره) مفصلا (ويصح استئجار نقد) أي دراهم ودنانير (للتحلي والوزن) مدة معلومة، لأن نفعه مباح يستوفى مع بقاء العين، وكالحلي (و) كذا (ما احتيج إليه كالأنف) من ذهب، (وربط الأسنان به) مدة معلومة. فتصح إجارته لذلك، لما مر. (فإن أطلق الإجارة) على النقد بأن لم يذكر وزنا ولا تحليا ونحوه. (لم تصح) الإجارة. وتكون قرضا في ذمة القابض، لأن الإجارة تقتضي الانتفاع والانتفاع المعتاد بالدراهم والدنانير إنما هو بأعيانها. فإذا أطلق الانتفاع حمل على المعتاد. (ولو أجره مكيلا أو موزونا أو فلوسا) ليعاير عليها، صحت كالنقد للوزن. وإن أطلق (لم تصح) الإجارة. وعلى قياس ما سبق: تكون قرضا (ويجوز استئجار الشجرة ليجفف عليها الثياب، أو يبسطها) أي الثياب (عليها) أي الشجرة (ليستظل بظلها) لأنه منفعة مباحة مقصودة يمكن استيفاؤها مع بقاء العين. فجاز استئجارها لها كالحبال والخشب والشجر المقطوع. (و) يجوز استئجار (ما يبقى من الطيب) كالعنبر (والصندل وقطع الكافور ونحوه). كمسك (للشم) مدة معينة ثم يرده، لأنها منفعة مباحة أشبهت استئجار الثوب للبس، مع أنه لا ينفك من إخلاق. (ويصح استئجار ولده) لخدمته (ووالده لخدمته) كأجنبي، (ويكره) الاستئجار للخدمة (في والديه)، وإن علوا، لما فيه من
660 إذلال الوالدين بالحبس على خدمة الولد (ويصح استئجار امرأته لرضاع ولده) سواء كان (منها أو من غيرها، و) يصح أيضا استئجارها على (حضانته، بائنا كانت) المرأة (أو في حياله) لأن كل عقد يصح أن تعقده مع غير الزوج يصح أن تعقده مع الزوج كالبيع، ولان منافعها من الرضاع والحضانة غير مستحقة للزوج، بدليل أنه لا يملك إجبارها على حضانة ولدها، ولا على إرضاعه. ويجوز لها أن تأخذ عليها العوض من غيره. فجاز لها أخذه منه، كثمن مالها. واستحقاقه لمنفعتها من جهة الاستمتاع لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر. (ولا تصح إجارة العين إلا بشروط خمسة أحدها: أن يعقد على نفع العين) الذي يستوفى (دون أجزائها. فلا تصح إجارة الطعام للاكل، كما تقدم. ولا) إجارة (الشمع ليشعله) ولا الصابون ليغسل به، (ولا) أن يستأجر (حيوانا ليأخذ لبنه. ولا) حيوانا (ليرضعه ولده ونحوه) كقنه، (ولا) أن يستأجر حيوانا (ليأخذ صوفه وشعره ونحوه) كوبره أو ولده، لأن مورد عقد الإجارة النفع، والمقصود ههنا العين. وهي لا تملك ولا تستحق بإجارة. وقال الشيخ تقي الدين: تجوز إجارة حيوان لاخذ لبنه. والمذهب لا يصح ذلك في حيوان (إلا في الظئر) أي آدمية. لقوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * والفرق بينها وبين البهائم: أنه يحصل منها عمل من وضع الثدي في فم المرتضع ونحوه، بخلاف البهيمة وللضرورة. (ولا) يصح (استئجار شجرة ليأخذ ثمرها أو شيئا من عينها) كالحيوان لاخذ لبنه. (ونقع البئر) في الدار والأرض ونحوها (يدخل تبعا للدار ونحوها) لا أصالة قال في الانتصار: قال أصحابنا لو غار ماء دار مؤجرة فلا فسخ، لعدم دخوله في الإجارة. وفي الفصول: لا يستحق بالإجارة، لأنه إنما يملك بالحيازة. (قال ابن عقيل: يجوز استئجار البئر ليستقي منه أياما معلومة، أو) يستقي منها (دلاء معلومة، لان هواء البئر وعمقها فيه نوع انتفاع بمرور الدلو فيه. فأما الماء فيؤخذ على الإباحة، انتهى) لأنه إنما يملك بالحيازة كما تقدم. قال في المغني: وهذا التعليل يقتضي أنه يجوز أن يستأجر منه بركته ليصطاد منها السمك مدة معلومة، انتهى. وهو واضح إذا لم تعمل للسمك، لأن هواء البركة وعمقها فيه نوع انتفاع بمرور آلة الصيد، والسمك يؤخذ على الإباحة. وأما إذا عملت للسمك فإنه يملك بحصوله فيها، كما يأتي في الصيد. فلا تصح
661 الإجارة لاخذ لكن إن أجرها قبل حصول السمك بها لمن يصطاده منها مدة معلومة صح. فإذا حصل فيها فله صيده. (ويدخل أيضا تبعا حبر ناسخ) وأقلامه في استئجار على نسخ. (وخيوط خياط) في استئجار على خياطة، (وكحل كحال) في استئجار على كحل، (ومرهم طبيب) في استئجاره لمداواة مدة معلومة. (وصبغ صباغ) في إجارة لصبغ. (ونحوه) كقلي قصار وقرظ دباغ، ولصاق لصاق، وماء عجان. (وسئل) الامام (أحمد عن إجارة بيت الرحى الذي يديره الماء؟ فقال: الإجارة على البيت والأحجار والحديد والخشب. فأما الماء فإنه يزيد وينقص وينضب) أي يغور، (ويذهب فلا يقع عليه إجارة) لعدم انضباطه. (ولا يجوز استئجار الفحل للضراب) لنهيه (ص): عن عسب الفحل متفق عليه. والعسب إعطاء الكراء على الضراب على أحد التفاسير. ولان المقصود الماء وهو محرم لا قيمة له. فلم يجز أخذ العوض عنه كالميتة. (فإن احتاج) إنسان (إلى ذلك ولم يجد من يطرق له) دابته مجانا، (جاز له) أي لرب الدابة (أن يبذل الكراء) لأنه بذل لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها. فجاز (كشراء الأسير ورشوة الظالم ليدفع ظلمه. ويحرم على المطرق) وهو رب الفحل (أخذه) أي العوض للنهي السابق. (وإن أطرق إنسان فحله بغير إجارة ولا شرط فأهديت له هدية أو أكرم بكرامة لذلك. فلا بأس) لأنه فعل معروفا. فجازت مجازاته عليه. قال في المغني والشرح: ونقل ابن القاسم لم يبلغنا أن النبي (ص) أعطى شيئا كالحمام. فحمله القاضي على ظاهره. وأنه مقتضى النظر وحمله في المغني على الورع، وهو ظاهر. قال الشيخ تقي الدين: فلو أنزاه على فرسه فنقص ضمن النقص قاله في المبدع. الشرط (الثاني: معرفة العين) المؤجرة (برؤية) إن كانت تنضبط بالصفات، كالدار والحمام. (أو صفة
662 يحصل بها معرفته) أي المؤجر (كمبيع) لأن الغرض يختلف وإن جرت الإجارة في الموصوفة في الذمة بلفظ سلم. اعتبر قبض أجرة بمجلس عقد، وتأجيل نفع. فيجري السلم في المنافع كالأعيان. (فإن لم تحصل) المعرفة (بها) أي الصفة بأن لم يذكر من صفاته ما يكفي في السلم، (أو كانت) الصفة (لا تأتي فيها) أي المؤجرة (كالدار والعقار) من بساتين ونخيل وأرض. وعطفه على الدار من عطف العام على الخاص. (فتشترط مشاهدته وتحديده، ومشاهدة قدر الحمام، ومعرفة مائه، و) معرفة (مصرفه) أي الماء (ومشاهدة الإيوان، ومطرح الرماد، وموضع الزبل) وما روي من أن الامام كره كراء الحمام، لأنه يدخله من تنكشف عورته فيه. حمله ابن حامد على التنزيه، والعقد صحيح، حكاه ابن المنذر إجماعا حيث حدده. وذكر جميع آلته شهورا مسماة. الشرط (الثالث: القدرة على التسليم) لأنها بيع لمنافع، أشبهت بيع الأعيان. (فلا تصح إجارة) العبد (الآبق، و) لا الجمل (الشارد) وقياس البيع: ولو من قادر على تحصيلهما. (و) لا إجارة (المغصوب ممن لا يقدر على أخذه منه) أي الغاصب، لأنه لا يمكنه تسليم المعقود عليه، فلا تصح إجارته كبيعة. وكذا الطير في الهواء. (ولا) تصح (إجارة مشاع مفرد لغير شريكه. لأنه) أي المؤجر (لا يقدر على تسليمه) إلا بتسليم نصيب شريكه، ولا ولاية عليه. فلم يصح كالمغصوب. (وإن كانت) العين (لواحد فأجر) رب العين (نصفه) أي نصف المؤجر (صح. لأنه يمكنه تسليمه ) إذ العين كلها له، فيسلمها للمستأجر، ثم إن أجر النصف الآخر للأول صح. وإن كان لغيره فوجهان، (إلا أن) - ه يؤجر الشريكان) المشترك (معا) لواحد فيصح لعدم المانع (أو) يؤجر أحدهما للآخر أو لغيره. (بإذنه) أي شريكه (قاله في الفائق. وهو مقتضى تعليلهم) بكونه لا يقدر على تسليمه، لأنه إذا أذن له فقد قدر على التسليم، وقد يمنع إذ لا يلزم من الاذن في الإجارة الاذن في التسليم، وأيضا الاذن ليس بلازم. فإذا أذن ثم رجع صح رجوعه، فلا يتأتى التسليم. ومقتضى التعليل: أن العين لو كانت لجمع فأجر أحدهم نصيبه لواحد منهم بغير إذن الباقين، لم تصح. قال في الرعاية الكبرى. لا تصح إلا لشريكه بالباقي، أو معه لثالث. (ولا) تصح إجارة (عين لاثنين فأكثر، وهي) أي العين (لواحد) لأنه يشبه إجارة المشاع. (وعنه) أي الامام (بلى) تصح إجارة المشاع لغير الشريك، (اختاره جمع) منهم أبو حفص
663 وأبو الخطاب والحلواني، وصاحب الفائق، وابن عبد الهادي. قال في التنقيح وهو أظهر، وعليه العمل، انتهى. وعليه: فتصح إجارة العين لاثنين فأكثر وهي لواحد. وإن أجر اثنان دارهما من واحد صفقة واحدة على أن نصيب أحدهما بعشرة والآخر بعشرين، صح. وإن أجر اثنان دارهما من رجل واحد ثم أقاله أحد صح، وبقي العقد في نصيب الآخر. ذكره القاضي ثم قال: ولا يمتنع أن نقول: بفسخ العقد في الكل. الشرط (الرابع: اشتمالها على المنفعة) المعقود عليها (فلا تصح إجارة بهيمة زمنة للحمل) أو الركوب (ولا) إجارة (أخرس) على تعليم منطوق، (ولا) إجارة (أعمى للحفظ) أي ليحفظ شيئا يحتاج إلى رؤية، لأن الإجارة عقد على المنفعة ولا يمكن تسليم هذه المنفعة من هذه العين. (ولا) تصح إجارة (كافر لعمل في الحرم، لأن المنع الشرعي كالحسي، ولا) إجارة (لقلع سن سليمة أو قطع يد سليمة) وكذا سائر الأعضاء (ولا الحائض والنفساء على كنس المسجد في حالة لا تأمن فيها تلويثه). قلت: وكذا من به نجاسة تتعدى. (ولا على تعليم الكافر القرآن). قلت: وينبغي مثله التفسير والحديث. وكتاب نحو يشتمل على آيات وأحاديث. (ولا) إجارة (على تعليم السحر والفحش والخناء) بكسر الخاء والمد، (أو على تعليم التوراة والكتب المنسوخة). قلت: أو العلوم المحرمة لما مر من أن المنع الشرعي كالحسي. (ولا) تصح (إجارة أرض لا تنبت للزرع كما تقدم، ولا حمام لحمل كتب) لتعذيبه. قاله في الموجز: وفيه احتمال. قال في التبصرة: هو أولى. والشرط (الخامس: كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها) لأنها بيع المنافع. فاشترط فيها ذلك كالبيع. فلو أجر ما لا يملكه ولا إذن له فيه لم يصح كبيعه. (وتصح إجارة مستأجر) العين المؤجرة (لمن يقوم مقامه) في استيفاء النفع. (أو) لمن (دونه في الضرر) لأن المنفعة لما كانت مملوكة له، جاز له أن يستوفيها بنفسه ونائبه. (ولا يجوز) للمستأجر أن يؤجرها (لمن هو أكثر ضررا منه) لأنه لا يستحقه. (ولا) إجارتها (لمن يخالف ضرره ضرره) لما مر. (ما لم يكن المأجور حرا كبيرا) كان (أو صغيرا) خلافا للتنقيح، حيث قيد بالكبير. (فإنه ليس لمستأجره أن
664 يؤجره لأنه لا تثبت يد غيره عليه، وإنما هو يسلم نفسه) إن كان كبيرا. (أو يسلمه وليه) إن كان صغيرا. (وتصح) إجارة العين المؤجرة (لغير مؤجرها. و) تصح (لمؤجرها بمثل الأجرة، و) ب (- زيادة) على الأجرة التي استأجر بها. لأنه عقد يجوز برأس المال، فجاز بزيادة (ولو لم يقبض) المستأجر (المأجور) سواء أجره لمؤجره أو غيره، لأن قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه، فلم يقف جواز التصرف عليه. بخلاف بيع المكيل ونحوه قبل قبضه (ما لم تكن) إجارته لمؤجره بزيادة (حيلة) كعينة. بأن أجرها بأجرة حالة نقد، ثم أجرها بأكثر منه مؤجلا. فلا يصح لما سبق في مسألة العينة (وليس للمؤجر) الأول (مطالبة المؤجر الثاني بالأجرة) لأن غريم الغريم ليس بغريم. قلت: إن غاب المستأجر الأول أو امتنع فللمؤجر رفع الامر للحاكم. فيأخذ من المستأجر الثاني ويوفيه أجرته، أو من مال المستأجر الأول إن كان. وإن فضل شئ حفظه للمستأجر وإن بقي له شئ فمتى وجد له ما لا وفاه منه. كما يأتي في القضاء على الغائب. (وإذا تقبل) الأجير (عملا في ذمته بأجرة كخياطة أو غيرها فلا بأس أن يقبله غيره بأقل منها) أي أجرته، (ولو لم يعين فيه بشئ) من العمل، لأنه إذا جاز أن يقبله بمثل الاجر الأول أو أكثر جاز بدونه كالبيع، وكإجارة العين. (ولمستعير إجارتها) أي العين المعارة، (إن أذن له معير فيها) أي في إجارتها، لأنه لو أذن له في بيعها لجاز فكذا في إجارتها، ولان الحق له فجاز بإذنه وقوله (مدة يعينها) متعلق بإجارتها. لأن الإجارة عقد لازم لا يجوز إلا في مدة معينة، ثم إن عين له ربها مدة تقيد بها وإلا فكوكيل مطلق، يؤجر العرف كما يأتي. (والأجرة لربها) دون المستعير لانفساخ العارية بورود الإجارة عليها. لكون الإجارة أقو للزومها. (ولا يضمن مستأجر) من مستعير (ويأتي في العارية. وتصح إجارة وقف) لأن منافعه مملوكة للموقوف عليه، فجاز له إجارتها كالمستأجر. (فإن مات المؤجر انفسخت) الإجارة: (إن كان المؤجر الموقوف عليه ناظرا بأصل الاستحقاق، وهو من يستحق النظر لكونه
665 موقوفا عليه، ولم يشرط الواقف ناظرا، بناء على أن الموقوف عليه يكون له النظر إذا لم يشرط الواقف ناظرا) وهو المذهب. ووجه انفساخها إذن: أن البطن الثاني يستحق العين بجميع منافعها تلقيا من الواقف بانقراض الأول. بخلاف المطلق فإن الوارث يملكه من جهة الموروث فلا يملك إلا ما خلفه. وحق المورث لم ينقطع عن ميراثه بالكلية، بل آثاره باقية فيه. ولهذا تقضي منه ديونه وتنفذ وصاياه. (وإن جعل له) أي للموقوف عليه (الواقف النظر) بأن قال: النظر لزيد أو للأرشد. فالأرشد ونحوه (أو تكلم بكلام يدل عليه) أي على جعل النظر للموقوف عليه. (فله النظر بالاستحقاق والشرط. ولا تبطل الإجارة بموته) لأن إيجاره هنا بطريق الولاية. ومن يلي بعده إنما يملك التصرف فيما لم يتصرف فيه الأول. (فيرجع مستأجر) عجل الأجرة (على مؤجر قابض) للأجرة (في تركته حيث قلنا: تنفسخ) الإجارة بموته كالمسألة الأولى. لأنه تبين عدم استحقاقه لها. فإن تعذر أخذها فظاهر كلامهم أنها تسقط، قاله في المبدع. (ومثله) أي مثل الموقوف عليه (مقطع) أرضا ارتفاقا إذا (أجر إقطاعه ثم انتقل) ما أجره (إلى غيره بإقطاع آخر) فتنفسخ الإجارة. ويأخذ المنتقل إليه ما يقابل زمن استحقاقه من مستأجر، ويرجع مستأجر على قابض. (وإن كان المؤجر) للوقف (الناظر العام) وهو الحاكم (أو من شرط له الواقف النظر. وكان أجنبيا أو من أهل الوقف لم تنفسخ) الإجارة (بموته ولا بعزله) في أثناء المدة أو قبلها، كما لو أجر سنة خمس في سنة أربع ومات، أو عزل قبل دخول سنة خمس لما مر من أنه أجر بطريق الولاية، ومن يلي النظر بعده إنما يملك التصرف فيما لم يتصرف هو فيه. و (كملكه الطلق) إذا أجره ثم مات. فإن الإجارة لا تبطل بموته لما تقدم. (والذي يتوجه أنه لا يجوز للموقوف عليهم أن يستسلفوا الأجرة، لأنهم لم يملكوا المنفعة المستقبلة، ولا الأجرة عليها) أي على المنفعة المستقبلة، (فالتسلف لهم قبض ما لا يستحقونه بخلاف
666 المالك. وعلى هذا فللبطن الثاني أن يطالب بالأجرة المستأجر الذي سلف المستحقين، لأنه لم يكن له التسليف. ولهم أن يطالبوا الناظر إن كان هو المسلف) ذكره في الاختيارات (وكموت المستأجر) عطف على كملكه المطلق، أي وكما لا تبطل الإجارة بموت مستأجر. (وإذا أجر الولي اليتيم) مدة (أو) أجر (ماله) مدة (أو) أجر (السيد العبد مدة) معلومة، (ثم بلغ الصبي ورشد وعتق العبد) قبل انقضاء مدة الإجارة (فإن كان) الولي (يعلم بلوغ الصبي فيها) أي في المدة بأن أجره سنتين وهو ابن أربع عشرة سنة، (أو) كان السيد يعلم (عتق العبد) فيها (بأن كان) عتقه (معلقا) على شئ يوجد فيها (انفسخت) الإجارة (وقت عتقه) أي العبد، (و) وقت (بلوغه) أي اليتيم. لئلا يفضي إلى أن تصح على جميع منافعهما طول عمرهما. وإلى أن يتصرف كل منهما في غير زمن ولايته على المأجور. (وإن لم يعلم) الولي بلوغ اليتيم في أثناء المدة ولم يعلم السيد عتقه في أثنائها (لم تنفسخ) الإجارة، لأنه تصرف لازم يملكه المتصرف. كما لو زوج أمته ثم باعها أو أعتقها (ولا تنفسخ) إجارة اليتيم أو ماله (بموت) الولي (المؤجر ولا عزله)، لأنه تصرف وهو من أهل التصرف فيما الولاية عليه فلم يبطل تصرفه، كما لو مات ناظر الوقف أو عزل هو أو الحاكم. (ولا يرجع العتيق على سيده بشئ من الأجرة) التي قبضها سيده حين أجره وهو رقيق لأنه ملكها بالعقد. (لكن نفقته) أي العتيق (في مدة باقي الإجارة على سيده) لأنه كالباقي في ملكه لأنه لا يملك عوض نفعه (إن لم تكن) نفقته (مشروطة على المستأجر) فإن شرطت عليه لزمته. (ولو ورث المأجور) بأن مات مالكه وانتقل إلى ورثته، (أو اشترى) المأجور (أو اتهب) المأجور (أو وصى له) أي لانسان (بالعين) المؤجرة (أو أخذ) المأجور (صداقا) بأن تزوج مالكه عليه امرأة (أو أخذه الزوج عوضا عن خلع) أو طلاق، (أو) أخذ (صلحا أو غير ذلك) بأن جعل عوضا في عتق أو جعالة أو إجارة ونحوها، (فالإجارة بحالها) لا تبطل بذلك، لأنها عقد لازم. ويكون المأجور ملكا
667 للمنتقل إليه مسلوب الانتفاع إلى انقضاء المدة. (وتجوز إجارة الاقطاع) لأن المقطع يملك منفعته، (كالوقف. فلو أجره) المقطع (ثم استحقت الاقطاع لآخر فالصحيح) أن الإجارة (تنفسخ) بانتقاله عنه، (كما تقدم) قريبا (وإن كانت الاقطاع عشرا) قلت: أو خراجا، بأن أقطعه عشر الخارج من الأرض أو خراجهما دون الأرض، (لم تصح إجارتها) لأنه لا يملك الأرض ولا منفعتها (كتضمينه) أي كما أن تضمنه العشر والخراج بقدر معلوم باطل. وتقدم في الزكاة. انتهى الجزء الثالث من كشاف القناع لعلامة الحنابلة في وقته الشيخ منصور البهوتي ويليه الجزء الرابع منه إن شاء الله تعالى وأوله (فصل: وإجارة العين تتقسم فسمين الخ والله المعين على إتمام هذا العمل الجليل)