بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: كشاف القناع المؤلف: البهوتي الجزء: 6 الوفاة: 1051 المجموعة: فقه المذهب الحنبلي تحقيق: تقديم : كمال عبد العظيم العناني / تحقيق : أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1418 - 1997 م المطبعة: الناشر: منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان ردمك: ملاحظات: للشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي المتوفى سنة 1051 ه عن متن الاقناع للإمام موسى بن أحمد الحجاوي الصالحي المتوفى سنة 960 ه قدم له الأستاذ الدكتور كمال عبد العظيم العناني حققه أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي الجزء السادس يحتوي على الكتب التالية: الديات - الحدود - الأطعمة - الصيد - الايمان وكفاراتها القضاء والفتيا - الشهادات - الاقرار منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت - لبنان كشاف القناع
1 بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الديات (وهي جمع دية) مخففة وأصلها ودي والهاء بدل من الواو كالعدة من الوعد والزنة من الوزن يقال وديت القتيل أدية دية إذا أعطيت ديته وأيتديت إذا أخذت الدية (وهي) في الأصل مصدر سمي به (المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية) كالخلق بمعنى المخلوق وهي ثابتة بالاجماع. وسنده قوله تعالى: * (ودية مسلمة إلى أهله) * وفي الخبر: في النفس مائة من الإبل (كل من أتلف إنسانا) ذكرا أو أنثى (مسلما أو ذميا مستأمنا أو مهادنا بمباشرة) لاتلافه (أو سبب) كشهادة عليه أو إكراه على قتله أو حفر بئر تعديا (عمدا أو خطأ أو شبه عمد لزمته ديته) لقوله (ص) لما كتب إلى أهل اليمن كتابا في الفرائض والسنن والديات: في النفس مائة من الإبل رواه مالك والنسائي من حديث عمرو بن حزم قال ابن عبد البر هو كتاب مشهور عند أهل السير ومعروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الاسناد أشبه المتواتر (إما في ماله) أي القاتل (أو على عاقلته على ما سيأتي) تفصيله بقوله: (فإن كان) القتل (عمدا محضا فهي) أي الدية (في مال الجاني) لان بدل المتلف وأرش الجناية على الجاني قال (ص): ولا يجني جان إلا على نفسه ولان العامد لا عذر له فلا يستحق التخفيف ولا يوجد فيه المعنى المقتضى للمواساة في الخطأ
3 (حالة) كالقصاص وأرش أطراف العبد ولان القاتل غير معذور بخلاف شبه العمد (و) دية (شبه العمد والخطأ وما أجري مجراه) أي الخطأ كانقلاب النائم على إنسان فيقتله وحفر البئر تعديا فيقع فيه فيموت به (على عاقلته) مؤجلة على ثلاث سنين كما يأتي لحديث أبي هريرة: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلته وما في بطنها فقضى رسول الله (ص) بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه وحكاه ابن المنذر إجماعا في الخطأ. والحكمة فيه أن جنايات الخطأ تكثر ودية الآدمي كثيرة فإيجابها على الجاني في ماله يجحف به فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والإعانة له تخفيفا لأنه معذور و (لا يلزمه) أي القاتل (شئ منها) أي الدية للخبر السابق فإنه يقتضي أنه حكم عليهم بجميع الدية (فإن كان التالف جزءا من الانسان فسيأتي) بيان ديته ويأتي بيان ما تحمله العاقلة منه (في باب العاقلة إن شاء الله) تعالى مفصلا (فإذا ألقاه على أفعى) وهي حية معروفة والأكثر على صرفها كعصا وقيل: تمنع من الصرف لوزن الفعل وشبهها بالمشتق وهو تصور أذاها (أو ألقاها) أي الأفعى (عليه فقتلته) فعليه ضمانه لأنه أتلف بعدوانه كالمباشر، (أو طلبه بسيف مجرد) من غمده (ونحوه) أي نحو السيف (أو) طلبه ب (- ما يخيف كلت، ودبوس فهرب منه فتلف في هربه بأن سقط من شاهق أو انخسف به سقف أو خر في مهواه من بئر أو غيره، أو سقط فتلف، أو لقيه سبع) أو نحوه (فافترسه أو غرق في ماء أو احترق بنار سواء كان المطلوب صغيرا، أو كبيرا، أو أعمى، أو بصيرا أو عاقلا، أو مجنونا) فعليه ضمان ما لا تحمله العاقلة لأنه هلك بسبب عدوانه فضمنه قال في الترغيب والبلغة وعندي ما لا يتعمد إلقاء نفسه مع القطع بتلفه لأنه كمباشر قال في الفروع: ويتوجه أنه مراد غيره
4 قال في الانصاف: الذي ينبغي أن يجزم به أنه مراد الأصحاب وكلامهم يدل عليه (أو روعه، بأن شهر السيف في وجهه، أو دلاه من شاهق فمات من روعته، أو ذهب عقله) فعليه ضمانه لما سبق (أو حفر بئرا محرما حفرها في فنائه، أو في فناء غيره، أو في طريق) ولو واسعا (لغير مصلحة المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه) أي صاحب الملك فتلف بها إنسان فعليه ضمانه لأنه تلف بعدوانه (أو وضع حجرا) في طريق فتلف به إنسان فعليه ضمانه لتعديه إن لم يضعه لنفع المسلمين بأن وضعه بطين ليطأ عليه الناس، (أو رماه) أي الحجر (أو) رمى (غيره من منزله) أو غيره فتلف به شئ ضمنه (أو حمل به رمحا جعله) أي الرمح (بين يديه أو خلفه) فتلف به شئ ضمنه (لا) إن كان الرمح (قائما في الهواء وهو يمشي) فلا يضمن ما تلف به (لعدم تعديه فأتلف) ما تقدم (إنسانا، أو غيره) من حيوان أو غيره ضمنه، (أو صب ماء في طريق أو) صب ماء في (فنائه) أي ما اتسع حول داره (أو رمى قشر بطيخ أو) قشر (خيار أو) قشر (بقلا) ونحوه (في طريق) فتلف به شئ ضمنه (أو بال) في طريق (أو بالت دابته في طريق ويده عليها: راكبا كان أو ماشيا، أو قائدا فتلف به إنسان أو ماشية أو تكسر منه عضو فعليه ضمان ما لا تحمله العاقلة) كالعبد والبهائم وما دون ثلث الدية وما عدا ذلك عن عاقلته كما لو جنت بيدها أو فمها قاله الأصحاب. وفي الشرح قياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك، أي ببول الدابة في الطريق وكما لو سلم على غيره أو أمسك يده حتى مات لعدم تأثيره ولأنه لا يمكن التحرز منه كما لو أتلفت برجلها ويفارق ما إذا أتلفت بيدها أو فمها لأنه يمكنه حفظها (وإن حفر) إنسان (بئرا أو نصب سكينا أو وضع آخر حجرا) أو نحوه (فعثر به إنسان، أو دابة فوقع في البئر، أو على
5 السكين ضمن واضع الحجر المال) حيوانا كان أو غيره (وعلى عاقلته دية الحر) لان الحجر (كدافع) ولان الوضع متأخر عن الحفر والنصب وعلم منه أنه لا ضمان على الحافر والناصب إذن لان واضع الحجر قطع لستببهما ولا قصاص على واضع الحجر لأنه لم يقصد القتل عادة لمعين بخلاف مكره (إذا تعديا) أي الحافر وواضع الحجر (وإلا) يعني، وإن تعدى أحدهما وحده (ف) - الضمان (على متعد منهما) لتعديه وإن يتعديا ولا أحدهما بأن كانت البئر في ملكه أو في موات أو في طريق واسع لنفع المسلمين بلا ضرر ووضع الحجر بطين ليطأ الناس عليه فلا ضمان عليهما لعدم العدوان، (وإن أعمق) إنسان (بئرا قصيرة ولو) كانت (ذراعا فحفرها) آخر (إلى القرار ضمنا التالف بينهما إن كان) التالف (مالا، ودية الحر على عاقلتهما) لأن السبب حصل منهما، وكما لو جرحه واحد جرحا (فإن) حفر إنسان بئرا وعمقها آخر و (وضع آخر فيها سكينا ف) - الضمان عليهم (أثلاثا) لتسببهم، (وإن حفرها) أي البئر (بملكه أو وضع فيها) أي في بئر بملكه (حجرا أو حديدة وسترها) ليقع فيها أحد (فمن دخل بإذنه وتلف بها فالقود) لأنه أتلفه كما لو قدم له طعاما مسموما فأكله (وإلا) أي وإن دخل بغير إذنه (فلا) ضمان (ك) - ما لو كانت البئر (مكشوفة بحيث يراها) الداخل (إن كان بصيرا) لأنه الجاني على نفسه كآكل السم عالما به، (أو) كان ضريرا أو (دخل بغير إذنه) فلا ضمان لأنه لم يتسبب في الجناية عليه، (وإن كان الداخل) بالاذن (أعمى أو كان بصيرا لكن في ظلمة لا يبصرها) أي البئر (ضمنه) الآذن لتسببه في هلاكه (وإن قال صاحب الدار: ما أذنت له في الدخول وادعى ولي الهالك أنه أذن له) في الدخول (فقول المالك) لأنه منكر والأصل عدم الإذن، (وإن قال) صاحب الدار: (كانت) البئر (مكشوفة) بحيث يراها (وقال الآخر) وهو ولي الهالك: (كانت مغطاة، فقول ولي الداخل) بيمينه لأن الظاهر معه، إذ لو كانت مكشوفة بحيث يراها لم يسقط فيها (وإن تلف أجير لحفرها) أي البئر (بها أو دعا من يحفرها له بداره أو
6 بمعدن فمات بهدم فهدر) لأن المستأجر لم يحصل منه في ذلك مباشرة ولا تسبب، وكذا أجير لبناء أو هدم حائط (وإن حفر بئرا في ملكه أو) حفرها (في ملك غيره بإذنه فلا ضمان عليه) بسبب الحفر لأنه لم يتعد به (وكذلك إن حفرها) أي البئر (في موات) لتملك أو ارتفاق أو نفع المسلمين (أو وضع حجرا) بطين ليطأ عليه الناس أو وضعه في موات (أو نصب شركا أو شبكة أو منجلا ليصيد بها) فتلف بذلك شئ فلا ضمان لعدم تعديه، (وإن فعل شيئا من ذلك) بأن حفر البئر أو وضع الحجر لا ليطأ عليه الناس بطين أو نصب شركا أو شبكة أو منجلا (في طريق ضيق فعليه ضمان ما تلف به أذن له الامام) في ذلك (أو لم يأذن) فيه لأنه ليس له أن يأذن فيما فيه ضرر (ولو فعل ذلك الامام لضمن) ما يتلف به لعدوانه (فإن كان الطريق واسعا فحفرها) أي البئر (في مكان منها يضر بالمسلمين) كقارعة الطريق (ضمن) ما تلف بها، (وإن كان) حفرها في مكان (لا يضر) بالمسلمين (وحفرها لنفسه ضمن ما تلف بها) لأنه ليس له ذلك وإن حفرها لنفع المسلمين في الطريق الواسع بلا ضرر فلا ضمان وتقدم (وإن حفرها) أي البئر (في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه ضمن ما تلف به) أي بسبب حفره (جميعه) لتعديه بالحفر (وتقدمت أحكام البئر في آخر الغصب. وإن غصب) أي حبس (صغيرا حرا) عن أهله (فنهشته حية أو أصابته صاعقة) نار تنزل من السماء فيها رعد شديد (ففيه الدية) لأنه تلف في يده العادية، (وإن كان) المغصوب (قنا) فنهشته حية أو أصابته صاعقة أو تلف بغير ذلك (ف) - على الغاصب (القيمة) أي قيمة القن لمالكه لأن القن تثبت عليه اليد. (قال الشيخ: ومثل ذلك) أي نهش الحية وإصابة الصاعقة (كل سبب يختص البقعة كالوباء وانهدام سقف عليه ونحوهما انتهى) لأنه بحبسه منعه من الهرب (وإن مات) المغصوب
7 (بمرض أو) مات (فجأة لم يضمن) الغاصب (الحر) لأنه لا تثبت عليه اليد بخلاف القن (وإن قيد حرا مكلفا أو غله فتلف بصاعقة أو حية وجبت الدية) كما تقدم في الصغير. فصل: (وإن اصطدم حران مكلفان، بصيران، أو ضريران أو أحدهما) بصير والآخر ضرير (وهما ماشيان أو راكبان، أو راكب وماش، فماتا، فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر) روي عن علي لأن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه وذلك خطأ فكانت دية كل منهما على عاقلة صاحبه، (وقيل: بل) على عاقلة كل منهما (نصفها) أي الدية (لأنه هلك بفعل نفسه وفعل صاحبه، فيهدر فعل نفسه وهذا هو العدل، وكالمنجنيق إذا رجع فقتل أحد الثلاثة) الرامين له فإنه يهدر فعل نفسه، وجزم به في الترغيب وقدم في الرعاية إن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط فلا ضمان، وعلى كل منهما كفارة في تركته، (وإن مات أحد المتصادمين) دون الآخر (فديته كلها أو نصفها على عاقلة الآخر) لما تقدم (على الخلاف) فإن قلنا فيما سبق على عاقلة كل منهما دية الآخر، فالواجب هنا الدية كاملة وإن قلنا: نصفها هناك فالنصف هنا، (وإن اصطدما عمدا ويقتل) ذلك الصدم (غالبا ف) القتل (عمد يلزم كل واحد منهما دية الآخر في ذمته فيتقاصان) ولا شئ على العاقلة لأنها لا تحمل العمد، وعلى هذا إن مات أحدهما وحده فالقصاص أو الدية في مال صاحبه (وإلا) أي وإن لم يكن الصدم يقتل غالبا (ف) - هو (شبه عمد) فالدية على العاقلة والكفارة في مال كل منهما (ولو تجاذبا حبلا ونحوه) كثوب (فانقطع) الحبل أو نحوه (فسقطا فماتا،
8 فكمتصادمين سواء انكبا أو استلقيا أو انكب أحدهما واستلقى الآخر، لكن نصف دية المنكب على عاقلة المستلقي مغلظة ونصف دية المستلقي على عاقلة المنكب) مخففة قاله في الرعاية. (وإن اصطدم قنان ماشيان فماتا فهدر) لأن قيمة كل واحد منهما وجبت في رقبة الآخر وقد تلف المحل الذي وجبت فيه فذهبا هدرا. قلت: فإن كانا راكبين وهما بالغان فكذلك، وإن كانا صغيرين وأركبهما سيدهما لمصلحة أو ركبا من عند أنفسهما فكذلك، وإلا فعلى مركب كل منهما ضمان الآخر. وإن كان أحدهما صغيرا والآخر كبيرا فلكل حكمه، (وإن مات أحدهما) أي أحد القنين الماشيين المصطدمين (فقيمته في رقبة الآخر) لأنه مات بجنايته (كسائر، جناياته وإن كانا) أي المصطدمان (حرا وقنا وماتا) بالصدم (ضمنت قيمة القن في تركة الحر) لأن العاقلة لا تحملها (ووجبت دية الحر كاملة في تلك القيمة) لتعلق جنايته برقبته والقيمة قائمة مقامها فإن تساويا تقاصا، وإن كانت القيمة أكثر سقط منها بقدر الدية وباقيها للسيد وإن كانت الدية أكثر فلا شئ عليه، (وإن اصطدم امرأتان فماتتا فكرجلين) فإن كان عمدا ويقتل غالبا فعلى كل منهما دية الأخرى في ذمتها فيتقاصان وإلا فشبه عمد، (فإن أسقطت كل واحدة منهما جنينها فعلى كل واحدة) منهما (نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها) لمشاركتها في قتل الجنين (وعلى كل واحدة) منهما في مالها (عتق ثلاث رقاب، واحدة لقتل صاحبتها واثنتان لمشاركتها في) قتل (الجنينين فإن أسقطت إحداهما دون الأخرى) وماتتا (اشتركتا في ضمانه) أي الجنين لاشتراكهما في قتله (وعلى كل واحدة منهما عتق رقبتين) رقبة
9 لاشتراكهما في قتل الجنين، ورقبة لقتل كل منهما الأخرى، ودية كل منهما على عاقلة الأخرى وإن لم يكن عمدا يقتل غالبا ويأتي أن العاقلة تحمل الغرة إذا سقط بجناية على أمه ومات معها أو بعدها لا قبلها (وإن كان المتصادمان راكبين فرسين، أو بغلين، أو حمارين، أو جملين) أو فيلين أو نحوهما (أو) كان (أحدهما راكبا فرسا، والآخر) راكبا (غيره) وكانا (مقبلين) أي كل منهما مقبل على الآخر (أو مدبرين) أي ظهر كل منهما للآخر (فماتت الدابتان، فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر أو نصفها على الخلاف) السابق لأنها ماتت بفعله أو مشاركته (وإن ماتت إحداهما) أي إحدى الدابتين (فعلى الآخر قيمتها) أو نصفها على الخلاف، (وإن نقصت فعليه نقصها) أي نقص دابة كل منهما، فعلى الآخر أرش نقصها. وإن نقصت دابة أحدهما فعلى الآخر أرش نقصها، (وإن كان أحدهما) أي الراكبين (يسير بين يدي الآخر فأدركه الثاني فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللاحق) لأنها تلفت بصدمة، وإن ماتا أو أحدهما فدية السابق على عاقلة اللاحق، (وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا) أو قاعدا (فعلى عاقلة السائر دية الواقف) والقاعد لأنه قتيل خطأ (وعليه) أي السائر (ضمان دابته) أي دابة الواقف أو القاعد لأن العاقلة لا تحملها، (فإن مات الصادم أو) تلفت (دابته فهدر) لأنه لم يجن عليه أحد بل هو الجاني على نفسه (وإن انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين) على ما سبق تفصيله. هذا كله إذا وقف أو قعد في طريق واسع (فإن كان الواقف) يعني غير السائر (في طريق ضيق غير مملوك له) حال كونه (قاعدا أو واقفا فلا ضمان فيه) لأن السائر لم يتعد عليه بل القاعد والواقف هو المتعدي، (وإن كان) الطريق الضيق (مملوكا للواقف) أو القاعد (ضمنه السائر) لتعديه بسلوكه ملك غيره بغير إذنه مع أن الواقف والقاعد غير متعد بوقوفه في ملكه (ولا يضمن واقف) أو قاعد (لسائر شيئا ولو في طريق ضيق) غير مملوك لأنه لم يجن عليه، (ومن
10 أركب صغيرين لا ولاية له عليهما فاصطدما فماتا فعلى الذي أركبهما ديتهما في ماله) لأنه متعد بذلك وتصادمهما أثر ركوبهما وفعلهما غير معتبر فوجب إضافة القتل إلى من أركبهما. وفي الترغيب والمقنع والوجيز ديتهما على عاقلته لأنه خطأ فتحمله العاقلة (وما تلف من مالهما ففي ماله) أي المركب لهما (أيضا) لأنه تلف بتعديه والعاقلة لا تحمله، (وإن ركبا) أي الصغيران (من عند أنفسهما فكالبالغين المخطئين) على كل منهما ما تلف من مال الآخر، وعلى عاقلة كل منهما دية الآخر (وكذا إن أركبهما ولي لمصلحة كما إذا أراد أن يمرنهما على الركوب وكانا يثبتان بأنفسهما) على ما أركبه لهما فلا ضمان عليه ولا على عاقلته لأنه إركاب مأذون فيه فلم يترتب عليه ما يترتب على المتعدي. (فأما إن كانا لا يثبتان بأنفسهما فالضمان عليه) لأنه لا مصلحة في الركوب إذن قال في الترغيب: إن صلحا للركوب وأصلحهما للركوب وأركبهما ما يصلح لركوب مثلهما وإلا ضمن (وإن اصطدم صغير وكبير فإن مات الصغير ضمنه الكبير) لتلفه بصدمه، (وإن مات الكبير ضمنه الذي أركب الصغير) لتلفه بسبب إركابه للصغير، وكذا حكم ما يتلف من دابتهما ونقل حرب إن حمل رجل صبيا على دابة فسقط، ضمن إلا أن يأمره أهله بحمله (وإن قرب) إنسان (صغيرا من هدف فأصابه سهم ضمنه المقرب) دون رامي السهم إذا لم يقصده لأن القرب هو الذي عرضه للتلف بتقريبه والرامي لم يوجد منه تفريط، لأن الرامي كحافر البئر والمقرب كالدافع. فإن قصده الرامي فعليه الضمان وحده لأنه مباشر، (وإن أرسله) أي أرسل إنسان الصغير (في حاجة فأتلف) الصغير (مالا أو نفسا) فأكثر (فجنايته خطأ من مرسله) لتعديه بإرساله فيضمن المال وعلى عاقلته دية الآدمي (وإن جنى عليه) أي على الصغير المرسل في حاجة (ضمنه) مرسله لتسببه (ذكره في الارشاد وغيره) قال ابن حمدان: إن تعذر تضمين الجاني لأنه مباشر والمرسل متسبب (وتقدم في الغصب إذا اصطدم سفينتان).
11 فصل: (وإن رمى ثلاثة بمنجنيق فرجع الحجر) أو لم يرجع (فقتل رابعا) حرا (فعلى عواقلهم ديته أثلاثا) لأن العاقلة تحمل الثلث فما زاد (ولا قود) عليهم (ولو قصدوه بعينه) لعدم إمكان القصد (فإن قصده) بالرمي (أو قصدوا جماعة) قليلة (فهو شبه عمد) لأنهم قصدوا الجناية بما لا يقتل غالبا (لأن قصد واحد) ومن في معناه (بالمنجنيق لا يكاد يقضي إلى إتلافه) هذا مقتضى ما ذكره في الانصاف أنه المذهب وعليه الأصحاب قال: واختار في الرعاية أن ذلك عمد إن كان الغالب الإصابة. قلت: إن قصدوا رميه كان عمدا وإلا فلا انتهى وعليه مشى في المنتهى. (وإن لم يقصدوا) أي رماة المنجنيق (قتل آدمي) أصاب آدميا فقتله (فهو خطأ) لعدم القصد (فإن كانوا) أي الرماة (أكثر من ثلاثة فالدية حالة في أموالهم) لأن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث والتأجيل في الديات إنما هو فيما تحمله العاقلة، (وإن قتل) الحجر (أحدهم) أي أحد الثلاثة الرماة بالمنجنيق فعلى كل واحد كفارة كما لو شارك في قتل غيره و (سقط فعل نفسه وما يترتب عليه) من وجوب ثلث الدية (وعلى عاقلة صاحبيه ثلثا الدية) كما لو مات من جراحتهما وجراحة نفسه، وكما لو شارك في قتل بهيمة ولأنه شارك في القتل فلا تكمل الدية على شريكه كما لو قتلوا واحدا غيرهم. وقد روي نحوه عن علي قال الشعبي: وذلك أن ثلاث جوار اجتمعت فركبت إحداهن على عنق أخرى وقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت عنقها فماتت فرفع ذلك إلى علي فقضى بالدية أثلاثا على عواقلهن وألقى الثلث الذي قابل فعل الواقصة لأنها أعانت على قتل نفسها وهذه تشبه مسألتنا (وإن رجع الحجر فقتل اثنين) من الثلاثة (وجب
12 على عاقلة الحي منهم لكل ميت ثلث ديته) لأنه شاركهما في القتل (وعلى عاقلة كل واحد من الميتين ثلث دية صاحبه) لما تقدم (ويلقى فعل نفسه) لمشاركته في القتل كما مر (والضمان في ذلك يتعلق بمن مد الحبال ورمى الحجر دون من وضعه) أي الحجر (في الكفة) بتثليث الكاف (و) دون من (أمسك الخشب كمن وضع سهما في قوس إنسان ورماه صاحب القوس، فالضمان على الرامي دون الواضع) اعتبارا بالمباشرة (ومن جنى على نفسه أو) جنى على (طرفه عمدا أو خطأ فلا شئ له من بيت المال و) لا من (غيره) بل هو هدر ولان عامر بن الأكوع رجع سيفه عليه يوم خيبر فمات ولم ينقل أنه ودي، ولو وجبت لبينها رسول الله (ص)، ولنقل ظاهرا وعنه على عاقلته في الخطأ دية نفسه أو طرفه لقول عمر: (وإن نزل رجل بئرا فخر عليه آخر فمات الأول من سقطته فعلى عاقلته) أي الثاني (ديته) أي الأول لأنه مات من سقطته، فيكون هو قاتله فوجبت الدية على عاقلته، كما لو باشره بالقتل خطأ، (وإن كان) الثاني رمى بنفسه عليه (عمدا وهو مما يقتل غالبا فعليه القصاص) لأنه قصد جناية تقتل غالبا (وإلا) أي وإن لم يكن مما يقتل غالبا (فشبه عمد) لأنه قصد جناية لا تقتل غالبا، (وإن وقع) الثاني على الأول (خطأ فالدية على عاقلته مخففة) كسائر أنواع الخطأ، (وإن مات الثاني بسقوطه على الأول فدمه هدر) لأنه مات بفعله. وقد روى علي بن رباح اللخمي: أن رجلا كان يقود أعمى فوقعا في بئر ووقع الأعمى فوق البصير فقتله فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى فكان الأعمى ينشد في الموسم في خلافة عمر: يا أيها الناس رأيت منكرا * هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا خرا معا كلاهما تكسرا
13 رواه الدارقطني وقاله ابن الزبير وشريح والنخعي والشافعي وإسحاق ولو فعله البصير قصدا لم يضمنه وعليه ضمان الأعمى، (وإن سقط) عليهما (ثالث فمات الثاني) من سقطته (فعلى عاقلته ديته) لأنه مات من فعله (وإن مات الأول من سقطتهما) أي الثاني والثالث (فديته على عاقلتهما) لموته بفعلهما ودية الثاني على الثالث لأنه انفرد بالوقوع عليه (ودم الثالث هدر) لأنه مات بفعل نفسه (هذا) الحكم المذكور (إذا كان الوقوع هو الذي قتله) أي قتل من مات ممن ذكر فإن كان البئر عميقا يموت الواقع فيه (بمجرد وقوعه) فيه (لم يجب ضمان على أحد) لأنه لا فعل لأحدهم في قتل غيره (وإن احتمل ال) حال (أمرين) بأن كان يحمل أن الموت بمجرد الوقوع أو بسقوط بعضهم على بعض (فكذلك) لا ضمان لعدم تحقيق موجبه والأصل البراءة (وإن جذب الأول الثاني، وجذب الثاني الثالث، وماتوا فلا شئ على الثالث) لأنه لا فعل له (وديته على عاقلة الثاني) لأنه جذبه وباشره بذلك والمباشرة تقطع حكم التسبب (ودية الثاني على عاقلة الأول) لأنه هلك بجذبته، (ولو كان الأول هلك من وقعة الثالث) عليه، (فضمان نصف ديته على عاقلة الثاني والباقي هدر) لأن الهلاك حصل بفعل الثاني والأول فيلغى فعل الأول في نفسه ويجب على عاقلة الثاني نصف الدية، (ولو كانوا أربعة فجذب) الأول الثاني والثاني الثالث و (الثالث رابعا فماتوا جميعهم بوقوع بعضهم على بعض فلا شئ على الرابع) لأنه لا فعل له (وديته على عاقلة الثالث) لجذبه له ودية الثالث والثاني والأول على ما سبق، (وإن لم يقع بعضهم على بعض بل ماتوا بسقوطهم أو كان البئر عميقا، يموت الواقع فيه بنفس الوقوع أو كان فيه ما يغرق الواقع فيقتله أو) كان في البئر (أسد يأكلهم ولم يتجاذبوا) ولم يتدافعوا (لم يضمن
14 بعضهم بعضا) لأنه لا تسبب (وإن شك في ذلك) أي في وقوع بعضهم على بعض وأن الموت به أو بنفس الوقوع أو الماء أو الأسد (لم يضمن بعضهم بعضا) لأنه لا تضمين بالشك، (وإن كان موتهم لوقوع بعضهم على بعض) يعني من غير تجاذب ولا تدافع (فدم الرابع هدر) لأنه لم يسقط عليه أحد وإنما مات لسقوطه، (وعليه) أي على عاقلة الرابع (دية الثالث) لأنه مات بسقوطه عليه (ودية الثاني عليه) أي على عاقلته (وعلى) عاقلة (الثالث نصفين) لأنه مات بسقوطهما عليه (ودية الأول على) عاقلة (الثلاثة أثلاثا) لأنه مات بسقوطهم عليه. (وإن خر رجل في زبية أسد) أو نحوه (فجذب) الرجل (آخر وجذب الثاني ثالثا وجذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فدم الأول هدر) لأنه لا صنع لاحد في إلقائه (وعلى عاقلته) أي الأول (دية الثاني) لأنه تسبب في قتله، (وعلى عاقلة الثاني دية الثالث وعلى عاقلة الثالث دية الرابع) لما سبق (وكذا لو تدافع أو تزاحم عند حفرة جماعة فسقط منهم أربعة فيها متجاذبين كما وصفنا) بأن سقط منهم واحد فجذب آخر وجذب الثاني والثالث رابعا فقتلهم أسد أو نحوه، فدم الأول هدر وعلى عاقلته دية الثاني، وعلى عاقلة الثاني دية الثالث وعلى عاقلة الثالث دية الرابع لما سبق. فصل: ومن أخذ طعام إنسان أو شرابه في برية أو مكان (لا يقدر فيه على طعام ولا شراب أو أخذ دابته) والمأخوذ منه عاجز عن دفع الآخذ (فهلك) المأخوذ طعامه أو شرابه أو دابته (بذلك أو هلكت بهيمته) بأخذ طعامها أو شرابها
15 (فعليه ضمان ما تلف به) أي بسبب أخذه لتسببه في هلاكه (ومثلها في الحكم لو أخذ منه قوسا يدفع بها عن نفسه ضربا ذكره في الانتصار)، وكذا كل ما يدفع به صائلا عليه من سبع أو غيره لتسببه في هلاكه بأخذه منه (وإن اضطر) إنسان (إلى طعام أو شراب لغير مضطر فطلبه منه فمنعه إياه فمات بذلك ضمنه المطلوب منه)، روي: أن رجلا أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات فأغرمهم عمر الدية حكاه أحمد في رواية ابن منصور وقال أقول به قال القاضي وأبو الخطاب في رؤوس مسائله ولم يعرف له مخالف، ولأنه تسبب إلى هلاكه بمنعه ما يستحقه فضمنه (بديته في ماله) كما لو منعه طعامه حتى هلك ولا تحمله العاقلة لأن مانع الطعام تعمد الفعل الذي يقتل مثله غالبا، وقال القاضي: هو على عاقلته لأنه قتل لا يوجب القصاص فيكون شبه عمد، (وإن لم يطلبه) المضطر أي الطعام أو الشراب (منه لم يضمنه لأنه لم يمنعه) فلم يتسبب إلى هلاكه وعلم منه أنه لو كان صاحب الطعام أو الشراب مضطرا وطلبه منه ومنعه فمات، لم يضمنه لأنه لا يجب عليه بذله إذن وكذا إذا خاف أن يضطر كما يأتي في الأطعمة، (ومن أمكنه إنجاء آدمي أو غيره) كحيوان محترم (من هلكة كماء أو نار أو سبع فلم يفعل حتى هلك لم يضمن) لأنه لم يتسبب إلى هلاكه بخلاف التي قبلها، (ومن أفزع إنسانا أو ضربه فأحدث بغائط أو بول ونص) أحمد في رواية ابن منصور: (أو ريح فعليه ثلث ديته إن لم يدم) الحدث لما روي: أن عثمان قضى فيمن ضرب إنسانا حتى أحدث بثلث الدية قال أحمد لا أعرف شيئا يدفعه وقضاء الصحابي بما يخالف القياس يدل على أنه توقيف (فإن دام) الحدث (فسيأتي في دية الأعضاء) ومنافعها (ولو مات من الافزاع فعلى الذي أفزعه الضمان تحمله العاقلة بشرطه) الآتي في باب العاقلة أن فيه دية، (وإذا أكره) إنسان (رجلا) أو امرأة (على قتل إنسان فصار الامر إلى
16 الدية فهي عليهما) كاشتراكهما في قتله (ولو أكره رجل امرأة على الزنا فحملت وماتت في الولادة ضمنها) الزاني لموتها بسببه المتعدي به (وتحمله العاقلة) لأنه لا يقتل غالبا (إلا أن لا يثبت ذلك) أي الزنا (إلا باعترافه فتكون الدية عليه) في ماله لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف (وإن شهد شاهدان على إنسان بقتل عمد فقتل ثم رجعا عن الشهادة لزمهما الضمان في مالهما) لأنهما تعمدا ما يقتل غالبا. فصل: (ومن أدب ولده أو أدب امرأته في النشوز أو أدب) (المعلم صبيه أو) أدب (السلطان رعيته ولم يسرف) الأب أو الزوج أو المعلم أو السلطان (فأفضى) التأديب (إلى تلفه) أي المؤدب (لم يضمن) المؤدب لأنه مأذون فيه شرعا فلم يضمن ما تلف به كالحد، (وإن أسرف) في التأديب بأن زاد فوق المعتاد (أو زاد على ما يحصل به المقصود أو ضرب من لا عقل له من صبي) غير مميز (وغيره) كمجنون ومعتوه (ضمن) لأنه غير مأذون في ذلك شرعا (ومن أسقطت بطلب سلطان أو تهديده) سواء كان طلبها (لحق الله تعالى أو) لحق (غيره) أي لكشف حد الله أو لآدمي (أو ماتت بوضعها) من الفزع (أو) ماتت من غير وضع (فزعا أو ذهب عقلها من ذلك) أي من الفزع، (أو استدعى إنسان عليها إلى السلطان) بأن طلب منه إحضارها فأحضرها فحصل لها شئ مما سبق
17 (ضمن السلطان ما كان بطلبه ابتداء) أما الجنين فلما روي: أن عمر بعث إلى امرأة نفيسة مغنية كان رجل يدخل إليها فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر؟ فبينما هي في الطريق إذ فزعت فضربها الطلق فألقت ولدا فصاح الصبي صيحتين ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي (ص) فأشار بعضهم أن ليس عليك شئ إنما أنت وال ومؤدب وصمت علي فأقبل عليه عمر فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فال: إن كانوا قالوا برأيهم فأخطأ رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك إن ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته. فقال عمر: أقسمت عليك أن لا تبرح حتى تقسمها على قومك وأما المرأة فلأنها نفس هلكت بإرسال السلطان إليها فضمنها كجنينها ولان الهلاك حصل بسببه (وضمن المستعدي ما كان بسبب من وموتها فزعا أو إلقاء جنينها) لحصول الهلاك بسببه (وظاهره ولو كانت ظالمة) وهو ظاهر ما سبق في قصة عمر فإن كان الاستعداء إلى الحاكم فألقت جنينها أو ماتت فزعا فعلى عاقلة المستعدي الضمان إن كان ظلما، وإن كانت هي الظالمة فأحضرها عند القاضي وينبغي أن لا يضمنها قاله كما في المغني والشرح، قال ابن قندس: سواء أحضرها بنفسه أو بإذن الحاكم وطلبه وهو ظاهر جدا انتهى وقيد الاستعداء في المحرر والمبدع بما إذا كان جماعة الشرطة، وقد أوضحنا الكلام في ذلك في الحاشية. (كما يضمن) الحاكم (بإسقاطها بتأديب أو قطع يد) في سرقة أو نحوها (لم يأذن سيد فيهما) أي في التأديب وقطع اليد. قال في المبدع: وإذا أدب حاملا فأسقطت جنينا ضمن (أو) أسقطت حامل (لشرب دواء لمرض) فتضمن جنينها لسقوطه بفعلها (وإن ماتت حامل أو) مات (حملها من ريح طبخ علم ربه بذلك) أي أنها حامل (وكان) ريح الطعام (يقتل) الحامل أو حملها (عادة ضمن) ما تلف بذلك لما فيه من الاضرار، وكذا ريح كبريت ونحوه
18 وإن لم يعلم بها رب الطعام فلا إثم والضمان كريح الدخان يتضرر به صاحب السعال وضيق النفس. (ولو أذن السيد في ضرب عبده) ضربا محرما (أو) أذن (الوالد في ضرب ولده) ضربا محرما (فضربه المأذون له ضمنه) إن تلف، لأن المحرمات لا تستباح بالاذن وأما الضرب المباح للتأديب فقد تقدم أول الفصل (وإن سلم ولده الصغير أو سلم بالغ عاقل نفسه إلى سابح حاذق ليعلمه السباحة فغرق لم يضمنه) السابح (إذ لم يفرط السابح) لأنه فعل ما جرت العادة به لمصلحته كضرب المعلم الصبي الضرب المعتاد وإن قال: سبح عبدي هذا، فسبحه ثم رقاه ثم عاد وحده يسبح فغرق فهدر، وإن استؤجر لسبحه ويعلمه ومثله لا يغرق غالبا ضمنه إن غفل عنه أو لم يشد ما يسبحه عليه شدا جيدا، أو جعله في ماء كثير جاء أو واقف لا يحمله أو عمق معروف بالغرق قاله في الرعاية. (وإن أمر بالغا عاقلا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه) الآمر (ولو كان الآمر السلطان) كغيره (كاستئجاره) لذلك (أقبضه الأجرة أو لا) لأنه لم يجن ولم يتعمد (كما لو أذن له) في ذلك (ولم يأمره) به (وإن أمر غير مكلف ضمنه) لأنه تسبب إلى إتلافه وقال في المغني والشرح: إذا كان المأمور صغيرا لا يميز فعليه إن كان مميزا الضمان. قال في الفروع: ولعل مراد الشيخ ما جرى به عرف وعادة كقرابة وصحبة وتعليم ونحوه فهذا متجه وإلا ضمنه، وقد كان ابن عباس يلعب مع الصبيان فبعثه النبي (ص) إلى معاوية قال في شرحه: لا يقال هذا تصرف في منفعة الصبي لأنه قدر يسير ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة وأطرد به العرف وعمل المسلمين (وإن وضع جرة على سطحه أو حائطه ولو متطرفة، أو) وضع (حجرا) على سطحه أو حائطه (فرمتها) أي الجرة أو الحجر (الريح على إنسان فقتلته أو) رمتها الريح على (شئ) من حيوان أو غيره (فأتلفه لم يضمنه) لأن ذلك بغير فعله ووضعه لذلك كان في ملكه،
19 (ولو دفع الجرة حال نزولها عن وصلها إليه) أو دفع الحجر كذلك (لم يضمن) ما تلف به كدفع الصائل (وكذا لو تزحزح) عليه شئ (فدفعه) عن نفسه لم يضمن ما تلف به (ولو حالت بهيمة بينه وبين طعامه أو ماله ولا تندفع إلا بقتلها فقتلها لم يضمنها وتقدم آخر الغصب) لأنه كدفع الصائل، (وإن أخرج جناحا إلى طريق نافذ) بغير إذن الإمام (أو) أخرج (ميزابا) أو جعل ساباطا نافذا بغير إذن الإمام (أو) جعل ذلك (في) درب (غير نافذ بغير إذن أهله فسقط على إنسان فأتلفه ضمنه) لأنه تلف بسبب متعد به، وإن كان بإذن الامام بلا ضرر أو بإذن أهل غير النافذ فلا ضمان لعدم العدوان. (وتقدم في الغصب) وإن نام على سطحه فهوى سقفه من تحته على قوم لزمه المكث ولا يضمن ما تلف بسقوطه لأنه ملجأ لم يتسبب، وإن تلف شئ بدوام لبثه أو بانتقال ضمنه، ذكره في الفنون واختار في التائب العاجز عن مفارقة المعصية في الحال أو العاجز عن إزالة أثرها كمتوسط المكان المغصوب ومتوسط الجرحى تصح توبته مع العزم والندم وأنه ليس غاصبا بخروجه من الغصب. باب مقادير دية النفس المقادير جمع مقدار وهو مبلغ الشئ وقدره (دية الحر المسلم مائة من الإبل، أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة، أو ألف مثقال ذهبا، أو اثنا عشر ألف درهم فضة من دراهم الاسلام التي كل عشرة منها) أي الدراهم (سبعة مثاقيل) قال القاضي: لا يختلف المذهب أن أصول الدية: الإبل والبقر والغنم والذهب والورق. (فهذه الخمس أصول في الدية) لما روى عطاء عن جابر قال: فرض رسول الله
20 (ص) في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة رواه أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس: أن رجلا قتل فجعل النبي (ص) ديته اثني عشر ألف درهم وفي كتاب عمرو بن حزم: وعلى أهل الذهب ألف دينار (لا حلل) فليست أصلا للاخبار ولأنها تختلف ولا تنضبط وعنه أنها أصل وقدرها مائتا حلة من حلل اليمن كل حلة بردان إزار ورداء وفي المذهب جديدان (فأيها) أي الأصول الخمس (أحضر من لزمته) الدية (لزم الولي قبوله) سواء كان الجاني من أهل ذلك النوع أو لا لأنها أصول في قضاء الواجب يجزى واحد منها، فكانت الخيرة إلى من وجبت عليه كخصال الكفارة (فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد وجبت) الدية (مغلظة أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض، خمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة) رواه سعيد عن ابن مسعود، ورواه الزهري عن السائب بن يزيد مرفوعا (وتجب) الدية (في قتل الخطأ مخففة أخماسا عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعا، ورواه الدارقطني وقال هذا حديث ثابت (ذكورا وإناثا) لعل مراده فيما عدا أولاد المخاض، (ويؤخذ من البقر النصف مسناة والنصف أتبعة) لأن ذلك هو العدل لأنه لو أخذ الكل مسناة كان إجحافا بالجاني، وبالعكس فيه إجحاف على المجني عليه (و) يؤخذ (من الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة) لما ذكرنا، ولان دية الإبل من الأسنان المقدرة في
21 الزكاة. فكذلك البقر والغنم (ولا تعتبر القيمة في شئ من ذلك) مما ذكر من الإبل والبقر والغنم، فلا يعتبر أن تبلغ قيمتها دية النقد (بعد أن يكون) ما ذكر (سليما من العيوب) قلت قيمته أو كثرت لأنه (ص) أطلقها فتقييدها بالقيمة يخالف ظاهر الخبر، وفي الرعاية لا يجزى مريض ولا عجيف ولا معيف ولا دون دية الأثمان على الأصح فيها من إبل وبقر وغنم وحلل (فيؤخذ المتعارف مع التنازع) لأن ما لا حد له في الشرع يرجع فيه إلى العرف كالقبض والحرز وهذا في الحلل كما في المقنع على القول بأنها أصل فكان الأولى إسقاطه، وأما الإبل والبقر والغنم فتقدم بيان ما يؤخذ منها (وتغلظ دية طرف ك) دية (قتل) لاتفاقهما في السبب الموجب (ولا تغليظ في غير إبل) لعدم وروده (والتخفيف في الخطأ من ثلاثة أوجه: الضرب على العاقلة والتأجيل ثلاث سنين) كما يأتي في باب العاقلة (ووجوبها) أي الدية (مخمسة) كما سبق (وشبه العمد تخفف) الدية (فيه من وجهين الضرب) للدية (على العاقلة والتأجيل ثلاث سنين) كالخطأ (وتغلظ من وجه) واحد (وهو التربيع) أي كونها تؤخذ أرباعا كما تقدم. (وفي العد المحض تغلظ بتخصيصها بالجاني وتعجيلها عليه) أي كونها حالة (وتبديل التخميس بالتربيع فإن لم تمكن قسمة دية الطرف) أو الشجة (مثل أن يوضحه عمدا، أو شبه عمد، فإنه يجب أربعة أرباعا) أي بنت مخاض، وبنت لبون وحقة وجذعة. (و) يجب البعير (الخامس من أحد الأنواع الأربعة قيمته ربع قيمة الأربع) المذكورة كما تقدم في زكاة المال إذا كان من نوعين، (وإن كان أوضحه خطأ وجبت الخمس من الأنواع الخمسة من كل نوع بعير) ابن مخاض وابن لبون وحقة وجذعة، (وإن كان الواجب دية أنملة) من غير إبهام قطعت عمدا أو شبهه (وجبت ثلاثة
22 أبعرة وثلث) بعير (قيمتها نصف قيمة الأربعة) أي بنت اللبون وبنت المخاض والحقة والجذعة، (وثلثها) أي ثلث قيمة الأربعة لأن نسبة الثلاثة والثلث إلى الأربعة نصف وثلث الخمسة ثلثان، (وإن كان) قطع الأنملة (خطأ فيها) ثلاثة أبعرة وثلث قيمتها (ثلثا قيمة الخمس) لأن نسبة الثلاثة والثلث إلى الخمسة ثلثان (ولا يعتبر في الإبل أن تكون من جنس إبل الجاني ولا) من جنس (إبل بلده) لعموم ما سبق من الاخبار (ودية المرأة) مسلمة كانت أو كافرة (نصف دية رجل من أهل ديتها) حكاه ابن المنذر رواه ابن عبد البر إجماعا لما روى عمرو بن حزم أن النبي (ص) قال: في كتابه دية المرأة نصف دية الرجل لكن حكي عن ابن علية والأصم أن ديتها كدية الرجل ورد (وتساوي جراحها) أي المرأة (جراحه) أي الرجل من أهل ديتها كيف كانا (فيما دون ثلث ديته فإذا بلغته) أي الثلث (أو زادت) عليه (صارت على النصف) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي (ص) قال: عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها رواه النسائي والدارقطني وروى مالك عن ربيعة قال: قلت لسعيد بن المسيب: كم في أصبع المرأة؟ قال عشر من الإبل. قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون. قلت: ففي ثلاث أصابع؟ قال ثلاثون. قلت: ففي أربع أصابع؟ قال عشرون. قلت: لما عظمت مصيبتها قل عقلها؟ قال: هكذا السنة يا ابن أخي (ودية الخنثى المشكل نصف دية رجل ونصف دية أنثى) لأن ميراثه كذلك. لا يقال الواجب دية أنثى لتيقنها. لأنه يحتمل الذكورية والأنوثية احتمالا متساويا، فوجب التوسط بينهما والعمل بكلا الاحتمالين. (ويقاد به) أي الخنثى (الذكر والأنثى، ويقاد هو بكل واحد منهما) بشرطه وتقدم (ويساوي جراحه) أرش (جراح الذكر فيما دون الثلث) لأن أدنى حاليه أن يكون امرأة (وفي) جراح يوجب (الثلث) كالجائفة (وما زاد عنه) أي الثلث كاليد (ثلاثة أرباع) أرش (جرح ذكر) لأن الجرح كالتابع للقتل (ودية الذكر الكتابي الحر نصف دية الحر
23 المسلم) لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: دية الكتابي نصف دية المسلم رواه أحمد وأبو داود وحسنه (إن كان ذميا أو معاهدا، أو مستأمنا) لاشتراكهم في حقن الدم.. أما الحربي فهدر (وجراحاتهم) أي أهل الكتابين (من دياتهم كجراحات المسلمين من دياتهم) لأن الجرح تابع للقتل (ودية الذكر الحر المجوسي ثمانمائة درهم) في قول عمر وعثمان وابن مسعود لما روى عقبة بن عامر مرفوعا: دية المجوسي ثمانمائة درهم رواه ابن عدي وطعن فيه بعضهم وقوله (ص): سنوا بهم سنة أهل الكتاب محمول على أخذ الجزية وحقن الدم لا في كل شئ بدليل أن ذبائحهم ونسائهم لا تحل لنا (إن كان) المجوسي (ذميا، أو مستأمنا، أو معاهدا بدارنا، أو غيرها) لحقن دمه بخلاف الحربي (وجراح كل واحد معتبرة) بالنسبة (من ديته) لما تقدم (وتضعيف دية الكافر على قاتله المسلم عمدا، ويأتي آخر الباب) موضحا (وأما عبدة الأوثان وسائر من لا كتاب له كالترك ومن عبد ما استحسن فلا دية لهم إذا لم يكن لهم أمان ولا عهد) لأن دماءهم مهدرة إذن (فإن كان له أمان فديته دية المجوسي) لأنه كافر لا تحل ذبيحته أشبه المجوسي (ومن لم تبلغه الدعوة إن وجد) وقد أخبرت عن قوم بآخر بلاد السودان لا يفقهون ما يقال لهم من غيرهم، وحينئذ فهؤلاء لا تبلغهم الدعوة (فلا ضمان فيه إذا لم يكن لهم أمان) لأنه لا (عهد) له ولا أمان أشبه الحربي، لكن لا يجوز قتله حتى يدعى (فإن كان له أمان مديته دية أهل دينه) لأنه محقون الدم (فإن لم يعرف دينه فكمجوسي) لأنه اليقين وما زاد عليه مشكوك فيه (ودية العبد والأمة قيمتهما، ولو بلغت) قيمتهما (دية الحر أو زادت عليها) أي على دية الحر،
24 لأن القن مال متقوم فيضمن بكمال قيمته كالفرس، ويخالف الحر فإنه يضمن بما قدره الشارع فلم يتجاوزه، ولأنه ليس بضمان مال، ولذلك لم يختلف باختلاف صفته وهذا ضمان مال يزيد بزيادة الملكية وينقص بنقصانها فاختلفا (والمدبر والمكاتب وأم الولد كالقن) وكذا المعلق عتقه بصفته قبل وجودها. لحديث: المكاتب قن ما بقي عليه درهم والباقي بالقياس عليه (وفي جراحه) أي القن بسائر أنواعه (إن لم يكن) أرش جراحه مقدرا من الحر (كما لو شجه دون موضحة ما نقصه بعد التئام الجرح) أي برئه (ولو زاد) ذلك (على أرش الموضحة) لأن الموجب إنما أوجب جبرا لما فات، وبذلك ينجبر، (وإن كان) أرش الجرح (مقدرا من الحر) كالموضحة واليد (فهو مقدر من العبد منسوب إلى قيمته) لان قيمته كدية الحر (ففي يده) أي القن (نصف قيمته، وفي موضحته نصف عشر قيمته نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر) منه لأنه ساوى الحر في ضمان الجناية بالقصاص والكفارة فساواه في اعتبار ما دون النفس كالرجل والمرأة (ومن نصفه حر) ونصفه رقيق (فعلى قاتله نصف دية حر ونصف قيمته إذا كان) القتل (عمدا) لأنه لا تحمله العاقلة (وإن كان) القتل (غيره) أي غير عمد بأن كان خطأ أو شبه عمد (ففي ماله نصف قيمته) لأنها لا تحملها العاقلة (ونصف الدية على العاقلة وكذا الحكم في جراحه) أي المبعض (إن كان قدر الدية من أرشها يبلغ ثلث الدية مثل أن يقطع أنفه أو يديه) أو رجليه أو ذكره أو خصيتيه فعلى العاقلة نصف دية ذلك إن كان خطأ أو شبه عمد، (وإن قطع إحدى يديه ف) - عليه ربع الدية وربع قيمته ويكون (الجميع على الجاني) لأن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث ولا القيمة (وإن قطع) الجاني (خصيتيه أو) قطع (أنفه أو (قطع أذنيه لزمته قيمته للسيد) لأن القيمة بدل عن الدية في الأعضاء المملوكة للسيد (ولم يزل ملك السيد عنه) لأنه لم يوجد سبب يقتضي
25 الزوال فوجب بقاؤه على ملكه عملا باستصحاب الحال لأن قطع بعض أعضائه بمنزلة تلف بعض ماله، (وإن قطع) الجاني (ذكره) أي القن (ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر) لان الواجب في غير ذلك من الحر دية كاملة (و) لزمه (قيمته مقطوع الذكر) لأن الواجب في قطع الخصيتين من الحر بعد الذكر دية كاملة، واعتبر مقطوع الذكر اعتبارا بحال الجناية عليهما (وملك سيده باق عليه) لما مر وفي سمعه وبصره قيمتاه، وكذا أنفه وأذناه مع بقاء ملك السيد، (والأمة كالعبد) والصغير كالكبير فيما تقدم (وإن بلغت جراحتها) أي الأمة (ثلث قيمتها لم ترد إلى النصف) بخلاف الحرة (لأن ذلك) أي الرد إلى النصف (في الحرة على خلاف الأصل) فلا يقاس عليه. فصل: (ودية الجنين) أي الولد في البطن من البطن من الاجتنان، وهو الستر لأنه أجنه بطن أمه أي ستره، ومنه قوله تعالى: * (وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) * (الحر المسلم إذا سقط) كله (ميتا بجناية) أو فزع إذا طلبها السلطان، أو من ريح طعام مع علم ربه وتقدم (عمدا) كانت الجناية (أو خطأ أو ظهر بعضه) ولم يخرج باقيه ففيه الغرة (أو ألقته حيا لدون ستة أشهر) لأن العادة لم تجر بجنايته (أو ألقت) الحامل المجني عليها (يدا أو رجلا أو رأسا أو جزءا من أجزاء الآدمي) كأذن وإصبع، وسواء كان سقوطه (في حياة أمه، أو بعد موتها، أو ألقت) المجني عليها (ما تصير به الأمة أم ولد) وهو ما تبين فيه خلق إنسان، ولو خفيا بجناية أو في معناها (غرة) أي دية الجنين فيما ذكر غرة (عبدا أو أمة) لقضائه (ص) بذلك كما رواه الشيخان، والأحسن تنوين غرة وعبد أو أمة بدل، وتجوز الإضافة على تأويل إضافة الجنس
26 إلى النوع، كشجر أراك، وسميت بذلك لأنهما من أنفس الأموال. والأصل في الغرة الخيار، وأصلها البياض في وجه الفرس، وليس البياض في العبد أو الأمة شرطا عند الفقهاء (قيمتها) أي الغرة (خمس من الإبل) روي عن عمر وزيد لأن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجناية وهو أرش الموضحة فرددناه إليه، وأما الأنملة فوجبت ديتها بالحساب من دية الإصبع وإذا اختلفت قيمة الإبل ونصف عشر الدية من غيرها فظاهر الخرقي أنها تقوم بالإبل لأنها الأصل. وقال غيره: تقوم بالذهب أو الورق فتجعل قيمتها خمسين دينارا أو ستمائة درهم (ذكرا كان) الجنين (أو أنثى) لعموم الاخبار (وهو) أي ما ذكره من الخمس من الإبل (عشر دية أمة) الحرة المسلمة وتأتي محترزات ما سبق في كلامه وقوله: (من ضربة أو دواء، أو غيره) كفزعها للاستعداء عليها أو شم ريح طعام على ما تقدم متعلق بسقط (ولو) كان سقوط الجنين (بفعلها) أي فعل أمه بأن شربت دواء فألقت جنينها فعليها الغرة (ويعلم ذلك) أي أن سقوطه بالجناية أي (بأن يسقط عقب الضرب أو تبقى) أمه (متألمة إلى أن يسقط) لأن الظاهر إذن سقوطه بسبب الضرب (وإن ألقته) بجناية (رأسين أو ربع أيد) أو أرجل (لم يجب أكثر من غرة لأنه يجوز أن يكون) ذلك (من جنين واحد، وما زاد مشكوك فيه) فلم يجب به شئ، (وإن دفع بدل الغرة دراهم أو غيرها) من أحد الأصول أو غيرها (ورضي المدفوع إليه جاز) لأن الحق لا يعدوهما وإن أبى أحدهما لم يجبره لأنه معاوضة فلا تصح بغير الرضا (ولو قتل حاملا ولم تسقط جنينها) فلا شئ فيه لأنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه (أو ضرب من في جوفها حركة، أو انتفاخ فسكن الحركة وأذهبها) فلا شئ فيه لما مر، بل هنا أولى للشك أ (وأسقطت ما ليس فيه صورة آدمي أو ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أنه مبدأ خلق آدمي لو بقي تصور) آدميا فلا شئ فيه لأنه ليس بولد (أو ضرب بطن حربية) حامل (أو) بطن (مرتدة حامل، فأسلمت، ثم وضعت جنينا ميتا فلا
27 شئ فيه) لأنه لم يحصل منه جناية عليها حين عصمتها (وإن شهدت) أي الثقات من القوابل، ولعل المراد واحدة (أن فيه صورة) خفية (ففيه غرة) لأنه مما لا يطلع عليها الرجل غالبا (وإذا كان أبوا الجنين كتابيين فغرته نصف قيمة غرة المسلم) كما أن أصله كذلك (وقيمة غرة جنين المجوسية أربعون درهما) لأن ذلك عشر دية أمه، (فإن تعذر وجود غرة بهذه الدراهم) لورثة الجنين كما لو تعذرت غرة المسلم (وإن لم يجد الغرة وجبت قيمتها من أحد الأصول في الدية لأن الخيرة للجاني في دفع ما شاء من الأصول) الخمسة. فصل: (والغرة موروثة) عنه أي الجنين، (كأنه سقط حيا) لأنها دية آدمي حر فوجب أن تكون موروثة عنه كما لو ولدته حيا ثم مات. وقال الليث: هي لامه ولا يورث عنه غيرها (يرثها) أي الغرة (ورثته) أي الجنين (فلا وترث منها قاتل ولا رقيق) لقيام المانع وهو القتل أو الرق (يرث عصبة سيد قاتل جنين معتقه) أي لو ضرب السيد بطن عتيقته فأسقطت جنينها كان عليه غرة يرثها أم الجنين، وعصبة السيد دونه لأنه قاتل. وكذا لو ضرب بطن أم ولده الحامل منه و (لا) غرة عليه في (جنين أمته) إذا ضربها فأسقطته لأنه ملكه، (إلا أن يكون) جنين أمته (حرا) فعليه غرة لورثة الجنين (فإن أسقطته ميتا ثم ماتت) أمه الحرة (ورثت نصيبها من الغرة) لتأخر حياتها (ثم يرثها) أي حصتها (ورثتها) كسائر مالها، (وإن ماتت قبله ثم ألقته ميتا لم يرث أحدهما
28 صاحبه) لموتها قبله فلا ترثه، ولعدم استهلاله لا يرثها، (وإن خرج) الجنين (حيا) لوقت يعيش لمثله (ثم ماتت قبله ثم مات) ورثها لتأخر حياته (أو ماتت ثم خرج) الجنين (حيا ثم مات ورثها) لتأخر حياته (ثم يرثه ورثته وإن اختلف ورثتهما) أي المرأة وجنينها (في أولهما موتا فلهما حكم الغرقى) وتقدم (وإن ألقت) مجني عليها (جنينا ميتا، أو حيا ثم ماتت، ثم ألقت آخر حيا. ففي الميت غرة) لما سبق (وفي الحي الأول) إن مات بسبب الجناية (دية إن كان سقوطه لوقت يعيش مثله) فيه وهو ستة أشهر فأكثر (ويرثهما) أي المرأة وجنينها (الحي الآخر ثم يرثه ورثته إن مات، وإن كانت الام ماتت بعد الأول وقبل الثاني ورثت الام والجنين الثاني من دية الأول) لتأخر حياتهما عنه، (ثم إذا ماتت الام) قبل الثاني (ورثها الثاني) لأنه ابنها (ثم يصير ميراثه لورثته) إن مات (فإن ماتت الام بعدهما) أي بعد الجنينين (ورثتهما) أي ورثت منهما (جميعا) سواء ماتا معا أو مرتبين (وإن ضرب) الجاني (بطنها فألقت أجنة) اثنين فأكثر (ففي كل واحد غرة) كما لو قتل اثنين فأكثر ولا تداخل لأنها حقوق لآدمي أشبهت الديون، (وإن ألقتهم) أي الأجنة (أحياء لوقت يعيشون لمثله ثم ماتوا) بسبب جنايته، (ففي كل واحد منهم دية كاملة) كما لو كانت الجناية عليهم بعد ولادتهم أحياء (وإن كانت أم الجنين أمة وهو حر) ففيه غرة قيمتها خمس من الإبل (فتقدر) أمه (حرة ) لتكون بصفة الجنين (أو كانت) أم الجنين (ذمية حاملا من ذمي ومات) الذمي بدار الاسلام ثم جني على أمه فأسقطته ففيه غرة لأنه مسلم (على أصلنا) أي قاعدة مذهبنا إن مات بدار الاسلام وله ولد غير بالغ فهو مسلم تبعا للدار (فتقدر) الذمية (مسلمة) اعتبارا بصفة الجنين، (ولا يقبل في الغرة خنثى ولا خصي ونحوه) كموجوء الخصيتين ومسلولهما لأنه عيب (وإن
29 كثرت قيمته ولا معيب يرد في البيع ولا هرمة) لأن الغرة بدل فاعتبرت فيها السلامة كإبل الصدقة بخلاف الكفارة فإنها خيار (ولا من له دون سبع سنين) لأنه محتاج إلى من يكفله (بل) يقبل فيها (من له سبع) سنين (فأكثر ولو جاوز خمس عشرة سنة أو) كان (أسود كأبيض) لعموم الاخبار. فصل: (وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه يوم الجناية) لأنه جنين آدمية وقيمة الأمة بمنزلته دية الحرة كما تقدم ولأنه جزء منها فقدر بدله من قيمتها كسائر أعضائها (نقدا) لأنه قيم المتلفات المتقومة، (ومع سلامته) أي جنين الأمة من العيب (وعيبها تعتبر) الأمة (سليمة) ويؤخذ عشر قيمتها اعتبارا بوصفه (ولو كانت أمه) أي الجنين الرقيق (حرة فتقدر أمة ويؤخذ عشر قيمتها نقدا) اعتبارا بحال الجنين (ولا يجب مع الغرة ضمان نقص الام) لأنها جناية واحدة فلا توجب أرشين (وولد المدبرة و) ولد (المكاتبة و) ولد (المعلق عتقها بصفة) قبل وجودها (و) ولد (أم الولد إذا حملت) كل من المذكورات (من غير سيدها، من غير من يعتق عليه) بخلاف نحو أخيه فإن ولده يعتق على السيد لأنه رحم محرم (له حكم ولد الأمة، لأنه مملوك) تبعا لامه حيث لا شرط ولا غرر، و (جنين معتق بعضها بالحساب) فإذا كان نصفها حرا فنصفه حر فيه نصف غرة لورثته وفي النصف الباقي نصف عشر قيمة أمه لسيده (وإذا سقط جنين ذمية قد وطئها مسلم وذمي في طهر واحد وجب فيه ما في الجنين الذمي) لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه (فإن ألحق بعد
30 ذلك بالمسلم فعليه) أي الجاني (تمام الغرة) لاتضاح الحال، (وإن ادعت نصرانية) ويهودية أو غيرها من الكوافر، (أو) ادعى (ورثتها أن جنينها من مسلم من وطئ شبهة أو زنا فإن اعترف الجاني) بذلك (فعليه غرة كاملة) مؤاخذة له بإقراره، (وإن اعترفت العاقلة أيضا وكان مما تحمله) العاقلة بأن كانت الجناية غير عمد ومات مع أمه أو بعدها (فالغرة عليها) أي العاقلة لاعترافها (وتحلف) العاقلة (مع الانكار) أنه من مسلم (وعليها ما في جنين الذميين والباقي على الجاني) إن اعترف لثبوته باعترافه (وإن اعترفت العاقلة دون الجاني فالغرة عليها مع دية أمه) حيث مات بعدها أو معها بجناية واحدة، (وإن أنكر الجاني والعاقلة) أنه من مسلم (فالقول قولهم مع إيمانهم أنا لا نعلم أن هذا الجنين من مسلم ووجبت دية ذمي) وهي غرة قيمتها عشر دية أمه على ذلك الدين عملا بالظاهر (ولا يلزمهم اليمين على ألبت) أي أن هذا من مسلم لأنه ليس من فعلهم، (وإن كان) ما وجب في الجنين (مالا تحمله العاقلة) لكونه دون ثلث الدية ومات قبل أمه أو بجناية منفردة (فقول الجاني وحده مع يمينه) لأنه الخصم فيه دون العاقلة، (ولو كانت النصرانية امرأة مسلم) أو سريته (فادعى الجاني أن الجنين من ذمي بشبهة أو زنا) وأنكر ورثة الجنين (فقول ورثة الجنين) مع يمينهم لأن الجنين محكوم بإسلامه فإن الولد للفراش. فصل: (وإذا كانت الأمة بين شريكين فحملت بمملوكين فضربها أحدهما فأسقطت) فعليه كفارة لأنه أتلف آدميا و (ضمن) الضارب (لشريكه نصف عشر قيمة أمه)، كما لو
31 كان غيرهما (ويسقط ضمان) نصيبه (نفسه) لأن الانسان لا يضمن ماله لنفسه (وإن أعتقها الضارب بعد ضربها وكان معسرا) بقيمة حصة شريكه (ثم أسقطت عتق نصيبه منها ومن ولدها) بمجرد العتق (وعليه لشريكه نصف عشر قيمة الام) لأن له نصف جنينها (ولا يجب عليه) أي الضارب (ضمان ما أعتقه) للورثة لأنه لم يوجد منه بعد العتق جناية وقبل العتق كان مملوكه، (وإن كان) الضارب (موسرا سرى العتق إليها وإلى جنينها) وعليه ضمان نصيب شريكه من الجنين بنصف عشر قيمة أمه ولا يضمن أمه لأنه قد ضمنها بإعتاقها فلا يضمنها بتلفها (وإن ضرب غير سيد بطن أمة فعتقت مع جنينها) بأن كان عتقها معلقا على صفة فوجدت أو نجز السيد عتقها (أو عتق) الجنين (وحده) بأن أعتقه مالكه (ثم أسقطت ففيه غرة) لأنه سقط حرا والعبرة بحال السقوط لأنه قبل ذلك لا يحكم فيه بشئ (وإن كان الجنين) حرا (محكوما بكفره ففيه غرة قيمتها عشر دية أمه) وتقدم (وإن كان أحد أبويه كتابيا والآخر مجوسيا اعتبر أكثرهما دية من أب أو أم، وأخذ غرة) قيمتها عشر (الدية) أي دية أمه أو كانت على الدين الأكثر دية لأن الولد يتبع أشرف أبويه دينا (وإن سقط الجنين حيا ثم مات ففيه دية حر إن كان حرا) ذكرا إن كان ذكرا، أو أنثى إن كان أنثى (أو قيمته إن كان مملوكا إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدا إذا ثبتت حياته باستهلاله) أي صراخه، (أو ارتضاعه أو تنفسه أو عطاسه أو غير ذلك مما تعلم به حياته) لأنه قد يتحرك بالاختلاج وسبب آخر وهو خروجه من مضيق فإن اللحم يختلج سيما إذا عصر ثم نزل فلم تثبت بذلك حياته (و) إن سقط حيا (لدون ستة أشهر فحكمه حكم الميتة) لأنه لا حياة فيه ويجوز بقاؤها أشبه الميت، (وإن ألقته حيا فجاء آخر فقتله وكانت فيه حياة مستقرة
32 فعلى الثاني القصاص إذا كان) قتله (عمدا) لأنه القاتل (أو الدية كاملة) مع العفو وفي الخطأ وشبه العمد فالدية على العاقلة (إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله) وإلا فهو كالجاني على ميت يعزر فقط والغرة على الأول (وإن لم تكن فيه حياة مستقرة بل كانت حركته كحركة المذبوح فالقاتل هو الأول وعليه الدية كاملة ويؤدب الثاني) كالجاني على ميت (وإن بقي الجنين) بعد الوضع (حيا وبقي زمنا سالما لا ألم به لم يضمنه الضارب لأن الظاهر أنه لم يمت من جنايته وإن اختلفا) أي الجاني ووارث الجنين (في خروجه حيا فقول جان مع يمينه) لأنه لم يخرج حيا لأن الأصل براءة ذمته من الدية الكاملة وإن كان ثم بينة عمل بها. فصل: (وإن ادعت) امرأة على آخر (أنه ضربها فأسقطت جنينها فأنكر) الضرب، (فالقول قوله) بيمينه لأن الأصل عدمه (وإن أقر) بالضرب (أو ثبت ببينة أنه ضربها وأنكر إسقاطها فقوله أيضا مع يمينه أنه لا يعلم إسقاطها) لا على ألبت لأنها يمين على فعل الغير والأصل عدمه (وإن ثبت الاسقاط والضرب وادعى أنها أسقطته من غير ضرب وأنكرته فإن كانت أسقطته عقب ضربها ف) - القول (قولها) بيمينها لأن الظاهر أنه من الضرب لوجوده عقبه مع صلاحيته لأن يكون سببا له، (وإن ادعى أنها ضربت نفسها أو شربت دواء أسقطت منه فقولها) ولان الأصل عدمه (وإن أسقطت بعد الضرب بأيام وبقيت سالمة إلى حين
33 الاسقاط فقولها أيضا) لأنه الظاهر (وإن لم تكن سالمة فقوله) بيمينه (كما لو ضرب إنسانا فلم يبق متألما ولا ضمنا ومات بعد أيام) لم يضمنه الضارب لأن الأصل براءته ولم يتحقق موته بجنايته (وإن اختلف في وجود التألم) بأن قالت بقيت متألمة إلى الاسقاط أنكر لجاني، (فقوله) بيمينه لادعائه الأصل (وإن تألمت في بعض المدة فادعى) الجاني (برأها) فأنكرته (فقولها) لأن الأصل عدمه (وإن قالت سقط حيا) لوقت يعيش لمثله ففيه دية كاملة (وقال) سقط (ميتا) ففيه غرة (فقوله) بيمينه لأن الأصل براءته من الدية (وإن ثبتت حياته) أي ما ولدته (وقالت) ولدته (لوقت يعيش لمثله وأنكر) ها الجاني (فقولها) مع يمينها لأن ذلك لا يعلم إلا من جهتها ولا يمكن إقامة البينة عليه فقبل قولها فيه كانقضاء عدتها ووجود حيضها وطهرها، (وإن أقامت بينة باستهلاله وأقام) الجاني (بينة بخلافها قدمت بينتها) لأنها ثبتت ومعها زيادة علم (وإن قالت مات) الولد (عقب الاسقاط وقال) الجاني (عاش مدة) ثم مات بعد ذلك بغير الجناية (فقولها) بيمينها اعتبارا بالسبب الظاهر (ومع التعارض) بأن أقام كل منهما بينة بدعواه (تقدم بينته) لأنها معها زيادة علم، (وإن ثبت أنه عاش مدة فقالت المرأة: بقي متألما حتى مات فأنكر فقوله) بيمينه لأن الأصل عدم التألم (ومع التعارض تقدم بينتها) لأن معها زيادة علم (ويقبل في استهلال الجنين و) في (سقوطه و) في (بقائه متألما أو بقاء أمه متألمة قول امرأة عدل) لأنه مما لا يطلع عليه الرجل غالبا (وإن اعترف الجاني باستهلاله أو ما يوجب فيه دية كاملة فالدية في ماله) أي الجاني لأن العاقلة لا تحمل اعترافا (وإن كان مما تحمل العاقلة فيه الغرة) لكونه مات مع أمه أو بعدها بجناية واحدة (فهي) أي الغرة (على العاقلة وباقي الدية في مال القاتل) لأنها لا تحمل الاعتراف (وكل من قلنا القول قوله ف) - هو (مع يمينه) كما سبق لاحتمال صدق خصمه.
34 فصل: (وإن انفصل منها جنينان ذكر وأنثى فاستهل أحدهما) ومات وسقط الآخر ميتا واتفقوا على ذلك، أي استهلال أحدهما (واختلفوا في المستهل فقال الجاني: هو الأنثى، وقال وارث الجنين: هو الذكر فقول الجاني) بيمينه لان الأصل براءته مما زاد عن دية الأنثى (وإن كان لأحدهما بينة قدم بها) لأن البينة تظهر الحق وتبينه (وإن كان لهما بينتان وجبت دية الذكر) لثبوت استهلاله والبينة المعارضة لها نافية ولم تجد دية الأنثى لعدم ادعاء وارثها إياها، (وإن) لم تكن بينة و (اعترف الجاني باستهلال الذكر فأنكرت العاقلة) استهلاله (فقولهم) لأن الأصل برأتهم (فإذا حلفوا كان عليهم دية الأنثى) لاعترافهم باستهلالها (وعلى الجاني تمام دية الذكر وهو نصف الدية) مؤاخذة له باعترافه (وإن اتفقوا) على أن أحدهما استهل (ولم يعرف لزم) العاقلة (دية أنثى) لأنها اليقين وما زاد مشكوك فيه (وتجب الغرة في الذي لم يستهل) منهما بكل حال (وإن ضربها) الجاني (فألقت يدا ثم ألقت جنينا فإن كان إلقاؤهما متقاربا وبقيت المرأة متألمة إلى أن ألقته دخلت) دية (اليد في ضمان الجنين) لأن الظاهر أن الضرب قطع يده وسرى إلى نفسه، (ثم إن كان) الجنين (سقط ميتا أو حيا لوقت لا يعيش لمثله ففيه غرة) لما مر (وإلا) إن سقط حيا لوقت يعيش لمثله (فدية كاملة) لما سبق (وإن بقي حيا لم يمت فعلى الضارب ضمان اليد بديتها)، كما لو جنى على إنسان فقطع يده. (وإن ألقت اليد وزال الألم ثم ألقت الجنين ضمن اليد
35 وحدها) لسقوطها بسبب جنايته بخلاف الجنين (ثم إن ألقته ميتا أو حيا لوقت لا يعيش لمثله ففي اليد نصف غرة) لأن الجنين لو كان مضمونا إذن كان فيه غرة وفي اليد نصف دية النفس (وإن ألقته) بعد إلقاء اليد (حيا لوقت يعيش لمثله ثم مات أو عاش وكان بين إلقاء اليد وإلقائه مدة يحتمل أن تكون الحياة لم تخلق فيه) أي الجنين (قبلها فإن قلن أي القوابل أنها يد من لم تخلق فيه الحياة أو يد من خلقت فيه) الحياة (ولم يمض له ستة أشهر) وجب في اليد نصف الغرة لأنها نصف ما يجب في الجنين إذن (أو أشكل) الحال (عليهن وجب نصف غرة) لأنه يقين وما زاد مشكوك فيه. قلت: وهذا لا يعارض ما تقدم أول الفصول إذا ألقت يدا أو نحوها فيها غرة لأن ذاك محله إذا انفردت وما هنا إذا كانت مع جنين (وإذا شربت الحامل دواء فألقت به جنينا فعليها غرة لا ترث منها) شيئا (لأنها قاتلة) لجنينها (وإن جني على بهيمة فألقت جنينها ففيه ما نقصها) لأنه إنما يجب بالجناية عليها نقصها فكذا في جنينها. فصل: (وتغلظ دية النفس لا الطرف) خلافا للمغني والشرح (في قتل الخطأ فقط) لا عمد وقال القاضي قياس
36 المذهب أو عمدا (في ثلاثة مواضع) أحدها (حرم مكة) دون المدينة (و) الثاني (إحرام و) الثالث (أشهر حرم فقط) دون الرحم ولو محرما خلافا لأبي بكر والقاضي وأصحابه (فيزاد لكل واحد) من الثلاثة (ثلث الدية) لما روي: أن امرأة وطئت في طواف فقضى عثمان فيها بستة آلاف وألفين تغليظا للحرم وعن ابن عباس: أن رجلا قتل رجلا في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال: ديته اثنا عشر ألفا وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف (فإن اجتمعت هذه الحرمات الثلاث وجب ديتان) لأن القتل يجب به دية وقد تكرر التغليظ ثلاث مرات فوجب به دية أخرى، (وظاهر كلام الخرقي أنها) أي الدية (لا تغلظ لذلك وهو ظاهر الآية) وهي قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * وهذا يقتضي أن تكون الدية واحدة في كل مكان وعلى كل حال (و) هو ظاهر (الاخبار) منها قوله (ص): في النفس المؤمنة مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف مثقال. وروى الجوزجاني عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء فكان مما أحيا من تلك السنن أنه لا تغليظ، قال ابن المنذر: ليس بثابت ما روي عن الصحابة في هذا، ولو صح ففعل عمر من حديث قتادة أولى فيقدم على من خالفه وهو أصح في الرواية مع موافقة الكتاب والسنة والقياس (واختاره جمع) منهم الموفق ونص في الشرح وذكر ابن رزين أنه الأظهر وهو ظاهر كلامه في الوجيز فإنه لم يذكر التغليظ، (وإن قتل مسلم كافرا كتابيا أو غيره حيث حقن دمه) بأن كان له أمان (عمدا أضعفت الدية على قاتله لإزالة القود) لأن المسلم لا يقتل بالكافر والقود شرع زجرا عن تعاطي القتل حكم به عثمان كما رواه أحمد، (وإن قتله) أي الكافر (ذمي أو قتل الذمي مسلما لم تضعف الدية عليه) للتمكن من القود (وإن جنى رقيق خطأ أو عمدا لا قود فيه) كالجائفة والمأمومة، (أو) عمدا (فيه قود واختير المال أو أتلف) القن (مالا) وكانت الجناية أو الاتلاف (بغير إذن سيده
37 تعلق ذلك) الواجب الجناية أو الاتلاف (برقبته) لأنه لا يمكن تعلقها بذمته لأنه يفضي إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غاية ولا بذمة السيد لأنه لم يجن فتعين تعلقها برقبة العبد كالقصاص (فيخير سيده بين أن يفديه بأرش جنايته) أو قيمة متلفه إن كان أقل من قيمته (أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه أو يبيعه ويدفع ثمنه) لولي الجناية ومالك المتلف لأنه إن أدى قيمته فقد أدى عوض المحل الذي تعلقت به الجناية، وإن باعه أو سلمه لوليها فقد دفع المحل الذي تعلقت به الجناية (فإن كانت الجناية) أي أرشها (أكثر من قيمته لم يكن على السيد أكثر من قيمته) لأن حق المجني عليه لا يتعلق بغير رقبة الجاني فلم يكن على سيده سوى قيمته (إلا أن يكون) السيد (أمره بالجناية أو أذن له) أي العبد (فيها فيلزمه) أي السيد (الأرش كله) كما لو استدان بإذن سيده (فلو أمره) السيد (أن يقطع يد حر) وفعل (فعلى السيد دية يد الحر وإن كانت) دية اليد (أكثر من قيمة العبد) لامره له بالقطع (وكذا لو أمره) السيد (أن يجرحه) أي الحر وجرحه فإنه يلزم السيد أرش الجرح وإن كان أكثر من قيمة العبد (ولو قتل العبد) الذي تعلق الأرش برقبته (أجنبي تعلق الحق بقيمته جزم به) القاضي (في المحرر واختاره أبو بكر) لأن قيمته بدله، فتحول التعلق إليها كقيمة الرهن لو أتلف (والمطالبة للسيد) أي مطالبة المجني عليه على السيد (والسيد يطالب الجاني) على العبد (بالقيمة) فإن شاء وفى منها وإن شاء وفى من غيرها لأنها بمنزلة العبد الجاني لأنها بدله (وإن سلم) القن (الجاني سيده فأبى ولي الجناية قبوله وقال: بعه أنت وادفع ثمنه إلي لم يلزمه) أي لم يلزم السيد بيعه لأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد سلمها (ويبيعه الحاكم) ويدفع ثمنه في أرش الجناية لأن له ولاية على الممتنع (وإن فضل عن ثمنه) أي القن (شئ من أرش الجناية فهو) أي الفاضل (للسيد) لأن أرش الجناية هو
38 الواجب للمجني عليه فليس له أكثر منه (وللسيد التصرف فيه) أي القن الجاني (بعتق وغيره) كوقف وهبة وبيع ولو بغير إذن المجني عليه لأنه ملكه كتصرف الوارث في التركة مع دين (وينفذ عتقه) أو عتق السيد القن الجاني (علم بالجناية أو لم يعلم) بها لأنه عتق من مالك جائز التصرف فنفذ كغير الجاني، (ويضمن) السيد (إذا أعتقه ما يلزمه من ضمانه إذا امتنع من تسليمه قبل عتقه) وهو أقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية إذا لم تكن بأمر السيد أو إذنه، لأنه إن دفع الأرش فهو الذي وجب للمجني عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه وإن أدى قيمة القن فقد أدى بدل المحل الذي تعلقت به الجناية وهو قيمة الجاني، (وإن باعه) السيد (أو وهبه صح) البيع أو الهبة لأنه عقد من جائز التصرف فنفذ كغيره (ولم يزل تعلق الجناية عن رقبته) إن كان البائع معسرا لسبق حق المجني عليه أما إن كان موسرا فيطالب البائع أو الواهب كما تقدم في البيع ولا خيار للمشتري (فإن كان المشتري) للجاني (عالما بحاله) أي بأنه جنى جناية تعلق أرشها برقبته (فلا خيار له) لدخوله على بصيرة (وينتقل الخيار في فدائه وتسليمه إليه كالسيد الأول) لأنه مالكه، إذن (وإن لم يعلم) المشتري بحاله (فله الخيار بين إمساكه ورده) على بائعه لأن تعلق الجناية برقبته مع اعسار بائعه عيب كما تقدم (وإن جنى الرقيق عمدا فعفا الولي عن القصاص على رقبته) أي الجاني (لم يملكه بغير رضا سيده) لأنه إذا لم يملكه بالجناية فلئلا يملكه بالعفو أولى، ولأنه إذا عفا عن القصاص انتقل حقه إلى المال فصار كالجناية، (وإن جنى) القن (على اثنين فأكثر خطأ) أو عمدا لا يوجب قودا أو عمدا يوجبه وعفوا إلى المال وكذا لو أتلف مالا لاثنين فأكثر
39 (اشتركوا فيه بالحصص) سواء كان ذلك في وقت أو أوقات لأنهم تساووا في سبب تعلق الحق به فتساووا في الاستحقاق كما لو جنى عليهم دفعة واحدة (فإذا عفا أحدهم) عما وجب له (أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته تعلق حق الباقين بكل العبد) الجاني لان سبب استحقاقه موجود وإنما امتنع ذلك لمزاحمة الآخر وقد زال المزاحم. (وشراء ولي القود الجاني عفو عنه) فظاهره لو ملكه بإرث أو هبة أو نحوه لا يكون عفوا. قلت: ينبغي أن يكون دخوله في ملكه باختياره كالبيع بخلاف الإرث (وإن جرح العبد حرا فعفا) الحر (عنه) أي العبد (ثم مات) الحر (من الجراحة ولا مال له و) فرض أن (قيمة العبد عشر دية الحر واختار السيد فداءه بقيمته صح العفو في ثلث ما مات) العافي (عنه والثلثان للورثة) حيث لم يجيزوا عفوه في الكل وإن كانت الجناية بأمر السيد أو إذنه فرد نصف دية المجني عليه على قيمة الجاني ويفديه سيده بنسبة القيمة من المبلغ (ولو أن عشرة أعبد قتلوا عبدا عمدا فعليهم القصاص) كقتل الأحرار لحر (فإن اختار السيد قتلهم فله ذلك وإن عفا) سيد المقتول (إلى مال تعلقت قيمة عبده برقابهم على كل واحد منهم) أي من العبيد العشرة القاتلين (عشرها يباع منه بقدرها أو يفديه سيده) بقدر العشر كما توزع دية الحر على قاتليه (فإن اختار) سيد المقتول (قتل بعضهم والعفو عن بعض فله ذلك) لأن الحق له (وإن قتل عبد عبدين لرجلين) واحدا بعد واحد (قتل) السيد الجاني (بالأول منهما) لأن حقه أسبق فيراعى (فإن عفا عنه) سيد (الأول قتل بالثاني) لزوال المزاحم (وإن قتلهما) أي قتل العبد عبدين (دفعة واحدة أقرع بين السيدين) إذا لم يتراضيا على قتله بهما كما تقدم في قاتل الحرين، (فمن وقعت له القرعة اقتص) من الجاني (وسقط حق الآخر) لفوات محل الجناية، (وإن عفا) من خرجت له القرعة (عن القصاص أو عفا سيد) العبد (القتيل الأول) فيما إذا كان قتلهما مرتين
40 (إلى مال تعلق برقبة العبد) الجاني كسائر جناياته (ول) - سيد القتيل (الثاني أن يقتص فإن قتله) السيد (الآخر سقط حق الأول من القيمة) لفوات المحل، (وإن عفا) السيد (الثاني تعلقت قيمة القتيل الثاني برقبته أيضا ويباع) الجاني (فيهما ويقسم ثمنه على قدر القيمة) لتساويهما في سبب تعلق الحق به (ولم يقدم) سيد (الأول بالقيمة) أي قيمة الجاني لمساواة الثاني له. لا يقال حق الأول أسبق فيقدم، لأنه لا يراعى بدليل ما لو أتلف أموالا لجماعة على الترتيب ولو قتل عبد عبدا لاثنين كان لهما القصاص والعفو فإن عفا أحدهما سقط القصاص. باب دية الأعضاء ومنافعها جمع منفعة، اسم مصدر من نفعني كذا نفعا ضد الضر. (من أتلف ما في الانسان منه شئ واحد) كالأنف والذكر (ففيه دية نفسه) أي نفس المتلف منه ذلك الشئ ذكرا كان أو أنثى مسلما أو كافرا على ما سبق تفصيله لما روى عمرو بن حزم أن النبي (ص) قال: وفي الذكر الدية رواه أحمد والنسائي ولفظه له (و) من أتلف (ما فيه) أي الانسان (منه شيئان) كالعينين والأذنين (ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها) أي نصف دية ذلك الانسان لحديث عمرو بن حزم (و) من أتلف (ما فيه) أي الانسان (ثلاثة أشياء) كالأنف يشتمل على المنخرين والحاجز بينهما (ففيها الدية وفي كل واحد منها ثلثها، و) من أتلف (ما فيه) في الانسان (منه أربعة أشياء) كالأجفان (ففيها الدية وفي كل واحد منها ربعها) أي الدية قياسا على ما سبق وما فيه منه خمسة أشياء كالمذاق الخمس ففيها الدية وفي إحداها خمسها (وما فيه منه عشرة أشياء) كأصابع اليدين وأصابع الرجلين (ففيها الدية، وفي كل واحد منها
41 عشرها) ويأتي تفصيل ذلك (ففي العينين الدية) إذا أذهبهما من ذكر أو أنثى أو خنثى مسلم أو كافر على ما تقدم بيانه في الديات (ولو مع حول) بالعينين أو أحدهما (وعمش) بهما أو بأحدهما (ومرض) كذلك (وبياض لا ينقص البصر) وسواء كانا (من كبير أو صغير) لعموم حديث عمرو بن حزم (وفي إحداهما) أي العينين (نصفها) أي الدية (لكن إن كان بهما) أي العينين، (أو بإحداهما بياض ينقص البصر نقص منها) أي الدية (بقدره)، أي بقدر نقص البصر لأنه المقصود منهما (وفي ذهاب البصر الدية) إجماعا (وفي ذهاب بصر إحداهما نصفها) لأن ما وجب في جميع الشئ وجب في بعضه بقدره كإتلاف المال (فإن ذهب) البصر (بالجناية على رأسه) أي المجني عليه وجبت الدية (أو) ذهب البصر بالجناية على (عينه) وجبت الدية (أو) ذهب البصر (بمداواة الجناية وجبت الدية) لذهابه بجنايته أو أثرها (فإن ذهب) البصر (ثم عاد لم تجب) الدية لتبين أن لا ذهاب (وإن كان) المجني عليه (قد أخذها) أي الدية (ردها) لتبين أن أخذها بغير حق. (وإن ذهب بصره) أي المجني عليه (أو) ذهب (سمعه فقال عدلان من أهل الخبرة) بالطب: (لا يرجى عوده) أي بصره أو سمعه (وجبت) الدية لذلك، (وإن قالا) أي العدلان من أهل الخبرة: (يرجى عوده إلى مدة عيناها، انتظر) الذاهب (إليها) أي إلى مضي ذلك المدة (ولم يعط) المجني عليه (الدية حتى تنقضي المدة) التي عيناها (فإن بلغها) بأن مضت المدة (ولم يعد) ما ذهب وجبت الدية لليأس (أو مات) المجني عليه (قبل مضيها وجبت الدية) لما ذهب لليأس من عوده (وإن قلع أجنبي ) أي غير الجاني على البصر أولا (عينه) التي أذهب الأول بصرها (في المدة) التي عينها العدلان لعودة بصرها (استقرت على الأول الدية أو القصاص) لليأس من عود بصرها (و) وجب (على الثاني حكومة) لقلع العين التي لا بصر لها (وإن قال الأول: عاد ضوؤها) فسقط عني دية بصرها (وأنكر الثاني) عوده (فقول المنكر مع يمينه) لأن الأصل عدم العود
42 (وإن صدق المجني عليه الأول) على عود بصرها (سقط حقه عنه) أي عن الأول، لاعترافه ببراءته (ولم يقبل قوله) أي المجني عليه (على الثاني) بلا بينة فلا شئ عليه سوى الحكومة. لأنه منكر لما زاد (وإن قال أهل الخبرة: يرجى عوده) أي ما ذهب من بصر أو سمع أو نحوهما (لكن لا نعرف له مدة، وجبت الدية أو القصاص) لئلا يلزم عليه تأخير حق المجني عليه إلى ما لا نهاية له (وإن اختلف في ذهابه) أي البصر (رجع إلى) قول (عدلين من أهل الخبرة) بذلك لامكان إقامة البينة به (فإن لم يوجد أهل خبرة، أو تعذر معرفة ذلك) أي الذاهب مع وجود أهل الخبرة (اعتبر) أي امتحن (بأن يوقف في عين الشمس ويقرب الشئ من عينه في أوقات غفلته. فإن طرف) وحركها (وخاف من الذي تخوف به فهو كاذب) لأن ذلك دليل إبصاره. لأن طبع الآدمي الحذر على عينه (وإلا) أي وإن لم يطرف ولم يخف (حكم له) بيمينه لعلمنا بأنه لا يبصر بها (وكذلك الحكم في السمع والشم والسن) إذا رجي عودها في مدة تقولها أهل الخبرة لم تؤخذ ديتها قبل مضيها. ثم على ما سبق من التفصيل في البصر (وإن جني عليه فنقص ضوء عينيه أو اسود بياضهما أو أحمر) بياضهما (ولم يتغير البصر فحكومة) لا مقدر له فيه من قبل الشرع (وإن اختلفا في نقص سمعه وبصره، فقول المجني عليه مع يمينه) لأن ذلك لا يعلم إلا من جهته. فيحلف وله حكومة (وإن ادعى) المجني عليه (نقص ضوء إحداهما عصبت) العين (العليلة وأطلقت) العين (الصحيحة) بلا عصب (ونصب له شخص ويعطى الشخص شيئا كبيضة مثلا ويتباعد عنه في جهة) وفي نسخ في وجهه (شيئا فشيئا، فكلما قال: قد رأيته فوصف لونه علم
43 صدقه حتى ينتهي. فإن انتهت رؤيته علم موضع الانتهاء بخيط أو غيره، ثم تشد الصحيحة وتطلق العليلة وينصب له الشخص، ثم يذهب في الجهة) التي ذهب فيها أولا (حتى تنتهي رؤيته فيعلم موضعها) كما فعل أولا، (ثم يرد الشخص إلى انتهاء جهة أخرى فيصنع به مثل ذلك ويعلم منه المسافتان، ثم يذرعان ويقابل بينهما) فإن كانتا سواء فقد صدق وينظر كم بين مسافة العليلة والصحيحة ويحكم له من الدية بقدر ما بينهما على الجاني. رواه ابن المنذر عن عمر (وإن اختلفت المسافتان فقد كذب فيردد) بأن يفعل به ما سبق مرة بعد أخرى (حتى تستوي المسافة من الجانبين) فيعطى بقدر ما بينهما من الدية لما سبق (وإن جني على عينيه فندرتا) أي كبرتا وفي نسخ ففسدتا، (أو احولتا أو اعمشتا ونحوه. فحكومة كما لو ضرب يده فاعوجت) لأنه لا مقدر فيه شرعا، والحكومة: أرش ما لا مقدر فيه (والجناية على الصغير والمجنون كالجناية على المكلف) فيما توجب من قصاص أو دية (لكن المكلف خصم لنفسه والخصم للصغير والمجنون وليهما) لقيامه مقامهما كالأموال (فإذا توجهت اليمين عليهما لم يحلفا) لعدم أهليتهما (ولم يحلف الولي) عنهما لأنها لا تدخلها النيابة. ولذلك لم يصح التوكيل فيها (فإذا تكلفا حلفا). قلت: وظاهره لا يحتاج لإعادة الدعوى لعدم اعتبار الموالاة (وفي عين الأعور دية كاملة) قضى به عمر وعثمان وعلي وابن عمر. ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة. ولان قلع عين الأعور يتضمن إذهاب البصر كله، فوجبت الدية كما لو أذهبه من العينين، وذلك لأنه يحصل بعين الأعور ما يحصل بالعينين فإنه يرى الأشياء البعيدة ويدرك الأشياء اللطيفة ويعمل أعمال البصير. ولان النقص الحاصل لم يؤثر في تنقيص أحكامه (فإن قلعها) أي عين الأعور (صحيح فله) أي الأعور (القود بشرطه) وهو المكافأة والعمد المحض (مع أخذ نصف الدية) لأنه لما
44 ذهب بقلع عين الأعور جميع بصره ولم يمكن إذهاب بصر القالع بقلع عينه الأخرى لما فيه من أخذ عينين بعين واحدة فأخذنا عينه الواحدة بنظيرتها وأخذنا نصف الدية لنصف البصر الذي لا يمكنه استيفاؤه. (وإن قلع الأعور عين صحيح لا تماثل عينه) فليس عليه إلا نصف دية (أو قلع) الأعور (المماثلة خطأ فليس عليه إلا نصف الدية) كما لو قلعها ذو عينين، (وإن قلع عينه الصحيحة عمدا فلا قصاص) لأنه يفضي إلى استيفاء جميع بصر الأعور، وهو إنما ذهب بعض بصر الصحيح. فيكون المستوفى أكثر من جنايته. (وعليه) أي الأعور إذن (دية كاملة) في قول عمر وعثمان ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة بدلا عن القصاص الذي أسقط عنه رفقا به، ولو اقتص منه لذهب ما لو ذهب بالجناية لوجبت فيه دية كاملة فوجبت الدية كاملة هنا. لأنها بدل الواجب، (وإن قلع) الأعور (عيني صحيح عمدا خير) المجني عليه (بين قلع عينه ولا شئ له غيرها) لأنه أخذ جميع بصره بجميع بصره فوجب الاكتفاء بذلك، (وبين) أخذ (الدية) لعينيه (وفي يد أقطع أو رجله نصف الدية) ولو عمدا أو كانت الأولى ذهبت هدرا (كبقية الأعضاء) لأن العضوين اللذين يحصل بهما منفعة الجنس لا يقوم أحدهما مقامهما (فلو قطع) الأقطع (يد صحيح) أو رجله (قطعت يده) أو رجله بشرطه. لأنه عضو أمكن القود في مثله مع انتفاء المانع، فكان الواجب فيه القصاص (وفي الأشفار) جمع شفر، (الأربعة وهي الأجفان ولو من أعمى الدية) لأن ذهاب البصر عيب في غير الأجفان (وفي كل واحد منها) أي الأشفار (ربعها) لأنها أعضاء فيها جمال ظاهر ونفع كامل فإنها تكن العين وتحفظها من الحر والبرد، ولولاه لقبح منظرها (فإن قطع) الجاني (العينين بأجفانها وجبت ديتان) دية للعينين ودية للأجفان. لأن كلا مستقل بنفسه. (وفي أهداب العينين وهي الشعر الذي على الأجفان الدية) لأنه أذهب الجمال على الكمال فوجب فيه دية كاملة كأذني الأصم وأنف الأخشم، (وفي كل واحد منها) أي الأهداب
45 (ربعها) أي الدية (فإن قطع أجفان بأهدابها. لم يجب أكثر من دية) لأن الشعر زال تبعا لزوال الأجفان. فلم يجب فيه شئ كالأصابع مع اليدين أو الرجلين (وفي كل واحد من الشعور الثلاثة الأخرى الدية وهي شعر الرأس و) شعر (اللحية و) شعر (الحاجبين كثيفة كانت) تلك الشعور (أو خفيفة جميلة أو قبيحة من صغير أو كبير) أذهبها (بحيث لا تعود) روي عن علي وزيد بن ثابت في الشعر الدية ولأنه أذهب الجمال على الكمال كما تقدم (ولا قصاص في هذه الشعور الأربعة لعدم إمكان المساواة وفي كل حاجب نصفها) لأن لكل إنسان حاجبين، (وفي بعض ذلك بقسطه من الدية يقدر بالمساحة) كالاذنين، (وإن عاد الشعر قبل أخذ الدية سقطت) ديته، (و) إن عاد (بعده) أي بعد أخذ الدية (ترد) للجاني كما تقدم في عدم البصر وغيره (وإن بقي من شعر اللحية أو) بقي من شعر (غيره من الشعور) الثلاثة (ما لا جمال فيه ف) - الواجب (دية كاملة) لأنه أذهب المقصود منه كله أشبه ما لو ذهب ضوء العينين. ولان جنايته ربما أحوجت لاذهاب الباقي لزيادته في القبح على ذهاب الكل. (وفي الشارب حكومة) إن لم يعد. لأنه لا مقدر فيه (وفي الاذنين ولو من أصم الدية) قضى به عمر وعلي (وفي إحداهما نصفها) أي الدية. وما روي: أن أبا بكر قضى في الاذن بخمسة عشر بعير رواه سعيد. فمنقطع وقال ابن المنذر: ولا يثبت (وإن قطع بعض الاذن وجب بالحساب من ديتها يقدر بالاجزاء) كالنصف والثلث (وكذا قطع بعض المارن) أي مالان من الانف (و) قطع (الحلمة و) قطع (اللسان و) قطع (الشفة والحشفة والأنملة والسن وشق الحشفة طولا) فإن في قطع أبعاض هذه الأشياء بقسطها من ديتها (فإن جنى على أذنه فاستحشفت أي شلت ففيها حكومة) لأنه لم يذهب المقصود منها، بالكلية وهو الجمال (فإن قطعها) أي الاذن (قاطع بعد استحشافها ففيها ديتها) لأن فيها جمالها المقصود منها
46 (وفي السمع إذا ذهب منهما) أي الاذنين (الدية) قال في المبدع: بغير خلاف. وسنده قوله (ص): وفي السمع الدية (وإن ذهب) السمع (من إحداهما) أي الاذنين (فنصفها) أي الدية (وإن قطع أذنيه فذهب سمعه فديتان) دية للأذنين ودية للسمع. لأنه من غير الاذنين فلا تدخل دية أحدهما في الآخر كالبصر مع الأجفان والنطق مع الشفتين (فإن اختلفا) أي الجاني وولي الجناية (في ذهاب سمعه) فديتان (فإنه) أي المجني عليه (يغتفل ويصاح به وينظر اضطرابه ويتأمل عند صوت الرعد والأصوات المزعجة) كنهيق الحمير، (فإن ظهر منه انزعاج أو التفات أو ما يدل على السمع فقول الجاني مع يمينه) لظهور أمارة صدقه (وإن لم يوجد شئ من ذلك) المذكور (فقوله) أي المجني عليه (مع يمينه). لأن الظاهر معه، ومتى حكم له بالدية ثم انزعج عند صوت فطولب بالدية فادعى أنه فعل ذلك اتفاقا قبل قوله: لأنه يحتمل. فلا ينقض الحكم بالاحتمال. وإن تكرر ذلك بحيث تعلم صحة سمعه رد ما أخذ لأنا تبينا كذبه. وكذا يقال في الشم وإن ادعى الجاني أنه ولد أبكم ولا بينة تكذبه قبل قوله مع يمينه وقيل: ترد أي دعواه كما لو قال: ولد ناطقا ثم خرس (وإن ادعى) المجني عليه (نقصان سمع إحداهما) أي الاذنين (فاختباره بأن تسد) الاذن (العليلة وتطلق الصحيحة ويصيح رجل من موضع يسمعه ويعمل كما تقدم في نقص البصر في إحدى العينين ويؤخذ من الدية) أي دية سمع الاذن (بقدر نقصه) أي سمعها كما تقدم في العين (وإن تعدى نقصان السمع فيهما) أي الاذنين و (حلف) لأنه لا يعلم إلا من جهته ولا يتأتى العوض على أهل الخبرة بخلاف البصر (ووجبت فيه حكومة وفي مارن الانف وهو) أي مارنه (مالان منه) دون القصبة (ولو من أخشم الدية) لأن الشم ليس في الانف كما سبق، (وإن قطع) الجاني (المارن وشيئا من القصبة ف) - عليه (دية واحدة)
47 ويندرج ما قطع من القصبة في دية الأنف كما لو قطع اليدين مما فوق الكوع، (وفي كل واحد من المنخرين والحاجز بينهما ثلث الدية) لأن الانف يشتمل على هذه الثلاثة (وفي قطع أحدهما) أي المنخرين (مع نصف الحاجز نصفها) أي الدية ولأنه قطع نصف الانف (و) في قطع أحد المنخرين (مع كله) أي الحاجز (ثلثاها) أي الدية (وفي الشم الدية) لما في كتاب عمرو بن حزم (وفي ذهابه) أي الشم (من أحد المنخرين نصفها أي الدية وفي بعضه حكومة إذا لم يعلم قدره، (وإن نقص) الشم (من أحدهما) أي المنخرين (قدر) النقص (بما يقدر به نقص السمع من إحدى الاذنين) كما مر (وإن قطع أنفه فذهب شمه فديتان) لان الشم ليس في الانف فلا تندرج ديته فيه، (وإن ادعى) المجني عليه (ذهاب شمه اختبر بالروائح الطيبة والمنتنة فإن هش للطيب وتنكر من المنتن ف) القول (قول الجاني مع يمينه) عملا بالظاهر (وإلا) بأن لم يهش للطيب ولم يتنكر من المنتن (ف) - القول (قول مجني عليه مع يمينه) لأن الظاهر معه (وإن ادعى) المجني عليه (نقص شمه) بسبب الجناية (فقوله مع يمينه) لأنه لا يعلم إلا منه (ويجب) له إذن (ما تخرجه الحكومة) كما تقدم في السمع (وإن قطع مع الانف اللحم الذي تحته، ففي اللحم حكومة) لأنه غير الانف ولا مقدر فيه (كقطع الذكر واللحم الذي تحته وإن ضرب) الجاني (أنفه فأشله أو عوجه أو غير لونه فحكومة) لأن نفع الانف باق مع الشلل بخلاف اليد، فإن نفعها قد زال ونفع الانف جمع الرائحة ومنع وصول شئ إلى دماغه (وفي قطعه) أي الانف (إلا جلدة بقي معلقا بها فلم يلتحم واحتيج إلى قطعه ففيه ديته) لأن بقاءه إذن كعدمه (وإن رده فالتحم أو أبانه فرده فالتحم فحكومة) لنقصه (وفي الشفتين الدية) إذا استوعبتا قطعا (وفي كل واحدة منهما) أي الشفتين (نصفها) أي
48 الدية، (فإن ضربهما) أي الشفتين (فأشلهما) ففيهما الدية لأنه عطل نفعهما أشبه ما لو أشل يده (أو) ضربها و (تقلصتا فلم تنطبقا على الأسنان) ففيهما الدية لأنه عطل جمالهما (أو استرختا فصارتا لا ينفصلان عن الأسنان ففيهما الدية) لأنه عطل نفعهما (وإن تقلصتا) أي الشفتان (بعض التقلص فحكومة) لذلك النقص (وحد الشفة السفلى من أسفل ما تجافى عن الأسنان واللثة مما ارتفع من جلدة الذقن وحد) الشفة (العليا من فوق ما تجافى عن الأسنان واللثة إلى اتصاله بالمنخرين والحاجز وحدهما) أي الشفتين (طولا طول الفم إلى حاشية الشدقين وفي اللسان الناطق الدية) إذا استوعب قطعا إجماعا ذكره ابن حزم لأنه أعظم الأعضاء نفعا وأتمها جمالا. يقال: جمال الرجل في لسانه، والمرء بأصغريه قلبه ولسانه، ويقال : ما الانسان لولا اللسان إلا صورة مهملة أو بهيمة مهملة. (وفي الكلام الدية) لأن كل ما تعلقت الدية بإتلافه تعلقت بإتلاف محله (وفي الذوق إذا ذهب ولو من لسان أخرس الدية) لأن الذوق حاسة أشبه الشم (والمذاق الخمس: الحلاوة والمرارة، والحموضة، والعذوبة، والملوحة. فإذا ذهب واحد منها) أي الخمس (فلم يدركه وأدرك الباقي) منها (فخمس الدية) لأن الخمس تجب فيها الدية، ففي إحداها خمسها (وإن ذهب اثنتان) من الخمس (فخمسان) من الدية (وفي ثلاثة) من الخمس (ثلاثة أخماس) الدية (وفي) ذهاب (أربعة) من الخمس (أربعة أخماس) الدية (وإن لم يدرك بواحدة) من الخمس (ونقص الباقي فخمس الدية) التي لم تدرك بها (وحكومة لنقص الباقي، وإن جنى على لسان ناطق فأذهب كلامه وذوقه) مع اللسان (فديتان) كما لو ذهبت منافع اللسان مع بقائه (فإن قطعه) أي اللسان (فذهبتا) أي منفعة الكلام والذوق (معا فدية واحدة) لأنهما ذهبا تبعا فوجب دية اللسان
49 دونهما، كما لو قتل إنسانا (وإن ذهب بعض الكلام وجب من الدية بقدر ما ذهب)، من الكلام كما تقدم في نظائره (يعتبر ذلك بحروف المعجم وهي ثمانية وعشرون حرفا) جعلا للألف المتحركة واللينة حرفا واحدا لتقاربهما في المخرج، ولذلك إذا احتاجوا إلى تحريك الألف قلبوها همزة وإلا فهي تسعة وعشرون حرفا كما في حديث أبي ذر. (ففي الحرف الواحد ربع سبع الدية) لأن الواحد ربع سبع الثمانية والعشرين (وفي الحرفين نصف سبعها، وكذا حساب ما زاد) ففي الثلاثة أحرف ثلاثة أرباع سبع الدية، وفي أربعة حروف سبع الدية وهكذا (ولا فرق بين ما خف على اللسان من الحروف أو ثقل) لأن كل ما وجب فيه المقدر لم يختلف لاختلاف قدره كالإصبع (ولا) فرق أيضا (بين الشفوية والحلقية واللسانية، وإن جنى على شفتيه فذهب بعض الحروف وجب فيه) أي الذاهب (بقدره) أي بنسبته من الدية (وكذلك إن ذهب بعض حروف الحلق بجناية) وجب في الذاهب بقدره (وإن ذهب حرف فعجز) المجني عليه (عن كلمة كجعله أحمد أمد لم يجب غير أرش الحرف) الذاهب لأنه لم يذهب سواه، (وإن ذهب حرف فأبدل مكانه حرفا آخر مثل إن كان يقول درهم فصار يقول دلهم أو دغهم أو دنهم فعليه ضمان الحرف الذاهب) لأن ما يبدل لا يقوم مقام الذاهب في القوة ولا غيرها (لا إن جنى عليه فذهب البدل وجبت ديته أيضا لأنه) أي البدل (أصل) بنفسه (وإن لم يذهب) بالجناية (شئ من الكلام لكن حصلت فيه عجلة أو تمتمة أو فأفأة) وتقدم أن التمتان من يكرر التاء والفأفاء من يكرر الفاء (فعليه) أي الجاني (حكومة) لما حصل من النقص والشين ولم تجب الدية لأن المنفعة باقية (فإن جنى عليه) أي على ذلك المجني عليه الذي حصل في كلامه عجلة أو تمتمة أو فأفأة (جان آخر فأذهب كلامه ففيه الدية كاملة) كما لو جنى على عينه جان فعمشت ثم جنى عليه آخر فأذهب بصرها (فإن
50 أذهب) الجاني (الأول بعض الحروف وأذهب) الجاني (الثاني بقية الكلام فعلى كل واحد منهما) أي الجانيين (بقسطه) من الدية فيضمن ما أتلفه دون غيره، (وإن كان) المجني عليه (ألثغ من غير جناية عليه فذهب إنسان بكلامه كله) بجنايته عليه (فإن كان) الألثغ (مأيوسا من زوال لثغته ففيه) أي الذاهب (بقسطه) من الدية أي بقسط (ما ذهب من الحروف) كما لو أذهب سمع أذن أو شم منخر (وإن كان) الألثغ (غير مأيوس من زوالها) أي زوال لثغته (كالصغير ففيه الدية كاملة)، لأن الظاهر زوال لثغته (وكذلك الكبير إذا أمكن زوال لثغته بالتعليم) وجنى عليه فأذهب كلامه ففيه الدية كاملة، (وإن قطع) الجاني (بعض اللسان فذهب بعض الكلام فإن استويا مثل أن قطع ربع لسانه فذهب ربع كلامه فربع الدية) لربع اللسان ويندرج فيه ربع الكلام كما لو قطعه كله (فإن ذهب من أحدهما أكثر من الآخر كأن قطع ربع لسانه فذهب نصف كلامه أو بالعكس) بأن قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه (وجب بقدر الأكثر وهو نصف الدية في الحالين) لأن كل واحد من اللسان والكلام مضمون بالدية منفردا، ألا ترى أنه لو ذهب نصف الكلام ولم يذهب من اللسان شئ أو ذهب نصف اللسان ولم يذهب من الكلام شئ وجب على كل صورة نصف الدية، (وإن قطع) جان (ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم قطع) جان (آخر بقيته) أي اللسان (فذهب بقية الكلام فعلى) الجاني (الأول نصف الدية) لأنه أذهب نصف الكلام، (وعلى) الجاني (الثاني نصفها) أي الدية لنصف اللسان بنصف الكلام (و) عليه أيضا (حكومة لربع اللسان) الذي لا كلام فيه لأنه لا نفع فيه فهو بمنزلة الأشل (ولو قطع) جان (نصفه) أي اللسان (فذهب ربع الكلام ثم) قطع (آخر) بقية اللسان (فزال ثلاثة أرباعه) أي الكلام (فعلى الأول نصف الدية) لاذهابه نصف اللسان (وعلى الثاني ثلاثة أرباعها) أي الدية لاذهابه ثلاثة أرباع الكلام، (وإن) جني
51 عليه فذهب كلامه أو ذوقه أو قطع لسانه ثم (عاد كلامه أو ذوقه أو لسانه سقطت الدية) عن الجاني كما تقدم في عود السمع وغيره (وإن كان) المجني عليه (قبضها) أي الدية ثم عاد ما ذهب بالجناية (ردها) أي رد المجني عليه الدية للجاني أو عاقلته لأنه تبين أنه لا يستحقها (وإن قطع نصفه) أي اللسان (فذهب كل كلامه ثم قطع آخر بقيته فعاد كلامه لم يجب رد الدية) لأن الكلام الذي كان باللسان قد ذهب ولم يعد إلى اللسان وإنما عاد إلى محل آخر (وإن قطعه) أي اللسان (فذهب كلامه ثم عاد اللسان دون الكلام لم يرد الدية) كما لو زال كلامه واللسان باق (وإن اقتص من) أي مجني عليه (قطع بعض لسانه فذهب من كلام الجاني مثل ما ذهب من كلام المجني عليه أو أكثر فقد استوفى) المجني عليه (حقه ولا شئ له) أي الجاني (في الزائد) عن المجني عليه (لأنه من سراية القود وسراية القود غير مضمونة وإن ذهب) من كلام الجاني (أقل) مما ذهب من كلام المجني عليه (فللمقتص دية ما بقي لأنه لم يستوف بدله) ولو كان اللسان ذا طرفين فقطع أحدهما ولم يذهب من الكلام شئ وكانا متساويين في الخلقة فكلسان مشقوق فيهما الدية وفي أحدهما نصفها وإن كان أحدهما تام الخلقة والآخر ناقصا فالتام فيه الدية والناقص زائد فيه حكومة، (وإذا قطع لسان صغير لم يتكلم لطفوليته ففيه الدية) كلسان الكبير لأن الأصل السلامة (وإن بلغ) الصغير (حدا يتكلم مثله فلم يتكلم ففيه حكومة كلسان الأخرس) إن كان لا ذوق له وإلا وجبت (وإن كبر) الصغير بعد قطع لسانه (فنطق ببعض الحروف وجب فيه بقدر ما ذهب من الحروف لأنا تبينا أنه كان ناطقا، وإن كان) الصغير (قد بلغ إلى حد يتحرك) لسانه (بالبكاء أو غيره فلم يتحرك ففيه) أي لسانه إذا قطع (حكومة) كلسان الأخرس، (وإن لم يبلغ إلى حد
52 يتحرك) بالبكاء وغيره (ففيه الدية) لأن الظاهر سلامته. (وفي كل سن ممن قد أثغر) بالبناء للمفعول (خمس من الإبل) روي عن عمر وابن عباس ولخبر عمرو بن حزم مرفوعا: في السن خمس من الإبل رواه النسائي. (والأضراس والأنياب كالأسنان) لما روى أبو داود عن ابن عباس مرفوعا قال: الأسنان سواء الثنية والضرس سواء فيكون في جميعها مائة وستون بعيرا لأنها اثنان وثلاثون أربع ثنايا وأربع رباعيات وأربعة أنياب وعشرون ضرسا في كل جانب خمسة من فوق وخمسة من أسفل (إذا قلعت) الأسنان (بسنخها وهو ما بطن منها في اللحم أو قطع الظاهر) منها (فقط) لعموم ما سبق و (سواء قلعها) أي الأسنان (في دفعة أو دفعات) لعموم الخبر (وإن قلع منها السنخ) بالسين المهملة والخاء المعجمة وهو أصلها كما سبق (فقط ولو كان هو) أي القالع السنخ (الذي جنى على ظهرها ففيه) أي السنخ (حكومة) لأنه لم يرد فيه تقدير (ولا يجب بقلع سن الصغير الذي لم يثغر) أي تسقط رواضعه (في الحال شئ) لأن العادة عود سنه (لكن ينتظر عودها فإن مضت مدة ييأس من عودها وجبت ديتها) قال أحمد: يتوقف سنة لأنه غالب في نباتها (إلا أن ينبت مكانها أخرى) مماثلة لها فلا شئ عليها كما لو عاد السمع (وإن عادت) السن (قصيرة أو شوهاء أو أطول من أخواتها أو صفراء أو حمراء أو سوداء أو خضراء فحكومة) لأنها لم تذهب بمنفعتها فلم تجب ديتها ووجبت الحكومة لنقصها (وإن) عادت قصيرة و (أمكن تقدير نقصها من نظيرتها أو كان فيها ثلمة أمكن تقديرها ففيها بقدر ما نقص) منها من ديتها بالنسبة كما لو نقص سمع أذن أو بصر عين وأمكن تقديره، (وإن نبتت) السن المجني عليها (مائلة عن صف الأسنان بحيث لا ينتفع بها ففيها ديتها) كأنها لم تعد إذ لا نفع بذلك العائد (وإن
53 كان ينتفع بها) مع ميلها (فحكومة) للميل، (وإن جعل) المجني عليه (مكان السن) المقلوعة (سنا أخرى) من آدمي (أو سن حيوان أو عظمها فثبتت وجب ديتها) كما لو لم يجعل مكانها شيئا، (وإن قلعت هذه الثلاثة فحكومة) للنقص (وإن قلع سنه أو قلع طرفه) كلسان ومارن (ونحوهما فرده فالتحم فله أرش نقصه) فقط وهو حكومة (ثم إن أبانه أجنبي) بعد ذلك (وجبت ديته) كما لو لم يتقدمه جناية عليه، (وإن عادت سن من قد أثغر ولو بعد الأياس من عودها رد) المجني عليه (ديتها إن كان أخذها) لأنا تبينا أنه كان لا يستحقها وإن لم يكن أخذها سقطت، (وإن كسر) الجاني (بعض ظاهر السن ففيه) أي الذاهب (من دية السن بقدره كالنصف) والثلث كسائر ما فيه مقدر (وإن جاء) جان (آخر فكسر الباقي منها فعليه بقية الأرش) أي بقية ديتها، (وأن اختلفا) أي الجانيان في قدر ما أذهب كل منهما (فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل واحد منهما) أي الجانيين، (وإن انكشفت اللثة) بكسر اللام وفتح الثاء مخففة (عن بعض السن) ثم كسر السن أو بعض السن وأريد تقديره (فالدية في قدر الظاهر) من السن (عادة دون ما انكشف على خلاف العادة) لأنه عارض فلا يعتد به (وإن اختلفا) أي الجاني والمجني عليه (في قدر الظاهر) من السن (اعتبر ذلك بأخواتها) لأن الظاهر مساواتها لهن (فإن لم يكن لها شئ تعتبر به) بأن لم يكن له غيرها (ولم يمكن أن يعرف ذلك أهل الخبرة فقول الجاني) بيمينه لأنه منكر فيما زاد عما يقر به، (وإن قلع) الجاني (سنا مضطربة لكبر أو مرض وكانت منافعها) أي السن (باقية من المضغ وحفظ الطعام والريق وجبت ديتها وكذلك إن ذهب بعض منافعها وبقي بعضها) وجبت ديتها لأنه أذهب عضوا فيه منفعة
54 (وإن ذهبت منافعها كلها فهي كاليد الشلاء) ففيها حكومة، (وإن قلع سنا فيها داء أو) قلع سنا فيها (أكلة ولم يذهب شئ من أجزائها ففيها دية سن صحيحة) لكمالها وبقاء منافعها، (وإن سقط من أجزائها شئ سقط من ديتها بقدر الذاهب منها ووجب الباقي) من ديتها فيما أذهبه كسائر ما فيه مقدر (وإن كانت ثنيته قصيرة) خلقة وقلعها جان (نقص من ديتها بقدر نقصها كما لو نقصت بكسرها) ثم جنى عليها (وإن جنى على سنه فبقي فيها اضطراب ففيها حكومة) لنقصها بذلك (وفي تسويد السن والظفر) ديته لما روي عن زيد بن ثابت ولم يعرف له مخالف من الصحابة ولأنه أذهب جمال ذلك على الكمال فكملت ديتها كما لو قطع أذن الأصم، (و) في تسويد (الاذن والأنف بحيث لا يزول) السواد (عنه) أي عما ذكر من السن والظفر والأنف (ديته) كالسن والظفر (فإن ذهبت) السن السوداء أو الظفر أو الاذن أو الانف كذلك (بعد ذلك) الاسوداد (بجناية) عليه (ففيها حكومة) كاليد الشلاء (وإن احمر السن) بالجناية (أو اصفرت أو اخضرت أو كلت أو تحركت فحكومة) للنقص (فإن قلعها بعد ذلك قالع فحكومة) ولا يعارض ذلك ما تقدم فيما إذا اضطربت المرض أو كبر لأن تحركها هنا بجناية (ولو نبتت) السن (من صغير سوداء ثم ثغر ثم عادت سوداء فديتها) أي إذا أذهبها الجاني كمن خلق أسود الوجه والجسم جميعا وإن نبتت أولا بيضاء، ثم ثغر ثم عادت سوداء فإن قال أهل الخبرة: ليس السواد لمرض ولا علة ففيها كمال ديتها وإلا فحكومة. (وفي اللحيين الدية) لأن فيهما نفعا وجمالا وليس في البدن مثلهما (وهما) أي اللحيان (العظمان اللذان فيهما الأسنان السفلى وفي إحداهما نصفها فإن قلعها) أي اللحى (بما عليها من الأسنان وجبت ديتها ودية الأسنان) فلا تدخل دية الأسنان في اللحيين بخلاف أصابع اليدين لأن الأسنان ليست متصلة باللحيين وإنما هي مغروزة فيها بخلاف
55 الأصابع وأيضا كل من اللحيين والأسنان ينفرد باسم واللحيان يوجدان قبل وجود الأسنان وينبتان بعد قلعهما بخلاف الكف مع الأصابع (وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصفها) للاخبار (وسواء قطعهما من الكوع أو المنكب أو مما بينهما) لأن اليد اسم للجميع لأنه لما نزلت آية التيمم مسح إلى المناكب (فإن قطعهما من الكوع) وجبت الدية لأن اليد في الشرع محمولة على ذلك بدليل قطع السارق والمسح في التيمم (ثم) إن (قطعهما) الجاني (من المرفق أو مما قبله أو) ما (بعده ففي المقطوع ثانيا حكومة) لأن الدية وجبت عليه بالقطع الأول كما لو قطع الأصابع ثم قطع الكف، (وإن جنى عليهما) أي اليدين (فأشلهما وأذهب نفعهما أو أشل رجله أو ذكره أو أنثييه أو أسكتيها وكذا سائر الأعضاء) إذا جنى عليها فأشلها (ففيه ديته) أي دية العضو الذي أشل لأنه عطل نفعه (إلا الاذن والأنف) إذا أشلهما فلا تجب ديتهما بل حكومة (كما تقدم) لأن المقصود منهما الجمال وهو باق مع شللهما كما طبق، (وإن جنى على يد فعوجها أو نقص قوتها أو شانها) أي عيبها (ف) - عليه (حكومة) لأنها أرش كل ما لا مقدر فيه (وإن كسرها) الجاني أي اليد (ثم انجبرت مستقيمة فحكومة لشينها إن شانها ذلك) إن لم يكن الكسر في الذراع أو العضد وإلا فيأتي حكمه (وإن عادت) اليد بعد كسرها (موجعة فالحكومة أكثر) من الحكومة إذا عادت مستقيمة لزيادة الشين (وإن قال الجاني: أنا أكسرها ثم أجبرها مستقيمة لم يمكن) من ذلك لما فيه من الاضرار بالمجني عليه وقد لا يصيب، (فإن كسرها تعديا) أي بغير إذن ولي الجناية (ثم جبرها فاستقامت لم يسقط ما وجب من الحكومة في اعوجاجها) لأنه استقر بالاندمال (وفي الكسر الثاني حكومة أخرى) لأنه جناية غير الأولى (وتجب دية اليد في يد المرتعش و) تجب دية الرجل في (قدم الأعرج و) تجب دية اليد في (يد الأعسم) لعموم الاخبار (وهو) أي العسم (اعوجاج في الرسغ) أي مفصل ما بين الكف والساعد والقدم إلى
56 الساق، (فإن كان له كفان في ذراع أو يدان في عضد وإحداهما باطشة دون الأخرى أو) إحداهما (أكثر بطشا) من الأخرى (أو) إحداهما (في سمت الذراع) أي مقابلته (والأخرى منحرفة عنه أو إحداهما تامة) الخلق (والأخرى ناقصة فالأولى هي الأصلية والأخرى زائدة ففي الأصلية ديتها) إن قطعت خطأ أو عمدا واختيرت (والقصاص بقطعها عمدا وفي الزائدة حكومة سواء قطعها منفردة أو مع الأصلية) لأنها زائدة، (وإن استوتا من كل الوجوه فإن كانتا غير باطشتين ففيهما حكومة) لأنه لا نفع فيهما كاليد الشلاء، (وإن كانتا باطشتين ففيهما جميعا دية يد واحدة) لأن إحداهما أصلية (وحكومة للزائدة وإن قطع إحداهما فلا قود) فيها لاحتمال أن تكون هي الزائدة فلا تؤخذ بها الأصلية (وفيها) أي إحدى الباطشتين (نصف ما فيهما إذا قطعتا أي نصف) دية (يد وحكومة وإن قطع أصبعا من إحداهما فنصف أرش أصبع وحكومة) هنا أحد وجهين أطلقهما في الشرح وهو قياس ما قبله واقتصر في الانصاف وتصحيح الفروع والتنقيح على نصف أرش أصبع وتبعهم في المنتهى. (وإن قطع ذو اليد التي لها طرفان يدا لم يقطعا) بتلك اليد لئلا تؤخذ يدان بيد واحدة (ولا) تقطع (إحداهما) بتلك اليد لأنا لا نعرف الأصلية فنأخذها بها ولا تؤخذ زائدة بأصلية، (وكذا الرجل) على التفصيل السابق (وإن قطع كفا بأصابعه لم يجب إلا دية اليد) وتندرج فيها دية الأصابع لأن مسمى الجميع يد كما تقدم. (وإن قطع كفا عليه بعض أصابع دخل ما حاذى الأصابع) من الكف (في ديتها) لأن الأصابع لو كانت سالمة كلها لدخل أرش الكف كله في دية الأصابع فكذلك ما حاذى الأصابع السالمة دخل في ديتها (وعليه) أي الجاني (أرش باقي الكف) المحاذي للمقطوعات لأنه ليس له ما يدخل في ديته فوجب أرشه كما لو كانت الأصابع كلها مقطوعة (وإن قطع أنملة بظفرها فليس عليه إلا ديتها) أي الأنملة ويندرج فيها دية الظفر لدخوله في
57 مسمى الأنملة (وفي كف بلا أصابع) حكومة (و) في (ذراع بلا كف) حكومة (و) في (عضد بلا ذراع حكومة) قال المصنف في حاشية التنقيح: إنه المذهب وقطع به في المبدع في مواضع، والرواية الثانية يجب ثلث ديته قدمه في المبدع في موضع آخر وقطع به في التنقيح وتبعه في المنتهى وصححه في الانصاف قال وقد شبه الإمام أحمد ذلك بعين قائمة قال: وحكم الرجل حكم اليد في ذلك انتهى. قلت: مقتضى تشبيه الامام له بعين قائمة وجوب حكومة فيها كما هو الصحيح فيها (وفي الرجلين الدية وفي إحداهما نصفها وتفصيلهما كاليدين) لما تقدم (ومفصل الكعبين مثل مفصل الكفين فإن كان له قدمان على ساق فكالكفين على ذراع واحد) وتقدم (فإن كانت إحداهما أطول من الأخرى فقطع الطولى وأمكنه المشي على القصيرة فهي) الأصلية (فيكون في المقطوعة) حكومة (وإلا) أي وإن لم يمكنه المشي على القصيرة فهي (زائدة) ويجب في المقطوعة نصف الدية (وفي الثديين الدية وفي أحدهما نصفها) قال في المبدع بالاجماع (وفي حلمتيهما الدية) لأنه ذهب منهما ما تذهب المنفعة بذهابه كحشفة الذكر، (وفي إحداهما نصفها وإن قطع الثديين بحلمتيهما فدية واحدة) كقطع الذكر بحشفته لأن مسمى الجميع واحد (فإن حصل مكان قطعهما) أي الثديين (جائفة ففيها ثلث الدية مع ديتهما) أي دية الثديين، (وإن) حصل (جائفتان فدية) للثديين (وثلثان) من الدية للجائفتين (وإن جنى) على الثديين (فأذهب لبنهما من غير أن يشلهما ف) - عليه (حكومة) لما حصل من النقص ولم تجب الدية لأنه لم يذهب نفعهما بالكلية، (وإن جنى عليهما) أي الثديين (من صغيرة ثم
58 ولدت فلم ينزل لها لبن فإن قال أهل الخبرة: قطعته الجناية فعليه) أي الجاني (ما على من ذهب باللبن بعد وجوده) وهو حكومة إذا لم يشلهما كما تقدم (وإن قالوا) أي أهل الخبرة (قد انقطع من غير الجناية لم يضمن) ما ذهب من اللبن لأنه بغير جنايته (وإن نقص لبنهما) أي الثديين بالجناية (أو كانا ناهدين فكسرهما أو صار بهما مرض ف) - عليه (حكومة) لذلك النقص (وفي ثندوتي الرجل) الواحدة ثندوة بفتح الثاء بلا همزة وبضمها مع الهمز وهي (مفرز الثدي) وقال الجوهري: الثدي للرجل والمرأة وهو أصح في اللغة ومنهم من أنكره ذكره في المبدع (الدية) لأنه يحصل بهما الجمال وليس في البدن غيرهما من جنسهما (وفي إحداهما نصفها وفي الأليتين الدية وفي إحداهما نصفها وهما) أي الأليتان (ما علا وأشرف عن الظهر وعن استواء الفخذين وإن لم يحصل إلى العظم الذي تحتهما وفي ذهاب بعضهما) أي الأليتين (بقدره) من الدية بنسبة الاجزاء كسائر ما فيه مقدر (فإن جهل المقدار) أي مقدار الذاهب منهما أي جهلت نسبته منهما (فحكومة) كنقص السمع (وفي كسر الصلب الدية إذا لم ينجبر) قال في الشرح وغيره ذكره في المبدع في موضع وهو موافق لما في كتاب عمرو بن حزم مرفوعا: وفي الصلب الدية وروى الزهري من رواية ابن المسيب قال: مضت السنة أن في الصلب الدية وقال القاضي: فيه دية إلا أن يذهب مشيه أو جماعه وفي المبدع أيضا: إذا كسر صلبه فجبر وعاد إلى حاله فحكومة للكسر وإن احدودب فحكومة لهما أي للكسر والاحديداب (فإن ذهب به) أي بكسر الصلب (مشيه)
59 فدية واحدة (أو) ذهب بكسر صلبه (نكاحه، فدية واحدة) لأن الذاهب منفعة واحدة (وإن ذهبا) أي المشي والنكاح (فديتان) كما لو ذهبت منافع الانسان مع بقائه، (وإن جبر) الصلب بعد كسره (فعادت إحدى المنفعتين لم يجب إلا دية) المنفعة الذاهبة دون ما عادت (إلا أن تنقص الأخرى) التي عادت (أو تنقصا) أي المنفعتان بلا ذهاب (فحكومة) للنقص (أو إن ادعى) المجني عليه (ذهاب جماعه) بالجناية (فقال رجلان من أهل الخبرة: إن مثل هذه الجناية تذهب الجماع فقول المجني عليه مع يمينه) لأن الظاهر معه (وإن ذهب ماؤه) بالجناية (أو) ذهب (إحباله دون جماعه) بالجناية (ففيه الدية) لأن منفعته مقصودة أشبه السمع (وفي ذهاب الاكل) بالجناية (الدية) لأنه نفع مقصود كالشم (وفي إذهاب منفعة الصوت الدية) ذكره في الترغيب وغيره وفي الفنون لو سقاه زرق حمام فذهب صوته لزمه حكومة (وفي الحدب) بفتح الحاء والدال (الدية) لأن بذلك تذهب المنفعة والجمال لان انتصاب القامة من الكمال والجمال وبه شرف الآدمي على سائر الحيوانات (فإن انحنى قليلا فحكومة) للنقص (وفي الصعر الدية) رواه مكحول عن زيد ولا يعرف له مخالف ولأنه أذهب الجمال والمنفعة (وهو) أي الصعر (أن يجنى عليه فيصير وجهه في جانب ولا يعود فلا يقدر على النظر أمامه ولا يمكنه لي عنقه) وأصل الصعر داء يأخذ البعير في عنقه فيلتوي منه عنقه قال تعالى: * (ولا تصعر خدك للناس) * أي لا تعرض عنهم بوجهك (وإن صار الالتفات أو ابتلاع الماء أو) ابتلاع (غيره شاقا عليه ف) - على الجاني (حكومة) لهذا النقص (وفي الذكر الدية) إجماعا وتقدم (من صغير وكبير وشيخ وشاب) لعموم حديث عمرو بن حزم مرفوعا: وفي الذكر الدية رواه أحمد والنسائي. (وإن قطع) الجاني (نصفه) أي الذكر (بالطول ففيه الدية كاملة لأنه ذهب بمنفعة الجماع) قال الموفق
60 والشارح وهذا هو الأولى، قال في الانصاف: وهو الصواب ونقل الموفق عن أصحابنا أن فيه نصف الدية وقطع به في المنتهى وإن قطع منه قطعة ما دون الحشفة وخرج البول على عادته وجب بقدر القطعة من جميع الذكر من الدية وإن خرج من موضع القطع وجب الأكثر من الدية أو الحكومة (وفي حشفته) أي الذكر (الدية) قال في المبدع بغير خلاف نعلمه لأن منفعته تكمل بالحشفة كما تكمل منافع اليد بالأصابع (وفي ذكر الخصي ولو جامع به) حكومة (و) في (ذكر العنين) حكومة (و) في (الذكر دون حشفته حكومة) لأنه لا مقدر فيه ولا يمكن إيجاب دية كاملة لذهاب منفعته (وفي الأنثيين الدية وفي إحداهما نصفها فإن قطع الذكر والأنثيين معا) فديتان، (أو) قطع (الذكر ثم الأنثيين فديتان) لأن كل واحد منهما لو انفرد لوجب في قطعه الدية فكذا لو اجتمعا (وإن قطع الأنثيين ثم) قطع (الذكر ففي الأنثيين الدية) لأن قطعهما لم يصادف ما يوجب نقصهما من ديتهما (وفي الذكر حكومة) لأنه ذكر خصي (وإن رض أنثييه أو أرسلهما كملت ديتهما) كما لو قطعهما (وإن قطعهما)، أي الأنثيين (فذهب نسله فدية واحدة) وكذا لو قطع إحداهما فذهب النسل فنصف الدية لأن دية منفعة العضو تندرج فيه كما سبق غير السمع والشم (وفي اسكتي المرأة) بكسر الهمزة وفتحها (وهما) أي أسكتاها (اللحم المحيط بالفرج من جانبيه إحاطة الشفتين بالفم وهما شفراها) وقال أهل اللغة: الشفران حاشيتا الإسكتين (الدية) لأن فيهما منفعة وجمالا وليس في البدن غيرهما من جنسهما (وفي إحداهما نصفها وسواء كانتا غليظتين أو دقيقتين قصيرتين أو طويلتين من بكر أو ثيب صغيرة أو كبيرة مخفوضة أي مختونة أو غير مخفوضة
61 ولو من رتقاء) وإن أشلهما ففيهما الدية كما لو جنى على شفتيه فأشلهما (وفي ركب المرأة) بالتحريك (وهو عانتها حكومة وكذا عانته) أي الرجل لأنه لا مقدر فيها (فإن أخذ منه) أي الركب (شئ مع فرجها أو) مع (ذكره فحكومة) لما أخذ منه (مع الدية) أي دية الفرج أو الذكر (وفي أصابع اليدين الدية وفي أصابع الرجلين الدية وفي كل أصبع عشرها)، لما روى الترمذي وصححه عن ابن عباس مرفوعا: دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل أصبع وفي البخاري عنه مرفوعا قال: هذه وهذه سواء يعني الخنصر والابهام (وفي كل أنملة ثلث العشر) لأن دية الإصبع تقسم على أنامله كما قسمت دية اليد على أصابعها بالسوية (فإن كانت) الأنملة (من إبهام فنصف العشر) لأنهما مفصلان (وفي الظفر خمس دية الإصبع) لقول زيد وروي عن ابن عباس ولم يعرف لهما مخالف (إذا قلعه ولم يعد) أو عاد أسود كما في المنتهى لذهاب جماله (وفي الإصبع الزائدة حكومة) لأنه من مقدر فيه (وإن جنى على مثانته فلم يستمسك بوله ففيه الدية وإن جنى عليه) بأن ضرب بطنه أو نحوه (فلم يستمسك غائطه ففيه الدية) لأن ذلك منفعة كبيرة ليس في البدن مثلها والضرر بفواتها عظيم فكان في كل واحد منهما الدية كالسمع والبصر، (وإن أذهب المنفعتين فديتان) ولو بجناية واحدة لأن كلا منهما لو انفردت فيها الدية فكذا إذا اجتمعتا (وفي ذهاب العقل الدية) قال في المبدع بالاجماع وسنده ما في كتاب عمرو بن حزم ولأنه أكبر
62 المعاني قدرا وأعظم الحواس نفعا فإنه يتميز به من البهيمة وتعرف به صحة حقائق المعلومات ويهتدى به إلى المصالح ويدخل به في التكليف، وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات فكان أولى من بقية الحواس (فإن نقص) العقل (نقصا معلوما مثل أن صار يجن يوما ويفيق يوما ففيه من الدية بقدر ذلك) الذاهب بالنسبة كذهاب سمع أذن (وإن لم يعلم) قدر الذاهب (مثل أن صار مدهوشا أو) صار (يفزع منه ويستوحش إذا خلا فحكومة) لذلك النقص، (وإن أذهب عقله بجناية توجب أرشا كالجراح) من موضحة أو غيرها (أو قطع عضوا من يديه أو رجليه أو غيرهما أو ضربه على رأسه) فذهب عقله (وجبت الدية) لذهاب العقل (و) وجب (أرش الجرح إن كان) ثم جرح (وإن جنى عليه فأذهب سمعه وعقله وبصره وكلامه وجب أربع ديات) لقضاء عمر رواه أحمد في رواية ولده عبد الله (مع أرش الجرح) إن كان كما لو ذهبت بجنايات، (فإن مات) المجني عليه (من الجناية لم يجب إلا دية واحدة) للنفس واندرج فيها ما عداها من المنافع كديات الأعضاء (وإن أنكر الجاني زوال عقله ونسبه إلى التجانن) يعني أن يتفعل الجنون (راقبناه) أي المجني عليه (في خلواته فإن لم تنضبط أحواله وجبت الدية) عملا بالظاهر (ولا يحلف) لعدم أهليته له (وفي تسويد الوجه إذا لم يزل الدية) لأنه أذهب الجمال على الكمال أشبه قطع أذني الأصم، (فإن حمره أو صفره) أي الوجه (فحكومة) لأنه لم يذهب الجمال على الكمال. فصل (وفي العضو الأشل) (وهو الذي ذهبت منفعته من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس) الذي لا
63 ذوق له، (والعين القائمة في موضعها صورتها كصورة الصحيحة غير أنه ذهب بصرها وشحمة الاذن) وهي ما لأن في أسفلها وهي معلق القرط (وذكر الخصي والعنين والسن السوداء التي ذهبت منفعتها بحيث لا يمكنه أن يعض بها شيئا، والثدي دون حلمته والذكر دون حشفته وقصبة الانف دون مارنه واليد والإصبع الزائدين حكومة) لما حصل من النقص والشين مع عدم ورود تقديره في شئ منها والتقدير بابه التوقيف (وتقدم بعضه) ويأتي معنى الحكومة في الباب بعده (ولا تجب دية جرح حتى يندمل) لما مر (ولا) تجب (دية سن و) لا دية (ظفر و) لا دية (منفعة) من بصر أو غيره (حتى ييأس من عودها) لما تقدم من أنه لا دية لما رجي عوده في مدة تقولها أهل الخبرة. (فإن مات) المجني عليه (في المدة) التي ذكر أهل الخبرة أنه يعود فيها قبل العود (فلوليه دية) ما جنى عليه من (سن وظفر) ومنفعة لليأس من عوده بموته (وله القود في غيرهما) أي غير السن والظفر من الأعضاء لأن العادة لم تجر بعوده، لكن لا يقتص إلا بعد الاندمال، لأنه لا يدري أقتل هو أم ليس بقتل فينتظر ليعلم حكمه وما الواجب فيه ولذا لم تجب ديته قبل الاندمال (وتقدم بعضه ولو التحمت الجائفة أو الموضحة وما فوقها) كالهاشمة والمنقلة (على غير شين لم يسقط موجبها) لأن الشارع أوجب فيها ذلك الأرش ولم يقيده بحال دون حال فوجب بكل حال. باب الشجاج وكسر العظام (الشجة) واحدة الشجاج وهي (اسم لجرح الرأس و) جرح (الوجه خاصة) وقد تستعمل في غير ذلك من الأعضاء. قاله ابن أبي الفتح (وهي عشر) بالاستقراء (خمس لا
64 مقدر فيها) لأن التقدير من الشرع ولم يرد فيها (أولها الحارصة) بالحاء والصاد المهملتين (وهي التي تشق الجلد قليلا أي تقشره شيئا يسيرا ولا تدميه) والحرص الشق ومنه حرص القصار الثوب إذا شقه قليلا وهي القاشرة والقشرة. قال ابن هبيرة: تبعا للقاضي وتسمى الملطاة (ثم) ثانيها (البازلة وتسمى الدامية والدامعة) لقلة سيلان دمها تشبيها له بخروج الدمع من العين (وهي التي يسيل منها الدم ثم) ثالثها (الباضعة وهي التي تبضع اللحم) أي تشقه (بعد الجلد ثم) رابعها (المتلاحمة وهي ما أخذت في اللحم) أي دخلت فيه دخولا كثيرا فوق الباضعة ودون السمحاق (ثم) خامسها (السمحاق وهي التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة) فوق العظم (تسمى تلك القشرة سمحاقا و) لذلك (تسمى الجراح الواصلة إليها سمحاقا فهذه الخمس فيها حكومة) لأنها جراحات لم يرد فيها توقيت من الشرع أشبهت جراحات البدن (وخمس) أي من الشجاج (فيها مقدر أولها الموضحة) والوضح البياض (وهي التي توضح العظم) أي تبدي بياضه (أي تبرزه ولو بقدر رأس إبرة وموضحة الرأس والوجه سواء) لعموم الاخبار، (وفيها إن كانت من حر مسلم ولو أنثى خمس من الإبل) لما في حديث عمرو بن حزم: وفي الموضحة خمس من الإبل وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي (ص) قال: في المواضح خمس خمس رواه الخمسة (ولا يعتبر إيضاحها للناظر فلو أوضحه برأس مسلة أو) رأس (إبرة وعرف وصولها إلى العظم كانت موضحة) لأنها أوضحت العظم (فإن عمت الرأس) ونزلت إلى الوجه فموضحتان (أو لم
65 تعمه) أي الرأس (ونزلت إلى الوجه فموضحتان) لأنه أوضحه في عضوين فكان لكل واحد منهما حكم نفسه كما لو أوضحه في رأسه ونزل إلى القفا، (وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه) أي الجاني (أرش موضحتين) عشرة أبعرة (فإن خرق الجاني ما بينهما) أي الموضحتين صارتا واحدة (أو ذهب) ما بين الموضحتين (بالسراية صارا موضحة واحدة) كما لو أوضحه الكل من غير حاجز، (ومثله لو قطع ثلاث أصابع امرأة) حرة مسلمة (فعليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة قبل البرء عاد) ما عليه (إلى عشرين) كما تقدم عن سعيد بن المسيب وقوله: هكذا السنة (فإن اختلفا) أي الجاني والمجني عليها (في قطعها) أي الإصبع الرابعة بأن قال الجاني: إنه قطعها أو أنها ذهبت بالسراية وقالت: بل قطعها غيرك (فقول مجني عليها) لأن الظاهر معها فيلزمه ثلاثون بعيرا ولا يقبل قولها على الغير بلا بينة. لأن الأصل براءته، (وإن اندملت الموضحتان ثم أزال) الجاني (الحاجز بينهما فعليه أرش ثلاث مواضح) لأنه استقر عليه أرش الأوليتين بالاندمال ثم لزمه أرش الثالثة، (وإن اندملت إحداهما ثم زال الحاجز بفعله) أي الجاني (أو بسراية الأخرى) التي لم تندمل (فموضحتان) لأنه استقر عليه أرش التي اندملت وما عداها موضحة واحدة كما لو لم يكن معها غيرها (وإن خرقه) أي الحاجز بين موضحتين (أجنبي فعلى الأول أرش موضحتين وعلى الثاني أرش موضحة. لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر) فانفرد كل واحد منهما بحكم جنايته (وإن أزاله) أي الحاجز بينهما (المجني عليه فعلى الأول أرش موضحتين) لأن ذلك وجب عليه جنايته فلم يسقط عنه شئ بفعل غيره، (فإن اختلفا فيمن خرقه) أي الحاجز بينهما (فقال الجاني: أنا شققت ما بينهما وقال المجني عليه: بل أنا) الخارق لما بينهما (أو) قال المجني عليه للجاني: (أزالها آخر سواك. فقول المجني عليه)
66 بيمينه لأن سبب أرش موضحتين قد وجد الجاني يدعي زواله والمجروح ينكره والقول قول المنكر. لأن الأصل معه (وإن خرق الجاني ما بينهما) أي الموضحتين (في الباطن بأن قطع اللحم الذي بينهما وترك الجلد الذي فوقهما صارا) موضحة (واحدة) لاتصالهما في الباطن، وكذا لو خرقه ظاهرا وباطنا كما يعلم مما تقدم، (وإن خرقه) أي الحاجز (في الظاهر فقط فثنتان) أي موضحتان لعدم اتصالهما باطنا (كما لو جرحه جراحا واحدة وأوضحه في طرفيها) أي الجراحة فموضحتان، (وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه لم يلزمه أكثر من أرش موضحة كما لو أوضحه) أي الرأس (كله) أي لأنه لو أوضحه في رأس كله لم يلزمه سوى أرش موضحة فهنا أولى، (وإن شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها) أي دون الهاشمة موضحة كانت أو دونها (لم يلزمه أكثر من أرش هاشمة) كما لو هشمه في رأسه كله، (وإن كانت) الشجة (منقلة وما دونها أو) كانت (مأمومة وما دونها فعليه أرش منقلة) فقط (أو مأمومة كما تقدم في الموضحة) والهاشمة (ثم) يلي الموضحة (الهاشمة وهي: التي توضح العظم) أي تبرزه (وتهشمه) أي تكسره (وفيها عشر من الإبل) روي عن زيد بن ثابت ومثل ذلك لا يقال بالرأي فيكون توقيفا (فإن هشمه هاشمتين بينهما حاجز ففيهما عشرون من الإبل على ما ذكرنا من التفصيل في الموضحة) بلا فرق (وتستوي الهاشمة الصغيرة والكبيرة كالموضحة) لأن الاسم يتناولهما (وإن ضربه بمثقل فهشمه من غير أن يوضحه فحكومة) لأن ذلك ليس بهاشمة ولا تقدير فيه يرجع إليه فوجب فيه حكومة (وإن أوضحه موضحتين، هشم العظم في كل واحدة منهما واتصل الهشم في الباطن ف) - هما
67 (هاشمتان) فيهما عشرون بعيرا. لأن الهشم إنما يكون تبعا للايضاح فإذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين بخلاف الموضحة فإنها ليست تبعا لغيرها فافترقا (ثم) يلي الهاشمة (المنقلة وهي التي توضح) العظم (وتهشم) العظم (وتنقل عظامها بتكسيرها وفيها خمس عشرة من الإبل) بإجماع أهل العلم. حكاه ابن المنذر في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي (ص) وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل. (وفي تفصيلها) أي المنقلة (ما في تفصيل الموضحة والهاشمة على ما مضى) توضيحه (ثم) يلي المنقلة (التي تصل إلى أم الدماغ وهي) أي أم الدماغ (جلدة فيها الدماغ) قال النضر ابن شميل: أم الرأس الخريطة التي فيها الدماغ سميت بذلك لأنها تخرط الدماغ وتجمعه (وفيها ثلث الدية) لقوله (ص) في كتاب عمرو بن حزم: في المأمومة ثلث الدية عن ابن عمر مرفوعا مثل ذلك ثم يلي المأمومة الدامغة بالغين المعجمة وهي المذكورة بقوله، (وفي الدامغة ما في المأمومة) أي ثلث الدية لأنها أبلغ من المأمومة ولا يسلم صاحبها في الغالب (وهي) أي الدامغة (التي تخرق جلدة الدماغ وإن أوضحه جان ثم هشمه ثان ثم جعلها) أي الشجة المذكورة (ثالث منقلة ثم) جعلها (رابع مأمومة أو دامغة فعلى الرابع ثمانية عشر وثلاث من الإبل) لأنها فاوت ما بين المنقلة والمأمومة أو الدامغة (وعلى كل واحد من الثلاثة قبله خمس من الإبل) لأنها تفاوت ما بين الشجتين على ما تقدم.
68 فصل: (وفي الجائفة ثلث الدية) لقوله (ص) في كتاب عمر بن حزم: وفي الجائفة ثلث الدية ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسواء كانت عمدا أو خطأ (وهي) أي الجائفة (التي تصل إلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر) قال في المبدع: وحلق ومثانة، وبين خصيتين ودبر وفي الرعاية وهي ما وصل جوفا فيه قوة يحيله الغذاء من ظهر أو بطن، وإن لم تخرق الأمعاء أو صدر أو نحر أو دماغ وإن لم تخرق الخريطة، أو مثانة أو ما بين وعاء الخصيتين والدبر، (وإن أجافه جائفتين بينهما حاجز فعليه ثلثا الدية) لكل جائفة ثلث (وإن خرق الجاني ما بينهما) صارا واحدة (أو خرق) ما بينهما (بالسراية صارا جائفة واحدة فيها ثلث الدية لا غير) ذلك كما تقدم في الموضحة، (وإن خرق ما بينهما) أي الجائفتين (أجنبي أو) خرقه (المجني عليه فعلى الأول ثلثا الدية وعلى الأجنبي الثاني ثلثها) لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر والمراد هنا الأجنبي غير الجاني والمجني عليه ووليه والطبيب بأمره (ويسقط ما قابل فعل المجني عليه) فلا يجب به شئ لأن الانسان لا يجب له على نفسه أرش (وإن احتاج) المجني عليه (إلى خرق ما بينهما) أي الجائفتين (للمداواة فخرقها المجني عليه أو) خرقها (غيره بأمر أو) خرقها (ولي المجني عليه لذلك) أي للمداواة (أو) خرقها (الطبيب بأمره) أي أمر المجني عليه إن كان مكلفا، أو بأمر ولي غيره (فلا شئ في خرق الحاجز) على أحد (وعلى الأول ثلثا الدية) لأن فعله لا ينبني على فعل غيره (وإن جرحه من جانب فخرج من الجانب الآخر فجائفتان) لما روى سعيد بسنده إلى أبي بكر: أنه قضى في جائفة نفذت بثلثي الدية وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن عمر قضى في الجائفة إذا نفذت بأرش
69 جائفتين وكما لو طعنه من جانبين بالقنا والاعتبار بوصول الجرح إلى الجوف ولا عبرة بكيفية إيصاله إذ لا أثر لصورة الفعل مع التساوي في المعنى. (وإن خرق شدقه أو) خرق (أنفه فوصل إلى فمه فليس بجائفة لأن باطن الفم في حكم الظاهر) لا الباطن وعليه حكومة، (وإن طعنه في خده فكسر العظم ووصل إلى فمه فليس بجائفة أيضا) لما ذكر من أن باطن الفم في حكم الظاهر (وعليه دية منقلة) خمس عشرة بعيرا (لكسر العظم وفيما زاد) على كسر العظم (حكومة) لما نقص (وإن جرحه في ذكره فوصل) الجرح (إلى مجرى البول أو) جرحه (في جفنه فوصل) الجرح (إلى بيضة عينه فحكومة) لأن ذلك ليس بباطن فليس بجائفة (كإدخاله إصبعه في فرج بكر وداخل عظم فخذ وإن جرحه في وركه فوصل الجرح أو أوضحه فوصل) الجرح (إلى قفاه فعليه) في الأولى (دية جائفة) وحكومة، (و) في الثاني دية (موضحة وحكومة كجرح القفا والورك) لأن الجراح في غير موضع الجائفة والموضحة فانفرد فيه الضمان، كما لو لم يكن معه جائفة أو موضحة. وأما الحكومة فلأنه لا توقيت فيه، (وإن أجافه) واحد (ووسع آخر الجرح فجائفتان على كل واحد منهما أرش جائفة) لأن فعل كل واحد منهما لو انفرد لكان جائفة فلا يسقط حكمه بانضمامه إلى غيره، (وإن وسعها الطبيب بإذنه) أي المجني عليه المكلف (أو) وسعها الطبيب (بإذن وليه) إن لم يكن مكلفا (لمصلحته فلا شئ عليه) لعدم تعديه (وإن أدخل) مكلف (سكينا في الجائفة ثم أخرجها عزر) لارتكابه معصية (ولا شئ عليه) لعدم جنايته (وإن خاطها) أي الجائفة (فجاء آخر فقطع الخيط وأدخل السكين فيها قبل أن تلتحم عزر أشد من التعزير الذي قبله) لان فعله أشد (وغرم ثمن الخيوط) لاتلافه لها تعديا (وأجرة الخياط) لتسببه في ذلك (ولا شئ
70 عليه) أي لا دية للجائفة عليه إن لم يجفه، (وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى عليه أرشها) أي ثلث الدية لأنه عاد إلى الصحة فصار كالذي لم يجرح، (وإن التحم بعضها) أي الجائفة (دون بعض ففتق ما التحم فعليه أرش جائفة) لما سبق (وإن فتق غير ما التحم فليس عليه أرش جائفة) لأنه لم يعد إلى الصحة (وحكمه حكم من فعل مثل فعله قبل أن يلتحم منها شئ) فيغرم ثمن الخيوط وأجرة الخياط، (وإن وسع بعض ما التحم في الظاهر فقط أو) وسعه في (الباطن فقط فعليه حكومة) لتوسيعه لأن جنايته لم تبلغ الجائفة، (ومن وطئ زوجته وهي صغيرة) لا يوطأ مثلها لمثله (أو) وطئها وهي (نحيفة لا يوطأ مثلها لمثله فخرق ما بين مخرج بول ومني أو) خرق (ما بين القبل والدبر فلم يستمسك البول لزمته الدية) لأن للبول مكانا في البدن يجتمع فيه للخروج. فعدم إمساك البول إبطال لنفع ذلك المحل فتجب فيه الدية كما لو لم يستمسك الغائط (وإن استمسك) البول (فعليه ثلث الدية) لأنها جائفة، ولما روي أن عمر: قضى في الافضاء بثلث الدية ولم يعرف له مخالف من الصحابة (ويلزمه المهر المسمى في النكاح) لأنه تقرر بالدخول (مع أرش الجناية) السابق وهو الدية إن لم يستمسك بول وإلا فثلثها لأن كلا منهما يضمن منفردا فضمنا مجتمعين (ويكون أرش الجناية في ماله) أي الجاني (إن كان عمدا محضا) لأن العاقلة لا تحمله (وهو) أي العمد المحض (إن لم يعلم) الزوج (أنها لا تطيقه وإن وطأه يفضيها وإن علم ذلك) أي أنها لا تطيقه (وكان) وطؤه (مما يحتمل أن لا يفضى إليه) أي إلى الافضاء (ف) - الأرش (على العاقلة) لأنه شبه عمد (وإن اندمل الحاجز وزال الافضاء وجبت حكومة) لجبر ما حصل من النقص. قاله في الشرح (فقط) وفيه نظر لأنه قد تقدم في آخر الباب قبله ولو التحمت الجائفة لم يسقط موجبها.
71 قال في الانصاف رواية واحدة قاله في المجرد وغيره، (وإن كانت) الزوجة (كبيرة محتملة للوطئ يوطأ مثلها لمثله) فهدر لأنه ضرر حصل من فعل مأذون فيه شرعا فلم يضمنه كسراية القود (أو) كانت الموطوءة (أجنبية كبيرة مطاوعة ولا شبهة وهي حرة مكلفة) ووقع ما سبق (فهدر) لأنه ضرر حصل من فعل مأذون فيه فلم يضمنه كأرش بكارتها (ولا مهر) للأجنبية لأنها زانية مطاوعة (كما لو أذنت في قطع يدها فسرى) القطع (إلى نفسها وإن كانت) الأجنبية (مكرهة أو وطئها بشبهة فأفضاها لزمه ثلث ديتها) إن استمسك البول وإلا فالدية كما سبق (و) لزمه (مهر مثلها) بما استباح من فرجها (و) لزمه (أرش البكارة) قال في الفروع: ولا يندرج أرش بكارة في دية إفضاء على الأصح. قال في الانصاف: وجزم بوجوب أرش البكارة في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم. انتهى. لكن تقدم في كتاب الصداق أن أرش البكارة يدخل في المهر إذا كانت حرة وأنه يجب مهرها بكرا فقط، فينبغي حمل ما ذكره هو لا على إفضاء لا يجب معه مهر بأن يكون بغير وطئ ويدل عليه قول الفروع في دية إفضاء، ولم يقبل في مهر (وإن استطلق بولها) أي الأجنبية المكرهة أو الموطوءة بشبهة (فدية فقط) أي فلا يجب معها ثلث دية للفتق وليس المراد الاحتراز عن المهر إن وطئ. ولا عن أرش البكارة على ما تقدم كما يدل عليه كلام المبدع وغيره. فصل: (وفي كسر الضلع) بكسر الضاد وفتح اللام وتسكينها لغة واحد الضلوع المعروفة (بعير) إن جبر مستقيما
72 (وفي الترقوتين) وإحداهما ترقوة بالفتح. قال الجوهري: ولا تقل ترقوة بالضم (بعيران وفي أحدهما بعير والترقوة: العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف لكل آدمي ترقوتان) روى سعيد عن عمر قال: في الضلع جمل وفي الترقوة جمل وظاهر الخرقي وجزم به في الارشاد، أن في الواحدة بعيرين فيكون فيهما أربعة أبعرة، وروي عن زيد لكن قال القاضي: المراد بقول الخرقي الترقوتان معا، وإنما اكتفى بلفظ الواحد لادخال الألف واللام المقتضية للاستغراق فيكون في كل ترقوة بعير (وفي كل واحد من الذراع وهو الساعد الجامع لعظمي الزند) بفتح الزاي وهو ما انحسر عنه اللحم من الساعد. قال الجوهري: الزند وصل طرف الذراع بالكف وهما زندان بالكوع والكرسوع، وهو طرف الزند الذي يلي الخنصر وهو الناتئ عند الرسغ (و) من (العضد والفخذ والساق إذا جبر ذلك مستقيما) بأن بقي على ما كان عليه من غير أن يتغير عن صفته (بعيران) لما روى سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب عمر أن فيه بعيرين وإذا كسر الزند ففيهما أربعة أبعرة ولم يعرف له مخالف في الصحابة فكان كالاجماع وبقية العظام المذكورة كالزند (وإلا) أي وإن لم ينجبر ما تقدم من الضلع والترقوة والزند والفخذ والساق (فحكومة) لذلك النقص (ولا مقدر في غير هذه العظام) لعدم التقدير فيه، (وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص) بضم العينين وقد تفتح الثانية للتخفيف عجب الذنب وهو العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز وهو العسيب من الدواب قاله في الحاشية (والعانة ففيه حكومة) لأنه لم يرد فيه تقدير (وخرزة الصلب) فقاره (أن أريد بها كسر الصلب ففيه الدية) قاله في الشرح والمبدع. وقال القاضي: فيه حكومة كما تقدم وتقدم توجيهه (والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي) أي الجناية (به قد برئت فما نقص من القيمة فله) أي المجني عليه (مثله) بالنسبة (من الدية) أي دية المجني عليه (كأن كان قيمته) أي المجني
73 عليه لو فرض قنا (وهو صحيح عشرون وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته) لأن الناقص بالتقويم واحد من عشرين وهو نصف عشرها فيكون للمجني عليه نصف عشر ديته ضرورة أن الواجب مثل ذلك من الدية (إلا أن تكون الحكومة في شئ فيه مقدر فلا لم يبلغ به) أي بحكومته (أرش المقدر فإن كانت) الحكومة (في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها) أي الحكومة (أرش الموضحة وإن كانت) الحكومة (في أصبع لم يبلغ بها دية: الإصبع وإن كانت) الحكومة (في أنملة لم يبلغ بها ديتها) والنقص على حسب اجتهاد الحاكم. لا يقال قد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه ووجب في منافع الانسان أكثر من الواجب فيه. لأنه إنما وجب دية النفس دية عن الروح وليست الأطراف بعضها بخلاف مسألتنا ذكره القاضي، (وإن كانت) الجناية (مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال قومت حال الجناية) لأنه لا بد من نقص لأجل الجناية (ولا تكون) الجناية (هدرا) فإذا كان التقويم بعد الاندمال ينفي ذلك وجب أن يقوم في حال جريان الدم ليحصل النقص، (فإن لم تنقصه حال الجناية ولا بعد الاندمال أو زادته) الجناية (حسنا كإزالة لحية امرأة، أو أصبع، أو يد زائدة فلا شئ فيها) إذ لم يحصل بالجناية نقص في جمال ولا نفع (كما لو قطع سلعة أو ثؤلولا أو بط جراحا وإن لطمه في وجهه فلم يؤثر فلا ضمان) لأنه لم يحصل نقص (ويعزر كما لو شتمه) لأنه ارتكب معصية. باب العاقلة وما تحمله وهي جمع عاقل يقال عقلت فلانا إذا أديت ديته وعقلت عن فلان إذا غرمت عنه ديته وأصله من عقل الإبل وهي الحبال التي تثنى بها أيديها إلى ركبها وقيل من العقل وهو المنع لأنهم يمنعون عن القاتل وقيل لأنهم يتحملون العقل وهو الدية سميت بذلك لأنها تعقل لسان يمنعون عن القاتل وقيل لأنهم يتحملون العقل وهو الدية سميت بذلك لأنها تعقل لسان ولي المقتول والعاقلة (من غرم ثلثا فأكثر بسبب جناية غيرة) وهو تعريف بالحكم
74 فيدخله الدور فلذلك رفعة بقولة. (فعاقلة الجاني ذكرا كان أو أنثى ذكور عصبة نسبا) كالآباء والأبناء والأخوة لغير أم والأعمام كذلك (وولاء) كالمعتق وعصبة المعتصبين بأنفسهم، قريبهم وبعيدهم حاضرهم وغائبهم صحيحهم ومريضهم ولو هرما وزمنا وأعمى لما روى أبو هريرة قال قضى رسول الله (ص) في جنين امرأة من بنى لحيان سقط ميتا بغرة بعد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنتها وزوجها وأن العقل على عصبيتها متفق عليه وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثون منها إلا ما فضل عن ورثتها " رواه الخمسة إلا الترمذي (ومنهم) أي العاقلة (عمودا نسبه آباؤه أي أبوه وإن علا بمحض الذكور (وابناه) وإن نزلوا بمحض الذكور لأنهم أحق العصبات بميراثه فكانوا أولى بتحمل عقله (ولا يعتبر) في العاقلة (أن يكونوا وارثين في الحال) أي حال العقل (بل متى كانوا يرثون لولا الحجب عقلوا) لأنهم عصبة أشبهوا سائر العصبات يحققه أن العقل موضوع على التناصر وهن من أهله (وليس منهم أي العاقلة (الإخوة لام ولا سائر ذوي الأرحام) ولا النساء لأنهم ليسوا من ذوي النصرة (ولا الزوج ولا المولى من أسفل) وهو العيق لأنه لا يرث (ولا مولى الموالاة وهو الذي يوالي رجلا يعجل له ولاءه ونصرته) لحديث " إنما الولاء لمن أعتق " (ولا الحليف الذي يحالف آخر على التناصر ولا العديد وهو الذي لا عشرة له ينضم إلى عشيرة فيعد منهم) لأنه لا نص في ذلك ولا هو في معنى المنصوص عليه (وإن عرف نسب قاتل من قبيلة ولم يعلم من أي بطونها لم يعقلوا عنه) لأنهم لا يرثونه (ولا مدخل لأهل الديوان في المعاقلة) فإذا قتل واحد من ديوان لم
75 يعقلوا عنه كأهل محلته لأنهم لا يرثونه (وليس على فقير ولو معتملا) حمل شئ من الدية لان حمل العاقلة مواساة فلا يلزم الفقير كالزكاة ولأنه وجب على العاقلة تخفيفا عن القاتل فلا يجوز التثقيل على الفقير لأنه كلفة ومشقة (ولا صبي ولا زائل العقل) لأن الحمل للتناصر وهما ليسا من أهله (ولا امرأة) لما تقدم (ولا خنثى مشكل ولو كانوا معتقين لاحتمال أن يكون الخنثى امرأة (ولا رقيق) لأنه أسوأ حالا للنصرة ولا نصرة لمخالف في دينه (ويحمل الموسر من غيرهم) أي غير الصبي وزائل العقل والمر. ة والخنثى والرقيق والمخالف إذا كان عصبة (وهو أي الموسر (هنا من ملك نصابا زكويا (عند حلول الحلول فاضلا عنه) أي عن حاجته (كحج وكفارة ظهار) فيعتبر أن يفضل عن حاجته الأصلية وعياله ووفاء دينه (وخطأ الامام والحاكم في أحكامهما في بيت المال) لأن خطاه يكثر فيجحف بعاقلته ولأنه نائب عن الله فكان أرش جنايته في مال الله (كخطأ وكيل) فإنه على موكله يعنيي أن الوكيل لا يضمنه (فعلى هذا للامام عزل نفسه) ذكره القاضي وغيره قاله في الفروع والمبدع والتنقيح (وخطؤهما الذي تحمله العاقلة هو خطؤهما في غير حكمهما (وشبه ه) أي شبه الخطأ إذا كان (في غير حكم على عاقلتهما) أي الامام والحاكم كخطأ غيرهما (وكذا الحكم إن زاد سوط الخطأ في حد أو تعزير أو جهلا حملا أو بأن من حكما) أي الامام والحاكم (بشهادته غير أهل في أنه من بيت المال) لأنه من خطئه في حكما) أي الامام والحاكم (بشهادته غير أهل في أنه من بيت المال) لأنه من خطئه في حكمه (ويأتي في كتاب الحدود ولا تعاقل بين ذمي وحربي فلا يعقل أحدهما عن الاخر لعدم التناصر) وقيل أن التوارث (بل بين ذميين إن تحدث مثلها فلا يعقل يهودي) عن نصراني (ولا نصراني عن الاخر) أي عن يهودي لعدم
76 التوارث والتناظر (فإن تهود نصراني أو تنصر يهودي أو ارتد مسلم لم يعقل عنهم أحدا) لأنهم لا يقروا على ذلك الدين (تكون جناياتهم في أموالهم كسائر الجناية التي لا تحملها العاقلة ومن لا عاقلة له أوله) عاقلة (عجزت عن الجميع فالدية) أي عجزوا عن الكل (أو باقيها) أن أدوا البعض وعجزوا عن الباقي (عليه) أي الجاني (إن كان ذميا) لأن بيت المال لا يعقل عنه (وإن كان) الجاني (مسلما أخذت) الدية (أو) أخذ (باقيها من بيت المال) حيث لا عاقلة أو عجزت لأن المسلمين يرثون من لا وارث له فيعقلون عنه عند عدم عاقلته كعصابته فتؤخذ (حالة دفعة واحدة) لأنه صلى الله عليه وسلم أدي دية الأنصاري دفعة واحدة وكذا عمر لان الدية إنما أجلت على العاقلة تخفيفا ولا حاجة إلى ذلك في بيت المال (فإن تعذر) الاخذ من بيت المال إذا (فليس على القاتل شئ لأن الدية تلزم العاقلة ابتداء) بدليل أنه لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم بها فلا تجب على غير من وجبت عليه كما لو عدم القاتل وعنه تجب في مال القاتل قال في المقنع وهو أولى من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال فإنه لا يكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها ولا سبيل إلى الاخذ من بيت المال فتضيع الدماء والدية تجب على القاتل ثم تتحملها العاقلة وإن سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم كما قالوا في المرتد يجب أرش خطئه في ماله لأنه لا عاقلة له تحملها (وإن رمى ذمي) صيدا ثم تغير دينه (أو) رمي " مسلم صيدا ثم تغير دينه ثم أصاب السهم آدميا فقتله فالدية في ماله) لأنه قتيل في دار الاسلام معصوم نفذ حمل عاقلته عقله فوجب على عاقلته ولا يعقله عصبة القاتل المسلمون لأنه لم يكن مسلما حال رميه ولا المعاهدون لأنه لم يقتله إلا وهو مسلم (ولو اختلف دين جارح حالتي جرح وزهوق) بأن جرحه وهو مسلم ثم تغير دينه أو وهو ذمي ثم أسلم ثم مات المجروح (حملته عاقلته حال الجرح) لأنه لم يصدر منه فعل بعد الجرح (ولو جنى ابن المعتقة من عبد فعقله على موالي أمه) لأنهم مواليه ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الولاء لحمة كلحمة النسب " (فإن عتق أبوه وانجر ولاؤه)
77 لموالي أبيه (ثم سرت جنايته) خطأ فأرشها في ماله لتعذر حمل العاقلة قاله في المقنع وجزم به في المغني والشرح وشرح ابن منجا وغيرهم قال في الانصاف وهو المذهب قال قاله في الفروع إلى أن قال وإن انجر ولاء ابن معتقة بين جرح أو رمي وتلف فكتغير دين وقاله في المحرر وغيره انتهى فعلى هذا تكون في هذه المسألة وهي مسألة الجرح على عاقلته حال الجرح كما في تغير الدين الدين إذ لا فرق بينهما ولذلك حول صاحب المبدع عبارة المقنع على ذلك ولم يتبع صاحب المنتهى كلامه في الانصاف أولا ولا المقنع من أن التنقيح لم يخالفه (أو رمى) ابن المعتقة من عبد (بسهم فلم يقع السهم حتى عتق أبوه فأرشها) أي الجناية (في ماله) أي الجاني لا يحمله أحد لما سبق في تغير الدين. فصل فيما تحمله العاقلة (ولا تحمل العاقلة عمدا محضا ولم لم يجب فيه القصاص كالجائفة) لما روي عن ابن عباس مرفوعا قال " لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترفا وروي عن ابن عباس موقوفا ولم يعرف له في الصحابة مخالف يكون كالاجماع: ومن عن عمر نحوه رواه الدارقطني وعن الزهري قال " مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن تشاء رواه مالك ولان حمل العاقلة في الخطأ إنما هو مواساة للعذر والعامد ليس بمعذور (ولا تحمل العاقلة (عبدا قتل عمدا أو خطأ ولا) دية طرفه ولا جنايته) لما سبق (ولا تحمل) قيمة دابة) كالعبد (ولا تحمل صلح إنكار ولا تحمل (اعترافا بأن يقر على نفسه
78 بجناية خطأ أو شبه عمد توجب ثلث الدية فأكثر إن لم تصدقه العاقلة) لما سبق (ولا ة) تحمل (ما دون ثلث الدية الكاملة وهي دية الذكر الحر المسلم لقضاء عمر أنها لا تحمل شيئا حتى يبلغ عقل المأمومة، ولان الأصل وجوب الضمان على الجاني لأنه هو المتلف، فكان عليه كسائر المتلفات. لكن خولف في لا ثلث لاجحافه بالجاني لكثرته فما عداه يبقى على الأصل والثلث حد الكثير للخبر،. (إلا غرة جنين مات مع إمه بجناية واحدة أو) مات (بعد موتها لأن الجناية واحدة فتبعها مع زيادتها مع الثلث ((لا تحمل الغرة إن مات الجنين (قبلها) أي قبل أمه مع اتحاد الجناية فلا تحملها العاقلة (لنقصه عن الثلث) ولا تبعية لموته قبلها (فهذا كله) أي العمد المحض وقيمة الدابة وصلح الانكار والاعتراف، وما دون ثلث الدية (في مال الجاني حالا) لأن الأصل وجوب الجناية عن الجاني حالا لأنه بدل متلف قيمة المتاع خولف في غير ذلك دليل. فبقي على الأصل (وتحمل) العاقلة (دية المرأة) المسلمة لأنها نصف الدية الكاملة بخلاف دية الكافرة فلا تحملها لأنها دون الثلث (؟ تحمل) العاقلة " من جراحها) أي المسلمة (ما يبلغ أرشه ثلث الدية الكاملة فأكثر كدية أنفها) لأن فيه ديتها وهي نصف الدية الكاملة و (لا تحمل دية (بدها) لأنها نصف ديتها وهي الربع (وكذا حكم الكتابي) فتحمل ديته وما يبلغ أرشه من جراحه ثلث الدية الكاملة كأنفه ولسانه لا يده ورجله (ولا تحمل شيئا من دية المجوسي والوثني لأنها دون الثلث وتحمل) العاقلة (شبه العمد كالخطأ وما أجرى مجراه)) لحديث أبي هريرة " اقتتلت امرأتان من هذيل " الحديث وتقدم، ولأنه لا يجوب قصاصا كالخطأ (وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر) لان التقدير من الشرع ولم يرد به (وترجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيحمل كل إنسان ما يسهل) عليه (ولا يشق) لأن التحمل على سبيل المواساة للقاتل والتخفيف عنه ولا يخفف عن الجاني ما يثقل على غيره، ولان الاجحاف ولو كان مشروعا كان الجاني أحق به (ويبدأ)
79 الحاكم (بالأقرب فالأقرب كعصبات في ميراث، لكن ى (خذ من بعيد لغيبة قريب) لمحل الضرورة (فإن اتسعت أموال الأقربين لها) أي الدية (لم يتجاوزهم) أي لم ينتقل لغيرهم لأنه حق يستحق بالتعصيب فتقدم الأقرب كالميراث (وإلا) أي وإن لم تتسع أموال الأقربين لها (انتقل إلى من يليهم) لأن الأقربين لو لم يكونوا موجودين تعلقت الدية بمن يليهم فكذا إذا تحمل الأقربون ما وجب عليهم وبقيت بقية (فيبدأ بالآباء ثم بالأبناء الأقرب فالأقرب ومقتضى كلامه في الانصاف: أنه يبدأ بالأبناء ثم بالآباء وقد ذكرنا كلامه في الحاشية ثم بالإخوة (يقدم من يدلي بأبوين على من يدلي بأب (ثم بنيهم) كذلك (ثم أعمام بنيهم) كذلك (ثم أقارب الأب ثم بنيهم) كذلك (ثم أعمام الجد ثم بنيهم كذلك، فإذا انقرض المناسبون أي العصبة من النسب (فعلى المولى المعتق ثم على عصباته) الأقرب فالأقرب كالميراث (فإن كان المعتق) للجاني (امرأة حمل عنها جناية عتيقها من يحمل جنايتها من عصابتها) كالآباء والأبناء والإخوة والأعمام. وقوله حمل عنه أي من حيث إن الولاء لهم من جرائها ونسبها وإلا فالظاهر أنها وجبت عليهم ابتداء لا عليها ثم تحولت إليهم (ثم على مولى المولى) أي معتق (ثم على عصباته الأقرب فالأقرب) من النسب ثم من اللاواء (كالميراث سواء فيدم من يدلي بأبوين على من يدلي باب) من الإخوة والأعمام وبنيهم (وإن تساوى جماعة في القرب وكثروا كالبنين والإخوة لأبوين أو لأب (وزع ما يلزمهم بينهم كالميراث (ومن صار أهلا عند الحول ولم يكن أهلا عند الوجوب كفقير يستغني وصبي يبلغ ومجنون يفيق دخل في التحمل) لأنه في وقت الوجوب من أهل لا وجوب أشبه من كان من ابتداء الحول كذلك (وعاقلة ابن الملاعنة المنفي باللعان وولد الزنا (عصبة أمه) لأنهم عصبته الوارثون له.
80 وما تحمله العاقلة يجب مؤجلا في ثلاث سنين لقول عمر وعلي في دية الخطأ ولم يعرف لهما مخالف فكان كالاجماع (في آخر كل سنة ثلثه إن كان) الواجب (دية كاملة كدية النفس أو) دية (طرف كالأنف) لأنه لا مرجح لبعض السنين على بعض " ولأنه مال يجب على سبيل المواساة، فلم يجب حالا كالزكاة (وإن كان الواجب (الثلث كدية المأمومة) والجائفة (وجب في آخر السنة الأولى) ولى يجب منه شئ حالا. لأن العاقلة لا تحمل حالا (وإن كان الواجب (نصف الدية الكاملة كدية اليد من الذكر الحر المسلم (ودية المرأة) المسلمة (و) دية الكتابي أو) كان الواجب (ثلثيها كدية المنخرين) دون الحاجز (وجب الثلث في آخ ر السنة الأولى) لأنه قد رما يؤدي من الدية الكاملة فوجب لتساويهما في وقت الوجوب (و) وجب (الثلث الثاني أو السدس الباقي من النصف في آخر) السنة (الثانية) لأن ذلك محل القسط الثاني من الكاملة (وإن كان الواجب (أكثر من دية مثل أن أذهب سمع إنسان وبصره بجناية واحدة ففي ست سنين فيؤخذ (في كل سنة ثلث) دية لأن الواجب لو كان دون الدية لم ينقص في السنة عن الثلث، فكذا لا يزيد عليه إذا زاد على الثلث (وكذا لو قتلت الضربة الام وجنينها بعد ما استهل) لوقت يعيش لمثله ففيهما ديتها ودية الجنين (لم يزد في كل حول على ثلث دية) كاملة لأنهما كالنفس الواحدة (وإن قتل اثنين) ولو بجناية واحدة فديتهما في ثلاث سنين، لأن كل واحد له دية فيستحق ثلثها كما انفرد حقه (أو أذهب سمعه وبصره بجنايتين فديتهما) أي السمع والبصر (في ثلاث سنين) فيؤخذ (من كل دية ثلث) لأنهما من جنايتين أشبه ما
81 لو انفرد كل منهما (وابتداء الحول في الجرح من حين الاندمال) لأن الأرض لا يستقر إلا به (و) ابتداء الحول (في القتل من حين الموت سواء كان قتلا موحيا أو عن سراية جرح) لأنه حالة الوجوب (ومن مات من العاقلة قبل الحول أو افتقر أو جن) منهم قبل الحوال (لم يلزمه شئ) لأنه من مال يجب في آخر الحول على سبيل المواساة أشبه الزكاة (وإن مات) من العاقلة أحد (بعد الحول لم يسقط ما عليه لأنه حق تدخله النيابة لا يملك إسقاطه في حياته أشبه الدين، ولأنه وجب عليه لحولان الحول فلم يسقط كالزكاة وكذا لو جن بعد الحول وأما لو افتقر ففيه نظر (وعمد غير مكلف خطأ تحمله العاقلة) لأنه لا يتحقق من الصغير والمجنون كمال القصد فوجب أن يكون كخطأ البالغ ولأنه لا يوجب القود فحملته كغيره (وتقدم في كتاب الجنايات). باب كفارة القتل الكفارة مأخوذة من الكفر، وهو الستر لأنها تغطي الذنب وتستره، والأصل فيها الاجماع. وسنده قوله تعالى: * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) * الآية فذكر في الآية ثلاث كفارات: إحداهن: بقتل المسلم في دار الاسلام خطأ. الثانية: بقتله في دار الحرب وهو لا يعرف إيمانه. الثالثة: بقتل المعاهد وهو الذمي (من قتل نفسا محرمة، أو شارك فيها، ولو نفسه، أو قنه، أو مستأمنا أو معاهدا خطأ) للآية الكريمة (أو ما أجرى مجراه) لأنه أجرى في عدم القصاص فكذا يجري مجراه في الكفارة (أو شبه عمد) لما سبق (أو قتل بسبب في حياته أو بعد موته: كحفر بئر، ونصب سكين، وشهادة زور) و (لا) كفارة (في قتل عمد محض) لمفهوم قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ) * وسواء كان موجبا للقصاص أو غيره (ولا) كفارة أيضا (في قتل أسير حربي يمكنه أن يأتي به الامام فقتله قبله) أي قبل أن يأتي به الامام (ولا في قتل نساء حرب، وذريتهم، ولا) في قتل (من لم تبلغه
82 الدعوة إن وجد) فيحرم قتله فبل الدعوة، ولا كفارة لأنه لا إيمان لهم ولا أمان (فعليه) أي القاتل أو المشارك في سوى ما استثني (كفارة كاملة في ماله، ولو كان القاتل إماما، في خطأ يحمله بيت المال) فتجب الكفارة في ماله لا في بيت المال (أو) كان القاتل (كافرا) فتجب عقوبة له كالحدود (وهي) أي كفارة القتل (عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد) رقبة مؤمنة فاضلة كما تقدم (فصيام شهرين متتابعين) للآية (وتقدم حكمها عند كفارة الظهار، ولو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا، أو حيا، ثم مات فعليه الكفارة) لأنه قتل نفسا محرمة أشبه قتل الآدمي بالمباشرة، وكالمولود و (لا) تجب كفارة (بإلقاء مضغة) لم تتصور لأنها ليست نفسا (وإن قتل جماعة) أو شارك في قتلهم (لزمه كفارات) بعددهم كجزاء الصيد والدية. وتجب الكفارة (سواء كان المقتول مسلما، أو كافرا مضمونا) كالذمي والمستأمن لأنه مقتول ظلما فوجبت فيه الكفارة كالمسلم، وسواء كان المقتول (حرا، أو عبدا) لعموم، * (ومن قتل مؤمنا خطأ) * وسواء كان المقتول (صغيرا، أو كبيرا، ذكرا، أو أنثى) لما سبق (وسواء كان القاتل، كبيرا عاقلا، أو صبيا، أو مجنونا، أو حرا، أو عبدا، أو ذكرا، أو أنثى) لأنه حق مالي يتعلق بالقتل فتعلقت بهم كالدية والصلاة والصوم عبادتان بدنيتان، وهذه مالية اشبهت نفقة الأقارب (ولا تجب كفارة اليمين على الصبي والمجنون) لأن كفارة اليمين تتعلق بالقول ولا قول للصغير والمجنون، وهذه تتعلق بالفعل وفعلها متحقق ويتعلق بالفعل ما يتعلق بالقول بدليل إحبالها (ويكفر العبد بالصيام) لأنه لا مال له، ولا مكاتبا لأن ملكه ضعيف (ويأتي في آخر كتاب الايمان ويكفر من مال غير مكلف وليه) كإخراج زكاته ويكفر سفيه بصوم كمفلس (ومن رمى في دار الحرب مسلما يعتقده كافرا أو رمى إلى صف الكفار فأصاب فيهم مسلما فعليه الكفارة) لقوله تعالى: * (وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) *
83 ولا دية كما تقدم لظاهر الآية (ولا كفارة في قتل، مباح، كقتل، حربي، وباغ، وصائل، وزان محصن، وقتل قصاصا، أو حدا) لأنه قتل مأمور به والكفارة لا تجب لمحو المأمور به (ولا) كفارة (في قطع طرف) كأنف ويد (و) لا في (قتل بهيمة) لأنه لا نص فيه وليس في معنى المنصوص وقتل الخطأ لا يوصف بتحريم ولا إباحة لأنه كقتل المجنون لكن النفس الذاهبة به معصومة محرمة، فلذلك وجبت الكفارة فيها. وقال قوم الخطأ محرم ولا إثم فيه ولا تلزم الكفارة قاتلا حربيا. ذكره في الترغيب (وأكبر الذنوب الشرك بالله، ثم القتل، ثم الزنا) للخبر. باب القسامة اسم للقسم أقيم مقام المصدر من أقسم إقساما وقسامة فهي الايمان إذا كثرت على وجه المبالغة (وهي) شرعا (أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم) قال ابن قتيبة في المعارف: أول من قضى بالقسامة في الجاهلية الوليد بن المغيرة فأقرها النبي (ص) في الاسلام اه. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي (ص) من الأنصار: أن النبي (ص) أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية رواه أحمد ومسلم. (ولا تثبت) القسامة (إلا بشروط) أربعة بل عشرة كما يعلم مما يأتي (أحدها دعوى القتل عمدا، أو خطأ، أو شبه عمد) لأن كل حق لآدمي لا يثبت لشخص إلا بعد دعواه أنه له والقتل من الحقوق (على واحد) قال في المبدع لا يختلف المذهب فيه لقوله (ص)
84 : فيحلف خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل لدليل في الواحد فيقتصر عليه ويبقى على الأصل ما عداه (معين) لأن الدعوى لا تسمع على المبهم (مكلف) لتصح الدعوى (ذكرا، أو أنثى، أو حرا وعبد مسلم، أو كافر ملتزم) لأحكام المسلمين كالذمي لعموم قوله (ص): على رجل منهم والأنثى كالذكر (ذكرا كان المقتول أو أنثى، حرا، أو عبدا، مسلما، أو ذميا) لأنه قتل آدمي يوجب الكفارة فشرعت القسامة فيه كالحر المسلم ولان ما كان حجة في قتل الحر المسلم كان حجة في قتل العبد والذمي، (ويقسم على العبد) المقتول (سيده) لقيامه مقام وارثه (وأم الولد، والمدبر، والمكاتب، والمعلق عتقه بصفة) قبل وجودها (كالقن) ليقسم عليه سيده. قلت: والمبعض يقسم عليه وارثه وسيده بحسب ما فيه من الحرية والرق (فإن قتل عبدا لمكاتب فللمكاتب أن يقسم على الجاني) بشروطه لأنه سيد المقتول (وإن عجز) المكاتب عن أداء مال الكتابة كله أو بعضه (قبل أن يقسم) على الجاني (فلسيده أن يقسم) عليه العودة إليه هو وما كان بيده (ولو اشترى) العبد (المأذون له في التجارة عبدا أو ملكه سيده عبدا فقتل فالقسامة لسيده) لأنه المالك (دونه) أي المأذون لأنه لا يملك ولو ملك (ولا قسامة فيما دون النفس من الجراح، والأطراف، والمال غير العبد) لأن القسامة ثبتت في النفس لحرمتها فاختصت بها كالكفارة (والدعوى فيها كالدعوى في سائر) الحقوق، البينة على المدعي واليمين على من أنكر يمينا واحدة لأنها دعوى لا قسامة فيها فلا تغلط بالعدد (وكذا لو ادعى القتل من غير وجود قتيل، ولا عداوة) فالبينة عليه واليمين على المنكر يمينا واحدة لعموم الخبر، (والمحجور عليه لسفه أو فلس كغيره في دعوى القتل) لأن الحجر عليهما في مالهما وما يتعلق بالتصرف فيه (و) المحجور عليه لسفه أو فلس كغيره في (الدعوى عليه) بالقتل (إلا أنه إذا أقر بمال أو لزمته الدية بالنكول عن اليمين لم يلزمه في حال حجره) لاحتمال التواطؤ ويتبع بذلك بعد فك
85 الحجر عنه (ولو جرح) بالبناء للمفعول (مسلم فارتد المجروح ومات على الردة فلا قسامة ) لأنه غير معصوم (وإن مات) المجروح (مسلما فارتد وارثه قبل القسامة فكذلك) أي لا قسامة لأن ملك المرتد لماله إما أن يزول أو يكون موقوفا، وحقوق المال لها حكمه فإن قلنا بزوال ملكه فلا حق له، وإن قلنا: موقوف فهو قبل انكشاف حاله مشكوك فيه ولا يثبت الحكم بشئ مشكوك فيه خصوصا قتل مسلم (وإن ارتد) الوارث (قبل موت موروثه كانت القسامة لغيره) أي غير المرتد (من الوراث) لأن المرتد كالعدم لقيام المانع به فإن عاد إلى الاسلام قبل قسامة غيره قياس المذهب أنه يدخل في القسامة قاله في الشرح (وإن لم يكن له وارث سواه) أي المرتد (فلا قسامة فيه) لعدم الوارث الخاص (وإن ارتد رجل فقتل عبده ثم ارتد) السيد (فإن عاد) السيد (إلى الاسلام فله القسامة) كما لو لم يرتد (وإلا) أي وإن لم يعد إلى الاسلام بأن قتل للردة أو غيرها أو مات مرتدا (فلا) قسامة لعدم الوارث الخاص. فصل: الشرط (الثاني اللوث ولو في الخطأ وشبه العمد واللوث العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر، وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر، وما بين أحياء العرب وأهل القرى الذين بينهم الدماء والحروب، وما بين البغاة وأهل العدل، وما بين الشرط) بوزن رطب أعوان السلطان الواحد شرطة كغرفة وشرطي ذكره في الحاشية (واللصوص) جمع لص ولعل المراد السارق وقاطع الطريق والمختلس وباط الصفن ونحوه (وكل من بينه وبين المقتول ضغن) أي حقد (يغلب على
86 الظن قتله) لأن مقتضى الدليل أن لا تشرع القسامة ترك العمل به في العداوة الظاهرة لقصة الأنصاري في القتيل بخيبر، ولا يجوز القياس عليها لأن الحكم ثبت بالمظنة ولا يجوز القياس في المظان لعدم التساوي بين الأصل والفرع في المقتضى. (قال القاضي يجوز للأولياء أن يقسموا على القاتل إذا غلب على ظنهم أنه قتله، وإن كانوا غائبين عن مكان القتل، لأن) النبي (ص) قال للأنصار: تحلفون وتستحقون دم صاحبكم وكانوا بالمدينة والقتيل بخيبر ولان (للانسان أن يحلف على غالب ظنه كما أن من اشترى من إنسان شيئا فجاء آخر يدعيه جاز) للمشتري (أن يحلف أنه) أي المدعي (لا يستحقه، لأن الظاهر أنه ملك الذي باعه) له (وكذلك) في الحلف على غلبة الظن (إذا وجد شيئا بخطه، أو بخط أبيه في دفتره جاز أن يحلف) إذا علم منه الصدق والأمانة وأنه لا يكتب إلا حقا (وكذلك) في الحلف على غلبة الظن (إذا باع شيئا لم يعلم فيه عيبا فادعى عليه المشتري أنه معيب وأراد رده كان له) أي البائع (أن يحلف أنه باعه) بل يأمن (قبل العيب) على القول بأنه يقبل قول البائع والمذهب القول قول المشتري بيمينه كما تقدم في خيار العيب (ولا ينبغي أن يحلف المدعي) للقتل (إلا بعد الاستثبات وغلبة ظن تقارب اليقين) ولذلك لما قتل عبد الله بن سهل واتهمت اليهود قال (ص): أتحلفون وتستحقون لقاتلكم؟ قالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نر. (وينبغي للحاكم أن يعظهم) ويقول لهم: اتقوا الله يقرأ عليهم: * (الذين يشترون بعهد الله
87 وأيمانهم ثمنا قليلا) * الآية، (ويعرفهم ما في اليمين الكاذبة) من الاثم وأنها تدع الديار بلاقع (ويدخل في اللوث لو حصل عداوة بين سيد عبد) وغيره فقتل العبد فلسيده أن يقسم على عدوه (و) يدخل في اللوث أيضا لو حصلت العداوة بين (عصبته) وغيرهم وقتل فلعصبته أن يقسموا على أعدائهم وإن لم يكن بين المقتول وبينهم عداوة اكتفاء بما بين عصبته وبينهم، وكذا لو حصلت عداوة بين سيد وعبده (فلو وجد قتيل في صحراء وليس معه غير عبده كان ذلك لوثا في حق العبد) قلت: لعل المراد إن كان عداوة بينه وبينه (و) إلا فلا يظهر ذلك. (لورثة سيده القسامة) على العبد ببقية الشروط، (فإن لم تكن عداوة ظاهرة) بين المدعى عليه القتل والمقتول أو عصبته أو سيده (ولكن غلب على الظن صدق المدعي كتفرق جماعة عن قتيل أو كانت عصبته من غير عداوة ظاهرة أو وجد قتيلا عند من معه سيف ملطخ بدم، أو في زحام، أو شهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء، والصبيان، والفساق، أو) شهد بالقتل (عدل واحد وفسقه، أو تفرق فئتان عن قتيل أو شهد رجلان) عدلان (على رجل أنه قتل أحد هذين القتيلين أو شهد) أي الرجلان (أن هذا القتيل قتله أحد هذين أو شهد أحدهما أن إنسانا قتله و) شهد (الآخر أنه أقر بقتله) لم يثبت القتل عند القاضي ولا يكون ذلك لوثا والمنصوص يثبت القتل واختاره أبو بكر ذكره في الشرح والمبدع وهو مقتضى كلامهم في الشهادة (أو شهد أحدهما) أي الرجلين على القاتل (أنه قتله بسيف و) شهد (الآخر) أنه قتله (بسكين ونحو ذلك فليس بلوث) لقوله (ص): لو يعطى الناس بدعواهم الخبر، (ولا يشترط) للقسامة (مع العداوة)
88 الظاهرة (أ) ن (لا يكون في الموضع الذي به القتل غير العدو) لأنه (ص) لم يسأل الأنصار هل كان بخيبر غير اليهود أم لا مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها لأنها كانت أملاكا للمسلمين يقصدونها لاخذ غلال أملاكهم، (ولا) يشترط للقسامة أيضا (أن يكون بالقتيل أثر القتل كدم في أذنه، أو أنفه) لأن النبي (ص) لم يسأل الأنصار هل بقتيلهم أثر أم لا؟ مع أن القتل يحصل بما لا أثر له كضم الوجه. (وقول القتيل: قتلني فلان ليس بلوث) لقوله (ص): لو يعطى الناس بدعواهم الخبر، وأما قول قتيل بني إسرائيل: فلان قتلني فلم يكن فيه قسامة بل كان ذلك من آيات الله ومعجزات نبيه موسى عليه السلام، ثم ذلك في تبرئة المتهمين فلا يجوز تعديه إلى تهمة البريئين (ومتى ادعى) أحد (القتل عمدا، أو غيره) مع عدم لوث (أو وجد قتيل في موضع فادعى أولياؤه على قاتل مع عدم اللوث) أي على أحد أنه قتله (حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ)، وكذا لو ادعوا على جماعة وإن كان لهم بينة حكم بها والتحليف في إنكار دعوى العمد رواية. قال في الانصاف: وهو الصحيح من المذهب. قال الزركشي: والقول بالحلف هو الحق. وصححه في المغني والشرح وغيرهما، واختاره أبو الخطاب وابن البناء وغيرهم. والرواية الثانية لا يمين ولا غيره قطع بها الخرقي، قال في الفروع: وهي أشهر. قال في التنقيح: لم يحلف على المذهب المشهور وقدمها في المنتهى، (وإن نكل) عن اليمين المدعى عليه في العمد على القول: بأنه يحلف (لم يقض عليه بالقود) لأنه كالحد يدرأ بالشبهة (بل) يقضى عليه (بدية) القتل.
89 فصل: الشرط (الثالث اتفاق الأولياء في الدعوى) لأنها دعوى قتل، فاشترط اتفاق جميعهم فيها كالقصاص، (فإن كذب بعضهم بعضا فقال أحدهم: قتله هذا، وقال آخر: لم يقتله هذا أو) قال: (بل قتله هذا، لم تثبت القسامة، عدلا كان المكذب، أو فاسقا، لعدم التعيين) أي لعدم اتفاقهم على واحد معين (فلو كانت الدعوى) بالقتل (على أهل مدينة أو) أهل (محلة أو) على (واحد غير معين لم تسمع) الدعوى لعدم تعيين المدعى عليه كسائر الدعاوى (فإن لم يكذبه) أي المدعي (أحدهم ولم يوافقه في الدعوى مثل أن قال أحدهم: قتله هذا، وقال الآخر: لا نعلم قاتله لم تثبت) القسامة (أيضا) لأنهما لم يتفقا على عين القاتل فلم تثبت القسامة كما لو كذبه ولان الحق في محل الوفاق إنما يثبت بأيمانهما التي أقيمت مقام البينة ولا يجوز أن يقوم أحدهما مقام الآخر في الايمان كما في سائر الدعاوى (وكذلك إن كان أحد الوليين غائبا فادعى الحاضر دون الغائب) لم يثبت القتل (أو ادعيا) أي الوليان (جميعا على) شخص (واحد ونكل أحدهما عن الايمان لم يثبت القتل) لعدم الايمان منهما ولا يجوز أن يقوم أحدهما مقام الآخر فيها، (وإذا قال الولي بعد القسامة غلطت ما هذا) المدعى عليه (الذي قتله) بطلت القسامة (أو) قال الولي بعد القسامة: (ظلمته بدعواى القتل عليه) بطلت القسامة لاعتراف الولي بذلك (أو) قال الولي بعد ذلك (كان هذا المدعى عليه في بلد آخر يوم قتل وليي وكان بينهما بعد، لا يمكنه) أي المدعى عليه (أن يقتله إذا كان) المدعى عليه (فيه) أي في ذلك البلد (بطلت القسامة)
90 لاعترافه بكذب نفسه (ولزمه) أي الولي (رد ما أخذه) لأنه أخذه بغير حق (وإن قال) الولي: (ما أخذته حرام سئل) الولي (عن ذلك فإن قال: أردت أني كذبت في دعواي عليه بطلت القسامة أيضا) لاعترافه بالكذب. (وإن قال) الولي: (أردت) بقولي: ما أخذته حرام، (أن الايمان تكون في جنية المدعى عليه) أي في جهته (لم تبطل) دعواه بذلك (وإن قال) الولي: (هذا) أي المال (مغصوب وأقر بمن غصبه منه لزمه) أي الولي (رده) أي رد ما أخذه (عليه) أي على من أقر بالغصب منه أن صدقه مؤاخذة له بإقراره (ولا يقبل قوله) أي الولي (على من أخذ منه) أنه كان غصبه لأن الأصل خلافه فلا يطالبه ببدله، (وإن) قال الولي، هذا حرام (لم يقر به لاحد لم ترفع يده) أي الولي (عنه لأنه لم يتعين مستحقه والقول قوله) أي الولي (في مراده) بقوله: هذا حرام، لأنه أدرى به (وإن أقام المدعى عليه) بالقتل (بينة أنه كان يوم القتل في بلد بعيد من بلد المقتول لا يمكنه) أي المدعى عليه (مجيئه إليه) أي إلى بلد المقتول في يوم واحد، بطلت الدعوى لعدم إمكان القتل منه أذن. (وإن قالت بينة: نشهد أن فلانا لم يقتله لم تسمع هذه الشهادة) كما لو شهدت أن لا دين عليه، لأنها شهادة على نفي غير محصور (فإن قالا) أي الشاهدان (ما قتله فلان بل قتله فلان سمعت) شهادتهما وعمل بها، لأنها على نفي محصور كقولها: هذا وارث زيد لا وارث له غيره. (وإن قال إنسان: ما قتله هذا المدعى عليه بل أنا قتلته، فإن كذبه) أي المقر (الولي لم تبطل دعواه وله) أي الولي (القسامة) لاحتمال كذب المقر (ولا يلزمه) أي الولي (رد الدية إن كان أخذها) لأنه لا يتحقق بذلك ظلمه، (وإن صدقه) أي المقر (الولي أو طالبه) الولي (بموجب القتل لزمه) أي الولي (رد ما أخذه) لاعترافه بأنه أخذه بغير حق (وبطلت دعواه على الأول وسقط القود عنهما) أي عن الأول لتصديق الولي أن القاتل
91 الثاني وعن الثاني لأنه أحيا نفسا (وله) أي الولي (مطالبة الثاني بالدية) مؤاخذة له بإقراره وفي المنتهى في الجنايات: ولو أقر الثاني بعد إقرار الأول قتل الأول. فصل: الشرط (الرابع أن يكون في المدعيين) للقتل (ذكور مكلفون ولو واحدا) لقوله (ص): يقسم خمسون رجلا منكم ولان القسامة حجة يثبت بها قتل العمد فاعتبر كونها من رجال عقلاء كالشهادة (فلا مدخل للنساء) في القسامة فلا يستحلفن لمفهوم ما سبق (و) لا (الخناثي) لاحتمال أنوثته (و) لا مدخل أيضا ل (الصبيان والمجانين في القسامة) لأن قول الصغير والمجنون ليس بحجة، بدليل أنهما لو أقرا على أنفسهما لم يقبل، فكذا لا يقبل قولهما في حق غيرهما (عمدا كان القتل أو خطأ) لأن الخطأ أحد القتلين أشبه الآخر. لا يقال الخطأ يثبت المال وللنساء مدخل فيه. لان المال يثبت ضمنا لثبوت القتل ومثله لا يثبت بالنساء بدليل ما لو ادعى زوجية امرأة بعد موتها ليرثها وأقام رجلا وامرأتين أنه لا يقبل (فيقسم الرجال العقلاء فقط) لما تقدم (والحق) في القصاص أو الدية (للجميع) أي جميع الورثة ذكورا كانوا أو إناثا مكلفين أو لا. (وإن كان الجميع) من الورثة (لا مدخل لهم) في القسامة كالنساء والصبيان (فكما لو نكل الورثة) فيحلف المدعى عليه خمسين يمينا ويبرأ، (فإن كان) أي الوارثين (اثنين فأكثر، البعض غائب أو غير مكلف، أو نأكل عن اليمين، فلحاضر مكلف أن يحلف بقسطه ويستحق نصيبه من الدية) لأن القسامة حق له ولغيره. فقيام المانع بصاحبه لا يمنع من حلفه واستحقاقه نصيبه وكالمال المشترك بينهما، وإنما حلف بقسطه، لأن لو كان الجميع حاضرين لم يلزمهم أكثر من قسطه من الايمان، فكذا مع المانع هذا (إن كانت الدعوى) بالقتل (خطأ أو شبه عمد، فإذا قدم الغائب وبلغ الصبي وعقل المجنون حلف ما يخصه) وأخذ من
92 الدية بقسطه لأنه يبني على أيمان صاحبه المتقدمة، (وإن كانت) الدعوى بالقتل (عمدا لم تثبت القسامة حتى يحضر الغائب ويبلغ الصغير ويعقل المجنون، لأن الحق لا يثبت إلا بالبينة الكاملة والبينة أيمان الأولياء كلهم) وهذا التعليل يقتضي عدم الفرق بين العمد وغيره ولو قال: لأن القصاص لا يمكن تبعيضه لكان أولى، (ويشترط) للقسامة (أيضا أ) ن (لا يكون للمدعين بينة) فإن كان قضى لهم بها ولا قسامة (و) يشترط أيضا (تكليف قاتل لتصح الدعوى) عليه (و) يشترط أيضا (إمكان القتل منه) أي من المدعى عليه، وإلا فلا كبقية الدعاوى (و) يشترط أيضا (صفة القتل) أي أن يصف القتل في الدعوى فلو استحلفه حاكم قبل تفصيله لم يعتد به (و) يشترط أيضا (طلب الورثة) جميعهم (و) يشترط أيضا (اتفاقهم) أي الورثة (على القتل و) على (عين القاتل وتقدم بعضه) مفصلا وليس من شرطها) أي القسامة (أن تكون الدعوى بقتل عمد يوجب القصاص) لأن القسامة حجة، فوجب أن يثبت بها الخطأ كالعمد (فلو كان القاتل ممن لا قصاص عليه كالمسلم يقتل كافرا أو الحر يقتل عبدا سمعت القسامة) كالخطأ (لكن إن كان على قتل عمد محض لم يقسموا إلا على واحد معين) لخبر سهل (وكذا إن كان) القتل (خطأ أو شبه عمد) لم يقسموا إلا على واحد معين كالعمد (إن قلنا: تجري فيهما) أي الخطأ وشبه العمد (القسامة) وهو قول غير الخرقي وهو المذهب وجزم به المصنف قريبا. فصل: (ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين) عدولا كانوا أو لا، نص عليه، لقوله (ص): فيحلف خمسون رجلا منكم، (فيحلفون
93 خمسين يمينا) لحديث عبد الله بن سهل (بحضرة الحاكم أنه قتله) لأنها أقيمت مقام البينة فلا يعتد بها إذا وقعت بغير حضرته (و) إذا حلفوا خمسين يمينا أنه قتله (ثبت حقهم قبله) أي المدعى عليه (فإن لم يحلفوا) أي المدعون (حلف المدعى عليه - ولو امرأة - خمسين يمينا وبرئ) لقوله (ص) في قصة عبد الله بن سهل أتحلفون وتستحقون لقاتلكم. قالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: فتبرئكم يهود بخمسين يمينا. قالوا: كيف تأخذ أقوال قوم كفار؟ قال: فعقله النبي (ص) من عنده رواه الجماعة (ويعتبر حضور المدعى عليه وقت اليمين كالبينة) أي كما يعتبر حضور المدعى عليه وقت إقامة البينة (عليه و) يعتبر (حضور المدعي أيضا) وقت اليمين كالمدعى عليه (وتختص الايمان بالورثة) لأنها أيمان في دعوى فلم تشرع في حق غير الوارث كسائر الايمان (الذكور) المكلفين لما تقدم من أنه لا مدخل للنساء والخناثى والصبيان والمجانين (دون غيرهم) أي غير الوارث الذكور (فتقسم) الايمان (بين الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر إرثهم، إن كانوا جماعة) لأن موجبها الدية وهي تقسم كذلك، فكذا يجب أن تقسم هي، (وإن كان) الوارث رجلا (واحدا حلفها) أي الخمسين يمينا (وإن كانوا) أي الرجال الوارثون (خمسين حلف كل واحد) منهم (يمينا) واحدة تعديلا بينهم (وإن كانوا أكثر) من خمسين رجلا (حلف منهم خمسون) رجلا (كل واحد) منهم (يمينا) واحدة لقوله (ص): يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته. (وإن كانوا) أي الوراث (أقل) من خمسين رجلا (فإن انقسمت) الخمسون عليهم (من غير كسر مثل، أن يخلف المقتول ابنين أو) خلف (أخا وزوجا حلف كل واحد منهما خمسة وعشرين يمينا) لأن ذلك قدر إرث كل منهما، (وإن
94 كان فيها كسر جبر) الكسر (عليهم كزوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا و) يحلف (الابن ثمانية وثلاثين) يمينا. لأن تكميل الخمسين واجب ولا يمكن تبعيضها. والجبر في كل واحد لعدم المزية فالزوج له الربع اثنا عشر ونصف فيكمل، والابن له الباقي وهو سبع وثلاثون ونصف فيكمل فيصير كما ذكر، (وإن كانوا) أي الوراث (ثلاثة بنين حلف كل واحد) منهم (سبعة عشر) يمينا. لأن لكل ابن ثلاثة أيمان، ستة عشر يمينا وثلثين ثم يكمل، (وإن كان فيهم) أي الوراث (من لا قسامة عليه بحال كالنساء) الخناثى (سقط حكمه) لأنه لا مدخل له في القسامة (فابن وبنت يحلف الابن خمسين) يمينا كما لو لم تكن البنت (وأخ وأخت لأب وأم) أو لأب فقط، (وأخ وأخت لام) فقط، (قسمت الايمان بين الأخوين) دون الأختين (على أحد عشر) لأنها سهام الأخوين من مصحح المسألة فإن أصلها من ثلاثة مخرج الثلث لولدي الام واحد لا ينقسم عليهما ولولدي الأبوين أو لأب اثنان لا ينقسمان على ثلاثة، والاثنان والثلاثة متباينان ومسطحهما ستة هي جزء السهم، فاضربها في ثلاثة يحصل ثمانية عشر ومنها تصح حصة الأخ لأبوين أو لأب ثمانية، وحصة الأخ لام ثلاثة، ومجموع ذلك أحد عشر فلذلك قال: (على الأخ من الأبوين) أو لأب (ثمانية وعلى الأخ لام ثلاثة) فيحصل في قسمة الخمسين على الأحد عشر كسر (ثم يجبر الكسر عليهما فيحلف الأخ من الأب سبعا وثلاثين و) يحلف الأخ (الآخر) وهو الأخ من الام فقط (أربع عشرة) يمينا. فصل: (وإن مات المستحق) للقسامة (انتقل إلى وراثه ما عليه من الايمان على حسب مواريثهم) كالمال (ويجبر الكسر فيما عليهم) أي ورثة المستحق (كما يجبر في حق ورثة القتيل) لعدم تبعيض اليمين
95 (فإن مات بعضهم) أي بعض ورثة المستحق (قسم نصيبه من الايمان بين ورثته) على حسب مواريثهم لقيامهم مقامه (فلو كان للقتيل ثلاثة بنين فعلى كل واحد) منهم (سبعة عشر) لما سبق (فإن مات أحدهم) أي البنين (قبل أن يقسم) أي يحلف ما عليه (وخلف ثلاثة بنين) أيضا ثم مات، (قسمت أيمانهم بينهم) أي بين بنيه (كل واحد ستة أيمان) جبرا للكسر (فإن كان موته) أي الابن (بعد شروعه في الايمان فحلف) الابن (بعضها استأنفها ورثته ولا يبنون على أيمانه، لأن الخمسين جرت مجرى اليمين الواحدة) فلا تتبعض (وإن جن) من توجهت عليه القسامة (في أثنائها) أي الايمان (ثم أفاق أو تشاغل عنه الحاكم في أثنائها تمم) الايمان وبنى على ما تقدم (ولم يستأنف) الايمان (لأن الايمان لا تبطل بالتفريق) لعدم اعتبار الموالاة فيها، (وكذا إن عزل الحاكم في أثنائها) أي الايمان (أتمها) أي الايمان (عند) الحاكم (الثاني فلا يشترط) في القسامة (أن تكون) الايمان (في مجلس واحد) لظاهر الخبر (وكذا لو سأله) الحالف (الحاكم في أثنائها) أي الايمان (إنظاره فأنظره) ثم أراد إتمامها فإنه يبني على ما سبق لما تقدم. فصل: (وإذا حلف الأولياء) الخمسين يمينا (استحقوا القود إذا كانت الدعوى) أنه قتله (عمدا) لقوله (ص): يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته. (إلا أن يمنع مانع) كعدم
96 المكافأة (وصفة اليمين: أن يقول) الوارث: (والله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لقد قتل فلان ابن فلان الفلاني - ويشير إليه - فلانا ابني أو أخي) أو نحوه (منفردا بقتله ما شركه غيره عمدا أو شبه عمد أو خطأ بسيف أو بما غالبا، ونحو ذلك) مما يؤدي هذا المعنى (فإن اقتصر) الحالف (على لفظ والله) لقد قتل فلان الخ، (كفى) لأن ما زاد على ذلك تغليظ ليس بلازم كما يأتي. فلا يكون ناكلا بتركه (ويكون) لفظ الجلالة (بالجر) فيقول: والله وبالله وتالله (فإن قال: والله) أو بالله أو تالله (مضموما أو منصوبا أجزأه. قال القاضي: تعمده أو لم يتعمده، لأن اللحن لا يحيل المعنى) أي لا يغيره (وبأي اسم من أسماء الله تعالى، أو صفة من صفاته) تعالى (حلف) الحالف (أجزأه إذا كان إطلاقه) أي ما حلف به (ينصرف إلى الله) تعالى ويأتي تفصيل ذلك في كتاب الايمان في كلامه (ويقول المدعى عليه) إذا توجهت إليه اليمين (والله ما قتلته ولا شاركت في قتله، ولا فعلت شيئا مات منه، ولا كان سببا في موته ولا معينا على موته، فإن لم يحلف المدعون، أو كانوا نساء حلف المدعى عليه خمسين يمينا) لما تقدم في خبر عبد الله بن سهل (فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه وداه) أي أعطى ديته (الامام من بيت المال) لقصة عبد الله بن سهل (فإن تعذر) أخذ ديته من بيت المال (لم يجب على المدعى عليه شئ) لحديث: لو يعطى الناس بدعواهم. (وإن رضوا) أي المدعون (بيمينه فنكل) عن اليمين (لم يحبس) لأنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليها كسائر الايمان (ولزمته الدية) لأنه حق ثبت بالنكول فيثبت في حقه كسائر الدعاوى (ولا قصاص) بنكول المدعى عليه عن اليمين لأنه
97 حجة ضعيفة كشاهد ويمين، (ولو رد المدعى عليه اليمين على المدعي فليس للمدعي أن يحلف) بل يقال للمدعى عليه: إما أن تحلف أو جعلتك ناكلا وقضيت عليك بالنكول. (ويفدى ميت في زحمة كجمعة وطواف من بيت المال) روي عن عمر وعلي واحتج به أحمد وقال القاضي في قوم ازدحموا في مضيق وتفرقوا عن قتيل فقال: إن كان في القوم من بينه وبينه عداوة وأمكن أن يكون هو قتله فهو لوث.
98 كتاب الحدود (وهي: جمع حد وهو) لغة المنع وحدود الله تعالى محارمه لقوله تعالى: * (تلك حدود الله فلا تقربوها) * وما حده وقدره فلا يجوز أن يتعدى كتزويج الأربع وما حده الشرع فلا تجوز فيه الزيادة والنقصان، والحدود بمعنى العقوبات المقدرة يجوز أن تكون سميت بذلك من المنع لأنها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب، وأن تكون سميت بالحدود التي هي المحارم لكونها زواجر عنها أو بالحدود التي هي المقدرات، والحد (شرعا عقوبة مقدرة لتمنع من الوقوع في مثله) أي مثل الذنب الذي شرع له (وتجب إقامته) أي الحد (ولو كان من يقيمه) من إمام أو نائبه أو سيد (شريكا لمن يقيمه) أي الحد (عليه) في تلك (المعصية) أو كان من يقيمه (عونا له) أي لمن يقيمه عليه في تلك المعصية لأن مشاركته أو إعانته له معصية وعدم إقامته معصية فلا يجمع بين معصيتين. (وكذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) لا يسقط بالمشاركة أو الإعانة على المعصية بل عليه أن يأمر وينهي (فلا يجمع بين معصيتين) بل يجب عليه الاقلاع عنهما، (ولا يجب الحد إلا على مكلف) لحديث: رفع القلم عن ثلاثة ولان غير المكلف إذا أسقط عنه التكليف في العبادات والاثم في المعاصي فالحد المبني على الدرء بالشبهات
99 أولى (ملتزم) أحكام المسلمين فيخرج الحربي والمستأمن ويدخل فيه الذمي وتقدم في الهدنة أن المعاهد يؤخذ بحد آدمي لا حد لله (عالم بالتحريم) لقول عمر وعثمان وعلي لا حد إلا على من علمه فلا حد على من زنى جاهلا بتحريمه أو عين المرأة التي زنى بها بأن اشتبهت عليه بزوجته أو أمته (فإن زنى المجنون في إفاقته) فعليه الحد لأنه مكلف، (أو أقر في إفاقته أنه زنى في إفاقته فعليه الحد) في المبدع بغير خلاف نعلمه. قال: (فإن أقر في إفاقته) أنه زنى (ولم يضف إلى حال) إفاقة ولا جنون (أو شهدت عليه البينة بالزنا ولم تضفه إلى إفاقته فلا حد) عليه للاحتمال والحدود تدرأ بالشبهات (ولو استدخلت ذكر نائم أو زنى بها) الرجل (وهي نائمة فلا حد على النائم منهما) لحديث: رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ. رواه أبو داود والترمذي وحسنه. (وإن جهل) الزاني (تحريم الزنا ومثله يجهله أو) جهل (تحريم عين المرأة مثل أن يزف إليه) امرأة (غير امرأته فيظنها امرأته أو تدفع إليه جارية فيظن أنها جاريته فيطؤها فلا حد عليه) وذلك لحديث: ادرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم. (ويأتي في الباب بعده ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الامام أو نائبه) لأنه حق الله تعالى ويفتقر إلى اجتهاد ولا يؤمن معه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله في خلقه، ولأنه (ص) كان يقيم الحدود في حياته وكذلك خلفاؤه بعده، (لكن لو أقامه) أي الحد (غيره) أي غير الامام ونائبه (لم يضمنه نصا فيما حده الاتلاف) كرجم الزاني المحصن، وقتل المرتد والقاتل في المحاربة لأنه غير معصوم كما تقدم ويعزر لافتياته على الامام. قلت: لو قطع إنسان يد السارق اليمنى هل يدخل في ذلك؟ لم أقف والمتبادر تناول العبارة له (إلا السيد الحر) خرج المكاتب (المكلف العالم به) أي بالحد دون الجاهل به (وبشروطه) أي الحد (ولو) كان السيد
100 (فاسقا أو امرأة فله إقامة الحد بالجلد فقط على رقيقه) لحديث أبي هريرة مرفوعا قال: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها متفق عليه وعن علي مرفوعا: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم رواه أحمد وأبو داود والدارقطني. (ولو) كان الرقيق (مكاتبا) أي فلسيده إقامة الحد عليه في أحد الوجهين. قال في الانصاف: وهو المذهب قدمه في الفروع. وقال في تصحيح الفروع: ولم أعلم له متابعا عليه. والقول بأنه لا يقيمه عليه هو الصحيح اختاره الشيخ الموفق وابن عباس في تذكرته وجزم به في المقنع والوجيز وشرح ابن المنجا ونهاية ابن رزين ومنتخب الأزجي. قال في المنور: ويملكه السيد مطلقا على قن وقدمه في الشرح قال في الكبرى: ولا يقيم الحد على مكاتبه وقدمه في المبدع، قال وفيه وجه وذكره بعضهم المذهب لأنه عبد (أو مرهونا أو مستأجرا) أي فللسيد إقامته عليهما لأنهما ملكه (ولو أنثى) فللسيد إقامة الجلد عليها لما تقدم والحد الذي يقيمه السيد على قنه (كحد الزنا وحد الشرب) للمسكر (وحد القذف) لمحصن (كما) أن (له) أي السيد (أن يعزره) أي قنه (في حق الله) تعالى (و) في (حق نفسه) أي السيد لما تقدم في المماليك (ولا يملك) السيد (القتل) لقنه (في الردة و) لا (القطع في السرقة) لأنه (ص) إنما أمر بالجلد فلا يثبت في غيره، ولان في الجلد سترا على رقيقه لئلا يفتضح بإقامة الامام له فينقص قيمته وذلك منتف فيهما (بل ذلك) أي القتل في الردة والقطع في السرقة (للامام) أو نائبه لما سبق (ولا يملك) السيد (إقامته) أي الجلد (على قن مشترك) لأنه ليس له ولاية على كله والحد تصرف في الشكل (ولا) يملك أيضا إقامته (على من بعضه حر) لما
101 تقدم (ولا على أمته المزوجة) لقول ابن عمر ولا مخالف له في الصحابة ولان منفعتها مملوكة لغيره ملكا غير مقيد بوقت أشبهت المشتركة، (ولا) يملك (ولي) إقامة الحد (على رقيق موليه كأجنبي) أي كما لا يملك أجنبي إقامة حد على رقيق غيره بل يقيمه الامام أو نائبه (ولا يملكه) أي إقامة الحد على رقيقه (المكاتب) لضعف ملكه (ولا يقيمه) أي الحد (السيد حتى يثبت) موجبه (عنده إما بإقرار الرقيق الاقرار الذي يثبت به الحد إذا علم) السيد (شروطه) أي الاقرار، (أو) يثبت (ببينة يسمعها) أي السيد (إن كان) السيد (يحسن سماعها) أي البينة (ويعرف شروط العدالة) المعتبرة في الشهادة لأن كل واحد من الاقرار والبينة حجة في ثبوته فوجب أن لا يختلف حال السيد فيه، للسيد أن يسمع إقراره ويقيم الحد عليه ويقدم سماع البينة (وإن ثبت) موجب الحد (بعلمه) أي السيد (فله إقامته) لأنه قد ثبت عند ذلك كما لو أقر به ولأنه يملك تأديبه فكذا هنا، (ولا) يملك (إمام ونائبه) إقامة الحد بعلمه على حر ولا قن لقوله تعالى: * (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) *. ثم قال: * (فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) *. ولان الحاكم منهم بخلاف السيد (وتحرم إقامة الحدود في مسجد) بلدا كانت أو غيره لما روى حكيم بن حزام: أن النبي (ص) نهى أن تقام الحدود في المساجد. وروى ابن عمر أتي برجل زنا فقال: أخرجوه من المسجد فاضربوه. وعن علي أنه أتي بسارق فأخرجه من المسجد وقطع يده ولأنه لا يؤمن أن يحدث فيه فينجسه ويؤذيه (فإن أقيم) الحد (فيه) أي المسجد (سقط الغرض) لحصول الزجر. وروي عن الشعبي أنه أقام الحد على ذمي في المسجد.
102 فصل: (ويضرب الرجل) : في الحد (قائما) روي عن علي ولان قيامه وسيلة إلى إعطاء كل عضو حظه من الضرب (بسوط) من غير جلد (لا حديد فيجرح ولا خلق) بفتح اللام وهو البالي لأنه لا يؤلم. روي عن علي وغيره (حجمه) أي السوط (بين القضيب والعصا) أي فوق القضيب ودون العصا كما مر (ولا يضرب) في الحد (بعضا ولا غيرها) من جلد ونحوه لقول علي: ضرب بين ضربين، وسوط بين سوطين يعني وسطا. (وإن كان السوط مغصوبا أجزأ) لجلد به على خلاف مقتضى النهي للاجماع ذكره في التمهيد (وإن رأى الامام الجلد في حد الخمر بالجريد والنعال والأيدي فله) أي الامام (ذلك) لأنه (ص) أتي بشارب فقال: اضربوه. قال أبو هريرة: فمنا الضارب بنعله والضارب بثوبه. رواه أبو داود (ولا يمد المحدود ولا يربط ولا تشد يده ولا يجرد) من ثيابه لقول ابن مسعود: ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد (بل يكون عليه غير ثياب الشتاء كالقميص والقميصين) صيانة له عن التجريد مع أن ذلك لا يرد ألم الضرب ولا يضر بقاؤهما عليه. (وإن كان عليه فروة أو جبة محشوة نزعت) لأنه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضرب (ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد) لان الغرض تأديبه وزجره عن المعصية لا قتله والمبالغة تؤدي إلى ذلك، (ولا يبدي) الضارب (إبطه في رفع يده) أي لا يرفع يده بحيث يظهر إبطه لأن ذلك مبالغة في الضرب، (ويسن تفريق الضرب على أعضائه) أي المحدود (وجسده فلا يوالي) الضرب (في موضع واحد) ليأخذ كل عضو منه حظه و (لئلا يشق الجلد) أو يؤدي إلى القتل (فإن فعل) أي والى
103 الضرب في موضع واحد (أجزأ) ذلك لحصول المقصود (ويكثر منه) أي الضرب (في موضع اللحم كالأليتين والفخذين) لأنها شد تحملا (ويتقي) الضارب (الرأس والوجه)، لقول علي للجلاد: اضرب وأوجع واتق الرأس والوجه. (و) يتقى (الفرج والبطن من الرجل والمرأة وموضع القتل فيجب اجتنابها) لأن ضربها يؤدي إلى القتل وهو غير مأمور به بل مأمور بعدمه (وتضرب المرأة جالسة وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها لئلا تنكشف) لقول علي: تضرب المرأة جالسة، والرجل قائما ولأن المرأة عورة وهذا أستر لها، (ويضرب منها) أي المرأة (الظهر وما قاربه) أي الظهر، وكذا لو ضرب الرجل جالسا (ويعتبر له) أي الحد أي إقامته (نية ليصير قربة فيضر به الله ولما وضع الله ذلك) لأجله كالزجر لحديث: إنما الأعمال بالنيات. (فإن جلده للتشفي أثم) لأنه عدوان وليس بحد (ولا يعيده) لما فيه من الاضرار بالمحدود. قال الشيخ تقي الدين: على المقيم لها أي الحدود أن يقصد بها النفع والاحسان كما يقصد الوالد بعقوبة الولد والطبيب بدواء المريض فلم يأمر الشرع إلا بما هو نفع للعباد وعلى المؤمن أن يقصد ذلك، (ولا تعتبر الموالاة في الحدود) أي في الجلد فيها لما فيه من زيادة العقوبة وسقوطه بالشبهة (قال الشيخ وفيه نظر) واقتص ر عليه في الفروع وغيره. (والجلد في الزنا أشد الجلد ثم جلد القذف ثم الشرب) نص عليه. (ثم التعزير) لأن الله تعالى خص الزنا بمزيد التأكيد بقوله: ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله. ولان ما دونه أخف منه عددا فلا يجوز أن يزيد في إيلامه ووجعه لأن ما كان أخف في عدده كان أخف في صفته وحد القذف حق آدمي وحد الشرب حق لله تعالى والتعزير لا يبلغ به الحد (وكل موضع وجب فيه الضرب من حد أو تعزير فشرطه التأليم) لقول علي: اضرب
104 وأوجع. (ويحرم حبسه) أي المحدود (بعد الحد وأذاه بالكلام) كالتعيير على كلام القاضي وابن الجوزي لنسخه بشرع الحد كنسخ حبس المرأة، يؤخر حد الزنا لمرض رجما كان) الحد (أو جلدا لأنه) أي الحد (يجب على الفور)، ولا يؤخر ما أوجبه الله بغير حجة، ولان عمر أقام الحد على قدامة بن مظعون في مرضه ولم يؤخره وانتشر ذلك في الصحابة ولم ينكر فكان كالاجماع (ويقام) الحد (في الحر والبرد) ولو مفرطين كالمرض: (فإن كان) المحدود (مريضا أو) كان (نضو الخلقة أو في شدة حر أو برد وكان الحد جلدا أقيم عليه) الحد (بسوط يؤمن معه التلف) لحديث: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. (فإن كان لا يطيق الضرب وخشي عليه) أي المحدود (من السوط أقيم) عليه الحد (بأطراف الثياب و) ب (- القضيب الصغير وشمراخ النخل) لئلا يفضي ما فوق ذلك إلى إتلافه، (فإن خيف عليه) من القضيب ونحوه، (ضرب بمائة شمراخ مجموعة أو عثكول ضربة واحدة أو بخمسين شمراخا ضربتين) لما روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب رسول الله (ص): أن رجلا اشتكى حتى ضني فدخلت عليه امرأة فهش لها فوقع بها فسئل له رسول الله (ص) فأمر رسول الله (ص) أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه ضربة واحدة. رواه أبو داود والنسائي. وقال ابن المنذر في إسناده مقال: والعثكول بوزن عصفور الضغث بالضاد والغين المعجمتين والثاء المثلثة. (ولا يقام الحد رجما كان أو غيره على حبلى ولو من زنا حتى تضع) لئلا يتعدى إلى الحمل (فإن كان) الحد (رجما لم ترجم حتى تسقيه اللبأ) لما تقدم في القصاص (ثم) إذا سقت اللبأ (إن كان له من يرضعه أو تكفل أحد برضاعه رجمت) لأنه لا ضرر عليه إذن (وإلا) بأن لم يكن له من يرضعه ولم
105 يتكفل أحد برضاعه (تركت حتى تفطمه) ليزول عنه الضرر، (وإن لم يظهر حملها) أي الزانية (لم يؤخر لاحتمال أن تكون حملت من الزنا) لأن إقامة الحد واجبة فورا والأصل عدم الحمل (وإن ادعت) الزانية (الحمل قبل قولها) لأنه لا يمكن إقامة البينة عليه (وإن كان) الحد (جلدا إذا وضعته وانقطع النفاس وكانت قوية يؤمن تلفها أقيم عليها الحد) لحديث علي قال: إن أمة لرسول الله (ص) زنت، فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك لرسول الله (ص) فقال: أحسنت. رواه مسلم والنسائي وأبو داود (وإن كانت) المحدودة (في نفاسها أو ضعيفة يخاف عليها لم يقم عليها) الحد (حتى تطهر وتقوى) ليستوفى الحد على وجه الكمال من غير خوف فواته وبه فارقت المريض، (وهذا) هو (الذي تقتضيه السنة الصحيحة) منها ما تقدم من حديث علي ومنها حديث أبي بكر: أن المرأة انطلقت فولدت غلاما فجاءت به النبي (ص)، فقال لها: انطلقي فتطهري من الدم. رواه أبو داود. (وقال أبو بكر: يقام عليها الحد في الحال بسوط يؤمن معه التلف فإن خيف عليها من السوط أقيم) الحد (بالعثكول وأطراف الثياب) كالمريض، (وتقدم بعد ذلك في استيفاء القصاص ويؤخر) إقامة الحد على (سكران حتى يصحو) ليحصل المقصود من إقامة الحد وهو الزجر (فلو خالف وحده) أي السكران قبل صحوه (سقط) قال في المنتهى وشرحه: إن أحس بألم الضرب وإلا فلا لأنه لم يوجد ما يزجره، (ويؤخر قطع خوف تلف) أي موت المحدود بالقطع لأنه حيف، (وإن مات) المحدود (في حد أو قطع سرقة أو تعزير أو تأديب معتاد) من سلطان أو معلم أو والد أو زوج (وتقدم في
106 الديات فلا ضمان عليه) أي على أحد لأنه حد وجب لله تعالى فلم يجب فيه شئ لأنه نائب عن الله ولأنه مأذون فيه شرعا كسراية القصاص (إن لم يلزم التأخير، فإن لزم) التأخير بأن خيف التلف من القطع (ولم يؤخر) القطع (ضمن) القاطع المقطوع إن سرى إليه لأنه غير مأذون فيه إذن، (وإن زاد) الجلاد (في الحد سوطا أو أكثر عمدا أو خطأ أو) زاد (في السوط) بأن ضرب بأكثر مما تقدم أنه يضرب به (أو اعتمد) الجلاد (في ضربه أو) ضرب (بسوط لا يحتمله) لمرض أو نحوه (ضمنه) لأنه تلف بعدوانه أشبه ما لو ضربه في غير الجلد (بكل الدية) لأنه قتل حصل من جهة الله وعدوان الضارب فكان الضمان على الضارب، كما لو ضرب مريضا سوطا فقتله، (كما إذا ألقى على سفينة موقرة حجرا فغرقها فإن كانت الزيادة من الجلاد من غير أمر) أحد (فالضمان على عاقلته) إن كان خطأ كسائر أنواع الخطأ، (ومن أمر بزيادة فزاد جاهلا تحريمها) أي الزيادة فتلف المضروب (ضمنه الآمر) كما لو أمر بالقتل مكلفا يجهل تحريمه (وإلا) أي وإن لم يكن الضارب جاهلا تحريم الزيادة ضمنه (فالضارب) لأنه غير معذور، وكمن أمر بالقتل مكلفا يعلم تحريمه (وإن تعمده) أي الزائد (العاد فقط) ضمنه وحده دون الضارب وغيره (أو أخطأ) العادة من العدد (وادعى الضارب الجهل ضمنه العاد) هكذا في بعض النسخ وقاله في الانصاف وغيره وفي بعضها مشطوب عليه وليس بظاهر. (وتعمد الامام الزيادة) في الضرب (شبه عمد تحمله العاقلة) لأن الدية وجبت نهاية فكانت على عاقلته كما لو رمى صيدا فقتل آدميا وليس ذلك من خطئه في حكمه ليكون في بيت المال، (وإن كان الحد رجما لم يحفر له) أي المرجوم (رجلا كان أو امرأة) لأنه عليه الصلاة والسلام لم يحفر الماعز. قال أبو سعيد: لما أمر رسول الله (ص) برجم ماعز خرجنا به إلى البقيع فوالله ما حفرنا له ولا وثقنا ولكن قام لنا.
107 رواه أحمد مسلم. والمرأة كذلك نصره في المغني لأن أكثر الأحاديث على ترك الحفر، وسواء (ثبت) الزنا (ببينة أو إقرار، وتشد ثياب المرأة لئلا تنكشف) لحديث عمران بن حصين قال: فأمر بها النبي (ص) فشدت عليها ثيابها رواه أبو داود. (والسنة أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة إن كان ثبت ببينة) لأنه لا حاجة إلى تمكينه من الهرب و (لا) يسن ذلك إن كان زناه ثبت (بإقرار لاحتمال أن يهرب فيترك) ولا يتمم عليه الحد (ويسن حضور الزنا وبداءتهم) أي الشهود (بالرجم وإن كان) الزنا (ثبت بإقرار) الزاني (بدأ الامام أو الحاكم إن كان ثبت عنده ثم يرجم الناس) لما روى سعيد بإسناده عن علي: " الرجم رجمان فما كان منه بإقرار فأول من يرجم الإمام ثم الناس وما كان ببينة فأول من يرجم البينة ثم الناس " ولان فعل ذلك أبعد لهم من التهمة في الكذب عليه (ويجب حضور الامام أو نائبه في كل حد) لله أو لآدمي كما في استيفاء القصاص (ومن أذن له) الامام (في إقامة الحد فهو نائبه) يكفي حضوره لقوله (ص): وامض يا أنيس إلى امرأة هذا فإن أقرت فارجمها. (ويجب حضور طائفة في حد الزنا) لقوله تعالى: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) *، (ولو واحدا) وهو قول ابن عباس رواه ابن أبي طلحة قال في المبدع وهو منقطع (مع من يقيم الحد) لأن الذي يقيم لحد حاضر ضرورة فتعين صرف الامر إلى غيره (ومتى رجع المقر بحد الزنا أو) حد (سرقة أو) حد (شرب قبل
108 الحد عن إقراره بأن يقول: كذبت في إقراري أو) يقول: (لم أفعل ما أقررت به أو) يقول: (رجعت عن إقراري ونحوه) فلم يصدر مني ما أقررت به (قبل منه) رجوعه (وسقط عنه الحد) لأن ماعزا لما هرب وقال لهم: ردوني إلى النبي (ص). قال: فهلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه قال ابن عبد البر ثبت من حديث أبي هريرة وغيره (وإن رجع) عن إقراره (في أثنائه) أي الحد (أو هرب) المقر في أثناء الحد (ترك وجوبا) لما تقدم، ولان ذلك شبهة والحدود تدرأ بالشبهات (وإن قال) المقر: (ردوني إلى الحاكم وجب رده) إليه لما سبق (فإن تمم عليه الحد ضمن المتمم) للحد ( الراجع) عن إقراره (بالدية) لأنه قد زال إقراره بالرجوع عنه و (لا) يضمن (الهارب ولا من طلب الرد إلى الحاكم) فتمم عليه الحد لخبر ماعز وسبق (ولا قود) على المتمم للحد ولو على المصرح بالرجوع لأن القصاص كالحد يدرأ بالشبهة (وإن رجم) لثبوت الحد (ببينة فهرب لم يترك) لأن زناه ثبت على وجه لا يبطل برجوعه فلم يؤثر رجوعه ولا هربه. فصل: (وإذا اجتمعت حدود الله تعالى وفيها قتل مثل إن سرق، وزنا وهو محصن، وشرب) الخمر (وقتل في المحاربة استوفى القتل، وسقط سائرها)، لما روى سعيد بسنده عن ابن مسعود أنه قال: إذا اجتمع حدان أحدهما القتل أحاط القتل ذلك ولأن هذه الحدود تراد لمجرد الزجر ومع القتل لا حاجة إلى زجره لأنه لا فائدة فيه، ويفارق القصاص فإن فيه غرض التشفي والانتقام، ولا يقصد به مجرد الزجر، (لكن ينبغي أن يقتل للمحاربة لأنه حق آدمي) وإنما أثرت المحاربة محتمة وحق
109 الآدمي يجب تقديمه، (ويسقط الرجم) كما لو مات (وإن لم يكن فيها) أي حدود الله (قتل. فإن كانت من جنس مثل أن زنى) مرارا (أو سرق) مرارا (أو شرب) الخمر (مرارا قبل إقامة الحد أجزأ حد واحد فتتداخل السرقة كغيرها) قال ابن المنذر: أجمع على هذا كله من يحفظ عنه من أهل العلم، وذلك لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل وهو حاصل بالحد الواحد (ولو طالبوا) أي المسروقين منهم (متفرقين) فيكفي القطع للكل (فإن أقيم عليه الحد) لمعصية (ثم حدثت جناية أخرى) توجب الحد (ففيها حدها) كما لو حنث في يمينه وكفر ثم حلف أخرى وحنث فيها (وإن كانت) الحدود (من أجناس) كما لو زنى وشرب الخمر وسرق ولم يكن محصنا (استوفيت كلها) قال في المبدع بغير خلاف علمناه لأن التداخل إنما هو في الجنس الواحد، فلو سرق وأخذ المال في المحاربة قطع لذلك ويدخل فيه القطع في السرقة لأن محل القطعين واحد، (ويجب الابتداء بالأخف فالأخف فإذا شرب) الخمر (وزنا) وهو غير محصن (وسرق حد للشرب) لأنه أخف، (ثم للزنا ثم قطع) للسرقة ولا يوالي بين هذه الحدود لأنه ربما يفضي إلى التلف (ولو بدأ بغير الأخف وقع الموقع) لحصول المقصود وهو الزجر (وتستوفى حقوق الآدميين كلها) سواء كان فيها قتل أو لم يكن، لأن حق الآدمي مبني على الشح والضيق (ويبدأ بغير قتل) لأن البداءة به تفوت استيفاء باقي الحقوق. فيبدأ (بالأخف فالأخف منها وجوبا) لحقوق الله تعالى، (فيحد للقذف ثم يقطع لغير السرقة) لأن القطع للسرقة حق الله تعالى (ثم يقتل فإن اجتمعت) أي حدود الآدمي (مع حدود الله تعالى ولم يتفقا) أي الحدان (في محل واحد بدأ بها) أي بحدود الآدمي لأنها مبنية على الشح والضيق (و) يبدأ (بالأخف فالأخف وجوبا) كما لو انفردت (فإن لم يكن فيها قتل استوفيت كلها، ولا يتداخل القذف والشرب) لاختلاف جنسيهما (فإذا زنا) غير محصن (وشرب) الخمر (وقذف) محصنا (وقطع يدا)
110 عمدا عدوانا من مكافئ (قطعت يده) قصاصا (أولا) لأن ذلك محض حق آدمي فقدم بخلاف القذف فإنه مختلف فيه هل هو حق لله أو لآدمي؟ (ثم حد القذف) لأن الصحيح أنه حق آدمي (ثم) حد (الشرب) لأنه أخف من الزنا (ثم) حد (الزنا فقدموا) أي الأصحاب (هنا القطع على حد القذف وهو) أي حد القذف (أخف من القطع) لأن القطع محض حق آدمي بخلاف حد القذف، كما أشار إليه في تصحيح الفروع (وإن كان فيها) أي الحدود (قتل فإن حدود الله) تعالى (تدخل في القتل سواء كان القتل من حدود الله) تعالى (كالرجم في الزنا والقتل في المحاربة و) القتل (للردة أو حق آدمي) محض (كالقصاص) فإنه محض حق آدمي بخلاف القتل في المحاربة فإنه لم يتمحض للآدمي لأن تحتمه حق الله وهو مراده فيما مر. وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها (ثم إن كان القتل حقا لله) تعالى (استوفيت الحقوق كلها متوالية من غير انتظار برء الأول فالأول لأنه لا بد من فوات نفسه) أي المحدود فلا فائدة في الانتظار (وإن كان القتل حقا لآدمي) كالقصاص (انتظر باستيفاء) الحد (الثاني برؤه من الأول) لأن فوات نفسه ليس محققا لأنه قد يعفو ولي القصاص عنه، (وإن اتفق حق الله وحق الآدمي في محل واحد كالقتل والقطع قصاصا واحدا مثل: إن قتل) عمدا مكافئا (وإن عفا ولي الجناية) عن القصاص (استوفي الحد) كما لو لم يعف (وذكر ابن البناء من قتل بسحر قتل حدا وللمسحور من ماله) أي الساحر (ديته فيقدم حق الله تعالى انتهى) وصححه في الانصاف في الجنايات وقطع به المصنف هناك (فإن سرق وقتل في المحاربة ولم يأخذ المال قتل حتما) للقتل (ولم يصلب) لأنه لم يأخذ مالا (ولم تقطع يده) للسرقة لأنه حد لله تعالى فيدخل في القتل وإن قتل مع المحاربة جماعة قتل بالأول للأولياء. ( الباقين من القتل دياتهم) في مال القاتل كما لو مات لتعذر القصاص.
111 فصل: (ومن قتل أو قطع طرفا أو أتى حدا خارج حرم مكة ثم لجأ إليه، أو لجأ إليه) أي حرم مكة (حربي أو مرتد لم يستوف) الحد (منه) ولم يقتل (فيه) أي في حرم مكة فيحرم استيفاؤه منه حتى بدون قتل فيه لقوله تعالى: * (ومن دخله كان آمنا) * أي فأمنوه فهو خبر أريد به الامر، ولأنه (ص) حرم سفك الدم بمكة ولقوله (ص): فإن أحد ترخص بقتال رسول الله (ص) فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكبير ولقوله (ص): إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم رواه أحمد من حديث عبد الله بن عمر وحديث ابن شريح وقال ابن عمر: لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما سجنته رواه أحمد (ولكن لا يبايع ولا يشارى) لقول ابن عباس (ولا يطعم ولا يسقى، ولا يؤكل ولا يشارب) لأنه لو أطعم أو آوى لتمكن من الإقامة دائما فيضيع الحق (ولا يجالس ولا يؤوى) لما سبق (ويهجر فلا يكلمه أحد حتى يخرج) من الحرم ليستوفى منه الحق (لكن يقال له: اتق الله واخرج إلى الحل ليستوفى منك الحق الذي قبلك، فإذا خرج أقيم عليه الحد) خارج الحرم. روي عن عمر وابن عباس وابن الزبير (فإن استوفى ذلك) الحد ونحوه (منه) أي ممن لجأ إلى الحرم (في الحرم فقد أساء) لهتكه حرمة الحرم (ولا شئ عليه) لأنه لم يتجاوز ما وجب له (وإن فعل ذلك) أي قتل أو قطع طرفا أو أتى حدا أو ارتد (في الحرم استوفي منه) ما وجب بذلك (فيه) أي الحرم. قال في المبدع بغير خلاف نعلمه روى
112 الأثرم عن ابن عباس. قال من أحدث حدثا في الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه ولقوله تعالى: * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) * الآية، فأباح قتلهم عند قتالهم في الحرم، ولان أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن المعاصي حفظا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ولو لم يشرع الحد فيه لتعطلت الحدود في حقهم وفاتت المصالح التي لا بد منها. (ولو قوتلوا في الحرم دفعوا عن أنفسهم فقط) لقوله تعالى: * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) *. قرئ بهما ذكر ابن الجوزي أن مجاهدا وغيره قالوا: الآية محكمة وفي التمهيد أنها نسخت بقوله: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) *. وفي الأحكام السلطانية: تقاتل البغاة إذا لم يندفع بعضهم إلا به لأنه من حقوق الله وحفظها في حرمه أولى من إضاعتها، وذكره الماوردي عن جمهور الفقهاء ونص عليه الشافعي وحمل الخبر على ما يعم إتلافه كالمنجنيق إذا أمكن إصلاح بدون ذلك، وذكر ابن العربي لم تغلب فيها كفار أو بغاة وجب قتالهم بالاجماع، وذكر الشيخ تقي الدين: إن تعدى أهل مكة على الركب دفع الركب كما يدفع الصائل، وللانسان أن يدفع مع الركب بل يجب إن احتيج إليه (وفي الهدى الطائفة الممتنعة بالحرم من مبايعة الامام، لا تقاتل لا سيما إن كان لها تأويل. وأما حرم مدينة النبي (ص) وسائر البقاع والأشهر الحرم وغيرها) كرمضان (فلا تمنع إقامة حد ولا قصاص) لعموم الأدلة وعدم المخصص. وأما قوله تعالى: * (يسألونك عن الشهر الحرام) * الآية، فتقدم الكلام فيها أو أنها منسوخة عند الجمهور. (ومن أتي حدا في الغزو أو) أتي (ما يوجب قصاصا) في الغزو (لم يستوف منه في أرض العدو حتى يرجع إلى دار الاسلام) لخبر بشير بن أرطأة، أنه أتى برجل في الغزاة قد سرق بختيه فقال: لولا أني سمعت رسول الله (ص) يقول: لا تقطع الأيدي في الغزاة لقطعنك رواه أبو داود وغيره قال في المبدع وهو إجماع الصحابة إذا رجع إلى دار الاسلام (يقام عليه) لعموم الآيات والاخبار وإنما أخر لعارض وقد زال (وإن أتى بشئ من ذلك) أي حد
113 أو قصاص (في الثغور أقيم عليه فيها) قال في المبدع: بغير خلاف لأنها من بلاد الاسلام والحاجة داعية إلى زجر أهلها كالحاجة إلى زجر غيرهم. (وإن أتى حدا في دار الاسلام ثم دخل دار الحرب أو أسر أقيم عليه إذا خرج) من دار الحرب لما سبق. تتمة: الحد كفارة لذلك الذنب نص عليه للخبر. باب حد الزنا (وهو فعل الفاحشة في قبل أو دبر وهو من الكبائر العظام) لقوله تعالى: * (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) * ولما روى ابن مسعود قال: سألت رسول الله (ص) أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يعم معك. قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك متفق عليه وكان حده في ابتداء الاسلام الحبس في البيت والأذى بالكلام لقوله تعالى: * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) * الآية، ثم نسخ بما روى مسلم من حديث عبادة مرفوعا: خذوا عني البكر بالبكر، جلد مائة، وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ونسخ القرآن بالسنة جائز لأن الكل من عند الله وإن اختلف طريقه، ومن منع ذلك قال: ليس هذا نسخا إنما هو تفسير وتبيين له، ولكن أن يقال: نسخه حصل بالقرآن فإن الجلد في كتاب الله تعالى والرجم كان فيه فنسخ رسمه وبقي حكمه قال في المغني والشرح: (إذا زنا محصن وجب رجمه بالحجارة وغيرها حتى يموت) حكاه ابن حزم إجماعا وقد ثبت أنه (ص) رجم بقوله
114 وفعله في أخبار تشبه التواتر وقد أنزله الله تعالى في كتابه ثم نسخ رسمه وبقي حكمه لقول عمر كان فيما أنزل الله آية الرجم الخبر متفق عليه فإن قيل له: لو كانت في المصحف لاجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها. قال ابن الجوزي: أجاب ابن عقيل فقال: إنما كان ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استقصاء لطلب طريق مقطوع به، كما سارع الخليل (ص) إلى ذبح ولده بمنام وهو أدنى طريق إلى الوحي وأقلها، (ويتقي) الراجم (الوجه) لشرفه (ولا يجلد) المرجوم (قبله) أي قبل الرجم روى عن عمر وعثمان لأنه (ص) رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما وقال: واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ولم يأمر بجلدها وكان هذا آخر الامرين من رسول الله (ص) كما يرشد إليه رواية الأثرم عن أحمد ولأنه حد فيه قتل فلم يجتمع معه الجلد كالردة (ولا ينفى) المرجوم قبل رجمه (وتكون الحجارة) في الرجم (متوسط كالكف فلا ينبغي أن يثخن المرجوم بصخرة كبيرة ولا أن يطول عليه بحصيات خفيفة) لأنه تعذيب له (ومن وطئ امرأته ولو) كانت (كتابية في قبلها وطئا حصل به تغييب الحشفة أو قدرها) من مقطوعها (في نكاح صحيح وهما) أي الزوجان (بالغان عاقلان حران ملتزمان فهما محصنان) يرجم من زنى منهما بشروطه ودخل في الملتزمين الذميان وإنما يعتبر ذلك في لزوم الحد لا في حصول الاحصان بدليل قوله كغيره ويثبت لمستأمنين (فإن اختل شرط منها) أي من هذه الشروط التي ذكرت للاحصان (ولو في أحدهما) أي الزوجين (فلا إحصان لواحد منهما) لأنه وطئ لم يحصن أحد الموطوءين فلم يحصن الآخر كالتسري (فإن عتقا وعقلا وبلغا) أي الزوجان (بعد النكاح ثم وطئها صارا محصنين) بالوطئ بعد العتق والعقل والبلوغ كما لو لم يتقدمه وطئ آخر، (ولا يحصل الاحصان بالوطئ بملك اليمين) وهو التسري لأنه ليس بنكاح ولا تثبت له أحكامه (ولا) بوطئ (في نكاح فاسد) لما سبق (ولا في نكاح خال عن الوطئ) في القبل (سواء حصلت فيه خلوة، أو وطئ فيما دون
115 الفرج وفي الدبر الدبر أولا) لقوله (ص): الثيب بالثيب جلد مائة والرجم فاعتبر الثيوبة ولا تحصل بالعقد (ويثبت) الاحصان (لمستأمنين كذميين ولو مجوسيين لكن لا يصير المجوسي محصنا بنكاح ذي رحم محرم) كأخته لأنه لا يقر عليه لو ترافعا إلينا فهو كالنكاح الفاسد وكذا اليهودي إذا نكح بنت أخيه أو أخته، (فلو زنى أحد منهم) أي من أهل الذمة (وجب الجلد) لان اليهود جاؤوا إلى رسول الله (ص) بامرأة ورجل منهم قد زنيا فأمر بهما رسول الله (ص) فرجما متفق عليه (ويلزم الامام إقامة حد بعضهم ببعض) لالتزامهم حكمنا (ومثله القطع بسرقة بعضهم من بعض) لعموم قوله تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) *. (ولا يسقط) حد عن ذمي (بإسلامه) كسائر الحقوق عليه (لكن لا يقام حد الزنا على مستأمن نصا). قلت وكذا حد سرقة وغيره لأنه ملتزم لحكمنا بخلاف الذمي (قال في المغني والشرح في باب القطع في السرقة لأنه) أي الزنا (يجب به القتل لنقض العهد ولا يجب مع القتل حد سواه انتهى. وهذا إذا زنى بمسلمة أما إن زنى) المستأمن (بغير مسلمة فلا يقام عليه الحد كالحربي) لعدم التزامه (ولا حد الخمر) فلا يقام على كافر ولو ذميا لأنه يعتقد حله (ولو كان لرجل ولد من امرأته فقال: ما وطئتها لم يثبت إحصانه) ولا يرجم إذا زنى لان الولد يحلق بإمكان الوطئ واحتماله والاحصان لا يثبت إلا بحقيقة الوطئ (ولو كان لها) أي للمرأة (ولد من زوج فأنكرت) المرأة (أن يكون) زوجها (وطئها لم يثبت إحصانها)، لما
116 ذكرنا (ويثبت) إحصانه (بقوله: وطئتها أو جامعتها أو باضعتها ويثبت إحصانها بقولها إنه جامعها أو باضعها أو وطئها وإن قالت) الزوجة: إنه (باشرها أو أصابها أو أتاها أو دخل بها أو قاله هو) أي قال الزوج: إنه باشرها أو أصابها أو أتاها أو دخل بها (فينبغي أن لا يثبت به الاحصان) لأن هذا يستعمل في الجماع فيهما دون الفرج كثيرا فلا يثبت به الاحصان الذي يدرأ بالاحتمال. وقال في المبدع والأشهر أو دخلت بها أي أنه يثبت به الاحصان وقطع به في المنتهى. (وإذا جلد الزاني على أنه بكر فبان محصنا رجم) إلى أن يموت، لحديث جابر رواه أبو داود لأنه حده والجلد لم يصادف محلا (وإذا رجم الزانيان المسلمان غسلا وكفنا وصلي عليهما ودفنا) معا، كغيرهما من المسلمين، لحديث الغامدية وفيه: فرجمت وصلى عليها. رواه الترمذي وقال حسن صحيح (وإذا زنى الحر غير المحصن من رجل أو امرأة جلد مائة) لقوله تعالى: * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) *. (وغرب عاما) لقوله (ص): البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ولان الخلفاء الراشدين فعلوا ذلك بالحر غير المحصن وانتشر، ولم يعرف لهم مخالف، فكان كالاجماع (إلى مسافة القصر) لأن ما دون ذلك في حكم الحضر (في بلد معين) لأن التغريب يتحقق بذلك (وإن رأى الامام التغريب إلى فوق مسافة القصر فعل) لتناول الخبر له، (والبدوي يغرب عن حلته) بكسر الحاء (وقومه) إلى مسافة القصر فأكثر (ولا يمكن) البدوي (من الإقامة بينهم) أي بين قومه حتى يمضي العام ليحصل التغريب. (ولو عين السلطان جهة لتغريبه وطلب الزاني جهة غيرها تعين ما عينه السلطان) لأن إقامته للسلطان لا للزاني (ولو أراد الحاكم تغريبه فخرج بنفسه وغاب سنة ثم عاد لم يكفه في
117 ظاهر كلامهم) لأنه لا يحصل به الزجر كما لو جلد نفسه (ولا يحبس) المغرب (في البلد الذي نفي إليه) لعدم وروده (فإن عاد) المغرب (من تغريبه قبل مضي الحول أعيد تغريبه حتى يكمل الحول مسافرا) لقوله (ص): وتغريب عام. (ويبني على ما مضى) قبل عوده، فلا يلزمه أن يستأنف لزيادته إذن عن العام، (وتغرب امرأة مع محرم وجوبا إن تيسر) لأنه سفر واجب أشبه سفر الحج، (فيخرج) المحرم (معها حتى يسكنها في موضع ثم إن شاء رجع) المحرم (إذا أمن عليها) لانقضاء السفر، (وإن شاء أقام) المحرم (معها) حتى ينقضي العام (وإن أبى) المحرم (الخروج معها) إلا بأجرة (بذلت له الأجرة من مالها) لأن ذلك من معونة سفرها. أشبه المركوب والنفقة (فإن تعذر) أخذ الأجرة منها (فمن بيت المال) لأن فيه مصلحة. أشبه نفقة نفسها إن أمكن (فإن أبى) المحرم (الخروج معها نفيت وحدها) قال في الترغيب وغيره مع الامن. (كما لو تعذر) المحرم، لأنه لا سبيل إلى تأخيره، (كسفر الهجرة وسفر الحج إذا مات المحرم في الطريق) وتقدم (وقيل: تستأجر امرأة ثقة اختاره جماعة) لأنه لا بد من شخص يكون معها لأجل حفظها وحينئذ لم يكن بد من امرأة ثقة ليحصل المقصود من الحفظ (وإن زنى الغريب غرب إلى بلد غير وطنه) ليكون تغريبا (وإن زنى) المغرب (في البلد الذي غرب إليه غرب إلى غير البلد الذي غرب منه، وتدخل بقية مدة) التغريب (الأول في) التغريب (الثاني لأن الحدين من جنس فتداخلا) كما سبق انتهى.
118 فصل وإن كان الزاني رقيقا ذكرا أو أنثى (فحده خمسون جلده)، لقوله تعالى: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) *. والعذاب المذكور في القرآن الجلد مائة لا غير، فينصرف التنصيف إليه دون غيره، ولقوله (ص) لعلي: إذا تعالت من نفاسها فاجلدوها خمسين رواه عبد الله بن أحمد ورواه مالك عن عمر، (ولا يغرب) القن ولا يعير لأنه (ص) لم يذكره، ولأنه مشغول بخدمة السيد (بكرا كان) القن (أو ثيبا) أو مزوجا (ولا يرجم هو) أي القن (ولا) يرجم (المبعض) لمن حده الجلد كما سبق (وإذا زنى) الرقيق (ثم عتق فعليه حد الرقيق) اعتبارا بوقت الوجوب (ولو زنى حر ذمي ثم لحق بدار حرب ثم سبي فاسترق حد حد الأحرار) من رجم أو جلد وتغريب، لأن المعتبر وقت الوجوب وقد كان حرا. (ولو كان أحد الزانيين حرا والآخر رقيقا) فعلى كل واحد حده (أو زنى محصن ببكر فعلى كل واحد حده) لما روى أبو هريرة وزيد بن خالد: أن رجلين اختصما إلى رسول الله (ص) فقال أحدهما: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، وإني افتديت منه بمائة شاة، ووليدة فسألت رجالا من أهل العلم فقالوا: إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، والرجم على امرأة هذا. فقال النبي (ص): والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى على ابنك جلد مائة وتغريب عام، وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها متفق عليه. (ولو زنى بعد العتق وقبل العلم به) أي بالعتق (فعليه حد الأحرار) ولا أثر لعدم العلم بالعتق (وإن أقيم عليه حد الرقيق قبل العلم بحريته ثم علمت) حريته (بعد) ذلك (تمم عليه حد
119 الأحرار) استدراكا للواجب فيتمم ما بقي من المائة ويغرب عاما، وإن وطئ زوجته الحرة بعد العتق ثم زنى قبل العلم، ووجدت شروط الاحصان كلها رجم كما سبق، في الحر الأصلي. (وإن كان) الزاني (نصفه حرا) ونصفه رقيقا (فحده خمس وسبعون) جلدة لان أرش جراحه على النصف من الحر والنصف من العبد فكذا جلده (ويغرب نصف عام) لأن الحر تغريبه عام، والعبد لا تغريب عليه فنصف الواجب من التغريب نصف عام. (محسوبا) نصف العام (على العبد من نصيبه الحر وللسيد نصف عام بدلا عنه) لأن نصيب السيد لا تغريب فيه (وما زاد من الحرية) على النصف (أو نقص فبحساب ذلك) من جلد وتغريب ولو قال كالفرع وغيره والمعتق بعضه بالحساب لكان أولى (فإن كان فيها) أي الجلدات (كسر مثل أن يكون ثلثه حرا فيلزمه ست وستون جلدة وثلثا جلدة فينبغي أن يسقط الكسر) لئلا يحصل العدوان بمجاوزة الواجب ولم تجعل كاليمين في القسامة لأن الحدود تدرأ بالشبهات حسب الاستطاعة. (والمدبر والمكاتب وأم الولد كالقن) لحديث: المكاتب قن ما بقي عليه درهم والباقي بالقياس عليه (وإن عفا السيد عن عبده) الزاني أو نحوه (لم يسقط عنه الحد) لأنه لله فلا يسقط بعفوه (وإذا فجر رجل بأمة ثم قتلها فعليه الحد) لزناه بها، (و) عليه (قيمتها) لسيدها لاتلافه إياها. (وحد اللواط الفاعل والمفعول به كزان) لقوله (ص): إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان ولأنه فرج مقصود بالاستمتاع فوجب فيه الحد كفرج المرأة، فإن كان محصنا رجم وإلا جلد حر مائة وغرب عاما وقن خمسين (ولا فرق بين أن يكون) اللواط (في مملوكة أو أجنبي) لأن الذكر ليس محلا للوطئ فلا يؤثر ملكه له. (أو) في دبر (أجنبية) لأنه فرج أصلي كالقبل (فإن وطئ زوجته)
120 في دبرها (أو) وطئ (مملوكته في دبرها فهو محرم) لما سبق في عشرة النساء (ولا حد فيه) لأنها محل للوطئ في الجملة بل يعزر لارتكابه معصية (وحد زان بذات محرم) من نسب أو رضاع (ك) - حد (لائط) على ما سبق تفصيله. وخبر البراء: يقتل ويؤخذ ماله إلا رجلا يراه مباحا قال أبو بكر: محمول عند أحمد على المستحل، وأن غير المستحل كزان. (ومن أتى بهيمة ولو سمكة عزر) لأنه لم يصح فيه نص، ولا يمكن قياسه على اللواط، لأنه لا حرمة له والنفوس تعافه (ويبالغ في تعزيره) لعدم الشبهة له فيه كوطئ الميتة (وقتلت البهيمة سواء كانت مملوكة له أو لغيره) وسواء كانت (مأكولة أو غير مأكولة) لما روى ابن عباس مرفوعا قال: من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة. رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وقال الطحاوي: هو ضعيف، وقد صح عن ابن عباس أنه قال: من أتى بهيمة فلا حد عليه (فإن كانت) البهيمة المأتية (ملكه) أي الآتي لها (ف) - هي (هدر) لأن الانسان لا يضمن ما نفسه، (وإن كانت) البهيمة (لغيره ضمنها) لربها لأنها أتلفت بسببه أشبه مال لو قتلها (ويحرم أكلها) وإن كانت من جنس ما يؤكل. روي عن ابن عباس. لأنها وجب قتلها لحق الله تعالى. فأشبهت سائر المقتولات لحق الله تعالى، (ويثبت ذلك) أي إتيانه للبهيمة (بشهادة رجلين على فعله بها) سواء كانت له أو لغيره كسائر ما يوجب التعزير (أو إقراره ويأتي ولو مرة إن كانت) المأتية (ملكه) لأنه أقر على نفسه فيؤاخذ به (وإن لم تكن) البهيمة المأتية (ملكه لم يجز قتلها بإقراره) لأنه إقرار على ملك غيره فلم يقبل، كما لو أقر بها لغير مالكها (ولو مكنت امرأة قردا من نفسها حتى وطئها فعليها ما على واطئ البهيمة) أي فتعزر بليغا على المذهب وعلى القول الثاني تقتل. انتهى.
121 فصل ولا يجب الحد للزنا (إلا بشروط) أربعة. (أحدها: أن يطأ في فرج أصلي من آدمي حي قبلا كان أو دبرا بذكر أصلي. وأقله) أي الوطئ (تغييب حشفة من فحل، أو خصي، أو قدرها عند عدمها) لأن أحكام الوطئ تتعلق به. قال في الفروع والمبدع، بعد كلام نقلاه عن أبي بكر: فدل على أنه يلزم من نفي الغسل الحد وأولى. انتهى. فيؤخذ منه أنه لا حد على من غيبه بحائل (فإن وطئ) الزاني (دون الفرج) فلا حد (أو تساحقت امرأتان) فلا حد لعدم الايلاج، (أو جامع الخنثى المشكل بذكره) ولو في فرج أصلي فلا حد لاحتمال أن يكون أنثى (أو جومع) الخنثى المشكل (في قبله) ولو بذكر أصلي (فلا حد) لاحتمال أن يكون ذكرا (وعليهم) أي الواطئ دون الفرج والموطوءة كذلك والمتساحقتين والخنثى المشكل إذا جامع أو جومع في قبله (التعزير) لارتكابهم تلك المعصية وإن جومع الخنثى المشكل في دبره فلواط (ولو وجد رجل مع امرأة يقبل كل منهما الآخر ولم يعمل أنه وطئها فلا حد) على واحد منهما لعدم العلم بموجبه (وعليهما التعزير) لتلك المعصية (وإن قالا: نحن زوجان واتفقا على ذلك قبل قولهما) في قول الأكثر، (وإن شهد عليهما بالزنا فقالا: نحن زوجان فعليهما الحد إن لم تكن بينة تشهد بالنكاح) لأن الشهادة بالزنا تنفي كونهما زوجين فلا تبطل بمجرد قولهما. وقيل: لا، إذا لم يعلم أنها أجنبية منه. لأن ذلك شبهة كما لو شهد عليه بالسرقة فادعى أن المسروق ملكه. قاله الشيخ في المبدع. الشرط (الثاني: أن يكون الزاني مكلفا. فلا حد على صغير ومجنون) ونائم ونائمة. لحديث: رفع القلم عن
122 ثلاث وتقدم (وإن زنى ابن عشر أو بنت تسع غزرا. قاله في الروضة. وقال في المبدع: يعزر غير البالغ منهما. انتهى. وذلك كضربه على ترك الصلاة. وحد السكران إذا زنا) في سكره (أو أقر به) أي الزنا (في سكره) لأنه مكلف. الشرط (الثالث: انتفاء الشبهة) لقوله (ص): ادرؤا الحدود بالشبهات ما استطعتم. (فإن وطئ جارية ولده) فلا حد سواء (وطئها الابن أو لا) لأنه وطئ تمكنت الشبهة فيه وطئ الأمة المشتركة، يدل عليه (ص): أنت ومالك لأبيك (أو) وطئ (جارية له) فيها شرك (أو لولده) فيها شرك (أو لمكاتبه فيها شرك) فلا حد. لأنه فرج له فيه. ملك أو شبهة ملك. أشبه المكاتبة والمرهونة (أو) وطئ (أمة كلها) لبيت المال (أو بعضها لبيت المال وهو حر مسلم) فلا حد. لأن له حقا في بيت المال (أو وطئ امرأته أو أمته في حيض، أو نفاس أو دبر)، فلا حد لأن الوطئ قد صادف ملكا (أو) وطئ (امرأة على فراشه أو) امرأة (في منزله) ظنها امرأته (أو زفت إليه ولو لم يقل له، هذه امرأتك، ظنها امرأته أو أمته) فلا حد للشبهة (أو) وطئ امرأة ظن أن له أو لولده (أو لبيت المال فيها شركا)، فلا حد للشبهة (أو دعا الضرير امرأته فأجابه غيرها فوطئها) فلا حد للشبهة. بخلاف ما لو دعا محرمة عليه فأجابه غيرها فوطئها يظنها المدعوة فعليه الحد، سواء كانت المدعوة ممن له فيها شبهة كالجارية المشتركة أو لم يكن، لأنه لا يعذر بهذا أشبه ما لو قتل رجلا يظنه ابنه فبان أجنبيا، (أو وطئ أمته المجوسية) أو الوثنية (أو المرتدة، أو المعتدة، أو المزوجة، أو في مدة استبرائها) فلا حد لأنها ملكه (أو) وطئ (في نكاح مختلف في صحته أو) في (ملك مختلف في صحته كنكاح متعه و) نكاح (بلا ولي أو بلا شهود، ونكاح الشغار والمحلل، ونكاح الأخت في عدة أختها) ونحوها (البائن
123 و) نكاح (خامسة في عدة رابعة بائن، ونكاح المجوسية وعقد الفضولي ولو قبل الإجازة) سواء اعتقد تحريم ذلك أو لا. هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب. وعنه: عليه الحد إذا اعتقد تحريمه. اختاره ابن حامد. ويفرق بينهما في هذا النكاح (و) كوطئ (في شراء فاسد بعد قبضه) أي المبيع (ولو اعتقد تحريمه فلا حد) لأن الوطئ فيه شبهة. أما قبل القبض فيحد على الصحيح كما في الانصاف (وتقدم وطئ بائع في مدة خيار) إذا كان (يعتقد تحريمه) وأنه يحد إذا علم انتقال الملك على الصحيح في خيار الشرط، (وإن جهل) الزاني (تحريم الزنا لحداثة عهده بالاسلام أو نشأته ببادية بعيدة) عن دار الاسلام (أو) جهل (تحريم نكاح باطل إجماعا) كخامسة (فلا حد) للعذر. ويقبل منه ذلك. لأنه يجوز أن يكون صادقا (ولا يسقط الحد بجهل العقوبة إذا علم التحريم لقضية ماعز) فإنه (ص) أمر برجمه. وروي: أنه قال في أثناء رجمه: ردوني إلى رسول الله (ص) فإن قومي غروني من نفسي وأخبروني أن النبي (ص) غير قاتلي الحديث. رواه أبو داود. (وإن أكرهت المرأة على الزنا أو) أكره (المفعول به لواطا قهرا، أو بالضرب، أو بالمنع من طعام أو شراب اضطرارا إليه ونحوه) كالدف ء في الشتاء ولياليه الباردة (فلا حد) لقوله (ص): رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه رواه النسائي. وعن عبد الله بن وائل عن أبيه: أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله (ص) فدرأ عنها الحد ورواه سعيد عن عمر. ولان هذا شبهة والحد يدرأ بها (وإن أكره عليه) أي الزنا (الرجل فزني) مكرها (حد) لأن الوطئ لا يكون إلا
124 بالانتشار الحادث بالاختيار بخلاف المرأة (وعنه لا) حد على الرجل المكره كالمرأة (واختاره الموفق وجمع) منهم الشارح، ولعموم الخبر. ولان الاكراه شبهة وكما لو استدخلت ذكره وهو نائم (وإن أكره على إيلاج ذكره بإصبعه) ففعل (من غير انتشار) فلا حد (أو باشر المكره المكره) بكسر الراء (أو) باشر (مأموره ذلك) أي إيلاج الذكر بالإصبع (فلا حد) عليه. لأنه ليس في ذلك فعل اختياري ينسب إليه (وإن وطئ ميتة) عزر ولم يحد لأنه لا يقصد، فلا حاجة إلى الزجر عنه (أو ملك أمه أو أخته) ونحوهما من محارمه (من الرضاع فوطئها عزر ولم يحد) لأنها مملوكة أشبهت مكاتبته. ولأنه وطئ اجتمع فيه موجب ومسقط الحد مبني على الدرء الاسقاط، (وإن اشترى ذات محرمه من النسب ممن يعتق عليه) كأمه وأخته وعمته (ووطئها) فعليه الحد. لأن الملك لا يثبت فيها فلا توجد الشبهة (أو وطئ في نكاح مجمع على بطلانه مع العلم) ببطلانه (كنكاح المزوجة أو) نكاح (المعتدة و) نكاح (مطلقته ثلاثا و) نكاح (الخامسة وذوات محارمه من النسب والرضاع) فعليه الحد لأنه وطئ لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك فأوجب الحد. وقد روي عن عمر أنه رفع إليه امرأة تزوجت في عدتها. فقال: هل علمتما؟ قالا: لا. فقال لو علمتما لرجمتكما. رواه أبو النصر المروذي. (أو زنى بحربية مستأمنة) فعليه الحد. لأن الأمان ليس سببا ليستباح به البضع (أو نكح بنته من الزنا) فعليه الحد (نصا، وحمله جماعة على إن لم يبلغه الخلاف) وهو كون الشافعي أباحه، (فيحمل إذن على معتقد تحريمه) أي تحريم نكاح البنت ونحوها. وعبارة الفروع: وحمله جماعة على أنه لم يبلغه الخلاف ويحتمل حمله على معتقد تحريمه انتهى. قلت: وذلك لا يكفي لأنه قد تقدم لا حد على من وطئ في نكاح مختلف فيه اعتقد تحريمه أولا (أو استأجر امرأة للزنا أو) استأجرها (لغيره) أي الزنا كالخياطة (فزنى بها) فعليه
125 الحد. لأن البضع لا يستباح بالإجارة (أو) زنى (بامرأة له عليها قصاص) فعليه الحد. لأنه وطئ في غير ملك من غير شبهة أشبه، ما لو وطئ من له عليها دين (أو) زنى (بصغيرة يوطأ مثلها أو مجنونة) لأن الواطئ من أهل وجوب الحد (أو) زنى (بامرأة ثم تزوجها أو) زنى (بأمة ثم اشتراها فعليه الحد) لأن النكاح والملك وجد بغير وجوب الحد، فلم يسقط كما لو سرق نصابا ثم ملكه (وإن مكنت المكلفة من نفسها مجنونا أو مميزا، أو من لا يحد لجهله) التحريم، (أو مكنت) مكلفة (حربيا، أو مستأمنا، أو أدخلت) مكلفة (ذكر نائم) في فرجها (فعليها الحد وحدها) لأن سقوطه عن أحد المتواطئين لمعنى يخصه لا يوجب سقوطه عن الآخر. الشرط (الرابع: ثبوت الزنا، ولا يثبت إلا بأحد أمرين. أحدهما: أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس) لأن ماعزا أقر عنده (ص) أربعا في مجلس واحد والغامدية أقرت عنده بذلك في مجلس. وروى أبو هريرة قال: أتى رجل إلى النبي (ص) وهو في المسجد فقال: إني زنيت فأعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي (ص) فقال: أبك جنون؟ قال. لا. قال: هل أحصنت؟ قال نعم. قال: اذهبوا به فارجموه متفق عليه. (وهو مكلف) حر أو عبد محدود في قذف أو لا (مختار) لرفع القلم عن الصغير والمجنون والعفو للمكره، (ويصرح بذكر حقيقة الوطئ) لتزول التهمة. ولقوله (ص) لماعز لعلك قبلت أو غمزت؟ قال: لا: قال: أفنكتها لا يكني؟ قال: نعم. فعند ذلك أمر برجمه. رواه البخاري (ولا ينزع) أي يرجع (عن إقراره حتى يتم الحد) فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه لقصة ماعز وتقدم (فإن أقر أنه زنا بامرأة) أربع مرات (فكذبته فعليه الحد) مؤاخذة بإقراره (دونها كما لو سكتت أو لم تسأل) عن ذلك (ولا يصح إقرار الصبي والمجنون ولا من زال عقله بنوم أو شرب دواء) أو إغماء لأن قولهم غير معتبر
126 (ويحد الأخرس إذا فهمت إشارته) وأقر بها أربع مرات فإن لم تفهم بإشارته لم يتصور منه إقرار (وإن أقر بوطئ امرأة وادعى أنها امرأته فأنكرت المرأة الزوجية ولم تقر بوطئه إياها فلا حد عليه) للشبهة لاحتمال صدقه (ولا مهر لها) لأنها لا تدعيه ولم تقر بالوطئ (وإن اعترفت بوطئه وأنه زنى بها مطاوعة فلا مهر) لاعترافها بأنها زانية مطاوعة (ولا حد على واحد منهما) أما الواطئ فلما تقدم وأما الموطوءة فلأنه لا يكتفي بالاقرار مرة (إلا أن تقر أربع مرات) فتحد مؤاخذة لها بإقرارها (وإن أقرت) الموطوءة (أنه أكرهها عليه) أي الوطئ (أو) أنه (اشتبه عليها فعليه المهر) ما نال من فرجها ولا حد عليهما (ولو شهد أربعة على إقراره) أي الزاني (أربعا بالزنا ثبت الزنا) لوجود الاقرار به أربعا (ولا يثبت) الاقرار بالزنا (بدون أربعة) يشهدون به من الرجال (فإن أنكر) المشهود عليه الاقرار (أو صدقهم دون أربع مرات فلا حد عليه) لأن إنكاره وتصديقه دون أربع رجوع عن إقراره وهو مقبول منه (ولا) حد (على الشهود) لأنهم نصاب كامل (ولو تمت البينة عليه) بالزنا (وأقر على نفسه إقرارا تاما) أي أربعا (ثم رجع عن إقراره لم يسقط عنه الحد) لثبوته بالبينة التامة. فصل الأمر الثاني أن يشهد عليه أي الزنا (ولو ذميا أربعة رجال مسلمين عدول) لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) *. الآية، ولحديث سعد بن عبادة قال
127 أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال النبي (ص) نعم رواه مالك فلا تقبل فيه شهادة النساء ولا فاسق ولو مستورا (أحرارا كانوا) أي الشهود، (أو عبيدا) لعموم النص وهو عدل مسلم ذكر فقبل كالحر (يصفون الزنا) فيعتبر أن يشهدوا (بزنا واحد) يصفونه (فيقولون: رأيناه مغيبا ذكره) في فرجها (أو) غيب (حشفته أو قدرها) إن كان مقطوعها (في فرجها كالميل في المكحلة أو الرشاء في البئر) لأنه إذا اعتبر التصريح في الاقرار كان اعتباره في الشهادة أولى (ويجوز للشهود أن ينظروا إلى ذلك منهما) أي الزانيين (لإقامة الشهادة عليهما) ليحصل الردع بالحد (ولا يعتبر ذكر مكان الزنا) عند أبي حامد والمذهب خلافه ويأتي في الشهادات (ولا ذكر المزني بها إن كانت الشهادة على رجل) لأنه لم يأت في الحديث الصحيح ذكره المزني بها ولا مكان الزنا وقطع في المنتهى في الشهادات بأنه يعتبر ذكرهما (ولا ذكر الزاني إن كانت الشهادة على امرأة) كعكسه (ويكفي إذا شهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها) لحصول العلم بالزنا (والتشبيه) بالمردود في المكحلة والرشاء في البئر (تأكيد ويشترط أن يجئ الأربعة) للشهادة (في مجلس واحد سواء جاؤوا متفرقين أو مجتمعين) لقصة المغيرة فإنهم جاؤوا متفرقين وسمعت شهادتهم وإنما حدوا لعدم كمالها وذلك أن عمر شهد عنده أبو بكرة ونافع وشبل بن سعيد على المغيرة بن شعبة ولم يشهد زياد فحد الثلاثة ولو كان المجلس غير مشترط لم يجز أن يحدهم لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر، (وسواء صدقهم) المشهود عليه (أولا) أي ولو لم يصدقهم لكمال النصاب (فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم من مجلسه) فهم قذفة لأن شهادته غير مقبولة ولا صحيحة أشبه ما لو لم يشهد أصلا وعليهم الحد (أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع) من الشهادة (أو لم يكملها فهم قذفة وعليهم الحد) لقوله تعالى: * (ثم لم
128 يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) *. وهذا يوجب الحد على رام لم يشهد بما قاله أربعة ولان عمر جلد أبا بكر وأصحابه حيث لم يكمل الرابع شهادته بمحضر من الصحابة ولم ينكره أحد فكان كالاجماع، (وإن كانوا) أي الشهود (فساقا) أو بعضهم (أو) كانوا (عميانا أو بعضهم فعليهم الحد) لأنهم قذفة وكذا لو كانوا كفارا ولو على ذمي. (وإن شهدوا أربعة مستورون ولم تثبت عدالتهم) لم يثبت الزنا لجواز أن يكونوا فساقا ولا حد عليهم لاحتمال العدالة، (أو مات أحد الأربعة) الشاهدين بالزنا (قبل وصف الزنا فلا حد عليهم) لأنه قد شهد به أربعة سواء كانوا عدولا أو مستورين (فإن شهد) بالزنا (ثلاثة رجال وامرأتان حد الجميع) لأنه قد شهد به أربعة سواء كانوا عدولا أو مستورين للقذف، لقوله تعالى: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) *. (وإن كان أحد الأربعة) الذين شهدوا بالزنا (زوجا حد الثلاثة) لأنهم قذافة حيث لم تكمل البينة لأن شهادة الزوج عليها غير مسموعة ولأنه بشهادته مقر بعدواته و (لا) يحد (الزوج إن لاعن) المقذوفة وإلا حد لان شهادته على زوجته بالزنا لا تقبل فيكون قاذفا لها (وإن شهد أربعة) على إنسان بالزنا (فإذا المشهود عليه مجبوب أو) المرأة (رتقاء حدوا) أي الشهود (للقذف) للقطع يكذبهم (وإن شهدوا عليها) أي المرأة بالزنا (فتبين أنها عذراء لم تحد هي) لثبوت بكارتها ووجودها يمنع من الزنا ظاهرا لأن الزنا لا يحصل بدون الايلاج ولا يتصور مع بقاء البكارة، (ولا) يحد (الرجل) المشهود عليه بالزنا بها للشبهة (ولا) يحد (الشهود) لأن الشهادة كملت مع احتمال صدقهم فإنه يحتمل أن يكون وطئها ثم عادت عذرتها (وتكفي شهادة امرأة واحدة بعذرتها) كسائر عيوب النساء تحت الثياب (وإن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد أو يوم و) شهد (اثنان أنه زنى بها في بيت) آخر (أو بلد) آخر (أو يوم آخر) فهم قذفة لأنهم لم
129 يشهدوا بزنا واحد وعليهم الحد، (أو شهد اثنان أنه زنى بامرأة بيضاء و) شهد (اثنان أنه زنى بامرأة سوداء فهم قذفة لأنهم لم يشهدوا بزنا واحد وعليهم الحد) لأنه لم يكمل أربعة على زنا واحد. (وإن شهد اثنان أنه زنى بها في زاوية بيت صغير عرفا و) شهد (اثنان أنه زنى بها في زاويته الأخرى) كملت شهادتهم (أو) شهد (اثنان أنه زنى بها في قميص أبيض أو) أنه زنى بها (قائمة و) شهد (اثنان) أنه زنى بها (في) قميص (أحمر أو نائمة كملت شهادتهم) لأنه لا تنافي بينهما لاحتمال أن يكون ابتداء الفعل في زاوية وتمامه في أخرى أو يكون عليها قميصان، فذكر كل اثنين واحدا منهما أو تكون قائمة في الانتهاء نائمة في الابتداء أو بالعكس، وكذا لو شهد اثنان أنه زنى بها في قميص كتان وآخران في قميص خز. (وإن كان البيت كبيرا والزاويتان متباعدتان) وعين كل اثنين زاوية منهما (فهم قذفة) لأنهم لم يشهدوا بزنا واحد وعليهم الحد (والقول في الزمان كالقول في المكان) إذا عين كل اثنين زمانا (متى كان بينهما زمن متباعد لا يمكن وجود الفعل الواحد في جميعه كطرفي النهار لم تكمل شهادتهم فإن تقاربا قبلت) شهادتهم لأنه زمن واحد (وإن شهدا) أي اثنان (أنه زنى بها مطاوعة و) شهد (آخران) أنه زنى بها (مكرهة لم تكمل) شهادتهم لأن فعل المطاوعة غير فعل المكرهة، (وحد شاهد المطاوعة لقذف المرأة) لأنهما قذفاها بالزنا و (إن شهد أربعة) بالزنا (فرجعوا) كلهم أو رجع بعضهم قبل الحد، ولو بعد حكم حد الأربعة للقذف (وحد الأربعة لقذف الرجل) لأنهم قذفوه بالزنا (وإن رجع أحدهم) أي الأربعة (بعد الحكم) للمشهود عليه بالزنا (حد) الراجع (وحده) لأن إقامة الحد كحكم الحاكم فلا ينقض برجوع الشهود أو بعضهم، لكن يلزم من رجع حكم رجوعه وهو مقر بالقذف فيلزمه حده إذا
130 كان الحد جلدا أو رجما و (طالب به قبل موته) وذلك معنى قوله: (ان ورث حد القذف) فيحد بطلب الورثة) وإن رجع الأربعة أو بعضهم قبل حد من شهدوا عليه ولو بعد حكم حد الجميع (وعليه) أي على من رجع بعد الحكم (ربع ما تلف بشهادتهم) لتسببه في تلفه. (ويأتي) ذلك (في الرجوع عن الشهادة) مفصلا (وإذا ثبتت الشهادة بالزنا فصدقهم المشهود عليه) أي على الزنا ولو دون أربع (لم يسقط الحد) خلافا لأبي حنيفة لكمال البينة (وإن شهد شاهدان) بالزنا (واعترف هو) أي المشهود عليه (مرتين لم تكمل البينة) لعدم تمام النصاب ولا يجد لأنه لم يقر أربعا ولم يشهد عليه أربعة (ولم يجب الحد) على البينة لتصديقه لها (فإن كملت البينة ثم مات الشهود أو غابوا جاز الحكم بها) أي البينة لان كل شهادة جاز الحكم بها مع حضور الشهود جاز الحكم بها مع غيبتهم كسائر الشهادات واحتمال رجوعهم ليس بشبهة كما لو حكم بشهادتهم (و) جاز (إقامة الحد) على المشهود عليه لتمام النصاب، (وإن شهدوا بزنا قديم أو أقر) الزاني (به) أي بزنا قديم (وجب الحد) لعموم الآية وكسائر الحقوق، (وتجوز الشهادة بالحد من غير مدع) نص عليه لقصة أبي بكر (وإن شهد أربعة) على رجل (أنه زنى بامرأة وشهد أربعة آخرون على الشهود أنهم هم الزناة) بها (لم يحد المشهود عليه) لأن شهادة الآخرين تضمنت جرح الأولين (ويحد الأولون للقذف وللزنا) لأن شهادة الآخرين صحيحة فيجب الحكم بها (وكل زنا من مسلم أو ذمي أوجب الحد لا يقبل فيه إلا أربعة شهود) لقوله تعالى: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * (ويدخل فيه اللواط) لأن حكمه حكم الزنا، (و) يدخل فيه أيضا (وطئ المرأة)
131 الأجنبية (في دبرها) لأنه زنا. وإن أوجب نقض العهد كزنا الذمي بمسلمة فتقدم كلام الشيخ فيه (وإن أوجب التعزير كوطئ البهيمة و) وطئ (الأمة المشتركة و) أمته (المزوجة قبل فيه رجلان كشهود المباشرة دون الفرج ونحوها) مما يوجب التعزير (وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد بمجرد ذلك) لاحتمال أن يكون من غير زنا (وتسأل استحبابا فإن ادعت أنها أكرهت) على الزنا (أو وطئت بشبهة أو لم تعترف بالزنا) أربع مرات (لم تحد) لامكان صدقها والحد يدرأ بالشبهة (ويستحب للامام أو الحاكم الذي يثبت عنده الحد بالاقرار التعريض للمقر بالرجوع إذا تم) الاقرار (و) التعريض له ب (الوقوف) أي التوقف عن الاقرار إذا لم يتم الاقرار لما روي عن النبي (ص) أنه أعرض عن ماعز حين أقر عنده ثم جاءه من الناحية الأخرى فأعرض عنه حتى تم إقراره أربعا، ثم قال: لعلك قبلت لعلك لمست وروي أنه قال للذي أقر بالسرقة: ما إخالك فعلت رواه سعيد. (ولا بأس أن يعرض له بعض الحاضرين بالرجوع) عن الاقرار إن أقر (أو) يعرضوا له قبل الاقرار (بأن لا يقر) لأن ستر نفسه أولى (ويكره لمن علم بحاله أن يحثه على الاقرار) لما فيه من إشاعة الفاحشة انتهى. باب القذف (وهو الرمي بزنا، أو لواط، أو شهادة به) أي بما ذكر من زنا أو لواط (عليه ولم تكمل
132 البينة) بذلك (وهو) محرم بل (كبيرة) لقوله تعالى: * (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) *. وقوله (ص) اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات متفق عليه. (من قذف ولو) كان القاذف (أخرس بإشارة مفهومة ولو في غير دار الاسلام وهو) أي القاذف (مكلف مختار محصن ولو) كان المقذوف (ذات محرم أو مجبوبا، أو خصيا أو مريضا مدنفا) أي مشرفا على الهلاك (أو رتقاء، أو قرناء حد حر ثمانين جلدة) لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) *. (و) حد (قن ولو عتق) بعد القذف (قبل حده أربعين) جلدة لاجماع الصحابة أنه على النصف. قال عبد الله بن عامر بن ربيعة: أدركت أبا بكر وعمر وعثمان والخلفاء وهلم جرا ما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين رواه مالك، فيكون ذلك مخصصا للآية (و) حد (معتق بعضه بحسابه) كما تقدم في حد الزنا (سوى أبويه) أي المقذوف (وإن علوا فلا يحدان بقذف ولد وإن نزل) نص عليه: (كقود ولا يحدان) أي الأبوان (له) لولدهما وإن نزل في قذف ولا غيره، فلا يرث الولد حد القذف على أبويه كما لا يرث القود عليهما، (فإن قذف أم ابنه وهي أجنبية منه) أي القاذف أي غير زوجة له (فماتت) المقذوفة (قبل استيفائه لم يكن لابنه المطالبة) به عليه، لأنه إذا لم يملك طلبه بقذفه لنفسه فلغيره أولى وكالقود (فإن كان لها) أي المقذوفة (ابن آخر من غيره) أي القاذف (كان له) أي ابنها الآخر (استيفاؤه فله إذا ماتت بعد المطالبة) لتبعضه بخلاف القود (ويحد الابن بقذف كل واحد من آبائه وأمهاته، وإن علوا) لعموم الآية وكما
133 يقاد بهم. (ويحد) القاذف (بقذف على وجه الغيرة) بفتح الغين المعجمة أي الحمية والأنفة، لعموم الآية، وكأجنبي (ويشترط لإقامة الحد) بالقذف (مطالبة المقذوف) للقاذف (واستدامة الطلب إلى إقامة الحد بأن لا يعفو) فلا يجد. ولا يجوز أن يعرض له إلا بطلبه ذكره الشيخ تقي الدين إجماعا (و) يشترط أيضا (أ) ن (لا يأتي القاذف ببينة) أي أربعة رجال (ما قذفه به) لمفهوم قوله تعالى: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * (و) يشترط أيضا (أن لا يصدقه المقذوف) فإن صدقه لم يحد لأنه أبلغ من إقامة البينة (و) يشترط أيضا (أن لا يلاعن القاذف) المقذوف (إن كان) القاذف (زوجا) فإن لاعن سقط عنه الحد لما تقدم في اللعان. (وهو) أي حد القذف (حق الآدمي) يسقط بعفوه (ولا يستحلف) المنكر (فيه) أي في القذف لأنه لا يتعلق بالمال مقصوده (ولا يقبل رجوعه) أي المقر بالقذف (عنه) أي عن القذف كسائر حقوق الآدمي إذا أقر بها بخلاف حد الزنا وحد الشرب والسرقة لأنها حق لله تعالى. (ويسقط) حد القذف بالعفو (عن بعضه) فلو قذف جماعة بكلمة واحدة فعفا بعضهم لم يسقط الحد بالنسبة لمن لم يعف، ويستوفى له كاملا بخلاف القصاص لأنه لا يتبعض. (وإن قال: اقذفني عزر القاذف فقط) لارتكابه معصية، ولم يحد لأنه حق لآدمي وقد أذن فيه. (وليس للمقذوف استيفاء بنفسه) فلو فعل لم يعتد به وعلله القاضي بأنه تعتبر نية الامام أنه حد (وقذف غير المحصن كمشرك، وذمي، وقن. ولو كان القاذف سيده، ومسلم له دون عشر سنين، ومسلمة لها دون تسع سنين ومن ليس بعفيف يوجب التعزير فقط) ردعا له عن أعراض المعصومين وكفالة عن أذاهم، (وحق طلب تعزير القن إذا قذف له) لأنه لا يتعلق بالمال مقصوده (لا لسيده) فلا يطالب به سيده (والمحصن هنا) أي في القذف غير المحصن في باب الزنا و (هو الحر، المسلم، العاقل، الذي يجامع مثله) وهو ابن عشر وبنت تسع فأكثر (العفيف عن الزنا ظاهرا) أما اعتبار الحرية والاسلام فلان العبد والكافر حريتهما لا تنهض لايجاب الحد والآية الكريمة وردت في الحرة المسلمة وغيرها ليس في معناها،
134 وأما العقل فلان المجنون لا يعير بالزنا لعدم تكليفه، وغير العاقل لا يلحقه شين بإضافة الزنا إليه لكونه غير مكلف وأما العفة عن الزنا فلان غير العفيف لا يشينه القذف. والحد إنما وجب لأجل ذلك وقد أسقط الله الحد عن القاذف إذا كان له بينة بما قال، وأما كونه يجامع مثله فلان من دونه لا يعير بالقذف لتحقق كذب القاذف ولا يشترط في المحصن العدالة، فلو كان فاسقا لشربه الخمر أو البدعة ولم يعرف بالزنا وجب الحد على قاذفه، (ولو تائبا من زنا) فيحد قاذفه لأن التوبة تجب ما قبلها (أو) كان المقذوف (ملاعنة) فيحد قاذفها كغيرها (وولدها) أي الملاعنة (وولد زنا كغيرها فيحد من قذفهما) إذا كانا محصنين كغيرهما (ومن ثبت زناه منهما) أي من ولد الملاعنة وولد الزنا (أو) ثبت زناه (من غيرهما ببينة) أو بأربعة رجال فلا حد على قاذفه. للآية (أو شهد به) أي بزناه (شاهدان) فلا حد على قاذفه وفيه نظر لمفهوم قوله تعالى: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * (أو أقر) المقذوف (به) أي بالزنا (ولو دون أربع مرات) فلا حد على قاذفه (أو حد للزنا فلا حد على قاذفه) لعدم إحصانه (ويعزر) لما تقدم (ولو قال لمن زنى في شركه أو كان مجوسيا تزوج بذات محرم) كأخته (بعد أن أسلم: يا زاني فلا حد عليه إذا فسره بذلك) أي بالزنا في شركة أو بتزوجه بذات محرمه لأنه صادق (ويعزر) لإيذائه له (ولا يشترط في المقذوف البلوغ بل) أن (يكون مثله يطأ أو يوطأ كابن عشر) فأكثر (وابنة تسع) فأكثر لأنه يلحقهما الشين بإضافة الزنا إليهما ويعيران بذلك. ولهذا جعل عيبا في الرقيق. وظاهر كلام جماعة أنه لا يعتبر سلامته من وطئ الشبهة (ولا يقام عليه) أي على قاذف ابن عشر ونحوه (الحد حتى يبلغ المقذوف ويطالب به) أي الحد (بعد بلوغه) لعدم
135 اعتبار كلامه قبل البلوغ (وليس لوليه) أي ولي غير البالغ (المطالبة عنه) بالحد حذرا من فوات التشفي (وكذا لو جن المقذوف) قبل الطلب (أو أغمي عليه قبل الطلب) بالحد لم يقم على القاذف حتى يفيق المقذوف ويطالبه وليس لوليه المطالبة عنه لما سلف (وإن كان) جنونه أو إغماؤه (بعده) أي الطلب (أقيم) الحد في الحال لوجود شرطه (كما لو وكل في استيفاء القصاص ثم جن) مستحقه جنونا غير مطبق (أو أغمي عليه) فإن ذلك لا يمنع وكيله من استيفائه، فإن كان الجنون مطبقا فقد تقدم في الوكالة أنها تبطل به (وإن قذف غائبا اعتبر قدومه وطلبه) لأنه حق له أشبه سائر حقوقه (إلا أن يثبت أنه طالبه في غيبته فيحد) القاذف لوجود شرطه وهو الطلب (وإن كان القاذف مجنونا، أو مبرسما، أو نائما أو صغيرا فلا حد عليه) لعدم اعتبار كلامه (بخلاف السكران) لأنه مكلف (وإن قال لحرة مسلمة) محصنة (زنيت وأنت صغيرة وفسره بصغر عن تسع لم يحد) لأن حد القذف إنما وجب لما يلحق بالمقذوف من العار وهو منتف للصغر (ويعزر) زاد في المغني إن رآه الامام وأنه لا يحتاج لحد طلب لأنه تأديب (وكذلك إن قذف صغيرا له دون عشر سنين) أو قذف محصنا فقال له: زنيت وأنت صغير وفسره بما دون العشر لما مر (و) إلا بأن قال لمحصنة: زنيت وأنت صغيرة و (إن فسره أو) بتسع فأكثر من عمرها حد قال لمحصن: زنيت وأنت صغير وفسره (بعشر فأكثر من عمره حد) لعدم اشتراط البلوغ (وإن قال القاذف للمقذوف. كنت أنت صغيرا حين قذفتك فقال) المقذوف: (بل) كنت (كبيرا، فالقول قول القاذف) لأن الأصل الصغر وبراءة الذمة من الحد (وإن أقام كل منهما بينة بدعواه وكانتا مطلقتين أو مؤرختين تاريخين مختلفين فهما قذفان يوجبان التعزير، والحد) أي القذف في الصغر يوجب التعزير والقذف في الكبر يوجب الحد إعمالا للبينتين (وإن بينتا تاريخا واحدا) فقال كل منهما: قذفه في أول محرم سنة أربع مثلا (فقالت إحداهما: وهو صغير. وقالت الأخرى وهو كبير
136 تعارضتا وسقطتا) لتعارضهما وعدم المرجح لإحداهما على الأخرى (وكذا لو كان تاريخ بينة المقذوف) الشاهدة بكبره (قبل تاريخ بينة القاذف) الشاهد بالصغر فتعارضتا، ويرجع إلى قول القاذف: إن القذف كان في صغر المقذوف. والمراد بالصغر ما دون عشر في الذكر وتسع في الأنثى كما يعلم مما تقدم (وإن قال لحرة مسلمة: زنيت وأنت نصرانية) أو نحوها (أو أمة لم تكن كذلك حد) للعلم بكذبه في وصفها بذلك (وإن لم يثبت ذلك وأمكن) أن تكون كذلك (حد أيضا) لأن الأصل عدمه (وكذا لو قذف مجهولة النسب وادعى رقها وأنكرته) فيحد. وكذا لو قذف مجهول النسب وادعى رقه وأنكره وتقدم في اللقيط (وإن كانت كذلك) أي نصرانية أو أمة (لم يحد) لعدم الاحصان وقت القذف (وإن قالت أردت قذفي الحال فأنكرها لم يحد) والقول قوله في إرادته لأنه أعلم بنيته (ولو قال زنيت وأنت مشركة فقالت: أردت قذفي بالزنا والشرك. فقال) القاذف: (بل أردت قذفك بالزنا إذ كنت مشركة فقوله مع يمينه) لأن اختلافهما في نيته، ولا تعلم إلا من قبله (وهكذا إن قال) لحر: (زنيت وأنت عبد) فقال: أردت قذفي بالزنا والرق؟ فقال: بل أردت قذفك بالزنا إذ كنت قنا (وإن قال لها) أي لمشركة أسلمت (يا زانية ثم ثبت زناها في حال كفرها لم يحد) لأنها غير محصنة (ولو قذف) زوج (من أقرت بزنا) ولو (مرة فلا لعان) عليه لاعترافها بما قذفها به (ويعزر) لارتكابه معصية (ومن قذف محصنا فزال إحصانه قبل إقامة الحد لم يسقط الحد عن القاذف) حكم الحاكم بوجوبه أم لا، لأن العبد يعتبر بوقت وجوبه وكما لا يسقط بردته وجنونه بخلاف فسق الشهود قبل الحكم لضيق الشهادة (وإن وجب الحد على ذمي أو) على (مرتد فلحق بدار الحرب ثم عاد لم يسقط عنه) بل يقام عليه كسائر الحقوق عليه.
137 فصل والقذف محرم لما تقدم أول الباب (إلا في موضعين أحدهما أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه) زاد في الترغيب والرعاية ولو دون الفرج. وفي المغني والشرح: أو تقر به أي بالزنا فيصدقها (فيعتزلها ثم تلد ما يمكن أنه من الزاني فيجب عليه قذفها) لأن نفي الولد واجب لأنه إذا لم ينفه لحقه وورثه وورث أقاربه وورثوا منه ونظر إلى بناته وأخواته ولا يمكن نفيه إلا بالقذف وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (و) يجب (نفي ولدها) لان ذلك مجرى اليقين في أن الولد من الزنا لكونها أتت به لستة أشهر من حين الوطئ وفي سنن أبي داود، أن النبي (ص) قال: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شئ، ولم يدخلها الله في جنته ولا شك أن الرجل مثلها، (وفي المحرر وغيره. وكذا لو وطئها) الزوج (في طهر زنت فيه، وظن أن الولد من الزاني) لشبهه ونحوه، وجزم به في المنتهى (وفي الترغيب نفيه) أي الولد (محرم مع التردد) في كونه منه أو من غيره لأن الولد للفراش (و) الموضع (الثاني أن يراها تزني ولم تلد ما يلزم نفيه أو يستفيض زناها في الناس، أو أخبره به) أي بزناها (ثقة، أو يرى) الزوج (رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها، زاد في الترغيب خلوة فيباح قذفها) لأنه يغلب عل ظنه فجورها (ولا يجب) لأنه يمكنه فراقها (وفراقها أولى من قذفها) لأنه أستر، ولان قذفها يلزم منه أن يحلف
138 أحدهما كاذبا أو تقر فتفتضح (وأن أتت) الزوجة (بولد يخالف لونه لونهما) أي الزوجين كأبيض بين أسودين أو عكسه، (أو) أتت بولد (يشبه رجلا غير والده يبح نفيه بذلك)، لخبر أبي هريرة متفق عليه وقال: لعله نزعه عرق ولان دلالة الشبه ضعيفة ودلالة الفراش قوية بدليل قصة سعد وعبد بن زمعة (ما لم تكن قرينة) بأن رأى عندها رجلا يشبه الولد الذي أتت به، فإن ذلك مع الشبه يغلب على الظن أن الولد من الرجل الذي رآه عندها. (وإن كان يعزل عنها لم يبح له نفيه) لخبر أبي سعيد (ولا يجوز قذفها بخبر من لا يوثق بخبره) لأن خبره ليس مقبولا (ولا) قذفها (برؤيته رجلا خارجا من عندها من غير أن يستفيض زناها) مع قرينة لعدم ما) يدل على زناها انتهى. فصل وألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية كالطلاق وغيره. (صريح القذف ما لا يحتمل غيره نحو يا زان يا عاهر) وأصل العهر إتيان الرجل المرأة ليلا للفجور بها ثم غلب على الزنا فأطلق العاهر على الزاني سواء جاءها أو جاءته هي ليلا أو نهارا، (زني فرجك بالوطئ يا معفوج) من عفج بمعنى نكح أي منكوح أي موطوء (يا منيوك قد زنيت أو أنت أزنى الناس. فتح التاء أو كسرها للذكر والأنثى في قوله: زنيت) لأن هذا اللفظ خطاب لهما وإشارة إليهما بلفظ الزنا، ولان كثيرا من الناس يذكر المؤنث ويؤنث المذكر. ولا يخرج بذلك عن كون المخاطب به مرادا بما يراد باللفظ الصحيح (أو) قال: (أنت أزنى من فلانة يحد للمخاطب) بذلك الكلام لأنه قاذف له (وليس بقاذف لفلانة) فلا يحد لها لأن لفظة أفعل. تستعمل للمنفرد بالفعل لقوله تعالى: * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع) *. (أو قال لرجل يا زانية أو يا نسمة زانية أو
139 لامرأة يا زان، أو يا شخصا زانيا أو قذفها) أي المرأة (أنها وطئت في دبرها أو قذف رجلا بوطئ امرأة في دبرها أو قال لها: يا منيوكة إن لم يفسره بفعل زوج أو سيد) فإن فسره بفعل زوج أو سيد فليس قذفا لأنه ليس بزنا (إذا كان القذف بعد حريتها) أي الأمة (وفسره بفعل السيد قبل العتق) فلا حد (ولا يقبل قوله) أي لا يسمع تفسير القاذف للقذف (بما يحيله) أي يغير القذف ويخرجه عن معناه لأنه خلاف الظاهر (ويحد) لاتيانه بصريح القذف (فإن قال أردت) بقولي: يا زاني أو يا عاهر (زاني العين أو عاهر اليد أو) قال أردت بقولي (يا لوطي إنك من قوم لوط أو تعمل عمل قوم لوط غير إتيان الذكور ونحوه) أي نحو ما ذكر من التأويل (لم يقبل) منه لأن إطلاق لفظه وإرادة مثل ذلك فيه مع أن قوم لوط لم يبق منهم أحد (وكل ما لا يجب الحد بفعله لا يجب على القاذف به كوطئ البهيمة والمباشرة دون الفرج والوطئ بالشبهة وقذف المرأة بالمساحقة، أو) قذفها (بالوطئ مكرهة و) ك (- القذف باللمس، والنظر) لأن ذلك ليس رميا بالزنا (وقوله لست لأبيك، أو لست بولد فلان قذف لامه) لأن ذلك يقتضي أن أمه أتت به من غير أبيه وذلك قذف لها (إلا أن يكون منفيا بلعان لم يستلحقه أبوه، ولم يفسره) القائل (بزنا أمه) فإنه لا يكون قذفا لامه لصدقه في أنه ليس بولده (وكذا إن نفاه عن قبيلته) بأن قال: لست من قبيلة كذا فإنه يكون قذفا لامه إلا أن يكون منفيا بلعان لم يستلحقه أبوه ولم يفسره بزنا أمه (أو قال يا ابن الزانية) فهو قذف لامه (وإن نفاه) أي الولد (عن أمه) بأن قال ما أنت ابن فلانة فلا حد للعلم بكذبه. (أو قال إن لم تفعل كذا فلست بابن فلان) فلا حد لأنه لم يقذف أحدا بالزنا. (أو رمي بحجر فقال من رماني فهو ابن الزانية ولم يعرف الرامي) فلا حد لعدم تعيين الرامي. (أو اختلف اثنان في
140 شئ فقال أحدهما الكاذب ابن الزانية فلا حد) لعدم تعيين الكاذب (وإن كان يعرف الرامي فقاذف) لتعيينه وعبارة المنتهى كالفروع وغيره إذا قال: من رماني بالزنا فهو زان لاحد وظاهره مطلقا (وإن قال لولده: لست بولدي فهو كناية في قذف أمه يقبل تفسيره بما يحتمله) لأن للرجل أن يغلظ في القول والفعل لولده، (وزنأت في الجبل مهموزا صريح ولو زاد في الجبل أو عرف العربية) لأن عامة الناس لا يفهمون من ذلك إلا القذف وإن كان معناه في اللغة طلعت (كما لو لم يقل في الجبل أو لحن لحنا غير هذا) فالعبرة بما يفهم من اللفظ ولا أثر للحن قال في المبدع وعليهما إن قال أردت الصعود في الجبل قبل (وإن قال لرجل زنيت بفلانة أو قال لها زنى بك فلان أو) قال (يا ابن الزانيين كان قاذفا لهما بكلمة واحدة) فيحد لهما حدا واحدا بطلبهما أو طلب أحدهما (وإن قال: يا ناكح أمه وهي حية فعليه حدان نصا) ويحتاج لتحرير الفرق بينها وبين التي قبلها (ويا زاني ابن الزاني كذلك) أي عليه حدان نصا (إن كان أبوه حيا) لأنه قذفهما بكلمتين وإن كان الأب ميتا فعلى ما يأتي في قذف الميت أنه لا يجب الحد بقذفه لأن هذا القذف لا يورث إلا بعد الطلب به (وإن أقر أنه زنى بامرأة فهو قاذف لها) فيلزمه حده (ولو لم يلزمه حد الزنا بإقراره) بأن لم يقر به أربعا أو أقر به أربعا ثم رجع. فصل وكنايته أي القذف والتعريض به (نحو زنت يداك ورجلاك أو) زنت (يدك أو رجلك) لأن زنا هذه الأعضاء لا يوجب
141 الحد لقوله (ص) العينان تزنيان وزناهما النظر الحديث (أو) زنى (بدنك) لأن زناه يحتمل أن يكون بزنا شئ من أعضائه على المعنى السابق غير الفرج (ونحو قوله لامرأة رجل قد فضحته) لأنه يحتمل أن يكون بشكواك (وغطيت) رأسه (أو نكست رأسه) لأنه يحتمل أو يكون حياء من الناس (وجعلت له قرونا وعلقت عليه أولادا من غيره) أي أنه يحتمل من زوج آخر أو وطئ بشبهة (وأفسدت فراشه) أي أنه يحتمل بالنشوز والشقاق أو منع الوطئ (أو يقول لمن يخاصمه يا حلال ابن الحلال) لأنه كذلك حقيقة (ما يعير كل الناس بالزنا) أي ما أنت زان ولا أمك زانية (أو يا فاجرة) أي مخالفة لزوجها فيما يجب طاعتها فيه (يا قحبة) قال السعدي قحب البعير والكلب سعل وهي في زماننا المعدة للزنا (أو يا خبيثة) صفة مشبهة من خبث الشر فهو خبيث (أو يقول لعربي يا نبطي أو يا فارسي أو (يا رومي) لأنه يحتمل أن يكون أراد بالنبطي اللسان أو يا فارسي الطبع أو رومي الخلقة (أو يقول لأحدهم: يا عربي) والنبط: قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين وفارس بلاد معروفة وأهلها الفرس وفارس أبوهم والروم على الأصل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (ص) ولو قال، لعربي يا أعجمي بالألف لم يكن قذفا لأنه نسبه إلى العجمة وهي موجودة في العربي فكأنه قال له يا غير فصيح (أو قال ما أنا بزان أو ما أمي زانية أو يا خنيث بالنون أو يا عفيف يا نظيف أو يسمع رجلا يقذف رجلا فيقول صدقت أو صدقت فيما قلت) إذ يحتمل أن يكون صدق في غير ذلك (أو) قال: (أخبرني أو أشهدني فلان أنك زنيت وكذبه فلان) لأنه إنما أخبر أنه قد قذف فلم يكن قذفا كما لو شهد على رجل أنه قذف (أو قال يا ولد الزنا قال في الرعاية أو قال لها: لم أجدك عذراء وفي الكافي يا ولد الزنا قاذف لامه فهذه)
142 الألفاظ التي سبقت (كناية) لاحتمالها غير الزنا كما قدمته (إن فسره) أي ما سبق (بالزنا فهو قذف) لأنه أقر على نفسه بما هو الأغلظ عليه (وإن فسره بما يحتمله غير القذف قبل) لأنه يحتمل غير الزنا كما ذكرناه (مع يمينه). وفي الترغيب هو قذف بنيته ولا يخلف منكرها (وعزر وإن كان نوى الزنا بالكناية لزمه الحد باطنا ويلزمه إظهار نيته) لأنه حق آدمي (ويعزر بقوله يا كافر يا منافق يا سارق يا أعور يا أقطع يا أعمى يا مقعد يا ابن الزمن الأعمى الأعرج يا نمام يا حروري) نسبة إلى الحرورية غرقة من الخوارج، (يا مرائي، يا مرابي يا فاسق يا فاجر يا حمار يا تيس يا رافضي يا خبيث البطن أو الفرج يا عدو الله يا جائر يا شارب الخمر يا كذاب أو يا كاذب يا ظالم يا خائن يا مخنث يا مأبون أي معيوب) وفي عرف زماننا من به ماء في دبره وليس بصريح لأن الابنة المشار إليها لا تعطى أنه يفعل به بمقتضى قوله للمرأة يا مغتلمة (زنت عينك، يا قرنان، يا قواد)، وهو عند العامة السمسار في الزنا (يا معرص يا عرصة) وينبغي فيهما بحسب العرف أن يكونا صريحين (ونحوهما: يا ديوث) وهو الذي يقر السوء على أهله وقيل: الذي يدخل الرجال على امرأته. وقال الجوهري هو الذي لا غيرة له والكل متقارب قاله في الحاشية: (يا كشحان) بفتح الكاف وكسرها الديوث قاله في الحاشية: (يا قرطبان). قال ثعلب، القرطبان الذي يرضى أن يدخل الرجال على نسائه وقال القرنان والكشحان لم أرهما في كلام العرب مثل معنى الديوث أو قريب منه (يا علق) وذكر الشيخ تقي الدين أنها صريحة ومعناه قول ابن رزين كل ما يدل عليه عرفا (يا سوس ونحو ذلك) من كل ما فيه إيذاء وابن ظالم ليس بصريح في الزنا فيعزر به لارتكابه معصية وكفالة عن أذى المعصومين ومن قال لظالم ابن ظالم جبرك الله ورحم سلفك يعزر ذكره في الفروع عن الرعاية.
143 فصل وإن قذف أهل بلد أو قذف (جماعة لا يتصور الزنا من جميعهم عادة لم يحد) لأنه عار على المقذوف بذلك للقطع بكذب القاذف (وعزر) على ما أتى به من المعصية والزور (كسبهم بغيره) أي القذف (ولو لم يطلبه) أي التعزير (أحد منهم) قال في المغني لا يحتاج التعزير إلى مطالبة (وإن قال لامرأته: يا زانية، فقالت: بك زنيت، لم تكن قاذفة) له لأنها صدقته (وسقط عند الحد بتصديقها) له كما تقدم (ولا يجب عليها حد القذف) لأنها لم تقذفه (لأنه يمكن الزنا منها به من غير أن يكون زانيا) بها (بأن يكون قد وطئها بشبهة) وهي عالمة (ولا يجب عليها حد الزنا لأنها لم تقر) به (أربع مرات ومن قذف له موروث حي محجور عليه) لصغر أو غيره (أو لا) أو غير محجور عليه (أما كان) المقذوف (أو غيرها لم يكن له أن يطالب في حياته بموجب قذفه) لأنه حق ثبت للتشفي فلا يقوم فيه غير المستحق مقامه كالقصاص. (فإن مات) المقذوف أما كان أو غيره (وقد طالب) بالحد (صار) الحد (للوارث بصفة ما كان للموروث اعتبارا بإحصانه) أي الوارث لأنه يعتبر له وطعن في نسبه قال في الشرح والمبدع ولا يستحق ذلك بطريق الإرث فلذلك يعتبر الاحصان فيه ولا يعتبر في أمة أي إذا كانت هي المقذوفة ولان القذف له وشرط فيه الطلب لأنه حق من الحقوق فلا يستوفى بغير طلب مستحقه كسائر الحقوق وإحصانه لأن الحد وجب للقدح في نسبه (وإن قذف) بالبناء للمفعول (ميت محصن أو لا) أو أي غير محصن (ولو) كان الميت المقذوف. (من
144 غير أمهات الوارث حد قاذف بطلب وارث محصن خاصة) لما فيه من التعبير (وإن كان الوارث غير محصن) بأن كان عبدا أو كافرا ونحوه (فلا حد) كما لو قذفه ابتداء (وثبت حد قذف الميت والقذف الموروث لجميع الورثة حتى الزوجين) لأنه حق ورث عن الميت فاشترك فيه جميع الورثة كسائر الحقوق (وإن عفا بعضهم) أي الورثة (حد) القاذف (للباقي) من الورثة حدا (كاملا) للحوق العار بكل واحد منهم على انفراده (ومن قذف النبي (ص) أو) قذف (أمه كفر) لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر. (وقتل) من قذف النبي (ص) (ولو تاب نصا أو كان كافرا ملتزما) كالذمي (فأسلم) لأن قتله حد قذفه ولا يسقط بالتوبة كقذف غيرهما ولأنه لو قبلت توبته وسقط حده لكان أخف حكما من قذف آحاد الناس. قال في المنثور وهذا كافر قتل من سبه فيعايا بها. فائدة: قال الشيخ تقي الدين: قذف نسائه كقذفه لقدحه في دينه (ص) وإنما لم يقتلهم لأنهم تكلموا قبل علمه ببراءتها وأنها من أمهات المؤمنين لامكان المفارقة فيخرج بها منهن وتحل لغيره و (لا) يقتل (إن سبه) كافر (بغير القذف ثم أسلم) لأن سب الله تعالى يسقط بالاسلام فسب النبي (ص) أولى (وتقدم آخر باب أحكام الذمة وكذا) حكم قذف (كل أم نبي غير نبينا) (ص) (قاله ابن عبدوس في تذكرته ولعله مراد غيره). قال في الانصاف وهو عين الصواب الذي لا شك فيه لعله مرادهم وتعليلهم يدل عليه ولم يذكروا ما ينافيه. تتمة: سأله حرب رجل افترى على رجل، فقال يا ابن كذا وكذا إلى آدم وحواء فعظمه جدا وقال عن الحد لم يبلغني فيه شئ ذهب إلى حد واحد (وإن قذف) مكلف (جماعة يتصور منهم الزنا عادة بكلمة واحدة ف) - عليه (حد واحد إذا طالبوا ولو متفرقين أو) طالب (واحد منهم فيحد لمن طلب ثم لا حد بعده) لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات) * الآية، فلم يفرق بين من قذف واحدا أو جماعة ولان الحد إنما وجب بإدخال
145 المعرة على المقذوف بقذفه وبحد واحد يظهر كذب هذا القاذف وتزول المعرة فوجب أن يكتفي به بخلاف ما إذا قذف كل واحد قذفا مفردا فإن كذبه في قذفه لا يلزم منه كذبه في الآخر ولا تزول المعرة (وإن أسقطه) أي الحد (أحدهم فلغيره المطالبة، واستيفاؤه) لان الحق ثابت لهم على سبيل البدل فأيهم طلبه استوفاه وسقط ولم يكن لغيره الطلب كحق المرأة على أوليائها في تزويجها (وسقط حق العافي) بعفوه لأنه حق له كما لو انفرد، (وإن كان) قذف جماعة يتصور الزنا منهم عادة (بكلمات حد لكل واحد) منهم (حدا) كاملا لما سلف وكالديون والقصاص (ومن حد لقذف ثم أعاده) أي القذف لم يعد عليه الحد لأنه حد به مرة فلم يحد ثانية ويعزر، (أو) أعاد زوج القذف (بعد لعانه لم يعد عليه الحد)، لأنه قذف لاعن عليه فلا يحد به كما لو أعاده قبل اللعان (ويعزر) ردعا له عن أعراض المعصومين (ولا لعان) أي لو كان المعيد للقذف زوجا بعد أن لاعن عليه، فليس له إعادة اللعان لدرء التعزير. لأن القذف واحد وقد لاعن عليه أولا فلا يعيده (وإن قذفه بزنا آخر) أي غير الذي قذف به (حد) للقذف الثاني (مع طول الزمن) لأن حرمة المقذوف لا تسقط بالنسبة إلى القاذف أبدا بحيث يتمكن من قذفه بكل حال (وإلا) أي وإن لم يطل الزمن بين الحد الأول والقذف الثاني (فلا) يحد ثانيا لأنه قد حد له مرة ولم يحد له بالقذف عقبه كما لو قذفه بالزنا الأول (وإن قذف رجلا) أو امرأة (مرات بزنا أو زنيات ولم يحد فحد واحد) كما لو زنى بنساء أو شرب أنواعا من المسكر، أو سرق من جماعة لأن القصد الردع وإظهار كذبه وذلك يحصل به حد واحد. فصل وتجب التوبة فورا (من القذف والغيبة وغيرهما) ظاهره ولو من صغيرة وإن كانت تكفر باجتناب الكبائر لعموم الأدلة (ولا يشترط لصحتها) أي التوبة (من ذلك) أي القذف والغيبة ونحوهما (إعلامه) أي المقذوف أو المغتاب ونحوه. نقل مهنا: لا ينبغي أن يعلمه (ولان
146 في إعلامه دخول غم عليه وزيادة إيذاء. وقال القاضي والشيخ عبد القادر: يحرم) على القاذف ونحوه (إعلامه) أي المقذوف أو المغتاب ونحوه لما تقدم (وقيل): يشترط إعلامه (إن علم به المظلوم وإلا دعا له، واستغفر ولم يعلمه وذكره الشيخ عن أكثر العلماء وقال) الشيخ (وعلى الصحيح من الروايتين لا يجب الاعتراف) للمظلوم (ولو سأله فيعرض) في إنكاره حذرا من الكذب (ولو مع استحلافه، لأنه مظلوم، لصحة توبته) فينفعه التأويل (ومع عدم التوبة والاحسان تعريضه) في الانكار (كذب ويمينه غموس) لأنه ظالم فلا ينفعه تعريضه (قال: واختار أصحابنا لا يعلمه، بل يدعو له في مقابلة مظلمته وقال ومن هذا الباب قول النبي (ص): أيما مسلم شتمته أو سببته فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة) رواه الشيخان من حديث أبي هريرة بلفظ أن النبي (ص) قال: اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه إنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته فاجعلها له صلاة الحديث (وقال) الشيخ (أيضا زناه بزوجة غيره كالغيبة) وذكر في الغنية إن تأذى بمعرفته كزناه بجاريته وأهله وغيبته خفي بعظم أذاه فهنا لا طريق له إلى أن يستحله ويبقى له عليه مظلمة فيجبرها بالحسنات كما تجبر مظلمة الميت والغائب (ولو أعلمه بما فعل ولم يبينه فحلله فهو كإبراء منه) على ما تقدم في الهبة (وفي الغنية لا يكفي الاستحلال إليهم فإن تعذر فيكثر الحسنات ولو رضي أن يشتم أو يغتاب أو يجنى عليه ونحوه لم يبح ذلك) لأن إسقاط الحق قبل وجوده لا يصح وإذنه في عرضه كإذنه في قذفه ودمه (ويأتي لذلك تتمة في باب شروط من تقبل شهادته) وبيان معنى التوبة وما يتعلق به.
147 باب حد المسكر السكر اختلاط العقل قال الجوهري: السكران خلاف الصاحي والجمع سكرى وسكارى بضم السين وفتحها والمرأة سكرى ولغة بني أسد سكرانة والمسكر اسم فاعل من أسكر الشراب إذا جعل صاحبه سكران أو كان فيه قوة تفعل ذلك وهو محرم بالاجماع، وما نقل عن قدامة بن مظعون وعمرو بن معدي كرب وابن جندل بن سهيل: أنها حلال، فمرجوع عنه، نقله الموفق والشارح وغيرهما وسنده قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب) * الآيات. وقول النبي (ص) في حديث ابن عمر: كل مسكر خمر وفي لفظ (كل مسكر حرام) رواهما مسلم. (كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام) لحديث جابر مرفوعا قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه (من أي شئ كان) لما روي أن عمر قال على منبر رسول الله (ص): أما بعد: أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خمر العقل متفق عليه (ويسمى) كل شراب أسكر (خمرا) لقوله (ص): كل مسكر خمر وكل خمر حرام رواه أبو داود (ولا يجوز شربه) أي المسكر (للذة ولا لتداو) لما روى وائل بن حجر: أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي (ص) عن الخمر. فنهاه وكره له أن يصنعها فقال: إنما أصنعها للدواء. فقال: إنه ليس
148 بدواء ولكنه داء رواه مسلم. وقال ابن مسعود إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. رواه البخاري. (ولا عطش بخلاف ماء نجس) لما فيه من البرد والرطوبة بخلاف المسكر. فإنه لا يحصل به ري. لأن فيه من الحرارة ما يزيد العطش (ولا) يجوز استعمال المسكر في (غيره) أي غير ما ذكر (إلا لمكره) فيجوز له تناول ما أكره عليه فقط. لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. (أو مضطر إليه) خاف التلف (لدفع لقمة غص بها وليس عنده ما يسيغها) فيجوز له تناوله، لقوله تعالى: * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) *. ولان حفظ النفس مطلوب بدليل إباحة الميتة عند الاضطرار إليها وهو موجود هنا (ويقدم عليه) أي المسكر (بول) لوجوب الحد باستعمال المسكر دون البول (ويقدم عليهما) أي على المسكر والبول (ماء نجس) لأن الماء مطعوم بخلاف البول وإنما منع من حل استعماله نجاسته (وفي المغني وغيره) كالشرح (إن شربها) أي الخمر (لعطش فإن كانت ممزوجة بما يروي من العطش أبيحت لدفعه عند الضرورة) كما تباح الميتة عند المخمصة وكإباحتها لدفع الغصة (وإن شربها صرفا أو ممزوجة بشئ يسير لا يروي من العطش لم تبح) لعدم حصول المقصود بها. لأنها لا تروي بل تزيده عطشا (وعليه الحد. انتهى) لأن اليسير المستهلك فيها لم يسلب عنها اسم الخمر، (وإذا شربه) أي المسكر (الحر المسلم المكلف مختارا) لحله لمكره (عالما أن كثيره يسكر سواء كان) الشراب المسكر (من عصير العنب، أو غيره من المسكرات) لما سبق (قليلا كان) الذي شربه من المسكر (أو كثيرا، لم يسكر الشارب فعليه الحد) لما روى
149 أبو هريرة أن النبي (ص) قال: من شرب الخمر فاجلدوه رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وقد ثبت أن أبا بكر وعمر وعليا جلدوا شاربها، لأن القليل خمر فيدخل في العموم (ثمانون جلدة) لاجماع الصحابة. لما روي: أن عمر استشار الناس في حد الخمر؟ فقال عبد الرحمن: اجعله كأخف الحدود ثمانين جلدة فضرب عمر ثمانين وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام. وروي أن عليا قال في المشورة: إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون رواه الجوزجاني والفرق بين هذا وبين سائر المختلف فيه أن السنة عن النبي (ص) قد استفاضت بتحريم المختلف فيه هنا فلم يبق لاحد عذر في اعتقاد إباحته وقد عمم قدامة بن مظعون وأصحابه مع اعتقادهم إباحة ما شربوه بخلاف غيره من المجتهدات، (والرقيق) إذا شرب المسكر وكان مكلفا مختارا عالما به حده (أربعون) عبدا كان أو أمة كالزنا والقذف (ولا حد ولا إثم على مكره على شربها سواء أكره بالوعيد، أو بالضرب، أو الجئ إلى شربها بأن يفتح فوه) ويصب فيه المسكر لما تقدم، (وصبره) أي المكره (على الأذى أولى من شربها وكذا كل ما جاز فعله لمكره) فصبره على الأذى أولى من فعله (ولا) حد أيضا (على جاهل تحريمها) لأن الحدود تدرأ بالشبهات (فلو ادعى الجهل) بتحريم المسكر (مع نشأته بين المسلمين لم يقبل) منه ذلك. لأنه خلاف الظاهر (ولا تقبل) أي لا تسمع (دعوى الجهل بالحد) فإذا علم أن الخمر يحرم لكن جهل وجوب الحد بشربه حد ولم تنفعه دعوى الجهل بالعقوبة كما مر في الزنا (ويحد من احتقن به) أي المسكر (أو استعط) به (أو تمضمض به فوصل إلى حلقه، أو أكل عجينا لت به) لأن ذلك في معنى الشرب، (فإن خبز العجين فأكل من خبزه لم يحد) لأن النار أكلت أجزاء الخمر، (وإن ثرد في الخمر أو اصطبغ به أو طبخ به لحما فأكل من مرقه حد) لأن عين الخمر موجودة (ولو خلطه) أي المسكر (بماء
150 فاستهلك) المسكر (فيه) أي الماء (ثم شربه) لم يحد. لأنه باستهلاكه في الماء لم يسلب اسم الماء عنه (أو داوى به) أي المسكر (جرحه لم يحد) لأنه لم يتناوله شرابا ولا في معناه، (ولا يحد ذمي، ولا مستأمن بشربه) أي المسكر (ولو رضي بحكمنا. لأنه يعتقد حله) وذلك شبهة يدرأ بها الحد (ويثبت شربه) أي المسكر (بإقراره) أي الشارب (مرة كقذف) لأن كلا منهما لا يتضمن إتلافا بخلاف حد الزنا والسرقة (ولو لم توجد منه رائحة) الخمر مؤاخذة له بإقراره (أو) ب (- شهادة رجلين عدلين يشهدان أنه شرب مسكرا ولا يحتاجان إلى بيان نوعه) لأن كلا منهما يوجب الحد (ولا أنه شربه مختارا عالما أنه مسكر) أو أنه محرم عملا بالظاهر (ولا يحد بوجود رائحة) الخمر (منه) لاحتمال أنه تمضمض بها أو ظنها ماء فلما صارت في فيه مجها ونحو ذلك. والحد يدرأ بالشبهة و (لكن يعزر حاضر شربها) لما روى أبو داود عن عبد الله بن عمر مرفوعا قال: لعن الله الخمر وبائعها وشاربها وساقيها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه (ومتى رجع) المقر بالشرب (عن إقراره قبل رجوعه) لأنه حد لله تعالى فيقبل رجوعه عنه (كسائر الحدود غير القذف) لأنه حق آدمي كما سبق (ولو وجد سكران أو تقاياها) أي الخمر (حد) لأنه لم يسكر أو يتقيأها إلا وقد شربها (وإذا أتى على عصير ثلاثة أيام بلياليهن حرم ولو لم يوجد منه غليان) لما روي أن النبي (ص): كان يشربه إلى مساء ثلاثة ثم يأمر به فيسقى الخدم أو يهراق. رواه مسلم وحكى أحمد عن ابن عمر أنه قال: العصير أشربه ما لم يأخذ شيطانه قيل: وفي كم يأخذ شيطانه؟ قال: في ثلاثة ولان الشدة تحصل في ثلاث ليال وهي خفيفة تحتاج إلى ضابط والثلاث تصلح لذلك (إلا أن يغلى) كغليان القدر ويقذف بزبده (قبل
151 ذلك فيحرم) ولو لم يسكر لما روى الشالنجي بإسناده عن النبي (ص) أنه قال: العصير ثلاثا ما لم يغل ولأن علة التحريم الشدة الحادثة فيه وهي توجد بوجود الغليان فإذا خل حرم (ولو طبخ) العصير (قبل التحريم) أي قبل أن يغلى وقبل أن يأتي عليه ثلاثة أيام بلياليهن، (حل إن ذهب) بطبخه (ثلثاه نصا) ذكره أبو بكر إجماع المسلمين، لأن أبا موسى كان يشرب من الطلا ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه. رواه النسائي وله مثله عن عمر وأبي الدرداء، ولان العصير إنما يغلى لما فيه من الرطوبة، فإذا غلي على النار حتى ذهب ثلثاه فقد ذهب أكثر رطوبته فلا يكاد يغلي وذا لم يغل لم تحصل فيه الشدة. لأنه يصير كالرب ولهذا قال أحمد حين قال له أبو داود: إنهم يقولون: إنه يسكر. فقال: لو كان يسكر ما أحله عمر. (وقال الموفق والشارح وغيرهما الاعتبار في حله عدم الاسكار، سواء ذهب بطبخه ثلثاه أو أقل، أو أكثر) لأن العلة مظنة الاسكار وحيث انتفت فالأصل الحل (والنبيذ مباح ما لم يغل أو تأت عليه ثلاثة أيام) بلياليهن (وهو) أي النبيذ (ما يلقى فيه تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو به الماء وتذهب ملوحته) روى أحمد ومسلم وأبو داود عن ابن عباس: أنه كان ينقع للنبي (ص) الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الليلة الثالثة ثم يؤمر به فيسقى ذلك الخدم أو يهراق وقوله: إلى مساء الليلة الثالثة يكون قبل تمام الثلاث بقليل فيسقى ذلك الخدم إن شاء أو يشربه أو يهراق قبل أن تتم عليه الثلاث لينبذ غيره في وعائه. (فإن طبخ) النبيذ (قبل غليانه حتى صار غير مسكر كرب الخروب وغيره فلا بأس) إذا كان قبل أن يأتي عليه ثلاثة أيام بلياليهن وظاهره وإن لم يذهب بالطبخ ثلثاه وهو واضع على قول الموفق ومن تابعه وعلى الأول يحتاج للفرق بين العصير والنبيذ (وجعل) الامام (أحمد
152 وضع زبيب في خردل كعصير) يعني يحرم إذا غلا أو أتت عليه ثلاثة أيام صرح به في المستوعب. (وأنه إن صب عليه خل أكل) ولو بعد الثلاث (وإن غلا عنب وهو عنب فلا بأس به نصا) نقله أبو داود وعلى قياسه الرمان والبطيخ ونحوهما (ولا يكره الانتباذ في الدباء) بضم الدال وتشديد الباء وهي القرع والواحدة دباءة والمراد القرعة اليابسة المجعولة وعاء (والحنتم) الجرار المدهونة واحدها حنتمة، (والمزفت) أي الوعاء المطلي بالزفت (والمقير) أي الاناء المطلي بالقار وكذا ما يصنع من الخشب والنقير وهو أصل النخلة ينقر ثم ينبذ فيه فعيل بمعنى مفعول (كغيرها) وما روي في الصحيحين من النهي عن الانتباذ فيها منسوخ بحديث بريدة يرفعه: كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا رواه أحمد وأبو داود والنسائي (ويكره الخليطان وهو أن ينتبذ عنبين، كتمر وزبيب) معناه كتمر (أو بسر أو مذنب) وهو ما نصفه بسر ونصفه رطب. (وحده) لأنه كنبيذ بسر مع رطب. روى جابر: أن النبي (ص) نهى أن ينبذ الرطب والزبيب جميعا رواه الجماعة إلا الترمذي. وعن أبي سعيد قال: نهى رسول الله (ص) أن يخلط بسرا بتمر، أو زبيبا بتمر أو زبيبا ببسر، وقال: من شربه منكم فليشربه زبيبا فردا أو تمرا فردا، أو بسرا فردا. رواه مسلم والنسائي. قال أحمد في الرجل ينقع الزبيب والتمر الهندي والعناب ونحوه ينقعه غدوة ويشربه عشية للدواء: أكرهه لأنه نبيذ ولكن يطبخه ويشربه على المكان. (ما لم يغل أو تأت عليه ثلاثة أيام) بلياليهن فيحرم لما سبق (ولينبذ كل واحد) من الخليطين (وحده) لحديث أبي سعيد السابق (ولا بأس بالفقاع) لأنه نبيذ لم تأت عليه ثلاثة أيام ولا هو مشتد وليس المقصود منه الاسكار وإنما يتخذ لهضم الطعام وصدق الشهوة (والخمر إذا فسدت خلا لم تحل وإن قلب الله عينها
153 فصارت خلا) بنفسها أو بنقل لغير قصد تخليل (فهي حلال) لقول عمر على المنبر لا يحل خمر خل أفسدت حتى يكون الله هو الذي تولى إفسادها ولا بأس على مسلم ابتاع من أهل الكتاب خلا ما لم يتعمد لافسادها رواه أبو عبيدة بمعناه (وتقدم في باب إزالة النجاسة) موضحا. تتمة: يحرم التشبه بشراب الخمر ويعزر فاعله وإن كان المشروب مباحا في نفسه فلو اجتمع جماعة ورتبوا مجلسا وأحضروا آلات الشراب وأقداحه وصبوا فيها السكنجبين ونصبوا ساقيا يدور عليهم ويسقيهم فيأخذون من الساقي ويشربون، ويجئ بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم، حرم ذلك وإن كان المشروب مباحا في نفسه لأن في ذلك تشبها بأهل الفساد، قال الغزالي في الاحياء في كتاب السماع ومعناه قول الرعاية: ومن تشبه بالشراب في مجلسه وآنيته وحاضر من حاضره بمحاضر الشراب حرم وعزر. باب التعزير (وهو) لغة المنع. واصطلاحا (التأديب) لأنه يمنع من تعاطي القبيح وعزرته بمعنى نصرته لأنه منع عدوه من أذاه. وقال السعدي: يقال: عزرته وقرته وأيضا أدبته وهو من الأضداد وهو طريق إلى التوقير إذا امتنع به وصرف عن الدناءة حصل له الوقار والنزاهة. (وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة كاستمتاع لا يوجب الحد) بأن لم يكن فيه تغييب الحشفة أو قدرها في فرج أصلي. (و) ك (- إتيان المرأة المرأة) أي المساحقة (و) ك (- اليمين الغموس لأنه لا كفارة فيها وكدعاء عليه ولعنه وليس لمن لعن درها) على من لعنه لعموم النهي عن اللعن (وكسرقة ما لا قطع فيه) لعدم الحرز أو لكونه دون ربع دينار ونحوه، (وجناية لا قصاص فيها) كصفع ووكز وهو الدفع والضرب بجمع
154 الكف. (و) ك (- القذف بغير الزنا ونحوه) كاللواط (وكنهب، وغصب، واختلاس وسب صحابي، وغير ذلك) من المحرمات التي لا حد فيها ولا كفارة ومن ترك الواجبات (ويأتي في باب المرتد سب الصحابي بأتم من هذا وتقدم في باب القذف جملة من ذلك). أي ما يوجب التعزير (فيعزر فيها المكلف وجوبا) لأن المعصية تفتقر إلى ما يمنع من فعلها فإذا لم يجب فيها حد ولا كفارة وجب أن يشرع فيها التعزير وليتحقق المانع من فعلها وقوله لا حد فيها أخرج ما أوجب الحد من الزنا والقذف والسرقة ونحوها وقوله ولا كفارة خرج به الظهار والايلاء وشبه العمد وقال في المبدع: قد يقال يجب التعزير فيه أي في شبه العمد لأن الكفارة حق لله تعالى بمنزلة الكفارة في الخطأ وليست لأجل الفعل بل بدل النفس الفائتة فأما نفس الفعل المحرم الذي هو الجناية فلا كفارة فيه ويظهر هذا بما لو جنى عليه فلم يتلف شيئا استحق التعزير ولا كفارة ولو أتلف بلا جناية محرمة لوجبت الكفارة بلا تعزير، وإنما الكفارة في شبه العمد بمنزلة الكفارة على المجامع في الصيام والاحرام (وتقدم قول صاحب الروضة: إذا زنى ابن عشر، أو بنت تسع عزرا، وقال الشيخ: لا نزاع بين العلماء إن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا، وكذا المجنون يضرب على ما فعل) أي مما لا يجوز للعاقل (لينزجر، لكن لا عقوبة بقتل، أو قطع وفي الرعاية الصغرى وغيرها ما أوجب حدا على مكلف عزر به المميز كالقذف انتهى وإن ظلم صبي صبيا أو مجنون مجنونا، أو بهيمة بهيمة، اقتص للمظلوم من الظالم وإن لم يكن في ذلك زجر) عن المستقبل (لكن لاقتصاص المظلوم وأخذ حقه) قال في الفروع: فيتوجه أن يقال: يفعل ذلك ولا يخلو عن ردع وزجر. وأما في الآخرة فإن الله تعالى يقول ذلك للعدل بين خلقه. قال ابن حامد: القصاص بين البهائم والشجر والعيدان جائزة شرعا بإيقاع مثل ما كان في الدنيا (وتقدم تأديب الصبي على الطهارة والصلاة) إذا بلغ عشرا (وذلك ليتعود) وكذا
155 الصوم إذا أطاقه (وكتأديبه على خط وقراءة وصناعة وشبهها) قال في الواضح: ومثله زنا. وهو ظاهر كلام القاضي فيما نقله الشالنجي في الغلمان يتمردون لا بأس بضربهم، (قال القاضي، ومن تبعه، إلا إذا شتم نفسه، أو سبها فإنه لا يعزر) وهو معصية كما يعلم من كلام القاضي. (وقال) القاضي (في الأحكام السلطانية: إذا تشاتم والد وولده لم يعزر الوالد لحق ولده) كما لا يحد لقذفه ولا يقاد به (ويعزر الولد لحقه) أي الوالد كما يحد لقذفه ويقاد به (ولا يجوز تعزيره) أي الولد (إلا بمطالبة الوالد) بتعزيره لأن للوالد تعزيره بنفسه كما يعلم مما سبق في النفقات (ولا يحتاج التعزير إلى مطالبة في هذه) الصورة لأنه مشروع للتأديب فيقيمه الامام إذا رآه وظاهر المنتهى حتى في هذه قال ولا يحتاج إلى مطالبة (وإن تشاتم غيرهما) أي الوالد وولده (عزر)، ولو جدا وولد ولده أو أما وولدها أو أخوين (قال الشيخ ومن غضب فقال: ما نحن مسلمون إن أراد ذم نفسه لنقص دينه فلا حرج فيه، ولا عقوبة انتهى. ويعزر بعشرين سوطا بشرب مسكر في نهار رمضان يفطره، كما يدل عليه تعليلهم مع الحد، فيجتمع الحد والتعزير في هذه الصورة) لما روى أحمد بإسناده: أن عليا أتى بالنجاشي قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين سوطا الحد وعشرين لفطره في رمضان وإنما جمع بينهما لجنايته من وجهين (ولو توجه عليه تعزيرات على معاص شتى فإن تمحضت لله) تعالى (واتحد نوعها) كأن قبل أجنبية مرارا (أو اختلف) نوعها بأن قبل أجنبية ولمس أخرى قصدا (تداخلت) وكفاه تعزير واحد كما تقدم في حد الزنا (وإن كانت) التعزيرات (لآدمي وتعددت كأن سبه مرات ولو اختلف نوعها) أي السبات (أو تعدد المستحق) بالتعزير (كسب أهل بلد فكذلك) أي تداخلت لأن القصد التأديب وردعه وظاهره
156 ولو بكلمات (ومن وطئ أمة امرأته فعليه الحد) لحديث النعمان بن بشير، ولأنه وطئ في فرج من غير عقد ولا ملك فوجب عليه الحد كوطئ أمة غير مزوجة، (إلا أن تكون أحلتها له فيجلد مائة ولا يرجم، ولا يغرب) لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما: عن حبيب بن سالم: أن رجلا يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته فرفع إلى النعمان ابن بشير وهو أمير على الكوفة فقال: لأقضين فيك بقضاء رسول الله (ص) إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة، فوجدها أحلتها له فجلده مائة. (وإن أولدها) أي أمة زوجته (لم يلحقه نسبه) لأنه وطئ في غير ملك ولا شبهة كزناه بغيرها (ولا يسقط الحد بالإباحة في غير هذا الموضع) لعموم النصوص الدالة على وجوب الحد على الزاني وإنما سقط هنا أي في إباحة المرأة أمتها لزوجها لحديث النعمان المذكور (ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات) لحديث أبي بردة مرفوعا: لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله تعالى متفق عليه. (في غير هذا الموضع) أي إباحة الزوجة أمتها لزوجها وأيضا ما تقدم فيمن شرب مسكرا في نهار رمضان لورود الأثر فيكون مخصصا، (إلا إذا وطئ جارية مشتركة فيعزر بمائة إلا سوطا) لما روى الأثرم عن سعيد بن المسيب: أن عمر قال في أمة بين رجلين وطئها أحدهما يجلد الحد إلا سوطا واحتج به أحمد (وعنه ما كان) من التعازير (سببه الوطئ كوطئه جاريته المزوجة و) وطئ (جارية ولده أو) جارية (أحد أبويه، والمحرمة، برضاع، ووطئ ميتة ونحو ذلك عالما بتحريمه إذا قلنا لا يحد فيهن يعزر بمائة) لما سبق من حديث النعمان في وطئ جارية امرأته بإذنها فيتعدى إلى وطئ أمته المشتركة المزوجة لأنها في معناها (و) يعزر (العبد) في ذلك (بخمسين إلا سوطا) قاله في المبدع وغيره لأنه على النصف من الحر (واختاره جماعة) وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير
157 وغيرها قال في الفروع: وهي أشهر عند جماعة ذكره في الانصاف (وكذا لو وجد مع امرأته رجلا) من غير زنا بها في رواية نقلها يعقوب وجزم بها في المذهب والمحرر وغيرهما، واحتج بأن عليا وجد رجلا مع امرأته في لحافها فضربه مائة ذكره في المبدع (ويجوز نقص التعزير عن عشر جلدات، إذ ليس أقله مقدارا فيرجع إلى اجتهاد الامام أو الحاكم فيما يراه، وما يقتضيه حال الشخص، ولا يجرد للضرب بل يكون عليه القميص والقميصان كالحد. وذكر ابن الصيرفي: أن من صلى في الأوقات المنهي عنها يضرب ثلاث ضربات ويكون) التعزير (بالضرب والحبس والصفع والتوبيخ والعزل عن الولاية) وقال في الاختيارات: إذا كان المقصود دفع الفساد ولم يندفع إلا بالقتل قتل وحينئذ فمن تكرر منه جنس الفساد ولم يرتدع بالحدود المقدرة بل استمر على الفساد فهو كالصائل لا يندفع إلا بالقتل فيقتل (وإن رأى الامام العفو عنه جاز) قال في المغني والشرح، وقال في المبدع ومعناه في الشرح: كوطئ جارية امرأته أو جارية مشتركة ما كان من التعزير منصوصا عليه فيجب امتثال الامر فيه وما لم يكن ورأي الامام المصلحة فيه وجب كالحد وإن رأى العفو جاز للاخبار وإن كان لحق آدمي فطلبه لزمه إجابته وفي الكافي يجب التعزير في موضعين ورد الخبر فيهما وما عداهما إلى اجتهاد الامام فإن جاء تائبا معترفا قد أظهر الندم والاقلاع، جاز ترك تعزيره وإلا وجب انتهى. وقدم في الانصاف أن المذهب وجوب التعزير مطلقا وأن عليه جماهير الأصحاب وهو مقتضى كلام المصنف فيما سبق (ولا يجوز قطع شئ منه) أي ممن وجب عليه التعزير (ولا جرحه ولا أخذ شئ من ماله) لأن الشرع لم يرد بشئ من ذلك عن أحد يقتدى به، ولان الواجب أدب والأدب لا يكون بالاتلاف. (قال الشيخ: وقد يكون التعزير بالنيل من عرضه: مثل أن يقال له يا ظالم يا معتدي
158 و) قد يكون التعزير (بإقامته من المجلس وقال التعزير بالمال سائغ إتلافا وأخذا وقول) الموفق (أبي محمد المقدسي: لا يجوز أخذ ماله منه إلى ما يفعله الحكام الظلمة والتعزير يكون على فعل المحرمات، و) على (ترك الواجبات، فمن جنس ترك الواجبات من كتم ما يجب بيانه كالبائع المدلس) في المبيع بإخفاء عيب ونحوه. (والمؤجر) المدلس (والناكح) المدلس، (وغيرهم من المعاملين) إذا دنس، (وكذا الشاهد، والمخبر)، والواجب عليه الاخبار بما علمه من نحو نجاسة شئ (والمفتي، والحاكم ونحوهم، فإن كتمان الحق سببه الضمان وعلى هذا لو كتم شهادة كتمانا أبطل به حق مسلم، ضمنه مثل أن يكون عليه حق ببينة وقد أداه حقه، له) أي المؤدي لما كان عليه (بينة بالأداء فتكتم الشهادة حتى يغرم ذلك الحق فظاهر نقل حنبل وابن منصور سماع الدعوى) على البينة بذلك (و) سماع (الاعذار والتحليف في الشهادة) إذا أنكرت البينة العلم بها أو نحوه. هذا كلام الشيخ ويأتي في اليمين في الدعاوى أنه لا يحلف شاهد (ومن استمنى بيده خوفا من الزنا أو خوفا على بدنه فلا شئ عليه) قال مجاهد: كانوا يأمرون فتيانهم يستغنوا به (ولا يجد ثمن أمة إذا لم يقدر على نكاح ولو لامة) لأن فعل ذلك إنما يباح للضرورة وهي مندفعة بذلك (وإلا) بأن قدر على نكاح ولو أمة أو على ثمن أمة (حرم، وعزر) لأنه معصية ولقوله تعالى: * (والذين هم لفروجهم حافظون) *. ولحديث رواه الحسن بن عرفة في حزبه قاله في المبدع (وحكم المرأة في ذلك حكم الرجل، فتستعمل شيئا مثل الذكر)، ويحتمل المنع وعدم القياس ذكره ابن عقيل (وله أن يستمني بيد زوجته وجاريته) المباحة له لأنه
159 كتقبيلها (ولو اضطر إلى جماع وليس ثم من يباح وطؤها حرم الوطئ) بخلاف أكله في المخمصة ما لا يباح في غيرها لأن عدم الاكل لا تبقى معه الحياة بخلاف الوطئ، (وإذا عزره) أي من وجب عليه (الحاكم أشهره لمصلحة، كشاهد الزور) ليجتنب (ويأتي) في الشهادات (ويحرم) التعزير (بحلق لحيته) لما فيه من المثلة و (لا تسويد وجهه و) له (صلبه حيا، ولا يمنع) المصلوب (من أكل ووضوء) لأن البنية لا تبقى بدون الاكل والصلاة، ولا تسقط عنه. ولا تصح إلا بالوضوء كقدرته عليه، (ويصلي بالايماء) للعذر (ولا يعيد) ما صلاه بالايماء. وتقدم في الصلاة (قال القاضي ويجوز أن ينادى عليه بذنبه إذا تكرر) الذنب (منه ولم يقلع. انتهى. ومن لعن ذميا) معينا (أدب) لأنه معصوم وعرضه محرم (أدبا خفيفا) لأن حرمته دون حرمة المسلم (إلا أن يكون صدر منه) أي الذمي (ما يقتضي ذلك) أي أن يلعن فلا شئ على المسلم. قلت: ما ذكره هو كلام الفروع وغيره، ولعل المراد أن يلعن فاعل ذلك الذنب على العموم مثل أن يقول: لعن الله فاعل كذا أما لعنة معين بخصوصه فالظاهر أنها لا تجوز ولو كان ذميا وصدر منه ذنب (وقال الشيخ: يعزر) أي من وجب عليه التعزير (بما يردعه) لان القصد الردع (وقد يقال بقتله) أي من لزمه التعزير (للحاجة) وتقدم كلامه في الاختيارات (وقال: يقتل مبتدع داعية، وذكره وجها، وفاقا لمالك، ونقل) القتل (عن أحمد في الدعاة من الجهمية) لدفع شرهم به ويأتي في الشهادات يكفر مجتهدهم الداعية (وقال) الشيخ (في الخلوة بأجنبية، واتخاذ الطواف بالهجرة دينا. وقول الشيخ: انذروا لي لتقضى حاجتكم واستغيثوا بي: إن أصر، ولم يتب - قتل وكذا من تكرر شربه للخمر: ما لم ينته بدونه) أي يقتل (ونص أحمد في المبتدع الداعية: يحبس حتى يكف عنها، ومن عرف بأذى الناس و) أذى
160 (ما لهم حتى بعينه ولم يكف) عن ذلك (حبس حتى يموت، أو يتوب) قال في الأحكام السلطانية للوالي فعله لا القاضي (ونفقته مدة حبسه من بيت المال ليدفع ضرره) وفي الترغيب في العائن للامام حبسه وقال المنقح: لا يبعد أن يقتل العائن إذا كان يقتل بعينه غالبا. وأما ما أتلفه فيغرمه انتهى. (ومن مات من التعزير) المشروع (لم يضمن) لأنه مأذون فيه شرعا كالحد. فصل ولا يجوز للجذماء مخالطة الأصحاء عموما ولا مخالطة أحد معين صحيح إلا بإذنه، وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء بأن يسكنوا في مكان منفرد لهم) ونحو ذلك. وإذا امتنع ولي الأمر من ذلك أو المجذوم أثم، وإذا أصر على ترك الواجب مع علمه به فسق. قاله في الاختيارات وقال كما جاءت به سنة رسول الله (ص) وخلفائه، وكما ذكر العلماء (وجوز ابن عقيل قتل مسلم جاسوس لكفار، وعند القاضي يعنف ذو الهيئة، ويعزر غيره. وفي الفنون للسلطان سلوك السياسة، وهو الحزم عندنا ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع). قلت: ولا تخرج عما أمر به أو نهى عنه. (قال الشيخ: وقوله: الله أكبر كالدعاء عليه) أي فيعزر عليه. وجزم به في المنتهى. قال الشيخ: (ومن دعي عليه، ظلما فله أن يدعو على ظالمه بمثل ما دعا به عليه نحو: أخزاك الله أو لعنك الله أو شتمه بغير فرية) أي قذف (نحو: يا كلب يا خنزير فله أن يقول له مثل ذلك)، لقوله تعالى: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) *
161 . (أو تعزيره) أي وله أن يرفعه للحاكم ليعزره لكونه ارتكب معصية ولا يرده عليه (ومقتضى كلامه) أي الشيخ (في موضع آخر أنه لا يلعن من لعنه كما تقدم). قلت ولا يدعو عليه ولا يشتمه بمثله بل يعزره (وإذا كان ذنب الظالم إفساد دين المظلوم لم يكن له) أي المظلوم (أن يفسد) على الظالم (دينه) قال تعالى: * (ولا يرضى لعباده الكفر) *. (لكن له) أي المظلوم (أن يدعو عليه بما يفسد دينه مثل ما فعل) معه، لقوله تعالى: * (بمثل ما اعتدى عليكم) *. قلت: الأولى عدم ذلك (وكذا لو افترى) إنسان (عليه الكذب لم يكن له) أي المكذوب عليه الكذب، لكن له أن يدعو الله عليه بمن يفتري عليه الكذب نظير ما افتراه، وإن كان هذا الافتراء محرما لأن الله إذا عاقبه بمن يفعل به ذلك لم يقبح منه (سبحانه ولا ظلم فيه) لأن المالك يفعل في ملكه ما يشاء. (وقال: وإذا كان له أن يستعين بمخلوق من وكيل ووال وغيرهما فاستعانته بخالقه أولى بالجواز. انتهى وقال) الامام (أحمد: الدعاء قصاص، وقال: فمن دعا فما صبر) أي فقد انتصر لنفسه: * (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) *. فصل والقواد ة التي تفسد النساء والرجال أقل ما يجب عليها الضرب البليغ، وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في النساء والرجال) لتجتنب (وإذا أركبت) القوادة (دابة وضمت عليها ثيابها) ليأمن كشف عورتها (ونودي عليها هذا جزاء من يفعل كذا وكذا) أي يفسد النساء والرجال (كان من أعظم المصالح. قاله الشيخ) ليشتهر ذلك ويظهر (وقال لولي الأمر، كصاحب الشرطة أن يعرف ضررها إما بحبسها، أو بنقلها عن الجيران، أو غير ذلك).
162 وقال: سكنى المرأة بين الرجال. و) سكنى (الرجال بين النساء يمنع منه، لحق الله تعالى، ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه العزب أن يسكن بين المتأهلين والمتأهل أن يسكن بين العزاب) دفعا للمفسدة. (ونفى) عمر بن الخطاب (شابا) هو نصر بن حجاج إلى البصرة (خاف به الفتنة في المدينة) لتشبب النساء به (وأمر النبي (ص) بنفي المخنثين من البيوت. وقال) الشيخ أيضا: (يعزر من يمسك الحية) لأنه محرم وجناية وتقدم لو قتلت ممسكها من مدعي مشيخة ونحوه فقاتل نفسه، (و) يعزر من (يدخل النار ونحوه) ممن يعمل الشعبذة ونحوها، (وكذا) يعزر (من ينقص مسلما بأنه مسلماني مع حسن إسلامه) لارتكابه معصية بإيذائه (وكذا) يعزر (من قال لذمي يا حاج) لأن فيه تشبيه قاصد الكنائس بقاصد بيت الله، وفيه تعظيم لذلك (أو سمى من زار القبور والمشاهد حاجا إلا أن يسمى ذلك حجا يقصد حج الكفار والضالين) أي قصدهم الفاسد (وإذا ظهر كذب المدعي في دعواه بما يؤذي به المدعى عليه عزر لكذبه وأذاه) للمدعى عليه. قلت: ويلزمه ما غرمه بسببه ظلما لتسببه في غرمه بغير حق على ما تقدم في أول الحجر. باب القطع في السرقة وهو ثابت بالاجماع لقوله تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * وقوله (ص) في حديث عائشة: تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا إلى غيره من القصاص (وهي أخذ مال محترم لغيره، وإخراجه من حرز مثله) عادة (لا شبهة) له أي الآخذ
163 (فيه) وقوله: (على وجه الاختفاء) متعلق بأخذ ومنه استراق السمع، ومسارقة النظر إذا كان يختفي بذلك. إذا علمت أن السرقة الاخذ على وجه الاختفاء (فلا قطع على منتهب) وهو الذي أخذ المال على وجه الغنيمة لما روى جابر مرفوعا، قال: ليس على المنتهب قطع. رواه أبو داود. (ولا) على (مختلس والاختلاس نوع من الخطف والنهب) وإنما استخفى في ابتداء اختلاسه والمختلس الذي يخطف الشئ ويمر به، (ولا على غاصب، ولا) على (خائن في وديعة، أو عارية، أو نحوهما) لقوله (ص): ليس على الخائن والمختلس قطع رواه أبو داود والترمذي. وقال: لم يسمعه ابن جريج عن أبي الزبير. وقال أبو داود: بلغني عن أحمد بن حنبل أن ابن جريج إنما سمعه من ياسين الزيات ولان الاختلاس نوع من النهب وإذا لم يقطع الخائن والمختلس فالغاصب أولى (ولا جاحد وديعة، ولا غيرها من الأمانات) لعموم قوله (ص): لا قطع على خائن ولأنه ليس بسارق (إلا العارية فيقطع بجحدها) لما روت عائشة: أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي (ص) بقطع يدها رواه مسلم. قال أحمد: لا أعلم شيئا يدفعه. وقال في رواية الميموني: هو حكم من النبي (ص) يدفعه شئ. (و) يقطع (بسرقة ملح، وتراب) يقصد عادة كالطين الأرمني والمغرة (وأحجار، ولبن) بكسر الباء جمع لبنة (و) سرقة (كلا وسرجين طاهر، وثلج، وصيد، وفاكهة، وطبيخ وذهب، وفضة ومتاع، وخشب وقصب) سكر فارسي، (ونورة، وجص، وزرنيخ، وفخار، وتوابل) وهي ما يوضع على الخبز من شمر ونحوه، (وزجاج) حيث بلغت قيمة المسروق من ذلك نصابا لعموم النصوص (ويشترط في
164 قطع سارق - أن يكون مكلفا - مختارا) لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. وحديث: رفع القلم عن ثلاث. (و) يشترط أيضا (أن يكون المسروق مالا) لأن ما ليس بمال فلا حرمة له فلم يجب به قطع، والأحاديث دالة على ذلك مع أن غير المال لا يساوي المال، فلا يلحق به. والآية وإن كانت مطلقة فالاخبار مقيدة والمطلق يحمل على المقيد (محترما) لأنه إذا لم يكن كذلك كمال الحربي يجوز سرقته بكل طريق. وجواز الاخذ منه ينفي وجوب القطع وأن يكون السارق (عالما به) أي بالمسروق (وبتحريمه) لأن عدم العلم بذلك شبهة، والحد يدرأ بالشبهة حسب الاستطاعة وأن تكون سرقة المال المحترم. (ومن مالكه أو نائبه) أي نائب المالك كوليه ووكيله بخلاف من سرق من سارق ما سرقه أو من غاصب ما غصبه، لأنه ليس بمحترم (ولو) كان المسروق (من غلة وقف وليس من مستحقيه) أي الوقف لأنه سرق مالا محترما لغيره ولا شبهة له فيه أشبه ما لو لم يكن غلة وقف (ويقطع الطرار) من الطر بفتح الطاء وهو القطع (سرا) أي الذي يبط خفية لأنه سارق من حرز (وهو الذي يسرق نصابا من جيب إنسان، أو كمه، أو صفنه) بعد بطه (وسواء بسط مأخوذ منه المسروق، أو قطع الصفن) أو نحوه (فأخذه أو أدخل يده في الجيب فأخذ ما فيه بعد سقوطه ويقطع بسرقة العبد الصغير الذي لا يميز) لأنه سرق مالا مملوكا تبلغ قيمته نصابا أشبه سائر الحيوانات ولان مثله لا يفهم ولا يميز بين سيده وغيره (فإن كان) العبد (كبيرا لم يقطع سارقه) لأنه لا يسرق، وإنما يخدع (إلا أن يكون) العبد الكبير (نائما أو مجنونا أو أعجميا لا يميز بين سيده وغيره في الطاعة) فيقطع بسرقته لأنه في معنى الصغير و (لا) يقطع (بسرقة مكاتب) ذكرا كان أو أنثى لأن ملك سيده ليس تاما عليه لكونه لا يملك منافعه ولا استخدامه ولا أخذ أرش الجناية عليه (و) لا بسرقة (أم ولد) لأنه لا يحل بيعها ولا نقل الملك فيها فأشبهت الحرة وأما المدبر فحكمه حكم القن لأنه لا يجوز بيعه ويضمن بقيمته (ويقطع بسرقة مال المكاتب) لأنه مال محترم (إلا أن يكون السارق) له (سيده) للشبهة.
165 قلت: أو عبد السيد لأنه لا يقطع بسرقة مال لا يقطع به سيده. (ولا يقطع بسرقة حر وإن كان) الحر (صغيرا) لأنه ليس بمال أشبه الكبير (ولا) يقطع (بما عليه) أي الحر الصغير (من حلي وثياب) تبلغ قيمتها نصابا لأنه تابع لما لا قطع فيه أشبه ثياب الكبير ولان يد الصغير ثابتة على ما عليه بدليل ما يوجد مع اللقيط يكون له، وكذا لو كان الكبير نائما على متاعه فسرقه ومتاعه لم يقطع لأن يده عليه. (ولا) يقطع (بسرقة مصحف) لأن المقصود منه كلام الله تعالى وهو لا يجوز أخذ العوض عنه (ولا) يقطع أيضا (بما عليه) أي المصحف (من حلي) لأنه تابع لما لا قطع فيه (ولا) قطع (ب) - سرقة (كتب بدع، وتصاوير) لأنها واجبة الاتلاف (ولا بآلة لهو كطنبور، ومزمار، وشبابة، وإن بلغت قيمته) أي ما ذكر من آلة لهو (مفصلا نصابا) لأنه معصية إجماعا فلم يقطع بسرقته كالخمر (ولا) يقطع أيضا (بما عليها) أي على آلة اللهو (من حلي) ولو بلغ نصابا لأنه متصل بما لا قطع فيه أشبه الخشب (ولا) قطع أيضا (بمحرم كخمر، وخنزير، وميتة سواء سرقه من مسلم، أو كافر) لأنها غير محترمة وليست مالا، (ولا بسرقة صليب، أو صنم من ذهب، أو فضة) لأنه مجمع على تحريمه ولان السارق بشبهة في أخذه ليكسره (ولا) قطع (ب) - سرقة (آنية فيها خمر أو ماء) لاتصالها بما لا قطع فيه (ولا بسرقة ماء) لأن أصله الإباحة وهو غير متمول عادة (و) لا قطع بسرقة (سرجين نجس) لأنه ليس بمال (ويقطع بسرقة إناء نقد تبلغ قيمته مكسرا نصابا) لأنه غير مجمع على تحريمه وقيمته بدون الصناعة المختلف فيها نصاب. (وبسرقة دراهم أو دنانير فيها تماثيل) لأن ما فيها من الصناعة المحرمة لا يخرجها عن كونها مالا (و) يقطع بسرقة (سائر كتب العلوم الشرعية) والمباحة لأنها مال حقيقة وشرعا ولهذا جاز بيعها (و) يقطع بسرقة (عين موقوفة على معين) لا شبهة له في مال لأنه يملكها كما تقدم (و) يقطع بسرقة (إناء) لا خمر فيه ولا ماء (معد لخل ولخمر ووضعه
166 فيه كسكين معدة لذبح الخنازير، وسيف حد لقطع الطريق) لأن إعداده للمحرم لا يزيل ماليته (وإن سرق منديلا قيمته دون نصاب في طرفه دينار) أو ربعه أو ثلاثة دراهم فأكثر أو ما تبلغ قيمته ذلك (مشدود يعلم به قطع) لسرقته مالا من حرزه لا شبهة له فيه (وإلا) أي وإن لم يعلم به (فلا) قطع عليه لعدم علمه بالمسروق. فصل ويشترط أن يكون المسروق نصابا. وهو أي نصاب السرقة (ثمانية دراهم أو ربع دينار أي مثقال أو عرض قيمته كأحدهما) لقوله (ص): لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا رواه أحمد ومسلم وروى ابن عمر: أن النبي (ص) قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم متفق عليه. وروى أنس: أن سارقا سرق مجنا قيمته ثلاثة دراهم فقطعه أبو بكر وأتي عثمان برجل سرق أترجة فبلغت قيمتها ربع دينار فقطعه وقال علي: فما بلغ ثمن المجن ففيه القطع والآية مخصوصة بذلك وقوله (ص): لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده، ويسرق البيضة فتقطع يده متفق عليه يحمل على حبل يساوي ذلك وعلى بيضة السلاح وهي تساوي ذلك، أو بيضة النعام إذا كانت تساوي ذلك جمعا بين الاخبار، (وتعتبر قيمته) أي المسروق (حال إخراجه من الحرز)، لأنه وقت السرقة التي هي سبب القطع (فإن كان في النقد) المسروق (غش لم يجب القطع حتى يبلغ ما فيه من النقد الخالص نصابا) لما تقدم (وسواء كان النقد
167 مضروبا أو تبرا أو حليا أو مكسرا) لعموم ما سبق (ويضم أحد النقدين إلى الآخر بالاجزاء في تكميل النصاب) كالزكاة فلو سرق ثمن مثقال ودرهما ونصفا قطع، وكذا يضم أحد النقدين أو هما إلى قيمة عرض في تكميل النصاب فلو سرق درهما وعرضا يساوي درهما ونصف سدس دينار قطع، (وإن سرق عرضا قيمته نصاب) حين إخراجه (ثم نقصت قيمته بعد إخراجه) من الحرز (قبل الحكم) بالقطع (أو بعده قطع) اعتبارا بحال الاخراج لأنه وقت الوجوب (وآن ملكه) أي ملك السارق والمسروق (ببيع أو هبة أو غيرهما) كإرث ووصية (بعد إخراجه من الحرز وبعد رفعه إلى الحاكم قطع) لما روى صفوان بن أمية أنه نام على ردائه في المسجد فأخذ من تحت رأسه فجاء بسارقه إلى النبي (ص) فأمر بقطعه فقال صفوان: يا رسول الله لم أرد هذا ردائي عليه صدقة فقال النبي (ص): هلا كان قبل أن تأتيني به؟ رواه ابن ماجة و (لا) يقطع إن ملكه السارق ببيع أو هبة أو غيرهما (قبل رفعه) أي السارق للحاكم لقوله (ص): هلا كان قبل أن تأتيني به و (لتعذر شرط القطع وهو الطلب وإن وجدت السرقة) أي المسروق (ناقصة) عن النصاب (ولم يعلمه هل كانت ناقصة حين السرقة أو بعدها لم يقطع) لعدم تحقق شرطه ولحديث: ادرؤا الحدود بالشبهات ما استطعتم (وإن دخل الحرز فذبح منه شاة أو شق) فيه (ثوبا قيمة كل منهما نصاب فنقصت) قيمتهما (عن النصاب ثم أخرجهما ناقصتين أو أتلفهما) فيه (أو) أتلف (غيرهما فيه) أي في الحرز، (وقيمتهما) أي قيمة ما أتلفه من الثوب والشاة ونحوهما (نصاب) وقوله. (بأكل أو غيره) متعلق بأتلفهما (لم يقطع) لأن من شرط القطع أن يخرج العين من الحرز وهي نصاب ولم يوجد، (وإذا ذبح السارق) المسلم والكتابي (المسروق) مسميا (حل) لربه ونحوه أكله ولم يكن ميتة كالمغصوب، ويقطع السارق إن كانت قيمة المذبوح نصابا وإلا
168 فلا (وإن سرق فرد خف قيمته منفردا درهم، ومع الآخر أربعة لم يقطع) لأنه لم يسرق نصابا. (وإن أتلفه) أي فرد الخف (لزمه ستة) درهمان قيمة التالف وأربعة أرش التفريق (وكذا الحكم لو سرق جزءا من ثياب ونظائره) كمصراع من باب، (وإن اشترك جماعة في سرقة نصاب واحد فأكثر قطعوا)، كالقصاص (سواء أخرجوه جملة كثقيل اشتركوا في حمله أو أخرج كل واحد) منهم (جزءا) لأنهم اشتركوا في هتك الحرز وإخراج النصاب، فلزمهم القطع وفارق القصاص لأنهم يعتمدون المماثلة ولا توجد المماثلة إلا أن توجد أفعالهم في جميع أجزاء اليد وهذا لقصد الزجر من غير اختيار مماثلة، أو (دخلوا الحرز معا، أو دخل أحدهم فأخرج بعض النصاب ثم دخل الباقون فأخرجوا باقيه) فيقطعون لما سبق (فإن كان فيهم من لا قطع عليه لشبهة أو غيرها) كصغر (كأبي المسروق منه قطع الباقون) لأنه لا يلزم من سقوط القطع عن الشريك لمعنى غير موجود في غيره سقوط القطع عن الغير كشريك الأب في القصاص. قال في المبدع: إن أخذ أي شريك الأب ونحوه نصابا وقيل أو أقل (وإن اعترف اثنان بسرقة نصاب، ثم رجع أحدهما) عن إقراره (قطع الآخر وحده) فلا يقطع الراجع (وكذا لو أقر بمشاركة آخر في سرقة نصاب، ولم يقر الآخر) بالسرقة قطع المقر، (ولو سرق) واحد (لجماعة نصابا قطع) لأن السرقة والنصاب شرط للقطع، وقد وجد فوجد القطع كما لو كان المال لواحد. (وإن هتك اثنان حرزا فدخلاه، فأخرج أحدهما نصابا وحده) قطعا نصا لان المخرج أخرجه بقوة صاحبه ومعرفته ومعونته (أو دخل أحدهما) الحرز (فقدمه) المسروق (إلى باب النقب) وأدخل الآخر يده فأخرجه قطعا لأنهما اشتركا في هتك الحرز وإخراج المتاع (أو وضعه) أي وضع الداخل المتاع (في النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه قطعا) لاشتراكهما في الهتك والاخراج (وإن دخلا دارا و) صار (أحدهما في سفلها جمع المتاع
169 وشده بحبل، والآخر في علوها مد الحبل فرمى به أي المتاع (وراء الدار قطعا) لأنهما اشتركا في الدخول والاخراج (وإن رماه الداخل إلى خارج) فأخذه أولا أو أعاده فيه. (أو ناوله) الداخل للخارج (فأخذه الآخر) أي الخارج (أولا أو أعاده) أي المتاع (فيه) أي في الحرز (أحدهما) أي الداخل أو الخارج (قطع الداخل وحده وإن اشتركا في النقب) لان الداخل أخرج المتاع وحده فاختص القطع به لا يقال: هما اشتركا في الهتك، لأن شرطه الاشتراك في الهتك والاخراج ولم يوجد الثاني فانتفى القطع لانتفاء شرطه (وإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما ولو تواطئا) لأن الأول لم يسرق والثاني لم يهتك الحرز. فصل ويشترط أن يخرجه أي المسروق من الحرز لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا سأل النبي (ص) عن الثمار فقال: من أخذه من غير أكمامه واحتمل ففيه قيمته ومثله معه وما كان من الحرز ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن رواه أبو داود وابن ماجة وبهذا تخص الآية كما خصت بالنصاب. (فإن وجد حرزا مهتوكا) فأخذ منه فلا قطع (أو) وجد (بابا مفتوحا فأخذ منه فلا قطع) لعدم شرطه (وإن هتك الحرز فابتلع فيه جوهرا، أو ذهبا فخرج به) من الحرز (ولو لم يخرج منه ما ابتلعه) قطع كما لو أخرجه في كمه (أو نقب وترك المتاع على بهيمة فخرجت به ولو لم يسقها) قطع لأن العادة مشي البهيمة بما عليها (أو) نقب وترك المتاع (في ماء جار فأخرجه) الماء، (أو) وضعه في ماء (راكد ففتحه فأخرجه) الماء، (أو) ترك المتاع (على جدار)
170 في الدار (أو) على شئ (في الهواء فأطارته الريح) قطع لأن فعله سبب خروجه أشبه ما لو ساق البهيمة (أو أمر صغيرا أو معتوها أن يخرجه ففعل) أي أخرجه الصغير أو المعتوه قطع الذي هتك الحرز وأمر لأن الصغير والمعتوه لا اختيار لهما كالآلة ولو أمرهما شخص بالقتل قتل الآمر (أو رمى به خارجا) عن الحرز (أو جذبه بشئ) بعد هتكه الحرز فأخرجه منه قطع (أو استتبع سخل شاة، أو فصيل ناقة، أو غيرهما، مثل أن يشتري الام والسخل على ملك الغير في حرز، فيأتي بالأم إلى مكان السخل ويريه أمه حتى يتبعها) قطع، (وكذلك العكس) نحو (أن يأتي مكان أمه وهي في حرز مالكها حتى يستتبع الام سخلها بأن يبعثه عليها حتى تتبعه قطع) لتسببه في أخذ ذلك و (إلا) يقطع (إن يتبعها) السخل (من غير استتباع) لأنه ليس من فعله (وإن تطيب في الحرز بما لو اجتمع بعد تطييبه و) بعد (خروجه من الحرز لبلغ نصابا) قطع لأنه هتك الحرز وأخرج منه نصابا أشبه ما لو كان غير طيب (أو هتك الحرز وأخذ المال وقتا آخر) وقرب ما بينهما قطع لأنها سرقة واحدة (أو) هتك الحرز و (أخذ بعضه) أي المال (ثم أخذ بقيته وقرب ما بينهما) قطع لأنها سرقة واحدة ولأنه إذا بنى فعل أحد الشريكين على فعل شريكه إذا سرقا نصابا فبناء فعل الواحد بعضه على بعض أولى، (أو فتح أسفل كوارة فخرج العسل شيئا فشيئا) حتى بلغت قيمة ما أخرجه نصابا قطع لأنه لم يهمل الاخذ أشبه ما لو وجده مجموعا فأخرجه (أو أخرجه) أي النصاب المسروق (إلى ساحة دار أو) ساحة (خان من بيت مغلق من الدار أو الخان) سواء، (فتحه) أي البيت (أو نقبه) ولو أن باب الدار أو الخان مغلق قطع لأنه هتك الحرز وأخرج منه نصابا كما لو لم يكن على الدار أو الخان باب آخر، (أو احتلب لبنا من ماشية في الحرز وأخرجه) من الحرز (قطع) لسرقته نصابا كغير اللبن، (فإن شرب اللبن في الحرز أو شرب منه
171 فانتقص النصاب) لم يقطع لأنه لم يخرج نصابا من الحرز (أو ترك المتاع في ماء راكد فانفتح من غير فعله فخرج به) لم يقطع لأن خروجه بغير فعله (أو أخرج النصاب في مرتين وبعدما بينهما مثل إن كانا في ليلتين أو ليلة واحدة وبينهما مدة طويلة) لم يقطع. لأن كل سرقة منهما لا تبلغ نصابا، وكذا إن علم المالك بهتك الحرز وأهمله، لأن سرقته الثانية من غير حرز (أو علم قردا أو نحوه السرقة فسرق لم يقطع) لأن تعليم السرقة ليس بسرقة (وعليه) أي معلم القرد (الضمان) أي ضمان سرقة القرد قليلا كان أو كثيرا لتسببه فيه (وإن جر خشبة فألقاها بعد أن أخرج بعضها من الحرز فلا قطع عليه سواء أخرج منها ما يساوي نصابا أو لا، لأن بعضها لا ينفرد عن بعض، وكذلك لو أمسك الغاصب طرف عمامته، والطرف الآخر في يد مالكها لم يضمنها) الغاصب، لأن بعضها لا ينفرد عن بعض (وكذلك لو سرق ثوبا أو عمامة فأخرج بعضها) ولم يقطعه لم يقطع لتبعيته لما لا يخرجه. فصل وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه (ويختلف باختلاف الأموال والبلدان، وعدل السلطان وجوره، وقوته وضعفه) لأنه لما لم يثبت بالشرع اعتباره من غير تنصيص على بيانه علم أنه رد ذلك إلى العرف لأنه طريق إلى معرفته فرجع إليه كما رجعنا إلى معرفة القبض والفرقة في البيع وأشباه ذلك إليه. (فحرز الأثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة) والغلق القافل خشبا كان أو حديدا.
172 قال في المبدع: ويكون فيه حافظ، لأنه العادة في حرز ذلك (والصندوق في السوق حرز ثم حارس) لأنه العادة (وإلا) أي وإن لم يكن ثم حارس (فلا) أي فليس الصندوق حرزا (فإن لم تكن الأبواب مغلقة ولا فيها حافظ فليست حرزا، وإن كان فيها) أي الدار المفتوحة الأبواب (خزائن مغلقة فالخزائن حرز لما فيها) من الأموال (وما خرج عنها) أي الخزائن (فليس بمحرز) إذا كانت أبواب الدار مفتوحة. قلت: وقياس ذلك خزائن المسجد فالمغلقة حرز لما فيها مما جرت العادة به فيها. (فأما البيوت التي في البساتين والطرق والصحراء فإن لم يكن فيها أحد فليست حرزا مغلقة كانت أو مفتوحة) وإن كان فيها أهلها أو حافظ ملاحظ فهي حرز مغلقة كانت أو مفتوحة (فإن كان بها نائم وهي مغلقة فهي حرز وإلا) أي وإن لم تكن مغلقة (فلا) أي فليست بحرز إلا أن يكون الحافظ يقظان (وكذا خيمة وخركات ونحوهما) كبيت الشعر إن كان فيها أحد ولو نائما فهي محرزة مع ما فيها، لأنها هكذا تحرز في العادة، وإن لم يكن فيها أحد فإن كان عندها حافظ فهي محرزة أيضا. وإن لم يكن عندها حافظ وليس فيها أحد فلا قطع على سارقها لأنها ليست بمحرزة في العادة، (وإن كان لابسا ثوبا، أو متوسدا له) تحت رأسه (نائما) كان (أو مستيقظا أو) كان (مفترشا) له (أو متكئا عليه في أي موضع كان من بلد أو برية) فحرز لأنه (ص) قطع سارق رداء صفوان من المسجد وهو متوسده. (أو) كان (نائما على مجر فرسه لم يزل عنه أو) كان (نعله في رجله فحرز) لأنه هكذا محرز (فإن تدحرج) النائم (عن الثوب زال الحرز) فلا قطع على السارق إذن (وإن كان الثوب أو غيره من المتاع بين يديه) أي قدامه (كبز البزازين، وقماش الباعة وخبز الخباز بحيث يشاهده
173 وينظر إليه فهو حرز) لأنه العادة (وإن نام أو كان غائبا عن موضع مشاهدته فليس بمحرز وإن جعل) البزاز ونحوه (المتاع في الغرائر وعلم عليها أي شدها بخيط ونحوه) كحبل وسير. (ومعها حافظ يشاهدها فمحرزة) عملا بالعرف (وإلا فلا) أي وإن لم يكن معها حينئذ حافظ يشاهدها فليست بمحرزة (وحرز سفن في شط بربطها) لجريان العادة بذلك (وحرز بقل وباقلاء، وطبيخ، وقدوره، وخزف وراء الشرائح) واحدها شريحة (وهي) شئ يعمل (من قصب أو خشب) يضم بعضه إلى بعض بحبل أو غيره (إذا كان بالسوق حارس) لأن العادة جرت بإحرازها به. (وحرز حطب وخشب وقصب الحظائر) واحدتها حظيرة وهي: ما يعمل للإبل والغنم من الشجر تأوي إليه، والأصل الحظر المنع فيعبر بعضه عن بعض ويربط بحيث يعسر أخذ شئ منه على ما جرت به العادة (كما لو كان) ما ذكر (في فندق) وهو الخان الصغير (مغلق عليه) فيكون محرزا وإن لم يقيد. ذكره في الكافي والشرح (وحرز مواش) جمع ماشية (الصبر) واحدها صبرة وهي حظيرة الغنم (و) حرزها (في المرعى بالراعي ونظره إليها إذا كان) الراعي (يراها في الغالب) لأن العادة حرزها بذلك. (وما نام) الراعي (عنه منها) أي من الماشية أو غاب عن مشاهدته (فقد خرج عن الحرز) فلا قطع على سارقه (وحرز حمولة إبل) بفتح الحاء أي الإبل المحملة (سائرة بتقطيرها مع قائد يراها بحيث يكثر الالتفات إليها ويراعيها وزمام الأول منها بيده) لأنها هكذا تحرز عرفا (والحافظ: الراكب فيما وراءه) من الإبل السائرة ونحوها (كقائد) فإذا كان يراها ويكثر الالتفات إليها فهي محرزة (أو بسائق يراها) أي الإبل المحملة ونحوها (سواء كانت مقطرة أو لا، وإن كانت) الإبل (باركة فإن كان معها حافظ لها ولو نائما، وهي معقولة فهي محرزة) لأن العادة أن صاحبها يعقلها إذا نام، (وإن لم تكن) الإبل (معقولة وكان الحافظ ناظرا إليها
174 بحيث يراها فهي محرزة وإن كان نائما أو مشغولا عنها فلا) حرز فلا قطع على السارق منها، (فإن سرق من أحمال الجمال السائرة المحرزة متاعا قيمته نصاب) قطع (أو سرق الحمل قطع) لأنه سرق نصابا من حرز مثله (وإن سرق الجمل بما عليه وصاحبه نائم عليه لم يقطع) لأنه في يد صاحبه، (وإن لم يكن صاحبه عليه قطع، وهذا التفصيل في الإبل التي في الصحراء فأما) الإبل (التي في البيوت والمكان المحصن على الوجه الذي ذكرناه. في الثياب فهي محرزة، وحكم سائر المواشي كالإبل) فيما سبق (وحرز ثياب في حمام) بحافظ وفي الترغيب: لا تبطل الملاحظة بفترات وأعراض يسيرة بل بتركه وراءه (أو) ثياب (في أعدال و) حرز (غزل في سوق، أو خان، وما كان مشتركا في الدخول إليه بحافظ كقعوده على المتاع، وإن فرط حافظ فنام أو اشتغل فلا قطع) على السارق لأنه لم يسرق من حرز (ويضمن الحافظ) ما ضاع بتفريطه (ولو لم يستحفظه) رب المتاع صريحا عملا بالعرف (وإن استحفظ رجل آخر متاعه في المسجد فسرق فإن فرط في حفظه فعليه الغرم) لتفريطه (إن كان التزم حفظه وأجابه إلى ما سأله) صريحا (وإن لم يجبه لكن سكت لم يلزمه غرم) لأنه ما قبل الاستيداع ولا قبض المتاع، (ولا قطع على السارق في الموضعين) لأنه لم يسرق من حرز (وإن حفظ المتاع بنظره إليه وقربه منه فلا غرم عليه) لعدم تفريطه (وعلى السارق القطع) لأنه سرق نصابا من حرزه (وحرز كفن مشروع في قبر على ميت ولو بعد) القبر (عن العمران إذا كان القبر مطموما الطم الذي جرت به العادة وهو) أي الكفن (ملك له) أي للميت لأنه
175 مالك له في حياته ولا يزول ملكه إلا عما لا حاجة له إليه (فلو عدم الميت) وبقي الكفن (وفيت منه ديونه) ويزيد به الثلث في الوصية كسائر ماله (وإلا) أي وإن لم يكن على الميت دين وبقي كفنه (فهو ميراث) كباقي أمواله (فمن نبش القبر وأخذ الكفن قطع) روي عن ابن الزبير وعن عائشة: سارق أمواتنا كسارق أحياءنا ولقوله تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) *. (والخصم فيه) أي الكفن إن سرق ونحوه (الورثة) لأنهم يقومون مقام الميت في المطالبة (فإن عدموا) أي الورثة (فنائب الامام) كسائر حقوقه (ولو كفنه أجنبي فكذلك) أي فالخصم فيه إذا سرق الورثة لقيامهم مقام مورثهم وأما لو أكل الميت ونحوه وبقي الكفن كان لمن تبرع به دون الورثة كما قطع به غير واحد وجزم به المصنف في الجنائز، لأن تمليك الميت غير ممكن فهو إباحة بقدر الحاجة فإذا زالت تعين لربه، (وإن أخرجه) أي الكفن (من اللحد ووضعه في القبر من غير أن يخرجه منه فلا قطع) لأنه لم يخرجه من الحرز (وإن كفن رجل في أكثر من ثلاثة لفائف، أو) كفنت (امرأة في أكثر من خمس) ثياب (فسرق الزائد عن ذلك) فلا قطع (أو ترك) الميت (في تابوت فسرق التابوت) فلا قطع (أو ترك معه) أي الميت (طيب مجموع، أو ذهب، أو فضة أو جوهر لم يقطع بأخذ شئ من ذلك لأنه ليس بمشروع) وترك غيره معه تضييع وسفه فلا يكون محرزا بالقبر ولو كان القبر غير مطموم أو أكل الميت وبقي كفنه وسرقه سارق فلا قطع (وحرز جدار الدار كونه مبنيا فيها) أي الدار (إذا كانت في العمران أو في الصحراء و فيها حافظ فإن أخذ من أجزاء الجدار أو خشبه ما يبلغ نصابا وجب قطعه) لأن الحائط حرز لغيره فيكون حرزا لنفسه و (لا) يقطع (إن هدم الحائط ولم يأخذه) كما لو أتلف المتاع في الحرز بل يحرم أرش الهدم إن تعدى به (وإن كانت الدار في الصحراء فلا قطع على من أخذ من
176 جدارها شيئا) لأنها إذا لم تكن حرزا لما فيها فلنفسها أولى، (وحرز الباب تركيبه في موضعه مغلقا كان أو مفتوحا) لأنه هكذا يحفظ (وعلى سارقه القطع إن كانت الدار محرزة بما ذكرناه) بأن تكون في العمران أو في الصحراء وفيها حافظ (وأما أبواب الخزائن في الدار فإن كان باب الدار مغلقا فهي) أي أبواب الخزائن (محرزة مغلقة كانت) أبواب الخزائن (أو مفتوحة وإن كان) باب الدار (مفتوحا لم تكن) أبواب الخزائن (محرزة إلا أن تكون مغلقة أو يكون في الدار حافظ) يحفظها، (وحلقة الباب إن كانت مسمرة فهي محرزة) لأنها بتركيبها فيه صارت كأنها بعضه (فإن سرق باب مسجد منصوبا، أو باب الكعبة المنصوب، أو سرق من سقفه) أي المسجد (وجداره أو تأزيره شيئا قطع) لأنه سرق من حرز مثله عادة نصابا لا شبهة له فيه وما كان منفكا من ذلك فليس بمحرز فلا قطع على سارقه و (لا) يقطع (بسرقة ستائر الكعبة) الخارجة (ولو كانت مخيطة عليها) كغير المخيطة لأنها غير محرزة (ولا بسرقة قناديل مسجد وحصره ونحوه) مما جعل لنفع المصلين كالقفص المجعول لوضع نعالهم (أو كان السارق مسلما) لأنه مما ينتفع به الناس فيكون له فيه شبهة كسرقة من بيت المال (وإلا) أي وإن لم يكن مسلما (قطع) لأنه لا حق له فيه ولا شبهة، (ومن سرق من ثمر شجر، أو) من (جمار نخل وهو: الكثر) بضم الكاف (قبل إدخاله الحرز كأخذه من رؤوس نخل وشجر من البستان لم يقطع، ولو كان عليه حائط وحافظ، ويضمن عوضه مرتين)، لحديث رافع بن خديج أن النبي (ص) قال: لا قطع في ثمر ولا كثر. رواه أحمد وأبو
177 داود والترمذي وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل النبي (ص) عن الثمر المعلق فقال: من أصاب منه بغية من ذي حاجة عن متخذ خبنة فلا شئ عليه، ومن خرج بشئ منه فعليه غرامة مثليه. ولان الثمار في العادة تسبق اليد إليها فجاز أن تغلظ قيمتها على سارقها ردعا له وزجرا بخلاف غيرها. وقوله (ص): غير متخذ خبنة. بالخاء المعجمة ثم باء موحدة ثم نون أي غير متخذ منه في حجزته (ومن سرق منه) أي الثمر (نصابا بعد إيوائه الحرز كجرين ونحوه، أو سرق) نصابا من ثمر (من شجرة في دار محرزة قطع) لقوله (ص) في حديث عمرو بن شعيب السابق: ومن سرق منه شيئا بعد أن تأويه الجرين فبلغ القطع رواه أحمد والنسائي وأبو داود ولفظه له (وكذا الماشية تسرق من المرعى من غير أن تكون محرزة تضمن بمثل قيمتها ولا قطع، كثمر وكثر) احتج به أحمد بأن عمر أغرم حاطب بن أبي بلتعة حين نحر غلمانه ناقة رجل من مزينة مثلي قيمتها. رواه الأثرم. (وما عداهن) أي الثمر والكثر والماشية و (يضمن بقيمته مرة واحدة) إن كان متقوما (أو بمثله إن كان مثليا) لأن التضعيف فيها على خلاف القياس للنص فلا يجاوز به محل النص (ولا قطع في عام مجاعة، عاما نصا إذا لم يجد ما يشتريه أو ما يشتري به) قال جماعة ما لم يبذل له ولو بثمن غال. وفي الترغيب: ما يحيي به نفسه، (وإذا سرق الضيف من مال مضيفه من الموضع الذي أنزله فيه أو) من (موضع لم يحرزه عنه لم يقطع) لعدم هتكه الحرز (وإن سرق) الضيف (من موضع محرز عنه فإن كان منعه قراه فسرق بقدره لم يقطع) لأنه أخذ الواجب له أشبه الزوجة والقريب إذا أخذ ما وجب لهما (وإن لم يمنعه) المضيف قراه الواجب له (قطع) إن سرق نصابا لأنه لا شبهة للضيف إذن في مال المضيف (وإذا أحرز
178 الضارب مال المضاربة، أو) أحرز الوديع (الوديعة، أو) أحرز المستعير (العارية أو) أحرز الوكيل (المال الذي وكل فيه فسرقه أجنبي فعليه القطع) لأنه سرق نصابا من نائب مالك لا شبهة له أشبه ما لو سرقه من مالكه، (وإن غصب) إنسان (عينا أو سرقها وأحرزها فسرقها سارق) لم يقطع (أو غصب بيتا فأحرز) الغاصب (فيه ماله فسرقه منه أجنبي لم يقطع) لان ذلك غير محترم. فصل ويشترط للقطع في السرقة (انتفاء الشبهة) لقوله (ص): إدرؤا الحدود بالشبهات ما استطعتم. (فلا يقطع بسرقة مال ولده وإن سفل) لقوله (ص): أنت ومالك لأبيك. (وسواء في ذلك الأب، والام، والابن، والبنت، والجد، والجدة، من قبل الام أو الأب) لأن بينهم قرابة تمنع شهادة أحدهم للآخر فلم يقطع بالسرقة منه كالأب بسرقة مال ابنه (ولا) قطع (بسرقة) ولد (مال والده وإن علا) لأن النفقة تجب للولد على الوالد في مال والده حفظا له فلا يجوز إتلافه لحفظه ماله (ويقطع سائر) أي الباقي (الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم كالإخوة والأخوات ومن عداهم) كالأعمام والأخوال لأن القرابة هنا لا تمنع قبول الشهادة من أحدهما على الآخر فلا تمنع القطع ولان الآية والاخبار تعم كل سارق خرج منه عمود النسب فبقي ما عداهما على الأصل (ولا يقطع العبد بسرقة مال سيده) لما روى سعيد بإسناده عن عمر: أنه جاءه عبد الله بن عمر والحضرمي بغلام له فقال: إن غلامي قد
179 سرق فاقطع يده: فقال عمر: خادمكم أخذ مالكم وكان ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكر فكان كالاجماع. وقال ابن مسعود لا أقطع مالك سرق ما لك. وروى ابن ماجة عن ابن عباس: أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرقع إلى النبي (ص) فلم يقطعه وقال: مال الله سرق بعضه بعضا. (وأم الولد والمدبر والمكاتب كالقن) في عدم القطع بسرقة مال السيد لأنهم ملكه كالقن (ولا سيد المكاتب بسرقة ماله) للشبهة لأنه يملك تعجيزه في الجملة، (وكل من لا يقطع الانسان بسرقة ماله لا يقطع عبده بسرقة ماله كآبائه، وأولاده وغيرهم) كزوجاته فلا يقطع عبد بسرقة مال أحد من عمودي نسب سيده ولا من مال زوج سيدته ونحو ذلك لقيام الشبهة، (ولا) يقطع (مسلم بسرقته من بيت المال) لقول عمر وابن مسعود: من سرق من بيت المال فلا، ما من أحد إلا وله في هذا المال حق. وروى سعيد عن علي: ليس على من سرق من بيت المال قطع. (ولو) كان السارق من بيت المال (عبدا إن كان سيده مسلما) لأنه لا يقطع بسرقة مال سيده لا يقطع به سيده (ولا) يقطع (بالسرقة من مال له فيه شرك) كالمال المشترك بينه وبين شريكه لأنه إذا لم يقطع الأب بسرقة مال ابنه لكون أن له فيه شبهة فلئلا يقطع بالسرقة من مال شريكه من باب أولى (أو) بسرقة من مال (لاحد ممن لا يقطع بالسرقة منه) فيه شرك مشترك كمال لأبيه أو لابنه لأن له فيه شبهة، (ولا بالسرقة من غنيمة له) أي السارق (فيها حق، أو لولده) فيها حق (أو لوالده) فيها حق (أو) ل (- سيده) فيها حق (وإن لم يكن من الغانمين ولا من أحد ممن ذكرنا) بأن لم يكن والدا ولا ولدا لاحد الغانمين ونحوهما (فسرق منها) أي الغنيمة (قبل إخراج الخمس لم يقطع) لأن لبيت المال فيها حقا وهو خمس الخمس وذلك شبهة فيدرأ بها الحد، (وإن أخرج الخمس) من الغنيمة (فسرق) السارق (من أربعة الأخماس قطع) حيث لم يكن له ولا لولده ولا والده ونحوه فيها حق لعدم الشبهة (وإن سرق من الخمس لم يقطع) لأن له فيه حقا (وإن قسم الخمس
180 خمسة أقسام فسرق من خمس الله ورسوله لم يقطع) لأنه من جملة مستحقيه (وإن سرق من غيره) من أربعة أخماس الخمس (قطع) لأن لا شبهة له فيه (إلا أن يكون من أهل ذلك الخمس) كمسكين سرق من خمس المساكين وهاشمي سرق من خمس ذوي القربى، (ولا يقطع أحد الزوجين بسرقته من مال الآخر، ولو من محرز عنه). قال سعيد عن عمر بإسناد جيد ولان كلا منهما نفقتها. (ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي والمستأمن)، لان مالهما محترم بالأمان والذمة، بدليل أنه يجب الضمان بإتلافه (ويقطعان) أي الذمي والمستأمن (بسرقة ماله) أي المسلم لأنه إذا قطع المسلم بسرقة مالهما فلان يقطعا بسرقة ماله بطريق الأولى و (كقود، وحد قذف) نص عليهما (وضمان متلف مالي وأرش جناية عليه (وإن زنى المستأمن بغير مسلمة لم يقم عليه الحد نصا) لأنه لم يلتزم حكمنا بخلاف الذمي (كحد خمر، وتقدم في باب حد الزنا) فإن زنى بمسلمة قتل لنقضه العهد (ويقطع المرتد إذا سرق) ثم عاد إلى الاسلام فإن قتل للردة اكتفى بقتله كما تقدم هذا ما ظهر لي في الجمع بينهما (فإن قال السارق الذي أخذته ملكي كان عنده وديعة، أو رهنا أو ابتعته منه أو وهبه لي أو أذن لي في أخذه أو) أذن لي (في الدخول إلى حرزه أو غصب مني أو) غصبه (من أبي أو) قال: (بعضه لي فالقول قول المسروق منه مع يمينه) لأنه واضع اليد حكما والظاهر خلاف ما ادعاه السارق، (فإن حلف سقط دعوى السارق) أنه ملكه ونحوه لحديث: البينة على المدعي واليمين على من أنكر. (ولا قطع عليه) أي السارق (ولو كان معروفا بالسرقة لأن صدقه محتمل) فيكون شبهة في درء الحد وسماه الشافعي: السارق الظريف. (وإن نكل) المسروق منه عن الحلف (قضى عليه بالنكول) لما يأتي في القضاء.
181 فصل وإذا سرق المسروق منه مال السارق أو سرق (المغصوب منه مال الغاصب من الحرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة ولو) كانت العين المسروقة أو المغصوبة (متميزة) لم يقطع لأن لكل واحد منهما شبهة في هتك الحرز لاخذ ماله، فإذا هتك الحرز صار كأن المال المسروق منه أخذ من غير حرز (أو أخذ) المسروق منه أو المغصوب منه (عين ماله فقط أو) أخذه (ومعه نصاب من مال المتعدي) من الحرز الذي فيه ماله (لم يقطع) لما سبق، (وإن سرق) المسروق منه أو المغصوب منه (منه) أي من السارق أو الغاصب (نصابا من غير الحرز الذي فيه ماله) فعليه القطع لأنه لا شبهة له فيه مع البدل، (أو سرق) رب دين (من مال من له عليه دين وهما) أي الغاصب ونحوه والمدين (باذلان غير ممتنعين من أدائه أو قدر المالك على أخذ ماله فتركه وسرق من مال المعتدي) من غير حرز ماله (أو) سرق من مال (الغريم فعليه القطع) لعدم الشبهة، (وإن عجز) رب دين (عن استيفائه أو) عجز مجني عليه عن استيفاء (أرش جنايته فسرق قدر دينه أو) قدر (حقه) أي أرش جنايته (فلا قطع) لأن بعض العلماء أباح له الاخذ فيكون الاختلاف في إباحة الاخذ شبهة تدرأ الحد كالوطئ في نكاح مختلف في صحته، (وإن سرق) رب الدين (أكثر من دينه فكالمغصوب منه إذا سرق أكثر من دينه) يعني من عين ماله (على ما مضى) قاله في الشرح، (ومن قطع بسرقة عين فعاد فسرقها قطع سواء سرقها من الذي سرق منه أو من غيره) لأنه لم ينزجر أشبه ما لو سرق غيرها بخلاف حد القذف فإنه لا يعاد مرة أخرى لأن الغرض إظهار كذبه وقد ظهر وهنا المقصود ردعه
182 وزجره عن السرقة ولم يوجد فيردع بالثاني كما لو سرق عينا أخرى، (ومن سرق مرات قبل القطع أجزأ حد واحد عن جميعها)، كما لو زنى أو شرب مرات قبل الحد لأنه خالص حق الله تعالى بخلاف حد القذف لأنه حق آدمي وتقدم. (ولو سرق المال المسروق أو المغصوب أجنبي لم يقطع) لأنه لم يسرق من مال له ولا نائبه (ومن آجر داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع) لأنه هتك حرزا وسرق منه نصابا له شبهة له فيه فيقطع كما لو سرق من غير ملكه ولان هذا قد صار حرزا لمالك غيره فلا يجوز له الدخول إليه ولا يجوز له الرجوع في العارية، قال في الفنون: له الرجوع بقول لا سرقة. فصل ويشترط للقطع (ثبوت السرقة)، لأن الله تعالى أوجب القطع على السارق ولا يتحقق ذلك إلا بثبوته و (إما بشهادة عدلين) لقوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * . وإنما خولف في الأموال ونحوها لدليل خاص فيبقى ما عداه على الأصل (يصفان السرقة) في شهادتهما (و) يصفان (الحرز وجنس النصاب وقدره) لاختلاف العلماء في ذلك، فربما ظن الشاهد القطع بما لا يراه الحاكم، (وإذا وجب القطع بشهادتهما لم يسقط) القطع (بغيبتهما ولا موتهما) كسائر الحقوق إذا ثبتت (ولا تسمع البينة قبل الدعوى) من مالك المسروق أو نائبه (وإن اختلف الشاهدان) في وقت السرقة أو مكانها أو في المسروق (فشهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس، أو من هذا البيت أو سرق ثورا أو ثوبا أبيض، أو عروبا، وشهد الآخر أنه سرق يوم الجمعة أو من البيت الآخر
183 أو بقرة، أو حمارا، أو ثوبا، أسود أو مرويا لم يقطع) المشهود عليه لعدم اتفاقهما (كما لو اختلفا في الذكورية والأنوثية) بأن قال أحدهما سرق ذكرا والآخر أنثى ونحوه (أو باعتراف مرتين) لما روي عن أبي أمية المخزومي أنه (ص) أتي بلص قد اعترف قال: ما إخالك سرقت قال: بلى فأعاد عليه مرتين، قال: بلى: فأمر به فقطع رواه أبو داود. وعن علي: أنه قال لسارق سرقت؟ قال فشهد على نفسه مرتين فقطع. رواه الجوزجاني ولأنه يتضمن إتلافا فكان من شرطه التكرار كحد الزنا (يذكر فيه) أي اعترافه (شروط السرقة من النصاب والحرز وغير ذلك) أي يصف السرقة في اعترافه كالزنا في كل مرة لاحتمال ظنه وجوب القطع عليه مع فوات شرط من شروطه، (والحر والعبد ولو آبقا في هذا سواء) لعموم الأدلة وكذلك الذكر والأنثى، (ولا ينزع) أي يرجع (عن إقراره حتى يقطع، فإن رجع) عن إقراره (قبل) رجوعه (ولا قطع) عليه لقوله (ص): ما إخالك سرقت عرض له ليرجع ولو لم يسقط الحد برجوعه لم يكن في ذلك فائدة ولان حجة القطع زالت قبل استيفائه فسقط كما لو رجع الشهود (بخلاف ما لو ثبت) القطع (ببينة شهد على فعله فإن إنكاره لا يقبل) منه بل يقطع (فإن قال) المشهود عليه: (احلفوه) أي المدعي (لي أني سرقت منه لم يحلف) لأن فيه قدحا في البينة ولحديث: شاهداك أو يمينه. (وإن شهدت) البينة (على إقراره بالسرقة ثم جحد وقامت البينة بذلك لم يقطع) كما لو اعترف عند الحاكم ثم رجع ويغرم المال، (ولو أقر) بالسرقة (مرة واحدة، أو ثبت) أنه سرق (ب) - شهادة (شاهد ويمين أو أقر) مرتين بالسرقة (ثم رجع لزمه غرامة المسروق) لأنه حق آدمي فلا يقبل رجوعه عنه (ولا قطع) عليه لما سبق
184 (وإن كان رجوعه) عن اعترافه (وقد قطع بعض المفصل لم يتمم إن كان يرجى برؤه لكونه قطع الأقل) لما تقدم في قصة ماعز، (وإن قطع الأكثر) من المفصل ثم رجع عن إقراره (فالمقطوع بالخيار إن شاء قطعه) يستريح من تعليق كفه وإن شاء تركه. (ولا يلزم القاطع بقطعه) لأن قطعه تداو وليس بحد (ولا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره) لما تقدم من تعريضه (ص) بقوله: ما إخالك سرقت وعن علي: أنه أتي برجل فسأله أسرقت؟ قال لا فتركه. ونحوه عن أبي بكر الصديق وأبي هريرة وابن مسعود وأبي الدرداء. (و) لا بأس (بالشفاعة فيه) أي السارق (إذا لم يبلغ الامام) لقوله (ص): تعافوا الحدود فما بلغني من حد وجب (فإذا بلغه حرمت الشفاعة) وقبولها (ولزم القطع) وكذا سائر الحدود لما تقدم في قصة المخزومية انتهى. فصل ويشترط أن يطالب المسروق منه بماله (أو يطالب به وكيله) لأن المال يباح بالبذل والإباحة فيحتمل أن يكون مالكه أباحه إياه، أو وقفه على جماعة المسلمين أو على طائفة منهم السارق أو أذن له في دخول حرزه فاعتبرت المطالبة لتزول الشبهة، (فإن أقر) مكلف (بسرقة مال غائب، أو شهدت بها بينة حبس) إلى قدوم الغائب (ولم يقطع حتى يحضر) الغائب ويطالب وتعاد الشهادة لأنه يكتفي بإقامتها قبل المطالبة (فإن كانت العين في يده) أي يد المقر بالسرقة أو يد من شهدت البينة عليه بالسرقة، (أخذها الحاكم وحفظها للغائب) لأن الحاكم له النظر في مال الغائب وعليه حفظه، (وإن أقر بسرقة) شئ مكلف (رجل) أو امرأة (فقال المالك: لم تسرق مني، ولكن
185 غصبتني أو كان) ذلك الشئ (لي قبلك وديعة فجحدتني لم يقطع (لأن إقراره لم يوافق دعوى المدعي، (وإن أقر) مكلف (أنه سرق) نصابا (من رجلين) مثلا (فصدقه أحدهما) وحده أو حضر أحدهما فطالب) (ولم يطالب الآخر لم يقطع) لعدم كمال الشرط وهو مطالبة المسروق منه بنصاب تام. ومفهوم كلامه في الشرح. أنه لو كان المسروق من المدعي يبلغ نصابا قطع لاجتماع الشروط، (فإن أقر أنه سرق من رجل شيئا يبلغ نصابا، فقال الرجل: قد فقدته من مالي فينبغي أن يقطع) لحديث عبد الله بن ثعلبة الأنصاري رواه ابن ماجة وإن كذب مدع نفسه سقط القطع، (وإذا وجب القطع) لاجتماع شروطه السابقة (قطعت يده اليمنى من مفصل الكف) قال في المبدع بلا خلاف ومعناه في الشرح، وفي قراءة ابن مسعود: فاقطعوا أيمانهما وروي عن أبي بكر وعمر: أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع ولا مخالف لهما في الصحابة، ولان البطش بها أقوى، فكانت البداءة بها أرد ولأنها آلة السرقة غالبا فناسب عقوبته بإعدام آلتها وحسمت وجوبا وهو. أي الحسم (أن يغمس موضع القطع من مفصل الذراع في زيت مغلي) لقوله (ص) في سارق: اقطعوا واحسموه قال ابن المنذر في إسناده مقال والحكمة في الحسم أن العضو إذا قطع فغمس في الزيت المغلي انسدت أفواه العروق فينقطع الدم إذ لو ترك بلا حسم لنزف الدم فأدى إلى موته (فإن عاد) فسرق (قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب) بترك عقبه لفعل عمر. روي عن علي: أنه كان يقطع من شطر القدم من معقد الشراك ويترك له عقبا يمشي عليه، والأصل في قطع الرجل في المرة الثانية ما روى أبو هريرة أن النبي (ص) قال في السارق: إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله. لأنه قول أبي بكر وعمر ولا. مخالف لهما في الصحابة فكان كالاجماع، وإنما قطعت الرجل
186 اليسرى لقوله تعالى: * (أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) *. وإذا ثبت ذلك في المحاربة ثبت في السرقة قياسا عليها، ولان قطع الرجل اليسرى أرفق به لان المشي على الرجل اليمنى أسهل وأمكن، ويبعد في العادة أن يتمكن من المشي على اليسرى فوجب قطع اليسرى لئلا تتعطل منه منفعة بلا ضرورة، (وحسمت وجوبا) بغمسها في زيت مغلي لئلا ينزف الدم فيؤدي إلى موته (وصفة القطع أن يجلس السارق ويضبط لئلا يتحرك) فيجني على نفسه (وتشد يده بحبل، وتجر حتى يتبين مفصل الكف من مفصل الذراع. ثم توضع بينهما سكين حادة، ويدق فوقها بقوة لتقطع في مرة واحدة، أو توضع السكين على المفصل، وتمد مدة واحدة) وكذا يفعل في قطع الرجل (وإن علم قطعا أوحى من هذا قطع به) لأن الغرض التسهيل عليه. لحديث: إن الله كتب الاحسان على كل شئ. (ويسن تعليق يده في عنقه) لما روى فضالة بن عبيد: أن النبي (ص) أتي بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه. رواه أبو داود وابن ماجة وفعله علي، (زاد جماعة) منهم صاحب البلغة والرعايتين والحاوي (ثلاثة أيام إن رآه الامام) أي أداه إليه اجتهاده لتتعظ به اللصوص (ولا يقطع) السارق (في شدة حر ولا) في شدة (برد، ولا مريض في مرضه، ولا حامل حال حملها، ولا بعد وضعها حتى ينقضي نفاسها) لئلا يحيف ويتعدى إلى فوات النفس (وإذا قطعت يده ثم سرق قبل اندمالها لم يقطع حتى يندمل القطع
187 الأول) خوفا من أن يفضي إلى هلاكه (وكذا لو قطعت رجله قصاصا لم تقطع اليد في السرقة حتى تبرأ الرجل) لما مر. وأما قطاع الطريق فإن قطع اليد والرجل حد واحد بخلاف ما نحن فيه (فإن عاد) للسرقة (ثالثا بعد قطع يده ورجله حرم قطعه) رواه سعيد عن علي، ولان قطع الكل يفوت منفعة الجنس فلم يشرع كالقتل. وروي أن عمر رجع إلى قول علي (وحبس حتى يموت) كالمرة الخامسة. وفي البلغة يعزر ويحبس حتى يتوب (ولو سرق ويده اليمنى) ذاهبة (أو) سرق و (رجله اليسرى ذاهبة قطع الباقي منهما) وتقطع رجله اليسرى في الصورة الأولى، لأن اليمين لما خرجت عن كونها محلا للقطع. انتقل القطع إلى ما يلي ذلك وهو الرجل اليسرى وتقطع يده اليمنى في الثانية لأنها الآلة ومحل النص (وإن كان الذاهب يده اليسرى ورجله اليمنى لم يقطع، لتعطيل منفعة الجنس وذهاب عضوين من شق واحد، ولو كان الذاهب يديه أو يسراهما) وسرق (لم تقطع رجله اليسرى) لذهاب عضوين من شق (وإن كان الذاهب رجليه، أو يمناهما، ويداه صحيحتان قطعت يمنى يديه) لأنها الآلة ومحل النص، (وإن سرق وله يمنى فذهبت في قصاص أو) ذهبت (بأكلة، أو) ذهبت ب (تعد سقط القطع) لتعذر استيفاء الحد لتلف محله كما لو مات من عليه القود (وعلى العادي) بقطع اليد (الأدب فقط) لافتياته على الامام، ولا ضمان عليه لأن قطعها، مستحق أشبه قتل المرتد (سواء قطعها بعد ثبوت السرقة والحكم بالقطع أو قبله إذا كان) قطعه (لها بعد السرقة لأنه قطع عضوا غير معصوم) أشبه قتل الزاني (المحصن ولو شهد عليه بالسرقة) شاهدان (فحبسه الحاكم لتعديل الشهود فقطعه قاطع ثم عدلوا فكذلك) لا ضمان على قاطعه لما مر (وإن لم يعدلوا) أي الشهود (وجب القصاص على القاطع) لأنه قطع عضوا من معصوم مكافئ له لا حق له في قطعه ولا شبهة حق (وإن ذهبت يده اليسرى) وحدها (أو)
188 ذهبت (مع رجليه أو مع إحداهما فلا قطع) لذهاب منفعة الجنس بقطع يمناه. (وإن ذهبت بعد سرقته رجلاه، أو يمناهما قطع) إن قطعت يده اليمنى لأنها الآلة ومحل النص (ك) - ما تقطع مع (ذهاب يسراهما) أي يسرى رجليه (نصا ومثلا) من يد أو رجل (ولو أمن تلفه بقطعها) كمعدومة (وما ذهب معظم نفعها) من يد أو رجل (كمعدومة) لأنه لا يحصل إلا بواحدة منهما مقصود القطع والشلاء لا نفع فيها ولا جمال فتشبه كفا لا أصابع عليه (لا ما ذهب منها خنصر، أو بنصر، أو أصبع سواهما ولو الابهام) فليست كمعدومة لبقاء معظم نفعها (وإن وجب قطع يمناه فقطع القاطع يسراه بدلا عن يمينه أجزأت، ولا تقطع يمناه) لئلا تتعطل منفعة الجنس، وتقطع يداه بسرقة واحدة و (أما القاطع فإن كان قطعها من غير اختيار من السارق، أو كان أخرجها السارق دهشة أو ظنا منه أنها تجزئ فقطعها القاطع عالما بأنها يسراه، وأنها لا تجزئ فعليه القصاص) لأنه قطع طرفا معصوما عمدا. فأفيد به كما لو لم يجب قطع يمناه، (وإن لم يعلم) القاطع (أنها يسراه، أو ظن أنها تجزئه فعليه ديتها) لأن ما أوجب عمده القود أوجب خطؤه الدية كالقتل، (وإن كان السارق أخرجها اختيارا عالما بالامرين) أي بأنها اليسار وبأنها لا تجزئ (فلا شئ على القاطع) لاذن المقطوع فيه (ولا يقطع يمنى السارق) لذهاب منفعة الجنس جزم به في التصحيح والنظم وقدمه في المنتهى والوجه الثاني تقطع جزم به في الوجيز والتنقيح وهو ظاهر ما قدمه في الفروع، (ويجتمع القطع والضمان) على السارق لأنهما حقان يجبان لمستحقين فجاز اجتماعهما كالجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك (فيرد العين المسروقة إلى مالكها) قال في المبدع بغير خلاف نعلمه إن كانت باقية
189 (وإن كانت تالفة، وهي من المثليات فعليه مثلها، وإلا) تكن مثلية (فقيمتها قطع أو لم يقطع، موسرا كان أو معسرا) وما روي عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعا: إذا أقمتم الحد على السارق فلا غرم عليه. قال ابن عبد البر الحديث ليس بالقوي، وقال ابن المنذر فيه سعيد ابن إبراهيم وهو مجهول، ولو سلم صحته فيحتمل أنه لا غرم عليه في أجرة القطع، (وإن فعل) السارق (في العين فعلا نقصها به كقطع الثوب) المسروق (ونحوه وجب رده ورد) أرش (نقصه) كالمغصوب (والزيت الذي يحسم به وأجرة القطع من مال السارق) أما الزيت فلأنه يلزمه حفظ نفسه وهذا منه لأنه إذا لم يحسم لم يأمن على نفسه التلف فوجب لذلك. وأما أجرة القطع فلان القطع حق وجب عليه الخروج منه فكانت مؤنته عليه كسائر الحقوق، وقيل: يؤخذ ذلك من بيت المال لأنه من المصالح. باب حد المحاربين وهو جمع محارب اسم فاعل من حارب يحارب من الحرب. قال ابن فارس: الحرب اشتقاقها من الحرب بفتح الراء وهو مصدر حرب ماله، أي سلبه. والحرب: المحروب (وهم قطاع الطريق) أي (المكلفون الملتزمون) من مسلم وذمي (ولو أنثى) لأنها تقطع في السرقة فلزمها حكم المحاربة كالرجل (الذين يعرضون للناس بسلاح، ولو بعصا، وحجارة) لأن ذلك من جملة السلاح، فإن لم يكن معهم سلاح فليسوا محاربين لأنهم لا يمنعون من قصدهم (في صحراء أو بنيان، أو بحر) لعموم الآية ولان ضررهم في المصر أعظم فكانوا الحد أولى (فيغصبونهم مالا) بخلاف الخمر ونحوه (محترما) لا صليبا ومزمارا ونحوهما (قهرا مجاهرة). والأصل فيهم قوله تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) *. الآية. قال ابن عباس وأكثر العلماء نزلت في قطاع الطريق من المسلمين. لقوله تعالى:
190 * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) *. والكفارة تقبل توبتهم بعد القدرة عليهم وقبلها وعن ابن عمر أنها نزلت في المرتدين لأن سبب نزولها قضية العرنيين (فإن أخذوا) المال (مختفين فهم سراق) لأنهم لا يرجعون إلى منعة وقوة فليسوا محاربين (وإن خطفوه وهربوا فمنتهبون لا قطع عليهم) لأنهم ليسوا قطاع طريق لما مر (وإن خرج الواحد والاثنان على آخر قافلة فاستلبوا منها شيئا فليسوا بمحاربين، لأنهم لم يرجعوا إلى منعة وقوة، وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم فهم محاربون) يثبت لهم حكمهم (ويعتبر ثبوته) أي قطع الطريق (ببينة) أي شهادة رجلين عدلين (أو إقرار مرتين) كسرقة ذكره القاضي وغيره (فمن كان منهم) أي من قطاع الطريق (قد قتل) قتيلا (لاخذ ماله، ولو) كان القتل (بمثقل أو سوط، أو عصا ولو) قتل (غير من يكافئه كمن قتل ولده، أو) قتل (عبدا أو ذميا وأخذ المال قتل حتما) أي وجوبا للآية (بالسيف في عنقه) لحديث: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة. (ولو عفا عنه ولي) المقتول لأنه لحق الله تعالى فلا يسقط بعفو الولي (ثم صلب المكافئ) لمقتوله (دون غيره بقدر ما يشتهر) به لأن المقصود منه زجر غيره ولا يحصل إلا به والأصل في ذلك ما روى الشافعي بسنده عن ابن عباس إذا قتلوا وأخذوا المال صلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض. وروي نحوه مرفوعا وقدم القتل على الصلب لأنه مقدم عليه في الآية وفي صلبه حيا تعذيب، وقد نهى (ص) عن تعذيب الحيوان (ثم ينزل، ويدفع إلى أهله فيغسل ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن) كغيره من المسلمين (فإن مات) قاطع الطريق (قبل قتله لم يصلب) لأنه لا فائدة في صلبه
191 إذن، لأن الصلب إنما وجب ليشتهر أمره في القتل في المحاربة وهذا لم يقتل في المحاربة (ولا يتحتم استيفاء جناية توجب القصاص فيما دون النفس) فإذا قطع قاطع الطريق طرفا لم يتحتم استيفاؤه والحيرة للمجني عليه لأن القتل إنما يتحتم لأنه حد المحارب إذا كان قاتلا، فأما الطرف فإنما يستوفى هنا قصاصا لا حدا فيكون حكمه كغير المحارب فإذا عفا ولي القود وسقط لذلك (إلا إذا كان قتل) قال في الانصاف ولا يسقط تحتم القود في الطرف إذا كان قد قتل على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب انتهى. قال في المحرر والمبدع: ولا يسقط مع تحتم القتل على الروايتين انتهيا. وكذا في شرح المنتهى ولا يسقط مع تحتم قتل لكن يمكن عود الضمير للقود من الطرف. أي لا يسقط القود في الطرف بتحتم القود في النفس لا أنه لا يسقط التحتم في الطرف لأن المذهب أنه لا يتحتم بخلاف ما توهمه عبارة الانصاف، ولذلك قال في التنقيح: ولا يتحتم استيفاء الجناية فوجب القصاص فيما دون النفس وتبعه في المنتهى وظاهرهما مطلقا (وحكمها) أي الجناية فيما دون النفس (حكم الجناية في غير المحاربة) إذا كان قد قتل، (فإن جرح إنسانا، وقتل آخر اقتص منه للجراح، ثم قتل للمحاربة حتما فيهما) وعلى ما في التنقيح والمنتهى يتحتم القصاص في النفس فقط وولي الجراح بالخيار (وردء) للمحارب وهو المساعد والمعين له عند احتياجه إليه كمباشر (وطليع) وهو الذي يكشف للمحاربين حال القافلة ليأتوا إليها (في ذلك) القتل (كمباشر) كما في جيش المسلمين إذا دخلوا دار الحرب وباشر بعضهم القتال وأخذ المال ووقف الباقون للحفظ والحراسة ممن يدهمهم من ورائهم أو أرسل الامام عينا ليتعرف أحوال العدو فإن الكل يشتركون في الغنيمة، وذكر أبو الفرج السرقة لذلك (وإذا قتل واحد منهم ثبت حكم القتل في حق جميعهم) أي جميع المكلفين منهم (فيجب قتل الكل) لأن حكم الردء حكم المباشر (وإن قتل بعضهم وأخذ المال بعضهم قتلوا كلهم) وجوبا (وصلب المكافئ)
192 لمقتوله كأن القتل والاخذ صدرا من الكل (فإن كان فيهم) أي المحاربين (صبي أو مجنون لم يسقط الحد عن غيرهما) كما لو اشترك مكلف وغيره في شرب ونحوه بخلاف ما لو اشتركا في القتل لأنه لم يتمحض عمدا عدوانا (ولا حد عليهما) أي الصغير والمجنون لحديث: رفع القلم عن ثلاث. (وعليهما ضمان ما أخذا من المال في أموالهما ودية قتيلهما على عاقلتهما) كما لو أتلفا مالا أو قتلا في غير المحاربة (ولا شئ) أي لا حد (على ردئهما) لأن الردء يتبع المباشر قال في شرح المنتهى: فيضمن الردء المكلف ما باشر أخذه غير المكلف، (وإن كان فيهم) أي المحاربين (امرأة ثبت لها حكم المحاربة) كالرجل لعموم الأدلة وكالسرقة (فمتى قتلت أو أخذت المال ثبت لها حكم المحاربة في حق من معها كهي لأنهم ردؤها) فيكونون كالمباشرين (وإن قطع أهل الذمة على المسلمين الطريق وحدهم أو مع المسلمين انتقض عهدهم) كما تقدم في أحكام الذمة (وحلت دماؤهم وأموالهم) يعني أن الامام يخير فيهم كالأسرى بين القتل والرق والمن والفداء، فإن قتلوا فمالهم فئ كما تقدم في آخر أحكام الذمة فإن خيف لحوقهم بداء الحرب قبل بلوغ الامام فلكل أحد قتلهم وأخذ ما معهم كما يأتي في المرتد. فصل: (ومن قتل) لقصد المال (ولم يأخذ المال قتل حتما ولا أثر لعفو ولي ولم يصلب) لما تقدم في خبر ابن عباس من قوله ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ولم يذكر صلبا ولان جنايتهم بأخذ المال مع
193 القتل تزيد على الجناية بالقتل وحده فوجب أن تكون عقوبتهم مع أخذ المال أغلظ (ومن أخذ) منهم (المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى)، وحسمت ثم رجله اليسرى (وحسمت في مقام واحد حتما مرتبا وجوبا) لظاهر الآية والخبر: (ولا يقطع منهم إلا من أخذ من حرز) وهو القافلة (لا شبهة له فيه) بخلاف نحو أب وسيد (ما يقطع السارق في مثله) لقوله (ص): لا قطع إلا في ربع دينار. ولم يفصل لأنها جناية تعلقت بها عقوبة في حق غير المحارب فلا تغلظ في المحارب بأكثر من وجه واحد كالقتل (فإذا أخذوا نصابا أو ما تبلغ قيمته نصابا) أي ربع دينار أو ثلاثة دراهم فضة خالصة (ولو لم تبلغ حصة كل واحد منهم نصابا قطعوا)، كما لو اشترك جماعة في سرقة نصاب (فإن أخذ من غير حرز كأخذه من منفرد عن القافلة ونحوه فلا قطع)، وكذا لو كان المأخوذ دون نصاب أو من مال له فيه شبهة كالسرقة، (وإن كانت يده اليمنى أو رجله اليسرى معدومة أو) كانت (مستحقة في قصاص أو) كانت (شلاء قطع الموجود منهما فقط) لأن ذلك واجب أمكن استيفاؤه (ويسقط القطع في المعدوم) والشلاء لأن ما تعلق به الغرض قد زال أو في حكمه فيسقط كالغسل في الوضوء (وإن عدم يسرى يديه قطعت يسرى رجليه) فقط لئلا تذهب منفعة الجنس، (وإن عدم يمنى يديه لم يقطع يمنى رجليه) لئلا يذهب عضوان من شق، وتقطع يسرى رجليه (ولو حارب مرة أخرى لم يقطع منه شئ) كالسارق في المرة الثالثة على ما تقدم (ويتعين
194 دية كقود لزمه بعد محاربته لتقديمها) أي المحاربة (بسبقها) للقود (وكذا لو مات قبل قتله للمحاربة) تعينت الدية لفوات المحل (ومن لم يقتل ولا أخذ المال بل أخاف السبيل) أي الطريق (نفي وشرد) أي طرد (فلا يترك يأوى إلى بلد ولو عبدا حتى تظهر توبته) لقوله تعالى: * (أو ينفوا من الأرض) *. (وإن كانوا جماعة نفوا متفرقين) فينفي كل واحد منهم إلى جهة خشية أن يجتمعوا على المحاربة ثانيا (ومن تاب منهم) أي من قطاع الطريق (قبل القدرة عليه لا بعدها سقط عنه حق الله) تعالى (من الصلب والقطع والقتل وانحتام القتل) قال في المبدع بغير خلاف نعلمه ومعناه في الشرح لقوله تعالى: * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) *. (حتى حد زنا وسرقة وشرب) خمر فيسقط عن المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه لعموم الآية بخلاف حد القذف (وكذا خارجي) محارب (وباغ) محارب، (ومرتد) محارب إذا تاب قبل القدرة عليه سقط عنه حق الله تعالى لعموم الآية وأما من تاب بعد القدرة عليه فإنه لا يسقط عنه شئ من ذلك لمفهوم الآية (وأخذ) من تاب قبل القدرة عليه من قطاع الطريق والخوارج والبغاة والمرتدين (بحقوق الآدميين من الأنفس والأموال والجراح إلا أن يعفى لهم عنها) لأنها حقوق عليهم لم يعف عنها فلم تسقط كغير المحارب ويدل عليه قوله تعالى فإن الله غفور رحيم فإنه يشعر بسقوط حقه دون حق غيره المبني على المشاحة، (وإن أسلم ذمي بعد زنا أو سرقة لم يسقط) الحد (بإسلامه) بل يؤاخذ به كما قبل الاسلام لالتزامه حكمنا (وتقدم حكم المستأمن في بابي الزنا والسرقة) قال في المنتهى ويؤخذ غير حربي أسلم بحق الله وحق آدمي طلبه (وأما الحربي الكافر إذا أسلم فلا يؤخذ بشئ في كفره إجماعا) لقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * وقوله (ص): الاسلام يجب ما قبله. (ومن وجب عليه حد لله) تعالى (سوى ذلك)
195 أي حد المحاربة كالزنا وشرب الخمر والسرقة (فتاب قبل ثبوته سقط بمجرد التوبة قبل إصلاح العمل) لقوله تعالى: * (فإن تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما) *. ولقوله: * (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) *. وفي الحديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. ولأنه خالص حق الله تعالى فيسقط بالتوبة كحد المحارب (أو لا) أي وإن لم يكن الحد لله تعالى بل للآدمي كحد القذف أو كان لله ولم يثبت قبل توبته بل بعده (فلا) يسقط لعموم الأدلة (ومن مات وعليه حد) لله أو لآدمي (سقط) بموته لفوات محله كما يسقط القصاص بالموت. فصل: (ومن صال على نفسه) بهيمة أو آدمي (أو) صال على (نسائه) كأمه وابنته وأخته وزوجته ونحوهن، (أو) على (ولده، أو ماله ولو قل) المال (بهيمة أو آدمي ولو) كان من أريدت نفسه أو حرمته أو ولده أو ماله (غير مكافئ) للمريد (أو) كان الصائل (صبيا، أو مجنونا) كالبهيمة وسواء صال على ذلك (في منزله، أو غيره، ولو) كان (متلصصا) أي طالبا للسرقة (ولم يخف) الدافع (أن يبدره الصائل بالقتل، دفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به) لأنه لو منع من ذلك لأدى إلى تلفه وأذاه في نفسه وحرمته وماله ولأنه لو لم يجز ذلك لتسلط الناس بعضهم على بعض وأدى إلى الهرج والمرج (فإن اندفع بالقول لم يكن له ضربه) بشئ، (وإن لم يندفع بالقول فله) أي الدافع (ضربه بأسهل ما يظن أن يندفع به فإن ظن أن يندفع بضرب عصا لم يكن له ضربه بحديد) لأنه آلة القتل (وإن ولى هاربا لم يكن له قتله ولا اتباعه) كالبغاة (وإن ضربه فعطله
196 لم يكن له أن يثني عليه) لأنه كفى شره (وإن ضربه فقطع يمينه فولى هاربا فضربه فقطع رجله فالرجل مضمونة بقصاص، أو دية) لأن الزائد على ما يحصل به الدفع لا حاجة إليه فلم يكن له فعله قال أحمد لا يريد قتله وضربه لكن دفعه (فإن مات) الصائل (من سراية القطعين فعليه) أي الدافع (نصف الدية) لأنه مات من فعل مأذون فيه وغير مأذون فيه، (وإن رجع) الصائل (إليه) أي إلى الدافع (بعد قطع) يده ثم (رجله فقطع) الدافع (يده الأخرى) لكونه لم يندفع بدونه (فاليدان غير مضمونتين) بخلاف الرجل التي قطعها بعد أن ولى هاربا (وإن مات) الصائل (فعليه) أي الدافع (ثلث الدية) كما لو مات من جراح ثلاثة أنفس. قال في المبدع والشرح وقياس المذهب أن يضمن نصف الدية كما لو جرحه اثنان ومات منهما (فإن لم يمكنه) أي الدافع (دفعه) أي الصائل (إلا بالقتل أو خاف) الدافع (ابتداء أن يبدأه) أي الصائل (بالقتل إن لم يعاجله بالدفع فله ضربه بما يقتله ويقطع طرفه ويكون) ذلك (هدرا) لأنه أتلف لدفع شره كالباغي، (وإن قتل المصول عليه فهو شهيد مضمون) لحديث أبي هريرة: قال جاء رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: فهو النار. رواه أحمد ومسلم، وعن سعيد بن يزيد قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. رواه أبو داود والترمذي وصححه (وإن كان الدفع) للصائل (عن نسائه فهو لازم) أي واجب لما فيه من حقه وحق الله وهو منعه من الفاحشة، (وإن كان) الدفع (عن نفسه في غير فتنة فكذلك) أي فالدفع لازم لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *.
197 وكما يحرم عليه قتل نفسه يحرم عليه إباحة قتلها ولأنه قدر على إحياء نفسه فوجب عليه فعل ما يتقي به كالمضطر للميتة فإن كان في فتنة لم يلزمه الدفع لقوله (ص) في الفتنة: اجلس في بيتك فإن خفت أن ينهرك شعاع السيف فغط وجهك. وفي لفظ: فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ولان عثمان ترك القتال على من بغى عليه مع القدرة عليه ومنع غيره قتالهم وصبر على ذلك ولو لم يجز لأنكر الصحابة عليه بذلك وله أن يدفع عن نفسه و (إن أمكنه الهرب، والاحتماء، كما لو خاف من سيل أو نار وأمكنه أن يتنحى عنه، وكما لو كان الصائل) عليه (بهيمة) فإنه يجب عليه دفعها (ولو قتلها ولا ضمان عليه) فيها لسقوط حرمتها بالصول (وإن كان الدفع عن نفسه في غير فتنة وظن الدافع سلامة نفسه ف) - الدفع (لازم أيضا) لأنه لا يتحقق منه إيثار الشهادة كإحيائه ببذل طعامه. ذكره القاضي وغيره فإن كان في فتنة لم يلزمه الدفع لقصة عثمان (ولا يلزمه الدفع عن ماله ولا حفظه من الضياع والهلاك) ذكره القاضي وغيره. لأنه يجوز بذله وذكر القاضي أنه أفضل وفي الترغيب المنصوص عنه أن ترك قتاله عليه أفضل زاد في نهاية المبتدي عن الثلاثة وعرضه (كمال غيره) أي كما لا يجب الدفع عن مال الغير.. قال في المذهب: أما دفع الانسان مال غيره فيجوز ما لم يفض إلى الجناية على نفس الطالب أو شئ من أعضائه. وجزم في المنتهى باللزوم مع ظن سلامتهما وهو معنى ما قدمه في الانصاف (لكن له) كذا في الشرح. والظاهر أنه يجب عليه (معونة غيره في الدفع عن ماله ونسائه في قافلة وغيره) مع ظن السلامة لحديث: انصر أخاك ظالما أو مظلوما ولئلا تذهب الأنفس والأموال، (وأن راود رجل امرأة عن نفسها) ليفجر بها (فقتله دفعا عن نفسها) إن لم يندفع إلا به (لم تضمنه) لقول عمر: ولأنه مأذون في قتله شرعا لدفعه عنها (ولو ظلم) بالبناء للمفعول
198 (ظالم لم يعنه) على دفع الظلم عنه (حتى يرجع عن ظلمه) نصا. قال: أخشى أن يجترئ يدعه حتى ينكسر (وكره) الامام (أحمد أن يخرج إلى صيحة بالليل، لأنه لا يدري ما يكون) نقله صالح قال في الفروع: وظاهر كلام الأصحاب خلافه فيهما أي في هذه والتي قبلها وهو في الثانية أظهر (وإذا وجد رجلا يزني بامرأته فقتلهما فلا قصاص عليه، ولا دية) رواه سعيد عن عمر (إلا أن تكون المرأة مكرهة فعليه القصاص) ويأثم لسقوط الحد عليها بالاكراه فهي معصومة (هذا إذا كانت بينة) أنه وجده يزني بها (أو صدقه الولي) على ذلك (وإلا) أي وإن لم تكن بينة ولم يصدقه الولي (فعليه الضمان في الظاهر) لأن الأصل العصمة. وأما في نفس الامر إن كان صادقا فلا قصاص عليه. (وتقدم في شروط القصاص بعض ذلك. والبينة شاهدان. اختاره أبو بكر) لأن البينة تشهد على وجوده مع المرأة، وهذا يثبت بشاهدين. وإنما الذي يحتاج إلى أربعة الزنا، وهذا لا يحتاج إلى إثبات الزنا وعنه أربعة لقول علي: (وإن قتل رجلا) في منزله (وادعى أنه هجم منزله فلم يمكنه دفعه إلا بالقتل لم يقبل قوله بغير بينة) لحديث: البينة على المدعي واليمين على من أنكر (وعليه القود سواء كان المقتول يعرف بسرقة، أو عيارة، أو لا) يعرف بذلك. والعيارة التحزب لاخذ مال الغير، والعيارون: المحزبون الذين يسمون بمصر والشام المنسر كانوا يسمون عيار بن ببغداد (فإن شهدت بينة أنهم رأوا هذا) أي المقتول (مقبلا إلى هذا) أي القاتل (بسلاح مشهور فضربه هذا) أي القاتل (فدمه) أي المقتول (هدر) لثبوت صيالته عليه (وإن شهدوا أنهم رأوه) أي المقتول (داخل داره ولم يذكروا سلاحا أو ذكروا سلاحا غير مشهور لم يسقط القود بذلك) لأنه قد يدخل لحاجة (وإن عض يده إنسان عضا محرما فانتزع) المعضوض (يده من فيه ولو بعنف فسقطت ثناياه) أي العاض (فهدر) ظالما كان
199 المعضوض أو مظلوما. لما روى عمران بن حصين: أن رجلا عض رجلا فنزع يده من فيه فوقعت ثناياه فاختصموا إلى النبي (ص) فقال: يعض أحدكم يد أخيه كما يعض الفحل لا دية لك رواه الجماعة. إلا أبا داود. ولأنه عضو تلف ضرورة دفع صاحبه، كما لو صال عليه فلم يمكنه دفعه إلا بقتله ونحوه، (وكذا ما في معنى العض) نحو أن حبسه في بيته أو ربطه بشئ من ماله فخلص نفسه فتلف بتخلصه شئ لم يضمنه (فإن عجز) المعضوض عن التخلص (دفعه) أي العاض (كصائل) بأسهل ما يظن اندفاعه به (وإن كان العض مباحا مثل أن يمسكه في موضع يتضرر بإمساكه) كخصيتيه، (أو يعصر يده ونحو ذلك مما لا يقدر على التخلص منه إلا بعضه، فعضه فما سقط من أسنانه ضمنه) المعضوض، (وإن نظر في بيته من خصاص الباب) بفتح الخاء وهي الفروج التي فيه، (أو) نظر (من ثقب في جدار أو) نظر (من كوة) بفتح الكاف (ونحوه) كفروج في بيت شعر ولو لم يتعمد ذلك لكن ظنه متعمدا (لا) إن نظر (من باب مفتوح فرماه) أي الناظر (صاحب الدار بحصاة أو نحوها أو طعنه بعود فقلع عينه، فلا شئ عليه. ولو أمكن الدفع بدونه) لظاهر الخبر (وسواء كان في الدار نساء أو كان) الناظر (محرما أو نظر من الطريق أو من ملكه أو لا) لعموم حديث أبي هريرة: أن النبي (ص) قال: لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح. متفق عليه. (فإن ترك) الناظر (الاطلاع ومضى لم يجز رميه) لعدم الحاجة إليه (فإن رماه فقال المطلع: ما تعمدته، أو لم أر شيئا حين اطلعت لم يضمنه) الرامي لظاهر
200 الخبر. ولأنه لا يعلم ما في ضميره (وليس لصاحب الدار رميه بما يقتله ابتداء) كالصائل (فإن لم يندفع برميه بالشئ اليسير جاز رميه بأكثر منه حتى يأتي ذلك على نفسه) كالصائل (ولو تسمع الأعمى والبصير على من في البيت لم يجز طعن أذنه) قبل إنذاره. قاله في الترغيب وغيره (ولو كان عريانا في طريق لم يكن له رمي من نظر إليه) لأنه مفرط، (وإن عقرت كلبة من قرب من أولادها أو خرقت ثوبه لم تقتل) بذلك ولم يثبت لها حكم العقور. لأن الطباع جبلت على الدفع عن الولد (بل تنقل) إلى مكان منفرد دفعا لأذاها (وقال الشيخ: في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال تجار ليردوه) لمالكيه (هم) أي الجند (مجاهدون في سبيل الله) أي في حكمهم. لأنهم ناهون عن المنكر، (ولا ضمان عليهم) أي الجند فيمن قتل من العرب (بقود ولا دية) أي ولا كفارة حيث لم يندفعوا إلا بذلك كالصائل. فإن قاتلوهم ليأخذوا منهم ما أخذوه لأنفسهم فهما ظالمان على ما يأتي في الباب بعده. باب قتال أهل البغي وهو مصدر بغي يبغي إذا اعتدى. والمراد هنا الظلمة الخارجون عن طاعة الامام المعتدون عليه لقوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا - إلى قوله - إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) *. وفيه فوائد منها: أنهم لم يخرجوا بالغبي عن الايمان وأنه أوجب قتالهم وأنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم وإجازة قتال كل من منع حقا عليه والأحاديث بذلك مشهورة منها ما روى عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله (ص) على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الامر أهله. متفق عليه. وأجمع الصحابة على قتالهم فإن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة، وعليا قاتل أهل الجمل وأهل صفين (نصب الإمام الأعظم)
201 على المسلمين (فرض كفاية) لأن بالناس حاجة إلى ذلك لحماية البيضة والذب عن الحوزة وإقامة الحدود واستيفاء الحقوق، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويخاطب بذلك طائفتان إحداهما: أهل الاجتهاد حتى يختاروا، والثانية: من توجد فيهم شرائط الإمامة حتى ينتصب أحدهم لها، أما أهل الاختيار فيعتبر فيهم العدالة والعلم الموصل إلى معرفة من يستحق الإمامة والرأي والتدبير المؤدي إلى اختيار من هو للإمامة أصلح وأما شروط الإمامة فتأتي في كلامه (ويثبت) نصب الإمام (بإجماع المسلمين عليه كإمامة أبي بكر) الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله (ص) (من بيعة أهل الحل والعقد من العلماء ووجوه الناس) الذين (بصفة الشهود) من العدالة وغيرها، ولا نظر لمن عدا هؤلاء. لأنهم كالهوام (أو يجعل الامر شورى في عدد محصور ليتفق أهلها) أي أهل البيعة (على أحدهم فاتفقوا عليه) كفعل عمر رضي الله عنه حيث جعل أمر الإمامة شورى بين ستة من الصحابة فوقع اتفاقهم على عثمان رضي الله عنه، (أو بنص من قبله عليه) بأن يعهد الامام بالإمامة إلى إنسان ينص عليه بعده ولا يحتاج في ذلك إلى موافقة أهل الحل والعقد كما عهد أبو بكر بالإمامة إلى عمر رضي الله عنهما، (أو باجتهاد) من أهل الحل والعقد عل نصب من يصلح ومبايعته، (أو بقهره الناس بسيف حتى أذعنوا له ودعوه إماما) فتثبت له الإمامة ويلزم الرعية طاعته. قال أحمد في رواية عبدوس بن مالك العطار: ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لاحد يؤمن بالله يبيت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا. انتهى. لان عبد الملك بن مروان خرج عليه ابن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها ودعوه إماما، ولما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم، (ويعتبر) في الامام (كونه قرشيا) لحديث: الأئمة من قريش. وحديث: قدموا قريشا ولا تقدموها وقول المهاجرين للأنصار: إن العرب لا تدين
202 إلا لهذا الحي من قريش. ورووا لهم في ذلك الاخبار (بالغا عاقلا) لأن غير البالغ العاقل يحتاج لمن يلي أمره، فلا يلي أمر غيره (سميعا بصيرا ناطقا) لأن غير المتصف بهذه الصفات لا يصلح للسياسة (حرا) لا عبدا ولا مبعضا لأن الامام ذو الولاية العامة، فلا يكون وليا عليه غيره وحديث: اسمعوا وأطيعوا، ولو ولي عليكم عبد أسود كأن رأسه زبيبة. محمول على نحو غير سرية (ذكرا) لحديث: خاب قوم ولوا أمرهم امرأة (عدلا) لاشتراط ذلك في ولاية القضاء وهي دون الإمامة العظمى. قلت: فإن قهر الناس غير عدل فهو إمام كما تقدم نصه في رواية عبدوس (عالما) بالأحكام الشرعية لاحتياجه إلى مراعاتها في أمره ونهيه (ذا بصيرة) أي معرفة وفطنة (كافيا ابتداء ودواما) للحروب والسياسة وإقامة الحدود لا تلحقه في ذلك، ولا في الذب عن الأمة ونحو الاغماء لا يمنع عقدها ولا استدامتها. لأنه (ص) أغمي عليه في مرضه، والجنون والخبل إذا لم يتخللهما إفاقة أو كانا أكثر زمانه منعا الابتداء والاستدامة وأما فقد الشم والذوق وتمتمة اللسان مع إدراك الصوت إذا علا، وقطع الذكر والأنثيين فلا يمنع عقدها ولا استدامتها، وذهاب اليدين والرجلين يمنع ابتداءها واستدامتها (ولو تنازعها اثنان متكافئان في صفات الترجيح قدم أحدهما بقرعة) فيباع من خرجت له القرعة وصفتها أن يقول له كل أهل الحل والعقد: قد بايعناك على إقامة العدل والإنصاف والقيام بفروض الإمامة ولا يحتاج مع ذلك إلى صفقة اليد (فإن بويع لاثنين فيهما شرائط الإمامة فالامام الأول) لسبقه (وإن بويع لهما معا أو جهل السابق منهما فالعقد باطل فيهما) لأن العمل ببيعة أحدهما إذن ترجيح بغير مرجح (ويجبر متعين لها) أي للإمامة لئلا تذهب حقوق الناس (وتصرفه) أي الامام (على الناس بطريق الوكالة لهم، فهو وكيل المسلمين، فله عزل نفسه) وتقدم في باب العاقلة (ولهم) أي أهل الحل والعقد (عزله إن سأل العزل لقول) أبي بكر (الصديق) رضي الله عنه (أقيلوني، أقيلوني) قالوا: لا نقيلك (وإلا) أي وإن لم يسأل العزل (حرم) عزله (إجماعا) سواء كان سأل الإمامة أو خلافا لما توهمه عبارة التنقيح وتبعه في المنتهى، (ولا ينعزل) الامام (بفسقه) بخلاف القاضي
203 لما فيه من المفسدة، (ولا) ينعزل (بموت من بايعه) لأنه ليس وكيلا عنه بل عن المسلمين (ويحرم قتاله) لما سبق. (ويلزم الامام عشرة أشياء حفظ الدين) على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة. فإن زاغ ذو شبهة عنه بين له بالحجة وخذه بما يلزمه من الحقوق ليكون الدين محروسا من الخلل (وتنفيذ الاحكام) بين المتشاجرين وقطع ما بينهم من الخصومات، (وحماية البيضة) والذب عن الحوزة لينصرف الناس في معايشهم ويسيروا في الاسفار آمنين (وإقامة الحدود) لتصان محارم الله عن الانتهاك وتحفظ حقوق عباده من إتلاف أو استهلاك، (وتحصين الثغور) بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون بها محرما أو يسفكون بها دما معصوما (وجهاد من عاند) الاسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة (وجباية الخراج والصدقات) على الوجه المشروع، (وتقدير العطاء) وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقصير، ودفعه في وقته من غير تقديم ولا تأخير، (واستكفاء الامناء) وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليهم من الأعمال والأموال لتكون مضبوطة محفوظة (وأن يباشر بنفسه مشارفة الأمور) ويتصفح الأحوال لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة ولا يعول على التفويض تشاغلا فقد يخون الأمين ويغش الناصح، وإذا قام الامام بحقوق الأمة وجب له عليهم حقان، الطاعة والنصرة (والخارجون عن قبضته) أي طاعته (أصناف أربعة) بالاستقراء (أحدها، قوم امتنعوا من طاعته، وخرجوا عن قبضته بغير تأويل) أي شبهة (فهؤلاء القطاع) ساعون في الأرض الفساد (وتقدم ذكرهم) في الباب قبله (الثاني): قوم (لهم تأويل إلا أنهم نفر يسير لا منعة) أي قوة (لهم كالعشرة ونحوهم وحكمهم حكم قطاع الطريق) لأنا لو أثبتنا للعدد اليسير حكم البغاة في سقوط ضمان ما أتلفوا أفضى إلى إتلاف أموال الناس (الثالث: الخوارج الذين يكفرون) المسلم (بالذنب ويكفرون أهل الحق، وعثمان وعليا، وطلحة، والزبير، وكثيرا من الصحابة) رضي الله عنهم، (ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم فهم فسقة) باعتقادهم الفاسد قال في المبدع: تتعين استتابتهم، فإن تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم (يجوز
204 قتلهم ابتداء) أي وإن لم يبدؤا بالقتال (والاجهاز على جريحهم) صححه الموفق والشارح والشيخ تقي الدين قال في الفروع وهو ظاهر برواية عبدوس بن مالك (وذهب) الامام (أحمد في إحدى الروايتين عنه وطائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون حكمهم حكم المرتدين قال في الترغيب والرعايتين وهي أشهر، وذكر ابن حامد أنه لا خلاف فيه) قال أحمد الخوارج كلاب النار. صح الحديث فيهم من عشرة أوجه. قال والحكم فيهم على ما قال علي وفيهما قال: لا نبدؤكم بقتال قال المنذر، ولا نعلم أحدا وافق أهل الحديث على كفرهم قال ابن عبد البر في الحديث الذمي رويناه وقوله يتمارى في الفرق يدل على أنه لا يكفرهم لأنهم عقلوا في الاسلام شيئا بحيث يشك في خروجهم منه (وذكر ابن عقيل في الارشاد عن أصحابنا تكفير من خالف في أصل الخوارج والروافض والمرجئة) الصنف (الرابع: قوم من أهل الحق باينوا الامام وراموا خلعه) أي عزله (أو مخالفته بتأويل سائغ بصواب أو خطأ ولهم منعة وشوكة) بحيث (يحتاج في كفهم إلى جمع جيش وهم البغاة) المقصودون بالترجمة (فمن خرج على إمام ولو غير عدل بأحد هذه الوجوه) الأربعة (باغيا وجب قتاله) لما تقدم أول الباب (وسواء كان فيهم واحد مطلع) أو لا (أو كانوا في طرف ولايته، أو في موضع متوسط تحيط به ولايته أو لا) لعموم الأدلة (و) يجب (على الامام أن يراسلهم) أي البغاة (ويسألهم ما ينقمون منه) لأن ذلك طريق إلى الصلح ووسيلة إلى الرجوع إلى الحق وقد روي أن عليا راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل ولما اعتزلته الحرورية بعث إليهم ابن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف (و) أن (يزيل ما يذكرونه من مظلمة، ويكشف ما يدعونه من شبهة) لأن ذلك طريق إلى
205 رجوعهم إلى الحق وهو المطلوب (ولا يجوز قتالهم قبل ذلك) لأنه يفضي إلى القتل والهرج والمرج قبل دعاء الحاجة إليه (إلا أن يخاف كلبهم) بفتح الكاف واللام، أي شرهم، فلا يمكن ذلك في حقهم كالصائل إذا خاف أن يبدأه بالقتل (فإن أبوا الرجوع وعظهم وخوفهم بالقتال) لأن المقصود دفع شرهم ولا قتلهم (فإن فاءوا) أي رجعوا إلى الطاعة تركهم (وإلا لزمه قتالهم إن كان قادرا) لاجماع الصحابة على ذلك وقال الشيخ تقي الدين: الأفضل تركه حتى يبدؤوه (وإلا) أي وإن لم يكن الامام قادرا على قتالهم (أخره إلى الامكان) أي إلى القدرة عليه لقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (و) يجب (على رعيته معونته على حربهم) لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) *. ولقوله (ص): من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي ذر (وإن استنظروه) أي طلب البغاة منه أن ينظرهم (مدة رجاء رجوعهم فيها أنظرهم)، حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه لان الانظار إذن أولى من معالجتهم بالقتال المؤدي إلى الهرج والمرج، (وإن ظن) الامام (أنها) أي طلب مقاتلتهم الانظار (مكيدة لم ينظرهم) لأنه لا يأمن أن يصير طريقا إلى قهر أهل الحق وذلك لا يجوز (وإن أعطوه مالا وإن بذلوا رهائن على إنظارهم لم يجز أخذها لتلك) لأنه لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم فلا يفيد شيئا، (فإن كان في أيديهم) أي البغاة (أسرى من أهل العدل وأعطوا بذلك رهائن منهم قبلهم الامام واستظهر للمسلمين) لأنه يجب عليه فعل ما فيه المصلحة (فإن أطلقوا) أي البغاة (الأسرى) من أهل العدل (أطلقت رهائنهم) وفاء لهم بما قيل لهم (فإن قتلوا من عندهم) من أسرى أهل العدل (لم يجز قتل رهائنهم ولا أسراهم) لقوله
206 تعالى: * (ولا تزر وازرة وأزر أخرى) *. (فإذا انقضت الحرب خلى الرهائن كما تخلى الأسرى منهم) لأن المانع من إرسالهم خوف مساعدة إخوانهم وقد زال، (وإن سألوه) أي سأل البغاة الامام (أن ينظرهم أبدا ويدعهم وما هم عليهم ويكفوا عن المسلمين وخاف فقرهم إن قاتلهم تركهم) حتى يقوى على قتالهم (وإن قوي) الامام (عليهم لم يجز إقراره على ذلك) أي على ما هم عليه من الخروج لقوله تعالى: * (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) *. ولأنه لا يؤمن من قوة شوكتهم (وإن حضر معهم) أي البغاة (عبيد ونساء وصبيان قوتلوا مقبلين وتركوا مدبرين كغيرهم) من الأحرار الذكور والبالغين لأن قتالهم للدفع وفي الترغيب ومراهق وعبد كخيل (ويكره قصد رحمه الباغي) كأبيه وابنه وأخيه (بقتل) لقوله تعالى: * (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) *. وقال الشافعي كفر النبي (ص) أبا حذيفة ابن عقبة عن قتل أبيه، (فإن فعل) أي قتل ذا رحمه الباغي (ورثه) لان قتله غير مضمون، وكذا لو قتل الباغي ذا رحمه العادل وكذا المولى والزوج (ويحرم قتلهم) أي قتالهم (بما يعم إتلافه كالمنجنيق والنار) لأنه يعم من يجوز ومن لا يجوز كغير المقاتل (إلا لضرورة مثل أن يحتاط بهم البغاة ولا يمكنهم التخلص إلا بذلك) كما في دفع الصائل (وإن رماهم البغاة بذلك) أي بمنجنيق أو نار (جاز) لأهل العدل (رميهم بمثله) لقوله تعالى: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) *. (وإن اقتتلت طائفتان منهم) أي من البغاة لأنهما جميعا على الخطأ (فقدر الامام على قهرهما) أي الطائفتين (لم يمل لواحدة منهما) أي من البغاة (وإن عجز) عن قتالهما معا (وخاف) الامام (اجتماعهما على حربه ضم إليه أقربهما إلى الحق) دفعا لأعظم المفسدتين بأخفهما (وإن
207 استويا اجتهد) الامام (برأيه في ضم إحداهما) إليه (ولا يقصد بذلك معونة إحداهما) على الأخرى (بل) يقصد بذلك (الاستعانة على) الطائفة (الأخرى) ليردها إلى الحق (فإذا هزمها) الامام (لم يقاتل من معهم) أي الطائفة التي ضمها إلى أهل العدل (حتى يدعوهم إلى الطاعة) لأنهم قد دخلوا في أمانه، فإذا دعاهم فإن أطاعوه كف عنهم وإلا قاتلهم لما تقدم (ويحرم أن يستعين) أهل العدل (في حربهم) أي قتالهم للبغاة (بكافر) لأنه لا يستعان به في قتال الكفار فلئلا يستعان به في قتال مسلم بطريق أولى، ولان القصد كفهم لا قتلهم وهو لا يقصد إلا قتلهم (أو) أي ويحرم أن يستعين في حربهم (بمن يرى قتلهم مدبرين) لما فيه من التسليط له على قتل من لا يجوز قتله (إلا لضرورة) كأن يعجز أهل العدل عن قتالهم لقلتهم فيجوز للحاجة لفعلهم إن لم تفعله (وله) أي الامام (أن يستعين عليهم بسلاح أنفسهم وكراعهم: وهو خيلهم، عند الضرورة فقط) كأكل مال الغير عند المخمصة (ولا يجوز ) الاستعانة عليهم بسلاح أنفسهم وخيولهم (في غير قتالهم) لأن الاسلام عصم أموالهم وإنما أبيح قتالهم لردهم إلى الطاعة فيبقى المال على العصمة كمال قاطع الطريق (ومتى انقضى الحرب وجب رده) أي سلاح البغاة (إليهم كسائر أموالهم) لأن أموالهم كأموال غير المسلمين فلا يجوز اغتنامها لأن ملكهم لم يزل عنها بالبغي، وقد روي أن عليا قال يوم الجمل: من عرف شيئا من ماله مع أحد فليأخذه. فعرف بعضهم قدرا مع أصحاب علي وهو يطبخ فيها فسأله إمهاله حتى ينضج الطبخ فأبى وكبه وأخذها، (والمراهق منهم) أي البغاة (والعبد كالخيل) تجوز الاستعانة بهما عليهم عند الضرورة فقط ويردان بعد الحرب، (وإذا تركوا) أي البغاة (القتال إما بالرجوع إلى الطاعة، أو بإلقاء السلاح، أو بالهزيمة إلى فئة، أو) بالهزيمة (إلى غير فئة، أو بالعجز لجراح، أو مرض، أو أسر حرم قتلهم و) حرم (اتباع) مدبرهم وقتل جريحهم لما روى مروان قال: صرخ صارخ لعلي يوم الجمل: لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن. رواه سعيد وعن
208 عمار نحوه كالصائل (فإن قتل مدبرهم أو جريحهم فلا قود) على قاتله (للاختلاف في ذلك) فيكون شبهة ولكن يضمنه بالدية (ولا يجوز أن يغنم لهم) أي البغاة (مال) لأنهم لم يكفروا ببغيهم ولا قتالهم وعصمة الأموال تابعة لدينهم (ولا تسبى لهم ذرية) لعصمتهم (ويجب رد ذلك إليهم أن أخذ منهم) لما سبق (ولا يرد السلاح والكراع) أي الخيل (حال الحرب) لأن فيه معونة علينا (بل) يردان (بعده) أي بعد انقضاء الحرب لزوال المانع، (ومن أسر من رجالهم فدخل في الطاعة خلي سبيله) ولو كان مطاعا زاد في الرعاية إن أمن أشره (وإن أبى) الدخول في الطاعة (وكان جلدا) قويا (حبس ما دامت الحرب قائمة فإذا انقضت خلي سبيله) لأن في إطلاقه قبل ذلك ضررا على أهل العدل لأنه ربما ساعد عليهم وفي حبسه كسر قلوب البغاة وإضعاف شوكتهم زاد في الشرح (وشرط عليه أ) ن (لا يعود إلى القتال ولا يرسل مع بقاء شوكتهم) لأن فيه إعانة للبغاة على أهل العدل، (فإن بطلت شوكتهم ولكن يتوقع اجتماعهم في الحال لم يرسل) حتى يزول ذلك (وإن أسر صبي أو امرأة فعل بهما كما يفعل بالرجل) لما فيه من كسر قلوب البغاة (ولا يخلى) سبيلهما (في الحال) بل إذا انقضت الحرب وزالت شوكتهم، (ويجوز فداء أسارى أهل العدل بأسارى البغاة)، وإن قتل أهل البغي أسرى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أسراهم وتقدم (ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوه عليهم) أي البغاة (حال الحرب من نفس أو مال. ولا كفارة فيه) لأنه فعل ما أمر به كقتل الصائل عليه (فإن قتل العادل كان شهيدا) كالمصول عليه (ولا يغسل ولا يصلى عليه) ويدفن في ثيابه التي قتل فيها بعد نزع لامة حرب ونحو خف لأنه قتل في قتال أمره الله تعالى به كشهيد معركة الكفار، (ولا يضمن أهل البغي أيضا ما أتلفوه) على أهل عدل (حال الحرب من نفس أو مال) لقول الزهري: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله متواترون
209 فأجمعوا أن لا يقاد أحد ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه. ذكره أحمد في رواية الأثرم واحتج به. رواه الخلال، ولان تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم من الرجوع إلى الطاعة فسقط كأهل الحرب أو كأهل العدل، (ومن أتلف من الطائعين شيئا في غير الحرب ضمنه) لأن الأصل وجوب ترك العمل به في حال الحرب للضرورة فيبقى ما عداه على الأصل، (ومن قتل من أهل البغي غسل وكفن وصلي عليه) لأنه لم يخرج بالبغي عن الاسلام (وإذا لم يكونوا) أي البغاة (من أهل بدع فليسوا بفاسقين، بل مخطئين في تأويلهم فتقبل شهادتهم ويأتي في الشهادات وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج أو جزية لم يعد) أي يرجع (عليهم ولا على باذل) وأجزأ (لوقوعه موقعه) لأن عليا لما ظهر على أهل البصرة لم يطالبهم بشئ مما جباه أهل البغي. وكان ابن عمر وسلمة بن الأكوع يأتيهم ساعي نجدة الحروري فيدفعوا إليه زكاتهم، ولان في ترك الاحتساب به ضررا عظيما ومشقة كثيرة لأنهم قد يغلبوا على البلاد السنين الكثيرة خوارج كانوا أو غيرهم (وما أقاموا من حد وقع موقعه أيضا كخوارج كانوا أو غيرهم) دفعا للضرر، (ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل بغير يمين) لأن الزكاة لا يستحلف فيها. قال أحمد: لا تستحلف الناس على صدقاتهم. (ولا تقبل دعوى دفع خراج) إليهم (ولو كان الدافع مسلما ولا دعوى دفع جزية إليهم إلا ببينة) لأن كلا منهما عوض والأصل عدم الدفع (ولا ينقض من حكم حاكمهم) أي البغاة (إلا ما ينقض من حكم غيره) بأن خالف نص كتاب أو سنة صحيحة أو إجماعا ونحوه لأن التأويل الذي له مساغ في الشرع لا يوجب تفسيق قائله أشبه المخطئ من الفقهاء في فرع من الاحكام (وإن كتب قاضيهم) أي البغاة (إلى قاضي أهل العدل جاز
210 قبول كتابه و) العمل بمقتضاه إذا كان أهلا للقضاء لأنه قاض ثابت القضاء، وفي المغني والشرح والترغيب (الأولى) رد كتابه أي (أ) ن (لا يقبله) قبل حكمه كسرا لقلوبهم، (وإن ولى الخوارج قاضيا لم يجز قضاؤه) للفسق. وفي المغني والشرح: احتمال يصح قضاؤه دفعا للضرر، (وإن ارتكب أهل البغي في حال امتناعهم ما يوجب حدا ثم قدر عليهم أقيم عليهم) لعموم الأدلة (وإن أعانهم) أي البغاة (أهل ذمة أو عهد انتقض عهدهم) بإعانتهم لهم طوعا مع علمهم بأن ذلك لا يجوز، كما لو انفردوا بقتالهم (وصاروا أهل حرب) تحل دماؤهم وأموالهم مع علمهم بأن ذلك لا يجوز كما لو انفرد بقتالهم (إلا أن يدعوا شبهة كأن يظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض) عهدهم لأن ما ادعوه محتمل فيكون شبهة (وإن أكرههم البغاة على معونتهم) لم ينتقض عهدهم، (و) إن (ادعوا ذلك) أي الاكراه (قبل منهم) لأنه محتمل، وفي الكافي والشرح ببينة (ويغرمون) أي أهل الذمة والعهد (ما أتلفوه) على المسلمين (من نفس أو مال حال الحرب وغيره) بخلاف أهل البغي لأن هؤلاء لا تأويل لهم ولان سقوط الضمان عن المسلمين لئلا يؤدي إلى تنفير هم عن الرجوع للطاعة وأهل الذمة لا حاجة بنا إلى ذلك فيهم، (وإن استعانوا) أي البغاة (بأهل الحرب وأمنوهم لم يصح أمانهم) كما لو عقدوا لهم ذمة لأن الأمان من
211 شرط صحته إلزام كفهم عن المسلمين، (وأبيح) لأهل العدل (قتلهم) مقبلين ومدبرين وأخذ أموالهم (وحكم أسيرهم حكم أسير سائر أهل الحرب) يخير فيه الامام بين القتل والرق والمن والفداء إلا أنهم في أمان بالنسبة إلى من أمنهم من البغاة، (وإن أظهر قوم رأى الخوارج مثل تكفير من ارتكب كبيرة و) مثل (ترك الجماعة واستحلال دماء المسلمين وأموالهم ولم يجتمعوا الحرب لم يتعرض لهم) حيث لم يخرجوا عن قبضة الامام لما روي: أن عليا كان يخطب فقال له رجل بباب المسجد: لا حكم إلا لله. فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل. ثم قال: لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفئ ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدؤكم بقتال. (وإن سبوا الامام أو عدلا غيره، أو تعرضوا بالسب، عزرهم) لأنهم ارتكبوا محرما لا حد فيه ولا كفارة، (وإن جنوا جناية وأتوا حدا أقامه) الامام (عليهم) لقول علي في ابن ملجم لما جرحه: أطعموه واسقوه واحبسوه، فإن عشت فأنا ولي دمي، وإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به. وإنهم ليسوا ببغاة فهم كأهل العدل فيما لهم وعليهم (وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان) لان كل واحدة منهما باغية على الأخرى (وتضمن كل واحدة منهما ما أتلفت على الأخرى) لأنها أتلفت نفسا معصومة ومالا معصوما. قال في الاختيارات: فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف وإن تقابلا تقاصا لأن المباشر والمعين سواء عند الجمهور، وإن جهل قدر ما نهبته كل طائفة من الأخرى تساوتا كمن جهل قدر الحرام المختلط بماله فإنه يخرج النصف والباقي له (فلو قتل من دخل بينهم بصلح وجهل قاتله ضمنتاه) وإن علم قاتله من طائفة وجهل عينه ضمنته وحدها. قال ابن عقيل: ويفارق المقتول في زحام الجامع والطواف لأن الزحام والطواف ليس فيها تعد بخلاف الأول. تتمة: قال في الاختيارات: أجمع العلماء أن كل طائفة ممتنعة من شريعة متواترة من شرائع الاسلام فإنه يجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى.
212 باب حكم المرتد (وهو) لغة الراجع يقال: ارتد فهو مرتد إذا رجع. قال تعالى: * (ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) *. وشرعا (الذي يكفر بعد إسلامه) نطقا أو اعتقادا أو شكا أو فعلا (ولو مميزا) فتصح ردته كإسلامه، ويأتي (طوعا) لا مكرها لقوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) * (ولو) كان (هازلا) لعموم قوله تعالى: * (من يرتد منكم عن دينه) * الآية، وحديث ابن عباس مرفوعا: من بدل دينه فاقتلوه رواه الجماعة إلا مسلما وأجمعوا على وجوب قتل المرتد (فمن أشرك بالله) تعالى أي كفر به بعد إسلامه ولو مكرها بحق كفر لقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) *، (أو جحد) ب (ربوبيته أو وحدانيته) كفر لان جاحد ذلك مشرك بالله تعالى (أو) جحد (صفة من صفاته) اللازمة. قال في الرعاية: لأنه كجاحد الوحدانية. وفي الفصول: شرطه أن تكون الصفة متفقا على إثباتها، (أو اتخذ له) أي لله (صاحبة أو ولدا) كفر لأنه تعالى نزه نفسه عن ذلك، ونفاه عنه فمتخذه مخالف له غير منزه له عن ذلك (أو ادعى النبوة أو صدق من ادعاها) بعد النبي (ص) كفر لأنه مكذب لقول الله تعالى: * (ولكن رسول الله وخاتم النبيين). ولقوله (ص): لا نبي بعدي (أو جحد نبيا) مجمعا على نبوته لأنه مكذب لله جاحد لنبوة نبي من أنبيائه (أو) جحد (كتابا من كتب الله أو شيئا منه) لأن جحد شئ منه كجحده كله لاشتراكهما في كون الكل من عند الله (أو جحد الملائكة) أو أحدا ممن ثبت أنه ملك كفر لتكذيبه القرآن (أو) جحد
213 (البعث) كفر لتكذيبه للكتاب والسنة وإجماع الأمة (أو سب، الله أو رسوله) كفر لأنه لا يسبه إلا وهو جاحد به (أو استهزأ بالله) تعالى (أو) ب (كتبه أو رسله) لقوله تعالى: * (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون؟ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) *. قال في المغني والشرح: ولا ينبغي أن يكتفى في الهازئ بذلك بمجرد الاسلام حتى يؤدب أدبا يزجره عن ذلك لأنه إذا لم يكتف ممن سب رسول (ص) بالتوبة فهذا أولى. (قال الشيخ أو كان مبغضا لرسوله أو لما جاء به) الرسول (اتفاقا، وقال أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم، ويدعوهم ويسألهم إجماعا انتهى.) أي كفر لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) *. (أو سجد لصنم أو شمس أو قمر) عبارة المنتهى لكوكب فيدخل فيه سائر الكواكب كفر، لأن ذلك إشراك (أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين) الذي شرعه الله كفر للآية السابقة (أو وجد منه امتهان القرآن أو طلب تناقضه أو دعوى أنه مختلف أو) أنه (مختلق أو مقدور على مثله أو إسقاط لحرمته) كفر لقوله تعالى: * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) *. وقوله: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) *. وقوله: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن) * الآية، (أو أنكر الاسلام) كفر لقوله تعالى: * (إن الدين عند الله الاسلام) *. (أو) أنكر (الشهادتين أو) أنكر (أحدهما كفر) لأنه إنكار للوحدانية والرسالة أو إحداهما، وذلك كفر لما مر و (لا) يكفر (من حكى كفرا سمعه و) هو (لا يعتقده) قال في الفروع: ولعل هذا إجماع. وفي الانتصار: من تزيا بزي كفر من لبس غيار وشد زنار وتعليق صليب بصدره حرم ولم يكفر (أو نطق بكلمة الكفر ولم يعلم معناها) فلا يكفر بذلك (ولا من
214 جرى) الكفر (على لسانه سبقا من غير قصد لشدة فرح، أو دهش أو غير ذلك كقول من أراد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك فقال) غلطا: (أنت عبدي وأنا ربك) لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان. (ومن أطلق الشارع) (ص) (كفره فهو كفر لا يخرج به عن الاسلام كدعواهم لغير أبيهم، وكمن أتى عرافا فصدقه بما يقول فهو تشديد) وتأكيد (و) نقل حرب (كفر لا يخرج به عن الاسلام) وقيل: كفر نعمة، وقيل: قارب الكفر وعنه يجب الوقف، ولا نقطع بأنه لا ينقل عن الملة. وقال القاضي عياض وجماعة العلماء في قوله: من أتى عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد أي جحد تصديقه بكذبهم، وقد يكون على هذا إذا اعتقد تصديقهم بعد معرفته بتكذيب النبي (ص) لهم كفرا حقيقة انتهى. ومنهم من حمل ذلك على من فعله مستحلا. وأنكر القاضي جواز إطلاق اسم كفر النعمة على أهل الكبائر، (وإن أتى بقول يخرجه عن الاسلام مثل أن يقول: هو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو برئ من الاسلام أو القرآن أو النبي (ص)، أو) هو (يعبد الصليب، ونحو ذلك) نحو هو يعبد غير الله تعالى (على ما ذكروه في الايمان) فهو كافر (وقذف النبي (ص) أو) قذف (أمه) فهو كافر وتقدم في القذف (أو اعتقد قدم العالم) وهو ما سوى الله (أو) اعتقد (حدوث الصانع) جل وعلا فهو كافر لتكذيبه للكتاب والسنة وإجماع الأمة، (أو سخر بوعد الله أو بوعيده) فهو كافر لأنه كالاستهزاء بالله والعياذ بالله. (أو لم يكفر من دان) أي تدين (بغير الاسلام كالنصارى) واليهود (أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم) فهو كافر لأنه مكذب لقوله تعالى: * (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في
215 الآخرة من الخاسرين) *. (أو قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة) أي أمة الإجابة لأنه مكذب للاجماع على أنها لا تجتمع على ضلالة وللخبر، (أو) قال قولا يتوصل به إلى (تكفير الصحابة) أي بغير تأويل (فهو كافر) لأنه مكذب للرسول (ص) في قوله: أصحابي كالنجوم وغيره وتقدم الخلاف في الخوارج ونحوهم (وقال الشيخ: من اعتقد أن الكنائس بيوت الله وأن الله يعبد فيها وأن ما يفعل اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه) فهو كافر لأنه يتضمن اعتقاد صحة دينهم وذلك كفر كما تقدم (أو أعانهم على فتحها) أي الكنائس (وإقامة دينهم و) اعتقد (أن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر) لتضمنه اعتقاد صحة دينهم (وقال) الشيخ (في موضع آخر: من اعتقد أن زيارة أهل الذمة في كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد، وإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك فإن أصر صار مرتدا) لتضمنه تكذيب قوله تعالى: * (إن الدين عند الله الاسلام) * (وقال قول القائل: ما ثم إلا الله إن أراد ما يقوله أهل الاتحاد من أن ما ثم موجود إلا الله ويقولون: إن وجود الخالق هو وجود المخلوق، و) يقولون: (الخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق، والعبد، هو الرب، والرب هو العبد ونحو ذلك من المعاني) التي قام الاجماع على بطلانها يستتاب فإن تاب وإلا قتل. (وكذلك الذين يقولون: إن الله تعالى بذاته في كل مكان ويجعلونه مختلطا بالمخلوقات يستتاب فإن تاب وإلا قتل) وقد عمت البلوى بهذه الفرق وأفسدوا كثيرا من عقائد أهل التوحيد نسأل الله العفو والعافية (وقال: من اعتقد أن لاحد طريقا إلى الله من غير متابعة محمد (ص) أو لا يجب عليه اتباعه) أ) وأن له أو لغيره خروجا عن اتباعه) (ص) (و) عن (أخذ ما بعث به أو قال: أنا محتاج إلى محمد في علم
216 الظاهر دون علم الباطن أو) هو محتاج إليه (في علم الشريعة دون علم الحقيقة، أو قال: إن من الأولياء من يسعه الخروج من شريعته) (ص) (كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى) (ص) فهو كافر لتضمنه تكذيب قوله تعالى: * (وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) * (أو) اعتقد (أن هدى غير النبي (ص) خير من هديه فهو كافر. وقال: من ظن أن قوله تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) *. بمعنى قدر فإن الله ما قدر شيئا إلا وقع، وجعل عباد الأصنام ما عبدوا إلا الله فإن هذا) المعتقد (من أعظم الناس كفرا بالكتب كلها) لتكذيبه لها فيما دلت عليه من ثبوت وحدانيته تعالى معنى قضى هنا: أوجب (وقال: من استحل الحشيشة) المسكرة (كفر بلا نزاع وقال: لا يجوز لاحد أن يلعن التوراة من أطلق لعنها يستتاب، فإن تاب وإلا قتل وإن كان ممن يعرف أنها منزلة من عند الله وأنه يجب الايمان بها فهذا يقتل بشتمه لها ولا تقبل توبته في أظهر قولي العلماء، وأما من لعن دين اليهود الذي هم عليه في هذا الزمان فلا بأس عليه في ذلك) أي لأنه قد غير وبدل بل شرعنا نسخ سائر الشرائع (وكذلك إن سب التوراة التي عندهم) أي اليهود (بما يبين أن قصده ذكر تحريفها مثل أن يقال نسخ هذه التوراة مبدلة لا يجوز العمل بما فيها ومن عمل اليوم بشرائعها المبدلة والمنسوخة فهو كافر فهذا الكلام ونحوه حق لا شئ على قائله) لمطابقته الواقع.
217 فصل: (وقال) الشيخ: (ومن سب الصحابة أو) سب (أحدا منهم واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي، أو أن جبريل غلط فلا شك في كفر هذا) أي لمخالفته نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة (بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره، وكذلك من زعم أن القرآن نقص منه شئ)، أ (وكتم، أو أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة) من صلاة وصوم وحج وزكاة وغيرها (ونحو ذلك وهذا قول القرامطة والباطنية ومنهم الناسخية ولا خلاف في كفر هؤلاء كلهم) لتكذيبهم الكتاب والسنة وإجماع الأمة، (ومن قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف) لأنه مكذب لنص الكتاب (ومن سب غيرها من أزواجه (ص) ففيه قولان أحدهما: أنه كسب واحد من الصحابة) لعدم نص خاص (والثاني وهو الصحيح أنه كقذف عائشة رضي الله عنها) لقدحه فيه (ص) (وأما من سبهم) أي الصحابة (سبا لا يقدح في عدالتهم ولا دينهم مثل من وصف بعضهم ببخل أو جبن، أو قلة، علم أو عدم زهد ونحوه، فهذا يستحق التأديب والتعزير ولا يكفر وأما من لعن وقبح مطلقا فهذا محل الخلاف، أعني هل يكفر أو يفسق؟ توقف أحمد في كفره وقتله، وقال يعاقب ويجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عن ذلك وهذا المشهور من مذهب مالك وقيل: يكفر، إن استحله) وتقدم بعض ذلك في الباب قبله ويأتي في الشهادات له تتمة (والمذهب يعزر كما تقدم أول باب التعزير وفي الفتاوى المصرية) لشيخ الاسلام ابن تيمية
218 (يستحق العقوبة البليغة باتفاق المسلمين وتنازعوا هل يعاقب بالقتل أو ما دون القتل؟ وقال: أما من جاوز ذلك كمن زعم أنهم) أي الصحابة (ارتدوا بعد رسول الله (ص) إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر وأنهم فسقوا فلا ريب أيضا في كفر قائل ذلك، بل من شك في كفره فهو كافر انتهى ملخصا من الصارم المسلول) على شاتم الرسول (ومن أنكر أن يكون أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (صاحب رسول الله (ص) فقد كفر، لقوله تعالى: * (إذ يقول لصاحبه) *). فإنكار صحبته تكذيب لله، قال في الأنوار للشافعية: ولو قال ذلك لغير أبي بكر لم يكفر وفيه نظر لأن الاجماع منعقد على صحابية غيره والنص وارد شائع. قال شارحه الأشموني: قلت: وأهل الدرجات أن يتعدى ذلك إلى عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لان صحابتهم يعرفها الخاص والعام عن النبي (ص) فنافى صحابية أحدهم مكذب للنبي (ص) (وإن جحد وجوب العبادات الخمس) المذكورة في حديث: بني الاسلام على خمس. (أو) جحد (شيئا منها) أي من العبادات الخمس (ومنها الطهارة) من الحدثين كفر (أو) جحد (حل الخبز واللحم والماء أو أحل الزنا ونحوه) كشهادة الزور واللواط (أو) أحل (ترك الصلاة أو) جحد (شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها كلحم الخنزير والخمر وأشباه ذلك، أو شك فيه، ومثله لا يجهله) كالناشئ في قرى الاسلام (كفر) لأنه مكذب لله ولرسوله وسائر الأمة (وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل كفر) لأن ذلك مجمع على تحريمه معلوم بالضرورة (وإن كان) استحلاله ذلك (بتأويل كالخوارج لم يحكم بكفرهم، مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم متقربين بذلك إلى الله
219 تعالى وتقدم) الكلام عليهم (في المحاربين) صوابه في قتال أهل البغي (والاسلام) لغة الخضوع والانقياد. وشرعا (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت مع الاستطاعة، وصوم رمضان) لحديث جبريل حين سأل النبي (ص) عن الاسلام وهو في الصحيحين والايمان بما علم مجئ النبي (ص) به من عند الله إجمالا فيما علم إجمالا، وتفصيلا فيما علم تفصيلا، وقيل: التصديق بذلك والاقرار وعلى الأول الاقرار شرط لاجراء أحكام الدنيا. قال في شرح المقاصد: ويعتبر في الاقرار لاجراء أحكام الدنيا أن يكون على وجه الاعلان والاظهار لأهل الاسلام أي عدلين منهم بخلافه لاتمام الايمان على الثاني ولا يعتبر فيه ذلك (فمن أنكر) أي جحد (ذلك) أي شهادة أن لا إله إلا الله وما ذكر بعدها (أو) جحد (بعضه لم يكن مسلما) لما تقدم، (ومن ترك شيئا من العبادات الخمس تهاونا فإن عزم على أن لا يفعله أبدا) يعني الحج. قال في المحرر: إذا ترك تهاونا فرض الصلاة والزكاة أو الصوم أو الحج بأن عزم أن لا يفعله أبدا أو أخره إلى عام يغلب على الظن موته قبله (استتيب عارف وجوبا كالمرتد) ثلاثة أيام وضيق عليه ودعي إلى ذلك (وإن كان جاهلا عرف) وجوب ذلك (فإن أصر قتل حدا ولم يكفر). قال في المبدع: ولا شك أن تارك الشهادتين تهاونا كافر بغير خلاف نعلمه في المذهب وأما بقية ذلك فكما ذكره (إلا الصلاة إذا دعي إليها) من الامام أو نائبه ( وامتنع) حتى تضايق وقت التي بعد التي دعي إليها عن فعلها (أو) ترك (شرط أو ركن) للصلاة (مجمع عليه فيقتل كفرا) بعد الاستتابة (وتقدم في كتاب الصلاة) بأوضح من هذا ( ومن شفع عنده في رجل فقال) المشفوع عنده. (لو جاء النبي (ص) يشفع فيه ما قبلت منه إن تاب بعد القدرة عليه قتل لا) إن تاب (قبلها) أي القدرة عليه كالمحارب في أظهر قولي العلماء قاله الشيخ.
220 فصل: (ومن ارتد عن الاسلام من الرجال والنساء). روي عن أبي بكر وعلي لعموم قوله (ص): من بدل دينه فاقتلوه. وقوله (ص): لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة متفق عليه، ولأنه فعل يوجب الحد فاستوى فيه الرجل والمرأة كالزنا وما روي: أن أبا بكر استرق نساء بني حنيفة. فمحمول على أنه لم يتقدم لهن إسلام وأما نهيه (ص) عن قتل المرأة فالمراد به الأصلية بدليل أنه لا يقتل الشيوخ ولا المكافيف (وهو بالغ عاقل) لأن الطفل الذي لا يعقل والمجنون ومن زال عقله بنوم أو إغماء أو شرب مباح، لا تصح ردته ولا حكم لكلامه والمميز وإن صحت ردته لا يقتل إلا بعد البلوغ والاستتابة لحديث: رفع القلم عن ثلاث. (مختار) لقوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) *. (دعي إليه) أي الاسلام لأنه (ص) أمر بالاستتابة رواه الدارقطني (ثلاثة أيام وضيق عليه) فيها (وحبس فإن تاب وإلا قتل) لما روى محمد بن عبد الله بن عبد القاري قال: قدم رجل على عمر من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره فقال: هل من مغربة خبر؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، فقال: ما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر: هلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا، وأسقيتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله عز وجل اللهم إني لم أرض ولم أحضر ولم أرض إذا بلغني. رواه مالك فلو لم يجب لما برئ من فعلهم لأنه أمكن استصلاحه فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه كالثوب المتنجس ولان الثلاث مدة يتكرر فيها الرأي ويتقلب النظر فلا يحتاج إلى أكثر منها ويكون القتل (بالسيف) لحديث: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة. (إلا رسول الكفار إذا كان مرتدا) فلا يقتل (بدليل رسولي مسيلمة)
221 بكسر اللام الكذاب وتقدم ذكر قصتهما في الجهاد، (ولا يقتله إلا الامام أو نائبه حرا كان المرتد أو عبدا) لأنه قتل لحق الله تعالى فكان إلى الامام أو نائبه كقتل الحر ولا يعارضه قوله (ص): أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم. لأن قتل المرتد لكفره لا حدا (ولا يجوز أخذ فداء عنه) أي عن المرتد بل يقتل بعد الاستتابة لما تقدم من قوله (ص): من بدل دينه فاقتلوه. (وإن قتله) أي المرتد (غيره) أي غير الامام ونائبه (بلا إذنه أساء وعزر) لافتياته على الامام أو نائبه (ولم يضمن) القاتل المرتد لأنه محل غير معصوم (سواء قتله قبل الاستتابة أو بعدها) لأنه مهدر الدم في الجملة وردته مبيحة لدمه وهي موجودة قبل الاستتابة كما هي موجودة بعدها (إلا أن يلحق) المرتد (بدار حرب فلكل) أحد (قتله) بلا استتابة (وأخذ ما معه من مال) لأنه صار حربيا وما تركه بدارنا معصوم نص عليه. تتمة: في الفتون في مولود ولد بر أسين فبلغ ونطق أحدهما بالكفر والآخر بالاسلام إن كانا نطقا معا ففي أيهما يغلب؟ احتمالان والصحيح إن تقدم الاسلام فمرتد، (والطفل الذي لا يعقل، والمجنون، ومن زال عقله بنوم أو إغماء أو إغماء، أو شرب دواء مباح لا تصح ردته ولا إسلامه لأنه لا حكم لكلامه، وإن ارتد وهو مجنون فقتله قاتل فعليه القود) لأنه قتل معصوما عمدا عدوانا (وإن ارتد في صحته، ثم جن لم يقتل في حال جنونه) لأنه غير مكلف (فإذا أفاق) من جنونه (استتيب ثلاثا) لما تقدم (فإن تاب) ترك (وإلا) بأن لم يتب (قتل) بالسيف كما تقدم، (وإن عقل الصبي الاسلام صح إسلامه) إن كان مميزا لإسلام علي بن أبي طالب وهو صبي وعد ذلك من مناقبه وسبقه وقال: سبقتكم إلى الاسلام طرا صبيا ما بلغت أوان حلمي ويقال: هو أول من أسلم من الصبيان ومن الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن العبيد بلال. وقال عروة: " أسلم علي والزبير وهما ابنا ثمان سنين "،
222 ولقوله (ص) من قال لا إله إلا الله دخل الجنة. والصبي داخل في ذلك. ولان الاسلام عبادة محصنة فصحت من الصبي كالصلاة والحج. ولان الله دعاه إلى دار الاسلام وجعل طريقها الاسلام فلم يجز منعه من إجابة دعوة الله وسلوك طريقها. لا يقال السلام يوجب عليه الزكاة في ماله ونفقة قريبه المسلم وحرمان ميراث قريبه الكافر وفسخ نكاحه. ولان الزكاة نفع محض لأنها سبب النماء والزيادة المحضة للمال والميراث والنفقة أمر متوهم وذلك مجبور بحصول الميراث للمسلمين وسقوط نفقة أقاربهم الكفار. ثم إن هذا الضرر مغمور في جنب ما يحصل له من سعادة الدنيا والآخرة (و) تصح أيضا (ردته إن كان مميزا) لأن من صح إسلامه صحت ردته (ومعنى عقل الاسلام أن يعلم أن الله ربه لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله فإذا أسلم) المميز (حيل بينه وبين الكفار ويتولاه المسلمون) كأولاد المسلمين، لأن بقاءه مع الكفار قد يفضي إلى عوده للكفر (ويدفن في مقابرهم) أي المسلمين (إذا مات) بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه ويرثه أقاربه من المسلمين لصحة إسلامه (فإن قال) المميز (بعده) أي الاسلام (لم أدر ما قلت، أو قاله كبير لم يلتفت إلى قوله) لأنه خلاف الظاهر، (وأجبر على الاسلام) كالبالغ إذا أسلم ثم ارتد عن الاسلام، (ولا تقتل المرتدة الحامل حتى تضع) كما تقدم في القصاص والزنا. (ولا) يقتل (الصغير) إذا ارتد (حتى يبلغ ويستتاب بعد ثلاثة أيام) لأنه قبل البلوغ غير مكلف (فإن تاب) خلي سبيله (وإلا قتل) بالسيف لما تقدم (قال) الامام (أحمد فيمن قال لكافر: أسلم وخذ ألفا فأسلم فلم يعطه) الألف (فأبى الاسلام يقتل) أي بعد استتابته ثلاثة أيام (وينبغي) للقائل (أن يفي) بما وعد به وقال الإمام أحمد: (وإن أسلم عن صلاتين قبل منه) الاسلام (وأمر بالخمس) لوجوبها على كل مسلم (ومثله إذا أسلم على الركوع دون السجود ونحوه) فيقبل منه الاسلام ويؤمر بالركوع والسجود وسائر ما تتوقف عليه الصلاة (ومن ارتد وهو سكران صحت ردته) كإسلامه لقوله علي: إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فأوجبوا
223 عليه حد الفرية التي يأتي بها في سكره واعتبروا مظنتها، ولأنه يصح طلاقه فصحت ردته كالصاحي (ولا يقتل حتى يصحو) ليكمل عقله ويفهم ما يقال وتزول شبهته، لأن القتل جعل للزجر (و) حتى (تتم له ثلاثة أيام من حين صحوه ليستتاب فيها) لأن صحوه أول زمن صار فيه من أهل العقوبة (فإن تاب) خلي سبيله (وإلا قتل) لردته (وإن قتله) أي المرتد (قاتل في حال سكره أو بعده قبل استتابته لم يضمنه) لأنه غير معصوم لكن يعزر (وإن مات) المرتد (في سكره أو قتل مات كافرا) لأنه هلك بعد ارتداده وقبل توبته فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يرثه أقاربه من المسلمين (وإن أسلم في سكره ولو أصليا صح إسلامه، ثم يسأل بعد صحوه، فإن ثبت على إسلامه فهو مسلم من حين إسلامه) حل سكره فيقضي الصلاة من ذلك الوقت، (وإن كفر فهو كافر من الآن) أي من حين كفر بعد صحوه فيستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل (ولا تقبل في الدنيا أي في الظاهر) بحيث يترك قتلهم وتثبت أحكام الاسلام في حقهم (توبة زنديق وهو المنافق وهو من يظهر الاسلام ويخفي الكفر) لقوله تعالى: * (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) * والزنديق لا يظهر منه على ما يتبين به رجوعه وتوبته، لأن الزنديق لا يظهر منه بالتوبة خلاف ما كان عليه، فإن كان ينفي الكفر عن نفسه قبل ذلك وقلبه لا يطلع عليه فلا يكون لما قاله حكم، لأن الظاهر من حاله أنه إنما يستدفع القتل بإظهار التوبة في ذلك والمشهور على ألسنة الناس أن الزنديق هو الذي لا يتمسك بشريعة ويقول بدوام الدهر، والعرب تعبر عن هذا بقوله: ملحد أي طاعن في الأديان (وكالحلولية والإباحية وكمن يفضل متبوعه على النبي (ص) أو) يعتقد (أنه إذا حصلت له المعرفة والتحقيق سقط عنه الأمر والنهي أو) يعتقد (أن العارف المحقق يجوز له التدين بدين اليهود والنصارى ولا يجب عليه الاعتصام بالكتاب والسنة وأمثال هؤلاء) الطوائف المارقين من الدين فلا تقبل توبتهم في الظاهر كالمنافق (ولا) تقبل أيضا في الظاهر توبة (من تكررت ردته) لقوله
224 تعالى: * (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) * وقوله: * (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم) * والازدياد يقتضي كفرا متجددا ولا بد من تقدم إيمان عليه ولما روى الأثرم بإسناده عن طيبان بن عمارة: أن ابن مسعود أتى برجل فقال له: إنه قد أتي بك مرة فزعمت أنك تبت وأراك قد عدت فقتله ولان تكرار الردة منه يدل على فساد عقيدته وقلة مبالاته بالدين (أو سب الله أو رسوله صريحا أو تنقصه) لأن ذنبه عظيم جدا يدل منه على فساد عقيدته واستخفافه بالله تعالى أو رسوله (ص) (ولا الساحر الذي يكفر بسحره) لما روى جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله (ص): حد الساحر ضربه بالسيف رواه الدارقطني. فسماه حدا والحد بعد ثبوته لا يسقط بالتوبة ولأنه لا طريق لنا إلى إخلاصه في توبته لأنه يضمر السحر ولا يجهر به فيكون إظهار الاسلام والتوبة خوفا من القتل مع بقائه على تلك المفسدة (ويقتلون بكل حال) لأن عليا: أتي بزنادقة فسألهم فجحدوا فقامت عليهم البينة فقتلهم ولم يستتبهم رواه أحمد في مسائل عبد الله (وأما في الآخرة فمن صدق منهم في توبته قبلت باطنا) ونفعه ذلك (ومن أظهر الخير وأبطن الفسق و) هو (كالزنديق في توبته) فلا تقبل توبته ظاهرا، لأنه لم يظهر منه بالتوبة خلاف ما كان عليه من إظهار الخير (ومن كفر ببدعة) من البدع (قبلت توبته ولو) كان (داعية) إلى بدعته كغيره من المرتدين (وتقبل توبة القاتل) لعموم حديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. (فلو اقتص منه أو عفي عنه) من المجني عليه أو من ولي الجناية (فهل يطالبه المقتول في الآخرة؟ فيه وجهان.
225 قال ابن القيم: والتحقيق أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوقه: حق لله تعالى وحق للمقتول وحق للولي) أي الوارث للمقتول (فإذا أسلم القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى الولي ندما على ما قعل وخوفا من الله وتوبة نصوحا سقط حق الله تعالى بالتوبة وحق الأولياء بالاستيفاء أو الصلح أو العفو) عنه (وبقي حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب ويصلح بينه) أي القاتل التائب (وبينه) أي المقتول. قال في الآداب الكبرى: وقبول التوبة فضل من الله تعالى ولا يجب عليه ويجوز ردها، وتوبة الكافر من كفره قبولها مقطوع به. جزم به في شرح مسلم وغيره وسبق قول ابن عقيل: إنه لا يجب ويجوز ردها وتوبة غيره تحتمل وجهين ولم أجد المسألة في كلام أصحابنا وذكر في شرح مسلم أن فيها خلافا لأهل السنة في القطع والظن واختيار أبي المعالي الظن وأنه أصح. فصل: وتوبة المرتد إسلامه (و) توبة (كل كافر موحدا كان) أي مقرا لله بالوحدانية (كاليهودي أو غير موحد كالنصراني والمجوسي وعبدة الأوثان إسلامه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) لحديث ابن عمر: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام وحسابهم على الله عز وجل. متفق عليه وهذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي فكذا المرتد. قال ابن القيم في الطرق الحكمية في الطريق الثاني والعشرين: ولا يفتقر في صحة
226 الاسلام أن يقول الداخل فيه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، بل لو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله كان مسلما باتفاق فقد قال النبي (ص): أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإذا تكلموا بقول لا إله إلا الله فقد حصلت لهم العصمة، وإن لم يأتوا بلفظ أشهد (ولا يكشف عن صحة ردته) لأنه لا يمكن أن يكون يجحد الوحدانية أو رسالة النبي (ص) (ولا يكلف الاقرار بما نسب إليه) أي بما شهدت به البينة عليه من الردة لصحة الشهادتين من مسلم ومرتد بخلاف توبته من بدعة فلا بد من اعترافه بالبدعة (ولا يشترط إقراره بما جحده) من الردة بعد إتيانه بالشهادتين لأنه لا حاجة مع ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته (ويكفي) في التوبة (جحده لردته بعد إقراره بها) كرجوعه عن إقرار بحد و (لا) يكفي جحوده لردته (بعد بينة) شهدت عليه بها (بل يجدد إسلامه) بإتيانه بالشهادتين. لأن جحد الردة تكذيب للبينة فلم يقبل منه كسائر الدعاوى (ولا يعزر) من جحد الردة بعد أن شهدت بها البينة عليه وأتى بالشهادتين. لان الاسلام يجب ما قبله وترغيبا له في الاسلام (فإن لم يفعل) أي يجدد إسلامه (استتيب) ثلاثة أيام كسائر المرتدين (فإن تاب) تاب الله عليه (وإلا) أي وإن لم يتب (قتل) لردته (لكن إن كانت ردته) أي المرتد (بإنكار فرض أو إحلال محرم أو جحد نبي أو) جحد (كتاب أو) جحد (شئ منه أو) كانت ردته (إلى دين من يعتقد أن محمدا (ص) بعث إلى العرب خاصة فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده) إذا كانت ردته باعتبار أن محمدا بعث إلى العرب خاصة فلا بد وأن (يشهد) ب (أن محمدا) (ص) (بعث إلى العالمين) أي الإنس والجن قال بعضهم: والملائكة ولا بد أن يقول مع ذلك كلمة الشهادتين ولا يكفي فيه مجرد إقراره بما جحده (أو يقول: أنا برئ من كل دين يخالف الاسلام مع الاتيان بالشهادتين) ولا يكتفي منه بالشهادتين. لأنه يحتمل أن يريد بهما ما يعتقده (ولا يغني قوله: محمد رسول الله عن كلمة التوحيد) لأنه من جحد شيئين لا يزول جحده إلا بإقراره بهما جميعا، قال في
227 الفروع: ويتوجه احتمال يكفي التوجيه ممن لا يقر به (وإن قال الكافر: أشهد أن النبي رسول) الله (لم يحكم بإسلامه. لأنه يحتمل أن يريد غير نبينا) محمد (ص). (وقوله) أي الكافر (أنا مسلم أو) قوله: (أسلمت، أو) قوله: (أنا مؤمن، أو أنا برئ من كل دين يخالف دين الاسلام توبة أصليا كان) الكافر (أو مرتدا) ويجبر على الاسلام (قد علم ما يراد منه وإن لم يأت بالشهادتين) لما روى المقداد أنه قال: يا رسول الله أرأيت لو لقيت كالكفار يقاتلني فضرب أحد يدي بالسيف فقطعهما ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت أفأقتله يا رسول الله إن قالها؟ قال: لا تقتله رواه مسلم، ولان ذلك اسم لشئ معلوم وهو الشهادتان فإذا أخبر به فقد أخبر بذلك الشئ. وذكر الموفق والشارح: احتمالا لأن هذا في الكافر الأصلي أو جاحد الوحدانية أما من كفر بجحد نبي أو كتاب أو فريضة ونحوه فلا يصير مسلما بهذا. لأنه اعتقد الاسلام ما هو عليه فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم مسلمون ومنهم من هو كافر (وقال أبو يعلى الصغير) في مفرداته: (لا خلاف أن الكافر لو قال: أنا مسلم ولا أنطق بالشهادتين لم يحكم بإسلامه وفي الانتصار لو كتب الشهادة) أي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صار مسلما) وجزم به في المنتهى وغيره لأن الخط كاللفظ فإن قال بعد ذلك: لم أرد الاسلام صار مرتدا ومجبرا على الاسلام نص عليه (ولو أكره ذمي أو) أكره (مستأمن على إقراره به) أي الاسلام (لم يصح لأنه ظلم) فلا يحكم بإسلامه (حتى يوجد منه ما يدل على الاسلام به طوعا مثل إن ثبت على الاسلام بعد زوال الاكراه) فيحكم بإسلامه من حين زوال الاكراه وثبوته على الاسلام (وإن مات قبل ذلك) أي قبل زوال
228 الاكراه (فحكمه حكم الكفار) في أنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يرثه أقاربه المسلمون. (وإن رجع) الذمي أو المستأمن من إكراهه على الاسلام (إلى الكفر لم يجز قتله ولا إكراهه على الاسلام) لأنه ليس بمرتد لعدم صحة الاسلام ابتداء (بخلاف حربي ومرتد فإنه يصح إكراههما عليه) أي الاسلام (ويصح) إسلامه (ظاهرا) لحديث: أمرت أن أقاتل الناس خص منه أهل الكتابين والمجوس إذا أعطوا الجزية والمستأمن لأدلة خاصة وبقي ما عدا ذلك على الأصل (فإن مات) الحربي أو المرتد (قبل زوال الاكراه) عنه (فحكمه حكم المسلمين) لصحة إسلامه مع الاكراه بخلاف الذمي والمستأمن (وفي الباطن إن لم يعتقد) الحربي أو المرتد (الاسلام بقلبه فهو باق على كفره باطنا ولاحظ له في الاسلام) لان الايمان هو التصديق بما علم مجئ الرسول به ولم يوجد منه (وإن أتى الكافر بالشهادتين ثم قال: لم أرد الاسلام صار مرتدا ويجبر على الاسلام نصا) لأنه قد حكم بإسلامه فلم يقبل رجوعه كما لو طالت مدته (وإذا صلى) الكافر (أو أذن حكم بإسلامه أصليا كان أو مرتدا) وسواء صلى (جماعة أو فرادى بدار الاسلام أو الحرب ولا يثبت) الاسلام (بالصلاة حتى يأتي بصلاة يتميز بها عن صلاة الكفار من استقبال قبلتنا أو الركوع والسجود، فلا تحصل بمجرد القيام) لأنهم يقومون في صلاتهم وتقدم ذلك موضحا في كتاب الصلاة، (وإن صام) كافر (أو زكى أو حج لم يحكم بإسلامه بمجرد ذلك) لأن الكفار كانوا يحجون على عهد رسول الله (ص) حتى منعهم والزكاة صدقة وهم يتصدقون، ولكل أهل دين صيام بخلاف الصلاة فإنها أفعال تتميز عن أفعال الكفار ويختص بها أهل الاسلام، (فلو مات المرتد فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد ردته حكم بإسلامه وورثه المسلم) من ورثته للحكم بإسلامه بصلاته (إلا أن يثبت أنه ارتد بعد صلاته أو تكون ردته بجحد فريضة أو كتاب أو نبي أو
229 ملك) من الملائكة (ونحو ذلك من البدع فلا يحكم بإسلامه بالصلاة) لأنه يعتقد وجوب الصلاة ويفعلها مع كفره (ولا يبطل إحصان مرتد بردة) أي إذا كان محصنا وارتد لم يزل إحصانه بردته (فإن أتى بهما) بأن زنى وقذف (بعد إسلامه حد) للزنا والقذف وكذا لو قذف بعد إسلامه حد قاذفه لأنه ثبت له حكم الاحصان والأصل بقاء ما كان على ما كان عليه (ويؤاخذ بحد فعله في ردته نصا) كما لو زنى في ردته ثم تأت فإنه يحد للزنا كما يؤاخذ بحد فعله (قبلها) أي قبل ردته (فمتى زنا) وهو محصن (رجم ولا تبطل عباداته التي فعلها في إسلامه من صلاة وحج وغيرهما إذا عاد إلى الاسلام) لأنه فعلها على وجهها وبرئت ذمته منها فلا تعد إلى ذمته كدين الآدمي. فصل ومن ارتد لم يزل ملكه لأن الردة سبب يبيح دمه فلم يزل ملكه بها كزنا المحصن، ولان زوال العصمة لا يلزم منه زوال الملك كالقاتل في المحاربة وأهل الحرب، (ويملك) المرتد (بأسباب التمليك كالصيد، والاحتشاش والاتهاب والشراء وإيجار نفسه إجارة خاصة) بأن يؤجر نفسه شهرا أو سنة ونحوها (أو) إجارة مشتركة (بأن يؤجر لخياطة، ونحوها) لأن عدم عصمته لا ينافي صحة ذلك كالحربي، (ولا يرث) المرتد أحدا بقرابة ولا غيرها لمباينته لدين مورثه لأنه لا يقر على ردته (ولا يورث) عنه شئ مما اكتسبه حال الاسلام أو الردة بل يكون فيئا (ويكون ملكه موقوفا) فإن أسلم ثبت ملكه وإن قتل أو مات كان ماله فيئا (ويمنع) المرتد
230 (من التصرف فيه) أي في ماله لتعلق حق الغير به كمال المفلس واختار الموفق أنه يترك عند ثقة (و) يمنع أيضا (من وطئ إمائه إلى أن يسلم) فيمكن من التصرف في ماله ووطئ إمائه (فإذا أسلم عصم دمه وماله) لحديث: فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام. (وإن لم يحكم به) أي بإسلامه (حاكم) لما تقدم من الخبر (وينفق منه) أي من مال المرتد (على من تلزمه مؤنته) لأن ذلك واجب بإيجاب الشرع أشبه الدين. (وتقضى منه ديونه وأروش جناياته ما كان منها بعد الردة كما قبلها) لأن هذه الحقوق لا يجوز تعطيلها (فإن أسلم) المرتد (أخذه) أي ماله إن كان باقيا (أو) أخذ (بقيته) أي ما فضل بعد النفقات وقضاء الديون (ونفذ تصرفه) الذي كان يصرفه في ردته في ماله (ويضمن) المرتد (ما أتلفه لغيره) من نفس أو مال (ولو في دار حرب) لأن الاتلاف يوجب الضمان على المسلم فلان يوجبه على المرتد أولى (وسواء كان المتلف واحدا) مرتدا (أو جماعة) مرتدين وسواء (صار لهم منعة أولى) أو لم يصر لهم منعة وقوة لأنهم أتلفوه بغير تأويل فأشبهوا أهل الذمة (وإن تزوج) المرتد لم يصح لأنه لا يقدر على وقفه النكاح كنكاح الكافر مسلمة. (أو زوج موليته) من نسب وولاء (أو) زوج (أمته لم يصح) النكاح لأن النكاح لا يكون موقوفا ولزوال ولايته بالردة (وإن مات) المرتد (أو قتل مرتدا) للردة أو غيرها (صار ماله فيئا من حين موته) لأنه لا وارث له من المسلمين ولا غيرهم (وبطل تصرفه) الذي كان تصرفه في ردته تغليظا عليه بقطع ثوابه بخلاف المريض (وإن لحق) المرتد (بدار حرب فهو وما معه كحربي لكل أحد قتله بغير استتابة وأخذ ما معه) من مال لأنه صار حربيا، (وما بدارنا من أملاكه فملكه ثابت فيه، يصير فيئا من حين موته) لكونه لا وارث له كما تقدم (وإن لحق) المرتد (بدار حرب أو تعذر قتله مدة طويلة فعل الحاكم) في ماله (ما يرى فيه الأحظ من
231 بيع حيوانه الذي يحتاج إلى نفقته وإجارة ما يرى إبقاءه) من ماله لولايته العامة. (ومكاتبه يؤدي إلى الحاكم ويعتق بالأداء) كما لو أدى إليه قبل ردته (وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قدر عليهما لم يجز استرقاقهما) لأن المرتد لا يقر على الردة لقوله (ص): من بدل دينه فاقتلوه. ولم ينقل أن الذين سباهم أبو بكر كانوا أسلموا ولا تثبت لهم حكم الردة وقول علي: يسبى المرتد ضعفه أحمد (ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا) أي حمل بهم (في الاسلام) لأنه محكوم بإسلامهم تبعا لأبويهم قبل الردة يتبعونهم فيها لأن الاسلام يعلو وقد تبعوهم في الاسلام فلا يتبعوهم في الردة (ومن لم يسلم منهم) أي من أولادهما الذين ولدوا أو حمل بهم في الاسلام (قتل) بعد بلوغه واستتابته لخبر: من بدل دينه فاقتلوه. (ولو ارتد أهل بلد وجرى فيه) أي في ذلك البلد (حكمهم) أي المرتدين (فدار حرب) أي صاروا حربيين (يجب على الامام قتالهم أو يغنم مالهم ويجوز استرقاق من حدث) الحمل به (وولد بعد الردة وإقراره بجزية) فإن أبا بكر قاتل أهل الردة بجماعة الصحابة ولان الله تعالى أمر بقتالي الكفار في مواضع من كتابه وهؤلاء أحق بالقتال من الكفار الأصليين وإذا قاتلهم جاز قتل من يقدر عليه منهم واتباع مدبرهم والاجهاز على جريحهم. قلت: إقرار من حدث من أولادهم بعد الردة على جزية إنما يظهر إذا كان على دين من يقر بها كأهل الكتاب والمجوس وإلا لم يقر كما في الدروز والتيامنة والنصيرية ونحوهم، (ولا يجرى على المرتد رق رجلا كان أو امرأة لحق بدار الحرب، أو أقام بدار الاسلام) لأنه لا يقر على الردة لما تقدم (ومن ولد من أولاد المرتدين قبل الردة أو كان حملا وقتها) أي الردة (فمحكوم بإسلامه) لما تقدم من أنه يتبع أبويه في الاسلام لا في الردة (ولا يجوز استرقاقهم صغارا) لأنهم مسلمون (ولا كبارا) لأنهم إن ثبتوا على
232 إسلامهم بعد كبرهم فهم مسلمون وإن كفروا فهم مرتدون (وبعد البلوغ) إذا ثبتوا على الكفر ف (يستتابون كآبائهم) فإن تابوا وإلا قتلوا (ولا يقر مرتد بجزية) لأن الواجب قتله لخبر: من بدل دينه فاقتلوه. (وإذا مات أبو الطفل، أو الحمل، أو المميز أو) مات (أحدهما في دارنا على كفره لا) إن مات (جده وجدته فمسلم) لحديث أبي هريرة مرفوعا: ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة جمعا، هل تحسون فيهما من جذعة؟ ثم يقول أبو هريرة: فطرة الله التي فطر الناس عليها. متفق عليه وبموتهما أو أحدهما انقطعت التبعية فيحكم بإسلامه تبعا للدار (ويقسم له) أي الطفل المميز (الميراث) من قريبه الكافر أو أمه لأنه كان كافرا وقت الموت وأما الحمل فلا يرث من أبيه الكافر على ما تقدم في ميراث الحمل (وكذا لو عدم الأبوان أو) عدم (أحدهما بلا موت كزنا ذمية، ولو بكافر) في دار الاسلام (أو اشتباه ولد مسلم بولد كافر نصا) لأن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه. (قال القاضي: أو وجد بدار حرب وتقدم في كتاب الجهاد إذا سبي الطفل) يتبع سابيه لانقطاع تبعيته لأبويه حيث سبي منفردا عنهما أو عن أحدهما (وأطفال الكفار في النار نصا واختار الشيخ تكليفهم في القيامة) فقال: الصحيح أنهم يمتحنون في عرصات القيامة. قال: فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. وقال أيضا: أصح الأجوبة فيهم ما ثبت في الصحيحين أنه سئل عنهم رسول الله (ص) فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين. فلا يحكم على معين منهم لا بجنة ولا نار (ومثلهم) أي مثل أطفال المشركين (من بلغ منهم مجنونا) فيحكم بإسلامه تبعا لأبويه أو أحدهما وبموتهما أو أحدهما بدارنا بخلاف من بلغ عاقلا ثم جن (ومن ولد أعمى أبكم أصم وصار رجلا هو مع أبويه نصا، وإن كانا مشركين ثم أسلما بعد ما صار رجلا قال: هو معهما) وكذا لو أسلم أحدهما. قال في الفروع: ويتوجه مثلهما من لم تبلغه الدعوة (وإن تصرف المرتد لغيره بالوكالة صح) تصرفه فلا تبطل الوكالة
233 بالردة إلا فيما ينافيها كالنكاح وإقامة الحد (ولا يلزمه) أي المرتد (قضاء ما ترك من العبادات في ردته) لقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * وكالحربي ولان أبا بكر لم يأمر المرتدين بقضاء ما فاتهم (ويلزمه قضاء ما ترك) من صلاة وصوم ونحوهما (قبلها) أي قبل الردة لاستقراره عليه حال إسلامه (وإن قتل) المرتد (من يكافئه عمدا فعليه القصاص) كالمسلم وأولى (والولي مخير بين القتل والعفو عنه) كالمسلم (فإن اختار) الولي (القصاص قدم) القصاص (على قتل الردة. تقدمت الردة أو تأخرت) لأنه حق آدمي جزم به في الشرح وغيره وتقدم ما فيه القصاص (وإن عفا) الولي (على مال وجبت الدية في ماله) أي المرتد كسائر الحقوق عليه (وإن كان) القتل (خطأ وجبت) الدية (أيضا في ماله). وكذا شبه العمد لأنه لا عاقلة له (قال القاضي: تؤخذ منه في ثلاث سنين) كما كانت تؤخذ من عاقلته (فإن قتل أو مات أخذت من ماله في الحال) من غير تأجيل. قلت: فظاهر ما تقدم، وكذا لو لم يقتل أو يمت (وتثبت الردة بالاقرار أو البينة) وهي رجلان عدلان كقتل القصاص. فصل: ومن أكره على الكفر (فالأفضل له أن يصبر) على ما أكره به. ولا يجيب (ولو أتى ذلك على نفسه) بأن كان يؤدي ذلك إلى موته، (وإن لم يصبر وأجاب) بكلمة الكفر ظاهرا (لم يصر كافرا إذا كان قلبه مطمئنا بالايمان) لقوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) *.
234 (ومتى زال الاكراه أمر بإظهار إسلامه) لزوال العذر (فإن أظهره) فهو باق على إسلامه (وإلا) أي وإن لم يظهره بعد زوال الاكراه (حكم بأنه كافر من حين نطق به) أي بالكفر لأن ذلك قرينة على أنه لم يفعله لداعي الاكراه، بل اختيارا (وإن شهدت بينة أنه نطق بكلمة الكفر وكان محبوسا أو مقيدا عند الكفار في حالة خوف لم يحكم بردته) لعدم طواعيته (وإن شهدت) البينة (أنه كان آمنا في حال نطقه) بكلمة الكفر (حكم بردته) لاتيانه بكلمة الكفر مختارا، وإن شهدت عليه بينة أنه كفر فادعى الاكراه قبل قوله مع قرينته فقط، وإن شهدت عليه بكلمة كفر فادعى الاكراه قبل مطلقا لأن تصديقه ليس فيه تكذيب للبينة (وإن ادعى ورثته) أي المرتد (رجوعه إلى الاسلام لم تقبل إلا ببينة) لتشهد برجوعه لأن الأصل عدمه، (وإن شهدت عليه) بينة (بأكل لحم خنزير لم يحكم بردته) لأنه لا يلزم من أكله استحلاله (فإن قال بعض ورثته أكله مستحلا له أو أقر) بعض ورثته (بردته حرم ميراثه) مؤاخذة له بإقراره (ويدفع إلى من يدعي الاسلام) من ورثته (قدر ميراثه لأنه لا يدعي أكثر منه و) يدفع (الباقي لبيت المال) لأنه بمنزلة المال الضائع لعدم من يدعيه (فإن كان في الورثة صغير أو مجنون دفع إليه نصيبه، ونصيب المقر بردة الموروث) لأنه لم تثبت ردته بالنسبة إليه. قاله في المغني. فصل: (ويحرم تعلم السحر، وتعليمه، وفعله) لما فيه من الأذى (وهو) أي السحر (عقد ورقى وكلام يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل
235 شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة، فمنه ما يقتل و) منه ما يمرض ومنه (ما يأخذ الرجل عن زوجته فيمنعه وطأها أو يعقد المتزوج فلا يطيق وطأها. وما كان مثل فعل لبيد بن الأعصم حين سحر النبي (ص) في مشط) بضم الميم وتميم تكسرها (ومشاطة) بضم الميم ما يسقط من الشعر عند مشطه. روت عائشة أن النبي (ص) سحر حتى أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشئ وما يفعله. (أو يسحره حتى يهيم مع الوحش ومنه) أي السحر (ما يفرق بين المرء وزوجه، وما يبغض أحدهما إلى الآخر ويحبب بين اثنين) زوجين أو غيرهما. وقال بعض العلماء: إنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل لقوله: * (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) *. وجوابه قوله تعالى: * (قل أعوذ برب الفلق - إلى قوله - ومن شر النفاثات في العقد) *. أي السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن، ولولا أن له حقيقة لما أمر بالاستعاذة منه (ويكفر) الساحر (بتعلمه وفعله، سواء اعتقد تحريمه، أو إباحته كالذي يركب الحمار من مكنسة وغيرها فتسير) به (في الهواء أو يدعي أن الكواكب تخاطبه) لقوله تعالى: * (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وما روت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) *. (ويقتل) الساحر (إن كان مسلما) بالسيف لما روى جندب مرفوعا قال: حد ضربه السيف. رواه الترمذي وضعفه. وقال الصحيح عن جندب موقوف. وعن بجالة بن عبد قال: كنت كاتبا للجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس، فأتانا كتاب معاوية قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة رواه أحمد وسعيد، وفي رواية: فقتلنا ثلاث سواحر في يوم واحد وقتلت حفصة جارية لها سحرتها. رواه مالك وروي عن عثمان
236 وابن عمر (وكذا من يعتقد حله) أي السحر (من المسلمين) فيقتل كفرا لأنه أحل حراما مجمعا عليه معلوما بالضرورة، (ولا يقتل ساحر ذمي) لأن لبيد بن الأعصم سحر النبي (ص) فلم يقتله، ولان الشرك أعظم من سحره ولم يقتل به. والاخبار وردت في ساحر المسلمين لأنه يكفر بسحره وهذا كافر أصلي (إلا أن يقتل) الساحر الذمي (به) أي بسحره (ويكون) سحره (مما يقتل غالبا فيقتص منه) إذا قتل من يكافئه كما لو قتل بغيره، (فأما الذي يسحر بأدوية وتدخين وسقي شئ لا يضر فإنه لا يكفر ولا يقتل) لأن الله تعالى وصف الساحرين الكافرين بأنهم يفرقون بين المرء وزوجه، فيختص الكفر بهم ويبقى من سواهم من السحرة على أصل العصمة (ويعزر تعزيرا بليغا دون القتل) لأنه ارتكب معصية (إلا أن يقتل بفعله) ذلك ويكون مما يقتل غالبا (فيقتص منه) إذا قتل من يكافئه كما لو قتله بغير ذلك. (وإلا) أي وإن لم يكن فعله مما يقتل غالبا (ف) اللازم (الدية وتقدم في كتاب الجنايات: وأما الذي يعزم على الجن ويزعم أنه يجمعها فتطيعه فلا يكفر) بذلك (ولا يقتل) به لأنه ليس في معنى المنصوص على قتله بالسحر (ويعزر تعزيرا بليغا دون القتل) لارتكابه معصية عظيمة (وكذا الكاهن والعراف، والكاهن الذي له رئي من الجن يأتيه بأخبار. والعراف الذي يحدس ويتخرص كالمنجم) وهو الذي ينظر في النجوم يستدل بها على الحوادث (ولو أوهم قوما بطريقته أنه يعلم الغيب. فللامام قتله لسعيه بالفساد. وقال الشيخ: التنجيم كالاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية من السحر. قال) الشيخ (ويحرم إجماعا) وأقر أولهم وآخرهم أن الله يدفع عن أهل العبادة والدعاء ببركته ما زعموا أن
237 الأفلاك توجبه، وأن لهم من ثواب الدارين ما لا تقوى الأفلاك أن تجلبه، (والمتعبد والقائل بزجر طير، والضارب بحصى، وشعير، وقداح) أي سهام، (زاد في الرعاية والنظر في ألواح الأكتاف إذا لم يعتقد إباحته و) اعتقد (أنه لا يعلم به) الأمور المغيبة (عزر ويكف عنه وإلا) بأن اعتقد إباحته وأنه يعلم به الأمور المغيبة (كفر) فيستتاب، فإن تاب وإلا قتل (وتحرم رقبة وحرز، وتعوذ بطلسم) بغير عربي (و) تحرم (عزيمة بغير عربي وباسم كوكب، وما وضع على نجم من صورة أو غيرها، ولا بأس بحل السحر بشئ من القرآن والذكر والأقسام، والكلام المباح، وإن كان) حل السحر (بشئ من السحر فقد توقف فيه أحمد). قال في المغني: توقف أحمد في الحل وهو إلى الجواز أميل. وسأله مهنا عمن تأتيه مسحورة فيطلقه عنها. قال: لا بأس. قال الخلال: إنما كره فعاله ولا يرى به بأسا كما بينه مهنا وهذا من الضرورة التي تبيح فعلها (والمذهب جوازه ضرورة. قال في عيون المسائل ومن السحر السعي بالنميمة والافساد بين الناس وهو غريب) ووجهه أنه يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه المكر والحيلة أشبه السحر. ولهذا يعلم بالعادة والعرف أنه يؤثر وينتج ما يعمله السحر أو أكثر فيعطى حكمه تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين لا سيما إن قلنا: يقتل الامر بالقتل على رواية فهنا أولى.
238 كتاب الأطعمة (واحدها طعام وهو ما يؤكل، ويشرب) قال الله تعالى: * (إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني) * وقال الجوهري: وهو ما يؤكل وربما خص به البر (والمراد هنا بيان ما يحرم أكله وشربه وما يباح) أكله وشربه (والأصل فيها الحل) لقوله تعالى: * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) * . وقوله: * (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا) *. وقوله * (قل أحل لكم الطيبات) *. وقوله: * (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) *. فجعل الطيب صفة في المباح عامة تميزه عن المحرم. وجعل الخبيث صفة في المحرم تميزه عن المباح. والمراد بالخبيث هنا كل مستخبث في العرف لأنه لو أراد به الحرام لم يكن جوابا لأنهم سألوه عما يحل، فلو به أريد الحرام وبالطيب الحلال لكان معناه الحلال هو الحلال وليس كذلك (فيباح كل طعام طاهر، لا مضرة فيه من الحبوب والثمار، وغيرها) كالنباتات غير المضرة (حتى المسك والفاكهة المسوسة والمدودة ويباح أكلها) أي الفاكهة (بدودها) فيؤكل تبعا لها لا استقلالا (و) يباح أكل (باقلا بذبابه و) أكل (خيار وقثاء وحبوب وخل بما فيه) من نحو دود (تبعا) لها و (لا) يباح (أكل دودها ونحوها) كسوسها (أصلا) استقلالا (ولا) يباح (أكل النجاسات كالميتة والدم)، لقوله
239 تعالى: * (حرمت عليكم الميتة والدم) *. (والرجيع) أي الروث (والبول ولو كانا طاهرين) لاستقذارهما (بلا ضرورة) فإن اضطر إليهما أو إلى أحدهما جاز. وتقدم في أول الجنائز: يجوز التداوي ببول إبل (ولا) يباح (أكل الحشيشة المسكرة وتسمى حشيشة الفقراء)، لعموم قوله (ص): كل مسكر خمر، وكل خمر حرام. (ولا) يباح كل (ما فيه مضرة من السموم وغيرها) لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *. وفي الواضح: المشهور أن السم نجس وفيه احتمال لاكله (ص) من الذراع المسمومة. (وفي التبصرة: ما يضر كثيره يحل يسيره) فيباح يسير السمقونيا والزعفران ونحوها إذا كان لا مضرة فيه لانتفاء علة التحريم، (ويحرم من الحيوانات الآدمي) لدخوله في عموم قوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) *. ولمفهوم حديث: أحل لنا ميتتان ودمان. (والحمر الأهلية ولو توحشت) قال ابن عبد البر: لا خلاف في تحريمهما وسنده حديث جابر: أن النبي (ص) نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل متفق عليه وحكم لبنها حكمها ورخص فيه عطاء وطاووس والزهري (والخنزير) بالنص والاجماع مع أن له نابا يفترس به (وما له ناب يفترس به) نص عليه، (سوى الضبع) فإنه مباح وإن كان له ناب لما روى جابر قال: سألت رسول الله (ص) عن الضبع فقال، هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم. رواه أبو داود وهذا خاص فيقدم على العام وماله ناب (كأسد ونمر وذئب وفهد وكلب وابن آوى) شبه الكلب ورائحته كريهة (وابن عرس) بالكسر
240 قاله في الحاشية (وسنور أهلي وبري) ومن أنواعه ألتفا كما ذكره غير واحد من الشافعية (ونمس وقرد ولو صغيرا لم ينبت نابه، ودب، وفيل، وثعلب) لما روى أبو ثعلبة الخشني قال نهى رسول الله (ص) عن أكل ذي ناب من السباع حرام رواه مسلم وروى جابر أن النبي (ص) نهى عن أكل الهر رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي، وقال غريب وروى الشعبي: أن النبي (ص) نهى عن لحم القرد. (ويحرم سنجاب، وسمور، وفنك) بفتح النون لحديث أبي ثعلبة المذكور لأن لها نابا (و) يحرم أيضا (ما له مخلب من الطير يصيد به كعقاب وبازي وصقر وشاهين وحدأة وبومة) لحديث ابن عباس قال: نهى النبي (ص) عن أكل كل ذي مخلب من الطير رواه أبو داود وعن خالد بن الوليد مرفوعا نحوه (وما يأكل الجيف كنسر ورخم ولقلق) مقصور من اللقلاق أعجمي طائر نحو الإوزة طويل العنق يأكل الحيات قاله في الشرح (وعقعق) بوزن جعفر طائر نحو الحمامة طويل الذنب فيه بياض وسواد وهو نوع من الغربان تتشاءم به العرب قاله في الحاشية (وهو أن العقعق والقاق وغراب البين والأبقع) لقوله (ص): خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الخبر فذكر منها الغراب والباقي في معناه للمشاركة في أكل الجيف ووجه الدلالة من الخبر أنه (ص) أباح قتلها في الحرم ولا يجوز قتل صيد مأكول في الحرم (وما تستخبثه) أي تستقذره (العرب ذوو اليسار من أهل القرى والأمصار من أهل الحجاز) لأنهم هم الذين نزل عليهم الكتاب
241 وخوطبوا به وبالسنة فرجع في مطلق ألفاظها إلى عرفهم دون غيرهم (ولا عبرة بأهل البوادي) من الاعراب الجفاة لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون كل ما وجدوه ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون فقال ما دب ودرج إلا أم حبين بالحاء المهملة والباء الموحدة فقال أيهن أم حبين العاقبة تأمن أن تطلب فتؤكل، أم حبين الخنافس الكبار والذي تستخبثه العرب ذوو اليسار (كالقنفذ والدلدل وهو عظيم القنافذ قدر السخلة ويسمى النيص على ظهره شوك طويل نحو ذراع والحشرات كلها كديدان، وجعلان، وبنات وردان) نحو الخنفساء حمراء اللون وأكثر ما تكون في الحمامات والكنف (وخنافس وأوزاع وصراصر وحرباء وعضاه وجراذين وخلد وفأر وحيات وعقارب وخفاش وخشاف وهو الوطواط وزنبور ونحل ونمل وذباب وطبابيع) قمل أحمر، (وقمل وبراغيث ونحوها وهدهد وصرد) كعمر نوع من الغربان وهو طائر أبقع أبيض البطن أخضر الظهر ضخم الرأس والمنقار يصيد العصافير وصغار الطير ويصرصر كالصقر لا يرى إلا في شعب أو شجرة ولا يكاد يقدر عليه الأنثى صردة والجمع صردان ويقال له الواق وهو طائر دمام ومنه نوع أسود يسميه أهل العراق العقعق (و غداف) كغراب وجمعه غدفان كغربان ويقال هو غراب الغيط (وخطاف) طائر معروف (وأخيل وهو الشقراق) بفتح الشين وبكسر القاف مشددة وبكسر الشين مع التثقيل وأنكرها بعضهم وبكسر الشين وسكون القاف وهو دون الحمامة أخضر اللون أسود المنقار بأطراف جناحيه سواد وبظاهرهما حمرة ذكره في الحاشية (وسنونو، وهو نوع من الخطاف وغيرها مما أمر الشرع بقتله، أو أنهى عنه وما لا تعرفه العرب من أمصار الحجاز وقراها ولا ذكر في الشرع يرد إلى أقرب الأشياء شبها به) أي بالحجاز (فإن لم يشبه شيئا منها) أي المحرمات (فمباح) لدخوله في عموم قوله تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما) * الآية. (وما أحد أبويه المأكولين مغصوب ف) هو (كأمه حلا وحرمة وملكا) فإن كانت أمه هي المغصوبة لم تحل هي ولا شئ من أولادها للغاصب، وإن كان المغصوب الفحل ونزاه
242 الغاصب على إناث في ملكه لم يحرم على الغاصب شئ من أولاد الفحل الآتية بها إناثه في ملكه (ولو اشتبه مباح ومحرم حرما) تغليبا لجانب الحظر وكذا لو اشتبه ما لا تعرفه معرب وذكر في الشرع مباحا ومحرما فإنه يحرم (ويحرم متولد من مأكول وغيره، كالبغل) المتولد بين الخيل والحمر الأهلية (والسمع) بكسر السين (ولد الضبع من الذئب والعسبار ولد الذئب من الزنج، وهو: الضبعان) بكسر الضاد وسكون الباء الموحدة وجمعه ضباعين كمساكين (وهو ذكر الضباع) تغليبا للتحريم (والدرياب وهو أبو زريق قيل: إنه متولد من الشقراق والغراب والمتولد بين أهلي ووحشي) كالحمار بين حمار أهلي وحمار وحشي تغليبا (وكحيوان من نعجة نصفه خروف ونصفه كلب) فيحرم تغليبا للحظر (ويحرم ما ليس ملكا لآكله ولا أذن فيه ربه ولا الشارع) لحديث: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه فإن أذن فيه ربه جاز أكله وكذا لو أذن فيه الشارع كأكل الولي من مال موليه وناظر الوقف منه والمضطر من مال غيره على ما تقدم ويأتي. فصل وما عدا هذا المذكور مما تقدم تحريمه (فمباح كمتولد من مأكولين كبغل من حمار وحش وخيل، ولو) كانت الخيل (غير عربية ووبر) بسكون الباء (ويربوع) لأن عمر قضي فيه بجفرة والوبر في معناه (وبقر وحش على اختلاف أنواعها من الإبل والتيتل، والوعل، والمها، وظباء، وحمر وحش ولو تأنست
243 وعلفت) لأن الظباء إذا تأنست لم تحرم وكالأهلي إذا توحش (وأرنب وزرافة) بفتح الزاي وضمها قاله جماعة زاد الصفاني والفاء تشدد وتخفف في الوجهين قيل هي مسماة باسم الجماعة لأنها في صورة جماعة من الحيوان وهي دابة تشبه البعير إلا أن عنقها أطول من عنقه وجسمها ألطف من جسمه ويداها أطول من رجليها ووجه حلها أنها مستطابة ليس لها ناب أشبهت الابلا (ونعامة) لقضاء الصحابة فيها بالفدية (وضب) قال أبو سعيد كنا معشر أصحاب محمد (ص) لأن يهدى إلى أحدنا ضب أحب إليه من دجاجة. قال في الحاشية وهو دابة تشبه الحردون من عجيب خلقته أن الذكر له ذكران والأنثى لها فرجان تبيض منهما. (وضبع) وتقدم (وإن عرف) الضبع (بأكل الميتة فكان كجلالة قاله في الروضة وبهيمة الانعام وهي الإبل والبقر والجاموس والغنم) ضأنها ومعزها لقوله تعالى: * (أحلت لكم بهيمة الأنعام ) *. (ودجاج) لقول أبي موسى: رأيت النبي (ص) يأكل الدجاج (وديوك وطاووس وببغاء وهي: الدرة وعندليب) وهو الهزار وهو الشحرور (وسائر الوحش من الصيود كلها وزاغ) طائر صغير أغبر (وغراب الزرع وهو أحمر المنقار والرجل) يأكل الزرع يطير مع الزاغ لأن مرعاهما الزرع والحبوب (وحجل وزرزور) بضم أوله نوع من العصافير (وصعوة جمع صعو: وهو: صغار العصافير أحمر الرأس، وحمام، وأنواعه من الفواخت والجوازل والرقاطي والدياسي وسماني وسلوى وقيل: هما شئ واحد وعصافير وقنابر وقطا وحبارى) لقول سفينة: أكلت مع رسول الله (ص) حبارى رواه أبو داود (وكركري وكروان وبط وإوز وما أشبهه مما يلقط الحب أو يفدى في الاحرام) لأن ذلك مستطاب فيحل لأنه من الطيبات فيدخل في عموم قوله تعالى: * (ويحل لهم الطيبات) *
244 . (وغرانيق) قال في الحاشية: الغرانق جمع غرنق بضم الغين المعجمة وفتح النون من طير الماء طويل العنق (وطير الماء كله، وأشباه ذلك) أي مباح لما سبق (ويباح جمع حيوانات البحر) لقوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر) *. الآية وقوله (ص) لما سئل عن ماء البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. رواه مالك (إلا الضفدع) بكسر الضاد والدال والأنثى ضفدعة ومنهم من يفتح الدال نص عليه واحتج بأن النبي (ص) نهى عن قتله رواه أحمد وأبو داود والنسائي (والحية) لأنها من الخبائث وفيها وجه و أطلقهما في الفروع (والتمساح) نص عليه وعلله بأنه يأكل الناس. فصل وتحرم الجلالة وهي التي أكثر علفها النجاسة ولبنها لما روى ابن عمر قال: نهى النبي (ص) عن أكل الجلالة وألبانها. رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وقال حسن غريب. وفي رواية لأبي داود نهى عن ركوب الجلالة وفي أخرى له نهى عن ركوب جلالة الإبل. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي (ص) نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن ركوب الجلالة وأكل لحمها. رواه أحمد وأبو داود والنسائي (وبيضها) لأنه متولد من النجاسة (ويكره ركوبها لأجل عرقها) لما سبق من الاخبار (حتى تحبس) الجلالة (ثلاثا) أي ثلاث ليال بأيامهن لأن ابن عمر كان إذا أراد أكلها يحبسها
245 ثلاثا (وتطعم الطاهر وتمنع من النجاسة طائرا كانت أو بهيمة) إذ المانع من حلها يزول بذلك ولان ما طهر غيره كما لو كانت النجاسة بظاهره (ومثله خروف ارتضع من كلبة ثم شرب لبنا طاهرا) أو أكل شيئا طاهرا. ثلاثة أيام فيحل أكله (ويجوز أن تعلف النجاسة الحيوان الذي لا يذبح) قريبا (أو لا يحلب قريبا) قال في المحرر أحيانا قال شارحه لأنه يجوز تركها في الرعي على اختيارها ومعلوم أنها تعلف للنجاسة انتهى. قال في المبدع: ويحرم علفها نجاسة إن كانت تأكل قريبا أو تحلب قريبا، وإن تأخر ذبحه أو حلبه وقيل بقدر حبسها المعتبر جاز في الأصح كغير المأكول على الأصح فيه، (وإذا عض كلب شاة ونحوها فكلبت ذبحت) دفعا لضررها (وينبغي أن لا يؤكل لحمها) لضررها أو قياسا على الحلال (وما سقى) بنجس (أو سمد بنجس) أي أصلح بالسماد كسلام فلا يصلح به الزرع من تراب أو سرجين (من زرع وثمر) و (يحرم وينجس بذلك) لما روى ابن عباس قال: كنا نكري أراضي رسول الله (ص) ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة الناس، قال في القاموس ودمل الأرض دملا ودملانا أصلحها أو سقفها فتدملت صلحت به انتهى. ولولا أن ما فيها يحرم بذلك لم يكن في اشتراط ذلك فائدة ولأنه تتربى بالنجاسة أجزاؤه والاستحالة لا تطهر عندنا (فإن سقى) الثمر أو الزرع أي بعد أن سقى النجس أو سمد به (بطاهر يستهلك به عن النجاسة به طهر وحل) لأن الماء الطهور يطهر النجاسات وكالجلالة إذا حبست وأطعمت الطاهرات (وإلا) أي وإن لم يسق بطاهر يستهلك عين النجاسة (فلا) يحل لما تقدم (ويكره أكل تراب وفحم وطين) لضرره (وهو) أي أكل الطين (عيب في المبيع) نقله ابن عقيل لأنه لا يطلبه إلا من به مرض وقوله: (لأنه يضر البدن به) علة لكراهة أكل الطين ونحوه (فإن كان منه) أي الطين (ما يتداوى به كالطين الأرمني لم يكره) لأنه لا ضرر فيه (وكذا يسير تراب، وطين) بحيث لا يضر فلا يكره لانتفاء علة الكراهة (ويكره
246 أكل غدة، وأذن قلب) نقل أبو طالب: نهى (ص) عن أذن القلب. وقال في رواية عبد الله كره النبي (ص) أكل العذرة. (و) يكره أكل (بصل وثوم ونحوهما) كالكراث (ما لم ينضج بطبخ). قال أحمد: لا يعجبني وصرح بأنه كرهه لمكان الصلاة في وقت الصلاة (و) يكره (أكل كل ذي رائحة كريهة، ولو لم يرد دخول المسجد فإن أكله) أي البصل أو الثوم أو نحوه قبل إنضاجه بالطبخ (كره له دخوله) أي المسجد (ما لم يذهب ريحه) لحديث من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا. ويكره له أيضا حضور جماعة ولو تغير مسجد وتقدم. (و) يكره أيضا (أكل حب) من نحو بر، (دبس بحمر أهلية وبغال) نص عليه وقال لا ينبغي أن يد بسوه بها. وقال حرب: أكرهه شديدة (وينبغي أن يغسل). نقل أبو طالب لا يباع، ولا يشترى ولا يؤكل حتى يغسل، (ويكره مداومة أكل لحم) قاله الأصحاب. قلت ومداومة ترك أكله. لأن كلا منهما يورث قسوة القلب (و) يكره (أكل لحم منتن ونئ) ذكره جماعة وجزم في المنتهى بعدم الكراهة. وقال في شرحه: فلا يكره أكلهما على الأصح. قال في الفروع: ولا بأس بلحم نئ. نقله مهنا، ولحم منتن نقله أبو الحرث. وذكر جماعة فيهما يكره وجعله في الانتصار في الثانية اتفاقا. (ويكره الخبز الكبار) قال الامام: ليس فيه بركة (و) يكره (وضعه) أي الخبز (تحت القصعة) لا فوقها وحرمه الآمدي. فصل ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا حضرا، أو سفرا سوى سم ونحوه) مما يضر واضطراره (بأن خاف التلف إما
247 من جوع أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة فيهلك، أو يعجز عن الركوب فيهلك، ولا يتقيد ذلك بزمن مخصوص) لاختلاف الاشخاص في ذلك (وجب عليه أن يأكل منه) أي المحرم (ما يسد رمقه) بفتح الميم والقاف أي بقية روحه (ويأمن معه الموت) لقوله تعالى: * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) *. و قوله * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *. (وليس له) أي المضطر (الشبع) من المحرم. لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثنى ما اضطر إليه. فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الاكل كحالة الابتداء (كما) يحرم ما (فوق الشبع) إجماعا ذكره في الشرح والمبدع (وقال الموفق وتبعه جماعة: إن كانت الضرورة مستمرة جاز الشبع، وإن كانت) الحاجة (مرجوة الزوال فلا) يشبع لعدم الحاجة (وله) أي المضطر (أن يتزود منه) أي المحرم (إن خاف الحاجة) إن لم يتزود. لأنه لا ضرر في استصحابها ولا في إعدادها لدفع ضرورته وقضاء حاجته ولا يأكل منها إلا عند ضرورته (فإن تزود فلقيه مضطر آخر لم يجز له بيعه) منه. لأنه ليس بمال كبيعه من غيره (ويلزمه إعطاؤه) منه (بغير عوض إن لم يكن هو) أي المتزود (مضطرا في الحال إلى ما معه) فلا يعطى غيره. لأن الضرر لا يزال بالضرر (ويجب) على المضطر (تقديم السؤال على أكله) نص عليه. وقال لسائل قم قائما ليكون له عذر عند الله. قال القاضي: أثم إذا لم يسأل. ونقل الأثرم: إن اضطر إلى المسألة فهي مباحة. قيل: فإن توقف؟ قال: ما أظن أحدا يموت من الجوع، الله يأتيه برزقه (وقال الشيخ: لا يجب) تقديم السؤال (ولا يأثم) بعدمه (وأنه ظاهر المذهب) لظاهر نقل الأثرم. (وإن وجد) المضطر (من يطعمه ويسقيه لم يحل له الامتناع) لأنه إلقاء بنفسه إلى الهلاك (و) لا (العدول إلى الميتة) لأنه غير مضطر إليها (إلا أن يخاف أن يسمه فيه) أي في الطعام، (أو
248 يكون الطعام مما يضره ويخاف أن يهلكه، أو يمرضه) فيمتنع منه ويعدل إلى الميتة لاضطراره إليها. (وإن وجد طعاما مع صاحبه وميتة وامتنع) رب الطعام (من بذله) للمضطر (أو بيعه منه ووجد) المضطر (ثمنه لم يجز له) أي المضطر (مكابرته) أي رب الطعام (عليه وأخذه منه) لعدم احتياجه إليه بالميتة (ويعدل) المضطر (إلى الميتة سواء كان) المضطر (ثوبا يخاف من مكابرته التلف أو لم يخف) التلف (وإن بذله) أي الطعام ربه (له) أي المضطر (بثمن مثله وقدر) المضطر (على الثمن لم يحل له أكل الميتة) لاستغنائه عنها بالمباح (وإن بذله) أي الطعام ربه (بزيادة لا تجحف أي لا تكثر لزمه شراؤه) كالرقبة في الكفارة لنذره ذلك بخلاف ماء الوضوء (وإن كان المضطر عاجزا عن الثمن فهو في حكم العادم) لما يشتريه فتحل له الميتة، (وإن امتنع) رب الطعام (من بذله) للمضطر (إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه المضطر بذلك) كراهة أن يجري بينهما دم أو عجزا عن قتاله (لم يلزمه) أي المضطر أكثر من مثله لأنه وجب على ربه بذله بقيمته فلا يستحق أكثر منها فإن أحد أكثر (رده وإلا سقط (وليس للمضطر في سفر المعصية كقاطع الطريق و) القن (الآبق الاكل من الميتة ونحوها) من المحرمات. لقوله تعالى: * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) *. (إلا أن يتوب) من المعصية فيأكل من المحرم، لأنه صار بالتوبة من أهل الرخصة (وإن وجد طعاما جهل مالكه وميتة) أكل من الميتة إن أمكن رد الطعام إلى ربه بعينه لأن حق الله مبني على المسامحة والمساهلة. بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على الشح والضيق وحقه يلزمه غرامته بخلاف حق الله وفي الفنون. قال حنبل: الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذا. فإن تعذر رده إلى ربه بعينه كالمغصوب والإناءات التي لا يعرف مالكها قدم أكلها على الميتة على ما ذكره في الاختيارات (أو وجد) المضطر (صيدا حيا وهو محرم وميتة أكل الميتة) لأن ذبح الصيد جناية لا تجوز له حال الاحرام، (وإن وجد) المضطر (صيدا وطعاما جهل مالكه بلا ميتة
249 وهو) أي المضطر (محرم أكل الطعام) لاضطراره إليه وفيه جناية واحدة، (وإن وجد) المضطر لحم صيد (ذبحه محرم وميتة أكل لحم الصيد. قاله القاضي) وجزم به في المنتهى. وقال في التنقيح: وهو أظهر. وقال أبو الخطاب يأكل من الميتة. انتهى. ووجه الأول تمييز الصيد الذي ذبحه محرم بالاختلاف في أنه مذكي مع أن كلا منهما جناية واحدة (ولو وجد بيض صيد سليما وميتة، فظاهر كلام القاضي: يأكل الميتة ولا يكسره) لأن كسره جناية لا تجوز له حال الاحرام. وجزم به في المنتهى (وإن لم يجد) المحرم المضطر (إلا صيدا ذبحه وكان ذكيا طاهرا وليس بنجس ولا ميتة في حقه) لاباحته له إذن (ويتعين عليه ذبحه في محل الذبح) وهو الحلقوم والمرئ (وتعتبر شروط الذكاة فيه) كسائر ما يذكى (وله الشبع منه) لأنه ذكي لا ميتة (ولا يجوز) له (قتله) إذن مع تمكنه من ذكاته كالأهلي المأكول، وهو ميتة في حق غيره فلا يباح إلا لمن تباح له الميتة. وتقدم في محظورات الاحرام. وكذا لو اضطر إلى صيد بالحرم (ولو اشتبهت ميتة بمذكاة ولم يجد غيرهما تحرى المضطر فيهما) أي اجتهد وأكل مما يغلب على ظنه أنها المذكاة للحاجة (وحرمتا على غيره) ممن ليس بمضطر، كما لو اشتبهت أخته بأجنبيات (ولو وجد) المضطر (ميتتين مختلف في أحدهما) فقط (أكلها دون المجمع عليها) لأن المختلف فيها مباحة على قول بعض المسلمين. فإذا وجدها كان واحدا للمباح على ذلك، القول فتحرم عليه الأخرى. ولأنها أخف (وإن لم يجد) المضطر (شيئا) مباحا ولا محرما (لم يبح له أكل بعض أعضائه) لأنه يتلفه لتحصيل ما هو موهوم، (ومن لم يجد إلا طعاما) لم يبذله مالكه (أو) لم يجد إلا (ما لم يبذله مالكه فإن كان صاحبه مضطرا إليه ولو في المستقبل) بأن كان خائفا أن يضطر (فهو) أي صاحبه (أحق به) لأنه ساواه في الضرورة وانفرد بالملك أشبه غير حالة الاضطرار (إلا النبي (ص) فكان له أخذ الماء من العطشان ويلزم كل أحد أن يقيه) (ص) (بنفسه
250 وماله وله) (ص) (طلبه) أي الماء من العطشان ونحوه. لقوله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) *. (وليس للمضطر الايثار بالطعام الذي معه في حال اضطراره) لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *. (ولا يجوز لاحد أن يأخذ من المضطر طعامه المضطر إليه فإن أخذه فمات) صاحبه جوعا (لزمه) أي الآخذ (ضمانه) لأنه قتله ظلما (وإن لم يكن صاحبه مضطرا إليه لزمه بذله) للمضطر (بقيمته) لأنه يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم فلزمه بذله كما يلزمه بذل منافعه في تخليصه من الغرق. (فإن أبى) رب الطعام بذله (أخذه) المضطر (بالأسهل من شراء أو استرضاء ولا يجوز قتاله) حيث أمكن أخذه بدونه لعدم الحاجة إليه كدفع الصائل (فإن أبى) رب الطعام بذله بالأسهل (أخذه) المضطر (قهرا) لأنه يستحقه دون مالكه ويعطيه المضطر (عوضه) أي مثله أو قيمته لئلا يجتمع على مالكه فوات العين والمالية، (فإن منعه) أي منع رب الطعام المضطر من أخذه (فله قتاله على ما يسد رمقه) لأنه منعه من الواجب عليه أشبه مانعي الزكاة (فإن قتل صاحب الطعام لم يجب ضمانه) لأنه ظالم بقتاله أشبه الصائل (وإن قتل المضطر فعليه) أي صاحب الطعام (ضمانه) لأنه قتله ظلما (ويلزمه) أي المضطر (عوضه) أي الطعام (في كل موضع أخذه) لما تقدم، (فإن لم يكن) العوض (معه) أي المضطر (في الحال) بأن كان معسرا (لزمه) العوض (في ذمته) إذا أيسر للضرورة (فإن بادر صاحب الطعام فباعه أو رهنه) ونحوه (قبل الطلب صح) تصرفه لأنه مالك تام الملك كالشفيع قبل الطلب (ويستحق) المضطر (أخذه من المرتهن والمشتري) كالمالك الأول (و) إن كان تصرفه (بعد الطلب لا يصح البيع في الأظهر. قاله في القواعد) قال: كما لو طالب الشفيع قال: وقد يفرق بأن الشفيع حقه منحصر في عين الشقص وهذا حقه في سد الرمق. ولهذا كان إطعامه فرضا على الكفاية. فإذا نقله إلى غيره تعلق الحق بذلك الغير ووجب البذل عليه. انتهى.
251 ولهذا أطلق أبو الخطاب في الانتصار: أنه يصح (ولو بذله) أي الطعام ربه للمضطر (بثمن مثله لزمه قبوله، ولو كان معسرا) ويعطيه ثمنه إذا أيسر، (ولو امتنع المالك) لطعام (من البيع) للمضطر (إلا بعقد ربا جاز) للمضطر (أخذه منه قهرا. في ظاهر كلام جماعة) لاطلاقهم تحريم الربا (فإن لم يقدر) المضطر (على قهره دخل) معه (في العقد) صورة كراهية أن يجري بينهما دم (وعزم على أن لا يتم عقد الربا) لقوله تعالى: * (وحرم الربا) *. ( فإن كان المبيع) الذي فيه الربا (نساء عزم) المضطر (على أن العوض الثابت في الذمة قرض) تخلصا من إتمام الربا (وقال الزركشي: قال بعض المتأخرين لو قيل: إن له) أي المضطر (أن يظهر صورة الربا ولا يقاتله) لئلا يجري بينهما دم (ويكون) المضطر (كالمكره) على محرم لدعاء ضرورته إليه، ولا يأثم (فيعطيه من عقد الربا صورته لا حقيقته لكان أقوى) تخلصا من القتال. لأنه ربما أدى إلى قتل أحدهما (فإن لم يجد) المضطر (إلا آدميا محقون الدم لم يبح قتله ولا إتلاف عضو منه مسلما كان) المحقون (أو كافرا) ذميا أو مستأمنا لأن المعصوم الحي مثل المضطر فلا يجوز له إبقاء نفسه بإتلاف مثله، (وإن كان) الآدمي (مباح الدم كالحربي والمرتد والزاني والمحصن) والقاتل في المحاربة (حل قتله وأكله) لأنه لا حرمة له فهو بمنزلة السباع، (وكذا) للمضطر أكله (بعد موته) لعدم حرمته (وإن وجد) المضطر آدميا (معصوما ميتا لم يبح أكله) لأنه كالحي في الحرمة. لقوله (ص) كسر عظم الميت ككسر عظم الحي. (ومن اضطر إلى نفع مثل الغير مع بقاء عينه) أي
252 المال (لدفع برد أو حر أو لاستقاء ماء ونحوه) كالمقدحة (وجب) على ربه (بذله) للمضطر إليه (مجانا) أي من غير عوض. لأن الله تعالى ذم على منعه مطلقا بقوله: * (ويمنعون الماعون) *. بخلاف الأعيان كما تقدم (وإذا اشتدت المخمصة في سنة مجاعة وأصابت الضرورة خلقا كثيرا وكان عند بعض الناس قدر كفايته وكفاية عياله لم يلزمه بذله للمضطرين وليس لهم)، أي المضطرين أخذه منه. لأن الضرر لا يزال بالضرر، (وإن لم يبق درهم مباح أكل عادته لا ماله عنه غنى كحلوى وفاكهة. قاله في النوادر) وجزم بمعناه في المنتهى وغيره في الغصب (وتقدم في الغصب والترياق) قد تبدل تاؤه دالا أو طاء (الذي فيه من لحوم الحيات أو) فيه شئ (من الخمر محرم) لأن الحية والخمر محرمات بخلاف الترياق الحالي منهما فإنه يباح (ولا يجوز التداوي بشئ محرم أو) بشئ (فيه محرم كألبان الأتن، ولحم شئ من المحرمات، ولا بشرب مسكر) لقوله (ص): لا تداووا بحرام وتقدم في الجنائز، وتقدم يجوز التداوي ببول إبل انتهى. فصل: (من مر بثمر على شجر) ببستان (أو) مر بثمر (ساقط تحته) أي الشجر (لا حائط عليه) أي الشجر (ولا ناظر) أي حافظ، (ولو) كان المار به (غير مسافر، ولا مضطر فله أن يأكل منه مجانا ولو لغير حاجة) إلى أكله (ولو) أكله (من غصونه من غير رميه بشئ ولا ضربه ولا صعود شجرة) لما روى أبو سعيد أن النبي (ص) قال: إذا أتيت حائط بستان فناد يا صاحب البستان فإن أجابك وإلا
253 فكل من غير أن تفسد. رواه أحمد وابن ماجة ورجاله ثقات، قال في المبدع: وروى سعيد بإسناده عن الحسن عن سمرة نحوه مرفوعا، وفعله أنس وعبد الرحمن بن سمرة وأبو برزة وهو قول عمر وابن عباس، وعلم منه أنه لا يجوز له رميه بشئ ولا ضربه به ولا صعود شجر لأنه يفسده (واستحب جماعة) منهم صاحب الترغيب (أن ينادي) المار (قبل الاكل ثلاثا يا صاحب البستان فإن أجابه وإلا أكل للخبر) السابق (وكذا ينادي للماشية) إذا أراد الشرب من لبنها (ونحوها) كزرع قائم قياسا على الثمرة (ولا يحمل) من الثمرة إذا مر بها ولو بلا حائط ولا ناطور لقول عمر: يأكل ولا يتخذ خبنة. وهي بضم الخاء المعجمة ما يحمله في حضنه (ولا يأكل من) ثمر (مجموع) و (مجنى) لاحترازه (ولا) يأكل من ثمر (ما وراء حائط) أو عليه ناطور لأن إحرازه بذلك يدل على شح صاحبه و (إلا لضرورة) بأن يكون مضطرا فيأكل للضرورة (ملتزما عوضه) لربه كغير الثمر (وكثمر زرع قائم كبر يؤكل فريكا عادة) لأن العادة جارية بأكله رطبا أشبه الثمر (وباقلا وحمص أخضرين ونحوهما مما يؤكل رطبا عادة) لما سبق (ولبن ماشية إذا لم يجد صاحبها فهي كالثمرة) لما روى الحسن عن سمرة مرفوعا قال: إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، وإن لم يجد أحدا فليحتلب وليشرب ولا يحمل. رواه الترمذي وصححه، وقال: والعمل عليه عند بعض أهل العلم وحديث ابن عمر مرفوعا: لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بأذنه متفق عليه. يحتمل حمله على ما إذا كان عليها حائط أو حافظ جمعا بين الخبرين (بخلاف شعير ونحوه) مما لم تجر العادة بأكله رطبا فلا يجوز الاكل منه لعدم الاذن فيه شرعا وعادة (والأولى في الثمار وغيرها) كالزرع ولبن الماشية (أن لا يأكل منها إلا بإذن) خروجا من الخلاف (ولا بأس بأكل جبن المجوس، وغيرهم من الكفار، ولو كانت أنفحته من ذبائحهم
254 وكذا الدروز والتيامنة والنصيرية) جيل من الناس يتزوجون محارمهم ويفعلون كثيرا من البدع، سئل أحمد عن الجبن فقال: يؤكل من كل أحد فقيل له عن الجبن الذي يصنعه المجوس، فقال: ما أدري وذكر أن أصح حديث فيه حديث عمر: أنه سئل عن الجبن وقيل له يعمل فيه إنفحة الميتة قال: سموا اسم الله وكلوا. (ولا يجوز أن يشترى الجوز والبيض الذي اكتسب من القمار لأنهم يأخذونه بغير حق) فلا يملكونه. وكذا كل ما أخذ بالقمار. فصل أول من أضاف الضيف إبراهيم عليه السلام قاله في الحاشية و (يجب على المسلم ضيافة المسلم المسافر المجتاز إذا نزل به في القرى) لما روى المقداد بن أبي كريمة أن النبي (ص) قال: ليلة الضيف واجبة على كل مسلم، فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء ترك رواه سعيد وأبو داود وإسناده ثقات وصححه في الشرح وروى أحمد وأبو داود: فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه وفي حديث عقبة: فإن لم يفعلوا فلهم حق الضيف الذي ينبغي لهم. متفق عليه. و (لا) تجب الضيافة في (الأمصار) لأنه يكون فيها السوق والمساجد فلا يحتاج مع ذلك إلى الضيافة بخلاف القرى فإنه يبعد فيها البيع والشراء فوجبت ضيافة المجتاز إذا نزل بها وإيواؤه لوجوب حفظ الناس (مجانا) فلا يلزم الضيف عوض الضيافة (يوما وليلة) لما روى أبو شريح الخزاعي مرفوعا قال: الضيافة ثلاثة أيام وجائزة يوم وليلة. متفق عليه. والضيافة (قدر كفايته مع أدم وفي
255 الواضح لفرسه تبن لا شعير). قال في الفروع: ويتوجه وجه كأدمه. وأوجب شيخنا المعروف عادة، قال: كزوجة وقريب ورقيق (ولا تجب) الضيافة (للذمي إذا اجتاز بالمسلم) لأنه لا يساوي المسلم في وجوب الاكرام (فإن أبى) المنزول به ضيافة المسلم (فللضيف طلبه به) أي بنحو ضيافته (عند حاكم) لوجوبه عليه كالزوجة (فإن تعذر) على الضيف أن يحاكمه (جاز له الاخذ من ماله بقدر ضيافته) الواجبة (بغير إذنه) لما تقدم (وتسن ضيافته ثلاثة أيام) لحديث أبي شريح الخزاعي. (والمراد يومان مع اليوم الأول فما زاد على ثلاثة فهو صدقة) لحديث أبي شريح الخزاعي يرفعه قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا: وما جائزته يا رسوا الله؟ قال: يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام ما زاد على ذلك فهو صدقة لا يحل له أن يثوى عنده حتى يؤثمه قيل: يا رسوا الله كيف يؤثمه؟ قال: يقيم عنده وليس عنده شئ يقربه به. متفق عليه. (ولا يجب عليه إنزاله) أي الضيف (في بيته) لما فيه من الحرج والمشقة (إلا أن لا يجد) الضيف (مسجدا أو رباطا ونحوهما يبيت فيه ولا يخاف منه) ضررا فيلزمه إنزاله في بيته للضرورة (ومن قدم لضيفانه طعاما لم يجز لهم قسمه لأنه إباحة) لا تمليك (ويجوز للضيف الشرب من كوز صاحب البيت والاتكاء على وسادة) موضوعة لذلك (وقضاء حاجة في مرحاضه من غير استئذان باللفظ) لأنه مأذون فيه عرفا (كطرق بابه عليه وطرق حلقته) أي الباب (قال الشيخ: من امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي فمذموم مبتدع وما نقل عن) الامام (أحمد أنه امتنع من أكل البطيخ لعدم علمه بكيفية
256 أكل النبي (ص) له كذب) ذكره الشيخ تقي الدين وفي عمدة الصفوة في حل القهوة لشيخ شيخنا الجزيري نقلا عن تاريخ المقريزي المسمى بالمقفى: أن الشيخ أبا علي الحسن بن عيسى بن سراج الناسخ وكان من كبار أصحابه رأى النبي (ص) في المنام فقال: يا رسول الله كيف يؤكل البطيخ فقطع شقة وأكلها من جهة اليمين إلى نصفها ثم حولها إلى الجانب الآخر وأكلها حتى فرغت وقال: هكذا يؤكل البطيخ انتهى ومن المعلوم أن رؤيا المنام لا تثبت بها الاحكام ولكنه استئناس. باب الذكاة قال الزجاج: الذكاة تمام الشئ ومنه الذكاة في السن وهو تمام السن وسمي الذبح ذكاة لأنه إتمام الزهوق. وأصل ذلك قوله تعالى: * (إلا ما ذكيتم) *. أي أدركتموه وفيه حياة فأتممتموه ثم استعمل في الذبح سواء كان بعد جرح سابق أو ابتداء يقال: ذكي الشاة ونحوها تذكية أي ذبحها والاسم الذكاة فالمذبوح ذكي فعيل بمعنى مفعول، (وهي) أي الذكاة شرعا (ذبح) مقدور عليه (أو نحر مقدور عليه مباح أكله من حيوان يعيش في البر لا جراد ونحوه) كالجندب والدبايوزن عصا الجراد يتحرك قبل أن تثبت أجنحته (بقطع حلقوم ومرئ) ويأتي بيانهما (أو عقر إذا تعذر) قطع الحلقوم والمرئ (فلا يباح شئ من الحيوان المقدور عليه من الصيد والانعام والطير إلا بالذكاة إن كان مما يعيش في البر) لقوله تعالى: * (إلا ما ذكيتم) *. ولان الله تعالى حرم الميتة وهي ما زهقت نفسه بسبب غير مباح أوليس بمقصود وما لم يذك فهو ميتة فيحرم لذلك (إلا الجراد وشبهه) كالجندب فيحل (ولو مات بغير سبب من كبس وتغريق فأما السمك وشبهه) من حيوانات البحر (مما لا يعيش إلا في الماء فيباح بغير ذكاة سواء صاده إنسان، أو نبذه البحر، أو جزر الماء عنه أو حبس في الماء بحظيرة حتى يموت أو ذكاه أو عقره في الماء أو خارجه
257 أو طفا عليه) أي على الماء لعموم حديث ابن عمر مرفوعا قال: أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال. رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني (وما كان مأواه البحر وهو يعيش في البر ككلب الماء وغيره وسلحفاة وسرطان، ونحو ذلك لم يبح المقدور عليه منه إلا بالتذكية)، لأنه لما كان يعيش في البر ألحق بحيوان البر احتياطا قال أحمد: كلب الماء نذبحه ولا أرى بالسلحفاة بأسا إذا ذبح، أما السلحفاة البرية فنقل الدميري عن الرافعي أنه رجح التحريم لأنها خبيثة لأنها تأكل الحيات. ونقل عن ابن حزم أنه قال بحلها برية كانت أو بحرية (وذكاة السرطان أن يفعل به ما يموت به) بأن يعقر في أي موضع كان كملتوى عنقه (وكره) الامام (أحمد شي السمك الحي) لأن له دما ولا حاجة إلى إلقائه في النار لامكان تركه حتى يموت بسرعة، ولم يكره أكل السمك إذا ألقي في النار إنما كره تعذيبه، (لا) شي (جراد) حيا لأنه لا دم له ولا يموت في الحال بل يبقى مدة وفي مسند الشافعي: أن كعبا كان محرما فمرت به رجل جراد فنسي وأخذ جراد تين فألقاهما في النار وشواهما فذكر ذلك لعمر فلم ينكر عمر تركهما في النار (ويحرم بلع السمك حيا) ذكره ابن حزم إجماعا وفي المغني والشرح يكره (ويجوز أكل الجراد بما فيه و) أكل (السمك بما فيه بأن يقلى) الجراد أو السمك (أو يشوى ويؤكل من غير أن يشق جوفه) ويخرج ما فيه لعموم النص في إباحته وكدود الفاكهة تبعا. فصل (ويشترط للذكاة) ذبحا كانت أو نحرا (شروط) أربعة (أحدها أهلية الذابح) والناحر أو العاقر (وهو أن
258 يكون عاقلا قاصدا التذكية) لأن التذكية أمر يعتبر له الدين فيعتبر له العقل كالغسل فتصبح ذكاة العاقل (ولو) كان (مكرها) على ذبح ملكه أو ملك غيره لأن له قصدا صحيحا (أو أقلف وتكره ذبيحته) نقل حنبل عن الأقلف لا صلاة له ولا حج هي من تمام الاسلام ونقل الجماعة لا بأس قال في الشرح وعن أحمد لا تؤكل ذبيحة الأقلف روى عن ابن عباس. والصحيح إباحته فإنه مسلم أشبه سائر المسلمين (فلو وقعت الحديدة على حلق شاة فذبحتها) لم تبح (أو ضرب إنسانا بسيف فقطع عنق شاة لم تبح) الشاة لعدم قصد التذكية (ولا تعتبر) لصحة الذكاة (إرادة الاكل) اكتفاء بإرادة التذكية (مسلما كان الذابح أو كتابيا ولو حربيا أو من نصارى بني تغلب) لقوله تعالى: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * قال البخاري: قال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم. وروى سعيد بإسناد جيد عن ابن مسعود: قال لا تأكلوا من الذبائح إلا ما ذبح المسلمون وأهل الكتاب (ذكرا) كان الذابح (أو أنثى حرا أو عبدا) ولو آبقا (ولو جنبا وحائضا ونفساء وأعمى عدلا أو فاسقا) لعموم الأدلة وعدم المخصص (والمسلم بالذبح أولى من الكتابي) لكماله ولأنه أحوط (ولا تباح ذبيحة من أحد أبويه كافر غير كتابي) كولد مجوسية من كتابي فلا تحل ذبيحته تغليبا للتحريم (ولا) يباح (صيده غير سمك ونحوه) من حيوانات البحر والجراد ونحوه لحل ميتته (ولا ذكاة مجنون وسكران وطفل غير مميز) لأنه لا قصد لهم (وتباح) الذكاة (من مميز ولو دون عشر) سنين لأن له قصدا صحيحا أشبه البالغ (ولا) تباح (ذكاة مرتد وإن كانت ردته إلى دين أهل الكتاب ولا مجوسي، ولا وثني، ولا زنديق، وكذا الدروز
259 والتيامنة والنصيرية بالشام) لقوله تعالى: * (وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم) * فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار وإنما أخذت من المجوس الجزية لأن شبه الكتاب تقتضي التحريم لدمائهم فلما غلب التحريم في دمائهم وجب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم ذبائحهم ونسائهم احتياطا للتحريم في الموضعين، (ويؤكل من طعامهم) أي المرتدين والمجوس والوثني والزنديق والدروز والتيامنة والنصيرية (غير اللحم والرسم) أي الشحم والكوارع والرؤوس، ونحوها من أجزاء الذبيحة لأنها ميتة وكل أجزائها ميتة، (فلو ذبح من لا تحل ذبيحته) كالمجوسي (حيوانا لغيره بغير إذنه ضمنه بقيمته حيا) لأنه أتلفه عليه (و) إن كان ذبحه للحيوان (بإذنه) أي إذن مالكه (لا يضمن) لاذن ربه في إتلافه الشرط (الثاني: الآلة وهو) أي الذبح بآلة (أن يذبح بآلة محددة تقطع أو تخرق بحدها لا) إن قطعت أو خرقت (بثقلها من حديد كانت) الآلة (أو) من (حجر، أو خشب، أو قصب، أو عظم، أو غيره، إلا السن والظفر) فلا يصح الذكاة بهما (متصلين أو منفصلين) لحديث أبي رافع مرفوعا: ما أنهر الدم فكل ليس السن والظفر متفق عليه وعن كعب بن مالك عن أبيه أنه كانت لهم غنم ترعى سلع فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمها موتى فكسرت حجرا فذبحتها به فقال لهم: لا تأكلوا حتى أسأل رسول الله (ص) أو أرسل إليه فأمر من يسأله وأنه سأل النبي (ص) عن ذلك أو أرسل إليه فأمره أن يأكلها رواه أحمد والبخاري وفيه من الفوائد إباحة ذبيحة المرأة والأمة والحائض لأنه (ص) لم يستفصل والذبح بالحجر وذبح ما خيف عليه الموت وحل ما يذبحه غير مالكه بغير إذنه وإباحة ذبيحة الغير عند الخوف عليها (فإن ذبح بآلة مغصوبة أو) بآلة من (ذهب ونحوها) كفضة (حل) المذبوح لأن المقصود إنهار الدم وقد وحد (ويباح المغصوب لربه ولغيره إذا ذبحه غاصبه أو غيره سهوا أو عمدا، طوعا أو
260 كرها، ولو بغير إذن ربه) لما تقدم. الشرط (الثالث أن يقطع الحلقوم وهو مجرى النفس قال الشيخ: سواء كان القطع فوق) الغلصمة (وهو الموضع الثاني من الحلق أو) كان القطع دونها أي الغلصمة (وأن يقطع) المرئ (وهو البلعوم وهو مجرى الطعام والشراب) قال: والنحر في اللبة والحلق لمن قدر احتج به أحمد وروى سعيد والأثرم عن أبي هريرة قال: بعث النبي (ص) يزيد بن ورقاء يصيح في فجاج منى ألا إن الذكاة في الحلق واللبة رواه الدارقطني بإسناد جيد (فإن أبانهما) أي الحلقوم والمرئ (كان أكمل) للخروج من الخلاف (وإلا) أي وإن لم يبنهما (صح) الذبح وحل المذبوح قواه في الفروع (ولا يشترط قطع الودجين وهما عرقان محيطان بالحلقوم) لأنه قطع في محل الذبح ما لا يبقى الحيوان معه أشبه ما لو قطع الأربعة (والأولى قطعهما) أي الودجين خروجا من الخلاف وروى سعيد بإسناد حسن عن ابن عباس: إذا أهريق الدم وقطع الودج فكل (ولا يضر) ه (رفع يده) قبل الاتمام (إذا أتم الذكاة على الفور) واعتبر في الترغيب قطعا تاما فلو بقي من الحلقوم جلده ولم ينفذ القطع وانتهى الحيوان إلى حركة المذبوح ثم قطع الجلد لم يحل (ومحل الذكاة الحلق واللبة وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر) لما تقدم (فيذبح في الحلق وينحر في اللبة) واختص الذبح بالمحل المذكور لأنه مجمع العروق فيخرج بالذبح فيه الدماء السيالة ويسرع زهوق الروح فيكون أطيب اللحم وأخف على الحيوان (ويسن أن ينحر البعير ويذبح ما سواه) لأنه (ص): نحر البدن وذبح كبشين أملحين بيده. متفق عليه (فإن عكس) بأن ذبح البعير ونحر غيره (أجزأ) لقوله (ص): أنهر الدم بما شئت وقالت أسماء: نحرنا فرسا على عهد رسول الله (ص) فأكلناه ونحن بالمدينة وعن عائشة: نحر رسول
261 الله (ص) في حجة الوداع بقرة واحدة. (والنحر أن يطعنه بمحدد في لبته) وتقدمت (فإن عجز) المذكي (عن قطع الحلقوم والمرئ مثل أن يند البعير أو يتردى في بئر فلا يقدر) المذكي (على ذبحه صار كالصيد إذا جرحه في أي موضع أمكنه فقتله حل أكله) روى ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة لحديث رافع بن خديج قال: كنا مع النبي (ص) فند بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله فقال النبي (ص): إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به كذا. وفي لفظ فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا متفق عليه. (إلا أن يموت) المعجوز عن ذبحه (بغيره) أي بغير الجرح الذي جرحه (مثل أن يكون رأسه في الماء فلا يباح) أكله (ولو كان الجرح موحيا) لحصول قتله بمبيح وحاظر فيغلب جانب الحظر (كما لو جرحه مسلم ومجوسي) أو ذبحاها (وإن ذبحها من قفاها ولو عمدا فأتت السكين على موضع ذبحها) وهي الحلقوم والمرئ (وفيها حياة مستقرة أكلت) لأن الجرح في القفا وإن كان غائرا تبقى الحياة معه كأكيلة السبع إذا ذبحت وفيها حياة مستقرة (ويعلم ذلك) أي أن فيها حياة مستقرة (بوجود الحركة) بعد قطع الحلقوم والمرئ فهو دليل بقاء الحياة المستقرة قبله. (فإن ذبحها من قفاها وشك) ولم يعلم (هل) فيها (حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمرئ أولا نظر، فإن كان الغالب بقاء ذلك لحدة الآلة وسرعة القطع أبيح) أكله (وإن كانت) الآلة
262 (كآلة وأبطأ قطعه وطال تعذيبه) للحيوان (لم يبح) أكله لأنه مشكوك في وجود ما يحله، (ولو أبان الرأس) من الحيوان المأكول (بالذبح أو بسيف يريد بذلك الذبيحة أبيحت) مطلقا لان عليا قال فيمن ضرب رأس ثور بالسيف: تلك ذكاة وحية. وأفتى بأكلها عمران ابن حصين ولا مخالف لهما ولان ذلك قطع ما لا يعيش معه في محل الذبح فحلت (وكلما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة: وهي التي تخنق في حقلها والموقوذة وهي التي تضرب حتى تشرف على الموت، والمتردية: وهي الواقعة من علو، والنطيحة: وهي التي نطحتها دابة أخرى، وأكيلة السبع وهي التي أكل السبع بعضها، والمريضة، وما صيد بشبكة أو أحبولة أو فخ أو أنقذه من مهلكة فذكاه وفيه حياة مستقرة يمكن زيادتها على حركة المذبوح سواء انتهت) المنخنقة ونحوها (إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو يعيش حلت) قال الامام: (إن تحركت) الذبيحة (بيد أو رجل أو طرف عين أو مصع ذنب أي تحريكه ونحوه) قال في المحرر والوجيز وغيرهما وحكاه في الفروع قولا. وقال في الشرح والمبدع: والصحيح أنها إذا كانت تعيش زمانا يكون الموت بالذبح أسرع منه حلت بالذبح. وقال في المنتهى وشرحه: حل أكله ولو مع عدم تحركه بيد أو رجل أو طرف عين أو مصع ذنب ونحو ذلك في الأصح. وقال: والاحتياط أن لا يؤكل إلا مع تحرك ولو بيد أو رجل أو طرف عين أو مصع ذنب. (وسئل) الامام (أحمد عن شاة مريضة خافوا عليها الموت فذبحوها، فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها أو تحركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف فنهر الدم فقال) أحمد: (لا بأس).
263 قلت: مفهوم ما وقع جوابا لسائل ليس بحجة فلا يحصل غرضه بالاستدلال بذلك. (وإن لم يبق من حياتها) أي المنخنقة ونحوها (إلا مثل حركة المذبوح لم تبح) بالذكاة (لأنه لو ذبح ما ذبحه المجوس لم يبح) لأنه صار في حكم الميتة (وما قطع حلقومه أو أبينت حشوته ونحوه ف) - هو (في حكم الميتة) لأن وجود حياته مما لا يبقى معه حياة كعدمها. الشرط (الرابع قول بسم الله عند حركة يده) بالذبح أو النحر أو العقر (لا يقوم غيرها مقامها) كالتسبيح ونحوه لأن إطلاق التسمية إنما ينصرف إليها والأصل في اعتبار التسمية، قوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * وأنه لفسق، والفسق: الحرام وكان النبي (ص) إذا ذبح سمي، (وتجوز) التسمية (بغير العربية ولو مع القدرة عليها) أي على التسمية بالعربية لأن المقصودة ذكر الله وقد حصل بخلاف التكبير والسلام فإن المقصود لفظه (ويسن التكبير معها) أي مع التسمية (بقول: بسم الله والله أكبر) لما ثبت أنه (ص): كان إذا ذبح قال: بسم الله والله أكبر وكان ابن عمر يقوله ولا خلاف بأن قول بسم الله يجزئه (ولا تستجب الصلاة على النبي (ص) عليها) أي على الذبيحة لعدم وروده ولأنها لا تناسب المقام كزيادة الرحمن الرحيم (فإن كان) المذكي (أخرس أومأ برأسه إلى السماء ولو أشار إشارة تدل على التسمية وعلم ذلك) أي أنه أراد التسمية (كان) فعله (كافيا) لقيام إشارته مقام نطقه. قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه على إباحة ذبيحة الأخرس. (فإن ترك) المذكي (التسمية عمدا أو جهلا) منه باعتبارها (لم تبح) الذبيحة لقوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * (وإن ترك) التسمية (سهوا فإنها تباح) لحديث شداد بن سعد قال: قال رسول الله (ص): ذبيحة المسلم حلال وإن
264 لم يسم إذا لم يتعمد رواه سعيد. (ويشترط قصد التسمية على ما يذبحه فلو سمى على شاة وذبح غيرها بتلك التسمية لم تبح) الثانية سواء أرسل الأولى أو ذبحها لأنه لم يقصد الثانية بتلك التسمية، (وكذا لو رأى قطعيا فسمى وأخذ شاة) من القطيع (فذبحها بالتسمية الأولى) لم تبح لأنه لم يقصدها بالتسمية (ولو جهل عدم الاجزاء) فلا يعذر بالجهل كما لو أكل في الصوم جاهلا (وقال الموفق وجماعة) منهم الشارح: (تكون التسمية عند الذبح أو قرب منه فصل بالكلام أولا كالتسمية على الطهارة) لأن القريب كالمقارن (فلو أضجع شاة ليذبحها وسمى) لله (ثم ألقى السكين وأخذ سكينا أخرى أو رد سلاما أو كلم إنسانا أو استقى ماء ثم ذبح حل) إذا لم يطل الفصل لأنه سمى على تلك الشاة بعينها (ويضمن أجير ونحوه) كالمتطوع (ترك التسمية عمدا أو جهلا) لأنه أتلفها على ربها كما لو قتلها واختار في النوادر لغير شافعي يعني لحلها له قال في الفروع ويتوجه تضمينه النقص إن حلت وعلم منه إن تركها سهوا لا ضمان لحلها، (وإن ذبح الكتابي باسم المسيح أو غيره لم تبح) الذبيحة لقوله تعالى: * (وما أهل لغير الله به) * (وإذا لم يعلم أسمى الذبح أم لا؟ أو) لم يعلم (أذكر اسم غير الله أم لا؟ ف) (الذبيحة (حلال) لحديث عائشة قالوا: يا رسول الله إن قوما حديثو عهد بشرك يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله أم لم يذكروا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا رواه البخاري. (وتحصل ذكاة جنين مأكول خرج من بطن أمه بعد ذبحها بذكاة أمه إذا خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح) سواء (أشعر) أي نبت شعره (أو لم يشعر) روي عن علي وابن عمر لحديث جابر مرفوعا قال ذكاة الجنين ذكاة
265 أمه رواه أبو داود بإسناد جيد ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر وأبي هريرة ولأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة مثله من حديث أبي سعيد قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي (ص) وغيرهم ولان الجنين متصل بأمه اتصال خلقة يتغذى بغذائها فتكون ذكاته بذكاتها كأعضائها وقوله (ص): ذكاة أمه فيه الرفع والنصب فمن رفع جعله خبرا لمبتدأ محذوف، أي هي ذكاة أمه فلا يحتاج الجنين إلى ذكاة لكن قدره ابن مالك في رواية النصب ذكاة الجنين في ذكاة أمه وهو الموافق لرواية الرفع المشهورة. قلت: وكذا لو قدر بذكاة أمه (ويستحب ذبحه) أي الجنين (وإن كان ميتا ليخرج الدم الذي في جوفه وإن كان فيه) أي الجنين (حياة مستقرة لم يبح إلا ذبحه) أو نحره لأنه نفس أخرى وهو مستقل بحياته ولا يؤثر محرم الاكل كسمع في ذكاة أمه المباحة (ولو وجاء) أي ضرب (بطن أم جنين مسميا فأصاب مذبح الجنين) المباح (فهو مذكي والام ميتة) لفوات شرطها وهو قطع الحلقوم والمرئ مع القدرة على قطعهما فإن كانت نادة حلا. فصل (يسن توجيه الذبيحة إلى القبلة) لما روي أن النبي (ص) لما ضحى وجه أضحيته إلى القبلة وقال: * (وجهت وجهي) * الآيتين (و) يسن (كون المذبوح على شقه الأيسر ورفقه به وحمله على الآلة بقوة وإسراع القطع) لحديث شداد بن أوس: عن رسول الله (ص) إن الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته
266 وليرح ذبيحته رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، (ويكره) توجيه الذبيحة (إلى غير القبلة) كالاذان لأنه قد يكون قربة كالأضحية (و) يكره (آلة كآلة) لأنه تعذيب للحيوان (و) يكره (أن يحد السكين والحيوان يبصره أو يذبح شاة وأخرى تنظر إليه) لما روى ابن عمر: أن رسول الله (ص) أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم رواه أحمد وابن ماجة. (ويكره كسر عنق المذبوح) حتى تزهق نفسه (و) يكره (سلخه وقطع عضو منه ونتف ريشه حتى تزهق نفسه) لحديث أبي هريرة: بعث رسول الله (ص) بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أو رق يصيح في فجاج منى بكلمات منها: لا تعجلوا الأنفس إلى أن تزهق وأيام منى أيام أكل وشرب ويقال رواه الدارقطني. وكسر العنق إعجال لزهوق الروح في معناه السلخ ونحوه، (فإن فعل) أي كسر عنقه أو قطع عضوا منه ونحوه قبل زهوق نفسه (أساء وأكلت) لأن الذكاة تمت بالذبح فإن كان بعدها فهو غير معتبر (ويكره نفخ اللحم نصا. قال الموفق: مرادهم) أي الأصحاب اللحم (الذي للبيع لأنه غش) بخلاف ما يذبحه لنفسه وينفخه لسهولة السلخ (وإن ذبحه فغرق المذبوح في ماء) يقتله مثله (أو وطئ عليه شئ يقتله مثله لم يحل) لحديث عدي بن حاتم في الصيد وإن وقعت في الماء فلا تؤكل ولان ذلك سبب يعين على زهوق الروح فيحصل الزهوق من سبب مبيح ومحرم فيغلب التحريم. فإن كان مما لا يقتله مثله كطير الماء يقع فيه أو يطير وقع بالأرض لم يحرم (وعنه يحل اختياره الأكثر) وقدمها في الرعاية وذكره في الكافي والشرح أنها قول أكثر أصحابنا وهي قول أكثر الفقهاء لحصول ذبحه وحصول الأسباب المذكورة بعد الموت بالذبح فلم يؤثر ما أصابه لحصوله بعد الحكم بحله.
267 قلت: ويؤيده ما سبق في كسر عنقه. (وإن ذبح كتابي ما يحرم عليه يقينا لذي الظفر وهي الإبل والنعام والبط وما ليس بمشقوق الأصابع) لم يحرم علينا. لأن قصده لحله غير معتبر (أو) ذبح كتابي (ما زعم أنه يحرم عليه ولم يثبت عندنا تحريمه عليه كحال الرئة ونحوها أو يحرم علينا) لأنه من أهل الذكاة وذبح ما يحل لنا أشبه المسلم، (ومعناه) أي حال الرئة (أن اليهود إذا وجدوا الرئة لاصقة بالأضلاع، امتنعوا من أكلها زاعمين تحريمها ويسمونها اللازقة. وإن وجدوها غير لاصقة أكلوها. وإن ذبح) الكتابي (حيوانا غيره) أي غير ما يحرم عليه (مما يحل له لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم وهي شحم الثرب) بفتح الثاء المثلثة وسكون الراء (شحم رقيق يغشي الكرش والأمعاء وشحم الكليتين) واحدها كلوة وكلية بضم الكاف فيهما والجمع كليات وكلي (ولنا) معشر المسلمين (أن نتملكها) أي الشحوم المحرمة عليهم. (منهم بما ينقل الملك) من بيع أو نحوه. لما روى عبد الله بن المغفل قال: أصبت من الشحوم يوم خيبر فالتزمته فقلت: لا أعطي اليوم أحدا شيئا فالتفت فإذا رسول الله (ص) متبسما رواه مسلم. ولأنها ذكاة أباحت اللحم فأباحت الشحم كذكاة المسلم وكذبح حنفي حيوانا فتبين حاملا. وكذبح مالكي فرسا مسميا عليها (والأولى تركها) أي الشحوم المحرمة عليهم خروجا من خلاف من حرمه كأبي الحسن التميمي والقاضي (ولا يحل لمسلم) ولا لغيره (أن يطعمهم) أي اليهود (شحما من ذبحنا نصا لبقاء تحريمه عليهم) في ملتهم. لقوله تعالى: * (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) * الآية. وشرعنا وإن نسخ شرعهم كما تقدم. ولكن نعاملهم بأحكام ملتهم ما داموا عليها لقوله
268 تعالى: * (حتى يعطوا الجزية) * الآية. وتحل ذبيحتنا لهم مع اعتقادهم تحريمها (وإن ذبح) الكتابي (لعبده أو لكنيسته أو) ذبح (المجوسي لآلهته أو للزهرة أو للكواكب. فإن ذبحه مسلم مسميا فمباح) لأهلية المذكي، (وإن ذبحه الكتابي وسمى الله ولم يذكر غير اسمه حل) لأنه من جملة طعامهم فدخل في عموم الآية. ولأنه قصد الذكاة وهو ممن تحل ذبيحته (وكره) ذكره في الرعاية للخلاف (وعنه: يحرم واختاره الشيخ) لأنه أهل به لغير الله. والأول هو المعول عليه. لأنه روى عن العرباض بن سارية وأبي أمامة وأبي الدرداء وعلم مما سبق أنه إن ترك التسمية عمدا أو ذكر غير اسم لله معه أو منفردا لم يحل (ولا تؤكل المصبورة ولا المجثمة) لما روى سعيد بإسناده قال: نهى رسول لله (ص) عن المجثمة وعن أكلها وعن المصبورة وعن أكلها. (وهي) أي المجثمة (الطائر أو الأرنب يجعل غرضا يرمى) بالسهام (حتى يقتل) فلا يحل لعدم الذكاة (ولكن يذبح ثم يرموا إن شاؤوا. والمصبورة مثله إلا أن المجثمة لا تكون إلا في الطائر وإلا الأرنب وأشباهها. والمصبورة كل حيوان يحبس للقتل) أي يحبس ثم يرمى حتى يقتل، (ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا أو) وجد (سمكة في حوصلة طائر) أو في بطن سمكة، (أو) وجد (حبا في بعر جمل ونحوه) مما يؤكل (لم يحرم) لأنه طاهر وجد في محل طاهر. فلم يحرم، ولأنه لم يتغير أشبه ما لو وجده ملقي (وكره) خروجا من خلاف من حرمه، لأنه رجيع. (ويحرم بول وروث طاهران وتقدم أول) كتاب (الأطعمة) لأنه رجيع مستخبث (ويحل مذبوح منبوذ) أي ملقى (بموضع يحل ذبح أكثر أهله ولو جهلت تسمية الذابح) لأنه يتعذر الوقوف على كل ذبح وعملا بالظاهر. وتقدم حديث عائشة (وإسماعيل) بن إبراهيم على نبينا وعليهما الصلاة والسلام هو (الذبيح على الصحيح) لا إسحاق كما يدل عليه ظاهر الآية وتشهد به الاخبار.
269 كتاب الصيد (وهو) في الأصل (مصدر) صاد يصيد فهو صائد ثم أطلق (بمعنى المفعول) أي المصيد لتسميته للمفعول بالمصدر (وهو) أي الصيد بالمعنى المصدري (اقتناص حيوان حلالا متوحش طبعا غير مملوك ولا مقدور عليه) والصيد حيوان مقتنص حلال متوحش طبعا غير مملوك ولا مقدور عليه فخرج الحرام كالذئب والانسي كالإبل ولو توحشت، والمأكول والمقدور عليه لكسر شئ منه ونحوه. (وهو) أي الصيد (مباح لقاصده) إجماعا لقوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر) *. وقوله: * (قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين) * الآية. والسنة شهيرة بذلك منها حديث عدي بن حاتم وأبي ثعلبة. متفق عليه. (ويكره) الصيد (لهوا) لأنه عبث (إن كان فيه) أي الصيد (ظلم الناس بالعدوان على زروعهم وأموالهم ف) - هو (حرام) لان الوسائل لها أحكام المقاصد. (وهو) أي الصيد (أفضل مأكول) لأنه حلال لا شبهة فيه. (والزراعة أفضل مكتسب) لأنها أقرب إلى التوكيل من غيرها وأقرب للحل وفيها عمل اليد والنفع العام للآدمي والدواب ولا بد أن يؤكل عادة من الزرع بلا عوض (وقيل: عمل اليد). قال المروذي: سمعت أحمد وذكر المطاعم يفضل عمل اليد انتهى الحديث:
270 أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل مبيع مبرور رواه أحمد وغيره، ومعنى مبرور، لا غش فيه ولا خيانة. وروى البخاري عن المقدام مرفوعا: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده. (وقيل): أفضل المكاسب (التجارة) قال في الرعاية الكبرى: أفضل المعاش التجارة انتهى. ويؤيده ما سبق من حديث أحمد. وإن جعلت الكلام على معنى من أفضل فلا تعارض أو أنه يختلف باختلاف الاشخاص والأحوال. (وأفضلها) أي التجارة في (بز، وعطر، وزرع، وغرس، وماشية) لبعدها من الشبهة والكذب (وأبغضها) أي التجارة (في رقيق وصرف) للشبهة (ويسن التكسب، ومعرفة أحكامه حتى مع الكفاية التامة، قاله في الرعاية) لقوله تعالى: * (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) *. ويرشد إليه قوله (ص): كالطير تغدو خماصا وتعود بطانا. والاخذ في الأسباب من التوكل فلا يعتقد أن الرزق من الكسب بل من الله بواسطة. (وقال) صاحب الرعاية (أيضا فيها: يباح كسب الحلال لزيادة المال والجاه، والترفه والتنعم والتوسعة على العيال، مع سلامة الدين والعرض والمروءة وبراءة الذمة) لأنه لا مفسدة فيه إذن (ويجب) التكسب (على من لا قوت له ولا لمن تلزمه مؤنته) لحفظ نفسه. قلت: وكذا على من عليه دين واجب لأدائه (ويقدم الكسب لعياله على كل نفل) لأن الواجب مقدم على التطوع (ويكره تركه) أي التكسب (والاتكال على الناس، قال أحمد: لم أر مثل الغني عن الناس، وقال في قوم لا يعملون ويقولون: نحن متوكلون هؤلاء مبتدعة) لتعطيلهم الأسباب. وقال القاضي: الكسب الذي لا يقصد به التكاثر وإنما يقصد به التوسل إلى طاعة الله من صلة الاخوان، أو التعفف عن وجوه الناس فهو أفضل لما فيه من
271 منفعة غيره ومنفعة نفسه، وهو أفضل من التفرغ إلى طلب العبادة من الصلاة والصوم والحج وتعلم لعلم لما فيه من منافع الناس وخير الناس أنفعهم للناس، (وأفضل الصنائع خياطة وكل ما نصح فيه فهو حسن نصا). قال في الآداب الكبرى: يجب النصح في المعاملة وكذا في غيرها وترك الغش. (وأدناها) أي الصنائع (حياكة وحجامة وأشدها كراهة صبغ وصياغة، وحدادة، ونحوها ويكره كسبهم) للخبر في الحجامة وقياس الباقي عليها، لأنه في معناها (و) يكره (كسب الجزار لأنه يوجب قساوة قلبه و) يكره (كسب من يباشر النجاسات والفاصد والمزين والجرائحي والختان ونحوهم ممن صنعته دنيئة) لأن ذلك في معنى الحجامة (قال في الفروع والمراد مع إمكان أصلح منها، وقاله ابن عقيل) قال في الاختيارات: وإذا كان الرجل محتاجا إلى هذا الكسب ليس له ما يغنيه عنه إلا المسألة للناس فهو خير له من مسألة الناس كما قال بعض السلف: كسب فيه دناءة خير من مسألة الناس انتهى. قلت: وتقدم في الجهاد: أن الصنائع فرض كفاية فينبغي لكل ذي صناعة أن ينوي بها القيام بذلك الفرض طاعة ويثاب عليها لحديث: إنما الأعمال بالنيات. (ويستحب الغرس والحرث) أي الزرع (واتخاذ الغنم) للخبر (وإن رمى صيدا فأثبته) بأن صار غير ممتنع (ملكه) المثبت له لحيازته له (ثم إن رماه آخر فقتله، فإن كانت رمية الأول موحية بأن نحرته أو ذبحته أو وقعت في حلقومه أو قلبه وجراحة الثاني غير موحية) حل (أو أصاب) الثاني (مذبحه أو نحرته حل) لأنه ذكي (ولا ضمان على الثاني إلا ما نقصه من خرق جلده ونحوه) لأنه لم يتلف سوى ذلك المحل، (وإن كان) الجرح (الأول غير موح حرم) لأنه صار مقدورا عليه بإثبات الأول، فلم يبح إلا بذبحه ولم يوجد (و) يغرم الثاني (قيمته للأول مجروحا بالجرح الأول) لأنه أتلفه عليه كذلك حتى ولو أدرك الأول ذكاته فلم يذكه (إلا أن
272 تنحره رميته) أي الثاني (أو تذبحه أو يدرك) الصيد و (فيه حياة مستقرة فيذكي فيحل) لأنه ذكي، (وإن كان المرمي قنا أو شاة للغير ولم يوحياه) أي الجرحان (وسريا) إلى النفس (فعلى الثاني نصف قيمته) أي القن أو الشاة (مجروحا بالجرح الأول) اعتبارا بحال جنايته (ويكملها) أي القيمة حال كون القن المجروح أو الشاة (سليما) الجارح (الأول) لأنه وقت جنايته كان كذلك (وإن رميا) أي الصائد أن مع أهلية كل منهما وتسميته (الصيد معا فقتلاه كان) الصيد (حلالا) كما لو اشتركا في ذبحه (وملكاه بينهما) نصفين لاشتراكهما في إصابته سواء تساوى الجرحان أو تفاوتا، (فإن كان جرح أحدهما) أي الصائدين معا (موحيا و) الجرح (الآخر غير موح ولا يثبته) أي الصيد (مثله) أي مثل ذلك الجرح (فهو) أي المصيد (لصاحب الجرح الموحى) لانفراده بإثباته، (وإن أصاب أحدهما بعد صاحبه فوجداه ميتا ولم يعلم هل صار ب) - الجرح (الأول ممتنعا أو لا حل) لأن الأصل بقاء امتناعه (ويكون) ملكه (بينهما) لأن تخصيص أحدهما به ترجيح بلا مرجح (فإن قال كل منهما: أنا أثبته ثم قتلته أنت) فتضمنه (حرم) لاقرار كل منهما بتحريمه (ويتحالفان لأجل الضمان) لأن كلا منهما منكر لما يدعيه صاحبه والأصل براءة ذمة كل منهما للآخر، (وإن اتفقا على الأول منهما) أي على أن زيدا مثلا رماه أولا (فقال الأول: أنا أثبته، ثم قتله الآخر) فحرم وعليه ضمانه (وأنكر الثاني إثبات الأول له فالقول قول الثاني) لأنه الأصل (ويحرم) المصيد (على الأول) لاعترافه بتحريمه (والقول قول الثاني في عدم الاثبات) لأنه الأصل (مع يمينه) لاحتمال صدق الأول، (وإن علمت جراحة كل منهما) أي الأول والثاني بعينها (و) علم (أن جراحة الأول لا يبقى معها امتناع مثل كسر جناح الطائر أو) كسر (ساق الظبي فالقول قول الأول) أنه أثبته (بغير يمين) لأنه لا يحتمل غير ذلك (وإن علم أنه) أي جرح الأول (لا يزيل الامتناع
273 مثل خدش الجلد فقول الثاني) بغير يمين لما سبق (وإن احتمل) جراح الأول (الامرين) أي إزالة الامتناع وعدمها (فقوله): أي الثاني (نصا) بيمينه لأن الأصل عدم الامتناع (ولو رماه) صائد (فأثبته ثم رماه) ذلك الصائد (مرة أخرى فقتله حرم) لأنه صار مقدورا عليه بالمرة الأولى فلم يحل إلا بذبحه. قلت: فإن كانت الأولى موحية أو أصابت الثانية مذبحة حل كما لو كانت الرمية الثانية من صائد آخر كما تقدم. فصل وإن أدرك الصيد وفيه حياة غير مستقرة بل وجده (متحركا كحركة المذبوح فهو كالميتة لا يحتاج إلى ذكاة) لأن عقره ذكاة له فيحل بالشروط الأربعة الآتية (وكذا لو كان) الصيد (فيه حياة مستقرة فوق حركة المذبوح، ولكن لم يتسع الوقت لتذكيته) فيحل بالشروط الأربعة لأنه بعدم الاتساع لتذكيته غير مقدور على تذكيته فأشبه ما لو وجده ميتا (وإن اتسع الوقت لها) أي لتذكيته (لم يبح) الصيد (إلا بها) أي بتذكية لأنه مقدور عليه أشبه سائر ما قدر على ذكاته، (وإن خشي موته ولم يجد ما يذكيه) به (لم يبح أيضا) لأنه حيوان لا يباح بغير التذكية إذا كان معه آلة الذكاة فلم يبح بغير التذكية إذا لم تكن معه آلة الذكاة كسائر المقدور على تذكيته وقال القاضي وعامة أصحابنا. يحل بالارسال. قاله في التبصرة أي إرسال الصائد عليه ليقتله (ولو اصطاد بآلة مغصوبة) من فخ أو شبكة أو نحوها، (فالصيد لمالكها)، وكذا لو اصطاد على الفرس المغصوب وتقدم في الغصب (ولو امتنع الصيد على الصائد من الذبح بأن جعل يعدو منه
274 حتى مات تعبا حل) ذكره القاضي لأنه بامتناعه بالعدو صار غير مقدور على تذكيته أشبه ما لو وجده ميتا. واختار ابن عقيل: لا يحل لأن الأتعاب يعينه على الموت فصار كما لو وقع في ماء، (وإن أدرك الصيد ميتا حل) لأن الاصطياد أقيم مقام الذكاة، والجارح له آلة كالسكاكين وعقره بمنزلة قطع الأوداج (بشروط أربعة: أحدها أن يكون الصائد من أهل الذكاة) أي ممن تحل ذبيحته. لقوله (ص): فإن أخذ الكلب ذكاة. متفق عليه، والصائد بمنزلة المذكي فيشترط فيه الأهلية (ولو) كان الصائد (أعمى) خلافا لابن حمدان قال: إنه لا يحل لتعذر قصده صيدا معينا (وتقدمت شروطها) أي الذكاة في بابها (إلا ما لا يفتقر إلى ذكاة كحوت وجراد فيباح إذا صاده من لا تباح ذبيحته) من مجوسي ونحوه، لأنه لا ذكاة له أشبه ما لو وجد ميتا (فإن رمى مسلم) أو كتابي (أو غير كتابي) كمجوسي ووثني ودرزي (أو متولد بينه) أي بين غير كتابي (وبين كتابي) كولد مجوسية من كتابي (صيدا أو أرسلا عليه جارحا أو شارك كلب مجوسي كلب مسلم في قتله) أي الصيد (لم يحل) الصيد (سواء وقع سهامهما فيه دفعة واحدة أو) وقع فيه (سهم أحدهما قبل الآخر) لقوله (ص): إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل. وإن وجدت معه غيره فلا تأكل. وإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره. متفق عليه، ولأنه اجتمع في قتله مبيح ومحرم فغلبنا التحريم كالمتولد بين ما يؤكل وما لا يؤكل، ولان الأصل الحظر فإذا لم يعلم المبيح رد إلى أصله (لكن أثخنه كلب المسلم) أو الكتابي (ثم قتله) كلب (الآخر) أي المجوسي ونحوه (وفيه) أي الصيد (حياة مستقرة حرم) الصيد لعدم ذكاته (ويضمنه) أي المجوسي ونحوه (له) أي للمسلم لأنه أتلفه عليه (فإن أصاب سهم أحدهما مقتله دون الآخر مثل أن يكون الأول قد
275 عقره موحيا مثل أن ذبحه أو جعله في حكم المذبوح، ثم أصابه الثاني وهو) أي جرحه (غير موح فالحكم للأول فإن كان الأول المسلم أبيح) الصيد لأنه ذكي من أهل، وكذا لو كان كتابيا (وإن كان) الأول (المجوسي لم يبح) الصيد كذبيحته (وإن كان الجرح الثاني موحيا أيضا ف) - الصيد (مباح إن كان الأول مسلما) أو كتابيا مسميا (لأن الإباحة حصلت به) فلم يؤثر فعل الثاني (وإن كان الأول غير موح و) الجرح (الثاني موح. فالحكم الثاني في الحظر) إن كان الثاني مجوسيا أو نحوه (والإباحة) إن كان مسلما أو كتابيا مسميا لأن الإباحة حصلت به، (وإن رد كلب المجوسي على كلب المسلم فقتله) كلب المسلم (حل) الصيد لأن جارح المسلم انفرد بقتله فأبيح، كما لو رمى المجوسي سهمه فرد الصيد فأصابه سهم المسلم فقتله أو أمسك المجوسي شاة فذبحها، (وإن صاد المسلم بكلب المجوسي حل صيده) لأن الاعتبار بالصائد والكلب آلة أشبه ما لو صاده بقوسه وسهمه (وكره) في قول جماعة منهم جابر والحسن ومجاهد والنخعي والثوري، وقال في المبدع: وهو غير مكروه. ذكره أبو الخطاب وأبو الوفاء وابن الزاغوني (وعكسه) بأن صاد المجوسي بكلب المسلم أو نحوه (لا يحل) لعدم أهلية الصائد للذكاة، (وإن أرسل) المسلم أو الكتابي (كلبا فزجره المجوسي) أو نحوه (فزاد) عدوه (في عدوه حل صيده) لأن الصائد له هو المسلم أو الكتابي وهو من أهل الذكاة، (وعكسه) بأن أرسل المجوسي ونحوه كلبا فزجره المسلم (لم يحل) صيده لأن الصائد ليس من أهل الذكاة، إذ العبرة بالارسال (ولو وجد) المسلم أو الكتابي (مع كلبه كلبا آخر وجهل) المسلم أو الكتابي (حاله) أي الكلب الآخر (هل سمي عليه أم لا؟ وهل استرسل بنفسه أم لا؟ أو جهل حال مرسله هل هو من أهل الصيد) أي مسلم أو كتابي (أم لا؟ ولا يعلم أيهما) أي أي الكلبين (قتله أو علم أنهما) أي الكلبان (قتلاه
276 معا أو علم أن) الكلب (المجهول هو القاتل) للصيد وحده (لم يبح) الصيد لقوله (ص): وإن وجدت معه غيره فلا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره. متفق عليه. وتغليبا للحظر لأنه الأصل كما تقدم (وإن علم حال الكلب الذي وجده) المسلم أو الكتابي (مع كلبه و) علم (أن الشرائط المعتبرة قد وجدت فيه) بأن كان معلما وأرسله مسلم أو كتابي مسميا (حل) الصيد كما لو ذكاه معا. ولمفهوم الحديث السابق (ثم إن كان الكلبان فتلاه معا فهو) أي الصيد (لصاحبهما) أي صاحبي الكلبين، لأن تقديم أحدهما ترجيح بلا مرجح (وإن علم أن أحدهما قتله) وحده (فهو لصاحبه) أي صاحب الجارح الذي قتله لأنه الصائد له (وإن جهل الحال) فلم يعلم هل انفرد أحدهما أو اشتركا (حل أكله) لأهلية الصائدين (ثم إن كان الكلبان متعلقين به فهو) أي الصيد (بينهما) أي بين صاحبي الجارحين لأن الظاهر أن جارحيهما قتلاه (وإن كان أحدهما) أي أحد الكلبين (متعلقا به) وحده (فهو) أي الصيد (لصاحبه) أي صاحب الجارح المتعلق به لأن الظاهر أنه هو الذي قتله (وعلى من حكم له به اليمين) بطلب رفيقه لاحتمال أن يكون لصاحب الجارح الآخر أو له فيه شرك. (وإن كان الكلبان) واقفين (ناحية) عن الصيد (وقف الامر حتى يصطلحا) لأنه ليس أحدهما أولى به من الآخر (فإن خيف فساده) أي الصيد ببقائه على حاله (بيع) أي باعه الحاكم (واصطلحا على ثمنه) لتعذر القضاء به لواحد منهما (والاعتبار بأهلية الرامي) للسهم (وسائر الشروط) من كونه مسلما أو كتابيا. والتسمية (حال الرمي) للسهم (فإن) رماه وهو أهل ثم (ارتد) بعد رميه (أو مات بعد رميه، وقبل الإصابة حل) اعتبارا بحال الرمي وعكسه بأن رماه مرتدا أو مجوسيا ثم أسلم قبل الإصابة لم يحل.
277 فصل الشرط الثاني: الآلة وهي نوعان: أحدهما محددة فيشترط له) أي للمحدد (ما يشترط لآلة الزكاة) لان جرحه قائم مقام ذكاته فاعتبر له ما يعتبر في آلة الذكاة (ولا بد من جرحه) أي الصيد (به) أي بالمحدد، (فإن قتله بثقله لم يبح، كشبكة وفخ وبندقة وعصى وحجر لا حد له)، ولو شدخه أو حرقه أو قطع حلقومه ومريئه (فإن كان له) أي الحجر (حد كصوان فكمعراض) إن قتله بحده حل، إن قتله بعرضه لم يحل (وإن صاد بالمعراض وهو عود محدود ربما جعل في رأسه حديدة أكل ما قتل بحده دون عرضه) نص عليه لقوله (ص) لعدي بن حاتم: ما رميت بالمعراض فخرق فكله، وإن أصابه بعرضه فلا تأكله متفق عليه. وفي لفظ له رواه أحمد قال: قال رسول الله (ص): إذا رميت فسميت فخرقت فكل، وإن لم تخرق فلا تأكل من المعراض إلا ما ذكيت، ولا تأكل من البندق إلا ما ذكيت (وكذا سهم ورمح وحربة، وسيف، ونحوه) كسكين (يضرب به صفحا فيقتل فكله حرام) لما تقدم في المعراض لان القتل إذن يكون بثقله لا بحده (وكذا إن أصاب) السهم أو نحوه الصيد (بحده فلم يجرح) الصيد (وقتل) - ه (بثقله) فلا يحل كقتل المعراض بثقله لأن علة الحل الجرح وحيث لم يوجد لم يحل الصيد، (وإن نصب مناجل، أو) نصب (سكاكين) للصيد (وسمي عند نصبها فقتلت صيدا ولو بعد موت ناصبه أو ردته) اعتبارا بوقت النصب لأنه كالرمي (أبيح) الصيد (إن جرحه) المنصوب من سكين أو منجل. روي عن ابن عمر لأن النصب جرى
278 مجرى المباشرة في الضمان، فكذا في الإباحة، ولقوله (ص): كل ما ردت عليك يدك. ولأنه قتل الصيد بما له حد. جرت العادة بالصيد به أشبه ما لو رماه، وفارق ما إذا نصب سكينا فإن العادة لم تجر بالصيد بها. ذكره في المبدع: مع أن عبارة المنتهى من نصب منجلا أو سكينا. لكن عبارة المقنع بالجمع كالمصنف ولم يغيرها في التنقيح، ولا تعرض لهؤلاء في الانصاف (وإلا) أي وإن لم يجرحه ما نصبه من مناجل أو سكاكين (فلا) يباح الصيد لعدم الجرح (وإن قتل) الصيد (بسهم مسموم لم يبح) الصيد (إذا احتمل أن السم أعان على قتله) لأنه اجتمع مبيح ومحرم فغلب المحرم كسهم مسلم ومجوسي فيحرم ولو لم يغلب على الظن أن السم أعان على قتله حيث احتمل فإن لم يحتمل فلا (ولو رماه) أي الصيد (فوقع في ما يقتله مثله) لم يحل (أو تردى) من نحو جبل (ترديا يقتل مثله) لم يحل، (أو وطئ عليه شئ) بعد رميه (فقتله لم يحل) لأنه اجتمع فيه مبيح ومحرم أشبه المتولد بين مأكول وغيره. ولما روى عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله (ص) عن الصيد فقال: إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل فكل إلا أن تجده وقع في ماء فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك. متفق عليه، والمتردي من نحو جبل والموطوء عليه مثله في عدم العلم بالقاتل من السببين (ولو كان الجرح موحيا) لظاهر ما سبق، (وإن وقع) الصيد (في ماء ورأسه) أي الصيد (خارجه) أي الماء فمباح، (أو كان) الصيد (من طير الماء) فمباح (أو كان التردي لا يقتل مثل ذلك الحيوان فمباح). قال في المبدع: لا خلاف في إباحته لأن التردي والوقوع إنما حرم خشية أن يكون قاتلا أو معينا على القتل، وهذا منتف هنا. (وإن رمى طيرا في الهواء أو على شجرة أو جبل فوقع) طيرا (إلى الأرض فمات حل لأن سقوطه بالإصابة) والظاهر زهوق روحه بالرمي لا بالوقوع، ولان وقوعه إلى الأرض لا
279 بد منه، فلو حرم به لأدى إلى أن لا يحل طير أبدا، (وإن رمى صيدا ولو) كان الرامي (ليلا فجرحه ولو غير موح فغاب عن عينه ثم وجده ميتا ولو بعد يومه) أي الذي رماه فيه (وسهمه فقط فيه) حل (أو أثره) أي السهم بالصيد (ولا أثر به غيره حل) لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا أتى النبي (ص) فقال: يا رسول الله أفتني في سهمي؟ قال: ما رد عليك سهمك فكل قال: فإن تغيب عني؟ قال: وإن تغيب عنك ما لم تجد فيه غير سهمك. رواه أبو داود: ولان جرحه بسهمه سبب إباحته وقد وجد يقينا، والمعارض له مشكوك فيه كما لو وجد بفم كلبه أو هو يعبث به، (وإن وجد به سهما) غير سهمه لم يحل (أو) وجد به (أثر سهم غير سهمه) لم يحل (أو شك في سهمه) إن لم يتيقن أن الذي بالصيد سهمه لم يحل (أو) شك (في قتله) أي الصيد أي بسهمه لم يحل (أو أكل منه سبع يصلح أن يكون) أكله منه (قتله لم يحل) للخبر السابق وكما لو وجد مع كلبه كلبا سواه، (وإن كان الأثر مما لا يقتل مثله) أي مثل ذلك الصيد (مثل أكل حيوان ضعيف كسنور، وثعلب من حيوان قوي أو تهشم من وقعته فمباح) لأنه معلوم أن هذا لم يقتله (ولو أرسل عليه) أي الصيد (كلبه فعقره فغاب) ثم وجده ميتا (أو غاب) الصيد (قبل عقره ثم وجد ميتا والكلب وحده أو) وجد (الصيد بفمه أو) وهو (يعبث به أو عليه حل) الصيد لأن وجوده بهذه الحالة وعدم أثر ذلك فيه يغلب على الظن أن الموت حصل بجارحه فحل كما لو لم يغب عنه. قال في الفروع: وإن غاب قبل عقره ثم وجد سهمه أو كلبه عليه ففي المنتخب أنها كذلك وهو معنى المغني وغيره. قال في المنتخب: وعنه يحرم وذكرها في الفصول كما لو وجد كلبه أو السهم ناحية كذا قال وتبعه في المحرر وفيه نظر على ما ذكر هو وغيره من
280 التسوية بينهما وبين التي قبلها على الخلاف وظاهر رواية الأثرم وحنبل كله وهو معنى ما جزم به في الروضة (وتقدم قريبا لو وجد مع كلبه كلبا آخر وإن رمى صيدا أو ضرب صيدا فأبان بعضه ولو بنصب مناجل ونحوها) كسكاكين (فإن قطعه قطعتين متساويتين، أو متقاربتين، أو قطع رأسه حل) الجميع (فإن أبان منه عضوا غير الرأس ولم يبق فيه حياة مستقرة وكانت البينونة والموت معا أو) كان موته (بعده) أي بعد أن أبان منه العضو (بقليل أكل) هو (وما أبين منه) قال أحمد: إنما حديث النبي (ص): ما قطعت من الحي ميتة. إذا قطعت وهي حية تمشي وتذهب أما إذا كانت البينونة والموت جميعا أو بعده بقليل إذا كان في علاج الموت فلا بأس به ألا ترى الذي ذبح ربما مكث ساعة، وربما مشى حتى يموت ولان ما كان ذكاة لبعض الحيوان كان ذكاة لجميعه كما لو قد الصائد الصيد نصفين، والخبر يقتضي أن يكون الباقي حيا حتى يكون المنفصل منه ميتا (وإن كانت) حياته (مستقرة فالمبان) منه (حرام سواء بقي الحيوان حيا أو أدركه) أحد (فذكاه أو رماه) الصائد (بسهم آخر فقتله) لقوله (ص): ما أبين من حي فهو ميت (وإن بقي) العضو (متعلقا بجلده حل) العضو (بحله) أي الحيوان (لأنه) أي العضو (لم يبن) أي لم ينفصل فهو كسائر أجزائه، (وإن أخذ قطعة من حوت وأفلت) الحوت (حيا أبيح ما أخذ منه) لأن أقصى حاله أن يكون ميتة وميتة الحوت ونحوه طاهرة (وتحل الطريدة وهي الصيد يقع بين القوم لا يقدرون على ذكاته فيقطع ذامته بسيفه قطعة ويقطع الآخر أيضا) قطعة (حتى يؤتى عليه) أي الصيد (وهو حي) قال الحسن: لا بأس بالطريدة كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم وما زال الناس يفعلونه في مغازيهم واستحسنه أبو عبد الله أحمد (وكذا الناد) من الإبل ونحوها إذا توحشت ولم يقدر على تذكيتها.
281 فصل: (النوع الثاني) من نوعي الآلة (الجارحة فيباح ما قتلته) الجارحة (إذا كانت معلمة) لقوله تعالى: * (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) *. قال ابن عباس: الكلاب المعلمة وكل طير تعلم الصيد والفهود والصقور وأشباهها والجارح لغة الكاسب. قال تعالى: * (ويعلم ما جرحتم بالنهار) *. أي كسبتم ومكلبين من التكلب وهو الاغراء (إلا الكلب الأسود والبهيم الأسود وهو ما لا بياض فيه) قال ثعلب وإبراهيم الحربي كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم قيل لهما: من كل لون؟ قالا: نعم (أو) كان أسود (بين عينيه نكتتان) في إحدى الروايتين قال في الآداب الكبرى وهو الصحيح وجزم به في المغني والشرح. (كما اقتضاه الحديث الصحيح) أي حديث جابر مرفوعا: عليكم بالأسود البهيم ذي الطفيتين فإنه شيطان رواه مسلم والطفية خوص المقل مشبه الخطين الأبيضين منه بالخوصتين (فيحرم صيده) أي الكلب الأسود البهيم: لأنه (ص) أمر بقتله كما تقدم وقال: إنه شيطان رواه مسلم (ك - صيد (غير المعلم) من الكلاب أو غيرها (إلا أن يدركه في الحياة فيذكى) فيحل لأنه ذكي (ويحرم اقتناؤه) أي الكلب الأسود البهيم، (وتعليمه) الصيد لامره (ص) بقتله كما تقدم (ويسن قتله) أي الكلب الأسود البهيم (ولو كان معلما) لامره (ص) بقتله وذكر الأكثر يباح قتله وجزم به في المنتهى نقل موسى بن سعد لا بأس به (وكذا الخنزير) أي يسن أو يباح قتله نقل أبو طالب لا بأس به (ويحرم الانتفاع به) أي الخنزير قال في الفروع: قال الأصحاب يحرم
282 اقتناء الخنزير والانتفاع به وتقدم في باب الآنية حكم الخرز بشعره (ويجب قتل كلب عقور ولو كان معلما) ليدفع شره عن الناس ودعوى نسخ القتل مطلقا إلا المؤذي دعوى بلا برهان. قال الأزهري: الكلب العقور وهو كل ما يجرح ويفترس من أسد وفهد وذئب ونمر والجمع عقر مثل رسول ورسل قال في الحاشية (ويحرم اقتناؤه) أي الكلب العقور لأذاه (ولا تقتل كلبة عقرت من قرب ولدها أو خرقت ثوبه) لأن ذلك ليس عادة لها (بل تنقل) بعيدا عن مرور الناس دفعا لشرها (وتقدم آخر حد المحاربين ولا يباح قتل الكلاب غير ما تقدم) أي غير الكلب العقور والأسود والبهيم لمفهوم تقييد الامر بالقتل بالأسود البهيم، (ويباح اقتناؤها) أي الكلاب غير الأسود البهيم والعقور (للصيد والماشية، والحرث وتقدم) ذلك (في كتاب البيع) والوصية وغيرهما. قال في الآداب: فإن اقتنى كلب الصيد من لا يصيد به احتمل الجواز والمنع وهكذا الاحتمالان فيمن اقتنى كلبا ليحفظ له حرثا أو ماشية إن حصلت أو يصيد به إن احتاج إلى الصيد (والجوارح نوعان أحدهما ما يصيد بنابه كالكلب، والفهد وكل ما أمكن الاصطياد به) قال في المذهب والترغيب: والنمر (وتعليمه بثلاثة أشياء أن يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا زجر لا في حال مشاهدته الصيد وإذا أمسك لم يأكل) لقوله (ص): فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه. متفق عليه. ولان العادة في المعلم ترك الأكل فكان شرطا كالانزجار إذا زجر قال في المغني: لا أحسب هذه الخصال تعتبر في غير الكلب فإنه الذي يجيب صاحبه إذا دعاه وينزجر إذا زجر والفهد لا يكاد يجيب داعيا وإن عد متعلما فيكون التعليم في حقه بترك الاكل خاصة أو بما يعده أهل العرف متعلما (ولا يعتبر تكراره) أي ترك الأكل (بل يحصل) تعليمه (ب) - ترك الأكل (مرة) لأنه تعلم صنعة أشبه سائر الصنائع (فإن أكل بعد تعليمه لم يحرم ما تقدم من صيده) لعموم الآية والاخبار ولأنه قد
283 وجد مع اجتماع شروط التعليم فيه فلا يحرم بالاحتمال (ولم يبح ما أكل منه) لقوله (ص): فإن أكل فلا تأكل (ولم يخرج) بالاكل (عن كونه معلما فيباح ما صاده بعد الصيد الذي أكل منه) لأننا تحققنا بذلك أنه لم يأكل منه لعدم تعليمه بل لجوع ونحوه، (وإن شرب) الكلب ونحوه، (دمه ولم يأكل منه لم يحرم) لأنه لم يأكل منه (ويجب غسل ما أصابه فم الكلب) لأنه موضع أصابته نجاسته فوجب غسله كغيره من الثياب والأواني (و) النوع (الثاني) من الجوارح (ذو المخلب) بكسر الميم (كالبازي، والصقر، والعقاب، والشاهين، ونحوها، فتعليمه بأن يسترسل إذا أرسل ويرجع إذا دعي ولا يعتبر ترك الأكل) لقول ابن عباس: إذا أكل الكلب فلا تأكل وإن أكل الصقر فكل. ورآه الخلال ولان تعليمه بالاكل ويتعذر تعليمه بدونه فلم يقدح في تعليمه بخلاف الكلب (ولا بد أن يجرح) ذو المخلب (الصيد فإن قتله بعد رميه أو خنقه فلم يبح) لأنه قتل بغير جرح أشبه ملو قتل بالحجر والبندق. فصل: (الشرط الثالث: إرسال الآلة قاصدا الصيد، فلو سقط السيف من يده فعقره لم يحل، وإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه) فقتل صيدا لم يحل لقوله (ص): إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل. متفق عليه ولان إرسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح ولذلك اعتبرت التسمية معه (أو أرسله) أي الجارح (ولم يسم) عند إرساله (لم يصح صيده) للخبر (فإن
284 زجره ولم يزد عدوه فكذلك) أي يحل صيده لأن الزجر لم يزد شيئا عن استرسال الصائد بنفسه، (وإن زجره فوقف ثم أشلاه) أي أرسله (وسمى) عند إرساله (أو سمى وزجره ولم يقف لكنه زاد في عدوه بأشلائه حل صيده لأنه بمنزلة إرساله) لأن زجره له أثر في عدوه لان فعل الآدمي إذا انضاف إلى فعل البهيمة كان الاعتبار لفعل الآدمي (وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف فقتل صيدا) لم يحل (أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا) لم يحل (أو قصد إنسانا أو حجرا أو رمى عبثا غير قاصد صيدا) فأصاب صيدا لم يحل (أو رمى حجرا يظنه صيدا أو شك فيه أو غلب على ظنه أنه ليس بصيد أو ظنه آدميا أو بهيمة فأصاب صيدا لم يحل) لأن قصد الصيد شرط ولم يوجد (وإن رمى صيدا فأصاب غيره أو رمى صيدا فقتل جماعة) حل الجميع لعموم الآية والخبر ولأنه أرسله على صيد فحل ما صاده (أو أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتله ولولاها ما وصل) السهم حل لأن قتله بسهمه ورميه أشبه ما لو وقع سهمه على حجر فرده على الصيد فقتله ولان الارسال له حكم الحل والريح لا يمكن الاحتراز عنها فسقط اعتبارها (أو وقع سهمه في حجر فرده) الحجر (على الصيد فقتله حل الجميع) لعدم إمكان التحرز من ذلك (والجارح بمنزلة السهم) فلو أرسله على صيد فأصاب غيره أو على صيد فصاد عددا حل الجميع (فإن رمى صيدا فأثبته ملكه) لأنه أزال امتناعه أشبه ما لو قتله (فإن تحامل) الصيد بعد إثباته (ومشى غير ممتنع فأخذه غيره) أي غير مثبته (لزمه رده) إلى مثبته لأنه ملكه فلزمه كالشاة ونحوها (ولو دخل خيمته أو داره ونحوه) أي نحو ما ذكر لأنه ملكه بالاثبات فيرد لمثبته (كما لو مشى) الصيد (بالشبكة على وجه لا يقدر الامتناع) ممن قصده فإنه يرد لرب الشبكة لأنه أثبته (وإن لم يثبته) أي الصيد (وبقي ممتنعا فدخل خيمة إنسان فأخذه) ملكه لأن الأول لم يملكه لكونه لم يثبته فإذا أخذه الثاني ملكه (أو دخلت ظبية داره فأغلق بابه وجهلها) ملكها لأنه سبق إليها (أو لم يقصد
285 تملكها) بذلك ملكها للحيازة (أو عشش طير غير مملوك في برجه وفرخ فيه ملكه) لأن ذلك من الصيد المباح فملكه بحيازته قال في الانصاف والمبدع: ما يبنيه الناس من الأبرجة فيعشش فيها الطيور ويملكون الفراخ إلا أن تكون الأمهات مملوكة فهي لأربابها، نص عليه في المبدع زاد ولو تحول الطير من برج زيد إلى برج عمرو لزم عمرا رده، وإن اختلط ولم يتميز منع عمرو من التصرف على وجه ينقل الملك حتى يصطلحا، ولو باع أحدهما الآخر حقه أو وهبه صح في الأقيس (ومثله إحياء أرض بها كنز) ملكه ذكره في المبدع والمنتهى وغيرهما زاد في شرح المنتهى في الأصح وتقدم في إحياء الموات لا يملكه بخلاف المعدن الجامد (وكنصب خيمة وفتح حجره لذلك) أي للصيد فيحصل فيها أو فيه فيملكه للحيازة (و) ك (- نصب شبكة وشرك فخ ومنجل لذلك) أي للصيد (وحبس جارح له) أي للصيد (أو بإلجائه بمضيق لا يفلت منه) فيملكه بذلك لأنه بمنزلة إثباته (وإن صنع بركة يصيد بها سمكا فما حصل فيها ملكه) كما لو حصل بشبكته (وإن لم يقصد بها) أي البركة (ذلك) أي صيد السمك (لم يملكه) بحصوله فيها (كتحول صيد بأرضه أو حصل) الصيد (فيها) أي أرضه (من مد الماء) أي زيادته (أو عشش فيها) أي الأرض (طائر) لم يملكه بذلك لأن الأرض ليست معدة لذلك، (ولغيره) أي غير رب الأرض (أخذه) أي السمك أو الطائر (ك) - أخذ (الماء والكلأ) منها بجامع أنه مباح لم يجز، (وإن رمى طيرا على شجرة في دار قوم فطرحه في دراهم فأخذوه فهو للرامي) لأنه ملكه بإزالة امتناعه قدمه في الشرح وفي عيون المسائل إن حمل نفسه فيسقط خارج الدار فهو له، وإن سقط فيها
286 فهو لهم وجزم بمعناه في المنتهى، وفي الرعاية لغيره أخذه على الأصح والمنصوص أنه للموحى، (ولو وقع صيد في شرك إنسان أو شبكته ونحوه وأثبته ثم أخذه إنسان لزمه رده) إلى رب الشبكة ونحوها لأنه أثبته بآلته (وإن لم تمسكه الشبكة وانفلت منها في الحال) أو أخرقها وذهب منها (أو بعد حين لم يملكه) رب الشبكة لأنه لم يثبته فإذا صاده غيره ملكه، (وإن أخذت الشبكة وذهب بها فصاده إنسان) مع بقاء امتناعه (ملكه) الثاني (ويرد الشبكة) لربها لأن الأول لم يملكه فإن لم يعرف رب الشبكة فهي لقطة (فإن مشى) الصيد (بها) أي بالشبكة (على وجه لا يقدر على الامتناع فهو لصاحبها) لأنه أزال امتناعه (كما لو أمسكه الصائد وثبتت يده عليه ثم انفلت منه) فإن ملكه لا يزول عنه بانفلاته (وإن اصطاد صيدا فوجد عليه علامة ملك كقلادة في عنقه أو قرط في أذنه أو وجد الطائر مقصوص الجناح لم يملكه) لأن الذي صاده أولا ملكه (ويكون لقطة) فيعرفه واجده (ومن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة) لأن السمكة من الصيد المباح فملكت بالسبق إليها كما لو فتح حجره زاد في الوجيز ما لم تكن السفينة معدة للصيد في هذا الحال، (وإن وقعت) السمكة (فيها) أي في السفينة (فلصاحبها) لأن السفينة ملك ويده عليها، (وإن ثبت بفعل إنسان لقصد الصيد كالصياد الذي يجعل في السفينة ضوءا بالليل ويدق بشئ كالجرس لثبت السمك في السفينة فللصياد) لأنه أثبتها بذلك، (وإن لم يقصد الصيد بهذا) الفعل (بل حصل اتفاقا فهي) أي السمكة (لمن وقعت في حجره) لأنه إلى مباح (ولا يصاد الحمام إلا أن يكون وحشيا) لأن الأهلي ملك لأهله (ويحرم صيد سمك وغيره بنجاسة كعذرة وميتة ودم) لما فيه من أكل السمك للنجاسة فيصير كالجلالة
287 (وعنه يكره وعليه الأكثر) جزم به في المقنع والوجيز وقدمه في المستوعب والرعاية، (وإن منعه الماء حتى صاده حل) أكله، وأما نفس الفعل فغير مباح (ويكره الصيد ببنات وردان لأن مأواها الحشوش) نص عليه (و) يكره (بضفادع) نص عليه وقال: الضفدع نهي عن قتله (و) يكره الصيد ب (- شباشب وهو طير تخاط عيناه أو تربط) لأن في ذلك تعذيبا للحيوان (و) يكره الصيد (بخراطيم وكل شئ فيه روح) لما فيه من تعذيبه (و) يكره صيد شئ (من وكره) لخوف الأذى و (لا) يكره الصيد (بليل ولا) صيد (فرخ من وكره. ولا) الصيد (بما يسكره) أي الصيد نص على ذلك (ولا بشبكة وشرك، وفخ، ودبق، وكل حيلة وكره جماعة) الصيد (بمثقل كبندق) وكذا كره الشيخ تقي الدين الرمي بالبندق مطلقا لنهي عثمان (ونصه) في رواية ابن منصور وغيره (لا بأس ببيع البندق ويرمى بها الصيد لا للعبث) وأطلق ابن هبيرة أنه معصية (وإذا أرسل صيدا وقال: أعتقتك لم يزل ملكه عنه) وذكر ابن حزم إجماعا كما لو لم يقل أعتقتك وكانفلاته و (كما أرسل البعير والبقرة) ونحوهما من البهائم المملوكة فإن ملكه عنها لا يزول بذلك. فصل: (الشرط الرابع: التسمية ولو بغير عربية) ممن يحسنها (عند إرسال السهم والجارحة) لقوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) *. والاخبار، ولان الارسال هو الفعل الموجود من المرسل فاعتبرت التسمية عنده كما تعتبر عند الذبح و (لا) تعتبر التسمية (من أخرس) لتعذرها منه. والظاهر أنه لا بد من إشارته بها كما تقدم في الذكاة والوضوء وغيرهما لقيام إشارته مقام نطقه. ولذلك قال في المنتهى كما في ذكاة (ولا يضر تقدم) التسمية بزمن (يسير) كالعبادات
288 (أو تأخر) أي لا يضر تأخر يسير كالتقدم (وكذا) لا يضر (تأخر كثير في جارح إذا زجره فانزجر) عند التسمية إقامة لذلك مقام الارسال كما تقدم (وإن تركها) أي التسمية (عمدا أو سهوا) أو جهلا (لم يبح) الصيد للآية والاخبار والفرق بين الصيد والذبيحة أن الذبح وقع في محله فجاز أن يسامح فيه بخلاف الصيد، ولان في الصيد نصوصا خاصة، ولان الذبيحة تكثر ويكثر النسيان فيها (وإن سمى على صيد فأصاب) الصائد (غيره حل) المصاب (ولو سمى على سهم ثم ألقاه رمى بغيره بتلك التسمية لم يبح) لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه اعتبرت على الآلة التي يصيد بها بخلاف الذبيحة (ودم السمك طاهر مأكول) كميتته.
289 كتاب الايمان وكفاراتها (وهي) أي الايمان كأي من (جمع يمين وهي القسم) بفتح القاف والسين (والايلاء والحلف بألفاظ مخصوصة) تأتي أمثلتها (فاليمين توكيد الحكم) المحلوف عليه (بذكر معظم على وجه مخصوص) وأصلها يمين اليد سمي الحلف بذلك لأن الحالف يعطى يمينه فيه كما في العهد والمعاهدة (وهي) أي اليمين (وجوابها كشرط وجزاء) والأصل فيها الاجماع وسنده قوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) *. وقوله: * (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) *. والسنة شهيرة بذلك منها قوله (ص) لعبد الرحمن بن سمرة: إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك. متفق عليه، ووضعها في الأصل لتأكيد المحلوف عليه لقوله تعالى: * (ويستنبئونك أحق هو؟ قل: إي وربي إنه لحق) * * (وقل إي وربي لتبعثن) *. (والحلف على مستقبل إرادة تحقيق خبر فيه) أي في المستقبل (ممكن بقوله. يقصد به الحث على فعل الممكن أو تركه) فالحث على الفعل نحو: والله لأعتكفن غدا. والحث على الترك نحو قوله: والله لا زنيت أبدا (والحلف على ماض إما بر، وهو الصادق) في حلفه (وإما غموس وهو الكاذب) لغمسه في الاثم، ثم في النار كما يأتي (أو لغو وهو ما لا أجر فيه، ولا إثم ولا كفارة) لأن اللغو لا
290 يترتب عليه حكم (ولا يصح) اليمين (إلا من مكلف) لأنه قول يتعلق به حق فلم يصح من غير مكلف كالاقرار ولحديث: رفع القلم عن ثلاث. (مختار) فلا يصح من مكره لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. (قاصدا اليمين) فيصح ممن جرى على لسانه بغير قصد للخبر (وتصح) اليمين (من كافر) ولو غير ذمي (وتلزمه الكفارة بالحنث، حنث في كفره أو بعده) لأنه من أهل القسم، قال فيقسمان بالله. وقوله تعالى: * (إنهم لا أيمان لهم) *. أي لا يفون بها. لقوله تعالى: * (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم) *. ولأنه مكلف (والحلف) خمسة أقسام (منه واجب مثل أن ينجى به إنسانا معصوما من هلكة ولو نفسه، مثل أن تتوجه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو برئ) فيجب عليه الحلف للانجاء من الهلكة (و) منه (مندوب مثل أن يتعلق به مصلحة من إصلاح بين متخاصمين أو إزالة حقد من قلب مسلم عن الحالف، أو) عن (غيره أو دفع شر) عن الحالف أو غيره (فإن حلف على فعل طاعة) كليصلين (أو) على (ترك معصية) كلا يزني فليس (بمندوب) لأن النبي (ص) وأصحابه لم يكونوا يفعلونه في الأغلب ولو كان مندوبا لم يخلوا به، ولان ذلك يجري مجرى النذر (و) منه (مباح كالحلف على فعل مباح أو) على (تركه أو على الخبر بشئ هو صادق فيه أو يظن أنه فيه صادق و) منه (مكروه كالحلف على فعل مكروه. أو) على (ترك مندوب) ولا يلزم حديث الأعرابي: والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا ولا أنقص لأن اليمين لا تزيد على تركها لو تركها لم ينكر عليه (ومنه) أي من الحلف المكروه (الحلف في البيع والشراء) الحلف منفق للسلعة ممحق للبركة رواه ابن ماجة (و) منه (محرم وهو الحلف كاذبا عمدا أو على فعل معصية أو
291 ترك واجب. ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم كان حلها أي حنثها محرما) لما في الحنث من ترك الواجب أو فعل المحرم (ويجب بره) لما تقدم (وإن كانت) اليمين (على فعل مندوب أو) على (ترك مكروه فحلها مكروه، ويستحب بره) لما يترتب على بره من الثواب الحاصل بفعل المندوب وتركه المكروه، (وإن كانت) اليمين (على فعل مكروه أو ترك مندوب فحلها مندوب) لحديث عبد الرحمن بن سمرة وتقدم لما يترتب عليه من الثواب وترك المكروه امتثالا وفعل المندوب (ويكره بره) لما يلزم عليه من فعل المكروه وترك المندوب، (وإن كانت) اليمين (على فعل محرم أو ترك واجب) لما في بره من الاثم بفعل المحرم أو ترك الواجب، (ويحرم بره) لما تقدم (وحلها) أي اليمين (في المباح مباح وحفظها) أي اليمين (فيه) أي المباح (أولى) من حنث لقوله تعالى: * (واحفظوا أيمانكم) *. فائدة: قال الشافعي: ما كذبت قط ولا حلفت بالله تعالى صادقا ولا كاذبا (ولا يلزم إبرار قسم ك) ما يلزم المسؤول (إجابة سؤال بالله) تعالى بل يسن ذلك لا تكرار حلف، فإن أفرط كره. فصل: (واليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث) فيها (وهي اليمين بالله تعالى نحو: والله وبالله وتالله) أو بصفة من صفاته تعالى نحو: (والرحمن والقديم الأزلي، وخالق الخلق، ورازق العالمين ورب العالمين والعالم بكل شئ، ورب السماوات والأرض والحي الذي لا يموت، والأول الذي ليس قبله شئ
292 والآخر الذي ليس بعده شئ، ونحوه مما لا يسمى به غيره) لقوله تعالى: * (مالك يوم الدين) *. لأن صفات الله تعالى قديمة. فكان الحلف بها موجبا للكفارة بالله تعالى (أو) ب (- صفة من صفاته كوجه الله، وعظمته، وعزته وإرادته وقدرته وعلمه وجبروته) صفة مبالغة في الجبر أي القهر والغلبة (ونحوه) فينعقد الحلف بهذه (حتى ولو نوى مقدوره ومعلومه ومراده) أو لم يقصد اليمين لأن ذلك صريح في مقصوده فلم يفتقر إلى نية كصريح الطلاق ونحوه (وأما ما يسمى به غيره تعالى إطلاقه ينصرف إلى الله) تعالى (كالعظيم، والرحيم، والرب والمولى والرازق. فإن نوى به الله) تعالى (أو أطلق كان يمينا) لأنه بإطلاقه ينصرف إليه تعالى (فإن نوى) به (غيره) تعالى (فليس بيمين) لأنه يستعمل في غيره. قال تعالى: * (ارجع إلى ربك) *. * (فارزقوهم منه) *. * (بالمؤمنين رؤوف رحيم) *. والمولى المعتق والقادر باكتسابه، وحيث أراد به غيره تعالى لم يبق يمينا لعدم تناوله لما يوجب القسم (وما لا يعد من أسمائه) تعالى (ولا ينصرف إطلاقه إليه ويحتمله) تعالى (كالشئ والموجود والحي والعالم، والمؤمن، والواحد، والمكرم والشاكر. فإن لم ينو به الله) لم يكن يمينا (أو نوى به غيره) أي غير الله تعالى (لم يكن يمينا) لأن الحلف الذي يجب به الكفارة لم يقصد ولا اللفظ ظاهر في إرادته، فوجب أن لا يترتب عليه على الحالف بالله تعالى (وإن نواه) أي نوى به الله تعالى (كان يمينا) لأنه نوى بلفظه ما يحتمله، فكان يمينا كقوله: والرحيم القادر (وإن قال: وحق الله وعهد الله واسم الله وأي من الله - جمع يمين - وأمانة الله وميثاقه وكبريائه، وجلاله، ونحوه) نحو عظمته (فهو يمين) تجب فيها الكفارة بشرط الحنث لاضافتها إليه سبحانه واسم كأيمن وهمزته همزة وصل تفتح وتكسر وميمه مضمومة. وقالوا: أي من الله بضم الميم والنون مع كسر الهمزة وفتحها. وقال الكوفيون: ألفها ألف قطع وهي جمع يمين فكانوا يحلفون
293 باليمين فيقولون: ويمين الله قاله أبو عبيد وهو مشتق من اليمن والبركة (وكذا) قوله: (علي عهد الله وميثاقه) يكون يمينا لما تقدم (ويكره الحلف بالأمانة) لما روى أبو داود عن بريدة مرفوعا قال: ليس منا من حلف بالأمانة ورجاله ثقات قال الزركشي ظاهر الأثر والحديث التحريم فلذلك قال: (كراهة تحريم) لكن ظاهر المنتهى كالمغني والشرح وغيرهم أنه كراهة تنزيه، (وإن قال: والعهد والميثاق وسائر ذلك) أي ما تقدم من ألفاظ الصفات (كالأمانة والقدرة، والعظمة والكبرياء، والجلال والعزة ولم يضفه إلى الله) تعالى (لم يكن يمينا) لأنه يحتمل غير الله فلم يكن يمينا كالموجود (إلا أن ينوي صفة الله) تعالى فيكون يمينا لأن النية تجعل العهد ونحوه كأمانة الله فقد حلف بصفة من صفات الله تعالى (وإن قال: لعمر الله كان يمينا) أقسم بصفة من صفات الله تعالى فهما كالحلف ببقاء الله تعالى (وإن لم ينو) بقوله: لعمر الله اليمين لأنه صريح (ومعناه الحلف ببقاء الله وحياته) لأن العمر بفتح العين وضمها الحياة واستعمل في القسم المفتوح خاصة واللام للابتداء وعمر مرفوع بالابتداء والخبر محذوف وجوبا تقديره قسمي، (وإن حلف بكلام الله) فهو يمين لأنه صفة من صفات ذاته (أو) حلف (بالمصحف) فهو يمين ولم يكره أحمد الحلف بالمصحف لأن الحالف إنما قصد المكتوب فيه وهو القرآن فإنه عبارة عما بين دفتي المصحف بالاجماع (أو) حلف (بالقرآن أو بسورة منه أو) ب (- آية) منه (أو بحق القرآن فهي يمين) لأنه حلف بصفة من صفات ذاته تعالى (فيها كفارة واحدة) لأنه لو تكررت اليمين بصفة من صفاته تعالى وجبت كفارة واحدة فإذا كانت اليمين واحدة كان أولى، (وكذا لو حلف بالتوراة أو الإنجيل ونحوهما من كتب الله) المنزلة كالزبور وصحف إبراهيم وموسى لأن إطلاق اليمين إنما ينصرف إلى المنزل من عند الله دون المبدل، ولا تسقط حرمة شئ من ذلك بكونه منسوخ الحكم بالقرآن إذ غايته أن يكون كالآية المنسوخ حكمها من القرآن ولا تخرج بذلك عن كونها كلام الله تعالى. (وإن قال: أحلف بالله) أ (وأشهد بالله، أو أقسم، بالله
294 أو أعزم بالله) كان يمينا (أو) قال: (أقسمت بالله أو شهدت بالله أو حلفت بالله أو آليت بالله) أو عزمت بالله (كان يمينا) نوى به اليمين أو أطلق قال تعالى: * (فيقسمان بالله ) * وقال: * (وأقسموا بالله) * وقال: * (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) *. ولأنه لو قال: بالله ولم يذكر الفعل كان يمينا فإذا ضم إليه ما يؤكده كان أولى (وإن لم يذكر اسم الله كأن قال: أحلف وحلفت أو شهد أو شهدت إلى آخرها) كأقسمت أو أقسم أو عزمت أو أعزم أو آليت (لم يكن يمينا) لأنه يحتمل القسم بالله ويحتمل القسم بغيره فلم يكن يمينا كغيره مما يحتملهما (إلا أن ينوي) لأن النية صرفته إلى القسم بالله فيجب جعله يمينا كما لو صرح به وقد ثبت له عرف الشرع والاستعمال (وإن قال: نويت بأقسمت بالله ونحوه الخبر عن قسم ماض أو) نوى (بقوله: شهدت بالله آمنت به أو) نوى (بأقسم ونحوه) كأحلف (الخبر عن قسم يأتي أو) نوى (بأعزم القصد دون اليمين دين وقبل حكما) لأنه محتمل (ولا كفارة) إذن حيث كان صادقا لعدم اليمين (وإن قال: حلفا بالله أو قسما بالله، أو آليت بالله، أو آلي بالله فهو يمين ولو لم ينوها) لأنه صريح (وإن قال: أستعين) بالله (أو أعتصم بالله، أو أتوكل على الله، أو علم الله، أو عز الله، أو تبارك الله، ونحوه) كالحمد لله وسبحان الله (لم يكن يمينا ولو نوى) به اليمين لأنه لا شرع ولا لغة ولا فيه دلالة عليه. فصل: وحروف القسم ثلاثة) (باء) وهي الأصل لأن الأفعال القاصرة عن التعدي تصل بها إلى مفعولاتها (و) لأنه
295 (يليها مظهر أو مضمر) ولا تجامع فعل القسم ولا تجامعه (وواو يليها مظهر) فقط ولا تجامع فعل القسم وهي أكثر استعمالا (وتاء) مثناة فوق (تخص اسم الله) تعالى وهي بدل من الواو فإذا أقسم بهذه الحروف الثلاثة في موضعه كان قسما صحيحا لأنه موضوع له كما يدل عليه الكتاب واستعمال العرب فإن ادعى أنه لم يرد القسم لم يقبل، (فإن قال: تا الرحمن أو تا الرحيم) أو تربي أو ترب الكعبة (لم يكن قسما) لأن التاء خاصة بلفظ الجلالة (ويصح القسم بغير حرف القسم فيقول: الله لأفعلن بالجر والنصب) لأنه لغة صحيحة وقد ورد به عرف الاستعمال في الشرع فروى ابن مسعود: أنه لما أخبر النبي (ص) أنه قتل أبا جهل قال له النبي (ص): إنك قتلته؟ قال: الله إني قتلته وقال النبي (ص) لركانة لما طلق امرأته: الله ما أردت إلا واحدة؟. (وإن رفعه) أي الله (كان يمينا) لأنه في العرف العام يمين ولم يوجد ما يصرفه عنه (ألا أن يكون) الحالف (من أهل العربية ولا ينوي به اليمين) لأنه ليس بيمين في عرف أهل اللغة ولا نواها فإن نواها كان يمينا (وإن نصبه)، أي المقسم به (بواو أو رفعه معها أو دونها فيمين إلا أن لا يريد عربي) اليمين فلا تكون يمينا لما تقدم (وهاء الله يمين بالنية) فإن لم ينو لم تكن يمينا لأنه لم يقترن بها عرف ولا نية ولا حرف يدل على القسم قلت: ويتوجه في مثل تا الرحمن ولله أنه يمين بالنية (قال الشيخ: الاحكام) من قسم وغيره (متعلقة بما أراده الناس بالألفاظ الملحونة، كقوله: حلفت بالله رفعا ونصبا و) كقوله : (والله بأصوم وبأصلي ونحوه، وكقول الكافر: أشهد أن محمدا رسول الله برفع الأول ونصب الثاني و) كقوله: (أوصيت لزيد بمائة وأعتقت سالم ونحو ذلك. وقال: من رام جعل جميع الناس في لفظ واحد بحسب عادة قوم بعينهم فقد رام ما لا يمكن عقلا ولا يصح شرعا
296 انتهى. وهو كما قال) لشهادة الحس به (ويجاب القسم في الايجاب) أي الاثبات (بأن خفيفة) كقوله تعالى: * (إن كل نفس لما عليها حافظ) *. (و) بأن (ثقيلة) كقوله تعالى: * (إن الانسان لربه لكنود) *. (وبلام التوكيد) نحو قوله تعالى: * (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) *. (وبقد) نحو قوله تعالى: * (قد أفلح من زكاها) *. (و) ب (- بل عند الكوفيين) كقوله تعالى: * (ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق) *. وعند البصريين جواب القسم محذوف وبينهم في تقديره خلاف (و) يجاب القسم (في النفي بما) النافية نحو * (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى) *. (وإن بمعناها) أي النافية كقوله تعالى: * (وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى) *. (وبلا) كقول الشاعر: وآليت لا أرثي لها من كلالة * ولا من حفى حتى تلاقي محمدا (وتحذف لا) من جواب القسم مضارعا (نحو والله أفعل) ومنه قوله تعالى: * (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف) *. قال في الشرح: وإن قال: والله أفعل بغير حرف فالمحذوف ههنا لا وتكون يمينه على النفي لأن موضوعه في العربية كذلك ثم استدل له بالآية وغيرها (ويحرم الحلف بغير الله و) غير (صفاته ولو) كان الحلف (بنبي لأنه شرك في تعظيم الله) لحديث ابن عمر مرفوعا قال: من حلف بغير الله فقد أشرك. رواه الترمذي وحسنه ورجاله ثقات قال في المبدع وروى عمر: أن النبي (ص) سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال: إن الله نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت متفق عليه (فإن فعله) أي حلف بغير الله وصفاته (استغفر) الله (وتاب) بالندم والاقلاع والعزم أن لا يعود (ولا كفارة في اليمين به) لأنها وجبت في الحلف بالله وصفاته للاسم
297 أو عظم وغيره لا يساويه (ولو كان الحلف برسول الله (ص)) خلافا لكثير من أو صحاب لأنه أحد شرطي الشهادتين اللتين يصير بهما الكافر مسلما و (سواء أضافه) أي المحلوف به غير الله وصفاته (إلى الله كقوله ومعلوم الله وخلقه، ورزقه وبيته، أو لم يضفه مثل والكعبة والنبي وأبي وغير ذلك) لعموم الاخبار، (ويكره) الحلف (بطلاق وعتاق) بفتح العين لقوله (ص): فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. متفق عليه. فصل: (ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط: أحدها أن تكون اليمين منعقدة) لأن غير المنعقدة إما غموس أو نحوها وإما لغو ولا كفارة في واحد منهما، (وهي) أي المنعقدة (التي يمكن فيها البر والحنث) لأن اليمين للحنث والمنع (بأن يقصد عقدها على مستقبل) لقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) *. فأوجب الكفارة في الايمان المنعقدة، فظاهره إرادة المستقبل من الزمان لأن العقد إنما يكون في المستقبل دون الماضي (فلا تنعقد يمين النائم و) لا يمين (الصغير قبل البلوغ و) لا يمين (المجنون ونحوهم) كزائل العقل بشرب دواء أو محرم مكرها لحديث: رفع القلم عن ثلاث. (و) لا ينعقد (ما عد من لغو اليمين) لقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) *. (فأما اليمين على الماضي فليست منعقدة) لأن شرط الانعقاد إمكان البر والحنث وذلك متعذر في الماضي (وهي) أي اليمين على الماضي (نوعان غموس وهي التي يحلف بها) على الماضي (كاذبا عالما) سميت غموسا لأنها (تغمسه) أي الحالف بها (في الاثم ثم في النار ولا كفارة فيها) لقول
298 ابن مسعود: كنا نعد من اليمين التي لا كفارة فيها اليمين الغموس رواه البيهقي بأسناد جيد وهي من الكبائر للخبر الصحيح (ويكفر كاذب في لعانه ذكره في الانتصار) هذا مبني على وجوب الكفارة في اليمين الغموس كما في المبدع فكان الأولى حذفه (وإن حلف على فعل مستحيل لذاته أو) مستحيل ل (- غيره كأن قال: والله لأصعدن السماء، أو إن لم أصعد، أو لأشربن ماء الكوز ولا ماء فيه إن فيه ماء أو إن لم أشربه أو) قال: والله لأقتلنه أي زيدا مثلا (فإذا هو ميت علمه) ميتا (أو لم يعلمه ونحو ذلك انعقدت يمينه) لأنها يمين على مستقبل (وعليه الكفارة في الحال) لأنه مأيوس منه، (وإن قال: والله إن طرت أو) والله (لا طرت، أو): والله إن أو لا (صعدت السماء، أو) والله إن أو لا (شاء الميت، أو) والله إن أو لا (قلبت الحجر ذهبا، أو) والله إن أو لا (جمعت بين الضدين أو) النقيضين (أو) والله إن أو لا (رددت أمس، أو) والله إن أو لا (شربت ماء الكوز ولا ماء فيه ونحوه) من المستحيلات (فهذا لغو) ولا كفارة فيه لعدم وجود المحلوف عليه (وتقدم) ذلك (في) باب (الطلاق في الماضي والمستقبل) وأن العتق والظهار ونحوها كذلك. (وإن قال: والله ليفعلن فلان كذا أو) والله (لا يفعلن) فلان كذا فلم يطعه (أو حلف على حاضر فقال: والله لتفعلن) يا فلان (كذا أو لا تفعلن كذا فلم يطعه حنث الحالف) لعدم وجود المحلوف عليه (والكفارة عليه) أي الحالف في قول ابن عمر والأكثر و (لا) تجب الكفارة (على من أحنثه) لظاهر قوله تعالى: * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) *. (وإن قال: أسألك بالله لتفعلن وأراد اليمين فكالتي قبلها) يحنث إن لم يفعل المحلوف عليه والكفارة على الحالف، (وإن أراد الشفاعة إليه بالله) تعالى (فليست بيمين) لعدم الأقسام (ويسن إبرار القسم)
299 لقول العباس للنبي (ص): أقسمت عليك لتبايعنه فبايعه النبي (ص) وقال: أبررت قسم عمي ولا يجب لقول أبي بكر الصديق للنبي (ص): أقسمت عليك لتخبرني بما أصبت مما أخطأت فقال رسول الله (ص): لا تقسم يا أبا بكر رواه أبو داود (ك) - ما يسن (إجابة سؤال بالله) قياسا على القسم به (ولا يلزم) ذلك قال الشيخ تقي الدين: إنما تجب على معين إجابة سائل يقسم على الناس. وروى أحمد والترمذي وقال حسن غريب عن ابن عباس مرفوعا قال: وأخبركم بشر الناس؟ قلنا: نعم يا رسول الله قال: الذي يسأل بالله ولا يعطي به فدل على إجابة من سأل بالله (وإن أجابه إلى صورة ما أقسم عليه دون معناه عند تعذر المعنى) أي المقصود (فحسن) لأن فيه صورة إجابة. (و) النوع (الثاني) من نوعي حلف على الماضي (لغو اليمين وهو سبقها على لسانه من غير قصد كقوله: لا والله وبلى والله في عرض حديثه) لحديث عطاء عن عائشة أن النبي (ص) قال: اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله رواه أبو داود قال ورواه الزهري وعبد الله بن سليمان ومالك بن مسعود عن عطاء عن عائشة موقوفا وكذا رواه البخاري وعرض الشئ بضم العين وبفتحها خلاف الطول (وظاهره ولو) كان قوله: لا والله وبلى والله في عرض حديثه على شئ يفعل (في) الزمن (المستقبل) لظاهر الخبر (ولا كفارة فيها) لقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) *. (وإن عقدها على زمن خاص ماض يظن صدق نفسه) كأن حلف ما فعل كذا يظنه لم يفعله (فبان بخلافه حنث في طلاق، وعتاق فقط، وتقدم آخر تعليق الطلاق بالشروط) بخلاف بالله أو بنذر أو ظهار لأنه من لغو
300 الايمان كما تقدم أول الباب (وقال الشيخ: وكذا عقدها على زمن مستقبل ظانا صدقه فلم يكن) صدقه (كمن حلف على غيره يظن أنه يطيعه فلم يفعل أو ظن المحلوف عليه خلاف نية الحالف ونحو ذلك) كظنه خلاف سبب اليمين. (الشرط الثاني: أن يحلف مختارا فلا تنعقد يمين مكره) وتقدم. الشرط (الثالث: الحنث في يمينه) لأن من لم يحنث لم يهتك حرمة القسم (بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله ولو معصية) لأن الحنث الاثم، ولا وجود له إلا بما ذكره (مختارا، ذاكرا، فإن فعله مكرها أو ناسيا فلا كفارة) لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. (ويقع الطلاق والعتاق) إذا فعل المحلوف عليه بهما (ناسيا وتقدم) في تعليق الطلاق بالشروط في مسائل متفرقة (وجاهل كناس) فلو حلف لا يدخل دار زيد فدخلها جاهلا أنها داره حنث في طلاق وعتاق فقط بخلاف ما لو فعله مجنونا فلا يحنث مطلقا. فصل: (ويصح الاستثناء في كل يمين مكفرة) أي تدخلها الكفارة (كاليمين) بالله تعالى (والظهار والنذر) لحديث ابن عمر مرفوعا قال: من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه. رواه أحمد والنسائي وحسنه وقال: رواه غير واحد عن ابن عمر مرفوعا ولا نعلم أحدا رفعه عن أيوب
301 السختياني. والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي (ص) وغيرهم (فإذا حلف) بالله أو بالظهار أو النذر (فقال: إن شاء الله أو إن أراد الله وقصد بها) أي الإرادة (المشيئة لا من أراد بإرادته) محبته تعالى أ (وأمره أو أراد) بأن شاء الله أو أراد الله (التحقيق) لا التعليق (لم يحنث فعل) ما حلف على فعله أو تركه (أو ترك) ما حلف ليفعله أو لا يفعله لما تقدم، ولأنه متى قال: لأفعلن إن شاء الله فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل ومتى لم يفعل لم يشأ الله (قدم الاستثناء) كان الله والله لا أفعل كذا (أو أخره) كلا أفعل كذا شاء الله (إذا كان) الاستثناء (متصلا لفظا أو حكما كانقطاعه بتنفس مرة ولا ينفعه، أو سعال، أو عطاس، أو قئ، ونحوه كتثاؤب لأن الاستثناء من تمام الكلام اعتبر اتصاله كالشرط وجوابه وخبر المبتدأ (ويعتبر نطقه) أي الحالف (به) أي الاستثناء بأن يتلفظ به (مرة ولا ينفعه) الاستثناء (بالقلب إلا من مظلوم خائف) ولم يقل في المستوعب: خائف. لأن يمينه غير منعقدة أو لأنه بمنزلة المتأول (و) يعتبر (قصد الاستثناء قبل تمام المستثنى منه فلو حلف غير قاصد الاستثناء ثم عرض له) الاستثناء (بعد فراغه من اليمين فاستثنى لم ينفعه) الاستثناء لعدم قصده له أولا (ولو أراد الجزم) بيمينه (فسبق لسانه إلى الاستثناء من غير قصد أو كانت عادته جارية به) أي الاستثناء (فجرى على لسانه من غير قصد لم يصح) استثناؤه لحديث: وإنما لكل امرئ ما نوى. (وإن شك فيه) أي الاستثناء (فالأصل عدمه، وإن قال: والله لأشربن اليوم إن شاء زيد فشاء زيد) انعقدت يمينه لوجود المعلق عليه (و) متى (لم يشرب حتى مضي اليوم حنث) لفوات المحلوف عليه (وإن لم يشأ زيد لم يلزمه يمين) لأنه لم يوجد شرطه المعلق عليه كالطلاق المعلق على شرط (فإن لم يعلم) الحالف (مشيئته) أي زيد (لغيبة أو جنون أو موت انحلت اليمين) أي لم تنعقد لعدم تحقق شرطها والأصل عدمه (و) لو حلف (لا أشرب ألا أن يشاء زيد فإن شاء فله الشرب) ولا حنث لعدم شرطه (وإن لم يشاء) زيد
302 (لم يشرب) الحالف ويحنث به لوجود شرطه وهو الشرب بغير إذن زيد (فإن خفيت مشيئته لغيبة أو موت جنون لم يشرب) لأن الأصل عدمها (وإن شرب حنث) لوجود المعلق عليه، (و) إن قال: (لأشربن إلا أن يشاء زيد فإن شرب قبل مشيئة زيد بر) لأنه فعل ما حلف ليفعلنه، (وإن قال زيد: قد شئت أن لا تشرب انحلت، يمينه) فلا حنث عليه بعد لأنه شرب بغير إذن زيد (وإن قال): زيد (قد شئت أن تشرب أو) قال زيد (ما شئت أن لا تشرب لم تنحل) يمينه فيحنث إن شرب، لأنه شرب بإذن زيد (فإن خفيت مشيئته لزمه الشرب) لأن الأصل عدمها، ومعنى لزومه له أنه إن فعله لا حنث عليه فلا كفارة وإن تركه كفر، (و) لو حلف (لا أشرب اليوم إن شاء زيد. فقال زيد: قد شئت أن لا تشرب فشرب حنث) لمخالفته ما حلف عليه، (وإن شرب) الحالف (قبل مشيئته لم يحنث) لعدم انعقاد يمينه قبل مشيئة زيد لكونها معلقة عليها والمعلق على شئ لا يوجد قبله، (وإن خفيت مشيئته فهي في حكم المعدوم) لأن الأصل عدمها (والمشيئة في هذه المواضع) وشبهها (أن يقول بلسانه قد شئت) ولا يصح تعليق المشيئة كما تقدم، ومتى قال ذلك فقد شاء ولو كان كارها كما سبق في الطلاق، (وإذا حلف ليفعلن شيئا ونوى وقتا بعينه) كيوم أو شهر أو سنة (تقيد به) لأن النية تصرف ظاهر اللفظ إلى غير ظاهره فلا تصرفه إلى وقت آخر بطريق الأولى (وإن لم ينو) وقتا بعينه (لم يحنث) الحالف (حتى ييأس من فعله إما بتلف المحلوف عليه أو موت الحالف ونحوه) لقول عمر: يا رسول الله ألم تخبرنا أنا سنأتي في البيت ونطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال: لا. فإنك آتيه وتطوف به. ولان المحلوف على فعله لم يتوقت بوقت معين وفعله ممكن، فلم تحصل مخالفة ما حلف عليه، وذلك يوجب عدم الحنث (وإن لم تكن له نية لم يحنث قبل اليأس من فعله) هذا تكرار (وإذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها سن له الحنث
303 والتكفير) لاخبار منها خبر عبد الرحمن بن سمرة وأبي موسى متفق عليهما. وسبق تقسيمه إلى الأحكام الخمسة (ولا يستحب تكرار الحلف، فإن أفرط كره) لقوله تعالى: * (ولا تطع كل حلاف مهين) *. وهذا دم. ولأنه لا يكاد يخلو من الكذب وعلم منه أنه لا كراهة في الحلف مع عدم الافراط. لأنه (ص) حلف في غير حديث (وإن دعى إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب له افتداء يمينه) لما روي: أن عثمان والمقداد تحاكما إلى عمر في مال استقرضه المقداد فجعل عمر اليمين على المقداد، فردها على عثمان. فقال عمر: لقد أنصفك فأخذ عثمان ما أعطاه المقداد ولم يحلف. فقيل له في ذلك؟ فقال: خفت أن توافق قدر بلاء فيقال بيمين عثمان. (فإن حلف) من دعى إلى الحلف عند الحاكم محقا (فلا بأس) لأنه حلف صدق على حق. أشبه الحلف عند غير الحاكم. تتمة: ذكر في المستوعب والرعاية: أنه إن أراد اليمين عند غير الحاكم فالمشروع أن يقول: والذي نفسي بيده، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا ومقلب القلوب وما أشبه ذلك. فصل: (وإن حرم أمته) أو حرم (شيئا من الحلال غير زوجته كقوله: ما أحل الله على حرام ولا زوجة له أو) قوله: (هذا الطعام علي حرام، أو طعامي علي كالميتة والدم ونحوه) كلحم الخنزير (أو علقه) أي التحريم (بشرط مثل إن أكلته) أي هذا الطعام (فهو علي حرام أو) قال: (حرام علي إن فعلت كذا ونحوه لم يحرم) لأنه تعالى سماه يمينا بقوله تعالى: * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * إلى قوله * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) *. واليمين على الشئ لا تحرمه. ولأنه لو كان محرما لتقدمت الكفارة عليه كالظهار ولم يأمر النبي (ص) بفعله وسماه خيرا (وعليه كفارة يمين إن فعله) لقوله تعالى: * (قد فرض الله لكم
304 تحلة أيمانكم) *. وعن ابن عباس وابن عمر: أن النبي (ص) جعل تحريم الحلال يمينا. (وإن قال: هو يهودي أو نصراني، أو كافر أو مجوسي، أو يكفر بالله أو يعبد الصليب، أو غير الله أو) هو (برئ من الله أو) هو برئ (من الاسلام أو) من (القرآن أو) من (النبي (ص) أو لا يراه الله في موضع كذا إن فعل كذا أو قال: أنا أستحل الزنا أو شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير أو ترك الصلاة أو) ترك (الزكاة) ونحوه (أو) ترك (الصيام ونحوه) كترك الحج (إن فعلت) كذا (لم يكفر وفعل محرما) لحديث ثابت بن الضحاك مرفوعا: من حلف على ملة غير الاسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال. متفق عليه. وعن بريدة مرفوعا قال: من قال إنه برئ من الاسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا لم يعد إلى الاسلام سالما رواه أحمد والنسائي وابن ماجة بإسناد جيد (تلزمه التوبة منه) كسائر المحرمات (وعليه إن فعله كفارة يمين) لحديث زيد بن ثابت: أن النبي (ص) سئل عن الرجل يقول: هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برئ من الاسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء؟ فقال: عليه كفارة يمين رواه أبو بكر. ولان قول هذه الأشياء يوجد هتك الحرمة فكان يمينا كالحلف بالله تعالى بخلاف هو فاسق ونحوه (واختار الموفق والناظم لا كفارة) عليه، لأن لم يرد في ذلك نص ولا هو في معنى المنصوص عليه (وإن قال: عصيت الله أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني به أو محوت المصحف إن فعلت) كذا (وحنث)
305 ولا كفارة عليه لأنه هذه الأشياء لا نص فيها يقتضي الوجوب، ولا هي في معنى ما سبق فيبقى الحالف على البراءة الأصلية. (وإن قال: أخزاه الله، أو قطع) الله (يديه أو رجليه وأدخله الله النار أو لعنه الله إن فعل أو) قال: (لأفعلن أو) قال (عبد فلان حر لأفعلن أو إن فعلت كذا فمال فلان صدقة أو فعلي حجة أو) إن فعلت ف (- مال فلان حرام عليه أو فلان برئ من الاسلام ونحوه)، كإن فعلت ففلان يهودي (فلغو) لأنه ليس في ذلك ما يوجب هتك الحرمة فلم تكن يمينا، (وإن قال أيمان البيعة تلزمني فهي يمين رتبها الحجاج) بن يوسف بن الحكم بن عقيل الثقفي (والخليفة المعتمد) على الله العباسي لأخيه الموفق لما جعله ولي عهده (تشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق، وصدقة المال) زاد بعضهم والحج (فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها) من الطلاق والعتاق وغيره لأنها كناية، أو نواها ولم يعرفها فلا شئ عليه، (وإن لم يعرفها) الحالف بها (أو عرفها ولم ينوها، أو نواها ولم يعرفها فلا شئ عليه) لأنها كناية فلا بد فيها من النية والمعرفة لأن من لم يعرف شيئا لم يتأت أن ينويه، (ولو قال: أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا وفعله لزمته يمين الظهار والطلاق والعتاق والنذر واليمين بالله إذا نوى بها ذلك) لأنها كناية واعتبرت فيها النية كسائر الكنايات (ولو حلف بشئ من هذه الخمسة فقال له آخر: يميني مع يمينك أو) قال: (أنا على مثل يمينك يريد التزام مثل يمينه) كباقي الكنايات (إلا في اليمين بالله) فقال: لأنها لا تنعقد بالكناية ولم يظهر لي تحرير الفرق بينها وبين أيمان البيعة وأيمان المسلمين حيث انعقدت اليمين بالله فيها بالكناية على ما ذكره هو وصاحب المنتهى. (وإن لم ينو شيئا لم تنعقد يمينه) لأن الكناية لا تنعقد بغير نية، (وإن قال: علي نذر أو يمين) إن فعلت كذا (أو قال: علي عهد
306 الله أو ميثاقه إن فعلت كذا وفعله كفر كفارة يمين) لما روى الترمذي وصححه عن عقبة مرفوعا قال: كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين. (وكذا على نذر ويمين فقط) فتلزمه كفارة يمين (وإن أخبر عن نفسه بحلف بالله ولم يكن حلف فهي كذبة لا كفارة عليه فيها) وإن قال: مالي للمساكين وأراد به اليمين فكفارة يمين ذكره في المستوعب الرعاية. فصل: (في كفارة اليمين، وفيها تخيير وترتيب) فالتخيير بين الاطعام والكسوة والعتق والترتيب فيها بين ذلك وبين الصيام والأصل في ذلك قوله تعالى * (فكفارته إطعام عشرة مساكين) * الآية. (فيخير من لزمته بين ثلاثة أشياء: إطعام عشرة مساكين مسلمين، أحرارا ولو صغارا) كالزكاة (جنسا واحدا كان المطعم) كان يطعمهم برا (أو أكثر) من جنس كأن أطعم البعض برا والبعض شعيرا والبعض تمرا والبعض زبيبا، (أو كسوتهم) أي العشرة مساكين، (أو تحرير رقبة) مؤمنة كما تقدم في الظهار (فمن لم يجد) بأن عجز عن العتق والاطعام والكسوة (فصيام ثلاثة أيام) للآية (والكسوة ما تجزئ صلاة) المسكين (الآخذ الفرض فيه للرجل ثوب ولو عتيقا إذا لم تذهب قوته) فإن بلى وذهبت منفعته لم يجزئه لأنه معيب (أو قميص يجزئه أن يصلي فيه الفرض نصا) نقله حرب (بأن يجعل على عاتقه منه شيئا) بعد ستر عورته (أو ثوبان يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ولا يجزئه مئزر وحده ولا سراويل) وحده لأن الفرض لا يجزئ
307 فيه (والمرأة درع) أي قميص (وخمار يجزئها أن تصلي فيهما) لأن ما دون ذلك لا يجزئ لابسه في الصلاة ويسمى عريانا، (وإن أعطاها) المكفر (ثوبا واسعا يمكن أن يستر) الثوب (بدنها، ورأسها، أجزأه) إناطة بستر عورتها (ويجوز أن يكسوهم من جميع أصناف الكسوة مما يجوز للآخذ لبسه من قطن وكتان، وصوف، وشعر، ووبر، وخز وحرير وسواء كان مصبوغا أو لا، أو خاما أو مقصورا) لعموم الآية (ويجوز أن يطعم) المكفر (بعضا) من العشرة (ويكسو بعضا) منهم لأن الله تعالى خير من وجبت عليه الكفارة بين الاطعام والكسوة فكان مرجعهما إلى اختياره في العشرة وفي بعضهم بخلاف ما لم يخيره فيه (فإن أطعم المسكين بعض الطعام وكساه بعض الكسوة) لم يجزئه لأنه لم يطعمه ولم يكسه، (أو أعتق نصف عبد، وأطعم خمسة، أو كساهم) لم يجزئه لأنه لم يحرر رقبة ولم يطعم أو يكسو عشرة (أو أطعم) بعض العشرة (وصام) دون الثلاثة (لم يجزئه) وكذا لو كسا البعض وصام أو أعتق نصف رقبة وصام الباقي لأنه لم يعتق رقبة ولم يطعم عشرة ولم يكسهم ولم يصم ثلاثة أي أم (كبقية الكفارات، ولا ينتقل) المكفر بيمينه (إلى الصوم إلا إذا عجز كعجزه عن زكاة الفطر) كما تقدم (ولو كان ماله غائبا استدان) ما يطعمه أو يكسوه أو يعتق به (إن قدر) على ذلك (وإلا صام)، كمن لا مال له (والكفارة بغير الصوم) من إطعام أو كسوة أو عتق رقبة (إنما تجب في الفاضل عن حاجته الأصلية الصالحة لمثله كدار يحتاج إلى سكناها، ودابة يحتاج إلى ركوبها، وخادم يحتاج إلى خدمته فلا يلزمه بيع ذلك) ليكفر منه لاحتياجه إليه فإن كانت الدار فوق ما يصلح لمثله أو الخادم كذلك وأمكن بيع ذلك وشراء ما يصلح لمثله والتكفير بالباقي لزمه، (فإن كان له عقار يحتاج إلى أجرته لمؤنته أو) ل (- حوائجه الأصلية) من كسوة ومسكن ونحوهما (أو)
308 كان له (بضاعة يحتل ربحها المحتاج إليه بالتكفير منها أو) كان له (سائمة يحتاج إلى نمائها حاجة أصلية، أو) له (أثاث يحتاج إليه أو كتب علم يحتاجها) لنظر أو حفظ (أو ثياب جمال ونحو ذلك) كحلي امرأة تحتاجه (أو تعذر بيع شئ لا يحتاج إليه انتقل إلى الصوم) لأنه لم يتمكن من غيره على وجه لا يضره (وتقدم بعض ذلك في الظهار ويجب التتابع في الصوم) لقراءة أبي وابن مسعود: فصيام ثلاثة أيام متتابعات حكاه أحمد ورواه الأثرم وكصوم الظهار (إن لم يكن عذر) فيسقط به وجوب التتابع كما تقدم في الظهار، (وتجب كفارة يمين ونذر على الفور إذا حنث) لأنه الأصل في الامر المطلق، (وإن شاء) الحالف (كفر قبل الحنث، فتكون) الكفارة (محللة لليمين وإن شاء) كفر (بعده) أي الحنث (فتكون مكفرة) وممن روي عنه تقديم الكفارة قبل الحنث: عمر وابنه وابن عباس وسلمان وعن عبد الرحمن بن سمرة أن النبي (ص) قال: يا عبد الرحمن إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير رواه أبو داود والنسائي ورجاله ثقات ولأنه كفر بعد سببه فجاز ككفارة الظهار والقتل بعد الجرح والحنث شرط وليس بسبب (فهما) أي التكفير قبل الحنث وبعده (في الفضيلة سواء). نص عليه لأن الأحاديث الواردة فيها التقديم مرة والتأخير أخرى وهذا دليل التسوية (فيما كانت الكفارة غيره) أي غير صوم لظاهر ما سبق (ولو كان الحنث حراما) كأن حلف لا يشرب الخمر أو ليصلي الظهر خلافا لما في المبدع حيث قال: إذا كان كذلك كفر بعده مطلقا (ولا يصح تقديمها) أي الكفارة (على اليمين) لأنه تقديم الحكم قبل سببه كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب، (وإذا كفر بالصوم قبل الحنث لفقره) إذن (ثم حنث وهو موسر لم يجزئه) الصوم قال في المغني: لأن المعتبر في الكفارات وقت الوجوب وهو هنا وقت الحنث وقد صار موسرا فلا يجزئ الصوم كما لو صام أذن وقال ابن رجب في القاعدة الخامسة: وإطلاق الأكثرين يخالف ذلك لأنه كان
309 فرضه في الظاهر فبرئ من الواجب فلم يحصل به الحنث لأن الكفارة حلته، (ومن كرر يمينا موجبها واحد على فعل واحد كقوله: والله لا أكلت والله لا أكلت) فكفارة واحدة لان سببها واحد والظاهر أنه أراد التأكيد. (أو حلف أي مانا كفاراتها واحدة، كقوله: والله وعهد الله وميثاقه وكلامه) لأفعلن كذا فكفارة واحدة لأنها يمين واحدة (أو كررها) أي الايمان (على أفعال مختلفة قبل التكفير كقوله: والله لا أكلت والله لا شربت والله لا لبست) فعليه (كفارة واحدة) لأنها كفارات من جنس فتداخلت كالحدود (ومثله الحلف بنذور مكررة) فتجزئه كفارة واحدة. (ولو حلف يمينا واحدة على أجناس مختلفة كقوله: والله لا أكلت، ولا شربت، ولا لبست ف) - عليه (كفارة واحدة حنث في الجميع أو في واحدة وتنحل البقية) قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه لأن اليمين واحدة والحنث واحد. (وإن كانت الايمان مختلفة الكفارة كالظهار واليمين بالله فلكل يمين كفارتها) لأنها أجناس فلا تتداخل كالحدود من أجناس (وليس لرقيق أن يكفر بغير صوم ولو أذن له سيده في العتق والاطعام) فلا يصحان (لأنه لا يملك) ولو ملك غير المكاتب (وليس لسيده منعه من الصوم ولو أضر) الصوم (به) كصيام رمضان وقضائه (ولو كان الحلف والحنث بغير إذنه) أي السيد فلا يمنعه من الصوم (ولا منعه) أي وليس لسيد منع رقيقه (من نذر) الصوم ويكفر كافر ولو مرتدا بغير صوم لأن الصوم عبادة ولا تصح من كافر وإذا أعتق فلا يجزئه إلا رقبة مؤمنة (ومن بعضه حر فحكمه في الكفارة حكم الأحرار) لأنه يملك ملكا تاما أشبه الحر الكامل (وتقدم في) كتاب (الظهار وبعض أحكام الكفارة فليعاود) لان الحكم واحد. باب جامع الايمان
310 (يرجع فيها) أي الايمان (إلى نية حالف إن كان) الحالف (غير ظالم) لها كان (ولفظه يحتملها) أي يحتمل النية فتعلق يمينه بما نواه دون ما لفظ به لقوله (ص): وإنما لكل امرئ ما نوى. ولان كلام الشارع يصرف إلى ما دل الدليل على أنه أراده دون ظاهر اللفظ فكلام المتكلم مع اطلاعه على إرادته أولى، (ويقبل) منه (حكما) أنه أراد ذلك (مع قرب الاحتمال من الظاهر وتوسطه) لأنه لا يخالف الظاهر. و (لا) يقبل منه (مع بعده) أي الاحتمال لمخالفته للظاهر (فتقدم نيته) أي الحالف (في عموم لفظه وعلى السبب) الذي صحح اليمين لما تقدم (سواء كان ما نواه) الحالف (موافقا لظاهر اللفظ أو مخالفا له فالموافق) من نيته (الظاهر) من لفظه (أن ينوي باللفظ موضوعه الأصلي مثل أن ينوي باللفظ العام العموم و) ينوي (بالمطلق الاطلاق و) ينوي (بسائر الألفاظ ما يتبادر إلى الافهام منها والمخالف) من النية الظاهر اللفظ (يتنوع أنواعا منها أن ينوي بالعام الخاص مثل أن يحلف لا يأكل لحما ولا فاكهة ويريد) باللحم (لحما بعينه و) بالفاكهة (فاكهة بعينها) ونظيره: * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) *. (ومنها أن يحلف على فعل شئ أو) على (تركه وينوي في وقت) معين (مثل أن يحلف لا يتغذى ويريد اليوم أو لا أكلت ويريد الساعة، أو دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى سوى ذلك الغداء) لكن هذا المثال من النوع قبله (اختصت يمينه بما نواه) لما تقدم (ومنها أن ينوي بيمينه غير ما يفهمه
311 السامع منه) لنحو تورية (كما تقدم في التأويل في الحلف ومنها أن يريد بالخاص العام) عكس الأول (كقوله: لأشربت لفلان الماء من العطش ينوي قطع كل ما له فيه منة) لأنه نوى بيمينه ما يحتمله ويسوغ في اللغة التعبير به عنه فتنصرف يمينه إليه كالمعاريض قال تعالى: * (ما يملكون من قطمير) *. * (ولا يظلمون فتيلا) *. * (وإذا لا يؤتون الناس نقيرا) *. والقطمير لفافة النواة، والفتيل ما في شقها، والنقير: النقرة التي في ظهرها ولم يرد ذلك بعينه بل نفى كل شئ ومثله قول الحطيئة. ولا يظلمون الناس حبة خردل. أي لا يظلمونهم شيئا و (لا) يحنث (بأقل) من ذلك (كقعود في ضوء ناره وظل حائطه) لأن لفظه لا يتناوله. وكذلك النية والسبب، (أو حلف لا يأوي مع زوجته في دار سماها يريد جفاءها فيعم جميع الدور، أو) حلف (لا يلبس من غزلها يريد قطع منتها كما يأتي قريبا) وكذا لو دل عليه السبب كما يأتي (ومن شروط انصراف اللفظ إلى ما نواه احتمال اللفظ له كما تقدم فإن نوى ما لا يحتمله) لفظه (مثل أن يحلف لا يأكل خبزا يعني به لا يدخل بيتا لم تنصرف اليمين إلى المنوي) لأنها نية مجردة لا يحتملها لفظه أشبه ما لو نوى ذلك بغير يمين (فإن لم ينو شيئا لا ظاهر اللفظ ولا غيره رجع إلى سبب اليمين وماهيتها) أي آثارها لدلالة ذلك على النية فأنيط الحكم به (فلو حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه) حقه (قبله لم يحنث إذا قصد أن لا يجاوزه) أي الغد (أو كان السبب يقتضي التعجيل قبل خروج الغد) لأن مقتضى اليمين تعجيل القضاء ولان السبب يدل على النية (فإن عدما) أي النية وسبب اليمين (لم يبرأ إلا بقضائه) حقه (في الغد) فإن عجله قبله حنث كما لو أخره عنه لأنه ترك فعل ما تناوله يمينه لفظا ولم يصرفها عنه نية ولا سبب، كما لو حلف ليصومن شعبان فصام رجب. (وكذا) لو حلف (لآكلن شيئا غدا، أو لأبيعنه غدا، أو لأشترينه) غدا، (أو
312 لأضربنه) غدا (ونحوه) كلا كلمته غدا (وإن قصد) بحلفه ليقضينه حقه غدا (مطله فقضاه قبله حنث) لأن اليمين انعقدت على ما نواه وقد خالفه، (وإن حلف لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه بها) أي المائة (أو) باعه (بأكثر) من المائة (لم يحنث) لأنه لم يخالف ما حلف عليه (و) إن باعه (بأقل) من مائة (يحنث) لمخالفته ما حلف عليه (و) لو حلف (لا يبيعه بمائة حنث) إن باعه (بها وبأقل) منها لأن قرينة الحال تقتضي ذلك (و) لو حلف (لا أشترينه بمائة فاشتراه بها أو بأكثر حنث) لدلالة الحال على ذلك و (لا) يحنث إن اشتراه (بأقل) من مائة لأنه لم يخالف ما حلف عليه (وإن حلف) بائع (لا ينقص هذا الثوب عن كذا فقال) مشتريه: (قد أخذته ولكن هب لي كذا. فقال) الامام (أحمد: هذا حيلة قيل له، فإن قال البائع: أبيعك بكذا وأهب لفلان شيئا آخر قال) أحمد: (هذا كله ليس بشئ وكرهه و) لو حلف (لا يدخل دارا ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره) لعدم مخالفته لما حلف عليه (ويقبل قوله في الحكم) لأن ما نواه محتمل. (وإن كانت) اليمين (بطلاق أو عتاق لم يقبل) قوله في الحكم (لتعلق حق الآدمي) لم يذكر هذا التفصيل في الانصاف ولا الفروع ولا المبدع ولا المنتهى بل ظاهر كلامهم لا فرق وتقدم ونظيره في الطلاق في مواضع أنه يقبل قوله لعدم مخالفته للظاهر (و) لو حلف (لا يلبس ثوبا من غزلها يقصد قطع منتها فباعه واشترى بثمنه ثوبا) ولبسه (حنث) لقوله (ص): لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها. (وكذا) يحنث (إن انتفع بثمنه) في غير اللبس لأنه نوع انتفاع به تلحق المنة به، (وإن انتفع) الحالف (بشئ من مالها سوى الغزل وثمنه) مثل أن يسكن دارها أو أكل طعامها أو لبس ثوبا
313 لها من غير غزلها (لم يحنث) لأن لكونه ثوبا من غزلها أثرا فيه داعية اليمين فلم يجز حذفه (وإن امتنت) امرأة (عليه بثوب فحلف لا يلبسه قطعا لمنتها فاشتراه غيرها ثم كساه إياه أو اشتراه الحالف ولبسه على وجه لا منة لها فيه) عليه (فوجهان). قلت: مقتضى العمل بالنية أو السبب: لا حنث إذن لعدم المنة حيث لا حيلة (و) إن حلف (لا يأوي معها في دار سماها يريدها ولم يكن للدار سبب يهيج يمينه فآوى معها في غيرها حنث) لأنه لما لم يكن للدار أثر في يمينه كان ذكرها كعدمه فكأنه حلف لا يأوي معها فإذا أوى معها حنث لمخالفته ما حلف على تركه (فإن كان للدار أثر في يمينه لكراهته سكناها، أو) لكونه (خوصم من أجلها) أي الدار (أو) لكونه (امتن عليه بها لم يحنث إذا آوى معها في غيرها) لأنه لم يخالف ما حلف عليه، (وإن عدم السبب والنية لم يحنث إلا بفعل ما يتناوله لفظه وهو الايواء معها في تلك الدار بعينها) دون الايواء معها في غيرها لأن لفظه لم يتناوله ولا صارف إليه (والايواء الدخول قليلا كان أو كثيرا) يقال: آويت أنا وآويت فلانا. قال تعالى: * (إذ أوى الفتية إلى الكهف) *. وقال: * (وآويناهما إلى ربوة) * ونقل ابن هانئ: أقل الايواء ساعة. وجزم به في الترغيب (وإن برها) أي المحلوف عليها لا يأوي معها في دار سماها (بصدقة أو غيرها أو اجتمع معها فيما ليس بدار، ولا بيت لم يحنث سواء كان للدار سبب في يمينه أو لم يكن) لأنه قصد جفاءها بهذا النوع (و) لو حلف (لا عدت
314 رأيتك تدخلينها ينوي منعها) من الدخول (حنث بدخولها ولو لم يرها) تدخلها تقديما للنية، وكذا لو اقتضاه السبب لما تقدم (وإن حلف لا يدخل عليها بيتا فدخل عليها فيما ليس ببيت فكالتي قبلها) فإن قصد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه حنث وإلا فلا. قاله في المغني والشرح، (وإن دخل على جماعة هي فيهم يقصد الدخول عليها معهم أو لم يقصد شيئا حنث) لأنه دخل عليها، (وإن استثناها بقلبه فكذلك) أي يحنث لأنه دخل عليها بخلاف مسألة الكلام والسلام المتقدمة في مسائل متفرقة، (وإن كان) دخله وهو (لا يعلم أنها فيه) أي البيت (فدخل فوجدها فيه، فكما لو دخل عليها ناسيا) يحنث في طلاق وعتاق، لا في يمين مكفرة، (وكذلك إن حلف لا يدخل عليها فدخلت عليه فخرج في الحال) لم يحنث لأنه تارك (فإن أقام) معها (حنث) لأن استدامة الدخول دخول. فصل: (والعبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ) لأن السبب يدل على النية فصار كالمنوي وذلك يقتضي تخصيص اللفظ العام وقصره الخاص، وإذا اختلف السبب والنية مثل: أن امتنت امرأة عليه بغزلها فحلف لا يلبس ثوبا من غزلها ينوي اجتناب اللبس خاصة دون الانتفاع بثمن وغيره، قدمت النية على السبب وجها واحدا، لأن النية وافقت مقتضى اللفظ، وإن نوى بيمينه ثوبا واحدا، فكذلك في ظاهر قول الخرقي وهو الأصح خلافا للقاضي، لأن السبب إنما اعتبر لدلالته على القصد فإذا خالف حقيقة القصد لم يعتبر فكان وجوده كعدمه، فلم يبق إلا اللفظ بعمومه والنية تخصه على ما بيناه. ذكره في المبدع (فلو حلف لعامل أن لا يخرج إلا بإذنه ونحوه)
315 كأمره ورضاه (فعزل) العامل (أو) حلف (على زوجته) لا تفعل كذا (فطلقها) انحلت يمينه (أو) حلف (على عبده) لا يفعل كذا (فأعتقه) انحلت يمينه، وكذا لو حلف على أجيره وانقضت مدتها (أو) حلف (لا يدخل بلد الظلم فرآه فيه) أي البلد (فزال) الظلم (أو) حلف (لا أرى منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي أو الوالي فعزل ونحوه) كما لو مات (يريد) الحالف (ما دام) العامل أو الزوجة أو العبد أو الظلم أو القاضي أو الوالي (كذلك أو أطلق) الحالف (انحلت يمينه) تقديما للنية أو السبب على عموم اللفظ لما تقدم (قال ابن نصر الله: والمذهب عود الصفة فيحمل يعني انحلال اليمين على أنه) أي الحالف (نوى تلك الولاية) أي فيما إذا حلف لعامل أو وال أو قاض (وذلك النكاح) أي فيما إذا حلف على زوجته (أو) ذلك (الملك انتهى) أي فيما إذا حلف على عبده ويمكن أن يكون المراد بانحلت يمينه أنه لا يحنث بذلك بعد إلا حال وجود صفة عادت كما قال في المنتهى إحالة على ما سبق في كلامهم (فلو رأى المنكر في ولايته وأمكنه رفعه) إليه (فلم يرفعه) إليه (حتى عزل حنث بعزله ولو رفعه) إليه (بعد ذلك) أي بعد العزل لأنه قد فات رفعه إليه فأشبه ما لو مات ومفهومه كالمنتهى والمبدع وغيرهما إن عزل قبل إمكان رفعه إليه لم يحنث، (وإن مات) العامل أو الوالي أو القاضي (قبل إمكان رفعه إليه حنث) الحالف لأنه قد فات رفعه إليه أشبه ما لو حلف ليضربن عبده في غد فمات العبد اليوم، (وإن لم يعين) الحالف (الوالي أذن) بأن حلف لا أرى منكرا إلا أرفعه لذي الولاية (لم يتعين) ذو الولاية خالف الحلف لعدم ما يقتضي تعيينه، (ولو لم يعلم به) أي المنكر (الحالف إلا بعد علم الوالي فمات لبر كما لو رآه معه) أي مع الولي ولم يحنث كإبرائه من دين بعد حلفه ليقضينه، (وإن حلف اللص أن لا يخبر به ولا يغمز عليه فسأله الوالي عن قوم هو معهم فبرأهم) الحالف (وسكت عنه) أي المحلوف له (يقصد التنبيه عليه حنث) الحالف لأن سكوته عنه بقصد التنبيه عليه في منى الاخبار به والغمز عليه (إلا أن ينوي) الحالف (حقيقة النطق
316 والغمز) فلا يحنث إلا إذا وجد لموافقة النية اللفظ (والغمز أن يفعل) الحالف (فعلا تعلم به أنه هو للص، ولو حلف ليتزوجن يبر بعقد) نكاح (صحيح) لا فاسد لأن فائدة العقد الحل والنكاح الفاسد لا تحل به الزوجة فيكون وجوده كعدمه (و) لو حلف (ليتزوجن عليها، ولا نية ولا سبب لا يبر إلا بدخوله بنظيرتها أو بمن تغمها أو تتأذى بها) لأن الظاهر من يمينه قصد إغاظتها بذلك والتضييق عليها في حقوقها من القسم وغيره وذلك لا يحصل بدون من يساويها في الحق والقسم. والنفقة لا تجب إلا بعد الدخول فلا يحصل مقصود اليمين بدون ذلك (فإن تزوج عجوزا زنجية لم يبرأ نصا) لأنها لا تغمها، ولا تتأذى بها. قال في الشرح: ولو قال: إن تزويج العجوز يغيظها والزنجية لبر به وإنما ذكره أحمد لأن الغالب لا يغيظها لأنها تعلم أنه إنما فعل ذلك حيلة لئلا يغيظها، (و) لو حلف (لا يتزوج عليها حنث بعقد صحيح ولو) كان العقد (على نظيرتها) لأنه صدق أنه تزوجها عليها، (وإن حلف لا يكلمها هجرا حنث) الحالف (بوطئها) لزوال الهجر بالوطئ، (و) لو حلف (ليطلقن ضرتها بر ب) - طلاق (رجعي) لأنه طلاق (إن لم تكن نية أو قرينة تقتضي الإبانة) فلا يبر إلا بها. فصل: (فإن عدم النية وسبب اليمين وما هيجها رجع إلى التعيين وهو الإشارة) لأن التعيين أبلغ من دلالة الاسم على المسمى لأنه ينفي الابهام بالكلية بخلاف الاسم، ولهذا لو شهد عبدان على عين شخص وجب على الحاكم الحكم عليه بخلاف ما لو شهدا على مسمى باسم لم يحكم حتى يعلم أنه المسمى بذلك فيقدم التعيين على الاسم والصفة والإضافة، (فإن تغيرت صفة التعيين)
317 أي المعين (فذلك خمسة أقسام. أحدها أن تستحيل أجزاؤه بتغيير اسمه ك) - ما لو حلف (لا أكلت هذه البيضة فصارت فرخا أو هذه الحنطة فصارت زرعا فأكله) حنث (أو) حلف (لا شربت هذا الخمر فصار خلا، فشربه حنث. الثاني: تغيرت صفته وزال اسمه مع بقاء أجزائه كلا، أكلت هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا أو ناطفا أو غيره من الحلوى) وأكله حنث (أو) حلف (لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو لا أكلت هذا الحمل) بالحاء المهملة (فصار كبشا أو هذه الحنطة فصارت دقيقا، أو سويقا أو هريسة) أو كشكا ونحوه، وأكلها حنث (أو) حلف لا أكلت (هذا العجين فصار خبزا) وأكله حنث، (أو) حلف لا أكلت (هذا اللبن فصار مصلا أو جبنا أو كشكا أو) حلف (لا دخلت هذه الدار فصارت مسجدا أو حماما أو فضاء ثم دخلها أو أكله حنث في جميع ذلك) عملا بالتعيين لما تقدم (الثالث: تبدلت الإضافة ك) - ما لو حلف (لا كلمت زوجة زيد هذه ولا عبده هذا ولا دخلت داره هذه فطلق) زيد (الزوجة وباع العبد، و) باع (الدار فكلمهما) أي الزوجة والعبد (ودخل الدار حنث) الحالف لأنه إذا قدم تعيين على الاسم فلان يقدم على الإضافة أولى (الرابع: تغير صفته) أي المحلوف عليه (بما يزيل اسمه ثم عادت) الصفة (كمغص انكسر ثم أعيد، وقلم كسر ثم بري، وسفينة نقضت ثم أعيدت، ودار هدمت ثم بنيت ونحوه. فإنه) أي الحالف (يحنث) بفعل المحلوف عليه لتقديم التعيين لأنه إذا قدم على الاسم فالصفة أولى. (الخامس: تغيرت صفته بما لم يزل اسمه كلحم) حلف لا يأكله (شوي، أو
318 طبخ) ثم أكله حنث. (و) ك (- تمر حديث) حلف لا يأكله (فعتق) ثم أكله حنث (وعبد بيع ورجل صحيح) حلف لا يكلمه مثلا (فمرض ونحوه) ثم كلمه (فإنه يحنث) تقديما للتعيين لما تقدم. (وإن قال) الحالف في حلفه: (لا كلمت سعدا زوج هند أو سيد صبيح، أو صديق عمرو أو مالك هذه الدار، أو صاحب الطيلسان، أو) قال: (لا كلمت هند امرأة سعد أو صبيحا عبدا، أو عمرا صديقه، فطلق الزوجة، وباع العبد والدار والطيلسان وعادى عمرا ثم كلمهم حنث) لأنه متى اجتمع الاسم والإضافة غلب الاسم لجريانه مجرى التعيين في تعريف المحل، (و) لو حلف (لا يلبس هذا الثوب وكان) الثوب (رداء حال حلفه فارتدى به أو اتزر أو اعتم أو جعله قميصا، أو سراويل، أو قباء فلبسه، حنث) لفعله المحلوف عليه لأنه لبسه، (وكذلك إن كان) الثوب (سراويل فارتدى أو اتزر به حنث) لأنه لبسه عادة و (لا) يحنث (إذا اتزر به) أي القميص (ولا بطيه وتركه على رأسه ولا بنومه عليه أو تدثره) لأن ذلك ليس لبسا للقميص عادة. (وإن قال: لا ألبسه وهو رداء فغير) المحلوف عليه (عن كونه رداء ولبس لم يحنث) لأن الحال قيد في عاملها ولم يلبسه على تلك الصفة، (وكذلك) لا يحنث (إن نوى بيمينه في شئ من هذه الأشياء ما دام على تلك الصفة والإضافة أو ما لم يتغير) أو كان السبب يدل على ذلك لأن كلا من النية والسبب مقدم على التعيين. فصل: (فإن عدم النية وسبب اليمين وما هيجها والتعيين رجع إلى ما يتناوله الاسم) لأنه دليل على إرادة المسمى ولا معارض له هنا فوجب أن يرجع إليه عملا به لسلامته عن المعارضة (والاسم يتناول العرفي والشرعي والحقيقي: وهو اللغوي) أي ينقسم
319 إلى هذه الأقسام الثلاثة (فيقدم شرعي) أي فتنصرف اليمين إلى الموضوع الشرعي فيما له موضع شرعي عند الاطلاق قال في المبدع: لا نعلم فيه خلافا (ثم عرفي) لأنه الذي يريده بيمينه ويفهم من كلامه أشبه الحقيقة في غيره (ثم لغوي فالشرعي ماله موضوع فيه) أي في الشرع (وموضوع في اللغة كالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه)، كالوضوء والغسل والتيمم والاعتكاف (فاليمين المطلقة تنصرف إلى الموضوع الشرعي) لأن ذلك هو المتبادر إلى الفهم عند الاطلاق لأن الشارع إذا مال صل تعين فعل الصلاة المشتملة على الأفعال المخصوصة إلا أن يقترن بكلامه ما يدل على الموضوع اللغوي فكذلك الحالف (ويتناول الصحيح منه) أن الفاسد ممنوع منه بأصل الشرع فلا حاجة إلى المنع من فعله باليمين (إلا إذا حلف لا يحج فحج حجا فاسدا فيحنث) لوجوب المضر في فاسده ولان حكمه حكم الصحيح فيما يحل ويحرم ويجب من الفدية وغيرها (فإذا حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا) لم يحنث (أو) حلف (لا ينكح غيره) أي يزوجه (فأنكح نكاحا فاسدا) لم يحنث (أو حلف ما بعت ولا صليت ونحوه) كنكحت (وكان قد فعله فاسدا لم يحنث) لأن اليمين لم تتناول الفاسد. (إلا أن يضيف اليمين إلى شئ لا تتصور فيه الصحة كحلفه لا يبيع الحر أو) لا يبيع (الخمر أو ما باع الحر أو) ما باع (الخمر أو قال لزوجته: إن سرقت مني شيئا وبعتيه) فأنت طالق (أو) قال لها: إن (طلقت فلانة الأجنبية فأنت طالق فيحنث بصورة البيع والطلاق) لتعذر حمل يمينه على عقد صحيح أو طلاق واقع فتعين كون صورة ذلك محلا له (فإن حلف لا يبيع فباع بيعا فيه الخيار حنث) لأنه بيع شرعي فيحنث به كاللازم (و) لو حلف (لا أبيع ولا أتزوج ولا أؤجر فأوجب البيع والنكاح والإجارة) أي أتي بالايجاب في ذلك (ولم يقبل المشتري والمتزوج والمستأجر لم يحنث) قال في المبدع في مسألة البيع والنكاح: لا نعلم فيه خلافا لأنه لا يتم إلا
320 بالقبول فلم يقع على الايجاب بدونه وإن قبل حنث (ولا يتسرى فوطئ جاريته حنث ولو عزل) أو لم يحضنها أو يحجبها عن الناس لأن التسري مأخوذ من السر وهو الوطئ قال تعالى: * (ولكن لا تواعدوهن سرا) *. ولان ذلك حكم تعلق بالوطئ فلم يعتبر فيه الانزال ولا التحصين كسائر الاحكام (كحلفه لا يطأ) امرأته أو سريته أو غيرها فإنه يحنث بتغييب الحشفة أو قدرها في فرج أصلي وإن لم ينزل. قلت: وبما ذكر في التسري علم أنه لا يعتبر إخراجها على هيئة الأحرار (و) لو حلف (لا يحج ولا يعتمر حنث بإحرام) صحيح أو فاسد لأنه بمجرد الاحرام يسمى حاجا أو معتمرا (و) لو حلف (لا يصوم حنث بشروع صحيح) في الصوم لأنه بالشروع فيه يسمى صائما (ولو كان حال حلفه) لا يصوم (صائما) فاستدام لم يحنث (أو) كان حال حلفه لا يحج (حاجا فاستدام) لم يحنث (أو حلف على غيره لا يصلي وهو) أي المحلوف عليه (في الصلاة فاستدام لم يحنث) الحالف بالاستدامة، (و) لو حلف (لا يصوم صوما لم يحنث حتى يصوم يوما) لأن يمينه تنصرف للصوم الشرعي وإمساك بعض يوم ليس بصوم شرعي (و) إن حلف (لا يصلي حنث بتكبيرة الاحرام) لأنه يدخل بها في الصلاة فيسمى مصليا، (و) حلف (لا يصلي صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة) بأن يصلي ركعة بسجدتها لأنه أقل ما يطلق عليه اسم الصلاة شرعا (ويشمل) يمينه (صلاة الجنازة فيهما) أي فيما إذا حلف لا يصلي ولا يصلي صلاة لأنه يقال صلاة الجنازة فتدخل في العموم (قال القاضي وغيره: الطواف ليس بصلاة في الحقيقة) قال المجد: ليس صلاة مطلقة ولا مضافة. لكن في كلام أحمد أنه صلاة وقال أبو الحسن وغيره في الحديث: الطواف بالبيت مثل الصلاة في الاحكام كلها إلا فيما استثناه وهو النطق، (وإن حلف لا يهب لزيد شيئا ولا يوصي له، ولا يتصدق عليه أو لا يعيره ففعله) أي وهب له أو تصدق عليه، أو أهدى له أو أعاره أي أتى بالايجاب في هذه (ولم يقبل زيد حنث) الحالف لأن ذلك لا عوض فيه
321 فيحنث بالايجاب فقط كالوصية. (وإن نذر أن يهب له) أي لزيد مثلا (بر) الناذر (بالايجاب) وإن لم يقبل زيد. قلت: وكذا لو نذر أن يتصدق عليه أو أن يهدي له، أو أن يعيره لأن الاسم يقع عليها بدون القبول (و) لو حلف (لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث) لأن الصدقة نوع من الهبة ولا يحنث الحالف على نوع بفعل نوع آخر ولا يثبت للجنس حكم النوع (و) لو حلف (لا يهبه فأسقط عنه دينا، أو أعطاه من نذره أو كفارته أو صدقته الواجبة، أو أعاره أو أوصى له لم يحنث) لأن ذلك ليس بهبة، (فإن تصدق عليه تطوعا) حنث لأنه من أنواع الهبة، (أو أهدى له أو أعمره) حنث لأنهما من الهبة، (أو وقف عليه) حنث لأنه تبرع له بعين في الحياة فهو في العرف هبة، (أو باعه أو حاباه حنث) لأنه ترك له بعض المبيع بغير عوض أو وهبه بعض الثمن، (وإن حلف لا يتصدق عليه فأطعم عياله لم يحنث) لأن نفقته عليهم ليست صدقة عرفا وإن أطلق عليها في الخبر صدقة فباعتبار ترتب الاجر. فصل: (والاسم اللغوي) وهو الحقيقة أي اللفظ المستعمل في وضع أول (ما لم يغلب مجازه، فإن حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم أو المخ الذي في العظام، أو) أكل (الكبدة أو الطحال أو القلب أو الكرش أو المصران، أو الألية أو الدماغ وهو المخ الذي في قحف الرأس، أو القانصة أو الكلية أو الكوارع أو لحم الرأس أو لحم خد الرأس، أو اللسان ونحوه لم يحنث) لأنه لا يسمى لحما وينفرد عنه باسمه وصفته ولو أمر وكيله بشراء لحم فاشترى شيئا من هذه لم يكن ممتثلا ولا ينفذ الشراء وهو من الحيوان كالعظم (إلا أن يكون) الحالف (أراد اجتناب الدسم) وكذا إذا اقتضاه السبب فيحنث بها لما فيها
322 من الدسم (ويحنث) الحالف لا يأكل لحما (بأكل لحم ولو كان محرما ك) - لحم (خنزير وميتة ومغصوب، و) يحنث (بلحم سمك ولحم قديد ولحم طير و) لحم (صيد) لدخول ذلك كله في مسمى اللحم، (و) لو حلف (لا يأكل شحما فأكل شحم الجوف من الكلي أو غيره أو) أكل (من شحم الظهر أو) من (سمينه ونحوه أو) من (السنام أو الألية حنث) لأن كل ما يذوب بالنار مما في الحيوان يسمى شحما. وقد سمى الله تعالى ما على الظهر من ذلك شحما بقوله: * (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أوما اختلط بعظم) *. فاستثناه من الشحم ولولا دخوله في مفهوم الشحم لم يصح استثناؤه و (لا) يحنث من حلف لا يأكل شحما (باللحم الأحمر) لأنه لا يظهر فيه شئ من الشحم. وقال الخرقي يحنث لأن اللحم لا يخلو من شحم (و) لو حلف (لا يأكل لبنا فأكل من لبن) بهيمة (الانعام) أي الإبل أو البقر أو الغنم (أو) من لبن (الصيد أو لبن آدمية حليبا كان أو رائبا أو مائعا أو مجمدا حنث). لأن الجميع لبن، (وإن أكل زبدا أو سمنا أو كشكا وهو الذي يعمل من القمح واللبن، أو) أكل (مصلا) قال في القاموس: المصل والمصالة ما سال من الأقط إذا طبخ ثم عصر (أو) أكل (أقطا أو جنبا لم يحنث) لأنه لا يسمى لينا (إن لم يظهر فيه طعمه) أي اللبن لا يحنث إذن (و) لو حلف (لا آكل زبدا فأكل سمنا أو لبنا لم يظهر فيه) طعم (الزبد لم يحنث) لأنه لا يسمى زبدا (وإن كان) طعم الزبد (ظاهرا فيه) أي في السمن أو اللبن (حنث) لأن ظهوره كوجوده (وإن أكل) من حلف لا يأكل زبدا، (جبنا أو ما يصنع من اللبن من كشك أو مصل أو أقط ونحوه لم يحنث) لأنه لا يسمى زبدا (ولا يأكل سمنا فأكل زبدا أو ما يصنع من اللبن) كالجبن ونحوه (سوى السمن
323 لم يحنث) لأنه ليس بسمن، (وإن أكل) الحالف لا يأكل سمنا (السمن منفردا أو) أكل (في عصيدة أو حلوى أو طبيخ من خبيص ونحوه يظهر طعمه) أي السمن (فيه حنث) لأن ظهوره كوجوده، (وكذلك إذا حلف لا يأكل لبنا فأكل طبيخا فيه لبن) يظهر طعمه فيه حنث (أو) حلف (لا يأكل خلا فأكل طبيخا فيه خل يظهر طعمه فيه حنث، و) لو حلف (لا يأكل فاكهة حنث بعنب ورطب ورمان وسفرجل وتفاح وكمثري، وخوخ، وأترج، ونبق، وموز، وجميز، وبطيخ) بكسر الباء لأنه ينضج ويحلو وكل ثمر الشجر، (وكل ثمر شجر غير بري ولو يابسا كصنوبر وعناب، وجوز، ولوز، وبندق، وتمر، وتوت، وزبيب، ومشمش) بكسر ميمه (وتين وإجاص) بكسر الهمزة وتشديد الجيم قاله في الحاشية (ونحوها) لأن ذلك يسمى فاكهة عرفا وشرعا وقوله تعالى: * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) *. العطف لتشريفهما وتخصيصهما، كقوله * (من كان عدوا لله وملائكته) *. الآية (لا) يحنث من حلف لا يأكل فاكهة بأكل (قثاء وخيار وخس وزيتون) لأنه لا يتفكه به بل المقصود زيته (وبلوط وبطم) بضم الباء الحبة الخضراء وقال الخليل: شجرة الحبة الخضراء الواحدة بطمة قاله في الحاشية (وزعرور) بضم الزاي (أحمر) من ثمر البادية يشبه النبق في خلقه وفي طعمه حموضة قاله في الحاشية (وثمر قيقب) بقاف مفتوحة ثم ياء مثناة تحت ثم موحدة تحت (وعفص وآس وخوخ الدب وسائر ثمر كل شجر لا يستطاب ولا قرع وباذنجان وجزر ولفت وفجل وقلقاس وسنوطل ونحوه) لأن كل ذلك لا يسمى فاكهة ولا هو في معناها، (وإن حلف لا يأكل رطبا أو بسرا فأكل مذنبا) بكسر النون المشددة الذي بدأ فيه الإرطاب من قبل ذنبه (أو) أكل (منصفا) أي ما نصفه رطب ونصفه بسر (حنث) لأنه قد أكل الرطب أو البسر، (كما لو أكل نصف رطبة ونصف بسرة منفردتين فإن كان الحلف
324 على الرطب فأكل القدر الذي أرطب من النصف) حنث، (أو كان) الحلف (على البسر فأكل البسر الذي في النصف حنث) لفعله المحلوف عليه كما لو أكله منفردا، (وإن أكل البسر من يمينه على الرطب أو) أكل (الرطب من يمينه على البسر لم يحنث) لأنهما لم يفعلا ما حلفا على تركه. لأن كلا من البسر والرطب مغاير للآخر، (وإن حلف واحد ليأكلن رطبا و) حلف (آخر ليأكلن بسرا فأكل الحالف على أكل الرطب ما في المنصف من الرطب وأكل الآخر باقيها برا جميعا) لفعلهما ما حلفا عليه كما لو أكلا من غير المنصف (و) لو حلف (ليأكل رطبة أو بسرة أو لا يأكل ذلك) أي رطبة أو بسره (فأكل منصفا لم يبر ولم يحنث لأنه ليس فيه) أي المنصف (رطبة ولا بسرة و) لو حلف (لا يأكل رطبا فأكل تمرا، أو بلحا، أو بسرا، أو) حلف (لا يأكل تمرا فأكل بسرا أو بلحا، أو رطبا أو دبسا أو ناطفا لم يحنث) لعدم فعله ما حلف على تركه، والبسر هو البلح إذا أخذ في الطول والتلون إلى الحمرة أو الصفرة، فأوله طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر، ثم رطب، ثم تمر، الواحدة بسرة والجمع بسرات وبسر قاله في الحاشية (و) إن حلف (لا يأكل عنبا فأكل زبيبا أو دبسا أو هما أو ناطفا أو لا يكلم شابا فكلم شيخا، أو لا يشتري جديا فاشترى تيسا، أو لا يضرب عبدا فضرب عتيقا لم يحنث) لأنه لم يفعل ما حلف لا يفعله بل غيره (و) لو حلف (لا يأكل من هذه البقرة لم يعم ولدا ولبنا) لأن ذلك لا يتبادر إلى الذهن منها (و) لو حلف (لا يأكل من هذا الدقيق فأسيغه أو خبزه فأكله حنث) لأنه أكله قال الرهاني: حقيقة الاكل بلع الطعام بعد مضغه فبلع الحصا ليس بأكل حقيقة، ذكره في حاشيته (وحقيقة الغداء والقيلولة قبل الزوال و) حقيقة (العشاء بعده وآخره) أي العشاء (نصف الليل) وما بعده إلى آخر الليل يسمى سحورا (فلو حلف لا
325 يتغدى فأكل بعده) أي بعد الزوال لم يحنث. لأنه ليس بغداء بل عشاء (أو) حلف (لا يتعشى فأكل بعد نصف الليل) لم يحنث. لأنه سحور لا عشاء (أو) حلف (لا يتسحر فأكل قبله) أي قبل نصف الليل (لم يحنث) لأنه عشاء لا سحور (والغداء والعشاء أن يأكل أكثر من نصف شبعه) فلا يحنث من حلف لا يتغدى أو يتعشى بالنصف فأقل، (و) لو حلف (لا ينام حنث بأدنى نوم)، وكذا يحنث من حلف لا يسافر بالسفر القصير، (و) من حلف (لا يأكل أدما حنث بأكل ما جرت العادة بأكل الخبز به من مصطبغ به) أي ما يغمس فيه الخبز (كالطبيخ والمرق، والخل، والزيت، والسمن، والشيرج، واللبن، والدبس، والعسل، أو جامد كالشواء، والجبن، والباقلاء، والزيتون، والبيض، والملح، والتمر، والزبيب ونحوه) من كل ما جرت العادة بأكل الخبز به. لأن ذلك هو التأدم. قال تعالى: * (وصبغ للآكلين) *. وقال النبي (ص): نعم الادام الخل. رواه مسلم وقال رسول الله (ص): ائتدموا بالزيت وادهنوا به. رواه ابن ماجة ورجاله ثقات، وقال (ص): سيد إدم أهل الدنيا والآخرة اللحم. رواه ابن قتيبة في غريبه. وقال (ص): سيد إدامكم الملح رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف ومضغ (ص) تمرة على كسرة وقال: هذه إدام هذه. رواه البخاري في تاريخه (والقوت الخبز وحبه) من بر وشعير وذرة ودخن ونحوه. (ودقيقه وسويقه والفاكهة اليابسة) كتمر وزبيب ومشمش وتين وتوت (واللحم واللبن ونحوه لا عنب وحصرم وخل ونحوه) كملح ورطب (والطعام ما يؤكل ويشرب من قوت وأدم وحلو، وجامد ومائع، وما جرت العادة بأكله
326 من نبات الأرض لا ماء ودواء، وورق شجر ونشارة خشب، وتراب، ونحوها) كفحم. لأن أهل العرف لا يطلقون اسم الطعام على هذه (والعيش في العرف الخبز من حنطة) وفي الفقه من العيش الحياة. فصل: (وإن حلف لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا، أو جوشنا أو خفا، أو نعلا أو عمامة، أو قلنسوة) بفتح القاف وضم السين (حنث) لأنه ملبوس حقيقة وعرفا فحنث به كالثياب (فإن ترك القلنسوة في رحله أو أدخل يده في الخف أو النعل) أو القلنسوة (لم يحنث) لأنه ليس لابسا لذلك عادة، (و) من حلف (لا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة، أو) لبس (خاتما ولو في غير الخنصر أو دراهم أو دنانير في مرسلة ونحوها، أو) بس (لؤلؤا وجوهرا في مخنقة، أو) ليس ذلك (منفردا أو) ليس (منطقة) وتسميها العامة حياصة (محلاة حنث) قال تعالى: * (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا) *. وقال * (وتستخرجون منه حلية تلبسونها) *. وقال ابن عمر: قال الله تعالى للبحر الشرقي إني جاعل فيك الحلية والصيد والطيب و (لا) يحنث إن لبس (سبحا وعقيقا وحريرا ولو لامرأة، ولا ودعا أو خرز زجاج ونحوه ولا سيفا محلى دون منطقته) لأن ذلك ليس بحلية، (و) لو حلف (لا يدخل دار فلان أو لا يركب دابته، أو لا يلبس ثوبه فدخل أو ركب أو لبس ما هو ملك له، أو) ما هو (مؤجره أو مستأجره أو جعله لعبده حنث) لأن الإضافة للاختصاص وساكن الدار مختص بها فإضافتها
327 إليه صحيحة وهي مستعملة في العرف وقال تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن) *. وقال تعالى: * (وقرن في بيوتكن) *. وما جعله السيد لعبده لم يخرج عن ملك السيد و (لا) يحنث من حلف لا يدخل دار فلان أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب دابته (فاستعاره فلان أو) استعاره (عبده) أو غصبه من دار أو ثوب أو دابة. لأنه لا يملك منافعه بخلاف المستأجر، (و) لو حلف (لا يدخل مسكنه حنث) الحالف (ب) - دخوله (مستأجر) يسكنه (و) دخول (مستعار) يسكنه (و) دخول (مغصوب يسكنه) لأنه يسكنه و (لا) يحنث (ب) - دخول (ملكه الذي لا يسكنه) سواء كان مالكا لعينه أو منافعه ولم يسكنه لأنه ليس مسكنه (وإن قال) في حلف: لا يدخل (ملكه لم يحنث بمستأجر) له لأنه ليس ملكه أشبه المستعار له، (و) من حلف (لا يركب دابة عبد فلان فركب دابة جعلت برسمه حنث) لأنه مختص بها حينئذ (كحلفه لا يركب رحل هذه الدابة أو لا يبيعه) أو لا يهبه ونحوه (و) من حلف (لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث) لأنه من الدار وحكمه حكمها بدليل صحة الاعتكاف في سطح المسجد ومنع الحنث منه. فأشبه ما لو دخل الدار نفسها و (لا) يحنث من حلف لا يدخل دارا (إن وقف على الحائط أو في طاق الباب) لأنه لا يسمى داخلا الدار نفسها وقال القاضي: إذا أقام في موضع لو أغلق الباب كان خارجا منه لم يحنث. وجزم به في الوجيز (أو كان في اليمين دلالة لفظية أو حالية تقتضي اختصاص الإرادة بداخلها مثل أن يكون سطح الدار طريقا وسبب يمينه يقتضي ترك وصلة أهل الدار لم يحنث بالمرور على سطحها) لأن سبب اليمين مقدم على عموم اللفظ لما تقدم. (وإن نوى باطن الدار تقيدت به يمينه) لأن النية تخصص اللفظ العام كما تقدم، (وإن تعلق بغصن شجرة في الدار من خارجها لم يحنث) لأنه لم يدخلها (فإن صعد) على الشجرة (حتى صار في مقابلة
328 سطحها بين حيطانها) حنث. لأن الهواء تابع للقرار كما لو أقام على سطحها، (أو كانت الشجرة في غير الدار فتعلق بفرع ماد على الدار في مقابلة سطحها حنث) لما تقدم (وإن حلف ليخرجن منها فصعد سطحها لم يبرأ) لأن سطحها منها كما تقدم، (و) إن حلف (لا يخرج منها فصعده) أي السطح (لم يحنث) لما تقدم، فإن كانت نية أو سبب عمل بها (و) لو حلف (لا يضع قدمه في الدار أو لا يطؤها أو لا يدخلها فدخلها راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منتعلا حنث). و (لا) يحنث (بدخول مقبرة لأنه العرف) أي لأن دخول الدار ووضع قدمه فيها هو دخولها كيف كان عرفا، والمقبرة لا تسمى دارا عرفا، وإن أطلق عليها ذلك في قوله (ص): أهل الديار من المؤمنين قال بعض العلماء: الدار في اللغة تقع على الربع المسكون وعلى الخراب غير المأهول، (وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان من ذكر وأنثى وصغير وكبير وعاقل ومجنون)، لأنه نكرة في سياق النفي فتعم، فقد فعل المحلوف عليه، (ولا يكلم زيدا ولا يسلم عليه فإن زجره فقال) له: (تنح أو اسكت حنث) لأن ذلك كلام فيدخل فيما حلف على عدمه. قال في المبدع: وقياس المذهب لا (إلا أن يكون) الحالف (نوى كلاما غير هذا) فلا يحنث به (وإن صلى) الحالف (بالمحلوف عليه إماما ثم سلم) الحالف (من الصلاة لم يحنث) لأن السلام وكل مشروع في الصلاة لا يحنث به كالتكبيرات (وإن ارتج عليه) أي على المحلوف عليه (في الصلاة ففتح عليه الحالف لم يحنث) لأنه كلام الله وليس بكلام الآدميين (ولو كاتبه) الحالف (أو أرسل إليه رسولا حنث) لقوله تعالى: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) *. وقول عائشة ما بين دفتي المصحف كلام الله ولان ذلك وضع لافهام الآدميين أشبه الخطاب. قال في الشرح والمبدع: والصحيح أن هذا
329 ليس بتكليم لكن إن نوى ترك مراسلته أو سبب يمينه يقتضي هجرانه فإنه يحنث (إلا أن يكون) الحالف (أراد أن لا يشافهه) فلا يحنث بالمكاتبة ولا بالمراسلة، وإن أرسل من يسأل أهل العلم عن مسألة لم يحنث بسؤال الرسول المحلوف عليه كما تقدم في الطلاق. لأنه لم يراسله، (وإن أشار إليه حنث قاله القاضي) لأن الإشارة في معنى المكاتبة والمراسلة في الافهام. وقال أبو الخطاب لا يحنث لأنه ليس بكلام قال الله تعالى لمريم عليه السلام: * (فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) * إلى قوله * (فأشارت إليه) * وأما قوله تعالى: * (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أي أم إلا رمزا) *. فهو استثناء منقطع وقول أبي الخطاب هو مقتضى ما تقدم في الطلاق أنه لا يحنث بها (وإن ناداه) الحالف (بحيث) إن المحلوف عليه (يسمع فلم يسمع تشاغله أو غفلة) حنث لأنه كلمه، (أو سلم) الحالف (عليه) أي على من حلف لا يكلمه (حنث) لان السلام كلام تبطل به الصلاة فحنث به كغيره وفي الرعاية إن سلم عليه ولم يعرفه فوجهان، (وإن سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم) به (فكناس) فيحنث في طلاق وعتق (وإن علم به ولم ينوه) الحالف بالسلام (ولم يستثنه) الحالف (بقلبه ولا بلسانه كأن يقول السلام عليكم إلا فلانا حنث) لأنه كلمه لدخوله في التسليم عليهم والسلام كلام لما سبق وفلان مرسوم في النسخ بلا ألف فيخرج على لغة ربيعة. لأنه صوب لا غير (و) إن حلف (لا يبتدئه بكلام فتكلما معا لم يحنث) لأنه لم يبتدئه (بخلاف لأنه حتى يكلمني أو يبدأني بكلام فيحنث بكلامهما معا) لأن يمينه هذه تقتضي ترتيب كلامه بكلام فلان فإذ تكلما معا لم يوجد الترتيب فيحنث، (و) لو حلف (لا يكلمه حينا فالحين ستة أشهر إذا طلق ولم ينو) الحالف (شيئا) لأن الحين المطلق في كلام الله تعالى أقله ستة أشهر فيحمل مطلق كلام الآدمي عليه. قال عكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة في قوله تعالى: * (تؤتي أكلها كل حين) *. أي ستة أشهر وأما قوله تعالى: * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) *. الآية. وقوله: * (فذرهم في غمرتهم حتى حين) *. فصرفه
330 عن ذلك صارف (وكذا الزمان معرفا) أي فهو ستة أشهر. قدمه في المبدع وغيره ولم يعلله. (وإن قال: زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا أو طويلا أو وقتا أو عمرا أو حقبا فأقل زمان) لأن ما زاد عليه مشكوك في إرادته من اللفظ والأصل عدمه، (وإن قال: الأبد والدهر والعمر معرفا فذلك) أي كل واحد منهما (على الزمان كله) لأن الألف واللام فيها للاستغراق (والحقب ثمانون سنة) روي عن علي وابن عباس في تفسير ذلك وقاله في الصحاح (والشهور ثلاثة كالأشهر والأيام) لأن أقل الجمع ثلاثة على المتعارف. (وإن قال): لا أكلمه ونحوه (إلى الحول فحول كامل) من حين اليمين (لا تتمته) إن حلف في أثناء حول قال في الفروع أوما إليه أحمد ذكره في الانتصار، (وإن حلف لا يتكلم ثلاثة أيام أو ثلاث ليال دخل في ذلك الأيام التي بين الليالي والليالي التي بين الأيام) قال في المبدع: وإن عين أياما تبعتها الليالي (و) من حلف (لا يدخل باب هذه الدار أو قال: لا دخلت من باب هذه الدار فحول) الباب (ودخله حنث) لأنه فعل ما حلف على تركه (و) كذا (لو) جعل لها باب آخر (مع بقاء) الباب (الأول) ودخله حنث لأنه بابها، (وإن قلع الباب ونصب في دار أخرى وبقي الممر حنث بدخوله الممر فقط) أي لا إن دخل من الموضع الذي نصب فيه الباب للدار الأخرى لأن المراد بالباب موضعه لأنه مكان الدخول لا ذات الخشب (ولا يدخل هذه الدار من بابها فدخلها من غيره حنث) قال في الشرح ويتخرج على أن يحنث إذا أراد بيمينه اجتناب الدار ولم يكن الباب سبب هيج اليمين (ولا يكلمه إلى حين الحصاد أو الجذاذ انتهت يمينه بأوله) لأن إلى لانتهاء الغاية فينتهي عند أولها لقوله تعالى: * (أتموا الصيام إلى الليل) *. (وإن
331 حلف لا مال له وله مال، ولو غير زكوي من الأثمان والعقارات، والأثاث، والحيوان ونحوه، أو له دين على ملئ أو غيره أو) له (ضائع ولم ييأس من عوده أو) له (مغصوب أو محجور) من دين أو وديعة ونحوها (حنث) لأنه مال فوجب أن يحنث في يمينه للمخالفة والدين مال ينعقد عليه الحول ويصح تصرفه فيه بالابراء والحوالة أشبه المودي ولان المال ما تتموله الناس عادة لطلب الربح مأخوذ من الميل من يد إلى يد وجانب إلى جانب، قال في الواضح: (فإن أيس من عوده) أي الضائع (كالذي سقط في البحر) لأن الظاهر عدمه (أو كان متزوجا) لأن الزوجة ليست بمال ولو كانت أمة وليس مالكا لها بل لمنفعة البضع أو الحل على ما تقدم أو كان مستأجرا عقارا أو غيره كحيوان وأثاث لأنه لا يملك وإنما يملك منافعه ولا تسمى ملكا عرفا (أو وجب له حق شفعة لم يحنث) بحلفه لا مال هل لأن حق الشفعة ليس بمال ولذلك لا يصح الاعتياض عنه كما تقدم، (و) من حلف (لا يفعل شيئا فوكل من يفعله ففعله) الوكيل (حنث) الحالف (إلا أن ينوي) المباشرة بنفسه لأن فعل وكيله كفعله نص عليه ولان الفعل يضاف إلى الموكل فيه والامر به، كما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه فلو حلف لا يكلم عبدا اشتراه زيد فكلم عبدا اشتراه وكيله، أو لا يضرب عبده فضرب بأمره حنث، (ولو توكل الحالف فيما حلف أن لا يفعله وكان) المحلوف عليه (عقدا أضافه إلى الموكل) بأن قال: بعت عن موكلي أو اشتريت له (أو أطلق) فلم يضفه إلى الموكل (لم يحنث) الحالف لأن حقوق العقد متعلقة بالموكل كما تقدم لكن تقدم في النكاح لا يصح إذا لم يضفه لموكله.
332 فصل: (والعرفي ما اشتهر مجازه حتى غلب على حقيقته) أي اللغوية (بحيث لا يعلمها أكثر الناس) لأنه إذا لم يشتهر يكون مجازا لغة سمي عرفيا لاستعمال أهل العرف له في غير المعنى اللغوي. وذلك أن اللفظ قد يكون حقيقة لغوية في معنى ثم يغلب على معنى آخر عرفي (كالرواية وهي في العرف اسم للمزادة) بفتح الميم والقياس كسرها وهي شطر الرواية والجمع مزايد قاله في الحاشية (وفي الحقيقة اسم لما يستقي عليه من الحيوانات) قاله في الشرح في موضع وفي الشرح في موضع آخر والمبدع ونصره المنتهى وغيرها: للجمل الذي يستقي عليه (والظعينة في العرف المرأة وفي الحقيقة اسم للناقة التي يظعن) أي يرتحل (عليها، والدابة في العرف اسم لذوات الأربع من الخيل والبغال والحمير، وفي الحقيقة اسم لما دب ودرج والعذرة والغائط في العرف الفضلة المستقذرة وفي الحقيقة العذرة فناء الدار) ومنه قول علي: ما لكم لا تنقون عذراتكم يريد أفنيتكم (والغائط المطمئن من الأرض فهذا) المذكور (وأمثاله تنصرف يمين الحالف إلى مجازه) لأنه يعلم أن الحالف لا يريد غيره فصار كالمصرح به (دون حقيقته) لأنها صارت مهجورة ولا يعرفها أكثر الناس (فإن حلف على وطئ امرأة تعلقت يمينه بجماعها) لأنه الذي ينصرف إليه اللفظ في العرف، (و) إن حلف (لا يشم الريحان فشم الورد والبنفسج والياسمين ولو يابسا حنث) لأنه يتناوله اسم الريحان حقيقة. وقال القاضي:
333 تختص يمينه بالريحان لأنه المسمى عرفا وقدمه في المقنع وجزم به في الوجيز (ولا يشم الورد والبنفسج فشم دهنهما أو شم ماء الورد حنث) لأن الشم إنما هو للرائحة دون الذات ورائحة الورد والبنفسج موجودة في دهنهما ورائحة الورد موجودة في ماء الورد (و) من حلف (لا يشم طيبا فشم نبتا ريحه طيب) كمرزجوش ونحوه مما تقدم في الطيب في الاحرام (حنث) لأنه يتناوله اسم الطيب و (لا) يحنث إن شم (فاكهة) لأنها ليست من الطيب (ولا يأكل رأسا حنث بأكل كل رأس حيوان من الإبل) والبقر والغنم (والصيود ويأكل رؤوس طيور و) رؤوس (سمك وجراد) لعموم الاسم فيه حقيقة وعرفا (ولا يأكل بيضا حنث يأكل كل بيض يزايل) أي يفارق (بائضه، كثر وجوده كبيض الدجاج أو قل كبيض النعام لأنه العرف ولا يحنث بأكل بيض السمك والجراد) عند أبي الخطاب ونقله في الشرح عن أكثر العلماء، وقاله القاضي في موضع من خلافه، واختاره الموفق والشارح وعند القاضي يحنث وقدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لعموم الاسم فيه حقيقة وعرفا وصححه في تصحيح الفروع. وقال في الانصاف: وهو المذهب وقطع به في التنقيح والمنتهى (ولو حلف لا يشرب ماء فشرب ماء ملحا أو ماء نجسا) حنث لأنه ماء، (أو لا يأكل خبزا فأكل خبز الأرز أو الذرة أو غيرهما) كخبز الدخن (في مكان يعتاد أكله) فيه، (أو لا حنث) لتناول الاسم له، (و) لو حلف (لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو الكعبة أو بيت رحا أو) دخل (حماما أو بيت شعر، أو) بيت (أدم) أي جلد، (أو) دخل (خيمة حنث، حضريا
334 كان الحالف أو بدويا) لأنها بيوت حقيقة لقوله تعالى: * (في بيوت أذن الله أن ترفع) *. وقوله: * (إن أول بيت وضع للناس) *. الآية - وقوله (ص): بئس البيت الحمام رواه أبو داود وغيره وفيه ضعف. وإذا كان في الحقيقة بيتا وفي عرف الشارع حنث بدخوله. وأما بيت الشعر والأدم فلان اسم البيت يقع عليه لقوله تعالى: * (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) *. الآية - والخيمة كذلك و (لا) يحنث (إن دخل دهليز الدار أو صفتها) التي تكون وراء الباب لأن ذلك لا يسمى بيتا، (و) لو حلف (لا يركب فركب سفينة حنث) لأنه ركوب لقوله تعالى: * (أركبوا فيها) *. * (فإذا ركبوا في الفلك) *. (و) إن حلف (لا يتكلم فقرأ ولو خارج الصلاة) أو سبح الله، (أو ذكر الله لم يحنث) لأن الكلام في العرف لا يطلق إلا على كلام الآدميين وقال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: * (وقوموا لله قانتين) * فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وقال تعالى: * (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار) *. فأمره بالذكر والتسبيح مع قطع الكلام عنه (وحقيقة الذكر ما نطق به فتحمل يمينه عليه) لأن ما لا ينطق به من حديث النفس (قال أبو الوفاء: لو حلف لا يسمع كلام الله فسمع القرآن حنث إجماعا، وإن استؤذن عليه فقال: ادخلوها بسلام آمنين يقصد القرآن لينبهه لم يحنث) لأنه مع قصده القرآن من القرآن وليس من كلام الآدميين (وإلا) بأن لم يقصد به القرآن (حنث) لأنه أذن من كلام الآدميين، (و) إن حلف (ليضربنه مائة سوط أو) مائة (عصا أو) حلف (ليضربنه مائة ضربة أو مائة مرة فجمعها) أي المائة (فضربه بها ضربة واحدة لم يبرأ) لان هذا هو المفهوم في العرف ولان السوط أو العصا في قوله مائة سوط أو عصا آلة أقيمت مقام المصدر وانتصبت انتصابه فصار معناه لأضربنه مائة ضربة بسوط أو عصا فلا يبر بما
335 يخالف ذلك وأجاب في الشرح عن قصة أيوب بأن هذا الحكم لو كان عاما لما خص بالمنة عليه، وعن المريض المجلود بأنه إذا لم يتعدى هذا الحكم في الحد الذي ورد النص فيه فلان لا يتعدى إلى اليمين أولى (ويبرأ بمائة ضربة مؤلمة) لأنه المتبادر من يمينه، (وإن قال): ليضربنه (بمائة سوط) فجمعها وضربه بها مرة واحدة (بر) لأنه ضربه بمائة سوط، (وإن حلف لا يضرب امرأته) أو غيرها (فخنقها أو نتف شعرها أو عضها تأليما لا تلذذا حنث) لأن المقصود من الضرب التأليم وهو حاصل بذلك (ولو لم ينو) أن لا يؤلمها (في يمينه) هذه، (وإن حلف ليضربنها ففعل ذلك) أي خنقها أو نتف شعرها أو عضها تأليما (بر) لحصول مقصود الضرب به، (و) من حلف (لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره مثل أن) حلف (لا يأكل لبنا فأكل زبدا) لا يظهر فيه طعم اللبن، (أو) حلف (لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر معه فيه أو) حلف (لا يأكل بيضا فأكل ناطفا أو لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر أو لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث) لان المستهلك لا يقع عليه اسم الذي حلف عليه فلم يحنث بأكل المستهلك فيه ولان المستهلك في الشئ يصير وجوده كعدمه والظاهر من الحالف على ذلك أنه حلف لمعنى في المحلوف عليه، (وإن ظهر له شئ من المحلوف عليه) فيما أكله (حنث) كما لو أكله منفردا (ولا يأكل سويقا فشربه أو لا يشربه) أي السويق (فأكله حنث) لأن الحالف على ترك شئ يقصد به في العرف اجتناب ذلك الشئ بالكلية فحملت يمينه على ذلك ألا ترى إلى قوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالهم) *. فإنه يتناول تحريم شربها ولو قال طبيب لمريض لا تأكل العسل كان ناهيا له عن شربه وبالعكس، (و) إن حلف (لا يأكل ولا يشرب فمص قصب السكر، أو) مص (الرمان ونحوه لم يحنث) لأنه في العرف لا يسمى أكلا ولا شربا، (وكذا) لو حلف (لا يأكل سكرا فتركه في فيه حتى ذاب وابتلعه) لم يحنث لأنه ليس
336 أكلا حقيقة كما تقدم عن الرمان (و) لو حلف على شئ (لا يطعمه حنث بأكله وشربه ومصه) لقوله تعالى: * (ومن لم يطعمه) *. ولان ذلك كله طعم، (وإن ذاقه ولم يبلعه لم يحنث) لأنه ليس بأكل ولا شرب بدليل أن الصائم لا يفطر به، (و) إن حلف (لا يذوقه حنث بأكله وشربه لأنه ذوق وزيادة) قاله في الرعاية وفيمن لا ذوق له نظر (وكذلك إن مضغه ورمى به لأنه قد ذاقه. ولا يأكل ولا يشرب من الكوز فصب منه في إناء وشرب لم يحنث) لأنه لم يشرب منه (وعكسه) لو حلف لا يشرب من نهر أو بئر (إن اغترف بإناء من النهر أو البئر) وشرب منه حنث لأن الشرب منهما عرفا كذلك، (و) لو حلف (لا يأكل من هذه الشجرة حنث بالثمرة فقط ولو لقطها من تحتها) وأكلها لأنها من الشجرة ولا يحنث بأكل الورق ونحوه لأن الثمرة هي المتبادرة إلى الذهن، (و) لو حلف (ليأكلن أكلة بالفتح) أي فتح الهمزة (لم يبرأ حتى يأكل ما يعده الناس أكلة) وهي المرة من الاكل (والأكلة بالضم اللقمة و) منه حديث: فليناوله في يده أكلة أو أكلتين. أو إن حلف (لا يتزوج ولا يتطهر ولا يتطيب فاستدامه لم يحنث) لأنه لا يطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاثة فلا يقال: تزوجت شهرا ولا تطيبت شهرا، وإنما يقال: منذ شهر ولم ينزل الشارع استدامة التزويج والطيب منزلة ابتدائه في تحريمه في الاحرام، (و) من حلف (لا يركب وهو راكب ولا يلبس وهو لابس ولا يلبس من غزلها وعليه شئ منه أو) حلف (لا يقوم ولا يقعد أو لا يستتر ولا يستقبل القبلة وهو كذلك فاستدام ذلك) أي ما حلف عليه من هذه الأفعال (أو) حلف (لا يدخل دارا وهو داخلها فأقام فيها أو) حلف (لا يضاجعها على فراش وهما متضاجعان فاستدام أو ضاجعته ودام حنث)
337 لأن المستديم يطلق عليه ذلك بدليل أنه يقال: ركب شهرا ولبس شهرا ونحوه وقد اعتبر الشارع الاستدامة هنا في الاحرام حيث حرم لبس المخيط فأوجب الكفارة باستدامته كما لو أوجبها في ابتدائه، (وكذا) لو حلف (لا يطؤها) فدام (أو) حلف (لا يمسك) شيئا فدام (أو لا يشاركه فدام) على ذلك فيحنث لما تقدم، (و) إن حلف (لا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فأقام) الحالف (معه حنث) لأن استدامة المقام كابتدائه في التحريم في ملك الغير فكذا هنا (ما لم يكن له) أي الحالف (نية) أو لليمين سبب فيعمل بذلك لما تقدم انتهى. فصل: (وإن حلف لا يسكن دارا هو ساكنها، أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه ولم يخرج في الحال بنفسه، وأهله ومتاعه المقصود مع إمكانه حنث) لأن استدامة السكني سكني بدليل أنه يصح أن يقال: سكن الدار شهرا (إلا أن يقيم لنقل متاعه) وأهله. ذكره في المغني وغيره لأن الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال، وإن تردد إلى الدار لنقل المتاع أو عيادة مريض لم يحنث، ذكره في الكافي ونص عليه في الشرح. لأن هذا ليس بسكني (أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إلى أن يمكنه الخروج) لأنه أقام لدفع الضرر وإزالته عند ذلك مطلوبة شرعا، فلم تدخل تحت النهي ويكون خروجه (بحسب العادة) لا ليلا (فلو كان ذا متاع كثير فنقله قليلا قليلا على العادة بحيث لا يترك النقل المعتاد لم يحنث) لأنه المعتاد (وإن أقام) على ذلك (أياما)
338 للحاجة (ولا يلزمه جمع دواب البلد لنقله ولا) يلزمه أيضا (النقل وقت الاستراحة عند التعب ولا أوقات الصلوات) لأنه خلاف المعتاد، (وإن خرج دون متاعه) المقصود (وأهله) مع إمكان نقلهم (حنث لأن الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال) ولهذا يقال: فلان ساكن في البلد الفلاني وهو غائب عنه (إلا أن يودع متاعه أو يعيره أو يزول ملكه عنه أو تأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه إكراهها أو كان له عائلة فامتنعوا ولا يمكنه إخراجهم فيخرج وحده لم يحنث) لأن زوال ملكه وإباء امرأته الخروج لا يتصور معهما حنث، (وإن أكره على المقام لم يحنث) ما دام الاكراه فإذا زال بادر بالخروج على ما تقدم (وكذا إن كان) الحلف (في جوف الليل في وقت لا يجد منزلا يتحول إليه، أو يحول بينه وبين المنزل) الذي يتحول إليه (أبواب مغلقة لا يمكنه فتحها أو خوف على نفسه أو أهله، أو ماله فأقام في طلب النقلة أو) أقام في (انتظار زوال المانع أو خرج طالبا النقلة فتعذرت عليه لكونه لا يجد مسكنا يتحول إليه لتعذر الكراء أو غيره، أو لم يجد بهائم ينقل عليها ولم يمكنه النقلة بدونها) أي البهائم (فأقام ناويا للنقلة متى قدر عليها لم يحنث، وإن أقام أياما وليالي) لأن إقامته عن اختيار لعدم تمكنه من النقلة كالمقيم للاكراه، وعلم منه أنه إن أمكنه النقلة بحمالين بلا بهائم وأقام حنث. وأنه إن أقام غير ناو للنقلة متى قدر عليها حنث وصرح به في الكافي والشرح (قال الشيخ: والزيارة ليست سكنى اتفاقا) فلو تردد للدار التي حلف لا يسكنها زائرا لم يحنث ولو طالت مدتها (والسفر القصير سفر) يبر به من حلف ليسافرن، ويحنث به من حلف لا يسافر إلا أن تكون نية أو سبب يمين. نقل الأثرم أقل زمن يكون سفرا إلا أنه لا يقصر الصلاة، (وإن حلف لا يساكنه فانتقل أحدهما لم يحنث) لانقطاع المساكنة
339 (وإن بنيا بينهما حاجزا وهما على حالهما في المساكنة حنث لأنهما بتشاغلهما ببناء الحاجز قد تساكنا قبل وجوده بينهما، وإن كان الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها فسكن كل واحد) منهما (حجرة لم يحنث) حيث لا نية ولا سبب كما في الرعاية، والفروع لأن كل واحد ساكن في حجرته فلا يكون مساكنا لغيره، وكذا لو سكنا في دارين متجاورتين والحجرة البيت وكل بناء محوط عليه والجمع حجر وحجرات كغرف وغرفات. (وإن كانا في حجرة دار واحدة حالة اليمين فخرج أحدهما منها وقسماها حجرتين وفتحا لكل واحد منهما) أي البيتين (بابا وبينهما حاجز ثم سكن كل واحد منهما في حجرة لم يحنث) لأنهما غير متساكنين، (وإن سكنا في دار واحدة كل واحد في بيت ذي باب وغلق رجع إلى نيته بيمينه) أي الحالف لا يساكن (أو إلى سببها) أي اليمين (وما دلت عليه قرائن أحواله في المحلوف على المساكنة فيه) لأن النية وسبب اليمين يقدمان على مقتضى اللفظ كما تقدم (فإن عدم ذلك) أي النية وسبب اليمين وما هيجها (حنث) لأنه لا يعد مساكنا له. تتمة: قال في الفنون: فيمن قال: أنت طالق ثلاثا إن دخلت على البيت ولا كنت لي زوجة إن لم تكتبي لي نصف مالك، فكتبت له بعد ستة عشر يوما يقع الثلاث لأنه يقع باستدامة المقام، فكذا استدامة الزوجية واقتصر عليه في المبدع (وإن حلف لا ساكنت فلانا في هذه الدار وهما غير متساكنين). قلت: أو خرج أحدهما كما يعلم مما مر. (فبنيا بينهما حائطا وفتح كل واحد منهما بابا لنفسه وسكناها) بعد ذلك (لم يحنث) لأنه لا يعد مساكنا له (و) إن حلف (ليخرجن من هذه البلدة فخرج وحده دون أهله بر) لان
340 حقيقة الخروج لم يعارضها معارض فوجب حصول البر لحصول الحقيقة، (و) إن حلف (ليخرجن) من هذه الدار (أو ليدخلن من هذه الدار فخرج دون أهله لم يبر) لأن الدار يخرج منها صاحبها كل يوم عادة، فظاهر حاله إرادة خروج غير المعتاد بخلاف البلد (كحلفه لا يسكنها) أي الدار (أو لا يأويها أو لا ينزلها) فلا يبر إلا إذا خرج بأهله ومتاعه المقصود على ما سبق تفصيله. (و) إن حلف (ليخرجن) من البلد (أو ليرحلن من البلد، أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل فله العود) إليها (إن لم تكن نية ولا سبب) لأن يمينه على الخروج وقد وجد وصار بمنزلة من لم يحلف. وكقوله: إن خرجت فلك درهم استحق بخروج أول. ذكره القاضي وغيره. فصل: (وإن حلف لا يدخل دارا فحمل بغير إذنه فأدخلها وأمكنه الامتناع فلم يمتنع حنث) لأنه ليس بمكره (و) قد وجد منه الدخول (بضرب ونحوه) كأخذ مال يضره أو تهديد بقتل أو نحوه (فدخل لم يحنث) لحديث: عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (ويحنث بالاستدامة بعد) زوال (الاكراه) لأن استدامة الدخول بمنزلة ابتدائه لما تقدم أشبه ما لو دخل مختارا، ومتى دخل باختياره حنث سواء كان ماشيا أو راكبا أو محمولا أو ألقى نفسه في ماء فجره إليها أو سبح فيه فدخلها، وسواء دخل من بابها أو تسور حائطها أو دخل من طاقة فيها أو ثقب حائطها ودخل من ظهرها أو غير ذلك، (وإن حلف لا يستخدمه فخدمه وهو ساكت حنث)
341 لأنه قصد اجتناب خدمته ولم يحصل، (ولو كان الخادم عبده) فإنه يحنث إذا خدمه وهو ساكت كعبد غيره (و) إن حلف (ليشربن هذا الماء غدا) فتلف قبله (أو) حلف (ليضربن غلامه غدا فتلف المحلوف عليه ولو بغير اختياره) أي الحالف (قبل الغد، أو) تلف (فيه) أي في الغد (ولو قبل التمكن من فعله) حنث كما لو حلف ليحجن العام فلم يقدر على الحج لمرض أو ذهاب نفقة لأن الامتناع لمعنى في المجلس. أشبه ما لو ترك ضربه لصغره، أو ترك الحالف الحج لصعوبة الطريق، (أو) حلف ليشربن هذا الماء أو ليضربن غلامه و (أطلق ولم يقيده بوقت فتلف قبل فعله حنث حال تلفه) لليأس من فعل المحلوف عليه، (وإن مات الحالف قبل الغد، أو جن فلم يفق إلا بعد خروج الغد لم يحنث) لأن الحنث إنما يحصل بفوات المحلوف عليه في وقته وهو الغد. والحالف قد خرج عن أن يكون من أهل التكليف قبل ذلك فلا يمكن حنثه بخلاف موت المحلوف عليه، (وإن ضربه قبله) أي قبل الغد لم يبر كما لو حلف ليصومن يوم الجمعة فصام يوم الخميس (أو) ضربه (فيه ضربا لا يؤلمه) لم يبر لأنه لا يحصل به مقصود الضرب (أو) ضرب في الغد (بعد موت الغلام) لم يبر لعدم الاحساس (أو أفاق الحالف من جنونه في الغد ولو جزءا يسيرا، أو مات فيه) أي في الغد حنث لوجود جزء هو فيه مكلف فيصح لشبه الحنث إليه فيه (أو هرب الغلام أو مرض هو) أي الغلام (أو الحالف فلم يقدر على ضربه) في الغد (حنث) أي الحالف لفوات المحلوف عليه في وقته كما لو لم يضربه لصغره، (وإن جن الغلام وضربه فيه) أي في الغد (بر) لأنه لا يتألم بالضرب (وإن ضربه في الغد أو خنقه، أو نتف شعره، أو عصر ساقه بحيث يؤلمه بر) لأنه يحصل به مقصود الضرب فهو في معناه. ولذلك يحنث به لو حلف لا يضرب. وتقدم (وإن حلف ليضربن هذا الغلام اليوم، أو ليأكلن هذا الرغيف اليوم فمات الغلام أو تلف الرغيف أو مات الحالف) قبل فعل ما حلف عليه (حنث) الحالف في آخر
342 حياة الميت منهما وعند تلف الرغيف لفوات المحلوف عليه (ولا يكفل بمال فكفل ببدن وشرط البراءة) إن عجز عن إحضاره (لم يحنث) لأنه لم يكفل مالا وعلم منه أنه إن لم يشترط البراءة حنث لأنه يضمن ما عليه إذا عجز عن إحضاره، (وإن حلف من عليه الحق ليقضينه) أي رب الحق (حقه فأبرأه) رب الحق (أو أخذ عنه عوضا لم يحنث) لأن الغرض من القضاء حصول البراءة من الحق وقد وجد، (وإن مات المستحق للحق فقضى) الحالف (ورثته لم يحنث) لأن قضاء ورثته يقوم مقام قضائه في براءة ذمته، فكذا في يمينه (و) إن حلف (ليقضينه حقه غدا فأبرأه اليوم أو) أبرأه (قبل مضيه أو مات ربه فقضاه) الحالف (لورثته لم يحنث) لما سبق، (و) إن حلف (ليقضينه حقه عند رأس الهلال أو مع رأسه أو إلى رأسه أو) إلى (استهلاله أو عند رأسه أو مع رأسه فقضاه عند غروب الشمس من آخر الشهر بر) لأن ذلك هو الوقت المحلوف عليه لأن غروب الشمس هو آخره (وإلا) أي وإن لم يقضه عند الغروب بل بعده (فلا) بر قال في المبدع: ويحنث إذا تأخر بعد الغروب مع إمكانه (ولو شرع) الحالف (في عده أو كيله أو وزنه أو ذرعه فتأخر القضاء) لكثرته (لم يحنث كما لو حلف ليأكلن هذا الطعام في هذا الوقت، فشرع في أكله فيه وتأخر الفراغ لكثرته) وفي الترغيب: لا تعتبر المقارنة فيكفي حال الغروب (و) إن حلف المطلوب (لا أخذت حقك مني فأكرهه) الحالف (على دفعه) لغريمه فأخذه حنث (أو أخذه) أي الحق (حاكم فدفعه إلى غريمه فأخذه) الغريم (حنث) الحالف لأن غريمه أخذه باختياره فقد وجد المحلوف عليه لا بفعله اختيارا (ك) - ما لو حلف من عليه الحق على ربه (لا تأخذ حقك علي) فأكره الحالف على الدفع له أو أخذه حاكم فدفعه إلى غريمه حنث الحالف لما سبق و (لا) يحنث الحالف (إن أكره قابضه) على قبضه لقوله (ص): وما استكرهوا
343 عليه. (ولا إن وضعه الحالف بين يديه) أي الغريم (أو في حجره فلم يأخذه الغريم) فلا حنث على الحالف لأن ذلك ليس بأخذ (لأنه لا يضمن مثل هذا المال ولا صيد) في إحرام أو حرم (ويحنث) الحالف (لو كانت يمينه لا أعطيك لأنه يعد إعطاء إذ هو) أي الاعطاء (تمكين وتسليم بحق فهو كتسليم ثمن ومثمن وأجرة وزكاة) فإن أخذه حاكم وأعطاه للغريم لم يحنث الحالف لا يعطي لأنه ليس بإعطاء (و) إن حلف (لا أفارقك حتى أستوفي حقي منك ففارقه) الحالف (مختارا أبرأه من الحق أو بقي عليه أو أذن الحالف) للمحلوف عليه في المفارقة، (أو فارقه من غير أذن) الحالف (أو هرب) المحلوف عليه (على وجه يمكنه ملازمته والمشي معه) حنث لأنه فارقه باختياره (أو أحاله الغريم بحقه) ففارقه حنث لأنه لم يستوف حقه وإن ظن أنه بر فوجهان (أو فلسه الحاكم وحكم عليه بفراقه) ففارقه (أو) لم يحكم عليه (كمن فارقه لعلمه بوجوب مفارقته) حنث لأنه فارقه قبل أن يستوفي منه حقه (إلا أن يهرب) المدين (منه) أي الحالف (بغير اختياره) فلا يحنث كما لو فارقه مكرها (أو قضاه عن حقه عرضا ثم فارقه) لأنه قضاه حقه (ك) - ما لو حلف (لا فارقتك حتى تبرأ من حقي أو) لا فارقتك (ولي قبلك حق) وأعطاه عنه عوضا ثم فارقه فلا حنث وجها واحدا. ذكره في الشرح والمبدع في الثانية، (وإن قضاه) المدين (قدر حقه ففارقه ظنا أنه قد وفاه فخرج رديئا أو مستحقا فكناس) لأنه في معناه فيحنث في طلاق وعتاق لا في يمين بالله ونذر
344 (وفعل وكيل كهو) أي كفعل موكل (فلو وكل) الحالف لا فارقتك حتى أستوفي حقي منك (في استيفاء حقه ففارقه الموكل قبل استيفاء الوكيل حنث) لأنه فارقه قبل أن يستوفي حقه، (وإن فارقه) الحالف (مكرها بمخوف كإلجاء بسبيل ونحوه أو تهديد بضرب ونحوه لم يحنث) للخبر والمعنى، (و) إن حلف (لا فارقتني) حتى أستوفي حقي منك ونحوه (ففارقه الغريم أو الحالف طوعا حنث) لأن معنى اليمين لا حصل منا فرقة وقد حصلت و (لا) يحنث إن فارقه (كرها) سواء كان المكره الحالف أو الغريم لما سبق (و) لو حلف (لا افترقنا) حتى أستوفي حقي (فهرب) الغريم (حنث) الحالف لوجود الفرقة و (لا) يحنث (إن أكرها). قلت: أو أحدهما لما تقدم (و) من عليه دين فحلف ربه (لا فارقتك حتى أوفيك حقك فأبرأه الغريم منه فكمكره) فلا يحنث الحالف لأن فوات البر منه لا فعل له فيه، (وإن كان الحق عينا) من وديعة وعارية ونحوها وحلف لا يفارقه حتى يوفيها له (فوهبها له الغريم) أي مالكها (فقبلها) الحالف (حنث) لأن البر فاته باختياره لتوقفه على القبول بخلاف الدين، (وإن قبضها) أي ربها (منه) أي الحالف (ثم وهبها إياه لم يحنث) لأنه قد وفاه حقه والهبة المتجددة بعد ذلك لا تنافيه، (وإن كانت يمينه لا أفارقك ولك في قبلي حق لم يحنث إذا أبرأه) رب الدين منه، (أو وهب) رب العين (العين له، أو أحاله) المدين بدينه. قلت: وكذا لو أحال عليه رب الدين، وكذا لو كان الحالف رب الدين أو العين لأنه لم يفارقه وله قبله حق (وقدر الفرقة ما عده الناس فراقا كفرقة) تبطل خيار المجلس في (البيع) لأن الشرع رتب على ذلك أحكاما ولم يبين مقدارا فوجب الرجوع فيه إلى العادة كالقبض والحرز (وما نواه) الحالف (بيمينه مما يحتمله لفظه فهو على ما نواه،) وكذا ما اقتضاه سبب اليمين كما تقدم (وتقدم ماله تعلق بهذا الباب في) كتاب (الطلاق) فالحكم هنا وهناك واحد ما عدا ما ينبه عنه.
345 باب النذر مصدر نذرت أنذر بالضم وكسرها فأنا ناذر، أي أوجب على نفسه شيئا لم يكن واجبا. والأصل فيه بالاجماع وسنده قوله تعالى: * (يوفون بالنذر) * وقوله: * (وليوفوا نذورهم) * وقوله (ص): من نذر أن يطيع الله فليطعمه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه رواه البخاري من حديث عائشة ويتعين الوفاء بنذر التبرر (وهو) أي النذر بالمعنى المصدري (مكروه ولو عبادة) لنهيه (ص) وقال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل. متفق عليه. والنهي عنه لكراهته لأنه لو كان حراما لما مدح الموفين به لأن ذمهم بارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه ولو كان مستحبا لفعله النبي (ص) وأصحابه (لا يأتي) أي النذر (بخير) للخبر (ولا يرد قضاء،) ولا يملك به شيئا محدثه قاله ابن حامد وهو أي النذر إلزام مكلف، مختار، نفسه لله تعالى بالقول شيئا غير لازم بأصل الشرع ك) - قوله: (علي لله، أو نذرت لله ونحوه) كلله علي كذا ونحوه مما يؤدي معناه فلا ينفذ من غير مكلف كالاقرار ولا من مكره ولا بغير قول إلا من أخرس وإشارة مفهومة كيمينه وفي نذر الواجب خلاف يأتي في كلامه (فلا تعتبر له صيغة) بحيث لا ينعقد إلا بها بل ينعقد بكل ما أدى معناه كالبيع (ويصح) النذر (من كافر) ولو (بعبادة)
346 لحديث عمر: إني كنت ندرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة فقال النبي (ص): أوف بنذرك. (فإن نواه) أي النذر (الناذر من غير قول لم يصح كاليمين) لأنه التزام فلم ينعقد بغير القول كالنكاح والطلاق قاله في المبدع ويقتضي تشبيهه بالطلاق صحته بالكتابة ومقتضى تشبيهه بالنكاح انعقاده بها لكن النكاح أضيق لأنه لا يصح إلا بلفظ مخصوص بخلاف النذر (وينعقد) النذر (في واجب كلله علي صوم رمضان ونحوه). قال في المبدع: إنه ينعقد موجبا للكفارة بيمين إن تركه كما لو حلف لا يفعله ففعله فإن النذر كاليمين انتهى. وقال في الاختيارات: ما وجب بالشرع إذا نذره العبد أو عاهد الله عليه أو بايع عليه الرسول أو الامام أو تحالف عليه جماعة، فإن هذه العقود والمواثيق تقتضي له وجوبا ثانيا غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول فيكون واجبا من وجهين ويكون تركه موجب الترك الواجب بالشرع والواجب بالنذر. وهذا هو التحقيق وهو رواية عن أحمد وقاله طائفة من العلماء (فيكفر إن لم يصمه كحلفه عليه) أي كحلفه ليصومن رمضان فيكفر إن لم يصمه (وعند الأكثر لا) ينعقد النذر في واجب لأن النذر التزام ولا يصح التزام ما هو لازم، (كلله علي صوم أمس ونحوه من المحال) لأنه لا يتصور انعقاده ولا الوفاء به. أشبه اليمين على المستحيل. قال الموفق والصحيح من المذهب: إن النذر كاليمين وموجبه موجبها إلا في لزوم الوفاء به إذا كان قربة وأمكنه فعله بدليل قوله (ص): لأخت عقبة لما نذرت المشي ولم تطقه فقال: لتكفر عن يمينها ولتركب وفي رواية: ولتصم ثلاثة أيام. قال أحمد اذهب إليه. وعن عقبة بن عامر مرفوعا: كفارة النذر كفارة اليمين. رواه مسلم ولأنه قد ثبت أن حكمه حكم اليمين في أحد أقسامه وهو نذر اللجاج فكذلك في سائره سوى ما استثناه الشرع.
347 قلت: فعلى هذا يلزمه أن يكفر في الحال كما لو حلف ليصعدن السماء (والنذر المنعقد أقسامه). ستة (أحدها) النذر (المطلق كعلي نذر أو لله علي نذر) سواء (أطلق أو قال: إن فعلت كذا) وفعله (ولم ينو) بنذره (شيئا) معينا (فيلزمه كفارة يمين) لحديث عقبة بن عامر مرفوعا: كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين رواه ابن ماجة والترمذي، وقال حسن صحيح غريب وروى أبو داود وابن ماجة معناه من حديث ابن عباس وقاله ابن مسعود وجابر وعائشة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم. (الثاني: نذر اللجاج والغضب وهو تعليقه) يعني النذر (بشرط يقصد) الناذر (المنع منه) أي المعلق عليه (أو الحمل) أي الحث (عليه والتصديق عليه) إذا كان خبرا (كقوله: إن كلمتك أو إن لم أضربك فعلى الحج أو صوم سنة أو عتق عبدي أو مالي صدقة أو إن لم أكن صادقا فعلي صوم كذا فيخير بين فعله وكفارة يمين إذا وجد الشرط) لما روى عمران بن حصين قال سمعت النبي (ص) يقول: لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين. رواه سعيد ولأنها يمين فيتخير فيها بين الامرين كاليمين بالله (ولا يضر قوله) أي الناذر (على مذهب من يلزم بذلك أو لا أقلد من يرى الكفارة) مجزئة (ونحوه لأن) هذا تأكيد و (الشرع لا يتغير بتوكيد ذكره الشيخ ولو علق الصدقة به ببيعه) بأن قال: إن بعته فهو صدقة (والمشتري علق الصدقة به بشرائه) بأن قال: إن اشتريته فهو صدقة (فاشتراه كفر كل منهما كفارة يمين) ذكره السياعري وابن حمدان كما لو حلفا على ذلك، قلت إن تصدق به المشتري خرج من العهدة (ومن حلف قال: علي عتق رقبة) إن لم أفعل كذا ونحوه (فحنث فعليه كفارة يمين) إن لم يعتق رقبة. (الثالث: نذر المباح، كقوله: لله
348 علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي فيخير بين فعله وكفارة يمين) لحديث ابن عباس: بينا النبي (ص) يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم. فقال النبي (ص): فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه رواه البخاري فإن أفي به أجزأه لأن امرأة أتت النبي (ص) فقالت: إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف فقال: أوف بنذرك رواه أبو داود بمعناه وأحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة و (كما لو حلف ليفعلنه) أي المباح (فلم يفعل) فإنه يكفر. (الرابع: نذر مكروه كطلاق ونحوه) من أكل ثوم وبصل وترك سنة (فيستحب أن يكفر) ليخرج من عهدة النذر (ولا يفعله) لأن ترك المكروه أولى (فإن فعله فلا كفارة عليه) لأنه وفى بنذره. (الخامس: نذر المعصية كشرب الخمر وصوم يوم الحيض والنفاس ويوم العيد وأيام التشريق فلا يجوز الوفاء به) لقوله (ص): من نذر أن يعصي الله فلا يعصه. (ويقضي الصوم) قال في المنتهى غير يوم حيض انتهى لانعقاد نذره فتصح منه القربة ويلغى تعيينه لكونه معصية كنذر مريض صوما يخاف عليه فيه ينعقد نذره ويحرم صومه، وكذا الصلاة في ثوب حرير أو مقبرة ونذر صوم ليلة لا ينعقد ولا كفارة لأنه ليس بزمن صوم، وكذا يوم أكل فيه ويوم حيض بمفرده والفرق بينه وبين يوم العيد وأيام التشريق أن الاكل والحيض منافيان للصوم لمعنى فيهما، والعيد وأيام التشريق ليس منافيا للصوم لمعنى فيه، وإنما المعنى في غيره وهو كونه في ضيافة الله تعالى أشار إليه في القواعد الأصولية (ويكفر) قاله ابن مسعود وابن عباس وعمران وسمرة ولقوله (ص): لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين. رواه
349 الخمسة من حديث عائشة ورواته ثقات احتج به أحمد وإسحاق وضعفه جماعة، ولان النذر حكمه حكم اليمين (فإن وفى) الناذر (به) أي بنذر المعصية (أثم ولا كفارة) عليه كما لو حلف على فعل معصية (ومن نذر ذبح معصوم ولو نفسه كفر كفارة يمين) وهو قول ابن عباس لما سبق من قوله (ص): لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين. ولأنه نذر معصية أشبه نذر ذبح أخيه، قال في المبدع: من نذر فعل واجب أو حرام أو مكروه أو مباح انعقد نذره موجبا للكفارة إن لم يفعل ما قال مع بقاء الوجوب والتحريم والكراهة والإباحة بحالهن كما لو حلف على فعل ذلك، (فإن نذر ذبح ولده وكان له أكثر من ولد ولم يعين واحدا) من أولاده (بنيته ولا قوله لزمه بعددهم) أي الأولاد (كفارات) لأنه مفرد مضاف فيعم (فإن نذر فعل طاعة وما ليس بطاعة لزمه فعل الطاعة ويكفر لغيره) نص عليه في رواية الشالنجي، وإذا نذر نذورا كثيرة لا يطيقها أو ما لا يملك فلا نذر في معصية ويكفر كفارة يمين (ولو كان المتروك خصالا كثيرة أجزأته كفارة واحدة) لأنه نذر واحد وكاليمين بالله (قال الشيخ: والنذر للقبور أو لأهل القبور كالنذر لإبراهيم الخليل) عليه السلام (والشيخ فلان نذر معصية لا يجوز الوفاء به وإن تصدق بما نذره من ذلك على من يستحقه من الفقراء والصالحين كان خيرا له عند الله وأنفع) وقال: من نذر إسراج بئر أو مقبرة أو جبل أو شجرة أو نذر له أو لسكانه أو المضافين إلى ذلك المكان لم يجز ولا يجوز الوفاء به إجماعا ويصرف في المصالح ما لم يعرف ربه. ومن الحسن صرفه في نظيره من المشروع. وفي لزوم الكفارة خلاف، (وقال فيمن نذر قنديل نقد للنبي (ص) يصرف لجيران النبي (ص) قيمته وأنه أفضل من الختمة، وقال: وأما من نذر للمساجد ما تتنور به أو يصرف في مصالحها فهذا نذر بر فيوفي بنذره) لأن تنويرها تعميرها مطلوب. (السادس: نذر التبرر) أي التقريب يقال تبرر تبررا أي تقرب تقربا (كنذر الصلاة، والصيام، والصدقة، والاعتكاف، وعيادة
350 المريض، والحج، والعمرة، ونحوها من القرب) كتجديد الوضوء وغسل الجمعة والعيدين (على وجه التقرب سواء نذره مطلقا أو معلقا) بشرط لا يقصد به المنع والحمل (كقوله: إن شفى الله مريضي أو سلم مالي أو طلعت الشمس فلله علي كذا، أو فعلت كذا نحو تصدقت بكذا ونص عليه) أحمد (في: إن قدم فلان تصدقت بكذا فهذا نذر) صحيح، (وإن لم يصرح بذكر النذر. لأن دلالة الحال تدل على إرادة النذر فمتى وجد شرطه) إذا كان النذر معلقا (انعقد نذره ولزمه فعله) لقوله (ص): من نذر أن يطيع الله فليطعه رواه البخاري. وذم الله تعالى الذين ينذرون ولا يوفون وقال تعالى: * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن) *. الآيات وعلم مما تقدم أن نذر التبرر ثلاثة أنواع أحدها: ما كان في مقابلة نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها. وكذا إن طلعت الشمس أو قدم الحاج ونحوه فعلت كذا. الثاني: التزام طاعة من غير شرط كقوله ابتداء: لله علي صوم أو صلاة أو نحوه. الثالث: نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب كالاعتاق وعيادة المريض فيلزم الوفاء به لما تقدم. تتمة: قال الشيخ تقي الدين: تعليق النذر بالملك نحو: إن رزقني الله مالا فلله علي أن أتصدق به أو بشئ منه يصح اتفاقا. وقد دل عليه قوله تعالى: * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) *. الآية (ويجوز فعله) أي النذر (قبله) أي قبل وجود شرطه كإخراج الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث، (وقال الشيخ فيمن قال: إن قدم فلان أصوم كذا: هذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة لا أعلم فيه نزاعا ومن قال: ليس بنذر فقد أخطأ. وقال قول القائل: لئن ابتلاني الله لأصبرن ولئن لقيت العدو لأجاهدن، ولو علمت أن العمل أحب إلى الله لعملته: نذر معلق بشرط كقول الآخر: * (لئن آتانا من فضله لنصدقن) *
351 الآية. ونظيره ابتداء الايجاب) تمني (لقاء العدو. ويشبهه سؤال الامارة فإيجاب المؤمن على نفسه إيجابا لم يحتج إليه بنذر وعهد وطلب وسؤال جهل منه وظلم، وقوله: لو ابتلاني الله لصبرت ونحو ذلك إن كان وعدا أو التزاما فنذر، وإن كان خبرا عن الحال ففيه تزكية النفس وجهل بحقيقة حالها. انتهى) وتوقف الشيخ تقي الدين في تحريم النذور وحرمه طائفة من أهل الحديث ذكره في المبدع، (ومن نذر التبرر أو حلف يقصد التقرب. كقوله: والله إن سلم مالي لأتصدقن بكذا فوجد الشرط لزمه) الوفاء بما نذره. لأن النذر ليس له صيغة معينة بل ينعقد بكل قول دل عليه وهذا منه (ومن نذر الصدقة بكل ماله) أجزأه ثلثه (أو) نذر الصدقة (بمعين وهو كل ماله) أجزأه ثلثه (أو) نذر الصدقة (بألف ونحوه) كمائة (وهو كل ماله أو يستغرق كل ماله) بأن كان المنذور أكثر من ماله (نذر قربة لا) نذر (لجاج وغضب أجزأه ثلثه ولا كفارة) عليه لقول كعب: يا رسول الله إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة لله ولرسوله؟ فقال النبي (ص): أمسك عليك بعض مالك هو خير لك وفي قصة توبة أبي لبابة وأن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله؟ فقال النبي (ص): يجزي عنك الثلث رواه أحمد. ولان الصدقة بالجمع مكروهة. قال في الروضة ليس لنا في نذر الطاعة ما يجزي بعضه إلا هذا الموضع. انتهى. فإن كان نذر لجاج وغضب أجزأه كفارة يمين، (وإن نوى) من نذر الصدقة بماله (عينا) منه (أو) نوى (مالا دون مال كصامت غيره أخذ بنيته. لأن الأموال تختلف عند الناس) والنية مخصصة (وثلث المال معتبر بيوم نذره) لأنه وقت الوجوب. قال في الهدى: يخرج قدر الثلث يوم نذره. ولا يسقط منه قدر دينه (ولا يدخل
352 ما تجدد له من المال بعده) أي بعد النذر (وإن نذر الصدقة بمال ونيته ألف) أو نحوه (مختصة يخرج ما شاء) لأن اسم المال يقع على القليل وما نواه زيادة على ما تناوله الاسم والنذر لا يلزم بالنية (ومصرفه) أي النذر المطلق (للمساكين كصدقة مطلقة) وتقدم في الحيض أن النذر المطلق يجزي لمسكين واحد، (وإن نذر الصدقة ببعض ماله) كنصفه أو ثلثه (أو) نذر الصدقة (بألف وليست كل ماله لزمه جميع ما نذره) لأنه التزم مالا يمنع منه شئ فلزمه الوفاء به كسائر النذور (ولو نذر الصدقة بقدر من المال فأبرأ غريمه من نذره يقصد به وفاء النذر لم يجزئه)، و (إن كان الغريم من أهل الصدقة) قال أحمد: لا يجزئه حتى يقصد وذلك لأن الصدقة تمليك وهذا إسقاط فلم يجزئه كالزكاة (فإن أخذه) أي الدين (منه) أي من المدين (ثم دفعه إليه) من النذر (أجزأ) لحصول التمليك ومن حلف أو نذر الصدقة بماله فإن لم يحصل له إلا ما يحتاجه فكفارة يمين وإلا تصدق بثلث الزائد وحبة بر ونحوها ليست سؤال السائل. وإن قال: إن ملكت مال فلان فعلي الصدقة به فملكه فكماله (وتجب كفارة النذر على الفور وتقدم آخر كتاب الايمان) وكذلك نفس النذر يجب إخراجه فورا. وتقدم في غير موضع (وإن نذر صياما أو صيام نصف يوم أو ربعه ونحوه) كثلث يوم: (لزمه صوم يوم) لأنه ليس في الشرع صوم مفرد أقل من يوم فلزمه لأنه اليقين (بنية من الليل) لأنه واجب أشبه قضاء رمضان، (وإن نذر صلاة وأطلق فركعتان قائما لقادر) على القيام (لان الركعة لا تجزئ في فرض وإن عين عددا) من صوم وصلاة (أو نواه لزمه، قل أو كثر ) لعدم المانع، (وإن نذر عتق عبد معين فمات) العبد (قبل عتقه لم يلزمه عتق غيره) لفوات محل النذر (ويكفر) لأنه لم يف بنذره، (وإن قتله) أي العبد المنذور عتقه (السيد فالكفارة فقط) ولا يلزمه عتق غيره بقيمته. لأن العتق حق للمنذور عتقه وقد مات، (وإن أتلفه غيره)
353 أي غير سيده (فكذلك) أي الكفارة فقط (وللسيد القيمة ولا يلزمه) أي السيد (صرفها في العتق) لما تقدم، (وإن نذر صوم سنة معينة لم يدخل في نذره رمضان ويوما العيدين وأيام التشريق) لأن ذلك لا يقبل الصوم عن النذر فلم يدخل في نذره (كالليل وإن قال): لله علي أن يصوم (سنة وأطلق) ولم يعينها (لزمه التتابع كما في) نذر صوم (شهر مطلق ويأتي ويصوم) من نذر صوم سنة مطلقة (اثني عشر شهرا سوى رمضان وأيام النهي) أي يومي العيدين وأيام التشريق (ولو شرط التتابع) لأنه عين بنذره سنة فانصرف إلى سنة كاملة وهي اثنا عشر شهرا كاملة فلزمه قضاء رمضان وأيام النهي لذلك (وإن قال): لله عليه أن يصوم (سنة من الآن أو من وقت كذا فكمعينة) لأن تعيين أولها تعيين لها، إذ السنة اثنا عشر شهرا، فإذا عين أولها تعين أن يكون آخرها انقضاء الثاني عشر. وتقدم أنه لا يدخل في نذره رمضان ولا أيام النهي (وإن نذر صوم الدهر لزمه) كبقية النذر (وإن أفطر كفر فقط) أي بلا قضاء (بغير صوم) لأن الزمن مستغرق بالصوم المنذور ويكفر لترك المنذور (ولا يدخل رمضان ويوم نهي) في نذر صوم الدهر كالليل (ويقضي فطره منه) أي من رمضان (لعذر) أو غير عذر. لأنه واجب بأصل الشرع فيقدم على ما أوجبه على نفسه كتقديم حجة الاسلام على الحجة المنذورة، ويكفر بفطره لرمضان لغير عذر لأنه سببه. قاله في شرح المنتهى (ويصام لظهار ونحوه) ككفارة القتل والوطئ في نهار رمضان (منه) أي من اليوم المنذور صومه (ويكفر مع صوم ظهار) قال في المنتهى ونحوه (فقط) لأنه سببه بخلاف صوم رمضان وقضائه، (وإن نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض أو أيام التشريق أفطر) لأن الشارع حرم صومه (وقضى) لأنه فاته ما نذر صومه (وكفر) لعدم الوفاء بنذره وكما لو فاته لمرض، (وإن نذر أن يصوم يوما معينا أبدا ثم جهل. فقال الشيخ: يصوم يوما من الأيام مطلقا. أي يوم كان. انتهى وقياس المذهب وعليه كفارة التعيين) أي لفوات التعيين. قلت فيه شئ لأنا لم نتحقق أن ما صامه خلاف ما عينه ولا توجب الكفارة بالشك.
354 فصل: (وإن نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا فلا شئ عليه) لأنه لم يتحقق شرطه فلم يجب نذره ولا يلزمه أن يصوم صبيحته، (ويستحب صوم يوم صبيحته) ذكره في المنتخب، (وإن قدم) زيد (نهارا أو) هو أي الناذر (مفطرا أو) قدم (يوم عيد أو حيض أو نفاس قضى وكفر)، لأنه أفطر ما نذر صومه أشبه ما لو نذر صوم يوم الخميس فلم يصمه وعلم منه انعقاد نذره. لأنه زمن يصح فيه صوم التطوع فانعقد نذره لصومه كما لو أصبح صائما تطوعا ونذر إتمامه، (وإن قدم زيد وهو) أي الناذر (صائم وكان قد بيت النية بخبر سمعه صح صومه وأجزأه) وفاء بنذره، (وإن نوى) الناذر الصوم (حين قدم) زيد (لم يجزئه) الصوم لعدم تبييت النية (ويقضي ويكفر) لفوات المحل، (وإن وافق قدومه يوما من رمضان فعليه القضاء) لأنه لم يصمه عن نذره (والكفارة) لتأخير النذر عن ذمته، (وإن وافق قدومه) أي زيد (وهو) أي الناذر (صائم عن نذر معين أتمه ولا يلزمه قضاؤه) ولا يستحب كما في الفروع والمنتهى (ويقضي نذر القدوم ك) - ما لو قدم زيد في (صوم في قضاء رمضان أو كفارة أو نذر مطلق. ومثل ذلك في الحكم لو نذر صوم شهر من يوم يقدم فلان فقدم أول رمضان) فعليه قضاء النذر والكفارة (وعليه نذر الاعتكاف كالصوم) في جميع ما تقدم، (وإن نذر صوم يوم أكل فيه فلغو) لا قضاء فيه ولا كفارة وتقدمت الإشارة إليه، (وإن وافق يوم نذره وهو) أي الناذر (مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة) عليه لأنه خرج عن أهلية التكليف قبل وقت النذر، (وإن نذر صوم شهر معين) كالمحرم (فلم يصمه قضى) لأنه
355 صوم واجب معين كقضاء رمضان (متتابعا) لأن القضاء كالأداء وقد وجب متتابعا. فكذلك قضاؤه (وكفر) سواء تركه لعذر أو غيره لتأخير النذر عن وقته، (وإن أفطر منه) أي من الشهر المعين (لغير عذر استأنف) لأنه صوم يجب متتابعا بالنذر كما لو اشترط التتابع فيستأنف (شهرا من يوم فطره وكفر) لتأخير النذر، (و) إن أفطر منه (لعذر يبني) على ما صامه (ويقضي ما أفطره متتابعا متصلا بتمامه) لأن باقي الشهر منذور فلا يجوز ترك صومه. والفرق بين رمضان والنذر أن تتابع رمضان بالشرع وتتابع النذر أوجبه على نفسه على صفة ثم فرقها قاله في المبدع، (ويكفر) لفوات زمن النذر (وإن صام قبله) أي قبل الشهر المعين (لم يجزئه) الصوم (كالصلاة) قبل وقتها المعين، (وكذلك إن نذر الحج في عام فحج قبله) لم يجزئه (فإن كان نذره بصدقة مال جاز إخراجها قبل الوقت الذي عينه كالزكاة) وكفارة اليمين بعده وقبل الحنث لوجود سببه وتقدم (ولو جن) الناذر (الشهر المعين كله) للصوم أو الاعتكاف (لم يقضه) لخروجه عن أهلية التكليف (ولم يكفر) لذلك (وصومه في كفارة الظهار) أو القتل أو الوطئ في نهار رمضان (في الشهر المنذور كفطره فيه) فيقضي ويكفر (ويبني من لا يقطع عذره تتابع صوم الكفارة) أي إذا أفطر لعذر لا يقطع تتابع الصوم في الكفارة كالمرض ونحوه فإنه يبني على ما تقدم لعدم انقطاع التتابع ويكفر لتأخير النذر كما تقدم. (وإن قال: لله علي الحج في عامي هذا فلم يحج لعذر أو غيره فعليه القضاء) لأنه لم يفعل ما نذره (والكفارة) لتأخيره عن محله، (وإن نذر صوم) شهر (مطلق لزمه التتابع) لأن إطلاق الشهر يقتضي التتابع وكما لو نواه (وهو مخير إن شاء صام شهرا هلاليا من أوله ولو ناقصا، وإن شاء ابتدأ من أثناء الشهر، ويلزمه شهر بالعدد ثلاثون يوما)، لأن الشهر يطلق على ما بين الهلالين تاما كان أو ناقصا وعلى ثلاثين يوما فأيهما فعله خرج به من العهدة (فإن قطعه) أي الصوم (بلا عذر استأنفه لأنه لو جاز له البناء بطل) التتابع لتحلل
356 الفطر فيه (و) إن أفطر (مع عذر يخير أو بينه) أي بين الاستئناف (بلا كفارة) لأنه فعل المنذور على صفته (وبين البناء ويتم ثلاثين يوما ويكفر) لأنه لم يأت بالمنذور على وجهه. أشبه ما لو حلف عليه، (وإن نذر صيام أيام معدودة ولو ثلاثين يوما لم يلزمه تتابع) لأن الأيام لا دلالة لها على التتابع بدليل قوله تعالى: * (فعدة من أيام أخر) * (إلا بشرط) بأن يقول متتابعة (أو نية) فيلزمه الوفاء بنذره، وإن شرط تفريقها لزمه في الأقيس ذكره في المبدع، (وإن نذر صياما متتابعا غير معين) كعشرة أيام متتابعة (فأفطر) في أثنائها (لمرض يجب معه الفطر) بأن خاف على نفسه التلف بالصوم (أو) أفطر ل (- حيض خير بين استئنافه ولا شئ عليه) لأنه أتى بالمنذور على وجهه (وبين البناء على صومه فيكفر) لمخالفته فيما نذره (وإن أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف) ضرورة للوفاء بالتتابع (بلا كفارة) لأنه فعل المنذور وعلى وجهه، (وإن أفطر) الناذر صياما متتابعا (لسفر أو ما يبيح الفطر مع القدرة على الصوم لم ينقطع التتابع) لأنه أفطر لعذر أشبه المرض الذي يجب معه الفطر، (وإن نذر صياما فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أو نذره) أي الصيام (في حال عجزه أطعم لكل يوم مسكينا وكفر كفارة يمين) لأن سبب الكفارة عدم الوفاء بالنذر والاطعام للعجز عن واجب الصوم، فقد اختلف السببان واجتمعا فلم يسقط واحد منهما لعدم ما يسقطه، (وإن عجز) الناذر عن الصوم (لعارض يرجى برؤه انتظر زواله) كالواجب بأصل الشرع (ولا يلزمه كفارة ولا غيرها) إذا لم يكن النذر معينا فإن كان معينا وفات محله فعليه الكفارة كما تقدم، (وإن صار) المرض (غير مرجو الزوال صار) الناذر (إلى الكفارة والفدية) في الاطعام لكل يوم مسكينا كما لو كان ابتدأ بذلك، (وإن نذر صلاة ونحوها) كطواف (وعجز فعليه كفارة يمين فقط) وظاهر هذا انعقاد نذره وهو الصحيح لقوله (ص):
357 من نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين. ولولا انعقاد نذره لم تجب فيه كفارة ، (وإن نذر حجا لزمه) صحيحا كان أو مغضوبا ويحج عنه وإن أطاق البعض أتى به وكفر للباقي، (وإن نذر المشي أو الركوب إلى بيت الله الحرام أو) إلى (موضع من الحرم كالصفا والمروة وأبي قبيس أو مكة وأطلق) فلم يقيده بشئ (أو قال غير حاج ولا معتمر لزمه إتيانه) لقوله (ص): من نذر أن يطيع الله فليطعه (في حج أو عمرة) لأن المشي إليه في الشرع هو المشي إليه في حج أو عمرة فيحمل النذر على المعهود الشرعي ويلغى ما يخالفه (من دويرة أهله أي مكانه الذي نذر فيه) النذر على المعهود الشرعي ويلغى ما يخالفه (من دويرة أهله أي مكانه الذي نذر فيه) كما في حج الفرض لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المشروع (إلا أن ينوي من مكان معين فيلزمه منه على صفة ما نذره من مشي أو ركوب) لأنه ألزم نفسه ذلك (إلى أن يسعى في العمرة أو يأتي بالتحللين في الحج) قال في المبدع: ويلزمه المقدور منهما في الحج والعمرة إلى أن يتحلل لأن ذلك انقضاؤه. قال أحمد: إذا رمى الجمرة فقد فرغ وفي الترغيب لا يركب حتى يأتي التحللين على الأصح (ويحرم لذلك) أي لاتيانه ما نذره (من الميقات) لأن النذر المطلق يحمل على المعهود في الشرع والاحرام الواجب من الميقات (فإن ترك المشي المنذور أو) ترك (الركوب المنذور لعجز أو غيره فكفارة يمين) لقوله (ص): كفارة النذر كفارة اليمين. ولان المشي أو الركوب فيها لا يوجبه الاحرام فلا يجب به في حج أو عمرة دم (فإن لم يرد بالمشي أو الركوب حقيقة ذلك) و (إنما أراد إتيانه في حج أو عمرة لزمه إتيانه في ذلك) للوفاء بنذره (ولم يتعين عليه مشي ولا ركوب) لأنهما يحصلان بكل واحد
358 من المشي أو الركوب فلم يتعين واحد منهما. (وإن نذرهما) أي المشي والركوب (إلى) موضع (غير الحرم كعرفة ومواقيت الاحرام وغير ذلك) من المواضع كمسجد سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى (لم يلزمه ذلك ويكون كنذر المباح) فيخير بين فعله وكفارة يمين (ولو أفسد الحج المنذور ماشيا أو راكبا وجب قضاؤه ماشيا أو راكبا) ليكون القضاء على صفة الأداء (ويمضي في فاسده) أي الحج المنذور (ماشيا) إن كان نذره ماشيا (أو راكبا) إن كان نذره راكبا (حتى يحل منه) بالتحللين كما في الصحيح. (وإن فاته الحج) بأن طلع عليه الفجر قبل الوقوف بعرفة (سقط توابع الوقوف و) هي (المبيت بمزدلفة و) المبيت (بمنى والرمي وتحلل بعمرة) إن لم يختر البقاء على إحرامه ليحج من قابل، وإذا نذر الحج العام فلم يحج ثم نذر أخرى في العام الثاني قال في الفروع: فيتوجه يصح وأن يبدأ بالثانية لفوتها ويكفر لتأخير الأولى وفي المعذور الخلاف. (وإن نذر أن يأتي بيت الله الحرام أو) أن (يذهب إليه أو يحجه أو يزوره لزمه ذلك) في حج أو عمرة كما تقدم (إن شاء ماشيا وإن شاء راكبا) لأنه لم يلتزم أحدهما (ولو نذر المشي إلى مسجد المدينة) المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام (أو) نذر المشي إلى المسجد (الأقصى لزمه ذلك) ليوفي بنذره. قال في الفروع: مرادهم لغير المرأة لأفضلية بيتها (وأن يصلي فيه ركعتين) لأن المسجد غير المسجد الحرام إنما تقصد للصلاة. (وإن نذر إتيان مسجد سوى المساجد الثلاثة ماشيا أو راكبا لم يلزمه إتيانه) لحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. (وإن نذر الصلاة فيه) أي فيما سوى المساجد الثلاثة (لزمته الصلاة) لحديث: من نذر
359 أن يطيع الله فليطعه (فيصليها في أي مكان شاء ولا يلزمه المشي إليه والصلاة فيه) لحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. (وإن نذر المشي إلى بيت الله ولم يعين بيتا) بلفظه (ولم ينوه انصرف إلى بيت الله الحرام) لأنه المعهود فينصرف الاطلاق إليه (وإن نذر طوافا) وأطلق (أو) نذر (سعيا) وأطلق (فأقله أسبوع) لأنه المشروع (وتقدم نذر الصلاة في المساجد الثلاثة في باب الاعتكاف) مفصلا (وإن نذر رقبة فهي التي تجزئ في الكفارة على ما تقدم في الظهار) لأن المطلق يحمل على معهود الشرع وهو الواجب في الكفارة (إلا أن ينوي رقبة بعينها فيجزئه ما عينه) لأن المطلق يتقيد بالنية كالقرينة اللفظية (لكن لو مات المنذور المعين أو أتلفه قبل عتقه لزمه كفارة يمين بلا عتق كما تقدم في الباب وإن نذر الطواف على أربع طاف طوافين) نص عليه سعيد عن ابن عباس ولخبر معاوية ابن خديج الكندي: أنه قدم على رسول الله (ص) ومعه أمه كبشة بنت معدي كرب عمة الأشعث بن قيس، فقالت: يا رسول الله آليت أن أطوف بالبيت حبوا، فقال لها رسول الله (ص): طوفي على رجليك سبعين، سبعا عن يديك وسبعا عن رجليك أخرجه الدارقطني (والسعي) النذور على أربع (كالطواف) في ذلك فيسعى على رجليه أسبوعين. (وكذا لو نذر طاعة على وجه منهي عنه كنذره صلاة عريانا أو) نذره (حجا حافيا حاسرا، أو نذرت) المرأة (الحج حاسرة ونحوه) كالصلاة بثوب نجس (فيفي بالطاعة على الوجه المشروع وتلغى تلك الصفة) لما روى عكرمة: أن النبي (ص) كان في سفر فحانت منه نظرة فإذا امرأة ناشرة شعرها قال: فمروها فلتختمر، ومر برجلين مقرونين. فقال: أطلقا قرانكما (ويكفر) لا خلاله بصفة نذره، وإن كان غير مشروع كما لو كان أصل النذر غير مشروع
360 (وتقدم معناه ولا يلزم الوفاء بالوعد) نص عليه وقاله أكثر العلماء (ويحرم بلا استثناء) لقوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) *. قال في الآداب الكبرى: فلا يخبر عن شئ سيوجد إلا باعتبار جازم أو ظن راجح، قال: وتعليق الخبر فيها بمشيئة الله مستحب ولا يجب للاخبار المشهور في تركه في الخبر والقسم انتهى. قال في المبدع: ومذهب مالك يلزم أي الوفاء بالوعد بسبب كمن قال: تزوج وأعطيك كذا وأحلف لا تشتمني ولك كذا وإلا لم يلزمه. تنبيهات: لو قال: إن ملكت عبد زيد فلله علي أن أعتقه بقصد القربة ألزم بعتقه إذا ملكه وإذا نذر الحج عاجز عن الزاد والراحلة حال نذره لم يلزمه شئ ثم إن وجدهما لزمه وإن نذر أربع ركعات بتسليمتين أو أطلق يجزي بتسليمة كعكسه، ولمن نذر صلاة جالسا أن يصليها قائما، والعهد غير الوعد ويكون بمعنى اليمين، والأمان والذمة والحفظ والرعاية والوصية وغير ذلك قال ابن الجوزي في قوله تعالى: * (وأوفوا بالعهد) * عام فيما بينه وبين ربه. والناس ثم قال الزجاج: كل ما أمر الله تعالى به ونهى عنه فهو من الوعد.
361 كتاب القضاء والفتيا (والقضاء) مصدر قضى يقضي فهو قاض إذا حكم وإذا فصل وإذا حكم وإذا أمضى وإذا فرغ من الشئ وإذا خلق، وقضى فلان واستقضى صار قاضيا ويسمى قاضيا لأنه يمضي الاحكام ويحكمها ويكون قضى بمعنى أوجب و (جمعه) أي القضاء (أقضية) وجمع مع أنه مصدر باعتبار أنواعه (وهو) أي القضاء (الالزام) بالحكم الشرعي (وفصل الخصومات) والحكم إنشاء لذلك الالزام إن كان فيه إلزام أو للإباحة والاطلاق إن كان الحكم في الإباحة كحكم الحاكم بأن الموات إذا بطل إحياؤه صار مباحا لجميع الناس قاله ابن قندس وفي الاختيارات الحاكم فيه صفات ثلاثة: فمن جهة الاثبات هو شاهد ومن جهة الأمر والنهي هو مفت ومن جهة الالزام بذلك هو ذو سلطان انتهى. وأركان القضاء خمسة: القاضي والمقضي به والمقضي فيه والمقضى له والمقضي عليه. والأصل فيه قوله تعالى : * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) *. وقوله تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) * وقوله (ص): إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر. متفق عليه. من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وأجمع المسلمون على نصب القضاة للفصل بين الناس. (وهو) أي القضاء (فرض كفاية كالإمامة) العظمى. قال أحمد: لا بد للناس من حاكم لئلا تذهب حقوق الناس. وقال الشيخ تقي الدين: قد
362 أوجب النبي (ص) تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر وهو تنبيه على أنواع الاجتماع (وإذا أجمع أهل بلد على تركه أثموا) قال ابن حمدان: إن لم يحكموا في غيره لكن المخاطب بنصب القضاة الامام كما يأتي (وولايته) أي القضاء (رتبة دينية ونصبة شرعية، وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به وأداء الحق فيه). قال ابن مسروق: لان أحكم يوما بحق أحب إلي من أن أغزو سنة في سبيل الله (قال الشيخ: والواجب اتخاذها) أي ولاية القضاء (دينا وقربة فإنها من أفضل القربات) والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. (وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرياسة والمال بها انتهى وفيه) أي القضاء (خطر عظيم ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه) ولهذا في الحديث: من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين. رواه الترمذي وحسنه، أي من تصدى للقضاء وتولاه فقد تعرض للذبح فليحذره والذبح ههنا مجاز عن الهلاك، فإنه من أسرع أسبابه قاله في حاشيته. (فمن عرف الحق ولم يقض به أو قضى على جهل ففي النار، ومن عرف الحق وقضى به ففي الجنة) لحديث : قاضيان في النار وقاض في الجنة. (ويجب على الامام أن ينصب في كل أقليم قاضيا) لأن الامام هو القائم بأمر الرعية المتكلم بمصلحتهم المسؤول عنهم، فيبعث القضاة إلى الأمصار لفعل النبي (ص) والصحابة وللحاجة إلى ذلك يتوقف الامر على السفر إلى الامام فتضيع الحقوق لما في السفر من المشقة وكلفة النفقة. وبعث النبي (ص) قاضيا إلى اليمن وولى عمر شريحا قاضيا للكوفة وكعب بن سور قضاء البصرة وغير ذلك. والإقليم
363 بكسر الهمزة أحد الأقاليم السبعة. قال أبو منصور وليس بعربي محض (و) يجب على الامام (أن يختار لذلك أفضل من يجد علما وورعا) لأن الامام ينطر للمسلمين، فيجب عليه اختيار الأصلح لهم، فيختار أفضلهم علما لأن القضاء بالشرع فرع من العلم به والأفضل أثبت وأمكن، وكذا من ورعه أشد لسكون النفس إلى ما يحكم به أعظم، (وإن لم يعرف) الامام الأفضل (سأل عمن يصلح) قال تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) *. (فإن ذكر له) أي الامام (من لا يعرفه أحضره وسأله) ليكون على بصيرة ولأنه ربما كان للمسؤول غرض غير المطلوب. وكانوا يمتحنون العمال بالفرائض ونحوها من الغوامض (فإن عرف عدالته) ولاه (وإلا بحث عنها فإذا عرفها ولاه) وإلا لم يوله ألا عند الضرورة كما يأتي (ويأمره) الامام (بتقوى الله وإيثار طاعته في سره وعلانيته و) يأمره أيضا (بتحري العدل والاجتهاد في إقامة الحق) لأن ذلك تذكرة له بما يجب عليه فعله، وإعانة له في إقامة الحق وتقوية لقلبه وتنبيهه على اعتناء الامام بأمر الشرع وأهله (ويكتب) الامام (له) أي القاضي (بذلك عهدا) إذا كان غائبا عنه فيكتب له بأنه ولاه، وأنه يأمره بتقوى الله إلخ. (و) يأمره (أن يستخلف في كل صقع) بضم الصاد أي ناحية (أصلح من يقدر عليه) لهم لأن في ذلك خروجا من الخلاف في جواز الاستخلاف وتنبيها على مصلحة رعية بلد القاضي وحثا له على اختيار الأصلح (و) يجب (على من يصلح له) أي القضاء (إذا طلب لم يوجد غيره من يوثق به الدخول فيه إن لم يشغله عما هو أهم منه) لأن فرض الكفاية إذا لم يوجد من يقوم به تعين عليه كغسل الميت ونحوه. (ولا يجب عليه) أي على من يصلح للقضاء (طلبه) ولو لم يوجد غيره. لما روى أنس: قال رسول الله (ص): من سأل القضاء وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه نزل ملك يسدده. رواه الخمسة إلا النسائي، وفي رواية أخرى: من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل عليه
364 ملك يسدده. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب (ومن لا يحسنه) أي القضاء (ولم تجتمع فيه شروطه حرم عليه الدخول فيه) لعدم صحة قضائه فيعظم الغرر والضرر، (ومن كان من أهله) أي القضاء (ويوجد غيره مثله) في الأهلية (فله أن يليه ولا يجب عليه) الدخول فيه لأنه لم يتعين عليه (والأولى أن لا يجب إذا طلب) إذن لما فيه من الخطر والمشقة الشديدة ولما في تركه من السلامة. وذلك طريقة السلف وقد أراد عثمان تولية ابن عمر القضاء فأبى (ويكره له طلبه) أي القضاء (وكذلك الامارة) لقول النبي (ص) لعبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الامارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها. وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها. متفق عليه. (وطريقة السلف الامتناع) طلبا للسلامة، (وإن لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره حرم) عليه الدخول فيه (وتأكد الامتناع) من الإجابة إليه (ويحرم بذل المال في ذلك) أي في نصبه قاضيا (ويحرم أخذه) أي أخذ المال على تولية القضاء (و) يحرم (طلبه وفيه مباشرة أهل له) ولو كان الطالب أهلا للقضاء لما فيه من إيذاء القائم به. فإن لم يكن فيه مباشر أهل لم يحرم طلبه قال الماوردي: فإن كان أكثر قصده إزالته أثيب. وإن كان ليختص بالنظر أبيح، فإن ظن عدم تمكينه فالاحتمالان (وتصح تولية مفضول مع وجود أفضل) منه لأن المفضول من الصحابة كان يولي مع وجود الفاضل مع الاشتهار والتكرار، ولم ينكر ذلك أحد فكان إجماعا. وتصح أيضا تولية حريص عليها بلا كراهة (ولا تثبت ولاية القضاء إلا بتولية الامام أو نائبه) لأن ولاية القضاء من المصالح العامة فلم تجز إلا من جهة الامام كعقد الذمة، ولان الامام صاحب الأمر والنهي وهو واجب الطاعة مسموع الكلمة (ومن
365 شروط صحتها) أي ولاية القضاء (معرفة المولي) بكسر اللام (كون المولى) بفتحها (على صفة تصلح للقضاء) لأن مقصود القضاء لا يصلح إلا بذلك ولان الأصل العدم فلا تجوز توليته مع عدم العلم بأهليته، كما لا تجوز توليته مع عدم العلم بصلاحيته (و) من شرط صحتها (تعيين ما يوليه المحكم فيه من الأعمال) كمصر ونواحيها (والبلدان) كالمحلة ونحوها ليعلم محل ولايته فيحكم فيه ولا يحكم في غيره، ولأنه عقد ولاية يشترط فيه الايجاب والقبول، فلا بد من معرفة المعقود عليه كالوكالة (و) من شرط صحتها (مشافهته بالولاية في المجلس) إن كان حاضرا (ومكاتبته بها) إن كان غائبا، لأن التولية تحصل بذلك كالتوكيل وحينئذ يكتب له عهدا بما ولاه، لأن النبي (ص) كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، وكتب عمر إلى أهل الكوفة: أما بعد فإني قد بعثت لكم عمارا أميرا وعبد الله قاضيا. (في البعد) أي مكاتبته بها في البعد (وإشهاد عدلين على توليته فيقرأ) الامام (أو نائبه عليهما العهد أو يقرأه غيره بحضرته ليمضيا معه إلى بلد توليته فيقيما له الشهادة ويقول) الامام أو نائبه (لهما: اشهدا على أني قد وليته قضاء البلد الفلاني وتقدمت عليه بما يشتمل هذا العهد عليه) أي إذا كان البلد الذي ولاه فيه بعيدا لا يستفيض إليه الخبر بما يكون في بلد الامام (ولا تصح الولاية بمجرد الكتابة من غير إشهاد) عدلين عليها لأن العلم لا يصح إلا بذلك (وإن كان البلد) الذي ولاه فيه (قريبا من بلد الامام ليستفيض إليه ما يجري في بلد الامام نحو: أن يكون بينهما خمسة أيام فما دونهما جاز أن يكتفي بالاستفاضة دون الشهادة كالكتابة والاشهاد) أي كما يكتفي بالاستفاضة عن الكتابة وعن الاشهاد، لأن العلم بالولاية يحصل بذلك. وأطلق الأزجي واستفاضة وظاهره مع البعد. قال في الفروع: وهو متجه (ولا تشترط عدالة المولي بكسر اللام ولو كان نائب الامام) لأن ولاية الامام الكبرى تصح من كل بر وفاجر فتصح ولايته كالعدل، ولأنها لو اعتبرت في المولي أفضى إلى تعذرها بالكلية فيما إذا كان غير عدل (وألفاظ التولية الصحيحة سبعة: وليتك الحكم وقلدتك) الحكم (واستنبتك) في الحكم (واستخلفتك) في الحكم
366 (ورددت إليك) الحكم (وفوضت إليك) الحكم (وجعلت إليك الحكم، فإذا وجد أحدها) أي هذه الألفاظ السبعة (وقبل المولى الحاضر في المجلس أو) قبل (الغائب بعده) أي بعد المجلس (أو شرع الغائب في العمل انعقدت) الولاية لأن هذه الألفاظ تدل على ولاية القضاء دلالة لا تفتقر معها إلى شئ آخر. قال في المبدع: ويصح القبول بالشروع في العمل في الأصح. انتهى، وظاهره: أنه لا فرق بين الحاضر والغائب وهو واضح (والكناية نحو: اعتمدت عليك وعولت عليك، ووكلت إليك، وأسندت الحكم إليك فلا تنعقد) الولاية بكناية منها (حتى تقترن بها قرينة نحو: فاحكم أو فتول ما عولت) فيه (عليك وما أشبهه) لأن هذه الألفاظ تحتمل التولية وغيرها من كونه يأخذ برأيه أو غير ذلك فلا تنصرف إلى التولية إلا بقرينة تنفي الاحتمال. فصل: (وتفيد ولاية الحكم العامة) أي التي لم تخص بحالة دون حالة فصل الخصومات وما عطف عليه (ويلزم) القاضي (بها) أي بسبت الولاية العامة (فصل الخصومات واستيفاء الحق ممن هو عليه ودفعه إلى ربه) لأن المقصود من القضاء ذلك، ولهذا قال أحمد: تذهب حقوق الناس (والنظر في أموال اليتامى والمجانين والسفهاء) لأن ترك ذلك يؤدي إلى ضياع أموالهم (والحجر على من يرى الحجر عليه لسفه أو فلس) لأن الحجر يفتقر إلى نظر واجتهاد فلذلك كان مختصا به (والنظر في الوقوف) التي (في عمله) أي ولايته (لتجري بإجرائها على شرط الواقف) لان الضرورة تدعو إلى إجرائها على شرطه سواء كان له ناظر خاص أو لم يكن (وتنفيذ الوصايا)
367 لأن الميت محتاج إلى ذلك كغيره (وتزويج النساء اللاتي لا ولي لهن) لقوله (ص): فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. والقاضي نائبه (وإقامة الحدود) لأنه (ص) كان يقيمها والخلفاء من بعده (وإقامة الجمعة بالاذن في إقامتها ونصب إمامها. وكذا العيد) لان الخلفاء كانوا يقيمونها (ما لم يخصا بإمام) من جهة السلطان أو الواقف ذكره ابن حمدان (والنظر في مال الغائب) لئلا يضيع (وجباية الخراج وأخذ الصدقة) أي الزكاة (إن لم يخصا بعامل) من جهة الامام قياسا على ما تقدم (والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن طرقات المسلمين وأفنيتهم) لأنه مرصد للمصالح (وتصفح حال شهوده وأمنائه ليستبقي ويستبدل من يصلح) أي يستبقي من يصلح ويستبدل من ثبت جرحه كما في المقنع والمنتهى وغيرهما ، لأن العادة في القضاء ذلك فعند إطلاق الولاية تنصرف إلى ما جرت به العادة (قال في التبصرة: ويستفيد الاحتساب على الباعة والمشترين وإلزامهم بالشرع) وفي المنتهى: لا يستفيد ذلك لأن العادة لم تثبت بتولي القضاة لذلك. (قال الشيخ: ما يستفيده بالولاية لا حد له شرعا بل يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف) لأن كل ما لم يحد شرعا يحل على العرف كالحرز والقبض (ولا يحكم) القاضي في غير محله (ولا يسمع بينة في غير عمله وهو) في الأصل ما يجمع بلدانا أو قرى متفرقة، كالعراق ونواحيه، والمراد هنا (محل حكمه) الذي ولي ليحكم فيه سواء كان يجمع بلدانا أو قرى متفرقة أو بلدا أو محلا معينا من البلد كما أوضحته في الحاشية (فإن فعل) أي حكم أو ولي أو سمع بينة في غير عمله (لغى) ذلك لأنه لم يصادف ولاية (وتجب إعادة الشهادة كتعديلها) في محل الحكم لأنه موضع نفوذ حكمه (وله) أي القاضي (طلب الرزق من بيت المال لنفسه وأمنائه وخلفائه) لأن عمر رزق شريحا في كل شهر مائة درهم، ورزق ابن مسعود نصف شاة كل يوم، وإذا جاز له
368 الطلب لنفسه جاز لمن هو في معناه (مع الحاجة وعدمها) لأن أبا بكر لما ولي الخلافة فرضوا له كل يوم درهمين، وفرض عمر لزيد وغيره، وأمر بفرض الرزق لمن تولى القضاء ولاته لو لم يجز فرض الرزق لتعطلت وضاعت الحقوق، (فإن لم يجعل له) أي القاضي (شئ وليس له ما يكفيه. وقال للخصمين: لا أقضي بينكما إلا بجعل جاز) في الأصح قاله في المغني والشرح (ولا يجوز الاستئجار على القضاء) لأنه يختص أن يكون فاعله من أهل القربة ولا يعمله إنسان عن غيره، وإنما يقع عن نفسه (وللمفتي أخذ الرزق من بيت المال) لأن الافتاء من المصالح العامة كالاذان (ولو تعين عليه أن يفتي ولا كفاية، لم يأخذ) من المستفتى لأنه اعتياض عن واجب عليه، ولا يجوز (من أخذ رزقا) من بيت المال (لم يأخذ) من المستفتى أجرة لفتياه ولا لحظه لاستعنائه بالرزق (وإلا) أي وإن لم يأخذ رزقا (أخذ أجرة حظه) فقط (و) يجب (على الامام أن يفرض من بيت المال لمن نصب نفسه لتدريس العلم والفتوى في الاحكام ما يغنيه عن التكسب) لدعائه الحاجة إلى القيام بذلك والانقطاع له وهو في معنى الإمامة والقضاء. فصل: (ويجوز أن يوليه الامام عموم النظر) (في عموم العمل بأن يوليه القضاء) في سائر الأحكام (في كل البلدان و) يجوز (أن يوليه) الامام (خاصا في أحدهما) أي القضاء والعمل (أو) أن يوليه خاصا (فيهما) أي في القضاء والعمل (فيوليه النظر في بلد) خاص (أو محلة خاصة فينفذ قضاؤه في أهله ومن طرأ إليه) لأن الطارئ إليه يعطى حكم أهله بدليل أن الدماء الواجبة لأهل مكة يجوز تفريقها
369 في الطارئ إليها كأهلها (ولكن لو أذنت له في تزويجها) من الأولى لها وهي في عمله (فلم يزوجها حتى خرجت من عمله لم يصح تزويجه) لها ما دامت خارجة عن عمله لأنها حالة التزويج لم تكن في عمله فلم يكن له عليها ولاية. (كما لو أذنت له في غير عمله) أن يزوجها ولا يصح (ولو دخلت بعد) ذلك (إلى عمله) لأن إذنها له في غير عمله ولا عبرة به لعدم ولايته عليها في غير عمله فلم يصح تزويجه لها، كما لو لم تدخل إلى عمله (فإن قالت) للقاضي في غير عمله: (إذا حصلت في عملك فقد أذنت لك) أن تزوجني، (فزوجها) بعد حصولها (في عمله صح) تزويجه لها (بناء على جواز تعليق الوكالة بالشرط) والاذن في معنى الوكالة، وليس وكالة كما تقدم في النكاح لأنها لا تملك عزله (أو يجعل) الامام أو نائبه (إليه) أي القاضي (الحكم في المداينات خاصة أو) الحكم (في قدر من المال لا يتجاوزه أو يفوض إليه عقود الأنكحة دون غيرها) في بلد خاص أو جميع البلدان لأن الخبرة من التولية إلى الامام فكذا في صفتها وله الاستنابة في الكل فكذا في البعض. وقد صح أن النبي (ص) كان يستنيب أصحابه كلا في شئ، فولى عمر القضاء وبعث عليا قاضيا باليمن. وكان يرسل بعضهم لقبض الزكاة وغيرها وكذا الخلفاء من بعده (ويجوز أن يولي) الامام قاضيا (من غير مذهبه) لأن على القاضي أن يجتهد رأيه في قضائه. (وإن نهاه عن الحكم في مسألة فله الحكم بها) هذا أحد وجهين أطلقهما في الرعاية. قال في الانصاف قلت: الصواب الجواز انتهى. قلت: فيفرق بين ما إذا ولاه ابتداء شيئا خاصا وبين ما إذا ولاه ثم نهاه عن شئ. (ويجوز أن يولي) من له الولاية (قاضيين فأكثر في بلد واحد يجعل لكل واحد منهما عملا سواء كان المولي الامام أو القاضي) ولى (خلفاءه مثل أن يجعل إلى أحدهما الحكم بين الناس و) يجعل (إلى الآخر عقود الأنكحة) لأن الامام كامل الولاية فوجب أن يملك ذلك إذ لا ضرر فيه كتولية القاضي الواحد (فإن جعل إليهما) أي القاضيين (عملا واحدا جاز) له
370 ذلك (فيحكم كل واحد باجتهاده) لأنها نيابة فجاز جعلها لاثنين كالوكالة ولأنه يجوز للقاضي أن يستخلف خليفتين في موضع واحد فالامام أولى (وليس) ل (- لقاضي) (الآخر الاعتراض عليه) أي على رفيقه (ولا نقض حكمه) كما لو كان كل واحد منهما بعمل خاص، (فإن تنازع خصمان في الحكم عند أحدهم قدم قول الطالب) وهو المدعي على المدعى عليه (ولو) كان الطالب يريد الدعوى (عند نائب) لأن الحق له في تعيين القاضي (فلو تساويا) أي الخصمان (في الدعوى كالمدعيين اختلفا في ثمن مبيع باق اعتبر أقرب الحاكمين إليهما) لأنه لا حاجة إلى التكلف للأبعد منهما (فإن استويا) أي الحاكمان في القرب (أقرع بينهما) أي بين الخصمين إذا طلب كل واحد منهما قاضيا لعدم الترجيح بدون القرعة (ولا يجوز أن يقلد القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب بعينه) لقوله تعالى: * (فاحكم بين الناس بالحق) *. والحق لا يتعين في مذهب وقد يظهر الحق في غير ذلك المذهب (فإن فعل) أي ولاه على أن يحكم بمذهب بعينه (بطل الشرط) وصحت الولاية كالشروط الفاسدة في البيع (وعمل الناس على خلافه كما يأتي قريبا قال الشيخ: من أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن قال: ينبغي) أي تقليد إمام بعينه (كان جهلا ضالا، قال: ومن كان متبعا للامام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل أو يكون أحدهما أعلم أو أتقى فقد أحسن، ولم يقدح في عدالته) بلا نزاع (قال: وفي هذه الحال) أي حال قوة الدليل أو كون أحدهما أعلم أو أتقى (يجوز) تقليد من اتصف بذلك (عند أئمة الاسلام بل يجب وأن) الامام (أحمد نص عليه) انتهى. (ويجوز أن يفوض الامام إلى إنسان
371 توليه القضاء) أي أن يولي القضاة (وليس له) أي لمن ولاه الامام تولية القضاء (أن يولي نفسه ولا والده ولا ولده كما لو وكله في الصدقة بمال لم يجز له أخذه ولا دفعه إلى هذين) كما تقدم في الوكالة (فإن مات المولي بكسر اللام أو عزل المولى بفتحها) أي اللام (مع صلاحيته لم تبطل ولايته كما لو عزل الامام لأنه) أي القاضي (نائب المسلمين لا نائبه) فلا ينعزل بموته ولا عزله ولأنه عقد لمصلحة المسلمين كما لو عقد الولي النكاح على موليته ثم مات أو فسخه (وكذا كل عقد لمصلحة المسلمين كوال ومن ينصبه) الامام (لجباية مال) كخراج وزكاة (وصرفه وأمير جهاد، وكيل بيت المال ومحتسب قاله الشيخ) قال في المبدع وهو ظاهر كلام غيره وجزم به في المنتهى. (وقال) الشيخ: (الكل لا ينعزل بانعزال المستنيب وموته حتى يقوم غيره مقامه انتهى) لأن فيه ضررا (ولا يبطل ما فرضه فارض في المستقبل) أي لو قدر القاضي نفقة أو كسوة أو نحوهما ثم مات أو عزل لم يبطل فرضه في المستقبل بموته ولا بعزله. ولا يجوز لاحد تغييره ما لم يتغير السبب لأن فرضه حكم وأحكامه لا تبطل بالموت ولا بالعزل (ولا ينعزل) القاضي (حيث صح عزله قبل علمه بالعزل فليس كوكيل) لأن الحق في الولاية لله وإن قلنا: هو وكيل والنسخ في حقوق الله لا يثبت قبل العلم، كما قلنا في المشهور: إن نسخ الحكم لا يثبت في حق من لم يبلغه وفرقوا بينه وبين الوكيل بأن أكثر ما في الوكيل بثبوت الضمان وذلك لا ينافي الجهل. بخلاف الحكم فإن فيه الاثم، وذلك ينافي الجهل، كذلك الأمر والنهي وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد قاله في الاختيارات (فإن كان المستنيب قاضيا فعزل نوابه أو زالت ولايته بموت أو عزل أو غيره كما لو اختل فيه بعض شروطه انعزلوا) لأنهم نوابه أشبهوا الوكيل وهذا بخلاف من ولاه الامام قاضيا فإنه يتعلق به قضايا الناس وأحكامهم عنده وعند نوابه بالبلدان فيشق ذلك على المسلمين. قلت: وعلى هذا فنواب الأمير كالوالي والمحتسب ونحوهما ممن ولايته منه ينعزلون
372 بعزله (ومن عزل نفسه انعزل) قاضيا كان أو غيره وسواء كانت ولايته من الامام أو غيره لأنه وكيل. (ولو أخبر بموت قاضي بلد فلولي غيره) وكان (فبان) المخبر عنه (حيا لم ينعزل) لأنها كالمعلقة على صحة الاخبار، وكذا كل ما رتب على أنها فاسدة (ويستحب) للامام (أن يجعل للقاضي أن يستخلف) خروجا من خلاف من منعه منه بلا إذن، (وإن نهاه) أي نهى الامام القاضي (عن الاستخلاف لم يكن له أن يستخلف) غيره لأن ولايته قاصرة، (وإن أطلق) الامام فلم يأمره بالاستخلاف ولم ينهه عنه (فله) أي القاضي (ذلك) قال في الاختيارات نص الامام على أن للقاضي أن يستخلف من غير إذن الإمام فرقا بينه وبين الوكيل وجعلا له كالوصي انتهى. وجزم به في المستوعب وقدمه في الشرح وقيل له ذلك فيما لا يباشره مثله عرفا أو يشق وهذا الثاني جزم به المصنف في الوكالة تبعا للتنقيح وقال عنه هناك في الانصاف: إنه المذهب وقد نقلنا كلامه في الحاشية. فإن استخلف في موضع ليس له الاستخلاف فحكمه حكم من لم يول. ويشترط أهلية التائب لما نواه (ويصح) تعليق (تولية قضاء و) تولية (إمارة) بلد أو سرية ونحوها (بشرط) لأن النبي (ص) علق ولاية الامارة بعد زيد على شرط، فكذا ولاية الحكم (فإذا قال المولى: من نظر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان فهو خليفتي، أو نفذ ولايته لم تنعقد لمن ينظر) منهما (لجهالة المولى منهما) لأنه لم يعين بالولاية واحدا منهما كما لو قال: بعتك أحد الثوبين (وإن قال) الامام: (وليت فلانا وفلانا فمن نظر منهما فهو خليفتي انعقدت لمن سبق منهما النظر) لأنه ولاهما جميعا ثم عين السابق منهما. فصل: (ويشترط في القاضي عشر صفات. أن يكون بالغا عاقلا) لأن غيرهما لا ينفذ قوله في نفسه فلئلا ينعقد في غيره أولى وهما يستحقان الحجر
373 عليهما والقاضي يستحقه على غيره وبين الحالتين منافاة (ذكرا) لقوله (ص): لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. ولأن المرأة ناقصة العقل، قليلة الرأي ليست أهلا لحضور محافل الرجال، (حرا) لأن العبد منقوص برقه مشغول بحقوق سيده وكالإمامة العظمى (لكن تصح ولاية عبد إمارة سرية وقسم صدقة و) قسم (فئ وإمامة صلاة) غير جمعة وعيد (وأن يكون مسلما) لأن الكفر يقتضي إذلال صاحبه، والقضاء يقتضي احترامه وبينهما منافاة، ولأنه يشترط في الشهادة فهنا أولى (عدلا ولو تائبا من قذف) نص عليه (فلا تجوز تولية فاسق ولا من فيه نقص يمنع) قبول (الشهادة) لقوله تعالى: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) *. ولا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله ويجب التبيين عند حكمه وكالشهادة، (وأن يكون سميعا) لأن الأصم لا يسمع كلام الخصمين (بصيرا) لأن الأعمى لا يميز المدعي من المدعى عليه، والمقر من المقر له (ناطقا) لأن الأخرس لا يمكنه النطق بالحكم ولا يفهم جميع الناس إشارته (مجتهدا) إجماعا ذكره ابن حزم. ولأنهم أجمعوا على أنه لا يحل لحاكم ولا لمفت تقليد رجل لا يحكم ولا يفتي إلا بقوله لأن فاقد الاجتهاد إنما يحكم بالتقليد والقاضي مأمور بالحكم بما أنزل الله. ولا المفتي لا يجوز أن يكون عاميا مقلدا فالحاكم أولى، (ولو) كان اجتهاده (في مذهب إمامه) إذ لم يوجد غيره (لضرورة) لكن في الافصاح إن الاجماع انعقد على تقليد كل من المذاهب الأربعة وأن الحق لا يخرج عنهم ثم ذكر أن الصحيح في هذه المسألة أن قول من قال: إنه لا يجوز تولية مجتهد فإنه إنما عني به ما كانت الحال عليه قبلي استقرارا عليه هذه المذاهب. وقال الموفق في خطبة المفتي النسبة إلى إمام في الفروع كالأئمة الأربعة ليست بمذمومة فإن اختلافهم رحمة واتفاقهم حجة قاطعة (واختار في الافصاح والرعاية أو مقلدا). قال في الانصاف (وعليه عمل الناس من مدة طويلة وإلا تعطلت أحكام الناس وكذا المفتي)، قال ابن يسار: ما
374 أعيب من يحفظ خمس مسائل لأحمد يفتي بها، وظاهر نقل عبد الله مفت غير مجتهد، ذكره القاضي وحمله الشيخ تقي الدين على الحاجة (فيراعي كل منهما ألفاظ إمامه و) يراعي من أقواله (متأخر يقلد كبار مذهب في ذلك ويحكم به، ولو اعتقد خلافه لأنه مقلد) ولا يخرج عن الظاهر عنه (قال الشيخ منصب الاجتهاد ينقسم) أي يقبل الانقسام بأن يكون مجتهدا في شئ دون شئ (حتى لو ولاه في المواريث لم يجب أن يعرف إلا الفرائض والقضايا، وما يتعلق بذلك، وإن ولاه عقود الأنكحة وفسخها لم يجب أن يعرف إلا ذلك، وعلى هذا فقضاة الأطراف يجوز أن لا يقضوا في الأمور الكبار كالدماء، والقضايا المشكلة، وعلى هذا لو قال: اقض فيما نعلم كما يقول له: فيما تعلم جاز ويبقى ما لا يعلم خارجا عن ولايته انتهى. ومثله لا تقض فيما مضى له عشر سنين ونحوه) لخصوص ولايته (ويحرم الحكم والفتيا بالهوى إجماعا وليحذر المفتي أن يميل في فتياه مع المستفتي أو مع خصمه مثل أن يكتب في جوابه ما هو له) فقط (دون أن يكتب ما هو عليه) فقط (ونحو ذلك) بل يكتب ما له وما عليه لأنه العدل وأداء الأمانة فيما علمه الله، (وليس له أن يبتدئ في مسائل الدعاوى والبينات بذكر وجوه المخالص منها) لأن ذلك ميل مع أحدهما، (وإن سأله بأي شئ تندفع دعوى كذا وكذا وبينة كذا وكذا؟ لم يجب لئلا يتوصل) السائل (بذلك إلى إبطال حق وله أن يسأله عن حاله فيما ادعى عليه فإذا شرحه) المستفتي (له) أي للمفتي (عرفه بما فيه من دافع
375 وغير دافع) ليكون على بصيرة (ويحرم الحكم والفتيا بقول أو وجه من غير نظر في الترجيح إجماعا ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده فيما له، وعليه إجماعا، قاله الشيخ ولا يشترط كون القاضي كاتبا) لأنه (ص) كان أميا وليس من ضرورة الحكم كونه كاتبا، (أو) أي ولا يشترط أيضا كونه (ورعا أو زاهدا أو يقظا، أو مثبتا للقياس، أو حسن الخلق والأولى كونه كذلك) أي كاتبا ورعا زاهدا يقظا مثبتا للقياس حسن الخلق لأنه أكمل (قال الشيخ الولاية لها ركنان القوة والأمانة، فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ الحكم، والأمانة ترجع إلى خشية الله) تعالى (قال: وشروط القضاء تعتبر حسب الامكان، ويجب تولية الأمثل فالأمثل قال وعلى هذا يدل كلام) الامام (أحمد وغيره فيولى للعدم أنفع الفاسقين وأقلهما شرا وأعدل المقلدين وأعرفهما بالتقليد وهو كما قال) وإلا لتعطلت الاحكام واختل النظام (و الشاب المتصف بالصفات المعتبرة كغيره لكن الأسن أولى مع التساوي) في الصفات المعتبرة وولي النبي (ص) عتاب بن أسيد مكة وهو ابن إحدى وعشرين سنة (ويرجح أيضا بحسن الخلق) وتقدم (و) يرجح (من كان أكمل في الصفات) السابق ذكرها لترجحه بكماله (و) يجوز أن (يولى المولي) أي المعتق (مع أهليته) لأنه صار حرا أشبه حر الأصل (وما يمنع التولية ابتداء يمنعها دواما إذا طرأ ذلك عليه لفسق أو زوال عقل) فينعزل بذلك. لأن وجود العقل والعدالة ونحوها شرط في صحة الولاية فتبطل بزواله لفقد شرطها (إلا فقد السمع والبصر فيما ثبت عنده) أي القاضي (في حال سمعه وبصره فلم يحكم به حتى عمى أو طرش فإن ولاية حكمه باقية فيه) لأنه إنما منع الأعمى والأصم ابتداء. لأن الأعمى لا يميز بين
376 المدعي والمدعى عليه، كما سبق والأصم لا يعرف ما يقال فلا يمكنه الحكم. فإذا كان قد عرفهما قبل العمى وسمع منهما قبل الصمم، وثبت عنده المحكوم عليه من الخصم واللفظ لم يمنع العمى والصمم الحكم. لأن فقدهما ليس من مقدمات الاجتهاد فيصح الحكم منه مستندا إلى حال السمع والبصر بخلاف غيرهما من الفسق والجنون والردة ونحوها (ولو مرض مرضا يمنع القضاء تعين عزله) قدمه في الفروع (وقال الموفق والشارح: ينعزل بذلك ويتعين على الامام عزله انتهى) أي منعه إقامة غيره (والمجتهد) مأخوذ من الاجتهاد وهو استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي (من يعرف من كتاب الله) تعالى (وسنة رسوله (ص) الحقيقة) أي اللفظ المستعمل في وضع أول (والمجاز) أي اللفظ المستعمل في غير وضع أول. زاد بعضهم على وجه يصح (والامر) أي القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به (والنهي) أي اقتضاء الكف عن فعل لا بقول كف (والمجمل) أي ما لا يفهم منه عند الاطلاق شئ (والمبين) أي المخرج من حيز الاشكال إلى حيز التجلي والوضوح (والمحكم) أي اللفظ المتضح المعنى (والمتشابه) مقابله إما لاشتراك أو لظهور تشبيه، (والخاص) المقصور من العام على بعض مسمياته (والعام) ما دل على مسميات باعتبار اشتركت فيه مطلقا (والمطلق) ما دل على شائع في جنسه (والمقيد) ما دل على شئ معين (والناسخ) أي الرافع لحكم شرعي (والمنسوخ) ما ارتفع شرعا بعد ثبوته شرعا (والمستثنى) أي المخرج بإلا أو ما في معناها (والمستثنى منه) هو العام المخصوص بإخراج بعض ما دل عليه بإلا أو ما في معناها، (ويعرف من السنة صحيحها) وهو ما نقله العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة (من سقيمها) وهو ما لم يوجد فيه شروط الصحة كالضعيف والمنقطع والمنكسر والشاذ وغيرها، (ومتواترها) هو الخبر الذي نقله جمع لا يتصور تواطؤهم على الكذب مشوبا في ذلك طرفاه ووسطه والحق أنه لا ينحصر في عدد بل يستدل بحصول العلم على حصول العقل والعلم الحاصل عنه ضروري في الأصح (من آحادها) وهو ما عدا المتواتر. وليس المراد به أن يكون رواية واحد بل كل ما لم يبلغ التواتر فهو آحاد، (ومرسلها) وهو قول غير الصحابي: قال رسول الله (ص): (ومتصلها) أي
377 ما اتصل إسناده وكان كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه سواء كان مرفوعا أو موقوفا (ومسندها) ما اتصل إسناده من رواية إلى منتهاه. وأكثر استعماله فيما جاء عن النبي (ص) (ومنقطعها) أي ما اتصل إسناده على أي وجه كان الانقطاع (مما له تعلق بالأحكام خاصة) وظاهره أنه لا يجب عليه حفظ القرآن وإنما يتعين عليه حفظ خمسمائة آية كالمتعلقة بالأحكام كما نقله المعظم. لأن المجتهد هو من يعرف الصواب بدليله كالمجتهد في القبلة، ولكل مما ذكرنا دلالة لا يمكن معرفتها إلا بمعرفته فوجب معرفة ذلك لتعرف دلالته وتوقف الاجتهاد على معرفة ذلك (ويعرف ما اجتمع عليه مما اختلف فيه) لئلا يؤديه اجتهاده إلى قول يخرج عن الاجماع وعن أقوال السلف (و) يعرف (القياس) وهو رد فرع إلى أصل (و) يعرف (حدوده) أي القياس على ما ذكر في أصول الفقه (وشروطه) وبعضها يرجع إلى الأصل وبعضها إلى الفرع وبعضها إلى العلة (وكيفية استنباطه) على الكيفية المذكورة في محالها (و) يعرف (العربية) أي اللغة العربية من حيث اختصاصها بأحوال هي الاعراب لا توجد في غيرها من اللغات (المتداولة بالحجاز والشام والعراق وما يواليهم) ليعرف به استنباط الاحكام من أصناف علوم الكتاب والسنة (وكل ذلك مذكور في أصول الفقه وفروعه فمن عرف ذلك أو أكثره ورزق فهما صلح للفتيا والقضاء) لأن العالم بذلك يتمكن من التصرف في العلوم الشرعية ووضعها في مواضعها. قال أبو محمد الجوزي: من حصل أصول الفقه وفروعه فمجتهد ولا يقلد أحدا. فصل في أحكام تتعلق بالفتيا (كان السلف) رحمهم الله تعالى (يأبون الفتيا ويشددون فيها ويتدافعونها) قال
378 النووي روينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله (ص) يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول. وفي رواية: ما منهم من يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه ولا يستفتى عن شئ إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا. (وأنكر) الامام (أحمد وغيره على من يهجم على الجواب) لخبر: أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار. (وقال) أحمد (لا ينبغي أن يجيب في كل ما يستفتى فيه. وقال: إذا هاب الرجل شيئا لا ينبغي أن يحمل على أن يقول. وقال: لا ينبغي للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال. إحداها: أن تكون له نية) أي أن يخلص في ذلك لله تعالى ولا يقصد رياسة ولا نحوها (فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور) إذ الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى. (الثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة) وإلا لم يتمكن من فعل ما تصدى له من بيان الأحكام الشرعية. (الثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته) وإلا فقد عرض نفسه لعظيم. (الرابعة: الكفاية وإلا أبغضه الناس فإنه، إذا لم تكن له كفاية احتاج إلى الناس وإلى الاخذ مما في أيديهم) فيتضررون منه (الخامسة: معرفة الناس أي ينبغي له) أي للمفتي (أن يكون بصيرا بمكر الناس وخداعهم، ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم بل يكون حذرا فطنا مما يصورونه في سؤالاتهم) لئلا يوقعوه في المكروه ويؤيده حديث: احترسوا من الناس بسوء الظن وأخبر أخاك البكري ولا تأمنه. (والمفتي من يبين الحكم الشرعي) ويخبر به (من غير إلزام والحاكم يبينه) أي الحكم الشرعي (ويلزم به) فامتاز بالالزام.
379 قال الخطيب: وينبغي للامام أن يتصفح أحوال المفتيين فمن صلح للفتيا أقره ومن لا يصلح منعه ونهاه أن يعود وتواعده بالعقوبة إن عاد وطريق الامام إلى معرفة من يصلح للفتوى أن يسأل علماء وقته ويعتمد أخبار الموثقين بهم ثم روى بإسناده عن مالك. قال: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك وفي رواية: ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم مني: هل تراني موضعا لذلك؟ قال مالك: ولا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشئ حتى يسأل من هو أعلم منه. (ويحرم أن يفتي في حال لا) يجوز أن (يحكم فيها كغضب ونحوه) كحر مفرط وبرد مفرط وملل ونحوه مما يغير الفكر (فإن أفتى) في ذلك الحال (وأصاب) الحق (صح) جوابه. (وكره وتصح فتوى العبد والمرأة والأمي والأخرس المفهوم الإشارة أو الكتابة) كخبرهم (وتصح) الفتيا (مع أخذ النفع ودفع الضرر ومن العدو وأن يفتي أباه وأمه وشريكه و) سائر (من لا تقبل شهادته له) كزوجته ومكاتبته. لأن القصد بيان الحكم الشرعي وهو لا يختلف وليس منه إلزام بخلاف الحاكم (ولا تصح) الفتيا (من فاسق لغيره وإن كان مجتهدا) لأنه ليس بأمين على ما يقول وفي أعلام الموقعين. قلت: الصواب جواز استفتاء الفاسق إلا أن يكون معلنا بفسقه داعيا إلى بدعته. (لكن يفتي) المجتهد الفاسق (نفسه) لأنه لا يتهم بالنسبة إلى نفسه (ولا يسأله) أي الفاسق (غيره) لعدم حصول المقصود والوثوق به (ولا تصح) الفتيا (من مستور الحال) وفي المبدع تصح فتيا مستور الحال في الأصح (والحاكم كغيره في الفتيا) فيما يتعلق بالقضاء وغيره (ويحرم تساهل مفت) في الفتيا (وتقليد معروف به) أي بالتساهل في الفتيا (قال الشيخ لا يجوز استفتاء إلا من يفتي بعلم أو عدل. انتهى). لأن أمر الفتيا خطر فينبغي أن يحتاط
380 (وليس لمن انتسب إلى مذهب إمام) إذا استفتى (في مسألة ذات قولين أو وجهين بأن يتخير ويعمل بأيهما شاء) بل يراعي ألفاظ الأمة ومتأخرهما وأقربهما من الكتاب والسنة (وتقدم في الباب ويلزم المفتي تكرير النظر عند تكرار الواقعة)، كالمجتهد في القبلة يجتهد لكل صلاة وأما العامي إذا وقعت مسألة فسأل عنها ثم وقعت له ثانيا. فلم أر لأصحابنا فيها شيئا وقال القاضي أبو الطيب الشافعي: يلزمه السؤال الأول ثانيا إلا أن تكون مسألة يكثر وقوعها ويشق عليه إعادة السؤال عنها. فلا يلزمه ذلك ويكفيه السؤال الأول للمشقة نقله عن النووي في شرح المذهب، وقال في موضع آخر لا يلزمه في الأصح. لأنه قد عرف الحكم الأول والأصل استمرار المفتي عليه. انتهى. وهذا ظاهر كلام أصحابنا. (وإن حدث ما لا قول فيه) للعلماء (تكلم فيه حاكم ومجتهد ومفت) فيرده إلى الأصل والقواعد (وينبغي له) أي للمفتي (أن يشاور من عنده ممن يثق بعلمه إلا أن يكون في ذلك إفشاء سر السائل أو تعريضه للأذى أو) يكون فيه (مفسدة لبعض الحاضرين) فيخفيه إزالة لذلك، (وحقيق به) أي المفتي (أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلفت فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. ويقول إذا أشكل عليه شئ: يا معلم إبراهيم علمني) للخبر (وفي آداب المفتي ليس له أن يفتي في شئ من مسائل الكلام مفصلا بل يمنع السائل وسائر العامة من الخوض في ذلك أصلا) قال في المبدع: ولا تجوز الفتوى في علم الكلام بل نهي السائل عنه، والعامة أولى ويأمر الكل بالايمان المجمل وما يليق بالله تعالى ولا يجوز التقليد فيما يطلب به الجزم ولا إثباته بدليل ظني ولا الاجتهاد
381 فيه ويجوز فيما يطلب فيه الظن وإثباته بدليل ظني والاجتهاد فيه، (وله) أي المفتي (تخيير من استفتاه بين قوله وقول مخالفه) لأن المستفتي يجوز له أن يتخير وإن لم يخيره وقد سئل أحمد عن مسألة في الطلاق؟ فقال: إن فعل حنث، فقال السائل: إن أفتاني إنسان لا أحنث قال: تعرف حلقة المدنيين؟ قال: فإن أفتوني حل؟ قال: نعم. (ولا يلزم جواب ما لم يقع) لخبر أحمد عن ابن عمر: لا تسألوا عما لم يكن فإن عمر نهى ذلك. (لكن يستحب إجابته) أي السائل عما لم يقع لئلا يدخل في خبر: من كتم علما سئله - الحديث (ولا) يلزم (جواب ما لا يحتمله السائل) قال البخاري: قال علي: حدثوا الناس بما يعرفون؟ أتريد أن يكذب الله ورسوله. وفي مقدمة مسلم عن ابن مسعود: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم. (ولا) يلزم جواب (ما لا يقع فيه)، لخبر أحمد عن ابن عباس أنه قال عن الصحابة: ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم. وسئل أحمد عن يأجوج ومأجوج أمسلمون هم؟ فقال للسائل: أحكمت العلم حتى تسأل عن ذا؟ وسئل عن مسألة في اللعان فقال: سل رحمك الله عما ابتليت به، (وإن جعل له) أي للمفتي (أهل بلد رزقا ويتفرغ لهم جاز) له أخذه والأرزاق معروف غير لازم لجهة معينة. قال القرافي: ولا يورث بخلاف الأجرة قال: وباب الأرزاق أدخل في باب الاحسان وأبعد عن باب المعاوضة وباب الإجارة أبعد عن باب المسامحة وأدخل في باب المكاسبة. (وله) أي المفتي (قبول هدية والمراد لا ليفتيه بما يريده مما لا يفتي به غيره) أي غير المهدي (وإلا) أي وإن أخذها ليفتيه بما يريده مما لا يفتي به غيره (حرمت) عليه الهدية (ومن عدم مفتيا في بلده وغيره فله حكم ما قبل الشرع) على الخلاف هل الأصل في الأشياء الحظر أو الإباحة أو الوقف! (وقيل: متى خلت البلد من مفت حرم السكنى فيها) قال النووي: والأصح لا يحرم إن أمكن الذهاب إلى مفت (وله) أي المفتي (رد الفتيا إن خاف غائلتها أو كان في
382 البلد من يقوم مقامه) في الفتيا لأن الافتاء في حقه مع وجود من يقوم مقامه سنة (وإلا) أي وإن لم يكن في البلد من يقوم مقامه (لم يجز) له رد الفتيا لتعينها عليه، والتعليم كذلك كما ذكر معناه النووي في شرح التهذيب (لكن إن كان الذي يقوم مقامه معروفا عند العامة مفتيا وهو جاهل تعين الجواب على العالم) لتعين الافتاء عليه إذن (قال في عيون المسائل: الحكم يتعين بولايته) أي الحكم (حتى لا يمكنه رد محتكمين إليه ويمكنه رد من يستشهره وإن كان محتملا شهادة فنادر أن لا يكون سواه) أي معه متحملا لتلك الشهادة فلا يتعين عليه أداؤها إذ يمكن نيابة غيره (وأما في الحكم ف) - أنه (لا ينوب البعض عن البعض ولا يقول لمن ارتفع: إليه امض إلى غيري من الحكام انتهى) أي ولو كان في البلد من يقوم مقامه لما يلزم على جواز تدافع الحكومات من الحقوق (ومن قوي عنده مذهب غير إمامه) لظهور الدليل معه (أفتي به) أي بما ترجح عنده من مذهب غير إمامه (وأعلم السائل) بذلك ليكون على بصيرة في تقليده (قال) الامام (أحمد: إذا جاءت المسألة ليس فيها أثر) أي حديث مرفوع ولا موقوف لأن قال الصحابي عنده حجة إذا لم يخالفه غيره (فأفت فيها بقول الشافعي، ذكره النووي في تهذيب الأسماء واللغات في ترجمة الشافعي) وفي المبدع: قال أحمد في رواية المروذي: إذا سئلت عن مسألة لم أعرف فيها خبرا قلت فيها بقول الشافعي لأنه إمام عالم من قريش. وقد قال (ص): يملأ الأرض علما (ويجوز له) أي للمفتي (العدول عن جواب المسؤول عنه إلى ما هو أنفع للسائل) قال تعالى: * (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) *. (و) يجوز للمفتي (أن يجيبه بأكثر مما سأله) عنه لقوله (ص): وقد سئل عن ماء البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. (و) للمفتي (أن يدله) أي المستفتي (على عوض ما منعه عنه وأن ينبهه على ما
383 يجب الاحتراز عنه) لأن ذلك من قبيل الهداية لدفع المضار (وإذا كان الحكم مستغربا وطأ قبله) أي مهد له أي ذكر للحكم شيئا يوضح ويبين به الحكم المذكور ووطأ قبله (ما هو كالمقدمة له) ليزيل استغرابه (وله الحلف على ثبوت الحكم أحيانا) قال تعالى: * (قل: أي وربي إنه الحق) *. وقال جل ذكره: * (فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) *. والسنة شهيرة بذلك وقوله (أحيانا) احتراز من الافراط في الحلف فإنه مكروه (وله أن يكذلك مع جواب من تقدمه بالفتيا ليقول جوابي كذلك والجواب صحيح وبه أقول) طلبا للاختصار مع حصول المقصود (إذا علم صواب جوابه وكان أهلا) للفتيا، (وإلا) أي وإن لم يعلم صوابه (اشتغل بالجواب معه في الورقة وإن لم يكن) من تقدم المفتي (أهلا) للفتيا (لم يفت معه لأنه تقرير لمنكر، وإن لم يعرف المفتي اسم من كتب فله أن يمتنع من الفتيا معه خوفا مما قلناه) أي من أن يكون غير أهل تقريرا للمنكر (والأولى أن يشير على صاحب الرقعة بإبدالها) إذا جهل المفتي قبله فيها (فإن أبى ذلك) أي إبدالها (أجابه شفاها) بلا كتابة (وإذا كان هو المبتدئ بالافتاء في الرقعة كتب في الناحية اليسرى لأنه أمكن وإن كتب في) الجانب (الأيمن أو الأسفل جاز ولا يكتب فوق البسملة) احتراما لاسم الله تعالى (وعليه أن يختصر جوابه) لأن الزيادة على ما يحصل به المقصود إشغال الرقعة بلا حاجة إليه وقد لا يرضى ربها بذلك، ودلالة الحال إنه إنما أذن في قدر الحاجة (ولا بأس لو كتب) المفتي (بعد جوابه كما في الرقعة: زاد السائل من لفظه كذا) وكذا والجواب عنه كذا وكذا) لأنه إخبار بالواقع (وإن جهل) المفتي (لسان السائل) أي لغته (أجزأت ترجمة واحد ثقة) كالاخبار بالقبلة وغيرها بخلاف الترجمة عند الحاكم فحكمها كالشهادة ويأتي (وإن رأى) المفتي (لحنا فاحشا في الرقعة) المكتوب فيها السؤال (أو) رأى بها (خطأ يحيل المعنى أصلحه) لأن إجابته تتوقف على ذلك لفهم المقصود
384 (وينبغي) للمفتي (أن يكتب الجواب بخط واضح وسطا ويقارب سطوره وخطه لئلا يزور أحد عليه ثم يتأمل الجواب بعد كتابته خوفا من غلط أو سهو، ويستحب أن يكتب في فتواه الحمد لله، وفي آخرها والله أعلم ونحوه، وكتبه فلان الحنبلي، أو الشافعي ونحوه) كالمالكي والحنفي اقتداء بمن سلف، (وإذا رأى خلال السطور أو في آخرها بياضا يحتمل أن يلحق به ما يفسد الجواب فليحترز منه، فإما أن يأمره بكتابة غير الورقة أو يشغله بشئ) ليأمن من الزيادة (وينبغي) للمفتي (أن يكون جوابه موصولا بآخر سطر في الورقة، ولا يدع بينهما فرجة خوفا من أن يكتب السائل فيها غرضا له ضارا، وإن كان في موضع الجواب ورقة ملزوقة كتب على موضع الالتزاق وشغله بشئ) لئلا يحل اللزق ويوصل برقعة أخرى. قلت: فإن كان غير ملتزق وطلب منه الكتابة ليلزق لم يجب لئلا يلزق بغير ما سئل عنه مما يخالف في الحكم، (وإذا سئل) المفتي (عن شرط واقف لم يفت بإلزام العمل به حتى يعلم هل الشرط معمول به في الشرع أو من الشروط التي لا تحل؟ مثل أن يشرط أن تصلى الصلوات في التربة المدفون بها) الواقف، (ويدع المسجد، أو يشعل بها) أي التربة (قنديلا أو سراجا) لأن ذلك محرم كما تقدم في الجنائز (أو وقف مدرسة، أو رباطا أو زاوية وشرط أن المقيمين بها من أهل البدع كالشيعة والخوارج والمعتزلة والجهمية، والمبتدعين في أعمالهم كأصحاب الإشارات والملاذن وأهل الحيات وأشباه الذباب المشتغلين بالاكل والشرب والرقص) فلا يجوز أن يعمل بالشرط المذكور فضلا عن وجوب اتباعه (ولا يجوز أن يفتي فيما يتعلق باللفظ) كالطلاق والعتاق والايمان والأوارير (بما اعتاده هو من فهم تلك
385 الألفاظ دون أن يعرف عرف أهلها والمتكلمين، بها بل يحملها على ما اعتادوه وعرفوه وإن كان) الذي اعتادوه (مخالفا لحقائقها الأصلية) اللغوية لما تقدم في الايمان أن العرفي يقدم على الحقيقة المهجورة، (وإذا اعتدل عنده قولان من غير ترجيح) أي وكان من أهل الاجتهاد (فقال القاضي: يفتي بأيهما شاء) وتقدم ليس لمن انتسب لمذهب إما أن يتخير في مسألة ذات قولين (ومن أراد كتابة على فتيا أو) أن يكتب (شهادة لم يجز أن يكبر خطه ولا أن يوسع السطور بلا إذن ولا حاجة) لأنه غير مأذون فيه لفظا ولا عرفا، (ويكره أن يكون السؤال بخطه) أي المفتي و (لا) يكره أن يكون (بإملائه وتهذيبه وإذا كان في رقعة الاستفتاء مسائل فحسن أن يرتب الجواب على ترتيب الأسئلة) ليحصل التناسب (وليس له أن يكتب الجواب على ما يعلمه من صورة الواقعة إذا لم يكن في الرقعة تعرض له بل يذكر جوابه في الرقعة) فإن أراد الجواب على خلاف ما فيها فليقل وإن كان الامر كذا فجوابه كذا. قلت: وإن السائل بتغيير الرقعة فهو أولى (ولا يجوز إطلاقه في الفتيا في اسم مشترك إجماعا) قاله ابن عقيل (بل عليه التفصيل) في الجواب (فلو سئل) المفتي (هل له الاكل في رمضان بعد طلوع الفجر؟ فلا بد أن يقول: يجوز بعد الفجر الأول لا الثاني وأرسل) الامام (أبو حنيفة إلى أبي يوسف يسأله عمن دفع ثوبا إلى قصار فقصره وجحده هل له أجرة إن عاد وسلمه إلى ربه؟ وقال) أبو حنيفة: (إن قال) أبو يوسف (نعم أو لا أخطأ، ففطن أبو يوسف وقال: إن قصره قبل جحوده فله) الأجرة لأنه قصره لربه (وبعده) أي وإن قصره بعد جحوده (لا) أجرة له (لأنه قصره لنفسه، وسأل أبو الطيب)
386 الطبري (قوما) من أصحابه (عن بيع رطل تمر برطل تمر فقالوا: يجوز، فخطأهم فقالوا لا فخطأهم) فخجلوا (فقال: إن تساويا كيلا جاز) فهذا يوضح خطأ المطلق في كل ما يحتمل التفصيل.. قال ابن مفلح عن قول ابن عقيل: المذكور كذا قال: ويتوجه عمل بعض أصحابنا بظاهره انتهى. قلت: ولم يزل العلماء يجيبون بحسب ما يظهر لهم من المتبادر إلى الفهم ويؤيده حديث جبريل عن الاسلام والايمان والاحسان ولم يستفصله النبي (ص)، هل السؤال عن حقائقها أو شروطها أو أركانها ونحو ذلك من متعلقاتها (ولا يجوز) للمفتي (أن يلقي السائل في الحيرة مثل أن يقول في مسألة في الفرائض تقسم على فرائض الله) تعالى (أو يقول فيها) أي المسألة التي سئل عنها (قولان ونحوه) مما لا ينافيه (بل يبين له بيانا مزيلا للاشكال) لأن الفتيا تبيين الحكم كما تقدم، (لكن ليس عليه) أي المفتي (أن يذكر المانع في الميراث من الكفر وغيره) كالرق واختلاف الدين، (وكذلك في بقية العقود من الإجارة والنكاح وغير ذلك) كالبيع والصلح ونحوهما (فلا يجب) على المفتي (أن يذكر الجنون والاكراه ونحو ذلك) من الصغر وعدم معرفة المبيع ونحوه عملا بالظاهر وهو الصحة (والعامي يخير في فتواه فيقول) المفتي (مذهب فلان كذا) وتقدم أن العامي يتخير وإن لم يخير وإن لم يخيره المفتي (ويقلد العامي من عرفه عالما عدلا أو رآه منتصبا) للتدريس والافتاء (معظما) لأن ذلك يدل على فضله (ولا يقلد من عرفه جاهلا عند العلماء ويكفيه) أي العامي (قوله عدل خبير) بما أفتاه فيه كسائر الاخبار الدينية (قال ابن عقيل يجب سؤال أهل الفقه والخبر) لقوله تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) *. (فإن جهل عدالته لم يجز تقليده) لأنه لم يتحقق شرط جواز التقليد (ويقلد) المجتهد العدل ولو (ميتا وهو كالاجماع في هذه الأعصار وقبلها) لأن قوله باق في الاجماع كالحاكم والشاهد لم يبطل حكمه ولا شهادته بموته، قال الشافعي: المذاهب لا تموت بموت أربابها
387 قال النووي في شرح المهذب: وليس له أي للعامي التمذهب بمذهب أحد الصحابة رضي الله تعالى عنهم وغيرهم من الأولين، وإن كانوا أعلم وأعلى درجة ممن بعدهم لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه فليس لأحد منهم مذهب محرر مقرر (ويحفظ المستفتي الأدب مع المفتي ويجله) لأن العماء ورثة الأنبياء، (ولا يومي بيده في وجهه ولا يقل وما مذهب إمامك في كذا وما تحفظ في كذا؟ أو أفتاني غيرك أو) أفتاني (فلان بكذا أو قلت أنا) كذلك، (أو وقع لي) كذلك (أو إن كان جوابك موافقا فاكتب) ونحو ذلك مما ينافي الأدب. (لكن إن علم) المفتي (غرض السائل في شئ لم يجز) له (أن يكتب) في رقعته (بغيره) لأنه يفسد عليه رقعته ويحوجه إلى إبدالها (ويكره) للمستفتي (أن يسأله) أي المفتي (في حال ضجر أو هم أو) عند (قيامه أو نحوه) كنعاسه وكل ما يشغل الفكر (ولا يطالبه بالحجة) أي لا يطالب المستفتي من المفتي الدليل على ما قاله لأن فيه اتهاما له، (ويجوز تقليد المفضول من المجتهدين) مع وجود أفضل منه لأن المفضول من الصحابة والسلف كان يفتى مع الفاضل منهم مع الاشتهار والتكرار، ولم ينكر ذلك أحد فكان إجماعا. وقال (ص): أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وفيهم الأفضل من غيره. وأيضا العامي لا يمكنه الترجيح لقصوره عنه. فائدة: لا يجوز التقليد في معرفة الله تعالى والتوحيد والرسالة ذكره القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب وذكره عن عامة العلماء وذكره غيره أنه قول جمهور العلماء واستدل لذلك بأمره تعالى بالتدبر والتفكر. وفي صحيح ابن حبان: لما نزل قوله تعالى: * (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) *. قال: ويل لمن قرأهن ولم يتدبرهن، ويل له ويل له والاجماع على وجوب معرفة الله تعالى ولا تحصل بتقليد لجواز كذب المخبر واستحالة حصوله لمن قلد في حدوث العالم، وكمن قلد في قدمه، ولان التقليد لو أفاد علما فإما بالضرورة وهو باطل وإما بالنظر فيستلزم الدليل
388 والأصل عدمه، والعلم يحصل بالنظر واحتمال الخطأ لعدم تمام مراعاة القانون الصحيح ولان الله تعالى ذم التقليد بقوله تعالى: * (إنا وجدنا آباءنا على أمة) *. وهي فيما يطلب للعلم فلا يلزم في الفروع قال في شرح المنتهى (ولزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال إلى غيره الأشهر عدمه). قال الشيخ تقي الدين: العامي عليه أن يلتزم مذهبا معينا يأخذ بعزائمه ورخصه وفيه وجهان لأصحاب أحمد وهما وجهان لأصحاب الشافعي، والجمهور من هؤلاء، وهؤلاء لا يحبون ذلك والذين يوجبون يقولون: إذا التزمه لم يكن له أن يخرج عنه ما دام ملتزما له، أو ما لم يتبين له أن غيره أولى بالالتزام منه، ولا ريب أن التزام المذاهب والخروج عنها إن كان لغير أمر ديني مثل أن يلتمس مذهبا لحصول غرض دنيوي من مال أو جاه ونحو ذلك فهذا مما لا يحمد عليه بل يذم عليه في نفس الامر، ولو كان ما انتقل إليه خيرا مما انتقل عنه وهو بمنزلة من يسلم ولا يسلم إلا لغرض دنيوي أو يهاجر من مكة إلى المدينة لامرأة يتزوجها ودنيا يصيبها. وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني فهو مثاب على ذلك، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر أن لا يعدل عنه ولا يتبع أحدا في مخالفة الله تعالى ورسوله. فإن الله تعالى فرض طاعته وطاعة رسوله على كل أحد في كل حال انتهى، وفي الرعاية: من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بلا دليل ولا تقليد سائغ ولا عذر، ومراده بقوله: بلا دليل، إذا كان من أهل الاجتهاد. وقوله: ولا تقليد، سائغ أي لعالم أفتاه إذا لم يكن أهلا للاجتهاد. وقوله: ولا عذر، أي يبيح له ما فعله فينكر عليه حينئذ: لأنه يكون متبعا لهواه. وقال في موضع آخر: يلزم كل مقلد أن يلتزم بمذهب معين في الأشهر ولا يقلد غيره. وقيل: بلى، وقيل: ضرورة (ولا يجوز له) أي للمفتي (ولا لغيره تتبع الحيل المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه فإن تتبع ذلك) أي الحيل المكروهة والمحرمة والرخص (فسق وحرم استفتاؤه وإن حسن قصده) أي لمفتي (في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخلص المستفتي بها من حرج جاز، كما أرشد النبي (ص) بلالا رضي الله عنه إلى
389 بيع التمر بدراهم ثم يشتري بالدراهم تمرا آخر فيتخلص من الربا) بذلك، وهذا إذا كان قبض الدراهم فاشترى في ذمته بدراهم من جنس الأولى وعلى صفتها فتحل المقاصة ويتخلص من الربا. وأما إذا اشترى بعين تلك الدراهم قبل قبضها مما يشاركه في العلة كما تقدم في البيع، (وإذا استفتى واحدا أخذ) المستفتي (بقوله ويلزمه) الاخذ بقوله (بالتزامه) قال في شرح التحرير: لو أفتى المقلد مفت واحد وعمل به المقلد لزمه قطعا وليس له الرجوع عنه إلى فتوى غيره في تلك الحادثة بعينها إجماعا نقله ابن الحاجب والهندي وغيرهما. وإن لم يعلم به فالصحيح من المذهب أنه يلزمه بالتزامه. قال ابن مفلح في أصوله هذا الأشهر، (ولو سأل) العامي (مفتيين فأكثر فاختلفا عليه تخير) صححه في الانصاف، وقال الموفق في الروضة: لزمه الاخذ بقول الأفضل في علمه ودينه، وقال الطوفي في مختصرها. والظاهر الاخذ بقول الأفضل في علمه ودينه وفي أعلام الموقعين. يجب عليه يتحرى ويبحث عن الراجح بحسبه وهو أرجح المذاهب السبعة. انتهى. والقول الأول اختاره القاضي وأبو الخطاب. قال: وهو ظاهر كلام أحمد وقطع به المجد في موضع من المسودة وقدمه صاحب الفروع في أصله (فإن لم يجد إلا مفتيا واحدا لزمه قبوله) كما لو حكم عليه به، ولا يتوقف ذلك على التزامه ولا سكون نفسه إلى صحته (وله العمل بخط المفتي، وإن لم يسمع الفتوى من لفظه إذا عرف أنه خطه) لأنه (ص) كان يكتب لعماله وولاته وسعاته ويعملون بذلك، ولدعاء الحاجة إليه بخلاف الحاكم. قلت: ومن ذلك العمل بكتب الأئمة إذا علم أنها خطهم أو نقلها الثقة عن خطهم. فصل وإن تحاكم شخصان إلى رجل للقضاء (بينهما فحكم نفذ حكمه في المال والقصاص والحد والنكاح واللعان وغيرها حتى مع وجود قاض فهو كحاكم الامام)، لما روى أبو شريح أن رسول الله (ص) قال له إن الله هو
390 الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟ قال: إن قومي كانوا إذا اختلفوا في شئ أتوني فحكمت بينهم فرضي الفريقان. قال: فما أحسن هذا، فمن أكبر ولدك؟ قال شريح قال: فأنت أبو شريح. أخرجه النسائي، وعنه (ص): من حكم بين اثنين تحاكما إليه وارتضيا به فلم يعدل بينهما بالحق فعليه لعنة الله رواه أبو بكر ولولا أن حكمه يلزمهما لما لحقه هذا الذم، ولان عمر وأبيا تحاكما إلى زيد بن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكن أحد منهما قاضيا (ويلزم من كتب إليه) المحكم (بحكمه القبول و) يلزمه (تنفيذه) لأنه حاكم نافذ الاحكام فلزمه قبوله (كحاكم الامام. ولا يجوز نقض حكمه فيما لا ينقض) فيه (حكم من له ولاية) من إمام أو نائبه كما يأتي بيانه (ولكل واحد من الخصمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه في الحكم) لأنه لا يلزم حكمه إلا برضا الخصمين. أشبه رجوع الموكل عن التوكيل قبل التصرف فيما وكل فيه و (لا) يصح رجوع أحدهما (بعده) أي بعد شروعه في الحكم (وقبل تمامه) كرجوع الموكل بعد صدور ما وكل فيه من وكيله. (وقال الشيخ: وإن حكم أحدهما خصمه أو حكما مفتيا في مسألة اجتهادية جاز، وقال يكفي وصف القصة) أي وإن لم تكن دعوى (وقال: العشر صفات التي ذكرها في المحرر في القاضي: لا تشترط فيمن يحكمه الخصمان) وينبغي أن يشهد عليهما بالرضا به قبل حكمه لئلا يجحد المحكوم عليه منهما (وقال في عمد الأدلة بعد ذكر التحكيم: وكذا يجوز أن يتولى مقدمو الأسواق والمساجد الواسطات والصلح عند الفورة والمخاصمة وصلاة الجنازة، وتفويض الأموال إلى الأوصياء وتفرقة زكاته بنفسه وإقامة الحدود على رقيقه، وخروج طائفة
391 إلى الجهاد، والقيام بأمر المساجد، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعزير لعبيد، وإماء وأشباه ذلك). قلت: وفي بعض ذلك ما لا يخفى على المتأمل. باب آداب القاضي بفتح الهمزة والدال، يقال: أدب الرجل بكسر الدال وضمها لغة إذا صار أديبا في خلق أو علم (وهو) أي الأدب (أخلاقه التي ينبغي) له ولغيره (التخلق بها) والمقصود من هذا الباب بيان ما يجب على القاضي، أو يسن له أن يأخذ به نفسه وأعوانه من الآداب والقوانين التي تنضبط بها أمور القضاء وتحفظهم من الميل والزيغ (والخلق) بضم اللام (صورته الباطنة) وهي نفسه وأوصافها ومعانيها، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة. قال الحافظ ابن حجر: حسن الخلق اختيار الفضائل وترك الرذائل (ينبغي) أي يسن (أن يكون) القاضي (قويا من غير عنف)، لئلا يطمع فيه الظالم والعنف ضد الرفق (لينا من غير ضعف) لئلا يهابه صاحب الحق، وظاهر الفصول يجب ذلك (حليما) لئلا يغضب من كلام الخصم فيمنعه ذلك من الحكم بينهما (متأنيا) لئلا تؤدي عجلته إلى ما لا ينبغي (ذا فطنة وتيقظ) لئلا يخدع من بعض الخصوم على غرة (بصيرا بأحكام الحكام قبله يخاف الله تعالى ويراقبه لا يؤتى من غفلة ولا يخدع لغرة) لقول علي: لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيا حتى يكون فيه خمس خصال: عفيف حليم عالم بما كان قبله يستشير ذوي الألباب لا يخاف في الله لومة لائم. (صحيح البصر والسمع عالما بلغات أهل ولايته) لأن ذلك أمكن في العدل بينهم لان المترجم قد يخفى شيئا من كلام أحدهما (عفيفا) لما تقدم عن علي (ورعا نزها بعيدا عن الطمع صدوق اللهجة لا يهزل ولا يمجن) أي يمزح لأن ذلك يخل بهيئته (ذا رأي ومشورة) لما تقدم عن علي (لكلامه لين ذا قرب وهيبة إذا أوعد ووفاء إذا وعد) يقال وعد في الخير
392 وأوعد في ضده. هذا هو الأصل وقد يستعمل كل منهما بمعنى الآخر (ولا يكون) القاضي (جبارا ولا عسوفا) لأنه لا يحصل المقصود بتوليته من وصول الحق لمستحقه (وله أن ينتهر الخصم إذا التوى) لأن الحاجة داعية إلى ذلك لإقامة العدل (و) أن (يصيح عليه) أي على الخصم عند التوائه (وإن استحق التعزيز عزره بما يرى من أدب) لا يزيد على عشرة أسواط (أو حبس وإن افتات) الخصم (عليه) أي على القاضي (بأن يقول) الخصم: (حكمت علي بغير الحق، أو ارتشيت، فله تأديبه) لأنه يشق عليه رفعه إلى غيره، فجاز له تأديبه بنفسه مع أنه حق له (وله) أي القاضي (أن يعفو) عمن افتات عليه لأنه حق له، (وإن بدأ المتنكر باليمين قطعها) القاضي (عليه، وقال البينة: على خصمك) المدعي (فإن عاد) المنكر إلى اليمين (نهره) عن ذلك (فإن عاد) إليه (عزره إن رأى) ذلك (وأمثال ذلك مما فيه إساءة الأدب وإذا ولي) القاضي (في غير بلده فأراد المسير إليه استحب أن يبحث عن قوم من أهل ذلك البلد إن وجد ليسألهم عنه) أي عن البلد (وعن علمائه وعدو له وفضلائه) ليعرف حالهم حتى يشاور من هو أهل للمشاورة، ويقبل شهادة من هو أهل للعدالة (ويتعرف منهم) أي ممن وجد من أهل ذلك البلد (ما يحتاج إلى معرفته، فإن لم يجد) من يسأل في البلد الذي هو فيه (ولا في طريقه سأل إذا دخل) ليتعرف حالهم لم تقدم، (وإذا قرب) القاضي (منه) أي من البلد الذي ولي فيه (بعث من يعلم بقدومه ليتلقوه من غير أن يأمرهم بتلقيه) لأن في تلقيه تعظيما له، وذلك طريق لقبول قوله ونفوذ أمره (ويدخل في البلد يوم الاثنين أو) يوم (الخميس أو) يوم (السبت) لقوله (ص): بورك لأمتي في سبتها وخميسها. وروي أن النبي (ص) كان إذا
393 قدم من سفر قدم يوم الخميس. (ضحوة) الاستقبال الشهر تفاؤلا (لابسا أجمل ثيابه) أي أحسنهما لأن الله جميل يحب الجمال وقال تعالى: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * . لأنها مجامع الناس وهذا موضع يجتمع فيه ما لا يجتمع في المسجد فكان أولى بالزينة (وفي التبصرة وكذا أصحابه) أي يلبسون أحسن ثيابهم وجزم به في المنتهى لأن ذلك يكون أعظم له ولهم في النفوس، (وأن) يكون (جميعها) أي الثياب (سود وإلا فالعمامة) لأنه (ص) دخل مكة عليه عمامة حرقانية أي سوداء قاله في الفروع والمبدع (وظاهر كلامهم غير السواد أولى) للاخبار أي في البياض (ولا يتطير) أي يتشاءم (بشئ، وإن تفاءل فحسن) لأنه (ص) كان يحب الفأل الحسن ونهي عن الطيرة (فيأتي) القاضي (الجامع يصلي فيه ركعتين) لأن النبي (ص) كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين فيستحب ذلك لكل قادم (ويجلس مستقبل القبلة) لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة، (فإذا اجتمع الناس أمر بعهده) أي بالذي كتبه له موليه عما ولاه إياه (فقرئ عليهم) أي الحاضرين ليعلموا توليته ويعلموا احتياط الامام على اتباع أحكام الشرع، والنهي عن مخالفته وقدر المولى عنده ويعلموا حدود ولايته وما فوض إليه الحكم فيه (وليقل) القاضي (من كلامه إلا لحاجة) للخبر (ويأمر من ينادي بيوم جلوسه للحكم) ليعلم من له حاجة فيقصد الحضور لفصل حاجته (ثم ينصرف) القاضي (إلى منزله الذي أعد له) ليستريح من نصب سفره ويبعد أمره وليرتب نوابه ليكون خروجه على أعدل أحواله (وأول ما يبدأ به أن يبعث إلى الحاكم المعزول فيأخذ منه ديوان الحكم) بكسر الدال وحكي فتحها وهو فارسي معرب لأنه الأساس الذي يبنى عليه (ويلزمه) أي المعزول (تسليمه) أي الحكم (إليه) أي
394 إلى القاضي المتولي لأنه في يد الحاكم بحكم الولاية وقد صارت إليه فوجب أن ينتقل ذلك إليه، (وهو) أي الديوان (ما فيه وثائق الناس من المحاضر، وهي نسخ ما ثبت عند الحاكم والسجلات وهي نسخ ما حكم به) ويعرف الآن بالسجل (وليأمر) القاضي (كاتبا ثقة يكتب ما يسجله بمحضر عدلين) احتياطا (ثم يخرج) القاضي (يوم الوعد على أعدل أحواله غير غضبان، ولا جائع ولا شبعان ولا حاقن ولا مهموم بأمر يشغله عن الفهم كالعطش والفرح الشديدين والحزن الكثير والهم العظيم والوجع المؤلم والنعاس الذي يغمر القلب) ليكون أجمع لقلبه وأبلغ في تيقظه للصواب ولقوله (ص): لا يقضي القاضي وهو غضبان. متفق عليه من حديث أبي بكرة والباقي بالقياس عليه (ويسلم على من يمر عليه) من المسلمين (ولو صبيانا ثم على من في مجلسه) لحديث: إن حق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه. (ويصلي تحية المسجد إن كان في مسجد) لقوله (ص): إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين. (وإلا) أي وإن لم يكن في مسجد (خير والأفضل الصلاة) لينال ثوابها (ويجلس على بساط أو لبد أو غيره يفرش له في مجلس حكمه بسكينة ووقار) لأنه أبلغ في هيبته وأوقع في النفوس وأعظم لحرمة الشرع (ولا يجلس على التراب ولا على حصر المسجد لأن ذلك يذهب بهيبته من أعين الخصوم) لكن قال في الشرح: وما ذكره من جلوسه على البساط دون تراب وحصير لم نعلم أنه نقل عن النبي (ص) ولا عن
395 أحد من خلفائه والاقتداء بهم أولى، (ويستعين بالله ويتوكل عليه ويدعوه سرا أن يعصمه من الزلل ويوفقه للصواب ولما يرضيه) من القول والعمل لأن ذلك مطلوب مطلقا ففي وقت الحاجة أولى والقاضي أشد الناس إليه حاجة (ويجعل) القاضي (مجلسه في مكان فسيح كجامع ويصونه) أي المسجد (عما يكره فيه) من لغط ونحوه (أو) يجلس في (فضاء واسع أو دار واسعة في وسط البلد إن أمكن) ليكون ذلك أوسع على الخصوم وأقرب إلى العدل. (ولا يكره القضاء في الجوامع والمساجد) لحديث كعب بن مالك متفق عليه، وروى عن عمر وعثمان وعلي. أنهم كانوا يقضون في المسجد وقال مالك: هو السنة والقضاء فيه من أمر الناس والقديم. فإن اتفق لاحد من الخصوم مانع من الدخول كحيض وكفر وكل وكيلا وينتظر حتى يخرج فيحاكم إليه. (ولا يتخذ) القاضي (في مجلس الحكم حاجبا ولا بوابا ندبا بلا عذر) لقول النبي (ص): ما من إمام أو وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون حاجته وخلته ومسكنته. أسناده ثقات رواه أحمد والترمذي وقال غريب، ولان الحاجب ربما قدم المتأخر وأخر المتقدم لغرض له. (وفي الأحكام السلطانية: ليس له تأخير الخصومة إذا تنازعوا إليه بلا عذر) لما فيه من الضرر (ولا له) أي القاضي (أن يحتجب إلا في أوقات الاستراحة) لأنها ليست وقتا للحكومة (ويعرض القصص) ليقضي حوائج أصحابها (فيبدأ بالأول فالأول) كما لو سبقوا إلى مباح (ويكون له من يرتب الناس إذا كثروا فيكتب الأول فالأول) ليعلم السابق (ويجب تقديم السابق على غيره) كالسبق إلى المباح (فإذا حكم بينه وبين خصمه فقال لي دعوى أخرى لم تسمع منه، ويقول له: اجلس إذا لم يبق أحد من الحاضرين نظرت في دعواك
396 الأخرى إن أمكن) لئلا يستوعب المجلس بدعاويه فيضر بغيره ولأنه مسبوق بالنسبة إلى الثانية، لأن الذي يليه سبقه بالنسبة إلى الدعوى الثانية، (فإذا فرغ الكل) من دعاويهم (فقال الأخير بعد فصل حكومته لي دعوى أخرى لم تسمع منه حتى تسمع دعوى الأول الثانية) لسبقه (ثم تسمع دعواه) لعدم المعارض، (وإن ادعى المدعي على المدعى عليه حكم بينهما لأننا إنما نعتبر الأول فالأول في المدعي لا في المدعى عليه، وإذا تقدم الثاني) أي الذي جاء ثانيا (فادعى على المدعي الأول والمدعى عليه الأول حكم بينهما) كما لو ادعى على غيرهما، (وإن حضر اثنان) مدعيان (أو جماعة دفعة واحدة) وتشاحوا (أقرع بينهم فقدم من خرجت له القرعة) لأنها مشروعة للترجيح في غير هذا الموضع فكذا هنا. وفي المحرر والوجيز يقدم المسافر والمرتحل زاد في الرعاية والمرأة في حكومات يسيرة قال في المبدع لكن لو قدم المتأخر أو عكس صح قضاؤه مع الكراهة انتهى. ومقتضى كلام المصنف أنه يحرم، وإن ادعى كل منهم أنه حضر قبل الآخر ليدعي عليه فهل يقدم الحاكم من شاء منهما أو يصرفهما حتى يتفقا أو يقرع بينهما أو يحلف كل منهما الآخر؟ فيه أوجه والاعتبار بسبق المدعي. (وإن كثر عددهم) أي المدعين الذين جاءوا دفعه واحدة (كتب أسماءهم في رقاع وتركها بين يديه ومد يده فأخذ رقعة واحدة بعد أخرى أي كلما انتهت خصومة صاحب رقعة أخذ الأخرى فأنهى) حكومة صاحبها (و) يأخذ (أخرى) ف (- يقدم صاحبها حسب ما يتفق) إلى أن ينتهوا لأنه لا مرجح هنا إلا القرعة وهذا أسهل طرقها.
397 فصل: ويلزمه أي القاضي (العدل بين الخصمين في لحظه، ولفظه ومجلسه والدخول عليه) لما روى عمرو بن شبة في كتاب قضاة البصرة عن أم سلمة أن النبي (ص) قال: من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لفظه وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته على أحد الخصمين ولا يرفعه على الآخر ولأنه إذا ميز أحد الخصمين على الآخر حصر وانكسر وربما لم يفهم حجته فيؤدي إلى ظلمه، (إلا أن يكون أحدهما كافرا فيقدم المسلم عليه في الدخول ويرفعه في الجلوس) لقوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا؟ لا يستوون) *. ولقول علي لشريح: لو كان مسلما لجلست معه بين يديك، ولكن سمعت رسول الله (ص) قال: لا تساووهم في الجلوس قال في المبدع وإسناده ضعيف (أو يأذن له) أي القاضي (أحد الخصمين في رفع الخصم الآخر عليه في المجلس فيجوز) له رفعه لاسقاط خصمه حقه بإذنه فيه (وإذا سلم عليه أحدهما رد عليه) السلام (ولا ينتظر) بالرد (سلام الثاني) لوجوب رد السلام لعموم الاخبار، (وله) أي القاضي (القيام السائغ) كالقيام لعالم ووالد ونحوهما فيقوم للخصمين فإن قام لأحدهما لزمه القيام للآخر للعدل (و) له (تركه) أي ترك القيام لهما لأنه أبلغ في الهيبة (لا مسارة أحدهما) لما فيه من كسر قلب صاحبه وربما أضعفه ذلك عن إقامة حجته (و) يحرم عليه (تلقينه) لأحدهما (حجته) لأن عليه أن يعدل بينهما ولما فيه من الضرر على وجه صاحبه (و) يحرم عليه (تضييفه) أي تضييف أحد الخصمين (إلا أن يضيف خصمه معه) لما روي عن علي أنه نزل به رجل فقال: لك خصم،
398 قال: نعم، قال: تحول عنا فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: لا تضيفوا أحد الخصمين إلا ومعه خصمه. (و) يحرم أيضا (تعليمه كيف يدعي) لما فيه من الإعانة على خصمه وكسر قلبه (إذا لم يلزم ذكره، فإن لزم كشرط عقد أو سبب) إرث (ونحوه) مما تتوقف عليه صحة الدعوى كوصف سرقة أو قتل (ولم يذكره المدعي فله) أي القاضي (أن يسأل) عنه (ليحترز عنه) ويحرره لتوقف الحكم عليه (وله) أي القاضي (أن يشفع إلى خصمه لينظره) بالدين (أو يضع عنه وله أن يزن عنه ويكون) ذلك (بعد انقضاء الحكم) لأن في ذلك نفعا لخصمه ولان معاذا أتى النبي (ص) فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا لاحد لتركوا معاذا لأجل رسول الله (ص). رواه سعيد قال في المبدع مرسل جيد. ونقل حنبل: أن كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدرد دينا عليه وأشار النبي (ص) إلى كعب أن ضع الشطر من دينك، قال: قد فعلت، قال النبي (ص): ثم فأعطه. قال أحمد هذا حكم من النبي (ص) (وينبغي) للقاضي (أن يحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب إن أمكن يشاورهم فيما أشكل عليه) ليذكروا أدلتهم فيها وجوابهم عنها فإنه أسرع إلى اجتهاده وأقرب إلى صوابه، (فإن حكم باجتهاده فليس لأحد منهم الاعتراض عليه) لأن ذلك افتياتا عليه، (وإن خالف اجتهاده إلا أن يحكم بما يخالف نصا) من كتاب أو سنة، وظاهره ولو آحادا كما يأتي (أو إجماعا) لوجوب إنكاره ونقض حكمه به (ويشاور) القاضي (الموافقين والمخالفين) من الفقهاء (ويسألهم عن حججهم لاستخراج الأدلة و) ل (- تعرف الحق بالاجتهاد قال) الامام (أحمد رضي الله عنه) لما ولي سيد بن إبراهيم قضاء المدينة كان يجلس بين القاسم وسالم يشاورهما وولي محارب بن زياد قضاء الكوفة فكان يجلس بين الحكم وحماد يشاورهما (ما أحسنه لو فعله الحكام يشاورون
399 وينظرون) قال الله تعالى: * (وشاورهم في الامر) *. (فإن اتضح له الحكم) حكم فورا (وإلا أخره) أي الحكم حتى يتضح له الحق فيحكم به لما فيه من القضاء بالجهل (فلو حكم ولم يجتهد فأصاب الحق لم يصح) حكمه (ويحرم عليه) إن كان مجتهدا (تقليد غيره وإن كان أعلم منه) لأن المجتهد لا يجوز له التقليد نقل ابن الحكم عليه أن يجتهد. قال عمر: والله ما يدري عمر أصاب الحق أم أخطأ ولو كان حكم بحكم عن رسول الله (ص) لم يقل هذا. ونقل أبو الحرث لا تقلد أمرك أحدا وعليك بالأثر. وقال المفضل بن زياد: لا تقلد دينك الرجال فإنهم لن يسألوا أن يغلطوا، (ويحرم القضاء وهو غضبان كثيرا) لخبر أبي بكرة أن النبي (ص) قال: لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان. متفق عليه، ولأنه ربما حمله الغضب على الجور في الحكم (أو) وهو (حاقن أو حاقب، أو في شدة جوع، أو عطش، أو هم، أو غم، أو وجع، أو نعاس، أو برد مؤلم، أو حر مزعج، أو توقان جماع، أو شدة مرض، أو خوف أو فرح غالب، أو ملل أو كسل ونحوه) كحزن قياسا على الغضب لأنه يمنع حضور القلب واستيفاء الذكر الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب فهو في معنى الغضب (فإن خالف) القاضي (وحكم) في حال من تلك الأحوال (فوافق الحق نفذ) حكمه خلافا للقاضي قال لأن النهي يقتضي فساد النهي عنه، وكان النبي (ص) مع ذلك. لأنه لا يجوز عليه غلط يقر عليه لا قولا ولا فعلا في حكم وتقدم في الخصائص (ويحرم) على القاضي (قبول رشوة) بتثليث الراء لحديث ابن عمر: لعن رسول الله (ص) الراشي والمرتشي قال الترمذي: حسن صحيح ورواه أبو بكر في زاد
400 المسافر وزاد والرائش وهو السفير بينهما (وهي) أي الرشوة (ما يعطى بعد طلبه) لها (ويحرم بذلها من الراشي ليحكم بباطل أو يدفع عنه حقا وإن رشاه ليدفع) عنه (ظلمه ويجريه على واجبه فلا بأس به في حقه) قال عطاء وجابر بن زيد والحسن: لا بأس أن يصانع عن نفسه. ولأنه يستفيد ماله كما يستفيد الرجل أسيره (ويحرم قبوله) أي القاضي (هدية) لما روى أبو سعيد قال: بعث النبي (ص) رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فقال: هذا لكم وهذا أهدي إلي. فقام النبي (ص) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيجئ فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي؟ ألا جلس في بيت أبيه فينظر أيهدي إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا نبعث أحدا منكم فيأخذ شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان يعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يده حتى رأيت عقدة إبطيه، فقال: اللهم هل بلغت؟ ثلاثا. متفق عليه. وقال كعب الأحبار: قرأت فيما أنزل الله على أنبيائه: الهدية تفقأ عين الحكم (بخلاف مفت) فلا يحرم قبول الهدية (وتقدم في الباب قبله) مفصلا (وهي) أي الهدية (الدفع إليه ابتداء) من غير طلب (وظاهره) أنه يحرم على القاضي قبوله الهدية (ولو كان) القاضي (في غير عمله) لعموم الخبر (إلا ممن كان يهدي إليه قبل ولايته إن لم يكن له) أي المهدي (حكومة) لأن التهمة منتفية لأن المنع إنما يكون من أجل الاستمالة أو من أجل الحكومة وكلاهما منتف. (أو) كانت الهدية (من ذوي رحم محرم منه) أي من الحاكم (لأنه لا يصح أن يحكم له) هذا واضح في عمودي نسبه دون من عداهم من أقاربه مع أنه يحتمل أن يهدى لئلا يحكم عليه. قال القاضي في الجامع الصغير: لا ينبغي أن يقبل هدية إلا من صديق كان يلاطفه أو ذي رحم محرم منه بعد أن لا يكون له خصم، (وردها) أي رد القاضي الهدية حيث جاز له أخذها (أولى) لأنه لا يأمن أن يكون لحكومة منتظرة، (واستعارته) أي القاضي (من غيره كالهدية. لأن المنافع كالأعيان ومثله لو ختن) القاضي (ولده ونحوه فأهدي له، ولو قلنا:
401 إنها للولد. لأن ذلك وسيلة إلى الرشوة. فإن تصدق عليه. فالأولى أنه كالهدية) على التفصيل السابق وفي الفنون له أخذ الصدقة (وإن قبل) الرشوة أو الهدية (حيث حرم القبول وجب ردها إلى صاحبها كمقبوض بعقد فاسد) وقيل: تؤخذ لبيت المال لخبر ابن اللتبية (وقال الشيخ فيمن تاب: إن علم صاحبه دفعه إليه وإلا دفعه في مصالح المسلمين. انتهى. وتقدم لو بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها) يدفعها للحاكم أو يتصدق بها عن أربابها مضمونة (فإن أهدى لمن يشفع له عند السلطان ونحوه) من أرباب الولايات (لم يجز) للشافع (أخذها) ليشفع له أن يرفع عنه مظلمة أو يوصل إليه حقه أو يوليه ولاية يستحقها أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك. ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه وهو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر وفيه حديث مرفوع رواه أبو داود وغيره قاله في الاختيارات (ونص) الامام (أحمد فيمن عنده وديعة فأداها فأهديت إليه هدية أنه لا يقبلها إلا بنية المكافأة. وحكم الهدية عند سائر الأمانات حكم الوديعة) ومثله دفع رب اللقطة لواجدها عند ردها إليه شيئا منها، وتقدم في الجعالة (ويكره له) أي للقاضي أن يتولى البيع والشراء بنفسه خصوصا بمجلس حكمه. لأنه يعرف فيحابي فيكون كالهدية. ولان ذلك يشغله عن أمور المسلمين و (لا) يكره (لمفت ولو في مجلس فتواه أن يتولى البيع والشراء بنفسه) لأنه لا يكره له قبول الهدية فلا يضره أن يحابي (ويستحب) للقاضي (أن يوكل في ذلك) أي البيع والشراء (من لا يعرف أنه وكيله) لأنه أنفى للتهمة فإن تعذر ذلك أو شق جاز، لقضية أبي بكر رضي الله عنه (وله) أي القاضي (عيادة المرضى وشهادة الجنائز، وزيارة الأهل، والصالحين والإخوان، وتوديع الغازي والحاج ما لم يشغله
402 عن الحكم) لأن ذلك قربة وطاعة. وقد وعد الشرع على ذلك أجرا عظيما فيدخل القاضي في ذلك (فإن شغله) ذلك (عنه) أي الحكم (فليس له ذلك) لأن اشتغاله بالفصل بين الخصوم ومباشرة الحكم أولى (وله حضور بعض) ذلك (دون بعض) لأن هذا يفعله لنفع نفسه بخلاف الولائم، (وله حضور الولائم) كغيره. لأنه (ص) أمر بحضورها (فإن كثرت الولائم تركها) كلها (واعتذر إليهم) وسألهم التحليل لئلا يشتغل بذلك عن الحكم الذي هو فرض عين (ولا يجيب بعضا دون بعض) لأن ذلك كسر لقلب من لا يجيبه (إلا أن يختص بعضها بعذر يمنعه مثل أن يكون في إحداها منكر) أو في مكان بعيد (أو يشتغل بها زمنا طويلا، والأخرى بخلافها فله الإجابة إليها لظهور عذره) وذكر أبو الخطاب يكره مسارعته إلى غير وليمة عرس. وذكر القاضي أنه يستحب له حضور غير وليمة عرس والمراد غير مأتم فيكره. ولو تضيف رجلا فظاهر كلامهم: يجوز. قاله في المبدع (ويوصي الوكلاء والأعوان على بابه بالرفق بالخصوم، وقلة الطمع) تنبيها لهم على الفعل الجميل اللائق بمجالس الحكام والقضاة، (ويجتهد) القاضي (أن يكونوا) أي الوكلاء والأعوان (شيوخا أو كهولا من أهل الدين والفقه والصيانة) لأن في ضد ذلك ضررا بالناس والكهول والشيوخ أولى من غيرهم. لأن الحاكم يأتيه النساء وفي اجتماع الأشباب لهن ضرر، (ويتخذ حبسا لأنه قد يحتاج إليه لتأديب واستيفاء حق واحتفاظ ممن عليه قصاص ونحوه ويتخذ أصحاب مسائل يتعرف بهم أحوال من جهل عدالته من الشهود) لدعاء الحاجة إلى ذلك (ويجب أن يكونوا عدولا) لأن خبر الفاسق غير مقبول (برآء من الشحناء) أي العداوة (بعداء من العصبية في نسب أو مذهب) لئلا يحملهم ذلك على كتمان الحق (ولا يسألوا) شاهدا (عدوا ولا صديقا) له لأنه منهم، (ويأتي بعضه في الباب بعده ويستحب له اتخاذ كاتب) لأنه عليه الصلاة والسلام استكتب زيدا
403 وغيره لأن الحاكم تكثر أشغاله فلا يتمكن من الجمع بينها وبين الكتابة (ويجب أن يكون) الكاتب (مسلما) لقوله تعالى: * (لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا) *. (مكلفا) لأن غير المكلف لا يوثق لقوله ولا يعول عليه (عدلا) لأن الكتابة موضع أمانة و (ينبغي أن يكون) الكاتب (وافر العقل ورعا، نزها، متيقظا) لئلا يخدع (لينا، فقيها حافظا جيد الخط لا يشتبه فيه سبعة بتسعة ونحو ذلك) مما يؤدي إلى اللبس فيخل بالمقصود (صحيح الضبط) لئلا يفسد ما يكتبه (حرا) لأنه ربما احتيج إلى شهادته فيكون متفقا على قبولها (يجلسه) القاضي (بحيث يشاهد مكتبه) لأنه أبعد للتهمة وأمكن لاملائه، وإن قصد ناحية جاز لأن ما يكتبه يعرض على القاضي (ويستحب أن يكون) الكاتب (بين يديه) أي القاضي (للمشافهة بما يملي عليه) لأنه أنفى للتهمة كما تقدم (وإن أمكن القاضي تولي الكتابة بنفسه جاز) له ذلك (والأولى الاستنابة)، وظاهر كلام السامري أنه لا يتخذ إلا مع الحاجة (ويجعل) القاضي (القمطر) بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء المهملة أعجمي معرب وهو الذي تصان فيه الكتب ( مختوما بين يديه لينزل منه ما يجتمع من المحاضر والسجلات) لأنه أحفظ له أن يغير (ويستحب) للقاضي (أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود بحيث يسمعون المتحاكمين) ليستوفي بهم الحقوق وتثبت بهم الحجج (وليس له أن يرتب شهودا لا يقبل غيرهم) لأنه من ثبتت عدالته وجب قبول شهادتهم (لكن له أن يرتب شهودا ليشهدهم الناس فيستغنون بإشهادهم عن تعديلهم، ويستغني الحاكم عن الكشف عن أحوالهم) لأن فيه رفقا بالناس ويأتي في الباب بعده (ولا يجوز له) أي القاضي (منع الفقهاء من عقد العقود وكتابة الحجج) أي الاشهادات (وما يتعلق بأمور الشرع مما
404 أباحه الله ورسوله إذا كان الكاتب فقيها عالما بأمور الشرع وشروطه) أي العقد (مثل أن يزوج المرأة وليها بحضور شاهدين ويكتب كاتب عقدها أو يكتب رجل عقد بيع، أو إجارة، أو إقرار، أو غير ذلك أو كان الكاتب مرتزقا بذلك، وإذا منع القاضي ذلك ليصير إليه منافع هذه الأمور كان هذا من المكس نظير من يستأجر حانوتا من) حاكم (القرية على أن لا يبيع غيره) في تلك القرية، (وإن كان) القاضي يريد (منع الجاهلين لئلا يعقد) الجاهل (عقدا فاسدا فالطريق أن يفعل كما فعل الخلفاء الراشدون بتعزير من يعقد نكاحا فاسدا كما فعل عثمان رضي الله عنه فيمن تزوج بغير ولي وفيمن تزوج في العدة ولا يجوز ولا يصح أن يحكم) القاضي (لنفسه) لأنه لا يجوز أن يشهد لها ويتحاكم هو وخصمه إلى قاض آخر أو بعض خلفائه لأن عمر حاكم أميا إلى زيد وحاكم عثمان طلحة إلى جبير (و) لا يصح حكمه (لمن لا تقبل شهادته له) ذكره بعضهم إجماعا كشهادته له (وله الحكم عليه) أي على من لا تقبل شهادته له كأبيه وولده كشهادته عليه (ويحكم بينهم بعض خلفائه) لزوال التهمة. (ويجوز) للقاضي (أن يستخلف والده وولده كحكمه لغيره بشهادتهما) قال أبو الوفاء: إذا لم يتعلق عليهما من ذلك تهمة ولم يوجب لهما بقبول شهادتهما ريبة ولا يثبت بطريق التزكية (وليس له أن يحكم على عدوه) كشهادته عليه (وله أن يفتي عليه) أي على عدوه وتقدم. فصل: ويستحب للقاضي أن يبدأ بالمحبوسين لأن الحبس عذاب وربما كان فيهم من لا يستحق البقاء فيه فاستحبت البداءة فيهم (فينفذ) أي يبعث (ثقة
405 يكتب اسم كل محبوس، ومن حبسه وفيم حبس في رقعة منفردة) لأن ذلك طريق إلى معرفة الحال على ما هي عليه ولئلا يتكرر بكتابته في رقعة واحدة النظر في حال الأول منها فالأول بل يخرج واحدا منها بحسب الاتفاق كالقرعة، (ويأمر مناديا ينادي في البلد أن القاضي ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا فمن له خصم منهم فليحضر) لما في ذلك من الاعلام بيوم جلوس القاضي لهم وفي الشرح أن القاضي يأمر مناديا ينادي في البلد بذلك ثلاثة أيام (فإذا حضروا في ذلك اليوم تناول) القاضي (منها) أي من الرقاع التي كتب بها أسماءهم (رقعة) بحسب الاتفاق كما تقدم (وقال من خصم فلان المحبوس) لأنه لا يمكنه الحكم إلا بذلك (فإن حضر له خصم بعث ثقة الحبس فأخرج خصمه وحضر معه مجلس الحكم) فينظر بينهما لأنه لذلك ولي (ويفعل) القاضي (ذلك في قدر ما يعلم أنه يتسع زمانه للنظر فيه) من المحبوسين (في ذلك المجلس فلا يخرج غيرهم) في ذلك المجلس لعدم الفائدة فيه (فإذا حضر المحبوس وخصمه لم يسأل خصمه فيم حبسه) لأن الظاهر أن الحاكم إنما حبسه لحق ترتب عليه (بل يسأل المحبوس بم حبست؟) فإن قال: حبست بحق أمره بقضائه إن طلبه خصمه فإن أبى وله موجود قضاه منه أو من ثمنه وفي الشرح قال له القاضي اقضه وإلا رددتك إلى الحبس فإن ادعى عجزا فقد تقدم في أول الحجر مفصلا وإن أقام خصمه بينة بأن له ملكا معينا فقال: هو لزيد فقد تقدم أيضا هناك (ثم ينظر بينهما فإن كان حبس لتعديل البينة فأعادته) إلى الحبس (مبنية على حبسه على ذلك ويأتي في الباب بعده) تفصيل ذلك (ويقبل قول خصمه في أنه حبسه بعد تكميل بينته وتعديلها) لأنه مقتضى الظاهر (وإن) كان (حبس بقيمة كلب) ولو معلما لصيد (أو خمر ذمي وصدقه غريمه) على ذلك
406 (خلى) سبيله لأن ذلك غير متمول فلا غرم فيه، (وإن أكذبه) خصمه (وقال: بل حبست بحق واجب غير هذا ف) - القول (قوله) أي خصم المحبوس (لأن الظاهر حبسه بحق) واجب عليه، (وإن) كان (حبس في تهمة أو افتيات على القاضي قبله أو) في (تعزير خلى) القاضي (سبيله) إن رآه (أو أبقاه) في الحبس (بقدر ما يرى) إبقاءه فيه (وإن لم يحضر له خصم، فقال: حبست ظلما ولا حق علي ولا خصم لي نادى) أي أمر من ينادي بذلك في البلد ويكرره حتى يغلب على الظن أنه لا غريم له وذلك معنى قوله عرفا. وقال في المقنع ومن تبعه ثلاثا لأن الغالب أن لو كان غريم لظهر في الثلاثة ولذلك قال في الانصاف أن المعني في الحقيقة واحد (فإن حضر له خصم) نظر بينهما كما تقدم (وإلا) أي وإن لم يظهر له خصم (أحلفه وخلى سبيله) لأن الظاهر أنه لو كان له خصم لظهر (ومع غيبة خصمه يبعث إليه) ليحضر فينظر بينهما (ومع جهله) أي الخصم (أو تأخره بلا عذر يخلى) سبيله (والأولى) أن يكون ذلك (بكفيل) لأن الظاهر حبسه بحق (وينظر) القاضي (في مال الغائب) وتقدم فيما تفيده الولاية العامة (وإطلاقه) أي القاضي (المحبوس من الحبس وغيره) بأن كان محبوسا في موضع غير الحبس حكمه (وإذنه) في شئ (ولو في قضاء دين ونفقة) فيرجع القاضي للمدين أو المنفق حكمه (و) أذنه في (وضع ميزاب و) في (بناء وغيره) كإخراج جناح أو ساباط في درب نافذ حكم (الضمان) لما يتلف من ذلك (وأمره بإراقة نبيذ) حكم (وقرعته) في أي موضع شرعت فيه (حكم برفع الخلاف إن كان) في المسألة خلاف لصدوره عن رأيه واجتهاده كما لو صرح بالحكم، قال الشيخ تقي الدين في فسخ النكاح لتعذر النفقة ونحوها الحاكم ليس هو الفاسخ وإنما يأذن أو يحكم به، فمتى أذن أو حكم لاحد باستحقاق عقد أو فسخ لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته بلا نزاع لكن لو عقد هو أو فسخ فهو فعله، وهل
407 فعله حكم فيه الخلاف المشهور (وفتياه ليست حكما منه فلو حكم غيره) أي القاضي (بغير ما أفتى به لم يكن) ذلك (نقضا لحكمه ولا هي) أي فتيا القاضي (كالحكم) إذ لا إلزام في الفتيا (ولهذا يجوز) للقاضي (أن يفتي الحاضر، والغائب) بخلاف القضاء فإنه لا يجوز على الغائب إلا في مواضع مخصوصة (و) لكون فتياه ليست حكما يجوز له أن يفتي (من يجوز حكمه له ومن لا يجوز) حكمه له كولده ووالده وزوجته، (وتقدم بعضه في الباب قبله، وإقراره) أي القاضي غيره (على فعل مختلف فيه) كتزويج بلا ولي فعل بحضرته أو بلغه وسكت عنه (ليس حكما به) لأن الاقرار هو عدم التعرض وليس حكما به، (وفعله) أي القاضي الذي يفتقر إلى نظر واجتهاد ويستفيده بطريق ولاية الحكم (حكم كتزويج يتيمة) بلا ولي لها بإذنها إذا تم لها تسع سنين (وشراء عين غائبة) بالصفة ليفي بها دين مفلس ونحوه. (وعقد نكاح بلا ولي) ولهذا قال في المغني وغيره في بيع ما فتح عنوة: إن باعه الامام لمصلحة رآها (صح)، لأن فعل الامام كحكم الحاكم وفيه أيضا لا شفعة فيها إلا أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الامام أو نائبه، وفيه أيضا إن تركها بلا قسمة وقف لها وإنما فعله الأئمة وليس لاحد نقضه. انتهى، بخلاف فعل لم يستفده بولاية حكم كبيع عقار نفسه لغائب أو ليتيم هو وصية أو وكالة فليس بحكم كما ذكره ابن قندس عن ابن شيخ السلامية (وتقدم آخر الصداق أن ثبوت سبب المطالبة كتقرير أجرة مثل، و) تقرير (نفقة ونحوه) كتقرير صداق المثل ومسكن مثل وكسوة مثل (حكم) فلا يغيره حاكم آخر ما لم يتغير السبب (وتأتي تتمته قريبا) وهي قوله فدل أن إثبات صفة كعدالة وجرح الخ (قال الشيخ القضاء نوعان: إخبار) و (هو إظهار و) الثاني (إبداء وأمر وهو إنشاء، فالخبر يدخل فيه خبره عن حكمه، وعن عدالة الشهود وعن الاقرار والشهادة والآخر) الذي هو الانشاء (هو حقيقة الحكم أمر ونهي وإباحة ويحصل) الحكم (بقوله: أعطه ولا تكلمه وألزمه و) يحصل أيضا (بقوله حكمت، وألزمت).
408 قلت: وكل ما أدى هذا المعنى (وحكمه) أي القاضي (بشئ حكم بلازمه) فلو حكم بصحة بيع عبد أعتقه من أحاط الدين بماله كان حكما بإبطال العتق السابق لأنه يلزم من صحة البيع بطلان العتق (ذكره الأصحاب في أحكام المفقود) قال في الانتصار: في إعادة فاسق شهادته لا تقبل لأن رده لها حكم بالرد فقبولها نقض له فلا يجوز بخلاف صبي وعبد لالغاء قولهما، وقال الإمام أحمد في رد عبد لأن الحكم قد مضى والمخالفة في قضية واحدة نقض مع العلم (وثبوت شئ عنده) أي القاضي (ليس حكما به) سوى إثبات سبب المطالبة كتقرير أجرة مثل (وتنفيذ الحكم يتضمن الحكم بصحة الحكم المنفذ، وفي كلام الأصحاب ما يدل على أنه حكم)، كما يدل عليه كلام شارح المحرر والشارح الكبير. (وفي كلام بعضهم أنه عمل بالحكم وإجازة له وإمضاء لتنفيذ الوصية). قال ابن نصر الله: والظاهر أنه ليس بحكم بالمحكوم به إذ الحكم بالمحكوم به تحصيل الحاصل وهو محال، انتهى. ومعنى التنفيذ المذكور أن يحصل من الخصم منازعة عند قاض آخر ويرفع إليه حكم الأول فيمضيه وينفذه ولزمه العمل بمقتضاه وأما التنفيذ المتعارف الآن المستعمل غالبا فمعناه إحاطة القاضي الثاني علما بحكم القاضي الأول على وجه التسليم وأنه غير معترض عنده ويسمى اتصالا ويجوز بذكر الثبوت والتنفيذ فيه ذكره ابن الغرس الحنفي، (والحكم بالصحة يستلزم ثبوت الملك والحيازة قطعا) لأن الصحة فرع ذلك (والحكم بالموجب) بفتح الجيم (حكم بموجب الدعوى الثانية ببينة أو غيرها) أي بما ترتب على الدعوى الثانية بذلك لان موجب الشئ هو أثره الذي ترتب عليه (فالدعوى المشتملة على ما يقتضي صحة العقد المدعى به) من بيع أو نكاح أو غيرهما (الحكم فيها بالموجب حكم بالصحة) لأن الصحة من موجبه إذن (و) الدعوى (غير المشتملة على ذلك) أي ما يقتضي صحة العقد (الحكم بالموجب ليس حكما بها) أي بالصحة (قاله ابن نصر الله) قال الغزي في شرح نظمه العمدة الحكم: بالموجب إذا كان مستوفيا لما يعتبر من الشرط في الحكم بالصحة كان أقوى وأعم
409 لوجود الالزامية فيه وتضمنه للحكم بالصحة كما إذا شهد عند الشهود أن هذا وقف وذكروا المصرف على وجه معين وكان مستوفيا لشروطه عنده فحكم بموجب شهادتهم كان الحكم متضمنا للحكم بالصحة. قال السبكي لكنه دونه في الرتبة ونظر فيه بعضهم. (وقال السبكي) تقي الدين (وتبعه) الشيخ تقي الدين وتبعه الشيخ تقي الدين (ابن قندس الحكم بالموجب يستدعي صحة الصيغة وأهلية التصرف ويزيد الحكم بالصحة كون تصرفه في محله، وقال السبكي أيضا: الحكم بالموجب هو الأثر الذي يوجبه اللفظ و) الحكم (بالصحة كون اللفظ بحيث يترتب عليه الأثر وهما مختلفان فلا يحكم بالصحة إلا باجتماع الشروط وقيل: لا فرق بينهما في الاقرار) أي في الحكم به (والحكم بالاقرار ونحوه) كالنكول (فالحكم بموجبه في الأصح) لأن معناه الحكم بما ترتب عليه وذلك موجبه (والحكم بالموجب لا يشمل الفساد انتهى). ومعناه ما ذكر السبكي أيضا قول من قال: موجبه يحتمل الصحة والفساد ممنوع لأن اللفظ الصحيح يوجب حكما واللفظ الفاسد لا يوجب شيئا قال في التنقيح بعد ما سبق (والعمل على ذلك، وقالوا)، أي الأصحاب: (الحكم بالموجب يرفع الخلاف) فلا يجوز لمن لا يراه نقضه حتى يتبين موجب لعدم صحة العقد. وحاصل الكلام أن الحكم الموجب حكم على العاقد يقتضي عقده، لا حكم بالعقد ولا يخفى ما بينهما من التفاوت قاله ابن نصر الله. وذكر الغري فروقا بين الحكم بالصحة وبين الحكم بالموجب منها ما سبق. ومنها أن العقد إذا كان صحيحا بالاتفاق ووقع الخلاف في موجبه فالحكم بالصحة لا يمنع من العمل بموجبه عند غير الذي حكم بالصحة ولو حكم الأول فيه بالموجب امتنع العمل على الثاني مثاله التدبير صحيح بالاتفاق. وفي منعه البيع خلاف فإذا حكم بصحة التدبير لم يكن مانعا من بيعه لمن يراه وإن حكم بموجبه من لا يرى بيعه منع البيع. ومنها أن كل دعوى كان المطلوب فيها إلزام المدعى عليه بما ثبت عليه الحكم فيها بالالزام هو الحكم بالموجب ولا يكون بالصحة لكن يتضمن الحكم بالموجب الحكم بالصحة إقرارا كان أو غيره. ومنها باب الحكم على الزاني والسارق بموجب الزنا والسرقة لا يدخله الحكم بالصحة. ومنها أن
410 الحكم بالموجب يتضمن أشياء لا يتضمنها الحكم بالصحة فلو حكم بصحة عقد البيع لم يمنع ذلك إثبات خيار المجلس ولا فسخ المتعاقدين أو أحدهما، ولو حكم بموجبه والالزام بمقتضاه امتنع التمكين من الفسخ. انتهى. وقد صنف الشيخ ولي الدين أبو زرعة العراقي الشافعي وريقات في الفرع بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب وأوردها الشيخ تقي الدين محمد الفتوحي في شرحه للمنتهى وهي نافعة جيدة موضحة لما سبق. فصل: ثم ينظر القاضي وجوبا في أمر يتامى، ومجانين، (ووقوف) على غير معين، (ووصايا لمن لا ولي لهم ولا ناظر) لأن الصغير والمجنون لا قول لهما وأرباب الوقوف والوصايا غير المعينين كالفقراء والمساكين والمساجد لا يتعينون، (ولو نفذ) القاضي (الأول وصية موصى إليه أمضاها) القاضي (الثاني) ولم يعزله لأن الظاهر معرفة أهليته (فدل) ذلك (إن إثبات صفة، كعدالة وجرح وأهلية موصى إليه وغيرها حكم يقبله حاكم آخر). ويجب عليه إمضاؤه وتنفيذه (لكن يراعيه) أي يراعي القاضي الموصى إليه لأن له الولاية العامة، فيعترض عليه إن فعل ما لا يسوغ وتقدم مثله في ناظر الوقف (فإن تغير حاله) أي الموصى إليه ومثله الناظر بشرط (بفسق أو ضعف أضاف إليه أمينا) قويا يعينه ليحصل مقصود الوصية. (وإن كان) القاضي (الأول ما نفذ وصيته نظر) الثاني (فيه) أي في الموصى إليه (فإن كان قويا) أمينا (أقره، وإن كان أمينا ضعيفا ضم إليه من يعينه، وإن كان فاسقا عزله وأقام غيره). قال في شرح المنتهى على الأصح انتهى. وقدمه في الشرح ثم قال، وعلى قول الخرقي يضم إليه أمين ينظر عليه انتهى، وقول الخرقي: هو المذهب على ما تقدم، وإن كان قد تصرف أو فرق الوصية وهو أهل للوصية نفذ تصرفه،
411 وإن كان ليس بأهل والموصى إليهم بالغين عاقلين معينين صح دفعه إليهم لأنهم قبضوا حقوقهم، (وينظر) القاضي الثاني (في أمناء الحاكم) قبله (وهم من رد إليه الحاكم النظر في أمر الأطفال وتفرقة الوصايا التي لم يعين لها وصي) من قبل الموصي (فإن كانوا بحالهم) من الأهلية (أقرهم) على ما هم عليه، لأن القاضي قبله ولاهم وعلم منه أنهم لا ينعزلون بعزل القاضي ولا بموته بخلاف خلفائه في الحكم، ولعل الفرق ما يلحق من الحرج والمشقة بعزلهم بإضاعة حقوق الأيتام المترتبة على ذلك ولذلك ذكروا في الوقف لو فوض قاض النظر لواحد ليس لغيره نقضه. وعلله صاحب المنتهى من عنده بأنه لعلهم - أي الأصحاب - نزلوا تفويضه منزلة حكمه. فكذلك يقال هنا: (ومن تغير حاله) ممن نصب وصيا (عزله إن فسق) لعدم أهليته، (وإن ضعف) مع عدالته (ضم إليه أمينا) ليقوى على التصرف (ثم ينظر في أمر الضوال واللقط التي يتولى الحاكم حفظها) لئلا تضيع (فإن كانت مما يخاف تلفه كالحيوان أو) كان (في حفظها مؤنة باعها وحفظ ثمنها لأربابها) لأنه أحظ لهم، (وإن كانت أثمانا حفظها لأربابها ويكتب عليها) لقطة أو نحوه (لتعرف) ولا تشتبه بغيرها (ثم ينظر في حال القاضي قبله إن شاء. ولا يجب) عليه ذلك لأن الظاهر صحة قضايا من قبله (فإن كان) من قبله (ممن يصلح للقضاء لم يجز أن ينقض من أحكامه) شيئا لأنه يؤدي إلى نقض الحكم بمثله ويؤدي إلى أنه لا يثبت حكم أصلا (إلا ما يخالف نص كتاب) الله تعالى (أو) نص (سنة متواترة أو آحاد كقتل مسلم بكافر ولو ملتزما فيلزم نقضه نصا و) كذا (جعل من وجد عين ماله عند من حجر عليه) لفلس (أسوة الغرماء فينقض نصا) لأنه قضاء لم يصادف شرطه فوجب نقضه كما لو خالف الاجماع لأن شرط الاجتهاد عدم مخالفة النص والاجماع بدليل خبر معاذ بن جبل، ولأنه إذا ترك الكتاب والسنة فقد فرط فوجب نقض حكمه، كما لو خالف الاجماع، (ولو زوجت) المرأة (نفسها) وحكم به من يراه (لم ينقض) حكمه لاختلاف الأئمة في صحته، (أو خالف) ما حكم به (إجماعا قطعيا) فينقض لعدم مصادفته شرطه لما تقدم و (لا) ينقض ما خالف إجماعا (ظنيا وينقض حكمه
412 بما لم يعتقده) إذا كان مجتهدا بخلاف المقلد وتقدم (وفاقا للأئمة الأربعة، وحكاه القرافي إجماعا ويأثم ويعصي بذلك) لقوله تعالى: * (لتحكم بين الناس بما أراك الله) *. (ولو حكم بشاهد ويمين لم ينقض. وحكاه القرافي أيضا إجماعا) ويأتي في أقسام المشهود به أنه (ص) قضى بشاهد ويمين في المال (ولا ينقض حكمه بعدم علمه الخلاف في المسألة خلافا ل) - لامام (مالك) لأن علمه بالخلاف لا أثر له في صحة الحكم ولا بطلانه حيث وافق مقتضى الشرع (ولا) ينقض حكمه أيضا (لمخالفة القياس ولو) كان القياس (جليا) لأن من الأحكام الشرعية ما ورد على خلاف القياس (وحيث قلنا بنقض) الحكم (فالناقض له حاكمه إن كان) موجودا (فيثبت السبب) المقتضي عنده (وينقضه) حاكمه دون غيره. وقال الغزي: إذا قضى بخلاف النص والاجماع هذا باطل لكل من القضاة نقضه إذا رفع إليه انتهى. قلت، وما ذكروه من أن الناقض له حاكمه إن كان لا يتصور فيما إذا حكم بقتل مسلم بكافر أو بجعل من وجد عين ماله عند مفلس أسوة الغرماء إذا كان الحاكم يراه، وإما ينقضه من لا يراه بدليل قولهم: فيثبت السبب وينقضه (ولا يعتبر لنقضه طلب رب الحق) نقضه ولو كان الحق فيه لمعين لأن نقضه حق الله (وينقضه) أي ينقض الحاكم حكمه (إذا بانت البينة عبيدا أو نحوهم)، كما لو كانوا أبناء المشهود له أو من أصوله (إن لم ير) الحاكم (الحكم بها، وفي المحرر له نقضه) ويحتمل أنه قاله في مقابلة المانع فلا ينافي كونه واجبا فلا
413 خلاف (قال: وكذا كل مختلف فيه صادف ما حكم فيه ولم يعلم به) القاضي ثم تبين بعد ذلك فيثبت السبب وينقضه كعداوة البينة وعصبتهم وكون المبيع منذورا عتقه نذر تبرر ونحوه، (قال السامري: لو حكم بجهل نقض حكمه) لعدم شرطه وهو الاجتهاد، (وإن كان) القاضي (ممن لا يصلح) للقضاء (لفسق أو غيره نقض أحكامه كلها) ولو وافقت الصواب لأن حكمه غير صحيح وقضاؤه بمنزلة العدم لفقد شرط القضاء فيه (واختار الموفق والشيخ وجمع لا ينقض الصواب منها) قدمه في الكافي والمستوعب وصححه ابن المنجا وجزم به في الوجيز، لأن الحق وصل إلى مستحقه فلا يجوز نقضه لعدم الفائدة فيه (وعليه عمل الناس من مدة) ذكره في الانصاف. فصل: إذا تخاصم اثنان فدعا أحدهما صاحبه إلى مجلس الحكم لزمته إجابته) في الحضور معه إلى مجلس الحكم (فإن استعدى الحاكم أحد على خصمه) أي طلب منه إحضاره (في البلد بما يتبعه الهمة لزمه) أي الحاكم (إحضاره ولو لم يحرر الدعوى) لأن ضرر فوات الحق أعظم من حضور مجلس الحكم وقد حضر عمر وأبي عند زيد بن ثابت وحضر عمر وآخر عن شريح، وسواء (علم) القاضي (أن بينهما) أي المستعدي والمستعدى عليه (معاملة أو لم
414 يعلم) ذلك (وسواء كان المستعدي ممن يعامل المستعدى عليه، أو لا يعامله كالفقير يدعي على ذي ثروة وهيبة فيبعث معه عونا يحضره، وإن شاء) القاضي (بعث معه) أي المستعدي (قطعة من شمع أو طين مختوما بخاتمه أو في كاغد ونحوه فإذا بلغه لزمه الحضور) إلى مجلس الشرع ليخرج من العهدة، (وإن شاء) المستعدى عليه (وكل) من يقوم مقامه إن كره الحضور، (فإن امتنع) المستعدى عليه من الحضور (أو كسر الختم أعلم الوالي به فأحضره) ولا يرخص له في تخلفه لئلا يكون وسيلة إلى ضياع الحقوق (فإذا حضر) بعد امتناعه (وثبت امتناعه عزره) القاضي (إن رأى ذلك بحسب ما يراه من كلام وكشف رأس وضرب وحبس) لأن التعزير إلى رأيه (فإن اختفى) المستعدى عليه (بعث الحاكم من ينادي على بابه ثلاثا بأنه إن لم يحضر سمر بابه وختم عليه) لتزول معذرته، (فإن لم يحضر وسأل المدعي أن يسمر عليه منزله ويختمه أجابه إليه، فإن أصر) على الامتناع (حكم عليه كغائب) عن البلد فوق مسافة القصر ويأتي في الباب بعده (ولا يعدى حاكم في مثل ما لا تتبعه الهمة)، لما فيه من ضرر الحضور إلى مجلس الحكم بالشئ التافه الذي لا يعادله (وفي عيون المسائل لا ينبغي للحاكم أن يسمع شكية أحد إلا ومعه خصمه) بحيث يسمع شكواه ويرد جوابها، (وإن استعداه على القاضي قبله أو على من في معناه كالخليفة والعالم الكبير والشيخ المتبوع، وكل من خيف تبذيله ونقص حرمته بإحضاره) ومن ذلك لو كان بالبلد حاكما فأكثر واستعدى أحدهما على الآخر (لم يعده حتى يحرر دعواه بأن يعرف ما يدعيه ويسأله عنه صيانة للقاضي) ومن في معناه (عن الامتهان، فإن ذكر) المستعدي (أنه يدعي حقا من دين
415 أو غصب أو رشوة أخذها منه على الحكم راسله) لأن ذلك طريق إلى استخلاص الحق (فإن اعترف) القاضي ومن في معناه (بذلك أمره بالخروج من العهدة) لأن الحق توجه عليه باعترافه، (وإن أنكر أحضره) لأن ذلك تعين طريقا إلى استخلاص حق المدعي (وإن ادعى) المستعدى (عليه) أي على القاضي المعزول (الجور في الحكم وكان للمدعي بينة) بدعواه (أحضره وحكم بالبينة) إذا شهدت في وجه القاضي وثبتت عدالتها كسائر الدعاوى (وإن لم تكن) للمدعي (بينة أو قال: حكم علي بشهادة فاسقين فأنكر) القاضي (فقوله بغير يمين) لأنه لو لم يقبل قوله في ذلك لتطرق المدعى عليهم إلى إبطال ما عليهم من الحقوق بالقول المذكور، وفي ذلك ضرر عظيم واليمين تجب للتهمة والقاضي ليس من أهلها (وإن قال حاكم معزول عدل لا يتهم: كنت حكمت في ولايتي لفلان على فلان بحق وهو ممن يسوغ الحكم له) بأن يكون ممن تقبل شهادته له (قبل قوله) أي الحاكم (وأمضى ذلك الحق ولو لم يذكر) الحاكم (مستنده) الذي حكم به (ولو أن العادة تسجيل أحكامه وضبطها بشهود) لأن عزله لا يمنع من قبول قوله كما لو كتب كتابا إلى قاض آخر ثم عزل ووصل الكتاب بعد عزله لزم المكتوب إليه قبول كتابه، ولأنه أخبر بما حكم به وهو غير متهم أشبه حال ولايته (ما لم يشتمل) الحكم الذي أخبر به الحاكم بعد عزله (على إبطال حكم حاكم فلو حكم) حاكم (حنفي برجوع واقف على نفسه فأخبر حنبلي أنه كان حكم قبل حكم الحنفي بصحة الوقف لم يقبل) إخبار الحنبلي بالحكم المذكور قاله القاضي مجد الدين. قال ابن نصر الله وهو تقييد حسن ينبغي اعتماده، وكذلك قال في المبدع وهو حسن (وإن أخبر حاكم حاكما آخر بحكم أو ثبوت في عملهما أو في غيره) أي غير عملهما (أو في عمل أحدهما) دون الآخر (قبل) المخبر (وعمل به) المخبر بفتح الباء (إذا بلغ عمله) كما لو
416 أخبره بحكمه بعد عزله و (لا) يقبل المخبر بفتح الباء، ولا يعمل إذا أخبره بأنه ثبت عنده كذا ولم يحكم به (مع حضور المخبر) بكسر الباء (وهما بعملهما) لأن ذلك كنقل الشهادة فاعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة وفي كلام المصنف شئ يزول بما قدرته ولعله سقط من الكاتب. (وكذا أخبار أمير جهاد، وأمين صدقة، وناظر وقف) بعد عزله بما صدر منه في حال ولايته فإنه يقبل منه. قال في الانتصار: كل من صح منه إنشاء أمر صح إقراره به. (وإن قال) الحاكم (في ولايته: كنت حكمت لفلان بكذا قبل قوله. سواء قال: قضيت عليه بشاهدين عدلين، أو قال: سمعت ببينة وعرفت عدالتهم، أو قال: قضيت عليه بنكوله أو أقر عندي لفلان بحق فحكمت به) أو قال: حكمت، ولم يضفه إلى بينة ولا غيرها لأنه يملك الحكم فملك الاقرار به كالزوج إذا أقر بالطلاق والسيد إذا أخبر بالعتق، (وإن ادعي على امرأة برزة وهي التي تبرز لحوائجها أحضرها) لعدم العذر (ولا يعتبر لاحضارها في سفرها هذا) إن كان (محرم) لتعينه عليها (كسفر الهجرة) ولأنه حق آدمي وهو مبني على الشح والضيق (وإن كانت) المرأة المدعى عليها (مخدرة) لا تبرز لقضاء حوائجها (أمرت بالتوكيل) لأن الوكيل يقوم مقامها فلم تبذل من غير حاجة ولم يحضرها لما فيه من المشقة والضرر. (فإن توجهت اليمين عليها بعث الحاكم أمينا معه شاهدان يستحلفها بحضرتهما) لأن إحضارها غير مشروع واليمين لا بد منها وهذا طريقه، (وإن أقرت) بشئ (شهدا عليها) به ليقضي الحاكم عليها لشهادتهما بطلب المدعي (قال في الترغيب: إن خرجت للعزايا والزيارات ولم تكثر فهي مخدرة) فلا يحضرها القاضي بل توكل (ومريض ونحوه) من ذوي الأعذار (كمخدرة) في أنه يؤمر بالتوكيل ولا يحضر للحرج والمشقة، (وإن استعدى عنده على غائب في غير عمله لم يعد عليه) لأنه ليس مولى عليه، (وإن كان) الغائب (في عمله) أي القاضي (وكان له) أي القاضي (في بلده) الذي به الغائب (خليفة) أي نائب (فإن كانت له) أي
417 المدعي (بينة حاضرة وثبت الحق عنده) أي القاضي (كتب به) أي بما ثبت عنده (إلى خليفته) كما يكتب لغيره (ولم يحضره) أي لغائب لعدم الفائدة في إحضاره أذن (وإن لم يكن له) أي القاضي (فيه) أي البلد الذي به الغائب (خليفة وكان فيه من يصلح للقضاء أذن له في الحكم بينهما) فيكون نائبا عنه في تلك القضية، (وإن لم يكن فيه من يصلح) للقضاء (كتب) القاضي (إلى ثقات من أهل ذلك الموضع ليتوسطوا به بينهما) لأن ذلك طريق إلى قطع الخصومة مع عدم المشقة الحاصلة بالاحضار (فإن لم يقبلا) أي الخصمان (الوساطة) أو تعذر من يتوسط بينهما (قيل) أي قال القاضي (له) أي المدعي (حرر دعواك فإذا تحررت) دعواه (أحضر خصمه ولو بعدت المسافة) لأنه لا بد من فصل الخصومة وقد تعين بذلك (ولو ادعى قبله شهادة لم تسمع دعواه ولم يعد عليه ولم يحلف) إذا أنكر خلافا للشيخ تقي الدين. وقال لو قال: أنا أعلمها ولا أؤديها فظاهر، ولو نكل لزمه ما ادعى به إن قبل ضمانها موجب بضمان ما تلف ولا يبعد كما يضمن من ترك الاطعام الواجب كونه لا يحصل المقصود لفسقه وكتمانه لا يبقى ضمانه في نفس الامر واحتج القاضي بالأول على أن الشهادة ليست حقا على الشاهد ذكره في الفروع. باب طريق الحكم وصفته (طريق كل شئ ما توصل إليه) حكما كان أو غيره. (والحكم الفصل) أي فصل الخصومة وقد لا يكون خصومة كعقد رفع إليه ليحكم به فهو إلزام للعمل به. والحكم لغة المنع وسمي القاضي حاكما لأنه يمنع الظالم من ظلمه (لا تصح دعوى وإنكار إلا من جائز التصرف) وهو المكلف الرشيد (وسيأتي) مفصلا (وتسمع) الدعوى (في كل قليل) ولو
418 لم تتبعه الهمة ولا ينافي ذلك أن القاضي لا يستعدي فيما لا تتبعه الهمة لما في الاستعداء من المشقة بسبب ما هو أسهل منها (أو) كل (كثير) لو لم تجر عادة المدعي في المعاملة به لاحتمال صدقه ولا ضرر على المدعى عليه لأنه لا بد من بيان المدعي (وتصح) الدعوى (على سفيه فيما يؤاخذ به حال سفهه وبعد فك حجره) كالقصاص والطلاق والحد (ويحلف إذا أنكر) فيما يستحلف فيه (ولا تصح دعوى) في حق الله (ولا تسمع) دعوى في حق الله (ولا يستحلف في حق الله تعالى، كعبادة) من صلاة وغيرها (وحد) كزنا وسرقه (ونذر وكفارة ونحوه) كيمين الله تعالى، (فلو ادعى عليه أن عليه كفارة يمين أو غيره) من الكفارات (أو) أن عليه (صدقة فالقول قوله) أي المدعى عليه (من غير يمين) لأن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم (ويأتي في) باب (اليمين في الدعاوى) بأوضح من هذا (وتسمع) الدعوى (بوكالة ووصية من غير حضور خصم) مدعى عليه قاله في الاختيارات في مسألة الوكالة ونقله مهنا عن أحمد. ولو كان الخصم في البلد (ولا تصح الدعوى المقلوبة) بأن يترافع اثنان إلى حاكم فقال أحدهما: أدعي على هذا أنه يدعي علي دينارا مثلا، فاستخلص له أنه لا حق له قبل فلا يسمع منه ذلك وسميت مقلوبة لأن المدعي فيها يطلب أن يعطي المدعى عليه والمدعي في غيرها يطلب أن يأخذ من المدعى عليه فانقلب فيها القصد المعتاد (وتقبل بينة عتق ولو أنكره) أي العتق (عبد) لأنه حق لله وكذا بينة بطلاق (وتصح الشهادة به وبحق الله تعالى كالعبادات والحدود والصدقة والكفارة من غير تقدم دعوى) بذلك (فشهادة الشهود به دعوى وكذا) تقبل الشهادة (بحق آدمي غير معين كوقف على فقراء أو علماء أو مسجد أو وصية له) أي للمسجد (أو رباط وإن لم يطلبه مستحقه) لأن الحق فيه لم يتعين لواحد بعينه أشبه حق الله تعالى، (وكذا عقوبة كذاب مفتر على الناس والمتكلم فيهم) بما يوجب تعزيرا (قاله الشيخ) وقياسه من يغش الناس (وتسمع دعوى حسبة في حق الله تعالى كحد وعدة
419 وردة وعتق واستيلاد وطلاق وظهار ونحو ذلك قاله في الرعاية وغيرها) هذا مقابل ما سبق من قوله: ولا تسمع في حق الله تعالى والأول هو المذهب وعليه الأصحاب ذكره في الانصاف، (وتقبل شهادة المدعى فيه) أي في حق الله تعالى لأنه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنها ضررا (ولا تقبل يمين في حق آدمي معين إلا بعد الدعوى وشهادة الشاهد إن كان) هناك شاهد وقلنا: يقضي بالشاهد واليمين (ولا تسمع معه الشهادة فيه) أي في حق الآدمي المعين (قبل الدعوى) بحقه وتحريرها (واختار الشيخ سماع الدعوى والشهادة لحفظ وقف وغيره بالثبوت بلا خصم) قال في الاختيارات بالثبوت المحض يصح بلا دعوى عليه وقد ذكره قوم من الفقهاء وفعله طائفة من القضاة (وأجازهما) أي الدعوى والشهادة (الحنفية وبعض أصحابنا و) بعض (الشافعية في العقود والأقارير وغيرها بخصم مسخر) بمعنى أنه يظهر النزاع وليس منازعا في الحقيقة. (وقال الشيخ وأما على أصلنا وأصل مالك فإما أن تمنع الدعوى على غير خصم منازع) أي فلا تسمع على الخصم المسخر (فتثبت الحقوق بالشهادة على الشهادة. وقاله بعض أصحابنا وإما أن تسمع الدعوى والبينة ويحكم بلا خصم. وذكر بعض المالكية و) بعض (الشافعية وهو مقتضى كلام) الامام (أحمد وأصحابه في مواضع لأنا نسمعها على غائب وممتنع ونحوه) كميت (فمع عدم خصم أولى فإن المشتري مثلا قبض المبيع وسلم الثمن فلا يدعي ولا يدعى عليه. والمقصود سماع القاضي البينة وحكمه بموجبها من غير وجود مدعى عليه ومن غير مدع على أحد لكن خوفا من حدوث خصم مستقبل
420 وحاجة الناس خصوصا فيما فيه شبهة أو خلاف لرفعه انتهى) قال في التنقيح: (وعمل الناس عليه وهو قوي) أي في النظر. قلت: وإذا حكم على هذا الوجه وإن كان مقابلا لما قدموه لم ينقض حكمه لأنه لم يخالف نصا ولا إجماعا انتهى. فصل إذا جاء إلى الحاكم خصمان سن أن يجلسهما بين يديه لما روى أبو داود أن النبي (ص): قضى أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم. ولقول عمر: ولكن أجلس مع خصمي مجلسا بين يدي زيد وقال علي حين خاصم اليهودي درعه إلى شريح: لو أن خصمي مسلم لجلست معه بين يدك. (ثم إن شاء) القاضي (قال) للخصمين (من المدعي منكما) لأن سؤاله عن الدعوى منهما لا تخصيص فيه لواحد منهما (وإن شاء) القاضي (سكت حتى يبتدئا) أي حتى تكون البداءة بالكلام من جهتهما (ولا يقول هو) أي القاضي (ولا صاحبه) أي القائم على رأسه (لأحدهما تكلم) لأنه تخصيص لأحدهما بما لا يختص به (فإن بدأ أحدهما) أي أحد الخصمين (فتكلم فقال خصمه: أنا المدعي لم يلتفت) الحاكم (إليه ويقال له: أجب) خصمك (عن دعواه ثم ادع بما شئت) لأنه إلى مباح، (فإن ادعيا معا قدم أحدهما بقرعة) لأنه لأمر حج غيرها (فإذا انقضت حكومته سمع دعوى الآخر) لأن الأول استوفى حقه (فإذا حرر) المدعي (قال) القاضي (للخصم) المدعى عليه: (ما تقول فيما ادعاه) لأن شاهد الحال يدل على طلب
421 المطالبة فإن إحضاره والدعوى إنما تراد ليسأل الحاكم المدعى عليه (فإن أقر له ولو بقوله نعم) لأنها صريحة في الجواب كما تقدم في النكاح والطلاق ويأتي في الاقرار (لم يحكم) القاضي (له) أي للمدعي (حتى يطالب المدعي بالحكم) لأن الحكم عليه حق له فلا يستوفيه إلا لمسألة مستحقة (والحكم أن يقول) الحاكم (قد ألزمتك ذلك أو قضيت عليك له أو يقول أخرج إليه منه وتقدم نظيره في الباب قبله، وإن أنكر مثل أن يقول المدعي أقرضته ألفا أو بعته) كذا بكذا (فيقول) المدعى عليه: (ما أقرضني ولا باعني، أو ما يستحق علي ما ادعاه ولا شيئا منه ولا حق له علي صح الجواب) لنفيه عين ما ادعى عليه ولان قول: لا حق له علي: نكرة في سياق النفي فتعم بمنزلة قوله: ما يستحق علي ما ادعاه ولا شيئا منه (ما لم يعترف) المدعى عليه (بسبب الحق، كما إذا ادعت) امرأة (على من يعترف بأنها زوجته المهر، فقال: لا تستحق علي شيئا لم يصح الجواب ويلزمه المهر إن لم يقم بينة بإسقاطه) وكذا لو ادعت عليه نفقة وكسوة وقلنا: لا نقبل قوله إلا ببينة، (كجوابه في دعوى قرض اعترف به لا يستحق علي شيئا ولهذا لو أقرت في مرض موتها) أنها (لا مهر لها عليه لم يقبل) إقرارها (إلا ببينة أنها أخذته) مطلقا (أو أسقطته في الصحة) لأن إقرار المريض لوارثه كالوصية وإبراؤه له عطية وحكمها حكم الوصية (ولو قال) المدعى عليه (لمدع دينارا) مثلا (لا يستحق علي حبة، فليس بجواب عن ابن عقيل لأنه لا يكتفي في دفع الدعوى إلا بنص ولا يكتفي بالظاهر ولهذا لو حلف) المدعي مع شاهده مثلا (والله إني لصادق فيما ادعيته
422 عليه أو حلف المنكر أنه) أي المدعي (لكاذب فيما ادعاه علي يقبل) منه ذلك ويحلف على طبق الدعوى في الأولى وعلى طبق الجواب في الثانية كما يأتي (وعند الشيخ يعم الجهات و) يعم (ما لم يندرج في لفظ حبة من باب الفحوى إلا أن يقال: يعم حقيقة عرفية و) قال في تصحيح الفروع: قلت: (الصواب ما قاله الشيخ) تقي الدين، وهو الظاهر انتهى قال الأزجي: لو قال: لك علي شئ فقال: ليس لي عليك شئ، وإنما لي عليك ألف درهم لم يقبل منه دعوى الألف لأنه نفاها بنفي لي عليك شئ، ولو قال: لي عليك درهم فقال: ليس لك علي درهم ولا دانق وإنما لي عليك ألف، قبل منه دعوى الألف لأن معنى نفيه ليس حقي هذا القدر قال: ولو قال: ليس لك علي شئ إلا درهم صح ذلك. (ولو قال) المدعي للمدعى عليه (لي عليك مائة، فقال) المدعى عليه جوابا له: (ليس لك علي مائة اعتبر قوله ولا شئ منها كاليمين) أي كما لو حلف فلا بد أن يقول: ليس له علي مائة ولا شئ منها لأن نفيه المائة لا ينفي ما هو أقل منها (فإن نكل) المدعى عليه عن الحلف على (ما دون المائة) بأن حلف أنه لا يستحق عليه مائة ونكل عن قوله: ولا شئ منها (حكم عليه بمائة إلا جزءا) من أجزاء المائة (وللمدعي) إذا أنكر المدعى عليه (أن يقول، لي بينة) لأن الحق له والبينة طريق إلى تخليصه (وللحاكم أن يقول) للمدعي (ألك بينة) لقوله (ص) للحضرمي: لك بينة؟ قال لا رواه مسلم وفيه: فلك يمينه فإن كان المدعي عارفا بأنه موضع البينة خير الحاكم بين أن يقول ذلك وبين السكوت، (فإن قال) المدعي: (لي بينة قيل) أي قال (له) القاضي (إن شئت فأحضرها) قال في المغني لم يقل أحضرها لأن ذلك حق له فله أن يفعل ما يرى (فإذا أحضرها) المدعي (لم يسألها الحاكم عما عندها حتى يسأله المدعي ذلك) لأنه حق له (فإن سأله المدعي سؤالها قال: من كانت عنده شهادة فليذكرها إن شاء أو يقول بم تشهدان؟ ولا يقول: لهما اشهدا) لأنه أمر وكان شريح يقول للشاهدين: ما أنا دعوتكما ولأنها كما
423 ترجعا وما يقضي على هذا المسلم غيرهما وأني بكما أقضي اليوم وبكما أتقي يوم القيامة. (وليس له) أي القاضي (أن يلقنهما) الشهادة وفي المستوعب لا ينبغي وفي الموجز يكره (كتعنيفهما) أي تعنيف الشاهدين (وانتهارهما) لأنه ربما حملهما أو غيرهما على كتمان الشهادة وعدم أدائها فتضيع الحقوق (فإذا شهدت البينة شهادة صحيحة واتضح الحكم لم يجز له ترديدها) أي البينة (ولزمه في الحال أن يحكم) ولا يجوز له تأخيره لما فيه من تأخير الحق عن موضعه (إذا سأله المدعي) الحكم (إن كان الحق) في الحكم (لآدمي معين) وليس له الحكم بدون سؤال صاحب الحق لأن الحكم حق له فلا يستوفي إلا بمسألته. (وتقدم إن كان) الحكم (لغير معين) كالوصية والوقف على نحو الفقراء (أو لله تعالى) كالحدود والكفارات والعبادات فيحكم إذا اتضح له الحكم إن لم يسأله أحد الحكم (وإذا حكم) الحاكم بشرطه (وقع الحكم لازما لا يجوز الرجوع فيه ولا نقضه) منه ولا من غيره (إلا بشرطه المتقدم في باب آداب القاضي ويأتي بعضه آخر الباب) أي إذا خالف نصا أو إجماعا أو ما يعتقده، (ولا يجوز) الحكم (ولا يصح الحكم بغير ما يعلمه) وقال في الترغيب وغيره (بل يتوقف) ومع اللبس يأمن الصلح فإن عجل فحكم قبل البيان حرم ولم يصح لأنه حكم بالجهل. قال أبو عبيد إنما يسعه الصلح في الأمور المشكلة أما إذا استنارت الحجة فليس له ذلك. وروي عن شريح أنه ما أصلح بين المتحاكمين إلا مرة واحدة وعن عمر أنه قال: ردوا الخصوم حتى يصطلحا، فإن فصل القضاء يحدث بين الناس الضغائن (ولا خلاف أنه يجوز له الحكم بالاقرار. والبينة في مجلسه) وهو محل نفوذ حكمه (إذا سمعه معه شاهدان) لأن التهمة الموجودة في الحكم بالعلم منتفية هنا (فإن لم يسمعه) أي الاقرار والبينة (معه) أي مع الحاكم (أحد أو سمعه) معه (شاهد واحد فله) الحكم (أيضا) نص عليه في رواية حرب لأن الحكم أيضا ليس بمحض الحكم بالعلم ولا يضر رجوع المقر قال القاضي لا يحكم به لأنه حكم بعلمه (والأولى) أو حكم (إذا سمعه شاهدان) خروجا من الخلاف (فأما حكمه بعلمه في غير ذلك مما رآه أو سمعه قبل الولاية أو بعدها فلا
424 يجوز) لقوله (ص): إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع. متفق عليه فدل على أنه يقضي بما سمع لا بما علم، وفي حديث الحضرمي والكندي: شاهداك أو يمينه ليس لك منه إلا ذلك رواه مسلم وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو رأيت رجلا على حد من حدود الله قال ما أحدثه ولا دعوت له أحدا حتى يكون معي غيري. حكاه أحمد. (إلا في الجرح والتعديل) فيعمل بعلمه في ذلك لأن التهمة لا تلحقه في ذلك لأن صفات الشهود معنى ظاهر بل قال القاضي وجماعة ليس هذا بحكم لأنه يعدل هو ويجرح غيره ويجرح هو ويعدل غيره ولو كان حكما لم يكن لغيره نقضه وفي الطرق الحكمية أن الحكم بالاستفاضة ليس من حكمه بعلمه فيحكم بما استفاض وإن لم يشهد به أحد عنده (ويحرم الاعتراض عليه) أي على الحاكم (لتركه تسمية الشهود) المحكوم بهم ذكره القاضي وابن عقيل وغيرهما (وقال الشيخ له) أي المحكوم عليه (طلب تسمية البينة ليتمكن من القدح بالايقان، قال في الفروع: ويتوجه مثله) أي مثل تركه تسمية الشهود (ولو قال: حكمت بكذا ولم يذكر مستنده) من إقرار أو بينة أو نكول (قال في الرعاية: لو شهد أحد الشاهدين ببعض الدعوى) قال الحاكم في علامته التي يصفها بالوثيقة (شهد عندي بما وضع به خطه فيه أو) يكتب (عادة حكام بلده) أي ما جرت به عادتهم في الامضاء، (وإن كان الشاهد عدلا كتب) القاضي (تحت خطه) بشهادته (شهد عندي بذلك، وإن قبله كتب شهد بذلك عندي وإن قبله غيره) من الحكام (أو أخبره) حاكم آخر (بذلك) أي بأنه مقبول (كتب) الحاكم بعد شهد عندي بذلك (وهو مقبول فإن
425 لم يكن الشاهد مقبولا كتب) القاضي (شهد بذلك) لئلا يفضحه (وقال للمدعي زدني شهودا أو زد شاهدك. انتهى) كلام الرعاية. (وليكن للقاضي علامة يعرف بها. من بين الحكام نحو الحمد لله وحده، أو غير ذلك) ليحصل التمييز (وتكتب) ذلك (بقلم غليظ ولا يغيرها) لئلا يزور عليه (إلا أن يكون نائبا فينفي أصلا أو ينتقل من بلد إلى بلد فلا يحصل لبس ويكتبها) أي العلامة (فوق السطر الأول تحت البسملة من حذاء طرفها وتكون) العلامة (بعد أداء الشهادة وتكمل الحجة المكتتبة) والتحرز مما عساه يدخله الموثق مما اعتادوه وإن لم يصدر بحسب الصناعة (ويكتب تحت العلامة جرى ذلك أو ثبت ذلك، أو ليشهد بثبوته والحكم بموجبه ونحو ذلك بحسب ما يقتضي المقام). قلت: والأولى عادة بلده ولو ذكر كلام الرعاية هنا كان أنسب، (وإن كتب المزكي خطه فالأولى أن يكون تحت خط الشاهد في المكتوب فيكتب أن فلان ابن فلان الواضع خطه أعلاه عدل فيما يشهد به، ويرقم القاضي في المكتوب عند شهادة الشاهد بالقلم الغليظ أيضا كما تقدم إن شاء بخط واحد) يعم الشهود (نحو شهدا عندي) إن كانا اثنين (أو شهد الثلاثة أو الأربعة أو أفرد) القاضي (كل واحد) من الشهود (بخط) تحت خط الشاهد، (وإن كان الشاهد جليل القدر كالأمير ونحوه) كالعالم الكبير وقاض آخر (كتب) الحاكم (أعلمني بذلك بلفظ الشهادة وإن كان المكتوب فيه) الوقف ونحوه (أوصالا شغل كل موضع وصل بكلمة بقلم العلامة نحو ثقتي بالله، أو حسبي الله ونحوه كالبياض) أي كما يشغل البياض في المكتوب بشئ من ذلك احتياطا.
426 قلت: والعادة الآن شغله بختم في كل موضع وصل وهو حسن إذ الغرض الاحتياط فكل ما أدى إليه حصل المقصود، وكل ما تقدم أو غالبه طريقة المتقدمين وقد اعتيد الآن خلافها ولذلك تقدم عن الرعاية أو عادة بلده. فصل وإن قال المدعي: مالي بينة فقول المنكر بيمينه للخبر ولان الأصل براءة ذمته (إلا النبي (ص) إذا ادعى عليه أو ادعى هو) (ص) على أحد (فقوله بلا يمين) لعصمته. قلت: وكذا سائر الأنبياء لتعليلهم بالعصمة والكل معصومون قبل النبوة وبعدها. (فيعلم) الحاكم (المدعي) الذي لا بينة له (أن له اليمين على خصمه) لأنه موضع حاجة (فإن سأل إحلافه أحلفه)، لأن اليمين طريق إلى تخليص حقه فلزم الحاكم إجابة المدعي إليها لسماع البينة وخلى سبيله أي المدعى عليه بعد إحلافه لأنه لم يتوجه عليه حق (وليس له) أي القاضي (استحلافه) أي المدعى عليه (قبل سؤال المدعى) لأن اليمين حق له كنفس الحق ويمين المنكر على المقرر (فإن أحلفه) القاضي قبل سؤال المدعي لم يعتد بيمينه أو حلف المدعى (عليه قبل سؤال المدعي) تحليفه وسؤال الحاكم له (لم يعتد بيمينه) لأنه أتى بها في غير وقتها (فإن سأله المدعي أعادها) له لأن الأولى لم تكن يمينه (ولا بد في اليمين) التي تقطع الخصومة (من سؤال المدعي) لها (طوعا) لأن فعل المكره لا اعتداد به. (و) من (أذن الحاكم فيها) فلو حلف قبل القاء الحاكم الحلف عليه لم تنقطع الخصومة وللمدعي تحليفه بعد ذلك وتقدم (وله) أي للمدعي (مع الكراهة تحليفه مع علمه بكذبه وقدرته على حقه نصا) أما كونه له ذلك فلأنه يتوصل به إلى حقه وأما كونه يكره له ذلك فلأنه يحمله على اليمين الكاذبة وفي ذلك شئ وعبارة المنتهى ولو عم عدم قدرته على حقه ويكره قال في شرحه أما في كونه يكره له إحلافه في الحالة المذكورة فلأنه ربما
427 يضطره إلى اليمين لخوفه على نفسه من الحبس إذا أقر لعسرته انتهى وهو ظاهر بخلافه مع القدرة (ويحرم تحليف البرئ) مما ادعى به عليه لأنه ظلم له (دون الظالم) فلا يحرم تحليفه إياه كما تقدم (و) تحرم (دعواه ثانيا وتحليفه) ثانيا كالبرئ، وهذا المذهب كما في الانصاف وقال في المستوعب والترغيب والرعاية له تحليفه عند من جهل حلفه عند غيره لبقاء الحق بدليل أخذه بينة (وتكون يمينه على صفة جوابه لخصمه) لأنه لا يلزمه أكثر من ذلك فيحلف عليه لا على صفة الدعوى (ولا يصلها) أي اليمين (باستثناء) لأنه يزيل حكم اليمين (ولا) يصلها أيضا (بما لا يفهم) لاحتمال أن يكون استثناء (وتحرم التورية والتأويل) لحديث: يمينك على ما يصدقك به صاحبك. (إلا لمظلوم) كمن يستحلفه ظالم ما لفلان عندك وديعة فينوي بما الذي ونحوه مما تقدم في باب التأويل (وقال) الإمام أحمد (أيضا: لا يعجبني) أي أن يحلف على مختلف فيه ألا يعتقده فلو باع شافعي حنبليا لحما متروك التسمية بدينار مثلا ثم ادعى عليه به فأجاب الحنبلي أنه لا حق له علي فالتمس المدعي يمينه على حسب جوابه فمقتضى نص الامام ألا يحلف لأنه يقطع بهذه ما يعتقده المدعي مالا عنده، وحمل الموفق النص على الورع لأن المدعى عليه لا يعتقد أن في ذمته شيئا لعدم صحة بيع ذلك في اعتقاده. (وتوقف) الإمام أحمد (فيها) أي في اليمين (فيمن عامله بحيلة كعينة) أي كمسألة العينة إذا كان المدعى عليه لا يراها هل يحلف أن ما عليه إلا رأس المال نقله حرب، قال القاضي: لأن يمينه هنا على القطع ومسائل الاجتهاد ظنية، وقال في الفروع في الشفعة، ولو قدم من لا يراها لجار إلى حاكم لم يحلف، وإن أخرجه خرج نص عليه وقال لا يعجبني الحلف على أمر اختلف فيه. (ولو أمسك) المدعي (عن إحلافه) أي المدعى عليه بعد الدعوى (وأراده) أي أراد المدعي إحلافه (بعد ذلك بدعواه المتقدمة فله) أي المدعي (ذلك) أي تحليفه بالدعوى السابقة من غير تجديد لها لأن حقه لا يسقط بالتأخير. (ولو
428 أبرأه) المدعي (من يمينه برئ منها في هذه الدعوى) فقط (فلو جددها) أي الدعوى (وطلب اليمين فله ذلك) لأن حقه لم يسقط بالابراء من اليمين وهذه الدعوى غير التي برأه من اليمين فيها (ولا يجوز أن يحلف المعسر لا حق له علي ولو نوى الساعة خاف أن يحبس أولا) نقله الجماعة عن أحمد وجوزه في الرعاية بالنية قال في الفروع: وهو متجه قال في الانصاف: وهو الصواب إن خاف حبسا (ولا) يجوز أن يحلف (من عليه دين مؤجل إذا أراد غريمه منعه من سفر) حتى يوثقه برهن بجواز أو كفيل فأنكر الدين فلا يجوز له أن يحلف ولو أراد الساعة لأنه ظالم فلا ينفعه التأويل، (وإن لم يحلف) المدعى عليه قال له (الحاكم: إن حلفت وإلا قضيت عليك بالنكول) لأن النكول ضعيف فوجب اعتضاده بذلك (ويستحب أن يقول) ذلك (ثلاثا) إزالة لمعذرته. (وكذا يقول) الحاكم للمدعى عليه (في كل موضع قلت: يستحلف المدعى عليه فإن لم يحلف) المدعى عليه (قضى عليه) بالنكول (إذا سأله المدعي ذلك) لأن عثمان قضى على ابن عمر بنكوله رواه أحمد ولقوله (ص): اليمين على المدعى عليه. فحصرها في جهته فلم تشرع لغيره وسواء كان المدعى عليه مأذونا له أو مريضا أو غيرهما (وهو) أي النكول (كإقامة بينة لا كإقرار) بالحق لأنه لا يتأتى جعله مقرا مع إنكاره (ولا كبذل) الحق لأن البذل قد يكون تبرعا ولا تبرع هنا لكن لا يشارك من قضي له بالنكول على محجور عليه لفلس غرمائه لاحتمال التواطؤ، (ولا ترد اليمين على المدعي) لما تقدم من حصره (ص) لها في جهته، (وإذا قال المدعي: لي بينة بعد قوله ما لي بينة لم تسمع) لأن سماع البينة قد تحقق كذبه فيعود الامر على خلاف المقصود. (وكذا قوله: كذب شهودي أو كل بينة أقمتها فهي زور) أو باطلة أو فلا حق لي فيها فلا تسمع بينته كما لو قال: ما لي بينة (وأولى) لأنه أصرح في تكذيب شهوده (ولا تبطل دعواه بذلك) أي
429 بقوله: كذب شهودي أو كل بينة أقيمها فهي زور وباطلة فله تحليف المدعى عليه لأنه قد يكون الحق لا بينة به، (وإن قال) المدعي: (لا أعلم لي بينة، ثم قال: لي بينة سمعت) بينته لأنه يجوز أن يكون له بينة لا يعلمها ونفي العلم بها ليس نفيا لها فلا يكون مكذبا لها. (وإن) قال: لا أعلم لي بينة ف (- قالت بينة نحن نشهد لك، فقال: هذه بينتي سمعت) وهي أولى من التي قبلها لأنه لا تهمة فيه (لكن لو شهدت) البينة (له بغيره) أي غير ما ادعاه (فهو مكذب لها) فلا تسمع واختار في المستوعب تقبل فيدعيه ثم يقيمها وفيه وفي الرعاية إن قال: استحقه وما شهدوا به وإنما ادعيت بأحدهما لادعى الآخر وقتا آخر، ثم شهدوا به قبلت (وإن ادعى شيئا فأقر) المدعى عليه (له بغيره لزمه) ما أقر به (إذا صدقه المقر له) مؤاخذة له بإقراره (والدعوى بحالها) فللمدعي إقامة البينة أو تحليفه، (ولو سأله) المدعي (ملازمته) أي المدعى عليه (حتى يقيمها) أي البينة (أجيب) إلى ملازمته ما دام القاضي (في المجلس) لأن ذلك ضرورة إقامتها فإنه لو لم يتمكن من ملازمته لذهب من مجلس الحكم ولا يمكن من إقامتها إلا بحضوره وتفارق البينة البعيدة ومن لا يمكن حضورها فإن إلزامه الإقامة إلى حين حضورها يحتاج إلى حبس أو ما يقوم مقامه ولا سبيل إليه (فإن لم يحضرها) أي البينة (في المجلس صرفه ولا يجوز حبسه ولا يلزم بإقامة كفيل ولو سأله) أي القاضي (المدعي ذلك) أي حبسه أو إقامة كفيل لأنه لم يثبت عليه شئ (وإن قال) المدعي للبينة (ما أريد أن تشهدوا لي لم يكلف إقامة البينة) لأن الحق له فإن شاء استوفاه أو تركه (وإن قال: لي بينة وأريد يمينه فإن كانت غائبة عن المجلس قريبة أو بعيدة فله إحلافه) لان ذلك يصير طريقا إلى استخلاص الحق، (وإن كانت) البينة (حاضرة فيه) أي المجلس (فليس له) أي للمدعي (إلا إحداهما) لأن فصل الحكومة ممكن بإحضار البينة فلا حاجة إلى اليمين. (وإن حلف المنكر) مع غيبة البينة (ثم أحضر المدعي بينته حكم) له (بها ولم تكن اليمين مزيلة للحق) لقول عمر: البينة الصادقة أحب إلي من اليمين الفاجرة ولان كل حال
430 يجب عليه فيها الحق بإقراره يجب عليه البينة كما قبل اليمين ولان اليمين لو أزالت الحق لاجترأ الفسقة على أموال الناس، (ولو سأل المدعي إحلافه) أي المدعى عليه (ولا يقيم البينة فحلف كان له) أي المدعي (إقامتها) لأن البينة لا تبطل بالاستحلاف كما لو كانت غائبة عن البلد، (وإن كان له) أي المدعي (شاهد واحد في المال أو ما يقصد منه المال) كالوكالة في المال (عرفه الحاكم أن له أو يحلف مع شاهده ويستحق بلا رضا خصمه) لما يأتي في الشهادات من أنه (ص) قضى باليمين والشهادة (فإن قال) المدعي: (لا أحلف وأرضى يمينه استحلف له) كما لو لم يكن أقامه (فإذا حلف سقط عنه الحق) أي انقطعت الخصومة كما يعلم مما تقدم وما يأتي (فإن عاد المدعي بعدها وقال: أنا أحلف مع شاهدي لم يستحلف) لان اليمين فعله وهو قادر عليها فأمكنه أن يسقطها بخلاف البينة (وإن عاد قبل أن يحلف المدعى عليه فبذل) المدعي (اليمين لم يكن له ذلك في هذا المجلس) ذكره في الشرح والمبدع (وإن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر أو قال) المدعى عليه: (لا أقر ولا أنكر أو قال لا أعلم قدر حقه قال له القاضي: احلف وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك) لأنه نأكل لما توجه عليه الجواب فيه فيحكم عليه بالنكول عنه كاليمين والجامع بينهما إن كل واحد من القولين طريق إلى ظهور الحق ويسن تكراره من الحاكم ثلاثا ذكره في الكافي والمستوعب والمنتهى. (ولو أقام المدعي شاهدا واحدا فلم يحلف) المدعي (معه) أي مع شاهده (وطلب يمين المدعى عليه فاحلف له ثم أقام شاهدا آخر بعد ذلك كملت بينته وقضى بها) كما لو لم يكن استحلف المدعي (وإن قال المدعى عليه لي مخرج مما ادعاه) المدعي (لم يكن مجيبا)
431 لأن الجواب إقرار أو إنكار وهذا ليس واحدا منهما، (وإن قال) المدعى عليه: (لي حساب أريد أن انظر فيه لزمه) أي المدعي (إنظاره ثلاثا) أي ثلاثة أيام لأنه يحتاج إلى ذلك لمعرفة قدر دينه أو ليعلم هل له عليه شئ أم لا والثلاث هذه يسيرة ولا يمهل أكثر منها لأنه كثير (وإن قال) المدعى عليه: (إن ادعيت ألفا برهن كذا لي عندك أجبت، أو إن ادعيت هذا) الذي ادعيته (ثمن كذا بعتنيه ولم تقبضنيه فنعم وإلا فلا حق لك علي فجواب صحيح) لأنه مقر له على قيد يحترز به عما سواه منكر له فيما سواه قاله في شرح المحرر، (وإن قال) المدعى عليه (بعد ثبوت الدعوى: قضيته أو أبرأني و) ذكر أن (له بينة بالقضاء أو الابراء وسأل الانظار انظر ثلاثا) أي ثلاثة أيام فقط لأن ما زاد عليها فيه طول بخلافها فإنها قريبة وقد لا تتكامل البينة فيما دونها ولو ألزمناه في الحال لكان تضييقا عليه (وللمدعي ملازمته) زمن الانظار لئلا يهرب فيتأخر عن المدة التي أنظرها. قلت: وظاهر كلامهم لا يحبس وعمل القضاة الآن بخلافه. (فإن عجز) المدعى عن بينة القضاء أو الابراء (حلف المدعي على نفي ما ادعاه) من القضاء والابراء لأن الأصل عدمه (واستحق) ما ادعى به لأن الأصل بقاؤه، (فإن نكل) المدعي عن اليمين (قضى عليه بنكوله وصدق) المدعى عليه لأنه منكر توجهت عليه اليمين فنكل عنها فحكم عليه بالنكول كما لو كان مدعى عليه ابتداء (هذا كله إن لم يكن) المدعى عليه (أنكر أولا سبب الحق فأما إن أنكره ثم ثبت فادعى قضاء أو إبراء سابقا لانكاره لم يسمع) منه (وإن أتى ببينة نصا) فلو ادعى عليه ألفا من قرض فقال ما اقترضت منه شيئا أو من ثمن مبيع، فقال ما ابتعت منه شيئا ثم ثبت أنه اقترض، أو اشترى ببينة، أو إقرار فقال: قضيته من قبل هذا الوقت، أو أبرأني من قبل هذا الوقت لم يقبل منه ولو أقام به بينة لأن القضاء أو الابراء لا يكون إلا عن حق سابق وإنكار الحق يقتضي نفي القضاء أو الابراء منه فيكون مكذبا لدعواه وبينته فلا تسمع لذلك واحترز بقوله سابقا على إنكاره عما
432 لو ادعى قضاء أو إبراء بعد إنكاره فإنه تسمع دعواه بعد ذلك وتقبل بينته لأن قضاءه بعد إنكاره كالاقرار به فيكون قاضيا لما هو مقر به فتسمع دعواه به كغير المنكر وإبراء المدعي بعد الانكار إقرار بعدم استحقاقه فلا تنافي بين إنكاره وإبراء المدعي فتسمع البينة بذلك. (وإن شهدت البينة للمدعي) بما ادعاه (فقال المدعى عليه: حلفوه أنه يستحق ما شهدت به البينة لم يحلف) لقوله (ص): شاهداك أو يمينه. وقوله: البينة على المدعي واليمين على من نكر. ولان فيه تهمة للبينة، (وإن ادعى) أحد المتبايعين على الآخر (أنه أقاله بائع) أو أجاره وأنكره (فله تحليفه) إن لم تكن له بينة لأن الأصل عدمها وإن قال: قتلت دابتي ولي عليك قيمتها ألف، فقال: لا يلزمني أو لا تستحقه علي ولا شئ منه فقد أجاب انتهى. فصل وإن ادعى عليه عينا في يده فأقر المدعى عليه (بها لحاضر مكلف سئل المقر له عن ذلك فإن صدقه) أي صدق المقر له المقر (صار) المقر له (الخصم فيها وصار صاحب اليد) وتحولت إليه الخصومة. (لان من هي في يده اعترف أن يده نائبة عن يده) وإقرار الانسان بما في يده إقرار صحيح وسواء كان المقر أنه مستأجر منه أو مستعير أو لا (فإن كانت للمدعي بينة) أن العين له (حكم له بها) لأن البينة أقوى من اليد ولحديث شاهداك أو يمينه ونحوه (وللمقر له قيمتها على المقر) قاله في الروضة وفيه شئ (وإلا) أي وإن لم تكن للمدعي بينة (فقول المدعى عليه وهو المقر له بها مع يمينه) لأنه منكر فدخل في عموم قوله (ص): واليمين على من أنكر. (فإن طلب المدعي إحلاف الذي كانت العين في يده أنه لا يعلم أنها) أي العين (لي) أي للمدعي (حلف له) أنه لا يعلم أن العين له لأنه لو أقر بها لزمه غرمها كما لو قال
433 هذه العين لزيد ثم هي لعمرو فإنها تدفع لزيد ويغرم لعمرو قيمتها ومن لزمه الغرم مع الاقرار لزمه اليمين مع الانكار، (فإن نكل) من كانت العين بيده عن اليمين للمدعي (لزمه بدلها) أي مثلها إن كانت مثلية وقيمتها إن كانت متقومة لما تقدم (وإن قال المقر له) بالعين (ليست لي وهي للمدعي حكم له بها) لأن اليد صارت للمقر له أشبه ما لو ادعاها شخص فأقر بها له (وإن قال) المقر: (ليس لي ولا أعلم لمن هي أو قاله المقر له فإن كانت للمدعي بينة حكم له بها، وإن لم تكن له بينة وجهل لمن هي، سلمت إليه) أي إلى المدعي (أيضا بلا يمين) لأنه لا منازع له فيها أشبه التي في يده ولان صاحب اليد لو ادعاها ثم نكل عن اليمين قضى بها للمدعي فمع عدم ادعائه أولى (فإن كانا) أي المدعيان (اثنين اقترعا بها) فمن خرجت له القرعة أخذها وحلف لصاحبه (وإن قال المقر له: هي لثالث انتقلت الخصومة عنه إليه) كالمقر له أولا، (وإن أقر) من العين بيده (بها لغائب أو غير مكلف معينين سقطت الدعوى وصارت على المقر له) لأن اليد صارت له ويصير الغائب والولي خصمين إن صدقاه وحلف المدعى عليه للمدعي قاله في الرعاية (ثم إن كان للمدعي بينة سلمت) العين (إليه) لأن جانبه قد ترجح بها (ولا يحلف) لأن البينة وحدها كافية للخبر. (وكان الغائب على خصومته) إذا قدم ونازع لعدم ما يقطع خصومته، (وإن كان مع المقر بينة تشهد بها للغائب سمعها الحاكم ولم يقض بها) لأن الحق الغائب في الحكم ولم يطلبه وإنما سمعت بينة المدعى عليه أنها لمن سماه لزوال التهمة (ولكن تسقط اليمين والتهمة من المقر، وإن لم تكن له بينة لم يقض له بها ويقف الامر حتى يقدم الغائب) فإما أن يصدق أو يكذب على ما تقدم فيكون معه الخصومة (و) حتى (يكلف غيره لتكون
434 الخصومة معه) لكون اليد صارت له (وله) أي للمدعي (تحليف المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليمها إليه فإن حلف أقرت) العين (بيده) لأن المدعي اندفعت دعواه باليمين (وإن نكل) المدعى عليه عن اليمين (غرم بدلها) للمدعي أي مثلها إن كانت مثلية وقيمتها إن كانت متقومة (فإن كان المدعي للعين اثنين) ونكل عن اليمين لهما (فبدلان) لهما لكل واحد منهما بدل، (وإن عاد) أي المدعى عليه (فأقر بها) أي العين (للمدعي) بعد إقراره بها لغير الغائب أو غير المكلف (لم تسلم إليه) لأن إقرار الانسان على غيره غير مقبول (وعليه) أي المقر (له) أي للمقر له ثانيا (بدلها) لأنه فوتها عليه بإقراره الأول، (وإن) عاد (ادعاها لنفسه لم تسمع دعواه لأنه أقر بأنه لا يملكها) فلا يصح رجوعه عنه، (وإن ادعى) إنسان على آخر بعين أنها له فادعى (من هي في يده) أي العين (أنها معه إجارة أو إعارة) من فلان الغائب (وأقام بينة بالملك للغائب لم يقض بها) للغائب لعدم دعواه وسؤاله الحكم لكن تسمع البينة لتسقط اليمين والتهمة عن المقر، (وإن أقر بها) أي العين من هي بيده (لمجهول قيل) أي قال (له) الحاكم: (عرفه وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك) بالنكول لأن الاقرار بها لمجهول عدول عن الجواب لأنه يجعل الخصم غير معين فيقال له: إما أن تعين المقر له لتنتقل الخصومة إليه أو تدعيها لنفسك لتكون الخصومة معك أو تقر بها للمدعي لتندفع الخصومة عنك، فإن عين المجهول وإلا قضى عليها بها (وإن عاد) المقر (فادعاها لنفسه لم تسمع) دعواه لمخالفتها لاقراره أو لأنها لغيره. فصل: (ولا تصح الدعوى إلا محررة تحريرا يعلم به المدعي) لأن الحاكم يسأل المدعى عليه عما ادعاه المدعي، فإن اعترف به ألزمه ولا يمكنه أن
435 يلزمه مجهولا (إلا فيما نصححه مجهولا كوصية وإقرار و) عوض (خلع وعبد من عبيده في مهر) وكذا فرس من خيله وثوب من ثيابه ونحوه كما تقدم فيجوز الدعوى بذلك مع جهالته لصحته ويبتدأ من عليه (ويعتبر التصريح بالدعوى فلا يكفي قوله) أي المدعي: (لي عند فلان كذا حتى يقول: وأنا الآن مطالب به) ليوجد التصريح (وظاهر كلام جماعة يكفي الظاهر) لدلالة الحال عليه (و) يعتبر أيضا (أن تكون) الدعوى (متعلقة بالحال) أي إذا كانت بدين فلا بد أن يكون حالا و (لا) تسمع (بالدين المؤجل) لأنه لا يجوز الطلب به قبل حلوله ولا يجلس عليه (إلا في دعوى تدبير) وكتابة وإيلاد لصحة الحكم به إذن وإن تأخر أثره (و) يعتبر أيضا في الدعوى (أن تنفك عما يكذبها فلو ادعى أنه قتل) أو سرق من عشرين سنة وسنة دونها ونحوه لم تسمع لأن الحس يكذبها، ومنه لو ادعى أن الخليفة اشترى منه حزمة بقل وحملها بيده لم تسمع دعواه بغير خلاف قاله في القواعد، ولو ادعى أنه قتل (أباه) أو ابنه ونحوه (منفردا ثم ادعى على آخر المشاركة فيه) أي في قتل أبيه ونحوه (لم تسمع) الدعوى (الثانية) لأنه كذبها بدعواه الأولى، وكذا لو ادعى الآخر الانفراد به فلا تسمع، (ولو أقر الثاني) لتكذيبه له أولا (إلا أن يقول) المدعي (غلطت أو كذبت في الأولى فتقبل) الثانية لامكانه والحق لا يعدوهما (ومن أقر لزيد بشئ) من دار أو كتاب أو ثوب ونحوه (ثم ادعاه) لنفسه (وذكر تلقيه منه) أي من زيد (سمع) منه ما ادعاه وطولب بالبيان لاحتمال صدقه، (وإلا) أي وإن لم يذكر تلقيه من زيد (فلا) تصح دعواه لنفسه التكذيب لاقراره الأول، (وإن ادعى أنه له الآن لم تسمع بينة أنه كان له أمس أو) أنه كان (في يده) أمس لعدم التطابق (ولو قال) المدعى عليه: (كان) المدعى به (بيدك) أمس، (أو) كان (لك أمس وهو ملكي الآن لزمه) أي المدعى عليه (بيان سبب زوال يده) أو ملكه لأن الأصل
436 بقاء الملك أو اليد (وإن ادعى دارا بين حدودها وموضعها إن لم تكن مشهورة) عند القاضي والخصمين بما يغني عن البيان. قال الغزي: إن كانت في عقار ذكر البلد والمحلة والسكة وهي الزقاق والحدود. فإن التحديد شرط في الدعوى والشهادة (فيدعي أن هذه الدار بحقوقها وحدودها لي وأنها في يده ظلما، وأنا أطالبه الآن بردها، وإن ادعى أن هذه الدار لي وأنه يمنعني منها) وأطالبه بردها، (صحت الدعوى، وإن لم يقل إنها في يده) اكتفاء بذكر أنه يمنعه منها (وتكفي شهرة المدعى به) من دار ونحوه (عند الخصمين والحاكم عن تحديده) أي بيان حدوده لأن القصد علم المدعى به وهو حاصل بالشهرة (ولو أحضر) المدعي (ورقة فيها دعوى محرر) ة (فقال: أدعي بما فيها مع حضور خصمه لم تسمع) دعواه حتى يبين ما فيه. (قال الشيخ: لا يعتبر في أداء الشهادة) بالدين (قوله) أي الشاهد: (وإن الدين باق في ذمة الغريم إلى الآن، بل يحكم الحاكم باستصحابه الحال إذا ثبت عنده سبق الحق إجماعا) استصحابا للأصل (وتسمع دعوى استيلاد وكتابة وتدبير) من الرقيق على سيده ليحكم له به، وإن تأخر أثره وتقدم لأن نفس المدعى به حال، وإن تأخر موجبه (وإن كان المدعى) به (عينا حاضرة في المجلس عينها) أن المدعي (بالإشارة) إليها لينتفي اللبس، (وإن كانت حاضرة) في البلد (لكن لم تحضر مجلس الحكم اعتبر إحضارها لتعيين) وإزالة اللبس (ويجب إحضارها على المدعى عليه إن أقر أن بيده مثلها) فيوكل به حتى يحضرها فمن ادعى عليه بغضب عبد وأقر أن بيده عبدا أمره لحاكم بإحضاره لتكون الدعوى على عينه. (ولو ثبت أنها) أي العين المدعى بنظيرها (بيده) أي المدعى عليه (ببينة أو نكول) عن يمين طلب منه (حبس أبدا حتى يحضرها أو يدعي تلفها فيصدق للضرورة وتكفي القيمة) حينئذ
437 عن تعينها لتعذره بتلفها، (وإن ادعى) بالباء للمفعول (على أبيه دين لم تسمع دعواه حتى يثبت أن أباه مات وترك في يده مالا فيه وفاء لدينه) أو حرر التركة. هذا معنى كلامه في المغني. وذكر القاضي أنه يحرر التركة وجزم به في المنتهى (فإن قال) المدعي: (ترك) أبوه (ما فيه وفاء لبعض دينه احتاج إلى أن يذكر ذلك البعض) ليعلم نسبة الدين إليه فيلزم بالوفاء بقدره، (والقول قول المدعى عليه في نفي تركة الأب مع يمينه) لأنه منكر والأصل العدم، (وكذا إن أنكر) الولد (موت أبيه) فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدمه (ويكفيه أن يحلف على نفي العلم) أي أنه لا يعلم للأب تركة أو لا يعلم موته (ويكفيه) أي الولد (أن يحلف أنه ما وصل إليه من تركته شئ ولا يلزمه أن يحلف أن أباه لم يخلف شيئا لأنه يخلف تركة لا تصل إليه فلا يلزمه الايفاء منه) أي من مال نفسه (ولا يلزمه أكثر مما وصل إليه) إن وصل إليه ما بقي ببعض الدين، (وإن كان المدعى) به (عينا غائبة أو تالفة) وهي (من ذوات الأمثال أو) كان المدعي عينا (في الذمة) كمبيع في الذمة ومسلم فيه ونفقة وكسوة ونحوها (ذكر من صفتها ما يكفي في السلم) من الأوصاف التي تنضبط بها غالبا لأن ذلك هو تحرير الدعوى بها (والأولى مع ذلك ذكر قيمتها) لأنها أضبط، (وإن لم تنضبط) العين المدعى بها (بالصفات كجوهرة ونحوها) مما لا يصح السلم فيه من كتب علم وما يجمع أخلاطا غير متميزة ونحوها (تعين ذكر قيمتها) لأنها لا تعلم إلا بذلك (لكن يكفي ذكر قدر نقد البلد) ويكون مغنيا عن وصفه إذا لم يكن بالبلد إلا نقد واحد لتعينه كما تقدم في المبيع وغيره فينصرف الاطلاق إليه، (وإن ادعى نكاحا فلا بد من ذكر المرأة بعينها إن كانت
438 حاضرة) في المجلس لأن اللبس ينتفي بذلك (وإلا ذكر اسمها ونسبها) لأنها لا تتميز إلا بذلك (واشترط ذكر شروطه) في الحضور والغيبة لأن الناس اختلفوا في شروطه فلم يكن بد من ذكرها حتى يعلم الحال على ما هي عليه أيعرف كيف يحكم (فيقول) المدعي للنكاح (تزوجتها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها: إن كانت ممن يعتبر رضاها)، لأن الفروج يحتاط لها (ولا يحتاج أن يقول وليست مرتدة ولا معتدة) لأن الظاهر أنها ليست كذلك، (وإن كانت) الزوجة (أمة وهو حر ذكر عدم الطول وخوف العنت) مع الولي وشاهدي العدل لأنهما من جملة الشروط (وإن ادعى استدامة الزوجية لم يدع العقد لا يحتج إلى ذكر شروطه) لأنه يثبت بالاستفاضة التي لا يعلم معها اجتماع الشروط (وإن ادعى زوجية امرأة فأقرت) له بها (صح إقرارها في الحضر والسفر والغربة والوطن) لأنها أقرت بحق عليها فقبل كسائر الحقوق. وفي المغني (إن كان المدعي واحدا وإن كانا اثنين لم يسمع) إقرارها لهما ولا لأحدهما ويأتي ما فيه، (وإن ادعى عقدا سوى النكاح اعتبر ذكر شروطه أيضا) كالنكاح للاختلاف فيها، وقدم في الكافي أنه لا يشترط. وذكر في الشرح أنه أولى وأصح، (وإن كان المدعى به عينا أو دينا لم يحتج إلى ذكر السبب) لكثرة سببه ويكفي أن يقول: استحق هذه العين التي في يده، أو استحق كذا في ذمته، (وكذا إن قال) المدعي: (اشتريت هذه الجارية أو بعتها منه بألف، لم يحتج أن يقول: وهي ملكه) فيما إذا قال: اشتريت (أو هي ملكه) فيما إذا قال اشتريت (أو وهي ملكي) فيما إذا قال: بعته ولا أن يقول (ونحن جائزا الامر أو تفرقنا عن تراض) اكتفاء
439 بالظاهر. قال في المبدع: وعلى الأول أي أنه يعتبر شروط العقد لو ادعى بيعا لازما أو هبة مقبوضة كفى في الأشهر، وفي اعتبار وصف البيع أنه صحيح وجهان. قال: فلو ادعى بيعا أو هبة لم تسمع إلا أن يقول: ويلزمك التسليم إلى الاحتمال كونه قبل التسليم (وما لزم ذكره في الدعوى فلم يذكره المدعي يسأله الحاكم عنه) لتصير الدعوى معلومة فيمكن الحاكم الحكم بها، (وإن ادعت امرأة على رجل نكاحا لطلب نفقة أو مهر أو نحوه سمعت دعواها) لأن حاصلها دعوى الحق من نفقة أو مهر أو نحوهما. (فإن أنكر) المدعى عليه (فقوله بغير يمين) إذا لم تكن بينة لأنه إذا لم يستحلف المرأة والحق عليها فلئلا يستحلف من الحق له وهو ينكره أولى. قلت: هذا بالنسبة إلى النكاح وأصح. أما بالنسبة إلى النفقة والمهر ونحوها فلا، ولذلك لم يذكره في الشرح والمبدع إلا فيما إذا ادعت نكاحا فقط على أحد القولين، (وإن أقامت بينة أنها امرأته ثبت لها ما تضمنه النكاح من حقوقها) كالنفقة والمهر وغيرهما، وأما إباحتها له فتنبئ على باطن الامر (فإن علم أنها امرأته حلت له ولا يكون جحوده طلاقا ولو نواه لأن الجحود هنا لعقد النكاح لا لكونها امرأته) فليس كقوله: لا امرأة لي. وفي المبدع: جحوده النكاح ليس بطلاق إلا أن ينويه، (وإن كان يعلم أنها ليست امرأته لعدم عقد، أو لبينونتها منه لم تحل له، ولا يمكن منها ظاهرا ولو حكم به حاكم) لأن حكمه لا يزيل الشئ عن صفته باطنا (وحيث ساغ لها دعوى النكاح فكزوج في ذكر شروطه) لما تقدم (وإن ادعت) المرأة (النكاح فقط) ولم تدع معه مهرا ولا نفقة ولا غيرها (لم تسمع) لأنه حق عليها فدعواها له إقرار لا يسمع مع إنكار المقر له، (وإن ادعى قتل موروثه ذكر) المدعي (القاتل وأنه انفرد به أو شارك غيره)
440 فيه (وأنه قتله عمدا أو خطأ أو شبه عمد ويذكر صفة العمد) لأن الحال يختلف باختلاف ذلك فلم يكن بد من ذكره لترتب حكم الحاكم عليه، (وإن لم يذكر الحياة) أي لم يعتبر أن يقول حيا اكتفاء بالظاهر، وعبارة المنتهى ولو قال: قده نصفين وكان حيا أو ضربه وهو حي صح ظاهرها يعتبر ذكر الحياة، (وإن ادعى الإرث ذكر سببه) لاختلافه. قال في الرعاية وقدره: ولا يكفي قوله: مات فلان وأنا وارثه (وإن ادعى شيئا محلى بذهب أو فضة قومه بغير جنس حليته) لئلا يؤدي إلى الربا (فإن كان محلى بهما) أي بذهب وفضة (قومه) المدعي (بما شاء منهما للحاجة) إذ التنمية منحصرة فيهما. فصل: (يعتبر عدالة البينة ظاهرا وباطنا، ولو لم يعين فيه خصمه) لأن العدالة شرط فيجب العلم بها كالإسلام لقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. وقوله: * (إن جاءكم فاسق بنبأ) *. الآية، وقوله (ص): لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه ولا محدود في الإسلام. (فلا بد من العلم بها) أي العدالة (ولو قيل: إن الأصل في المسلمين العدالة. قاله الزركشي: لأن الغالب الخروج عنها، وقال الشيخ: من قال إن الأصل في الانسان العدالة فقد أخطأ، وإنما الأصل الجهل والظلم لقوله تعالى: * (إنه كان ظلوما جهولا) *. فالفسق والعدالة كل منهما يطرأ) على الآخر. وقول عمر: المسلمون عدول، معارض لما روي عنه أنه أتى بشاهدين فقال لهما: لست أعرفكما ولا يضركما أني لا أعرفكما، والأعرابي الذي قبل النبي (ص) شهادته برؤية الهلال لرمضان صار صحابيا وهم عدول وعنه تقبل شهادة كل مسلم لم
441 تظهر منه ريبة اختارها الخرقي وأبو بكر وصاحب الروضة فإن جهل إسلامه رجع إلى قوله والعمل على الأول (ولا تشترط) العدالة (باطنا في عقد نكاح) فلا يبطل لو بانا فاسقين لما يترتب على ذلك من تحريم الوطئ المترتب عليه وللمشقة (وتقدم) في شروط النكاح. (وإذا علم الحاكم شهادتهما) أي الشاهدين (حكم بشهادتهما) عملا بعلمه في عدالتهما لأنه لو لم يكتف بذلك التسلسل لأن المزكي يحتاج إلى تعديله فإذا لم يعمل بعلمه احتاج كل واحد من المزكين إلى من يزكيه ثم كل واحد ممن يزكيهما إلى مزكين إلى ما لا نهاية له. (وإن علم فسقهما لم يحكم) بشهادتهما لعدم شرط الحكم (فله) أي الحاكم (العمل بعلمه في عدالتهم وجرحهم) كما تقدم (وليس له) أي الحاكم (أن يرتب شهودا لا يقبل غيرهم) لان من ثبتت عدالته وجب قبول شهادته (وتقدم في الباب قبله وإذا عرف) الحاكم (عدالة الشهود استحب قوله) أي الحاكم (للمشهود عليه: قد شهدا عليك فإن كان عندك ما يقدح في شهادتهم فبينه عندي) لدفع الريبة، (فإن لم يقدح) المدعى عليه (في شهادتهما حكم عليه إذا اتضح له الحكم واستنارت الحجة) وسأله المدعي ذلك فورا كما تقدم، (وإن كان فيها) أي الحجة (لبس أمرهما بالصلح فإن أبيا) الصلح (أخرهما إلى البيان) والاتضاح لتعذر الحكم أذن (فإن عجلها) وحكم (قبل البيان لم يصح حكمه) ولم ينفذ لفقد شرطه، (وإذا حدثت حادثة نظر) الحاكم (في كتاب الله) تعالى (فإن وجدها وإلا) نظر (في سنة رسول الله
442 (ص)، فإن لم يجد) ها (نظر في القياس فألحقها بأشبه الأصول بها) لأنه (ص) بعث معاذا قاضيا وقال: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله (ص). قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد بالرأي. قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله (ص) لما يرضي رسول الله (ص). (وإن ارتاب) الحاكم (في الشهود لزم سؤالهم والبحث عن صفة تحملهم وغيره فيفرقهم، ويسأل كل واحد كيف تحملت الشهادة؟ ومتى) أي في أي وقت تحملت؟ (في أي موضع) تحملت؟ (وهل كنت وحدك أو أنت وغيرك؟ ونحوه) لما روي عن علي أن سبعة خرجوا ففقد منهم واحد فأتت زوجته عليا فدعا الستة فسأل واحدا منهم فأنكره قال: الله أكبر، فظن الباقون أنه قد اعترف فاستدعاهم فاعترفوا، فقال للأول: قد شهدوا عليك فاعترف فقتلهم. (فإن اختلفوا لم يقبلها) أي الشهادة لأنه ظهر له ما يمنع قبولها وفي الشرح سقطت شهادتهم، (وإن اتفقوا وعظهم وخوفهم) لأن ذلك سبب توقفهم إن كانوا شهود زور (فإن ثبتوا) على شهادتهم (حكم بهم إذا سأله المدعي) لأن الشرط ثبات الشاهدين على شهادتهما إلى حين الحكم وطلب المدعي الحكم وقد وجد ذلك كله ويستحب أن يقول للمنكر قد قبلتهما فإن جرحتهما وإلا حكمت عليك ذكر السامري وروى أبو حنيفة قال: كنت عند محارب بن دثار وهو قاضي الكوفة فجاء رجل فادعى على رجل حقا فأنكره، فأحضر المدعي شاهدين شهدا له فقال: المشهود عليه والذي تقوم به السماء والأرض لقد كذبا على الشهادة وكان محارب بن دثار متكئا فاستوى جالسا، وقال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن الطير لتخفق بأجنحتها وترمي ما في حواصلها من هول يوم القيامة وإن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار فإن صدقتما فاثبتا وإن كذبتما فغطيا رؤوسكما وانصرفا. فغطيا رؤوسهما وانصرفا. (وإن جرحهما الخصم لم يقبل) الحاكم (منه) التجريح بمجرده (ويكلف البينة بالجرح) ليتحقق صدقه أو كذبه (فإن
443 سأل) المجرح (الانظار) ليقيم البينة (انظر ثلاثا) أي تكليفه إقامتها في أقل من ذلك يشق ويعسر فإن أقام المدعى عليه بينة أنهما شهدا بذلك عند قاض، وردت شهادتهما لفسقهما بطلت شهادتهما لأن الشهادة المردودة لفسق لا تقبل بعد، (وكذا لو أراد) المدعى عليه (جرحهم) أي الشهود فينظر لذلك ثلاثا (وللمدعي ملازمته) لأن حقه قد توجه عليه والمدعى عليه يدعي ما يسقطه والأصل عدمه (فإن لم يأت) المدعى عليه (ببينة) بالجرح (حكم عليه) لأن الحق قد وضح على وجه لا أشكال فيه (ولا يسمع الجرح إلا مفسرا بما يقدح في العدالة عن رؤية فيقول) الشاهد بالجرح: (أشهد أني رأيته يشرب الخمر، أو يظلم الناس بأخذ أموالهم أو ضربهم أو يعامل بالربا أو) عن سماع منه بأن يقول: (سمعته يقذف أو عن استفاضة) لأن الناس يختلفون في أسباب الجرح كاختلافهم في شارب يسير النبيذ فوجب أن لا يقبل مجرد الجرح لئلا يجرحه بما لا يراه القاضي جرحا (فلا يكفي أنه يشهد أنه فاسق، أوليس بعدل ولا قوله: بلغني عنه كذا) لقوله تعالى: * (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) *. (لكن يعرض لجارح بزنا) لئلا يجب عليه الحد (فإن صرح) بالرمي بالزنا (حد) للقذف بشرطه، (إن لم يأت بتمام أربعة شهود) لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) *. الآية - (ولا يقبل الجرح والتعديل من النساء) لأنها شهادة فيما ليس بمال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال أشبه الشهادة في القصاص، (وإن عدله اثنان فأكثر وجرحه واحد قدم التعديل) لتمام نصابه، (وإن عدله اثنان وجرحه اثنان قدم الجرح وجوبا) لأن مع شاهديه زيادة علم يمكن خفاؤها عن شاهدي التعديل (وإن قال الذين عدلوا ما جرحاه به قد تاب منه قدم التعديل) لما مع بينته من زيادة العلم (فإن شهد عنده) أي الحاكم (فاسق يعرف حاله قال: للمدعي
444 زدني شهودا) لأن ذلك يحصل المقصود مع الستر على الشاهد، (وإن جهل) الحاكم (حاله) أي الشاهد (طلب منه المدعي التزكية) لقول عمر للشاهدين جيئا بمن يعرفكما ولان العدالة شرط فالشك في وجودها كعدمهما كشرط الصلاة (والتزكية حق للشرع يطلبها الحاكم، وإن سكت عنها الخصم) لتوقف صحة حكمه عليها حيث جهل حال البينة، (ويكفي فيها) أي التزكية (عدلان يشهدان أنه عدل) رضا أو عدل (مقبول الشهادة أو عدل فقط) لقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. فإذا شهدا أنه عدل ثبت ذلك بشهادتهما فيدخل في عموم الآية، ولا يحتاج في التزكية إلى حضور الخصمين ذكره في المبدع في كتاب القاضي إلى القاضي (ولا يحتاج أن يقول: علي ولي) لأنه إذا كان عدلا لزم أن يكون عليه وله وعلى سائر الناس وفي كل شئ فلا يحتاج إلى ذكره (ويكفي فيها الظن) فله تزكيته إذا غلب على ظنه عدالته (بخلاف الجرح) فلا يجرحه إلا بما رآه أو سمعه منه أو استفيض عنه كما تقدم (ويجب فيها) أي التزكية (المشافهة حيث قلنا: هي شهادة لا إخبار فلا يكفي فيها رقعة المزكي لأن الخط لا يعتمد في الشهادة ولا يلزم المزكي الحضور للتزكية) ذكره جماعة وفيه وجه، (ولا يكفي قولهما) أي المزكيين (ولا نعلم إلا خيرا) لأنه لا يلزم من عدم علم الشئ انتفاؤه (ويشترط في قبول المزكيين معرفة الحاكم خبرتهما الباطنة بصحبة ومعاملة ونحوه) قال في الشرح يحتمل أن يريد الأصحاب بما ذكروه أن الحاكم إذا علم أن المعدل لا خبرة له لم تقبل شهادته بالتعديل كما فعل عمر ويحتمل أنهم أرادوا لا يجوز للمعدل الشهادة بالعدالة إلا أن تكون خبرة باطنة فأما الحاكم إذا شهد عنده العدل بالتعديل ولم يعرف حقيقة الحال فله أن يقبل الشهادة من غير كشف، وإن استكشف الحال كما فعل عمر فحسن (ولا يقبل التزكية إلا ممن له خبرة باطنة يعرف الجرح
445 والتعديل غير متهم بعصبية أو غيرها) لأنها كالشهادة يعتبر لها ويعتبر فيها، (وتعديل الخصم وحده تعديل في حق الشاهد) لأن البحث عن عدالته لحق المشهود عليه وقد اعترف بها ولأنه إذا أقر بما يوجب الحكم عليه لخصمه فيؤخذ بإقراره (وكذا تصديقه) للشاهد فهو تعديل له كما لو أقر بدون شهادة الشاهد (لكن لا يثبت تعديله) أي الشاهد (في حق غير المشهود عليه) لأن عدالته لم تثبت وإنما أخذ المشهود عليه بإقراره كما سبق (ولو رضي) المشهود عليه (أن يحكم بشهادة فاسق لم يجز الحكم بها) لأن التزكية حق لله كما تقدم (ولا تصح التزكية في واقعة واحدة فقط) بأن يقول المزكي أشهد أنه عدل في شهادته في هذه القضية فقط لأن الشرط العدالة المطلقة ولم توجد، (وإن سأل المدعي حبس المشهود عليه حتى تزكي شهوده أجابه) الحاكم (وحبسه ثلاثا) لأن الظاهر العدالة ويحبس حتى يفعل ذلك (ومثله لو سأله كفيلا به) أي المدعى عليه بعد إقامته البينة حتى تزكى، (أو) سأل (عين مدعاه في يد عدل قبل التزكية) فيجاب إلى ثلاثة أيام لما سبق، (وإن أقام شاهدا وسأل حبسه حتى يقيم الآخر لم يجبه إن كان في غير المال) لأنه لا يكون حجة في إثباته أشبه ما لو لم تقم بينة، (وإلا) بأن كان المدعى به مالا (أجابه) لأن الشاهد حجة فيه مع يمين المدعي واليمين إنما تتعين عند تعذر شاهد آخر ولم يحصل للتعذر، (فإن ادعى رقيق أن سيده أعتقه وأقام شاهدين لم يعدلا فسأل) المدعي (الحاكم أن يحول بينه وبين سيده إلى أن يبحث الحاكم عن عدالة الشهود فعل) أي حال بينه وبين سيده لأن الظاهر عدالة البينة (ويؤجره) الحاكم (من ثقة ينفق عليها من كسبه) إلى مضي الثلاثة أيام (فإن عدل الشاهدان) حكم بعتقه لتمام الشرائط، (وإلا) أي وإن لم يعدلا (رده إلى سيده) لأن شهادة الفاسق كعدمها. (وإن أقام) المدعي العتق شاهدا (واحدا وسأله أن يحول بينهما فكذلك) لأن العتق كالمال يثبت بالشاهد
446 واليمين فأشبه ما لو ادعى مالا (وإن أقامت المرأة شاهدين يشهدان بطلاقها البائن ولم يعرف) الحاكم (عدالة الشهود حيل بينه وبينها) احتياطا مع أن الظاهر العدالة، (وإن أقامت شاهدا واحدا) لم يحل بينه وبينها لأن الواحد لا يثبت به طلاق فأشبه عدمه، (وإن حاكم إليه من لا يعرف) الحاكم (لسانه ترجم إليه من يعرف لسانه) لأنه لا يعرف ما يترتب عليه الحكم إلا بذلك والترجمة بفتح التاء والجيم تأدية الكلام بلغة أخرى واسم الفاعل ترجمان بفتح التاء وضم الجيم وهي أجود لغاته وبضمهما وفتحهما معا، والتاء والميم أصليتان فوزن ترجم فعلل ذكره في حاشيته (ولا يقبل في ترجمة وجرح وتعديل ورسالة)، أي بعث من يتعرف أحوال الشهود أو رسالة القاضي في تحليف مريض أو مخدرة ونحوه، (وتعريف عند حاكم ويأتي التعريف عند الشاهد في كتاب الشهادات لا قول رجلين عدلين في غير مال وزنا) كنكاح وقذف ونحوه (وفي المال يقبل في الترجمة رجلان أو رجلا وامرأتان وفي الزنا أربعة) رجال لأن ذلك إثبات شئ يبني الحاكم حكمه عليه فافتقر إلى ذلك كالشهادة والجرح والتعديل والرسالة والتعريف عند الحاكم كالترجمة كما في المنتهى فيكفي فيها رجلان أو رجل وامرأتان في المال والزنا أربعة (وذلك) المذكور من الترجمة والجرح والتعديل وإبلاغ الرسالة بتعريف حال الشهود والتعريف عند الحاكم (شهادة يعتبر فيها لفظ الشهادة) فلا يكفي الاخبار به (و) يعتبر أيضا نية (يعتبر فيها) أي في الشهادة من العدالة وانتفاء الموانع، (وتجب المشافهة) فلا يكفي بالرقعة مع الرسول كالشهادة (وتعتبر شروط الشهادة فيمن رتبه الحاكم يسأله سرا عن الشهود لتزكية أو جرح) وذلك أن القاضي يتخذ أصحاب مسائل كما سبق فإذا شهد عند من جهل عدالته كتب اسمه ونسبه وكنيته وحليته وصنعته وسوقه ومسكنه ومن يشهد له وعليه وما شهد به في رقاع ودفعها إلى أصحاب المسائل ويجتهد أن لا يعرفهم المشهود له ولا المشهود عليه، ولا الشهود، ويدفع إلى كل واحد رقعة ولا يعلم بعضهم ببعض ليسألوا عنه فإن رجعوا بتعديله قبله من اثنين منهم
447 قدمه في الشرح ورجحه في الرعاية ويشهدان بلفظ الشهادة ذكر معناه في المبدع (ومن سأله الحاكم عن تزكية من شهد له أخبره بحاله) وجوبا (وإلا) أي وإن لم يسأله عن تزكية من شهد له (لم يجب) عليه إخباره بحاله لأنه لم يتعين عليه (ومن نصب للحكم بجرح وتعديل و) نصب ل (- سماع بينة قنع الحاكم بقوله وحده إذا قامت البينة عنده) لأنه حاكم فاكتفى بخيره كغيره من الحكام. قلت: هذا إذا حكم بالبينة التي سمعها ظاهرا، وإلا فقد تقدم العمل بخبره وهما بعملهما بالثبوت لأنه كنقل الشهادة. (ومن ثبتت عدالته مرة وجب تجديد البحث عنها مرة أخرى مع طول المدة) لان الأحوال تتغير إذن (وإلا) أي وإن لم تطل المدة (فلا) يجب تجديد البحث عنها لأن الظاهر والأصل بقاء ما كان على ما كان فلا يزول حتى يثبت الجرح. فصل: (وإن ادعى على غائب مسافة قصر ولو في غير عمله، أو ادعى) على (ممتنع) من الحضور لمجلس الحكم (أي مستتر إما في البلد، أو دون مسافة قصر، أو) ادعى على (ميت أو صغير أو مجنون بلا بينة لم تسمع دعواه) لأنه لا فائدة فيها (ولم يحكم له) بما ادعاه لحديث: لو يعطى الناس بدعواهم. (وإن كان له بينة سمعها الحاكم وحكم بها في حقوق الآدميين) لحديث هند امرأة أبي سفيان قالت: يا رسول الله إن
448 أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف متفق عليه. فقضى لها ولم يكن أبو سفيان حاضرا ولان المدعي هنا له بينة حاضرة فجاز الحكم بها كما لو كان الخصم حاضرا وأما تقييد الشافعية بمسافة القصر ولان ما دونها في حكم الإقامة، وأما المستتر فلأنه متعذر الحضور أشبه الغائب بل أولى لأن الغالب قد يكون معذورا بخلاف المستتر والميت كالغائب بل أولى لأن الغائب قد يحضر بخلاف الميت والصغير والمجنون كالغائب لأن كل واحد منهما لا يعبر على نفسه تغيبه قوله: ولو في غير عمله مقتضاه أنه إذا كان في عمله وقال في شرحه لأنه إذا كان بعمله أحضره ليكون الحكم عليه مع حضوره، و (لا) يقضى على الغائب (في حق الله تعالى كالزنا والسرقة) لأن مبني حق الله تعالى على المسامحة (لكن يقضى في السرقة بالمال فقط) لأنه حق آدمي (وليس تقدم الانكار في الدعوى على غائب ونحوها شرعا) إذ الغيبة ونحوها كالسكوت والبينة تسمع على ساكت لكن لو قال: هو معترف وأنا أقيم البينة استظهارا لم تسمع، وقاله الأزجي ذكره في المبدع من الترغيب، (ولا يلزم المدعي أن يحلف) مع بينته التامة (بأن حقه باق) لقوله (ص): البينة على المدعي واليمين على من أنكر وكما لو كانت على حاضر بخلاف ما إذا أقام شاهدا فإن يحلف معه (والاحتياط تحليفه خصوصا في هذه الأزمنة) لأنه يحتمل أن يكون قضاء أو غير ذلك، وكما لو كان حاضرا فادعى بعض ذلك، (ولا يلزم القاضي نصب من ينكر أو يحبس بغيره عن الغائب لان تقدم الانكار ليس شرط كما سبق ثم إذا قدم الغائب وبلغ الصغير ورشد وأفاق المجنون وظهر المستتر فهم على حججهم، لأن المانع إذا زال صاروا كالحاضرين المكلفين وإن
449 قدم الغائب قبل الحكم وقف الحكم على حضوره ولم تجب إعادة البينة لكن يخبره بالحال ويمكنه من الجرح، (ولو جرح البينة بعد أداء الشهادة أو) جرحها (مطلقا) بأن لم يغره لما قبل الشهادة ولا لما بعدها (لم يقبل) تجريحه لها (لجواز كونه بعد الحكم فلا يقدح فيه) أي في الحكم، (وإن جرحها بأمر) مفسق (كان قبل) أداء (الشهادة قبل) بالبينة (وبطل الحكم) لفقد شرطه وهو عدالة البينة (ولا يمين مع بينة كاملة) في دعوى على غائب أو غيره (كقوله) في أنه لا يمين عليه (لكن تقدم في باب الحجر إذا شهدت بينة بنفاذ ماله أنه) أي المدعي (يحلف معها) لا يحلف على غير ما شهدت به البينة فلا تكذيب لها إذ لا يلزم من هلاك ما شهدت بهلاكه أنه لا مال له غيره، وقريب منه ما ذكروه في المرتهن والوديع ونحوهما إذا ادعوا التلف بسبب ظاهر وأقاموا البينة بوجود الظاهر يحلفون على التلف (قال في المحرر: وتختص اليمين بالمدعى عليه دون المدعي) لحديث: البينة على المدعي واليمين على من أنكر. (إلا في القسامة) فيبدأ بأيمان المدعين لخبرها الخاص وتقدم في بابها (و) إلا في (دعاوى الامناء المقبولة) كدعوى التلف وعدم التفريط ونحوه وتقدم (وبحيث يحكم باليمين مع الشاهد) بأن كان المدعى به مالا أو يقصد به المال لما تقدم. (وقال حفيده) أي ابن ابنه وهو أبو العباس تقي الدين تيمية (دعاوى الامناء المقبولة غير مستثناة) من قولنا: تختص اليمين بالمدعى عليه (فيحلفون، وذلك) أي توضيح عدم استثنائهم (لأنهم أمناء لا ضمان عليهم إلا بتفريط أو عدوان، فإذا ادعى عليهم ذلك فأنكروا أنهم مدعى عليهم واليمين على المدعى عليهم) فلا حاجة إلى استثنائهم لكن جده نظر إلى الصورة، (وإن كان) المدعى عليه (غائبا عن المجلس أو) غائبا (عن البلد دون مسافة القصر غير ممتنع) من الحضور لمجلس الحكم (لم تسمع الدعوى) عليه (ولا البينة حتى يحضر) لأن حضوره ممكن فلا يجوز الحكم عليه مع حضوره (كحاضر في المجلس) الغائب البعيد والممتنع.
450 (فإن أبى) الخصم (الحضور لم يهجم) لا يقدر على إمضاء شهادته (وكذلك إذا شهد أن فلانا شهد لفلان بكذا) أي فيقبل شهادتهما كما يقبل شهادتهما على الحق نفسه. قلت: ظاهره ولو لم توجد باقي شروط الشهادة على الشهادة لدعاء الحاجة إلى ذلك لتعذر حضور، كالغالب البعيد (ثم إن وجد) الحاكم (له) أي الغائب أو الممتنع (مالا وفاه منه وإلا قال للمدعي: إن وجدت له مالا وثبت عندي) أنه ماله (وفيتك منه) لولايته على الغائب والممتنع، (وإن كان المقضي به على الغائب) أو الممتنع (عينا سلمت إلى المدعي) كما لو كان حاضرا (والحكم للغائب ممتنع) قال في الترغيب لامتناع سماع البينة له والكتابة له إلى قاض آخر ليحكم له بكتابه بخلاف الحكم عليه، (ويصح) الحكم للغائب (تبعا كدعواه) أي الحاضر (أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب) مطلقا، (أو) أخ له (غير رشيد وله) أي الأب (عند فلان عين أو دين ثبت بإقرار أو بينة فهو للميت ويأخذ المدعي نصيبه و) يأخذ (الحاكم نصيب الآخر فيحفظه له) حتى يحضر أو يرشد لأن حقه ثبت وذلك يوجب تسليم نصيبه إليه (وتعاد البينة في غير الإرث) أي إذا شهدت بينة بحق مشترك سببه غير إرث كبيع وهبة لحاضر ادعى نصيبه منه وحكم له القاضي ثم حضر شريكه الغائب فادعى نصيبه منه تعاد له البينة ولا تبعية هنا، (وكحكمه) أي مثل الإرث في ثبوت حق الغائب تبعا للحاضر حكم الحاكم (بوقف يدخل فيه من لم يخلق) من الموقوف عليهم (تبعا لمستحقه الآن و) مثله (إثبات أحد الوكيلين بالوكالة في غيبة الآخر فتثبت له) أي للغائب (تبعا و) مثله (سؤال أحد الغرماء الحجر) على المفلس فإنه كسؤال الكل الحجر عليه وتقدم قال الشيخ تقي الدين (فالقصة الواحدة المشتملة على عدد أو أعيان كولد الأبوين في المشركة) وهي زوج وأم وأخوان لام فأكثر وأخوة الأبوين و (الحكم فيها لواحد) من الإخوة لأبوين وأنه يشارك الإخوة لام وفاقا للمالكية والشافعية (أو) الحكم (عليه)
451 بأنه ساقط لاستغراق المفروض التركة وفاقا لأبي حنيفة وأحمد (يعمه) أي المحكوم له أو عليه، أ (و) يعم (غيره) من الإخوة الأشقاء لتساويهم في الحكم، (وحكمه) أي الحاكم (لطبقة) من أهل الوقف (حكم ل) - لطبقة ا (لثانية إن كان الشرط واحدا حتى من أبدى) من الطبقة الثانية (ما يجوز أن يمنع الأول من الحكم عليه، فللثاني الدفع به) لأن كل بطن تلقاه عن واقفه فهو صلي، (ومن ادعى أن الحاكم حكم له بحق فصدقه) الحاكم (قبل قوله الحاكم وحده إن كان) الحاكم (عدلا كقوله) أي الحاكم (ابتداء) من غير دعوى (حكمت بكذا) فإنه يقبل منه ذلك، (وإذا ادعى أنه) أي الحاكم (حكم له بحق ولم يذكره الحاكم فشهد عدلان أنه حكم له به قبل شهادتهما وأمضى القضاء ما لم يتيقن صواب نفسه) لأنهما إذا شهدا عنده بحكم غيره قبل فكذا إذا شهدا عنده بحكمه والفرق بينه وبين الشاهد إذا نسي شهادته إن ذكر ما نسيه ليس إليه، والحاكم يمضي ما حكم به إذا ثبت عنده والشاهد عليه في بيته أي يحرم وفي التبصرة إن صح عند الحاكم أنه في منزله أمر بالهجوم عليه وأخرجه ونصه يحكم بعد ثلاثة أيام جزم به في الترغيب وغيره، وسمعت البينة على الممتنع ببينة كغيره (وحكم بها) ذلك ويحتمل أنه غير مراد (فإن لم يشهد به) أي بحكمه (أحد لكن وجده) الحاكم (في قطره في صحيفته تحت ختمه بخطه وثيقته ولم يذكره لم ينفذه) لأنه حكم حاكم لم يعلمه فلم يجز إنفاذه إلا ببينة كحكم غيره ولأنه يجوز أن يزور عليه وعلى خطه وختمه و (كخط أبيه) إذا وجده (بحكم أو شهادة لم يحكم ولم يشهد بها) قال في المبدع: إجماعا. (وكذا شاهد رأي خطه في كتاب بشهادة ولم يذكرها) أي الشهادة فلا يشهد اعتمادا على خطه لما تقدم وعنه يجوز إذا تيقنه قال في الشرح: لأن الظاهر أنها خطه (ومن تحقق الحاكم منه أنه لا يفرق بين أن يذكر الشهادة أو يعتمد على معرفة الخط يتجوز بذلك لم
452 يجز) للحاكم (قبول شهادته) كالمغفل لاحتمال أن يكون اعتمد على الخط (وإلا) أي وإن لم يتحقق الحاكم ذلك منه (حرم أن يسأله عنه) أهل ذكر الشهادة أو اعتمد على معرفة الخط لأنه قدح فيه بما الأصل خلافه (ولا يجب) على الشاهد إذا سأله الحاكم في هذه الحال (أن يخبره بالصفة) أي بكونه ذكر الشهادة أو اعتمد على خطه (ومن نسي لشهادته فشهدا) أي شاهدان (بها لم يشهد بها) لما تقدم. فصل ومن له على إنسان حق لم يمكن أخذه منه بحاكم وقدر له أي للمدين (على مال لم يجز) أي يحرم على رب الحق (في الباطن أخذ قدر حقه)، لقوله (ص): أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك. وقوله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه. ولان التعيين والمعارضة لا يجوز بغير رضا المالك. (إلا إذا تعذر على ضيف أخذ حقه من) واجب (الضيافة بحاكم) فله أخذه قهرا وتقدم بدليله في الأطعمة (أو منع زوج ومن في معناه) من قريب وسيد (ما وجب عليه) لزوجته أو قريبه أو مملوكه (من نفقة ونحوها) ككسوة ومسكن (فله ذلك وتقدم) ذلك في النفقات لقوله (ص) خذي ما يكفك وولدك بالمعروف. ولان حق الزوجية واجب في كل وقت والمحاكمة في كل لحظة تشق بخلاف من له دين أشار إليه الامام، (لكن لو غصب ماله جهرا أو كان عنده عين ماله فله أخذ قدر المغصوب جهرا) ذكره الشيخ تقي الدين وغيره، (أو) أخذ (عين
453 ماله ولو قهرا) زاد في الترغيب ما لم يفض إلى فتنة (وعنه يجوز) لرب الدين إذا تعذر عليه أخذه من المدين بالحاكم لجحده أو غيره (إن لم يكن) المدين (معسرا به أو كان مؤجلا) أي ولم يكن مؤجلا الاخذ (فيأخذ قدر حقه من جنسه) إن وجد في مال المدين من جنسه (وإلا قومه وأخذ بقدره في الباطن متحريا للعدل) في ذلك لحديث هند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. ولقوله: الرهن مركوب ومحلوب. والأول أولى لأن حديث هند قد تقدم الفرق بينه وبين هذا فإن كان من عليه الدين مقرا به باذلا له، أو كان ماله لأمر يبيح المنع كالتأجيل والاعسار أو قدر على استخلاصه بالحاكم لم يجز الاخذ بغير خلاف (وإن كان لكل واحد منهما على الآخر دين من غير جنسه فجحد أحدهما) دين الآخر (فليس للآخر أن يجحده) دينه قال في الترغيب: لأنه كبيع دين بدين لا يجوز ولو رضيا فإن كان الدينان من جنس تقاصا بشرطه وسبق (وحكم الحاكم لا يزيل الشئ عن صفته باطنا)، لقوله (ص) في حديث أم سلمة: فمن قضيت له بشئ من مال أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار متفق عليه. ولأنه حكم بشهادة زور فلا يحل له ما كان محرما عليه كالمال المطلق (ولو) كان حكم الحاكم (في عقد وفسخ وطلاق فمن حكم له ببينة زور بزوجية امرأة فإنها لا تحل له) باطنا (ويلزمها) حكمه (في الظاهر) لعدم ما يدفعه (و) يجب عليها أن تمتنع منه ما أمكنها فإن أكرهها) ووطئها (فالاثم عليه دونها) لأنها مكرهة (ثم إن وطئ مع العلم فكزنا فيحد) وما روي عن علي أن: رجلا ادعى على امرأة نكاحا فرفعا إلى علي فشهد شاهدان بذلك فقضى بينهما بالزوجية، فقالت: والله ما تزوجني اعتقد بيننا عقدا حتى
454 أحل له فقال: شاهداك زوجاك. فتقدير صحته لا حجة فيه للمخالف لأنه أضاف التزويج إلى الشاهدين لا إلى حكمه ولم يجبها إلى التزويج لأن فيه طعنا على الشهود لكن اللعان ينفسخ النكاح به وإن كان أحدهما كاذبا لأن الشرع وضعه لستر الزانية وصيانة النسب فتعقبه النسخ الذي لا يمكن الانفكاك إلا به وليس كمسألتنا (ويصح نكاحها) أي المرأة المحكوم بنكاحها لرجل ببينة زور (غيره) لخلوها من النكاح (وقال الموفق) والشارح (لا يصح) تزويجها غيره (لافضائه إلى وطئها من اثنين: أحدهما بحكم الظاهر والآخر بحكم الباطن) وهذا فساد وكالمزوجة بلا ولي، (وإن حكم الحاكم بطلاقها ثلاثا بشهود زور فهي زوجته باطنا) نصا (ويكره له اجتماعه بها ظاهرا خوفا من مكروه يناله) بسبب طعنه على الحاكم (ولا يصح نكاحها غيره ممن يعلم بالحال) لأنها باقية في عصمة الأول (ومن حكم لمجتهد أو) حكم (عليه بما يخالف اجتهاده عمل) المجتهد (باطنا بالحكم) كما يعمل به ظاهرا (لا باجتهاده) لرفع حكمه الخلاف في المحكوم به قال في الاختيارات التحقيق أنه ليس للرجل أن يطلب من الامام ما يرى أنه حرام ومن فعل هذا فقد فعل ما يعتقد تحريمه وهذا لا يجوز لكن لو كان الطالب غيره أو ابتدأ الامام بحكم أو قسمة فهنا يتوجه القول بالحل، (وإن باع حنبلي متروك التسمية) عمدا من ذبيحة أو صيد (فحكم بصحته شافعي نفذ) حكمه عند أصحابنا إلا بالخطاب قاله في الفروع، (وإن رد حاكم شهادة واحد ب) - رؤية (هلال رمضان لم يؤثر) رده لشهادته (ك) - رده ببينة (ملك مطلق وأولى لأنه لا مدخل لحكمه في عبادة ووقت وإنما هو) أي رده لشهادة الواحد بهلال رمضان (فتوى فلا يقال حكم بكذبه أو) حكم (أنه لم يره) أي الهلال فيلزم من علم ذلك الصوم ولو شهد عند غيره ممن يرى قبول الواحد ثبتت رؤيته قال الغزي: وكذا طهارة شئ ونجاسته لا يدخلها الحكم استقلالا لكن يدخلها تضمنا كمن علق عتقا أو طلاقا أو بموجب ما صدر من المعلق
455 ووجود الصفة كان متضمنا للحكم بذلك، (ولو رفع إليه) أي الحاكم (حكم في مختلف فيه لا يلزمه نقضه) لعدم مخالفته كتابا أو سنة أو إجماعا أو ما يعتقده (لينفذه لزمه تنفيذه وإن لم يره) المرفوع إليه صحيحا لأنه حكم ساغ الخلاف فيه فإذا حكم به حاكم لم يجز نقضه فوجب تنفيذه (وكذا لو كان نفس الحكم مختلفا فيه كحكمه بعلمه و) حكمه (بنكوله) أي الخصم (و) حكمه (بشاهد ويمين وتزويجه بيتيمة) بالولاية العامة وكالحكم على غائب وفي المحرر: لم يلزمه تنفيذه إلا أن يحكم به حاكم آخر قبله قال شارحه: فإن نفس الحكم في شئ لا يكون حكما بصحة الحكم (ولو رفع) إليه أي الحاكم (خصمان عقدا فاسدا عنده وأقرا) أي الخصمان (بأن نافذ الحكم حكم بصحته فله إلزامهما بذلك) العقد الذي أقرا أن نافذ الحكم حكم بصحته لأنه حق أقرا به فلزمهما كما لو أقر بغيره (وله رده والحكم) عليهما (بمذهبه) لأن حكم الحاكم به لا يثبت بإقرارهما وإنما يثبت بالبينة ولا بينة هنا ولا يلزمه العمل به لعدم ثبوته عنده، (ومن قلد) مجتهدا (في صحة نكاح) مختلف فيه (لم يفارق) المنكوحة (بتغير اجتهاده) أي اجتهاد المجتهد الذي قلده في الصحة. (كحكم) أي كما لو حكم به مجتهد يرى صحته حال الحكم ثم تغير اجتهاده لقول عمر: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي (بخلاف مجتهد نكح) نكاحا أداه اجتهاده إلى صحته. (ثم رأى بطلانه) فإنه يلزمه أن يفارق لاعتقاده بطلانه وحرمة الوطئ (ولا يلزم) المجتهد (إعلام المقلد) بكسر اللام (بتغيره) أي تغير اجتهاده لأنه لا يلزم المقلد أن يفارق بتغير اجتهاد من قلده لما فيه من الحرج والمشقة (وإن بان خطؤه) أي الحاكم (في إتلاف) كقطع وقتل (لمخالفة دليل قاطع أو) بان (خطأ مفت ليس أهلا) للفتيا (ضمنا) أي الحاكم والمفتي لأنه إتلاف حصل بفعلهما أشبه ما لو باشراه وعلم منه أنه لو أخطأ فيما ليس بقاطع مما يقبل الاجتهاد لا ضمان (ولو بان بعد الحكم كفر الشهود أو فسقهم لزمه) أي الحاكم (نقضه) أي الحكم لفقد شرط صحته (ويرجع بالمال) المحكوم به إن بقي (أو بدله) أن تلف على
456 المحكوم له لأنه أخذ بغير حق (أو) يرجع ب (- بدل قود مستوفى على المحكوم له) إن لم يكن بعد قتله على ما سبق تفصيله في العمد، (وإن كان الحكم لله) تعالى (بإتلاف حسي) كقتل في ردة وقطع في سرقة (أو بما سرى إليه) أي الاتلاف الحسي كجلد سري ومات به ثم بان كفر الشهود أو فسقهم (ضمنه مزكون) إن كانوا لتفريطهم وتسببهم وإلا فالحاكم، (وإن بانوا) أي الشهود (عبيدا أو ولدا للمشهود له أو) ولدا أو عدوا (للمشهود عليه فإن كان الحاكم الذي حكم به يرى الحكم به لم ينقض حكمه) لموافقته اعتقاده، (وإلا) أي وإن لم ير حاكمه الحكم به و (نقضه ولم ينفذ) حكمه به (لأن الحاكم يعتقد بطلانه) وليس له الحكم بما يخالف اعتقاده إلا المقلد فإنه يقلد كبار مذهبه ويراعي نصوص إمامه ومتأخرها ويحكم به ولو اعتقد خلافه أفتى التقي الفتوحي بنقض حكم الحنبلي بأن طلاق الثلاث بكلمة واحدة طلقة لمخالفته نص إمامه وذكر الشيخ يوسف المرداوي في الرد الجلي أنه ينقض حكم المقلد بما يخالف مذهب إمامه (وإذا حكم) الحاكم (بشهادة شاهد ثم ارتاب) الحاكم (في شهادته لم يجز له الرجوع في حكمه) لأن الأصل موافقة الصحة ولم يثبت خلافه (وفي المحرر من حكم بقود أو حد ببينة ثم بانوا) أي الشهود (عبيدا فله نقضه إذا كان) الحاكم (لا يرى قبولهم فيه) أي القود والحد فقوله: له نقضه يقتضي أنه إن شاء نقضه أو أمضاه، والظاهر أنه ليس مرادا ولعله قاله في مقابلة المنع فلا ينافي ظاهره كلام غيره من لزوم نقضه لفقد شرطه عنده، (وكذا) شئ (مختلف فيه) أي في كونه مانعا من قبول للشهادة أو الحكم (صادف ما حكم به) الحاكم (وجهله) الحاكم فينقضه إذا كان لا يرى الحكم معه لفقد شرطه (خلافا لمالك وتقدم بعضه في الباب قبله) موضحا.
457 باب كتاب القاضي إلى القاضي والأصل في المكاتبة الاجماع وسنده لقوله تعالى: * (إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان) * الآية. وكتب النبي (ص) إلى كسرى وقيصر والنجاشي وملوك الأطراف يدعوهم إلى الاسلام وكان يكتب إلى عماله وسعاته والحاجة داعية إلى قبوله فإن من له حق في بلد غير بلده لا يمكنه إثباته ولا مطالبته إلا بكتاب القاضي وذلك يقتضي وجوب قبوله (لا يقبل) كتاب القاضي إلى القاضي (في حد الله تعالى كزنا ونحوه) كحد الشرب وكالعبادات لأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة والستر والدرء بالشبهات والسقوط بالرجوع عن الاقرار بها ولهذا لا تقبل فيها الشهادة فكذا كتاب القاضي إلى القاضي، (ويقبل) كتاب القاضي (في كل حق آدمي من المال وما يقصد به المال كالقرض والغصب، والبيع، والإجارة، والرهن، والصلح، والوصية له) أي لزيد مثلا (و) الوصية (إليه و) الوصية (في الجناية والقصاص والنكاح والطلاق والخلع والعتق والنسب والكتابة والتوكيل) في المال وغيره (وحد القذف) لأنه حق آدمي لا يدرأ بالشبهات ولان هذا في معنى الشهادة على الشهادة (وفي هذه المسألة) وهي أن كتاب القاضي إلى القاضي لا يقبل إلا فيما تقبل فيه الشهادة على الشهادة (ذكر الأصحاب أن كتاب القاضي) إلى القاضي الغالب إلي الغائب (حكمه كالشهادة على الشهادة لأنها) أي كتابته (شهادة على شهادة وذكروا) أي الأصحاب (فيما إذا تغيرت حال له، أنه) أي القاضي الكاتب (أصل ومن شهد عليه) بكتابه (فرع فلا يسوغ) لقاض (نقض الحكم) من المكتوب إليه (بإنكار القاضي الكاتب، ولا يقدح) إنكاره (في عدالة البينة، بل يمنع إنكاره قبل الحكم كما يمنع رجوع شهود
458 الأصل) قبل الحكم (الحكم فدل ذلك أنه) أي القاضي الكاتب (فرع لمن شهد عنده) بالحق الذي كتب به (و) أنه (أصل لمن شهد عليه) بكتابه ودل على أنه يجوز أن يكون شهود فرع أصلا لفرع آخر لدعاء الحاجة إليه (والمحكوم به إن كان عينا في بلد الحاكم فإنه يسلمه إلى المدعي ولا حاجة إلى كتاب) لأن القاضي ولاية على الغائب والممتنع فيقوم مقامه في تسليم العين كولي الصغير، (وإن كان) المحكوم به (دينا أو عينا في بلدة أخرى) غير بلدة الحاكم (فيأمره أن يقف على الكتاب) ليسلم المكتوب إليه العين لربها أو يأمر المحكوم عليه بوفاء الدين (وهنا ثلاث مسائل متداخلات مسألة إحضار الخصم إذا كان غائبا) بعمل القاضي ولو بعدت المسافة (ومسألة الحكم على الغائب) إذا كان مسافة قصر فأكثر أو مستترا ولو بالبلد (ومسألة كتاب القاضي إلى القاضي وتقدم بعضه في الباب قبله في الحكم على الغائب) قال في الاختيارات ولو قيل: إنما يحكم على الغائب إذا كان المحكوم به حاضرا لأن فيه فائدة وهي تسليمه، وأما إذا كان المحكوم به غائبا فينبغي أن يكاتب الحاكم بما ثبت عنده من شهادة الشهود حتى يكون الحكم في بلد التسليم لكان متوجها (ويقبل) كتاب القاضي (فيما حكم به) الكاتب من حق إنسان فيتعين عليه وفاؤه أو على غائب بعد إقامة البينة عنده ويسأله أن يكتب له كتابا بحكمه إلى قاضي بلد الغائب ويكتب إليه أو تقوم البينة على حاضر فهرب قبل الحكم عليه فيسأل رب الحق الحاكم الحكم عليه، وأن يكتب له كتابا بحكمه (لينفذه) المكتوب إليه (ولو كانا) أي القاضيان الكاتب والمكتوب إليه (ببلد واحد أو) كان (كل) واحد (منهما ببلد ولو) كان أحد البلدين (بعيدا) عن الآخر مسافة القصر فأكثر لأن حكم الحاكم يجب إمضاؤه على كل حال (إلا فيما ثبت عنده) أي القاضي الكاتب (ليحكم به) المكتوب إليه فلا يقبل (إلا في مسافة قصر فأكثر) لأنه نقل شهادة فيعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة على الشهادة وكتابه بالحكم ليس هو نقلا وإنما هو خبر والثبوت ليس بحكم كما تقدم وللحاكم الذي اتصل به ذلك لثبوت الحكم به إذا كان يرى صحته قال في الفروع: فيتوجه لو أثبت حاكم مالكي وقفا لا يراه كوقف الانسان على نفسه بالشهادة على
459 الخط فإن حكم الخلاف في العمل بالخط كما هو المعتاد فلحاكم حنبلي يرى صحة الحكم أن ينفذه في مسافة قريبة وإن لم يحكم بل قال: ثبت هذا فكذلك لأن الثبوت عند المالكي حكم ثم إن رأى الحنبلي الثبوت حكما نفذه وإلا فالخلاف في قرب المسافة ولزوم الحنبلي تنفيذه ينبني على تنفيذ الحكم المختلف فيه وحكم المالكي مع علمه باختلاف العلماء في الخط لا يمنع كونه مختلفا فيه ولهذا لا تنفذه الحنفية حتى ينفذه حاكم، وللحاكم الحنبلي الحكم بصحة الوقف مع بعد المسافة ومع قربها الخلاف (ولو سمع) الكاتب (البينة ولم يعدلها وجعل تعديلها إلى الآخر) أي المكتوب إليه (جاز) ذلك (مع بعد المسافة) لا مع قربها (وله) أي القاضي (أن يكتب إلى قاض معين و) إلى قاضي (مصر، أو) قاضي (قرية) معينين (و) أن يكتب (إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين) ويلزم من وصله قبوله لأنه كتاب حاكم من ولايته فلزم قبوله، كما لو كان الكتاب إليه بعينه (ويشترط لقبوله) أي كتاب القاضي (أن يقرأ على عدلين وهما ناقلاه) أي الكتاب إلى المكتوب إليه ليتحملا الشهادة به وسواء كانت القراءة من حاكم أو غيره، والأولى أن يقرأه الحاكم لأنه أبلغ والأحوط أن يقرءا معه فيما يقرؤه (ويعتبر ضبطهما) أي الشاهدين الناقلين لكتاب القاضي، (لمعناه وما يتعلق به الحكم فقط) يعني دون ما لا يتعلق به الحكم لأن القصد المعني دون الألفاظ (ثم يقول) القاضي الكاتب (هذا كتابي) إلى فلان ابن فلان (أو) يقول (اشهدا على أن هذا كتابي إلى فلان ابن فلان) أو إلى من يصل إليه من القضاة لأنه يحمل الشهادة فوجب أن يعتبر فيه الشهادة كالشهادة على الشهادة (وإن قال: اشهدا علي بما فيه كان أولى) لأنه أصرح في المقصود (ولا يشترط) قوله: اشهدا علي (ويدفعه) أي الكتاب (إليهما والأولى ختمه احتياطا) بعد أن يقرأ على الشاهدين، ولا يشترط الختم لأن الاعتماد على شهادتهما لا على الختم، وكتب النبي (ص) إلى قيصر كتابا ولم يختمه، فقيل له: إنه لا يقرأ كتابا غير مختوم فاتخذ الخاتم فكتابته أولا بغير ختم دليل على أنه لا يعتبر وإنما اتخذه ليقرأ كتابه (ويقبضان) أي الشاهدان (الكتاب قبل أن يغيبا لئلا يدفع إليهما غيره) ثم إن قل ما في
460 الكتاب اعتمد على حفظه وإلا كتب كل منهما نسخة به (فإذا وصلا إلى المكتوب إليه دفعا إليه الكتاب فقرأه الحاكم أو غيره عليهما فإذا سمعاه قالا: نشهد أن هذا كتاب فلان إليك كتبه بعمله) أي محل نفوذ حكمه (ولا يشترط قولهما قرئ علينا، أو أشهدنا عليه) اعتمادا على الظاهر، (وإن أشهدهما عليه مدروجا) أي مطويا (مختوما من غير أن يقرأ عليهما لم يصح) لأنها شهادة بمجهول لا يعلمانه أشبه ما لو قالا: لتشهدا أن لفلان على فلان مالا (ولا يكفي معرفة المكتوب إليه خط الكاتب و) معرفته (ختمه) لأن الخط يثبته والختم يمكن التزوير عليه، ولأنه نقل حكم أو إثبات فلم يكن فيه بد من إشهاد عدلين كالشهادة على الشهادة. (كما لا يحكم بخط شاهد ميت، وتقدم لو وجدت وصيته بخطه) وعلم أنه خطه عمل به لدعاء الحاجة (وتقدم العمل بخط أبيه بوديعة أو دين له، أو عليه) في باب الوديعة موضحا (وكتابه) أي القاضي (في غير عمله أو بعد عزله كخبره) فيقبل (كما تقدم في الباب قبله ويشترط أن يصل الكتاب إلى المكتوب إليه في موضع ولايته) لأن الشهادة لا يسمعها في غيره (فإن وصله) الكتاب (في غيره) أي غير موضع ولايته (لم يكن له قبوله حتى يصير إلى موضع ولايته) لأنه محل نفوذ حكمه (ولو ترافع إليه) أي القاضي (خصمان في غير محل ولايته لم يكن له الحكم بينهما بحكم ولايته) لأنه لا ولاية له عليهما إذن (فإن تراضيا به) أي أن يحكم بينهما (فكما لو حكما رجلا يصلح للقضاء) فينفذ حكمه من حيث كونه محكما لا حاكما (وسواء كان الخصمان من أهل عمله أو لا) إذ العبرة بكونه بمحل ولايته ومن طرأ إليه نفذ حكمه فيه بخلاف من خرج منه إلى غيره (إلا أن يأذن الامام لقاض أن يحكم بين أهل ولايته حيث كانوا ويمنعه من الحكم بين غير أهل ولايته حيثما كان فيكون
461 الامر على ما أذن) الامام (فيه)، لأنه صاحب الولاية (أو) على ما (منع منه) الامام لأنه ذو الولاية فتراعى كيف صدرت منه (ويقبل كتابه في حيوان وعبد وجارية) شهد الشاهدان بها (بالصفة اكتفاء بها) أي بالصفة (كمشهود عليه) بالصفة فيقبل كتاب القاضي بذلك لأن الحيوان الموصوف يثبت في الذمة بعقد السلم أشبه الدين و (لا) يقبل كتابه في مشهود (له) بالصفة لأن المشهود له لا يشهد له إلا بعد دعواه بخلاف المشهود عليه والمشهود له (ولا يحكم) المكتوب إليه (باليمين الغائبة) إذا شهدت البينة بها (بالصفة) عند الكاتب، وكتب إليه بذلك (فإن لم تثبت مشاركته) أي الحيوان المدعى به أو العبد (في صفة أخذه مدعيه بكفيل مختوما عنقه بخيط لا يخرج من رأسه، وبعثه القاضي المكتوب إليه إلى القاضي الكاتب لتشهد البينة على عينه، فإذا شهدا عليه دفع إلى المشهود له به) لزوال الاشكال (وكتب) القاضي الكاتب أولا (له) أي للمدعي (كتابا) بما ثبت له (ليبرأ كفيله) من كفالته به لأنه أخذ ما يستحقه (وإن كان المدعي) به (جارية سلمت إلى أمين يوصلها) للحاكم الكاتب احتياطا للفروج، فإذا شهدت البينة على عينها سلمت للمدعي، (وإن لم يثبت له) أي للمدعي بما ذكر (ما ادعاه) كما تقدم (لزمه رده ومؤنته) أي الرد ونفقة الحيوان أو العبد أو الجارية. (منذ تسلمه) المدعي (فهو) أي المدعي (فيه) أي فيما قبضه لتشهد البينة على عينه إذا لم تثبت له. (كغاصب في ضمانه) إن تلف (وضمان نقصه) إن نقص (و) ضمان (منفعته) وهو معنى قوله (ويلزمه أجرته إن كان له أجرة) بأن كان يؤجر عادة (إلى أن يصل إلى صاحبه) لان أخذه بلا حق. وفي الرعاية دون نفعه أي فلا يضمنه، (وإذا وصل الكتاب) إلى القاضي المكتوب إليه (وأحضر الخصم المذكور فيه باسمه ونسبه وحليته، فإن اعترف بالحق لزمه
462 أداؤه) لمستحقه ليبرأ إليه منه، (وإن قال) الخصم: (ما أنا المذكور في الكتاب قبل قوله بيمينه) لأنه منكر (ما لم تقم) عليه (بينة) أنه المذكور في الكتاب فيقضي بها لرجحانها على قوله، (فإن) لم تكن بينة فطلب يمينه ف (- نكل) عن اليمين (قضى عليه) بالنكول (وإن أقر بالاسم والنسب) المذكور في الكتاب (أو ثبت) الاسم والنسب (ببينة فقال) الخصم (المحكوم عليه غيري لم يقبل إلا ببينة تشهد أن في البلد آخر كذلك) أي بهذا الاسم والنسب، لأن الظاهر عدم المشاركة في ذلك فإن شهدت البينة أن بالبلد كذلك (ولو ميتا يقع به إشكال) قبلت لأنه ممكن (فإن كان) المشارك في الاسم والنسب (حيا أحضره الحاكم وسأله عن الحق فإن اعترف به ألزمه) الحاكم (به) سواء أخذه له بإقراره (وتخلص) الأول لظهور براءته، (وإن أنكره) الثاني (وقف الحكم) للالتباس والاشكال (ويكتب) المكتوب إليه (إلى الحاكم الكاتب يعلمه الحال وما وقع من الاشكال حتى يحضر) الكاتب (الشاهدان فيشهدا عنده) أي المكتوب إليه (بما يتميز به المشهود عليه منهما) لأنه يحتمل أن يكون الحق على المشارك فإن ادعى المسمى أنه كان بالبلد من يشاركه في الاسم والصفة ومات ولم يكن ممن يمكن أن يجري بينه وبين المحكوم له معاملة لم يقبل منه (وإن مات القاضي الكاتب) لم يقدح في كتابه (أو عزل) القاضي الكاتب (لم يقدح) ذلك (في كتابه) لأن المعول في الكتاب على الشاهدين وهما حيان فوجب أن يقبل الكتاب كما لو لم يمت أو ينعزل، ولان الكتاب إن كان فيما حكم به فحكمه لا يبطل بهما، وإن كان فيما ثبت عنده فهو أصل واللذان شهدا عليه فرع ولا تبطل شهادة الفرع بموت الأصل (وإن فسق) الكاتب (قبل الحكم بكتابه لم يحكم به) لأن بقاء عدالة شاهدي الأصل شرط في الحكم بشاهدي الفرع، فكذلك بقاء عدالة الحاكم لأنه بمنزلة شاهدي الأصل (وإن فسق) الكاتب (بعده) أي الحكم (لم يقدح فيه) قال ابن المنجا كما لو حكم بشئ ثم فسق، وقال في الشرح كما لو حكم بشئ ثم بان فسقه فإنه لا ينقض ما مضى من
463 أحكامه فكذا هنا (وإن تغيرت حال) القاضي (المكتوب إليه بموت أو عزل أو فسق فعلى من وصل إليه الكتاب ممن قام مقامه) بل من سائر الحكام (العمل به اكتفاء بالبينة) أي لأن المعول على ما حفظه الشهود وتحملوه ومن تحمل شهادة وشهد بها وجب على كل قاض الحكم بها (بدليل ما لو ضاع الكتاب أو انمحى وكانا يحفظان ما فيه أي ما يتعلق به الحكم فإنه يجوز أن يشهدا بذلك ولو أدياه بالمعنى) لأنه المقصود دون اللفظ (وكما لو شهدا بأن فلانا القاضي حكم بكذا لزمه إنفاذه) ولو شهد حاملا الكتاب بخلاف ما فيه قبل المكتوب إليه شهادتهما اعتمادا على العلم بما أشهدهما به الكاتب على نفسه (ومتى قدم الخصم المثبت عليه بلد) الحاكم (الكاتب فله الحكم عليه بلا إعادة شهادة) إذا سأله رب الحق ذلك. فصل وإذا حكم عليه المكتوب إليه بما ثبت من الحق عند القاضي الكاتب (فسأله) أي سأل المحكوم عليه الحاكم عليه (أن يكتب له إلى الحاكم الكاتب) كتابا (أنك قد حكمت علي لا يحكم علي ثانيا لم يلزمه ذلك)، لأن الحاكم إنما يحكم فيما ثبت عنده ليحكم أو فيما حكم به لينفذه غيره وكلاهما مفقود هنا والوجه الثاني يلزمه جزم به في المحرر والوجيز والفروع ليخلص مما خافه (وإن سأله أن يشهد عليه بما جرى لئلا يحكم عليه) القاضي (الكاتب) لزمه إجابته (أو سأله)
464 أي الحاكم (من ثبتت براءته مثل إن أنكر وحلفه أو) سأل من (ثبت حقه عنده أن يشهد له بما جرى من براءة أو ثبوت مجرد) عن حكم (أو متصل بحكم أو تنفيذ أو الحكم له بما ثبت عنده لزمه إجابته) لأنه من الجائز أن يطول الزمان على الحق فإذا طولب أو طالب به لم يكن بيده حجة وربما نسي القاضي أو مات أو يطالبه الغريم في صورة البراءة مرة أخرى عنده إذا نسي أو عند غيره فوجب الاشهاد لئلا يضيع حقه من ذلك، (وإن سأل مع الاشهاد كتابة وأتاه بكاغد) بفتح الغين المعجمة وبالدال المهملة وربما قيل بالمعجمة وهو معرب قاله في حاشيته. (أو كان من بيت المال كاغد) معه (لذلك لزمه) أي الحاكم إجابته لذلك لان ذلك وثيقة للخصم فلزمه كتابتها (كساع) أي عامل على الزكاة إذا طلب المزكي منه الكتابة (بأخذ زكاة) وكذا معشر يأخذ العشر أو نصفه من تجار حرب أو ذمة لتكون براءة له إذا مر به آخر وتقدم أنه يلزمه من له حق بوثيقة إذا استوفاه الاشهاد به لا دفع الوثيقة، وكذا بائع عقار وثيقة يلزمه الاشهاد لا دفع الوثيقة (وما تضمن الحكم ببينة يسمى سجلا، وغيره) أي غير ما تضمن الحكم ببينة وهو ما تضمن الحكم بإقرار أو نكول يسمى (محضرا) بفتح الميم والضاد وهو الصك سمي بذلك لما فيه من حضور الخصمين والشهود (والمحضر: شرح ثبوت الحق عنده) لا الحكم بثبوته وهذه التسمية اصطلاحية. وأما السجل وأصله الصحيفة المكتوبة، قال ابن دريد: السجل، الكتاب إلا أنه خص بما تضمن الحكم اصطلاحا (والأولى جعل السجل نسختين: نسخة يدفعها) الحاكم (إليه) أي الطالب لها لتكون وثيقة بحقه، (و) النسخة (الأخرى عنده) أي عند الحاكم ليرجع إلى النسخة التي عنده عند ضياع ما بيد الخصم أو الاختلاف لأن ذلك أحوط، وفي زمننا تترك الوثائق بكتاب مجمعها مدة ثم مدة بحسب ما يسع لها وفيه من الحفظ ما لا يخفى وهو أحوط مما تقدم أيضا (والكاغد) لذلك (من بيت المال) لأنه من المصالح العامة (فإن لم يكن) يؤخذ من بيت المال (فمن مال المكتوب) لأنه من مصلحته (وصفة المحضر بسم الله الرحمن الرحيم) وينبغي كتابتها سطرا وحدها إلى ما يحاذي علامة القاضي حتى لا تعلو اسم الله (حضر القاضي فلان ابن
465 فلان قاضي عبد الله الامام على كذا) أي مصر مثلا، (وإن كان القاضي نائبا كتب خليفة القاضي فلان قاضي الامام) وقدم المفعول هنا اهتماما وتعظيما له (في مجلس حكمه وقضائه بموضع كذا مدع) هو فاعل حضر (ذكر أنه فلان ابن فلان) ويذكر ما يميزه (وأحضر معه مدعى عليه ذكر أنه فلان ابن فلان) ويذكر ما يتميز به (ولا يعتبر ذكر الجد بلا حاجة) إليه وإلا فلا بد من ذكره (والأولى ذكر حليتهما إن جهلهما) فيكتب أسود أو أبيض أو أنزع أو أغم أو أشهل، أو أكحل أقنى الانف أو أفطس، دقيق الشفتين أو غليظهما طويل أو قصير أو ربعة ونحو هذا ليتميز ولا يقع اسم على اسم احتياطا خصوصا في هذه الأزمنة وكثرة الحيل والتوسل إلى الباطل فإن لم يجهلهما القاضي كتب فلان وفلان ونسبهما، وإن جهل أحدهما دون الآخر كتب في كل منهما ما يناسبه، (فادعى عليه بكذا فأقر له أو فأنكر، فقال) القاضي (للمدعي: لك بينة؟ فقال: نعم فأحضرها وسأله) أي سأل المدعي الحاكم (سماعها ففعل أو فأنكر) المدعى عليه (ولا بينة) للمدعي (وسأل) المدعي (تحليفه فحلفه وإن نكل ذكره) أي النكول (وأنه قضى بنكوله وسأله) المدعي (كتابة محضر فأجابه في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويعلم) على رأس المحضر ذكره في المبدع (في الاقرار والاحلاف جرى الامر على ذلك) لأن ذلك أمر جرى (و) يعلم (في البينة شهدا عندي بذلك) وتقدم قوله في الرعاية أو عادة بلده. قلت: وكذا ينبغي في كتابة المحضر أن يكتب على عادة بلده ويرشد إليه حديث: أمرت أن أخاطب الناس بما يفقهون. ولان المدار على أداء المعنى ويكتب على ذلك
466 في رأس المحضر الحمد لله وحده أو نحوه ذكره في الرعاية وتقدم معناه. (وإن ثبت الحق بإقرار) المدعى عليه (لم يحتج إلى ذكر مجلس حكمه) لأن الاعتراف يصح منه في مجلس الحكم وغيره وإن كتب أشهد على إقراره شاهدين كان آكد ذكره في الشرح، والرعاية بخلاف ما إذا ثبت الحق بالبينة لأنها لا تسمع إلا في مجلس الحكم. فصل: (وأما السجل) بكسر السين والجيم، قال في المبدع الكتاب الكبير (فلا نفاذ ما ثبت عنده والحكم به) هذا بيان معناه، (وصفته أن يكتب) بسم الله الرحمن الرحيم، قاله في الشرح والمنتهى (هذا ما شهد عليه القاضي فلان كما تقدم من حضره من الشهود، أشهدهم أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان وقد عرفهما بما رأى معه قبول شهادتهما بمحضر من خصمين، وليذكرهما إن كانا معروفين وإلا قال: مدع ومدعى عليه جاز حضورهما وسمع الدعوى من
467 أحدهما على الآخر معرفة فلان ابن فلان)، معرفة بالرفع فاعل ثبت عنده (ويذكر المشهود عليه) لأنه الأصل (وإقراره) بالرفع عطف على معرفة فلان والتقدير ثبت عنده معرفة ابن فلان وإقراره ويصح نصبه عطفا على المشهود عليه أي ويذكر المشهود عليه وإقراره (تطوعا في صحته منه وجواز أمر) حتى يخرج المكره ونحوه (بجميع ما سمي به ووصف في كتابه نسخة، وينسخ الكتاب المثبت، أو المحضر جميعه حرفا بحرف، فإذا فرغه قال: وإن القاضي أمضاه، وحكم به على ما هو الواجب في مثله بعد أن سأله ذلك، والاشهاد به الخصم المدعي ونسبه) يعني يذكر اسمه ونسبه (ولم يدفعه الخصم الحاضر معه بحجة، وجعل كل ذي حجته على حجة، وأشهد القاضي فلان على إنفاذه وحكمه وإمضائه من حضره من الشهود في مجلس حكمه، في اليوم المؤرخ في أعلاه وأمر بكتب هذا السجل نسختين متساويتين) لأنهما التي تقوم إحداهما مقام الأخرى، (نسخة منهما تخلد بديوان الحكم)، والديوان بكسر الدال وفي لغة بفتحها، قال ابن الأثير في النهاية: وهو الدفتر ثم أطلق على الحاسب ثم أطلق على موضع الحاسب، (ونسخة يأخذها من كتبها وكل واحدة حجة بما أنفذه فيها) لتضمنهما ذلك (ولو لم يذكر) بمحضر (من خصمين ساغ لجواز القضاء على الغائب) وإنما ذكر فيما تقدم للخروج من الخلاف (ومهما اجتمع عنده من محاضر وسجلات في كل أسبوع أو شهر أو سنة على حسبها قلة وكثرة ضم بعضها إلى بعض) لأن إفراد كل واحدة يشق (وكتب محاضر
468 وسجلات كذا في وقت كذا) لتتميز وليمكن إخراجها عند الحاجة إليها، قال في الكافي: فإن تولى ذلك بنفسه وإلا وكل أمينه، وذكر في الرعاية أنه يكتب مع ذلك أسماء أصحابها ويختم عليها، وإن أحضر خصمه وادعى عليه فأنكر ذكر القاضي أنه حكم عليه بالبينة مثلا أو بالنكول. وأما صفة كتاب القاضي إلى القاضي فقال في شرح المقنع: بسم الله الرحمن الرحيم سبب هذه المكاتبة أطال الله بقاء من تصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم أنه ثبت عندي في مجلس حكمي وقضائي الذي أتولاه في مكان كذا، وإن كان نائبا ذكر الذي أنوب فيه عن القاضي فلان بمحضر من خصمين مدع ومدعى عليه جاز استماع الدعوى منهما، وقبول البينة من أحدهما على الآخر بشهادة فلان وفلان، وهما من الشهود المعدلين عندي عرفتهما وقبلت شهادتهما بما رأيت معه قبولها معرفة فلان ابن فلان الفلاني بعينه ونسبه واسمه فإن كان في إثبات أسر أسير قال وإن الفرنج خذلهم الله تعالى أسروه من مكان كذا في وقت كذا، وحملوه إلى مكان كذا وهو مقيم تحت حوطهم، وأنه فقير من فقراء المسلمين ليس له شئ من الدنيا لا يقدر على فكاك نفسه ولا على شئ منه وأنه يستحق الصدقة على ما يقتضيه كتاب المحضر المتصل أوله بآخر كتابي المؤرخ بكذا، وإن كان في إثبات دين قال، وإنه يستحق في ذمة فلان ابن فلان الفلاني، ويرفع في نسبه ويصفه بما يتميز به من الدين كذا وكذا دينا له عليه حالا وحقا وإجبار لازما، وأنه يستحق المطالبة به واستيفاءه منه، وإن كان في إثبات عين كتب، وأنه مالك لما في يد فلان من الشئ الفلاني ويصفه بصفة يتميز بها مستحق لاخذه وتسليمه على ما يقتضيه كتاب المحضر المتصل بآخر كتابي هذا المؤرخ بتاريخ كذا، وقال الشاهدان المذكوران: إنهما عالمان بما شهدا به، وأنهما لا يعلمان خلاف ما شهدا به إلى حين أقاما الشهادة عندي فأمضيت ما ثبت عندي من ذلك وحكمت بموجبه بسؤال من جاز مسألته وسألني من جاز سؤاله، وشرعت الشريعة المطهرة إجابته المكاتبة إلى القضاة والحكام. فأجبته إلى ما ألتمسه لجوازه شرعا، وتقدمت بهذا فكتب وبإلصاق المحضر المشار إليه فألصق ممن وقف عليه منهم وتأمل ما ذكرته وتصفح ما سطرته، واعتمد في إنفاذه والعمل بموجبه ما يوجه الشرع المطهر أحرز من الاجر أجزاء له وكتب من مجلس الحكم المحروس من مكان كذا في وقت كذا، ولا يشترط أن يذكر القاضي اسمه في العنوان، ولا ذكر المكتوب إليه في باطنه، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: إذا لم يذكر اسمه فلا
469 يقبله لأن الكتاب ليس إليه ولا يكفي ذكر اسمه في العنوان دون باطنه لأن ذلك لم يقع على وجه المخاطبة، ولنا أن المعول فيه على شهادة الشاهدين على الحاكم الكاتب بالحكم وذلك لا يقدح ولو ضاع الكتاب أو انمحى سمعت شهادتهما وحكم بها باب القسمة بكسر القاف اسم مصدر قسم يقسم قسما. قال الجوهري: القسم مصدر قسمت الشئ فانقسم وقاسمه المال وتقاسماه واقتسماه، (وهي تمييز بعض الأنصباء عن بعض وإفرازها عنها) وأجمعوا على جوازها. وسنده قوله تعالى: * (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) *. * (وإذا حضر القسمة) *. الآية، وقوله (ص): الشفعة فيما لم يقسم، وكان يقسم الغنائم بين أصحابه والحاجة داعية إلى ذلك ليتمكن كل واحد من الشركاء من التصرف على حسب اختياره ويتخلص من سوء المشاركة وكثرة الأيدي، (وهي) أي القسمة (نوعان أحدهما قسمة تراض لا تجوز إلا برضا الشركاء كلهم، وهي ما فيها ضرر أورد عوض من أحدهما) على الآخر (كالدور الصغار، والحمام والطاحون الصغيرين، والعضائد الملاصقة أي المتصلة صفا واحدا، وهي) أي العضائد (الدكاكين اللطاف الضيقة) وقال في المبدع: واحدتها عضادة وهي ما يصنع لجريان الماء فيه من السواقي ذوات الكتفين ومنه عضادتا الباب وهما جنباه من جنبيه، (فإن طلب أحدهما) أي أحد الشريكين (قسمة بعضها في بعض) أي أن يجعل بعضها في مقابلة بعض (لم يجبر الآخر لأن كل واحد منهما منفرد ويقصد بالسكن ولكل واحد منها طريق مفرد)، وكل عين منها تختص باسم وصورة، ولو بيعت إحداهما لم تجب الشفعة لمالك التي تجاهها فيجري ذلك
470 مجرى الدور المتجاورة فلا يمكن قسمة كل عين مفردة (وكذا الشجر المفرد والأرض التي ببعضها بئر أو بناء أو نحوه)، أي ونحو ما ذكر فتعتبر كل عين منها على حدتها، (و) حيث (لا يمكن قسمته بالاجزاء والتعديل) لا يقسم بغير رضا الشركاء كلهم، (فإن قسموه أعيانا برضاهم بالقيمة جاز) لأن الحق لا يعدوهم (وحكمها) أي قسمة التراضي (كبيع) لان صاحب الزائد بذل المال عوضا عما حصل له من حق شريكه وهذا هو البيع، (قال المجد: الذي تحرر عندي فيما فيه رد أنه بيع فيما يقابل الرد) أي العوض الذي رد من أحدهما على الآخر (وإفراز في الباقي انتهى). ويؤيده قول القاضي في التعليق وصاحب المبهج والموفق في الكافي: البيع ما فيه رد عوض، وإن لم يكن فيها رد عوض فهي إفراز النصيبين وتمييز الحصص وليست بيعا واختاره الشيخ تقي الدين (فلا يجوز فيها) أي قسمة التراضي (ما لا يجوز في البيع) لأنها نوع من أنواعه (ولا يجبر عليها الممتنع) منهما لحديث ابن عباس مرفوعا: لا ضرر ولا ضرار رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني قال الثوري: حديث حسن وله طريق يقوي بعضها بعضا، ولأنه إتلاف وسفه يستحق به الحجر أشبه هدم البناء وعلم من قوله ولا يمكن قسمه بالاجزاء والتقدير أنه لو أمكن قسمه بالاجزاء، مثل أن تكون البئر واسعة يمكن أن يجعل نصفها لواحد ونصفها للآخر ويجعل بينهما حاجز في أعلاها أو يكون البناء كبيرا يمكن أن يجعل لكل واحد منهما نصفه أو أمكن القسم بالتعديل كأن يكون في أحد جانبي الأرض بئر يساوي مائة، وفي الجانب الآخر منها بئر يساوي مائة فهو من قسمة الاجبار لانتفاء الضرر، (فلو) كان لهما دار لها علو وسفل و (قال أحدهما: أنا آخذ الأدنى ويبقى لي في الأعلى تتمة حصتي فلا إجبار) للشريك الممتنع منهما على ذلك لأنها بيع ولا إجبار فيه كما سبق، (ومن دعا شريكه فيها) أي في الدور الصغار ونحوها مما تقدم
471 إلى البيع أجبر (أو) دعا شريكه (في شركة عبد أو بهيمة أو سيف ونحوه) ككتاب (إلى البيع أجبر) إن امتنع عن البيع ليتخلص الطالب من ضرر الشركة، (فإن أبى) الممتنع البيع (بيع) أي باعه الحاكم (عليهما) لأنه حق عليه كما بيع الرهن إذا امتنع الراهن، (وقسم الثمن) بينهما بحسب الملك لأنه عوضه (نصا، قال الشيخ: وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد) رحمهم الله (وكذا لو طلب) أحدهما (الإجارة ولو في وقف) فيجبر الممتنع فإن أصر أجره الحاكم عليهما وقسم الأجرة بينهما بحسب الملك أو الاستحقاق، (والضرر المانع من قسمة الاجبار نقص قيمة المقسوم بها) لأن نقص قيمته ضرر وهو منتف شرعا وسواء انتفعوا به مقسوما أو لا ولا يعتبر الضرر (بكونهما لا ينتفعان به مقسوما) خلافا لظاهر الخرقي واختاره الموفق وذكر في الكافي أنه القياس وهو رواية (وتقدم بعض ذلك في الشفعة فإن تضرر بها) أي القسمة (أحد الشريكين وحده كرب الثلث مع رب الثلثين فطلب أحدهما القسمة لم يجبر الممتنع) ولو كان الطالب هو المتضرر لأن فيه إضاعة مال ولأنها قسمة يضر بها صاحبه فلا يجبر عليها كما لو استضرا معا (وما تلاصق من دور وعضائد ونحوها) كأقرحة وهي الأرض التي لا ماء بها ولا شجر كمتفرق (يعتبر الضرر في عين وحدها) لما تقدم، (ومن كان بينهما، أو عين بهائم، أو ثياب) أ (ونحوها) كأواني فإن كانت (من جنس واحد)، وفي المغني من نوع (فطلب أحدهما قسمها أعيانا وأمكن أن تعدل (بالقيمة
472 أجبر الممتنع إن تساوت القيمة) لحديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق في مرضه ستة أعبد وأن النبي (ص) جزأهم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة، وهذه قسمة لهم ولان ذلك عين أمكن قسمتها ولا ضرر ولا رد عوض فأجبر الممتنع كما لو كانت أرضا، (وإلا) أي وإن لم تتساو القيمة (فلا) إجبار (كاختلاف أجناس) بأن كان بعض البهائم ضأنا وبعضها بقرا، (والاجر) وهو اللبن المشوي (واللبن) بكسر الموحدة تحت وهو غير المشوي (المتساوي القوالب من قسمة الاجزاء) للتساوي في القدر (والمتفاوت) القوالب (من قسمة التعديل) بالقيمة (فإن كان بينهما حائط، أو عرصة حائط وهي موضعه بعد استهدامه) أي الحائط (فطلب أحدهما قسمته) أي الحائط أو عرصته (ولو طولا في كمال العرض) لم يجبر ممتنع (أو) طلب قسمة (العرصة عرضا ولو وسعت حائطين لم يجبر ممتنع) قال في شرح المحرر لأنه إن كان الحائط مبنيا لم تمكن قسمته عرضا في تمام طوله بدون نقضه لينفصل أحدهما من الآخر، وذلك لا يجوز الاجبار عليه، ولا طولا في تمام العرض لأن كل قطعة من الحائط ينتفع بها على حدتها والنفع فيها مختلف فلا يجوز إجبار واحد منهما على ترك انتفاعه بمكان منه واحد كما لو كانا دارين أو عضادتين متلاصقتين، وهذا بخلاف الأرض الواسعة فإن الانتفاع بالجميع منها على وجه واحد وإن كان الحائط غير مبني فهو كالعرصة الضيقة، والعرصة الضيقة لا يجوز الاجبار في قسمتها فكذلك هذه. (وإن كان بينهما دار لها علو وسفل فطلب أحدهما قسمها لأحدهما العلو، وللآخر السفل) فلا إجبار (أو طلب) أحدهما (قسمة السفل دون العلو، أو عكسه) بأن طلب قسمة العلو دون السفل فلا إجبار لان كل واحد منهما مسكن منفرد ولان في إحدى الصور قد يحصل لواحد منهما علو سفل الآخر فيتضرر كل منهما وفي أحدهما لا يحصل التمييز (أو) طلب أحدهما (قسمة كل واحد) من العلو والسفل (على حدة فلا إجبار) لما فيه من الضرر (ولو طلب أحدهما قسمتهما) أي العلو والسفل (معا ولا ضرر) ولا رد عوض (وجب) وأجبر الممتنع (وعدل بالقيمة) لأنه أحوط و (لا) يحصل (ذراع سفل بذراع علو) ولا عكسه (ولا ذراع بذراع) إلا
473 أن يتراضيا على ذلك، (وإن تراضيا) أي الشريكان (على قسم المنافع كدار منفعتها لهما مثل دار وقف عليهما أو مستأجرة) لهما، أو لمورثهما (أو ملك لهما، فاقتسماها مهايأة بزمان بأن تجعل الدار في يد أحدهما شهرا، أو عاما ونحوه) بحسب ما يتراضيان عليه، (وفي يد الآخر مثلها) أي مثل تلك المدة التي كانت فيها بيد الأول (أو) اقتسماها مهايأة (بمكان كسكنى هذا في بيت و) سكنى (الآخر في بيت ونحوه جاز لأن المنافع كالأعيان) والحق لهما فيها فجاز ما تراضيا عليه، (فإن اتفقا على المهايأة وطلب أحدهما تطويل الدور الذي يأخذ فيه نصيبه وطلب) الشريك (الآخر تقصيره وجبت إجابة من طلب التقصير لأنه أقرب إلى الاستيفاء فإذا تهايأ) عبدا أو نحوه (اختص كل واحد) من الشريكين (بنفقته وكسبه في مدته) ليحصل مقصود القسمة (لكن لا يدخل) في المهايأة (الكسب النادر في وجه: كاللقطة والهبة والركاز) إذا وجده العبد فلا يختص به من هو في نوبته، وهذا هو مقتضى ما جزم به هو وصاحب المنتهى وغيرهما في آخر اللقطة في المبعض إذا وجدها، (وإن تهايأ في الحيوان اللبون ليحلب هذا يوما وهذا يوما) لم يصح (أو) تهايأ (في الشجرة المثمرة لتكون الثمرة لهذا عاما ولهذا عاما لم يصح) ذلك (لما فيه من التفاوت الظاهر لكن طريقه أن يبيح كل واحد منهما نصيبه لصاحبه في المدة) التي تكون بيده ويكون من باب المنحة والإباحة لا القسمة (ويكون ذلك كله) أي ما تقدم من قسمة المنافع بالزمان والمكان (جائزا لا لازما) سواء عينا مدة أو لم يعيناها كالعارية من الجهتين (فلو رجع أحدهما قبل استيفاء نوبته فله ذلك، وإن رجع بعده) أي بعد استيفاء نوبته (غرم ما لم ينفرد به) أي أعطى شريكه
474 نصيبه من أجرة المثل لزمن انفراده بالانتفاع، (وإن كان بينهما أرض فيها زرع لهما فطلب أحدهما قسمها دون الزرع قسمت كالخالية) من الزرع وأجبر الممتنع لأن الزرع في الأرض كالقماش في الدار وهو لا يمنع قسمة الدار، فكذا الزرع ولا فرق بين كون الزرع بذرا أو قصيلا أو مشتدا، (وإن طلب قسمة الزرع دونها) أي الأرض (أو) طلب (قسمتهما معا فلا إجبار) للممتنع لأن الزرع مودع في الأرض للنقل عنها وتعديل الزرع بالسهام لا يمكن لان الزرع يكون فيه جيد وردئ، فإن جعل الكثير من الردئ في مقابلة القليل من الجيد كان صاحب الردئ منتفعا من الأرض بأكثر من حقه منها، لأن الزرع يجب بقاؤه في الأرض إلى حصاده، (وإن تراضيا عليه) أي على قسمة الزرع (والزرع قصيل أو) الزرع (قطن جاز) كبيعه، ولان الحق لهما والجواز التفاضل إذن، (وإن كان) الزرع (بذرا أو سنبلا مشتد الحب لم يصح) أي لم يجز لأن البذر مجهول، وأما السنبل فلأنه بيع بعضه ببعض مع عدم العلم بالتساوي، (وإن كان بينهما نهر أو قناة أو عين نبع ماؤها فالنفقة لحاجة بقدر حقهما) أي حق كل واحد منهما من الماء كالعبد المشترك (والماء بينهما على ما شرطاه عند استخراجه) أي الماء لقوله (ص): المسلمون على شروطهم. (وإن رضيا يقسمه) أي الماء (مهايأة بالزمان) كيوم لهذا ويوم جاز لأن الحق لهما وكالأعيان (أو) تراضيا على قسمه (بميزان بأن ينصب حجر مستو أو) ينصب (خشية في مصدم الماء فيه) أي الحجر أو الخشبة (ثقبان على قدر حقيهما جاز) لأن ذلك طريق إلى التسوية بينهما فجاز قسم الأرض بالتعديل، (وإن أراد أحدهما أن يسقى بنصيبه أرضا لا شرب) بكسر الشين وهو النصيب من الماء (لها من هذا الماء لم يمنع) لأن الحق له وهو ينصرف على حسب اختياره، وكما لو لم يكن شريكا (وتقدم في باب إحياء الموات) ويجئ على أصلنا أن الماء لا يملك وينتفع به كل واحد منهما على قدر حاجته قال أبو الخطاب لأنه من المباحات ولا يملك بملك الأرض.
475 فصل: (النوع الثاني) من نوعي القسمة إجبار لأنه يلي النوع الأول. وهو قسمة التراضي (وهي) أي قسمة الاجبار (ما لا ضرر فيها عليهما) أي الشريكين، (ولا على أحدهما ولا رد عوض كأرض واسعة، وقرية، وبستان ودار كبيرة، ودكان واسع، ونحوها سواء كانت متساوية الاجزاء أو لا إذا أمكن قسمتها بتعديل السهام من غير شئ يجعل معها، فإن لم يكن ذاك) أي تعديل السهام (إلا بجعل شئ معها فلا إجبار) لأنه معاوضة فلا يجبر عليها من امتنع منها كسائر المعاوضات، (ولهما) أي الشريكين (قسم أرض بستان دون شجره، وعكسه) بأن يقتسما الشجر دون الأرض، (و) قسم (الجميع، فإن قسما الجميع) أي الأرض والشجر، (أو) قسما (الأرض) وحدها (فقسمة إجبار) حيث أمكنت قسمتها بالتعديل من غير رد عوض، (ويدخل الشجر تبعا) للأرض كالبيع، (وإن قسما) أي طلب أحدهما (الشجر وحده فلا إجبار) لمن امتنع منهما، (ومن قسمة الاجبار قسمة مكيل، وموزون من جنس واحد كدهن) من زيت وشيرج وغيرهما. (ولبن، ودبس، وخل، وتمر وعنب ونحوهما) كسائر الحبوب والثمار المكيلة، (وإذا طلب أحدهما القسمة فيها) أي في المذكورات في هذا النوع (وأبى) الشريك (الاخر أجبر) الممتنع، (ولو كان وليا على صاحب الحصة) لأنه يتضمن إزالة الضرر الحاصل بالشركة وحصول النفع للشريكين، لان نصيب كل واحد منهما إذا تميز كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره ويتمكن من إحداث الغراس والبناء وذلك لا يمكن مع الاشتراك، ويشترط للاجبار أيضا أن يثبت عند الحاكم أنه ملكهم ببينة لأن في الاجبار عليها حكما على الممتنع منهما فلا يثبت إلا بما يثبت به الملك
476 لخصمه بخلاف حالة الرضا فإنه لا يحكم على أحدهما ويشترط أيضا أن يثبت عنده انتفاء الضرر، وإمكان تعديل السهام في العين المقسومة من غير شئ يجعل فيها (ويقسم حاكم مع غيبة ولي وكذا) يقسم حاكم (وعلى غائب في قسمة إجبار) لأنها حق على الغائب فجاز الحكم عليه كسائر الحقوق (فإن كان المشترك مثليا وهو المكيل والموزون، وغاب الشريك أو امتنع) من قسمته (جاز ل) - لشريك ا (لآخر أخذ قدر حقه عند أبي الخطاب) وجزم المصنف بمعناه في الوديعة تبعا للمقنع قال في الانصاف: هذا المذهب وعليه جماهير المحققين (لا عند القاضي) والناظم وهو مقتضى قول المصنف آنفا ومن قسمة الاجبار قسمة مكيل وموزون إذ القول بإجبار يمنع الاخذ بنفسه ووجه قول القاضي أن القسمة مختلف في كونها بيعا، (وإذن الحاكم يرفع النزاع) ويزيل الاختلاف، (وقال الشيخ في) جواب سؤال عن (قرية مشاعة قسمها فلاحوها هل يصح؟ فقال: إذا تهايأوا وزرع كل منهم حصته فالزرع له) أي للزارع (ولرب الأرض نصيبه) أي القسط المعتاد له نظير رقبة الأرض (إلا أن من ترك نصيب مالكه) يعني من نصيب هو يملك منفعته (فله أجرة الفضلة) أي أجرة مثلها (أو مقاسمتها) أي أخذ قسمة الفضلة على ما جرت العادة به في ذلك الموضع وهذا مبني على ما تقدم عنه أن من زرع أرض غيره بغير عقد لرب الأرض مقاسمته في الزرع إذا كان ذلك عادة أولئك ومقتضى كلام الأصحاب له أجرة المثل من أحد النقدين فقط، ومقتضى كلامه عدم صحة قسمة أرض من الفلاحين لعدم ملكهم لها لكن الزرع لزارعه على ما سبق تفصيله، (وهي) أي قسمة الاجبار (إفراز حق) أحدهما من الآخر لأنها لا تفتقر إلى لفظ التمليك ولا تجب فيها شفعة ويدخلها الاجبار. والافراز مصدر أفرزت الشئ، يقال: فرزته وأفرزته إذا عزلته (لا بيع) أي وليست قسمة الاجبار بيعا لأنها تخالفه في الاحكام والأسباب فلم تكن بيعا كسائر العقود (فيصح قسم وقف بلا رد من
477 أحدهما) على الآخر (إذا كان) الوقف (على جهتين فأكثر) لأن الغرض التمييز (فأما الوقف على جهة واحدة فلا تقسم عينه قسمة لازمة اتفاقا لتعلق حق الطبقة الثانية والثالثة) وما بعدها (ولكن تجوز المهايأة) فيه للموقوف عليهم بالزمان والمكان (وهي قسمة المنافع) قال الشيخ تقي الدين عن الأصحاب: وهذا وجه ظاهر كلام الأصحاب لا فرق. قال في الفروع: وهو أظهر وفي المبهج لزومها إذا اقتسموا بأنفسهم أو تهيأوا، (ونفقة الحيوان) إذا تقاسموا نفعه بالمهايأة (مدة كل واحد) من الشركاء (عليه) لأنهم أرفق بهم مع حصول التساوي. قلت: فإن مات الحيوان في نوبة أحدهم فلا ضمان عليه لأن ما يستوفيه من المنافع في نظير ما يستوفيه شريكه فهو في معنى الإجارة لا العارية، (وإن نقص الحادث عن العادة) لعجز في الحيوان ونحوه (فللآخر الفسخ) لأن المهايأة غير لازمة كما تقدم ويرجع على شريكه بحصته مما استوفاه زائدا عنه (وتجوز قسمة ما بعضه وقف وبعضه طلق) بكسر الطاء أي حلال وسمي المملوك طلقا لأن جميع التصرفات فيه حلال والموقوف ليس كذلك (بلا رد عوض من رب الطلق) على الموقوف عليه لأن الغرض التمييز، (و) تجوز القسمة (برد عوض من مستحق الوقف) لأنه يشتري بعض الطلق بخلاف عكسه فإن بيع الوقف غير جائز، (و) تجوز قسمة (الدين في ذمم الغرماء) حيث قلنا: إنها إفراز لا بيع تبع فيه الانصاف هنا (وتقدم في الشركة) أنه لا يصح (وتجوز قسمة الثمار خرصا) إن كانت مما يخرص كالنخل والكرم، (ولو) كانت الثمار (على شجر قبل بدو صلاحه) أي الثمر ولو (بشرط التبقية و) تجوز (قسمة لحم هدي وأضاحي وغيرهما) من الذبائح (و) قسمة (مرهون، فلو رهن) شريك (سهمه مشاعا ثم قاسم شريكه صح) ولو بغير إذن المرتهن، (واختص قسمه بالرهن وتجوز قسمة ما يكال وزنا و) قسمة (ما يوزن كيلا وتفرقهما قبل القبض فيهما) لان
478 التفرق إنما منع منه في البيع وهذا إفراز، (ولا خيار فيها) أي في القسمة (ولا شفعة ولا يحنث من حلف لا يبيع إذا قاسم) لأن ذلك ليس ببيع، (ولو كان بينهما ماشية مشتركة فاقتسماها في أثناء الحول واستداما خلطة الأوصاف لم ينقطع الحول) لأن أحدهم لم ينفرد عن الآخر ولا بيع، (وإن ظهر في القسمة غبن فاحش لم تصح) القسمة لتبين فساد الافراز. (وإن كان بينهما أرض يشرب بعضها سحا و) يشرب (بعضها بعلا أو في بعضها شجر وفي بعضها نخل، فطلب أحدهما قسمة كل عين على حدة، وطلب الآخر قسمتها أعيانا بالقيمة قدم من طلب قسمة كل عين على حدة، إن أمكن التسوية في جيده ورديئه) لأن ذلك أقرب إلى التعديل لأن لكل واحد منهما حقا في الجميع ولان الحامل على القسمة زوال الشركة وهو حاصل بما ذكر، (وإن لم يمكن) أي يسوى في جيده ورديئه (وأمكن التعديل بالقيمة عدلت) بالقيمة لتعينه، إذن، (وأجبر الممتنع) من القسمة لامكانها بلا ضرر، (وإلا) أي وإن لم يمكن التعديل أيضا بالقيمة (فلا) إجبار لمن امتنع منهما. فصل: (ويجوز للشركاء، أن يتقاسموا بأنفسهم) وأن يتقاسموا (بقاسم ينصبونه) لأن الحق لهم لا يعدوهم (أو يسألوا الحاكم نصبه) أي القاسم ليقسم بينهم لأن طلبه حق لهم فجاز أن يسألوه الحاكم كغيره من الحقوق. (وأجرته) أي القاسم وتسمى القسامة بضم القاف (مباحة) لأنها عوض عن عمل لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، قاله في شرح المنتهى (فإن استأجره) أي القاسم (كل واحد منهم) أي الشركاء (بأجر معلوم ليقسم نصيبه جاز) لأن عمل معلوم، (وإن استأجروه) أي
479 الشركاء (جميعا إجارة واحدة بأجرة واحدة لزم كل واحد من الاجر بقدر نصيبه من المقسوم) كالنفقة على الملك المشترك (ما لم يكن شرط) فيتبع على ما في الكافي وقال في المنتهى: وهي بقدر الأملاك ولو شرط خلافه (و) الأجرة على الجميع و (سواء طلبوا القسمة أو) طلبها (أحدهم وأجرة شاهد يخرج لقسم البلاد ووكيل وأمين للحفظ) أي حفظ الزرع الذي يؤخذ خراجه منه (على مالك وفلاح قاله الشيخ) يعني بقدر الأملاك كأجرة القاسم (وقال) الشيخ: (إذا مانهم الفلاح بقدر ما عليه) له من الأجرة (أو) بقدر ما (يستحقه الضيف حل لهم وقال: وإن لم يأخذ الوكيل لنفسه إلا قدر أجرة عمله بالمعروف والزيادة يأخذها المقطع، فالمقطع هو الذي ظلم الفلاحين فإذا أعطى الوكيل المقطع من الضريبة ما يزيد على أجرة مثله ولم يأخذ لنفسه إلا أجرة عمله جاز له ذلك). قلت: وفيه نظر كيف وله مدخل في ظلمهم قال تعالى: * (ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار) *. (ويشترط أن يكون القاسم) الذي ينصبه الامام (مسلما عدلا) ليقبل قوله في القسمة (عارفا بالقسمة) ليحصل منه المقصود لأنه إذا لم يعرفها لم يكن تعيينه للسهام مقبولا (قال) الشيخ (الموفق وغيره) كالشارح والزركشي (وعارفا بالحساب) لأنه كالخط للكاتب وفي الكافي والشرح إن كان من جهة الحاكم أسقطت عدالته، وإن كان من جهتهم لم يشترط إلا أنه إن كان عدلا كان كقاسم الحاكم في لزوم قسمته بالقرعة، وإن لم يكن عدلا لم تلزم قسمته إلا بتراضيهما (فإن كان) القاسم (كافرا أو
480 فاسقا أو جاهلا بالقسمة لم تلزمه إلا بتراضيهم بها) كما لو اقتسموا بأنفسهم (ويعدل) القاسم (السهام بالاجزاء إن تساوت) كالمائعات والمكيلات من الحبوب والثمار إن لم تختلف وكالأرض المتساوية جودة أو رداءة (و) يعد السهام (بالقيمة إن اختلفت) فيجعل السهم الردئ أكثر منه من الجيد بحيث إذا قوما كانت قيمتهما سواء لأنه إذا تعذر التعديل بالاجزاء لم يبق إلا التعديل بالقيمة ضرورة أن قسمة الاجبار لا تخلو من أحدهما (و) تعدل السهام (بالرد إن اقتضته) بأن لم يكن تعديل السهام بالاجزاء ولا بالقيمة فإنها تعدل بالرد بأن يجعل مع الردئ أو القليل دراهم ودنانير على من يأخذ الجيد أو الأكثر (فإذا تمت) القسمة بأن عدلت السهام بواحد مما سبق (وأخرجت القرعة لزمت القسمة) لأن القاسم كالحاكم وقرعته كالحاكم نص عليه لأنه مجتهد في تعديل السهام كاجتهاد الحاكم في طلب الحق فوجب أن تلزم قرعته (ولو كان فيها) أي القسمة (ضرر أو رد) عوض وسواء (تقاسموا بأنفسهم أو بقاسم لأنها كالحكم من الحاكم) فلا تنقض (ولا يعتبر رضاهم بعدها) أي بعد القرعة كما لا يعتبر رضاهم بعد حكم الحاكم، وإن خير أحدهما صاحبه لزمت برضاهما وتفرقهما قال في الشرح: ويحتمل أن لا تلزم فيما فيه رد بخروج القرعة حتى يرضيا بذلك لأن ما فيه رد بيع حقيقة لأن صاحب الرد بذل عوضا لما حصل له من حصة شريكه وهذا هو البيع، والبيع لا يلزم بالقرعة انتهى. وقد تقدم في باب الخيار أن خيار المجلس يثبت في القسمة بمعنى البيع وهي قسمة التراضي (وتعديل السهام لا يخلو من أربعة أقسام. أحدها أن تكون السهام متساوية وقيمة أجزاء المقسوم متساوية كأرض بين ستة لكل منهم سدسها فتعدل) الأرض (بالمساحة ستة أجزاء متساوية ثم يقرع) بين الشركاء (الثاني: أن تكون السهام متفقة) بأن تكون الأرض بين ستة سوية، (و) تكون (القيمة مختلفة) لاختلاف أجزاء الأرض جودة ورداءة (فتعدل الأرض بالقيمة وتجعل ستة أسهم متساوية بالقيمة) لتعذر التعديل بالاجزاء ثم يقرع (الثالث: أن تكون القيمة متساوية والسهام مختلفة كأرض بين ثلاثة،
481 لأحدهم النصف، وللثاني الثلث، وللسادس السدس، وأجزاؤها متساوية القيم فتجعل) الأرض (ستة أسهم) متساوية لأنها المخرج الجامع لتلك الكسور (الرابع: إذا اختلفت السهام والقيمة) كأرض مختلفة القيم لثلاثة على ما تقدم (فتعدل السهام بالقيمة وتجعل ستة أسهم متساوية القيمة ثم يقرع وإن خير أحدهما الآخر من غير قرعة لزمت القسمة برضاهما وتفرقهما) من المجلس بأبدانهما كتفريق متبايعين (فإن كان فيها) أي القسمة (تقويم لم يجز) أن يقسم بينهما (أقل من قاسمين لأنها شهادة بالقرعة) فلم يقبل فيها أقل من اثنين كسائر الشهادات، (وإلا) أي وإن لم يكن فيها تقويم (أجزأ واحد) لأنه ينفذ ما يجتهد فيه أشبه القائف القائف والحاكم، (وإذا سألوا) أي الشركاء (الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم لم يجب عليه قسمة) بينهم لعدم ثبوت الملك لهم فيه (بل يجوز) له قسمة بإقرارهم وتراضيهم لأن اليد دليل الملك، وإن لم يثبت بها الملك ولا منازع لهم في الظاهر قال القاضي والقضاء عليهما بإقرارهما لا على غيرهما، (فإن قسمه) الحاكم بينهم (ذكر في كتاب القسمة أنه قسمه بمجرد دعواهم بملكه، لا عن بينة شهدت لهم بملكهم)، لئلا يتوهم الحاكم بعده أن القسمة وقعت بعد ثبوت ملكهم فيؤدي ذلك إلى ضرر من يدعي في العين حقا، (وحينئذ إن لم يتفقوا على طلب القسمة لم يقسمه حتى يثبت عنده ملكهم كما سبق وكيفما أقرعوا جاز) إن شاؤوا رقاعا أو بالخواتيم أو الحصا أو غيره لحصول المقصود وهو التمييز، (والأحوط أن يكتب اسم كل شريك في رقعة) لأنه طريق إلى التمييز (ثم تدرج) الرقاع (في بنادق) كل رقعة في بندقة من (شمع، أو طين متساوية قدرا ووزنا) حتى لا يعلم بعضها من بعض (ثم تطرح في حجر من لم يحضر ذلك) أي الكتاب والأدراج لأنه أنفى
482 للتهمة (ويقال له: أخرج بندقة على هذا السهم) ليعلم من هو له (فمن خرج اسمه كان) ذلك السهم (له) لأن اسمه خرج عليه وتميز سهمه به (ثم) يفعل (بالثاني كذلك) أي كما فعل الأول من القول والاخراج لمساواته للأول، (والسهم الباقي للثالث إن كانوا ثلاثة واستوت سهامهم) لتعين السهم الباقي للثالث لزوال الابهام، (وإن كتب سهم كل اسم في رقعة ثم أخرج) من طرحت في حجره بعد إدراجها كما سبق (بندقة لفلان جاز) لحصول الغرض به، (وإن كانت السهام الثلاثة مختلفة: كنصف، وثلث، وسدس جزأ) القاسم (المقسوم ستة أجزاء) كما سبق، (وأخرج الأسماء على السهام لا غير) أي لا يجوز غيره كما يأتي تعليله (فيكتب لصاحب النصف ثلاثة رقاع و) يكتب (لرب الثلث رقعتين و) يكتب (لرب السدس رقعة ويخرج رقعة على أول سهم فإن خرج عليه اسم رب النصف أخذ مع الثاني والثالث) اللذين يليان من خرجت له الرقعة، (وإن خرج اسم صاحب الثلث أخذه و) أخذ (الثاني الذي يليه)، وإن خرج اسم صاحب السدس أخذه فقط (ثم يقرع بين الأخيرين كذلك والباقي للثالث)، فإن خرجت الرقعة الثانية لصاحب الثلث وكانت الرقعة الأولى لصاحب النصف أخذ صاحب الثلث السهم الرابع والخامس وكان الباقي لصاحب الثلث، وإن خرجت لصاحب الثلث أخذ السهم الرابع وكان السهم الخامس والسادس لصاحب الثلث، وعلى هذا القياس وإنما لزم إخراج الأسماء على السهام في مثل هذه الصورة لئلا يتضرر صاحب النصف أو الثلث بأخذ نصيبه متفرقا، (وإن كان بينهما داران متجاورتان، أو متباعدتان، أو) كان بينهما (خانان أو) كان بينهما (أكثر) من دارين أو أكثر من خانين (فطلب أحدهما أن يجمع نصيبه في إحدى الدارين أو إحدى الخانين، أو) في إحدى (الخانين ويجعل الباقي نصيبا للآخر أو)
483 طلب أن (يجعل كل دار) أو خان (سهما) وامتنع الآخر (لم يجبر الممتنع) منها سواء (تساوت) أي القيمة (أو اختلفت) لأن كل عين منهما مفردة بأحكامها وحدودها أشبه ما لو اختلفا في الاسم أيضا. فصل: (ومن ادعى غلطا) أو حيفا (فيما تقاسموه) أي الشركاء (بأنفسهم) من غير قاسم (وأشهدوا على رضاهم به ولم يصدقه المدعى عليه) في دعوى الغلط أو الحيف (لم يلتفت إليه، ولو أقام به بينة) أي لم تقبل دعواه ولا تسمع بينته ولا يحلف غريمه لأنه رضي بالقسمة على الكيفية التي صدرت ورضاه بالزيادة في نصيب شريكه يلزمه (إلا أن يكون) مدعي الغلط (مسترسلا) لا يحسن المشاحة فيما يقال له (فيغبن بما لا يسامح به عادة) فيسمع دعواه ويطالب بالبيان وإذا ثبت غبنه فله فسخ القسمة قياسا على ما تقدم في البيع (أو كان) ادعى غلطا أو حيفا (فيما قسمه قاسم الحاكم قبل قول المنكر) للغلط أو الحيف (مع يمينه) لأن الأصل عدم ذلك (إلا أن يكون للمدعي بينة) بما ادعاه (فتنقض القسمة) لأن سكوته حال قسم القاسم عليه لاعتماده على الظاهر فلا يمنعه إقامة البينة كما لو كان له على إنسان عشرة فوفاها له ثمانية غلطا ثم بان له أنها ثمانية فإن له الرجوع بباقي حقه (وتعاد) القسمة على وجه الحق ليصل كل لما يستحقه، (وإن كان) ادعى الغلط أو الحيف (فيما قسمه قاسم نصبوه وكان فيما شرطنا فيه الرضا) لضرر فيه أو رد عوض وكانوا قد تراضوا بالقسمة (بعد القرعة لم تسمع
484 دعواه) لأن رضاه بالقسمة على الصورة التي وقعت رضا بالزيادة في نصيب شريكه فيلزمه، (وإلا) أي وإن لم يشترط في القسمة الرضا أو اشترط ولم يوجد بعد القرعة. (فهو) أي القاسم الذي رضياه (كقاسم الحاكم) فيكون القول قول المنكر إلا أن يقيم المدعي بينة بدعواه فيعمل بمقتضاها، (وإذا تقاسموا) بأنفسهم أو بقاسم نصبوه أو الحاكم (ثم استحق من حصة أحدهما شئ معين) أي ظهر استحقاقه لغيرهما (بطلت) القسمة لفوات التعديل، (وإن كان المستحق) العين (من الحصتين على السواء) بأن اقتسما أرضا فاستحق من حصتهما معا قطعة معينة على السواء في الحصتين (لم تبطل) القسمة (فيما بقي) من الأرض لأن القسمة إفراز حق كل واحد منها وقد أفرز كما لو كان المقسوم عينين فاستحق إحداهما، (وإن كان) المستحق (في نصيب أحدهما أكثر) من نصيب الآخر (أو) كان (ضرره) في نصيب أحدهما (أكثر) من ضرره في نصيب الآخر (كسد طريقه أو) سد (مجرى مائه أو) سد محل (طريقه ونحوه) مما فيه ضرر بطلت القسمة لفوات التعديل (أو كان) المستحق (شائعا فيهما) بطلت لأن ثم شريك لم يرض ولم يحكم عليه بالقسمة وسواء كانت قسمة تراض أو إجبار (أو) كان شائعا (في أحدهما) أي أحد نصيبي الشريكين (بطلت) القسمة لفوات التعديل، (وإن ادعى كل واحد منهما) أي الشريكين (أن هذا) الشئ المقسوم (من سهمي تحالفا) أي حلف كل منهما للآخر على نفي ما ادعاه لأنه منكر (ونقضت) القسمة لأن ذلك المدعي به لم يخرج عنهما ولا مرجح لأحدهما على الآخر، (وإذا اقتسما دارين ونحوهما) كمعصرتين أو بساتين (قسمة تراض فبنى أحدهما) في نصيبه (أو غرس في نصيبه ثم خرج) نصيبه (مستحقا ونقض بناؤه وقلع غرسه رجع على شريكه بنصف قيمته) لأن هذه القسمة جارية مجرى البيع ولو كان باعه الدار فبنى فيها أو غرس فخرجت مستحقة وقلع غرسه وبناءه رجع عليه بجميع قيمته فإذا باعه نصفها رجع عليه بنصف قيمة ذلك وكذا كل قسمة جارية مجرى البيع، (ولا يرجع) أحد الشريكين على الآخر (به) أي بشئ من ذلك إذا خرج نصيبه
485 مستحقا وقلع غراسه وبناءه (في قسمة إجبار) لأن شريكه لم يغره ولم تنتقل إليه من جهته ببيع وإنما أفرز حقه من حقه فلم يضمن له مما غرمه شيئا، (وإن خرج في نصيب أحدهما عيب فله فسخ القسمة إن كان جاهلا به) أي العيب (وله الامساك مع الأرش) للعيب لان ظهور العيب في نصيبه نقص فخير بين الأرش والفسخ كالمشتري، (ويصح بيع التركة قبل قضاء الدين إن قضى) الدين لأنه لا يمنع انتقالها للورثة وكبيع العبد الجاني (ويصح العتق) أي عتق الورثة لعبد من التركة مع دين على الميت كعتق العبد الجاني ولا ينقض بالعتق ولو أعسر الورثة كالعبد المرهون وأولى (واختار ابن عقيل لا ينفذ) العتق (إلا مع يسار الورثة) لما فيه من الاضرار بالغريم. تنبيه: قال في القواعد الفقهية: لو باع الوارث التركة مع استغراقها بالدين ملتزما. لضمانه ثم عجز عن وفائه فإنه يفسخ البيع انتهى. قلت: ومفهومه إن امتنع مع القدرة أجبر عليه ولم يفسخ البيع كما في العبد الجاني والنصاب الزكوي (ولا يمنع دين الميت انتقال تركته إلى ورثته) فينتقل الملك إليهم ويخيرون بين الوفاء من التركة أو غيرها. وتقدم (بخلاف ما يخرج من ثلثها) أي التركة (من معين موصى به) لنحو الفقراء أو المساجد فلا ينتقل إلى ملك الورثة بخلاف الموصى به لنحو زيد فإنه ينتقل إليهم إلى حين قبوله وتقدم في الوصية (والنماء) في التركة كأن أثمرت النخل أو اكتسب العبيد أو نتجت الماشية (لهم) أي للورثة ينفردون به ولا يتعلق به حق الغرماء لأنه نماء ملكهم ككسب الجاني و (لا إن تعلق الدين بها) أي التركة (كتعلق) أرش (جناية) برقبة العبد الجاني (لا) كتعلق (رهن) ودين غرماء بمال مفلس (وتصح قسمتها) أي التركة مع الدين قبل قضائه كبيعها وأولى (وظهور الدين قبل القسمة لا يبطلها) كما أن العلم به لا يمنع منها وأولى (لكن إن امتنعوا) أي الورثة (من وفائه) أي الدين (بيعت) التركة (فيه) أي في الدين لتقدمه على الإرث (وبطلت القسمة) لما سبق (فإن وفى أحدهما) أي أحد الوارثين (دون الآخر صح) أي استقر له الملك (في نصيبه وبيع نصيب الآخر) فيما
486 يقابله من الدين، (وإن اقتسموا دارا) فيها بيوت (ذات أسطحة يجري عليها الماء من أحدهما فليس لمن صارت له منع جريان الماء) لتقدم الاستحقاق (إلا أن يكونوا تشارطوا على منعه) فيوفى به لحديث: المؤمنون على شروطهم. (وإن اقتسما دارا فحصلت الطريق في حصة أحدهما ولا منفذ للآخر لم تصح القسمة) لأن الداخل الذي لا منفذ له لا يتمكن من الانتفاع بنصيبه لأنه لا يمكنه السلوك في حصة الآخر فلا تعديل لأنه يكون في جميع الحقوق. (وإن كان لها) أي الدار التي قسمت (ظلة). قال في القاموس: شئ كالصفة يستتر به من الحر والبرد (فوقعت) الظلة (في حصة أحدهما فهي) أي الظلة (له) أي لمن وقعت في حصته (بمطلق العقد)، وإن لم يشترط ذلك لأن القسمة اقتضت ذلك وليست كالطريق. (وولي المولى عليه) لصغر أو جنون أو سفه (في قسمة الاجبار بمنزلته) لقيامة مقامه (وكذا) هو بمنزلته أي (في قسمة التراضي إذا رآها مصلحة) كالبيع وأولى انتهى. باب الدعاوى والبينات الدعاوى (واحدها دعوى. وهي) لغة الطلب قال تعالى: * (ولهم ما يدعون) *. أي يتمنون ويطلبون، وقال (ص): ما بال دعوى الجاهلية. لأنهم كانوا يدعون بها عند الامر الشديد بعضهم بعضا وهي قولهم: يا لفلان. واصطلاحا (إضافة الانسان إلى نفسه استحقاق شئ في يد غيره أو في ذمته) أي الغير من دين ونحوه (والمدعي من
487 يطالب غيره بحق يذكر استحقاقه عليه، وإذا سكت) عن الطلب (ترك، والمدعى عليه المطالب) بفتح اللام أي الذي يطالبه غيره بحق يذكر بذكر استحقاقه عليه، (وإذا سكت) عن الجواب (لم يترك) بل يقال: إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك كما سبق (وواحد البينات بينة) من بان الشئ فهو بين والأنثى بينة (وهي العلامة الواضحة، كالشاهد فأكثر) والأصل في مسائل الباب حديث ابن عباس مرفوعا: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه. رواه أحمد ومسلم، وحديث: شاهداك أو يمينه. ونحوه (ولا تصح دعوى وإنكار إلا من جائز التصرف) لأن قول غيره غير معتبر (لكن تصح الدعوى على سفيه بما يؤخذ به حال سفهه وبعد فك حجره) كطلاق وقذف ونحوه لأن إقراره به معتبر لعدم التهمة، (ويحلف إذا أنكر) فيما يحلف الرشيد في مثله مما يأتي تفصيله في باب اليمين في الدعاوى، (وتقدم) في باب طريق الحكم وصفته (وإذا تداعيا عينا لم تخل من ثلاثة أقسام) هكذا في المقنع وغيره وفي المنتهى أربعة أحوال ولا تعارض لاشتمال القسم الثاني على حالين من تلك الأحوال الأربعة كما ستقف عليه (أحدها: أن تكون) العين (في يد أحدهما) وحده (فهي له مع يمينه أنها) أي العين (له ولا حق للمدعي فيها إذا لم تكن) له (بينة) لقوله (ص) في قصة الحضرمي والكندي: شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك. ولان الظاهر من اليد الملك (ولا يثبت الملك بها) أي باليد (كثبوته) أي الملك (بالبينة) لأن الظاهر لا تثبت به الحقوق (بل ترجح به الدعوى)، وفي الروضة يده دليل الملك وفي التمهيد يده بينة (فلا شفعة له بمجرد اليد) لعدم تحقق الشرط وهو ملك ما بيده، (وإن سأل المدعى عليه الحاكم كتابة محضر بما جرى أجابه)
488 إليه وجوبا (وذكر) الحكم (فيه) أي المحضر (أنه بقي العين بيده لأنه لم يثبت ما يرفعها) أي اليد عن العين (ولو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو) أحدهما (له عليها حمل والآخر آخذ بزمامها أو) الآخر (سائقها فهي) أي الدابة (للأول) بيمينه وهو الراكب أو صاحب الحمل لأن تصرفه أقوى ويده آكد وهو المستوفي لمنفعة الدابة، (وإن اختلفا) أي الراكب وصاحب الدابة (في الحمل فادعاه الراكب و) ادعاه (صاحب الدابة فهو للراكب) لأن يده عليه أقوى (بخلاف السرج) أي سرج الدابة إذا تنازعه الراكب وصاحب الدابة فهو لصاحب الدابة عملا بالظاهر، (وإن تنازعا ثياب عبد عليه) أي العبد (ف) - هي (لصاحب العبد) لأن يد السيد على العبد وعلى ما هو عليه، وإن تنازع صاحب الثياب وآخر في العبد اللابس لها فهما سواء لأن نفع الثياب يعود على العبد لا إلى صاحب الثياب، (وإن تنازعا قميصا أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو) أي القميص (للأول) اللابس له لأن تصرفه فيه أقوى وهو المستوفي لمنفعته، (وإن كان كمه) أي القميص (في يد أحدهما وباقيه مع الآخر، أو تنازعا عمامة طرفها) أي العمامة (في يد أحدهما وباقيها في يد الآخر فهما فيها سواء) لأن يد الممسك للطرف على ذلك الشئ بدليل أنه لو كان الباقي على الأرض ونازعه غيره قدم به، (ولو كانت دار فيها أربعة بيوت في أحدها) أي البيوت (ساكن وفي الثلاثة) الأخرى (ساكن) آخر (واختلفا) أي تنازعا الدار كلها (فلكل واحد) منهما (ما هو ساكن فيه) لأن كل بيت ينفصل عن صاحبه ولا يشارك الخارج منه الساكن في ثبوت اليد عليه، (وإن تنازعا الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت) الأربعة (فهي) أي الساحة (بينهما نصفين) لاشتراكهما في ثبوت اليد عليها فأشبهت العمامة فيما سبق، (ولو كانت شاة مسلوخة بيد أحدهما جلدها ورأسها وسواقطها، وبيد الآخر بقيتها، وادعى كل واحد منهما كلها) أي الشاة (وأقاما بينتين
489 بدعواهما) أي أقام كل واحد منهما بينة بدعواه (فلكل واحد منهما ما بيد صاحبه) من الشاة لأن بينة كل واحد منهما خارجة بالنسبة لما في يد صاحبه وهي مقدمة على بينة الداخل كما يأتي، (وإن تنازع صاحب الدار وخياط فيها) أي الدار (في إبرة ومقص) بكسر الميم وهو المقراض (فهما للخياط) عملا بالظاهر لأن العادة أنه يحمل معه الإبرة والمقص بخلاف القميص إذا تنازعاه فهو لصاحب الدار لأنه لا يحمله عادة ليخيطه في دار غيره. (وإن تنازع هو) أي صاحب الدار (والقراب القربة) في الدار (فهي) أي القربة (للقراب) لان ذلك هو ظاهر الحال، وإن تنازعا الخابية فهي لصاحب الدار، وكذا لو اختلف النجار مع صاحب الدار في القدوم والمنشار ونحوه من الآلة، فآلة النجار للنجار، وإن اختلفا في الخشبة المنشورة والأبواب والرفوف المنجورة فهي لصاحب الدار، وكذلك لو اختلف النداف مع رب الدار في قوس الندف فهو للنداف، وإن اختلفا في الفرش والقطن والصوف فهو لصاحب الدار، (وإن تنازعا عرصة) أي أرضا (فيها بناء أو شجر لهما فهي) أي العرصة (لهما، أو) إن كان البناء أو الشجر (لأحدهما فهي) أي العرصة (له) وحده لأن استيفاء المنفعة دليل الملك والبناء أو الشجر استيفاء لمنفعة العرصة واستيلاء عليها بالتصرف فوجب أن يحكم بالعرصة لمن هما له، (وإن تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما وحده أو) تنازعا حائطا (له) أي لأحدهما وحده (عليه أزج وهو ضرب من البناء ويقال له: طاق) ابن المنجا: هو القبو (أو) تنازعا حائطا (له) أي لأحدهما وحده (عليه بناء كحائط مبني عليه ) أي الحائط المتنازع فيه (أو) له عليه بناء ك (- عقد معتمد عليه) أي على الحائط المتنازع فيه (أو قبة أو له عليه سترة مبنية ونحو هذا فهو) أي الحائط (له) أي لصاحب ذلك البناء
490 المعقود عليه والمتصل به الاتصال الذي لا يمكن إحداثه عملا بالظاهر وبحلف من حكم له به لأن ذلك الظاهر ليس بيقين إذ يحتمل أن يكون أحدهما بنى الحائط لصاحبه متبرعا مع حائطه، أو كان له فوهبه له فوهبه إياه أو باعه له أو بناه بأجرة فوجبت اليمين للاحتمال كما وجبت في حق صاحب اليد، (وإن كان) الحائط المتنازع فيه (معقودا ببنائه) أي بناء أحدهما (عقد يمكن إحداثه كالبناء باللبن والآجر فإنه يمكن أن ينزع من الحائط المبني نصف لبنة أو) نصف (آجرة ويجعل مكانها لبنة صحيحة أو آجرة صحيحة تعقد بين الحائطين لم يرجح) صاحب البناء المعقود (به) أي بسبب بنائه المعقود لاحتمال الاحداث، (وإن كان) الحائط (محلولا من بنائهما أي غير متصل ببنائهما بل) كان (بينهما شق مستطيل كما يكون بين الحائطين اللذين ألصق أحدهما بالآخر، أو) كان الحائط (شركا بينهما) أي ببناء الاثنين، (وهو) أي الحائط (بينهما) نصفين لأن يدهما عليه فلكل واحد يده على نصفه (ويتحالفان فيحلف كل واحد) منهما (للآخر أن نصفه له) دفعا للاحتمال، (وإن حلف كل واحد منهما على جميع الحائط أنه) كله (له جاز) إن لم يكن ذلك قادحا في الحلف ويقرع بينهما إن تشاحا في المبتدئ باليمين وفي البخاري عن أبي هريرة أن النبي (ص): عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يقرع بينهم في اليمين أيهم يحلف. قال ابن هبيرة: هذا فيمن تساووا في سبب الاستحلاف لكون الشئ في يد مدعيه ويريد يحلف ويستحقه، (وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها) لترجحه بالبينة، (وإن كان لكل واحد منهما بينة تعارضتا) لتساويهما وعدم المرجح (وصارا كمن لا بينة لهما) فيتحالفان ويتناصفانه (فإن لم يكن لهما بينة) عملت أو كان لكل منهما بينة وتعارضتا كما يدل عليه ما قبله، ونكلا عن اليمين كان الحائط في أيديهما على ما كان) قبل التداعي لعدم ما يوجب رفع يد أحدهما، (وإن حلف أحدهما نكل الآخر) عن اليمين (قضى على الناكل) بنكوله (ولا ترجح الدعوى
491 بوضع خشب أحدهما عليه) أي على الحائط المتنازع فيه لأنه مما يسمح به الجار، وورد الخبر بالنهي عن المنع منه وللجار وضعه قهرا بشرطه كما تقدم فلا ترجح به الدعوى كإسناد متاعه إليه، (ولا) ترجح الدعوى أيضا (ب) - كون (وجوه آجر أو حجار مما يلي أحدهما) ولا يكون الآجرة الصحيحة مما يليه وقطع الآجر ملك الآخر، (و) لا (بالتزويق والتجصيص ولا بسترة عليه غير مبنية لأنه) أي ما ذكر (مما يتسامح به) عادة (ويمكن إحداثه ولا) ترجح الدعوى أيضا (بمعاقد القمط في الخص، أي عقد الخيوط التي تشد الخص وهو بيت يعمل من خشب وقصب) لأن وجوه الآجر ومعاقد القمط إذا كانا شريكين في الجدار أو الخص لا بد أن تكون إلى أحدهما، إذ لا يمكن أن تكون إليها جميعا فبطلت دلالته ولان التزويق والتجصيص مما يمكن إحداثه فلا ترجيح به، (وإن تنازع صاحب العلو والسفل سلما منصوبا أو) تنازعا (درجة ف) - السلم المنصوب والدرجة (لصاحب العلو) لأنه يختص بنفعهما، (وكذا) إذا تنازعا (العرصة التي يحملها الدرجة) فإنها تكون لصاحب الدرجة لكونها مشغولة ببنائه (إلا أن يكون تحت الدرجة) المتنازع فيها (مسكن لصاحب السفل فتكون الدرجة بينهما) نصفين لأن يدهما عليها لأنها سقف للسفلاني وموطئ للفوقاني، (وإن كان تحتها) أي الدرجة (طاق صغير لم تبن الدرجة لأجله، وإنما جعل مرفقا يجعل فيه جر). وفي نسخة جب (الماء ونحوه فهو لصاحب العلو) لأنه من مرافقه بحسب العادة، (وإن تنازعا) أي صاحب العلو وصاحب السفل (الصحن) الذي يتوصل منه إلى الدرجة، (والدرجة في الصدر) جملة حالية (ف) - الصحن (بينهما) لأن يدهما عليه، (وإن كانت) الدرجة (في الوسط) أي وسط الصحن (فما) أي فالمكان الذي يتوصل منه (إليها) أي إلى الدرجة يكون (بينهما) نصفين لأن يدهما عليه (وما وراءه) أي وراء المكان الذي يتوصل منه إلى الدرجة (لرب السفل) وحده لأنه لا يد لرب العلو عليه، (وإن تنازعا) أي رب السفل ورب العلو
492 (في السقف الذي بينهما فهو) أي السقف (بينهما) نصفين لأنه حاجز بين ملكيهما ينتفعان به متصلا ببناء أحدهما دون الآخر، فكان بينهما كالحائطين الملكين، (وإن تنازعا) أي رب السفل ورب العلو (جدران البيت السفلاني، فهو) أي المذكور من الجدران (لصاحب السفل) وحده، (وحوائط العلو) إذا تنازعاها (لصاحب العلو) وحده عملا بالظاهر فيهما (وإن تنازع المؤجر والمستأجر) للدار (في رف مقلوع، أو مصراع مقلوع له شكل منصوب في الدار فهو لربها) لأنه من توابع الدار، والظاهر أن أحد الرفين أو المصراعين لمن له الآخر لأن أحدهما لا يستغني عن صاحبه فكان أحدهما لمن له الآخر كالحجر الفوقاني مع التحتاني والمفتاح مع القفل، (وإلا) أي وإن لم يكن للرف المقلوع ولا للمصراع شكل منصوب فالمتنازع فيه (بينهما) نصفين لأنه لا مرجح لأحدهما على الآخر ويحلف كل منهما للآخر، (وكذا ما لا يدخل في بيت وجرت العادة به) كمفتاح الدار إذا تنازعاه يعني أنه كان لربها عملا بالظاهر كما في المنتهى وغيره وكذا ما يتبع في البيع كالأبواب المنصوبة والخوابي المدفونة المسمرة والسلاليم المسمرة، والرحا المنصوبة فهو للمكري لأنه من توابع الدار أشبه الشجرة المغروسة في الدار (وما لم تجر به عادة) مما ينقل ويحول كالأثاث والمتاع والأواني والكتب (ف) - هو (كمكتر) لأن العادة أن الانسان يكري داره فارغة، (وإن تنازعا دارا في أيديهما فادعاها أحدهما) كلها (وادعى الآخر نصفها جعلت) الدار (بينهما نصفين) لان يد مدعي النصف ثابتة عليه ولا رافع لها (فاليمين على مدعي النصف) لأنه منكر لدعوى مدعي الكل، (وإن كان لكل واحد منهما بينة بما يدعيه تعارضتا في النصف) لأن كلا من البينتين تنفي ما أثبتته الأخرى، (فيكون النصف لمدعي الكل) لأنه لا منازع له فيه (و) يكون (النصف الآخر له أيضا لتقديم بينته) لأنها بينة خارج لوضع مدعي النصف يده عليه ومن هنا تعلم أنه لا تعارض بين البينتين حقيقة لعدم استوائهما من كل وجه لترجيح بينة الخارج، فلو أسقط قوله تعارضتا لكان أولى في المنتهى. (وإن كانت الدار في يد
493 ثالث لا يدعيها فالنصف لمدعي الكل لا منازع له فيه) لأنه لا مدعي له (ويقرع بينهما في النصف الآخر: فمن خرجت له القرعة حلف، وكان له) لأن العين بغير يد المدعيين، (وإن كان لكل واحد منهما بينة) والعين بيد الثالث غير المنازع (فتعارضتا) أي البينتان و (صارا) أي المتنازعان (كمن لا بينة لهما) فيكون النصف لمدعي الكل ويقرع بينهما في النصف الآخر فمن خرجت له القرعة حلف وأخذه، (وإن تنازع زوجان أو) تنازع (ورثتهما) بعد موتهما (أو) تنازع (أحدهما وورثة الآخر ولو أن أحدهما) أي الزوجين (مملوك في قماش البيت) من فرش وملبوس ونحوهما (ونحوه) أي نحو قماش البيت من أوان وغيرها، (أو) تنازعا في (بعضه) بأن قال كل منهما: هذه العين لي، فإن كان لأحدهما بينة عمل بها وإلا (فما يصلح للرجال كالعمامة والسيف فللرجل) أو ورثته، وكذا قمصان الرجال وأقبيتهم وجبابهم والطيالسة والسلاح وأشباهها، (وما يصلح للنساء كحليهن وثيابهن) ومقانعهن ومغازلهن وأشباهها (فللمرأة) أو ورثتها (والمصحف له) أي الرجل (إذا كانت لا تقرأ) فإن كانت تقرأ فهو لهما. قلت: وكذا ينبغي في كتب العلم (وما يصلح لهما) أي الرجال والنساء (كالفرش والأواني) والقماش الذي لم يفصل وأشباه ذلك (وسواء كان) ما يصلح لهما (في أيديهما من طريق الحكم أو من طريق المشاهدة وسواء اختلفا في حال الزوجية أو بعد البينونة ف) - هو (بينهما، وإن كان المتاع على يدي غيرهما ولم تكن بينة) لأحدهما (أقرع فمن قرع منهما حلف واحدة) كمن تنازعا عينا بيد ثالث، وإن أقام أحدهما بينة دفع إليه لترجحه بها، (وكذا لو اختلف صانعان في آلة دكان لهما حكم بآلة كل صنعة لصانعها، فآلة العطارين للعطار، وآلة النجارين للنجار) سواء كانت الآلة في أيديهما من طريق الحكم أو من طريق المشاهدة لان هذا هو الظاهر كما في قماش البيت عند تنازع الزوجين. (فإن لم يكونا) أي الصانعان (في
494 دكان واحد واختلفا في عين لم يرجح أحدهما بصلاحية العين له، وكذا لو تنازع رجل وامرأة) هي زوجة له أو لا (في عين غير قماش بينهما) فلا ترجيح لأحدهما بصلاحية العين له بل إن كانت في أيديهما فهي بينهما، وإن كانت في يد أحدهما فهي له بيمينه، وإن كان في يد غيرهما ولم ينازع اقترعا عليها، (وكل من قال) المدعى به (له فهو مع يمينه) لاحتمال صدق غريمه (إذا لم تكن بينة) فإن كانت له بينة فلا يمين عليه وتسمع لانتفاء التهمة، (وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها) أي ببينته (من غير يمين) لحديث: شاهداك أو يمينه. (وإن كانت العين بيد أحدهما وكان لكل منهما بينة سمعت بينة المدعي وهو الخارج وحكم له بها، سواء أقيمت بينة المنكر وهو الداخل) أي واضع اليد (بعد رفع يده أولا، وسواء شهدت بينته) أي الداخل (أنها له نتجت) بالبناء للمفعول (في ملكه أو) أنها له (قطيعة من الامام أو لا) أي أو لم تشهد بذلك لقوله النبي (ص): البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. فجعل جنس البينة في جنبة المدعي فلا يبقى في جنبة المدعى عليه بينة، ولان المدعي أكثر فائدة فوجب تقديمها كتقديم بينة الجرح على التعديل ودليل كثرة فائدتها أنها تثبت سببا لم يكن وبينة المنكر إنما تثبت ظاهرا تدل اليد عليه فلم تكن مفيدة لان الشهادة بالملك تجوز أن يكون مستندها رؤية اليد والتصرف، لأن ذلك يجيز الشهادة به عند كثير من أهل العلم فصارت البينة بمنزلة اليد المفردة فتقدم عليها بينة المدعي، كما تقدم على اليد كما أن شاهدي الفرع لما كان مثبتين على شاهدي الأصل لم يكن لهما مزية عليهما ومن قدمنا بينته لم يحلف معها لوجوب الحكم بها منفردة، كما لو تعارض خبران خاص وعام أو أحدهما أرجح بوجه من الوجوه نقل الأثرم ظاهر الآثار اليمين على من أنكر فإذا جاء بالبينة فلا يمين عليه، (فإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها) أي العين المتنازع فيها (من الخارج وأقام الخارج بينة أنه اشتراها من الداخل قدمت بينة الداخل) لأن الخارج معنى لأنه ثبت بالنية أن
495 المدعي صاحب اليد وأن يد الداخل نائبة عنه، وإن ادعى الخارج أن العين ملكه وأنه أودعها للداخل أو أعاره إياها أو أجرها منه فأنكره، ولكل واحد منهما بينة قدمت بينة الخارج، وقال القاضي: بينة الداخل لأنه هو الخارج معنى كالمسألة قبلها ذكره في الشرح، (ولا تسمع بينة الداخل قبل بينة الخارج وتعديلها) لعدم حاجته إليها قبل ذلك، (وتسمع) بينة الداخل (بعد التعديل) لبينة الخارج (قبل الحكم وبعده قبل التسليم) وتقدم بينة الخارج عليها لما تقدم. قلت: ولعل فائدة سماعها لاحتمال أن تكون ناقلة فتقدم كما يأتي، (وإن أقام الخارج بينة أنها ملكه وأقام الداخل بينة أنه اشتراها منه)، أي من الخارج (أو أوقفها عليه أو أعتقه) أي العبد (قدمت) البينة (الثانية) لأنها تشهد بأمر حادث على الملك خفي فيثبت الملك للأول والبيع أو الوقف أو العتق منه، قال في الاختيارات: لو شهدت بينة بملكه إلى حين وقفه وأقام وارث بينة أو موروثه اشتراه من الواقف قبل وقفه قدمت بينة الوارث لأن معها زيادة علم كتقديم من شهد له بأنه اشتراه من أبيه على من شهد له بأنه ورثه من أبيه، (ولم ترفع بينة الخارج يده) أي يد المدعى عليه (كقوله) أي المدعى عليه: (أبرأني من الدين) ويقيم بذلك بينة، (أما لو قال) مدعي الشراء أو الوقف أو العتق: (لي بينة) بذلك (غائبة طولب بالتسليم لأن تأخيره يطول) وقد يكون كاذبا. تتمة: قال في الانتصار لا تسمع إلا بينة مدع باتفاقنا وفيه تثبت في جنبة منكر وهو ما إذا ادعى عليه عينا في يده فيقيم بينة أنها ملكه وإنما لم يصح أن يقيمها في الدين لعدم إحاطتها به، ولهذا لو ادعى أنه قتل وليه ببغداد يوم الجمعة فأقام بينة أنه كان فيه بالكوفة صح. فصل: (القسم الثاني: أن تكون العين في أيديهما أو) تكون (في غير يد أحد، ولا بينة لهما فيتحالفان وتقسم العين بينهما) نصفين لأنهما
496 استويا في الدعوى وليس أحدهما بها أولى من الآخر لعدم اليد فوجب أن يقتسماها كما لو كانت بأيديهما، وتحت هذا القسم حالان من الأحوال الأربعة التي أشار إليها في المنتهى كما تقدم التنبيه عليه، (وكذا إن نكلا) عن اليمين فإنها تقسم بينهما (لأن كل واحد منهما يستحق ما في يد الآخر بنكوله) عن اليمين له، (وإن نكل أحدهما) عن اليمين (وحلف الآخر قضي له) أي للذي حلف (بجميعها) أي جميع العين النصف بحلفه لكونه واضع اليد عليه والنصف الآخر بنكول خصمه، (فإن ادعى أحدهما نصفها) أي العين (فما دون) بالبناء على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه أي فأقل من النصف (أو) ادعى (الآخر أكثر من بقيتها. أو) ادعى الآخر (كلها فالقول قول مدعي الأقل مع يمينه) لأنه واضع يده على ما ادعاه ولا رافع ليده والباقي لمدعي الكل أو الأكثر بلا يمين لعدم التنازع له فيه، (وإن تنازعا مسناة وهي السد الذي يرد ماء النهر، من جانبه حاجز بين نهر أحدهما وأرض الآخر تحالفا، وهي) أي المسناة (بينهما) نصفين لأنها حاجز بين ملكيهما ينتفع بها كل واحد منهما أشبه الحائط بين الدارين، (وكذا إن نكلا) عن اليمين تناصفاها (لأنها حاجز بين ملكيهما، وإن تنازعا صغيرا دون التمييز في أيديهما فهو بينهما) وهو (رقيق) لأن اليد دليل الملك، ويد كل منهما عليه فهما سواء فيه لا رجحان لواحد منهما على الآخر، (ويتحالفان) أي يحلف كل منهما لصاحبه على النصف الذي أخذه، (ولا تقبل دعواه الحرية إذا بلغ بلا بينة) أي يد مدعي الرق (على الملك مثل أن يلتقطه) ثم يدعي رقه (فلا تقبل دعواه لرقه لأن اللقيط محكوم بحريته) لأنها الظاهر والأصل في بني آدم والرق طارئ، (وإن كان لكل منهما) أي من واضعي اليد على طفل (بينة فهو بينهما أيضا) لأن كل واحد منهما يستحق ما في يد الآخر ببينة، (وإن كان) المدعي (مميزا فقال: إني حر فهو حر) فيخلى إلى حال سبيله ويمنعان منه لأن الحرية هي الأصل في ابن آدم (إلا أن تقوم بينة برقه كالبالغ إلا أن البالغ إذا أقر بالرق ثبت رقه) مؤاخذة له بإقراره بخلاف المميز إذا أقر بالرق فلا يقبل إقراره، وإنما
497 اعتبرت دعواه الحرية لأنها الأصل ولصحة تصرفه بالوصية وأمره بالصلاة، (وإن كان لأحدهما) أي أحد المدعين للعين (بينة بالعين) المدعى بها وهي بيدهما أو ليست بيد أحد (حكم له بها) لرجحان بالبينة، (وإن كان لكل واحد منهما بينة لم يقدم أسبقهما تاريخا بل) هما (سواء) خلافا للقاضي. قال يقدم أسبقهما تاريخا لأن من شهدت له بينة بالتاريخ المقدم أثبتت له الملك في وقت لم تعارضه فيه البينة الأخرى وتعارضت البينتان في الملك في الحال فسقطتا فبقي ملك السابق تحت استدامته. والمذهب الأول لأن الشاهد بالملك الحادث أحق بالترجيح لجواز أن يعمل به دون الأول بدليل أنه لو ذكر أنه اشتراه من الآخر، أو أنه وهبه إياه ونحوه لقدمت بينته بذلك اتفاقا، فإذا لم يرجح بها فلا أقل من التساوي، وأما قوله: إنه يثبت الملك في الزمان الماضي من غير معارضة ممنوع لثبوته في الحال، ولو انفرد بأن ادعى الملك في الماضي لم تسمع دعواه ولا بينته، (فإن وقتت إحداهما) أي البينتين (وأطلقت الأخرى والعين بيديهما) فهما سواء لأنه ليس في إحداهما ما يقتضي الترجيح من تقدم الملك ولا غيره (أو شهدت بينة بالملك وسببه كنتاج) بأن شهدت أنها نتجت في ملكه (أو) شهدت ب (- سبب غيره) كشراء أو هبة (و) شهدت (بينة بالملك وحده، أو) شهدت (بينة أحدهما بالملك له منذ سنة و) شهدت (بينة الآخر بالملك منذ شهر ولم تقل: اشتراه منه فهما سواء)، لأن البينتين تساويا فيما يرجع إلى المختلف فيه وهو ملك العين الآن فوجب تساويهما في الحكم، (ولا تقدم إحداهما بكثرة العدد) كما لو كانت إحدى البينتين أربعة رجال والأخرى رجلين، (ولا اشتهار العدالة، ولا الرجال على الرجل والمرأتين، ولا الشاهدان على الشاهد واليمين) لأن الشهادة مقدرة بالشرع فلا تختلف بالزيادة، ولان كل واحد من تلك حجة مفردة فأشبه الرجلين مع الرجل والمرأتين، (وإن تساوتا من كل وجه تعارضتا وتحالفا فيما بيدهما، وقسمت) العين (بينهما) نصفين لتساويهما في وضع اليد، (وأقرع) بينهما (ما لم تكن) العين (في يد أحد) منهما ولا من غيرهما وهكذا
498 في المنتهى وأصله مبني على رواية صالح وحنبل. وقدمه في الفروع، وقد جزم المصنف فيما تقدم أنهما يتناصفان تبعا لما قدمه في المحرر والرعايتين والحاوي وهو مقتضى قوله الآتي، وكانا كمن لا بينة لهما، (أو) كانت العين (بيد ثالث ولم ينازع) فيقرع بينهما، (وكانا كمن لا بينة لهما فيسقطان) أي البينتان (بالتعارض) وهو التساوي من كل وجه، (وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وشهدت) له (البينة بذلك سمعت) الشهادة، (وإن لم تقل) البينة (وهي ملكه لم تسمع) شهادتهما لأنه قد يبيع ملكه وملك غيره (وادعى الآخر أنه اشتراها من عمر وهي ملكه) وأقام بينة بذلك (تعارضتا) جواب وإن ادعى، وقوله: سمعت وما بعده اعتراض (حتى ولو أرخا) قال في التنقيح: وفيه رد على الانصاف حيث قال: مراده وإن لم يؤرخا. قال في الفروع: ثم إن كانت العين في أيديهما تحالفا وتناصفاها. وإن كانت في يد ثالث لم ينازع، أقرع بينهما، فمن قرع صاحبه حلف وأخذها، (وإن كانت في يد أحدهما فهي للخارج) لتقديم بينته على بينة الداخل (ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلفها تركة وأقامت امرأة بينة أن أباه أصدقها إياها فهي) أي الدار (للمرأة داخلة كانت أو خارجة) لأن بينتها شهدت بالسبب المقتضى لنقل الملك كبينة ملك على بينة يد. فائدة: قال الغزي إذا تعارض المسقط والموجب جعل المسقط آخرا كما لو ادعى على رجل مالا أو عينا، فقال المدعى عليه: إنك أقررت أن لا دعوى ولا خصومة لك علي. وقامت بذلك بينة سمعت واندفعت الدعوى، ولو احتمل أنه ادعى عليه بسبب بعد الاقرار لأن المسقط والموجب إذا تعارضا جعل المسقط آخرا، إذ السقوط لا يكون إلا بعد الوجوب سواء اتصل القضاء بالأول أو لم يتصل، وكذا لو ادعى على آخر فأقام المدعى عليه بينة أنك أبرأتني من الدعاوى كلها في سنة كذا صح هذا الدفع.
499 فصل: (القسم الثالث: تداعيا عينا في يد غيرهما فإن ادعاها) من هي بيده (لنفسه حلف لكل واحد منهما يمينا) لأن المدعيين الثاني فوجب أن يحلف لكل واحد منهما يمينا، (فإن نكل عنهما) أي عن اليمينين (أخذاها) أي العين (منه أو) أخذا (بدلها) منه وهو مثلها إن كانت مثلية وقيمتها إن كانت متقومة لأن العين فاتت على أحدهما بتفريطه في الحلف له، (واقترعا) أي المدعيان (عليهما) أي على العين وبدلها لان المحكوم له بالعين غير معين فوجبت القرعة لتعيينه، (وإن لم يدعها) أي العين من هي بيده (لنفسه ولم يقر بها لغيره ولا قامت بينة) بها لأحدهما (أقرع بينهما) كما لو لم تكن بيد أحد لعدم المرجح (فمن قرع حلف) لصاحبه (وأخذها) لترجحه بالقرعة (فإن كان المدعى به عبدا مكلفا فأقر) العبد بالرق (لأحدهما فهو) أي العبد (له) أي للمقر له، كما لو كان المدعي واحدا وأقر له، (وإن صدقهما) العبد (فهو لهما) عملا بإقراره أنه لهما، (وإن جحدهما) وقال: إنه حر (قبل قوله) لأنها الأصل والرق طارئ. (وإن كان) المتنازع فيه (غير مكلف لم يرجح) أحدهما (بإقراره له) لأن قوله غير معتبر كما تقدم، (وإن أقر بها) أي العين المتنازع فيها (من هي بيده لأحدهما بعينه) كان يقول هي لزيد مثلا (حلف) زيد أنها له (وأخذها) لأنه لما أقر له بها صاحب اليد صارت العين كأنها في يده فيكون الآخر مدعيا عليه وهو منكر والقول قوله بيمينه (ويحلف المقر للآخر) أي للمدعي الآخر إن التمس يمينه لأنه يمكن أن يخاف من اليمين فيقر للآخر (فإن نكل) المقر عن اليمين للآخر (أخذ منه بدلها) حكما عليه بنكوله، (وإن أخذها) أي العين المتنازع فيها (المقر له فأقام) المدعي (الآخر بينة) أنها له (أخذها) لترجحه (وللمقر له قيمتها على المقر). قاله في الروضة ولم
500 يعرف لغيره ذكره في شرح المنتهى وتقدم ما فيه، (وإن أقر) من بيده العين (بها لهما ونكل عن التعيين) بأن لم يزد على قوله هي لهما (اقتسماها) لأن مطلق الإضافة يقتضي التسوية، (وإن قال) من بيده العين: (هي لأحدهما وأجهله، فإن صدقاه) على أنه يجهله (لم يحلف) لتصديقهما له (وإلا) بأن كذباه (حلف يمينا واحدة) أنه لا يعلمه (ويقرع بينهما) أي بين المدعيين للعين (فمن قرع حلف وأخذها) لأن صاحب اليد أقر بها لأحدهما لا بعينه فصار ذلك المقر له هو صاحب اليد دون الآخر. فبالقرعة يتعين المقر له فيحلف على دعواه ويقضي له كما لو أقر له عبثا (ثم إن بينه) أي بين من كانت العين بيده المستحق لها بعد قوله هي لأحدهما أجهله (قبل) كبينة ابتداء. ونقل الميموني إن أبى اليمين. من قرع أخذها أيضا أي بلا يمين، (ولهما) أي للمتنازعين اللذين ادعيا العين، وقال: من هي بيده لأحدهما وأجهله (القرعة بعد تحليفه الواجب وقبله) أي قبل تحليفه لأن القرعة لا تتوقف على يمينه ولذلك لو صدقاه لم تنتف القرعة، (فإن نكل) من كانت العين بيده عن حلفه أنه لا يعلم عين المستحق للعين (قدمت القرعة) لأن القرعة تعين المقر له، فإذا قرع كان كمن أقر له فلا يمين له عليه لأنه أخذ حقه، (ويحلف) المقر (للمقروع إن أكذبه) في عدم العلم لأنه متى صدقه لم يكن له عليه يمين، (فإن نكل) المقر اليمين (أخذ منه بدلها) كما لو أقر الواحد منهما دون الآخر، (وإن أنكرهما) أي أنكر من العين بيده كونها لهما أو لأحدهما (ولم ينازع أقرع) بين المدعيين كإقراره لأحدهما لا بعينه، (فإن علم أنها الآخر) المقروع (فقد مضى الحكم) لمن خرجت له القرعة نقله المروذي لأن قرعته حكم فلا ينقض بمجرد ذلك، (وإن لم تكن) العين (بيد أحد) وتنازعها اثنان (فهي لأحدهما بقرعة) نص عليه في رواية صالح وحنبل وقدمه في الفروع وتقدم في أول القسم الثاني أنهما يتناصفاها، (وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها) كما لو أنكر رب اليد ونازع (وإن كان لكل واحد منهما تعارضتا) لتساويهما في عدم اليد (سواء كان مقرا لهما أو لأحدهما، لا بعينه
501 أو) كانت المتنازع فيها (ليست بيد أحد) فيصيران كمن لا بينة لهما، (وكذلك إن أنكرهما) وأقاما بينتين تعارضتا، (ثم إن أقر لأحدهما بعينه بعد إقامتها) أي البينة (لم يرجح) المقر له (بذلك) الاقرار (وحكم التعارض بحاله) لتساوي البينتين من كل وجه، لأن العين ليست بيد أحدهما فلا ترجح أحدهما برجوع اليد إلى صاحبها لأنها يد طارئة فلا عبرة بها، (وإقراره صحيح) فيعمل به كما لو لم يكن لواحد منهما بينة، (وإن كان إقراره له) أي لأحدهما (قبل إقامة البينتين، فالمقر له) بالعين (كداخل والآخر كخارج) لأنها ليست بيده حقيقة ولا حكما بخلاف المقر له فإن العين انتقلت إلى يده بإقرار صاحب اليد، (وإن ادعاها) أي العين المتنازع فيها (صاحب اليد لنفسه ولو بعد التعارض حلف لكل واحد منهما يمينا) لان المدعيين اثنان فوجب أن يحلف لكل واحد يمينا، (وهي) أي العين (له) لترجيح جانبه بوضع اليد (فإن نكل) عن اليمين لكل منهما (أخذاها منه و) أخذا منه (بدلها) لأن العين فاتت على أحدهما بترك اليمين للآخر، (واقترعا عليهما) أي على العين وبدلها لأن المحكوم له بالعين غير معين، فوجبت القرعة لتعيينه، (وإن أقر من بيده العين بها لغيرهما) أي غير المدعيين لها (فتقدم) في باب طريق الحكم وصفته، (وإن كان في يده عبد وادعى أنه اشتراه من زيد، وادعى العبد أن زيدا أعتقه) وأقاما بينتين صححتا أسبق التصرفين، (أو ادعى شخص أن زيدا باعه العبد أو وهبه له، وادعى الآخر أنه باعه أو وهبه له وأقام كل واحد منهما) بينة شهدت بدعواه (صححتا أسبق التصرفين إن علم التاريخ) لأن التصرف الثاني صادف ملك غيره فبطل، (وإلا) يعلم التاريخ (تعارضتا) لأنه لا مرجح لواحدة منهما، وكذا لو اتحد تاريخهما. قال الشيخ تقي الدين الأصوب: أن البينتين لم يتعارضا، فإنه من الممكن أن يقع العقدان لكن يكون بمنزلة ما لو زوج الوليان المرأة وجهل السابق، فإما أن يقرع أو يبطل العقدان بحكم أو بغير حكم، (وكذا إن كان العبد بيد نفسه) وادعى أن زيدا أعتقه وادعى
502 آخر أنه اشتراه من زيد فإن تعارضت البينتان فلا يرجح بهذه اليد (أو) كان العبد (بيد أحدهما) أي أحد المدعين لشراء كل منهما له من زيد إلغاء لهذه اليد للعلم بمستندها وهو الدعوى التي لم تثبت فتكون عادية فلا ترجح بذلك كما لو كان في يده عبد فادعى أنه اشتراه من زيد فأنكر زيد فإنه لا يحكم بهذه اليد، فكذا هنا، (وإن كان العبد في يد زيد) وادعى كل من اثنين أنه اشتراه منه (فالحكم فيه حكم ما إذا ادعيا عينا في يد غيرهما) على ما تقدم تفصيله، (وإن ادعيا زوجية امرأة وأقاما بينتين وليست بيد أحدهما سقطتا) لأن كل واحدة منهما تشهد بضد ما شهدت به الأخرى فكانا كمن لا بينة لهما، وكذا إن كانت بيد أحدهما لأن الحر لا يدخل تحت اليد. قال الشيخ تقي الدين مقتضى كلام القاضي إذا كانت بيد أحدهما فهي مسألة الداخل والخارج، (وإن ادعى على رجل أنه عبده فقال) المدعى عليه: (بل أنا حر وأقاما بينتين تعارضتا) وتساقطتا لعدم المرجح. قلت: ويخلى سبيل العبد لأن الأصل الحرية والرق طارئ ولم يثبت، (وإن كان في يده عبد فادعى) عليه (اثنان) ادعى (كل منهما أنه اشتراه مني بثمن سماه) المدعي (فصدقهما) من بيده العبد (لزمه ثمنان) مؤاخذة له بإقراره (فإن أنكر حلف لهما وبرئ) لأنه منكر والأصل براءته، (وإن صدق أحدهما) وحده (وأقام) أحدهما (به بينة لزمه الثمن) للمقر له أو لمن شهدت له البينة لثبوت دعواه (وحلف للآخر) لأنه ينكره، (وإن أقام كل واحد) منهما (بينة مطلقتين أو مختلفتي التاريخ أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة عمل بهما)، لأن ظاهر هذا أنهما عقدان وقد شهد بهما بينتان، ومن الجائز أن يكون اشتراه من الأول ثم انتقل عنه بنحو بيع إلى الثاني ثم اشتراه منه أيضا فيعمل بالبينتين ويلزم بالثمنين. (وإن اتفق تاريخهما) أي الشراءين اللذين شهدت بهما البينتان (تعارضتا) أي البينتان وصارا كما لو تداعيا عينا بيد ثالث، (وإن ادعى كل واحد) من اثنين على آخر (أنه باعني إياه) أي نحو العبد (بألف وأقام) بدعواه (بينة قدم أسبقهما تاريخا) لأن نقل الملك حاصل لمن سبق. فالعقد عليه بعده لا يصح، (وإن استويا) في التاريخ (تعارضتا) ويتخالفان ويتناصفان العبد
503 ونحوه لأن بينة كل واحد منهما داخلة في إحدى النصفين خارجة في النصف الآخر، فكانت العين بينهما نصفين ولكل أن يرجع على البائع بنصف الثمن، وأن يفسخ ويرجع بكله، وأن يأخذ كلها مع فسخ الآخر. وإن أطلقتا أو إحداهما تعارضتا في ذلك إذن لا في شراء لجواز تعدده. فيقبل من المدعى عليه دعوى العبد ونحوه بيمين لهما أن العين لم تخرج عن ملكه، (وإن قال أحدهما: غصبني) العبد ونحوه، (وقال الآخر: ملكنيه أو أقر لي به وأقاما بينتين فهو للمغصوب منه) لأن عند بينته زيادة علم وهو ثبوت اليد له. والبينة الأخرى إنما تشهد بتصرفه فلا معارضة بينهما، (ولا يغرم) المدعى عليه (للآخر شيئا) لأنه لم يأخذ منه شيئا يرجع به عليه بخلاف البيع، وإن ادعى كل منهما أنه غصبه وأقاما بينتين، فكما لو ادعى كل منهما أنه اشتراه منه على ما سبق تفصيله (وإن ادعى) رب دار (أنه أجره البيت بعشرة، فقال المستأجر: بل) آجرتني (كل الدار) بالعشرة وأقام كل بينة (تعارضتا ولا قسمة هنا) أي لا يقسم بينهما ما زاد على البيت، (وتقدم أولا طريق الحكم وصفته ما يصح سماع البينة فيه قبل الدعوى وما لا يصح) سماع البينة فيه قبلها. تتمة: نقل ابن منصور عن أحمد في رجل أخذ من رجلين ثوبين أحدهما بعشرة والآخر بعشرين، ثم لم يدر أيهما ثوب هذا من ثوب هذا، فادعى أحدهما ثوبا من هذين الثوبين وادعاه الآخر أقرع بينهما فأيهما أصابته القرعة حلف وأخذ الثوب الجيد والآخر للآخر، وإنما قال ذلك لأنهما تنازعا ثوبا بيد غيرهما. قاله في الشرح. باب تعارض البينتين (التعارض: التعادل من كل وجه) يقال تعارضت البينتان إذا تقابلتا وعارض زيدا
504 عمر إذا أتاه بمثل ما أتاه به وتعارض البينتين اختلافهما بأن تثبت كل منهما ما نفته الأخرى حيث لا يمكن الجمع بينهما فيتساقطان، (إذا قال لعبده: متى قتلت فأنت حر. فادعى العبد أنه) أي سيده (قتل وأنكر ورثته فالقول قولهم إن لم تكن له بينة) لأن الأصل عدم القتل (وإن أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه بأن أقام العبد بينة أن سيده قتل وأقام ورثته بينة) أنه مات (قدمت بينة العبد وعتق) لأن مع بينته زيادة وهو القتل وإن لم تكن له بينة فله تحليفهم على نفي العلم، (وإن قال: إن مت في المحرم فسالم حر، و) إن مت (في صفر فغانم حر) ومات (ولم تقم لواحد منهما بينة) بموجب عتقه (وأنكر الورثة) موته في الشهرين (فقولهم) لان الأصل بقاؤهما في الرق (وبقيا على الرق) احتمال موته في غير المحرم وصفر، (وإن أقروا لأحدهما) بموجب عتقه (أو أقام) به (بينة عتق) لثبوت مقتضيه، (وإن أقام كل واحد) من العبدين (بينة بموجب عتقه تعارضتا وسقطتا)، لأن كل واحدة منهما تنفي ما شهدت به الأخرى (وبقيا على الرق) لاحتمال أن يكون مات في غير محرم وصفر، (وإن علم موته في أحد الشهرين) وهما المحرم وصفر ولم يعلم عينه (أقرع بينهما) للعلم بموجب عتق أحدهما ولا معين له غير القرعة فمن قرع عتق، (وإن قال: إن مت في مرضي هذا فسالم حر وإن برئت فغانم حر، وجهل) كونه مات فيه أو برئ (ثم مات ولم يكن لهما بينة عتق أحدهما بقرعة) لأنه لا يخلو إما أن يكون برئ أو لم يبرأ فيعتق أحدهما بكل حال ولم يعلم عينه فيخرج بقرعة، (وإن أقاما بينتين تعارضتا وبقيا على الرق) نقله في المقنع عن الأصحاب لأن كل واحدة من البينتين تنفي ما شهدت به الأخرى، ثم قال في المقنع والقياس أن يعتق أحدهما بقرعة وزيف في الشرح ما نقله الأصحاب، (وإن أقر الورثة
505 لأحدهما بما يوجب عتقه عتق بإقرارهم وكذا حكم) قوله: (إن مت من مرضي هذا) فسالم حر، وإن برئت فغانم إذا أتى عن بدل من في وأقام كل من العبدين بينة (في التعارض) فإنه يكون الحكم كما تقدم في تعارض البينتين وتساقطهما وكونهما يبقيان على الرق أو يعتق أحدهما على ما سبق، (وأما في الجهل) أي من أي شئ مات وعدم البينة لكل منهما (فيعتق سالم لأن الأصل دوام المرض وعدم البرء، وإن أتلف ثوبا) ونحوه من المتقومات تعديا أو نحوه (فشهدت بينة أن قيمته عشرون، و) شهدت (بينة) أخرى (أن قيمته ثلاثون لزمه ما اتفقا عليه وهو عشرون) دون ما تعارضتا فيه لتساقطهما فيه، (وكذا لو كان بكل قيمة شاهد) ثبت ما اتفقا عليه (وله) أي المدعي (أن يحلف مع الآخر) الشاهد بالعشرة الزائدة (على العشرة كما يأتي آخر الباب بعده) كما لو لم يكن غيره لأن الشاهد مع اليمين نصاب لا يعارضه شهادة الواحد قال ابن نصر الله: (لو اختلفت بينتان في قيمة عين قائمة ليتيم يريد الوصي بيعها أخذ ببينة الأكثر فيما يظهر) إن احتملت وإلا فيما يصدقها الحس (وكذا قال الشيخ: لو شهدت بينة أنه أجر حصة موليه بأجرة مثلها، و) شهدت (بينة) أنه أجرها (بنصفها) أي بنصف أجرة مثلها أخذ ببينة الأكثر حيث احتمل، (وتقدم إذا ماتت امرأة وابنها واختلف زوجها وأخوها في أسبقهما) موتا (في) باب (ميراث الغرقى) مفصلا. فصل إذا شهدت بينة على ميت أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلث ماله و شهدت (بينة أنه أوصى بعتق غانم وهو ثلث ماله ولم تجز الورثة) عتقهما معا (أقرع)
506 بينهما (فمن قرع) أي خرجت له القرعة (عتق سواء اتفق تاريخهما أو اختلف) أو أطلقتا أو إحداهما إذ لا فرق بين متقدم الوصية ومتأخرها وإنما أقرع بينهما ولم يعتق من كل منهما نصفه قياسا على الوصية بمال لأن الاعتاق بعد الموت كالاعتاق في مرض الموت، وقد أقرع النبي (ص) في مرض الموت في حديث عمران بن حصين وتقدم في العتق فكذلك بعد الموت لأن المعنى المقتضى تكميل العتق في أحد العبدين في الحياة موجود بعد الموت. (فلو كانت بينة وارثه فاسقة) ولم تكذب الأجنبية (عتق سالم) بلا قرعة لأن بينة غانم الفاسقة لا تعارض بينته العادلة (ويعتق غانم بقرعة) لاقرار الورثة بالوصية لعتقه أيضا فاقتضى ذلك القرعة بين العبدين لكن لما كانت بينة سالم عادلة عتق أولا لعدم التعارض وأعتقنا غانما بخروج القرعة له، (وإن كانت) الوارثة الشاهدة بعتق غانم (عادلة وكذبت الأجنبية لغا تكذيبها) للأجنبية (دون شهادتها وانعكس الحكم فيعتق غانم) بلا قرعة (ثم وقف عتق سالم على القرعة)، كما لو شهدت بذلك البينتان من غير تكذيب بخلاف غانم فإنه يعتق بلا قرعة لشهادتها بعتقه، وإقرارها أنه لم يعتق سواه، (وإن كانت) الوارثة (فاسقة مكذبة) للعادلة الأجنبية (أو) كانت (فاسقة وشهدت برجوعه عن عتق سالم عتق العبدان) أما سالم فلأنه لم يثبت عتق غانم ببينة تعارض بينة وأما غانم فلاقرارها بعتقه دون الآخر وشهادتها بالرجوع عن الوصية بعتق سالم يتضمن الاقرار بالوصية بعتق غانم وحده فهو كما لو كانت مكذبة للأخرى (ولو شهدت) أي الوارثة (وليست فاسقة ولا مكذبة) للأجنبية (قبلت شهادتها وعتق غانم وحده) لأنها بينة عادلة لم تجر إلى نفسها نفعا فوجب قبولها (كما لو كانت الشاهدة برجوعه أجنبية ولو كان في هذه الصورة) وهي ما إذا كانت الشاهدة برجوعه عن عتق سالم (غانم سدس المال عتقا)، أي العبدان (ولم تقبل شهادتها) بالرجوع من عتق سالم لأنها متهمة بدفع السدس للآخر عنها فلا تقبل شهادتها لذلك. لا يقال الشهادة برجوعه عن عتق سالم وهو ثلث المال تجر إليها ولاء غانم. لأنه يقال: هما يسقطان ولاء سالم أيضا على أن
507 الولاء إنما هو ثبوت سبب الميراث، ومثل ذلك لا ترد الشهادة فيه كما يثبت النسب بالشهادة وإن كان للشاهد يجوز أن يرث المشهود له وتقبل شهادة الانسان لأخيه بالمال وإن جاز أن يرثه (والوارثة العادلة فيما تقوله خبرا لا شهادة) منصوبان على المصدرية بتقوله على حد قعد القرفصاء، وقوله: (كالفاسقة في جميع ما ذكرنا) خبر عن الوارثة أي خبر الوارثة العادلة كشهادة الفاسقة لأن خبرها إقرار فيعمل به كإقرار الفاسقة وشهادتها، (وإن شهدت بينة أنه أعتق سالما في مرضه و) شهدت (بينة أنه أوصى بعتق غانم وكل واحد منهما) أي من العبدين (ثلث المال عتق سالم وحده) لسبق العتق على الوصية، وإن كانت متقدمة في اللفظ لأن الوصية إنما تلزم بالموت بخلاف العتق فإنه كالعطية يلزم من حينه، (وإن شهدت بينة أنه أعتق سالما في مرضه، و) شهدت (بينة أنه أعتق غانما في مرضه عتق أقدمهما تاريخا إن كانت البينتان أجنبيتين، أو كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية) لأن المريض إذا تبرع تبرعات يعجز ثلثه عن جميعها قدم الأول فالأول (وإن سبقت الأجنبية) تاريخا (فكذبتها الوارثة) عتقا أما سالم فلسبق بينته، وأما غانم فمؤاخذة للوارثة بمقتضى قولها: إنه لم يعتق سواه (أو سبقت الوارثة) تاريخا (وهي فاسقة عتقا)، أما سالم فلشهادة البينة العادلة بعتقه فلا تعادلها الفاسقة، وأما غانم فلا قرار الوارثة أنه هو العتيق دون سالم، (وإن جهل أسبقهما) كما لو اتحد تاريخهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، (وكذا لو كانت بينة غانم وارثة) وجهل الأسبق فإنه يقرع بينهما لما سبق، (وإن قالت البينة الوارثة: ما أعتق سالما وإنما أعتق غانما عتق غانم كله) بلا قرعة لاقرار الورثة بعتقه (وحكم سالم كحكمه لو لم تطعن الوارثة في بينته في أنه يعتق) بلا قرعة (إن تقدم تاريخ عتقه) لسبقه (أو خرجت له القرعة) فيما
508 إذا جهل الحال لالغاء طعنها في بينته، (وإلا) أي وإن لم يتقدم تاريخ عتقه بل تأخر إن علم التاريخ أو لم تخرج له القرعة إن جهل (فلا) يعتق سالم كما لو لم تطعن في بينته (وإن كانت) البينة (الوارثة فاسقة) وشهدت بعتق غانم (ولم تطعن في بينة سالم كله) بلا قرعة لان البينة العادلة شهدت بعتقه ولم يوجد ما يعرضها، (وينظر في غانم فإن كان تاريخ عتقه سابقا أو خرجت القرعة له عتق كله) لاقرار الورثة بأنه أعتقه، (وإن كان) عتق غانم (متأخرا أو خرجت القرعة لسالم لم يعتق منه) أي من غانم (شئ) لأن بينته لو كانت عادلة لم يعتق منه إذا منع فسقها أولى، (وإن كانت كذبت) بينة غانم (بينة سالم عتق العبدان)، لأن سالما مشهود بعتقه وغانما مقر له بأن لا يستحق العتق سواه (وتدبير مع تنجيز) في مرض موت (كآخر تنجيزين مع أسبقهما في كل ما قدمنا) لأن المدبر يعتق بالموت فوجب أن يتأخر عن المنجز في الحياة أشبه الموصي بعتقه مع المنجز عتقه. فصل وإن مات عن ابنين مسلم وكافر فادعى كل منهما أنه أي الأب (مات على دينه فإن عرف أصل دينه) من إسلام أو كفر (فالقول قول من يدعيه) لأن الأصل بقاؤه على ما كان عليه (وإن لم يعرف) أصل دينه (فالميراث للكافر إن اعترف المسلم أنه أخوه أو قامت به) أي أنه أخوه (بينة) لأن المسلم لا يقر ولده في دار الاسلام على الكفر فصار معترفا بأن أباه كان كافرا مدعيا إسلامه وأخوه ينكره والقول قول المنكر، (وإلا) أي وإن لم يعترف المسلم بأخوة الكافر ولم تقم بها بينة (ف) - الميراث (بينهما) لتساويهما في الدعوى مع عدم المرجح أشبه ما لو تنازعا عينا في يديهما (وإن أقام كل) واحد (منهما بينة أنه مات على دينه ولم يعرف أصل دينه تعارضتا) وتساقطتا لتعذر الجمع بينهما ويتناصفان التركة كما لو لم تكن بينة، (وإن قال شاهدان نعرفه مسلما و) قال
509 (شاهدان) آخران: (نعرفه كافرا ولم يؤرخا معرفتهم، ولا عرف أصل دينه فالميراث للمسلم)، لأن الاسلام يطرأ على الكفر كثيرا والكفر إذا طرأ على الاسلام لا يقر عليه. (وتقدم الناقلة إذا عرف أصل دينه فهو) أي في جميع ما سبق (كما تقدم)، لأن البينة له على أصل دينه شهادتها على الأصل الذي تعرفه والبينة الأخرى معها علم لم تعلمه الأولى فقدمت عليها كما لو شهد اثنان أن هذا العبد كان ملكا لفلان إلى موته وآخر أنه أعتقه أو باعه في حياته (ولو شهدت بينة أنه مات ناطقا بكلمة الاسلام و) شهدت (بينة أخرى أنه مات ناطقا بكلمة الكفر تعارضتا ولو لم يعرف أصل دينه) لأن البينتين أرختا وقتا واحدا هو ساعة موته فتعارضتا وتساقطتا لتعذر الجمع، (وإن خلف) ميت (أبوين كافرين وابنين مسلمين واختلفوا في دينه فكما تقدم في ابنين مسلم وكافر) لأن هؤلاء مع ثبوت دعواهم لا فرق بين دعواهم ودعوى الابنين. قال في المستوعب: وعلى كل حال يغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين انتهى. قال القاضي: يدفن معناه. وقال ابن عقيل وحده (وكذا لو خلف ابنا كافرا، وامرأة وأخا مسلمين) فعلى ما تقدم (ومتى نصفنا المال فنصفه للأبوين على ثلاثة) للأب ثلثاه، وللأم ثلثه والنصف الآخر للابنين، (و) كذلك إذا نصفنا في الثانية و (نصفه للزوجة والأخ على أربعة) للزوجة ربعه وباقيه للأخ والنصف الآخر للابن المنازع (ولو مات مسلم وخلف زوجة وورثة سواها وكانت الزوجة كافرة ثم أسلمت وادعت أنها سلمت قبل موته) لترث منه (وأنكر الورثة فقولهم) لأن الأصل بقاؤها على الكفر فيكون القول قول الورثة بيمينهم، (وإن ادعى الورثة أنها كانت كافرة ولم يثبت) كونها كانت كافرة (وأنكرتهم) فقولها: (أو ادعوا) أي الورثة (أنه طلقها قبل موته) طلاقا يسقط الإرث (فأنكرتهم
510 فقولها) لأنهم اعترفوا بالزوجية التي هي سبب الإرث وادعوا ما يسقطه والأصل عدمه (وإن اعترفت بالطلاق وانقضاء العدة وادعت أنه راجعها) أي أعادها بعقد جديد (وأنكروا) أي الورثة (فقولهم) لأن الأصل عدم الإعادة، (وإن) اتفقوا على الطلاق و (اختلفوا في انقضاء عدتها فقولها في أنها) أي العدة (لم تنقض) لأنه الأصل (ولو مات مسلم وخلف ابنين مسلم وكافر فأسلم الكافر وقال: أسلمت قبل موت أبي) أو قبل قسم تركته (وقال أخوه: بل بعده) أي أسلمت بعد ذلك، (فلا ميراث له) لأنه مقر بالكفر أو لا مدع للاسلام فيما قبل الموت، أو فيما قبل قسمة التركة والأصل بقاؤه على كفره فيكون القول قول أخيه المسلم بيمينه إلا أن يقيم بينة بدعواه أو بصدقه باقي الورثة (فإن قال: أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر فقال أخوه) المسلم: (بل) مات أبوك (في ذي الحجة، فله الميراث مع أخيه) لأنهما اتفقا على الاسلام في المحرم وإنما اختلفا في أن الموت هل كان قبله أو بعده، والأصل حياة الأب فوجب أن يكون الإرث بينهما (ولو خلف حر ابنا، وابنا كان عبدا فادعى أنه عتق وأبوه حي) وأنكره أخوه (ولا بينة صدق أخوه في عدم ذلك) أي في أنه لم يعتق قبل موت أبيه لأن الأصل بقاء الرق (وإن ثبت عتقه في رمضان، فقال الحر: مات أبي في شعبان، وقال العتيق: بل) مات (في شوال صدق العتيق) لأن الأصل بقاء حياة الأب إلى شوال (وتقدم بينة الحر مع التعارض) أي لو أقام الحر بينة أن أباه مات في شعبان والعتيق بينة أنه مات في شوال قدمت ببينة الحر لأن معها زيادة علم (ولو شهدا) أي اثنان (على اثنين بقتل) زيد مثلا (فشهدا) أي المشهود عليهما (على الشاهدين به) أي أنهما القاتلان (وصدق الولي الكل) أي الأربعة
511 (أو) صدق (الآخرين، أو كذب) الولي (الكل أو) كذب (الأولين فقط فلا قتل ولا دية)، لأن شهادة المشهود عليهما غير معتبرة لأنهما متهمان بالدفع عن أنفسهما بذلك وتصديق الولي لهما غير معتبر وكذا لو صدق الجميع بأن قال: قتلوه كلهم لأن كل اثنين من البينتين تدفع عن نفسها القتل بالشهادة فلا تقبل، وكذا لو أكذب الجميع لأنه يعترف بأن لا حق له عندهم (وإن صدق) الولي الشاهدين (الأولين فقط) أي دون الآخرين (حكم بشهادتهما) لعدم ما يدفعها (وقتل من شهدا عليه) بالقتل وهما الأخيران لثبوت القتل عليهما إن كان عمدا محضا.
512 كتاب الشهادات (واحدها شهادة) مشتقة من المشاهدة لأن الشاهد يخبر عما شاهده يقال شهد الشئ إذا دام ولذلك قيل لمحضر الناس مشهد لمشاهدتهم فيه ما يحضرهم ومنه قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) *. أي علمه برؤية هلاله أو إخبار من رآه. والأصل فيها الاجماع. لقوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) *. الآية، وقوله: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. وقوله (ص): شاهداك أو يمينه. ونحوه مما سبق مفصلا والحاجة داعية إليه لحصول التجاحد قال شريح القضاء جمر فنحه عنك بعودين يعني الشاهدين وإنما الخصم داء والشهود شفاء فأفرغ الشفاء على الداء. (تطلق) الشهادة (على التحمل و) على (الأداء) لقوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * وقال: * (ولا تكتموا الشهادة) *. الآية وإنما خص القلب بالاثم لأنه موضع العلم بها (وهي) أي الشهادة (حجة شرعية تظهر) أي تبين (الحق) المدعى به (ولا توجبه) بل القاضي يوجبه بها، (وهي) أي الشهادة ولو عطفه بالفاء لكان أنسب (الاخبار بما علمه بلفظ خاص) وهو أشهد أو شهدت بكذا (وتحملها) أي الشهادة (في غير حق الله) تعالى (فرض كفاية) لقوله تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * . قال ابن عباس وقتادة والربيع المراد به التحمل للشهادة وإثباتها عند الحاكم فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه، وإن كان عبدا لم
513 يجز لسيده منعه ودخل في ذلك حقوق الآدميين كلها أموالا كانت أو غيرها، (وإذا تحملها) أي الشهادة الواجبة (وجبت كفايتها ويتأكد ذلك في حق ردئ الحفظ) لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب قال في الاختيارات: وحيث امتنعت الشهادة امتنعت كتابتها في ظاهر كلام ابن العباس والشيخ أبي محمد المقدسي (وأداؤها) أي الشهادة في غير حق الله (فرض عين) لقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة) *. (وإن قام بالفرض في التحمل والأداء اثنان سقط) الوجوب (عن الجميع) لحصول الغرض لكن الأداء فرض عين على المذهب كما ذكره أولا خلافا للموفق ومتابعيه، (وإن امتنع الكل) أي من التحمل أو الأداء (أثموا) لقوله تعالى: * (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) *. (ويشترط في وجوب التحمل و) وجوب (الأداء أن يدعى إليهما من تقبل شهادته) لقوله تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) *. (و) أن (يقدر) الشاهد (عليهما بلا ضرر يلحقه في بدنه، أو ماله، أو أهله، أو عرضه، ولا تبذل في التزكية) أي وبلا ضرر يلحقه بتبذل نفسه إذا طلبت منه تزكيتها فإن حصل له ضرر بشئ من ذلك لم تجب لقوله: * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) *. (ويختص الأداء بمجلس الحكم) لأن السماع بغيره لا يحصل به مقصودها كما تقدم، فإن كان الحاكم غير عدل فنقل أبو الحكم عن أحمد كيف أشهد عند رجل ليس عدلا لا يشهد، (ومن تحملها) أي الشهادة بحق آدمي (أو رأى فعلا أو سمع قولا بحق) آدمي (لزمه أداؤها على القريب) عرفا (و) على (البعيد فيما دون مسافة القصر) دون ما فوقها لما فيه من المشقة (والنسب وغيره سواء) أي ذو القرابة والأجنبي مستويان في وجوب الشهادة لهما أو عليهما لقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) *. ولان الشهادة أمانة يلزمه أداؤها كالوديعة، (ولو أدى شاهد وأبى الآخر وقال) لرب الحق: (احلف أنت بدلي أثم) اتفاقا
514 قاله في الترغيب لما تقدم (ولو دعى فاسق إلى تحملها) أي الشهادة (فله الحضور ولو مع وجود غيره لأن التحمل لا يعتبر له العدالة) بخلاف الأداء فلو لم يؤد حتى صار عدلا قبلت (ومن شهد) بحق ولو (مع ظهور فسقه لم يعذر لأنه) أي فسقه (لا يمنع صدقه) قاله في الفروع. (فدل أنه لا يحرم أداء الفاسق و) إلا لعذر يؤيده أن الأشهر (لا يضمن من بان فسقه) ويتوجه التحريم عند من ضمنه ويكون علة لتضمينه (ويحرم أخذ أجرة وجعل عليها) أي الشهادة (تحملا وأداء ولو لم تتعين عليه) لأن فرض الكفاية إذا قام به البعض وقع منه فرضا ولا يجوز أخذ الجعل عليه كصلاة جنازة، (لكن إن عجز) الشاهد (عن المشي أو تأذى به فله أخذ أجرة مركوب من رب الشهادة) قال في الرعاية فأجرة المركوب والنفقة على ربها. قلت: هذا إن تعذر حضور المشهود عليه إلى محل الشاهد لمرض أو كبر أو حبس أو خوف أو خفر انتهى (وفي الرعاية وكذا) أي كالشاهد في أخذ أجرة وجعل (مزك ومعرف، ومترجم، ومفت، ومقيم حد، و) مقيم (قود وحافظ مال بيت المال و محتسب والخليفة) واقتصر عليه في الفروع وتقدم الكلام على المفتي مع القضاء (ولا يقيمها) أي الشهادة (على مسلم بقتل كافر) قاله في الفروع وظاهره يحرم ولعل المراد عند من يرى قتله وأما لوجوب الدية فيجب لأنه حق آدمي فيدخل في عموم ما سبق، (ويباح لمن عنده شهادة بحد لله) تعالى (إقامتها) وقال القاضي والموفق وجمع تركها أولى وجزم في آخر الرعاية بوجوب الاغضاء عن ستر المعصية، وتصح إقامة الشهادة بحق لله تعالى (من غير تقدم دعوى) به وتقدم (ولا تستحب) الشهادة بحق الله تعالى لحديث: من ستر عورة مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة. (وتجوز الشهادة بحد قديم) كالشهادة بالقصاص ولأنه قد
515 يعرض للشاهد ما يمنعه الشهادة حينها ثم يتمكن بعد (و) يجوز (للحاكم أن يعرض للشهود بالوقف عنها في حق الله تعالى كتعريضه) أي الحاكم (للمقر به) أي بحد الله تعالى (ليرجع) عن إقراره لقوله (ص) للسارق ما إخالك سرقت مرتين وأعرض عن المقر بالزنا حتى أقر أربعا وقال عمر لزياد بعد أن شهد عنده الثلاثة على المغيرة بالزنا وجاء زياد ليشهدها عندك يا سلح العقاب فصاح به فقال: رأيت أمرا قبيحا فلما لم يصرح بالزنا فرح عمر وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكره أحد منهم، (ومن عنده شهادة) بحق (لآدمي يعلمها لم يقمها) أي الشاهد (حتى يسأله) رب الحق إقامتها لقوله (ص): خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم ينذرون ولا يوفون ويشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يأتمون. رواه البخاري وأما قوله (ص): ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها. رواه مسلم فهو فيما إذا لم يعلم المشهود له الحال (ولا يقدح) أداؤها قبل استشهاده (فيه) أي في شهادته للحاجة (كشهادة حسبة) في حقوق الله تعالى (ويقيمها) أي الشاهد (بطلبه) أي المشهود له (ولو لم يطلبها حاكم) لأنها حق للمشهود له، فإذا طلبه وجب (ونحوه) كالمحكم (فإن لم يعلمها استحب له) أي الشاهد (إعلامه فإن سأله أقامها ولو لم يطلبها حاكم) لما تقدم (ويحرم كتمها) أي الشهادة بحق آدمي لقوله تعالى: * (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) *. (ويسن الاشهاد في كل عقد سوى نكاح) كالبيع والإجارة و الرهن لقوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) *. وصرفه عن الوجوب قوله: فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته. وقيس على البيع باقي العقود غير النكاح (فيجب) أن يشهد اثنان لأنها شرط فيه. وتقدم في بابه (ولا يجوز للشاهد أن يشهد إلا بما يعلمه) لقوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) *.
516 ولحديث ابن عباس: سئل النبي (ص) عن الشهادة، قال: هل ترى الشمس؟ قال نعم. قال على مثلها فاشهد أو دع. رواه الخلال في جامعه بأن يزداد المشهود به ابتداء (برؤية أو سماع) فيشهد من رأى زيدا يقرض عمرا ونحوه أو سمعه يبيعه أو يقر له، وإن احتمل أنه أقاله البيع أو وفاه القرض أو ما أقر له به. فالمعتبر العلم في أصل المدرك لما في دوامه كما أشار إليه القرافي وإلا لتعطلت (غالبا لجوازه ببقية الحواس قليلا) كدعوى مشترى مأكول عيبه لمرارة أو نحوها فتشهد البينة بما أدركته بالذوق أو الشم أو الحس أو اللمس (فالرؤية تختص بالأفعال كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة ونحو ذلك) من العيوب المرئية (فإن جهل) الشاهد (حاضرا) أي جهل اسمه ونسبه (جاز أن يشهد) عليه (في حضرته) فقط (لمعرفة عينه. وإن كان) المشهود عليه (غائبا) وجهل اسمه ونسبه لم يشهد حتى يعرفه (ف) - إن (عرفه) به (من يسكن إليه جاز أن يشهد ولو على امرأة) ولو كان الذي عرفه واحدا. قال في شرح المنتهى على الأصح، (وإن لم تتعين معرفتها لم يشهد مع غيبتها) للجهالة بها وبما يعرفها به الحاكم، (ويجوز أن يشهد على عينها إذا عرف عينها ونظر إلى وجهها. قال) الامام (أحمد: لا يشهد على امرأة حتى ينظر إلى وجهها، وهذا محمول على الشهادة على من لم يتيقن معرفتها. فأما من تيقن معرفتها وعرف صوتها يقينا فيجوز) له أن يشهد عليها لحصول المعرفة بها (وقال) الامام (أحمد أيضا: لا يشهد على امرأة إلا بإذن زوجها) وعلله بأنه أملك لعصمتها وقطع به في المبهج للخبر وعلله بعضهم بأن النظر حق للزوج وهو سهو. قاله في الفروع (وهذا) أي نص أحمد (يحتمل) أن المراد به (أنه لا يدخل عليها بيتها إلا بإذن زوجها) لأن البيت حقه فلا يدخله بغير إذن.
517 (ولا تعتبر إشارته) أي الشاهد (إلى مشهود عليه حاضر مع نسبه ووصفه) للحاكم فإن لم يسمه ولم ينسبه ولم يصفه اعتبرت إشارته إليه، (وإن شهد بإقرار لم يعتبر) لصحة الشهادة (ذكر سببه) أي الاقرار بذلك ولا سبب الحق الذي أقر به (ك) - ما لو شهد (باستحقاق مال) فإنه لا يعتبر ذكر سبب الاستحقاق، ويحتمل أن يكون المعنى كما لا يعتبر ذكر استحقاق المال في الشهادة على الاقرار به، كما لا يشترط ذلك لصحة الدعوى بالاقرار (ولا) يعتبر أيضا (قوله) أي الشاهد أنه أقر (طوعا في صحته مكلفا) رشيدا (عملا بالظاهر) أي ظاهر الحال لأن من سوى ذلك يحتاج إلى تقييد الشهادة بتلك الحال، (وإن شهد) الشاهد (بسبب يوجب الحق) كتفريط في أمانة أو تعد فيها (أو) شهد ب (- استحقاق غيره) أي غير ما يوجبه السبب بأن قال: إن هذا يستحق في ذمة هذا كذا (ذكره) أي اشترط ذكر الموجب للاستحقاق لأنه قد لا يعتقده الحاكم موجبا (والسماع ضربان) الأول (سماع من المشهود عليه كالطلاق، والعتاق، والابراء، والعقود) من البيع والإجارة والشركة والمضاربة والصلح ونحوها، (وحكم الحاكم، وإنفاذه والاقرار) بنسب أو مال أو قود أو نحوه (ونحوها) أي المذكورات كالخلع (فيلزمه) أي الشاهد (أن يشهد به على من سمعه) منه سواء وقت الحاكم الحكم أولا، (وإن لم يشهد به لاستحقاقه) أي الشاهد عنده تحمله الشهادة كأن يكون لانسان على آخر حق وهو ينكره بحضور من يشهد عليه فيسمع إقراره من لا يعلم به المقر، فإنه يشهد عليه بما سمعه منه لأنه حصل له العلم بالمشهود به، كما لو رآه يفعل شيئا من غير أن يعلم الفاعل أن أحدا يراه (أو مع العلم) من المسموع منه ذلك (به) أي بالشاهد (وإذا قال المتحاسبان: لا يشهدوا علينا بما يجري بيننا. لم يمنع ذلك الشهادة) عليهما بما جرى بينهما (و) لم يمنع (لزوم إقامتها) لأن الشاهد قد علم ما يشهد به فيدخل في عموم الأدلة (و) الضرب الثاني (سماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا به وبها) أي بدون الاستفاضة وهي أن يشتهر المشهود به بين الناس فيتسامعون به بإخبار بعضهم لبعض (كالنسب). قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا ممن أهل العلم منع منه ولو منع ذلك لاستحالت
518 معرفته به إذ لا سبيل إلى معرفته قطعا بغير ذلك، ولا تمكن المشاهدة فيه ولو اعتبرت المشاهدة لما عرف أحد أباه ولا أمه ولا أحدا من أقاربه (والموت، والملك المطلق) لان الموت قد لا يباشره إلى الواحد وإلا ممن يحضره ويتولى غسله وتلقينه والملك قد يتقادم المسبب المترتب عليه فلو توقفت الشهادة على المباشرة لأدى ذلك إلى العسر وخاصة مع طول الزمان (والنكاح عقدا، ودواما، والطلاق، والخلع، وشرط الوقف) بأن يشهد أن هذا وقف زيد إلا زيدا أوقفه (ومصرفه) أي الوقف لدعاء الحاجة إلى ذلك خصوصا مع طول المدة (والعتق، والولاء، والولاية، والعزل، وما أشبه ذلك فيشهد بالاستفاضة في ذلك كله) لأن هذه الأشياء تتعذر الشهادة عليها في الغالب بمشاهدتها ومشاهدة أسبابها فجازت الشهادة عليها بالاستفاضة كالنسب (ولا) يجوز أن (يشهد بها) أي الاستفاضة (إلا) إذا علم ما شهد به (عن عدد يقع العلم بخبرهم) قال الخرقي ما تظاهرت به الاخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به (ولا يشترط) أي في الشهادة عن الاستفاضة (ما يشترط في الشهادة على الشهادة) من عدالة الأصل وتعذر حضورهم بموت ونحوه مما يأتي (ويكتفي بالسماع) بغير استرعاء (ويلزم) القاضي (الحكم بشهادة لم يعلم تلقيها من الاستفاضة) هذه عبارة الفروع والتنقيح، قال في المستوعب: ومتى لم يعلم الحاكم أنها تلقيت من طريق الخبر لزمه قبولها والحكم بها قولا واحدا، (ومن قال: شهدت بها) أي الاستفاضة (ففرع) هكذا في الفروع والتنقيح وذكر ابن الزاغوني: إن شهد أن جماعة بيوتهم أخبروه بموت فلان أو أنه ابنه أو أنها زوجته فهي شهادة الاستفاضة وهي صحيحة، وكذا أجاب أبو الخطاب يقبل في ذلك ويحكم فيه بشهادة الاستفاضة، وأجاب أبو الوفاء: إن صرح بالاستفاضة أو استفاض بين الناس قبلت في الوفاة والنسب جميعا (وفي المغني: شهادة أصحاب المسائل شهادة
519 استفاضة لا شهادة على شهادة، وقال القاضي: الشهادة بالاستفاضة خبر لا شهادة، وقال تحصل بالنساء والعبيد) وقال يحكم القاضي بالتواتر، (وإن سمع النساء فأقر بنسب أب أو ابن) أو نحوه (فصدقه المقر له جاز أن يشهد له به) أي بالنسب لتوافق المقر والمقر له على ذلك، (وإن كذبه) أي كذب المقر له المقر فيما أقر به من النسب (لم) يجز له (أن يشهد) له به لتكذيبه إياه (وإن سكت) المقر له فلم يصدق ولم يكذب (جاز) للسامع (أن يشهد) له به لأن السكوت في النسب إقرار به بدليل أن من بشر بولد فسكت لحقه نسبه كما لو أقر به لأن السكوت في الانتساب الباطل غير جائز بخلاف الدعاوى ولان النسب يغلب فيه الاثبات ولذلك يلحق بالامكان في النكاح، (ومن رأى شيئا في يد إنسان مدة طويلة يتصرف فيه تصرف الملاك عن نقض وبناء وإجارة وإعارة ونحوها جاز) للرائي (أن يشهد له بالملك) لأن التصرف فيه على هذا الوجه من غير منازع يدل على صحة الملك فجاز أن يشهد به (والورع أن لا يشهد إلا باليد والتصرف) لأنه أحوط (خصوصا في هذه الأزمنة) وإن لم يره يتصرف كما ذكر مدة طويلة شهد باليد والتصرف فقط. فصل ومن شهد بنكاح أو غيره من العقود فلا بد من ذكر شروطه لاختلاف الناس في بعض الشروط فربما يكون ترك شرط يرى الشاهد صحته بدونه دون الحاكم، (وتقدم في) باب (طريق الحكم) وصفته وكذا الدعوى فيعتبر في نكاح أن يشهد أنه تزوجها برضاها بولي مرشد وشاهدي عدل، وأنها حين العقد كانت خلية من الموانع (وإن شهد برضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات، وأنه شرب من ثديها أو من لبن حلب منه) لان
520 الناس يختلفون في عدد الرضعات وفي الرضاع المحرم ولا بد أن يشهد أنه ارتضع (في الحولين) لأن الرضاع بعدهما غير محرم (فلا يكفي أن يشهد) الشاهد (أنه ابنها من الرضاع) لاختلاف الناس فيما يصير به ابنها (وإن شهد بقتل احتاج أن يقول: ضربه بسيف أو غيره أو جرحه فقتله أو مات من ذلك، وإن قال) الشاهد: (جرحه فمات لم يحكم به) لجواز أن يكون مات بغير هذا (وإن شهد بزنا ذكر المزني بها) لئلا تكون ممن تحل له، (وأين) أي في أي مكان، (وكيف) زني بها من كونهما نائمين أو جالسين أو قائمين؟ (وفي أي زمان) زني بها لتكون الشهادة منهم على فعل واحد لجواز أن يكون ما شهد به أحدهما غير ما شهد به الآخر (وأنه رأى ذكره في فرجها) لأن اسم الزمان يطلق على ما لا يوجب الحد وقد يعتقد الشاهد ما ليس بزنا زنا فاعتبر ذكر صفته واعتبر ذكر المرأة لئلا تكون ممن تحل له أوله في وطئها شبهة، وتقدم في الزنا لا يعتبر ذكر المزني بها ولا مكانه مع ما فيه (وإن شهد بسرقة اشترط ذكر المسروق منه، و) ذكر (النصاب، و) ذكر (الحرز و) ذكر (صفة السرقة) مثل أن يقول: خلع الباب ليلا وأخذ الفرس أو زال رأسه عن ردائه وهو نائم في المسجد أو نحو ذلك لتمييز السرقة الموجبة للقطع من غيرها، (وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف) بأن يقول: قال له: يا زاني أو يا لوطي أو نحو ذلك ليعلم كونه يوجب الحد أولا، (وإن شهد، أن هذا العبد ابن أمته أو) شهد أن (هذه الثمرة من ثمرة شجرته لم يحكم بهما حتى يقولا: ولدته) في ملكه (وأثمرته في ملكه) لاحتمال أن تكون ولدته أو أثمرته قبل ملكه فلا يكونان له بخلاف ما إذا قالا ولدته، أو أثمرته في ملكه فإنهما يكونان له لأنهما نماء ملكه (وإن شهدا أنه اشتراها) أي العين المدعي بها (من فلان أوقفها عليه أو أعتقها لم يحكم بها حتى يقولا وهي ملكه) لأنه يجوز أن يكون باع أو وقف أو أعتق ما ليس في ملكه، ولأنه لو لم يشترط لتمكن كل من أراد أن ينزع شيئا من يد غيره أن يتفق هو وشخص ويبيعه إياه بحضرة شاهدين ثم ينزعه المشتري من يد صاحبه، (وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه أو)
521 أن هذا (الطائر من بيضه أو) أن هذا (الدقيق من حنطته حكم له بها) لأنه لا يتصور أن يكون الغزل من قطنه أو الطائر من بيضته أو الدقيق من حبه قبل ملكه ذلك ولان ليس غيره وإنما تغيرت صفته فكان البينة قالت: هذا غزله وطيره ودقيقه و (لا) يحكم له بالبيضة (إن شهدا أن هذه البيضة من طيره حتى يقولا: باضتها في ملكه) لجواز أن تكون باضتها قبل ملكه إياها، (وإن شهدا لمن ادعى إرث ميت أنه وارثه لا يعلمان له وارثا سواه حكم له بتركته سواء كانا) أي الشاهدان (من أهل الخبرة الباطنة) بصحبة أو معاملة أو جوار (أو لا) من أهل الخبرة الباطنة لأنه قد ثبت إرثه والأصل عدم الشريك فيه (ويعطى ذو الفرض فرضه كاملا)، ولا يوقف له شئ حيث لا حجب كزوجة مع الأخ المشهود له بذلك فتعطى الربع كاملا، وقيل: اليقين وهو ثمنا عائلا للزوجة وسدسا عائلا للام (وإن قالا) الشاهدان: (لا نعلم له وارثا غيره في هذه البلد أو بأرض كذا فكذلك) لأن الأصل عدمه في غير هذا البلد وقد نفيا العلم به في هذا البلد فصار في حكم المطلق و (لا) يحكم له بإرثه (إن قالا: لا نعلم له وارثا في البيت ثم إن شهدا أن هذا وارثه شارك الأول) لأنه لا تنافي بينهما ولو كانا قالا ولا نعلم له وارثا غيره لأن الاثبات يقدم على النفي، (وإن شهدت بينة أن هذا ابنه لا وارث له غيره و) شهدت (بينة أخرى لآخران هذا ابنه لا وارث له غيره ثبت نسبهما) لعدم التنافي بينهما. (وقسم المال بينهما) عملا بما أثبتته كل من البينتين وإلغاء للنفي، وإن شهد أنه وارثه فقط سلم إليه بكفيل. قال الموفق في فتاويه إنما احتاج إلى إثبات أن لا وارث له سواه لأنه يعلم ظاهرا فإنه بحكم العادة يعرفه جاره ومن يعرف باطن أمره بخلاف دينه على الميت لا يحتاج إلى إثبات لا دين سواء لخلفاء الدين. تنبيه: قال الأزجي فيمن ادعى إرثا لا يحوج في دعواه إلى بيان السبب الذي يرث به وإنما يدعي الإرث مطلقا لأن أدنى حالاته أن يرثه بالرحم وهو صحيح على أصلنا، فإذا أتى ببينة فشهدت له بما ادعاه من كونه وارثا حكم له به (ولا ترد الشهادة على النفي
522 المحصور) بدليل المسألة المذكورة ومسألة الاعسار والبينة فيه يثبت ما يظهر ويشاهد بخلاف شهادتهما لا حق له عليه (و) يدخل في كلامهم (إن كان النفي محصورا قبلت كقول الصحابي) دعي أي النبي (ص) إلى الصلاة وكان يأكل لحما مشويا من شاة يحتز منه بالسكين، (فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ) قال القاضي: لأن العلم بالترك والعلم بالفعل سواء في هذا المعنى، ولهذا تقول: إن من قال: صحبت فلانا في يوم كذا فلم يقذف فلانا قبلت شهادته كما تقبل في الاثبات وأطال فيه في الفروع، (ولو شهد اثنان في محفل على واحد منهم أنه طلق أو أعتق قبل، وكذا لو شهدا على خطيب أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا لم يشهد به غيرهما مع المشاركة في سمع وبصر). قلت: شهادتهما الكمال والنصائب، (ولا يعارضه قولهم) أي الأصحاب (إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي على نقله) أي تدعو الحاجة إلى نقلها (مع مشاركة خلق كثير رد) قوله للفرق بين شهادة واحد وشهادة اثنين وبين تقييدهم بكون ذلك الشئ مما تتوفر الدواعي على نقله وبين عدم ذلك القيد، (وإن شهدا أنه طلق) من نسائه واحدة ونسيا عينها (أو) شهدا أنه (أعتق) من أرقائه رقبة ونسيا عينها (أو) شهدا أنه (أبطل من وصاياه واحدة ونسيا عينها لم يقبل) منهما ذلك لأنها شهادة بغير معين فلا يمكن العمل بها (وتصح شهادة مستخف) وهو المتواري عن المشهود عليه رواه سعيد بإسناد رجاله ثقات عن عمرو بن حرث ولان الحاجة تدعو إلى ذلك بأن يقر الخصم سرا ويجحد جهرا وتقدم، (و) تصح (شهادة من سمع مكلفا يقر بحق أو) بعقد أو (عتق أو طلاق أو) سمعه (يشهد شاهدا بحق أو يسمع الحاكم يحكم أو) سمع الحاكم (يشهد على حكمه وإنفاذه ويلزمه أن يشهد بما سمع) من ذلك ونحوه لأن المعتمد عليه السماع وهو موجود ولان أبا بكر وأصحابه شهدوا على المغيرة ولم يقل عمر: هل أشهدكم أولا؟ وكذلك عثمان لم يسأل الذين شهدوا على الوليد بن عقبة بذلك ولم يقل هذا أحد من الصحابة ولا غيرهم وعنه لا كالشهادة على الشهادة، وفرق الموفق بأن الشهادة على الشهادة ضعيفة فاعتبر تقويتها بالاستدعاء
523 فصل وإن شهد أحد الشاهدين أنه أقر بقتله عمدا أو شهد أنه أقر (قتله عمدا وشهد الآخر أنه أقر بقتله أو قتله وسكت) عن صفة القتل (ثبت القتل) لاتفاق الشاهدين عليه (وصدق المدعى عليه في صفته) أي القتل من كونه عمدا أو خطأ لأنها لم تثبت (وإن شهدا بفعل متحد في نفسه كإتلاف ثوب ونحوه وقتل زيد) ونحوه، واختلفا في وقته ونحوه لم تكمل البينة للتنافي، (أو) شهدا بفعل متحد (باتفاقهما كسرقة وغصب) اتفقا على اتحادهما، (واختلفا في وقته) أي الفعل المذكور بأن قال أحدهما: فعله يوم الخميس، والآخر: يوم الجمعة (أو) اختلفا في (مكانه أو) في (صفة متعلقة به كلونه وآلة قتل) بأن قال أحدهما: قتله بسيف، والآخر: بسكين ونحو ذلك (مما يدل على تغاير الفعلين لم تكمل البينة) للتنافي لأن كل واحد من الشاهدين يكذب الآخر فيتعارضان ويسقطان كما في القتل. (فلو شهد أحدهما أنه غصب ثوبا أحمر وشهد الآخر أنه غصب ثوبا أبيض) لم تكمل البينة (أو شهد أحدهما أنه غصب اليوم وشهد الآخر أنه غصب أمس لم تكمل البينة) لأن ما شهد به أحدهما غير ما شهد به الآخر (وكذا لو شهد) أحدهما (أنه تزوجها أمس) وشهد (الآخر أنه تزوجها اليوم أو شهد أحدهما أنه سرق مع الزوال كيسا أبيض وشهد آخر أنه سرق مع الزوال كيسا أسود، أو شهد أحدهما أنه سرق هذا الكيس غدوة، وشهد الآخر أنه سرقه عشية، وكذا القذف إذا اختلف الشاهدان في وقت قذفه) بأن شهد أحدهما أنه
524 قذفه يوم الخميس والآخر أنه قذفه يوم الجمعة فلا تكمل البينة في ذلك كله. أما في الأفعال فلما تقدم من التنافي، وأما النكاح فلأنه لم يشهد بكل عقد إلا شاهد واحد فلم يثبت. وأيضا للشهادة شرط في النكاح، فإذا اختلف في الوقت لم يتحقق حصول الشرط فلم يثبت المشروط مع عدم تحقق شرطه، وأما القذف فلان البينة لم تكمل به، ولان اختلاف الشهود شبهة والحد يدرأ بها، (وإن أمكن تعدده) أي الفعل كالسرقة والغصب (ولم يشهدا باتحاده) واختلفا في مكانه أو وقته ونحوه (فبكل شئ شاهد فيعمل بمقتضى ذلك ولا تنافي) لجواز التعدد، (وإن كان بدل كل شاهد بينة) تامة (ثبتا هنا) أي حيث أمكن التعدد ولم يشهدوا باتحاده، (إن ادعاهما) أي الفعلين المشهود بهما المدعي قبل أداء الشهود الشهادة، (وإلا) بأن ادعى أحدهما وحده ثبت (ما ادعاه) دون ما لم يدعه لاشتراط تقدم الدعوى على الشهادة (وإن كان الفعل) المشهود به (مما لا يمكن تكراره كقتل رجل بعينه) وعين كل اثنين وقتا أو مكانا ونحوه (تعارضتا) للتنافي وكذا لو أمكن تكراره لكن شهدوا باتحاده، (ولو كانت الشهادة على إقرار بفعل) من غصب أو سرقة ونحوها (أو) على إقرار (بغيره) من بيع أو إجارة (ولو) كان المقر به (نكاحا أو قذفا) واختلفا في وقت الاقرار أو مكانه ونحوه (جمعت) البينة لأنهما وإن كانا إقرارين فهما إقرار بشئ واحد (فلو شهد أحدهما أنه أقر بألف أمس و) شهد (الآخر أنه أقر بألف اليوم أو شهد أحدهما إنه باعه داره أمس و) شهد (آخر أنه باعه إياها اليوم كملت) البينة (وثبت البيع) لأن المشهود به شئ واحد يجوز أن يعاد مرة بعد أخرى فلم يؤثر كما لو شهد أحدهما بالعربية والآخر بالفارسية (و) ثبت (الاقرار) في الصورة الأولى لما تقدم، (وإن شهد واحد بالفعل وآخر على إقراره) بالفعل كأن شهد واحد أنه سرق وآخر أنه أقر أنه سرق (جمعت) البينة نص عليه لقصة الوليد في شرب الخمر (وإن شهد واحد بعقد نكاح) وشهد آخر على إقراره بعقد لم تجتمع، (أو) شهد واحد على (قتل خطأ وآخر على إقراره) بقتل الخطأ (لم تجمع) البينة لأن الذي يشهد به أحدهما غير الذي يشهد به لآخر (ولمدعي القتل أن يحلف مع أحدهما) لأن قتل الخطأ يوجب الدية فهو مما
525 يقصد به المال فيثبت بشاهد ويمين، (ويأخذ الدية) إذا حلف ومتى حلف مع شاهد الفعل فالدية على العاقلة ومع شاهد الاقرار ففي مال القاتل، (ومتى جمعنا الشهادة (مع اختلاف وقت في قتل أو طلاق، فالعدة والإرث يليان آخر الديتين) لأن الأصل بقاء الحياة والزوجية إلى آخر المدة، (وإن شهد شاهد أنه أقر له بألف و) شهد (آخر أنه أقر له بألفين أو شهد أحدهما أن له عليه ألفا و) شهد (آخر أن له عليه ألفين كملت بينة الألف وثبت) الألف لاتفاقهما عليه كما لو لم يزد أحدهما على صاحبه (وله) أي المدعي (أن يحلف مع شاهده على الألف الأخرى) لأن المال يثبت بشاهد ويمين. قال في الشرح: وهذا إذا أطلقا الشهادة. ولم تختلف الأسباب أو الصفات (ولو شهدا بمائة و) شهد (آخران بخمسين دخلت) الخمسون (فيها) أي المائة لاشتمالها عليها (إلا مع ما يقتضي التعدد) بأن اختلفت الأسباب أو الصفات كما لو شهدت إحدى البينتين بمائة من ثمن مبيع أو صحاح، والأخرى بخمسين من قرض أو مكسرة (فيلزمانه) أي المائة والخمسون، (ولو شهد واحد بألف من قرض و) شهد (آخر بألف من ثمن مبيع لم تكمل) الشهادة لأن كلا منهما غير الآخر وله أن يحلف مع كل شاهد ويأخذ ما شهد به، (ولو شهد واحد بألف و) شهد (آخر بألف من قرض كملت) البينة حملا للمطلق على المقيد، (وإن شهدا أن له عليه ألفا ثم قال أحدهما) أي الشاهدين (قضاه بعضه بطلت شهادته) لأن ما قضاه لم يبق عليه فيتناقض كلامه فيفسد وفارق ما لو شهد بألف ثم قال: لا بل بخمسمائة لأن ذلك رجوع عن الشهادة بخمسمائة وإقرار بغلط نفسه، (وإن شهدا أنه أقرضه ألفا، ثم قال أحدهما: قضاه خمسمائة صحت شهادتهما بالألف) لأن الوفاء لا ينافي القرض فيحتاج إثبات قضاء الخمسمائة إلى شاهد آخر أو يمين ولا يحل لمن أخبره عدل باقتضاء الحق أو انتقاله أن يشهد به
526 (وإذا كانت له بينة بألف فقال: أريد أن تشهدا لي بخمسمائة لم يجز إذا كان الحاكم لم يول الحكم فوقها) نص عليه وقدمه أئمة المذهب وصححه الموفق وجزم به في الوجيز، لقوله تعالى: * (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها) *. ولأنه لو ساغ له ذلك لساغ للقاضي أن يقضي ببعض ما شهد به الشاهد، وقال القاضي في الأحكام السلطانية: للشاهد أن يشهد بالألف والقاضي يحكم بالقدر الذي جعل له الحكم فيه وذكره نصا، وقال أبو الخطاب: يجوز لأن مالك الشئ مالك لبعضه فمن شهد بألف فقد شهد بخمسمائة. تنبيه: قوله إذا كان الحاكم لم يول الحكم فوقها. ذكره في المحرر وتبعه في الفروع والوجيز والمبدع زاد في الوجيز وإلا جاز. قال ابن قندس في حواشي المحرر. وهذا مشكل من جهة المعنى والنقل. قال: ولهذا لم يذكره في المقنع والكافي لأنه والله أعلم فهم أنه ليس بقيد يحترز به وأطال فيه، ولهذا قال في المنتهى: ولو كان الحاكم لم يول الحكم فوقها. باب شروط من تقبل شهادته والحكمة في اعتبارها حفظ الأموال والاعراض والأنفس أن تنال بغير حق، فاعتبرت أحوال الشهود بخلوهم عما يوجب التهمة فيهم ووجوب ما يوجب تيقظهم. (وهي ستة أحدها البلوغ فلا تقبل شهادة من هو دونه في جراح، ولا) في (غيره ولو ممن) أي صغير (هو في حال أهل العدالة) لقوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * . والصبي لا يسمى رجلا، ولأنه غير مقبول القول في حق نفسه ففي حق غيره أولى، ولأنه غير كامل العقل فهو في معنى المعتوه (الثاني: العقل وهو نوع من العلوم الضرورية) كالعلم بأن الضدين لا يجتمعان ونحوه. قال شيخ الاسلام زكريا الأنصاري في
527 شرح آداب البحث: قال أي الغزالي ويشبه أن يكون الاسم لغة واصطلاحا لتلك الغريزة وإنما أطلق على المعلوم مجازا من حيث إنها ثمرته كما يعرف الشئ بثمرته فيقال العلم هو الخشية، (والعاقل: من عرف الواجب عقلا الضروري وغيره) كوجود الباري سبحانه وكون الواحد أقل من الاثنين (و) عرف (الممكن) كوجود العالم (و) عرف (الممتنع) وهو المستحيل كاجتماع الضدين وكون الجسم الواحد ليس في مكانين (و) عرف (ما يضره وما ينفعه غالبا) لأن الناس لو اتفقوا على معرفة ذلك لما اختلفت الآراء (فلا تقبل شهادة مجنون و) لا (معتوه) لأنه لا يمكنه تحمل الشهادة ولا أداؤها لاحتياجها إلى الضبط وهو لا يعقله (ويقبل ممن يخنق أحيانا) إذا شهد (في حال إفاقته) لأنها شهادة من عاقل أشبه من لم يحن، (الثالث: الكلام فلا تقبل شهادة أخرس ولو فهمت إشارته) لأن الشهادة يعتبر فيها اليقين، ولذلك لا يكتفي بإشارة الناطق، وإنما اكتفى بإشارة الأخرس في أحكامه المختصة به للضرورة، (إلا إذا أداها) الأخرس (بخطه) فتقبل (الرابع: الاسلام فلا تقبل شهادة كافر) لقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. والكافر ليس منا ولو قبل شهادة غير المسلمين لم يكن. لقوله: منكم فائدة ولان الكافر غير مأمون، (ولو) كان الكافر (من أهل الذمة. ولو) شهد الكافر (على مثله) لمفهوم ما سبق. وحديث جابر أن النبي (ص) أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض. رواه ابن ماجة ضعيف فإنه من رواية مجالد ولو سلم فيحتمل أنه أراد اليمين لأنها تسمى شهادة. قال الله تعالى: * (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) *. (إلا رجال أهل الكتاب بالوصية في السفر ممن حضر الموت من مسلم وكافر عند عدم مسلم فتقبل شهادتهم في هذه المسألة فقط، ولو لم تكن لهم ذمة ويحلفهم الحاكم وجوبا بعد العصر) لخبر أبي موسى. قال ابن قتيبة لأنه وقت تعظمه أهل الأديان (مع ريب) أي شك. (ما خانوا ولا حرفوا وأنها لوصية الرجل) الميت
528 (فإن عثر) أي اطلع (على أنهما استحقا إثما حلف اثنان من أولياء) أي ورثة (الموصي بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما ولقد خانا وكتما ويقضي لهم) أي الورثة الموصي لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) *. الآيات، نزلت في تميم الداري وعدي بن زيد شهدا بوصية أي رجل من بني سهم سمي. رواه البخاري. وحديث ابن عباس: وقضى به أبو موسى الأشعري وأخبر أنه كان في عهد رسول الله (ص). رواه أبو داود ورجاله ثقات. قال ابن عمر آخر سورة نزلت المائدة رواه الترمذي، وقال حسن غريب. قالت عائشة: ما وجدتم فيها من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه. رواه أحمد وقضى ابن مسعود بذلك في زمن عثمان. رواه أبو عبيد قال ابن المنذر وبهذا قال أكابر الماضين الآية على أنه أراد من غير عشيرتكم لا يصح لأن جماعة منهم ابن مسعود وابن عباس قالوا: من غير ملتكم ودينكم ولان الشاهدين من المسلمين لا قسامة عليهما ولا يصح حملها على التحمل لأنه أمر بإطلاقهم ولا يمين في التحمل وحملها على اليمين غير مقبول لقوله تعالى: * (ولا نكتم شهادة الله) *. ولأنه عطف على ذوي العدل من المؤمنين وهما شاهدان (الخامس: الحفظ، فلا تقبل شهادة مغفل ولا معروف بكثرة غلط ونسيان) لأن الثقة لا يحصل بقوله لاحتمال أن تكون شهادته مما غلط فيها وسها، ولأنه ربما شهد على غير من استشهد عليه أو بغير ما شهد به أو لغير من أشهده وعلم منه أنها تقبل ممن يقبل منه ذلك لأن أحدا لا يسلم من الغلط مرة والنسيان (السادس: العدالة ظاهرا وباطنا) لقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. وقوله: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) *. وقرئ بالمثلثة، ولان غير العدل لا يؤمن منه أن يتحامل على غيره فيشهد عليه بغير حق. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت - والقانع الذي ينفق عليه أهل البيت رواه أحمد وأبو داود (وهي) أي العدالة (استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله) لأن العدالة ضد الجور، والجور الميل،
529 فالعدل الاستواء في الأحوال كلها (ويعتبر لها) أي العدالة (شيئان: الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض بسننها الراتبة فلا تقبل) الشهادة (إن داوم على تركها) أي الرواتب (لفسقه) قال القاضي أبو يعلى: من داوم على ترك السنن الراتبة أثم وهو قول إسحاق ابن راهويه. وقال المحققون: نرد شهادته لذلك لما فيه من التهاون بالسنن المؤكدة. قال في الفروع: ومراده أي القاضي أنه يسلم من ترك الفرض وإلا فلا يأثم بسنة (واجتناب المحرم) لأن من أدى الفرائض واجتنب المحارم عد صالحا عرفا، فكذا شرعا (فلا يرتكب كبيرة ولا يدمن على صغيرة) لأن اعتبار اجتناب كل المحارم يؤدي أن لا تقبل شهادة أحد، لأنه لا يخلو من ذنب ما لقوله تعالى: * (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) * مدحهم لاجتنابهم ما ذكر. وإن وجدت منهم الصغيرة. ولقوله (ص): إن تغفر اللهم تغفر جما، وأي عبد لك لا ألما. أي لم يلم. ونهى الله تعالى عن قبول شهادة القاذف، وقيس عليه كل مرتكب كبيرة، ولان من لم يرتكب كبيرة وأدمن على الصغيرة لا يعد مجتنبا للمحارم. وقال في الاختيارات: العدل في كل زمان ومكان وطائفة بحسبها فيكون الشهيد في كل قوم من كان ذا عدل فيهم، وإن كان أو كان في غيرهم لكان عدله على وجه آخر ولهذا يمكن الحكم بين الناس، وإلا فلو اعتبر في شهود كل طائفة أن لا يشهد عليهم إلا من يكون قائما بأداء الواجبات وترك المحرمات كما كانت الصحابة لبطلت الشهادات كلها أو غالبها (والكبيرة ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة) كأكل الربا وعقوق الوالدين المسلمين وفي معتمد القاضي معنى الكبيرة أن عقابها أعظم والصغيرة أقل ولا يعلمان إلا بالتوقيف (زاد الشيخ أو غضب، أو لعنة، أو نفي إيمان، والكذب صغيرة) فلا ترد الشهادة به إذا لم يدمن عليه (إلا في شهادة زور أو كذب على نبي، أو رمي فتن ونحوه) ككذب على أحد الرعية عند حاكم ظالم (فكبيرة) قال أحمد في رواية عبد الله: ويعرف الكذاب بخلف المواعيد (ويجب أن يخلص به) أي الكذب (مسلم من قتل) قال ابن الجوزي لو كان المقصود واجبا (ويباح) الكذب (لاصلاح) بين متخاصمين
530 (و) ل (- حرب و) ل (- زوجة) لحديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: لم أسمعه تعني النبي (ص) يرخص في شئ من الكذب إلا في ثلاث: الاصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وفي الحرب. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة (قال ابن الجوزي: وكل مقصود محمود حسن لا يتوصل إليه إلا به) وقال في الهدى: يجوز كذب الانسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه. قال: ونظير هذا الامام أو الحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعلام الحق كما أوهم سليمان (ص) إحدى المرأتين بشق الولد نصفين حتى توصل بذلك إلى معرفة أمه. انتهى قال في الآداب: ومهما أمكن المعاريض حرم وهو ظاهر كلام غير واحد. وصرح به آخرون لعدم الحاجة إذن، وظاهر كلام أبي الخطاب: يجوز. وجزم به في رياض الصالحين (فلا تقبل شهادة فاسق من جهة الأفعال) كالزاني واللائط والقاتل ونحوه، (أو) من جهة (الاعتقاد) وهم أهل البدع (ولو تدين به) أي اعتقد أنه دين حق فترد شهادته لعموم النصوص (فلو قلد) في القول (بخلق القرآن أو نفي الرؤية) أي رؤية الله تعالى في الآخرة (أو الرفض أو التجهم) بتشديد الهاء (ونحوه) كالتجسيم وخلق العبد أفعاله (فسق ويكفر مجتهدهم الداعية) قال المجد الصحيح: إن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها كمن يقول بخلق القرآن، أو بأن ألفاظنا به مخلوقة، أو أن علم الله سبحانه وتعالى مخلوق أو أن أسماءه مخلوقة أو أنه لا يرى في الآخرة أو يسب الصحابة تدينا، أو أن الايمان مجرد الاعتقاد وما أشبه ذلك، فمن كان عالما في شئ من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه فهو محكوم بكفره. نص أحمد على ذلك في مواضع. انتهى، واختار الموفق: لا يكفر مجتهدهم الداعية في رسالته إلى صاحب التلخيص لقول أحمد للمعتصم: يا أمير يا أمير المؤمنين (ومن أخذ بالرخص فسق) قال القاضي غير متأول ولا مقلد (قال الشيخ: لا يترتب أحمد فيمن صلى محدثا أو لغير القبلة) عامدا
531 (أو) صلى (بعد الوقت) بلا عذر (أو بلا قراءة أنه كبيرة، ومن الكبائر على ما ذكر أصحابنا) كما نقله ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) * عن شيخه ابن القيم (الشرك) أي الكفر على اختلاف أنواعه، وإنما خص بالذكر في أكثر الأحاديث لكثرته في العرب (وقتل النفس المحرمة وأكل الربا، والسحر والقذف بالزنا واللواط، وأكل مال اليتيم بغير حق، والتولي يوم الزحف) أي الفرار عند الجهاد حيث لا يجوز (والزنا واللواط وشرب الخمر و) شرب (كل مسكر وقطع الطريق والسرقة، وأكل الأموال بالباطل ودعواه ما ليس له وشهادة الزور، والغيبة والنميمة). صححه في شرح التحرير، وقال قدامة بن مفلح في أصوله وهو ظاهر ما قدمه في فروعه. قال القرطبي: لا خلاف أن الغيبة من الكبائر انتهى. وقيل: إنها من الصغائر اختاره جماعة منهم صاحب الفصول والغنية والمستوعب وفي حديث أبي هريرة: إن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق. رواه أبو داود وقال عدي بن حاتم: الغيبة مرعى اللئام. (و) من الكبائر (اليمين الغموس وترك الصلاة والقنوط من رحمة الله وإساءة الظن بالله تعالى وأمن مكر الله، وقطيعة الرحم، والكبر، والخيلاء، والقيادة، والدياثة، ونكاح المحلل وهجرة المسلم العدل) أي ترك كلامه قال ابن القيم سنة واستدل له. وأما هجرة فوق ثلاثة أيام فيحتمل أنه من الكبائر ويحتمل أنه دونها، (وترك الحج للمستطيع، ومنع الزكاة والحكم بغير الحق، والرشوة فيه) أي في الحكم بغير الحق (والفطر في نهار رمضان بلا
532 عذر، والقول على الله بلا علم) في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وتقديم الخيال المسمى بالعقل والسياسة الظالمة والعوائد الباطلة والآراء الفاسدة والأذواق والكشوفات الشيطانية على ما جاء به رسوله قاله ابن القيم: (وسب الصحابة والاصرار على العصيان) لحديث: لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار رواه الترمذي. (وترك التنزه من البول) لحديث أنس مرفوعا: تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه. رواه الدارقطني (ونشوزها) أي المرأة (على زوجها وإلحاقها به ولدا من غيره وإتيانها) أي المرأة (في الدبر وكتم العلم عن أهله) عند الحاجة إلى إظهاره وتعلم علم الدنيا والمباهاة والجاه والعلو على الناس وتصوير ذي الروح وإتيان الكاهن والعراف وتصديقهما والسجود لغير الله والدعاء إلى بدعة (أو ضلالة والغلول، والنوح) يعني النياحة، (والتطير) قال ابن القيم قد صح عن النبي (ص) أنه قال: الطيرة شرك فيحتمل أن تكون من الكبائر ويحتمل أن تكون دونها انتهى. وقال في الرعاية تكره الطيرة والتشاؤم، (والأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وجور الموصي في وصيته ومنعه) أي الوارث (ميراثه وإباق الرقيق وبيع الخمر واستحلال البيت الحرام وكتابة الربا) أي تحمل الشهادة به وكتابتها، (والشهادة) أي أداؤها (عليه) أي الربا (وكونه ذا وجهين) بأن يظهر ودا ونحوه ويبطن العداوة ونحوها (وادعاؤه نسبا غير نسبه) خصوصا دعوى الشرف من غير أهله وانتسابه به إليه (ص) لدخوله أيضا فيمن كذب عليه، (وغش الامام الرعية وإتيان البهيمة وترك الجمعة بغير عذر وسيئ الملكة
533 وغير ذلك) كلطم الخدود وشق الثياب وحلق المرأة رأسها عند المصيبة بالموت وغيره وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والمن بالصدقة وغيرها من عمل الخير، والاستماع إلى حديث قوم لا يحبون استماعه وتخيبب المرأة على زوجها والعبد على سيده، وأن يرى عينيه في المنام ما لم يرياه ولعن من يستحق اللعن والحلف بغير الله ونحوها (فأما من أتى شيئا من الفروع المختلف فيها) بين الأئمة اختلافا شائعا ذكره في المستوعب والرعاية (كمن تزوج بلا ولي) أو بلا شهود (أو شرب من النبيذ ما لا يسكره، أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه) من مسائل الخلاف (متأولا له) أي مستدلا على حله باجتهاده أو مقلدا لمن يرى حله (لم ترد شهادته) لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في الفروع وقبلوا شهادة كل مخالف لهم فيها ولأنه اجتهاد سائغ فلا يفسق به المخالف كالمتفق عليه، (وإن اعتقد) فاعل ذلك (تحريمه ردت) شهادته قال في الشرح إذا تكرر كالمتفق عليه، (وأدخل القاضي وغيره الفقهاء في أهل الأهواء وأخرجهم) من الأهواء (ابن عقيل وغيره وهو المعروف عند العلماء و) هو (أولى) من قول القاضي (ذكره ابن مفلح في أصوله الشئ الثاني) من الشيئين المعتبرين للعدالة (استعمال المروءة) وهي بالهمز بوزن سهولة الانسانية. قال الجوهري: ولك أن تشدد (وهو ما يحمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه عادة) لأن من فقدهما فقد اتصف بالدناءة والسقاطة فلا تحصل الثقة بكلامه (فلا تقبل شهادة مصافع). قال الجوهري: الصفع: كلمة مولدة، فالمصافع إذن من يصفع غيره، ويمكن غيره من قفاه فيصفعه (ومتمسخر ومغن ويكره سماع الغناء) بكسر الغين والمد (والنوح بلا آلة لهو) من عود وطنبور ونحوهما، (ويحرم معها) أي مع آلة اللهو سماع الغناء. قال أبو بكر عبد العزيز: والغناء والنوح معنى واحد، نقله عنه في المغني فليس المراد النوح بمعنى النياحة لأنه يحرم بل كبيرة كما تقدم فاستماعه حرام (ويباح الحداء) بالضم
534 والمد ويجوز كسر الحاء (الذي يساق به الإبل و) يباح (نشيد العرب) لفعله بين يديه (ص) (ولا) تقبل (شهادة شاعر مفرط بالمدح بإعطاء أو ذم بعدمه فالشعر كالكلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح) لحديث: إن من الشعر لحكما وكان يصنع لحسان منبرا يقوم عليه فيهجو من هجا رسول الله (ص) وأنشد كعب بن زهير قصيدة فقال: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول. في المسجد والشعر قد قاله الصحابة والعلماء والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة العربية والاستشهاد به في التفسير ومعاني السنة ويستدل به على النسب والتاريخ وأيام العرب ويقال: الشعر ديوان العرب (ولا) تقبل شهادة (مشبب بمدح خمر) وبالتشبيب بمدح الخمر أو المرأة المغنية المحرمة لتحريمه (لا إن شبب بامرأته أو أمته) المباحة له، (ولا) شهادة (رقاص) أي كثير الرقص (و) لا شهادة (مشعوذ) وهي خفة في اليدين كالسحر، (ومن يلعب بنرد أو شطرنج لتحريمهما وإن عريا عن القمار) أي العوض (غير مقلد في الشطرنج) كمن يرى حله فإن قلده لم ترد شهادته (ك) - ما ترد شهادة لاعب بشطرنج (مع عوض أو ترك واجب، أو فعل محرم، إجماعا ولا) شهادة (من يلعب بحمام طيارة، أو يسترعيها من المزارع أو ليصيد بها حمام غيره، أو يراهن بها، وتباح) أي الحمام (للأنس بصوتها ولاستفراخها وحمل كتب من غير أذى الناس). قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن بروج الحمام التي تكون بالشام فكرهها، وقال: ما تأكل زروع الناس؟ فقلت له: وإنما كرهتها بحال أنها تأكل الزروع، فقال: أكرهها أيضا لأنه قد أمر بقتل الحمام، فقلت له: تقتل قال: تذبح (ولا) شهادة اللاعب (بكل ما فيه دناءة حتى في أرجوحة وأحجار ثقيلة، و) لا تقبل شهادة (من يكشف من بدنه ما العادة تغطيته) ككشف رأسه أو بطنه أو ظهره أو صدره في
535 موضع لم تجر العادة بكشفه فيه لما فيه من الدناءة، (ونومه بين جالسين وخروجه عن مستوى الجلوس بلا عذر وطفيلي ومن يدخل الحمام بلا مئزر، أو يتغذى في السوق بحضرة الناس زاد في الفتية أو على الطريق ولا يضر أكل اليسير كالكسرة ونحوها) كالتفاحة، (أو يمد رجليه في مجمع الناس أو يتحدث بما يصنعه من أهله أو غيرهما) لما فيه من الدناءة وقلة المبالاة وعن أبي سعيد أن النبي (ص) قال: إن من شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة ثم يفشي سرها. (أو يخاطب أهله أو أمته أو غيرهما بفاحش بحضرة الناس وحاكي المضحكات ومتزي بزي يسخر منه ونحوه) من كل ما فيه سخفة ودناءة لأن من رضيه لنفسه واستخفه فليس له مروءة ولا تحصل الثقة بقوله ومن فعل شيئا من هذا مختفيا به لم يمنع من قبول شهادته لأن مروءته لا تسقط به، وكذلك إن فعله مرة أو شيئا قليلا لم ترد شهادته لأن صغير المعاصي لا يمنع الشهادة إذا قل فهذا أولى، ولان المروءة لا تختل بقليل هذا ما لم يكن عادة (قال الشيخ: وتحرم محاكاة الناس ويعزر هو ومن يأمره انتهى) وقد عده بعض العلماء من الغيبة (ولا بأس بالثقاف واللعب بالحراب ونحوها) لأن الحبشة لعبت بين يدي النبي (ص) وقامت عائشة تنظر لهم وتتستر به حتى ملت، (وتقبل شهادة من صناعته دنيئة عرفا كحجام، وحائك، وحارس ونخال: وهو الذي يتخذ غربالا أو نحوه يغربل به في جاري الماء، وما في الطرقات من حصى وتراب ليجد في ذلك شيئا من الفلوس أو الدراهم وغيرها، وهو المقلش ومحرش بين البهائم) وفي المبدع: لا تقبل (و) تقبل
536 شهادة (صباغ ونفاط وهو اللعاب بالنفط وزبال وكناس العذرة فإن صلى بالنجاسة ولم يتنظف لم تقبل شهادته) لفقد عدالته، (وكباش وهو الذي يلعب بالكبش ويناطح به ودباغ وقراد وهو الذي يلعب بالقرد ويطوف به في الأسواق ونحوها متكسبا بذلك وحداد ودباب إذا حسنت طريقتهم في دينهم ويكره كسب من صفته دنيئة) إذا أمكنه غيرها، (وتقدم أول باب الصيد وأما سائر الصناعات التي لا دناءة فيها فلا ترد الشهادة بها) لعدم المانع من قبولها (إلا من كان يحلف منهم كاذبا أو يعد ويخلف، وغلب هذا عليه، أو كان يؤخر الصلاة عن أوقاتها، أو يتنزه عن النجاسات، أو كانت صناعته محرمة كصناعة المزامير من خشب أو قصب والطنابير، أو يكثر في صناعته الربا كالصائغ، والصيرفي ولم يتوق ذلك ردت شهادته، وكذا) ترد شهادة (من داوم على استماع المحرمات من ضرب النايات، والمزامير، والعود، والطنبور، والرباب ونحو ذلك) من آلات اللهو (والصفاقين من نحاس) أو صيني ونحوه (يضرب بإحداهما على الأخرى فتحرم آلات اللهو اتخاذا واستعمالا وصناعة ولعب فيه قمار وتكرر منه) ذلك اللعب أي لعب كان، وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه وما خلا من القمار وهو العوض من الجانبين أو من أحدهما فمنه ما هو محرم كالنرد والشطرنج إلا أن النرد آكد لورود النص فيه ومنه ما هو مباح كالثقاف، وتقدم وسائر اللعب إذا لم يكن فيه ضرر ولا شغل عن واجب فالأصل إباحته ذكره في الشرح وشرح المنتهى. (أو
537 سأل من غير أن تحل له المسألة فأكثر) من السؤال ردت شهادته لأنه فعل محرما وأكل سحتا وأتى دناءة فإن كان ممن تباح له المسألة لم ترد شهادته إلا أن يكون أكثر عمره سائلا فينبغي أن ترد شهادته لأن ذلك دناءة وسقوط مروءة ذكره في الشرح، (أو بنى حماما للنساء) فترد شهادته بذلك كله ونحوه مما هو محرم أو فيه دناءة وأما ما اتخذه أرباب الدنيا من العادات والنزاهة التي لم يقبحها السلف، ولا اجتنبها أصحاب رسول الله (ص) مثل تقذرهم من حمل الحوائج والأقوات للعيال، ولبس الصوف وركوب الحمار، وحمل الماء على الظهر والرزمة إلى السوق فلا يعتبر شئ من ذلك في المروءة الشرعية، فقد كان أصحاب رسول الله (ص) هذا يحمل الماء لأهله، وهذا يحمل الرزمة للسوق، وقد ركب النبي (ص) الحمار ولبس الصوف واحتذى المخصوف مع كونه قد أوتي مكارم الأخلاق فلا ازدراء في ذلك ولا إسقاط مروءة قاله في المستوعب. فصل ومتى زالت الموانع منهم فبلغ الصبي، وعقل المجنون. وأسلم الكافر، وتاب الفاسق قبلت شهادتهم بمجرد ذلك لأن ردها إنما كان لمانع وقد زال (ولا يعتبر في التائب إصلاح العمل) لقوله، (ص): التائب من الذنب كمن لا ذنب له ولان شهادة الكافر تقبل بمجرد الاسلام، فلان تقبل شهادة الفاسق بمجرد التوبة بطريق الأولى. ولقول عمر لأبي بكر: تب، أقبل شهادتك ولحصول النفرة بها (وتوبة غير قاذف ندم) بقلبه على ما سبق من ذنبه (وإقلاع) عن الذنب الذي تاب منه (وعزم أن لا يعود) إلى ذلك الذنب الله تعالى لأجل نفع الدنيا أو أذى الناس اختيارا لا بإكراه وإلجاء وعلم من كلامه أنه لا يشترط مع ذلك لفظ: إني تائب، أو أستغفر الله ونحوه وقيل: بلى. (وإن كان فسقه بترك واجب فلا بد من فعله) أي الواجب الذي تركه (ويسارع)
538 بفعل ذلك الواجب بل تجب التوبة فورا من كل معصية (ويعتبر) لصحة توبة من نحو غصب (رد مظلمة إلى ربها) إن كان حيا (أو إلى ورثته إن كان ميتا أو) أن (يجعله منها) أي المظلمة (وفي حل) بأن يطلب منه أن يبرئه (ويستمهله معسرا) أي يستمهل التائب رب المظلمة إن عجز عن ردها أو بدلها لعسرته وتوبة المبتدع الاعتراف ببدعته والرجوع عنها واعتقاد ضد ما كان يعتقده من مخالفة أهل السنة (وتوبة قاذف بزنا) أو لواط (أن يكذب نفسه) ولو كان صادقا فيقول كذبت فيما قلت (لكذبه حكما) أي في حكم الله تعالى بقوله * (فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) * فتكذيب الصادق نفسه يرجع إلى أنه كاذب في حكم الله تعالى، وإن كان في نفس الامر صادقا. وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر مرفوعا في قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) * قال: توبته إكذاب نفسه (وتصح توبته) أي القاذف (قبل الحد) لعموم ما سبق و (لصحتها من قذف وغيبة ونحوهما) كسب (قبل إعلامه و) قبل (التحلل منه) أي من المقذوف ونحوه (والقاذف بالشتم ترد شهادته وروايته، وفتياه وحتى يتوب والشاهد بالزنا إذا لم تكمل البينة تقبل روايته لا شهادته) لأن عمر لم يقبل شهادة أبي بكرة وقال له: تب أقبل شهادتك قال في الشرح: ولا نعلم خلافا في قبول رواية أبي بكرة مع رد شهادته (وتقدم بعضه في القذف) وتقدم في محرمات النكاح توبة الزانية أن تراود فتمتنع إلا أن يحمل على ما إذا أرادت النكاح خاصة، (وتقبل شهادة العبد حتى في موجب حد وقود كالحر وتقبل شهادة الأمة فيما تقبل فيه شهادة الحرة) لعموم إبان الشهادة وهو داخل فيها فإنه من رجالنا وهو عدل تقبل روايته وفتياه وأخباره الدينية ورواه الخلال بإسناد جيد عن أنس ورواه عن علي ولحديث عتبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فذكرت ذلك لرسول الله (ص) فقال كيف وقد زعمت ذلك متفق عليه (ومتى تعينت) الشهادة (عليه) أي القن (حرم على سيده منعه منها) أي
539 من قيامه بالشهادة كسائر الواجبات فلو عتق بمجلس الحكم فشهد حرم رده. قال في الانتصار والمفردات: فلو رده مع ثبوت عدالته فسق والمكاتب والمدبر وأم الولد والمعتق بعضه كالقن (وتجوز شهادته الأصم في المرئيات) لأنه فيها كغيره (و) تجوز شهادة الأصم (بما سمعه قبل صممه) لأنه في ذلك كمن ليس به صمم، (وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات إذا تيقن الصوت) أي صوت المشهود عليه. روي عن علي وابن عباس أنهما أجازا شهادة الأعمى ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة لحصول العلم له بذلك كاستمتاعه بزوجته، (و) تجوز شهادة الأعمى (بما رآه قبل عماه إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه) لأن العمى فقد حاسة لا يخل بالتكليف فلا يمنع قبول الشهادة كالصمم (فإن لم يعرفه) أي لم يعرف الأعمى (إلا بعينه قبلت) شهادته (إذا وصفه) الأعمى (للحاكم بما يتميز به) لأن المقصود تمييز المشهود عليه من غيره وقد حصل فوجب قبوله لذلك (قال الشيخ: وكذا إن تعذرت رؤية العين المشهود لها أو عليها أو بها لغيبة أو موت أو عمى)، واقتصر عليه في الفروع وغيره وجزم به في المنتهي لكن تقدم في كتاب القاضي إلى القاضي ما يعارضه فليراجع، (وإن شهد عند الحاكم ثم عمي أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحاكم بشهادته) إن كان عدلا لأن ذلك معنى طرأ بعد أداء الشهادة لا يقتضي تهمة في حال الشهادة فلا يمنع قبولها بخلاف الفسق فإنه يورث تهمة حال الشهادة، (وتقبل شهادة ولد الزنا في الزنا وغيره) لعموم الأدلة ولأنه قول مقبول الرواية والشهادة في غير الزنا فتقبل فيه كغيره ولان الفاعل للقبيح غيره، (وتقبل شهادة الانسان على فعل نفسه كالمرضعة على إرضاعها وإن كان الارضاع بأجرة) لحديث عقبة السابق (و) كشهادة (القاسم على قسمته بعد فراغه) من القسمة (ولو) كان يقسم (بعوض والحاكم على حكمه بعد العزل) قياسا على المرضعة وقيد في المستوعب
540 والمغني والقاضي وأصحابه في القاسم إذا كان بغير عوض، (و) تقبل (شهادة القروي على البدوي وعكسه) أي شهادة البدوي علي القروي لأن من قبلت شهادته على أهل البدو قبلت على أهل القرى، وحديث أبي داود وابن ماجة عن أبي هريرة مرفوعا: لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية فمحمول على ما إذا جهلت عدالته الباطنة وخصه بهذا لأن الغالب أن لا يكون من يسأل الحاكم عنه. باب موانع الشهادة الموانع جمع مانع من ممنع الشئ إذا حال بينه وبين مقصوده فهذه الموانع تحول بين الشهادة ومقصودها فإن المقصود منها قبولها والحكم بها، (وهي ستة) أشياء (أحدها قرابة الولادة فلا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض من والد، وإن علا ولو من جهة الام) كأبي الام وابنه وجده، (و) من (ولد وإن سفل من ولد البنين والبنات) لأن كلا من الوالدين والأولاد متهم في حق صاحبه لأنه يميل إليه بطبعه بدليل قوله (ص): فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها وسواء اتفق دينهم أو اختلف وسواء جر بها نفعا للمشهود له أو لا كقذف وعقد نكاح (إلا من زنا أو رضاع) فتقبل شهادة الولد لأبيه من زنا ورضاع وعكسه لعدم وجوب الانفاق والصلة وعتق أحدهما على صاحبه (وتقبل شهادة بعضهم على بعض)، لقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) *
541 ولان شهادته عليه لا تهمة فيها وهي أبلغ في الصدق كشهادته على نفسه، (و) تقبل شهادة العدل (لباقي أقاربه) الذين ليسوا من عمودي نسبه (ك) - شهادته، (لأخيه وعمه، وابن عمه، وخاله، ونحوهم) كابن أخيه وابن أخته، (و) شهادة (الصديق لصديقه و) شهادة (المولى لعتيقه، وعكسه) كشهادة العتيق لمولاه (ولو أعتق عبدين فادعى رجل أن المعتق غصبهما منه فشهد العتيقان بصدق المدعي لم تقبل شهادتهما لردهما إلى الرق وكذا لو شهدا بعد عتقهما أن معتقهما كان غير بالغ حال العتيق، أو) شهدا (بجرح شاهدي حريتهما، وكذا لو عتقا بتدبير أو وصية فشهدا بدين يستوعب التركة أو وصية مؤثرة في الرق)، كما لو شهدا بوصية تستوعب التركة لم تقبل شهادتهما لاقرارهما بعد الحرية برقهما لغير سيدهما. المانع (الثاني: الزوجية فلا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه) لأنه ينتفع بشهادته لتبسط كل واحد في مال الآخر واتساعه بسعته وإضافة مال كل واحد إلى الآخر لقوله تعالى: * (وقرن في بيوتكن) * * (ولا تدخلوا بيوت النبي) * . لأن يسار الرجل يزيد في نفقة امرأته ويسارها يزيد في قيمة البضع المملوك لزوجها ولان كل واحد منهما يرث الآخر من غير حجب فأوجب التهمة في شهادته، (ولو) كانت شهادة أحدهما لصاحبه (بعد الفراق) بطلاق أو خلع أو فسخ لنحو عنه (إن كانت) الشهادة (ردت قبله) أي قبل الفراق للتهمة، (وإلا) أي وإن لم تكن ردت قبله وإنما شهدا ابتداء بعد الفراق (قبلت) الشهادة لانتفاء التهمة، وقال في التنقيح: ولو في الماضي وتبعه في المنتهى ولم يفرق بين أن تكون الشهادة ردت قبل أو لا قال المصنف في حاشيته وهو غريب مناقض لكلامه انتهى. لكن كلامه في المبدع موافق للتنقيح قال وظاهره ولو بعد الفراق انتهى. ويؤيدهما ما ذكره المصنف وغيره لا تقبل شهادته
542 لموكله فيما هو موكل فيه ولو بعد العزل من الوكالة، (وتقبل) شهادة أحد الزوجين (عليه) أي على صاحبه كما تقدم في دعوى النسب (في غير الزنا) فلا تقبل شهادته عليها بالزنا لأنه يقر على نفسه بعداوته لها لافسادها فراشه، (ولا) تقبل (شهادة السيد لعبده) لأن مال العبد لسيده فشهادته له شهادة لنفسه قال في الشرح لا تقبل شهادته لسيده بنكاح ولا لامته بطلاق (ولا العبد لسيده) لأنه ينبسط في ماله وتجب فيه نفقته فهو كالأب ابنه زاد في الرعاية الكبرى بمال (قال ابن نصر الله: لو شهد عند الحاكم من لا تقبل شهادة الحاكم له عند الأجنبي كشهادة ولد الحاكم أو) شهادة (والده) أي الحاكم، (أو) شهادة (زوجته فيما تقبل فيه شهادة النساء يتوجه عدم قبولها) أي تلك الشهادة لعل وجهه عدم تحريه في عدالتهم لكن تقدم في القضاء يحكم بشهادتهم كما جزم به المصنف وصاحب المنتهى وغيرهما هناك، (وقال) ابن نصر الله: (لو شهد على الحاكم بحكمه من شهد عنده بالمحكوم فيه الأظهر لا تقبل، وقال تزكية الشاهد: رفيقه في الشهادة لا تقبل انتهى) أما في الثانية: فلأنه يشهد على الحاكم أنه قبل شهادته وحكم بما ثبت عنده شهادته فيكون قد شهد لنفسه بأن الحاكم قبله، وأما في الأخيرة فلافضائه إلى انحصار الشهادة في أحدهما. (ولو شهد اثنان على أبيهما يقذف ضرة أمهما وهي) أي أمهما (تحته أو) شهدا على زوج أمهما ب (- طلاقها) أي طلاق ضرة أمهما (قبلت) شهادتهما، لأنها شهادة على الأب، كما لو لم تكن أمهما تحته ولان حق أمهما لا يزاد بذلك وتوفير الميراث لا يمنع قبول الشهادة بدليل شهادة الوارث لموروثه، (قال في الترغيب ومن موانعها) أي الشهادة (العصبية) وجزم به في المنتهى (فلا شهادة) مقبولة (لمن عرف بها وبالافراط في الحمية لتعصب قبيلة على قبيلة وإن لم تبلغ) العصبية (رتبة العداوة ومن حلف مع شهادته لم ترد) شهادته (الثالث) من موانع الشهادة (أن يجر) الشاهد (إلى نفسه نفعا) بشهادة (كشهادة السيد
543 لمكاتبه و) شهادة (المكاتب لسيده) لأن المكاتب رقيق لحديث: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم (و) كشهادة (الوارث بجرح موروثه قبل اندماله، فلا تقبل) لأنه ربما يسري الجرح إلى النفس فتجب الدية للشاهد بشهادته فيصير كأنه شهد لنفسه، (وتقبل) شهادة الوارث (له) أي لموروثه (بدينه في مرضه) لأن هذا الدين يجوز أن ينتقل إلى الشاهد ويجوز أن لا ينتقل إليه، والمانع من قبول الشهادة ما يحصل به نفع حال أداء الشهادة، (فلو حكم بهذه الشهادة) ثم مات المشهود له فورثه الشاهد (لم يتغير الحكم بعد موته) لوقوعه صحيحا ولم يطرأ عليه ما يفسده (ولا تقبل شهادة الوصي للميت ولو بعد عزله) من الوكالة (وفراغ الإجارة وانفصال الشريك) من شريكه المشهود له لاتهامهم والوصي يثبت له فيما يشهد به حق التصرف (ولا) شهادة (أحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته) لأنه متهم (أو) أي ولا تقبل شهادة الشفيع (ببيع الشقص الذي تجب فيه الشفعة) للتهمة. (وإن أسقط) الشفيع (شفعته قبل الحكم بشهادته) بعفو شريكه أو ببيع الشقص (قبلت) شهادته لانتفاء التهمة و (لا) تقبل شهادته إن عفا عن شفعته (بعد الرد) لشهادته لأنه متهم لكونه إنما عفى لتقبل شهادته، (ولا) تقبل شهادة (غريم لمفلس بمال بعد الحجر) على المدين للمفلس (أو) أي ولا تقبل شهادة الغريم (لميت له عليه دين بمال) لأن ذلك المال يعود إلى الغريم فكأنه شهد لنفسه، (ولا) تقبل شهادة (مضارب بمال المضاربة، ولا حاكم، ولا وصي لمن في حجره) لأنه متهم، (وتقبل) شهادة الوارث ومن بعده ممن تقدم ذكرهم (عليه) أي على من تقدم أنها لا تقبل له لانتفاء التهمة، (ولا تقبل) شهادة (لمن له كلام واستحقاق في شئ وإن قل) للجهة الموقوف عليها (كرباط ومدرسة) قال الشيخ تقي الدين في قوم في ديوان أجروا أشياء لا تقبل شهادة أحد منهم على مستأجره لأنهم وكلاء أو ولاة، قال: ولا شهادة
544 الأموال السلطانية على الخصوم. (الرابع: أن يدفع عن نفسه) بشهادته (ضررا كشهادة العاقلة بجرح شهود الخطأ) لما فيه من التهمة بدفع الدية عن أنفسهم فإن كان الجارح فقيرا أو بعيدا فاحتمالان أحدهما تقبل لأنه لا يحمل شيئا من الدية، والثاني لا لجواز أن يوسر أو يموت من هو أقرب منه قبل الحول فيحملها (و) كشهادة (الغرماء بجرح شهود الدين على المفلس) لما فيه من توفير المال عليهم (و) كشهادة (السيد بجرح من شهد على مكاتبه أو عبده بدين) لأنه متهم فيها لما يحصل بها من دفع الضرر عن نفسه فكأنه شهد لنفسه، قال الزهري: مضت السنة في الإسلام لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين والظنين المتهم، (و) كشهادة (الوصي بجرح الشاهد على الأيتام والشريك بجرح الشاهد على شريكه كشهادة من لا تقبل شهادته لانسان إذا شهد بجرح الشاهد عليه) كعمودي النسب والزوج والوكيل لأنهم متهمون في دفع الضرر عنهم، (ولا تقبل شهادة الضامن للمضمون عنه بقضاء الحق والابراء منه) أي من الحق لأنها شهادة لنفسه ببراءته، (ولا شهادة بعض غرماء المفلس على بعض بإسقاط دينه أو استيفائه) لأن قسطه يتوفر عليهم (ولا) تقبل شهادة (من أوصى له بمال) موصى له (على آخر بما يبطل وصيته إذا كانت وصيته يحصل بها مزاحمة إما لضيق الثالث عنها أو لكون الوصيتين بمعين)، لما روى سعيد بإسناده عن طلحة بن عبد الله بن عوف مرسلا، قال قضى رسول الله (ص): أن اليمين على المدعى عليه. ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، (وتقبل فتيا من يدفع عن نفسه ضررا بها) أي بفتياه كما تقبل على عدوه ولولده ووالداه وتقدم (الخامس) من الموانع: (العداوة الدنيوية) لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: لا
545 تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه رواه أبو داود والغمر الحقد ولان العداوة تورث تهمة شديدة فمنعت بالشهادة كالقرابة القريبة (كشهادة المقذوف على قاذفه والزوج على امرأته بالزنا) لأنه معترف لعداوته بها لفساد فراشه (ولا) شهادة (المقتول وليه على القاتل و) لا شهادة (المجروح على الجارح و) لا شهادة (المقطوع عليه الطريق على قاطعه) لما تقدم (فلو شهدوا أن هؤلاء قطعوا الطريق علينا أو على القافلة لم تقبل) شهادتهم، (وإن شهدوا أن هؤلاء قطعوا الطريق بل هؤلاء قبلت) شهادتهم، (وليس للحاكم أن يسألهم هل قطعوا الطريق عليكم معهم) أو لم يقطعوها عليكم معهم لأنه لا يبحث عما شهدا به الشهود، (وإن شهدوا أنهم عرضوا لنا وقطعوا الطريق على غيرنا قبلت) شهادتهم قدمه في الفصول قال وعندي لا تقبل (ويعتبر في عدم قبول الشهادة) للعداوة (كون العداوة لغير الله) تعالى (سواء) كانت العداوة (موروثة أو مكتسبة) وفي الحديث: ثلاثة لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة وسأحدثكم بالمخرج من ذلك: إذا حدثت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض (فأما العداوة في الدين كالمسلم يشهد على الكافر والمحق من أهل السنة يشهد على المبتدع فلا ترد شهادته لأن الدين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه وتقبل شهادة العدو لعدوه)، لعدم التهمة (وتقبل) شهادة العدو (عليه) أي على عدوه (في عقد نكاح) بأن يكون الشاهد عدوا للزوجين أو أحدهما أو للولي وتقدم في النكاح، (ومن شهد بحق مشترك بين من ترد شهادته له وبين من لا ترد) شهادته له (لم تقبل) الشهادة (لأنها لا تتبعض في نفسها ومن سره مساءة أحد أو غمه فرحا وطلب له الشر ونحوه فهو عدوه) لا تقبل شهادته عليه للتهمة (السادس: من شهد عند حاكم فردت شهادته بتهمة لرحم أو زوجية أو عداوة، أو طلب نفع أو
546 دفع ضرر، ثم زال المانع فادعاها لم تقبل، كما لو ردت لفسق ثم أعادها بعد التوبة) للتهمة في أدائها لكونه يعير بردها فربما قصد بأدائها أن يقبل لإزالة العار الذي لحقه بردها ولأنها ردت باجتهاد فقبولها نقض لذلك الاجتهاد. تنبيه: يتصور زوال الرحم في نحو ما لو شهد ابن لأبيه الغائب بحق ثم حضر ولاعن على نفيه بشرطه، فإنه ينتفى عنه باللعان، فإذا أعاد شهادة بعد لم تقبل لما تقدم. (ولو لم يشهد بها الفاسق عند الحاكم حتى صار عدلا قبلت) شهادته. قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه لأن التهمة كانت من أجل العار الذي يلحقه في الرد وهو منتف هنا، (وإن ردت) الشهادة (لكفر أو صغر، أو جنون، أو خرس، ثم أعادها بعد زوال المانع قبلت) شهادته لان التهمة هنا منتفية لأن رد الشهادة في تلك الحالات لا غضاضة فيه، ولان الصبيان في زمنه (ص) كانوا يروون بعد ما كبروا كابن الزبير والشهادة في معنى الرواية. (وإن شهد) الشاهد (عنده) أي الحاكم (ثم حدث مانع) من عمى أو خرس أو صمم، أو جنون أو موت، من قبول شهادته (لم يمنع الحكم) لأنه معنى لا يقتضي تهمة في حال الشهادة فلم يمنع قبولها (إلا كفر، أو فسق، أو تهمة)، فيمنع الحكم بشهادته لاحتمال وجود ذلك عند الشهادة وانتفاء ذلك حال الشهادة شرط لصحة الحكم فوجب أن يمنعه. (فأما عداوة ابتدأها مشهود عليه كقذفه البينة لما شهدت عليه لم ترد شهادتها بذلك، وكذا مقاولته) أي المشهود عليه للبينة (وقت غضب ومحاكمة بدون عداوة ظاهرة سابقة) فإنها لا تمنع الحكم وإلا لتمكن كل مشهود عليه من إبطال الشهادة عليه بابتداء عداوة الشاهد فوجب أن لا تمنع لذلك. قال في الترغيب: ما لم يصل إلى حد العداوة أو الفسق وحدوث مانع في شاهد أصلي كحدوثه فيمن أقام الشهادة، (وإن حدث مانع بعد الحكم لم يستوف حد، ولو قذفا) لأن الحدود تدرأ بالشبهات، (ولا قود) لأنه إتلاف لا يمكن تلافيه (بل) يستوفى (مال) حكم به لنفوذ الحكم ظاهرا، (وإن شهد) السيد (لمكاتبه أو) شهد الوارث (لموروثه بجرح قبل برئه فردت) الشهادة (ثم أعادها)
547 ما (بعد العتق والبرء لم تقبل) الشهادة لأنها ردت للتهمة أشبهت المردودة لفسق ولان ردها كان باجتهاد فلا ينقض باجتهاد آخر أو ردت شهادته لدفع ضرر أو جلب نفع أو عداوة ثم زال المانع وأعادها. باب ذكر أقسام المشهود به وذكر عدد شهوده. أي شهود كل قسم منه لأن عدد الشهود يختلف باختلاف أقسام المشهود به كما ستراه. وأقسام مشهود به سبعة أحدها الزنا واللواط ف (- لا يقبل في الزنا واللواط أقل من أربعة رجال) عدول يشهدون به لقوله تعالى: * (لولا جاؤوا بأربعة شهداء) * الآية فجعلهم كاذبين إن لم يأتوا بالأربعة فوجب أن لا تقبل الثلاثة، وقال (ص) لهلال بن أمية: أربعة شهداء وإلا حد في ظهرك واللواط من الزنا، (وكذا الاقرار به) أي بالزنا أو اللواط فلا بد فيه من أربعة (يشهدون أنه أقر أربعا) لأنه إثبات للزنا فاعتبر فيه أربعة كشهود الفعل (فإن كان المقر بهما) أي الزنا واللواط (أعجميا قبل فيه ترجمانان) قدمه في الرعاية وتقدم في طريق الحكم وصفته أن الترجمة كالشهادة فلا بد هنا من أربعة، (ومن عزر بوطئ فرج من بهيمة وأمة مشتركة) بين الواطئ وغيره (ونحوها) كأمة لولده كلها أو بعضها (ثبت) موجب تعزيره (برجلين) كظلم الناس فإن كان الوطئ مباحا كوطئ زوجته أو أمته إذا احتيج إلى إثباته. قال ابن نصر الله: فالظاهر أن حكمه كذلك وهو أن يثبت برجلين لأنه لا يوجب حدا، وليس مما يختص به النساء غالبا حتى يكتفي فيه بامرأة، ولم أجد هذه المسألة في كلام الأصحاب، (و) القسم الثاني دعوى الفقر و (لا يقبل قول من عرف بالغنى أنه فقير) ليأخذ من نحو زكاة (إلا بثلاثة) رجال. لحديث مسلم: حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه، لقد أصابت فلانا فاقة (وتقدم) في باب أهل الزكاة.
548 القسم الثالث: بقية الحدود ف (- لا تثبت بقية الحدود) كحد القذف والشرب وقطع الطريق (بأقل من رجلين) لقول الزهري مضت السنة على عهد النبي (ص) أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود، (وكذا القود) فيثبت برجلين لأنه أحد نوعي القصاص فيقبل فيه اثنان كقطع الطريق بخلاف الزنا، (ويثبت القود بإقراره مرة) لأن القتل فيه حق آدمي أشبه المال، وكذا القذف والشرب بخلاف الزنا والسرقة وقطع الطريق وتقدم (و) القسم الرابع: ما أشار إليه بقوله: (ولا يقبل فيما ليس بعقوبة ولا مال، ويطلع عليه الرجال غالبا كنكاح وطلاق ورجعة ونسب وولاء، وإيصاء) في غير مال (وتوكيل في غير مال، وتعديل شهود، وجرحتهم أقل من رجلين) لقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * قاله في الرجعة والباقي قياسا، ولأنه ليس بمال ولا يقصد به المال أشبه العقوبات. وذكر القسم الخامس: بقوله: (ويقبل في موضحة ونحوها) كهاشمة ومنقلة وداء بعين (وداء دابة طبيب واحد، وبيطار واحد، مع عدم غيره) لأنه مما يعسر إشهاد اثنين عليه فكفى الواحد كالرضاع، (فإن لم يتعذر) غير الواحد (فاثنان) لأنه الأصل (فإن اختلفا) بأن قال أحدهما بوجود الداء والآخر بعدمه (قدم قول مثبت) لأنه يشهد بزيادة لم يدركها الثاني. القسم السادس: ذكره بقوله: (ويقبل في مال وما يقصد به المال كالبيع وأجله) أي أجل الثمن في البيع أو المثمن إذا كان في الذمة (وخياره) أي خيار الشرط في البيع (ورهن ومهر وتسميته ورق مجهول النسب وإجارة وشركة وصلح وهبة وإيصاء في مال، وتوكيل فيه وقرض وجناية الخطأ ووصية لمعين ووقف عليه وشفعة وحوالة وغصب وإتلاف مال وضمانه، وفسخ عقد معاوضة ودعوى قتل كافر لاخذ سلبه، ودعوى أسير تقدم إسلامه لمنع رق وعتق وكتابة وتدبير ونحو ذلك)
549 مما يقصد به المال (رجلان أو رجل وامرأتان) فاعل يقبل لقوله تعالى: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) *. وسياق الآية يدل على الاختصاص بالأموال والاجماع منعقد على ذلك،، (أو رجل ويمين المدعي) لما روى ابن عباس أن رسول الله (ص): قضى باليمين مع الشاهد رواه أحمد والترمذي وابن ماجة ولأحمد من حديث عمارة بن حزم وحديث سعد بن عبادة مثله وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي: أن النبي (ص) قضى بشهادة شاهد ويمين صاحب الحق، وقضى به علي بالعراق رواه أحمد والدارقطني وذكره الترمذي وروى الحديث عن ثمانية من الصحابة علي وابن عباس وأبي هريرة، وجابر وعبد الله بن عمر، وأبي وزيد بن ثابت وسعد بن عبادة، وعن عمارة بن حزم أيضا كما سبق ولان الذي هنا قوي جانبه بالشاهد وظهر صدقه أشبه صاحب اليد والمنكر لقوة جانبه، (ويجب تقديم الشاهد على اليمين) لان اليمين إنما شرعت في حقه لقوة جانبه ولا يقوى جانبه إلا بشهادة الشاهد، (ولا يشترط في يمينه) أي المدعي (أن يقول: وإن شاهدي صادق في شهادته) لأنه لا يعتبر يمين المشهود له في ثبوت شهادة الشاهد ولذلك لو طلب المشهود عليه ذلك لم يلزمه أن يجيبه، وقد ثبتت شهادة الشاهد فلم يجب حلف المشهود له على صحتها كما لو كان مع الشاهد غيره، (وكل موضع قبل فيه شاهد ويمين فلا فرق بين كون المدعي مسلما، أو كافرا، أو عدلا، أو فاسقا، رجلا أو امرأة) لأن من شرعت اليمين في حقه لا يختلف حكمه باختلاف هذه الأوصاف كالمنكر، (ولا تقبل شهادة امرأتين ويمين المدعي) لأن شهادة المرأة ناقصة، وإنما انجبرت بانضمام الرجل إليها (ولا) شهادة (أربع نسوة فأكثر مقام رجلين) إجماعا قاله في المبدع (قال القاضي: يجوز أن يحلف على ما لا تجوز الشهادة عليه، مثل أن يجد بخطه دينا له على إنسان وهو يعرف أنه لا يكتب إلا حقا ولم يذكره، أو يجد في روزمانج أبيه بخطه دينا له على إنسان ويعرف من أبيه الأمانة وأنه لا يكتب إلا
550 حقا فله أن يحلف عليه) مع شاهد أقامه به، (ولا يجوز أن يشهد به) أي بما وجده من خطه من شهادته أو شهادة أبيه وتقدم، (ولو أخبره بحق أبيه ثقة) أي عدل ضابط (فسكن إليه جاز أن يحلف عليه) إذا أقام به شاهدا (ولم يجز أن يشهد به) والفرق بين اليمين والشهادة من وجهين أحدهما أن الشهادة حق لغيره فيحتمل أن من له الشهادة قد زور على خطه الثاني، أما ما يكتبه الانسان من حقوق بكتبه فينسى بعضه بخلاف الشهادة (والأولى الورع عن) الحلف على (ذلك) احتياطا (فلو نكل عن اليمين من أقام شاهدا حلف المدعى عليه) لأنه منكر هكذا في المبدع والمنتهى وغيرهما، ولعل المراد انقطعت الخصومة فقط كما يعلم مما يأتي، (فإن نكل) المدعى عليه عن اليمين (حكم عليه) بالنكول ولا ترد اليمين على المدعي لأنها كانت في جهته وقد أسقطها بنكوله عنها وصارت في جنبة غيره فلم تعد إليه كالمدعى عليه إذا نكل عنها، (ولو كان لجماعة حق بشاهد فأقاموه) بعد دعواهم (فمن حلف منهم أخذ نصيبه) من الحق لكمال النصاب من جهته (ولا يشاركه) فيما أخذه (من لم يحلف) لأنه لا حق له فيه لأنه لم يجب له شئ قبل حلفه (ولا يحلف وارث نأكل إلا أن يموت قبل نكوله) فيحلف وارثه ويأخذ ما شهد به الشاهد، (ويقبل في جناية عمد موجبها المال دون قصاص في قود كمأمومة وهاشمة ومنقلة له قود موضحة في ذلك) لو ثبت بشاهدين، (و) يقبل أيضا (في عمد لا قصاص فيه حال) كالجائفة رجلان ورجل وامرأتان و (شاهد ويمين) لأنه يوجب المال أشبه البيع، وكذا جنابة أب على ولده وقتل مسلم كافر وحر لعبد (فيثبت المال) بشهادة الرجل والمرأتين والرجل واليمين دون قود الموضحة فلا بد فيه من رجلين لما تقدم. (وإن ادعى أن زيدا ضرب أخاه بسهم عمدا فقتله ونفذ) السهم (إلى أخيه الآخر
551 فقتله خطأ وأقام بذلك شاهدا وامرأتين أو شاهدا، وحلف معه ثبت قتل الثاني فقط) لأنه موجب للمال بخلاف الأول فإن قتله موجب للقود ولا يثبت إلا برجلين كما تقدم. القسم السابع: هو المشار إليه بقوله (ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب، والبكارة، والثيوبة، والحيض، والولادة، والرضاع، والاستهلال ونحوه). قال في شرح المنتهى فيدخل في ذلك البرص في الجسد تحت الثياب والقرن والرتق والعفل (شهادة امرأة واحدة عدل وكذا جراحة وغيرها في حمام وعرس ونحوهما مما لا يحضره رجال) لما روى حذيفة أن النبي (ص) أجاز شهادة القابلة وحدها. ذكره الفقهاء في كتبهم وروى أبو الخطاب عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي (ص) قال: يجزي في الرضاع شهادة امرأة واحدة. ولان ذلك معنى ثبت بقول النساء منفردات فلا يشترط فيه العدد كالرواية وأخبار الديانات، (والأحوط اثنتان) خروجا من الخلاف، (وإن شهد به رجل كان أولى لكماله) أي لأنه أكمل من المرأة وكالرواية، (وإن شهد رجل وامرأتان، أو) شهد (رجل مع يمين فيما يثبت القود) من قتل أو قطع طرف (لم يثبت به قود ولا مال)، لأن العمد يوجب القصاص والمال بدل منه فإن لم يثبت الأصل لم يثبت بدله، وإن قلنا: موجبه أحد الشيئين فأحدهما لا يتعين إلا بالاختيار فلو أجبنا بذلك الدية أوجبنا معينا بدون الاختيار، (وإن أتى بذلك) أي برجل وامرأتين أو رجل مع يمين (في) دعوى (سرقة ثبت المال) المسروق لكمال بينته (دون القطع) لأن السرقة توجب المال والقطع، فإذا كان قصرت البينة عن أحدهما ثبت الآخر، (وإن أتى بذلك) أي برجل وامرأتين أو رجل ويمين (ورجل في) دعوى (خلع ثبت له العوض) لأنه يدعي المال الذي خالع به وهو يثبت بذلك، (وتثبت البينونة بمجرد دعواه) لأنه أقر على نفسه فيؤاخذ بإقراره، (وإن ادعت امرأة) على زوجها (الخلع لم يقبل فيه إلا
552 رجلان) لأنها لا تقصد بذلك إلا الفسخ، ولا يثبت إلا بعدلين، فإن اختلفا في عوض ثبت برجلين ورجل وامرأتين أو ويمين، (ولو أتت) من ادعت أنه تزوجها على كذا (برجل والمرأتين) أو رجل وحلفت معه يمينا (أنه تزوجها بمهر ثبت المهر) دون النكاح (لأن النكاح حق له) أي للرجل فلا تصح إقامة البينة به من قبل المرأة ولا الدعوى به منها إلا لاثبات المهر، (ولو ادعى شخص على رجل أنه سرق منه) مالا (أو غصبه مالا فحلف) المدعى عليه ( بالطلاق والعتاق ما سرق منه ولا غصبه، وأقام المدعي شاهدا وامرأتين شهد بالسرقة والغصب أو) أقام بذلك (شاهدا وحلف معه استحق) المدعي (المسروق والمغصوب) لكمال بينته، (ولم يثبت طلاق ولا عتق) لأنه لم تكمل البينة له، لكن العتق ثبت بالشاهد والمرأتين أو واليمين فيثبت العتق أيضا بخلاف الطلاق، ولذلك اقتصر في المنتهى على الطلاق، (وإن ادعى رجل على آخر أمة بيده لها ولد أنها أم ولده وأن ولدها ولده، وشهد بذلك رجل وامرأتان)، أو رجل وحلف معه (حكم له بالأمة وأنها أم ولد له) لأنه يدعي ملكها، وقد أقام بينة كافية فيه وثبت لها حكم الاستيلاد بإقراره لأن إقراره نافذ في ملكه والملك يثبت بشهادة الرجل والمرأتين أو واليمين. قال في المبدع: وظاهر كلام المؤلف أنه حصل بقول البينة وليس هو بمراد بل مراده الحكم بأنها أم ولده مع قطع النظر عن علة ذلك وعلته أن المدعي مقر بأن وطأها كان في ملكه، (ولا يحكم له بالولد ولا بحريته) لأن البينة لا تصلح لاثبات ذلك، (ويقر) الولد (في يد المنكر مملوكا له) لعدم ما يرفع يده، (وإن ادعى أنها كانت ملكه فأعتقها، وشهد بذلك رجل وامرأتان) أو رجل وحلف (لم يثبت ملك ولا عتق) قدمه في الكافي والشرح والرعاية لأن البينة شهدت بملك قديم فلم يثبت والحرية لا تثبت إلا برجل وامرأتين، وقيل: تثبت كالتي قبلها (ولو وجد عل ء دابة مكتوب حبيس في سبيل الله أو)
553 وجد (على أسكفة دار أو) على (حائطها وقف، أو مسجد، أو مدرسة حكم به) أي بما هو مكتوب على هذه الأشياء المذكورة، لأن الكتابة عليها أمارة قوية فعمل بها لا سيما عند عدم المعارضة، وأما إذا عارض ذلك بينة لا تتهم ولا تستند إلى مجرد اليد، بل تذكر سبب الملك واستمراره فإنها تقدم على هذه الامارات، وأما إن عارضها مجرد اليد لم يلتفت إليها، فإن هذه الامارات بمنزلة البينة والشاهد واليد ترفع لذلك. قال ابن القيم في الطرق الحكمية في آخر الطريق الثالث والعشرين، (ولو وجد على كتب علم في خزانة) بكسر الخاء (هذه طويلة فكذلك) أي حكم بوقفها عملا بتلك القرينة (وإلا) أي وإن لم يعلم مقر الكتب ولا عرف من كتب عليها الوقفية (توقف فيها وعمل بالقرائن) فإن قويت حكم بموجبها، وإن ضعفت لم يلتفت إليها، وإن توسطت طلب الاستظهار وسلك طريق الاحتياط. ذكره ملخصا في الطرق المكية. باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة سواء كانت أصالة أو على شهادة ولذلك لم يضمر وباب أدائها أي كيفية أداء الشهادة مطلقا. قال جعفر بن محمد: سمعت أحمد سئل عن الشهادة على الشهادة، فقال: هي جائزة وكان قوم يسمونها التأويل. وقال أبو عبيد: أجمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة في الأموال والمعنى شاهد بذلك لأن الحاجة داعية إليها لأنها لو لم تقبل لتعطلت الشهادة على الوقوف، وما يتأخر إثباته عند الحاكم أو ماتت شهوده. وفي ذلك ضرر على الناس ومشقة شديدة فوجب قبولها كشهادة الأصل (لا تقبل الشهادة على الشهادة إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي) وهو حقوق الآدميين من مال وقصاص وحد وقذف، (وترد) الشهادة على الشهادة (فيما يرد) كتاب القاضي إلى القاضي من حدود الله تعالى لأنها في معناه لاشتراكهما في كونهما فرعا لأصل، ولان الحدود على الستر والدرء بالشبهات والشهادة على الشهادة فيها شبهة يتطرق إليها احتمال الغلط والسهو والكذب في شهود الفرع مع احتمال ذلك في شهود الأصل، وهذا احتمال زائد لا يوجد في شهود الأصل، ولأنها إنما تقبل للحاجة ولا حاجة إليها في الحد لأن ستر صاحبه أولى من الشهادة عليه، (ولا يحكم بها) أي بالشهادة على الشهادة إلا
554 بشروط أحدهما: ما ذكره بقوله: (إلا أن يتعذر شهادة شهود الأصل بموت أو مرض أو غيبة إلى مسافة قصر، أو خوف من سلطان أو غيره أو حبس. قال ابن عبد القوي: وفي معناه الجهل بمكانهم ولو في المصر) لأن شهادة الأصل أقوى لأنها تثبت نفس الحق وهذه لا تثبته، ولأنه إذا أمكن أن يسمع شهادة شاهدي الأصل استغنى عن البحث عن عدالة شاهدي الفرع، وكان أحوط للشهادة فإن سماعه من شهود الأصل معلوم وصدق شاهدي الفرع عليهما مظنون، والعمل باليقين مع إمكانه أولى من اتباع الظن، (والمرأة المخدرة) أي الملازمة للخدر وهو الستر، ويقال: امرأة خفرة بفتح الخاء وكسر الفاء أي شديدة الحياء وهي ضد البرزة (كالمريض) لأنها في معناه (و) الشرط الثاني: استرعاء الأصل الفرع على ما يذكره و (لا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه شاهد الأصل أو يسترعي) الأصل (غيره) أي غير الشاهد الفرع (وهو يسمع) وأصل الاسترعاء من قول المحدث لمن يحدثه: أرعني سمعك، يريد اسمع مني (فيقول) الأصل لغيره (أشهد أني أشهد على فلان بكذا أو أشهد على شهادتي بكذا) قال أحمد: لا تكون شهادة إلا أن يشهدك لأن الشهادة على الشهادة فيها معنى النيابة، والنيابة بغير إذن لا تجوز (أو يسمعه يشهد عند الحاكم لأن شهادته عند الحاكم) تزيل الاحتمال أشبه ما لو استرعاه، (أو) يسمعه (يشهد بحق يعزوه إلى سبب من بيع أو قرض، إجارة ونحوه فله أن يشهد) على شهادته لأنه بنسبته الحق إلى سببه يزول الاحتمال أشبه ما لو استرعاه، (و) الشرط الثالث، (أن يؤديها الفرع بصفة تحمله لها فيقول أشهد أن فلان ابن فلان وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه وعدالته، وإن لم يعرف عدالته لم يذكرها. أشهدني أنه يشهد أن لفلان ابن فلان ابن فلان كذا، و) يقول: (أشهدني أنه يشهد أن فلانا أقر عندي بكذا وإن سمعه) شاهد الفرع (يشهد غيره، قال: أشهد أن فلان ابن فلان أشهد على شهادته أن لفلان على فلان ابن فلان ابن فلان كذا. وإن كان سمعه يشهد عند الحاكم. قال: أشهد أن فلان ابن فلان شهد على فلان ابن فلان عند الحاكم بكذا، وإن كان) شاهد الحق ينسب (الحق إلى سببه) من قرض أو ثمن مبيع ونحوه فسمعه شاهد الفرع، (قال: أشهد أن فلان ابن فلان. وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه وعدالته، وإن لم يعرف عدالته لم يذكرها. أشهدني أنه يشهد أن لفلان ابن فلان كذا، أو) يقول (أشهدني أنه يشهد أن فلانا أقر عندي بكذا وإن سمعه) شاهد الفرع (يشهد غيره، قال أشهد أن فلان ابن فلان أشهد على شهادته أن لفلان ابن فلان على فلان ابن فلان كذا وإن كان سمعه يشهد عند الحاكم. قال أشهد أن فلان ابن فلان شهد على فلان ابن فلان عند الحاكم بكذا وإن كان) شاهد الحق ينسب (الحق إلى سببه) من قرض أو ثمن نبيع ونحوه فسمعه شاهد الفرع (قال أشهد أن فلان ابن فلان. قال أشهد أن لفلان ابن فلان على فلان ابن كذا من جهة كذا) فإن لم
555 يؤدها الفرع على صفة تحمله لم يحكم بها للاختلاف في كيفية الاسترعاء، فقد يرى الشاهد في الاسترعاء ما لا يراه الحاكم فلا يسوغ له الحكم، (وإن أراد الحاكم أن يكتب) أداء الفرع لشهادته (كتبه على ما ذكرنا في الأداء) أي على صفة الأداء ليكون ما كتبه مطابقا للواقع، (وما عدا هذه المواضع) المذكورة في الاسترعاء (لا يجوز) للفرع (أن يشهد فيها على الشهادة، فإذا سمعه يقول) عند غير الحاكم: (أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم لم يجز) لمن سمعه (أن يشهد على شهادته لأنه) أي الأصل (لم يسترعه) أي الفرع (الشهادة ولم يعزها) الأصل (إلى سبب) من بيع ونحوه لأنه يحتمل أن ذلك وعد. ويحتمل أن يريد بالشهادة العلم فلم يجز أن يشهد مع الاحتمال بخلاف ما إذا استرعاه فإنه لا يسترعيه إلا على واجب وبخلاف الاقرار، فإنه يجوز للشاهد أن يشهد على إقراره، وإن لم يسترعه لأن الاقرار قول الانسان على نفسه وهو غير متهم عليها، (ولو قال شاهد الأصل: أنا أشهد أن لفلان على فلان ألفا فأشهد به أنت عليه لم يجز) للفرع (أن يشهد على شهادته) لعدم الاسترعاء وإعزائها إلى سبب، (ولا تثبت شهادة شاهدي الأصل إلا بشهادة شاهدين) فأكثر (يشهدان عليهما سواء شهدا على كل واحد منهما) أي من الأصلين (أو شهد على كل شاهد) أصل (شاهد) فرع كما لو شهدا بنفس الحق ولان شهود الفرع بدل من شهود الأصل فاكتفى بمثل عددهم، (والنساء تدخل في شهادة الأصل والفرع في كل حق يثبت بشهادتهن) لأن المقصود من
556 شهادتهن إثبات الحق الذي يشهد به شهود الأصل فيدخل النساء فيه كما لو شهدت بأصل الحق (فيشهد رجلان على رجل وامرأتين أو) يشهد (رجل وامرأتان على رجل وامرأتين أو على رجلين) في المال وما يقصد به المال لأن لهن مدخلا فيه (فتصح شهادة امرأة على امرأة) كالرجل على الرجل، (وسأله) أي الامام (حرب عن شهادة امرأتين على امرأتين فقال: يجوز) لأنه مما للنساء مدخل فيه، (وإن شهد بالحق شاهد الأصل وشاهد فرع يشهدان) على أصل آخر جاز، (أو) شهد بالحق شاهد الأصل وفرع (واحد على شهادة أصل آخر جاز) أي قبلت الشهادة وحكم بها لأن الشاهد الفرع بدل عن شاهد الأصل فيقوم مقامه، (وإن شهد شاهد فرع على أصل وتعذر) الأصل (الآخر) أو فرعه (حلف) المدعي (واستحق) فيما يقضي فيه بالشاهد واليمين لقيام الفرع مقام الأصل (وتصح شهادة فرع على فرع بشرطه) من التعذر والاسترعاء وغيرهما لأن الحاجة تدعو إلى ذلك. الشرط الرابع: عدم تعذر شهود أوصل إلى صدور الحكم (فإذا شهد الفروع فلم يحكم الحاكم حتى حضر الأصول) من السفر (أو) حتى (صحوا) من المرض (أو) حتى (زال خوفهم) من سلطان ونحوه. (وقف حكمه على سماعه شهادتهم منهم) لأنه قدر على الأصل قبل العمل بالبدل كالمتيمم بقدر على الماء، وإن كان ذلك بعد الحكم لم يؤثر فيه (وإن حدث فيهم) أي الأصول (ما يمنع قبول الشهادة) نحو ردة أو فسق (لم يجز الحكم) بشهادة الفرع لأن الحكم ينبني على شهادة الأصل أشبه ما لو فسق شهود الفرع، (و) الشرط الخامس: عدالة الأصول والفروع ف (- لا يجوز أن يحكم بالفروع حتى تثبت عدالتهم وعدالة أصولهم) لأنهما شهادتان فلا يحكم بهما بدون عدالة الشهود والحكم ينبني على كل من الشهادتين فاعتبرت الشروط في كل منهما، (ولا يجب على فرع تعديل أصله) لأنه يجوز أن لا يعرفه (ويتولى الحاكم ذلك) أي البحث عن عدالة الأصول كما لو شهدوا عنده ابتداء، (وإن عدله) أي الأصل (الفرع قبل) اكتفاء بما
557 ثبت عند الحاكم من عدالة الفرع (ولا تصح تزكية أصل لرقيقه) ولا أن يكون فرعا عنه لأنه يفضي إلى انحصار الشهادة في أحدهما، (وتقدم) ويشترط أيضا تعيين أصل كفرع قال القاضي حتى لو قال شافعيان: أشهدنا صحابيان لم يجز حتى يعيناهما ودوام عدالة الجميع إلى صدور الحكم، (وإذا حكم بشهادة شهود الفرع ثم رجعوا) عن شهادتهم (لزمهم الضمان) لأن الاتلاف حصل بشهادتهم، كما لو أتلفوه بأيديهم (ما لم يقولوا بأن) أي ظهر (لنا كذب الأصول أو غلطهم) لأن هذا القول منهم ليس برجوع عن الشهادة لأنه لا ينافي شهادة الأصول، (وإن رجع شهود الأصل قبل الحكم لم يحكم بها) لتأكد الشهادة بخلاف الرواية، (وإن رجعوا) أي شهود الأصل (بعده) أي بعد الحكم (فقالوا: كذبنا أو غلطنا ضمنوا) لاعترافهم بتعمد الاتلاف بقولهم: كذبنا أو بخطئهم، بقولهم: غلطنا (ولو قالوا) أي الأصول (بعد الحكم ما أشهدناهم بشئ لم يضمن الفريقان شيئا) مما فات بالحكم لان شاهدي الفرع لم يثبت كذبهما، وشاهدي الأصل لم يثبت رجوعهما لأن الرجوع إنما يكون بعد الشهادة فإنكار أصل الشهادة لا يكون رجوعا عنها، (ومن زاد في شهادته أو نقص بحضرة الحاكم قبل الحكم مثل أن يشهد بمائة ثم يقول: بل هي مائة وخمسون، أو) يقول: (بل هي تسعون) قبل ويحكم بما شهد به أخيرا لأن شهادته الأخيرة شهادة من عدل غير متهم لم يرجع عنها فوجب الحكم بها، كما لم يتقدم ما يخالفها ولا تعارضها الشهادة الأولى لأنها قد بطلت برجوعه عنها (أو أدى) الشهادة (بعد إنكارها) أي الشهادة بأن قال: ليس لي عليه شهادة ثم أداها، وقال: كنت أنسيتها (قبل) نص عليه لقوله تعالى في حق المرأتين: * (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) *. فقبلها بعد إثبات الضلال والنسيان في حقها فوجب أن يقبل قول العدل فيما نسيه ثم ذكره بعد ذلك (كقوله لا أعرف الشهادة ثم يشهد) فتقبل لأن شهادته إذا قبلت بعد إنكارها فهنا أولى، (وإن كان) زاد في شهادته أو نقص (بعد الحكم لم يقبل) منه لأن الحكم قد تم فلا ينقض بعد تمامه، (وإن رجع) عن
558 شهادته (قبله) أي الحكم (لغت) شهادته بعد الرجوع أوجب ظنا في شهادته ببطلانها فلا يجوز العمل بها (ولا حكم) بشهادته بعد رجوعه عنها ولو أداها بعد ذلك قاله في شرح المنتهى، (ولم يضمن) شيئا لأن الحكم لم يتم (وإن لم يصرح) الشاهد (بالرجوع) عن شهادته (بل قال للحاكم: توقف فتوقف ثم أعاد الشهادة قبلت) شهادته (ويعتد بها) أي فيجوز الحكم بها لأن قوله توقف ليس رجوعا. فصل: وإذا رجع شهود المال بعد الحكم (أو) رجع شهود (العتق بعد الحكم قبل الاستيفاء أو بعده لم ينقض الحكم) لأنه قد تم ووجب المشهود به للمشهود له، ورجوع الشاهد عن شهادة المحكوم بها لا يوجب نقضه، وإن قالا: أخطأنا لم يجب النقض أيضا لجواز أن يكونا أخطأ في قولهما الثاني بأن اشتبه عليهما الحال، (ويلزمهم) أي الشهود (الضمان) أي بدل المال الذي شهدوا به وقيمة العبد المشهود بعتقه قبض أو لم يقبض تلف أو لا لأنهما أخرجاه من يد مالكه وحالا بينه وبينه فلزمهما ضمانه كما لو أتلفاه، وكذا لو شهدا على موسر أنه أعتق شركا له في عبد فسرى إلى نصيب شريكه وغرم له قيمته ثم رجعا غرما قيمة العبد كله لأنهما ضيعا عليه نصيبه وقيمة نصيب شريكه أشبه ما لو فوتاه بفعلهما، كجرح (ما لم يصدقهم المشهود له) بالمال فلا تضمنه الشهود ثم إن كان قبض منه شيئا رده للمحكوم عليه أو بدله إن تلف لاعترافه بأخذ ذلك بغير حق، وإن لم يكن قبض شيئا بطل حقه من المشهود به، (ولا ضمان على مزك إذا رجع مزك) لأن الحكم تعلق بشهادة الشهود ولا تعلق له بالمزكين لأن المزكين أخبروا بظاهر
559 حال الشهود وأما باطنه فعلمه إلى الله تعالى، (وإن شهدوا بدين) وحكم بشهادتهم (فأبرأ) المدين (منه مستحقه ثم رجعا) أي الشاهدان (لم يغرماه للمشهود عليه) لأنه لم يغرم شيئا، وكذا لو شهدا على سيد عبد أنه أعتقه على مائة وقيمته مائة ثم رجعا عن شهادتهما لم يغرما شيئا لأنهما لم يفوتا على رب العبد شيئا، (ولو قبضه) أي الدين (مشهود له، ثم وهبه لمشهود عليه ثم رجعا) عن شهادتهما (غرماه) أي غرما المال المشهود به كما لو تنصف الصداق بعد هبتها إياه لزوجها فإن المرأة تغرم للزوج نصفه كما تقدم، (وإن رجع شهود طلاق قبل الدخول) بالمطلقة (وبعد الحكم غرموا نصف المسمى أو بدله) وهو المتعة لم يسم لها مهر الشهود ألزموه للزوج بشهادتهم بطلاقها كما يغرم ذلك من فسخ نكاحه برضاع ونحوه، (وإن كان) الطلاق المشهود به (بعده) أي بعد الدخول وحكم بشهادتهم ثم رجعوا (ولو) كان الطلاق (بائنا لم يغرموا) أي الشهود شيئا من المهر لأن المهر قد تقرر عليه كله بالدخول فلم يقرروا عليه شيئا بشهادتهم ولم يخرجوا عن ملكه شيئا متقوما أشبهوا قاتلها، (وإن رجع شهود قصاص أو) شهود (حد بعد الحكم) بشهادتهم (وقبل الاستيفاء لم يستوف) القود ولا الحد لأن المحكوم به عقوبة لا سبيل إلى جبرها إذا استوفيت بخلاف المال ولان رجوع الشهود شبهة لاحتمال صدقهم والقود والحد يدرءان بالشبهة، (ووجبت دية قود للمشهود له) لأن الواجب بالعمد أحد شيئين وقد سقط أحدهما فتعين الآخر ويرجع المشهود عليه بما غرمه من الدية على المشهود (ويستوفي) القصاص أو الحد (إذا طرأ فسقهم) بعد الحكم بشهادتهم هذا مقتضى كلامهم في الانصاف والمبدع وتقدم في آخر الموانع أنه لا يستوفي حد ولا قود إذن بل المال، (وإن كان) رجوعهم عن الشهادة أو فسقهم (بعد الاستيفاء) للمحكوم به (لم يبطل الحكم) لأنه قد تم بشروطه، (ولا يلزم المشهود له شئ سواء كان المشهود به مالا أو عقوبة) لأن قول الشهود غير مقبول في نقض الحكم كما تقدم، (فإن قالوا) أي الشهود، (عمدنا عليه بالزور ليقتل أو يقطع فعليهم القصاص) في النفس
560 أو الطرف وتقدم في الجنايات، (وإن قالوا: عمدنا الشهادة عليه ولم نعلم أنه يقتل بها، وكانا ممن يجوز أن يجهل ذلك، وجبت الدية في أموالهما مغلظة) لاقرارهما بأن التلف حصل بسببهما والعاقلة لا تحمل إقرارا كما تقدم، (وإن قالوا: أخطأنا فعليهم دية ما تلف) مخففة لأنه خطأ وتكون في أموالهم لأنه بإقرارهم والعاقلة لا تحمله، (أو أرش الضرب) إن كان الحد جلدا أو حصل به نقص (وتقدم ذلك مستوفى في كتاب الجنايات وكل موضع وجب) فيه (الضمان على الشهود بالرجوع فإنه) أي الغرم (يوزع بينهم على عددهم بحيث لو رجع شاهد من عشرة غرم العشر) لأن التفويت حصل منهم كلهم فوجب التقسيط على عددهم كما لو اتفق جماعة وأتلفوا مالا لانسان، (وتغرم المرأة كنصف ما يغرم الرجل) في الشهادة بالمال لأن المرأتين يعدلان فيه رجلا، (وإن رجع رجل وثمان نسوة لزم الرجل الخمس، وكل امرأة العشر) من الغرم بسبب شهادتهم، (وإذا شهد أربعة بأربعمائة فحكم الحاكم بها ثم رجع واحد من مائة و) رجع (آخر عن مائتين، وآخر عن ثلاثمائة و) رجع (الرابع عن أربعمائة فعلى كل واحد مما رجع عنه بقسطه فعلى الأول خمسة وعشرون) ربع المائة التي رجع عنها لأنه واحد من أربعة، (وعلى الثاني خمسون) ربع المائتين اللتين رجع عنهما وهو واحد من أربعة، (وعلى الثالث خمسة وسبعون) ربع الثلاثمائة، (وعلى الرابع مائة) ربع الأربعمائة لأن كل واحد منهم مقر بأنه فوت على المشهود عليه ربع ما شهد به عليه، (وإن كان الحكم بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم المال كله) لأن الشاهد حجة الدعوى فكان الضمان عليه كالشاهدين محققة أن اليمين قول الخصم، وقول الخصم ليس حجة على خصمه وإنما هو شرط الحكم فجرى مجرى مطالبته الحاكم بالحكم، (وإن رجع أحد الشاهدين وحده فكرجوعهما في أن
561 الحاكم لا يحكم بشهادتهما إذا كان رجوعه قبل الحكم)، لأن رجوعه لمعنى بشهادته وشهادة رفيقه وحده لا يحكم بها، وإن كان رجوعه بعد الحكم وقبل استيفاء الحد أو القصاص لم يستوف ووجبت دية قود، (وإن كان) الرجوع (بعد الاستيفاء لزمه حكم إقراره) كما لو رجع الشاهدان معا، (وإن شهد عليه ستة بزنا فرجم ثم رجع منهم اثنان غرما ثلث الدية) لأنهما ثلث البينة، (و) إن رجع (ثلاثة) غرموا (النصف) لأنهم نصف البينة، (و) إن رجع (الكل تلزمهم الدية أسداسا) لأنهم ستة فتقسط الغرامة عليهم، (وإن شهد أربعة بزنا و) شهد (اثنان) آخران (بإحصان فرجم ثم رجعوا) أي الستة (لزمتهم الدية أسداسا) كشهود الزنا لأن القتل حصل من جميعهم، (وإن كان شاهدا الاحصان من الأربعة) الذين شهدوا بالزنا ثم رجعوا بعد رجمه (فعليهما ثلثا الدية)، ثلث لشهادتهما بالاحصان، وثلث لشهادتهما بالزنا، (وعلى الآخرين) الشاهدين بالزنا فقط (الثلث) من الدية، (ولو رجع شهود الزنا دون) شهود (الاحصان أو بالعكس) بأن رجع شهود الاحصان دون الزنا (لزم الراجع الضمان كاملا) لأن القتل حصل بشهادتهم إذ لولا ثبوت الزنا لم تقبل ولو كان محصنا، ولولا الاحصان لم يقتل ولو زنى، (وإن رجع الزائد عن البينة) بأن شهد بالقتل ثلاثة ثم رجع واحد أو شهد بالزنا خمسة ثم رجع منهم واحد (قبل الحكم أو بعده استوفى) المشهود به لأن ما بقي من البينة كاف فيه (ويحد الراجع) عن شهادته بالزنا (لقذفه) أي لأنه قاذف (ورجوع شهود تزكية كرجوع من زكوهم) في جميع ما تقدم من المسائل، (وإن رجع شهود تعليق عتق أو طلاق) قبل الدخول (و) رجع (شهود وجود بشرطه) بأن شهد اثنان أنه قال لعبده أو زوجته: إذا جاء زيد فأنت ظاهر أو فأنت طالق، وشهد آخر أن بمجئ زيد ثم رجع الأربعة قبل الحكم (فالغرم) لقيمة العبد أو نصف المسمى يقسط (على عددهم) كشهود الزنا مع شهود الاحصان
562 لأن شهود العتق أو الطلاق هنا كشهود الزنا وشهود وجود الشرط كشهود الاحصان، (وإن رجع شهود قرابة) ولو مع شهود سراء بأن شهد اثنان على إنسان أنه اشترى هذا العبد، وآخران أنه أبو المشتري أو ابنه ونحوه وحكم الحاكم بعتقه ثم رجع الأربعة (غرموا)، أي شهود القرابة وحدهم (قيمته لمعتقه)، لأن شهود القرابة هم المفوتون عليه للعبد كما لو شهدوا بعتقه (وإن رجع شهود كتابة غرموا ما بين قيمته سليما) أي غير مكاتب (ومكاتبا) لأن النقص فات بشهادتهم فإن لم ينقص مال الكتابة عن قيمته فلا غرم، (فإن عتق) بأن أدى ما كوتب عليه أو أبرئ منه (غرموا ما بين قيمته ومال كتابته) إن كان ثم تفاوت لما تقدم وإلا فلا غرم (وكذا شهود باستيلاد أمته فيضمنون نقص)، وفي بعض النسخ نصف (قيمتها) وهو غلط (فإن عتقت بالموت ف) - على الشهود (تمام قيمتها) لأنهم فوتوها بذلك كما لو شهدوا بعتقها ابتداء، ولو شهدا بتأجيل وحكم ثم رجعا غرما تفاوت ما بين الحال والمؤجل نقله في الفروع عن بعضهم، (وإن رجع شهود تأجيل ثمن مبيع ونحوه) كأجرة (بعد الحكم غرموا ما تفاوت ما بين الحال والمؤجل) لأنه فات بسبب شهادتهم (ولا ضمان برجوع عن شهادة كفالة بنفس أو) عن شهادة (ببراءة منها، أو) عن شهادة ب (- أنها زوجته أو أنه عفا عن دم عمد لعدم تضمنه) أي ما ذكر (مالا). قال القاضي: هذا لا يصح لأن الكفالة قد تتضمن المال بهرب المكفول والقود قد يجب به مال. وإذا شهد رجلان على آخر بنكاح امرأة بصداق ذكراه، وشهد آخر بدخوله ثم رجعوا بعد الحكم لزم شهود النكاح الضمان لأنهم ألزموه المسمى وقيل: عليه النصف وعلى الآخرين النصف، وإن شهد مع هذا شاهدان بالطلاق لم يلزمهما شئ لأنهما لم يوجبا عليه شيئا لم يكن واجبا عليه ذكره في الشرح. (ومن شهد بعد الحكم بمناف للشهادة الا ولى فكرجوع) عن شهادة، (وأولى) بالضمان من الرجوع قاله الشيخ تقي الدين، وقال في شاهد خامس بكذا وكتب خطه بالصحة
563 فاستخرج الوكيل على حكمه ثم قاس وكتب خطه بزيادة فغرم الوكيل الزيادة قال: يغرم الشاهد ما غرمه الوكيل من الزيادة بسببه تعمد الكذب أو أخطأ، كالرجوع (وإن بان بعد الحكم أن الشاهدين كافران، أو فاسقان، نقض) حكمه لأن شرطه كون الشاهد مسلما عدلا، ولم يوجد (فينقضه الامام أو غيره) لفساده لكن تقدم حيث قلنا: ينقض فالناقض له حاكمه إن كان (ورجع) المحكوم عليه (بالمال أو ببدله) على المحكوم له لأن الحكم قد نقض فيجب أن يرجع الحق إلى مستحقه، (و) رجع (ببدل قود مستوفى على المحكوم له) لتعذر الرجوع بالقود فيتعين بذله، (وإن كان المحكوم به إتلافا) كقتل (فالضمان على المزكين وكذا إن كان) الحكم (لله) تعالى (بإتلاف حسي) كقتل لردة أو رجم لزنا أو قطع لسرقة، (أو) كان الحكم (بما سرى إليه) أي إلى الاتلاف بأن حكم عليه بحد شرب أو تعزير فسرى إلى نفسه أو عضو منها وبان كفر الشهود أو فسقهم فالضمان على المزكين، لأن المحكوم به قد تعذر رده وشهود التزكية ألجأوا الحاكم إلى الحكم فلزمهم الضمان لتفريطهم، (فإن لم يكن مزكون فعلى الحاكم) لأن التلف حصل بفعله أو بأمره فلزمه الضمان لتفريطه، وكذا إن كان مزكون فماتوا، ذكره في الكافي والرعاية قاله في المبدع قال: ولا قود لأنه مخطئ وتجب الدية في بيت المال وعنه على عاقلته، (وإن شهدوا عند الحاكم بحق ثم ماتوا، أو جنوا حكم بشهادتهم إذا كانوا عدولا)، لأن الموت أو الجنون لا يؤثر في الشهادة ولا يدل على الكذب فيها ولا يحتمل أن يكون موجودا حال أداء الشهادة بخلاف العتق (وإن بان الشهود عبيدا أو والدا أو ولدا أو عدوا والحاكم لا يرى الحكم به نقضه) بعد إثبات السبب. (ولم ينفذ) لأنه حكم بما لا يعتقده أشبه ما لو كان عالما بذلك، (وإن كان) الحاكم (يرى الحكم به) أي بما ذكر من شهادة العبيد أو الوالد أو الولد أو العدو (لم ينقض) حكمه إذا بان الشاهد
564 كذلك، لأنه يحكم بما أداه إليه اجتهاده فيما هو سائغ فيه أشبه باقي مسائل الخلاف وهذا في المجتهد، وأما المقلد فتقدم أنه يراعي ألفاظ إمامه ومتأخرها ويقلد كبار مذهبه في ذلك وإن حكم بغير مذهب إمامه فإن كان قد ولي على أن يحكم بمذهب معين لم ينفذ حكمه لقصور ولايته وإلا انبنى نقضه على منع تقليد غيره وتقدم (ويعزر شاهد زور) رواه سعيد عن عمر ولأنه قول محرم ويضربه الناس أشبه السبب (ولو ناب) في أحد الوجهين وهما في كل نائب بعد وجوب التعزير وتعزيره (بما يراه الحاكم إن لم يخالف نصا أو معنى نص) قال في الشرح: لا يزيد على عشر جلدات (ويطاف به في المواضع التي يشتهر فيها فيقال: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه) ليحصل إعلام الناس بذلك، فإن تاب قبلت شهادته كسائر التائبين، (وله) أي للحاكم (أن يجمع له) أي لشاهد الزور (من عقوبات إن لم يرتدع إلا به) قاله ابن عقيل وغيره (ولا يعزر حتى يتحقق أنه شاهد زور و) أنه (تعمد ذلك إما بإقراره) بذلك (أو يشهد بما يقطع بكذبه) فيه (مثل أن يشهد على رجل يفعل في الشام ويعلم أن المشهود عليه في ذلك الوقت في العراق أو يشهد بقتل رجل وهو حي أو) يشهد (أن هذه البهيمة في يد هذا منذ ثلاثة أعوام وسنها أقل من ذلك أو شهد على رجل أنه قتل في) وقت كذا، وقد مات قبل ذلك وأشباه هذا بما يعلم به كذبه ويعلم تعمده لذلك) وإلا لم يعزر لأنه يدرأ بالشبهة (ويتبين بذلك) أي بما يقطع بكذبه فيه (أن الحكم كان باطلا) لعدم مطابقته للواقع (ولزم نقضه) لعدم نفوذه (فإن كان المحكوم به مالا رد إلى صاحبه) لتبين عدم استحقاق المدعي له، (وإن كان) المحكوم به (إتلافا فعلى الشاهدين ضمانه) لحصول التلف بسببهما (إلا أن يثبت) زور الشاهدين (بإقرارهما على أنفسهما من غير موافقة المحكوم له فيكون ذلك رجوعا منهما عن شهادتهما ومضى)، أي تقدم (حكم ذلك) أي حكم الرجوع عن
565 الشهادة آنفا، (وتقدم في) باب (التعزير) تعزير شاهد الزور (ولا يعزر) الشاهد (بتعارض البينة) لأن التعارض لا يعلم به كذب أحد البينتين بعينها، (ولا) يعزر (بغلطه في شهادته) لأن الغلط قد يعرض للصادق العدل ولا يتعمده (ولا تقبل الشهادة من ناطق إلا بلفظ الشهادة) لأن الشهادة حضور فلا بد من الاتيان بفعلها المشتق منها ولان فيها معنى لا يحصل في غيرها بدليل أنها تستعمل في اللعان ولا يحصل بغيرها، (فإن قال: أعلم أو أحق أو أتيقن ونحوه) لم تقبل لأن الحاكم يعتمد لفظ الشهادة ولم يوجد (أو قال آخر) بعد شهادة الأول: (أشهد بمثل ما شهد به أو) قال من كتب شهادته أشهد (بما وضعت به خطي لم يقبل) فلا يحكم بها (وإن قال بعد الأول: وبذلك أشهد وكذلك أشهد قبلت) قال في النكت: والقول بالصحة في الجميع أولى، (وقال) أبو الخطاب و (الشيخ وابن القيم: لا يعتبر لفظ الشهادة) قال الشيخ تقي الدين: لا نعلم عن صحابي ولا تابعي لفظ الشهادة وقال علي بن المديني: أقول إن العشرة في الجنة ولا أشهد فقال له أحمد: متى قلت فقد شهدت ونقل الميموني عنه أنه قال: وهل معنى القول والشهادة إلا واحد ونقل أبو طالب عنه أنه قال العلم شهادة. باب اليمين في الدعاوى أي ذكر ما تجب فيه اليمين وبيان لفظها وصفتها (اليمين تقطع الخصومة في الحال ولا تسقط الحق) فتسمع البينة بعد اليمين ولو رجع الحالف إلى الحق وأدى ما عليه قبل منه وحل لربه أخذه (ولا يستحلف المنكر في حقوق الله تعالى: كحد، وعبادة، وصدقة وكفارة ونذر)، لأن الحدود المطلوب فيها الستر والتعريض للمقر ليرجع فلان لا يستحلف فيها أولى، وما عدا الحدود مما ذكر حق لله تعالى فأشبه الحد، (فإن تضمنت دعواه) أي الحد
566 (حقا له) أي الآدمي (مثل أن يدعي سرقة ماله ليضمن السارق أو ليأخذ منه ما سرقه أو يدعي عليه الزنا بجاريته ليأخذ مهرها منه، سمعت دعواه ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمي دون حق الله) تعالى، كما لو انفرد كل منهما (ويستحلف في) كل (حق لآدمي) لقوله (ص): لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه. متفق عليه. (وغير نكاح، ورجعة، وطلاق، وإيلاء و) غير (أصل رق لدعوى رق لقيط) فإنه لا يستحلف إذا أنكر (و) غير (ولاء واستيلاد) بأن يدعي استيلاد أمة فتنكره وقال الشيخ تقي الدين: هي المدعية (و) غير (نسب وقذف وقصاص في غير قسامة) فلا يمين في واحد من هذه العشرة لأن ذلك لا يثبت إلا بشاهدين فأشبه الحدود (وفي الترغيب وغيره ولا يحلف شاهد) على صدقة (و) لا (حاكم و) لا (وصي على نفي دين على الموصي) قال ابن حمدان: بل على نفي لزومه من التركة إلى المدعي، (ولا) يحلف (منكر وكالة وكيل) وتقدم في الوكالة (وتحلف المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها قبل رجعة زوجها ويحلف المولى إذا أنكر مضى أربعة أشهر) وتقدم ذلك موضحا في مواضعه (وما يقضي فيه بالنكول هو المال وما يقصد به المال) مما تقدم بيانه (ومن لم يقض عليه بنكول) إذا نكل (خلي سبيله) ولم يحكم عليه بالنكول في غير المال وما يقصد به المال، (ويثبت عتق بشاهد ويمين العبد) لأن عتقه نقل ملك أشبه البيع (وتقدم) في باب المشهود به (ومن حلف على فعل غيره) بأن
567 ادعى على آخر أنه غصبه ونحوه ثوبا وأقام بذلك شاهدا وأراد أن يحلف مع شاهده حلف على ألبت، (أو ادعى عليه) أي على غيره (في إثبات) بأن ادعى دينا على زيد مثلا فأنكر وأقام المدعي شاهدا وأراد الحلف معه على ألبت، (أو) حلف على (فعل نفسه) مثل أن ادعى عليه إنسان أنه غصبه ونحوه شيئا، فأنكر وأراد المدعي يمينه حلف على البت (أو) على (دعوى عليه) بأن ادعى عليه دين فأنكره وطلب يمينه (حلف على البت) أي القطع لحديث ابن عباس أن النبي (ص) قال لرجل حلفه: قل والله الذي لا إله إلا هو ما له عندي شئ رواه أبو داود فلو ادعى عليه إنسان عينا في يده فأنكره وأراد تحليفه فيقول: والله هذه العين ملكي، ولا يكفي قوله: والله لا أعلم إلا أنها ملكي، (ومن حلف على نفي فعل غيره) نحو أن يدعي عليه أن أباه اغتصب كذا وهو بيده فأنكر وأراد المدعي يمينه فعلى نفي العلم لان النبي (ص) قال للحضرمي: ألك بينة. قال: لا ولكن أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه فتهيأ الكندي لليمين. رواه أبو داود، ولم ينكر ذلك النبي (ص)، ولأنه لا تمكنه الإحاطة بفعل غيره بخلاف فعل نفسه فوجب أن لا يكلف اليمين منه على البت، (أو) حلف على (نفي دعوى عليه)، أي غيره كأن ادعى على أبيه دينا فأنكر الوارث وطلب يمينه (فعلى نفي العلم) لما تقدم (وعبده) وأمته (كأجنبي في حلف على البت أو على نفي علمه) فمن ادعى عليه أن عبده جنى عليه ونحوه فأنكر وطلب يمينه حلف على نفي العلم و (أما بهيمته) أي جناية بهيمة المدعى عليه (فما نسب إلى تقصير وتفريط فعلى البت) كما لو ادعى عليه أن بهائمه أكلت زرعه ليلا بتفريطه لتركها من غير ربط ولا حبس فأنكر ذلك وأراد المدعي تحليفه حلف على البت لأنه على فعل نفسه وهو عدم التفريط، (وإلا) أي وإن لم ينسب المدعي جناية البهيمة إلى تقصير المدعى عليه وتفريطه، كما لو ادعى على سائق أو قائد أو راكب أن الدابة أتلفت شيئا بوطئها عليه فأنكره فإنه يحلف (على نفي العلم) لأنه ينفي فعلها، (ومن توجه عليه الحلف بحق جماعة فبذل لهم يمينا واحدة ورضوا بها جاز) لان الحق لهم وقد رضوا بإسقاطه، (وإن أبوا) أي الاكتفاء بيمين واحدة (حلف لكل واحد) منهم (يمينا) لأن حق كل واحد غير حق الآخر فإذا طلب كل واحد منهم يمينا كان له ذلك كسائر
568 الحقوق إذا انفرد بها (ولو ادعى واحد حقوقا على واحد فعليه في كل حق يمين) إذا تعددت الدعوى ولو اتحد المجلس فإن اتحدت الدعاوى فيمين واحدة للكل كما في المبدع. فصل واليمين المشروعة هي اليمين بالله جل اسمه لقوله تعالى: * (وأقسموا بالله) * وللاخبار وتجزئ بالله وحده لما تقدم واستحلف النبي (ص) ركانة بن عبد يزيد في الطلاق فقال: والله ما أردت إلا واحدة وقال عثمان لابن عمر: تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه، (فإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمان أو مكان) فاضلين (جاز، ولم يستحب) لأنه أردع للمنكر (ف) - التغليظ (في اللفظ) أن (يقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، الطالب الغالب الضار النافع، الذي يعلم خائنة الأعين)، أي ما يضمر في النفس ويكف عنه اللسان ويومي إليه بالعين (وما تخفي الصدور) أي تضمره، (و) التغليظ في (الزمان أن يحلف بعد العصر) لقوله تعالى: * (تحبسونهما من بعد الصلاة) * قيل: المراد صلاة العصر لأنه وقت تعظمه أهل الأديان كما تقدم (أو بين الأذان والإقامة) لأنه وقت يرجى فيه إجابة الدعاء فترجى فيه معالجة الكاذب (والمكان بمكة بين الركن والمقام) لأنه مكان شريف زائد على غيره في الفضيلة (وبيت المقدس عند الصخرة) لأنه ورد في سنن ابن ماجة أن النبي (ص) قال هي الجنة (و) ب (- سائر البلاد) كمدينته (ص) وغيرها (عند منبر الجامع) لقوله (ص) من حلف على منبري هذا يمينا آثمة فليتبوأ مقعده من النار. رواه أبو داود والباقي القياس عليه. (وتقف الحائض عند باب المسجد) لأنه يحرم عليها اللبث فيه، (ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها) لأن اليمين تغلظ في حقهم زمانا فكذا مكانا، (واللفظ) الذي يغلظ
569 به على أهل الذمة (أن يقول اليهودي: والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وأنجاه من فرعون وملأه) لحديث أبي هريرة: أن النبي (ص) قال لليهود: نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى رواه أبو داود. (و) يقول (النصراني: والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص)، لأنه لفظ تتأكد به يمينه أشبه اليهودي، (و) يقول (المجوسي والله الذي خلقني وصورني ورزقني)، لأنه يعظم خالقه ورازقه أشبه كلمة التوحيد عند المسلم، (والوثني والصابئ ومن يعبد غير الله يحلف بالله وحده) لأنه لا يجوز الحلف بغير الله لما تقدم، ولأنه إن لم يعتقد هذه يمينا ازداد إثما وربما عجلت عقوبته فيسقط بذلك ويرتد به، (ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر كجناية لا توجب قودا أو) ك (- عتق ونصاب زكاة) لأن التغليظ للتأكيد وما لا خطر فيه لا يحتاج إلى تأكيد، (ولو أبى من وجبت عليه اليمين التغليظ لم يصر ناكلا) عن اليمين لأنه قد بذل الواجب عليه فيجب الاكتفاء به ويحرم التعرض له قاله في النكت قال وفيه نظر ولجواز أن يقال: يجب التغليظ إذا رآه الحاكم وطلبه وإلا لما كان فيه فائدة زجر قط ومال إليه الشيخ تقي الدين (ولا يحلف بالطلاق وفاقا للأئمة الأربعة قاله الشيخ) وقال ابن عبد البر إجماعا. قلت: ولا بعتاق لحديث من كان حالفا فليحلف بالله. (وفي الأحكام السلطانية للوالي إحلاف الشهود استبراء وتغليظا في الكشف في حق الله وحق أدمي وتحليفه بطلاق، وعتق، وصدقة ونحوه، وسماع شهادة أهل اليمين إذا كثروا، وليس للقاضي ذلك
570 ومن توجهت عليه يمين وهو فيها صادق أو توجهت له) اليمين بأن أقام شاهدا بمال وما يقصد به المال وهو صادق (أبيح له الحلف) لأنه محق (ولا شئ عليه من إثم ولا غيره) لأن الله شرع اليمين ولا يشرع محرما (والأفضل افتداء يمينه) لأنه ربما صادف قدرا فيوجب ريبة وتقدم في الايمان (ومن ادعى عليه دين هو عليه وهو معسر، لم يحل له أن يحلف أنه لا حق له علي). ولو نوى الساعة نقله الجماعة وسواء خاف حبسا أو لا وجوزه صاحب الرعاية بالنية قال في الفروع وهو متجه (ويمين الحالف على حسب جوابه فإذا ادعى أنه غصبه أو أودعه، أو باعه، أو اقترض منه فإن قال: ما غصبتك ولا استودعتك، ولا بعتني ولا أقرضتني كلف أن يحلف على ذلك) ليطابق جوابه (وإن قال: ما لك علي حق، أو لا تستحق علي شيئا، أو لا تستحق علي ما ادعيته ولا شيئا منه، كان جوابا صحيحا ولا يكلف الجواب عن الغصب وغيره لجواز أن يكون غصب منه ثم رده وكذلك الباقي) من الاستيداع والبيع والقرض (فلو كلف جحد ذلك لكان كاذبا) مع حصول المقصود بجواب صادق، (وإن أقر به ثم ادعى الرد لم يقبل) منه بلا بينة فيعود عليه بالضرر وعدم قبول دعوى الرد في الوديعة لتقدم إنكار ونحوه، (ولا تدخل النيابة في اليمين فلا يحلف أحد عن غيره فلو كان المدعى عليه صغيرا أو مجنونا لم يحلف) لأنه لا يعول على قوله (ووقف الامر إلى أن يكلفا) فيقرا أو يحلفا أو يقضي عليهما بالنكول (فإن كان الحق لغير المكلف وادعاه وليه وأنكر المدعى عليه فالقول قوله مع يمينه) حيث لا بينة للمدعي كسائر الدعاوى (فإن نكل قضى عليه) بالنكول كغيره، (وإن ادعى على العبد دعوى وكانت مما يقبل قول العبد فيها) أو أقر بها
571 (كالقصاص) فيما دون النفس (والطلاق والقذف فالخصومة معه دون سيده) لأن السيد لا يملك منه إلا المال ولقوله (ص): الطلاق لمن أخذ بالساق. ومن ملك إنشاء شئ ملك الاقرار به والخصومة فيه، (وإن كان) المدعي على العبد (مما لا يقبل قول العبد فيه كإتلاف مال أو جناية توجبه فالخصم) فيه (سيده) لأنه المطالب به، (واليمين عليه) أي السيد إذا أنكر (ولا يحلف العبد فيها بحال) لأنه لا يصح طلبه بها حتى لو أقر لم يسمع إقراره والقصاص في النفس جوابه من العبد وسيده معا لأن إقرار أحدهما به على الآخر غير مقبول، (ومن حلف فقال: إن شاء الله أعيدت عليه اليمين) ليأتي بها من غير استثناء وتقدم، (وكذلك إن وصل كلامه بشرط أو كلام غير مفهوم) لاحتمال أن يكون استثناء أو نحوه، (وإن حلف قبل أن يستحلفه الحاكم أو استحلفه الحاكم قبل أن يسأله المدعي) إحلافه (أعيدت عليه) اليمين لأنها حق فلا يستوفى إلا بطلبه، (ولو ادعى عليه حقا فقال) المدعى عليه (أبرأتني منه أو) قال: و (استوفيته مني فأنكر) المدعي، (فقوله مع يمينه) لأنه منكر والأصل بقاء الحق (فيحلف) المدعي (بالله) تعالى (إن هذا الحق ويسميه بعينه ما برئت ذمتك منه ولا من شئ منه) وأنه يحلف على فعل نفسه فيحلف على البت (وإن ادعى استيفاءه أو البراءة) منه (بجهة معلومة) كما لو قال المدعي: برئت لدفعه عنك في دين واجب عليك أو في نفقة واجبة لزيد بأذنك ونحو ذلك (كفى الحلف على تلك الجهة وحدها) بأن يحلف بالله ما برئت منه ولا من شئ منه في الجهة المسماة لأنه لا يدعي غيرها ليحلف عليه.
572 كتاب الاقرار (وهو) لغة الاعتراف بالحق مأخوذ من المقر كأن المقر جعل الحق في موضعه. وشرعا (إظهار مكلف مختار ما عليه لفظا) أي بلفظ (أو كتابة أو إشارة) من (أخرس أو على موكله أو موليه) مما يمكن إنشاؤه لهما، (أو) على (موروثه بما يمكن صدقه) وأتى محترز قيوده وهو ثابت بالاجماع لقوله تعالى: * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) *. الآية * (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) * * (ألست بربكم؟ قالوا: بلى) *. ورجم النبي (ص) ماعزا والغامدية بإقرارهما ولأنه إخبار على وجه ينتفي فيه التهمة والريبة ولهذا كان آكد من الشهادة فإن المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة وإن كذب المدعي بينته لم تسمع، وإذا أنكر ثم أقر سمع إقراره (وليس) الاقرار (بإنشاء) بل هو إخبار وإظهار لما هو في نفس الامر (فيصح منه) أي من المكلف المختار الاقرار (بما يتصور منه التزامه) بخلاف ما لو ادعى عليه جناية منذ عشرين سنة وعمره عشرون سنة أو أقل، فهذا لا يصح إقراره بذلك صرح به في التلخيص وغيره وهو معنى قوله بما يمكن صدقه (بشرط كونه) أي المقر به (بيده) أي المقر (وولايته واختصاصه) قال في شرح المنتهى: يعني ولايته أو اختصاصه فلا يصح إقراره بشئ في يد غيره أو في ولاية غيره كما لو أقر أجنبي على صغير أو وقف في ولاية غيره أو اختصاصه انتهى. فيصح إقراره بما
573 في ولايته أو اختصاصه كأن يقر ولي اليتيم ونحوه، أو ناظر الوقف أنه جر عقاره ونحوه لأنه يملك إنشاء ذلك فصح إقراره به (و) لا يشترط في المقر به أن يكون (معلوما) فيصح بالمجمل ويطالب بالبيان ويأتي (ويصح من أخرس بإشارة معلومة) لقيامها مقام نطقه، و (لا) يصح الاقرار (بها) أي بالإشارة (من ناطق) قال في شرح المنتهى: بغير خلاف في المذهب (ولا) يصح الاقرار بالإشارة (ممن اعتقل لسانه) لأنه غير مأيوس من نطقه أشبه الناطق، (ويصح إقرار الصبي) المأذون له (و) إقرار العبد (المأذون له في البيع والشراء في قدر ما أذن له فيه) كالحر البالغ لأنه لا حجر عليه فيما أذن له فيه (دون ما رآه) على ما أذن فيه لهما لأن مقتضى الدليل عدم صحة إقرارهما ترك العمل به فيما أذن له فيه فيبقى ما عداه على مقتضاه، (وإن أقر مراهق غير مأذون له) في التجارة (ثم اختلف هو والمقر له في بلوغه فقول المقر) في عدم بلوغه لأنه الأصل، (ولا يحلف) لأننا حكمنا بعدم بلوغه (إلا أن تقوم بينة ببلوغه). قلت: وعلى قياس ذلك لو باع أو وهب أو وقف أو أعتق، أو أجر ونحوه، ثم أنكر بلوغه حال الشك فيه قبل قوله بلا يمين لما تقدم ويحمل نص أحمد في رواية ابن منصور إذا قال البائع: بعتك قبل البلوغ، وقال المشتري: بعد بلوغك، إن القول قول المشتري على ما إذا كان الاختلاف بعد تيقن بلوغه، (ويصح إقرار الصبي أنه بلغ باحتلام إذا بلغ عشرا) أي عشر سنين لأنه لا يعلم إلا من جهته، وكذا الجارية إذا بلغت تسعا (ولا يقبل) منه أنه بلغ (بسن إلا ببينة) لأنه لا تتعذر إقامتها على ذلك، (وإن أقر) شخص (بمال أو بيع أو شراء ونحوه ثم قال بعد) تحقق (بلوغه لم أكن حين الاقرار بالغا لم يقبل) منه ذلك لأن الأصل الصحة، (وإن أقر بالبلوغ من شك في بلوغه ثم أنكره مع الشك صدق)، لأن الأصل الصغر (بلا يمين) للحكم بعد بلوغه (ولو شهد الشهود بإقرار شخص لم تفتقر صحة الشهادة إلى أن يقولوا): أقر (طوعا في صحة عقله) عملا بالظاهر، وتقدم (ويصح إقرار سكران) بالمعصية لان
574 أفعاله تجري مجرى أفعال الصاحي (كطلاق، وكذا من زال عقله بمعصية كمن شرب ما يزيل عقله عامدا لغير حاجة) فيؤاخذ بإقراره و (لا) يصح إقرار (من زال عقله بسبب مباح أو) بسبب (معذور فيه) لأنه غير عاقل ولا معصية تغلظ عليه لأجلها، (وإن ادعى الصبي الذي أنبت الشعر الخشن حول قبله أنه أنبت بعلاج كدواء لا بالبلوغ لم يقبل) ذلك منه ولزمه حكم تصرفه من بيع أو إقرار ونحوهما لأن الأصل عدم ما يدعيه، (ولا يصح إقرار المجنون) لحديث: رفع القلم عن ثلاث. الخبر، (إلا في حال إفاقته) فيصح إقراره لأنه عاقل أشبه من لم يجن، (وكذا المبرسم والنائم والمغمى عليه) لأنه التزام حق بالقول فلم يصح منه كالبيع (وإن ادعى جنونا لم يقبل إلا ببينة) لأن الأصل السلامة. وذكر الأزجي: يقبل أيضا إن عهد منه جنون في بعض أوقاته وإلا فلا. قال في الفروع: ويتوجه قبوله ممن غلب عليه (ولا) يصح (إقرار مكره) لحديث عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (إلا أن يقر بغير ما أكره عليه مثل أن يكره) على (أن يقر لزيد فيقر لعمرو أو) علي (أن يقر بدراهم فيقر بدنانير أو على الاقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق غيرها، أو) على أن يقر بطلاق امرأة ف (- يقر بعتق عبد فيصح إقراره إذن) لأنه أقر بغير ما أكره عليه فصح كما لو أقر به ابتداء، (وإن أكره على وزن مال فمال ملكه لذلك صح) البيع لأنه لم يكره عليه أشبه ما لو لم يكره أصلا ويكره الشراء منه (وتقدم أول كتاب البيع ومن أقر بحق ثم ادعى أنه كان مكرها لم يقبل) منه دعوى الاكراه لان الأصل عدمه (إلا ببينة) لحديث: البينة على المدعي. (إلا أن تكون هناك دلالة على الاكراه كقيد وحبس وتوكل به) أي ترسيم عليه (فيكون القول قوله مع يمينه) لأنه دليل
575 الاكراه قال الأزجي: أو أقام بينة بأمارة الاكراه استفاد بها أن الظاهر معه فيحلف ويقبل قوله. قال في النكت: وعلى هذا تحرم الشهادة عليه وكتب حجة عليه وما أشبه ذلك في هذه الحال (وتقدم بينة إكراه على بينة طواعية) لأن معها زيادة علم، (وإن قال من ظاهره الاكراه علمت أني لو لم أقر أيضا أطلقوني فلم أكن مكرها، لم يصح) قوله ذلك ولم يمنع كونه مكرها (لأنه ظن) منه (فلا يعارض يقين الاكراه) لقوة اليقين قال في الفروع: وفيه احتمال لاعترافه بأنه أقر طوعا ونقل ابن هانئ فيمن تقدم إلى سلطان فهدده فيدهش فيقر يؤخذ به فيرجع ويقول: هددني، ودهشت يؤخذ وما علمته أنه أقر بالجزع والفزع، (ومن أقر في مرض موته بشئ فكإقراره في صحته) لأنه غير متهم فيه (إلا في إقراره بمال لوارث فلا يقبل إلا ببينة أو إجازة) من باقي الورثة لأنه إيصال المال إلى وارثه بقوله في مرض موته فلم يصح بغير رضا بقية ورثته كهبته ولأنه محجور عليه في حقه أشبه تبرعه له (ويلزمه) أي المريض (أن يقر) لوارثه بدينه ونحوه. (وإن لم يقبل) منه الاقرار (إذا كان) إقراره (حقا) كالأجنبي (وإن اشترى وارثه شيئا فأقر له بثمن مثله قبل) منه ذلك ولزمه بعقد البيع لا بإقراره، (ولا يحاص المقر له) ولو أجنبيا (غرماء الصحة بل يقدمون عليه لأنه أقر بعد تعلق الحق بماله) أشبه إقرار المفلس (لكن لو أقر) لأجنبي (في مرضه بعين ثم بدين أو عكسه) بأن أقر به بدين ثم بعين (فرب العين أحق بها) من رب الدين لأن الاقرار بالدين يتعلق بالذمة، والاقرار بالعين يتعلق بذاتها فتعلقه بالذات أقوى، ولهذا لو أراد بيع العين لم يصح ومنع منه لحق المقر له بها. فرع إذا خاف أن يأخذ ماله ظالم أو المال الذي بيده للناس إما بحجة أنه ميت لا وارث له، أو أنه مال غائب، أو بلا حجة أصلا جاز له الاقرار بما يدفع هذا الظلم ويحفظ المال لصاحبه مثل أن يقر بحاضر أنه ابنه أو أن له عليه كذا، أو أن المال الذي بيده لفلان ويتأول في إقراره بأن يعني بكونه ابنه صغره أو بقوله: أخي أخوة الاسلام، أو بقوله الذي بيده له أي له ولاية قبضه لكوني قد وكلته في إيصاله إلى مستحقه ونحوه. لكن يشترط أن
576 يكون المقر له أمينا، والاحتياط أن يشهد على المقر له أن هذا إقرار تلجئة تفسيره كذا وكذا. قال في الاختيارات ملخصا: (ولو أعتق عبدا لا يملك غيره أو وهبه، ثم أقر بدين نفذ عتقه وهبته ولم ينقضا بإقراره) نصا لأنه تصرف منجز تعلق بعين مال أزاله عن ملكه فلم ينقضه ما تعلق بذمته، كما لو أعتق أو هب ثم حجر عليه لفلس (وتقدم حكم إقرار مفلس وسفيه في) كتاب (الحجر) مفصلا (وإن أقر لامرأته في مرض موته بمهر لم يقبل) لأنه إقرار لوارث (ويلزمه مهر مثلها) إن ادعته (بالزوجية) أي بمقتضى كونها زوجته (لا بإقراره)، لان الزوجية دلت على المهر ووجوبه عليه، والأصل بقاؤه (ويصح إقراره) أي المريض (بأخذ دين) له (من أجنبي) لأنه إقرار لمن لا يتهم في حقه، (وإن أقر) المريض بدين أو عين (لوارث وأجنبي صح) الاقرار (للأجنبي) بغير إجازة، كما لو انفرد لعدم التهمة بخلاف الشهادة لأن الاقرار آكد منها، ولذلك لا تعتبر فيه العدالة، ويوقف إقراره على إجازة باقي الورثة (والاعتبار) في كونه وارثا أو غير وارث (بحالة الاقرار) لأنه قول تعتبر فيه التهمة فاعتبرت حالة وجوده دون غيرها كالشهادة (لا بحالة الموت) بخلاف الوصية (فلو أقر لوارث فصار عند الموت غير وارث لم يلزم إقراره) لاقتران التهمة به فلا ينقلب لازما بعد ذلك (لا أنه) أي الاقرار (باطل) كما توهمه عبارة المقنع وغيره لم يصح لأنه لا يزيد على الوصية وهي موقوفة على الإجازة لا باطلة، وفي نسخ لأنه باطل وليس بمناسب لقوله لم يلزم، (وإن أقر لغير وارث) صح وإن صار عند الموت وارثا، كما لو أقر لابن ابنه مع ابن فمات ابنه لم يتغير حكم الاقرار لوقوعه من أهله خاليا من التهمة يثبت الحق به ولم يوجد ما يسقطه، (أو أعطاه) أي أعطى غير وارث لزمت العطية و (صح) العقد، (وإن صار) المعطى (عند الموت وارثا) لما تقدم ذكره في الترغيب وغيره اقتصر على ذلك في الفروع وشرح المنتهى وقد تقدم في تبرعات المريض أن المعتبر وقت الموت في العطية كالوصية وقطع به صاحب الفروع هناك كأكثر الأصحاب قال في تصحيح الفروع: وهذا هو المعتمد عليه وكان الأولى مكان بشئ ويقطع بضده في غيره (وإن أقرت) المريضة (في مرضها أن لا مهر
577 لها عليه) أي الزوج (لم يصح) الاقرار إن لم يجزه باقي ورثتها للتهمة (إلا أن يقيم بينة بأخذه) أي الصداق مطلقا، (أو بإسقاطه) في غير مرض الموت المخوف وهذا معنى مهنا ونقل إبراهيم: لو كان مهرها عشرة آلاف فقالت: ما لي عليه إلا ستة آلاف القضاء ما قضت عليه اقتصر في الفروع في تبرعات المريض، ولعل المراد بما لي عليه إلا ستة آلاف أي لم يتزوجني إلا عليها لا أنها أقرت بقبض أربعة بخلاف ما هنا، (وكذا حكم) كل (دين ثابت على وارث) لا يصح إقرار المريض بقبضه إلا بإجازة باقي الورثة، (وإن أقر المريض بوارث صح) إقراره لأنه لغير وارث فصح، كما لو لم يصر وارثا، ولأنه غير متهم فيه (وإن أقر) المريض (لامرأته ثم أبانها ثم تزوجها). قلت: أو لم يتزوجها (ومات من مرضه لم يصح إقراره) بغير إجازة الباقي لأنه إقرار لوارث في مرض الموت أشبه ما لو يبنها، ولأن الاعتبار بحال الاقرار وهي وارثة حينه، وفي الرعاية الكبرى: لو أقر لها بدين ثم تزوجها ومات بطل إلا أن يجيز الورثة (وإن أقر أنه كان طلقها في صحته لم يسقط ميراثها) لأنه متهم. وكما لو طلقها في مرضه. تتمة يصح إقرار المريض بإحبال الأمة لأنه يملك ذلك فملك الاقرار به. وكذا ما ملكه ملك الاقرار ه فإذا أقر بذلك ثم مات فإن بين أنه استولدها في ملكه فولدت حر الأصل فأم ولد تعتق بموته من رأس المال، وإن أقر من نكاح أو وطئ بشبهة عتق الولد ولم تصر أو ولد، وإن لم يبين السبب فالأصل الرق ولا ولاء على الولد لأن الأصل عدمه فإن كان له وارث قام مقامه في بيان كيفية استيلادها. فصل وإن أقر عبد أو أمة ولو آبقا بحد أو أقر عبد (بطلاق أو) أقر قن (بقصاص فيما دون النفس أخذ به) أي بإقراره (في الحال)، لأن له ذلك ليستوفي من بدنه وهو له دون سيده لأن السيد لا يملك منه إلا المال. ولقوله
578 (ص): الطلاق لمن أخذ بالساق. ومن ملك الانشاء ملك الاقرار، (وإن أقر) القن (بقصاص في النفس لم يقتص منه في الحال) لأنه يسقط حق السيد به أشبه الاقرار بقتل الخطأ، ولأنه متهم في أن يقر لمن يعفو على مال فيستحق رقبته لتخلص من سيده (ويتبع به) أي القصاص في النفس إذا أقر به في رقه (بعد العتق) لزوال المعارض (وطلب جواب الدعوى) للقتل عمدا (منه) أي القن (ومن سيده) جميعا كما تقدم، (وإن أقر السيد عليه) أي القن (بمال أو بما يوجبه) أي المال (كجناية الخطأ) والعمد الذي لا يوجب قصاصا بحال كالجائفة والمأمومة (صح) إقراره لأن المال يتعلق برقبته وهي مال السيد فصح إقراره به. (ويؤخذ منه) أي السيد (دية ذلك) يعني أنه يخير بين فدائه وبيعه وتسليمه في أرش الجناية كما يعلم مما سبق، كما لو ثبت بالبينة، و (لا) يصح إقرار السيد على قنه (بما يوجب قصاصا ولو فيما دون النفس) لأنه لا يملك منه إلا المال، (وإن أقر العبد) ومثله الأمة (بجناية خطأ أو شبه عمد، أو غصب، أو سرقة مال) لم يقبل على السيد، (أو) أقر القن (غير المأذون له بمال عن معاملة، أو) أقر بمال (مطلقا)، ولم يبين كونه عن معاملة أو غيرها لم يقبل على السيد (أو) أقر من مأذون له ومثله حر صغير مأذون له في التجارة (بما لا يتعلق بالتجارة) كقرض وجناية (وكذبه السيد لم يقبل) إقراره (على السيد) لأنه إقرار من محجور عليه في حق غيره (وإن توجهت عليه) أي القن (يمين على مال فنكل عنها فكإقراره فلا يجب المال) لأنه كالاقرار على غيره (وسواء كان ما أقر) القن (بسرقته باقيا أو تالفا في يد السيد أو يد العبد ويتبع بما أقر به بعد العتق) لزوال المانع (ويقطع للسرقة في المال) إذا أقر بها (في الحال) أي حال الاقرار لأن القطع حق له فيقبل إقراره به، كما لو أقر بقصاص بطرف (قال) الامام (أحمد في عبد أقر به بسرقة دراهم في يده أنه سرقهما من رجل، والرجل يدعي ذلك) أي أنه سرق
579 الدراهم منه (والسيد يكذبه. فالدراهم لسيده) لأن المال حق للسيد فلم يقبل إقرار العبد به، كما لو أقر العبد بمال في يده (ويقطع العبد) لما تقدم (ويتبع بذلك) المال الذي أقر به (بعد العتق) لزوال المعارض (وما صح إقرار العبد به) كالحد والطلاق والقصاص في الطرف. (فهو الخصم فيه) وحده فطلب جواب دعواه منه، (وإلا) أي وإن لم يصح إقرار العبد به كالمال الخصم (ف) - يه (سيده) والقصاص في النفس هما الخصم فيه كما سبق (وإن أقر بالجناية مكاتب تعلقت برقبته وذمته) ولا يتعلق ذلك بالسيد (ولا يقبل إقرار سيده) أي المكاتب (عليه بذلك) أي بجناية ولا بغيرها، لأنه إقرار على غيره، (وإن أقر غير مكاتب بمال لسيده أو) أقر (سيده له) بمال (لم يصح) الاقرار لأن مال العبد لسيده، وشمل ذلك القن والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة بخلاف المكاتب فإنه يملك كسبه ومنافعه، وعلم منه صحة إقرار كل منهما للآخر بنحو حد، (وإن أقر العبد) أو الأمة (برقه لغير من هو في يده لم يقبل)، وإن أقر السيد بذلك قبل لأنه في يد السيد لا في يد نفسه (وإن أقر السيد أنه باع عبده من نفسه بألف وصدقه صح) ذلك (ولزمه الألف) ويكون كالكتابة لأن الألف بدل عن رقبته (فإن أنكر) العبد شراءه نفسه (حلف) العبد على ذلك (ولم يلزمه شئ)، لأنه منكر، والأصل براءته (ويعتق) العبد (فيهما) أي في مسألتي التصديق والانكار لأن السيد أقر بحريته والأمة مثله في ذلك ونظائره، (وإن أقر لعبد غيره بمال صح) الاقرار (وكان) المال (لمالكه) لأنه هو الجهة التي يصح بها الاقرار فتعين جعل المال له فكان الاقرار لسيده. (و) حينئذ يلزمه بتصديقه و (يبطل برده) أي رد مالكه لأن يد العبد كيد سيده، (وإن أقر مكلف له) أي للعبد (بنكاح) فصدقه العبد صح. قال في الكافي: وإن أقر العبد بنكاح صح. قال أبو العباس وفيه نظر لأن العبد لا يصح نكاحه بدون إذن سيده لأن في ثبوت نكاح العبد ضررا عليه فلا يقبل إلا بتصديق السيد، (أو) أقر لقن (بقصاص أو تعزيرا القذف فصدقه العبد صح) الاقرار (وله) أي القن (المطالبة به والعفو عنه وليس لسيده مطالبة) المقر
580 (بذلك ولا عفو عنه) لأن الحق له فيه دون سيده، (وإن أقر لبهيمة) بشئ (لم يصح) الاقرار لأنها لا تملك ولا لها أهلية الملك، (وإن قال: على ألف بسبب هذه البهيمة لم يكن مقرا لاحد) لأن من شرط صحة الاقرار. ذكر المقر له (وإن قال لمالكها) أو لزيد (على ألف بسببها صح) قاله في الشرح وغيره. (وإن قال) على كذا (بسبب حمل هذه البهيمة لم يصح) إقراره لأنه لا يمكن إيجاب بشئ بسبب الحمل إلا أن ينفصل الحمل ميتا ويدعي مالكها أنه بسببه فيلزمه ما أقر به، (وإن أقر لمسجد أو مقبرة أو طريق ونحوه) كقنطرة وسقاية (صح الاقرار ولو لم يذكر سببا) كغلة وقف أو وصية لأنه إقرار من مكلف مختار فلزمه كما لو عين السبب (ويكون لمصالحها) أي المذكورات (ولا يصح) الاقرار (لدار) ونحوها (إلا مع) بيان (السبب) من غصب أو إجارة ونحوهما، لأن الدار لا تجري عليها صدقة في الغالب بخلاف المسجد ونحوه، (وإن تزوج مجهولة النسب فأقرت بالرق لم يقبل) إقرارها لان الحرية حق لله تعالى فلا ترتفع بقول أحد كالاقرار على حق الغير، (وإن أقر بولد أمته أنه ابنه ثم مات) المقر (ولم يتبين هل أتت به) أي الولد (في ملكه أو) في (غيره لم تصر أم ولد) لاحتمال أنها أتت به في غير ملكه (إلا بقرينة) تدل أنها حملت به وهي في ملكه، كما لو كان ملكها بكرا أو صغيرة. فصل وإن أقر مكلف بنسب (صغير أو مجنون مجهول النسب) بأن قال: (إنه وهو يحتمل أن يولد لمثل المقر) بأن يكون المقر أكبر منه بعشر سنين فأكثر، (ولم ينازعه منازع ثبت نسبه منه) لأن الظاهر أن
581 الشخص لا يلحق به من ليس منه، كما لو أقر بمال، (وإن كان الصغير أو المجنون) المقر به (ميتا ورثه) لأن سبب ثبوت النسب مع الحياة الاقرار وهو موجود هنا، (وإن كان) المقر به (كبيرا عاقلا لم يثبت) نسبه من المقر (حتى يصدقه) لأن له قولا صحيحا فاعتبر تصديقه كما لو أقر له بمال، (وإن كان) الكبير العاقل المقر به (ميتا ثبت إرثه و نسبه) لأنه لا قول له أشبه الصغير، (وإن ادعى نسب مكلف في حياته فلم يصدقه حتى مات المقر، ثم صدقه ثبت نسبه) لأن بتصديقه حصل اتفاقهما على التوارث من الطرفين جميعا (من ثبت نسبه وله أم فجاءت بعد موت المقر تدعي زوجيته) أي المقر (لم تثبت) الزوجية (بذلك لان الرجل إذا أقر بنسب صغير لم يكن مقرا بزوجية أمه) لأنه يحتمل أن يكون من وطئ بشبهة أو نكاح فاسد، وكذا لو ادعت أخته البنوة ذكره في التبصرة، قال في الاختيارات ومن أنكر زوجته امرأة ثم أقر بها كان لها طلبه بحقها، (وإن قدمت امرأة من بلاد الروم ومعها طفل فأقر به رجل) أنه ابنه مع إمكانه ولا منازع (لحقه) نسبه لوجود الامكان وعدم المنازع والنسب يحتاط لاثباته (ولهذا لو ولدت امرأة رجل وهو غائب عنها بعد عشر سنين أو أكثر من غيبته لحقه الولد وإن لم يعرف له) أي الرجل (قدوم إليها ولا عرف لها خروج من بلدها) ومن له أمتان لكل واحدة منهما ولد ولا زوج لواحدة منهما ولم يقر بوطئها فقال: أحد هذين ابني، أخذ بالبيان، فإن عين أحدهما ثبت نسبه وحريته ويطالب ببيان الاستيلاد فإن قال: استولدتها في ملكي فالولد حر الأصل وأمه أم ولد، وإن قال: من نكاح أو وطئ بشبهه فأمه رقيقة قن ذكره في الكافي وغيره وترق الأخرى وولدها، وإن ادعت الأخرى أنها المستولدة فالقول قوله بيمينه، وإن مات قبل البيان قام وارثه مقامه، فإن لم يكن له وارث أو لم يعين الوارث عرض على القافة فالحق به من تلحقه به وإن لم تكن قافة أو أشكل أقرع بينهما فيعتق أحدهما بالقرعة وتقدم لا مدخل للقرعة في تمييز النسب ويجعل سهمه في بيت المال لأنا نعلم أن أحدهما يستحق نصيب ولد ولا يعرف عينه فلا استحقه بقية الورثة
582 قاله السامري، (وإن أقر بنسب أخ أو عم في حياة أبيه أو جده لم يقبل) لأن قرار الانسان على غيره غير مقبول، (وإن كان) إقراره بنسب الأخ أو العم (بعد موتهما) أي الأب والجد (وهو) أي المقر (الوارث وحده صح إقراره وثبت النسب) لحديث سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة، متفق عليه من حديث عائشة ولان الوارث يقوم مقام مورثه في حقوقه وهذا منها، إلا أن يكون الميت قد نفاه قبل موته وتقدم في اللعان ويدخل في كلامه إذا كان الوارث ابنة واحدة لأنها ترث المال فرضا وردا وتقدم (وإن كان معه) أي المقر (غيره لم يثبت) النسب المقر به لأنه لا يستوفي حق شريكه فوجب أن لا يثبت في حقه (وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر) مؤاخذة له بمقتضى إقراره (وتقدم) ذلك (في) باب (الاقرار بمشارك في الميراث) مفصلا وبيان طريقه، (وإن أقر بأب أو ولد أو زوج أو مولى أعتقه قبل إقراره) لعدم التهمة (ولو أسقط به وارثا وفاه) لأنه لا حق للوارث في الحال وإنما يستحق الإرث بعد الموت بشرط خلوه من مسقط (إذا أمكن صدقه) أي المقر بأن لا يكذبه فيه ظاهر حاله فإن لم يمكن صدقه كإقرار الانسان بمن في سنه أو أكبر منه لم يقبل (ولم يدفع به) أي بإقراره (نسبا لغيره) فإن دفع به ذلك لم يصح لأنه إقرار على الغير (وصدقه المقر به) المكلف وإلا لم يقبل (أو كان) المقر به (ميتا إلا الولد الصغير والمجنون فلا يشترط تصديقهما) لما مر (فإن كبرا وعقلا وأنكرا) النسب، (لم يسمع إنكارهما) لأنه نسب حكم بثبوته فلم يسقط برده كما لو قامت به بينة، (ولو طلبا إحلاف المقر لم يستحلف لأن الأب لو عاد فجحد النسب لم يقبل منه) لأن النسب يحتاط له بخلاف المال (ويكفي في تصديق والد بولده وعكسه) كتصديق ولد بوالده (سكوته إذا أقر به) لأنه يغلب في ذلك ظن التصديق (ولا يعتبر في تصديق أحدهما) أي الوالد بولده وعكسه (تكراره) أي التصديق
583 (فيشهد الشاهد بنسبهما) بدون تكرار التصديق ومع السكوت (وتقدم في) كتاب (الشهادات) مفصلا (ولا يصح إقرار من له نسب معروف بغير هؤلاء الأربعة) وهم الأب والابن والزوج والمولى كجد يقر بابن ابن وعكسه وكأخ لا يقر بأخ، والعم يقر بابن أخ لأنه يحمل على غيره نسبا فلم يقبل (إلا ورثة أقروا لمن) لو (أقر به مورثهم) ثبت نسبه فيصح لقيامهم مقامه، وتقدم في عبارته نظر لكن توضيحها ما قدرته ليوافق كلام غيره. (وإن حلف ابنين مكلفين فأقر أحدهما بأخ صغير)، أو مجنون (ثم مات المنكر والمقر وحده وارث) للمنكر (ثبت نسب المقر به منهما) لانحصار الإرث فيه، (فلو مات المقر بعد ذلك عن بني عم وعن الأخ المقر به ورثه) الأخ المقر به (دونهم) أي دون بني العم لأن الأخ يحجبهم وقد ثبت نسبه بإقرار الميت، (وإن أقر من عليه ولاء بنسب وارث لم يقبل) إقراره لأنه متهم بدفع مولاه عن ميراثه (إلا أن يصدقه مولاه) فيقبل إقراره لعدم المانع، (وإن كان) المقر بنسب (مجهول النسب ولا ولاء عليه فصدقه المقر به وأمكن قبل) ولو كان المقر به أخا أو عما لأن نسبه لا يعرف من غيره وهو غير متهم فيه فوجب قبوله، كما لو أقر بحق غيره (وإن أقرت امرأة ولو بكرا بنكاح على نفسها قبل) إقرارها لأنه حق عليها فيقبل إقرارها به كما لو أقرت بمال ولزوال التهمة بإضافة الاقرار إلى شرائطه كما لو أقرت أن وليها باع أمتها في صغرها، (إن كان مدعيه) أي النكاح (واحدا)، قال في الشرح: فإن ادعاها اثنان فأقرت لأحدهما لم يقبل منها لأن الآخر يدعي ملك بعضها وهي معترفة أن ذلك قد ملك عليها فصار إقرارها بحق غيرها، ولأنها متهمة فإنها لو أرادت ابتداء تزويج أحد المتداعيين لم يكن لها قبل الانفصال من دعوى الآخر اثنين، وهذه رواية الميموني واختارها القاضي وأصحابه وجزم بها في الوجيز وفي المغني: في أثناء الدعاوى، وصحح في الانصاف وتصحيح الفروع أنه يقبل إقرارها بالنكاح على نفسها، وقال صححه المجد في
584 محرره وصاحب التصحيح واختار الشيخ الموفق وجزم به في المغني في النكاح، وجزم به في المنور وغيره وقدمه في النظم وغيره انتهى وقدمه المصنف في طريق الحكم وصفته وجزم به في المنتهى، (وتقدم في طريق الحكم وصفته فلو أقرت) المرأة بالنكاح (لاثنين وأقاما بينتين قدم أسبقهما) تاريخا لأن نكاح المتأخر باطل (فإن جهل) التاريخ (فسخا) أي النكاحان لعدم المرجع فإن علم الولي التاريخ قبل قوله، وكان السابق صحيحا (ولا يحصل الترجيح باليد) أي لا يرجح أحدهما بكونها بيده لأن الحر لا يدخل تحت اليد، (وإن أقر رجل) بزوجية امرأة (أو) أقرت (امرأة بزوجية الآخر فلم يصدقه الآخر إلا بعد موته صح) التصديق (وورثه) لقيام النكاح (إلا أن يكون كذبه في حياته) فلا يقبل تصديقه بعد الموت لأن الاقرار بطل تكذيبه، (وإن أقر ولي بمميزة عليها بنكاح قبل) إقراره لأنه يملك إنشاءه فملك به الاقرار به كالبيع وغيره، (وإن كانت) المرأة (غير مميزة وهي مقرة له) أي للولي (بالاذن قبل أيضا) لأنه يملك عقد النكاح عليها بمقتضى الاذن فملك الاقرار به كالوكيل (وإلا) أي وإن لم تكن غير المميزة مقرة بالاذن (فلا) يقبل إقرار الولي عليها بالنكاح لأنه إقرار عليها أشبه الاقرار عليها بمال، (وإن أقر) مكلف (بنكاح صغيرة بيده فرق بينهما) حيث لم تقم له بينة لأنه لا يقبل قوله بمجرده وتصديقها لاغ لصغرها، (وفسخه حاكم) لما تقدم (وإن صدقته) المرأة (إذا بلغت قبل) تصديقها لعدم المانع، قال في الفروع: (فدل أن من ادعت أن فلانا وزوجها فأنكر فطلبت الفرقة يحكم عليه) بالفرقة، وقد سئل عنها الموفق فلم يجب فيها بشئ، (ولو أقرت مزوجة بولد لحقها) لاقرارها (دون زوجها) لعدم إقراره به وكما لو أقر به رجل فإنه لا يلحق بامرأته (و) دون (أهلها) هذه عبارة الرعاية وفيها نظر لأنه إذا لحقها نسب تبعها أهلها كالرجل وهذا مقتضى كلام الجمهور، (وإن أقر الورثة بدين على مورثهم لزمهم قضاؤه) لأنهم أقروا باستحقاق ذلك على موروثهم (إما من التركة لتعلق الدين
585 بها) أي التركة (فللورثة تسليمها فيه) أي في الدين كتسليم العبد الجاني في أرش الجناية (وإن أحبوا) أي الورثة (استخلاصها) أي التركة (ووفاء الدين من مالهم فلهم ذلك) لان الدين لا يمنع انتقالها إليهم وكالعبد الجاني (ويلزمهم) أي الورثة (أقل الأمرين من قيمتها أو قدر الدين بمنزلة) القن (الجاني) بغير إذن سيده وأمره، (وإن أقر بعضهم) أي الورثة بدين على الميت بلا شهادة (لزمه) من الدين (بقدر ميراثه) لأنه يستحق أكثر من ذلك كما لو أقر الورثة كلهم فإذا ورث النصف فنصف الدين (كإقراره) أي بعض الورثة (بوصية) فيلزمه منها بقدر إرثه (ما لم يشهد منهم) أي من الورثة (عدلان أو عدل ويمين فيلزمهم الجميع) أي جميع الدين (إن وفت به التركة) كما لو شهد به عدلان من غيرهم، (ويأتي آخر باب ما إذا وصل بإقراره ما يغيره)، وإن أقر بعض الورثة بما يستغرق التركة أخذ كل ما بيده (ويقدم) من الديون على الميت (ما ثبت ببينة) نصا لانتفاء فيه التهمة (أو) يعين ثم ما ثبت ب (- إقرار) الميت فيقدم (على ما ثبت بإقرار ورثة إن حصلت مزاحمة) لأن إقرار الورثة إنما يلزم في حقهم وإنما يستحقون التركة بعد أداء الدين الثابت عليها فوجب أداء ما ثبت بغير إقرارهم أولا ثم ما يثبت بإقرارهم، (فإن لم يكن للميت تركة) أو كانت واستغرقها ما ثبت بالبينة أو إقرار الميت (لم يلزمهم شئ) لأنهم لا يلزمهم دينه إذا كان حيا مفلسا فكذا هنا إذا كان ميتا، (وإن أقر الوارث لرجل) مثلا (بدين يستغرق التركة ثم أقر بمثله للآخر في مجلس ثان لم يشارك الثاني الأول) لأن الأول استحق تسلمه كله بالاقرار فلا يقبل إقرار الوارث بما يسقط حقه لأنه إقرار على غيره (ويغرمه) أي قدر التركة (المقر للثاني) لأنه فوته عليه بإقراره به للأول وإن كان الاقرار في مجلس واحد تحاصا، (وإن أقر) مكلف (لحمل امرأة بمال صح) الاقرار لأنه يجوز أن يكون له وجه فصح كالطفل (إلا أن تلقيه) أي الحمل (ميتا أو يتبين) أن (لا حمل أو لا نتيقن أن الحمل كان موجودا حال الاقرار) بأن ولدته
586 بعد ستة أشهر وقبل أربع سنين مع زوج أو سيد (فيبطل) الاقرار لفوات شرطه، (وإن ولدت حيا وميتا فالمال للحي) لأن الشرط فيه متحقق بخلاف الميت، (وإن ولدت ذكرا وأنثى حيين ف) - المال المقر به (لهما بالسوية) لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه ومطلق الإضافة يقتضي التسوية، (إلا أن يعزوه) أي المال (إلى ما يقتضي التفاضل فيعمل به) أي بما عزاه إليه ويكون على التفاضل، (وإن قال للحمل علي ألف جعلتها له، ونحوه) كوهبتها له أو تصدقت بها عليه أو أعددتها له (فهو وعد) لا يؤخذ به، (وإن قال له) أي الحمل: (علي ألف أقرضنيه أو) قال له: علي ألف (وديعة أخذتها منه لزمه) لأن قوله للحمل على ألف إقرار بالألف فلا يرتفع بما ذكره بعد و (لا) يلزمه شئ في قوله: (أقرضني) الحمل (ألفا) لأن الحمل لا يتصور منه قرض (ومن أقر لكبير عاقل بمال في يده ولو كان المقر به عبدا أو) كان (نفس المقر بأن أقر برق نفسه للغير فلم يصدقه) المقر له (بطل إقراره) لأنه لا يقبل قوله عليه في ثبوت ملكه (ويقر بيد المقر) لأنه كان في يده فإذا بطل إقراره بقي كأن لم يقر به، (فإذا عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه) لعدم المعارض له فيه (ولم يقبل بعد ما) أي بعد دعوى المقر المقر به لنفسه أو لثالث (عود المقر له أولا إلى دعواه، وكذا لو كان دعواه إلى دعواه قبل ذلك) أي قبل دعوى المقر المقر به لنفسه أو غيره لأنه مكذب لنفسه. باب ما يحصل به الاقرار من الألفاظ (إذا ادعى عليه ألفا فقال: نعم أو أجل) بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام وهو حرف تصديق، كنعم قال الأخفش: إنه أحسن من نعم في التصديق، ونعم أحسن منه في الاستفهام، ويدل عليه قوله تعالى: * (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) * وقيل لسلمان رضي الله عنه: علمكم نبيكم كل شئ حتى الخراءة أي كيفية ما يتغوط الانسان قال: أجل (أو) قال: (صدقت أو أنا مقر به أو) أنا مقر (بدعواك
587 كان مقرا) لأن هذه الألفاظ وضعت للتصديق. (وإن قال: يجوز أن يكون محقا أو عسى) أن تكون محقا (أو لعل) أن تكون محقا (أو أظن أو أحسب، أو أقدر) أنك محق (أو) قال (خذ أو اتزن أو أحرز أو أنا أقر، أو لا أنكر أو أفتح كمك لم يكن مقرا) لأن قوله: أنا أقر وعد بالاقرار، والوعد بالشئ لا يكون إقرارا به. وفي قوله: لا أنكر لا يلزم من عدم الانكار الاقرار فإن بينهما قسما آخر، وهو السكوت عنهما وفي قوله: يجوز أن تكون محقا لجواز أن لا يكون محقا لأنه لا يلزم من جواز الشئ وجوبه، وقوله: عسى ولعل لأنهما وضعا للترجي وقوله: أظن أو أحسب أو أقدر لأنها تستعمل في الشك أيضا وقوله: خذ يحتمل أن معناه: خذ الجواب مني، وقوله: اتزن واحرز مالك على غيري، وقوله: افتح كمك لأنه يستعمل استهزاء لا إقرارا، وكذا قوله: اختم عليه أو اجعله في كيسك أو سافر بدعواك ونحوه (وإن قال: أنا مقر أو) قال: (خذها أو أتزنها أو احرزها أو قبضها أو هي صحاح كان مقرا)، لأنه عقب الدعوى فيصرف إليها، ولان الضمير يرجع إلى ما تقدم. وكذا أقررت قال تعالى: * (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا) * فكان منهم إقرارا (وإن قال: أليس لي عليك كذا، فقال: بلى فإقرار) صحيح لأن بلى جواب للسؤال بحرف النفي لقوله تعالى: * (ألست بربكم؟ قالوا: بلى) * و (لا) يكون مقرا إن قال (نعم، وقيل إقرار من عامي) وجزم به في المنتهى. وقال في شرحه في الأصح (قال في الانصاف هذا عين الصواب الذي لا شك فيه) وفي قصة إسلام عمرو بن عنبسة قدمت المدينة فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ فقال: نعم أنت الذي لقيتني بمكة قال فقلت بلى. قال في شرح مسلم فيه صحة الجواب ببلى وإن لم يكن قبلها نفي وصحة الاقرار بها. قال وهو الصحيح من مذهبنا. (وإن قال له: علي ألف إن شاء الله أو في مشيئة
588 الله أو لك علي ألف إن شئت، أو له علي ألف لا يلزمني إلا أن يشاء الله أو إلا أن يشاء زيد أو إلا أن أقوم أو) قال له: (علي ألف) أو (في علم الله أو فيما أعلم لا فيما أظن إقرار) لأنه قد وجد منه وعقبه بما يرفعه فلم يرتفع الحكم به، ولان ما علمه لا يحتمل غير الوجوب بخلاف ما ظنه (وإن قال: بعتك) إن شاء الله (أو زوجتك) إن شاء الله (أو قبلت إن شاء الله صح) النكاح والبيع، وكذا الإجارة وغيرها (كالاقرار) المعلق بالمشيئة لأن القصد بها غالبا التبرك، (وكما لو قال: أنا صائم غدا إن شاء الله فإنه تصح نيته وصومه) إن لم يكن مترددا، وكذا أنا مؤمن إن شاء الله غير متردد في الحال (وكذا قوله: اقضني ديني عليك ألفا أو أعطني) فرسي هذه (المشتري فرسي هذه أو سلم إلي ثوبي هذا، أو الألف الذي لي عليك أو ألفا من الذي لي عليك أولي) عليك ألف (أو هل لي عليك ألف فقال نعم) فهو إقرار. لأنه جواب صريح أشبه ما لو قال: عندي، (أو قال: أمهلني يوما، أو حتى أفتح الصندوق) فهو إقرار. لأنه طلب المهلة يقتضي أن الحق عليه، (وإن قال: إن قدم فلان) فله علي ألف (أو) قال (إن شاء) فلان فله علي ألف (أو) قال: (إن شهد به فلان فله علي ألف أو) قال (له علي ألف إن قدم فلان أو إن دخل الدار أو إن شهد به فلان صدقته أو) ف (- هو صادق، أو إن جاء المطر أو إن جاء رأس الشهر فله علي ألف، ونحو ذلك) من كل إقرار معلق على شرط مقدم أو مؤخر (ليس بإقرار) لأنه ليس بمقر في الحال وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجبا عند وجود الشرط لأن الشرط لا يقتضي إيجاب ذلك، (فإن قال: إذا جاء رأس الشهر أو وقت كذا فعلي لزيد ألف إقرار) هذا أحد وجهين والأشهر لا يكون إقرارا لأنه قد بدأ بالشرط وعلق عليه لفظا يصلح للاقرار ويصلح للوعد، فلا يكون إقرارا مع الاحتمال وجزم به في الكافي وغيره ينظر ولو آخر الشرط بأن قال لزيد: علي ألف إذا جاء رأس الشهر أو وقت
589 كذا فهو إقرار قطع به في المقنع والتنقيح، وهو ظاهر ما قدمه في الفروع ونقله في المبدع عن الأصحاب لأنه قد بدأ بالاقرار فعمل به وقوله: إذا جاء رأس الشهر يحتمل أنه أراد المحل فلا يبطل الاقرار بأمر محتمل (فإن فسره) أي المقر (بأجل أو وصية قبل منه) لأن لفظه يحتمله. (وإن أقر العربي بالعجمية أو بالعكس) بأن أقر الأعجمي بالعربية (وقال: لم أدر ما قلت فقوله مع يمينه) لأنه أدرى بنفسه والظاهر معه. باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره (إذا وصل به ما يسقطه مثل أن يقول: علي ألف لا يلزمني أو قد قبضه واستوفاه أو) له علي (ألف من ثمن خمر، أو) من ثمن (خنزير أو من ثمن طعام) مكيل ونحوه (اشتريته فهلك قبل قبضه، أو) من ثمن مبيع فاسد لم أقبضه أو من مضاربة تلفت وشرط على ضمانها أو قال له علي ألف (تكفلت به على أني بالخيار) لزمه الألف في جميع ذلك لأن ما ذكره بعد قوله: له علي ألف رفع لجميع ما أقر به فلا يقبل كاستثناء الكل وتناقض كلامه غير خاف فإن ثبوت الألف عليه في هذه الأمثلة لا يتصور، وإقراره إخبار بثبوته فتنافيا ولأنه أقر بالألف وادعى ما لم يثبت معه فلم يقبل منه، ولأنه في صورة ما إذا قال: قبضه أو استوفاه إقرار على المقر له بالقبض أو الاستيفاء، والانسان لا يقبل إقراره على غيره، (أو) قال له علي (ألف إلا ألفا) لزمه الألف. قال في المبدع بغير خلاف نعلمه لأن الكيل استثناء باطل (أو) قال له علي ألف (إلا ستمائة لزمه الألف) لأنه استثنى الأكثر ولم يرد ذلك في لغة العرب فيبطل (وإن قال: له علي من ثمن خمر) أو خنزير ونحوه (ألف لم يلزمه) شئ لأنه أقر بثمن خمر وقيده بالألف وثمن الخمر لا يجب فلم يلزمه، (وإن قال: كان له علي ألف وقضيته إياه أو أبرأني منه أو برئت إليه منه أو قبض مني كذا، أو أبرأني منه) أي من كذا (أو أقبضته منها
590 خمسمائة) مثلا فهو منكر. هذا معنى كلام الخرقي وعامة شيوخنا وذكر ابن هبيرة أن أحمد احتج في ذلك بقول ابن مسعود ولأنه قول يمكن صدقه، ولا تناقض فيه من جهة اللفظ فوجب قبول قوله ولا يلزمه شئ كاستثناء البعض بخلاف المنفصل. لأنه قد استقر بسكوته عليه. ولهذا لا يرفعه استثناء ولا غيره (أو قال) المدعي: (لي عليك مائة) وفي نسخة ألف (فقال) المدعى عليه: (أقبضتك منها عشرة فهو) أي المدعى عليه (منكر والقول قوله مع يمينه) لما سبق وقال أبو الخطاب يكون مقرا مدعيا للقضاء فلا يقبل إلا ببينة، وتقدم لو قال له علي ألف قد قبضه أو استوفاه، كان مقرا، قال في الانصاف بلا نزاع انتهى. ففرقوا بين إضافة الفعل إلى نفسه وإلى غيره، وكلام ابن ظهيرة في شرح الوجيز أن الحكم في المسألتين سواء. وكلام المصنف أيضا في قوله: أبرأني أو قبض مني كذا يقتضي عدم الفرق فيحتاج لتحرير الكلام في ذاك (ما لم يعترف) المدعى عليه (بسبب الحق) بأن يعترف بأن الحق من ثمن مبيع أو قيمة متلف أو أرش جناية ونحوه، (أو ثبت) سبب الحق (ببينة) فيكون المقر مدعيا للقضاء أو الابراء فيطالب بالبيان، (وكذا لو أسقط كان) بأن قال له علي ألف أقبضته إياه أو أبرأه منه أو نحوه مما سبق فهو منكر يقبل قوله مع يمينه لما سبق ما لم يعترف بسبب الحق أو يثبت ببينة، (فإن قال: لي بينة بالوفاء أو الابراء أو قاله بعد ثبوت الحق ببينة أو إقرار أمهل) المدعى عليه (ثلاثة أيام) ليأتي بالبينة كما تقدم في طريق الحكم وصفته (وللمدعي ملازمته) أي المدعى عليه (حتى يقيمها) أي البينة (فإن عجز) المدعى عليه عن البينة (حلف المدعي على بقاء حقه) حيث جعل المدعى عليه مقرا مدعيا للقضاء (أو أقام) المدعي (به) أي ببقاء حقه (بينة) إن تصور (وأخذه بلا يمين معها) أي مع البينة، (وإن نكل) المدعي عن اليمين ببقاء حقه حيث لا بينة على ما تقدم (قضى عليه بنكوله وصرف) أي منع من طلب المدعى عليه لثبوت القضاء بنكوله. تتمة: لو قال: كان لي عليك ألف، لم تسمع دعواه، ذكره أبو يعلى الصغير قال في الترغيب بلا خلاف، (و) إن قال: (كان له علي كذا وسكت إقرار) لأنه أقر بالوجوب
591 والأصل بقاؤه حتى يثبت ما يرفعه بدليل ما لو تنازعا دارا فأقر أحدهما للآخر أنها كانت ملكه يحكم له بها، إلا أنه هنا إذا عاد فادعى القضاء أو الابراء سمعت دعواه لأنه لا تنافي بين الاقرار وبين ما يدعيه على أحد الروايتين قال في الشرح (وليس لك علي عشرة إلا خمسة إقرار بما أثبته وهو خمسة) لأن الاستثناء من النفي إثبات (ويعتبر في الاستثناء أن لا يسكت سكوتا يمكنه الكلام فيه)، لأنه إذا سكت فقد استقر المقر به فلا يرفعه استثناء ولا غيره (ولا يصح استثناء ما زاد على النصف) لما تقدم (ويصح) الاستثناء (في النصف)، لأنه ليس بالأكثر (و) يصح الاستثناء أيضا فيما (دونه) أي النصف، قال في المبدع: لا نعلم فيه خلافا لأنه لغة العرب قال تعالى: * (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) *. وقال عليه الصلاة والسلام: الشهيد تكفر عنه خطاياه كلها إلا الدين. ولان الاستثناء يمنع أن يدخل المستثنى في الاقرار إذ لولاه لدخل ولا يرفع ما ثبت لأن الكلام كله كالشئ الواحد، (فإذا قال: له على هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا لزمه تسليم تسعة) لأنه استثنى الأقل ويرجع في تعيين المستثنى إليه لأنه أعلم بمراده، وكذا غصبنيه هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا (فإن ماتوا) أي العبيد (أو قتلوا أو غصبوا إلا واحدا فقال) المقر: (هو المستثنى، قبل قوله) لأنه يحتمل ما قاله. وكما لو تلقوا بعد تعيينه (و) إن قال: (له هذه الدار إلا هذا البيت أو) قال: (هذه الدار له وهذا البيت لي قبل منه)، لأن الأول استثنى البيت من الدار والثاني معنى الاستثناء لكونه أخرج بعض ما تناوله اللفظ به بكلام متصل، (ولو) كان البيت (أكثرها) أي أكثر الدار (إلا ثلثيها) ونحوه مما الاستثناء فيه أكثر من النصف (لم يصح) الاستثناء لأنه أكثر من النصف، (فإن قال: الدار له ولي نصفها صح)، كما لو قال إلا نصفها وإن قال: له الدار نصفها أو ربعها ونحوه، صح لأنه بدل البعض (و) قوله: (له علي درهمان وثلاثة إلا درهمين أو) قال: له (خمسة إلا درهمين ودرهما أو) قال له (درهم ودرهم إلا درهما لا يصح) الاستثناء فيه لأنه يرفع إحدى الجملتين لأن عوده إلى ما يليه متيقن وما زاد مشكوك فيه فيكون قد استثنى الأكثر أو الكل وكلاهما باطل وقوله عليه الصلاة والسلام:
592 لا يؤمن الرجل في بيته ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه ثم يرفع إحدى الجملتين وإنما أخرج من الجملتين معا (فيلزمه في الأوليين) وهما له درهمان وثلاثة إلا درهمين وله خمسة إلا درهمين ودرهما (خمسة وخمسة) أما في الأولى فلما تقدم، وأما في الثانية فلان المستثنين صارا كجملة واحدة فصار مستثنيا أكثر من النصف (و) يلزمه (في الثالثة) وهي له درهم ودرهم إلا درهما (درهمان) لما سبق، (ويصح الاستثناء بعد الاستثناء معطوفا كقوله له علي عشرة إلا ثلاثة وإلا درهمين) وفي أكثر النسخ إلا درهمان على لغة (فيلزمه خمسة) لأنه عربي، (وإن كان) الاستثناء (الثاني غير معطوف كان استثناء من الاستثناء فيصح) لقوله تعالى: * (إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين. إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته) *. فإذا قال: له علي سبعة إلا ثلاثة إلا درهما لزمه خمسة لأنه أي الاستثناء (من الاثبات نفي ومن النفي إثبات) فخرج بالاستثناء الأول ثلاثة وعاد بالاستثناء الثاني واحد، فإذا ضممته للأربعة صار خمسة، (وله عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهما يلزمه خمسة)، لأن استثناء الخمسة من العشرة صحيح، واستثناء الثلاثة من الخمسة باطل لأنه أكثر من النصف فيبطل ما بعده لأنه فرعه. (تنبيه) سائر أدوات الاستثناء فيما تقدم كإلا فإذا قال: له علي عشرة سوء درهم أوليس درهما أو لا يكون درهما أو خلا أو عدا أو حاشا درهما، أو ما خلا درهما ونحوه أو غير درهم بفتح الراء كان مقرا بتسعة، وإن قال: غير درهم بضم الراء وهو من أهل العربية كان مقرا بعشرة لأنها صفة للعشرة المقر بها لا استثناء، وإن لم يكن من أهل العربية لزمه تسعة لأن الظاهر أنه يريد الاستثناء وإنما ضمها جهلا ذكره في الشرح (ولا يصح الاستثناء من غير الجنس ولو كان) المستثنى (عينا) أي ذهبا (من ورق) أي فضة (أو ورقا من عين أو فلوسا من أحدهما) أي من عين أو فضة لأنه غير داخل في مدلول المستثنى منه فكيف
593 يخرج منه (ولا) يصح الاستثناء أيضا (من غير النوع الذي أقر به)، لأن الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاستثناء عما كان يقتضيه لولاه وغير النوع لم يدخل فيه حتى يخرج (فإذا قال له علي مائة درهم إلا ثوبا أو إلا دينارا ولزمته المائة) لبطلان الاستثناء (أو قال له علي عشرة آصع تمرا برنيا إلا ثلاثة آصع تمرا معقليا لزمه عشرة) آصع تمرا (برنيا) وبطل الاستثناء لأنه من غير النوع، (ولفلان على مائة درهم وإلا ف) - هي (لفلان، أو قال: لفلان علي مائة درهم وإلا فلفلان علي مائة دينار لزمه للأول مائة درهم) لاقراره له بها من غير مانع (ولم يلزمه للثاني شئ فيهما) ولو وجد شرطه لأن الاقرار المعلق على شرط باطل كما تقدم. فصل وإذا أقر له بمائة درهم دينا أو قال: وديعة ألا غصبا ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو أخذ في كلام آخر غير ما كان فيه من الكلام (ثم قال: زيوفا) جمع زيف كفلوس جمع فلس من زافت الدراهم زيفا ردئت قال بعضهم الدراهم الزيوف هي المطلية بالزئبق المعقود بمزاوجة الكبريت وكانت معروفة قبل زماننا ذكره في الحاشية، (أو) قال: (صغارا) أي دراهم طبرية مثلا كل درهم أربعة دوانق وهي ثلثا درهم (أو) قال: (إلى شهر لزمه ألف جياد وافية حالة) لأن الاطلاق يقتضي ذلك كما لو باعه بألف درهم وأطلق ولأنه رجع عن بعض ما أقر به ورفعه بكلام منفصل فلم يقبل كالاستثناء المنفصل (إلا أن يكون في بلد أوزانهم ناقصة أو) دراهمهم (مغشوشة فيلزمه من دراهم البلد) لأن مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم، (وكذلك
594 في البيع والصداق وغير ذلك) من إجارة وجعالة وصلح ونحوها، (وإن أقر بدراهم وأطلق) أو بدنانير كذلك (ثم فسرها بسكة البلد الذي أقر بها فيه) قبل منه لأن مطلق الكلام يحمل على العرف (أو) فسرها (بسكة بلد غيرها مثلها أو أجود منها قبل منه) ذلك لأنه يحتمله مع عدم الضرر و (لا) يقبل منه تفسيرها (بأدنى منها) أي من سكة بلد الاقرار ولو تساوتا وزنا عملا، بالاطلاق في البيع، وكالناقصة في الوزن، (وإن أقر بدريهم فكإقراره بدرهم)، لان التصغير قد يكون لصغره في ذاته وقد يكون لقلة قدره عنده وقد يكون لمحبته. (وإن أقر بدين مؤجل) بأن قال: له علي ألف إلى شهر مثلا، (فأنكر المقر له الاجل قبل قول المقر في التأجيل مع يمينه حتى ولو عزاه) أي الدين (إلى سبب قابل للأمرين أي الحلول والتأجيل في الضمان وغيره) كالصداق وثمن المبيع والأجرة وعوض الخلع ونحوه لأنه هكذا أقر. (وإن قال: له علي ألف زيوف) متصلا (قبل تفسيره بمغشوشة أو بمعيبة عيبا ينقصها) لأن اللفظ يحتمله، (ولم يقبل) تفسيرها (بما لا فضة فيه ولا ما لا قيمة له) لأنه ليس دراهم على الحقيقة فيكون تفسيره به رجوعا عن إقراره فلم يقبل كاستثناء الكل وما لا قيمة له لا يثبت في الذمة، (وإن قال: له علي دراهم ناقصة لزمته) الدراهم (ناقصة) لأنه إن كانت دراهم البلد ناقصة كان إقراره مقيدا، وإن كانت وازنة كان ذلك بمنزلة الاستثناء، (وإن قال صغارا وللناس دراهم صغار قبل قوله) إنه أرادها لأنه صادق، (وإلا) أي وإن لم يكن للناس دراهم صغار (فلا) يقبل قوله لأنه خلاف الظاهر. (وإن قال: له درهم كبير لزمه درهم إسلامي) وازن لأنه كبير في العرف، وفي الرعاية: لو أقر له بمائة وازنة ودفع إليه خمسين وزنها مائة لم يجزئه دون مائة وازنة، وقيل: بلى (وله عندي رهن فقال المالك وديعة ف) - القول (قوله بيمينه) لأن العين تثبت له بالاقرار وادعى المقر دينا فكان القول قول من ينكره وكما لو ادعى ذلك بكلام منفصل نقل أحمد عن ابن مسعود إذا قال: لي عنده وديعة قال هي رهن
595 علي كذا فعليه البينة أنها رهن، (وكذا لو أقر بدار وقال استأجرتها أو بثوب وادعى أنه قصره أو خاطه بأجر يلزم المقر له) أو بعبد وادعى استحقاق خدمته سنة أو أقر بسكنى دار غيره وادعى أنه سكنها بإذنه (لم يقبل) قوله في ذلك، (وكذا لو قال: هذه الدار له ولي سكناها) لم يقبل منه، (وله علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه، وقال المقر له: بل هو دين في ذمتك أو قال: له علي ألف ولي عنده مبيع لم أقبضه، فقول المقر له) لأنه اعترف له بالألف وادعى على المقر له مبيعا وهو ينكره فكان القول قوله مع يمينه كالتي قبلها، (وله عندي ألف وفسره بوديعة أو دين بكلام متصل أو منفصل قبل) منه لأنه فسر لفظه بأحد مدلوليه فقيل حتى (ولو قال: قبضته أو تلف قبل ذلك أو ظننته باقيا ثم علمت تلفه) لأنه إذا ثبتت الوديعة تثبت أحكامها، (وإن قال: له علي) ألف (أو) له (في ذمتي ألف وفسره بوديعة فإن كان التفسير متصلا ولم يقل تلفت قبل) منه ذلك لأن الوديعة عليه حفظها وتمكين مالكها منها. (وإلا) أي بأن قال: وتلفت (فلا) يقبل منه لأنه قوله على يقتضي أنها عليه وقوله قد تلفت يقتضي أنها ليست عليه وهو تناقض فلم يقبل منه بخلاف كان له علي ألف من وديعة وتلفت فإنه مانع من لزوم الأمانة لأنه أخبر عن زمن ماض فلا تناقض، (وإن قال له عندي وديعة رددتها إليه أو تلفت لزمه ضمانها ولم يقبل قوله) في الرد أو التلف للتناقض (وله عندي مائة وديعة بشرط الضمان لغا وصفه لها بالضمان) لمنافاته لمقتضى عقدها، (وبقيت على الأصل) من عدم الضمان إن لم يفرط، (و) إن قال: (لك علي مائة في ذمتي أو لم يقل في ذمتي ثم أحضرها) أي المائة (وقال: هذه هي التي أقررت بها وهي وديعة كانت لك عندي فقال المقر له: هذه وديعة والتي أقررت بها غيرها ف) - القول (قول المقر له) ذكرها الأزجي عن
596 الأصحاب وقال القاضي وصححه في الرعاية يصدق المقر، (وإن قال: ديني الذي على زيد لعمرو صح) الاقرار لأنه إخبار لا إنشاء وإضافته إليه لا تمنع كونه لغيره لأن الإضافة لأدنى ملابسة فيحتمل أنه كان وكيلا عنه (وإن قال: له في هذا العبد ألف، أو) قال (له من هذا العبد ألف طولب بالبيان) لصحة إقراره كما في الاقرار بالمجمل (فإن قال) المقر (تعد عني ألفا في ثمنه كان قرضا) يلزمه دفعه، وإن لم يكن أذن فيه لأنه قام عنه بواجب حيث نوى الرجوع (وإن قال) المقر: (تعد في ثمنه ألفا) ولم يقل عني (قيل له) أي المقر (بين كم ثمن العبد وكيف كان الشراء؟ فإن قال بإيجاب واحد وزن) أي المقر له (ألفا وزنت ألفا كان مقرا بنصف العبد) فيلزمه تسليمه لأن التساوي في العقد والثمن يوجب التساوي في المثمن (وإن قال: وزنت أنا ألفين) ووزن هو ألفا (كان مقرا بثلثه) وإن قال: وزنت ثلاثة آلاف ووزن هو ألفا كان مقرا بربعه وهكذا (والقول قوله مع يمينه) حيث لا بينة ولحديث: البينة على المدعي واليمين على من أنكر. (سواء كانت القيمة قدر ما ذكره أو أقل) منه (لأنه قد يغبن وإن قال: اشتريناه بإيجابين قيل له: بين أو اشتر منه فإن قال: نصفا أو ثلثا أو أقل قبل منه مع يمينه وافق القيمة أو خالفها)، لأنه قد يغبن كما مر. (وإن قال) المقر (وصي له بألف من ثمنه بيع) العبد (وصرف له من ثمنه ألف) عملا بمقتضى الوصية، (وإن أراد أن يعطيه) المقر (ألفا من ماله من غير ثمن العبد لم يلزمه قبوله لأن الموصي له يتعين حقه في ثمنه) فلا يلزمه أن يعتاض عنه كالوصية بالعبد نفسه، (وإن فسر ذلك) أي له في هذا العبد ألف (يألف من جناية جناها العبد فتعلقت برقبته قبل ذلك) منه لأنه محتمل (وله بيع العبد ودفع
597 الألف من ثمنه) وله دفع الألف من ماله وله تسليم العبد في ذلك كما تقدم في العبد الجاني (وإن قال) المقر: (أردت) بقولي له في هذا العبد ألف (أنه رهن عنده) أي المقر له (بألف قبل) منه ذلك لأنه محتمل لتعلق الدين بالرهن، (وإن قال) مكلف (له) أي لزيد مثلا (علي في هذا المال ألف) فإقرار يلزمه تسليمه لأنه اعترف أن الألف مستحق في المال المشار إليه (أو) قال: له (في هذه الدار نصفها فإقرار) بالنصف يلزمه تسليمه فلا يقبل تفسيره بإنشاء هبة (وإن قال) مكلف (له) أي لزيد مثلا (من مالي) ألف (أو) قال: له (فيه) أي في مالي ألف (أو) قال: له (في ميراثي من أبي ألف) صح ولا تناقض لأن الإضافة لأدنى ملابسة (أو) قال له من مالي أو فيه أو في ميراثي من أبي (نصفه) صح، (أو) قال: له (داري هذه أو نصفها أو ثمنها أو فيها نصفها صح) إقراره وفي الترغيب المشهور، لا للتناقض وتقدم جوابه (فلو زاد بحق لزمني صح) عليهما قاله القاضي وغيره (وإن فسره بإنشاء هبة قبل منه) لأن التفسير يصلح أن يعود إليها من غير تناف، وكما لو قال: له علي ألف ثم فسره بعين (فإن امتنع من تقبيضه لم يجبر عليه لأن الهبة لا تلزم قبل القبض) فإن مات ولم يفسره لم يلزمه شئ (وإن قال له في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة) لأنه في قوة قوله له على أبي دين (فإن فسره بإنشاء هبة لم يقبل) منه لأنه لا يحتمله لفظه، (وإن قال: له هذه الدار عارية ثبت بها حكم العارية، وكذا لو قال: له هذه الدار هبة أو) هبة (سكنى) فيعمل بالبدل لاقراره بذلك حقا لربه ونحوه بدل من الدار ولا يكون إقرارا بالدار لأنه رفع بآخر كلامه ما دخل في أوله وهو بدل اشتمال لأن الأول مشتمل على الثاني كقوله تعالى: * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) *. فالشهر يشمل على القتال كأنه قال: له الدار منفعتها وفي الهبة بالنسبة إلى الملك، لأن قوله: له الدار إقرار بالملك والملك يشتمل على ملك الهبة، فقد أبدل من الملك بعض ما يشتمل عليه وهو الهبة فكأنه قال: له ملك الدار هبة وحينئذ تعتبر شروط الهبة قاله في المبدع.
598 فصل ولو قال: بعتك جاريتي هذه قال بل زوجتنيها وجب تسليمها للزوج لاتفاقهما على حلها له و) على (استحقاقه إمساكها) لأنه إما زوج أو سيد (ولا ترد) الأمة (إلى السيد لاتفاقهما على تحريمها عليه) لخروجها عن ملكه أو خروج بضعها، (وله) أي سيدها (على الزوج أقل الأمرين من ثمنها أو مهرها) لأنه اليقين (ويحلف) الذي تسلم له (لزائد) لأنه ينكره والأصل براءته منه، (فإن نكل) على الحلف لزائد (لزمه) قضاء عليه بنكوله، (وإن أولدها فهو) أي الولد (حر ولا ولاء عليه) لاعتراف السيد بذلك باعترافه بالبيع (ونفقته) أي الولد (على أبيه) كسائر الأحرار، (ونفقتها على الزوج لأنه إما زوج أو سيد، فإن ماتت الأمة وتركت مالا منه قدر ثلثها)، فيأخذ منه تتمة الثمن على ما أخذه قبل اعتراف الزوج له بما تركته وادعائه الثمن فقط، فقد اتفقا على استحقاقه (وتركتها للمشتري والمشتري مقر للبائع بها فيأخذ منها قدر ما يدعيه وبقيته) أي المال المتروك (موقوفة) حتى يتبين المستحق. (وإن ماتت بعد الواطئ فقد ماتت حرة) لاعتراف السيد بكونها صارت أم ولد وقد مات مستولدها (وميراثها لولدها وورثتها) إن كانوا كسائر الأحرار (فإن لم يكن لها وارث فميراثها موقوف لأن أحدا لا يدعيه وليس للسيد أن يأخذ منه قدر الثمن لأنه يدعي الثمن على الواطئ وميراثها ليس له) أي للواطئ (لأنه قد مات قبلها، وإن راجع البائع فصدق الزوج فقال: ما بعته إلا إياها، بل زوجته لم يقبل) رجوعه (في إسقاط حرية الولد، ولا في استرجاعها إن صارت أم ولد) لأن الملك حق لله تعالى
599 (وقبل) رجوعه (في غيرها) أي غير حرية الولد واسترجاعها إن صارت أم ولد (من إسقاط الثمن واستحقاق المهر). قال في الشرح: واستحقاق ميراثها وميراث ولدها، (وإن رجع الزوج) فصدق السيد على أنه اشتراها منه (ثبتت الحرية ووجب عليه الثمن) لاتفاقهما على ذلك (وإن أقر أنه وهب وأقبض، أو) أقر أنه (رهن وأقبض، أو أقر بقبض ثمن أو غيره، ثم أنكر وقال: ما قبضت ولا أقبضت ولا بينة) بالاقباض أو القبض (وهو) أي المقر (غير جاحد الاقرار به، وسأل إحلاف خصمه) أنه أقبضه أو قبضه (لزمه اليمين) لأن العادة جارية بالاقرار بذلك قبله، (وإن أقر ببيع أو هبة أو إقباض ثم ادعى فساده، وأنه أقر بظن الصحة لم يقبل) منه ذلك لأنه خلاف الظاهر (وله تحليف المقر له) لأن ما ادعاه ممكن (فإن نكل) المقر (حلف هو) أي المقر (ببطلانه) وحكم له، (وإن باع شيئا أو وهبه أو أعتقه، ثم أقر أن ذلك) المبيع أو الموهوب أو المعتق (كان لغيره لم يقبل قوله) على المشتري أو المتهب أو العتيق لأنه يقر على غيره، ولأنه متهم (ولم ينفسخ البيع ولا غيره) من الهبة أو العتق، وكذلك نحوها ما لم يوجد ما يوجب ذلك (ولزمته) أي المقر (غرامته للمقر له) لأنه فوته عليه بالبيع أو الهبة أو العتق (وإن قال) البائع ونحوه (لم يكن ملكي ثم ملكته بعد) أي بعد البيع أو الهبة أو العتق (وأقام) بذلك (بينة قبلت) لامكان ذلك، فإن لم تكن بينة لم يقبل قوله لأنه خلاف الأصل، والظاهر (إلا أن يكون) البائع ونحوه (قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي ونحوه فلا تقبل البينة) لأنها تشهد بخلاف ما أقر به فهو مكذب لها وذكر الشيخ تقي الدين فيما إذا ادعى بعد البيع أنه كان وقفا عليه فهو بمنزلة أن يدعي أنه قد ملكه الآن (ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره) لتعلق حق المقر له بالمقر به (إلا فيما كان حدا لله) تعالى
600 فيقبل رجوعه عنه كما تقدم في مواضعه لأن الحد يدرأ بالشبهة، (وأما حقوق الآدميين وحقوق الله التي لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوعه) أي المقر (عنها) أي عن الاقرار بها (وإن أقر لرجل بعبد أو غيره ثم جاءه به فقال: هذا الذي أقررت لك به. فقال: بل هو غيره لم يلزمه تسليمه إلى المقر له) لأنه لا يدعيه (ويحلف المقر أنه ليس له عنده عبد سواه) لأنه منكر والأصل براءته، (فإن رجع المقر له فادعاه لزمه دفعه إليه) لأنه لا منازع له. ذكره في الشرح والمبدع وغيرهما. لكن تقدم في آخر كتاب الاقرار أن الاقرار يبطل بتكذيب المقر له فيجوز الفرق. وإن قال: المقر له صدقت والذي أقررت به آخر عندك لزمه تسليم هذا ويحلف على نفي الآخر (ولو أقر بحرية عبد ثم اشتراه أو شهد رجلان بحرية عبد غيرهما) فردت شهادتهما (ثم اشتراه أحدهما من سيده عتق في الحال) لاعتراف مالكه بحريته (ويكون البيع صحيحا بالنسبة إلى البائع) لأنه محكوم له برقه (و) يكون البيع (في حق المشتري استنفاذا) كافتداء الأسير، (ويصير كما لو شهد رجلان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا فرد الحاكم شهادتهما) لفسق وعصبية (فدفعا إلى الزوج عرضا ليخلعها صح) ذلك (وكان خلعا صحيحا) بالنسبة للزوج لأنه محكوم له بالزوجية، (وفي حقهما استخلاصا. ويكون ولاؤه) أي العتيق (موقوفا لأن أحدا لا يدعيه) لأن البائع يقول ما أعتقته، والمشتري يقول ما أعتقه إلا البائع (فإن مات) العتيق (وخلف مالا فرجع البائع أو المشتري عن قوله، فالمال له لأن أحدا لا يدعيه غيره، ولا يقبل قوله في نفي الحرية لأنها حق لغيره وإن رجعا) أي البائع والمشتري (وقف) المال (حتى يصطلحا عليه لأنه لأحدهما ولا تعرف عينه)، وإن لم يرجع واحد منهما فهو لبيت المال، ولا يثبت في هذا البيع خيار
601 مجلس ولا شرط للمشتري وتقدم، وإن باعه نفسه بألف في ذمته صح ولم يثبتا فيه، بل يعتق في الحال وإن باعه نفسه بألف في يده صح وعتق كما تقدم في العتق. فصل: وإن قال: غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمرو، فهو لزيد لاقراره له به ويغرم قيمته لعمرو، لأنه حال بينه وبين ملكه لاقراره به لغيره ولم يقبل رجوعه عن إقراره به الأول لأنه حق لآدمي على ما سبق (أو) قال: (غصبته منه) أي من زيد (وغصبه هو) أي زيد (من عمرو) فهو لزيد لاقراره له به أولا، ولا يقبل رجوعه عنه لما تقدم ويغرمه لعمرو، ولأنه فوته عليه بإقراره به لزيد، (أو) قال: (هذا) العبد أو الثوب ونحوه (لزيد بل لعمرو) فهو لزيد، ويغرم قيمته لعمرو (أو) قال: ( ملكه لعمرو وغصبته من زيد بكلام متصل أو منفصل فهو لزيد) لاقراره به له (ويغرم قيمته لعمرو) للحيلولة، (و) إن قال: (غصبته من زيد وملكه لعمرو، فهو لزيد) لاعترافه له باليد (ولا يغرم لعمرو شيئا) لأنه لا تفريط منه ويجوز أن يكون ملكه لعمرو وهو في يد زيد بإجارة أو غيرها، (وإن قال: غصبته) أي العبد ونحوه (من أحدهما أخذ باليقين) لأنه أقر بمجمل ومن أقر بمجمل لزمه البيان ضرورة أن الحكم لا يقع إلا على معلوم (فيدفعه إلى من عينه) لأنه المستحق له (ويحلف للآخر) إن ادعاه لتكون اليمين سببا لرد العبد أو بدله ولا يغرم له شيئا لأنه لم يقر له بشئ، (وإن قال: لا أعرف عينه فصدقاه انتزع من يده) لأنه ظهر بإقراره أن لا حق له فيه ولم يتعين مستحقه، (وكانا خصمين فيه) لأن كلا منهما يدعيه، (وإن كذباه فقوله مع يمينه) لأنه منكر (فيحلف يمينا واحدة أنه لا يعلم لمن هو منها) وينتزع من يده فإن كان لأحدهما بينة حكم له به، وإن لم يكن له بينة أقرعنا بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذه وإن بين بعد ذلك مالكه قبل منه كما لو بينة ابتداء، (وإن أقر بألف في وقتين) وأطلق
602 فيهما (أو قيد أحد الألفين بشئ)، كما لو قال: يوم الخميس له علي ألف، ويوم الجمعة له علي ألف من ثمن مبيع (حمل المطلق على المقيد ولزمه ألف واحدة) لأن الأصل براءته من الزائد والعرف شاهد بذلك، ونظير ذلك أن الله تعالى لما أخبر عن إرسال نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وكرر ذلك في مواضع لم تكن القصة الثانية غير الأولى، (وإن ذكر سببين) أو نحوهما مما يدل على التعدد (كأن أقر بألف من ثمن عبد ثم أقر بألف من ثمن فرس أو قرضا، أو قال: ألف درهم سود وألف درهم بيض ونحوه)، كما لو قال: ألف إلى رجب ثم قال: ألف إلى شعبان (لزماه) أي الألفان وكذا لو ذكر سكتين لاقتضاء ذلك التعدد كقوله: رأيت زيدا الطويل، ثم قال: رأيت زيدا القصير لم يكن الثاني الأول البتة، (وإن ادعى رجلان دارا في يد ثالث أنها شركة بينهما بالسوية فأقر) الثالث (لأحدهما بنصفها فالنصف المقر به بينهما نصفين) لاعترافهما أن الدار لهما مشاعة فالنصف المقر به بينهما كالباقي سواء أضافا الشركة إلى سبب واحد كإرث ولشراء أو لا، (وإن قال في مرض موته: هذا الألف لقطة فتصدقوا به ولا مال له غيره لزم الورثة الصدقة بجميعه ولو كذبوه) لأن أمره بالصدقة به يدل على تعديه فيه بما يوجب الصدقة بجميعه فيكون ذلك منه إقرارا لغير وارث فيجب امتثاله وكالاقرار في الصحة. فصل: وإذا مات رجل أو امرأة (وخلف مائة فادعاها بعينها رجل)، أو امرأة (فأقر ابنه له بها ثم ادعاها آخر بعينها فأقر) ابنه (له بها فهي للأول) لأنه قد أقر له بها معارض له فوجب كونها له عملا بالاقرار
603 السالم عن المعارض، (ويغرمها) الابن (للثاني) لأنه حال بينه وبينها فلزمه غرامتها له كما لو شهد بمال ثم رجع بعد الحكم، (وإن أقر بها) أي المائة (لهما معا فهي بينهما) لتساويهما، (وإن أقر بها لأحدهما فهي له) لانفراده بالاقرار فاختص بها (وحلف للآخر) لأنه يحتمل أنه المستحق واليمين طريق ثبوت الحق أو بدله، وإن نكل قضى عليه لأن النكول كالاقرار، (وإن ادعى) شخص (على ميت مائة دينار هي) أي المائة (جميع التركة فأقر له الوارث، ثم ادعى آخر مثل ذلك) أي مائة دينار (فأقر) الوارث (له فإن كان) الاقراران (في مجلس واحد فهي بينهما) لأن حكم المجلس الواحد حكم الحالة الواحدة، (وإن كان) ذلك وفي نسخة وإن كانا (في مجلسين فهي للأول ولا شئ للثاني) لأن الأول استحق تسلمه كله بالاقرار فلا يقبل إقرار الوارث بما يسقط حقه لأنه إقرار على غيره والفرق بين إقرار الوارث والموروث أن إقرار الوارث يتعلق بماله والوارث لا يملك أن يعلق بالتركة دينا آخر ولا يملك أن يتصرف في التركة ما لم يلتزم قضاء الدين بخلاف الموروث قاله في المبدع، (وإن خلف ابنين ومائتين فادعى رجل) مثلا (مائة دينا على الميت فصدقه أحد الابنين لزمه) أي المصدق (نصفها) أي نصف المائة لأنه يقبل إقراره على نفسه ولأنه لا يلزمه أكثر من نصف دين أبيه لكونه لا يرث إلا نصف التركة وكما لو ثبت ببينة أو إقرار الميت ويحلف الابن المنكر ويبرأ من الخصومة (إلا أن يكون) الابن المقر (عدلا ويشهد) بالمائة (ويحلف الغريم) المطالب (مع شهادته ويأخذها) لأن المال يثبت بشاهد ويمين وقبلت شهادته لأنه لا يدفع بها عن نفسه ضررا لأنه لا يلزمه سوى نصف الدين شهد أو لم يشهد (وتكون المائة الباقية بين الابنين) لأنها ميراث لا تعلق بها لاحد سواهما، (ولو لزمه) أي أحد الابنين (جميع الدين كأن يكون ضامنا فيه لم تقبل شهادته على أخيه لكونه يدفع عن نفسه ضررا وتقدم آخر كتاب الاقرار) بعض ذلك.
604 تتمة: إذا قال: لزيد علي عشرة إلا نصف ما لعمرو علي، ولعمرو خمسة إلا سدس شئ، فهذا يعدل ثلثي دين زيد وهو ثلث شئ فأجبر الخمسة إلا سدس شئ بسدس شئ وزد مثله على الشئ يصير خمسة أسداس شئ فابسط الدراهم الخمسة من جنسها أسداسا تكن ثلاثين أقسمها على الخمسة أسداس يخرج بالقسمة ستة، وهي دين زيد فعلم أن الدين الآخر ثمانية لأن الستة تنقص عن العشرة بنصف الثمانية، (وإن خلف) ابنين و (عبدين متساويي القيمة لا يملك غيرهما، فقال أحد الابنين: أبي أعتق هذا في مرضه أو وصى بعتقه، وقال الآخر: بل) أعتق (هذا) أو وصى بعتقه (عتق من كل واحد ثلثه) لأن كل واحد منهما حقه نصف العبدين فقبل قوله في عتق حقه من الذي عينه وهو ثلثا النصف الذي له وذلك هو الثلث لأنه يعترف بحرية ثلثه فقبل قوله في حقه منهما وهو الثلث ويبقى الرق في ثلثه وله نصفه وهو السدس ونصف العبد الذي أنكر عتقه كما بينه بقوله: (وصار لكل ابن سدس الذي أقر بعتقه ونصف العبد الآخر، وإن قال) أحد الابنين: أبي أعتق هذا، وقال (الثاني: أعتق أحدهما لا أدري من) هو (منهما أقرع بينهما) لأن رجلا أعتق ستة مملوكين له عن دبر فأقرع بينهم النبي (ص) فأعتق اثنين وأرق أربعة، ولان القرعة شرعت للتمييز (فإن وقعت القرعة على الذي اعترف الابن بعتقه عتق منه ثلثاه) لأنه الثلث كما لو عيناه بقولهما (إن لم يجيزا) أي الابنان (عتقه كاملا) فإن أجازاه عتق كله عملا بالعتق السالم من المعارض، (وإن وقعت القرعة على الآخر فكما لو عينه الثاني) لأن القرعة جعلته مستحقا للعتق فيعتق ثلث كل واحد ويبقى سدس الخارج بالقرعة للذي، قال: لا أدري ونصفه للابن الآخر ويبقى نصف العبد الآخر للابن الذي قال: لا أدري وسدسه للآخر (لكن لو رجع الابن الثاني) القائل لا أدري (وقال: قد عرفته قبل القرعة فكما لو أعتقه) يعني عينه للعتق (ابتداء من غير جهل، وإن كان بعد القرعة فوافقها تعيينه لم يتغير الحكم) لعدم ما يغيره، (وإن خالفها عتق من الذي عينه ثلثه بتعيينه) كما لو عينه ابتداء (فإن عين الذي عينه أخوه عتق ثلثاه) هذا معنى قوله
605 فوافقها تعيينه، (وإن عين الآخر) الذي لم يعينه أخوه (عتق منه ثلثه) بتعيينه كما لو عينه ابتداء (ولا يبطل العتق في الذي عتق بالقرعة إن كانت بحكم حاكم) وكذا إن كانت القرعة بحاكم، وإن لم يصرح بالحكم لأن قرعته حكم كما سبق وحكمه لا ينقض بمجرد قول الابن أنه ظهر له خلافه. قلت: إلا أن يثبت ببينة كما تقدم في الطلاق والله أعلم. باب الاقرار بالمجمل بضم الميم الأولى وفتح الثانية (وهو) أي المجمل ما لم تتضح دلالته أي (ما احتمل أمرين فأكثر على السواء ضد المفسر) أي المبين (إذا قال: له علي شئ، أو) له (شئ وشئ، أو) له (شئ شئ، أو) له (كذا، أو) له (كذا وكذا) صح الاقرار، قال في الشرح بغير خلاف ويفارق الدعوى حيث لا تصح بالمجهول لكون الدعوى له والاقرار عليه فلزمه ما عليه مع الجهالة دون ماله ولان الدعوى إذا لم تصح فله تحريرها، والمقر لا داعي له إلى التحرير ولا يؤمن رجوعه عن إقراره فألزمناه مع الجهالة وتصح الشهادة على الاقرار بالمجمل كالمعلوم و (قيل): أي قال له الحاكم (فسره) لأنه يلزمه تفسيره لأن الحكم بالمجهول لا يصح (فإن أبى) التفسير (حبس حتى يفسره) لان التفسير حق عليه، فإذا امتنع منه حبس عليه كالمال (فإن فسره بحق شفعة أو مال، وإن قل أو حد قذف) قبل لأنه يصح إطلاقه على ما ذكر حقيقة أو عرفا ولان حد القذف حق عليه لآدمي، (أو) فسره بما (يجب رده كجلد ميتة نجس بموتها ولو غير مدبوغ) قيل: لأنه يجب رده وتسليمه إليه فالايجاب يتناوله، وهذا ظاهر على قول الحارثي ومال إليه في تصحيح الفروع كما أسلفناه لا على ما ذكره الأكثر ومشى عليه المصنف وغيره في الغصب لأنه لا يجب رده (وميتة) أي أو فسره بميتة (طاهرة).
606 قلت: لعل المراد ينتفع بها كالسمك والجراد (أو) فسره ب (- كلب يباح نفعه) ككلب صيد وماشية وزرع (قبل) لأنه يجب رده فيتناوله الايجاب (إلا أن يكذبه المقر له ويدعي جنسا آخر) غير الذي فسره به المقر، (أو) يكذبه و (لا يدعي شيئا فيبطل إقراره) لتكذيب المقر له ويحلف المقر إن ادعى المقر له جنسا آخر، (وإن فسره) المقر (بميتة) نجسة (أو خمر) لا يجوز إمساكه بخلاف خمر خلال، وذمي مستتر لأنه يلزم رده كما سبق في الغصب (أو كلب لا يجوز اقتناؤه أو ما لا يتمول كقشرة جوزة وحبة بر، أو رد سلام وتشميت عاطس ونحوه)، كعيادة مريض وإجابة دعوة (لم يقبل) منه تفسيره بذلك لأن إقراره اعتراف بحق عليه وهذه المذكورات لا تثبت في الذمة ورد السلام ونحوه يسقط بفواته (فإن عينه) أي المجهول المقر به (والمدعي ادعاه ونكل المقر فعلى ما ذكروه) من أنه يقضى عليه بالنكول هذا قول القاضي والأشهر أنه إن أبى حبس حتى يفسر كما قدمه أولا وهو الصحيح على المذهب وعليه أكثر الأصحاب قاله في تصحيح الفروع. قلت: ويمكن أن يكون المراد بقوله فعلى ما ذكروه أي تقدم ذكره من أنه يحبس حتى يبين ولا يقضى عليه بالنكول، وهذا أقرب وأولى (فإن مات) المقر (قبل أن يفسر أخذ وارثه بمثل ذلك أي بتفسيره إن خلف) المقر (تركة) زاد في المحرر والرعاية والفروع وقلنا: لا يقبل تفسيره بحد قذف لأن الحق ثبت على موروثهم فيتعلق بتركته، كما لو كان معينا (وإلا) أي وإن لم يخلف تركة (فلا) يؤاخذ وارثه بالتفسير لأن الوارث لا يلزمه وفاء لدين الميت إذا لم يخلف تركة، كما لا يلزمه في حياته وحيث قلنا يقبل تفسيره بحد قذف كما هو المذهب لم يؤاخذ الوارث بشئ كما جزم به في المنتهى وغيره (فإن فسره) الوارث (بما يقبل تفسيره) به (من الميت من شفعة وحد قذف ونحوه مما تقدم) ككلب يباح نفعه (قبل) كما لو فسره به المقر، (وإن
607 أبى وارث أن يفسره) حيث قلنا: يلزمه (وقال: لا علم لي بذلك حلف) أنه لا علم له به (ولزمه من التركة ما يقع عليه الاسم) كالوصية له بشئ، (وكذا المقر لو قال: ذلك) أي لا علم لي به (وحلف) أنه لا علم له بذلك يلزمه ما يقع عليه الاسم، (وإن قال: له علي بعض العشرة قبل تفسيره بما شاء منها) أي من العشرة لأن البعض يصدق بكل جزء منها، (وإن قال: له) علي (شطرها) أي العشرة (فهو نصفها) فيلزمه خمسة لأنها نصف العشرة، (وإن قال: غصبت منه شيئا ثم فسره) أي الشئ (بنفسه) أي المقر له (أو بولده لم يقبل) لأن الغصب لا يثبت عليه ولا على ولده إذ الغصب الاستيلاء على حق الغير (وإن فسره بخمر ونحوه) ككلب مباح النفع أو جلد ميتة نجس بموتها (قبل) لأنه يجب رده كما سلف وفي المغني والشرح إن فسره بما ينتفع به قبل (ولو قال: غصبتك قبل تفسيره بحبسه وسجنه) لأن ذلك من غصبه (وتقبل الشهادة على الاقرار بالمجهول لأن الاقرار به صحيح كما تقدم) ولذلك سمعت الدعوى به، (وإن قال: له علي مال أو مال عظيم) ولو زاد عند الله أو عندي (أو خطير أو كثير أو جليل قبل تفسيره بمتمول قليل أو كثير) لأنه لا حد في ذلك ولأنه ما من مال إلا وهو عظيم كثير بالنسبة إلى ما دونه وقال الشيخ تقي الدين عرف المتكلم فيحمل مطلق كلامه على أقل محتملاته (حتى بأم ولد) لأنها مال ولذلك تضمن إذا قتلت بقيمتها، (وإن قال: له علي درهم أو دراهم كثيرة أو وافرة عظيمة قبل تفسيرها بثلاثة فأكثر) لأن الثلاثة أقل الجمع قال في الفروع ويتوجه فوق العشرة لأنه اللغة (ولا يقبل تفسيرها) أي الدراهم (بما يوزن بالدراهم عادة كإبريسم وزعفران ونحوهما) لأنه لا يطلق عليه اسم الدراهم، (وإن قال:
608 له علي كذا درهم) بالرفع أو النصب، (أو) قال: له علي كذا أو كذا درهم كذلك، (أو) قال: له علي (كذا كذا دراهم بالرفع والنصب لزمه درهم) أما مع الرفع فلان تقديره مع عدم التكرير شئ شئ هو درهم فيجعل الدراهم بدل من كذا والتكرير للتأكيد لا يقتضي الزيادة كأنه قال: شئ هو دراهم أو شيئان هما درهم لأنه ذكر شيئين ثم أبدل منهما درهما وأما مع النصب فلأنه تمييز لما قبله والتمييز مفسر. وقال بعض النحاة: هو منصوب على القطع كأنه قطع ما ابتدأ به وأقر بدرهم، وإن قال: له علي كذا درهم أو كذا وكذا درهم، (بالخفض أو الوقف لزمه بعض درهم يرجع في تفسيره إليه) لأن الدرهم مخفوض بالإضافة فيكون المعنى على بعض درهم، وإذا كرر يحتمل أنه أضاف جزءا إلى جزء ثم أضاف الجزء الأخير إلى الدرهم، قال في المستوعب وإنما لم تلزمه المائة لأن إقراره يحتمل المائة ويحتمل بعض درهم فحمل على الأقل لأنه اليقين وما زاد لا يلزمه لأنه مشكوك فيه انتهى. وفي الوقف يحتمل أنه مخفوض فيحمل عليه لأنه المتيقن (و) إن قال: (له علي ألف يرجع في تفسيره إليه) لأنه يحتمل الدنانير أو الدراهم أو غيرها ففي الألف إيهام كالشئ (فإن فسره بجنس أو أجناس قبل منه) لأنه يحتمل ذلك و (لا) يقبل تفسيره (بنحو كلاب) ظاهره ولو كانت مباحة لبعده عن الظاهر (و) إن قال: (له علي ألف، ودرهم أو ألف ودينار أو ألف وثوب، أو فرس أو درهم وألف أو دينار وألف أو ألف وخمسون درهما درهما وخمسون وألف درهم ونحوه، فالمجمل من جنس المفسر معه) لأنه ذكر مبهما مع مفسر فكان المبهم من جنس المفسر لأن العرب تكتفي بتغيير إحدى الجملتين عن الأخرى قال تعالى: * (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) *. (ومثله درهم ونصف) فيكون النصف من درهم لما تقدم (و) لو قال: (له اثنا عشر درهم ودينار برفع الدينار ف) - عليه (دينار واثنا عشر درهما) لأن الدينار معطوف عليها فهو غيرها، (وإن نصبه فالاثنا عشر دراهم ودنانير) لأن درهما ودينارا تمييز للاثني عشر وتؤخذ نصفين ذكره الموفق في فتاويه، (وإن قال: له في هذا العبد شرك أو) هو (شريكي فيه أو هو شركة بيننا أو) هذا العبد (لي وله أو له فيه سهم رجع في تفسير حصة الشريك إليه) أي إلى المقر لأن الشركة تقع على
609 النصف تارة وعلى غيره أخرى ومتى تردد اللفظ بين شيئين فصاعدا رجع في تفسيره إليه بأي جزء كان وجعل القاضي السهم سدسا كالوصية وجزم به في الوجيز، (وإن قال لعبده: إن أقررت بك لزيد فأنت حر ساعة قبل إقراري فأقر به لزيد صح الاقرار) لخلوه عن المعارض (دون العتق) لأن عتق ملك الغير لا يصح، (وإن قال): إن أقررت بك لزيد ف (- أنت حر ساعة إقراري) وأقر به لزيد (لم يصحا) أي الاقرار وولاء العتق للتنافي (ذكره في الرعاية وإن قال: له) أي لزيد مثلا (علي أكثر من مال فلان وفسره بأكثر قدرا أو) فسره بدونه، وقال: أردت كثرة نفعه لحله ونحوه قبل مع يمينه سواء علم بمال فلان أو جهله، لأنه يحتمل ما قاله، (وإن قال: لمن ادعى عليه دينا لفلان علي أكثر من مالك علي، وقال: أردت التهزي لزمه حق لهما يرجع في تفسيره إليه) لأنه أقر لفلان بحق موصوف بالزيادة على المدعي فيجب عليه ما أقر به لفلان ويجب للمدعي حق لأن لفظه يقتضي أن يكون له عليه شئ، وإرادة التهزي دعوى تتضمن الرجوع عن الاقرار، (و) إن قال: (له علي ألف إلا قليلا يحمل على ما دون النصف)، وكذا له علي ألف إلا شيئا (وله علي معظم الألف أو جل ألف أو قريب من ألف يلزمه أكثر من نصف الألف) يرجع في تفسيره إليه (ويحلف على الزيادة إن ادعيت عليه) لأنه ينكرها. فصل: وإن قال: له علي ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية لأن ذلك ما بينهما وكذا وإن عرفهما بالألف واللام، (و) إن قال: (له ما بين درهم إلى
610 عشرة أو من درهم إلى عشرة يلزمه تسعة) لأن من لابتداء الغاية وأول الغاية منها، وإلى لانتهاء الغاية، ولا يدخل فيها ك * (أتموا الصيام إلى الليل) *، (وإن قال: أردت بقولي من درهم إلى عشرة مجموع الاعداد كلها، أي الواحد والاثنين والثلاثة، والأربعة والخمسة، والستة والسبعة، والثمانية والتسعة، والعشرة لزمه خمسة وخمسون) لأن مجموعها كذلك، ولك أن تزيد أول العدد وهو واحد على العشرة فيصير أحد عشر، وتضربها في نصف العشرة يبلغ ذلك، (وإن قال: له علي درهم قبله دينار أو) قال: له علي درهم (بعده) دينار لزمه، (أو) قال: له علي درهم قبله أو بعده (قفيز من حنطة أو) قال: له علي درهم (معه أو تحته أو فوقه) دينار أو قفيز من حنطة ونحوه (أو) قال: له علي درهم (مع ذلك) أي مع دينار أو قفيز حنطة ونحوه، (فالقول في ذلك كالقول في الدراهم) الآتي فيلزمانه لأنه أقر بدرهم مقرون بغيره فلزماه كالعطف (و) إن قال: (له علي درهم قبله درهم وبعده درهم لزمه ثلاثة) دراهم لأن قبل وبعد تستعمل للتقديم والتأخير في الوجوب فحمل عليه وإن قال قبل درهم أو بعده درهم فاحتمالات ذكره في الرعاية، (و) إن (قال: له علي من عشرة إلى عشرين، أو ما بين عشرة إلى عشرين لزمه تسعة عشر) لما تقدم من أن ابتداء الغاية يدخل لا نهايتها، (و) إن قال: (له ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط لا يدخل الحائطان) ذكره القاضي في الجامع الكبير محل وفاق وفرق بأن العدد لا بد له من ابتداء يبني عليه (وله علي درهم فوق درهم، أو) درهم (تحت درهم، أو) درهم (مع درهم، أو) درهم (فوقه، أو تحته أو معه درهم، أو قبله أو بعده درهم) لزمه درهمان لأنه أقر بدرهم مقرون بآخر فلزماه كالعطف، (أو) قال: (له درهم بل درهم أو درهم لكن درهم) لزمه درهمان حملا لكلام العاقل على الفائدة ولان العطف يقتضي المغايرة ولأنه أضرب عن الأول فلم يسقط بإضرابه وأثبت الثاني معه (أو) قال: له
611 (درهم بل درهمان لزمه درهمان) لأنه إنما نفي الاقتصار على واحد وأثبت الزيادة عليه (وله درهمان بل درهم أو) له (عشرة بل تسعة لزمه الأكثر)، وهو درهمان في الأولى وعشرة في الثانية لدخول الأقل فيه وإضرابه عن الزيادة لا يسقطه لأنه رجوع فلا يفيد، (وله درهم ودرهم أو) له (درهم فدرهم أو) له (درهم ثم درهم يلزمه درهمان) لأن العطف يقتضي المغايرة، (ولو كرره ثلاثا بالواو) بأن قال: له درهم ودرهم ودرهم، (أو) كرره ثلاثا (بالفاء) بأن قال: له درهم فدرهم فدرهم، (أو) كرره ثلاثا ب (- ثم) بأن قال: له درهم ثم درهم ثم درهم، (أو) قال: (له درهم درهم درهم لزمه ثلاثة) دراهم لأنه مقتضى إقراره، (وإن نوى بالثالث تأكيد الثاني لم يقبل في) المسألة (الأولى) وهي التي فيها العاطف واوا كان أو فاء، أو ثم لأن حرف العطف يمنع من التأكيد، وكذا لو أكد الأول بالثاني أو بهما. وفي الرعاية: إذا أراد بالثالث تكرار الثاني وتأكيده صدق ووجب اثنان انتهى. قلت: وهو مقتضى ما تقدم في أنت طالق وطالق لكن الاقرار لا يقتضي تأكيدا، (وقبل في الثانية) أي في التي لم يذكر فيها العطف تأكيد الأول بالثاني أو بهما، أو الثالث للأول لأن لفظه يصلح له، (و) إن قال: (له علي هذا الدرهم بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة). قال في المبدع: لا نعلم فيه خلافا لأنه يكون مقرا بهما ولا يقبل رجوعه عن الأول، (وإن قال) له (قفيز حنطة بل قفيز شعير أو درهم بل دينار لزماه معا) لأن الثاني غير الأول وكلاهما مقر به والاضراب لا يصح لأنه رجوع عن إقرار بحق آدمي (و) إن قال: له (علي درهم أو دينار يلزمه أحدهما) لأن أو لاحد الامرين ويؤخذ (بتعيينه). كما لو قال: له علي شئ (وإن قال: له علي درهم في دينار لزمه درهم) لأنه مقر به وقوله في دينار لا يحتمل الحساب، (وإن قال: أردت العطف أو معنى مع لزمه الدرهم والدينار) لأنه مقر بهما،
612 (وإن قال): له علي (درهم و) أما (دينار بدرهم فيلزمه دون الدينار) لأنه مشكوك فيه، (وإن قال) بعد قوله: علي درهم في دينار تفسيره لذلك (أسلمته) أي الدرهم (في دينار فصدقه المقر له بطل إقراره لأن سلم أحد النقدين في الآخر لا يصح) لأن من شرط بيع النقد التقابض قبل التفرق والحلول وشرط السلم التأجيل فتنافيا، (وإن كذبه) المقر له في تفسيره بذلك (لزمه الدرهم) لأنه مقر به وقوله ذلك لا يقبل لأنه رجوع عن إقراره، (وكذلك إن قال: له علي درهم في ثوب) لزمه الدرهم، وإن أراد العطف أو معنى مع لزمه الدرهم والثوب لما تقدم، وإن أراد له درهم في ثوب (اشتريته منه إلى سنة فصدقه) المقر له (بطل إقراره لأنه إن كان) قوله ذلك (بعد التفرق) من المجلس (بطل السلم) لعدم قبض رأس المال في المجلس (وسقط الثمن) لبطلان العقد، (وإن كان) قوله ذلك (قبله) أي قبل التفرق (فالمقر بالخيار بين الفسخ والامضاء) لحديث: البيعان بالخيار. (وإن كذبه المقر له فقوله مع يمينه) لأن ذلك رجوع عن الاقرار فلا يقبل وله الدرهم لأنه أقر به له (ذكره الشارح) وجزم بمعناه في المنتهى وغيره، (وإن قال: له) علي (درهم في عشرة لزمه درهم)، كما لو قال في عشرة لي لأنه محتمل لذلك (إلا أن يريد الحساب فيلزمه عشرة) لأن ذلك هو المصطلح عليه عند الحساب، (أو) يريد (الجمع فيلزمه أحد عشر) لأنه مقر بها، وإن كان ثم عرف ففي لزوم مقتضاه وجهان ومقتضى كلام الشيخ تقي الدين وابن القيم في مواضع لزوم مقتضاه في ذلك ونظائره، (وإن قال: له عندي تمر في جراب) بكسر الجسم (أو) له (سكين في قراب أو) له (جراب فيه تمر أو) له (منديل) بكسر أوله، (أو) له (عبد عليه عمامة أو) له (دابة عليها سرج أو) له (فص في خاتم أو) له (جراب فيه تمر أو) له (قراب فيه سيف، أو) له (منديل فيه ثوب، أو) له (جنين في جارية أو) له جنين (في دابة، أو) له (دابة في بيت، أو) له (سرج على دابة، أو) له (عمامة على عبد، أو) له (دار مفروشة، أو) له (زيت في زق) بكسر الزاي (أو
613 جرة ونحوه) من الظروف وغيرها (فإقرار بالأول لا الثاني) لأن الأول لم يتناول الثاني وذكره في سياق الاقرار لا يلزم منه أن يكون للمقر له لأنه كما يحتمله يحتمل أن يكون للمقر فلا نوجبه عليه بالشك، (وإن قال له عبد بعمامة، أو) له عبد (بعمامته) لزماه لأن الباء تعلق الثاني بالأول، (أو) قال: له (فرس مسرج أو) له فرس (بسرجه، أو) له (سيف بقراب أو بقرابه، أو) له (دار بفرشها، أو) له (سفرة بطعامها، أو) له (سرج مفضض أو ثوب مطرز أو معلم لزمه ما ذكره) لأن الباء تعلق الثاني بالأول والوصف يبين الموصوف ويوضحه فلا يغايره، (وإن قال): له (خاتم فيه فص كان مقرا بهما) لأن الفص جزء من الخاتم، (وإن أقر له بخاتم وأطلق ثم جاءه بخاتم فيه فص، وقال: ما أردت الفص لم يقبل قوله) لأن الخاتم اسم للجميع وظاهره لو جاءه بخاتم بلا فص، وقال: هذا الذي أردت قبل، لأنه يحتمله (وإقراره بشجرة أو شجر ليس إقرارا بأرضها) كالبيع (فلا يملك) المقر له (غرس مكانها لو ذهبت) لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه (ولا يملك رب الأرض قلعها) لأن الظاهر أنها وضعت بحق (وثمرتها للمقر له) لأنها نماؤها ككسب العبد وعلم منه أن الاقرار ببناء أرض ليس إقرارا بها ويبقى إلى أن ينهدم بلا أجرة ولا يعاد بغير إذن رب الأرض، وكذا الاقرار بالزرع لا يكون إقرارا بالأرض بطرائق الأولى ويبقى إلى حصاده مجانا، والاقرار بالأرض إقرار بما فيها من بناء وشجر لا زرع بر ونحوه على ما تقدم تفصيله في باب بيع الأصول والثمار، (وإقراره بأمة ليس إقرارا بحملها) لأنه قد لا يتبعها، (ولو أقر ببستان يشمل الأشجار) والبناء والأرض لأنه اسم للجميع إلا أن يمنع مانع ككون الأرض أرض عنوة، (ولو أقر بشجرة شمل الأغصان) والعروق والورق لأنها اسم للجميع وفي الثمرة ما سبق من التفصيل في باب بيع الأصول والثمار، وإن قال: له الألف التي في الكيس فهو مقر بها دون الكيس فإن لم يكن فيه شئ لزمته في الأقيس، وإن نقص يتممه ذكره في المبدع وغيره، وإن قال: له عندي دابة في إصطبل فقد
614 أقر بالدابة وحدها، وإن قال: له علي إما درهم وإما درهمان كان مقرا بدرهم والثاني مشكوك فيه ولا يلزم بالشك. وهذا آخر الشرح المسمى بكشاف القناع عن الإقناع. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه على مدى الأوقات. وكان الفراغ من تأليفه على يد جامعة أفقر الورى إلى عفو ربة العلى. منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن أحمد بن علي بن إدريس البهوتي الحنبلي. تغمده الله بالرحمة والرضوان وأسكنه أعلى فراديس الجنان وكان تمام تأليفه يوم الخميس مستهل شعبان من شهور سنة 1045 وتمام نقلة من نسخة مؤلفة يوم الخميس المبارك 15 ربيع الأول من شهور سنة 1053. والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده آمين.