نور البراهين (جزء1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نور البراهين (جزء1) - نسخه متنی

نعمت الله جزایری؛ محقق: مهدی رجایی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: نور البراهين
المؤلف: السيد نعمة الله الجزائري
الجزء: 1
الوفاة: 1112
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: السيد مهدي الرجائي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1417
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: 964-470-000-7
ملاحظات: نور البراهين أو أنيس الوحيد في شرح التوحيد
نور البراهين
أو
أنيس الوحيد في شرح التوحيد
للعلامة المحدث الجليل
السيد نعمة الله الموسوي الجزائري
1050 - 1112 ه‍. ق
الجزء الأول
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة

1
نور البراهين
في أخبار السادة الطاهرين
(ج 1)
تأليف...... المحدث السيد نعمة الله الموسوي الجزائري
تحقيق....... السيد الرجائي
الموضوع...... كلام
عدد الصفحات..... 552
طبع ونشر..... مؤسسة النشر الاسلامي
الطبعة.... الأولى
المطبوع.... 1000 نسخة
التاريخ..... 1417 ه‍. ق
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته، وأرشد
العباد إلى توحيده بالبراهين القاطعة والآيات الساطعة، وبعث الأنبياء وأرسل
الرسل لتعليم الناس وتزكيتهم، فبينوا طرق الهدى من طرق الضلال، وبشروا
بالنعيم المقيم، وحذروا من العذاب الأليم، والصلاة والسلام على من ختمت
بشريعته الشرائع وبنبوته النبوات أبي القاسم محمد المصطفى، وعلى أهل بيته أئمة
الحق وسادة الخلق، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
وبعد، فمن دواعي افتخار هذه الأمة المرحومة أن من الله عليها فجعلها من
أتباع أقرب الخلق إليه منزلة وأشرفهم مرتبة وأعلاهم قدرا وأحوطهم علما،
تراجمة وحيه وخزان علمه، نعني محمدا وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا، فجرت ينابيع الحكمة على ألسنتهم، ونطقت بدلائل العصمة
سيرتهم في حياتهم، وانطوت على أسرار المبدأ والمعاد وحقائق الملك والملكوت
كلماتهم وبياناتهم، فأتموا الحجة وأزاحوا دواعي الظلمة، فلله درهم من سادة
ميامين وهداة صادقين، وعلى الله جزيل أجرهم.
ومن نعم الله أيضا على هذه الأمة أن هيأ لها في كل عصر وزمان رجالا بلغوا
في العلم والمعرفة مرتبة وفي الشرف والفضيلة منزلة تمكنوا من خلالها فهم كلام

3
أهل بيت العصمة وكشف أسراره ومعانيه وحل ألغازه ومعرفة مبانيه، فكتبوا الكثير
وسطروا الطوامير في شرح الاخبار وتأويلها وتفسيرها فكانوا خير حلقة وصل
بين أئمتهم وبين شيعتهم، جزاهما الله عنهما خير الجزاء.
ومن أولئك الاعلام الذين اشتهر فضلهم وعم خيرهم وشهد لهم بالفهم
والتدقيق أرباب العلم والتحقيق المحدث الخبير المرحوم السيد نعمة الله الجزائري
عمه ربه بشآبيب المغفرة والرضوان الذي وظف حياته في خدمة تراث أجداده
الميامين، ألف الكثير فأبدع وأحسن، وكتب في مختلف العلوم والفنون فأجاد
وأتقن، وخيره وبركاته وفيضه أشهر من نار على علم.
والكتاب الماثل بين يديك - عزيزنا القارئ - واحد من المسطورات المهمة
التي جادت بها أنامل هذا الحبر الجليل ويعد من أنفع ما كتب في شرح كتاب
التوحيد للشيخ الصدوق رضوان الله عليه. وسماه ب‍ (نور البراهين في بيان أخبار
السادة الطاهرين) أو (أنيس الوحيد في شرح التوحيد).
وتخليدا لجهود علمائنا الأبرار وتعريضا بعطائهم الثر تصدرت مؤسستنا لطبع
هذا الكتاب ونشره شاكرين لفضيلة حجة الاسلام السيد مهدي الرجائي حفظه الله
جهوده ومساعيه المبذولة في سبيل تحقيق هذا الكتاب، نفعه الله به وأرضاه
وجعله ذخرا له ولنا يوم نلقاه، إنه خير موفق ومعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله
رب العالمين.
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خير خلقه وأفضل بريته محمد وآله
الطيبين الطاهرين المعصومين. قد اتجه علماء الشيعة اتجاها ملحوظا في جميع
الميادين العلمية منذ أقدم عصورهم، وامتد نشاطهم وحركتهم الفكرية إلى كل ما كان
هناك من علوم معروفة، وشمل نشاطهم إلى جانب الفقه وأصوله الكلام وعلوم القرآن
واللغة والأدب، ونجد هذا النشاط بارزا على مؤلفاتهم الكثيرة التي تعكس اتجاههم
العلمي ونشاطهم الفكري.
ومن الواجب علينا أن لا ننسى لهم ما قاموا به من الادوار الكبيرة في الحركة
الثقافية في الأحقاب الاسلامية الماضية، وما نالوها من الابتلاءات والمصائب
الفجيعة في حفظ هذه الحركة المباركة.
انه لمن المدهش حقا أن نجد كثيرا من مفكري الشيعة وعلمائهم قد سبقوا
عصورهم بأجيال بمعلوماتهم ونظرياتهم وآثارهم، وتركوا حقائق علمية مثيرة.
ومن علماء الشيعة الذين برزوا في هذه الميادين العلمية والعملية
والاجتماعية هو المحدث الجليل والفقيه المحقق العارف بأساليب الاخبار السيد
نعمة الله الجزائري أسكنه الله بحبوحات جناته، وجزاه الله عن الاسلام وأهله خير
الجزاء.
اسمه ونسبه:
هو السيد نعمة الله الحسيني الموسوي الجزائري ابن السيد عبد الله بن السيد محمد
ابن السيد حسين بن السيد أحمد بن السيد محمود بن السيد غياث الدين بن السيد مجد

5
الدين بن السيد نور الدين بن السيد سعد الدين بن السيد عيسى بن السيد موسى بن
السيد عبد الله بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام.
هكذا أورد المترجم نسبه الشريف في كتابه الأنوار النعمانية (1: 380).
وقال حفيده العلامة السيد عبد الله الجزائري في الإجازة الكبيرة [ص 77] وقد
رأيت صورة نسبه بخطه في موضعين هكذا، ثم سرد النسب كما هنا.
وقال المحدث النوري في المستدرك [3: 404]: وكان بعض أجداده يلقب بشمس
الدين قال السيد في المقامات: وأما جدنا صاحب الكرامات السيد شمس الدين قدس الله
روحه، فكان له ثور يرعى بعيدا من البيوت وأتاه السبع وافترسه لكنه وقف عنده ولم
يأكل منه شيئا، فأخبروا جدنا، فأخذ الحبل الذي كان يربط به الثور وأتى معه إلى الأسد
فقصده ووضع الحبل في رقبته وقاده إلى منزله والناس متحيرون، وربطه عنده تلك
الليلة وقال: أتخذه للحرث عوضا عن ثوري، فقال له الجيران: هذا لا يصير لأنا نخاف
منه، فحينئذ أرسله من يده حتى قال بعض الشعراء في مدح أولاده:
سادة حسينيين أهل التقى والدين
أولاد شمس الدين جاب السبع ثوره
الثور يا سادة السبع ما رواه
والناس شهادة غياب وحضوره
الاطراء عليه:
قال شيخه الجليل العلامة المجلسي في اجازته له: السيد الأيد، الحبيب اللبيب،
الأديب الأريب، الفاضل الكامل، المحقق المدقق، جامع فنون العلم وأصناف
السعادات، حائز قصبات السبق في مضامير الكمالات، الأخ الوفي، والصاحب الرضي،
السيد نعمة الله الحسيني الجزائري، رزقه الله الوصول إلى أعلى مدارج المتقين، واقتفاء
آبائه الطاهرين، فاستجازني تأسيا بسلفنا الصالحين، ولينظم بذلك في سلك رواة
أخبار أئمة الدين سلام الله عليهم أجمعين، وكان ذلك بعد أن بلغ الغاية القصوى في
الدراية، ورقى العلوم ومناكبها، ورمى بأرواقه عن مراكبها، وعقدت لإفادته المجالس،
وغصت بمواعظه المحافل والمدارس، وصنف في أكثر العلوم الدينية والمعارف

6
اليقينية مصنفات رائقة، يسطع منها أنوار الفضل والعرفان.
وقال شيخه المحدث الحر العاملي في أمل الآمل [2: 326]: فاضل، عالم،
محقق، علامة، جليل القدر، مدرس من المعاصرين.
وقال المولى الميرزا عبد الله الأفندي في رياض العلماء [5: 253]: فقيه،
محدث، أديب، متكلم، معاصر، ظريف، مدرس، والآن هو شيخ الاسلام من قبل
السلطان بتستر.
وقال الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين [ص 111]: كان
هذا السيد فاضلا، محدثا، مدققا، واسع الدائرة في الاطلاع على أخبار الامامية
وتتبع الآثار المعصومية الخ.
وقال حفيده العلامة السيد عبد الله الجزائري في الإجازة الكبيرة [ص 70]:
المتبحر الجليل النبيل، المشهور ذكره في الآفاق، المشهود بفضله على الاطلاق، وكان من
مبدأ نشوئه إلى آخر عمره مولعا بطلب العلم ونشره وترويجه، كدودا لا يفتر عنه ولا يميل،
وكان في أسفاره يستصحب ما يقدر عليه من الكتب، فإذا نزلت القافلة وضعها واشتغل
بها إلى وقت الرحيل، وربما كان يأخذ الكتاب بيده يطالع فيه وهو راكب في المسير.
ثم قال: انتقل إلى تستر وأقام بها ووقع من نفوس أهلها أعظم موقع، ونشر فيها العلوم
الشرعية، وقنن محاسن الشرع - وكانت مهجورة فيها منذ زمن الشيخ عبد اللطيف
الجامعي - وحث الناس على بناء المساجد وأداء الجماعات والجمعات، وتصدى للأمور
الحسبية على أكمل نظام، وجميع ما يوجد إلى الآن من الرسوم والآداب الشرعية في
هذه البلدة فإنما هي من بقايا آثاره، وجميع من نشأ بعده من العلماء والمشتغلين
وأئمة المساجد والوعاظ والمتهذبين فهم من تلامذته وأتباعه ولو بالواسطة.
وقال المحقق الشيخ أسد الله التستري في مقابس الأنوار [ص 17]: السيد السند،
والركن المعتمد، الفقيه الوجيه، المحدث النبيه، المحقق النحرير، المدقق العزيز
النظير، واسع العلم والفضل، جليل القدر والمحل، سلالة الأئمة الأبرار، والد الأماجد
الأعاظم الأكارم الأخيار والأكابر المنتشرين نسلا بعد نسل في الأقطار والأمصار،
العلامة الفهامة، التقى الرضي السري.
وقال العلامة الخوانساري في روضات الجنات [8: 150]: السيد السند المعتمد

7
الجليل الأواه نعمة الله.... كان من أعاظم علمائنا المتأخرين، وأفاخم فضلائنا
المتبحرين، واحد عصره في العربية والأدب والفقه والحديث، وأخذ حظه من المعارف
الربانية بحثه الأكيد وكده الحثيث، لم يعهد مثله في كثرة القراءة على أساتيد الفنون، ولا
في كسبه الفضائل من أطراف الخزون بأصناف الشجون. كان مع مشرب الاخبارية كثير
الاعتناء والاعتداد بأرباب الاجتهاد، وناصر مذهبهم في مقام المقابلة منهم بأصحاب
العناد وأعوان الفساد، صاحب قلب سليم، ووجه وسيم، وطبع مستقيم، ومؤلفات
مليحة، ومستطرفات في السير والآداب والنصيحة، ونوادر غريبة في الغاية، وجواهر
من أساطير أهل الرواية.
إلى غير ذلك من اطراء أصحاب المعاجم وأرباب التراجم، ولقد وصفوه وأثنوا عليه
جميل الثناء، واكتفينا بهذا النزر القليل من الاطراء عليه، وفيه كفاية لمن له قلب سليم.
سير في حياة المؤلف بقلمه الشريف:
قد كتب المترجم قدس سره نبذة من حياته العلمية والاجتماعية وعن بدو
تحصيله، وقاصي فيه المشقات الشديدة والعقبات الهائلة حتى حاز أعلى مرتبة
الكمال والسعادة في الدارين، وها هو شأن علمائنا العاملين والذين حازوا المكانة
العلمية والاجتماعية في المجتمع الثقافي، وما بلغوها الا بالمصائب المؤلمة
والابتلاءات الشاقة والأهوال الفجيعة، وأنا أذكر هنا نص ما كتبه المترجم عن حياته،
وقد ترجمه المحقق الخبير الشيخ التنكابني في خاتمة كتابه قصص العلماء باللغة
الفارسية، واليك نص ما كتبه المترجم في خاتمة كتابه أنوار النعمانية:
إعلم أطال الله بقاك أن مولد الفقير هو سنة خمسين بعد الألف، وسنة تأليف هذا
الكتاب هي السنة التاسعة والثمانون بعد الألف، فهذا العمر القليل قد مضى منه تسعة
وثلاثون سنة، فانظر إلى ما أصاب صاحبه من المصائب والأهوال.
ومجمل الأحوال هو أنه لما مضى من أيام الولادة خمس سنين، وكنت مشغوفا باللهو
واللعب الذي يتداوله الأطفال، فكنت جالسا يوما مع صاحب لي ونحن في بعض لعب
الصبيان إذ أقبل إلي المرحوم والدي، فقال لي يا بني امض معي إلى المعلم وتعلم الخط
والكتابة حتى تبلغ درجة الاعلام، فبكيت من هذا الكلام وقلت: هذا شئ لا يكون،

8
فقال: لي: ان صاحبك هذا نأخذه معنا ويكون معك يقرأ عند المعلم.
فأتى بنا إلى المكتب وأجلسنا فيه، فقرأت أنا وصاحبي حروف الهجاء، فأتيت اليوم
الآخر إلى والدتي وقلت لها: ما أريد المكتب بل أريد اللعب مع الصبيان، فحدثت
والدي فما قبل منها، فأيست من قبوله، فقلت: ينبغي أن أجعل جدي وجهدي في الفراغ
من قراءة المكتب، فما مضت أيام قلائل حتى ختمت القرآن وقرأت كثيرا من القصائد
والاشعار في ذلك الوقت، وقد بلغ العمر خمس سنين وستة أشهر.
فلما فرغت من قراءة القرآن جئت إلى والدتي وطلبت منها اللعب مع الصبيان، فأقبل
إلي والدي - تغمده الله برحمته - وقال لي: يا ولدي خذ كتاب الأمثلة وامض معي إلى
رجل يدرسك فيها، فبكيت فأراد إهانتي وأخذني إلى رجل أعمى، لكنه كان قد أحكم
معرفة الأمثلة والبصروية وبعض الزنجاني، فكان يدرسني، وكنت أقوده بالعصا وأخدمه،
وبالغت في خدمته لأجل التدريس.
فلما قرأت الأمثلة والبصروية واردت قراءة الزنجاني انتقلت إلى رجل سيد من
أقاربنا كان يحسن الزنجانية والكافية، فقرأت عليه وفي مدة قراءتي عنده كان يأخذني
معه كل يوم إلى بستانه ويعطيني منجلا ويقول لي: يا ولدي حش هذا الحشيش لبهائمنا،
فكنت أحش له وهو جالس يتلو علي صيغ الصرف والاعلال والادغام، فإذا فرغت شددت
الحشيش حزمة كبيرة وحملته على رأسي إلى بيته، وكان يقول لي: لا تخبر أهلك بهذا.
فلما مضى فصل الحشيش وأقبل فصل رود الإبريسم، فكنت كل يوم أحمل له
حزمة من خشب التوت حتى صار رأسي أقرع، فقال لي والدي رحمه الله: ما لرأسك؟ فقلت:
لا أعلم، فداواني حتى رجع شعر رأسي إلى حالته.
فلما فرغت من قراءة الزنجاني وأردت قراءة الكافية قصدت إلى قرية تسمى
كارون، ونحن في قرية يقال لها: الصباغية في شط المدك، فقرأت في تلك القرية عند
رجل فاضل وأقمت عندهم، فكنت يوما في المسجد، فدخل علينا رجل أبيض الثياب
عليه عمامة كبيرة كأنها قبة صغيرة، وهو يرى الناس أنه رجل عالم، فتقدمت إليه
وسألته بصيغة من صيغ الصرف، فلم يرد الجواب وتلجلج، فقلت له: إذا كنت لا تعرف
هذه الصيغة فكيف وضعت على رأسك هذه العمامة الكبيرة؟ فضحك الحاضرون وقام
الرجل من ساعته وهذا هو الذي شجعني على حفظ صيغ الصرف وقواعده، وأنا أستغفر

9
الله من سؤال ذلك الرجل المؤمن، لكني أحمد الله على وقوع ذلك قبل البلوغ والتكاليف،
فبقيت هناك كم من شهر ومضيت إلى شط يقال له: نهر عنتر، لأني سمعت أن به رجلا
عالما وقد كان أخي المرحوم المغفور الفاضل الصالح الورع السيد نجم الدين يقرأ عنده.
فلما وصلت إليه لقيت أخي راجعا من عنده، فرجعت معه إلى قريتنا، ثم قصدت
قرية يقال لها: شط بني أسد للقراءة على رجل عالم كان فيها، فبقيت هناك مدة مديدة،
ثم رجعت إلى قريتنا، فمضى أخي المرحوم وكان أكبر مني إلى الحويزة، فقلت لوالدي:
اني أريد السفر إلى أخي إلى الحويزة لأجل طلب العلم، فأتى بي إلى شط سحاب وركبنا
في سفينة وأتينا من طريق ضيق قد أحاط به القصب من الجانبين، وليس فيه متسع إلا
للسفينة، وكان الوقت حارا، وهاج علينا من ذلك القصب بق كل واحدة منها مثل الزنبور،
وأين ما لدغ ورم موضعه، ذلك الطريق اسمه طريق الشريف.
وفي ذلك الطريق الضيق رأينا جماعة من أهل الجاموس فقصدناهم وكنا جياعا،
فخرجنا عليهم وقت العصر وفرش لنا صاحب البيت فراشا، فصار وقت المغرب، فلما
صلينا صرنا في انتظار العشاء وما جاء لنا بشئ حتى أتى وقت النوم واشتد جوعنا
وأخذنا النوم، فنمنا جياعا، فلما بقي من الليل بقية قليلة جاء صاحب البيت إلى قربنا
وشرع ينادي جاموسه ويقول: يا صبغا ويا قرحاء هاي، فلما رفع صوته وسمعت الجاموس
ذلك الصوت أقبلن إليه من بين القصب، فلما خرجن إليه سألت واحدا منهم ما يريد هذا
الرجل من هذا الجاموس؟ فقال: يريد أن يحلبهن ويبرد الحليب ويطبخ لكم طعاما من
الحليب والأرز، فقلت: انا لله وانا إليه راجعون، وأخذني النوم، فلما قرب الصباح أتى
بقصعة كبيرة وأيقظنا، فلم نر على وجه تلك القصعة شيئا من الأرز، فمددنا أيدينا فيها
إلى المرافق فوقعنا على حبات منه في قعر تلك الجفنة وشربنا من ذلك الحليب، ويا لها
من ليلة ما أطولها وما كان أجوعنا فيها، خصوصا لما شربنا من هذا الحليب.
فركبنا بعد طلوع الشمس وأتينا إلى الحويزة، وقد كان أخي قبلي ضيفا عند رجل
من أكابرها، ويقرأ في شرح الجامي عند رجل من أفاضلها، فتشاركنا في الدرس وبقينا
نقرأ عنده في شرح الجاربردي على الشافية، وهذا الأستاذ أيضا - رحمه الله تعالى - قد
استخدم علينا كثيرا، واسمه الشيخ حسن بن سبتي، وكان قد عين على كل واحد منا انا إذا
أردنا قضاء الحاجة أو البول ومضينا إلى جرف الشط أن يأتي كل واحد منا معه

10
بصخرتين أو آجرتين من قرب قلعة الترك، فربما ترددنا في اليوم إلى الشط مرارا وهذا
حالنا، فلما اجتمع عنده صخر كثير أراد أن يبني منزله، فطلب وكنا نحن العملة، فبنينا
له ما أراد بناه من البيوت.
وإذا مضينا معه إلى الحويزة العتيقة وأردنا الرجوع قال يا أولادي تمضون
وتمشون من غير حمل؟ فكان يطلب سمكا عتيقا من أهلها وأشياء أخرى ويقول
لنا: احملوه، فكنا نحمله وماؤه يجري على وجوهنا، وكنا إذا أردنا كتابة حاشية من
كتابه ما يأذن لنا، لكن ربما أخذنا الكتاب منه سرقة وكتبنا منه بعض الحواشي، وهكذا
كان حاله رحمه الله معنا، وكنا راضين بخدمته غاية الرضا لبركات أنفاسه الشريفة في الدرس،
وكان طاب ثراه حريصا على الكتب وبقيت بعده عند أزواج بناته لا يعرف لها قيمة،
وهذا كان حالنا في الدرس.
وأما بالنسبة إلى المآكل، فقد قلنا اننا كنا في بيت رجل من أكابرها، وفي أكثر
الأوقات كنا نبقى في المدرسة لأجل المباحثة إلى وقت الظهر، فإذا مضينا إلى منزل
الرجل وجدناهم فرغوا من الغذاء فنبقى إلى الليل، وقد كان صاحبي يلقط قشور البطيخ
والرقي من الأرض ويأكلها بترابها، وكان يستتر عني بهذا حياء وخجلا، وكنت أنا
أفعل مثل فعله، فأتيت يوما وطلبته فرأيته قد جمع القشور وجلس تحت الباب يأكلها
بترابها، فلما رأيته ضحكت، فقال: وما يضحكك؟ فقلت: لأن هذه حالتي أنا وكل منا
يكتم حاله عن الآخر، فقال: فإذا كان هذه حالنا فنجمع هذه القشور كل يوم ونغسلها
بالماء ونأكلها.
فبقينا على هذا مدة، وكنا في تلك المدة نطالع على نور القمر، وكنت تعمدت حفظ
متون الكتب مثل الكافية والشافية وألفية ابن مالك ونحوها، فإذا كانت الليالي مقمرة
كنت أطالع، وإذا جاءت الليالي السود كنت أكرر قراءة تلك المتون على ظاهر قلبي حتى
لا أنساها، وكان أهل المجلس يجلسون وأنا معهم، وكنت أظهر لهم صداع رأسي، فأضع
رأسي بين ركبتي وأقرأ تلك المتون وهكذا كان حالي.
فبقيت على هذا مدة، فأتى والدي من الجزائر، وقال: ان أمكما تريدكما، فأخذنا
معه إلى الجزائر، وبقينا فيها أياما قلائل، فرجعنا أيضا إلى الحويزة، فرأينا رجلا من
أهل الجزائر يريد السفر إلى شيراز، فأخذ المرحوم أخي كتبه وأسبابه ومضى إلى

11
البصرة، وأتيت أنا معه إلى الجزائر، وكان شهر رمضان، فبقيت عند أهلي أربعة أيام،
وركبت أنا وذلك الرجل في سفينة وقصدنا البصرة، فلما ركبت السفينة من غير خبر من
أهلي ظننت أن والدي يطلبني، فقلت لأهل السفينة: أخلع ثيابي وأنزل الماء وأقبض
سكان السفينة والسفينة تجري، فكنت في الماء والسفينة تسير حتى لا يراني أحد، فلما
آيست من الطلب ركبت في السفينة.
وفي أثناء الطريق رأينا جماعة على جرف الشط ونحن في وسطه، فصاح لهم
ذلك الشيخ وقال: أنتم من الشيعة أم من السنة؟ فقالوا: نحن من السنة، فقال لعن الله [
فلان وأبا زينب وفلان أتعرفون أن أبا زينب خ ل] عمر وأبا بكر وعثمان أتعرفون ان عمر
كان مخنثا، فصاحوا عليه بالشتم واللعن، فضجوا أهل السفينة عليهم، والسفينة
تجري وتلك الجماعة على جرف الشط يمشون ويرموننا بالحجارة، فبقينا على هذا
الحال معهم نصف نهار، فمضينا إلى البصرة وكان سلطانها في ذلك الوقت حسين باشا،
فبقينا فيها نقرأ عند رجل فاضل من أجلاء السادة، فبقينا مده قليلة.
ثم إن والدي (ره) تبعنا، فأتى ليأخذنا إلى الجزائر، فأظهرنا له الرغبة إلى ما أراد،
فأتينا إلى سفينة واستأجرنا مكانا فيها من غير خبر والدي، فركبنا فيها وسافرنا إلى
شيراز، فخرجنا من السفينة إلى بندر حماد، واستأجرت أنا وأخي دابة واحدة لقلة ما
عندنا من الدراهم، وذلك الطريق صعب جدا من جهة الجبال، فقطعت تلك الجبال
كلها وأنا حافي الاقدام، وكان عمري في ذلك اليوم يقارب الإحدى عشرة سنة، فوصلنا
إلى شيراز صلاة الصبح، فمضينا إلى بيت ذلك الشيخ الذي كان معنا، وكان منزله بعيدا من
مدرسة المنصورية، ونحن كنا نريد السكنى فيها، لان بعض أقاربنا كان فيها، فقال لنا
ذلك الشيخ: خذوا الطريق واسألوا وقولوا مدرسة المنصورية (ميخواهيم) ومعناه
بالعربية نريدها، فمضينا نمشي فحفظت أنا كلمة وأخي كلمة أخرى، فكنا إذا سألنا قال
أحدنا مدرسة المنصورية قال الآخر (ميخواهيم) فوصلنا إلى تلك المدرسة،
فجلست أنا في الباب ودخل أخي إليها، فكان كل من يخرج من طلبة العلم ويراني
يرق لحالي وما أصابني من آثار التعب.
فلما وجدنا صديقنا قعدنا معه في حجرته، وأخذنا في اليوم الآخر لزيارة رجل
فاضل وهو الشيخ البحراني، فكان يدرس في شرح ألفية ابن مالك، فسلمنا عليه وأمر لنا

12
بالجلوس، فلما فرغ سألنا من أين القدوم، فحكينا له الأحوال، فقام معنا فأخذني إلى
وراء أسطوانة المسجد، فلزم اذني وعركها عركا شديدا، وقال: أيها الولد ان لم تجعل
نفسك شيخا للعرب وتحب الرئاسة فيضيع به وقتك تصير رجلا فاضلا، فلزمت كلامه
وانزويت عن الأحباب والأخلاء في وقت قراءتي، فمضى معنا إلى متولي المدرسة
فعين لنا شيئا قليلا لا يفي بوجه من الوجوه، ثم شرعنا قراءة الدرس عند ذلك الشيخ
وعند غيره.
فلما مضت لنا أيام قلائل قال لي أخي وصديقي: ينبغي أن نرجع إلى الجزائر، لان
المعاش قد ضاق علينا، فقلت لهم: أنا أكتب بالأجرة وأعبر أوقاتي، فكتبت بالأجرة
لمعاشي وكاغذي وما احتاج إليه، وكنت أيضا أكتب أربعة دروس للقراءة وأحشيها
وأصححها وحدي وكان حالي في وقت الصيف الحار أن طلبة العلم يصعدون إلى سطح
المدرسة وأنا أغلق باب الحجرة وأشرع في المطالعة والحواشي وتصحيح الدرس إلى أن
يناجي المؤذن قريب وقت الصبح، ثم أضع وجهي على الكتاب وأنام لحظة، فإذا طلع
الصبح شرعت في التدريس إلى وقت الظهر، فإذا أذن المؤذن قمت أسعى إلى درسي التي
أقرأها، فربما أخذت قطعة خبز من دكان الخباز في طريقي فآكلها وانا أمشي، وفي أغلب
الأوقات ما كان يحصل فأبقى إلى الليل.
وكنت في أكثر أحوالي إذا جاء الليل لم أعلم أني أكلت شيئا في النهار أم لا فإذا
تفكرت تحققته أني لم آكل شيئا، فأتى لي زمان ما كان عندي دهن سراج للمطالعة،
فأخذت غرفة عالية وجلست بها وكان لها أبواب متعددة، فكنت إذا أضاء القمر فتحت
كتابي للمطالعة، وكلما دار القمر فتحت بابا من الأبواب وبقيت على هذه الحالة مدة
سنتين، فضعف بصري فهو ضعيف إلى هذا الآن.
وكان لي درس أكتب حواشيه بعد صلاة الصبح في وقت الشتاء، وكان الدم يجري
من يدي من شده البرد وكنت لا أشعر به، وهكذا كانت الأحوال إلى ثلاث سنوات،
فشرعت في تأليف مفتاح اللبيب على شرح التهذيب في علم النحو، ومتنه من مصنفات
شيخنا بهاء الدين محمد تغمده الله برحمته، وكتبت في ذلك الوقت شرحا على الكافية.
فقرأت علوم العربية عند رجل فاضل من أهل بغداد، والأصول عند رجل محقق من
أهل الأحساء، والمنطق والحكمة عند المحققين المدققين شاه أبي الولي وميرزا

13
إبراهيم، وعلم القراءة عند رجل فاضل من أهل البحرين، وكنا جماعة نقرأ عند الشيخ
الجليل الشيخ جعفر البحراني، وكنت أنا أسمع ذلك الدرس بقراءة غيري، فإذا أتينا إلى
ذلك الشيخ، فكل من يجلس قبل يقول له اقرأ حتى يجلس القاري، وكان يشجعنا على
الدرس وعلى فهم معناه من المطالعة، ويقول لنا: ان الأستاذ إنما هو للتيمن والتبرك،
وإلا ففهم الدرس وتحقيق معناه إنما هو من مطالعة التلميذ.
وقد اتفق أنه جاءنا خبر فوت جماعة من أعمامنا وأقاربنا، فجلسنا ذلك اليوم
في عزائهم ومارحنا إلى الدرس، فسأل عنا وقيل له: انهم أهل مصيبة، فمضينا إلى الدرس
اليوم الثاني فلم يرض أن يدرسنا، وقال: لعن الله أبي وأمي إن درستكم كيف ما جئتم
أمس إلى الدرس؟ فحكينا له، فقال: كان ينبغي أن تجيئوا إلى الدرس فإذا أقرأتموه
انصرفتم إلى عزائكم، هذا أبوكم يأتيكم أيضا خبر فوته فتقطعون الدرس، فحلفنا له أنا
لا نقطع الدرس يوما واحدا ولو أصابنا ما أصابنا، فقبل أن يدرسنا بعد مدة.
واتفق أننا كنا نقرأ عنده في أصول الفقه في شرح العميدي، فاتفقت فيه مسألة لا
تخلو من اشكال، فقال لنا ونحن جماعة: طالعوها هذه الليلة، فإذا أتيتم غدا، فكل من
عرفها يركب صاحبه ويحمله من هذا المكان إلى ذلك المكان، فلما أتينا إليه غدا وقرر
أصحابي تلك المسألة قال لي: تكلم أنت، فتكلمت، فقال: هذا هو الصواب وكلما قاله
الجماعة غلط، فقال لي: أمل علي ما خطر بخاطرك حتى أكتبه حاشية على كتابي،
فكنت أنا أملي عليه وهو يكتب، فلما فرغ قال لي: اركب على ظهر واحد واحد من
أصحابك إلى هناك، فحملوني إلى ذلك المكان وهذا كان حاله، فأخذني ذلك اليوم معه إلى
بيته، وقال لي: هذه ابنتي أريد أن أزوجك بها، فقلت: إن شاء الله تعالى إذا توسعت في
طلب العلم، فاتفق أنه سافر إلى الهند، وصار مدار حيدر آباد عليه، وقد سألته يوما عن
تفسير شيخنا الشيخ عبد علي الحويزي الذي ألفه من الاخبار، فقال لي: ما دام الشيخ
عبد علي حيا فتفسيره لا يساوي قيمة فلس، فإذا مات فأول من يكتبه بماء الذهب أنا
ثم قرأ:
ترى الفتى ينكر فضل الفتى * لوما وبخلا فإذا ما ذهب
لج به الحصر على نكتة * يكتبها عنه بماء الذهب
ونظير هذا أن رجلا من فضلاء أصفهان صنف كتابا، فلم يشتهر ولم يكتبه أحد،

14
فسأله رجل من العلماء لم لا يشتهر كتابك؟ فقال: ان له عدوا فإذا مات اشتهر كتابي،
فقال له: وما هو؟ قال: أنا وقد صدق في هذا الكلام.
وبقيت في شيراز تسع سنوات تقريبا، وقد أصابني فيها من الجوع والتعب ما لا
يعلم به الا الله، وفي خاطري أني قد بقيت يوم الأربعاء والخميس ما وقع في يدي الا
الماء، فلما أتت ليلة الجمعة رأيت الدنيا تدور بي وقد اسودت كلها في عيني، فمضيت
إلى قبة السيد أحمد بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام، فأتيت إلى قبره ولزمته وقلت له:
أنا ضيفك، فكنت واقفا فإذا رجل سيد قد أعطاني قوت تلك الليلة من غير طلب،
فحمدت الله وشكرته، ومع ما كنت فيه من الجد والاجتهاد كنت كثيرا ما أتنزه في
البساتين والأماكن الحسنة مع الأصحاب والاعلام، وفي وقت الورودات نمضي إلى
البساتين ونبقى فيها أسبوعا وأقل وأكثر، ولكن الاشتغال ما كنت أفوته من يدي،
وقد من الله علي في شيراز بأصحاب صلحاء نجباء علماء وكانوا موافقين لي في السن.
ومن جملة رياضاتي للدرس أن صاحبا لي كان منزله في طرف شيراز، وكنت
أبات عنده لأجل دهن السراج حتى أطالع، وكان لي درس أقرأه على ضوء السراج
آخر الليل في مسجد الجامع، وهو في طرف آخر من البلاد، وأقوم من هناك وقد بقي
من الليل بقية كثيرة ومعي عصا وبين ذلك المنزل وبين المسجد أسواق كثيرة، وفي
آخر الليل وليس في شئ منها سراج، بل كلها مظلمة، والداهية العظيمة أن عند كل
دكان بقال كلب يقرب من العجل لحراسة ذلك الدكان، وكنت أجئ وحدي من ذلك
المكان البعيد، فإذا وصلت إلى السوق لزمت جداره حتى أهتدي إلى الطريق، وإذا
وصلت إلى دكان البقال شرعت في قراءة الاشعار جهرا حتى لا يظن الكلب أني سارق،
بل كان يظن أننا جماعة عابرين الطريق، وكنت عند كل دكان احتال على الكلب بحيلة
حتى أخلص منه، وبقيت على هذا برهة من الزمان، وكنت في مدرسة المنصورية
وحجرتي فوق ولا كنت أحب أحدا يجئ إلي ولا يمشي إلى قريب منها، وكنت أحب
الانفراد والوحدة، وبقيت على هذه الأحوال تلك المدة.
ثم كاتبني والدي ووالدتي وألحوا علي في الوصول إلى الجزائر، فمضيت إليهم أنا
وأخي سنة موج الجزائر الأخير، لان الموج الأول موج عواد، فلما وصلنا إلى الأهل
فرحوا بنا لقدومنا، ولان كل من مضى من تلك البلاد رجع من غير علم، فقالت والدتي:

15
ينبغي أن تتزوجا حتى ارضى عنكما، فقلت: ان علم الحديث والفقه قد بقي علينا
قراءته، فقالت: لابد أن تتزوجا، وكان الحامل لها على هذا هو أنا إذا تزوجنا ألزمنا
السكنى معها، فقبلنا كلامها وتزوجنا وبقيت بعد التزويج قريبا من عشرين يوما،
فمضيت إلى زيارة رجل فاضل في قرية يقال لها نهر صالح، فلما اجتمعنا وتباحثنا في
العلوم العقلية فقال لي: وا أسفا عليك كيف فاتك علم الحديث، فقلت: وكيف فاتني
علم الحديث؟ قال: لقولهم ذبح العلم في فروج النساء، فرماني في الغيرة، فقلت له: والله
يا شيخ لا أرجع إلى أهلي وها أنا إذا قمت من مجلسك توجهت إلى شيراز، فاستبعد
قولي فقمت منه وركبت في سفينة وأتيت إلى القرنة، وكان فيها سلطان البصرة، فأخذني
معه إلى الصحراء للتنزه، فلما رجعنا أتيت إلى البصرة ولاحظت أن والدي يتبعني فركبت
في سفينة وقصدت شيراز، فأتيت إلى تلك المدرسة، ولحقني أخي فأقمنا فيها وأتى
الينا خبر فوت الوالد تغمده الله برحمته، فبقينا بعده شهرا أو أقل.
ثم إن مدرسة المنصورية احترقت واحترق فيها واحد من طلبة العلم، واحترق لي
فيها بعض الكتب، وصارت بعض المقدمات فسافرنا إلى أصفهان، وكنا جماعات كثيرة،
وأصابنا في الطريق برد تيقنا معه الهلاك، فمن الله علينا بالوصول، فجلسنا في مدرسة
ليس فيها إلا أربع حجرات في (سرنيم آورد) وجلسنا في حجرة واحدة، وكنا جماعة
كثيرة، فكنا إذا نمنا في تلك الحجرة وأراد واحد منا الانتباه في الليل لحاجة انتبهنا
جميعا ثم إنه قد تضايقت علينا أمور المعاش، وبعنا ما كان عندنا من ثياب وغيرها، وكنا
نتعمد أكل الأطعمة المالحة لأجل أن نشرب ماء كثيرا، ونأكل الأشياء الثقيلة لذلك أيضا،
ثم بعد هذا من الله علي بالمعرفة مع أستاذنا المجلسي أدام الله أيام سلامته، فأخذ ني إلى
منزله وبقيت عندهم في ذلك المنزل أربع سنين تقريبا، وقد عرفت أصحابي عنده، فأيدهم
بأسباب المعاش وقرأنا عليه الحديث.
ثم إن رجلا اسمه ميرزا تقي بنى مدرسة وأرسل إلي، وجعلني فيها مدرسا،
والمدرسة تقرب من حمام الشيخ بهاء الدين محمد تغمده الله برحمته، فأقمت في
أصفهان أقرأ وأدرس ثمان سنوات تقريبا، ثم أصابني ضعف في البصر بكثرة المطالعة،
وكان في أصفهان جماعة كحالون فداووا عيوني بكلما عرفوا، فما رأيت من دوائهم إلا
زيادة الألم، فقلت في نفسي أنا أعرف منهم بالدواء، فقلت لأخي (ره): أني أريد السفر

16
إلى المشاهد العالية، فقال: أنا أكون معك.
فسافرنا من طريق أصفهان، وفي أثناء الطريق وصلنا إلى كرمان شاه
وتجاوزناها، وقمنا من منزل ونريد منزلا آخر وهو الهارونية بناها هارون الرشيد لعنه
الله تعالى، فلما صعدنا الجبل أصابنا فوقه مطر وهواء بارد، وصار الصخر تزلق فيه الاقدام
ولا يقدر يستمسك الراكب على الدابة من الهواء البارد وشدته والمطر، فشرعت أنا في
قراءة آية الكرسي، فليس أحد من أهل القافلة إلا وقد سقط من الدابة وأنا بحمد الله
وصلت إلى المنزل سالما.
فلما وصلنا المنزل كان فيه خان صغير وله حوش وليس فيه حجر، وإنما فيه طوايل
للدواب ومرابطها، فأدخلنا أغراضنا والكتب إلى طويلة، ووضعنا فوق صفتها، فاتفق أن
تلك الطوايل كان فيه أسماد كثير وقد عمد إليه بعض المترددين ووضع فيه النار لأجل أن
يحترق ذلك السماد فما كان في تلك الطوايل إلا الدخان الخانق ومطرت السماء،
فتحيرنا بين المطر والدخان، فكنا نقبض على خياشمنا، فإذا ضاقت أنفاسنا خرجنا من
الطويلة إلى الحوش وتنفسنا ورجعنا، فكنا تلك الليلة وقوفا ليس لنا حاجة إلا الخروج
للتنفس، ويا اخوان ما كان أطول تلك الليلة، فلما أصبح الصباح وطلعت الشمس
وخرجنا إلى الحوش، وجاءنا أهل تلك القرية يبيعون علينا الخبز وغيره، فأتت الينا امرأة
منهم وكان لها لحية طويلة نصفها بيضاء ونصفها سوداء فتعجبنا منها.
ثم اننا وصلنا إلى بعقوبا، فأودعنا كتبنا وأغراضنا لأهل القافلة، ومضينا نحن مع
جماعة قليلة إلى سر من رأى، فلما عزلنا القافلة وسرنا فرسخا تقريبا لقينا رجل فقال لنا:
انكم تمضون واللصوص أمامكم في نهر الباشا، فترددنا في الرجوع والمضي، فصار العزم
على المضي، فلما وصلنا إلى ذلك النهر طلعت علينا خيولهم فعدوا علينا، فقرأت آية
الكرسي وأمرت أصحابي بقراءتها، فلما وصلوا الينا انفردوا عنا ناحية وكانوا يتفكرون،
فرأيناهم جاؤوا الينا وقالوا لنا: قد ضللتم عن الطريق وكان الحال كما قالوا، فأرسلوا معنا
رجلا منهم وسار معنا إلى قرب المنزل وهو القازاني استقبلنا جماعة من سادات سر من
رأى لأجل أن يأخذونا، وكان آخر اختيارنا من أرواحنا وأموالنا أول وقوعنا بأيديهم،
وكانت عندنا دواب، فقالوا: ينبغي أن تركبوا دوابنا لأجل الأجرة فركبنا دوابهم، فوصلنا
إلى المشهد المبارك في الليل فنزلنا في بيت ذلك السيد، فأتت الينا امرأة بقبضة حطب

17
قيمتها أقل من الفلس.
فلما صلينا الصبح قلنا له: نروح إلى الزيارة قال: لا حتى تأكلوا الضيافة من عندي،
فقلنا له: نحن معنا من الخبز واللحم ما يكفينا، فقال: لا يكون هذا، فبعد ساعة قدم الينا
جفنة من الخشب كبيرة وفيها ماء أسود لا ندري ما يكون تحته وفيها خواشيق، فقلنا:
هذا أي شئ؟ فقال: مدوا أيديكم، فمددنا أيدينا وكان ذلك الماء حارا، فمددنا
الخواشيق، فقصرت عن الوصول إلى قعر الجفنة، فمددنا بعض أيدينا وتناولنا
بالخواشيق ما في قعر الجفنة، فكان حبات ارزة، وكان قد غلاها مع ذلك الماء، فشربنا
كل واحد خاشوقة وقمنا للزيارة، فقال لنا ذلك السيد المبارك: اعلموا يا ضيفاني ان سادة
سامرا ليس لهم خوف من الله ولا حياء، فإذا دخلتم قبة الإمام عليه السلام اخذوا ثيابكم
ولكنكم أكلتم ملحي، فأنا أنصحكم أن تجعلوا ما عندكم من الثياب الجديدة عندي في
منزلي وخذوا خلقان ثيابكم حتى لو اخذت منكم ترجعون إلى هذه الثياب، فاستعقل
كلامه أصحابنا ووضعوا ثيابهم عنده، وأما أنا فقلت: قد أصابني البرد هذه البارحة، فلبست
ثيابي واحدا فوق الآخر.
فلما مضينا إلى الزيارة أخذوا منا في الباب الأول من كل واحد أربع محمديات،
فلما وصلنا الباب الثاني أخذوا منا أيضا، فزرنا موالينا وأتينا إلى السرداب، فلما نزلنا إليه
أحاطوا بنا تحت الأرض، فأخذوا ما أرادوا، وكأني أرى طرف ميزر واحد من أصحابي
في يده، والطرف الآخر في يد رجل سيد من السادة، فأخذه السيد وبقي صاحبي
مكشوف الرأس.
فأتينا إلى منزل صاحبنا فقلنا له: هات الثياب، فقال: أولا حاسبوني على حقوقي
وادفعوها إلي، فقلنا: هكذا يكون فأحسبها أنت، فقال: الأول حق الاستقبال، فقلنا له: هذا
حق واضح، فقال: لخواطركم كل واحد محمديتين فأخذ منا، ثم قال: حق المنزل
البارحة فأخذ حقه.
ثم قال: حق الحطب، فأخذ من كل واحد نصف محمدية، ثم قال: حق المرأة التي
أتت به فأخذ ما أراد، ثم قال: والحق الأعظم حق الضيافة وهو من كل واحد محمدية
فأخذ ذلك الحق، ثم قال حق الحماية وهو أنكم في منزلي ولولاه كان السادة أخذوا ما
معكم، فأخذ ذلك الحق، فقال: حق المشايعة فأخذه، فلما قبض الحقوق كلها قلنا له:

18
أعطنا الثياب، فقال: قولوا مع أنفسكم اننا أخذناها معنا لما دخلنا القبة الشريفة اما كان
السادة يأخذونها منكم، فها أنا من السادة وأخذتها منكم من غير إهانة بكم، فقلنا له
جزاك الله خيرا.
فرجعنا إلى بغداد وأتينا من بغداد إلى مشهد الكاظمين عليهما السلام، ثم أتينا إلى زيارة
مولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام وكنت قد أخذت ترابا من عند رأس كل امام فأخذت من
تراب رجلي الحسين عليه السلام ووضعته فوق ذلك التراب واكتحلت به، ففي ذلك اليوم قوي
بصري على المطالعة، وصار أقوى من الأول، وكنت قد ألفت شرحا على الصحيفة
الشريفة، فشرعت في إتمامه ذلك اليوم، والى الآن كلما عرض لي رمد أو غيره اكتحلت
بشئ من ذلك التراب ويكون هو الدواء.
ولما قدمت إلى مشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وزرته، مددت يدي إلى تحت
الفراش من عند رأسه المبارك لاخذ شئ من التراب، فجاءت في يدي درة بيضاء من در
النجف فأخذتها، ولما خرجت قلت لاخواننا المؤمنين فتعجبوا وقالوا: ما سمعنا بأن أحدا
وجد درة النجف في هذا المكان، بل هذا ملك أتى بها ووضعها في هذا المكان، وذلك
أنه قبل ذلك التأريخ بأعوام كثيرة قد وجد واحد من الخدام درة في صحن الحوش،
فأخذها منه المتولي وأرسلها إلى حضرة الشاه صفي لأنها وجدت في ذلك المكان،
والحاصل أن تلك الدرة صنعناها خاتما وهي الان عندنا نتبرك بميامنها، وقد شاهدنا
لتلك الدرة أحوالات عجيبة:
منها: أنني كنت لابسا ذلك الخاتم، فمضيت إلى مسجد الجامع في شوشتر، فصليت
المغرب والعشاء وأتيت إلى المنزل، فلما جلست عند السراج ونظرت إلى فص الخاتم لم
أره، وكان قد وقع في ذلك الليل، فضاق صدري وحزنت حزنا عظيما، فقال لي بعض
تلامذتي: نأخذ سراجا ونروح في طلبه، فقلت لهم: لعله أن يكون قد وقع مني النهار
وأنا اليوم مضيت إلى أماكن متعددة، فقلت لهم: توكلوا على الله واطلبوه، فأخذوا سراجا
ومضوا فأول ما وضعوا السراج قرب الأرض لطلبه وجدوه، مع أنه بمقدار الحمصة،
فعجب الناس من هذا، فلما بشروني تخيلت أن أموال الدنيا وهبت لي، والحمد لله هو
الآن موجود.
ولما فرغنا من الزيارة شرعنا في زيارة الأفاضل والمجتهدين والمباحثة معهم

19
ومصاحبتهم، ثم أتينا إلى الرماحية وكنت ضيفا عند رجل من المجتهدين، وبقيت عنده
أياما قلائل، فاستأجرت سفينة وركبت فيها قاصدا للجزائر، فسارت السفينة فرسخين
تقريبا، ثم وقفت على الطين، فبقيت واقفة يوما وليلة، ثم سارت فرسخا أو أكثر، ثم
وقفت كالأول، ثم سارت وهكذا، فتعجب أهل السفينة وقالوا: ما جرى هذا قط على
سفينتنا، فتفكرت أنا وقلت في نفسي هذا الشهر جمادى وصارت زيارة رجب قريبة وأنا
تركتها وقصدت الجزائر ولا يكون هذا التعويق الا لهذا.
فقلت لصاحب السفينة: ان أردت أن تسير سفينتك فأخرجني منها، وقلت له
الكلام فتعجب، فقلت له: ان قدامنا في حقروص رجلا من إخواننا فأنا أخرج إلى
منزله حتى تصل السفينة إلى مقابل منزله فنخرج أثاثنا، فأخرج معي رجلا ليدلني على
الطريق، فلما خرجنا ومشينا جرت السفينة، وقد تقدمتنا فوصلنا إلى منزل ذلك المؤمن،
وأرسل غلامه وتبع السفينة حتى أتى بأسبابي منها، فبقيت عند ذلك المؤمن أياما
قلائل، وسافرت أنا وهو إلى زيارة رجب، ثم زرنا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ثانيا.
فلما فرغنا من الزيارات أتينا إلى منزل ذلك الرجل المؤمن في حقروص وكان
على شاطئ الفرات، وكان له مجلس فوق غصن شجرة قوي في وسط الماء، والسفن
تجرى من تحته، فما رأيت مكانا أنزه ولا ألطف ولا آنس منه، وكانوا في النهار
يصيدون الحجل والدراج ونأكله في الليل، وماء الفرات ولا تسأل عن عذوبته
ولطافته وحلاوته وبركته، لأنه ورد في الحديث أنه يصب فيه ميزاب من ماء
الجنة كل يوم.
وفي الحديث: انه كان يبرئ الأكمه والأبرص وذوي العاهة، لكن باشره نجاسة
أبدان المخالفين فأزال عظيم بركته وبقي القليل، وكان مولانا الصادق عليه السلام يقصده
من المدينة ليشرب منه ويغتسل به ويرجع، وقد ورده يوما فقال لرجل كان على
الماء: ناولني بهذا القدح ماء فناوله، ثم قال: ناولني أخرى فناوله فشرب وأجرى الماء
على لحيته الشريفة، فلما فرغ قال: الحمد لله رب العالمين ما أعظم بركته.
ثم اني ركبت في السفينة وجئت إلى الجزائر، فلقيت جماعة من أهل السفينة
الأولى، فقالوا لي: انه من وقت خروجك منها ما وقفت ساعة واحدة إلا بالمنزل، فلما
وصلت إلى الجزائر إلى منزلنا في الصباغية في نهر المدك، فرحوا أهلي وذلك أن

20
أخي تقدمني بالمجئ من شط بغداد، ولما رأته والدتي خطر ببالها الخواطر من جانبي،
وانه ما تأخر إلا لقضية حادثته، فبقيت في الجزائر مع أخي في الصباغية ثلاثة
أشهر، وشرعت في شرح تهذيب الحديث هناك، ثم انتقلنا إلى نهر صالح، فرأينا أهلها
أخيارا صلحاء وعلماؤها من أهل الايمان، منزهين عن النفاق والحسد، فأحسن كلهم
الينا إحسانا كاملا، فبقينا هناك ستة أشهر أو أكثر، وبنوا لنا مسجدا جامعا كان من
الأول يصلى فيه شيخنا الأجل خاتمه المجتهدين الشيخ عبد النبي الجزائري، وكنا
نصلي فيه جماعة لا جمعة.
ثم إن السلطان محمد بعث عساكره إلى سلطان البصرة للحرب معه، ويأخذ منه
الجزائر والبصرة، فذهب فكر سلطان البصرة إلى أنه يخرب الجزائر والبصرة: وينقل
أهلهما إلى مكان اسمه سحاب قريب الحويزة، فانتقلنا كلنا إليها ووضع عسكره في
قلعة القرنة، وجلس هو مع أهل الجزائر في سحاب، وكان يجئ إلى عندنا، فإذا جاء
وضعوا له في الصحراء عباءة، وإذا أتيت إليه قام وأجلسني معه على تلك العباءة، وكان
يظهر المحبة والوداد لي كثيرا، فلما قرب الينا عساكر السلطان محمد وحصروا
القلعة كانوا يرمونها كل يوم ألف مدفع أو أقل، وكانت الأرض ترجف من تحتنا هذا
وأنا مشغول في تأليف شرح التهذيب، فبعثت العيال وأكثر الكتب مع أخي إلى الحويزة،
وبقيت أنا وكتب التأليف.
ثم اني طلبت الاذن من السلطان في السفر إلى الحويزة، فلم يأذن لي، وقال: إذا
خرجت أنت من بيننا ما يبقى معي أحد، فبقينا في الحصار أربعة أشهر تقريبا، فأتى شهر
الله شهر رمضان، فسافرت إلى الحويزة، وكنت أنتظر الاخبار، فلما كان ليلة الحادية
عشرة من ذلك الشهر وهي ليلة الجمعة خاف سلطان البصرة من خيانة عسكره وفر هاربا
إلى الدورق:
فبلغ الخبر إلى أهل الجزائر طلوع فجر يوم الجمعة، ففرت النساء والرجال
والأطفال والشيوخ والعميان وكل من كان ذلك الإقليم طالبين الحويزة، وبينهم
وبينها مسير ثلاثة أيام، لكنها مفازة لا فيها ماء ولا كلاء، بل ارض يابسة، فمات من أهل
الجزائر في تلك المفازة عطشا وجوعا وخوفا ما لا يحصى عددهم إلا الله تعالى،
وكذلك العسكر الذي في القرنة قتل منه أيضا خلق كثير.

21
والحاصل أن من شاهد تلك الواقعة عرف أحوال يوم القيامة. وأما سلطان الحويزة
قدس الله روحه وهو السيد علي خان، فأرسل عساكر لاستقبال أهل الجزائر وأرسل لهم
ماء وطعاما جزاه الله عنهم كل خير، ثم اننا أقمنا عنده في الحويزة شهرين تقريبا،
وسافرنا إلى أصفهان لكن من طريق شوشتر، فلما وصلنا شوشتر رأينا أهلها من أهل
الصلاح والفقر ويودون العلماء، وكان فيهم رجل سيد من أكابر السادة اسمه ميرزا عبد
الله، فأخذنا إلى منزله وعين لنا كلما نحتاج إليه، والآن هو قد مضى إلى رحمة الله، لكنه
أعقب ولدين السيد شاه مير والسيد محمد مؤمن، وفيهما من صفات الكمال ما لا
يحصى مع صغر سنهما، ولا وجد في العرب والعجم أكرم منهما ولا يقارب أخلاقهما،
وفقهما الله تعالى لجميع مراضيه.
ثم إن والدهما أرسل إلى أهلنا من الحويزة، ولما جاؤوا عين لهم منزلا وكل ما
يحتاجون إليه، فبقينا في شوشتر تقريبا من ثلاثة أشهر وسافرنا إلى أصفهان على
طريق دية دشت وبقي الأهل في شوشتر، فلما قدمنا دية دشت أخذنا حجرة في
الخان وجلسنا بها، ثم بعد ساعة قلت لواحد من الرفقاء اذهب وانظر لعل لنا فيها
صديقا يأخذ لنا منزلا إلى كم يوم.
فلما خرج أتى برجل سيد كان يقرأ عندي في أصفهان، فلما رآني فرح فرحا
شديدا، وقال: ان جماعة من تلاميذك من سكان هذه البلاد فأخبرهم وكانوا هم سادات
دية دشت، فأخذوا لنا منزلا، وكان الحاكم في تلك البلاد محمد زمان خان، وكان عالما
كريما سخيا لا يقارب في الكرم، فلما سمع بنا أرسل وزيره وعين لنا ما نحتاج إليه
وما لا نحتاج إليه، فطلبنا الحاكم في يوم آخر، فلما وردنا عليه قال لي: سمعت أنك
شرحت الصحيفة. قلت: نعم، فقال: ان في دعاء عرفة فقرة كيف شرحتها؟ فقلت: ما
هذه الفقرة؟ قال: هي قوله عليه السلام (تغمدني فيما اطلعت عليه مني بما يتغمد به القادر على
البطش لولا حلمه) فذكرت له وجوها ثلاثة في حلها، فقال لي: أحد هذه الوجوه
خطر بخاطري، والآخر خطر بخاطر الآقا حسين الخوانساري، فاستحسنها وشرعنا في
المباحثة، وكنت أحترمه في الكلام، فجلس على ركبتيه ورمى حلته من فوق ظهره،
وقال: تكلم كما كنت تتكلم في المدرسة مع طلبة العلم ولا تحترمني، فتباحثنا وكنت
أنقله من علم إلى علم، وكان يسبقني في الكلام إلى ذلك العلم، حتى جاء وقت صلاة

22
الظهر فقطعنا الكلام، ثم عدنا إلى المباحثة يوما آخر وكنت في بلاده ثلاثة أشهر تقريبا
على هذا الحال، فما رأيت أحدا أفهم منه ولا أفصح منه لسانا.
وأما في جانب الكرم وإمداد العلماء والفقراء، فحاله فيه مشهور، ولما استأذنا منه
على السفر إلى أصفهان أحسن الينا غاية الاحسان، فلما سافرنا إلى أصفهان، فانظر إلى
ما جرى علي في الطريق، وهو أننا لما وصلنا إلى منزل قبل منزل كنار سقاوه نزلنا في
منزل وكان في غاية النزاهة من جهة الماء الجاري والأشجار والأنهار، فحصل لنا
نهاية الانتعاش، فقلت في خاطري: أعوذ بالله من فرح هذا اليوم، لأني عودت روحي
أن أفرح اليوم ألقى بعده حزنا طويلا، فلما جاء وقت الركوب ركبنا فانتهينا إلى بقعة في
كنار سقاوة، وكان معنا رفقاء يمشون وواحد منهم أطرش، فلما تقدمنا جلس في وسط
الطريق تحت صخرة، فجئت أنا وأخي ونحن ركوب، فلما وصلت الخيل إليه فاجأها
بالقيام فنفرت ونحن لا نعلم، فألقتني الدابة على صخرة عظيمة، فلما أفقت رأيت أن
يدي اليسرى قد عرض لها الصدع العظيم، فأتاني الرفقاء وشدوها وبقيت إلى أصفهان
كل يوم يمر علي في تلك الحال يصلح أن يكون كفارة لذنوب مائة سنة.
فوصلنا إلى أصفهان وجلست في حجرتي في مدرسة ميرزا تقي دولت آبادي،
وبقيت أعالج يدي، فبقيت مدة خمسة أشهر، فلما صارت طيبة في الجملة عرض لي
ألم في بدني، فصرت لا أشعر، وقد عاينت الموت، وفي وقت معاينته كنت مسرورا به
من توفيقات الله سبحانه، فبقيت على هذا مدة.
ولما شافاني الله من ذلك الألم عرض لأخي المرحوم ألم الحمى، فبقي حتى انجر
إلى الاسهال، فمضى إلى رحمة الله تعالى ليلة الجمعة أول شهر شعبان غريبا، فبقي
ألمه في قلبي إلى هذا اليوم وإلى الموت، والله ما أسلوه حتى انطوى تحت التراب
ويحتويني الجندل، وقد توفى تغمده الله برحمته سنة التاسعة والسبعين بعد الألف، وهذه
السنة عام التاسع والثمانين بعد الألف، وما مضت ليلة إلا ورأيته في المنام على أحسن
هيئة، وأما في النهار فكتبه قدامي أطالع بها وأنظرها، وكلما رأيت كتابا منها تجددت
مصائبي عليه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فبقيت بعده في أصفهان حيرانا تايها في بحار الهموم، فتفكرت وقلت: ليس لمثل
هذه المصائب دواء إلا الوصول لزيارة مولاي الرضا عليه السلام، فسافرت، فلما وصلنا كاشان

23
وخرجنا منها وتوجهنا إلى منزل الرمل سرنا فيه ليلا وضللنا عن الطريق، فأضاء الصبح
وعلا النهار، فبلغنا في الرمل أن لا نقدر على المشي، ولكن نسبح به على بطوننا، وأما
الدواب فكانت تمشي والرمال تساوي ما هبط من السرج، فأشرفنا على الهلاك، ثم من
الله علينا بالوصول إلى الطريق حتى وصلنا إلى مشهد مولانا الرضا عليه السلام.
ولما أقمنا أياما ورجعنا كان رجوعنا على طريق اسفراين، فرأينا في ذلك الطريق
منازل عجيبة وأحوالات غريبة، فلما أتيت سبزوار حصل لي بعض الألم، فأخذت
محملا على جمل، فلما وصلت إلى أصفهان بقيت فيها مدة قليلة، ثم سافرت إلى
شوشتر، فجعلتها دار وطن، واتخذت فيها مساكن، وكان بيني وبين سلطان الحويزة
ودادة ومحبة، وكان يرسل لنا في كل سنة كتابات متعددة بالقدوم إليه، فإذا قدمنا عليه
عمل معنا من الاحسان ما لا نطيق شكره، ونحن الآن في شوشتر.
وفي هذا العمر القليل قد رأينا من مصائب الزمان ما لا نقدر على بيان شرحه،
والذي سهله علينا الأخبار الواردة بابتلاء المؤمن، وانه لو كان غريقا في البحر وهو على
لوح لسلط الله عليه من يؤذيه حتى يتم ثوابه، وكان شيخنا المجلسي أدام الله أيام عزه
ومجده لا يقارب في العلم والعمل، ومع هذا كان هدفا لسهام المصائب، وأشد ما مر
علينا من الأهوال أمور:
أولها: فراق الأحباب والأصحاب.
الثاني: فراق أخي وموته، فإنه جرح القلوب جرحا لا يندمل إلى الموت والعدم.
الثالث: موت الأولاد وأصعب الأمور أوسطها.
الرابع: حسد العلماء وأبناء الجنس، فإنهم حسدوني في كل بلاد أتيت إليها حتى
انتهى حالهم معي في شيراز إلى أن سرقوا مني كتبا مليحة بخط يدي وقراءتي وحواشي
ورموها في البئر حتى تلفت، ثم ظهر لي الذي رماها فما كلمته كلمة واحدة ولا
واجهته بشئ حتى أخلف الله تعالى على تلك الكتب وغيرها، ولم يملك ذلك الرجل
ورقة واحدة وأحوجه إلى سؤال الكفار، وأنا أحمد الله سبحانه على أني لم أزل محسودا
ولا حسدت أحدا، وذلك أن الله وله الفضل لم يحوجني إلى الاقران والأمثال، ولم يحط
مرتبتي عن مراتبهم، وهذا من باب إظهار فضل الله تعالى وكرمه، وإلا فالعبد المذنب
الجاني ليس له مرتبة ولا درجة.

24
الخامس: معاشرة الناس والسلوك معهم، وذلك أن الطبائع مختلفة والآراء
متفرقة، وكل واحد يريد من الانسان الذي يكون على طريقتنا موافقته في الطبيعة، وهذا
في غاية الصعوبة، مع أنه يودي إلى المداهنة والتقرير على المنكر، وهما محرمان
اجماعا، ومثل هذا ما تيسر لاحد، كما روى أن موسى عليه السلام طلب من الله سبحانه أن
يرضى عنه عامة بني إسرائيل حتى لا ينالوا من عرضه ولا يتكلموا في غيبته، فقال
سبحانه: يا موسى هذه خصلة لم توجد لي فكيف توجد لك. وهذا الظاهر، فان من
تأمل وراجع النظر وتصفح أحوال الناس يرى شكايتهم من الله تعالى أكثر من شكواهم
من السلطان الجائر سفاك الدماء، ولا ترى أحدا إلا وهو يتهم الله تعالى في قضائه
وقدره، وهذا يكون كثيرا في أحوال الفقر والمرض وزوال النعم وانتقالات الأحوال.
السادس: وهو الداء العضال والذي نغص علينا العيش وكدر الصافي منه مع أنه لا
يوجد، وهو أنه ابتلينا بالتوطن في بلاد ليس فيها مجتهد ولا مفت حتى نحيل الناس
عليه، وإذا سألوا منا ما يحتاجون إليه في أمور عباداتهم ومعاملاتهم، فربما أشكل
الحال واحتاج المقام إلى معاونة الآراء.
وان قلت: ان هذه المسألة لا تخلو من إشكال لا يقبل منك ويقولون كيف يشكل
عليك شئ وأنت فلان الذي عندك من الكتب كذا وكذا، وقرأت عند فلان وفلان، وهو
المطلع على الاسرار والضمائر، أني أنزوي عن الناس في أكثر الأوقات، وأغلق
الباب بيني وبينهم لهذا وأمثاله، والهم الذي ينالنا من هذا أصعب من ما تقدمه من كل
الأمور، ونرجو من الله سبحانه العصمة من الخلل والخطأ في القول والعمل.
السابع: عدم الأسباب التي نحتاج إليها في التأليف والتصنيف، والعلم لا ينفعه إلا
الكتب، والحمد لله عندنا أكثر الكتب، لكن الذي يقصد التأليف في العلوم الكثيرة
يحتاج إلى أسباب كثيرة، ونحن في بلد لا يوجد فيها ما نحتاج إليه، والمأمول من الله
تعالى جل شأنه أن يوفقنا لتحصيلها أنه على ما يشاء قدير، وقد وفق الله تعالى في هذه
البلاد لتأليف كتاب نوادر الاخبار المشتمل على مجلدين، وتمام شرح تهذيب
الحديث المشتمل على ثمان مجلدات، وكتاب الهدية في علم الفقه مجلد واحد،
وكشف الاسرار لشرح الاستبصار المشتمل على مجلدين، وهذا الكتاب الذي هو
كتاب الأنوار المشتمل على مجلدين، وقد وفق الله سبحانه أيضا لشرح الصحيفة وهو

25
مجلد واحد، وفي النحو ألفنا شرحا على مغني ابن هشام، وشرح تهذيب النحو مجلد
واحد، وشرحا على الكافية وبعض الرسائل.
وأما الحواشي التي ألفناها على متون كتب الاخبار الأصول الأربعة وغيرها، فهي
كثيرة جدا، نرجو من الله تعالى أن يجعلها عنده من الذخاير لنا إذا زلت الاقدام،
وعميت الافهام، ووضعت الموازين، ونشرت الدواوين، هذا مجمل أحوال الفقير من
سنة الخمسين بعد الألف إلى السنة التاسعة والثمانين بعد الألف.
مشائخه ومن روى عنهم:
تتلمذ المترجم على كثير من فحول أهل زمانه وروى عنهم، وهم:
1 - الميرزا إبراهيم ابن الملا صدرا، المتوفى سنة 1070 ه‍ ق.
2 - الأمير إسماعيل بن الأمير محمد باقر الخواتون آبادي، المتوفى سنة 1116 ه‍ ق.
3 - الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني، المتوفى سنة 1091 ه‍ ق.
4 - الشيخ حسين بن سبتي.
5 - المحقق الشيخ آقا حسين الخوانساري، المتوفى سنة 1098 ه‍ ق.
6 - شاه أبو الولي بن شاه تقي الدين الشيرازي.
7 - الشيخ صالح بن عبد الكريم الكركزاني البحراني، المتوفى سنة 1098 ه‍ ق.
8 - الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي، المتوفى سنة 1075 ه‍ ق.
9 - السيد شرف الدين علي بن حجة الله الطباطبائي الشولستاني الغروي، المتوفى
سنة 1063 ه‍ ق.
10 - الشيخ علي حفيد الشهيد الثاني، المتوفى سنة 1104 ه‍ ق.
11 - الشيخ عماد الدين اليزدي.
12 - العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المتوفى سنة 1110 ه‍ ق.
13 - المولى محمد باقر السبزواري، المتوفى سنة 1090 ه‍ ق.
14 - الشيخ محمد بن سلمان الجزائري.
15 - الميرزا رفيعا محمد بن حيدر الطباطبائي، المتوفى سنة 1079 ه‍ ق.
16 - ملا محسن الفيض الكاشاني، المتوفى سنة 1091 ه‍ ق.

26
17 - السيد محمد الميرزا الجزائري بن شرف الدين علي الموسوي.
18 - السيد هاشم بن الحسين الأحسائي.
19 - الشيخ يوسف بن الشيخ محمد البنا الجزائري، المتوفى سنة 1070 ه‍ ق.
تلامذته ومن روى عنه:
تتلمذ عليه جماعة من العلماء، وكان المترجم مدرسا رسميا في أصفهان وتستر،
وتخرج من مدرسته جماعة من فحول الاعلام، كما أنه قدس سره أجاز جماعة منهم، وهم:
1 - المولى أبو الحسن الشريف الفتوني النباطي العاملي، المتوفى سنة 1138 ه‍ ق.
2 - الحاج أبو الحسن بن الحاج زمان الشوشتري، المتوفى سنة 1143 ه‍ ق.
3 - المير أبو القاسم بن المير محمد الحسيني المرعشي الشوشتري.
4 - الملا أحمد بن الملا كاظم الكبابي الشوشتري، المتوفى سنة 1146 ه‍ ق.
5 - الشيخ بهاء الدين محمد الجزائري.
6 - الشيخ حسين البحراني.
7 - الشيخ حسين بن محي الدين بن عبد اللطيف الجامعي العاملي.
8 - الشيخ شمس الدين بن صقر البصري الجزائري.
9 - الحاج عبد الحسين بن الحاج كلب علي الكركري، المتوفى سنة 1141 ه‍ ق.
10 - الملا عبد الغفار الصراف الشوشتري، المتوفى سنة 1147 ه‍ ق.
11 - الخواجة علي بن الخواجة إسماعيل الصراف الشوشتري، المتوفى سنة 1128 ه‍ ق.
12 - الشيخ علي بن الشيخ حسين بن الشيخ محي الدين الجامعي العاملي.
13 - الحاج عناية الله أخ الحاج أبي الحسن المذكور، المتوفى سنة 1147 ه‍ ق.
14 - القاضي عناية الله بن القاضي محمد معصوم بن القاضي عبد الرضا.
15 - الشيخ عوض البصري الحويزي.
16 - الملا عيدي محمد القاري بن الملا صالح بن درويش شمس، المتوفى
سنة 1138 ه‍ ق.
17 - الشيخ فتح الله بن علوان الكعبي الدورقي القباني، المتوفى سنة 1130 ه‍ ق.
18 - فتح علي آقا بن آقا محمد بن أسد الله قزلباش، المتوفى سنة 1135 ه‍ ق.

27
19 - الملا فرج الله بن الملا محمد حسين السيد محمد شاهي، المتوفى سنة 1128 ه‍ ق.
20 - القاضي مجد الدين بن القاضي شفيع الدين الدزفولي.
21 - الملا محمد باقر بن الملا محمد رضا شانه تراش الشوشتري.
22 - الملا محمد باقر بن محمد حسين السيد محمد شاهي الشوشتري، المتوفى
سنة 1135 ه‍ ق.
23 - القاضي محمد تقي بن القاضي عناية الله الشوشتري.
24 - الشيخ محمد الجزائري، المتوفى سنة 1131 ه‍ ق.
25 - الملا محمد زمان بن الملا محمد رضا الصحاف الشوشتري.
26 - السيد محمد شاه بن مير محمد حسين المرعشي الشوشتري، المتوفى
سنة 1125 ه‍ ق.
27 - الشيخ محمد الضبيري النعيمي البلادي البحراني، المتوفى سنة 1130 ه‍ ق.
28 - الملا محمد طاهر بن الملا كمال الدين الشوشتري، المتوفى سنة 1127 ه‍ ق.
29 - الشيخ محمد علم الهدى ابن الفيض الكاشاني.
30 - مير محمد هادي بن مير السيد محمد المرعشي الشوشتري، المتوفى
سنة 1137 ه‍ ق.
31 - الشيخ محمد بن علي بن الحسين النجار الشوشتري، المتوفى سنة 1141 ه‍ ق.
32 - الحاج محمود بن مير علي الميمندي.
33 - السيد نجم الدين بن السيد محمد بن السيد عبد الرضا الجزائري.
34 - مولانا نظر علي الزجاجي الشوشتري، المتوفى سنة 1146 ه‍ ق.
35 - القاضي نعمة الله بن محمد معصوم الشوشتري، المتوفى سنة 1112 ه‍ ق.
36 - السيد نور الدين ابن السيد نعمة الله الجزائري.
37 - الشيخ يعقوب البختياري الحويزي، المتوفى سنة 1147 ه‍ ق.
مؤلفاته القيمة:
كتب المترجم مؤلفات ورسائل كثيرة، قد تجاوزت جهود الفرد الواحد، على الرغم
كما عرفناه من سيرة حياته، من عدم استقراره وتفرغه للعلم، وتوارد الهموم والغموم

28
والغربة عليه، ولكن تلك التأليفات الرائقة فضل وتوفيق من الله تعالى لعباده
الصالحين، وهي:
1 - الإجازات، كتبها لتلاميذه ومعاصريه.
2 - الأنوار النعمانية في بيان معرفة النشأة الانسانية.
3 - أنيس الفريد أو أنيس الوحيد في شرح التوحيد، وهو عين كتابه نور البراهين.
4 - الأيام النحسة والسعيدة.
5 - تحفة الاسرار في الجمع بين الاخبار.
6 - الجواهر الغوالي في شرح عوالي اللآلي.
7 - حاشية الاستبصار.
8 - حاشية أمل الآمل.
9 - حاشية توحيد الصدوق قدس سره.
10 - حاشية زبدة البيان.
11 - حاشية شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة.
12 - حاشية شرح الجامي.
13 - حاشية شرح اللباب.
14 - حاشية الصحيفة الكاملة.
15 - حاشية المغني اللبيب عن كتب الأعاريب.
16 - حاشية نقد الرجال.
17 - حواشي الكتب الأربعة وغيرها.
18 - الحواشي الضافية والموازين الوافية، حواش على نهج البلاغة.
19 - حل مشكلات العلوم.
20 - رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار.
21 - زهر الربيع.
22 - شرح الصحيفة الكاملة.
23 - شرح عقائد الصدوق.
24 - شرح عينية ابن سينا.

29
25 - شرح الفوائد الضيائية.
26 - شرح ملحقات الصحيفة.
27 - شرح منهاج الصواب.
28 - شرح نهج الصواب إلى علم الاعراب في النحو.
29 - طريق السالك في توضيح المسالك في النحو.
30 - عقود المرجان في تفسير القرآن.
31 - الغاية القصوى في النحو.
32 - غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام.
33 - الفوائد في النحو.
34 - الفوائد النعمانية في الحديث.
35 - الفوائد النعمية في النحو.
36 - قاطع اللجاج في شرح الاحتجاج للطبرسي.
37 - كشف الاسرار في شرح الاستبصار.
38 - لوامع الأنوار في شرح عيون الأخبار.
39 - مسكن الشجون في وجوب الفرار من الطاعون.
40 - مشكلات المسائل في النحو.
41 - مفتاح اللبيب في شرح التهذيب في النحو.
42 - مقامات النجاة في شرح الأسماء الحسنى.
43 - مقصود الأنام في شرح تهذيب الأحكام.
44 - مناهج المطالب في النحو.
45 - منبع الحياة في اعتبار قول المجتهدين من الأموات.
46 - منتهى المطلب في النحو.
47 - منهاج الصواب إلى علم الاعراب في النحو.
48 - منهاج المبتدي في النحو.
49 - نزهة الاخوان وتحفة الخلان.
50 - نوادر الاخبار.

30
51 - نهج الصواب في علم الاعراب.
52 - نهج اليقين في النحو.
53 - نور الأنوار في شرح كلام خير الأخيار.
54 - نور البراهين في بيان أخبار السادة الطاهرين، سيأتي الكلام حوله.
55 - النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين.
56 - هديه المؤمنين في الفقه.
هذا ما عثر عليها أرباب التراجم والمعاجم من تأليفاته وتصنيفاته الثمينة، ولو تطبع
هذه التأليفات بصورة منقحة ومحققة تتجاوز مائة مجلد، وأسأل الله تبارك وتعالى أن
يقيظ رجالا من ذريته وأعقابه أو غيرهم أن يحيي هذه الآثار النفيسة، فان المرء يعرف
بآثاره، ومن الأسف أن جل آثاره الممتعة لم تطبع أصلا إلى الآن، وبقي مغمورا في زوايا
المكتبات الخطية، واني لا تعجب من كثرة ذريته في هذه الاعصار، فقد ملأوا البلاد
في أقطار العالم، وفيهم علماء فذة وتجار وأغنياء، ومع ذلك يتساهلون ويتسامحون في
نشر هذه الآثار القيمة، وأسأل الله أن يوفقهم وينشطهم لاحياء هذا العمل المشروع، والله
من وراء القصد.
ولادته ووفاته:
ولد السيد سنة (1050) ه‍ ق في قرية الصباغية من أرض الجزائر قرب البصرة،
ولا زالت القرية تعرف بهذا الاسم إلى اليوم.
وتوفي قدس سره ليلة (23) شوال سنة (1112) ه‍ ق، وذلك بعد سنتين من وفاة
أستاذه العلامة المجلسي قدس سره، وكان عمره الشريف (62) سنة، ودفن في
جايدرفيلي وتسمى اليوم پل دختر، ومرقده معروف يزار هناك ويتبرك.
وكان مزاره الشريف مع كثرة المراجعين وقضاء الحوائج عنده متروكا ومخروبا، إلى
أن وفق الله تعالى العلامة السيد طيب الجزائري دامت توفيقاته بتجديد البناء، فشمر
الباع لهذا المقصد الكثير العناء مع بعد مقره عنه، فبني على الجدار القديم الحجري الدائر
مداره بناية غالية وقبة عالية، وأخرجت القبة الأولى المخروبة من جوفها، فحصل بعده
ردهة واسعة، فجزاه الله عن الاسلام والمسلمين والموالين خير جزاء المحسنين، وأسأل
الله تبارك وتعالى أن يوفقه لاحياء آثاره القيمة، والله خير ناصر ومعين.

31
حول الكتاب:
لا شك ولا شبهة أن هذا الكتاب بين يديك من تأليفات العلامة الخبير والمحدث
الجليل نادرة الزمان السيد نعمة الله الموسوي الجزائري، ولكن قد وقع الاختلاف بين
أرباب التراجم والمعاجم في العنوان المحقق لهذا الكتاب هل هو نور البراهين في
بيان أخبار السادة الطاهرين أو أنيس الوحيد أو انس الوحيد أو أنيس الفريد؟ فمآل
الاختلاف بينهم في الحقيقة يرجع إلى اختلافين:
الأول: في العنوان الصحيح من أنيس الوحيد وانس الوحيد وأنيس الفريد.
والثاني: في اتحاد عنوان نور البراهين وأنيس الوحيد لكتاب واحد أو تغايرهما.
أما الأول، فذهب في الذريعة إلى أن العنوان من الثلاثة هو انس الوحيد، والظاهر
أنه غير صحيح، بل هذا العنوان هو تصحيف عنوان أنيس الوحيد.
وأما عنوان أنيس الفريد، فهو أيضا غير صحيح عندي، وان صرح به المؤلف في
كتابيه زهر الربيع ولوا مع الأنوار، ولعل كان في باله حين تأليف الكتابين المذكورين أن
كتابه هذا عنوانه أنيس الفريد، فصرح بذلك، فيبقى الصحيح من العنوان هو أنيس الوحيد.
والدليل على صحة هذا العنوان هو تصريح المؤلف بهذا العنوان في مقدمة هذا
الكتاب قال: وسميناه أنيس الوحيد في شرح كتاب التوحيد. والنسخة مصححة
ومستنسخة عن نسخة المؤلف كما صرح بذلك.
وأما الاختلاف الثاني بين اتحاد عنوان نور البراهين وأنيس الوحيد وتغايرهما،
فنقول: ذهب الشيخ الخبير المتتبع المتضلع إلى اتحاد العنوانين قال: نور البراهين في
أخبار الطاهرين شرح لتوحيد

32
الصدوق لنعمة الله الجزائري اسمه انس الوحيد كما ذكرته
في المجلد الثاني.
وذهب العلامة السيد طيب الجزائري إلى التغاير وأنهما عنوانان لكتابين مستقلين
وأصر على ذلك، قال في ترجمته للمؤلف المطبوع في مقدمة كتاب كشف الاسرار في
شرح الاستبصار [ص 117]: أنيس الفريد في شرح التوحيد، وهو غير نور البراهين
الآتي ذكره، وهو أيضا شرح للتوحيد.
وقال أيضا في [ص 231]: نور البراهين في بيان أخبار السادة الطاهرين شرح
لتوحيد الصدوق، وهذا غير أنيس الفريد في شرح التوحيد، ومن هنا اشتبه الامر على
بعض المترجمين حيث حسبهما كتابا واحدا.
ثم نقل كلام العلامة الطهراني في الذريعة [24: 393] ثم قال: أقول: في هذه
العبارة اشتباهان:
الأول: حسبان نور البراهين وأنيس الفريد كتابا واحدا.
الثاني: جعل أنيس الفريد انس الوحيد.
ودفع الاشتباه الأول: أنه قلنا سابقا أنهما كتابان لاختلافهما ابتداء، ثم نقل ابتداء كل
من الكتابين، ثم قال: ومنشأ الاشتباه أن ختام الكتابين واحد عبارة وتاريخا، والسر في
ذلك أن رحمه الله على الظاهر كتب أولا أنيس الفريد، ثم تصرف فيه ما سوى انتهائه
وسماه بنور البراهين.
ودفع الاشتباه الثاني أن الاسم الصحيح هو أنيس الفريد كما كتبه السيد نفسه في
كتابه زهر الربيع، وانس الوحيد كتاب آخر تأليف المير محمد علي نائب الصدارة في
قم. ثم ذكر توصيف النسخة، انتهى كلامه ملخصا.
والحق أنهما عنوانان لكتاب واحد، وليس هناك كتابان أحدهما أنيس الوحيد أو
الفريد ونور البراهين، وذلك أني استنسخت الكتاب أولا عن النسخة المخطوطة من
كتاب نور البراهين، ثم قابلت الكتاب مع النسخة المخطوطة من كتاب أنيس الوحيد،
فكانا مطابقين في جميع العناوين والفصول والأبواب والألفاظ من دون زيادة أو نقيصة.
نعم خطبة الكتابين ومقدمتهما متغايران فقط، ففي مقدمة كتاب نور البراهين صرح
باهداء الكتاب إلى الشاه حسين الصفوي، وليست هذه الاهداء في الكتاب الثاني، وأيضا
مقدمة الكتاب الأول أطول بكثير من الكتاب الثاني، أما بعد اتمام المقدمة والشروع في
الشرح فلا يتفاوتان إلى نهاية الكتابين، واني ذكرت مقدمة كتاب أنيس الوحيد في
هامش مقدمة كتاب نور البراهين فراجع. فما أفاده العلامة الجزائري دام عزه في
ترجمة المؤلف، ففيه مواقع للنظر لا يخفى على الناقد المتتبع.
منهج التحقيق:
قوبل هذا الكتاب الشريف على نسختين مخطوطتين وهما:
1 - نسخة مخطوطة كاملة من كتاب نور البراهين، ومصححة بقلم المؤلف قدس سره، وجاء

33
في آخر النسخة بخطه هكذا: بسم الله الرحمن الرحيم، قد مر عليه نظر مؤلفه من
بدايته إلى نهايته فصح، وانتهى أواخر أوقاته إلى شهر رجب المرجب من عام ثلاث ومائة
بعد الألف الهجرية، وكتب الأحرف مؤلف الكتاب نعمة الله الحسيني الجزائري عفى الله
تعالى سيئاته في محروسة تستر والحمد لله وصلى الله على محمد وعترته الطاهرين.
وكاتب النسخة: محمد طاهر بن كمال الدين الشوشتري في سنة (1103) ه‍ ق. وأصل
النسخة محفوظة في خزانة مكتبة المرحوم آية الله العظمى المرعشي النجفي قدس سره
برقم (246) ورمز النسخة (ن).
2 - نسخة مخطوطة كاملة من كتاب أنيس الوحيد، وهي نسخة مصححة ومنقحة وان
لم توجد في نهايتها علامة البلاغ والتصحيح، وكاتب النسخة: علي بن الحاج نظر علي
التستري في سنة (1110) ه‍ ق. وأصل النسخة أيضا محفوظة في خزانة المكتبة
المذكورة برقم (2707) ورمز النسخة (س).
وقد بذلت الوسع والطاقة في تصحيح الكتاب وتحقيقه وتخريج مصادره، والمرجو
من الاخوان الأعزة أن يمنوا علينا بما فيها من الأغلاط والسقطات لنستدركهما إن شاء الله
في الطبعات القادمة.
وبالختام أني أقدم ثنائي العاطر لإدارة مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة
المدرسين لنشرها هذا الأثر الخالد والقيم، بهذه الطباعة الأنيقة، وأسأل الله تبارك
وتعالى أن يوفقهم ويسددهم لنشر سائر آثار أسلافنا المتقدمين.
والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونستغفره مما وقع من
خلل، وحصل من زلل، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، ومن الخيانة
بالأمانات، وتضييع الحقوق، وزلات أقدامنا، وعثرات أقلامنا، فهو الهادي إلى الرشاد،
والموفق للصواب والسداد، والسلام على من اتبع الهدى.
السيد مهدي الرجائي
25 / ربيع الثاني / 1415 ه‍ ق
قم المقدسة. ص - ب 753 - 37185

34
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله الذي جعل توحيده معراجا إلى الجنان، وسلما يرتقى به إلى
أرفع مكان، وزين بدلائله صحائف كتب السالكين، وأوثق ببراهينه قلوب
العارفين، وأوضح السبل إلى الدخول فيه من الأنفس والآفاق، حتى عدت في
مضاميره جياد السباق، وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا يفقهون، ولم يزل
الكون مشحونا بغرائب صنعه ولكن لا تعرفون.
فيا عجبا كيف يعصى الاله أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شئ له آية تدل على أنه واحد
وقد ظهر جل شأنه للعباد، حتى قيل: يا خفيا من فرط الظهور، لأنه لو كان
له عز شأنه غيبة تنحدر بها السبع الطباق، وتسيخ الأرض بأهلها إلى الاعراق،
لتحقق الجاهلون أنه سبحانه هو الذي أمسكها عن الوقوع، واستيقظوا من غفلات
الهجوع، كالشمس الذي يدرك بأفولها الظلام، وبطلوعها النور على الاجرام.
ومع ذلك أنكر بعض الجهلة نورها، وقالوا: انها تستخرج الضياء من الأعيان
بظهورها، وقد تاهت الأوهام في بيداء ألوهيته، وقصرت عقولهم عن حقيقة
معرفته، حتى قال سيد البشر وأولاده الأئمة الاثنا عشر: تب علينا فإننا بشر ما
عرفناك حق معرفتك.

35
وأما قول سيد الموحدين وإمام العارفين باب مدينة العلم علي بن أبي طالب
أمير المؤمنين سلام من الرحمن نحو جنابه، فان سلامي لا يليق ببابه: لو
كشف الغطاء لما ازددت يقينا (1). فالمراد به - كما قاله المحققون والعلماء
العارفون - درجات الجنان وما أعد فيها من الثواب، ودركات الجحيم وما هيأ
فيها من العذاب والموت، وما يتعقبه من القيامتين وأهوالهما، وما فيهما مما يقر
به العين.
والشكر له على أن هدانا إلى الدين القويم، والتمسك بعترة خاتم
المرسلين، أخذناه ميراثا من الآباء والأمهات، ووقعنا عليه من الأجداد
والجدات.
لا عذب الله أمي أنها شربت * حب الوصي وغذتنيه من اللبن
وكان لي والد يهوى أبا حسن * فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن
والصلاة على مدينة علمه، وصاحب سره، وآله الغر الميامين المفضلين على
سائر الأنبياء والمرسلين.
وبعد: فيقول المذنب الجاني قليل البضاعة وكثير الإضاعة نعمة الله
الموسوي الحسيني الجزائري وفقه الله تعالى لمراضيه، وجعل مستقبل أحواله
خيرا من ماضيه: إني لما فرغت من شرحي التهذيب والاستبصار، وشرح عيون الأخبار
، وكتاب الأنوار، تاقت نفسي إلى كتابة شرح على أصول الدين
ومعارج اليقين، وكان كتاب التوحيد من مصنفات الصدوق ابن بابويه سقى الله
ثراه سجال الغفران، وأسكنه غرف الجنان - مشتملا على أخبار متضمنة لبراهين
التوحيد القويمة، وقواعده المستقيمة، لأنها نبعت من عين صافية، ومن حكم
شافية، فكتبنا عليه شرحا يكشف عن بعض معانيه، ويوضح ما يحتاج إلى
الايضاح من مبانيه، وسميناه نور البراهين في بيان أخبار السادة الطاهرين
عليهم من الله سبحانه أكمل الصلوات وأفضل التحيات.



(1) مناقب ابن شهرآشوب 2: 38.
36
ثم (1) لما وفق الله سبحانه لتأليفه وترتيبه وتحريره وتهذيبه، خدمنا به
خزانة السلطان الأعظم، والملك الأفخم، فخر الملوك والسلاطين، ونتيجة
مقدمتي الزهراء وأمير المؤمنين عليهما السلام، وظلال الله سبحانه على أهل الأرضين،
القائم بنظام الدنيا والدين، والملقى ظلال عنايته على كافة المؤمنين، الذي أخبر
جده النبي صلى الله عليه وآله بأن دولتهم متصلة بدولة صاحب الزمان عليه صلوات الرحمن،
أعني بذلك السلطان بن السلطان، والخاقان بن الخاقان، سمي جده الحسين الشاه
سلطان حسين، ربط الله أطناب دولته بأوتاد الخلود، وأبد أركان سعادته إلى
يوم الورود من قال آمين أبقى الله مهجته. فنقول (2):



(1) كان المتداول بين المؤلفين في عصر سلاطين الصفوية اهداء تآليفهم إلى خزانتهم،
رعاية لبعض المصالح العامة والمجتمع، وجلبا لقلوبهم لنشر مذهب أهل البيت عليهم السلام و
الامامية، فكان العلماء رضوان الله عليهم يجاملونهم في الظاهر ويحترزون عنهم في
الباطن.
(2) إلى هنا انتهى مقدمة كتاب نور البراهين. وأما مقدمة كتاب أنيس الوحيد فهي: بسم الله
الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعل توحيده مفتاحا لأبواب الجنان، وتوعد من حاد عنه
العذاب في النيران، والصلاة على من بعثه لارشاد الموحدين، وعلى أهل بيته مصابيح أعلام
الدين.
وبعد: فان المذنب الجاني قليل البضاعة وكثير الإضاعة نعمة الله الحسيني الجزائر ي عفى
الله تعالى عن جرائمه وسيئاته، وحشره مع أئمته وساداته، يقول: لما وفق الله سبحانه وله
الشكر اتمام كتابنا غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام في مجلدات عدتها ثمان، وكشف
الاسرار لشرح الاستبصار في ثلاث مجلدات حسان، وكتاب الأنوار النعمانية في مجلدين،
ونوادر الاخبار في مجلدين، وشرح الصحيفة السجادية، وما ألفناه من الشروح
والحواشي في فنون العربية، أردنا التوحيد إلى شرح كتاب يشتمل على جوامع التوحيد،
فلم نر أوفق من كتاب الصدوق الموسوم بالتوحيد، فوجهنا الخيل والرجل إليه، وأتيناه
فوقفنا عليه، راجين من الله تعالى أن يجعل هذا الشرح نورا يسعى بين أيدينا في عرصات
الحساب، وجنة يقينا بها من أليم العذاب، وسميناه أنيس الوحيد في شرح كتاب التوحيد.
فنقول.
إلى هنا انتهى مقدمة كتاب أنيس الوحيد، والباقي للكتاب كلاهما سيان في الألفاظ من
دون زيادة ونقيصة إلى نهاية الكتاب وخاتمه.
37
الحمد لله الواحد الأحد الذي لا شريك له 1)، الفرد الصمد 2)، الذي لا
شبيه له، الأول القديم الذي لا غاية له 3)، الآخر الباقي الذي لا نهاية
له، الموجود الثابت 4)، الذي لا عدم له، الملك الدائم الذي لا زوال له، القادر
الذي لا يعجزه شئ، العليم الذي لا يخفى عليه شئ، الحي الذي لا
بحياة 5).



(1) نهاية ابن الأثير 5: 159
(2) التوحيد للشيخ الصدوق ص 90.
38
الكائن لا في مكان، السميع البصير الذي لا آلة له ولا أداة، الذي أمر
بالعدل، وأخذ بالفضل 1)، وحكم بالفصل 2)، لا معقب لحكمه 3)، ولا راد
لقضائه 4)، ولا غالب لإرادته، ولا قاهر لمشيته، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن
يقول له كن فيكون 5)، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ، وإليه
المرجع والمصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمدا عبده



(1) رواه ابن بسطام في كتاب طب الأئمة [ص 123] عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الصدقة
تدفع البلاء المبرم، فداووا مرضاكم بالصدقة. وغيره من الروايات.
39
ورسوله 1) سيد النبيين وخير خلقه أجمعين، وأشهد أن علي بن أبي
طالب سيد الوصيين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين 2)، وأن الأئمة من
ولده بعده حجج الله إلى يوم الدين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه
القمي الفقيه 3) نزيل الري مصنف هذا الكتاب - أعانه الله تعالى على



(1) في " س ": ولا شئ.
(2) سورة الإسراء: 1
(3) بحار الأنوار 80: 237.
40




(1) اتحاف السادة المتقين 4: 527.
(2) نهج البلاغة ص 393، رقم الوصية: 31.
(3) سورة التوبة: 122.
41
طاعته، ووفقه لمرضاته - إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا أني
وجدت قوما من المخالفين لنا ينسبون عصابتنا إلى القول بالتشبيه والجبر
لما وجدوا في كتبهم من الاخبار التي جهلوا تفسيرها ولم يعرفوا
معانيها ووضعوها في غير موضعها ولم يقابلوا بألفاظها ألفاظ القرآن 1)



(1) بحار الأنوار 2 / 185 و 229.
(2) سورة الفتح: 10.
(3) سورة طه: 5.
(4) سورة النساء: 78.
(5) سورة النحل: 93.
(6) في (س): حقيقته.
(7) سورة آل عمران: 7.
42




(1) بحار الأنوار: 2 / 245 ح 54.
(2) بحار الأنوار: 2 / 252 ح 69.
(3) في التبيان: تكلف.
44




(1) التبيان 1: 10 - 11.
45
فقبحوا بذلك عند الجهال صورة مذهبنا، ولبسوا عليهم طريقتنا، وصدوا
الناس عن دين الله، وحملوهم على جحود حجج الله فتقربت إلى الله تعالى
ذكره بتصنيف هذا الكتاب في التوحيد ونفي التشبيه، والجبر، مستعينا به
ومتوكلا عليه، وهو حسبي ونعم الوكيل.
1 - باب ثواب الموحدين والعارفين
1 - قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه
القمي رضي الله عنه: حدثنا أبي رضي رضي الله عنه 1) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد
ابن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني أبو عمران العجلي، قال: حدثنا محمد
ابن سنان، قال: حدثنا أبو العلاء الخفاف، قال: حدثنا عطية العوفي، عن
أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما قلت ولا قال القائلون

46
قبلي مثل لا إله إلا الله 1).
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن
يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن أبي عبد الله جعفر بن
محمد، عن أبيه، عن آبائه، عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خير العبادة قول

47




(1) في (س): ولم يبرأ.
48
لا إله إلا الله 1).
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا سعد
ابن عبد الله، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي
حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: مامن شئ أعظم ثوابا من
شهادة أن لا إله إلا الله لان الله عز وجل لا يعدله شئ ولا يشركه في الامر
أحد 2).
4 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
جعفر الأسدي، قال: حدثني موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين
ابن يزيد النوفلي، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى ضمن للمؤمن ضمانا، قال: قلت:
وما هو؟ قال: ضمن له - إن هو أقر له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة



(1) في (ن): ما فيه معناه.
(2) في (س): الكلمات.
49
ولعلي عليه السلام بالإمامة وأدى ما افترض عليه 1) - أن يسكنه في جواره، قال:
قلت: فهذه والله الكرامة التي لا يشبهها كرامة الآدميين قال: ثم قال أبو
عبد الله عليه السلام: اعملوا قليلا تتنعموا كثيرا.
5 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال حدثنا علي
ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن
زياد الكرخي عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: من مات ولا يشرك بالله شيئا أحسن أو أساء دخل الجنة 2).



(1) سورة الزلزلة: 7
50




(1) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 414 - 415.
(2) ما بين المعقوفتين سقطت من الكتابين.
(3) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 398.
(4) لم أعثر على كلامه في أنوار الملكوت في شرح الياقوت.
51




(1) سورة طه: 48.
(2) النحل: 27.
52




(1) سورة الزلزلة: 7.
(2) سورة غافر: 40.
(3) كنز العمال 1: 61.
(4) كنز العمال 1: 71.
(5) سورة الأنعام: 128.
(6) سورة آل عمران: 185.
(7) كنز العمال 14: 506 برقم: 39425. وفي هامش النسختين: فان السيل إذا حمل
الجنة روت من الماء، فأين ما أوقفها السيل اخضرت ليومها ونبتت " منه ".
53




(1) سورة الجن: 23.
(2) سورة النساء: 93.
(3) سورة السجدة: 20.
(4) سورة الانفطار: 14 - 16.
(5) سورة النساء: 14.
(6) سورة البقرة: 81.
54




(1) في " س " بالحيثية.
(2) سورة السجدة: 20.
(3) شرح المقاصد 5: 131 - 140.
55




(1) شرح المقاصد 5: 142.
56




(1) هو العلامة المولى محمد باقر المجلسي قدس سره. في كتابه بحار الأنوار 8: 363 -
364.
(2) بحار الأنوار 8: 352 ح 2.
57




(1) السرائر 3: 583.
(2) علل الشرائع: ص 601 ح 60.
58




(1) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ص 139 - 153.
(2) وفيات الأعيان لابن خلكان 3: 355.
(3) في " ن: تفريق.
59




(1) سورة التوبة: 31.
(2) بحار الأنوار 28: 3 - 6.
60




(1) حديث متفق ومتواتر بين الفريقين، راجع إحقاق الحق 9: 270 - 293.
(2) رواه ابن الأثير في جامع الأصول 10: 408 برقم: 7470 عن الترمذي.
(3) بحار الأنوار 28: 4 - 5 ح 5.
61




(1) في " س ": إليهم.
(2) رواه في إحقاق الحق 4: 441 و 6: 290 - 291 و 16: 393 - 396 عن جمع من أعلام
القوم.
(3) هو العلامة المحقق جلال الدين محمد بن سعد الدين الدواني من مشاهير المتكلمين
والفلاسفة، له كتب ورسائل كثيرة، أشهرها حواشيه وتعاليقه على شرح التجريد
للقوشجي، ولد سنة (830) وتوفي سنة (908).
62




(1) في " ن ": منه.
(2) سورة البقرة: 81.
63




(1) كتاب التمحيص لأبي علي الإسكافي ص 38 ح 34، وبحار الأنوار 73: 350 ح 47.
64
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب،
عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي
عبد الله عليه السلام، في قول الله عز وجل: (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) (1) 1)
قال: قال الله تبارك وتعالى: أنا أهل أن اتقى ولا يشرك بي عبدي شيئا،
وأنا أهل إن لم يشرك بي عبدي شيئا أن ادخله الجنة، وقال عليه السلام: إن الله
تبارك وتعالى أقسم بعزته وجلاله أن لا يعذب أهل توحيده بالنار أبدا.
7 - حدثنا محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي
عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين
ابن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي بصير، قال: قال أبو
عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى حرم أجساد الموحدين على النار 2).
8 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد



(1) سورة المدثر: 56.
(2) مجمع البحرين 5: 362.
66
ابن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن
عميرة، قال: حدثني الحجاج بن أرطاة، قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر
ابن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الموجبتان من مات يشهد 1) أن لا إله
إلا الله [وحده لا شريك له] دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله دخل النار.
9 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن
عميرة، عن الحسن بن الصباح، قال: حدثني أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
كل جبار عنيد من أبى أن يقول: لا إله إلا الله 2).
10 - حدثنا جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة
الكوفي رضي الله عنه، قال: حدثني جدي الحسن بن علي الكوفي، عن الحسين



(1) شرح نهج البلاغة 1: 119 ط مؤسسة النصر.
(2) في " ن ": المروي.
(3) سورة إبراهيم: 15.
67
ابن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، عن عمرو ابن شمر،
عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء جبرئيل إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد طوبى لمن قال في أمتك: لا إله إلا الله وحده
وحده وحده 1).
11 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن
محبوب، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي عبد الله جعفر عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: أتاني جبرئيل بين الصفا والمروة 2)، فقال: يا محمد



(1) نور الثقلين 2: 504.
(2) بحار الأنوار 8: 117 - 118 ح 2 و 131 ح 33.
(3) علل الشرائع: ص 431 - 432.
68
طوبى لمن قال من أمتك: لا إله إلا الله وحده مخلصا 1).
12 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن الحسن الكوفي، عن أبيه،
عن الحسين بن سيف عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، عن عمرو
ابن شمر، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن علي عليه السلام قال: مامن عبد مسلم
يقول: لا إله إلا الله إلا صعدت تخرق كل سقف 2)، لا تمر بشئ من سيئاته
إلا طلستها 3) حتى تنتهي إلى مثلها من الحسنات فتقف.
13 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسين
ابن سيف، عن أخيه علي، عن المفضل بن صالح، عن عبيد بن زرارة، قال:



(1) بحار الأنوار 3: 15 ذيل ح 19.
(2) بحار الأنوار 85: 153 ح 14.
69
قال أبو عبد الله عليه السلام: قول لا إله إلا الله ثمن الجنة 1).
14 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
بن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن سليمان بن عمرو، قال:
حدثني عمران بن أبي عطاء، قال: حدثني عطاء، عن ابن عباس، عن
النبي صلى الله عليه وآله، قال: مامن الكلام كلمة أحب إلى الله عز وجل من قول لا إ له
إلا الله، وما من عبد يقول: لا إله إلا الله يمد بها صوته فيفرغ 2) إلا تناثرت
ذنوبه تحت قدميه كما يتناثر ورق الشجر تحتها.
15 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي الفقيه
بسرخس، قال: حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا
هارون بن عبد الله الجمال، عن أبي أيوب، قال: حدثني قدامة بن محرز
الأشجعي، قال: حدثني مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن أبيه،
عن أبي حرب بن زيد بن خالد الجهني، قال: أشهد على أبي زيد بن خالد

70
لسمعته يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي: بشر الناس 1) أنه من قال:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له فله الجنة.
16 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه،
عن محمد بن زياد، عن أبان وغيره، عن الصادق عليه السلام قال: من ختم صيامه
بقول صالح أو عمل صالح 2) تقبل الله منه صيامه، فقيل له: يا ابن رسول الله
ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح إخراج الفطرة.
17 - حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور،
قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوري، قال:
حدثنا جعفر بن محمد بن زياد الفقيه الخوري، قال: حدثنا أحمد بن
عبد الله الجويباري، ويقال له: الهروي والنهرواني والشيباني، عن
الرضا علي بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: ما جزاء من أنعم الله عز وجل عليه بالتوحيد

71
إلا الجنة 1).
18 - وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لا إله إلا الله كلمة
عظيمة كريمة على الله عز وجل، من قالها مخلصا استوجب الجنة، ومن
قالها كاذبا عصمت ماله ودمه 2)، وكان مصيره إلى النار.
19 - وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال: لا إله إلا الله في
ساعة من ليل أو نهار طلست ما في صحيفته من السيئات.
20 - وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لله عز وجل عمودا
من ياقوتة حمراء رأسه تحت العرش 3)، وأسفله على ظهر الحوت في
الأرض السابعة السفلى. فإذا قال العبد: لا إله إلا الله اهتز العرش وتحرك
العمود 4) وتحرك الحوت، فيقول الله تبارك وتعالى: أسكن يا عرشي،



(1) سورة الرعد: 2.
(2) مجمع البيان 3: 274.
(3) سورة الأنفال: 2.
72
فيقول: كيف أسكن وأنت لم تغفر لقائلها فيقول الله تبارك وتعالى: اشهدوا
سكان سماواتي أني قد غفرت لقائلها.
21 - حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن الشاه الفقيه بمرو الروذ،
قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله النيسابوري، قال: حدثنا أبو القاسم
عبد الله بن أحمد بن عباس الطائي بالبصرة، قال: حدثني أبي في سنة
ستين ومائتين، قال: حدثني علي بن موسى الرضا عليهما السلام سنة أربع وتسعين
ومائة قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن
محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن
الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي علي بن أبي
طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول الله جل جلاله: (لا إله إلا الله)
حصني، فمن دخله أمن من عذابي 1).
22 - حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر
النيسابوري بنيسابور، قال: حدثني أبو علي الحسن بن علي الخزرجي
الأنصاري السعدي، قال: حدثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي،
قال: كنت مع علي بن موسى الرضا عليهما السلام حين رحل من نيسابور وهو

73
راكب بغلة شهباء 1)، فإذا محمد بن رافع وأحمد بن حرب ويحيى بن
يحيى وإسحاق بن راهويه وعدة من أهل العلم قد تعلقوا بلجام بغلته في
المربعة 2) فقالوا: بحق آبائك المطهرين حدثنا بحديث قد سمعته من أبيك،
فأخرج رأسه من العمارية وعليه مطرف 3) خز ذو وجهين وقال: حدثني



(1) صحاح اللغة 3: 1212.
(2) بحار الأنوار 3: 6 - 7.
(3) صحاح اللغة 4: 1394.
74
أبي العبد الصالح 1) موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي الصادق جعفر بن
محمد، قال: حدثني أبي أبو جعفر محمد بن علي باقر علم الأنبياء، قال:
حدثني أبي علي بن الحسين سيد العابدين، قال: حدثني أبي سيد شباب
أهل الجنة الحسين، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: قال الله جل جلاله: إني أنا الله لا إله إلا أنا



(1) وذكر صاحب كتاب نيشابور أنه عد في ذلك اليوم من المحابر أربع وعشرون ألفا، سوى
الدوى والمستمل أبو ذر عن الرازي ومحمد بن مسلم. وقال الأستاذ أبو القاسم القشري: ان
هذا الحديث بهذا السند بلغ بعض امراء السامانية، فكتبه بالذهب وأوصى أن يدفن معه،
فلما مات رؤى في المنام، فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بكتابة هذا الحديث بالذهب
تعظيما واحتراما. وفي كتاب عيون الأخبار، قال أحمد بن محمد بن حنبل: ما هذا الاسناد؟
فقال له أبي: هذا اسعوط المجانين إذا سعط به المجنون أفاق " منه " عن هامش " س ".
75
فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله 1) بالاخلاص دخل في
حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي.
23 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا أبو
الحسين محمد بن جعفر الأسدي، قال: حدثنا محمد بن الحسين الصوفي،
قال: حدثنا يوسف بن عقيل، عن إسحاق بن راهويه، قال: لما وافى أبو
الحسن الرضا عليه السلام بنيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع إليه
أصحاب الحديث فقالوا له: يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث
فنستفيده منك؟ وكان قد قعد في العمارية، فأطلع رأسه وقال: سمعت أبي
موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي
محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي
الحسين بن علي بن أبي طالب يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: سمعت جبرئيل يقول:
سمعت الله جل جلاله يقول 2): لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني
أمن من عذابي.
قال: فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها.
قال مصنف هذا الكتاب: من شروطها الاقرار للرضا عليه السلام بأنه إمام من
قبل الله عز وجل على العباد، مفترض الطاعة عليهم.
24 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي، قال:

76
حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا إسحاق بن إسرائيل،
قال: حدثنا حريز عن عبد العزيز، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر رحمه الله قال:
خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي وحده ليس معه إنسان،
فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر،
فالتفت فرآني، فقال: من هذا؟ قلت: أبو ذر جعلني الله فداك، قال: يا أبا ذر
تعال، فمشيت معه ساعة، فقال: إن المكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا
من أعطاه الله خيرا فنفخ منه بيمينه وشماله 1) وبين يديه ووراءه وعمل



(1) بحار الأنوار 57: 366 ح 2.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 136 ح 1
77
فيه خيرا، قال: فمشيت معه ساعة، فقال: اجلس هاهنا، وأجلسني في قاع
حوله حجارة، فقال لي: إجلس حتى أرجع إليك، قال: وانطلق في الحرة
حتى لم أره 1) وتوارى عني، فأطال اللبث، ثم إني سمعته صلى الله عليه وآله وهو مقبل
وهو يقول: وإن زنى وإن سرق، قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي
الله جعلني الله فداك من تكلمه في جانب الحرة؟ فإني ما سمعت أحدا يرد
عليك من الجواب شيئا، قال: ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرة،
فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله عز وجل شيئا دخل الجنة،
قال: قلت: يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق؟ قال: نعم وإن شرب الخمر.
قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك أنه يوفق للتوبة 2) حتى يدخل
الجنة.
25 - حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب
الأنماطي، قال: أخبرنا أبو عمرو أحمد بن الحسن بن غزوان، قال: حدثنا
إبراهيم بن أحمد، قال: حدثنا داود بن عمرو، قال: حدثنا عبد الله بن
جعفر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال

78
رسول الله صلى الله عليه وآله بينا رجل متسلق على ظهره ينظر إلى السماء وإلى النجوم
ويقول 1): والله إن لك لربا هو خالقك اللهم اغفر لي، قال: فنظر الله عز
وجل إليه فغفر له.
قال مصنف هذا الكتاب: وقد قال الله عز وجل: (أو لم ينظروا في
ملكوت السماوات 2) والأرض وما خلق الله من شئ) (1) يعني بذلك: أو
لم يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض وفي عجائب صنعها، أولم
ينظروا في ذلك نظر مستدل معتبر، فيعرفوا بما يرون ما أقامه الله عز وجل
من السماوات والأرض مع عظم أجسامها وثقلها على غير عمد وتسكينه
إياها بغير آلة، فيستدلوا بذلك على خالقها ومالكها ومقيمها أنه لا يشبه
الأجسام ولا ما يتخذ الكافرون إلها من دون الله عز وجل، إذ كانت
الأجسام لا تقدر على إقامة الصغير من الأجسام في الهواء بغير عمد وبغير



(1) الأعراف: 185.
(2) بحار الأنوار 71: 320 ح 2.
(3) سورة طه: 14.
79
آلة، فيعرفوا بذلك خالق السماوات والأرض وسائر الأجسام، ويعرفوا أنه
لا يشبهها ولا تشبهه في قدرة الله وملكه وأما ملكوت السماوات والأرض
فهو ملك الله لها واقتداره عليها، وأراد بذلك، أو لم ينظروا ويتفكروا في
السماوات والأرض في خلق الله عز وجل إياهما على ما يشاهدونهما
عليه، فيعلموا أن الله عز وجل هو مالكها والمقتدر عليها لأنها مملوكة
مخلوقة، وهي في قدرته وسلطانه وملكه، فجعل نظرهم في السماوات
والأرض وفي خلق الله لها نظرا في ملكوتها وفي ملك الله لها لان الله عز
وجل لا يخلق إلا ما يملكه ويقدر عليه، وعنى بقوله: وما خلق الله من
شئ يعني: من أصناف خلقه، فيستدلون به 1) على أن الله خالقها وأنه
أولى بالإلهية من الأجسام المحدثة المخلوقة.
26 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن
يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: من قال، لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة وإخلاصه أن تحجزه لا إله
إلا الله عما حرم الله عز وجل 2).
27 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، والحسن بن علي الكوفي، وإبراهيم بن هاشم كلهم، عن

80
الحسين بن سيف، عن سليمان بن عمرو، عن المهاجر بن الحسين، عن
زيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل
الجنة، وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله عز وجل.
28 - حدثنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن عمرو
العطار ببلخ، قال: حدثنا محمد بن محمود، قال: حدثنا حمران، عن مالك
بن إبراهيم بن طهمان، عن [أبي] حصين، عن الأسود بن هلال، عن معاذ
بن جبل، قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وآله، فقال: يا معاذ هل تدري ما حق الله
عز وجل على العباد؟ يقولها - ثلاثا -، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: حق الله عز وجل على العباد أن لا يشركوا به شيئا، ثم
قال صلى الله عليه وآله: هل تدري ماحق العباد على الله عز وجل إذا فعلوا ذلك؟ قال:
قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم، أو قال: أن لا يدخلهم النار.
29 - حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري: قال:
حدثنا محمد بن أحمد بن حمران القشيري، قال: حدثنا أبو الجريش
أحمد بن عيسى الكلابي، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام سنة
خمسين ومائتين، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد،
عن أبيه عن آبائه، عن علي عليهم السلام، في قول الله عز وجل: (هل جزاء
الاحسان إلا الاحسان) قال علي عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الله
عز وجل قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة.
30 - حدثنا الحاكم عبد الحميد بن عبد الرحمن بن الحسين، قال:

81
حدثنا أبو يزيد بن محبوب المزني، قال: حدثنا الحسين بن عيسى
البسطامي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا شعبة، عن
خالد الحذاء، عن أبي بشر العنبري، عن حمران، عن عثمان بن عفان، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من مات وهو يعلم أن الله حق دخل الجنة 1) (1) 31 - حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: أخبرني علي بن إبراهيم
ابن هاشم، قال: حدثني إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد الله بن
حماد الأنصاري، عن الحسين بن يحيى بن الحسين، عن عمرو بن طلحة،
عن أسباط بن نصر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
والذي بعثني بالحق بشيرا لا يعذب الله بالنار موحدا أبدا، وإن أهل
التوحيد ليشفعون فيشفعون، ثم قال عليه السلام: إنه إذا كان يوم القيامة أمر الله
تبارك وتعالى بقوم ساءت أعمالهم في دار الدنيا إلى النار، فيقولون يا ربنا
كيف تدخلنا النار وقد كنا نوحدك في دار الدنيا؟ وكيف تحرق بالنار
ألسنتنا وقد نطقت بتوحيدك في دار الدنيا؟ وكيف تحرق قلوبنا وقد عقدت
على أن لا إله إلا أنت؟ أم كيف تحرق وجوهنا وقد عفرناها لك في
التراب؟ أم كيف تحرق أيدينا وقد رفعناها بالدعاء إليك، فيقول الله



(1) أخرجه مسلم في صحيحه 1: 41 باسناده عن خالد الحذاء - الخ.
82
جل جلاله: عبادي ساءت أعمالكم في دار الدنيا فجزاؤكم نار جهنم 1)،
فيقولون: يا ربنا عفوك أعظم أم خطيئتنا؟ فيقول عز وجل: بل عفوي،
فيقولون: رحمتك أوسع أم ذنوبنا؟ فيقول عز وجل: بل رحمتي، فيقولون:
إقرارنا بتوحيدك أعظم أم ذنوبنا؟ فيقول عز وجل: بل إقراركم بتوحيدي
أعظم، فيقولون: يا ربنا فليسعنا عفوك ورحمتك التي وسعت كل شئ،
فيقول الله جل جلاله: ملائكتي وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إلي
من المقرين لي بتوحيدي وأن لا إله غيري، وحق علي أن لا أصلي بالنار
أهل توحيدي 2) ادخلوا عبادي الجنة.
32 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي
السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري البصري، قال: حدثنا
جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد
ابن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه
علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من مات لا يشرك بالله
شيئا أحسن أو أساء دخل الجنة.
33 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد
ابن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن

83
سالم وأبي أيوب، قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام: من قال: لا إله إلا الله مائة مرة
كان أفضل الناس ذلك اليوم عملا إلا من زاد.
34 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني
أحمد بن هلال، عن أحمد بن صالح، عن عيسى بن عبد الله من ولد عمر
ابن علي، عن آبائه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله
جل جلاله لموسى: يا موسى لو أن السماوات وعامريهن والأرضين السبع
في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله.
35 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد العزيز العبدي،
عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: من قال في يوم:
(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ
صاحبة ولا ولدا) كتب الله عز وجل له خمسة وأربعين ألف ألف حسنة،
ومحا عنه خمسة وأربعين ألف ألف سيئة، ورفع له في الجنة خمسة
وأربعين ألف ألف درجة، وكان كمن قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة، وبنى الله
له بيتا في الجنة.
2 - باب التوحيد ونفي التشبيه
1 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد
ابن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر،
وغيره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل - سماه - عن أبي إسحاق السبيعي،

84
عن الحارث الأعور قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
يوما خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم
الله جل جلاله، قال أبو إسحاق: فقلت للحارث: أو ما حفظتها؟ قال: قد
كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:
الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه 1)، لأنه كل يوم في شأن
من إحداث بديع لم يكن الذي لم يولد فيكون في العز مشاركا، ولم يلد



(1) سورة المائدة: 64.
85
فيكون موروثا هالكا 1)، ولم يقع عليه الأوهام فتقدره شبحا ماثلا 2)،



(1) في " س ": كون.
86
ولم تدركه الابصار فيكون بعد انتقالها حائلا 1) الذي ليست له في أوليته
نهاية، ولا في آخريته حد ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه

87
زمان 1)، ولم يتعاوره 2) زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا بما 3)
ولا بمكان، الذي بطن من خفيات الأمور 4)، وظهر في العقول بما يرى في
خلقه من علامات التدبير 5)، الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد



(1) وفي بعض الآثار اطلاق الوقت على الزمان القليل والزمان على الكثير منه، أي: لم
يتقدمه زمن قليل ولا كثير (منه) عن هامش (س).
(2) شرح نهج البلاغة 2: 127 ط طهران.
(3) سورة فصلت: 53.
88




(1) حرف (لا) غير موجود في (س).
(2) في (س): أفعال.
89
ولا ببعض 1) بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته ولا تستطيع عقول
المتفكرين جحده، لان من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما
بينهن وهو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته الذي بان من الخلق فلا شئ
كمثله، الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم،
وقطع عذرهم بالحجج 2)، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من
نجا 3)، ولله الفضل مبدئا ومعيدا.
ثم إن الله وله الحمد افتتح الكتاب بالحمد لنفسه، وختم أمر الدنيا
ومجئ الآخرة بالحمد لنفسه، فقال: (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله
رب العالمين) 4).



(1) سورة الأنفال: 42. قوله تعالى (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة).
90
الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد 1)، والمرتدي بالجلال بلا تمثل،
والمستوي على العرش بلا زوال 2)، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم،
القريب منهم بلا ملامسة منه لهم، ليس له حد ينتهي إلى حده 3)، ولا له



(1) مجمع البيان 4: 511.
(2) في (س): وروي.
91
مثل فيعرف بمثله، ذل من تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت
الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت عن إدراكه طروف
العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق 1)، الأول قبل كل شئ،

92
والآخر بعد كل شئ، ولا يعدله شئ، الظاهر على كل شئ 1) بالقهر له،
والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه
حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وهو الحكيم العليم، أتقن
ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه



(1) سورة الصف: 14.
93
في خلق ما خلق لديه، ابتدأ ما أراد ابتداءه، وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما
أراده من الثقلين الجن والإنس 1) لتعرف بذلك ربوبيته، وتمكن فيهم
طواعيته 2).
نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه 3) كلها، ونستهديه
لمراشد أمورنا 4) ونعوذ به من سيئات أعمالنا، ونستغفره للذنوب التي
سلفت منا، ونشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، بعثه بالحق
دالا عليه وهاديا إليه، فهدانا به من الضلالة، واستنقذنا به من الجهالة، من
يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، ونال ثوابا كريما، ومن يعص الله
ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا، واستحق عذابا أليما، فانجعوا بما يحق
عليكم 5) من السمع والطاعة وإخلاص النصيحة وحسن المؤازرة وأعينوا



(1) القاموس المحيط 1: 294 ط القاهرة.
94
أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة، وهجر الأمور المكروهة، وتعاطوا الحق
بينكم، وتعاونوا عليه، وخذوا على يد الظالم 1) السفيه، مروا بالمعروف،
وانهوا عن المنكر، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم، عصمنا الله وإياكم
بالهدى، وثبتنا وإياكم على التقوى، وأستغفر الله لي ولكم.
2 - حدثنا محمد بن حسن بن أحمد بن الوليد 2) رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن عمرو الكاتب، عن محمد بن زياد القلزمي، عن محمد بن أبي
زياد الجدي صاحب الصلاة بجدة، قال: حدثني محمد بن يحيى بن عمر
بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا
الكلام عند المأمون في التوحيد، قال ابن أبي زياد: ورواه لي أيضا أحمد



(1) في (س): الكلام، والصحيح ما أثبتناه في المتن، كما في النهاية 5: 22.
(2) في (ن): الحريري. والجزري هو ابن الأثير.
(3) نهاية ابن الأثير 1: 102.
(4) نهج البلاغة ص 40 الخطبة الأولى.
(6) أمالي الشيخ المفيد ص 253 ح 4.
(6) عيون أخبار الرضا 1: 149 - 153 ح 51.
95
ابن عبد الله العلوي مولى لهم وخالا لبعضهم 1) عن القاسم بن أيوب العلوي
أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام على هذا الامر جمع بني هاشم
فقال: إني أريد أن أستعمل الرضا على هذا الامر من بعدي، فحسده بنو
هاشم، وقالوا: أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة؟! فابعث
إليه رجلا يأتنا فترى من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه، فقال له
بنو هاشم: يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا 2) علما نعبد الله عليه،
فصعد عليه السلام المنبر، فقعد مليا لا يتكلم 3) مطرقا، ثم انتفض انتفاضة، واستوى
قائما، وحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه وأهل بيته.
ثم قال: أول عبادة الله معرفته 4)، وأصل معرفة الله



(1) بيان وجه نسبة أحمد بن عبد الله إلى علي عليه السلام وجعله علويا، فهو كونه مولاهم وخالا
لبعضهم وكون ذلك البعض تزوج بأخته فولدت له، فلاحظ.
96




(1) هو المحقق العلامة ابن ميثم البحراني المتوفي سنة " 679 " ه‍ ق.
(2) شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني 1: 119 - 120.
97
توحيده 1)، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه 2) بشهادة العقول أن
كل صفة وموصوف مخلوق 3) وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة
ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران

98
بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث،
فليس الله من عرف بالتشبيه ذاته 1)، ولا إياه وحد من



(1) إذا تحققت هذا فاعلم أن التوحيد الحقيقي هو نفي الصفات والإضافات، وعليه نزلوا قول
سيد الموحدين عليه السلام (العلم نقطة كثره الجاهلون) قال المحقق ابن جمهور في حواشي
كتابه: المراد بالنقطة هاهنا النقطة التمييزية التي بها يميز العابد من المعبود والرب من
المربوب، لان الوجود في الحقيقة واحد، وإنما تكثر وتعدد عند التقييد والتنزل، وإنما
نسبت الإضافات بقيد الامكان، ولهذا يقولون: التوحيد اسقاط الإضافات، لأنه عند اسقاط
النقطة التمييزية لا يبقى شئ إلا الوجود المحض، ويضمحل ما عداه.
وأشار إلى ذلك بقوله (كثرها الجاهلون) لأنهم يلاحظون تلك الإضافات، فيعتقدون تعدد
الواجب وتكثره، حتى أنهم جعلوه من الأمور الكلية الصادقة على الجزئيات المتعددة،
حتى اختلفوا في كونه متواطئا ومشككا، وذلك عند أهل التحقيق جهالة، لأنه ينافي
التوحيد الذي مقتضى الوجود ولازمه الذاتي، لان الوحدة ذاتي من ذاتياته، والتعدد أمر
عارض له، فمن نظر تحقيق العلم إلى تلك النقطة، وعلم أن التمييز والتعدد إنما هو بسببها
لم يعتقد تكثر الوجود البتة، ولا خروجه عن وحدته الصرفة، فبقي عالما لم يخرج إلى
الجهل، فهذا معنى قوله (العلم نقطة) يعني: أن معرفة تلك النقطة والتحقيق بها هو
حقيقة العلم الذي عقل عنه أهل الجهل.
أقول: سيأتي لهذا الحديث معنى آخر أعم وأشمل من معناه هذا.
99
اكتنه 1) ولا حقيقته أصاب من مثله 2)، ولا به صدق من نهاه 3) ولا صمد
صمده من أشار إليه ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من



(1) راجع شرح النهج لابن ميثم البحراني 4: 152.
(2) القاموس المحيط 4: 49.
(3) بحار الأنوار 4: 232.
100
بعضه 1)، ولا إياه أراد من توهمه 2)، كل معروف بنفسه مصنوع 3) وكل قائم
في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته،



(1) في " ن ": أبعاضها.
(2) في " س ": حقيقة.
101
وبالفطرة تثبت حجته 1). خلق الله الخلق حجاب بينه وبينهم 2) ومباينته

102
إياهم مفارقته إنيتهم 1)، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له
لعجز كل مبتدئ عن ابتداء غيره، وأدويته إياهم دليل على أن لا أداة له 2)
لشهادة الأدوات بفاقة المتأدين وأسماؤه تعبير 3)، وأفعاله تفهيم 4)،
وذاته حقيقة 5) وكنهه تفريق بينه وبين خلقه 6)، وغيوره تحديد لما



(1) بحار الأنوار 4: 234.
103
سواه 1) فقد جهل الله من استوصفه 2)، وقد تعداه من اشتمله 3) وقد أخطأه
من اكتنهه 4)، ومن قال: كيف فقد شبهه 5)، ومن قال: لم فقد علله 6)، ومن



(1) أو يكون التحديد بمعنى التعريف، يعني: أن مغايرته سبحانه لما سواه من الأشياء تعريف
له، كقوله تعالى (الذي ليس كمثله شئ) فإنه تعريف له " منه " عن هامش " س ".
104
قال: متى فقد وقته 1)، ومن قال: فيم فقد ضمنه، ومن قال: إلى م فقد
نهاه، ومن قال: حتى م فقد غياه ومن غياه فقد غاياه 2)، ومن غاياه
فقد جزأه، ومن جزأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، لا يتغير

105
الله بانغيار المخلوق 1)، كما لا يتحدد بتحديد المحدود، واحد
لا بتأويل عدد 2)، ظاهر لا بتأويل المباشرة 3)، متجل لا باستهلال



(1) سورة فصلت: 53.
106
رؤية 1)، باطن لا بمزايلة 2)، مبائن لا بمسافة 3) قريب لا بمداناة 4)،
لطيف لا بتجسم 5)، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار 6)،
مقدر لا بحول فكرة 7) مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة 8)،



(1) بحار الأنوار 4: 176 و 208.
107
شاء لا بهمة 1)، مدرك لا بمجسة 2) 3)، سميع لا بالة، بصير لا بأداة.
لا تصحبه الأوقات 4)، تضمنه الأماكن، ولا تأخذه السنات 5) ولا
تحده الصفات 6)، ولا تفيده الأدوات 7) سبق الأوقات كونه 8) والعدم وجوده 9)



(1) شرح نهج البلاغة 13: 72.
108
والابتداء أزله 1)، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له 2) وبتجهيره



(1) كذا في النسختين، وفي الرجال: الهواء.
(2) كذا في النسختين، وفي الرجال: الهواء.
(3) اختيار معرفة الرجال 2: 544 برقم: 482.
(4) بحار الأنوار 4: 237.
(5) هو الشيخ المحقق الشيخ ميثم البحراني " منه "
109




(1) شرح نهج البلاغة 4: 156 ط طهران.
110
الجواهر عرف أن لا جوهر له 1)، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد 2)
له، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين 3) له، ضاد النور



(1) بحار الأنوار 4: 238 - 239، نقله عن بعض الأفاضل.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: 73.
(3) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 4: 156.
111
بالظلمة 1)، والجلاية بالبهم 2)، والجسو بالبلل 3)، والصرد بالحرور 4)،
مؤلف بين متعادياتها 5)، مفرق بين متدانياتها 6)، دالة بتفريقها على
مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، ذلك قوله عز وجل: ومن كل شئ
خلقنا زوجين 7) لعلكم تذكرون ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل

112
له ولا بعد 1)، شاهدة بغرائزها 2) أن لا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها
أن لا تفاوت لمفاوتها 3)، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب
بعضها عن بعض 4) ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها له معنى
الربوبية إذ لا مربوب 5) وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه 6) ومعنى العالم ولا

113
معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع 1)
ليس مذ خلق استحق معنى الخالق 2)، ولا باحداثه البرايا
استفاد معنى البرائية 3) كيف ولا تغيبه مذ 4)، ولا تدنيه قد 5)، ولا
تحجبه لعل 6)، ولا توقته متى 7)، ولا تشمله حين، ولا تقارنه

114
مع 1)، إنما تحد الأدوات أنفسها 2)، وتشير الآلة إلى نظائرها وفي الأشياء
يوجد فعالها منعتها مذ القدمة، وحمتها قد الأزلية، وجنبتها لولا التكملة 3)



(1) بحار الأنوار 4: 242.
115
لافترقت فدلت على مفرقها، وتباينت فأعربت عن مباينها لما تجلى
صانعها للعقول 1) وبها احتجب عن الرؤية 2)، وإليها تحاكم



(1) راجع شرح نهج البلاغة لابن ميثم 4: 158 - 159.
(2) نهج البلاغة ص 273، رقم الخطبة: 186.
116
الأوهام 1)، وفيها أثبت غيره 2) ومنها انبط الدليل 3) وبها عرفها الاقرار 4)،
وبالعقول يعتقد التصديق بالله وبالاقرار يكمل الايمان به 5)، ولا



(1) شرح نهج البلاغة 4: 160.
(2) نقله الشيخ في رجاله اختيار معرفة الرجال 2: 549 - 551 برقم: 490.
117
ديانة إلا بعد المعرفة 1)، ولا معرفة إلا بالاخلاص 2)، ولا إخلاص مع
التشبيه 3)، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبيه 4)، فكل ما في الخلق لا
يوجد في خالقه، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه، لا تجري عليه
الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود فيه ما هو



(1) في " س ": الجسمانيات.
118
أبداه 1) إذا لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولما كان
للبارئ معنى غير المبروء، ولو حد له وراء إذا حد له أمام، ولو التمس له
التمام إذا لزمه النقصان، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث،
وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الانشاء، إذا لقامت فيه آية
المصنوع، ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه 2)، ليس في محال القول

119
حجة 1) ولا في المسألة عنه جواب 2)، ولا في معناه لله تعظيم 3)، ولا في
إبانته عن الخلق ضيم، إلا بامتناع الأزلي أن يثنى وما لابدأ له أن يبدأ 4)،
لا إله إلا الله العلي العظيم، كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالا بعيدا،
وخسروا خسرانا مبينا، وصلى الله على محمد النبي وآله الطيبين
الطاهرين.

120
3 - حدثنا علي بن أحمد بن 1) محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، وأحمد بن يحيى بن زكريا القطان،
عن بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي
معاوية، عن الحصين بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي عبد الله، عن أبيه،
عن جده عليهم السلام، أن أمير المؤمنين عليه السلام استنهض الناس في حرب معاوية
في المرة الثانية 2) فلما حشد الناس قام خطيبا فقال:
الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد، الذي لا من شئ كان، ولا من
شئ خلق ما كان، قدرته بان بها من الأشياء 3)، وبانت الأشياء منه،
فليست له صفة تنال، ولا حد تضرب له الأمثال 4)، كل دون صفاته تحبير
اللغات 5) وضل هنالك تصاريف الصفات 6)، وحار في ملكوته عميقات



(1) في " ن ": عنده.
121
مذاهب التفكير 1)، وانقطع دون الرسوخ في علمه 2) جوامع التفسير، وحال
دون غيبه المكنون حجب من الغيوب 3)، وتاهت في أدنى أدانيها
طامحات العقول 4) في لطيفات الأمور فتبارك الله 5) الذي لا يبلغه بعد



(1) شرح نهج البلاغة 2: 394.
122
الهمم 1)، ولا يناله غوص الفطن، وتعالى الله الذي ليس له وقت معدود، ولا
أجل ممدود، ولا نعت محدود 2)، وسبحان الذي ليس له أول مبتدأ، ولا
غاية منتهى، ولا آخر يفنى، سبحانه، هو كما وصف نفسه 3)، والواصفون لا
يبلغون نعته، حد الأشياء كلها 4) عند خلقه إياها إبانة لها من شبهه وإبانة له
من شبهها، فلم يحلل فيها فيقال: هو فيها كائن ولم ينأ عنها فيقال: هو منها
بائن، ولم يخل منها فيقال له: أين 5)، لكنه سبحانه أحاط بها علمه، وأتقنها
صنعه، وأحصاها حفظه، لم يعزب عنه خفيات غيوب الهوى ولا غوامض



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7: 93.
(2) في " س ": بعيد.
123
مكنون ظلم الدجى، ولا ما في السماوات العلى والأرضين السفلى،
لكل شئ منها حافظ ورقيب 1)، وكل شئ منها بشئ محيط



(1) احياء علوم الدين 4: 397.
124
والمحيط بما أحاط منها الله الواحد الأحد الصمد الذي لم تغيره
صروف الأزمان ولم يتكاده صنع شئ كان، إنما قال لما شاء أن
يكون، كن فكان، ابتدع ما خلق بلا مثال سبق، ولا تعب ولا نصب،
وكل صانع شئ فمن شئ صنع، والله لا من شئ صنع ما خلق، وكل
عالم فمن بعد جهل تعلم، والله لم يجهل ولم يتعلم، أحاط بالأشياء علما
قبل كونها فلم يزدد بكونها علما، علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بعد
تكوينها، لم يكونها لشدة سلطان، ولا خوف من زوال ولا نقصان، ولا
استعانة على ضد مثاور 1)، ولا ند مكاثر 2)، ولا شريك مكائد لكن خلائق
مربوبون، وعباد داخرون، فسبحان الذي لا يؤوده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير
ما برأ، ولا من عجز ولا من فترة بما خلق اكتفى 3)، علم ما خلق وخلق
ما علم، لا بالتفكر، ولا بعلم حادث أصاب ما خلق، ولا شبهة دخلت عليه



(1) احياء علوم الدين للغزالي 4: 398 - 399.
125
فيما لم يخلق، لكن قضاء مبرم، وعلم محكم، وأمر متقن، توحد بالربوبية،
وخص نفسه بالوحدانية، واستخلص المجد والثناء 1)، فتحمد بالتمجيد 2)،
وتحمد بالتحميد، وعلا عن اتخاذ الأبناء، وتطهر وتقدس عن ملامسة
النساء وعز وجل عن مجاورة الشركاء، فليس له فيما خلق ضد، ولا فيما
ملك ند، ولم يشرك في ملكه أحد الواحد الأحد الصمد المبيد للأبد 3)،
والوارث للأمد 4) الذي لم يزل ولا يزال وحدانيا أزليا قبل بدء الدهور
وبعد صرف الأمور 5)، الذي لا يبيد ولا يفقد بذلك أصف ربي، فلا إله إلا
الله من عظيم ما أعظمه، وجليل ما أجله، وعزيز ما أعزه، وتعالى عما يقول
الظالمون علوا كبيرا.



(1) أصول الكافي 1: 136، وفيه: وتوحد بالتحميد، وتمجد بالتمجيد.
(2) الغارات 1: 171 - 176.
126
وحدثنا بهذه الخطبة أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ، قال: حدثنا
محمد بن العباس بن بسام، قال: حدثني أبو زيد سعيد بن محمد البصري،
قال: حدثتني عمرة بنت أوس قالت: حدثني جدي الحصين بن عبد
الرحمن، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن
جده عليهم السلام، أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بهذه الخطبة لما استنهض الناس
في حرب معاوية في المرة الثانية.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله جميعا، عن أحمد بن محمد
ابن عيسى، والهيثم بن أبي مسروق النهدي، ومحمد بن الحسين بن أبي
الخطاب كلهم، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن
إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في
الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانيا 1)، وفي أزليته متعظما
بالإلهية 2)، متكبرا بكبريائه وجبروته ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق على
غير مثال كان سبق بشئ مما خلق، ربنا القديم 3) بلطف ربوبيته

127
وبعلم خبره فتق وبإحكام قدرته خلق جميع ما خلق، وبنور الاصباح
فلق 1)، فلا مبدل لخلقه، ولا مغير لصنعه، ولا معقب لحكمه 2)، ولا راد
لامره، ولا مستراح عن دعوته 3) ولا زوال لملكه، ولا انقطاع لمدته، وهو
الكينون أولا والديموم أبدا 4)، المحتجب بنوره دون خلقه في الأفق
الطامح 5)، والعز الشامخ والملك الباذخ، فوق كل شئ علا، ومن كل
شئ دنا، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى. وهو بالمنظر الاعلى 6)،
فأحب الاختصاص بالتوحيد إذ احتجب بنوره 7)، وسما في علوه، واستتر
عن خلقه، وبعث إليهم الرسل لتكون له الحجة البالغة على خلقه ويكون
رسله إليهم شهداء عليهم، وابتعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين ليهلك من



(1) سورة الأنعام: 96.
128
هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه 1)
فيعرفوه بربوبيته بعد ما أنكروا ويوحدوه بالإلهية بعد ما عندوا 2).
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، قالا: حدثنا محمد بن
أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا رفعه، قال: جاء رجل إلى الحسن بن
علي عليهما السلام فقال له: يا ابن رسول الله صف لي ربك حتى كأني أنظر إليه،
فأطرق الحسن بن علي عليهما السلام مليا، ثم رفع رأسه، فقال: الحمد لله الذي لم
يكن له أول معلوم 3) ولا آخر متناه، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا
أمد بحتى ولا شخص فيتجزأ، ولا اختلاف صفة فيتناهى فلا تدرك العقول
وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأذهانها صفته فتقول: متى؟
ولا بدئ مما 4)، ولا ظاهر على ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلا 5)،

129
خلق الخلق فكان بديئا بديعا، ابتدأ ما ابتدع، وابتدع ما ابتدأ 1)، وفعل
ما أراد، وأراد ما استزاد، ذلكم الله رب العالمين.
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، قال:
سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التوحيد، فقال: هو الذي أنتم عليه 2).
7 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم،
ويعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي

130
عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول في قوله عز وجل: (وله أسلم من في
السماوات والأرض طوعا وكرها) 1) قال: هو توحيدهم لله عز وجل.
8 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن الحارث، عن أبي بصير،
قال: أخرج أبو عبد الله عليه السلام، حقا، فأخرج منه ورقة، فإذا فيها: سبحان



(1) سورة الزخرف: 87.
(2) سورة غافر: 85.
(3) في المجمع: التخفيف.
(4) سورة الحجرات: 14.
131
الواحد الذي لا إله غيره، القديم المبدئ الذي لا بدئ 1) له، الدائم الذي لا
نفاد له، الحي الذي لا يموت، الخالق ما يرى وما لا يرى، العالم كل شئ
بغير تعليم، ذلك الله الذي لا شريك له.
9 - حدثنا محمد بن القاسم المفسر رحمه الله، قال: حدثنا يوسف بن
محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن
علي بن محمد بن علي الرضا، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قام رجل
إلى الرضا عليه السلام فقال له: يا ابن رسول الله صف لنا ربك فإن من قبلنا قد
اختلفوا علينا، فقال الرضا عليه السلام: إنه من يصف ربه بالقياس لا يزال
الدهر في الالتباس، مائلا عن المنهاج ظاعنا في الاعوجاج، ضالا عن
السبيل، قائلا غير الجميل، اعرفه بما عرف به نفسه من غير رؤية، وأصفه
بما وصف به نفسه من غير صورة، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس،
معروف بغير تشبيه، ومتدان في بعده لا بنظير، لا يمثل بخلقيته، ولا يجور
في قضيته، الخلق إلى ما علم منقادون، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه
ماضون، ولا يعملون خلاف ما علم منهم، ولا غيره يريدون 2)، فهو قريب



(1) مجمع البيان 1: 469 - 470.
132
غير ملتزق وبعيد غير متقص 1)، يحقق ولا يمثل، ويوحد ولا يبعض،
يعرف بالآيات، ويثبت بالعلامات، فلا إله غيره الكبير المتعال.
10 - ثم قال عليه السلام: بعد كلام آخر تكلم به: حدثني أبي، عن أبيه، عن
جده، عن أبيه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: ما عرف ا لله من شبهه
بخلقه، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده. والحديث طويل،
أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في تفسير القرآن.
11 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، عن محمد بن يحيى
العطار، عن محمد بن أحمد، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن مهزيار،
قال: كتب أبو جعفر عليه السلام إلى رجل بخطه وقرأته في دعاء كتب به أن
يقول: (يا ذا الذي كان قبل كل شئ، ثم خلق كل شئ، ثم يبقى ويفنى
كل شئ، ويا ذا الذي ليس في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى
ولا فوقهن ولا بينهن ولا تحتهن إله يعبد غيره).
12 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي
القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن عيسى اليقطيني،
عن سليمان بن راشد، عن أبيه، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: الحمد لله الذي لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك.

133
13 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن مهران
الكوفي، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة، عن مسعدة
بن صدقة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بينا أمير المؤمنين عليه السلام
يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا
ربك تبارك وتعالى لنزداد له حبا وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام،
ونادى الصلاة جامعة 1) فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله، ثم قام



(1) نهج البلاغة ص 124 رقم الخطبة، وفيه: صف لنا ربنا مثلما نراه عيانا لنزداد له حبا وبه
معرفة.
(2) في " ن ": أنه.
(3) في " ن ": كمال.
134
متغير اللون فقال:
الحمد لله الذي لا يفره المنع، ولا يكديه الاعطاء 1) إذ كل معط منتقص
سواه 2)، الملئ 3) بفوائد النعم وعوائد 4) المزيد، وبجوده ضمن عيالة
الخلق 5)، فأنهج سبيل الطلب للراغبين إليه، فليس بما 6) سئل أجود منه



(1) سورة البقرة: 55.
135
بما لم يسأل، وما اختلف عليه زمان 1) فيختلف منه الحال، ولو وهب
ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار من فلز
اللجين 2) وسبائك العقيان 3) ونضائد المرجان 4) لبعض عبيده، لما أثر ذلك
في وجوده ولا أنفذ سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الافضال مالا
ينفذه مطالب السؤال ولا يخطر لكثرته على بال، لأنه الجواد الذي لا
تنقصه المواهب، ولا يبخله إلحاح الملحين 5) (وإنما أمره إذا أراد شيئا أن
يقول له كن فيكون) الذي عجزت الملائكة على قربهم من كرسي
كرامته، وطول ولههم 6) إليه، وتعظيم جلال عزه، وقربهم من غيب ملكوته



(1) بحار الأنوار 4: 172 ح 1.
(2) سورة الرحمن: 22.
136
أن يعلموا من أمره إلا ما أعلمهم، وهم من ملكوت القدس بحيث هم 1) من
معرفته على ما فطرهم عليه أن قالوا: سبحانك 2) لا علم لنا إلا ما علمتنا
إنك أنت العليم الحكيم.
فما ظنك أيها السائل بمن هو هكذا، سبحانه وبحمده، لم يحدث فيمكن
فيه التغير والانتقال، ولم يتصرف في ذاته بكرور الأحوال ولم يختلف



(1) سورة ص: 4.
(2) سورة البقرة: 30 - 32.
137
عليه حقب الليالي والأيام 1) الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ولا
مقدار احتذى عليه من معبود كان قبله تحط به الصفات 2) فيكون



(1) في المجمع: يسمى بأنه حكيم.
(2) مجمع البيان 1: 78.
138
بإدراكها إياه بالحدود متناهيا، وما زال - ليس كمثله شئ 1) - عن صفة
المخلوقين متعاليا وانحسرت الابصار عن أن تناله فيكون بالعيان
موصوفا بالذات التي لا يعلمها إلا هو عند خلقه معروفا، وفات لعلوه
على أعلى الأشياء مواقع رجم المتوهمين 2) وارتفع عن أن تحوي كنه
عظمته فهاهة 3) رويات المتفكرين، فليس له مثل فيكون ما يخلق مشبها
به، وما زال عند أهل المعرفة به عن الأشباه والأضداد منزها، كذب
العادلون بالله 4) إذ شبهوه بمثل أصنافهم وحلوه حلية المخلوقين بأوهامهم،
وجزوه بتقدير منتج من خواطر هممهم 5) وقدروه على الخلق المختلفة
القوى بقرائح عقولهم 6) وكيف يكون من لا يقدر قدره 7) مقدرا في رويات
الأوهام، وقد ضلت في إدراك كنهه هواجس الأحلام 8) لأنه أجل من



(1) نهاية ابن الأثير 3: 191.
(2) سورة الحج: 74.
139
أن يحده ألباب البشر بالتفكير، أو يحيط به الملائكة على قربهم من
ملكوت عزته بتقدير، تعالى عن أن يكون له كفو فيشبه به لأنه اللطيف الذي
إذا أرادت الأوهام أن تقع عليه في عميقات غيوب ملكه 1)، وحاولت الفكر
المبرأة من خطر الوسواس 2) إدراك علم ذاته وتولهت القلوب إليه لتحوي
منه مكيفا في صفاته وغمضت مداخل العقول 3) من حيث لا تبلغه الصفات
لتنال علم إلهيته ردت خاسئة 4) وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب 5)

140
متخلصة إليه سبحانه، رجعت إذ جبهت 1) معترفة بأنه لا ينال
بجور الاعتساف 2) كنه معرفته ولا يخطر ببال 3) اولي الرويات خاطرة 4)
من تقدير جلال عزته لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لأنه
خلاف خلقه، فلا شبه له من المخلوقين وإنما يشبه الشئ بعديله، فأما
مالا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله، وهو البدء الذي لم يكن شئ
قبله، والآخر الذي ليس شئ بعده، لا تناله الابصار في مجد جبروته 5) إذ
حجبها بحجب لا تنفذ في ثخن كثافته 6) ولا تخرق إلى ذي العرش



(1) في " ن ": مطابقة.
141
متانة خصائص ستراته 1) الذي صدرت الأمور عن مشيته، وتصاغرت
عزة المتجبرين دون جلال عظمته، وخضعت له الرقاب، وعنت الوجوه
من مخافته وظهرت في بدائع الذي أحدثها آثار حكمته وصار كل
شئ خلق حجة له ومنتسبا إليه فإن كان خلقا صامتا فحجته
بالتدبير ناطقة فيه، فقدر ما خلق، فأحكم تقديره، ووضع كل شئ
بلطف تدبير موضعه، ووجهه بجهة 2) فلم يبلغ منه شئ حدود

142
منزلته 1) ولم يقصر دون الانتهاء إلى مشيته، ولم يستصعب 2) إذ أمره



(1) سورة البقرة: 148.
(2) كنز العمال 1: 110 برقم: 516.
(3) في " س ": زعمته.
(4) نهج البلاغة ص 127، رقم الخطبة: 91.
143
بالمضي إلى إرادته، بلا معاناة للغوب مسه 1) ولا مكائدة 2) لمخالف
له على أمره فتم خلقه، وأذعن لطاعته، ووافى الوقت الذي أخرجه
إليه إجابة 3) لم يعترض دونها ريث المبطئ 4) ولا أناة المتلكئ 5) فأقام
من الأشياء أودها 6) ونهى معالم حدودها 7)، ولام بقدرته بين
متضاداتها ووصل أسباب قرائنها 8) وخالف بين ألوانها، وفرقها

144
أجناسا 1) مختلفات في الاقدار والغرائز والهيئات، بدايا 2) خلائق أحكم
صنعها، وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها، انتظم علمه صنوف ذرئها 3)،
وأدرك تدبيره حسن تقديرها.

145
أيها السائل إعلم أن من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه وبتلاحم
أحقاق مفاصلهم 1) المحتجبة بتدبير حكمته أنه لم يعقد غيب ضميره على
معرفته ولم يشاهد قلبه اليقين بأنه لا ند له، وكأنه لم يسمع بتبري التابعين
من المتبوعين وهم يقولون: (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم
برب العالمين) فمن ساوى ربنا بشئ فقد عدل به، والعادل به كافر بما
نزلت به محكمات آياته، ونطقت به شواهد حجج بيناته، لأنه الله الذي لم
يتناه في العقول 2) فيكون في مهب فكرها مكيفا، وفي حواصل رويات

146
همم النفوس محدودا مصرفا 1) المنشئ أصناف الأشياء بلا روية احتاج
إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من مر حوادث
الدهور ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور، الذي لما شبهه
العادلون بالخلق المبعض المحدود في صفاته، ذي الأقطار والنواحي
المختلفة في طبقاته، وكان عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته، انتفى أن
يكون قدروه حق قدره فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعا
عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد: (وما قدروا الله حق
قدره) 2) والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه



(1) في المجمع: مصونات.
(2) مجمع البيان 4: 508.
147
سبحانه وتعالى عما يشركون (1) فما دلك القرآن عليه من صفته 1) فاتبعه
ليوصل بينك وبين معرفته وأتم به واستضئ بنور هدايته، فإنها نعمة
وحكمة أوتيتهما فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين، وما دلك الشيطان
عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى
أثره فكل علمه إلى الله عز وجل، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.



(1) الزمر: 67.
(2) في " س ": يقصد.
148




(1) التوحيد للشيخ الصدوق ص 106 ح 6.
149
واعلم أن الراسخين في العلم 1) هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في
السدد 2) المضروبة دون الغيوب فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من
الغيب المحجوب فقالوا: (آمنا به كل من عند ربنا) فمدح الله عز وجل
اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق في
ما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا، فاقتصر على ذلك، ولا تقدر عظمة
الله [سبحانه] على قدر عقلك فتكون من الهالكين.
14 - حدثنا علي بن أحمد 3) بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل



(1) بحار الأنوار 3: 267.
(2) أصول الكافي 1: 139 - 140 ح 5.
150
البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني جعفر بن محمد
الأشعري، عن فتح بن يزيد الجرجاني، قال: كتبت إلى أبي الحسن
الرضا عليه السلام أسأله عن شئ من التوحيد فكتب إلي بخطه - قال جعفر:
وإن فتحا أخرج إلي الكتاب فقرأته بخط أبي الحسن عليه السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملهم عباده الحمد، وفاطرهم على
معرفة ربوبيته، الدال على وجوده بخلقه، وبحدوث خلقه على أزله،
وبأشباههم على أن لا شبه له، المستشهد آياته على قدرته، الممتنع من
الصفات ذاته ومن الابصار رؤيته، ومن الأوهام الإحاطة به، لا أمد
لكونه 1)، ولا غاية لبقائه، لا يشمله المشاعر ولا يحجبه الحجاب،
فالحجاب بينه وبين خلقه، لامتناعه مما يمكن في ذواتهم 2) ولا مكان

151




(1) في الشرح: أشد.
(2) سورة الجاثية: 23.
152
ذواتهم مما يمتنع منه ذاته، ولافتراق الصانع والمصنوع والرب والمربوب،
والحاد والمحدود، أحد لا بتأويل عدد 1)، الخالق لا بمعنى حركة السميع



(1) شرح نهج البلاغة 2: 331 - 334 لابن ميثم البحراني.
153
لا بأداة، البصير لا بتفريق آلة 1)، الشاهد لا بمماسة 2)، البائن لا ببراح
مسافة 3) الباطن لا باجتنان 4)، الظاهر لا بمحاذ، الذي قد حسرت دون
كنهه نواقد الابصار وقمع وجوده جوائل الأوهام 5).
أول الديانة معرفته 6)، وكمال المعرفة



(1) نهج البلاغة ص 212، رقم الخطبة: 152.
154
توحيده 1)، وكمال التوحيد نفي الصفات عنه 2)، لشهادة كل صفة أنها
غير الموصوف، وشهادة الموصوف أنه غير الصفة، وشهادتهما جميعا
على أنفسهما بالبينة الممتنع منها الأزل 3) فمن وصف الله فقد حده ومن
حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله 4)، ومن قال: كيف



(1) أصول الكافي 1: 140 ح 6.
155
فقد استوصفه 1)، ومن قال: على م فقد حمله، ومن قال: أين فقد أخلى
منه 2)، ومن قال: إلى م فقد وقته، عالم إذ لا معلوم 3)، وخالق إذ لا
مخلوق، ورب إذ لا مربوب، وإله إذ لا مألوه وكذلك يوصف ربنا، وهو
فوق ما يصفه الواصفون.
15 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي، قال: حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن محبوب،
عن حماد بن عمرو النصيبي، قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن
التوحيد، فقال: واحد، صمد، أزلي، صمدي لا ظل له يمسكه، وهو
يمسك الأشياء بأظلتها 4) عارف بالمجهول، معروف عند كل جاهل،

156




(1) الفتوحات المكية 1: 127 - 130.
(2) في " ن ": متعلقة.
158




(1) بحار الأنوار 57: 354.
(2) راجع فروع الكافي 3: 244 - 245.
(3) راجع الأحاديث الواردة في ذلك إلى تفسير البرهان 2: 46 - 51.
159
فرداني 1) لا خلقه فيه ولا هو في خلقه 2)، غير محسوس ولا مجسوس



(1) سورة الفرقان: 45.
160




(1) سورة المائدة: 73.
(2) سورة المائدة 17.
161




(1) الملل والنحل للشهرستاني 1: 188 - 189.
(2) هو السيد محمد بن فلاح بن هبة الله الموسوي المشعشعي، هو أول سلاطين المشعشعية
في خوزستان، استولى عليه سنة (828)، وله مقالات وحكايات كثيرة ذكرها أرباب
التراجم، وتوفي في شعبان سنة (866) راجع أعيان الشيعة 10: 38.
(3) سورة عبس: 17.
(4) تفسير البرهان 4: 428.
(5) إحقاق الحق 7: 285.
162




(1) رسالة الزوراء للمحقق الدواني ص 82 ط أصفهان.
163
ولا تدركه الأبصار، علا فقرب، ودنا فبعد، وعصى فغفر، وأطيع فشكر، لا
تحويه أرضه، ولا تقله سماواته، وإنه حامل الأشياء بقدرته، ديمومي، أزلي،
لا ينسى، ولا يلهو ولا يغلط، ولا يلعب، ولا لإرادته فصل 1) وفصله جزاء،
وأمره واقع، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يكن له كفوا أحد.



(1) نهج البلاغة ص 511، رقم الحديث: 250.
164
16 - وبهذا الاسناد، عن علي بن العباس، قال: حدثنا يزيد بن عبد الله
عن الحسين بن سعيد الخزار، عن رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الله
غاية من غياه، والمغيا غير الغاية 1)، توحد بالربوبية، ووصف نفسه بغير
محدودية، فالذاكر الله غير الله، والله غير أسمائه وكل شئ وقع عليه



(1) سورة أحج: 17.
165
اسم شئ سواه فهو مخلوق ألا ترى إلى قوله: (العزة لله 1)، العظمة لله)،
وقال: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) 2) (1) وقال: (قل ادعوا الله أو



(1) الأعراف: 180.
166
ادعوا الرحمن 1) أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) (1) فالأسماء مضافة
إليه، وهو التوحيد الخالص.
17 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي أبو الحسين، قال: حدثني موسى بن
عمران، عن الحسين بن يزيد، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن عبد الله
ابن جرير العبدي، عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كان يقول: الحمد لله الذي



(1) الاسراء: 110.
(2) مجمع البيان 2: 502 - 503.
167
لا يحس، ولا يجس 1)، ولا يمس لا يدرك بالحواس الخمس، ولا يقع
عليه الوهم، ولا تصفه الألسن، فكل شئ حسته الحواس أو جسته
الجواس أو لمسته الأيدي فهو مخلوق، والله هو العلي حيث ما يبتغى
يوجد، والحمد لله الذي كان قبل أن يكون كان 2) لا يوجد لوصفه كان 3)
بل كان أولا كائنا لم يكونه مكون، جل ثناؤه، بل كون الأشياء قبل
كونها 4) فكانت كما كونها، علم ما كان وما هو كائن، كان إذ لم يكن شئ
ولم ينطق فيه ناطق فكان إذ لا كان.
18 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن بردة، قال: حدثني العباس
ابن عمرو الفقيمي، عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد العلوي، عن الفتح بن



(1) مجمع البيان 3: 446.
(2) نهاية ابن الأثير 1: 272.
168
يزيد الجرجاني، قال: لقيته عليه السلام على الطريق 1) عند منصرفي من مكة إلى
خراسان وهو سائر إلى العراق فسمعته يقول: من اتقى الله يتقى، ومن
أطاع الله يطاع.
فتلطفت في الوصول إليه فوصلت فسلمت فرد علي السلام ثم قال:
يا فتح من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق
فقمن 2) أن يسلط عليه سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما
وصف به نفسه، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن
تناله، والخطرات أن تحده، والابصار عن الإحاطة به؟ جل عما وصفه
الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه، وقرب في نأيه 3)،
فهو في بعده قريب، وفي قربه بعيد، كيف الكيف 4) فلا يقال له: كيف وأين
الأين فلا يقال له: أين، إذ هو مبدع الكيفوفية والأينونية يا فتح كل جسم
مغذي بغذاء إلا الخالق الرزاق، فإنه جسم الأجسام، وهو ليس بجسم
ولا صورة، لم يتجزأ، ولم يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، مبرأ من ذات



(1) أصول الكافي 1: 137 - 138 ح 3.
169
ما ركب في ذات من جسمه وهو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد
الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، منشئ الأشياء
ومجسم الأجسام، ومصور الصور، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف
الخالق من المخلوق 1)، ولا الرازق من المرزوق، ولا المنشئ من المنشأ
لكنه المنشئ، فرق بين من جسمه وصوره 2) وشيئه وبينه إذ كان لا يشبهه
شئ.
قلت: فالله واحد والانسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية؟ فقال:
أحلت ثبتك الله إنما التشبيه في المعاني فأما في الأسماء فهي واحدة وهي
دلالة على المسمى وذلك أن الانسان وإن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة
واحدة وليس باثنين، والانسان نفسه ليس بواحد، لان أعضاءه مختلفة،
وألوانه مختلفة غير واحدة، وهو أجزاء مجزأة ليس سواء دمه غير لحمه،
ولحمه غير دمه، وعصبه غير عروقه، وشعره غير بشره. وسواده غير
بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق، فالانسان واحد في الاسم، لا واحد في
المعنى والله جل جلاله واحد لا واحد غيره، ولا اختلاف فيه، ولا تفاوت،
ولا زيادة، ولا نقصان، فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف فمن
أجزاء مختلفة وجواهر شتى غير أنه بالاجتماع شئ واحد.

170
قلت: فقولك: اللطيف فسره لي، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره
للفصل، غير أني أحب أن تشرح لي، فقال: يا فتح إنما قلت: اللطيف للخلق
اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف
وغير اللطيف، وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس 1)
والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد
يستبان لصغره الذكر من الأنثى، والمولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك
في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه بما في
لجج البحار وما في لحاء الأشجار 2) والمفاوز والقفار وإفهام بعضها عن بعض
منطقها وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها حمرة
مع صفرة وبياض مع حمرة علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، وأن كل صانع
شئ فمن شئ صنع والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ.
قلت: جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق؟ قال: إن الله تبارك
وتعالى يقول: (تبارك الله أحسن الخالقين) 3) (1) فقد أخبر أن في عباده



(1) المؤمنون: 14.
171
خالقين منهم عيسى بن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ
فيه فصار طائرا بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار، قلت:
إن عيسى خلق من الطين طيرا دليلا على نبوته، والسامري خلق عجلا
جسدا لنقض نبوة موسى عليه السلام، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك؟ إن هذا لهو
العجب، فقال: ويحك يا فتح إن لله إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم
ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن
أن يأكلا 1) من الشجرة وهو شاء ذلك، ولو لم يشأ لم يأكلا ولو أكلا لغلبت



(1) مجمع البيان 4: 101.
172
مشيتهما مشية الله وأمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام، وشاء أن لا
يذبحه، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشية الله عز وجل.
قلت: فرجت عني فرج الله عنك، غير أنك قلت: السميع البصير،
سميع بالاذن وبصير بالعين؟ فقال: إنه يسمع بما يبصر، ويرى بما يسمع،
بصير لا بعين مثل عين المخلوقين، وسميع لا بمثل سمع السامعين، لكن
لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في
الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار قلنا: بصير، لا بمثل عين المخلوقين،
ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات ولم يشغله سمع عن سمع قلنا: سميع،
لا مثل سمع السامعين.



(1) هو الأمير رفيع الدين محمد بن حيدر الحسني الطباطبائي النائني، شيخ العلامة
المجلسي والمحدث الحرملي، وتلميذ الشيخ البهائي والمولى عبد الله التستري، توفي
عن خمس وثمانين سنة في سنة (1080) وله قدس سره حواشي على كتاب أصول الكافي، وينقل
المؤلف عنه في مطاوي كتابه هذا، والكتاب مخطوط لم يطبع بعد.
173
قلت: جعلت فداك قد بقيت مسألة، قال: هات لله أبوك 1). قلت: يعلم
القديم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟ قال: ويحك إن
مسائلك لصعبة، أما سمعت الله يقول: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) 2) (1)



(1) الأنبياء.
(2) نهاية ابن الأثير 1: 19.
174




(1) سورة النحل: 17.
175
وقوله: (ولعلا بعضهم على بعض) 1) (1) وقال يحكي قول أهل النار:
(أخرجنا 2) نعمل صالحا 3) غير الذي كنا نعمل) (2) وقال: (ولو ردوا لعادوا
لما نهوا عنه) (3) فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون



(1) المؤمنون: 91.
(2) فاطر: 37.
(3) الانعام: 28.
(4) مجمع البيان 4: 116.
176
فقمت لاقبل يده ورجله، فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه، وخرجت
وبي من السرور والفرح ما أعجز عن وصفه لما تبينت من الخير والحظ.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته
عن أن يأكلا من الشجرة، وقد علم أنهما يأكلان منها، لكنه عز وجل شاء
أن لا يحول بينهما وبين الاكل منها بالجبر والقدرة كما منعهما من الاكل
منها بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيته فيهما، ولو شاء عز وجل منعهما من
الاكل بالجبر ثم أكلا منها لكانت مشيتهما قد غلبت مشيته كما قال
العالم عليه السلام، تعالى الله عن العجز علوا كبيرا.
19 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثني محمد بن جعفر
البغدادي، عن سهل بن زياد، عن أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام، أنه
قال: (إلهي تاهت أوهام المتوهمين وقصر طرف الطارفين، وتلاشت
أوصاف الواصفين، واضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنك،
أو الوقوع بالبلوغ إلى علوك فأنت في المكان الذي لا يتناهى ولم تقع
عليك عيون بإشارة ولا عبارة هيهات ثم هيهات، يا أولي، يا وحداني،
يا فرداني شمخت في العلو بعز الكبر، وارتفعت من وراء كل عورة
ونهاية 1) بجبروت الفخر).

177
20 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثني محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي،
عن الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبو سمينة، عن إسماعيل بن أبان،
عن زيد بن جبير، عن جابر الجعفي، قال: جاء رجل من علماء أهل
الشام إلى أبي جعفر عليه السلام، فقال: جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحدا
يفسرها لي، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس، فقال كل صنف غير ما
قال الآخر، فقال أبو جعفر عليه السلام: وما ذلك؟ فقال: أسألك، ما أول ما خلق
الله عز وجل من خلقه؟ فإن بعض من سألته قال: القدرة، وقال بعضهم:
العلم، وقال بعضهم: الروح، فقال أبو جعفر عليه السلام: ما قالوا شيئا، أخبرك
أن الله علا ذكره كان ولا شئ غيره، وكان عزيزا ولا عز لأنه كان قبل
عزه 1) وذلك قوله: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) (1) وكان خالقا
ولا مخلوق فأول شئ خلقه من خلقه الشئ الذي جميع الأشياء منه،
وهو الماء 2) فقال السائل: فالشئ خلقه من شئ أو من لا شئ؟



(1) الصافات: 180.
(2) أصول الكافي 1: 21 ح 14.
178




(1) بحار الأنوار 57: 366 ح 1 عن تفسير القمي.
(2) بحار الأنوار 57: 170 ح 117.
(3) بحار الأنوار 57: 309.
(4) بحار الأنوار 57: 309.
(5) سورة هود: 7.
(6) تفسير علي بن إبراهيم القمي 1: 322.
(7) في " س ": انه.
(8) الزيادة من " س ".
179
فقال: خلق الشئ لا من شئ 1) كان قبله، ولو خلق الشئ من شئ إذا
لم يكن له انقطاع أبدا، ولم يزل الله إذا ومعه شئ ولكن كان الله ولا شئ
معه، فخلق الشئ الذي جميع الأشياء منه، وهو الماء.
21 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن إبراهيم بن
عبد الحميد، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في سجوده: (يامن علا



(1) بحار الأنوار 57: 366 ح 3.
180
فلا شئ فوقه، يامن دنا فلا شئ دونه، اغفر لي ولأصحابي).
22 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد،
عن سهل بن زياد، عن أحمد بن بشر، عن محمد بن جمهور العمي، عن
محمد بن الفضيل بن يسار، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: قال في الربوبية العظمى والإلهية الكبرى: لا يكون الشئ لا من
شئ إلا الله، ولا ينقل الشئ من جوهريته إلى جوهر آخر إلا الله، ولا
ينقل الشئ من الوجود إلى العدم إلا الله.
23 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا أبي، عن الريان بن الصلت، عن علي بن
موسى الرضا عليهما السلام، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه
كلامي 1)، وما عرفني من شبهني بخلقي، وما على ديني من استعمل

181




(1) سورة الزخرف: 3.
(2) سورة الشعراء: 195.
(3) سورة إبراهيم: 4.
(4) سورة النحل: 89.
(5) سورة الأنعام: 38.
(6) سورة النساء: 83.
182




(1) سورة محمد: 24.
(2) استدل به من مذهب إلى أن خبر الواحد لا يخصص الكتاب. وأجاب عنه الآخرون بأن
المراد من هذا الحديث هو أنه إذا ورد إليكم خبر معارض بمثله، أو في الخاطر منه خدشة
من الجهات المضعفة للاخبار، فاعرضوه على الكتاب، ان وجد له ماخذ فيه، ويجوز أن
يراد بالحديث الذي يعرض على الكتاب، فيرد من جهة المعارضة ما كان مضادا ومناقضا
للقرآن، كالخبر الورد في غسل الرجلين، فان الكتاب صريح بمسحهما إما العام أو
الخاص، فلا تناقض بينهما كما بين في محله " منه " عن هامش " س " و " ن ".
(3) سورة الأعراف: 187.
(4) سورة لقمان: 34.
(5) في التبيان. ما أختص الله تعالى.
(6) سورة الأنعام: 151.
183
.......



(1) سورة البقرة: 43 و 83 و 110 وغيرها.
(2) سورة آل عمران: 97.
(3) سورة الأنعام: 141.
(4) سورة المعارج: 24.
(5) في التبيان: عنهما.
184




(1) في التبيان: من الروايات الشاردة والألفاظ النادرة.
(2) التبيان في تفسير القرآن 1: 4 - 7.
185




(1) في الذريعة: وجرت التأويلات.
(2) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 640 - 641.
(3) في الشرح: والشدق.
186




(1) في الشرح: أشارت الصوفية.
187




(1) شرح نهج البلاغة 1: 212 - 214.
(2) عوالي اللآلي 4: 104 برقم: 153.
188
القياس في ديني 1).
24 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ،



(1) مجمع البيان 1: 1.
189




(1) بحار الأنوار 2: 288 ح 5 (2) سورة الأعراف: 12 وغيرها.
(3) بحار الأنوار 2: 287.
(4) فروع الكافي 7: 300 ح 6.
(5) سورة الإسراء: 23.
190
قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء، عن
علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: التوحيد نصف الدين 1)، واستنزلوا الرزق بالصدقة.
25 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن داود
ابن القاسم، قال: سمعت علي بن موسى الرضا عليهما السلام يقول: من شبه الله
بخلقه فهو مشرك، ومن وصفه بالمكان فهو كافر، ومن نسب إليه ما نهى
عنه فهو كاذب 2)، ثم تلا هذه الآية: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون
بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) (1).
26 - حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه،
قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي، قال: حدثنا الهيثم بن
عبد الله الرماني، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن



(1) النحل: 105.
191
جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن
الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام
الناس في مسجد الكوفة، فقال:
الحمد لله الذي لا من شئ كان، ولا من شئ كون ما قد كان 1)،
مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته 2) وبما وسمها به من العجز 3) على
قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه 4)، لم يخل منه مكان
فيدرك بأينية 5)، ولا له شبح مثال فيوصف بكيفية 6) ولم يغب عن علمه

192
شئ فيعلم بحيثية 1) مبائن لجميع ما أحدث في الصفات، وممتنع عن
الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات 2) وخارج بالكبرياء والعظمة من
جميع تصرف الحالات، محرم على بوارع ثاقبات الفطن تحديده 3) وعلى
عوامق ناقبات الفكر تكييفه، وعلى غوائص سابحات الفطر تصويره لا
تحويه الأماكن لعظمته 4)، ولا تذرعه المقادير لجلاله، ولا تقطعه المقائيس
لكبريائه 5)، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه 6)، وعن الافهام أن تستعرفه 7)،



(1) القاموس المحيط 4: 292.
193
وعن الأذهان أن تمثله، قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح
العقول 1)، ونضبت 2) عن الإشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم، ورجعت
بالصغر 3) عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم 4) واحد من غير
عدد 5)، ودائم لا من أمد 6)، وقائم لا بعمد 7)، ليس بجنس فتعادله
الأجناس، ولا بشبح فتضارعه 8) الأشباح، ولا كالأشياء فتقع عليه الصفات،
قد ضلت عليه العقول في أمواج تيار إدراكه 9)، وتحيرت الأوهام عن
إحاطة ذكر أزليته وحصرت الافهام عن استشعار وصف قدرته، وغرقت
الأذهان في لجج أفلاك ملكوته 10) مقتدر بالآلاء 11) وممتنع بالكبرياء،

194
ومتملك على الأشياء 1) فلا دهر يخلقه ولا وصف يحيط به، قد خضعت له
ثوابت الصعاب 2) في محل تخوم قرارها 3)، وأذعنت له رواضن
الأسباب 4) في منتهى شواهق أقطارها مستشهد بكلية الأجناس 5) على
ربوبيته وبعجزها على قدرته، وبفطورها على قدمته، وبزوالها على بقائه،
فلا لها محيص عن إدراكه إياها، ولا خروج من إحاطته بها، ولا احتجاب
عن إحصائه لها ولا امتناع من قدرته عليها، كفى بإتقان الصنع لها آية،
وبمركب الطبع عليها دلالة 6) وبحدوث الفطر 7) عليها قدمة وبإحكام
الصنعة لها عبرة، فلا إليه حد منسوب 8)، ولا له مثل مضروب، ولا شئ



(1) في " س ": من حيث.
195
عنه محجوب. تعالى عن ضرب الأمثال والصفات المخلوقة علوا كبيرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله إيمانا بربوبيته، وخلافا على من أنكره، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله المقر في خير مستقر 1)، المتناسخ 2) من أكارم
الأصلاب ومطهرات الأرحام المخرج من أكرم المعادن محتدا 3)، وأفضل
المنابت منبتا 4)، من أمنع ذروة 5)، وأعز أرومة 6)، من الشجرة التي صاغ
الله منها أنبياءه وانتجب منها امناءه الطيبة العود، المعتدلة العمود، الباسقة 7)
الفروع، الناضرة الغصون، اليانعة 8) الثمار الكريمة الحشا، في كرم غرست،



(1) سورة ق: 10.
196
وفي حرم أنبتت، وفيه تشعبت، وأثمرت، وعزت، وامتنعت، فسمت به
وشمخت حتى أكرمه الله عز وجل بالروح الأمين والنور المبين والكتاب
المستبين، وسخر له البراق، وصافحته الملائكة، وأرعب به الأباليس 1)،
وهدم به الأصنام والآلهة المعبودة دونه، سنته الرشد، وسيرته العدل
وحكمه الحق، صدع 2) بما أمره ربه، وبلغ ما حمله، حتى أفصح بالتوحيد
دعوته 3) وأظهر في الخلق أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حتى
خلصت له الوحدانية وصفت له الربوبية، وأظهر الله بالتوحيد حجته، وأعلى
بالاسلام درجته، واختار الله عز وجل لنبيه ما عنده من الروح والدرجة
والوسيلة، صلى الله عليه عدد ما صلى على أنبيائه المرسلين، وآله الطاهرين.
27 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله قال: حدثنا



(1) كنز العمال 11: 441 برقم: 32072.
197
محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا محمد بن علي بن معن، قال:
حدثنا محمد بن علي بن عاتكة، عن الحسين بن النضر الفهري، عن عمرو
الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر
محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام
في خطبة خطبها بعد موت النبي صلى الله عليه وآله بسبعة أيام، وذلك حين فرغ من
جمع القرآن فقال:
الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده 1)، وحجب العقول
عن أن تتخيل ذاته في امتناعها 2) من الشبه والشكل، بل هو الذي لم
يتفاوت في ذاته، ولم يتبعض بتجزئة العدد في كماله 3) فارق الأشياء على

198
اختلاف الأماكن 1)، وتمكن منها لا على الممازجة، وعلمها لا بأداة - لا
يكون العلم إلا بها - وليس بينه وبين معلومه علم غيره 2)، إن قيل كان
فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل: لم يزل فعلى تأويل نفي العدم
فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا.
نحمده بالحمد الذي ارتضاه لخلقه، وأوجب قبوله على نفسه، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
شهادتان ترفعان القول، وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه، وثقل
ميزان توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار، والجواز على
الصراط، وبالشهادتين يدخلون الجنة، وبالصلاة ينالون الرحمة، فأكثروا
من الصلاة على نبيكم وآله، إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها
الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما 3).

199




(1) مجمع البيان 4: 479، ذيل الآية الشريفة.
(2) أصول الكافي 1: 451 ح 38.
(3) عوالي اللآلي 2: 38 برقم: 96.
200




(1) بحار الأنوار 94: 48 ح 4. وص 56 ح 29.
(2) بحار الأنوار 94: 56 ح 30.
(3) أصول الكافي 2: 495 ح 21.
201




(1) الوفا بأحوال المصطفى: ص 822 - 823.
202
أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الاسلام، ولا كرم أعز من التقوى 1)،



(1) في " ن ": جهة.
(2) سورة النجم: 39.
203
ولا معقل أحرز من الورع 1)، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا كنز أنفع من
العلم، ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الأدب، ولا نصب أوضع



(1) سورة الحجرات: 13.
(2) سورة الفتح: 26.
(3) سورة الحجرات: 3.
(4) سورة الأعراف: 96.
(5) سورة آل عمران: 102.
(6) بحار الأنوار: 70: 285.
204
من الغضب 1)، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوء أسوء من الكذب 2)،
ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا لباس أجمل من العافية، ولا غائب
أقرب من الموت.
أيها الناس إنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها،
والليل والنهار مسرعان في هدم الاعمار، ولكل ذي رمق قوت 3)، ولكل
حبة آكل، وأنتم قوت الموت، وإن من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد،



(1) عوالي اللآلي 1: 394 ح 40 و 3: 330 ح 214.
(2) بحار الأنوار 72: 263 نحو هذا الحديث.
205
لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لاقلاله.
أيها الناس من خاف ربه كف ظلمه، ومن لم يرع في كلامه أظهر
هجره 1) ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهم، ما أصغر المصيبة
مع عظم الفاقة غدا، هيهات هيهات 2)، وما تناكرتم إلا لما فيكم من
المعاصي والذنوب، فما أقرب الراحة من التعب 3)، والبؤس من النعيم، وما
شر بشر بعده الجنة، وما خير بخير بعده النار، وكل نعيم دون الجنة محقور،
وكل بلاء دون النار عافية.
28 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه، قال: حدثني
أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم،
قال: حضرت مجلس المأمون وعنده علي بن موسى الرضا عليهما السلام، فقال
له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك ان الأنبياء معصومون، قال:
بلى، قال: فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له:



(1) بحار الأنوار: 8: 346 ح 4.
206
فأخبرني عن قول الله عز وجل في إبراهيم (فلما جن عليه الليل رأى
كوكبا قال هذا ربي) 1) فقال الرضا عليه السلام: إن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة
أصناف: صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس،

207
وذلك حين خرج من السرب 1) الذي أخفي فيه، فلما جن عليه الليل
ورأي الزهرة قال: هذا ربي على الانكار والاستخبار، فلما أفل الكوكب



(1) مجمع البيان 2: 323 - 325.
(2) تفسير القمي 1: 207 - 208.
208
قال: (لا أحب الآفلين) لان الأفول من صفات المحدث 1) لا من صفات



(1) في " ن " و " س ": الحق.
209




(1) في التفسير: خطرة.
210
القديم، فلما رأى القمر بازغا قال: هذا ربي على الانكار والاستخبار،
فلما أفل قال: (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) فلما
أصبح ورأي الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر من الزهرة والقمر
على الانكار والاستخبار لا على الاخبار والاقرار، فلما أفلت قال
للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس: (يا قوم إني برئ
مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا 1)
وما أنا من المشركين) وإنما أراد إبراهيم بما قال أن يبين لهم بطلان
دينهم، ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر
والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما
احتج به على قومه مما ألهمه الله عز وجل وآتاه كما قال الله عز وجل: (
وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه 2)) (1) فقال المأمون: لله درك



(1) الانعام: 83. والآيات قبل هذه الآية.
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي 13: 52 - 53.
211
يا بن رسول الله. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته
بتمامه في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.
29 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن
أرومة، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير العبدي، عن
أبي عبد الله عليه السلام، أنه كان يقول: الحمد لله الذي لا يحس، ولا يجس، ولا
يمس، ولا يدرك بالحواس الخمس، ولا يقع عليه الوهم، ولا تصفه
الألسن، وكل شئ حسته الحواس أو لمسته الأيدي فهو مخلوق، الحمد
لله الذي كان إذ لم يكن شئ غيره، وكون الأشياء فكانت كما
كونها 1)، وعلم ما كان وما هو كائن.
30 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن
بن راشد، عن يعقوب بن جعفر، قال: سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفر
عليهما السلام وهو يكلم راهبا من النصارى، فقال له في بعض ما ناظره: إن الله
تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون،
أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول أنزل
مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له
كن فكان خبرا كما أراد في اللوح.
31 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
عبد الله بن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن

212
عيسى، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن أنكر قدرته فهو كافر.
32 - حدثنا أبي، وعبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار،
قالا: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن
أبي عمير، قال: دخلت على سيدي موسى بن جعفر عليهما السلام، فقلت له: يا بن
رسول الله علمني التوحيد، فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره
الله تعالى 1) ذكره في كتابه فتهلك، واعلم أن الله تعالى واحد، أحد،
صمد، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا
شريكا، وإنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا
يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى،
والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل، والعالم
الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل، وإنه لا
تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه
مكان، ولا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير، وليس
كمثله شئ وهو السميع البصير ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو
رابعهم 2) ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو
معهم أينما كانوا وهو الأول الذي لا شئ قبله، والآخر الذي لا شئ
بعده، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث، تعالى عن صفات المخلوقين

213
علوا كبيرا.
33 - حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر
المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن
سفيان، قال: حدثنا علي بن سلمة الليفي، قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى
ابن عبد الله، عن عبد الله بن طلحة بن هجيم، قال: حدثنا أبو سنان
الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة، قال: جاء
يهودي إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين متى كان
ربنا؟ قال: فقال له علي عليه السلام: إنما يقال: متى كان لشئ لم يكن فكان
وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة 1) كائن، كان بلا كيف يكون 2)،
كان لم يزل بلا لم يزل 3)، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو

214
قبل القبل 1) بلا قبل وبلا غاية 2) ولا منتهى، غاية 3) ولا غاية إليها، غاية
انقطعت الغايات عنه، فهو غاية كل غاية.
34 - أخبرني أبو العباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما
أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا محمد بن
سهل يعني العطار البغدادي لفظا من كتابه سنة خمس وثلاثمائة، قال:
حدثنا عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني
عبد الله بن العلا قال: حدثني صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن
صعصعة بن صوحان قال: حدثني أبي عن أبي المعتمر مسلم بن أوس،
قال: حضرت مجلس علي عليه السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر
اللون - كأنه من متهودة اليمن - فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك
وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح علي عليه السلام ربه وعظمه عز وجل وقال:
الحمد لله الذي هو أول بلا بدئ مما 4) ولا باطن فيما، ولا يزال

215
مهما 1) ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما 2) ليس بشبح فيرى، ولا بجسم
فيتجزأ، ولا بذي غاية فيتناهى، ولا بمحدث فيبصر 3)، ولا بمستتر
فيكشف، ولا بذي حجب فيحوى 4) كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا
حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارت الأوهام أن تكيف
المكيف للأشياء ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الأزمان، ولا
ينقلب شأنا بعد شأن، البعيد من حدس القلوب المتعالي عن الأشياء
والضروب 5)، الوتر، علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم
عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس،
ولا تدركه الابصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه
الأوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف
بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح؟ من لم يحلل في الأشياء فيقال هو
فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم
يقرب منها بالالتزاق، ولم يبعد عنها بالافتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية،
وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبهة 6) من كل بعيد لم يخلق

216
الأشياء من أصول أزلية 1)، ولا من أوائل كانت قبله بدية 2) بل خلق
ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد
في علوه، فليس لشئ منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع،
إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة، كلم
موسى تكليما بلا جوارح وأدوات ولا شفة ولا لهوات سبحانه وتعالى عن
الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود -
والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة -.
35 - حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه،
قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري بالبصرة،
قال: أخبرنا محمد بن زكريا الجوهري الغلابي البصري، قال: حدثنا
العباس بن بكار الضبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة، قال: بينما
ابن عباس يحدث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق، فقال: يا بن عباس
تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده، فأطرق ابن عباس
إعظاما لله عز وجل، وكان الحسين بن علي عليهما السلام جالسا ناحية، فقال: إلي
يا بن الأزرق، فقال: لست إياك أسأل، فقال ابن العباس: يا بن الأزرق إنه
من أهل بيت النبوة، وهم ورثة العلم فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين،
فقال له الحسين: يا نافع إن من وضع دينه على القياس 3) لم

217
يزل الدهر في الارتماس، مائلا عن المنهاج، ظاعنا في الاعوجاج ضالا
عن السبيل، قائلا غير الجميل، يا بن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه
واعرفه بما عرف به نفسه، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو
قريب غير ملتصق، وبعيد غير متقص، يوحد، ولا يبعض، معروف
بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
36 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن أبي عمير، عن المفضل بن عمر، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، إن الله تبارك وتعالى
لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه.
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: الدليل على أن الله سبحانه لا يشبه شيئا
من خلقه من جهة من الجهات أنه لا جهة لشئ من أفعاله إلا محدثة، ولا
جهة محدثة إلا وهي تدل على حدوث من هي له، فلو كان الله جل ثناؤه
يشبه شيئا منها لدلت على حدوث من حيث دلت على حدوث من هي له
إذ المتماثلان في العقول يقتضيان حكما واحدا من حيث تماثلا منها وقد
قام الدليل على أن الله عز وجل قديم، ومحال أن يكون قديما من جهة
وحادثا من أخرى ومن الدليل على أن الله تبارك وتعالى قديم أنه لو كان
حادثا لوجب أن يكون له محدث، لان الفعل لا يكون إلا بفاعل، ولكان
القول في محدثه كالقول فيه، وفي هذا وجود حادث قبل حادث لا إلى
أول، وهذا محال، فصح أنه لابد من صانع قديم، وإذا كان ذلك كذلك
فالذي يوجب قدم ذلك الصانع ويدل عليه يوجب قدم صانعنا ويدل عليه.
37 - حدثنا علي بن أحمد بن عمران الدقاق رحمه الله وعلي بن عبد الله

218
الوراق، قالا: حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا أبو
تراب عبيد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني،
قال: دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فلما بصر بي قال
لي: مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا، قال: فقلت له: يا ابن رسول
الله إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيا أثبت عليه حتى ألقى
الله عز وجل: فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إني أقول: إن الله تبارك
وتعالى واحد، ليس كمثله شئ، خارج عن الحدين حد الابطال وحد
التشبيه 1)، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو
مجسم الأجسام، ومصور الصور، وخالق الاعراض والجواهر، ورب كل
شئ، ومالكه وجاعله ومحدثه، وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين
فلا نبي بعده إلى يوم القيامة وأقول: إن الامام والخليفة وولي الامر من
بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن
الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم
علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم أنت يا مولاي، فقال عليه السلام: ومن
بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده، قال: فقلت: وكيف
ذاك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره 2) باسمه
حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، قال:
فقلت: أقررت، وأقول إن وليهم ولي الله، وعدوهم عدو الله، وطاعتهم
طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وأقول: إن المعراج حق، والمسألة في
القبر حق، وإن الجنة حق، وإن النار حق، والصراط حق، والميزان حق،
وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث من في القبور، وأقول:

219
إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج،
والجهاد، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال علي بن محمد عليهما السلام:
يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبتك الله



(1) كمال الدين ص 483، والغيبة للشيخ الطوسي ص 262، وإعلام الورى ص 423.
(2) أصول الكافي 1: 333 ح 4.
(3) أصول الكافي 1: 332 - 333 ح 1، وكمال الدين ص 648.
(4) كشف الغمة 2: 519 - 520.
(5) وقد كتب العلماء رسائل حول حرمة التسمية، منهم المعلم الثالث الأمير السيد محمد - باقر الداماد المتوفي سنة (1041)، وقد طبع الرسالة باسم شرعية التسمية حول حرمة
تسمية صاحب الامر باسمه الأصلي.
220
بالقول الثابت 1) في الحياة الدنيا وفي الآخرة.



(1) سورة إبراهيم: 27.
(2) في " ن ": وقولهم.
(3) مجمع البيان 3: 314.
221
3 - باب معنى الواحد والتوحيد والموحد
1 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر
محمد بن علي الثاني عليهما السلام ما معنى الواحد؟ فقال: المجتمع عليه بجميع
الألسن 1) بالوحدانية.

224
2 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن
محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنهما، قالا: حدثنا محمد بن يعقوب
الكليني، عن علي بن محمد، ومحمد بن الحسن جميعا، عن سهل بن
زياد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام ما معنى
الواحد؟ قال: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد كما قال الله عز وجل:
(ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) (1).
3 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن سعيد بن يحيى البزوري، قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي،
قال: حدثنا أبي، عن المعافي بن عمران، عن إسرائيل، عن المقدام بن
شريح بن هانئ، عن أبيه، قال: إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير
المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين أتقول: إن الله واحد؟ قال: فحمل
الناس عليه، قالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم
القلب، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه، فإن الذي يريده الاعرابي هو الذي
نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة
أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل، ووجهان يثبتان فيه،
فأما اللذان لا يجوزان عليه، فقول القائل: واحد يقصد به باب الاعداد،
فهذا مالا يجوز، لان مالا ثاني له لا يدخل في باب الاعداد، أما ترى أنه
كفر من قال: ثالث ثلاثة. وقول القائل: هو واحد من الناس، يريد



(1) العنكبوت: 61، لقمان: 25، والزمر: 38، والزخرف: 9.
225
به النوع من الجنس 1)، فهذا مالا يجوز عليه لأنه تشبيه، وجل ربنا عن
ذلك وتعالى. وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه 2) فقول القائل: هو واحد ليس
له في الأشياء شبه، كذلك ربنا، وقول القائل: إنه عز وجل أحدي المعنى،
يعني به أنه لا ينقسم في وجود، ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا عز وجل.
قال مصنف هذا الكتاب: سمعت من أثق بدينه ومعرفته باللغة والكلام
يقول: إن قول القائل: واحدا واثنين وثلاثة إلى آخره إنما وضع في أصل
اللغة للإبانة عن كمية ما يقال عليه، لا لان مسمى يتسمى به بعينه، أو لان
له معنى سوى ما يتعلمه الانسان بمعرفة الحساب ويدور عليه عقد الأصابع
عند ضبط الآحاد والعشرات والمئات والألوف، وكذلك متى أراد مريد أن
يخبر غيره عن كمية شئ بعينه سماه باسمه الأخص ثم قرن لفظ الواحد
به وعلقه عليه يدل به على كميته لا على ما عدا ذلك من أوصافه، ومن
أجله يقول القائل، درهم واحد، وإنما يعني به أنه درهم فقط، وقد يكون
الدرهم درهما بالوزن، ودرهما بالضرب، فإذا أراد المخبر أن يخبر عن

226
وزنه قال: درهم واحد بالوزن، وإذا أراد أن يخبر عن عدده وضربه قال:
درهم واحد بالعدد ودرهم واحد بالضرب، وعلى هذا الأصل يقول القائل:
هو رجل واحد، وقد يكون الرجل واحدا بمعنى أنه إنسان وليس
بإنسانين، ورجل وليس برجلين، وشخص وليس بشخصين، ويكون
واحدا في الفضل واحدا في العلم واحدا في السخاء واحدا في الشجاعة،
فإذا أراد القائل أن يخبر عن كميته قال: هو رجل واحد، فدل ذلك من
قوله على أنه رجل وليس هو برجلين، وإذا أراد أن يخبر عن فضله قال:
هذا واحد عصره، فدل ذلك على أنه لا ثاني له في الفضل، وإذا أراد أن
يدل على علمه قال: إنه واحد في علمه، فلو دل قوله: واحد بمجرده على
الفضل والعلم كما دل بمجرده على الكمية لكان كل من أطلق عليه لفظ
واحد أراد فاضلا لا ثاني له في فضله وعالما لا ثاني له في علمه وجوادا
لا ثاني له في جوده، فلما لم يكن كذلك صح أنه بمجرده لا يدل إلا على
كمية الشئ دون غيره وإلا لم يكن لما أضيف إليه من قول القائل: واحد
عصره ودهره معنى، ولا كان لتقييده بالعلم والشجاعة معنى، لأنه كان يدل
بغير تلك الزيادة وبغير ذلك التقييد على غاية الفضل وغاية العلم
والشجاعة، فلما احتيج معه إلى زيادة لفظ واحتيج إلى التقييد بشئ صح
ما قلناه، فقد تقرر أن لفظة القائل، واحد إذا قيل على الشئ دل بمجرده
على كميته في اسمه الأخص، ويدل بما يقترن به على فضل المقول عليه
وعلى كماله وعلى توحده بفضله وعلمه وجوده، وتبين أن الدرهم الواحد
قد يكون درهما واحدا بالوزن، ودرهما واحدا بالعدد، ودرهما واحدا
بالضرب، وقد يكون بالوزن درهمين وبالضرب درهما واحدا، وقد يكون

227
بالدوانيق ستة دوانيق وبالفلوس ستين فلسا ويكون بالاجزاء كثيرا،
وكذلك يكون العبد عبدا واحدا ولا يكون عبدين بوجه، ويكون شخصا
واحدا ولا يكون شخصين بوجه، ويكون أجزاء كثيرة وأبعاضا كثيرة،
وكل بعض من أبعاضه يكون جواهر كثيرة متحدة اتحد بعضها ببعض،
وتركب بعضها مع بعض، ولا يكون العبد واحدا وإن كان كل واحد منا في
نفسه إنما هو عبد واحد، وإنما لم يكن العبد واحدا لأنه مامن عبد إلا وله
مثل في الوجود أو في المقدور، وإنما صح أن يكون للعبد مثل لأنه لم
يتوحد بأوصافه التي من أجلها صار عبدا مملوكا، ووجب لذلك أن يكون
الله عز وجل متوحدا بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى، ليكون إلها واحدا
ولا يكون له مثل، ويكون واحدا لا شريك له ولا إله غيره، فالله تبارك
وتعالى واحد لا إله إلا هو، وقديم واحد لا قديم إلا هو، وموجود واحد
ليس بحال ولا محل ولا موجود كذلك إلا هو، وشئ واحد لا يجانسه
شئ، ولا يشاكله شئ، ولا يشبهه شئ، ولا شئ كذلك إلا هو، فهو
كذلك موجود غير منقسم في الوجود ولا في الوهم، وشئ لا يشبهه
شئ بوجه، وإله لا إله غيره بوجه، وصار قولنا: يا واحد يا أحد في
الشريعة اسما خاصا له دون غيره لا يسمى به إلا هو عز وجل، كما أن
قولنا: الله اسم لا يسمى به غيره.
وفصل آخر في ذلك وهو أن الشئ قد يعد مع ما جانسه وشاكله
وماثله، يقال: هذا رجل، وهذان رجلان وثلاثة رجال، وهذا عبد، وهذا
سواد، وهذان عبدان، وهذان سوادان، ولا يجوز على هذا الأصل أن يقال:
هذان إلهان إذ لا إله إلا إله واحد، فالله لا يعد على هذا الوجه، ولا يدخل

228
في العدد من هذا الوجه بوجه، وقد يعد الشئ مع مالا يجانسه ولا يشاكله،
يقال: هذا بياض، وهذان بياض وسواد، وهذا محدث، وهذان محدثان،
وهذان ليسا بمحدثين ولا بمخلوقين، بل أحدهما قديم والآخر محدث
وأحدهما رب والآخر مربوب، فعلى هذا الوجه يصح دخوله في العدد،
وعلى هذا النحو قال الله تبارك وتعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو
رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم
أينما كانوا - الآية) (1) وكما أن قولنا: إنما هو رجل واحد لا يدل على
فضله بمجرده فكذلك قولنا: فلان ثاني فلان. لا يدل بمجرده إلا على كونه،
وإنما يدل على فضله متى قيل: إنه ثانيه في الفضل أو في الكمال أو العلم.
فأما توحيد الله تعالى ذكره فهو توحيده بصفاته العلى، وأسمائه
الحسنى كان كذلك إلها واحدا لا شريك له ولا شبيه، والموحد هو من أقر
به على ما هو عليه عز وجل من أوصافه العلى، وأسمائه الحسنى على
بصيرة منه ومعرفة وإيقان وإخلاص، وإذا كان ذلك كذلك فمن لم يعرف الله
عز وجل متوحدا بأوصافه العلى، وأسمائه الحسنى ولم يقر بتوحيده
بأوصافه العلى فهو غير موحد، وربما قال جاهل من الناس: إن من وحد
الله وأقر أنه واحد فهو موحد وإن لم يصفه بصفاته التي توحد بها لان من
وحد الشئ فهو موحد في أصل اللغة، فيقال له: أنكرنا ذلك لان من زعم
أن ربه إله واحد وشئ واحد، ثم أثبت معه موصوفا آخر بصفاته التي
توحد بها فهو عند جميع الأمة وسائر أهل الملل ثنوي غير موحد ومشرك
مشبه غير مسلم، وإن زعم أن ربه إله واحد وشئ واحد وموجود واحد



(1) المجادلة: 7.
229
وإذا كان كذلك وجب أن يكون الله تبارك وتعالى متوحدا بصفاته التي
تفرد بالإلهية من أجلها وتوحد بالوحدانية لتوحده بها ليستحيل أن يكون
إله آخر، ويكون الله واحدا والإله واحدا لا شريك له ولا شبيه لأنه إن لم
يتوحد بها كان له شريك وشبيه كما أن العبد لما لم يتوحد بأوصافه التي
من أجلها كان عبدا كان له شبيه، ولم يكن العبد واحدا وإن كان كل واحد
منا عبدا واحدا، وإذا كان كذلك فمن عرفه متوحدا بصفاته وأقر بما عرفه
واعتقد ذلك كان موحدا وبتوحيد ربه عارفا، والأوصاف التي توحد الله
عز وجل بها وتوحد بربوبيته لتفرده بها هي الأوصاف 1) التي يقتضي كل
واحد منها أن لا يكون الموصوف به إلا واحدا لا يشاركه فيه غيره ولا يوصف
به إلا هو، وتلك الأوصاف هي كوصفنا له بأنه موجود واحد لا يصح أن
يكون حالا في شئ، ولا يجوز أن يحله شئ، ولا يجوز عليه العدم
والفناء والزوال، مستحق للوصف بذلك بأنه أول الأولين وآخر الآخرين،
قادر يفعل ما يشاء ولا يجوز عليه ضعف ولا عجز، مستحق للوصف
بذلك بأنه أقدر القادرين وأقهر القاهرين، عالم لا يخفى عليه شئ، ولا
يعزب عنه شئ، ولا يجوز عليه جهل ولا سهو ولا شك ولا نسيان، مستحق
للوصف بذلك بأنه أعلم العالمين، حي لا يجوز عليه موت ولا نوم، ولا
ترجع إليه منفعة ولا تناله مضرة، مستحق للوصف بذلك بأنه أبقى الباقين
وأكمل الكاملين، فاعل لا يشغله شئ عن شئ ولا يعجزه شئ ولا يفوته
شئ، مستحق للوصف بذلك بأنه إله الأولين والآخرين وأحسن الخالقين
باب تفسير قل هو الله أحد إلى آخرها

230
وأسرع الحاسبين، غني لا يكون له قلة، مستغن لا يكون له حاجة، عدل
لا يلحقه مذمة ولا يرجع إليه منقصة، حكيم لا تقع منه سفاهة، رحيم لا
يكون له رقة فيكون في رحمته سعة، حليم لا يلحقه موجدة، ولا يقع منه
عجلة، مستحق للوصف بذلك بأنه أعدل العادلين وأحكم الحاكمين
وأسرع الحاسبين، وذلك لان أول الأولين لا يكون إلا واحدا وكذلك أقدر
القادرين وأعلم العالمين وأحكم الحاكمين وأحسن الخالقين، وكلما جاء
على هذا الوزن، فصح بذلك ما قلناه، وبالله التوفيق ومنه العصمة والتسديد.
4 - باب تفسير قل هو الله أحد إلى آخرها
1 - حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي، ثم
الايلاقي رضي الله عنه، قال: حدثني أبو سعيد عبدان بن الفضل، قال: حدثني أبو
الحسن محمد بن يعقوب بن محمد بن يوسف بن جعفر بن إبراهيم بن
محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمدينة خجندة، قال:
حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن شجاع الفرغاني، قال: حدثني أبو
الحسن محمد بن حماد العنبري بمصر، قال: حدثني إسماعيل بن عبد
الجليل البرقي، عن أبي البختري وهب بن وهب القرشي، عن أبي عبد الله
الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي الباقر عليهم السلام في قول الله
تبارك وتعالى: قل هو الله أحد قال: (قل) أي أظهر ما أوحينا إليك
ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع
وهو شهيد، وهو اسم مكنى مشار إلى غائب، فالهاء تنبيه على معنى

231
ثابت، والواو إشارة إلى الغائب 1) عن الحواس، كما أن قولك (هذا) إشارة
إلى الشاهد عند الحواس وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة
الشاهد المدرك فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار، فأشر أنت
يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه 2)، فأنزل
الله تبارك وتعالى قل هو الله أحد، فالهاء تثبيت للثابت والواو إشارة

232
إشارة إلى الغائب عن درك الابصار ولمس الحواس وأنه تعالى عن ذلك، بل هو
مدرك الابصار ومبدع الحواس.
2 - حدثني أبي، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: رأيت
الخضر عليه السلام في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علمني شيئا أنصر به على
الأعداء، فقال: قل: ياهو يا من لا هو إلا هو، فلما أصبحت قصصتها على
رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال لي: يا علي علمت الاسم الأعظم 1)، فكان على
لساني يوم بدر، وإن أمير المؤمنين عليه السلام قرأ قل هو الله أحد فلما فرغ قال:
ياهو، يا من لا هو إلا هو، اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين، وكان
علي عليه السلام يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد، فقال له عمار بن ياسر: يا
أمير المؤمنين ما هذه الكنايات؟ قال: اسم الله الأعظم وعماد التوحيد لله



(1) بحار الأنوار 93: 223 و 232 ح 4.
233
لا إله إلا هو ثم قرأ (شهد الله أنه لا إله إلا هو) (1) 1) وآخر الحشر ثم نزل
فصلى أربع ركعات قبل الزوال.
قال: وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله معناه المعبود الذي يأله فيه
الخلق 2) ويؤله إليه 3)، والله هو المستور عن درك الابصار، المحجوب عن
الأوهام والخطرات.
قال الباقر عليه السلام: الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن إدراك ماهيته 4)
والإحاطة بكيفيته. ويقول العرب: أله الرجل 5) إذا تحير في الشئ فلم
يحط به علما، ووله إذا فزع إلى شئ مما يحذره ويخافه، فالإله هو
المستور عن حواس الخلق.



(1) آل عمران: 18.
234
قال الباقر عليه السلام: الأحد الفرد المتفرد، والأحد والواحد بمعنى واحد 1)،
وهو المتفرد الذي لا نظير له، والتوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد،
والواحد المتبائن الذي لا ينبعث من شئ ولا يتحد بشئ، ومن ثم قالوا:
إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد 2) لان العدد لا يقع على
الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله: الله أحد: المعبود الذي يأله الخلق
عن إدراكه والإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته، متعال عن صفات خلقه.
3 - قال الباقر عليه السلام: حدثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن
علي عليهم السلام أنه قال: الصمد الذي لا جوف له والصمد الذي قد انتهى سؤدده،
والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب، والصمد الذي لا ينام، والصمد الدائم
الذي لم يزل ولا يزال.
قال الباقر عليه السلام: كان محمد بن الحنفية رضي الله عنه يقول: الصمد القائم بنفسه،
الغني عن غيره، وقال غيره: الصمد المتعالي عن الكون والفساد، والصمد



(1) التفسير الكبير للرازي 32: 178 - 179.
235
الذي لا يوصف بالتغاير.
قال الباقر عليه السلام: الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه.
قال: وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام عن الصمد، فقال:
الصمد الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شئ ولا يعزب عنه شئ.
4 - قال وهب بن وهب القرشي: قال زيد بن علي زين العابدين عليه السلام:
الصمد هو الذي إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون، والصمد الذي أبدع
الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا
شكل ولا مثل ولا ند.
5 - قال وهب بن وهب القرشي: وحدثني الصادق جعفر بن محمد،
عن أبيه الباقر، عن أبيه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما السلام
يسألونه عن الصمد فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلا
تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه، ولا تتكلموا فيه بغير علم، فقد
سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ
مقعده من النار 1)، وإن الله سبحانه قد فسر الصمد فقال: (الله أحد. الله
الصمد) ثم فسره فقال: (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). (لم
يلد) لم يخرج منه شئ كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج

236
من المخلوقين، ولا شئ لطيف كالنفس، ولا يتشعب منه البدوات كالسنة
والنوم والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء
والرغبة والسأمة والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شئ، وأن يتولد
منه شئ كثيف أو لطيف. (ولم يولد) لم يتولد من شئ ولم يخرج من
شئ كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشئ من الشئ والدابة
من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الأشجار، ولا
كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن
والشم من الانف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتميز من
القلب وكالنار من الحجر، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شئ ولا في
شئ ولا على شئ، مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته،
يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه 1) فذلكم الله
الصمد الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، ولم
يكن له كفوا أحد.
6 - قال وهب بن وهب القرشي: سمعت الصادق عليه السلام يقول: قدم وفد
من أهل فلسطين على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم، ثم سألوه عن



(1) نهاية ابن الأثير 1: 159.
237
الصمد، فقال: تفسيره فيه، الصمد خمسة أحرف: فالألف دليل على إنيته 1)
وهو قوله عز وجل: شهد الله أنه لا إله إلا هو (1) وذلك تنبيه وإشارة
إلى الغائب 2) عن درك الحواس، واللام دليل على إلهيته بأنه هو الله،
والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع
ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس
ولا تقع في لسان واصف، ولا اذن سامع، لان تفسير الاله هو الذي أله
الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم، لا بل هو مبدع الأوهام
وخالق الحواس، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن الله سبحانه
أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم
الكثيفة، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا تتبين ولا
تدخل في حاسة من الحواس الخمس، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما
خفي ولطف، فمتى تفكر العبد في ماهية البارئ وكيفيته أله فيه وتحير



(1) آل عمران: 18.
238
ولم تحط فكرته بشئ يتصور له لأنه عز وجل خالق الصور، فإذا نظر
إلى خلقه ثبت له أنه عز وجل خالقهم ومركب أرواحهم في أجسادهم.
وأما الصاد فدليل على أنه عز وجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق
ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق وأما
الميم فدليل على ملكه وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه.
وأما الدال فدليل على دوام ملكه وأنه عز وجل دائم تعالى عن الكون
والزوال بل هو عز وجل يكون الكائنات، الذي كان بتكوينه كل كائن، ثم
قال عليه السلام: لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت
التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرائع من الصمد، وكيف لي بذلك
ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء
ويقول على المنبر (سلوني قبل أن تفقدوني 1) فإن بين الجوانح مني



(1) الاستيعاب 3: 40 ط دار صادر. رواه بإسناده عن سعيد بن المسيب قال: ما كان أحد من
الناس يقول: ساوني عير علي بن أبي طالب عليه السلام.
(2) سورة النمل: 18.
239
علما جما، هاه هاه 1) ألا لا أجد من يحمله، ألا وإني عليكم من الله الحجة
البالغة فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم 2) قد يئسوا من الآخرة كما يئس
الكفار من أصحاب القبور).



(1) الكشاف للزمخشري 3: 141 - 142.
(2) في (س): حملا.
(3) سورة الممتحنة: 13.
240
ثم قال الباقر عليه السلام: الحمد لله الذي من علينا ووفقنا لعبادته، الأحد
الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وجنبنا عبادة الأوثان،
حمدا سرمدا وشكرا واصبا 1)، وقوله عز وجل: (لم يلد ولم يولد) يقول
لم عز وجل فيكون له ولد يرثه ولم يولد فيكون له والد يشركه في
ربوبيته وملكه (ولم يكن له كفوا أحد) فيعاونه في سلطانه 2).
7 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد
ابن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الربيع بن مسلم، قال:
سمعت أبا الحسن عليه السلام وسئل عن الصمد فقال: الصمد الذي لا جوف له.
8 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران
الأشعري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب،



(1) مجمع البيان 5: 276.
(2) سورة ص: 23.
241
عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن اليهود سألوا رسول
الله صلى الله عليه وآله فقالوا: انسب لنا ربك 1)، فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثم نزلت هذه
السورة إلى آخرها، فقلت له: ما الصمد؟ فقال: الذي ليس بمجوف.
9 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى
عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن أبي السري، عن جابر بن
يزيد، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من التوحيد، فقال: إن الله -
تباركت أسماؤه التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه - واحد 2) توحد
بالتوحيد في توحده 3)، ثم أجراه على خلقه فهو واحد، صمد، قدوس،
يعبده كل شئ ويصمد إليه كل شئ، ووسع كل شئ علما.
10 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن
محمد بن الوليد ولقبه شباب الصيرفي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال:
قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما الصمد؟ قال: السيد المصمود إليه

242
في القليل والكثير.
11 - حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين المرواني، قال: حدثنا أبو
أحمد محمد بن سليمان بفارس، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا
محمد بن عبد الله الرواسي قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك
عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية
واستعمل عليها عليا عليه السلام، فلما رجعوا سألهم فقالوا: كل خير غير أنه قرأ
بنا في كل صلاة بقل هو الله أحد، فقال: يا علي لم فعلت هذا؟ فقال: لحبي
لقل هو الله أحد، فقال النبي صلى الله عليه وآله ما أحببتها حتى أحبك الله عز وجل.
12 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري،
عن أحمد بن هلال، عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر
الله له عز وجل ذنوب خمسين سنة.
13 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن
هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني،
عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على سعد بن معاذ،
فقال: لقد وافى من الملائكة للصلاة عليه سبعون ألف ملك وفيهم جبرئيل
يصلون عليه، فقلت: يا جبرئيل بم استحق صلاتكم عليه؟ قال: بقراءة قل
هو الله أحد قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا.

243
14 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن
سيف بن عميرة، عن محمد بن عبيد، قال: دخلت على الرضا عليه السلام فقال
لي: قل للعباسي 1): يكف عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما
يعرفون، ويكف عما ينكرون، وإذا سألوك عن التوحيد فقل كما قال الله
عز وجل: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا
أحد وإذا سألوك عن الكيفية فقل كما قال الله عز وجل (ليس كمثله
شئ) وإذا سألوك عن السمع فقل كما قال الله عز وجل: (هو السميع
العليم) فكلم الناس بما يعرفون.
15 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنه،
قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران
النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي
بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قرأ قل هو الله أحد مرة واحدة فكأنما
قرأ ثلث القرآن 2) وثلث التوراة وثلث الإنجيل وثلث الزبور.



(1) هو العلامة نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري.
244
5 - باب معنى التوحيد والعدل
1 - حدثنا أبو الحسن محمد بن سعيد بن عزيز السمرقندي - الفقيه
بأرض بلخ - قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد الزاهد السمرقندي
بإسناده رفعه إلى الصادق عليه السلام، أنه سأله رجل فقال له: إن أساس الدين
التوحيد والعدل، وعلمه كثير، ولابد لعاقل منه، فاذكر ما يسهل الوقوف
عليه ويتهيأ حفظه، فقال عليه السلام: أما التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز
عليك، وأما العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه.
2 - حدثنا محمد بن أحمد الشيباني المكتب رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد
ابن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم
ابن عبد الله الحسني، عن الإمام علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي،
عن أبيه الرضا علي بن موسى عليهم السلام، قال: خرج أبو حنيفة ذات يوم من
عند الصادق عليه السلام، فاستقبله موسى بن جعفر عليهما السلام فقال له: يا غلام ممن
المعصية؟ قال: لا تخلو من ثلاث: إما أن تكون من الله عز وجل، وليست
منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه وإما أن تكون من الله
عز وجل ومن العبد، وليس كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم
الشريك الضعيف، وإما أن تكون من العبد وهي منه، فإن عاقبه الله فبذنبه
وإن عفا عنه فبكرمه وجوده.

245
3 - حدثنا أبو الحسين علي بن أحمد بن حرابخت الجيرفتي النسابة
قال: حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن، قال: حدثنا جعفر بن محمد
الصائغ، قال: حدثنا خالد العرني، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا أبو سفيان
مولى مزينة عمن حدث عن سلمان الفارسي رحمه الله أنه أتاه رجل فقال: يا أبا
عبد الله إني لا أقوى على الصلاة بالليل 1)، فقال: لا تعص الله بالنهار،
وجاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد حرمت
الصلاة بالليل، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أنت رجل قد قيدتك ذنوبك.



(1) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري 30: 201 المطبوع على هامش
تفسير الطبري.
(2) تهذيب الأحكام 2: 120، وثواب الاعمال ص 64 ح 5.
246
6 - باب انه عز وجل ليس بجسم ولا صورة
1 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن محمد
ابن حكيم، قال: وصفت لأبي الحسن عليه السلام قول هشام الجواليقي وما يقول
في الشاب الموفق 1) ووصفت له قول هشام بن الحكم، فقال: إن الله عز
وجل لا يشبهه شئ.
2 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن محمد، رفعه، عن محمد بن الفرج
الرخجي، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: أسأله عما قال هشام بن الحكم في



(1) في الكافي: والبقية.
(2) أصول الكافي 1: 100 - 102 ح 3.
247
الجسم، وهشام بن سالم في الصورة 1)، فكتب عليه السلام: دع عنك حيرة



(1) الزيادة من (س).
248




(1) إلى هنا انتهى كلام الفاضل الدواني كما في بحار الأنوار 3: 289.
(2) سورة آل عمران: 36.
249




(1) الملل والنحل 1: 184 - 185.
251
الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان 1).
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن حمزة بن محمد، قال:
كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: أسأله عن الجسم والصورة، فكتب عليه السلام:
سبحان من ليس كمثله شئ لا جسم ولا صورة.
4 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن عبد
الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن علي بن أبي حمزة، قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم: أن الله عز وجل جسم،
صمدي، نوري، معرفته ضرورة، يمن بها على من يشاء 2) من خلقه



(1) كنز الفوائد للعلامة الكراجكي 2: 41 ط بيروت. وراجع بحار الأنوار 3: 290.
252
فقال عليه السلام: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو، ليس كمثله
شئ، وهو السميع البصير، لا يحد، ولا يحس، ولا يجس 1) ولا يمس، ولا
تدركه الحواس، ولا يحيط به شئ، لا جسم، ولا صورة، ولا تخطيط،
ولا تحديد.
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع،
عن محمد بن زيد، قال: جئت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد، فأملى
علي: الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء، ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته، لا
من شئ فيبطل الاختراع 2)، ولا لعلة فلا يصح الابتداع 3) خلق ما شاء

253
كيف شاء، متوحدا بذلك لاظهار حكمته وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه
العقول، ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الابصار، ولا يحيط به مقدار،
عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الابصار، وضل فيه تصاريف الصفات 1)،
احتجب بغير حجاب محجوب 2). واستتر بغير ستر مستور 3)، عرف بغير
رؤية ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا إله إلا الله الكبير المتعال.
6 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رضي الله عنه



(1) سورة الإسراء: 45.
254
عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،
عن محمد بن حكيم، قال: وصفت لأبي إبراهيم عليه السلام قول هشام الجواليقي،
وحكيت له قول هشام بن الحكم: إنه جسم، فقال: إن الله لا يشبهه شئ،
أي فحش أو خناء أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو
صورة أو بخلقة أو بتحديد أو أعضاء؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي، عن الحسين بن الحسن، والحسين بن علي، عن صالح بن أبي
حماد، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة،
عن محمد بن زياد، قال: سمعت يونس بن ظبيان يقول: دخلت على أبي
عبد الله عليه السلام فقلت له: إن هشام بن الحكم يقول قولا عظيما إلا أني
أختصر لك منه أحرفا، يزعم: أن الله جسم لان الأشياء شيئان: جسم
وفعل الجسم، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل، ويجوز أن يكون
بمعنى الفاعل، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويله، أما علم أن الجسم محدود
متناه، والصورة متناهية، فإذا احتمل الحد 1) احتمل الزيادة والنقصان، وإذا
احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقا، قال: قلت: فما أقول؟ قال: لا

255
جسم ولا صورة، وهو مجسم الأجسام، ومصور الصور، لم يتجزأ، ولم
يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، لو كان كما يقول لم يكن بين الخالق
والمخلوق فرق، ولا بين المنشئ والمنشأ، لكن هو المنشئ، فرق بين
من جسمه وصوره وأنشأه إذ 1) كان لا يشبهه شئ ولا يشبه هو شيئا.
8 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي،
عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني، قال: قلت
لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: إن هشام بن الحكم زعم: أن الله
جسم، ليس كمثله شئ 2)، عالم سميع، بصير، قادر، متكلم، ناطق،
والكلام والقدرة والعلم تجري مجرى واحدا ليس شئ منها مخلوقا 3)،



(1) أصول الكافي 1: 106 ح 6، وليست فيه كلمة " وبينه ".
256
فقال: قاتله الله، أما علم أن الجسم محدود، والكلام غير المتكلم معاذ الله
وأبرأ إلى الله من هذا القول، لا جسم ولا صورة ولا تحديد، وكل شئ
سواه مخلوق وإنما تكون الأشياء بإرادته ومشيته من غير كلام ولا تردد
في نفس 1)، ولا نطق بلسان.
9 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، عن محمد
ابن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن
محمد الهمداني، قال: كتبت إلى الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام: أن من قبلنا
من مواليك قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول جسم، ومنهم من
يقول صورة، فكتب عليه السلام بخطه: سبحان من لا يحد، ولا يوصف، ليس
كمثله شئ وهو السميع العليم - أو قال: البصير -.
10 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن



(1) سورة البقرة: 117، غيرها
257
عيسى، عن هشام بن إبراهيم، قال: قال العباسي قلت له - يعني أبا
الحسن عليه السلام -: جعلت فداك أمرني بعض مواليك أن أسألك عن مسألة
قال: ومن هو؟ قلت: الحسن بن سهل قال: في أي شئ المسألة؟ قال:
قلت في التوحيد، قال: وأي شئ من التوحيد؟ قال: يسألك عن الله
جسم أو لا جسم؟ قال: فقال لي: إن للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب 1)،
مذهب إثبات بتشبيه، ومذهب النفي، ومذهب إثبات بلا تشبيه. فمذهب
الاثبات بتشبيه لا يجوز، ومذهب النفي لا يجوز، والطريق في المذهب
الثالث إثبات بلا تشبيه.
11 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن عمران بن موسى، عن
الحسن بن العباس بن حريش الرازي، عن بعض أصحابنا، عن الطيب
يعني علي بن محمد، وعن أبي جعفر الجواد عليهما السلام أنهما قالا: من قال
بالجسم فلا تعطوه من الزكاة ولا تصلوا وراءه.
12 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن علي القاساني، قال: كتبت

258
إليه عليه السلام: أن من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد 1)، قال: فكتب عليه السلام:
سبحان من لا يحد، ولا يوصف، ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير.
13 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن أبي سعيد
الآدمي، عن بشر بن بشار النيسابوري، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام بأن
يقول صورة، فكتب عليه السلام: سبحان من لا يحد، ولا يوصف، ولا يشبهه
شئ، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير.
14 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن سهل



(1) بحار الأنوار 3: 287 ح 2.
259
ابن زياد، قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين:
قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد منهم من يقول هو جسم، ومنهم
من يقول هو صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه
ولا أجوزه فعلت متطولا على عبدك، فوقع عليه السلام بخطه: سألت عن
التوحيد، وهذا عنكم معزول 1)، الله تعالى واحد، أحد، صمد، لم يلد ولم
يولد، ولم يكن له كفوا أحد، خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى
ما يشاء من الأجسام وغير ذلك، ويصور ما يشاء، وليس بمصور، جل
ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وتعالى عن أن يكون له شبيه، هو لا غيره ليس
كمثله شئ، وهو السميع البصير.
15 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا العباس بن معروف، قال: حدثنا
ابن أبي نجران، عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم القصير، قال:
كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل، فيها:
أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط؟ فإن رأيت
جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد فكتب عليه السلام

260
بيدي عبد الملك بن أعين: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه
من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، تعالى الله
عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله،
واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من
صفات الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه،
هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعد القرآن
فتضل بعد البيان.
16 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن
سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله
عن الجسم والصورة، فكتب: سبحان من ليس كمثله شئ ولا جسم ولا
صورة.
17 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، عن أبيه، عن
سهل بن زياد الآدمي، عن حمزة بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام
أسأله عن الجسم والصورة، فكتب: سبحان من ليس كمثله شئ.
18 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله
البرقي رحمه الله، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عبد
الله بن بحر، عن أبي أيوب الخزار، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا
جعفر عليه السلام عما يروون أن الله عز وجل خلق آدم على صورته 1) فقال: هي

261
.



(1) في التنزيه: ومصطفيه.
262




(1) تنزيه الأنبياء ص 127 - 128.
(2) سعد السعود ص 33 - 34 ط النجف الأشرف.
263
صورة محدثة مخلوقة، اصطفاها الله واختارها على سائر الصور
المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى
نفسه. فقال: (بيتي) (1) وقال: (ونفخت فيه من روحي) (2).
19 - حدثني محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله
ابن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب،
عن يعقوب السراج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن بعض أصحابنا
يزعم أن لله صورة مثل صورة الانسان، وقال آخر: إنه في صورة أمرد



(1) البقرة: 125.
(2) الحجر: 29.
264
جعد قطط 1)، فخر أبو عبد الله ساجدا، ثم رفع رأسه، فقال: سبحان الله
الذي ليس كمثله شئ، ولا تدركه الابصار، ولا يحيط به علم، لم يلد
لان الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان قبله، ولم يكن له من خلقه
كفوا أحد، تعالى عن صفة من سواه علوا كبيرا.
20 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الصقر بن [أبي] دلف، قال: سألت أبا
الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام عن التوحيد، وقلت
له: إني أقول بقول هشام بن الحكم، فغضب عليه السلام ثم قال: مالكم ولقول
هشام، إنه ليس منا من زعم أن الله عز وجل جسم ونحن منه برآء في
الدنيا والآخرة، يا ابن [أبي] دلف إن الجسم محدث، والله محدثه
ومجسمه.
وأنا أذكر الدليل على حدوث الأجسام في باب الدليل على حدوث
العالم من هذا الكتاب إن شاء الله.
7 - باب أنه تبارك وتعالى شئ
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله الأشعري، قال: حدثنا
أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى، عمن ذكره، قال: سئل
أبو جعفر عليه السلام أيجوز أن يقال: إن الله عز وجل شئ؟ قال: نعم، يخرجه



(1) نهاية ابن الأثير 4: 81.
265
عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه 1).

266
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن
عمرو، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال للزنديق حين
سأله ما هو؟ قال: هو شئ بخلاف الأشياء، ارجع بقولي: (شئ) إلى
إثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية 1)، غير أنه لا جسم ولا صورة.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن النضر بن
سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة، قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه، وخلقه خلو
منه 2) وكل ما وقع عليه اسم شئ ما خلا الله عز وجل فهو مخلوق، والله

267
خالق كل شئ 1)، تبارك الذي ليس كمثله شئ 2).

268
4 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن عطية، عن خيثمة، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه، وخلقه خلو منه،
وكل ما وقع عليه اسم شئ ما خلا الله عز وجل فهو مخلوق والله تعالى
خالق كل شئ.
5 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي
المغرا، رفعه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: إن الله تبارك وتعالى خلو من
خلقه، وخلقه خلو منه وكل ما وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا
الله عز وجل.
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن عبد
الرحمن بن أبي نجران قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن التوحيد،
فقلت: أتوهم شيئا؟ فقال: نعم غير معقول ولا محدود 1)، فما وقع وهمك

269
عليه من شئ فهو خلافه، لا يشبهه شئ، ولا تدركه الأوهام، كيف
تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصور في الأوهام، إنما
يتوهم شئ غير معقول ولا محدود.
7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي،
عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، قال:
سئل أبو جعفر الثاني عليه السلام يجوز أن يقال لله: إنه شئ؟ فقال: نعم،
يخرجه من الحدين حد التعطيل وحد التشبيه.
8 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
جعفر بن بطة، قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن محمد بن عيسى بن
عبيد، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: ما تقول إذا قيل لك: أخبرني عن الله
عز وجل شئ هو أم لا؟ قال: فقلت له: قد أثبت الله عز وجل نفسه شيئا
حيث يقول: (قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) 1) (1)
فأقول: إنه شئ لا كالأشياء، إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه



(1) الانعام: 19.
270
قال لي: صدقت وأصبت، ثم قال لي الرضا عليه السلام: للناس في التوحيد
ثلاثة مذاهب: نفي، وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز،
ومذهب التشبيه لا يجوز لان الله تبارك وتعالى لا يشبهه شئ، والسبيل
في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه.



(1) مجمع البيان 2: 281 - 282.
271
باب ما جاء في الرؤية
8 - باب ما جاء في الرؤية
1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله،
عن آبائه عليهم السلام قال: مر النبي صلى الله عليه وآله على رجل وهو رافع بصره إلى السماء
يدعو، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: غض بصرك فإنك لن تراه 1). وقال: ومر
النبي صلى الله عليه وآله على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله: اقصر من يديك فإنك لن تناله.
2 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن علي بن أبي القاسم، عن
يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله كيف يعبد العبد
ربه وهو لا يراه 2)؟! فوقع عليه السلام: يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم

272
علي وعلى آبائي أن يرى. قال: وسألته هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه 1)؟
فوقع عليه السلام إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب.
3 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن
عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا
عبد الله عليه السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزءا
من نور الكرسي 2)، والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش،
والعرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب 3)، والحجاب جزء من
سبعين جزءا من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملأوا أعينهم من
الشمس ليس دونها سحاب.

273
4 - أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد
ابن عيسى، قال: حدثنا ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطأه
جبرئيل قط 1)، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

274
5 - أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي
ابن معبد، عن عبد الله بن سنان، عن أبيه، قال: حضرت أبا جعفر عليه السلام
فدخل عليه رجل من الخوارج 1) فقال له: يا أبا جعفر أي شئ تعبد؟ قال:
الله، قال: رأيته؟ قال: لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب
بحقائق الايمان 2) لا يعرف بالقياس، ولا يدرك بالحواس، ولا يشبه



(1) بحار الأنوار 18: 313 - 315.
(2) شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني 3: 374.
275
بالناس 1)، موصوف بالآيات 2)، معروف بالعلامات 3)، لا يجور في
حكمه، ذلك الله لا إله إلا هو.



(1) بحار الأنوار 4: 26 عنه.
(2) سورة البقرة: 73.
276
قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
6 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
جاء حبر إلى أمير المؤمنين عليه السلام 1) فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك
حين عبدته؟ فقال: ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره، قال: وكيف رأيته؟
قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب
بحقائق الايمان.
7 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد بن
إسحاق، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما فيه
الناس، فكتب عليه السلام لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء
ينفذه البصر 2)، فإذا انقطع الهواء وعدم الضياء بين الرائي والمرئي لم تصح



(1) سورة النساء: 153.
277
الرؤية وكان في ذلك الاشتباه 1) لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب
الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان في ذلك التشبيه 2)، لان
الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات 3).

278
8 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن علي بن سيف، عن محمد بن عبيدة، قال: كتبت إلى أبي
الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الرؤية وما ترويه العامة والخاصة 1)، وسألته
أن يشرح لي ذلك 2)، فكتب عليه السلام بخطه، اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن
المعرفة من جهة الرؤية ضرورة 3)، فإذا جاز أن يرى الله عز وجل بالعين



(1) ذكر هذا الوجه العلامة المجلسي في البحار 4: 56 عن والده العلامة عن المشايخ
الاعلام.
279
وقعت المعرفة ضرورة، ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو
ليست بإيمان، فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي
في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها ضده فلا يكون في
الدنيا أحد مؤمنا لأنهم لم يروا الله عز ذكره، وإن لم تكن تلك المعرفة التي
من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي هي من جهة الاكتساب أن
تزول أو لا تزول في المعاد، فهذا دليل على أن الله عز ذكره لا يرى بالعين،
إذ العين تؤدي إلى ما وصفنا.

280




(1) هو الفاضل المحدث المحقق المولى محمد أمين بن محمد شريف الأسترآبادي، هو أ ول
من فتح باب الطعن على المجتهدين، وجعلهم في قبال الأخباريين، له كتاب الفوائد
المدنية في الرد على القائل بالاجتهاد والتقليد في الأحكام الإلهية، توفي بمكة سنة
(1033) ه‍.
281




(1) بحار الأنوار 4: 58.
282
9 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن
عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال: سألني أبو قرة المحدث أن
ادخله على أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي، فدخل
عليه فسأله عن الحلال والحرام والاحكام حتى بلغ سؤاله التوحيد، فقال
أبو قرة: إنا روينا أن الله عز وجل قسم الرؤية والكلام بين اثنين، فقسم
لموسى عليه السلام الكلام 1) ولمحمد صلى الله عليه وآله الرؤية، فقال أبو الحسن عليه السلام فمن



(1) راجع بحار أنوار 4: 58 - 59. ذكر هذا الوجه عن بعض الأفاضل.
283
المبلغ عن الله عز وجل إلى الثقلين الجن والإنس (لا تدركه الابصار وهو
يدرك الابصار) (1) (ولا يحيطون به علما) (2) (وليس كمثله شئ) (3)
أليس محمدا صلى الله عليه وآله قال: بلى؟ قال: فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا
فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول: (لا
تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) (ولا يحيطون به علما) (وليس
كمثله شئ ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به علما وهو على
صورة البشر، أما تستحيون؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون
يأتي عن الله بشئ، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر!!.



(1) الانعام: 103.
(2) طه: 110.
(3) الشورى: 11.
284
قال أبو قرة فإنه يقول (ولقد رآه نزلة أخرى) (1) فقال أبو الحسن عليه السلام:
إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى، حيث قال 1): (ما كذب الفؤاد
ما رأى) يقول: ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وآله 2) ما رأت عيناه، ثم أخبر بما



(1) النجم: 13.
(2) راجع بحار الأنوار 4: 59 - 61.
(3) أي: لم يقل الفؤاد لما رأى صورة جبرئيل أو الله لم أعرفك، ولو قال كان كاذبا كما بينه.
" منه ".
(4) أنوار التنزيل 2: 472 - 473.
285
رأى فقال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، فآيات الله عز وجل غير الله،
وقد قال: (ولا يحيطون به علما) فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم
ووقعت المعرفة، فقال أبو قرة فتكذب بالروايات فقال أبو الحسن عليه السلام:



(1) التفسير الكبير 28: 291.
(2) صحيح مسلم 1: 158.
(3) صحيح مسلم 1: 159.
(4) بحار الأنوار 4: 37 - 38.
286
إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبت بها وما أجمع المسلمون عليه 1)
أنه لا يحاط به علم ولا تدركه الابصار، وليس كمثله شئ.
10 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي
عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: لا تدركه الابصار وهو يدرك
الابصار) قال: إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله: (قد جاءكم بصائر من



(1) بحار الأنوار: 4 38.
(2) مجمع البيان 5: 175.
287
ربكم) 1) (1) ليس يعني بصر العيون (فمن أبصر فلنفسه) 2) ليس يعني
من البصر بعينه (ومن عمي فعليها) 3) لم يعن عمى العيون، إنما عنى إحاطة الوهم كما يقال: فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان
بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب، الله أعظم من أن يرى بالعيون 4).
11 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن أبي هاشم
الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الله عز وجل هل
يوصف؟ فقال: أما تقرأ القرآن؟! قلت: بلى، قال: أما تقرأ قوله عز وجل:
(لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) قلت: بلى، قال: فتعرفون
الابصار؟ قلت: بلى، قال: وما هي؟ قلت: أبصار العيون فقال: إن أوهام
القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام.



(1) الانعام: 104 والآية بعد آية " لا تدركه الابصار ".
288
12 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عمن ذكره، عن محمد بن عيسى،
عن داود بن القاسم، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي جعفر ابن
الرضا عليهما السلام (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار)؟ فقال: يا أبا هاشم
أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند
والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك، فأوهام القلوب لا تدركه
فكيف أبصار العيون.
13 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي،
عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، عن
إبراهيم بن محمد الخزاز، ومحمد بن الحسين، قالا: دخلنا على أبي
الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له ما روي أن محمدا صلى الله عليه وآله رأى ربه في هيئة
الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة رجلاه في خضرة وقلت: إن
هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: (إنه أجوف إلى السرة
والباقي صمد 1)، فخر ساجدا 2)، ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا
وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما

289
وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك، إلهي
لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك، ولا أشبهك بخلقك، أنت أهل لكل
خير فلا تجعلني من القوم الظالمين، ثم التفت إلينا، فقال: ما توهمتم من
شئ فتوهموا الله غيره ثم قال: نحن آل محمد النمط الوسطى الذي لا
يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي 1)، يا محمد إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين نظر
إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب 2) الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة يا محمد



(1) أصول الكافي 1: 102.
(2) نهاية ابن الأثير 5: 119.
290
عظم ربي وجل أن يكون في صفة المخلوقين، قال: قلت: جعلت فداك
من كانت في خضرة؟ قال: ذاك محمد صلى الله عليه وآله كان إذا نظر إلى ربه
بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب 1) حتى يستبين له ما في الحجب، إن

291
نور الله منه اخضر ما اخضر 1)، ومنه احمر ما احمر، ومنه ابيض ما ابيض،
ومنه غير ذلك يا محمد ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به.
14 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد وغيره،
عن محمد بن سليمان، عن علي بن إبراهيم الجعفري، عن عبد الله بن
سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: إن الله عظيم، رفيع، لا يقدر العباد
على صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار
وهو اللطيف الخبير 2)، ولا يوصف بكيف ولا أين ولا حيث فكيف أصفه
بكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا، فعرفت الكيف بما كيف لنا
من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الأين حتى صار أينا،



(1) راجع بحار الأنوار 4: 42 - 43.
(2) في " ن ": البصر.
292
فعرفت الأين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث
الحيث 1) حتى صار حيثا، فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله
تبارك وتعالى داخل في كل مكان، وخارج من كل شئ، لا تدركه
الابصار، وهو يدرك الابصار، لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف
الخبير.
15 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم،
عن ابن أبي نجران، عن محمد بن سنان، عن إبراهيم والفضل ابني محمد
الأشعريين، عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا انزل عليه
الوحي؟ فقال: ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا انجلى الله له 2)،

293




(1) بحار الأنوار 18: 268 و 271 ح 30 و 36 عنهما.
(2) بحار الأنوار 18: 271 ح 37 عنه.
(3) الجران من البعير: مقدم عنقه.
(4) بحار الأنوار 18: 263 - 264 عن المنتقى.
294
قال: ثم قال: تلك النبوة يا زرارة 1)، واقبل بتخشع.
16 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سمعته يقول: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عز وجل. يعني بقلبه
وتصديق ذلك.
17 - ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال:



(1) بحار الأنوار 18: 260 ح 12 عنه.
(2) سورة المزمل: 5.
(3) بحار الأنوار 18: 261 ح 13 عنه.
295
حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب،
عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله
ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أما ما سمعت الله عز وجل يقول: (ما
كذب الفؤاد ما رأى) أي لم يره بالبصر، ولكن رآه بالفؤاد.
18 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد
الاصفهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث أو غيره،
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (لقد رأى من آيات
ربه الكبرى) (1) قال: رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل،
له ستمائة جناح قد ملا ما بين السماء إلى الأرض.
19 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال:
حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى
الروياني، قال: حدثنا عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد
ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، عن إبراهيم بن أبي محمود،
قال: قال علي بن موسى الرضا عليه السلام في قول الله عز وجل: (وجوه
يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) (2) يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها 1).



(1) النجم: 18.
(2) القيامة: 22 - 23.
(3) بحار الأنوار 18: 250 عنه.
296
20 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي،
عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير،
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه
المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم، وقد رأوه قبل يوم القيامة،



(1) سورة النمل: 35.
(2) التفسير الكبير للرازي 30: 228.
297
فقلت: متى؟ قال: حين قال لهم: (ألست بربكم قالوا بلى) 1) ثم سكت
ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست
تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا
عنك؟ فقال: لا، فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله
ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله



(1) سورة الأعراف: 172.
(2) مجمع البيان 2: 497.
298
عما يصفه المشبهون والملحدون 1).
21 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي
ابن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي،
قال: قلت لعلي بن موسى الرضا عليهما السلام: يا بن رسول الله ما تقول في الحديث
الذي يرويه أهل الحديث أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة؟
فقال عليه السلام: يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمدا صلى الله عليه وآله على
جميع خلقه من النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته ومتابعته متابعته
وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته فقال عز وجل: من يطع الرسول فقد
أطاع الله، وقال: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق
أيديهم) 2) وقال النبي صلى الله عليه وآله: (من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد



(1) سورة الأعراف: 180.
(2) مجمع البيان 2: 503.
299
زار الله) درجة النبي صلى الله عليه وآله في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره إلى درجته
في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى.
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب
لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله؟ فقال عليه السلام: يا أبا الصلت من وصف الله
بوجه كالوجوه فقد كفر ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله
عليهم، هم الذين بهم يتوجه إلى الله وإلى دينه ومعرفته، وقال الله عز
وجل: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك) (1) وقال عز وجل:
(كل شئ هالك إلا وجهه) (2) فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه عليهم السلام رضى ا لله عنه
في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (من
أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة) وقال عليه السلام: (إن
فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني) يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى لا
يوصف بمكان، ولا تدركه الابصار والأوهام.
فقال: قلت له: يا ابن رسول الله فأخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم
مخلوقتان 1)؟ فقال: نعم، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل الجنة ورأي



(1) الرحمن: 26 - 27.
(2) القصص: 88.
(3) مجمع البيان 5: 113.
300
النار لما عرج به إلى السماء، قال: فقلت له: إن قوما يقولون: إنهما اليوم
مقدرتان غير مخلوقتين، فقال عليه السلام: ما أولئك منا ولا نحن منهم، من أنكر
خلق الجنة والنار فقد كذب النبي صلى الله عليه وآله وكذبنا، ولا من ولايتنا على شئ،
ويخلد في نار جهنم، قال الله عز وجل: (هذه جهنم التي يكذب بها

301
المجرمون 1) يطوفون بينها وبين حميم آن) (1) وقال النبي صلى الله عليه وآله: (لما
عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها
فأكلته 1) فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما أهبطت إلى الأرض واقعت
خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوراء إنسية، وكلما اشتقت إلى
رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام).
22 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد
ابن خالد، عن أحمد بن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن



(1) الرحمن: 43 - 44.
(2) شرح المقاصد 5: 108 - 111.
(3) مجمع البيان 5: 206.
302
السائب، عن أبي الصالح، عن عبد الله بن عباس في قوله عز وجل: (فلما
أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) (1) قال: يقول: سبحانك
تبت إليك من أن أسألك الرؤية وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى.
قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن موسى عليه السلام
علم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه
ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسى ربه ذلك من
غير أن يستأذنه، فقال: رب أرني أنظر إليك، قال: لن تراني ولكن انظر
إلى الجبل فإن استقر مكانه في حال تزلزله فسوف تراني، ومعناه أنك لا
تراني أبدا لان الجبل لا يكون ساكنا متحركا في حال أبدا، وهذا مثل
قوله عز وجل: (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم
الخياط) (2) ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبدا كما لا يلج الجمل في سم
الخياط أبدا، فلما تجلى ربه للجبل أي ظهر للجبل باية من آياته



(1) الأعراف: 143.
(2) الأعراف: 40.
303
وتلك الآية نور 1) من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل جعله
دكا وخر موسى صعقا من هول تزلزل ذلك الجبل على عظمه وكبره فلما
أفاق قال: سبحانك إني تبت إليك أي رجعت إلى معرفتي بك عادلا عما
حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنب لان
الأنبياء لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا، ولم يكن الاستيذان قبل السؤال
بواجب عليه، لكنه كان أدبا يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله،
على أنه قد روى قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن
الرؤية لا تجوز على الله عز وجل وقوله: وأنا أول المؤمنين يقول: وأنا
أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر
إليه بأنك لا ترى.



(1) تفسير العياشي 2: 26 - 27 ح 72.
(2) تفسير العياشي 2: 27 ح 73.
304
والاخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنا رضي الله
عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب
خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو لا
يعلم.
والاخبار التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره والتي
أوردها محمد بن أحمد بن يحيى في جامعه في معنى الرؤية صحيحة لا
يردها إلا مكذب بالحق أو جاهل به، وألفاظها ألفاظ القرآن، ولكل خبر
منها معنى ينفي التشبيه والتعطيل ويثبت التوحيد، وقد أمرنا الأئمة
صلوات الله عليهم أن لا نكلم الناس إلا على قدر عقولهم.

305
ومعنى الرؤية الواردة في الاخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك
وارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله
وأموره في ثوابه وعقابه ما يزول به الشكوك ويعلم حقيقة قدرة الله عز
وجل، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل (لقد كنت في غفلة



(1) مجمع البيان 2: 475.
(2) تفسير العياشي 2: 27 ح 74.
306
من 1) هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) (1) فمعنى ما روي
في الحديث أنه عز وجل يرى أي يعلم علما يقينا، كقوله عز وجل: (ألم
تر إلى ربك كيف مد الظل) (2) وقوله: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في
ربه) (3) وقوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر
الموت) (4) وقوله: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) (5) وأشباه
ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين، وأما قول الله عز وجل:
(فلما تجلى ربه للجبل) فمعناه لما ظهر عز وجل للجبل بآية من آيات



(1) ق: 22.
(2) الفرقان: 45.
(3) البقرة 258.
(4) البقرة: 243.
(5) الفيل: 1.
(6) مجمع البيان 5: 146.
307




(1) سورة النحل: 32.
308




(1) في " س ": المنكشفة.
(2) في المصدر: صورته.
309




(1) رسالة الزوراء ص 86 - 87.
(2) " ن " تتخيل.
310




(1) سورة التوبة: 49 وغيرها.
311




(1) في (س): كفا.
(2) سورة النساء: 10.
312




(1) في المصدر: لك.
313




(1) رسالة الزوراء للمحقق الدواني ص 87 - 89. ولعل المطبوع من الرسالة منتخب من أصل
الرسالة.
314
الآخرة التي يكون بها الجبال سرابا 1) والتي ينسف بها الجبال نسفا 2)
تدكدك الجبل فصار ترابا لأنه لم يطق حمل تلك الآية، وقد قيل: إنه بدا
له من نور العرش.
23 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن
محمد الاصفهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث
النخعي القاضي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن قول الله عز وجل:

317
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال: ساخ الجبل في البحر فهو
يهوي حتى الساعة.
24 - وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم بن عبد الله بن تميم
القرشي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري،
عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده
الرضا علي بن موسى عليهما السلام فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من
قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى، فسأله عن آيات من القرآن،
فكان فيما سأله أن قال له: فما معنى قول الله عز وجل: (ولما جاء
موسى لميقاتنا وكلمه ربه 1) قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني -
الآية) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله
تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ فقال الرضا عليه السلام:



(1) سورة طه: 105.
(2) مجمع البيان 4: 29.
318
إن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أن الله تعالى عن أن يرى بالابصار،
ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا 1) رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله
عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما
سمعت، وكان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفا، ثم
اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين
رجلا لميقات ربه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل،
وصعد موسى عليه السلام إلى الطور وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلمه ويسمعهم
كلامه، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين
وشمال ووراء وأمام، لان الله عز وجل أحدثه في الشجرة، ثم جعله
منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا
الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم
واستكبروا وعتوا، بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم
فماتوا، فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم
وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من

319
مناجاة الله إياك، فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو سألت الله أن
يريك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته،
فقال موسى عليه السلام: يا قوم إن الله لا يرى بالابصار ولا كيفية له، وإنما يعرف
بآياته ويعلم بأعلامه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله، فقال موسى عليه السلام:
يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله
جل جلاله إليه: يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند
ذلك قال موسى عليه السلام: (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى
الجبل فإن استقر مكانه (وهو يهوي) فسوف تراني فلما تجلى ربه
للجبل (بآية من آياته) جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال
سبحانك تبت إليك (يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي) وأنا
أول المؤمنين) منهم بأنك لا ترى، فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن.
والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في كتاب
عيون أخبار الرضا عليه السلام.
ولو أوردت الاخبار التي رويت في معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها
وشرحها وإثبات صحتها، ومن وفقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما
يرد عن الأئمة عليهم السلام بالأسانيد الصحيحة، وسلم لهم ورد الامر فيما اشتبه
عليه إليهم إذ كان قولهم قول الله وأمرهم أمره، وهم أقرب الخلق إلى الله
عز وجل وأعلمهم به صلوات الله عليهم أجمعين.
9 - باب القدرة
1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن

320
إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي إسحاق الخفاف، قال: حدثني عدة
من أصحابنا أن عبد الله الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له: ألك
رب؟ فقال: بلى، قال: قادر؟ قال: نعم قادر، قاهر، قال: يقدر أن
يدخل الدنيا كلها في البيضة لا يكبر البيضة ولا يصغر الدنيا؟ فقال هشام:
النظرة، فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم خرج عنه، فركب هشام إلى أبي
عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال: يا ابن رسول الله أتاني عبد الله
الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك، فقال له أبو عبد
الله عليه السلام: عماذا سألك؟ فقال: قال لي كيت وكيت، فقال أبو عبد الله عليه السلام يا
هشام كم حواسك؟ قال: خمس، فقال: أيها أصغر؟ فقال: الناظر، فقال:
وكم قدر الناظر؟ قال: مثل العدسة أو أقل منها، فقال: يا هشام فانظر
أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضا ودورا
وقصورا وترابا وجبالا وأنهارا، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن الذي قدر أن
يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة 1) لا
يصغر الدنيا ولا يكبر البيضة، فانكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه
ورجليه، وقال: حسبي يا ابن رسول الله فانصرف إلى منزله، وغدا
إليه الديصاني فقال: يا هشام إني جئتك مسلما ولم أجئك متقاضيا
للجواب، فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضيا فهاك الجواب فخرج عنه
الديصاني، فأخبر أن هشاما دخل على أبي عبد الله عليه السلام فعلمه الجواب

321
فمضى عبد الله الديصاني حتى أتى باب أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه
فأذن له، فلما قعد قال له: يا جعفر بن محمد دلني على معبودي، فقال له
أبو عبد الله عليه السلام: ما اسمك؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه، فقال له أصحابه:
كيف لم تخبره باسمك؟! قال: لو كنت قلت له: (عبد الله) كان يقول:
من هذا الذي أنت له عبد؟ فقالوا له: عد إليه فقل له يدلك على معبودك ولا
يسألك عن اسمك، فرجع إليه فقال له: يا جعفر دلني على معبودي ولا
تسألني عن اسمي، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: اجلس، وإذا غلام له صغير
في كفه بيضة يلعب بها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ناولني يا غلام البيضة
فناوله إياها فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد
غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة
وفضة ذائبة، فلا الذهبة المايعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة



(1) التعليقة على كتاب الكافي للسيد الداماد ص 183 - 184.
322
على ما ذكرت ليس من جهة النقص فيها، بل النقص إنما هو في المادة
المفروضة، حيث أنه لاحظ لها من الشيئية والكون، ومن ثم قال أمير
المؤمنين عليه السلام في الاخبار الآتية في هذا الباب: والذي سألت لا يكون أي ليس
داخلا تحت التكوين ليكون متعلقا للقدرة، لان من جملة شرائط التأثير
قبول المادة الأثر الفاعل، ألا ترى أنه سبحانه غير قادر على إيجاد الشريك له لا
لكونه عاجزا عن إيجاده بل لأنه محال في نفسه.
وثالثها: أن السؤال له ظاهر محال في نفسه كما عرفت، وله نحو من
الأنحاء الممكنة، أعني: الادخال الظلي الانطباعي، وهذا ممكن، فمن ثم
تعلقت القدرة به ووجد في الخارج.
ورابعها: أنه عليه السلام لما علم قصور السائل عن الفرق بين الادراكين وله طرف
من العناد، فلو وقع الجواب ناصا على عدم القدرة، لربما زاد في اللجاج، فمن
ثم أجمل عليه السلام في جوابه بما هو محتمل للامرين علما منه بأنه يفحم بهذا، ولذا
لزمه باسمه كما سيأتي (1). وأما ما سيأتي في هذا الباب من سؤال إبليس
لعيسى عليه السلام وسؤال من سأل أمير المؤمنين عليه السلام، فلما علما عليهما السلام بعلمهما وفهمهما
وقع الجواب منهما صريحا في حقيقة السؤال سيما الشيطان، فإنه العالم الدقيق،
ولا يرضى بالأجوبة الاقناعية.
وذكر أبو إسحاق الأسفرائيني أن إبليس جاء إلى إدريس عليه السلام في صورة
إنسان، وهو يخيط ويقول في كل دخلة وخرجة: سبحان الله والحمد لله، فجاءه
بقشرة، فقال: الله تعالى يقدر أن يجعل الدنيا في هذه القشرة، فقال: الله قادر أن
يجعل الدنيا في سم هذه الإبرة، ونخس بالإبرة أحد عينيه، فصار أعور، قال:



(1) راجع بحار الأنوار 4: 141 - 142.
323
تختلط بالذهبة المايعة، هي على حالها لم يخرج منها مصلح فيخبر عن
إصلاحها 1) ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدرى للذكر
خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى لها مدبرا؟
قال: فأطرق مليا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك إمام وحجة من الله على خلقه، وأنا
تائب مما كنت فيه.



(1) في " س ": الأشعري.
(2) في " س ": في.
324
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض
أصحابنا، قال: مر أبو الحسن الرضا عليه السلام بقبر من قبور أهل بيته فوضع
يده عليه، ثم قال: إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئة فجهلوك وقدروك 1)
والتقدير على غير ما به وصفوك 2) وإني برئ يا إلهي من الذين بالتشبيه
طلبوك، ليس كمثلك شئ، إلهي ولن يدركوك، وظاهر ما بهم من نعمتك
دليلهم عليك لو عرفوك، وفي خلقك يا إلهي مندوحة أن يتناولوك 3) بل
سووك بخلقك، فمن ثم لم يعرفوك، واتخذوا بعض آياتك ربا فبذلك
وصفوك، تعاليت ربي عما به المشبهون نعتوك.
3 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: جاء قوم
من وراء النهر إلى أبي الحسن عليه السلام، فقالوا له: جئناك نسألك عن ثلاث

325
مسائل، فان أجبتنا فيها علمنا أنك عالم، فقال: سلوا، فقالوا: أخبرنا عن
الله أين كان، وكيف كان، وعلى أي شئ كان اعتماده؟ فقال: إن الله عز
وجل كيف الكيف فهو بلا كيف، وأين الأين فهو بلا أين، وكان اعتماده
على قدرته، فقالوا: نشهد أنك عالم.
قال مصنف هذا الكتاب: يعني بقوله: (وكان اعتماده على قدرته)
أي على ذاته لان القدرة من صفات ذات الله عز وجل.
4 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي
القاسم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي الكوفي، عن
عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم، عن أحمد بن محسن الميثمي، قال:
كنت عند أبي منصور المتطبب، فقال: أخبرني رجل من أصحابي قال:
كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام، فقال
ابن المقفع: ترون هذا الخلق؟ وأومأ بيده إلى موضع الطواف ما منهم أحد
أوجب له اسم الانسانية إلا ذلك الشيخ الجالس - يعني جعفر بن
محمد عليهما السلام - فأما الباقون فرعاع 1) وبهائم، فقال له ابن أبي العوجاء:
وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال: لأني رأيت عنده
ما لم أر عندهم، فقال ابن أبي العوجاء: ما بد من اختبار ما قلت فيه منه،
فقال له ابن المقفع: لا تفعل، فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك،
فقال: ليس ذا رأيك، ولكنك تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك
إياه المحل الذي وصفت، فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت على

326
هذا فقم إليه، وتحفظ ما استطعت من الزلل، ولا تثن عنانك إلى استرسال
يسلمك إلى عقال 1)، وسمه مالك 2) أو عليك قال: فقام ابن أبي العوجاء،
وبقيت أنا وابن المقفع، فرجع إلينا، فقال: يا ابن المقفع ما هذا ببشر، وإن
كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا ويتروح إذا شاء باطنا فهو
هذا، فقال له: وكيف ذاك؟ فقال: جلست إليه، فلما لم يبق عنده غيري



(1) نهاية ابن الأثير 2: 235.
327
ابتدأني فقال: إن يكن الامر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون
يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم وإن يكن الامر على ما تقولون
وليس كما تقولون فقد استويتم أنتم وهم، فقلت له: يرحمك الله وأي
شئ نقول وأي شئ يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحدا، قال: فكيف
يكون قولك وقولهم واحدا وهم يقولون: إن لهم معادا وثوابا وعقابا
ويدينون بأن للسماء إلها وأنها عمران وأنتم تزعمون أن السماء خراب
ليس فيها أحد.
قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان الامر كما تقول أن يظهر
لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان ولم احتجب عنهم
وأرسل إليهم الرسل؟! ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الايمان به،
فقال لي: ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشوءك
ولم تكن وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضعفك وضعفك بعد قوتك،
وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك، وغضبك
بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك، وحبك بعد بغضك
وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد إبائك، وإبائك بعد عزمك، وشهوتك بعد
كراهتك، وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد
رغبتك، ورجاءك بعد يأسك، ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن
في وهمك، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك، وما زال يعد علي قدرته
التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه.

328
5 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثني سعد بن
عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن
أبي عمير، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن إبليس قال لعيسى
ابن مريم عليه السلام: أيقدر ربك على أن يدخل الأرض بيضة لا يصغر الأرض
ولا يكبر البيضة؟ فقال عيسى عليه السلام: ويلك، إن الله لا يوصف بعجز، ومن
أقدر ممن يلطف الأرض 1) ويعظم البيضة.
6 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب
ابن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل بن
يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز وجل لا يوصف.
قال: وقال زرارة: قال أبو جعفر عليه السلام: إن الله عز وجل لا يوصف وكيف
يوصف وقد قال في كتابه: (وما قدروا الله حق قدره) (1) فلا يوصف
بقدرة إلا كان أعظم من ذلك.
7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن
بشير، عن الحسين بن أبي حمزة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:



(1) الانعام: 91، والحج: 74، والزمر: 67.
329
قال أبي عليه السلام: إن محمد بن علي ابن الحنفية كان رجلا رابط الجأش -
وأشار بيده 1) - وكان يطوف بالبيت فاستقبله الحجاج، فقال: قد هممت
أن أضرب الذي فيه عيناك، قال له محمد: كلا، إن لله تبارك اسمه في
خلقه كل يوم ثلاثمائة لحظة 2) أو لمحة، فلعل إحداهن تكفك عني.
8 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن محمد بن أبي القاسم،
عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن حماد، عن المفضل بن عمر
الجعفي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى لا تقدر قدرته،
ولا يقدر العباد على صفته ولا يبلغون كنه علمه ولا مبلغ عظمته، وليس
شئ غيره، هو نور ليس فيه ظلمة وصدق ليس فيه كذب، وعدل ليس
فيه جور، وحق ليس فيه باطل، كذلك لم يزل ولا يزال أبد الآبدين،

330
وكذلك كان إذ لم يكن أرض ولا سماء ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا
قمر ولا نجوم ولا سحاب ولا مطر ولا رياح، ثم إن الله تبارك وتعالى
أحب أن يخلق خلقا يعظمون عظمته ويكبرون كبرياءه ويجلون جلاله،
فقال: كونا ظلين، فكانا كما قال الله تبارك وتعالى.
قال مصنف هذا الكتاب: معنى قوله: هو نور، أي هو منير وهاد
ومعنى قوله: كونا ظلين، الروح المقدس والملك المقرب 1)، والمراد به أن
الله كان ولا شئ معه، فأراد أن يخلق أنبياءه وحججه وشهداءه، فخلق
قبلهم الروح المقدس وهو الذي يؤيد الله عز وجل به أنبياءه وحججه
وشهداءه صلوات الله عليهم، وهو الذي يحرسهم به من كيد الشيطان
ووسواسه ويسددهم ويوفقهم ويمدهم بالخواطر الصادقة ثم خلق الروح
الأمين الذي نزل على أنبيائه بالوحي منه عز وجل، وقال لهما: كونا
ظلين ظليلين لأنبيائي ورسلي وحججي وشهدائي، فكانا كما قال الله عز
وجل ظلين ظليلين لأنبيائه ورسله وحججه وشهدائه، يعينهم بهما
وينصرهم على أيديهما ويحرسهم بهما، وعلى هذا المعنى قيل للسلطان
العادل: إنه ظل الله في أرضه لعباده، يأوي إليه المظلوم، ويأمن به
الخائف الوجل، ويأمن به السبل، وينتصف به الضعيف من القوي، وهذا
هو سلطان الله وحجته التي لا تخلو الأرض منه إلى أن تقوم الساعة.



(1) بحار الأنوار 46: 132 - 133.
331
9 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي
القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبي أيوب المدني، عن محمد بن
أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل لأمير
المؤمنين عليه السلام: هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر
الدنيا أو يكبر البيضة؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز،
والذي سألتني لا يكون.
10 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن
محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن ابن أبي عمير، عن أبان
ابن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال
البيضة؟ فقال: ويلك، إن الله لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممن يلطف
الأرض ويعظم البيضة.

332
11 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي رحمه الله قال: حدثنا أبي، عن
جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: جاء
رجل إلى الرضا عليه السلام فقال: هل يقدر ربك أن يجعل السماوات والأرض
وما بينهما في بيضة؟ قال: نعم، وفي أصغر من البيضة 1)، قد جعلها في
عينك وهي أقل من البيضة، لأنك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما
بينهما، ولو شاء لأعماك عنها.



(1) بحار الأنوار 25: 21 ح 33.
333
12 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا أبو القاسم العلوي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن محمد بن عرفة،
قال: قلت للرضا عليه السلام خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟ فقال: لا
يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة 1) لأنك إذا قلت: خلق الأشياء
بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئا غيره، وجعلتها آلة له بها خلق
الأشياء، وهذا شرك، وإذا قلت: خلق الأشياء بقدرة فإنما تصفه أنه
جعلها باقتدار عليها وقدرة، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج
إلى غيره.
قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب: إذا قلنا: إن الله لم يزل قادرا
فإنما نريد بذلك نفي العجز عنه، ولا نريد إثبات شئ معه لأنه عز وجل
لم يزل واحدا لا شئ معه، وسأبين الفرق بين صفات الذات وصفات
الافعال في بابه إن شاء الله.
13 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي

334
عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم
ولا خمسة 1) إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين
ما كانوا) (1) فقال: هو واحد، أحدي الذات، بائن من خلقه، وبذاك
وصف نفسه، وهو بكل شئ محيط بالاشراف والإحاطة والقدرة لا
يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك
ولا أكبر بالإحاطة والعلم لا بالذات لان الأماكن محدودة تحويها حدود
أربعة 2) فإذا كان بالذات لزمه الحواية.
14 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رحمه الله قال: حدثني أبي،
عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال:
حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له



(1) المجادلة: 7.
335
المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال:
بلى، فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فأخبرني
عن قول إبراهيم: (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى
ولكن ليطمئن قلبي)؟ (1) قال الرضا عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى كان
أوحى إلى إبراهيم عليه السلام أني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء
الموتى أجبته، فوقع في نفس إبراهيم عليه السلام أنه ذلك الخليل، فقال:
رب أرني كيف تحيي الموتى قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن
ليطمئن قلبي على الخلة 1) قال: (فخذ أربعة من الطير فصرهن



(1) البقرة: 260.
(2) مجمع البيان 1: 372.
336




(1) بحار الأنوار 12: 64.
337
إليك 1) ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم
أن الله عزيز حكيم فأخذ إبراهيم عليه السلام نسرا وبطا وطاووسا وديكا 2)
فقطعهن قطعا صغارا، ثم جعل على كل جبل من الجبال التي كانت
حوله - وكانت عشرة - منهن جزءا، وجعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم
دعاهن بأسمائهن، ووضع عنده حبا وماء، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها
إلى بعض حتى استوت الأبدان، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته
ورأسه، فخلى إبراهيم عن مناقيرهن فطرن، ثم وقفن فشربن من ذلك
الماء والتقطن من ذلك الحب، وقلن: يا نبي الله أحييتنا أحياك الله، فقال
إبراهيم عليه السلام: بل الله يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير، قال
المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن. والحديث طويل أخذنا منه موضع
الحاجة.



(1) التفسير الكبير 7: 38 - 39.
(2) بحار الأنوار 12: 65 ح 11 عنه.
(3) بحار الأنوار 12: 63 ح 9.
338
15 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن
عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي الخزاز، عن مثنى الحناط
عن أبي جعفر - أظنه محمد بن نعمان - قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام



(1) بحار الأنوار 12: 62 ح 7.
339
عن قول الله عز وجل (وهو الله في السماوات وفي الأرض) 1) (1) قال:
كذلك هو في كل مكان، قلت: بذاته؟ قال: ويحك إن الأماكن



(1) الانعام: 3.
(2) نهج البلاغة ص 235، رقم الخطبة: 165.
340
أقدار: فإذا قلت: في مكان بذاته لزمك أن تقول في أقدار وغير ذلك
ولكن هو بائن من خلقه، محيط بما خلق علما وقدرة وإحاطة وسلطانا
وملكا، وليس علمه بما في الأرض بأقل مما في السماء، لا يبعد منه
شئ، والأشياء له سواء علما وقدرة وسلطانا وملكا وإحاطة.
16 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن
أبي عمير، عن هشام بن الحكم، قال: قال أبو شاكر الديصاني: إن في
القرآن آية هي قوة لنا، قلت: وما هي؟ فقال: (وهو الذي في السماء إله
وفي الأرض إله) (1) فلم أدر بما أجيبه، فحججت 1) فخبرت أبا عبد الله عليه السلام قد س سره (
فقال: هذا كلام زنديق خبيث، إذا رجعت إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة،
فإنه يقول فلان فقل: ما اسمك بالبصرة، فإنه يقول فلان، فقل: كذلك الله
ربنا في السماء إله وفي الأرض إله وفي البحار إله وفي كل مكان إله،
قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته فقال: هذه نقلت من الحجاز.
17 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد



(1) الزخرف: 84.
(2) أنوار التنزيل في تفسير القرآن للقاضي البيضاوي 1: 370.
341
ابن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن الحسن بن محبوب، عن مقاتل
ابن سليمان، قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: لما صعد موسى عليه السلام إلى
الطور فنادى ربه عز وجل قال: يا رب أرني خزائنك، فقال: يا موسى
إنما خزائني إذا أردت شيئا أن أقول له: كن فيكون.
قال مصنف هذا الكتاب: من الدليل على أن الله عز وجل قادر: أن
العالم لما ثبت أنه صنع الصانع ولم نجد أن يصنع الشئ من ليس بقادر
عليه بدلالة أن المقعد لا يقع منه المشي والعاجز لا يتأتى له الفعل صح أن
الذي صنعه قادر، ولو جاز غير ذلك لجاز منا الطيران مع فقد ما يكون به
من الآلة، ولصح لنا الادراك وإن عدمنا الحاسة. فلما كان إجازة هذا
خروجا عن المعقول كان الأول مثله.
10 - باب العلم
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران، عن
عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن سليمان بن سفيان، قال: حدثني أبو
علي القصاب، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فقلت: الحمد لله منتهى
علمه، فقال: لا تقل ذلك، فإنه ليس لعلمه منتهى.
2 - أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قالا: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد،

342
عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن الكاهلي، قال: كتبت
إلى أبي الحسن عليه السلام في دعاء:
(الحمد لله منتهى علمه) فكتب إلي: لا تقولن منتهى علمه، ولكن قل:
منتهى رضاه 1).
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن جعفر الأسدي، قال: حدثني موسى بن عمران، عن الحسين

343
ابن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: العلم هو من كماله 1).
4 أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن
ابن أبي عمير، عن أبي الحسن الصيرفي، عن بكار الواسطي، عن أبي
حمزة الثمالي، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام في العلم، قال:
هو كيدك منك 2).
قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب: يعني أن العلم ليس هو غيره



(1) بحار الأنوار 4: 84.
344
وأنه من صفات ذاته لان الله عز وجل ذات علامة سميعة بصيرة، وإنما
نريد بوصفنا إياه بالعلم نفي الجهل عنه، ولا نقول: إن العلم غيره، لأنا
متى قلنا ذلك ثم قلنا إن الله لم يزل عالما أثبتنا معه شيئا قديما لم يزل،
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
5 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن
ابن أبي عمير، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت
له: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس كان في علم الله؟
قال: فقال: بلى قبل أن يخلق السماوات والأرض.
6 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن
أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن علي بن إسماعيل، وإبراهيم بن
هاشم جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، قال:
سألته - يعني أبا عبد الله عليه السلام - هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم
الله عز وجل؟ قال: لا، بل كان في علمه قبل أن ينشئ السماوات
والأرض.
7 - حدثنا الحسن بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، قال:
حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس،
عن أبي الحسن، عن جابر، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إن الله تباركت
أسماؤه وتعالى في علو كنهه أحد، توحد بالتوحيد في توحيده 1)، ثم

345
أجراه على خلقه، فهو أحد، صمد ملك قدوس، يعبده كل شئ ويصمد
إليه، وفوق الذي عسينا أن نبلغ ربنا، وسع ربنا كل شئ علما.
8 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، قال: حدثنا أحمد بن
الفضل بن المغيرة، قال: حدثنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم
الاصفهاني، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن بشار،
عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: سألته أيعلم الله الشئ
الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون أو لا يعلم إلا ما يكون؟ فقال:
إن الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء، قال الله عز وجل: (إنا
كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) 1) (1) وقال لأهل النار: (ولو ردوا لعادوا لما
نهوا عنه وإنهم لكاذبون) (2) فقد علم الله عز وجل أنه لو ردهم لعادوا لما
نهوا عنه، وقال للملائكة لما قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك
الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) (3)
فلم يزل الله عز وجل علمه سابقا للأشياء قديما قبل أن يخلقها، فتبارك
ربنا تعالى علوا كبيرا خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء، كذلك
لم يزل ربنا عليما سميعا بصيرا.



(1) الجاثية: 29.
(2) الانعام: 28.
(3) البقرة: 30.
346
9 - وبهذا الاسناد، عن علي بن عبد الله، قال: حدثنا صفوان بن يحيى،
عن عبد الله بن مسكان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى
أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان، أم علمه عندما خلقه وبعد ما
خلقه؟ فقال: تعالى الله، بل لم يزل عالما بالمكان قبل تكوينه كعلمه به
بعد ما كونه، وكذلك علمه بجميع الأشياء 1) كعلمه بالمكان.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: من الدليل على أن الله تبارك وتعالى
عالم أن الافعال المختلفة التقدير، المتضادة التدبير، المتفاوتة الصنعة لا
تقع على ما ينبغي أن يكون عليه من الحكمة ممن لا يعلمها، ولا يستمر
على منهاج منتظم ممن يجهلها، ألا ترى أنه لا يصوغ قرطا يحكم صنعته
ويضع كلا من دقيقه وجليله موضعه من لا يعرف الصياغة، ولا أن ينتظم
كتابة يتبع كل حرف منها ما قبله من لا يعلم الكتابة، والعالم ألطف صنعة
وأبدع تقريرا مما وصفناه، فوقوعه من غير عالم بكيفيته قبل وجوده أبعد
وأشد استحالة. وتصديق ذلك:
10 - ما حدثنا به عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رحمه الله، قال:

347
حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، قال:
سمعت الرضا علي بن موسى عليهما السلام يقول في دعائه: سبحان من خلق
الخلق بقدرته، وأتقن ما خلق بحكمته، ووضع كل شئ منه موضعه
بعلمه، سبحان من يعلم خائنة الأعين 1) وما تخفي الصدور، وليس كمثله
شئ وهو السميع البصير.
11 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن
ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن منصور الصيقل، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن الله علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور لا ظلمة فيه.
12 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن
عبد الرحمن، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: روينا أن الله علم لا
جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور لا ظلمة فيه، قال: كذلك هو.



(1) معاني الأخبار ص 147.
(2) سورة غافر: 19.
348
13 - حدثنا محمد بن أحمد الحسن بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام
ابن الحكم، عن عيسى بن أبي منصور، عن جابر الجعفي، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله نور لا ظلمة فيه، وعلم لا جهل
فيه، وحياة لا موت فيه.
14 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن
جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن ابن
سنان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: إن لله تعالى علما خاصا،
وعلما عاما، فأما العلم الخاص فالعلم الذي لم يطلع عليه ملائكته
المقربين وأنبياءه المرسلين، وأما علمه العام، فإنه علمه الذي أطلع عليه
ملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين، وقد وقع إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله.
15 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن جعفر الأسدي، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن
يزيد، عن زيد بن المعدل النميري وعبد الله بن سنان، عن جابر، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: إن لله لعلما لا يعلمه غيره، وعلما يعلمه ملائكته
المقربون وأنبياؤه المرسلون، ونحن نعلمه.

349
16 - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن يزيد، عن يحيى بن أبي يحيى،
عن عبد الله بن الصامت، عن عبد الاعلى، عن العبد الصالح موسى
ابن جعفر عليهما السلام، قال: علم الله لا يوصف منه بأين 1)، ولا يوصف العلم من
الله بكيف 2)، ولا يفرد العلم من الله، ولا يبان الله منه، وليس بين الله وبين
علمه حد 3).



(1) مجمع البيان 4: 519.
(2) مجمع البيان 4: 519.
350
11 - باب صفات الذات وصفات الافعال
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن محمد بن خالد الطيالسي الخزاز الكوفي، عن صفوان بن
يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: لم يزل الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم 1)، والسمع ذاته ولا
مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور، فلما أحدث
الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم 2)، والسمع على

351
المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور، قال: قلت: فلم
يزل الله متكلما؟ قال: إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية 1)، كان الله عز
وجل ولا متكلم.

352
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا
محمد بن عيسى، عن إسماعيل بن سهل، عن حماد بن عيسى، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: لم يزل الله يعلم؟ قال: إي يكون يعلم ولا
معلوم 1)، قال: قلت: فلم يزل الله يسمع؟ قال: إي يكون ذلك ولا

353
مسموع، قال: قلت: فلم يزل يبصر؟ قال: إي يكون ذلك ولا مبصر،
قال: ثم قال: لم يزل الله عليما سميعا بصيرا، ذات علامة سميعة بصيرة.
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي،
قال: حدثنا الفضل بن سليمان الكوفي، عن الحسين بن الخالد، قال:
سمعت الرضا علي بن موسى عليهما السلام يقول: لم يزل الله تبارك وتعالى عليما
قادرا حيا قديما سميعا بصيرا، فقلت له: يا ابن رسول الله إن قوما

354
يقولون: إنه عز وجل لم يزل عالما بعلم، وقادرا بقدرة، وحيا بحياة 1)
وقديما بقدم، وسميعا بسمع، وبصيرا ببصر، فقال عليه السلام: من قال ذلك
ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى، وليس من ولايتنا على شئ، ثم
قال عليه السلام: لم يزل الله عز وجل عليما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا لذاته،



(1) بحار الأنوار 4: 62.
355
تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علوا كبيرا 1).
4 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي
ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هارون بن
عبد الملك، قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن التوحيد، فقال: هو عز وجل
مثبت موجود، لا مبطل ولا معدود، ولا في شئ من صفة المخلوقين،
وله عز وجل نعوت وصفات، فالصفات له، وأسماؤها جارية على
المخلوقين 2) مثل السميع والبصير والرؤوف والرحيم وأشباه ذلك،
والنعوت نعوت الذات لا تليق إلا بالله تبارك وتعالى، والله نور لا ظلام
فيه 3)، وحي لا موت له 4)، وعالم لا جهل فيه، وصمد لا مدخل فيه، ربنا



(1) بحار الأنوار 4: 63 عنه.
356
نوري الذات حي الذات، عالم الذات، صمدي الذات.
5 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثني عمي محمد بن
أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن
النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:
إن الله تبارك وتعالى كان ولا شئ غيره، نورا لا ظلام فيه وصادقا لا
كذب فيه وعالما لا جهل فيه، وحيا لا موت فيه، وكذلك هو اليوم،
وكذلك لا يزال أبدا.
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن
محمد بن أورمة، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، عن عبد الله بن الصامت،
عن عبد الاعلى، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام قال: إن الله - لا
إله إلا هو - كان حيا بلا كيف ولا أين، ولا كان في شئ، ولا كان على
شئ، ولا ابتدع لمكانه مكانا 1) ولا قوي بعد ما كون الأشياء، ولا يشبهه
شئ يكون، ولا كان خلوا من القدرة على الملك قبل إنشائه، ولا يكون
خلوا من القدرة بعد ذهابه، كان عز وجل إلها حيا بلا حياة حادثة، ملكا
قبل أن ينشئ شيئا ومالكا بعد إنشائه، وليس لله حد، ولا يعرف بشئ

357
يشبهه، ولا يهرم للبقاء، ولا يصعق لذعرة شئ 1) ولخوفه تصعق الأشياء
كلها، وكان الله حيا بلا حياة حادثة، ولا كون موصوف، ولا كيف
محدود، ولا أين موقوف 2) ولا مكان ساكن بل حي لنفسه، ومالك لم
يزل له القدرة، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيته وقدرته، كان أولا بلا كيف،
ويكون آخرا بلا أين، وكل شئ هالك إلا وجهه، له الخلق والامر 3)
تبارك رب العالمين.
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن
علي بن الحسن بن محمد، عن خالد بن يزيد، عن عبد الاعلى، عن أبي



(1) أصول الكافي 1: 89 ح 3.
(2) في " س ": متوقفا.
358
عبد الله عليه السلام قال: اسم الله غير الله، وكل شئ وقع عليه اسم شئ فهو
مخلوق 1) ما خلا الله، فأما ما عبرت الألسن عنه أو عملت الأيدي فيه فهو
مخلوق والله غاية من غاياه، والمغيى غير الغاية 2)، والغاية موصوفة،
وكل موصوف مصنوع، وصانع الأشياء غير موصوف بحد مسمى 3)، لم
يتكون فتعرف كينونته بصنع غيره 4) ولم يتناه إلى غاية إلا كانت



(1) أصول الكافي 1: 113 ح 4.
359
غيره 1)، لا يذل من فهم هذا الحكم 2) أبدا وهو التوحيد الخالص،
فاعتقدوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله عز وجل، ومن زعم أنه يعرف الله
بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك 3) لان الحجاب والمثال والصورة
غيره وإنما هو واحد موحد، فكيف يوحد من زعم أنه عرفه بغيره، إنما
عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يعرف غيره،
والله خالق الأشياء لا من شئ، يسمى بأسمائه فهو غير أسمائه والأسماء
غيره، والموصوف غير الواصف فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضال
عن المعرفة، لا يدرك مخلوق شيئا إلا بالله، ولا تدرك معرفة الله إلا بالله،

360
والله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، إذا أراد الله شيئا كان كما أراد بأمره
من غير نطق، لا ملجأ لعباده مما قضى، ولا حجة لهم فيما ارتضى، لم
يقدروا على عمل ولا معالجة مما أحدث في أبدانهم المخلوقة إلا بربهم،



(1) شرح أصول الكافي لصدر المتألهين ص 288.
(2) بحار الأنوار 4: 163 - 165.
361




(1) في " س ": مثلا.
(2) أصول الكافي 1: 85.
(3) سورة الشورى: 11.
362
فمن زعم أنه يقوى على عمل لم يرده الله عز وجل 1) فقد زعم أن إرادته
تغلب إرادة الله تبارك الله رب العالمين.
قال مصنف هذا الكتاب: معنى ذلك أن من زعم أنه يقوى على عمل
لم يرده الله أن يقويه عليه فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله، تبارك الله
رب العالمين.
8 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثني عمي محمد
ابن أبي القاسم، قال: حدثني محمد بن علي الصيرفي الكوفي، قال:
حدثني محمد بن سنان، عن أبان بن عثمان الأحمر، قال: قلت للصادق
جعفر بن محمد عليهما السلام: أخبرني عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بصيرا
عليما قادرا؟ قال: نعم، فقلت له: إن رجلا ينتحل موالاتكم أهل البيت
يقول: إن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بسمع وبصيرا ببصر وعليما بعلم
وقادرا بقدرة، فغضب عليه السلام، ثم قال: من قال ذلك ودان به فهو



(1) في " ن ": الجارية.
363
مشرك 1) وليس من ولايتنا على شئ، إن الله تبارك وتعالى ذات علامة
سميعة بصرة قادرة.
9 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم،
عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن
مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: من صفة القديم أنه واحد، أحد،
صمد، أحدي المعنى، وليس بمعان كثيرة مختلفة، قال: قلت: جعلت
فداك يزعم قوم من أهل العراق أنه يسم بغير الذي يبصر، ويبصر بغير
الذي يسمع، قال: فقال: كذبوا وألحدوا وشبهوا، تعالى الله عن ذلك، إنه
سميع بصير، يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع، قال: قلت: يزعمون أنه
بصير على ما يعقلونه 2)، قال: فقال: تعالى الله، إنما يعقل ما كان بصفة
المخلوقين، وليس الله كذلك.
10 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو، عن هشام بن الحكم، قال في

364
حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله عليه السلام أنه قال له: أتقول: إنه سميع
بصير؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: هو سميع بصير، سميع بغير جارحة،
وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، وليس قولي: إنه يسمع
بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر 1)، ولكني أردت عبارة عن نفسي إذ
كنت مسؤولا، وإفهاما لك إذ كنت سائلا، فأقول: يسمع بكله، لا أن كله
له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في
ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف
المعنى.
11 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن
أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد
الصمد بن بشير، عن فضيل بن سكرة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:
جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني هل كان الله جل ذكره يعلم قبل أن يخلق
الخلق أنه وحده؟ فقد اختلف مواليك، فقال بعضهم: قد كان يعلم تبارك
وتعالى أنه وحده قبل أن يخلق شيئا من خلقه، وقال بعضهم: إنما معنى

365
يعلم يفعل 1)، فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل فعل الأشياء، وقالوا: إن

366
أثبتنا أنه لم يزل عالما بأنه لا غيره 1) فقد أثبتنا معه غيره في أزليته، فإن
رأيت يا سيدي أن تعلمني مالا أعدوه إلى غيره، فكتب عليه السلام: ما زال الله
تعالى عالما تبارك وتعالى ذكره.
12 - أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن



(1) بحار الأنوار 4: 87.
367
محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: كان الله ولا
شئ غيره، ولم يزل عالما بما كون، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد ما
كونه.
13 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد
ابن عبد الله، عن أيوب بن نوح أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن
الله عز وجل أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها، أو لم يعلم
ذلك حتى خلقها وأراد خلقها وتكوينها، فعلم ما خلق عندما خلق وما
كون عندما كون؟ فوقع عليه السلام بخطه: لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن
يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعدما خلق الأشياء.
14 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله جميعا، عن أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن أبيه، والحسين بن سعيد، ومحمد بن خالد البرقي، عن
ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام
فقال لي: أتنعت الله فقلت: نعم، قال: هات، فقلت: هو السميع البصير
قال: هذه صفة يشترك فيها المخلوقون 1) قلت: فكيف تنعته؟ فقال: هو
نور لا ظلمة فيه، وحياة لا موت فيه، وعلم لا جهل فيه، وحق لا باطل
فيه. فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد.

368
15 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
الحسين بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم
ابن حميد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: لم يزل الله مريدا؟ فقال:
إن المريد لا يكون إلا لمراد معه، بل لم يزل عالما قادرا ثم أراد 1).
16 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي،
عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن علي بن أسباط، عن
الحسن بن الجهم، عن بكير بن أعين، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: علم
الله ومشيته هما مختلفان أم متفقان؟ فقال: العلم ليس هو المشية، ألا
ترى أنك تقول: سأفعل كذا إن شاء الله 2)، ولا تقول سأفعل كذا إن علم الله،

369
فقولك إن شاء الله دليل على أنه لم يشأ، فإذا شاء كان الذي شاء 1) كما
شاء، وعلم الله سابق للمشية 2).
17 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، عن أبيه، عن محمد



(1) في البحار: الإرادة.
(2) بحار الأنوار 4: 144.
370
ابن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام:
أخبرني عن الإرادة من الله ومن المخلوق، قال: فقال: الإرادة من المخلوق
الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل 1)، وأما من الله عز وجل فإرادته
إحداثه لاغير ذلك 2) لأنه لا يروي، ولا يهم، ولا يتفكر، وهذه الصفات



(1) بحار الأنوار 4: 137.
371




(1) بحار الأنوار 4: 137 - 138 عنه.
372
منفية عنه، وهي من صفات الخلق، فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك يقول
له: كن فيكون، بلا لفظ ولا نطق بلسان، ولا همة ولا تفكر، ولا كيف
لذلك 1) كما أنه بلا كيف.



1) أي: لا صفة حقيقة لقوله ذلك وإرادته، كما أنه لا كيف لذاته، أو لا
بحار الأنوار 4: 138 - 139 عن الشيخ المفيد.
373
18 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمد بن مسلم،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المشية محدثة.
19 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خلق الله المشية
بنفسها، ثم خلق الأشياء بالمشية 1).



(1) بحار الأنوار 4: 146 عنه. والوافي 1: 458 عنه.
(2) الوافي 1: 458.
374




(1) في الوافي: بالشائي.
(2) في الوافي: بالمشئ.
(3) في الوافي: بين الشائي والمشئ.
(4) الوافي 1: 458 - 459.
375




(1) بحار الأنوار 4: 146 - 147 عن بعض المحققين.
376
قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب رضي الله عنه: إذا وصفنا الله تبارك
وتعالى 1) بصفات الذات فإنما ننفي عنه بكل صفة منها ضدها، فمتى



(1) بحار الأنوار 4: 145 - 146.
377
قلنا: إنه حي نفينا عنه ضد الحياة وهو الموت، ومتى قلنا: إنه عليم نفينا
عنه ضد العلم وهو الجهل، ومتى قلنا: إنه سميع نفينا عنه ضد السمع وهو
الصمم، ومتى قلنا: بصير نفينا عنه ضد البصر وهو العمى، ومتى قلنا:
عزيز نفينا عنه ضد العزة وهو الذلة، ومتى قلنا: حكيم نفينا عنه ضد
الحكمة وهو الخطأ، ومتى قلنا: غني نفينا عنه ضد الغنى وهو الفقر،
ومتى قلنا: عدل نفينا عنه الجور والظلم، ومتى قلنا: حليم نفينا عنه
العجلة، ومتى قلنا: قادر نفينا عنه العجز، ولو لم نفعل ذلك أثبتنا معه
أشياء لم تزل معه، ومتى قلنا: لم يزل حيا عليما سميعا بصيرا عزيزا
حكيما غنيا ملكا حليما عدلا كريما، فلما جعلنا معنى كل صفة من هذه
الصفات التي هي صفات ذاته نفي ضدها أثبتنا أن الله لم يزل واحدا لا
شئ معه وليست الإرادة والمشية والرضا والغضب وما يشبه ذلك من
صفات الافعال بمثابة صفات الذات، لأنه لا يجوز أن يقال: لم يزل الله
مريدا شائيا كما يجوز أن يقال: لم يزل الله قادرا عالما.

378
12 - باب تفسير قول الله عز وجل
(كل شئ هالك إلا وجهه)
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله: قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن
يونس، عن جليس لأبي حمزة، عن أبي حمزة، قال: قلت لأبي
جعفر عليه السلام: قول الله عز وجل (كل شئ هالك إلا وجهه)؟ (1) قال:
فيهلك كل شئ ويبقى الوجه، إن الله عز وجل أعظم من أن يوصف
بالوجه، ولكن معناه كل شئ هالك إلا دينه والوجه الذي يؤتى منه.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان بن يحيى،
عن أبي سعيد المكاري، عن أبي بصير، عن الحارث بن المغيرة النصري
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (كل شئ هالك إلا
وجهه) قال: كل شئ هالك إلا من أخذ طريق الحق.
3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن محمد بن يحيى العطار،
عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن صفوان
الجمال، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (كل شئ هالك إلا
وجهه) قال: من أتى الله بما امر به من طاعة محمد والأئمة من بعده
صلوات الله عليهم فهو الوجه الذي لا يهلك، ثم قرأ: (من يطع الرسول



(1) القصص: 88.
379
فقد أطاع الله (1).
4 - وبهذا الاسناد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: نحن وجه الله الذي لا
يهلك.
5 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن
ربيع الوراق، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله
عز وجل: كل شئ هالك إلا وجهه قال: نحن 1).
6 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن سهل
ابن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن سنان، عن أبي سلام، عن
بعض أصحابنا، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: نحن المثاني التي أعطاها الله



(1) النساء: 80.
380
نبينا صلى الله عليه وآله 1)



(1) سورة الحجر: 87.
(2) في " س ": بعضها.
381




(1) سورة الحجر 87.
382
ونحن وجه 1) الله نتقلب في الأرض بين أظهركم 2)، عرفنا من عرفنا،
ومن جهلنا فأمامه اليقين 3).



(1) كذا في النسختين، وفي التفسير: سبعا من المثاني.
(2) تفسير العياشي 2: 250 - 251 ح 37 و 38 و 39 و 41.
(3) بحار الأنوار 24: 118 ح 10.
(4) سورة البقرة: 189.
(5) بحار الأنوار 100: 119.
383
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: معنى قوله: نحن المثاني أي نحن الذين
قرننا النبي صلى الله عليه وآله إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا 1)، فأخبر أمته
بأن لا نفترق حتى نرد عليه حوضه.
7 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن علي بن سيف، عن أخيه الحسين بن سيف، عن أبيه سيف بن
عميرة النخعي، عن خيثمة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز
(وجل كل شئ هالك إلا وجهه) قال: دينه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله
وأمير المؤمنين عليه السلام دين الله، ووجهه وعينه في عباده 2)، ولسانه الذي
ينطق به، ويده على خلقه 3)، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه، لن نزال في
عباده ما دامت لله فيهم روية 4)، قلت: وما الروية؟ قال: الحاجة فإذا



(1) راجع بحار الأنوار 23: 106 - 118.
(2) نهاية ابن الأثير 3: 332.
384
لم يكن لله فيهم حاجة رفعهم إليه 1) وصنع ما أحب.
8 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا بكر، عن الحسن بن سعيد،
عن الهيثم بن عبد الله، عن مروان بن صباح، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
إن الله عز وجل خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا
عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده
بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزانه
في سمائه وأرضه 2) بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار،



(1) القاموس المحيط 1: 77.
(2) سورة الأنعام: 158.
385
وبنا نزل غيث السماء ونبت عشب الأرض، بعبادتنا عبد الله، لولا نحن ما
عبد الله 1).
9 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن
جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب،
عن عبد العزيز، عن ابن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله
واحد، أحد، متوحد بالوحدانية، متفرد بأمره، خلق خلقا ففوض إليهم
أمر دينه، فنحن هم 2)، يا ابن أبي يعفور نحن حجة الله في عباده،
وشهداؤه على خلقه، وامناؤه على وحيه، وخزانه على علمه، ووجهه
الذي يؤتى منه، وعينه في بريته، ولسانه الناطق، وقلبه الواعي،

386
وبابه الذي يدل عليه، ونحن العاملون بأمره، والداعون إلى سبيله، بنا
عرف الله، وبنا عبد الله، نحن الادلاء على الله، ولولانا ما عبد الله.
10 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أبو سعيد الحسن
ابن علي بن الحسين السكري، قال: حدثنا الحكم بن أسلم، قال: حدثنا
ابن علية عن الجريري، عن أبي الورد بن ثمامة، عن علي عليه السلام، قال:
سمع النبي صلى الله عليه وآله: رجلا يقول لرجل: قبح الله وجهك ووجه من
يشبهك، فقال صلى الله عليه وآله: مه، لا تقل هذا، فإن الله خلق آدم على صورته.
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: تركت المشبهة من هذا الحديث أوله
وقالوا: إن الله خلق آدم على صورته، فضلوا في معناه وأضلوا.



(1) هذا التحقيق إلى نهاية التعليقة مأخوذ من البحار 25: 347 - 350.
387
11 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي
ابن إبراهيم هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد،
قال: قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله خلق آدم على صورته، فقال: قاتلهم الله، لقد
حذفوا أول الحديث، إن رسول الله صلى الله عليه وآله مر برجلين يتسابان، فسمع
أحدهما يقول لصاحبه: قبح الله وجهك ووجه من يشبهك، فقال صلى الله عليه وآله: يا
عبد الله لا تقل هذا لأخيك، فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته.



(1) سورة النجم: 3.
388
13 - باب تفسير قول الله عز وجل:
(يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي،
قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا بكر، عن أبي عبد الله
البرقي، عن عبد الله بن بحر، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم،
قال: سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت: قوله عز وجل: (يا إبليس ما منعك أن
تسجد لما خلقت بيدي) (1)؟ فقال: اليد في كلام العرب القوة والنعمة،



(1) سورة ص: 75.
(2) بحار الأنوار 25: 348 - 349 عن الفقيه.
(3) سورة الحشر: 7.
389
قال: (واذكر عبدنا داود ذا الأيد) 1) (1) وقال: (والسماء بنيناها بأيد) (2)
أي بقوة وقال (وأيدهم بروح منه) (3) أي قواهم ويقال:



(1) ص: 17.
(2) الذاريات: 47.
(3) المجادلة: 22.
(4) بحار الأنوار 25: 349.
(5) بحار الأنوار 25: 347 - 350.
390
لفلان عندي أيادي كثيرة أي فواضل وإحسان، وله عندي يد بيضاء أي
نعمة.
2 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن يعقوب الكليني، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن علي بن سيف، عن محمد بن عبيدة، قال: سألت
الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل لإبليس: (ما منعك أن تسجد لما
خلقت بيدي استكبرت)؟ قال: يعني بقدرتي وقوتي 1).



(1) مجمع البيان 4: 469.
391
قال مصنف هذا الكتاب: سمعت بعض مشايخ الشيعة بنيسابور يذكر
في هذه الآية أن الأئمة عليهم السلام كانوا يقفون على قوله: (ما منعك أن تسجد
لما خلقت) ثم يبتدئون بقوله عز وجل: (بيدي استكبرت أم كنت من
العالين) وقال: هذا مثل قول القائل: بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني،
كأنه يقول عز وجل: بنعمتي قويت على الاستكبار والعصيان.
14 - باب تفسير قول الله عز وجل:
(يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) (1)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي،
قال: حدثنا الحسين بن الحسن، عن بكر، عن الحسين بن سعد، عن أبي
الحسن عليه السلام في قوله عز وجل: (يوم يكشف عن ساق) قال: حجاب
من نور يكشف، فيقع المؤمنون سجدا، وتدمج أصلاب المنافقين فلا
يستطيعون السجود.
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن
ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي
عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: (يوم يكشف عن ساق) قال: تبارك
الجبار 1)، ثم أشار إلى ساقه فكشف عنها الإزار، قال: ويدعون إلى



(1) القلم: 42.
392
السجود 1) فلا يستطيعون، قال: افحم القوم 2) ودخلتهم الهيبة وشخصت
الابصار، وبلغت القلوب الحناجر، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا
يدعون إلى السجود وهم سالمون 3).



(1) في " ن ": سوقهم.
393
إلى ساقه فكشف عنها الإزار، يعني به: تبارك الجبار أن يوصف بالساق
الذي هذا صفته.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد
ابن أبي نصر، عن الحسين بن موسى، عن عبيد بن زرارة، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: (يوم يكشف عن ساق)
قال: كشف إزاره عن ساقه، ويده الأخرى على رأسه فقال: سبحان ربي الأعلى.
قال مؤلف هذا الكتاب: معنى قوله: سبحان ربي الأعلى تنزيه لله
عز وجل أن يكون له ساق.



(1) صحيح البخاري 6: 72. مختصر من الحديث، وكتاب الجمع بين الصحيحين لم يطبع
بعد.
394
15 باب تفسير قول الله عز وجب:
(الله نور السماوات والأرض - إلى آخر الآية) (1)
1 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن
يزيد، عن العباس بن هلال، قال: سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل:
(الله نور السماوات والأرض) فقال: هاد لأهل السماء وهاد لأهل
الأرض 1). وفي رواية البرقي: هدى من في السماوات وهدى من في
الأرض.



(1) النور: 35.
395
قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تفسر هذه الآية على أنه ضياء
السماوات والأرض، ولو كان كذلك لما جاز أن توجد الأرض مظلمة في
وقت من الأوقات لا بالليل ولا بالنهار، لان الله هو نورها وضياؤها على
تأويلهم وهو موجود غير معدوم، فوجودنا الأرض مظلمة بالليل ووجودنا
داخلها أيضا مظلما بالنهار يدل على أن تأويل قوله: (الله نور السماوات
والأرض) هو ما قاله الرضا عليه السلام دون تأويل المشبهة، فإنه عز وجل هاد
لأهل السماوات والأرض، المبين لأهل السماوات والأرض أمور دينهم
ومصالحهم، فلما كان بالله وبهداه يهتدي أهل السماوات والأرض إلى
صلاحهم وأمور دينهم كما يهتدون بالنور الذي خلق الله لهم في السماوات
والأرض إلى صلاح دنياهم قال: إنه نور السماوات والأرض على هذا
المعنى، وأجرى على نفسه هذا الاسم توسعا ومجازا، لان العقول دالة
على أن الله عز وجل لا يجوز أن يكون نورا ولا ضياء ولا من جنس
الأنوار والضياء، لأنه خالق الأنوار وخالق جميع أجناس الأشياء، وقد دل
على ذلك أيضا قوله: مثل نوره وإنما أراد به صفة نوره، وهذا النور
هو غيره، لأنه شبهه بالمصباح وضوئه الذي ذكره ووصفه في هذه الآية، ولا
يجوز أن يشبه نفسه بالمصباح، لان الله لا شبه له ولا نظير، فصح أن نوره
الذي شبهه بالمصباح إنما هو دلالته أهل السماوات والأرض على مصالح
دينهم وعلى توحيد ربهم وحكمته وعدله، ثم بين وضوح دلالته هذه
وسماها نورا من حيث يهتدي بها عباده إلى دينهم وصلاحهم، فقال: مثله
كمثل كوة وهي المشكاة فيها المصباح والمصباح هو السراج في زجاجة
صافية شبيهة بالكوكب الدري في صفائه، والكوكب الدري هو الكوكب

396
المشبه بالدر في لونه، وهذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية
يتوقد من زيت زيتونة مباركة، وأراد به زيتون الشام لأنه يقال: إنه بورك
فيه لأهله وعنى عز وجل بقوله: (لا شرقية ولا غربية) أن هذه الزيتونة
ليست بشرقية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الغروب، ولا غربية فلا
تسقط الشمس عليها فوقت الطلوع، بل هي في أعلى شجرها
والشمس تسقط عليها في طول نهارها فهو أجود لها وأضوء لزيتها، ثم
أكد وصفه لصفاء زيتها فقال: (يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار) لما
فيها من الصفاء فبين أن دلالات الله التي بها دل عباده في السماوات والأرض
على مصالحهم وعلى أمور دينهم هي في الوضوح والبيان بمنزلة هذا
المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية ويتوقد بها الزيت الصافي الذي
وصفه، فيجتمع فيه ضوء النار مع ضوء الزجاجة وضوء الزيت وهو معنى
قوله: (نور على نور) وعنى بقوله عز وجل: (يهدي الله لنوره من يشاء يعني)
توحيد ربهم وسائر أمور دينهم، وقد دل الله عز وجل بهذه الآية وبما ذكره
من وضوح دلالاته وآياته التي دل بها عباده على دينهم أن أحدا منهم لم
يؤت فيما صار إليه من الجهل ومن تضييع الدين لشبهة ولبس دخلا عليه
في ذلك من قبل الله عز وجل، إذ كان الله عز وجل قد بين لهم دلالاته
وآياته على سبيل ما وصف، وإنهم إنما أوتوا في ذلك من قبل أنفسهم
بتركهم النظر في دلالات الله واستدلال بها على الله عز وجل وعلى صلاحهم
في دينهم، وبين أنه بكل شئ من مصالح عباده ومن غير ذلك عليم.

397
2 - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: (الله
نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) فقال: هو مثل
ضربه الله لنا، فالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين من دلالات
الله وآياته التي يهتدى بها إلى التوحيد ومصالح الدين وشرائع الاسلام
والفرائض والسنن، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
3 - وتصديق ذلك ما حدثنا به إبراهيم بن هارون الهيتي بمدينة
السلام، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قال: حدثنا الحسين بن
أيوب، عن محمد بن غالب، عن علي بن الحسين، عن الحسن بن
أيوب، عن الحسين بن سليمان، عن محمد بن مروان الذهلي، عن
الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: (الله نور
السماوات والأرض)؟ قال: كذلك الله عز وجل، قال: قلت: (مثل
نوره)؟ قال: محمد صلى الله عليه وآله، قلت: (كمشكاة)؟ قال: صدر
محمد صلى الله عليه وآله، قال: قلت: (فيها مصباح)؟ قال: فيه نور العلم يعني
النبوة، قلت: (المصباح في زجاجة)؟ قال: علم رسول الله صلى الله عليه وآله صدر
إلى قلب علي عليه السلام، قلت: (كأنها)؟ قال: لأي شئ تقرأ كأنها، فقلت:
فكيف جعلت فداك؟ قال: كأنه كوكب دري 1) قلت: (يوقد من شجرة
مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية)؟ قال: ذلك أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني، قلت: (يكاد زيتها يضئ ولو لم
تمسسه نار) قال: يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد من قبل

398
أن ينطق به قلت: (نور على نور)؟ قال: الامام في إثر الإمام عليه السلام.



(1) تفسير علي بن إبراهيم القمي 2: 103.
399




(1) أنوار التنزيل في تفسير القرآن 2: 141 - 143.
400
4 - حدثنا إبراهيم بن هارون الهيتي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن
أبي الثلج، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري، قال: حدثنا
أحمد بن صبيح قال: حدثنا ظريف بن ناصح، عن عيسى بن راشد، عن
محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله عز وجل: (كمشكاة فيها
مصباح)، قال: المشكاة نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه وآله المصباح في
زجاجة الزجاجة صدر علي عليه السلام، صار علم النبي صلى الله عليه وآله إلى صدر
علي عليه السلام (الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة) قال:
نور، (لا شرقية ولا غربية) قال: لا يهودية ولا نصرانية (يكاد زيتها
يضئ ولو لم تمسسه نار) قال: يكاد العالم من آل محمد عليهم السلام يتكلم
بالعلم قبل أن يسأل، نور على نور يعني: إماما مؤيدا بنور العلم
والحكمة في إثر إمام من آل محمد عليهم السلام، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم
الساعة.

402
فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله عز وجل خلفاءه في أرضه وحججه
على خلقه لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم عليهم السلام، يدل على
صحة ذلك قول أبي طالب في رسول الله صلى الله عليه وآله:
أنت الأمين محمد قرم أغر مسود 1) * لمسودين أطائب كرموا وطاب المولد
أنت السعيد من السعود تكنفتك الأسعد * من لدن آدم لم يزل فينا وصي مرشد
فلقد عرفتك صادقا بالقول لا تتفند * ما زلت تنطق بالصواب وأنت طفل أمرد



(1) مجمع البيان 4: 143 - 144.
403
يقول: ما زلت تتكلم بالعلم قبل أن يوحى إليك وأنت طفل كما قال
إبراهيم عليه السلام وهو صغير لقومه: (إني برئ مما تشركون) (1) وكما تكلم
عيسى عليه السلام في المهد فقال: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا
وجعلني مباركا أينما كنت - الآية) (2).
ولأبي طالب في رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ذلك في قصيدته اللامية حين
يقول:



(1) الانعام: 78.
(2) مريم: 30 - 31.
404
وما مثله في الناس سيد معشر * إذا قايسوه عند وقت التحاصل 1)
فأيده رب العباد بنوره * وأظهر دينا حقه غير زائل
ويقول فيها:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل
تطيف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
وميزان صدق لا يخيس شعيرة 2) * وميزان عدل وزنه غير عائل
5 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال
: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن أسلم الجبلي،
عن الخطاب بن عمر، ومصعب بن عبد الله الكوفيين، عن جابر بن يزيد،
عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: (الله نور السماوات والأرض
مثل نوره كمشكاة) فالمشكاة صدر نبي الله صلى الله عليه وآله فيه المصباح،



(1) بحار الأنوار 35: 125 - 127.
405
والمصباح هو العلم في الزجاجة والزجاجة أمير المؤمنين عليه السلام وعلم
النبي صلى الله عليه وآله عنده.
16 - باب تفسير قول الله عز وجل:
(نسوا الله فنسيهم) (1)
1 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن يعقوب الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان، قال:
حدثنا أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم، عن الحسن بن القاسم
الرقام، عن القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، قال: سألت
الرضا علي بن موسى عليهما السلام عن قول الله عز وجل: (نسوا الله فنسيهم) فقال:
المحدث، ألا تسمعه عز وجل يقول: (وما كان ربك نسيا) (2) وإنما
يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال عز وجل
(ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنسيهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) (3)
وقوله عز وجل (فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) (4) أي
نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: قوله: نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب
من كان يرجو 1) لقاء يومه، لان الترك لا يجوز على الله عز وجل، وأما
قول الله عز وجل: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) (5) أي لم يعالجهم



(1) التوبة: 67.
(2) مريم: 64.
(3) الحشر: 19.
(4) الأعراف: 51.
(5) البقرة: 17.
406
بالعقوبة وأمهلهم ليتوبوا.
17 - باب تفسير قوله عز وجل:
(والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات
بيمينه) (1)



(1 الزمر: 67.
(2) صحاح اللغة 6: 2508.
(3) تفسير البيضاوي الموسوم بأنوار التنزيل 1: 509.
(4) الحشر: 19.
407
1 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان
الكليني، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، قال: سألت أبا الحسن
علي بن محمد العسكري عليهما السلام عن قول الله عز وجل: (والأرض جميعا
قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه) فقال: ذلك تعيير الله تبارك
وتعالى لمن شبهه بخلقه، ألا ترى أنه، قال: (وما قدروا الله حق قدره)
ومعناه إذ قالوا: إن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة 1) والسماوات
مطويات بيمينه، كما قال عز وجل: (وما قدروا الله حق قدره) إذ قالوا:
(ما أنزل الله على بشر من شئ) (1) ثم نزه عز وجل نفسه عن القبضة
واليمين فقال: (سبحانه وتعالى عما يشركون).



(1) الانعام: 91.
(2) تفسير البيضاوي 2: 512.
408
2 - حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن
يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال:
حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن
مهران، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (والأرض
جميعا قبضته يوم القيامة) فقال: يعني ملكه لا يملكها معه أحد، والقبض
من الله 1) تبارك وتعالى في موضع آخر المنع والبسط، منه الاعطاء
والتوسيع، كما قال عز وجل: (والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون) (1)
يعني يعطي ويوسع ويمنع ويضيق، والقبض منه عز وجل في وجه آخر
الاخذ والاخذ في وجه القبول منه كما قال: (ويأخذ



(1) البقرة: 245.
409
الصدقات) (1) أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها، قلت: فقوله عز وجل:
(والسماوات مطويات بيمينه)؟ قال: اليمين اليد، واليد القدرة والقوة،
يقول عز وجل: والسماوات مطويات بقدرته وقوته، سبحانه وتعالى عما
يشركون.
18 - باب تفسير قول الله عز وجل:
(كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (2)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن
الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن
موسى عليهما السلام عن قول الله عز وجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)
فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه
عباده، ولكنه يعني: إنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون 1).



(1) التوبة: 104.
(2) المطففين: 15.
(3) مجمع البيان 4: 508.
410
19 - باب تفسير قوله عز وجل:
(وجاء ربك والملك صفا صفا) (1)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن
الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن
موسى عليهما السلام عن قول الله عز وجل: (وجاء ربك والملك صفا صفا) فقال:
إن الله عز وجل لا يوصف بالمجئ والذهاب تعالى عن الانتقال، إنما
يعني بذلك وجاء أمر ربك والملك صفا صفا 1).



(1) الفجر: 22.
(2) الكشاف للزمخشري 4: 232.
411
20 - باب تفسير قوله عز وجل:
(هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) (1)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن
الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام قال:
سألته عن قول الله عز وجل: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من
الغمام والملائكة) قال: يقول: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة 1)
في ظلل من الغمام، وهكذا نزلت.



(1) البقرة: 210.
(2) التفسير الكبير للرازي 31: 173 - 174
412
21 - باب تفسير قوله عز وجل:
(سخر الله منهم) (1) وقوله عز وجل: (الله يستهزئ بهم) (2)
وقوله عز وجل: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) (3)
وقوله عز وجل: يخادعون الله وهو خادعهم (4)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي، قال: حدثنا
أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن
ابن علي بن فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام قال: سألته
عن قول الله عز وجل (سخر الله منهم) وعن قول الله عز وجل: (الله
يستهزئ بهم) وعن قوله: (ومكروا ومكر الله) وعن قوله (يخادعون
الله وهو خادعهم) فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يسخر ولا يستهزئ ولا
يمكر ولا يخادع ولكنه عز وجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء
الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا
كبيرا.



(1) التوبة: 79.
(2) البقرة: 15.
(3) آل عمران: 54.
(4) النساء: 142.
413
22 - باب معنى جنب الله عز وجل
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله: قال:
حدثنا محمد بن جعفر الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي
الكوفي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن الحسين، عمن حدثه،
عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
أمير المؤمنين عليه السلام قال: أنا علم الله، وأنا قلب الله الواعي، ولسان الله
الناطق، وعين الله، وجنب الله، وأنا يد الله.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: معنى قوله عليه السلام: وأنا قلب الله الواعي
أي أنا القلب الذي جعله الله وعاء لعلمه، وقلبه إلى طاعته، وهو قلب
مخلوق لله عز وجل كما هو عبد لله عز وجل، ويقال: قلب الله كما يقال:
عبد الله وبيت الله وجنة الله ونار الله. وأما قوله: عين الله، فإنه يعني به:
الحافظ لدين الله، وقد قال الله عز وجل: (تجري بأعيننا) (1) أي
بحفظنا، وكذلك قوله عز وجل: (ولتصنع على عيني) (2) معناه على
حفظي.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا



(1) القمر: 14.
(2) طه: 39.
414
الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد،
عن ابن سنان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: أمير
المؤمنين عليه السلام في خطبته: أنا الهادي، وأنا المهتدي، وانا أبو اليتامى
والمساكين وزوج الأرامل، وأنا ملجأ كل ضعيف ومأمن كل خائف، وأنا
قائد المؤمنين إلى الجنة، وأنا حبل الله المتين، وأنا عروة الله الوثقى وكلمة
التقوى، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده، وأنا جنب الله الذي يقول:
(أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) (1) وأنا يد الله
المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة، وأنا باب حطة من عرفني
وعرف حقي فقد عرف ربه لأني وصي نبيه في أرضه، وحجته على
خلقه، لا ينكر هذا إلا راد على الله ورسوله.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الجنب الطاعة في لغة العرب 1)،



(1) الزمر: 56.
(2) الفرقان: 23.
(3) راجع تفسير البرهان 3: 158 - 161.
415
يقال: هذا صغير في جنب الله أي في طاعة الله عز وجل، فمعنى قول أمير
المؤمنين عليه السلام: أنا جنب الله أي أنا الذي ولايتي طاعة الله، قال الله عز
وجل: (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) أي في
طاعة الله عز وجل.
23 - باب معنى الحجزة
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي
القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان،
عن أبي الجارود، عن محمد بن بشر الهمداني، قال: سمعت محمد بن
الحنفية يقول: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة



(1) بحار الأنوار 4: 9.
(2) مجمع البيان 4: 505.
416
آخذ بحجزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبينا 1)، وشيعتنا آخذون
بحجزتنا، قلت: يا أمير المؤمنين وما الحجزة؟ قال: الله أعظم من أن
يوصف بالحجزة أو غير ذلك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله آخذ بأمر الله، ونحن
آل محمد آخذون بأمر نبينا وشيعتنا آخذون بأمرنا.
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي الخزاز، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة آخذ بحجزة الله، ونحن آخذون بحجزة
نبينا، وشيعتنا آخذون بحجزتنا ثم قال: والحجزة النور 2).



(1) كذا في النسختين، وفي النهاية: والنبي.
(2) نهاية ابن الأثير 1: 344.
417
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي،
قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن يوسف، عن عبد
السلام، عن عمار بن أبي اليقظان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجئ رسول
الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة آخذا بحجزة ربه، ونحن آخذون بحجزة نبينا،
وشيعتنا آخذون بحجزتنا، فنحن وشيعتنا حزب الله، وحزب الله هم
الغالبون، والله ما نزعم أنها حجزة الإزار ولكنها أعظم من ذلك، يجئ
رسول الله صلى الله عليه وآله آخذا بدين الله، ونجئ نحن آخذين بدين نبينا وتجئ
شيعتنا آخذين بديننا.
4 - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (الصلاة حجزة الله) وذلك
أنها تحجز المصلي عن المعاصي ما دام في صلاته، قال الله عز وجل: (إن
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) (1).
24 - باب معنى العين والاذن واللسان 1)
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان
ابن عثمان، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن



(1) العنكبوت: 45.
418
لله عز وجل خلقا من رحمته خلقهم من نوره ورحمته من رحمته لرحمته
فهم عين الله الناظرة، واذنه السامعة ولسانه الناطق في خلقه بإذنه، وامناؤه
على ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة، فبهم يمحو السيئات، بهم يدفع
الضيم، وبهم ينزل الرحمة، وبهم يحيي ميتا، وبهم يميت حيا، وبهم يبتلي
خلقه، وبهم يقضي في خلقه قضيته. قلت: جعلت فداك من هؤلاء؟ قال:
الأوصياء.
25 - باب معنى قوله عز وجل:
(وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه
مبسوطتان)
1 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن أبي
عبد الله البرقي، عن أبيه، عن علي بن نعمان، عن إسحاق بن عمار، عمن
سمعه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في قول الله عز وجل: (وقالت اليهود
يد الله مغلولة): لم يعنوا أنه هكذا، ولكنهم قالوا: قد فرغ من الامر، فلا
يزيد ولا ينقص، فقال الله جل جلاله تكذيبا لقولهم: (غلت أيديهم
ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) (1) ألم تسمع



(1) المائدة: 64.
419
الله عز وجل يقول: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (1) 1).



(1) الرعد: 39.
(2) سورة البقرة: 245.
(3) في " ن " الوجود.
420
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد
بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن المشرقي، عن عبد الله بن قيس
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: (بل يداه مبسوطتان) فقلت
لكان مخلوقا.
26 - باب معنى رضاه عز وجل وسخطه
1 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني أحمد بن إدريس، عن أحمد بن أبي
عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن المشرقي، عن حمزة بن
الربيع عمن ذكره، قال: كنت في مجلس أبي جعفر عليه السلام إذ دخل عليه
عمرو بن عبيد فقال له: جعلت فداك قول الله تبارك وتعالى: (ومن يحلل
عليه غضبي فقد هوى) (1) ما ذلك الغضب؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: هو
العقاب يا عمرو، إنه من زعم أن الله عز وجل زال من شئ إلى شئ فقد
وصفه صفة مخلوق، إن الله عز وجل لا يستفزه شئ ولا يغيره.
2 - وبهذا الاسناد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه رفعه إلى أبي
عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (فلما آسفونا انتقمنا منهم) 1) (2) قال:



(1) طه: 81.
(2) الزخرف: 55.
421
إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون
ويرضون، وهم مخلوقون مدبرون، فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم
لنفسه سخطا، وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والادلاء عليه، فلذلك صاروا
كذلك، وليس ان ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه، ولكن هذا معنى
ما قال من ذلك، وقد قال أيضا: (من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة
ودعاني إليها). وقال أيضا: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (1) وقال
أيضا: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) (2) وكل هذا وشبهه على ما
ذكرت لك، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك
ولو كان يصل إلى المكون الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما
وأنشأهما 1) لجاز لقائل أن يقول: إن المكون يبيد يوما ما، لأنه إذا دخله
الضجر والغضب دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ولو
كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون، ولا القادر من المقدور، ولا
الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا، هو الخالق



(1) النساء: 80.
(2) الفتح: 10.
(3) في المجمع: عقوبتهم.
(4) مجمع البيان 5: 52.
422
للأشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه، فافهم
ذلك إن شاء الله.
3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن
الحكم أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى له رضا
وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك
أن الرضا والغضب دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، معتمل،
مركب 1)، للأشياء فيه مدخل وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، واحد،
أحدي الذات، وأحدي المعنى، فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شئ
يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، فإن ذلك صفة المخلوقين
العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز الذي لا حاجة به
إلى شئ مما خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، إنما خلق الأشياء من
غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا.
4 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي
السكري قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمد بن
عمارة، عن أبيه، قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت له، يا بن
رسول الله أخبرني عن الله عز وجل هل له رضا وسخط؟ فقال: نعم، وليس
ذلك على ما يوجد من المخلوقين ولكن غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.



(1) أصول الكافي 1: 110 ح 6.
423
27 - باب معنى قوله عز وجل:
ونفخت فيه من روحي (1)
1 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن
مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: (ونفخت فيه
من روحي) قال: روح اختاره الله واصطفاه 1) وخلقه وأضافه إلى نفسه



(1) الحجر: 29، وص: 72.
(2) التعليقة على أصول الكافي للسيد الداماد ص 250 - 251، المطبوع بتحقيقنا.
424
وفضله على جميع الأرواح، فأمر فنفخ منه في آدم.
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن ابن فضال، عن الحلبي، وزرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
إن الله تبارك وتعالى أحد، صمد، ليس له جوف، وإنما الروح خلق من
خلقه، نصر وتأييد وقوة، يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين.
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي،
قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا بكر بن صالح، عن القاسم
بن عروة، عن عبد الحميد الطائي، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا
جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: (ونفخت فيه من روحي) كيف هذا
النفخ؟ فقال: إن الروح متحرك كالريح، وإنما سمي روحا لأنه اشتق
اسمه من الريح، وإنما أخرجه على لفظ الروح لان الروح 1) مجانس
للريح، وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما اصطفى
بيتا من البيوت، فقال: بيتي، وقال لرسول من الرسل: خليلي، وأشباه
ذلك، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر.
4 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي جعفر الأصم، قال:

425
سألت أبا جعفر عليه السلام عن الروح التي في آدم عليه السلام والتي في عيسى عليه السلام ما هما؟
قال: روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما، روح آدم عليه السلام وروح عيسى عليه السلام.
5 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال:
حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا علي بن أسباط، عن سيف بن
عميرة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل: (ونفخت
فيه من روحي) قال: من قدرتي.
6 - حدثنا محمد بن أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد
ابن هشام المكتب، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران رضي الله عنهم
قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن
إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا عبيس بن
هشام، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل:
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي قال: إن الله عز وجل خلق
خلقا وخلق روحا، ثم أمر ملكا فنفخ فيه، فليست بالتي نقصت من قدرة
الله شيئا هي من قدرته.
28 - باب نفي المكان
والزمان والسكون والحركة والنزول والصعود والانتقال عن
الله عز وجل
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سأل نافع

426
ابن الأزرق أبا جعفر عليه السلام فقال: أخبرني عن الله متى كان؟ فقال له:
ويلك، أخبرني أنت متى لم يكن حتى أخبرك متى كان، سبحان من لم
يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.
2 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن
علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال
لشئ لم يكن فكان: متى كان، إن ربي تبارك وتعالى كان لم يزل حيا بلا
كيف 1)، ولم يكن له كان 2) ولا كان لكونه كيف 3)، ولا كان له أين،

427
ولا كان في شئ، ولا كان على شئ، ولا ابتدع لكانه مكانا 1)، ولا قوي
بعد ما كون شيئا، ولا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا، ولا كان مستوحشا
قبل أن يبتدع شيئا 2)، ولا يشبه شيئا مكونا، ولا كان خلوا من [القدرة
على] الملك قبل إنشائه، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه، لم يزل حيا بلا
حياة، وملكا قادرا قبل أن ينشئ شيئا، وملكا جبارا بعد إنشائه للكون،
فليس لكونه كيف، ولا له أين، ولا له حد، ولا يعرف بشئ يشبهه، ولا
يهرم لطول البقاء، ولا يصعق 3) لشئ، ولا يخوفه شئ، تصعق الأشياء
كلها من خيفته، كان حيا بلا حياة عارية ولا كون موصوف 4)، ولا كيف
محدود، ولا أثر مقفو، ولا مكان جاور شيئا، بل

428
حي يعرف 1)، وملك لم يزل له القدرة والملك، أنشأ ما شاء كيف شاء
بمشيته، لا يحد ولا يبعض، ولا يفنى، كان أولا بلا كيف، ويكون آخرا
بلا أين، وكل شئ هالك إلا وجهه، له الخلق والامر تبارك الله رب
العالمين، ويلك أيها السائل، إن ربي لا تغشاه الأوهام، ولا تنزل به
الشبهات، ولا يحار من شئ 2) ولا يجاوره شئ ولا تنزل به الاحداث،
ولا يسأل عن شئ يفعله، ولا يقع على شئ، ولا تأخذه سنة ولا نوم،
له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين متى
كان ربك؟ فقال له: ثكلتك أمك، ومتى لم يكن حتى يقال: متى كان، كان
ربي قبل القبل بلا قبل 3)، ويكون بعد البعد بلا بعد، ولا غاية

429
ولا منتهى لغايته، انقطعت الغايات عنه 1)، فهو منتهى كل غاية، فقال: يا
أمير المؤمنين فنبي أنت؟ فقال: ويلك: إنما أنا عبد من عبيد
محمد صلى الله عليه وآله 2).
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: يعني بذلك: عبد طاعته لا غير ذلك.
4 - وروي أنه سئل عليه السلام أين كان ربنا قبل أن يخلق سماء
وأرضا؟ فقال عليه السلام: (أين) سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.
5 - حدثنا علي بن الحسين بن الصلت رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
أحمد بن علي بن الصلت، عن عمه أبي طالب عبد الله بن الصلت، عن
يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام:
لأي علة عرج الله بنبيه صلى الله عليه وآله إلى السماء، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها
إلى حجب النور، وخاطبه وناجاه هناك والله لا يوصف بمكان؟ فقال عليه السلام:
إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان، ولكنه
عز وجل أراد أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته، ويكرمهم
بمشاهدته، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه، وليس ذلك
على ما يقول المشبهون، سبحان الله وتعالى عما يشركون.

430
6 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى
العطار، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن يحيى
الخزاز، عن محمد بن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رأس
الجالوت 1) لليهود: إن المسلمين يزعمون أن عليا، من أجدل الناس 2)
وأعلمهم 3)، اذهبوا بنا إليه لعلي أسأله عن مسألة أخطئه فيها، فأتاه فقال:
يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن مسألة، قال: سل عما شئت،
قال: يا أمير المؤمنين متى كان ربنا 4)؟ قال: يا يهودي، إنما يقال، متى
كان لمن لم يكن فكان، هو كائن بلا كينونة كائن 5)، كان بلا كيف، يا
يهودي، كيف يكون له قبل وهو قبل القبل بلا غاية ولا منتهى، غاية 6) ولا
غاية إليها، غاية 7) انقطعت الغايات عنه 8)، فهو غاية كل غاية،

431
فقال: أشهد أن دينك الحق وأن ما خالفه باطل.
7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى أبو
تراب الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي
محمود، قال: قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي
يرويه الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل
ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقال عليه السلام: لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه 1)،
والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك، إنما قال صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى ينزل
ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول
الليل فيأمره فينادي هل من سائل فاعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟
هل من مستغفر فأغفر له؟ يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا
يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من
ملكوت السماء، حدثني بذلك أبي عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
8 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
يعقوب الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد، عن محمد بن سليمان، عن
إسماعيل بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد التميمي، عن الحسين بن
علوان، عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عليه السلام قال: سألت أبي سيد
العابدين عليه السلام فقلت له: يا أبة أخبرني عن جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله لما عرج به

432
إلى السماء وأمره ربه عز وجل بخمسين صلاة كيف لم يسأله التخفيف
عن أمته حتى قال له موسى بن عمران عليه السلام: ارجع إلى ربك فاسأله
التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك؟ فقال عليه السلام: يا بني، إن رسول الله صلى الله عليه وآله
كان لا يقترح على ربه عز وجل 1) ولا يراجعه في شئ يأمره به، فلما
سأله موسى عليه السلام ذلك وصار شفيعا لامته إليه لم يجز له رد شفاعة أخيه
موسى عليه السلام، فرجع إلى ربه عز وجل فسأله التخفيف إلى أن ردها إلى
خمس صلوات، قال: فقلت: يا أبة فلم لم يرجع إلى ربه عز وجل ولم
يسأله التخفيف بعد خمس صلوات فقال: يا بني أراد صلى الله عليه وآله أن يحصل
لامته التخفيف مع أجر خمسين صلاة لقول الله عز وجل: (من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها) (1) ألا ترى أنه صلى الله عليه وآله لما هبط إلى الأرض نزل
عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، ويقول: إنها
خمس بخمسين (ما يبدل القول لدي 2) وما أنا بظلام للعبيد) (2) قال:
فقلت له يا أبة أليس الله تعالى ذكره لا يوصف بمكان؟ فقال: بلى، تعالى
الله عن ذلك، فقلت: فما معنى قول موسى عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله: ارجع إلى



(1) الانعام: 160.
(2) ق: 29.
433
ربك؟ فقال: معناه معنى قول إبراهيم عليه السلام: (إني ذاهب إلى ربي 1)
سيهدين) (1) ومعنى قول موسى عليه السلام: (وعجلت إليك رب لترضى) (2)
ومعقوله عز وجل: (ففروا إلى الله) (3) يعني حجوا إلى بيت الله،
يا بني إن الكعبة بيت الله فمن حج بيت الله فقد قصد إلى الله، والمساجد
بيوت الله، فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه، والمصلي ما دام في
صلاته فهو واقف بين يدي الله 2) جل جلاله، وأهل موقف عرفات وقوف
بين يدي الله عز وجل وإن لله تبارك وتعالى بقاعا في سماواته، فمن عرج
به إليها فقد عرج به إليه (4) الا تسمع الله عز وجل يقول: (تعرج
الملائكة والروح إليه) (5) ويقول عز وجل: (إليه يصعد الكلم الطيب
والعمل الصالح يرفعه) (6).



(1) الصافات: 99.
(2) طه: 84.
(3) الذاريات: 51.
(4) في البحار " فمن عرج إلى بقعة منها فقد عرج به إليه ".
(5) المعارج: 4.
(6) فاطر: 10.
434
9 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن يحيى العطار، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن
أورمة، عن ابن محبوب، عن صالح بن حمزة، عن أبان، عن أسد، عن
المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من زعم أن الله في شئ أو
من شئ أو على شئ فقد أشرك، لو كان الله عز وجل على شئ لكان
محمولا، ولو كان في شئ لكان محصورا، ولو كان من شئ لكان
محدثا.
10 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن
محبوب، عن حماد بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كذب من زعم
أن الله عز وجل في شئ أو من شئ أو على شئ.

435
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الدليل على أن الله عز وجل لا في
مكان أن الأماكن كلها حادثة، وقد قام الدليل على أن الله عز وجل قديم
سابق للأماكن، وليس يجوز أن يحتاج الغني القديم إلى ما كان غنيا عنه،
ولا أن يتغير عما لم يزل موجودا عليه، فصح اليوم أنه لا في مكان كما
أنه لم يزل كذلك وتصديق ذلك:
11 - ما حدثنا به أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن
يحيى بن زكريا القطان، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم
ابن بهلول، عن أبيه، عن سليمان بن حفص المروزي، عن سليمان بن
مهران، قال: قلت لجعفر بن محمد عليهما السلام: هل يجوز أن نقول: إن الله عز
وجل في مكان؟ فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك، إنه لو كان في مكان
لكان محدثا، لان الكائن في مكان محتاج إلى المكان والاحتياج من
صفات المحدث لا من صفات القديم.
12 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن
جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: إن الله

436
تبارك وتعالى كان لم يزل بلا زمان ولا مكان وهو الآن كما كان، لا يخلو
منه مكان، ولا يشغل به مكان، ولا يحل في مكان، ما يكون من نجوى
ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر
إلا هو معهم أينما كانوا (1) ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه،
احتجب بغير حجاب محجوب 1)، واستتر بغير ستر مستور، لا إله إلا هو
الكبير المتعال.
13 - حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي
السمرقندي رضي الله عنه، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمد
ابن مسعود العياشي قال: حدثنا الحسين بن إشكيب، قال: أخبرني
هارون بن عقبة الخزاعي، عن أسد بن سعيد النخعي، قال: أخبرني عمرو
ابن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال محمد بن علي الباقر عليهما السلام:
يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عز وجل، يزعمون أن الله تبارك
وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس 2)



(1) المجادلة: 7.
437
ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجرة، فأمرنا الله تبارك وتعالى أن
نتخذه مصلى، يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه، تعالى عن
صفة الواصفين، وجل عن أوهام المتوهمين، واحتجب عن أعين
الناظرين لا يزول مع الزائلين، ولا يأفل مع الآفلين، ليس كمثله شئ
وهو السميع العليم.
14 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، عن علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، قال: رأى سفيان
الثوري أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وهو غلام يصلي والناس يمرون
بين يديه، فقال له: إن الناس يمرون بك وهم في الطواف، فقال عليه السلام: الذي
أصلي له أقرب إلي من هؤلاء.
15 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، وعلي بن أحمد بن محمد بن
عمران الدقاق رحمه الله، قالا: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا بكر بن
عبد الله بن حبيب، قال: حدثني محمد بن عبيد الله، قال: حدثنا علي بن
الحكم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن الأسود، عن جعفر بن محمد، عن
أبيه عليهما السلام، قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله صديقان يهوديان، قد آ منا بموسى
رسول الله، وأتيا محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعا منه، وقد كان قرءا التوراة
وصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، وعلما علم الكتب الأولى، فلما قبض الله
تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وآله أقبلا يسألان عن صاحب الامر بعده، وقالا:
إنه لم يمت نبي قط إلا وله خليفة يقوم بالامر في أمته من بعده قريب

438
القرابة إليه من أهل بيته، عظيم الخطر، جليل الشأن، فقال أحدهما
لصاحبه: هل تعرف صاحب الامر من بعد هذا النبي؟ قال الآخر: لا
أعلمه إلا بالصفة التي أجدها في التوراة، وهو الأصلع المصفر، فإنه كان
أقرب القوم من رسول الله.
فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة أرشدا إلى أبي بكر، فلما نظرا
إليه قالا: ليس هذا صاحبنا، ثم قالا له: ما قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قال: إني رجل من عشيرته، وهو زوج ابنتي عائشة، قالا: هل غير هذا؟
قال: لا، قالا: ليست هذه بقرابة، قالا: فأخبرنا أين ربك؟ قال: فوق
سبع سماوات، قالا: هل غير هذا؟ قال: لا، قالا: دلنا على من هو أعلم
منك، فإنك أنت لست بالرجل الذي نجد صفته في التوراة أنه وصي هذا
النبي وخليفته، قال: فتغيظ من قولهما وهم بهما، ثم أرشدهما إلى عمر،
وذلك أنه عرف من عمر أنهما إن استقبلاه بشئ بطش بهما، فلما أتياه
قالا: ما قرابتك من هذا النبي؟ قال: أنا من عشيرته، وهو زوج ابنتي
حفصة، قالا: هل غير هذا؟ قال: لا، قالا: ليست هذه بقرابة، وليست
هذه الصفة التي نجدها في التوراة، ثم قالا له: فأين ربك؟ قال:



(1) سورة البقرة: 125.
439
فوق سبع سماوات: قالا: هل غير هذا؟ قال: لا، قالا: دلنا على من هو
أعلم منك، فأرشدهما إلى علي صلوات الله عليه، فلما جاءاه فنظرا إليه
قال أحدهما لصاحبه: إنه الرجل الذي نجد صفته في التوراة أنه وصي
هذا النبي وخليفته وزوج ابنته وأبو السبطين والقائم بالحق من بعده، ثم
قالا لعلي عليه السلام: أيها الرجل ما قرابتك من رسول الله؟ قال: هو أخي،
وأنا وارثه ووصيه وأول من آمن به، وأنا زوج ابنته فاطمة، قالا له: هذه
القرابة الفاخرة والمنزلة القريبة، وهذه الصفة التي نجدها في التوراة.
ثم قالا له: فأين ربك عز وجل؟ قال لهما علي عليه الصلاة والسلام:
إن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيكما موسى عليه السلام، وإن شئتما
أنبأتكما بالذي كان على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وآله، قالا: أنبئنا بالذي كان
على عهد نبينا موسى عليه السلام، قال علي عليه السلام: أقبل أربعة أملاك: ملك من
المشرق وملك من المغرب 1)، وملك من السماء، وملك من الأرض، فقال
صاحب المشرق لصاحب المغرب: من أين أقبلت؟ قال: أقبلت من عند
ربي، وقال: صاحب المغرب لصاحب المشرق: من أين أقبلت؟ قال: أقبلت
من عند ربي، وقال النازل من السماء للخارج من الأرض: من أين أقبلت؟
قال: أقبلت من عند ربي، وقال الخارج من الأرض للنازل من السماء:
من أين أقبلت؟ قال: أقبلت من عند ربي، فهذا ما كان على عهد نبيكما

440
موسى عليه السلام، وأما ما كان على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وآله فذلك قوله في محكم
كتابه: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو
سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا - الآية) (1) قدس سره (
قال اليهوديان: فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الذي أنت
أهله؟! فوالذي أنزل التوراة على موسى إنك لانت الخليفة حقا، نجد
صفتك في كتبنا ونقرأه في كنائسنا، وإنك لاحق بهذا الامر وأولى به ممن
قد غلبك عليه، فقال علي عليه السلام: قدما وأخرا وحسابهما على الله عز
وجل، يوقفان ويسألان.
16 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي أبو الحسين، قال:
حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد النسوي، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن
محمد بن عبد الله الصغدي بمرو، قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم
العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي،
قال: حدثنا عبد الله بن عاصم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن
أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي رحمه الله في حديث طويل
يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله
وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه، فكان فيما سأله أن قال له:
أخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالى، فدعا علي عليه السلام بنار وحطب



(1) المجادلة: 7.
441
فأضرمه فلما اشتعلت قال علي عليه السلام: أين وجه هذه النار؟! قال
النصراني: هي وجه من جميع حدودها، قال علي عليه السلام هذه النار مدبرة
مصنوعة لا يعرف وجهها، وخالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب
فأينما تولوا فثم وجه الله 1)، لا يخفى على ربنا خافية. والحديث طويل
أخذنا منه موضع الحاجة.
17 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل
ببلخ، قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء
(كذا)، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن موسى بن عمران لما ناجى ربه قال: يا رب
أبعيد أنت مني فأناديك أم قريب فأناجيك؟ فأوحى الله جل جلاله إليه:
أنا جليس من ذكرني 2)، فقال موسى: يا رب إني أكون في حال اجلك أن
أذكرك فيها، فقال: يا موسى اذكرني على كل حال.
18 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن



(1) بحار الأنوار 3: 309 - 310 ح 2.
442
جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: ذكر عنده
قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن الله
تبارك وتعالى لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب
والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل
يحتاج إليه، وهو ذو الطول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم أما قول
الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو
زيادة - وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به - فظن بالله
الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدوه بنقص
أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة
الواصفين، ونعت الناعتين، وتوهم المتوهمين، وتوكل على العزيز الرحيم
الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين 1).

443
19 - وبهذا الاسناد عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر، عن
أبي إبراهيم عليه السلام أنه قال: لا أقول: إنه قائم فأزيله عن مكانه 1)، ولا أحده
بمكان يكون فيه، ولا أحده أن يتحرك في شئ من الأركان والجوارح،
ولا أحده بلفظ شق فم، ولكن كما قال تبارك وتعالى: (كن فيكون)
بمشيته من غير تردد في نفس، فرد، صمد لم يحتج إلى شريك يكون له
في ملكه، ولا يفتح له أبواب علمه.
20 - حدثنا محمد بن أحمد السناني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي
عبد الله الأسدي الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين
ابن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله
الصادق عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا
حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة
والسكون، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.



(1) مجمع البيان 4: 207.
444
21 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق العزائمي، قال:
حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: أخبرنا عبد
العزيز بن إسحاق، قال: حدثني جعفر بن محمد الحسني، قال: حدثنا
محمد بن علي بن خلف العطار، قال: حدثنا بشر بن الحسن المرادي،
عن عبد القدوس وهو ابن حبيب، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث
الأعور، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه دخل السوق، فإذا هو برجل
موليه ظهره يقول: لا والذي احتجب بالسبع، فضرب علي عليه السلام ظهره، ثم
قال: من الذي احتجب بالسبع؟ قال: الله يا أمير المؤمنين، قال: أخطأت
ثكلتك أمك، إن الله عز وجل ليس بينه وبين خلقه حجاب لأنه معهم أينما
كانوا، قال: ما كفارة ما قلت يا أمير المؤمنين؟ قال: أن تعلم أن الله معك
حيث كنت، قال: أطعم المساكين؟ قال: لا إنما حلفت بغير ربك 1).
22 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال:
حدثني أبو سعيد الرميحي، قال: أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق، قال:
حدثني محمد بن عيسى بن هارون الواسطي، قال: حدثنا محمد بن
زكريا المكي، قال: أخبرني منيف مولى جعفر بن محمد، قال: حدثني
سيدي جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: كان الحسن بن
علي بن أبي طالب عليهما السلام يصلي، فمر بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه،
فلما انصرف من صلاته قال له، لم نهيت الرجل؟ قال: يا ابن رسول الله
حظر فيما بينك وبين المحراب، فقال: ويحك إن الله عز وجل أقرب إلي

445
من أن يحظر فيما بيني وبينه أحد 1).
29 - باب أسماء الله تعالى
والفرق بين معانيها وبين معاني أسماء المخلوقين
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني، عن الفتح بن يزيد
الجرجاني، عن أبي الحسن عليه السلام 2) قال: سمعته يقول: هو اللطيف الخبير
السميع البصير، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له
كفوا أحد، منشئ الأشياء ومجسم الأجسام 3) ومصور الصور، لو كان كما
يقولون 4) لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا المنشئ من المنشأ،



(1) أصول الكافي 1: 118 ح 1 وليس فيه تصريح بالرضا عليه السلام، ولعله يظهر من الصدوق
حيث أورد الرواية في العيون، راجع بحار الأنوار 4: 173 - 174.
446
لكنه المنشئ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه إذ كان لا يشبهه
شئ 1) ولا يشبه هو شيئا، قلت: أجل جعلني الله فداك لكنك قلت الأحد
الصمد وقلت: لا يشبه هو شيئا، والله واحد والانسان واحد، ليس قد تشابهت
الوحدانية؟! قال: يا فتح أحلت ثبتك الله 2)، إنما التشبيه في المعاني،



(1) كلمة (وبينه) غير موجودة في الكافي، وموجودة في المطبوع من التوحيد للصدوق.
(2) بحار الأنوار 4: 174.
447
فأما في الأسماء فهي واحدة 1)، وهي دلالة على المسمى، وذلك أن
الانسان وإن قيل واحد فإنما يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين، فالانسان
نفسه ليس بواحد، لان أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة غير واحدة، وهو
أجزاء مجزأة ليست بسواء، دمه غير لحمه ولحمه غير دمه، وعصبه غير
عروقه، وشعره غير بشره، وسواده غير بياضه وكذلك سائر الخلق،
فالانسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى، والله جل جلاله هو واحد
في المعنى، لا واحد غيره، لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا
نقصان فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة
وجواهر شتى غير أنه بالاجتماع شئ واحد، قلت: جعلت فداك فرجت
عني فرج الله عنك، فقولك: (اللطيف الخبير) فسره لي كما فسرت
الواحد، فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل، غير أني أحب
أن تشرح ذلك لي، فقال: يا فتح إنما قلنا: اللطيف، للخلق اللطيف،
ولعلمه بالشئ اللطيف، أولا ترى وفقك الله وثبتك إلى أثر صنعه في
النبات اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق اللطيف من الحيوان الصغار من
البعوض والجرجس 2) وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون،
بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى والحدث المولود من

448
القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه، واهتدائه للسفاد، والهرب من
الموت، والجمع لما يصلحه مما في لجج البحار وما في لحاء الأشجار 1)
والمفاوز والقفار، وفهم بعضها عن بعض منطقها، وما يفهم به أولادها
عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة، وبياض مع
حمرة، ومالا تكاد عيوننا تستبينه بتمام خلقها 2) ولا تراه عيوننا ولا
تلمسه أيدينا. علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، لطف في خلق ما سميناه
بلا علاج ولا أداة ولا آلة، وان صانع كل شئ فمن شئ صنع والله
الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ.
2 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد، عن محمد بن
عيسى، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: إعلم
- علمك الله الخير - أن الله تبارك وتعالى قديم، والقدم صفة دلت العاقل
على أنه لا شئ قبله ولا شئ بعده 3) في ديموميته، فقد بان لنا



(1) أصول الكافي 1: 120.
449
بإقرار العامة مع معجزة الصفة أنه لا شئ قبل الله 1) ولا شئ مع الله في
بقائه وبطل قول من زعم أنه كان قبله 2) أو كان معه شئ وذلك أنه لو كان
معه شئ في بقائه لم يجز أن يكون خالقا له لأنه لم يزل معه: فكيف
يكون خالقا لمن لم يزل معه، ولو كان قبله شئ كان الأول ذلك الشئ
لا هذا، وكان الأول أولى بأن يكون خالقا للأول الثاني.



(1) سورة الزخرف: 87.
450
ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم
وابتلاهم إلى أن يدعوه بها، فسمى نفسه سميعا بصيرا قادرا قائما ظاهرا
باطنا لطيفا خبيرا قويا عزيزا حكيما عليما وما أشبه هذه الأسماء، فلما
رأى ذلك من أسمائه الغالون المكذبون 1) وقد سمعونا نحدث عن الله أنه لا
شئ مثله ولا شئ من الخلق في حاله قالوا: أخبرونا إذ زعمتم أنه لا
مثل لله ولا شبه له كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسميتم
بجميعها؟! فإن في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها
دون بعض 2)، إذ جمعتكم الأسماء الطيبة، قيل لهم: إن الله تبارك وتعالى
ألزم العباد أسماء من أسمائه 3) على اختلاف المعاني وذلك كما يجمع

451
الاسم الواحد معنيين مختلفين، والدليل على ذلك قول الناس 1) الجائز
عندهم الشائع، وهو الذي خاطب الله به الخلق 2) وكلمهم بما يعقلون
ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا، وقد يقال للرجل: كلب 3)
وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد، وكل ذلك على خلافه وحالاته لم
تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليها، لان الانسان ليس بأسد
ولا كلب، فافهم ذلك رحمك الله.
وإنما نسمي الله بالعالم بغير علم حادث علم به الأشياء، واستعان به
على حفظ ما يستقبل من أمره والروية فيما يخلق من خلقه، ويفنيه مما

452
مضى مما أفنى من خلقه 1) مما لو لم يحضره ذلك العلم ويعنه كان جاهلا
ضعيفا كما أنا رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلم حادث إذ كانوا قبله
جهلة، وربما فارقهم العلم بالأشياء فصاروا إلى الجهل وإنما سمي الله
عالما لأنه لا يجهل شيئا، فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العلم واختلف
المعنى على ما رأيت، وسمي ربنا سميعا لا بخرت فيه يسمع 2) به الصوت
ولا يبصر به، كما أن جزءنا الذي نسمع به لا نقوى على النظر به، ولكنه
أخبر أنه لا يخفى عليه الأصوات، ليس على حد ما سمينا نحن، فقد
جمعنا الاسم بالسميع واختلف المعنى، وهكذا البصر لا بجزء به أبصر، كما
أنا نبصر بجزء منا لا ننتفع به في غيره، ولكن الله بصير لا يجهل شخصا
منظورا إليه، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وهو قائم ليس على معنى
انتصاب وقيام على ساق في كبد 3) كما قامت الأشياء ولكن أخبر أنه قائم،
يخبر أنه حافظ، كقولك: الرجل القائم بأمرنا فلان، وهو القائم على كل
نفس بما كسبت 4)، والقائم أيضا في كلام الناس الباقي، والقائم

453
أيضا يخبر عن الكفاية، كقولك للرجل قم بأمر فلان أي اكفه، والقائم منا
قائم على ساق، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى، وأما اللطيف فليس
على قلة وقضافة 1) وصغر، ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء والامتناع
من أن يدرك، كقولك لطف عني هذا الامر، ولطف فلان في مذهبه وقوله
يخبرك أنه غمض فبهر العقل وفات 2) الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا يدركه
الوهم، فهكذا لطف الله، تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف،
واللطافة منا الصغر والقلة، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وأما الخبير
فالذي لا يعزب عنه شئ ولا يفوته شئ، ليس للتجربة ولا للاعتبار
بالأشياء فيفيده التجربة والاعتبار علما لولاهما ما علم، لان من كان
كذلك كان جاهلا، والله لم يزل خبيرا بما يخلق والخبير من الناس
المستخبر عن جهل المتعلم، وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وأما
الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها، وقعود عليها،
وتسنم لذراها 3)، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء ولقدرته عليها كقول
الرجل: ظهرت على أعدائي وأظهرني الله على خصمي، يخبر عن الفلج
والغلبة، فهكذا ظهور الله على الأعداء.

454
ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده، لا يخفى عليه شئ 1) وأنه مدبر
لكل ما برأ، فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تعالى، وإنك لا تعدم صنعه
حيثما توجهت، وفيك من آثاره ما يغنيك، والظاهر منا البارز بنفسه
والمعلوم بحده، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى، وأما الباطن فليس
على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها، ولكن ذلك منه على
استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا، كقول القائل أبطنته، يعني خبرته
وعلمت مكتوم سره، والباطن منا بمعنى الغائر في الشئ، المستتر به، فقد
جمعنا الاسم واختلف المعنى، وأما القاهر فإنه ليس على معنى علاج
ونصب واحتيال ومداراة ومكر، كما يقهر العباد بعضهم بعضا، فالمقهور
منهم يعود قاهرا، والقاهر يعود مقهورا، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى
على أن جميع ما خلق ملتبس به الذل لفاعله وقلة الامتناع لما أراد به، لم
يخرج منه طرفة عين غير أنه يقول له: كن فيكون، والقاهر منا على



(1) سورة فصلت: 53.
455
ما ذكرته ووصفت، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وهكذا جميع
الأسماء وإن كنا لم نسمها كلها، فقد يكتفي للاعتبار بما ألقينا إليك، والله
عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا.
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن محمد، عن صالح بن أبي
حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن
إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى خلق
اسما بالحروف وهو عز وجل بالحروف غير منعوت 1) وباللفظ غير
منطق، وبالشخص غير مجسد، وبالتشبيه غير موصوف، وباللون غير
مصبوغ، منفي عنه الأقطار، مبعد عنه الحدود، محجوب عنه حس كل

456




(1) أصول الكافي 1: 112 ح 1.
(2) هو المحدث الجليل والمحقق الخبير الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي
المتوفي سنة (1112) ه‍ ق.
457
متوهم، مستتر غير مستور 1)، فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معا 2)،
ليس منها واحد قبل الآخر 3)، فأظهر منها ثلاثة أشياء 4) لفاقة الخلق إليها



(1) سورة الجاثية: 29.
458
وحجب واحدا منها، وهو الاسم المكنون المخزون 1) بهذه الأسماء الثلاثة
التي أظهرت، فالظاهر هو الله تبارك وتعالى 2)، وسخر سبحانه لكل اسم
من هذه أربعة أركان فذلك اثنا عشر ركنا 3)، ثم خلق لكل ركن منها
ثلاثين اسما، فعلا منسوبا إليها فهو الرحمن الرحيم، الملك، القدوس،
الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، العليم



(1) في " س ": الوصفية.
459
الخبير، السميع، البصير، الحكيم، العزيز، الجبار، المتكبر، العلي، العظيم،
المقتدر، القادر، السلام، المؤمن، المهيمن، البارئ، المنشئ، البديع،
الرفيع، الجليل، الكريم، الرزاق، المحيي، المميت، الباعث، الوارث،
فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى تتم ثلاثمائة وستين
اسما فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة، وهذه الأسماء الثلاثة أركان وحجب

460
الاسم الواحد المكنون 1) المخزون بهذه الأسماء الثلاثة، وذلك قوله عز
وجل: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء
الحسنى) (1) 2).
4 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبيد الله،
عن محمد بن عبد الله، وموسى بن عمرو، والحسن بن علي بن أبي
عثمان، عن ابن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام هل كان الله
عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟
قال: نعم، قلت: يراها ويسمعها، قال: ما كان الله محتاجا إلى ذلك،
لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها، هو نفسه ونفسه هو، قدرته نافذة،
وليس يحتاج أن يسمي نفسه، ولكن اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها،



(1) الاسراء: 110.
(2) راجع بحار الأنوار 4: 169 - 171.
461
لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأول ما اختار لنفسه العلي العظيم لأنه
أعلى الأشياء كلها، فمعناه الله، واسمه العلي العظيم 1)، هو أول أسمائه 2)
لأنه علي، علا كل شئ.
5 - وبهذا الاسناد، عن محمد بن سنان، قال: سألته عن الاسم ما هو؟
قال: صفة لموصوف 3).



(1) بحار الأنوار 4: 171 - 172.
462
6 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن
بكر بن صالح، عن علي بن الحسن بن محمد، عن خالد بن يزيد، عن عبد
الاعلى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اسم الله غير الله 1)، وكل شئ وقع
عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله فأما ما عبرته الألسن أو ما عملته

463




(1) راجع بحار الأنوار 4: 155.
464
الأيدي فهو مخلوق 1)، والله غاية من غاياه 2)، والمغيى غير الغاية،
والغاية موصوفة 3) وكل موصوف مصنوع، وصانع الأشياء غير

465
موصوف بحد 1) مسمى، لم يتكون فتعرف كينونته بصنع غيره 2)، ولم يتناه
إلى غاية إلا كانت غيره 3)، لا يذل من فهم هذا الحكم أبدا 4)، وهو
التوحيد الخالص 5)، فارعوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله، من زعم أنه
يعرف الله بحجاب أو بصورة 6) أو بمثال فهو مشرك، لان الحجاب والمثال



(1) بحار الأنوار 4: 163.
466
والصورة غيره، وإنما هو واحد موحد فكيف يوحد من زعم أنه عرفه
بغيره، وإنما عرف الله من عرفه بالله، ومن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما
يعرف غيره، ليس بين الخالق والمخلوق شئ 1)، فالله خالق الأشياء لا
من شئ كان، والله يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره.
7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثني محمد بن بشر، عن
أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فسأله رجل
فقال: أخبرني عن الرب تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه،
فأسماؤه 2) وصفاته هي هو؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: إن لهذا الكلام وجهين:
إن كنت تقول: هي هو أي انه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك 3)، وإن
كنت تقول: لم تزل هذه الصفات والأسماء، فإن (لم تزل) يحتمل
معنيين: فإن قلت: لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها فنعم، وإن كنت
تقول: لم يزل تصويرها وهجاؤها 4) وتقطيع حروفها فمعاذ الله أن يكون

467
معه شئ غيره، بل كان الله ولا خلق، ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه
يتضرعون بها إليه ويعبدونه، وهي ذكره وكان الله ولا ذكر، والمذكور
بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل، والأسماء والصفات مخلوقات
المعاني 1)، والمعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف 2)
وإنما يختلف ويأتلف المتجزئ، فلا يقال: الله مؤتلف، ولا الله كثير ولا
قليل، ولكنه القديم في ذاته، لان ما سوى الواحد متجزئ والله واحد، لا
متجزئ، ولا متوهم بالقلة والكثرة، وكل متجزئ ومتوهم بالقلة والكثرة
فهو مخلوق دال على خالق له، فقولك: إن الله قدير خبرت أنه

468
لا يعجزه شئ 1) فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه، وكذلك
قولك: عالم إنما نفيت بالكلمة الجهل، وجعلت الجهل سواه، فإذا أفنى الله
الأشياء أفنى الصور والهجاء 2)، ولا ينقطع ولا يزال من لم يزل عالما.
قال الرجل: كيف سمي ربنا سميعا؟ قال: لأنه لا يخفى عليه ما
يدرك بالاسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سميناه
بصيرا لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالابصار من لون وشخص وغير ذلك،
ولم نصفه بنظر لحظ العين، وكذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشئ اللطيف
مثل البعوضة وأحقر من ذلك، وموضع الشق منها والعقل والشهوة والسفاد
والحدب على نسلها، وإفهام بعضها عن بعض، ونقلها الطعام والشراب إلى
أولادها في الجبال والمفاوز والأودية والقفار، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا

469
كيف، وإنما الكيفية للمخلوق المكيف، وكذلك سمي ربنا قويا لا بقوة
البطش المعروف من المخلوق ولو كان قوته قوه البطش المعروف من
الخلق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة 1)، وما احتمل الزيادة احتمل
النقصان، وما كان ناقصا كان غير قديم، وما كان غير قديم كان عاجزا 2)،

470
فربنا تبارك وتعالى لا شبه له، ولا ضد ولا ند ولا كيف ولا نهاية ولا
أقطار، محرم على القلوب أن تمثله، وعلى الأوهام أن تحده 1)، وعلى
الضمائر أن تكيفه 2)، جل عن أداة خلقه وسمات بريته، وتعالى عن ذلك
علوا كبيرا.
8 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن
زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم
ابن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران، عن
الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن
الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما مائة
إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، وهي: الله، الإله، الواحد، الأحد،

471
الصمد، الأول، الآخر، السميع، البصير، القدير، القاهر، العلي، الاعلى،
الباقي، البديع، البارئ، الأكرم، الظاهر، الباطن، الحي، الحكيم، العليم،
الحليم، الحفيظ، الحق، الحسيب، الحميد، الحفي، الرب، الرحمن،
الرحيم، الذارئ، الرزاق، الرقيب، الرؤوف، الرائي، السلام، المؤمن،
المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، السيد، السبوح، الشهيد، الصادق،
الصانع، الطاهر، العدل، العفو، الغفور، الغني، الغياث، الفاطر، الفرد،
الفتاح، الفالق، القديم، الملك، القدوس، القوي، القريب، القيوم، القابض،
الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، المولى، المنان، المحيط، المبين،
المقيت، المصور، الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضر، الوتر، النور،
الوهاب، الناصر، الواسع، الودود، الهادي، الوفي، الوكيل، الوارث، البر،
الباعث، التواب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير الناصرين،
الديان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي.
9 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح
الهروي، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لله عز وجل تسعة وتسعون اسما، من دعا الله
بها استجاب له، ومن أحصاها دخل الجنة.
قال محمد بن علي بن الحسين مؤلف هذا الكتاب: معنى قول النبي صلى الله عليه وآله
إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة،
إحصاؤها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها، وليس معنى الاحصاء

472
عدها 1)، وبالله التوفيق.



(1) بحار الأنوار 4: 211 ح 6.
473
الله، الاله الله والاله هو المستحق للعبادة 1)، ولا يحق العبادة إلا له،



(1) في " س ": ورابعها.
(2) سورة آل عمران: 54.
(3) سورة البقرة: 15.
(4) القواعد والفوائد للشهيد الأول 2: 176 - 178.
474
وتقول: لم يزل إلها بمعنى أنه يحق له العبادة، ولهذا لما ضل المشركون
فقدروا أن العبادة تجب للأصنام سموها آلهة وأصله الالاهة 1) وهي
العبادة، ويقال: أصله الاله، يقال: أله الرجل يأله إليه، أي فزع إليه من
أمر نزل به، وألهه أي أجاره، ومثاله من الكلام (الامام) 2) فاجتمعت
همزتان في كلمة كثر استعمالهم لها واستثقلوها فحذفوا الأصلية، لأنهم
وجدوا فيما بقي دلالة عليها، فاجتمعت لأمان أولاهما ساكنة فأدغموها
في الأخرى، فصارت لاما مثقلة في قولك: الله.

475
(الواحد، الأحد) الأحد معناه أنه واحد في ذاته 1) ليس بذي
أبعاض ولا أجزاء ولا أعضاء، ولا يجوز عليه الاعداد والاختلاف، لان
اختلاف الأشياء من آيات وحدانيته مما دل به على نفسه، ويقال: لم
يزل الله واحدا، ومعنى ثان أنه واحد لا نظير له فلا يشاركه في معنى
الوحدانية غيره، لان كل من كان له نظراء وأشباه لم يكن واحدا في
الحقيقة، ويقال: فلان واحد الناس أي لا نظير له فيما يوصف به، والله
واحد لا من عدد، لأنه عز وجل لا يعد في الأجناس، ولكنه واحد ليس
له نظير.
وقال بعض الحكماء في الواحد والأحد: إنما قيل: الواحد لأنه
متوحد والأول لا ثاني معه، ثم ابتدع الخلق كلهم محتاجا بعضهم إلى
بعض، والواحد من العدد في الحساب ليس قبله شئ، بل هو قبل كل
عدد، والواحد كيف ما أدرته أو جزأته لم يزد عليه شئ ولم ينقص منه
شئ، تقول: واحد في واحد واحد، فلم يزد عليه شئ ولم يتغير اللفظ
عن الواحد، فدل على أنه لا شئ قبله، وإذا دل على أنه لا شئ قبله دل
على أنه محدث الشئ، وإذا كان هو محدث الشئ دل أنه مفني الشئ،
وإذا كان هو مفني الشئ دل أنه لا شئ بعده، فإذا لم يكن قبله شئ ولا
بعده شئ فهو المتوحد بالأزل، فلذلك قيل: واحد، أحد، وفي الأحد
خصوصية ليست في الواحد، تقول: ليس في الدار واحد، يجوز أن واحدا

476
من الدواب أو الطير أو الوحش أو الانس 1) لا يكون في الدار، وكان
الواحد بعض الناس وغير الناس، وإذا قلت: ليس في الدار أحد فهو
مخصوص بالآدميين دون سائرهم، والأحد ممتنع من الدخول في الضرب
والعدد والقسمة وفي شئ من الحساب، وهو متفرد بالأحدية، والواحد
منقاد للعدد والقسمة وغيرهما داخل في الحساب، تقول: واحد واثنان
وثلاثة فهذا العدد، والواحد علة العدد وهو خارج من العدد وليس بعدد،
وتقول: واحد في اثنين أو ثلاثة فما فوقها فهذا الضرب، وتقول: واحد
بين اثنين أو ثلاثة لكل واحد من الاثنين نصف ومن الثلاثة ثلث فهذه
القسمة. والأحد ممتنع في هذه كلها لا يقال: أحد واثنان، ولا أحد في
أحد، ولا واحد في أحد، ولا يقال: أحد بين اثنين، والأحد والواحد
وغيرهما من هذه الألفاظ كلها مشتقة من الوحدة.
(الصمد) الصمد معناه السيد ومن ذهب إلى هذا المعنى جاز له أن
يقول لم يزل صمدا، ويقال للسيد المطاع في قومه الذي لا يقضون أمرا
دونه: صمد، وقد قال الشاعر:

477
علوته بحسام ثم قلت له * خذها حذيف 1) فأنت السيد الصمد
وللصمد معنى ثان وهو أنه المصمود إليه في الحوائج، يقال: صمدت
صمد هذا الامر أي قصدت قصده، ومن ذهب إلى هذا المعنى لم يجز له
أن يقول: لم يزل صمدا، لأنه قد وصفه عز وجل بصفة من صفات فعله،
وهو مصيب أيضا، والصمد الذي ليس بجسم ولا جوف له. وقد أخرجت
في معنى (الصمد) في تفسير قل هو الله أحد في هذا الكتاب معاني
أخرى لم أحب إعادتها في هذا الباب.
(الأول والآخر) الأول والآخر 2) معناهما أنه الأول بغير ابتداء
والآخر بغير انتهاء.
(السميع) السميع معناه أنه إذا وجد المسموع كان له سامعا 3)،
ومعنى ثان أنه سميع الدعاء أي مجيب الدعاء، وأما السامع فإنه يتعدى

478
إلى مسموع ويوجب وجوده، ولا يجوز فيه بهذا المعنى لم يزل، والبارئ
عز اسمه سميع لذاته.
(البصير) البصير معناه إذا كانت المبصرات كان لها مبصرا، ولذلك
جاز أن يقال: لم يزل بصيرا، ولم يجز أن يقال: لم يزل مبصرا لأنه
يتعدى إلى مبصر ويوجب وجوده، والبصارة في اللغة مصدر البصير
وبصر بصارة، والله عز وجل بصير لذاته، وليس وصفنا له تبارك وتعالى
بأنه سميع بصير وصفا بأنه عالم 1)، بل معناه ما قدمناه من كونه مدركا
وهذه الصفة صفة كل حي لا آفة به.
(القدير، القاهر) القدير والقاهر معناهما أن الأشياء لا تطيق
الامتناع منه ومما يريد الانفاذ فيها، وقد قيل: إن القادر من يصح منه
الفعل إذا لم يكن في حكم الممنوع، والقهر الغلبة، والقدرة مصدر قولك:
قدر قدرة أي ملك، فهو قدير قادر مقتدر، وقدرته على ما لم يوجد
واقتداره على إيجاده هو قهره وملكه له، وقد قال عز ذكره: (مالك يوم
الدين) (1) ويوم الدين لم يوجد بعد، ويقال: إنه عز وجل قاهر لم يزل،
ومعناه أن الأشياء لا تطيق الامتناع منه ومما يريد إنفاذه فيها، ولم يزل
مقتدرا عليها ولم تكن موجودة كما يقال: مالك يوم الدين، ويوم الدين
لم يوجد بعد.



(1) الفاتحة: 4.
(2) أي: مرجع السميع والبصير.
(3) القواعد والفوائد 2: 168.
479
(العلي الاعلى) العلي معناه القاهر 1) فالله العلي ذو العلى والعلاء
والتعالي أي ذو القدرة والقهر والاقتدار، يقال: علا الملك علوا، ويقال
لكل شئ قد علا: علا يعلو علوا وعلي يعلى علاء، والمعلاة مكتسب
الشرف وهي من المعالي، وعلو كل شئ أعلاه - برفع العين وخفضها -
وفلان من علية الناس وهو اسم، ومعنى الارتفاع والصعود والهبوط عن
الله تبارك وتعالى منفي، ومعنى ثان أنه علا تعالى عن الأشباه والأنداد
وعما خاضت فيه وساوس الجهال، وترامت إليه فكر الضلال، فهو علي
متعال عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وأما الاعلى فمعناه العلي والقاهر،
ويؤيد ذلك قوله عز وجل لموسى عليه السلام: (لا تخف إنك أنت الاعلى) (1)
أي القاهر، وقوله عز وجل في تحريض المؤمنين على القتال: (ولا تهنوا
ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) (2) وقوله عز وجل (إن
فرعون علا في الأرض) (3) أي غلبهم واستولى عليهم، وقال الشاعر في
هذا المعنى:



(1) طه: 68.
(2) آل عمران: 139.
(3) القصص: 4.
480
فلما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر 1)
ومعنى ثان أنه متعال عن الأشباه والأنداد أي متنزه كما قال: (تعالى
عما يشركون) (1).
الباقي الباقي معناه الكائن بغير حدث ولا فناء، والبقاء ضد
الفناء، بقي الشئ بقاء، ويقال: ما بقيت منهم باقية ولا وقتهم من الله
واقية، والدائم في صفاته هو الباقي أيضا الذي لا يبيد ولا يفنى.
البديع البديع معناه مبدع البدائع ومحدث الأشياء على غير مثال
واحتذاء، وهو فعيل بمعنى مفعل كقوله عز وجل: (عذاب أليم) (2)
والمعنى مؤلم ويقول العرب: ضرب وجيع والمعنى موجع، وقال الشاعر
في هذا المعنى:
أمن ريحانة الداعي السميع 2) يؤرقني وأصحابي هجوع
فالمعنى الداعي المسمع، والبدع الشئ الذي يكون أولا في كل أمر،
ومنه قوله عز وجل: (قل ما كنت بدعا من الرسل) (3) أي لست بأول
مرسل، والبدعة اسم ما ابتدع من الدين وغيره، وقد قال الشاعر في هذا
المعنى:



(1) يونس: 18، والنحل: 1 و 3، والمؤمنون: 92، والقصص: 68، والروم: 40، والزمر: 67.
(2) في سبعين موضعا من الكتاب.
(3) الأحقاف: 9.
(4) البقرة: 104 وغيرها.
(5) البقرة: 117.
481
وكفاك لم تخلقا للندى 1) * ولم يك بخلهما بدعة
فكف عن الخير مقبوضة * كما حط عن مائة سبعة
وأخرى ثلاثة آلافها * وتسع مائيها لها شرعة (1)
ويقال: لقد جئت بأمر بديع أي مبتدع عجيب.
البارئ البارئ معناه أنه بارئ البرايا، أي خالق الخلائق، برأهم
يبرأهم أي خلقهم يخلقهم، والبرية الخليقة، وأكثر العرب على ترك
همزها، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، وقال بعضهم: بل هي مأخوذة



(1) هذه الأبيات شرحها المجلسي رحمه الله في البحار باب عدد أسماء الله تعالى.
482
من بريت العود 1)، ومنهم من يزعم أنه من البرى وهو التراب أي خلقهم
من التراب، وقالوا: لذلك لا يهمز.

487
(الأكرم) الأكرم معناه الكريم، وقد يجئ أفعل في معنى الفعيل،
مثل قوله عز وجل: (وهو أهون عليه) (1) أي هين عليه، ومثل قوله عز
وجل: (لا يصليها إلا الأشقى) وقوله: (وسيجنبها الأتقى) (2) يعني
بالأشقى والأتقى الشقي والتقي، وقد قال الشاعر في هذا المعنى:
إن الذي سمك السماء بنى لنا * بيتا 1) دعائمه أعز وأطول
(الظاهر) الظاهر معناه أنه الظاهر بآياته التي أظهرها 2) من شواهد
قدرته وآثار حكمته وبينات حجته التي عجز الخلق جميعا عن إبداع
أصغرها وإنشاء أيسرها وأحقرها عندهم كما قال الله عز وجل: (إن



(1) الروم: 27.
(2) الليل: 15 و 17.
(3) لم أظفر على الرسالة.
(4) في " س ": تقدمت الإشارة.
(5) المؤمنون: 14.
488




(1) في (س): فكما.
489
الذين تدعون من دون 1) الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) (1) فليس
شئ من خلقه إلا وهو شاهد له على وحدانيته من جميع جهاته،
وأعرض تبارك وتعالى عن وصف ذاته فهو ظاهر بآياته وشواهد قدرته،
محتجب بذاته، ومعنى ثان أنه ظاهر غالب قادر على ما يشاء، ومنه قوله
عز وجل: (فأصبحوا ظاهرين) (2) أي غالبين لهم.
الباطن الباطن معناه أنه قد بطن عن الأوهام، فهو باطن بلا
إحاطة، لا يحيط به محيط لأنه قدم الفكر فجنب عنه 2) وسبق المعلوم فلم
يحط به وفات الأوهام فلم تكتنهه، وحارت عنه الابصار فلم تدركه، فهو
باطن كل باطن، ومحتجب كل محتجب 3)، بطن بالذات، وظهر وعلا



(1) الحج: 73.
(2) الصف: 14.
490
بالآيات، فهو الباطن بلا حجاب والظاهر بلا اقتراب. ومعنى ثان أنه باطن
كل شئ أي خبير بصير بما يسرون وما يعلنون وبكل ما ذرأ وبرأ، وبطانة
الرجل وليجته من القوم الذين يداخلهم ويداخلونه في دخيلة أمره،
والمعنى أنه عالم بسرائرهم، لا أنه عز وجل يبطن في شئ يواريه.
(الحي) الحي معناه أنه الفعال المدبر، وهو حي لنفسه لا يجوز
عليه الموت والفناء، وليس يحتاج إلى حياة بها يحيى.
(الحكيم) الحكيم معناه أنه عالم، والحكمة في اللغة العلم، ومنه
قوله عز وجل: (يؤتي الحكمة من يشاء) (1) ومعنى ثان أنه محكم 1)
وأفعاله محكمة متقنة من الفساد، وقد حكمته وأحكمته لغتان، وحكمة
اللجام سميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد وهي ما أحاطت بحنكه.
(العليم) العليم معناه أنه عليم بنفسه، عالم بالسرائر، مطلع على
الضمائر، لا يخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة، علم الأشياء
قبل حدوثها، وبعد ما أحدثها، سرها وعلانيتها، ظاهرها وباطنها، وفي
علمه عز وجل بالأشياء على خلاف علم الخلق 2) دليل على أنه تبارك



(1) البقرة: 269.
491
وتعالى بخلافهم في جميع معانيهم 1) والله عالم لذاته، والعالم من يصح منه
الفعل المحكم المتقن، فلا يقال: إنه يعلم الأشياء بعلم كما لا يثبت معه
قديم غيره، بل يقال: إنه ذات عالمة، وهكذا يقال في جميع صفات ذاته.
(الحليم) الحليم معناه أنه حليم عمن عصاه لا يعجل عليهم بعقوبته.
(الحفيظ) الحفيظ الحافظ، وهو فعيل بمعنى الفاعل، ومعناه أنه
يحفظ الأشياء ويصرف عنها البلاء، ولا يوصف بالحفظ على معنى العلم
لأنا نوصف بحفظ القرآن والعلوم على المجاز، والمراد بذلك أنا إذا علمناه
لم يذهب عنا كما إذا حفظنا الشئ لم يذهب عنا.
(الحق) الحق معناه المحق، ويوصف به توسعا لأنه مصدر وهو
كقولهم (غياث المستغيثين) ومعنى ثان يراد به أن عبادة الله هي الحق
وعبادة غيره هي الباطل، ويؤيد ذلك قوله عز وجل: (ذلك بأن الله هو
الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) (1) أي يبطل ويذهب ولا
يملك لاحد ثوابا ولا عقابا.
(الحسيب) الحسيب معناه أنه المحصي لكل شئ، العالم به، لا
يخفى عليه شئ، ومعنى ثان أنه المحاسب لعباده يحاسبهم بأعمالهم
ويجازيهم عليها، وهو فعيل على معنى مفاعل مثل جليس ومجالس،
ومعنى ثالث: أنه الكافي، والله حسبي وحسبك أي كافينا، وأحسبني



(1) الحج: 62.
492
هذا الشئ أي كفاني، وأحسبته أي أعطيته حتى قال: حسبي، ومنه
قوله عز وجل: (جزاء من ربك عطاء حسابا) (1) أي كافيا.
(الحميد) الحميد معناه المحمود، وهو فعيل في معنى المفعول،
والحمد نقيض الذم، ويقال: حمدت فلانا إذا رضيت فعله ونشرته في الناس.
(الحفي) الحفي معناه العالم، ومنه قوله عز وجل: (يسألونك
كأنك حفي عنها) (2) أي يسألونك عن الساعة كأنك عالم بوقت مجيئها،
ومعنى ثان أنه اللطيف، والحفاية مصدر، الحفي: اللطيف المحتفي بك
ببرك وبلطفك.
(الرب) الرب معناه المالك، وكل من ملك شيئا فهو ربه، ومنه قوله
عز وجل: (ارجع إلى ربك) (3) أي إلى سيدك ومليكك، وقال قائل يوم
حنين: لان يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من
هوازن. يريد يملكني ويصير لي ربا ومالكا، ولا يقال لمخلوق: الرب
بالألف واللام لان الألف واللام دالتان على العموم، وإنما يقال للمخلوق:
رب كذا فيعرف بالإضافة لأنه لا يملك غيره فينسب إلى ما يملكه،
والربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة للرب في معنى الربوبية له، والربيون
الذين صبروا مع الأنبياء عليهم السلام.
(الرحمن) الرحمن معناه الواسع الرحمة 1) على عباده يعمهم بالرزق



(1) النبأ: 36.
(2) الأعراف: 187.
(3) يوسف: 50.
493
والانعام عليهم، ويقال: هو اسم من أسماء الله تبارك وتعالى في الكتب لا
سمي له فيه ويقال للرجل: رحيم القلب ولا يقال: الرحمن لان الرحمن
يقدر على كشف البلوى ولا يقدر الرحيم من خلقه على ذلك، وقد جوز
قوم أن يقال للرجل: رحمن وأرادوا به الغاية في الرحمة، وهذا خطأ،
والرحمن هو لجميع العالم والرحيم بالمؤمنين خاصة.
(الرحيم) الرحيم معناه أنه رحيم بالمؤمنين يخصهم برحمته في
عاقبة أمرهم كما قال الله عز وجل: وكان بالمؤمنين رحيما والرحمن
والرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على وزن ندمان ونديم، ومعنى
الرحمة النعمة، والراحم المنعم كما قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله: (وما
أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (1) يعني: نعمة عليهم ويقال للقرآن: هدى
ورحمة، وللغيث رحمة يعني نعمة، وليس معنى الرحمة الرقة لان الرقة
عن الله عز وجل منفية، وإنما سمي رقيق القلب من الناس رحيما لكثرة
ما توجد الرحمة منه، ويقال: ما أقرب رحم فلان إذا كان ذا مرحمة وبر،
والمرحمة الرحمة، ويقال: رحمته مرحمة ورحمة.
(الذارئ) الذارئ معناه الخالق يقال: ذرأ الله الخلق وبرأهم أي
خلقهم وقد قيل: إن الذرية منه اشتق اسمها كأنهم ذهبوا إلى أنها خلق الله



(1) الأنبياء: 107.
(2) الرحمن: 35 - 36.
494
عز وجل خلقها من الرجل، وأكثر العرب على ترك همزها وإنما تركوا
الهمزة في هذا المذهب لكثرة ترددها في أفواههم كما تركوا همزة البرية
وهمزة بري وأشباه ذلك، ومنهم من يزعم أنها من ذروت أو ذريت معا
يريد أنه قد كثرهم وبثهم في الأرض بثا، كما قال الله تعالى: (وبث منهما
رجالا كثيرا ونساء) (1).
(الرازق) الرازق معناه أنه عز وجل يرزق عباده برهم وفاجرهم
رزقا بفتح الراء رواية من العرب، ولو أرادوا المصدر لقالوا: رزقا، بكسر
الراء ويقال: ارتزق الجند رزقة واحدة أي أخذوه مرة واحدة.
(الرقيب) الرقيب معناه الحافظ وهو فعيل بمعنى فاعل، ورقيب
القوم حارسهم.
(الرؤوف) الرؤوف معناه الرحيم، والرأفة الرحمة.
(الرائي) الرائي معناه العالم، والرؤية العلم، ومعنى ثان، أنه المبصر
ومعنى الرؤية الابصار، ويجوز في معنى العلم لم يزل رائيا، ولا يجوز
ذلك في معنى الابصار.
(السلام) السلام معناه المسلم، وهو توسع لان السلام مصدر،
والمراد به أن السلامة تنال من قبله، والسلام والسلامة مثل الرضاع
والرضاعة واللذاذ واللذاذة، ومعنى ثان أنه يوصف بهذه الصفة لسلامته
مما يلحق الخلق من العيب والنقص والزوال والانتقال والفناء والموت،
وقوله عز وجل: (لهم دار السلام عند ربهم) (2) فالسلام هو الله عز وجل
وداره الجنة، ويجوز أن يكون سماها سلاما لان الصائر إليها يسلم فيها



(1) النساء: 1.
(2) الانعام: 127.
495
من كل ما يكون في الدنيا من مرض ووصب وموت وهرم وأشباه ذلك،
فهي دار السلامة من الآفات والعاهات، وقوله عز وجل (فسلام لك من
أصحاب اليمين) 1) (1) يقول: فسلامة لك منهم أي يخبرك عنهم سلامة
والسلامة في اللغة الصواب والسداد أيضا، ومنه قوله عز وجل: (وإذا
خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) 2) (2) أي سدادا وصوابا، ويقال: سمي
الصواب من القول سلاما لأنه يسلم من العيب والاثم.
(المؤمن) المؤمن معناه المصدق، والايمان التصديق في اللغة،
يدلك على ذلك قوله عز وجل حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام: (وما أنت
بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) (3) فالعبد مؤمن مصدق بتوحيد الله وبآياته،
والله مؤمن مصدق لما وحده ومحققه، ومعنى ثان: أنه محقق حقق
وحدانيته بآياته عند خلقه وعرفهم حقيقته لما أبدى من علاماته وأبان من
بيناته وعجائب تدبيره ولطائف تقديره، ومعنى ثالث أنه آمنهم من الظلم
والجور، قال الصادق عليه السلام: سمي البارئ عز وجل مؤمنا لأنه يؤمن من
عذابه من أطاعه، وسمي العبد مؤمنا لأنه يؤمن على الله عز وجل فيجيز



(1) الواقعة: 91.
(2) الفرقان: 63.
(3) يوسف: 17.
(4) مجمع البيان 5: 228.
496
الله أمانه وقال عليه السلام: (المؤمن من أمن جاره بوائقه)، وقال عليه السلام: (المؤمن
الذي يأتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم).
(المهيمن) المهيمن معناه الشاهد، وهو كقوله عز وجل: (ومهيمنا
عليه) (1) أي شاهدا عليه، ومعنى ثان أنه اسم مبني من الأمين،
والأمين اسم من أسماء الله عز وجل، ثم بني كما بني المبيطر من البيطر
والبيطار، وكأن الأصل فيه مؤيمن فقلبت الهمزة هاء كما قلبت همزة أرقت
وأيهات فقيل: هرقت وهيهات، وأمين اسم من أسماء الله عز وجل، ومن
طول الألف أراد (يا أمين) فأخرجه مخرج قولهم: أزيد. على معنى
يا زيد، ويقال: المهيمن اسم من أسماء الله عز وجل في الكتب السابقة.
(العزيز) العزيز معناه أنه لا يعجزه شئ ولا يمتنع عليه شئ أراده،
فهو قاهر للأشياء، غالب غير مغلوب، وقد يقال في المثل: (من عز بز) أي
من غلب سلب وقوله عز وجل حكاية عن الخصمين: (وعزني في
الخطاب) (2) أي غلبني في مجاوبة الكلام، ومعنى ثان: أنه الملك ويقال
للملك: عزيز كما قال إخوة يوسف ليوسف عليه السلام: (يا أيها العزيز) (3)
والمراد به يا أيها الملك.
(الجبار) الجبار معناه القاهر الذي لا ينال، وله التجبر والجبروت
أي التعظم والعظمة، ويقال للنخلة التي لا تنال: جبارة، والجبر أن تجبر
إنسانا على ما يكرهه قهرا تقول: جبرته على أمر كذا وكذا، وقال
الصادق عليه السلام: (لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين) عنى بذلك: أن



(1) المائدة: 48.
(2) ص: 23.
(3) يوسف: 88.
497
الله تبارك وتعالى لم يجبر عباده على المعاصي ولم يفوض إليهم أمر الدين
حتى يقولوا فيه بآرائهم ومقائسهم فإنه عز وجل قد حد ووظف وشرع
وفرض وسن وأكمل لهم الدين، فلا تفويض مع التحديد والتوظيف
والشرع والفرض والسنة وإكمال الدين.
(المتكبر) المتكبر مأخوذ من الكبرياء، وهواسم للتكبر والتعظم.
السيد السيد معناه الملك، ويقال لملك القوم وعظيمهم سيدهم،
وقد سادهم يسودهم. وقيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ قال:
ببذل الندى، وكف الأذى، ونصر المولى، وقال النبي صلى الله عليه وآله: (علي سيد
العرب، فقالت عائشة: يا رسول الله ألست سيد العرب؟ فقال: أنا سيد
ولد آدم، وعلي سيد العرب، فقالت: يا رسول الله وما السيد؟ قال: (من
افترضت طاعته كما افترضت طاعتي). وقد أخرجت هذا الحديث
مسندا في كتاب معاني الأخبار، فعلى معنى هذا الحديث السيد هو الملك
الواجب الطاعة.
(السبوح) هو اسم مبني على فعول، وليس في كلام العرب فعول
إلا سبوح قدوس، ومعناهما واحد، وسبحان الله تنزيها له عن كل مالا
ينبغي أن يوصف به، ونصبه لأنه في موضع فعل على معنى تسبيحا لله
يريد سبحت تسبيحا لله، ويجوز أن يكون نصبا على الظرف، ومعناه
نسبح لله وسبحوا لله 1).



(1) مجمع البيان 4: 179.
498
(الشهيد) الشهيد معناه الشاهد بكل مكان صانعا ومدبرا على أن
المكان مكان لصنعه وتدبيره، لا على أن المكان مكان له، لأنه عز وجل
كان ولا مكان.
(الصادق) الصادق معناه أنه صادق في وعده، ولا يبخس ثواب من
يفي بعهده.
(الصانع) الصانع معناه أنه صانع كل مصنوع أي خالق كل مخلوق،
ومبدع جميع البدائع، وكل ذلك دال على أنه لا يشبهه شئ من خلقه،
لأنا لم نجد فيما شاهدنا فعلا يشبه فاعله، لأنهم أجسام وأفعالهم غير
أجسام والله تعالى عن أن يشبه أفعاله، وأفعاله لحم وعظم وشعر ودم
وعصب وعروق وأعضاء وجوارح وأجزاء ونور وظلمة وأرض وسماء
وحجر وشجر وغير ذلك من صنوف الخلق وكل ذلك فعله وصنعه عز
وجل، وجميع ذلك دليل على وحدانيته شاهد على انفراده وعلى أنه
بخلاف خلقه وأنه لا شريك له.
وقال بعض الحكماء في هذا المعنى وهو يصف النرجس:
عيون في جفون في فنون * بدت فأجاد صنعتها المليك
بأبصار التغنج طامحات * كان حداقها ذهب سبيك
على غصن الزمرد مخبرات * بأن الله ليس له شريك
(الطاهر) الطاهر معناه أنه متنزه عن الأشباه والأنداد والأضداد



(1) بحار الأنوار 4: 198.
499
والأمثال والحدود والزوال والانتقال ومعاني الخلق من الطول والعرض
والأقطار والثقل والخفة، والرقة والغلظة، والدخول والخروج، والملازقة
والمباينة، والرائحة والطعم، واللون والمجسة، والخشونة واللين،
والحرارة والبرودة، والحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والتمكن
في مكان دون مكان، لان جميع ذلك محدث مخلوق وعاجز ضعيف من
جميع الجهات، دليل على محدث أحدثه وصانع صنعه، قادر قوي طاهر
من معانيها لا يشبه شيئا منها، لأنها دلت من جميع جهاتها على صانع
صنعها ومحدث أحدثها وأوجبت على جميع ما غاب عنها من أشباهها
وأمثالها أن يكون دالة على صانع صنعها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
(العدل) العدل معناه الحكم بالعدل والحق، وسمي به توسعا لأنه
مصدر والمراد به العادل، والعدل من الناس المرضي قوله وفعله وحكمه.
(العفو) العفو اسم مشتق من العفو على وزن فعول، والعفو: المحو،
يقال: عفا الشئ إذا امتحي وذهب ودرس، وعفوته أنا إذا محوته، ومنه
قوله عز وجل (عفا الله عنك لم أذنت لهم) (1) أي محا الله عنك إذنك لهم 1).
(الغفور) الغفور اسم مشتق من المغفر، وهو الغافر الغفار، وأصله
في اللغة التغطية والستر، تقول: غفرت الشئ إذا غطيته، ويقال: هذا



(1) التوبة: 43.
500
أغفر من هذا أي أستر، وغفر الصوف والخز ما علا فوق الثوب منهما
كالزئبر سمي غفرا 1) لأنه ستر الثوب، ويقال لجنة الرأس: مغفر لأنها
تستر الرأس، والغفور: الساتر لعبده برحمته.
(الغني) الغني معناه أنه الغني بنفسه عن غيره وعن الاستعانة
بالآلات والأدوات وغيرها، والأشياء كلها سوى الله عز وجل متشابهة في
الضعف والحاجة، لا يقوم بعضها إلا ببعض ولا يستغني بعضها عن بعض.
(الغياث) الغياث معناه المغيث سمي به توسعا لأنه مصدر.
(الفاطر) الفاطر معناه الخالق، فطر الخلق أي خلقهم وابتدأ صنعة
الأشياء وابتدعها فهو فاطرها أي خالقها ومبدعها.
(الفرد) الفرد معناه أنه المتفرد بالربوبية والامر دون خلقه، ومعنى
ثان: أنه موجود وحده لا موجود معه 2).
(الفتاح) الفتاح معناه أنه الحاكم ومنه قوله عز وجل: (وأنت خير
الفاتحين) (1) (وقوله عز وجل: وهو الفتاح العليم) (2).



(1) الأعراف: 89.
(2) سبأ: 26.
501
(الفالق) الفالق اسم مشتق من الفلق، ومعناه في أصل اللغة الشق،
يقال: سمعت هذا من فلق فيه، وفلقت الفستقة فانفلقت، وخلق الله
تبارك وتعالى كل شئ فانفلق عن جميع ما خلق، فلق الأرحام فانفلقت
عن الحيوان، وفلق الحب والنوى فانفلقا عن النبات، وفلق الأرض
فانفلقت عن كل ما اخرج منها، وهو كقوله عز وجل: (والأرض ذات
الصدع) (1) صدعها فانصدعت، وفلق الظلام فانفلق عن الاصباح، وفلق
السماء فانفلقت عن القطر، وفلق البحر لموسى عليه السلام فانفلق فكان كل فرق
منه كالطود العظيم.
(القديم) القديم معناه أنه المتقدم للأشياء كلها، وكل متقدم لشئ
يسمى قديما إذا بولغ في الوصف، ولكنه سبحانه قديم لنفسه بلا أول ولا
نهاية، وسائر الأشياء لها أول ونهاية، ولم يكن لها هذا الاسم في بدئها،
فهي قديمة من وجه ومحدثة من وجه، وقد قيل: إن القديم معناه أنه
الموجود لم يزل، وإذا قيل لغيره عز وجل: إنه قديم كان على المجاز لان
غيره محدث ليس بقديم.
(الملك) الملك هو مالك الملك قد ملك كل شئ، والملكوت ملك
الله عز وجل زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت، تقول
العرب: رهبوت خير من رحموت أي لان ترهب خير من أن ترحم.
(القدوس) القدوس معناه الطاهر، والتقديس التطهير والتنزيه،
وقوله عز وجل حكاية عن الملائكة: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس



(1) الطارق: 12.
502
لك) (1) أي ننسبك إلى الطهارة، ونسبحك ونقدس لك بمعنى واحد،
وحظيرة القدس موضع الطهارة 1) من الأدناس التي تكون في الدنيا
والأوصاب والأوجاع وأشباه ذلك، وقد قيل: إن القدوس من أسماء الله
عز وجل في الكتب.
(القوي) القوي معناه معروف وهو القوي بلا معاناة ولا استعانة.
(القريب) القريب معناه المجيب، ويؤيد ذلك قوله عز وجل (فإني
قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) (2) ومعنى ثان: أنه عالم بوساوس
القلوب لا حجاب بينه وبينها ولا مسافة، ويؤيد هذا المعنى قوله عز
وجل: (ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه
من حبل الوريد) (3) 2) فهو قريب بغير مماسة بائن من خلقه بغير طريق
ولا مسافة، بل هو على المفارقة لهم في المخالطة، والمخالفة لهم في



(1) البقرة: 30.
(2) البقرة: 186.
(3) ق: 16.
(4) مجمع البيان 5: 144.
503
المشابهة 1)، وكذلك التقرب إليه ليس من جهة الطرق والمسائف، إنما هو
من جهة الطاعة وحسن العبادة، فالله تبارك وتعالى قريب دان دنوه من
غير سفل، لأنه ليس باقتطاع المسائف يدنو، ولا باجتياز الهواء يعلو،
كيف وقد كان قبل السفل والعلو وقبل أن يوصف بالعلو والدنو.
(القيوم) القيوم والقيام هما فيعول وفيعال من قمت بالشئ إذا وليته
بنفسك وتوليت حفظه وإصلاحه وتقديره، ونظيره قولهم: ما فيها من
ديور ولا ديار.
(القابض) القابض اسم مشتق من القبض، وللقبض معان، منها:
الملك: يقال: فلان في قبضي، وهذه الضيعة في قبضي، ومنه قوله عز
وجل: (والأرض جميعا قبضته يوم القيمة) (1) وهذا كقول الله عز
وجل: (وله الملك يوم ينفخ في الصور) (2) وقوله عز وجل: (والامر
يومئذ لله) (3) وقوله عز وجل: (مالك يوم الدين) (4) ومنها: إفناء
الشئ، ومن ذلك قولهم للميت: قبضه الله إليه، ومنه قوله عز وجل: (ثم
جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) (5) فالشمس لا
تقبض بالبراجم، والله تبارك وتعالى قابضها ومطلقها، ومن هذا قوله عز
وجل: (والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون) (6) فهو باسط على عباده
فضله، وقابض ما يشاء من عائدته وأياديه، والقبض قبض البراجم



(1) الزمر: 67.
(2) الانعام: 73.
(3) الانفطار: 19.
(4) الفاتحة: 4.
(5) الفرقان: 46.
(6) البقرة: 245.
504
أيضا 1) وهو عن الله تعالى ذكره منفي، ولو كان القبض والبسط الذي ذكره
الله عز وجل من قبل البراجم لما جاز أن يكون في وقت واحد قابضا
وباسطا لاستحالة ذلك، والله تعالى ذكره في كل ساعة يقبض الأنفس
ويبسط الرزق ويفعل ما يريد.
(الباسط) الباسط معناه المنعم المفضل، قد بسط على عباده فضله
وإحسانه، وأسبغ عليهم نعمه.
(قاضي الحاجات) القاضي اسم مشتق من القضاء، ومعنى القضاء
من الله عز وجل على ثلاثة أوجه: فوجه منها هو الحكم والالزام، يقال:
قضى القاضي على فلان بكذا أي حكم عليه به وألزمه إياه، ومنه قوله عز
وجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) (1) ووجه منها هو الخبر، ومنه
قوله عز وجل: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) (2) أي أخبرناهم
بذلك على لسان النبي صلى الله عليه وآله، ووجه منها هو الاتمام، ومنه قوله عز
وجل: (فقضيهن سبع سماوات في يومين) (3) ومنه قول الناس: قضى
فلان حاجتي، يريد أنه أتم حاجتي على ما سألته.
(المجيد) المجيد معناه الكريم العزيز، ومنه قوله عز وجل: (بل
هو قرآن مجيد) (4) أي كريم عزيز. والمجد في اللغة نيل الشرف، ومجد



(1) الاسراء: 23.
(2) الاسراء: 4.
(3) فصلت: 12.
(4) البروج: 21.
505
الرجل وأمجد لغتان وأمجده كرم فعاله، ومعنى ثان: أنه مجيد ممجد،
مجده خلقه أي عظموه.
(المولى) المولى معناه الناصر ينصر المؤمنين ويتولى نصرهم على
عدوهم ويتولى ثوابهم وكرامتهم، وولي الطفل هو الذي يتولى إصلاح
شأنه، والله ولي المؤمنين وهو مولاهم وناصرهم، والمولى في وجه آخر
هو الأولى، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وذلك
على إثر كلام قد تقدمه وهو أن قال: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم،
قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه أي من كنت أولى به منه
بنفسه فعلي مولاه) أي أولى به منه بنفسه.
(المنان) المنان معناه المعطي المنعم، ومنه قوله عز وجل: (فامنن
أو أمسك بغير حساب) (1) وقوله عز وجل: (ولا تمنن تستكثر) (2).
(المحيط) المحيط معناه أنه محيط بالأشياء عالم بها كلها، وكل من
أخذ شيئا كله أو بلغ علمه أقصاه فقد أحاط به، وهذا على التوسع لان
الإحاطة في الحقيقة إحاطة الجسم الكبير بالجسم الصغير من جوانبه
كإحاطة البيت بما فيه وإحاطة السور بالمدن، ولهذا المعنى سمي الحائط
حائطا، ومعنى ثان يحتمل أن يكون نصبا على الظرف، معناه مستوليا
مقتدرا، كقوله عز وجل: (وظنوا أنهم أحيط بهم) (3) فسماه إحاطة لهم
لان القوم إذا أحاطوا بعدوهم لم يقدر العدو على التخلص منهم.
(المبين) المبين معناه الظاهر البين حكمته، المظهر لها بما أبان من



(1) ص: 39.
(2) المدثر: 6.
(3) يونس: 22.
506
بيناته وآثار قدرته، ويقال: بان الشئ وأبان واستبان بمعنى واحد.
(المقيت) المقيت معناه الحافظ الرقيب، ويقال: بل هو القدير. (المصور) المصور هو اسم مشتق من التصوير، يصور الصور في
الأرحام كيف يشاء، فهو مصور كل صورة، وخالق كل مصور في رحم
ومدرك ببصر وممثل في نفس، وليس الله تبارك وتعالى بالصور
والجوارح يوصف، ولا بالحدود والابعاض يعرف، ولا في سعة الهواء
بالأوهام يطلب، ولكن بالآيات يعرف، وبالعلامات والدلالات يحقق،
وبها يوقن، وبالقدرة والعظمة والجلال والكبرياء يوصف، لأنه ليس له في
خلقه شبيه ولا في بريته عديل.
(الكريم) الكريم معناه العزيز، يقال: فلان أكرم علي من فلان أي
أعز منه، ومنه قوله عز وجل: (إنه لقرآن كريم) (1) وكذلك قوله عز
وجل: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) (2)، ومعنى ثان: أنه الجواد
المفضل، يقال: رجل كريم أي جواد، وقوم كرام أي أجواد، وكريم وكرم
مثل أديم وأدم.
(الكبير) الكبير السيد، يقال لسيد القوم كبيرهم، والكبرياء اسم
التكبر والتعظم.
(الكافي) الكافي اسم مشتق من الكفاية، وكل من توكل عليه كفاه
ولا يلجئه إلى غيره.
(كاشف الضر) الكاشف معناه المفرج يجيب المضطر إذا دعاه
ويكشف السوء، والكشف في اللغة رفعك شيئا عما يواريه ويغطيه.



(1) الواقعة: 77.
(2) الدخان: 49.
507
(الوتر) الوتر الفرد، وكل شئ كان فردا قيل: وتر.
(النور) النور معناه المنير، ومنه قوله عز وجل: (الله نور السماوات
والأرض) (1) أي منير لهم وآمرهم وهاديهم، فهم يهتدون به في
مصالحهم كما يهتدون في النور والضياء وهذا توسع إذ النور الضياء والله
عز وجل متعال عن ذلك علوا كبيرا، لان الأنوار محدثة، ومحدثها قديم
لا يشبهه شئ، وعلى سبيل التوسع قيل: إن القرآن نور لان الناس
يهتدون به في دينهم كما يهتدون بالضياء في مسالكهم، ولهذا المعنى كان
النبي صلى الله عليه وآله منيرا.
(الوهاب) الوهاب معروف وهو من الهبة يهب لعباده ما يشاء ويمن
عليهم بما يشاء، ومنه قوله عز وجل: (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن
يشاء الذكور) (2).
الناصر الناصر والنصير بمعنى واحد، والنصرة حسن المعونة.
(الواسع) الواسع الغني، والسعة الغنى، يقال: فلان يعطي من سعة
أي من غنى، والوسع جدة الرجل وقدرة ذات يده، ويقال: أنفق على
قدر وسعك.
(الودود) الودود فعول بمعنى مفعول كما يقال: هيوب بمعنى
مهيب، يراد به أنه مودود ومحبوب، ويقال: بل فعول بمعنى فاعل
كقولك: غفور بمعنى غافر أي يود عباده الصالحين ويحبهم، والود
والوداد مصدر المودة، وفلان ودك ووديدك أي حبك وحبيبك.



(1) النور: 35.
(2) الشورى: 49.
508
(الهادي) الهادي معناه أنه عز وجل يهديهم للحق، والهدى من الله
عز وجل على ثلاثة أوجه: فوجه هو الدلالة قد دلهم جميعا على الدين،
والثاني هو الايمان والايمان هدى من الله عز وجل كما أنه نعمة من الله
عز وجل. والثالث هو النجاة وقد بين الله عز وجل أنه سيهدي المؤمنين
بعد وفاتهم فقال: (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم
ويصلح بالهم) (1) ولا يكون الهدى بعد الموت والقتل إلا الثواب والنجاة،
وكذلك قوله عز وجل: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم
بإيمانهم) (2) وهو ضد الضلال الذي هو عقوبة الكافر، وقال الله عز
وجل: (ويضل الله الظالمين) (3) أي يهلكهم ويعاقبهم، وهو كقوله عز
وجل: (أضل أعمالهم) (4) أي أهلك أعمالهم وأحبطها بكفرهم.
الوفي الوفي معناه أنه يفي بعهدهم ويوفي بعهده، يقال: رجل
وفي وموف. وقد وفيت بعهدك وأوفيت لغتان.
(الوكيل) الوكيل معناه المتولي أي القائم بحفظنا، وهذا هو معنى
الوكيل على المال منا، ومعنى ثان أنه المعتمد والملجأ، والتوكل الاعتماد
عليه والالتجاء إليه.
(الوارث) الوارث معناه أن كل من ملكه الله شيئا يموت ويبقى ما
كان في ملكه ولا يملكه إلا الله تبارك وتعالى.
(البر) البر معناه الصادق، يقال: صدق فلان وبر، ويقال: برت



(1) محمد (ص): 5.
(2) يونس: 9.
(3) إبراهيم عليه السلام: 27.
(4) محمد (ص): 1.
509
يمين فلان إذا صدقت، وأبرها الله أي أمضاها على الصدق.
(الباعث) الباعث معناه أنه يبعث من في القبور ويحييهم وينشرهم
للجزاء والبقاء.
(التواب) التواب معناه أنه يقبل التوبة ويعفو عن الحوبة إذا تاب
منها العبد، يقال: تاب العبد إلى الله عز وجل فهو تائب إليه وتاب الله عليه
أي قبل توبته فهو تواب عليه، والتوب التوبة. ويقال: اتأب فلان من
كذا - مهموزا - إذا استحيى منه، ويقال: ما طعامك بطعام تؤبة أي لا
يحتشم منه ولا يستحيى 1).
(الجليل) الجليل معناه السيد، يقال لسيد القوم: جليلهم وعظيمهم،
وجل جلال الله فهو الجليل ذو الجلال والاكرام، ويقال جل فلان في
عيني أي عظم، وأجللته أي عظمته.
(الجواد) الجواد معناه المحسن المنعم الكثير الانعام والاحسان،
يقال: جاد السخي من الناس يجود جودا، ورجل جواد، وقوم أجواد
وجود أي أسخياء، ولا يقال لله عز وجل: سخي لان أصل السخاوة
راجع إلى اللين، يقال: أرض سخاوية وقرطاس سخاوي إذا كان لينا.
وسمي السخي سخيا للينه عند الحوائج إليه.
(الخبير) الخبير معناه العالم، والخبر والخبير في اللغة واحد،
والخبر علمك بالشئ، يقال: لي به خبر أي علم.

510
(الخالق) الخالق معناه الخلاق، خلق الخلائق خلقا وخليقة،
والخليقة: الخلق، والجمع الخلائق، والخلق في اللغة تقديرك الشئ،
يقال في المثل: إني إذا خلقت فريت 1) لا كمن يخلق ولا يفري، وفي
قول أئمتنا عليهم السلام: إن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين.
وخلق عيسى عليه السلام من الطين كهيئة الطير 2) هو خلق تقدير أيضا، ومكون
الطير وخالقه في الحقيقة هو الله عز وجل.
(خير الناصرين) خير الناصرين وخير الراحمين معناه أن فاعل
الخير إذا كثر ذلك منه سمي خيرا توسعا.
(الديان) الديان هو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم، والدين
الجزاء، ولا يجمع لأنه مصدر، يقال: دان يدين دينا، ويقال في
المثل: (كما تدين تدان) أي كما تجزي تجزى، قال الشاعر:
كما يدين الفتى يوما يدان به * من يزرع الثوم لا يقلعه ريحانا
(الشكور) الشكور والشاكر معناهما أنه يشكر للعبد عمله، وهذا
توسع لان الشكر في اللغة عرفان الاحسان، وهو المحسن إلى عباده

511
المنعم عليهم، لكنه سبحانه لما كان مجازيا للمطيعين على طاعتهم جعل
مجازاته شكرا لهم على المجاز كما سميت مكافأة المنعم شكرا.
(العظيم) العظيم معناه السيد، وسيد القوم عظيمهم وجليلهم،
ومعنى ثان: أنه يوصف بالعظمة لغلبته على الأشياء وقدرته عليها ولذلك
كان الواصف بذلك معظما، ومعنى ثالث: أنه عظيم لان ما سواه كله له
ذليل خاضع فهو عظيم السلطان، عظيم الشأن، ومعنى رابع: أنه المجيد
يقال: عظم فلان في المجد عظامة، والعظامة مصدر: الامر العظيم،
والعظمة من التجبر، وليس معنى العظيم ضخم طويل عريض ثقيل لأن هذه
المعاني معاني الخلق وآيات الصنع والحدث وهي عن الله تبارك
وتعالى منفية، وقد روي في الخبر أنه سمي العظيم لأنه خالق الخلق
العظيم ورب العرش العظيم وخالقه.
(اللطيف) اللطيف معناه أنه لطيف بعباده فهو لطيف بهم، بار بهم،
منعم عليهم واللطف البر والتكرمة، يقال: فلان لطيف بالناس بار بهم
يبرهم ويلطفهم إلطافا، ومعنى ثان أنه لطيف في تدبيره وفعله يقال: فلان
لطيف العمل، وقد روي في الخبر أن معنى اللطيف هو أنه الخالق للخلق
اللطيف كما أنه سمي العظيم لأنه الخالق للخلق العظيم.
الشافي الشافي معناه معروف وهو من الشفاء كما قال الله عز
وجل حكاية عن إبراهيم عليه السلام: (وإذا مرضت فهو يشفين) (1) فجملة
هذه الأسماء الحسنى تسعة وتسعون اسما.



(1) الشعراء: 80.
512
وأما (تبارك) فهو من البركة وهو عز وجل ذو بركة وهو فاعل
البركة وخالقها وجاعلها في خلقه، وتبارك وتعالى عن الولد والصاحبة
والشريك وعما يقول الظالمون علوا كبيرا، وقد قيل: إن معنى قول الله عز
وجل: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) 1) (1)
إنما عنى به أن الله الذي يدوم بقاؤه وتبقى نعمه ويصير ذكره بركة على
عباده واستدامة لنعم الله عندهم (هو الذي نزل الفرقان على عبده ليكون
للعالمين نذيرا) والفرقان هو القرآن وإنما سماه فرقانا لان الله عز وجل
فرق به بين الحق والباطل، وعبده الذي أنزل عليه ذلك هو محمد صلى الله عليه وآله
وسماه عبدا لئلا يتخذ ربا معبودا، وهذا رد على من يغلو فيه، وبين عز
وجل أنه نزل عليه ذلك لينذر به العالمين وليخوفهم به من معاصي الله
وأليم عقابه، والعالمون: الناس (الذي له ملك السماوات والأرض ولم
يتخذ ولدا) كما قالت النصارى إذ أضافوا إليه الولد كذبا عليه وخروجا



(1) الفرقان: 1.
(2) مجمع البيان 4: 160.
513
من توحيده (ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شئ فقدره
تقديرا) يعني: أنه خلق الأشياء كلها على مقدار يعرفه وأنه لم يخلق
شيئا من ذلك على سبيل سهو ولا غفلة ولا على تنحيب 1) ولا على
مجازفة، بل على المقدار الذي يعلم أنه صواب من تدبيره وأنه استصلاح
لعباده في أمر دينهم وأنه عدل منه على خلقه لأنه لو لم يخلق ذلك على
مقدار يعرفه على سبيل ما وصفناه لوجد في ذلك التفاوت والظلم



(1) تفسير القمي 1: 96.
(2) مجمع البيان 1: 407.
(3) مجمع البيان 4: 161.
(4) الاسراء: 1.
514
والخروج عن الحكمة وصواب التدبير إلى العبث والظلم والفساد كما
يوجد مثل ذلك في فعل خلقه الذين ينحبون في أفعالهم ويفعلون من ذلك
ما لا يعرفون مقداره، ولم يعن بذلك أنه خلق لذلك تقديرا يعرف به مقدار
ما يفعله ثم فعل أفعاله بعد ذلك، لان ذلك إنما يوجد من فعل من لا يعلم
مقدار ما يفعله إلا بهذا التقدير وهذا التدبير، والله سبحانه لم يزل عالما
بكل شئ وإنما عنى بقوله: فقدره تقديرا أي فعل ذلك على مقدار
يعرفه - على ما بيناه - وعلى أن يقدر أفعاله لعباده 1) بأن يعرفهم مقدارها
ووقت كونها ومكانها الذي يحدث فيه ليعرفوا ذلك، وهذا التقدير من الله
عز وجل كتاب وخبر كتبه الله لملائكته وأخبرهم به ليعرفوه، فلما كان
كلامه لم يوجد إلا على مقدار يعرفه لئلا يخرج عن حد الصدق إلى
الكذب وعن حد الصواب إلى الخطأ، وعن حد البيان إلى التلبيس، كان
ذلك دلالة على أن الله قد قدره على ما هو به وأحكمه وأحدثه فلهذا صار
محكما لا خلل فيه ولا تفاوت ولا فساد.
10 - حدثنا غير واحد: قالوا: حدثنا محمد بن همام، عن علي بن

515
الحسين قال: حدثني جعفر بن يحيى الخزاعي، عن أبيه، قال: دخلت مع
أبي عبد الله عليه السلام على بعض مواليه يعوده، فرأيت الرجل يكثر من قول آه،
فقلت له: يا أخي اذكر ربك واستغث به، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن آه اسم
من أسماء الله عز وجل فمن قال: آه فقد استغاث بالله 1) تبارك
وتعالى.
11 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني
الأسواري قال: حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا
أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي بدمشق وأنا أسمع، قال:
حدثنا أبو عامر موسى بن عامر المري قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال:
حدثنا زهير بن محمد، عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما
مائة إلا واحدا، إنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة، فبلغنا أن
غير واحد من أهل العلم قال: إن أولها يفتتح بلا إله إلا الله 2) وحده لا
شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير، لا
إله إلا الله له الأسماء الحسنى: الله، الواحد، الصمد، الأول، الآخر،
الظاهر، الباطن، الخالق، البارئ، المصور، الملك، القدوس، السلام،

516
المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الرحمن، الرحيم، اللطيف،
الخبير، السميع، البصير، العلي، العظيم، البارئ، المتعالي، الجليل،
الجميل، الحي، القيوم، القادر، القاهر، الحكيم، القريب، المجيب،
الغني، الوهاب، الودود، الشكور، الماجد، الأحد، الولي، الرشيد،
الغفور، الكريم، الحليم، التواب، الرب، المجيد، الحميد، الوفي،
الشهيد، المبين، البرهان، الرؤوف، المبدئ، المعيد، الباعث، الوارث،
القوي، الشديد، الضار، النافع، الوافي، الحافظ، الرافع، القابض، الباسط،
المعز، المذل، الرازق، ذو القوة المتين، القائم، الوكيل، العادل، الجامع،
المعطي، المجتبي، المحيي، المميت، الكافي، الهادي، الأبد، الصادق،
النور، القديم، الحق، الفرد، الوتر، الواسع، المحصي، المقتدر، المقدم،
المؤخر، المنتقم، البديع.
12 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن
محبوب، عن علي بن رئاب، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من
عبد الله بالتوهم فقد كفر 1)، ومن عبد الاسم 2) ولم يعبد المعنى فقد كفر 3)،



(1) في (ن): التوهم.
517
ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه
بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سرائره
وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. وفي حديث آخر: (أولئك
هم المؤمنون حقا).
13 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن
محمد بن عمران الدقاق، قالا: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه
سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله عز وجل واشتقاقها، فقال: الله مشتق من
إله 1)، وإله يقتضي مألوها 2)، والاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون
المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد
الاثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام،

518
قال: قلت: زدني، قال: لله عز وجل تسعة وتسعون اسما، فلو كان الاسم
هو المسمى لكان كل اسم منها هو إلها، ولكن الله عز وجل معنى، يدل
عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم
للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق، أفهمت يا هشام
فهما تدفع به وتنافر أعداءنا والملحدين في الله والمشركين مع الله عز
وجل غيره؟ قلت: نعم، فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام: فوالله
ما قهرني أحد في التوحيد حينئذ حتى قمت مقامي هذا.
14 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري، قال:
حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا إسماعيل بن
محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي قال: حدثني جدي، قال:
حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثني أحمد بن محمد بن داود بن قيس
الصنعاني، قال: حدثني أفلح بن كثير، عن ابن جريج، عن عمرو بن
شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله أن جبرئيل نزل عليه بهذا الدعاء
من السماء ونزل عليه ضاحكا مستبشرا، فقال: السلام عليك يا محمد،

519
قال: وعليك السلام يا جبرئيل، فقال: إن الله بعث إليك بهدية، فقال: وما
تلك الهدية يا جبرئيل؟ فقال: كلمات من كنوز العرش أكرمك الله بها، قال:
وما هن يا جبرئيل؟ قال: قل: (يامن أظهر الجميل وستر القبيح 1)، يامن لم
يؤاخذ بالجريرة 2) ولم يهتك الستر، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز 3)، يا



(1) بحار الأنوار 4: 159.
(2) بحار الأنوار 71: 242 - 243.
520
واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة 1)، يا صاحب كل نجوى 2)، ويا
منتهى كل شكوى [يا مقيل العثرات] يا كريم الصفح، يا عظيم المن يا
مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا ربنا ويا سيدنا ويا مولانا ويا غاية رغبتنا
أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل فما
ثواب هذه الكلمات؟ قال: هيهات هيهات، انقطع العلم، لو اجتمع ملائكة
سبع سماوات وسبع أرضين على أن يصفوا ثواب ذلك إلى يوم القيامة ما
وصفوا من ألف جزء جزءا واحدا، فإذا قال العبد: (يا من أظهر الجميل
وستر القبيح) ستره الله برحمته في الدنيا وجمله في الآخرة وستر الله عليه
ألف ستر في الدنيا والآخرة، وإذا قال: (يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم
يهتك الستر) لم يحاسبه الله يوم القيامة ولم يهتك ستره يوم يهتك الستور،
وإذا قال: (يا عظيم العفو) غفر الله له ذنوبه ولو كانت خطيئته مثل زبد
البحر، وإذا قال: (يا حسن التجاوز) تجاوز الله عنه حتى السرقة وشرب
الخمر وأهاويل الدنيا، وغير ذلك من الكبائر، وإذا قال: (يا واسع المغفرة)،
فتح الله عز وجل له سبعين بابا من الرحمة فهو يخوض في رحمة الله عز
وجل حتى يخرج من الدنيا، وإذا قال: (يا باسط اليدين بالرحمة) بسط الله
يده عليه بالرحمة، وإذا قال: (يا صاحب كل نجوى و [يا] منتهى كل

521
شكوى) أعطاه الله عز وجل من الاجر ثواب كل مصاب وكل سالم وكل
مريض وكل ضرير وكل مسكين وكل فقير إلى يوم القيامة، وإذا قال: (يا
كريم الصفح) أكرمه الله كرامة الأنبياء، وإذا قال: (يا عظيم المن) أعطاه الله
يوم القيامة أمنيته وأمنية الخلائق، وإذا قال: (يا مبتدئا بالنعم قبل
استحقاقها) أعطاه الله من الاجر بعدد من شكر نعماءه، وإذا قال: (يا ربنا
ويا سيدنا ويا مولانا) قال الله تبارك وتعالى: اشهدوا ملائكتي أني غفرت
له وأعطيته من الاجر بعدد من خلقته في الجنة والنار والسماوات السبع
والأرضين السبع والشمس والقمر والنجوم وقطر الأمطار وأنواع الخلق
والجبال والحصى والثرى وغير ذلك والعرش والكرسي، وإذا قال: (يا
مولانا) ملا الله قلبه من الايمان، وإذا قال: (يا غاية رغبتنا) أعطاه الله يوم
القيامة رغبته ومثل رغبة الخلائق، وإذا قال: (أسألك يا الله أن لا تشوه
خلقي بالنار) قال الجبار جل جلاله: استعتقني عبدي من النار، اشهدوا
ملائكتي أني قد أعتقته من النار وأعتقت أبويه وإخوته وأخواته وأهله
وولده وجيرانه، وشفعته في ألف رجل ممن وجب لهم النار، وآجرته
من النار، فعلمهن يا محمد المتقين ولا تعلمهن المنافقين فإنها دعوة
مستجابة لقائليهن إن شاء الله، وهو دعاء أهل البيت المعمور حوله إذا كانوا
يطوفون به.
قال مصنف هذا الكتاب: الدليل على أن الله تعالى عز وجل عالم حي
قادر لنفسه لا بعلم وقدرة وحياة هو غيره أنه لو كان عالما بعلم لم يخل
علمه من أحد أمرين إما أن يكون قديما أو حادثا، فإن كان حادثا فهو جل
ثناؤه قبل حدوث العلم غير عالم، وهذا من صفات النقص، وكل منقوص

522
محدث بما قدمنا، وإن كان قديما وجب أن يكون غير الله عز وجل قديما
وهذا كفر بالاجماع، فكذلك القول في القادر وقدرته والحي وحياته،
والدليل على أنه تعالى لم يزل قادرا عالما حيا أنه قد ثبت أنه عالم قادر
حي لنفسه وصح بالدليل أنه عز وجل قديم وإذا كان كذلك كان عالما لم
يزل إذ نفسه التي لها علم لم تزل، وهذا يدل على أنه قادر حي لم يزل.
30 - باب القرآن ما هو؟
1 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن
خالد، قال: قلت للرضا علي بن موسى عليهما السلام: يا ابن رسول الله أخبرني
عن القرآن أخالق أو مخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام
الله عز وجل.
2 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن إبراهيم بن هاشم، عن الريان بن
الصلت، قال: قلت للرضا عليه السلام: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله لا
تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا.
3 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي،
قال: حدثنا علي بن سالم، عن أبيه، قال: سألت الصادق جعفر بن
محمد عليهما السلام فقلت له: يا ابن رسول ما تقول في القرآن؟ فقال: هو كلام الله
وقول الله وكتاب الله ووحي الله وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه

523
الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد 1) 2).



(1) مجمع البيان 5: 15 - 16.
(2) الحجر: 9.
524




(1) أقول: وقع الاختلاف قديما وحديثا بين أهل السنة والامامية في مسألة تحريف ا لقرآن،
وقد ذهب جماعة من الفريقين إلى وقوع التحريف في القرآن المجيد، وذهب جماعة أخرى
منهما إلى عدم وقوع التحريف فيه، واستدل كل من الفريقين على مدعاهم بالروايات
والنصوص الواردة في كتبهم، وذهب الأخباريون من الامامية إلى وقوع التحريف فيه،
لظواهر روايات واردة عن الأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.
والمؤلف بما أنه من نفاة الاجتهاد وممن يؤيد طريقة الاخبارية اغتر بظواهر هذه
الروايات، وذهب إلى وقوع التحريف فيه، وأضاف إلى تلك الظواهر وجوها عقلية.
ولكن ذهب أكثر فطاحل الامامية وأعلامهم من الأخباريين والمتكلمين إلى عدم وقوع
التحريف في القرآن المجيد.
قال شيخ المحدثين الصدوق قدس سره في رسالته: اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على
نبيه صلى الله عليه وآله هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ثم استدل على
ذلك بوجوه عديدة.
وقال شيخ المتكلمين المفيد قدس سره في كتابه أوائل المقالات: وقد قال جماعة من أهل
الإمامة: انه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة، ولكن حذف ما كان مثبتا في
مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتا
منزلا وان لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وعندي أن هذا ا لقول
أشبه من مقال من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، واليه أميل،
والله أسأل توفيقه للصواب.
وقال الشريف المرتضى قدس سره في بعض مسائله: ان العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان،
والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فان
العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه.
وقال أيضا: ان القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الان.
وقال أيضا: من خالف في ذلك من الامامية والحشوية لا يعتد بخلافهم، فان الخلاف
في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث، نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا بصحتها، لا يرجع
بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته.
وقال شيخ الطائفة الطوسي قدس سره في تفسيره: والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون
أغراضه. وأما الكلام في زيادته ونقصانه، فمما لا يليق به أيضا، لان الزيادة فيه مجمع
على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح
من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى رحمه الله تعالى، وهو الظاهر من الروايات.
غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من أي القرآن،
ونقل شئ منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، والأولى
الاعراض عنها وترك التشاغل بها، لأنه لا يمكن تأويلها، ولو صحت لما كان ذلك طعنا
على ما هو موجود بين الدفتين، فان ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه.
فهذه كلمات هؤلاء الفطاحل من علماء الشيعة التي تدور مدارهم نقل المذهب الصحيح
من الفقه والحديث والأصول والكلام والتفسير وغيرها، وقد كتب بعض معاصرينا كتبا
مستقلة في مسألة عدم وقوع التحريف في القرآن المجيد، فراجع إليها.
525




(1) آل عمران: 110.
(2) تفسير القمي 1: 110.
(3) تفسير نور الثقلين 1: 654 و 658. والآية في سورة المائدة: 67.
(4) النساء: 3.
(5) نور الثقلين 1: 438 ح 34.
526




(1) الاعتقادات: ص 59.
(2) لعل المسألة مذكورة في جواب المسائل الطرابلسيات الأولى الغير المطبوعة.
(3) مجمع البيان 1: 15.
(4) أوائل المقالات ص 98 ط النجف.
(5) مجمع البيان 1: 15 عن السيد.
527




(1) بحار الأنوار 92: 42 - 43.
(2) أصول الكافي 2: 633 ح 23.
528




(1) سعد السعود ص 279 - 281.
529




(1) في (س): القراءات.
530




(1) سورة الأنعام: 137.
(2) الكشاف 2: 54.
531
4 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن
عيسى بن عبيد اليقطيني، قال: كتب علي بن محمد بن علي بن موسى
الرضا عليهم السلام إلى بعض شيعته ببغداد: بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله
وإياك من الفتنة فإن يفعل فقد أعظم بها نعمة وإن لا يفعل فهي الهلكة،
نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة 1)، اشترك فيها السائل والمجيب،
فيتعاطى السائل ما ليس له، ويتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس
الخالق إلا الله عز وجل، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا تجعل له
اسما من عندك 2) فتكون من الضالين، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون
ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون.

532
5 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني سليمان بن جعفر
الجعفري، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: يا ابن رسول الله
ما تقول في القرآن فقد اختلف فيه من قبلنا؟ فقال قوم: إنه مخلوق، وقال
قوم: إنه غير مخلوق، فقال عليه السلام: أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون،
ولكني أقول: إنه كلام الله.
6 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي،
قال: حدثنا جعفر بن سليمان الجعفري، قال: حدثنا أبي، عن عبد الله بن
الفضل الهاشمي، عن سعد الخفاف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: لما وقف
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على الخوارج ووعظهم وذكرهم
وحذرهم القتال قال لهم: ما تنقمون مني؟ ألا إني أول من آمن بالله
ورسوله فقالوا: أنت كذلك، ولكنك حكمت في دين الله أبا موسى
الأشعري، فقال عليه السلام: والله ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت القرآن 1)، ولولا
أني غلبت على أمري وخولفت في رأيي لما رضيت أن تضع الحرب
أوزارها بيني وبين أهل حرب الله حتى أعلي كلمة الله وأنصر دين الله ولو
كره الكافرون والجاهلون.

533




(1) الحجرات: 9.
535
قال مصنف هذا الكتاب: قد جاء في الكتاب أن القرآن كلام الله
ووحي الله وقول الله وكتاب الله، ولم يجئ فيه أنه مخلوق، وإنما امتنعنا
من إطلاق المخلوق عليه لان المخلوق في اللغة قد يكون مكذوبا، ويقال:
كلام مخلوق أي مكذوب، قال الله تبارك وتعالى: (إنما تعبدون من دون
الله أوثانا وتخلقون إفكا) (1) أي كذبا، وقال تعالى حكاية عن منكري
التوحيد: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) (2) أي
افتعال وكذب، فمن زعم أن القرآن مخلوق بمعنى أنه مكذوب فقد كفر،
ومن قال: إنه غير مخلوق بمعنى أنه غير مكذوب فقد صدق وقال الحق
والصواب، ومن زعم أنه غير مخلوق بمعنى محدث وغير منزل وغير
محفوظ فقد أخطأ وقال غير الحق والصواب، وقد أجمع أهل الاسلام
على أن القرآن كلام الله عز وجل على الحقيقة دون المجاز 1)، وأن من قال
غير ذلك فقد قال منكرا من القول وزورا، ووجدنا القرآن مفصلا وموصلا
وبعضه غير بعض وبعضه قبل بعض كالناسخ الذي يتأخر عن المنسوخ،
فلو لم يكن ما هذه صفته حادثا بطلت الدلالة على حدوث المحدثات



(1) العنكبوت: 17.
(2) ص: 7.
536
وتعذر إثبات محدثها بتناهيها وتفرقها واجتماعها.
وشئ آخر وهو أن العقول قد شهدت والأمة قد اجتمعت على أن الله
عز وجل صادق في إخباره، وقد علم أن الكذب هو أن يخبر بكون ما لم
يكن، وقد أخبر الله عز وجل عن فرعون وقوله: (أنا ربكم الاعلى) (1)
وعن نوح: أنه نادى ابنه وهو في معزل: (يا بني اركب معنا ولا تكن مع
الكافرين) (2). فإن كان هذا القول وهذا الخبر قديما فهو قبل فرعون
وقبل قوله ما أخبر عنه، وهذا هو الكذب، وإن لم يوجد إلا بعد أن قال
فرعون ذلك فهو حادث لأنه كان بعد أن لم يكن.
وأمر آخر وهو أن الله عز وجل قال: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي
أوحينا إليك) 1) (3) وقوله: (ما ننسخ من آية أو ننسها 2) نأت بخير منها أو
مثلها) (4) وماله مثل أو جاز أن يعدم بعد وجوده فحادث لا محالة.



(1) النازعات: 24.
(2) هود: 42.
(3) الاسراء: 86.
(4) البقرة: 106.
537
7 - وتصديق ذلك ما أخرجه شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن
الوليد رضي الله عنه في جامعه، وحدثنا به، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
العباس بن معروف، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد
ابن عثمان، عن عبد الرحيم القصير، قال: كتبت على يدي عبد الملك بن
أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك، اختلف الناس في أشياء قد كتبت
بها إليك، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تشرح لي جميع ما كتبت به إليك،
اختلف الناس جعلت فداك بالعراق في المعرفة والجحود، فأخبرني
جعلت فداك أهما مخلوقان؟ واختلفوا في القرآن، فزعم قوم: أن القرآن
كلام الله غير مخلوق وقال آخرون: كلام الله مخلوق، وعن الاستطاعة
أقبل الفعل أو مع الفعل؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه ورووا فيه، وعن الله
تبارك وتعالى هل يوصف بالصورة أو بالتخطيط؟ فإن رأيت جعلني الله
فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد، وعن الحركات أهي
مخلوقة أو غير مخلوقة؟ وعن الايمان ما هو؟ فكتب عليه السلام على يدي عبد
الملك بن أعين: سألت عن المعرفة ما هي، فاعلم رحمك الله أن المعرفة



(1) الكهف: 24.
(2) التوبة: 67.
538
من صنع الله عز وجل في القلب مخلوقة، والجحود صنع 1) الله في القلب
مخلوق، وليس للعباد فيهما من صنع ولهم فيهما الاختيار من الاكتساب،
فبشهوتهم الايمان اختاروا المعرفة فكانوا بذلك مؤمنين عارفين،
وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالا،
وذلك بتوفيق الله لهم وخذلان من خذله الله، فبالاختيار والاكتساب
عاقبهم الله وأثابهم، وسألت رحمك الله عن القرآن واختلاف الناس قبلكم،
فإن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره،
وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، كان الله عز وجل ولا شئ غير الله معروف
ولا مجهول، كان عز وجل ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل جل
وعز ربنا، فجميع هذه الصفات محدثة عند حدوث الفعل منه، عز وجل



(1) للعلامة المحقق المولى محمد أمين الأسترآبادي، المتوفي سنة (1033) بمكة المكرمة.
(2) البلد: 10.
(3) فصلت: 17.
539




(1) الفوائد المدنية ص 226.
540




(1) في " س ": اقتضت في الموضعين.
(2) العنكبوت: 69.
541




(1) أصول الكافي 1: 85 ح 1.
(2) أصول الكافي 2: 13.
542




(1) شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني 1: 120 ط طهران.
543
ربنا، والقرآن كلام الله غير مخلوق 1)، فيه خبر من كان قبلكم وخبر ما
يكون بعدكم انزل من عند الله على محمد رسول الله صلى الله عليه وآله.
وسألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل 2) فإن الله عز وجل خلق
العبد وجعل له الآلة والصحة وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا
مستطيعا للفعل، ولا متحرك إلا وهو يريد الفعل، وهي صفة مضافة إلى
الشهوة التي هي خلق الله عز وجل مركبة في الانسان فإذا تحركت الشهوة
في الانسان اشتهى الشئ فأراده، فمن ثم قيل للانسان مريد، فإذا أراد
الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة، فمن ثم قيل للعبد: مستطيع
متحرك، فإذا كان الانسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الآلة وهي
القوة والصحة اللتان بهما تكون حركات الانسان وفعله كان سكونه لعلة
سكون الشهوة فقيل: ساكن فوصف بالسكون، فإذا اشتهى الانسان
وتحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحركت بالقوة المركبة فيه
واستعمل الآلة التي بها يفعل الفعل فيكون الفعل منه عندما تحرك واكتسبه
فقيل: فاعل ومتحرك ومكتسب ومستطيع، أولا ترى أن جميع ذلك صفات
يوصف بها الانسان.

545
وسألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله
الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون
المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله عز وجل، فاعلم
رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات
الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه وهو الله
الثابت الموجود 1)، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعد القرآن فتضل
بعد البيان.
وسألت رحمك الله عن الايمان، فالايمان هو إقرار باللسان 2) وعقد

546
بالقلب وعمل بالأركان، فالايمان بعضه من بعض وقد يكون العبد
مسلما قبل أن يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالاسلام
قبل الايمان وهو يشارك الايمان، فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر



(1) يوسف: 17.
547
المعاصي 1) أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز وجل عنها كان
خارجا من الايمان وساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم الاسلام فإن
تاب واستغفر عاد إلى الايمان ولم يخرجه إلى الكفر والجحود
والاستحلال، وإذا قال للحلال: هذا حرام وللحرام: هذا حلال ودان بذلك
فعندها يكون خارجا من الايمان والاسلام إلى الكفر، وكان بمنزلة رجل
دخل الحرم، ثم دخل الكعبة فأحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة
وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار.
قال مصنف هذا الكتاب: كان المراد من هذا الحديث ما كان فيه من
ذكر القرآن، ومعنى ما فيه أنه غير مخلوق أي غير مكذوب، ولا يعني به
أنه غير محدث لأنه قال: محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره.



(1) النور: 55.
(2) أصول الكافي 2: 285.
548
/ 1