نور البراهين (جزء 2 ) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نور البراهين (جزء 2 ) - نسخه متنی

نعمت الله جزایری؛ محقق: مهدی رجایی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: نور البراهين
المؤلف: السيد نعمة الله الجزائري
الجزء: 2
الوفاة: 1112
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: السيد مهدي الرجائي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1417
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: 964-470-000-7
ملاحظات: نور البراهين أو أنيس الوحيد في شرح التوحيد
نور البراهين
أو
أنيس الوحيد في شرح التوحيد
للعلامة المحدث
السيد نعمة الله الموسوي الجزائري
1050 - 1112 ه‍
الجزء الثاني
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة

1
بسم الله الرحمن الرحيم
31 - باب معنى بسم الله الرحمن الرحيم 1)
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: أخبرنا
أحمد بن محمد بن سعيد مولى بني هاشم، عن علي بن الحسن بن علي
ابن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام عن بسم الله،
قال: معنى قول القائل بسم الله أي أسم على نفسي سمة من سمات الله عز
وجل وهي العبادة قال: فقلت له: ما السمة؟ فقال: العلامة.
2 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد،
عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن عبد الله بن سنان،
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: الباء

3
بهاء الله، والسين سناء الله والميم مجد الله 1). وروى بعضهم: ملك الله، والله
إله كل شئ، الرحمن بجميع خلقه، والرحيم بالمؤمنين خاصة.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد



(1) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان 1: 68.
(2) في (س): القرآن.
4
ابن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن صفوان بن يحيى، عمن
حدثه، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال:
الباء بهاء الله، والسين سناء الله، والميم ملك الله، قال: قلت: الله؟ قال: الألف
آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا، واللام إلزام الله خلقه ولايتنا، قلت:
فالهاء؟ قال: هوان لمن خالف محمدا وآل محمد صلوات الله عليهم، قال:
قلت: الرحمن؟ قال: بجميع العالم، قلت: الرحيم؟ قال: بالمؤمنين خاصة.
4 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن سلمة بن الخطاب،
عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي الحسن موسى
ابن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن معنى الله، قال: استولى على ما دق وجل 1).
5 - حدثنا محمد بن القاسم الجرجاني المفسر رحمه الله قال: حدثنا أبو
يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار
وكانا من الشيعة الإمامية عن أبويهما عن الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام
في قول الله عز وجل: " بسم الله الرحمن الرحيم "؟ فقال: الله هو الذي
يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل
من هو دونه، وتقطع الأسباب من جميع ما سواه، يقول: بسم الله أي
أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة إلا له، المغيث إذا



(1) طه: 5.
5
استغيث، والمجيب إذا دعي، وهو ما قال رجل للصادق عليه السلام: يا ابن رسول
الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني، فقال له: يا
عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم، قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة
تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم، قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا
من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ فقال: نعم، قال
الصادق عليه السلام: فذلك الشئ هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي،
وعلى الإغاثة حيث لا مغيث، ثم قال الصادق عليه السلام: ولربما ترك بعض
شيعتنا في افتتاح أمره بسم الله الرحمن الرحيم فيمتحنه الله بمكروه
لينبهه 1) على شكر الله تبارك وتعالى والثناء عليه ويمحق عنه وصمة
تقصيره عند تركه قول بسم الله الرحمن الرحيم.
قال: وقام رجل إلى علي بن الحسين عليهما السلام فقال: أخبرني عن معنى
بسم الله الرحمن الرحيم، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: حدثني أبي، عن
أخيه الحسن، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام أن رجلا قام إليه: فقال: يا أمير
المؤمنين أخبرني عن بسم الله الرحمن الرحيم ما معناه؟ فقال: إن قولك:

6
(الله) أعظم اسم من أسماء الله عز وجل وهو الاسم الذي لا ينبغي أن
يسمى به غير الله ولم يتسم به مخلوق، فقال الرجل فما تفسير قوله:
(الله)؟ قال: هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند
انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه، وتقطع الأسباب من كل من سواه
وذلك أن كل مترئس في هذه الدنيا ومتعظم فيها وإن عظم غناؤه وطغيانه
وكثرت حوائج من دونه إليه فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا
المتعاظم، وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع إلى
الله عند ضرورته وفاقته حتى إذا كفى همه عاد إلى شركه، أما تسمع الله
عز وجل يقول: قل أرأيتكم إن أتيكم عذاب الله 1) أو أتتكم الساعة أغير
الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن
شاء وتنسون ما تشركون (1) فقال الله عز وجل لعباده: أيها الفقراء إلى
رحمتي إني قد ألزمتكم الحاجة إلي في كل حال، وذلة العبودية في كل
وقت، فإلي فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته



(1) الانعام: 41.
7
فإني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وإن أردت أن
أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم، فأنا أحق من سئل، وأولى من
تضرع إليه، فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم: بسم الله الرحمن
الرحيم أي أستعين على هذا الامر بالله الذي لا يحق العبادة لغيره، المغيث
إذا استغيث، المجيب إذا دعي، الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا،
الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا، خفف علينا الدين وجعله سهلا
خفيفا، وهو يرحمنا بتميزنا من أعدائه ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من
حزنه أمر تعاطاه فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم) وهو مخلص لله يقبل
بقلبه إليه لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجته في الدنيا وإما يعد له
عند ربه ويدخر لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين.
32 - باب تفسير حروف المعجم
1 - حدثنا محمد بن بكران النقاش رحمه الله، بالكوفة، قال: حدثنا أحمد بن
محمد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن فضال، عن أبيه،

8
عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: إن أول ما خلق الله عز
وجل ليعرف به خلقه الكتابة حروف المعجم وإن الرجل إذا ضرب على
رأسه بعصا فزعم أنه لا يفصح ببعض الكلام فالحكم فيه أن يعرض عليه
حروف المعجم، ثم يعطى الدية بقدر ما لم يفصح منها 1).
ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين عليهم السلام في (ا
ب ت ث) أنه قال: الألف آلاء الله، والباء بهجة الله [والباقي وبديع
السماوات والأرض]. والتاء تمام الامر بقائم آل محمد صلى الله عليه وآله والثاء ثواب
المؤمنين على أعمالهم الصالحة.
ج ح خ فالجيم جمال الله وجلال الله، والحاء حلم الله، [حي حق
حليم] عن المذنبين، والخاء خمول ذكر أهل المعاصي عند الله عز وجل.
د ذ فالدال دين الله [الذي ارتضاه لعباده]، والذال من ذي الجلال
والاكرام.
.



(1) مجمع البيان 2: 300.
9
رز فالراء من الرؤوف الرحيم، والزاي زلازل يوم القيامة.
س ش فالسين سناء الله [وسرمديته]، والشين شاء الله ما شاء،
وأراد ما أراد وما تشاؤون إلا أن يشاء الله.
ص ض فالصاد من صادق الوعد في حمل الناس على الصراط،
وحبس الظالمين عند المرصاد، والضاد ضل من خالف محمدا وآل محمد.
ط ظ فالطاء طوبى للمؤمنين وحسن مآب، والظاء ظن المؤمنين
بالله خيرا وظن الكافرين به سوءا.
ع غ فالعين من العالم، والغين من الغني الذي لا يجوز عليه
الحاجة على الاطلاق.
ف ق فالفاء [فالق الحب والنوى، و] فوج من أفواج النار، والقاف
قرآن على الله جمعه وقرآنه.
ك ل فالكاف من الكافي، واللام لغو الكافرين في افترائهم على
الله الكذب.
م ن فالميم ملك الله يوم الدين يوم لا مالك غيره ويقول الله عز
وجل (لمن الملك اليوم) ثم تنطق أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون:
(لله الواحد القهار) فيقول جل جلاله: اليوم تجزى كل نفس بما كسبت
لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب (1) والنون نوال الله للمؤمنين، ونكاله
للكافرين.
وه‍ فالواو ويل لمن عصى الله من عذاب يوم عظيم، والهاء هان



(1) المؤمن: 17.
10
على الله من عصاه.
لا فلام ألف لا إله إلا الله وهي كلمة الاخلاص. ما من عبد قالها
مخلصا إلا وجبت له الجنة.
ى يد الله فوق خلقه باسطة بالرزق، سبحانه وتعالى عما
يشركون.
ثم قال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أنزل هذا القرآن بهذه الحروف التي
يتداولها جميع العرب ثم قال: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن
يأتوا بمثل هذا القرآن 1) لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (1).
2 - حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقرئ الحاكم، قال:
حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقرئ الجرجاني، قال: حدثنا أبو بكر
محمد بن الحسن الموصلي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي،
قال: حدثنا أبو زيد عياش بن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى زيد
ابن علي، قال: أخبرني أبي يزيد بن الحسن قال: حدثني موسى بن
جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن



(1) الاسراء: 88.
11
الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: جاء يهودي
إلى النبي صلى الله عليه وآله وعنده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له:
ما الفائدة في حروف الهجاء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أجبه، وقال:
اللهم وفقه وسدده، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما من حرف إلا
وهو اسم من أسماء الله عز وجل، ثم قال: أما الألف فالله لا إله إلا هو
الحي القيوم، وأما الباء فالباقي بعد فناء خلقه، وأما التاء فالتواب
يقبل التوبة عن عباده، وأما الثاء فالثابت الكائن يثبت الله الذين
آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا 1) الآية (1) وأما الجيم فجل
ثناؤه وتقدست أسماؤه، وأما الحاء فحق، حي، حليم، وأما الخاء
فخبير بما يعمل العباد، وأما الدال فديان يوم الدين، وأما الذال فذو
الجلال والاكرام، وأما الراء فرؤوف بعباده، وأما الزاي فزين المعبودين،
وأما السين فالسميع البصير، وأما الشين فالشاكر لعباده المؤمنين،
وأما الصاد فصادق في وعده ووعيده، وأما الضاد فالضار



(1) إبراهيم عليه السلام: 27.
(2) مجمع البيان 3: 314.
12
النافع 1)، وأما الطاء فالطاهر المطهر، وأما الظاء فالظاهر المظهر لآياته،
وأما العين فعالم بعباده، وأما الغين فغياث المستغيثين من جميع خلقه،
وأما الفاء ففالق الحب والنوى، وأما القاف فقادر على جميع خلقه، وأما
الكاف فالكافي الذي لم يكن له كفوا أحد ولم يلد ولم يولد، وأما اللام
فلطيف بعباده، وأما الميم فمالك الملك، وأما النون فنور السماوات من نور
عرشه، وأما الواو فواحد أحد صمد لم يلد ولم يولد، وأما الهاء فهاد لخلقه،
وأما اللام ألف فلا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأما الياء فيد الله باسطة
على خلقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا هو القول الذي رضي الله عز وجل
لنفسه من جميع خلقه، فأسلم اليهودي.
33 - باب تفسير حروف الجمل
1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن
محمد الهمداني مولى بني هاشم، قال: حدثنا جعفر بن عبد الله بن جعفر بن
عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: حدثنا كثير بن
عياش القطان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن
علي الباقر عليهم السلام، قال: لما ولد عيسى بن مريم عليه السلام كان ابن يوم



(1) في س: أو لبيان أن.
13
كأنه ابن شهرين، فلما كان ابن سبعة أشهر أخذت والدته بيده وجاءت به
إلى الكتاب 1) وأقعدته يدي المؤدب فقال له المؤدب: قل: بسم الله
الرحمن الرحيم، فقال عيسى عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال له
المؤدب: قل: أبجد، فرفع عيسى عليه السلام رأسه فقال: هل تدري ما أبجد؟ فعلاه
بالدرة ليضربه، فقال: يا مؤدب لا تضربني، إن كنت تدري وإلا فاسألني
حتى أفسر لك، قال: فسره لي، فقال عيسى عليه السلام: الألف آلاء الله، والباء
بهجة الله، والجيم جمال الله، والدال دين الله. (هوز) الهاء هول جهنم، والواو
ويل لأهل النار، والزاي زفير جهنم. (حطي) حطت الخطايا عن
المستغفرين. (كلمن) كلام الله لا مبدل لكلماته. (سعفص) صاع بصاع



(1) القاموس المحيط 1: 121.
14
والجزاء بالجزاء. (قرشت) قرشهم 1) فحشرهم، فقال المؤدب: أيتها المرأة
خذي بيد ابنك فقد علم ولا حاجة له في المؤدب.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب،
وأحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن
زيد قال: حدثني محمد بن سالم، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام: سأل عثمان بن عفان رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير أبجد، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: تعلموا تفسير أبجد فإن فيه الأعاجيب كلها، ويل لعالم
جهل تفسيره، فقيل: يا رسول الله: ما تفسير أبجد؟ فقال صلى الله عليه وآله: أما الألف
فآلاء الله حرف من حروف أسمائه. وأما الباء فبهجة الله، وأما الجيم فجنة
الله وجلال الله وجماله، وأما الدال فدين الله، وأما (هوز) فالهاء هاء الهاوية
فويل لمن هوى في النار، وأما الواو فويل لأهل النار، وأما الزاي فزاوية
في النار فنعوذ بالله مما في الزاوية يعني زوايا جهنم، وأما (حطي) فالحاء
حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبرئيل مع
الملائكة إلى مطلع الفجر، وأما الطاء فطوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة
غرسها الله عز وجل ونفخ فيها من روحه وإن أغصانها لترى من وراء سور
الجنة تنبت بالحلي والحلل، متدلية على أفواههم، وأما الياء فيد الله فوق
خلقه سبحانه وتعالى عما يشركون، وأما (كلمن) فالكاف كلام الله لا
تبديل لكلمات الله 2) ولن تجد من دونه ملتحدا، وأما اللام فإلمام

15
أهل الجنة 1) بينهم في الزيارة والتحية والسلام، وتلاوم أهل النار فيما
بينهم، وأما الميم فملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى، وأما
النون فنون والقلم وما يسطرون 2)، فالقلم قلم من نور وكتاب من نور في
لوح محفوظ يشهده المقربون وكفى بالله شهيدا، وأما (سعفص) فالصاد

16
صاع بصاع وفص بفص 1) يعني الجزاء بالجزاء، وكما تدين تدان، إن الله لا
يريد ظلما للعباد، وأما (قرشت) يعني قرشهم الله فحشرهم ونشرهم إلى
يوم القيامة فقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون.
34 - باب تفسير حروف الأذان والإقامة
1 - حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي الحاكم المقرئ،
قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقرئ الجرجاني، قال: حدثنا أبو
بكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عاصم
الطريفي، قال: حدثنا أبو زيد عياش بن يزيد بن الحسن بن علي الكحال
مولى زيد بن علي، قال: أخبرني أبي يزيد بن الحسن، قال: حدثني موسى
ابن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي
ابن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: كنا
جلوسا في المسجد إذا صعد المؤذن المنارة فقال: الله أكبر الله أكبر، فبكى
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبكينا ببكائه، فلما فرغ المؤذن
قال: أتدرون ما يقول المؤذن؟! قلنا: الله ورسوله ووصيه أعلم، فقال: لو
تعلمون ما يقول لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فلقوله: (الله أكبر) معان
كثيرة: منها أن قول المؤذن: (الله أكبر) يقع على قدمه وأزليته وأبديته
وعلمه وقوته وقدرته وحلمه وكرمه وجوده وعطائه وكبريائه، فإذا قال



(1) مجمع البيان 5: 332.
17
المؤذن (الله أكبر) فإنه يقول: الله الذي له الخلق والامر، وبمشيته
كان الخلق، ومنه كان كل شئ للخلق، وإليه يرجع الخلق، وهو الأول قبل
كل شئ لم يزل، والآخر بعد كل شئ لا يزال، والظاهر فوق كل شئ لا
يدرك، والباطن دون كل شئ لا يحد، فهو الباقي وكل شئ دونه
فان، والمعنى الثاني (الله أكبر) أي العليم الخبير علم ما كان وما يكون قبل
أن يكون، والثالث (الله أكبر) أي القادر على كل شئ، يقدر على ما
يشاء، القوي لقدرته، المقتدر على خلقه، القوي لذاته، قدرته قائمة على
الأشياء كلها، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، والرابع (الله أكبر)
على معنى حلمه وكرمه يحلم كأنه لا يعلم ويصفح كأنه لا يرى ويستر
كأنه لا يعصى، لا يعجل بالعقوبة كرما وصفحا وحلما، والوجه الآخر في
معنى (الله أكبر) أي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال، والوجه الآخر (الله
أكبر) فيه نفي كيفيته كأنه يقول: الله أجل من أن يدرك الواصفون قدر
صفته التي هو موصوف بها وإنما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر
عظمته وجلاله، تعالى الله عن أن يدرك الواصفون صفته علوا كبيرا،
والوجه الآخر (الله أكبر) كأنه يقول: الله أعلى وأجل وهو الغني عن عباده
لا حاجة به إلى أعمال خلقه، وأما قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله) فإعلام
بأن الشهادة لا تجوز إلا بمعرفة من القلب، كأنه يقول: اعلم أنه لا معبود
إلا الله عز وجل وأن كل معبود باطل سوى الله عز وجل وأقر بلساني بما
في قلبي من العلم بأنه لا إله إلا الله، وأشهد أنه لا ملجأ من الله إلا إليه ولا
منجى من شر كل ذي شر وفتنة كل ذي فتنة إلا بالله، وفي المرة الثانية
(أشهد أن لا إله إلا الله) معناه أشهد أن لا هادي إلا الله، ولا دليل لي إلا

18
الله، واشهد الله بأني أشهد أن لا إله إلا الله، واشهد سكان السماوات وسكان
الأرضين وما فيهن من الملائكة والناس أجمعين، وما فيهن من الجبال
والأشجار والدواب والوحوش وكل رطب ويابس بأني أشهد أن لا خالق
إلا الله، ولا رازق ولا معبود ولا ضار ولا نافع ولا قابض ولا باسط ولا
معطي ولا مانع ولا دافع ولا ناصح ولا كافي ولا شافي ولا مقدم ولا
مؤخر إلا الله، له الخلق والامر وبيده الخير كله، تبارك الله رب العالمين،
وأما قوله: (أشهد أن محمدا رسول الله) يقول: اشهد الله أني أشهد أن لا إله
إلا هو، وأن محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه ونجيه أرسله إلى كافة
الناس أجمعين بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون، واشهد من في السماوات والأرض من النبيين والمرسلين
والملائكة والناس أجمعين أني أشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله سيد الأولين
والآخرين، وفي المرة الثانية (أشهد أن محمدا رسول الله) يقول: أشهد أن
لا حاجة لاحد إلى أحد إلا إلى الله الواحد القهار مفتقرة إليه سبحانه وأنه
الغني عن عباده والخلائق أجمعين، وأنه أرسل محمدا إلى الناس بشيرا
ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فمن أنكره وجحده ولم يؤمن
به أدخله الله عز وجل نار جهنم خالدا مخلدا لا ينفك عنها أبدا، وأما قوله:
(حي على الصلاة) أي هلموا إلى خير أعمالكم ودعوة ربكم، وسارعوا
إلى مغفرة من ربكم وإطفاء ناركم التي أوقدتموها على ظهوركم، وفكاك
رقابكم التي رهنتموها بذنوبكم ليكفر الله عنكم سيئاتكم، ويغفر لكم
ذنوبكم، ويبدل سيئاتكم حسنات، فإنه ملك كريم ذو الفضل العظيم، وقد
أذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته والتقدم إلى بين يديه، وفي

19
المرة الثانية (حي على الصلاة) أي قوموا إلى مناجاة ربكم وعرض
حاجاتكم على ربكم وتوسلوا إليه بكلامه وتشفعوا به وأكثروا الذكر
والقنوت والركوع والسجود والخضوع والخشوع، وارفعوا إليه حوائجكم
فقد أذن لنا في ذلك، وأما قوله: (حي على الفلاح) فإنه يقول: أقبلوا إلى
بقاء لا فناء معه ونجاة لا هلاك معها، وتعالوا إلى حياة لا موت معها، وإلى
نعيم لا نفاذ له، وإلى ملك لا زوال عنه، وإلى سرور لا حزن معه، وإلى
انس لا وحشة معه، وإلى نور لا ظلمة معه، وإلى سعة لا ضيق معها، وإلى
بهجة لا انقطاع لها، وإلى غنى لا فاقة معه، وإلى صحة لا سقم معها، وإلى
عز لا ذل معه، وإلى قوة لا ضعف معها، وإلى كرامة يا لها من كرامة،
وعجلوا إلى سرور الدنيا والعقبى ونجاة الآخرة والأولى، وفي المرة الثانية
(حي على الفلاح) فإنه يقول: سابقوا إلى ما دعوتكم إليه، وإلى جزيل
الكرامة وعظيم المنة وسني النعمة والفوز العظيم ونعيم الأبد في جوار
محمد صلى الله عليه وآله في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وأما قوله: (الله أكبر) فإنه
يقول: الله أعلى وأجل من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد
أجابه وأطاعه وأطاع ولاة أمره وعرفه وعبده واشتغل به وبذكره وأحبه
وأنس به واطمأن إليه ووثق به وخافه ورجاه واشتاق إليه ووافقه في
حكمه وقضائه ورضي به، وفي المرة الثانية (الله أكبر) فإنه يقول: الله أكبر
وأعلى وأجل من أن يعلم أحد مبلغ كرامته لأوليائه وعقوبته لأعدائه،
ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه وأجاب رسوله، ومبلغ عذابه
ونكاله وهوانه لمن أنكره وجحده، وأما قوله: (لا إله إلا الله) معناه: لله
الحجة البالغة عليهم بالرسل والرسالة والبيان والدعوة وهو أجل من أن

20
يكون لاحد منهم عليه حجة، فمن أجابه فله النور والكرامة ومن أنكره
فإن الله غني عن العالمين، وهو أسرع الحاسبين، ومعنى (قد قامت
الصلاة) في الإقامة أي حان وقت الزيارة والمناجاة وقضاء الحوائج ودرك
المنى، والوصول إلى الله عز وجل، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه.
قال مصنف هذا الكتاب: إنما ترك الراوي لهذا الحديث ذكر (حي على
خير العمل) للتقية 1).
2 - وقد روي في خبر آخر أن الصادق عليه السلام سئل عن معنى (حي على
خير العمل) فقال: خير العمل الولاية. وفي خبر آخر خير العمل بر فاطمة
وولدها عليهم السلام.
35 - باب تفسير الهدى والضلالة
والتوفيق والخذلان من الله تعالى
1 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق، ومحمد بن أحمد السناني، وعلي بن
أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمهم الله قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد
ابن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال:
حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن جعفر بن سليمان البصري، عن عبد الله

21
ابن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول الله
عز وجل: من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا 1) (1).
فقال: إن الله تبارك وتعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته،
ويهدي أهل الايمان والعمل الصالح إلى جنته، كما قال عز وجل:



(1) الكهف: 17.
22




(1) النساء: 155.
(2) المنافقون: 3.
(3) البقرة: 7.
23




(1) الاسراء: 97.
(2) إبراهيم: 36.
24




(1) القمر: 47.
(2) السجدة: 10.
(3) يس: 62.
(4) طه: 79.
(5) طه: 85.
(6) الانسان: 3.
(7) فصلت: 17.
(8) محمد (ص): 17.
25
ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء (1) وقال عز وجل إن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار
في جنات النعيم (2) قال: فقلت: قوله عز وجل: وما توفيقي إلا



(1) إبراهيم عليه السلام: 27.
(2) يونس: 9.
(3) يونس: 9.
(4) الاسراء: 97.
(5) راجع بحار الأنوار 5: 168 - 172.
26
بالله 1) (1) وقوله عز وجل: إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم
فمن ذا الذي ينصركم من بعده (2) فقال: إذا فعل العبد ما أمره الله عز
وجل به من الطاعة كان فعله وفقا لامر الله عز وجل وسمي العبد به موفقا،
وإذا أراد العبد أن يدخل في شئ من معاصي الله فحال الله تبارك وتعالى
بينه وبين تلك المعصية فتركها كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ذكره، ومتى
خلى بينه وبين تلك المعصية فلم يحل بينه وبينها حتى يرتكبها فقد خذله
ولم ينصره ولم يوفقه.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي
عمير، عن أبي عبد الله الفراء، عن محمد بن مسلم ومحمد بن مروان، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما علم رسول الله صلى الله عليه وآله أن جبرئيل من قبل الله عز
وجل إلا بالتوفيق.
3 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي
السكري، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا البصري، قال: حدثنا
جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي
جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال: سألته عن معنى (لا حول ولا قوة إلا
بالله) فقال: معناه لا حول لنا عن معصية الله 2) إلا بعون الله، ولا قوة لنا



(1) هود: 88.
(2) آل عمران: 160.
27
على طاعة الله إلا بتوفيق الله عز وجل.
4 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رضي الله عنه بنيسابور سنة
اثنتين وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن
حمدان بن سليمان النيسابوري، قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى
الرضا عليهما السلام [بنيسابور] عن قول الله عز وجل: فمن يرد الله أن يهديه
يشرح صدره للاسلام 1) (1) قال: من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا
إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به
والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه، ومن يرد أن يضله عن
جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا يجعل صدره
ضيقا حرجا حتى يشك في كفره، ويضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير
كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون.



(1) الانعام: 125.
28
36 - باب الرد على الثنوية والزنادقة 1)
وثانيها: أن معناه فمن يرد الله أن يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه
الذي ذكرناه جزاء له على ايمانه واهتدائه، وقد يطلق الهدى ويراد به الاستدامة
(ومن يرد أن يضله) أي: يخذله ويخلي بينه وبين ما يريده لاختياره الكفر
وتركه الايمان (يجعل صدره ضيقا حرجا) بأن يمنعه الألطاف التي ينشرح لها
صدره لخروجه من قبولها بإقامته على كفره.
وثالثها: أن معناه من يرد الله أن يهديه زيادة الهدى التي وعدها المؤمن
يشرح صدره لتلك الزيادة، لان من حقها أن تزيد المؤمن بصيرة، ومن يرد أن
يضله عن تلك الزيادة، بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه من أن يصح
عليه يجعل صدره ضيقا حرجا لمكان فقد تلك الزيادة، لأنها إذا اقتضت في
المؤمن ما قلناه أوجب في الكافر ما يضاده (1).
والرجس: العذاب.
باب الرد على الثنوية والزنادقة
1) المشهور من الثنوية أنهم ثلاث فرق، فلابد هنا من تحقيق مذاهبهم ليتضح
هذه الأخبار الناعية عليهم، فنقول:
الفرقة الأولى: الديصانية، وهم أصحاب ديصان، أثبتوا أصلين نورا وظلاما،
وقالوا: أن النور يفعل الخير قصدا واختيارا، والظلام يفعل الشر طبعا واضطرارا،
فزعموا أن النور حي عالم قادر، ومنه يكون الحركة والحياة، والظلام ميت
جاهل عاجز جماد لا فعل لها ولا تمييز، لكن الشر يقع منه طبعا، وزعموا أن
المزاج إنما حصل من ملاقاة النور والظلمة وامتزاج بعض أجزائهما، وذكروا كيفية



(1) مجمع البيان 2: 363.
29
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
أبو القاسم العلوي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن، قال: حدثني إبراهيم بن هاشم القمي، قال: حدثنا
العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي
أتى أبا عبد الله عليه السلام فكان من قول أبي عبد الله عليه السلام له: لا يخلو قولك: إنهما
اثنان، من أن يكونا قديمين 1) قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما
قويا والآخر ضعيفا، فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه
ويتفرد بالتدبير، وإن زعمت أن أحدهما قوي والاخر ضعيف ثبت أنه
واحد كما نقول، للعجز الظاهر في الثاني، وإن قلت: إنهما اثنان لم يخل من
أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة فلما رأينا الخلق



(1) راجع تفصيل ذلك إلى بحار الأنوار 3: 211 - 216.
31




(1) قوله (ثم ذلك المدبر) الخ الظاهر أنه بيان للشق الثالث، وهو أن يكونا ضعيفين، لكنهما
متفقان من جهة مختلفان من أخرى، لكنه لم يذكر هذا الشق في التقسيم، وكان الأولى له
ذكره (منه).
32




(1) في (س): واحدة.
(2) شرح أصول الكافي للعلامة ميرزا رفيع الدين النائيني. مخطوط. بحار الأنوار 3: 234 - 235.
(3) الأنبياء: 22.
34




(1) التعليقة على أصول الكافي للسيد الداماد ص 184 - 192. وبحار الأنوار 3: 235 - 238.
37




(1) في (س): ويتحاربا.
38
منتظما والفلك جاريا واختلاف الليل والنهار، والشمس والقمر دل صحة
الامر والتدبير وائتلاف الامر على أن المدبر واحد 1) ثم يلزمك إن ادعيت
اثنين فلا بد من فرجة بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا
بينهما، قديما معهما، فيلزمك ثلاثة، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في
الاثنين حتى يكون بينهم فرجتان فيكون خمسا، ثم يتناهى في العدد إلى
ما لا نهاية في الكثرة.
قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه؟ قال أبو
عبد الله عليه السلام: وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعا صنعها، ألا ترى أنك
إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم
تشاهده، قال: فما هو؟ قال: هو شئ بخلاف الأشياء 2)، ارجع بقولي:

39
شئ إلى إثبات معنى، وأنه شئ بحقيقة الشيئية 1) غير أنه لا جسم ولا
صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، ولا تدركه
الأوهام 2)، ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الزمان 3).



(1) آل عمران: 52.
40
قال السائل: فتقول: إنه سميع بصير؟! قال: هو سميع بصير، سميع بغير
جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه، ويبصر بنفسه، ليس قولي: إنه
يسمع بنفسه ويبصر بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر، ولكن أردت
عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا وإفهاما لك إذ كنت سائلا، وأقول: يسمع
بكله لا أن الكل منه له بعض 1)، ولكني أردت إفهاما لك والتعبير عن
نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير 2) العالم الخبير بلا
اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى 3).
قال السائل: فما هو 4)؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: هو الرب وهو المعبود 5)
وهو الله وليس قولي: (الله) إثبات هذه الحروف ألف، لام، هاء، ولكن
أرجع إلى معنى 6) هو شئ خالق الأشياء وصانعها وقعت عليه هذه



(1) في (س): السمع والبصر.
41
الحروف، وهو المعنى الذي سمي به 1) الله والرحمن والرحيم والعزيز
وأشباه ذلك من أسمائه وهو المعبود عز وجل.
قال السائل: فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا 2)، قال أبو عبد الله عليه السلام:
لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا لأنا لم نكلف أن نعتقد غير
موهوم ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك، فما تجده الحواس
وتمثله فهو مخلوق 3) ولابد من إثبات صانع الأشياء 4) خارج من الجهتين
المذمومتين إحديهما النفي إذ كان النفي هو الابطال والعدم، والجهة

42
الثانية التشبيه إذ كان التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف،
فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين 1)، والاضطرار منهم إليه
أثبت أنهم مصنوعون 2) وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم إذ كان مثلهم
شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم

43
بعد أن لم يكونوا، وتنقلهم من صغر إلى كبر، وسواد إلى بياض، وقوة إلى
ضعف، وأحوال موجودة لا حاجة لنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها.
قال السائل: فقد حددته إذ أثبت وجوده 1)، قال أبو عبد الله عليه السلام: لم
أحده ولكن أثبته إذ لم يكن بين الاثبات والنفي منزلة.
قال السائل: فله إنية ومائية 2)؟ قال: نعم، لا يثبت الشئ إلا بإنية
ومائية.
قال السائل: فله كيفية؟ قال: لا لان الكيفية جهة الصفة والإحاطة 3)

44
ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه 1)، لان من نفاه أنكره
ورفع ربوبيته وأبطله ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين
المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لابد من إثبات ذات بلا
كيفية لا يستحقها غيره 2) ولا يشارك فيها ولا يحاط بها 3) ولا يعلمها غيره.



(1) أصول الكافي 1: 85 ذيل ح 6.
(2) في (س): أي يمكن.
45
قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: هو أجل من
أن يعاني الأشياء 1) بمباشرة ومعالجة لان ذلك صفة المخلوق الذي لا
يجئ الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو تعالى نافذ الإرادة والمشية
فعال لما يشاء.
قال السائل: فله رضى وسخط؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: نعم، وليس ذلك
على ما يوجد في المخلوقين، وذلك أن الرضا والسخط 2) دخال يدخل
عليه فينقله من حال إلى حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين
المحتاجين، وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شئ مما
خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، وإنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا
سبب اختراعا وابتداعا.
قال السائل: فقوله: الرحمن على العرش استوى (1) قال أبو



(1) طه: 5.
(2) نهج البلاغة ص 274، رقم الخطبة: 186.
46
عبد الله عليه السلام: بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على العرش 1) بائن
من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له ولا أن يكون العرش حاويا
له ولا أن العرش محتاز له، ولكنا نقول: هو حامل العرش وممسك
العرش، ونقول من ذلك ما قال: وسع كرسيه السماوات والأرض 2) (1)
فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش والكرسي
حاويا له أو يكون عز وجل محتاجا إلى مكان أو إلى شئ مما خلق، بل
خلقه محتاجون إليه.
قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن
تخفضوها نحو الأرض؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: ذلك في علمه وإحاطته



(1) البقرة: 255.
47
وقدرته سواء، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء
نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن 1) والاخبار عن
الرسول صلى الله عليه وآله حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله عز وجل، وهذا يجمع عليه
فرق الأمة كلها.
قال السائل: فمن أين أثبت أنبياء ورسلا؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: إنا لما
أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع
حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسهم ولا يلامسوه ولا يباشرهم
ولا يباشروه ولا يحاجهم ولا يحاجوه فثبت أن له سفراء في خلقه وعباده
يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت
الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه وثبت عند ذلك أن له
معبرين وهم الأنبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين
بها غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق
والتركيب، مؤيدين من عند الله الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين
والشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فلا تخلو أرض الله
من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد



(1) الذاريات: 22.
48
ابن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي
عمير، عن هشام بن الحكم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما الدليل على أن
الله واحد؟ قال: اتصال التدبير وتمام الصنع 1) كما قال عز وجل: لو كان
فيهما آلهة إلا الله لفسدتا (1).
3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمه محمد بن أبي
القاسم، قال: حدثني أبو سمينة محمد بن علي الصيرفي، عن محمد بن
عبد الله الخراساني خادم الرضا عليه السلام، قال: دخل رجل من الزنادقة على
الرضا عليه السلام وعنده جماعة، فقال له أبو الحسن عليه السلام: أيها الرجل أرأيت إ ن
كان القول قولكم - وليس هو كما تقولون - ألسنا وإياكم شرعا سواء ولا
يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا؟ فسكت، فقال أبو الحسن عليه السلام:
وإن يكن القول قولنا - وهو كما نقول - ألستم قد هلكتم ونجونا؟.
فقال: رحمك الله فأوجدني كيف هو وأين هو 2) قال: ويلك إن الذي
ذهبت إليه غلط، هو أين الأين 3) وكان ولا أين، وهو كيف الكيف وكان



(1) الأنبياء: 22.
(2) الأنبياء: 22.
49
ولا كيف، ولا يعرف بكيفوفية 1) ولا بأينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس
بشئ.
قال الرجل: فإذا إنه لا شئ 2) إذ لم يدرك بحاسة من الحواس فقال
أبو الحسن عليه السلام: ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته،
ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا خلاف الأشياء.



(1) في (ن): فعله.
50
قال الرجل: فأخبرني متى كان 1)؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: أخبرني متى
لم يكن فأخبرك متى كان.
قال الرجل: فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسن عليه السلام إني لما نظرت إلى
جسدي فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع
المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع
ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى
الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات علمت
أن لهذا مقدرا ومنشئا.
قال الرجل: فلم احتجب 2)؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الاحتجاب عن
الخلق لكثرة ذنوبهم، فأما هو فلا يخفى عليه خافية في آناء الليل والنهار.
قال: فلم لا تدركه حاسة البصر 3)؟ قال: للفرق بينه وبين خلقه الذين

51
تدركهم حاسة الابصار منهم ومن غيرهم، ثم هو أجل من أن يدركه
بصر 1) أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل.
قال: فحده لي 2)، قال: لا حد له.
قال: ولم؟ قال: لان كل محدود متناه إلى حد، وإذا احتمل التحديد
احتمل الزيادة وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان، فهو غير محدود، ولا
متزايد، ولا متناقص، ولا متجزء، ولا متوهم.
قال الرجل: فأخبرني عن قولكم: إنه لطيف سميع بصير عليم حكيم

52
أيكون السميع إلا بالاذن، والبصير إلا بالعين واللطيف إلا بعمل اليدين
والحكيم إلا بالصنعة؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: إن اللطيف منا على حد اتخاذ
الصنعة، أوما رأيت الرجل منا يتخذ شيئا يلطف في اتخاذه فيقال: ما
ألطف فلانا، فكيف لا يقال للخالق الجليل: لطيف إذ خلق خلقا لطيفا
وجليلا وركب في الحيوان أرواحا وخلق كل جنس متبائنا عن جنسه في
الصورة لا يشبه بعضه بعضا، فكل له لطف من الخالق اللطيف الخبير في
تركيب صورته، ثم نظرنا إلى الأشجار وحملها أطائبها المأكولة منها وغير
المأكولة فقلنا عند ذلك: إن خالقنا لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم،
وقلنا: إنه سميع لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى من
الذرة إلى أكبر منها في برها وبحرها ولا تشتبه عليه لغاتها فقلنا عند ذلك:
إنه سميع لا باذن وقلنا: إنه بصير لا ببصر لأنه يرى أثر الذرة السحماء 2) في
الليلة الظلماء على الصخرة السوداء، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجية
ويرى مضارها ومنافعها وأثر سفادها وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك إنه
بصير لا كبصر خلقه، قال: فما برح حتى أسلم وفيه كلام غير هذا 1).
4 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
أبو القاسم حمزة بن القاسم العلوي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال:
حدثنا أبو سليمان داود بن عبد الله، قال: حدثني عمرو بن محمد، قال:
حدثني عيسى بن يونس، قال: كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن

53
البصري فانحرف عن التوحيد، فقيل له: تركت مذهب صاحبك ودخلت
فيما لا أصل له ولا حقيقة، فقال: إن صاحبي كان مخلطا، كان يقول طورا
بالقدر وطورا بالجبر 1) وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه، فقدم مكة تمردا
وإنكارا على من يحج، وكان يكره العلماء مساءلته إياهم ومجالسته لهم
لخبث لسانه وفساد ضميره، فأتى أبا عبد الله عليه السلام ليسأله، فجلس إليه في
جماعة من نظرائه.
فقال: يا أبا عبد الله إن المجالس بالأمانات ولابد لمن كان به سعال أن
يسعل أفتأذن لي في الكلام؟ فقال عليه السلام: تكلم بما شئت، فقال: إلى كم تدوسون
هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر 2)، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب 3)
والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر؟! إن من فكر في هذا وقدر
علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر فقل فإنك رأس هذا الامر
وسنامه وأبوك اسه ونظامه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن من أضله الله وأعمى
قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه، وصار الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة،
ثم لا يصدره، وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه،
فحثهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له، فهو

54
شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال
ومجتمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، وأحق
من أطيع فيما أمر وانتهي عما نهى عنه وزجر، الله المنشئ للأرواح والصور.
فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت على غائب، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم
أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم.
فقال ابن أبي العوجاء: فهو في كل مكان؟ أليس إذا كان في السماء
كيف يكون في الأرض، وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟!
فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان
واشتغل به مكان وخلا منه مكان فلا يدري في المكان الذي صار إليه
ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم الشأن الملك الديان فلا
يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى
مكان، والذي بعثه بالآيات المحكمة، والبراهين الواضحة، وأيده بنصره،
واختاره لتبليغ رسالته صدقنا قوله بأن ربه بعثه وكلمه، فقام عنه ابن أبي
العوجاء وقال لأصحابه: من ألقاني في بحر هذا؟!
وفي رواية محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله: من ألقاني في
بحر هذا، سألتكم أن تلتمسوا لي خمرة 1) فألقيتموني على جمرة قالوا: ما
كنت في مجلسه إلا حقيرا، قال: إنه ابن من حلق رؤوس من ترون 2).

55
5 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن بكر
ابن عبد الله بن حبيب، قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال: حدثنا
محمد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب الجند بنيسابور، قال: وجدت في
كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد، عن عبيد الله بن عبيد، عن أبي
معمر السعداني أن رجلا أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال:
يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال له عليه السلام: ثكلتك
أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟! قال: لأني وجدت الكتاب
يكذب بعضه بعضا فكيف لا أشك فيه.
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضا ولا
يكذب بعضه بعضا، ولكنك لم ترزق عقلا تنتفع به، فهات ما شككت فيه
من كتاب الله عز وجل، قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: فاليوم ننسيهم
كما نسوا لقاء يومهم هذا 1) (1) وقال أيضا: نسوا الله فنسيهم 2) (2)



(1) الأعراف: 51.
(2) التوبة: 67.
56
وقال: وما كان ربك نسيا 1) (1) فمرة يخبر أنه ينسى، ومرة يخبر
أنه لا ينسى، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين.
قال: هات ما شككت فيه أيضا، قال: وأجد الله يقول: يوم يقوم الروح
والملائكة صفا 2) لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا (2) وقال
واستنطقوا فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين 3) (3). وقال: يوم القيمة



(1) مريم: 64.
(2) النبأ: 38.
(3) الانعام: 23.
(4) مجمع البيان 3: 48.
(5) مجمع البيان 3: 521.
(6) مجمع البيان 5: 427.
57
يكفر بعضكم ببعض 1) ويلعن بعضكم بعضا (1).
وقال: إن ذلك لحق تخاصم أهل النار 2) (2) وقال: لا تختصموا لدي



(1) العنكبوت: 25.
(2) ص: 64.
(3) مجمع البيان 2: 284 - 285.
(4) مجمع البيان 4: 279.
(5) ما بين المعقوفتين من المجمع.
58
وقد قدمت إليكم بالوعيد 1) (1) وقال: نختم على أفواههم 2) وتكلمنا
أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون (2) فمرة يخبر أنهم يتكلمون
ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، ومرة يخبر
أن الخلق لا ينطقون ويقول عن مقالتهم والله ربنا ما كنا مشركين ومرة
يخبر أنهم يختصمون، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله عز وجل يقول:



(1) ق: 28.
(2) يس: 65.
(3) مجمع البيان 4: 484.
(4) مجمع البيان 5: 147.
(5) مجمع البيان 4: 430 - 431.
59
وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة 1) (1) ويقول: لا تدركه
الابصار وهو يدرك الابصار 2) وهو اللطيف الخبير (2) ويقول: ولقد رآه
نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى 3) (3) ويقول: يومئذ لا تنفع الشفاعة



(1) القيامة: 23.
(2) الانعام: 103.
(3) النجم: 14.
(4) مجمع البيان 5: 398.
(5) مجمع البيان 2: 344.
60
إلا من أذن له الرحمن 1) ورضي له قولا * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم
ولا يحيطون به علما (1) ومن أدركه الابصار فقد أحاط به العلم، فأنى
ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات أيضا ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله تبارك وتعالى
يقول: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل
رسولا 2) فيوحي باذنه ما يشاء (2) وقال: وكلم الله موسى تكليما 3) (3)



(1) طه: 110.
(2) الشورى: 51.
(3) النساء: 164.
(4) مجمع البيان 5: 175.
(5) مجمع البيان 4: 31.
(6) مجمع البيان 5: 37.
61
وقال: وناداهما ربهما 1) (1) وقال: يا أيها النبي قل لأزواجك
وبناتك (2) وقال: يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك 2) (3) فأنى
ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل ثناؤه يقول:
هل تعلم له سميا 3) (4) وقد يسمي الانسان سميعا بصيرا وملكا وربا،
فمرة يخبر بأن له أسامي كثيرة مشتركة، ومرة يقول: هل تعلم له سميا
فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وجدت الله تبارك وتعالى يقول:
وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء 4) (5).



(1) الأعراف: 22.
(2) الأحزاب: 59.
(3) المائدة: 67.
(4) مريم: 65.
(5) يونس: 61.
(6) مجمع البيان 2: 141.
(7) مجمع البيان 3: 521.
62
ويقول: ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم 1) (1). ويقول: كلا إنهم
عن ربهم يومئذ لمحجوبون 2) (2). كيف ينظر إليهم من يحجب عنهم،
وأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات أيضا ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله عز وجل يقول:
أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور 3) (3)
وقال: الرحمن على العرش استوى 4) (4) وقال: وهو الله في السماوات



(1) آل عمران: 77.
(2) المطففين: 15.
(3) الملك: 16.
(4) طه: 5.
(5) مجمع البيان 5: 327.
63
وفي الأرض يعلم سركم وجهركم 1) (1) وقال: الظاهر والباطن 2) (2)
وقال: وهو معكم أين ما كنتم (3) وقال: ونحن أقرب إليه من حبل
الوريد 3) (4) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات أيضا ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل ثناؤه يقول:
وجاء ربك والملك صفا صفا 4) (5) وقال: ولقد جئتمونا فرادى كما



(1) الانعام: 3.
(2) الحديد: 3.
(3) الحديد: 4.
(4) ق: 16.
(5) الفجر: 22.
64
خلقناكم أول مرة 1) (1) وقال: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في
ظلل من الغمام والملائكة 2) (2) وقال: هل ينظرون إلا أن تأتيهم
الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك 3) يوم يأتي بعض آيات



(1) الانعام: 94.
(2) البقرة: 210.
(3) مجمع البيان 5: 488 - 489.
(4) مجمع البيان 2: 337.
(5) مجمع البيان 1: 303.
(6) مجمع البيان 2: 387 - 388.
65
ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها
خيرا (1) فمرة يقول: يوم يأتي ربك ومرة يقول يوم يأتي بعض
آيات ربك فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل جلاله يقول:
بل هم بلقاء ربهم كافرون 1) (2) وذكر المؤمنين فقال: الذين يظنون
أنهم ملاقوا ربهم 2) وأنهم إليه راجعون (3) وقال: تحيتهم يوم
يلقونه سلام 3) (4) وقال: من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله



(1) الانعام: 158.
(2) السجدة: 10.
(3) البقرة: 46.
(4) الأحزاب: 44.
(5) مجمع البيان 1: 101 - 102.
(6) مجمع البيان 4: 363.
66
لآت 1) (1) وقال: فمن كان يرجوا لقاء ربه 2) فليعمل عملا صالحا (2)
فمرة يخبر أنهم يلقونه، ومرة أنه لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار،
ومرة يقول: ولا يحيطون به علما فأني ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا
أشك فيما تسمع.
قال: ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله تبارك وتعالى يقول:
ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها 3) (3). وقال: يومئذ
يوفيهم الله دينهم الحق 4) ويعلمون أن الله هو الحق المبين (4) وقال:
وتظنون بالله الظنونا 5) (5) فمرة يخبر أنهم يظنون ومرة يخبر أنهم
يعلمون، والظن شك فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.



(1) العنكبوت: 5.
(2) الكهف: 110.
(3) الكهف: 53.
(4) النور: 25.
(5) الأحزاب: 10.
(6) مجمع البيان 4: 134.
67
قال: هات ما شككت فيه، قال: وأجد الله تعالى يقول ونضع
الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا (1) وقال: فلا نقيم لهم
يوم القيمة وزنا (2) وقال: فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير
حساب (3) وقال: والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم
المفلحون × ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا
بآياتنا يظلمون (4) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.
قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله تعالى يقول: قل
يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم 1) ثم إلى ربكم ترجعون (5) وقال:
الله يتوفى الأنفس حين موتها 2) (6) وقال: توفته رسلنا وهم لا
يفرطون 3) (7) وقال: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين 4) (8) وقال:



(1) الأنبياء: 47.
(2) الكهف: 105.
(3) المؤمن: 40.
(4) الأعراف: 9.
(5) السجدة: 11.
(6) الزمر: 42.
(7) الانعام: 61.
(8) النحل: 32.
(9) مجمع البيان 4: 329.
68
الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم 1) (1) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين
وكيف لا أشك فيما تسمع، وقد هلكت إن لم ترحمني وتشرح لي صدري
فيما عسى أن يجري ذلك على يديك، فإن كان الرب تبارك وتعالى حقا
والكتاب حقا والرسل حقا فقد هلكت وخسرت، وإن تكن الرسل باطلا
فما علي بأس وقد نجوت.
فقال علي عليه السلام: قدوس ربنا قدوس تبارك وتعالى علوا كبيرا، نشهد
أنه هو الدائم الذي لا يزول، ولا نشك فيه، وليس كمثله شئ وهو السميع
البصير، وأن الكتاب حق والرسل حق، وأن الثواب والعقاب حق، فإن
رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإن ذلك بيد الله، إن شاء رزقك وإن شاء
حرمك ذلك، ولكن سأعلمك ما شككت فيه، ولا قوة إلا بالله، فإن أراد الله
بك خيرا أعلمك بعلمه وثبتك، وإن يكن شرا ضللت وهلكت.
أما قوله: نسوا الله فنسيهم إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا، لم
يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئا فصاروا
منسيين من الخير وكذلك تفسير قوله عز وجل: فاليوم ننسيهم كما نسوا



(1) النحل: 28.
(2) مجمع البيان 3: 358.
69
لقاء يومهم هذا يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا
في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب، وأما
قوله: وما كان ربك نسيا فإن ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي
ينسى ولا يغفل بل هو الحفيظ العليم، وقد يقول العرب في باب النسيان:
قد نسينا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به، فهل
فهمت ما ذكر الله عز وجل، قال: نعم، فرجت عني فرج الله عنك وحللت
عني عقدة فعظم الله أجرك.
فقال عليه السلام: وأما قوله: يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون
إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا وقوله: والله ربنا ما كنا مشركين
وقوله: (يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) وقوله: إن
ذلك لحق تخاصم أهل النار وقوله: لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم
بالوعيد وقوله اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم
بما كانوا يكسبون فان ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم
الذي كان مقداره خمسين ألف سنة 1)، يجمع الله عز وجل الخلائق يومئذ
في مواطن يتفرقون، ويكلم بعضهم بعضا ويستغفر بعضهم لبعض أولئك



(1) المعارج: 4.
70
الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا للرؤساء والاتباع ويلعن أهل
المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار
الدنيا، المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا
والكفر في هذه الآية البراءة، يقول: يبرأ بعضهم من بعض، ونظيرها في
سورة إبراهيم قول الشيطان إني كفرت بما أشركتمون من قبل 1) (1)
وقول إبراهيم خليل الرحمن: كفرنا بكم (2) يعني تبرأنا منكم، ثم



(1) إبراهيم: 23.
(2) الممتحنة: 4.
(3) مجمع البيان 5: 353.
71
يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل
الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معائشهم، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء
الله، فلا يزالون يبكون الدم، ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه
فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله تبارك وتعالى على
أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت
منهم، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: لم شهدتم علينا
قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ (1) ثم يجتمعون في موطن آخر
فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض، فذلك قوله عز وجل: يوم يفر المرء
من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه (2) فيستنطقون فلا يتكلمون
إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقوم الرسل صلى الله عليهم
فيشهدون في هذا الموطن فذلك قوله: فكيف إذا جئنا من كل أمة
بشهيد 1) وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (3) ثم يجتمعون في موطن آخر
يكون فيه مقام محمد صلى الله عليه وآله وهو المقام المحمود، فيثني على الله تبارك



(1) فصلت: 21.
(2) عبس: 36.
(3) النساء: 41.
(4) مجمع البيان 3: 311.
72
وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى
ملك إلا أثنى عليه محمد صلى الله عليه وآله، ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد
قبله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم
بالصالحين، فيحمده أهل السماوات والأرض، فذلك قوله: عسى أن
يبعثك ربك مقاما محمودا 1) (1) فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ،
وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب، ثم يجتمعون في
موطن آخر ويدال بعضهم من بعض وهذا كله قبل الحساب، فإذا اخذ في
الحساب شغل كل إنسان بما لديه، نسأل الله بركة ذلك اليوم، قال: فرجت
عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك.



(1) الاسراء: 79.
(2) مجمع البيان 2: 49.
(3) مجمع البيان 3: 434 - 435.
73
فقال عليه السلام: وأما قوله عز وجل: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة
وقوله: لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وقوله: ولقد رآه نزلة
أخرى عند سدرة المنتهى وقوله يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له
الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به
علما فأما قوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فإن ذلك في
موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر
يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقا
فيذهب عنهم كل قذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام
ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قوله عز وجل
من تسليم الملائكة عليهم: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين (1)
فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله:
إلى ربها ناظرة وإنما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى.
وأما قوله: لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار فهو كما قال: لا
تدركه الابصار يعني لا تحيط به الأوهام وهو يدرك الابصار يعني
يحيط بها وهو اللطيف الخبير، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك
وتعالى وتقدس علوا كبيرا، وقد سأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من
حمد الله عز وجل رب أرني أنظر إليك (2) فكانت مسألته تلك أمرا
عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب، فقال الله تبارك وتعالى: لن تراني في
الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة 1) ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا



(1) الزمر: 73.
(2) الأعراف: 143.
74
فانظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فأبدى الله سبحانه
بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى
صعقا، يعني ميتا فكان عقوبته الموت ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه،
فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين يعني أول مؤمن آمن بك
منهم أنه لن يراك، وأما قوله: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى
يعني محمدا صلى الله عليه وآله كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها خلق من
خلق الله وقوله في آخر الآية: ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات
ربه الكبرى رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى
وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم
وصفتهم إلا الله رب العالمين.
وأما قوله: يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له
قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما لا يحيط
الخلائق بالله عز وجل علما إذ هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب
الغطاء، فلا فهم يناله بالكيف، ولا قلب يثبته بالحدود، فلا يصفه إلا كما
وصف نفسه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، الأول والآخر والظاهر
والباطن، الخالق البارئ المصور، خلق الأشياء فليس من الأشياء شئ
مثله تبارك وتعالى، فقال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة
فأعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: وأما قوله: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من
وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء وقوله وكلم الله

75
موسى تكليما وقوله: وناداهما ربهما وقوله: يا آدم أسكن أنت
وزوجك الجنة فأما قوله ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من
وراء حجاب فإنه ما ينبغي لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا وليس بكائن 1)
إلا من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء، كذلك قال الله
تبارك وتعالى علوا كبيرا، قد كان الرسول يوحى إليه من رسل السماء
فيبلغ رسل السماء رسل الأرض 2)، وقد كان الكلام بين رسل أهل
الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء، وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل هل رأيت ربك، فقال جبرئيل: إن ربي لا يرى،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فمن أين تأخذ الوحي؟ فقال: آخذه من إسرافيل
فقال: ومن أين يأخذه إسرافيل؟ قال: يأخذه من ملك فوقه من
الروحانيين، قال: فمن أين يأخذه ذلك الملك؟ قال: يقذف في قلبه قذفا،
فهذا وحي، وهو كلام الله عز وجل، وكلام الله ليس بنحو واحد، منه ما كلم
الله به الرسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤيا يريها الرسل، ومنه وحي
وتنزيل يتلى ويقرأ، فهو كلام الله، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله، فإن
معنى كلام الله ليس بنحو واحد فإن منه ما يبلغ به رسل السماء رسل
الأرض، قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فعظم الله
أجرك يا أمير المؤمنين.

76
فقال عليه السلام: وأما قوله: هل تعلم له سميا فإن تأويله هل تعلم أحدا
اسمه الله غير الله تبارك وتعالى، فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه
عن العلماء، فإنه رب تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله، وتأويله لا
يشبه كلام البشر، كما ليس شئ من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله
تبارك وتعالى شيئا من أفعال البشر، ولا يشبه شئ من كلامه كلام البشر،
فكلام الله تبارك وتعالى صفته وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام الله
بكلام البشر فتهلك وتضل، قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني
عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: وأما قوله: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض
ولا في السماء كذلك ربنا لا يعزب عنه شئ، وكيف يكون من خلق
الأشياء لا يعلم ما خلق وهو الخلاق العليم. وأما قوله: لا ينظر إليهم يوم
القيمة يخبر أنه لا يصيبهم بخير، وقد تقول العرب: والله ما ينظر إلينا فلان،
وإنما يعنون بذلك أنه لا يصيبنا منه بخير، فذلك النظر ها هنا من الله تعالى
إلى خلقه، فنظره إليهم رحمة منه لهم، وأما قوله: كلا إنهم عن ربهم يومئذ
لمحجوبون فإنما يعني بذلك يوم القيامة أنهم عن ثواب ربهم محجوبون.
قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك.
فقال عليه السلام: وأما قوله: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض
فإذا هي تمور وقوله وهو الله في السماوات وفي الأرض وقوله:
الرحمن على العرش استوى وقوله: وهو معكم أينما كنتم وقوله:
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فكذلك الله تبارك وتعالى سبوحا
قدوسا، تعالى أن يجري منه ما يجري من المخلوقين وهو اللطيف الخبير،

77
وأجل وأكبر أن ينزل به شئ مما ينزل بخلقه وهو على العرش استوى
علمه، شاهد لكل نجوى، وهو الوكيل على كل شئ، والميسر لكل شئ،
والمدبر للأشياء كلها، تعالى الله عن أن يكون على عرشه علوا كبيرا.
فقال عليه السلام: وأما قوله: وجاء ربك والملك صفا صفا وقوله: ولقد
جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وقوله: هل ينظرون إلا أن
يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقوله: هل ينظرون إلا أن
تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك فإن ذلك حق
كما قال الله عز وجل، وليس له جيئة كجيئة الخلق، وقد أعلمتك أن رب
شئ من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر، وسأنبئك
بطرف منه فتكتفي إن شاء الله، من ذلك قول إبراهيم عليه السلام: إني ذاهب إلى
ربي سيهدين 1) (1) فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى
الله عز وجل، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله، وقال وأنزلنا الحديد فيه
بأس شديد 2) (2) يعني السلاح وغير ذلك، وقوله: هل ينظرون إلا أن



(1) الصافات: 99.
(2) الحديد: 25.
(3) مجمع البيان 4: 451.
(4) مجمع البيان 5: 241.
78
تأتيهم الملائكة يخبر محمدا صلى الله عليه وآله عن المشركين والمنافقين الذين لم
يستجيبوا لله وللرسول، فقال: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة حيث
لم يستجيبوا لله ولرسوله أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يعني
بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى، فهذا خبر
يخبر به النبي صلى الله عليه وآله عنهم، ثم قال: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا يعني من قبل
أن يجئ هذه الآية، وهذه الآية طلوع الشمس من مغربها 1)، وإنما
يكتفي أولوا الألباب والحجى وأولوا النهى أن يعلموا أنه إذا انكشف الغطاء
رأوا ما يوعدون، وقال في آية أخرى: فأتاهم الله من حيث لم
يحتسبوا (1) يعني أرسل عليهم عذابا، وكذلك إتيانه بنيانهم قال الله عز
وجل: فأتى الله بنيانهم من القواعد (2) فإتيانه بنيانهم من القواعد إرسال



(1) الحشر: 2.
(2) النحل: 26.
(3) الحشر: 14.
79
العذاب عليهم، وكذلك ما وصف من أمر الآخرة تبارك اسمه وتعالى علوا
كبيرا أنه يجري أموره في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة
كما يجري أموره في الدنيا لا يغيب ولا يأفل مع الآفلين، فاكتف
بما وصفت لك من ذلك مما جال في صدرك مما وصف الله عز وجل في
كتابه، ولا تجعل كلامه ككلام البشر، هو أعظم وأجل وأكرم وأعز تبارك
وتعالى من أن يصفه الواصفون إلا بما وصف به نفسه في قوله عز
وجل: ليس كمثله شئ وهو السميع البصير (1) قال: فرجت عني يا
أمير المؤمنين فرج الله عنك، وحللت عني عقدة.
فقال عليه السلام: وأما قوله: بل هم بلقاء ربهم كافرون وذكر الله المؤمنين
الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وقوله لغيرهم: إلى يوم يلقونه بما
أخلفوا الله ما وعدوه (2) وقوله: فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا
صالحا فأما قوله: بل هم بلقاء ربهم كافرون يعني البعث فسماه الله
عز وجل لقاءه، وكذلك ذكر المؤمنين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم
يعني يوقنون أنهم يبعثون ويحشرون ويحاسبون ويجزون بالثواب
والعقاب، فالظن ها هنا اليقين خاصة، وكذلك قوله: فمن كان يرجوا لقاء
ربه فليعمل عملا صالحا وقوله: من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله
لآت يعني: من كان يؤمن بأنه مبعوث فإن وعد الله لآت من الثواب
والعقاب، فاللقاء ههنا ليس بالرؤية، واللقاء هو البعث، فافهم جميع ما في
كتاب الله من لقائه فإنه يعني بذلك البعث، وكذلك قوله: تحيتهم يوم
يلقونه سلام يعني أنه لا يزول الايمان عن قلوبهم يوم يبعثون، قال:



(1) الشورى: 11.
(2) التوبة: 77.
80
فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، فقد حللت عني عقدة.
فقال عليه السلام: وأما قوله: ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها
يعني أيقنوا أنهم داخلوها وكذلك قوله إني ظننت أني ملاق حسابيه
يقول إني أيقنت أني أبعث فأحاسب، وكذلك قوله: يومئذ يوفيهم الله
دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين وأما قوله للمنافقين:
وتظنون بالله الظنونا فهذا الظن ظن شك وليس ظن يقين، والظن ظنان:
ظن شك وظن يقين، فما كان من أمر معاد من الظن فهو ظن يقين، وما
كان من أمر الدنيا فهو ظن شك فافهم ما فسرت لك، قال: فرجت عني يا
أمير المؤمنين فرج الله عنك.
فقال عليه السلام: وأما قوله تبارك وتعالى: ونضع الموازين القسط ليوم
القيمة فلا تظلم نفس شيئا 1) فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم
القيامة، يدين الله تبارك وتعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين.
وفي غير هذا الحديث الموازين هم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام.



(1) مجمع البيان 4: 51.
81
وأما قوله عز وجل: فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا 1) فإن ذلك
خاصة. وأما قوله: فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب 2)
فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال قال الله عز وجل لقد حقت كرامتي أو قال:
مودتي - لمن يراقبني ويتحاب بجلالي إن وجوههم يوم القيامة من نور
على منابر من نور عليهم ثياب خضر، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: قوم
ليسوا بأنبياء ولا شهداء، ولكنهم تحابوا بجلال الله ويدخلون الجنة بغير
حساب، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم برحمته. وأما قوله: فمن ثقلت
موازينه وخفت موازينه فإنما يعني الحساب، توزن الحسنات والسيئات،
والحسنات ثقل الميزان والسيئات خفة الميزان.
فقال عليه السلام: وأما قوله: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى



(1) مجمع البيان 2: 399.
82
ربكم ترجعون وقوله: الله يتوفى الأنفس حين موتها وقوله: توفته
رسلنا وهم لا يفرطون وقوله: الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم
وقوله تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم فإن الله تبارك
وتعالى يدبر الأمور كيف يشاء، ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء، أما
ملك الموت فإن الله يوكله بخاصة من يشاء من خلقه، والملائكة الذين
سماهم الله عز ذكره وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه، ويوكل رسله من
الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه، إنه تبارك وتعالى يدبر الأمور كيف
يشاء، وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس لان
منهم القوي والضعيف، ولان منه ما يطاق حمله ومنه مالا يطاق حمله إلا
من يسهل الله له حمله وأعانه عليه من خاصة أوليائه، وإنما يكفيك أن
تعلم أن الله هو المحيي المميت وأنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من
خلقه من ملائكته وغيرهم، قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير
المؤمنين ونفع الله المسلمين بك.
فقال علي عليه السلام للرجل: إن كنت قد شرح الله صدرك بما قد تبينت لك
فأنت والذي فلق الحبة وبرأ النسمة من المؤمنين حقا، فقال الرجل: يا
أمير المؤمنين كيف لي أن أعلم بأني من المؤمنين حقا؟ قال عليه السلام: لا يعلم
ذلك إلا من أعلمه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة
أو شرح الله صدره ليعلم ما في الكتب التي أنزلها الله عز وجل على رسله
وأنبيائه، قال: يا أمير المؤمنين ومن يطيق ذلك؟ قال: من شرح الله صدره
ووفقه له، فعليك بالعمل لله في سر أمرك وعلانيتك فلا شئ يعدل العمل.
قال مصنف هذا الكتاب: الدليل على أن الصانع 1) واحد لا أكثر من

83
ذلك أنهما لو كانا اثنين لم يخل الامر فيهما من أن يكون كل واحد منهما
قادرا على منع صاحبه مما يريد أو غير قادر، فإن كان كذلك فقد جاز
عليهما المنع ومن جاز عليه ذلك فمحدث كما أن المصنوع محدث، وإن
لم يكونا قادرين لزمهما العجز والنقص وهما من دلالات الحدث، فصح
أن القديم واحد.
ودليل آخر وهو أن كل واحد منهما لا يخلو من أن يكون قادرا على
أن يكتم الاخر شيئا، فإن كان كذلك فالذي جاز الكتمان عليه حادث، وإن
لم يكن قادرا فهو عاجز والعاجز حادث لما بيناه، وهذا الكلام يحتج به
في إبطال قديمين صفة كل واحد منهما صفة القديم الذي أثبتناه، فأما ما
ذهب إليه ماني وابن ديصان من خرافاتهما في الامتزاج 1) ودانت به



(1) في الملل والنحل: فبعثت.
(2) في الملل: أجناس.
84
المجوس من حماقاتها في أهرمن ففاسد 1) بما يفسد به قدم الأجسام،
ولدخولهما في تلك الجملة اقتصرت على هذا الكلام فيهما ولم افرد كلا
منهما بما يسأل عنه منه.
6 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه،
بنيسابور سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن
قتيبة النيسابوري قال: سمعت الفضل بن شاذان يقول: سأل رجل من
الثنوية أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام وأنا حاضر فقال له: إني
أقول: إن صانع العالم اثنان، فما الدليل على أنه واحد؟ فقال: قولك: إنه
اثنان دليل على أنه واحد لأنك لم تدع الثاني إلا بعد إثباتك الواحد،
فالواحد مجمع عليه وأكثر من واحد مختلف فيه.



(1) الملل والنحل 1: 247 - 248.
85
37 - باب الرد
على الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة: وما من اله الا اله واحد
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار،
عن محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن حماد، عن
الحسن ابن إبراهيم، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، عن
جاثليق من جثالقة النصارى 1) يقال له: بريهة، قد مكث جاثليق النصرانية
سبعين سنة وكان يطلب الاسلام ويطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه
ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته، قال: وعرف بذلك حتى اشتهر في
النصارى والمسلمين واليهود والمجوس حتى افتخرت به النصارى وقالت:
لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا، وكان طالبا للحق
والاسلام مع ذلك وكانت معه امرأة تخدمه، طال مكثها معه، وكان يسر
إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه، فضرب بريهة
الامر ظهرا لبطن وأقبل يسأل فرق المسلمين والمختلفين في الاسلام من
أعلمكم؟ وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم وأهل



(1) القاموس المحيط 3: 217.
86
الحجى منهم، وكان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا، وقال:
لو كانت أئمتكم أئمة على الحق لكان عندكم بعض الحق، فوصفت له
الشيعة، ووصف له هشام بن الحكم.
فقال يونس بن عبد الرحمن: فقال لي هشام: بينما أنا على دكاني
على باب الكرخ 1) جالس وعندي قوم يقرأون علي القرآن فإذا أنا بفوج
النصارى معه ما بين القسيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد
والبرانس، والجاثليق الأكبر فيهم بريهة حتى نزلوا حول دكاني وجعل لبريهة
كرسي يجلس عليه فقامت الأساقفة والرهابنة على عصيهم، وعلى رؤوسهم
برانسهم، فقال بريهة: ما بقي من المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام
إلا وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شئ وقد جئت أناظرك في
الاسلام، قال: فضحك هشام فقال: يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات
المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا أدانيه، ذاك روح طيبة خميصة 2)
مرتفعة، آياته ظاهرة، وعلاماته قائمة، قال بريهة: فأعجبني الكلام والوصف.
قال هشام: إن أردت الحجاح فهاهنا 3)، قال بريهة: نعم فإني أسألك
ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الأبدان؟ قال هشام: ابن عم جده
لامه لأنه من ولد إسحاق ومحمد من ولد إسماعيل قال

87
بريهة، وكيف تنسبه إلى أبيه 1)؟ قال هشام: إن أردت نسبه عندكم أخبرتك،
وإن أردت نسبه عندنا أخبرتك، قال بريهة: أريد نسبه عندنا، وظننت أنه
إذا نسبه نسبتنا أغلبه، قلت: فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها، قال هشام: نعم،
تقولون: إنه قديم من قديم فأيهما الأب وأيهما الابن قال بريهة: الذي نزل
إلى الأرض الابن، قال هشام: الذي نزل إلى الأرض الأب 2) قال بريهة:
الابن رسول الأب، قال هشام: إن الأب أحكم من الابن لان الخلق خلق
الأب، قال بريهة: إن الخلق خلق الأب وخلق الابن، قال هشام: ما منعهما
أن ينزلا جميعا كما خلقا إذا اشتركا؟! قال بريهة: كيف يشتركان وهما
شئ واحد إنما يفترقان بالاسم، قال هشام: إنما يجتمعان بالاسم 3)، قال
بريهة: جهل هذا الكلام 4)، قال هشام: عرف هذا الكلام 5)، قال بريهة: إن

88
الابن متصل بالأب 1)، قال هشام: إن الابن منفصل من الأب 2)، قال بريهة:
هذا خلاف ما يعقله الناس 3)، قال هشام: إن كان ما يعقله الناس شاهدا
لنا 4) وعلينا فقد غلبتك لان الأب كان ولم يكن الابن فتقول: هكذا يا
بريهة؟ قال: ما أقول: هكذا، قال: فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم
لنفسك، قال بريهة. إن الأب اسم والابن اسم بقدرة القديم 5) قال هشام:
الاسمان قديمان كقدم الأب والابن؟ قال بريهة: لا ولكن الأسماء محدثة
قال: فقد جعلت الأب ابنا والابن أبا 6)، إن كان الابن أحدث هذه الأسماء
دون الأب فهو الأب، وإن كان الأب أحدث هذه الأسماء دون الابن فهو
الأب والابن أب وليس هاهنا ابن قال بريهة: إن الابن اسم للروح حين

89
نزلت إلى الأرض، قال هشام: فحين لم تنزل إلى الأرض فاسمها ما هو؟
قال بريهة: فاسمها ابن نزلت أو لم تنزل، قال هشام: فقبل النزول هذه
الروح كلها واحدة 1) واسمها اثنان، قال بريهة: هي كلها واحدة روح
واحدة، قال: قد رضيت أن تجعل بعضها ابنا وبعضها أبا، قال بريهة لا لان
اسم الأب هو اسم الابن واحد، قال هشام: فالابن أبو الأب، والأب أبو
الابن، والابن واحد 2)، قالت الأساقفة بلسانها لبريهة: ما مر بك مثل ذا قط
تقوم، فتحير بريهة وذهب ليقوم فتعلق به هشام، قال: ما يمنعك من
الاسلام؟ أفي قلبك حزازة؟ فقلها وإلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة
تبيت عليها ليلك هذا فتصبح وليس لك همة غيري، قالت الأساقفة: لا ترد
هذه المسألة لعلها تشككك قال بريهة: قلها يا أبا الحكم.
قال هشام: أفرأيتك الابن يعلم ما عند الأب؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك
الأب يعلم كل ما عند الابن؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الابن أيقدر
على حمل كل ما يقدر عليه الأب؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الأب

90
أيقدر على كل ما يقدر عليه الابن؟ قال: نعم، قال هشام: فكيف يكون
واحد منهما ابن صاحبه وهما متساويان 1) وكيف يظلم كل واحد منهما
صاحبه؟ قال بريهة: ليس منهما ظلم، قال هشام: من الحق بينهما أن يكون
الابن أب الأب والأب ابن الابن، بت عليها يا بريهة، وافترق النصارى
وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه.
قال: فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله فقالت امرأته التي
تخدمه: مالي أراك مهتما مغتما؟ فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين
هشام، فقالت لبريهة: ويحك أتريد أن تكون على حق أو على باطل؟!
فقال بريهة: بل على الحق، فقالت له: أينما وجدت الحق فمل إليه، وإياك
واللجاجة فان اللجاجة شك والشك شؤم وأهله في النار، قال: فصوب
قولها وعزم على الغدو على هشام.
قال: فغدا عليه وليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام ألك من
تصدر عن رأيه وترجع إلى قوله وتدين بطاعته؟ قال هشام: نعم يا بريهة،
قال: وما صفته؟ قال هشام: في نسبه أو في دينه؟ قال: فيهما جميعا صفة
نسبه وصفة دينه، قال هشام: أما النسب خير الأنساب: رأس العرب
وصفوة قريش، وفاضل بني هاشم كل من نازعه في نسبه وجده أفضل
منه لان قريشا أفضل العرب وبني هاشم أفضل قريش وأفضل بني هاشم
خاصهم ودينهم وسيدهم، وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره وهذا من

91
ولد السيد، قال: فصف دينه، قال هشام: شرائعه أو صفة بدنه وطهارته؟
قال: صفة بدنه وطهارته، قال هشام: معصوم فلا يعصي، وسخي فلا يبخل،
شجاع فلا يجبن، وما استودع من العلم فلا يجهل، حافظ للدين قائم بما
فرض عليه، من عترة الأنبياء، وجامع علم الأنبياء، يحلم عند الغضب،
وينصف عند الظلم، ويعين عند الرضا، وينصف من الولي والعدو، ولا
يسأل شططا في عدوه 1) ولا يمنع إفادة وليه، يعمل بالكتاب ويحدث
بالأعجوبات، من أهل الطهارات، يحكي قول الأئمة الأصفياء، لم تنقض له
حجة، ولم يجهل مسألة، يفتي في كل سنة، ويجلو كل مدلهمة.
قال بريهة: وصفت المسيح في صفاته وأثبته بحججه وآياته، إلا أن
الشخص بائن عن شخصه والوصف قائم بوصفه، فإن يصدق الوصف
نؤمن بالشخص، قال هشام: إن تؤمن ترشد وإن تتبع الحق لا تؤنب 2).
ثم قال هشام: يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا
أقامها على وسط خلقه وآخر خلقه فلا تبطل الحجج، ولا تذهب الملل،

92
ولا تذهب السنن. قال بريهة: ما أشبه هذا بالحق وأقربه من الصدق، وهذه
صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة، قال هشام: نعم،
فارتحلا حتى أتيا المدينة والمرأة معهما وهما يريدان أبا عبد الله عليه السلام فلقيا
موسى بن جعفر عليهما السلام فحكى له هشام الحكاية، فلما فرغ قال موسى بن
جعفر عليهما السلام: يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم، قال: كيف
ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه قال: فابتدأ موسى بن جعفر عليهما السلام
بقراءة الإنجيل قال بريهة: والمسيح لقد كان يقرأ هكذا وما قرأ هذه
القراءة إلا المسيح، ثم قال بريهة: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو
مثلك، قال: فآمن وحسن إيمانه وآمنت المرأة وحسن إيمانها.
قال: فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد الله عليه السلام، وحكى هشام
الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى عليه السلام وبريهة، فقال أبو عبد
الله عليه السلام: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (1) فقال بريهة: جعلت
فداك أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا وراثة من
عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوها، إن الله لا يجعل حجة في
أرضه يسأل عن شئ فيقول: لا أدري فلزم بريهة أبا عبد الله عليه السلام حتى
مات أبو عبد الله عليه السلام، ثم لزم موسى بن جعفر عليهما السلام حتى مات في زمانه
فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده، وقال: هذا حواري من حواريي
المسيح يعرف حق الله عليه، قال: فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله.



(1) آل عمران: 34.
93
38 - باب ذكر عظمة الله جل جلاله
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم
وغيره، عن خلف بن حماد، عن الحسين بن زيد الهاشمي عن أبي عبد
الله عليه السلام، قال: جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه وآله
وبناته وكانت تبيع منهن العطر فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وهي عندهن فقال
لها: إذا أتيتنا طابت بيوتنا، فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله، قال:
إذا بعت فأحسني ولا تغشي فإنه أتقى وأبقى 1) للمال، فقالت: ما جئت
بشئ من بيعي، وإنما جئتك أسألك عن عظمة الله، فقال: جل جلال الله،
سأحدثك عن بعض ذلك.
قال: ثم قال: إن هذه الأرض بمن فيها ومن عليها عند التي تحتها
كحلقة في فلاة قي وهاتان ومن فيهما ومن عليهما عند التي تحتها كحلقة
في فلاة قي 2) والثالثة حتى انتهى إلى السابعة، ثم تلا هذه الآية خلق
سبع سماوات ومن الأرض مثلهن (1) والسبع ومن فيهن ومن عليهن على



(1) الطلاق: 12.
94




(1) سورة الذاريات: 7.
95
ظهر الديك كحلقة في فلاة قي، والديك له جناحان جناح بالمشرق
وجناح بالمغرب ورجلاه في التخوم، والسبع والديك بمن فيه ومن
عليه على الصخرة كحلقة في فلاه قي، والسبع والديك والصخرة بمن فيها
ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة
والحوت عند البحر المظلم كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة
والحوت والبحر المظلم عند الهواء كحلقة في فلاة قي والسبع والديك
والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء عند الثرى كحلقة في فلاة قي،
ثم تلا هذه الآية له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت
الثرى 1) (1) ثم انقطع الخبر 2). والسبع والديك والصخرة والحوت
والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه ومن عليه عند السماء كحلقة في
فلاة قي، وهذا والسماء الدنيا ومن فيها ومن عليها عند التي فوقها كحلقة



(1) طه: 6.
(2) تفسير القمي 2: 328 - 329.
(3) مجمع البيان 4: 2.
96
في فلاة قي، وهذا وهاتان السماءان عند الثالثة كحلقة في فلاة قي، وهذه
الثالثة ومن فيهن ومن عليهن عند الرابعة كحلقة في فلاة قي، حتى انتهى
إلى السابعة، وهذه السبع ومن فيهن ومن عليهن عند البحر المكفوف 1) عن
أهل الأرض كحلقة في فلاة قي، والسبع والبحر المكفوف عند جبال البرد
كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية وينزل من السماء من جبال فيها من
برد 2) (1) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند حجب النور
كحلقة في فلاة قي، وهي سبعون ألف حجاب يذهب نورها بالابصار،
وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب عند الهواء الذي تحار
فيه القلوب كحلقة في فلاة قي، والسبع والبحر المكفوف وجبال البرد
والحجب والهواء في الكرسي كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية: وسع
كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم (2) وهذه
السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب والهواء والكرسي عند العرش



(1) النور: 43.
(2) البقرة: 255.
(3) مجمع البيان 4: 148.
97
كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية الرحمن على العرش استوى 1) (1)
ما تحمله الاملاك إلا يقول لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى
عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، قال:
سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله عز وجل: أفعيينا بالخلق الأول 2) بل هم
في لبس من خلق جديد (2) قال: يا جابر تأويل ذلك أن الله عز وجل إذا
أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار جدد
الله عالما غير هذا العالم وجدد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه
ويوحدونه، وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم، وسماء غير هذه
السماء تظلهم، لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد، وترى أن الله
لم يخلق بشرا غيركم، بلى والله لقد خلق الله ألف ألف عالم، وألف ألف
آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين.



(1) طه: 5.
(2) ق: 15.
98
3 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن
زكريا قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن نصر
ابن مزاحم المنقري، عن عمرو بن سعد، عن أبي مخنف لوط بن يحيى،
عن أبي منصور، عن زيد بن وهب، قال: سئل أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام عن قدرة الله تعالى جلت عظمته، فقام خطيبا فحمد الله
وأثنى عليه، ثم قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة لو أن ملكا منهم هبط
إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقه وكثرة أجنحته، ومنهم من لو كلفت
الجن والإنس أن يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب
صورته، وكيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه
وشحمة اذنيه، ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته دون عظم
بدنه، ومنهم من السماوات إلى حجزته 1)، ومنهم من قدمه على غير

99
قرار 1) في جو الهواء الأسفل والأرضون إلى ركبتيه، ومنهم من لو القي في
نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها، ومنهم من لو ألقيت السفن في دموع
عينيه لجرت دهر الداهرين، فتبارك الله أحسن الخالقين.



(1) شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني 1: 160 - 162.
(2) سورة فاطر: 1.
101
وسئل عليه السلام عن الحجب، فقال: أول الحجب سبعة، غلظ كل حجاب
مسيرة خمسمائة عام، بين كل حجا بين منها مسيرة خمسمائة عام،
والحجاب الثالث سبعون حجابا، بين كل حجا بين منها مسيرة خمسمائة
عام، وطوله خمسمائة عام، حجبة كل حجاب منها سبعون ألف ملك، قوة
كل ملك منهم قوة الثقلين، منها ظلمة، ومنها نور، ومنها نار، ومنها دخان،
ومنها سحاب، ومنها برق، ومنها مطر، ومنها رعد، ومنها ضوء، ومنها رمل،
ومنها جبل، ومنها عجاج، ومنها ماء، ومنها أنهار، وهي حجب مختلفة،
غلظ كل حجاب مسيرة سبعين ألف عام ثم سرادقات الجلال، وهي
سبعون سرادقا، في كل سرادق سبعون ألف ملك، بين كل سرادق وسرادق
مسيرة خمسمائة عام، ثم سرادق العز، ثم سرادق الكبرياء، ثم سرادق
العظمة، ثم سرادق القدس، ثم سرادق الجبروت، ثم سرادق الفخر ثم النور
الأبيض، ثم سرادق الوحدانية وهو مسيرة سبعين ألف عام في سبعين ألف
عام، ثم الحجاب الاعلى، وانقضى كلامه عليه السلام وسكت، فقال له عمر: لا
بقيت ليوم لا أراك فيه يا أبا الحسن.
4 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري، قال:
حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا عدي بن أحمد
ابن عبد الباقي أبو عمير بأذنة قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن
البراء، قال: حدثنا عبد المنعم بن إدريس، قال: حدثني أبي، عن وهب،
عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله، إن لله تبارك وتعالى ديكا رجلاه في تخوم
الأرض السابعة السفلى، ورأسه عند العرش، ثاني عنقه تحت العرش،
وملك من ملائكة الله عز وجل خلقه الله تبارك وتعالى ورجلاه في تخوم

102
الأرض السابعة السفلى مضى مصعدا فيها مد الأرضين حتى خرج منها
إلى أفق السماء، ثم مضى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه إلى العرش، وهو
يقول: سبحانك ربي، وإن لذلك الديك جناحين إذا نشرهما جاوزا المشرق
والمغرب، فإذا كان في آخر الليل نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ
بالتسبيح يقول: سبحان الله الملك القدوس، سبحان الكبير المتعال
القدوس، لا إله إلا هو الحي القيوم، فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض
كلها وخفقت بأجنحتها وأخذت في الصراخ، فإذا سكن ذلك الديك في
السماء سكنت الديكة في الأرض، فإذا كان في بعض السحر نشر جناحيه
فجاوزا المشرق والمغرب وخفق بهما وصرخ بالتسبيح سبحان الله العظيم
سبحان الله العزيز القهار سبحان الله ذي العرش المجيد سبحان الله رب
العرش الرفيع فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض، فإذا هاج الديكة في
الأرض تجاوبه بالتسبيح والتقديس لله عز وجل، ولذلك الديك ريش
أبيض كأشد بياض ما رأيته قط، وله زغب أخضر تحت ريشه الأبيض
كأشد خضرة ما رأيتها قط فما زلت مشتاقا إلى أن أنظر إلى ريش ذلك
الديك..
5 - وبهذا الاسناد عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: إن لله تبارك وتعالى ملكا من
الملائكة نصف جسده الاعلى نار ونصفه الأسفل ثلج 1)، فلا النار تذيب
الثلج، ولا الثلج يطفئ النار، وهو قائم ينادي بصوت له رفيع: سبحان الله

103
الذي كف حر هذه النار فلا تذيب هذا الثلج، وكف برد هذا الثلج فلا يطفئ
حر هذه النار، اللهم يا مؤلفا بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك
المؤمنين على طاعتك.
6 - وبهذا الاسناد عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة
ليس شئ من أطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله عز وجل 1) ويحمده من
ناحية بأصوات مختلفة، لا يرفعون رؤوسهم إلى السماء ولا يخفضونها إلى
أقدامهم من البكاء والخشية لله عز وجل.
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن
يزيد، عن إسماعيل بن مسلم، قال: حدثنا أبو نعيم البلخي، عن مقاتل بن
حيان، عن عبد الرحمن بن أبي ذر، عن أبي ذر الغفاري رحمة الله عليه،
قال: كنت آخذا بيد النبي صلى الله عليه وآله ونحن نتماشى جميعا، فما زلنا ننظر إلى



(1) بحار الأنوار 18: 323
104
الشمس حتى غابت، فقلت: يا رسول الله أين تغيب، قال: في السماء ثم
ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا حتى تكون
تحت العرش، فتخر ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكلون بها، ثم تقول:
يا رب من أين تأمرني أن أطلع أمن مغربي أم من مطلعي؟ فذلك قوله
تعالى: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم 1) (1) يعني
بذلك صنع الرب العزيز في ملكه، العليم بخلقه. قال: فيأتيها جبرئيل بحلة
ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف أو
قصره في الشتاء أو ما بين ذلك في الخريف والربيع، قال: فتلبس تلك



(1) يس: 38.
(2) سورة الأنبياء: 28.
105
الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه، ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من
مطلعها، قال النبي صلى الله عليه وآله: فكأني بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا
تكسى ضوءا وتؤمر أن تطلع من مغربها، فذلك قوله عز وجل: إذا
الشمس كورت 1) * وإذا النجوم انكدرت. (1) والقمر كذلك من مطلعه
ومجراه في أفق السماء ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة، ويسجد
تحت العرش ثم يأتيه جبرئيل بالحلة من نور الكرسي فذلك قوله عز
وجل: جعل الشمس ضياء * والقمر نورا 2) (2) قال أبو ذر رحمه الله: ثم
اعتزلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله فصلينا المغرب.
8 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن زياد القندي،
عن درست، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن لله تبارك وتعالى
ملكا بعد ما بين شحمة اذنه إلى عنقه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير.



(1) التكوير: 2.
(2) يونس: 5.
(3) مجمع البيان: 424.
(4) مجمع البيان 5: 443.
106
9 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا أحمد
ابن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن السياري، عن عبد الله بن حماد، عن
جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل في السماء بحار؟ قال، نعم،
أخبرني أبي، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن في
السماوات السبع لبحارا عمق أحدها مسيرة خمسمائة عام، فيها ملائكة
قيام منذ خلقهم الله عز وجل، والماء إلى ركبهم، ليس فيهم ملك إلا وله
ألف وأربعمائة جناح، في كل جناح أربعة وجوه، في كل وجه أربعة
ألسن، ليس فيها جناح ولا وجه ولا لسان ولا فم إلا وهو يسبح الله عز
وجل بتسبيح لا يشبه نوع منه صاحبه.
10 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن
أورمة، عن أحمد بن الحسن الميثمي عن أبي الحسن الشعيري عن سعد
ابن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: جاء ابن الكواء إلى أمير
المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين والله إن في كتاب الله عز وجل لآية
قد أفسدت علي قلبي وشككتني في ديني، فقال له علي عليه السلام: ثكلتك أمك
وعدمتك وما تلك الآية؟ قال: قول الله تعالى: والطير صافات كل قد علم
صلاته وتسبيحه 1) (1) فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا ابن الكواء إن الله



(1) النور: 41.
107
تبارك وتعالى خلق الملائكة في صور شتى إلا أن لله تبارك وتعالى ملكا
في صورة ديك أبح أشهب، براثنه 1) في الأرض السابعة السفلى وعرفه
مثنى تحت العرش له جناحان جناح في المشرق وجناح في المغرب
واحد من نار وآخر من ثلج، فإذا حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم
رفع عنقه من تحت العرش، ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديوك في
منازلكم، فلا الذي من النار يذيب الثلج ولا الذي من الثلج يطفئ النار،
فينادي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا سيد
النبيين وأن وصيه سيد الوصيين وأن الله سبوح قدوس رب الملائكة
والروح، قال: فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله وهو
قوله تعالى والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه من الديكة في
الأرض.



(1) مجمع البيان 4: 148.
108
11 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن الحسن بن علي، عن يونس بن يعقوب، عن عمرو بن
مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة أنصافهم من
برد وأنصافهم من نار يقولون: يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على
طاعتك.
وسأخرج الاخبار التي رويتها في ذكر عظمة الله تبارك وتعالى في
كتاب العظمة إن شاء الله.
39 - باب لطف الله تبارك وتعالى
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن
سعيد بن جناح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما خلق
الله خلقا أصغر من البعوض، والجرجس أصغر من البعوض، والذي
تسمونه الولغ 1) أصغر من الجرجس وما في الفيل شئ إلا وفيه مثله،



(1) صحاح اللغة 4: 1329، والقاموس المحيط 3: 115.
109
وفضل على الفيل بالجناحين.
40 - باب أدنى ما يجزئ من معرفة التوحيد
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن مختار بن محمد بن مختار الهمداني، عن الفتح بن يزيد
الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن أدنى المعرفة، فقال:
الاقرار بأنه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير وأنه قديم مثبت موجود غير
فقيد 1) وأنه ليس كمثله شئ.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد
ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن
النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد رفعه، قال: سئل علي بن
الحسين عليهما السلام عن التوحيد فقال: إن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر
الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله عز وجل قل هو الله أحد 2) * الله
الصمد والآيات من سورة الحديد - إلى قوله: وهو عليم بذات
الصدور فمن رام ما وراء هنالك هلك.

110
3 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني الحسين بن الحسن، قال: حدثني بكر بن زياد، عن عبد
العزيز بن المهتدي، قال سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد، فقال: كل من قرأ
قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد، قلت: كيف يقرأها؟ قال: كما
يقرأ الناس، وزاد فيه (كذلك الله ربي 1)، كذلك الله ربي، كذلك الله ربي).
4 - أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قالا: حدثنا محمد
ابن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد، عن
بعض أصحابنا، عن محمد بن علي الطاحي عن طاهر بن حاتم بن ماهويه
قال: كتبت إلى الطيب يعني أبا الحسن موسى عليه السلام: ما الذي لا تجزئ
معرفة الخالق بدونه فكتب: ليس كمثله شئ ولم يزل سميعا وعليما
وبصيرا، وهو الفعال لما يريد.
5 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمه محمد بن أبي
القاسم، عن محمد بن علي القرشي، قال: حدثنا محمد بن سنان، عن
محمد بن يعلى الكوفي، عن جويبر عن الضحاك، عن ابن عباس، قال:

111
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله علمني من غرائب العلم،
قال: ما صنعت في رأس العلم حتى تسأل عن غرائبه؟! قال الرجل: ما
رأس العلم يا رسول الله؟ قال: معرفة الله حق معرفته، قال الاعرابي: وما
معرفة الله حق معرفته؟ قال: تعرفه بلا مثل ولا شبه ولا ند 1) وأنه واحد
أحد ظاهر باطن أول آخر لا كفو له ولا نظير فذلك حق معرفته.
41 - باب أنه عز وجل لا يعرف إلا به
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن
شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: إني ناظرت قوما فقلت لهم: إن الله أجل وأكرم من أن يعرف
بخلقه، بل العباد يعرفون بالله 2) فقال: رحمك الله.

112
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن
علي بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله
رفعه قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني نفسه،
قيل: وكيف عرفك نفسه؟ فقال: لا تشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا

113
يقاس بالناس 1)، قريب في بعده 2)، بعيد في قربه 3)، فوق كل شئ 4) ولا
يقال: شئ فوقه، أمام كل شئ 5) ولا يقال: له أمام، داخل في الأشياء 6)
لا كشئ في شئ داخل، وخارج من الأشياء لا كشئ من شئ خارج،
سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره، ولكل شئ مبتدئ 7).
3 - حدثني أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد



(1) أصول الكافي 1: 85.
114
ابن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حمران عن الفضل بن
السكن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: اعرفوا الله بالله
والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالمعروف والعدل والاحسان 1).

115




(1) بحار الأنوار 3: 274 - 275.
116
4 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال:
حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن
محمد بن عبد الله الصغدي بمرو قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم
العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي،
قال: حدثنا عبد الله بن عاصم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن أبي
هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه
قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى وما سأل عنه أبا بكر فلم
يجبه ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عن مسائل
فأجابه عنها، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عرفت الله بمحمد أم
عرفت محمدا بالله عز وجل؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما عرفت الله
بمحمد صلى الله عليه وآله، ولكن عرفت محمدا بالله عز وجل حين خلقه وأحدث فيه
الحدود من طول وعرض، فعرفت أنه مدبر مصنوع باستدلال وإلهام منه
وإرادة كما ألهم الملائكة طاعته وعرفهم نفسه بلا شبه ولا كيف.
والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في
آخر أجزاء كتاب النبوة.
5 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
سمعت محمد بن يعقوب يقول: معنى قوله (اعرفوا الله بالله) يعني: أن الله
عز وجل خلق الأشخاص والألوان والجواهر، فالأعيان الأبدان، والجواهر
الأرواح، وهو عز وجل لا يشبه جسما ولا روحا، وليس لاحد في خلق
الروح الحساس الدراك أثر ولا سبب، هو المتفرد بخلق الأرواح
والأجسام، فمن نفى عنه الشبهين: شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله

117
بالله ومن شبهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله.
6 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن
أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام أنه قال: إن رجلا
قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك؟ قال:
بفسخ العزم ونقض الهم، لما هممت فحيل بيني وبين همي، وعزمت
فخالف القضاء عزمي علمت أن المدبر غيري، قال: فبماذا شكرت نعماءه؟
قال: نظرت إلى بلاء قد صرفه عني وأبلى به غيري فعلمت أنه قد أنعم
علي فشكرته، قال: فلماذا أحببت لقاءه، قال: لما رأيته قد اختار لي دين
ملائكته ورسله وأنبيائه علمت أن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني
فأحببت لقاءه.
7 - حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي المقري، قال:
حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقري، قال: حدثنا محمد بن الحسن
الموصلي ببغداد قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا عياش
ابن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي قال: حدثني أبي،
قال: حدثني موسى بن جعفر عليهما السلام قال: قال قوم للصادق عليه السلام: ندعو فلا
يستجاب لنا، قال: لأنكم تدعون من لا تعرفونه 1).
8 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي قال:

118
حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم،
قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام فقيل له: بما عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم
ونقض الهم عزمت ففسخ عزمي، وهممت فنقض همي.
9 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الخزاز الكوفي، قال: حدثنا
سليمان بن جعفر قال: حدثنا علي بن الحكم، قال: حدثنا هشام بن سالم،
قال: حضرت محمد بن النعمان الأحول، فقام إليه رجل فقال له: بم عرفت
ربك؟ قال بتوفيقه وإرشاده وتعريفه وهدايته، قال: فخرجت من عنده،
فلقيت هشام بن الحكم فقلت له: ما أقول لمن يسألني فيقول لي بم عرفت
ربك؟ فقال: إن سأل سائل فقال: بم عرفت ربك؟ قلت: عرفت الله جل
جلاله بنفسي لأنها أقرب الأشياء إلي، وذلك أني أجدها أبعاضا مجتمعة
وأجزاء مؤتلفة، ظاهرة التركيب، متبينة الصنعة، مبنية على ضروب من
التخطيط والتصوير، زائدة من بعد نقصان، وناقصة من بعد زيادة، قد أنشأ
لها حواس مختلفة، وجوارح متباينة - من بصر وسمع وشام وذائق ولا
مس - مجبولة على الضعف والنقص والمهانة، لا تدرك واحدة منها مدرك
صاحبتها ولا تقوى على ذلك، عاجزة عند اجتلاب المنافع إليها، ودفع
المضار عنها، واستحال في العقول وجود تأليف لا مؤلف له، وثبات صورة
لا مصور لها، فعلمت أن لها خالقا خلقها، ومصورا صورها، مخالفا لها
على جميع جهاتها قال الله عز وجل وفي أنفسكم أفلا تبصرون (1).



(1) الذارايات: 21.
119
10 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن جعفر أبو الحسين الأسدي، قال: حدثنا الحسين بن
المأمون القرشي عن عمر بن عبد العزيز، عن هشام بن الحكم، قال: قال
لي أبو شاكر الديصاني: إن لي مسألة تستأذن لي على صاحبك، فإني قد
سألت عنها جماعة من العلماء فما أجابوني بجواب مشبع، فقلت: هل لك
أن تخبرني بها فلعل عندي جوابا ترتضيه فقال: إني أحب أن ألقى بها أبا
عبد الله عليه السلام، فاستأذنت له فدخل فقال له: أتأذن لي في السؤال؟ فقال له:
سل عما بدا لك، فقال له: ما الدليل على أن لك صانعا؟ فقال: وجدت
نفسي لا تخلو من إحدى جهتين: إما أن أكون صنعتها أنا أو صنعها غيري،
فإن كنت صنعتها أنا فلا أخلو من أحد معنيين: إما أن أكون صنعتها وكانت
موجودة، أو صنعتها وكانت معدومة، فإن كنت صنعتها وكانت موجودة
فقد استغنت بوجودها عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنك تعلم أن
المعدوم لا يحدث شيئا، فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعا وهو الله رب
العالمين فقام وما أحار جوابا.
قال مصنف هذا الكتاب: القول الصواب في هذا الباب 1) هو أن يقال:
عرفنا الله بالله لأنا إن عرفناه بعقولنا فهو عز وجل واهبها، وإن عرفناه عز
وجل بأنبيائه ورسله وحججه عليهم السلام فهو عز وجل باعثهم ومرسلهم

120
ومتخذهم حججا، وإن عرفناه بأنفسنا فهو عز وجل محدثها، فبه عرفناه،
وقد قال الصادق عليه السلام: (لولا الله ما عرفنا ولولا نحن ما عرف الله) ومعناه
لولا الحجج ما عرف الله حق معرفته، ولولا الله ما عرف الحجج، وقد
سمعت بعض أهل الكلام يقول: لو أن رجلا ولد في فلاة من الأرض ولم
ير أحدا يهديه ويرشده حتى كبر وعقل ونظر إلى السماء والأرض لدله
ذلك على أن لهما صانعا ومحدثا، فقلت: إن هذا شئ لم يكن 1)، وهو
إخبار بما لم يكن أن لو كان كيف كان يكون، ولو كان ذلك لكان لا يكون
ذلك الرجل إلا حجة الله تعالى ذكره على نفسه، كما في الأنبياء عليهم السلام منهم
من بعث إلى نفسه، ومنهم من بعث إلى أهله وولده، ومنهم من بعث إلى
أهل محلته، ومنهم من بعث إلى أهل بلده، ومنهم من بعث إلى الناس كافة.
وأما استدلال إبراهيم الخليل عليه السلام بنظره إلى الزهرة ثم إلى القمر ثم إلى
الشمس، وقوله لما أفلت: يا قوم إني برئ مما تشركون فإنه عليه السلام كان
نبيا ملهما مبعوثا مرسلا وكان جميع قوله بإلهام الله عز وجل إياه، وذلك
قوله عز وجل: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه (1) وليس كل



(1) الانعام: 83.
121
أحد كإبراهيم عليه السلام، ولو استغنى في معرفة التوحيد بالنظر عن تعليم الله عز
وجل وتعريفه لما أنزل الله عز وجل ما أنزل من قوله: فاعلم أنه لا إله إلا
الله (1) ومن قوله: قل هو الله أحد - إلى آخرها ومن قوله: بديع
السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة - إلى قوله - وهو
اللطيف الخبير (2) وآخر الحشر، وغيرها من آيات التوحيد.
42 - باب إثبات حدوث العالم
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد،
قال حدثني علي بن منصور، قال: سمعت هشام بن الحكم يقول: دخل أبو
شاكر الديصاني على أبي عبد الله عليه السلام فقال له: إنك أحد النجوم الزواهر،
وكان آباؤك بدورا بواهر 1)، وأمهاتك عقيلات عباهر 2)، وعنصرك من



(1) محمد: 19.
(2) الانعام: 103.
122
أكرم العناصر، وإذا ذكر العلماء فبك تثنى الخناصر 1) فخبرني أيها البحر
الخضم 2) الزاخر ما الدليل على حدوث العالم؟ فقال: أبو عبد الله عليه السلام:
نستدل عليه بأقرب الأشياء قال: وما هو؟ قال: فدعا أبو عبد الله عليه السلام
ببيضة فوضعها على راحته فقال: هذا حصن ملموم 3) داخله غرقى 4)
رقيق لطيف به فضة سائلة وذهبة مائعة ثم تنفلق، عن مثل الطاووس،
أدخلها شئ؟ فقال: لا، قال: فهذا الدليل على حدوث العالم، قال:
أخبرت فأوجزت، وقلت فأحسنت، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه
بأبصارنا، أو سمعناه بآذاننا، أو شممناه بمناخرنا أو ذقناه بأفواهنا أو
لمسناه بأكفنا أو تصور في القلوب بيانا أو استنبطه الرويات إيقانا، قال أبو
عبد الله: ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع شيئا بغير دليل 5) كما لا
يقطع الظلمة بغير مصباح.



(1) نهاية ابن الأثير 3: 281.
(2) صحاح اللغة 2: 669.
123
2 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن
الحكم أن ابن أبي العوجاء دخل على الصادق عليه السلام فقال له: يا ابن أبي
العوجاء أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟! فقال: لا، لست بمصنوع 1)، فقال
له الصادق عليه السلام: فلو كنت مصنوعا كيف كنت تكون فلم يحر ابن أبي
العوجاء جوابا 2)، وقام وخرج.
3 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله قال: حدثنا سعد بن
عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن
خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام أنه دخل عليه رجل
فقال له: يا ابن رسول الله ما الدليل على حدث العالم؟ قال: أنت لم تكن
ثم كنت، وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن حماد، عن



(1) الارشاد 2: 203.
124
الحسن بن إبراهيم عن يونس بن عبد الرحمن، عن يونس بن يعقوب،
قال: قال لي علي بن منصور: قال لي هشام بن الحكم: كان زنديق بمصر
يبلغه عن أبي عبد الله عليه السلام علم فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها،
فقيل له: هو بمكة فخرج الزنديق إلى مكة، ونحن مع أبي عبد الله عليه السلام،
فقاربنا الزنديق ونحن مع أبي عبد الله عليه السلام في الطواف فضرب كتفه كتف
أبي عبد الله عليه السلام، فقال له أبو عبد الله جعفر عليه السلام: ما اسمك؟ قال: اسمي
عبد الملك، قال: فما كنيتك 1)؟ قال: أبو عبد الله، قال: فمن الملك الذي
أنت له عبد، أمن ملوك السماء أم من ملوك الأرض؟! وأخبرني عن ابنك
أعبد إله السماء؟ أم عبد إله الأرض؟! فسكت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: قل
ما شئت تخصم 2)، قال هشام بن الحكم: قلت للزنديق: أما ترد عليه؟!



(1) سورة النمل: 14.
125
فقبح قولي: فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إذا فرغت من الطواف فأتنا، فلما فرغ
أبو عبد الله عليه السلام أتاه الزنديق، فقعد بين يديه، ونحن مجتمعون عنده، فقال
للزنديق: أتعلم أن للأرض تحتا وفوقا؟! قال: نعم 1)، قال فدخلت تحتها؟!
قال: لا، قال: فما يدريك بما تحتها؟! قال: لا أدري إلا أني أظن أن ليس
تحتها شئ، قال أبو عبد الله عليه السلام: فالظن عجز ما لم تستيقن، قال أبو عبد
الله: فصعدت السماء؟! قال: لا، قال: فتدري ما فيها؟! قال: لا، قال: فأتيت
المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟! قال: لا، قال: فعجبا لك، لم تبلغ
المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل تحت الأرض ولم تصعد السماء ولم
تخبر هنالك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد ما فيهن، وهل يجحد العاقل

126
ما لا يعرف؟! فقال الزنديق: ما كلمني بهذا أحد غيرك، قال أبو عبد
الله عليه السلام: فأنت في شك من ذلك، فلعل هو أو لعل ليس هو، قال الزنديق:
ولعل ذاك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على
من يعلم، فلا حجة للجاهل على العالم، يا أخا أهل مصر تفهم عني، فإنا لا
نشك في الله أبدا، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان
ولا يشتبهان 1)، يذهبان ويرجعان، قد اضطرا، ليس لهما مكان إلا

127
مكانهما 1)، فإن كانا يقدران 2) على أن يذهبا فلا يرجعان فلم يرجعان؟!
وإن لم يكونا مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا، اضطرا والله 3)
يا أخا أهل مصر إلى داومهما، والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر منهما،
قال الزنديق: صدقت.
ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أخا أهل مصر! الذي تذهبون إليه وتظنونه

128
بالوهم فإن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردهم 1)، وإن كان يردهم لم لا
يذهب بهم، القوم مضطرون 2)، يا أخا أهل مصر السماء مرفوعة والأرض
موضوعة، لم لا تسقط السماء على الأرض 3)، ولم لا تنحدر الأرض فوق
طباقها 4)؟ فلا يتماسكان ولا يتماسك من عليهما، فقال الزنديق: أمسكهما
والله ربهما وسيدهما فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله عليه السلام فقال له
حمران بن أعين: جعلت فداك إن آمنت الزنادقة على يديك فقد آمنت
الكفار على يدي أبيك، فقال المؤمن الذي آمن على يدي أبي عبد الله عليه السلام:
اجعلني من تلامذتك، فقال أبو عبد الله عليه السلام لهشام بن الحكم: خذه إليك
فعلمه، فعلمه هشام، فكان معلم أهل مصر 5) وأهل شام، وحسنت طهارته
حتى رضي بها أبو عبد الله عليه السلام.

129
5 - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قالا: حدثنا
أحمد بن إدريس، ومحمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن سهل
ابن زياد، عن محمد بن الحسين، عن علي بن يعقوب الهاشمي، عن مروان
ابن مسلم، قال: دخل ابن أبي العوجاء على أبي عبد الله عليه السلام فقال: أليس
تزعم أن الله خالق كل شئ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: بلى، فقال: أنا أخلق،
فقال عليه السلام له: كيف تخلق؟! فقال: أحدث في الموضع ثم ألبث عنه فيصير
دواب 1)، فأكون أنا الذي خلقتها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أليس خالق
الشئ يعرف كم خلقه؟ قال: بلى، قال: فتعرف الذكر منها من الأنثى،
وتعرف كم عمرها؟! فسكت.
6 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن يعقوب الكليني بإسناده رفع الحديث أن ابن أبي العوجاء حين
كلمه أبو عبد الله عليه السلام عاد إليه في اليوم الثاني فجلس وهو ساكت لا ينطق،
فقال أبو عبد الله عليه السلام: كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه، فقال: أردت ذاك
يا ابن رسول الله فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما أعجب هذا، تنكر الله وتشهد أني
ابن رسول الله، فقال: العادة تحملني على ذلك، فقال له العالم عليه السلام: فما
يمنعك من الكلام؟ قال: إجلالا لك ومهابة ما ينطلق لساني بين يديك
فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما



(1) في (س): التكوين.
130
تداخلني من هيبتك، قال: يكون ذلك، ولكن أفتح عليك بسؤال وأقبل
عليه، فقال له: أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟! فقال عبد الكريم بن أبي
العوجاء انا غير مصنوع فقال له العالم عليه السلام: فصف لي لو كنت مصنوعا كيف
كنت تكون فبقي عبد الكريم مليا لا يحير جوابا، وولع بخشبة كانت بين
يديه وهو يقول: طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن 1)، كل ذلك
صفة خلقه 2) فقال له العالم عليه السلام: فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل
نفسك مصنوعا 3) لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الأمور، فقال له
عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسألني أحد عنها قبلك ولا يسألني
أحد بعدك عن مثلها، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: هبك علمت 4) أنك لم تسأل



(1) القاموس المحيط 1: 138.
131
فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد، على أنك يا عبد الكريم نقضت
قولك لأنك تزعم أن الأشياء من الأول 1) سواء فكيف قدمت وأخرت.
ثم قال: يا عبد الكريم أزيدك وضوحا أرأيت لو كان معك كيس فيه
جواهر فقال لك قائل: هل في الكيس دينار؟ فنفيت كون الدينار في
الكيس، فقال لك قائل: صف لي الدينار وكنت غير عالم بصفته، هل كان
لك أن تنفي كون الدينار في الكيس وأنت لا تعلم؟ قال: لا، فقال أبو عبد
الله عليه السلام: فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس، فلعل في العالم صنعة لا
تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة فانقطع عبد الكريم، وأجاب إلى الاسلام
بعض أصحابه، وبقي معه بعض.

132
فعاد في اليوم الثالث فقال: أقلب السؤال؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام:
سل عما شئت فقال: ما الدليل على حدث الأجسام؟ فقال: إني ما وجدت
شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا إذا ضم إليه مثله صار أكبر، وفي ذلك زوال
وانتقال عن الحالة الأولى 1) ولو كان قديما ما زال ولا حال لان الذي
يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول
في الحدث، وفي كونه في الأولى دخوله في العدم، ولن يجتمع صفة الأزل
والعدم في شئ واحد فقال عبد الكريم: هبك علمت في جري الحالتين
والزمانين على ما ذكرت واستدللت على حدوثها، فلو بقيت الأشياء على



(1) بحار الأنوار 3: 48.
(2) بحار الأنوار 3: 48 - 49
133
صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثها 1)؟ فقال العالم عليه السلام: إنما
نتكلم على هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه وعالما آخر كان لا
شئ أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ولكن أجيبك من
حيث قدرت أنك تلزمنا 2)، ونقول: إن الأشياء لو دامت على صغرها
لكان في الوهم أنه متى ما ضم شئ منه إلى مثله كان أكبر، وفي جواز
التغير عليه خروجه من القدم كما بان في تغيره دخوله في الحدث، ليس
لك وراءه شئ يا عبد الكريم، فانقطع وخزي.
فلما كان من العام القابل التقى معه في الحرم، فقال له بعض شيعته: إن
ابن أبي العوجاء قد أسلم، فقال العالم عليه السلام: هو أعمى من ذلك لا يسلم،
فلما بصر بالعالم عليه السلام قال: سيدي ومولاي، فقال له العالم عليه السلام: ما جاء بك
إلى هذا الموضع؟ فقال: عادة الجسد وسنة البلد ولنبصر ما الناس فيه من
الجنون والحلق ورمي الحجارة، فقال العالم عليه السلام: أنت بعد على عتوك
وضلالك يا عبد الكريم، فذهب يتكلم، فقال له: لا جدال في الحج ونفض



(1) بحار الأنوار 3: 49.
134
رداءه من يده، وقال: إن يكن الامر كما تقول - وليس كما تقول - نجونا
ونجوت، وإن يكن الامر كما نقول - وهو كما نقول - نجونا وهلكت،
فأقبل عبد الكريم على من معه فقال: وجدت في قلبي حزازة فردوني،
فردوه ومات لا رحمه الله.
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: من الدليل على حدث الأجسام أنا
وجدنا أنفسنا وسائر الأجسام لا تنفك مما يحدث من الزيادة والنقصان
وتجري عليها من الصنعة والتدبير ويعتورها من الصور والهيئات، وقد
علمنا ضرورة أنا لم نصنعها ولا من هو من جنسنا وفي مثل حالنا صنعها،
وليس يجوز في عقل، ولا يتصور في وهم أن يكون ما لم ينفك من
الحوادث ولم يسبقها قديما، ولا أن توجد هذه الأشياء على ما نشاهدها
عليه من التدبير ونعاينه فيها من اختلاف التقدير، لا من صانع، أو تحدث
لا بمدبر، ولو جاز أن يكون العالم بما فيه من إتقان الصنعة وتعلق بعضه
ببعض وحاجة بعضه إلى بعض، لا بصانع صنعه، ويحدث لا بموجد أوجده
لكان ما هو دونه من الاحكام والاتقان أحق بالجواز وأولى بالتصور
والامكان، وكان يجوز على هذا الوضع وجود كتابة لا كاتب لها، ودار
مبنية لا باني لها، وصورة محكمة لا مصور لها، ولا يمكن في القياس أن
تأتلف سفينة على أحكم نظم وتجتمع على أتقن صنع لا بصانع صنعها، أو
جامع جمعها، فلما كان ركوب هذا وإجازته خروجا عن النهاية والعقول
كان الأول مثله، بل غير ما ذكرناه في العالم وما فيه من ذكر أفلاكه
واختلاف أوقاته وشمسه وقمره وطلوعهما وغروبهما ومجئ برده وقيظه

135
في أوقاتهما واختلاف ثماره وتنوع أشجاره ومجئ ما يحتاج إليه منها
في إبانه ووقته أشد مكابرة وأوضح معاندة. وهذا واضح والحمد لله.
وسألت بعض أهل التوحيد والمعرفة عن الدليل على حدث
الأجسام، فقال: الدليل على حدث الأجسام أنها لا تخلو في وجودها من
كون وجودها مضمن بوجوده، والكون هو المحاذاة في مكان دون مكان،
ومتى وجد الجسم في محاذاة دون محاذاة مع جواز وجوده في محاذاة
أخرى علم أنه لم يكن في تلك المحاذاة المخصوصة إلا لمعنى، وذلك
المعنى محدث، فالجسم إذا محدث إذ لا ينفك من المحدث ولا يتقدمه.
ومن الدليل على أن الله تبارك وتعالى ليس بجسم أنه لا جسم إلا وله
شبه إما موجود أو موهوم، وماله شبه من جهة من الجهات فمحدث بما
دل على حدوث الأجسام، فلما كان الله عز وجل قديما ثبت أنه ليس
بجسم. وشئ آخر: وهو أن قول القائل جسم سمة في حقيقة اللغة لما
كان طويلا عريضا ذا أجزاء وأبعاض محتملا للزيادة فإن كان القائل
يقول: إن الله عز وجل جسم، يحقق هذا القول ويوفيه معناه لزمه أن يثبته
سبحانه بجميع هذه الحقائق والصفات، ولزمه أن يكون حادثا بما به يثبت
حدوث الأجسام أو تكون الأجسام قديمة، وإن لم يرجع منه إلا إلى
التسمية فقط كان واضعا للاسم في غير موضعه، وكان كمن سمى الله عز
وجل إنسانا ولحما ودما، ثم لم يثبت معناها وجعل خلافه إيانا على
الاسم دون المعنى، وأسماء الله تبارك وتعالى لا تؤخذ إلا عنه أو عن
رسول الله صلى الله عليه وآله أو عن الأئمة الهداة عليهم السلام.

136
7 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي
السكري قال: حدثنا محمد بن زكريا، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن
أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن
الحسين، عن أبيه الحسين عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن للجسم
ستة أحوال: الصحة والمرض والموت والحياة والنوم واليقظة، وكذلك
الروح فحياتها علمها، وموتها جهلها، ومرضها شكها، وصحتها يقينها،
ونومها غفلتها، ويقظتها حفظها.
ومن الدليل على أن الأجسام محدثة أن الأجسام لا تخلو من أن
تكون مجتمعة أو مفترقة، ومتحركة أو ساكنة، والاجتماع والافتراق
والحركة والسكون محدثة، فعلمنا أن الجسم محدث لحدوث ما لا ينفك
منه ولا يتقدمه 1).
فإن قال قائل: ولم قلتم: إن الاجتماع والافتراق معنيان 2) وكذلك
الحركة والسكون حتى زعمتم أن الجسم لا يخلو منهما؟ قيل له: الدليل



(1) بحار الأنوار 3: 49.
137
على ذلك أنا نجد الجسم يجتمع بعد أن كان مفترقا 1)، وقد كان يجوز أن
يبقى مفترقا، فلو لم يكن قد حدث معنى كان لا يكون بأن يصير مجتمعا
أولى من أن يبقى مفترقا 2) على ما كان عليه، لأنه لم يحدث نفسه في هذا
الوقت فيكون بحدوث نفسه ما صار مجتمعا ولا بطلت في هذا الوقت
فيكون لبطلانها، ولا يجوز أن يكون لبطلان معنى ما صار مجتمعا، ألا
ترى أنه لو كان إنما يصير مجتمعا لبطلان معنى ومفترقا لبطلان معنى

138
لوجب أن يصير مجتمعا لبطلان معنى ومفترقا لبطلان معنى لوجب أن
يصير مجتمعا ومفترقا في حالة واحدة لبطلان المعنيين جميعا وأن يكون
كل شئ خلا من أن يكون فيه معنى مجتمعا مفترقا 1)، حتى كان يجب
أن يكون الاعراض مجتمعة متفرقة لأنها قد خلت من المعاني وقد تبين
بطلان ذلك، وفي بطلان ذلك دليل على أنه إنما كان مجتمعا لحدوث معنى
ومتفرقا لحدوث معنى، وكذلك القول في الحركة والسكون 2) وسائر
الاعراض.
فان قال قائل: فإذا قلتم: إن المجتمع إنما يصير مجتمعا لوجود
الاجتماع 3) ومفترقا لوجود الافتراق فما أنكرتم من أن يصير مجتمعا

139
مفترقا لوجودهما فيه كما ألزمتم ذلك من يقول: إن المجتمع إنما يصير
مجتمعا لانتفاء الافتراق ومفترقا لانتفاء الاجتماع، قيل له: إن الاجتماع
والافتراق هما ضدان والأضداد تتضاد في الوجود فليس يجوز وجودهما
في حال لتضادهما، وليس هذا حكمهما في النفي لأنه لا ينكر انتفاء
الأضداد في حالة واحدة كما ينكر وجودها، فلهذا ما قلنا إن الجسم لو
كان مجتمعا لانتفاء الافتراق ومفترقا لانتفاء الاجتماع لوجب أن يصير
مجتمعا مفترقا لانتفائهما، ألا ترى أنه قد ينتفي عن الأحمر السواد
والبياض مع تضادهما وأنه لا يجوز وجودهما واجتماعهما في حال
واحدة، فثبت أن انتفاء الأضداد لا ينكر في حالة واحدة كما ينكر
وجودها، وأيضا فإن القائل بهذا القول قد أثبت الاجتماع والافتراق
والحركة والسكون وأوجب أن لا يجوز خلو الجسم منها لأنه إذا خلا منها
يجب أن يكون مجتمعا مفترقا ومتحركا ساكنا إذ كان لخلوه منها ما
يوصف بهذا الحكم، وإذا كان ذلك كذلك، وكان الجسم لم يخل من هذه
الحوادث يجب أن يكون محدثا، ويدل على ذلك أيضا أن الانسان قد
يؤمر بالاجتماع والافتراق والحركة والسكون ويفعل ذلك ويحمد به
ويشكر عليه ويذم عليه إذ كان قبيحا، وقد علمنا أنه لا يجوز أن يؤمر
بالجسم ولا أن ينهى عنه ولا أن يمدح من أجله ولا يذم له، فواجب أن
يكون الذي امر به ونهي عنه واستحق من أجله المدح والذم غير الذي لا
يجوز أن يؤمر به، ولا أن ينهى عنه، ولا أن يستحق به المدح والذم،
فوجب بذلك إثبات الاعراض.
فان قال: فلم قلتم: إن الجسم لا يخلو من الاجتماع والافتراق

140
والحركة والسكون ولم أنكرتم أن يكون قد خلا فيما لم يزل من ذلك؟ فلا
يدل ذلك على حدوثه. قيل له: لو جاز أن يكون قد خلا فيما مضى من
الاجتماع والافتراق والحركة والسكون لجاز أن يخلو منها الان ونحن
نشاهده، فلما لم يجز أن يوجد أجسام غير مجتمعة ولا مفترقة علمنا أنها
لم تخل فيما مضى.
فان قال: ولم أنكرتم أن يكون قد خلا من ذلك فيما مضى وإن كان لا
يجوز أن يخلو الان منه؟ قيل له: إن الأزمنة والأمكنة لا تؤثران في هذا
الباب، ألا ترى لو كان قائل قال: كنت أخلو من ذلك عام أول أو منذ
عشرين سنة وإن ذلك سيمكنني بعد هذا الوقت أو يمكنني بالشام دون
العراق أو بالعراق دون الحجاز لكان عند أهل العقل مخبلا جاهلا،
والمصدق له جاهل، فعلمنا أن الأزمنة والأمكنة لا تؤثران في ذلك، وإذا
لم يكن لها حكم ولا تأثير في هذا الباب فواجب أن يكون حكم الجسم
فيما مضى وفيما يستقبل حكمه الان، وإذا كان لا يجوز أن يخلو الجسم
في هذا الوقت من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون علمنا أنه لم
يخل من ذلك قط، وأنه لو خلا من ذلك فيما مضى كان لا ينكر أن يبقى
على ما كان عليه إلى هذا الوقت، فكان لو أخبرنا مخبر عن بعض البلدان
الغائبة أن فيها أجساما غير مجتمعة ولا مفترقة ولا متحركة ولا ساكنة أن
نشك في ذلك ولا نأمن أن يكون صادقا، وفي بطلان ذلك دليل على
بطلان هذا القول، وأيضا فإن من أثبت الأجسام غير مجتمعة ولا مفترقة
فقد أثبتها غير متقاربة بعضها عن بعض، ولا متباعدة بعضها عن بعض،
وهذه صفة لا تعقل لان الجسمين لابد من أن يكون بينهما مسافة وبعد، أو

141
لا يكون بينهما مسافة ولا بعد ولا سبيل إلى ثالث، فلو كان بينهما مسافة
وبعد لكانا مفترقين ولو كان لا مسافة بينهما ولا بعد لوجب أن يكونا
مجتمعين لان هذا هو حد الاجتماع والافتراق، وإذا كان ذلك كذلك فمن
أثبت الأجسام غير مجتمعة ولا مفترقة فقد أثبتها على صفة لا تعقل، ومن
خرج بقوله عن المعقول كان مبطلا.
فإن قال قائل: ولم قلتم: ان الاعراض محدثة ولم أنكرتم أن تكون
قديمة مع الجسم لم تزل؟ قيل له: لأنا وجدنا المجتمع إذا فرق بطل منه
الاجتماع وحدث له الافتراق، وكذلك المفترق إذا جمع بطل منه الافتراق
وحدث له الاجتماع والقديم هو قديم لنفسه ولا يجوز عليه الحدوث
والبطلان، فثبت أن الاجتماع والافتراق محدثان، وكذلك القول في سائر
الاعراض، ألا ترى أنها تبطل بأضدادها ثم تحدث بعد ذلك، وما جاز
عليه الحدوث والبطلان لا يكون إلا محدثا، وأيضا فإن الموجود القديم
الذي لم يزل لا يحتاج في وجوده إلى موجد، فيعلم أن الوجود أولى به
من العدم لأنه لو لم يكن الوجود أولى به من العدم لم يوجد إلا بموجد،
وإذا كان ذلك كذلك علمنا أن القديم لا يجوز عليه البطلان إذا كان الوجود
أولى به من العدم، وأن ما جاز عليه أن يبطل لا يكون قديما.
فإن قال: ولم قلتم: إن ما لم يتقدم المحدث يجب أن يكون محدثا؟
قيل له: لان المحدث هو ما كان بعد أن لم يكن، والقديم هو الموجود لم
يزل، والموجود لم يزل يجب أن يكون متقدما لما قد كان بعد أن لم يكن،
وما لم يتقدم المحدث فحظه في الوجود حظ المحدث لأنه ليس له من
التقدم إلا ما للمحدث، وإذا كان ذلك كذلك وكان المحدث بما له من الحظ

142
في الوجود والتقدم لا يكون قديما بل يكون محدثا، فذلك ما شاركه في
علته وساواه في الوجود ولم يتقدمه فواجب أن يكون محدثا.
فإن قال: أوليس الجسم لا يخلو من الاعراض ولا يجب أن يكون
عرضا فما أنكرتم أن لا يخلو من الحوادث ولا يجب أن يكون محدثا؟
قيل له: إن وصفنا العرض بأنه عرض ليس هو من صفات التقدم والتأخر،
إنما هو إخبار عن أجناسها والجسم إذا لم يتقدمها فليس يجب أن يصير
من جنسها، فلهذا لا يجب أن يكون الجسم وإن لم يتقدم الاعراض عرضا
إذا لم يشاركها فيما له كانت الاعراض أعراضا، ووصفنا القديم بأنه قديم
هو إخبار عن تقدمه ووجوده لا إلى أول، ووصفنا المحدث بأنه محدث
هو إخبار عن كونه إلى غاية ونهاية وابتداء وأول: وإذا كان ذلك كذلك فما
لم يتقدمه من الأجسام فواجب أن يكون موجودا إلى غاية ونهاية، لأنه لا
يجوز أن يكون الموجود لا إلى أول لم يتقدم الموجود إلى أول وابتداء،
وإذا كان ذلك كذلك فقد شارك المحدث فيما كان له محدثا وهو وجوده
إلى غاية، فلذلك وجب أن يكون محدثا لوجوده إلى غاية ونهاية، وكذلك
الجواب في سائر ما تسأل في هذا الباب من هذه المسألة.
فإن قال قائل: فإذا ثبت أن الجسم محدث فما الدليل على أن له
محدثا؟ قيل له: لأنا وجدنا الحوادث كلها متعلقة بالمحدث. فإن قال: ولم
قلتم: إن المحدثات إنما كانت متعلقة بالمحدث من حيث كانت محدثة؟
قيل: لأنها لو لم تكن محدثة لم تحتج إلى محدث، ألا ترى أنها لو كانت
موجودة غير محدثة أو كانت معدومة لم يجز أن تكون متعلقة بالمحدث،
وإذا كان ذلك كذلك فقد ثبت أن تعلقها بالمحدث إنما هو من حيث كانت

143
محدثة، فوجب أن يكون حكم كل محدث حكمها في أنه يجب أن يكون
له محدث، وهذه أدلة أهل التوحيد الموافقة للكتاب والآثار الصحيحة عن
النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام.
43 - باب
* (حديث ذعلب) *
1 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن محمد بن
عمران الدقاق رحمه الله قالا: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال:
حدثنا محمد بن العباس قال: حدثني محمد بن أبي السري، قال: حدثنا
أحمد بن عبد الله بن يونس، عن سعد الكناني، عن الأصبغ بن نباتة، قال:
لما جلس علي عليه السلام في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمما
بعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله لابسا بردة رسول الله صلى الله عليه وآله، متنعلا نعل رسول
الله صلى الله عليه وآله، متقلدا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله فصعد المنبر فجلس عليه السلام عليه
متمكنا، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه، ثم قال: يا معشر الناس

144
سلوني قبل أن تفقدوني 1)، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا
ما زقني رسول الله صلى الله عليه وآله 2) زقا زقا، سلوني فإن عندي علم الأولين

145




(1) سورة ق: 22.
146
والآخرين، أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها 1) لأفتيت أهل
التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم
بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل
فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل
القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم
بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما نزل
فيه، ولولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن

147
إلى يوم القيامة وهي هذه الآية يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم
الكتاب 1) (1).
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو
سألتموني عن آية آية في ليل أنزلت أو في نهار أنزلت مكيها ومدنيها،
سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، محكمها ومتشابهها، وتأويلها



(1) الرعد: 39.
148




(1) مجمع البيان 3: 298.
149
وتنزيلها 1) لأخبرتكم، فقال إليه رجل يقال له: ذعلب وكان ذرب اللسان،
بليغا في الخطب، شجاع القلب فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة
لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت
ربك؟ قال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره، قال: فكيف
رأيته؟ صفه لنا؟ قال: ويلك لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأته
القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد، ولا

150
بالحركة، ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب، ولا بجيئة ولا بذهاب،
لطيف اللطافة لا يوصف باللطف 1)، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير
الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف
الرحمة لا يوصف بالرقة مؤمن لا بعبادة 2)، مدرك لا بمجسة، قائل لا
باللفظ 3)، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة،
فوق كل شئ فلا يقال: شئ فوقه، وأمام كل شئ فلا يقال: له أمام،
داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ من
شئ خارج، فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا
الجواب، والله لا عدت إلى مثلها.
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا

151
أمير المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب ولم
يبعث إليهم نبي؟ قال: بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا 1) وبعث إليهم
رسولا، حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها،
فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه، فقالوا: أيها الملك دنست
علينا ديننا وأهلكته فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد، فقال لهم: اجتمعوا
واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت، وإلا فشأنكم، فاجتمعوا
فقال لهم، هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وامنا
حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك، قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته 2)
وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله



(1) بحار الأنوار 14: 463 ح 29 عن الفقيه.
152
ما في صدورهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب 1)، فهم الكفرة يدخلون
النار بلا حساب، والمنافقون أشد حالا منهم، قال الأشعث: والله ما سمعت
بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.



(1) بحار الأنوار 11: 224 - 225.
(2) بحار الأنوار 11: 236 ح 18.
153
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا
على عصاه، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين
دلني على عمل أنا إذا عملته نجاني الله من النار، قال له: اسمع يا هذا ثم
افهم ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا
يبخل بماله على أهل دين الله، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه، وبخل
الغني، ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله
أن الدار قد رجعت إلى بدئها 1) أي الكفر بعد الايمان، أيها السائل فلا
تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى،
أيها السائل إنما الناس ثلاثة: زاهد وراغب وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح
بشئ من الدنيا أتاه ولا يحزن على شئ منها فاته، وأما الصابر فيتمناها
بقلبه، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها،
وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام، قال له: يا أمير
المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: ينظر إلى ما أوجب الله
عليه من حق فيتولاه وينظر إلى ما خالفه فيتبرء منه وإن كان حميما
قريبا، قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين ثم غاب الرجل فلم نره، فطلبه

154
الناس فلم يجدوه، فتبسم علي عليه السلام على المنبر ثم قال: ما لكم هذا أخي
الخضر عليه السلام.
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى
عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله، ثم قال للحسن عليه السلام: يا حسن قم فاصعد المنبر
فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون: إن الحسن بن علي لا
يحسن شيئا، قال الحسن عليه السلام: يا أبت كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس
تسمع وترى، قال له: بأبي وأمي أواري نفسي عنك وأسمع وأرى 1) وأنت
لا تراني، فصعد الحسن عليه السلام المنبر فحمد الله بمحامد بليغة شريفة وصلى
على النبي صلى الله عليه وآله صلاة موجزة: ثم قال: أيها الناس سمعت جدي رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها 2) وهل تدخل المدينة إلا من
بابها، ثم نزل فوثب إليه علي عليه السلام فحمله وضمه إلى صدره، ثم قال
للحسين عليه السلام: يا بني قم فاصعد المنبر وتكلم بكلام لا تجهلك قريش من
بعدي فيقولون: إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا، وليكن كلامك تبعا



(1) تاريخ بغداد 11: 204 ط مصر، ولسان الميزان 5: 19، وينابيع المودة ص 38.
155
لكلام أخيك، فصعد الحسين عليه السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
نبيه صلى الله عليه وآله صلاة موجزة، ثم قال: معاشر الناس سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله
وهو يقول: إن عليا هو مدينة هدى فمن دخلها نجا ومن تخلف عنها
هلك، فوثب إليه علي فضمه إلى صدره وقبله، ثم قال: معاشر الناس
اشهدوا أنهما فرخا رسول الله صلى الله عليه وآله ووديعته التي استودعنيها وأنا
أستودعكموها، معاشر الناس ورسول الله صلى الله عليه وآله سائلكم عنهما.
2 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي،
قال: حدثني الحسين بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن داهر قال: حدثني
الحسين بن يحيى الكوفي، قال: حدثني قثم بن قتادة، عن عبد الله بن
يونس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على منبر
الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له: ذعلب ذرب اللسان، بليغ في الخطاب
شجاع القلب، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال: ويلك يا
ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره، قال: يا أمير المؤمنين كيف رأيته؟ قال:
ويلك يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق
الايمان ويلك يا ذعلب إن ربي لطيف اللطافة فلا يوصف باللطف، عظيم
العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا
يوصف بالغلظ، قبل كل شئ فلا يقال: شئ قبله، وبعد كل شئ فلا
يقال: شئ بعده شائي الأشياء لا بهمة، دراك لا بخديعة، هو في الأشياء
كلها غير متمازج بها ولا بائن عنها، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا



(1) المناقب لابن المغازلي ص 84، برقم: 125.
156
باستهلال رؤية، بائن لا بسمافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم،
موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بحركة، مريد لا بهمامة،
سميع لا بالة، بصير لا بأداة، لا تحويه الأماكن، ولا تصحبه الأوقات، ولا
تحده الصفات، ولا تأخذه السنات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده،
والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر
عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له،
وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والجسو
بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة
بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها، وذلك قوله عز وجل: ومن
كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون (1) ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم
أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها على أن لا غريزة لمغرزها، مخبرة
بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب
بينه وبين خلقه غير خلقه، كان ربا إذ لا مربوب، وإلها إذ لا مألوه، وعالما
إذ لا معلوم، وسميعا إذ لا مسموع.



(1) الذاريات: 49.
(2) المناقب لابن المغازلي ص 86، برقم: 127.
157




(1) الصواعق المحرقة ص 73.
(2) ذكر ابن شهرآشوب في المناقب [2: 34] أن هذا الحديث رواه أحمد من ثمانية طرق،
وإبراهيم الثقفي من سبعة طرق، وابن بطة من ستة طرق، والقاضي الجعاني من خمسة طرق،
وابن شاهين من أربعة طرق، والخطيب التاريخي من ثلاثة طرق، ويحيى بن معين من
طريقين، ورواه السمعاني، والقاضي، والماوردي، وأبو منصور السكري، وأبو الصلت
الهروي، و عبد الرزاق، وشريك عن ابن عباس، ومجاهد وجابر، ثم ذكر أنه روي من مائتين
وثمانية عشر طريقا (منه).
158
ثم أنشأ يقول:
ولم يزل سيدي بالحمد معروفا * ولم يزل سيدي بالجود موصوفا
وكنت إذ ليس نور يستضاء به * ولا ظلام على الآفاق معكوفا 1)
وربنا بخلاف الخلق كلهم * وكل ما كان في الأوهام موصوفا
فمن يرده على التشبيه ممتثلا * يرجع أخا حصر بالعجز مكتوفا 2)



(1) سورة البقرة: 189.
(2) في (ن): مكتنفا.
160
وفي المعارج يلقى موج قدرته * موجا يعارض طرف الروح مكفوفا 1)
فاترك أخا جدل في الدين منعمقا * قد باشر الشك فيه الرأي مأووفا 2)
واصحب أخا ثقة حبا لسيده 3) * وبالكرامات من مولاه محفوفا
أمسى دليل الهدى في الأرض منتشرا * وفي السماء جميل الحال معروفا
قال: فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم أفاق، وقال: ما سمعت بهذا الكلام،
ولا أعود إلى شئ من ذلك.
قال مصنف هذا الكتاب: في هذا الخبر ألفاظ قد ذكرها الرضا عليه السلام في
خطبته وهذا تصديق قولنا في الأئمة عليهم السلام إن علم كل واحد منهم مأخوذ
عن أبيه حتى يتصل ذلك بالنبي صلى الله عليه وآله.
44 - باب حديث سبخت اليهودي
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد
ابن عيسى وإبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن علي، عن داود بن علي
اليعقوبي، عن بعض أصحابنا، عن عبد الاعلى مولى آل سام، عن أبي عبد
الله عليه السلام، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله يهودي يقال له: سبخت فقال له: يا
محمد جئت أسألك عن ربك فإن أجبتني عما أسألك عنه اتبعتك وإلا

161
رجعت، فقال له: سل عما شئت، فقال: أين ربك؟ فقال: هو في كل مكان
وليس هو في شئ من المكان بمحدود، قال: فكيف هو؟ فقال: وكيف
أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق الله، والله لا يوصف بخلقه، قال: فمن
يعلم أنك نبي؟ قال: فما بقي حوله حجر ولا مدر ولا غير ذلك إلا تكلم
بلسان عربي مبين: يا سبخ إنه رسول الله 1)، فقال سبخت: تالله ما رأيت
كاليوم أبين ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.



(1) سورة الإسراء: 44.
162




(1) سورة البقرة: 24.
163
2 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال:
حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: حدثني أحمد بن
جعفر العقيلي بقهستان، قال: حدثني أحمد بن علي البلخي، قال: حدثنا
أبو جعفر محمد بن علي الخزاعي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الأزهري،
عن أبيه، عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن
الحسين، عن أبيه الحسين عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام في بعض خطبه: من الذي حضر سبخت الفارسي وهو يكلم
رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال القوم: ما حضره منا أحد، فقال علي عليه السلام: لكني
كنت معه عليه السلام وقد جاءه سبخت وكان رجلا من ملوك فارس وكان ذربا،
فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فقال سبخت: وأين الله يا محمد؟
قال: هو في كل مكان موجود بآياته، قال: فكيف هو؟ فقال: لا كيف له
ولا أين لأنه عز وجل كيف الكيف وأين الأين، قال: فمن أين جاء؟ قال:
لا يقال له: جاء، وإنما يقال: جاء للزائل من مكان إلى مكان، وربنا لا
يوصف بمكان ولا بزوال، بل لم يزل بلا مكان ولا يزال، فقال: يا محمد
إنك لتصف ربا عظيما بلا كيف، فكيف لي أن أعلم أنه أرسلك؟ فلم يبق
بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر ولا حيوان إلا قال
مكانه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وقلت أنا أيضا:

164
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فقال: يا محمد من هذا؟
فقال: هذا خير أهلي وأقرب الخلق مني، لحمه من لحمي، ودمه من دمي،
وروحه من روحي، وهو الوزير مني في حياتي والخليفة بعد وفاتي، كما
كان هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فاسمع له وأطع فإنه على
الحق، ثم سماه عبد الله.
45 - باب معنى (سبحان الله)
1 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي بنيسابور، قال:
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة الشعراني العماري
من ولد عمار بن ياسر رحمه الله قال: حدثنا أبو محمد عبيد الله بن يحيى بن عبد
الباقي الاذني بأذنة قال: حدثنا علي بن الحسن المعاني قال: حدثنا عبد الله
ابن يزيد، عن يحيى بن عقبة بن أبي العيزار قال: حدثنا محمد بن حجار،
عن يزيد بن الأصم، قال: سأل رجل عمر بن الخطاب فقال: يا أمير
المؤمنين ما تفسير سبحان الله؟ قال: إن في هذا الحائط رجلا كان إذا سئل
أنبأ، وإذا سكت ابتدأ، فدخل الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام فقال:
يا أبا الحسن ما تفسير سبحان الله؟ قال: هو تعظيم جلال الله عز وجل
وتنزيهه 1) عما قال فيه كل مشرك، فإذا قالها العبد صلى عليه كل ملك.

165
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى
ابن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سبحان الله، فقال عليه السلام: أنفة لله عز وجل 1).



(1) نهاية ابن الأثير 1: 76.
166
3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن عبد العظيم
ابن عبد الله الحسني عن علي بن أسباط، عن سليمان مولى طربال عن
هشام الجواليقي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل
(سبحان الله) ما يعني به؟ قال: تنزيهه.
46 - باب معنى (الله أكبر)
1 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن
سهل بن زياد الادمي، عن ابن محبوب، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: قال رجل عنده. (الله أكبر) فقال: الله أكبر من أي شئ؟ فقال: من كل
شئ فقال أبو عبد الله عليه السلام: حددته 1)، فقال الرجل: كيف أقول؟ فقال: قل:
الله أكبر من أن يوصف.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد ابن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن
مروك بن عبيد عن جميع بن عمرو قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أي شئ
(الله أكبر)؟! فقلت: الله أكبر من كل شئ، فقال: وكان ثم شئ فيكون
أكبر منه؟! فقلت: فما هو؟ قال: الله أكبر من أن يوصف.

167
47 - باب معنى (الأول والآخر)
1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن

168
إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمد بن حكيم،
عن الميمون البان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وقد سئل عن قوله عز
وجل: هو الأول والاخر، فقال عليه السلام: الأول لا عن أول كان قبله ولا عن
بدئ سبقه، والاخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين، ولكن
قديم أول آخر لم يزل ولا يزال بلا بدء ولا نهاية، لا يقع عليه الحدوث 1)،
ولا يحول من حال إلى حال 2)، خالق كل شئ.
2 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن
عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي
يعفور، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (هو الأول
والآخر) وقلت: أما الأول فقد عرفناه، وأما الاخر فبين لنا تفسيره،
فقال: إنه ليس شئ إلا يبتدأ ويتغير أو يدخله الغير والزوال أو ينتقل من
لون إلى لون، ومن هيئة إلى هيئة، ومن صفة إلى صفة، ومن زيادة إلى
نقصان، ومن نقصان إلى زيادة إلا رب العالمين، فإنه لم يزل ولا يزال
واحدا هو الأول قبل كل شئ، وهو الاخر على ما لم يزل 3)، لا تختلف
عليه الصفات والأسماء ما يختلف على غيره مثل الانسان الذي يكون

169
ترابا مرة، ومرة لحما، ومرة دما، ومرة رفاتا ورميما، وكالتمر الذي يكون
مرة بلحا، ومرة بسرا، ومرة رطبا، ومرة تمرا، فيتبدل عليه الأسماء
والصفات، والله عز وجل بخلاف ذلك.
48 - باب معنى قول الله عز وجل
(الرحمن على العرش استوى)
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى
العطار، عن سهل بن زياد الادمي، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن
مارد أن أبا عبد الله عليه السلام سئل عن قول الله عز وجل: الرحمن على
العرش استوى فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ هو أقرب إليه
من شئ 1).
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين عن
صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: الرحمن على العرش استوى، فقال:
استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ، لم يبعد منه بعيد،
ولم يقرب منه قريب، استوى من كل شئ.
3 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال:
حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن

170




(1) سورة البقرة: 29.
(2) الكشاف 2: 530.
171




(1) وقد روي في الاخبار اطلاق العرش أيضا على قلب المؤمن، لأنه محل المعارف ومكان
أسرار الله تعالى، ومن ثم ورد في الحديث القدسي: ما وسعني عرشي ولا كرسيي ولا سمائي
ولا أرضي ولا بري ولا بحري، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن (منه).
172
محمد ابن عبد الله الصغدي بمرو قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم
العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب، قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي،
قال: حدثنا عبد الله بن عاصم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن أبي
هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه
قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله



(1) بحار الأنوار 58: 7 عنه.
173
وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني
عن الرب أين هو وأين كان؟ فقال علي عليه السلام: لا يوصف الرب جل جلاله
بمكان، هو كما كان، وكان كما هو، لم يكن في مكان، ولم يزل من مكان
إلى مكان، ولا أحاط به مكان، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف 1)، قال:
صدقت، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أو في الآخرة؟ قال علي عليه السلام:
لم يزل ربنا قبل الدنيا، ولا يزال أبدا، هو مدبر الدنيا، وعالم بالآخرة، فأما
أن يحيط به الدنيا والآخرة فلا، ولكن يعلم ما في الدنيا والآخرة، قال:
صدقت يرحمك الله، ثم قال: أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل؟ فقال
علي عليه السلام: إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل، قال النصراني: فكيف
ذاك؟! ونحن نجد في الإنجيل ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ
ثمانية 2) فقال علي عليه السلام: إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما
تظن كهيئة السرير، ولكنه شئ محدود مخلوق مدبر، وربك عز وجل
مالكه، لا أنه عليه ككون الشئ على الشئ، وأمر الملائكة بحمله، فهم
يحملون العرش بما أقدرهم عليه، قال النصراني: صدقت رحمك الله -
والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر
كتاب النبوة -.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد

174
ابن يحيى العطار، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن
بعض رجاله رفعه، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل:
الرحمن على العرش استوى فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ
أقرب إليه من شئ.
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا الحسين
ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن
صاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من زعم أن
الله عز وجل من شئ أو في شئ أو على شئ فقد كفر، قلت: فسر لي،
قال: أعني بالحواية من الشئ 1) له، أو بإمساك 2) له، أو من شئ



(1) مجمع البيان: 5: 346..
(2) بحار الأنوار 58: 7.
175
سبقه 1).
6 - وفي رواية أخرى قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله
محدثا، ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصورا، ومن زعم أنه على
شئ فقد جعله محمولا.
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن
جعفر، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، قال: حدثني مقاتل
ابن سليمان، قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول الله عز وجل:
الرحمن على العرش استوى فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ
أقرب إليه من شئ.
8 - وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن حماد، قال: قال أبو
عبد الله عليه السلام: كذب من زعم أن الله عز وجل من شئ أو في شئ أو على
شئ.
9 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي
القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن
المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من زعم أن الله عز وجل من
شئ أو في شئ أو على شئ فقد أشرك 2)، ثم قال: من زعم أن الله من
شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم أنه في شئ فقد زعم أنه محصور ومن
زعم أنه على شئ فقد جعله محمولا.

176
قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل إن ربكم
الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش
يغشي الليل النهار 1) يطلبه حثيثا (1) ولا حجة لها في ذلك لأنه عز وجل
عنى بقوله: ثم استوى على العرش ثم نقل العرش إلى فوق
السماوات 2) وهو مستول عليه ومالك له، وقوله عز وجل: (ثم) إنما هو
لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للاستواء فلا يجوز أن يكون



(1) الأعراف: 54.
(2) مجمع البيان 2: 428.
177
معنى قوله (استوى) استولى لان استيلاء الله تبارك وتعالى على الملك
وعلى الأشياء ليس هو بأمر حادث، بل لم يزل مالكا لكل شئ
ومستوليا على كل شئ، وإنما ذكر عز وجل الاستواء بعد قوله: (ثم) وهو
يعني الرفع مجازا، وهو كقوله: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم
والصابرين 1) (1) فذكر (نعلم) مع قوله: (حتى) وهو عز وجل يعني
حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك لان حتى لا يقع إلا على فعل
حادث، وعلم الله عز وجل بالأشياء لا يكون حادثا، وكذلك ذكر قوله عز
وجل: استوى على العرش بعد قوله: (ثم) وهو يعني بذلك ثم رفع
العرش لاستيلائه عليه، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لان الله لا
يجوز أن يكون جسما ولا ذا بدن، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.



(1) محمد صلى الله عليه وآله: 31.
(2) مجمع البيان 5: 106 - 107.
178
49 - باب معنى قوله عز وجل:
وكان عرشه على الماء (1)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال:
حدثنا جذعان بن نصر أبو نصر الكندي، قال: حدثني سهل بن زياد
الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن كثير عن داود
الرقي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله عز وجل: وكان عرشه على
الماء فقال لي: ما يقولون في ذلك؟ قلت: يقولون إن العرش كان على
الماء والرب فوقه، فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولا ووصفه
بصفة المخلوقين ولزمه أن الشئ الذي يحمله أقوى منه، قلت، بين لي
جعلت فداك، فقال: إن الله عز وجل حمل علمه ودينه الماء قبل أن تكون
أرض أو سماء أو جن 1) أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد أن يخلق
الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم: من ربكم؟! فكان أول من نطق رسول
الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة صلوات الله عليهم، فقالوا: أنت ربنا،



(1) هود: 7.
179
فحملهم العلم والدين 1)، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني



(1) سورة الحج: 5.
(2) التعليقة على أصول الكافي ص 319 - 320.
(3) الأنبياء: 30.
180
وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون ثم قيل لبني آدم: أقروا لله بالربوبية
ولهؤلاء النفر بالطاعة، فقالوا: نعم ربنا أقررنا 1)، فقال للملائكة: اشهدوا،
فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين 2) أو يقولوا
إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل
المبطلون (1) يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.



(1) الأعراف: 173.
(2) بحار الأنوار: 27: 262 ح 5.
(3) سورة الأعراف: 172 - 173.
181
2 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدثنا أبي، عن
أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي
قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن قول الله عز
وجل: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه
على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق
العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض، وكانت الملائكة
تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عز وجل، ثم جعل عرشه على
الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شئ قدير، ثم رفع

182
العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع وخلق السماوات
والأرض في ستة أيام، وهو مستول على عرشه، وكان قادرا على أن
يخلقها في طرفة عين، ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة
ما يخلقه منها شيئا بعد شئ وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى
ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه لأنه غني عن
العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس
بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا. وأما قوله عز وجل:
ليبلوكم أيكم أحسن عملا فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف
طاعته وعبادته لا على سبيل الامتحان والتجربة لأنه لم يزل عليما بكل
شئ، فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.

183




(1) بحار الأنوار 5: 226 - 227 عن علل الشرائع للصدوق.
(2) بحار الأنوار 5: 234 ح 8 عن تفسير القمي.
(3) بحار الأنوار 5: 237 ح 14 عن تفسير القمي.
184




(1) سورة الحج: 18.
188




(1) بحار الأنوار 5: 261 - 267 عن جواب المسائل السروية: 47 - 54 ط المؤتمر.
189




(1) سورة غافر: 8.
(2) سورة فصلت: 11.
(3) بحار الأنوار 5: 267 - 269 عنه. وأمالي السيد المرتضى 1: 20 - 24.
191




(1) سورة الأعراف: 102.
192




(1) في البحار: اعتقادنا.
193




(1) سورة النمل: 18.
(2) سورة الأنبياء: 79.
194




(1) سورة الطارق: 6.
195




(1) سورة غافر: 11.
(2) سورة المؤمنون: 12.
(3) سورة عبس: 17 - 19.
(4) سورة النحل: 40.
196




(1) بحار الأنوار 5: 269 - 276 عن تفسير الفخر الرازي 15: 46 - 52.
(2) في (س): من آدم.
199
50 - باب العرش وصفاته
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي،
قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير،
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي فقال: إن للعرش صفات
كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة 1) فقوله:
رب العرش العظيم يقول: الملك العظيم، وقوله:



(1) مجمع البيان 2: 497 - 498.
(2) أصول الكافي 1: 133 ح 7.
200
الرحمن على العرش استوى يقول: على الملك احتوى، وهذا ملك
الكيفوفية في الأشياء 1)، ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي 2) لأنهما
بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعا غيبان، وهما في الغيب
مقرونان 3) لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب 4) الذي منه مطلع
البدع ومنه الأشياء كلها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم
الكيف والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة، وعلم الألفاظ
والحركات 5) والترك، وعلم العود والبدء فهما في العلم بابان مقرونان لان



(1) في (س): الغيبية.
201
ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك
قال: رب العرش العظيم أي صفته أعظم من صفة الكرسي وهما في
ذلك مقرونان، قلت: جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟ قال:
إنه صار جاره لان علم الكيفوفية فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء 1)
وأينيتها وحد رتقها وفتقها، فهذان جاران 2) أحدهما حمل صاحبه في
الظرف 3) وبمثل صرف العلماء ويستدلوا على صدق دعواهما لأنه يختص
برحمته من يشاء وهو القوي العزيز 4).

202
فمن اختلاف صفات العرش 1) أنه قال تبارك وتعالى: رب العرش عما
يصفون (1) وهو وصف عرش الوحدانية لان قوما أشركوا كما قلت لك،
قال تبارك وتعالى: رب العرش رب الوحدانية عما يصفون 2)، وقوما
وصفوه بيدين فقالوا: يد الله مغلولة وقوما وصفوه بالرجلين فقالوا:
وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء، وقوما
وصفوه بالأنامل فقالوا: إن محمدا صلى الله عليه وآله قال: إني وجدت برد أنامله على
قلبي، فلمثل هذه الصفات قال: رب العرش عما يصفون يقول: رب
المثل الاعلى 3) عما به مثلوه ولله المثل الاعلى الذي لا يشبهه شئ ولا



(1) الأنبياء: 22.
(2) سورة الأنبياء: 22.
203
يوصف ولا يتوهم، فذلك المثل الاعلى، ووصف الذين لم يؤتوا من الله
فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا
به فلذلك قال: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا 1) فليس له شبه ولا مثل
ولا عدل، وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره، وهي التي وصفها
في الكتاب فقال: فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه (1) 2)



(1) الأعراف: 180.
(2) سورة الزخرف: 81 - 82.
(3) سورة الإسراء: 85.
(4) سورة الأعراف: 180.
204
جهلا بغير علم، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم
ويكفر به وهو يظن أنه يحسن، فلذلك قال: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا
وهم مشركون 1) (1) فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها



(1) يوسف: 106.
(2) مجمع البيان 2: 503.
205
غير مواضعها، يا حنان إن الله تبارك وتعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء، فهم
الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم، فأرسل
محمدا صلى الله عليه وآله فكان الدليل على الله بإذن الله عز وجل حتى مضى دليلا
هاديا فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلا هاديا على ما كان هو دل عليه من
أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الأئمة الراشدون عليهم السلام.



(1) مجمع البيان 3: 267 - 268.
206
51 - باب أن العرش خلق أرباعا
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن
إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن
الحسين عليهم السلام قال: إن الله عز وجل خلق العرش أرباعا، لم يخلق قبله إلا
ثلاثة أشياء: الهواء والقلم والنور 1)، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلك



(1) مجمع البيان 5: 332.
207
النور نور أخضر أخضرت منه الخضرة 1) ونور أصفر اصفرت منه الصفرة،
ونور أحمر احمر ت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء
النهار ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل
السافلين ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة
وألسنة غير مشتبهة، ولو اذن للسان منها فأسمع شيئا مما تحته لهدم
الجبال والمدائن والحصون ولخسف البحار ولأهلك ما دونه، له ثمانية
أركان على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عز
وجل، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولو حس شئ مما فوقه ما قام
لذلك طرفة عين 2) بينه وبين الاحساس الجبروت 3) والكبرياء والعظمة

208
والقدس والرحمة ثم العلم وليس وراء هذا مقال 1).
52 - باب معنى قول الله عز وجل:
وسع كرسيه السماوات والأرض (1)
1 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد،
عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وسع كرسيه السماوات والأرض قال:
علمه 2).



(1) البقرة: 255.
209
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:
وسع كرسيه السماوات والأرض فقال: السماوات والأرض وما بينهما
في الكرسي، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن
عيسى، عن ربعي عن فضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
قول الله عز وجل: وسع كرسيه السماوات والأرض فقال: يا فضيل
السماوات والأرض وكل شئ في الكرسي 1).



(1) مجمع البيان 1: 362.
210
4 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وسع كرسيه السماوات
والأرض السماوات والأرض وسعن الكرسي، أم الكرسي وسع السماوات
والأرض؟ فقال: بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش وكل شئ
في الكرسي 1).
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا
الحسين بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن عبد الله بن بكير،
عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وسع
كرسيه السماوات والأرض السماوات والأرض وسعن الكرسي، أم
الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: إن كل شئ في الكرسي.
53 - باب فطرة الله عز وجل الخلق على التوحيد
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن محمد بن سنان، عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: سألته عن قول الله عز وجل فطرة الله التي فطر الناس

211
عليها 1) (1) قال: التوحيد.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير،
عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت: فطرة الله التي فطر
الناس عليها؟ قال: التوحيد.
3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن،
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز
وجل: فطرة الله التي فطر الناس عليها ما تلك الفطرة؟ قال: هي
الاسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد فقال: الست
بربكم وفيه المؤمن والكافر.



(1) الروم: 30.
(2) نهاية ابن الأثير 3: 457.
(3) سورة التغابن: 2.
212
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، ويعقوب بن يزيد، عن ابن
فضال، عن بكير عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل:
فطرة الله التي فطر الناس عليها قال: فطرهم على التوحيد.
5 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن
فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول
الله عز وجل فطرة الله التي فطر الناس عليها قال: فطرهم على التوحيد.
6 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد و عبد الله ابني
محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: فطرة الله التي فطر الناس
عليها قال: فطرهم جميعا على التوحيد.
7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن حسان الواسطي، عن الحسن بن
يونس، عن عبد الرحمن بن كثير مولى أبي جعفر، عن أبي عبد الله عليه السلام في
قول الله عز وجل: فطرة الله التي فطر الناس عليها قال: التوحيد ومحمد



(1) نهاية ابن الأثير 1: 451.
213
رسول الله وعلي أمير المؤمنين 1).
8 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن
أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن ابن مسكان، عن زرارة قال: قلت لأبي
جعفر عليه السلام: أصلحك الله، قول الله عز وجل في كتابه فطرة الله التي فطر
الناس عليها؟ قال: فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته 2)
أنه ربهم، قلت: وخاطبوه؟ قال: فطأطأ رأسه، ثم قال: لولا ذلك لم يعلموا
من ربهم ولا من رازقهم.



(1) سورة النمل: 14.
214
9 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم
ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد جميعا، عن
ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سألته عن قول الله عز وجل: حنفاء لله غير مشركين به 1) (1) وعن
الحنيفية، فقال: هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها 2) لا تبديل لخلق



(1) الحج: 31.
(2) نهاية ابن الأثير 1: 451.
(3) سورة الذاريات: 56.
215




(1) أمالي السيد المرتضى 4: 3 - 4.
(2) مجمع البيان 4: 303.
217
الله 1)، وقال: فطرهم الله على المعرفة، قال زرارة: وسألته عن قول الله عز
وجل: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم - الآية قال: أخرج من
ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر، فعرفهم وأراهم صنعه،
ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مولود يولد
على الفطرة. يعني على المعرفة بأن الله عز وجل خالقه، فذلك قوله:
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله (1).



(1) لقمان: 25، والزمر: 38.
(2) نهج البلاغة ص 92 رقم الكلام: 57.
218
10 - حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن أحمد السراج الهمداني،
قال: حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم السرنديبي، قال: حدثنا
أبو الحسن محمد بن عبد الله بن هارون الرشيد بحلب، قال: حدثنا محمد
بن آدم بن أبي إياس قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإن بكاءهم
أربعة 1) أشهر شهادة أن لا إله إلا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله،
وأربعة أشهر الدعاء لوالديه.



(1) مجمع البيان 4: 303.
219




(1) تفسير العياشي 2: 218 ح 72..
(2) لم يوجد في الديوان المطبوع.
(3) في (س): وينكس.
220
54 - باب البداء.
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن الحجال، عن أبي إسحاق ثعلبة، عن زرارة، عن أحدهما
يعني أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام قال: ما عبد الله عز وجل بشئ مثل
البداء.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن
سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما عظم الله عز وجل بمثل البداء 1).
3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد بن
مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما بعث الله عز وجل نبيا حتى يأخذ

221
عليه ثلاث خصال: الاقرار بالعبودية، وخلع الأنداد، وأن الله يقدم ما يشاء
ويؤخر ما يشاء 1).
4 - وبهذا الاسناد، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما،
عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية يمحو الله ما يشاء ويثبت 2) (1) قال:
فقال: وهل يمحو الله إلا ما كان وهل يثبت إلا ما لم يكن؟!.
5 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن
هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله عز وجل بخمس: بالبداء



(1) الرعد: 39.
222
والمشية والسجود والعبودية والطاعة 1).
6 - حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، عن علي بن إبراهيم بن
هاشم، عن الريان بن الصلت، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: ما بعث الله
نبيا قط إلا بتحريم الخمر 2)، وأن يقر له بالبداء.
7 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن
يونس بن عبد الرحمن، عن مالك الجهني قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام

223
يقول: لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الاجر ما فتروا عن الكلام
فيه 1).
8 - وبهذا الاسناد، عن يونس، عن منصور بن حازم، قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله تعالى بالأمس؟
قال: لا، من قال هذا فأخزاه الله، قلت: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم
القيامة أليس في علم الله؟! قال: بلى قبل أن يخلق الخلق 2).
9 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد،

224
قال: سئل العالم عليه السلام كيف علم الله؟ قال: علم، وشاء، وأراد، وقدر،
وقضى 1)، وأبدى فأمضى ما قضى، وقضى ما قدر، وقدر ما أراد، فبعلمه
كانت المشية، وبمشيته كانت الإرادة، وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان
القضاء، وبقضائه كان الامضاء فالعلم متقدم المشية والمشية ثانية، والإرادة
ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالامضاء، فلله تبارك وتعالى البداء فيما
علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء، فإذا وقع القضاء بالامضاء فلا
بداء، فالعلم بالمعلوم قبل كونه، والمشية في المنشأ قبل عينه، والإرادة في
المراد قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا
وقياما، والقضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام

225




(1) بحار الأنوار 5: 103 - 104 عن بعض الأفاضل.
226




(1) بحار الأنوار 5: 102 - 103.
227
المدركات بالحواس من ذي لون وريح ووزن وكيل ومادب ودرج من
إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك مما يدرك بالحواس، فلله تبارك وتعالى
فيه البداء مما لا عين له، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء، والله
يفعل ما يشاء، وبالعلم علم الأشياء قبل كونها، وبالمشية عرف صفاتها
وحدودها وأنشأها قبل إظهارها وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها
وحدودها، وبالتقدير قدر أوقاتها وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان
للناس أماكنها ودلهم عليها، وبالامضاء شرح عللها وأبان أمرها، وذلك
تقدير العزيز العليم.
قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب أعانه الله على طاعته: ليس
البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك 1)، ولكن
يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء، معناه أن له أن يبدأ بشئ من
خلقه فيخلقه قبل شئ ثم يعدم ذلك الشئ ويبدأ بخلق غيره، أو يأمر
بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شئ ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك

228




(1) البحار 4: 123 عنه.
(2) الشورى: 23.
(3) البحار 4: 121 - 122 ح 67.
(4) البحار 4: 94 ح 1.
229




(1) الرعد: 39.
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي 19: 65 - 66.
230




(1) بحار الأنوار 4: 126 - 128 عن نبراس الضياء.
231




(1) بحار الأنوار 4: 128 - 129 عنه.
(2) بحار الأنوار 4: 129 عنه.
(3) بحار الأنوار 4: 129، عنه وراجع جوابات المسائل الرازية للسيد المرتضى المطبوع في
رسائل الشريف المرتضى 1: 116 - 119.
(4) في البحار: الموجودات.
233




(1) بحار الأنوار 4: 129 - 132 ملخصا.
236
مثل نسخ الشرايع وتحويل القبلة وعدة المتوفى عنها زوجها 1)، ولا يأمر
الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في
أن يأمرهم بذلك، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن
مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم، فمن أقر لله عز
وجل بأن له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء،
ويقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، ويأمر بما شاء كيف شاء فقد أقر بالبداء،
وما عظم الله عز وجل بشئ أفضل من الاقرار بأن له الخلق والامر،
والتقديم، والتأخير، وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان، والبداء هو رد
على اليهود لأنهم قالوا: إن الله قد فرغ من الامر فقلنا: إن الله كل يوم في
شأن، يحيي ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء، والبداء ليس من ندامة، وإنما
هو ظهور أمر، يقول العرب: بدا لي شخص في طريقي أي ظهر، قال الله
عز وجل: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (1) أي ظهر لهم،



(1) الزمر: 47.
237
ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره، ومتى ظهر له
منه قطيعة لرحمه نقص من عمره، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزنا نقص
من رزقه وعمره، ومتى ظهر له منه التعفف عن الزنا زاد في رزقه وعمره.
10 - ومن ذلك قول الصادق عليه السلام: ما بدا لله بداء كما بدا له في
إسماعيل ابني، يقول: ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ
اخترمه قبلي ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي.
11 - وقد روي لي من طريق أبي الحسين الأسدي رضي الله عنه في ذلك
شئ غريب، وهو أنه روى أن الصادق عليه السلام قال: ما بدا لله بداء كما بدا له
في إسماعيل أبي إذا أمر أباه إبراهيم بذبحه ثم فداه بذبح عظيم. وفي
الحديث على الوجهين جميعا عندي نظر 1)، إلا أني أوردته لمعنى لفظ
البداء، والله الموفق للصواب.



(1) البقرة: 234.
238
55 - باب المشيئة والإرادة
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن
أبيه عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: المشية محدثة 1).



(1) بحار الأنوار 5: 122 ح 68.
(2) في (س): الحدث.
240
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن جعفر بن محمد بن عبد الله، عن عبد الله بن ميمون
القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: قيل لعلي عليه السلام: إن رجلا
يتكلم في المشية فقال: ادعه لي، قال: فدعي له، فقال: يا عبد الله خلقك
الله لما شاء 1) أو لما شئت؟! قال: لما شاء، قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا
شئت؟! قال: إذا شاء: قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟! قال: إذا شاء،
قال: فيدخلك حيث شاء أو حيث شئت 2)؟! قال: حيث شاء، قال: فقال
علي عليه السلام له: لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك 3).
3 - وبهذا الاسناد قال: دخل على أبي عبد الله عليه السلام أو أبي جعفر عليه السلام رجل
هاهنا، قال: بل ائذنوا له فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله عز وجل عند لسان
كل قائل ويد كل باسط، فهذا القائل لا يستطيع أن يقول إلا ما شاء الله 4)،



(1) الذاريات: 56.
241
وهذا الباسط لا يستطيع أن يبسط يده إلا بما شاء الله، فدخل عليه فسأله
عن أشياء وآمن بها وذهب.
4 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
سعيد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه،
عن مروان بن مسلم، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعد الخفاف، عن
الأصبغ ابن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أوحى الله عز وجل إلى
داود عليه السلام: يا داود تريد وأريد ولا يكون إلا ما أريد 1)، فإن أسلمت لما
أريد أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون
إلا ما أريد.

242
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن سليمان بن
جعفر الجعفري، قال: قال الرضا عليه السلام: المشية والإرادة من صفات الافعال،
فمن زعم أن الله تعالى لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد 1).



(1) بحار الأنوار 14: 132 - 133 ح 7.
243
6 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله
عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال:
قلت له: إن أصحابنا بعضهم يقولون بالجبر وبعضهم بالاستطاعة، فقال لي:



(1) بحار الأنوار 4: 137 - 138.
(2) بحار الأنوار 4: 137 ح 4.
244
اكتب قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء
لنفسك 1)، ما تشاء وبقوتي أديت إلي فرائضي وبنعمتي قويت على
معصيتي 2)، جعلتك سميعا بصيرا قويا 3)، ما أصابك من حسنة فمن الله،
وما أصابك من سيئة فمن نفسك 4)، وذلك أنا أولى بحسناتك منك وأنت

245
أولى بسيئاتك مني، وذلك أني لا اسأل عما أفعل 1) وهم يسألون، قد
نظمت لك كل شئ تريد.
7 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد
ابن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن العرزمي، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: كان لعلي عليه السلام غلام اسمه قنبر وكان يحب عليا عليه السلام حبا
شديدا. فإذا خرج علي عليه السلام خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال:
يا قنبر ما لك؟ قال: جئت لامشي خلفك. فإن الناس كما تراهم يا أمير
المؤمنين فخفت عليك، قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل
الأرض؟! قال: لا، بل من أهل الأرض، قال: إن أهل الأرض لا يستطيعون



(1) الشورى: 30.
246
لي شيئا إلا بإذن الله عز وجل من السماء 1)، فارجع، فرجع.
8 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى
العطار قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن
موسى بن عمر عن ابن سنان، عن أبي سعيد القماط، قال: قال أبو عبد
الله عليه السلام: خلق الله المشية قبل الأشياء، ثم خلق الأشياء بالمشية.



(1) مفردات الراغب ص 14.
(2) أصول الكافي 1: 149 - 150 ح 2.
247
9 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي
ابن معبد، عن درست بن أبي منصور، عن فضيل بن يسار، قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: شاء وأراد ولم يحب ولم يرض 1)، شاء أن لا يكون



(1) القصص: 56.
(2) الانسان: 30.
(3) يونس: 99.
248




(1) الاعتقادات ص 30 - 33. ط المؤتمر.
249
شئ إلا بعلمه 1) وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: ثالث ثلاثة ولم
يرض لعباده الكفر.
10 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني
الأسواري، قال: حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا
أبو منصور محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي، قال: حدثنا محمد
ابن أشرس، قال: حدثنا بشر بن الحكم، وإبراهيم بن نصر السورياني
قال: حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة، قال: حدثنا غياث ابن
المجيب عن الحسن البصري، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله، قال:
سبق العلم، وجف القلم 2) وتم القضاء بتحقيق الكتاب وتصديق



(1) تصحيح اعتقادات الامامية ص 49 - 53 ط المؤتمر.
250
الرسالة 1) والسعادة من الله والشقاوة من الله عز وجل قال عبد الله بن عمر:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يروي حديثه عن الله عز وجل قال: قال الله عز
وجل: يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي
كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد، وبفضل نعمتي عليك قويت على
معصيتي وبعصمتي وعفوي وعافيتي أديت إلي فرائضي، فأنا أولى
بإحسانك منك وأنت أولى بذنبك مني، فالخير مني إليك بما أوليت



(1) نهاية ابن الأثير 1: 278 - 279.
251
بداء 1) والشر مني إليك بما جنيت جزاء وبسوء ظنك بي قنطت من
رحمتي، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك
بالعصيان، ولك الجزاء والحسنى عندي بالاحسان لم أدع تحذيرك،
ولم آخذك عند عزتك ولم أكلفك فوق طاقتك، ولم أحملك
من الأمانة إلا ما قدرت عليه 2) رضيت منك لنفسي ما رضيت به



(1) الجاثية: 29.
(2) الكشاف 4: 46 - 47.
252
لنفسك 1) مني. قال عبد الملك: لن أعذبك إلا بما عملت.
11 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رحمه الله قال: حدثنا أبي، عن
أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي،
قال: سأل المأمون يوما علي بن موسى الرضا عليهم السلام فقال له: يا ابن رسول
الله ما معنى قول الله عز وجل: ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم
جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن
تؤمن إلا بإذن الله (1) فقال الرضا عليه السلام: حدثني أبي موسى بن جعفر، عن
أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين،
عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام أن المسلمين
قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله: لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس
على الاسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما
كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا، وما أنا من



(1) يونس: 100.
(2) الأحزاب: 72.
253
المتكلفين، فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد ولو شاء ربك لامن من في
الأرض كلهم جميعا 1) على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا كما
يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلت ذلك بهم لم
يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا، لكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير
مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد
أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وأما قوله عز وجل: وما كان
لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله فليس ذلك على سبيل تحريم الايمان عليها
ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، وإذنه أمره لها بالايمان
ما كانت مكلفة متعبدة. وإلجاؤه إياها إلى الايمان عند زوال التكليف
والتعبد عنها. فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.



(1) الشعراء: 4.
254
12 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قالا:
حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن
أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن
معبد، عن درست، عن فضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
شاء الله أن أكون مستطيعا لما لم يشأ أن أكون فاعله 1) قال: وسمعته يقول:
شاء وأراد ولم يحب ولم يرض، شاء أن لا يكون في ملكه شئ إلا بعلمه،
وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: ثالث ثلاثة ولم يرض لعباده
الكفر.
13 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله
عنهما، قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن
محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، قال: حدثنا يعقوب بن
يزيد، عن علي بن حسان، عن إسماعيل بن أبي زياد الشعيري، عن ثور



(1) مجمع البيان 3: 136 - 137.
255
ابن يزيد، عن خالد بن سعدان عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
سبق العلم، وجف القلم، ومضى القدر بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل
وبالسعادة من الله عز وجل لمن آمن واتقى وبالشقاء لمن كذب وكفر
وبولاية الله المؤمنين وبراءته من المشركين، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عن
الله أروي حديثي إن الله تبارك وتعالى يقول: يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت
الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما
تريد، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي، وبعصمتي وعوني
وعافيتي أديت إلي فرائضي، فأنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى
بسيئاتك مني، فالخير مني إليك بما أوليت بداء، والشر مني إليك بما جنيت
جزاء، وبإحساني إليك قويت على طاعتي، وبسوء ظنك بي قنطت من
رحمتي، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك بالعصيان،
ولك جزاء الخير عندي بالاحسان، لم أدع تحذيرك، ولم آخذك عند
عزتك، ولم أكلفك فوق طاقتك، ولم أحملك من الأمانة إلا ما أقررت به
على نفسك 1) رضيت لنفسي منك ما رضيت لنفسك مني.
56 - باب الاستطاعة
1 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى،

256
عيسى، عن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني أبو شعيب صالح بن خالد
المحاملي، عن أبي سليمان الجمال، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: سألته عن شئ من الاستطاعة، فقال: ليست الاستطاعة من كلامي
ولا كلام آبائي 1).



(1) مجمع البيان: ج 2 ص 236، عند آية (112) من سورة المائدة.
(2) في الرجال: حزين.
257
قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك أنه ليس من كلامي ولا كلام
آبائي أن نقول لله عز وجل: إنه مستطيع، كما قال الذين كانوا على عهد
عيسى عليه السلام: هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء (1).
2 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بنيسابور، قال: حدثنا
أحمد بن الفضل بن المغيرة، قال: حدثنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن
إبراهيم الاصفهاني، قال: حدثنا علي بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن
أبي الخطاب، عن محمد بن أبي الحسين القريظي عن سهل بن أبي محمد
المصيصي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: لا يكون العبد



(1) المائدة: 112.
(2) اختيار معرفة الرجال 1: 365 - 366، برقم: 243.
258
فاعلا ولا متحركا إلا والاستطاعة معه من الله عز وجل 1) وإنما وقع
التكليف من الله تبارك وتعالى بعد الاستطاعة، ولا يكون مكلفا للفعل إلا
مستطيعا.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن عبيد بن زرارة،
قال: حدثني حمزة بن حمران، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاستطاعة
فلم يجبني، فدخلت عليه دخلة أخرى فقلت: أصلحك الله إنه قد وقع في
قلبي منها شئ لا يخرجه إلا شئ أسمعه منك، قال: فإنه لا يضرك ما كان
في قلبك. قلت: أصلحك الله فإني أقول: إن الله تبارك وتعالى لم يكلف
العباد إلا ما يستطيعون وإلا ما يطيقون، فإنهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلا



(1) اختيار معرفة الرجال 1: 360 - 361، برقم: 234.
259
بإرادة الله ومشيته 1) وقضائه وقدره، قال: هذا دين الله الذي أنا عليه وآبائي
أو كما قال.
قال مصنف هذا الكتاب: مشية الله وإرادته في الطاعات الامر بها
والرضا، وفي المعاصي النهي عنها والمنع منها بالزجر والتحذير.
4 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله
عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن يحيى الصيرفي، عن صباح الحذاء،
عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سأله زرارة وأنا حاضر فقال: أفرأيت ما افترض
الله علينا في كتابه وما نهانا عنه جعلنا مستطيعين لما افترض علينا
مستطيعين لترك ما نهانا عنه، فقال: نعم.
5 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن
أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن بكير، عن
حمزة بن حمران، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لنا كلاما نتكلم به، قال:
هاته، قلت: نقول: إن الله عز وجل أمر ونهى وكتب الآجال والآثار لكل
نفس بما قدر لها وأراد، وجعل فيهم من الاستطاعة لطاعته ما يعملون به
ما أمرهم به وما نهاهم عنه فإذا تركوا ذلك إلى غيره كانوا محجوجين بما
صير فيهم من الاستطاعة والقوة لطاعته، فقال: هذا هو الحق إذا لم تعده
إلى غيره.

260
6 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قالا:
حدثنا سعد بن عبد الله، و عبد الله بن جعفر الحميري جميعا، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي جميلة المفضل
ابن صالح، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما امر
العباد إلا بدون سعتهم، فكل شئ امر الناس بأخذه فهم متسعون له، ومالا
يتسعون له فهو موضوع عنهم 1)، ولكن الناس لا خير فيهم.
7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب،
عن علي بن أسباط، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الاستطاعة،
فقال: يستطيع العبد بعد أربع خصال: أن يكون مخلى السرب، صحيح
الجسم 2)، سليم الجوارح، له سبب وارد من الله عز وجل، قال: قلت:
جعلت فداك فسرها لي، قال: أن يكون العبد مخلى السرب، صحيح
الجسم، سليم الجوارح، يريد أن يزني فلا يجد امرأة ثم يجدها، فإما أن



(1) الطرائف ص 308.
261
يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف، أو يخلى بينه وبين إرادته فيزني فيسمى



(1) سورة الإسراء: 70.
(2) سورة التغابن: 16.
(3) سورة النور: 61، والفتح: 17.
262
زانيا ولم يطع الله بإكراه 1) ولم يعص بغلبة.



(1) سورة النساء: 100.
(2) سورة التوبة: 91 - 92.
(3) سورة آل عمران: 167.
(4) سورة النحل: 106.
(5) بحار الأنوار 5: 77 - 80.
263
8 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى،
عن الحسين بن المختار، عن إسماعيل بن الجابر، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: إن الله عز وجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم
ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الاخذ به، وما
نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين
إلا بإذن الله عز وجل، يعني: بعلمه.
9 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب،
عن أبان بن عثمان، عن حمزة بن محمد الطيار، قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الله عز وجل: وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم
سالمون (1) قال: مستطيعون 1)، يستطيعون الاخذ بما أمروا به والترك لما
نهوا عنه، وبذلك ابتلوا 2)، ثم قال: ليس شئ مما أمروا به ونهوا عنه إلا
ومن الله تعالى عز وجل فيه ابتلاء وقضاء 3).



(1) القلم: 43.
264
10 - حدثنا أبي، ومحمد بن موسى بن المتوكل قالا: حدثنا سعد
ابن عبد الله و عبد الله بن جعفر الحميري جميعا، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم،
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا قال: يكون له ما يحج به، قلت: فمن عرض
عليه الحج فاستحيا؟ قال: هو ممن يستطيع.
11 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قالا:
حدثنا سعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن
خالد البرقي، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير،
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من عرض عليه الحج ولو على حمار
أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو ممن يستطيع الحج 1).

265
12 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قالا:
حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن سعيد بن
جناح، عن عوف بن عبد الله الأزدي، عن عمه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن



(1) آل عمران: 97.
(2) المجادلة: 4.
(3) الكهف: 67 و 72 و 75.
(4) النساء: 129.
(5) هود: 20.
266
عن الاستطاعة، فقال: وقد فعلوا فقلت: نعم 1)، زعموا أنها لا تكون إلا عند
الفعل وإرادة في حال الفعل لا قبله فقال أشرك القوم.

267
13 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن
يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عمن رواه من أصحابنا، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: سمعته يقول: لا يكون العبد فاعلا إلا وهو مستطيع وقد يكون
مستطيعا غير فاعل ولا يكون فاعلا أبدا حتى يكون معه الاستطاعة.
14 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه
عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام في
قول الله عز وجل: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ما
يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة.
15 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قالا:
حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن
محمد الحجال الأسدي، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الاعلى بن أعين،
عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا
لاتبعوك 1) ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا
معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون (1) أنهم كانوا



(1) التوبة: 42.
268
يستطيعون وقد كان في العلم أنه لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لفعلوا.
16 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قالا:
حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي
ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله
عز وجل: وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم
والله يعلم إنهم لكاذبون قال: أكذبهم الله عز وجل في قولهم: لو استطعنا
لخرجنا معكم وقد كانوا مستطيعين للخروج.
17 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قالا:
حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن عبد
الله، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي الحسن الحذاء، عن المعلى بن
خنيس، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما يعني بقوله عز وجل: وقد كانوا
يدعون إلى السجود وهم سالمون؟ (1) قال: وهم مستطيعون.



(1) القلم: 43.
269
18 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا سعد
ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن عبد الحميد،
ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،
عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكون العبد فاعلا ولا
متحركا إلا والاستطاعة معه من الله عز وجل وإنما وقع التكليف من الله
بعد الاستطاعة، فلا يكون مكلفا للفعل إلا مستطيعا.
19 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن
هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما كلف الله العباد كلفة فعل ولا
نهاهم عن شئ حتى جعل لهم الاستطاعة ثم أمرهم ونهاهم، فلا يكون
العبد آخذا ولا تاركا إلا باستطاعة متقدمة 1) قبل الأمر والنهي وقبل الاخذ



(1) مجمع البيان 3: 33.
270
والترك وقبل القبض والبسط.
20 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن
الحكم، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: لا يكون من العبد قبض ولا بسط إلا باستطاعة متقدمة للقبض
والبسط.
21 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن
الحسين، عن أبي شعيب المحاملي، وصفوان بن يحيى، عن عبد الله بن
مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول وعنده
قوم يتناظرون في الأفاعيل والحركات فقال: الاستطاعة قبل الفعل، لم
يأمر الله عز وجل بقبض ولا بسط إلا والعبد لذلك مستطيع.

271
22 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد،
عن مروك بن عبيد، عن عمرو رجل من أصحابنا عمن سأل أبا عبد الله
عليه السلام فقال له: إن لي أهل بيت قدرية يقولون: نستطيع أن نعمل كذا وكذا
ونستطيع أن لا نعمل 1)، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: قل له: هل تستطيع أن
لا تذكر ما تكره وأن لا تنسى ما تحب؟ فإن قال: لا فقد ترك قوله، وإن
قال: نعم فلا تكلمه أبدا فقد ادعى الربوبية.

272




(1) بحار الأنوار 5: 6 عن شارح المقاصد.
(2) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 317.
273




(1) الطرائف ص 344.
274
23 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو
الخير صالح بن أبي حماد، قال: حدثني أبو خالد السجستاني، عن علي بن
يقطين، عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام بجماعة بالكوفة
وهم يختصمون في القدر، فقال لمتكلمهم: أبالله تستطيع أم مع الله 1) أم من
دون الله تستطيع؟! فلم يدر ما يرد عليه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنك إن
زعمت أنك بالله تستطيع فليس لك من الامر شئ وإن زعمت أنك مع الله
تستطيع فقد زعمت أنك شريك معه في ملكه، وإن زعمت أنك من دون الله
تستطيع فقد ادعيت الربوبية من دون الله، عز وجل، فقال: يا أمير المؤمنين
لا، بل بالله أستطيع، فقال عليه السلام: أما إنك لو قلت غير هذا لضربت عنقك.
24 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن



(1) تفسير علي بن إبراهيم القمي 1: 23 - 24.
275
عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله،
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي تسعة:
الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما
اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم
ينطق بشفة 1).

276




(1) بحار الأنوار 58: 322 ح 11. وفيه: الطيرة على ما تجعلها.
(2) كنز العمال 16: 27 - 28.
(3) بحار الأنوار 58: 322 ح 10.
(4) كنز العمال 10: 111 - 114.
277




(1) بحار الأنوار 58: 325 - 326.
(2) بحار الأنوار 58: 322 ح 11 عن الكافي.
278




(1) بحار الأنوار 62: 114 ح 15.
(2) بحار الأنوار 58: 324.
279
25 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رحمه الله، بفرغانة قال: حدثنا
أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن عبد السلام بن صالح الهروي،
قال: سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل: الذين كانت أعينهم
في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا 1) (1) فقال عليه السلام: إن
غطاء العين لا يمنع من الذكر، والذكر لا يرى بالعيون، ولكن الله عز وجل
شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بالعميان لأنهم كانوا
يستثقلون قول النبي صلى الله عليه وآله فيه ولا يستطيعون سمعا، فقال المأمون: فرجت
عني فرج الله عنك.
57 - باب الابتلاء والاختبار
1 - أبي رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن
يحيى بن عمران الأشعري، عن محمد بن السندي، عن علي بن الحكم،
عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من قبض ولا بسط إلا



(1) الكهف: 101.
(2) مجمع البيان 3: 496 - 497.
280
ولله فيه المن والابتلاء 1).
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن
عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حمزة بن محمد الطيار،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من قبض ولا بسط إلا ولله فيه مشية وقضاء
وابتلاء.
3 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن حمزة بن محمد الطيار، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: ليس شئ فيه قبض أو بسط مما أمر الله به أو نهى عنه
إلا وفيه من الله عز وجل ابتلاء وقضاء.
58 - باب السعادة والشقاوة
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا
محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن محمد رفعه عن شعيب العقرقوفي،
عن أبي بصير، قال: كنت بين يدي أبي عبد الله عليه السلام جالسا وقد سأله سائل
فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله من أين لحق الشقاء أهل المعصية
حتى حكم لهم في علمه بالعذاب على عملهم، فقال أبو عبد

281
الله عليه السلام: أيها السائل علم الله عز وجل ألا يقوم أحد من
خلقه بحقه 1)، فلما علم 2) بذلك وهب لأهل محبته القوة على



(1) أصول الكافي 1: 153 ح 2.
(2) بحار الأنوار 5: 156.
282
معرفته 1) ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله ووهب لأهل المعصية
القوة على معصيتهم 2) لسبق علمه فيهم، ولم يمنعهم إطاقة القبول 3) منه لان
علمه أولى بحقيقة التصديق، فوافقوا ما سبق لهم في علمه، وإن قدروا أن
يأتوا حلالا تنجيهم 4) عن معصيته وهو معنى شاء ما شاء 5)، وهو سر.

283




(1) هو المولى محمد صالح المازندراني، وهو أحسن من شرح أصول الكافي (منه) راجع
شرح أصول الكافي 4: 381 - 384.
284
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن
علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام
في قول الله عز وجل: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا 1) (1) قال:
بأعمالهم شقوا.
3 - حدثنا الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن
الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال:
حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، عن
محمد بن أبي عمير، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن
معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من
سعد في بطن أمه) فقال: الشقي من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل
أعمال الأشقياء 2) والسعيد من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل أعمال



(1) المؤمنون: 106.. (1) مجمع البيان 4: 119.
285
السعداء، قلت له: فما معنى قوله صلى الله عليه وآله: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)؟
فقال: إن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه،
وذلك قوله عز وجل: وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون (1) فيسر
كلا لما خلق له، فالويل لمن استحب العمى على الهدى.
4 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن
معلى أبي عثمان عن علي بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: يسلك
بالسعيد طريق الأشقياء حتى يقول الناس: ما أشبهه بهم 1) بل هو منهم ثم
يتداركه السعادة، وقد يسلك بالشقي طريق السعداء حتى يقول الناس: ما



(1) الذاريات: 56.
286
أشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه الشقاء. إن من علمه الله تعالى سعيدا وإن



(1) من لا يحضره الفقيه 2: 245 برقم: 2313.
(2) علل الشرائع ص 606 ح 81.
287
لم يبق من الدنيا إلا فواق ناقة 1) ختم له بالسعادة.
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان بن يحيى، عن
منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله عز وجل خلق
السعادة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه 2) فمن علمه الله سعيدا لم يبغضه
أبدا، وإن عمل شرا أبغض عمله ولم يبغضه، وإن كان علمه شقيا لم يحبه
أبدا، وإن عمل صالحا أحب عمله وأبغضه لما يصير إليه، فإذا أحب الله
شيئا لم يبغضه أبدا، وإذا أبغض شيئا لم يحبه أبدا.



(1) نهاية ابن الأثير 3: 479.
(2) بحار الأنوار 5: 19 عن الاعتقادات ص 29 ط المؤتمر.
288




(1) بحار الأنوار 5: 19 - 20 عن تصحيح الاعتقادات ص 42 - 45 ط المؤتمر.
289
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله جميعا، قالا: حدثنا أيوب بن
نوح، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام في
يحول بينه 1) وبين أن يعلم أن الباطل حق.



(1) الأنفال: 24.
290
وقد قيل: إن الله تبارك وتعالى يحول بين المرء وقلبه بالموت وقال أبو
عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى ينقل العبد من الشقاء إلى السعادة ولا
ينقله من السعادة إلى الشقاء.



(1) نهج البلاغة ص 511، رقم الحديث: 250.
(2) طه: 7.
291
59 - باب نفي الجبر والتفويض
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن
حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
إن الله عز وجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما
أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الاخذ به، وما نهاهم عنه من
شئ فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلا
بإذن الله.

292
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن
يونس بن عبد الرحمن، عن حفص بن قرط، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من زعم أن الله تبارك وتعالى يأمر بالسوء والفحشاء
فقد كذب على الله، ومن زعم أن الخير والشر بغير مشية الله فقد أخرج من
سلطانه 1)، ومن زعم أن المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله، ومن
كذب على الله أدخله الله النار. يعني بالخير والشر: الصحة والمرض،
وذلك قوله عز وجل: ونبلوكم بالشر والخير فتنة (1).



(1) الأنبياء: 35.
293
3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن يونس
بن عبد الرحمن عن غير واحد، عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام، قالا: إن
الله عز وجل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم



(1) الأنبياء: 23.
294
عليها، والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون 1)، قال: فسئلا عليهما السلام هل بين
الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا: نعم، أوسع مما بين السماء والأرض 2).



(1) بحار الأنوار 5: 60.
295
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
الحسن بن متيل عن أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن الحكم، عن هشام
ابن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الله تبارك وتعالى أكرم من أن يكلف
الناس مالا يطيقونه والله أعز من أن يكون في سلطانه مالا يريد.
5 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر
ابن بطة، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن علي بن
محبوب، ومحمد بن الحسين بن عبد العزيز، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى الجهني، عن حريز بن
عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الناس في القدر على ثلاثة أوجه:
رجل يزعم أن الله عز وجل أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله



(1) بحار الأنوار 5: 18 عنه.
296
في حكمه فهو كافر، ورجل يزعم أن الامر مفوض إليهم فهذا قد أوهن الله
في سلطانه فهو كافر، ورجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون ولم
يكلفهم مالا يطيقون وإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله، فهذا مسلم
بالغ.
6 - حدثنا علي بن عبد الله الورارق رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله،
عن إسماعيل بن سهل، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان، قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: فوض الله الامر إلى العباد؟ فقال: الله أكرم من أن
يفوض إليهم، قلت: فأجبر الله العباد على أفعالهم؟ فقال: الله أعدل من أن
يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه.

297
7 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد
ابن خالد، عن أبيه، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام، قال: ذكر عنده الجبر والتفويض، فقال: ألا أعطيكم في هذا
أصلا لا تختلفون فيه ولا تخاصمون عليه أحدا إلا كسرتموه، قلنا: إن



(1) بحار الأنوار 5: 82 عنه.
298




(1) الكهف: 49.
300
رأيت ذلك، فقال: إن الله عز وجل لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة ولم يهمل
العباد في ملكه، هو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن



(1) بحار الأنوار 5: 71 - 81 عنها.
302
ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادا ولا منها مانعا وإن ائتمروا
بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين 1) ذلك فعل وإن لم يحل وفعلوه فليس
هو الذي أدخلهم فيه، ثم قال عليه السلام: من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم
من خالفه.

303
8 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن خنيس بن محمد، عن محمد بن يحيى
الخزاز، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لا جبر ولا
تفويض ولكن أمر بين أمرين، قال: قلت: وما أمر بين أمرين؟ قال: مثل
ذلك مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته 1) ففعل تلك
المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته أنت الذي أمرته بالمعصية.



(1) نهاية ابن الأثير 1: 66.
(2) القاموس المحيط 1: 365.
304
9 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق المؤدب رحمه الله، قال: حدثنا
أحمد بن علي الأنصاري، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت
أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام يقول: من قال بالجبر فلا تعطوه
من الزكاة ولا تقبلوا له شهادة، إن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسا إلا
وسعها، ولا يحملها فوق طاقتها ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر
وازرة وزر أخرى 1).
10 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن
محمد بن عامر، عن معلى بن محمد البصري، عن الحسن بن علي الوشاء،
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سألته فقلت له: الله فوض الامر إلى
العباد؟ قال: الله أعز من ذلك، قلت: فأجبرهم على المعاصي؟ قال: الله
أعدل وأحكم من ذلك، ثم قال: قال الله عز وجل: يا ابن آدم أنا أولى
بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني، عملت المعاصي بقوتي التي
جعلتها فيك.

305
11 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد،
قال: حدثنا أبو عبد الله الرازي، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن ابن
سنان، عن مهزم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أخبرني عما اختلف فيه من
خلفت من موالينا، قال: قلت: في الجبر والتفويض، قال: فسلني، قلت:
أجبر الله العباد على المعاصي؟ قال: الله أقهر لهم من ذلك 1) قال: قلت: ففوض
إليهم؟ قال: الله أقدر عليهم من ذلك، قال: قلت: فأي شئ هذا أصلحك



(1) مجمع البيان 2: 392.
306
الله؟ قال: فقلب يده مرتين أو ثلاثا ثم قال: لو أجبتك فيه لكفرت 1).
12 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد
الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن علي
ابن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام،
قال: قلت له: يا ابن رسول الله إن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه
والجبر لما روي من الاخبار في ذلك عن آبائك الأئمة عليهم السلام، فقال: يا ابن
خالد أخبرني عن الاخبار التي رويت عن آبائي الأئمة عليهم السلام في التشبيه
والجبر أكثر أم الاخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وآله في ذلك؟! فقلت: بل ما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله في ذلك أكثر، قال: فليقولوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان
يقول بالتشبيه والجبر إذا، فقلت له: إنهم يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقل
من ذلك شيئا وإنما روي عليه، قال: فليقولوا في آبائي عليهم السلام: إنهم لم
يقولوا من ذلك شيئا وإنما روي عليهم، ثم قال عليه السلام: من قال بالتشبيه
والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة يا ابن خالد إنما
وضع الاخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة 2) الذين صغروا عظمة الله، فمن
أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا، ومن والاهم فقد عادانا، ومن
عاداهم فقد والانا، ومن وصلهم فقد قطعنا، ومن قطعهم فقد وصلنا، ومن

307
جفاهم فقد برنا، ومن برهم فقد جفانا، ومن أكرمهم فقد أهاننا، ومن
أهانهم فقد أكرمنا، ومن قبلهم فقد ردنا، ومن ردهم فقد قبلنا، ومن أحسن
إليهم فقد أساء إلينا، ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا، ومن صدقهم فقد
كذبنا، ومن كذبهم فقد صدقنا، ومن أعطاهم فقد حرمنا، ومن حرمهم فقد
أعطانا، يا ابن خالد من كان من شيعتنا فلا يتخذن منهم وليا ولا نصيرا.

308




(1) الأحزاب: 72.
(2) الحشر: 16.
309




(1) آل عمران: 145.
310
60 - باب القضاء
والقدر والفتنة والأرزاق والأسعار والآجال
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن
يزيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن عبد الله بن
سليمان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: إن القضاء والقدر خلقان
من خلق الله، والله يزيد في الخلق ما يشاء 1).

311
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن درست،
عن بن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: جلعت فداك ما تقول في
القضاء والقدر؟ قال: أقول: إن الله تبارك وتعالى إذا جمع العباد يوم القيامة
سألهم عما عهد إليهم 1) ولم يسألهم عما قضى عليهم 2).
3 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن عبد الملك بن عنترة الشيباني،
عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير
المؤمنين أخبرني عن القدر، قال عليه السلام: بحر عميق فلا تلجه، قال: يا أمير
المؤمنين أخبرني عن القدر، قال عليه السلام: طريق مظلم فلا تسلكه، قال: يا
أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما إذا أبيت
فإني سائلك، أخبرني أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد أم كانت



(1) فاطر: 1.
312
أعمال العباد قبل رحمة الله 1)؟! قال: فقال له الرجل: بل كانت رحمة الله
للعباد قبل أعمال العباد، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قوموا فسلموا على
أخيكم فقد أسلم وقد كان كافرا، قال، وانطلق الرجل غير بعيد، ثم انصرف
إليه فقال له، يا أمير المؤمنين أبالمشية الأولى نقوم ونقعد 2) ونقبض
ونبسط؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: وإنك لبعد في المشية أما إني سائلك
عن ثلاث لا يجعل الله لك في شئ منها مخرجا 3): أخبرني أخلق الله



(1) بحار الأنوار 5: 112.
313
العباد كما شاء أو كما شاؤوا؟! فقال: كما شاء، قال عليه السلام: فخلق الله العباد
لما شاء أو لما شاؤوا؟! فقال: لما شاء، قال عليه السلام: يأتونه يوم القيامة كما
شاء أو كما شاؤوا؟ قال: يأتونه كما شاء، قال عليه السلام: قم فليس إليك من
المشية شئ 1).
4 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد
الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة عن
الزهري، قال: قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام: جعلني الله فداك أبقدر
يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل؟ فقال عليه السلام: إن القدر والعمل بمنزلة
الروح والجسد، فالروح بغير جسد 2) لا تحس، والجسد بغير روح صورة
لا حراك بها فإذا اجتمعا قويا وصلحا، كذلك العمل والقدر، فلو لم يكن



(1) الشورى: 30.
314
القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق 1) من المخلوق وكان القدر شيئا
لا يحس، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض، ولم يتم، ولكنهما
باجتماعهما قويا، ولله فيه العون لعباده الصالحين ثم قال عليه السلام: ألا إن من
أجور الناس من رأى جوره عدلا 2) وعدل المهتدي جورا، ألا إن للعبد
أربعة أعين: عينان يبصر بهما أمر آخرته وعينان يبصر بهما أمر دنياه، فإذا
أراد الله عز وجل بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما
العيب وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه، ثم التفت إلى السائل عن
القدر فقال: هذا منه 3)، هذا منه.
5 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن

315
زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا علي بن
زياد، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن الأعمش، عن أبي حيان التيمي،
عن أبيه - وكان مع علي عليه السلام يوم صفين وفيما بعد ذلك - قال: بينا علي بن
أبي طالب عليه السلام يعبى الكتائب يوم صفين ومعاوية مستقبله على فرس له
يتأكل تحته 1) تأكلا وعلي عليه السلام على فرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز 2)،
وبيده حربة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو متقلد سيفه ذو الفقار 3) فقال رجل من
أصحابه: احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك هذا الملعون،
فقال عليه السلام: لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه وإنه لأشقى القاسطين 4)
وألعن الخارجين على الأئمة المهتدين، ولكن كفى بالأجل حارسا، ليس
أحد من الناس إلا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو
يقع عليه حائط أو يصيبه سوء، فإذا حان أجله خلوا بينه وبين ما يصيبه،



(1) نهاية ابن الأثير 3: 464.
316
وكذلك أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذه من هذا - وأشار إلى
لحيته ورأسه - عهدا معهودا أو وعدا غير مكذوب 1)، والحديث طويل،
أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في كتاب الدلائل
والمعجزات.



(1) نهاية ابن الأثير 4: 60.
317
6 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قالا: حدثنا
محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن
يحيى بن عمران الأشعري، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن
عمر بن أذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كما أن بادي
النعم من الله عز وجل وقد نحلكموه، فكذلك الشر من أنفسكم وإن جرى
به قدره 1).
7 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن
أحمد، عن يوسف بن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن العرزمي، عن
أبيه عبد الرحمن بإسناده رفعه إلى من قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات 2) والأرض بخمسين ألف سنة.

319
8 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق، وعلي بن محمد بن الحسن
المعروف بابن مقبرة القزويني قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا
الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن ثابت،
عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام عدل
من عند حائط مائل إلى حائط آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتفر من
قضاء الله؟ فقال: أفر من قضاء الله إلى قدر الله 1) عز وجل.
9 - حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري قال: حدثنا
أبو الحسن علي بن الحسن المثنى قال: حدثنا أبو الحسن علي بن مهرويه
القزويني، قال: حدثنا أبو أحمد الغازي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا
قال: حدثنا أبي موسى بن جعفر، قال: حدثنا أبي جعفر بن محمد، قال:
حدثنا أبي محمد بن علي، قال: حدثنا أبي علي بن الحسين، قال: حدثنا
أبي الحسين بن علي عليهم السلام، قال: سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه السلام
يقول: الاعمال على ثلاثة أحوال: فرائض وفضائل ومعاصي وأما
الفرائض فبأمر الله عز وجل، وبرضى الله وقضاء الله وتقديره ومشيته

320
وعلمه، وأما الفضائل فليست بأمر الله 1) ولكن برضى الله وبقضاء الله وبقدر
الله وبمشيته وبعلمه، وأما المعاصي فليست بأمر الله ولكن بقضاء الله وبقدر
الله وبمشيته وبعلمه، ثم يعاقب عليها.
قال مصنف هذا الكتاب: قضاء الله عز وجل في المعاصي حكمه فيها،
ومشيته في المعاصي نهيه عنها، وقدره فيها علمه بمقاديرها ومبالغها.
10 - وبهذا الاسناد قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الدنيا كلها جهل إلا
مواضع العلم، والعلم كله حجة إلا ما عمل به، والعمل كله رياء إلا ما كان
مخلصا 2)، والاخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له.
11 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي الله عنه، قال: حدثنا
علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن
خالد، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر
ابن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه
الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: قال الله جل جلاله: من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري
فليلتمس إلها غيري 3)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: في كل قضاء الله خيرة
للمؤمن.

321
12 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن
محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن عذافر، عن أبيه، عن أبي جعفر
عليه السلام، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم في بعض أسفاره إذ لقيه ركب
فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فالتفت إليهم فقال: ما أنتم؟ فقالوا:
مؤمنون، فقال: ما حقيقة إيمانكم؟ قالوا: الرضا بقضاء الله والتسليم لامر
الله والتفويض إلى الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: علماء حكماء كادوا أن
يكونوا من الحكمة أنبياء، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا مالا تسكنون، ولا
تجمعوا مالا تأكلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون.
13 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
سعيد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه،
عن هارون بن مسلم عن ثابت بن أبي صفية، عن سعد الخفاف، عن
الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل: إن كنت لا تطيع
خالقك فلا تأكل رزقه وإن كنت واليت عدوه فاخرج عن ملكه، وإن كنت
غير قانع بقضائه وقدره فاطلب ربا سواه.
14 - وبهذا الاسناد، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال الله تبارك
وتعالى لموسى عليه السلام: يا موسى احفظ وصيتي لك بأربعة أشياء: أولهن ما
دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشغل بعيوب غيرك، والثانية ما دمت لا ترى
كنوزي قد نفدت فلا تغتم بسبب رزقك، والثالثة ما دمت لا ترى زوال
ملكي فلا ترج أحدا غيري، والرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا
تأمن مكره.

322
15 - وبهذا الاسناد عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام: أما بعد فإن الاهتمام بالدنيا غير زائد في الموظوف وفيه
تضييع الزاد، والاقبال على الآخرة غير ناقص من المقدور وفيه إحراز
المعاد، وأنشد:
لو كان في صخرة في البحر راسية * صماء ملمومة ملس نواحيها
رزق لنفس يراها الله لانفلقت * عنه فأدت إليه كل ما فيها
أو كان بين طباق السبع مجمعه * لسهل الله في المرقى مراقيها
حتى يوافي الذي في اللوح خط له * إن هي أتته وإلا فهو يأتيها
قال مصنف هذا الكتاب: كل ما مكننا الله عز وجل من الانتفاع به ولم
يجعل لاحد منعنا منه فقد رزقناه وجعله رزقا لنا 1)، وكل ما لم يمكننا الله
عز وجل من الانتفاع به وجعل لغيرنا منعنا منه فلم يرزقناه ولا جعله
رزقا لنا.
16 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن
هاشم، عن أحمد بن سليمان، قال: سأل رجل أبا الحسن عليه السلام وهو في
الطواف فقال له: أخبرني عن الجواد، فقال له: إن لكلامك وجهين: فإن
كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عز وجل
عليه، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه، وإن كنت تعني الخالق فهو
الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له
وإن منع منع ما ليس له.

323
17 - حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر
ابن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام،
قال: حدثني جدي يحيى بن الحسن، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، قال:
حدثني ابن أبي عمير و عبد الله بن المغيرة، عن أبي حفص الأعشى، عن
أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: خرجت حتى انتهيت إلى هذا
الحائط فاتكيت عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، ثم
قال لي: يا علي بن الحسين مالي أراك كئيبا حزينا، أعلى الدنيا حزنك؟
فرزق الله حاضر للبر والفاجر، فقلت: ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول،
قال: أفعلى الآخرة حزنك؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر، قلت: ما
على هذا أحزن وإنه لكما تقول، قال: فعلى ما حزنك؟ فقلت: لما أتخوف



(1) فروع الكافي 5: 80 ح 1.
324




(1) هود: 6.
325
من فتنة ابن الزبير 1)، فضحك، ثم قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا
خاف الله تعالى فلم ينجه؟ قلت: لا، قال: يا علي بن الحسين هل رأيت
أحدا سأل الله عز وجل فلم يعطه؟ قلت: لا، قال عليه السلام: ثم نظرت فإذا ليس
قدامي أحد.



(1) الأربعين للشيخ البهائي ص 105 - 106 الحديث الثالث عشر.
326
18 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن
المفضل بن صالح، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن
علي الباقر عليهما السلام قال: إن موسى بن عمران عليه السلام قال: يا رب رضيت بما
قضيت، تميت الكبير وتبقي الصغير، فقال الله جل جلاله: يا موسى أما
ترضاني لهم رازقا وكفيلا؟ قال: بلى يا رب، فنعم الوكيل أنت ونعم
الكفيل.
19 - حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأحمد بن الحسن القطان،
ومحمد بن إبراهيم بن أحمد المعاذي، قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن
سعيد الهمداني مولى بني هاشم، قال: حدثنا يحيى بن إسماعيل الجريري
قراءة، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل قال: حدثنا عمرو بن جميع، عن
جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: دخل
الحسين بن علي عليهما السلام على معاوية فقال له: ما حمل أباك على أن قتل

327
أهل البصرة ثم دار عشيا في طرقهم في ثوبين؟! فقال عليه السلام: حمله على
ذلك عمله أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه،
قال: صدقت، قال: وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام لما أراد قتال الخوارج: لو
احترزت يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام:
أي يومي من الموت أفر * أيوم لم يقدر أم يوم قدر
يوم ما قدر لا أخشى الردى * وإذا قدر لم يغن الحذر
20 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، قال:
حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا أبو منصور محمد
ابن القاسم بن عبد الرحمن العتكي، قال: حدثنا محمد بن أشرس، قال:
حدثنا إبراهيم بن نصر قال: حدثنا وهب بن وهب بن هشام أبو البختري،
قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يا علي إن اليقين أن لا ترضي أحدا على سخط
الله، ولا تحمدن أحدا على ما آتاك الله 1)، ولا تذمن أحدا على ما

328
لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يصرفه كره كاره، فإن
الله عز وجل بحكمته وفضله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا،
وجعل الهم والحزن في الشك والسخط 1)، إنه لا فقر أشد من الجهل 2)، ولا

329
مال أعود من العقل 1)، ولا وحدة أوحش من العجب 2)، ولا مظاهرة أوثق
من المشاورة 3)، ولا عقل كالتدبير 4)، ولا ورع كالكف عن المحارم 5)،



(1) العنكبوت: 13.
(2) آل عمران: 159.
(3) كنز العمال 7: 813.
(4) راجع بحار الأنوار 75: 103 - 104.
330
ولا حسب كالأدب 1)، ولا عبادة كالتفكر 2)، وآفة الحديث الكذب 3)،
وآفة العلم النسيان 4)، وآفة العبادة الفترة 5)، وآفة الظرف الصلف 6)،



(1) راجع: 71: 320 - 328.
(2) التوبة: 67.
(3) القاموس 3: 163.
331
وآفة الشجاعة البغي 1)، وآفة السماحة 2) المن، وآفة الجمال الخيلاء 3)،
وآفة الحسب الفخر 4).
21 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا محمد بن أبي الصهبان، قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن زياد
الأزدي، قال: حدثني أبان الأحمر، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه
جاء إليه رجل فقال له: بأبي أنت وأمي عظني موعظة، فقال عليه السلام: إن كان
الله تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا، وإن كان الرزق
مقسوما فالحرص لماذا، وإن كان الحساب حقا فالجمع لماذا، وإن كان
الخلف من الله عز وجل حقا فالبخل لماذا وإن كانت العقوبة من الله عز
وجل النار فالمعصية لماذا، وإن كان الموت حقا فالفرح لماذا وإن كان
العرض على الله عز وجل حقا فالمكر لماذا، وإن كان الشيطان عدوا
فالغفلة لماذا، وإن كان الممر على الصراط حقا فالعجب لماذا، وإن كان كل
شئ بقضاء وقدر فالحزن لماذا، وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها
لماذا؟!.



(1) كنز العمال 3: 446 برقم: 7375.
(2) المدثر: 6.
332
22 - حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور،
قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوري، قال: حدثنا
جعفر بن محمد بن زياد الفقيه الخوري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله
الجويباري الشيباني، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن
علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عز وجل قدر المقادير ودبر
التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي عام 1).
23 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل
ببلخ، قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال: حدثنا علي بن موسى
الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال:
إن يهوديا سأل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: أخبرني عما ليس لله وعما
ليس عند الله وعما لا يعلمه الله، فقال عليه السلام: أما ما لا يعلمه الله عز وجل
فذلك قولكم يا معشر اليهود: إن عزيرا ابن الله والله لا يعلم له ولدا، وأما
قولك ما ليس لله فليس لله شريك، وقولك: ما ليس عند الله فليس عند الله
ظلم للعباد، فقال اليهودي، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله.
24 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس الليثي، قال: حدثنا



(1) هود: 7.
333
أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم، قال: أخبرني الحارث
ابن أبي أسامة قراءة، عن المدائني، عن عوانة بن الحكم، و عبد الله بن
العباس بن سهل الساعدي، وأبي بكر الخراساني مولى بني هاشم، عن
الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه وغيره أن
الناس أتوا الحسن بن علي بعد وفاة علي عليهما السلام ليبايعوه فقال: الحمد لله
على ما قضى من أمر، وخص من فضل، وعم من أمر، وجلل من عافية
حمدا يتمم به علينا نعمه ونستوجب به رضوانه، إن الدنيا دار بلاء وفتنة
وكل ما فيها إلى زوال، وقد نبأنا الله عنها كيما نعتبر، فقدم إلينا بالوعيد كي
لا يكون لنا حجة بعد الانذار، فازهدوا فيما يفنى، وارغبوا فيما يبقى،
وخافوا الله في السر والعلانية، إن عليا عليه السلام في المحيا والممات والمبعث
عاش بقدر ومات بأجل، وإني أبايعكم على أن تسالموا من سالمت
وتحاربوا من حاربت، فبايعوه على ذلك.
قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب: أجل موت
الانسان هو وقت موته 1)، وأجل حياته هو وقت حياته وذلك معنى قول

334




(1) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 340.
335




(1) آل عمران: 145.
(2) آل عمران: 154.
(3) الانعام: 2.
(4) الأعراف: 34، ويونس: 49، والنحل: 61، والحجر: 5.
(5) مريم: 84.
(6) طه: 129.
(7) العنكبوت: 53.
(8) فاطر: 11.
(9) الشورى: 14.
(10) المنافقون: 11.
336




(1) نوح: 4.
(2) تفسير القمي 1: 194.
337
الله عز وجل: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا
يستقدمون 1) (1) وإن مات الانسان حتف أنفه على فراشه أو قتل فإن
أجل موته هو وقت موته، وقد يجوز أن يكون المقتول لو لم يقتل لمات
من ساعته، وقد يجوز أن يكون لو لم يقتل لبقي 2) وعلم ذلك مغيب عنا
وقد قال الله عز وجل: قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم
القتل إلى مضاجعهم 3) (2) وقال عز وجل: قل لن ينفعكم الفرار إن
فررتم من الموت أو القتل (3) ولو قتل جماعة في وقت لجاز أن يقال: إن
جميعهم ماتوا بآجالهم وإنهم لو لم يقتلوا لماتوا من ساعتهم، كما كان



(1) الأعراف: 34، والنحل: 61.
(2) آل عمران: 154.
(3) الأحزاب: 16.
338
يجوز أن يقع الوباء في جميعهم 1) فيميتهم في ساعة واحدة، وكان لا يجوز
أن يقال: إنهم ماتوا بغير آجالهم، وفي الجملة ان أجل الانسان هو الوقت
الذي علم الله عز وجل أنه يموت فيه أو يقتل، وقول الحسن عليه السلام في أبيه
عليه السلام (إنه عاش بقدر ومات بأجل) تصديق لما قلناه في هذا الباب، والله
الموفق للصواب بمنه.
25 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي بنيسابور،
قال: أخبرنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الأصبهاني، قال: حدثنا
علي بن عبد الله، قال: حدثنا الحسن بن أحمد الحراني، قال: حدثنا يحيى
ابن عبد الله بن الضحاك، عن الأوزاعي: عن يحيى بن أبي كثير، قال: قيل
لأمير المؤمنين عليه السلام: ألا نحرسك: قال: حرس كل امرئ أجله.



(1) مجمع البيان 1: 523.
339
26 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال: حدثنا منصور بن
عبد الله، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن سعيد
بن وهب، قال: كنا مع سعيد بن قيس بصفين ليلا والصفان ينظر كل واحد
منهما إلى صاحبه حتى جاء أمير المؤمنين عليه السلام فنزلنا على فنائه فقال له
سعيد بن قيس: أفي هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟! أما خفت شيئا، قال:
وأي شئ أخاف؟! إنه ليس من أحد إلا ومعه ملكان موكلان به أن يقع
في بئر أو تضر به دابة أو يتردى من جبل حتى يأتيه القدر، فإذا أتى القدر
خلوا بينه وبينه.
27 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم بن تميم السرخسي
بسرخس قال: حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا إبراهيم
ابن سعيد الجوهري، قال: حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، عن أبي
حازم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره 1) وحلوه ومره.
28 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن الحسن الطائي، قال: حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد
الآدمي الرازي عن علي بن جعفر الكوفي، قال: سمعت سيدي علي بن

340
محمد يقول: حدثني أبي محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى،
عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن
علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، وحدثنا
محمد بن عمر الحافظ البغدادي، قال: حدثني أبو القاسم إسحاق بن جعفر
العلوي، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد بن علي، عن سليمان بن محمد
القرشي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر بن محمد، عن
أبيه محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام - واللفظ لعلي بن
أحمد بن محمد بن عمران الدقاق - قال: دخل رجل من أهل العراق على
أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من
الله وقدر؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أجل يا شيخ 1)، فوالله ما علوتم

341
تلعة 1) ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر فقال الشيخ: عند الله
أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين، فقال: مهلا يا شيخ، لعلك تظن قضاء
حتما وقدرا لازما لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي
والزجر، ولسقط معنى الوعيد والوعد، ولم يكن على مسيئ لائمة ولا
لمحسن محمدة، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب، والمذنب أولى
بالاحسان من المحسن 2) ذلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن

342
وقدرية هذه الأمة ومجوسها 1) يا شيخ إن الله عز وجل كلف



(1) الدر المنثور 2: 37 للشيخ علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين العاملي.
343
تخييرا 1)، ونهى تحذيرا 2)، وأعطى على القليل كثيرا 3)، ولم يعص
مغلوبا 4)، ولم يطع مكرها، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما
باطلا 5) ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.

346
قال: فنهض الشيخ وهو يقول:
أنت الامام الذي نرجو بطاعته * يوم النجاة من الرحمن غفرانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه إحسانا
فليس معذرة في فعل فاحشة * قد كنت راكبها فسقا وعصيانا
لا لا ولا قائلا ناهيه أوقعه 1) * فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا 2)
ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا * قتل الولي له ظلما وعدوانا 3)
أنى يحب وقد صحت عزيمته 4) * ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا

347
قال مصنف هذا الكتاب: لم يذكر محمد بن عمر الحافظ في آخر هذا
الحديث إلا بيتين من هذا الشعر من أوله.
وحدثتنا بهذا الحديث أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق
الفارسي العزائمي، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن رميح النسوي بجرجان،
قال: حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر ببغداد، قال: حدثني عبد
الوهاب بن عيسى المروزي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن محمد
البلوي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نجيح، عن أبيه، عن جعفر بن
محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام.
وحدثنا بهذا الحديث أيضا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا
الحسن بن علي السكري. قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال:
حدثنا العباس بن بكار الضبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، عن
ابن عباس: قال: لما انصرف أمير المؤمنين عليه السلام من صفين قام إليه شيخ ممن
شهد معه الواقعة فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا هذا أبقضاء من
الله وقدر؟ وذكر الحديث مثله سواء، إلا أنه زاد فيه: فقال الشيخ: يا أمير
المؤمنين فما القضاء والقدر اللذان ساقانا 1) وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة

348
إلا بهما؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الامر من الله والحكم ثم تلا هذه الآية:
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه 1) وبالوالدين إحسانا (1) أي أمر ربك ألا
تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.
29 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران
النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي عبد



(1) الاسراء: 23.
(2) بحار الأنوار 5: 96 ح 20.
(3) مجمع البيان 3: 409.
349
الله عليه السلام، قال: سألته عن الرقي أتدفع من القدر شيئا؟ فقال: هي من القدر 1)،

350
وقال عليه السلام: إن القدرية مجوس هذه الأمة 1) وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله
بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: يوم يسحبون في
النار على وجوههم ذوقوا مس سقر 2) * إنا كل شئ خلقناه بقدر. (1)



(1) القمر: 49.
(2) نهاية ابن الأثير 2: 254 - 255.
351
30 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي
العزائمي، قال: حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال:
حدثنا عبد العزيز بن يحيى التميمي بالبصرة، وأحمد بن إبراهيم بن معلى
بن أسد العمي، قالا: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال: حدثنا أحمد بن
عيسى ابن زيد قال: حدثنا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن، عن
أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، أنه سئل عن قول
الله عز وجل: إنا كل شئ خلقناه بقدر، فقال: يقول عز وجل: إنا كل
شئ خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم.
31 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسن الكوفي، عن أبيه
الحسن بن علي بن عبد الله الكوفي، عن جده عبد الله بن المغيرة، عن
إسماعيل بن مسلم أنه سئل الصادق عليه السلام عن الصلاة خلف من يكذب بقدر
الله عز وجل، قال: فليعد كل صلاة صلاها خلفه.

352
32 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه،
عن محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ
ابن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في القدر: ألا إن القدر سر من سر
الله، وستر من ستر الله 1)، وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله،
مطوي عن خلق الله، مختوم بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله العباد
عن علمه ورفعه فوق شهاداتهم 2) ومبلغ عقولهم لأنهم لا ينالونه بحقيقة
الربانية 3) ولا بقدرة الصمدانية ولا بعظمة النورانية ولا بعزة الوحدانية،



(1) مجمع البيان 5: 194.
353
لأنه بحر زاخر خالص لله تعالى، عمقه ما بين السماء والأرض 1)، عرضه
ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات والحيتان 2)،
يعلو مرة ويسفل أخرى 3)، في قعره شمس تضئ 4)، لا ينبغي أن يطلع
إليها إلا الله الواحد الفرد، فمن تطلع إليها فقد ضاد الله عز وجل 5) في

354
حكمه ونازعه في سلطانه، وكشف عن ستره وسره، وباء بغضب من الله
ومأواه جهنم وبئس المصير.
قال مصنف هذا الكتاب نقول: إن الله تبارك وتعالى قد قضى جميع
أعمال العباد وقدرها وجميع ما يكون في العالم من خير وشر، والقضاء قد
يكون بمعنى الاعلام كما قال الله عز وجل: وقضينا إلى بني إسرائيل في



(1) بحار الأنوار 5: 97 ح 22 عن الاعتقادات ص 34 - 35.
355




(1) الأنبياء: 16.
(2) الذاريات: 56.
356




(1) بحار الأنوار 5: 98 - 101. عن تصحيح الاعتقادات ص 54 - 59 ط المؤتمر.
357
الكتاب 1) (1) يريد أعلمناهم، وكما قال الله عز وجل: وقضينا إليه ذلك
الامر 2) أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين (2) يريد أخبرناه وأعلمناه، فلا
ينكر أن يكون الله عز وجل يقضي أعمال العباد وسائر ما يكون من خير
وشر على هذا المعنى 3) لان الله عز وجل عالم بها أجمع. ويصح أن يعلمها
عباده ويخبرهم عنها، وقد يكون القدر أيضا في معنى الكتاب والاخبار



(1) الاسراء: 4.
(2) الحجر: 66.
(3) مجمع البيان 3: 398.
(4) مجمع البيان 3: 342.
358
كما قال الله عز وجل: إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين 1) (1) يعني
كتبنا وأخبرنا، وقال العجاج:
واعلم بأن ذا الجلال قد قدر في الصحف الأولى التي كان سطر
و (قدر) معناه كتب.
وقد يكون القضاء بمعنى الحكم والالزام، قال الله عز وجل وقضى
ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا (2) يريد حكم بذلك وألزمه
خلقه، فقد يجوز أن يقال: إن الله عز وجل قد قضى من أعمال العباد على
هذا المعنى ما قد ألزمه عباده وحكم به عليهم وهي الفرائض دون غيرها،
وقد يجوز أيضا أن يقدر الله أعمال العباد بأن يبين مقاديرها وأحوالها من
حسن وقبح وفرض ونافلة وغير ذلك، ويفعل من الأدلة على ذلك ما
يعرف به هذه الأحوال لهذه الأفعال فيكون عز وجل مقدرا لها في
الحقيقة، وليس يقدرها ليعرف مقدارها، ولكن ليبين لغيره ممن لا يعرف
ذلك حال ما قدره بتقديره إياه، وهذا أظهر من أن يخفى، وأبين من أن
يحتاج إلى الاستشهاد عليه، ألا ترى أنا قد نرجع إلى أهل المعرفة
بالصناعات في تقديرها لنا فلا يمنعهم علمهم بمقاديرها من أن يقدروها



(1) الحجر: 60.
(2) الاسراء: 23.
359
لنا ليبينوا لنا مقاديرها، وإنما أنكرنا أن يكون الله عز وجل حكم بها على
عباده ومنعهم من الانصراف عنها، أو أن يكون فعلها وكونها، فأما أن
يكون الله عز وجل خلقها خلق تقدير فلا ننكره.
وسمعت بعض أهل العلم يقول: إن القضاء على عشرة أوجه: فأول
وجه منها العلم وهو قول الله عز وجل: إلا حاجة في نفس يعقوب
قضاها 1) (1) يعني علمها.
والثاني الاعلام وهو قوله عز وجل: وقضينا إلى بني إسرائيل في
الكتاب وقوله عز وجل: وقضينا إليه ذلك الامر أي أعلمناه.
والثالث الحكم وهو قوله عز وجل: والله يقضي بالحق أي يحكم
بالحق.
والرابع القول وهو قوله عز وجل: والله يقضي بالحق (2) أي يقول
الحق.
والخامس الحتم وهو قوله عز وجل: فلما قضينا عليه الموت (3)
يعني حتمنا، فهو القضاء الحتم.
والسادس الامر وهو قوله عز وجل: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه
يعني أمر ربك.



(1) يوسف: 68.
(2) المؤمن: 20.
(3) سبأ: 14.
(4) مجمع البيان 3: 340.
360




(1) التوبة: 25.
361
والسابع الخلق وهو قوله عز وجل: فقضيهن سبع سماوات في
يومين (1) يعني خلقهن.
والثامن الفعل وهو قوله عز وجل: فاقض ما أنت قاض (2) أي
افعل ما أنت فاعل.
والتاسع الاتمام وهو قوله عز وجل: فلما قضى موسى الأجل
وقوله عز وجل حكاية عن موسى: أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي
والله على ما نقول وكيل (3) أي أتممت.
والعاشر الفراغ من الشئ وهو قوله عز وجل: قضي الامر الذي فيه
تستفتيان (4) يعني فرغ لكما منه، وقول القائل: قد قضيت لك حاجتك،
يعني فرغت لك منها، فيجوز أن يقال: إن الأشياء كلها بقضاء الله وقدره
تبارك وتعالى بمعنى أن الله عز وجل قد علمها وعلم مقاديرها، وله عز
وجل في جميعها حكم من خير أو شر، فما كان من خير فقد قضاه بمعنى
أنه أمر به وحتمه وجعله حقا وعلم مبلغه ومقداره، وما كان من شر فلم
يأمر به ولم يرضه ولكنه عز وجل قد قضاه وقدره بمعنى أنه علمه بمقداره
ومبلغه وحكم فيه بحكمه.



(1) فصلت: 12.
(2) طه: 72.
(3) القصص: 28.
(4) يوسف: 41.
364
والفتنة على عشرة أوجه فوجه منها الضلال.
والثاني الاختبار وهو قول الله عز وجل: وفتناك فتونا (1) يعني
اختبرناك اختبارا، وقوله عز وجل: ألم أحسب الناس أن يتركوا أن
يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2) أي لا يختبرون.
والثالث الحجة وهو قوله عز وجل: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا
والله ربنا ما كنا مشركين (3).
والرابع الشرك وهو قوله عز وجل: والفتنة أشد من القتل (4).
والخامس الكفر وهو قوله عز وجل: ألا في الفتنة سقطوا (5) يعني
في الكفر.
والسادس الاحراق بالنار وهو قوله عز وجل: إن الذين فتنوا
المؤمنين والمؤمنات - الآية (6) يعني أحرقوا.
والسابع العذاب وهو قوله عز وجل: يوم هم على النار يفتنون (7)
يعني يعذبون، وقوله عز وجل: ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به



(1) طه: 40.
(2) العنكبوت: 2.
(3) الانعام: 23.
(4) البقرة: 191.
(5) التوبة: 49.
(6) البروج: 10.
(7) الذاريات: 13.
(8) مجمع البيان 3: 249 - 250.
(9) الجمعة: 10.
365
تكذبون (1) يعني عذابكم، وقوله عز وجل: ومن يرد الله فتنته (يعني
عذابه) فلن تملك له من الله شيئا (2).
والثامن القتل وهو قوله عز وجل: إن خفتم أن يفتنكم الذين
كفروا (3) يعني إن خفتم أن يقتلوكم، وقوله عز وجل: فما آمن لموسى
إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم (4) يعني أن
يقتلهم.
والتاسع الصد وهو قوله عز وجل: وإن كادوا ليفتنونك عن الذي
أوحينا إليك (5) يعني ليصدونك.
والعاشر شدة المحنة وهو قوله عز وجل: ربنا لا تجعلنا فتنة
للذين كفروا (6) وقوله عز وجل: ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين
(7) أي محنة فيفتنوا بذلك ويقولوا في أنفسهم: لم يقتلهم إلا دينهم الباطل
وديننا الحق فيكون ذلك داعيا لهم إلى النار على ما هم عليه من الكفر
والظلم.
قد زاد علي بن إبراهيم بن هاشم على هذه الوجوه العشرة وجها آخر
فقال: من وجوه الفتنة ما هو المحبة وهو قوله عز وجل: إنما أموالكم
وأولادكم فتنة (8) أي محبة، والذي عندي في ذلك أن وجوه الفتنة عشرة
وأن الفتنة في هذا الموضع أيضا المحنة - بالنون - لا المحبة - بالباء -.



(1) الذاريات: 14. وفي المصحف (به تستعجلون).
(2) المائدة: 41.
(3) النساء: 101.
(4) يونس: 83.
(5) الاسراء: 73.
(6) الممتحنة: 5.
(7) يونس: 85.
(8) الأنفال: 28، والتغابن: 15.
366
وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله (الولد مجهلة محنة مبخلة) 1) وقد أخرجت
هذا الحديث مسندا في كتاب مقتل الحسين بن علي صلى الله عليهما.
33 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي
ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد،
عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله بالمحتكرين فأمر
بحكرتهم أن يخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر الابصار إليها، فقيل
لرسول الله صلى الله عليه وآله: لو قومت عليهم، فغضب عليه السلام حتى عرف الغضب في
وجهه 2) وقال: أنا أقوم عليهم؟! إنما السعر إلى الله عز وجل يرفعه إذا شاء
ويخفضه إذا شاء. وقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: لو أسعرت لنا سعرا فإن الأسعار
تزيد وتنقص، فقال عليه السلام: ما كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث لي
فيها شيئا فدعوا عباد الله يأكل بعضهم من بعض.



(1) نهاية ابن الأثير 1: 304.
367
34 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير، عن
أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: إن الله تبارك وتعالى
وكل بالسعر ملكا يدبره 1) بأمره، وقال أبو حمزة الثمالي: ذكر عند علي بن
الحسين عليهما السلام غلاء السعر فقال: وما علي من غلائه، إن غلا فهو عليه، وإن
رخص فهو عليه.

368
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الغلاء هو الزيادة في أسعار الأشياء
حتى يباع الشئ بأكثر مما كان يباع في ذلك الموضع، والرخص هو
النقصان في ذلك، فما كان من الرخص والغلاء عن سعة الأشياء وقلتها فإن
ذلك من الله عز وجل ويجب الرضا بذلك والتسليم له، وما كان من الغلاء
والرخص بما يؤخذ الناس به لغير قلة الأشياء وكثرتها من غير رضى منهم
به أو كان من جهة شراء واحد من الناس جميع طعام بلد فيغلو الطعام
لذلك فذلك من المسعر والمتعدي بشرى طعام المصر كله كما فعله حكيم
بن حزام، كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي صلى الله عليه وآله
فقال: يا حكيم ابن حزام إياك أن تحتكر.
35 - حدثنا بذلك أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب
ابن يزيد عن صفوان بن يحيى، عن سلمة الحناط، عن أبي عبد الله عليه السلام
متى كان في المصر طعام غير ما يشتريه الواحد من الناس فجائز له أن
يلتمس بسلعته الفضل لأنه إذا كان في المصر طعام غيره يسع الناس لم
يغل الطعام لأجله، وإنما يغلو إذا اشترى الواحد من الناس جميع ما يدخل
المدينة.

369
36 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد و عبد الله
ابني محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن
عبد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الحكرة فقال:
إنما الحكرة أن تشتري طعاما وليس في المصر غيره فتحتكره، فإن كان في
المصر طعام أو متاع غيره فلا بأس 1) أن تلتمس لسلعتك الفضل. ولو كان
الغلاء في هذا الموضع من الله عز وجل لما استحق المشتري لجميع طعام



(1) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 342 - 343.
370
المدينة الذم لان الله عز وجل لا يذم العبد على ما يفعله ولذلك قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون 1)) ولو كان منه عز وجل
لوجب الرضى به والتسليم له، كما يجب إذا كان عن قلة الأشياء أو قلة
الريع لأنه من الله عز وجل، وما كان من الله عز وجل أو من الناس فهو
سابق في علم الله تعالى ذكره مثل خلق الخلق وهو بقضائه وقدره على ما
بينته من معنى القضاء والقدر.
61 - باب الأطفال
وعدل الله عز وجل فيهم
1 - حدثنا الحسين بن يحيى بن ضريس البجلي قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا أبو جعفر محمد بن عمارة السكري السرياني، قال: حدثنا إبراهيم
ابن عاصم بقزوين، قال: حدثنا عبد الله بن هارون الكرخي، قال: حدثنا أبو
جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد بن سلام بن عبيد الله قال: حدثني أبي
عبد الله بن يزيد، قال حدثني أبي يزيد بن سلام، عن أبيه سلام بن



(1) عوالي اللآلي 2: 138.
371
عبيد الله، عن عبد الله بن سلام مولى رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: سألت رسول
الله صلى الله عليه وآله فقلت: أخبرني أيعذب الله عز وجل خلقا بلا حجة؟ فقال: معاذ
الله، قلت: فأولاد المشركين في الجنة أم في النار؟ فقال: الله تبارك وتعالى
أولى بهم، إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله عز وجل الخلائق لفصل القضاء
يأتي بأولاد المشركين فيقول لهم: عبيدي وإمائي من ربكم وما دينكم وما
أعمالكم؟! قال: فيقولون: اللهم ربنا أنت خلقتنا ولم نخلق شيئا وأنت
أمتنا ولم نمت شيئا ولم تجعل لنا ألسنة ننطق بها، ولا أسماعا نسمع بها
ولا كتابا نقرأه، ولا رسولا فنتبعه، ولا علم لنا إلا ما علمتنا، قال: فيقول
لهم عز وجل: عبيدي وإمائي إن أمرتكم بأمر أتفعلوه؟! فيقولون: السمع
والطاعة لك يا ربنا، قال: فيأمر الله عز وجل نارا يقال لها: الفلق، أشد
شئ في جهنم عذابا فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسلاسل
والاغلال، فيأمرها الله عز وجل أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة فتنفخ،
فمن شدة نفختها تنقطع السماء وتنطمس النجوم وتجمد البحار وتزول
الجبال وتظلم الابصار وتضع الحوامل حملها ويشيب الولدان من هولها
يوم القيامة، ثم يأمر الله تبارك وتعالى أطفال المشركين أن يلقوا أنفسهم
في تلك النار 1)، فمن سبق له في علم الله عز وجل أن يكون سعيدا ألقى

372
نفسه فيها فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام، ومن
سبق له في علم الله عز وجل أن يكون شقيا امتنع فلم يلق نفسه في النار،
فيأمر الله تبارك وتعالى النار فتلتقطه لتركه أمر الله وامتناعه من الدخول



(1) البقرة: 54.
(2) تهذيب الأحكام 1: 198 ح 49 و 51.
(3) البقرة: 286.
373
فيها فيكون تبعا لآبائه في جهنم، وذلك قوله عز وجل فمنهم شقي
وسعيد 1) * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق 2) * خالدين



(1) الرحمن: 33.
374
فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك 1) إن ربك فعال لما يريد *
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا
ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ (1).



(1) هود: 108.
(2) الأعراف: 40.
375




(1) مجمع البيان 3: 194 - 195.
377




(1) شرح المقاصد 5: 122 - 125.
380
2 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن
الرضا عليه السلام قال: قلت له: لأي علة أغرق الله عز وجل الدنيا كلها في زمن
نوح عليه السلام وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له؟ فقال: ما كان فيهم الأطفال لان
الله عز وجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاما 1) فانقطع
نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم، وما كان الله عز وجل ليهلك بعذابه من لا
ذنب له، وأما الباقون من قوم نوح عليه السلام فأغرقوا لتكذيبهم لنبي الله نوح عليه السلام
وسائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين ومن غاب عن أمر فرضي

381
به كان كمن شهده وأتاه 1).
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن محمد بن سنان،
عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: إن أولاد
المسلمين هم موسومون عند الله عز وجل شافع ومشفع 2) فإذا بلغوا اثنتي
عشرة سنة كتبت لهم الحسنات، وإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات.
4 - حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قالا:
حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن
أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن
عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا كان يوم القيامة
احتج الله عز وجل على سبعة: على الطفل 3)، والذي مات بين النبيين،

382
والشيخ الكبير الذي أدرك النبي وهو لا يعقل، والأبله، والمجنون الذي لا
يعقل، والأصم، والأبكم، فكل واحد منهم يحتج على الله عز وجل قال:
فيبعث الله عز وجل إليهم رسولا فيؤجج لهم نارا ويقول، إن ربكم يأمركم
أن تثبوا فيها فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما ومن عصى سيق إلى
النار.
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن فضل بن عامر، عن موسى بن القاسم
البجلي، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة بن أعين، قال: رأيت
أبا جعفر عليه السلام صلى على ابن لجعفر عليه السلام صغير فكبر عليه، ثم قال: يا زرارة
إن هذا وشبهه لا يصلى عليه، ولولا أن يقول الناس: إن بني هاشم لا
يصلون على الصغار ما صليت عليه، قال زرارة: فقلت: فهل سئل عنهم
رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم قد سئل عنهم فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين،



(1) بحار الأنوار 5: 295.
383
ثم قال: يا زرارة أتدري ما قوله: الله أعلم بما كانوا عاملين؟ قال: فقلت:
لا والله، فقال: لله عز وجل فيهم المشية، إنه إذا كان يوم القيامة احتج الله
تبارك وتعالى على سبعة: على الطفل، وعلى الذي مات بين النبي والنبي،
وعلى الشيخ الكبير الذي يدرك النبي وهو لا يعقل، والأبله، والمجنون
الذي لا يعقل، والأصم، والأبكم، فكل هؤلاء يحتج الله عز وجل عليهم
يوم القيامة، فيبعث الله إليهم رسولا ويخرج إليهم نارا فيقول لهم: إن ربكم
يأمركم أن تثبوا في هذه النار، فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما،
ومن عصاه سيق إلى النار.

384
6 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن الهيثم بن أبي
مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن الحلبي،
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم عليه السلام وسارة



(1) الاسراء: 15.
(2) بحار الأنوار 5: 295 - 296 عنهما.
385
أطفال المؤمنين يغذونهم 1) من شجرة في الجنة لها أخلاف كأخلاف البقر،
في قصور من در فإذا كان يوم القيامة البسوا وطيبوا واهدوا إلى آبائهم،
فهم مع آبائهم ملوك في الجنة.



(1) بحار الأنوار 5: 297 عن شرح التجريد ص 318.
386
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي
بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: والذين آمنوا
واتبعتهم ذريتهم بإيمان 1) ألحقنا بهم ذريتهم (1) قال: قصرت الأبناء عن
عمل الآباء فألحق الله عز وجل الأبناء بالآباء ليقر بذلك أعينهم.
8 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن
أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى بن
سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن أبي زكريا، عن أبي بصير، قال: قال أبو
عبد الله عليه السلام: إذا مات طفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت
السماوات والأرض: ألا إن فلان بن فلان قد مات، فإن كان قد مات والده
أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه يغذوه، وإلا دفع إلى
فاطمة صلوات الله عليها تغذوه حتى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل
بيته من المؤمنين فتدفعه إليه.



(1) الطور: 21.
387
9 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن
أحمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن حسان، عن الحسين بن محمد
النوفلي من ولد نوفل بن عبد المطلب، قال: أخبرني محمد بن جعفر، عن
محمد بن علي، عن عيسى بن عبد الله العمري، عن أبيه، عن جده، عن
علي عليه السلام في المرض يصيب الصبي؟ قال: كفارة لوالديه.
10 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن الحسن بن محبوب،
عن علي بن رئاب، عن عبد الاعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله عليه السلام.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تزوجوا الابكار فإنهن أطيب شئ أفواها وأدر
شئ أخلافا وأفتح شئ أرحاما، أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم
القيامة حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب الجنة 1) فيقول الله عز وجل
له: ادخل الجنة، فيقول: لا حتى يدخل أبواي قبلي، فيقول الله عز وجل



(1) مجمع البيان 5: 165 - 166.
388
لملك من الملائكة: ايتني بأبويه، فيأمر بهما إلى الجنة، فيقول: هذا بفضل
رحمتي لك.
11 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن
أحمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن الوليد، عن حماد بن عثمان، عن
جميل بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن أطفال الأنبياء عليهم السلام
فقال: ليسوا كأطفال سائر الناس قال: وسألته عن إبراهيم ابن رسول الله
صلى الله عليه وآله لو بقي كان صديقا 1)؟ قال: لو بقي كان على منهاج أبيه صلى الله عليه وآله 2).
12 - وبهذا الاسناد، عن حماد بن عثمان، عن عامر بن عبد الله، قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان على قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله عذق
وقال عليه السلام: مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان له ثمانية عشر شهرا
فأتم الله عز وجل رضاعه في الجنة.
قال مصنف هذا الكتاب في الأطفال وأحوالهم 3): إن الوجه في معرفة
العدل والجور والطريق إلى تميزهما ليس هو ميل الطباع إلى الشئ
ونفورها عنه وأنه استحسان العقل له واستقباحه إياه، فليس يجوز لذلك



(1) البحار 5: 294 ح 20 عن الفقيه.
389
أن نقطع بقبح فعل من الافعال لجهلنا بعلله. ولا أن نعمل في إخراجه عن
حد العدل على ظاهر صورته، بل الوجه إذا أردنا أن نعرف حقيقة نوع من
أنواع الفعل قد خفي علينا وجه الحكمة فيه أن نرجع إلى الدليل الذي يدل
على حكمة فاعله ونفرغ إلى البرهان الذي يعرفنا حال محدثه، فإذا
أوجبنا له في الجملة أنه لا يفعل إلا الحكمة والصواب وما فيه الصنع
والرشاد لزمنا أن نعم بهذه القضية أفعاله كلها، جهلنا عللها أم عرفناها، إذ
ليس في العقول قصرها على نوع من الفعل دون نوع ولا خصوصها في
جنس دون جنس، ألا ترى أنا لو رأينا أبا قد ثبتت بالدلائل عندنا حكمته
وصح بالبرهان لدينا عدله يقطع جارحة من جوارح ولده أو يكوي عضوا
من أعضائه ولم نعرف السبب في ذلك ولا العلة التي لها يفعل ما يفعله به
لم يجز لجهلنا بوجه المصلحة فيه أن ننقض ما قد أثبته البرهان الصادق
في الجملة من حسن نظره له ولارادته الخير به، فكذلك أفعال الله العالم
بالعواقب والابتداء تبارك وتعالى لما أوجب الدليل في الجملة أنها لا
تكون إلا حكمة ولا تقع إلا صوابا لم يجز لجهلنا بعلل كل منها على
التفصيل أن نقف فيما عرفناه من جملة أحكامها، لا سيما وقد عرفنا عجز
أنفسنا عن معرفة علل الأشياء وقصورها عن الإحاطة بمعاني الجزئيات،
هذا إذا أردنا أن نعرف الجملة التي لا يسع جهلها من أحكام أفعاله عز

390
وجل، فأما إذا أردنا أن نستقصي معانيها ونبحث عن عللها فلن نعدم في
العقول بحمد الله ما يعرفنا من وجه الحكمة في تفصيلاتها ما يصدق الدلالة
على جملتها، والدليل على أن أفعال الله تبارك وتعالى حكمة بعدها من
التناقض وسلامتها من التفاوت وتعلق بعضها ببعض وحاجة الشئ إلى
مثله وائتلافه بشكله واتصال كل نوع بشبهه حتى لو توهمت على خلاف
ما هي عليه من دوران أفلاكها وحركة شمسها وقمرها ومسير كواكبها
لانتقضت وفسدت، فلما استوفت أفعال الله عز وجل ما ذكرناه من شرائط
العدل وسلمت مما قدمناه من علل الجور صح أنها حكمة، والدليل على
أنه لا يقع منه عز وجل الظلم ولا يفعله أنه قد ثبت أنه تبارك وتعالى قديم
غني عالم لا يجهل والظلم لا يقع إلا من جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله
منتفع به، فلما كان أنه تبارك وتعالى قديما غنيا لا تجوز عليه المنافع
والمضار عالما بما كان ويكون من قبيح وحسن صح أنه لا يفعل إلا
الحكمة ولا يحدث إلا الصواب، ألا ترى أن من صحت حكمته منا لا
يتوقع منه مع غنائه عن فعل القبيح وقدرته على تركه وعلمه بقبحه وما
يستحق من الذم على فعله ارتكاب العظائم فلا يخاف عليه مواقعة
القبائح، وهذا بين، والحمد لله.
13 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي
ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان الخزاز، عن عمرو بن
شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي
الباقر عليهما السلام: يا ابن رسول الله إنا نرى من الأطفال من يولد ميتا، ومنهم من
يسقط غير تام، ومنهم من يولد أعمى أو أخرس أو أصم، ومنهم من

391
يموت من ساعته إذا سقط على الأرض، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام،
ومنهم من يعمر حتى يصير شيخا، فكيف ذلك وما وجهه؟ فقال عليه السلام: إن
الله تبارك وتعالى أولى بما يدبره من أمر خلقه منهم، وهو الخالق والمالك
لهم، فمن منعه التعمير فإنما منعه ما ليس له، ومن عمره فإنما أعطاه ما
ليس له، فهو المتفضل بما أعطاه وعادل فيما منع، ولا يسأل عما يفعل
وهم يسألون، قال جابر: فقلت له: يا ابن رسول الله وكيف لا يسأل عما
يفعل؟ قال: لأنه لا يفعل إلا ما كان حكمة وصوابا، وهو المتكبر الجبار
والواحد القهار فمن وجد في نفسه حرجا في شئ مما قضى الله فقد كفر،
ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد.
62 - باب ان الله تعالى
لا يفعل بعباده الا الأصلح لهم
1 - أخبرني أبو الحسين طاهر بن محمد بن يونس بن حياة الفقيه
ببلخ، قال: حدثنا محمد بن عثمان الهروي، قال: حدثنا أبو محمد الحسن
ابن الحسين بن مهاجر قال: حدثنا هشام بن خالد، قال: حدثنا الحسن بن
يحيى الحنيني قال: حدثنا صدقة بن عبد الله، عن هشام، عن أنس عن
النبي صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل، عن الله عز وجل، قال: قال الله تبارك وتعالى: من
أهان وليا لي فقد بارزني بالمحاربة 1) وما ترددت في شئ أنا فاعله مثل

392
ما ترددت في قبض نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته 1) ولا بد له



(1) الأربعون حديثا ص 210 - 211، ح 35.
(2) الجمعة: 6.
394
منه، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه 1)، ولا يزال



(1) الأربعون حديثا ص 212.
(2) الانعام: 162.
395
عبدي يتنفل لي حتى أحبه 1)، ومتى أحببته كنت له سمعا وبصرا
ويدا ومؤيدا 2)، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن من عبادي
المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده
ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته
لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالغناء ولو
أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا
بالسقم ولو صححت جسمه لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا
يصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، إني ادبر عبادي لعلمي
بقلوبهم، فإني عليم خبير.

396
2 - حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال:
حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن
البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال، قرأت على أبي عمر
الصنعاني عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: رب أشعث أغبر ذي طمرين 1) مدفع بالأبواب لو أقسم على
الله عز وجل لأبره.
3 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه
عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن محمد بن المنكدر،
قال: مرض عون بن عبد الله بن مسعود فأتيته أعوده فقال: ألا أحدثك

397
بحديث عن عبد الله بن مسعود قلت: بلى، قال: قال عبد الله: بينما نحن
عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ تبسم، فقلت له مالك يا رسول الله؟ قال: عجبت من
المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لأحب أن
لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عز وجل.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير،
عن هشام بن سالم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن قوما أتوا نبيا فقالوا: ادع
لنا ربك يرفع عنا الموت، فدعا لهم، فرفع الله تبارك وتعالى عنهم الموت،
وكثروا حتى ضاقت بهم المنازل وكثر النسل، وكان الرجل يصبح فيحتاج
أن يطعم أباه وأمه وجده وجد جده ويرضيهم ويتعاهدهم، فشغلوا عن
طلب المعاش، فأتوه فقالوا: سل ربك أن يردنا إلى آجالنا التي كنا عليها،
فسأل ربه عز وجل فردهم إلى آجالهم.
5 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله
البرقي رحمه الله قال: حدثنا أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن الحسن بن
علي بن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه، عن سليمان بن خالد، عن أبي
عبد الله الصادق، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ذات
يوم حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا تسألوني مم ضحكت، قالوا: بلى يا
رسول الله، قال: عجبت للمرء المسلم أنه ليس من قضاء يقضيه الله عز
وجل إلا كان خيرا له في عاقبة أمره.
6 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي

398
قتادة القمي قال: حدثنا عبد الله بن يحيى، عن أبان الأحمر، عن الصادق
جعفر بن محمد عليهما السلام قال: والذي بعث جدي صلى الله عليه وآله بالحق نبيا إن الله تبارك
وتعالى ليرزق العبد على قدر المروة، وإن المعونة لتنزل من السماء على
قدر المؤونة، وإن الصبر لينزل على قدر شدة البلاء.
7 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن
المفضل بن صالح، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن
علي الباقر عليهما السلام، قال: إن موسى بن عمران عليه السلام قال: يا رب رضيت بما
قضيت تميت الكبير وتبقي الصغير، فقال الله عز وجل: يا موسى أما
ترضاني لهم رازقا وكفيلا؟ قال: بلى يا رب فنعم الوكيل أنت ونعم الكفيل.
8 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن صفوان
ابن يحيى، عن محمد بن أبي الهزهاز، عن علي بن الحسن قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز وجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا
يحتسبون 1)، وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه.
9 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي، قال: حدثنا جعفر بن سليمان بن أيوب الخزاز قال: حدثنا عبد
الله بن الفضل الهاشمي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي علة جعل الله

399
تبارك وتعالى الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوته الاعلى في أرفع
محل 1)؟ فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح في شرفها



(1) الاسراء: 85.
400




(1) بحار الأنوار 61: 75 - 76.
401
وعلوها متى تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية 1) دونه عز
وجل، فجعلها بقدرته في الأبدان التي قدرها لها في ابتداء التقدير نظرا لها
ورحمة بها، وأحوج بعضها إلى بعض، وعلق بعضها على بعض، ورفع
بعضها فوق بعض درجات، وكفى بعضها ببعض، وبعث إليهم رسله واتخذ
عليهم حججه مبشرين ومنذرين يأمرونهم بتعاطي العبودية والتواضع
لمعبودهم بالأنواع التي تعبدهم بها ونصب لهم عقوبات في العاجل وعقوبات
في الأجل ومثوبات في العاجل ومثوبات في الأجل ليرغبهم بذلك في
الخير ويزهدهم في الشر وليذلهم بطلب المعاش والمكاسب فيعلموا بذلك
أنهم مربوبون وعباد مخلوقون ويقبلوا على عبادته فيستحقوا بذلك نعيم
الأبد وجنة الخلد ويأمنوا من النزوع إلى ما ليس لهم بحق، ثم قال عليه السلام:
يا ابن الفضل إن الله تبارك وتعالى أحسن نظرا لعباده منهم لأنفسهم، ألا
ترى أنك لا ترى فيهم إلا محبا للعلو على غيره حتى أن منهم لمن قد نزع
إلى دعوى الربوبية، ومنهم من قد نزع إلى دعوى النبوة بغير حقها ومنهم
من قد نزع إلى دعوى الإمامة بغير حقها، مع ما يرون في أنفسهم من
النقص والعجز والضعف والمهانة والحاجة والفقر والآلام المتناوبة عليهم
والموت الغالب لهم والقاهر لجميعهم، يا ابن الفضل إن الله تبارك

402
وتعالى لا يفعل لعباده إلا الأصلح لهم، ولا يظلم الناس شيئا ولكن الناس
أنفسهم يظلمون.
10 - حدثنا محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي
عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين
ابن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد
الله جعفر الصادق عليه السلام، قال: سألته عن قول الله عز وجل: ولا يزالون
مختلفين 1) * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم (1) قال: خلقهم ليفعلوا ما
يستوجبوا به رحمته فيرحمهم.



(1) هود: 118.
403




(1) الكهف: 98.
(2) الأعراف: 56.
(3) هود: 119.
(4) مجمع البيان 3: 203 - 204.
404




(1) امالي السيد المرتضى 1: 50 - 52.
(2) الكشاف 2: 298 - 299.
(3) معاني الأخبار ص 157 والموجود هنا مضمون الخبر لا نفسه.
405
11 - حدثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي، قال: حدثنا يوسف بن
محمد ابن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما، عن الحسن بن علي،
عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى
الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد
بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام في قول الله عز وجل: الذي جعل
لكم الأرض فراشا (1) قال: جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم،
لم يجعلها شديدة الحمي والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرد فتجمدكم،
ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم، ولا
شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم
وأبنيتكم وقبور موتاكم، ولكنه عز وجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون
به وتتماسكون وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم، وجعل فيها ما تنقاد به
لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم فلذلك جعل الأرض فراشا لكم، ثم
قال عز وجل والسماء بناء أي سقفا من فوقكم محفوظا، يدير فيها



(1) البقرة: 22.
406
شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم، ثم قال عز وجل: وأنزل من السماء
ماء يعني المطر نزله من العلى ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم
وأوهادكم، ثم فرقه رذاذا ووابلا وهطلا 1) وطلا لتنشفه أرضوكم، ولم
يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم وأشجاركم
وزروعكم وثماركم، ثم قال عز وجل: فأخرج به من الثمرات رزقا لكم
فلا تجعلوا لله أندادا أي أشباها وأمثالا من الأصنام التي لا تعقل ولا
تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شئ وأنتم تعلمون أنها لا تقدر على
شئ 2) من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم تبارك وتعالى.
12 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن داود بن كثير الرقي، عن
أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله
جل جلاله: إن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من

407
رقاده ولذيذ وساده فيتهجد في الليالي ويتعب نفسه في عبادتي فأضربه
بالنعاس الليلة والليلتين نظرا مني له وإبقاء عليه فينام حتى يصبح ويقوم
وهو ماقت لنفسه زار عليها، ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي
لدخله من ذلك العجب فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله ورضاه عن نفسه
حتى يظن أنه قد فاق العابدين، وجاز في عبادته حد التقصير فيتباعد مني
عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي.
13 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب،
عن مالك بن عطية، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان فيما
أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: أن يا موسى ما خلقت خلقا أحب
إلي من عبدي المؤمن، وإنما أبتليه لما هو خير له وأعافيه لما هو خير له،
وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي، فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي
وليرض بقضائي أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضائي فأطاع
أمري.

408
63 - باب الأمر والنهي والوعد والوعيد
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن
صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الناس
مأمورون منهيون، ومن كان له عذر عذره الله عز وجل.
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن هشام بن سالم،
عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إن في التوراة
مكتوبا يا موسى إني خلقتك واصطفيتك وقويتك وأمرتك بطاعتي ونهيتك
عن معصيتي، فإن أطعتني أعنتك على طاعتي وإن عصيتني لم أعنك على
معصيتي، يا موسى ولي المنة عليك في طاعتك لي، ولي الحجة عليك في
معصيتك لي.
3 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد
ابن أبي عبد الله البرقي، عن علي بن محمد القاساني، عمن ذكره، عن



(1) أمالي السيد المرتضى 4: 96 - 97.
409
عبد الله بن القاسم الجعفري، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له، ومن أوعده
على عمل عقابا فهو فيه بالخيار 1).



(1) النساء: 93.
410




(1) بحار الأنوار 6: 7 - 9 عنه.
(2) ق: 29.
411




(1) بحار الأنوار 6: 9 عنه.
412




(1) بحار الأنوار 6: 9 - 10 عنه.
413
4 - حدثنا أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي بنيسابور سنة اثنتين
وخمسين وثلاثمائة، قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثنا ابن
ذكوان قال: سمعت إبراهيم بن العباس يقول: كنا في مجلس الرضا عليه السلام
فتذاكروا الكبائر وقول المعتزلة فيها: إنها لا تغفر 1) فقال الرضا عليه السلام: قال
أبو عبد الله عليه السلام قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة، قال الله عز وجل:

414
وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم 1) (1) والحديث طويل أخذنا منه
موضع الحاجة.
5 - حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي، وأحمد بن الحسن
القطان، ومحمد بن أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن
هشام المكتب، و عبد الله بن محمد الصائغ، وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنه،
قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر
ابن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، قال: حدثنا أبو معاوية،
عن الأعمش، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال فيما وصف له من شرائع
الدين: إن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يكلفها فوق طاقتها، وأفعال
العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، والله خالق كل شئ، ولا نقول
بالجبر، ولا بالتفويض، ولا يأخذ الله عز وجل البرئ بالسقيم، ولا يعذب
الله عز وجل الأطفال بذنوب الاباء، فإنه قال في محكم كتابه: ولا



(1) الرعد: 6.
(2) بحار الأنوار 5: 236 - 237 عن شرح التجريد ص 415 - 416.
(3) مجمع البيان 3: 278.
415
تزر وازرة وزر أخرى (1) وقال عز وجل: وأن ليس للانسان إلا ما
سعى 1) (2) ولله عز وجل أن يعفو ويتفضل، وليس له عز وجل أن يظلم،
ولا يفرض الله عز وجل على عباده طاعة من يعلم أنه يغويهم ويضلهم،
ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد
الشيطان دونه، ولا يتخذ على خلقه حجة إلا معصوما. والحديث طويل
أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في كتاب الخصال.
6 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا
علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، قال:
سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: لا يخلد الله في النار إلا أهل
الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك 2)، ومن أجتنب الكبائر من
المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال الله تبارك وتعالى: إن تجتنبوا
كبائر ما تنهون عنه 3) نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا



(1) الانعام: 164، والاسراء: 15، وفاطر: 18، والزمر: 7.
(2) النجم: 39.
416
كريما (1) قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من
المذنبين؟ قال: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: سمعت



(1) النساء: 31.
(2) مجمع البيان 2: 38.
(3) مجمع البيان 2: 39.
417




(1) بحار الأنوار 5: 332 - 333 عنه.
419
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي 1)، فأما
المحسنون منهم فما عليهم من سبيل) قال ابن أبي عمير: فقلت له: يا ابن



(1) بحار الأنوار 5: 333 - 334. (1) الاسراء: 79.
420




(1) غافر: 18.
(2) البقرة: 270، آل عمران: 192، المائدة: 72.
(3) البقرة: 123.
(4) نفس الآية.
(5) المدثر: 48.
(6) الأنبياء: 28.
(7) بحار الأنوار 8: 61 - 62 عن شرح التجريد ص 416 - 417.
421
رسول الله فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالى ذكره يقول: ولا
يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون (1) ومن يرتكب
الكبائر لا يكون مرتضى، فقال: يا أبا أحمد ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلا



(1) الأنبياء: 28.
(2) بحار الأنوار 8: 62 - 63 عنه.
422
ساءه ذلك وندم عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (كفى بالندم توبة) وقال عليه السلام:
(من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن) فمن لم يندم على ذنب
يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما، والله تعالى ذكره
يقول: ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع (1) فقلت له: يا ابن رسول
الله وكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه؟ فقال: يا أبا أحمد
ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنه سيعاقب عليها إلا
ندم على ما ارتكب ومتى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة، ومتى لم يندم
عليها كان مصرا والمصر لا يغفر له لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ولو
كان مؤمنا بالعقوبة لندم، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (لا كبيرة مع الاستغفار ولا
صغيرة مع الاصرار) وأما قول الله عز وجل: ولا يشفعون إلا لمن
ارتضى فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه، والدين الاقرار بالجزاء
على الحسنات والسيئات، فمن ارتضى الله دينه ندم على ما ارتكبه من
الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة.
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن
الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن
محمد بن أبي عمير، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من



(1) المؤمن: 18.
423
هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة 1)، فإن عملها كتبت له عشر



(1) مجمع البيان 4: 44 - 45.
(2) مجمع البيان 5: 520.
(3) الانعام: 160.
(4) البقرة: 261.
(5) البقرة: 261.
424
أمثالها 1)، ويضاعف الله لمن يشاء إلى سبعمائة 2)، ومن هم بسيئة فلم
يعملها لم تكتب عليه حتى يعملها 3)، فإن لم يعملها كتبت له حسنة بتركه



(1) مجمع البيان 2: 390.
(2) البقرة: 261.
425




(1) في المجمع: يجوز.
426
لفعلها، وإن عملها اجل تسع ساعات 1) فإن تاب وندم عليها لم تكتب عليه



(1) البقرة: 284.
(2) مجمع البيان 1: 401.
(3) بحار الأنوار 70: 201 ح 5 و 209 ح 30.
427
وإن لم يتب ولم يندم عليها كتبت عليه سيئة.
8 - حدثنا محمد بن محمد بن الغالب الشافعي، قال: أخبرنا أبو محمد
مجاهد بن أعين بن داود، قال: أخبرنا عيسى بن أحمد العسقلاني، قال:
أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا إسرافيل قال: أخبرنا ثوير، عن أبيه
أن عليا عليه السلام قال: ما في القرآن آية أحب إلي من قوله عز وجل: إن الله
لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن 1) يشاء (1).



(1) النساء: 48 و 116.
428




(1) مجمع البيان 2: 56 - 57.
429
9 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي بسرخس، قال:
حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثني إسحاق بن
إسرائيل، قال: حدثنا حريز، عن عبد العزيز عن زيد بن وهب، عن أبي
ذر رحمه الله، قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي وحده
وليس معه إنسان، فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت
أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال: من هذا؟ فقلت: أبو ذر جعلني
الله فداك، قال: يا أبا ذر تعال، قال: فمشيت معه ساعة، فقال: إن المكثرين
هم الأقلون يوم القيامة 1) إلا من أعطاه الله خيرا فنفح منه بيمينه وشماله
وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا، قال: فمشيت معه ساعة، فقال لي:
اجلس هاهنا، وأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: اجلس حتى
أرجع إليك، قال: فانطلق في الحرة حتى لم أره وتوارى عني، فأطال



(1) بحار الأنوار 70: 352.
(2) الحجر: 56.
(3) الأعراف: 99.
430
اللبث، ثم إني سمعته عليه السلام وهو مقبل وهو يقول: وإن زنى وإن سرق، قال:
فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله جعلني الله فداك من تكلمه في
جانب الحرة؟ فإني ما سمعت أحدا يرد عليك من الجواب شيئا، قال: ذاك
جبرئيل عرض لي في جانب الحرة فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك
بالله عز وجل شيئا دخل الجنة، قال: قلت: يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق؟
قال: نعم، وإن شرب الخمر.
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله، يعني بذلك أنه يوفق للتوبة 1) حتى
يدخل الجنة 2).
10 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه،
عن محمد بن أبي عمير، عن معاذ الجوهري، عن الصادق جعفر بن محمد،
عن آبائه صلوات الله عليهم، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل عليه السلام، قال:

431
قال الله جل جلاله: من أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا وهو لا يعلم أن لي أن
أعذبه 1) به أو أعفو عنه لا غفرت له ذلك الذنب أبدا، ومن أذنب ذنبا
صغيرا كان أو كبيرا وهو يعلم أن لي أن أعذبه وأن أعفو عنه عفوت عنه.
64 - باب التعريف والبيان والحجة والهداية
1 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال حدثنا
أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حكيم،
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المعرفة صنع من هي؟ قال: من صنع الله عز
وجل، ليس للعباد فيها صنع 2).



(1) الفتح: 6.
432
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن
جميل بن دراج، عن ابن الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل
احتج على الناس بما آتاهم وما عرفهم 1).
3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي
القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون،
عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل احتج على
الناس بما آتاهم وما عرفهم.
4 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي
القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون،



(1) في (ن): نظرية.
433
عن حمزة بن الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: وما كان
الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون 1) (1) قال: حتى
يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه، وقال: فألهمها فجورها وتقويها (2) قال:
بين لها ما تأتي وما تترك 2)، وقال: إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما
كفورا (3) قال: عرفناه 3) إما آخذا وإما تاركا وفي قوله عز وجل: وأما
ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى (4) قال: عرفناهم فاستحبوا
العمى على الهدى وهم يعرفون.



(1) التوبة: 115.
(2) الشمس: 8.
(3) الانسان: 3.
(4) فصلت: 17.
(5) مجمع البيان 3: 77.
434
5 - حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم رحمه الله، عن أبيه، عن محمد
ابن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن بكير، عن حمزة بن
محمد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: وهديناه
النجدين (1) قال: نجد الخير والشر.
6 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن محمد
ابن أحمد بن يحيى، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن عبيد الله الدهقان،
عن درست، عمن حدثه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ستة أشياء ليس للعباد
فيها صنع: المعرفة والجهل 1) والرضا والغضب والنوم واليقظة.
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن
يحيى العطار، عن محمد بن الحسين، عن أبي شعيب المحاملي، عن
درست بن أبي منصور عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي عبد الله عليه السلام



(1) البلد: 10.
435
قال: ليس لله على خلقه أن يعرفوا قبل أن يعرفهم 1)، وللخلق على الله أن
يعرفهم، ولله على الخلق إذا عرفهم أن يقبلوه 2).
8 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الاعلى
ابن أعين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن لم يعرف شيئا هل عليه شئ؟
قال: لا 3).

436
9 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، عن أبيه، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن داود بن فرقد، عن أبي الحسن
زكريا ابن يحيى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما حجب الله علمه عن العباد
فهو موضوع عنهم 1).



(1) الاسراء: 15.
437
10 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله
البرقي رحمه الله، عن أبيه عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن الحكم،
عن أبان الأحمر، عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي:
اكتب فأملى علي: أن من قولنا ان الله عز وجل يحتج على العباد بما
آتاهم وما عرفهم 1)، ثم أرسل إليهم رسولا 2)، وأنزل عليه الكتاب، فأمر
فيه ونهى، أمر فيه بالصلاة والصوم، فأنام رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصلاة 3)



(1) تهذيب الأحكام 7: 226 ح 9. وفروع الكافي 5: 313 - 314 ح 40.
439
فقال: أنا أنيمك وأنا أوقظك، فاذهب فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف
يصنعون، ليس كما يقولون: إذا نام عنها هلك، وكذلك الصيام، أنا أمرضك
وأنا أصححك فإذا شفيتك فاقضه، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وكذلك إذا
نظرت إلى جميع الأشياء لم تجد أحدا في ضيق، ولم تجد أحدا إلا ولله
عليه الحجة وله فيه المشية، ولا أقول: إنهم ما شاؤوا صنعوا 1)، ثم قال: إن
الله يهدي ويضل 2)، وقال: وما أمروا إلا بدون سعتهم، وكل شئ امر



(1) فاطر: 8.
440
الناس به فهم يسعون له، وكل شئ لا يسعون له فهو موضوع عنهم، ولكن
أكثر الناس لا خير فيهم، ثم قال: ليس على الضعفاء 1) ولا على المرضى
ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله (فوضع
عنهم) ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم × ولا على الذين إذا
ما أتوك لتحملهم - الآية (1) فوضع عنهم لأنهم لا يجدون.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: قوله عليه السلام إن الله يهدي ويضل معناه أنه
عز وجل يهدي المؤمنين في القيامة إلى الجنة ويضل الظالمين في القيامة
عن الجنة إنما قال عز وجل: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم
ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم (2) وقال عز
وجل: ويضل الله الظالمين (3).
11 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار،
عن يونس بن عبد الرحمن، عن حماد، عن عبد الاعلى قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟
قال: فقال: لا، قلت: فهل كلفوا المعرفة؟ قال: لا، على الله البيان لا يكلف



(1) التوبة: 91.
(2) يونس: 9.
(3) إبراهيم: 27.
441
الله نفسا إلا وسعها. ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها قال: وسألته عن قول
الله عز وجل: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما
يتقون (1) قال: حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه.
12 - وبهذا الاسناد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن سعدان يرفعه
إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل لم ينعم على عبد بنعمة إلا وقد
ألزمه فيها الحجة من الله عز وجل، فمن من الله عليه فجعله قويا فحجته
عليه القيام بما كلفه واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه، ومن من
الله عليه فجعله موسعا عليه فحجته ماله، يجب عليه فيه تعاهد الفقراء
بنوافله، ومن من الله عليه فجعله شريفا في نسبه جميلا في صورته،
فحجته عليه أن يحمد الله على ذلك وألا يتطاول على غيره فيمنع حقوق
الضعفاء لحال شرفه وجماله.
13 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن
محمد عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه، قال: سمعت أبا عبد
الله عليه السلام يقول: إجعلوا أمركم لله ولا تجعلوه للناس 1) فإنه ما كان لله فهو لله،
وما كان للناس فلا يصعد إلى الله، ولا تخاصموا الناس لدينكم فإن



(1) التوبة: 115.
442
المخاصمة ممرضة للقلب 1)، إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وآله: إنك لا
تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء (1) وقال: أفأنت تكره
الناس حتى يكونوا مؤمنين (2) ذروا الناس فإن الناس أخذوا 2) عن
الناس وإنكم أخذتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، إني سمعت أبي عليه السلام يقول: إن الله
عز وجل إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الامر كان أسرع إليه من
الطير إلى وكره.



(1) القصص: 56.
(2) يونس: 99.
443
14 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه،
عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن سليمان بن خالد، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال: إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في
قلبه نكتة من نور 1) وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده، وإذا أراد بعبد
سوءا 2) نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا
يضله، ثم تلا هذه الآية فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن
يرد أن يضله 3) يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء (1).



(1) الانعام: 125.
444




(1) محمد (ص): 17.
445
قال مصنف هذا الكتاب: إن الله عز وجل إنما يريد بعبد سوءا لذنب
يرتكبه فيستوجب به أن يطبع على قلبه ويوكل به شيطانا يضله، ولا يفعل
ذلك به إلا باستحقاق وقد يوكل عز وجل بعبده ملكا يسدده باستحقاق أو
تفضل، ويختص برحمته من يشاء، وقال الله عز وجل: ومن يعش عن
ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين (1).
15 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أحمد بن
الفضل بن المغيرة قال: حدثنا منصور بن عبد الله بن إبراهيم الأصبهاني،
قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا أبو شعيب المحاملي عن عبد الله
ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن المعرفة أهي
مكتسبة؟ فقال: لا، فقيل له: فمن صنع الله عز وجل ومن عطائه هي؟ قال:
نعم، وليس للعباد فيها صنع، ولهم اكتساب الاعمال، وقال عليه السلام: إن أفعال
العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين. ومعنى ذلك أن الله تبارك
وتعالى لم يزل عالما بمقاديرها قبل كونها.
16 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري
العطار رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن حمدان
ابن سليمان، قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن أفعال العباد أمخلوقة



(1) الزخرف: 36.
(2) مجمع البيان 2: 363.
446
هي أم غير مخلوقة؟ فكتب عليه السلام: أفعال العباد مقدرة في علم الله عز وجل
قبل خلق العباد بألفي عام 1).
17 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن
محمد الأصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث
النخعي القاضي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من عمل بما علم كفي ما لم
يعلم 1).
2) 65 - باب ذكر مجلس الرضا علي بن موسى عليهما السلام مع أهل
الأديان وأصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت
ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر وما كلم به عمران الصابئ في
التوحيد عند المأمون
1 - حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم
الايلاقي رضي الله عنه، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة
القمي، قال: حدثني أبو عمر محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري
الكجي، قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي،

447
يقول: لما قدم علي بن موسى الرضا عليهما السلام إلى المأمون أمر الفضل بن سهل
أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء
الصابئين والهربذ الأكبر وأصحاب زردهشت وقسطاس الرومي
والمتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم
المأمون باجتماعهم، فقال: أدخلهم علي، ففعل، فرحب بهم المأمون، ثم
قال لهم: إني إنما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني
القادم علي، فإذا كان بكرة فاغدوا علي ولا يتخلف منكم أحد، فقالوا:
السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله.
قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي
الحسن الرضا عليه السلام إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولى أمر أبي الحسن
عليه السلام فقال: يا سيدي إن أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول: فداك أخوك
إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من جميع
الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت كلامهم فلا
تتجشم وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا، فقال أبو الحسن عليه السلام:
أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت، وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله.
قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضى ياسر التفت إلينا، ثم قال
لي: يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة 1) فما عندك في جمع



(1) القاموس 1: 361.
448
ابن عمك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد
الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق
البنيان وبئس والله ما بنى، فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن
أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء، وذلك أن العالم لا ينكر غير
المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار
ومباهتة، وإن احتججت عليهم أن الله واحد قالوا: صحح وحدانيته، وإن
قلت: إن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل
وهو يبطل عليهم بحجته، ويغالطونه حتى يترك قوله، فاحذرهم جعلت
فداك، قال: فتبسم عليه السلام ثم قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا علي حجتي؟
قلت: لا والله ما خفت عليك قط وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء
الله، فقال لي: يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم المأمون، قلت: نعم، قال:
إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل
بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى
الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات
بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى
قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له، فعند
ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

449
فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ابن عمك
ينتظرك وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه، فقال له الرضا عليه السلام: تقدمني
فإني صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثم توضأ عليه السلام وضوء الصلاة وشرب
شربة سويق وسقانا منه، ثم خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون،
فإذا المجلس غاص بأهله ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين
والهاشميين، والقواد حضور، فلما دخل الرضا عليه السلام قام المأمون وقام
محمد بن جعفر وقام جميع بني هاشم، فما زالوا وقوفا والرضا عليه السلام جالس
مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا، فلم يزل المأمون مقبلا عليه
يحدثه ساعة.
ثم التفت إلى جاثليق، فقال: يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسى
ابن جعفر وهو من ولد فاطمة بنت نبينا، وابن علي بن أبي طالب عليهم السلام
فأحب أن تكلمه وتحاجه وتنصفه فقال الجاثليق يا أمير المؤمنين كيف
أحاج رجلا يحتج علي بكتاب أنا منكره ونبي لا أو من به. فقال له
الرضا عليه السلام: يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به؟! قال
الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل؟ نعم والله أقر به على
رغم أنفي، فقال له الرضا عليه السلام: سل عما بدا لك وافهم الجواب، قال
الجاثليق: ما تقول في نبوة عيسى عليه السلام وكتابه هل تنكر منهما شيئا؟ قال
الرضا عليه السلام: أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به أمته وأقر به
الحواريون، وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد 1) وبكتابه ولم يبشر

450
به أمته، قال الجاثليق: أليس إنما تقطع الاحكام بشاهدي عدل؟ قال بلى،
قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك، على نبوة محمد ممن لا تنكره
النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا، قال الرضا عليه السلام: الآن جئت
بالنصفة يا نصراني، ألا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسى بن
مريم، قال الجاثليق: ومن هذا العدل؟ سمه لي، قال: ما تقول في يوحنا
الديلمي؟! قال: بخ بخ ذكرت أحب الناس إلى المسيح، قال: فأقسمت
عليك هل نطق الإنجيل أن يوحنا قال: إن المسيح أخبرني بدين محمد
العربي وبشرني به أنه يكون من بعده فبشرت به الحواريين فامنوا به؟! قال
الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشر بنبوة رجل وبأهل بيته
ووصيه، ولم يلخص متى يكون ذلك ولم يسم لنا القوم فنعرفهم، قال

451
الرضا عليه السلام: فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمد وأهل بيته
وأمته أتؤمن به؟! قال: شديدا 1)، قال الرضا عليه السلام لقسطاس الرومي 2): كيف
حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟ قال: ما أحفظني له، ثم التفت إلى رأس
الجالوت فقال له: ألست تقرأ الإنجيل؟! قال: بلى لعمري، قال: فخذ على
السفر الثالث، فإن كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته سلام الله عليهم
فاشهدوا لي وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي، ثم قرأ عليه السلام السفر الثالث
حتى إذا بلغ ذكر النبي صلى الله عليه وآله وقف، ثم قال يا نصراني إني أسألك بحق
المسيح وأمه أتعلم إني عالم بالإنجيل؟! قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمد
وأهل بيته وأمته، ثم قال: ما تقول يا نصراني هذا قول عيسى بن مريم؟!
فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت عيسى وموسى عليهما السلام ومتى
أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لأنك تكون قد كفرت بربك ونبيك
وبكتابك، قال الجاثليق: لا انكر ما قد بان لي في الإنجيل وإني لمقر به،
قال الرضا عليه السلام: اشهدوا على إقراره.
ثم قال: يا جاثليق سل عما بدا لك، قال الجاثليق: أخبرني عن
حواري عيسى بن مريم كم كان عدتهم؟ وعن علماء الإنجيل كم كانوا؟
قال الرضا عليه السلام: على الخبير سقطت 3)، أما الحواريون فكانوا اثني عشر

452
رجلا، وكان أفضلهم وأعلمهم الوقا وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة
رجال: يوحنا الأكبر بأج، ويوحنا بقرقيسيا، ويوحنا الديلمي بزجان
وعنده كان ذكر النبي صلى الله عليه وآله وذكر أهل بيته وأمته وهو الذي بشر أمة عيسى
وبني إسرائيل به.
ثم قال عليه السلام: يا نصراني والله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد صلى الله عليه وآله
وما ننقم على عيساكم شيئا إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته قال الجاثليق:
أفسدت والله علمك وضعفت أمرك، وما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل
الاسلام، قال الرضا عليه السلام: وكيف ذلك؟! قال الجاثليق: من قولك: إن
عيساكم كان ضعيفا قليل الصيام قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوما قط
ولا نام بليل قط. وما زال صائم الدهر، قائم الليل، قال الرضا عليه السلام: فلمن
كان يصوم ويصلي؟! قال: فخرس الجاثليق وانقطع.
قال الرضا عليه السلام: يا نصراني إني أسألك عن مسألة، قال: سل فإن كان
عندي علمها أجبتك، قال الرضا عليه السلام: ما أنكرت أن عيسى كان يحيى
الموتى بإذن الله عز وجل، قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل أن من أحيا
الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فهو رب مستحق لان يعبد قال الرضا عليه السلام:
فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى مشى على الماء وأحيا الموتى
وأبرأ الأكمه والأبرص فلم يتخذه أمته ربا ولم يعبده أحد من دون الله عز
وجل، ولقد صنع حزقيل النبي عليه السلام مثل ما صنع عيسى بن مريم 1) عليه السلام
فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة ثم التفت إلى

453
رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت أتجد هؤلاء في شباب بني
إسرائيل 1) في التوراة؟ اختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا
بيت المقدس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله عز وجل إليهم فأحياهم
هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم قال رأس الجالوت: قد سمعنا به
وعرفناه، قال: صدقت، ثم قال عليه السلام: يا يهودي خذ على هذا السفر من
التوراة فتلا عليه السلام علينا من التوراة آيات، فأقبل اليهودي يترجح



(1) البقرة: 243.
(2) حزقيل بالحاء المهملة والزاي المعجمة على ما وقع ضبطه في الكتب القديمة الصحيحة،
وربما وجد في بعض النسخ من كتب الاخبار ضبطه بالخاء المعجمة والراء المهملة. والأول
أصوب (منه) عفي عنه.
(3) مجمع البيان 1: 346 - 347.
454
لقراءته 1) ويتعجب ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا
قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟! قال: بل كانوا قبله: قال الرضا عليه السلام: لقد
اجتمعت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه أن يحيي لهم موتاهم، فوجه
معهم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء
هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويا فلان ويا
فلان يقول لكم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا بإذن الله عز وجل، فقاموا
ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم، ثم
أخبروهم أن محمدا قد بعث نبيا، قالوا: وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ولقد
أبرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلمه البهائم والطير والجن والشياطين
ولم نتخذه ربا من دون الله عز وجل، ولم ننكر لاحد من هؤلاء فضلهم،
فمتى اتخذتم عيسى ربا جاز لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربا لأنهما قد
صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى، وغيره أن قوما من بني
إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله
في ساعة واحدة، فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا
فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميما، فمر بهم نبي من أنبياء بني
إسرائيل فتعجب منهم ومن كثرة العظام البالية، فأوحى الله إليه أتحب أن

455
أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا رب، فأوحى الله عز وجل إليه أن نادهم،
فقال: أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عز وجل فقاموا أحياء أجمعون
ينفضون التراب عن رؤوسهم. ثم إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن حين أخذ
الطيور وقطعهن قطعا ثم وضع على كل جبل منهن جزءا ثم ناداهن فأقبلن
سعيا إليه، ثم موسى بن عمران وأصحابه والسبعون الذين اختارهم صاروا
معه إلى الجبل فقالوا له: إنك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته، فقال
لهم: إني لم أره، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم
الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيدا، فقال: يا رب اخترت
سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع وحدي، فكيف يصدقني
قومي بما اخبرهم به، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أفتهلكنا بما فعل
السفهاء منا، فأحياهم الله عز وجل من بعد موتهم، وكل شئ ذكرته لك
من هذا لا تقدر على دفعه لان التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد
نطقت به، فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين
يتخذ ربا من دون الله فاتخذ هؤلاء كلهم أربابا، ما تقول يا نصراني؟! قال
الجاثليق: القول قولك ولا إله إلا الله.
ثم التفت عليه السلام إلى رأس الجالوت فقال: يا يهودي أقبل علي أسألك
بالعشر الآيات التي أنزلت 1) على موسى بن عمران عليه السلام هل تجد في



(1) الاسراء: 101.
456
التوراة مكتوبا نبأ محمد وأمته: إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير
يسبحون الرب جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد، فليفرغ بنو
إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئن قلوبهم، فإن بأيديهم سيوفا ينتقمون بها
من الأمم الكافرة في أقطار الأرض، هكذا هو في التوراة مكتوب؟! قال
رأس الجالوت: نعم إنا لنجده كذلك، ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف
علمك بكتاب شعيا؟ قال: أعرفه حرفا حرفا، قال الرضا عليه السلام لهما: أتعرفان
هذا من كلامه: (يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب
النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر)؟ فقالا: قد قال ذلك
شعيا، قال الرضا عليه السلام: يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى: إني
ذاهب إلى ربي وربكم والبارقليطا جاء 1) هو الذي يشهد لي بالحق كما
شهدت له وهو الذي يفسر لكم كل شئ، وهو الذي يبدي فضائح الأمم،
وهو الذي يكسر عمود الكفر؟ فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئا مما في
الإنجيل إلا ونحن مقرون به، فقال: أتجد هذا في الإنجيل ثابتا يا
جاثليق؟! قال: نعم.



(1) مجمع البيان 3: 443 - 444.
457
قال الرضا عليه السلام: يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأول حين
افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟ قال له: ما
افتقدنا الإنجيل إلا يوما واحدا حتى وجدنا غضا طريا فأخرجه إلينا
يوحنا ومتى، فقال له الرضا عليه السلام: ما أقل معرفتك بسر الإنجيل وعلمائه
فإن كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل إنما وقع الاختلاف في هذا
الإنجيل الذي في أيديكم اليوم. فلو كان على العهد الأول لم تختلفوا فيه،
ولكني مفيدك علم ذلك، إعلم أنه لما افتقد الإنجيل الأول اجتمعت
النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريم 1) عليه السلام وافتقدنا
الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم؟ فقال لهم الوقا ومر قابوس: إن الإنجيل
في صدورنا، ونحن نخرجه إليكم سفرا سفرا في كل أحد، فلا تحزنوا
عليه ولا تخلوا الكنائس، فإنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتى
نجمعه لكم كله، فقعد الوقا ومر قابوس ويوحنا ومتى ووضعوا لهم هذا
الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأول، وإنما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ
التلاميذ الأولين، أعلمت ذلك؟ قال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه وقد
علمته الان، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل وسمعت أشياء مما
علمته شهد قلبي أنها حق فاستزدت كثيرا من الفهم.

458
فقال له الرضا عليه السلام: فكيف شهادة هؤلاء عندك؟ قال: جائزة، هؤلاء
علماء الإنجيل وكل ما شهدوا به فهو حق، فقال الرضا عليه السلام للمأمون ومن
حضره من أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه، قالوا: قد شهدنا، ثم قال
للجاثليق: بحق الابن وأمه هل تعلم أن متى قال: (إن المسيح هو ابن داود
ابن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن حضرون)، وقال مرقابوس
في نسبة عيسى بن مريم: (إنه كلمة الله أحلها في جسد الادمي فصارت
إنسانا) وقال الوقا: (إن عيسى بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم
فدخل فيهما روح القدس،؟ ثم إنك تقول من شهادة عيسى على نفسه:
حقا أقول لكم يا معشر الحواريين: إنه لا يصعد إلى السماء إلا ما نزل منها
إلا راكب البعير خاتم الأنبياء فإنه يصعد إلى السماء وينزل، فما تقول في
هذا القول؟ قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره قال الرضا عليه السلام فما
تقول في شهادة الوقا ومر قابوس ومتى على عيسى وما نسبوه إليه؟ قال
الجاثليق: كذبوا على عيسى، قال الرضا عليه السلام: يا قوم أليس قد زكاهم
وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حق؟! فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين
أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء، قال الرضا عليه السلام: فإنا قد فعلنا، سل يا
نصراني عما بدا لك، قال الجاثليق: ليسألك غيري، فلا وحق المسيح ما
ظننت أن في علماء المسلمين مثلك.

459
فالتفت الرضا عليه السلام إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟ قال:
بل أسألك، ولست أقبل منك حجة إلا من التوراة أو من الإنجيل أو من
زبور داود أو مما في صحف إبراهيم وموسى فقال الرضا عليه السلام: لا تقبل مني
حجة إلا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران والإنجيل على
لسان عيسى بن مريم والزبور على لسان داود، فقال رأس الجالوت: من
أين تثبت نبوة محمد؟ قال الرضا عليه السلام: شهد بنبوته صلى الله عليه وآله موسى بن عمران
وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عز وجل في الأرض، فقال له: أثبت
قول موسى بن عمران، قال الرضا عليه السلام: هل تعلم يا يهودي أن موسى
أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنه سيأتيكم نبي هو من إخوتكم فبه
فصدقوا، ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل
إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل
إبراهيم عليه السلام؟ فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه، فقال له
الرضا عليه السلام: هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد صلى الله عليه وآله؟ قال:
لا، قال الرضا عليه السلام: أوليس قد صح هذا عندكم؟! قال: نعم، ولكني أحب
أن تصححه لي من التوراة، فقال له الرضا عليه السلام: هل تنكر أن التوراة تقول
لكم: جاء النور من جبل طور سيناء، وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن
علينا من جبل فاران؟ قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما

460
أعرف تفسيرها، قال الرضا عليه السلام: أنا أخبرك به، أما قوله: جاء النور: جاء
النور من جبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على
موسى عليه السلام على جبل طور سيناء، وأما قوله، وأضاء لنا من جبل ساعير
فهو الجبل الذي أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم عليه السلام وهو عليه، و
أما قوله: واستعلن علينا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكة بينه
وبينها يوم، وقال شعيا النبي عليه السلام فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة 1):
رأيت راكبين أضاء لهما الأرض، أحدهما راكب على حمار والاخر على
جمل، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟! قال رأس الجالوت: لا
أعرفهما فخبرني بهما، قال عليه السلام: أما راكب الحمار فعيسى بن مريم، وأما
راكب الجمل فمحمد صلى الله عليه وآله، أتنكر هذا من التوراة؟! قال: لا ما أنكره، ثم
قال الرضا عليه السلام: هل تعرف حيقوق النبي قال: نعم إني به لعارف، قال عليه السلام:
فإنه قال وكتابكم ينطق به: جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلاءت
السماوات من تسبيح أحمد وأمته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في
البر 2)، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس - يعني بالكتاب
القرآن - أتعرف هذا وتؤمن به؟ قال رأس الجالوت: قد قال ذلك
حيقوق عليه السلام ولا ننكر قوله، قال الرضا عليه السلام: وقد قال داود في زبوره وأنت

461
تقرأ: اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة، فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة
غير محمد صلى الله عليه وآله؟! قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره،
ولكن عنى بذلك عيسى، وأيامه هي الفترة، قال الرضا عليه السلام: جهلت، إن
عيسى لم يخالف السنة وقد كان موافقا لسنة التوراة حتى رفعه الله إليه،
وفي الإنجيل مكتوب: إن ابن البرة ذاهب والفار قليطا جاء من بعده وهو
الذي يخفف الآصار، ويفسر لكم كل شئ، ويشهد لي كما شهدت له، أنا
جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل، أتؤمن بهذا في الإنجيل؟! قال: نعم
لا أنكره.
فقال له الرضا عليه السلام: يا رأس الجالوت أسألك عن نبيك موسى بن
عمران، فقال: سل، قال: ما الحجة على أن موسى ثبتت نبوته؟ قال
اليهودي إنه جاء بما لم يجئ به أحد من الأنبياء قبله، قال له: مثل ماذا؟
قال: مثل فلق البحر، وقلبه العصا حية تسعى، وضربه الحجر فانفجرت منه
العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين وعلامات لا يقدر الخلق على
مثلها، قال الرضا عليه السلام: صدقت، إذا كانت حجته على نبوته أنه جاء بما لا
يقدر الخلق على مثله أفليس كل من أدعى أنه نبي ثم جاء بما لا يقدر
الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟ قال: لا لان موسى لم يكن

462
له نظير لمكانه من ربه وقربه منه، ولا يجب علينا الاقرار بنبوة من ادعاها
حتى يأتي من الاعلام بمثل ما جاء به، قال الرضا عليه السلام: فكيف أقررتم
بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى عليه السلام ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من
الحجر اثنتي عشرة عينا ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل إخراج موسى يده
بيضاء ولم يقلبوا العصا حية تسعى؟! قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متى
جاؤوا على دعوى نبوتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو
جاؤوا بما لم يجئ به موسى أو كان على غير ما جاء به موسى وجب
تصديقهم قال الرضا عليه السلام: يا رأس الجالوت فما يمنعك من الاقرار بعيسى
ابن مريم وقد كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من
الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله؟ قال رأس الجالوت:
يقال: إنه فعل ذلك ولم نشهده، قال له الرضا عليه السلام: أرأيت ما جاء به موسى
من الآيات شاهدته؟! أليس إنما جاء في الاخبار به من ثقات أصحاب
موسى أنه فعل ذلك؟! قال: بلى، قال: فكذلك أتتكم الأخبار المتواترة بما
فعل عيسى بن مريم فكيف صدقتم بموسى ولم تصدقوا بعيسى؟! فلم يحر
جوابا، قال الرضا عليه السلام: وكذلك أمر محمد صلى الله عليه وآله وما جاء به وأمر كل نبي
بعثه الله، ومن آياته أنه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا ولم
يختلف إلى معلم، ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم
حرفا حرفا وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة، ثم كان يخبرهم
بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى، قال رأس

463
الجالوت: لم يصح عندنا خبر عيسى ولا خبر محمد، ولا يجوز لنا أن نقر
لهما بما لم يصح، قال الرضا عليه السلام: فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد صلى الله عليه وآله
شاهد زور؟! فلم يحر جوابا.
ثم دعا عليه السلام بالهربذ الأكبر فقال له الرضا عليه السلام: أخبرني عن زردهشت
الذي تزعم أنه نبي ما حجتك على نبوته: قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد
قبله ولم نشهد ولكن الاخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم
يحله غيره فاتبعناه، قال عليه السلام: أفليس إنما أتتكم الاخبار فاتبعتموه؟! قال:
بلى، قال: فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الاخبار بما أتى به النبيون
وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فما عذركم في ترك
الاقرار لهم إذ كنتم إنما أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة بأنه
جاء بما لم يجئ به غيره؟! فانقطع الهربذ مكانه.
فقال الرضا عليه السلام: يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الاسلام وأراد أن
يسأل فليسأل غير محتشم، فقام إليه عمران الصابئ وكان واحدا في
المتكلمين فقال: يا عالم الناس لولا أنك دعوت إلى مسألتك لم أقدم
عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت
المتكلمين، فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته،
أفتأذن لي أن أسألك؟ قال الرضا عليه السلام: إن كان في الجماعة عمران الصابئ
فأنت هو، فقال: أنا هو، فقال عليه السلام: سل يا عمران وعليك بالنصفة، وإياك
والخطل والجور، قال: والله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به
فلا أجوزه، قال عليه السلام: سل عما بدا لك، فازدحم عليه الناس وانضم بعضهم
إلى بعض، فقال عمران الصابئ: أخبرني عن الكائن الأول وعما

464
خلق، قال عليه السلام: سألت فافهم، أما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شئ
معه بلا حدود ولا أعراض ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا
بأعراض وحدود مختلفة لا في شئ أقامه 1) ولا في شئ حده ولا على
شئ حذاه ومثله له 2) فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة
واختلافا وائتلافا وألوانا وذوقا وطعما لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا
لفضل منزلة لم يبلغها إلا به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا،
تعقل هذا يا عمران؟ قال: نعم والله يا سيدي، قال عليه السلام: واعلم يا عمران أنه
لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته
ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق لان الأعوان كلما كثروا كان
صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها 3) لأنه لم يحدث من الخلق
شيئا إلا حدثت فيه حاجة أخرى ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة،
ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضل بعضهم على بعض بلا
حاجة منه إلى من فضل ولا نقمة منه على من أذل، فلهذا خلق.

465
قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه 1)؟
قال الرضا عليه السلام: إنما تكون المعلمة بالشئ لنفي خلافه وليكون الشئ
نفسه بما نفى عنه موجودا، ولم يكن هناك شئ يخالفه فتدعوه الحاجة
إلى نفي ذلك الشئ عن نفسه بتحديد علم منها أفهمت يا عمران؟ قال:
نعم والله يا سيدي، فأخبرني بأي شئ علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك 2)؟
قال الرضا عليه السلام: أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدا من أن تجعل لذلك
الضمير حدا ينتهي إليه المعرفة؟! قال عمران: لا بد من ذلك، قال
الرضا عليه السلام: فما ذلك الضمير؟ فانقطع ولم يحر جوابا، قال الرضا عليه السلام: لا

466
بأس، إن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر؟! فقال الرضا عليه السلام:
أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران، أليس ينبغي أن تعلم أن الواحد
ليس يوصف بضمير، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس
يتوهم منه مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم فاعقل ذلك
وابن عليه ما علمت صوابا.

467
قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي وما
معانيها وعلى كم نوع يتكون، قال عليه السلام: قد سألت فافهم، إن حدود خلقه
على ستة أنواع 1) ملموس وموزون ومنظور إليه. وما لا وزن له وهو
الروح، ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا
ذوق، والتقدير، والاعراض، والصور، والعرض، والطول. ومنها العمل
والحركات التي تصنع الأشياء وتعلمها وتغيرها من حال إلى حال وتزيدها
وتنقصها، وأما الاعمال والحركات فإنها تنطلق لأنها لا وقت لها أكثر من
قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشئ انطلق بالحركة وبقي الأثر،
ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره.
قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا
شئ غيره ولا شئ معه أليس قد تغير بخلقه الخلق؟ قال الرضا عليه السلام: لم
يتغير عز وجل بخلق الخلق، ولكن الخلق يتغير بتغييره.

468
قال عمران: فبأي شئ عرفناه؟ قال عليه السلام: بغيره، قال: فأي شئ
غيره؟ قال الرضا عليه السلام: مشيته واسمه وصفته 1) وما أشبه ذلك، وكل ذلك
محدث مخلوق مدبر.
قال عمران: يا سيدي فأي شئ هو؟ قال عليه السلام: هو نور، بمعنى أنه
هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض، وليس لك علي أكثر من
توحيدي إياه 2).
قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم
نطق 3)، قال الرضا عليه السلام: لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله والمثل في
ذلك أنه لا يقال للسراج: هو ساكت لا ينطق، ولا يقال: إن السراج ليضئ
فيما يريد أن يفعل بنا لان الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون،
وإنما هو ليس شئ غيره، فلما استضاء لنا قلنا: قد أضاء لنا حتى استضأنا
به، فبهذا تستبصر أمرك.

469
قال عمران: يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغير في فعله
عن حاله بخلقه الخلق، قال الرضا عليه السلام: أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن
يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل

470
تجد النار يغيرها تغير نفسها 1)، أو هل تجد الحرارة تحرق
نفسها، أو هل رأيت بصيرا قط رأى بصره؟ قال عمران: لم أر هذا.



(1) بحار الأنوار 10: 323.
471
ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه 1)، قال الرضا عليه السلام:
جل يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن
ذلك، وسأعلمك ما تعرفه به، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أخبرني عن المرآة
أنت فيها أم هي فيك؟! فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي
شئ استدللت بها على نفسك؟! قال عمران: بضوء بيني وبينها، فقال
الرضا عليه السلام: هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما تراه في عينك؟
قال: نعم، قال الرضا عليه السلام: فأرناه، فلم يحر جوابا، قال الرضا عليه السلام: فلا
أرى النور إلا وقد دلك ودل المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في
واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا، ولله
المثل الاعلى.

472
ثم التفت عليه السلام إلى المأمون فقال: الصلاة قد حضرت، فقال يا عمران:
يا سيدي لا تقطع علي مسألتي فقد رق قلبي، قال الرضا عليه السلام: نصلي
ونعود، فنهض ونهض المأمون: فصلى الرضا عليه السلام داخلا، وصلى الناس
خارجا خلف محمد بن جعفر، ثم خرجا، فعاد الرضا عليه السلام إلى مجلسه
ودعا بعمران فقال: سل يا عمران، قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عز
وجل هل يوحد بحقيقة 1) أو يوحد بوصف؟ قال الرضا عليه السلام: إن الله
المبدئ الواحد الكائن الأول لم يزل واحدا لا شئ معه، فردا لا ثاني
معه، لا معلوما ولا مجهولا 2) ولا محكما ولا متشابها ولا مذكورا ولا
منسيا، ولا شيئا يقع عليه اسم شئ من الأشياء غيره، ولا من وقت كان
ولا إلى وقت يكون، ولا بشئ قام ولا إلى شئ يقوم، ولا إلى شئ
استند، ولا في شئ استكن. وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ غيره وما
أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم.



(1) بحار الأنوار 10: 324 - 325.
473
واعلم أن الابداع والمشية والإرادة معناها واحد 1) وأسماؤها ثلاثة،
وكان أول إبداعه وإرادته ومشيته الحروف 2) التي جعلها أصلا لكل شئ
ودليلا على كل مدرك وفاصلا لكل مشكل، وتلك الحروف تفريق كل
شئ من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها
اجتمعت الأمور كلها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى 3) غير
أنفسها يتناهى ولا وجود لأنها مبدعة بالابداع، والنور في هذا الموضع
أول فعل الله 4) الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول



(1) بحار الأنوار 10: 25 3.
474
بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عز
وجل، علمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفا، فمنها ثمانية وعشرون
حرفا تدل على اللغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون
حرفا تدل على اللغات السريانية والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفة
في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلها، وهي خمسة أحرف
تحرفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة
وثلاثين حرفا، فأما الخمسة المختلفة فبحجج 1) لا يجوز ذكرها أكثر مما
ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عز
وجل كن فيكون وكن منه صنع، وما يكون به المصنوع، فالخلق الأول
من الله عز وجل الابداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس،
والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير



(1) بحار الأنوار 10: 325.
475
منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا
ذوق منظورا إليه، والله تبارك وتعالى سابق للابداع لأنه ليس قبله عز
وجل شئ ولا كان معه شئ، والابداع سابق للحروف، والحروف لا تدل
على غير أنفسها قال المأمون: وكيف لا تدل على غير أنفسها؟ قال
الرضا عليه السلام: لان الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا، فإذا
ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها
لغير معنى ولم يك إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا. قال عمران:
فكيف لنا بمعرفة ذلك؟ قال الرضا عليه السلام: أما المعرفة فوجه ذلك وبابه أنك
تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فردا فقلت: ا ب ت ث ج
ح خ حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها، فإذا ألفتها
وجمعت منها أحرفا 1) وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما
عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟ قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام: واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير
معنى ولا حد لغير محدود، والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال

476
والوجود 1)، ولا تدل على الإحاطة كما تدل 2) على الحدود التي هي
التربيع والتثليث والتسديس لان الله عز وجل وتقدس تدرك معرفته
بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة والكثرة
واللون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحل بالله جل وتقدس شئ من
ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم 3) بالضرورة التي ذكرنا 4)
ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدل عليه
بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع
اذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل



(1) بحار الأنوار 10: 326.
(2) بحار الأنوار 10: 326.
477
عليه 1) وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق 2) لا تدركه لمعناه 3)
كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلولا أن ذلك كذلك
لكان المعبود الموحد غير الله تعالى لان صفاته وأسماءه غيره، أفهمت؟
قال: نعم يا سيدي زدني.
قال الرضا عليه السلام: إياك وقول الجهال أهل العمى والضلال الذين
يزعمون أن الله عز وجل وتقدس موجود في الآخرة 4) للحساب والثواب
والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء، ولو كان في الوجود
لله عز وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا، ولكن القوم تاهوا
وعموا وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عز وجل:
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (1)



(1) الاسراء: 72.
(2) بحار الأنوار 10: 327.
(3) بحار الأنوار 10: 327.
478
يعني أعمى عن الحقائق الموجودة 1)، وقد علم ذووا الألباب أن
الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما هاهنا 2)، ومن أخذ علم ذلك
برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك
إلا بعدا لان الله عز وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون
ويفهمون.
قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الابداع 3) خلق هو أم غير
خلق؟ قال الرضا عليه السلام: بل خلق ساكن 4) لا يدرك بالسكون 5)، وإنما صار



(1) بحار الأنوار 10: 327.
(2) بحار الأنوار 10: 327.
479
خلقا لأنه شئ محدث، والله الذي أحدثه فصار خلقا له، وإنما هو الله عز
وجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما، فما خلق الله عز وجل لم
يعد أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا
ومعلوما ومتشابها، وكل ما وقع عليه حد 1) فهو خلق الله عز وجل.
واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس وكل
حاسة تدل على ما جعل الله عز وجل لها في إدراكها، والفهم من القلب
بجميع ذلك كله.
واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا
مقدرا بتحديد وتقدير، وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر 2)،
فليس في كل واحد منهما لون ولا ذوق ولا وزن، فجعل أحدهما يدرك

480
بالآخر 1)، وجعلهما مدركين بأنفسهما 2)، ولم يخلق شيئا فردا قائما



(1) بحار الأنوار 10: 328.
481
بنفسه دون غيره 1) للذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده والله
تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يمسكه والخلق
يمسك بعضه بعضا بإذن الله ومشيته، وإنما اختلف الناس في هذا الباب
حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله
بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا، ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته
ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا، فلما طلبوا
من ذلك ما تحيروا فيه ارتكبوا 2) والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال عمران: يا سيدي أشهد أنه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة،
قال: سل عما أردت، قال: أسألك عن الحكيم في أي شئ هو، وهل
يحيط به شئ، وهل يتحول من شئ إلى شئ، أو به حاجة إلى شئ؟
قال الرضا عليه السلام: أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فإنه من أغمض ما
يرد على المخلوقين في مسائلهم، وليس يفهمه المتفاوت عقله 3)، العازب
علمه ولا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون، أما أول ذلك فلو كان



(1) صحاح اللغة 4: 1586.
(2) راجع حول تفسير الحديث الشريف إلى بحار الأنوار 10: 318 - 328.
482
خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلى ما خلق
لحاجته إلى ذلك، ولكنه عز وجل لم يخلق شيئا لحاجته ولم يزل ثابتا لا
في شئ ولا على شئ إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضا ويدخل بعضه
في بعض ويخرج منه، والله عز وجل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله،
وليس يدخل في شئ ولا يخرج منه ولا يؤوده حفظه ولا يعجز عن
إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا الله عز وجل ومن أطلعه
عليه من رسله وأهل سره والمستحفظين لامره وخزانه القائمين بشريعته،
وإنما أمره كلمح البصر أو هو أقرب إذا شاء شيئا فإنما يقول له: كن،
فيكون بمشيته وإرادته، وليس شئ من خلقه أقرب إليه من شئ، ولا
شئ منه هو أبعد من شئ أفهمت يا عمران؟ قال: نعم يا سيدي قد فهمت
وأشهد أن الله على ما وصفته ووحدته، وأن محمدا عبده المبعوث بالهدى
ودين الحق، ثم خر ساجدا نحو القبلة وأسلم.
قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران
الصابئ وكان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد قط لم يدن من الرضا عليه السلام
أحد منهم ولم يسألوه عن شئ وأمسينا فنهض المأمون والرضا عليه السلام
فدخلا وانصرف الناس، وكنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إلي محمد
ابن جعفر فأتيته، فقال لي: يا نوفلي أما رأيت ما جاء به صديقك، لا والله
ما ظننت أن علي بن موسى خاض في شئ من هذا قط، ولا عرفناه به
أنه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب الكلام، قلت، قد كان الحاج
يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم، وكلمه من يأتيه
لحاجة فقال محمد بن جعفر: يا أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده هذا

483
الرجل فيسمه أو يفعل به بلية، فأشر عليه بالامساك عن هذه الأشياء،
قلت: إذا لا يقبل مني وما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شئ من
علوم آبائه عليهم السلام، فقال لي: قل له: إن عمك قد كره هذا الباب وأحب أن
تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى، فلما انقلبت إلى منزل الرضا عليه السلام
أخبرته بما كان من عمه محمد بن جعفر فتبسم ثم قال: حفظ الله عمي ما
أعرفني به لم كره ذلك، يا غلام صر إلى عمران الصابئ فأتني به. فقلت:
جعلت فداك أنا أعرف موضعه هو عند بعض إخواننا من الشيعة، قال عليه السلام:
فلا بأس قربوا إليه دابة، فصرت إلى عمران فأتيته به فرحب به ودعا
بكسوة فخلعها عليه وحمله ودعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها، فقلت:
جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: هكذا نحب ثم
دعا عليه السلام بالعشاء فأجلسني عن يمينه وأجلس عمران عن يساره حتى إذا
فرغنا قال لعمران: انصرف مصاحبا وبكر علينا نطعمك طعام المدينة،
فكان عمران بعد ذلك يجتمع عليه المتكلمون من أصحاب المقالات
فيبطل أمرهم حتى اجتنبوه، ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم، وأعطاه
الفضل مالا وحمله، وولاه الرضا عليه السلام صدقات بلخ فأصاب الرغائب.
66 - باب ذكر مجلس الرضا عليه السلام
مع سليمان المروزي متكلم خراسان عند المأمون في التوحيد
1 - حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه رضي الله عنه، قال: أخبرنا
أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي، قال: حدثني أبو
عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي، قال: حدثني من

484
سمع الحسن بن محمد النوفلي يقول: قدم سليمان المروزي متكلم
خراسان على المأمون فأكرمه ووصله ثم قال له: إن ابن عمي علي بن
موسى قدم علي من الحجاز وهو يحب الكلام وأصحابه، فلا عليك أن
تصير إلينا يوم التروية لمناظرته، فقال سليمان: يا أمير المؤمنين إني أكره أن
أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم إذا
كلمني ولا يجوز الاستقصاء عليه، قال المأمون: إنما وجهت إليك لمعرفتي
بقوتك وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط: فقال سليمان:
حسبك يا أمير المؤمنين. اجمع بيني وبينه وخلني وإياه وألزم فوجه
المأمون إلى الرضا عليه السلام فقال: إنه قدم علينا رجل من أهل مرو وهو واحد
خراسان من أصحاب الكلام، فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا
فعلت، فنهض عليه السلام للوضوء وقال لنا: تقدموني وعمران الصابئ معنا فصرنا
إلى الباب فأخذ ياسر وخالد بيدي فأدخلاني على المأمون، فلما سلمت
قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه الله، قلت: خلفته يلبس ثيابه وأمرنا أن
نتقدم، ثم قلت: يا أمير المؤمنين إن عمران مولاك معي وهو بالباب، فقال:
من عمران؟ قلت: الصابئ الذي أسلم على يديك قال: فليدخل فدخل
فرحب به المأمون، ثم قال له: يا عمران لم تمت حتى صرت من بني
هاشم، قال: الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون:
يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان، قال عمران: يا أمير
المؤمنين إنه يزعم أنه واحد خراسان في النظر وينكر البداء، قال: فلم لا
تناظره؟ قال عمران، ذلك إليه، فدخل الرضا عليه السلام فقال: في أي شئ كنتم؟
قال عمران: يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي، فقال سليمان: أترضى

485
بأبي الحسن وبقوله فيه؟ قال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في
البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها على نظرائي من أهل النظر.
قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه؟ قال: وما
أنكرت من البداء يا سليمان 1)، والله عز وجل يقول: أولا يذكر الانسان
أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا (1) ويقول عز وجل: وهو الذي يبدؤا
الخلق ثم يعيده (2) ويقول: بديع السماوات والأرض (3) ويقول عز
وجل: يزيد في الخلق ما يشاء (4) ويقول: وبدأ خلق الانسان من
طين 2) (5) ويقول عز وجل: وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما



(1) مريم: 67.
(2) الروم: 27.
(3) البقرة: 117، والانعام: 101.
(4) فاطر: 1.
(5) السجدة: 7.
486
يتوب عليهم 1) (1) ويقول عز وجل: وما يعمر من معمر ولا ينقص من



(1) التوبة: 106.
(2) مجمع البيان 3: 69 - 70.
487
عمره إلا في كتاب 1) (1) قال سليمان: هل رويت فيه شيئا عن آبائك؟
قال: نعم، رويت عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إن لله عز وجل علمين:
علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو، من ذلك يكون البداء، وعلما علمه
ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيه يعلمونه) قال سليمان: أحب
أن تنزعه لي من كتاب الله عز وجل، قال عليه السلام: قول الله عز وجل
لنبيه صلى الله عليه وآله: فتول عنهم فما أنت بملوم 2) (2) أراد هلاكهم ثم بدا لله
فقال: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (3) قال سليمان: زدني جعلت
فداك، قال الرضا عليه السلام: لقد أخبرني أبي عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان الملك أني متوفيه
إلى كذا وكذا، فأتاه ذلك النبي فأخبره، فدعا الله الملك وهو على سريره
حتى سقط من السرير، فقال: يا رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي



(1) فاطر: 11.
(2) الذاريات: 54.
(3) الذاريات: 55.
488
أمري، فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك فأعلمه أني
قد أنسيت في أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة، فقال ذلك النبي:
يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط، فأوحى الله عز وجل إليه: إنما أنت عبد
مأمور فأبلغه ذلك، والله لا يسأل عما يفعل.
ثم التفت إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب،
قال: أعوذ بالله من ذلك، وما قالت اليهود؟ قال: قالت: يد الله مغلولة
يعنون أن الله قد فرغ من الامر فليس يحدث شيئا فقال الله عز وجل
غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا (1) ولقد سمعت قوما سألوا أبي موسى
ابن جعفر عليهما السلام عن البداء فقال: وما ينكر الناس من البداء وأن يقف الله
قوما يرجيهم لامره 1)؟ قال سليمان: ألا تخبرني عن إنا أنزلناه في ليلة
القدر في أي شئ أنزلت؟ قال الرضا: يا سليمان ليلة القدر يقدر الله عز
وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة 2) من حياة أو موت أو خير أو شر
أو رزق، فما قدره من تلك الليلة فهو من المحتوم، قال سليمان: ألان قد



(1) المائدة: 64.
489
فهمت جعلت فداك فزدني، قال عليه السلام: يا سليمان إن من الأمور أمورا
موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء، يا
سليمان إن عليا عليه السلام كان يقول: العلم علمان: فعلم علمه الله ملائكته
ورسله 1)، فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا
ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم
منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، قال
سليمان للمأمون: يا أمير المؤمنين لا انكر بعد يومي هذا البداء ولا اكذب
به إن شاء الله.



(1) تفسير العياشي 2: 215.
490
فقال المأمون: يا سليمان سل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن
الاستماع والانصاف، قال سليمان: يا سيدي أسألك؟ قال الرضا عليه السلام: سل
عما بدا لك قال: ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما وصفة مثل حي وسميع
وبصير 1) وقدير؟ قال الرضا عليه السلام: إنما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنه
شاء وأراد 2)، ولم تقولوا حدثت واختلفت لأنه سميع بصير، فهذا دليل
على أنها ليست بمثل سميع ولا بصير ولا قدير، قال سليمان: فإنه لم يزل
مريدا، قال: يا سليمان فإرادته غيره؟ قال: نعم، قال: فقد أثبت معه شيئا
غيره لم يزل، قال سليمان: ما أثبت، قال الرضا عليه السلام: أهي محدثة؟ قال
سليمان: لا ما هي محدثة، فصاح به المأمون وقال: يا سليمان مثله يعايا

491
أو يكابر 1)، عليك بالانصاف أما ترى من حولك من أهل النظر، ثم قال:
كلمه يا أبا الحسن فإنه متكلم خراسان، فأعاد عليه المسألة فقال: هي
محدثة يا سليمان فإن الشئ إذا لم يكن أزليا كان محدثا وإذا لم يكن
محدثا كان أزليا، قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه منه وبصره منه
وعلمه منه، قال الرضا عليه السلام: فإرادته نفسه؟! قال: لا، قال عليه السلام: فليس
المريد مثل السميع والبصير، قال سليمان: إنما أراد نفسه كما سمع نفسه
وابصر نفسه وعلم نفسه قال الرضا عليه السلام: ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون
شيئا أو أراد أن يكون حيا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا؟! قال: نعم، قال
الرضا عليه السلام: أفبإرادته كان ذلك 2)؟! قال سليمان: لا، قال الرضا عليه السلام: فليس
لقولك: أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته، قال
سليمان: بلى قد كان ذلك بإرادته، فضحك المأمون ومن حوله وضحك
الرضا عليه السلام، ثم قال لهم: ارفقوا بمتكلم خراسان يا سليمان فقد حال
عندكم عن حالة وتغير عنها وهذا مما لا يوصف الله عز وجل به، فانقطع.

492
ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان أسألك مسألة، قال: سل جعلت فداك
قال: أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما يفقهون ويعرفون أو
بما لا يفقهون ولا يعرفون؟! قال: بل بما يفقهون ويعرفون قال الرضا عليه السلام:
فالذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة وأن المريد قبل الإرادة وأن
الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم: إن الإرادة والمريد شئ واحد،
قال: جعلت فداك ليس ذاك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون،
قال عليه السلام: فأراكم ادعيتم علم ذلك 1) بلا معرفة، وقلتم: الإرادة كالسمع
والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل، فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان هل يعلم الله عز وجل جميع ما في
الجنة والنار؟! قال سليمان: نعم، قال: أفيكون ما علم الله عز وجل أنه
يكون من ذلك؟! قال: نعم، قال: فإذا كان حتى لا يبقى منه شئ 2) إلا كان
أيزيدهم أو يطويه عنهم؟! قال سليمان، بل يزيدهم، قال: فأراه في قولك:
قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون قال: جعلت فداك فالمزيد لا غاية

493
له 1) قال عليه السلام: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية
ذلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن
يكون، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، قال سليمان: إنما قلت: لا يعلمه لأنه
لا غاية لهذا لان الله عز وجل وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل لهما
انقطاعا، قال الرضا عليه السلام: ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنه قد

494
يعلم ذلك ثم يزيدهم 1) ثم لا يقطعه عنهم، وكذلك قال الله عز وجل في
كتابه: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا
العذاب 2) (1) وقال عز وجل لأهل الجنة: عطاء غير مجذوذ (2) وقال
عز وجل وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة (3) فهو عز وجل
يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة، أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا
أليس يخلف مكانه؟! قال: بلى، قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف
مكانه؟! قال سليمان: لا، قال: فكذلك كل ما يكون فيها إذا أخلف مكانه
فليس بمقطوع عنهم، قال سليمان: بل يقطعه عنهم فلا يزيدهم قال
الرضا عليه السلام: إذا يبيد ما فيهما، وهذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف
الكتاب لان الله عز وجل يقول: لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد (4)
ويقول عز وجل: عطاء غير مجذوذ ويقول عز وجل: وما هم منها
بمخرجين (5) ويقول عز وجل: خالدين فيها أبدا (6) ويقول عز
وجل: وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة فلم يحر جوابا.



(2) النساء: 56.
(2) هود: 108.
(3) الواقعة: 33.
(4) ق: 35.
(5) الحجر: 48.
(6) في أحد عشر موضعا من القرآن.
495
ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير
فعل؟ قال: بل هي فعل، قال: فهي محدثة لان الفعل كله محدث، قال:
ليست بفعل، قال: فمعه غيره لم يزل، قال سليمان: الإرادة هي الانشاء 1)،
قال: يا سليمان هذا الذي ادعيتموه على ضرار وأصحابه من قولهم: إن كل
ما خلق الله عز وجل في سماء أو أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير
أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله عز وجل وإن إرادة الله عز وجل تحيى
وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلد وتظلم وتفعل الفواحش
وتكفر وتشرك، فتبرأ منها وتعاديها وهذا حدها.



(1) مجمع البيان 2: 62.
496
قال سليمان: إنها كالسمع والبصر والعلم، قال الرضا عليه السلام: قد رجعت
إلى هذا ثانية، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع؟ قال سليمان: لا،
قال الرضا عليه السلام: فكيف نفيتموه فمرة قلتم لم يرد ومرة قلتم أراد، وليست
بمفعول له؟! قال سليمان: إنما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم 1) قال
الرضا عليه السلام: ليس ذلك سواء لان نفي المعلوم ليس بنفي العلم، ونفي المراد
نفي الإرادة أن تكون، لان الشئ إذا لم يرد لم يكن إرادة وقد يكون العلم
ثابتا وإن لم يكن المعلوم، بمنزلة البصر فقد يكون الانسان بصيرا وإن لم
يكن المبصر، ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم. قال سليمان: إنها
مصنوعة، قال عليه السلام: فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لان السمع والبصر
ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة، قال سليمان: إنها صفة من صفاته لم تزل،
قال: فينبغي أن يكون الانسان لم يزل 2) لان صفته لم تزل، قال سليمان: لا



(1) البقرة: 143.
(2) بحار الأنوار 10: 339.
497
لأنه لم يفعلها 1)، قال الرضا عليه السلام: يا خراساني ما أكثر غلطك، أفليس
بإرادته وقوله تكون الأشياء؟! قال سليمان: لا، قال: فإذا لم يكن بإرادته
ولا مشيته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك؟! تعالى الله عن ذلك،
فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا عليه السلام: ألا تخبرني عن قول الله عز وجل: وإذا أردنا أن
نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها (1) يعني بذلك أنه يحدث إرادة؟!
قال له: نعم، قال: فإذا أحدث إرادة كان قولك إن الإرادة هي هو أم شئ
منه باطلا لأنه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله، تعالى الله عن
ذلك، قال سليمان: إنه لم يكن عنى بذلك أنه يحدث إرادة، قال: فما عنى
به؟ قال: عنى فعل الشئ 2) قال الرضا عليه السلام: ويلك كم تردد هذه المسألة،
وقد أخبرتك أن الإرادة محدثة لان فعل الشئ محدث، قال: فليس لها



(1) الاسراء: 16.
(2) يس: 82.
498
معنى 1)، قال الرضا عليه السلام: قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما
لا معنى له 2)، فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم: إن الله
لم يزل مريدا. قال سليمان: إنما عنيت أنها فعل من الله لم يزل 3)، قال: ألا
تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولا وحديثا وقديما في حالة واحدة؟ فلم
يحر جوابا.
قال الرضا عليه السلام: لا بأس، أتمم مسألتك، قال سليمان: قلت: إن الإرادة
صفة من صفاته، قال الرضا عليه السلام: كم تردد علي أنها صفة من صفاته،
وصفته محدثة أو لم تزل؟! قال سليمان: محدثة، قال الرضا عليه السلام: الله أكبر
فالإرادة محدثة 4)، وإن كانت صفة من صفاته لم تزل، فلم يرد شيئا 5).
قال الرضا عليه السلام: إن ما لم يزل لا يكون مفعولا 6) قال سليمان: ليس

499
الأشياء إرادة ولم يرد شيئا 1). قال الرضا عليه السلام: وسوست يا سليمان 2) فقد
فعل وخلق ما لم يرد خلقه ولا فعله، وهذه صفة من لا يدري ما فعل،
تعالى الله عن ذلك.
قال سليمان: يا سيدي قد أخبرتك أنها كالسمع 3) والبصر والعلم، قال
المأمون: ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والتردد اقطع هذا وخذ في غيره
إذ لست تقوى على هذا الرد، قال الرضا عليه السلام: دعه يا أمير المؤمنين، لا
تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة، تكلم يا سليمان، قال: قد أخبرتك أنها
كالسمع والبصر والعلم، قال الرضا عليه السلام: لا بأس، أخبرني عن معنى هذه
أمعنى واحد أم معان مختلفة؟! قال سليمان: بل معنى واحد، قال
الرضا عليه السلام: فمعنى الإرادات كلها معنى واحد 4)؟ قال سليمان: نعم، قال
الرضا: فإن كان معناها معنى واحدا كانت إرادة القيام وإرادة القعود وإرادة

500
الحياة وإرادة الموت إذا كانت إرادته واحدة لم يتقدم بعضها بعضا ولم
يخالف بعضها بعضا، وكان شيئا واحدا قال سليمان: إن معناها مختلف،
قال: عليه السلام: فأخبرني عن المريد أهو الإرادة أو غيرها؟! قال سليمان: بل
هو الإرادة، قال الرضا عليه السلام: فالمريد عندكم يختلف 1) إن كان هو الإرادة؟
قال: يا سيدي ليس الإرادة المريد، قال عليه السلام: فالإرادة محدثة، وإلا فمعه
غيره 2)، إفهم وزد في مسألتك.
قال سليمان: فإنها اسم من أسمائه، قال الرضا عليه السلام: هل سمى نفسه
بذلك؟ قال سليمان: لا، لم يسم نفسه بذلك، قال الرضا عليه السلام: فليس لك أن
تسميه بما لم يسم به نفسه، قال: قد وصف نفسه بأنه مريد، قال الرضا عليه السلام:
ليس صفته نفسه أنه مريد إخبارا عن أنه إرادة 3) ولا إخبارا عن أن
الإرادة اسم من أسمائه، قال سليمان: لان إرادته علمه، قال الرضا عليه السلام: يا

501
جاهل فإذا علم الشئ فقد أراده؟ قال سليمان: أجل، قال عليه السلام: فإذا لم
يرده لم يعلمه، قال سليمان: أجل، قال عليه السلام: من أين قلت ذاك، وما الدليل
على أن إرادته علمه؟ وقد يعلم مالا يريده أبدا، وذلك قوله عز وجل:
ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك 1) (1) فهل يعلم كيف يذهب به 2)
وهو لا يذهب به أبدا 3)، قال سليمان: لأنه قد فرغ من الامر فليس يزيد
فيه شيئا 4) قال الرضا عليه السلام: هذا قول اليهود، فكيف قال عز وجل:
ادعوني أستجب لكم (2) قال سليمان: إنما عنى بذلك أنه قادر عليه،
قال عليه السلام: أفيعد ما لا يفي به؟! فكيف قال عز وجل: يزيد في الخلق ما
يشاء (3) وقال عز وجل: يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم
الكتاب (4) وقد فرغ من الامر، فلم يحر جوابا.



(1) الاسراء: 86.
(2) المؤمن: 60.
(3) فاطر: 1.
(4) الرعد: 39.
502
قال الرضا عليه السلام: يا سليمان هل يعلم أن إنسانا يكون ولا يريد أن
يخلق إنسانا أبدا 1)، وأن إنسانا يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم؟ قال
سليمان: نعم 2) قال الرضا عليه السلام: فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون 3) أو
يعلم أنه يكون مالا يريد أن يكون؟! قال: يعلم أنهما يكونان جميعا، قال
الرضا عليه السلام: إذن يعلم أن إنسانا حي ميت، قائم قاعد، أعمى بصير في حال
واحدة، وهذا هو المحال، قال: جعلت فداك فإنه يعلم أنه يكون أحدهما
دون الآخر، قال عليه السلام: لا بأس، فأيهما يكون، الذي أراد أن يكون أو الذي
لم يرد أن يكون، قال سليمان: الذي أراد أن يكون، فضحك الرضا عليه السلام 4)
والمأمون وأصحاب المقالات. قال الرضا عليه السلام: غلطت وتركت قولك: إنه
يعلم أن إنسانا يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم وأنه يخلق خلقا
وهو لا يريد أن يخلقهم، فإذا لم يجز العلم عندكم لما لم يرد 5) أن يكون
فإنما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون.

503
قال سليمان: فإنما قولي: إن الإرادة ليست هو ولا غيره، قال
الرضا عليه السلام: يا جاهل إذا قلت: ليست هو فقد جعلتها غيره، وإذا قلت:
ليست هي غيره فقد جعلتها هو، قال سليمان: فهو يعلم كيف يصنع الشئ 1)؟
قال عليه السلام: نعم، قال سليمان: فإن ذلك إثبات للشئ قال الرضا عليه السلام: أحلت
لان الرجل قد يحسن البناء وإن لم يبن ويحسن الخياطة وإن لم يخط
ويحسن صنعة الشئ وإن لم يصنعه أبدا ثم قال له: يا سليمان هل يعلم أنه
واحد لا شئ معه 2)؟! قال نعم، قال: أفيكون ذلك إثباتا للشئ؟! قال
سليمان: ليس يعلم أنه واحد لا شئ معه. قال الرضا عليه السلام: أفتعلم أنت
ذاك؟! قال: نعم، قال: فأنت يا سليمان أعلم منه إذا، قال سليمان: المسألة
محال، قال: محال عندك أنه واحد لا شئ معه وأنه سميع بصير حكيم
عليم قادر؟! قال: نعم، قال عليه السلام: فكيف أخبر الله عز وجل أنه واحد حي

504
سميع بصير عليم خبير وهو لا يعلم ذلك؟! وهذا رد ما قال 1) وتكذيبه،
تعالى الله عن ذلك، ثم قال الرضا عليه السلام: فكيف يريد صنع مالا يدري صنعه
ولا ما هو؟! وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشئ قبل أن يصنعه
فإنما هو متحير، تعالى الله عن ذلك.
قال سليمان: فإن الإرادة القدرة، قال الرضا عليه السلام: وهو عز وجل يقدر
على مالا يريده أبدا، ولا بد من ذلك لأنه قال تبارك وتعالى: ولئن شئنا
لنذهبن بالذي أوحينا إليك (1) فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد
أن يذهب به لقدرته، فانقطع سليمان، قال المأمون عند ذلك: يا سليمان
هذا أعلم هاشمي. ثم تفرق القوم.
قال مصنف هذا الكتاب: كان المأمون يجلب على الرضا عليه السلام من
متكلمي الفرق والأهواء المضلة كل من سمع به حرصا على انقطاع
الرضا عليه السلام عن الحجة مع واحد منهم وذلك حسدا منهم له ولمنزلته من
العلم فكان عليه السلام لا يكلم أحدا إلا أقر له بالفضل والتزم الحجة له عليه لان
الله تعالى ذكره أبى إلا أن يعلي كلمته ويتم نوره وينصر حجته، وهكذا
وعد تبارك وتعالى في كتابه فقال: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في
الحياة الدنيا (2) يعني بالذين آمنوا: الأئمة الهداة عليهم السلام وأتباعهم والعارفين
بهم والآخذين عنهم، ينصرهم بالحجة على مخالفيهم ما داموا في الدنيا،
وكذلك يفعل بهم في الآخرة، وإن الله لا يخلف وعده.



(1) الاسراء: 86.
(2) المؤمن: 51.
505
67 - باب النهي عن الكلام والجدال والمراء
في الله عز وجل
1 - أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد
ابن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير،
قال: قال أبو جعفر عليه السلام: تكلموا في خلق الله ولا تكلموا في الله 1) فإن
الكلام في الله لا يزيد إلا تحيرا.
2 - وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، عن
أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: تكلموا في كل شئ ولا تكلموا
في الله.
3 - وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن
ضريس الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذكروا من عظمة الله ما شئتم
ولا تذكروا ذاته فإنكم لا تذكرون منه شيئا إلا وهو أعظم منه.



(1) وراجع حول تفسير الحديث إلى بحار الأنوار 10: 8 33 - 341.
506
4 - وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن
بريد العجلي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله على
أصحابه فقال: ما جمعكم؟ قالوا: اجتمعنا نذكر ربنا ونتفكر في عظمته،
فقال: لن تدركوا التفكر في عظمته.
5 - وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن
فضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يا ابن آدم لو أكل قلبك
طائر لم يشبعه، وبصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطاه، تريد أن تعرف
بهما ملكوت السماوات والأرض، إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من
خلق الله فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول.
6 - وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: ومن كان في
هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (1) قال: من لم يدله خلق
السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر
والآيات العجيبات على أن وراء ذلك أمرا أعظم منه فهو في الآخرة أعمى
وأضل سبيلا، قال: فهو عما لم يعاين أعمى وأضل.
7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد
ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن
علي بن فضال عن ثعلبة بن ميمون، عن الحسن الصيقل، عن محمد بن



(1) الاسراء: 72.
507
مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: تكلموا في ما دون العرش ولا تكلموا في
ما فوق العرش 1) فإن قوما تكلموا في الله عز وجل فتاهوا حتى كان
الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه وينادى من خلفه فيجيب من
بين يديه.
8 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير،
عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن عبد الرحيم القصير، قال: سألت أبا
جعفر عليه السلام عن شئ من التوحيد، فرفع يديه إلى السماء وقال: تعالى الله
الجبار إن من تعاطى ما ثم هلك.
9 - وبهذا الاسناد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج،
عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: وأن
إلى ربك المنتهى (1) قال: إذا انتهى الكلام إلى الله عز وجل فأمسكوا.
10 - وبهذا الاسناد، عن ابن أبي عمير: عن أبي أيوب الخزاز، عن
محمد بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا محمد إن الناس لا يزال بهم
المنطق حتى يتكلموا في الله، فإذا سمعتم ذلك فقولوا: لا إله إلا الله الواحد
الذي ليس كمثله شئ.



(1) النجم: 42.
508
11 - وبهذا الاسناد، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن أبي
عبيدة الحذاء، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا زياد إياك والخصومات فإنها
تورث الشك وتحبط العمل 1) وتردي صاحبها، وعسى أن يتكلم بالشئ
فلا يغفر له، إنه كان فيما مضى قوم تركوا علم ما وكلوا به وطلبوا علم ما
كفوه حتى انتهى كلامهم إلى الله عز وجل فتحيروا، فإن كان الرجل ليدعى
من بين يديه فيجيب من خلفه ويدعى من خلفه فيجيب من بين يديه.
12 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن عيسى، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي اليسع، عن سليمان بن
خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنه قد كان فيمن كان قبلكم قوم تركوا
علم ما وكلوا بعلمه وطلبوا علم ما لم يوكلوا بعلمه، فلم يبرحوا حتى سألوا
عما فوق السماء فتاهت قلوبهم، فكان أحدهم يدعى من بين يديه فيجيب
من خلفه ويدعى من خلفه فيجيب من بين يديه.



(1) بحار الأنوار 2: 127.
509




(1) بحار الأنوار 2: 136 ح 39 عن الكشي.
(2) بحار الأنوار 2: 136 ح 42 عنه.
(3) العنكبوت: 46.
(4) النحل: 125.
510




(1) البقرة: 111.
(2) يس: 78 - 80.
(3) بحار الأنوار 2: 125 - 126 عن الاحتجاج.
511
13 - وبهذا الاسناد، عن أبي اليسع، عن أبي الجارود، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: دعوا التفكر في الله فإن التفكر في الله لا يزيد إلا تيها لان
الله تبارك وتعالى لا تدركه الابصار ولا تبلغه الاخبار.
14 - وبهذا الاسناد، عن أبي اليسع، عن سليمان بن خالد، قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: إياكم والتفكر في الله فإن التفكر في الله لا يزيد إلا تيها
لان الله عز وجل لا تدركه الابصار ولا يوصف بمقدار.
15 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن خالد، عن علي بن النعمان
وصفوان بن يحيى عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل
عليه قوم من هؤلاء الذين يتكلمون في الربوبية، فقال: اتقوا الله وعظموا
الله ولا تقولوا مالا نقول فإنكم إن قلتم وقلنا متم ومتنا ثم بعثكم الله وبعثنا
فكنتم حيث شاء الله وكنا.
16 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله بن
جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسن بن
محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر
الثوري، عن محمد بن الحنفية، قال: إن هذه الأمة لن تهلك حتى تتكلم في
ربها.



(1) أصول الكافي 1: 171 ح 4.
512
17 - وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن
ضريس الكناسي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إياكم والكلام في الله، تكلموا
في عظمته ولا تكلموا فيه فإن الكلام في الله لا يزداد إلا تيها.
18 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:
حدثنا أبو الحسين محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن
سليمان بن الحسن الكوفي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد، عن
علي بن حسان الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن زرارة، قال: قلت لأبي
جعفر عليه السلام: إن الناس قبلنا قد أكثروا في الصفة فما تقول؟ فقال: مكروه 1)،
أما تسمع الله عز وجل يقول: وأن إلى ربك المنتهى (1) تكلموا فيما دون
ذلك.
19 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن
ابن أبي عمير، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة: عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن ملكا عظيم الشأن كان في مجلس له فتكلم في الرب تبارك وتعالى
ففقد فما يدرى أين هو.
20 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عبد



(1) النجم: 42.
513
الحميد، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
إياكم والتفكر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمة الله فانظروا إلى
عظم خلقه.
21 - أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد،
عن علي بن السندي، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن
أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: الخصومة تمحق الدين
وتحبط العمل وتورث الشك.
22 - وبهذا الاسناد، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يهلك
أصحاب الكلام، وينجو المسلمون إن المسلمين هم النجباء.
23 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا العباس بن معروف، عن سعدان بن
مسلم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: لا يخاصم
إلا رجل ليس له ورع أو رجل شاك.
24 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا
أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن فضيل عن أبي عبيدة، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: قال لي: يا أبا عبيدة إياك وأصحاب الخصومات والكذابين
علينا فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه وتكلفوا علم السماء، يا أبا عبيدة خالقوا
الناس بأخلاقهم وزايلوهم بأعمالهم، إنا لا نعد الرجل فينا عاقلا حتى
يعرف لحن القول، ثم قرأ هذه الآية ولتعرفنهم في لحن القول 1) (1).



(1) محمد (ص): 30.
514
25 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن
يزيد عن الغفاري، عن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم وجدال كل مفتون فإن كل مفتون ملقن في حجته 1)
إلى انقضاء مدته فإذا انقضت مدته أحرقته فتنته بالنار. وروي شغلته
خطيئته فأحرقته.
26 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن
عيسى قال: قرأت في كتاب علي بن بلال أنه سأل الرجل يعني أبا
الحسن عليه السلام: أنه روي عن آبائك عليهم السلام أنهم نهوا عن الكلام في الدين.
فتأول مواليك المتكلمون بأنه إنما نهى من لا يحسن أن يتكلم فيه فأما
من يحسن أن يتكلم فيه فلم ينه، فهل ذلك كما تأولوا أو لا؟ فكتب عليه السلام:
المحسن وغير المحسن لا يتكلم فيه فإن إثمه أكثر من نفعه.
27 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن



(1) مجمع البيان 5: 106.
515
أحمد عن علي بن إسماعيل، عن المعلى بن محمد البصري، عن علي بن
أسباط، عن جعفر بن سماعة، عن غير واحد، عن زرارة، قال: سألت أبا
جعفر عليه السلام: ما حجة الله على العباد؟ قال: أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند
مالا يعلمون.
28 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن
الحسين ابن أبي الخطاب، عن ابن فضال، عن علي بن شجرة، عن إبراهيم
ابن أبي رجاء عن أخي طربال قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كف
الأذى وقلة الصخب يزيدان في الرزق.
29 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا عبد الله
ابن جعفر الحميري، قال: حدثنا محمد بن الحسين، عن الحسن بن
محبوب، عن نجية القواس، عن علي بن يقطين، قال: قال أبو الحسن عليه السلام:
مر أصحابك أن يكفوا من ألسنتهم ويدعوا الخصومة في الدين ويجتهدوا
في عبادة الله عز وجل.
30 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، عن أبيه، عن محمد
ابن أحمد، عن موسى بن عمر، عن العباس بن عامر، عن مثنى، عن أبي
بصير، عن أبي عبد الله، قال: قال: لا يخاصم إلا شاك أو من لا ورع له.
31 - وبهذا الاسناد، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن
أبي حفص عمر بن عبد العزيز عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال:
متكلموا هذه العصابة من شر من هم 1) منه من كل صنف.

516
32 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن
الحسين عن محمد بن إسماعيل، عن الحضرمي، عن المفضل بن عمر،
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا مفضل من فكر في الله كيف كان هلك، ومن
طلب الرئاسة هلك.
33 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن هارون بن
مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: لعن الله الذين اتخذوا دينهم شحا يعني الجدال ليدحضوا
الحق بالباطل.
34 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا



(1) بحار الأنوار 2: 138 عنه.
517
محمد بن الحسن الصفار، عن الفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم
البجلي، عن محمد بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن
محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا زعيم بيت في أعلى
الجنة 1) وبيت في وسط الجنة وبيت في رياض الجنة 2) لمن ترك المراء
وإن كان محقا.



(1) نهاية ابن الأثير 2: 185.
518
35 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن
عبد الله بن محمد، عن محمد بن إسماعيل النيسابوري، عن عبد الرحمن
ابن أبي هاشم، عن كليب بن معاوية، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا يخاصم
إلا من قد ضاق بما في صدره.

519
/ 1