عمدة القاري (جزء 15) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عمدة القاري (جزء 15) - نسخه متنی

محمود بن احمد عینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: عمدة القاري
المؤلف: العيني
الجزء: 15
الوفاة: 855
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: بيروت - دار إحياء التراث العربي
الناشر: دار إحياء التراث العربي
ردمك:
ملاحظات:
781
((باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا غنم أهل الحرب مال مسلم ثم إذا استولى المسلمون عليهم ووجد ذلك المسلم عين ماله، هل يأخذه وهو أحق به؟ أو يكون من الغنيمة؟ ففيه خلاف نذكره الآن، فلذلك لم يذكر البخاري جواب: إذا.
7603 قال ابن نمير حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليه المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للترجمة من حيث إنه جواب لها، وابن نمير، بضم النون وفتح الميم مصغر نمر الحيوان المشهور هو عبيد الله بن نمير الهمداني الكوفي وعبيد الله عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني وهذا تعليق من البخاري لأنه لم يسمع من ابن نمير، فإنه مات سنة تسع وتسعين ومائة.
ووصله أبو داود، وقال: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري والحسن بن علي قالا: حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، قال: ذهب فرس له إلى آخره نحوه. وأخرجه ابن ماجة أيضا. قوله: (وذهب فرس له)، وفي رواية الكشميهني ذهبت، لأن الفرس تذكر وتؤنث، وكذلك في روايته: فأخذها، قوله: (في زمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم) كذا وقع في رواية ابن نمير: أن قصة الفرس في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، وقصة العبد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه يحي القطان عن عبيد الله العمري كما هي الرواية الثانية في الباب فجعلها مما بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك وقع في رواية موسى بن عقبة عن نافع، وهي الرواية الثالثة في الباب، فصرح بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. قلت: في وقوع ذلك في زمن أبي بكر والصحابة، رضي الله تعالى عنهم، متوافرون من غير إنكار منهم كفاية للاحتجاج به. قوله: (فأخذه العدو)، أي: الكافر من أهل الحرب قوله (فظهر عليه) أي غلب عليه قوله (وأبق) أي هرب واحتج بهذا الحديث الشافعي وجماعة أن أهل الحرب لا يملكون بالغلبة شيئا من مال المسلمين ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها، وعن علي والزهري والحسن وعمرو بن دينار: لا ترد إلى صاحبها قبل القسمة ولا بعدها وعن علي والزهري والحسن وعمرو بن دينار لا ترد إلى صاحبها قبل القسمة ولا بعدها وهي للجيش، وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك: إن صاحبه، إن علم به قبل القسمة أخذه بغير شيء، وإن أصابه بعد القسمة يأخذه بقيمته، وهو قول عمر وزيد بن ثابت وابن المسيب وعطاء والقاسم وعروة، واحتجوا في ذلك بما رواه أبو داود من حديث الحسن بن عمارة عن عبد الملك ابن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن أصبته

2
قبل أن يقسم فهو لك، وإن أصبته بعدما قسم أخذته بالقيمة. فإن قلت: قال أحمد فيه: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء،، وقال الجوزجاني: ساقط. قلت: قال أحمد: وقد روى مسعر عن عبد الملك، وقال يحيى بن سعيد: سألت مسعرا عنه فقال: هو من حديث عبد الملك، ولكن لا أحفظه. وقال علي بن المديني: روى عن يحيى بن سعيد أنه سأل مسعرا عنه فقال: هو من رواية عبد الملك عن طاووس عن ابن عباس، فدل على أنه قد رواه غير الحسن بن عمارة، فاستغنى عن روايته لشهرته عن عبد الملك، على أنا نقول: قال الطحاوي: حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي، قال: سمعت علي بن يونس المروزي يقول: سمعت جرير بن عبد الحميد، يقول: ما ظننت أني أعيش إلى دهر يحدث فيه عن محمد بن إسحاق ويسكت فيه عن الحسن بن عمارة، وقال الطحاوي: وقد روي عن جماعة من المتقدمين نحو ما ذهب إليه أبو حنيفة ومن معه، فمما روي عنهم في ذلك ما حدثنا محمد بن خزيمة قال: حدثنا يوسف بن عدي قال: حدثنا ابن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب: أن عمر ابن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، قال: فيما أحرز المشركون وأصابه المسلمون فعرفه صاحبه، قال: إن أدركه قبل أن يقسم فهو له، فإن جرت فيه السهام فلا شيء له. فإن قلت: قبيصة بن ذؤيب لم يدرك عمر، رضي الله تعالى عنه. قلت: يكون مرسلا فيعمل به، على أن رجاء بن حيوة روى أن ابن عبيدة كتب إلى عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، في هذا فقال: من وجد ماله بعينه فهو أحق به بالثمن الذي حسب على من أخذه، وكذلك إن بيع ثم قسم منه فهو أحق بالثمن، والله أعلم.
8603 حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع أن عبدا لابن عمر أبق فلحق بالروم فظهر عليه خالد بن الوليد فرده على عبد الله وأن فرسا لابن عمر عار فلحق بالروم فظهر عليه فردوه على عبد الله. (انظر الحديث 7603 وطرفه).
هذا طريق آخر، وفيه خالف يحيى القطان عن عبيد الله المذكور حيث جعل رد العبد والفرس كلاهما بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (عار)، بالعين يأتي تفسيره عن البخاري حيث يقول:
قال أبو عبد الله: عار مشتق من العير وهو حمار وحش أي هرب
أبو عبد الله هو البخاري نفسه. قوله: (من العير)، بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء: وهو الحمار الوحشي، ثم فسر: عار، بقوله: أي: هرب. وقال ابن التين: أراد أنه فعل فعله في النفار، وقال الخليل: يقال عار الفرس والكلب عيارا، أي: أفلت، وذهب، وقال الطبري: يقال ذاك للفرس إذا فعله مرة بعد مرة، ومنه للبطال من الرجال الذي لا يثبت على طريقة عيار، ومنه سهم عائر إذا كان لا يدري من أين أتى.
9603 حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان على فرس يوم لقي المسلمون وأمير المسلمين يومئذ خالد بن الوليد بعثه أبو بكر فأخذه العدو فلما هزم العدو رد خالد فرسه. (انظر الحديث 7603 وطرفه).
هذا طريق آخر على خلاف الطريقين المذكورين حيث صرح بأن قصة الفرس كانت في أيام أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، قوله: (يوم لقي المسلمون) أي: كفار الروم.
881
((باب من تكلم بالفارسية والرطانة))
أي: هذا باب في بيان من تكلم بالفارسية أي: باللغة الفارسية نسبة إلى فارس بن عامور بن يافث بن نوح، عليه الصلاة والسلام، كذا قاله علي بن كيسان النسابة، وحكى الهمداني قال: فارس الكبرى ابن كومرث، ومعناه: الحي الناطق، وأليت بن أميم ابن لاوذ بن سام بن نوح، وقال: المسعودي: من الناس من رأى أن فارس ابن لأمور بن سام بن نوح، ومنهم من قال: إنهم من ولد هذرام بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وأنه ولد بضعة عشر ولدا رجالا كلهم، كان فارسا شجاعا فسموا الفرس بالفروسية، وكان

3
دينهم الصابئة ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران، وكانوا أهل رياسة وسياسة وحسن مملكة وتدبير للحرب ووضع الأشياء مواضعها، ولهم الترسل والخطابة والنظافة وتأليف الطعام والطيب واللباس، ومن كتبهم استملى الناس رسوم الملك. قوله: (والرطانة) بفتح الراء، وقيل: يجوز بكسرها وهو كلام غير العربي، وقال الكرماني: الكلام بالأعجمية، وقال صاحب (الأفعال): يقال: رطن رطانة إذا تكلم بكلام العجم، وقال ابن التين: هي كلام لا يفهم، ويخص بذلك كلام العجم.
وقوله تعالى * (واختلاف ألسنتكم وألوانكم) * (الروم: 22). * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (إبراهيم: 4).
ويروى: وقال تعالى: * (واختلاف ألسنتكم) * (الروم: 22). وقبله: * (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) * (الروم: 22). هذه الآية الكريمة في سورة الروم، أي: ومن آيات الله تعالى خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم أي: لغاتكم وأجناس النطق وأشكاله، خالف تعالى بين هذه حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد، ولا جهارة ولا حدة ولا رخاوة ولا فصاحة ولا لكنة ولا نظم ولا أسلوب ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله، وكان أصل اختلاف اللغات من هود، ألقى الله على ألسنة كل فريق اللسان الذي يتكلمون به ليلا، فأصبحوا لا يحسنون غيره. قوله: (وألوانكم)، أي: واختلاف ألوانكم في تخطيطها وتنويعها، ولاختلاف ذلك وقع التعارف وإلا فلو اتفقت وتشاكلت وكانت ضربا واحدا لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطلت مصالح كثيرة، وربما رأيت توأمين مشتبهين في الحلية ويعروك الخطأ في التمييز بينهما، وتعرف حكمة الله في المخالفة بين الحلى. قوله: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (إبراهيم: 4). وتمام الآية: * (ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) * (إبراهيم: 4). وهذه الآية الكريمة في سورة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، قال الزمخشري: ليبين لهم: أي ليفقهوا عنه ما يدعوهم إليه فلا تكون لهم حجة على الله، ولا يقولوا: لم نفهم ما خوطبنا به. انتهى. وكان البخاري أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم، فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته، فاقتضى أن يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه والدليل على عموم رسالته قوله تعالى: * (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) * (الأعراف: 851). بل إلى الثقلين، وهم على ألسنة مختلفة.
0703 حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا أبو عاصم قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان قال أخبرنا سعيد بن ميناء قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال قلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير فتعال أنت ونفر فصاح النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سؤرا فحي هلا بكم.
مطابقته للترجمة في قوله: (إن جابرا قد صنع سورا) وهو بضم السين وسكون الواو، وهو الطعام الذي يدعى إليه، وقيل: الطعام مطلقا وهي لفظة فارسية، وقيل: السؤر الوليمة، بالفارسية، وقيل: السور بلغة الحبشة: الطعام، لكن العرب تكلمت بها فصارت من كلامها، وأما السؤر بالهمزة فهو: بقية من ماء أو طعام أو غير ذلك، وليس المراد ههنا إلا الأول.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: عمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي. الثاني: أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل البصري. الثالث: حنظلة بن سفيان الجمحي القرشي، من أهل مكة واسم أبي حنظلة: الأسود بن عبد الرحمن. الرابع: سعيد بن ميناء، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون مقصورا وممدودا، أبو الوليد المكي. الخامس: جابر بن عبد الله.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عمرو بن علي أيضا، وأخرجه مسلم في الأطعمة عن حجاج بن الشاعر.
قوله: (ذبحنا بهيمة)، قال الداودي: البهيمة من الأنعام، وقال ابن فارس: البهم صغار الغنم. قلت: البهم، بفتح الباء جمع بهمة، وهي ولد الضان الذكر والأنثى، وجمع البهم: بهام. قوله: (فتعال)، صيغة أمر يخاطب به جابر النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ونفر) أي: مع نفر. قوله: (فحي هلا بكم)، مركب من: حي وهل، وقد يبنى على الفتح، وقد يقال: حيهلا، بالتنوين، وحيهلا بلا تنوين، وعليها الرواية أي: عليكم بكذا، أو أدعوكم، أو اقبلوا، أو أسرعوا بأنفسكم. وجاء: حيهل بسكون اللام، وحيهل بسكون الهاء وفتح اللام مع الألف وبدون الألف، وحيهلا بسكون الهاء وبالتنوين، وجاء معديا بنفسه، وبالباء، وبالى

4
وبعلى. ويستعمل: حي، وحده بمعنى: أقبل، و: هلا، وحده بمعنى: أسكن. وقال أبو عبيدة: معنى قوله: إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر، أي: أدع عمر، وقيل: معناه: اقبلوا على ذكر عمر، وقال صاحب (المطالع): تقول: حي على كذا، أي: هلم وأقبل، ويقال: حي علا، وقيل: حي هلم، وقال الداودي، قوله: فحيهلا بكم، أي: أقبلوا أهلا بكم أتيتم أهلكم.
1703 حدثنا حبان بن موساى قال أخبرنا عبد الله عن خالد بن سعيد عن أبيه عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصغر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سنه سنه قال عبد الله وهي بالحبشية حسنة قالت فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي قال عبد الله فبقيت حتى ذكر..
مطابقته للترجمة في قوله: (سنه سنه) بفتح النون وسكون الهاء، وفي رواية الكشميهني: سناه سناه، بزيادة الألف والهاء فيهما للسكت، وقد يحذف. وفي (المطالع): هو بفتح النون الخفيفة عند أبي ذر، وشددها الباقون، وهي: بفتح أوله للجميع إلا القابسي فكسره، ويروى: سناه وسناه، معناه بالحبشية: حسنة، كما فسره في الحديث، وهو الرطانة بغير العربي.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: حبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وبالنون: ابن موسى أبو محمد السلمي المروزي. الثاني: عبد الله بن المبارك المروزي. الثالث: خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، أخو إسحاق بن سعيد القرشي الأموي، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وقد ذكره عنه مرارا، يروى عن أبيه وهو الرابع. الخامس: أم خالد، اسمها: أمة بفتح الهمزة بنت خالد، مر في كتاب الجنائز في: باب التعوذ من عذاب القبر، قال الذهبي: أمة أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص الأموية، ولدت بالحبشة، تزوجها الزبير فولدت له خالدا وعمرا، وقال بعضهم: في طبقة خالد بن سعيد بن عمر وخالد بن سعيد بن أبي مريم المدني، لكن لم يخرج له البخاري، ولا لابن المبارك عنه رواية، وزعم الكرماني أن شيخ ابن المبارك هنا هو خالد بن الزبير بن العوام، ولا أدري من أين له ذلك؟ قلت: عبارة الكرماني هكذا، واعلم أن لفظ: خالد، مذكور هنا ثلاث مرات، والثاني غير الأول، وهو خالد بن الزبير بن العوام، والثالث غيرهما، وهو خالد بن سعيد بن العاص. انتهى. قلت: لم يقل الكرماني: إن شيخ ابن المبارك هنا هو خالد ابن الزبير بن العوام، بل قال الثاني غير الأول، وأراد به خالدا في قوله: أم خالد، ولا شك أن خالدا هذا هو ابن الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنه، على ما قاله الذهبي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن أبي نعيم وعن أبي الوليد، وفي هجرة الحبشة عن الحميدي وفي الأدب عن حبان عن عبد الله أيضا. وأخرجه أبو داود في اللباس عن إسحاق بن الجراح الأذني.
قوله: (بخاتم النبوة) وهو ما كان مثل زر الحجلة بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (فزبرني) بالزاي وبالباء الموحدة والراء: من الزبر، وهو النهي عن الإقدام على ما لا ينبغي. قوله: (دعها)، أي: اتركها. قوله: (أبلي) من أبليت الثوب إذا جعلته عتيقا، ويقال: البلاء للخير والشر، لأن أصله الاختبار، وأكثر ما يستعمل في الخير مقيدا. قوله: (واخلقي)، من باب الأفعال بمعنى: أبلى، ويجوز أن يكون كلاهما من الثلاثي إذا خلق بالضم، وأخلق بمعنى، وكذلك: بلى وأبلى، وليس ذلك من عطف الشيء على نفسه، لأن في المعطوف تأكيدا وتقوية ليس في المعطوف عليه، كقوله تعالى * (كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون) * (النبأ: 4 و 5). وفي رواية أبي ذر: أخلفي، بالفاء، والمشهور: بالقاف، من إخلاق الثوب، وقال صاحب (العين): معنى: أبل وأخلق، أي: عش فخرق ثيابك وارقعها. قوله: (قال عبد الله) هو ابن المبارك، وقال الكرماني: وفي بعضها أبو عبد الله أي: البخاري قوله: (فبقيت)، أي: أم خالد. قوله: (حتى ذكر)، على صيغة المجهول، والضمير فيه يرجع إلى القميص، ويروى: على صيغة بناء الفاعل والضمير للقميص أيضا، أي: حتى ذكر دهرا وقال الكرماني: أو يكون الضمير للراوي ونحوه، أي: حتى ذكر الراوي ما نسي طول مدته، ويروى: حتى ذكرت، بلفظ بناء المعلوم أي: بقيت حتى ذكرت دهرا طويلا. قال الكرماني: وفي بعضها بلفظ المجهول أي: حتى صارت مذكورة عند الناس لخروجها عن العادة، ورواية أبي الهيثم: حتى دكن، بدال مهملة ونون في آخره من: الدكنة، وهي غبرة من طول ما لبس فاسود لونه، ورجحه أبو ذر

5
وفي بعض النسخ: فذكر دهرا، ولفظ: دهرا، محذوف في كتاب ابن بطال، وذكره ابن السكن، وهو تفسير لهذه الرواية، كأنه أراد: بقي هذا القميص مدة طويلة من الزمان فنسيها الراوي، فعبر عنها بقوله: ذكر دهرا، أي: زمانا بحسب تحديده.
ذكر ما يستفاد منه فيه: جواز لبس القميص الأصفر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على والد أم خالد. وفيه: المسامحة للأطفال في اللعب بحضرة آبائهم وغيرهم، وكان صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم. وفيه: الدعاء لمن يلبس جديدا بقوله: إبلي واخلقي، أو إبل وأخلق للابس. وفيه: جواز الرطانة بغير العربية، لأن الكلام بغير العربية يحتاج المسلمون إليه للتكلم مع رسل العجم، وقد أمر الشارع زيد بن ثابت بكلام العجم، وقال ابن التين: إنما يكره أن يتكلم بالعجمية إذا كان بعض من حضر لا يفهمها، فيكون كمناجي القوم دون الثالث، قال الداودي: إذا لم يعرفها اثنان فأكثر يلزم أن يجوز ذلك.
2703 حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية كخ كخ أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة. (انظر الحديث 5841 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (كخ كخ)، وهو بفتح الكاف وكسرها وسكون الخاء المعجمة وكسرها وبالتنوين مع الكسر وبغير تنوين، وهي كلمة يزجر بها الصبيان من المستقذرات، يقال له: كخ، أي: اتركها وارم بها. وقال ابن دريد: يقال: كخ بكخ كخا، إذا نام فقط. وقال الداودي: كلمة أعجمية عربت، وغندر هو محمد بن جعفر، وقد مر غير مرة.
والحديث قد مر في كتاب الزكاة في: باب ما يذكر في الصدقة، فإنه روي هناك: عن آدم عن شعبة، وهنا بينه وبين شعبة اثنان. قال الكرماني: وللمنازع أن ينازع في كون هذه الألفاظ أعجمية. أما السور فلاحتمال أن يكون من باب توافق اللغتين كالصابون. وأما: سنه، فيحتمل أن يكون أصله حسنة، فحذف من أوله الحاء كما
حذف، هدفي قولهم: كفى بالسيف شا، أي: شاهدا. وأما كخ فهو من باب الأصوات قلت: الكل لا يخلو عن نظر. أما الأول: فاحتمال وبه لا تثبت اللغة. وأما الثاني: فلا يجوز الترخيم في أول الكلمة، وأما الثالث: فلأنه من أسماء الأفعال. وقال الكرماني: ما مناسبة هذه الأحاديث لكتاب الجهاد؟ فقال: أما الحديث الأول فظاهر لأنه كان في يوم الخندق، وأما الآخران فبالتبعية. قلت: كونه في الخندق لا يستلزم أن يكون متعلقا بأمور الجهاد. أقول: يمكن أن يقال: إن للترجمة تعلقا ما بكتاب الجهاد، وهو أن الإمام إذا أمن أهل الحرب بلسانهم ولغتهم يكون ذلك أمانا، لأن الله يعلم الألسنة كلها. فافهم.
981
((باب الغلول))
أي: هذا باب في بيان حرمة الغلول، نقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر، وهو من غل في المغنم يغل غلولا، فهو غال. قال ابن الأثير: الغلول هو الخيانة في المغنم والسرقة في الغنيمة قبل القسمة، وكل من خان في شيء خفية فقد غل وسميت غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة، أي: ممنوعة مجعول فيها غل، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، ويقال لها الجامعة أيضا.
وقول الله تعالى * (ومن يغلل يأت بما غل) * (آل عمران: 161).
وقول الله، بالجر عطفا على الغلول، وأوله: * (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) * (آل عمران: 161). وهذه الآية الكريمة في سورة آل عمران. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا المسيب بن واضح حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس، قال: فقدوا قطيفة يوم بدر، فقالوا: لعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخذها، فأنزل الله * (وما كان لنبي أن يغل) * (آل عمران: 161). أي: يخون، هذه تنزيه له صلى الله عليه وسلم من جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة، وقسم الغنيمة وغير ذلك، وقال العوفي عن ابن عباس: * (وما كان لنبي أن يغل) * (آل عمران: 161). أي:

6
بأن يقسم لبعض السرايا ويترك أبعضا. وكذا قال الضحاك وقرأ الحسن البصري وطاووس ومجاهد والضحاك: أن يغل، بضم الياء أي: يخان، وروى ابن مردويه من طريق أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس، قال: (اتهم المنافقون رسول الله، صلى الله عليه وسلم بشيء، فقد فأنزل الله تعالى: * (وما كان لنبي أن يغل) * (آل عمران: 161). قوله: (ومن يغلل..) إلى آخره، تهديد شديد ووعيد أكيد، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ردوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة).
3703 حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن أبي حيان قال حدثني أبو زرعة قال حدثني أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره قال لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء على رقبته فرس له حمحمة يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك وعلى رقبته بعير ل رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك وعلى رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك أو على رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. وقال أيوب عن أبي حين فرس له حمحمة. (انظر الحديث 2041 وأطرفيه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى هو القطان، وأبو حيان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف: اسمه يحيى بن سعيد التيمي، وأبو زرعة اسمه هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي.
والحديث مضى في كتاب الزكاة في: باب إثم مانع الزكاة.
قوله: (لا ألفين)، بضم الهمزة وبالفاء المكسورة أي: لا أجدن، هكذا الرواية للأكثرين بلفظ النفي المؤكد بالنون، والمراد به النهي، ورواه الهروي بفتح الهمزة والقاف من اللقاء، وكذا في بعض رواية مسلم. قوله: (على رقبته)، وفي رواية مسلم: وعلى رقبته، بالواو للحال. قوله: (ثغاء)، بضم الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة، وهو صوت الشاة يقال: ثغا ثغوا. قوله: (حمحمة)، بفتح المهملتين: صوت الفرس إذا طلب العلف. قوله: (لا أملك لك شيئا)، أي: من المغفرة لأن الشفاعة أمرها إلى الله. قوله: (قد أبلغتك)، ويروى: بلغتك، أي: لا عذر لك بعد الإبلاغ، وهذا مبالغة في الزجر وتغليظ في الوعيد، وإلا فهو صاحب الشفاعة في مذنبي هذه الأمة يوم القيامة. قوله: (رغاء)، بضم الراء وتخفيف الغين المعجمة وبالمد: صوت البعير. قوله: (صامت)، وهو الذهب والفضة. قوله: (رقاع)، جمع رقعة وهي الخرقة. قوله: (تخفق)، أي: تتحرك وتضطرب، وليس المراد منه الخرقة بعينها، بل تعميم الأجناس من الحيوان والنقود والثياب وغيرها. وقال ابن الجوزي: المراد بالرقاع الثياب. وقال الحميدي: المراد بها ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع، ورد عليه ابن الجوزي: بأن الحديث سيق لذكر الغلول الحسي، فحمله على الثياب أنسب. قوله: (وقال أيوب)، أي: السختياني عن أبي حيان المذكور فيه: (فرس له حمحمة)، كذا للأكثرين في الموضعين، ووقع في رواية الكشميهني في الرواية الأولى على رقبته له حمحمة، بحذف لفظ: فرس، وكذا هو في رواية النسفي وأبي علي بن شبويه، فعلى هذا ذكر طريق أيوب للتنصيص على ذكر الفرس في موضعين.
ومما ينبه عليه هنا ما قاله ابن المنذر: أجمع العلماء إن الغال عليه أن يرد ما غل إلى صاحب المقاسم ما لم يفترق الناس، واختلفوا فيما يفعل بعد ذلك إذا افترق الناس، فقالت طائفة: يدفع إلى الإمام خمسة ويتصدق بالباقي، وهو قول الحسن ومالك والأوزاعي والليث والزهري والثوري وأحمد، وروي عن ابن مسعود وابن عباس ومعاوية، وقال الشافعي، وطائفة: يجب تسليمه إلى الإمام أو الحاكم كسائر الأموال الضائعة وليس له الصدقة، بمال غيره، وعن ابن مسعود أنه رأى أن يتصدق بالمال
الذي لا يعرف صاحبه. واختلفوا في عقوبة الغال، فقال الجمهور: يعزر بقدر حاله، على ما يراه

7
الإمام ولا يحرق متاعه، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ومالك وجماعة كثيرة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وقال الحسن وأحمد وإسحاق ومكحول والأوزاعي: يحرق رحله ومتاعه كله، قال الأوزاعي إلا سلاحه وثيابه التي عليه، قال الحسن: إلا الحيوان والمصحف. وقال: أما حديث ابن عمر عن عمرو، رضي الله تعالى عنه مرفوعا في تحريق رحل الغال فهو حديث تفرد به صالح بن محمد وهو ضعيف عن سالم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرق رحل الذي وجد عنده الخرز والعباءة، قيل: إنما لم يحرق رحل الرجل المذكور لأنه كان ميتا فخرج ماله إلى ورثته قلت: قال الطحاوي: ولو صح حمل على أنه كان إذ كانت العقوبات في الأموال كأخذ شطر المال من مانع الزكاة وضالة الإبل وسارق التمر وكله منسوخ.
091
((باب القليل من الغلول))
أي: هذا باب في بيان حكم القليل من الغلول، هل هو مثل حكم الكثير أم لا؟ وحكمه أنه مثله.
ولم يذكر عبد الله بن عمر و عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه وهذا أصح
أي: لم يذكر عبد الله بن عمرو في حديثه الذي يأتي في هذا الباب الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه، أي: متاع الرجل الذي يقال له كركرة الذي وجد عنده عباءة وقد غلها، والحاصل من هذا أن البخاري أشار بهذا إلى أن حرق متاع الغال ورحله لا يجوز، وأن العمل على منعه، وأنه هو الصحيح، أشار إليه بقوله. وهذا أصح. قال الكرماني: أي: عدم ذكر التحريق أصح من ذكره. قلت: لما روى عن عبد الله بن عمرو حديثان. أحدهما: حديث الباب، وليس فيه ذكر التحريق. والآخر: رواه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني. قال: دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم. فأتي برجل قد غل، فسأل سالما، أي: ابن عبد الله بن عمر، عنه، قال: سمعت أبي يحدث عن عمرو، رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا وجدتم الرجل غل فأحرقوا متاعه، وفيه صالح بن محمد المذكور وهو ضعيف، ضعفه يحيى والدارقطني، وقال البخاري: يحتجون بهذا الحديث في إحراق رحل الغال، وهو باطل ليس له أصل، ورواته لا يعتمد عليهم، وأن الصحيح هو الذي ليس فيه ذكر التحريق، أشار إليه بقوله: وهذا أصح. وقيل: حكي عن الأصيلي أن المذكور هنا: ويذكر عن عبد الله بن عمرو، بصيغة بناء المجهول بدل قوله: ولم يذكر عبد الله بن عمرو، فإن صح هذا يكون قوله: وهذا أصح، إشارة إلى أن حديث الباب الذي لم يذكر فيه التحريق أصح من الرواية التي ذكرها بصيغة التمريض، وهي قوله: ويذكر، على بناء المجهول. وأما حديث عبد الله بن عمرو فقد أخرجه أبو داود عن محمد بن عوف عن موسى بن أيوب عن وليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، حرقوا متاع الغال وضربوه.
4703 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان عن عمر و عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمر و قال كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها.
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: (فوجدوا عباءة) لأنها قليل بالنسبة إلى غيرها من الأمتعة والنقدين، وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو بن دينار.
قوله: (على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم)، بفتح الثاء المثلثة والقاف: وهوالعيال، وما يثقل حمله من الأمتعة، ويقال: الثقل متاع المسافر. قوله: (هو في النار)، قال ابن التين عن الداودي يحتمل أن يكون هذا جزاؤه إلا أن يعفو الله، ويحتمل أن يصيبه في القبر، ثم ينجو من جهنم، ويحتمل أن يكون وجبت له النار من نفاق كان يسره أو بذنب مات عليه مع غلوله أو بما غل، فإن مات مسلما فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان.

8
قال أبو عبد الله قال ابن سلام كركرة يعني بفتح الكاف وهو مضبوط كذا
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وابن سلام هو محمد بن سلام، بتخفيف اللام شيخ البخاري، رحمه الله. واختلف في ضبط كركرة، فذكر عياض أنه بفتح الكافين وكسرهما، وقال النووي: إنما اختلف في كافه الأولى، وأما الثانية فمكسورة اتفاقا. ونقل البخاري عن شيخه محمد بن سلام أنه رواه عن ابن عيينة: كركرة، بفتح الكاف، وصرح بذلك الأصيلي في روايته أشار إليه بقوله: وهو مضبوط كذا، يعني: بفتح الكاف، وقال عياض: هو عند الأكثرين بالفتح في رواية علي بن عبد الله، وبالكسر في رواية ابن سلام، وعند الأصيلي بالكسر في الأول، وقال القابسي: لم يكن عند المروزي فيه ضبط، إلا أني أعلم أن الأول خلاف الثاني.
191
((باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم))
أي: هذا باب في بيان ما يكره... إلى آخره.
5703 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن جده رافع قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فأصاب الناس جوع وأصبنا إبلا وغنما وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس فعجلوا فنصبوا القدور فأمر بالقدور فأكفئت ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير فند منها بعير وفي القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم فأهوي إليه رجل بسهم فحبسه الله فقال هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا فقال جدي إنا نرجو أو
نخاف أن نلقى العدو غدا وليس معنا مدي أفنذبح بالقصب فقال ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذالك أما السن فعظم وأما الظفر فمدي الحبشة..
مطابقته للترجمة تؤخذ من أمره صلى الله عليه وسلم، بإكفاء القدور، فإنه يقتضي كراهة ما ذبحوا بغير أمر. وأبو عوانة، بفتح العين: الوضاح اليشكري، وسعيد بن مسروق الثوري الكوفي والد سفيان الثوري، وعباية، بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف: ابن رفاعة بكسر الراء وبالفاء وبالعين المهملة: ابن رافع بن خديج الأنصاري الحارثي، سمع جده رافعا.
والحديث مر في كتاب الشركة في باب قسمة المغنم، فإنه أخرجه هناك عن علي بن الحكم الأنصاري عن أبي عوانة عن سعيد بن مسروق إلى آخره.
قوله: (بذي الحليفة) هي: ميقات أهل المدينة. قوله: (فأكفئت)، أي: قلبت أو نكست. قوله: (فند) أي: نفر. قوله: (فأعياهم)، أي: أعجزهم. قوله: (فأهوى إليه) أي: مد يده إليه بسهم. قوله: (أوابد) جمع آبدة، وهي التي قد تأبدت أي توحشت ونفرت من الإنس، وقد أبدت تأبد وتأبد بكسر عين الفعل وضمها. قوله: (قال جدي) أي: قال عبابة، قال جدي، وهو رافع بن خديج. قوله: (إنا نرجو)، أي: نخاف، والرجاء يأتي بمعنى الخوف. قوله: (أو نخاف)، شك من الراوي. قوله: (مدى)، جمع المدية: وهي السكين. قوله: (ما أنهر الدم)، أي: ما أساله وأجراه، وقال المهلب: إنما أمر بإكفائها لأنهم ذبحوها بذي الحليفة، وهي أرض الإسلام، وليس لأهل الإسلام إن يأخذوا في أرض الإسلام إلا ما قسم لهم، قال القرطبي: المأمور بإراقته إنما هو إتلاف لنفس المرق، وأما اللحم فلم يتلفوه، ويحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم، ولا يظن به أنه أمر بإتلافه، لأنه مال الغانمين، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، فإن قيل: لم ينقل أنهم حملوا ذلك اللحم إلى المغنم؟ قلنا: ولا نقل أنهم أحرقوه ولا أتلفوه، كما فعل بلحوم الحمر الأهلية، لأنها نجسة، قاله، صلى الله عليه وسلم، أو قال: إنها رجس.

9
291
((باب البشارة في الفتوح))
أي: هذا باب في بيان مشروعية البشارة، بكسر الباء من: بشرت الرجل أبشره بالضم بشرا وبشورا من البشرى، وكذلك الإبشار والتبشير، ثلاث لغات، وهو إدخال السرور في قلبه، وقال الجوهري: البشارة بالكسر والضم الاسم، وقال ابن الأثير: البشارة بالضم: ما يعطى البشير كالعمالة للعامل وبالكسر الاسم لأنها تظهر طلاقة الإنسان وفرحه. قوله: (في الفتوح)، جمع فتح في الغزوة، وفي معناه: كل ما فيه ظهور الإسلام وأهله ليسر المسلمين بإعلاء الدين ويبتهلوا إلى الله تعالى بالشكر على ما وهبهم من نعمه ومن عليهم من إحسانه، فقد أمر الله تعالى عبادة بالشكر ووعدهم المزيد بقوله: * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * (إبراهيم: 7).
6703 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى قال حدثني إسماعيل قال حدثني قيس قال قال لي جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تريحني من ذي الخلصة وكان بيتا فيه خثعم يسمى كعبة اليمانية فانطلقت في خمسين ومائة من أحمس وكانوا أصحاب خبل فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني لا أثبت على الخيل فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري فقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فانطلق إليها فكسرها وحرقها فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره فقال رسول جرير يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب فبارك على خيل أحمس ورجالها خمس مرات. قال مسدد بيت في خثعم..
مطابقته للترجمة في قوله: (فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره) ويحيى هو القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي، وقيس هو ابن أبي حازم. والحديث مر في كتاب الجهاد في: باب حرق الدور والنخيل، عن مسدد عن يحيى إلى آخره، وأخرج بعضه أيضا في: باب من لا يثبت على الخيل.
قوله: (أجرب)، وفي رواية مسدد فيما مضى: أجوف. قوله: (قال مسدد: بيت في خثعم) أراد بهذا أن مسددا رواه عن يحيى القطان بالإسناد الذي ساقه البخاري عن محمد بن المثنى عن يحيى، فقال: بدل قوله: وكان بيتا فيه خثعم: وهذه الرواية هي الصواب.
391
((باب ما يعطى للبشير))
أي: هذا باب في بيان ما يعطى للبشير، وقد ذكرنا أن الذي يعطى للبشير يسمى بشارة، بضم الباء.
وأعطى كعب بن مالك ثوبين حين بشر بالتوبة
كعب بن مالك بن أبي كعب، واسمه عمرو السلمي المدني الشاعر، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم، وأنزل فيهم: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * (التوبة: 811). وهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة. قوله: (حين بشر بالتوبة)، أي: بشر بقبول توبته لأجل تخلفه عن غزوة تبوك، وكان المبشر هو سلمة بن الأكوع، رضي الله تعالى عنه، وقد مضى هذا.
491
((باب لا هجرة بعد الفتح))
أي: هذا باب يذكر فيه: لا هجرة بعد فتح مكة، ويجوز أن يكون المراد أعم من ذلك.
7703 حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا شيبان عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة
لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا..

10
مطابقته للترجمة ظاهرة وشيبان بن عبد الرحمن النحوي ومنصور بن المعتمر والحديث مر في أول كتاب الجهاد.
9703 حدثنا إبراهيم بن موساى أخبرنا يزيد بن زريع عن خالد عن أبي عثمان النهدري عن مجاشع بن مسعود قال جاء مجاشع بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا مجالد يبايعك على الهجرة فقال لا هجرة بعد فتح مكة ولكن أبايعه على الإسلام..
مطابقته للترجمة ظاهرة، و إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي: يعرف بالصغير، و خالد هو ابن مهران الحذاء البصري، وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي، بفتح النون، و مجاشع بن مسعود بن ثعلبة بن وهب السلمي، قتل يوم الجمل، وأخوه مجالد، بالجيم أيضا له صحبة. قال أبو عمر: ولا أعلم له رواية، كان إسلامه بعد إسلام أخيه بعد الفتح، قال أبو حاتم: قتل يوم الجمل، والحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب البيعة في الحرب.
0803 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال عمر و وابن جريج سمعت عطاء يقول ذهبت مع عبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله تعالى عنها وهي مجاورة بثبير فقالت لنا انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم مكة.
مطابقته للترجمة ظاهرة وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وابن جريج هو عبد الملك، وعطاء هو ابن أبي رباح وعبيد بن عمر بالتصغير فيهما ابن قتادة الليثي قاضي أهل مكة.
قوله: (بثبير)، بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء: وهو جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب منها إلى منى، قال محمد بن الحسن وللعرب أربعة جبال اسم كل واحد ثبير، وكلها حجازية، والهجرة انقطعت بعد فتح مكة لأن المؤمنين كانوا يفرون بدينهم إلى الله وإلى رسوله مخافة أن يفتنوا، وأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام والمؤمن يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونية، كما مر في الحديث فيما مضى.
591
((باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة، وجواب: إذا، محذوف تقديره: يجوز للضرورة. قوله: (والمؤمنات)، بالجر عطف على ما قبله، وتقديره: وإذا اضطر الرجل إلى النظر في المؤمنات إذا عصين الله. قوله: (تجريدهن) أي: وإذا اضطر أيضا إلى تجريدهن من الثياب، لأن المعصية تبيح حرمتها، ألا ترى أن عليا والزبير، رضي الله تعالى عنهما، أرادا كشف المرأ في قضية كتاب حاطب، وقد أجمعوا أن المؤمنات والكافرات في تحريم الزنا بهن سواء، وكذلك تحريم النظر إليهن، ولكن الضرورات تبيح المحظورات، ولم أر أحدا تعرض لشرح هذه الترجمة.
1803 حدثني محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي قال حدثنا هشيم قال أخبرنا حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمان وكان عثمانيا فقال لابن عطية وكان علويا إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء وسمعته يقول بعثني النبي صلى الله عليه وسلم والزبير فقال ائتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا فأتينا الروضة فقلنا الكتاب قالت لم يعطني فقلنا لتخرجن أو لأجردنك فأخرجت من حجزتها فأرسل إلى حاطب فقال لا تعجل والله ما كفرت ولا ازددت للإسلام إلا حبا ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ولم يكن لي أحد فأحببت أن أتخذ عندهم يدا فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر دعني أضرب عنقه

11
فإنه قد نافق فقال ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فهذا الذي جرأه..
مطابقته للترجمة كلها ما تتأتى، لأن حديث الباب ليس فيه النظر إلى المؤمنات إذا عصين الله، نعم يطابق الترجمة قوله: (فأخرجت من حجزتها) وفي الحديث الذي مضى في: باب الجاسوس، فأخرجته من عقاصها، وعن قريب نذكر التوفيق بينهما. وعقاصها ذوائبها المضفورة فلم يكن إلا وقد كشفت شعرها لإخراج الكتاب، فبالضرورة حينئذ نظروا إليه للضرورة، وقوله أيضا: (أو لأجردنك) يطابق في الترجمة قوله: وتجريدهن، وقيل: ليس في الحديث بيان هل كانت المرأة مسلمة أو ذمية لكن لما استوى حكمهما في تحريم النظر لغير حاجة شملهما الدليل، وقال ابن التين: إن كانت مشركة لم يوافق الترجمة، وأجيب: بأنها كانت ذات عهد، فحكمها حكم أهل الذمة.
ذكر رجاله وهم: محمد بن عبد الله بن حوشب، بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفي آخره باء موحدة: الطائفي، وهشيم بن بشير الواسطي، وحصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين: ابن عبد الرحمن السلمي وسعد بن عبيدة، بضم العين وفتح الباء الموحدة: أبو حمزة السلمي الكوفي ختن أبي عبد الرحمن عبد الله السلمي، وكل هؤلاء قد مروا.
والحديث قد مر من وجه آخر في الجهاد في: باب الجاسوس، عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه.
قوله: (وكان عثمانيا) أي: وكان عبد الرحمن يقدم عثمان بن عفان على علي بن أبي طالب، وهو قول أكثر أهل السنة. قوله: (فقال لابن عطية) هو حبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة. قوله: (وكان علويا) أي: بفضل علي بن أبي طالب على عثمان، وهو قول جماعة من أهل السنة من أهل الكوفة. قوله: (إني لأعلم) مقول قوله: قال، أي: قال أبو عبد الرحمن لابن عطية: إني لأعلم ما الذي جرأ، أي: أي شيء جرأ صاحبك، وقوله: وكان علويا، جملة معترضة بين القول ومقوله. قوله: (جرأ) بتشديد الراء، من الجراءة وهي الجسارة، وأراد بقوله: صاحبك، علي بن أبي طالب، قال الكرماني: كيف جاز نسبة الجراءة على القتل إلى علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه؟ وأجاب بقوله: غرضه أنه لما كان جازما أنه من أهل الجنة عرف أنه إن وقع منه خطأ فيما اجتهد فيه عفى عنه
يوم القيامة قطعا انتهى. قلت: قول أبي عبد الرحمن ظن منه، لأن عليا، رضي الله تعالى عنه، على مكانته من الفضل والعلم لا يقتل أحدا، إلا بالواجب، وإن كان قد ضمن له بالجنة لشهوده بدرا وغيرها، ومع هذا قال الداودي: بئس ما قال أبو عبد الرحمن. قوله: (وسمعته يقول) أي: سمعت عليا، رضي الله تعالى عنه، يقول: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه. قوله: (روضة كذا) أي: روضة خاخ، كما ذكر هكذا في: باب الجاسوس. قوله: (امرأة)، وهي سارة، بالسين المهملة والراء، قوله: (حاطب)، وهو حاطب بن أبي بلتعة، بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح التاء المثناة من فوق وبالعين المهملة. قوله: (الكتاب)، منصوب بمقدر أي: هات الكتاب ونحوه. قوله: (لم يعطني)، أي: لم يعطني حاطب الكتاب، أو لم يعطني أحد الكتاب. قوله: (لتخرجن)، باللام المفتوحة وبالنون المشددة أي: لتخرجن الكتاب أو (لأجردنك) من الثياب، يقال: جردت الثوب عنه، أي: نزعته وكشفت عنه، وكلمة: أو، هنا بمعنى إلا في الاستثناء، ولأجردنك، منصوب بأن المقدرة، والمعنى: لتخرجن الكتاب إلا أن تجردي كما في قولك: لأقتلنك أو تسلم، أي: إلا أن تسلم، وقريب منه أن يكون بمعنى: إلى، كما في قولك: لألزمنك أو تعطينيحقي، أي: إلى أن تعطيني حقي. قوله: (فأخرجت)، ويروى فأخرجته، أي: فأخرجت الكتاب من حجزتها، بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالزاي، وهي معقد الإزار، وحجزة السراويل التي فيها التكة، ووقع في رواية القابسي: من حزتها، بحذف الجيم، وهي لغة عامية، وقد مضى في: باب الجاسوس أنها أخرجته من عقاصها، وهي شعورها المضفورة، والتوفيق بينهما بأنه لعلها أخرجته من الحجزة أولا، ثم أخفته في عقاصها ثم اضطرت إلى الإخراج عنها، أو المراد من الحجزة المعقد مطلقا، أو الحبل، إذ الحجاز حبل يشد بوسطه يد البعير ثم يخالف فيعقد به رجلاه، ثم يشد طرفاه إلى حقويه، أو عقاصها كانت تصل إلى موضع الحجزة فباعتباره صح الإطلاقان أو كان ثم كتابان، وإن كان مضمونهما واحدا، كما أن القضية واحدة. قوله: (فقال: لا تعجل)، أي: فقال حاطب: لا تعجل يا رسول الله. قوله: (فهذا الذي جرأه) أي: قوله: اعملوا ما شئتم، لأهل بدر، هو الذي جرأ حاطبا، وبقية البحث مرت في: باب الجاسوس.

12
691
((باب استقبال الغزاة))
أي: هذا باب في بيان استقبال الغزاة عند رجوعهم من غزوتهم.
2803 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود قال حدثنا يزيد بن زريع وحميد بن الأسود عن حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة قال ابن الزبير لإبن جعفر رضي الله تعالى عنهم أتذكر إذ تلقينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم أنا وأنت وابن عباس قال نعم فحملنا وتركك.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إذ تلقينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم).
وعبد الله بن أبي الأسود هو عبد الله بن محمد بن حميد بن أبي الأسود أبو بكر، ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي الحافظ، وهو من أفراد البخاري، وحميد، بضم الحاء المهملة: ابن الأسود أبو الأسود البصري صاحب الكرابيس، وهو من أفراده أيضا، وحبيب بن الشهيد أبو محمد الأزدي الأموي البصري، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، واسمه زهير أبو محمد المكي الأحول، كان قاضيا لعبد الله بن الزبير ومؤذنا له، وابن الزبير هو عبد الله بن الزبير بن العوام، وابن جعفر هو أيضا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه. وقال الكرماني: وكان لجعفر أولاد ثلاثة: عبد الله ومحمد وعون، والظاهر أنه هو عبد الله. قلت: لم يجزم به وغيره من الشراح، جزم بأنه عبد الله.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم، وأخرجه النسائي في الحج عن أبي الأشعث ومحمد بن عبد الله كلاهما عن يزيد بن زريع.
قوله: (حدثنا عبد الله بن أبي الأسود) كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره عبد الله بن الأسود وهو يروي عن اثنين أحدهما يزيد بن زريع والآخر حميد ابن الأسود، وهو جده، وقرنه بيزيد، وما لحميد بن الأسود في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في تفسير سورة البقرة. قوله: (قال ابن الزبير لابن جعفر) وفي رواية مسلم، قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير، وهو عكس ما في رواية البخاري، قال بعضهم: والذي في البخاري أصح، ويؤيده ما تقدم في الحج عن ابن عباس، قال: لما قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم مكة استقبل أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه، فإن ابن جعفر من بني عبد المطلب بخلاف ابن الزبير، وإن كان عبد المطلب جد أبيه لكنه جده لأمه. قلت: الترجيح بهذا الوجه فيه نظر، والزبير: أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال أبو عمر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الزبير ابن عمتي وحواريي من أمتي. فإن قلت: أخرج أحمد والنسائي من طريق خالد بن سارة عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم حمله خلفه وحمل قثم بن العباس بين يديه. قلت: لا يستلزم هذا أن يكون حين تلقى رسول الله، صلى الله عليه وسلم عند قدومه مكة. قوله: (أتذكر؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (إذ تلقينا) أي: حين تلقينا. قوله: (فحملنا)، بفتح اللام، والضمير في، حمل، يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالمحمول ابن الزبير وابن عباس، والمتروك عبد الله بن جعفر، وعلى رواية مسلم المتروك ابن الزبير.
وفيه من الفوائد إن التلقي للمسافرين والقادمين من الجهاد والحج بالبشر والسرور، أمر معروف ووجه من وجوه البر. وفيه: الفخر بإكرام الشارع. وفيه: رواية الصبي ابن سبع سنين وإثبات الصحبة لعبد الله بن الزبير لأنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثمان سنين. وفيه: ركوب الثلاثة على الدابة.
3803 حدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا ابن عيينة عن الزهري قال قال السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصبيان إلى
ثنية الوداع.
مطابقته للترجمة ظاهرة ومالك بن إسماعيل بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي، وابن عيينة هو سفيان بن عيينة، والسائب بالسين المهملة ابن يزيد الكندي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن علي بن عبد الله وعبد الله بن محمد فرقهما. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن أبي الطاهر بن السرح، وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن يحيى وسعيد

13
بن عبد الرحمن.
قوله: (إلى ثنية الوداع)، المراد من ثنية الوداع هنا هي من جهة تبوك، لأن في رواية الترمذي عن السائب بن يزيد قال: لما قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من تبوك خرج الناس يتلقونه إلى ثنية الوداع، فخرجت مع الناس، وأنا غلام، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي غير هذا يحتمل أن يكون ثنية الوداع التي من كل جهة التي يصل إليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع، والثنية طريق العقبة، وحكى صاحب (المحكم) في الثنية أربعة أقوال: فقال: والثنية الطريق في الجبل كالنقب. وقيل: الطريقة إلى الجبل. وقيل: هي العقبة. وقيل: هي الجبل نفسه، وقال الداودي ثنية الوداع من جهة مكة وتبوك من الشام مقابلتها كالمشرق من المغرب، إلا أن يكون ثنية أخرى في تلك الجهة، قال: والثنية الطريق في الجبل، ورد عليه صاحب (التوضيح): بقوله: وليس كذلك، وإنما الثنية ما ارتفع من الأرض. قلت: كان هذا ما اطلع على ما قاله صاحب (المحكم) فلذلك أسرع بالرد.
791
((باب ما يقول إذا رجع من الغزو))
أي: هذا باب في بيان ما يقول الغازي إذا رجع من غزوه.
4803 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل كبر ثلاثا قال آيبون إن شاء الله تائبون عابدون حامدون لربنا ساجدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده..
وجويرية مصغر جارية بن أسماء الضبعي البشري، والحديث قد مر في الجهاد في: باب التكبير إذا علا شرفا فإنه أخرجه هناك عن عبد الله عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن صالح بن كيسان عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر الحديث ومضى أيضا في أواخر الحج في باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو وأنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر إلى آخره. قوله. قوله: (إذا قفل)، بالقاف ثم بالفاء: معناه: إذا رجع من غزوه.
5803 حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثني يحيى بن أبي إسحاق عن أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفلة من عسفان ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وقد أردف صفية بنت حيي فعثرت ناقته فصرعا جميعا فاقتحم أبو طلحة فقال يا رسول الله جعلني الله فداءك قال عليك المرأة فقلب ثوبا على وجهه وأتاها فألقاه عليها وأصلح لهما مركبهما فركبا فاكتنفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أشرفنا على المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقول ذالك حتى دخل المدينة..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو معمر، بفتح الميمين: واسمه عبد الله بن عمرو المنقري المقعد البصري، وعبد الوارث هو ابن سعيد ويحيى بن أبي إسحاق مولى الحضارمة البصري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الجهاد وفي الأدب عن علي عن بشر بن المفضل وفي اللباس عن محمد عن الحسن بن محمد بن الصباح، وأخرجه مسلم في المناسك عن زهير بن حرب وعن حميد بن مسعدة. وأخرجه النسائي في الحج وفي اليوم والليلة عن عمران بن موسى.
قوله: (مقفله)، بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء، أي: مرجعه. قوله: (من عسفان)، بضم العين وسكون السين المهملة، وقد مر غير مرة أنه موضع على مرحلتين من مكة. وقال الحافظ الدمياطي: هذا وهم، وإنما هو عند مقفله من خيبر، لأن غزوة عسفان إلى بني لحيان كانت في سنة ست وغزوة خيبر كانت في سنة سبع، وإرداف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صفية ووقوعهما كان فيها. قوله: (فصرعا) أي: وقعا. قوله: (فاقتحم)، من قحم في الأمر إذا رمى نفسه فيه من غير روية. قوله: (المرأة)، بالنصب

14
أي: إلزم المرأة، ويروى: بالمرأة وهي صفية. قوله: (فقلب)، أي: أبو طلحة قلب ثوبه على وجهه وأتاها أي: وأتى صفية. قوله: (وأصلح لهما) أي: للنبي صلى الله عليه وسلم، وصفية. قوله: (فاكتنفنا)، أي: احطنا به، يقال: كنفت الرجل أي: حطته وصنته. قوله: (فلما أشرفنا على المدينة)، من أشرفت على الشيء إذا اطلعت عليه، وأشرفت الشيء أي: علوته.
وفي الحديث فوائد: فيه: إرداف المرأة خلف الرجل وسترها عن الناس. وفيه: ستر من لا تجوز رؤيته وستر الوجه عنه. وفيه: خدمة الإمام والعالم وخدمة أهل العلم. وفيه: اكتناف الإمام والاجتماع حوله عند دخول المدن. وفيه: حمد الله للمسافر عند إتيانه سالما إلى أهله وسؤاله الله التوبة. وفيه: حجاب أمهات المؤمنين وإن كن كالأمهات.
6803 حدثنا علي قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا يحيى بن أبي إسحاق عن أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه أنه أقبل هو وأبو طلحة مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم صفية مردفها على راحلته فلما كانوا ببعض الطريق عثرت الناقة فصرع النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة وإن أبا طلحة قال أحسب قال
اقتحم عن بعيره فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله جعلني الله فداءك هل أصابك من شيء قال لا ولكن عليك بالمرأة فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه فقصد قصدها فألقى ثوبه عليها فقامت المرأة فشد لهما على راحلتهما فركبا فساروا حتى إذا كانوا بظهر المدينة أو قال أشرفوا على المدينة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة..
هذا وجه آخر في الحديث المذكور، وهو في رواية الكشميهني وحده، وعلي هو ابن المديني، ويحيى هو ابن أبي إسحاق المذكور. قوله: (وأبو طلحة) هو: زيد بن سهل الأنصاري.
قوله: (على راحلته) أي: ناقته. قوله: (والمرأة) بالرفع عطفا على، النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز بالنصب على تقدير: مع المرأة. قوله: (أحسب) أي: أظن. قوله: (هل أصابك من شيء) كلمة: من، زائدة. قوله: (عليك بالمرأة) أي: إلزم المرأة وانظر في أمرها. قوله: (فقصد قصدها) أي: نحا نحوها. قوله: (بظهر المدينة) أي: بظاهرها، قوله: (أو قال: أشرفوا)، شك من الراوي.
891
((باب الصلاة إذا قدم من سفر))
أي: هذا باب في بيان الصلاة إذا قدم الغازي أو المسافر من سفره.
8803 حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عبد الرحمان بن عبد الله ابن كعب عن أبيه وعمه عبيد الله بن كعب عن كعب رضي الله تعالى عنه أن النبي كان إذا قدم من سفر ضحى دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل البصري، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج

15
وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة عن أبي موسى عن أبي عاصم به وعن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن ابن جريج به، وأخرجه أبو داود في الجهاد عن محمد بن المتوكل العسقلاني والحسن بن علي الحلال وعن أبي الطاهر بن السرح، وأخرجه النسائي في السير عن عمرو بن علي عن أبي عاصم به وعن يوسف بن سعيد وفيه وفي الصلاة عن سليمان بن داود.
قوله: (ضحى) بالضم والقصر، قال ابن الأثير: الضحوة ارتفاع أول النهار، والضحى هو فوقه، وبه سميت صلاة الضحى.
وفيه: أن الصلاة عند القدوم من السفر سنة وفضيلة فيها معنى الحمد لله على السلامة والتبرك بالصلاة أول ما يبدأ في الحضر، ونعم المفتاح إلى كل خير، وفيها يناجي العبد ربه، وذلك هدي رسوله وسنته، ولنا فيه الأسوة. وفيه: الابتداء ببيت الله تعالى قبل بيته، وجلوسه للناس عند قدومه ليسلموا عليه.
991
((باب الطعام عند القدوم))
أي: هذا باب في بيان مشروعية اتخاذ الطعام عند القدوم من السفر.
وكان ابن عمر يفطر لمن يغشاه
يفطر من الإفطار لا من التفطير. قوله: (لمن يغشاه) أي: لأجل من يقدم عليه وينزل لديه، وهذا التعليق رواه القاضي إسماعيل في (أحكامه) عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عنه أنه كان: إذا كان مقيما لم يفطر، وإذا كان مسافرا لم يصم، فإذا قدم أفطر أياما لغاشيته ثم يصوم.
9803 ح دثني محمد أخبرنا وكيع عن شعبة عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة زاد معاذ عن شعبة عن محارب سمع جابر بن عبد الله اشتري مني النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا بوقيتين ودرهم أو درهمين فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين ووزن لي ثمن البعير..
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد هو ابن سلام.
والحديث أخرجه أبو داود في الأطعمة عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع.
قوله: (وجزورا) أي: ناقة أو جملا، زاد معاذ، وهو معاذ بن معاذ العنبري، وقد وصله مسلم. قوله: (بوقيتين) ويروى: بأوقيتين. قوله: (أو درهمين) شك من الراوي، وهذا الطعام يسمى النقيعة، بفتح النون وكسر القاف: مشتق من النقع، وهو الغبار لأن المسافر يأتي وعليه غبار السفر. وقال في (الموعب): النقيعة المحض من اللبن يبرد، وقال السلمي: طعام الرجل ليلة يملك، وعن صاحب (العين): النقيعة العبيطة من الإبل، وهي جزور توفر أعضاؤها وتنقع في أشياء على حيالها، وقد نقعوا نقيعة، ولا يقال: انقعوا.
صرار موضع ناحية بالمدينة
صرار بكسر الصاد المهملة وتخفيف الراء الأولى: موضع قريب من المدينة على نحو ثلاثة أميال من طريق العراق، وقيده الدارقطني بالمهملة، وعند الحموي وغيره والمستملي وابن الحذاء: ضرار، بالضاد المعجمة. وقال ابن قرقول: وهو وهم، وقال أبو عبيد البكري، وهي بئر قديمة تلقاء حرة راقم، والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمان الرحيم

16
75
((كتاب الخمس))
أي: هذا كتاب في بيان حكم الخمس، وفي بعض النسخ: هذا متوج بالبسملة وبعده.
1
((باب فرض الخمس))
أي: هذا باب في بيان فرض الخمس، وفي بعض النسخ أيضا هكذا فرض الخمس بدون ذكر لفظ: باب.
1903 حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي عليهما السلام أخبره أن عليا قال كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه الصواغين وأستعين به في وليمة عرسي فبينا أنا أجمع لشارفي متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار رجعت حين جمعت ما جمعت فإذا شارفاي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما فقلت من فعل هذا فقالوا فعل حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فعرف النبي صلى الله عليه وسلم في وجهي الذي لقيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك فقلت يا رسول الله ما رأيت كاليوم قط عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن فأذنوا لهم فإذا هم شرب فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صمد النظر فنظر إلى ركبته ثم صعد النظر فنظر إلى سرته ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة هل أنتم إلا عبيد لأبي فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ثمل فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى وخرجنا معه..
مطابقته للترجمة في قوله: أعطاني شارفا من الخمس، وعبدان قد مر غير مرة وهو لقب عبد الله بن عثمان، وعبد الله هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، يروي عن أبيه الحسين بن علي أخو الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث مر في كتاب الشرب في: باب بيع الحطب والكلأ فإنه أخرجه هناك: عن إبراهيم بن موسى عن هشام عن ابن جريج عن ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي عن أبيه حسين بن علي عن علي ابن أبي طالب... إلى آخره، وبين المتنيين بعض تفاوت بزيادة ونقصان.
قوله: (شارف) بالشين المعجمة، وهو المسنة من النوق، قوله: (أعطاني شارفا من الخمس) يعني يوم بدر، ظاهره أن الخمس كان يوم بدر، قال ابن بطال: لم يختلف أهل السير أن الخمس لم يكن يوم بدر. قلت: فحينئذ يحتاج قول علي، رضي الله تعالى عنه، إلى تأويل لا يعارض قول أهل السير، وهو أن معنى قول علي، رضي الله تعالى عنه: وكان

17
النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس، يعني من سرية عبد الله بن جحش، وكانت قبل بدر الأولى في رجب من السنة الثانية وكان صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش ومعه ثمانية رهط من المهاجرين إلى نخلة بين مكة والطائف، فوجدوا بها غير قريش فقتلوهم وأخذوا العير فقال عبد الله لأصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس، وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من المغانم، فعزل لرسول الله، صلى الله عليه وسلم خمس الغنيمة وقسم الباقي بين أصحابه، وقد روى أبو داود ما يدل على هذا المعنى، قال: كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وأعطاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم شارفا من الخمس يومئذ، يعني: يوم بدر، وأراد به من الخمس الذي عزله عبد الله بن جحش لرسول الله، صلى الله عليه وسلم من العير التي أخذها كما ذكرنا. وقيل: أول يوم جعل فيه الخمس في غزوة بني قريظة حين حكم سعد: بأن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية، وقيل: نزل بعد ذلك ولم يأت في ذلك من الحديث ما فيه بيان شاف، وإنما جاء أمر الخمس يقينا في غنائم حنين وهي آخر غنيمة حضرها الشارع. قوله: (إن أبتني): من الابتناء وهو الدخول بالزوجة، وكذلك البناء وقد ذكرنا أن أصل ذلك: أن الرجل كان إذا أراد تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها، فيقال: بنى الرجل على أهله. قوله: (من بني قينقاع)، بفتح القافين وضم النون وفتحها وكسرها منصرفا وغير منصرف. قال الكرماني: هم قبيلة من اليهود، وقال الصاغاني: هم حي من اليهود. قلت: هو مركب من: قين، الذي هو الحداد، وقاع، اسم أطم من آطام المدينة. قوله: (بأذخر)، بكسر الهمزة: حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب، وهمزته زائدة، وقد مر في كتاب الحج. قوله: (وليمة عرسي) الوليمة طعام الزفاف، وقيل: اسم لكل طعام، والعرس، بالكسر: امرأة الرجل، وبالضم: طعام الوليمة، وينبغي أن يكون بالكسر وألا يكون المعنى وليمة وليمتي، وهكذا لا يقال. وفي (المغرب): العرس بالضم: اسم، ومنه إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب، أي: إلى طعام عرس، وطعام الوليمة يسمى: عرسا باسم سببه. قوله: (من الأقتاب)، جمع قتب وهو معروف (والغرائر): بالغين المعجمة وبالراء المكررة، ظرف التبن ونحوه، وهو جمع غرارة. قال الجوهري: أظنه معربا. قوله: (وشارفاي)، مبتدأ وخبره قوله: (مناخان)، أي: مبروكان، ويروى: مناختان، فالتذكير باعتبار لفظ: شارف، والتأنيث باعتبار معناه. قوله: (فإذا)، كلمة مفاجأة. قوله: (قد اجتبت)، افتعل من: الجب، بفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة، وهو القطع. قوله: (بقرت)، على صيغة المجهول من البقر بالباء
الموحدة والقاف، وهو الشق. قوله: (ولم أملك عيني) أي: من البكاء، وإنما كان بكاؤه، رضي الله تعالى عنه، خوفا من توهم تقصيره في حق فاطمة رضي الله تعالى عنها، أو في تأخير الابتناء بسبب ما كان منه ما يستعان به، لا لأجل فواتهما، لأن متاع الدنيا قليل، لا سيما عند أمثاله. قوله: (في شرب)، بفتح الشين المعجمة جمع: شارب. قوله: (حتى أدخل)، يجوز بالرفع والنصب. قوله: (ما رأيت كاليوم قط)، أي: ما رأيت يوما أفظع كاليوم. قوله: (فطفق)، أي: جعل. قوله: (قد ثمل)، بفتح الثاء المثلثة وكسر الميم: أي: سكر. قوله: (ثم صعد)، بفتح الصاد المهملة وتشديد العين المهملة المفتوحة أي: جر النظر. قوله: (إلا عبيد)، أي: كعبيد، وغرضه أن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطلب في الخضوع لحرمته، وأنه أقرب إليه منهما. قوله: (فنكص رسول الله، صلى الله عليه وسلم القهقرى)، قال الأخفش: يعني رجع وراءه ووجهه إليه، والنكوص الرجوع إلى وراء، يقال: نكص ينكص فهو ناكص، قال ابن الأثير: القهقرى مصدر، ومنه قولهم: رجع القهقرى، أي: رجع الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم. قلت: يكون القهقرى منصوبا على المصدرية من غير لفظه. كما في: قعدت جلوسا، وقال الأزهري: القهقرى الارتداد عما كان عليه، وقد قهقر وتقهقر، وقيل: إنه مشتق من القهر.
وقال الطبري: وفي حديث علي، رضي الله تعالى عنه، أن المسلمين كانوا يشربون الخمر ويسمعون الغناء في أول الإسلام حتى نهى الله عن ذلك بقوله: * (إنما الخمر والميسر) * (المائدة: 09). الآية، وإنما حرمت الخمر بعد غزوة أحد، احتج بعض أهل العلم بهذا الحديث في إبطال أحكام السكران، وقالوا: لو لزم السكران ما يكون منه في حال سكره كما يلزمه في حال صحوه لكان المخاطب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بما استقبله حمزة كافرا مباح الدم، قاله الخطابي، ثم قال: وقد ذهب على هذا القائل أن ذلك منه إنما كان قبل تحريم الخمر. فإن قلت: إلى ما آل إليه أمر الناقتين؟ قلت: كان ضمانهما لازما لحمزة، رضي الله تعالى عنه، لو كن طالبه علي، رضي الله تعالى عنه، ويمكن أن النبي صلى الله عليه وسلم، عوضهما، إذ العلماء لا يختلفون أن جنايات الأموال لا تسقط عن المجانين وغير المكلفين، ويلزمهم ضمانها في كل حال كالعقلاء. ومن شرب لبنا أو أكل طعاما أو تداوى

18
بمباح فسكر فهو كالمجنون والمغمى عليه والصبي يسقط عنهم حد القذف وسائر الحدود غير إتلاف الأموال لرفع القلم عنهم، ومن سكر من حلال فحكمه حكم هؤلاء، وعن أبي عبد الله النحال: أن من سكر من ذلك لا طلاق عليه. وحكى الطحاوي: أنه إجماع من العلماء، رحمهم الله تعالى.
2903 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أخبرته أن فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه. فقال لها أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر قالت وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال لست تاركا شيئا كان رسول الله يعمل به إلا عملت به فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولي الأمر قال فهما على ذلك إلى اليوم..
قيل: لا مطابقة بين الحديث والترجمة، لأنه ليس فيه ذكر الخمس، وأجيب: بأن من جملة ما سألت فاطمة ميراثها من خيبر، وقد ذكر الزهري أن بعض خيبر صلح وبعضها عنوة، فجرى فيها الخمس، وقد جاء في بعض طرق الحديث في كتاب المغازي، وقالت عائشة: إن فاطمة جاءت تسأل نصيبها مما ترك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، وإلى هذا أشار البخاري، واستغنى بشهرة الأمر عن إيراده مكشوفا بلفظ الخمس في هذا الباب.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى القرشي العامري الأويسي المديني، وهو من أفراده. الثاني: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق القرشي الزهري المديني. الثالث: صالح بن كيسان أبو محمد مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه. الرابع: محمد بن مسلم الزهري. الخامس: عروة بن الزبير بن العوام. السادس: أم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنها.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في: باب غزوة خيبر، عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر، رضي الله تعالى عنه... الحديث.
ذكر معناه: قوله: (سألت أبا بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهما) قال عياض: تأول قوم طلب فاطمة ميراثها من أبيها على أنها تأولت الحديث أن كان بلغها، قوله، صلى الله عليه وسلم: إنا لا نورث على الأموال التي لها بال، فهو الذي لا يورث لا ما يتركون من طعام وأثاث وسلاح، قال: وهذا التأويل يرده قوله: مما أفاء الله عليه، وقوله: (مما ترك من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة). وقيل: إن طلبها لذلك كان قبل أن تسمع الحديث الذي دل على خصوصية سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذلك وكانت متمسكة بآية الوصية.: * (وإن كانت واحدة فلها النصف) * (النساء: 11). وقال ابن التين: حكى ابن بطال أن طائفة من الشيعة تزعم أنه لا يورث، قالوا: ولم تطالب فاطمة بالميراث، وإنما طالبت بأن النبي صلى الله عليه وسلم نحلها من غير علم

19
أبي بكر، وأنكر هذا، وقالوا: ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نحلها شيئا ولا أنها طالبت به. فإن قلت: رووا أن فاطمة طلبت فدك، وذكرت أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أقطعها إياها وشهد علي، رضي الله تعالى عنه، على ذلك فلم يقبل أبا بكر شهادته، لأنه زوجها. قلت: هذا لا أصل له ولا يثبت به رواية أنها ادعت
ذلك، وإنما هو أمر مفتعل لا يثبت. قوله: (ما ترك) بيان أو بدل لميراثها. قوله: (مما أفاء الله عليه) من الفيء، وهو ما حصل له صلى الله عليه وسلم من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد. قوله: (لا نورث)، قال القرطبي: جميع الرواه لهذه اللفظة يقولونها بالنون: لا نورث، يعني جماعة الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، كما في الرواية الأخرى: نحن معاشر الأنبياء لا نورث. قوله: (ما تركنا) في محل الرفع على الابتداء. (وصدقة) بالرفع خبره، وقد صحف بعض الشيعة هذا وقال: لا يورث، بياء آخر الحروف، وما تركنا صدقة، بالنصب على أن يجعل: ما، مفعولا لما لم يسم فاعله، و: صدقة، تنصب على الحال، يكون معنى الكلام: أن ما نترك صدقة لا يورث، وهذا مخالف لما وقع في سائر الروايات، وإنما فعل الشيعة هذا واقتحموه لما يلزمهم على رواية الجمهور من فساد مذهبهم، لأنهم يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يورث كما يورث غيره من المسلمين متمسكين بعموم الآية الكريمة. وقال الكرماني: لا نورث بفتح الراء، والمعنى على الكسر أيضا صحيح.
ثم الحكمة في سبب عدم ميراث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، أنه لا يظن بهم أنهم جمعوا المال لورثتهم، وقيل: لئلا يخشى على وارثهم أن يتمنى لهم الموت فيقع في محذور عظيم. وقيل: لأنهم كالآباء لأمتهم، فما لهم لكل أولادهم، وهو معنى الصدقة. قوله: (فهجرت أبا بكر) قال المهلب: إنما كان هجرها انقباضا عن لقائه وترك مواصلته، وليس هذا من الهجران المحرم، وأما المحرم من ذلك أن يلتقيا فلا يسلم أحدهما على صاحبه ولم يرو أحد أنهما التقيا وامتنعا من التسليم، ولو فعلا ذلك لم يكونا متهاجرين إلا أن تكون النفوس مظهرة للعداوة والهجران، وإنما لازمت بيتها فعبر الراوي عن ذلك بالهجران. وقد ذكر في كتاب (الخمس) تأليف أبي حفص بن شاهين عن الشعبي: أن أبا بكر قال لفاطمة: يا بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم ما خير عيش حياة أعيشها وأنت علي ساخطة؟ فإن كان عندك من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ذلك عهد فأنت الصادقة المصدقة المأمونة على ما قلت. قال: فما قام أبو بكر حتى رضيت ورضي. وروى البيهقي عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة، رضي الله تعالى عنها، أتاها أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فاستأذن عليها فقال علي، رضي الله تعالى عنه: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له فدخل عليها يترضاها، فقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت، وهذا قوي جيد، والظاهر أن الشعبي سمعه من علي، رضي الله تعالى عنه، أو ممن سمعه من علي. فإن قلت: روى أحمد وأبو داود عن أبي الطفيل، قال: لما قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: لأنت ورثت رسول الله، صلى الله عليه وسلم أم أهله؟ فقال: لا بل أهله. قالت: فأين سهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده، فرأيت أن أرده على المسلمين. قالت: فأنت وما سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قلت: في لفظة غرابة ونكارة، وفي إسناده من يتشيع، وأحسن ما فيه قولها: أنت وما سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المظنون بها، واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها. قوله: (وفدك) بالفاء والدال المهملتين المفتوحتين منصرفا وغير منصرف، بينها وبين مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مرحلتان، وقيل: ثلاث. قوله: (وصدقته بالمدينة) أي: أملاكه التي بالمدينة التي صارت بعده صلى الله عليه وسلم صدقة، ويقال: صدقته بالمدينة أموال بني النضير، وكانت قريبة من المدينة. وقال ابن الجوزي وهي مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، وقال عياض: الصدقات التي صارت إليه صلى الله عليه وسلم: أحدها: من وصية مخيريق يوم أحد، وكانت سبع حوائط في بني النضير. قلت: مخيريق كان يهوديا فأعطى تلك الحوائط لرسول الله، صلى الله عليه وسلم عند إسلامه. الثاني: ما أعطاه الأنصار من أرضهم، وهو مما لا يبلغه الماء، وكان هذا ملكا له صلى الله عليه وسلم، ومنها حقه من الفيء من أموال بني النضير، كانت له خاصة حين أجلاهم، وكذا نصف أرض فدك، صالح أهلها بعد

20
فتح خيبر على نصف أرضها فكانت خالصة له، وكذا ثلث أرض وادي القرى، أخذه في الصلح حين صالح اليهود، وكذا حصنان من حصون خيبر: الوطيح والسلالم أخذهما صلحا. ومنها: سهمه من خمس خيبر وما افتتح فيها عنوة، فكانت هذه كلها ملكا لسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم خاصة لا حق لأحد فيها، فكان يأخذ منها نفقته ونفقة أهله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة). وكان ابن عيينة يقول: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في معنى المعتدات لأنهن لا يجوز لهن النكاح أبدا، فجرت عليهن النفقة وتركت لهن حجرهن يسكنها، وأراد بمؤونة العامل من يلي بعده. قوله: (لست تاركا شيئا عمله رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلا عملته) يعني: أنه كان مع ما كان يعمل يخبر أنه لا يورث عنه، قاله الداودي قوله: (أن أزيغ) من الزيغ بالزاي والغين المعجمة، وهو الميل يعني: أن أميل عن الحق قوله: (فأما صدقته...) إلى آخره من كلام عائشة أيضا. قوله: (فدفعها) أي: دفع عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، الصدقة المذكورة إلى علي بن أبي طالب وعباس عمه، صلى الله عليه وسلم، ليتصرفا فيها وينتفعا منها بقدر حقهما، كما تصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا على جهة تمليكه لهما. وقال القرطبي: لما ولي علي، رضي الله تعالى عنه، لم يغير هذه الصدقة عما كانت في أيام الشيخين، ثم كانت بعده بيد الحسن ثم بيد الحسين ثم بيد علي بن الحسين ثم بيد الحسن بن الحسن ثم بيد زيد بن الحسن ثم بيد عبد الله بن حسين ثم وليها بنو العباس على ما ذكره البرقاني في (صحيحه) ولم يرو عن أحد من هؤلاء أنه تملكها ولا ورثها ولا ورثت عنه، فلو كان ما يقوله الشيعة حقا لأخذها علي، رضي الله تعالى عنه، أو أحد من أهل بيته لما ولوها. قوله: (التي تعروه) أي: تنزل وتنتابه وتغشاه. قوله: (ونوائبه) النوائب جمع نائبة، وهي الحادثة التي تصيب الرجل.
قال أبو عبد الله اعتراك افتعلت من عروته فأصبته ومنه يعروه واعتراني
أبو عبد الله هو البخاري نفسه. قوله: (اعتراك) أشار بهذا إلى المذكور في قوله تعالى: * (اعتراك بعض آلهتنا بسوء) * (هود: 45). قوله، افتعل،
أراد به أنه من باب الافتعال، وأصله من: عروته إذا أصبته. وقال الجوهري: عراني هذا الأمر واعتراني إذا غشيك، وعروت الرجل أعروه عروا إذا ألممت به وأتيته طالبا فهو معرو، وفلان تعروه الأضياف ويعتريه أي: تغشاه.
قصة فدك
4903 حدثنا إسحاق بن محمد الفروي قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان وكان محمد بن جبير ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك فانطلقت حتى أدخل على مالك بن أوس فسألته عن ذلك الحديث فقال مالك بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني فقال أجب أمير المؤمنين فانطلقت معه حتى أدخل على عمر فإذا هو جالس على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش متكيء على وسادة من أدم فسلمت عليه ثم جلست فقال يا مال إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات وقد أمرت فيهم برضخ فاقبضه فاقسمه بينهم فقلت يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري قال اقبضه أيها المرء فبينا أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفا فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمان بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون قال نعم فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يرفا يسيرا ثم قال هل لك في علي وعباس قال نعم فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا فقال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني

21
وبين هذا وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من بني النضير فقال الرهط عثمان وأصحابه يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر قال عمر تيدكم أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قال الرهط قد قال ذلك فأقبل عمر على علي وعباس فقال أنشدكما الله أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك قالا قد قال ذلك قال عمر فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره ثم قرأ * (وما أفاء الله على رسوله منهم) * (الحشر: 6). إلى قوله * (قدير) * فكانت هاذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هاذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثم قال لعلي وعباس أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك قال عمر ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فكنت أنا ولي أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عمل فيها أبو بكر والله يعلم إني فيها لصادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك وجاءني هذا يريد عليا يريد نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها فقلتما ادفعها إلينا فبذلك دفعتها إليكما فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك قال الرهط نعم ثم أقبل على علي وعباس فقال أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك قالا نعم قال فتلتمسانه مني قضاء غير ذلك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكماها..

22
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إن الله قد خص رسوله) إلى قوله: (فكانت هذه خالصة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم) لا من جملة ما سألت فاطمة، رضي الله تعالى عنها، ما بقي من خمس خيبر، وكان علي وعباس يختصمان في الفيء الذي خص الله تعالى نبيه بذلك كما سيجيء بيان ذلك أن قي الفيء خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون غيره وحقه في الفيء من أموال بني النضير كانت له خاصة حين أجلاهم، وكذا نصف أرض فدك، صالح أهلها بعد فتح خيبر على نصف أرضها فكانت خالصة له، وكذا ثلث أرض وادي القرى، أخذه في الصلح حين صالح اليهود، وكذا حصنان من حصون خيبر: الوطيح والسلالم، أخذهما صلحا، ومنها: سهمه من خمس خيبر وما افتتح منها عنوة فكان هذا ملكا له خاصة لا حق لأحد فيها.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: إسحاق بن محمد الفروي، بفتح الفاء وسكون الراء وبالواو. وقال الغساني: وفي بعض النسخ: محمد بن إسحاق وهو خطأ. الثاني: مالك بن أنس. الثالث: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الرابع: مالك ابن أوس، بفتح الهمزة وسكون الواو وبالسين المهملة: ابن الحدثان، بالمهملتين المفتوحتين وبالثاء المثلثة: ابن عوف بن ربيعة النصري من بني نصر بن معاوية، يكنى أبا سعيد، زعم أحمد بن صالح المصري وكان من جملة أهل هذا الشان: أن له صحبة، وقال سلمة بن وردان: رأيت جماعة من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فذكرهم وذكر فيهم مالك بن أوس بن الحدثان النصري، وقال أبو عمر: لا أحفظ له صحبة أكثر مما ذكرت، ولا أعلم له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما روايته عن عمر، رضي الله تعالى عنه، فأكثر من أن تذكر، وروى عن العشرة المهاجرين وعن العباس بن عبد المطلب، روى عنه محمد بن جبير بن مطعم والزهري ومحمد بن المنكدر وآخرون، مات بالمدينة سنة اثنتين وتسعين وهو ابن أربع وتسعين سنة. الخامس: محمد بن جبير، بضم الجيم وفتح الباء الموحدة: ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عدي بن عبد مناف القرشي المديني، مات بالمدينة زمن عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في النفقات عن سعيد بن عفير وفي الاعتصام عن عبد الله بن يوسف وفي الفرائض عن يحيى بن بكير، وأخرجه مسلم في المغازي عن عبد الله بن أسماء وعن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد. وأخرجه أبو داود في الخراج عن الحسن بن علي الخلال ومحمد بن يحيى بن فارس وعن محمد ابن عبيد. وأخرجه الترمذي في السير عن الحسن بن علي الخلال به. وأخرجه النسائي في الفرائض عن عمرو بن علي وفي قسم
الفيء عن علي بن حجر وفي التفسير عن محمد بن عبد الأعلى.
ذكر معناه: قوله: (حتى أدخل)، يجوز فيه ضم اللام وفتحها، فوجه الضم هو أن تكون: حتى، عاطفة والمعنى: انطلقت فدخلت، ووجه الفتح هو أن تكون: حتى، بمعنى: كي، ومثله قوله تعالى: * (وزلزلوا حتى يقول الرسول) * (البقرة: 412). قوله: (بينا)، قد مر غير مرة أن أصله: بين، فأشبعت فتحة النون بالألف وربما تزاد فيه الميم، فيقال: بينما، وهما ظرفا زمان ويضافان إلى جملة اسمية وفعلية ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى، وجوابه هو قوله: إذا رسول عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، والأفصح أن لا يكون في جوابهما إذ وإذا. قوله: (حين متع النهار)، بالميم والتاء المثناة من فوق والعين المهملة المفتوحات، ومعناه: حين ارتفع وطال ارتفاعه. وقال صاحب (العين): متع النهار متوعا، وذلك قبل الزوال، وقيل: معناه طال وعلا، وامتع الشيء: طالت مدته، ومنه في الدعاء: أمتعني الله بك، وقيل: معناه نفعني الله بك، وقال الداودي: متع صار قرب نصف النهار، وفي رواية أبي داود أرسل علي عمر، رضي الله تعالى عنه، حين تعالى النهار، وفي رواية مسلم: أرسل إلي عمر بن الخطاب فجئته حين تعالى النهار. قوله: (على رمال سرير)، الرمال بكسر الراء وضمها ما ينسج من سعف النخل ليضطجع عليه، ويقال: رمل سريره وأرمله إذا رمل شريطا أو غيره فجعله ظهرا. وقيل: رمال السرير: ما مد على وجهه من خيوط وشريط ونحوهما، وفي رواية أبي داود فجئته فوجدته في بيته جالسا على سرير مفضيا إلى رماله، وفي رواية مسلم: فوجدته في بيته جالسا على سريره مفضيا إلى رماله متكئا على وسادة من أدم. قوله: (مفضيا إلى رماله)، يعني: ليس بينه وبين رماله شيء، وإنما قال هذا لأن

23
العادة أن يكون فوق الرمال فراش أو نحوه، ومعنى قوله: ليس بينه وبينه أي: ليس بين عمر وبين الرمال فراش. قوله: (يا مال) أي: يا مالك، فرخمه، بحذف الكاف، ويجوز ضم اللام وكسرها على الوجهين في الترخيم. قوله: (إنه قدم علينا من قومك) وفي رواية مسلم: أنه قد دف أهل أبيات من قومك، وكذا في رواية أبي داود: دف من الدف وهو المشي بسرعة. قوله: (برضخ)، بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة وفي آخره خاء معجمة وهي العطية القليلة غير المقدرة. قوله: (لو أمرت به غيري)، أي: لو أمرت بدفع الرضخ إليهم غيري، وفي رواية أبي داود: وقد أمرت فيهم بشيء فاقسم فيهم. قلت: لو أمرت غيري بذلك؟ فقال: خذه وفي رواية مسلم: لو أمرت بهذا غيري قال: خذه يا مال. قوله: (إقبضه أيها المرء) هو عزم عليه في قبضه. قوله: (يرفأ) هو مولى عمر وحاجبه، بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وفتح الفاء مهموزا وغير مهموز، وهو الأشهر، وفي رواية البيهقي: اليرفأ بالألف واللام. قوله: (هل لك في عثمان؟) أي: هل لك إذن في عثمان؟ وقال الكرماني: هل لك رغبة في دخولهم؟ قوله: (يستأذنون) جملة حالية. قوله: (إقض بيني وبين هذا؟) يعني: علي بن أبي طالب، وفي رواية مسلم: إقض بيني وبين هذا الكاذب الإثم الغادر الخائن، يعني: الكاذب إن لم ينصف، فحذف الجواب. وزعم المازري أن هذه اللفظة ننزه القائل والمقول فيه عنها وننسبها إلى أن بعض الرواة وهم فيها، وقد أزالها بعض الناس من كتابه تورعا، وإن لم يكن الحمل فيها على الرواة فأجود ما يحمل عليه أن العباس قالها إدلالا عليه، لأنه بمنزلة والده، ولعله أراد ردع علي عما يعتقد أنه مخطىء فيه، وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعله عن قصد، وإن كان علي لا يراها موجبة لذلك في اعتقاده، وهذا كما يقول المالكي شارب النبيذ ناقص الدين والحنفي يعتقد أنه ليس بناقص وكل واحد محق في اعتقاده ولا بد من هذا التأويل لأن هذه القضية جرت بحضرة عمر والصحابة، رضي الله تعالى عنهم، ولم ينكر أحد منهم هذا الكلام مع تشددهم في إنكار المنكر، وما ذلك إلا أنهم فهموا بقرينة الحال أنه تكلم بما لا يعتقده. انتهى. قلت: كل هذا لا يفيد شيئا، بل يجب إزالة هذه اللفظة عن الكتاب، وحاشا من عباس أن يتلفظ بها ولا سيما بحضرة عمر بن الخطاب وجماعة من الصحابة، ولم يكن عمر ممن يسكت عن مثل هذا لصلابته في أمور الدين وعدم مبالاته من أحد، وفي ما قاله نسبة عمر إلى ترك المنكر وعجزه عن إقامة الحق، فاللائق لحال الكل إزالة هذه من الوسط، فلا يحتاج إلى تأويل غير طائل، فافهم. قوله: (وهما يختصمان) أي: العباس وعلي يختصمان، أي: يتجادلان ويتنازعان، والواو فيه للحال. قوله: (فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، من مال بني النضير) وهو مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، وهو المال الذي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، وفي رواية عن الزهري: قرى غربية فدك، وقال ابن عباس في قوله: * (وما أفاء الله على رسوله منهم) * (الحشر: 6). الآية هو من أموال الكفار وأهل القرى، وهم قريظة والنضير وهما بالمدينة، وفدك وخيبر وقرى غربية وينبع، كذا في (تفسير النسفي). قوله: (فقال الرهط)، وهم المذكورون فيما مضى، وهم عثمان وأصحابه فقوله: عثمان، خبر مبتدأ محذوف أي: هم عثمان وأصحابه المذكورون، ويجوز أن يكون بيانا أو بدلا. قوله: (وأرح)، أمر من الإراحة، بالراء المهملة. وفي رواية مسلم: فاقض بينهم وأرحهم، فقال مالك بن أوس: يخيل إلي أنهم كانوا قدموهم لذلك، وفي رواية أبي داود: فقال العباس: يا أمير المؤمنين إقض بيني وبين هذا! يعني: عليا، فقال بعضهم: أجل يا أمير المؤمنين، فاقض بينهما وأرحهما. قوله: (فقال عمر: تيدكم) بفتح التاء المثناة من فوق وكسرها وسكون الياء آخر الحروف وفتح الدال المهملة وضمها، وهو اسم فعل: كرويد، أي: اصبروا وأمهلوا وعلى رسلكم، وقيل: إنه مصدر تأد يتئد، وقال ابن الأثير: هو من التؤدة، كأنه قال: إلزموا تؤدتكم، يقال: تأد تأدا كأنه أراد أن يقول: تأدكم، فابدل من الهمزة ياء يعني آخر الحروف، هكذا ذكره أبو موسى، وفي رواية مسلم: اتئدوا، أي: تأنوا واصبروا. قوله: (أنشدكم بالله)، بضم الشين، أي: أسألكم بالله، يقال: نشدتك الله وبالله. قوله: (لا نورث، ما تركنا صدقة) قد مضى تفسيره، وأن الرواية بالنون. قال القرطبي: يعني جماعة الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، كما في رواية أخرى: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، روى أبو عمر في (التمهيد) من حديث ابن شهاب عن مالك ابن أوس عن عمر، رضي الله تعالى عنه: إنا معشر الأنبياء ما تركناه صدقة، وهذا حجة على الحسن البصري في ذهابه إلى أن هذا خاص بنبينا، محمد صلى الله عليه وسلم، دون غيره من الأنبياء، فاستدل بقوله تعالى في قصة زكرياء، عليه السلام:

24
* (يرثني ويرث من آل يعقوب) * (مريم: 6). وبقوله تعالى: * (وورث سليمان داود) * (النمل: 61). وحمل جمهور العلماء الآيتين على ميراث العلم
والنبوة والحكمة ومنطق الطير في حق سليمان عليه السلام. قوله: (قد قال ذلك) أي: قوله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركناه صدقة، وكذلك معنى قوله: قد قال ذلك، في الموضعين الآخرين. قوله: (ولم يعطه أحدا غيره) أي: لم يعط الفيء أحدا غير النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه خصص الفيء كله له، كما هو مذهب الجمهور، أو جله، كما هو مذهب الشافعة. وقيل: أي حيث حلل الغنيمة له ولم تحل لسائر الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام. وقال القاضي: تخصيصه بالفيء إما كله أو بعضه،، وهل في الفيء خمس أم لا؟ قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا قبل الشافعي قال بالخمس. قوله: (ثم قرأ * (وما أفاء الله على رسول منهم) *) (الحشر: 6). إلى قوله: * (قدير) * (الحشر: 6). وتمام الآية: * (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير) * (الحشر: 6). أي: وما رد الله على رسوله ورجع إليه، ومنه في فيء الظل، والفيء كالعود والرجوع يستعمل بمعنى المصير، وإن لم يتقدم ذلك قوله: فما أوجفتم، من الإيجاف من الوجيف، وهو السير السريع والمعنى: إنما جعل الله لرسوله من أموال بني النضير شيئا لم تحصلوه بالقتال والغلبة، ولكن سلط الله رسوله عليهم وعلى أموالهم كما كان يسلط رسله على أعدائهم، فالأمر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء، وهو معنى قوله: فكانت هذه خالصة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا حق لأحد فيها، فكان يأخذ منها نفقته ونفقة أهله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين، وفي رواية مسلم: قال عمر، رضي الله تعالى عنه: إن الله خص رسوله بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره. قال: * (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول) * (الحشر: 7). ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا. قال: فقسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينكم أموال بني النضير، فوالله ما استأثر عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقته سنة ثم يجعل ما بقي أسوة المال. انتهى. وهذا تفسير لرواية البخاري في نفس الأمر. فقوله: (والله ما احتازها) أي: ما جمعها دونكم، وهو بالحاء المهملة والزاي. قوله: (ولا استأثر بها)، أي: ولا استبد بها وتخصص بها عليكم. قوله: (وبثها فيكم)، أي: فرقها عليكم. قوله: قوله: (نفقة سنتهم)، فإن قلت: كيف يجمع هذا مع ما ثبت أن درعه حين وفاته كانت مرهونة على الشعير استدانة لأهله؟ قلت: كان يعزل مقدار نفقتهم منه ثم ينفق ذلك أيضا في وجوه الخير إلى حين انقضاء السنة عليهم. قوله: (فجعل مال الله)، بفتح الميم وهو موضع الجعل بأن يجعله في السلاح والكراع ومصالح المسلمين. قوله: (فلما بدا)، أي: ظهر وصح لي. قوله: (من ابن أخيك)، وهو رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأن أخاه عبد الله والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله. قوله: (يريد نصيب امرأته من أبيها) أي: يريد علي بن أبي طالب نصيب زوجته فاطمة الذي آل إليها من أبيها، وهو رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال الكرماني: إن كان الدفع إليهما صوابا فلم لم يدفعه في أول الحال؟ وإلا فلم دفعه في الآخر؟ وأجاب بأنه منع أولا: على الوجه الذي كانا يطلبانه من التملك، وثانيا: أعطاهما على وجه التصرف فيها كما تصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما. وقال الخطابي: هذه القصة مشكلة جدا، وذلك أنهما إذا كانا قد أخذا هذه الصدقة من عمر على الشريطة التي شرطها عليهم، وقد اعترفا بأنه قال صلى الله عليه وسلم: ما تركنا صدقة، وقد شهد المهاجرون بذلك، فما الذي بدا لهما بعد حتى تخاصما، والمعنى في ذلك أنه كان يشق عليهما الشركة، فطلبا أن يقسم بينهما ليستبد كل واحد منهما بالتدبير والتصرف فيما يصير إليه فمنعهما عمر القسم لئلا يجري عليهما اسم الملك، لأن القسمة إنما تقع في الأموال ويتطاول الزمان، فتظن به الملكية. وقال أبو داود: ولما صارت الخلافة إلى علي، رضي الله تعالى عنه، لم يغيرها عن كونها صدقة. قوله: (قضاء غير ذلك)، أي: غير الذي قضى به، وفي رواية أبي داود: والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة. قوله: (فادفعاها إلي)، وفي رواية أبي داود: فإن عجزتما عنها فرداها إلي.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: أن عليا والعباس اختصما في ما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير ولم يتنازعا في الخمس، وإنما تنازعا فيما كان خاصا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو الفيء، فتركه صدقة بعد وفاته. وفيه: أنه يجب أن يولي أمر كل قبيلة سيدها لأنه أعرف باستحقاق كل رجل منهم لعلمه بهم. وفيه: الترخيم له، ولا عار على المنادى بذلك ولا نقيصة. وفيه: استعفاؤه

25
مما يوليه الإمام بألين الكلام لقول مالك لعمر رضي الله تعالى عنه حين أمره بقسمة المال بين قومه: لو أمرت به غيري. وفيه: الحجابة للإمام وأن لا يصل إليه شريف ولا غيره إلا بإذنه. وفيه: الجلوس بين يدي السلطان بغير إذنه. وفيه: الشفاعة عند الإمام في إنفاذ الحكم إذا تفاقمت الأمور وخشي الفساد بين المتخاصمين، لقول عثمان، رضي الله تعالى عنه: إقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، وقد ذكر البخاري في المغازي: أن عليا والعباس استبا يومئذ. وفيه: تعزير الإمام من يشهد له على قضائه وحكمه. وفيه: أنه لا بأس أن يمدح الرجل نفسه ويطريها إذا قال الحق. وفيه: جواز إدخار الرجل لنفسه وأهله قوت سنة، وهو خلاف جهلة الصوفية المنكرين للإدخار، الزاعمين أن من ادخر لغد فقد أساء الظن بربه ولم يتوكل عليه حق توكله. وفيه: إباحة اتخاذ العقار التي يبتغي بها الفضل والمعاش. وفيه: أن الصديق، رضي الله تعالى عنه، قضى على العباس وفاطمة، رضي الله تعالى عنهما، بحديث: (لا نورث) ولم يحاكمهما في ذلك إلى أحد غيره، فكذلك الواجب أن يكون للحكام والأئمة الحكم بعلومهم، لأنفسهم كان ذلك أو لغيرهم، بعد أن يكون ما حكموا فيه بعلومهم مما يعلم صحة أمره رعيتهم، قاله الطبري. وفيه: قبول خبر الواحد، فإن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، لم يستشهد بأحد كما استشهد عمر، بل أخبر بذلك عنه صلى الله عليه وسلم فقبل ذلك منه. وفيه: أنه لا ينكر أن يخفى على الفقيه والعالم بعض الأمور مما علمه غيره، كما خفي على فاطمة التخصيص في ذلك، وكذلك يقال: إنه خفي على علي، رضي الله تعالى عنه، ذلك وكذلك على العباس حتى طلبا الميراث، وقد يقال: لم يخف ذلك عليهما، وإنما كانا ذهلا ونسيا حتى ذكرهما أبو بكر فرجعا إليه، بدليل أن عمر نشدهما بالله: هل تعلمان ذلك؟ فقالا: نعم. وفيه: أن في طلب فاطمة ميراثها من أبيها وطلب العباس دليلا على أن الأصل في الأحكام العموم وعدم التخصيص حتى يرد ما يدل على التخصيص، وعلى أن المتكلم داخل في عموم كلامه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: من ترك مالا فلأهله، وهذا قول أكثر أهل الأصول، خلافا للحنابلة وابن خويز منداد، وعند
كثير من القائلين بالعموم: إن هذا الخطاب وسائر العمومات لا يدخل فيها سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأن الشرع ورد بالتفرقة بينه وبين أمته، ولو ثبت العموم لوجب تخصيصها، وهذا الخبر وما في معناه يوجب تخصيص الآية: * (وإن كانت واحدة فلها النصف) * (النساء: 11). وخبر الآحاد يخصص، فكيف ما كان هذا سبيله، وهو القطع بصحته؟ والله أعلم.
2
((باب أداء الخمس من الدين))
أي: هذا باب في بيان أن أداء الخمس شعبة من شعب الدين، ويجوز أن يكون لفظ باب مضافا إلى لفظ أداء الخمس، ويجوز أن يقطع ويرتفع باب على أنه خبر مبتدأ محذوف، كما قلنا، ويكون أداء الخمس مبتدأ، أو من الدين خبره، وقد ذكر في كتاب الإيمان: باب أداء الخمس من الإيمان، والجمع بين الترجمتين أن الإيمان إن قدر أنه قول وعمل دخل أداء الخمس في الإيمان، وإن قدر أنه تصديق دخل في الدين والخمس بضم الخاء من خمست القوم أخمسهم بالضم إذا أخذت منهم خمس أموالهم، وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى.
5903 حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد عن أبي جمرة الضبعي قال سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول قدم وفد عبد القيس فقالوا يا رسول الله إن هذا الحي من ربيعة بيننا وبينك كفار مضر فلسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر نأخذ منه وندعو إليه من وراءنا قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله شهادة أن لا إلاه إلا الله وعقد بيده وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم وأنهاكم عن الدباء والنقير والحنتم والمزفت..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم) وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وحماد هو ابن زيد، وأبو جمرة بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران الضبعي، بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة: من بني ضبيعة، مصغرا،

26
وهو بطن من عبد القيس.
والحديث قد مر في: باب أداء الخمس من الإيمان، في أواخر كتاب الإيمان، وقد استقصينا فيه الكلام، ولكن نذكر بعض شيء لطول العهد به.
قوله: (وفد عبد القيس) الوفد قوم يجتمعون فيردون إلى البلاد للقي الملوك وغيرهم، وعبد القيس أبو قبيلة، وربيعة هو ابن نزار بن معد بن عدنان، ومضر، بضم الميم وفتح الضاد المعجمة غير منصرف: وهو مضر بن نزار بن معد بن عدنان أخو ربيعة. قوله: (عقد بيده) أي: ثنى خنصره، قاله الداودي، فإذل ثنى خنصره وعد الإيمان فهو خمسة بلا شك. قوله: (الدباء)، بتشديد الباء والمد: القرع، الواحدة دباءة، (والنقير) بفتح النون وكسر القاف أصل النخلة ينقر جوفها وينبذ فيها (والحنتم) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق، قال أبو هريرة: هي الجرار الخضر، وقال ابن عمر: هي الجرار كلها، وقال أنس بن مالك: جرار يؤتى بها من مصر مقيرات الأجواف: (والمزفت) بتشديد الفاء أي: المطلي بالزفت.
3
((باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته))
أي: هذا باب في بيان نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته.
6903 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومونة عاملي فهو صدقة. (انظر الحديث 6772 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الوصايا عن عبد الله بن يوسف عن مالك إلى آخره نحوه متنا وسندا، وفي الفرائض عن إسماعيل. وأخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى. وأخرجه أبو داود في الجراح عن القعنبي. وأخرجه الترمذي في الشمائل عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما.
قوله: (لا تقتسم) من الاقتسام من باب الافتعال، ويروى: لا تقسم من القسم. قوله: (دينارا) التقييد به هو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، كقوله تعالى: * (ومنهم من إن تأمنه بدينار) * (آل عمران: 57). وإنما هو بمعنى الإخبار، ومعناه: لا تقسمون شيئا لأني لا أورث ولا أخلف مالا، وإنما استثنى نفقة نسائه بعد موته، لأنهن محبوسات عليه، أو لعظم حقوقهن في بيت المال لفضلهن، وقدم هجرتهن وكونهن أمهات المؤمنين، ولذلك اختصصن بمساكنهن ولم يرث ورثتهن.
واختلف في مؤونة العامل، فقيل: حافر قبره، ومتولى دفنه، وقيل: الخليفة بعده، وقيل: عمال حوائطه، وجزم ابن بطال بأن المراد بالعامل عامل نخله فيما خصه الله به من الفيء في فدك وبني النضير وسهمه بخيبر ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكان له من ذلك نفقته ونفقة أهله، ويجعل سائره في نفع المسلمين، وجرت النفقة بعده من ذلك على أزواجه وعلى عمال الحوائط إلى أيام عمر، رضي الله تعالى عنه، فخير عمر أزواجه بين أن يتمادين على ذلك أو يقطع لهن قطائع، فاختارت عائشة وحفصة الثاني، فقطع لهما بالغابة، وأخرجهما عن حصتهما من ثمرة تلك الحيطان فملكتا ما أقطعهما عمر من ذلك إلى أن ماتتا وورث عنهما.
7903 حدثنا عبد الله بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني. (الحديث 7903 طرفه في: 1546).
مطابقته للترجمة من حيث أنها لم تذكر أنها أخذته في نصيبها، إذ لو لم يكن لها النفقة مستحقة لكان الشعير الموجود لبيت المال أو مقسوما بين الورثة، وهي إحداهن، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة بن الزبير.
والحديث

27
أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن عبد الله بن أبي شيبة أيضا. وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي كريب. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن أبي بكر بن أبي شيبة به.
قوله: (ذو كبد)، أي: حيوان أو إنسان. قوله: (إلا شطر شعير)، قال الترمذي: الشطر، الشيء. وقال عياض: نصف وسق، وقال ابن الجوزي: أي جزء من شعير. قال: ويشبه أن يكون نصف شيء كالصاع ونحوه. قوله: (في رف)، بفتح الراء وتشديد الفاء: شبه الطاق، وقال ابن الأثير: الرف، خشب يرفع عن الأرض إلى جنب الجدار يوقى به ما يوضع عليه، وجمعه: رفوف ورفاف. قوله: (ففني) يعني: فرغ، وقال ابن بطال: كان الشعير الذي عند عائشة غير مكيل فكانت البركة فيه من أجل جهلها بكيله، وكانت تظن في كل يوم أنه سيفنى لقلة كانت تتوهمها فيه، فلذلك طال عليها، فلما كالته علمت مدة بقائه، ففني عند تمام ذلك الأمد. فإن قلت: روي عن المقدام بن معدي كرب (كيلو طعامكم يبارك لكم فيه) قلت: المراد بكيله أول تملكه إياه أو عند إخراج النفقة منه بشرط أن يبقى الباقي مجهولا، ويكيل ما يخرجه لئلا يخرج أكثر من الحاجة أو أقل.
وفيه: أن البركة أكثر ما يكون في المجهولات والمبهمات.
8903 حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني أبو إسحاق قال سمعت عمرو بن الحارث قال ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا سلاحه وبغلته البيضاء وأرضا تركها صدقة..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وأرضا تركها صدقة) وذلك لأن نفقة نسائه، صلى الله عليه وسلم، بعد موته كانت مما خصه الله به من الفيء، ومنه فدك وسهمه من خيبر، ويحيى هو القطان، وقال الجياني: وقع عند القابسي: حدثنا يحيى عن سفيان وهذا وهم، والصواب: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، إلى آخره، وقد مر الحديث في أول كتاب الوصايا بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
4
((باب ما جاء بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهن))
أي: هذا باب في بيان ما جاء من الأخبار في بيوت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بيان ما نسب من البيوت إليهن.
وقول الله تعالى * (وقرن في بيوتكن) * (الأحزاب: 35). (و) * (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) * (الأحزاب: 35).
وقول الله، بالجر عطفا على قوله: في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والتقدير: وما جاء في قوله تعالى، وذكر بعض شيء من آيتين من القرآن مطابقا لما في الترجمة.
الآية الأولى: وهي قوله عز وجل: * (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) * (الأحزاب: 33). الآية قرأ نافع وعاصم: قرن، بفتح القاف، والباقون بكسرها، فالفتح أصله: قررن، فحذفت الراء الأولى وألقيت فتحتها على ما قبلها، فصار قرن على وزن: فلن، وقيل: من قار يقار إذا اجتمع، فعلى هذا أصله: قورن، قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار قارن فالتقى ساكنان فحذفت الألف فصار قرن، فالتقى ساكنان فحذفت الألف فصار قرن، ووجه كسر القاف هو أنه من: وقر يقر وقارا، والأمر منه، قر، قرا قروا قرى، قرا قرن، وأصله: أوقرن، فحذفت الواو لوقوعها بين الكسرتين واستغنيت عن الهمزة فحذفت فصار: قرن، على وزن: علن، وقيل: من قر يقر وأصله على هذا: أقررن، نقلت حركة الراء إلى القاف ثم حذفت واستغنيت عن الهمزة فحذفت فصار: قرن، والمعنى على الوجهين: لا تخرجن من بيوتكن، ولا تبرجن من التبرج، قال قتادة: هو التبختر والتكسر والتفتح، وقيل: هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال. قوله: (تبرج الجاهلية الأولى)، وقال الشافعي: هي ما بين محمد وعيسى، عليهما الصلاة والسلام، وقال أبو العالية: ما بين داود وسليمان، وقال الكلبي: الجاهلية الأولى هي الزمان الذي ولد فيه إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وكانت المرأة من أهل ذلك الزمان تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره وتعرض نفسها على الرجال، فكان ذلك في زمن نمرود والناس حينئذ كلهم كفار.
الآية الثانية: هي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) * (الأحزاب: 33). الآية، وفيها قضية الحجاب، المعنى: لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الإذن، ولا تدخلوها إلا غير ناظرين إناه، أي: غير منتظرين وقت إدراكه ونضجه. قال ابن عباس: نزلت في ناس يتحينون طعام النبي، صلى الله

28
عليه وسلم، فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك، ثم يأكلون ولا يخرجون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأذى من ذلك، فنزلت * (ولكن إذا دعيتم) * (الأحزاب: 35). الآية.
9903 ح دثنا حبان بن موسى ومحمد قالا أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر ويونس عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له..
مطابقته للترجمة في قولها: (في بيتي)، حيث أسندت البيت إلى نفسها، ووجه ذلك أن سكنى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من الخصائص، فلما استحققن النفقة لحبسهن استحققن السكنى ما بقين، فنبه البخاري بسوق أحاديث هذا الباب وهي سبعة على أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاق سكناهن للبيوت ما بقين.
وحبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن موسى أبو محمد السلمي المروزي، مات آخر سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، ومحمد الذي قرنه بحبان وذكره مجردا هو محمد بن مقاتل المروزي، مات سنة ست وعشرين ومائتين، قاله البخاري: وكلاهما من أفراده، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ومعمر هو ابن راشد، ويونس هو ابن يزيد الأيلي.
والحديث قد مر مطولا في كتاب الصلاة في: باب حد المريض أن يشهد الجماعة، فإنه أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
0013 حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا نافع سمعت ابن أبي مليكة قال قالت عائشة رضي الله تعالى عنها توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي ثوبتي وبين سحري ونحري وجمع الله بين ريقي وريقه قالت دخل عبد الرحمان بسواك فضعف النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأخذته فمضغته ثم سننته به..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي أبو محمد المصري، ونافع هو ابن يزيد المصري، وابن أبي مليكة هو عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، وقد مر غير مرة.
قوله: (وفي نوبتي)، يعني: يوم نوبتي على حساب الدور الذي كان قبل المرض. قوله: (عبد الرحمن)، هو ابن أبي بكر أخو عائشة، رضي الله تعالى عنهم. قوله: (سحري)، بفتح السين المهملة وسكون الحاء المهملة وهو الرئة. وقيل ما لحق بالحلقوم والنحر بالنون الصدر. قوله: (ثم سننته به) أي: ثم سوكت النبي صلى الله عليه وسلم بسواك عبد الرحمن، وقال ابن الأثير: الاستنان استعمال السواك، وهو افتعال من الإسنان أي: أن يمره عليها، وأصل الحديث في كتاب الجمعة في: باب من تسوك بسواك غيره، فليرجع إليه.
1013 حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب عن علي بن حسين أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان ثم قامت تنقلب فقام معها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ قريبا من باب المسجد عند باب أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مر بهما رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نفذا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلكما قالا سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما ذلك فقال إن الشيطان يبلغ من الأنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: عند باب أم سلمة، وذكر الباب يستلزم ذكر البيت. والحديث بعين هذا المتن قد مر في الاعتكاف

29
في: باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد، غير أنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري وهو محمد بن مسلم بن شهاب إلى آخره، وهنا لفظة زائدة وهي قوله: ثم نفذا، أي: مضيا وتجاوزا. قوله: (تزوره) حال من صفية، وهو معتكف حال من النبي، صلى الله عليه وسلم. قوله: (على رسلكما)، بكسر الراء أي: تأنيا ولا تتجاوزا حتى تعرفا أنها صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
2013 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن محمد بن يحيى بن حبان عن واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال ارتقيت فوق بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام..
مطابقته للترجمة في قوله: (في بيت حفصة) وعبيد الله بن عمر العمري، وحبان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة. والحديث مضى في كتاب الوضوء في: باب التبرز في البيوت، وفيه لفظة زائدة وهي قوله: لبعض حاجتي، بعد قوله: فوق ظهر بيت حفصة، والباقي نحو حديث الباب متنا وسندا.
3013 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها..
مطابقته للترجمة في قوله: (من حجرتها)، لأن الحجرة بيت، والحديث مضى بعين هذا الإسناد والمتن في كتاب الصلاة في: باب وقت العصر.
4013 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال هنا الفتنة ثلاثا من حيث يطلع قرن الشيطان..
مطابقته للترجمة في قوله: (نحو مسكن عائشة)، لأن مسكنها بيتها، قيل: لا مطابقة هنا ولا دلالة على الملك الذي أراده البخاري، لأن المستعير والمستأجر والمالك يستوون في المسكن. وأجيب: بأن طائفة من العلماء قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم إنما جعل لكل امرأة منهن المسكن الذي كانت ساكنة في حياته وملكت ذلك في حياته، فتوفي حين توفي وذلك لها، يدل عليه أن المساكن لو لم تكن ملكهن كانت دخلت في الميراث، ولم تكن إلا على وجه الميراث عنه، وكان لكل واحدة منهن ما يخصها مشاعا في جميعها، وأقوى من ذلك أن العباس وفاطمة لم ينازعا معهن فيها، وهذا دليل واضح على أن الأمر في ذكل كان كما ذكرناه، وقال آخرون: إنما تركهن في المساكن التي كن يسكنها في حياته، صلى الله عليه وسلم، لأنها كانت مستثناة لهن ما كان بيده صلى الله عليه وسلم، أيام حياته كما استثنى نفقاتهن، ويدل على ذلك أنها
ما ورثت بعدهن ولا طلبت ورثتهن، فلما مضين لسبيلهن جعلت زيادة في المسجد النبوي، وجويرية بن أسماء الضبعي البصري، وعبد الله هو ابن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما. (هنا الفتنة)، أي: جانب المشرق، وهو العراق، وهذا مثار الفتنة. قوله: (قرن الشيطان) أي: طرف رأسه، أي: يدني رأسه إلى الشمس في هذا الوقت فيكون الساجدون للشمس من الكفار كالساجدين له. وقيل: قرنه أمته وشيعته، ويروى: قرن الشمس.
5013 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة ابنة عبد الرحمان أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت إنسان يستأذن في بيت حفصة فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة وأن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة. (انظر الحديث 6462 وطرفه).

30
مطابقته للترجمة في قوله: (في بيت حفصة) والحديث مضى في كتاب الشهادات في: باب الشهادة على الأنساب والرضاع، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف أيضا إلى آخره نحوه، وهناك بعض زيادة. قوله: (تحرم) من التحريم. قوله: (ما تحرم الولادة) ويروى: ما يحرم من الولادة.
5
((باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته ومن شعره ونعله وآنيته مما يتبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته))
أي: هذا باب في بيان ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم... إلى آخره. قوله: (وما استعمل)، أي: وفي بيان ما استعمله الخلفاء بعده صلى الله عليه وسلم من ذلك، أي: من التي ذكرها. قوله: مما لم تذكر قسمته، يعني على طريقة قسمة الصدقات، إذ لا خفاء أن المراد منها هو قسمة التركات قوله: (ومن شعره)، أي: وفي بين ما ذكر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بسكون العين وفتحها. قوله: (مما يتبرك)، من باب التفعل من البركة.
واعلم أن هذه الترجمة مشتملة على تسعة أجزاء، وفي الباب ستة أحاديث. الأول فيه ذكر الخاتم. والثاني: فيه ذكر النعل. والثالث: فيه ذكر الكساء الملبد. والرابع: فيه ذكر القدح. والخامس: فيه ذكر السيف. والسادس: فيه ذكر الصدقة التي كان ذكرها في الصحيفة ولم يذكر فيه ما يطابق درعه ولا ما يطابق عصاه ولا ما يطابق شعره ولا ما يطابق آنيته. أما الدرع فقد ذكره في كتاب الجهاد في: باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم، وأما عصاه فقد ذكروا أنه كانت له مخصرة تسمى العرجون، وهي كالقضيب يستعملها الأشراف للتشاغل بها في أيديهم ويحكون بها ما بعد من البدن عن اليد، وكان له قضيب من شوحط يسمى الممشوق، وكان له عسيب من جريد النخل. وأما شعره ففي مسلم أن الحلاق لما حلق النبي صلى الله عليه وسلم، بمنى جعل يعطيه الناس، وفي رواية أحمد عن أنس، قال: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والحلاق يحلقه وقد أطاف به أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل. وأما آنيته فكثيرة ذكرها أصحاب السير، منها: قدر من حجارة يدعى المخضب يتوضأ فيه، ومخضب آخر من شبه يكون فيه الحناء والكتم يضع على رأسه إذا وجد فيه حرا، وكان له مغسل من صفر، وكانت له ركوة تسمى الصادرة، وكان له طست من نحاس، وقدح من زجاج، وكانت له جفنة عظيمة يطعم فيها الناس يحملها أربعة رجال تسمى الغراء، مذكور في (سنن أبي داود) وغير ذلك.
6013 حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني أبي عن ثمامة عن أنس أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لما استخلف بعثه إلى البحرين وكتب له هذا الكتاب وختمه وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر..
مطابقته لجزء من أجزاء الترجمة في قوله: (وخاتمه). ومحمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك أبو عبد الله الأنصاري البصري وثمامة بضم الثاء المثلثة وبالميمين وبينهما ألف ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة سمع جده أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.
قوله: (لما استخلف)، على صيغة المجهول. قوله: (إلى البحرين)، على تثنية البحر: هو بلد مشهور بين البصرة وعمان، صالح أهله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي. قوله: (بعثه)، فيه التفات من الغائب إلى الحاضر، وأصله: بعثني. قوله: (هذا الكتاب)، أي: كتاب فريضة الصدقة، وصورة المكتوب قد تقدمت في كتاب الزكاة في: باب زكاة الغنم، ولشهرته فيما بينهم أطلق وأشار إليه بهذا الكتاب، وأخرجه الترمذي عن محمد بن بشار ومحمد ابن يحيى نحو رواية البخاري، غير أن في رواية محمد بن يحيى لم يقل: ثلاثة أسطر، وروى ابن عدي في (الكامل) عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أراد أن يكتب إلى العجم كتابا... فذكر الحديث، وفيه: فأمر بخاتم آخر مصاغ من ورق فجعله في إصبعه، فأقره جبريل، عليه الصلاة والسلام، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن ينقش عليه: محمد رسول الله.

31
7013 حدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي قال حدثنا عيسى بن طهمان قال أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان فحدثني ثابت البناني بعد عن أنس أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم.
مطابقته لجزء الترجمة، وهو قوله: (ونعله) وعبد الله بن محمد هو ابن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله الأسدي أبو أحمد الزبيري.
والحديث أخرجه البخاري في اللباس عن محمد عن عبد الله. قلت: هو محمد بن مقاتل وعبد الله هو ابن المبارك. وأخرجه الترمذي في الشمائل عن أحمد بن منيع عن أبي أحمد الزبيري.
قوله: (جرداوين)، بالجيم تثنية جرداء مؤنث أجرد، أي: الخلق بحيث صار مجردا عن الشعر، وهو بالواو لا غير نحو: الحمراوين، ويروى: جرداوتين، وهو
مشكل اللهم إلا أن يقال: التاء زائدة للمبالغة، قاله الكرماني، وفيه نظر، قوله: (قبالان)، بكسر القاف تثنية: قبال، وهو ما يشد فيه الشسع، وقال الجوهري: هو الزمام الذي يكون بين الإصبع الوسطى والتي تليها. قوله: (بعد)، أي: بعد أن كان أنس أخرج إلينا نعلين.
8013 حدثني محمد بن بشار قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا أيوب عن حميد بن هلال عن أبي بردة قال أخرجت إلينا عائشة رضي الله تعالى عنها كساء ملبدا وقالت في هذا نزع روح النبي صلى الله عليه وسلم. (الحديث 8013 طرفه في: 8185).
مطابقته لجزء من الترجمة يمكن أن تكون لقوله: وما استعمل الخلفاء بعده، وعبد الوهاب الثقفي، وأيوب السختياني، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري واسمه الحارث، ويقال: عامر، ويقال: اسمه كنيته.
والحديث أخرجه البخاري في اللباس أيضا عن مسدد ومحمد. وأخرجه مسلم في اللباس عن شيبان بن فروخ وعن علي بن حجر ومحمد بن حاتم ويعقوب بن إبراهيم وعن محمد بن رافع، وأخرجه أبو داود فيه عن موسى عن حماد. وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع، وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (كساه ملبدا) الكساء معروف لكن الظاهر أنه لا يطلق إلا على ما كان من الصوف، والملبد اسم مفعول المرقع، يقال: لبدت القميص ألبده، ويقال للخرقة التي يرقع بها صدر القميص: اللبدة، والتي يرفع بها قبلة القبيلة، قاله ابن الأثير: قال: ويقال الملبد الذي ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبدة، ويقال: الملبد الكساء الغليظ يركب بعضه على بعض، وأما لبسه، صلى الله عليه وسلم، الملبد يحتمل أن يكون للتواضع وترك التنعم، ويحتمل أن يكون لعدم وجود ما هو أرفع منه، ويحتمل أن يكون ذلك اتفاقا عن قصد منه، بل كان يلبس ما وجد، والوجه الأول أقرب، وكان على موسى، عليه الصلاة والسلام، يوم كلمه ربه جبة وسراويل وكساء وقلنسوة.
وزاد سليمان عن حميد عن أبي بردة قال أخرجت إلينا عائشة إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي تدعونها الملبدة
سليمان هذا هو ابن المغيرة أبو سعيد القيسي البصري، أي: زاد سليمان على رواية أيوب عن حميد بن هلال عن أبي بردة، قال: أخرجت إلينا عائشة... إلى آخره، وأسنده مسلم، وقال: حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد عن أبي بردة، قال: دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من التي تسمونها الملبدة، قال: فأقسمت بالله أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبض في هذين الثوبين.
9013 حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة قال عاصم رأيت القدح وشربت فيه. (الحديث 9013 طرفه في: 8365).

32
مطابقته لجزء الترجمة الذي هو قوله: (وقدحه). وعبدان لقب عبد الله بن عثمان، وقد مر غير مرة، وأبو حمزة، بالحاء المهملة والزاي: محمد بن ميمون اليشكري المروزي، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وابن سيرين هو محمد بن سيرين. قال الدارقطني: هذا حديث اختلف فيه على عاصم الأحول فرواه أبو حمزة محمد بن ميمون: عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس، وخالفه غيره فرواه: عن عاصم عن أنس، والصحيح الأول، وقال الجياني: والذي عندي في هذا أن بعض الحديث رواه عاصم عن أنس، وروى بعضه عن ابن سيرين عن أنس، وهذا بين في حديث أبي عوانة عن عاصم المذكور عند البخاري، وفي آخره، قال: وقال عاصم: قال ابن سيرين: إنه كانت فيه حلقة من فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن فيه شيئا صنعه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتركه. قال: كذا رواه أبو عوانة، وجوده ذكر أوله عن عاصم عن أنس وآخره: عن عاصم عن محمد عن أنس.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأشربة عن حسن بن مدرك.
قوله: (الشعب)، بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة: الصدع والشق وإصلاحه أيضا، الشعب وقال البيهقي: هو قدح عريض من نضار، وروى أحمد من حديث حجاج بن حسان، قال: كنا عند أنس فدعا بإناء فيه ثلاث ضباب من حديد وحلقته من حديد، فأخرجه من غلاف أسود وهو دون الربع وفوق نصف الربع، وأمر أنس فجعلنا فيه ماء فأتانا به فشربنا وصببنا على رؤوسنا ووجوهنا وصلينا على النبي صلى الله عليه وسلم.
0113 حدثنا سعيد بن محمد الجرمي قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا أبي أن الوليد بن كثير حدثه عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي قال حدثه أن ابن شهاب حدثه أن علي بن حسين حدثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له هل لك إلي من حاجة تأمرني بها فقلت له لا فقال له فهل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبدا حتى تبلغ نفسي إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه قال حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا..
مطابقته لجزء الترجمة الذي هو قوله: (وسيفه) وسعيد بن محمد أبو عبد الله الجرمي، بفتح الجيم وإسكان الراء الكوفي ويعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، يكنى أبا يوسف، أصله مدني كان بالعراق يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد، والوليد، بفتح الواو: ابن كثير ضد القليل المخزومي من أهل المدينة، ومحمد بن عمرو ابن حلحلة، بفتح الحاءين المهملتين وسكون اللام الأولى: الدؤلي، بضم الدال وفتح الهمزة، ويروى بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث رواه مسلم في الفضائل عن أحمد بن حنبل، رحمه الله.
قوله: (المدينة)، أي: المدينة النبوية. قوله: (مقتل الحسين)، كان ذلك في سنة إحدى وستين يوم عاشوراء، قوله: (المسور بن مخرمة) بكسر الميم في المسور وفتحها في مخرمة ولهما صحبة. قوله: (معطي) بضم الميم وسكون العين وكسر الطاء وتشديد الياء يعني: هل أنت معطي سيف رسول الله، صلى الله عليه وسلم إياي، وكون السيف عند آل علي، رضي الله تعالى عنه، يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه لعلي، رضي الله تعالى عنه، في حياته انتقل إلى زين العابدين أو أعطاه أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، ثم انتقل إلى آله، والظاهر أن هذا السيف هو ذو الفقار لأن سبط ابن الجوزي ذكر في (تاريخه) ولم يزل ذو الفقار عنده صلى الله عليه وسلم حتى وهبه لعلي، رضي الله تعالى عنه، قبل موته، ثم انتقل إلى آله وكانت له عشرة أسياف منها: ذو الفقار، تنفله يوم بدر. قوله: (أن يغلبك القوم عليه) أي: يأخذونه منك بالقوة والاستيلاء:

33
قوله: (لا يخلص)، على صيغة المجهول معناه: لا يصل إليه أحد أبدا. قوله: (حتى تبلغ) بلفظ المجهول أي: حتى تقبض روحي. قوله: (أن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه...) إلى آخره إنما ذكر المسور قصة خطبة علي بنت أبي جهل ليعلم علي بن الحسين زين العابدين بمحبته في فاطمة وفي نسلها لما سمع من رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (خطب ابنة أبي جهل)، واسمها جويرية تصغير جارية بالجيم، وقيل: جميلة، بفتح الميم. قوله: (فاطمة مني) أي: بضعة مني. قوله: (أن تفتن في دينها)، يريد أنها لا تصبر بسبب الغيرة. قوله: (صهرا له)، الصهر يطلق على الزوج وعلى أقاربه، وأقارب المرأة، وأراد أبا العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، كان زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكان مناصفا له ومصافيا، مرت قصته في كتاب الشروط. قوله: (وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما) قد أعلم صلى الله عليه وسلم بذلك بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي، رضي الله تعالى عنه، ولكن نهى عن الجمع بينها وبين فاطمة ابنته لعلتين منصوصتين: إحداهما: أن ذلك يؤذيني، لأن إيذاء فاطمة إيذاءا لي. والأخرى: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة.
وقالوا: في هذا الحديث: تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، بكل حال وعلى كل وجه، لأن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا وهو في هذا بخلاف غيره. وقال النووي: ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما، ويكون معنى: لا أحرم حلالا، أي: لا أقول شيئا يخالف حكم الله، فإذا أحل شيئا لم أحرمه، وإذا حرمه لم أحله ولم أسكت على تحريمه، لأن سكوتي تحليل له، ويكون من جملة محرمات النكاح: الجمع بين بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله، والله أعلم.
1113 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن محمد بن سوقة عن منذر عن ابن الحنفية قال لو كان علي رضي الله تعالى عنه ذاكرا عثمان رضي الله تعالى عنه ذكره يوم جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان فقال لي علي اذهب إلى عثمان فأخبره أنها صدقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم فمر سعاتك يعملون فيها فأتيته بها فقال أغنها عنا فأتيت بها عليا فأخبرته فقال ضعها حيث أخذتها. (الحديث 1113 طرفه في: 2113).
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: فأخبرته أنها صدقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأراد به الصحيفة التي كانت فيها أحكام الصدقات، ويكون هذا مطابقا لقوله في الترجمة. وما استعمل الخلفاء بعده.
وسفيان هو ابن عيينة، ومحمد بن سوقة، بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح القاف: أبو بكر الغنوي الكوفي، ومنذر بلفظ اسم الفاعل من الإنذار ابن يعلى الثوري الكوفي، وابن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب، والحنفية أمه، واسمها خولة بنت جعفر بن قيس بن يربوع بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة، وكانت من سبي اليمامة.
قوله: (ولو كان علي ذاكرا عثمان) أي: بما لا يليق ولا يحسن. قوله: (ذكره)، جواب لو. قوله: (يوم جاءه)، يوم، نصب على الظرف. قوله: (سعاة عثمان)، جمع ساع وهو العامل في الزكاة. قوله: (إذهب إلى عثمان وأخبره أنها صدقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم) المعنى: أن عليا، رضي الله تعالى عنه، أرسل إلى عثمان صحيفة فيها بيان أحكام الصدقات، وقال: مر سعاتك يعملون بها، أي: بهذه الصحيفة، ويروى: يعملون فيها، أي بما فيها. قوله: (فأتيته بها) أي: قال ابن الحنفية: أتيت عثمان بتلك الصحيفة. قوله: (فقال)، أي: عثمان. قوله: (أغنها عنا) بقطع الهمزة أي: اصرفها عنا، وقيل: كفها عنا، وقال الخطابي: هي كلمة معناها الترك والإعراض، وقال ابن الأنباري: ومنه قوله تعالى: * (وتولوا واستغنى الله) * (التغابن: 6). المعنى: تركهم، لأن كل من استغنى عن شيء تركه، وهو من الثلاثي من قولهم: غني فلان عن كذا فهو غان، مثل: علم فهو عالم. وقال الداودي: ويحتمل قوله: إغنها عنا أن يكون عنده علم من ذلك، وأنه أمر به، وقال ابن بطال: رد الصحيفة، ويقال: كان عنده نظير منها ولم يجهلها، لا أنه ردها، ولا يبعد ذلك لأنه لا يجوز على عثمان غير هذا، وأما فعل عثمان في صدقة النبي صلى الله عليه وسلم فرواه الطبري عن أبي حميد: حدثنا جرير عن مغيرة، قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، جمع بني أمية فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له فدك، وكان يأكل منها وينفق ويعود على فقراء بني هاشم ويزوج منها أيمهم، وأن فاطمة، رضي الله تعالى عنها، سألته أن يجعلها لها فأبي، فكانت كذلك حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم حتى قبض، ثم ولي أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فكانت كذلك

34
فعمل فيها بما عمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم حياته حتى مضى لسبيله، ثم ولي عمر، رضي الله تعالى عنه، فعمل فيها مثل ذلك، ثم ولي عثمان فأقطعها مروان، فجعل مروان ثلثها لعبد الملك وثلثها لعبد العزيز، فجعل عبد الملك ثلثه ثلثا للوليد، وثلثا لسليمان، وجعل عبد العزيز ثلثه لي، ثم ولى مروان فجعل ثلثه لي، فلم يكن لي مال أعود ولا أسد لحاجتي منها، ثم وليت أنا فرأيت أن أمرا منعه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاطمة ابنته أنه ليس لي بحق، وأنا أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
2113 قال الحميدي حدثنا سفيان قال حدثنا محمد بن سوقة قال سمعت منذرا الثوري عن ابن الحنفية قال أرسلني أبي خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان فإن فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة. (انظر الحديث 1113).
الحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى، ونسبته إلى أحد أجداده حميد، وهذا تعليق منه، وهو من مشايخ البخاري، وسفيان هو ابن عيينة. قوله: (في الصدقة)، ويروى: بالصدقة.
6
((باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين وإيثار النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة وشكت إليه الطحن والرحى أن يخدمها من السبي فوكلها إلى الله))
أي: هذا باب في بيان الدليل على أن الخمس من المغنم لنوائب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو جمع نائبة، وهي ما كانت تنوبه أي: تنزل به من المهمات والحوادث. قوله: (والمساكين)، أي: ولأجل المساكين. قوله: (وإيثار النبي صلى الله عليه وسلم)، أي: ولأجل إيثاره أي: اختياره. قوله: (أهل الصفة)، بالنصب لأنه مفعول المصدر المضاف إلى فاعله، وهم الفقراء والمساكين الذين كانوا يسكنون صفة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (والأرامل) بالنصب عطفا على: أهل الصفة، وهو جمع أرمل، والأرمل هو الرجل الذي لا امرأة له، والأرملة المرأة التي لا زوج لها، والأرامل المساكين من الرجال والنساء. قوله: (حين)، ظرف للإيثار. قوله: (سألته) أي: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، ابنته فاطمة وشكت إلى النبي ما كانت تقاسيه من طحن الشعير ومن مقالبة الرحى. قوله: (أن يخدمها)، بفتح: أن، لأنه مفعول ثان لقوله: سؤلته، و: يخدمها، بضم الياء من: الإخدام، أي: يعطي لها خادما من السبي الذي حضر عنده، على ما يجيء بيانه في حديث الباب. قوله: (فوكلها إلى الله تعالى)، أي: فوض أمرها إلى الله تعالى.
3113 حدثنا بدل بن المحبر قال أخبرنا شعبة قال أخبرني الحكم قال سمعت ابن أبي ليلى قال حدثنا علي أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن فبلغها أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أتي بسبي فأتته تسأله خادما فلم توافقه فذكرت لعائشة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك عائشة له فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال على مكانكما حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال ألا أدلكما على خير مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين فإن ذلك خير لكما مما سألتماه..
مطابقته للترجمة من حيث إنه، صلى الله عليه وسلم، اختار أهل الصفة على فاطمة، رضي الله تعالى عنها، وإن لم يكن فيه

35
ذكر الخمس، لكنه يفهم من معنى الحديث، وروى إسماعيل بن إسحاق من حديث ابن عيينة وحماد بن سلمة عن عطاء ابن السائب عن أبيه عن علي، رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة: لا أخدمكما وأدع أهل الصفة يطوون جوعا لا أجد ما أنفق عليهم، لكن أبيعه فأنفقه عليهم.
وبدل، بفتح الباء الموحدة وفتح الدال المهملة وباللام: ابن المحبر، بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: مر في الصلاة، والحكم: بفتحتين هو ابن عيينة، وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقال ابن الأثير في (الجامع): إذا أطلق المحدثون: ابن أبي ليلى، يعنون: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وإذا أطلقه الفقهاء يريدون ابنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل علي عن بندار عن غندر، وفي النفقات عن مسدد، وفي الدعوات عن سليمان بن حرب. وأخرجه مسلم في الدعوات عن محمد بن المثنى وبندار وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن عبد الله بن معاذ عن أبيه وعن محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي. وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد به وعن حفص بن عمر عن شعبة به.
قوله: (ما تلقى من الرحى مما تطحن)، وفي رواية مسلم: ما تلقى من الرحى في يدها. قوله: (أتى بسبي) السبي النهب، وأخذ الناس عبيدا وإماء. قوله: (خادما) هو يطلق على العبد والجارية. قوله: (فلم توافقه)، أي: لم تصادفه ولم تجتمع به، وفي رواية مسلم: فلم تجده، ولقيت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها. قوله: (فأتانا) أي: النبي صلى الله عليه وسلم، والحال أنا قد أخذنا مضاجعنا. قوله: (فذهبنا لنقوم)، أي: لأن نقوم، وفي رواية مسلم: فذهبنا نقوم. قوله: (على مكانكما)، أي: لا تفارقا عن مكانكما والزماه، وفي رواية مسلم: على مكانكما، فقعد بيننا. قوله: (حتى وجدت برد قدميه على صدري) وكلمة: حتى، غاية لمقدر تقديره: فدخل هو في مضجعنا، ولظهوره ترك، وفي لفظ: وكانت ليلة باردة، وقد دخلت هي وعلي في اللحاف، فأرادا أن يلبسا الثياب، وكان ذلك ليلا، وفي لفظ جابر: من عند رأسهما، وأنها أدخلت رأسها في اللفاع يعني: اللحاف، حياء من أبيها. قال علي: حتى وجدت برد قدميه على صدري فسخنتها، وروى مسلم من حديث أبي هريرة: أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما وشكت العمل، فقال: ما ألفيته عندنا؟ قال: ألا أدلك على خير...؟ الحديث. وفي (علل) الدارقطني: أن أم سلمة هي التي قالت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن ابنتي فاطمة جاءتك تلتمسك... الحديث، وروى أبو داود، وقال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عبد الله ابن وهب، قال: حدثنا عياش بن عقبة الحضرمي عن الفضل بن حسن الضمري: أن أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير حدثته عن إحداهما. إنها قالت: أصاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم سبيا، فذهبت أنا وأختي فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه ما نحن فيه، وسألناه أن يأمر لنا بشيء من السبي، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: سبقكن يتامى بدر، ثم ذكر قصة التسبيح. قوله: (ألا أدلكما على خير مما سألتما؟) ويروى: سألتماه؟ بالضمير، وإنما أسند السؤال إليهما مع أن السائل هي فاطمة فقط، لأن سؤالها كان برضاه، فإن قلت:
أين وجه الخيرية في الدنيا أو الآخرة أو فيهما؟ قلت: فائدة الذكر ثواب الآخرة، وفائدة الجارية خدمة الطحن ونحوه، والثواب أكثر وأبقى فهو خير.
7
((باب قول الله تعالى: * (فإن لله خمسه وللرسول) * (الأنفال: 14). يعني للرسول قسم ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي))
أي: هذا باب في بيان معنى قول الله تعالى: * (فإن لله خمسه) * (الأنفال: 14). إلى آخره، هذا اللفظ من قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * (الأنفال: 14). الآية، بين الله تعالى فيها إحلال الغنائم لهذه الأمة من بين سائر الأمم، والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب، والفيء ما أخذ منهم بغير ذلك كالأموال التي يصالحون عليها، أو يتوفون عنها ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك، قوله: (يعني للرسول قسم ذلك) هذا تفسير البخاري قوله تعالى: * (فإن لله خمسه وللرسول) * (الأنفال: 14). قال الكرماني: يعني: للرسول قسمته، لا أن سهما منه له، ثم قال: وقال شارح (التراجم): مقصود البخاري ترجيح قول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يملك خمس الخمس، وإنما كان إليه قسمته فقط.
قلت: هذا الباب فيه اختلاف للمفسرين، فقال بعضهم: لله نصيب يجعل في الكعبة، فعن أبي عالية الرياحي: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم

36
يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة، يكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله للكعبة، وهو سهم لله تعالى، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون: سهم للرسول، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. وقال آخرون: ذكر الله استفتاح كلام للتبرك وسهم للرسول، وعن ابن عباس: أن سهم الله وسهم الرسول واحد، وهكذا قال إبراهيم النخعي والحسن بن محمد بن الحنفية والحسن البصري والشعبي وعطاء بن أبي رباح وقتادة وآخرون: إن سهم الله ورسوله واحد. ثم اختلف القائلون لهذا القول، فروى علي عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أقسام فأربعة منها بين من قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس، فربع لله وللرسول، فما كان لله وللرسول فهو لقرابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم، من الخمس شيئا، وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن بريدة في قوله: * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول) * (الأنفال: 14). قال: الذي لله فلنبيه، والذي للرسول فلأزواجه، وعن عطاء بن أبي رباح: خمس الله ورسوله واحد، يحمل منه ويصنع فيه ما شاء، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين كما يتصرف في مال الفيء، وهذا قول مالك وأكثر السلف.
وقد اختلف أيضا في الذي كان يناله النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس ماذا يصنع به من بعده؟ فقالت طائفة: يكون لمن يلي الأمر من بعده، روي ذلك عن أبي بكر وعلي وقتادة وجماعة، وقال آخرون: يصرف في مصالح المسلمين. وقال آخرون: بل هو مردود على بقية الأصناف ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، واختاره ابن جرير، وقيل: إن الخمس جميعه لذوي القربى، وقال الأعمش عن إبراهيم، قال: كان أبو بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح. قلت لإبراهيم: ما كان علي، رضي الله تعالى عنه، يقول فيه؟ قال: كان أشدهم فيه، وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء، وذكر ابن المناصف في كتاب الجهاد عن مالك: أن الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال ويعطي الإمام أقارب سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم بقدر اجتهاده، ولا يعطون من الزكاة لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقة لآل محمد وهم بنو هاشم، وقال في الخمس والفيء: هو حلال للأغنياء، ويوقف منه لبيت المال، بخلاف الزكاة. وقال عبد الملك: المال الذي آسى الله، عز وجل، فيه بين الأغنياء والفقراء مال الفيء، وما ضارع الفيء من ذلك أخماس الغنائم وجزية أهل العنوة وأهل الصلح وخراج الأرض وما صولح عليه أهل الشرك في الهدنة وما أخذ عليه من تجار أهل الحرب إذا خرجوا لتجاراتهم إلى دار الإسلام، وما أخذ من أهل ذمتنا إذا أتجروا من بلد إلى بلد وخمس الركاز حيث ما وجد يبدأ عندهم في تفريق ذلك بالفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل، ثم يساوي بين الناس فيما بقي شريفهم ووضيعهم، ومنه يرزق والي المسلمين وقاضيهم، ويعطى غازيهم، ويسد ثغورهم ويبنى مساجدهم وقناطرهم ويفك أسيرهم، وما كان من كافة المصالح التي لا توضع فيها الصدقات فهذا أعم في المصرف من الصدقات، لأنه يجري في الأغنياء والفقراء، وفيما يكون فيه مصرف الصدقة وما لا يكون، هذا قول مالك وأصحابه، ومن ذهب مذهبهم: أن الخمس والفيء مصرفهما واحد، وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والأوزاعي وأبو ثور وداود وإسحاق والنسائي وعامة أصحاب الحديث والفقه إلى التفريق بين مصرف الفيء والخمس، فقالوا: بالخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من سورة الأنفال لا يتعدى به إلى غيرهم، ولهم مع ذلك في توجيه قسمه عليهم بعد وفاة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم خلاف، وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى الإمام بحسب المصلحة والاجتهاد.
قوله: (قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي)، احتج البخاري بهذا التعليق على ما ذهب إليه من الرد على من جعل لرسول الله، صلى الله عليه وسلم خمس الخمس ملكا، وأسند أبو داود هذا التعليق من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، بلفظ: إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت. والله أعلم.
4113 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن سليمان ومنصور وقتادة أنهم سمعوا سالم بن أبي

37
الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال ولد لرجل منا من الأنصار غلام فأراد أن يسميه محمدا قال شعبة في حديث منصور إن الأنصاري قال حملته على عنقي فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث سليمان ولد له غلام فأراد أن يسميه محمدا قال سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإني إنما جعلت قاسما أقسم بينكم. وقال حصين بعثت قاسما أقسم بينكم. قال عمر و أخبرنا شعبة عن قتادة قال سمعت سالما عن جابر أراد أن يسميه القاسم فقال النبي صلى الله عليه وسلم سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي.
مطابقته للترجمة في قوله: (إنما جعلت قاسما أقسم بينكم). وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وسليمان هو الأعمش، ومنصور هو ابن المعتمر.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في صفة النبي صلى الله عليه وسلم عن محمد بن كثير وفي الأدب عن آدم. وأخرجه مسلم رحمه الله في الاستيذان، كذا قاله المروزي ولم يخرجه إلا في الأدب عن جماعة كثيرة.
قوله: (قال شعبة في حديث منصور)، أشار بهذا إلى أن شعبة لما روى هذا الحديث عن هؤلاء الثلاثة وهم: سليمان ومنصور وقتادة، وهم سمعوا جابرا، قال: ولد لرجل منا من الأنصار غلام، فأراد أن يسميه محمدا، قال: في حديث منصور أن الأنصاري قال: حملته على عنقي فأتيب به النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية مسلم عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: ولد لرجل منا غلام فسماه محمدا، فقال له قومه: لا ندعك تسمي باسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فانطلق بابنه حامله على ظهره، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ولد لي غلام فسميته محمدا فقال لي قومي: لا ندعك تسمي باسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي، فإنا أنا قاسم أقسم بينكم. وروى مسلم أيضا من حديث شعبة عن قتادة ومنصور وسليمان وحصين بن عبد الرحمن، قالوا: سمعنا سالم بن أبي الجعد عن جابر، فزاد هنا حصين بن عبد الرحمن على هؤلاء الثلاثة المذكورين. قوله: (في حديث سليمان) أي: قال شعبة في حديث سليمان الأعمش: ولد له غلام... إلى آخره. قوله: (سموا)، بفتح السين وضم الميم المشددة: أمر من سمى يسمي. قوله: (ولا تكتنوا)، من الاكتناء من باب الافتعال، ويروى: ولا تكنوا من: كنى يكني. وقال الجوهري: اكتنى فلان كذا وفلان يكنى بأبي عبد الله ولا تقل يكنى بعبد الله وكنيته أبا زيد وبأبي يزيد تكنية والكنية عند أهل العربية كل مركب إضافي في صدره أب أو أم كأبي بكر وأم كلثوم، وهي من أقسام الأعلام. قوله: (إنما جعلت قاسما أقسم بينكم) أي: أقسم الأموال في المواريث والغنائم وغيرهما عن الله تعالى، وليس ذلك لأحد إلا له، فلا يطلق هذا الاسم بالحقيقة إلا عليه، وعلى هذا فيمتنع التكنية بذلك مطلقا، وهو مذهب محمد بن سيرين والشافعي وأهل الظاهر، سواء كان اسمه أحمد أو محمدا. وقال المنذري: اختلف هل النهي عام أو خاص؟ فذهبت طائفة من السلف إلى أن التكني وحده بأبي القاسم ممنوع كيف كان الاسم، وذهب آخرون من السلف إلى منع التكني بأبي القاسم، وكذلك تسمية الولد بالقاسم لئلا يكون سببا للتكنية، لأن الشخص إذا سمي بالقاسم يلزم منه أن يكون أبوه أبا القاسم فيصير الأب مكنى بكنية رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وذهب آخرون إلى أن الممنوع الجمع بين التكنية والاسم، وأنه لا بأس بالتكني بأبي القاسم مجردا ما لم يكن الاسم محمدا أو أحمد. وذهب أخرون وشذوا إلى منع التسمية باسم النبي صلى الله عليه وسلم، حملة كيف ما كان يكنى. وذهب آخرون إلى أن النهي في ذلك منسوخ، وحكى القرطبي عن جمهور السلف والخلف وفقهاء الأمصار جواز كل ذلك، والحديث إما منسوخ وإما خاص به احتجاجا بحديث علي، رضي الله تعالى عنه، رواه الترمذي وصححه، ولفظه: يا رسول الله! إن ولد لي بعدك غلام أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم. قوله: (وقال حصين)، هو حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين: ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي، وهذا التعليق رواه مسلم، وقال: حدثنا هناد بن السري حدثنا عبثر عن حصين عن سالم بن أبي الجعد

38
عن جابر بن عبد الله قال: ولد لرجل منا غلام فسماه محمدا، فقلنا: لا نكنيك برسول الله، صلى الله عليه وسلم حتى تستأمره. قال: فأتاه فقال: إنه ولد لي غلام فسميته برسول الله، صلى الله عليه وسلم وإن قومي أبوا أن يكنوني به حتى تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي، فإنما بعثت قاسما أقسم بينكم. قوله: (قال عمرو)، هو عمر بن مرزوق وهذا تعليق رواه أبو نعيم الأصبهاني عن أبي العباس قال حدثنا يوسف القاضي حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة... الحديث.
23 - (حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم فقالت الأنصار لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عينا فأتى النبي
فقال يا رسول الله ولد لي غلام فسميته القاسم فقالت الأنصار لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عينا فقال النبي
أحسنت الأنصار سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم)
هذا طريق آخر من حديث جابر المذكور رواه عن محمد بن يوسف البخاري البيكندي عن سفيان بن عيينة عن سليمان الأعمش إلى آخره قوله لا نكنيك بضم النون وفتح الكاف وكسر النون من التكنية ويروى لا نكنك بفتح النون وسكون الكاف من كنى يكنى قوله ' ولا ننعمك عينا ' أي لا نقر عينك بذلك ولا نكرمك تقول العرب في الكرامة حسن القبول نعم عين ونعمة عين ونعام عين أما النعمة فمعناها التنعم يقال كم من ذي نعمة لا نعمة له أي لا تنعم له بماله والنعمة بفتح النون الفرح والسرور ونعمة العين بالضم قرتها قوله ' فسموا ' ويروى تسموا بفتح السين وتشديد الميم قوله ' ولا تكنوا ' من التكنية ويروى ولا تكتنوا من الاكتناء * وفيه إباحة التسمي باسمه للبركة الموجودة منه ولما في اسمه من الفال الحسن من معنى الحمد ليكون محمودا من يسمى باسمه ونهيه عن التكني بكنيته لما رواه أنس نادى رجل يا أبا القاسم فالتفت النبي
فقال الرجل لم أعنك ونقل أيضا عن اليهود أنها كانت تناديه بها فإذا التفت قالوا لم نعنك فحسم الذريعة بالنهي (فإن قلت) هل يمنع التسمية بمحمد قلت قد قيل به ولم يكن
أحد من الصحابة يجترىء أن ينادي النبي
باسمه لأن النداء بالاسم لا توقير فيه بخلاف الكنية وإنما كان يناديه باسمه الأعراب ممن لم يؤمن منهم أو لم يرسخ الإيمان بقلبه وقيل أن النهي مخصوص بحياته وقد ذهب إليه بعض أهل العلم وكان عمر رضي الله تعالى عنه كتب إلى أهل الكوفة لا تسموا أحدا باسم نبي وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمين بمحمد حتى ذكر له جماعة من الصحابة أنه
أذن لهم في ذلك فتركهم وقال القرطبي حديث النهي غير معروف عند أهل النقل وعلى تسليمه فمقتضاه النهي عن لعن من تسمى بمحمد وقيل وأن سبب نهي عمر عن ذلك أنه سمع رجلا يقول لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب فعل الله بك يا محمد فقال إن سيدنا رسول الله
يسب بك والله لا ندعو محمدا ما بقيت وسماه عبد الرحمن وقد تقرر الإجماع على إباحة التسمية بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتسمى جماعة من الصحابة بأسماء الأنبياء وكره بعض العلماء فيما حكاه عياض التسمي بأسماء الملائكة وهو قول الحارث بن مسكين قال وكره مالك التسمي بجبريل وإسرافيل وميكائيل ونحوها من أسماء الملائكة وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال ما قنعتم بأسماء بني آدم حتى سميتم بأسماء الملائكة
24 - (حدثنا حبان بن موسى قال أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية قال قال رسول الله
من يرد الله به خيرا يفقه في الدين والله المعطي وأنا القاسم ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)

39
مطابقته للترجمة في قوله وأنا قاسم وحبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى أبو محمد المروزي وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ويونس بن يزيد الأيلي * والحديث رواه البخاري في كتاب العلم في باب ' من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ' عن سعيد بن عفير عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال قال حميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيبا يقول سمعت النبي
يقول ' من يرد الله به خيرا ' إلى آخره نحوه وقد مر الكلام فيه هناك * -
7113 حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا فليح قال حدثنا هلال عن عبد الرحمان بن أبي عمرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أعطيكم ولا أمنعكم أنا قاسم أضع حيث أمرت.
[/ نه
مطابقته للترجمة في قوله: (إنما أنا قاسم) ومحمد بن سنان، بكسر السين وبالنونين، وفليح، بضم الفاء وفتح اللام: ابن سليمان بن المغيرة، وكان اسمه عبد الملك ولقبه فليح، فغلب على اسمه، وهلال هو ابن علي الفهري المديني. قوله: (ما أعطيكم ولا أمنعكم) أي: الله هو المعطي في الحقيقة وهو المانع، وأنا أعطيكم بقدر ما يلهمني الله منه.
8113 حدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال حدثني أبو الأسود عن ابن أبي عياش واسمه نعمان عن خولة الأنصارية رضي الله تعالى عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة.
لا مطابقة بين الحديث والترجمة بحسب الظاهر، ولكن قال الكرماني: قوله: (بغير حق) أي: بغير قسمة حق، واللفظ وإن كان أعم من ذلك ولكن خصصناه بالقسمة ليفهم منه الترجمة صريحا.
وعبد الله بن يزيد من الزيادة أبو عبد الرحمن المقري مولى آل عمر بن الخطاب، وأصله من ناحية البصرة سكن مكة، روى عنه البخاري في غير موضع، وروى عن علي بن المديني عنه في الأحكام، وعن محمد غير منسوب عنه في البيوع، وسعيد بن أبي أيوب الخزاعي المصري واسم أبي أيوب: مقلاص، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، وابن أبي عياش اسمه نعمان، وأبو عياش، بالعين المهملة والياء آخر الحروف المشددة واسمه: زيد بن الصلت الزرقي الأنصاري المديني، وخولة، بفتح الخاء المعجمة بنت قيس بن فهد بن قيس بن ثعلبة الأنصارية ويقال لها: خويلة أم محمد، وهي امرأة حمزة بن عبد المطلب، وقيل: إن امرأة حمزة خولة بنت ثامر، بالثاء المثلثة: الخولانية، وقيل: إن ثامر لقب لقيس بن فهد، قال علي بن المديني: خولة بنت قيس هي خولة بنت ثامر وقال الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن سعيد المقبري عن أبي الوليد قال سمعت خولة بنت قيس وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب، تقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: (إن هذا المال خضرة حلوة، من أصابه بحقه بورك له في، ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار)، هذا الحديث حسن صحيح، وأبو الوليد اسمه: عبيد سنوطا. قلت: وكذا أخرجه الطبراني من حديث جماعة عن المقبري، وأخرج الإسماعيلي وأبو نعيم والطبراني والحميدي من حديث أبي الأسود عن ابن أبي عياش عن خولة بنت ثامر، وقد ذكرنا أن كنية خولة بنت قيس أم محمد، وقال أبو نعيم: ويقال أم حبيبة، وصحف ابن منده: أم حبيبة، بأم صبية. وتلك غير هذه، تلك جهينية وهذه أنصارية من أنفسهم، ووقع للكلاباذي أيضا: أن كنيتها أم صبية وقال الدارقطني: لم يرو عن خولة بنت ثامر سوى النعمان بن أبي عياش الزرقي، وذكر أبو عمر الحديث في خولة بنت قيس عن عبيد سنوطا، وبنت ثامر عن النعمان عنها. قوله: (يتخوضون)، من الخوض بالمعجمتين، وهو المشي في الماء وتحريكه، ثم استعمل في التلبس بالأمر والتصرف فيه، والتخوض تفعل منه، وقيل: هو التخليط في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن، وباب التفعل فيه التكلف.

40
8
((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أحلت لكم الغنائم))
أي: هذا باب في ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحلت لكم الغنائم أي ولم تحل لأحد غيركم).
وقال الله تعالى: * (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) * (الفتح: 021).
تمام الآية: * (وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما) * (الفتح: 02). قوله: * (وعدكم الله مغانم كثيرة) * (الفتح: 02). هي ما أصابوها مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة. قوله: (فعجل لكم هذه)، يعني غنائم خيبر. قوله: (وكف أيدي الناس عنكم) أي: أيدي قريش كفهم الله بالصلح، وقال قتادة: أيدي اليهود، وقال مقاتل: إنهم أسد وغطفان حلفاء أهل خيبر جاءوا لينصروا أهل خيبر، فقذف الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا.
9113 حدثنا مسدد قال حدثنا خالد قال حدثنا حصين عن عامر عن عروة البارقي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخيل معقود في نواصيها الخير الأجر والمغنم إلى يوم القيامة..
مطابقته للترجمة في قوله: (والمغنم) وخالد هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان، وحصين، بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة: ابن عبد الرحمن السلمي، وعامر هو الشعبي، وعروة بن الجعد، ويقال: أبي الجعد البارقي، بالباء الموحدة وبالراء والقاف: الأزدي. والحديث قد مر في كتاب الجهاد في: باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، فإنه أخرجه هناك: عن حفص بن عمر عن شعبة عن حصين وابن أبي سفر عن الشعبي عن عروة بن الجعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه لفظة: والمغنم، وأخرجه أيضا في: باب الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وفيه: الأجر والمغنم.
0213 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) لأن كنوزهما كانت مغانم، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب هو ابن أبي حمزة، وأبو الزناد، بالزاي والنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
قوله: (فلا كسرى بعده)، أي: في العراق. (ولا قيصر) أي: في الشام، وكلمة: لا، هنا بمعنى: ليس، فلا يلزم التكرير، وقال الخطابي: أما كسرى فقد قطع الله دابره وأنفقت كنوزه في سبيل الله، وأما قيصر فكان الشام منشأه وبها بيت المقدس، وهو الذي لا يتم للنصارى نسك إلا فيه، ولا يملك أحد على الروم من ملوكهم حتى يكون قد دخله سرا أو جهرا، وقد أجلى عنها وافتتحت خزائنه التي فيها ولم يخلفه أحد من القياصرة بعده إلى أن ينجز الله تمام وعده في فتح قسطنطينية في آخر الزمان.
1213 حدثنا إسحاق سمع جريرا عن عبد الملك عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هلك كسرى فلا كسري بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله.
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الذي قبله. وإسحاق هذا قال الجياني: لم أره منسوبا إلى أحد، ونسبه أبو نعيم إسحاق بن إبراهيم. قلت: ثلاثة أنفس كل واحد منهم يسمى: إسحاق بن إبراهيم، وروى البخاري عن كل واحد منهم: فإسحاق بن إبراهيم من هؤلاء الثلاثة، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الملك هو ابن عمير الكوفي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن قبيصة بن عقبة وفي الإيمان والنذور عن موسى بن إسماعيل، وأخرجه مسلم في الفتن عن قتيبة عن جرير به.
2213 حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا هشيم قال أخبرنا سيار قال حدثنا يزيد الفقير

41
قال حدثنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلت لي الغنائم. (انظر الحديث 533 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهشيم، بضم الهاء: ابن بشير، بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف الواسطي، وسيار، بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ابن أبي سيار، واسمه وردان أبو الحكم الواسطي، ويزيد من الزيادة ابن صهيب الكوفي المعروف بالفقير، قال الكرماني: الفقير ضد الغني. قلت: ليس كذلك، وإنما هو من فقار الظهر لا من المال، وهو الذي أصيب في فقار ظهره، وهو خرزاته، الواحدة فقارة.
والحديث قد مر في كتاب الطهارة في: باب أول التيمم، بأتم منه عن محمد بن سنان عن هشيم وعن سعيد بن النضر عن هشيم عن سيار عن يزيد الفقير... الحديث، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (وأحلت لي الغنائم) هي من خصائصه، فلم تحل لأحد غيره وغير أمته، على ما ذكرناه هناك.
3213 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع أجر أو غنيمة..
مطابقته للترجمة في قوله: (أو غنيمة) وإسماعيل هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك بن أنس، وقد تكرر ذكره، والحديث قد مضى في كتاب الإيمان في: باب الجهاد من الإيمان، فإنه أخرجه هناك بأتم منه عن حرمي بن حفص عن عبد الواحد إلى آخره.
قوله: (أو يرجعه)، بفتح الياء، لأن رجع يتعدى بنفسه. قوله: (أو غنيمة)، يعني لا يخلو عن أحدهما مع جواز الاجتماع بينهما، بخلاف: أو: التي في: أو، يرجعه فإنها تفيد منع الخلو ومنع الجمع كليهما.
4213 حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا نبي من
الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح لله عليه فجمع الغنائم فجاءت يعني النار لتأكلها فلم تطعمها فقال إن فيكم غلولا فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده فقال فيكم الغلول فجاؤا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها فجاءت النار فأكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا. (الحديث 4213 طرفه في: 7515).
مطابقته للترجمة في قوله: (ثم أحل لنا الغنائم).
ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي: وابن المبارك هو عبد الله بن المبارك المروزي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح، وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي كريب أيضا عن ابن المبارك به.
ذكر معناه: قوله: (غزا نبي من الأنبياء) قال ابن إسحاق: هذا النبي هو يوشع بن نون، ولم تحبس الشمس، إلا له ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء حين انتظروا العير التي أخبر صلى الله عليه وسلم بقدومها عند شروق الشمس في ذلك اليوم. وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توجه من بيت المقدس بعد نزوله من الإسراء لقي عير بني فلان بضجنان، ولما دخل مكة أخبر بذلك

42
وقال: الآن تصوب عيرهم من ثنية التنعيم البيضاء. يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء، قال: فابتدر القوم الثنية فوجدوا مثل ما أخبر، صلى الله عليه وسلم. وعن السدي: أن الشمس كادت أن تغرب قبل أن يقدم ذلك العير فدعا الله، عز وجل، فحبسها حتى قدموا كما وصف لهم قال: فلم تحبس الشمس على أحد إلا عليه ذلك اليوم، وعلى يوشع بن نون، رواه البيهقي. قلت: حبست أيضا في الخندق حين شغل عن صلاة العصر حتى غابت الشمس فصلاها، ذكره عياض في (إكماله) وقال الطحاوي: رواته ثقات، ووقع لموسى، عليه الصلاة والسلام، تأخير طلوع الفجر، روى ابن إسحاق في المبتدأ من حديث يحيى بن عروة عن أبيه، أن الله عز وجل، أمر موسى، عليه الصلاة والسلام، بالمسير ببني إسرائيل، وأمره بحمل تابوت يوسف ولم يدل عليه حتى كاد الفجر يطلع، وكان وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر، فدعا ربه أن يؤخر طلوعه حتى يفرغ من أمر يوسف ففعل الله، عز وجل، ذلك. وبنحوه ذكر الضحاك في (تفسيره الكبير) وقد وقع ذلك أيضا للإمام علي، رضي الله تعالى عنه، أخرجه الحاكم عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم نام على فخذ علي، رضي الله تعالى عنه، حتى غابت الشمس، فلما استيقظ قال علي، رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله! إني لم أصل العصر! فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إن عبدك عليا احتبس بنفسه على نبيك، فرد عليه شرقها. قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، ثم قام علي فتوضأ وصلى العصر، وذلك بالصهباء، وذكره الطحاوي في (مشكل الآثار، قال: وكان أحمد بن صالح يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم أن يتخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من أجل علامات النبوة. وقال: وهو حديث متصل، ورواته ثقات وإعلال ابن الجوزي هذا الحديث لا يلتفت إليه. وكذلك وقع لسليمان، عليه الصلاة والسلام، روي عن ابن عباس أنه قال: سألت علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، عن هذه الآية * (إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب) * (ص
1764;: 23). فقال: ما بلغك في هذا يا ابن عباس؟ فقلت له: سمعت كعب الأحبار يقول: إن سليمان، عليه الصلاة والسلام، اشتغل ذات يوم بعرض الأفراس والنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب ردوها علي يعني الأفراس، وكانت أربعة عشر، فردوها عليه فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف، فقتلها، وإن الله تعالى سلب ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها، فقال علي، رضي الله تعالى عنه: كذب كعب، لكن سليمان اشتغل بعرض الأفراس ذات يوم لأنه أراد جهاد عدو حتى توارت بالحجاب، فقال يأمر الله للملائكة الموكلين بالشمس، ردوها علي، يعني الشمس، فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها، وأن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم، ولا يرضون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون. قوله: (ملك بضع امرأة)، بضم الباء، وهو النكاح أي ملك عقدة نكاحها، وهو أيضا يقع على الجماع وعلى الفرج. قوله: (وهو يريد) الواو فيه للحال. قوله: (أن يبني بها) أي: يدخل عليها وتزف إليه، ويروى: أن يبتني، من الابتناء من باب الافتعال. قوله: (ولما يبن بها) أي: والحال أنه لم يدخل عليها. قوله: (أو: خلفات)، جمع خلفة، بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وفتح الفاء. وقال ابن فارس: هي الناقة الحامل، وقيل: جمعها مخاض على غير قياس، كما يقال لواحدة النساء: امرأة، وقيل: هي التي استكملت سنة بعد النتاج، ثم حمل عليها فلقحت، وقيل: الخلفة التي توهم أن بها حملا، ثم لم تلقح. وقال الأصمعي: فلا تزال خلفة حتى تبلغ عشرة أشهر، وقال الجوهري الخلفة، بكسر اللام المخاض من النوق، الواحدة خلفة. وفي (المغيث): يقال: خلفت إذا حملت، واختلفت إذا حالت ولم تحمل. قوله: (فدنا من ا لقرية) قيل: هي أريحا. وقال ابن إسحاق: لما مات موسى، عليه السلام، وانقضت الأربعون سنة بعث يوشع بن نون نبيا، فأخبر بني إسرائيل أنه نبي الله، وأن الله قد أمره بقتال الجبارين فصدقوه وبايعوه، فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا ومعه تابوت الميثاق، فأحاط بمدينة أريحا ستة أشهر فلما كان السابع نفخوا في القرون ضج الشعب ضجة واحدة، فسقط سور المدينة، فدخلوها وقتلوا الجبارين، وكان القتال يوم الجمعة، فبقيت منهم بقية، وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فخشي يوشع أن يعجزوا فقال: اللهم أردد الشمس علي، فقال لها: إنك في طاعة الله، وأنا في طاعة الله، وهو معنى قوله: إنك مأمورة وأنا مأمور، يعني: إنك مأمورة بالغروب وأنا مأمور بالصلاة أو القتال قبل الغروب. قوله: (فلم تطعمها)، أي: فلم تطعم النار الغنائم، وإنما قال: فلم تطعمها ولم يقل فلم تأكلها للمبالغة، إذ معناه: لم تذق طعمها، كقوله تعالى: * (ومن لم يطعمه فإنه مني) * (البقرة: 942). قوله: (إن فيكم غلولا)، وهو الخيانة في المغنم، وكان من خصائص الأنبياء المتقدمين

43
أن يجمعوا الغنائم في مربد فتأتي نار من السماء فتحرقها، فإن كان فيها غلول أو ما لا يحل لم تأكلها، وكذلك كانوا يفعلون في قرابينهم كان المتقبل تأكله النار، وما لا يتقبل يبقى على حاله ولا تأكله، ففضل الله هذه الأمة وجعلها خير أمة أخرجت للناس وأعطاهم ما لم يعط أحدا غيرهم، وأحل لهم الغنائم، ثم أشار إليه في الحديث بقوله: رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا رحمة من الله علينا، وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فإن قلت: ما الحكمة في أكل النار غنائمهم والتحليل لنا؟ قلت: جعل هذا في حقهم حتى لا يكون قتالهم لأجل الغنيمة لقصورهم في الإخلاص، وأما تحليلها في حق هذه الأمة فلكون الإخلاص غالبا عليهم، فلم يحتج إلى باعث آخر.
9
((باب الغنيمة لمن شهد الوقعة))
أي: هذا باب في بيان كون الغنيمة لمن شهد، أي: حضر الوقعة أي: صدمة العدو، وهذا قول عمر، رضي الله تعالى عنه، وعليه جماعة الفقهاء. فإن قلت: قسم النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر بن أبي طالب، ولمن قدم في سفينة أبي موسى من غنائم خيبر لمن لم يشهدها؟ قلت: إنما فعل ذلك لشدة احتياجهم في بدء الإسلام فإنهم كانوا للأنصار تحت منح من النخيل والمواشي لحاجتهم، فضاقت بذلك أحوال الأنصار، وكان المهاجرون في ذلك في شغل فلما فتح الله خيبر عوض الشارع المهاجرين ورد إلى الأنصار منائحهم، وقال الطحاوي: رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم استطاب أنفس أهل الغنيمة، وقد روي ذلك عن أبي هريرة كما يجيء عن قريب.
5213 حدثنا صدقة قال أخبرنا عبد الرحمان عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال قال عمر رضي الله تعالى عنه لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إلا قسمتها بين أهلها) وصدقة بلفظ أخت الزكاة ابن الفضل أبو الفضل المروزي، وهو من أفراده و عبد الرحمن هو ابن مهدي البصري، وأسلم مولى عمر بن الخطاب يكنى أبا خالد كان من سبي اليمن.
قوله: (لولا آخر المسلمين)، المعنى: لو قسمت كل قرية على الفاتحين لما بقي شيء لمن يجيء بعدهم من المسلمين، قال الكرماني: هو حقهم لم لا يقسم عليهم، فأجاب بأنه يسترضيهم بالبيع ونحوه ويوقفه على الكل، كما فعل بأرض العراق وغيرها. قوله: (كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر)، ولم يكن قسم خيبر بكمالها، ولكنه قسم منها طائفة وترك طائفة لم يقسمها، والذي قسم، منها هو الشق والنطاءة، وترك سائرها فللإمام أن يفعل من ذلك ما رآه صلاحا، واحتج عمر، رضي الله تعالى عنه، في ترك قسمة الأرض. بقوله تعالى: * (ما أفاء الله على رسوله) * (الحشر: 7). إلى قوله: * (والذين جاؤوا من بعدهم) * (الحشر: 7). الآية، وقال عمر: هذه الآية قد استوعبت الناس كلهم فلم يبق أحد منهم إلا وله في هذا المال حق حتى الراعي بعدي، وقال أبو عبيد: وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ، رضي الله تعالى عنهما، وأشار عمر بإقرار الأرض لمن يأتي بعده.
وقد اختلف العلماء في حكم الأرض، فقال أبو عبيد: وجدنا الآثار عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرض ثلاثة أحكام. أرض أسلم أهلها عليها فهي لهم ملك، وهي أرض عشر لا شيء فيها غيره. وأرض افتتحت صلحا على خراج معلوم فهم على ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه. وأرض أخذت عنوة وهي التي أختلف فيها المسلمون، فقال بعضهم: سبيلهم سبيل الغنيمة فيكون أربعة أخماسها حصصا بين الذين افتتحوها خاصة، والخمس الباقي لمن سمى االله، وقال ابن المنذر: وهذا قول الشافعي وأبي ثور، وبه أشار الزبير بن العوام على عمرو بن العاص حين افتتح مصر، قال أبو عبيد: وقال بعضهم: بل حكمها والنظر فيها إلى الإمام إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها، كما فعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم فذلك له، وإن رأى أن يجعلها موقوفة على المسلمين ما بقوا كما فعل عمر في السواد، فذلك له، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه والثوري فيما حكاه الطحاوي وقال مالك: يجتهد فيها الإمام وقال في القنية: العمل في أرض العنوة على فعل عمر، رضي الله تعالى عنه: أن لا تقسم وتقر بحالها، وقد ألح بلال، وأصحاب له على عمر في قسم الأرض بالشام، فقال: اللهم أكفنيهم فما أتى الحول وقد بقي منهم أحد.

44
01
((باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره))
أي: هذا باب في بيان حال من قاتل لأجل حصول الغنيمة، هل ينقص أجره وجوابه أنه ليس له أجر فضلا عن النقصان، لأن المجاهد الذي يجاهد في سبيل الله هو الذي يجاهد لإعلاء كلمة الله.
6213 حدثني محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن عمر و قال سمعت أبا وائل قال حدثنا أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر ويقاتل ليري مكانه من في سبيل الله فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله..
مطابقته للترجمة في قوله: (الرجل يقاتل للمغنم) وغندر، بضم الغين وسكون النون لقب محمد بن جعفر، وعمرو، بفتح العين: هو ابن مرة، وأبو وائل شقيق بن سلمة وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري. والحديث قد مضى في كتاب الجهاد في: باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فإنه أخرجه هناك عن سليمان بن حرب عن شعبة عن عمرو، رضي الله تعالى عنه، إلى آخره نحوه غير أن هناك: جاء رجل، وهنا: جاء أعرابي. قوله: (ليذكر)، على صيغة المجهول أي: ليذكر بالشجاعة عند الناس. قوله: (ليرى) على صيغة المجهول أيضا. قوله: (مكانه) أي: مرتبته. قوله: (من في سبيل الله) كلمة: من، للاستفهام.
11
((باب قسمة الإمام ما يقدم عليه ويخبا لمن لم يحضره أو يغيب عنه))
أي: هذا باب في بيان قسمة الإمام ما يقدم عليه من هدايا المشركين بين أصحابه. قوله: (ويخبأ)، من خبأت الشيء أخبؤه خبأ إذا أخفيته، والخبء والخبيء، والخبيئة الشيء المخبوء. قوله: (لمن لم يحضره) أي: لأجل من لم يحضر مجلسه أو يغيب عنه حاصل المعنى، يقسم ما يقدم عليه بين الحاضرين والغائبين بأن يعطي شيئا للحاضرين ويخبأ شيئا للغائبين.
35 - (حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله ابن أبي مليكة أن النبي
أهديت له أقبية من ديباج مزررة بالذهب فقسمها في أناس من أصحابه وعزل منها واحدا لمخرمة بن نوفل فجاء ومعه ابنه المسور بن مخرمة فقام على الباب فقال ادعه لي فسمع النبي
صوته فأخذ قباء فتلقاه به فاستقبله بأزراره فقال يا أبا المسور خبأت هذا لك يا أبا المسور خبأت هذا لك وكان في خلقه شدة)
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري وأيوب هو السختياني وعبد الله بن أبي مليكة بضم الميم التيمي الأحول القاضي على عهد ابن الزبير وهو من التابعين وليست له صحبة وحديثه من مراسيل التابعين وهذا الحديث قد مر مسندا في كتاب الشهادات في باب شهادة الأعمى أخرجه عن زياد بن يحيى عن حاتم بن وردان عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال ' قدمت على النبي
أقبية ' الحديث وهذا مسند لأن المسور بكسر الميم وأباه مخرمة بفتح الميمين كليهما صحابي والأقبية جمع قباء والديباج الثياب المتخذة من الأبريسم وهو معرب وقد ذكر غير مرة قوله ' مزررة ' من زررت القميص إذا اتخذت له أزرارا ويروى مزردة من الزرد وهو تداخل حلق الدروع بعضها في بعض قوله ' فقال ادعه لي ' أي فقال مخرمة لابنه المسور ادع النبي
معناه عرفه أني حضرت فلما سمع النبي
صوته خرج فتلقاه به أي بذلك الواحد من الأقبية وفي الحديث الماضي

45
فخرج ومعه قباء وهو يريد محاسنه قوله ' فتلقاه به ' فاستقبله بأزراره وإنما استقبله بأزراره ليريه محاسنه كما نص عليه في الحديث الماضي وإنما فعل هذا ليرضيه لأنه كان شرس الخلق وأشار إليه في الحديث بقوله وكان في خلقه شدة
(ورواه ابن علية عن أيوب * وقال حاتم بن وردان قال حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن المسور قال قدمت على النبي
أقبية)
أي روى الحديث المذكور إسماعيل بن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف وهو إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري وعليه أمه وقد ذكر غير مرة وأيوب هو السختياني وأسند البخاري رواية أيوب في باب شهادة الأعمى حيث قال حدثنا زياد بن يحيى حدثنا حاتم بن وردان حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة الحديث
(تابعه الليث عن ابن أبي مليكة)
أي تابع أيوب الليث بن سعد عن عبد الله ابن أبي مليكة وقد أسند البخاري هذه المتابعة في كتاب الهبة في باب كيف يقبض المتاع وقال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة الحديث
21
((باب كيف قسم النبي صلى الله عليه وسلم قريظة والنضير وما أعطى من ذلك في نوائبه))
أي: هذا باب في بيان كيفية قسمة النبي صلى الله عليه وسلم، قريظة، بضم القاف، والنضير، بفتح النون: وهما قبيلتان من اليهود ولم يبين كيفية القسمة، وهي الترجمة طلبا للاختصار، وفي بقية الحديث ما يدل عليها أو يجعل قوله: (وما أعطى من ذلك في نوائبه) كالعطف التفسيري لقوله: (كيف قسم) وأصل ذلك أن الأنصار كانوا يجعلون لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، من عقارهم نخلات لتصرف في نوائبه، وهي المهمات الحادثة، وكذلك لما قدم المهاجرون قاسمهم الأنصار أموالهم، فلما وسع الله الفتوح عليه صلى الله عليه وسلم كان يرد عليهم نخلاتهم.
8213 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود قال حدثنا معتمر عن أبيه قال سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات حين افتتح قريظة والنضير فكان بعد ذلك يرد عليهم..
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث، وعبد الله بن أبي الأسود اسمه: حميد أبو بكر، ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي البصري الحافظ وهو من أفراده، ومعتمر، على وزن اسم الفاعل من الاعتمار: ابن سليمان بن طرخان التيمي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عبد الله بن أبي الأسود، وفيه: حدثني خليفة. وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر وحامد بن عمر ومحمد بن عبد الأعلى.
قوله: (كان الرجل)، أي: من الأنصار. قوله: (حين افتتح قريظة)، أي: حين افتتح حصنا كان لقريظة، وحين أجلى بني النضير، لأن الافتتاح لا يصدق على القبيلتين. فإن قلت: بنو النضير أجلاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من المدينة، فما معنى الفتح فيه؟ قلت: هو من باب:
* علفتها تبنا وماء باردا
*
بأن المراد القدر المشترك بين التعليف والسقي، وهو الإعطاء مثلا، أو ثمة إضمار أي: وأجلى بني النضير، أو الإجلاء مجاز عن الفتح، وهذا الذي كانوا يجعلونه للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان من باب الهدية لا من باب الصدقة، لأنها محرمة عليه وعلى آله، أما المهاجرون فكانوا قد نزل كل واحد منهم على رجل من الأنصار، فواساه وقاسمه، فكانوا كذلك إلى أن فتح الله الفتوح على رسوله، فرد عليهم ثمارهم، فأول ذلك النضير كانت مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وانجلى عنها أهلها بالرعب فكانت خالصة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، دون سائر الناس، وأنزل الله فيهم: * (ما أفاء الله على رسوله) * (الحشر: 7).

46
الآية، فحبس منها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لنوائبه وما يعروه وقسم أكثرها في المهاجرين خاصة دون الأنصار، وذلك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم وبينهم، وأقمتم على مواساتهم في ثماركم، وإن شئتم أعطيتها المهاجرين دونكم، وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم قالوا: بلى تعطيهم دوننا ونقيم على مواساتهم فأعطى رسول الله، صلى الله عليه وسلم المهاجرين دونهم، فاستغنى القوم جميعا استغنى المهاجرون بما أخذوا، واستغنى الأنصار بما رجع إليهم من ثمارهم.
31
((باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر))
أي: هذا باب في بيان بركة الغازي... إلى آخره. البركة، بالباء الموحدة مأخوذة في الأصل من: برك البعير إذا: ناخ في موضع، فلزمه ويطلق أيضا على الزيادة وفي ديوان الأدب: البركة الزياة والنمو، وتبرك به أي: تيمن، وقيل: صحفها بعضهم فقال: تركة الغازي، بالتاء المثناة من فوق، قال عياض: وهو وإن كان متجها باعتبار أن في القصة ذكر ما خلفه الزبير، رضي الله تعالى عنه، لكن قوله: (حيا وميتا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر) يدل على أن الصواب ما وقع عند الجمهور بالباء الموحدة، وقيل: هذا يشبه أن يكون من باب القلب، لأن الذي ينبغي أن يقال: باب بركة مال الغازي، قلت: لا حاجة إلى هذا لأن المعنى: باب البركة الحاصلة للغازي في ماله. قوله: (حيا)، نصب على الحال أي: في حال كونه حيا. وقوله: (وميتا) عطف عليه أي: وفي حال موته قوله مع النبي صلى الله عليه وسلم يتعلق بقوله: الغازي، والولاة، بالضم جمع والي.
37 - (حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال قلت لأبي أسامة أحدثكم هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما وإن من أكبر همي لديني أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا فقال يا بني بع ما لنا فاقض ديني وأوصي بالثلث وثلثه لبنيه يعني عبد الله بن الزبير يقول ثلث الثلث فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين شيء فثلثه لولدك قال هشام وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير خبيب وعباد وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات قال عبد الله فجعل يوصيني بدينه ويقول يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه مولاي قال فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبة من مولاك قال الله قال فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه فقتل الزبير رضي الله عنه ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارا بالكوفة ودارا بمصر قال وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة وما ولي إمارة قط ولا جباية خراج ولا شيئا إلا أن يكون في غزوة مع النبي
أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. قال عبد الله بن الزبير فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف قال فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال يا ابن أخي كم على أخي من الدين فكتمه فقال مائة ألف فقال حكيم والله ما أرى أموالكم تسع

47
لهذه فقال له عبد الله أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف قال ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي قال وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف ثم قام فقال من كان له على الزبير حق فليوافنا بالغابة فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربعمائة ألف فقال لعبد الله إن شئتم تركتها لكم قال عبد الله لا قال فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم فقال عبد الله لا قال قال فاقطعوا لي قطعة فقال عبد الله لك من ههنا إلى ههنا قال فباع منها فقضى دينه فأوفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة فقال له معاوية كم قومت الغابة قال كل سهم مائة ألف قال كم بقي قال أربعة أسهم ونصف قال المنذر بن الزبير قد أخذت سهما بمائة ألف قال عمرو بن عثمان قد أخذت سهما بمائة ألف وقال ابن زمعة قد أخذت سهما بمائة ألف فقال معاوية كم بقي فقال سهم ونصف قال أخذته بخمسين ومائة ألف قال وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا قال لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه قال فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم قال فكان للزبير أربع نسوة ورفع الثلث فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف)
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وما ولي إمارة إلى قوله وعثمان رضي الله تعالى عنه وذلك أن البركة التي كانت في مال الزبير من كونه غازيا مع النبي
ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم وكون البركة في حياته وبعد موته تظهر عند التأمل في قصته
(ذكر رجاله) وهم ستة * الأول إسحق بن إبراهيم بن مخلد يعرف بابن راهويه الحنظلي المروزي * الثاني أبو أسامة حماد بن أسامة الليثي * الثالث هشام بن عروة بن الزبير بن العوام * الرابع عروة بن الزبير * الخامس عبد الله بن الزبير * السادس الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرة بالجنة وحواري رسول الله
وابن عمته صفية بنت عبد المطلب شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله
وهاجر الهجرتين وأسلم وهو ابن ست عشرة سنة وهو أول من سل سيفا في سبيل الله * وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع مع الاستفهام وهو قوله أحدثكم هشام وفيه رواية الابن عن الأب ورواية الأخ عن الأخ لأن عروة وعبد الله أخوان ابنا الزبير بن العوام
(ذكر رجال هذا الحديث) هذا من أفراد البخاري وذكره أصحاب الأطراف في مسند الزبير والأشبه أن يكون من مسند ابنه عبد الله وكله موقوف غير قوله وما ولي إمارة ولا جباية خراج ولا شيئا إلا أن يكون في غزوة مع النبي
فهذا المقدار في حكم المرفوع ورواه الإسماعيلي عن جويرية حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله وروى الترمذي من حديث عروة قال أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل فقال ما مني عضو إلا وقد جرح مع رسول الله
حتى انتهى ذلك إلى فرجه * ورواه ابن سعد في طبقاته في قتل الزبير ووصيته بدينه

48
وثلث ماله عن أبي أسامة حماد بن أسامة نحو حديث البخاري وطوله غير أنه خالفه في موضع واحد وهو قوله أصاب كل امرأة من نسائه ألف ألف ومائة ألف لا كما في البخاري مائتا ألف وعلى هاتين الروايتين لا يصح قسمة خمسين ألف ألف ومائتي ألف على دينه ووصيته وورثته وإنما يصح قسمتها أن لو كان لكل امرأة ألف ألف فيكون الثمن أربعة آلاف ألف فتصح قسمة الورثة من اثنين وثلاثين ألف ألف ثم يضاف إليها الثلث ستة عشرة ألف ألف فتصير الجملتان ثمانية وأربعين ألف ألف ثم يضاف إليها الدين ألف ألف ومائتا ألف ومنها تصح * ورواية ابن سعد تصح من خمسة وخمسين ألف ألف ورواية البخاري تصح من تسعة وخمسين أو اثنين وخمسين ألف ألف ومائتي ألف فهذه تركته عند موته لا ما زاد عليها بعد موته من غلة الأرضين والدور في مدة أربع سنين قبل قسمة التركة ويدل عليه ما رواه الواقدي عن أبي بكر بن سبرة عن هشام عن أبيه قال كان قيمة ما ترك الزبير أحدا وخمسين أو اثنين وخمسين ألف ألف وروى ابن سعد عن القعنبي عن ابن عيينة قال قسم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف وذكر الزبير بن بكار عن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير في بني عدي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل زوج الزبير أن عبد الله بن الزبير أرسل إليها بثمانين ألف درهم وقبضتها وصالحت عليها قال الدمياطي وبين قول الزبير بن بكار هذا وبين قول غيره بون بعيد والعجب من الزبير مع سعة علمه فيه وتنفيره عنه كيف خفي عليه وما تصدى لتحرير ذلك كما ينبغي
(ذكر بيان قصة وقعة الجمل) ملخصة مختصرة كانت وقعة الجمل عام ستة وثلاثين من الهجرة وكان قتل عثمان بن عفان سنة خمس وثلاثين وكانت عائشة بمكة وكذلك أمهات المؤمنين قد خرجن إلى الحج في سنة خمس وثلاثين فرارا من الفتنة ولما بلغ أهل مكة أن عثمان قد قتل أقمن بمكة ثم لما بويع علي رضي الله تعالى عنه كان أحظى الناس عنده بحكم الحال لا عن اختيار علي لذلك رؤس أولئك الذين قتلوا عثمان رضي الله تعالى عنه وفر جماعة من بني أمية وغيرهم إلى مكة وخرج طلحة والزبير في الاعتمار وتبعهم خلق كثير وجم غفير وقدم إلى مكة أيضا في هذه الأيام يعلى بن أمية ومعه ستمائة ألف ألف درهم وستمائة بعير فأناخ بالأبطح وقيل كان معه ستمائة ألف دينار وقدم ابن عامر من البصرة بأكثر من ذلك فاجتمع بنو أمية بالأبطح وقامت عائشة في الناس تحضهم على القيام بطلب دم عثمان وطاوعوها في ذلك وخرجوا وتوجهوا نحو البصرة وكانت عائشة تحمل في هودج على جمل اسمه عسكر اشتراه يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار وكان هذا هو الذي يدلهم على الطريق وكانوا لا يمرون على ماء ولا واد إلا سألوه عنه حتى وصلوا إلى موضع يسمى حوءب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الهمزة وفي آخره باء موحدة وهو ماء قريب من البصرة فنبحت كلابه فقالوا أي ماء هذا قال الدليل هذا ماء الحوأب فحين سمعت عائشة بذلك صرخت بأعلى صوتها وضربت عضد بعيرها فأناخته فقالت أنا والله صاحبة الحوأب ردوني ردوني تقول ذلك فأناخوا حولها وهم على ذلك وهي تأبى المسير حتى إذا كانت الساعة التي أناخت فيها من الغد جاءها عبد الله بن الزبير فقال النجاء النجاء فقد أدرككم علي ابن أبي طالب فعند ذلك رحلوا
وأما حديث الحوأب فأخرجه أحمد في مسنده عن عائشة قالت أن رسول الله
قال لي ذات يوم كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب فعرفت الحال عند ذلك فأرادت الرجوع * وأما علي رضي الله تعالى عنه فإنه خرج في آخر شهر ربيع الآخر في سنة ست وثلاثين من المدينة في تسعمائة مقاتل وقيل لما بلغ عليا مسير عائشة وطلحة وزبير إلى البصرة سار نحوهم في أربعة آلاف من أهل المدينة فيهم أربعمائة ممن بايعوا تحت الشجرة وثمانمائة من الأنصار ورايته مع ابنه محمد بن الحنفية وعلى ميمنته الحسن بن علي وعلى ميسرته الحسين بن علي وعلى الخيل عمار بن ياسر وعلى الرجالة محمد بن أبي بكر الصديق وعلى مقدمته عبد الله بن عباس ثم اجتمعوا كلهم عند قصر عبيد الله بن زياد ونزل الناس في كل ناحية وقد اجتمع مع علي رضي الله تعالى عنه عشرون ألفا والتفت على عائشة رضي الله تعالى عنها ومن معها نحو من ثلاثين ألفا وقامت الحرب على ساقها فتصافوا وتصاولوا وتجاولوا وكان من جملة من يبارز الزبير وعمار فحمل عمار نحوه بالرمح

49
والزبير كاف عنه لقول رسول الله
تقتلك الفئة الباغية وقتل ناس كثير ورجع الزبير عن القتال وقال الواقدي كان زمام الجمل بيد كعب بن سور وما كان يأخذ زمام الجمل إلا من هو معروف بالشجاعة ما
أخذه أحد إلا قتل وحمل عليه عدي بن حاتم ولم يبق إلا عقره ففقئت عين عدي واجتمع بنو ضبة عند الجمل وقاتلوا دونه قتالا لم يسمع مثله فقطعت عنده ألف يد وقتل عليه ألف رجل منهم وقال ابن الزبير جرحت على زمام الجمل سبعة وثلاثين جراحة وما أحد أخذ برأسه إلا قتل أخذه عبد الرحمن بن عتاب فقتل ثم أخذه الأسود بن البحتري فقتل وعد جماعة وغلب ابن الزبير من الجراحات فألقى نفسه بين القتلى ثم وصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين فجعلت تنادي الله الله يا بني اذكروا يوم الحساب ورفعت يديها تدعو على أولئك القوم من قتلة عثمان فضج الناس معها بالدعاء وأولئك النفر لا يقلعون عن رشق هودجها بالنبال حتى بقي مثل القنفذ فجعلت الحرب تأخذ وتعطي فتارة لأهل البصرة وتارة لأهل الكوفة وقتل خلق كثير ولم تر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة ثم حملت عليه السائبة والأشتر يقدمها وحمل بجير بن ولجة الضبي الكوفي وقطع بطانه وعقره وقطع ثلاث قوائم من قوائمه فبرك ووقع الهودج على الأرض ووقف عليها علي رضي الله تعالى عنه فقال السلام عليك يا أماه فقالت وعليك السلام يا بني فقال يغفر الله لك فقالت ولك وانهزم من كان حوله من الناس وأمر علي رضي الله تعالى عنه أن يحملوا الهودج من بين القتلى وأمر محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أن يضربا عليه قبة ولما كان آخر الليل خرج محمد بعائشة فأدخلها البصرة وأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وبكت عائشة بكاء شديدا وقالت وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان يسلمون عليها ثم أن عليا رضي الله تعالى عنه أقام بظاهر الكوفة ثلاثة أيام وصلى على القتلى من الفريقين * وقال ابن الكلبي قتل من أصحاب عائشة ثمانية آلاف وقيل ثلاثة عشر ألفا ومن أصحاب علي ألف وقيل قتل من أهل البصرة عشرة آلاف ومن أهل الكوفة خمسة آلاف وكان في جملة القتلى طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة ثم دخل على البصرة يوم الاثنين ثم جهز عائشة أحسن الجهاز بكل شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع وأخرج معها كل من نجا من الوقعة ممن خرج معها واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات ووقف علي معها حتى ودعها وكان خروجها يوم السبت غرة رجب سنة ست وثلاثين وشيعها علي أميالا وسرح بنيه معها يوما * وقال الواقدي أمر علي النساء اللاتي خرجن مع عائشة بلبس العمائم وتقليد السيوف ثم قال لهن لا تعلمنها أنكن نسوة وتلثمن مثل الرجال وكن حولها من بعيد ولا تقربنها وسارت عائشة على تلك الحالة حتى دخلت مكة وأقامت حتى حجت واجتمع إليها نساء أهل مكة يبكين وهي تبكي وسئلت عن مسيرها فقالت لقد أعطى علي فأكثر وبعث معي رجالا وبلغ النساء فأتينها وكشفن عن وجوههن وعرفنها الحال فسجدت وقالت والله ما يزداد ابن أبي طالب إلا كرما
(ذكر مقتل الزبير وبيان سيرته) لما انفصل الزبير رضي الله تعالى عنه من عسكر عائشة كما ذكرنا تبعه عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس من غواة بني تميم وأدركوه وتعاونوا عليه فقتلوه ويقال بل أدركه عمرو بن جرموز فقال له إن لي إليك حاجة فقال ادن فقال مولى الزبير واسمه عطية إن معه سلاحا فقال وإن كان فتقدم إليه فجعل يحدثه وكان وقت الصلاة فقال له الزبير الصلاة الصلاة فقال الصلاة فتقدم الزبير ليصلي بهما فطعنه عمرو بن جرموز فقتله ويقال بل أدركه عمرو بوادي السباع وهو نائم في القائلة فهجم عليه فقتله وهذا القول هو الأشهر وأخذ رأسه وذهب به إلى علي فقيل لعلي هذا ابن جرموز قد أتاك برأس الزبير فقال بشروا قاتل الزبير بالنار فقال عمرو
* أتيت عليا برأس الزبير
* وقد كنت أحسبها زلقتي
*
* فبشر بالنار قبل العيان
* فبئس البشارة والتحفة
*
* وسيان عندي قتل الزبير
* وضرطة عنزة بذي الجحفة
*

50
وأما سيرته فقد ذكرنا عن قريب أنه أحد العشرة المبشرة بالجنة وأنه شهد جميع مشاهد النبي
وكان عليه يوم بدر ملاءة صفراء فنزلت الملائكة على سيمائه وثبت مع النبي
يوم أحد وبايعه على الموت وقال مصعب بن الزبير قاتل أبي مع رسول الله
وعمره اثنا عشر سنة وقال الزبير بن بكار بإسناده عن الأوزاعي قال كان للزبير ألف مملوك يودون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهم بل يتصدق بها وقال الزبير بن بكار بإسناده عن جويرية قالت باع الزبير دارا بستمائة ألف فقيل له غبنت فقال كلا والله لتعلمن أنني لم أغبن هي في سبيل الله وروي عن هشام بن عروة فقال أوصى إلى الزبير جماعة من الصحابة منهم عثمان وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود والمقداد وكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أولادهم من ماله وكان الزبير رجلا ليس بالقصير ولا بالطويل إلى الخفة ما هو في اللحم ولحيته خفيفة أسمر اللون أشعر وحكى الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال ربما أخذت بالشعر على منكب الزبير وأنا غلام فأتعلق به على ظهره وحكى أبو اليقظان عن هشام بن عروة قال كان جدي الزبير إذا ركب تخط الأرض رجلاه ولا يغير شيبه. واختلفوا في سنه حكى ابن سعد عن الواقدي بإسناده إلى عروة بن الزبير قال قتل أبي يوم الجمل وقد زاد على الستين بأربع سنين وحكى ابن الجوزي في الصفوة ثلاثة
أقوال. أحدها أنه قتل وهو ابن بضع وخمسين سنة. والثاني ابن ستين سنة. والثالث ابن خمسة وستين
(ذكر معاني الحديث) قوله ' قلت لأبي أسامة أحدثكم هشام بن عروة ' لم يذكر جواب الاستفهام وقد ذكره في مسنده إسحق بن إبراهيم بن راهويه بهذا الإسناد وقال في آخره نعم قوله (يوم الجمل) يعني يوم وقعة كانت بين علي وعائشة رضي الله تعالى عنهما وهي في هودج على جمل كما ذكرناه وكانت الوقعة على باب البصرة في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وإنما أضيفت الوقعة إلى الجمل لكون عائشة عليه وهذا الحرب كان أول حرب وقعت بين المسلمين قوله ' لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم ' قال ابن بطال معناه ظالم عند خصمه مظلوم عند نفسه لأن كلا الفريقين كان يتأول أنه على الصواب وقال ابن التين معناه أنهم إما صحابي متأول فهو مظلوم وإما غير صحابي قاتل لأجل الدنيا فهو ظالم وقال الكرماني المراد ظالم أهل الإسلام هذا لفظ الكرماني في شرحه وقال بعضهم قال الكرماني أن قيل جميع الحروب كذلك فالجواب أنها أول حرب وقعت بين المسلمين ثم قال قلت ويحتمل أن يكون أو للشك من الراوي وأن الزبير إما قال لا يقتل اليوم إلا ظالم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل للظالم منهم العقوبة أو لا يقتل اليوم إلا مظلوم بمعنى أنه ظن أن يعجل له الشهادة وظن على التقديرين أنه كان يقتل مظلوما إما لاعتقاده أنه كان مصيبا وإما لأنه كان سمع من النبي
ما سمع علي رضي الله تعالى عنه وهو قوله لما جاءه قاتل الزبير بشر قاتل ابن صفية بالنار ورفعه إلى النبي
كما رواه أحمد وغيره من طريق زرين حبيش عن علي بإسناد صحيح انتهى قلت الأصل أن لا تكون أو للشك والاحتمال لا يثبت ذلك وكلمة أو على معناه للتقسيم هنا لأن المقتول يومئذ لم يكن إلا من أحد القسمين على ما ذكره ابن بطال * وأيضا إنما أراد الزبير بقوله هذا أن تقاتل الصحابة ليس كتقاتل أهل البغي والعصبية لأن القاتل والمقتول منهم ظالم لقوله
' إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ' لأنه لا تأويل لواحد منهم يعذر به عند الله ولا شبهة له من الحق يتعلق بها فليس أحد منهم مظلوما بل كلهم ظالم وكان الزبير وطلحة وجماعة من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم خرجوا مع عائشة لطلب قتلة عثمان وإقامة الحد عليهم ولم يخرجوا لقتال علي لأنه لا خلاف بين الأمة أن عليا كان أحق بالإمامة من جميع أهل زمانه وكان قتلة عثمان لجؤا إلى علي رضي الله تعالى عنه فرأى علي أنه لا ينبغي إسلامهم للقتل على هذا الوجه حتى يسكن حال الأمة وتجري الأشياء على وجوهها حتى ينفذ الأمور على ما أوجب الله عليه فهذا وجه منع علي رضي الله عنه المطلوبين بدم عثمان فكان ما قدر الله مما جرى به القلم في الأمور التي وقعت وقال الزبير لابنه ما قال لما رأى من شدة الأمر وأنهم لا ينفصلون إلا عن تقاتل فقال لا أراني إلا سأقتل مظلوما لأنه لم ينو على قتال ولا عزم عليه ولما التقى الجمعان فر فتبعه ابن جرموز فقتله في طريقه كما ذكرنا قوله ' وإني لأراني ' بضم الهمزة أي لا أظن ويجوز بفتح الهمزة بمعنى لا أعتقد وقد

51
تحقق ظنه فقتل مظلوما قوله ' لديني ' اللام فيه مفتوحة للتأكيد وهو خبر أن ومعناه ليس علي تبعة سوى ديني قوله ' أفترى ' على صيغة المجهول بهمزة الاستفهام أي أفتظن قوله ' يبقى ' بضم الياء من الإبقاء وقوله ديننا بالرفع فاعله وشيئا بالنصب مفعوله قوله ' وأوصى بالثلث ' أي بثلث ماله مطلقا لمن شاء ولما شاء قوله ' وثلثه لبنيه ' أي وبثلث الثلث لبني عبد الله خاصة وقد فسره بقوله يعني بني عبد الله بن الزبير وهم حفدة الزبير قوله ' فإن فضل من مالنا ' فضل بعد قضاء الدين شيء فثلثه لولدك ' قال المهلب معناه ثلث ذلك الفضل الذي أوصى به للمساكين من الثلث لبنيه وحكى الدمياطي عن بعض العلماء أن قوله فثلثه بتشديد اللام على صيغة الأمر من التثليث يعني ثلث ذلك الفضل الذي أوصى به للمساكين من الثلث لبنيه قال بعضهم هذا أقرب يعني من كلام المهلب وقال الدمياطي فيه نظر يعني فيما حكاه عن بعض العلماء قوله ' قال هشام ' هو ابن عروة بن الزبير قوله ' قد وازى ' بالزاي المعجمة أي ساوى أي حاذاهم في السن وأنكر الجوهري استعمال هذا بالواو فقال يقال آزيته أي حازيته ولا يقال وازيته والذي جاء هنا حجة عليه قوله ' خبيب ' بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء أخرى روي مرفوعا على أنه بدل أو بيان لقوله للبعض في قوله وكان بعض ولد عبد الله وروي مجرورا باعتبار الولد وقال بعضهم يجوز جره على أنه بيان للبعض (قلت) هذا غلط لأن لفظ بعض في موضعين أحدهما وهو الأول مرفوع لأنه اسم كان والآخر منصوب لأنه مفعول قوله وازى قوله ' وعباد ' بفتح العين وتشديد الباء الموحدة قوله ' وله يومئذ ' قال الكرماني أي لعبد الله يوم وصية الزبير تسعة بنين أحدهم خبيب وعباد (قلت) ليس كذلك بل معنى قوله وله أي للزبير تسعة بنين وتسع بنات ولم يكن لعبد الله يومئذ إلا خبيب وعباد وهاشم وثابت وأما سائر ولده فولدوا بعد ذلك أما تسعة بنين فهم عبد الله وعروة والمنذر أمهم أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وعمرو وخالد أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد ومصعب وحمزة أمهما الرباب بنت أنيف وعبيدة وجعفر أمهما زينب بنت بشر وسائر ولد الزبير غير هؤلاء ماتوا قبله * وأما التسع الإناث فهن خديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة أمهن أسماء بنت أبي بكر وحبيبة وسودة وهند أمهن أم خالد ورملة أمها الرباب وحفصة أمها زينب وزينب أمها أم كلثوم بنت عقبة قوله ' منها الغابة ' بالغين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة قال الكرماني اسم موضع بالحجاز (قلت) هذا ليس بتفسير واضح وتفسيرها أرض عظيمة شهيرة من عوالي المدينة وقال ياقوت الغابة موضع بينه وبين المدينة أربعة أميال من ناحية الشام والغابة أيضا قرية بالبحرين وقال في كتاب الأمكنة والجبال للزمخشري الغابة بريد من المدينة بطريق الشام وقال البكري الغابة غابتان العليا والسفلى وقال الرشاطي الغابة موضع عند المدينة والغابة أيضا في آخر الطريق من البصرة إلى اليمامة وفي المطالع الغابة مال من أموال عوالي المدينة وفي تركة الزبير كان اشتراها بسبعين ومائة ألف وبيعت في تركته بألف ألف وستمائة ألف وقد صحفه بعض الناس فقال الغاية بالياء آخر الحروف وذلك غلط فاحش والغابة في اللغة الشجر الملتف والأجم من الشجر وشبهها قوله ' فيقول الزبير لا ' أي لا يكون وديعة ولكنه دين وهو معنى قوله سلف وكان غرضه بذلك أنه كان يخشى على المال أن يضيع فيظن به التقصير في حفظه فرأى أن يجعله مضمونا وليكون أوثق لصاحب المال وأبقى لمروءته وقال ابن بطال وليطيب له ربح ذلك المال قوله ' وما ولي إمارة قط ' بكسر الهمزة قوله ' ولا جباية خراج ' أي ولا ولي أيضا جباية خراج ولا شيئا أي ولا ولي شيئا من الأمور التي يتعلق بها تحصل المال أراد أن كثرة ماله ليس من هذه الجهات التي يظن فيها السوء بأصحابها وإنما كان كسبه من الغنائم مع النبي
ثم مع أبي بكر ثم مع عمر ثم مع عثمان رضي الله تعالى عنهم فبارك الله له في ماله لطيب أصله وربح أرباحا بلغت ألوف الألوف قوله ' قال عبد الله بن الزبير ' هو متصل بالإسناد المذكور قوله ' فحسبت ' بفتح السين من حسبت الشيء أحسبه بالضم حسابا وحسابة وحسبا وحسبانا بالضم أي عددته وأما حسبته بالكسر أحسبه بالفتح محسبة بفتح السين ومحسبة بكسر السين وحسبانا بكسر الحاء أي ظننته قوله ' فلقي حكيم بن حزام ' بالرفع على أنه فاعل لقي وعبد الله بن الزبير بالنصب مفعوله قوله ' يا ابن أخي ' إنما جعل الزبير أخا له باعتبار أخوة الدين قال

52
الكرماني أو باعتبار قرابة بينهما لأن الزبير بن العوام بن خويلد ابن عم حكيم قلت حكيم بن حزام بكسر الحاء المهملة وتخفيف الزاي ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي يكنى أبا خالد وهو ابن أخي خديجة بنت خويلد زوج النبي
وهو من مسلمة الفتح وعاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة وتوفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي فعلى هذا فالعوام يكون أخا حزام فيكون الزبير ابن عم حكيم قوله ' فكتمه ' يعني كتم أصل الدين فقال مائة ألف والأصل ألفا ألف ومائتا ألف قال الكرماني ما كذب إذ لم ينف الزائد على المائة ومفهوم العدد لا اعتبار له وفي التوضيح هذا ليس بكذب لأنه صدق في البعض وكتم بعضا وللإنسان إذا سئل عن خبر أن يخبر عنه بما شاء وله أن لا يخبر بشيء منه أصلا وقال ابن بطال إنما قال له مائة ألف وكتم الباقي لئلا يستعظم حكيم ما استدانه فيظن به عدم الحزم وبعبد الله عدم الوفاء بذلك فينظر إليه بعين الاحتياج إليه فلما استعظم حكيم أمره بمائة ألف احتاج عبد الله أن يذكر له الجميع ويعرفه أنه قادر على وفائه قوله ' تسع لهذه ' أي تكفي لوفاء مائة ألف قوله ' فقال له عبد الله ' أي فقال لحكيم عبد الله بن الزبير أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف قوله ' فليوافنا ' أي فليأتنا يقال وافى فلان إذا أتى قوله ' عبد الله بن جعفر ' أي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بحر الجود والكرم قوله فقال لعبد الله أي فقال عبد الله بن جعفر لعبد الله بن الزبير قوله ' قال عبد الله لا ' أي قال عبد الله بن الزبير لعبد الله بن جعفر لا نترك دينك فإنه ترك به وفاء قوله ' قال قال ' أي قال عبد الله بن الزبير قال عبد الله بن جعفر قوله فقدم على معاوية أي فقدم عبد الله بن الزبير على معاوية بن أبي سفيان وهو في دمشق وقال بعضهم فقدم على معاوية أي في خلافته وهذا فيه نظر لأنه ذكر أنه أخر القسمة أربع سنين استبراء للدين كما سيأتي فيكون آخر الأربع في سنة أربعين وذلك قبل أن يجتمع الناس على معاوية انتهى قلت هذا النظر إنما يتوجه بقوله أي في خلافته فلا يحتاج إلى هذا لأنه قيد المطلق بغير وجه على أنه يجوز أن يكون قدومه عليه قبل اجتماع كل الناس عليه قوله ' عمرو بن عثمان ' بفتح العين في عمرو وهو عمرو بن عثمان بن عفان والمنذر بلفظ اسم الفاعل من الإنذار وهو التخويف ابن الزبير بن العوام أخو عبد الله بن الزبير قوله ' وابن زمعة ' وهو عبد الله بن زمعة بالزاي والميم والعين المهملة المفتوحات وقيل بسكون الميم وهو عبد الله بن زمعة بن قيس بن عبد شمس وهو أخو سودة زوج النبي
لأبيها قوله ' كل سهم مائة ألف ' بنصب المائة بنزع الخافض أي قومت الغابة وجاء كل سهم بمائة ألف قوله ' قال لا ' أي لا أقسم والله وقوله لا أقسم بعد ذلك تفسير لما قبله وليس فيه منع المستحق من حقه وهو القسمة والتصرف في نصيبه لأنه كان وصيا ولعله ظن بقاء الدين فالقسمة لا تكون إلا بعد وفاء الدين جميعه قوله ' بالموسم ' أي موسم الحج وسمى به لأنه معلم يجتمع الناس له والوسمة العلامة قوله ' أربع سنين ' فائدة تخصيص المناداة بأربع سنين هي أن الغالب أن المسافة التي بين مكة وأقطار الأرض تقطع بسنتين فأراد أن تصل الأخبار إلى الأقطار ثم تعود إليه أو لأن الأربع هي الغاية في الآحاد بحسب ما يمكن أن يتركب منه العشرات لأنه يتضمن واحدا واثنين وثلاثة وأربعة وهي عشرة قوله ' أربع نسوة ' أي مات عنهن وهن أم خالد والرباب وزينب وعاتكة بنت زيد أخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرة بالجنة وأما أسماء وأم كلثوم فكان قد طلقهما قوله ' ودفع الثلث ' أي الذي أوصى به قوله ' فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف ألف ' قد مر في أول الحديث الكلام فيه ولكن الكرماني ذكر هنا ما يرفع الخباط في الحساب فقال فإن قلت إذا كان الثمن أربعة آلاف ألف وثمانمائة ألف فالجميع ثمانية وثلاثون ألف ألف وأربعمائة ألف وإن أضفت إليه الثلث وهو خمسون ألف ألف وتسعة آلاف ألف وثمانمائة ألف فعلى التقادير الحساب غير صحيح قلت لعل الجميع كان قبل وفائه هذا المقدار فزاد من غلات أمواله في هذه الأربع سنين إلى ستين ألف ألف إلا مائتي ألف فيصح منه إخراج الدين والثلث ويبقى المبلغ الذي منها لكل امرأة منه ألف ألف ومائتا ألف *

53
(ذكر ما يستفاد منه) فيه الوصية عند الحرب لأنه سبب مخوف كركوب البحر واختلف لو تصدق حينئذ أو حرر هل يكون من الثلث أو من رأس المال * وفيه أن للوصي تأخير قسمة الميراث حتى يوفي ديون الميت وينفذ وصاياه إن كان له ثلث ويؤخر القسمة بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده ولكن إذا وقع العلم بوفاء الدين وصمم الورثة على القسمة أجيب إليها فلا يتربص إلى أمر موهوم فإذا ثبت بعد ذلك شيء يؤخذ منهم * وفيه جواز الوصية للأحفاد إذا كان من يحجبهم * وفيه جواز شراء الوارث من التركة وكذلك شراء الوصي إذا كان بالقيمة * وفيه أن الهبة لا تملك إلا بالقبض * وفيه بيان جود عبد الله بن جعفر فلذلك سمي بحر الكرم * وفيه إطلاق اللفظ المشترك لمن يظن به معرفة المراد والاستفهام لمن لم يتبين له لأن الزبير قال لابنه استعن عليه بمولاي ولفظ المولى مشترك بين معان كثيرة فظن عبد الله أنه يريد بعض عتقائه فاستفهم فعرف مراده * وفيه منزلة الزبير عند نفسه وأنه في تلك الحالة كان في غاية الوثوق بالله والإقبال عليه والرضا بحكمه والاستعانة به * وفيه قوة نفس عبد الله بن الزبير لعدم قبوله ما سأله حكيم بن حزام من المعاونة * وفيه كرم حكيم أيضا وسماحة نفسه * وفيه أن الدين إنما يكره لمن لا وفاء له أو لمن يصرفه إلى غير وجهه وفيه النداء في ديون من يعرف بالدين وفيه النداء في المواسم لأنها مجمع الناس * وفيه طاعة بني الزبير لأخيهم في تأخير القسمة لأجل الدين المتوهم وفيه ما كان عليه الصحابة من اتخاذ النساء وفيه أن أجل المفقود والغائب أربع سنين وبه احتج مالك وفيه نظر لا يخفى * -
41
((باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة أو أمره بالمقام هل يسهم له))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا بعث... إلى آخره. قوله: (بالمقام)، أي: بالإقامة. قوله: (هل يسهم له)، أي: من الغنيمة، أو لا يسهم وجواب إذا يفهم من حديث الباب، وفيه خلاف ذكره في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة.
0313 حدثنا موسى قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا عثمان بن موهب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال إنما تغيب عثمان عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (إن لك أجر رجل...) إلى آخره، وبه يحصل الجواب للترجمة، وموسى هو ابن إسماعيل المنقري المعروف بالتبوذكي، وأبو عوانة، بفتح العين: اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري، وعثمان بن موهب على وزن جعفر هو عثمان بن عبد الله بن موهب الأعرج الطليحي التيمي القرشي.
والحديث أخرجه البخاري مطولا في المغازي عن عبدان، وفي فضل عثمان أيضا عن موسى. وأخرجه الترمذي في المناقب عن صالح بن عبد الله الترمذي عن أبي عوانة.
قوله: (عثمان بن موهب عن ابن عمر) قال أبو علي الجياني: وقع في نسخة أبي محمد عن أبي أحمد يعني: الأصيلي عن الجرجاني عمرو ابن عبد الله، وهو غلط وصوابه: عثمان بن موهب. قوله: (إنما تغيب عثمان) أي: تكلف الغيبة، لأجل تمريض بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعثمان رضي الله عنه لم يحضر بدرا لأجل ذلك وعد ابن إسحاق الذين غابوا عن بدر ثمانية أو تسعة وهم عثمان بن عفان تخلف لذلك، وطلحة بن عبيد الله كان بالشام فضرب له سهمه وأجره، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كان بالشام أيضا، وأبو لبابة بشير بن عبد المنذر رده رسول الله، صلى الله عليه وسلم من الروحاء حين بلغه خروج النفير من مكة فاستعمله على المدينة، والحارث بن حاطب بن عبيد رده أيضا من الطريق، والحارث بن الصمة انكسر بالروحاء فرجع، وخوات ابن جبير لم يحضر الوقعة، وأبو الصباح بن ثابت خرج مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأصاب ساقه نصل حجر فرجع، وسعد بن مالك تجهز ليخرج فمات، وقيل: إنه مات في الروحاء فضرب لكل واحد منهم سهمه وأجره. قوله: (كانت تحته) أي: تحت عثمان بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهي رقية، توفيت ورسول الله، صلى الله عليه وسلم في بدر، ثم زوجه أم كلثوم فتوفيت تحته سنة تسع، وهي التي غسلتها أم عطية. واحتج أبو حنيفة بهذا الحديث أن من بعثه الإمام لحاجة حتى غنم الإمام أنه يسهم له، وكذلك

54
المدد يلحقون أرض الحرب، وهو قول الشعبي والنخعي والثوري، والحكم بن عتيبة والأوزاعي، والحديث حجة على الليث والشافعي ومالك وأحمد حيث قالوا: لا يسهم من الغنيمة إلا لمن حضر الوقعة. واحتجوا بحديث أبي هريرة أخرجه الطحاوي وأبو داود أنه صلى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان ورسول الله، صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما فتحها... الحديث، وفيه: أجلس يا أبان، فلم يقسم لهم شيئا، وأجاب الطحاوي عنه بقوله: إنه صلى الله عليه وسلم وجه أبان إلى نجد قبل أن يتهيأ خروجه إلى خيبر، فتوجه أبان في ذلك ثم حدث من خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ما حدث، فكان ما غاب فيه أبان من ذلك عن حضور خيبر ليس هو شغل شغله النبي صلى الله عليه وسلم عن حضورها، وقال الجصاص: لا حجة فيه لأن خيبر صارت دار الإسلام لظهور النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وهذا لا خلاف فيه، وقيل: كانت خيبر لأهل الحديبية خاصة شهدوها أو لم يشهدوها دون من سواهم، لأن الله تعالى كان وعدهم إياها بقوله: * (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها) * (الفتح: 02). بعد قوله: * (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) * (الفتح: 02). فإن قالوا: إن أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان وهو لم يحضر بدرا خصوص له، قلنا: يحتاج إلى دليل الخصوص، فإن قالوا: أعطى عثمان من سهمه، صلى الله عليه وسلم، من الخمس. قلنا: كان ذلك يوم حنين حيث قال: ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، وهو مردود فيكم. قلنا: يحتاج إلى ذليل على أن إعطاء عثمان ومن غاب أيضا من بدر أنه كان من سهمه بعد حنين.
51
((باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبي صلى الله عليه وسلم برضاعه فيهم فتحلل من المسلمين وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعد الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس وما أعطى الأنصار وما أعطى جابر بن عبد الله من تمر خيبر))
باب، مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا باب يذكر فيه، ومن الدليل... إلى آخره. وقال بعضهم: ومن الدليل، عطف على الترجمة التي قبل ثمانية أبواب حيث قال: الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وقال هنا: لنوائب المسلمين، وقال بعد باب: ومن الدليل على أن الخمس للإمام. انتهى. قلت: لا وجه لدعوى هذا العطف البعيد المتخلل بين المعطوف والمعطوف عليه أبواب بأحديثها، فإن اضطر إلى القول بهذا لأجل الواو، فيقال له: هذه ليس بواو العطف، وإنما مثل هذا يأتي كثيرا بدون أن يكون معطوفا على شيء، فيقال: هذه واو الاستفتاح، وهو المسموع من الأساتذة الكبار، ولما ذكر أولا الخمس لنوائب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر لنوائب المسلمين، ثم ذكر أن الخمس للإمام فطريق التوفيق بينها أن الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم للإمام بعده يتولاه مثل ما كان صلى الله عليه وسلم يتولاه، وأما قوله هنا: لنوائب المسلمين، هو أنه لا يكون إلا مع تولى النبي صلى الله عليه وسلم قسمته، وله أن يأخذ منه ما يحتاج إليه بقدر كفايته، وكذلك من يتولى بعده، وقال بعضهم: وجوز الكرماني أن يكون كل ترجمة على وفق مذهب من المذاهب، وفيه بعد، لأن أحدا لم يقل: إن الخمس للمسلمين دون النبي صلى الله عليه وسلم ودون الإمام ولا للنبي صلى الله عليه وسلم دون المسلمين، وكذا للإمام. انتهى. قلت: عبارة الكرماني هكذا. فإن قلت: ترجم هذه المسألة أولا بقوله: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وثانيا: بقوله: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين. وثالثا: إن الخمس للإمام، فما التلفيق بينها؟ قلت: المذاهب فيه مختلفة، فبوب لكل مذهب بابا وترجم له، ولا تفاوت في المعنى إذ نوائب رسول الله، صلى الله عليه
وسلم هي نوائب المسلمين، ولا شك أن التصرف فيه له ولمن يقوم مقامه. انتهى. قلت: قوله: ولا تفاوت في المعنى، ينبئ عن وجه التوفيق مثل ما ذكرناه، غير أنه قال: لكل مذهب بابا بحسب النظر إلى الظاهر، وأما بالنظر إلى المعنى فما قاله، على أنا نقول: في هذا الباب مذاهب. وذكر المفسرون في قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول) * (الأنفال: 14). قال أبو جعفر الرازي: عن الربيع عن أبي العالية الرياحي، قال: (كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة يكون أربعة أخماسها لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة، وهو سهم الله، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم، فيكون سهم للرسول، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى

55
وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: (كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس فأربعة منها بين من قاتل عليها، وخمس واحد على أربعة أخماس: فربع لله وللرسول، فما كان لله وللرسول فهو لقرابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي، صلى الله عليه وسلم، من الخمس شيئا. وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن عبد الله ابن بريدة في قوله: * (واعلموا أنما غنمتم) * (الأنفال: 14). الآية، قال: الذي لله فلنبيه، والذي للرسول فلأزواجه. وروى أبو داود والنسائي من حديث عمرو ببن عنبسة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم صلى بهم إلى بعير من المغنم، فلما سلم أخذ وبرة من ذلك البعير، ثم قال: ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم. وقال جماعة: إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين، كما يتصرف في مال الفيء. وقالت طائفة: يصرف في مصالح المسلمين. وقالت طائفة: بل هو مردود على بقية الأصناف: ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وقال ابن جرير: وهو قول جماعة من أهل العراق، وقيل: إن الخمس جميعه لذوي القربى، كما رواه ابن جرير: حدثنا الحارث بن عبد العزيز حدثنا عبد الغفار حدثنا المنهال بن عمر سألت عبد الله بن محمد بن علي وعلي بن الحسين عن الخمس، فقالا: هو لنا. فقلت لعباس: إن الله يقول: * (واليتامى والمساكين وابن السبيل) * (الأنفال: 14). فقال: يتامانا ومساكيننا. قوله: (لنوائب المسلمين)، النوائب جمع نائبة، وقد فسرناها بأنها ما ينوب الإنسان من الحوادث. قوله: (ما سأل) في محل الرفع على الابتداء وخبره، قوله: ومن الدليل. قوله: (هوازن)، مرفوع لأنه فاعل سأل، وهو أبو قبيلة، وهو هوازن بن منصور بن عكرمة بن قيس غيلان. قال الرشاطي: في هوازن بطون كثيرة وأفخاذ، وفي خزاعة أيضا هوازن بن أسلم بن أفصى. قوله: (النبي)، منصوب بقوله: سأل. قوله: (برضاعة فيهم)، أي: بسبب رضاعه صلى الله عليه وسلم فيهم، ويروى: برضاعة، بلفظ المصدر والتنوين، وذلك أن حليمة بفتح الحاء المهملة: السعدية التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم منهم إذ هي بنت أبي ذؤيب، بضم الذال المعجمة: عبد الله بن الحارث بن شجنة، بكسر الشين المعجمة وسكون الجيم وفتح النون: ابن صابر بن رزام، بكسر الراء وتخفيف الزاي: ابن ناضرة، بالنون والضاد المعجمة والراء: ابن سعد بن بكر بن هوازن. قوله: (فتحلل من المسلمين)، أي: استحل من الغانمين أقسامهم من هوازن، أو طلب النزول عن حقهم، وقد مر تحقيقه في كتاب العتق في: باب من ملك من العرب رقيقا. قوله: (وما كان)، عطف على قوله: ما سأل. قوله: (من الفيء والأنفال)، الفيء: ما يحصل من الكفار بغير قتال، والأنفال: جمع نفل بالتحريك وهو ما شرط الأمير المتعاطي خطر من مال المصالح وهو الغنيمة، هذا في اصطلاح الفقهاء، وأما في اللغة فقال الجوهري: الفيء الخراج والغنيمة، والنفل الغنيمة. يقال: نفلته تنفيلا أي أعطيته نفلا. قوله: (ما أعطى الأنصار) عطف على قوله: وما كان. وقوله: (وما أعطى جابر بن عبد الله)، عطف على ما قبله. قوله: (من تمر خيبر)، بالتاء المثناة من فوق أو بالثاء المثلثة.
2313 حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال وزعم عروة أن مروان بن الحكم ومسور بن مخرمة أخبراه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول لله صلى الله عليه وسلم أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظر آخرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤنا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم من أحب أن يطيب فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه

56
إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاءهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا فأذنوا فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن..
مطابقته للترجمة في قوله: ومن الدليل، إلى قوله: فتحلل من المسلمين.
والحديث قد مر في كتاب العتق في: باب من ملك من العرب رقيقا، فإنه أخرجه هناك عن ابن أبي مريم عن الليث... إلى آخره نحوه، وقد مر الكلام فيه مستقصى.
قوله: (استأنيت) أي: انتظرت، والعرفاء جمع عريف وهو القائم بأمور القوم المتعرف لأحوالهم. قوله: (فهذا الذي بلغنا) من كلام ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم الزهري.
3313 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال حدثنا حماد قال حدثنا أيوب عن أبي قلابة قال وحدثني القاسم بن عاصم الكليبي وأنا لحديث القاسم أحفظ عن زهدم قال كنا عند أبي موسى فأتى ذكر دجاجة وعنده رجل من بني تيم الله أحمر كأنه من الموالي فدعاه للطعام فقال إني رأيته يأكل شيئا فقذرته فحلفت لا آكل فقال هلم فلأحدثكم عن ذاك
إني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الأشعريين نستحمله فقال والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب إبل فسأل عنا فقال أين النفر الأشعريون فأمر لنا بخمس ذود غر الذرى فلما انطلقنا قلنا ما صنعنا لا يبارك لنا فرجعنا إليه فقلنا إنا سألناك أن تحملنا فحلفت أن لا تحملنا أفنسيت قال لست أنا حملتكم ولكن الله حملكم وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها..
مطابقته للترجمة وهي قوله: وما كان النبي... إلى قوله: (من الخمس) تؤخذ من قوله: (وأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم بنهب إبل) إلى آخره.
وعبد الله بن عبد الوهاب أبو محمد الحجبي البصري، وحماد هو ابن زيد، وأيوب السختياني، وأبو قلابة، بكسر القاف: عبد الله ابن زيد الجرمي البصري، والقاسم بن عاصم التميمي الكليبي منسوب إلى مصغر الكلب البصري، وزهدم، بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة: ابن مضرب من التضريب بالضاد المعجمة الجرمي الأزدي البصري، وهؤلاء كلهم بصريون وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس.
والحديث أخرجه البخاري في التوحيد عن عبد الله بن عبد الوهاب أيضا وفي النذور عن قتيبة وفي الذبائح وفي النذور أيضا عن أبي معمر وفي كفارات الأيمان عن علي بن حجر وفي المغازي عن أبي نعيم وفي الذبائح عن يحيى عن وكيع. وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور عن أبي الربيع الزهراني وعن ابن أبي عمر وعن علي بن حجر وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن عبد الله بن نمير وعن ابن أبي عمر عن سفيان وعن شيبان ابن فروخ، وعن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن عبد الأعلى. وأخرجه الترمذي في الأطعمة عن هناد ببعضه وعن زيد بن أحرم في الشمائل عن علي بن حجر. وأخرجه النسائي في الصيد عن علي بن حجر وعن محمد بن منصور وفي النذور عن قتيبة.
ذكر معناه: قوله: (وحدثني القاسم)، القائل هو أيوب، بين ذلك عبد الوهاب الثقفي عن أيوب، كما سيأتي في الأيمان

57
والنذور. وقوله: (أحفظ)، يعني من أبي قلابة، وقال الكلاباذي: القاسم وأبو قلابة كلاهما حدثا عن زهدم، وروى أيوب عن القاسم مقرونا بأبي قلابة في الخمس. قوله: (فأتى ذكر دجاجة)، كذا في رواية أبي ذر، فأتى، بصيغة الماضي من الإتيان، ولفظ: ذكر، بكسر الذال وسكون الكاف، ودجاجة بالجر والتنوين على الإضافة، وكذا في رواية النسفي وفي رواية الأصيلي، فأتي، بصيغة المجهول و: ذكر، بفتحتين على صيغة الماضي، و: دجاجة بالنصب والتنوين على المفعولية. وفي النذور، فأتى بطعام فيه دجاج، وفي رواية مسلم: فدعي بمائدة وعليها لحم دجاج، وفي لفظ عن زهدم الجرمي: دخلت على أبي موسى وهو يأكل لحم دجاج، وفي رواية الترمذي عن زهدم، قال: دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجة، فقال: أدن فكل فإني رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يأكله، وقال: هذا حديث حسن. والدجاجة، بفتح الدال وكسرها، وهما لغتان مشهورتان، وحكى فيه أيضا ضمها، وهي لغة ضعيفة. قال الداودي: اسم الدجاجة يقع على الذكر والأنثى، وقال صاحب (التوضيح): ولا أدري من أين أخذه. قلت: قاله أهل اللغة، والتاء فيه للفرق بين الجنس ومفرده. قوله: (وعنده رجل من بني تيم الله) والرجل، وتيم الله، بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف: وهو نسبة إلى بطن من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة، ومعنى: تيم الله: عبد الله. قوله: (أحمر)، مقابل الأسود وهو صفة لرجل. قوله: (كأنه من الموالى)، يعني: من سبي الروم. قوله: (فقذرته)، بالقاف والذال المعجمة والراء، قال ابن فارس: قذرت الشيء: أي كرهته. قوله: (هلم) أي: تعال، وفيه لغتان فأهل الحجاز يطلقونه على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد مبني على الفتح، وبنو تميم تثنى وتجمع وتؤنث، فتقول: هلم هلما هلموا، هلمي هلما هلمن. قوله: (فلأحدثكم عن ذلك) يعني عن الحلف. قوله: (في نفر)، النفر: رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه، والرهط عشيرة الرجل وأهله، والرهط من الرجال ما دون العشرة، وقيل: إلى الأربعين ولا يكون فيهم امرأة، ولا واحد له من لفظه، ويجمع على: أرهط وأرهاط وأراهط، جمع الجمع قوله: (من الأشعريين) جمع أشعري نسبة إلى الأشعر، وهو نبت بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان. قوله: (نستحمله)، أي: نسأل منه أن يحملنا، يعني أرادوا ما يركبون عليه من الإبل ويحملون عليها. قوله: (وأتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أي: على صيغة المجهول. قوله: (بنهب إبل) النهب الغنيمة. قوله: (ذود) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخره دال مهملة، وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة. قوله: (غر الذرى) الغر، بضم الغين المعجمة وتشديد الراء: جمع أغر، وهو الأبيض، و: الذرى، بضم الذال المعجمة وفتح الراء مقصورا، جمع ذروة، وذروة كل شيء أعلاه يريد: أنها ذوو الأسنمة البيض من سمنهن وكثرة شحومهن. قوله: (أفنسيت؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (ولكن الله حملكم)، قال الخطابي: هذا يحتمل وجوها: أن يريد به إزالة المنة عليهم وإضافة النعمة فيها إلى الله تعالى، أو أنه نسي، والناسي بمنزلة المضطر، وفعله قد يضاف إلى الله تعالى، كما في الصائم إذا أكل ناسيا فإن الله أطعمه وسقاه، أو أن الله حملكم حين ساق هذا النهب ورزق هذه الغنيمة، أو أنه نوى في ضميره إلا أن يرد عليه مال في ثاني الحال فيحملهم عليه. قوله: (وتحللتها) من التحلل، وهو التفضي من عهدة اليمين والخروج من حرمتها إلى ما يحل له منها، وهو: إما بالاستثناء مع الاعتقاد، وإما بالكفارة.
وفي هذا الحديث: دلالة على أن من حلف على فعل شيء أو تركه وكان الحنث خيرا من التمادي على اليمين استحب له الحنث، وتلزمه الكفارة وهذا متفق عليه. وأجمعوا على أنه: لا تجب عليه الكفارة قبل الحنث، وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث، وعلى أنه لا يجوز تقديمها قبل اليمين. واختلفوا في جوازها بعد اليمين، وقبل الحنث، فجوزها مالك والأوزاعي والثوري والشافعي، واستثنى الشافعي التكفير بالصوم، فقال: لا يجوز قبل الحنث، وأما التكفير بالمال فيجوز، وقال أبو حنيفة وأصحابه وأشهب المالكي: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث بكل حال. وفيه: أنه لا بأس بدخول الرجل على الرجل في حال أكله، لكن إنما يحسن ذلك إذا كان بينهما صداقة مؤكدة. وفيه: استدناء صاحب الطعام للداخل عليه في حال أكله ودعوته للطعام، وهو مشروع متأكد سواء كان الطعام قليلا أو كثيرا، وطعام الواحد
يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية، واجتماع الجماعة على الطعام مقتض لحصول البركة فيه. وفيه: جواز

58
أكل الدجاج، وهو مجمع عليه، وإنما الخلاف في الجلالة منه: هل يكره أكلها أو يحرم؟ وروى ابن عدي في (الكامل) من حديث نافع عن ابن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أياما، ثم يأكلها بعد ذلك.
4313 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله ابن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرا فكانت سهامهم اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا. (الحديث 4313 طرفه في: 8334).
مطابقته للترجمة في قوله: (ونفلوا) على صيغة المجهول من التنفيل وهو الإعطاء لغة، وقال الخطابي: التنفيل عطية يخص بها الإمام من أبلى بلاء حسنا، وسعى سعيا جميلا كالسلب، إنما يعطى للقاتل كالقتالة وكفايته. قوله: (بعث سرية) وهي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو. قوله: (فيها عبد الله)، وهو عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وصرح بذلك مسلم في روايته فإنه أخرجه في المغازي عن يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر، (قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية وأنا فيهم قبل نجد، فغنموا إبلا كثيرة، فكانت سهامهم اثني عشر بعيرا، أو أحد عشر بعيرا، ونفلوا بعيرا بعيرا). وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي عن مالك وعن القعنبي وابن موهب كلاهما عن الليث عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد... الحديث. ورواه الطحاوي عن محمد بن خزيمة عن يوسف بن عدي عن ابن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها ابن عمر فغنموا غنائم كثيرة، فكانت غنائمهم لكل إنسان اثني عشر بعيرا، أو نفل كل إنسان منهم بعيرا بعيرا سوى ذلك.
قوله: (قبل نجد)، بكسر القاف وفتح الباء الموحدة: أي ناحية نجد وجهتها، والنجد، بفتح النون وسكون الجيم: وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق، وروي أن هذه السرية كانوا عشرة فغنموا مائة وخمسين بعيرا، فأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم منها ثلاثين، وأخذوا هم عشرين ومائة، وأخذ كل واحد منها اثني عشر بعيرا ونفل بعيرا. قوله: (فغنموا إبلا كثيرة) وفي رواية لمسلم: فأصبنا إبلا وغنما. قوله: (فكانت سهامهم)، أي: أنصباؤهم اثني عشر بعيرا وقال النووي: معناه أسهم لكل واحد منهم، وقد قيل: معناه سهمان جميع الغانمين اثني عشر بعيرا، وهذا غلط، وقد جاء في بعض روايات أبي داود وغيره: أن الاثني عشر بعيرا كانت سهمان كل واحد من الجيش والسرية، ونفل السرية سوى هذا بعيرا. قوله: (أو أحد عشر) قال ابن عبد البر: اتفق جماعة رواة (الموطأ) على أن روايته بالشك إلا الوليد بن مسلم، فإنه رواه عن شعيب ومالك فلم يشك، وكأنه حمل رواية مالك على رواية شعيب، وكذا أخرج أبو داود عن القعنبي عن مالك والليث بغير شك، وقال أبو عمر: قال سائر أصحاب نافع: اثني عشر بعيرا، بغير شك، ولم يقع الشك فيه. قوله: (ونفلوا)، على صيغة المجهول كما ذكرنا، وفي رواية: فنفلوا بعيرا، فلم يغيره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: ونفلنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والجمع بين هذه الروايات: أن أمير السرية نفلهم فأجازه رسول الله، صلى الله عليه وسلم فيجوز نسبته إلى كل منهما.
واحتج بهذا الحديث سعيد بن المسيب والحسن البصري والأوزاعي وأحمد وإسحاق في جواز التنفيل بعد سهامهم، قالوا: هذا ابن عمر يخبر أنهم قد نفلوا بعد سهامهم بعيرا بعيرا، فلم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وقال النووي: واختلفوا في محل النفل، هل هو من أصل الغنيمة؟ أو من أربعة أخماسها؟ أم من خمس الخمس؟ وهي ثلاثة أقوال للشافعي، وبكل منها قال جماعة من العلماء، والأصح عندنا أنه من خمس الخمس، وبه قال ابن المسيب ومالك وأبو حنيفة وآخرون. وممن قال: إنه من أصل الغنيمة الحسن البصري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وآخرون، وأجاز النخعي أن تنفل السرية جميع ما غنمت دون باقي الجيش، وهو خلاف ما قاله العلماء كافة.
5313 حدثنا يحيى بن بكير قال أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من

59
السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد ذكروا غير مرة.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن عبد الملك عن شعيب ابن الليث عن أبيه عن جده به. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عبد الملك به وعن حجاج بن أبي يعقوب عن حصين بن المثنى عن الليث به.
وفيه: دليل على أن لا نفل إلا بعد الخمس، ويؤيده ما رواه الطحاوي من حديث معن بن يزيد السلمي قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس، قال الطحاوي: معناه حتى يقسم الخمس، فإذا قسم الخمس انفرد حق المقاتلة وهي أربعة أخماس، فكان ذلك النفل الذي ينفله الإمام من بعد أن آثر أن يفعل ذلك من الخمس لا من الأربعة الأخماس التي هي حق المقاتلة.
6313 حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا بريد ابن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال في بضع وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ووافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده فقال جعفر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا
بالإقامة فأقيموا معنا فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خبير فأسهم لنا أو قال فأعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فأسهم لنا) إلى آخره، وبريد، بضم الباء الموحدة: ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، يكنى أبا بردة الكوفي يروي عن جده أبي بردة واسمه عامر، وقيل: الحارث وهو يروي عن أبيه أبي موسى عبد الله بن قيس.
والحديث أخرجه البخاري مقطعا في الخمس، وفي هجرة الحبشة وفي المغازي عن أبي كريب. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كريب وأبي عامر عبد الله بن براد، كلاهما عن أبي أسامة عنه به.
قوله: (مخرج النبي صلى الله عليه وسلم)، لفظ مخرج مصدر ميمي بمعنى الخروج مرفوع لأنه فاعل بلغنا، وهو بفتح الغين، والواو في (ونحن باليمن) للحال. قوله: (مهاجرين)، نصب على الحال. قوله: (أبو بردة)، بضم الباء الموحدة واسمه عامر بن قيس الأشعري، وقال أبو عمر: حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون. قوله: (أبو رهم)، بضم الراء ابن قيس الأشعري، وقال أبو عمر: كانوا أربع إخوة: أبو موسى وأبو بردة وأبو رهم ومجدي، وقيل: أبو رهم اسمه مجدي بنو قيس ابن سليم بن حضار بن حرب بن غنم بن عدي بن وائل بن ناجية بن جماهر بن الأشعر بن أدد بن زيد.
قالت العلماء: في معنى هذا الحديث تأويلات: أحدها: ما روى عن موسى بن عقبة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استطاب قلوب الغانمين بما أعطاهم، كما فعل في سبي هوازن. الثاني: إنما أعطاهم مما لم يفتح بقتال. الثالث: إنما أعطاهم من الخمس الذي حكمه حكم الفيء، وله أن يضعه باجتهاده حيث شاء، وقال الكرماني: ميل البخاري إلى الأخير بدليل الترجمة، وبدليل أنه لم ينقل أنه استأذن من المقاتلين.
7313 حدثنا علي قال حدثنا سفيان قال حدثنا محمد بن المنكدر قال سمع جابرا رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قد جاءني مال البحرين لقد أعطيتك هاكذا وهاكذا وهاكذا فلم يجىء حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء مال البحرين أمر أبو

60
بكر مناديا فنادى من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتنا فأتيته فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا فحثا لي ثلاثا وجعل سفيان يحثو بكفيه جميعا ثم قال لنا هكذا قال لنا ابن المنكدر وقال مرة فأتيت أبا بكر فسألت فلم تعطني أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فقلت سألتك فلم تعطني ثم سألتك فلم تعطني فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني قال قلت تبخل علي ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك. قال سفيان وحدثنا عمر و عن محمد بن علي عن جابر فحثا لي حثية وقال عدها فوجدتها خمسمائة قال فخذ مثلها مرتين وقال يعني ابن المنكدر وأي داء أدوأا من البخل..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (من كان له عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم دين أو عدة) وقد مر في الترجمة، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعد الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس.
وعلي شيخه هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة.
والحديث مر بالسند الأول بعينه في كتاب الهبة في: باب إذا واهب هبة أو وعد ثم مات، إلى قوله: فحثى لي ثلاثا، بدون الزيادة التي بعده، وتقدمت رواية سفيان عن عمرو هو ابن دينار عن محمد بن علي بن الحسين بن علي في كتاب الكفالة في: باب من تكفل عن ميت دينا، وفي كتاب الشهادات في: باب من أمر بإنجاز الوعد، فإنه أخرجه هناك: عن إبراهيم بن موسى عن هشام عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر... الحديث.
قوله: (فلما جاء مال البحرين) أرسله العلاء بن الحضرمي. قوله: (أو عدة)، أي: وعد. قوله: (مناديا) قيل: يحتمل أن يكون بلالا، رضي الله تعالى عنه. قوله: (فحثى لي ثلاثا)، أي: ثلاث حثيات، من حثى يحثي، ومن حثا يحثو، لغتان، الحثية ما يملأ الكف، والحفنة ما يملأ الكفين، وذكر أبو عبيد أنهما بمعنى. قوله: (تبخل)، بفتح الخاء ويروى: تبخل، بتشديد الخاء أي: تنسب إلى البخل. قوله: (عني) أي: من جهتي. قوله: (ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك)، فإن قلت: إذا كان يريد أن يعطيه فلم منعه؟ قلت: لعله منع الإعطاء في الحال لمانع أو لأمر أهم من ذلك، أو لئلا يحرص على الطلب، أو لئلا يزدحم الناس عليه، ولم يرد به المنع الكلي على الإطلاق. قوله: (قال سفيان)، هو متصل بالسند المذكور. قوله: (أدوا)، قال القاضي عياض: رواه المحدثون غير مهموز من: دوى الرجل، إذا كان به مرض في جوفه، والصواب الهمز لأنه من الداء.
8313 حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا قرة بن خالد قال حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل اعدل فقال له شقيت إن لم أعدل.
لا يمكن توجيه وجه المطابقة بين حديث الباب وبين الترجمة إلا بأن يقال: لما كان التصرف في الفيء والأنفال والغنائم والأخماس للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث ذكر قسمة الغنيمة، وفي الترجمة ما يدل على هذا، حصلت المطابقة من هذا الوجه، وإن كان فيه بعض التعسف.
وقرة، بضم القاف وتشديد الراء: هو ابن خالد أبو محمد السدوسي البصري، وقد مر تفسير الجعرانة، غير مرة أنه موضع قريب من مكة، وهي في الحل وميقات الإحرام، وهي بتسكين العين والتخفيف وقد تكسر وتشدد الراء، وكانت القسمة بالجعرانة قسمة غنائم هوازن، وكانت الغنيمة ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل والشاء ما لا يدرى عدته، ويقال: عدة الإبل أربعة وعشرون ألف بعير، وعدة الغنم أكثر من أربعين ألف شاة، ومن الفضة أربعة آلاف أوقية، وقال الواقدي: أصاب كل راجل أربع من الإبل وأربعون شاة، وعن سفيان بن عيينة عن

61
رافع بن خديج أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين مائة من الإبل، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة، وصفوان بن أمية مائة وعيينة بن حصين مائة، والأقرع بن حابس مائة، وعلقمة بن غلاثة مائة، ومالك بن عوف مائة، والعباس ابن مرادس دون المائة، وقصتهم مشهورة.
قوله: (إذ قال)، جواب: بينا، والرجل الذي قال له: إعدل، دو الخويصرة التميمي كما ذكره ابن إسحاق، رجل من بني تميم، وفي رواية قال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، وسيأتي حديث أبي سعيد مطولا قال: بينما نحن عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهو يقسم إذا أتاه ذو الخويصرة، رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله إعدل.. الحديث. قوله: (فقال له)، أي: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم للرجل: شقيت إن لم أعدل، وشقيت، بضم التاء في رواية الأكثرين، ومعناه ظاهر ولا محذور فيه، والشرط لا يستلزم الوقوع لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء، بل هو عادل فلا يشقى، وحكى القاضي عياض فتح التاء على الخطاب، ورجحه النووي، والمعنى على هذا: لقد ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل، أو حيث تعتقد ذلك في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن، وقال الذهبي: ذو الخويصرة القائل، فقال: يا رسول الله إعدل، يقال هو: حرقوص بن زهير رأس الخوارج، قتل في الخوارج يوم النهر.
61
((باب ما من النبي صلى الله عليه وسلم على الأسارى من غير أن يخمس))
أي: هذا باب في بيان ما منه النبي صلى الله عليه وسلم، على الأسارى من غير تخميس، وأشار بهذه الترجمة إلى أنه، صلى الله عليه وسلم، له أن يتصرف في الغنيمة بما يراه مصلحة، فتارة ينفل من رأس الغنيمة، وتارة من الخمس، وتارة يمن بلا تخميس، يعني بغير فداء.
9313 حدثنا إسحاق بن منصور قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد ابن جبير عن أبيه رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هاؤلاء النتنى لتركتهم له.
مطابقته للترجمة تفهم من معنى الحديث. وإسحاق بن منصور شيخ البخاري صرح أصحاب الأطراف إنه إسحاق ابن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي، وكذا ذكره في المغازي، فقال: حدثني إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرزاق ورواه أبو نعيم عن الطبراني حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق، ولما رواه في المغازي، قال: حدثنا محمد ابن مكي حدثنا الفربري حدثنا البخاري حدثنا إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق، وكذا هو في بعض نسخ المغاربة أنه ابن منصور، وجبير، بضم الجيم وفتح الباء الموحدة مصغر الجبر أسلم قبل الفتح ومات بالمدينة، وأبوه مطعم بلفظ اسم الفاعل من الإطعام ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي، مات كافرا في صفر قبل بدر بنحو سبعة أشهر، وكان قد أحسن السعي في نقض الصحيفة التي كتبها قريش في أن لا يبايعوا الهاشمية والمطلبية، ولا يناكحوهم وحصروهم في الشعب ثلاث سنين، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم، أن يكافيه، وقيل: لما مات أبو طالب وخديجة خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الطائف فلم يلق عندهم خيرا، ورجع إلى مكة في جوار المطعم.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن إسحاق بن منصور، وقال المزي: أخرجه في الخمس عن إسحاق ولم ينسبه، وأخرجه أبو داود في الجهاد عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق به.
قوله: (في هؤلاء النتنى) قال الخطابي: النتنى، جمع النتن مثل الزمنى والزمن، يقال: أنتن الشيء فهو منتن ونتن.
وفيه: دلالة على أن للإمام أن يمن على الأسارى بغير فداء خلافا للبعض. وفيه: حجة لأبي حنيفة ومالك على أن الغنائم لا تستقر ملكا للغانميم إلا بعد القسمة. وقال الشافعي: يملكون بنفس الغنيمة، وقال بعضهم: الجواب عن الحديث أنه محمول على أنه كان يستطيب أنفس الغانمين، وليس في الحديث ما يمنع ذلك، فلا يصلح للاحتجاج. قلت: رد هذا بأن طيب قلوب الغانميم بذلك من العقود الاختيارية، فيحتمل أن لا يذعن بعضهم. قوله: وليس في الحديث ما يمنع ذلك، فنقول كذلك: ليس في الحديث ما يقتضي ذلك، وقال ابن قصار: لو ملكوا بنفس العقد لكان من له أب أو ولد أو ممن يعتق عليه إذا

62
ملكه يجب أن يعتق عليه ويحاسب به من سهمه، وكان يجب لو تأخرت القسمة في العين والورق، ثم إن قسمت يكون حول الزكاة على الغانمين يوم غنموا، إذ في اتفاقهم أنه لا يعتق عليهم من يلزم عتقه إلا بعد القسمة، ولا يكون حول الزكاة إلا من يوم حاز نصيبه بالقسمة، فدل هذا كله على أنها لا تملك بنفس الغنيمة، إذ لو ملكت بنفس الغنيمة لم يجب عليه الحد إذا وطئ جارية من المغنم. وقد أنكر الداودي دخول التخميس في أسارى بدر، فقال: لم يقع فيهم غير أمرين: أما المن بغير فداء، وأما الفداء بمال، ومن لم يكن مال له علم أولاد الأنصار الكتابة، ورد بأنه لا يلزم من وقوع شيء أو شيئين مما خير فيه رفع التخيير، فافهم.
71
((باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني المطلب وبني هاشم من خمس خيبر))
هذا باب يذكر فيه: ومن الدليل، وقد مر توجيه هذا عند قوله: باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين. قوله: (للإمام) أراد به من كان نائب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأن التصرف فيه له، صلى الله عليه وسلم، ولمن يقوم مقامه. قوله: (وأنه يعطي)، عطف على: أن الخمس، أي: وعلى أنه يعطي بعض قرابته دون بعض. قوله: (ما قسم)، في محل الرفع على الابتداء، و: ما، موصولة وخبره قوله: ومن الدليل، مقدما. قوله: (لبني المطلب)، هذا المطلب هو عم عبد المطلب جد رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وكان المطلب وهاشم ونوفل وعبد شمس كلهم أولاد عبد مناف، وقال ابن إسحاق: عبد شمس وهاشم والمطلب أخوة لأم، وأمهم عاتكة بنت مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم، فقسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لبني المطلب وبني هاشم وترك بي نوفل وبني عبد شمس، فهذا
يدل على أن الخمس له، وله فيه الخيار يضعه حيث شاء.
قال عمر بن عبد العزيز لم يعمهم بذلك ولم يخص قريبا دون من أحوج إليه وإن كان الذي أعطى لما يشكوا إليه من الحاجة ولما مستهم في جنبه من قومهم وحلفائهم
قوله: (لم يعمهم) أي: لم يعم قريشا بذلك، أي: بما قسمه. قوله: (من أحوج إليه) أي: من أحوج هو إليه، قال ابن مالك: فيه حذف العائد على الموصول، وهو قليل، ومنه قراءة يحيى بن يعمر.
(تماما علي الذي أحسن)، بضم النون أي: الذي هو أحسن، قال: وإذا طال الكلام فلا ضعف ومنه: * (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) * (الزخرف: 48). أي: وفي الأرض هو إله واحد. قلت: وفي بعض النسخ: دون من هو أحوج إليه، فعلى هذا لا يحتاج إلى التكلف المذكور، وأحوج من أحوجه إليه غيره، وأحوج أيضا بمعنى احتاج. قوله: (وإن كان)، شرط على سبيل المبالغة، ويروى بفتح: أن، قاله الكرماني. قوله: (أعطي) على صيغة المجهول، وحاصل المعنى: وإن كان الذي أعطي أبعد قرابة ممن لم يعط. قوله: (لما تشكو) تعليل لعطية الأبعد قرابة، وتشكو بتشديد الكاف من التشكي من باب التفعل، ويروى لما يشكو من شكا يشكو شكاية. قوله: (ولما مستهم) عطف على: لما، الأولى، ويروى: مسهم، بدون تاء التأنيث. قوله: (في جنبه)، أي: في جانبه. قوله: (وحلفائهم) بالحاء المهملة، أي: حلفاء قومهم بسبب الإسلام، وأشار بذلك إلى ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بمكة من قريش بسبب الإسلام.
0413 حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد.

63
مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد ذكروا غير مرة. والحديث أخرجه البخاري أيضا في مناقب قريش عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل وفي المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس. وأخرجه أبو داود في الخراج عن القواريري عن ابن المهدي وعن القواريري عن عثمان بن عمر، وعن مسدد عن هشيم وأخرجه النسائي في قسم الفيء عن محمد بن المثنى وعن عبد الرحمن بن عبد الله. وأخرجه ابن ماجة في الجهاد عن يونس بن عبد الأعلى.
ذكر معناه: قوله: (عن ابن المسيب)، في رواية أبي داود: أخبرني سعيد بن المسيب. قوله: (عن جبير بن مطعم)، في رواية البخاري في المغازي من رواية يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: أن جبير بن مطعم أخبره. قوله: (مشيت أنا وعثمان)، وفي رواية أبي داود، قال: أخبرني جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله، صلى الله عليه وسلم فيما قسم من الخمس في بني المطلب، فقلت: يا رسول الله قسمت لإخواننا في بني المطلب ولم تعطنا شيئا، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد قوله: (بمنزلة واحدة) لأن عثمان ابن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وجبير هو ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، فهما وبنو المطلب كلهم أولاد عم جده صلى الله عليه وسلم. قوله: (شيء واحد)، بفتح الشين المعجمة وفي آخره همزة، قال عياض: روينا في البخاري هكذا بلا خلاف، وقال الخطابي: روى بعضهم: سي، بكسر السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، ومعناه: سواء ومثل. قيل: هذا رواية الكشميهني هنا، ورواية المستملي في المغازي ومناقب قريش، وكذا رواية الحموي ويحيى بن معين وحده، وقال الخطابي: هو أجود في المعنى، وقال عياض: الصواب رواية العامة لرواية أبي داود: إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد، وشبك بين أصابعه. انتهى. وهذا دليل على الاختلاط والامتزاج كالشئ الواحد، لا على التمثيل والتنظير. قيل: وقع في رواية أبي زيد المروزي: شيء أحد، بغير الواو، فقيل: الواحد والأحد بمعنى واحد، وقيل: الأحد المنفرد بالمعنى، والواحد المنفرد بالذات، وقيل: الأحد لنفي ما يذكر معه من العدد، والواحد اسم لمفتاح العدد، وقيل: لا يقال: أحد، إلا لله تعالى.
حدثني يونس وزاد قال. قال الليث جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل
هذا التعليق أسنده البخاري في المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه.
وقال ابن إسحاق عبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لام وأمهم عاتكة بنت مرة وكان نوفل أخاهم لأبيهم
ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب (المغازي)، وهذا التعليق ذكره ابن جرير والزبير بن بكار ومحمد بن إسحاق، وقال ابن جرير: وكان هاشم توأم أخيه عبد شمس وأن هاشما خرج ورجله ملتصقة برأس عبد شمس، فما تخلصت حتى سال بينهما، دم، فتفاءل الناس بذلك أن يكون بين أولادهما حروب، فكانت وقعة بني العباس مع بني أمية بن عبد شمس سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة. قوله: (وكان نوفل أخاهم لأبيهم) ولم يذكر أمه، وهي: واقدة، بالقاف: بنت عمرو المازنية، وكان هؤلاء الأربعة قد سادوا قومهم بعد أبيهم وصارت إليهم الرياسة، فكأن يقال لهم: المجيرون، وذلك لأنهم أخذوا لقومهم قريش الأمان من ملوك الأقاليم ليدخلوا في التجارات إلى بلدانهم، فكان هاشم قد أخذ أمانا من ملوك الشام والروم وغسان، وأخذ لهم عبد شمس من النجاشي الأكبر ملك الحبشة، وأخذ لهم نوفل من الأكاسرة، وأخذ لهم المطلب أمانا من ملوك حمير، وكانت إلى هاشم السقاية والرفادة بعد أبيه، وإليه وإلى أخيه المطلب نسب ذوي القربى، وقد كانوا شيئا واحدا، وقال ابن كثير في (تفسيره):

64
بنو المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية والإسلام ودخلوا معهم في الشعب غضبا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحماية له مسلمهم طاعة لله ولرسوله، وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب، عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل، وإن كانوا أبناء عم، فلم يوافقوهم على ذلك، بل حاربوهم ونابذوهم، وأمالوا بطون قريش على حرب الرسول، ولهذا كان ذم أبي طالب لهم في قصيدته اللامية.
* جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا
* عقوبة شر عاجل غير أجل
*
* بميزان قسط لا يفيض شعيرة
* له شاهد من نفسه حق عادل
*
* لقد سفهت أخلاق قوم تبدلوا
* بني خلف قيضا بنا والغياطل
*
* ونحن الصميم من ذؤابة هاشم
* وآل قصي في الخطوب الأوائل
*
وهذه قصيدة طويلة مائة وعشرة أبيات، قد ذكرناها في (تاريخنا الكبير) وفسرنا لغاتها. قوله: (بني خلف)، أراد رهط أمية بن خلف الجمحي. قوله: (قيضا) أي: مقايضة، وهو الاستبدال، والغياطل: جمع غيطلة، وهي الشجرة.
81
((باب من لم يخمس الأسلاب))
هذا باب يذكر فيه من لم ير بتخميس الأسلاب، وأشار بهذا إلى خلاف فيه، فقال الشافعي: كل شيء من الغنيمة يخمس إلا السلب فإنه لا يخمس، وبه قال أحمد وابن جرير. وجماعة من أهل الحديث، وعن مالك: أن الإمام مخير فيه إن شاء خمسه وإن شاء لم يخمسه، واختاره القاضي إسماعيل بن إسحاق، وفيه قول ثالث: أنها تخمس، إذا كثرت وهو مروي عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وبه قال إسحاق بن راهويه، وقال الثوري ومكحول والأوزاعي يخمس، وهو قول مالك، ورواية عن ابن عباس، وقال الزهري عن القاسم بن محمد عن ابن عباس: السلب من النفل، والنفل يخمس، وقال ابن قدامة: السلب للقاتل إذا قتل في كل حال إلا أن ينهزم العدو، وبه قال الشافعي وأبو ثور، وداود وابن المنذر، وقال مسروق: إذا التقى الزحفان فلا سلب له، إنما النفل قبله أو بعده، ونحوه قول نافع. وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأبو بكر بن أبي مريم: السلب للقاتل ما لم تمتد الصفوف بعضها إلى بعض، فإذا كان كذلك فلا سلب لأحد. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: السلب من غنيمة الجيش حكمه حكم سائر الغنيمة إلا أن يقول الإمام: من قتل قتيلا فله سلبه، فحينئذ يكون له، وقال ابن قدامة: وبه قال مالك، وقال أحمد: لا يعجبني أن يأخذ السلب إلا بإذن الإمام، وهو قول الأوزاعي. وقال ابن المنذر والشافعي: له أخذه بغير إذنه. قوله: (الأسلاب)، جمع سلب بفتحتين على وزن فعل بمعنى مفعول، أي: مسلوب، وهو ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه ومعه من سلاح وثياب ودابة وغيرها، وعن أحمد: لا تدخل الدابة، وعن الشافعي: يختص بأداة الحرب.
ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس وحكم الإمام فيه
قوله: (ومن قتل قتيلا فله سلبه) هذا المقدار أخرجه الطحاوي، وقال: حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: حدثنا أبو داود عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال يوم حنين: من قتل قتيلا فله سلبه، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فأخذ أسلابهم. وأبو بكرة: بكار القاضي، وأبو داود سليمان بن داود الطيالسي. وأخرجه أبو داود أيضا في (سننه) ولكن لفظه: من قتل كافرا فله سلبه. قوله: (قتيلا) يعني: مشارفا للقتل، لأن قتل القتيل لا يتصور. قوله: (من غير أن يخمس)، ليس من لفظ الحديث، وأراد به أن السلب لا يخمس، ويروى: من غير خمس بضمتين، وخمس بسكون الميم. قوله: (وحكم الإمام فيه)، عطف على قوله: من لم يخمس، فافهم.
1413 حدثنا مسدد قال حدثنا يوسف بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد

65
الرحمان بن عوف عن أبيه عن جده قال بينا أنا واقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم ما حاجتك إليه يا ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس قلت ألا أن هذا صاحبكما الذي سألتماني فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله قال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لافنظر في السيفين فقال كلاكما قتله سلبه لمعاذ بن عمرو ابن الجموح وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح.
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يخمس سلب أبي جهل.
ويوسف هو ابن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة، واسمه دينار التيمي القرشي، والماجشون هو يعقوب، وهو بالفارسية، تفسيره: المورد، وهو بكسر الجيم وفتحها وضم الشين المعجمة، وصالح بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن، وإبراهيم بن عبد الرحمن سمع أباه عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه أيضا في المغازي عن علي بن عبد الله وعن يعقوب بن إبراهيم. وأخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى عن يوسف بن الماجشون.
قوله: (بينا أنا) قد مر غير مرة أن أصله: بين، فأشبعت الفتحة فصار: بينا، ويضاف إلى جملة ويحتاج إلى جواب، فجوابه هو قوله: فإذا أنا بغلامين، وهما: معاذ بن عمرو ومعاذ بن عفراء، ويجيء ذكرهما عن قريب. قوله: (حديثة أسنانهما)، صفة الغلامين، فلذلك جر لفظ: حديثة، و: أسنانهما، بالرفع لأنه فاعل: حديثة. قوله: (بين أضلع)، بالضاد المعجمة والعين المهملة أي: بين أشد وأقوى منهما، أي: من الغلامين المذكورين وهو على وزن أفعل من الضلاعة، وهي: القوة. يقال: اضطلع بحمله: أي: قوي عليه ونهض به، وهذا هكذا رواة الأكثرين، ووقع في رواية الحموي وحده: بين أصلح منهما، بالصاد والحاء المهملتين، ونسب ابن بطال هذه الرواية لمسدد شيخ البخاري، وقال: خالفه إبراهيم بن حمزة عند الطحاوي، وموسى بن إسماعيل عند ابن سنجر، وعفان عند ابن أبي شيبة، فكلهم رووا: أضلع، بالضاد المعجمة والعين المهملة، ورواية ثلاثة حفاظ أولى من رواية واحد خالفهم، وقال القرطبي: الذي في مسلم: أضلع، ووقع في بعض رواياته: أصلح، والأول الصواب. قوله: (هل تعرف أبا جهل؟) هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي فرعون هذه الأمة. قوله: (أخبرت)، بضم الهمزة على صيغة المجهول. قوله: (لا يفارق سوادي سواده)، يعني: لا يفارق شخصي شخصه، وأصله أن الشخص يرى على البعد أسود. قوله: (الأعجل منا) أي: الأقرب أجلا، وهو كلام مستعمل يفهم منه أن يلازمه ولا يتركه إلى وقوع الموت بأحدهما، وصدور هذا الكلام في حال الغضب والانزعاج يدل على صحة العقل الوافر والنظر في العواقب، فإن مقتضى الغضب أن يقول: حتى أقتله، لكن العاقبة مجهولة. قوله: (فلم أنشب)، فلم ألبث، يقال: نشب بعضهم في بعض، أي: دخل وتعلق، ونشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له منه، ولم ينشب أن فعل كذا، أي: لم يلبث، وحقيقته لم يتعلق بشيء غيره، ولا بسواه، ومادته: نون وشين معجمة وباء موحدة. قوله: (يجول في الناس)، بالجيم، وفي رواية مسلم: (يزول)، هو بمعناه، أي: يضطرب في المواضع ولا يستقر على حال. قوله: (ألا)، للتحضيض والتنبيه. قوله: (فابتداره)، أي: سبقاه مسرعين. قوله: (فنظر في السيفين) ليستدل بهما على حقيقة كيفية قتلهما، فعلم أن الجموح هو المثخن، وقال المهلب: نظره، صلى الله عليه وسلم، في السيفين ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما، ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسيف لمن كان في ذلك أبلغ، ولذلك سألهما أولا: هل مسحتما سيفيكما؟ لأنهما لو مسحاهما لما بين المراد من ذلك. قوله: (فقال: كلاكما قتله)، إنما قال ذلك، وإن كان أحدهما أو الذي

66
أثخنه تطييبا لقلب الآخر من حيث إن له مشاركة في القتل. قوله: (سلبه) أي: سلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وإنما حكم له مع أنهما اشتركا في القتل لأن القتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب هو الإثخان، وهو إنما وجد منه، وقال الإسماعيلي: إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه وبلغا به المبلغ الذي يعلم أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ، فدل قوله: كلاكما قتله، على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها، وبه يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر، غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل، إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت، فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه. ولما روى الطحاوي هذا الحديث قال فيه: دليل على أن السلب لو كان واجبا للقاتل بقتله إياه لكان وجب سلبه لهما، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، ينتزعه من أحدهما فيدفعه إلى الآخر إلا يرى أن الإمام لو قال: من قتل قتيلا فله سلبه، وقتل رجلان قتيلا إن سلبه لهما، نصفان، وأنه ليس للإمام أن يحرم أحدهما ويدفعه إلى الآخر، لأن كل واحد منهما له فيه من الحق مثل ما لصاحبه، وهما أولى به من الإمام، فلما كان للنبي صلى الله عليه وسلم، في سلب أبي جهل أن يجعله لأحدهما دون الآخر دل ذلك أنه كان أولى به منهما، لأنه لم يكن قال يومئذ: من قتل قتيلا فله سلبه. وقال أيضا: إن سلب المقتول لا يجب للقاتل بقتله صاحبه إلا أن يجعل الإمام إياه له على ما فيه صلاح المسلمين من التحريض على قتال عدوهم.
قوله: (وكانا) أي: الغلامان المذكوران من الأنصار: معاذ بن عفراء ومعاذ عمرو بن الجموح. أما معاذ بن عفراء، بفتح العين المهملة وسكون الفاء وبالراء وبالمد: وهي أمه عفراء بنت عبيد بن ثعلبة ابن غنم بن مالك بن النجار، وهو معاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد، وهكذا قاله محمد بن إسحاق، وقال ابن هشام: هو معاذ ابن الحارث بن عفراء بن سواد بن مالك بن النجار، وقال موسى بن عقبة: معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث، شهد بدرا هو وأخواه عوف ومعوذ بنو عفراء، وهم بنو الحارث بن رفاعة، وقال أبو عمر: ولمعاذ بن عفراء رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، مات في خلافة علي رضي الله تعالى عنه. وأما معاذ: بن عمرو بن الجموح، فالجموح ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعيد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج السلمي الخزرجي الأنصاري، شهد العقبة وبدرا هو وأبوه عمرو، وقتل عمرو بن الجموح، رضي الله تعالى عنه يوم أحد، وذكر ابن هشام عن زياد عن ابن إسحاق: أنه الذي قطع رجل أبي جهل بن هشام وصرعه، وقال: وضرب ابنه عكرمة بن أبي جهل يد معاذ فطرحها، ثم ضربه معوذ بن عفراء حتى أثبته وتركه وبه رمق، ثم وقف عليه عبد الله بن مسعود واحتز رأسه حين أمره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يلتمسه في القتلى، وفي (صحيح مسلم) ابن ابني عفراء ضرباه حتى برد، بالدال: أي مات. وفي رواية: (حتى برك)، بالكاف أي: سقط على الأرض، وكذا في البخاري في: باب قتل أبي جهل، وادعى القرطبي أنه وهم، التبس على بعض الرواة معاذ بن الجموح بمعاذ بن عفراء، وقال ابن الجوزي: ابن الجموح ليس من ولد عفراء، ومعاذ بن عفراء ممن باشر قتل أبي جهل، فلعل بعض إخوته حضره أو أعمامه، أو يكون الحديث: ابن عفراء، فغلط الراوي فقال: ابنا عفراء، وقال أبو عمر: أصح من هذا حديث أنس بن مالك: أن ابن عفراء قتله، وقال ابن التين: يحتمل أن يكونا أخوين لأم، أو يكون بينهما رضاع، وقال الداودي: ابنا عفراء: سهل وسهيل، ويقال: معوذ ومعاذ، وروى الحاكم
في (إكليله) من حديث الشعبي عن عبد الرحمن ابن عوف حمل: رجل كان مع أبي جهل على ابن عفراء فقتله، فحمل ابن عفراء الآخر على الذي قتل أخاه فقتله، ومر ابن مسعود على أبي جهل، فقال: الحمد لله الذي أعز الإسلام، فقال أبو جهل: تشتمني يا رويعي هذيل؟ فقال: نعم والله، وأقتلك فحذفه أبو جهل بسيفه، وقال: دونك هذا إذا، فأخذه عبد الله فضربه حتى قتله، وقاال: يا رسول الله! قتلت أبا جهل! فقال: الله الذي لا إل
1764; ه إلا هو، فحلف له، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم انطلق معه حتى أراه إياه، فقام عنده، وقال: الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله، ثلاث مرات، والتوفيق بين هذه الروايات: إثبات الاشتراك في قتل أبي جهل، ولكن السلب ما ثبت إلا للذي أثخنه، على ما مر، فافهم.

67
قال محمد سم يوسف صالحا وإبراهيم أباه
محمد هو البخاري: أي سمع يوسف بن الماجشون صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المذكور في الإسناد، وسمع إبراهيم أباه، وهذه الزيادة هنا لأبي ذر، وأبي الوقت، وأراد بهذه دفع قول من يقول: إن بين يوسف وبين صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن رجل هو عبد الواحد بن أبي عون، وهو رجل مشهور ثقة، فيكون الحديث منقطعا، وقد ذكره البزار في روايته عن محمد بن عبد الملك القريشي، وعلي بن مسلم قالا: حدثنا يوسف بن أبي سلمة حدثنا عبد الواحد بن أبي عون حدثني صالح بن إبراهيم به، ثم قال: هذا الحديث لا نعلمه يروي عن عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ووثق عبد الواحد فأشار البخاري بهذه الزيادة أن سماع يوسف عن صالح وسماع إبراهيم عن أبيه ثابت، فالحديث متصل.
2413 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين علا رجلا من المسلمين فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس قال أمر الله ثم إن الناس رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال الثالثة مثله فقال رجل صدق يا رسول الله وسلبه عندي فأرضه عني فقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لا الله إذا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق فأعطاه فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام..
مطابقته للترجمة من حيث إن السلب الذي أخذه أبو قتادة لم يخمس، وهذا الإسناد بعينه قد ذكر في كتاب البيوع في: باب بيع السلاح في الفتنة فإنه أخرجه هناك مختصرا.
ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن أفلح هو عمر بن كثير بن أفلح، وأبو محمد هو نافع مولى أبي قتادة، وأبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري.
وقد مر الكلام فيه هناك، ومن أخرجه غيره، ولطائف إسناده.
ذكر معناه: قوله: (عام حنين)، وكان في السنة الثامنة من الهجرة، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال، وهو منصرف. قوله: (جولة)، أي: بالجيم أي: دوران واضطراب، من جال يجول إذا دار. قوله: (فاستدرت)، من الدوران، هذه رواية الكشميهني وفي رواية الأكثرين: فاستدبرت من الاستدبار. قوله: (على حبل عاتقه)، وهو موضع الرداء من العنق، وقيل: ما بين العنق والمنكب، وقيل: هو عرق أو عصب هناك. قوله: (ما بال الناس؟) أي: ما حال الناس منهزمين. قوله: (قال: أمر الله)، أي: قال عمر: جاء أمر الله تعالى، ويقال: معناه ما حالهم بعد الانهزام؟ فقال: أمر الله غالب والعاقبة للمتقين. قوله: (رجعوا) أي: بعد الانهزام. قوله: (لاها الله إذا)، كذا الرواية بالتنوين، قال الخطابي: والصواب فيه: لاها الله ذا، بغير ألف قبل الذال، ومعناه: لا والله يجعلون الهاء مكان الواو، بمعنى: والله لا يكون ذا. وقال المازري: معناه: لاها الله ذا يميني أو قسمي، وقال أبو زيد: ذا، زائدة، وفي هذا لغتان: المد والقصر، قالوا: ويلزم الجر بعدها كما يلزم بعد الواو، وقالوا: ولا يجوز الجمع بينهما، فلا يقال: لاها والله. وقال أبو عثمان المازني:

68
من قال: لاها الله إذا، فقد أخطأ، إنما هو: لاها الله ذا، وقال الجوهري: ها، للتنبيه، وقد يقسم بها يقال: لاها الله ما فعلت، وقولهم: لاها الله ذا، أن أصله: لا والله هذا، ففرقت بين: ها وذا، وتقديره: لا والله ما فعلت هذا، وقال الكرماني المعنى صحيح على لفظ: إذا، يعني بالتنوين جوابا وجزاء، وتقديره: لا والله إذا صدق لا يكون أو لا يعمد، ويروى برفع: الله، مبتدأ و: ها، للتنبيه، و: لا يعمد، خبره، قوله: (يعمد) بالياء آخر الحروف وبالنون أيضا، وكذلك (يعطيك) بالياء والنون أي: لا يقصد رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى رجل كالأسد يقاتل عن جهة الله ورسوله نصرة في الدين فيأخذ حقه. قوله: (يعطيك) أي: لا يعطيك أيها الرجل المسترضي حق أبي قتادة لا والله كيف وهو أسد الله؟ قوله: (إلى أسد من أسد الله)، الأول بفتحتين مفرد، والثاني، بضم الهمزة وسكون السين جمع أسد، (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق). أي: أبو بكر. قوله: (فأعطاه) أي: فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة الدرع، ومقتضى الظاهر أن يقول: فأعطاني، فعدل إلى الغيبة التفاتا أو تجريدا، وهو مفعول ثان، والأول محذوف، وإنما أعطاه بلا بينة لأنه، صلى الله عليه وسلم، لعله علم أنه القاتل بطريق من الطرق، ولا يقال: إن أبا قتادة استحق السلب بإقرار من هو في يده، لأن المال كان منسوبا إلى الجيش جميعهم، فلا اعتبار لإقراره. قوله: (فابتعت به مخرفا)، أي: اشتريت بالدرع، أي: بثمنه إن كان باعه، والمخرف، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء بعدها فاء، وهو البستان، وقيل: الحائط من النخل يخرف فيه الرطب، أي: يجتنى. قوله: (في بني سلمة) بكسر اللام. قوله: (تأثلته)، أي: جمعته، وهو من باب التفعل، فيه معنى التكلف مأخوذ من الأثلة، وهو الأصل
، أي: اتخذته أصلا للمال، ومادته: همزة وثاء مثلثة ولام، يقال: مال مؤثل ومجد مؤثل، أي: مجموع ذو أصل.
ذكر ما يستفاد منه: احتج به من قال: إن السلب من رأس الغنيمة لا من الخمس، لأن إعطاءه صلى الله عليه وسلم أبا قتادة كان قبل القسمة لأنه نقل حين برد القتال، وأجاب أصحابنا ومالك عنه، فقال: هذا حجة لنا لأنه إنما قال ذلك بعد تقضي الحرب، وقد حيزت الغنائم، وهذه حالة قد سبق فيها مقدار حق الغانمين، وهو الأربعة الأخماس على ما أوجبها الله لهم، فينبغي أن يكون من الخمس. وقال القرطبي: هذا الحديث أدل دليل على صحة مذهب مالك وأبي حنيفة، وزعم من خالفنا أن هذا الحديث منسوخ بما قاله يوم حنين، وهو فاسد لوجهين. الأول: أن الجمع بينهما ممكن، فلا نسخ. الثاني: روى أهل السير وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال يوم بدر: من قتل قتيلا فله سلبه، كما قاله يوم حنين، وغايته أن يكون من باب تخصيص العموم. وفيه: أن (لاها الله)، يمين، ولكنهم قالوا: إنه كناية، إن نوى بها اليمين كانت يمينا، وإلا فلا. قلت: ظاهر الحديث يدل على أنه يمين. وفيه: جواز كلام الوزير ورد مسائل الأمير قبل أن يعلم جواب الأمير، كما فعله أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، حين قال: (لاها الله). وفيه: إذا ادعى رجل أنه قتل رجلا بعينه، وادعى سلبه هل يعطى له؟ فقالت طائفة: لا بد من البينة، فإن أصاب أحدا فلا بد أن يحلف معه ويأخذه، واحتجوا بظاهر هذا الحديث، وبه قال الليث والشافعي وجماعة من أهل الحديث، وقال الأوزاعي: لا يحتاج إليها ويعطى بقوله. وفيه: من استدل به على دخول من لا سهم له في عموم قوله: من قتل قتيلا، وعن الشافعي: لا يستحق السلب إلا من استحق السهم، وبه قال مالك، لأنه إذا لم يستحق السهم فلأن لا يستحق السلب بالطريق الأولى، ورد بأن السهم علق على المظنة، والسلب يستحق بالفعل فهو أولى، وهذا هو الأصح. وفيه: أن السلب مستحق للقاتل الذي أثخنه بالقتل دون من وقف عليه. وفيه: أن السلب مستحق للقاتل من كل مقتول حتى لو كان المقتول امرأة، وبه قال أبو ثور وابن المنذر، وقال الجمهور: شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة، وقال ابن قدامة: ويجوز أن يسلب القتلى ويتركهم عراة، قاله الأوزاعي، وكرهه الثوري وابن المنذر.
91
((باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه))
أي: هذا باب في بيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وهم ضعفاء النية في الإسلام وشرفاء يتوقع بإسلامهم إسلام نظرائهم. قوله: (وغيرهم)، أي: المؤلفة قلوبهم ممن يظهر له المصلحة في إعطائه. قوله: (ونحوه)، أي: ونحو الخمس، وهو مال الخراج والجزية والفيء.

69
(رواه عبد الله بن زيد عن النبي
)
أي روى ما ذكر في الترجمة عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني المدني وسيأتي حديثه الطويل موصولا في قصة حنين إن شاء الله تعالى
50 - (حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال سألت رسول الله
فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال لي يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى قال حكيم فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل فقال يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي
حتى توفي)
مطابقته للترجمة في قوله سألت رسول الله
فأعطاني ثم سألت فأعطاني وحكيم بن حزام كان من المؤلفة قلوبهم وهو بفتح الحاء وكسر الكاف وحزام بكسر الحاء المهملة وتخفيف الزاي * والحديث قد مضى في كتاب الزكاة في باب الاستعفاف في المسألة فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن عبد الله عن يونس عن الزهري إلى آخره نحوه وتقدم الكلام فيه هناك مستوفى قوله ' لا أرزأ ' بتقديم الراء على الزاي أي لا آخذ من أحد شيئا بعدك وأصله النقص
51 - (حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يا رسول الله إنه كان على اعتكاف يوم في الجاهلية فأمره أن يفي به قال وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة قال فمن رسول الله
على سبي حنين فجعلوا يسعون في السكك فقال عمر يا عبد الله انظر ما هذا فقال من رسول الله
على السبي قال اذهب فأرسل الجاريتين قال نافع ولم يعتمر رسول الله
من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف على عبد الله)
مطابقته للترجمة في قوله وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين * وأبو النعمان هو محمد بن الفضل السدوسي وهذا الحديث يشتمل على ثلاثة أحكام * الأول في الاعتكاف أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف في باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم فإنه أخرجه هناك عن عبيد بن إسماعيل إلى آخره لكن رواه نافع هناك عن ابن عمر أن عمر وهنا عن نافع أن عمر هذا مرسل لأنه لم يدرك رسول الله
ولا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكل ما رواه عنهما فهو مرسل وقد مر الكلام فيه. الثاني في المن على السبي وهو قوله قال وأصاب عمر جاريتين وهو أيضا
مرسل وقال الدارقطني روى سفيان بن عيينة عن أيوب حديث الجاريتين فوصله عنه قوم وأرسله عنه آخرون. الثالث في العمرة وهو أيضا مرسل ووصله مسلم قال حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله

70
من الجعرانة فقال لم يعتمر منها وليس في قول نافع حجة لأن ابن عمر ليس كل ما علمه حدث به نافعا ولا كل ما حدث به حفظه نافع ولا كل ما علم ابن عمر لا ينساه والعمرة من الجعرانة أشهر من هذا وأظهر أن يشك فيها
(وزاد جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال من الخمس)
أراد بهذا أن حديث السبي في رواية جرير بن حازم موصول وأن الذي أصاب عمر جاريتين كان من الخمس قال الدارقطني حديث جرير موصول وحماد أثبت في أيوب من جرير
(ورواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في النذر ولم يقل يوم)
أي روى حديث الاعتكاف معمر بفتح الميمين قيل اتفقت الروايات كلها على أنه بفتح الميمين ابن راشد وقال بعضهم وحكى بعض الشراح أنه معتمر بفتح الميم وبعد العين تاء مثناة من فوق وهو تصحيف قلت إن أراد به الكرماني فهو لم يقل هكذا وإنما عبارته معمر بفتح الميمين ابن راشد وفي بعضها معتمر بلفظ الفاعل من الاعتمار وكلاهما أدركا أيوب وسمعا منه والأول أشهر قوله ' في النذر ' أي في حديث النذر قوله ' ولم يقل يوم ' يعني لم يذكر لفظ يوم في قوله على اعتكاف يوم ويجوز في يوم الجر بالتنوين على طريق الحكاية ويجوز النصب على الظرفية
52 - (حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جرير بن حازم حدثنا الحسن قال حدثني عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال أعطى رسول الله
قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال إني أعطي قوما أخاف ظلعهم وجزعهم وأكل أقواما إلي ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو بن تغلب ما أحب أن لي بكلمة رسول الله
حمر النعم)
مطابقته للترجمة في قوله أعطى رسول الله
قوما. والحسن هذا هو البصري وعمرو بالواو بن تغلب بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة وكسر اللام وفي آخره باء موحدة وقد مر الحديث في كتاب الجمعة في باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد فإنه أخرجه هناك عن محمد بن معمر قال حدثنا أبو عاصم عن جرير بن حازم إلى آخره قوله ' كأنهم عتبوا عليه ' أي لاموا قال الخليل حقيقة العتاب مخاطبة الادلال ومذاكرة الموجدة قوله ' ظلعهم ليس هناك ' وإنما هناك لما رأى في قلوبهم من الجزع والهلع والظلع بفتح الظاء المعجمة واللام وبالعين المهملة وهو الاعوجاج وأصل الظلع الميل وأطلق ههنا على مرض القلب وضعف اليقين قوله ' وجزعهم ' بالجيم والزاي قوله ' وأكل ' أي أفوض قوله ' من الغنى ' بالكسر والقصر بلفظ ضد الفقر في رواية الكشميهني وفي رواية غيره من الغناء بفتح الغين المعجمة ثم نون ممدودة وهو الكفاية قوله ' بكلمة رسول الله
' أي التي قالها في حقه وهي إدخاله في أهل الخير والغناء ويقال المراد الكلمة التي قالها في حق غيره فالمعنى لا أحب أن يكون لي حمر النعم بدلا من الكلمة المذكورة التي لي أو أن يكون لي ذلك وتقال تلك الكلمة في حق غيري قوله ' حمر النعم ' قال الجوهري النعم واحد الانعام وهو المال الراعية وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل والحمر بضم الحاء المهملة وسكون الميم
(وزاد أبو عاصم عن جرير قال سمعت الحسن يقول حدثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله
أتي بمال أو بسبي فقسمه بهذا)
أبو عاصم هو الضحاك المشهور بالنبيل أحد مشايخ البخاري وهذا من المواضع التي علق البخاري عن بعض شيوخه ما بينه وبينه واسطة وساقه موصولا في أواخر الجمعة وأدخل بينه وبين أبي عاصم واسطة حيث قال حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا أبو عاصم عن جرير بن حازم وقد ذكرناه الآن وهنا روى عنه بواسطة وتارة يروى بلا واسطة قوله أو بسبي

71
بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وفي رواية الكشميهني بشيء بالشين المعجمة وهو أشمل وأعم من ذلك قوله ' بهذا ' أي بهذا الذي ذكر في الحديث
33 - (حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال قال النبي
إني أعطي قريشا أتألفهم لأنهم حديث عهد بجاهلية)
مطابقته للترجمة ظاهرة * وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وأخرج البخاري هذا الحديث مطولا ومختصرا فأخرجه في مناقب قريش عن سليمان بن حرب وفي المغازي عن بندار عن غندر وفرق عن أبي الوليد وآدم على ما يجيء قوله ' أتألفهم ' أي أطلب ألفهم قوله ' لأنهم حديث عهد ' أي قريب العهد بالكفر ويروى حديثوا عهد بصيغة الجمع والحديث على وزن فعيل يستوى فيه المذكر والمؤنث والمثنى والجمع وإن كان بمعنى الفاعل
54 - (حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن ناسا من الأنصار قالوا لرسول الله
حين أفاء الله على رسوله
من أموال هوازن ما أفاء فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله
يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس فحدث رسول الله
بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله
فقال ما كان حديث بلغني عنكم قال له فقهاؤهم أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله
يعطي قريشا ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله
إني أعطي رجالا حديث عهدهم بكفر أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله
فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا بلى يا رسول الله قد رضينا فقال لهم إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله
على الحوض قال أنس فلم نصبر)
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو اليمان الحكم بن نافع قوله ' فطفق ' بمعنى أخذ في الفعل وجعل يفعل وهو من أفعال المقاربة قوله ' المائة من الإبل ' ذكر ابن إسحاق الذين أعطاهم رسول الله
يومئذ مائة من الإبل يتألفهم ويتألف بهم قومهم هم أبو سفيان صخر بن حرب وابنه معاوية وحكيم بن حزام والحارث بن الحارث بن كلدة والحارث بن هشام وسهل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى والعلاء بن حارثة الثقفي وعيينة بن حصن وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس ومالك بن عوف النصري فهؤلاء أصحاب المئين وأعطى دون المائة رجالا من قريش منهم مخرمة بن نوفل الزهري وعمير بن وهب الجمحي وهشام بن عمر وأخو بني عامر قال ابن إسحاق لا أحفظ ما أعطاهم وقد عرفت أنها دون المائة وأعطى سعد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل والسهمي كذلك وقال ابن هشام واسمه عدي بن قيس وأعطى عباس بن مرداس أباعر قليلة وقال ابن التين أنهم فوق الأربعين وعد منهم عكرمة بن أبي جهل قوله ' فحدث رسول الله
' على صيغة المجهول أي أخبر رسول الله
ما قاله أناس من الأنصار قوله ' فقهاؤهم ' أي أصحاب الفهم والعلم واشتقاق الفقه في الأصل من الفهم وليس المراد منه ما جعله العرف خاصا بعلم الشريعة وتخصيصا بعلم -

72
الفروع منها. قوله: (أما ذوو رأينا) أي: أما أصحاب رأينا الذين ترجع إليهم الأمور فلم يقولوا شيئا من ذلك. قوله: (حديثة أسنانهم) أرادوا بهم الشبان الجهال الذين ما تمكنوا من القول بالصواب. وقوله: (أسنانهم) مرفوع: بحديثه. قوله: (إلى رجالكم)، هو جمع الرحل، وهو مسكن الرجل وما يستصحبه من المتاع. قوله: (خير) أي: رسول الله، صلى الله عليه وسلم خير من المال، قوله: (أثرة) بفتح الهمزة والثاء المثلثة: وهو اسم من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى يقال: استأثر فلان بالشيء أي: استبد به، وأراد استقلال الأمراء بالأموال وحرمانكم منها، وهذا مر في كتاب الشرب.
8413 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عمر بن محمد بن جبير بن مطعم أن محمد بن جبير قال أخبرني جبير بن مطعم أنه بينا هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقبلا من حنين علقت رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعطوني ردائي فلو كان عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا. (انظر الحديث 1282).
مطابقته للترجمة تستأنس من قوله: (لقسمته بينكم) وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وصالح هو ابن كيسان.
والحديث مر في كتاب الجهاد في: باب الشجاعة في الحرب والجبن فإنه أخرجه هناك: عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن عمر بن محمد... إلى آخره.
قوله: (مقبلا)، نصب على الحال، ووقع في رواية الكشميهني: مقفله أي: مرجعه. قوله: (إلى سمرة)، بفتح السين المهملة وضم الميم: وهي شجرة طويل متفرقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلب الخشب. قوله: (فخطفت رداءه) أي: خطفت السمرة على سبيل المجاز أو خطفت الأعراب. قوله: (العضاه) هو شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر، واحدتها: عضة، كشفة وشفاه، وأصلها عضهة وشفهة، فحذفت الهاء وقيل: واحدها عضاهة، وقد مر تحقيق الكلام فيه هناك.
9413 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه صلى الله عليه وسلم أعطى لهذا الأعرابي مع إساءته في حقه صلى الله عليه وسلم تألفا له، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أبو يحيى الأنصاري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن إسماعيل بن أبي أويس وفي الأدب عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي. وأخرجه مسلم في الزكاة عن عمرو بن محمد الناقد وعن يونس بن عبد الأعلى، وأخرجه ابن ماجة في اللباس عن يونس بن عبد الأعلى به مختصرا.
قوله: (وعليه برد نجراني) الواو فيه للحال، والبرد، بضم الباء الموحدة: وهو نوع من الثياب معروف، والجمع أبراد وبرود، ونجراني: بالنون المفتوحة وسكون
الجيم وبالراء: نسبة إلى نجران، بلد باليمن. قوله: (إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم)، صفح كل شيء وجهه وناحيته، والعاتق ما بين المنكب والعنق. قوله: (جذبة)، الجذبة والجبذة بمعنى واحد.
وفيه: لطف رسول الله، صلى الله عليه وسلم وحلمه وكرمه، وأنه لعلى خلق عظيم.
0513 حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله

73
رضي الله تعالى عنه قال لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة قال رجل والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته فقال فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موساى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وجرير بفتح الجيم ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو وائل شقيق بن سلمة.
والحديث أخرجه البخاري في المغازي عن قتيبة، وأخرجه مسلم في الزكاة عن زهير بن حرب.
قوله: (آثر) بالمد أي: اختار أناسا في القسمة بالزيادة، والأقرع بن حابس، بالحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة: ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي المجاشعي الدارمي، أحد المؤلفة قلوبهم، وكان الأقرع وعيينة بن حصن شهدا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف، وقال الذهبي: قال ابن دريد: اسمه فراش، ولقبه الأقرع لقرع برأسه، وكان أحد الأشراف واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيره إلى خراسان فأصيب هو والجيش بجوزجان، وعيينة، بضم العين المهملة وفتح الياء آخر الحروف الأولى وسكون الثانية أبو حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري من المؤلفة، قال الذهبي: وكان أحمق مطاعا، دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن وأساء الأدب، فصبر النبي صلى الله عليه وسلم على جفوته وأعرابيته، وقد ارتد وآمن بطليحة ثم أسر فمن عليه الصديق، رضي الله تعالى عنه، ثم لم يزل مظهرا للإسلام، واسمه حذيفة ولقبه عيينة لشتر عينه. قوله: (فقال رجل)...
. قوله: (أو ما أريد فيها) أي: في هذه القسمة، وكلمة: أو، شك من الراوي وفي مسلم بالواو من غير شك. قوله: (فأخبرته)، وفي رواية مسلم بعده: بما قال، قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف، بكسر الصاد المهملة وسكون الراء وفي آخره فاء، وهو صبغ أحمر يصبغ به الجلود، وقال ابن دريد: وقد يسمى الدم صرفا، وفي رواية أخرى له: قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته فغضب من ذلك غضبا شديدا واحمر وجهه حتى تمنيت أني لم أذكر له، وقال القاضي عياض: حكم الشرع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر وقتل، ولم يذكر في هذا الحديث أن الرجل قتل، وقال المازري: يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوة، وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة فلعله، صلى الله عليه وسلم، لم يعاقب هذا الرجل لأنه لم يثبت عليه ذلك، وإنما نقله عنه واحد، وبشهادة الواحد لا يراق الدم. قوله: (أوذي)، على صيغة المجهول.
1513 حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا هشام قال أخبرني أبي عن أسماء ابنة أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ. (الحديث 1513 طرفه في: 4225).
وجه المطابقة بينه وبين قوله في الترجمة: وغيرهم، أي: وغير المؤلفة، وفي قوله: وغيره، أي: وغير الخمس يؤخذ من هذا وفيه دقة.
وغيلان، بفتح الغين المعجمة، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة ابن الزبير بن العوام.
والحديث أخرجه البخاري مطولا في النكاح ولم يذكر هنا إلا قصة النووي. وأخرجه مسلم في النكاح عن إسحاق بن إبراهيم وفي الاستئذان عن أبي كريب، وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن عبد الله

74
ابن المبارك.
قوله: (أقطعه) أي: أعطاه قطعة من الأراضي التي جعلت الأنصار لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين قدم المدينة، أو من أراضي بني النضير، كما في الحديث بعده. قوله: (على رأسي)، يتعلق بقوله: انقل. قوله: (وهي)، أي الأرض التي أقطعه.
وقال أبو ضمرة عن هشام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير
أبو ضمرة، بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء: اسمه أنس بن عياض، وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام. وأشار بهذا التعليق إلى أن أبا ضمرة خالف أسامة في وصله فأرسله كما نرى، وأيضا فيه تعيين الأرض المذكورة وأنها كانت مما أفاء الله تعالى على رسوله، صلى الله عليه وسلم، من أموال بني النضير، فأقطع الزبير منها، وبهذا يجاب عن إشكال الخطابي حيث قال: لا أدري كيف أقطع النبي صلى الله عليه وسلم، أرض المدينة وأهلها قد أسلموا راغبين في الدين إلا أن يكون المراد ما وقع من الأنصار أنهم جعلوا للنبي، صلى الله عليه وسلم، ما لا يبلغه الماء من أرضهم فأقطع النبي صلى الله عليه وسلم لمن شاء منه.
2513 حدثني أحمد بن المقدام قال حدثنا الفضيل بن سليمان قال حدثنا موسى بن عقبة قال أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل خيبر أراد أن يخرج اليهود منها وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود وللرسول وللمسلمين فسأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتركهم على أن يكفوا العمل ولهم نصف الثمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نقركم على ذلك ما شئنا فأقروا حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء وأريحا..
قيل: لا مطابقة بين الحديث والترجمة هنا لأنه ليس للعطاء فيه ذكر. وأجيب: بأن فيه جهات قد علم من مكان آخر أنها كانت جهات عطاء، فبهذا الطريق يدخل تحت الترجمة.
وأحمد بن المقدام بن سليمان العجلي البصري، والفضيل مصغر فضل النميري البصري.
وقد مر الحديث في كتاب المزارعة في: باب إذا قال رب الأرض أقرك بما أقرك الله، فإنه أخرجه هناك مطولا عن أحمد بن المقدام عن فضيل بن سليمان عن موسى عن نافع عن ابن عمر... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (أجلى اليهود والنصارى)، أي: أخرجهم من وطنهم، يقال: أجليت القوم عن وطنهم وجلوتهم، وجلى القوم وأجلوا وجلوا، وإنما فعل هذا عمر لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يبقين دينان بجزيرة العرب، والصديق اشتغل عنه بقتال أهل الردة، أو لم يبلغه الخبر، والله أعلم. قوله: (لليهود وللرسول وللمسلمين) هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية ابن السكن: لما ظهر عليها لله وللرسول، قيل: هذا هو الصواب، وقال ابن أبي صفرة: والذي في الأصل صحيح أيضا، قال: والمراد بقوله: (لما ظهر عليها)، أي: لما ظهر على فتح أكثرها قبل أن يسأله اليهود أن يصالحوه فكانت لليهود، فلما صالحهم على أن يسلموا له الأرض كانت لله وللرسول، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي: ثمرة الأرض، ويحتمل أن يكون المراد بالأرض ما هي أعم من المفتتحة وغير المفتتحة، والمراد بظهوره عليها: غلبته لهم، فكانت حينئذ بعض الأرض لليهود وبعضها للرسول وللمسلمين. قوله: (نقركم) من التقرير، هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: نترككم. قوله: (تيماء)، بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وبالمد، قال ابن قرقول هي من أمهات القرى على البحر من بلاد طيء، منها يخرج إلى الشام. وقال البكري: قال السكوني: ترتحل من المدينة وأنت تريد تيماء فتنزل الصهباء لأشجع، ثم تنزل الثمدى لأشجع، ثم تنزل العين ثم سلاج لبني عذرة، ثم تسير ثلاث ليال في الجناب ثم تنزل تيماء، وهو لطي، قوله: (وأريحاء)، بفتح

75
الهمزة وكسر الراء وبالحاء المهملة، قال البكري: أريحا قرية بالشام وهي أرض سميت بأريحا بن لمك بن أرفخشذ بن سام ابن نوح، عليه السلام، والله تعالى أعلم.
02
((باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب))
أي: هذا باب في بيان حكم ما يصيب المجاهد من الطعام في دار الحرب هل يؤخذ منه الخمس أو هل يباح أكله للغزاة؟ وفيه خلاف، فعند الجمهور: لا بأس بأكل الطعام في دار الحرب بغير إذن الإمام ما داموا فيها فيأكلون منه قدر حاجتهم، ولا بأس بذبح البقر والغنم قبل أن يقع في المقاسم، هذا قول الليث والأربعة والأوزاعي وإسحاق، واتفقوا أيضا على جواز ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم حال الحرب، ورده بعد انقضاء الحرب، وقال الزهري: لا يأخذ شيئا من الطعام وغيره إلا بإذن الإمام، وقال سليمان بن موسى: يأخذ إلا أن ينهى الإمام.
3513 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه قال كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لآخذه فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فاستحييت منه.
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم رآه ولم ينكر عليه. فإن قلت: قال: (فنزوت لآخذه) وليس فيه أنه أخذه حتى يتأتى عدم الإنكار. قلت: جاء في رواية سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مغفل، قال: أصبت جرابا من شحم يوم خيبر، قال: فالتزمته فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا. رواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن سليمان ابن المغيرة.
وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وعبد الله بن مغفل بالغين المعجمة والفاء.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي وفي الذبائح عن أبي الوليد وفي المغازي أيضا عن عبد الله بن محمد. وأخرجه مسلم في المغازي عن بندار عن سليمان بن المغيرة، وأخرجه أبو داود في الجهاد عن موسى بن إسماعيل والقعنبي. وأخرجه النسائي في الذبائح عن يعقوب بن إبراهيم.
قوله: (بجراب)، هو: المزود، وقال القزاز: هو بفتح الجيم وهو وعاء من جلود، وفي (غرائب المدونة): هو بكسر الجيم وفتحها. وقال صاحب (المنتهى): الجراب، بالكسر والعامة تفتحه، وجمعه: أجربة وجرب بإسكان الراء وفتحها. قوله: (فنزوت)، بالنون والزاي أي: وثبت مسرعا. قوله: (فإذا النبي، صلى الله عليه وسلم) أي: هناك ونحوه، لأن كلمة: إذا، التي للمفاجأة تقع بعدها الجملة. قوله: (فاستحييت منه)، أي: من النبي صلى الله عليه وسلم، إراد أنه استحيى منه من فعل ذلك.
وفيه: إشارة إلى ما كانوا عليه من توقير النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الإعراض عن خوارم المروءة. وفيه: جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود، وكات محرمة عليهم وكرهها مالك وعنه تحريمها، وكذا عن أحمد، رضي الله تعالى عنه.
4513 حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. قوله: (العسل) بالنصب مفعول: نصيب، وعند أبي نعيم من رواية يونس بن محمد، وعند الإسماعيلي من رواية أحمد بن إبراهيم، كلاهما عن حماد بن زيد فزاد فيه: والفواكه، وروى الإسماعيلي أيضا من طريق ابن المبارك عن حماد بن زيد بلفظ: كنا نصيب العسل والسمن في المغازي فنأكله، ومن طريق جرير بن حازم عن أيوب، بلفظ: أصبنا طعاما وأغناما يوم اليرموك، وهذا موقوف يوافق المرفوع، لأن يوم اليرموك كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قوله
: (ولا نرفعه)، أي: ولا نحمله للادخار. قيل: ويحتمل أن يريد، ولا نرفعه إلى متولي القسمة أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأجل الاستئذان، وفيه ما فيه.
4513 حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه.
مطابقته للترجمة ظاهرة. قوله: (العسل) بالنصب مفعول: نصيب، وعند أبي نعيم من رواية يونس بن محمد، وعند الإسماعيلي من رواية أحمد بن إبراهيم، كلاهما عن حماد بن زيد فزاد فيه: والفواكه، وروى الإسماعيلي أيضا من طريق ابن المبارك عن حماد بن زيد بلفظ: كنا نصيب العسل والسمن في المغازي فنأكله، ومن طريق جرير بن حازم عن أيوب، بلفظ: أصبنا طعاما وأغناما يوم اليرموك، وهذا موقوف يوافق المرفوع، لأن يوم اليرموك كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (ولا نرفعه)، أي: ولا نحمله للادخار. قيل: ويحتمل أن يريد، ولا نرفعه إلى متولي القسمة أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأجل الاستئذان، وفيه ما فيه.

76
5513 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا الشيباني قال سمعت ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما يقول أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت القدور نادى منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم اكفؤوا القدور فلا تطعموا من لحوم الحمر شيئا: قال عبد الله فقلنا إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم لأنها لم تخمس قال وقال آخرونع حرمها البتة وسألت سعيد بن جبير فقال حرمها البتة..
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن عادتهم جرت بالإسراع إلى المأكولات، ولولا ذلك ما أقدموا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فلما أمروا بالإراقة كفوا.
وعبد الواحد بن زياد العبدي البصري، والشيباني، بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة والنون: هو سليمان بن أبي سليمان، واسمه فيروز الكوفي وابن أبي أوفى هو عبد الله بن أبي أوفى، واسم أبي أوفى: علقمة.
وأخرجه البخاري أيضا في المغازي عن سعيد بن سليمان. وأخرجه مسلم في الذبائح عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كامل الجحدري، وأخرجه النسائي في الصيد عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري. وأخرجه ابن ماجة في الذبائح عن سويد بن سعيد.
قوله: (مجاعة) أي: جوع شديد. قوله: (اكفوا)، أي: إقلبوا، من: كفأت القدر إذا كببتها لتفرغ ما فيها، وكفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا أملته. قوله: (ولا تطعموا) أي: ولا تذوقوا. قوله: (قال عبد الله)، هو عبد الله بن أبي أوفى الصحابي راوي الحديث، وبين ذلك في المغازي من وجه آخر عن الشيباني، بلفظ: قال ابن أبي أوفى: فتحدثنا... فذكر نحوه، وفي رواية مسلم من طريق علي بن مسهر عن الشيباني، قال: فتحدثنا بيننا... أي: الصحابة، وهذه إشارة إلى أن الصحابة اختلفوا في علة النهي عن لحوم الحمر: هل هو لذاتها أو لعارض؟ فقال عبد الله: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم لأنها لم تخمس، فهذا يدل على أنها إذا خمست تؤكل. وقال بعضهم: لأنها كانت تأكل القذر، وفي (كتاب الأطعمة) لعثمان بن سعيد الدارمي، بإسناده عن سعيد بن جبير، قال: إنما نهى عنها لأنها كانت تأكل القذر، وقال آخرون، منهم عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: إنما كرهت ابقاء على الظهر وخشية أن يفنى. قوله: (وقال آخرون: حرمها البتة)، أي: قال جماعة آخرون من الصحابة: حرمها البتة، يعني قطعا، وهو منصوب على المصدرية، يقال: بته البتة من البت، وهو القطع. قوله: (وسألت سعيد ابن جبير)، السائل هو الشيباني، وللشيباني رواية عن سعيد بن جبير من غير هذا الحديث عند النسائي. فإن قلت: روى ابن شاهين في (ناسخه) استدلالا على نسخ التحريم بأسناد جيد عن البراء بن عازب، قال: أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أن نكفيء الحمر الأهلية نيئة ونضيجة، ثم أمر...
.. بعد ذلك، وروى أبو داود أيضا من حديث غالب بن أبجر أنه قال: يا رسول الله! لم يبق في مالي شيى أطعم أهلي إلا حمر لي! فقال: أطعم أهلك من سمين مالك. قلت: الأحاديث الصحيحة الثابتة ترد ذلك كله، وقال الخطابي: حديث غالب مختلف في إسناده فلا يثبت، والنهي ثابت، وقال عبد الحق: ليس هو بمتصل الإسناد، وقال السهيلي: ضعيف لا يعارض بمثله حديث النهي.
بسم الله الرحمان الرحيم
85
((كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب))
أي: هذا كتاب في بيان أحكام الجزية إلى آخره، ولفظ: الكتاب، إنما وقع عند أبي نعيم وابن بطال وعند الأكثرين: باب الجزية، وأما البسملة فموجودة عند الكل إلا في رواية أبي ذر، والجزية من الجزاء: لأنها مال يؤخذ من أهل الكتاب جزاء الإسكان في دار الإسلام، وقيل: من جزأت الشيء إذا قسمته، ثم سهلت الهمزة، وهي عبارة عن المال الذي يعقد للكتابي عليه الذمة، وهي فعيلة من الجزاء، كأنها جزت عن قتله، والموادعة المتاركة، والمراد بها متاركة أهل الحرب مدة معينة لمصلحة، قيل: فيه لف ونشر مرتب لأن الجزية مع أهل الذمة والموادعة مع أهل الحرب.

77
وقول الله تعالى * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * (التوبة: 92).
وقول الله، بالجر عطفا على قوله: الجزية، أي: وفي بيان قول الله عز وجل. ومطابقة الآية الكريمة للترجمة في قوله: * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * (التوبة: 92). وهذه الآية أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعدما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا واستقامت جزيرة العرب، أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين: اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع، ولهذا جهز رسول الله، صلى الله عليه وسلم لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم فأوعبوا معه، واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفا، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم، وكان
ذلك في عام جدب ووقت قيظ وحر، وخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم يريد الشام لقتال الروم، فبلغ تبوك فنزل بها وأقام على مائها قريبا من عشرين يوما، ثم استخار الله تعالى في الرجوع فرجع لضيق الحال وضعف الناس. قوله: * (حتى يعطوا الجزية) * (التوبة: 92). أي: إن لم يسلموا. قوله: * (عن يد) * (التوبة: 92). أي: عن قهر وغلبة. * (وهم صاغرون) * (التوبة: 92). أي: ذليلون حقيرون مهانون، فلهذا لا يجوز إعزازهم لا رفعهم على المسلمين، بل أذلاء أشقياء.
أذلاء
هذا تفسير البخاري لقوله تعالى: * (وهم صاغرون) * (التوبة: 92). وذكر أبو عبيد في (المجاز): الصاغر الذليل الحقير.
والمسكنة مصدر المسكين يقال: أسكن من فلان أحوج منه ولم يذهب إلى السكون
وجه ذكر البخاري لفظ المسكنة هنا هو أن عادته أنه يذكر ألفاظ القرآن التي لها أدنى مناسبة بينها وبين ما هو المقصود في الباب، ويفسرها. وقد ورد في حق أهل الكتاب قوله تعالى: * (وضربت عليهم الذلة والمسكنة) * (البقرة: 16). فقال: والمسكنة مصدر المسكين. قلت: المسكنة الفقر المدقع، وقال ابن الأثير: المسكنة فقر النفس، فإن كان مراد البخاري من المصدر الاصطلاحي فلا يصح على ما لا يخفى، وإن كان مراده الموضع فكذلك، لأنه لا يقال: المسكنة موضع صدور المسكين. قوله: (أسكن من فلان أحوج منه)، إشارة إلى أن المسكين يؤخذ من قولهم: فلان أسكن من فلان، أي: أحوج، وليس من السكون الذي هو قلة الحركة، وهذا الكلام فيه ما فيه أيضا، لأن المسكنة والمسكين وما يشتق من ذلك في هذا الباب كلها من السكون، وقال بعضهم: والقائل: ولم يذهب إلى الكسون، قيل: هو الفربري الراوي عن البخاري. قلت: من قال ممن تصدى شرح البخاري أو من غيرهم إن قائل هذا هو الفربري، وهذا تخمين وحدس، ولئن سلمنا أن أحدا منهم ذكر هذا الإبهام فلا يفيد شيئا، لأن المتصرف في مادة خارجا عن القاعدة لا يؤخذ منه، وهذا مما لا نزاع فيه ولا مكابرة.
وما جاء في أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس والعجم
أي: وفي بيان ما جاء في أخذ الجزية... إلى آخره، وهذا من بقية الترجمة. قوله: (والعجم)، أعم من المعطوف عليه من وجه وأخص من وجه آخر، وهذا الذي ذكره هو قول أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، فإن عنده تؤخذ الجزية من جميع الأعاجم، سواء كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين. وعند الشافعي وأحمد: لا يؤخذ إلا من أهل الكتاب، وعند مالك: يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتابي ومجوسي ووثني وغير ذلك، إلا من ارتد، وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام.
وقال ابن عيينة عن ابن أبي نجيح قلت لمجاهد ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار قال جعل ذالك من قبل اليسار

78
ابن عيينة هو سفيان، وابن أبي نجيح هو عبد الله، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عنه به، وزاد بعد قوله: أهل الشام من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية. قوله: (من قبل اليسار)، أي: من جهة الغنى، وأشار بهذا إلى جواز التفاوت في الجزية، وقد عرف ذلك في الفروع.
6513 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال سمعت عمرا قال كنت جالسا مع جابر ابن زيد وعمرو بن أوس فحدثهما بجالة سنة سبعين عام حج مصعب بن الزبير بأهل البصرة عند درج زمزم قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله
أخذها من مجوس هجر)
مطابقته للترجمة في قوله والمجوس.
(ذكر رجاله) الرجال المذكورون فيه أحد عشر نفسا * الأول علي بن عبد الله المعروف بابن المديني * الثاني سفيان بن عيينة * الثالث عمرو بن دينار * الرابع جابر بن زيد أبو الشعثاء البصري * الخامس عمرو بن أوس بفتح الهمزة وسكون الواو وفي آخره سين مهملة الثقفي المكي * السادس بجالة بفتح الباء الموحدة وتخفيف الجيم باللام ابن عبدة بالمهملتين والباء الموحدة المفتوحات التميمي وقد يقال بجالة بن عبد بسكون الباء بلا هاء وهو من التابعين الكبار المشهورين من أهل البصرة * السابع مصعب بن الزبير بن العوام أبو عبد الله من الطبقة الثانية من التابعين من أهل المدينة وكان يجالس أبا هريرة وحكى عن عمر بن الخطاب وروى عن أبيه الزبير بن العوام وسعد وأبي سعيد الخدري وكان يقال له النحل لجوده وكان جميلا وسيما شجاعا وولي العراق خمس سنين فأصاب ألف ألف وألف ألف وألف ألف ففرقها في الناس قتل يوم الخميس النصف من جمادى الأخرى سنة اثنتين وسبعين وسنة خمس وثلاثون سنة وقيل تسع وثلاثون وقيل أربعون وقيل خمس وأربعون وكان قتله عند دير الجاثليق على شاطيء نهر يقال له دجيل وقبره معروف هناك وكان عبد الملك بن مروان سار في جنود هائلة من الشام فالتقى مصعبا في السنة المذكورة وعبد الملك في خمسين ألفا ومصعب في ثلاثين ألفا فانهزم جيش مصعب لنفاق جماعة من عسكره وقتل منهم خلق كثير وقتل مصعب قتله زائدة بن قدامة وقيل يزيد بن الهبار القابسي وكان من أصحاب مصعب ونزل إليه عبيد الله بن ظبيان فخر رأسه وأتى به عبد الملك فأعطاه ألف دينار وكان في هذه الأيام عبد الله بن الزبير يدعى له بالخلافة في أرض الحجاز وأخوه مصعب كان عامله على البصرة والكوفة * الثامن جزء بفتح الجيم وسكون الزاي وفي آخره همزة ابن معاوية بن حصين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة التميمي السعدي قال الدارقطني بكسر الجيم وسكون الزاي وبالياء آخر الحروف وقال ابن ماكولا بفتح الجيم وكسر الزاي وبالياء وقيل بضم الجيم وفتح الزاي وتشديد الياء وقيل هذا تصحيف وقال بعضهم وهو معدود في الصحابة وكان عامل عمر على الأهواز وقال أبو عمر في الاستيعاب لا يصح له صحبة * التاسع الأحنف بن قيس واسمه
الضحاك بن قيس وقيل صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة بن النزال بن مرة ابن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة التميمي السعدي قال أبو عمر أدرك النبي
ولم يره وأسلم على عهد النبي
وكان أحد الأجلة الحكماء الدهاة الحلماء العقلاء يعد من كبار التابعين بالبصرة ومات بالكوفة في إمارة مصعب بن الزبير سنة سبع وستين ومشى مصعب في جنازته وقال الذهبي هو مخضرم * العاشر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه * الحادي عشر عبد الرحمن بن عوف أحد المبشرة بالجنة
(ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه السماع في موضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه عمرو بن دينار وليس له هنا رواية لأن بجالة لم يقصده بالتحديث وإنما حدث غيره

79
فسمعه هذا وهذا من وجوه التحمل بالاتفاق ولكن اختلفوا هل يسوغ أن يقول حدثنا والجمهور على الجواز ومنع منه النسائي وطائفة قليلة وقال البرقاني يقول سمعت فلانا * وفيه بجالة وما له في البخاري سوى هذا الموضع وذكر المزي هذا الحديث في مسند عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه
(ذكر من أخرجه غيره) أخرجه أبو داود أيضا في الخراج عن مسدد عن سفيان بأتم منه وأخرجه الترمذي في السير عن أحمد بن منيع بقصة الجزية مختصرة وعن ابن أبي عمر وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه عن سفيان به مختصرا
(ذكر معناه) قوله ' سنة سبعين ' فيها حج مصعب بن الزبير وأخوه يدعي له بالخلافة بالحجاز والعراق وقدم بأموال عظيمة ودواب وظهر ففرق الجميع في قومه وغيرهم ونحر عند الكعبة ألف بدنة وعشرين ألف شاة وأغنى ساكني مكة وعاد إلى الكوفة قوله ' عند درج زمزم ' الدرج بفتحتين جمع درجة وهي المرقاة قاله الجوهري وفي المغرب درج السلم رتبة الواحدة درجة قوله ' قبل موته ' أي قبل موت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قوله ' فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس ' قال الخطابي أمر عمر رضي الله تعالى عنه بالتفرقة أي بين الزوجين المراد منه أن يمنعوا من إظهاره للمسلمين والإشارة به في مجالسهم التي يجتمعون بها للأملاك وإلا فالسنة أن لا يكشفوا عن بواطن أمورهم وعما يستحلون به من مذاهبهم في الأنكحة وغيرها وذلك كما يشترط على النصارى أن لا يظهروا صليبهم ولا يفشوا عقائدهم لئلا يفتتن به ضعفة المسلمين ثم لا يكشف لهم عن شيء مما استحلوه من بواطن الأمور وفي رواية مسدد وأبي يعلى بعد قوله فرقوا بين كل زوجين من المجوس اقتلوا كل ساحر قال فقتلنا في يوم ثلاث سواحر وفرقنا بين المحارم منهم وصنع طعاما فدعاه وعرض السيف على فخذيه فأكلوا بغير رمرمة قوله ' ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس ' لأنه كان يرى في زمانه أن الجزية لا تقبل إلا من أهل الكتاب إذ لو كان عاما لما كان في توقفه في ذلك معنى قوله ' حتى شهد عبد الرحمن بن عوف ' يعني إلى أن شهد فلما شهد بذلك رجع إليه وفي الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر قال لا أدري ما أصنع بالمجوس فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لقد سمعت رسول الله
يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب وهذا منقطع ورجاله ثقات ورواه ابن المنذر والدارقطني في الغرائب من طريق أبي علي الحنفي عن مالك فزاد فيه عن جده وهذا أيضا منقطع لأن جده علي بن الحسين لم يلحق عبد الرحمن بن عوف ولا عمر وقال أبو عمر هذا من العام الذي أريد به الخاص لأن المراد منه أهل الكتاب وأخذ الجزية فقط واستدل بقوله سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل الكتاب ورد هذا بأن قوله
سنوا بهم سنة أهل الكتاب يعني في أخذ الجزية منهم ومن ادعى الخصوص فعليه الدليل وأيضا فإنه
كان يبعث أمراء السرايا فيقول لهم إذا لقيتم العدو فادعوهم إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا فالجزية فإن أعطوا وإلا قاتلوهم ولم ينص على مشرك دون مشرك بل عم جميعهم لأن الكفر يجمعهم ولما جاز أن يسترقهم جاز أن تؤخذ منهم الجزية عكسه المرتد لما لم يجز أن يسترق لم يجز أخذ الجزية منه (فإن قلت) تدل الآية المذكورة على أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب قلت لا نسلم لأن الله تعالى لم ينه أن تؤخذ من غيرهم وللشارع أن يزيد في البيان ويفرض ما ليس بموجود ذكره في الكتاب على أن الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما رووا بإسناد حسن عن علي رضي الله تعالى عنه كان المجوس أهل كتاب يقرؤنه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال إن آدم عليه الصلاة والسلام كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه فقتل من خالفه فأسرى على كتابهم وعلى ما في قلوبهم فلم يبق عندهم شيء قوله ' هجر ' بفتحتين قالوا المراد منه هجر البحرين قال الجوهري هو اسم بلد مذكر مصروف وقال الزجاجي يذكر ويؤنث وقال البكري لا يدخله الألف واللام * وفي الحديث قبول خبر الواحد *

80
8513 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة أنه أخبره أن عمرو بن عوف الأنصاري وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان شهد بدرا أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما صلى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم وقال أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوا ها وتهلككم كما أهلكتهم.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (بعث أبا عبيدة إلى البحرين) إلى قوله: (فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين) وكان أهل البحرين إذ ذاك مجوسا.
وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، والزهري هو محمد بن مسلم، وكل هؤلاء قد ذكروا، وعمرو بن عوف بالفاء في آخره الأنصاري، قال
أبو عمر: عمرو بن عوف الأنصاري، حليف لبني عامر بن لؤي، شهد بدرا، يقال له: عمير، وقال ابن إسحاق: هو مولى سهيل بن عمرو العامري، سكن المدينة، لا عقب له، روى عنه المسور بن مخرمة حديثا واحدا: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين، قال بعضهم: المعروف عند أهل المغازي أنه من المهاجرين، لأن قوله: وهو حليف لبني عامر يشعر بكونه من أهل مكة. قلت: لا يقطع به أنه من المهاجرين، ثم قال هذا القائل: ثم ظهر لي أن لفظة الأنصاري وهم، وقد تفرد بها شعيب عن الزهري، ورواه أصحاب الزهري كلهم عنه بدونها في (الصحيحين) وغيرهما. قلت: هذا أيضا لا يجزم به أنه من المهاجرين، وشعيب بن أبي حمزة ثقة لا يضر تفرده بمثل هذا، على أنه يحتمل أن يكون أصله من الأوس أو من الخزرج، ونزل مكة وحالف بعض أهلها، فبهذا الاعتبار يطلق عليه أنه أنصاري مهاجري باعتبار الوجهين المذكورين، ووقع عند موسى بن عقبة في المغازي أنه: عمير بن عوف، بالتصغير، وقد ذكرنا عن قريب عن أبي عمر أنه يقال له: عمر، وقد فرق العسكري بين عمرو بن عوف وعمير بن عوف، والصواب ما قاله أبو عمر: إنهما واحد.
قوله: (أبا عبيدة)، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح أمين هذه الأمة. قوله: (وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو صالح أهل البحرين)، وكان ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة. قوله: (وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي)، وهو صحابي مشهور، واسم الحضرمي: عبد الله بن مالك بن ربيعة، وكان من أهل حضرموت، فقدم مكة فخالف بها بني مخزوم وأسلم العلاء قديما، ومات أبو عبيدة والعلاء باليمن وعمرو بن عوف في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنهم، قوله: (أملوا)، من التأميل. قوله: (لا الفقر)، منصوب لأنه مفعول أخشى. قوله: (أن تبسط)، كلمة: أن، مصدرية في محل النصب على أنه مفعول ولكن أخشى. قوله: (فتنافسوها)، من التنافس، وهو الرغبة في الشيء والانفراد به، وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه ونافست في الشيء منافسة ونفاسا: إذا رغبت فيه.
وفي الحديث: أن طلب العطاء من الإمام لا غضاضة فيه. وفيه: البشرى من الإمام لاتباعه وتوسيع أملهم منه. وفيه: من إعلام النبوة أخباره صلى الله عليه وسلم بما يفتح عليهم. وفيه: أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين.
9513 حدثنا الفضل بن يعقوب قال حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي قال حدثنا بكر بن عبد الله المزني وزياد

81
ابن جبير عن جبير عن جبير بن حية قال بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين فأسلم الهرمزان فقال إني مستشيرك في مغازي هذه قال نعم مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وله جناحان وله رجلان فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس فالرأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى. وقال بكر وزياد جميعا عن جبير بن حية قال فندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا فقام ترجمان فقال ليكلمني رجل منكم فقال المغيرة سل عما شئت قال ما أنتم قال نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد نمص الجلد والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر ونعبد الشجر والحجر فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبيا من أنفسنا نعرف أباه وأمه فأمرنا نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط ومن بقي منا ملك رقابكم. فقال النعمان ربما أشهدك الله مثلها مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يندمك ولم يخزك ولكني شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات. (الحديث 9513 طرفه في: 0357).
مطابقته للترجمة في تأخير النعمان بن مقرن عن مقاتلة العدو وانتظاره هبوب الرياح وزوال الشمس، وهو معنى قوله في آخر الحديث: (أنتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات) وفي رواية ابن أبي شيبة: حتى تزول الشمس، على ما نذكره، إن شاء الله تعالى، وهذه موادعة في هذا الزمان مع الإمكان للمصلحة، والترجمة هي المواعدة مع أهل الحرب، وهي ترك قتالهم مع إمكانه قبل الظفر بهم.
ذكر رجاله وهم ثمانية: الأول: الفضل بن يعقوب الرخامي البغدادي، وهو من أفراده، مر في البيع. الثاني: عبد الله ابن جعفر بن غيلان أبو عبد الرحمن الرقي، بفتح الراء المشددة وكسر القاف المشددة: نسبة إلى الرقة، وكانت مدينة مشهورة على شرقي ضفة الفرات، ويقال لها: الرقة البيضاء، وهي الرافقة أما الرقة فخربت وغلب اسم الرقة على الرافقة. الثالث: المعتمر بن سليمان، كذا وقع في جميع النسخ: بسكون العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وكسر الميم، وكذا وقع في (مستخرج) الإسماعيلي وغيره في هذا الحديث، وزعم الدمياطي: أن الصواب: المعمر، بفتح العين المهملة وتشديد الميم المفتوحة وبالراء، قال: لأن عبد الله ابن جعفر لا يروي عن المعتمر البصري، ورد بأن ذلك ليس بكاف في رد الروايات الصحيحة، لأن عدم دخول أحدهما بلد الآخر لا يستلزم عدم ملاقاتهما في سفر الحج ونحوه، وقال بعضهم: وأغرب الكرماني، فحكى أنه قيل: الصواب في هذا: معمر ابن راشد، يعني: شيخ عبد الرزاق، ثم قال: قلت: وهذا هو الخطأ بعينه، فليست لعبد الله بن جعفر الرقي عن معمر بن راشد رواية أصلا. انتهى. قلت: الكرماني لم يجزم فيه، بل حكى عن بعضهم، ولمن حكى عنه أن يقول: الدعوى بعدم رواية عبد الله بن جعفر الرقي عن معمر بن راشد يحتاج إلى دليل، فمجرد النفي غير كاف. الرابع: سعيد بن عبيد الله الثقفي، هو ابن جبير بن حية الذي

82
يأتي الآن. الخامس: بكر بن عبد الله المزني البصري. السادس: زياد بن جبير بن حية الثقفي، روى عن أبيه جبير بن حية، وروى عنه سعيد بن عبيد الله الثقفي المذكور آنفا. السابع: جبير بن حية، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف: ابن مسعود، ابن معتب بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي، ولاه زياد أصبهان، ومات أيام عبد الملك بن مروان، وقال ابن ماكولا: جبير بن حية الثقفي روى عن المغيرة بن شعبة، هو والد الجبيرين بالبصرة، وابنه زياد بن جبير. قلت: روى جبير بن حية أيضا عن عمر بن الخطاب، والنعمان بن بشير. الثامن: عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه.
وأخرج البخاري بعض هذا الحديث في التوحيد عن الفضل بن يعقوب أيضا.
ذكر معناه: قوله: (في أفناء الأمصار)، قال صاحب (المطالع): قوله، في أفناء الناس، أي: جماعاتهم، والواحد فنو، وقيل: أفناء الناس أخلاطهم، يقال للرجل إذا لم يعلم من أي قبيلة: هو من أفناء القبائل، وقيل: الأفناء أنزاع من القبائل من ههنا ومن ههنا، حكى أبو حاتم أنه لا يقال في الواحد: هذا من أفناء الناس، إنما يقال في الجماعة هؤلاء من أفناء الناس، وقال الجوهري: يقال: هو من أفناء الناس، إذا لم يعلم ممن هو، وقال ابن الأثير: وفي الحديث: رجل من أفناء الناس أي: لم يعلم ممن هو، الواحد فنو، وقيل: هو من الفناء، وهو المتسع أمام الدار، ويجمع الفناء على أفنية، وقال الكرماني: قوله: أفناء الأمصار، يقال: هو من أفناء الناس إذا لم يعلم ممن هو، وفي بعضها: الأمصار، بالميم، وقال بعضهم (في أفناء الأمصار): إنه في مجموع البلاد الكبار. قلت: هذا التفسير ليس على قانون اللغة، والذي ذكرناه هو التفسير. قوله: (فأسلم الهرمزان)، بضم الهاء وسكون الراء وضم الميم وتخفيف الزاي، وفي آخره نون و: هذا الموضع يقتضي بعض بسط الكلام حتى ينشرح صدر الناظر فيه، لأن الراوي هنا أخل شيئا كثيرا، فنقول: وبالله التوفيق: أما الهرمزان فكان ملكا كبيرا من ملوك العجم، وكانت تحت يده كورة الأهواز، وكورة جندي سابور، وكورة السوس، وكورة السرق، وكورة نهر بين، وكورة نهر تيري، ومناذر، بفتح الميم والنون وبعد الألف ذال معجمة وفي آخره راء، وكان الهرمزان في الجيش الذين أرسلهم يزدجر إلى قتال المسلمين وهم على القادسية، وهي قرية على طريق الحاج على مرحلة من الكوفة، وأمير المسلمين يومئذ سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه، وكان رأس جيش العجم رستم في مائة ألف وعشرين ألفا يتبعها ثمانون ألفا، ومعهم ثلاثة وثلاثون فيلا، وكان الهرمزان رأس الميمنة، وزعم ابن إسحاق أن المسلمين كانوا ما بين السبعة آلاف إلى الثمانية آلاف، ووقع بينهم قتال عظيم لم يعهد مثله، وأبلى في ذلك اليوم جماعة من الشجعان مثل طليحة الأسدي وعمرو بن معدي كرب والقعقاع بن عمرو وجرير بن عبد الله البجلي وضرار بن الخطاب وخالد بن عرفطة وأمثالهم، وكانت الوقعة بينهم يوم الاثنين مستهل المحرم عام أربع عشرة، وأرسل الله تعالى في ذلك اليوم ريحا شديدة أرمت خيام الفرس من أماكنها، وألقت سرير رستم مقدم الجيش، فركب بغلة وهرب، وأدركه المسلمون وقتلوه، وانهزمت الفرس وقتل المسلمون منهم خلقا كثيرا، وكان فيهم المسلسلون ثلاثين ألف فقتلوا بكمالهم، وقتل في المعركة عشرة آلاف، وقيل: قريب من ذلك، ولم يزل المسلمون وراءهم إلى أن دخلوا مدينة الملك، وهي المدائن التي فيها إيوان كسرى، وكان الهرمزان من جملة الهاربين، ثم وقعت بينه وبين المسلمين وقعة، ثم وقع الصلح بينه وبين المسلمين، ثم نقض الصلح ثم: جمع أبو موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه، الجيش وحاصروا هرمزان في مدينة تستر، ولما اشتد عليه الأمر بعث إلى أبي موسى فسأل الأمان إلى أن يحمله إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، فأجابه إلى ذلك ووجه معه الخمس من غنائم المسلمين، فلما وصل إليه ووقع نظره عليه سجد لله تعالى، وجرى بينه وبين عمر محاورات، ثم بعد ذلك أسلم طائعا غير مكره، وأسلم من كان معه من أهله وولده وخدمه، ثم قربه عمر وفرح بإسلامه، فهذه قصة إسلام هرمزان الذي قال في حديث الباب: فأسلم الهرمزان، وكان لا يفارق عمر حتى قتل عمر، رضي الله تعالى عنه، فاتهمه بعض الناس بممالأة أبي لؤلؤه فقتله عبيد الله بن عمر. قوله: (فقال: إني مستشيرك)، أي: قال عمر، رضي الله تعالى عنه، للهرمزان. قوله: (في مغازي)، بتشديد الباء، وقد بين ابن أبي شيبة ما قصده من ذلك، فروى من طريق معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في فارس وأصبهان وأذربيجن أن بأيها يبدأ، وإنما شاوره عمر، رضي الله تعالى عنه، في ذلك لأنه كان أعلم بأحوال تلك البلاد. قوله: (قال: نعم)

83
أي: قال الهرمزان: نعم، وهو حرف إيجاب، وقال الكرماني: إن صحت الرواية بلفظ فعل المدح فتقديره: نعم المثل مثلها، والضمير في مثلها يرجع إلى الأرض التي يدل عليها السياق، وارتفاع: مثلها، على الابتداء وخبره قوله: مثل طائر. قوله: (والجناج قيصر)، هو ملك الروم، قيل: فيه نظر لأن كسرى لم يكن رأسا للروم، ونوزع في هذا بأن كسرى رأس الكل لأنه لم يكن في زمانه ملك أكبر منه، لأن سائر ملوك البلاد كانوا يهابونه ويهادونه. قوله: (فلينفروا إلى كسرى)، إنما أشار بالنفير أولا إلى كسرى لكونه رأسا، فإذا فات الرأس فات الكل. وأشار إلى هذا المعنى بقوله: (وإن شدخ الرأس) أي: وإن كسر، من الشدخ بالشين المعجمة والدال المهملة والخاء المعجمة، قال ابن الأثير: الشدخ كسر الشيء الأجوف، تقول: شدخت رأسه فانشدخ، فإن قلت: قال: فالرأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس، وما الرجلان؟ قلت: لقيصر الفربخ مثلا، ولكسرى الهند مثلا، ولا شك أن الفربخ كانت في طرف من قيصر متصلين به، والهند كانت في طرف من كسرى متصلين به، وإنما لم يقل: وإن كسر الرجلان فكذا، اكتفاء للعلم بحاله قياسا على الجناح، لا سيما وأنه بالنسبة إلى الظاهر أسهل حالا من الجناح. فإن قلت: إذا انكسر الجناحان والرجلان جميعا لا ينهض أيضا؟ قلت: الغرض أن العضو الشريف هو الأصل فإذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد، بخلاف العكس. قوله: (وقال بكر)، هو بكر بن عبد الله المذكور. (وزياد)، هو زياد بن جبير المذكور. قوله: (فندبنا)، بفتح الدال والباء على صيغة الماضي، أي: طلبنا ودعانا وعزم علينا أن نجتمع للجهاد. قوله: (واستعمل علينا النعمان بن مقرن) أي: جعله أميرا علينا، وكان النعمان قدم على عمر، رضي الله تعالى عنه، بفتح القادسية التي ذكرناها عن قريب، وفي رواية ابن أبي شيبة: فدخل عمر المسجد فإذا هو بالنعمان يصلي، فقعد فلما فرغ قال: إني مستعملك! قال: أما جابيا فلا، ولكن غازيا. قال: فإنك غاز، فخرج ومعه الزبير وحذيفة وابن عمر والأشعث وعمرو بن معدي كرب، وفي رواية الطبراني: فأراد عمر، رضي الله تعالى عنه، أن يسير بنفسه ثم بعث النعمان ومعه ابن عمر وجماعة، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن يسير بأهل البصرة، وإلى حذيفة أن يسير بأهل الكوفة حتى يجتمعوا بنهاوند، وإذا التقيتم فأميركم النعمان بن مقرن، بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء المشددة وبالنون: ابن عائذ بن منجي بن هجير بن نصر بن حبشية بن كعب بن عبد بن تور بن هدمة بن الأطم بن عثمان. وهو مزينة بن عمرو بن أد بن طابخة المزني، قال أبو عمر: ويقال: النعمان بن عمرو بن مقرن، يكنى أبا عمرو، ويقال: أبا حكيم. قال مصعب: هاجر النعمان بن مقرن ومعه سبعة أخوة، وروى عنه أنه قال: قدمنا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم في أربع مائة من مزينة، ثم سكن البصرة وتحول عنها إلى
الكوفة. قوله: (حتى إذا كنا بأرض العدو) وهي نهاوند، بضم النون وتخفيف الهاء وفتح الواو وسكون النون، وفي آخره دال مهملة، وضبط بعضهم: بفتح النون وليس كذلك، بل بالضم لأن الذي بناها نوح، عليه الصلاة والسلام، وكانت تسمى: نوح أوند، يعني: عمرها نوح، عليه الصلاة والسلام، فأبدلوا الحاء هاء، وهي مدينة جنوبي همدان ولها أنهار وبساتين، وهي كثيرة الفواكه وتحمل فواكهها إلى العراق لجودتها، منها إلى همدان أربعة عشر فرسخا، وهي من بلاد عراق العجم في حد بلاد الجيل. قوله: (وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا)، كان هؤلاء الأربعون ألفا من أهل فارس وكرمان، وكان من أهل نهاوند عشرون ألفا ومن أهل أصبهان عشرون، ومن أهل قم وقاشان عشرون ومن أهل أذربيجان ثلاثون ألفا ومن بلاد أخرى عشرون ألفا فالجملة مائة ألف وخمسون ألفا فرسانا، وكان عامل كسرى الذي على هؤلاء الجيش الغيرزان، ويقال: بندار، ويقال: ذو الحاجبين، وقال ابن الأثير في (كتاب الأذواء): ذو الحاجبين هو خرزاد بن هرمز من الفرس أحد الأمراء الأربعة الذين أمرتهم الأعاجم على كورة نهاوند، وكانت هذه الوقعة التي وقعت على نهاوند وقعة عظيمة، وكان المسلمون يسمونها فتح الفتوح، وقال ابن إسحاق والواقدي: كانت وقعة نهاوند في سنة إحدى وعشرين، وقال سيف: كانت في سنة سبع عشرة، وقيل: في سنة تسع عشرة، وكانت هذه الواقعة أربع وقعات، وفي الوقعة الثانية قتل النعمان ابن مقرن أمير الجيش وقام مقامه حذيفة بن اليمان، رضي الله تعالى عنه، قوله: (فقام ترجمان)، بفتح التاء وضمها وضم الجيم والوجه الثالث فتحهما نحو: الزعفران. قوله: (فقال المغيرة)، وهو المغيرة بن شعبة، وكان هو الترجمان، وكذلك كان هو الترجمان بين الهرمزان وعمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، في المدينة لما قدم الهرمزان إليه كما ذكرناه. قوله: (قال: ما أنتم؟)

84
هكذا خاطب عامل كسرى الذي هو عينه على جيشه بصيغة من لا يعقل احتقارا له. قوله: (قال: ناس من العرب) أي: قال المغيرة: نحن ناس من العرب... إلى آخر ما ذكره، وفي رواية ابن أبي شيبة، فقال: إنكم معشر العرب، أصابكم جوع وجهد فجئتم، فإن شئتم مرناكم، بكسر الميم وسكون الراء أي: أعطيناكم الميرة، أي الزاد ورجعتم، وفي رواية الطبري: إنكم معشر العرب أطول الناس جوعا وأبعد الناس من كل خير، وما منعني أن أمر هؤلاء الأساورة أن ينتظموكم بالنشاب إلا تقذرا لجيفكم. قال المغيرة: فحمدت لله وأثنيت عليه، ثم قلت: ما أخطأت شيئا من صفتنا، كذلك كنا حتى بعث الله إلينا رسوله. قوله: (نعرف أباه وأمه)، وزاد في رواية ابن أبي شيبة: في شرف منا أوسطنا حسبا وأصدقنا حديثا. قوله: (فقال النعمان) يعني للمغيرة: ربما أشهدك الله أي أحضرك الله مثلها، أي: مثل هذه الشدة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم قوله: (فلم يندمك) بضم الياء من الإندام، يقال: أندمه الله فندم، والمعنى: لم يندمك فيما لقيت معه من الشدة. قوله: (ولم يخزك) من الإخزاء، يقال: خزي، بالكسر: إذا ذل وهان، ويروى: فلم يحزنك، بالحاء المهملة والنون، وهي رواية الأكثرين، والأولى رواية المستملي، وهي أوجه لوفاق ما قبله، كما في حديث وفد عبد القيس: غير خزايا ولا ندامى، وهذه المحاورة التي وقعت بين النعمان بن مقرن والمغيرة بن شعبة بسبب تأخير النعمان القتال، فاعتذر النعمان بقوله: (ولكني شهدت القتال مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم...) إلى آخره، وقال الكرماني ما معنى الاستدراك؟ وأين توسطه بين كلامين متغايرين؟ قلت: كان المغيرة قصد الاشتغال بالقتال أول النهار بعد الفراغ من المكالمة مع الترجمان فقال النعمان: إنك شهدت القتال مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم لكنك ما ضبطت انتظاره للهبوب، وقال ابن بطال: قوله: (ولكني شهدت...) إلى آخره كلام مستأنف وابتداء قصة أخرى. قلت: الذي قاله الكرماني هو الذي يقتضيه سياق الكلام، وسياقه على ما لا يخفى على المتأمل، وفي رواية الطبري: قد كان الله أشهدك أمثالها، والله ما منعني أن أناجزهم إلا شيء شهدته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: كان إذا لم يقاتل أول النهار إلى آخره. قوله: (حتى تهب الأرواح) جمع ريح، وأصله: روح، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، والتصغير والتكسير يردان الأشياء إلى أصولها. وقد حكى ابن جني جمع ريح على: أرياح. قوله: (وتحضر الصلوات) يعني: بعد زوال الشمس، تدل عليه رواية ابن أبي شيبة: وتزول الشمس، وزاد في رواية الطبري: ويطيب القتال، وفي رواية ابن أبي شيبة: وينزل النصر.
وفي الحديث من الفوائد منقبة النعمان ومعرفة المغيرة بن شعبة بالحرب وقوة نفسه وشهامته وفصاحته وبلاغته واشتمال كلامه على بيان أحوالهم الدينية والدنياوية، وعلى بيان معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وأخباره عن المغيبات ووقوعها كما أخبر. وفيه: فضل المشورة وأن الكبير لا نقص عليه في مشاورة من هو دونه، وأن المفضول قد يكون أميرا على الأفضل، لأن الزبير ابن العوام، رضي الله تعالى عنه، كان في جيش عليه النعمان بن مقرن، والزبير أفضل منه اتفاقا وفيه: ضرب المثل. وفيه: جودة تصور الهرمزان، وكذلك استشارة عمر، رضي الله تعالى عنه. وفيه: الإرسال إلى الإمام بالبشارة. وفيه: فضل القتال بعد زوال الشمس على ما قبله.
2
((باب إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم؟))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا وادع الإمام، من الموادعة، وهي: المصالحة والمسالمة على ترك الحرب والأذى، وحقيقة الموادعة المتاركة أي: يدع كل واحد منهما ما هو فيه. قوله: (هل يكون ذلك؟) جواب: إذا، أي: هل يكون ما ذكر من الموادعة التي يدل عليه قوله: وادع. قوله: (لبقيتهم) أي: لبقية أهل القرية، وجواب الاستفهام محذوف تقديره: يكون.
1613 حدثنا سهل بن بكار قال حدثنا وهيب عن عمرو بن يحيى عن عباس الساعدي عن أبي حميد الساعدي قال غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكت له ببحرهم..

85
مطابقته للترجمة من حيث إن قبول هديته مؤذن بموادعته وكتابته ببحرهم مؤذن بدخولهم في الموادعة، لأن موادعة الملك موادعة لرعيته، لأن قوتهم به ومصالحهم إليه،
فلا معنى لانفراده دونهم وانفرادهم دونه عند الإطلاق. وقال بعضهم: هذا القدر لا يكفي في مطابقة الحديث للترجمة، لأن العادة بذلك معروفة من غير الحديث، وإنما جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى بعض طرق الحديث الذي يورده، وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في (السيرة) فقال: لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم، إلى تبوك أتاه بحنة بن روبة صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية، وكتب إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كتابا فهو عندهم بسم الله الرحمن الرحيم! هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله لبحنة بن روبة وأهل أيلة...) فذكره. قلت: هذا القائل ذكر الاكتفاء في مواضع عديدة في المطابقة بوجه أدنى من الذي ذكرناه، فما له يدعى هنا عدم الكفاية؟ وإثبات المطابقة بالوجه الذي ذكرناه أقوى وأوجه من الذي ذكره، لأن الذي ذكرناه من الداخل، والذي ذكره من الخارج؟ وهل علم أنه قصد ذلك أم لا؟
وسهل بن بكار أبو بشر الدارمي البصري، ووهيب مصغر وهب بن خالد بن عجلان أبو بكر البصري صاحب الكرابيس، وعمرو بن يحيى بن عمارة المازني، وعباس ابن سهل الساعدي، وأبو حميد الساعدي اسمه عبد الرحمن، وقيل: المنذر، ويقال: إنه عم عباس الساعدي.
وهذا طرف حديث مضى في كتاب الزكاة مطولا بعين هذا الإسناد في: باب خرص التمر، وقد مضى الكلام فيه.
قوله: (أيلة) بضم الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح اللام وفي آخره هاء، وقال ابن قرقول: هي مدينة بالشام على النصف ما بين طريق مصر ومكة على شاطىء البحر من بلاد الشام. قوله: (وكساه) كذا هو بالواو: وفي رواية أبي ذر بالفاء، قوله: (ببحرهم) أي: بقريتهم.
3
((باب الوصاة بأهل ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم))
أي: هذا باب في بيان الوصية بأهل الذمة وإنما أضاف الذمة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأن الذمة التي هي العهد عهد بينهم وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والوصاة اسم بمعنى الوصاية، بفتح الواو وتخفيف الصاد بمعنى: الوصية. وقال الجوهري: أوصيت له بشيء وأوصيت إليه: إذا جعلته وصيك، والاسم: الوصاية، بكسر الواو وفتحها، وأوصيته ووصيته توصية، والاسم: الوصاة، وفي بعض النسخ: باب الوصايا.
والذمة العهد والإل القرابة
فسر البخاري الذمة بالعهد، والذمة تجيء بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق، وسمى أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم. قوله: (والأل) بكسر الهمزة وتشديد اللام، وقد فسره بالقرابة، والإل أيضا الله تعالى، قاله مجاهد، وأنكروا عليه، وقيل: الإل الأصل الجيد، والأل بالفتح: الشدة، والله تعالى أعلم.
4
((باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين وما وعد من مال البحرين والجزية ولمن يقسم الفيء والجزية))
أي: هذا باب في بيان ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم وأقطع من الإقطاع، بكسر الهمزة: وهو تسويغ الإمام شيئا من مال الله لمن يراه أهلا لذلك، وأكثر ما يستعمل في إقطاع الأرض، وهو أن يخرج منها شيئا له يحوزه إما أن يملكه إياه فيعمره، أو يجعل له عليه مدة. والإقطاع قد يكون تمليكا وغير تمليك، والأجناد يسمون مقطعين، بفتح الطاء، ويقال: مقتطعين أيضا (من البحرين) أراد به: من، مال البحرين، لأنها كانت صلحا، فلم يكن في أرضها شيء. قوله: (وما وعد) على: ما أقطع. قوله: (والجزية) من عطف الخاص على العام. قوله: (ولمن يقسم الفيء) وقد مر أن الفيء ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد.

86
3613 حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير عن يحيى بن سعيد قال سمعت أنسا رضي الله تعالى عنه قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ليكتب لهم بالبحرين فقالوا لا والله حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها فقال ذاك لهم ما شاء الله على ذلك يقولون له قال فإنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني.
مطابقته للجزء الأول من الترجمة، لأن لها ثلاثة أجزاء: ففي الباب ثلاثة أحاديث فلكل جزء حديث يطابقه على الترتيب، فحديث أنس هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد أشار بذلك على الأنصار فلم يقبلوا فتركه صلى الله عليه وسلم فنزل البخاري ما بالقوة منزلة ما بالفعل، وهو في حقه صلى الله عليه وسلم واضح، لأنه لا يأمر إلا بما يجوز فعله.
وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس ابن عبد الله بن قيس التميمي اليربوعي الكوفي، وزهير بن معاوية بن خديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي، ويحيى بن سعيد الأنصاري قاضي المدينة.
والحديث قد مر في كتاب الشرب في: باب كتابة القطائع، فإنه أخرجه هناك معلقا، فقال: قال الليث: عن يحيى بن سعيد... إلى آخره، وهناك لفظة: ليقطع لهم بالبحرين، وهنا ليكتب لهم بالبحرين أي: ليعين لكل منهم منها حصة على سبيل الإقطاع، والمراد بالحصة الحصة من الجزية والخراج لأن رقبتها لا تملك لأن أرض الصلح لا تقسم.
قوله: (وذاك لهم) أي: ذاك المال للمهاجرين ما شاء الله على ذلك. قوله: (يقولون له) أي: الأنصار يقولون لرسول الله، صلى الله عليه وسلم في شأنهم مصرين على ذلك حتى قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنكم سترون أثرة وهي بفتح الهمزة والثاء المثلثة، الاسم من آثر إيثارا إذا أعطى. قاله ابن الأثير: وفي (المطالع) بضم الهمزة وإسكان الثاء، ويروى: أثرة، بفتحهما، وبالوجهين قيده الجياني، ويقال أيضا: إثرة بكسر الهمزة وسكون الثاء، قال الأزهري، وهو الاستيثار أي: يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل غيركم عليكم، ولا يجعل لكم في الأمر نصيبا وعن أبي علي القالي: إن الإثرة الشدة، وبه كان يتأول الحديث، والتفسير الأول أظهر
وعليه الأكثر وسببه يشهد له وهو إيثار الأنصار المهاجرين على أنفسهم، فأجابهم، صلى الله عليه وسلم، بهذا. قوله: (حتى تلقوني)، ويروى: (على الحوض).
4613 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال أخبرني روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي لو قد جاءنا مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهاكذا وهاكذا فلما قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم وجاء مال البحرين فقال أبو بكر من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليأتني فأتيته فقلت إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قد كان قال لي لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هاكذا وهاكذا وهاكذا فقال لي إحثه فحثوت حثية فقال لي عدها فعددتها فإذا هي خمسمائة فأعطاني ألفا وخمسمائة..
مطابقته للجزء الثاني للترجمة، وقد بيناه عن قريب، وإسماعيل بن إبراهيم بن معمر الهذلي الهروي، سكن بغداد. وروح بفتح الراء ابن قاسم العنبري التميمي البصري. والحديث مر في الخمس في: باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين. قوله: (عدة) أي: وعد. قوله: (أحثه) بضم الهمزة وكسرها، من: حثا يحثو حثوا، وحثى يحثي حثيا، وقيل: الهاء فيه للسكت.
5613 وقال إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال أتي النبي صلى الله عليه

87
وسلم بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد فكان أكثر مال أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا قال خذ فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال أمر بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه أنت علي قال لا فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه فقال أمر بعضهم يرفعه علي قال لا قال فارفعه أنت علي قال لا فنثر ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم. (انظر الحديث 124 وطرفه).
وقد مضى هذا التعليق بهذا الإسناد في كتاب الصلاة في: باب القسمة وتعليق القنو في المسجد. قوله: (عقيلا)، بفتح العين: ابن أبي طالب وقد فادى العباس لنفسه وله يوم بدر حين صارا أسيرين للمسلمين. قوله: (يقله)، بضم الياء وكسر القاف وتشديد اللام، أي: يحمله. قوله: (على كاهله)، وهو ما بين الكتفين.
5
((باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم))
أي: هذا باب في بيان إثم من قتل معاهدا أي ذميا بغير جرم، أي: بغير ذنب أراد: إذا قتله بغير حق، وهذا القيد ليس في الحديث، ولكنه مستفاد من قواعد الشرع، ووقع منصوصا عليه في رواية أبي معاوية التي يأتي ذكرها بلفظ: بغير حق، وروى النسائي وأبو داود من حديث أبي بكر بلفظ: من قتل نفسا معاهدة بغير حلها، حر الله علهي الجنة.
6613 حدثنا قيس بن حفص قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا الحسن بن عمر و قال حدثنا مجاهد عن عبد الله بن عمر و رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما. (الحديث 6613 طرفه في: 4196).
مطابقته للترجمة في قوله: (من قتل معاهدا) وقوله: (لم يرح) إلى آخره، يوضح ما أبهمه في الترجمة. وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري، وعبد الواحد بن زياد والحسن بن عمرو الفقيمي التميمي الكوفي، والفقيمي، بضم الفاء وفتح القاف نسبة: إلى فقيم بن دارم بن مالك، والحسن بن عمر، وهذا ليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في الأدب.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن قيس بن حفص أيضا وأخرجه ابن ماجة في الديات عن أبي كريب، قالوا: هذا الحديث منقطع فيما بين عبد الله بن عمرو ومجاهد، بين ذلك البرديحي في كتابه (المتصل والمرسل) بقوله: مجاهد عن ابن عمرو، ولم يسمع منه، وقد رواه مروان بن معاوية الفزاري عن حدثنا الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد الله بن عمرو، قال الدارقطني: هو الصواب. وأجيب: بأن سماع مجاهد عن ابن عمر وثابت وليس هو بمدلس، فيحتمل أن يكون مجاهد سمعه أولا من جنادة ثم لقي عبد الله ابن عمرو، أو سمعاه معا من ابن عمرو، فحدث به مجاهد تارة عن ابن عمرو وتارة عن جنادة، وقالوا أيضا: هذا الحديث من مسند عبد الله بن عمرو إلا أن الأصيلي رواه عن الجرجاني عن الفربري، فقال عبد الله بن عمر، بضم العين بغير واو، ورد بأنه تصحيف.
ذكر معناه: قوله: (معاهدا)، بكسر الهاء وفتحها وأراد به الذمي لأنه من أهل العهد، أي: الأمان، والعهد حيث وقع هو الميثاق. قوله: (لم يرح)، بفتح الياء والراء وأصله: يراح، قال الجوهري: راح فلان الشيء يراحه ويريحه إذا وجد ريحه، وأما في هذا الحديث فقد جعله أبو عبيد من: راحه يراحه، وكان أبو عمرو يقول: إنه من راحه يريحه، والكسائي يقول: من راحه يريحه، ومعنى الثلاث واحد. قوله: (أربعين عاما) هكذا هو في رواية الجميع. (أربعين عاما) إلا عبد الغفار، فقال:

88
(سبعين عاما)، وكذا جاء في رواية أبي هريرة عند الترمذي مرفوعا، ولفظه: (ألا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يراح رائحة الجنة، وأن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا). وروى النسائي أيضا من حديث أبي بكرة بإسناد صحيح نحوه، وفي (الموطأ) خمسمائة، قال ابن بطال: أما الأربعون فهي أقصى أشد العمر في قول الأكثرين، فإذا بلغها ابن آدم زاد عمله ويقينه واستحكمت بصيرته في الخشوع لله تعالى على الطاعة والندم على ما سلف، فهذا يجد ريح الجنة على مسيرة أربعين عاما، وأما السبعون فهي حد المعترك، ويعرض للمرء عندها من الخشية والندم لاقتراب أجله فيجد ريح الجنة من مسيرة سبعين عاما، وأما وجه الخمسمائة فهي فترة ما بين نبي ونبي، فيكون من جاء في آخر الفترة واهتدى باتباع النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان قبل الفترة ولم يضره طولها، فيجد
ريح الجنة على خمسمائة عام. فإن قلت: المؤمن لا يخلد في النار؟ قلت: المراد لم يجد أول ما يجدها سائر المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر، وقال أحمد: أربعة أحاديث تدور على ألسنة الناس ولا أصل لها عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة. ومن بشر بخروج آذار بشر بالجنة. ويوم نحركم يوم فطركم. وللسائل حق وإن جاء على فرس.
6
((باب إخراج اليهود من جزيرة العرب))
أي: هذا باب في بيان إخراج اليهود من جزيرة العرب، وقد مضى تفسير جزيرة العرب في: باب هل يستشفع إلى أهل الذمة. وقال الكرماني: جزيرة العرب هي ما بين عدن إلى ريف العراق طولا، ومن جدة إلى الشام عرضا، وقيل: هذا عام أريد به الخاص، وهو الحجاز.
وقال عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله به
هذا قطعة من قصة أهل خيبر، وقد ذكرها البخاري موصولة في كتاب المزارعة في: باب إذا قال رب الأرض: أقرك ما أقرك الله، ومضى الكلام فيه هناك.
7613 حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث قال حدثني سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال بينما نحن في المسجد خرج النبي صلى الله عليه وسلم قال انطلقوا إلى يهود فخرجنا حتى جئنا بيت المدراس فقال أسلموا تسلموا واعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم من هذا الأرض فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله.
مطابقته للترجمة من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخرج اليهود لأنه كان يكره أن يكون بأرض العرب غير المسلمين لأنه امتحن في استقبال القبلة حتى نزل: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * (البقرة: 441). الآية: وامتحن مع بني النضير حين أرادوا الغدر به، وأن يلقوا عليه حجرا، فأمره الله بإجلائهم وإخراجهم، وترك سائر اليهود، وكان يرجو أن يحقق الله رغبته في إبعاد اليهود عن جواره فلم يوح إليه في ذلك شيء إلى أن حضرته الوفاة، فأوحي إليه فيه، فقال: لا يبقين دينان بأرض العرب، وأوصى بذلك عند موته، فلما كان في خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، قال: من كان عنده عهد من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فليأت به، وإلا فإني مجليكم فأجلاهم.
ورجال الحديث قد تكرر ذكرهم، وسعيد المقبري يروي هنا عن أبيه أبي سعيد واسمه: كيسان المدني مولى بني ليث.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن عبد العزيز بن عبد الله، وفي الاعتصام عن قتيبة، وأخرجه مسلم في المغازي، وأبو داود في الخراج والنسائي في السير جميعا عن قتيبة.
ذكر معناه: قوله: (خرج)، جواب: بينما، وقد ذكرنا أن الأفصح في جوابه أن يكون بلا إذ وإذا. قوله: (بيت المدراس)، بكسر الميم، وهو البيت الذي يدرسون فيه. وقيل: المدراس: العالم التالي للكتاب، وقال بعضهم: الأول أرجح لأن

89
في الرواية الأخرى: حتى أتى المدراس. قلت: ما ثم ترجيح لأن معنى أتى المدراس، أي: جاء مكان دراستهم للتوراة ونحوها. قوله: (أسلموا)، بفتح الهمزة، من الإسلام. قوله: (تسلموا) مجزوم لأنه جواب الأمر، وهو من السلامة، وفيه الجناس الحسن، لسهولة لفظه وعدم كلفته، ونظيره في كتاب هرقل: أسلم تسلم. قوله: (واعلموا) جملة ابتدائية كأنهم قالوا في جواب قوله: أسلموا تسلموا: لم قلت هذا وكررته؟ فقال: إعلموا أني أريد أن أجليكم فإن أسلمتم سلمتم. قوله: (بماله)، أي: بدل ماله، والباء للبدلية. قوله: (فليبعه)، جواب: من والمعنى إن من كان له شيء مما لا يمكن تحويله فله أن يبيعه. قوله: (وإلا)، أي: وإن لم تسمعوا ما قلت لكم من ذلك فاعلموا أن الأرض لله، أي: تعلقت مشيئة الله بأن يورث أرضكم هذه للمسلمين ففارقوها، وهذا كان بعد قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير، لأن هذا كان قبل إسلام أبي هريرة، لأن أبا هريرة إنما جاء بعد فتح خيبر. قوله: (ورسوله)، ويروى: (ولرسوله).
8613 حدثنا محمد قال حدثنا ابن عيينة عن سليمان بن أبي مسلم الأحول قال سمع سعيد ابن جبير قال سمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت يا ابن عباس ما يوم الخميس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ماله أهجر استفهموه فقال ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه فأمرهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم والثالثة خير إما أن سكت عنها وإما أن قالها فنسيتها: قال سفيان هاذا من قول سليمان..
مطابقته للترجمة في قوله: (أخرجوا المشركين)، فإن قلت: الترجمة إخراج اليهود والمشرك أعم من اليهود. قلت: إنما ذكر اليهود في الترجمة لأن أكثرهم يوحدون الله تعالى، فإذا كان هؤلاء مستحقين الإخراج فغيرهم من الكفار أولى، ومحمد شيخ البخاري، قال الجياني: لم ينسبه أحد من الرواة، وقال بعضهم: هو محمد بن سلام، وقد ذكر في الوضوء: حدثنا ابن سلام حدثنا ابن عيينة. قلت: لا يلزم من قوله في الوضوء: حدثنا ابن سلام عن ابن عيينة أن يكون هنا أيضا ابن سلام عن ابن عيينة، لأنه قال في عدة مواضع: عن محمد بن يوسف البيكندي عن ابن عيينة وروى الإسماعيلي هذا الحديث عن الحسن بن سفيان عن محمد بن خلاد الباهلي عن ابن عيينة وهو سفيان بن عيينة.
والحديث مر في كتاب الجهاد في: باب هل يستشفع إلى أهل الذمة فإنه أخرجه هناك عن قتيبة عن ابن عيينة... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (قال سفيان) أي: ابن عيينة، هذا من قول سليمان أي: الأحول المذكور فيه. وقال المهلب: إنما أمر بإخراجهم خوف التدليس منهم. وأنهم متى رأوا عدوا
قويا صاروا معه، كما فعلوا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب.
وقال الطبري: فيه: من الفقه: أن الشارع بين لأمته المؤمنين إخراج كل من دان بغير دين الإسلام من كل بلدة للمسلمين، سواء كانت تلك البلدة من البلاد التي أسلم أهلها عليها أو من بلاد العنوة إذا لم يكن للمسلمين بهم ضرورة إليهم، مثل كونهم عمارا لأراضيهم ونحو ذلك. فإن قلت: كان هذا خاصا بمدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسائر جزيرة العرب دون سائر بلاد الإسلام، إذ لو كان الكل في الحكم سواء لكان، صلى الله عليه وسلم بين ذلك. قلت: قد ذكرنا أنه إذا كان للمسلمين ضرورة إليهم لا يتعرض لهم، ألا يرى أنه صلى الله عليه وسلم أقر يهود خيبر بعد قهر المسلمين إياهم لإعمار أرضها للضرورة، وكذلك فعل الصديق، رضي الله تعالى عنه، في يهود خيبر ونصارى نجران، وكذلك فعل عمر، رضي الله تعالى عنه، بنصارى الشام، فإنه أقرهم للضرورة إليهم في عمارة الأرضين، إذا كان المسلمون مشغولين بالجهاد.

90
7
((باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا غدر المشركون بالمسلمين، والغدر ضد الوفاء، والغدر: الخيانة، والغدر نقض العهد، ولم يذكر جواب الاستفهام لأجل الاختلاف في معاقبة المرأة التي أهدت الشاة المسمومة.
9613 حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث قال حدثني سعيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجمعوا إلي من كان هاهنا من يهود فجمعوا له فقال لهم إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه فقالوا نعم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم من أبوكم قالوا فلان فقال كذبتم بل أبوكم فلان قالوا صدقت قال فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا فقال لهم من أهل النار قالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اخسئوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا ثم قال هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم قال هل جعلتم في هذه الشاة سما قالوا نعم قال ما حملكم على ذالك قالوا أردنا إن كنت كاذبا نستريح وإن كنت نبيا لم يضرك.
مطابقته للترجمة من حيث إن المشركين من أهل خيبر غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأهدوا له على يد امرأة شاة مسمومة فعفا عنها أو قتلها، فيه خلاف على ما نذكره الآن.
و سعيد هو المقبري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عبد الله بن يوسف أيضا، وفي الطب عن قتيبة. وأخرجه النسائي أيضا في التفسير عن قتيبة به. وأخرجه مسلم عن أنس: أن امرأة يهودية أتت رسول الله، صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك! فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك، قال، أو قال: علي. قال: قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ذكر معناه: قوله: (أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة)، وكان الذي أتى بها امرأة يهودية، صرح بذلك في (صحيح مسلم) وقال النووي في (شرح مسلم): وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي. قلت كذا رواه الواقدي عن الزهري، وأنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ما حملك على هذا؟ قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي، قال محمد: فسألت إبراهيم بن جعفر عن هذا فقال: أبوها الحارث، وعمها بشار وكان أجبن الناس وهو الذي أنزل من الرف، وأخوها زبير، وزوجها سلام بن مشكم. قوله: (سم)، بفتح السين وضمها وكسرها، ثلاث لغات والفتح أفصح، وجمعه: سمام وسموم. قوله: (صادقي) بتشديد الياء لأن أصله: صادقون، فلما أضيف إلى ياء المتكلم وسقطت النون وقلبت الواو ياء أدغمت الياء في الياء. قوله: (ثم تخلفونا فيها)، أي: في النار، وأصل تخلفونا: تخلفوننا، فإسقاط النون من غير جازم ولا ناصب لغة، وهو من خلف يخلف إذا قام مقام غيره، والخلف بتحريك اللام وسكونها كل من يجيء بعده من مضى، إلا أنه بالتحريك في الخير، وبالسكون في الشر، يقال: خلف صدق، وخلف سوء. قوله: (اخسئوا)، زجر لهم بالطرد والإبعاد أو دعاء عليهم بذلك، ويقال لطرد الكلب: إخسأ.
قال القاضي عياض: واختلفت الآثار والعلماء: هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فوقع في (مسلم): أنهم قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، ومثله عن أبي هريرة وجابر، وعن جابر من رواية أبي سلمة: أنه صلى الله عليه وسلم قتلها، وفي رواية ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور، وكان أكل منها فمات بها فقتلوها، وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قتلها، وفي رواية أبي داود. فأمر بها فقتلت، وفي لفظ: قتلها وصلتها وفي (جامع معمر) عن الزهري: لما أسلمت تركها. قال معمر: كذا

91
قال الزهري: أسلمت، والناس يقولون: قتلها، وأنها لم تسلم. وقال السهيلي: قيل: إنه صفح عنها. قال القاضي: وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها إلا حين اطلع على سحرها، وقيل له: اقتلها، فقال: لا، فلما مات بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا، فصح قولهم: لم يقتلها أي: في الحال، ويصح قولهم: قتلها أي: بعد ذلك والله أعلم.
وفيه: أن الإمام مالكا احتج به على أن القتل بالسم كالقتل بالسلاح الذي يوجب القصاص، وقال الكوفيون: لا قصاص فيه. وفيه: الدية على العاقلة، قالوا: ولو دسه
في طعام أو شراب لم يكن عليه شيء ولا على عاقلته، وقال الشافعي: إذا فعل ذلك وهو مكره ففيه قولان في وجوب القود أصحهما: لا. وفيه: معجزة ظاهرة له، عليه السلام، حيث لم يؤثر فيه السم، والذي أكل معه مات. وفيه: أن السم لا يؤثر بذاته بل بإذن الرب، جل جلاله، ومشيئته، ألا ترى أن السم أثر في بشر ولم يؤثر في النبي صلى الله عليه وسلم؟ فلو كان يؤثر بذاته لأثر فيهما في الحال، والله أعلم.
8
((باب الدعاء على من نكث عهدا))
أي: هذا باب في بيان جواز الدعاء على من نكث، أي: نقض عهد، أي: ميثاقا.
0713 حدثنا أبو النعمان قال حدثنا ثابت بن يزيد قال حدثنا عاصم قال سألت أنسا رضي الله تعالى عنه عن القنوت قال قبل الركوع فقلت إن فلانا يزعم أنك قلت بعد الركوع فقال كذب ثم حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرا بعد الركوع يدعو على أحياء من بني سليم قال بعث أربعين أو سبعين يشك فيه من القراء إلى أناس من المشركين فعرض لهم هاؤلاء فقتلوهم وكان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فما رأيته وجد على أحد ما وجد عليهم..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وثابت بن يزيد بالياء آخر الحروف، ووهم من قال فيه: زيد، بغير الياء، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وهؤلاء، وهؤلاء كلهم بصريون.
والحديث قد مر في كتاب الوتر في: باب القنوت قبل الركوع وبعده، فإنه أخرجه هناك: عن مسدد عن عبد الواحد عن عاصم عن أنس، رضي الله تعالى عنه.
قوله: (من القراء) متعلق بقوله: بعث. قوله: (وجد)، يقال: وجد مطلوبه يجده من باب ضرب يضرب وجودا، ويجده بالضم لغة عامرية لا نظير لها في باب المثال، ووجد ضالته وجدانا، ووجد عليه في الغضب موجدة ووجدانا أيضا، حكاها بعضهم: ووجد في الحزن وجدا بالفتح، ووجد في المال وجدا ووجدا ووجدا وجدة، أي: استغنى، وكان، صلى الله عليه وسلم، لا يدعو بالشر على أحد من الكفار ما دام يرجو لهم الرجوع والإقلاع عما هم عليه، ألا ترى أنه، صلى الله عليه وسلم، سئل أن يدعو على دوس فدعا لها بالهدى، وإنما دعا على بني سليم حين نكثوا العهد وغدروا لأنه أيس من رجوعهم عن ضلالتهم، فأجاب الله بذلك دعوته وأظهر صدقه وبرهانه، وهذه القصة أصل في جواز الدعاء في الصلاة والخطبة على عدو المسلمين ومن خالفهم، ومن نكث عهدا وشبهه، والله أعلم.
9
((باب أمان النساء وجوارهن))
أي: هذا باب في بيان حكم أمان النساء وجوارهن، بكسر الجيم وضمها أي: إجارتهن، قال الجوهري: الجار الذي يجاورك، تقول: جاورته مجاورة وجوارا، بكسر الجيم وضمها، والجار الذي أجرته من أن يظلمه ظالم، وأجرته بدون المد من الإجارة، ويقال: أجرت فلانا على فلان إذا أعنته منه ومنعته.
1713 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن أبا مرة مولى أم هانيء ابنة أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانىء ابنة أبي طالب تقول ذهبت

92
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره فسلمت عليه فقال من هاذه فقلت أنا أم هانىء بنت أبي طالب فقال مرحبا بأم هانىء فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد فقلت يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلا قد أجرته فلان ابن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء وذلك ضحى.
مطابقته للترجمة في قوله: (قد أجرنا من أجرت) وأبو النضر، بالنون والضاد المعجمة، واسمه سالم بن أبي أمية مولى عمر ابن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني، وأبو مرة، بضم الميم وتشديد الراء: واسمه يزيد بن مرة مولى عقيل بن أبي طالب، ويقال: مولى أم هانىء، وقال الداودي: كان عبدا لهما فأعتقاه فينسب مرة لهذا ومرة لهذا.
والحديث مضى في أوائل كتاب الصلاة في: باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به، فإنه أخرجه هناك: عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.
وفيه من الفقه: جواز أمان المرأة وأن من أمنته حرم قتله، وقد أجارت زينب بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم أبا العاص ابن الربيع، وعلى هذا جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق، وهو قول الثوري والأوزاعي، وشد عبد الملك بن الماجشون وسحنون عن الجماعة، فقالا: أمان المرأة موقوف على إجازة الإمام، فإن أجازه جاز، وإن رده رد.
01
((باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم))
أي: هذا باب يذكر فيه ذمة المسلمين وجوارهم واحدة، فقوله: ذمة المسلمين، مرفوع بالابتداء، وجوارهم، عطف عليه وخبره قوله: واحدة، ومعناه: أن من انعقدت عليه ذمة من طائفة من المسلمين فإنها واحدة في الحكم لا تختلف باختلاف العاقدين، وحاصل المعنى: أن كل من عقد ذمة يعني أمانا لأحد من أهل الحرب جاز أمانه على جميع المسلمين دنيا كان أو شريفا، عبدا كان أو حرا، رجلا كان أو امرأة، وليس لهم بعد ذلك أن يخفروه، واتفق مالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي
وأبو ثور على جواز أمان العبد قاتل أو لم يقاتل، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يجوز أمانه إلا أن يقاتل، وأجاز مالك أمان الصبي إذا عقل الإسلام، ومنع ذلك أبو حنيفة والشافعي وجمهور الفقهاء، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز، والمجنون كذلك لا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر، وقال الأوزاعي: إن غزا الذمي مع المسلمين فأمن أحدا فإن شاء الإمام أمضاه وإلا فيرده إلى مأمنه. قوله: (وجوارهم) أي: وجوار المسلمين، وقد مر تفسيره عن قريب، وليس في بعض النسخ لفظ: جوارهم. قوله: (يسعى بها)، أي: بذمة المسلمين، أي: بأمانهم (أدناهم) أي: أقلهم عددا فيدخل فيه الواحد وتدخل فيه المرأة أيضا، ولا يدخل فيه العبد عند أبي حنيفة لأنه ليس من أهل الجهاد، فإذا قاتل يكون منهم، ولفظ: ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، رواه أحمد في (مسنده) وقال الترمذي: وروي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل رواية أحمد، ثم قال: معنى هذا عند أهل العلم أن من أعطى الأمان من المسلمين فهو جائز على كلهم. وروى ابن ماجة من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم... الحديث.
2713 حدثني محمد قال أخبرنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال خطبنا علي فقال ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة فقال فيها الجراحات وأسنان الإبل والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثا أو آوى فيها محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه مثل ذلك..

93
مطابقته للترجمة في قوله: (وذمة المسلمين واحدة) وأما قوله: يسعى بها أدناهم، ففي رواية أحمد، وقد ذكرناه الآن، ومحمد شيخ البخاري هو محمد بن سلام، كذا نسبه ابن السكن، وقال الكلاباذي: روى محمد بن مقاتل ومحمد بن سلام ومحمد بن نمير في (الجامع) عن وكيع بن الجراح، وإبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب، مات إبراهيم في حبس الحجاج سنة أربع وتسعين.
والحديث مضى في: باب حرم المدينة فإنه رواه هناك: عن بشار عن عبد الرحمن عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه... إلى آخره، وفيه: وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه: فقال فيها: الجراحات وأسنان الإبل... وتقدم الكلام فيه هناك.
قوله: (ما بين عير) بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وهو اسم جبل بالمدينة قوله: (إلى كذا) لعله: أحد
قوله: (حدثا)، بفتح الدال، وهو الأمر المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة، والمحدث، بكسر الدال، وهو الذي ينصر جانيا أو أواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين من يقتص منه، ويروى بفتح الدال، وهو الأمر المبتدع نفسه. قوله: (صرف)، بفتح الصاد المهملة: وهو التوبة، وقيل: النافلة، والعدل: الفدية، وقيل: النافلة، والعدل: الفدية، وقيل: الفريضة. قوله: (فمن أخفر)، بالخاء المعجمة أي: فمن نقض عهد مسلم فعليه مثل ما كان على من أحدث فيها.
11
((باب إذا قالوا صبأنا ولم يحسنوا أسلمنا))
أي: هذا باب في بيان قول المشركين حين يقاتلون إذا قالوا: صبأنا، وأرادوا به الإخبار بأنهم أسلموا ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، وجواب: إذا، محذوف تقديره: إذا، محذوف تقديره: هل يكون ذلك كافيا في رفع القتال عنهم أم لا؟ قيل: إن المقصود من الترجمة أن المقاصد تعتبر بأدلتها كيف ما كانت الأدلة، لفظية أو غير لفظية، تأتي بأي لغة كانت، وصبانا من صبأ فلان إذا خرج من دينه إلى دين غيره، من قولهم صبا ناب البعير إذا طلع، وصبأت النجوم إذا خرجت من مطالعها، وكانت العرب تسمي النبي صلى الله عليه وسلم: الصابئ، لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام.
وقال ابن عمر فجعل خالد يقتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبرأ إليك مما صنع خالد
أي: قال عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما.. وهذا طرف من حديث طويل أخرجه البخاري في كتاب المغازي في غزوة الفتح. وأصل القصة أن خالد بن الوليد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم بناء على ظاهر اللفظ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأنكره، فدل على أنه يكتفي من كل قوم بما يعرف من لغتهم، وقد عذر النبي صلى الله عليه وسلم خالدا في اجتهاده، ولذلك لم يقد منه. وقال ابن بطال: لا خلاف أن القاضي إذا قضى بجور أو بخلاف قول أهل العلم فهو مردود، فإن كان على وجه الاجتهاد والتأويل كما صنع خالد، رضي الله تعالى عنه، فإن الإثم ساقط والضمان لازم عند عامة أهل العلم، إلا أنهم اختلفوا في ضمان ذلك، فإن كان في قتل أو جراح ففي بيت المال، وهذا قول الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق. وقالت طائفة: على عاقلة الإمام أو الحاكم، وهذا قول الأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي، وقال ابن الماجشون: ليس على الحاكم شيء من الدية في ماله ولا على عاقلته ولا في بيت المال. فإن قلت: ليس فيه ولا في الحديث الذي يأتي لفظ: صبأنا، فأين المطابقة؟ قلت: جرت عادته أنه يترجم ببعض ما ورد في الحديث الذي يذكره فيه.
وقال عمر إذا قال مترس فقد آمنه إن الله يعلم الألسنة كلها وقال تكلم لا بأس
أي: قال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق من طريق أبي وائل، قال: جاءنا كتاب عمر ونحن نحاصر قصر فارس، فقال: إذا حاصرتم قصرا فلا تقولوا: إنزلوا على حكم الله، فإنهم لا يدرون ما حكم الله، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم، وإذا لقي الرجل الرجل فقال: لا تخف، فقد أمنه، وإذا قال: مترس، فقد أمنه، أن الله يعلم الألسنة كلها ولفظة: مترس، كلمة فارسية ومعناها: لا تخف، لأن لفظ: م، كلمة النفي عندهم. ولفظ: ترس،
بمعنى الخوف عندهم، فإذا أرادوا أن يقولوا لواحد: لا تخف، يقولون بلسانهم: مترس، واختلفوا في ضبطها، فضبطه الأصيلي: بفتح الميم والتاء وسكون الراء، وضبطه أبو ذر:

94
بكسر الميم وسكون التاء، وضبطه بعضهم: بإسكان التاء وفتح الراء، وأهل خراسان كانوا يقولون ليحيى بن يحيى في (الموطأ): مطرس، قلت: الأصح ضبط الأصيلي لا غير. قوله: (قال: تكلم لا بأس) أي: قال عمر بن الخطاب للهرمزان حين أتوا به إليه، وقد تقدم في الجزية والموادعة، وأخرجه ابن أبي شيبة عن مروان بن معاوية عن حميد عن أنس، قال: حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، فلما قدم عليه استعجم، فقال له عمر: تكلم لا بأس عليك، فكان ذلك عهدا وتأمينا من عمر، رضي الله تعالى عنه.
21
((باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره وإثم من لم يف بالعهد))
أي: هذا باب في بيان جواز الموادعة، وهي المسالمة على ترك الحرب والأذى، وحقيقة الموادعة المتارعة، أي: أن يدع كل واحد من الفريقين ما هو فيه. قوله: (وغيره)، أي: وغير المال نحو الأسرى. قوله: (من لم يف) ويروى: من لم يوف.
وقوله: * (وإن جنحوا للسلم فاجنج لها) * (الأنفال: 16). الآية
وقوله، بالجر عطف على قوله: الموادعة، أي: وفي بيان قوله تعالى: * (وإن جنحوا) * (الأنفال: 16). الآية في مشروعية الصلح، ومعنى: جنحوا، أي: مالوا، ويقال: أي طلبوا، و: السلم، بكسر السين الصلح. قوله: فاجنح، أمر من جنح يجنح أي: مل لها أي: إليها، أي: إلى المسالمة. واقبل منهم ذلك، قال مجاهد: نزلت في بني قريظة، وفيه نظر، لأن السياق كله في وقعة بدر، وذكرها مكشف لهذا كله، وقول ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني وعكرمة والحسن وقتادة: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) * (التوبة: 92). وقال ابن كثير في (تفسيره): فيه نظر أيضا، لأن آية براءة الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إذا كان العدو كثيفا فإنه تجوز مهادنتهم، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص.
3713 حدثنا مسدد قال حدثنا بشر هو ابن المفضل قال حدثنا يحيى عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله وهو يتشحط
في دم قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمان بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمان يتكلم فقال كبر كبر وهو أحدث القوم فسكت فتكلما فقال أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم قالوا وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبريكم يهود بخمسين فقالوا كيف نأخذ أيمان قوم كفار فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وهي يومئذ صلح) وتمام المطابقة تؤخذ من قوله: (فعقله النبي، صلى الله عليه وسلم من عنده)، لأنه مصالحة مع المشركين بالمال.
ذكر رجاله وهم تسعة: الأول: مسدد. الثاني: بشر، بكسر الباء الموحدة: ابن المفضل، على صيغة اسم المفعول من التفضيل بالضاد المعجمة: ابن لاحق أبو إسماعيل البصري. الثالث: يحيى بن سعيد الأنصاري. الرابع: بشير بضم الباء الموحدة مصغر بشر ابن يسار ضد اليمين المدني، مولى الأنصار. الخامس: سهل ابن أبي حثمة، بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة: واسمه عبد الله أبو محمد الأنصاري المدني، فهؤلاء الخمسة رواة. السادس: عبد الله بن سهل بن زيد بن كعب الحارثي قتيل اليهود بخيبر، وهو أخو عبد الرحمن بن سهل، وابن أخي حويصة ومحيصة. السابع: محيصة، بضم الميم وفتح الحاء المهملة: ابن مسعود بن كعب بن عامر الأنصاري الخزرجي أبو سعيد المدني، له صحبة، وهو أخو حويصة بن مسعود، ويقال فيهما جميعا بتشديد الياء وتخفيفها، أسلم قبل أخيه حويصة، وكان حويصة

95
أسن منه. الثامن: عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري، أخو عبد الله بن سهل المذكور. التاسع: حويصة بن مسعود الأنصاري أبو سعد أخو محيصة لأبيه وأمه.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في (الصلح عن مسدد وفي الأدب عن سليمان بن حرب وفي الديات عن أبي نعيم وفي الأحكام عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس، وأخرجه مسلم في الحدود عن عبيد الله ابن عمر عن حماد وعن عبيد الله أيضا عن بشر بن المفضل وعن عمرو الناقد وعن محمد بن المثنى وعن قتيبة وعن يحيى بن يحيى وعن القعنبي عن سليمان بن بلال وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن إسحاق بن منصور. وأخرجه أبو داود في الديات عن القواريري ومحمد بن عبيد وعن أبي الطاهر بن السرح وعن الحسن بن محمد. وأخرجه الترمذي في الديات أيضا عن قتيبة به وعن الحسن بن علي الخلال. وأخرجه النسائي في القضاء وفي القسامة عن قتيبة به وعن أبي الطاهر بن السرح به وعن أحمد بن عبدة وعن محمد بن منصور وعن محمد بن بشار وعن إسماعيل بن مسعود وعن عمرو بن علي وعن أحمد بن سليمان فيهما وعن محمد بن إسماعيل في القضاء وحده وفيهما عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين وأخرجه ابن ماجة في الديات عن يحيى بن حكيم.
ذكر معناه: قوله: (انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة به مسعود إلى خيبر) وكانا خرجا في أناس من أصحاب لهما يمتارون تمرا، فوجد عبد الله بن سهل في عين قد
كسرت عنقه ثم طرح فيها فدفنوه، وقدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم فذكروا له شأنه، فحكم فيه بالقسامة، وبسببه كانت القسامة. قوله: (وهي يومئذ صلح)، أي: والحال أن خيبر يوم وقوع هذه القضية صلح يعني كانوا في مصالحة مع النبي صلى الله عليه وسلم قوله (وهو يتشحط في دم) أي عبد الله يضطرب في الدم قاله الخطابي وقال الداودي: المتشحط المختضب، ومادته: شين معجمة وحاء مهملة وطاء مهملة، قال ابن الأثير: معناه يتخبط في دمه ويضطرب ويتمرغ. قوله: (قتيلا) نصب على الحال قوله: (كبر كبر) أي: قدم الأسن يتكلم، وهو أمر من التكبير كرره للمبالغة. قوله: (أتحلفون؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (أو صاحبكم)، شك من الراوي. قوله: (تبرئكم)، من الإبراء، أي: تبرأ إليكم من دعواكم بخمسين يمينا. قوله: (خمسين) هكذا وقع بغير مميزه، وتقديره: بخمسين يمينا. قوله: (فعقله النبي صلى الله عليه وسلم) أي: أدى ديته. قوله: (من عنده)، يحتمل وجهين: هو أن يكون من مال نفسه، والآخر: أن يكون من مال بيت المال المعد لمصالح المسلمين، وإنما عقله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قطعا للنزاع وإصلاحا وجبرا لخواطرهم، وإلا فاستحقاقهم لم يثبت.
ذكر ما يستفاد منه فيه: أدب وإرشاد إلى أن الأكبر أولى بالتقدمة في الكلام. واعلم أن حقيقة الدعوى إنما هي لأخيه عبد الرحمن لا حق فيها لابني عمه، وأنه صلى الله عليه وسلم، أمر أن يتكلم الأكبر لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى، بل سماع صورة القصة وكيفيتها، فإذا أراد حقيقتها تكلم صاحبها، ويحتمل أن عبد الرحمن وكل الأكبر أو أمره بتوكيله فيها. وفيه: أن القوم إذا كان فيهم صغير ينبغي أن يتأدب الصغير ولا يتقدم عليهم بالكلام ونحوه، أشار إليه بقوله: وهو أحدث القوم، أي: عبد الرحمن أصغر القوم. وفيه: صحة الوكالة، أشار إليه بقوله: فتكلما، أي: فتكلم محيصة وحويصة وذلك لأن الحق لم يكن لهما، وإنما تكلما بطريق الوكالة. وفيه: أن حكم القسامة مخالفة لسائر الدعاوى من جهة أن اليمين على المدعي. وفيه: أن القسامة خمسون يمينا. فإن قلت: كيف عرضت اليمين على الثلاثة وإنما هي للوارث خاصة وهو أخوه؟ قلت: كان معلوما عندهم أن اليمين تختص بالوارث، فأطلق الخطاب لهم، والمراد من يختص به. وفيه: إثبات حكم القسامة خلافا لجماعة روي عنهم إبطال القسامة، وأنه لا حكم فيها ولا عمل بها، قال الكرماني: منهم البخاري وفيه: من استدل على أن القسامة توجب القصاص بقوله: (تستحقون دم قاتلكم) منهم: مالك، وقال النووي: معناه ثبت حقكم على من حلفتم عليه، وذلك الحق أعم من أن يكون قصاصا أو دية. وفيه: كما ذكرنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وداه من عنده قطعا للنزاع واستئلافا لليهود وطمعا منه في دخولهم الإسلام، وليكف بذلك شرهم عن نفسه وعن المسلمين مع إشكال القضية بإباء أولياء القتيل من اليمين،

96
وإبائهم أيضا من قبول أيمان اليهود، فكاد الحكم أن يكون مطولا، ولكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوادع اليهود بالغرم عنهم لأن الدليل كان متوجها إلى اليهود في القتل لعبد الله، وأراد أن يذهب ما بنفوس أوليائه من العداوة لليهود بأن غرم لهم الدية، إذ كان العرف جاريا أن من أخذ دية قتيله فقد انتصف. وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي عن موادعة إمام المسلمين أهل الحرب على فدية أو هدية يؤديها المسلمون إليهم، فقال: لا يصح ذلك إلا بضرورة وشغل من المسلمين عن حربهم من قتال عدوهم أو فتنة شملت المسلمين، فإذا كان ذلك فلا بأس به. قال الوليد: وذكرت ذلك لسعيد بن عبد العزيز فقال: قد صالحهم معاوية أيام صفين، وصالحهم عبد الملك بن مرواه لشغله بقتال ابن الزبير، يؤدي عبد الملك إلى طاغية ملك الروم في كل يوم ألف دينار، وإلى تراجمة الروم وأنباط الشام في كل جمعة ألف دينار. وقال الشافعي: لا يعطيهم المسلمون شيئا بحال إلا أن يخافوا أن يصطلحوا لكثرة العدد، لأنه من معاني الضرورات، أو يرسل مسلم فلا يخلى إلا بفدية فلا بأس به لأنه صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين، وقال ابن بطال: ولم أجد لمالك وأصحابه ولا الكوفيين نصا في هذه المسألة. قلت: مذهب أصحابنا أن للإمام أن يصالحهم بمال يأخذه منهم أو يدفعه إليهم إذا كان الصلح خيرا في حق المسلمين، لقوله تعالى: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) * (الأنفال: 16). والمال الذي يؤخذ منهم بالصلح يصرف مصارف الجزية.
31
((باب فضل الوفاء بالعهد))
أي: هذا باب في بيان فضل الوفاء بالعهد أي: الميثاق.
4713 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أخبره أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارا بالشام في المدة التي ماد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان في كفار قريش..
مطابقته للترجمة من حيث إن الغدر عند كل أمة قبيح مذموم، وليس هو من صفات الرسل، وأن هرقل أراد أن يمتحن بذلك، أعني بإرساله إلى أبي سفيان صدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأن من غدر ولم يف بعهده لا يجوز أن يكون نبيا، والرسل أخبرت عن الله تعالى فضل من وفى بعهده.
والحديث قطعة من حديث أبي سفيان قد مر في أوائل الكتاب. قوله: (ماد) أي: المدة التي هادن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعينها للصلح بينهما، ويقال: ماد الغريمان: إذا اتفقا على أجل الدين.
41
((باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر))
أي: هذا باب يذكر فيه: هل يعفى... إلى آخره، وجواب الاستفهام يوضحه حديث الباب.
وقال ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب سئل أعلى من سحر من أهل العهد قتل قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه وكان من أهل الكتاب
مطابقته للترجمة ظاهرة، وقال الكرماني: فإن قلت: الترجمة بلفظ الذمي، والسؤال بأهل العهد، والجواب بأهل الكتاب؟ قلت: المراد بأهل الكتاب: الذي لهم عهد، وإلا فهو حربي واجب القتل، والعهد والذمة بمعنى. انتهى. قلت: هذا تطويل بلا فائدة، وكان قوله: والعهد والذمة بمعنى، فيه كفاية، وفيه إيضاح لجواب الترجمة. وابن وهب هو عبد الله بن وهب، ويونس هو ابن يزيد الأيلي. وهذا التعليق موصول في جامع ابن وهب.
قوله: (سئل)، على صيغة المجهول. قوله: (أعلى؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (ذلك)، أي: السحر، وحكم هذا الباب أنه لا يقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك كقول ابن شهاب، ولكن يعاقب إلى أن يقر بسحره فيقتل أو يحدث حدثا فيؤخذ منه بقدر ذلك، وهو قول أبي حنيفة والشافعي

97
وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أيضا: أنه لا يقتل بسحره ضررا على مسلم إن لم يعاهدوا عليه، فإذا فعلوا ذلك فقد نقضوا العهد فحل بذلك قتلهم، وعلى هذا القول، لا حجة لابن شهاب في أنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل اليهودي الذي سحره لوجوه الأول: أنه قد ثبت عنه أنه لا ينتقم لنفسه ولو عاقبه لكان حاكما لنفسه. الثاني: أن ذلك السحر لم يضره لأنه لم يتغير عليه شيء من الوحي ولا دخلت عليه داخلة في الشريعة، وإنما اعتراه شيء من التخيل والوهم، ثم لم يتركه الله على ذلك، بل تداركه بعصمته وأعلمه موضع السحر وأعلمه استخراجه وحله عنه، كما دفع الله عنه السم بكلام الذراع. الثالث: أن هذا السحر إنما تسلط على ظاهره لا على قلبه وعقله واعتقاده، والسحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض، فلا يقدح في نبوته ويجوز طروه عليه في أمر دنياه، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر.
5713 حدثني محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى قال حدثنا هشام قال حدثني أبي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه..
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم سحره يهودي وعفا عنه، كما ذكرنا عن قريب. فإن قلت: ليس في الترجمة ما ذكرته؟ قلت: تتمة القصة تدل عليه. ويحيى هو ابن سعيد القطان، وهشام هو ابن عروة بن الزبير يروي عن أبيه عن عائشة، رضي الله تعالى عنها.
قوله: (سحر) على صيغة المجهول، واسم اليهودي الذي سحره لبيد بن أعصم، ذكر في (تفسير النسفي) عن ابن عباس وعائشة، رضي الله تعالى عنهم، كان غلام من اليهود يخدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم فدنت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك رجل منهم، يقال له: لبيد بن أعصم، ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها: ذروان، ويقال: أروان، فمرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم وانتشر شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب ولا يدري ما عراه ويخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، فبينا هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طب، قال: وما طب؟ قال: سحر. قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبم طبه؟ قال: بمشط وبمشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان. والجف: قشر الطلع، والراعوفة: صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت، فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقي عليها، فانتبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم مذعورا، فقال: يا عائشة! أما شعرت أن الله تعالى أخبرني بدائي؟ ثم بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم عليا والزبير وعمار بن ياسر، رضي الله تعالى عنهم، فنزحوا ماء تلك البئر، وكأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا وتر معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر، فأنزل الله تعالى المعوذتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل، عليه الصلاة والسلام، يقول: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك من عين وحاسد والله يشفيك. فقالوا: يا رسول الله! أفلا نأخذ الخبيث فنقتله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا، قالت عائشة: ما غضب رسول الله، صلى الله عليه وسلم غضبا ينتقم من أحد لنفسه قط إلا أن يكون شيئا هو لله، فيغضب لله وينتقم، وسيأتي هذا في كتاب الطب عن عائشة، رضي الله تعالى عنها. قوله: (يخيل إليه)، على صيغة المجهول.
وقد اعترض بعض الملحدين على حديث عائشة، وقالوا: كيف يجوز السحر على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والسحر كفر وعمل من أعمال الشياطين، فكيف يصل ضرره إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع حياطة الله له وتسديده إياه بملائكته، وصون الوحي عن الشياطين؟ وأجيب: بأن هذا اعتراض فاسد وعناد للقرآن، لأن الله تعالى قال لرسوله: * (قل أعوذ برب الفلق) * (الفلق: 1). إلى قوله: في العقد، والنفاثات: السواحر في العقد، كما ينفث الراقي في الرقية حين سحر، وليس في جواز ذلك عليه ما يدل على أن ذلك يلزمه أبدا أو يدخل عليه داخلة في شيء من ذاته أو شريعته، وإنما كان له من ضرر السحر ما ينال المريض من ضرر الحمى والبرسام من ضعف الكلام وسوء التخيل، ثم زال ذلك عنه وأبطل الله كيد السحر، وقد قام الإجماع على عصمته في الرسالة، والله الموفق.

98
51
((باب ما يحذر من الغدر))
أي: هذا باب في بيان ما يحذر من سوء الغدر، وهو ضد الوفاء، ونقض العهد يحذر، على صيغة المجهول من: حذر ويحذر حذرا، ويروى: يحذر، بالتشديد من:
التحذير.
وقوله تعالى: * (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله) * (الأنفال: 26). الآية
وقوله، بالجر عطفا على ما يحذر، لأنه مجرور بالإضافة، تقديره: وفي بيان قوله تعالى: * (وإن يريدوا) * (الأنفال: 26). أي: وإن يرد الكفار بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا * (فإن حسبك الله) * (الأنفال: 26). أي: كافيك وحده، وهذه الآية بعد قوله: * (وإن جنحوا للسلم) * (الأنفال: 16). وبعدها ذكر نعمة الله عليه بقوله: * (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم) * (الأنفال: 36). أي: جمعها على الإيمان بك وعلى طاعتك ومناصرتك. فإنك: * (ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) * (الأنفال: 36)..
6713 حدثنا الحميدي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر قال سمعت بسر بن عبيد الله أنه سمع أبا إدريس قال سمعت عوف بن مالك قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال اعدد ستا بين يدي الساعة موتي ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية إثنا عشر ألفا.
مطابقته للترجمة في قوله: (فيغدرون).
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: الحميدي، وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده. الثاني: الوليد بن مسلم القرشي أبو العباس. الثالث: عبد الله بن العلاء بن زبر، بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة والراء: الربعي، بفتح الراء والباء الموحدة وبالعين المهملة. الرابع: بسر، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وفي آخره راء: ابن عبيد الله الحضرمي. الخامس: أبو إدريس عائذ الله بالعين المهملة والهمزة، بعد الألف وبالذال المعجمة، وقال ابن الأثير: بكسر الياء آخر الحروف بعد الألف: الخولاني، بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبالنون. السادس: عوف ابن مالك الأشجعي، مات بالشام سنة ثلاث وسبعين.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: السماع في ثلاثة مواضع. وفيه: القول في ثلاثة مواضع. وفيه: أن هؤلاء كلهم شاميون إلا شيخ البخاري، فإنه مكي. وفيه: عبد الله بن العلاء، سمعت بسر بن عبيد الله، ووقع في رواية الطبراني من طريق دحيم عن الوليد عن عبد الله بن العلاء عن زيد بن واقد: عن بسر بن عبيد الله: ولا يضر هذا رواية البخاري، فإن عبد الله بن العلاء صرح بالسماع عن بسر، وكذا في رواية أبي داود وابن ماجة وغيرهما مثل رواية البخاري ليس فيها زيد بن واقد.
وأبو داود أخرجه في الأدب عن مؤمل بن الفضل وعن صفوان بن صالح. وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن دحيم عن الوليد بن مسلم.
ذكر معناه: قوله: (في غزوة تبوك)، كانت في سنة...
.. قوله: (وهو في قبة من أدم)، القبة: بضم القاف وتشديد الباء الموحدة: الخرقاهة، وكل بناء مدور فهو قبة، والجمع قباب وقبية، والأدم، بفتحتين اسم لجمع أديم، وهو الجلد المدبوغ المصلح بالدباغ. قوله: (ستا) أي: ست علامات لقيام القيامة. قوله: (ثم موتان) بضم الميم وسكون الواو، قال القزاز: هو الموت، وقال غيره: الموت الكثير الوقوع، ويقال بالضم لغة تميم وغيرهم يفتحونها، ويقال: للبليد موتان القلب، بفتح الميم والسكون، وقال ابن الجوزي، رحمه الله تعالى: يغلط بعض المحدثين فيقول:

99
بضم الميم والواو، وإنما ذاك اسم الأرض التي لم تحز بالزرع والإصلاح، ووقع في رواية ابن السكن: ثم موتتان، بلفظ التثنية ولا وجه له هنا. قوله: (كقعاص الغنم)، بضم القاف وتخفيف العين المهملة وبعد الألف صاد مهملة، وهو داء يأخذ الغنم فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجاءة، وكذلك غيرها من الدواب. وقال ابن فارس: القعاص داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق، وقيل: هو الهلاك المعجل، وبعضهم ضبطه بتقديم العين على القاف، ولم أر ذلك في شرح من شروح البخاري، وما ذكره ابن الأثير وابن قرقول وغيرهما إلا بتقديم القاف على العين. قوله: (ثم استفاضة المال)، والاستفاضة من: فاض الماء والدمع وغيرهما: إذا كثر. قوله: (فيظل ساخطا) أي: يبقى ساخطا استقلالا للمبلغ وتحقيرا له. قوله: (ثم هدنة)، الهدنة بضم الهاء: الصلح، وأصل الهدنة السكون، يقال: هدن يهدن فسمي الصلح على ترك القتال هدنة ومهادنة، لأنه سكون عن القتال بعد التحرك فيه. قوله: (بني الأصفر) هم الروم. قوله: (غاية)، بالغين المعجمة وبالياء آخر الحروف: الراية، وقال ابن الجوزي: رواه بعضهم بالباء الموحدة وهي الأجمة، وشبه كثرة الرماح للعسكر بها، فاستعيرت له، يعني: يأتون قريبا من ألف ألف رجل، قاله الكرماني، وقال غيره: الجملة في الحساب تسعمائة ألف وستون ألفا، وقال الخطابي: الغاية الغيضة، فاستعيرت للرايات ترفع لرؤساء الجيش. وقال الجواليقي: غاية وراية واحد لأنها غاية المتبع، إذا وقفت وقف وإذا مشت تبعها، وهذه الست المذكورة ظهرت منها الخمس: موت النبي صلى الله عليه وسلم، وفتح بيت المقدس، والموتان كان في طاعون عمواس زمن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه مات فيه سبعون ألفا في ثلاثة أيام، واستفاضة المال كانت في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه، عند تلك الفتوح العظيمة والفتنة استمرت بعده، والسادسة لم تجيء بعد، وروى ابن دحية من حديث حذيفة مرفوعا: أن الله تعالى يرسل ملك الروم، وهو الخامس من أولاد هرقل، يقال له: صمارة، فيرغب إلى المهدي في الصلح، وذلك لظهور المسلمين على المشركين، فيصالحه إلى سبعة أعوام، فيضع * (عليهم الجزية عن يد وهم صاغرون) * (التوبة: 92). ولا يبقى لرومي حرمة، ويكسر لهم الصليب، ثم يرجع المسلمون إلى دمشق فإذا هم كذلك إذا رجل من الروم قد التفت فرأى أبناء الروم وبناتهم في القيود، فرفع الصليب ورفع صوته، وقال: ألا من كان يعبد الصليب فلينصره، فيقوم إليه رجل من المسلمين
فيكسر الصليب، ويقول: الله أغلب وأعز، فحينئذ يغدرون وهم أولى بالغدر، فيجتمع عند ذلك ملوك الروم خفية فيأتون إلى بلاد المسلمين، وهم على غفلة مقيمين على الصلح، فيأتون إلى أنطاكية في اثني عشر ألف راية، تحت كل راية اثني عشر ألفا، فعند ذلك يبعث المهدي إلى أهل الشام والحجاز والكوفة والبصرة والعراق يستنصر بهم، فيبعث إليه أهل الشرق: أنه قد جاءنا عدو من أهل خراسان شغلنا عنك، فيأتي إليه بعض أهل الكوفة والبصرة، فيخرج بهم إلى دمشق وقد مكث الروم فيها أربعين يوما يفسدون ويقتلون، فينزل الله صبره على المسلمين، فيخرجون إليهم فيشتد الحرب بينهم ويستشهد من المسلمين خلق كثير، فيا لها من وقعة ومقتلة ما أعظمها وأعظم هولها، ويرتد من العرب يومئذ أربع قبائل: سليم وفهد وغسان وطي، فيلحقون بالروم، ثم إن الله ينزل الصبر والنصر والظفر على المؤمنين، ويغضب على الكافرين، فعصابة المسلمين يومئذ خير خلق الله تعالى والمخلصين من عباده، وليس فيهم مارد ولا مارق ولا شارد ولا مرتاب ولا منافق، ثم إن المسلمين يدخلون إلى بلاد الروم ويكبرون على المدائن والحصون،. فتقع أسوارها بقدرة الله تعالى، فيدخلون المدائن والحصون ويغنمون الأموال ويسبون النساء والأطفال، وتكون أيام المهدي أربعين سنة: عشر منها بالمغرب، واثني عشر سنة بالمدينة، واثني عشر سنة بالكوفة، وستة بمكة، وتكون منيته فجاءة.
61
((باب كيف ينبذ إلى أهل العهد))
أي: هذا باب يبين فيه كيف ينبذ، وهو على صيغة المجهول من النبد بالنون والباء الموحدة والذال المعجمة، وهو: الطرح، والمراد هنا نقض العهد.
وقوله تعالى * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * (الأنفال: 85). الآية
وقوله، بالرفع على الابتداء وخبره محذوف تقديره: وقوله تعالى هو: * (وأما تخافن) * (الأنفال: 85). الآية، والجملة معطوفة على الجملة التي

100
قبلها. قوله: (وأما تخافن) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: من قوم من المشركين. قال الأزهري: معناه إذا هادنت قوما فعلمت منهم النقض فلا تسرع إلى النقض حتى تلقي إليهم أنك نقضت العهد فيكونون في علم النقض مستوين، ثم أوقع بهم. وقال الكسائي: السواء العدل، وقال ابن عباس: المثل، وقيل: أعلمهم أنك قد جازيتهم حتى يصيروا مثلك في العلم.
7713 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرنا حميد بن عبد الرحمان أن أبا هريرة قال بعثني أبو بكر رضي الله تعالى عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم مشرك..
مطابقته للترجمة في قوله: (فنبذ أبو بكر إلى الناس) وأبو اليمان الحكم بن نافع، وهذا الإسناد قد تكرر ذكره.
والحديث مضى في كتاب الحج في: باب لا يطوف بالبيت عريان ولا مشرك فإنه أخرجه هناك: عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس: ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
قوله: (بعثني أبو بكر)، كان بعثه إياه في الحجة التي أمره النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع، والأحاديث يفسر بعضها بعضا. قوله: (ويوم الحج الأكبر يوم النحر)، هذا قول مالك وجماعة من الفقهاء، وقيل: عرفة، وإنما قيل له: الأكبر، لأجل قول الناس: الحج الأصغر. قال الداودي: يعني العمرة، وقيل: إنما قيل له: الأكبر، لأن الناس كانوا في الجاهلية يقفون بعرفة وتقف قريش بالمزدلفة، لأنهم كانوا يقولون: لا نخرج من الحرم، فإذا كان صلاة الفجر يوم النحر وليلة النحر اجتمعوا كلهم بالمزدلفة، فقيل له: يوم الحج الأكبر، لأنه يوم الاجتماع الأكبر فيه.
71
((باب إثم من عاهد ثم غدر))
أي: هذا باب في بيان إثم من عاهد ثم غدر، أي: نقض العهد.
وقوله تعالى: * (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) * (الأنفال: 65).
وقوله، بالجر عطفا على قوله: إثم، أي: وفي بيان ما جاء في تحريم نقض العهد من قوله تعالى: * (الذين عاهدت) * (الأنفال: 65). الآية، والغدر حرام باتفاق، سواء كان في حق المسلم أو الذمي.
...
8713 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا جرير عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمر و رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع خلال من كن فيه كان منافقا خالصا من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها. (انظر الحديث 43 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (وإذا عاهد غدر)، ورجاله كلهم قد مروا غير مرة. والحديث أيضا مر في كتاب الإيمان في: باب علامة المنافق، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (أربع خلال)، أي: أربع خصال، وهو جمع: خلة، وهي: الخصلة.
9713 حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه

101
عن علي رضي الله تعالى عنه قال ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة قال النبي صلى الله عليه وسلم المدينة حرام ما بين عائر إلى كذا فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل..
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: (فمن أحدث فيها حدثا) إلى آخره، لأن في إحداث الحدث وإيواء المحدث والموالاة بغير إذن مواليه معنى الغدر، فلهذا استحق هؤلاء اللعنة المذكورة، وسفيان هو ابن عيينة، وإبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد بن شريك التيمي. والحديث قد مر غير مرة عن قريب في: باب ذمة المسلمين وجوارهم وفي الحج أيضا.
0813 قال أبو موسى حدثنا هاشم بن القاسم قال حدثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما فقيل له وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة قال إي والذي نفس أبي هريرة بيده عن قول الصادق المصدوق قالوا عم ذاك قال تنتهك ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فيشد الله عز وجل قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم.
أبو موسى هو محمد بن المثنى شيخ البخاري هاشم بن القاسم أبو النضر التميمي، ويقال: الليثي الكناني، خراساني سكن بغداد، وإسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أخو خالد بن سعيد الأموي القرشي، يروي عن أبيه سعيد بن عمرو.
وهذا التعليق كذا وقع في أكثر نسخ الصحيح، وقاله أيضا أصحاب (الأطراف) والإسماعيلي والحميدي في جمعه وأبو نعيم، وفي بعض النسخ: حدثنا أبو موسى، والأول هو الصحيح، ثم هذه الصيغة تحمل على السماع؟ فيه خلاف، وقال الخطيب: لا تحمل على السماع إلا ممن جرت عادته أن يستعملها فيه، ووصل أبو نعيم هذا في (مستخرجه) من طريق موسى بن عباس عن أبي موسى مثله.
قوله: (إذا لم تجتبوا)، من الجباية، بالجيم والباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف، يعني: إذا لم تأخذوا من الجزية والخراج قوله: (عن قول الصادق المصدوق)، معنى الصادق ظاهر، والمصدوق هو الذي لم يقل له إلا الصدق، يعني: أن جبريل، عليه الصلاة والسلام، مثلا لم يخبره إلا بالصدق. قال الكرماني: أو المصدق، بلفظ المفعول. قوله: (تنتهك)، بضم أوله من الانتهاك، وانتهاك الحرمة تناولها بما لا يحل من الجور والظلم. قوله: (فيمنعون ما في أيديهم)، أي: من الجزية، وقال الحميدي: أخرج مسلم معنى هذا الحديث من وجه آخر عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، رفعه: منعت العراق درهمها وقفيزها... الحديث، وساق الحديث بلفظ الماضي والمراد ما يستقبل مبالغة في الإشارة إلى تحقق وقوعه، وروى مسلم أيضا عن جابر، رضي الله تعالى عنه، مرفوعا: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم قالوا: مم ذاك؟ قال: من قبل العجم، يمنعون ذلك. وفيه: علم من علامات النبوة.
81
((باب))
أي: هذا باب وقد وقع كذا بلا ترجمة، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، وقد مر مثل هذا غير مرة.
1813 حدثنا عبدان قال أخبرنا أبو حمزة قال سمعت الأعمش قال سألت أبا وائل شهدت صفين قال نعم فسمعت سهل بن حنيف يقول اتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل

102
ولو أستطيع أن أرد أمر النبي صلى الله عليه وسلم لرددته وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا..
تعلق هذا الحديث بالباب المترجم من حيث ما آل أمر قريش في نقضهم العهد من الغلبة عليهم والقهر بفتح مكة فإنه يوضح أن مال الغدر مذموم، ومقابل ذلك ممدوح.
وعبدان قد مر غير مرة، وأبو حمزة، بالحاء المهملة وبالزاي: وهو محمد بن ميمون السكري، والأعمش هو سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وسهل ابن حنيف بن واهب الأنصاري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن عبدان أيضا وعن موسى بن إسماعيل، وفي الخمس عن الحسن بن إسحاق وفي التفسير عن أحمد بن إسحاق وأخرجه مسلم في المغازي عن جماعة والنسائي في التفسير عن أحمد بن سليمان.
قوله: (صفين)، بكسر الصاد المهملة وتشديد الفاء، وهو اسم موضع على الفرات وقع فيه الحرب بين علي ومعاوية وهي وقعة مشهورة. قوله: (اتهموا رأيكم)، قال ذلك يوم صفين، وكان مع علي، رضي الله تعالى عنه، يعني: اتهموا رأيكم في هذا القتال، يعظ الفريقين، لأن كل فريق منهما يقاتل على رأي يراه واجتهاد يجتهده، فقال لهم سهل: اتهموا رأيكم فإنما تقاتلون في الإسلام إخوانكم برأي رأيتموه، وكانوا يتهمون سهلا بالتقصير في القتال، فقال: اتهموا رأيكم، فإني لا أقصر، وما كنت مقصرا في الجماعة كما في يوم الحديبية. قوله: (رأيتني)، أي: رأيت نفسي يوم أبي جندل، بفتح الجيم وسكون النون، واسمه: العاص بن سهل وإنما نسب اليوم إليه ولم يقل: يوم الحديبية، لأن رده إلى المشركين كان شاقا على المسلمين، وكان ذلك أعظم عليهم من سائر ما جرى عليهم من سائر الأمور، وكان أبو جندل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من مكة مسلما وهو يجر قيوده، وكان قد عذب على الإسلام، فقال سهل والده: يا محمد! هذا أول ما أقاضيك عليه. فرد عليه أبا جندل وهو ينادي: أتردونني! إلى المشركين وأنا مسلم، وترون ما لقيت من العذاب في الله؟ فقام سهل إلى ابنه بحجر فكسر قيده، فغارت نفوس المسلمين يومئذ حتى قال عمر، رضي الله تعالى عنه: ألسنا على الحق؟ فعلى ما نعطي الدنية؟ على وزن فعيلة، أي: النقيصة والخطة الخسيسة، أي: لم نرد أبا جندل إليهم ونقاتل معهم
ولا نرضى بهذا الصلح؟ قوله: (فلو أستطيع أن أرد أمر النبي صلى الله عليه وسلم) أشار بهذا الكلام إلى جواب الذي اتهموه بالتقصير في القتال يوم صفين، فقال: كيف تنسبونني إلى التقصير؟ فلو كان لي استطاعة على رد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية لرددته، ولم يكن امتناعي عن القتال يومئذ للتقصير، وإنما كان لأجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالصلح. قوله: (وما وضعنا أسيافنا...) إلى آخره. يعني: ما جردنا سيوفنا في الله لأمر يفظعنا من أفظع بالفاء والظاء المعجمة والعين المهملة. قال ابن فارس: فظع وأفظع لغتان، يقال: أمر فظيع أي: شديد علينا، إلا أسهلت بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا، يعني: أمر الفتنة التي وقعت بين المسلمين، فإنها مشكلة حيث حلت المصيبة بقتل المسلمين، فنزع السيف أول من سله في الفتنة.
2813 حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن أبيه قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال حدثني أبو وائل قال كنا بصفين فقام سهل ابن حنيف فقال أيها الناس اتهموا أنفسكم فإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل فقال بلى فقال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى قال فعلى ما نعطي الدنية في ديننا أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم فقال ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم فقال

103
إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا فنزلت سورة الفتح فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر إلى آخرها فقال عمر يا رسول الله أو فتح هو قال نعم..
تعلق هذا الحديث أيضا بالباب المترجم مثل تعلق الحديث السابق، وعبد الله بن محمد بن عبد الله المعروف بالمسندي، ويزيد من الزيادة ابن عبد العزيز الكوفي، يروي عن أبيه سياه، بكسر السين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالهاء وصلا ووقفا، منصرف وغير منصرف، والأصح الانصراف، وحبيب بن أبي ثابت واسمه دينار الكوفي، وأبو وائل شقيق ابن سلمة.
قوله: (فجاء عمر، رضي الله تعالى عنه)، قد مر هذا في كتاب الشروط في باب الشروط في الجهاد قوله (فنزلت سورة الفتح) سورة * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * (الفتح: 1). والمراد بالفتح صلح الحديبية، وقيل: فتح مكة، وقيل: فتح الروم، وقيل: فتح الإسلام بالسيف والسنان، وقيل: الفتح الحكم، والمختار من هذه الأقاويل: فتح مكة، وقيل: فتح الحديبية، وهو الصلح الذي وقع فيها بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين مشركي مكة، فإن قلت: كيف كان فتحا وقد أحصروا فنحروا وحلقوا بالحديبية؟ قلت: كان ذلك قبل الهدنة، فلما تمت الهدنة كان فتحا مبينا.
3813 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا حاتم عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء ابنة أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدتهم مع أبيها فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها قال نعم صليها..
تعلق هذا الحديث بما قبله من حديث إن عدم الغدر اقتضى جواز صلة القريب ولو كان على غير دينه، وحاتم هو أبو إسماعيل ابن إسماعيل الكوفي. والحديث مضى في كتاب الهبة في: باب الهدنة للمشركين، ومضى الكلام فيه.
قوله: (قدمت علي) بتشديد الياء. قوله: (أمي)، واسمها: قبيلة، بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف، واسم أبيها: عبد العزى، وأسماء وعائشة أختان من جهة الأب فقط. قوله: (ومدتهم) أي: المدة التي كانت معينة للصلح بينهم وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (راغبة) أي: في أن تأخذ مني بعض المال.
91
((باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم))
أي: هذا باب في بيان المصالحة مع المشركين على مدة ثلاثة أيام. قوله: أو وقت معلوم، أي: أو المصالحة على وقت معلوم سواء كان ثلاثة أيام أو ثلاثة أشهر أو نحو ذلك.
4813 حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال حدثنا شريح بن مسلمة قال حدثنا إبراهيم ابن يوسف بن أبي إسحاق قال حدثني أبي عن أبي إسحاق قال حدثني البراء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعتمر أرسل إلي أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح ولا يدعو منهم أحدا قال فأخذ يكتب الشرط بينهم علي ابن أبي طالب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك ولكن اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله فقال أنا والله محمد بن عبد الله وأنا والله رسول الله قال وكان لا يكتب قال فقال لعلي

104
امح رسول الله فقال علي والله لا أمحاه أبدا قال فأرنيه قال فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده فلما دخل ومضى الأيام أتوا عليا فقالوا مر صاحبك فليرتحل فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم ثم ارتحل..
مطابقته للترجمة في قوله: (أن لا يقيم إلا ثلاث ليال) وأحمد بن عثمان بن حكيم بن دينار أبو عبد الله الأزدي الكوفي، وشريح بن مسلمة بفتح الميم واللام الكوفي، وإبراهيم بن يوسف الكوفي وأبوه يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق الكوفي، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله الكوفي السبيعي. ومر الحديث في كتاب الصلح في: باب كيف يكتب، ومضى الكلام فيه.
قوله: (جلبان)، بضم الجيم وسكون اللام: شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغمودا. قوله: (لا أمحاه) ويروى: لا أمحوه، ويقال: محاه يمحوه ويمحاه
ويمحيه، ثلاث لغات.
02
((بال الموادعة من غير وقت))
أي: هذا باب في بيان الموادعة أي: المصالحة والمتاركة من غير تعيين وقت.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله به
هذا طرف من حديث عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وقد مر في كتاب المزارعة في: باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله، وليس في أمر المهادنة حد عند أهل العلم لا يجوز غيره، وإنما ذلك على حسب الحاجة والاجتهاد في ذلك إلى الإمام وأهل الرأي.
12
((باب طرح جيف المشركين في البئره ولا يؤخذ لهم ثمن))
أي: هذا باب في بيان جواز طرح جيف المشركين في البئر، والجيف، بكسر الجيم وفتح الياء آخر الحروف جمع جيفة. قوله: (ولا يؤخذ لهم ثمن)، أي: لا يجوز أخذ الفداء فيها من المشركين إذ كان أصحاب قليب بدر رؤساء مشركي مكة، ولو مكن أهلهم من إخراجهم من البئر ودفنهم لبذلوا في ذلك كثير المال، وإنما لا يجوز أخذ الثمن فيها لأنها ميتة لا يجوز تملكها ولا أخذ عوض عنها، وقد حرم الشارع ثمنها وثمن الأصنام في حديث جابر، وفي الترمذي من حديث ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى، صلى الله عليه وسلم، أن يبيعهم إياه، وقال أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى، وقال البخاري: هو صدوق ولكن لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه، وذكر ابن إسحاق في المغازي: أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسد نوفل بن عبد الله بن المغيرة، وكان اقتحم الخندق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لنا بثمنه ولا جسده، وقال ابن هشام: بلغني عن الزهري أنهم بذلوا فيه عشرة آلاف.
5813 حدثنا عبدان بن عثمان قال أخبرني أبي عن شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش من المشركين إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة عليها السلام فأخذت من ظهره ودعت على من صنع ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم عليك الملأ من قريش اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر غير أمية أو أبي فإنه كان رجلا ضخما فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبدان اسمه عبد الله بن عثمان، يروي عن أبيه عثمان بن جبلة وأبو إسحاق مر

105
عن قريب. والحديث مضى بهذا الإسناد في كتاب الطهارة في: باب إذا ألقي على ظهر المصلى قدر إلى آخره. قوله: (سلا) بالسين المهملة وتخفيف اللام مقصورا هو اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة والجزور المنحور من الإبل، قوله: (عليك الملا) أي: أخذ الجماعة وأهلكهم.
22
((باب إثم الغادر للبر والفاجر))
أي: هذا باب في بيان إثم الغادر للرجل البر، بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء: الخير، وسواء كان الغدر من بر لبر أو لفاجر، أو من فاجر لفاجر أو لبر، والغادر هو الذي يواعد عل أمر ولا يفي به، يقال: غدر يغدر، بكسر الدال في المضارع.
6813
7813 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن سليمان الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله وعن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل غادر لواء يوم القيامة قال أحدهما ينصب. وقال الآخر يرى يوم القيامة يعرف به.
مطابقته للترجمة ظاهرة، والوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وعبد الله هو ابن مسعود. قوله: (وعن ثابت) قائل ذلك هو شعبة، وقال الكرماني: وعن ثابت، عطف على سليمان.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن أبي موسى وأبي قدامة.
قوله: (لواء)، أي: علم. قوله: (قال أحدهما)، أي: أحد الراويين عن عبد الله ينصب أي: اللواء. وقال الآخر: يرى يوم القيامة، أي: يعرف به، وإنما قال بلفظ: أحدهما لالتباسه عليه، ولا قدح بهذا اللفظ لأن كلتا الروايتين بشرط البخاري، واللواء لا يمسكه إلا صاحب جيش الحرب، ويكون الناس تبعا له، ومعنى: لكل غادر لواء، أي: علامة يشتهر بها في الناس، لأن موضع اللواء شهرة مكان الرئيس.
8813 حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لكل غادر لواء ينصب بغدرته..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وحماد هو ابن زيد، وأيوب هو السختياني. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن سليمان بن حرب أيضا. وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي الربيع.
قوله: (بغدرته)، أي: بسبب غدرته في الدنيا، أو بقدر غدرته، وفي غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة، لأن غدرته يتعدى ضرره إلى خلق كثير، ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء. وقال عياض: المشهور أن هذا الحديث ورد في ذم الإمام إذا غدر في عهده لرعيته أو لمقاتلته أو للإمامة التي تقلدها والتزم القيام بها، فمتى خان فيها أو ترك الرفق فقد غدر بعهده، وقيل: المراد نهي الرعية عن الغدر للإمام فلا تخرج عليه ولا تتعرض لمعصيته لما يترتب على ذلك من الفتنة، قال، والصحيح الأول. قلت: لا مانع من أن يحمل الخبر على أعم من ذلك.
9813 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا وقال يوم فتح مكة إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاه فقال العباس يا رسول الله إلا الإذخر

106
فإنه لقينهم ولبيوتهم قال إلا الإذخر..
وجه مطابقته للترجمة يمكن أخذه من قوله: (فانفروا) إذ معناه: لا تغدروهم ولا تخالفوهم، إذ إيجاب الوفاء بالخروج مستلزم لتحريم الغدر، ووجه آخر: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغدر في استحلال القتال بمكة لأنه كان بإحلال الله تعالى له ساعة، ولولا ذلك لما جاز له.
ورجال الحديث كلهم قد مضوا غير مرة. والحديث مضى في كتاب الحج في: باب لا يحل القتال بمكة، فإنه أخرجه هناك: عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور... إلى آخره. وأخرجه أيضا في: باب لا ينفر صيد الحرم، ومضى الكلام فيه هناك. والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
95
((كتاب بدء الخلق))
أي: هذا كتاب في بيان بدء الخلق، البدء على وزن: فعل، بفتح الباء وسكون الدال وفي آخره همزة، من بدأت الشيء بدأ ابتدأت به. وفي (العباب): بدأت بالشيء بدأ ابتدأت به وبدأت الشيء فعلته ابتداء، وبدأ الله الخلق وأبداهم، بمعنى، والخلق بمعنى المخلوق، وهكذا وقع: كتاب بدء الخلق، بعد ذكر البسملة في رواية الأكثرين، وليس في رواية أبي ذر ذكر البسملة، ووقع في رواية النسفي ذكر بدء الخلق بدل: كتاب بدء الخلق.
1
((باب ما جاء في قول الله تعالى: * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) * (الروم: 72).))
أي: هذا باب في بيان وما جاء في قول الله تعالى: * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) * (الروم: 72). وتمام الآية: * (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) * (الروم: 72). قوله: * (وهو الذي) * أي: وهو الذي يبدأ الخلق أي: ينشئ المخلوق ثم يعيده، أي: ثانيا للبعث. قوله: * (وهو أهون عليه) * (الروم: 72). أي: الإعادة أهون عليه أي: أسهل، وقيل: أيسر، وقيل: أسرع عليه، وقال مجاهد وأبو العالية: الإعادة أهون عليه من البداية، وكل هين عليه. وقال الزمخشري: فإن قلت: لم ذكر الضمير في قوله: * (وهو أهون عليه) * (الروم: 72). والمراد به الإعادة؟ قلت: معناه: وأن يعيده أهون عليه. قوله: * (وله المثل الأعلى) * (الروم: 72). أي: الصفة العليا: * (في السماوات والأرض وهو العزيز) * في ملكه * (الحكيم) * في خلقه.
وقال الربيع بن خثيم والحسن كل عليه هين هين وهين مثل لين ولين وميت وميت وضيق وضيق. أفعيينا أفأعيا علينا حين أنشأكم وأنشأ خلقكم. لغوب النصب أطوارا طورا كذا وطورا كذا عدا طوره أي قدره
الربيع، بفتح الراء ضد الخريف ابن خثيم، بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف: ابن عائذ بن عبد الله الثوري الكوفي من التابعين الكبار الورعين القانتين، مات سنة بضع وستين، والحسن هو البصري وهما فسرا قوله تعالى: * (هو أهون عليه) * (الروم: 72). بمعنى: كل عليه هين، فحملا لفظ: أهون، الذي هو أفعل التفضيل بمعنى: هين. وتعليق الربيع وصله الطبري من طريق منذر الثوري عنه نحوه، وتعليق الحسن وصله الطبري أيضا من طريق قتادة عنه، ولفظه: وإعادته أهون عليه من بدئه، وكل على الله تعالى هين. قوله: * (هين) * بتشديد الياء * (وهين) * بتخفيفها، أشار بهذا إلى أنهما لغتان، كما جاء التشديد والتخفيف في الألفاظ التي ذكرها، قال الكرماني: وغرضه من هذا أن أهون بمعنى: هين، أي: لا تفاوت عند الله بين الإبداء والإعادة كلاهما على السواء في السهولة. قوله: (أفعيينا)، أشار به إلى قوله تعالى: * (أفعيينا بالخلق الأول) * (ق
1764;: 51). وفسره بقوله: أفأعيى علينا، يعني ما أعجزنا الخلق الأول حني أنشأناكم وأنشأنا خلقكم، وعدل عن التكلم إلى الغيبة التفاتا، والظاهر أن لفظ: (حين أنشأكم وأنشأنا خلقكم) إشارة إلى آية أخرى، وإلى تفسيره وهو قوله تعالى: * (إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) * (النجم: 23). ونقل البخاري بالمعنى حيث قال: حين أنشأكم، بدل: إذ أنشأكم، أو هو محذوف في اللفظ واكتفى بالمفسر عن المفسر،

107
وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: * (أفعيينا بالخلق الأول) * (ق
1764;: 51). بقوله: أفأعيى علينا حين أنشأناكم خلقا جديدا، فشكوا في البعث، وقال أهل اللغة: عييت بالأمر إذا لم تعرف جهته، ومنه: العي في الكلام. قوله: لغوب، النصب أشار به إلى قوله تعالى: * (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) * (ق
1764;: 05). قال الزمخشري: اللغوب الإعياء، والنصب التعب وزنا ومعنى، وهذا تفسير مجاهد، أخرجه عنه ابن أبي حاتم. وأخرج من طريق قتادة: أكذب الله اليهود في زعمهم أنه استراح في اليوم السابع، قال: وما مسنا من لغوب أي: من إعياء، وغفل الداودي فظن أن النصب في كلام المصنف بسكون الصاد، وأنه أراد ضبط اللغوب، ثم اعترض عليه بقوله: لم أر أحدا نصب اللام، أي: من الفعل، وإنما هو بالنصب الأحمق. قوله: (أطوارا) أشار به إلى ما في قوله: وقد خلقكم أطوارا ثم فسره بقوله: طورا كذا وطورا كذا، يعني طورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة ونحوها، والأطوار: الأحوال المختلفة. وأخرج الطبري عن ابن عباس: أن المراد اختلاف أحوال الناس من صحة وسقم، وقيل: معناه أصنافا في الألوان واللغات، وقال ابن الأثير: الأطوار التارات والحدود، واحدها طور، أي: مرة ملك ومرة هلك ومرة بؤس ومرة نعم. قوله: (عدا طوره)، فسره بقوله: قدره، يقال: فلان عدا طوره إذا جاوز قدره.
0913 حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما قال جاء نفر من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا بني تميم أبشروا قالوا بشرتنا فأعطنا فتغير وجهه فجاءه أهل اليمن فقال يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قبلنا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بدء الخلق والعرش فجاء رجل فقال يا عمران راحلتك تفلتت ليتني لم أقم..
مطابقته للترجمة في قوله: (يحدث بدء الخلق) وسفيان هو الثوري، وجامع بن شداد بالتشديد أبو صخرة المحاربي الكوفي وصفوان بن محرز، بضم الميم على وزن الفاعل من الإحراز: المازني البصري.
والحديث أخرجه البخاري في المغازي عن أبي نعيم وعن عمرو بن علي وفي بدء الخلق أيضا عن عمرو بن حفص وفي التوحيد عن عبدان. وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمد بن بشار. وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الأعلى.
قوله: (جاء نفر) أي: عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، وكان قدومهم في سنة تسع. قوله: (أبشروا)، أمر بهمزة قطع من البشارة، وأراد بها ما يجازى به المسلمون وما يصير إليه عاقبتهم، ويقال: بشرهم بما يقتضي دخول الجنة حيث عرفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما بينهما. قوله: (قالوا بشرتنا)، فمن القائلين بهذا الأقرع بن حابس، كان فيه بعض أخلاق البادية. قوله: (فأعطنا)، أي: من المال. قوله: (فتغير وجهه)، أي: وجه النبي صلى الله عليه وسلم، إما للأسف عليهم كف آثروا الدنيا، وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم فيتألفهم به. قوله: (فجاء أهل اليمن)، هم الأشعريون قوم أبي موسى الأشعري، وقال ابن كثير: قدوم الأشعريين صحبة أبي موسى الأشعري في صحبة جعفر بن أبي طالب وأصحابه من المهاجرين الذين كانوا بالحبشة حين فتح رسول الله، صلى الله عليه وسلم خيبر، قوله: (اقبلوا البشرى)، حكى عياض: أن في رواية الأصيلي: اليسرى، بالياء آخر الحروف والسين المهملة، قال: والصواب الأول. قوله: (إذ لم يقبلها)، كلمة إذ، ظرف وهو اسم للزمن الماضي، ولها استعمالات أحدها أن تكون ظرفا بمعنى الحين، وهو الغالب، وهنا كذلك. قوله: (فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم)، أي: شرع يحدث. قوله: (راحلتك)، الراحلة الناقة التي تصلح لأن ترحل والمركب أيضا من الإبل ذكرا كان أو أنثى، ويجوز فيها الرفع والنصب، أما الرفع فعلى الابتداء، وأما النصب فعلى تقدير: أدرك راحلتك. قوله: (تفلتت) أي: تشردت وتشمرت. قوله: (ليتني لم أقم)، أي: قال عمران: ليتني لم أقم من مجلس رسول الله، صلى الله عليه وسلم حتى لم يفت مني سماع كلامه.

108
1913 حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثنا جامع ابن شداد عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما قال دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال أقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا قد بشرتنا فأعطنا مرتين ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قد قبلنا يا رسول الله قالوا جئناك نسألك عن هذا الأمر قال كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب فوالله لوددت أني كنت تركتها..
هذا طريق آخر لحديث عمران بن الحصين مع زيادة فيه. قوله: (جئناك)، بكاف الخطاب، هكذا رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني: جئنا، بلا كاف. قوله: (نسألك عن هذا الأمر) أي: الحاضر الموجود، ولفظ: الأمر، يطلق ويراد به المأمور ويراد به الشأن، والحال، وكأنهم سألوا عن أحوال هذا العالم. قوله: (كان الله ولم يكن شيء غيره) وسيأتي في التوحيد: ولم يكن شيء قبله، وفي رواية غير البخاري، ولم يكن شيء معه، ووقع هذا الحديث في بعض المواضع: كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان، وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث نبه عليه الإمام تقي الدين بن تيمية. قوله: (وكان عرشه على الماء)، أي: لم يكن تحته إلا الماء، وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السماوات والأرض. فإن قلت: بين هذه الجملة وما قبلها منافاة ظاهرة لأن هذه الجملة تدل على وجود العرش، والجملة التي قبلها تدل على أنه لم يكن شيء. قلت: هو من باب الإخبار عن حصول الجملتين مطلقا، والواو بمعنى: ثم فإن قلت: ما الفرق بين كان في: كان الله، وبين كان في: وكان عرشه؟ قلت: كان الأول: بمعنى الكون الأزلي، وكان الثاني: بمعنى الحدث. وفي قوله: وكان عرشه على الماء، دلالة على أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهم خلقا قبل خلق السماوات والأرض ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء. فإن قلت: إذا كان العرش والماء مخلوقين أولا
فأيهما سابق في الخلق؟ قلت: الماء لما روى أحمد والترمذي مصححا من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا: إن الماء خلق قبل العرش، وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة: أن الله تعالى لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء. فإن قلت: روى أحمد والترمذي مصححا من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا أن الماء خلق قبل العرش وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة أن الله تعالى لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء (فإن قلت) روى أحمد والترمذي مصححا من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا: أول ما خلق الله القلم، ثم قال: أكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، واختاره الحسن وعطاء ومجاهد، وإليه ذهب ابن جرير وابن الجوزي، وحكى ابن جرير عن محمد بن إسحاق أنه قال: أول ما خلق الله تعالى النور والظلمة، ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما، وجعل النور نهارا أبيض مبصرا، وقيل: أو ما خلق الله تعالى نور محمد صلى الله عليه وسلم. قلت: التوفيق بين هذه الروايات بأن الأولية نسبي، وكل شيء قيل فيه إنه أول فهو بالنسبة إلى ما بعدها. قوله: (وكتب في الذكر) أي: قدر كل الكائنات وأثبتها في الذكر أي: اللوح المحفوظ. قوله: (تقطع)، تفعل من التقطع وهو بلفظ الماضي وبلفظ المضارع من القطع. قوله: (السراب) بالرفع فاعله، والسراب هو الذي تراه نصف النهار كأنه ماء، والمعنى: فإذا هي، انتهى السراب عندها. قوله: (لوددت)، أي: لأحببت أني لو تركتها لئلا يفوت منه سماع كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال المهلب: السؤال عن مبادئ الإشياء والبحث عنها جائز شرعا، وللعالم أن يجيب عنها بما يعلم، فإن خشي من السائل إيهام شك أو تقصير فلا، يجيبه وينهاه عن ذلك.
2913 ورواه عيسى عن رقبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر رضي الله تعالى عنه يقول

109
قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه.
عيسى هو ابن موسى البخاري أبو أحمد التيمي مولاهم يلقب: غنجار، بضم الغين المعجمة وسكون النون وبالجيم وبعد الألف راء، لقب به لاحمرار خديه، كان من أعبد الناس، مات سنة سبع أو ست وثمانين ومائة، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، ورقبة، بفتح الراء والقاف والباء الموحدة: ابن مصقلة، بالصاد المهملة وبالقاف: العبدي الكوفي. واعلم أن رواية الأكثرين هكذا. عيسى عن رقبة، وقال الجياني: سقط بينه وبين رقبة أبو حمزة السكري وهو محمد بن ميمون، وقال أبو مسعود الدمشقي: إنما رواه عيسى، يعني: ابن موسى عن أبي حمزة السكري عن رقبة.
وقد وصل الطبراني هذا الحديث من طريق عيسى المذكور عن أبي حمزة عن رقبة ولم ينفرد به عيسى، فقد أخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسين بن شقيق عن أبي حمزة ولكن في إسناده ضعف.
قوله: (قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم، مقاما) يعني: قام على المنبر، بين ذلك ما رواه أحمد ومسلم من حديث أبي زيد الأنصاري، قال: صلى بنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاة الصبح وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الصلاة، ثم نزل فصلى بنا الظهر ثم صعد المنبر فخطبنا ثم العصر كذلك حتى غابت الشمس فحدثنا بما كان وما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا لفظ أحمد وأفاد هذا بيان المقام المذكور زمانا ومكانا، وأنه كان على المنبر من أول النهار إلى أن غابت الشمس. قوله: (حتى دخل) كلمة: حتى، غاية للمبدأ وللإخبار، أي: حتى أخبر عن دخول أهل الجنة، والغرض أنه أخبر عن المبدأ والمعاش والمعاد جميعا، وإنما قال: دخل، بلفظ الماضي موضع المستقبل مبالغة للتحقق المستفاد من خبر الصادق.
وفيه: دلالة على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات من ابتدائها إلى انتهائها، وفي إيراد ذلك كله في مجلس واحد أمر عظيم من خوارق العادة، وكيف وقد أعطي جوامع الكلم مع ذلك؟
3913 حدثني عبد لله بن أبي شيبة عن أبي أحمد عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أراه يقول الله شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وتكذبني وما ينبغي له أما شتمه فقوله إن لي ولدا وأما تكذيبه فقوله ليس يعيدني كما بدأني.
مطابقته للترجمة في قوله: (ليس يعيدني كما بدأني) وهو قول منكري البعث من عباد الأوثان.
وأبو أحمد اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأزدي، وقيل: الأسدي الزبيري، نسبة إلى جده، مات بالأهواز في جمادى الأولى سنة ثلاث ومائتين، وكان يصوم الدهر، وسفيان هو الثوري، وأبو الزناد، بالزي والنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
قوله: (يشتمني)، بالفعل المضارع، ويروى: شتمني، بالماضي من الشتم، وهو توصيف الشيء بما هو إزراء ونقص لا سيما فيما يتعلق بالغيرة وإثبات الولد كذلك، لأنه يستلزم الإمكان المتداعي للحدوث، قالوا: إن هذا الحديث كلام قدسي، أي: نص إل
1764; هي في الدرجة الثانية، لأن الله تعالى أخبر نبيه، صلى الله عليه وسلم، معناه بإلهام وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، عنه أمته بعبارة نفسه. قوله: (وتكذبني)، من باب التفعل، ويروى: ويكذبني بضم الياء من التكذيب.
4913 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا مغيرة بن عبد الرحمان القرشي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي..

110
مطابقته للترجمة في قوله: (لما قضى الله الخلق). ومغيرة، بضم الميم وكسرها.
والحديث أخرجه مسلم في التوبة، والنسائي في النعوت كلهم عن قتيبة.
قوله: (لما قضى الله الخلق)، قال الخطابي: يريد لما خلق الله الخلق كما في قوله تعالى: * (فقضاهن سبع سماوات) * (فصلت: 21). أي: خلقهن، وقال ابن
عرفة: قضاء الشئ إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه، وبه سمي القاضي لأنه إذا حكم فقد فرغ مما بين الخصمين. قوله: (كتب في كتابه)، أي: أمر القلم أن يكتب في كتابه وهو اللوح المحفوظ، والمكتوب هو: أن رحمتي غلبت غضبي. قوله: (فهو عنده)، أي: الكتاب عنده، والعندية ليست مكانية بل هو إشارة إلى كمال كونه مكنونا عن الخلق مرفوعا عن حيز إدراكهم. قوله: (فوق العرش)، قال الخطابي: قال بعضهم: معناه دون العرش استعظاما أن يكون شيء من الخلق فوق العرش كما في قوله تعالى: * (بعوضة فما فوقها) * (البقرة: 62). أي: فما دونها أي: أصغر منها، وقال بعضهم: إن لفظ الفوق زائد كما في قوله تعالى: * (فإن كن نساء فوق اثنتين) * (النساء: 11). إذ الثنتان يرثان الثلثين. قلت: في كل منهما نظر، أما الأول ففيه استعمال اللفظ في غير موضعه، وأما الثاني ففيه فساد المعنى، لأن معناه: يكون حينئذ: فهو عنده العرش، وهذا لا يصح، والأحسن أن يقال معنى قوله: فهو عنده فوق العرش أي: علم ذلك عند الله فوق العرش لا ينسخ ولا يبدل، أو ذكر ذلك عند الله فوق العرش، ولا محذور من إضمار لفظ العلم أو الذكر، على أن العرش مخلوق ولا يستحيل أن يمسه كتاب مخلوق، فإن الملائكة حملة العرش حاملونه على كواهلهم، وفيه المماسة فلا محذور أن يكون كتابه فوق العرش. فإن قلت: ما وجه تخصيص هذا بالذكر على ما قلت، مع أن القلم كتب كل شيء؟ قلت: لما فيه من الرجاء الكامل وإظهار أن رحمته وسعت كل شيء، بخلاف غيره. قوله: (أن رحمتي)، بفتح أن على أنها بدل من: كتب، وبكسرها ابتداء كلام يحمي مضمون الكتاب. قوله: (غلبت)، في رواية شعيب عن أبي الزناد في التوحيد: سبقت، بدل: غلبت، والمراد من الغضب معناه الغائي وهو لازمه، وهو إرادة الانتقام ممن يقع عليه الغضب والسبق والغلبة باعتبار التعلق أي: تعلق الرحمة سابق غالب على تعليق الغضب، لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة، وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد حادث، وبهذا يندفع إشكال من أورد وقوع العذاب قبل الرحمة في بعض المواضع كمن يدخل النار من الموحدين ثم يخرج بالشفاعة أو غيرها، وقيل: الرحمة والغضب من صفات الفعل لا من صفات الذات فلا مانع من تقدم بعض الأفعال على بعض، وقال الطيبي في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب، وأنها تنالهم من غير استحقاق، وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق، فالرحمة تشمل الشخص جنينا ورضيعا وفطيما وناشئا قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك، والله تعالى أعلم.
2
((باب ما جاء في سبع أرضين))
هذا باب في بيان ما جاء في وضع سبع أرضين.
وقول الله تعالى * (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما (الطلاق: 21).
وقول الله، بالجر عطفا على قوله: في سبع أرضين. قوله: (الله) مبتدأ. و: الذي خلق، خبره. قوله: (سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) في العدد، قيل: ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع: إلا هذه الآية. وقال الداودي: فيه دلالة على أن الأرضين بعضها فوق بعض مثل السماوات ليس بينها فرجة، وحكى ابن التين عن بعضهم: أن الأرض واحدة، قال: وهو مردود بالقرآن والسنة. وروى البيهقي عن أبي الضحى عن مسلم عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: * (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) * (الطلاق: 21). قال: سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيسى، ثم قال: إسناد هذا الحديث عن ابن عباس صحيح، وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا. وروى ابن أبي حاتم من طريق محمد عن مجاهد عن ابن عباس، قال: لو حدثتكم بتفسير هذه الآية لكفرتم، وكفركم تكذيبكم بها، وقد روى أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعا، أن بين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وأن سمك كل سماء كذلك، وأن بين كل أرض

111
وأرض خمسمائة عام. وأخرجه إسحاق بن راهويه والبزار من حديث أبي ذر نحوه. فإن قلت: روى أبو داود والترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب، رضي الله تعالى عنه، مرفوعا: بين كل سماء وسماء إحدى أو اثنتان وسبعون سنة. قلت: يجمع بينهما بأن اختلاف المسافة بينهما باعتبار بطء السير وسرعته، وفي (تفسير النسفي): وقيل: إن المراد بقوله: سبع أرضين الأقاليم السبعة، والدعوة شاملة جميعها، وقيل: إنها سبع أرضين متصلة بعضها ببعض والحائل بين كل أرض وأرض بحار لا يمكن قطعها ولا الوصول إلى الأرض الأخرى ولا تصل الدعوة إليهم قوله: (لتعلموا) اللام تتعلق بخلق، وقيل: بيتنزل، والأول أقرب، وأن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما لا يخفى عليه شيء، وعلما مصدر من غير لفظ الفعل أي: قد علم كل شيء علما.
والسقف المرفوع السماء
هذه حكاية عما في سورة الطور وهو: * (والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع) * (الطور: 1). فقوله: والسقف المرفوع، بالرفع مبتدأ وقوله: * (السماء) * (الطور: 1). خبره وهو تفسيره، كذا فسره مجاهد، رواه ابن أبي حاتم وغيره من طريق ابن أبي نجيح عنه، ويجوز بالجر على طريق الحكاية عما في سورة الطور سمى السماء سقفا لأنها للأرض كالسقف للبيت، وهو يقتضي الرد على من قال: إن السماء كرية، لأن السقف في اللغة العربية لا يكون كريا، وفيه نظر.
سمكها بناءها
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (رفع سمكها فسواها) * (النازعات: 82). في: والنازعات، وهنا: سمكها، مرفوع على الابتداء وخبره قوله: بناؤها،
ويجوز بالنصب على الحكاية. وقوله: * (رفع سمكها) * (النازعات: 82). أي: بناءها يعني: رفع بنيانها، والسمك، بفتح السين المهملة وسكون الميم، وهكذا فسره ابن عباس، رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي طلحة عنه.
الحبك استواؤها وحسنها
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى * (والسماء ذات الحبك) * (الذاريات: 7). ويجوز في الحبك الرفع على الابتداء وخبره: استواؤها، ويجوز الجر على الحكاية، والتفسير الذي فسره رواه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن يزيد عن سعيد بن جبير عنه، والحبك بضمتين جمع حبيكة، كطرق جمع طريقة، وزنا ومعنى. وقيل: واحدها حباك كمثال، وقيل: الحبك الطرائق التي ترى في السماء من آثار الغيم، وروى الطبري عن الضحاك نحوه، وقيل: هي النجوم أخرجه الطبري بإسناد حسن عن الحسن، وروى الطبري عن عبد الله بن عمرو: أن المراد بالسماء هنا السماء السابعة.
وأذنت سمعت وأطاعت
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت) * (الانشقاق: 1، 2). ورواه هكذا ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس: * (وأذنت لربها) * أي: أطاعت، ومن طريق الضحاك: أي: سمعت، قال النسفي: وحقيقته من أذن الشيء إذا أصغى إليه أذنه للاستماع، والسماع يستعمل للإسعاف والإجابة، كذلك الإذن أي: أجابت لربها إلى الانشقاق وما أراده منها.
وألقت أخرجت ما فيها من الموتى وتخلت عنهم
أشار إلى قوله تعالى بعد قوله: * (وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت) * (الانشقاق: 2، 3). وحقت أي: حق لها أن تطيع، وألقت أي: طرحت ما فيها، ومدت من مد الشيء فامتد وهو: أن تزول جبالها وآكامها، وكل أمة فيها حتى تمتد وتنبسط ويستوي ظهرها، وتخلت أي: خلت غاية الخلو حتى لا يبقى في بطنها شيء كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو.

112
طحاها دحاها
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (والأرض وما طحاها، ونفس وما سواها) * (الشمس: 6، 7). وأراد بقوله: (دحاها)، تفسير قوله: * (طحاها) * وهكذا فسره مجاهد، أخرجه عنه عبد بن حميد وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن عباس والسدي وغيرهما: * (دحاها) * أي: بسطها، من الدحو وهو البسط، يقال: دحا يدحو ويدحي، أي: بسط ووسع.
بالساهرة وجه الأرض كان فيها الحيوان نومهم وسهرهم
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (فإذا هم بالساهرة) * (النازعات: 41). أي: وجه الأرض، ولعله سمى بها لأن نوم الخلائق وسهرهم فيها، هكذا فسره عكرمة، أخرجه ابن أبي حاتم، وأخرج أيضا من طريق مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل بن سعد في قوله تعالى: * (فإذا هم بالساهرة) * (النازعات: 41). قال: أرض بيضاء عفراء كالخبزة، وعن ابن أبي حاتم: المراد بها أرض القيامة، وقال النسفي: قيل: هذه الساهرة جبل عند بيت المقدس، وقال أبو العالية: * (فإذا هم بالساهرة) * (النازعات: 41). بالصقع الذي بين جبل حسبان وجبل أريحا.
5913 حدثنا علي بن عبد الله قال أخبرنا ابن علية عن علي بن المبارك قال حدثنا يحيى ابن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة بن عبد الرحمان وكانت بينه وبين أناس خصومة في أرض فدخل على عائشة فذكر لها ذلك فقالت يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين..
مطابقته للترجمة في قوله: (من سبع أرضين). وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وابن علية اسمه إسماعيل بن إبراهيم، وعلية اسم أمه وقد مر غير مرة.
والحديث قد مضى في المظالم في: باب إثم من ظلم شيئا من الأرض، فإنه أخرجه هناك: عن أبي معمر عن عبد الوارث عن حسين عن يحيى بن أبي كثير إلى آخره.
قوله: (قيد شبر)، بكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف، وهو المقدار. قوله: (طوقه)، على صيغة المجهول، ومعنى التطويق أن يخسف الله به الأرض فتصير البقعة المغصوبة منها في عنقه يوم القيامة كالطوق، وقيل: هو أن يطوق حملها يوم القيامة، أي: يكلف، لا من طوق التقليد، بل من طوق التكليف.
6913 حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبد الله عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وبشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن محمد المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وسالم يروي عن أبيه عبد الله بن المبارك. والحديث مضى في المظالم في: باب إثم من ظلم، فإنه أخرجه هناك عن مسلم بن إبراهيم عن عبد الله بن المبارك.
7913 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان..
مطابقته للترجمة تتأتى بالتعسف لأن الأحاديث المذكورة فيها التصريح بسبع أرضين، وهذا المذكور لفظ: الأرض فقط، ولكن المراد منه سبع أرضين أيضا. وعبد
الوهاب الثقفي، وأيوب السختياني، وابن أبي بكرة عبد الرحمن، وأبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي، وقد مضى في كتاب العلم عن أبي بكرة، وفي الحج أيضا من هذا الوجه، ولكن يأتي نحوه بأتم منه في آخر

113
المغازي.
قوله: (الزمان) اسم لقليل الوقت وكثيره، وأراد به هنا السنة، وذلك أن قوله: (السنة اثني عشر شهرا...) إلى آخره، جمل مستأنفة مبينة للجملة الأولى. فالمعنى أن الزمان في انقسامه إلى الأعوام، والأعوام إلى الأشهر عاد إلى أصل الحساب والوضع الذي اختاره الله ووضعه يوم خلق السماوات والأرض. قوله: (استدار)، يقال: دار يدور، واستدار يستدير بمعنى: إذا طاف حول الشيء وإذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه، ومعنى الحديث: أن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر وهو النسيء المذكور في قوله تعالى: * (إنما النسيء زيادة في الكفر) * (التوبة: 73). وذلك ليقاتلوا فيه، ويفعلون ذلك كل سنة بعد سنة فينتقل المحرم من شهر إلى شهر حتى جعلوه في جميع شهور السنة، فلما كانت تلك السنة قد عاد إلى زمنه المخصوص به، قيل: دارت السنة كهيئتها الأولى، وقال بعضهم: إنما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الحج مع الإمكان ليوافق أصل الحساب فيحج فيه حجة الوداع. قوله: (كهيئته)، الكاف صفة مصدر محذوف أي: استدار استدارة مثل حالته يوم خلق السماوات والأرض. قوله: (ثلاث متواليات) إنما حذف التاء من العدد باعتبار أن الشهر واحد الأشهر بمعنى الليالي، فاعتبر لذلك تأنيثه، ويقال: ذلك باعتبار الغرة أو الليلة، مع أن العدد الذي لم يذكر معه المميز جاز فيه التذكير والتأنيث، ويروى: (ثلاثة)، على الأصل. قوله: (ذو القعدة) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هي ذو القعدة، أو: أولها ذو القعدة، وما بعده عطف عليه. قوله: (ورجب مضمر) عطف على قوله: (ثلاث)، وليس بعطف على قوله: والمحرم، وإنما أضافه إلى مضر لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب، ولم يكن يستحله أحد من العرب. قوله: (بين جمادى وشعبان)، ذكره تأكيدا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسىء. قال الزمخشري: النسيء تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر، كانوا يحلون الشهر الحرام ويحرمون مكانه شهرا آخر حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم، فكانوا يحرمون من شهور العام أربعة أشهر مطلقا، وربما زادوا في الأشهر فيجعلونها ثلاثة عشر، أو أربعة عشر، قال: والمعنى: رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء الذي كان في الجاهلية، وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة، فكانت حجة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، قبلها في ذي القعدة.
8913 حدثني عبيد بن إسماعيل قال حدثناأبو أسامة عن هشام عن أبيه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه خاصمته أروى في حق زعم أنه انتقصه لها إلى مروان فقال سعيد أنا أنتقص من حقها شيئا أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين. (انظر الحديث 2542).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبيد، بضم العين: واسمه في الأصل عبد الله الهباري القرشي الكوفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام بن عروة بن الزبير يروي عن أبيه عروة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، بضم النون وفتح الفاء: العدوي أحد العشرة المبشرة، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث من قوله: (لسمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم) إلى آخره، قد مر في المظالم في: باب إثم من ظلم شيئا من الأرض.
قوله (أروى) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الواو وبالقصر بنت أبي أويس بالسين المهملة قال ابن الأثير لم أتحقق أنها صحابية أو تابعية قوله: (زعمت)، أي: أدعت أنه أي: أن سعيد بن زيد انتقصه، أي: انتقصها من حقها في أرض. قوله: (إلى مروان)، يتعلق بقوله: خاصمته، أي: ترافعا إلى مروان، وهو كان يومئذ متولي المدينة، وقد ترك سعيد الحق لها ودعا عليها، فاستجاب الله تعالى دعاءه ومرت القصة في المظالم.
قال ابن الزناد عن هشام عن أبيه قال قال لي سعيد بن زيد دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم
ابن أبي الزناد، بكسر الزاي وبالنون: هو عبد الرحمن بن عبد الله مفتي بغداد، وأراد البخاري بهذا التعليق بيان لقاء عروة

114
سعيدا وتصريح سماعه منه الحديث المذكور، وقال بعضهم: وقد لقي عروة من هو أقدم من سعيد كوالده الزبير وعلي وغيرهما، قلت: لا يلزم من ذلك ملاقاته سعيدا من هذا الوجه.
3
((باب في النجوم))
أي: هذا باب في بيان ما جاء في النجوم.
وقال قتادة * (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح) * (الملك: 5). خلق هذه النجوم لثلاث جعلها زينة للسماء ورحوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به
هذا التعليق وصله عبد بن حميد في تفسيره عن يونس عن سفيان عنه وزاد في آخره: وأن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة من غرس بنجم كذا كان كذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا، ولعمري ما من النجوم نجم إلا ويولد به الطويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدميم، وقال الداودي: قول قتادة في النجوم حسن إلا قوله: أخطأ وأضاع نصيبه، فإنه قصر في ذلك بل قائل ذلك كافر. انتهى. ورد عليه بأنه لم يتعين الكفر في ذلك إلا في حق من نسب الاختراع إلى النجوم، وفي (ذم النجوم) للخطيب البغدادي من حديث إسماعيل بن عياش عن البحتري بن عبيد الله عن أبيه عن أبي ذر عن عمر مرفوعا: لا تسألوا عن النجوم. ومن حديث
عبد الله بن موسى عن الربيع بن حبيب عن نوفل بن عبد الملك عن أبيه عن علي، رضي الله تعالى عنه: نهاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن النظر في النجوم. وعن أبي هريرة وابن مسعود وعائشة وابن عباس نحوه. وعن الحسن: أن قيصر سأل قس بن ساعدة الأيادي: هل نظرت في النجوم؟ قال: نعم نظرت فيما يراد به الهداية ولم أنظر فيما يراد به الكهانة. وفي (كتاب الأنواء) لأبي حنيفة: المنكر في الذم من النجوم نسبة الأمر إلى الكواكب وأنها هي المؤثرة، وأما من نسب التأثير إلى خالقها وزعم أنه نصبها أعلاما وصيرها آثارا لما يحدثه فلا جناح عليه.
وقال ابن عباس هشيما متغيرا
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (فأصبح هشيما تذروه الرياح) * (الكهف: 54). وفسر ابن عباس ورأبة: هشيما، بقوله: متغيرا، ذكره إسماعيل ابن أبي زياد في تفسيره عن ابن عباس، وقد جرت عادة البخاري أنه إذا ذكر آية أو حديثا في الترجمة ونحوها يذكر أيضا بالتبعية على سبيل الاستطراد ماله أدنى ملابسة بها تكثيرا للفائدة.
والأب ما يأكل الأنعام
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (وحدائق غلبا وفاكهة وأبا) * (عبس: 03، 13). وهذا أيضا تفسير ابن عباس أيضا، ووصله ابن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه قال الأب ما أنبته الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس ومن طريق عطاء والضحاك الأب كل شيء ينبت على وجه الأرض وزاد الضحاك إلا الفاكهة.
والأنام الخلق
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (والأرض وضعها للأنام) * فسر الأنام بقوله الخلق وهذا تفسير ابن عباس أيضا رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في الآية المذكورة، والمراد بالخلق: المخلوق، وروى من طريق سماك عن عكرمة قال: الأنام الناس، ومن طريق الحسن قال: الجن والإنس. وقال الشعبي: هو كل ذي روح.
برزخ حاجب
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (بينهما برزخ لا يبغيان) * (الرحمان: 02). فسره بقوله: حاجب يعني: حاجب بين البحرين لا يختلطان، وهذا أيضا

115
تفسير ابن عباس، وحاجب: بالباء الموحدة في قول الأكثرين، وفي رواية المستملي والكشميهني حاجز، بالزاي موضع الباء، من حجز بين الشيئين إذا حال بينهما.
وقال مجاهد ألفافا ملتفة. والغلب الملتفة
أشار بهذا إلى ما روي عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: * (وجنات ألفافا) * (النبأ: 61). أي: ملتفة، وصله عنه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح، ومعنى ملتفة أي: ملتفة بعضها على بعض، وألفاف جمع لف، وقيل: جمع لفيف، وحكى الكسائي أنه جمع الجمع، وقال الطبري: اختلف أهل اللغة في واحد الألفاف، فقال بعض نحاة البصرة: لف، وقال بعض نحاة الكوفة: لف ولفيف، وقال الطبري: إن كان الألفاف جمعا فواحده جمع أيضا، تقول: جنة لف وجنات لف. قوله: (والغلب الملتفة) إشارة إلى ما في قوله تعالى: * (وحدائق غلبا) * (عبس: 03). وفسر الغلب بقوله: الملتفة، وروى ابن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس: الحدائق ما التفت، والغلب ما غلظ، وروى من طريق عكرمة عنه: الغلب شجر بالجبل لا يحمل يستظل به.
* (فراشا) * (البقرة: 22). مهادا كقوله * (ولكم في الأرض مستقر) * (البقرة: 63).
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (وهو الذي جعل لكم الأرض فراشا) * (البقرة: 22). وفسره بقوله: مهادا، وبه فسر قتادة والربيع بن أنس وصله الطبري عنهما. قوله: (كقوله: * (ولكم في الأرض مستقر) * (البقرة: 63). أي: كما في قوله تعالى: * (ولكم في الأرض مستقر) * (البقرة: 63). أي: موضع قرار، وهو بمعنى المهاد.
نكدا قليلا
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) * (الأعراف: 85). وفسر النكد بقوله: قليلا، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي، قال: * (لا يخرج إلا نكدا) * (الأعراف: 85). قال: النكد: الشيء القليل الذي لا ينفع. وأخرج ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، قال: هذا مثل ضرب للكافر، كالبلد السبخة المالحة التي لا تخرج منها البركة.
4
((باب صفة الشمس والقمر بحسبان))
أي: هذا باب في بيان تفسير صفة الشمس والقمر بحسبان.
قال مجاهد كحسبان الرحى
يعني الشمس والقمر يجريان بحسبان، يعني: بحساب معلوم كجري الرحى، يعني على حساب الحركة الرحوية الدورية وعلى وضعها، والحسبان قد يكون مصدرا، تقول: حسبت حسابا وحسبانا، مثل: الغفران والكفران والرجحان والنقصان والبرهان، وقد يكون جمع الحساب مثل: الشهبان والركبان والقضبان والرهبان، وقول
مجاهد وصله الفريابي في (تفسيره) من طريق ابن أبي نجيح عنه.
وقال غيره بحساب ومنازل لا يعدوانها
أي: قال غير مجاهد في تفسير الآية المذكورة: إن معناها يجريان بحسبان، أي: بقدر معلوم، ويجريان في منازل لا يعدوانها أي: لا يتجاوزان المنازل، روى ذلك الطبري عن ابن عباس بإسناد صحيح، وروى عبد بن حميد أيضا من طريق أبي مالك الغفاري مثله.
حسبان جماعة حساب مثل شهاب وشهبان
قد ذكرنا الآن أن لفظ حسبان قد يكون جمعا، وقد يكون مصدرا.
ضحاها ضوؤها

116
أشار بهذا إلى قوله تعالى: * (والشمس وضحاها) * (الشمس: 1). وفسر الضحى بالضوء، وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: * (والشمس وضحاها) * (الشمس: 1). قال: ضوؤها، وقال الإسماعيلي: يريد أن الضحى تقع في صدر النهار، وعنده تشتد إضاءة الشمس، وروى ابن أبي حاتم من طريق قتادة والضحاك، وقال: ضحاها النهار، وفي (تفسير النسفي).. * (والشمس وضحاها) * (الشمس: 1). إذا أشرقت وقام سلطانها، ولذلك قيل: وقت الضحى، وكان وجهه شمس الضحى، وقيل: الضحوة ارتفاع النهار، والضحى فوق ذلك.
أن تدرك القمر لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر ولا ينبغي لهما ذلك سابق النهار يتطالبان حثيثان نسلخ نخرج أحدهما من الآخر ونجري كل واحد منهما
أشار بهذا إلى قوله تعالى: * (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) * (يس
1764;: 04). قال الضحاك: إي: لا يزول الليل من قبل مجيء النهار، وقال الداودي: أي: لا يأتي الليل في غير وقته. قوله: (ولا الليل سابق النهار) أي: يتطالبان حثيثان، أي: سريعان، وقال تعالى: يطلبه حثيثا أي: سريعا. قوله: (نسلخ منه النهار) أي: نسلخ من الليل النهار، والسلخ الإخراج. ويقال: سلخت الشاة من الإهاب، والشاة مسلوخة، والمعنى: أخرجنا النهار من الليل إخراجا لم يبق معه شيء، فاستعير السلخ لإزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل وملقى ظله. قوله: (وتجري) بالنون من الإجراء. قوله: (كل واحد منهما)، أي: من الليل والنهار، ولما كان السلخ إخراج النهار من الليل وبالعكس أيضا كذلك، عمم البخاري فقال بلفظ أحدهما.
واهية وهيها تشققها
أشار بهذا إلى قوله تعالى: * (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية) * (الحاقة: 61). وفسر الوهي بالتشقيق، وهذا قول الفراء، وروى الطبري عن ابن عباس: واهية متمزقة ضعيفة.
أرجائها ما لم ينشق منها فهي على حافتيه كقولك على أرجاء البئر
أشار بهذا إلى قوله تعالى: * (والملك على أرجائها) * (الحاقة: 71). وهو جمع الرجاء مقصورا، وهو ناحية البئر، والرجوان حافتا البئر، ووقع في رواية غير الكشميهني: فهو على حافتيها، وكأنه أفرد الضمير باعتبار لفظ الملك، وجمع باعتبار الجنس، وروى عن قتادة في قوله: * (والملك على أرجائها) * (الحاقة: 71). أي: على حافات السماء، وروى الطبري عن سعيد بن المسيب مثله، وعن سعيد بن جبير: على حافاة الدنيا، وعن ابن عباس قال: والملك على حافات السماء حين تشقق.
أغطش وجن أظلم
أشار بقوله: أغطش إلى قوله تعالى: * (أغطش ليلها) * (النازعات: 92). وبقوله: وجن، إلى قوله تعالى: * (فلما جن عليه الليل) * (الأنعام: 67). وفسرهما بقوله: أظلم، فالأول: تفسير قتادة أخرجه عبد بن حميد من طريقه، والثاني: تفسير أبي عبيدة.
وقال الحسن كورت تكور حتى يذهب ضوءها
أشار بهذا إلى قوله تعالى: * (إذا الشمس كورت) * (التكوير: 1). قال الحسن البصري: معنى: كورت، تكور حتى يذهب ضوؤها، ومعنى تكور تلف، تقول: كورت العمامة تكويرا إذا لففتها، والتكوير أيضا الجمع، تقول: كورته إذا جمعته، وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: * (إذا الشمس كورت) * (التكوير:). يقول: أظلمت، ومن طريق الربيع بن خثيم، قال: كورت، أي: رمى بها، ومن طريق أبي يحيى عن مجاهد: كورت، قال: اضمحلت.
والليل وما وسق جمع من دابة
وصله عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن نحوه.
اتسق استوى

117
أشار به إلى قوله تعالى: * (والقمر إذا اتسق) * (الانشقاق: 81). فسره بقوله: استوى، وصله عبد بن حميد أيضا من طريق منصور عنه، وأصل اتسق أو تسق قلبت الواو تاء وأدغمت التاء في التاء أي: تجمع ضوؤه، وذلك في الليالي البيض.
بروجا منازل الشمس والقمر
أشار به إلى قوله تعالى: * (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) * (الفرقان: 16). وفسر البروج بالمنازل أي: منازل الشمس والقمر. وروى الطبري من طريق مجاهد، قال: البروج الكواكب، ومن طريق أبي صالح قال: هي النجوم الكبار، وقيل: هي قصور في السماء، رواه عبد بن حميد من طريق يحيى بن رافع، ومن طريق قتادة قال: هي قصور على أبواب السماء فيها الحرس، وعند أهل الهيئة: البروج غير المنازل، فالبروج اثنا عشر، والمنازل ثمانية وعشرون، فكل برج عبارة عن منزلتين، وثلث منها، وبهذا يحصل الجواب عما قيل: كيف يفسر البروج بالمنازل والبروج اثنا عشر والمنازل ثمانية وعشرون؟ أو المراد بالمنازل معناها اللغوي لا التي عليه أهل التنجيم.
الحرور بالنهار مع الشمس
أشار بهذا إلى قوله تعالى: * (ولا الظل ولا الحرور) * (فاطر: 12). وفسر الحرور بأنه يكون بالنهار مع الشمس، كذا روي عن أبي عبيدة، وقال الفراء: الحرور الحر الدائم ليلا كان أو نهارا، والسموم بالنهار خاصة.
وقال ابن عباس ورؤبة: الحرور بالليل والسموم بالنهار
رؤبة بضم الراء ابن العجاج، اسمه عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن كنيف بن عميرة بن حيي بن ربيعة بن سعد ابن مالك بن سعد التميمي السعدي من سعد تميم البصري هو وأبوه راجزان مشهوران عالمان باللغة، وهما من الطبقة التاسعة من رجال الإسلام، وتفسير رؤبة هذا ذكره أبو عبيد عنه في (المجاز) وقال السدي: المراد بالظل والحرور في الآية الجنة والنار أخرجه ابن أبي حاتم عنه.
يقال يولج يكور
أشار به إلى قوله تعالى: * (يولج الليل في النهار) * (الحج: 162، لقمان: 92، فاطر: 312، الحديد: 6). وفسره بقوله: يكور، وقال بعضهم: يكور كذا، يعني بالراء في رواية أبي ذر ورأيت في رواية ابن شبويه: يكون، بنون وهو الأشبه. قلت: الأشبه بالراء لأن معنى يكور يلف النهار في الليل. وقال أبو عبيدة: يولج أي ينقص من الليل فيزيد في النهار، وكذلك النهار، وروى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال: ما نقص من أحدهما دخل في الآخر يتقاصان ذلك في الساعات.
وليجة كل شيء أدخلته في شيء
أشار بهذا إلى لفظ: وليجة، المذكور في قوله تعالى: * (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) * (التوبة: 61). وقد فسر وليجة بقوله: (كل شيء أدخلته في شيء). قوله: * (أن تتركوا) * (التوبة: 61). أي: أم حسبتم أيها المؤمنون أن نترككم مهملين ولا نختبركم بأمور يظهر فيها أهل العزم والصدق من الكاذب؟ ولهذا قال: * (ولما يعلم الله) * (التوبة: 61). إلى قوله: * (وليجة) * (التوبة: 61). أي: بطانة ودخيلة، بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله ولرسوله، فاكتفى بأحد القسمين عن الآخر. وقال المفسرون: الوليجة الخيانة، وقيل: الخديعة، وقيل: البطانة من غير المسلمين وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين يفشون إليهم أسرارهم، وقال ابن قتيبة: كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فإنه وليجة.
9913 حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري

118
أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربه فذلك قوله تعالى: * (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) * (ي
1764; س: 83).
مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيه من جملة صفات الشمس التي تعرض عليها، وزعم بعضهم أن وجه المطابقة هو سير الشمس في كل يوم وليلة، وليس ذلك بوجه، والدليل على وجه ما قلنا أن في بعض النسخ ذكر هذا: باب صفة الشمس، ثم ذكر الحديث المذكور، والألفاظ التي ذكرها من قوله: قال مجاهد: كحسبان الرحى، إلى هذا الحديث ليس بموجودة في بعض النسخ.
ورجال هذا الحديث كلهم مضوا عن قريب، وإبراهيم التيمي يروي عن أبيه يزيد من الزيادة ابن شريك ابن طارق التيمي الكوفي، وهو يروي عن أبي ذر واسمه جندب بن جنادة، وقد اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا أشهرها ما ذكرناه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن الحميدي وعن أبي نعيم وفي التوحيد عن عياش عن يحيى بن جعفر. وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كريب وعن إسحاق بن إبراهيم وأبي سعيد الأشج عن إسحاق ويحيى بن أيوب وعن عبد الحميد. وأخرجه أبو داود في الحروف عن عثمان والقواريري. وأخرجه الترمذي في الفتن وفي التفسير عن هناد. وأخرجه النسائي في التفسير عن إسحاق بن إبراهيم.
ذكر معناه: قوله: (أتدري؟) الغرض من هذا الاستفهام إعلامه بذلك. قوله: (حتى تسجد تحت العرش)، فإن قلت: ما المراد بالسجود إذ لا جبهة لها، والانقياد حاصل دائما؟ قلت: الغرض تشبيهها بالساجد عند الغروب. فإن قلت: يرى أنها تغيب في الأرض، وقد أخبر الله تعالى أنها تغرب في عين حمئة، فأين هي من
العرش؟ قلت: الأرضون السبع في ضرب المثال كقطب الرحى، والعرش لعظم ذاته كالرحى، فأينما سجدت الشمس سجدت تحت العرش، وذلك مستقرها. فإن قلت: أصحاب الهيئة قالوا: الشمس مرصعة في الفلك فإنه يقتضي أن الذي يسير هو الفلك، وظاهر الحديث أنها هي التي تسير وتجري؟ قلت: أما أولا فلا اعتبار لقول أهل الهيئة عند مصادمة كلام الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكلام الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو الحق لا مرية فيه، وكلامهم حدس وتخمين، ولا مانع في قدرة الله تعالى أن تخرج الشمس من مجراها وتذهب إلى تحت العرش فتسجد ثم ترجع. فإن قلت: قال الله تعالى: * (وكل في فلك يسبحون) * (الأنبياء: 33، ي
1764; س: 04). أي: يدورون. قلت: دوران الشمس في فلكها لا يستلزم منع سجودها في أي موضع أراده الله تعالى، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد بالسجود من هو موكل بها من الملائكة. قلت: هذا الاحتمال غير ناشىء عن دليل فلا يعتبر به، وهو أيضا مخالف لظاهر الحديث، وعدول عن حقيقته، وقيل: المراد من قوله: تحت العرش، أي: تحت القهر والسلطان. قلت: لماذا الهروب من ظاهر الكلام وحقيقته؟ على أنا نقول: السماوات والأرضون وغيرهما من جميع العالم تحت العرش، فإذا سجدت الشمس في أي موضع قدره الله تعالى يصح أن يقال: سجدت تحت العرش، وقال ابن العربي: وقد أنكر قوم سجود الشمس وهو صحيح ممكن. قلت: هؤلاء قوم من الملاحدة لأنهم أنكروا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عنه بوجه صحيح: ولا مانع من قدرة الله تعالى أن يمكن كل شيء من الحيوان والجمادات أن يسجد له. قوله: (فتستأذن)، يدل على أنها تعقل، وكذلك قوله: (تسجد)، قال الكرماني: فإن قلت: فيم تستأذن؟ قلت: الظاهر أنه في الطلوع من المشرق، والله أعلم بحقيقة الحال. انتهى. قلت: لا حاجة إلى القيد بقوله: الظاهر، لأنه لا شك أن استئذانها هذا لأجل الطلوع من المشرق على عادتها، فيؤذن لها، ثم إذا قرب يوم القيامة تستأذن في ذلك فلا يؤذن لها كما في الحديث المذكور. قوله: (ويوشك أن تسجد) لفظ: يوشك، من أفعال المقاربة، وهي على أنواع: منها ما وضع للدلالة على قرب الخبر، وهو ثلاثة: كاد وكرب وأوشك، كما عرف

119
في موضعه، فعلى هذا معنى: ويوشك أن تسجد، ويقرب أن تسجد، وقد علم أن أفعال المقاربة ملازمة لصيغة الماضي إلا أربعة ألفاظ، فاستعمل لها مضارع منها: أوشك. قوله: (فلا يقبل منها) يعني: لا يؤذن لها حتى تسجد. قوله: (وتستأذن فلا يؤذن لها)، يعني: تستأذن بالسير إلى مطلعها فلا يؤذن لها. فذلك قوله تعالى: * (والشمس تجري لمستقر لها) * (ي
1764; س: 34). أشار بقوله، فذلك إلى ما تضمن قوله: فإنها تذهب إلى آخره. قوله: (لمستقر لها) يعني: إلى مستقر لها. قال ابن عباس: لا يبلغ مستقرها حتى ترجع إلى منازلها. قال قتادة: إلى وقت وأجل لها لا تعدوه، وقيل: إلى انتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا، وقيل: إلى أبعد منازلها في الغروب، وقيل: لحد لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب، وقيل: مستقرها أجلها الذي أقر الله عليه أمرها في جريها فاستقرت عليه، وهو آخر السنة. وعن ابن عباس: إنه قرأ * (لا مستقر لها) * وهي قراءة ابن مسعود، أي: لا قرار لها فهي جارية أبدا * (ذلك) * (يس: 34). الجري على ذلك التقدير والحساب الدقيق الذي يكل الفطن عن استخراجه وتتحير الأفهام في استنباط ما هو إلا * (تقدير العزيز) * (ي
1764; س: 34). الغالب بقدرته على كل مقدور * (العليم) * (ي
1764; س: 34). المحيط علما بكل معلوم، فإن قلت: روى مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: * (والشمس تجري لمستقر لها) * (ي
1764; س: 34). قال: مستقرها تحت العرش. قلت: لا ينكر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده، وإنما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه إن علمنا لا يحيط به.
0023 حدثنا مسدد قال حدثنا عبد العزيز بن المختار قال حدثنا عبد الله الداناج قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشمس والقمر مكوران يوم القيامة.
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن تكور الشمس والقمر من صفاتهما. وعبد الله هو ابن فيروز الداناج، بالدال المهملة وتخفيف النون وفي آخره جيم، ويقال: بدون الجيم أيضا، وهو معرب، ومعناه: العالم وهو بصري.
قوله: (مكوران) أي: مطويان ذاهبا الضوء، وقال ابن الأثير: أي: يلفان ويجمعان، وفي رواية كعب الأحبار: يجاء بالشمس والقمر ثورين يكوران في النار يوم القيامة، أي: يلفان ويلقيان في النار، والرواية: ثورين، بالثاء المثلثة كأنهما يمسخان، وقال ابن الأثير: وقد روي بالنون وهو تصحيف، وقال الطبري بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس: تكذيب كعب في قوله: هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام، الله أكرم وأجل من أن يعذب على طاعته، ألم تر إلى قوله تعالى: * (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) * (إبراهيم: 33). يعني: دوامهما في طاعته، فكيف يعذب عبدين اثنى الله عليهما؟ انتهى.
قلت: قد روي عن أبي هريرة وأنس أيضا مثل ما روي عن كعب. أما حديث أبي هريرة فقد قال الخطابي: وروي في هذا الحديث زيادة لم يذكرها أبو عبد الله وهي ما حدثنا ابن الأعرابي حدثنا عباس الدوري حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد العزيز المختار عن عبد الله الداناج: شهدت أبا سلمة، حدثنا أبو هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إن الشمس والقمر ثوران يكوران في النار يوم القيامة). قال الحسن: وما ذنبهما؟ قال أبو سلمة: أنا أحدثك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأنت تقول ما ذنبهما؟ فسكت الحسن. وأما ما روي عن أنس فقد رواه أبو داود الطيالسي في (مسنده): عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا: (أن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار). وذكره أبو مسعود الدمشقي في بعض نسخ (أطرافه) موهما أن ذلك في الصحيح، وذكر ابن وهب في (كتاب الأموال): عن عطاء
بن يسار أنه تلا هذه الآية: وجمع * (الشمس والقمر) * (إبراهيم: 33). قال: يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في النار فيكونان في نار الله الكبرى، وقال الخطابي: ليس المراد بكونهما في النار، تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيت لمن لكان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلة. وقيل: إنهما خلقا من النار فأعيدا فيها، ويرد هذا القول ما روي عن ابن مسعود مرفوعا: (تكلم ربنا بكلمتين صير إحداهما شمسا والأخرى قمرا وكلاهما من النور ويعادان يوم القيامة إلى الجنة). وقال الإسماعيلي: لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما، فإن الله في النار ملائكة وغيرها لتكون لأهل النار عذابا وآلة من آلات العذاب.

120
1023 حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني عمر و أن عبد الرحمان ابن القاسم قال حدثه عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا. (انظر الحديث 2401).
مطابقته للترجمة من حيث إن الكسوف الذي يعرض للشمس والخسوف الذي يعرض للقمر من صفاتهما.
ويحيى بن سليمان بن يحيى أبو سعيد الجعفي الكوفي، سكن مصر ومات بها سنة سبع وثلاثين ومائتين، وهو من أفراده، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، وعمرو هو ابن الحارث المصري، وعبد الرحمن بن القاسم يروي عن أبيه القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.
وهذا الحديث قد مضى في أول أبواب الكسوف، فإنه أخرجه هناك: عن أصبغ عن ابن وهب إلى آخره نحوه، وقد مر الكلام فيه هناك. قوله: (فصلوا) أي: صلاة الكسوف.
2023 ح دثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله..
مطابقته للترجمة مثل ما ذكرنا في الحديث السابق. والحديث مضى بأتم وأطول منه في: باب صلاة الكسوف، فإنه أخرجه هناك: عن عبد الله بن مسلمة عن مالك... إلى آخره.
3023 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة أن عائشة رضي الله تعالى عنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خسفت الشمس قام فكبر وقرأ قراءة طويلة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده وقام كما هو فقرأ قراءة طويلة وهي أدنى من القراءة الأولى ثم ركع ركوعا طويلا وهو أدنى من الركعة الأولى ثم سجد سجودا طويلا ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك ثم سلم وقد تجلت الشمس فخطب الناس فقال في كسوف الشمس والقمر إنهما آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة..
مطابقته للترجمة مثل مطابقة ما قبله. والحديث مضى في: باب هل يقول: كسفت الشمس أو خسفت؟ فإنه أخرجه هناك: عن سعيد بن عفير عن الليث... إلى آخره نحوه. قوله: (فافزعوا) أي: التجئوا إلى الصلاة وذكر الله.
4023 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى عن إسماعيل قال حدثني قيس عن أبي مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا..
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي، وقيس بن أبي حازم واسمه: عوف الأحمسي البجلي، وأبو مسعود اسمه: عقبة بن عمرو البدري. وقال الكرماني: وفي بعضها ابن مسعود، أي: عبد الله، وهذا وإن كان صحيحا من جهة أن قيس بن أبي حازم بالزاي يروي عنه أيضا، لكن الروايات

121
متعاضدة، على أن الحديث في مسانيد عقبة لا عبد الله. والحديث مضى في: باب لا ينكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته، والله أعلم.
5
((باب ما جاء في قوله تعالى * (وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته) * (الأعراف: 75).))
أي: هذا باب في بيان ما جاء... إلى آخره.
قاصفا تقصف كل شيء
أشار به إلى تفسير لفظ: قاصفا، في قوله تعالى: * (فيرسل عليكم قاصفا من الريح) * (الإسراء: 96). وفسره بقوله: تقصف كل شيء، يعني تأتي عليه.. وقال أبو عبيدة: هي التي تقصف كل شيء أي: تحطم، وروى الطبري من طريق ابن جريج، قال: قال ابن عباس: القاصف التي تفرق، هكذا رواه منقطعا، لأن ابن جريج لم يدرك ابن عباس.
لواقح ملاقح ملقحة
أشار به إلى لفظ: لواقح، في قوله تعالى: * (وأرسلنا الرياح لواقح) * (الحج: 22). وفسر اللواقح بالملاقح جمع ملقحة، وهو من النوادر، يقال: إلقح الفحل الناقة والريح السحاب ورياح لواقح، وقال ابن السكيت: اللواقح الحوامل. وعن أبي عبيدة: الملاقح جمع ملقحة وملقح، مثل ما قال البخاري، وأنكره غيره، فقال: جمع لاقحة ولاقح على النسب، أي: ذات اللقاح، والعرب تقول للجنوب: لاقح وحامل، وللشمال حائل وعقيم. وقال ابن مسعود: لواقح تحمل الريح الماء فتلقح السحاب وتمر به فيدر كما تدر اللقحة ثم يمطر، وقال ابن عباس: تلقح الرياح والشجر والسحاب وتمر به، وقال عبد الله بن عمر: الرياح ثمانية: أربع عذاب وأربع
رحمة، فالرحمة: الناشرات والذاريات والمرسلات والمبشرات، وأما العذاب: فالعاصف والقاصف، وهما في البحر والصرصر والعقيم، وهما في البر.
إعصار ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود فيه نار
أشار بهذا إلى تفسير لفظ: إعصار، في قوله تعالى: * (فأصابها إعصار فيه نار) * (البقرة: 662). وعن ابن عباس: هي الريح الشديدة، وقيل: ريح عاصف فيها سموم، وقيل: هي التي يسميها الناس الزوبعة، وعن الضحاك: الإعصار ريح فيها برد شديد، والذي قاله البخاري أظهر لقوله تعالى: * (فيه نار) * (البقرة: 662). وهو تفسير أبي عبيدة.
صر برد
أشار به إلى تفسير لفظ: صر، في قوله تعالى: * (ريح فيها صر) * (آل عمران: 711). قال أبو عبيدة: الصر شدة البرد.
نشرا متفرقة
فسر: نشرا، الذي في قوله تعالى: * (وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته) * (آل عمران: 11). الذي وصفه برحمة بقوله: متفرقة، وهو جمع نشور، وعن عاصم، كأنه جمع نشر، وعن محمد اليماني: هو المطر.
5023 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يتضمن ريح الرحمة. والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة، والحديث مضى في الاستسقاء في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: نصرت بالصبا، فإنه أخرجه هناك: عن مسلم عن شعبة إلى آخره.

122
6023 حدثنا مكي بن إبراهيم قال حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أدري لعله كما قال قوم * (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم) * (الأحقاف: 42). الآية. (الحديث 6023 طرفه في: 9284).
مطابقته للترجمة من حيث إنه مشتمل على ذكر الريح والمطر الذي يأتي به الريح. ومكي بن إبراهيم بن بشر بن فرقد الحنظلي البلخي، ولفظ: مكي، على صورة النسبة، اسمه وليس هو منسوبا إلى مكة، وقد وهم الكرماني، فقال: مكي، نسبة إلى مكة وقال في موضع آخر: كالمنسوب إلى مكة: وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء هو ابن أبي رباح.
والحديث أخرجه الترمذي في التفسير عن عبد الرحمن بن الأسود البصري. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن يحيى بن أيوب المروزي.
قوله: (مخيلة) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، وهي: السحابة التي بخال فيها المطر. قوله: (وتغير وجهه) خوفا أن تصيب أمته عقوبة ذنب العامة كما أصاب الذين * (قالوا: هذا عارض ممطرنا) * (الأنفال: 33). الآية. فإن قلت: كيف يلتئم هذا مع قوله: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * (الأنفال: 33). قلت: الآية نزلت بعد هذه القصة، وهذه كرامة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم ورفع لدرجته حيث لا يعذب أمته وهو فيهم، ولا يعذبهم أيضا وهم يستغفرون بعد ذهابه صلى الله عليه وسلم، واستنبطت الصوفية من ذلك: أن الإيمان الذي في القلوب أيضا يمنع من تعذيب أبدانهم كما كان وجوده فيهم مانعا منه. قوله: (فإذا أمطرت السماء) قد مر الكلام في أمطر ومطر في: باب الاستسقاء، وفي رواية أبي ذر بدون الألف. قوله: (سري عنه)، على صيغة المجهول أي: كشف عنه ما خالطه من الوجل، يقال: سررت الثوب وسريته إذا أخلقته، وسريت الجل عن الفرس إذا نزعته عنه، والتشديد للمبالغة. قوله: (فعرفته عائشة) من التعريف أي: عرفت النبي صلى الله عليه وسلمما كان عرض له. قوله: (عارضا) وهو السحاب الذي يعترض في أفق السماء.
6
((باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم))
أي: هذا باب في ذكر الملائكة، وهو جمع ملك، وقال ابن سيده: هو مخفف عن ملأك كالشمائل جمع شمأل وإلحاق التاء لتأنيث الجمع وتركت الهمزة في المفرد للاستثقال. وقال القزاز: هو مأخوذ من الألوكة وهي الرسالة، وقيل: هو مأخوذ من الملك بفتح الميم وسكون اللام: وهو الأخذ بقوة، وقيل: من الملك، بالكسر لأن الله تعالى قد جعل لكل ملك ملكا فملك ملك الموت قبض الأرواح، وملك إسرافيل الصور، وكذا سائرهم، ويفسد هذا قولهم: ملائكة بالهمزة ولا أصل له على هذا القول في الهمزة، وقد جاء الملك جمعا كما في قوله تعالى: * (والملك على أرجائها) * (الحاقة: 71). والملائكة أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكل بأشكال مختلفة مسكنها السماوات ويقال جوهر بسيط ذو نطق وعقل مقدس عن ظلمة الشهوة وكدورة الغضب * (ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * (التحريم: 6). طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس وانسهم بذكر الله تعالى خلقوا على صور مختلفة واقدار متفاوتة لإصلاح مصنوعاته وإسكان سماواته.
وقال أنس: قال عبد الله بن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم: إن جبريل عليه السلام عدو اليهود من الملائكة
هذا التعليق قطعة من حديث وصله البخاري في كتاب الهجرة عن محمد بن سلام عن مروان بن معاوية عن حميد عن أنس، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
وقال ابن عباس إنا لنحن الصافون الملائكة
هذا التعليق رواه الطبراني مرفوعا عن عائشة بلفظ: ما في السماء الدنيا موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم، فذلك قوله:

123
* (وإنا لنحن الصافون) * (الصافات: 561). وروى أيضا عن محمد بن سعد حدثني أبي قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس بزيادة: الملائكة صافون تسبح لله، عز وجل.
7023 حدثنا هدبة بن خالد قال حدثنا همام عن قتادة ح وقال لي خليفة قال حدثنا يزيد ابن زريع قال حدثنا سعيد وهشام قالا حدثنا قتادة قال حدثنا أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان وذكر يعني رجلا بين الرجلين فأتيت بطست من ذهب ملىء حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملىء حكمة وإيمانا وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار البراق فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا ولنعم المجيء جاء فأتيت على آدم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبي فأتينا السماء الثانية قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على عيسى ويحيى فقالا مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الثالثة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت يوسف فسلمت عليه قال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الرابعة قيل من هاذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الخامسة قيل من هاذا قال جبريل قيل ومن معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتينا على هرون فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا على السماء السادسة قيل من هاذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على موسى فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فلما جاوزت بكى فقيل ما أبكاك قال يا رب هاذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي فأتينا السماء السابعة قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ونعم المجيء جاء فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبي فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر وورقها كأنه آذان الفيول في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل فقال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران

124
النيل والفرات ثم فرضت علي خمسون صلاة فأقبلت حتى جئت موسى فقال ما صنعت قلت فرضت علي خمسون صلاة قال أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا تطيق فارجع إلى ربك فسله فرجعت فسألته فجعلها أربعين ثم مثله ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين ثم مثله فجعل عشرا فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا فأتيت موسى فقال ما صنعت قلت جعلها خمسا فقال مثله قلت سلمت بخير فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشرا.
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن فيه ذكر جبريل صريحا وهو من الكروبيين وهم سادة الملائكة.
ذكر رجاله وهم تسعة: الأول: هدبة، بضم الهاء وسكون الدال وبالباء الموحدة: ابن خالد بن أبي الأسود القيسي البصري، ويقال: هداب. الثاني: همام بن يحيى بن دينار العوذي، بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة. الثالث: قتادة بن دعامة. الرابع: خليفة ابن خياط أبو عمرو العصفري. الخامس: يزيد بن زريع أبو معاوية العيشي البصري. السادس: سعيد بن أبي عروبة واسمه مهران اليشكري. السابع: هشام بن أبي عبد الله الدستوائي. الثامن: أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه. التاسع: مالك بن صعصعة الأنصاري، رضي الله تعالى عنه.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري مقطعا في أربعة مواضع بعضها في بدء الخلق عن هدبة وخليفة، وبعضها في الأنبياء عن هدبة أيضا وفي بعض النسخ عن عباد بن أبي يعلى. وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي موسى عن ابن أبي عدي وعن أبي موسى عن معاذ. وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن بشار وابن أبي عدي. وأخرجه النسائي في الصلاة عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي وعن إسماعيل ابن مسعود وغيرهم.
ذكر معناه: قوله: (عن قتادة (ح) وقال لي خليفة) كلمة (ح) إشارة إلى التحويل من إسناد إلى آخر قبل ذكر الحديث، وقيل إلى الحائل بين السندين، وإنما قال: قال لي خليفة، ولم يقل: حدثني، إشعارا بأنه سمع منه عند المذاكرة لا على طريق التحميل والتبليغ. قوله: (عند البيت)، أي: الكعبة. وقد مر في أول كتاب الصلاة في رواية أبي ذر أنه قال: فرج عن سقف بيتي، والتوفيق بينهما هو أن الأصح كان له صلى الله عليه وسلم معراجان، أو دخل بيته ثم عرج بين النائم واليقظان، وظاهر حديث أبي ذر الذي مضى في أول كتاب الصلاة: أنه كان في اليقظة إذ هو مطلق الإطلاق، وهو المطابق لما في (مسند أحمد) عن ابن عباس: أنه كان في اليقظة رآه بعينه، والتوفيق بينهما بأن يقال: إن كان الإسراء مرتين أو أكثر فلا إشكال فيه، وإن كان واحدا فالحق أنه كان في اليقظة بجسده، لأنه قد أنكرته قريش، وإنما ينكر إن كان في اليقظة، إذ الرؤيا لا تنكر ولو بأبعد منه. وقال القاضي عياض: اختلفوا في الإسراء إلى السماوات، فقيل: إنه في المنام، والحق الذي عليه الجمهور أنه أسري بجسده. قلت: اختلفوا فيه على ثلاث مقالات: فذهبت طائفة إلى أنه كان في المنام مع اتفاقهم أن رؤيا الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وحي وحق وإلى هذا ذهب معاوية. وحكي عن الحسن، والمشهور عنه خلافه، واحتجوا في ذلك بما روي عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، ما فقد جسد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبقوله: بينا أنا نائم، وبقول أنس: وهو نائم في المسجد الحرام، وذكر القصة، وقال في آخرها: فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام. وذهب معظم السلف إلى أنه كان بجسده وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس فيما صححه الحاكم وعدد في (الشفاء) عشرين نفسا قال بذلك من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمفسرين والمتكلمين. وذهبت طائفة إلى أن الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، والصحيح أنه أسري بالجسد والروح في القصة كلها، وعليه يدل قوله تعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده) * (الإسراء: 1). إذ لو كان مناما لقال: بروح عبده ولم يقل بعبده،
ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة، وليس في الإسراء

125
بجسده وحال يقظته استحالة، وقال ابن عباس: هي رؤيا عين رآها لا رؤيا منام. وأما قول عائشة: ما فقد جسده، فلم يحدث عن مشاهدة لأنها لم تكن حينئذ زوجة ولا في سن من يضبط، ولعلها لم تكن ولدت، فإذا كان كذلك تكون قد حدثت بذلك عن غيرها، فلا يرجح خبرها على خبر غيرها، وقال الحافظ عبد الحق في (الجمع بين الصحيحين): وما روى شريك عن أنس أنه كان نائما، فهو زيادة مجهولة، وقد روى الحفاظ المتقنون والأئمة المشهورون كابن شهاب وثابت البناني وقتادة عن أنس، ولم يأت أحد منهم بها، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث. قوله: (وذكر) أي: رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأتايت) على صيغة المجهول، قوله: (بطست) الطست مؤنثة وجمعها طسوس وجاء بكسر الطاء، ويقال: طس بتشديد السين. قوله: (ملىء) على صيغة المجهول من الماضي والتذكير باعتبار الإناء، وفي رواية الكشميهني: ملآى، وفي رواية غيره: ملآن، فالحاصل أن فيه ثلاث روايات. قوله: (حكمة وإيمانا) قال الكرماني: هما معنيان، والإفراغ صفة الأجسام. قلت: كان في الطست شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما، فسمي إيمانا وحكمة، لكونه سببا لهما. وقال الطيبي: لعبه من باب التمثيل أو تمثل له المعاني كما تمثل له أرواح الأنبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها. قوله: (فشق من النحر إلى مراق البطن) النحر الصدر ومراق، بفتح الميم وتخفيف الراء وتشديد القاف: وهو ما سفل من البطن ورق من جلده، وأصله مراقق، وسميت بذلك لأنها موضع رقة الجلد، وقال الطيبي: ما ذكر من شق الصدر واستخراج القلب وما يجري مجراه، فإن السبيل في ذلك التسليم دون التعرض بصرفه إلى وجه يتقوله متكلف ادعاء للتوفيق بين المنقول والمعقول تبروءا مما يتوهم أنه محال، ونحن بحمد الله لا نرى العدول عن الحقيقة إلى المجاز في خبر الصادق عن الأمر المحال به على القدرة. واعلم أن هذا الشق غير الشق الذي كان في زمن صغره، فعلم أن الشق كان مرتين. قوله: (وأتيت بدابة أبيض) إنما قال: أبيض، ولم يقل: بيضاء، لأنه أعاده على المعنى أي: بمركوب أو براق. قوله: (البراق) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو براق، ويجوز بالجر على أنه بدل من دابة، والبراق اسم للدابة التي ركبها صلى الله عليه وسلم تلك الليلة. وقال ابن دريد: اشتقاقه من البرق، إن شاء الله، لسرعته. وقيل: سمي به لشدة صفائه وتلألؤ لونه، ويقال: شاة برقاء إذا كان خلال صوفها طاقات سود، فيحتمل التسمية به لكونه ذا لونين، وذكر ابن أبي خالد في كتاب (الاحتفال في أسماء الخيل وصفاتها): أن البراق ليس بذكر ولا أنثى، ووجهه كوجه الإنسان وجسده كجسد الفرس، وقوائمه كقوائم الثور، وذنبه كذنب الغزال، وقال ابن إسحاق: البراق دابة أبيض وفي فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه، يضع حافره في منتهى طرفه، وقال الزبيدي في (مختصر العين) وصاحب (التحرير): هي دابة كانت الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، يركبونها. وقال الطيبي: وهذا الذي قالاه يحتاج إلى نقل صحيح، ثم قال: لعلهم حسبوا ذلك في قوله في حديث آخر: فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء البراق، وأظهر منه حديث أنس في حديث آخر: قول جبريل، عليه الصلاة والسلام، للبراق: فما ركبك أحد أكرم على الله منه. وعن قتادة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم لما أراد الركوب على البراق شمس فوضع جبريل، عليه الصلاة والسلام، يده على مفرقته ثم قال: ألا تستحي يا براق مما تصنع؟ فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم على الله منه. قال: فاستحيى حتى ارفض عرقا، ثم قر حتى ركبه. وقال ابن بطال في سبب نفرة البراق بعد عهده بالأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وطول الفترة بين عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام. وقال غيره: قال جبريل، عليه الصلاة والسلام لمحمد صلى الله عليه وسلم حين شمس به البراق: لعلك يا محمد مسست الصفراء اليوم يعني: الذهب فأخبر النبي صلى الله عليه وسلمأنه ما مسها إلا أنه مر بها، فقال: تبا لمن يعبدك من دون الله، وما شمس إلا لذلك، ذكره السهيلي. وسمع العبد الضعيف من بعض مشايخه الثقات أنه إنما شمس ليعد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالركوب عليه يوم القيامة، فلما وعد له ذلك قر. وفي (صحيح ابن حبان): أن جبرائيل، عليه الصلاة والسلام، حمله صلى الله عليه وسلم على البراق رديفا له ثم رجعا ولم يصل فيه أي: في بيت المقدس، ولو صلى لكانت سنة، وهو من أظرف ما يستدل به على الإرداف. وفي حديث أنس وغيره أنه صلى، وأنكر ذلك حذيفة، وقال: والله ما زالا عن ظهر البراق حتى رجعا. وأخرج البيهقي حديث الإسراء من حديث شداد بن أوس وفيه: أنه صلى تلك الليلة ببيت لحم. قوله: (حتى أتينا السماء الدنيا) لم يذكر فيه مجيئه إلى القدس، وقد قال الله تعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده) * (لإسراء: 1). الآية، ذكر أهل السير، والمفسرون

126
أنه لما ركب البراق أتى إلى بيت المقدس، ومعه جبريل، عليه الصلاة والسلام، ولما فرغ أمره فيه نصب له المعراج، وهو السلم، فصعد فيه إلى السماء ولم يكن الصعود على البراق كما يتوهمه بعض الناس، بل كان البراق مربوطا على باب مسجد بيت المقدس حتى يرجع عليه إلى مكة. قوله: (قيل من هذا؟) وفي رواية أبي ذر التي مضت في أول الكتاب: فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: إفتح، فهذا يدل على أن للسموات أبوابا وحفظة موكلين بها. وفيه: إثبات الاستيذان وأنه ينبغي أن يقول: أنا زيد، مثلا. قوله: (قال: جبريل) يعني: قال: أنا جبريل. قوله: (قال: محمد) أي: قال جبريل: معي محمد، والظاهر أن القائل في قوله: قيل، في هذه المواضع نفران أبواب السماء قوله: (وقد أرسل إليه) الواو للعطف وحرف الاستفهام مقدره أي: أطلب وأرسل إليه؟ وفي رواية أخرى: وقد بعث إليه للإسراء وصعود السماوات؟ قال الطيبي: وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة، فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة، هذا هو الصحيح، وقيل: معناه أوحى إليه وبعث نبيا والأول أظهر، لأن أمر نبوته كان مشهورا في الملكوت لا يكاد يخفى على خزان السماوات وحراسها، وأوقف للاستفتاح والإستيذان، وقيل: كان سؤالهم للاستعجاب بما أنعم الله عليه، أو للاستبشار بعروجه، إذ كان من البين عندهم عندهم أن أحدا من البشر لا يترقى إلى أسباب السماوات من غير أن يأذن الله له، ويأمر ملائكته بإصعاده وأن جبريل، عليه الصلاة والسلام، لا يصعد بمن لا يرسل إليه ولا يفتح له أبواب السماء. قوله: (مرحبا به) أي: بمحمد، ومعناه لقي رحبا وسعة. وقيل: معناه رحب الله به مرحبا فجعل، مرحبا موضع الترحيب، فعلى الأول انتصابه على المفعولية، وعلى الثاني: على المصدرية
. قوله: (ولنعم المجيء جاء) المخصوص بالمدح محذوف، وفيه تقديم وتأخير، تقديره: جاء فلنعم المجيء مجيئه. قال المالكي: فيه: شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول والصفة عن الموصوف في باب: نعم، لأنها تحتاج إلى فاعل هو المجيء وإلى مخصوص بمعناها، وهو مبتدأ مخبر عنه بنعم وفاعلها، وهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء، والتقدير: نعم المجيء الذي جاء، أو: نعم المجيء جاء، وكونه موصولا أجود لأنه مخبر عنه، وكون المخبر عنه معرفة أولى من كونه نكرة. قوله: (فأتيت على آدم فسلمت عليه)، وفي رواية: وأمر بالتسليم عليهم أي: على الأنبياء الذين لقيهم في السماوات وعلى خزان السماوات وحراسها، لأنه كان عابرا عليهم، وكان في حكم القيام وكانوا في حكم القعود، والقائم يسلم على القاعد، وإن كان أفضل منه. قوله: من ابن ونبي كل واحد من البنوة والنبوة ظاهر، وهو من قوله: (هذا) إلى قوله: فرفع لي كله ظاهر إلا بعض الألفاظ نفسرها، فقوله: (فأتيت على إدريس) وكان في السماء الرابعة. قيل: هذا معنى قوله: * (ورفعناه مكانا عليا) * (مريم: 75). قاله أبو سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنه، وقيل: رفعناه في المنزلة والرتبة، وقيل: المراد من قوله: * (ورفعناه مكانا عليا) * (مريم: 75). الجنة. فإن قلت: إذا كان في الجنة فكيف لقيه في السماء الرابعة؟ قلت: قيل: إنه لما أخبر بعروجه، صلى الله عليه وسلم، إلى السماوات وما فوقها استأذن ربه في ملاقاته، فاستقبله فكان اجتماعه به في السماء الرابعة اتفاقا لا قصدا. قوله: (مرحبا من أخ ونبي). فإن قلت: كيف قال إدريس، عليه الصلاة والسلام: من أخ، وهو جد لنوح، عليه الصلاة والسلام، فكان المناسب أن يقول: من ابن. قلت: لعله قاله تلطفا وتأدبا والأنبياء أخوة. قوله: (فلما جاوزت بكى)، قالوا: كان بكاؤه صلى الله عليه وسلم لأجل الرقة لقومه والشفقة عليهم حيث لم ينتفعوا بمتابعته انتفاع هذه الأمة بمتابعة نبيهم، ولم يبلغ سوادهم مبلغ سوادهم، ولا ينبغي إلا أن يحمل على هذا الوجه أو ما يضاهي ذلك، فإن الحسد في ذلك العالم منزوع عن عوام المؤمنين، فضلا عمن اختاره الله لرسالته واصطفاه لمكالمته. قوله: (يا رب هذا الغلام)، لم يرد موسى، عليه الصلاة والسلام، بذلك استقصار شأنه، فإن الغلام قد يطلق ويراد به القوي الطري الشاب، والمراد منه استقصار مدته مع استكثار فضائله وأمته أتم سوادا من أمته. وقال الخطابي. قوله: (الغلام)، ليس على معنى الإزراء والاستصغار لشأنه إنما هو على تعظيم منة الله تعالى عليه مما أناله من النعمة وأتحفه من الكرائم من غير طول عمر أفناه مجتهدا في طاعته وقد تسمي العرب الرجل المستجمع السن غلاما ما دام فيه بقية من القوة، وذلك في لغتهم مشهورة. قوله: (فأتيت على إبراهيم عليه الصلاة والسلام)، هذا في السماء السابعة، وذكر في حديث أبي ذر في أول كتاب الصلاة أنه في السادسة، قيل: في التوفيق بينهما: بأن يقال: لعله وجد في السادسة ثم ارتقى هو أيضا إلى السابعة، وكذلك اختلف في موسى صلى الله عليه وسلم: هل هو في

127
السادسة أو السابعة؟ والكلام فيه مثل ما مر الآن. قوله: (فرفع لي البيت المعمور) أي: كشف لي وقرب مني، والرفع التقريب والعرض، وقال التوربشتي: الرفع تقريبك الشيء. وقد قيل في قوله: * (وفرش مرفوعة) * (الواقعة: 43). أي: مقربة لهم، وكأنه أراد أن البيت المعمور ظهر له كل الظهور، وكذلك سدرة المنتهى استبينت له كل الإستبانة حتى اطلع عليها كل الاطلاع، بمثابة الشيء المقرب إليه، وفي معناه: رفع لي بيت المقدس، والبيت المعمور بيت في السماء حيال الكعبة، اسمه: الضراح، بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء وبالحاء المهملة، وعمرانه كثرة غاشيته من الملائكة. قوله: (لم يعودوا)، ويروى: لم يعتدوا. قوله: (آخر ما عليهم)، بالرفع والنصب، فالنصب على الظرف، والرفع على تقدير: ذلك آخر ما عليهم من دخوله. قال صاحب (المطالع): الرفع أجود. قوله: (ورفعت لي سدرة المنتهى) قد ذكرنا الآن معنى الرفع، ويروى: السدرة المنتهى بالألف واللام، والسدرة شجرة النبق، وسميت بها لأن علم الملائكة ينتهى إليها ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحكي عن عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه: إنما سميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى. قوله: (فإذا نبقها) كلمة: إذا، للمفاجأة، و: النبق، بفتح النون وكسر الباء: حمل السدر، ويخفف أيضا، الواحدة نبقة ونبقة. قوله: (قلال هجر)، القلال جمع قلة، وقال ابن التين: القلة مائتا رطل وخمسون رطلا بالرطل البغدادي، والأصح عند الشافعية خمسمائة رطل، وقال الخطابي: القلال الجرار، وهي معروفة عند المخاطبين معلومة القدر، وقال ابن فارس: القلة ما أقله الإنسان من جرة أوجب، قال: وليس في ذلك عند أهل اللغة حد محدود إلا أن يأتي في الحديث تفسير فيجب أن يسلم، وعبارة الهروي: القلة: ما يأخذ مزادة من الماء، سميت بذلك لأنها تقل أي: ترفع، و: هجر، بفتح الهاء والجيم وفي آخره راء: بلدة لا تنصرف للتعريف والتأنيث، وفي (المطالع): هجر مدينة باليمن هي قاعدة البحرين بينها وبين البحرين عشر مراحل، ويقال: الهجر، أيضا بالألف واللام. قوله: (كأذان الفيول) وهو جمع: فيل، وهو الحيوان المعروف. قوله: (أنهار)، جمع نهر بسكون الهاء وفتحها. قوله: (نهران باطنان) قال مقاتل: هما السلسبيل والكوثر. قوله: (ونهران ظاهران) وقد بينهما في الحديث بقوله: النيل والفرات يخرجان من أصلها ثم يسيران حيث أراد الله تعالى، ثم يخرجان من الأرض ويجريان فيها.
وعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: إن جميع المياه من تحت صخرة بيت المقدس ومن هناك يتفرق في الدنيا. أما النيل: فمبدؤه من جبال القمر، بضم القاف وسكون الميم، وقيل: بفتح الميم، تشبيها بالقمر في بياضه، وقيل: ينبع من اثني عشر عينا هناك، ويجري في ثلاثة أشهر في القفار وثلاثة أشهر في العمران إلى أن يجيء إلى مصر فيفترق فرقتين عند قرية يقال لها: شطنوف، فيمر الغربي منه على رشيد وينصب في البحر الملح، وأما الشرقي فيفترق أيضا فرقتين عند جوجر فيفترق فرقتين أيضا فتمر الغربية منهما على دمياط من غربيها، وينصب في البحر الملح، والشرقية منهما تمر على أشمون طناح فينصب هناك في بحيرة شرقي دمياط يقال لها بحيرة تنيس وبحيرة دمياط. وأما الفرات: فأصله من أطراف أرمينية قريب من قاليقلا، ثم يمر على بلاد الروم ثم يمر بأرض ملطية ثم على شمشاط وقلعة الروم والبيرة وجسر منيح وبالس وجعبر والرقة والرحبة وقرقيسا وعانات والحديثة وهيت والأنبار ثم يمر بالطفوف ثم بالحلة ثم بالكوفة وينتهي إلى البطائح وينصب في البحر الشرقي. قالوا: ومقدار جريانها على وجه الأرض أربعمائة فرسخ.
قوله: (عالجت بني إسرائيل) أي: مارستهم ولقيت منهم الشدة فيما أردت منهم من الطاعة، والمعالجة مثل المزاولة والمجادلة. قوله: (فسله)، أصله فاسأله، لأنه أمر من السؤال، فنقلت حركة الهمزة إلى السين فحذفت تخفيفا واستغنى عن همزة الوصل فحذفت فصار: فسله، على وزن: فله، قوله: (فارجع إلى ربك)، أي: إلى الموضع الذي ناجيت ربك فيه. قوله: (فرجعت) أي: إلى موضع مناجاتي. قوله: (فسألته) أي: فسألت الله التخفيف. قوله: (فجعلها) أي: فجعل الفريضة التي قدرها أربعين صلاة. قوله: (ثم مثله)، أي: ثم قال موسى صلى الله عليه وسلم مثله، قوله: (ثم ثلاثين)، أي: ثم جعلها ثلاثين صلاة. قوله: (ثم مثله)، أي: ثم قال موسى صلى الله عليه وسلم مثله. قوله: (فجعله عشرين)، أي: عشرين صلاة. قوله: (ثم مثله)، أي: ثم قال موسى صلى الله عليه وسلم مثله. قوله:

128
(فجعل عشرا)، أي: عشر صلوات. قوله: (فأتيت موسى صلى الله عليه وسلم) أي: في الموضع الذي لقيته فيه، فقال موسى أيضا مثله، قوله: (فجعلها خمسا) أي: خمس صلوات. قوله: (فقال: ما صنعت؟) أي: فقال موسى صلى الله عليه وسلم: ماذا صنعت فيما رجعت؟ وهذه هي المراجعة الأخيرة. قوله: (قلت: جعلها خمسا) أي: خمس صلوات. قوله: (فقال: سلمت بخير) أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لموسى صلى الله عليه وسلم: سلمت، بتشديد اللام من التسليم يعني: سلمت له ما جعله من خمس صلوات، فلم يبق لي مراجعة لأني استحييت من ربي، كما مضى في حديث أبي ذر في أول كتاب الصلاة من قوله: (إرجع إلى ربك. قلت: استحييت من ربي) يعني: من تعدد المراجعة. قوله: (فنودي)، أي: فجاء النداء من قبل الله تعالى: (إني قد أمضيت فريضتي) أي: أنفذت فريضتي بخمس صلوات وخففت عن عبادي من خمسين إلى خمس، وأجزي الحسنة عشرا فيحصل ثواب خمسين صلاة لكل صلاة ثواب عشر صلوات. فإن قلت: كيف جازت هذه المراجعة في باب الصلاة من رسولنا محمد وموسى، عليهما الصلاة والسلام؟ قلت: لأنهما عرفا أن الأمر الأول غير واجب قطعا ولو كان واجبا قطعا ولو كان واجبا قطعا لا يقبل التخفيف.
وفيه: جواز النسخ قبل وقوعه.
وقال همام عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في البيت المعمور
أي: قال همام بن يحيى الذي مضى في رواة الحديث المذكور الذي روى عنه هدبة في السند الأول، وأشار بهذا إلى أن هماما فصل في سياقة قصة البيت المعمور عن قصة الإسراء، وروى أصل الحديث عن قتادة عن أنس، وقصة البيت المعمور عن قتادة عن الحسن البصري عن أبي هريرة، وأما سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي اللذان مضيا في الطريق الثاني للحديث المذكور فإنهما قد أدرجا قصة البيت المعمور في حديث أنس، وقال بعضهم: رواية همام موصولة هنا عن هدبة عنه، ووهم من زعم أنها معلقة، فقد روى الحسن عن سفيان في (مسنده) الحديث بطوله عن هدبة، فاقتصر الحديث إلى قوله: فرفع لي البيت المعمور، قال قتادة: حدثنا الحسن عن أبي هريرة: أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون فيه، وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وأبي يعلى والبغوي وغير واحد كلهم عن هدبة مفصلا. انتهى. قلت: ظاهره التعليق وإخراج غيره إياه موصولا لا يستلزم أن يكون ما أخرجه البخاري بصورة التعليق أن يكون موصولا، وهذا ظاهر لا يخفى. قوله: (عن الحسن عن أبي هريرة)، قال يحيى بن معين: لم يصح للحسن سماع من أبي هريرة، فقيل ليحيى: قد جاء في بعض الأحاديث: قال: حدثنا أبو هريرة. قال: ليس بشيء، وقال الكرماني: الحسن ههنا روى عنه بلفظ: عن، فيحتمل أن يكون بالواسطة.
8023 حدثنا الحسن بن الربيع قال حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن زيد بن وهب قال عبد الله حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه بعمل أهل النار ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة..
[/ نه
مطابقته للترجمة في قوله: (ثم يبعث الله ملكا) لأن في الحديث ذكر الملك، وفي الترجمة ذكر الملائكة، والملائكة أنواع لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، وساداتهم الأكابر أربعة: جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل. ومنهم: الروح، قال الله تعالى: * (يوم يقوم الروح) * (النبأ: 83). ومنهم الحفظة. ومنهم الملائكة الموكلون بالقطر والنبات والرياح والسحاب.

129
ومنهم ملائكة القبور. ومنهم سياحون في الأرض يبتغون مجالس الذكر. ومنهم كروبيون وروحانيون وحافون ومقربون. ومنهم ملائكة تقذف الشياطين بالشهاب. ومنهم حملة العرش. ومنهم موكلون بصخرة بيت المقدس. ومنهم موكلون بالمدينة. ومنهم موكلون بتصوير النطف. ومنهم ملائكة يبلغون السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أمته. ومنهم من يشهد الحروب مع المجاهدين. ومنهم خزان أبواب السماء. ومنهم الموكلون بالنار. ومنهم ملائكة يسمون الزبانية. ومنهم من يغرسون أشجار الجنة. ومنهم من يصوغون حلى أهل الجنة. ومنهم خدم أهل الجنة. ومنهم من نصفه ثلج ونصفه نار، وقد ذكر البخاري في أحاديث الباب منهم جماعة كما ترجمه.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: الحسن بن الربيع ضد الخريف ابن سليمان البجلي الكوفي، يعرف بالبوراني، بضم الباء الموحدة وسكون الواو وبالراء. قال أبو حاتم: كنت أحسب الحسن مكسور العنق لانحنائه حتى قيل: إنه لا ينظر إلى السماء حياء من الله تعالى. الثاني: أبو الأحوص سلام بالتشديد ابن سليم الحنفي، مولى بني حنيفة الكوفي. الثالث: سليمان الأعمش. الرابع: زيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الكوفي، خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم
وهو في الطريق. الخامس: عبد الله بن مسعود، وهؤلاء كلهم كوفيون.
وقيل هذا الحديث رواه جماعة، منهم: سفيان بن عيينة عن الأعمش إلى قوله: شقي أو سعيد، كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم وما بعده كلام ابن مسعود، وقد رواه عبد الرحمن بن حميد الرواسي عن الأعمش فاقتصر من المتن على المرفوع فحسب، ورواه بطوله سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب ففصل كلام ابن مسعود من كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم قال بعد ذكر الشقاوة والسعادة: قال عبد الله: والذي نفسي بيده، إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة... الحديث. وأخرجه مسلم من حديث الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله قال: حدثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم... إلى آخره نحوه، غير أن بعد قوله: وشقي أو سعيد: فوالذي لا إل
1764; ه غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. انتهى. والحديث رواه البخاري أيضا في القدر عن أبي الوليد وفي التوحيد عن آدم. وأخرجه مسلم في القدر عن ابن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن عثمان ابن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعن أبي سعيد الأشج وعن عبد الله بن معاذ وأخرجه أبو داود عن حفص بن عمرو ومحمد بن كثير. وأخرجه الترمذي في القدر عن هناد وعن محمد بن بشار وعن علي بن حجر. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن علي بن محمد عن وكيع ومحمد بن فضيل وأبي معاوية وعن علي بن ميمون، وأنكر عمرو بن عبيد هذا الحديث وكان من زهاد القدرية ولا اعتبار لإنكاره.
ذكر معناه: قوله: (وهو الصادق المصدوق) أي: الصادق في قوله وفيما يأتيه من الوحي، والمصدوق أن الله تعالى صدقه في وعده. وقال الكرماني: المصدوق أي: من جهة جبريل، عليه الصلاة والسلام، أو المصدق يعني بتشديد الدال المفتوحة. وقال الطيبي: الأولى أن تجعل هذه الجملة اعتراضية لا حالية فتعم الأحوال كلها، وأن يكون من عاداته ودأبه ذلك فما أحسن موقعه هنا. قوله: (يجمع)، على صيغة المجهول، قالوا: بمعنى الجمع أن النطفة إذا وقعت في الرحم وأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في أطراف المرأة تحت كل شعرة وظفر فتمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم، فذلك جمعها. قوله: (أربعين يوما) هذه الأربعون الأولى النطفة فيها تجري في أطراف المرأة ثم تصير دما. قوله: (ثم تكون علقة) وهو الدم الغليظ الجامد وهذا في الأربعين الثاني، أشار إليه بقوله: (مثل ذلك) أي: مثل الأول أربعين يوما. قوله: (ثم تكون مضغة)، وهي قطعة من اللحم قدر ما يمضغ، وهذا في الأربعين الثالث، أشار إليه بقوله: (مثل ذلك) يعني مثل الثاني أربعين يوما. فإن قلت: إن الله قادر على أن يخلقه في لمحة، فما الحكمة في هذا المقدار؟ قلت: فيه حكم وفوائد. منها: أنه لو خلقه دفعة واحدة لشق على الأم لأنها لم تكن معتادة بذلك، وربما تهلك فجعل أولا نطفة لتعتاد بها مدة ثم تكون علقة وهلم جرا... إلى الولادة. ومنها: إظهار قدرة الله تعالى ونعمته ليعبدوه ويشكروا له حيث قلبهم في تلك الأطوار إلى كونهم إنسانا حسن الصورة متحليا بالعقل والشهامة

130
مزينا بالفهم والفطانة. ومنها: إرشاد الناس وتنبيههم على كمال قدرته على الحشر والنشر، لأن من قدر على خلق الإنسان من ماء مهين ثم من علقة ومضغة مهيأة لنفخ الروح فيه، يقدر على صيرورته ترابا ونفخ الروح فيه وحشره في المحشر للحساب والجزاء. قوله: (ثم يبعث الله ملكا) أي: بعد انتهاء الأربعين الثالثة يبعث الله ملكا (فيؤمر بأربع كلمات) يكتبها وهي: قوله: (ويقال له)، أي: للملك المرسل: (أكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد) وكل ذلك بما اقتضت حكمته وسبقت كلمته. قوله: (وشقي أو سعيد)، كان من حق الظاهر أن يقال: يكتب سعادته وشقاوته، فعدل حكاية لصورة ما يكتبه، لأنه يكتب شقي أو سعيد. قوله: (ثم ينفخ فيه الروح)، أي: بعد كتابة الملك هذه الأربعة ينفخ فيه الروح.
وفي (صحيح مسلم): أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات... الحديث، فهذا يدل على أن كتب هذه الأربعة بعد نفخ الروح، ولفظ البخاري يدل على أن ذلك قبل نفخ الروح، لأن في لفظة: (ثم ينفخ فيه الروح) وكلمة: ثم، تقتضي تأخر كتب الملك هذه الأمور إلى ما بعد الأربعين الثالثة. وقال النووي: والأحاديث الباقية تقتضي الكتب عقيب الأربعين الأولى، ثم أجاب عن ذلك بقوله: إن قوله: ثم يبعث إليه الملك، فيؤذن له فيكتب معطوف على قوله: (يجمع في بطن أمه) ومتعلقاته لا بما قبله، وهو قوله: ثم يكون مضغة مثله، ويكون قوله: ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، معترضا بين المعطوف والمعطوف عليه، وذلك جائز موجود في القرآن والحديث الصحيح وفي كلام العرب. وقال القاضي وغيره: والمراد بإرسال الملك في هذه الأشياء أمره بها والتصرف فيها بهذه الأفعال، وإلا فقد صرح في الحديث بأنه موكل بالرحم، وأنه يقول: يا رب هذه نطفة يا رب هذه علقة. وقال القاضي: وقوله في الحديث الذي روي عن أنس: وإذا أراد أن يخلق خلقا قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ لا يخالف ما قدمناه، ولا يلزم منه أن يقول ذلك بعد المضغة، بل هو ابتداء كلام وإخبار عن حالة أخرى، فأخبر أولا بحال الملك مع النطفة، ثم أخبر أن الله تعالى إذا أراد أن يخلق النطفة علقة كان كذا وكذا. فإن قلت: في رواية يرسل الملك بعد مائة وعشرين يوما، وفي رواية: ثم يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة، فيقول: يا رب أشقي أم سعيد؟ وفي رواية: إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها، وفي رواية حذيفة بن أسيد: أن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة، ثم يتسور عليها الملك، وفي رواية: أن ملكا موكلا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئا يأذن له لبضع وأربعين ليلة، وذكر الحديث، وفي رواية أنس، رضي الله تعالى عنه: أن الله قد وكل بالرحم ملكا فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فما الجمع بين هذه الروايات؟ قلت: للملك مراعاة لحال النطفة، وأنه يقول: يا رب هذه نطفة، هذه علقة، هذه مضغة في أوقاتها، وكل وقت يقول فيه ما صارت إليه، ولتصرفه وكلامه أوقات: أحدها حين يخلقها الله نطفة ثم ينقلها علقة وهو أول علم الملك بأنه ولد، لأنه ليس كل نطفة تصير ولدا، وذلك عقيب الأربعين الأولى، فحينئذ
يكتب رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، ثم للملك تصرف آخر في وقت آخر، وهو تصويره وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظمه وكونه ذكرا أو أنثى، وذلك إنما يكون في الأربعين الثالثة، وهي مدة المضغة، وقبل انقضاء مدة هذه الأربعين، وقبل نفخ الروح فيه، لأن نفخ الروح لا يكون إلا بعد تمام صورته. فإن قلت: روي: إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك، وذكر رزقه؟ قلت: ليس هذا على ظاهره ولا يصح حمله على ظاهره، بل المراد بتصورها وخلق سمعها إلى آخره أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر، لأن التصوير عقيب الأربعين الأولى غير موجود في العادة، وإنما يقع في الأربعين الثالثة وهي مدة المضغة كما قال الله تعالى: * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) * (المؤمنون: 8). إلى قوله: * (لحما) * (المؤمنون: 8). ثم يكون للملك فيه تصرف آخر وهو وقت نفخ الروح عقيب الأربعين الثالثة حتى يكمل له أربعة أشهر.
قوله: (حتى ما يكون)، حتى، هي الناصبة و: ما نافية ولفظة: يكون، منصوب بحتى وما غير كافة لها من العمل. قوله: (إلا ذراع)، المراد بالذراع التمثيل والقرب إلى الدخول، أي: ما يبقى بينه

131
وبين أن يصلها إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع. قوله: (فيسبق عليه)، الفاء للتعقيب تدل على حصول السبق بلا مهلة، ضمن يسبق معنى: يغلب، أي: يغلب عليه الكتاب، وما قدر عليه سبقا بلا مهلة فعند ذلك يعمل بعمل أهل الجنة أو أهل النار. قوله: (فيعمل بعمل أهل النار)، وفيه حذف تقديره. فيدخلها، وكذلك بعد قوله: (بعمل أهل الجنة فيدخلها). وقال الخطابي: فيه: أن ظاهر الأعمال من الحسنات والسيئات أمارات وليست بموجبات، وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى القدر، وروى ابن حبان في (صحيحه) من حديث أبي الدرداء مرفوعا: فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من رزقه وأجله وعمله وأثره ومضجعه، يعني قبره، فإنه مضجعه على الدوام * (وما تدري نفس بأي أرض تموت) * (لقمان: 43).
9023 حدثنا محمد بن سلام قال أخبرنا مخلد قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع قال قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض.
مطابقته للترجمة في قوله: (نادى جبريل) عليه الصلاة والسلام. ومحمد بن سلام، باللام المشددة: ومخلد، بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة: ابن يزيد من الزيادة مر في الجمعة، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل.
وأورد البخاري هذا الحديث من طريقين: أحدهما: موصول وهو إلى قوله: وتابعه. والثاني: معلق وهو من قوله: وتابعه أبو عاصم... إلى آخره، وقد وصله في الأدب عن عمرو بن علي عن أبي عاصم وساقه على لفظه هناك، قيل: هو أحد المواضع التي يستدل بها على أنه قد يعلق عن بعض مشايخه ما هو عنده بواسطة، لأن أبا عاصم من شيوخه يروي عنه كثيرا في الكتاب. وقال الطوفي: ذكر البخاري الحب في كتابه ولم يذكر البغض، وهو في رواية غيره، وإذا أبغض عبدا نادى جبريل، عليه الصلاة والسلام: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: أن الله يبغض فلانا فأبغضوه، فيبغضونه، ثم يوضع له البغض في الأرض. قلت: هذا أخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج.
قوله: (ويوضع له القبول في الأرض)، يعني: عند أكثر من يعرفه من المؤمنين، ويبقى له ذكر صالح، ويقال معناه: يلقي في قلوب أهلها محبته مادحين مثنين عليه.
وفيه: أن كل من هو محبوب القلوب فهو محبوب الله، بحكم عكس القضية.
0123 حدثنا محمد قال حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا الليث قال حدثنا ابن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم..
مطابقته للترجمة في قوله: الملائكة، ومحمد هو الذي ذكر مجردا هو محمد بن يحيى الذهلي، قاله الغساني، وقال أبو ذر بعد أن ساقه: محمد هذا هو البخاري، وقال بعضهم: هذا هو الأرجح عندي، فإن الإسماعيلي وأبا نعيم لم يجدا الحديث من غير رواية البخاري فأخرجاه عنه، ولو كان عند غير البخاري لما ضاق مخرجه عليهما. انتهى. قلت: عدم وجدان الإسماعيلي وأبي نعيم

132
الحديث لا يستلزم أن يكون محمد هنا البخاري، وهذا ظاهر لا يخفى على أحد ولم يجر للبخاري العادة بأن يذكر اسمه قبل ذكر شيخه بقوله: حدثنا محمد، وذكر في (رجال الصحيحين): محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب أبو عبد الله الذهلي النيسابوري في فصل: أفراد البخاري، فيمن اسمه محمد، وقال: روى عنه البخاري في قريب من ثلاثين موضعا ولم يقل: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي مصرحا، ويقول: حدثنا محمد ولا يزيد عليه، ويقول: محمد بن عبد الله، ينسبه إلى جده، ويقول: حدثنا محمد بن خالد، ينسبه إلى جد أبيه، والسبب في ذلك أن البخاري لما دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ، وكان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرح باسمه. وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم، وابن أبي مريم بن أبي جعفر هو عبيد الله بن أبي جعفر، واسمه يسار القرشي، و محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود.
والنصف الأول من هذا الإسناد بصريون، والنصف الثاني مدنيون، وأوله هو محمد بن عبد الرحمن.
قوله: (العنان)، بفتح العين المهملة وتخفيف النون الأولى: السحاب. قوله: (فتذكر) أي: الملائكة الأمر الذي قضي في السماء وجوده وعدمه. قوله: (فتسترق)، تفتعل من السرقة، أي: تستمع سرقة، يقال: استرق السمع أي: استرق مستخفيا. قوله: (إلى الكهان)، بضم الكاف وتشديد الهاء، جمع: كاهن وهو الذي يتعاطى الإخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعى معرفة الأسرار، وفي (المغرب): لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وحرست السماء بطلت الكهانة.
1123 حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال حدثنا ابن شهاب عن أبي سلمة والأغر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤا يستمعون الذكر. (انظر الحديث 929).
مطابقته للترجمة في قوله: (ملائكة). وأحمد بن يونس هو ابن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي، وإبراهيم بن سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المديني، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف، والأغر، بفتح الهمزة والغين المعجمة وتشديد الراء: اسمه سلمان أبو عبد الله الجهني مولاهم المدني، كذا وقع في رواية الأكثرين: الأغر، ووقع في رواية الكشميهني: الأعرج، بالعين المهملة وبالجيم في آخره، والأول أشهر. وأخرج النسائي من وجه آخر عن الزهري عن الأعرج وحده.
والحديث مر في كتاب الجمعة في: باب الاستماع إلى الخطبة بأتم منه فإنه أخرجه هناك: عن آدم عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة، الحديث، ومضى الكلام فيه هناك.
2123 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب قال مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني أللهم أيده بروح القدس قال نعم..
مطابقته للترجمة في قوله: (بروح القدس) فإنه جبريل، عليه الصلاة والسلام، وسفيان هو ابن عيينة.
قوله: (في المسجد) أي: النبوي: والواو في (وحسان)، للحال، وكذا الواو في: (وفيه من هو خير منك). وقد مضى في: باب الشعر في المسجد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه سمع حسان بن ثابت يستشهد أبا هريرة: أنشدك الله! هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا حسان أجب عن رسول الله! اللهم أيده بروح القدس؟ قال أبو هريرة: نعم. قوله: (أسمعت؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (أجب عني)، أي: قل جواب هجو الكفار عن جهتي.
3123 حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء

133
رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان اهجهم أو هاجهم وجبريل معك..
مطابقته للترجمة في قوله: (وجبريل معك) والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن سليمان بن حرب وفي المغازي عن حجاج بن منهال. وأخرجه مسلم في الفضائل عن عبيد الله بن معاذ وعن زهير وعن أبي بكر بن نافع وعن بندار عن غندر. وأخرجه النسائي في القضاء عن حميد بن مسعدة وفي المناقب عن أحمد بن حفص.
قوله: (اهجهم)، أمر من: هجا يهجو هجوا، وهو نقيض المدح. قوله: (أو هاجهم)، شك من الراوي من المهاجاة، ومعناه: جازهم بهجوهم. قوله: (وجبريل معك)، يعني: يؤيدك ويعينك عليه.
4123 حدثنا موساى بن إسماعيل قال حدثنا جرير (ح) وحدثنا إسحاق قال أخبرنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت حميد بن هلال عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال كأني أنظر إلى غبار ساطع في سكة بني غنم زاد موسى موكب جبريل. (الحديث 4123 طرفه في: 8114).
[/ نه
مطابقته للترجمة في قوله: (موكب جبريل) عليه الصلاة والسلام، و موسى بن إسماعيل التبوذكي، و جرير هو ابن حازم أبو النصر الأزدي البصري، و إسحاق هو ابن راهويه، و وهب بن جرير يروي عن أبيه جرير بن حازم المذكور، وروى هذا الحديث من طريقين. الأول: عن موسى عن جرير عن حميد عن أنس. والثاني: عن إسحاق عن وهب بن جرير عن أبيه عن حميد بن هلال بن هبيرة العدوي أبو نصر البصري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن موسى بن إسماعيل أيضا.
قوله: (في سكة بني غنم)، السكة، بكسر السين المهملة وتشديد الكاف: الزقاق، و: بني غنم، بفتح الغين المعجمة وسكون النون: بطن من الخزرج، وهم من ولد غنم بن مالك بن النجار، منهم أبو أيوب الأنصاري وآخرون. وقال بعضهم: ووهم من زعم أن المراد هنا ببني غنم حي من بني تغلب، بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة، فإن أولئك لم يكونوا يومئذ بالمدينة. انتهى. قلت: أراد بهذا الحط على الكرماني، فإن القائل به هو الكرماني. قوله: (زاد موسى)، هو موسى بن إسماعيل المذكور. وأراد بهذا أن موسى زاد في المتن هذه الزيادة، وقد أوصلها البخاري في المغازي عنه. قوله: (موكب جبريل)، عليه الصلاة والسلام. قال الكرماني: هو منصوب بنزع الخافض. قلت: الأولى أن يقال: منصوب بفعل محذوف تقديره: أنظر موكب جبريل، ونحو ذلك، ويجوز أن يرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا موكب جبريل، وقال ابن التين: الأحسن أن يكون مجرورا على أنه بدل من لفظ: غبار، وقال الكرماني: ويروى: وموكب جبريل، بالواو والموكب نوع من السير، ويقال للقوم الركوب على الإبل للزينة: موكب، وكذلك جماعة الفرسان. وقال ابن الأثير: الموكب جماعة من ركاب يسيرون برفق، وهم
أيضا: القوم الركوب للزينة والتنزه، وذكره في: باب وكب، فدل على أن الميم زائدة، وكذلك ذكره الجوهري في: باب وكب.
5123 حدثنا فروة قال حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن الحارث بن هشام قال سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي قال كل ذاك يأتي الملك أحيانا في مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قال وهو أشده علي ويتمثل لي الملك أحيانا رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. (انظر الحديث 2).
مطابقته للترجمة في قوله: (الملك) في الموضعين. وفروة، بفتح الفاء وسكون الراء: ابن أبي المغراء أبو القاسم الكندي الكوفي وهو من أفراده. والحديث مر في أول الكتاب فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة... إلى آخره. قوله: (فيفصم)، بالفاء أي: يقطع.
6123 حدثنا آدم قال حدثنا شيبان قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة

134
رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة أي فل هلم فقال أبو بكر ذاك الذي لا تواى عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم أرجو أن تكون منهم.
مطابقته للترجمة في قوله: (خزنة الجنة) فإنهم الملائكة. والحديث مضى في كتاب الجهاد في: باب فضل النفقة، فإنه أخرجه هناك عن سعد بن حفص عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (زوجين)، أي: درهمين أو دينارين. قوله: (أي فل) أي: يا فلان. قوله: (لا توى) بفتح التاء المثناة من فوق أي: الاهلاك.
8123 حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عمر بن ذر ح وحدثني يحيى بن جعفر قال حدثنا وكيع عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل ألا تزورنا أكثر مما تزورنا قال فنزلت: * (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا) * (مريم: 46). الآية.
مطابقته للترجمة في قوله لجبريل، عليه الصلاة والسلام. وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين، وعمرو بن ذر، بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء، وتقدم في التيمم، ويحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي، وهو من أفراده، وعمر بن ذر

135
يروى عن أبيه ذر بن عبد الله الهمداني الكوفي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي نعيم أيضا وفي التوحيد عن خلاد بن يحيى وفي بدء الخلق أيضا عن يحيى عن وكيع. وأخرجه الترمذي في التفسير عن الحسين ابن حريث وعن عبد بن حميد. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن إسماعيل وعن إبراهيم بن الحسن، وقال الترمذي: حديث حسن.
قوله: (حدثنا عمر)، بصيغة الجمع وكلمة: (ح)، بعده للتحويل. قوله: (وحدثني)، بصيغة الإفراد وساق الحديث على لفظ وكيع. قوله: (ألا تزورنا؟) كلمة: ألا، هنا للعرض والتحضيض، ويجوز أن تكون للتمني. قوله: (فنزلت) أي: نزلت الآية التي أولها * (وما نتنزل إلا بأمر ربك) * (مريم: 46). إلى آخره.
9123 حدثنا إسماعيل قال حدثني سليمان عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرأني جبريل على حرف فلم أزل أستزيده حتى انتهاى إلى سبعة أحرف. (الحديث 9123 طرفه في: 1994).
مطابقته للترجمة في قوله: (جبريل) عليه الصلاة والسلام. وإسماعيل بن أبي أويس، وسليمان بن بلال، ويونس ابن يزيد، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضائل القرآن عن سعيد بن عفير. وأخرجه مسلم في الصلاة عن حرملة عن عبد بن حميد.
قوله: (على حرف) أي: على لغة، وقيل: الحرف الإعراب، وقيل: الكيفيات. قوله: (فلم أزل أستزيده)، أي: اطلب منه الزيادة على حرف واحد، وفي رواية: وكان ميكائيل عن شماله، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى ميكائيل كالمستشير، فلم يزل يشير إليه: استزده، حتى قال: (سبعة أحرف) كلها شاف كاف، فلهذا قيل: إن المراء في القرآن كفر، وأنه لا ينبغي أن يقول أحد لبعض القرآن ليس هو هكذا، ولا يقال: إن بعض القرآن خير من بعض. قوله: (إلى سبعة أحرف) أي: سبعة لغات من لغة العرب، يعني: أنها مفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، على أنه قد جاء في القرآن ما قد قرىء بسبعة وعشرة، كقوله: * (مالك يوم الدين) * * (وعبد الطاغوت) * (المائدة: 06). ومما يبين ذلك قول ابن مسعود: إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين، فاقرأوا كما علمتم إنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال وأقبل. وفيه أقوال غير ذلك هذا أحسنها.
0223 حدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس عن الزهري قال حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. (انظر الحديث 6 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (جبريل) في الموضعين، وعبد الله هو ابن المبارك. والحديث قد مر في أول الكتاب فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن عبد الله عن يونس إلى آخره.
وعن عبد الله قال حدثنا معمر بهاذا الإسناد نحوه
عبد الله هو ابن المبارك هو موصول عن محمد بن مقاتل، وكان ابن المبارك قصد فيه الرواية عن شيخيه أحدهما: يونس، والآخر: معمر.
وروى أبو هريرة وفاطمة رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضه القرآن

136
أما رواية أبي هريرة فوصلها البخاري في فضائل القرآن، وسيأتي إن شاء الله تعالى، وأما رواية فاطمة فوصلها في علامات النبوة، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
1223 حدثنا قتيبة قال حدثنا ل يث عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر العصر شيئا فقال له عروة أما إن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر أعلم ما تقول يا عروة قال سمعت بشير بن أبي مسعود يقول سمعت أبا مسعود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نزل جبريل فأمني فصليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه يحسب بأصابعه خمس صلوات. (انظر الحديث 125 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (نزل جبريل). وبشير، بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة: يروي عن أبيه أبي مسعود واسمه: عقبة بن عمرو البدري. وهذا الحديث قد تقدم في: باب مواقيت الصلاة، ولكن بعبارة مختلفة، وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى.
قوله: (فصلى أمام رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، أي: قدامه، وحكى ابن مالك أنه روى بالكسر بمعنى: الإمام الذي يؤم الناس، وقال بعضهم: واستشكل بأن الأمام معرفة والموضع موضع الحال، فوجب جعله نكرة بالتأويل. قلت: لا يحتاج إلى هذا التعسف، لأن لفظ: أمام، الذي بمعنى: قدام، ظرف وهو منصوب على الظرفية.
2223 حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن وهب عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة أو لم يدخل النار قال وإن زناى وإن سرق قال وإن..
مطابقته للترجمة في قوله: (جبريل) عليه الصلاة والسلام. وابن أبي عدي هو محمد بن أبي عدي القسملي، وقد مر غير مرة. والحديث مضى في كتاب الاستئذان في: باب أداء الديون مضمونا إلى شيء آخر، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (دخل الجنة)، قال الخطابي: فيه إثبات دخول، ونفي دخول، وكل واحد منهما متميز عن الآخر بوصف أو وقت، والمعنى: إن مات على التوحيد فإن مصيره إلى الجنة، وإن ناله قبل ذلك من العقوبة ما ناله، وأما لفظ: لم يدخل النار، فمعناه: لم يدخل دخولا تخليديا، ويجب التأويل بمثله جمعا بين الآيات والأحاديث. قوله: (وإن...) أي: وإن زنى وإن سرق، فيه دليل على جواز حذف فعل الشرط والاكتفاء بحرفه.
3223 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر والعصر ثم يعرج اليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم فيقول كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم يصلون وأتيناهم يصلون.
مطابقته للترجمة في قوله: (الملائكة) وأبو اليمان الحكم بن نافع، وأبو الزناد، بالزاي والنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
قوله: (الملائكة) مبتدأ و (يتعاقبون) خبره أي: يأتي بعضهم عقيب بعض بحيث إذا نزلت طائفة صدرت الأخرى. قوله: (ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)، يوضح معنى التعاقب. قوله: (يصلون)، ويروى: وهم يصلون، والجملة حالية في الوجهين، وكذا الكلام في: يصلون، الثاني وقد استوفينا الكلام فيه في: باب فضل صلاة العصر، لأنه أخرج الحديث هناك: عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج... إلى آخره.

137
7
((باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه))
أي: هذا باب يذكر فيه إذا قال الإمام... إلى آخره، قالوا: ليس لذكر هذا الباب هنا وجه، لأن جميع أحاديث هذا الباب في ذكر الملائكة، وهو متصل بالباب السابق، ولهذا لا يوجد هذا في كثير من النسخ، وكذا لم يقع في رواية أبي ذر ذكر هذا الباب.
قوله: (آمين) مقصور وممدود، ومعناه: استجب. قوله: (فوافقت إحداهما) أي: إحدى كلمتي: آمين، وأخذ هذه الترجمة من حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * فقولوا: آمين، فإنه ما وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري من حديث أبي صالح عنه، وروى ابن ماجة من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا أمن الإمام فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه).
4223 حدثنا محمد قال أخبرنا مخلد قال أخبرنا ابن جريج عن اسماعيل بن أمية أن نافعا حدثه أن القاسم بن محمد حدثه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت حشوت للنبي صلى الله عليه وسلم وسادة فيها تماثيل كأنها نمرقة فجاء فقام بين البابين وجعل يتغير وجهه فقلت ما لنا يا رسول الله قال ما بال هاذه الوسادة قالت وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها قال أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة وأن من صنع الصورة يعذب يوم القيامة يقول أحيوا ما خلقتم..
مطابقته للترجمة أعني: باب ذكر الملائكة في قوله: (أن الملائكة) وكذا المطابقة بين أحاديث هذا الباب كلها، وبين هذه الترجمة في ذكر الملائكة.
ومحمد هذا هو محمد بن سلام، ومخلد هو ابن يزيد، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج وعن قريب مضى هكذا هؤلاء الثلاثة على نسق واحد، وإسماعيل بن أمية، بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف: ابن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي القرشي المكي، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله
تعالى عنه.
والحديث مضى في كتاب البيوع في: باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء، فإنه أخرجه هناك: عن عبد الله ابن يوسف عن مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة.. إلى آخره.
قوله: (وسادة) بكسر الواو، وهي المخدة وجمعها: وسائد، و: التماثيل جمع التمثال، وهو وإن كان في الأصل للصورة المطلقة فالمراد منه هنا صورة الحيوان. قوله: (كأنها نمرقة)، لفظ الرواوي عن عائشة والنمرقة بضم النون والراء وبكسرها وبغير هاء وقال الجوهري النمرق والنمرقة وسادة صغيرة وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة، عن أبي عبيد، ويجمع على: نمارق. قوله: (فقام بين البابين) ويروى: بين الناس. قوله: (وجعل) من أفعال المقاربة، وهي على ثلاثة أقسام منها ما وضع للدلالة على الشروع، وهي: طفق وجعل وعلق وأخذ، ويعمل عمل كان إلا أنه يجب أن يكون خبره جملة، وههنا كذلك. قوله: (فقلت: مالنا) ويروى: فقالت: مالنا؟ يعني: ما فعلنا حتى تغير وجهك؟ قوله: (ما بال هذه النمرقة) أي: ما شأنها فيها تماثيل؟ قوله: (قال: أما علمت) أي: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله: (يقول) أي: يقول الله، ويروى: فيقال. قوله: (أحيوا) بفتح الهمزة، وباقي الكلام مر هناك.
5223 حدثنا ابن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله أنه سمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول سمعت أبا طلحة يقول سمعت

138
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل..
وجه مطابقة هذا إلى آخر الباب قد ذكرناه، وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل المروزي المجاور بمكة، وهو من أفراده، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد، وأبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري. وقال الدارقطني: وافق معمر هنا عن الزهري جماعة وخالفهم الأوزاعي فرواه عن الزهري عن عبيد الله عن أبي طلحة، ولم يذكر ابن عباس، ورواه سالم أبو النضر عن عبيد الله نحو رواية الأوزاعي، وفي النسائي عن معقل عن الأوزاعي كرواية الجماعة، وقال: هذا هو الصواب، وحديث الوليد خطأ، ثم رواه من حديث الوليد عن الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله، قال: حدثني أبو طلحة... فذكره، وروى الترمذي من حديث إسحاق بن موسى الأنصاري: حدثنا معن حدثنا مالك عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة: أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده، فوجد عنده سهل بن حنيف، قال: فدعا أبو طلحة إنسانا ينزع نمطا تحته، فقال له سهل: لم تنزعه؟ قال: لأن فيه تصاوير. وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم ما قد علمت، قال سهل: أو لم يقال: إلا ما كان رقما في ثوب؟ فقال: بلى، ولكنه أطيب لنفسي. هذا حديث حسن صحيح. قلت: في رواية مالك هذه ما يقتضي الاتصال بين عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وبين أبي طلحة، فإنه دخل على أبي طلحة وسمعه منه، وهكذا في رواية محمد بن إسحاق عن سالم أبي النضر عنه عند النسائي، وفي رواية الستة، ما خلا أبا داود، ومن رواية الزهري أيضا إدخال ابن عباس بين عبيد الله ابن عبد الله وبين أبي طلحة، فهل الحكم للرواية الزائدة أو للرواية الناقصة؟ فاختار ابن الصلاح الحكم للناقصة لأنه يصرح فيها بالاتصال، واختار النسائي الزائدة لأنه روى كلتيهما ورجح الزائدة.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في بدء الخلق عن علي بن عبد الله وفي المغازي عن إبراهيم بن موسى، وعن إسماعيل بن أبي أويس وفي اللباس عن آدم. وأخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى وعن عمرو الناقد وأبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وعن إسحاق ابن إبراهيم وعبد بن حميد. وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن سلمة بن شيبة والحسن بن علي وعبد بن حميد. وأخرجه النسائي في الصيد عن قتيبة وإسحاق بن منصور، وفي الزينة عن وهب بن بيان وعن محمد بن عبد الملك وعن يزيد بن محمد، وأخرجه ابن ماجة في اللباس عن أبي بكر بن أبي شيبة.
ذكر معناه: قوله: (فيه كلب) قال ابن التين: يريد كلب دار، قال: وأراد بالملائكة غير الحفظة، وكذا قال النووي: إن هؤلاء هم الذين يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار، بخلاف الحفظة، وقال الخطابي: إنما لم يدخل في بيت إذا كان فيه شيء من هذه مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، وأما ما ليس بحرام من كلب الصيد أو الزرع أو الماشية والصورة التي تمتهن في البسط والوسائد وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه. وقال النووي: الأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة. ثم قيل: سبب المنع من دخول الملائكة كونها معصية فاحشة، وكونها مضاهاة لخلق الله، وفيها ما يعبد من دون الله، وامتناعهم من الدخول في بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات، ولأن بعضها يسمى شيطانا، والملائكة ضد لهم، ولقبح رائحة الكلب، والملائكة يكرهون الرائحة الكريهة، ولأنها ينهى عن اتخاذها مما لم يؤذن فيه، فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه، واستغفارها له وتبريكها عليه، ودفعها أذى الشيطان. قلت: كل هذه في الكلب لا يشفي العليل ولا يروى الغليل، وهذا الخنزير أسوأ حالا من الكلب، مع أنه ما ورد فيه شيء وفي النجاسة هو أنجس منه، لأنه نجس العين بالنص بخلاف الكلب فإن في نجاسة عينه خلافا. قوله: (ولا صورة تماثيل) من إضافة العام إلى الخاص.
6223 حدثنا أحمد قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا عمر و أن بكير بن الأشج حدثه أن بسر بن سعيد حدثه أن زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه حدثه ومع بسر بن

139
سعيد عبيد الله الخولاني الذي كان في حجر ميمونة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال حدثهما زيد بن خالد أن أبا طلحة قال حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة قال بسر فمرض زيد بن خالد فعدناه فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاوير فقلت لعبيد الله الخولاني ألم يحدثنا في التصاوير فقال إنه قال إلا رقم في ثوب ألا سمعته قلت لا قال بلى قد ذكره..
أحمد هو أبو صالح المصري، وجزم به أبو نعيم، وقال الكرماني: أحمد بن صالح، أو ابن عيسى التستري، وذكره في (رجال الصحيحين): أحمد، غير منسوب،
يحدث عن عبد الله بن وهب المصري حدث عنه البخاري في غير موضع من (الجامع) واختلفوا في أحمد هذا، فقال قوم: إنه أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب، وقال آخرون: إنه أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى وقال أبو أحمد الحافظ النيسابوري: أحمد عن ابن وهب هو ابن أخي ابن وهب، وقال أبو عبد الله بن منده: كلما قال البخاري في (الجامع): حدثنا أحمد عن ابن وهب فهو ابن صالح المصري، ولم يخرج البخاري عن أحمد بن عبد الرحمن في (الصحيح) شيئا وإذا حدث عن أحمد بن عيسى نسبه، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، وعمرو بفتح العين هو ابن الحارث المصري، وبكير، بضم الباء الموحدة: مصغر بكر بن الأشج، بالشين المعجمة وبتشديد الجيم، وقد مر في الوضوء، وبسر، بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة: ابن سعيد مولى الحضرمي من أهل المدينة، وزيد بن خالد الجهني من مشاهير الصحابة، وعبيد الله الخولاني هو عبيد الله بن الأسود، ويقال: ابن الأسد الخولاني ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن قتيبة عن الليث. وأخرجه مسلم في اللباس عن قتيبة به. وعن إسحاق بن إبراهيم. وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة به وعن عثمان بن أبي شيبة وعن وهب بن بقية. وأخرجه النسائي في الزينة عن إسحاق بن إبراهيم وعن عيسى بن حماد.
قوله: (الأرقم) أصل الرقم الكتابة والصورة غير الرقم، وقال ابن الأثير: الرقم النقش والوشم. قوله: (ألا سمعته؟) كلمة: ألا، بفتح الهمزة واللام المخففة، ومعناها ههنا الاستفهام عن النفي. قوله: (قلت: لا) أي: لم أسمعه قال: بلى، سمعته قد ذكره أي: الحديث.
7223 حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال حدثني عمر و عن سالم عن أبيه قال وعد النبي صلى الله عليه وسلم جبريل فقال إنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب. (الحديث 7223 طرفه في: 0695).
يحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي، سكن مصر، وعمرو، بفتح العين وبالواو كذا وقع في رواية الأكثرين، وظن بعضهم أنه عمرو بن الحارث، وهو خطأ لأنه لم يدرك سالما، والصواب: عمر، بضم العين وبغير واو، وهو: عمر ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم، وكذا ثبت في رواية الكشميهني، وكذا وقع في اللباس عن يحيى بن سليمان بهذا الإسناد. قوله: (وعد النبي) بالنصب، وجبريل بالرفع فاعله يعني وعد النبي صلى الله عليه وسلم، أن ينزل فلم ينزل، فسأله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن السبب فقال: إنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب.
8223 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. (انظر الحديث 697).
إسماعيل بن أبي أويس، وسمي، بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف: مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث

140
بن هشام بن المغيرة، وأبو صالح عبد الله بن ذكوان، والحديث مضى في كتاب الصلاة في: باب فضل اللهم ربنا ولك الحمد، وقد مر الكلام فيه هناك.
1323 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني عروة أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذالك فيما شئت إن شئت أن أطيق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا. (الحديث 1323 طرفه في: 9837).
الحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن عبد الله بن يوسف أيضا. وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي الطاهر ابن السرح وحرملة بن يحيى وعمرو بن سواد. وأخرجه النسائي في النعوت عن أبي الطاهر به.
قوله: (يوم أحد)

141
هو يوم غزوة أحد، كانت في سنة ثلاث من الهجرة. قوله: (يوم العقبة) هي التي تنسب إليها جمرة العقبة وهي بمنى. قوله: (إذ عرضت نفسي) أي: حين عرضت نفسي، كان ذلك في شوال في سنة عشر من المبعث، وأنه كان بعد موت أبي طالب وخديجة، رضي الله تعالى عنها، وذكر موسى بن عقبة في (المغازي): عن ابن شهاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب توجه إلى الطائف رجاء أن يؤوه فعمد إلى ثلاثة نفر من ثقيف وهم ساداتهم، وهم أخوة: عبد ياليل وحبيب ومسعود بنو عمرو، فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم ما انتهك منه قومه، فردوا عليه أقبح رد. قوله: (على ابن عبد ياليل)، بالياء آخر الحروف وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام: ابن عبد كلال، بضم الكاف وتخفيف اللام وفي آخره لام، واسم عبد ياليل: كنانة، ويقال: مسعود. وفي (الجمهرة) للكلبي: عبد ياليل بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن عفرة بن عوف بن ثقيف، والمذكور هنا: أنه صلى الله عليه وسلم عرض نفسه على ابن عبد ياليل والذي في (المغازي): أن الذي كلمه هو عبد ياليل نفسه، وعند أهل النسب أن عبد كلال أخوه لا أبوه، وكان ابن عبد ياليل من أكابر أهل الطائف من ثقيف، وقد روى عبد بن حميد في (تفسيره): من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: * (على رجل من القريتين عظيم) * (الزخرف: 13). قال: نزلت في عتبة بن ربيعة وابن عبد ياليل الثقفي، وعن ابن سعد: كانت إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف عشرة أيام، وذكر ابن إسحاق وابن عقبة: أن كنانة بن عبد يا ليل وفد مع وفد الطائف سنة عشر فأسلموا، وذكر أبو عمر في (الصحابة) كذلك، وذكر المدايني: أن الوفد أسلموا إلا كنانة، فخرج إلى الروم ومات بها بعد ذلك، والله أعلم. قوله
: (على وجهي)، متعلق بقوله: انطلقت، أي على الجهة المواجهة لي. قوله: (بقرن الثعالب) جمع الثعلب الحيوان المشهور، وهو موضع بقرب مكة، وقال النووي: هو ميقات أهل نجد، ويقال له: قرن المنازل، بفتح الميم، ويقال: هو على مرحلتين من مكة، وأصل القرن كل جبل صغير منقطع من جبل كبير، وقال عياض: يقال فيه: قرن، غير مضاف على يوم وليلة من مكة، قال: ورواه بعضهم بفتح الراء وهو غلط، وقال القابسي: من سكن الراء أراد الجبل المشرف على الموضع، ومن فتحها أراد الطريق الذي يتفرق منه، فإنه موضع فيه طرق متفرقة. قوله: (ملك الجبال)، أي: بعث الله إليك ملك الجبال، وهو الملك الذي سخر الله له الجبال وجعل أمرها بيده. قوله: (ذلك)، مبتدأ وخبره محذوف أي: ذلك كما قال جبريل، أو كما سمعت منه، أو المبتدأ محذوف، أي: الأمر ذلك. قوله: (فيما شئت؟) كلمة ما، فيه استفهامية وجزاء قوله: (إن شئت) مقدر أي: إن شئت لفعلت. قوله: (ذلك فيما شئت إن شئت) كذا هو في رواية أبي ذر عن شيخه، وروى عن الكشميهني مثله إلا أنه قال: فما شئت، وروى الطبراني عن مقدام بن داود عن عبد الله بن يوسف شيخ البخاري فقال: يا محمد إن الله بعثني إليك وأنا ملك الجبال لتأمرني بأمرك، فما شئت إن شئت. قوله: (أن أطبق) أي: بأن أطبق، و: أن، مصدرية تقديره: لفعلت بإطباق الأخشبين عليهم، والأخشبان بالخاء والشين المعجمتين هما جبلا مكة: أبو قبيس والذي يقابله قيقعان، وقال الصغاني: بل هو الجبل الأحمر الذي يشرف علي قيقعان، ووهم من قال: ثور. قلت: الذي قال: الأخشبان: أبو قبيس وثور، هو الكرماني، وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما، يقال: رجل أخشب إذا كان صلب العظام عاري اللحم، والمراد من قوله: أن أطبق عليهم: أن يلتقيا على من بمكة فيصيران كطبق واحد عليهم. قوله: (بل أرجو) كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: أنا أرجو. قوله: (أن يخرج الله)، بضم الياء من الإخراج. قوله: (من يعبد الله) في محل النصب لأنه مفعول: يخرج. قوله: (يعبد الله) أي: يوحده. قوله: (لا يشرك به شيئا) تفسيره.
2323 حدثنا قتيبة قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا أبو إسحاق الشيباني قال سألت زر ابن حبيش عن قول الله تعالى * (فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحاى إلى عبده ما أوحاى) * (النجم: 9، 01). قال حدثنا ابن مسعود أنه رأى جبريل له ستمائة جناح.
أبو عوانة بفتح العين الوضاح بن عبد الله اليشكري، وأبو إسحاق الشيباني اسمه سليمان بن أبي سليمان، واسمه فيروز الكوفي، وزر، بكسر الزاي وتشديد الراء: ابن حبيش، بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي

142
آخره شين معجمة: الأسدي الكوفي مات سنة اثنين وثمانين. قوله: * ((قاب قوسين) * (والنجم: 9). أي: قدر قوسين. قوله: (حدثنا ابن مسعود) أي: عبد الله بن مسعود، ويروى: قال لي ابن مسعود. قوله: (أنه) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي الكلام في سورة: والنجم، مبسوطا، إن شاء الله تعالى.
4323 حدثنا محمد بن عبد الله بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن عون أنبأنا القاسم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادا ما بين الأفق..
محمد بن عبد الله شيخه من أفراده، ومحمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون المزني البصري، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهم.
قوله: (فقد أعظم) أي: دخل في أمر عظيم، ومفعوله محذوف. قوله: (في صورته)، أي: في هيئته وحقيقته. قوله: (وخلقه) أي: خلقته التي خلق عليها. قوله: (سادا) نصب على الحال من جبريل أي: مطبقا بين أفق السماء. وقال أحمد بإسناده عن أبي وائل عن ابن مسعود، قال: رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم، والتهاويل: الألوان المختلفة. وقال ابن الكلبي: سأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جبريل أن يأتيه في صورته التي خلقه الله عليها، فقال له: لا تستطيع أن تثبت، فقال: بلى، فظهر له في ستمائة جناح سد الأفق جناح منها، فشاهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمرا عظيما فصعق، وذلك معنى قوله تعالى: * (ولقد رآه نزلة أخرى) * (النجم: 31). وقد ثبت أن جبريل، عليه الصلاة والسلام، كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، وتارة كان يأتيه في صورة أعرابي، وأتاه مرتين في صورته التي خلق عليها، مرة منهبطا من السماء، ومرة عند سدرة المنتهى، وجبريل هو أمين الوحي وخازن القدس، ويقال له: الروح الأمين، وروح القدس، والناموس الأكبر، وطاووس الملائكة. ومعنى: جبر: عبد، وأيل: اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: عبد الله، وفيه أربعة عشر لغة ذكرتها في (التاريخ الكبير) في: فضل خلق الملائكة.
ثم اعلم أن إنكار عائشة، رضي الله تعالى عنها، الرؤية لم تذكرها رواية، إذ لو كان معها رواية فيه لذكرته، وإنما اعتمدت على الاستنباط من الآيات، وهو مشهور قول ابن مسعود، وعن أبي هريرة مثلها، وعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: أنه رآه بعينه، روي ذلك عنه بطرق، وروى ابن مردويه في (تفسيره) عن الضحاك وعكرمة عنه في حديث طويل، وفيه: فلما أكرمني ربي برؤيته بأن أثبت بصري في قلبي أجد بصري لنوره نور العرش، وروى اللالكائي من حديث حماد ابن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: رأيت ربي، عز وجل، ومن حديث أبي هريرة، قال: رأيت ربي، عز وجل... الحديث. وذكر ابن إسحاق: أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس يسأله: هل رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقال: نعم، والأشهر عنه أنه رآه بعينيه، وروي عنه: أن الله تعالى اختص موسى، عليه الصلاة والسلام، بالكلام، وإبراهيم، عليه الصلاة والسلام، بالخلة ومحمدا بالرؤية وقال الماوردي قيل إن الله قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام فرآه محمد مرتين، وكلمة موسى مرتين، وحكى أبو الفتح الرازي وأبو الليث السمرقندي هذه الحكاية عن كعب

143
وحكى عبد الرزاق عن الحسن أنه كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه، وحكى النقاش عن أحمد: أنا أقول بحديث ابن عباس: بعينه رآه حتى انقطع نفس أحمد. وقال الأشعري وجماعة من أصحابه: أنه رره ببصره وعيني رأسه. وقال: كل آية أوتيها نبي من الأنبياء فقد أوتي مثلها نبينا صلى الله عليه وسلم، وخص من بينهم بتفضيل الرؤية.
فإن قلت: قال الله تعالى: * (لا تدركه الأبصار) * (الأنعام: 301). وقال: * (لن تراني) * (الأعراف: 341). قلت: المراد بالإدراك الإحاطة ونفي الإحاطة لا يستلزم نفي نفس الرؤية، وعن ابن عباس: لا يحيط به، ونحن نقول به، وقيل: لا تدركه أبصار الكفار، وقيل: لا تدركه الأبصار، وإنما يدركه المبصرون، وليس في الشرع دليل قاطع على استحالة الرؤية ولا امتناعها، إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة. وأما قوله: * (لن تراني) * (الأعراف: 341). فمعناه: في الدنيا، وذكر القاضي أبو بكر أن موسى، عليه الصلاة والسلام، رأى ربه، فلذلك صعق، وأن الجبل رأى ربه فلذلك صار دكا، استنبطه من قوله: * (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) * (الأعراف: 341). ثم قال: * (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) * (الأعراف: 341). فرآه الجبل فصار دكا، ورآه موسى، عليه الصلاة والسلام، فصعق.
5323 حدثني محمد بن يوسف قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا زكرياء بن أبي زائدة عن ابن الأشوع عن الشعبي عن مسروق قال قلت ل عائشة رضي الله تعالى عنها فأين قوله * (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) * (النجم: 8 9). قالت ذااك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل وإنه أتاه هاذه المرة في صورته التي هي صورته فسد الأفق..
محمد بن يوسف هذا هو أبو أحمد البخاري البيكندي، وقد جزم به أبو علي الجياني، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وابن الأشوع، بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الواو وفي آخره عين مهملة: واسمه سعيد بن عمرو بن أشوع نسب إلى جده، والشعبي عامر بن شراحيل، ومسروق بن الأجدع.
والحديث مسلم في الإيمان عن محمد بن عبد الله ابن نمير عن أبي أسامة نحوه.
قوله: (فأين قوله) ومعنى الفاء هنا: إذا أنكرت رؤيته فما معنى قوله: * (ثم دنا فتدلى) * (النجم: 8 9). فقالت: المراد به قربه من جبريل، عليه الصلاة والسلام. فإن قلت: ملاقاة جبريل، عليه الصلاة والسلام، كانت دائمة. قلت: لجبريل صورة خاصة خلق عليها لم يره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في تلك الصورة الخلقية إلا هذه المرة، ومرة أخرى، وقد ذكرناه عن قريب.
6323 حدثنا موساى قال حدثنا جرير قال حدثنا أبو رجاء عن سمرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت الليلة رجلين أتياني قالا الذي يوقد النار مالك خازن النار وأنا جبريل وهاذا ميكائيل..
موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي، و جرير بفتح الجيم هو ابن حازم بن زيد أبو النصر الأزدي البصري، و أبو رجاء اسمه عمران بن ملحان، ويقال: ابن تيم، ويقال: ابن عبد الله العطاردي البصري، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وأسلم بعد الفتح، وأتى عليه مائة وعشرون سنة. وقيل: أكثر من ذلك. والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب مجرد بعد: باب ما قيل في أولاد المشركين، مطولا بعين هذا الإسناد.
7323 حدثنا مسدد قال حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح.
أبو عوانة الوضاح مضى عن قريب، والأعمش سليمان، وأبو حازم بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي، والحديث أخرجه أيضا في النكاح عن محمد بن بشار. وأخرجه مسلم في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كريب

144
وعن أبي سعيد الأشج وعن زهير بن حرب. وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن عمرو الرازي. وأخرجه في الملائكة عن محمد بن العلاء.
تابعه شعبة وأبو حمزة وابن داود وأبو معاوية عن الأعمش
أي: تابع أبو عوانة شعبة بن الحجاج فوصل هذه المتابعة البخاري في النكاح في: باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها، فقال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن أبي حازم عن أبي هريرة... إلى آخره، نحوه سواء. قوله: (وأبو حمزة) أي: وتابعه أبو حمزة، وهو محمد بن ميمون السكري. قوله: (وابن داود)، أي: وتابعه ابن داود وهو عبد الله الخريبي، بالخاء المعجمة وبالراء، ووصل متابعته مسدد في (مسنده الكبير): قوله: (وأبو معاوية) أي: وتابعه أبو معاوية وهو محمد بن خازم بالمعجمتين ووصل متابعته مسلم فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية وحدثني أبو سعيد الأشج، قال: حدثني وكيع وحدثني زهير بن حرب، واللفظ له، قال: حدثنا جرير، كلهم عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا دعا الرجل امرأته... إلى آخره نحوه، غير أن في قوله: فلم تأته، موضع: فأبت، في رواية البخاري، رحمه الله.
8323 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال سمعت أبا سلمة قال أخبرني جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ثم فتر عني الوحي فترة فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجئثت منه حتى هويت إلى الأرض فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني فأنزل الله تعالى: * (يا أيها المدثر) * إلى قوله * (والرجز فاهجر) * (المدثر: 1 5). قال أبو سلمة والرجز الأوثان..
رواة هذا الحديث قد مروا غير مرة على نسق واحد ومفترقين أيضا. والحديث قد مر بشرحه في أول الكتاب. قوله: (فجثئت منه)، على صيغة المجهول من ألجأث بالجيم والهمزة وبالثاء المثلثة، أي: رعبت، وفيه لغة أخرى: جثثت، بثاءين مثلثتين ومعناه: هويت، أي: سقطت. قوله: (والرجز: الأوثان) تفسير منه بأن المراد من: الرجز، في قوله: * (والرجز فاهجر) * (المدثر: 5). الأوثان وهو جمع وثن، وهو ما له جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جواهر، وكانت العرب تنصبها وتعبدها.
9323 حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن قتادة وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي العالية قال حدثنا ابن عم نبيكم يعني ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت ليلة أسري بي موساى رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيساى رجلا مربوعا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ورأيت مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه فلا تكن في مرية من لقائه. (الحديث 9323 طرفه في: 6933).
غندر، بضم الغين المعجمة وسكون النون: لقب محمد بن جعفر أبي عبد الله البصري صاحب الكرابيس. قوله: (وقال لي خليفة) هو ابن خياط هو شيخ البخاري، وأشار بهذا إلى أنه جمع بين روايتي شعبة بن الحجاج عن قتادة وسعيد ابن أبي عروبة عن قتادة، أيضا، وساق الحديث على لفظ سعيد بن أبي عروبة، وأبو العالية، بالعين المهملة، اسمه: رفيع، بضم الراء

145
وفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة الرياحي، بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة: البصري، وأبو العالية الآخر يروي أيضا عن ابن عباس: واسمه مختلف فيه، وشهرته بالبراء، بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء، وكان يبري النبل، وهو أيضا بصري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، عن ابن بشار عن غندر عن شعبة نحو الأول: وأخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن المثنى وعن محمد بن بشار، كلاهما عن غندر به وعن عبد بن حميد عن يونس بن محمد عن شيبان عن قتادة، أتم من الأول.
ذكر معناه: قوله: (آدم)، من الأدمة وهي في الناس السمرة الشديدة، وقيل: هو من أدمة الأرض، وهي: لونها، وبه سمي آدم، عليه الصلاة والسلام، والأدمة في الإبل البياض مع سواد المقلتين، يقال: بعير آدم بين الأدمة، وناقة أدماء. قوله: (طوال)، بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو ومعناه: طويل قوله: (جعد) أي غير سبط الشعر وقال ابن الأثير الجعد في صفات الرجال يكون مدحا وذما فالملح معناه شديد الأسر والخلق، أو يكون جعد الشعر وهو ضد السبط، لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم، وأما الذم: فهو القصير المتردد الخلق. وقال الداودي: لا أرى جعدا محفوظا، لأن الطوال لا يوصف بالجعودة، وقال ابن التين: هذا كلام غير صحيح، لأن الطول لا ينافيه بل يكون الطويل جعدا وسبطا. قوله: (شنوءة)، بفتح الشين المعجمة وضم النون وسكون الواو وفتح الهمزة، قيل: هو من قحطان، وقال الكرماني: شنوءة اسم قبيلة بطن من الأزد طوال القامات، وقال ابن هشام: شنوءة هو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد، وإنما قيل: أزد شنوءة، لشنئان كان بينهم وهو: البغض، والنسبة إليه شنوي، وجه تشبيه موسى، عليه الصلاة والسلام، برجال شنوءة في الطول والسمرة. قوله: (مربوعا) أي: لا قصيرا ولا طويلا. قوله: (مربوع الخلق)، بفتح الخاء أي: معتدل الخلقة مائلا إلى الحمرة. قوله: (سبط الرأس)، بكسر الباء الموحدة وسكونها، ومعناه: مسترسل الشعر، وقال النووي: فتحها وكسرها لغتان مشهورتان، ويجوز إسكانها مع كسر السين ومع فتحها على التخفيف، كما في الكتف، وقال: وأما الجعد في صفة موسى، عليه الصلاة والسلام، فالأولى أن يحمل على جعودة الجسم، وهي اكتنازه واجتماعه لا جعودة الشعر، لأنه جاء في رواية أبي هريرة: أنه رجل الشعر. قوله: (والدجال)، بالنصب أي: ورأيت الدجال. قوله: (في آيات) أي: في آيات أخرى (أراهن الله إياه) أي: النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فلا تكن في مرية)، بكسر الميم، وهو: الشك. قال النووي: هذا استشهاد من بعض الرواة على أنه صلى الله عليه وسلم لقي موسى، عليه الصلاة والسلام، وقال الكرماني: الظاهر أنه كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والضمير راجع إلى الدجال، والخطاب لكل واحد من المسلمين.
قال أنس وأبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحرس الملائكة المدينة من الدجال
تعليق أنس، رضي الله تعالى عنه، وصله البخاري في أواخر الحج في فضل المدينة في: باب لا يدخل الدجال المدينة، فإنه أخرجه هناك: عن إبراهيم بن المنذر عن الوليد عن عمرو عن إسحاق عن أنس... الحديث، وتعليق أبي بكرة نفيع ابن الحارث وصله أيضا في هذا الباب عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم... إلى آخره.
8
((باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة))
أي: هذا باب في بيان ما جاء من الأخبار في صفة الجنة، وفي بيان أنها مخلوقة وموجودة الآن. وفيه رد على المعتزلة حيث قالوا: إنها لا توجد إلا يوم القيامة، وكذلك قالوا في النار: إنها تخلق يوم القيامة، والجنة: البستان من الشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه، والتركيب دائر على معنى الستر، وكأنها لتكاثفها وتظللها سميت بالجنة التي هي المرة من مصدر جنه إذا ستره كأنها سترة واحدة لفرط التفافها، وسميت دار الثواب جنة لما فيها من الجنان.
قال أبو العالية مطهرة من الحيض والبول والبزاق

146
أبو العالية هو رفيع الرياحي، وقد ذكر في الباب الذي قبله، وأشار بذلك إلى تفسير لفظ: مطهرة، في قوله تعالى: * (ولهم فيها أزواج مطهرة) * (البقرة: 52،
النساء: 75). ووصله ابن أبي حاتم من رواية مجاهد، وزاد: ومن المني والولد، وفي رواية قتادة من: الأذى والإثم. قوله: (والبزاق)، ويقال بالصاد: بصاق، أيضا.
* (كلما رزقوا) * أوتوا بشيء ثم أوتوا بآخر * (قالوا هاذا الذي رزقنا من قبل) * (البقرة: 52). أوتينا من قبل
أشار بقوله: كلما رزقوا إلى قوله تعالى: * (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأوتوا به متشابها) * (البقرة: 52). قوله: (أوتوا بآخر) أي: بثمر آخر، واستفيد التكرار من لفظ: كلما، فإذا أوتوا بآخر قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل، وفسره بقوله: أوتينا من قبل، قال ابن التين: هو من أوتيته إذا أعطيته، وهكذا رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: أتينا من أتيته، بالقصر، يعني: جئته. وقال ابن التين: والأول: هو الصواب، وفي القبلية وجهان: أحدهما ما رواه السدي في (تفسيره) عن مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: * (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) * (البقرة: 52). قالوا: إنهم أوتوا بالثمرة في الجنة، فلما نظروا إليها قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل في دار الدنيا، وهكذا قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد ابن أسلم. والآخر: ما قاله عكرمة: * (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) * (البقرة: 52). قال: معناه مثل الذي كان بالأمس، وهكذا قال الربيع ابن أنس، قال مجاهد: يقولون: ما أشبهه به، وقال ابن جرير: وقال آخرون: بل تأويل ذلك: هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذه الشدة يشابه بعضها بعضا لقوله تعالى: * (واتوا به متشابها) * (البقرة: 52).
وأوتوا به متشابها يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعوم
فسر قوله تعالى: * (وأوتوا به متشابها) * (البقرة: 52). بقوله: يشبه بعضه بعضا، وهكذا قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية، ولكنه قال: في الطعم بالإفراد، وهو أيضا رواية في الكتاب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عامر بن يساف عن يحيى بن أبي كثير، قال: عشب الجنة الزعفران، وكثبانها المسك، ويطوف عليهم الولدان بالفواكه ويأكلونها ثم يؤتون بمثلها، فيقول لهم أهل الجنة: هذا الذي آتيتمونا آنفا به، فيقول لهم الولدان: كلوا، فإن اللون واحد والطعم مختلف، وهو قوله تعالى: * (واتوا به متشابها) * (البقرة: 52). وقال ابن جرير في (تفسيره) بإسناده عن السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: متشابها، يعني: في اللون والمرأى، وليس يشبه في الطعم وقال عكرمة: * (واتوا به متشابها) * (البقرة: 52). يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب، وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء، وفي رواية: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، رواه ابن جرير من رواية الثوري، وابن أبي حاتم من رواية أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به.
قطوفها يقطفون كيف شاؤا. دانية قريبة
أشار بهذا إلى تفسير قوله تعالى: * (قطوفها دانية) * (الحاقة: 32). وفسر قطوفها بقوله: يقطفون كيف شاؤوا، قال الكرماني: كيف فسر القطوف بيقطفون؟ قلت: جعل * (قطوفها دانية) * (الحاقة: 32). جملة حالية، وأخذ لازمها، وروى عبد بن حميد من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال في قوله: * (قطوفها دانية) * (الحاقة: 32). يتناول منها حيث شاء، وروى ابن أبي حاتم من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن البراء أيضا، ومن طريق قتادة قال: دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.
الأرائك السرر
أشار به إلى الأرائك في قوله: * (متكئين فيها على الأرائك) * (الكهف: 13، الإنسان: 31). وفسرها بقوله: السرر، وكذا فسره عبد بن حميد من طريق حصين عن مجاهد عن ابن عباس، قال: الأرائك: السرر في الحجال، والأرائك جمع أريكة، قال ابن فارس: الحجلة على السرير لا تكون إلا كذا، وعن ثعلب: الأريكة لا تكون إلا سريرا متخذا في قبة عليه شوار ومخدة. قلت: الشوار، بضم الشين المعجمة

147
وتخفيف الواو: متاع البيت، والحجلة بالتحريك بيت له قبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار.
وقال الحسن النضرة في الوجوه. والسرور في القلب
أشار بتفسير الحسن البصري إلى ما في قوله: * (ولقاهم نضرة وسرورا) * (الإنسان: 11). وأوله: * (فوقاهم الله شر ذلك اليوم) * (الإنسان: 11). أي: فوقى الله الأبرار شر ذلك اليوم الذي يخافونه من شدائده، ولقاهم أي: أعطاهم بدل عبوس الفجار وحزنهم نضرة في الوجوه، وهو أثر النعمة وحسن اللون والبهاء، وسرورا في القلوب وأثر الحسن، رواه عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عنه
وقال مجاهد سلسبيلا حديدة الجرية
أشار بتعليق مجاهد وتفسير هذا إلى ما في قوله تعالى: * (عينا فيها تسمى سلسبيلا) * (الإنسان: 81). قوله: (عينا)، بدل من قوله: زنجبيلا فيما قبله. قوله: (فيها)، أي: في الجنة. وقال الزجاج: أي: يسقون عينا فيها تسمى سلسبيلا لسلامة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها. وقال أبو العالية ومقاتل بن حيان: سميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطريق، وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان، والسلسبيل في اللغة وصف لما كان في غاية السلاسة، يقال: شراب سلسبيل وسلسل وسلسال، وقد زيدت الياء فيه حتى صار خماسيا، ودل على غاية السلاسة، وتعليق مجاهد وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد بإسنادهما عنه. قوله: (حديدة)، بالحاء والدالين المهملات أي: شديدة الجرية أي: الجريان، وقال عياض: رواها القابسي: جريدة، بالجيم والراء بدل: الدال الأولى، وفسرها
باللينة، ورد عليه بأن ما قاله لا يعرف.
غول وجع البطن
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) * (الصافات: 74). وفسر الغول بوجع البطن، وهذا التفسير مروي عن مجاهد وعن ابن عباس وقتادة: صداع.
ينزفون لا تذهب عقولهم
فسر: ينزفون، بقوله: لا تذهب عقولهم عند شرب خمر الجنة، وهذا التفسير مروي عن ابن عباس وغيره، وقرئ: ينزفون، بكسر الزاي وفيه قولان: أحدهما من أنزف الرجل إذا نفد شرابه، والآخر: يقال أنزف، إذا سكر، وأما: نزف، إذا ذهب عقله من الشرب فمشهور مسموع.
وقال ابن عباس دهاقا ممتلئا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وكأسا دهاقا) * (النبأ: 43). وفسر الدهاق بقوله: ممتلئا، ووصله الطبري عن أبي كريب: حدثنا مروان ابن يحيى عن مسلم بن نسطاس قال ابن عباس لغلامه: إسقني دهاقا، قال: فجاء بها الغلام ملأى، فقال ابن عباس: هذا دهاق، وروى أيضا عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: * (كأسا دهاقا) * (النبأ: 43). قال: ملأى
كواعب نواهد
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وكواعب أترابا) * (النبأ: 33). فسر كواعب بقوله: نواهد، وهذا التفسير عن ابن عباس، رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن

148
أبي طلحة عنه، والنواهد جمع ناهد، وهي التي بدا نهدها، يقال: نهد الثدي إذا ارتفع عن الصدر، وصار له حجم، والأتراب جمع ترب، بالكسر وهو: القرن.
الرحيق الخمر
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (رحيق مختوم) * (المطففين: 52). وفسر الرحيق بالخمر، وهذا التفسير وصله الطبري عن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: * (رحيق مختوم) * (المطففين: 52). قال: الخمر ختم بالمسك، وقيل: الرحيق الخالص من كل شيء، وقال مجاهد يشربها أهل الجنة صرفا، وقال سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي: ختامه آخر طعمه.
التسنيم يعلو شراب أهل الجنة
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ومزاجه من تسنيم) * (المطففين: 72). وفسره بقوله: يعلو شراب أهل الجنة، وهذا وصله عبد ب حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: التسنيم يعلو شراب أهل الجنة، وهو صرف للمقربين ويمزج لأصحاب اليمين وقال الجوهري: التسنيم اسم ماء في الجنة، سمي بذلك لأنه جرى فوق الغرف والقصور.
ختامه طينه مسك
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (رحيق مختوم) * (المطففين: 52). وفسر المختوم بقوله: ختامه طينه مسك، وهذا وصله ابن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله: ختامه مسك، قال: طينه مسك، وفي طريق أبي الدرداء في قوله: ختامه مسك، قال هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم.
نضاختان فياضتان
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فيهما عينان نضاختان) * (الرحمن: 66). وفسر النضاختان بقوله: فياضتان، روي ذلك عن ابن عباس وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه والنضخ في اللغة بالمعجمة أكثر من المهملة.
يقال: موضونة منسوجة. ومنه: وضين الناقة
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (على سرر موضونة) * (الواقعة: 51). وفسر الموضونة بالمنسوجة، أي: المنسوجة بالذهب، وقيل: بالجواهر واليواقيت، رواه ابن أبي حاتم عن عكرمة. وروي أيضا من طريق الضحاك في قوله: موضونة، قال: الوضين التشبيك والنسيج يقول: وسطها مشبك منسوج. قوله: (ومنه)، أي: ومن هذا وضين الناقة: وهو البطان إذا نسج بعضه على بعض مضاعفا.
والكوب ما لا أذن له ولا عروة، والأباريق ذوات الآذان والعرا
أشار به إلى تفسير ما في قوله تعالى: * (بأكواب وأباريق) * (الواقعة: 81). والأكواب جمع كوب، وفسره بقوله: والكوب ما لا أذن له ولا عروة، وقيل: الكوب المستدير لا عرى له، ويجمع على أكواب، ويجمع الأكواب على: أكاويب، وروى عبد ابن حميد من طريق قتادة، قال: الكوب دون الإبريق ليس له عروة، والأباريق جمع إبريق على وزن إفعيل أو فعليل.
عربا مثقلة واحدها مثل صبور وصبر يسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فجعلناهن أبكارا عربا أترابا) * الواقعة: 63 وفسر: عربا، بقوم مثقلة أي: مضمومة الراء، قيل: مرادهم بالتثقيل الضم
وبالتخفيف الإسكان. قلت: ليت شعري هذا اصطلاح من أهل الأدبية. قوله: (واحدتها) أي: واحدة العرب بضم الراء: غروب، مثل: صبور في المفرد، وصبر بضم الباء في الجمع، وذكر النسفي في (تفسيره) في قوله تعالى: * (فجعلناهن أبكارا) * (الواقعة: 63). عذارى عربا عواشق محببات إلى أزواجهن جمع عروب، وقال الحسن: العروب الملقة، وقال عكرمة: غنجة، وقال ابن زيد: شكله بلغة مكة، مغنوجة بلغة المدينة، وعن زيد بن حارثة: حسان الكلام، وقيل: حسنة الفعل، وجزم الفراء: بأن العروب الغنجة. قوله: (العربة)، بفتح العين وكسر الراء وفتح الباء، وأخرج الطبري من طريق تميم بن حدلم في قوله تعالى: * (عربا) * (الواقعة: 63). قال: العربة الحسنة التبعل، كانت العرب تقول إذا كانت المرأة حسنة التبعل: إنها لعربة، ومن طريق عبد الله بن عبيد بن عمير المكي، قال: العربة التي تشتهي زوجها. قوله: (الغنجة)، بفتح الغين المعجمة وكسر النون وبالجيم: من الغنج، وهو التكسر

149
والتدلل في المرأة، وقد غنجت وتغنجت. قوله: (الشكلة) بفتح الشين المعجمة وكسر الكاف ذات الدل.
وقال مجاهد روح جنة ورخاء والريحان الرزق
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (فروح وريحان وجنة نعيم) * (الواقعة: 98). وفسر مجاهد: روحا بجنة ورخاء، وفسر الريحان بالرزق. وقال الفريابي: حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: (فروح) قال جنة * (وريحان) * (الواقعة: 98). قال: رزق. وأخرجه البيهقي في (الشعب) من طريق آدم عن ورقاء بسنده بلفظ: * (فروح وريحان) * (الواقعة: 98). قال: الروج جنة ورخاء، والريحان الرزق. وروى عبد بن حميد في (تفسيره): حدثنا شبابة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: * (فروح وريحان) * (الواقعة: 98). قال: رزق، وحدثنا أبو نعيم عن عبد السلام بن حرب عن ليث عن مجاهد، قال: الروح الفرح، والريحان الرزق، وقيل: روح طيب ونسيم، وقيل: الاستراحة، ومن قرأ بضم الراء أراد الحياة التي لا موت معها، وعن الحسن: الريحان ريحاننا هذا.
والمنضود الموز والمخضود الموقر حملا ويقال أيضا لا شوك له
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب) * (الواقعة: 82 13). الآية وفسر قوله: * (وطلح منضود) * (الواقعة: 82 13). بأنه: الموز، وقال عياض: وقع هنا تخليط، والصواب: والطلح الموز، والمنضود: الموقر حملا الذي نضد بعضه على بعض من كثرة حملة، واستصوب بعضهم ما قاله البخاري، وفي ضمنه رد على عياض، والصواب ما قاله عياض لأن المنضود ليس اسم الموز وإنما هو صفة الطلح. وقال النسفي في (تفسيره): طلح شجر موز، وعن السدي: شجر يشبه طلح الدنيا ولكن له ثمر أحلى من العسل، وقال النسفي أيضا: حكي أن رجلا قرأ عند علي، رضي الله تعالى عنه: * (وطلح منضود) * (الواقعة: 82 13). فقال علي: وما شأن الطلح؟ إنما هو: طلع منضود، ثم قرأ, * (طلعها هضيم) * (الشعراء: 841). فقيل: إنها في المصحف بالحاء أفلا نحولها؟ فقال: إن القرآن لا يهاج اليوم ولا يحول، وعن الحسن: ليس الطلح بالموز ولكنه شجر له ظل بادر طيب، وقال الفراء وأبو عبيدة: الطلح عند العرب شجر عظام لها شوك، وقيل: هو شجر أم غيلان وله نوار كثير طيب الرائحة. قلت: وعلى كل تقدير في معنى الطلح فالمنضود صفة وليس باسم، ومعناه: متراكم قد نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه، وليست له ساق بارزة. وقال مسروق: أشجار الجنة من عروقها إلى أفنائها ثمر كله. قوله: (والمخضود)، بالمعجمتين: صفة للسدر كما نطق به القرآن.
والعرب المحببات إلى أزواجهن
قد ذكر: العرب، عن قريب وفسرها بقوله: مثقلة، وقال: واحدتها عروب، وقد مر الكلام فيه بما فيه الكفاية.
ويقال: مسكوب جار
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وماء مسكوب) * (الواقعة: 13). وفسره بقوله: جار، وأراد به أنه قوي الجري كأنه يسكب سكبا.
وفرش مرفوعة بعضها فوق بعض
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وفرش مرفوعة) * (الواقعة: 23 43). بعد قوله: * (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) * (الواقعة: 23 43). وقال أبو عبيدة: المرفوعة العالية، يقال بناء مرفوع أي: عال، وروى ابن حبان والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري في قوله: * (وفرش مرفوعة) * (الواقعة: 23 43). قال: ارتفاعها خمسمائة عام.
لغوا باطلا تأثيما كذبا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما) * (الواقعة: 52). وفسر اللغو بالباطل والتأثيم بالكذب، وكذا رواه الفريابي عن مجاهد.
أفنان أغصان

150
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ذواتا أفنان) * (الرحمان: 84). وفسر الأفنان بالأغصان، وكذا فسره عكرمة وفي (تفسير النسفي): الأفنان جمع فنن وهو من قولهم: أفنن فلان في حديثه إذا أخذ في فنون، وعن مجاهد: أفنان أغصان واحدها فنن، وعن عكرمة: ظل الأغصان على الحيطان، وعن الحسن: ذواتا أفنان ذواتا ظلال، وخص الأفنان بالذكر لأنها الغصنة التي تتشعب من فروع الشجرة لأنها التي تورق وتثمر، فمنها تمتد الظلال ومنها تجتنى الثمار.
* (وجناى الجنتين دان) * (الرحمان: 45). ما يجتناى قريب منها
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق. وجنا الجنتين دان) * (الرحمان: 45). وفسر: جنى، بما يجتنى، ودان بقوله: قريب
منها. وفي (تفسير النسفي): وجنا الجنتين ثمرها دان قريب يناله القائم والقاعد والنائم.
مدهامتان سوداوان من الري
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ومن دونهما جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان: مدهامتان) * (الرحمان: 26 46). يعني: ومن دون الجنتين الأوليين الموعودتين: * (لمن خاف مقام ربه جنتان) * (الرحمان: 26 46). أخريان: * (مدهامتان) * (الرحمان: 26 46). وفسرها بقوله: سوداوان من الري، وكذا روي عن مجاهد، وفي (تفسير النسفي): مدهامتان ناعمتان سوداوتان من ريهما وشدة خضرتهما، لأن الخضرة إذا اشتدت قربت إلى السواد والدهمة السواد الغالب.
0423 حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار. (انظر الحديث 9731 وطرفه).
شرع البخاري يذكر في هذا الباب خمسة عشر حديثا مطابقات كلها للترجمة في ذكر الجنة، وفي بعضها وصفها، فلا يحتاج إلى ذكر المطابقة بعد هذا في أول كل حديث، وهذا الحديث قد تقدم في كتاب الجنائز في: باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، فإنه أخرجه هناك: عن إسماعيل عن مالك عن نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهم، ومضى الكلام فيه هناك.
1423 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا سلم بن زرير قال حدثنا أبو رجاء عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء..
أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وسلم، بفتح السين المهملة وسكون اللام: ابن زرير، بفتح الزاي وكسر الراء الأولى وسكون الياء آخر الحروف: العطاردي البصري، وأبو رجاء عمران بن ملحان العطاردي البصري، أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم بعد فتح مكة ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يهاجر إليه، بلغ مائة وثلاثين سنة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن أبي الوليد أيضا عن سلم بن زرير وفي النكاح عن عثمان بن الهيثم. وأخرجه الترمذي في صفة جهنم عن ابن بشار. وأخرجه النسائي في عشرة النساء وفي الرقاق عن قتيبة وعن بشر بن هلال وعمران ابن موسى، وفيه الاختلاف على أبي رجاء فإن مسلما رواه من حديث الثقفي عن أيوب عن أبي رجاء عن ابن عباس، ومن حديث أبي الأشهب عن أبي رجاء عن ابن عباس، ومن حديث ابن أبي عروبة عن أبي رجاء عن ابن عباس، قال الترمذي: وكلا الإسنادين ليس فيهما مقال، يحتمل أن يكون أبو رجاء سمع منهما جميعا. ورواه البخاري في النكاح من حديث عوف عن أبي رجاء، وقال الترمذي: وقد روى غير عوف أيضا هذا الحديث عن أبي رجاء عن عمران بن حصين، ورواه النسائي من حديث يزيد بن عبد الله ومحمد بن عبد الله وهو متابع لأبي رجاء عن عمران. ولفظه: (أقل ساكني الجنة النساء)، وفي

151
لفظة: (وعامة أهل النار النساء)، وفي النسائي من حديث عمرو بن العاص مرفوعا: لا تدخل النساء إلا كعدد هذا الغراب مع هذه الغربان، وفي (الأخبار) للألكائي من حديث عبد الرحمن بن شبل مرفوعا: (إن الفساق هم أهل النار)، ثم فسرهم بالنساء، قالوا: يا رسول الله ألسن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؟ قال: بلى، (ولكن إذا أعطين لم يشكرن وإذا ابتلين لم يصبرن). وقال المهلب: إنما تستحق النساء النار لكفرهن العشير. وقال القرطبي: إنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن الهوى والميل إلى عاجل زينة الحياة الدنيا، ولنقصان عقولهن، فيضعفن عن عمل الآخرة والتأهب لها لميلهن إلى الدنيا والتزين بها، وأكثرهن معرضات عن الآخرة سريعات الانخداع لراغبيهن من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الآخرة وأعمالها، وأما الفقراء فلما كانوا فاقدي المال الذي يتوسل به إلى المعاصي فازوا بالسبق. فإن قلت: فقد ظهر فضل الفقر فلم استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه؟ قلت: إنما استعاذ من شر فتنته كما استعاذ من شر فتنة الغنى. فإن قلت: ليس في الجنة عزب ولكل رجل زوجان، فكي يكون وصفهن بالقلة في الجنة وبالكثرة في النار؟ قلت: ذكر الحكيم الترمذي وغيره أن الإكثار بكون النساء أكثر أهل النار كان قبل الشفاعة فيهن، فعلى كون زوجين لكل رجل يكن أكثر أهل الجنة.
2423 حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر فقالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبرا فبكى عمر وقال أعليك أغار يا رسول الله..
أخرج البخاري هذا الحديث أيضا في فضل عمر، رضي الله تعالى عنه، عن سعيد بن أبي مريم أيضا، وأخرجه ابن ماجة عن محمد بن الحارث المصري عن الليث، وقال الترمذي عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت في الجنة قصرا من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ قال: لعمر بن الخطاب). قال: ومعنى هذا الحديث: أني دخلت البارحة الجنة، يعني: رأيت في المنام كأني دخلت الجنة، هكذا روي في بعض هذا الحديث ويروى عن ابن عباس أنه قال: (رؤيا الأنبياء حق)، وقد روى أحمد من حديث معاذ، رضي الله تعالى عنه قال: (إن عمر من أهل الجنة)، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ما رأى في يقظته ومنامه سواء، وأنه قال: (بينا أنا في الجنة إذ رأيت فيها جارية، فقلت: لمن هذه؟ فقيل: لعمر بن الخطاب.
قوله: (رأيتني)، أي: رأيت نفسي. قوله: (فإذا امرأة)، كلمة: إذا، للمفاجأة. قوله: (تتوضأ)، قال الكرماني: تتوضأ من الوضاءة، وهي الحسن والنظافة، ويحتمل أن يكون من الوضوء، وقال الخطابي: فإذا امرأة شوهاء، وإنما أسقط الكاتب منه بعض الحروف فصار: يتوضأ لالتباس ذلك في الخط لأنه لا عمل في
الجنة لا وضوء ولا غيره، والشوهاء بالشين المعجمة. قال أبو عبيد: هي المرأة الحسناء، والشوهاء واسعة الفم والصغيرة الفم، وقال ابن الأعرابي: الشوهاء القبيحة، وقال الجوهري: فرس شوهاء صفة محمودة، ويقال: يراد بها سعة أشداقها، ورد عليه القرطبي، وقال: الرواية الصحيحة: (تتوضأ)، ووضوء هذه المرأة إنما هو لتزداد حسنا ونورا لا أنها تزيل وسخا ولا قذرا، إذ الجنة منزهة عن القذر، وقال ابن التين: وذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: هذا فيه أن الوضوء موصل إلى هذا القصر والنعيم. قوله: (فذكرت غيرته)، بالفتح مصدر قولك: غار الرجل على أهله من فلان، وهي الحمية والأنفة، يقال: رجل غيور، وامرأة غيور، وجاء امرأة غيراء، وصيغة غيور للمبالغة.

152
3423 حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا همام قال سمعت أبا عمران الجوني يحدث عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس الأشعري عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخيمة درة مجوفة طوله في السماء ثلاثون ميلا في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون. قال أبو عبد الصمد والحارث بن عبيد عن أبي عمران ستون ميلا. (الحديث 3423 طرفه في: 9784).
همام، بتشديد الميم: ابن يحيى أبي دينار البصري وأبو عمران عبد الملك بن حبيب الجوني، بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون، وأبو بكر اسمه عمرو بن عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري مات في ولاية خالد بن عبد الله وكان أكبر من أخيه ابن بردة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد بن المثنى. وأخرجه مسلم في صفة الجنة عن سعيد بن منصور وعن أبي غسان وعن أبي بكر بن أبي شيبة. وأخرجه الترمذي فيه عن بندار. وأخرجه النسائي في التفسير عن بندار به مختصرا.
قوله: (الخيمة)، بيت مربع من بيوت الأعراب. قوله: (درة مجوفة) كذا في رواية الأكثرين وفي رواية السرخسي، والمستملي: (در مجوف طوله)، ويروى: (من لؤلؤة)، ومجوفة بالفاء، وفي رواية السمرقندي: بالباء الموحدة وهي: المثقوبة التي قطع داخلها. قوله: (ثلاثون ميلا)، والميل ثلث الفرسخ، وروي عن ابن عباس: (الخيمة درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب)، وعن أبي الدرداء: (الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون بابا). وقال القرطبي: يعلم من هذا الحديث أن نوع النساء المشتمل على الحور والآدميات في الجنة أكثر من نوع رجال بني آدم. قوله: (قال أبو عبد الصمد)، واسمه عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري، مات سنة سبع وثمانين ومائة. قوله: (والحارث بن عبيد)، أبو قدامة، بضم القاف: الأيادي، بفتح الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالدال المهملة، يعني: روى هذان الاثنان هذا الحديث بهذا الإسناد فقالا: (ستون ميلا) بدل قول همام: ثلاثون، وتعليق أبي عبد الصمد وصله البخاري في تفسير سورة الرحمن عن محمد ابن المثنى عنه، وتعليق الحارث وصله مسلم ولفظه: إن للعبد في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلا.
54 - (حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله
قال الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرؤا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)
الحميدي تكرر ذكره وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى وسفيان بن عيينة وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم في صفة الجنة عن سعيد بن عمرو وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن أبي عمر وهذا الحديث يدل على وجود الجنة لأن الإعداد غالبا لا يكون إلا لشيء حاصل قوله ' ما لا عين رأت ' ما هنا إما موصولة أو موصوفة وعين وقعت في سياق النفي فأفاد الاستغراق والمعنى ما رأت العيون كلهن ولا عين واحدة منهن والأسلوب من باب قوله تعالى * (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) * فيحمل على نفي الرؤية والعين معا أو نفي الرؤية فحسب أي لا رؤية ولا عين أو لا رؤية وعلى الأول الغرض منه نفي العين وإنما ضمت إليه الرؤية ليؤذن بأن انتفاء الموصوف أمر محقق لا نزاع فيه وبلغ في تحققه إلى أن صار كالشاهد على نفي الصفة وعكسه قوله ' ولا خطر على قلب بشر ' هو من باب قوله تعالى * (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) * وقوله
* لا حب يهتدى بمنارة
* أي لا قلب ولا خطر أو لا خطور فعلى الأول ليس لهم خطر فجعل انتفاء الصفة دليلا على انتفاء الذات أي إذا لم يحصل ثمرة القلب وهو الاخطار فلا قلب كقوله تعالى * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع) * (فإن قلت) لم خص البشر هنا دون القرينتين السابقتين قلت لأنهم هم الذين ينتفعون بما أعد لهم ويهتمون بشأنه ويخطرونه ببالهم بخلاف الملائكة والحديث كالتفصيل للآية فإنها نفت العلم والحديث نفى طرق حصوله قوله ' فاقرؤا إن شئتم ' قال الداودي هو من قول أبي هريرة

153
ورد عليه ابن التين وقال الظاهر خلافه وأنه من قوله
قوله ' قرة أعين ' قال الزمخشري قوله تعالى * (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم) * لا تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن ولا ملك مقرب ولا نبي مرسل أي نوع عظيم من الثواب ادخره الله تعالى لأولئك وأخفاه عن جميع خلائقه لا يعلمه إلا هو مما تقر به عيونهم ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها انتهى ويقال أقر الله عينك ومعناه أبرد الله تعالى دمعتها لأن دمعة الفرح باردة حكاه الأصمعي وقال غيره معناه بلغك الله أمنيتك حتى ترضى به نفسك فلا تستشرف إلى غيره * -
5423 حدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألاوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا..
عبد الله هو ابن المبارك. والحديث أخرجه الترمذي في صفة الجنة أيضا عن سويد بن نصر عن ابن المبارك أيضا، وقال: حديث صحيح.
قوله: (أول زمرة) أي: جماعة. قوله: (تلج)، أي: تدخل من: ولج يلج ولوجا. قوله: (صورتهم على صورة القمر ليلة البدر) أي: في الإضاءة، وسيأتي في الرقاق بلفظ: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر، ويجيء هنا في الرواية الثانية، والذين على آثارهم كأشد كوكب إضاءة. قوله: (لا يبصقون)، من البصاق (ولا يمتخطون) من المخاط (ولا يتغوطون) من الغائط وهو كناية عن الخارج من السبيلين جميعا، وزاد في صفة آدم: لا يبولون ولا يتفلون، ويأتي في الرواية الثانية: ولا يسقمون، وفي رواية مسلم من حديث جابر: يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون طعامهم ذلك جشاء كريح المسك، وفي رواية النسائي من حديث زيد بن أرقم، قال: جاء رجل من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم! تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون! قال: نعم، إن أحدكم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع، قال: الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة، وليس في الجنة أذى؟ قال: تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك. وقال الطبري: السائل ثعلبة بن الحارث. قوله: (آنيتهم الذهب)، وفي الرواية التي تأتي: والفضة. وقال في الأمشاط عكس ذلك، فكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما عن الآخر. قوله: (أمشاطهم) جمع مشط، وهو مثلث الميم، والأفصح ضمها. قوله: (ومجامرهم)، جمع مجمرة وهي المبخرة، سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور، ومجامرهم مبتدأ و: الألوة، خبره، ويفهم منه نفس العود، ولكن في الرواية الثانية: وقود مجامرهم الألوة، فعلى هذا يكون المضاف هنا محذوفا. وقال الكرماني: في الجنة نفس المجمرة هي العود. قلت: فعلى هذا يكون المعنى: وعودهم الألوة، فإذا كان الألوة عودا يكون الحمل غير صحيح، لأن المحمول يكون غير الموضوع، وقال الطيبي: المجامر جمع مجمرة بكسر الميم، وهو الذي يوضع النار فيه للبخور، وبالضم هو الذي يتبخر به وأعد له الجمر، ثم قال: والمراد في الحديث هو الأول، وفائدة الإضافة أن الألوة هي الوقود نفسه بخلاف المتعارف، فإن وقودهم غير الألوة وقيل: المجامر جمع، والألوة مفرد، فلا مطابقة بين المبتدأ والخبر. وأجيب: بأن الألوة جنس، وهو بضم الهمزة وفتحها وضم اللام وتشديد الواو، وهو: العود الذي يتبخر به، وروي بكسر اللام أيضا، وهو معرب، وحكى ابن التين كسر الهمزة وتخفيف الواو والهمزة أصلية، وقيل: زائدة. فإن قلت: إن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار والجنة لا نار فيها. قلت: يحتمل أن يشتعل بغير نار، ويحتمل أن يكون بنار لا ضرر فيها ولا إحراق ولا دخان، وقيل: تفوح بغير إشعال، ويشابه ذلك ما رواه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا: أن الرجل في الجنة ليشتهي الطير فيخر بين يديه مشويا. فإن قلت: أي: حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تنسخ؟ وأي حاجة لهم إلى

154
البخور وريحهم أطيب من المسك؟ قلت: نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم جوع أو ظمأ، أو عري أو نتن، وإنما هي لذات مترادفة ونعم متوالية، والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في دار الدنيا. وقال النووي: مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة، ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له. قوله: (ورشحهم المسك) أي: عرقهم كالمسك في طيب الرائحة. قوله: (زوجتان)، أي: من نساء الدنيا، ويؤيد هذا ما رواه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة: وأن له من الحور العين ثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا، وقال الطيبي: الظاهر أن التثنية يعني في قوله: زوجتان، للتكرير لا للتحديد كقوله تعالى: * (فأرجع البصر كرتين) * (الملك:). لأنه قد جاء أن للواحد من أهل الجنة العدد الكثير من الحور العين. قلت: فيه نظر لا يخفى، وقيل: يجوز أن يكون يراد به نحو: لبيك وسعديك، فإن المراد تلبية بعد تلبية، وليس المراد نفس التثنية، أو يكون باعتبار الصنفين نحو: زوجه طويلة والأخرى قصيرة، أو إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، قيل: استدل أبو هريرة بهذا الإسناد على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال. فإن قلت: يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف: (رأيتكن أكثر أهل النار) قلت: أجيب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار ففي أكثريتهن في الجنة. فإن قلت: يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنيها النساء؟ قلت: قد ذكرنا فيما مضى عن قريب أن هذا كان قبل الشفاعة، ثم قوله: زوجتان، بالتاء وهي لغة كثرت في الحديث، والأشهر خلافها، وبه جاء القرآن وهو الأفصح، مع أن الأصمعي كان ينكر التاء، ولكن رد عليه أبو حاتم السجستاني بشواهد ذكرها. قوله: (يرى مخ سوقهما من وراء اللحم)، المخ، بضم الميم وتشديد الخاء المعجمة: ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد، وفي رواية الترمذي: ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة، حتى يرى مخها. وفي رواية أحمد من رواية أبي سعيد: ينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة، وسوق، بضم السين جمع: ساق. وكلمة: من، في: من الحسن، يجوز أن تكون للتعليل و: أن، تكون بيانية. قوله: (لا اختلاف بينهم)، أي: بين أهل الجنة (ولا تباغض) لصفاء قلوبهم ونظافتها من الكدورات. قوله: (قلوبهم)، مرفوع على الابتداء وخبره: قلب واحد، بالإضافة في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي: واحد، مرفوع على أنه صفة لقلب، وأصله على التشبيه حذفت أداته أي: كقلب رجل واحد. قوله: * (يسبحون الله بكرة وعشيا) * (الملك: 4). هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام، وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه، ولا بد له منه، فجعل تنفسهم تسبيحا وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وتعالى، وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره. فإن قلت: لا بكرة ولا عشية، إذ لا طلوع ولا غروب. قلت: المراد منه مقدارهما أو دائما يتلذذون به، قاله الكرماني. قلت: إذا تلذذوا به دائما يبقى. قوله: (بكرة وعشيا) بلا فائدة، والظاهر أن تسبيحهم يكون في هذين الوقتين. فإن قلت: كيف يعرفون هذين الوقتين بلا ليل ولا نهار؟ قلت: قد قيل: إن تحت العرش ستارة معلقة تطوى وتنشر على يد ملك، فإذا طواها يعلمون أنهم لو كانوا في الدنيا، كان هذا نهارا، وإذا أسبلها يعلمون أنهم لو كانوا في الدنيا كان ليلا، وانتصاب: (بكرة وعشيا) على الظرفية.
6423 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض لكل امرىء منهم زوجتان كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن يسبحون الله بكرة وعشيا لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون آنيتهم الذهب والفضة وأمشاطهم الذهب وقود مجامرهم الألوة. قال أبو اليمان يعني العود ورشحهم المسك.

155
هذا طريق آخر لحديث أبي هريرة ورواته على هذا النسق قد مروا غير مرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
قوله: (على إثرهم) بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة وبفتحها أيضا، أي: الذين يدخلون الجنة عقيب الأولين، والذين يدخلون بعدهم كأشد كوكب إضاءة، وإنما أفرد المضاف إليه ليفيد الاستغراق في هذا النوع من الكوكب، يعني: إذا انقضت كوكبا كوكبا رأيتهم كأشد إضاءة. فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين التركيب السابق؟ قلت: كلاهما مشبهان إلا أن الوجه في الثاني هو الإضاءة فقط، وفي الأول الهيئة والحسن والضوء، كما إذا قلت: إن زيدا ليس بإنسان بل هو في صورة الأسد وشجاعته وجراءته. وهذا التشبيه قريب من الاستعارة المكنية. قوله: (آنيتهم الذهب والفضة)، وفي الحديث السابق قال: آنيتهم الذهب، وهنا زاد: الفضة، وفي الأمشاط ذكر بعكس ذلك فكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما كما ذكرنا هناك، كما في قوله: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) * (التوبة: 43). وخصص الذهب لأنه لعله أكثر من الفضة كنزا، أو لأن الذهب أشرف، أو أن حال الزمرة الأولى خاصة، فآنيتهم كلها من الذهب لشرفهم وهذا أعم منهم، فتفاوت الأواني بحسب تفاوت أصحابها، وأما الأمشاط فلا تفاوت بينهم فيها، فلم يذكر الفضة هنا، ولما علم ثمة أن في آنية الزمرة الأولى قد تكون الفضة فغيرهم بالطريق الأولى، وحقيقة هذه الأحوال لا يعلمها إلا الله تعالى.
وقال مجاهد الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشمس إلى أن أراه تغرب
قوله: (أراه) أي: أظنه، وهي جملة معترضة بين قوله: (إلى أن) وقوله: (تغرب) وكان البخاري ظن في آخر العشي يعني مبدأ العشي معلوم وآخره مظنون، و: تغرب، منصوب بأن، وتعليق مجاهد وصله عبد بن حميد والطبري وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: إلى أن تغيب، وقال: الإبكار، مصدر تقول: أبكر فلان في حاجته يبكر إبكارا إذا خرج من بين طلوع الفجر إلى وقت الفجر، وأما العشي فمن بعد الزوال، قال الشاعر:
* فلا الظل من برد الضحى يستطيعه
* ولا الفيء من برد العشي يذوق
*
قال، والفيء يكون عند زوال الشمس. ويتناهى بمغيبها.
57 - (حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال حدثنا فضيل بن سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي
قال ليدخلن من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة البدر)
أبو حازم بالحاء المهملة والزاي اسمه سلمة قوله ' ليدخلن ' اللام فيه مفتوحة للتأكيد وهو أيضا مؤكد بالنون الثقيلة وسبعون ألفا فاعله قوله ' أو سبعمائة ألف ' شك من الراوي كذا قاله ابن التين وفي حديث مسلم عن عمران بن حصين مرفوعا ' يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ' وفي حديث الترمذي عن أبي أمامة مرفوعا وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل وقال غريب وفي حديث البزار من حديث أنس بلفظ ' مع كل واحد من السبعين ألفا سبعون ألفا ' وفي كتاب الشفاعة للقاضي إسماعيل من حديث أنس مرفوعا ' أن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف ' فقال أبو بكر زدنا فقال وهكذا فقال عمر رضي الله تعالى عنه حسبك يا أبا بكر فقال دعني يا عمر وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا قال عمر إن شاء الله أدخل خلقه الجنة بحثية واحدة فقال
صدق عمر وروى الكلاباذي من حديث عبد العزيز اليماني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فقدت رسول الله
ذات يوم فاتبعته فإذا هو في مشربة يصلي فرأيت على رأسه ثلاثة أنوار فلما قضى صلاته قال من هذه قلت عائشة فقال هل رأيت الأنوار قلت نعم قال ' إن آت أتاني من ربي عز وجل فبشرني أن الله تعالى يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب ثم أتاني في اليوم الثاني آت من ربي فبشرني أن الله تعالى يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب ثم أتاني في اليوم الثالث

156
آت من ربي فبشرني أن الله تعالى يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفا المضاعفة سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب فقلت يا ربي لا تبلغ هذا أمتي قال يكملون من الأعراب ممن لا يصوم ولا يصلي. ثم قال الكلاباذي اختلف الناس في الأمة من هم فقال قوم أهل الملة وقال آخرون كل مبعوث إليه ولزمته الحجة بالدعوة وهؤلاء يختلف أحوالهم فمنهم من بعث إليه ودعي فلم يجب كأهل الأديان من أهل الكتاب وسائر المشركين فهؤلاء لا يدخلون الجنة أبدا ومنهم من دعي فأجاب ولم يتبع من جهة استعمال ما لزمه بالإجابة فهو مؤمن بالإجابة إلى ما دعي إليه من التوحيد والرسالة وإن لم يستعمل ما أمر به تشاغلا عنه وخلاعة وتجوزا فهؤلاء من أمة الدعوة والإجابة وليسوا من أمة الاتباع ومنهم من أجاب إلى ما دعي واستعمل ما أمر به فهؤلاء من أمة الدعوة والإجابة والاتباع وهؤلاء الأعراب يجوز أن يكونوا من أمة محمد
من طريق الإجابة إيمانا بالله وبرسوله ولم يستعملوا ما لزمهم بالإجابة فهؤلاء ليسوا من أمته على معنى الاتباع ومعنى يكملون من الأعراب يعني من هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله ولم يستعملوا ما لزمهم بالإجابة قوله ' لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم ' معناه لا يدخل آخرهم حتى يدخل أولهم وإلا لم يدخل الآخر آخرا فيلزم الدور وهذا الدور غير ممنوع لأنه دور معية والممنوع دور التقدم والغرض منه أنهم يدخلون كلهم معا صفا واحدا قوله ' وجوههم كالقمر ليلة البدر ' جملة حالية وقعت بلا واو * -
8423 حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا شيبان عن قتادة قال حدثنا أنس رضي الله تعالى عنه قال أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا. (انظر الحديث 5162 وطرفه).
عبد الله بن محمد الجعفي هو المعروف بالمسندي، وهو من أفراده، ويونس بن محمد أبو محمد المؤدب البغدادي مات في سنة ثمان ومائتين، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي، وكان مؤدبا لبني داود بن علي أصله بصري وسكن الكوفة. والحديث مضى في كتاب الهبة في: باب قبول الهدية من المشركين، ومر الكلام فيه هناك.
0523 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها.
علي بن عبد الله هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو حازم سلمة بن دينار. قوله: (خير من الدنيا وما فيها)، قال الداودي: يعني في الحسن والبهجة، وقال غيره: يعني أنه دائم لا يفنى، فكان أفضل مما يفنى. فإن قلت: لم خص السوط بالذكر؟ قلت: لأن من شأن الراكب إذا أراد النزول في منزل أن يلقي سوطه قبل أن ينزل معلما بذلك المكان الذي يريده لئلا يسبقه إليه أحد.
1523 حدثنا روح بن عبد المؤمن قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.
روح، بفتح الراء: ابن عبد المؤمن أبو الحسن البصري المقري. وهو من أفراده وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، ويزيد من الزيادة، وسعيد هو ابن أبي عروبة.
والحديث من أفراده وأخرجه الترمذي من طريق معمر عن قتادة، وزاد في آخره: وإن شئتم فاقرأوا: * (وظل ممدود) * (الواقعة: 03).

157
2523 حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا فليح بن سليمان قال حدثنا هلال بن علي عن عبد الرحمان بن أبي عمرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة واقرؤوا إن شئتم * (وظل ممدود) * ولقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب. (انظر الحديث 3972).
صدر هذا الحديث مثل حديث أنس المذكور قبله، وفيه الزيادة، وهي قوله: واقرأوا... إلى آخره، وقال الخطابي: الشجرة المذكورة يقال: إنها طوبى، وروى ابن عبد البر من حديث عتبة بن عبد السلمي مرفوعا: (شجرة طوبى تشبه الجوزة)، قال رجل: يا رسول الله! ما عظم أصلها؟ قال: (لو رحلت جذعة ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما)، وروى ابن وهب من حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة، قال: (شجرة طوبى في الجنة ليس فيها دار إلا وفيها غصن منها، لا طير حسن ولا ثمرة، إلا وهي فيها). قوله: (في ظلها) أي: راحتها ونعيمها من قولهم عن ظليل، وقيل: معناه دارها وناحيتها، كما يقال: أنا في ظلك، أي: في كنفك، وإنما احتيج إلى هذا التأويل لأن الظل المتعارف إنما هو وقاية حر الشمس وأذاها، وليس في الجنة شمس وإنما هي أنوار متوالية لا حر فيها ولا قر، بل لذات متوالية ونعم متتابعة. قوله: (لقاب قوس) اللام فيه مفتوحة للتأكيد، ألقاب والقيب كالقاد والقيد بمعنى القدر، وعينه: واو.
4523 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح قال حدثنا أبي عن هلال عن عبد الرحمان بن أبي عمرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد لا تباغض بينهم ولا تحاسد لكل امرىء زوجتان من الحور العين يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم.
هذا أحد الطرق الثلاثة في حديث أبي هريرة المذكورة في هذا الباب. الأول: رواه عن محمد بن مقاتل. والثاني: رواه عن أبي اليمان، وهذا هو الثالث: رواه عن إبراهيم بن المنذر أبي إسحاق الحزامي عن محمد بن فليح عن أبيه فليح بن سليمان ابن أبي المغيرة عن هلال بن علي. قوله: (درى)، فيه لغات: ضم الدال وتشديد الراء وبالياء آخر الحروف بلا همز، والثانية بالهمز، والثالثة بكسر الدال مهموزا أيضا. وهو: الكوكب العظيم البراق، وسمي به لبياضه كالدر، وقيل: لضوئه، وقيل: لشبهه بالدر في كونه أرفع النجوم كما أن الدر أرفع الجواهر.
5523 حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا شعبة قال عدي بن ثابت أخبرني قال سمعت البراء رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما مات إبراهيم قال إن له مرضعا في الجنة. (انظر الحديث 2831 وطرفه).
هذا الحديث قد مر في كتاب الجنائز في: باب ما قيل في أولاد المسلمين. قوله: (مرضعا) إنما قال مرضعا ولم يقل: مرضعة، لأن المراد التي من شأنها الإرضاع أعم من أن يكون في حالة الإرضاع.
6523 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني مالك بن أنس عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الجنة يتراءيون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءيون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك
منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم

158
قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين. ا (لحديث 6523 طرفه في: 6556).
عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المديني، وصفوان بن سليم، بضم السين وفتح اللام: المدني، وعطاء بن يسار ضد اليمين.
والحديث أخرجه مسلم في صفة الجنة أيضا عن عبد الله بن جعفر وعن هارون بن سعيد كلاهما عن مالك.
قوله: (عن صفوان)، وفي رواية مسلم: (أخبرني صفوان)، ووهم أيوب بن سويد فرواه: عن مالك عن زيد ابن أسلم بدل صفوان، ذكره الدارقطني في (الغرائب). قوله: (عن أبي سعيد)، وفي رواية فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة، ونقل الدارقطني في (الغرائب) عن الذهلي أنه قال: لست أرفع حديث فليح، يجوز أن يكون عطاء بن يسار حدث به عن أبي سعيد وعن أبي هريرة. قوله: (يتراءيون) على وزن: يتفاعلون، من باب التفاعل أي: يرون وينظرون، وفيه معنى التكلف كما في قول أبي البختري: تراءينا الهلال أي: تكلفنا النظر إليه هل نراه أم لا، وفي رواية مسلم: يرون، وهذا يدل على أن باب التفاعل هنا ليس على بابه. قوله: (الغرف)، بضم الغين وفتح الراء جمع: غرفة، وهي العلية، قوله: (الغابر)، بالغين المعجمة والباء الموحدة، كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية (الموطأ) الغاير بالياء آخر الحروف، ومعناه الداخل في الغروب، ومعنى الغابر بالباء الموحدة الذاهب، وهو من الأضداد، يقال: غبر بمعنى: ذهب، وبمعنى: بقي وفي رواية الأصيلي: العازب بالعين المهملة والزاي، ومعناه البعيد، وفي رواية الترمذي: العارب بالعين المهملة والراء. قوله: (في الأفق)، قال بعضهم: المراد من الأفق السماء. قلت: الأفق أطراف السماء. وقال الطيبي: فإن قلت: ما فائدة تقييد الكواكب بالدري، ثم بالغابر في الأفق؟ قلت: للإيذان بأنه من باب التمثيل الذي وجهه منتزع من عدة أمور متوهمة في المشبه شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المستضيء الباقي في جانب الشرق أو الغرب في الاستضاءة مع البعد، فلو قيل: الغابر، لم يصح لأن الإشراق يفوت عند الغروب اللهم إلا أن يقدر المستشرف على الغروب كقوله تعالى: * (فإذا بلغن أجلهن) * (البقرة: 432، الطلاق: 2). لكن لا يصح هذا المعنى في الجانب الشرقي، نعم على هذا التقدير كقوله:
* متقلدا سيفا ورمحا
* وعلفته تبنا وماء باردا
*
أي: طالعا في الأفق من المشرق وغابرا في المغرب، فإن قلت: ما فائدة ذكر الشرق والغرب، وهلا قيل: في السماء أي في كبدها؟ قلت: لو قيل: في السماء، لكان القصد الأول بيان الرفعة، ويلزم منه البعد، وفي ذكر المشرق أو المغرب القصد الأول البعد، ويلزم منه الرفعة. قوله: (قال بلى)، وفي رواية أبي ذر: بل، التي للإضراب. وقال القرطبي: هكذا وقع هذا الحرف: بلى، التي أصلها حرف جواب وتصديق، وليس هذا موضعها، لأنهم لم يستفهموا وإنما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء، عليهم السلام، لا لغيرهم، فجواب هذا يقتضي أن تكون: بل، التي للإضراب عن الأول وإيجاب المعنى للثاني، فكأنه تسومح فيها، فوضعت: بلى، موضع: بل. قوله: (رجال)، مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هم رجال آمنوا بالله، أي: حق إيمانه، وصدقوا المرسلين أي: حق تصديقهم، وإلا فكل من يدخل الجنة آمن بالله وصدق رسله.
9
((باب صفة أبواب الجنة))
أي: هذا باب في بيان صفة أبواب الجنة. قال بعضهم: هكذا ترجم بالصفة ولعله أراد بالصفة العدد أو التسمية. قلت: هذا تخمين، لأنه لا وجه لما ذكره، أما ذكر الصفة وإرادة العدد ففيه ما فيه، لأن العدد اسم. قال الجوهري: عددت الشيء عدا أحصيته، والاسم العدد والعديد، والصفة خارجة عن ذات الشيء، وأما ذكر الصفة وإرادة التسمية فتعسف جدا لأنه لا نكتة فيه حتى يعدل عن التسمية إلى ذكر الصفة، والذي يظهر أن ذكره أبواب الجنة واقع في محله، لأن في الباب ذكر ثمانية أبواب فيطابق الترجمة، وذكر الصفة إشارة إلى قوله: الريان، لأنه صفة للباب الذي يدخل منه الصائمون. فإن قلت: المذكور في الحديث يسمى الريان. قلت: في الحقيقة صفة لذلك الباب، لأن الصائمين الذين كابدوا العطش في الدنيا إذا دخلوا من هذا الباب إلى الجنة يشربون من النهر الذي فيه فيروون، فلا يحصل لهم الظمأ بعد ذلك أبدا، فغلبت الإسمية على الصفة، كما في العباس والحارث ونحوهما.

159
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين دعي من باب الجنة
روى هذا التعليق مسندا موصولا في كتاب الصيام في: باب الريان للصائمين، فإنه أخرجه هناك: عن إبراهيم بن المنذر عن معن عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة... الحديث، ومضى الكلام فيه هناك، وفي الجهاد أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه: فمن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد... الحديث.
فيه عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: في هذا الباب روى عن عبادة بن الصامت، رضي الله تعالى عنه، وأشار به إلى ما رواه في ذكر عيسى من الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شهد أن لا إلاه إلا الله... الحديث، وفيه: أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء، وروى
الطبراني في (معجمه) من حديث ابن سلام: عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت ولفظه: عليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة، يذهب الله به الهم والغم.
7523 حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا محمد بن مطرف قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون. (انظر الحديث 6981).
مطابقته للترجمة في قوله: ثمانية أبواب، ومحمد بن مطرف، بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة، وأبو حازم سلمة بن دينار، والحديث من أفراده، قال الداودي: هذا الحديث يبين قوله تعالى: * (وفتحت أبوابها) * (الزمر: 37). لأن الواو إنما تأتي بعد سبعة. وقال الكوفيون: الواو زائدة، وهو خطأ عند البصريين، لأن الواو تفيد معنى العطف. فلا يجوز أن تزاد. قوله: (الريان)، أصله: الرويان، اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء ثم أدغمت الياء في الياء، والريان ضد العطشان، من: رويت من الماء بالكسر أروى ريا وريا، وروي أيضا مثل: رضي، ورويت الحديث، بالفتح رواية. قوله: (لا يدخله إلا الصائمون) مجازاة لهم لما كان يصيبهم من العطش من صيامهم، والله أعلم.
01
((باب صفة النار وأنها مخلوقة))
أي: هذا باب في بيان صفة النار، يعني: نار جهنم، وفي بيان أنها مخلوقة موجودة، وفيه رد على المعتزلة، وقد ذكرناه في: باب صفة الجنة، وقال الكرماني ما ملخصه: إن النسفي لم يرو من أول الباب إلى أول حديث الباب اللغات المذكورة، ولم يوجد في نسخته شيء من ذلك، وأمثال هذه مما سمعه الفربري عن البخاري عند سماع الكتاب، فألحقها هو به، والأولى بوضع هذا الجامع فقدانها لا وجدانها، إذ موضوعه رسول الله، صلى الله عليه وسلم من جهة أقواله وأفعاله وأحواله، فينبغي أن لا يتجاوز البحث عن ذلك.
غساقا يقال غسقت عينه ويغسق الجرح وكأن الغساق والغسق واحد
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إلا حميما وغساقا) * (النبأ: 52). قوله: (يقال: غسقت عينه) إذا سال منها الماء البارد، وقال الجوهري: غسقت عينه إذا أظلمت، وغسق الجرح إذا سال منه ماء أصفر، ويقال: الغساق الماء البارد المنتن يخفف ويشدد، وقرأ أبو عمرو بالتشديد، والكسائي بالتخفيف، وقيل: الغساق قيح غليظ، قاله عبد الله بن عمرو، وقال ابن دريد: هو صديدهم تصهرهم النار فيجتمع صديدهم في حياض فيسقونه، وقال ابن فارس: الغساق ما يقطر من جلود أهل النار، وقيل: بارد يحرق كما تحرق النار، وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: * (إلا حميما وغساقا) * (النبأ: 52). الحميم: الماء الحار، والغساق ما همي وسال. وفي حديث الترمذي والحاكم عن أبي سعيد مرفوعا: (لو أن دلوا من غساق يهراق إلى الدنيا لأنتن أهل الدنيا). قوله: (كأن الغساق والغسق واحد)، هكذا

160
في رواية الأكثرين: الغسق، بفتحتين وفي رواية أبي ذر: الغسيق على وزن: فعيل، وقد تردد البخاري في كون الغساق والغسق واحدا، وليس بواحد. فإن الغساق ما ذكرناه من المعاني، والغسق: الظلمة، يقال: غسق يغسق غسوقا فهو غاسق: إذا أظلم، وأغسق مثله.
غسلين كل شيء غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين فعلين من الغسل من الجرح والدبر
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولا طعام إلا من غسلين) * (الحاقة: 63). وقد فسره بقوله: كل شيء... إلى آخره، وهكذا قال أبو عبيدة، وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: الغسلين صديد أهل النار. قوله: (فعلين)، أي: وزن غسلين فعلين، والنون والياء فيه زائدتان. قوله: (والدبر)، بفتح الباء الموحدة، وهو ما يصيب الإبل من الجراحات. فإن قلت: بين هذه الآية، وبين قوله تعالى: * (ليس لهم طعام إلا من ضريع) * (الغاشية: 6). معارضة ظاهرا. قلت: جمع بينهما بأن الضريع من الغسلين، أو هم طائفتان: فطائفة يجازون بالطعام من غسلين بحسب استحقاقهم لذلك، وطائفة يجازون بالطعام من ضريع، كذلك، والله أعلم.
وقال عكرمة حصب جهنم حطب بالحبشية: وقال غيره حاصبا الريح العاصف والحاصب ما ترمي به الريح ومنه حصب جهنم يرمى به في جهنم هم حصبها ويقال حصب في الأرض ذهب والحصب مشتق من حصباء الحجارة
تعليق عكرمة وصله ابن أبي حاتم من طريق عبد الملك بن أبجر: سمعت عكرمة بهذا... وأخرجه ابن أبي عاصم عن ابني سعيد الأشج: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الملك بن أبجر سمعت عكرمة، وقال ابن عرفة: إن كان أراد بها حبشية الأصل سمعتها العرب فتكلمت بها فصارت حينئذ عربية، وإلا فليس في القرآن غير العربية، وقال الخليل: حصب ما هيء للوقود من الحطب، فإن لم يهيأ لذلك فليس بحصب، وروى الفراء عن علي وعائشة، رضي الله تعالى عنهما، أنهما قرآها: (حطب)، بالطاء وروى الطبري عن ابن عباس أنه قرأها بالضاد المعجمة، قال: وكأنه أراد أنهم الذين تسجر بهم النار، لأن كل شيء هيجت به النار فهو حصب. قوله: (وقال غيره)، أي: غير عكرمة: حاصبا، أي: في قوله تعالى: * (أو يرسل عليكم حاصبا) * (الإسراء: 86). هو الريح العاصف الشديد، كذا فسره أبو عبيدة. قوله: (والحاصب) ما ترمى به الريح، لأن الحصب الرمي، ومنه: حصب جهنم يرمى به فيها، ويقال: الحاصب العذاب. قوله: (هم حصبها)، أي: أهل النار حصب جهنم، وهو مشتق من حصبهاء الحجارة، وهي الحصى. قال الجوهري: الحصباء الحصى وحصبت الرجل أحصبه بالكسر، أي: رميته بالحصباء.
صديد قيح ودم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ويسقى من ماء صديد) * (إبراهيم: 61). وفسره: بالقيح والدم، وكذا فسره أبو عبيدة.
خبت طفئت
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (كلما خبت) * (الإسراء: 79). وفسره بقوله: طفئت، بفتح الطاء وكسر الفاء، يقال: طفئت النار تطفأ طفأ، وهو من باب: علم يعلم من المهموز، وانطفأت، وأنا أطفأتها. وقال أبو عبيدة: يقولون للنار إذا سكن لهبها وعلا الجمر رماد: خبت، فإن طفىء معظم الجمر يقال: خمدت، وإن طفىء كله يقال: همدت.
تورون تستخرجون: أوريت أوقدت
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (أفرأيتم النار التي تورون) * (الواقعة: 17). وفسرها بقوله: تستخرجون، وأصله من: ورى الزند، بالفتح يري وريا: إذا خرجت ناره، وفيه لغة أخرى: وري الزند يري، بالكسر فيهما، وأوريته أنا، وكذلك: وريته تورية، وأصل

161
تورون: توريون، نقلت ضمة الياء إلى الراء وحذفت الياء لالتقاء الساكنين، فصار: تورون على وزن: تفعون.
للمقوين للمسافرين والقي القفر
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (تذكرة ومتاعا للمقوين) * (الواقع: 37). وفسر المقوين بقوله المسافرين، واشتقاقه من: أقوى الرجل إذا نزل المنزل القواء، وهو الموضع الذي لا أحد فيه. وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: للمقوين للمسافرين، ومن طريق الضحاك وقتادة مثله، ومن طريق مجاهد قال: للمقوين، أي: المستحقين، أي: المسافر والحاضر، ويقال: المقوين من لا زاد له، وقيل: المقوي الذي له مال، وقيل: المقوي الذي أصحابه وإبله أقوياء، وقيل: هو من معه دابة. قوله: (والقي)، بكسر القاف وتشديد الياء، وفسره بقوله: (القفر) بفتح القاف وسكون الفاء وفي آخره راء، وهو: مفازة لا نبات فيها ولا ماء، ويجمع على: قفار.
وقال ابن عباس: صراط الجحيم: سواء الجحيم ووسط الجحيم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) * (الصافات: 32). وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: * (فاطلع فرآه في سواء الجحيم) * (الصافات: 55). قال: في وسط الجحيم، ومن طريق قتادة والحسن مثله.
لشوبا من حميم يخلط طعامهم ويساط بالحميم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم) * (الصافات: 76). وفسره بقوله: يخلط... إلى آخره، والشوب الخلط. قال أبو عبيدة: تقول العرب: كل شيء خلطته بغيره فهو شوب. قوله: (يساط)، على صيغة المجهول أي: يخلط، ومنه: المسواط، وهو الخشبة التي يحرك بها ما فيه التخليط، وهو بالسين المهملة.
زفير وشهيق صوت شديد وصوت ضعيف
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ففي النار لهم فيها زفير وشهيق) * (هود: 601). وفسر الزفير بالصوف الشديد، والشهيق بالصوت الضعيف، وهكذا فسره ابن عباس، أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ومن طريق أبي العالية قال: الزفير في الحلق والشهيق في الصدر، ومن طريق قتادة: هو كصوت الحمار أو له زفير وآخره شهيق. وقال الداودي: الشهيق هو الذي يبقى بعد الصوت الشديد من الحمار.
وردا عطاشا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) * (مريم: 68). وفسر الورد بالعطاش، وكذا روي عن ابن عباس، وروي عن مجاهد: وردا منقطعة أعناقهم قال أهل اللغة: الورد مصدر: ورد، والتقدير عندهم، ذوي ورد، ويحكى أنه يقال للواردين الماء: ورد، ويقال: ورد، أي: وراد، كما يقال: قوم زور أي زوار. فإن قلت: الذي يرد الماء ينافي العطش. قلت: لا يلزم من الورود إلى الماء تناوله منه، وقد جاء في حديث الشفاعة أنهم يشكون العطش فترفع لهم جهنم سراب ماء، فيقال: ألا تردون؟ فيردونها فيتساقطون فيها.
غيا خسرانا
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (فسوق يلقون غيا) * (مريم: 95). وفسر الغي بالخسران، وعن ابن مسعود: الغي: واد في جهنم، والمعنى فسوق يلقون حر الغي، وعنه: واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم.
وقال مجاهد: يسجرون، توقد بهم النار
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (ثم في النار يسجرون) * (غافر: 27). وفسره بقوله: توقد بهم النار كأنهم يصيرون وقود النار، وفي رواية الأكثرين: توقد لهم، وفي رواية أبي ذر: بهم، بالباء.

162
ونحاس الصفر يصب على رؤوسهم
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس) * (الرحمن: 53). وفسر النحاس بالصفر يصب على رؤوس أهل النار من الكفار،
وأخرج عبد بن حميد من طريق منصور عن مجاهد في قوله تعالى: * (يرسل عليكما شواظ من نار) * (الرحمن: 53). قال: قطعة من نار حمراء، و: نحاس، قال: يذاب الصفر فيصب على رؤوسهم. قلت: الصفر بالضم النحاس الجيد الذي يعمل منه الآنية.
ذوقوا باشروا وجربوا وليس هاذا من ذوق الفم
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (وذوقوا عذاب الحريق) * (الأنفال: 52 والحج: 22). وفسره بقوله: باشروا... إلى آخره وغرضه أن الذوق هنا بمعنى المباشرة والتجربة لا بمعنى ذوق الفم، وهذا من المجاز أن يستعمل الذوق وهو مما يتعلق بالأجسام في المعاني كما في قوله تعالى أيضا: * (فذاقوا وبال أمرهم) * (الحشر: 51).
مارج خالص من النار مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو بعضهم على بعض مريج ملتبس مرج أمر الناس اختلط مرج البحرين مرجت دابتك تركتها
أشار بقوله: مارج، إلى ما في قوله تعالى: * (وخلق الجان من مارج من نار) * (الرحمان: 51). ثم فسره بقوله: خالص من النار، وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: * (وخلق الجان من مارج من نار) * (الرحمن: 51). ما من خالص النار، ومن طريق الضحاك عن ابن عباس، قال: خلقت الجن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهب. قوله: (مرج الأمير رعيته) يعني: تركهم حتى يظلم بعضهم بعضا. قوله: (مريج) أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (في أمر مريج) * (ق: 5). وفسره بقوله: ملتبس، ومنه قولهم: مرج أمر الناس، بكسر الراء، إذا اختلط، وأما مرج بالفتح فمعناه: ترك وخلي ومنه قوله تعالى: * (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) * (الرحمن: 91 02). أي: خلاهما لا يلتبس أحدهما بالآخر، وفي (تفسير النسفي): مرج البحرين، يعني: أرسل البحرين العذب والملح متجاورين يلتقيان لا فضل بين الماءين في مرأى العين، بينهما برزخ حاجز وحائل من قدرة الله تعالى، وحكمته لا يبغيان لا يتجاوان حديهما، ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة، ولا يختلطان ولا يتغيران. وقال قتادة: لا يطغيان على الناس بالغرق وقال الحسن مرج البحرين يعني بحر الروم وبحر الهند وقال قتادة بحر فارس والروم، بينهما برزخ: وهي الجزائر، وقال مجاهد والضحاك: يعني بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام. قوله: (مرجت دابتك) بفتح الراء معناه: تركتها. وفي (الصحاح): مرجت الدابة أمرجها بالضم مرجا: إذا أرسلتها ترعى.
8523 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن قال سمعت زيد بن وهب يقول سمعت أبا ذر رضي الله تعالى عنه يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال أبرد ثم قال أبرد حتى فاء الفيء يعني للتلول ثم قال أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم.
مطابقته للترجمة في قوله: (من فيح جهنم) وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، و: مهاجر، بلفظ اسم الفاعل من هاجر: أبو الحسن الصائغ يعد في الكوفيين، وزيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الكوفي، خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، وأبو ذر جندب بن جنادة، والحديث مضى في كتاب الصلاة في: باب الإبراد بالظهر في شدة الحر. قوله: (حتى فاء الفيء) يعني: حتى وقع الظل تحت التلول.
9523 حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن ذكوان عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم. (انظر الحديث 8354).

163
مطابقته للترجمة في قوله: (من فيح جهنم) وسفيان بن عيينة، والأعمش بن سليمان، والحديث مر في الصلاة في الباب الذي ذكرناه.
0623 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمان أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون في الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير. (انظر الحديث 735).
مطابقته للترجمة في قوله: النار، فإن المراد منه جهنم وليس المراد نفس النار، لأن جهنم فيها النار وفيها الزمهرير، وهو البرد الشديد، والضدان لا يجتمعان، ولفظ جهنم يشملهما، وعلى غير ذلك من أنواع العذاب أعاذنا الله من ذلك برحمته ورجاله على هذا النسق قد ذكروا غير مرة. والحديث قد مضى في الصلاة في الباب المذكور آنفا. وفيه: دلالة على أن الله تعالى يخلق فيها أدراكا، وقيل: إن الجنة والنار أسمع المخلوقات، وأن الجنة إذا سألها عبد أمنت على دعائه، والنار إذا استجار منها أحد أمنت على دعائه.
1623 حدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو عامر هو العقدي حدثنا همام عن أبي جمرة الضبعي قال كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال أبردها عنك بماء زمزم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم شك همام.
[/ نه
مطابقته للترجمة في قوله: (من فيح جهنم) وعبد الله بن محمد هو المسندي، وأبو عامر عبد الملك العقدي، بفتح العين المهملة والقاف، وهمام: بالتشديد: هو ابن يحيى البصري، وأبو جمرة، بالجيم والراء: نصر بن عمران الضبعي.
والحديث أخرجه النسائي في الطب عن الحسن بن إسحاق. (وفيح جهنم) سطوع حرها، قاله الليث، ويقال: فاحت القدر إذا غلت، وأصله واوي، وهذا من الطب النبوي الذي لا يشك في حصول الشفاء به، وكلام الحكيم الذي يخالف هذا وأمثاله لغو فلا يلتفت إليه.
2623 حدثني عمرو بن عباس قال حدثنا عبد الرحمان قال حدثنا سفيان عن أبيه عن عبابة بن رفاعة قال أخبرني رافع بن خديج قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
الحمى من فور جهنم فأبردوها عنكم بالماء. (الحديث 2623 طرفه في: 6275).
مطابقته للترجمة في قوله: (من فور جهنم) وعمرو بن عباس، بالباء الموحدة المشددة: أبو عثمان البصري، و عبد الرحمن بن مهدي و سفيان هو الثوري يروي عن أبيه سعيد بن مسروق، وعباية: بفتح العين المهملة وبالباء الموحدة المخففة وبعد الألف ياء آخر الحروف: ابن رفاعة، بكسر الراء وتخفيف الفاء وبالعين المهملة، ورافع بالفاء ابن خديج، بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة: الأوسي الأنصاري الحارثي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن مسدد. وأخرجه مسلم في الطب عن هناد وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي بكر بن نافع ومحمد بن المثنى ومحمد بن حاتم، وأخرجه الترمذي والنسائي فيه عن هناد به، وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن عبيد الله.
قوله: (من فور جهنم) أي: من شدة حرها، و: فار، أي: جاش
4623 حدثنا مسدد عن يحيى عن عبيد الله قال حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء. (الحديث 4623 طرفه في: 3275).
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى هو ابن سعيد القطان، وعبيد الله بن عمر.
والحديث أخرجه مسلم في الطب عن زهير بن حرب ومحمد بن المثنى، وفي هذا الباب روى أبو نعيم من حديث أبي عبيدة بن حذيفة عن عمته فاطمة، قالت: عدت

164
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد حم، فأمر بسقاء يعلق على شجرة ثم اضطجع بجنبه، فجعل يقطر الماء على فؤاده، فقلت: ادع الله أن يكشف عنك. فقال: (إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم). وعن طارق بن شهاب: سمعت أسامة يقول: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ائتني في وجه الصبح بماء أصبه علي لعلي أجد خفافا فأخرج إلى الصلاة، وروى الأنصاري من حديث إسماعيل بن الحسن المكي عن الحسن عن سمرة مرفوعا: (الحمى قطعة من النار)، إذا حم دعا بغرفة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل، وصححه الحاكم، وروى ابن ماجة من حديث الحسن عن أبي هريرة مرفوعا: الحمى كير من كير جهنم فنحوها عنكم بالماء البارد، وروى الطحاوي من حديث أنس مرفوعا: (إذا حم أحدكم فليستق عليه الماء البارد من السحر ثلاثا)، وصححه الحاكم.
5623 حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم قيل يا رسول الله إن كانت لكافية قال فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان. والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
قوله: (ناركم) مبتدأ. وقوله: (جزء من سبعين جزءا) خبره، وكلمة: من، في (من نار جهنم) للتبيين، وفي معنى التبعيض أيضا، وفي رواية مسلم: (ناركم جزء واحد من سبعين جزءا)، وفي رواية أحمد: من مائة جزء والجمع بينهما أن الحكم للزائد وروى ابن ماجة من حديث أنس مرفوعا (ناركم هذه جزء من سبعين جزءا (من نار جهنم، ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها، وأنها لتدعو الله عز وجل، أن لا يعيدها فيها). وذكر ابن عيينة في (جامعه) من حديث ابن عباس: (هذه النار قد ضرب بها البحر سبع مرات، ولولا ذلك ما انتفع بها أحد)، وعن ابن مسعود: (ضرب بها البحر عشر مرات)، وسئل ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أيضا عن نار الدنيا: مم خلقت؟ قال: من نار جهنم، غير أنها طفئت بالماء سبعين مرة، ولولا ذلك ما قربت لأنها من نار جهنم، ومعنى قوله: جزء من سبعين جزءا، أنه لو جمع كل ما في الوجود من النار التي يوقدها الآدميون لكانت جزءا من أجزاء نار جهنم المذكورة، بيانه: لو جمع حطب الدنيا وأوقد كله حتى صارت نارا لكان الجزء الواحد من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءا أشد منه. قوله: (إن كانت لكافية)، كلمة: إن، هذه مخففة من الثقيلة عند البصريين، وهذه اللام هي المفرقة بين إن، النافية، وأن، المخففة من الثقيلة، والمعنى: إن نار الدنيا كانت كافية لتعذيب الجهنميين، وهي عند الكوفيين بمعنى: ما، واللام بمعنى: الا، تقديره عندهم: ما كانت إلا كافية. قوله: (قال)، أي: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في جوابهم بأن نار جهنم (فضلت عليها) أي: على نار الدنيا، ويروى: عليهن، كما فضلت عليها في المقدار والعدد بتسعة وستين جزءا فضلت عليها في الحر بتسعة وستين جزءا. وقال الطيبي: فإن قلت: كيف طابق لفظ: فضلت وعليهن جوابا، وقد علم هذا التفضيل من كلامه السابق؟ قلت: معناه: المنع من الكفاية أي: لا بد من التفضيل ليتميز عذاب الله من عذاب الخلق، وروى ابن المبارك عن معمر عن محمد بن المنذر قال لما خلقت النار فزعت الملائكة وطارت أفئدتهم ولما خلق آدم عليه الصلاة والسلام سكن ذلك عنهم، وقال ميمون بن مهران: لما خلق الله جهنم أمرها فزفرت زفرة فلم يبق في السماوات السبع ملك إلا خر على وجهه، فقال لهم الرب: إرفعوا رؤوسكم، أما علمتم أني خلقتكم للطاعة وهذه خلقتها لأهل المعصية؟ قالوا: ربنا لا نأمنها حتى نرى أهلها، فذلك قوله تعالى: * (وهم من خشية ربهم مشفقون) * (المؤمنون: 75). وعن عبد الله بن عمر مرفوعا: (إن تحت البحر نارا)، قال عبد الله: البحر طبق جهنم، ذكره ابن عبد البر وضعفه، وفي (تفسير ابن النقيب) في قوله تعالى: * (يوم تبدل الأرض) * (إبراهيم: 84). تجعل الأرض جهنم، والسماوات الجنة.
6623 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن عمر و قال سمع عطاء يخبر عن صفوان بن يعلى عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر ونادو يامالك..

165
ذكره هذا هنا مع أنه ذكره في: باب ذكر الملائكة، لمطابقة قوله: يا مالك، للترجمة المذكورة، لأن المراد من: مالك، هو خازن جهنم، وهناك أخرجه: عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو إلى آخره، وقد ذكر هناك، وقال سفيان: وقال في قراء عبد الله: يا مال، بالترخيم، كما ذكرناه.
74 - (حدثنا علي قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال قيل لأسامة لو أتيت فلانا فكلمته قال إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم إني أكلمه في السر دون أن أفتح بابا لا أكون أول من فتحه ولا أقول لرجل أن كان علي أميرا إنه خير الناس بعد شيء سمعته من رسول الله
قالوا وما سمعته يقول قال سمعته يقول يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه)
مطابقته للترجمة من حديث أن فيه ذكر النار التي هي جهنم وعلي هو ابن عبد الله المعروف بابن المديني وسفيان هو ابن عيينة والأعمش هو سليمان وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وأسامة هو ابن زيد بن حارثة حب النبي
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن بشر بن خالد وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى بن يحيى وأبي بكر وابن نمير وإسحاق وأبي كريب خمستهم عن أبي معاوية وعن عثمان عن جرير
(ذكر معناه) قوله ' لو أتيت ' جواب لو محذوف أو هي للتمني فلا يحتاج إلى جواب قوله ' فلانا ' أراد به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قوله ' فكلمته ' أي فيما يقع من الفتنة بين الناس والسعي في إطفاء نائرتها قاله الكرماني وفي التوضيح أراد أن يكلمه في شأن أخيه لأمه الوليد بن عتبة لما شهد عليه بما شهد فقيل لأسامة ذلك لكونه كان من خواص عثمان قوله ' إنكم لترون أني لا أكلمه ' اي أنكم لتظنون أني لا أكلمه قوله ' إلا أسمعكم ' أي أني لا أكلمه إلا بحضوركم وأنتم تسمعون وأسمعكم بضم الهمزة من الإسماع ويروى إلا بسمعكم بصيغة المصدر قوله ' إني أكلمه سرا ' أي في السر دون أن أفتح باب من أبواب الفتن حاصله أكلمه طلبا للمصلحة لا تهييجا للفتنة لأن المهاجرة على الأمراء بالإنكار يكون فيه نوع القيام عليهم لأن فيه تشنيعا عليهم يؤدي إلى افتراق الكلمة وتشتيت الجماعة قوله ' لا أكون أول من فتحه ' أي أول من فتح باب من أبواب الفتنة قوله ' إن كان ' بفتح الهمزة أي لأن كان قوله ' فتندلق أقتابه ' أي تنصب أمعاؤه من جوفه وتخرج من دبره والاندلاق بالدال المهملة والقاف الخروج بالسرعة ومنه دلق السيف واندلق إذا خرج من غير سل والأقتاب جمع قتب بالكسر وهي الأمعاء والقتب مؤنثة وتصغيره قتيبة ومنه سمي الرجل قتيبة قوله ' أي فلان ' يعني يا فلان ما شأنك أي ما حالك التي أنت فيها قوله ' ألست ' الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله ' بالمعروف ' وهو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله عز وجل والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة أي أمر معروف بين الناس لا ينكرونه والمنكر ضد المعروف وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو منكر فيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم ووعظهم سرا وتبليغهم قول الناس فيهم ليكفوا عنه هذا كله إذا أمكن فإن لم يمكن الوعظ سرا فليجعله علانية لئلا يضيع الحق * لما روى طارق بن شهاب قال قال رسول الله
' أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ' وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد بإسناد حسن قال الطبري معناه إذا أمن على نفسه أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به روي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وهو مذهب أسامة * وقال آخرون الواجب على من رأى منكرا من ذي سلطان أن ينكره علانية كيف أمكنه روي ذلك عن عمر

166
وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما * وقال آخرون الواجب أن ينكر بقلبه وينبغي لمن أمر بمعروف أن يكون كامل الخير لا وصم فيه وقد قال شعيب عليه الصلاة والسلام وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إلا أنه يجب عند الجماعة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من لا يفعل ذينك * وقال جماعة من الناس يجب على متعاطي الكاس أن ينهى جماعة الجلاس * وفيه وصف جهنم بأمر عظيم روى مسلم عن ابن مسعود مرفوعا ' يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ' ولابن وهب عن زيد بن أسلم عن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعا ' فبينما هم يجرونها إذ شردت عليهم شردة فلوا أنهم أدركوها لأحرق من في الجمع '
(رواه غندر عن شعبة عن الأعمش)
أي روى الحديث المذكور غندر وهو محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان الأعمش وهذا التعليق وصله البخاري في كتاب الفتن * -
11
((باب صفة إبليس وجنوده))
أي: هذا باب في بيان صفة إبليس، وفي بيان جنوده. والكلام في صفته وحقيقة أمره على أنواع:
الأول في اسمه: هل هو مشتق أو لا؟ فقال جماعة: هو اسم أعجمي، ولهذا منع من الصرف للعلمية والعجمة، وقال ابن الأنباري: لو كان عربيا لصرف كإكليل، وقال الطبري: إنما لم يصرف وإن كان عربيا لقلة نظيره في كلام العرب، فشبهوه بالعجمي، وهذا فيه نظر، لأن كون قلة نظيره في كلام العرب ليس علة من العلل المانعة لاسم من الصرف، وقال قوم: هو اسم عربي مشتق من: أبلس، إذا يئس. وقال الجوهري: أبلس من رحمة الله إذا يئس، ومنه سمي إبليس، وكان اسمه: عزازيل، قيل: من ادعى أنه عربي فقد غلط ووجهه ما ذكرناه، ولكن روى الطبري عن ابن أبي الدنيا عن ابن عباس، قال: كان اسم إبليس حيث كان عند الملائكة عزازيل، ثم أبلس بعد، وهذا يؤيد قول من ادعى أنه عربي، وعن ابن عباس: أن اسمه الحارث. وأما كنيته، فقيل: كانت كنيته أبا مرة، وقيل: أبو العمر، وقيل: أبو كردوس.
النوع الثاني: في بيان أصل خلقه روى الطبري من حديث حجاج عن ابن جريج عن صالح مولى التؤمة وشريك عن ابن عباس قال: إن من الملائكة قبيلة من الجن، وكان إبليس منها، وعن ابن عباس: سمي قبيلة الجن لأنهم خزان الجنة، وعن ابن عباس، قال: إبليس حي من أحياء الملائكة، يقال لهم: الجن، خلقوا من نار
السموم، وخلقت الملائكة كلهم من النور غير هذا الحي. وعن الحسن البصري: إنه من الشياطين، ولم يكن من الملائكة قط، واحتج بقوله تعالى: * (إلا إبليس كان من الجن) * (الكهف: 05). وقال مقاتل: لا من الملائكة ولا من الجن، بل هو خلق منفردا من النار كما خلق آدم، عليه الصلاة والسلام، من الطين. وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجن الذين يعملون في الأرض الفساد، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء، ويقال: كان نوع من الجن سكان الأرض، وكان فيهم الملك والنبوة والدين والشريعة، فاستمروا على ذلك مدة، ثم طغوا وأفسدوا وجحدوا الربوبية وسفكوا الدماء، فأرسل الله إليهم جندا من السماء فقاتلوا معهم قتالا شديدا فطردهم إلى جزائر البحر، وأسروا منهم خلقا كثيرا، وكان فيمن أسر: عزازيل، وهو إذ ذاك صبي، ونشأ مع الملائكة وتكلم بكلامهم وتعلم من علمهم، وأخذ يسوسهم وطالت أيامه حتى صار رئيسا فيهم حتى أراد الله تعالى خلق آدم، واتفق له ما اتفق. وروى عكرمة عن ابن عباس، أنه قال: إبليس أصل الجان والشياطين، وهو أبو الكل، وروى مجاهد عنه أنه قال: الجان أبو الجن كلهم، كما أن آدم أبو البشر.
النوع الثالث: في حده وصفته: أما حده: فما ذكره الماوردي في (تفسيره) هو شخص روحاني خلق من نار السموم، وهو أبو الشياطين، وقد ركبت فيهم الشهوات، مشتق من الإبلاس وهو اليأس من الخير. وأما صفته: فما قاله الطبري: كان الله قد حسن خلقه وشرفه وكرمه وملكه على سماء الدنيا والأرض، وجعله مع ذلك من خزائن الجنة، فاستكبر على الله تعالى وادعى الربوبية، ودعا من كان تحت يده إلى طاعته وعبادته، فمسخه الله شيطانا رجيما، وشوه خلقه وسلبه ما كان خوله، ولعنه

167
وطرده عن سماواته في العاجل، ثم جعل مسكنه ومسكن شيعته وأتباعه في الآخرة نار جهنم. انتهى. وكان يقال له: طاوس الملائكة لحسنه، ثم مسخه الله تعالى. وقال عبد الملك بن أحمد بإسناده عن ابن عباس، قال: كان إبليس يأتي يحيى بن زكريا، عليهما الصلاة والسلام، طمعا أن يفتنه، وعرف ذلك يحيى منه، وكان يأتيه في صور شتى، فقال له: أحب أن تأتيني في صورتك التي أنت عليها، فأتاه فيها فإذا هو مشوه الخلق كريه المنظر، جسده جسد خنزير ووجهه وجه قرد وعيناه مشقوقتان طولا وأسنانه كلها عظم واحد وليس له لحية ويداه في منكبيه وله يدان آخران في جانبيه وأصابعه خلقة واحدة وعليه لباس المجوس واليهود والنصارى، وفي وسطه منطقة من جلود السباع، فيها كيزان معلقة وعليه جلاجل، وفي يده جرس عظيم وعلى رأسه بيضة من حديدة معوجة كالخطاف، فقال يحيى صلى الله عليه وسلم: ويحك ما الذي شوه خلقتك؟ فقال: كنت طاوس الملائكة فعصيت الله فمسخني في أخس صورة، وهي ما ترى. قال: فما هذه الكيزان؟ قال: شهوات بني آدم. قال: فما هذه الجرس؟ قال: صوت المعازف والنوح، قال: فما هذه الخطاطيف؟ قال: أخطف بها عقولهم. قال: فأين تسكن؟ قال: في صدورهم وأجري في عروقهم، قال: فما الذي يعصمهم منك؟ قال: بغض الدنيا وحب الآخرة.
النوع الرابع: في أولاده وجنوده. وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: بلغنا أن لإبليس أولادا كثيرين، واعتماده على خمسة منهم: شبر والأعور ومسوط وداسم وزلنبور، وقال مقاتل: لإبليس ألف ولد ينكح نفسه ويلد ويبيض كل يوم ما أراد، ومن أولاده: المذهب وخنزب وهفاف ومرة والولهان والمتقاضي، وجعل كل واحد منهم على أمر ذكرته في (تاريخي الكبير) ومن ذريته: الأقنص وهامة بن الأقنص ويلزون وهو الموكل بالأسواق وأمه طرطية، ويقال: بل هي حاضنتهم، ذكره النقاش، قالوا: باضت ثلاثين بيضة: عشرة بالشرق، وعشرة بالمغرب، وعشرة في وسط الأرض، وأنه خرج من كل بيض جنس من الشياطين كالعفاريت والغيلان والحيات، وأسماؤهم مختلفة كلهم عدو لبني آدم، أعاذنا الله من شرهم، وله جنود يرسلهم إلى إضلال بني آدم، وقد روى ابن حبان والحاكم والطبراني من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا، قال: إذا أصبح إبليس يبعث جنوده، فيقول: من أضل مسلما ألبسته التاج الحديث، وروى مسلم من حديث جابر: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة.
وقال مجاهد يقذفون يرمون: دحورا مطرودين
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب) * (الصافات: 8 9). وفسر يقذفون بقوله: يرمون، ودحورا بقوله: مطرودين، كأنه جعل المصدر بمعنى المفعول جمعا، وقد فسره عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كذلك.
واصب دائم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولهم عذاب واصب) * (الصافات: 9). وفسر الواصب بقوله: دائم، وقد ذكره البخاري وما بعده اتفاقا واستطرادا.
وقال ابن عباس مدحورا مطرودا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) * (الإسراء: 93). ووصل هذا التعليق الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه، والمدحور مفعول من الدحر، وهو الدفع والإبعار من قولك: دحرته أدحره دحرا ودحورا. وفي (تفسير عبد بن حميد): عن قتادة: دحورا: قذفا في النار.
يقال مريدا متمردا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) * (النساء: 711). وفسر مريدا بقوله: متمردا.

168
بتكه قطعه
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) * (النساء: 911). أي: ليقطعن، وفسر: بتكه، بمعنى: قطعه وقال قتادة: يعني البحيرة. وهي إذا نتجت خمسة أبطن، وكان آخرها ذكرا شقوا أذنها، ولم ينتفعوا بها، والتقدير: ولآمرنهم بتبتيك آذانهن، وليبتكنها.
واستفزز استخف بخيلك الفرسان والرجل الرجالة واحدها راجل مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (واستفزز من استطعت منهم بصوتك، واجلب عليهم بخيلك ورجلك) * (الإسراء: 46). وفسر قوله: استفزز، بقوله: استخف، ويريد بالصوت الغناء والمزامير، وفسر الخيل بالفرسان، وفسر الرجل بفتح الراء وسكون الجيم بالرجالة بفتح الراء وتشديد الجيم، ثم قال واحد الرجالة راجل، ومثله بقوله: صاحب وصحب، فإن الصحب جمع صاحب والتجر، بفتح التاء المثناة من فوق: جمع تاجر، وقال ابن عباس: كل خيل سارت في معصية، وكل رجل مشت فيها وكل ما أصيب من حرام فهو للشيطان، وقال غيره: مشاركته في الأموال البحيرة والسائبة، وفي الأولاد عند الغزو وعند الحروب.
لأحتنكن: لأستأصلن
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (لأحتنكن ذريته إلا قليلا) * (الإسراء: 26). وفسر: لأحتنكن، بقوله: لأستأصلن من الاستئصال.
قرين شيطان
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (فهو له قرين) * (الزخرف: 63). وفسر القرين بالشيطان، وفسره مجاهد كذلك.
8623 حدثنا إبراهيم بن موسى قال أخبرنا عيسى عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم وقال الليث كتب إلي هشام أنه سمعه ووعاه عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله حتى كان ذات يوم دعا ودعا ثم قال أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما للآخر ما وجع الرجل قال مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا قال في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان فخرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال لعائشة حين رجع نخلها كأنها رؤوس الشياطين فقلت استخرجته فقال لا أما أنا فقد شفاني الله وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرا ثم دفنت البئر..
وجه مطابقته للترجمة من حيث إن السحر إنما يتم باستعانة الشيطان على ذلك، وهي من جملة صفاته القبيحة. وإبراهيم ابن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي، يعرف بالصغير، وعيسى هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام، يروي عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن إبراهيم ابن موسى عن عيسى. وأخرجه النسائي في الطب عن إسحاق بن إبراهيم عن عيسى بن يونس نحوه.
ذكر معناه: قوله: (وقال الليث)، هو الليث بن سعد، رحمه الله، هذا التعليق وصله أبو بكر عبد الله بن داود عن عيسى ابن حماد النجيبي المصري عن الليث. قوله: (ووعاه)، أي: حفظه. قوله: (يخيل)، على صيغة المجهول من تخيل الشيء

169
كذا وليس كذلك، وأصله الظن. قوله: (ذات يوم) إنما لم يتصرف لأن إضافتها من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم، لأن معنى: كان ذات يوم قطعة من الزمان ذات يوم، أي: صاحبة هذا الاسم. قوله: (أشعرت) أي: أعلمت. قوله: (أفتاني)، ويروى: أنبأني، أي: أخبرني. قوله: (مطبوب)، أي: مسحور، والطب جاء بمعنى: السحر. قوله: (من طبه؟) أي: من سحره؟ قوله: (في مشط ومشاقة)، المشط فيه لغات: ضم الميم وإسكان الشين وضمها أيضا وكسر الميم بإسكان الشين، والمشاقة: بضم الميم وتخفيف الشين المعجمة والقاف، وقال الكرماني: ما يغزل من الكتان. قلت: المشاقة ما يخرج من الكتاب حين يمشق، والمشق: جذب الشيء ليمتد ويطول. قوله: (وجف طلعة ذكر)، الجف، بضم الجيم وتشديد الفاء: وهو وعاء طلع النخل، وهو الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والأنثى، ولهذا قيده بقوله: ذكر، وهو الذي يدعى بالكفري، وقال ابن فارس: جف الطلع، وعاؤها، يقال: إنه شيء ينثر من جذوع النخل، وقال الهروي: ويروى في مشط ومشاقة في جف طلعة، قال: المشاطة الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط، قال: وجف طلعة، أي: في جوفها. وقوله: (ذكر)، الذكر من النخل الذي يؤخذ طلعه فيجعل منه في طلع النخلة المثمرة فيصير بذلك تمرا، ولو لم يجعل فيه لكان شيصا لا نوى فيه، ولا يكاد يساغ. قوله: (في بئر ذروان)، بفتح الذال المعجمة وسكون الراء، ويروى: ذي أروان، وكلاهما صحيح مشهور، والأول أصح، وهي بئر بالمدينة في بستان بني زريق، بضم الزاي وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالقاف، من اليهود. قوله: (كأنها رؤوس الشياطين)، قال الخطابي: فيه قولان: أحدهما: أنها مستدقة كرؤوس الحيات، والحية يقال لها: الشيطان. والآخر: أنها وحشية المنظر سمجة الأشكال، وهو مثل في استقباح صورتها وهول منظرها كصورة الشياطين. قوله: (أن يثير ذلك على الناس شرا) يريد في إظهاره، وقيل: إنما امتنع عن تعيين الساحر لئلا تقوم أنفس المسلمين فيقع بينهم وبين قبيل الساحر فتنة. قوله: (ثم دفنت البئر)، على صيغة المجهول.
وفيه: أن آثار الفعل الحرام يجب إزالتها، وقد مر البحث في هذا مستوفى في: باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر؟ في أواخر الجهاد.
9623 حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن يحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان. (انظر الحديث 411).
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن عقد الشيطان على قافية رأس أحد من أفعال الشيطان وصفاته القبيحة. والحديث مضى في كتاب التهجد بالليل في: باب عقد الشيطان على قافية الرأس، فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وهنا أخرجه عن إسماعيل بن أبي أويس، واسمه عبد الله المدني ابن أخت مالك بن أنس، وهو يروي عن أخيه عبد الحميد، وقد مر الكلام فيه هناك، ومعنى: يعقد، يتكلم عليه، والقافية: مؤخر الرأس، ومنه قافية الشعر. قوله: (انحلت عقده)، وهو جمع عقدة، ولهذا أكده بقوله: كلها.
0723 حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه أو قال في أذنه. (انظر الحديث 4411).
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن بول الشيطان في أذن الرجل النائم كل ليلة من صفاته القبيحة، وأبو وائل شقيق، وعبد الله

170
هو ابن مسعود. ومضى الحديث في كتاب التهجد في: باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن أبي الأحوص عن منصور عن أبي وائل... إلى آخره.
1723 حدثنا موساى بن إسماعيل قال حدثنا همام عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فرزقا ولدا لم يضره الشيطان..
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن من صفات الشيطان ضرره العام للمؤمنين، وهو من صفاته الذميمة القبيحة. ورجاله قد مروا غير مرة. والحديث قد مضى في كتاب الطهارة في: باب التسمية على كل حال، وعند الوقاع، فإنه أخرجه هناك: عن علي بن عبد الله عن جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب... الحديث، ومضى الكلام فيه هناك.
2723 حدثنا محمد قال أخبرنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب. ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان أو الشيطان لا أدري أي ذلك قال هشام..
مطابقته للترجمة في قوله: (فإنها تطلع بين قرني الشيطان). محمد هو ابن سلام، قاله أبو نعيم، وأبو علي، وعبدة، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة: ابن سليمان. والحديث مضى في كتاب مواقيت الصلاة في: باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (حتى تبرز)، أي: حتى تظهر. قوله: (ولا تحينوا) من التحين، وهو طلب وقت معلوم (وقرنا الشيطان) جانبا رأسه. قوله: (لا أدري أي ذلك قال هشام)، القائل بهذا هو عبدة بن سليمان، وهشام هو ابن عروة.
80 - (حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث حدثنا يونس عن حميد بن هلال عن أبي صالح عن أبي سعيد قال قال النبي
إذا مر بين يدي أحدكم شيء وهو يصلي فليمنعه فإن أبى فليمنعه فإن أبي فليقاتله فإنما هو شيطان)
مطابقته للترجمة في قوله ' فإنما هو شيطان ' وأبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد وعبد الوارث بن سعيد ويونس هو ابن عبد الله العبدي البصري وأبو صالح ذكوان الزيات والحديث قد مر في كتاب الصلاة في باب يرد المصلى من مر بين يديه
(وقال عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال وكلني رسول الله
بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله
فذكر الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي
صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان)
مطابقته للترجمة في قوله ' ذاك الشيطان ' وعثمان بن الهيثم بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة مؤذن

171
البصرة وعوف الأعرابي والحديث مضى في كتاب الوكالة في باب إذا وكل رجال بعين ما ذكره هنا قال وقال عثمان بن الهيثم إلى آخره مطولا ومضى الكلام فيه هناك * -
6723 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن عبد الملك بن شعيب وعن زهير بن حرب وعبد بن حميد وعن هارون بن معروف ومحمد بن عباد وعن محمود بن غيلان. وأخرجه أبو داود في السنة عن هارون بن معروف به، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن محمد بن منصور، وعن أحمد بن سعيد وعن هارون ابن سعيد.
قوله: (من خلق كذا)، وفي رواية مسلم: (لا يزال الناس يسألون حتى يقولوا: هذا خلق الله، فمن خلق الله؟ قوله: (فليستعذ باالله)، وفي رواية مسلم: (فليقل آمنت بالله). ولأبي داود: (فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد الله الصمد الآية، ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم). ومعنى: فليستعذ، أي: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من الأعراض والشبهات الواهية الشيطانية. قوله: (ولينته)، أي: عن الاسترسال معه في ذلك بإثبات البراهين القاطعة الحقانية، على أن لا خالق له بإبطال التسلسل، ونحوه. وقال الطيبي: لينته أي: ليترك التفكر في هذا الخاطر، وليستعذ بالله من وسوسة الشيطان، فإن لم يزل التفكر بالاستعاذة فليقم وليشتغل بأمر آخر، وإنما أمره بذلك ولم يأمره بالتأمل والاحتجاج لأن العلم باستغنائه عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة له، وعليه، ولأن السبب في مثله إحساس المرء في عالم الحس، وما دام هو كذلك لا يزيد فكره إلا زيغا عن الحق، ومن كان هذا حاله فلا علاج له إلا اللجاء إلى الله تعالى والاعتصام بحوله وقوته.
وقال المازري: الخواطر على قسمين، فالتي لا تستقر ولا تجلبها شبهة هي التي تدفع بالأعراض عنها، وعلى هذا ينزل الحديث، وعلى مثلها يطلق اسم الوسوسة. وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة فهي لا تندفع إلا بالنظر والاستدلال.
8723 حدثناالحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمر و قال أخبرني سعيد بن جبير قال قلت ل إبن عباس فقال حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن موسى قال لفتاه آتنا غداءنا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به..
مطابقته للترجمة في قوله: (وما أنسانيه إلا الشيطان) والحميدي بن عبد الله بن الزبير بن عيسى، وسفيان بن عيينة، وعمرو بن دينار.

172
والحديث مضى في كتاب العلم في ثلاثة مواضع، وفي غيره أيضا وقد ذكرناه هناك.
9723 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق فقال ها إن الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان..
مطابقته للترجمة في قوله: (من حيث يطلع قرن الشيطان) وهذا الحديث من أفراده. قوله: (ها)، قال الكرماني: ها، حرف ولم يزد على هذا شيئا. قلت: هو حرف من حروف المعجم، ومن حروف الزيادة وهي حرف تنبيه. قوله: (من حيث يطلع قرن الشيطان)، نسب الطلوع إلى قرن الشيطان مع أن الطلوع للشمس لكونه مقارنا لطلوع الشمس، والغرض أن منشأ الفتن هو جهة المشرق، وقد كان كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
0823 حدثنا يحيى بن جعفر قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استجنح الليل أو كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم وأغلق بابك واذكر اسم الله وأطفىء مصباحك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئا..
مطابقته للترجمة في قوله: (فإن الشياطين تنتشر). ويحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي، وهو من أفراده، ومحمد بن عبد الله الأنصاري من شيوخ البخاري، وروى عنه هنا بواسطة، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز، وعطاء بن أبي رباح.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأشربة عن إسحاق بن منصور. وأخرجه مسلم في الأشربة عن إسحاق بن منصور وعن أحمد بن عثمان. وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل. وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن أحمد بن عثمان وعن عمرو بن علي وعن عمرو بن دينار عن جابر.
ذكر معناه: قوله: (إذا استجنح) أي: إذا أظلم، ومادته: جيم ونون وحاء، وقال ابن سيده: جنح الليل يجنح جنوحا وجنحا إذا أظلم، ويقال: إذا أقبل ظلامه، والجنح، بضم الجيم وكسرها لغتان: وهو ظلام الليل، وأصل الجنح الميل. وقيل: جنح الليل أول ما يظلم. قوله: (أو كان جنح الليل) وفي رواية الكشميهني: أو قال: كان جنح الليل، وحكى عياض أنه وقع في رواية أبي ذر: استجنع، بالعين المهملة بدل الحاء، وهو تصحيف، وعند الأصيلي: وأول الليل بدل: قوله: إذا كان جنح الليل، وكان هذه تامة بمعنى وجد أو حصل. قوله: (فكفوا صبيانكم)، أي: ضموهم وامنعوهم من الانتشار، وفي رواية: فاكفتوا، ومادته: كاف وفاء وتاء مثناة من فوق، ومعناه: ضموهم إليكم، وكل من ضممته إلى شيء فقد كفته، وفي رواية: ولا ترسلوا صبيانكم. وقال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان في ذلك الوقت لأن النجاسة التي يلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا. والذكر الذي يستعصم به معدوم عندهم، والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به، فلذلك خيف على الصبيان في ذلك الوقت والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار، لأن الظلام أجمع لهم من غيره، وكذلك كل سواد، ويقال: إن الشياطين تستعين بالظلمة وتكره النور وتشأم به. قوله: (فخلوهم)، بفتح الخاء المعجمة، هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية السرخسي، بضم الحاء المهملة. قوله: (وأغلق) من الإغلاق، فلهذا يقال: الباب مغلق، ولا يقال: مغلوق، وإنما قال: فكفوا، بصيغة الجمع، وقال: أغلق بصيغة الإفراد لأن المراد بقوله: أغلق لكل واحد، وهو عام بحسب المعنى، أو هو في معنى المفرد إذ مقابلة الجمع بالجمع تفيد التوزيع، فكأنه قال: كف أنت صبيك، كذا قاله الكرماني، وقال بعضهم: ولا شك أن مقابلة المفرد بالمفرد تفيد التوزيع. قلت: ليس كذلك، بل الصواب ما قاله الكرماني.

173
قوله: (وأطفىء) أمر من الإطفاء إنما أمر بذلك لأنه جاء في (الصحيح): أن الفويسقة جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت، وهو عام يدخل فيه السراج وغيره، وأما القناديل المعلقة فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أمن ذلك كما هو من الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة، وسبب ذلك أنه، صلى الله عليه وسلم صلى على خمرة فجرت الفتيلة الفأرة فأحرقت من الخمرة مقدار الدرهم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم ذلك نبه عليه ابن العربي وفي (سنن أبي داود) عن ابن عباس، قال: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها وألقتها بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها موضع درهم. قوله: (وأوك) أمر من الإيكاء، وهو الشد، والوكاء: اسم ما يشد به فم القربة، وهو ممدود مهموز، والسقاء بكسر السين: اللبن، والماء، والوطب للبن خاصة، والنحي للسمن، والقربة للماء. قوله: (وخمر)، أمر من التخمير وهو التغطية، وللتخمير فوائد: صيانة من الشياطين والنجاسات والحشرات وغيرها، ومن الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة، وفي رواية أن في السنة لليلة وفي رواية يوما ينزل وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو شيء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه ذلك الوباء. قال الليث بن سعد: والأعاجم يتقون ذلك في كانون الأول. قوله: (ولو تعرض عليه شيئا) بضم الراء وكسرها، ومعناه: إن لم تقدر أن تغطي فلا أقل من أن تعرض عليه عودا، أي: تعرضه عليه بالعرض وتمده عليه عرضا، أي: خلاف الطول. قوله: (شيئا)، وفي رواية: عودا، هذا مطلق في الآنية التي فيها
شراب أو طعام. قلت: روى مسلم من حديث جابر بن عبد الله، رضي الله تعالى عنه، يقول: أخبرني أبو حميد الساعدي، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن من النقيع ليس مخمرا. قال: ألا خمرته، ولو تعرض عليه عودا قال أبو حميد: إنما أمر بالأسقية إن توكأ ليلا، وبالأبواب أن تغلق ليلا انتهى. فهذا أبو حميد قيد الإيكاء والإغلاق بالليل. قلت: قال النووي: ليس في الحديث ما يدل عليه، والمختار عند الأصوليين، وهو مذهب الشافعي، رضي الله تعالى عنه، أن تفسير الصحابي إذا كان خلاف ظاهر اللفظ ليس بحجة، ولا يلزم غيره من المجتهدين موافقته على تفسيره. وأما إذا كان في ظاهر الحديث ما يخالفه فإن كان مجملا يرجع إلى تأويله، ويجب الحمل عليه لأنه إذا كان مجملا لا يحل له حمله على شيء إلا بتوقيف، وكذا لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي عندنا، بل يتمسك بالعموم، وقد يقال: أبو حميد قال: أمرنا، وهذا رواية لا تفسير، وهو مرفوع على المختار، ولا تنافي بين رواية أبي حميد والرواية الأخرى في يوم، إذ ليس في أحدهما نفي للآخر وهما ثابتان. فإن قلت: ما حكم أوامر هذا الباب؟ قلت: جميعها من باب الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية، كقوله تعالى: * (واشهدوا إذا تبايعتم) * (البقرة: 282). وليس على الإيجاب، وغايته أن يكون من باب الندب، بل قد جعله كثير من الأصوليين قسما منفردا بنفسه عن الوجوب والندب، وينبغي للمرء أن يمتثل أمره، فمن امتثل أمره سلم من الضرر بحول الله وقوته، ومتى والعياذ بالله خالف إن كان عنادا خلد فاعله في النار، وإن كان عن خطأ أو غلط فلا يحرم شرب ما في الإناء أو أكله، والله أعلم.
86 - (حدثني محمود بن غيلان قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن صفية ابنة حيي قالت كان رسول الله
معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي
أسرعا فقال النبي
على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله قال إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا أو قال شيئا)
مطابقته للترجمة في قوله إن الشيطان * وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم * والحديث مر في كتاب الاعتكاف في باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري إلى آخره نحوه ومر الكلام فيه هناك قوله ' فانقلبت ' من الانقلاب وهو الرجوع مطلقا والمعنى هنا

174
فرجعت فقام النبي
معي ليقلبني أي لأرجع إلى بيتي فقام معي يصحبني قوله ' على رسلكما ' بكسر الراء أي على هيئتكما فما هنا شيء تكرهانه قوله ' إن الشيطان يجري ' قيل هو على ظاهره إن الله جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان مجرى الدم وقيل استعارة لكثرة وسوسته فكأنه لا يفارقه كما لا يفارق دمه وقيل أنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن بحيث يصل إلى القلب * وفيه التحرز عن سوء الظن بالناس * وفيه كمال شفقته
على أمته لأنه خاف أن يلقي الشيطان في قلبهما شيئا فيهلكان فإن ظن السوء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كفر
87 - (حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن سليمان بن صرد قال كنت جالسا مع النبي
ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي
إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد فقالوا له إن النبي
قال تعوذ بالله من الشيطان فقال وهل بي جنون)
مطابقته للترجمة ظاهرة وعبدان تكرر ذكره وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي اسمه محمد بن ميمون السكري المروزي والأعمش سليمان وسليمان بن صرد بضم الصاد المهملة وفتح الراء وفي آخره دال مهملة الخزاعي وقد مر في الغسل والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن عمر بن حفص وعن عثمان بن أبي شيبة وأخرجه مسلم في الأدب عن يحيى بن يحيى وأبي كريب وعن نصر بن علي وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه أبو داود فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن هناد وعن محمد بن عبد العزيز قوله ' يستبان ' أي يتشاتمان قوله ' أوداجه ' جمع ودج بفتحتين وهو عرق في الحلق في المذبح وانتفاخ الأوداج كناية عن شدة الغضب (فإن قلت) لكل أحد ودجان وهنا ذكر الأوداج بالجمع (قلت) هذا من قبيل قوله تعالى * (وكنا لحكمهم شاهدين) * أو لأن كل قطعة من الودج يسمى ودجا كما جاء في الحديث أزج الحواجب قوله ' ما يجد ' من وجد يجد وجدا وموجدة إذا غضب ووجد يجد وجدانا إذا لقي ما يطلبه قوله ' هل بي جنون ' قال النووي رحمه الله تعالى هذا كلام من لم يتفقه في دين الله ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجانين ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان ويحتمل أنه كان من المنافقين أو من جفاة الأعراب انتهى والاستعاذة من الشيطان تذهب الغضب وهو أقوى السلاح على دفع كيده وفي حديث عطية ' الغضب من الشيطان فإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ' وعن أبي الدرداء ' أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب ' وقال بكر بن عبد الله ' اطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنم ' وفي بعض الكتب قال الله تعالى ' ابن آدم اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت ' وروى الجوزي في ترغيبه عن معاوية بن قرة قال قال إبليس أنا جمرة في جوف ابن آدم إذا غضب حميته وإذا رضي منيته * -
3823 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان ولم يسلط عليه..
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث قد مر عن قريب في هذا الباب فإنه أخرجه: عن موسى بن إسماعيل عن همام بن منصور إلى آخره. قوله: (لم يضره) يعني: لم يسلط عليه بالكلية وإلا فلا يخلو من الوسوسة.
قال وحدثنا الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس مثله
أي: قال شعبة: وحدثنا سليمان الأعمش عن سالم بن أبي الجعد، وأشار بهذا إلى أن لشعبة شيخان فيه.

175
89 - (حدثنا محمود حدثنا شبابة حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
أنه صلى صلاة فقال إن الشيطان عرض لي فشد علي يقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذكره)
مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمود هو ابن غيلان المروزي وشبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى مفتوحة ابن سوار الفزاري المروزي والحديث مر في كتاب الصلاة في باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن إبراهيم عن روح ومحمد بن جعفر كلاهما عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي
قال إن عفريتا من الجن تفلت على البارحة أو كلمة نحوها ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا أو تنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان عليه الصلاة والسلام * (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) * قال روح فرده خاسئا قوله ' فذكره ' أي فذكر الحديث بتمامه وهو الذي ذكرناه
90 - (حدثنا محمد بن يوسف حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي
إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط فإذا قضي أقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا قضى أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول اذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا فإذا لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا سجد سجدتي السهو)
مطابقته للترجمة ظاهرة والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو والحديث قد مر في أواخر كتاب الصلاة في باب تفكر الرجل الشيء في الصلاة فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة قال رسول الله
إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان إلى آخره
91 - (حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي
كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب)
المطابقة في هذا وفي بقية الأحاديث بينها وبين الترجمة ظاهرة وهؤلاء الرواة قد تكرر ذكرهم قوله ' يطعن ' بضم العين يقال طعن بالرمح وما أشبهه يطعن بضم العين من باب نصر ينصر وطعن في العرض والنسب يطعن بفتح العين فيهما على المشهور وقيل باللغتين فيهما قوله ' في جنبيه ' بالتثنية في رواية أبي ذر والجرجاني وفي رواية الأكثرين في جنبه بالإفراد وحكى عياض أن في كتابه من رواية الأصيلي من تحته الذي هو ضد فوق قال وهو تصحيف قوله ' بأصبعه ' بالإفراد أو بالتثنية أيضا على اختلاف الروايتين في الجنب قوله ' في الحجاب ' هو الجلدة التي فيها الجنين وتسمى المشيمة قاله ابن الجوزي وقيل الحجاب الثوب الذي يلف فيه المولود * وفيه فضيلة ظاهرة لعيسى وأمه عليهما السلام وأراد الشيطان التمكن من أمه فمنعه الله منها ببركة أمها حنة بنت فاقوذ بن ماثان حيث قالت * (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * وروى عبد الرزاق في تفسيره عن المنذر بن النعمان الأفطس سمع وهب بن منبه يقول لما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام أتت الشياطين إبليس فقالوا أصبحت الأصنام منكسة فقال هذا حادث مكانكم وطار حتى بلغ خافقي الأرض فلم يجد شيئا ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء ثم طار فوجد عيسى قد ولد عند مد ودحمار وإذا الملائكة قد حفت به فرجع إليهم فقال إن نبيا قد ولد البارحة ولا حملت أنثى ولا وضعت قط إلا وأنا بحضرتها إلا هذه فأيسوا من أن يعبدوا الأصنام في هذه البلدة وفي لفظ بعد هذه

176
الليلة ولكن ائتوا بني آدم بالخفة والعجلة. قوله إلا هذه يخالف ما في الصحيح إلا أن يؤول وأشار القاضي إلى أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يشاركون عيسى عليه الصلاة والسلام في ذلك وقال القرطبي هو قول قتادة قال وإن لم يكن كذلك بطلت الخصوصية ولا يلزم من نخسه إضلال الممسوس وإغواؤه فإن ذلك نخس فاسد فلم يعرض الشيطان لخواص الأولياء بأنواع الإغواء والمفاسد ومع ذلك فقد عصمهم الله بقوله * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * * -
7823 حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا إسرائيل عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال قدمت الشأم فقلت من هاهنا قالوا أبو الدرداء قال أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم..
مالك بن إسماعيل بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، والمغيرة بن مقسم الضبي، وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس النخعي الكوفي، واسم أبي الدرداء عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي.
والحديث أخرجه البخاري هنا مختصرا جدا، وأخرجه بأتم منه في فضل عمار وحذيفة عن مالك بن إسماعيل أيضا، وأخرجه أيضا عن سليمان بن حرب على ما يجيء عن قريب في هذا الباب. وفي الاستئذان عن أبي الوليد وعن يحيى بن جعفر وعن يزيد بن هارون وفي مناقب ابن مسعود عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي في المناقب وفي التفسير عن أحمد بن سليمان. قوله: (أفيكم؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار، أي: أفي العراق؟ قوله: (الذي أجاره الله)، أي: منعه
وحماه من الشيطان، وهو عمار بن ياسر، رضي الله تعالى عنه، وسيصرح به البخاري في الحديث الذي بعده، وفي التوضيح يجوز أن يكون قاله أبو الدرداء لقوله، صلى الله عليه وسلم: (يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)، أو يكون شهد له: أن الله أجاره من الشيطان.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن مغيرة وقال الذي أجاره الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم يعني عمارا
بهذا بين البخاري أن المراد من قول أبي الدرداء: أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان؟ أنه عمار بن ياسر الذي هو من السابقين في الإسلام المنزل فيه: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * (النحل: 601). وقد قال، صلى الله عليه وسلم له: مرحبا بالطيب المطيب.
7823 حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا إسرائيل عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال قدمت الشأم فقلت من هاهنا قالوا أبو الدرداء قال أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم..
مالك بن إسماعيل بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، والمغيرة بن مقسم الضبي، وإبراهيم النخعي وعلقمة بن قيس النخعي الكوفي، واسم أبي الدرداء عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي.
والحديث أخرجه البخاري هنا مختصرا جدا، وأخرجه بأتم منه في فضل عمار وحذيفة عن مالك بن إسماعيل أيضا، وأخرجه أيضا عن سليمان بن حرب على ما يجيء عن قريب في هذا الباب. وفي الاستئذان عن أبي الوليد وعن يحيى بن جعفر وعن يزيد بن هارون وفي مناقب ابن مسعود عن موسى بن إسماعيل وأخرجه النسائي في المناقب وفي التفسير عن أحمد بن سليمان. قوله: (أفيكم؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار، أي: أفي العراق؟ قوله: (الذي أجاره الله)، أي: منعه وحماه من الشيطان، وهو عمار بن ياسر، رضي الله تعالى عنه، وسيصرح به البخاري في الحديث الذي بعده، وفي التوضيح يجوز أن يكون قاله أبو الدرداء لقوله، صلى الله عليه وسلم: (يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)، أو يكون شهد له: أن الله أجاره من الشيطان.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن مغيرة وقال الذي أجاره الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم يعني عمارا
بهذا بين البخاري أن المراد من قول أبي الدرداء: أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان؟ أنه عمار بن ياسر الذي هو من السابقين في الإسلام المنزل فيه: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * (النحل: 601). وقد قال، صلى الله عليه وسلم له: مرحبا بالطيب المطيب.
8823 قال وقال الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن أبا الأسود أخبره عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الملائكة تتحدث في العنان والعنان الغمام بالأمر يكون في الأرض فتسمع الشياطين الكلمة فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة فيزيدون معها مائة كذبة..
أورد هذا التعليق في: باب ذكر الملائكة، قال: حدثنا محمد حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا الليث حدثنا ابن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم، فانظر بينهما إلى التفاوت في الإسناد والمتن، وأبو الأسود في الرواة هو محمد بن عبد الرحمن.
قوله: (بالأمر) يتعلق بقوله: (تتحدث). وقوله: (والعنان الغمام)، جملة معترضة بين المتعلق والمتعلق. قوله: (يكون)، جملة وقعت حالا من قوله: (بالأمر). قوله: (فتقرها)، بضم القاف وتشديد الراء، وهو الصحيح قال ابن التين: لما تقرر من أن كل فعل مضاعف متعد يكون بالضم إلا أحرف شواذ ليس هذا منها، وقال الخطابي: يقال: قررت الكلام في أذن الأصم إذا وضعت فمك على صماخه فتلقيه فيه. وقال الهروي: إنه ترديد الكلام في أذن الأبكم حتى يفهم. قوله: (كما تقر القارورة)، يريد به تطبيق رأس القارورة

177
برأس الوعاء الذي يفرغ منها فيه. وقال القابسي: معناه يكون لما يلقيه الكاهن حس كحس القارورة عند تحريكها مع اليد أو على الصفاء، وفي التوضيح: ويقال: بالزاي، وهو ما يسمع من حس الزجاجة حين يحك بها على شيء. وقال الكرماني: فتقرها، يروى من الإقرار، وقال الداودي: يلقيها كما يستقر الشيء في قراره.
9823 حدثنا عاصم بن علي حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان.
عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب أبو الحسين مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق من أهل واسط، وروى البخاري عنه في مواضع، وروى عن محمد بن عبد الله عنه في الحدود، قال: مات سنة إحدى وعشرين أو عشرين ومائتين. وقال ابن سعد: مات بواسط. قلت: هو من الأفراد، وروى عنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه كيسان عن أبي هريرة.
وقال المزي في (الأطراف): حديث: التثاؤب من الشيطان، ثم علم علامة البخاري حرف (خ) ثم قال في صفة إبليس: عن عاصم بن علي عنه به، ثم علم علامة النسائي (س) ثم قال في اليوم والليلة: عن أحمد بن حرب إلى آخره، ثم قال: ورواه غير واحد عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، وسيأتي. ثم قال بعد ذلك: لما وعده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، حديث: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب (خ)) وفي الأدب عن آدم، وفيه وفي بدء الخلق عن عاصم بن علي (د) في الأدب (ت) في الاستيذان جميعا عن الحسن علي (س) في اليوم والليلة عن عمرو بن علي، ثم قال: قال الترمذي: هذا أصح من حديث ابن عجلان، يعني: عن سعيد عن أبي هريرة، وكذلك رواه القاسم بن يزيد عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبي هريرة.
قوله: (التثاؤب)، مصدر من تثاءب يتثاءب، والاسم الثؤباء. قوله: (من الشيطان)، وإنما جعله من الشيطان كراهة له لأنه إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه وميله
إلى الكسل والنوم، وأضافه إلى الشيطان لأنه هو الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهواتها، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه، وهو التوسع في المطعم والشبع، فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات. قوله: (فإذا تثاءب) هو فعل ماضي من باب تفاعل، وأصله من: الثأب، ومادته: ثاء مثلثة وهمزة وباء موحدة، وتثاءب بالمد والتخفيف، ويروى بالواو: تثاوب، وقيل: لا يقال: تثاءب، مخففا بل تثأب، بالتشديد في الهمزة. وقال الجوهري: لا يقال: تثاوب، بالواو. وأما حديث التثاوب فهو النفس الذي ينفتح منه الفم لدفع البخارات المختنقة في عضلات الفك، وهو إنما ينشأ من امتلاء المعدة وثقل البدن ويورث الكسل وسوء الفهم والغفلة. قوله: (فليرده) أي: ليكظم وليضع يده على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخول فمه وضحكه منه. قوله: (إذا قال ها)، كلمة: ها، حكاية صوت المتثاوب، فإذا قال: ها، يعني: إذا بالغ في التثاؤب، ضحك الشيطان فرحا بذلك، ولذلك قالوا: لم يتثاءب نبي قط. وقال الداودي: إن فتح فاه ولم يضمه بصق فيه وقال: ها، ضحك منه.
0923 حدثنا زكرياء بن يحيى حدثنا أبو أسامة قال هشام أخبرنا عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لما كان يوم أحد هزم المشركون فصاح إبليس أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال أي عباد الله أبى أبي فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه فقال حذيفة غفر الله لكم قال عروة فما زالت في حذيفة منه بقية خير حتى لحق بالله..
زكرياء بن يحيى بن عمر أبي السكن الطائي الكوفي، وهو من أفراده، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وهشام بن عروة يروي

178
عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنها.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن إسحاق وفي المغازي عن عبيد الله بن سعيد، كلاهما عن أبي أسامة أيضا.
قوله: (أي عباد الله)، يعني: يا عباد الله. قوله: (أخراكم) أي: الطائفة المتأخرة، أي: يا عباد الله احذروا الذين من ورائكم متأخرين عنكم، أو اقتلوهم، والخطاب للمسلمين، أراد إبليس تغليطهم ليقاتل المسلمون بعضهم بعضا. فرجعت الطائفة المتقدمة قاصدين لقتال الأخرى ظانين أنهم من المشركين. قوله: (فاجتلدت هي)، أي: الطائفة المتقدمة والطائفة الأخرى، أي تضاربت الطائفتان، ويحتمل أن يكون الخطاب للكافرين، أي: اقتلوا أخراكم، فرجعت أولاهم فتجالد أولى الكفار، وأخرى المسلمين. قوله: (فنظر حذيفة بن اليمان) فإذا هو بأبيه يعني: اليمان، بتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون بلا ياء بعدها، وهو لقب واسمه: حسيل، مصغر الحسل بالمهملتين: ابن جابر العبسي، بالباء الموحدة بين المهملتين، أسلم مع حذيفة وهاجر إلى المدينة وشهد أحدا وأصابه المسلمون في المعركة فقتلوه يظنونه من المشركين، وحذيفة يصيح ويقول: هو أبي لا تقتلوه، ولم يسمع منه. قوله: (ما احتجزوا)، أي: ما امتنعوا منه، ويقال لكل من ترك شيئا: انحجز عنه. قوله: (غفر الله لكم)، دعا لمن قتلوه من غير علم، لأنه عذرهم، وتصدق حذيفة بديته على من أصابه، ويقال: إن الذي قتله هو عقبة بن مسعود فعفى عنه. قوله: (بقية خير)، بقية دعاء واستغفار لقاتل اليمان حتى مات، وقال التيمي: معناه: ما زال في حذيفة بقية حزن على أبيه من قتل المسلمين.
1923 حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن أشعث عن أبيه عن مسروق قال قالت عائشة رضي الله تعالى عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم. (انظر الحديث 157).
الحسن بن الربيع بن سليمان البجلي الكوفي، يعرف بالبوراني، وأبو الأحوص سلام بن سليم الكوفي، وأشعث، بالشين المعجمة والعين المهملة والثاء المثلثة: ابن أبي الشعثاء، مؤنث الأشعث المذكور، وقد مضى الحديث في كتاب الصلاة في: باب الالتفات في الصلاة، فإنه أخرجه هناك: عن مسدد عن أبي الأحوص إلى آخره. ومضى الكلام فيه هناك.
2923 حدثنا أبو المغيرة حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (و) حدثني سليمان بن عبد الرحمان حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرهما فإنها لا تضره..
أخرج هذا الحديث من طريقين: الأول: عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، مر في: باب تزويج المحرم عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة الحارث بن الربعي الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: عن سليمان بن عبد الرحمن عن ابنه شرحبيل بن أيوب الدمشقي عن الوليد بن مسلم الدمشقي عن الأوزاعي... إلى آخره، فالطريق الأولى أعلى، ولكن في الثانية التصريح بتحديث عبد الله بن أبي قتادة ليحيى بن أبي كثير. والحديث أخرجه البخاري أيضا في التعبير عن مسدد. وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن إسحاق بن منصور.
ذكر معناه: قوله: (الرؤيا الصالحة)، الرؤيا على وزن: فعلى، بلا تنوين، وجمعها: رؤى، مثل: رعى، يقال: رأى في منامه

179
رؤيا، وفي اليقظة رأى رؤية، قيل: إن الرؤيا أيضا تكون في اليقظة، وعليه تفسير الجمهور في قوله سبحانه وتعالى: * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) * (الإسراء: 06). إن الرؤيا ههنا في اليقظة، وقال الزمخشري: الرؤيا بمعنى: الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة، فلا جرم، فرق بينهما بحرف التأنيث. وقال الواحدي: الرؤيا مصدر كالبشرى، إلا أنه لما صار اسما لهذا المتخيل في المنام جرى مجرى الأسماء، وقيل: يجوز ترك همزها تخفيفا. وقوله: الصالحة، إما صفة موضحة للرؤيا، لأن غير الصالحة تسمى: بالحلم، أو مخصصة، والصلاح إما باعتبار صورتها، وإما باعتبار تعبيرها، ويقال لها: الرؤيا الصادقة والرؤيا الحسنة. وقال الطيبي: معنى الصالحة الحسنة: ويحتمل أن تجري على ظاهرها، وأن تجري على الصادقة، والمراد بها صحتها وتفسير رسول
الله، صلى الله عليه وسلم المبشرات على الأول ظاهر، لأن البشارة كل خبر صدق يتغير به بشرة الوجه، واستعمالها في الخير أكثر، وعلى الثاني مؤول، أما على التغليب أو يحمل على أصل اللغة وإضافتها إلى الله تعالى إضافة اختصاص وإكرام لسلامتها من التخليط وطهارتها عن حضور الشيطان. قوله: (والحلم من الشيطان) أي: الرؤيا الغير الصالحة أي: الكاذبة، أو السيئة، وإنما نسبت إلى الشيطان لأن الرؤيا الكاذبة يريد بها الشيطان ليسيء ظنه ويحزنه ويقل حظه من شكر الله، ولهذا أمره بالبصق عن يساره. وعن ابن الجوزي: الرؤيا والحلم بمعنى واحد، لأن الحلم ما يراه الإنسان في نومه، غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشر باسم الحلم. قوله: (فإذا حلم أحدكم)، بفتح اللام، قال ابن التين: وحلم، بضم اللام عنه بمعنى: عفى عنه، وحلم بالكسر، يقال: حلم الأديم إذا شب قبل أن يدبغ. قوله: (حلما)، مصدر بضم اللام وسكونها: ويجمع على: أحلام في القلة: وحلوم، في الكثرة، وإنما جمع وإن كان مصدرا لاختلاف أنواعه، وهو في الأصل عبارة عما يراه الرائي في منامه حسنا كان أو مكروها. قوله: (يخافه) جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله: حلما. قوله: (فليبصق)، دحرا للشيطان بذلك كرمي الجمار، كما يتفل عند الشيء القذر يراه ولا شيء أقذر من الشيطان، وذكر الشمال لأن العرب عندها إتيان الشر كله من قبل الشمال، ولذلك سمتها الشؤمى، وكانوا يتشاءمون بما جاء من قبلها من الطير، وأيضا ليس فيها كثير عمل ولا بطش ولا أكل ولا شرب. قوله: (فإنها) أي: فإن الحلم، وإنما أنث الضمير باعتبار أن الحلم هو الرؤيا السيئة الكاذبة المكروهة، والرؤيا المكروهة هي التي تكون عن حديث النفس وشهواتها، وكذلك رؤيا التهويل والتخويف يدخله الشيطان على الإنسان ليشوش عليه في اليقظة، وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه، لأنه من تخيلاته، فإذا فعل المأمور به صادقا أذهب الله عنه ما أصابه من ذلك.
2923 حدثنا أبو المغيرة حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (و) حدثني سليمان بن عبد الرحمان حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرهما فإنها لا تضره..
أخرج هذا الحديث من طريقين: الأول: عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، مر في: باب تزويج المحرم عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة الحارث بن الربعي الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: عن سليمان بن عبد الرحمن عن ابنه شرحبيل بن أيوب الدمشقي عن الوليد بن مسلم الدمشقي عن الأوزاعي... إلى آخره، فالطريق الأولى أعلى، ولكن في الثانية التصريح بتحديث عبد الله بن أبي قتادة ليحيى بن أبي كثير. والحديث أخرجه البخاري أيضا في التعبير عن مسدد. وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن إسحاق بن منصور.
ذكر معناه: قوله: (الرؤيا الصالحة)، الرؤيا على وزن: فعلى، بلا تنوين، وجمعها: رؤى، مثل: رعى، يقال: رأى في منامه رؤيا، وفي اليقظة رأى رؤية، قيل: إن الرؤيا أيضا تكون في اليقظة، وعليه تفسير الجمهور في قوله سبحانه وتعالى: * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) * (الإسراء: 06). إن الرؤيا ههنا في اليقظة، وقال الزمخشري: الرؤيا بمعنى: الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة، فلا جرم، فرق بينهما بحرف التأنيث. وقال الواحدي: الرؤيا مصدر كالبشرى، إلا أنه لما صار اسما لهذا المتخيل في المنام جرى مجرى الأسماء، وقيل: يجوز ترك همزها تخفيفا. وقوله: الصالحة، إما صفة موضحة للرؤيا، لأن غير الصالحة تسمى: بالحلم، أو مخصصة، والصلاح إما باعتبار صورتها، وإما باعتبار تعبيرها، ويقال لها: الرؤيا الصادقة والرؤيا الحسنة. وقال الطيبي: معنى الصالحة الحسنة: ويحتمل أن تجري على ظاهرها، وأن تجري على الصادقة، والمراد بها صحتها وتفسير رسول الله، صلى الله عليه وسلم المبشرات على الأول ظاهر، لأن البشارة كل خبر صدق يتغير به بشرة الوجه، واستعمالها في الخير أكثر، وعلى الثاني مؤول، أما على التغليب أو يحمل على أصل اللغة وإضافتها إلى الله تعالى إضافة اختصاص وإكرام لسلامتها من التخليط وطهارتها عن حضور الشيطان. قوله: (والحلم من الشيطان) أي: الرؤيا الغير الصالحة أي: الكاذبة، أو السيئة، وإنما نسبت إلى الشيطان لأن الرؤيا الكاذبة يريد بها الشيطان ليسيء ظنه ويحزنه ويقل حظه من شكر الله، ولهذا أمره بالبصق عن يساره. وعن ابن الجوزي: الرؤيا والحلم بمعنى واحد، لأن الحلم ما يراه الإنسان في نومه، غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشر باسم الحلم. قوله: (فإذا حلم أحدكم)، بفتح اللام، قال ابن التين: وحلم، بضم اللام عنه بمعنى: عفى عنه، وحلم بالكسر، يقال: حلم الأديم إذا شب قبل أن يدبغ. قوله: (حلما)، مصدر بضم اللام وسكونها: ويجمع على: أحلام في القلة: وحلوم، في الكثرة، وإنما جمع وإن كان مصدرا لاختلاف أنواعه، وهو في الأصل عبارة عما يراه الرائي في منامه حسنا كان أو مكروها. قوله: (يخافه) جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله: حلما. قوله: (فليبصق)، دحرا للشيطان بذلك كرمي الجمار، كما يتفل عند الشيء القذر يراه ولا شيء أقذر من الشيطان، وذكر الشمال لأن العرب عندها إتيان الشر كله من قبل الشمال، ولذلك سمتها الشؤمى، وكانوا يتشاءمون بما جاء من قبلها من الطير، وأيضا ليس فيها كثير عمل ولا بطش ولا أكل ولا شرب. قوله: (فإنها) أي: فإن الحلم، وإنما أنث الضمير باعتبار أن الحلم هو الرؤيا السيئة الكاذبة المكروهة، والرؤيا المكروهة هي التي تكون عن حديث النفس وشهواتها، وكذلك رؤيا التهويل والتخويف يدخله الشيطان على الإنسان ليشوش عليه في اليقظة، وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه، لأنه من تخيلاته، فإذا فعل المأمور به صادقا أذهب الله عنه ما أصابه من ذلك.
3923 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك. (الحديث 3923 طرفه في: 3046).
سمي، بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء: مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني، وأبو صالح ذكوان
الزيات.
والحديث أخرجه البخاري في الدعوات أيضا. وأخرجه مسلم في الدعوات عن يحيى بن يحيى. وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق بن موسى. وأخرجه ابن ماجة في ثواب التسبيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (عدل)، بفتح العين، أي: مثل ثواب إعتاق عشر رقاب. قوله: (حرزا)، بكسر الحاء المهملة، وهو الموضع الحصين ويسمى التعويذ أيضا حرزا. قوله: (يومه)، نصب على الظرف. قوله: (ذلك)، إشارة إلى اليوم الذي دعا فيه بهذا الكلام المشتمل على الاعتراف بالوحدانية، وعلى الشكر لله والإقرار بقدرته على كل شيء. قوله: (عمل)، في محل الرفع لأنه صفة لقوله: أحد. قوله: (من ذلك)، أي: من العمل الذي عمله الأول.

180
4923 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمان بن زيد أن محمد بن سعد بن أبي وقاص أخبره أن أباه سعد بن أبي وقاص قال استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله قال عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب قال عمر فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن ثم قال أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك.
علي بن عبد الله المعروف بابن المديني، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه، وصالح هو ابن كيسان، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل عمر عن عبد العزيز بن عبد الله وإسماعيل بن عبد الله فرقهما، وأخرجه مسلم في الفضائل عن منصور بن أبي مزاحم وعن الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد. وأخرجه النسائي في المناقب وفي اليوم والليلة عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وفيه أربعة من التابعين وهم صالح ومن بعده.
قوله: (يكلمنه)، أي: يكلمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (ويستكثرنه)، أي: يطلبن كثيرا من كلامه وجوابه، ويحتمل أن يكون من العطاء، ويؤيده أنه ورد في رواية أنهن يردن النفقة. قوله: (عالية أصواتهن)، هذه الجملة وقعت حالا من الضمير الذي في: يكلمنه، وأصواتهن، بالرفع لأن اسم الفاعل يعمل عمله فعله، وعلو أصواتهن يحمل على أنه كان قبل النهي عن رفع الصوت، أو يحمل على أنه لاجتماعهن، حصل لغط من كلامهن أو يكون فيهن من هي جهيرة الصوت أو يحمل على أنهن لما علمن عفوه وصفحه سمحن في رفع الصوت. قوله: (يبتدرون)، أي: يتسارعن، والجملة حال من الضمير الذي في: قلن. قوله: (ورسول الله، صلى الله عليه وسلم يضحك)، جملة حالية. قوله: (أضحك الله سنك)، ليس دعاء بكثرة الضحك حتى يعارضه قوله تعالى: * (فليضحكوا قليلا) * (التوبة: 28). بل المراد لازمه وهو السرور، أو الآية ليست عامة شاملة له صلى الله عليه وسلم قاله الكرماني. وفيه نظر، والوجه هو الأول. قوله: (يهين) بفتح الهاء من: الهيبة. قوله: (أي: عدوات)، أي: يا عدوات. قوله: (أفظ وأغلظ)، والفظاظة والغلظ بمعنى واحد، هي عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب. فإن قلت: الأفظ والأغلظ يقتضي الشركة في أصل الفعل، فيلزم أن يكون رسول الله، صلى الله عليه وسلم فظا غليظا، وقد نفى الله عنه ذلك بقوله: * (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) * (آل عمران: 951). قلت: لا يلزم منه إلا نفس الفظاظة والغلظ، وهو أعم من كونه فظا غليظا، لأنهما صفة مشبهة يدلان على الثبوت والعام لا يستلزم الخاص أو الأفضل ليس بمعنى الزيادة، لقوله تعالى: * (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض) * (النجم: 23). هذا كله كلام الكرماني، وفي النفس منه قلق، والأوجه أن يقال: إنه على المفاضلة، وإن القدر الذي بينهما في رسول الله، صلى الله عليه وسلم هو ما كان إغلاظه على الكفار والمنافقين، قال الله تعالى: * (جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم) * (التوبة: 37، والتحريم: 9). قوله: (فجا) بفتح الفاء وتشديد الجيم هو: الطريق الواسع، وقيل: هو الطريق بين الجبلين، وقال عياض: يحتمل أنه ضرب مثلا لبعد الشيطان وأعوانه من عمر، رضي الله تعالى عنه، وأنه لا سبيل لهم عليهم، أي: إنك إذا سلكت في أمر بمعروف أو نهي عن منكر تنفذ فيه ولا تتركه فييأس الشيطان من أن يوسوس فيه فتتركه وتسلك غيره، وليس المراد به الطريق على الحقيقة، لأن الله تعالى: * (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) * (الأعراف: 72). فلا يخافه إذا في فج لأنه لا يراه. وقال الكرماني: فإن قلت: فيلزم من ذلك أن يكون عمر أفضل من أيوب النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قال: * (مسني الشيطان بنصب وعذاب) * (ص
1764;: 14). قلت: لا، إذ التركيب لا يدل إلا على الزمان الماضي

181
وذلك أيضا مخصوص بحال من الإسلام، فليس على ظاهره، وأيضا هو مقيد بحال سلوك الطريق، فجاز أن يلقاه في غير تلك الحالة. انتهى. قلت: الجواب الأخير موجه، والذي ذكرناه آنفا أوجه من الكل والله أعلم. وفيه فضل لين الجانب والرفق وفيه: فضل عمر رضي الله عنه وفيه حلم النبي صلى الله عليه وسلم غاية ما يكون
وفيه: لا ينبغي الدخول على أحد إلا بعد الاستئذان.
5923 حدثني إبراهيم بن حمزة قال حدثني ابن أبي حازم عن يزيد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أراه أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه.
إبراهيم بن حمزة، بالحاء المهملة والزاي: أبو إسحاق الزبيري الأسدي المديني، وابن أبي حازم عبد العزيز بن أبي حازم واسمه ثعلبة بن دينار، ويزيد، بالياء آخر
الحروف في أوله: هو يزيد بن الهاد، والهاد أحد أجداده لأن يزيد هذا هو ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد، ويقال: يزيد بن عبد الله بن شداد بن أسامة بن عمرو، وهو الهاد بن عبد الله ومحمد بن إبراهيم ابن الحارث أبو عبد الله التيمي القرشي المديني، مات سنة عشرين ومائة، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي، مات في زمن عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في الطهارة عن بشر بن الحكم. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن زنبور المكي.
قوله: (أراه) أي: أظنه. قوله: (فليستنثر)، أمر من الاستنثار، وهو نثر ما في الأنف بنفس. قاله الجوهري، وقيل: أن يستنشق الماء ثم يستخرج ما فيه من أذى أو مخاط، وكذلك الانتنثار، وقيل: فليستنثر أكثر فائدة من قوله: فليستنشق، لأن الاستنثار يقع على الاستنشاق بغير عكس، فقد يستنشق ولا يستنثر، والاستنثار من تمام فائدة الاستنشاق، لأن حقيقة الاستنشاق جذب الماء بريح الأنف إلى أقصاه، والاستنثار إخراج ذلك الماء. قلت: ومما يدل على أن الاستنثار غير الاستنشاق ما روى أنه صلى الله عليه وسلم، قال: إذا توضأ أحدكم فليجعل الماء في أنفه ثم ليستنثر، رواه أبو هريرة، وروى: أنه صلى الله عليه وسلم كان يستنشق ثلاثا في كل مرة يستنثر، وقد مر في كتاب الطهارة في: باب الاستنثار في الوضوء حديث أبي هريرة من رواية أبي إدريس عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر، وفي: باب الاستجمار أيضا من رواية الأعرج عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر..) الحديث، ومرت زيادة الكلام فيه هناك. قوله: (على خيشومه)، بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وضم المعجمة، قال الكرماني: هو أقصى الأنف، وفي (التوضيح): هو الأنف. وقال الداودي: هو المنخران والياء فيه زائدة، يقال: رجل أخشم إذا لم يجد رائحة الطيب، وقيل: الأخشم منتن الخيشوم، وقيل: الأخشم الذي لا يجد ريح الشيء أصلا وهو الخشام، والخشم ما يسيل من الخيشوم، ثم ظاهر الحديث يقتضي أن هذا يقع لكل نائم، ولكن يمكن أن يقال: هذا يقع لمن يحترس من الشيطان بشيء من الذكر، فإنه روي من حديث أبي هريرة: أن في ذكر الله حرزا من الشيطان.
21
((باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم))
أي: هذا باب في بيان وجود الجن، وفي بيان أنهم يثابون بالخير ويعاقبون بالشر، والكلام فيه على أنواع:
الأول: في وجود الجن: فقال الشيخ أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن وإن وجد فيهم من ينكر ذلك فكما يوجد في بعض طوائف المسلمين: كالجهمية والمعتزلة، من ينكر ذلك، وأن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرين بذلك، وهذا لأن وجود الجن قد تواترت به أخبار الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، تواترا معلوما بالاضطرار، وقال إمام الحرمين في كتابه (الشامل): اعلموا، رحمكم الله، إن كثيرا من الفلاسفة وجماهير القدرية وكافة الزنادقة أنكروا الشياطين والجن رأسا، ولا يبعد لو أنكر ذلك من لا يتدين ولا يتشبث بالشريعة، وإنما العجب

182
من إنكار القدرية مع نصوص القرآن وتواتر الأخبار واستفاضة الآثار. وقال أبو القاسم الأنصاري في (شرح الإرشاد): وقد أنكرهم معظم المعتزلة ودل إنكارهم إياهم على قلة مبالاتهم وركاكة ديانتهم، فليس في إثباتهم مستحيل عقلي، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على إثباتهم. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: وكثير من القدرية يثبتون وجود الجن قديما، وينفون وجودهم الآن، ومنهم من يقر بوجودهم ويزعم أنهم لا يرون لرقة أجسامهم ونفوذ الشعاع فيها، ومنهم من قال: إنما لا يرون لأنهم لا ألوان لهم. وقال عبد الجبار المعتزلي: الدليل على إثباتهم السمع دون العقل إذ لا طريق إلى إثبات أجسام غائبة، لأن الشيء لا يدل على غيره من غير أن يكون بينهما تعلق.
النوع الثاني في بيان ابتداء خلق الجن: قال أبو حذيفة إسحاق بن بشر القرشي في (المبتدأ): حدثنا عثمان بن الأعمش عن بكير بن الأخنس عن عبد الرحمن بن سليط القرشي عن ابن عباس عن عمرو بن العاص، قال: خلق الله الجن قبل آدم بألفي سنة، ويقال: عمروا الأرض ألفي سنة، وعن ابن عباس: كان الجن سكان الأرض والملائكة سكان السماء وهم عمارها. وقال إسحاق بن بشر: حدثني جويبر وعثمان بإسنادهما أن الله تعالى خلق الجن وأمرهم بعمارة الأرض، فكانوا يعبدون الله تعالى، فطال بهم الأمد فعصوا الله وسفكوا الدماء، وكان فيهم ملك يقال له: يوسف، فقتلوه فأرسل الله عليهم جندا من الملائكة كانوا في السماء الدنيا كان فيهم إبليس، وكانوا أربعة آلاف، فهبطوا فنفوا بني الجان وأجلوهم عنها وألحقوهم بجزائر البحر، وسكن إبليس والجند الذي كانوا معه الأرض فهان عليهم العمل وأحبوا المكث فيها.
النوع الثالث في بيان خلقهم مماذا؟ قال الله تعالى: * (وخلق الجان من مارج من نار) * (الرحمن: 51). وروى مسلم من حديث عائشة، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم). فثبت أن أصل الجن النار، كما أن أصل الإنس الطين. وحكى الله تعالى في القرآن عن قوله: * (خلقتني من نار) * (الأعراف: 21، وص
1764;: 67). فهذا أيضا يدل على أن أصل الجن النار. فإن قلت: يجوز أن يكذب في ذلك أو يظنه ولا يكون له علم به. قلت: لو لم يكن الأمر على ما قاله لأنزل الله تعالى تكذيبه، لأن عدم تكذيب الكاذب ممن لا يجوز عليه الخوف والجهل قبيح. فإن قلت: في النار من اليبس ما لا يصح وجود الحياة فيها والحياة في وجودها يحتاج إلى رطوبة. قلت: فالله قادر على أن يفعل رطوبة في تلك النار بمقدار ما يصح وجود الحياة فيها، مع أن أبا هاشم جوز وجود الحياة مع عدم التنفس، ويقول: إن أهل النار لا يتنفسون.
النوع الرابع: في أنهم أجسام وأنهم على صور مختلفة، قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي: الجن أجسام مؤلفة وأشخاص ممثلة، ويجوز أن
تكون رقيقة وأن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة خلافا للمعتزلة في قولهم: إنهم أجسام رقيقة ولرقتها لا نراهم قلنا: الرقة ليس بمانعة عن الرؤية في باب الرؤية، ويجوز أن تكون الأجسام الكثيفة موجودة ولا نراها إذا لم يخلق الله فينا الإدراك، وحكى أبو القاسم الأنصاري عن القاضي أبي بكر: نحن نقول إنما رآهم من رآهم لأن الله خلق لهم الرؤية، وأن من لم يخلق له الرؤية لا يراهم وأنهم أجساد مؤلفة وجثث، وقال كثير من المعتزلة: إنهم أجساد رقيقة بسيطة. وقال القاضي عبد الجبار: أجسام الجن رقيقة ولضعف أبصارنا لا نراهم لا لعلة أخرى، ولو قوى الله أبصارنا أو كثف أجسامهم لرأيناهم. وقال السهيلي: الجن ثلاثة أصناف، كما جاء في حديث: صنف على صور الحيات، وصنف على صورة كلاب سود، وصنف ريح طيارة. أو قال: هفافة ذو أجنحة، وهم يتصورون في صور الحيات والعقارب، وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير، وفي صور الطير، وفي صور بني أدم. وقال القاضي أبو يعلى: ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال في الصور، وإنما يجوز أن يعلمهم الله كلمات وضربا من ضروب الأفعال، إذا فعله وتكلم به نقله من صورة إلى صور أخرى. وأما أن يصور نفسه فذاك محال.
النوع الخامس: في أن الجن على أنواع منهم: الغول، وهو العفريت، قالوا: إن الغول حيوان لم تحكمه الطبيعة وأنه لما خرج منفردا توحش ولم يستأنس وطلب القفار، ويتلون في ضروب من الصور ويتراءى في الليل وفي أوقات الخلوات لمن كان مسافرا وحده فيتوهم أنه إنسان ويضل المسافر عن الطريق، ومنهم: السعلاة، وهي مغايرة للغول، وأكثر ما يوجد في الفيافي إذا ظفرت بإنسان ترقصه وتلعب به كما تلعب السنور بالفأر، ومنهم: الغدار، وهو يوجد بأكناف اليمن وربما يوجد في أرض

183
مصر إذا عاينه الإنسان خر مغشيا عليه. ومنهم: الولهان، يوجد في جزائر البحر وهو في صورة إنسان راكب على نعامة يأكل الناس الذين يقذفهم البحر، ومنهم: الشق، كنصف آدمي بالطول زعموا أن النسناس مركبه يظهر للناس في أسفارهم. ومنهم: من يأنس بالآدميين ولا يؤذيهم. ومنهم: من يختطف النساء الأبكار. ومنهم: من هو في صورة الوزغ. ومنهم: من هو على صورة الكلاب.
النوع السادس: في وجه تسمية الجن بهذا الاسم: قال ابن دريد: الجن خلاف الإنس، يقال: جنه الليل وأجنه وجن عليه وغطاه في معنى واحد: إذا ستره، وكل شيء استتر عنك فقد جن عنك، وبه سميت الجن، وكان أهل الجاهلية يسمون الملائكة جنا لاستتارهم عن العيون، والجن والجنة واحد، والجنة ما واراك من سلاح، قال: والحن بالحاء المهملة ضرب من الجن، قال الراجز:
يلعبن أحوالي من حن وجن
وقال أبو عمير الزاهد: الحن كلاب الجن وسفلتهم، ووقع في كلام السهيلي: في النتائج أن الجن يشمل الملائكة وغيرهم مما اجتن عن الأبصار.
النوع السابع: في بيان أن الجن هل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون؟ وللناس فيه أقوال: الأول: أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون، وهذا قول ساقط. الثاني: أن صنفا منهم يأكلون ويشربون وصنفا لا يأكلون ولا يشربون. الثالث: أن جميعهم يأكلون ويشربون. واختلفوا في صفة أكلهم وشربهم، فقال بعضهم: أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضع ولا بلع، وهذا قول لا يدل عليه دليل، وقال آخرون: أكلهم وشربهم مضغ وبلع، ويدل عليه ما رواه أبو داود من حديث أمية بن محشي، وفيه: ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر الله تعالى استقى ما في بطنه. وسئل وهب بن منبه عن الجن: ما هم؟ وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون ويموتون؟ فقال: هم أجناس، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون منهم: السعالي والغول والقطرب وغير ذلك، رواه أبو عمر بإسناده عنه.
النوع الثامن: في بيان تكليف الجن: قال أبو عمر: الجن عند الجماعة مكلفون مخاطبون. لقوله تعالى: * (يا معشر الجن والإنس) * (الأنعام: 031، والرحمن: 33). وذكر عن الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وأنهم ليسوا بمكلفين، وعلى القول بتكليفهم: هل لهم ثواب وعليهم عقاب أم لا؟ واختلف العلماء فيه على قولين: فقيل: لا ثواب لهم إلا النجاة من النار، ثم يقال لهم: كونوا ترابا مثل البهائم، وهو قول أبي حنيفة، حكاه ابن حزم وغيره عنه، وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا داود عن عمر والضبي حدثنا عفيف بن سالم عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم، قال: ثواب الجن أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم: كونوا ترابا. القول الثاني: أنهم يثابون على الطاعة ويعاقبون على المعصية، وهو قول ابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد، ونقل أيضا عن الشافعي وأحمد، وسئل ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، فقال: نعم، لهم ثواب وعليهم عقاب. واتفق العلماء على أن كافر الجن يعذب في الآخرة لقوله تعالى: * (النار مثواكم) * (الأنعام: 821). واختلفوا في مؤمني الجن، هل يدخلون الجنة؟ على أربعة أقوال: والجمهور على أنهم يدخلونها، حكاه ابن حزم في (الملل) عن ابن أبي ليلى، وأبي يوسف وجمهور الناس. قال: وبه نقول، ثم اختلفوا هل يأكلون ويشربون؟ فروى سفيان الثوري في (تفسيره) عن جويبر عن الضحاك أنهم يأكلون ويشربون، وعن مجاهد أنهم يدخلونها ولكن لا يأكلون ولا يشربون ويلهمون من التسبيح والتقديس ما يجده أهل الجنة من لذة الطعام والشراب، وذهب الحارث المحاسبي إلى أنهم يدخلون الجنة، نراهم يوم القيامة ولا يروننا عكس ما كانوا عليه في الدنيا. القول الثاني: إنهم لا يدخلون الجنة بل يكونون في ربضها يراهم الإنس من حيث لا يرونهم، وهذا القول مأثور عن مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد، حكاه ابن تيمية، وهو خلاف ما حكاه ابن حزم. القول الثالث: أنهم على الأعراف. القول الرابع: الوقف. وروى الحافظ أبو سعيد عن عبد الرحمن محمد بن الكنجرودي في (أماليه) بإسناده إلى الحسن عن أنس، رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب). فسألنا عن ثوابهم، فقال: على الأعراف، وليسوا في الجنة. فقالوا: ما الأعراف؟ قال: حائط الجنة تجري منه الأنهار وتنبت فيه الأشجار والثمار، وقال الحافظ الذهبي: هذا حديث منكر جدا، ثم إن مؤمني الجن إذا دخلوا الجنة هل يرون الله تعالى؟ فقد وقع في كلام عبد السلام في (القواعد الصغرى) ما يدل على أنهم لا يرون الله تعالى. وأن الرؤية مخصوصة بمؤمني البشر، فإنه صرح بأن الملائكة لا يرون الله تعالى في الجنة، ومقتضى هذا أن
الجن لا يرونه.
النوع التاسع: هل كان فيهم نبي منهم أو لا؟ فروى

184
الطبري من طريق الضحاك بن مزاحم، إثبات ذلك، وجمهور العلماء سلفا وخلفا على أنه لم يكن من الجن نبي قط ولا رسول، ولم تكن الرسل إلا من الإنس، ونقل هذا عن ابن عباس وابن جريج ومجاهد والكلبي وأبي عبيد والواحدي، وذكر إسحاق بن بشر في (المبتدأ): عن ابن عباس أن الجن قتلوا نبيا لهم قبل آدم، عليه الصلاة والسلام، اسمه يوسف، وأن الله تعالى بعث إليهم رسولا وأمرهم بطاعته. ومن ذهب إلى قول الضحاك يستدل أيضا بقوله تعالى: * (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم...) * (الأنعام: 031). الآية.
النوع العاشر: في بيان فرق الجن قد أخبر الله تعالى عن الجن أنهم قالوا: * (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا) * (الجن: 11). أي: مذاهب شتى مسلمون ويهود، وكان جن نصيبين يهودا. وقال الإمام أحمد في (كتاب الناسخ والمنسوخ): حدثنا مطلب بن زياد عن السدي، قال: في الجن قدرية ومرجئة وشيعة، وحكى السدي أيضا عن أشياخه أن في الجن المؤمن والكافر والمعتزلة والجهمية وجميع الفرق.
فوائد: قال الحسن البصري: الشياطين أولاد إبليس لا يموتون إلا معه، والجن يموتون قبله. وقال إسحاق: قال أبو روق عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لما خلق الله شوما أبا الجن، وهو الذي خلق من مارج من نار، فقال تبارك وتعالى: تمن. فقال: أتمنى أن نرى ولا نرى، وأن نغيب في الثرى، وأن يصير كهلنا شابا. فأعطي ذلك، فهم يرون ولا يرون، وإذا ماتوا غيبوا في الثرى ولا يموت كهلهم حتى يعود شابا، يعني: مثل الصبي ثم يرد إلى أرذل العمر. وسئل أبو البقاء العكبري الحنبلي عن الجن: (هل تصح الصلاة خلفهم؟ قال: نعم، لأنهم مكلفون، والنبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم.
لقوله تعالى * (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي) * إلى قوله * (عما يعملون) * (الأنعام: 031).
اللام في: لقوله، للتعليل للترجمة لأجل الاستدلال به، وجه الاستدلال إن قوله تعالى: ينذرونكم، يدل على العقاب، وقوله: * (ولكل درجات مما عملوا) * (الأنعام: 231، والأحقاف: 91). يدل على الثواب، وتمام الآية.
بخسا نقصا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا) * (الجن: 31). فسر البخس بقوله: (نقصا) قال الفراء: البخس: النقص، والرهق: الظلم، فدلت الآية أن من يكفر يخاف، والخوف يدل على كون الجن مكلفين لأن الآية فيهم.
وقال مجاهد * (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) * (الصافات: 851). قال كفار قريش الملائكة بنات الله وأمهاتهم بنات سروات الجن قال الله: * (ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون) * (الصافات: 851). ستحضر للحساب * (جند محضرون) * (ي
1764; س: 57). عند الحساب
أي: قال مجاهد في تفسير قوله تعال: * (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) * أن كفار قريش قالوا: إن الملائكة بنات الله وأمهات الملائكة هن بنات سروات الجن أي: ساداتهم، والسروات جمع سراة جمع سري وهو نادر شاذ، لأن فعلات لا يجمع على فعلة، كذا قاله صاحب (التوضيح)، وليس كذلك، والصواب ما قاله الجوهري: السرو سخاء في مروءة، يقال: سرا يسرو سري بالكسر يسري سروا فيهما، وسرو يسرو سراوة، أي: صار سريا، وجمع السري: سراة، وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة، ولا يعرف غيره، وجمع السراة سراوات، وأثر مجاهد المعلق أخرجه ابن جرير من حديث ابن أبي نجيح عنه بزيادة، فقال أبو بكر: فمن أمهاتهن؟ فقالوا: بنات سروات الجن، يحسبون أنهم خلقوا مما خلق منه إبليس، لعنه الله. انتهى. ووقع ههنا أمهاتهن، والصواب: أمهاتهم، مثل ما وقع في رواية البخاري. قوله قال الله تعالى: * (ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون) * (الصافات: 851). وقبله: * (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) * (الصافات: 851). أي: جعل مشركو مكة بينه أي: بين الله وبين الجنة نسبا، وهو زعمهم أن الملائكة بنات الله سموا الملائكة جنة لاجتنانهم عن الأبصار، والمعنى: جعلوا بما قالوه نسبة بين الله وبين الملائكة، وأثبتوا بذلك جنسية جامعة لله وللملائكة تعال الله عن ذلك علوا كبيرا، وقال الكلبي: قالوا لعنهم الله بل تزوج من الجن فخرج منها الملائكة يقال لهم: الجن، ومنهم إبليس هم بنات الله تعالى الله عن ذلك، وقال الحسن: أشركوا الشيطان في عبادة الله فهو النسب الذي

185
جعلوه. قوله: * (ولقد علمت الجنة إنهم) * (الصافات: 851). أي: إن قائلي هذا القول * (لمحضرون) * (الصافات: 851). في النار، وإذا فسرت الجنة بالشياطين يجوز أن يكون الضمير في: إنهم، للشياطين، والمعنى: ولقد علمت الشياطين إنهم لمحضرون يعني: أن الله يحضرهم في النار ويعذبهم. قوله: * (جند محضرون) * (ي
1764; س: 57). هذا في آخر سورة يس، ولا تعلق له بالجن، لكن ذكر لمناسبة الإحضار للحساب، وأول الآية * (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) * (ي
1764; س: 57). أشار الله تعالى بهذه الآية إلى زيادة ضلالهم ونهايتها، فإنه كان الواجب عليهم عبادة الله شكرا لأنعمه فكفروها، وأقبلوا على عبادة من لا يضرهم ولا ينفعهم لعلهم ينصرون، أي: ليمنعهم من عذاب الله، ولا يكون ذلك ولا يستطيعون نصرهم، أي: خاب أملهم، والأمر على خلاف ما توهموا وتوقعوا، وهم لهم جند محضرون لعذابهم لأنهم مع أوثانهم في النار، فلا يدفع بعضهم عن بعض النار لأنهم يجعلون وقود النار. وقال الكرماني: ويحتمل أن يقال: لفظ: آلهة، في الآية
متناول للجن لأنهم أيضا اتخذوهم معابيد، والله أعلم. قلت: كأنه أشار بهذا إلى وجه مناسبة ذكر قوله: * (جند محضرون) * (يس: 57). ههنا بما ذكره هو، وقال بعضهم: وقع في رواية الكشميهني: (جند محضر)، بالإفراد. قلت: الصواب: محضرون، لأن القرآن هكذا.
31
((باب قول الله جل وعز: * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) * إلى قوله * (أولئك في ضلال مبين) * (الأحقاف: 92 23).))
أي: هذا باب في بيان تفسير قوله تعالى: * (وإذ صرفنا) * (الأحقاف: 92 23). فعن قريب نذكر تفسير: صرفنا، وتمام الآية وما بعدها إلى قوله: * (أولئك في ضلال مبين) * (الأحقاف: 92 23). هو قوله تعالى: * (يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين) * (الأحقاف: 92 23). وإنما ذكر بعض هذه الآية ثم قال إلى قوله أولئك في ضلال مبين إشارة إلى أموره الأول فيه دلالة على وجود الجن. الثاني: أشار به إلى أن في الجن مؤمنين. الثالث: أشار به إلى أن المؤمنين منهم لهم الثواب والكافرين منهم عليهم العقاب. قوله: (وإذ صرفنا)، العامل في: وإذ، محذوف تقديره: واذكر حين صرفنا إليك، ونذكر معنى: صرفنا، حين ذكره البخاري عن قريب، قال المفسرون: لما بين الله تعالى أن الإنس منهم من آمن ومنهم من كفر، بين أن الجن أيضا منهم من آمن ومنهم من كفر، وأن مؤمنهم معرض للثواب وأن كافرهم معرض للعقاب. قوله: (نفرا) مفعول: صرفنا، والنفر دون العشرة، وملاقاة هؤلاء الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خبر ثقيف، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي، فمر به نفر من جن أهل نصيبين، وكان سبب ذلك أن الجن كانت تسترق السمع، فلما

186
حرست السماء ورجموا بالشهب، قال إبليس: إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث في الأرض. فبعث سرايا ليعرف الخبر فكان أول بعث ركب من أهل نصيبين، وهم أشراف الجن وساداتهم، فبعثهم إلى تهامة فاندفعوا حتى بلغوا وادي نخلة فوجدوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصلي صلاة الغداة ويتلو القرآن. فاجتمعوا إليه قالوا: أنصتوا يعني: اصغوا إلى قراءته. قوله: (فلما قضى) أي: فلما فرغ صلى الله عليه وسلم: من تلاوته، ولوا أي: رجعوا إلى قومهم منذرين، أي: محذرين عذاب الله إن لم يؤمنوا. قوله: (قالوا: يا قومنا) يعني: قالوا لهم إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى، ذهب بعضهم إلى أنهم كانوا يهود، ولهذا قالوا: من بعد موسى، وعن ابن عباس: كانت الجن لم تسمع بأمر عيسى، عليه الصلاة والسلام، فلذلك قالوا: من بعده موسى. قوله: (مصدقا) صفة لقوله: كتابا، يعني: مصدقا لما بين يديه من الكتب. قوله: (يهدي إلى الحق)، صفة للكتاب بعد صفة، وكذلك قوله: إلى طريق مستقيم، قوله: (قولوا)، يعني: قالوا لقومهم أجيبوا داعي الله، أي: النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ويجركم من عذاب أليم) أي: من عذاب النار، وقالوا أيضا: ومن لا يجب داعي الله، أي: الرسول، ولم يؤمن به. قوله: (فليس بمعجز في الأرض) أي: لا ينجي منه مهرب ولا يسبق قضاءه سابق. قوله: (أولياء) أي: أنصار يمنعونه منه، وعن ابن عباس أن هؤلاء الجن كانوا سبعة من جن نصيبين فجعلهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رسلا إلى قومهم، وقيل: كانوا تسعة، وقيل: كانوا اثني عشر ألفا. والسورة التي كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقرؤها سورة * (إقرأ باسم ربك) * (العلق: 1). وذكر ابن دريد من أسماء هؤلاء الجن خمسة، وهم: سامر ومامر ومنسى وماسي والأحقب، وذكر ابن سلام في (تفسيره) عن ابن مسعود: ومنهم: عمرو ابن جابر، وذكر ابن أبي الدنيا: زوبعة، ومنهم: سرق، وفي (تفسير عبد بن حميد): كانوا من نينوى، وأتوه بنخلة وقيل: بشعب الحجون.
مصرفا معدلا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولم يجدوا عنها مصرفا) * (الكهف: 35). وفسره بقوله: معدلا، وبه فسر أبو عبيدة.
صرفنا أي وجهنا
أشار به إلى ما في الآية المذكورة من قوله: * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) * (الأحقاف: 92). وفسر: صرفنا، بقوله: وجهنا، وقيل: معناه أملنا إليك، وقيل: أقبلنا بهم نحوك، وقيل ألجأناهم، وقيل: وفقناهم بصرفنا إياهم عن بلادهم إليك، والله أعلم.
41
((باب قول الله تعالى * (وبث فيها من كل دابة) * (البقرة: 461).))
أي: هذا باب في بيان قول الله تعالى: * (وبث فيها من كل دابة) * (البقرة: 461).
قال ابن عباس: الثعبان الحية الذكر منها
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فإذا هي ثعبان مبين) * (الأعراف: 701، والشعراء: 23). وهذا التعليق أخرجه الطبري في (تفسيره) من حديث شهر ابن حوشب عنه، حيث قال في قوله تعالى: * (فإذا هي ثعبان مبين) * (الأعراف: 701، والشعراء: 23). وفسر الثعبان بأنه الحية الذكر، وقيد بقوله: الذكر، لأن لفظ الحية يقع على الذكر والأنثى، وليست التاء فيه للتأنيث، وإنما هي كتاء تمرة ودجاجة، وقد روي عن العرب: رأيت حيا على حية، أي: ذكرا على أنثى.
يقال: الحيات أجناس الجنان والأفاعي والأساود
هذا من كلام البخاري، وفي رواية الأصيلي: الجنان أجناس، وقال عياض: والصواب هو الأول، والجنان، بكسر الجيم وتشديد النون وبعد الألف نون أيضا، وقال
ابن الأثير: الجنان تكون في البيوت واحدها جان وهو الدقيق الخفيف، والجان: الشيطان أيضا. قوله: (والأفاعي) جمع أفعى، وهو ضرب من الحيات، وأهل الحجاز يقولون: أفعو، وجاء في حديث ابن عباس: لا بأس بقتل الأفعو، أراد: الأفعى، وقلب ألفها واوا في الوقف، ومنهم من يقلب الألف ياء في الوقف، وبعضهم

187
يشدد الواو والياء وهمزته زائدة، والأفوعان، بالضم: ذكر الأفاعي، وكنية الأفعى أبو حيان، وأبو يحيى لأنه يعيش ألف سنة وهو الشجاع الأسود الذي يواثب الإنسان، ومن صفة الأفعى إذا فقئت عينها عادت ولا تغمض حدقتها البتة. قوله: (والأساود) جمع الأسود، وهو العظيم من الحيات، وفيه سواد، ويقال: هو أخبث الحيات، ويقال له: أسود سالخ لأنه يسلخ جلده كل عام، وفي (سنن أبي داود والنسائي): عن ابن عمر مرفوعا: (أعوذ بالله من أسد وأسود)، وقيل: الأسود: حية رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس، وربما كان ذا قرنين. وقال ابن خالويه: ليس في كلام العرب أسماء الجنان وصفاتها إلا ما أذكره. وعد لها نحوا من سبعين إسما منها: الشجاع الأرقم الأسود الأفعى الأبتر الأعيرج الأصلة الصل الجان الجنان والجرارة والرتيلاء، وذكر الجاحظ أيضا أنواعها، منها: المكللة الرأس، طولها شبران أو ثلاثة إن حاذى جحرها طائر سقط ولا يحس بها حيوان إلا هرب فإن قرب منها حدر ولم يتحرك وتقتل بصفيرها، ومن وقع عليه نظرها مات، ومن نهشته ذاب في الحال، ومات كل من قرب من ذلك الميت من الحيوان، فإن مسها بعصا هلك بواسطة العصا، وقيل: إن رجلا طعنها برمح فمات هو ودابته في ساعة واحدة قال: وهذا الجنس كثير ببلاد الترك.
آخذ بناصيتها في ملكه وسلطانه
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) * (هود: 65). أي: في ملكه وسلطانه، وقال أبو عبيدة: أي: في قبضته وملكه وسلطانه، وخص الناصية بالذكر على عادة العرب في ذلك تقول: ناصية فلان في يد فلان، إذا كان في طاعته، ومن ثمة كانوا يجزون ناصية الأسير إذا أطلقوه.
يقال صافات بسط أجنحتهن يقبضن يضربن بأجنحتهن
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ألم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن) * (الملك: 91). أي: باسطات أجنحتهن ضاربات بها، وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: * (صافات) * قال: بسط أجنحتهن.
7923 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا هشام بن يوسف حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يقول اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يطمسان البصر ويسقطان الحبل..
مطابقته للترجمة من حيث إن ذا الطفيتين من جملة ما يطلق عليه اسم الدابة، وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي، والحديث أخرجه مسلم في الحيوان عن عبد بن حميد.
قوله: (ذا الطفيتين)، بضم الطاء وسكون الفاء: هو ضرب من الحيات في ظهره خطان أبيضان، والطفية أصلها خوص المقل، فشبه الخط الذي على ظهر هذه الحية به، وربما قيل: لهذه الحية، طفية على معنى: ذات طفية، وقد يسمى الشيء باسم ما يجاوره، وقيل: هما نقطان، حكاه القاضي، قال الخليل: وهي حية خبيثة. قوله: (والأبتر) هو مقطوع الذنب. وقال النضر بن شميل: هو أزرق اللون لا تنظر إليه حامل إلا ألقت، وقيل: الأبتر الحية القصيرة الذنب. قال الداودي: هو الأفعى التي تكون قدر شبر أو أكثر قليلا. قوله: (يطمسان البصر)، يمحوان نوره، وفي رواية ابن أبي مليكة عن ابن عمر: ويذهب البصر، وفي حديث عائشة: فإنه يلتمس البصر. قوله: (ويسقطان الحبل)، ويروى (يستسقطان) بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة، وهو الجنين، وفي رواية ابن أبي مليكة التي تأتي بعد أحاديث: فإنه يسقط الولد، وفي رواية عن عائشة ستأتي بعد أحاديث: وتصيب الحبل، وفي رواية أخرى عنها: تذهب الحبل، والكل بمعنى واحد، وإنما أمر بقتلها لأن الجن. لا تتمثل بها، ولهذا أدخل البخاري حديث ابن عمر في الباب ونهى عن قتل ذوات البيوت، لأن الجن تتمثل بها، قاله الداودي.
(قال عبد الله فبينا أنا أطارد حية لأقتلها فناداني أبو لبابة لا تقتلها فقلت إن رسول الله
قد أمر بقتل الحيات قال إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت وهي العوامر)

188
أي قال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قوله ' أطارد حية ' أي أطلبها وأتبعها لأقتلها أي لأن أقتلها قوله ' فناداني أبو لبابة ' بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة الأولى واسمه رفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء على الأصح ابن عبد المنذر الأوسي النقيب قاله الكرماني وفي التوضيح اسمه بشير بفتح الباء وكسر الشين المعجمة ابن عبد المنذر بن رفاعة بن زنبور بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن أوس رده رسول الله
من الروحاء حين خرج إلى بدر واستعمله على المدينة وضرب له بسهم وأجره وتوفي بعد قتل عثمان رضي الله تعالى عنه وأخوه مبشر بن عبد المنذر شهد بدرا وقتل بها وأخوهما رفاعة بن عبد المنذر شهد العقبة وبدرا وقتل بأحد وليس له عقب ذلك كله ابن سعد في الطبقات وقال أبو عمر بشير بن عبد المنذر أبو لبابة الأنصاري غلبت عليه كنيته واختلف في اسمه فقيل رفاعة بن عبد المنذر كذا قاله موسى بن عقبة عن ابن شهاب وكذا قال ابن هشام وخليفة وقال أحمد بن زهير سمعت أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان أبو لبابة اسمه رفاعة بن عبد المنذر وقال ابن إسحاق كان نقيبا شهد العقبة وشهد بدرا وزعم قوم أنه والحارث بن حاطب خرجا مع رسول الله
إلى بدر فرجعهما وأمر أبا لبابة على المدينة وضرب له بسهم مع أصحاب بدر قال ابن هشام ردهما من الروحاء وقال أبو عمر قد استخلف رسول الله
أبا لبابة على المدينة أيضا حين خرج إلى غزوة السويق وشهد مع رسول الله
أحدا وما بعدها من المشاهد وكانت معه راية بني عمرو بن عوف في غزوة الفتح مات في خلافة علي رضي الله تعالى عنه (قلت) ليس له في الصحيح إلا هذا الحديث
قوله ' قال إنه نهى بعد ذلك ' أي قال أبو لبابة أن النبي
نهى بعد أمره بقتل الحيات عن قتل ذوات البيوت أي الساكنات فيها ويقال لها الجنان وهي حيات طوال بيض قلما تضر وفي رواية الترمذي عن ابن المبارك أنها الحية التي تكون كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها قوله ' وهي العوامر ' قيل أنه من كلام الزهري مدرج في الخبر وقد بينه معمر في روايته عن الزهري فساق الحديث وقال في آخره وقال وهي العوامر سميت بها لطول عمرها وقال الجوهري عمار البيوت سكانها من الجن وقيل سميت بها لطول لبثهن في البيوت مأخوذ من العمر بالفتح وهو طول البقاء وروى مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعا أن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئا فخرجوا عليه ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه ومعنى فخرجوا عليه أن يقال له أنت في حرج أي ضيق إن لبثت عندنا أو ظهرت لنا أو عدت إلينا ومعنى ثلاثا أي ثلاث مرات وقيل ثلاثة أيام وإن كانت في الصحارى والأودية تقتل من غير إيذان لعموم قوله
' خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم فذكر منهن الحية وجاء في حديث آخر ' من تركهن مخافة شرهن فليس منا ' ثم اعلم أن ظاهر الحديث التعميم في البيوت وعن مالك تخصيصه ببيوت أهل المدينة وقيل يختص ببيوت المدن دون غيرها
(وقال عبد الرزاق عن معمر فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب)
عبد الرزاق بن همام الصنعاني ومعمر هو ابن راشد أراد بهذا أن معمرا روى الحديث عن الزهري بهذا الإسناد على الشك في اسم الذي لقي عبد الله بن عمر أبو لبابة أو زيد بن الخطاب هو أخو عمر بن الخطاب لأبيه وله في الصحيح هذا الحديث استشهد باليمامة ورواية عبد الرزاق هذه رواها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أحمد والطبراني من طريقه
(وتابعه يونس وابن عيينة وإسحاق الكلبي والزبيدي)
أي تابع معمرا يونس بن يزيد على الشك في اسم الذي لقي عبد الله بن عمر هل هو أبو لبابة أو زيد بن الخطاب وهذه المتابعة وصلها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أبو عوانة قوله ' وابن عيينة ' أي تابع معمرا أيضا في الشك سفيان بن عيينة وهذه المتابعة وصلها مسلم وقال حدثني عمرو بن محمد الناقد حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي
' اقتلوا الحيات وذات الطفيتين والأبتر فإنهما يستسقطان الحبل ويلتمسان البصر ' قال فكان ابن عمر يقتل كل حية وجدها فأبصره أبو لبابة بن عبد المنذر أو زيد بن الخطاب وهو يطارد حية فقال إنه قد نهي عن ذوات البيوت قوله ' وإسحاق الكلبي أي تابع معمرا أيضا في الشك إسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي قوله ' والزبيدي ' أي تابع معمرا أيضا في الشك محمد بن الوليد

189
الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة الحمصي وهذه المتابعة وصلها مسلم وقال حدثنا حاجب بن الوليد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال سمعت رسول الله
يأمر بقتل الكلاب يقول اقتلوا الحيات والكلاب واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يلتمسان البصر ' الحديث وفيه بينا أنا أطارد حية يوما من ذوات البيوت مر بي زيد بن الخطاب أو أبو لبابة إلى آخره
(وقال صالح وابن أبي حفصة وابن مجمع عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رآني أبو لبابة وزيد بن الخطاب)
صالح هو ابن كيسان الهذلي وابن أبي حفصة اسمه محمد بن أبي حفصة واسم أبي حفصة ميسرة البصري وابن مجمع بضم الميم وفتح الجيم وكسر الميم وقيل بفتحها وهو إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن يزيد بن حارثة بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن أوس الأنصاري المدني وهؤلاء الثلاثة رووا الحديث عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر وفي روايتهم رآني أبو لبابة وزيد بن الخطاب بواو الجمع بلا شك * أما تعليق صالح فوصله مسلم من حديثه عن أبي صالح عن الزهري بهذا الإسناد وأشار به إلى الإسناد الذي قبله ثم قال غير أن صالحا قال حتى رآني أبو لبابة بن عبد المنذر وزيد بن الخطاب فقالا أنه قد نهي عن ذوات البيوت. وأما تعليق ابن أبي حفصة فوصله أبو أحمد بن عدي. وأما تعليق ابن مجمع فوصله البغوي وابن السكن في كتاب الصحابة والله أعلم *
((باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال))
أي هذا باب في بيان أن خير مال المسلم غنم وهو اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور وعلى الإناث وعليهما جميعا فإذا صغرتها ألحقتها الهاء فقلت غنيمة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث فيها لازم قوله ' شعف الجبال ' بفتح الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبالفاء جمع شعفة وشعفة كل شيء أعلاه ويجمع على شعاف أيضا والمراد به هنا رأس الجبال
102 - (حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله
يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب من الدين الفرار من الفتن فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن مسلمة عن مالك إلى آخره نحوه وقال الكرماني روى بنصب خير ورفع غنم وبرفعهما وبرفع الخير ونصب الغنم ولم يذكر وجه ذلك فوجهه أن في الأول نصب لأنه خبر يكون مقدما
ورفع غنم لأنه اسمه وفي الثاني يكون تامة وفي الثالث رفع خير لأنه اسم يكون ونصب غنم لأنه خبره قوله ' ومواقع القطر ' أي المطر يعني الأودية والصحارى وقد مضى الكلام فيه مستوفي هناك
103 - (حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
قال رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين من أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم)

190
مطابقته للترجمة في قوله في الغنم * وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز الأعرج * والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن يحيى عن مالك قوله ' رأس الكفر نحو المشرق ' وفي رواية الكشميهني ' قبل المشرق ' بكسر القاف وفتح الباء أي من جهته يريد أنه كان في عهده حين قال ذلك * وفيه إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة وكانوا في غاية القوة والكثرة والتجبر حتى أن ملكهم مزق كتاب رسول الله
والدجال أيضا يأتي من المشرق من قرية تسمى رستاباذ فيما ذكره الطبري ومن شدة أكثر أهل المشرق كفرا وطغيانا أنهم كانوا يعبدون النار وأن نارهم ما انطفأت ألف سنة وكان الذين يخدمونها وهم السدنة خمسة وعشرون ألف رجل قوله ' والفخر ' بالخاء المعجمة مشهور ومنه إعجاب النفس قوله ' والخيلاء ' بضم الخاء المعجمة وفتح الياء آخر الحروف مخففة وبالمد الكبر واحتقار غيره قوله ' والفدادين ' قال الخطابي الفدادون يفسر على وجهين أن يكون جمعا للفداد وهو الشديد الصوت من الفديد وذلك من دأب أصحاب الإبل إذا رويته بتشديد الدال من فد إذا رفع صوته والوجه الآخر أنه جمع الفدان وهو آلة الحرث وذلك إذا رويته بالتخفيف يريد أهل الحرث وقال القزاز الفدادون بتشديد الدال جمع فداد وهو من بلغت إبله مائتين وألفا إلى أكثر وقال أبو عبيدة نحوه وهم المكثرون من الإبل جفاة وأهل خيلاء وقال أبو العباس هم الجمالون والرعيان والبقارون والحمالون وقال الأصمعي هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم قال والفديد الصوت الشديد وقال أبو عمرو الشيباني هو بالتخفيف جمع فداد بالتشديد وهو عبارة عن البقرة التي يحرث عليها وأهلها أهل جفاء لبعدهم حكاه أبو عبيدة وأنكر عليه وعلى هذا المراد بذلك أصحابها بحذف مضاف وقال القرطبي أما الحديث فليس فيه إلا رواية التشديد وهو الصحيح على ما قاله الأصمعي وغيره وقال ابن فارس في الحديث الجفاء والقسوة في الفدادين قال يريد أصحاب الحروث والمواشي قال فديدهم أصواتهم وجلبتهم وقال الخطابي إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم عليه عن أمور دينهم وتلهيهم عن أمر الآخرة وتكون منها قساوة القلب ونحوها قوله ' من أهل الوبر ' بفتح الواو والباء الموحدة هو بيان الفدادين والمراد منه ضد أهل المدر فهو كناية عن سكان الصحارى قال الكرماني فإن أريد الوجه الأول من الوجهين يعني اللذين ذكرهما الخطابي فهو تعميم بعد تخصيص واستشكل بعضهم ذكر الوبر بعد ذكر الخيل وقال لأن الخيل لا وبر لها وأجيب بأنه لا إشكال فيه لأن قوله من أهل الوبر بيان الفدادين كما ذكرناه قوله ' والسكينة في الغنم ' أي السكون والطمأنينة والوقار والتواضع وقال ابن خالويه السكينة مصدر سكن سكينة وليس في المصادر له شبيه إلا قولهم عليه ضريبة أي خراج معلوم
103 - (حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن إسماعيل قال حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود قال أشار رسول الله
بيده نحو اليمن فقال الإيمان يمان هنا ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر)
هذا الحديث وما بعده من الأحاديث التي ليس بينها وبين الترجمة المذكورة مطابقة ولا مناسبة وإنما كان اللائق أن تكون هذه الترجمة لحديث ابن مسعود وأبي هريرة فقط لأن فيهما ذكر الغنم والبقية كان ينبغي أن تكون في الترجمة التي هي باب قوله تعالى * (وبث فيها من كل دابة) * لوجود المطابقة فيها قيل ولهذا سقطت هذه الترجمة من رواية النسفي ولم يذكرها أيضا الإسماعيلي
(ذكر رجال الحديث) يحيى هو ابن سعيد القطان وإسماعيل بن أبي خالد وقيس بن أبي حازم البجلي وعقبة بن عمرو الأنصاري البدري وكنيته أبو مسعود * والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطلاق عن ابن المثنى عن يحيى وفي مناقب

191
قريش عن علي بن عبد الله وفي المغازي عن عبد الله بن محمد وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر عن أبي أسامة وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن أبي كريب وعن يحيى بن حبيب
(ذكر معناه) قوله ' أشار رسول الله
بيده نحو اليمن ' لأنه كان بتبوك وقال هذا القول وأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة يومئذ بينه وبين اليمن وقيل قال
هذا القول وكان بالمدينة لأن كونها هو الغالب عليه وعلى هذا تكون الإشارة إلى سياق أهل اليمن وقال النووي أشار إلى اليمن وهو يريد مكة والمدينة ونسبهما إلى اليمن لكونهما من ناحيته قوله ' الإيمان يمان ' إنما قال ذلك لأن الإيمان بدأ من مكة وهي من تهامة وتهامة من أرض اليمن ولهذا يقال الكعبة اليمانية وقيل إنما قال هذا القول للأنصار لأنهم يمانون وهم نصروا الإيمان والمؤمنين وآووهم فنسب الإيمان إليهم وهذا غريب وأغرب منه قول الحكيم الترمذي أنه إشارة إلى أويس القرني وقيل سبب الثناء على أهل اليمن إسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم للبشرى حين لم يقبلها بنو تميم وفي رواية أتاكم أهل اليمن ألين قلوبا وأرق أفئدة يريد بلين القلوب سرعة خلوص الإيمان في قلوبهم ويقال الفؤاد غشاء القلب والقلب جثته وسويداؤه فإذا رق الغشاء أسرع نفوذ الشيء إلى ما وراءه وقال أبو عبيد إنما بدأ الإيمان من مكة لأنها مولده ومبعثه ثم هاجر إلى المدينة ويقال أن مكة من أرض تهامة وتهامة من أرض اليمن ولهذا سمى مكة وما وليها من أرض اليمن تهائم فمكة على هذا يمانية فإن قلت الإيمان يمان مبتدأ وخبر فكيف يصح حمل اليمان عليه قلت أصله الإيمان يماني بياء النسبة فحذفوا الياء للتخفيف كما قالوا تهامون وأشعرون وسعدون قوله ' ألا إن القسوة وغلظ
القلوب ' قال السهيلي إنهما لمسمى واحد كقوله ' إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ' البث هو الحزن وقال القرطبي القسوة يراد بها أن تلك القلوب لا تلين ولا تخشع لموعظة وغلظها عدم فهمها وقد مضى تفسير الفدادين قوله ' عند أصول أذناب الإبل ' أي أنهم يبعدون عن الأنصار فيجهلون معالم دينهم قاله الداودي قوله ' حيث يطلع قرنا الشيطان ' أي جانبا رأسه وقال الخطابي ضرب المثل بقرني الشيطان فيما لا يحمد من الأمور والمراد بذلك اختصاص المشرق بمزيد تسلط من الشيطان ومن الكفر قوله ' في ربيعة ومضر ' يتعلق بقوله في الفدادين أي المصوتين عند أذناب الإبل وهو في جهة المشرق حيث هو مسكن هاتين القبيلتين ربيعة ومضر قال الكرماني يحتمل أن يكون في ربيعة ومضر بدلا من الفدادين وعبر عن المشرق بقوله حيث يطلع قرنا الشيطان وذلك أن الشيطان ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين قرني رأسه أي جانبيه فتقع السجدة حين تسجد عبدة الشمس لها
104 - (حدثنا قتيبة قال حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
قال إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطانا)
جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة القرشي من أهل مصر يروي عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة وهذا الحديث أخرجه الأئمة الخمسة عن شيخ واحد وهو قتيبة بن سعيد فالبخاري هنا عن قتيبة عن الليث بن سعد ومسلم عنه في الدعوات وأبو داود عنه في الأدب والترمذي عنه في الدعوات والنسائي عنه في التفسير وفي اليوم والليلة الكل عن قتيبة عن الليث قوله ' الديكة ' بكسر الدال المهملة وفتح الياء آخر الحروف جمع ديك ويجمع في القلة على أدياك وفي الكثرة على ديوك وديكة وأرض مداكة ومديكة كثيرة الديوك وقال ابن سيده الديك ذكر الدجاج وعن الداودي وقد يسمى الديك دجاجة والدجاجة تقع على الذكر والأنثى قوله ' فإنها رأت ملكا ' بفتح اللام فلذلك أمر بالدعاء عند صياحها لتؤمن الملائكة على ذلك وتستغفر له وتشهد له بالتضرع والإخلاص فيوافق الدعوات فتقع الإجابة ومنها يؤخذ استحباب الدعاء عند حضور الصالحين وفي صحيح ابن حبان ' لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة '

192
وفي رواية البزار صرخ ديك قريب من رسول الله
فقال رجل اللهم العنه فقال النبي
' مه كلا إنه يدعو إلى الصلاة ' وللديك خاصية ليست لغيره من معرفة الوقت الليلي فإنه يقسط أصواته فيها تقسيطا لا يكاد يخطأ ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده سواء طال الليل أو قصر * وفيه دلالة أن الله تعالى جعل للديك إدراكا وكذلك جعل للحمير وإن كل نوع من الملائكة والشياطين موجود قطعا قوله ' نهيق الحمار ' وهو صوته المنكر وإنما أمر بالتعوذ عنده لحضور الشيطان فيخاف من شره فيتعوذ منه وروى أبو موسى الأصبهاني في ترغيبه من حديث أبي رافع قال قال رسول الله
' لا ينهق الحمار حتى يرى شيطانا أو يمثل له شيطان فإذا كان كذلك فاذكروا الله تعالى وصلوا علي '
(فائدة) قال الداودي ينبغي أن يتعلم من الديك خمسة أشياء حسن الصوت. والقيام بالسحر. والسخاء. والغيرة. وكثرة النكاح
105 - (حدثنا إسحاق قال أخبرنا روح قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله
إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا * قال وأخبرني عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله نحو ما أخبرني عطاء ولم يذكر واذكروا اسم الله)
إسحاق هذا هو ابن راهويه كما عند أبي نعيم وقال الكرماني هو إسحاق بن منصور (قلت) هو ابن منصور بن كوسج أبو يعقوب المروزي وقد حدث كل من إسحاق بن راهويه وإسحاق بن منصور عن روح بن عبادة فيحتمل أن يكون إسحق هذا الذي ذكره مجردا إسحاق بن راهويه أو يكون إسحق بن منصور والظاهر أنه إسحق بن منصور لأن البخاري قال في باب ذكر الجن وتفسير البقرة والرقاق حدثنا إسحاق حدثنا روح وحدث في الصلاة في موضعين وفي الأشربة في غير موضع عن إسحاق بن منصور عن روح وحدث في تفسير سورة الأحزاب وسورة (ص) عن إسحاق بن إبراهيم عن روح وهو إسحاق بن راهويه وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وعطاء هو ابن أبي رباح والحديث قد مر عن قريب في باب صفة إبليس من وجه آخر فإنه رواه عن يحيى بن جعفر عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن جريج إلى آخره وبين متنيهما مغايرة بزيادة ونقصان وقد مر الكلام فيه هناك قوله ' قال وأخبرني عمرو بن دينار ' أي قال ابن جريج وأخبرني عمرو بن دينار بهذا الحديث عن جابر بن عبد الله ولم يذكر فيه واذكروا اسم الله كما ذكر عطاء في روايته عن جابر رضي الله تعالى عنه
106 - (حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن خالد عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
قال فقدت أمة من بني إسرائيل ولا يدرى ما فعلت وإني لا أراها إلا الفأر إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب وإذا وضع لها ألبان الشاء شربت فحدثت كعبا فقال أنت سمعت النبي
يقوله قلت نعم قال لي مرارا فقلت أفأقرأ التوراة)
وهيب بالتصغير هو ابن خالد وخالد هو الحذاء ومحمد هو ابن سيرين وهؤلاء كلهم بصريون والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى ومحمد بن عبد الله الأزدي قوله ' فقدت أمة ' أي طائفة منهم فقدوا لا يدرى ما وقع لهم قوله ' وإني لا أراها ' أي لا أظنها مسخها الله إلا الفأر وهو جمع فأرة قوله ' إذا وضع لها إلى قوله شربت ' دليل على أن التي مسخت هي الفأر أن بني إسرائيل لم يكونوا يشربون ألبان الإبل والفأر أيضا لا يضربها وقال

193
الترمذي في تفسير سورة يوسف بإسناده قال اليهود لرسول الله
أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه قال اشتكى عرق النساء فلم يجد شيئا يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرمهما قالوا صدقت قوله الشاء جمع شاة قوله فحدثت كعبا وهو كعب بن ماتع بكسر التاء المثناة من فوق المشهور بكعب الأحبار قال الكرماني أسلم في خلافة الصديق ومات في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنهما قلت كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق من آل ذي رعين ويقال من ذي الكلاع ثم من بني ميتم وهو من مسلمة أهل الكتاب أدرك النبي
وأسلم في خلافة عمر بن الخطاب ويقال في خلافة أبي بكر ويقال أدرك الجاهلية وروى عن النبي
مرسلا وقال ابن سعد وكان على دين يهود فأسلم وقدم المدينة ثم خرج إلى الشام فسكن حمص حتى توفي بها سنة ثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه قوله ' يقول ' جملة حالية أي يقول النبي
قوله ' قال لي مرارا ' يعني قال كعب مرارا أنت سمعت النبي
قوله ' قلت ' القائل هو أبو هريرة أفأقرأ التوراة الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار وفيه تعريض لكعب الأحبار بأنه كان على دين اليهود قبل الإسلام والحاصل أن أبا هريرة قال أنا أقرأ التوراة حتى أنقل منها ولا أقول إلا من السماع عن رسول الله
وفي سكوت كعب عن الرد على أبي هريرة دليل على تورعه وروى مسلم فقال حدثني أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال الفأرة مسخ وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه قال له كعب أسمعت هذا من رسول الله
قال أفأنزلت على التوراة انتهى فدل هذا صريحا على أن الفأرة مسخ ولم يكن قبل ذلك وكذا كل حيوان قيل فيه أنه مسخ وأن ما كان منها بعد المسخ توالد منها * فإن قلت جاء في حديث أبي سعيد قال وذكر عند النبي
القردة والخنازير فقال إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك قلت أبو هريرة وكعب لم يبلغهما هذا الحديث فدل على أن المسوخ كانت قبل ما وقع من ذلك ولهذا قال ابن قتيبة أنا أظن أن القردة والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت إلا أن يصح هذا الحديث وأراد به حديث أبي سعيد المذكور وهو صحيح والظاهر أنه
قال الذي قاله أولا ثم أعلم بعد بما رواه أبو سعيد ولهذا قال
لا أراها إلا الفأر فكأنه كان يظن ذلك ثم أعلم بأنها ليست هي هي * - (قلت)، القائل هو أبو هريرة: (افأقرأ التوراة؟) الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار.
وفيه: تعريض لكعب الأحبار بأنه كان على دين اليهود قبل الإسلام، والحاصل أن أبا هريرة قال: أنا أقرأ التوراة حتى أنقل منها، ولا أقول إلا من السماع عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي سكوت كعب عن الرد على أبي هريرة دليل على تورعه، وروى مسلم فقال: حدثني أبو كريب محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: الفارة مسخ، وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه. قال له كعب: أسمعت هذا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: أفأنزلت علي التوراة؟ انتهى. فدل هذا صريحا على أن الفأرة مسخ، ولم يكن قبل ذلك، وكذا كل حيوان قيل فيه إنه مسخ، وإن ما كان منها بعد المسخ توالد منها. فإن قلت: جاء في حديث أبي سعيد، قال: وذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير، فقال: إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك. قلت: أبو هريرة وكعب لم يبلغهما هذا الحديث، فدل على أن المسوخ كانت قبل ما وقع من ذلك، ولهذا قال ابن قتيبة: أنا أظن أن القردة والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت إلا أن يصح هذا الحديث، وأراد به حديث أبي سعيد المذكور، وهو صحيح، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قال الذي قاله أولا ثم أعلم بعد بما رواه أبو سعيد، ولهذا قال، صلى الله عليه وسلم: لا أراها إلا الفأر، فكأنه كان يظن ذلك، ثم أعلم بأنها ليست هي هي.
6033 حدثنا سعيد بن عفير عن ابن وهب قال حدثني يونس عن ابن شهاب عن عروة يحدث عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوزغ الفويسق ولم أسمعه أمر بقتله وزعم سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله..
ابن وهب هو عبد الله بن وهب، ويونس هو ابن يزيد، وابن شهاب هو محمد بن مسلم. والحديث مضى في كتاب الحج في: باب ما يقتل المحرم من الدواب، فإنه أخرجه هناك: عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن ابن شهاب.. إلى آخره.
قوله: (ولم أسمعه أمر بقتله)، قول عائشة، رضي الله تعالى عنها، قال ابن التين: لا حجة فيه، إذ لا يلزم من عدم سماعها عدم الوقوع وقد حفظه غيرها. وقد جاء عن عائشة من وجه آخر عند أحمد: أنه كان في بيتها رمح موضوع، فسئلت، فقالت: نقتل به الوزغ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر أن إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، لما ألقي في النار ولم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ، فإنها كانت تنفخ عليه النار، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بقتلها. قوله: (وزعم سعد بن أبي وقاص)، قائل ذلك في الظاهر عروة، وزعم بمعنى: قال، ويحتمل أن يكون عائشة، رضي الله تعالى عنها، هذا أقرب من حيثية ما يقتضيه التركيب.
7033 حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة حدثنا عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن سعيد بن المسيب أن أم شريك أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ. (الحديث 7033 طرفه في: 9533).

194
صدقة بن الفضل، وابن عيينة هو سفيان، وأم شريك اسمها غزية، بضم الغين المعجمة وفتح الزاي مصغر وقيل: غزيلة، وهي عامرية قرشية، وقيل: أنصارية،
وقيل: دوسية.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، عن عبيد الله بن موسى وابن سلام، وأخرجه مسلم في الحيوان عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر، أربعتهم عن ابن عيينة وعن أبي الطاهر بن السرح وعن محمد بن أحمد وعن عبد بن حميد. وأخرجه النسائي في الحج عن محمد بن عبد الله بن يزيد بن العزيز، وأخرجه ابن ماجة في الصيد عن أبي بكر بن أبي شيبة.
8033 حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوا ذا الطفيتين فإنه يطمس البصر ويصيب الحبل.
أبو أسامة حماد بن أسامة. قوله: (قال النبي)، ويروى: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد مضى عن قريب عن ابن عمر نحو هذا الحديث.
تابعه حماد بن سلمة أخبرنا أسامة
أي: تابع أبا سلمة حماد بن سلمة في روايته إياه عن هشام، وقد وصل أحمد هذه المتابعة عن عفان عنه.
9033 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام قال حدثني أبي عن عائشة قالت أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأبتر وقال إنه يصيب البصر ويذهب الحبل. (انظر الحديث 8033).
يحيى هو القطان، وهشام يروي عن أبيه عروة عن عائشة، وقد مر تفسير الأبتر عن قريب.
2133 حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر

195
أنه كان يقتل الحيات فحدثه أبو لبابة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جنان البيوت فأمسك عنها. (انظر الحديث 8923)
مر الكلام فيه مستوفى فليراجع.
61
((باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم))
أي: هذا باب يذكر فيه خمس من الدواب، وهو جمع دابة من دب على الأرض يدب دبيبا، وكل ماش على الأرض دابة، ودبيب، والدابة التي تركب، ودابة الأرض أحد أشراط الساعة. قوله: خمس)، مرفوع بلابتداء، وفواسق صفته، وقوله: يقتلن، خبره على صيغة المجهول. قوله: (في الحرم)، يعلم منه أن جواز قتلها في غير الحرام بالطريق الأولى.
4133 حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والحديا والغراب والكلب العقور. (انظر الحديث 9281).
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مر في كتاب الحج في: باب ما يقتل المحرم من الدواب، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (والحديا)، بضم الحاء وفتح الدال وتشديد الياء مقصورة: وهو تصغير حدأة على وزن عنبة وقياسه: الحدية، فزيد فيه الألف للإشباع، وقد أنكر بعضهم صيغة التصغير، ولا وجه لإنكاره لما ذكرنا من وجه ذلك، أو يقال: إنه موضوع على صيغة التصغير، وقال الجوهري: الحدأة مثال عنبة، وجمعها: حدا، مثل عنب، ولا يقال: حدأة، ووقع في حديث ابن عمر الآتي: الحدأة.
5133 حدثنا عبد الله بن مسلمة أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه العقرب والفأرة والكلب العقور والغراب والحدأة. (انظر الحديث 6281).
قد مر في كتاب الحج في: باب ما يقتل المحرم من الدواب، حديث ابن عمر أخرجه عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: (خمس من الدواب ليس في قتلهن على المحرم جناح...).
6133 حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن كثير عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما رفعه قال خمروا الآنية وأوكوا الأسقية وأجيفوا الأبواب واكفتوا صبيانكم عند العشاء فإن للجن انتشارا وخطفة واطفؤوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت..
قد مر هذا الحديث في: باب صفة إبليس عن قريب. قوله: (رفعه) أي: إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأنه أعم من أن يكون بالواسطة أو بدونها، وأن يكون الرفع مقارنا لرواية الحديث أولا، فأشار إليه. (وكثير) ضد القليل ابن شنظير، بكسر الشين المعجمة وسكون النون وكسر الظاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء: أبو قرة الأزدي البصري، وقال ابن معين فيه: ليس بشيء، وقال الحاكم: مراده بذلك أنه ليس له من الحديث ما يشتغل به، وقد قال فيه بن معين مرة: صالح، وكذا قال أحمد، وقال ابن عدي: أرجو أن تكون أحاديثه مستقيمة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث.
قوله (خمروا) من التخمير بالخاء المعجمة وهو التغطية قوله (أوكوا) من الإيكاء أي شدوها بالوكاء وهو الخيط
قوله: (وأجيفوا)، بالجيم

196
والفاء من الإجافة، يقال: أجفت الباب، أي: رددته. وقال القزاز: تقول جفأت الباب أغلقته، وقال ابن التين: لم أر من ذكره هكذا غيره، وفيه نظر، فإن أجيفوا
لامه فاء، وجفأت لامه همزة. قلت: معنى جفأت، مهموز اللام: فرغت، يقال: جفأت القدر إذا فرغته. وفي حديث جبير: أنه حرم الحمر الأهلية فجفؤا القدور: أي فرغوها وقلبوها، وروى: فأجفئوا، قال ابن الأثير: وهي لغة فيه قليلة. وقال الجوهري: جفأت القدر إذا كفأتها أو أملتها فصببت ما فيها، ولا تقل: أجفأتها، وأما الذي في حديث: فأجفأوا قدورهم بما فيها، فهي لغة مجهولة. انتهى، والذي في الحديث ذكره ابن الأثير في: باب أجوف معتل العين بالواو، ثم قال: وفي حديث الحج أنه دخل البيت وأجاف الباب أي: رده عليه، ومنه الحديث: (أجيفوا أبوابكم) أي: ردوها. قوله: (وأكفتوا) بهمزة الوصل أي: ضموا صبيانكم عند العشاء وامنعوهم من الحركة في ذلك الوقت، من كفت الشيء أكفته كفتا من باب ضرب يضرب إذا ضممته إلى نفسك. قوله: (عند العشاء)، ويروى: (عند المساء)، وفي الرواية المتقدمة: (إذا جنح الليل أو إذا أمسيتم فكفوا صبيانكم). قوله: (وخطفة)، بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة وبالفاء: وهو استلاب الشيء وأخذه بسرعة، يقال: خطف الشيء يخطفه من باب علم، وكذا اختطفه يختطفه، ويقال فيه: خطف يخطف من باب ضرب يضرب، وهو قليل. قوله: (عند الرقاد)، أي: عند النوم. قوله: (فإن الفويسقة) أي: الفأرة. قوله: (اجترت)، بالجيم وتشديد الراء، وفي رواية الإسماعيلي: ربما جرت، وبقية الكلام فيه مرت في: باب صفة الشيطان.
قال ابن جريج وحبيب عن عطاء فإن للشيطان
أي: قال عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وحبيب بن أبي قريبة أبو محمد المعلم البصري، أراد أنهما رويا هذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح، كما في رواية ابن شنظير، إلا أنهما قالا: فإن للشيطان، بدل قول كثير بن شنظير: فإن للجن، والتوفيق بين الروايتين بأن يقال: لا محذور في القول بانتشار الصنفين، وقيل: هما حقيقة واحدة يختلفان بالصفات.
أما تعليق ابن جريج فقد وصله البخاري في أول هذا الباب. وأما تعليق حبيب فقد وصله أحمد وأبو يعلى من رواية حماد بن سلمة عن حبيب المذكور.
7133 حدثنا عبدة بن عبد الله قال أخبرنا يحيى بن آدم عن إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار فنزلت والمرسلات عرفا فإنا لنتلقاها من فيه إذ خرجت حية من جحرها فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا فدخلت جحرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيت شركم كما وقيتم شرها..
عبدة ضد الحرة ابن عبد الله أبو سهل الصفار الخزاعي البصري، ويحيى بن آدم بن سليمان القرشي المخزومي الكوفي صاحب الثوري، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي عم الأسود بن يزيد وعم أم إبراهيم، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمود بن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل به. وأخرجه النسائي في التفسير عن أحمد بن سليمان عن يحيى بن آدم به، وقد مر في كتاب الحج في: باب ما يقتل المحرم من الدواب فإنه أخرجه هناك: عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم..
قوله: (وقيت)، على صيغة المجهول من: وقى يقي وقاية. إذا حفظ. فإن قلت: كان قتلهم لها خيرا لأنه مأمور به. قلت: هو شر بالنسبة إليها، والخيور والشرور من الأمور الإضافية.
وعن إسرائيل عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مثله قال وإنا لنتلقاها من فيه رطبة
أشار بهذا إلى أن إسرائيل المذكور، كما روى الحديث عن منصور عن إبراهيم، فكذلك رواه عن سليمان الأعمش عن

197
إبراهيم، ولم يختلف عليه أنه من رواية إبراهيم. قوله: (من فيه) أي: من فمه. قوله: (رطبة)، أي: غضة طرية في أول ما تلاها، ووصفت التلاوة بالرطوبة لسهواتها، ويحتمل أن يكون المراد من الرطوبة رطوبة، فمه، يعني: أنهم أخذوها عنه قبل أن يجف ريقه من تلاوتها، كذا قاله الشراح. قلت: هذا كناية عن سرعة أخذهم على الفور حين سمعوه، وهو يقرأ من غير تأخير ولا توان.
وتابعه أبو عوانة عن مغيرة
أي: تابع إسرائيل أبو عوانة الوضاح اليشكري في روايته عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم، ومتابعة أبي عوانة تأتي في تفسير المرسلات.
وقال حفص وأبو معاوية وسليمان بن قرم عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله
حفص هو ابن غياث، وأبو معاوية محمد الضرير، وسليمان بن قرم، بفتح القاف وسكون الراء وفي آخره ميم: الضبي، والأعمش سليمان، أراد أن هؤلاء الثلاثة خالفوا إسرائيل فجعلوا الأسود بن يزيد بدل علقمة بن قيس. أما رواية حفص فوصلها البخاري في الحج، وأما رواية أبي معاوية فوصلها مسلم من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله، قال: (كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم في غار...) وأما رواية سليمان بن قرم فعلى الفتوح.
8133 حدثنا نصر بن علي قال أخبرنا عبد الأعلى قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض..
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي الأزدي البصري، طلبه المستعين للقضاء، ثم جاؤوا بعهدة القضاء فقال: أخروها إلى العشي، فلما خرج إلى صلاة الظهر عاودوه، وقال: سألتكم إلى العشي وعسى أن يكفي الله. قالوا: ثم دخل إلى منزله فصلى ركعتين وسجد، وسأل الله أن يقبضه إليه فمات وهو ساجد، رحمه الله تعالى
، سنة خمس ومائتين، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى.
والحديث مضى في كتاب الشرب في: باب فضل سقي الماء، فإنه أخرجه هناك: عن إسماعيل عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر... إلى آخره.
قوله: (امرأة) لم يدر اسمها، ووقع في رواية: أنها حميرية سوداء طويلة، وفي رواية أخرى: امرأة من بني إسرائيل تعذب في النار، وفي أخرى لم يقل: من بني إسرائيل، ولا تنافي بينهما، لأن طائفة من حمير كانوا من بني إسرائيل. وفي (التوضيح): يجوز أن تكون هذه المرأة كافرة، لكن ظاهر الحديث إسلامها، وعذبت على إصرارها على ذلك وليس في الحديث تخليدها، وروى الحافظ أبو نعيم في (تاريخ أصبهان): أنها كانت كافرة، وكذلك رواه البيهقي في البعث والنشور عن عائشة، فيكون من جملة استحقاقها النار حبس الهرة، وعن القاضي: فيه احتمال. قوله: (في هرة)، كلمة: في، للتعليل، أي: لأجل هرة، وفي رواية مسلم عن أبي هريرة من جراء هرة، بفتح الجيم وتشديد الراء بالقصر والمد. أي: من أجل هرة، والهرة أنثى، والهر والسنور الذكر، ويجمع على: هررة كقرد وقردة، والهرة على هرر كقربة وقرب. قوله: (من خشاش الأرض) بفتح الخاء وكسرها وضمها وبالشين المعجمتين وفي الحشرات.
وفيه: جواز اتخاذ الهرة ورباطها إذا لم يهمل إطعامها وسقيها، ويلحق بها غيرها مما في معناها، وإنما يجب إطعامها على من حبسها، قاله القرطبي. قال النووي: وفيه: وجوب نفقة الحيوان على مالكه، قال بعضهم: فيه نظر، لأنه ليس في الخبر أنها ملكتها. قلت: في قوله: هرة لها، يدل على ما قاله النووي، ويدل أيضا على أن الهرة تملك، خلافا لهذا القائل، فإنه قال: الهرة لا تملك، لأن اللام في: هرة لها، تدل على التمليك، ويرد على هذا القائل.
وقال وحدثنا عبيد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
أي: قال عبد الأعلى: حدثنا عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الحديث المذكور،

198
وأخرجه مسلم هكذا، وقال: حدثني نصر بن علي الجهضمي حدثنا عبد الأعلى عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه.
71
((باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء))

199
أي: هذا باب يذكر فيه إذا وقع الذباب... إلى آخره، وترجم هذا الباب بنص الحديث الذي ساقه في هذا الباب، وإنما وقع هنا في رواية أبي ذر عن بعض شيوخه، وحذف عند الباقين، وحذفه أولى، لأن الأحاديث التي تأتي بعد هذا الحديث لا تعلق لها بذلك ولا مطابقة بينها وبين هذه الترجمة، كما تراه.
0233 حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال قال حدثني عتبة بن مسلم قال أخبرني عبيد بن حنين قال سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء. (الحديث 0233 طرفه في: 2875).
مطابقته للترجمة ظاهرة، فإنه لا فرق بينهما، غير أنه لم يذكر في الترجمة لفظ (ثم لينزعه).
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: خالد بن مخلد، بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة وفي آخره دال: أبو الهيثم البجلي الكوفي. الثاني: سليمان بن بلال أبو أيوب القرشي التيمي. الثالث: عتبة، بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق، وفتح الباء الموحدة: ابن مسلم مولى بني تميم المديني. الرابع: عبيد بن حنين، كلاهما بالتصغير، و: حنين، بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى: أبو عبد الله مولى زيد بن الخطاب القرشي العدوي. الخامس: أبو هريرة.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الطب عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر، وأخرجه ابن ماجة في الطب، قال: حدثنا سويد بن سعيد، قال: حدثنا مسلم بن خالد عن عتبة بن مسلم عن عبيد بن حنين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فيه ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء). وأخرجه عن أبي سعيد أيضا، وقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن أبي سلمة، قال: حدثني أبو سعيد: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء). وأخرجه النسائي مختصرا، وروى الدارقطني من حديث سعيد بن المسيب عن سليمان نحوه، ومن حديث أنس بإسناد ضعيف، وروى أبو داود أيضا من حديث المقبري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء، وإنه يتقى بجناحه الذي فيه الداء فيغمسه كله). ويروى: فليغمسه كله.
ذكر معناه: قوله: (إذا وقع الذباب) الذباب جمع ذبابة، قاله ابن التين وفي (المنتهى): الذب بالضم الذباب، وجمع الذباب: ذبان، ولا تقل: ذبانة، والجمع القليل: أذبة، كغراب وأغربة وغربان، وقال أبو هلال العسكري: الذباب واحد والجمع ذبان، والعامة تقول: ذبانة للواحد والذبان للجمع، وهو خطأ، وقال أبو حاتم السجستاني: تقول: هذا ذباب للواحد وذبابان في التثنية، ولا يقال ذبابة ولا ذبانة، وقال ابن سيده في (المحكم): لا يقال: ذبابة، إلا أن أبا عبيدة رواه عن الأحمر، والصواب ذباب، وفي التنزيل: * (وإن يسلبهم الذباب شيئا) * (الحج: 37). فسروه بالواحد، وحكى سيبويه عن العرب: ذب، في جمع ذباب، وقال الجوهري: الذباب معروف، الواحدة ذبابة، ولا تقل: ذبانة، وجمع القلة: أذبة، والكثرة: ذبان. وقال أبو عبيد: أرض مذبة، ذات ذباب. وقال الفراء: أراض مذبوبة، كما يقال: موحوشة من الوحش، والمذبة ما يذب به الذباب، وقال الجاحظ: عمر الذباب أربعون يوما وهو في النار، وليس تعذيبا له، وإنما يعذب به أهل النار لوقوعه عليهم، فإنه لا شيء أضر على المكلوم من وقوعه على كلمه. قوله: (في شراب أحدكم)، الشراب هنا يدخل فيه كل المائعات، قال تعالى: * (يخرج من بطونها
شراب) * (النحل: 96). قلت: قد ذكرنا آنفا أن في رواية أبي داود: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، والإناء يكون فيه كل شيء من المأكولات والمشروبات. قوله: (فليغمسه)، من غمسه في الماء إذا غطه فيه وأدخله، وفي رواية ابن ماجة: فامقلوه فيه، من المقل بالقاف وهو الغمس. قال أبو عبيد: أي اغمسوه في الطعام أو الشراب ليخرج الشفاء كما أخرج الداء، وذلك بإلهام الله تعالى، وفي (المغرب): في الحديث: إذا وقع الذباب في طعام أحدكم فامقلوه، فإن في أحد جناحيه سما وفي الآخر شفاء، هكذا في الأصول، وأما: فامقلوه، ثم انقلوه فمصنوع. قلت: في

200
غالب كتب أصحابنا وقع مثل ما قال، والصحيح: فامقلوه فيه، فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء، كما في رواية ابن ماجة وغيره، وليس فيه: ثم انقلوه، نعم، في رواية البخاري: لم لينزعه، وهو يؤدي معنى: فانقلوه. قوله: (فإن في إحدى جناحيه)، الجناج حقيقة للطائر، وإذا استعمل في غيره يكون بطريق الاستعارة، قال الله تعالى: * (واخفض لهما جناح الذل) * (الإسراء: 42). وفي غالب النسخ: فإن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء، بتذكير: أحد، ووجه تأنيثها باعتبار أن جناح الطائر يده، والتأنيث باعتبار اليد. قوله: (والأخرى شفاء)، الثابت في كثير من النسخ، وفي الأخرى، بإعادة حرف الجر، وتركها يدل على جواز العطف على عاملين، وهو رأي الأخفش والكوفيين، فحينئذ تكون: الأخرى، مجرورا عطفا على: في إحدى، ويكون نصب: شفاء، مثل نصب: داء، والعامل في: إحدى، حرف الجر الذي هو لفظ: في، والعامل في: داء، كلمة: إن، فقد شركت الواو في العطف على العاملين اللذين هما: في وان، وسيبويه لا يجوز ذلك، يؤيده رواية إثبات حرف الجر في قوله: وفي الأخرى، وقيل: يروى شفاء، بالرفع، فعلى هذا يخرج الكلام عن العطف على عاملين، ولكنه على هذا يحتاج إلى حذف مضاف تقديره: ذو شفاء، لأن لفظ الآخر أو الأخرى يكون مبتدأ، وشفاء خبره، ولعدم صحة الحمل يقدر المضاف، وقال أبو محمد المالقي في (جامعه): ذباب الناس يتولد من الزبل، فإن أخذ الذباب الكبير وقطعت رؤوسها ويحك بجسدها الشعرة التي في الأجفان حكا شديدا فإنه يبرئه، وإن سحق الذباب بصفرة البيض سحقا ناعما وضمدت بها العين التي فيها اللحم الأحمر من داخل فإنه يسكن في ساعته، وإن مسح لسعة الزنبور بالذباب سكن وجعه. انتهى. قال الخطابي ما ملخصه: قال بعض الجهلة المعاندين: كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذباب؟ وكيف تعلم الذباب ذلك من نفسها حتى تقدم الداء وتؤخر الدواء؟ وما أداها إلى ذلك؟ ورد عليهم: بأن عامة الحيوان جمعت فيها بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة في أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت لولا تأليف الله لها، والذي ألهم النحلة وشبهها من الحيوان إلى بناء البيوت وادخار القوت هو الملهم للذباب ما تراه في الكتاب.
1233 حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا إسحاق الأزرق حدثنا عوف عن الحسن وابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غفر لإمرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث قال كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك. (الحديث 1233 طرفه في: 7643).
لا تتأتى المطابقة هنا إلا بينه وبين الترجمة المتقدمة، وليس له مطابقة بهذه الترجمة أصلا، وقد ذكرنا: أن هذه الترجمة ساقطة عند غير أبي ذر والحسن بن الصباح، بتشديد الباء البزار أبو علي الواسطي، وإسحاق بن يوسف الأزرق الواسطي، وعوف المشهور بالأعرابي، والحسن البصري ومحمد بن سيرين.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإيمان عن أحمد بن عبد الله المنجوفي، وأخرجه النسائي فيه عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام. وفي الجنائز عن محمد بن بشار، وقال صاحب (التوضيح): هذا الحديث سلف في الشرب من حديث أبي هريرة: أن رجلا فعل ذلك، وكذا ذكره في الطهارة في: باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، فلعلهما قضيتان. قلت: هذا الحديث في المرأة المومسة، والحديثان المذكوران في البابين المذكورين في الرجل، روى كليهما أبو صالح عن أبي هريرة، وكل منهما حديث مستقل بذاته، فلا وجه لقوله: هذا الحديث سلف، ولا لقوله: لعلهما قضيتان، بل هما قضيتان قطعا، فإن نظرنا إلى الظاهر فهي ثلاث قضايا.
قوله: (مومسة)، أي: زانية ويجمع على: مومسات وميامس وموامس، وأصحاب الحديث يقولون: مياميس، ولا يصح إلا على إشباع الكسرة لتصير: ياء، وقد اختلف في أصل هذه اللفظة، فبعضهم يجعله من الهمزة، وبعضهم يجعله من الواو، وقال ابن الأثير: كل منهما تكلف له اشتقاقا فيه بعد، فذكرناها في حرف الميم لظاهر لفظها، ولاختلافهم في أصلها. قلت: قال في باب الميم: مومس، ثم ذكر ما ذكرناه، وقال ابن قرقول: المياميس والمومسات: المجاهرات بالفجور، والواحدة مومسة، وذكره أصحاب العربية في

201
الواو والميم والسين، ورواه ابن الوليد عن ابن السماك: المآميس، بالهمزة فإن صح بالهمز فهو من مأس الرجل إذا لم يلتفت إلى موعظة، ومأس بين القوم أفسد. انتهى. قلت: إذا كان لفظ: مومسة، من مأس، يأتي اسم الفاعل المؤنث: مائسة، ولا يأتي من هذا الباب: مومسة، والذي يظهر لي أنه من: مومس، مثل: وسوس، والفاعل منه للمذكر مومس، وللمؤنث مومسة. قوله: (ركي)، بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء: هو البئر، ويجمع على: ركايا. قوله: (بذلك)، أي: بسبب ما فعلت من السقي.
وفيه: دليل على قبول عمل المرتكب للكبائر من المسلمين، وأن الله تعالى يتجاوز عن الكبيرة بالعمل اليسير من الخير تفضلا منه.
2233 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حفظته من الزهري كما أنك ههنا قال أخبرني عبيد الله عن ابن عباس عن أبي طلحة رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة..
علي بن عبد الله المعروف بابن المديني، وسفيان بن عيينة، وعبيد الله بن عبد الله، وأبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري، والحديث مضى عن قريب في: باب إذا قال أحدكم: آمين، فإنه أخرجه هناك: عن ابن مقاتل عن عبد الله عن معمر عن الزهري إلى آخره. قوله: (كما أنك ههنا)، يعني: كما لا شك في كونك في هذا المكان
، كذلك لا شك في حفظي له.
3233 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب.
الحديث أخرجه مسلم أيضا في البيوع عن يحيى بن يحيى عن مالك. وأخرجه النسائي في الصيد عن قتيبة عن مالك، وأخرجه ابن ماجة فيه عن سويد بن سعيد عن مالك، وأخذ مالك وأصحابه وكثير من العلماء جواز قتل الكلاب إلا ما استثني منها، ولم يروا الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخا، بل محكما. وقال الإجماع على قتل العقور منها، واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين أمر الشارع أولا بقتلها كلها، ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم، ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميعها إلا الأسود، لحديث عبد الله بن مغفل المزني: لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، رواه أصحاب (السنن) الأربعة. ومعنى: البهيم، شيطان بعيد عن المنافع قريب من المضرة، وهذه أمور لا تدرك بنظر، ولا يوصل إليها بقياس، وإنما ينتهي إلى ما جاء عن الشارع، وقد روى ابن عبد البر عن ابن عباس: أن الكلاب من الجن، وهي ضعفة الجن، وفي لفظ: السود منها جن، والبقع منها جن، وقال ابن الأعرابي: هم سفلة الجن وضعفاؤهم، وقال ابن عديس: يقال: كلب جني، وروي عن الحسن وإبراهيم أنهما يكرهان صيد الكلب الأسود البهيم، وإليه ذهب أحمد وبعض الشافعية، وقالوا: لا يحل الصيد إذا قتله، وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي: يحل. وقال أبو عمر: الذي تختاره أن لا يقتل منها شيء إذا لم يضر، لنهيه أن يتخذ فيه روح غرضا، ولحديث: الذي سقى الكلب، ولقوله: في كل كبد حر أجر، وترك قتلها في كل الأمصار، وفيها العلماء ومن لا يسامح في شيء من المنكر والمعاصي الظاهرة، وما علمت فقيها من فقهاء المسلمين جعل اتخاذ الكلاب جرحة، ولا رد قاض شهادة متخذها، ومذهب الشافعي تحريم اقتناء الكلب لغير حاجة.
وقال أبو عمر: في الأمر بقتل الكلاب دلالة على عدم أكلها، ألا ترى إلى الذي جاء عن عمر وعثمان، رضي الله تعالى عنهما، في ذبح الحمام وقتل الكلاب؟ وفيه: دلالة على افتراق حكم ما يؤكل وما لا يؤكل، لأنه ما جاز ذبحه وأكله لم يجز الأمر بقتله، ومن ذهب إلى الأسود منها بأنه شيطان فلا حجة فيه، لأن الله تعالى قد سمى من غلب عليه الشر من الإنس شيطانا، ولم يجب بذلك قتله، وقد جاء مرفوعا: في الحمام شيطان يتبع شيطانه، وليس في ذلك ما يدل على أنهما مسخا من الجن، ولا أن الحمامة مسخت من الجن، ولا أن ذلك واجب قتله، وقال ابن العربي في حديث سقي الكلب: يحتمل أن يكون قبل النهي عن قتلها ويحتمل بعدها، فإن كان الأول فليس بناسخ له، لأنه لما أمر بقتل الكلاب لم يأمر إلا بقتل كلاب المدينة لا بقتل كلاب البوادي،

202
وهو الذي نسخ، وكلاب البوادي لم يرد فيها قتل ولا نسخ، وظاهر الحديث يدل عليه، ولأنه لو وجب قتله لما وجب سقيه، ولا يجمع عليه حر العطش والموت، كما لا يفعل بالكافر العاصي، فكيف بالكلب الذي لم يعص؟ وفي الحديث الصحيح أنه، صلى الله عليه وسلم، لما أمر بقتل يهود شكوا العطش، فقال: لا تجمعوا عليهم حر السيف والعطش، فسقوا ثم قتلوا.
4233 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا همام عن يحيى قال حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه حدثه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمسك كلبا ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو كلب ماشية. (انظر الحديث 2232).
يحيى هو ابن أبي كثير، والحديث مر في كتاب المزارعة في: باب اقتناء الكلب للحرث، ومر الكلام فيه مستوفى، وقد ذكرنا أن القيراط له أصل لمقدار معلوم عند الله تعالى، والمراد نقص جزء من أجزاء عمله. وأما التوفيق بين قيراط في هذا الحديث، وبين قيراطين في رواية أخرى فباعتبار التغليظ في القيراطين لما لم ينته الناس، أو باعتبار كثرة الأذى من الكلب وقلته، أو باختلاف المواضع فالقيراطان في المدينة النبوية لزيادة فضلها، والقيراط في غيرها، أو القيراطان في المدينة والقيراط في البوادي، وقال الروياني: اختلفوا في المراد بما ينقص منه، فقيل: ينقص مما مضى من عمله، وقيل: من مستقبله. واختلفوا في محل نقصانها، فقيل: قيراط من عمل النهار، وقيراط من عمل الليل، وقيل: قيراط من عمل الفرض وقيراط من النفل، وقال القرطبي: أقرب ما قيل في ذلك قولان: أحدهما: أن جميع ما عمله من عمل ينقص لمن اتخذ ما نهى عنه من الكلاب، بإزاء كل يوم يمسكه جزآن من أجزاء ذلك العمل، وقيل: من عمل ذلك اليوم الذي يمسكه فيه. الثاني: يحط من عمله عملان، أو من عمل يوم إمساكه، عقوبة له على ما اقتحم من النهي. قوله: (إلا كلب حرث) وهو الزرع، والماشية اسم يقع على جميع الإبل والبقر والغنم، وأكثر ما يستعمل في الغنم.
5233 حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا سليمان قال أخبرني يزيد بن خصيفة قال أخبرني السائب بن يزيد سمع سفيان بن أبي زهير الشنئي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط فقال السائب أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إي ورب هذه القبلة. (انظر الحديث 3232).
الحديث مر في كتاب المزارعة في: باب اقتناء الكلب للزراعة. وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب، ويزيد من الزيادة ابن خصيفة، بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء، وقد مر فيما مضى، والسائب من السيب ابن يزيد من الزيادة مر في الوضوء (والشنئي)، بفتح الشين المعجمة وبالنون والهمزة: نسبة إلى شنوءة.
قوله: (أي:)، بكسر الهمزة وسكون الياء حرف: جواب بمعنى: نعم، فيكون لتصديق الخبر والإعلام المستخبر ولوعد الطالب، وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعد الاستفهام، واتفق الجميع على أنها لا تقع إلا قبل القسم، كما وقع هنا قبل قوله: (ورب هذه القبلة) وقال الكرماني: فإن قلت: لا تعلق لبعض هذه الأحاديث بترجمة الباب؟ قلت: هذا آخر كتاب البدء، فذكر فيه ما ثبت عنده مما يتعلق بالمخلوقات، وذكر صاحب (التوضيح) أن ذكر أحاديث الكلب هنا لما أتي عن ابن عباس وغيره:
أنها من الجن، والترجمة قريبة من الجن. انتهى. قلت: أما ما ذكره الكرماني فبعيد جدا، لأنه لا تعلق لها أصلا بالترجمة، وكونها مما يتعلق بالمخلوقات لا يقتضي المناسبة لذكرها في هذه الترجمة، وهذا بعيد جدا، وأما ما ذكره صاحب (التوضيح) فأبعد منه جدا، لأن كونها من الجن يقتضي ذكرها في: باب الجن، وكيف يكون قرب هذه من: باب ذكر الجن، وبينه وبين الترجمة المذكورة ثلاثة أبواب؟ وبمثل هذا لا تقع المطابقة. والجواب الموجه ما ذكرناه، وهو: أن هذه الترجمة، وهي قوله: باب إذا وقع الذباب

203
في شراب أحدكم... إلى آخره، ليس بموجود عند الأكثرين من الرواة، فحينئذ تقع المطابقة بين هذه الأحاديث الأربعة المذكورة في هذا الباب وبين الترجمة السابقة عليه، وهي قوله: باب قول الله تعالى: * (وبث فيها من كل دابة) * (البقرة: 461). وقوله: (باب خير مال المسلم)، و: باب (خمس من الدواب) داخلان في: باب قول الله تعالى: * (وبث فيها من كل دابة) * (البقرة: 461). فإن قلت: فعلى هذا حديث الذباب لا يبقى له شيء من المطابقة لشيء من الأبواب؟ قلت: قيل: مطابقته لقوله: باب إذا وقع الذباب، ظاهرة جدا، لكن يتوجه الجواب في ذلك، على من لا يرى وجود هذا الباب، وأما أبو ذر الذي روى عن مشايخه وجود هذا الباب، فقد قالوا: لم يقع هذا إلا في آخر الأبواب المتقدمة كلها، فإن صح هذا أنه وقع في آخر الأبواب كلها بابا مستقلا، فلا كلام فيه، فإنه باب مترجم بشيء يطابق حديثه إياه، والله أعلم.
بسم الله الرحمان الرحيم
06
((كتاب أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام))
أي: هذا كتاب في بيان أحاديث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، كذا وقع في رواية كريمة، وفي بعض النسخ، وكذا وقع في رواية أبي علي بن شبويه نحوه، وقد الآية التي تأتي في الترجمة على الباب، وفي بعض النسخ: كتاب الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وفي بعض النسخ: باب خلق آدم صلى الله عليه وسلم، من غير ذكر شيء غيره. وأما عدد الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، فإن أبا ذر، رضي الله تعالى عنه، قال: قلت: يا رسول الله! كم الأنبياء؟ قال: مائة الف وأربعة وعشرون ألفا. قلت: يا رسول الله كم أرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر، جم غفير... الحديث، رواه ابن حبان في (صحيحه) وابن مردويه في (تفسيره): وعن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: بعث الله ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف إلى بني إسرائيل وأربعة آلاف إلى سائر الناس رواه أبو يعلى الموصلي وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل، رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي.
1
((باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته))
أي: هذا باب في بيان خلق آدم، عليه الصلاة والسلام. قوله: (وذريته)، أي وفي بيان خلق ذريتهوإنما سمي آدم لأنه خلق من أدمة الأرض، وهي لونها، والأدمة في الناس السمرة الشديدة، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن آدم خلق من أديم الأرض، وهو وجهها، وروى مجاهد عنه أيضا أنه مشتق من الأدمة. وقال أبو إسحاق الثعلبي: التراب بلسان العبرية: آدام، فسمى آدم به، وحذفت الألف الثانية. وقيل: إنه اسم سرياني. وقال الجوهري: إنه اسم عربي وليس بعجمي. وذكر أبو منصور الجواليقي في كتاب (المعرب): أسماء الأنبياء كلها أعجمية إلا أربعة وهي: آدم وصالح وشعيب ومحمد، عليهم الصلاة والسلام، والمشهور أن كنيته: أبو البشر، وروى الوالبي عن ابن عباس أن كنيته: أبو محمد، وقال قتادة: لا يكنى في الجنة إلا آدم، يقال له: يا أبا محمد، إظهارا لشرف نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا ينصرف آدم لأنه على وزن: افعل، وهو معرفة، وذكره الله تعالى في القرآن في سبعة وعشرين موضعا. وأما الذرية فأصلها من ذرا الله الخلق يذرؤهم ذرءا: خلقهم. قال الجوهري: الذرية نسل الثقلين، إلا أن العرب تركت همزتها والجمع: الذراري، وفي (المغرب): ذرية الرجل أولاده، ويكون واحدا وجمعا، ومنه قوله تعالى: * (فهب لي من لدنك ذرية طيبة) * (آل عمران: 83).
صلصال طين خلط برمل فصلصل كما يصلصل الفخار
أشار بقوله: صلصال، إلى ما في قوله تعالى: * (خلق الإنسان من صلصال) * (الرحمن: 41). ثم فسر الصلصال بقوله: طين، خلط برمل، وحقيقة الصلصال: الطين اليابس المصوت. قوله: (فصلصل) أي: صوت، وهو فعل ماض، ويصلصل مضارعه، ومصدره صلصلة وصلصال، بالكسر، وعن ابن عباس: الصلصال هو الماء يقع على الأرض فتنشق وتجف ويصير له صوت. قوله:

204
(الفخار)، بفتح الفاء وتشديد الخاء، وهو ضرب من الخزف يعمل منه الجرار والكيزان وغيرها.
ويقال منتن يريدون به صل كما يقال صر الباب وصرصر عند الإغلاق مثل كبكبته يعني كببته
أراد بهذا أنه جاء في اللغة: صلصال، بمعنى: منتن، ومنه: صل اللحم يصل صلولا أي: أنتن، مطبوخا كان أو نيا. وأشار بقوله: يريدون به صل، إلى أن أصل: صلصل، الذي هو الماضي: صل، فضوعف فاء الفعل فصار صلصل، كما يقال: صر الباب إذا صوت عند الإغلاق، فضوعف فيه كذلك، فقيل: صرصر كما يقال: كبكبته في كببته بتضعيف الكاف، يقال كبيت الإناء أي: قلبته.
فمرت به استمر بها الحمل فأتمته
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به) * (الأعراف: 981). وفسرها بقوله: استمر بها الحمل حتى وضعته. والضمير في قوله: فمرت به، يرجع إلى حواء، عليها الصلاة والسلام، وسيأتي هذا في تفسير سورة الأعراف.
أن لا تسجد أن تسجد
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ما منعك ألا تسجد) * (الأعراف: 21). ثم نبه على أن كلمة: لا، صلة كذلك فسره بقوله: أن تسجد، وقيل: فيه حذف تقديره: ما منعك من السجود فأحوجك أن لا تسجد إذا أمرتك.
2
((باب قول الله تعالى: * (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) * (البقرة: 03).))
أي: هذا باب في بيان قوله تعالى: * (وإذ قال ربك...) * إلى آخره، يعني: أذكر يا محمد حين قال ربك للملائكة... الآية، أخبر الله تعالى بامتنانه على بني آدم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم بقوله: * (وإذ قال ربك) * وحكى ابن حزم عن أبي عبيدة أنه زعم أن: إذ، ههنا زائدة وأن تقدير الكلام: وقال ربك، ورد عليه ابن جرير: قال القرطبي: وكذا رده جميع المفسرين حتى قال الزجاج هذا اجتراء من أبي عبيدة. قوله: (إني جاعل في الأرض خليفة)، أي: قوما يخلف بعضهم بعضا، قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل، كما قال تعالى: * (وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض) * (الأنعام: 561 وفاطر: 92). قال أكثر المفسرين: وليس المراد هنا بالخليفة آدم، عليه الصلاة والسلام، فقط كما قاله طائفة إذ لو كان المراد آدم عينا لم حسن قول الملائكة: * (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) * (البقرة: 03). وقولهم: * (أتجعل فيها من يفسد فيها) * (البقرة: 03). ليس على وجه الاعتراض، ولا على وجه الحسد، وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك مع أن فيهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي، ولا يصدر منا شيء خلاف ذلك، فقال الله تعالى: في جوابهم * (إن أعلم ما لا تعلمون) * (البقرة: 03). أي: إني أعلم بالمصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها، فإني سأجعل فيهم الأنبياء والرسل، ويوجد فيهم الصديقيون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار المقربون والعلماء العاملون والخاشعون والمتبعون رسله، وفي هذا المقام مقال كثير ليس هذا الكتاب موضعه، وإنما ذكرنا نبذة منه لأجل الترجمة.
قال ابن عباس * (لما عليها حافظ) * (الطارق: 4). إلا عليها حافظ
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إن كل نفس لما عليها حافظ) * (الطارق: 4). ثم فسر بأن: لما، هنا بمعني: إلا التي هي حرف الاستثناء، واختلف القراء في تشديد: لما، وتخفيفه، فقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالتشديد على أن تكون: إن، نافية، وتكون: لما بمعنى إلا، وهي لغة هذيل، يقولون نشدتك الله لما قمت، يعنون: إلا قمت، والمعنى: ما نفس إلا عليها حافظ من ربها، والباقون قرأوا بالتخفيف جعلوا: ما، صلة، وإن، مخففة من الثقيلة أي: إن كل نفس لعليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكتسب من خير

205
أو شر. وعن ابن عباس: هم الحفظة من الملائكة، وقال قتادة: هم حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك، وقيل: هو الله رقيب عليها.
في كبد في شدة خلق
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (لقد خلقنا الإنسان في كبد) * (البلد: 04). ثم فسر الكبد بقوله: في شدة خلق، وهكذا رواه ابن عيينة في (تفسيره): وأخرجه الحاكم في (مستدركه).
ورياشا المال وقال غيره الرياش والريش واحد وهو ما ظهر من اللباس
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم ورياشا) * (الأعراف: 63). وفسر الرياش: بالمال، وهو قول ابن عباس، وراه ابن أبي حاتم عنه من طريق علي بن أبي طلحة. قوله: (وقال غيره) أي: غير ابن عباس... إلى آخره، قول أبي عبيدة، وقيل: الريش الجمال والهيئة، وقيل: المعاش.
ما تمنون النطفة في أرحام النساء
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (أفرأيتم ما تمنون) * (الواقعة: 85). ثم فسره بقوله: النطفة في أرحام النساء، وهذا قول الفراء، ويقال: منى الرجل وأمنى.
وقال مجاهد * (إنه على رجعه لقادر) * (الطارق: 8). النطفة في الإحليل
يعني: قادر على رجع النطفة إلى الإحليل، وهذا التعليق وصله ابن جرير من حديث عبد الله بن أبي نجيح عن عبد الله بن أبي بكر عن مجاهد، وفي لفظ: الماء، بدل: النطفة، وفي رواية: إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الصبا إلى القطيعة. وقال ابن زيد: إنه على حبس ذلك الماء لقادر، وعن قتادة معناه: أن الله قادر على بعثه وإعادته.
كل شيء خلقه فهو شفع السماء شفع والوتر الله عز وجل
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ومن كل شيى خلقنا زوجين) * (الذاريات: 94). أي: كل شيء خلقه الله تعالى فهو شفع. قوله: (السماء مشفع)، معناه أنه شفع للأرض، كما أن الحار شفع للبارد مثلا، وبهذا يندفع وهم من يتوهم أن السماوات سبع فكيف يقول شفع؟ وهذا الذي قاله هو قول مجاهد الذي وصله الطبري،
ولفظه: كل شيء خلقه الله شفع: السماء والأرض والبحر والبر والجن والإنس والشمس والقمر، ونحو هذا شفع، والوتر الله وحده.
في أحسن تقويم في أحسن خلق
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) * (التين: 4). ثم فسره بقوله: في أحسن خلق، وقيل: أحسن تعديل بشكله وصورته وتسوية الأعضاء، وقيل: في أحسن تقويم في أعدل قامة وأحسن صورة، وذلك أنه خلق كل شيء منكسا على وجهه إلا الإنسان. وقال أبو بكر بن الطاهر: مزينا بالعقل مؤدبا بالأمر مهذبا بالتمييز مديد القامة يتناول مأكوله بيمينه.
أسفل سافلين إلا من آمن
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا) * (التين: 5 6). معناه: أن الإنسان يكون عاقبة أمره، إذا لم يشكر نعمة تلك الخلقة الحسنة القويمة السوية، أن رددناه أسفل من سفل خلقا وتركيبا، يعني: أقبح من قبح صورة وأشوهه خلقة، وهم أصحاب النار، فعلى هذا التفسير الاستثناء وهو قوله: * (إلا الذين آمنوا) * (التين: 5 6). متصل ظاهر الاتصال، وقيل: السافلون الضعفى والهرمى والزمنى، لأن ذاك التقويم يزول عنهم ويتبدل خلقهم، فعلى هذا الاستثناء منقطع، فالمعنى: لكن الذين كانوا صالحين من الهرمى * (فلهم أجر) * (التين: 5 6). دائم * (غير ممنون) * (التين: 5 6). أي: غير مقطوع على طاعتهم وصبرهم على ابتلاء الله بالشيخوخة

206
والهرم، وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة، فيكتب لهم في حال هرمهم وخرفهم مثل الذين كانوا يعملون في حال شبابهم وصحتهم.
خسر ضلال ثم استثناى إلا من آمن
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إن الإنسان لفي خسر) * (العصر: 2). ثم فسر الخسر بالضلال، ثم استثنى الله تعالى من أهل الخسر * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * (العصر: 3). لازب لازم
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (إنا خلقناهم من طين لازب) * (الصافات: 11). أي: لازم، وهكذا روي عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة عنه.
ننشئكم في أي خلق نشاء
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (وننشئكم فيما لا تعلمون) * (الواقعة: 16). ثم فسر ذلك بقوله: في أي خلق نشاء.
نسبح بحمدك نعظمك
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ونحن نسبح بحمدك) * (البقرة: 03). ثم فسر ذلك بقوله: نعظمك، وكذا روي عن مجاهد.
وقال أبو العالية * (فتلقى آدم من ربه كلمات) * (البقرة: 73). فهو قوله * (ربنا ظلمنا أنفسنا) * (الأعراف: 32).
أبو العالية اسمه رفيع بن مهران الرياحي، أدرك الجاهلية وأسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، بسنتين ودخل على أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وصلى خلف عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وروى عن جماعة من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم. وقد فسر أبو العالية الكلمات في قوله تعالى: * (فتلقى آدم من ربه كلمات) * (البقرة: 73). بقوله تعالى: * (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * (الأعراف: 32). وروي ذلك أيضا عن مجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري والربيع بن أنس وقتادة ومحمد بن كعب القرظي وخالد بن معدان وعطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وقال أبو إسحاق السبيعي: عن رجل من بني تميم، قال: أتيت ابن عباس فسألته: ما الكلمات التي تلقى آدم، عليه الصلاة والسلام، من ربه؟ قال: علم آدم شأن الحج.
فأزلهما فاستزلهما
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) * (البقرة: 83). ثم فسره بقوله: فاستزلهما، أي: دعاهما إلى الزلة. وفي (تفسير ابن كثير): يصح أن يكون الضمير عائدا إلى الجنة، فيكون المعنى كما قرأ حمزة وعاصم فأزالهما، أي: نحاهما ويصح أن يكون عائدا على أقرب المذكورين وهو الشجرة، فيكون المعنى كما قال الحسن وقتادة، فأزلهما، أي: من قبل الزلل، فيكون تقدير الكلام: فأزلهما الشيطان عنها أي بسببها.
ويتسنه يتغير آسن متغير والمسنون المتغير
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) * (البقرة: 952). أي: لم يتغير، وأشار بقوله: آسن إلى ما في قوله تعالى: * (فيها أنهار من ماء غير آسن) * (محمد: 51). أي: غير متغير، وأشار بقوله: والمسنون، إلى ما في قوله تعالى: * (من حمأ مسنون) * (الحجر: 62، و 82 و 33). أي: من طين متغير، وكل هذه من مادة واحدة. وقال الكرماني: فإن قلت: ما وجه تعلقه بقصة آدم عليه السلام؟ قلت: ذكر بتبعية المسنون لأنه قد يقال باشتقاقه منه. انتهى. قلت: الداعي إلى هذا السؤال والجواب هو أن جميع ما ذكره من الألفاظ من أول الباب إلى الحديث الذي يأتي متعلق بآدم وأحواله، غير قوله: يتسنه، فإنه متعلق بقضية عزير، عليه السلام، وغير قوله: آسن، فإنه متعلق بالماء، فلذلك سأل وأجاب، ومع هذا قال: وأمثال هذه تكثير لحجم الكتاب لا تكثير

207
للفوائد. والله تعالى أعلم بمقصوده. قلت: لا يخلو عن زيادة فائدة، ولكن كتابه موضوع لبيان الأحاديث لا لبيان اللغات لألفاظ القرآن.
حمإ جمع حمأة وهو الطين المتغير
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (من حمإ مسنون) * (الحجر: 62، 82، 33). وقال: الحمأ جمع حمأة، ثم فسره بقوله: وهو الطين المتغير، وكذا فسره أبو عبيدة.
يخصفان أخذا الخصاف من ورق الجنة يؤلفان الورق ويخصفان بعضه إلى بعض
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) * (طه: 121). ثم فسر: يخصفان، بقوله: أخذا، أي آدم وحواء، عليهما السلام، الخصاف، وهو بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الصاد المهملة: جمع خصفة، بالتحريك وهي الحلة التي تعمل من الخوص للتمر. ويجمع على: خصف، أيضا بفتحتين. قوله: (يؤلفان الورق) أي: ورق الشجر، ويخصفان يعني: يلزقان بعضه ببعض ليسترا به عوراتهما، وكذلك الإختصاف، ومنه قرأ الحسن: يخصفان، بالتشديد إلا أنه أدغم التاء في الصاد. وعن مجاهد في (تفسير) قوله: (يخصفان)، أي: يرقعان كهيئة الثوب، وتقول العرب: خصفت النعل أي: خرزتها.
وسوآتهما كناية عن فرجهما
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (بدت لهما سوآتهما) * (طه: 121). ثم فسر السوأة بأنها كناية عن الفرج، وكذا فسره أبو عبيدة، وفرجهما بالإفراد، ويروى: وفرجيهما، بالتثنية والضمير يرجع إلى آدم وحواء.
ومتاع إلى حين هاهنا إلى يوم القيامة والحين عند العرب من ساعة إلي ما لا يحصى عدده
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) * (البقرة: 63، والأعراف: 42). ثم فسر الحين بأنه إلى يوم القيامة، وكذا رواه الطبري بإسناده عن ابن عباس، وأشار بقوله: (والحين عند العرب...) إلى أن لفظ: الحين، يستعمل لمعان كثيرة، والحاصل أن الحين في الأصل بمعنى الوقت.
قبيله جيله الذي هو منهم
أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (إنه يراكم هو وقبيله) * (الأعراف: 72). ثم فسر قبيله، أي: قبيل الشيطان بأنه جيله، بكسر الجيم، أي: جماعته الذين هو أي الشيطان منهم، وروى الطبري عن مجاهد في قوله: وقبيله، قال: الجن والشياطين.
6233 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا ثم قال إذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن. (الحديث 6233 طرفه في: 7226).
مطابقته للترجمة ظاهرة، لا سيما إذا كان المراد من الخليفة في الآية المذكورة هو آدم، عليه الصلاة والسلام، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهمام بن منبه الأنباري الصنعاني أخو وهب بن منبه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن يحيى بن جعفر، وأخرجه مسلم في صفة الجنة عن محمد بن رافع.
قوله: (وطوله)، الواو فيه للحال. قوله: (ستون ذراعا)، قال ابن التين: المراد ذراعنا، لأن ذراع كل أحد مثل ربعه، ولو كانت بذراعه لكانت يده قصيرة في جنب طول جسمه كالإصبع والظفر، وقيل: يحتمل

208
أن يكون بذراع نفسه، والأول أشهر. وقال القرطبي: إن الله تعالى يعيد أهل الجنة إلى خلقه أصلهم الذي هو آدم، عليه الصلاة والسلام، وعلى صفته وطوله الذي خلقة الله عليه في الجنة، وكان طوله فيها ستين ذراعا في الارتفاع بذارع نفسه، قال: ويحتمل أن يكون هذا الذراع مقدرا بأذرعتنا المتعارفة عندنا، وقيل: إنه كان يقارب أعلاه السماء، وأن الملائكة كانت تتأذى بنفسه، فخفضه الله إلى ستين ذراعا، وظاهر الحديث خلافه. وروى ابن جرير من حديث عطاء بن أبي رباح، قال: لما خلق الله آدم في الجنة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم ويأنس إليهم، فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله ذلك في دعائها، فخفضه الله إلى الأرض، وقاله قتادة وأبو صالح عن ابن عباس وأبو يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس. وأخرجه ابن أبي شيبة في (كتاب العرش) من حديث طلحة بن عمرو الحضرمي عن ابن عباس. وروى أحمد من حديث سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا: (كان طول آدم ستين ذراعا في سبعة أذرع عرضا)، وروى ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أبي بن كعب، رضي الله تعالى عنه: أن الله تعالى خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق. قوله: (إذهب فسلم) هو أول مشروعية السلام، وهو دال على أن تأكده وإفشاءه سبب للمحبة الدينية ودخول الجنة العلية، وقد قيل بوجوبه. حكاه القرطبي، ويؤخذ منه أن الوارد على جلوس يسلم عليهم، والأفضل تعريفه، فإن نكره جاز وفيه الزيادة في الرد على الابتداء، ولا يشترط في الرد والإتيان بالواو. قوله: (ما يحيونك)، من التحية، ويروى: ما يجيبونك، من الإجابة. قوله: (تحيتك) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك. قوله: (فكل من يدخل الجنة على صورة آدم صلى الله عليه وسلم)، أي: كل من يرزقه الله تعالى دخول الجنة يدخلها وهو على صورة آدم في الحسن والجمال، ولا يدخل على صورته التي كان عليها من السواد إن كان من أهل الدنيا السود، ولا يدخل أيضا على صورته التي كان عليها يوصف من العاهات والنقائص. قوله: (فلم يزل الخلق ينقص)، أي: من طوله، أراد أن كل قرن يكون وجوده أقصر من القرن الذي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك، وهو معنى قوله: (حتى الآن).
7233 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول زمرة يدخلون
الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاعة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة الأنجوج عود الطيب وأزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء.
مطابقته للترجمة في قوله: (على صورة أبيهم). وجرير، بفتح الجيم: هو ابن عبد الحميد، وعمارة، بضم العين: هو ابن القعقاع، وأبو زرعة، بضم الزاي وسكون الراء: واسمه هرم، وقيل: عبيد الله، وقيل: عبد الرحمن البجلي الكوفي.
ومضى الحديث في: باب ما جاء في صفة أهل الجنة، فإنه أخرجه هناك من طريقين: أحدهما: عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، والآخر: عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي عمرة عن أبي هريرة. وفي حديث الباب: ولا يتفلون، موضع: ولا يبصقون، في الحديث الماضي، وفيه الزيادة، وهي قوله: (الأنجوج عود الطيب) الأنجوج، بفتح الهمزة وسكون النون وضم الجيم وفي آخره جيم آخر، وفي رواية أبي ذر: ويقال: الألنجوج، بفتح الهمزة وفتح اللام وسكون النون، والباقي مثله. وقال الكرماني: وفيه لغتان أخريان: النجج ويلنجج، فلفظ الأنجوج تفسير الألوة. وقوله: (عود الطيب) تفسير الأنجوج، فيكون هو تفسير التفسير، وقد ذكرنا: أن الألوة، بفتح الهمزة وضمها وضم اللام وتشديد الواو المفتوحة. قوله: (على خلق رجل واحد)، بضم الخاء وفتحها، وهو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم على خلق رجل واحد. قوله: (على صورة أبيهم آدم) قال في الأول: على صورة القمر، والتوفيق بينهما بأن يقال: الكل على صورة آدم في الطول والخلقة وبعضهم في الحسن كصورة القمر نورا وإشراقا. قوله: (في السماء) أي: في العلو والارتفاع، ويسمى كل ما علاك سماء.

209
8233 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن أم سليم قالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت قال نعم إذا رأت الماء فضحكت أم سلمة فقالت تحتلم المرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فبما يشبه الولد..
مطابقته للترجمة في قوله: (فبما يشبه الولد). ويحيى هو ابن سعيد القطان، واسم أمه سلمة: هند بنت أبي أمية وفي اسم أم سليم أقوال قد ذكرناها، وهي: أن أم أنس بن مالك. والحديث مضى في كتاب الغسل فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة، وهناك: نعم إذا رأت الماء، وقوله: (فقالت تحتلم...) إلى آخره من الزيادة هنا. قوله: (فبما يشبه الولد)، ويروى: فبم، بدون الألف أي: لولا أن لها نطفة وماء فبأي سبب يشبهها ولدها.
9233 حدثنا محمد بن سلام أخبرنا الفزاري عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي قال ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه ومن أي شيء ينزع إلى أخواله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرني بهن آنفا جبريل قال فقال عبد الله ذاك عدو اليهود من الملائكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلاى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها قال أشهد أنك رسول الله ثم قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك فجاءت اليهود ودخل عبد الله البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رجل فيكم عبد الله بن سلام قالوا أعلمنا وابن أعلمنا وأخيرنا وابن أخيرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرأيتم أن أسلم عبد الله قالوا أعاذه الله من ذالك فخرج عبد الله إليهم فقال أشهد أن لا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقالوا شرنا وابن شرنا ووقعوا فيه..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وأما الشبه...) إلى قوله: (كان الشبه لها) لأنه في الذرية والترجمة في خلق آدم وذريته. وسلام بتخفيف اللام، والفزاري، بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء: وهو مروان بن معاوية.
قوله: (بلغ عبد الله مقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم المدينة)، عبد الله منصوب بقوله: مقدم، وهو مرفوع على الفاعلية، والمقدم مصدر ميمي بمعنى: القدوم، و: المدينة نصب على الظرفية. قوله: (عن ثلاث)، أي: عن ثلاث مسائل. قوله: (أشراط الساعة)، أي: علاماتها، وهو جمع: شرط، بفتح الراء وبه سميت: شرط السلطان، لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعلمون بها، هكذا قال أبو عبيد، وحكى الخطابي عن بعض أهل اللغة: أنه أنكر هذا التفسير، وقال: (أشراط الساعة) ما ينكره الناس من صغار أمورها قبل أن تقوم الساعة، وشرط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده، وقال ابن الأعرابي: هم الشرط، والنسبة إليهم شرطي والشرطة والنسبة إليهم شرطي وفي (دلائل النبوة) للبيهقي. سأله عن السواد الذي في القمر بدل (أشراط الساعة) وفي آخره: لما قالت اليهود ما قالوا في ابن سلام ثانيا بعد الأولى، فقال صلى الله عليه وسلم: أجزأنا الشهادة الأولى، وأما هذه فلا. قوله: (ينزع الولد إلى أبيه)، أي: يشبه أباه ويذهب إليه. قوله: (فزيادة كبد حوت)

210
زيادة الكبد هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد، وهي أطيبها، وهي في غاية اللذة. وقيل: هي أهنؤ طعام وأمرؤه. قوله: (إذا غشي المرأة)، أي: إذا جامعها. قوله: (بهت)، بضم الباء الموحدة وضم الهاء وسكونها: جمع بهوت، وهو كثير البهتان، ويقال: بهت، أي: كذابون وممارون لا يرجعون إلى الحق. قوله: (أخيرنا)، أفعل التفضيل من الخير، وهذا دليل من قال: إن أفعل التفضيل بلفظ الأخير مستعمل، ويقال: يروى: أخبرنا، بالباء الموحدة من الخبرة.
0333 حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه يعني لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها. (الحديث 0333 طرفه في: 9933).
مطابقته للترجمة يمكن أن تكون من حيث إن خلق حواء مضاف إلى خلق آدم صلى الله عليه وسلم. وبشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن محمد أبو محمد المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي.
قوله: (نحوه)، قال بعضهم: لم يسبق للمتن المذكور طريق يعود عليها هذا الضمير، فكأنه يشير إلى أن اللفظ الذي حدثه به شيخه فهو بمعنى اللفظ الذي ساقه. قلت: هذا ما فيه كفاية للمقصود، ولا له التئام من جهة التركيب، لأن الذي يذوق دقائق التراكيب ما يرضى بهذا الذي ذكره، بل الظاهر أن ههنا وقع سقط جملة، لأن لفظة: نحوه، أو: مثله، لا يذكر إلا إذا مضى حديث بسند ومتن، ثم إذا أريد إعادته بذكر سند آخر يذكر سنده ويذكر عقيبة لفظ: نحوه، أو: مثله. أي: نحو المذكور، ولا يعاد ذكر المتن اكتفاء بذكر السند فقط، لأن لفظ: نحوه، ينبئ عن ذلك، والذي يظهر لي بالحدس أن البخاري روى قبل هذا: عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر). ثم رواه عن بشر بن محمد عن عبد الله عن معمر عن همام عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: نحوه، أي: نحو الحديث المذكور، ثم فسر ذلك بقوله: (يعني: لولا بنو إسرائيل...) إلى آخره وإنما ذكر لفظ: يعني، إشارة إلى أن المتن الذي ذكره عبد الله بن المبارك عن معمر يغاير المتن الذي رواه عبد الرزاق عن معمر ببعض زيادة، وهو قوله: لم يخبث الطعام، وفي آخره لفظ: الدهر، والبخاري روى عن محمد بن رافع بن أبي زيد النيسابوري، وروى عنه مسلم أيضا. والحديث الذي ذكرناه هو بعينه رواية مسلم، ولا مانع أن يتفقا على الرواية عن محمد بن رافع هذا الحديث، فهذا الذي ظهر لنا والله أعلم. قوله: (لم يخنز اللحم)، بالخاء المعجمة وفتح النون وبالزاي، أي: لم ينتن، ويقال أيضا: خنز، بكسر النون يخنز بفتحها من باب علم يعلم، والأول من باب ضرب يضرب، ويقال أيضا: خزن يخزن على القلب مثل: جبذ وجذب. وقال ابن سيده: خنز اللحم والتمر والجوز خنوزا فهو خنز إذا فسد، وعن قتادة: كان المن والسلوى يسقط على بني إسرائيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كسقوط الثلج، فيؤخذ منه بقدر ما يغني ذلك اليوم إلا يوم الجمعة فإنهم يأخذون له وللسبت، فإن تعدوا إلى أكثر من ذلك فسد ما ادخروا، فكان ادخارهم فسادا للأطعمة عليهم وعلى غيرهم. وقال بعضهم: لما نزلت المائدة عليهم أمروا أن لا يدخروا فادخروا، وقيل: يحتمل أن يكون من اعتدائهم في السبت، وقيل: كان سببه أنهم أمروا بترك ادخار السلوى فادخروه حتى أنتن، فاستمر نتن اللحوم من ذلك الوقت، أو لما صار الماء في أفواههم دما وانتنوا بذلك سرى ذلك النتن إلى اللحم وغيره عقوبة لهم. وفي (الحلية) لأبي نعيم: عن وهب بن منبه، قال: وجدت في بعض الكتب عن الله تعالى: لولا أني كتبت الفناء على الميت لحبسه أهله في بيوتهم، ولولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنته الأغنياء عن الفقراء. قوله: (ولولا حواء، عليها الصلاة والسلام)، حواء بالمد، سميت بذلك لأنها أم كل حي، أو لأنها خلقت من ضلع آدم صلى الله عليه وسلم القصيري اليسرى، وهو حي قبل دخوله الجنة. وقيل: فيها. ومعنى: خلقت، أخرجت كما تخرج النخلة من النواة، ومعنى: * (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها) * أنها دعت آدم إلى الأكل من تلك الشجرة، وذكر الماوردي أنها: البر، وقيل: التين، وقيل: الكافور، وقيل: الكرم، وقيل: شجرة الخلد التي كانت الملائكة تأكل منها.

211
1333 حدثنا أبو كريب وموساى بن حزام قالا حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن ميسرة الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء.
مطابقته للترجمة يمكن أن يقال: إنه لما كان مشتملا على بعض أحوال النساء، وهي من ذرية آدم. والترجمة مشتملة على الذرية أيضا. وهذا وإن كان فيه تعسف فلا يخلو عن وجه، وهذا المقدار كاف.
ذكر رجاله وهم سبعة: الأول: أبو كريب، بضم الكاف بصيغة التصغير: واسمه محمد بن العلاء. الثاني: موسى ابن حزام، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الزاي: أبو عمران الترمذي العابد. الثالث: حسين بن علي بن الوليد أبو عبد الله الجعفي. الرابع: زائدة بن قدامة، بضم القاف وتخفيف الدال المهملة: أبو الصلت الثقفي. الخامس: ميسرة ضد الميمنة ابن عمار الأشجعي. السادس: أبو حازم، بالحاء المهملة وبالزاي: واسمه سلمان الأشجعي الغطفاني. السابع: أبو هريرة، رضي الله تعالى عنهم.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في أربعة مواضع، وفيه: القول في ثلاثة مواضع. وفيه: أن موسى بن حزام من أفراد البخاري، وروي عنه مقرونا بأبي كريب، وقد وثقه النسائي وغيره، وما له في البخاري إلا هذا الموضع. وفيه: ميسرة وما له في البخاري إلا هذا الحديث، وآخر في سورة آل عمران، وحديث الباب ذكره في النكاح من وجه آخر. وفيه: أن رواته كلهم كوفيون ما خلا موسى بن حزام فإنه ترمذي نزل بلخ.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن إسحاق بن نصر، وأخرجه مسلم في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة. وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن القاسم بن زكريا.
ذكر معناه: قوله: (استوصوا)، أي: تواصوا أيها الرجال في حق النساء بالخير، ويجوز أن تكون الباء للتعدية والاستفعال بمعنى الإفعال، نحو الاستجابة، قال تعالى: * (فليستجيبوا لي) * (البقرة: 681). * (ويستجيب الذين آمنوا) * (الشورى: 62). وقال البيضاوي: الإستيصاء: قبول الوصية، أي: أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن، وقال الطيبي: السين للطلب مبالغة أي: اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير، وقال غيره، استفعل على أصله، وهو طلب الفعل فيكون معناه: اطلبوا الوصية من المريض للنساء، لأن عائد المريض يستحب له أن يحث المريض على الوصية، وخص النساء بالذكر لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن، يعني: إقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها واصبروا عليهن وارفقوا بهن وأحسنوا إليهن. قوله: (فإن المرأة) إلى آخره هذا تعليل لما قبله، وفائدته بيان أنها
خلقت من الضلع الأعوج هو الذي في أعلى الضلع، أو بيان أنها لا تقبل الإقامة لأن الأصل في التقويم هو أعلى الضلع لا أسفله وهو في غاية الإعوجاج، والضلع، بكسر الضاد وفتح اللام: مفرد الضلوع، وتسكين اللام جائز. وقوله: (خلقت من ضلع) هو أن الله تعالى لما أسكن آدم الجنة أقام مدة فاستوحش، فشكا إلى الله الوحدة، فنام فرأى في منامه امرأة حسناء ثم انتبه فوجدها جالسة عنده، فقال من أنت؟ فقالت: حواء خلقني الله لتسكن إلي وأسكن إليك. قال عطاء عن ابن عباس: خلقت من ضلع آدم، ويقال لها: القصيري. وقال الجوهري: هو الضلع التي يلي الشاكلة، ويسمى: الواهنة. وقال مجاهد: إنما سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء وهو آدم. وقال مقاتل بن سليمان: نام آدم نومة في الجنة فخلقت حواء من قصيراه من شقه الأيمن من غير أن يتألم، ولو تألم لم يعطف رجل على امرأة أبدا. وقال ابن عباس: لأم الله تعالى موضع الضلع لحما، ولما رآها آدم قال: أثاثا، بالثاء المثلثة وهو بالسرانية وتفسير بالعربية: مرأة. وقال الربيع بن أنس: حواء من طينة آدم واحتج بقوله تعالى: * (هو الذي خلقكم من طين) * (الأنعام: 02). والأول أصح لقوله تعالى: * (وهو الذي خلقكم من نفس واحدة) * (الأعراف: 981). قوله: (وإن ذهبت تقيمه كسرته)، قيل: هو ضرب مثل للطلاق، أي: إن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى طلاقها، ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة، رضي

212
الله تعالى عنه، عند مسلم: إن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها. وقيل: الحديث لم يذكر فيه النساء إلا بالتمثيل بالضلع والاعوجاج الذي في أخلاقهن منه، لأن للضلع عوجا فلا يتهيأ الانفتاع بهن إلا بالصبر على اعوجاجهن، وقيل: الصواب في أعلاه وفي تقيمه وفي كسرته وفي تركته التأنيث لأن الضلع مؤنثة، وكذا يقال: لم تزل عوجاء، ولهذا جاء في رواية مسلم المذكورة بهاء التأنيث وأجيب بأن التذكير يجوز في المؤنث الذي ليس بزوج.
2333 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا زيد بن وهب حدثنا عبد الله حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذالك ثم يكون مضغة مثل ذالك ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار.
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه بيان كيفية خلق بني آدم، وهم ذريته. والترجمة في خلق آدم وذريته، وعمر بن حفص بن غياث، والأعمش سليمان، وزيد بن وهب الجهني هاجر إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يدركه مات سنة ست وتسعين، وعبد الله هو ابن مسعود.
ومن لطائف إسناد هذا الحديث أن فيه: صيغة التحديث بالجمع في الكل حتى قال: حدثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيه: رواية الابن عن الأب. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي.
والحديث مضى في: باب ذكر الملائكة عن قريب، فإنه أخرجه هناك: عن الحسن بن الربيع عن أبي الأحوص عن الأعمش... إلى آخره. وقال الكرماني: والحديث مر في الحيض قلت: ليس كذلك، والذي مر في الحيض: عن أنس بغير هذا الوجه، والآن يأتي، ومر الكلام فيه هناك.
3333 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله وكل بالرحم ملكا فيقول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد أن يخلقها قال يا رب أذكر أم أنثى يا رب شقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه. (انظر الحديث 813 وطرفه).
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق. وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي. والحديث مضى في كتاب الحيض في: باب (مخلقة وغير مخلقة) فإنه أخرجه هناك: عن مسدد عن حماد بن زيد... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك. قوله: (يخلقها) أي: يصورها ولم يذكر في هذه الرواية العمل لأنه يعلم التزاما من ذكر السعادة والشقاوة قوله: (فيكتب كذلك) الكتابة لإظهار الله ذلك للملك ولإنفاذ أمره، وإن كان قضاء الله أزليا لا يحتاج إلى الكتابة.
4333 حدثنا قيس بن حفص حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن أبي عمران الجوني عن أنس يرفعه أن الله يقول لأهون أهل النار عذابا لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت

213
تفتدي به قال نعم فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك.
مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيه من جملة ما يجري على أهل النار، وهم من ذرية آدم، عليه الصلاة والسلام، وقيس ابن حفص أبو محمد الدارمي البصري، مات سنة سبع وعشرين ومائتين، وهو من أفراده، وخالد بن الحارث بن سليم أبو عثمان الهجيمي البصري. وأبو عمران عبد الملك بن حبيب الجرني، بفتح الجيم وسكون الراء وبالنون.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في صفة النار عن بندار. وأخرجه مسلم في التوبة عن عبد الله بن معاذ وعن بندار.
قوله: (يرفعه) أي: يرفع أنس الحديث إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي لفظة يستعملها المحدثون في موضع: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك. قوله: (لأهون أهل النار عذابا)، أي: لأيسر أهلها من حيث العذاب، يقال: إنه أبو طالب. قوله: (أكنت؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (تفتدي به)، من الافتداء وهو خلاص نفسه من الذي وقع فيه بدفع ما يملكه. قوله: (ما هو أهون) كلمة: ما، موصولة، والواو في: وأنت، للحال. قوله: (فأبيت)، أي: امتنعت إلا الشرك أتيت به.
5333 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل.
مطابقته للترجمة من حيث إن القاتل فيه وهو قابيل، كما نذكره هو ابن آدم من صلبه، وهو داخل في لفظ الذرية في الترجمة. وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات: عن قبيصة عن سفيان الثوري وفي الاعتصام عن الحميدي عن سفيان بن عيينة. وأخرجه مسلم في الحدود عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله ابن نمير وعن عثمان بن أبي شيبة وعن ابن أبي عمر. وأخرجه الترمذي في العلم عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي في التفسير عن علي بن خشرم وفي المحاربة عن عمرو بن علي. وأخرجه ابن ماجة في الديات عن هشام بن عمار.
قوله: (لا تقتل نفس)، على صيغة المجهول، والمراد بالنفس: نفس ابن آدم، و: ظلما، نصب على التمييز. قوله: (إلا كان على ابن آدم الأول) المراد من الابن هنا هو قابيل، وآدم الأول هو آدم النبي صلى الله عليه وسلم، أبو قابيل، وقد قتل هو أخاه هابيل وكان عمره عشرين سنة وعمر قابيل خمسة وعشرين سنة، وقال الطبري: وأهل العلم مختلفون في اسم القاتل، فبعضهم يقول: هو قين بن آدم، وبعضهم يقول هو: قاين بن آدم، وبعضهم يقول: هو قابيل، واختلفوا أيضا في سبب قتله هابيل، فقال عبد الله بن عمرو: إن الله تعالى أمر بني آدم أن يقربا قربانا، وأن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه، وصاحب الحرث قرب شر حرثه، فقبل الله قربان الأول، وقال ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه، وإنما كان القربان يقربه الرجل، فبينما هما قاعدان إذ قالا: لو قربنا؟ فقربا قربانا فتقبل من أحدهما. قلت: حكى السدي عن أشياخه عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وغيرهم عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، قالوا: كانت حواء تلد توأما في كل بطن غلاما وجارية إلا شيثا فإنها ولدته مفردا، فلما كان بعد مائة سنة من هبوط آدم، عليه الصلاة والسلام، إلى الدنيا ولدت قابيل وتوأمته أقليما، ثم هابيل وتوأمته ليوذا، وكان ابن آدم يزوج ابنه أخته التي لم تكن توأمته، فلما بلغ قابيل وهابيل، أمر الله تعالى آدم، عليه الصلاة والسلام، أن يزوج قابيل ليوذا أخت هابيل، ويزوج هابيل إقليما أخت قابيل، وكانت من أجمل النساء قامة وأجملهن وأحسنهن صورة، فلم يرض قابيل. وقال: أنا أحق بأختي أنا وأختي من أولاد الجنة وهابيل وأخته من أولاد الدنيا، فقال آدم: قربا قربانا، وكان قابيل صاحب زرع وهابيل صاحب غنم، فقرب قابيل صبرة من طعام من أردى زرعه، وأضمر في نفسه. وقال: ما أبالي أتقبل مني أم لا بعد أن يتزوج هابيل أختي، وقرب هابيل كبشا سمينا من خيار غنمه ولبنا وزبدا وأضمر في نفسه الرضا بالله تعالى، وكان القربان إذا قبل تنزل من السماء نار بيضاء.

214
فتأكله، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل ولم تأكل من قربان قابيل شيئا، فأخذ قابيل في نفسه حتى قتل هابيل. وعن ابن عباس: لم يزل الكبش يرعى في الجنة حتى فدى به إسماعيل، عليه الصلاة والسلام. واختلفوا في أي موضع كان القربان؟ فعامة العلماء على أنه كان بالهند. واختلفوا أيضا في كيفية قتله؟ فقال ابن جريج: إنه أتاه وهو نائم فلم يدر كيف يقتله، فأتاه الشيطان متمثلا فأخذ طيرا فوضع رأسه على حجر ثم شدخ رأسه بحجر آخر، وقابيل ينظر إليه، ففعل بهابيل كذلك. وعن ابن عباس: رماه بحجر فقتله. وروى مجاهد عنه: أنه رضخ رأسه بصخرة، وعن الربيع: أنه اغتاله فقتله، وقيل: خنقه، وقيل: ضربه بحديدة فقتله. واختلفوا أيضا في موضع مصرعه؟ فعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه: على جبل ثور، وعن جعفر الصادق: بالبصرة مكان الجامع، وعن الطبري: على عقبة حراء، وعن المسعودي: قتله بدمشق، وكذا قاله الحافظ ابن عساكر في (تاريخ دمشق)، فقال: كان قابيل يسكن خارج باب الجابية وأنه قتل أخاه على جبل قاسيون عند مغارة الدم، وقال كعب: الدم الذي على قاسيون هو دم ابن آدم. وقال سبط ابن الجوزي: والعجب من هذه الأقوال، وقد اتفق أرباب السير أن الواقعة كانت بالهند، وأن قابيل اغتنم غيبة أبيه بمكة، فما الذي أتى به إلى جبل ثور وحراء وهما بمكة؟ وما الذي أتى به إلى البصرة ولم تكن أسست؟ وأين الهند ودمشق والجابية؟ وهل وضعت التواريخ إلا ليتميز الصحيح والسقيم والسالم والسليم؟ اللهم غفرا. قلت: روي عن ابن عباس: أنه قتله على جبل نوذ بالهند، وهذا هو الصحيح، وحكى الثعلبي عن معاوية بن عمار: سألت الصادق أكان آدم يزوج ابنته من ابنه؟ فقال: معاذ الله، وإنما هو لما أهبط إلى الأرض ولدت حواء، عليها الصلاة والسلام، بنتا فسماها عناقا، وهي أول من بغى على وجه الأرض، فسلط الله عليها من قتلها. فولد له على إثرها قابيل، فلما أدرك أظهر الله له جنية يقال لها: حمامة، فأوحى الله إليه أن زوجها منه، فلما أدرك هابيل أهبط الله إليه من الجنة حوراء اسمها: بذلة، فأوحى الله إليه أن زوجها منه، فأعتب قابيل على أبيه، وقال: أنا أسن منه وكنت أحق بها. قال: يا بني إن الله تعالى أوحى إلي بذلك، فقربا قربانا. قوله: (كفل)، بكسر الكاف وإسكان الفاء: وهو النصيب والجزء، وقال الخليل: الكفل من الأجر والإثم هو الضعف. وفي التنزيل: * (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) * (النساء: 58). وأما قوله تعالى: * (يؤتكم كفلين من رحمته) * (الحديد: 82). فلعله من تغليب الخير. قوله: (لأنه)، أي: لأن ابن آدم الأول أول من سن القتل، أي على وجه الأرض من بني آدم، فإن قيل: قال الله تعالى: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (الأنعام: 461، الإسراء: 51، فاطر: 81، الزمر: 7، النجم: 83). أجيب: بأن هذا جزاء تأسيس فهو فعل سنة، والله أعلم.
(قال وقال الليث عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي
يقول الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)
مطابقته للترجمة من جهة أن الترجمة جزء منه أي قال البخاري وقال الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن هذا التعليق وصله البخاري
في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن الليث ووصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب وفي الحديث قصة ذكرها أبو يعلى وغيره وهي أن عمرة قالت كانت بمكة امرأة مزاحة فنزلت على امرأة مثلها فبلغ ذلك عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت صدق حين سمعت رسول الله
يقول ' الأرواح جنود مجندة ' الحديث * والحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله
قال ' الأرواح جنود مجندة ' إلى آخره نحوه قوله ' الأرواح ' جمع روح وهو الذي يقوم به الجسد ويكون به الحياة قوله ' جنود مجندة ' أي جموع مجتمعة وأنواع مختلفة وقيل أجناس مجنسة وفي هذا دليل على أن الأرواح ليست بأعراض فإنها كانت

215
موجودة قبل الأجساد وإنها تبقى بعد فناء الأجساد ويؤيده ' أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ' قوله ' فما تعارف منها ' تعارفها موافقة صفاتها التي خلقها الله عليها وتناسبها في أخلاقها وقيل لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها فمن وافق قسيمه ألفه ومن باعده نافره وقال الخطابي فيه وجهان. أحدهما أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر وإن الخير من الناس يحن إلى شكله والشرير يميل إلى نظيره والأرواح إنما تتعارف بضرائب طباعها التي جبلت عليها من الخير والشر فإذا اتفقت الأشكال تعارفت وتألفت وإذا اختلفت تنافرت وتناكرت. والآخر أنه روي أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد وكانت تلتقي فلما التسبت بالأجساد تعارفت بالذكر الأول فصار كل واحد منها إنما يعرف وينكر على ما سبق له من العهد المتقدم وقال القرطبي إذا وجد أحد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح يفتش عن الموجب لها فإنه ينكشف له فيتعين عليه أن يسعى في إزالة ذلك حتى يتخلص من ذلك الوصف المذموم وكذلك القول إذا وجد في نفسه ميلا إلى من فيه شر وشبهة وشاع في كلام الناس قولهم المناسبة تؤلف بين الأشخاص والشخص يؤلف بين شكله ولما نزل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الكوفة قال يا أهل الكوفة قد علمنا خيركم من شريركم فقالوا لم ذلك قال كان معنا ناس من الأخيار فنزلوا عند ناس فعلمنا أنهم من الأخيار وكان معنا ناس من الأشرار فنزلوا عند ناس فعلمنا أنهم من الأشرار وكان كما قال الشاعر
* عن المرء لا تسل وسل عن قرينه
* فكل قرين بالمقارن يقتدي
*
(وقال يحيى بن أيوب حدثني يحيى بن سعيد بهذا)
يحيى بن أيوب الغافقي المصري ويحيى بن سعيد هو الذي مضى عن قريب قوله ' مثله ' أي مثل الذي قبله وقد وصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب به * -
3
((باب الأرواح جنود مجندة))
أي: هذا باب يذكر فيه: الأرواح جنود مجندة، والآن يأتي تفسيره، ووجه ذكر هذه الترجمة عقيب ترجمة: خلق آدم، الإشارة إلى أن بني آدم مركبة من الأجسام والأرواح.
3
((باب قول الله عز وجل * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) * (هود: 52).))
أي: هذا باب معقود في قول الله عز وجل: * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) * (هود: 52). وهو نوح بن لمك، بفتح اللام وسكون الميم، وقيل: لمك بفتحتين، وقيل: لامك، بفتح الميم وكسرها. وقال ابن هشام: بالعبرانية لا مخ، بفتح الميم وفي آخره خاء معجمة، وبالعربية: لمك، وبالسريانية: لمخ، وتفسيره: متواضع، ويقال: لمكان، ويقال: ملكان بتقديم الميم على اللام. وقال السهيلي: ولمك هو أول من اتخذ العود للغناء، واتخذ مصانع الماء وهو ابن متوشلخ، بفتح الميم وضم التاء المثناة من فوق المشددة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة واللام وفي آخره خاء معجمة، كذا ضبطه ابن المصري، وضبطه أبو العباس عبد الله بن محمد الفاسي في قصيدة يمدح بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي طويلة ذكرتها في أول (معاني الأخبار) في: رجال معاني الآثار، بضم الميم وفتح التاء والواو وسكون الشين وكسر اللام وبالخاء المعجمة. وقال السهيلي: بضم الميم وفتح التاء وسكون الواو، ومنهم من ضبط في آخره بالحاء المهملة ومعناه في الكل: مات الرسول، لأن أباه كان رسولا، وهو خنوخ، بفتح الخاء المعجمة وضم النون وسكون الواو، وفي آخره معجمة أخرى، ويقال بالحاء المهملة في أوله، ويقال: بالمهملتين ويقال: أخنوخ بزيادة همزة في أوله، ويقال: أخنخ بإسقاط الواو، ويقال أهنخ بالهاء بعد الهمزة، ومعناه على الاختلاف بالعربية: إدريس، عليه الصلاة والسلام، سمي بذلك لكثرة درسه الكتب، وصحف آدم وشيث، وأمه أشوت، وأدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثمان سنين وهو ابن يارد بالياء آخر الحروف وفتح الراء، كذا ضبطه أبو عمر، وكذا ضبطه النسابة الجواني إلا أنه قال: بالذال المعجمة، وقيل: يرد، بفتح الياء وسكون الراء، قال ابن هشام: اسمه في التوراة يارد، وهو عبراني، وتفسيره: ضابط، واسمه في الإنجيل بالسريانية، يرد، وتفسيره بالعربي: ضبط، وقيل: اسمه رائد ولم يثبت، وهو ابن مهلائيل، بفتح الميم وسكون الهاء وبالهمز، وقد يقال بالياء بلا همز، ومعناه: الممدح، وقال ابن هشام: مهليل بفتح الميم وسكون الهاء وكسر اللام، وهو اسم عبراني، واسمه بالعربية: ممدوح، وقال السهيلي: واسمه
بالسريانية في الإنجيل: نابل، بالنون وبالباء الموحدة وتفسيره بالعربية: مسيح الله، وفي زمنه كان بدء عبادة الأصنام، وهو ابن قينان بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالنونين بينهما ألف، ومعناه المستولي، وجاء فيه: قينين وقاين، واسمه

216
في الإنجيل: ماقيان، وتفسيره بالعربي: عيسى، وهو ابن أنوش، بفتح الهمزة الممدودة وضم النون، وفي آخره شين معجمة، ومعناه: الصادق، ويقال: إيناش، بكسر الهمزة، وهو في اللغة العبرانية وتفسيره بالعربية: إنسان، ويقال: يانش، بالياء آخر الحروف، ومعناه المستوي، وهو ابن شيث، بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره ثاء مثلثة ومعناه: هبة الله، ويقال: عطية الله، وهذا اسمه بالعبرانية، وبالسريانية: شاث، بالألف موضع الياء، وتوفي شيث وعمره تسعمائة سنة واثني عشر سنة، ودفن مع أبويه آدم وحواء في غار أبي قبيس، وهو الذي بنى الكعبة بالطين والحجارة وكانت هناك خيمة لآدم عليه الصلاة والسلام، وضعها الله له من الجنة، وكان أبوا نوح، عليه الصلاة والسلام، مؤمنين، واسم أمه قيثوش بنت بركاييل بن مخواييل بن أخنوح، وذكر الزمخشري: أمن اسم أم نوح شمحا بنت آنوش، وأرسل الله نوحا، عليه الصلاة والسلام، إلى ولد قابيل ومن تابعهم من ولد شيث وهو ابن خمسين سنة، وقيل: ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، وقيل: ابن ثمانين وأربعمائة سنة، واختلفوا في مقامه على قولين: أحدهما: بالهند، قاله مجاهد. والثاني: بأرض بابل والكوفة، قاله الحسن البصري، وقال ابن جرير: كان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة، وقال مقاتل: بينه وبين آدم ألف سنة، وبينه وبين إدريس مائة سنة. وهو أول نبي بعد إدريس، عليه الصلاة والسلام، وقال مقاتل: اسمه السكن، وقيل: الساكن، وقال السدي: إنما سمي سكنا لأن الأرض سكنت به. وقيل: اسمه عبد الغفار، ذكره الطبري، وسمي نوحا لكثرة نوحه وبكائه، وقيل: إن الله تعالى أوحى إليه: لم تنوح؟ لكثرة بكائه، فسمي نوحا ويقال: إنه نظر يوما إلى كلب قبيح المنظر، فقال: ما أقبح صورة هذا الكلب، فأنطقه الله عز وجل وقال: يا مسكين على من عبت؟ على النقش أو على النقاش؟ فإن كان على النقش فلو كان خلقي بيدي حسنته؟ وإن كان على النقاش فالعيب عليه اعتراض في ملكه. فعلم أن الله تعالى أنطقه، فناح على نفسه وبكى أربعين سنة، قاله السدي عن أشياخه، ومات نوح وعمره ألف سنة وأربعمائة سنة، قاله ابن الجوزي في كتاب (أعمار الأعيان) وقيل: ألف وثلاثمائة سنة، وقيل: ألف وسبعمائة وثمانين سنة، قيل: إنه مات بقرية الثمانين، وهي القرية التي بناها عند الجودي الذي أرسيت عليه السفينة، وهو بقرب موصل بالشرق، حكاه هارون بن المأمون، وقال ابن إسحاق: مات بالهند على جبل نوذ، وقيل: بمكة، وقال عبد الرحمن بن ساباط: قبر هود وصالح وشعيب ونوح، عليهم الصلاة والسلام، بين زمزم والركن والمقام، وقيل: مات ببابل، وقيل: ببلد بعلبك في البقاع، قرية يقال لها: الكرك فيها قبر يقال له: قبر نوح، ويعرف الآن: بكرك نوح صلى الله عليه وسلم، وقال ابن كثير: وأما قبره فروى ابن جرير والأزرقي: أنه في المسجد الحرام، وهذا أقوى وأثبت من الذي ذكره كثير من المتأخرين من أنه ببلدة بالبقاع تعرف بكرك نوح صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ذكره الله في القرآن في مواضع، فقيل: في ثمانية وعشرين موضعا، منها ما ذكره البخاري من قوله: باب قول الله عز وجل: * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) * (هود: 52). وتمام الآية: * (فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إل
1764; ه غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * (هود: 52). لما ذكر الله تعالى قصة آدم في أول السورة، وهي سورة الأعراف، وما يتعلق بذلك شرع في ذكر قصص الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، الأول فالأول، فابتدأ بذكر نوح، عليه الصلاة والسلام، فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم، عليه الصلاة والسلام، وقال ابن إسحاق: لم يلق نبي من قومه من الأذى مثل نوح صلى الله عليه وسلم إلا نبي قتل.
قال ابن عباس بادىء الرأي ما ظهر لنا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا باديء الرأي) * (هود: 72). ثم فسر باديء الرأي بقوله: ما ظهر لنا. وقرئ باديء بالهمزة وتركها، قال الزمخشري: انتصابه على الظرف، والأراذل: جمع الأرذل، وهو الدون من كل شيء، وقال الزجاج: الأراذل الحاكة.
أقلعي أمسكي
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (يا سماء أقلعي) * (هود: 44). وفسر أقلعي، بقوله: أمسكي، وكذا رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، وأقلعي أمر من الإقلاع، وإقلاع الأمر الكف عنه.
وفار التنور نبع الماء

217
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور) * (هود: 04). وفسر: فار، بقوله: نبع الماء، وفار من الفور وهو الغليان، والفوارة ما يفور من القدر، والتنور اسم فارسي معرب لا تعرف له العرب إسما غيره، قاله ابن دريد، وقال ابن عباس: التنور بكل لسان عربي وعجمي، وعنه أنه تنور الملة، وقال الحسن: كان من حجارة وبه قال ابن مجاهد وابن مقاتل، واختلفوا في موضعه، فقال مجاهد: كان في ناحية الكوفة، وقال مقاتل: كان تنور آدم، وإنما كان بالشام بموضع يقال له: عين وردة، وعن عكرمة: فار التنور بالهند.
وقال عكرمة وجه الأرض
أي: قال عكرمة مولى ابن عباس: التنور وجه الأرض، كذا رواه ابن جرير من طريق أبي إسحاق الشيباني عن عكرمة.
وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (واستوت على الجودي) * (هود: 44). أي: السفينة استقرت على الجبل الذي يسمى بالجودي، وهو جبل بجزيرة ابن عمر في الشرق ما بين دجلة والفرات، ووصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه، وزاد: تشامخت الجبال يوم الغرق وتواضع هو لله عز وجل، فلم يغرق وأرسيت عليه سفينة نوح، عليه السلام.
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (مثل دأب قوم نوح) * (غافر: 13). وفسر الدأب: بالحال، وهو العادة أيضا.
باب قول الله تعالى * (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) * (نوح: 1). إلى آخر السورة
أي: هذا باب في ذكر سورة نوح عليه السلام، وهي اثنتان وعشرون آية، ومائتان وأربع وعشرون كلمة، وتسعمائة وتسعون حرفا، وهذه الترجمة وقعت هكذا بعد قوله: باب قول الله عز وجل: * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) * (نوح: 1). وهو رواية الأكثرين ولم يقع في رواية أبي ذر إلا باب قول الله: * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) * (هود: 52). قوله: (أن أنذر)، أي: بأن أنذر، حذف الجار والمعنى: إنا أرسلنا نوحا إلى قومه بأن قلنا له: أنذر، أي: أرسلناه بالأمر بالإنذار، ويجوز أن تكون: أن، مفسرة لأن الإرسال فيه معنى القول. قوله: (من قبل أن يأتيهم عذاب)، قيل: عذاب الآخرة، وقيل: عذاب الطوفان والغرق، وإنما قال... إلى آخر السورة، إشارة إلى أن هذه السورة كلها في قضية نوح مع قومه.
* (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله) * إلى قوله: * (من المسلمين) * (يونس: 27).
هذه الآية ليست بموجودة في الكتاب عند أكثر الرواة، وتمام الآية هو قوله تعالى: * (فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين) *.
7333 حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال سالم وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني لمنذركموه وما من نبي إلا أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور..
مطابقته للترجمة في قوله: لقد أنذر نوح قومه، وعبدان هو لقب عبد الله بن عثمان، وقد تكرر ذكره، وعبد الله هو ابن المبارك

218
ويونس هو ابن يزيد، وسالم هو ابن عبد الله بن عمرو. والحديث أخرجه البخاري في كتاب الجنائز في: باب إذا أسلم الصبي... مطولا بهذا الإسناد بعينه، ولكن قوله: (ثم ذكر الدجال) إلى آخره، ليس هناك. فقوله: (ثم ذكر الدجال) يعني: بعد الفراغ من خطبته، والدجال فعال من أبنية المبالغة لكثرة الكذب فيه، وهو من الدجل، وهو الخلط والتلبيس والتمويه. قوله: (إني لمنذركموه) من الأنذار، وهو التخويف، وقد أكدت هذه الجملة بمؤكدات بكلمة: إن، واللام، وكون الجملة اسمية. قوله: (لقد أنذر نوح قومه)، إنما خصصه بعد التعميم لأنه أول نبي أنذر قومه وهددهم بخلاف من سبق عليه، فإنهم كانوا في الإرشاد وتربية الآباء للأولاد، ولأنه أول الرسل المشرعين: * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) * (الشورى: 31). أو لأنه أبو البشر الثاني، وذريته هم الباقون في الدنيا لا غيرهم. قوله: (أنه أعور)، وقد ورد فيه كلمات متنافرة، ورد: أنه أعور، وفي رواية: أنها طافية، وفي أخرى: أنه جاحظ العين كأنها كوكب، وفي أخرى: أنها ليست بباقية، وفي أخرى: أنه أعور عين اليمنى، وفي أخرى: أعور عين اليسرى، وفي حديث حذيفة: أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة، ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة أن يقدر فيها أن إحدى عينيه ذاهبة، والأخرى معيبة، فيصح أن يقال: لكل واحدة عوراء، إذ الأصل في العور العيب. قوله: (وأن الله ليس بأعور)، للتنزيه سبحانه وتعالى.
8333 حدثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أحدثكم عن الدجال ما حدث به نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار وإني أنذركم كما أنذر به نوح عليه السلام قومه.
مطابقته للترجمة في قوله: (كما أنذر نوح عليه السلام قومه) وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين، وشيبان ابن عبد الرحمن النحوي، ويحيى هو ابن أبي كثير.
والحديث أخرجه مسلم في الفتن عن محمد بن رافع.
قوله: (بمثال الجنة)، أي: بمثلها ويروى: تمثال الجنة، أي: صورة الجنة. قوله: (كما أنذر)، وجه الشبه فيه الإنذار المقيد بمجيء المثال في صحبته، وإلا فالإنذار لا يختص به.
9333 حدثنا موساى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى هل بلغت فيقول نعم أي رب فيقول لأمته هل بلغكم فيقولون لا ما جاءنا من نبي فيقول لنوح من يشهد لك فيقول محمد صلى الله عليه وسلم وأمته فنشهد أنه قد بلغ وهو قوله جل ذكره: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) * (البقرة: 341). والوسط العدل.
مطابقته للترجمة في قوله: (يجيء نوح وأمته) والأعمش سليمان، وأبو صالح ذكوان الزيات وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن يوسف بن راشد، وفي الاعتصام عن إسحاق بن منصور وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن بشار، وغندر، وعبد بن حميد وعن أحمد بن منيع. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن آدم وعن محمد بن المثنى. وأخرجه ابن ماجة في الزهد عن أبي كريب وأحمد بن سنان وأوله: يجيء النبي ومعه الرجل.
قوله: (أي رب)، يعني: يا ربي. قوله: (لا ما جاءنا من نبي)، فإن قلت: قال الله تعالى: * (اليوم نختم على أفواههم) * (ي
1764; س: 56). فكيف يتكلمون بذلك؟ قلت: في يوم القيامة مواطن: موطن يتكلمون فيه، وموطن يسكتون. قوله: (فيقول محمد)، أي: يشهد محمد وأمته. قوله: (فنشهد) بنون المتكلم مع الغير. قوله: (أنه) أي: أن نوحا قد بلغ إليهم ما أمر به. وباقي الحديث عند غيرهم، قال: فيقولون: كيف تشهد علينا أمة محمد ونحن أول الأمم وهم آخرهم، فيقولون: نشهد أن الله بعث إلينا رسولا وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل علينا خبركم،

219
قوله: (والوسط العدل)، ويقال: وسطا خيارا وهي صفة بالاسم الذي هو وسط الشيء، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
0433 حدثني إسحاق بن نصر حدثنا محمد بن عبيد حدثنا أبو حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجب فنهس منها نهسة وقال أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون بمن يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس فيقول بعض الناس ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس أبوكم آدم فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا فيقول ربي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ونهاني عن الشجرة فعصيته نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا أما ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما بلغنا ألا تشفع لنا إلى ربك فيقول ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله نفسي نفسي ائتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيأتوني فأسجد تحت العرش فيقال يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعطه: قال محمد بن عبيد لا أحفظ سائره.
مطابقته للترجمة في قوله: (فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض). وإسحاق بن نصر هو إسحاق ابن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري، وكان ينزل بالمدينة بباب سعد، فالبخاري تارة يقول: حدثنا إسحاق ابن نصر فينسبه إلى جده، وتارة يقول حدثنا: إسحاق بن إبراهيم بن نصر فينسبه إلى أبيه وهو من أفراده، ومحمد بن عبيد الطنافسي الحنفي الإيادي الأحدب الكوفي، وأبو حيان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف: يحيى بن سعيد ابن حيان التيمي، وأبو زرعة، بضم الزاي وسكون الراء وبالعين المهملة: واسمه هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد بن مقاتل، وهنا عن إسحاق بن نصر عن أبي أسامة، وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير. وأخرجه الترمذي في الزهد عن سويد بن نصر وفي الأطعمة عن واصل ابن عبد الأعلى. وأخرجه النسائي في الوليمة عن واصل بن عبد الأعلى مختصرا، وفي التفسير بطوله عن يعقوب بن إبراهيم. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن علي بن محمد.
قوله: (في دعوة)، بفتح الدال: أي: في ضيافة، وبكسرها: في النسب، وبضمها في الحرب. قوله: (فرفع إليه الذراع)، قال ابن التين: والصواب: رفعت، وكذا في الأصول: رفعت، إلا أنه جاء في المؤنث الذي لا فرج له: أنه يجوز تذكيره، والذراع مؤنثة، ولذلك قال: وكانت تعجبه. قال: وهذا على ما في بعض النسخ بضم الذراع، وأما بنصبها فبين، ويكون رسول الله، صلى الله عليه وسلم هو رافعها. قوله: (تعجبه)، أي: كانت الذراع تعجب رسول الله، صلى الله عليه وسلم وكان إعجابه لها ومحبته لها لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها وبعدها عن مواضع الأذى. قوله: (فنهس)، أكثر الرواة على إهمالها، وفي رواية ابن ماهان وأبي ذر بالإعجام، وكلاهما صحيح، فالنهس بالمهملة

220
الأخذ بأطراف الأسنان، وبالمعجمة الأخذ بالأضراس، وقال القزاز: النهس أخذ اللحم بالأسنان بالفم، وقيل: هو القبض على اللحم ونثره عند أكله. وقال الأصمعي: هما واحد وهو: أخذ اللحم بالفم، وخالفه أبو زيد فذكر ما ذكرناه. قوله: (أنا سيد القوم يوم القيامة)، أي: الذي يفوق قومه ويفزع إليه في الشدائد، وخص يوم القيامة لارتفاع سؤدده وتسليم جميعهم له، ولكون آدم وجميع ولده تحت لوائه، ذكره عياض. وقال الكرماني: وتقييد سيادته بيوم القيامة لا ينافي السيادة في الدنيا، وإنما خصه به لأن هذه القصة قصة يوم القيامة، قلت: إذا كان هو سيدا يوم القيامة، وهو أعظم من الدنيا فبالأولى أن يكون سيدا في الدنيا أيضا. فإن قلت: قال صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء، وقال: لا تفضلوني على يونس، عليه الصلاة والسلام. قلت: أجيب كان هذا قبل إعلامه بسيادة ولد آدم والفضائل لا تنسخ إجماعا فبقيت القبلية، أو الذي قال في يونس من: باب التواضع. وقد قيل: إن المنع في ذات النبوة والرسالة، فإن الأنبياء فيها على حد واحد، إذ هي شيء واحد لا تتفاضل، وإنما التفاضل في زيادة الأحوال والكرامات والرتب والألطاف. قوله: (في صعيد واحد) أي: أرض واسعة مستوية. قوله: (فيبصرهم الناظر) أي: يحيط بهم بصر الناظر لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب، ويروى: فينفذهم البصر، بفتح الياء وبالذال المعجمة على الأكثرين، ويروى بضم الياء، وقال أبو عبيدة: معناه ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم. قلت: هو كناية عن استيعابهم بالعلم، والله لا يخفى عليه شيء، والصواب قول من قال: فيبصرهم الناظر من الخلق، وعن أبي حاتم: إنما هو بدال مهملة، أي: يبلغ أولهم وآخرهم. وقال ابن الأثير: والصحيح فتح الياء مع الإعجام. قوله: (ويسمعهم) بضم الياء من الإسماع. قوله: (إلى ما بلغكم)، بدل من قوله: (إلى ما أنتم فيه) قوله: (ألا تنظرون؟) كلمة: ألا، في الموضعين للعرض والتحضيض، وهي بفتح الهمزة وتخفيف اللام. قوله: (من روحه)، الإضافة إلى الله لتعظيم المضاف وتشريفه، كقولهم: عبد الخليفة كذا. قوله: (وما بلغنا)، بفتح الغين المعجمة هو الصحيح لأنه تقدم ما بلغكم، ولو كان بسكون الغين لقال: بلغهم، وقيل بالسكون وله وجه. قوله: (ربي غضب) المراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب، وقال النووي: المراد من غضب الله ما يظهر من انتقامه فيمن عصاه، وما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها، ولا شك أنه لم يقع قبل ذلك اليوم مثله
ولا يكون بعده مثله. قوله: (نفسي نفسي)، أي: نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها، إذ المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد بعض لوازمه، أو قوله: نفسي مبتدأ والخبر محذوف. قوله: (إذهبوا إلى نوح) بيان لقوله: (إذهبوا إلى غيري). قوله: (أنت أول الرسل)، إنما قالوا له ذلك لأنه آدم الثاني، أو لأنه أول رسول هلك قومه، أو لأن آدم ونحوه خرج بقوله: إلى أهل الأرض لأنها لم تكن لها أهل حينئذ، أو لأن رسالته كانت بمنزلة التربية للأولاد. وفي (التوضيح): قولهم: أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، هو الصحيح، قاله الداودي، وروى أن آدم، عليه الصلاة والسلام، مرسل، وروي في ذلك، حديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو نبي وليس برسول، وقيل: رسول وليس نبيا. انتهى. وقال ابن بطال: آدم ليس برسول، نقله عنه الكرماني. قلت: الصحيح أنه نبي ورسول، وقد نزل عليه جبريل وأنزل عليه صحفا وعلم أولاده الشرائع، وقول ابن بطال غير صحيح، وأما قول من قال: إنه رسول وليس بنبي، فظاهر الفساد، لأن كل رسول نبي، ومن لازم الرسالة النبوة. قوله: (أما ترى؟) بفتح الهمزة وتخفيف الميم وهي حرف استفتاح بمنزلة: ألا، وكلمة: ألا بعدها للعرض والتحضيض. قوله: (ائتوا النبي صلى الله عليه وسلم)، هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بين ذلك بقوله: (فيأتوني) أصله: فيأتونني، وحذف نون الجمع بلا جازم ولا ناصب لغة. قوله: (تشفع)، على صيغة المجهول من التشفيع، وهو قبول الشفاعة. قوله: (قال محمد بن عبيد: لا أحفظ سائره)، أي: سائر الحديث، أي: باقيه، لأنه مطول علم من سائر الروايات، وقد بينها غيره وحفظها حتى قال ابن التين: وقول نوح: ائتوا النبي، وهم إنما دلهم على إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وإبراهيم دلهم على موسى، عليه الصلاة والسلام، وموسى دلهم على عيسى، عليه الصلاة والسلام، وعيسى دلهم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وذكر الغزالي، رحمه الله: أن بين إتيانهم من آدم إلى نوح ألف سنة، وكذا إلى كل نبي حتى يأتوا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم. قال: والرسل يوم القيامة على منابر، والعلماء العاملون على كراسي، وهم رؤساء أهل المحشر، ومن يشفع للناس منهم رؤساء أتباع الرسل، وأول الشفعاء يوم القيامة نبينا محمد صلى الله عليه

221
وسلم. فإن قلت: روى أبو الزعراء عن ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه: نبيكم رابع أربعة: جبريل. ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى. ثم نبيكم. قلت: قال البخاري: أبو الزعراء لا يتابع عليه، والمشهور المعروف أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، أول شافع.
4
((باب * (وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين وتركنا عليه في الآخرين) * (الصافات: 32). قال ابن عباس يذكر بخير * (سلام على الياسين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين) * (الصافات: 031).))
أي: هذا باب معقود فيه قوله تعالى: * (وإن الياس...) * (الصافات: 031). إلى آخره، إلياس هو ابن نسبي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران، قاله ابن إسحاق، وعن ابن عباس: إلياس بن ياسين بن العيزار بن هارون، وبه قال مقاتل، وحكى الثعلبي عن ابن مسعود: إن إلياس هو إدريس، كما أن يعقوب هو إسرائيل، قال عكرمة: وكذا في مصحف ابن مسعود: وأن إدريس لمن المرسلين، وقيل: هو نبي من أنبياء بني إسرائيل، وعن ابن عباس: هو عم ليسع، وقال آخرون: بعثه الله إلى بني إسرائيل بعد مهلك حزقيل، وقال وهب: إن الله لما قبض حزقيل وعظم في بني إسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها، فبعث

222
الله إليهم إلياس رسولا، وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل اسمه: جاب، وله امرأة اسمها أزبيل، وكان يسمع منه ويصدقه، وكان بنو إسرائيل قد اتخذوا صنما يقال له: بعل، وقال ابن إسحاق: سمعت بعض أهل العلم يقول: ما كان بعل إلا امرأة يعبدونها من دون الله، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله وهم لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من ذلك الملك، ثم إنه قال يوما لإلياس: والله ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلا، والله ما أدري فلانا وفلانا، فعدد ملوكا مثله من ملوك بني إسرائيل متفرقين بالشام يعبودن الأوثان، إلا على مثل ما نحن عليه: يأكلون ويشربون ما ينقص دنياهم فيزعمون أن إلياس استرجع ثم رفضه، وخرج عنه وفعل ذلك الملك ما فعل أصحابه من عبادة الأوثان، فقال إلياس: اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر فذكر لي أنه أوحى إليه أنا جعلنا أمر أرزاقهم بيدك حتى تكون أنت الذي تأذن لهم في ذلك، فقال إلياس: اللهم أمسك عنهم المطر، فحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت المواشي والهوام والشجر، ولما دعا عليهم استخفى شفقة على نفسه منهم، فكان حيث ما كان وضع له رزق، وكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في مكان قالوا: لقد دخل الناس هذا المكان فيطلبونه ويلقى أهل ذلك المنزل منهم شرا، ثم إنه استأذن الله في الدعاء لهم، فأذن له، فجاءهم فقال: إن كنتم تجيبون أن الذي أدعوكم إليه هو الحق وأنكم على باطل فأخرجوا أوثانكم وما تعبدون واجأروا إليهم، فإن استجابوا لكم فهو كما تقولون، وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل، وادعو الله تعالى إلى أن يفرج عنكم ما أنتم فيه. قالوا: أنصفت، فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تستجب لهم، فعرفوا ما هم عليه من الضلالة، ثم سألوا إلياس الدعاء فدعا ربه، قال: فمطروا بساعتهم فحسنت بلادهم فلم يبرجوا ولم يرجعوا وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه، فدعا الله تعالى أن يقبضه، فكساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فكان إنسيا ملكيا أرضيا سماويا يطير مع الملائكة، وذكر الحاكم عن أنس مصححا: أنه اجتمع مع سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في بعض السفرات، وخالفه ابن الجوزي في تصحيحه. قوله: (إذ قال) أي: اذكر حين قال إلياس لقومه ألا تتقون عذاب الله بالإيمان به؟ قوله: (أتدعون بعلا)، أي: أتعبدون بعلا، وهو اسم لصنم كان لهم يعبدونه فلذلك سميت مدينتهم: بعلبك، وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي: البعل الرب بلغة أهل اليمن، وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكان من ذهب، طوله عشرون ذراعا وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه، وله أربعمائة سادن جعلوهم أنبياء، فكان إبليس لعنه الله تعالى يدخل في جوفه ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس وهم أهل بعلبك من بلاد الشام. قوله
: (وتذرون) أي: تتركون (الله أحسن الخالقين) فلا تعبدون الله ربكم، قرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب: الله، بالنصب وينصبون: ربكم ورب آبائكم، على البدل، والباقون برفعها على الاستئناف. قوله: (فكذبوه) أي: إلياس. قوله: (فإنهم لمحضرون) في العذاب والنار إلا عباد الله المخلصين من قومه فإنهم نجوا من العذاب. قوله: * (سلام على الياسين) * (الصافات: 031). قرأ ابن عامر ونافع ويعقوب: آل ياسين، بالمد والباقون إلياسين بالقطع والقطر فمن قرأ: آل ياسين، بالمد فإنه أراد آل محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: أراد الياس وهو إليق بسياق الآية، ومن قرأ: الياسين، فقد قيل: إنها لغة في إلياس مثل: إسماعيل وإسماعين وميكائيل وميكائين، وقال الزمخشري: قرىء على: إلياسين وإدريسين وإدراسين على أنها لغات في إلياس وإدريس، ولعل لزيادة الياء والنون في السريانية معنى، وعن بعضهم أنه قرىء: إلياس، بترك الهمزة في ألف: إلياس، ويجعل الألف واللام داخلين على: ياس، للتعريف ويقولون كان اسمه: ياس فدخلت عليه الألف واللام.
ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس
ذكره معلقا بصيغة التمريض، ووصل تعليق عبد الله بن مسعود: عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه، وتعليق ابن عباس وصله جرير في (تفسيره) عن الضحاك عنه، واستدل بهذا ابن العربي: أن إدريس لم يكن جدا لنوح، عليه السلام، وإنما هو من بني إسرائيل، لأن إلياس قد ورد أنه من بني إسرائيل، واستدل على ذلك أيضا بقوله عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج: مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ولو كان من أحد أجداده لقال له، كما قال له آدم وإبراهيم، عليهما السلام: بالابن الصالح.

223
قيل: يمكن أنه قال ذلك على سبيل التواضع والتلطف، وقد ذكرنا عن قريب كيف ساق ابن إسحاق نسبه الكريم، وفيه إدريس وهو: خنوخ، وهو المشهور عند الجمهور، والله سبحانه وتعالى أعلم.
7
((باب ذكر إدريس عليه السلام))
أي: هذا باب في بيان ذكر إدريس، عليه الصلاة والسلام، وقد سقط هذا الباب في رواية أبي ذر.
وهو جد أبي نوح ويقال جد نوح عليهما السلام
أي: إدريس جد أبي نوح، لأن نوحا ابن لمك بن متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس. قوله: (ويقال جد نوح)، هذا ليس بشيء، لأن جد نوح هو متوشلخ، اللهم إلا إذا أطلق على جد أبي نوح، فإنه جد نوح مجازا، وهذا ليس بموجود في غالب النسخ.
وقول الله تعالى * (ورفعناه مكانا عليا) * (مريم: 75).
وقول الله، مجرور عطفا على: ذكر إدريس، أي: وفي بيان ذكر قول الله تعالى: * (ورفعناه مكانا عليا) * (مريم: 75). أي: رفعنا إدريس مكانا عليا وهو السماء الرابعة، واستشكل بعضهم بأن غيره من الأنبياء أرفع مكانا منه، وهذا الاستشكال ليس بشيء، لأنه لم يذكر أنه أعلى من كل أحد. وأجاب بعضهم: بأن المراد منه أنه لم يرفع إلى السماء من هو حي غيره، ورد بأن عيسى، عليه الصلاة والسلام، أيضا قد رفع وهو حي؟ قلت: هذا الرد موجه على القول الصحيح بأنه رفع وهو حي، وأما على قول من يأخذ بظاهر قوله تعالى: * (إني متوفيك ورافعك إلي) * (آل عمران: 55). لا يرد الرد المذكور.
2433 قال عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال قال أنس كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جاء إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء افتح قال من هاذا قال هذا جبريل قال معك أحد قال معي محمد قال أرسل إليه قال نعم فافتح فلما علونا السماء إذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا

224
بالنبي الصالح والإبن الصالح قلت من هاذا يا جبريل قال هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح فقال له خازنها مثل ما قال الأول ففتحع قال أنس فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وموساى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت لي كيف منازلهم غير أنه قد ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة: وقال أنس فلما مر جبريل بإدريس قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح فقلت من هاذا قال هاذا إدريس ثم مررت بموسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هاذا قال هذا موساى ثم مررت بعيسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هاذا قال عيساى ثم مررت بإبراهيم فقال مرحبا بالنبي الصالح والإبن الصالح قلت من هاذا قال هذا إبراهيم قال وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع صريف الأقلام: قال ابن حزم وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم ففرض الله علي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى أمر بموسى فقال لي موسى ما الذي فرض على أمتك قلت فرض عليهم خمسين صلاة قال فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فرجعت فراجعت ربي فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك فذكر مثله فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فرجعت فراجعت ربي فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك فقلت قد استحييت من ربي ثم انطلق حتى أتى السدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت فإذا فيها جنابذ
اللؤلؤ وإذا ترابها المسك. (انظر الحديث 943 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (فلما مر جبريل بإدريس) وكذلك في قوله: (وجد في السماوات إدريس). وهذا الحديث أخرجه البخاري في أول كتاب الصلاة من طريق واحد عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك، قال: كان أبو ذر يحدث... إلى آخره، وهنا أخرجه من طريقين: الأول: عن عبدان، ولكنه قال: قال عبدان، بالتعليق هكذا وقع في أكثر الروايات، ووقع في رواية أبي ذر: حدثنا عبدان، وهو لقب عبد الله بن عثمان، وقد مر غير مرة عن عبد الله ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري. الطريق الثاني: عن أحمد بن صالح بالتحديث، وهو أحمد ابن صالح أبو جعفر المصري عن عنبسة، بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبالسين المهملة: ابن خالد، سمع عمه يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب الزهري... إلى آخره. ومر الكلام فيه هناك مستوفى. قوله: (أسودة)، جمع السواد، وهو الشخص. قوله: (نسم بنيه)، النسم، بفتح النون والسين المهملة: جمع نسمة وهي النفس.
وابن حزم، بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي: هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، وأبو حبة بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وهو المشهور، وقال القابسي بالياء آخر الحروف، وغلطوه في ذلك، وقال الواقدي، بالنون، واختلف في اسمه فقيل: فقال أبو زرعة: عامر، وقيل: عمرو، وقيل: ثابت، وقال الواقدي: مالك. قوله: (لمستوى)، ويروى: (بمستوى)، بفتح الواو أي: مصعدا. قوله: (حتى أتى السدرة)، ويروى: (حتى أتى بي السدرة)، ويروى: (حتى أتى إلى السدرة). قوله: (ثم أدخلت)، على صيغة المجهول، أي: أدخلت الجنة، ويروى: (بأظهار الجنة)، والله أعلم.
6
((باب قول الله تعالى * (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله) * (هود: 05). الآية))
أي: هذا باب في ذكر قول الله تعالى في بيان إرسال هود، عليه الصلاة والسلام، إلى قوم عاد. وهود هو ابن عبد الله بن رباح بن خلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح، عليه السلام، قاله قتادة، وقال مجاهد: هود بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ ابن سام بن نوح، وقيل: هود بن عبد الله بن جاون... إلى آخره مثل الأول، وقال ابن هشام: هود اسمه عابر، ويقال: عبير بن إرفخشذ، ويقال: انفخشذ بن سام بن نوح، وكان هود أشبه ولد آدم بآدم خلا يوسف، وكانت عاد ثلاث عشرة قبيلة ينزلون الرمل بالدور والدهناء وعالج ووبار ويبرين وعمان إلى حضرموت إلى اليمن، وكانت ديارهم أخصب البلاد، فلما سخط الله

225
عليهم جعلها مفاوز، وكان هود من قبيلة يقال لها: عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهم عاد الأولى، وكانوا عربا يسكنون في المواضع المذكورة، وأرسل الله تعالى هودا إليهم وهو قوله تعالى: * (وإلى عاد أخاهم هودا) * (هود: 05). أي: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا. قال الزمخشري: أخاهم واحدا منهم، وقال مقاتل: أخوهم في النسب لا في الدين، وكان عاد الذي تسمت القبيلة به ملكهم وكان يعبد القمر وطال عمره، فرأى من صلبه أربعة آلاف ولد، وتزوج ألف امرأة، وهو أول من ملك الأرض بعد نوح، عليه الصلاة والسلام، وعاش ألف سنة، ومائتي سنة، ولما مات انتقل الملك إلى أكبر ولده وهو: شديد بن عاد، فأقام خمسمائة سنة وثمانين سنة، ثم مات فانتقل الملك إلى أخيه شداد بن عاد وهو الذي بنى إرم ذات العماد، وكانت قبائل عاد التي تسمت به قد ملكوا الأرض بقوتهم وافتخروا * (وقالوا: من أشد منا قوة) * (فصلت: 51). فلما كثر طغيانهم بعث الله إليهم هودا وهو قوله تعالى: * (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون) * (فصلت: 51). يعني: تفترون على الله الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء.
وقوله * (إذ أنذر قومه بالأحقاف) * إلى قوله * (كذلك نجزي القوم المجرمين) * (الأحقاف: 12 52).
وقوله، بالجر عطف على قوله: قول الله تعالى، وأوله: * (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم. قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيه عذاب إليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين) * (الأحقاف: 12 52). قوله: (واذكر) يعني: يا محمد. قوله: (أخا عاد) أي: في النسب لا في الدين. قوله: (بالأحقاف) جمع حقف، بكسر الحاء: وهو رمل مستطيل مرتفع فيه اعوجاج، من احقوقف الشيء إذا اعوج، وعن ابن عباس: الأحقاف واد بين عمان ومهرة، وعن مقاتل: كان منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال لها مهرة، إليها تنسب الجمال المهرية، وعن الضحاك: الأحقاف جبال بالشام، وعن مجاهد: هي أرض حسمى، وعن قتادة: ذكر لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمال مشرفين على البحر بأرض من بلاد اليمن يقال لها: الشحر، وعن الخليل: هي الرمال العظام، وعن الكلبي: أحقاف الجبل ما نصب عليه الماء زمان الغرق كان ينضب الماء ويبقى أثره. قوله: (النذر)، جمع نذير بمعنى منذر قوله: (من بين يديه ومن خلفه) المعنى: مضت المنذرون من بين يديه، أي: من قبل هود، ومن خلفه، والمعنى: أن الرسل الذين بعثوا قبله والذين بعثوا في زمانه والذين يبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره. قوله: (ألا تعبدوا)، يعني: إنذارهم بقولهم ألا تعبدو إلا الله وحده لا شريك له. قوله: (إني أخاف...) يعني: إنذارهم بقولهم ألا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له. قوله: (إني أخاف...) إلى آخر الآية كلام هود. قوله: (قالوا) أي: قوم هود. قوله: (لتأفكنا) أي: لتصرفنا عن آلهتنا إلى دينك، وهذا لا يكون. قوله: (فاتنا) خطاب لهود أي: هات لنا من العذاب الذي توعدنا به على الشرك إن كنت من الصادقين فيما تقول. قوله: (قال)، أي: هود، إنما العلم عند الله بوقت مجيء العذاب لا عندي، وأبلغكم ما أرسلت به، أي: الذي أمرت بتبليغه إليكم وليس فيه تعيين وقد العذاب، ولكنكم جاهلون لا تعلمون أن الرسل لم يبعثوا إلا منذرين لا معترضين، ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه. قوله: (فلما رأوه) أي: فلما رأوا ما يوعدون به قالوا: هذا عارض، أي: سحاب عرض في أفق السماء بمطر لنا منه، قال هود: بل هو ما
استعجلتم به، هي ريح فيها عذاب أليم تدمر، أي: تهلك كل شيء من نفوس عاد وأموالهم بإذن ربها قوله: (فأصبحوا لا ترى) قرأ عاصم وحمزة ويعقوب: ترى، بضم التاء ورفع: مساكنهم، قال الكسائي: معناه: لا ترى شيء إلا مساكنهم، وقال الفراء: لا ترى الناس لأنهم كانوا تحت الرمل، وإنما ترى مساكنهم لأنها قائمة. وقرأ الباقون بفتح التاء ونصب: مساكنهم، على معنى: لا ترى يا محمد إلا مساكنهم قوله: (كذلك نجزي القوم المجرمين) أي: من أجرم مثل جرمهم، وهذا تحذير لمشركي العرب.
ومختصر قصة هود: أنه، عليه الصلاة والسلام، لما دعا على قومه أرسل الله الريح عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما أي: متتابعة، أي ابتدأت غدوة الأربعاء وسكنت في آخر الثامن،

226
واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة لا يصيبهم منها إلا ما يلين الجلود وتلذ النفوس، وعن مجاهد: كان قد آمن معه أربعة آلاف، فذلك قوله تعالى: * (ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه) * (هود: 85). فكانت الريح تقلع الشجر وتهدم البيوت ومن لم يكن منهم في بيته أهلكته في البراري والجبال. وقال السدي: لما رأوا أن الإبل والرجال تطير بين السماء والأرض في الهواء تبادروا إلى البيوت فلما دخلواها دخلت الريح وراءهم فأخرجتهم منها ثم أهلكتهم، ثم أرسل الله عليهم طيرا سودا فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه. ثم إن هودا، عليه الصلاة والسلام، بقي بعد هلاك قومه ما شاء الله ثم مات وعمره مائة وخمسون سنة، وحكى الخطيب عن ابن عباس أنه عاش أربعمائة وستين سنة، وكان بينه وبين نوح ثمانمائة وستين سنة.
واختلفوا: في أي مكان توفي؟ فقيل: بأرض الشحر من بلاد حضرموت وقبره ظاهر هناك ذكره ابن سعد في (الطبقات)، وعن عبد الرحمن بن ساباط: بين الركن والمقام وزمزم قبر تسعة وتسعين نبيا، وأن قبر هود وشعيب وصالح وإسماعيل، عليهم الصلاة والسلام، في تلك البقعة، وقيل: بجامع دمشق في حائط القبلة، يزعم بعض الناس أنه قبر هود، والله أعلم. وقال ابن الكلبي: لم يكن بين نوح وإبراهيم من الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، إلا هود وصالح.
فيه عن عطاء وسليمان عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: في هذا الباب روي عن عطاء بن أبي رباح، ووصل هذا التعليق البخاري في: باب ما جاء في قوله تعالى: * (وهو الذي أرسل الرياح) * (الفرقان: 84). عن مكي بن إبراهيم عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم... الحديث. قوله: (وسليمان)، أي: وعن سليمان بن يسار عن عائشة، ووصل هذا التعليق في تفسير سورة الأحقاف، وقال: حدثنا أحمد بن وهب أخبرنا عمرو أن أبا النضير حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته... الحديث.
9
((باب قول الله عز وجل * (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر) * شديدة * (عاتية) * (الحاقة: 8). قال ابن عيينة عتت على الخزان سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما متتابعة فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية أصولها فهل ترى لهم من باقية بقية))
أي: هذا باب في بيان تفسير قول الله تعالى: * (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية) * (الحاقة: 8 01). قوله: (وأما عاد) عطف على ما قبله، وهو قوله: * (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) * (الحاقة: 7). وقصة عاد مرت في الباب السابق، وقد فسر البخاري: الصرصر بقوله: شديدة عاتية، وعاتية من عتا يعتو عتوا إذا جاوز الحد في الشيء، ومنه العاتي: وهو الذي جاوز الحد في الاستكبار. قوله: (قال ابن عيينة) أي: سفيان بن عيينة، عتت أي الريح على الخزان، بضم الخاء جمع خازن وهم الملائكة الموكلون بالريح، يعني: عتت عليهم فلم تطعهم وجاوزت المقدار، وقيل: عتت على خزانها فخرجت بلا كيل ولا وزن، وعن عباس: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما أرسل الله تعالى نسمة من ريح إلا بمكيال، ولا قطرة من مطر إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح طغت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل) وقيل: الصرصر شديد الصوت لها صرصرة، وقيل: ريح صرصر باردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر فهي تحرق بشدة بردها. قوله: (سخرها)، يعني أرسلها وسلطها عليهم، والتسخير استعمال الشيء بالاقتدار. قوله: (حسوما)، فسره البخاري بقوله: متتابعة، وكذا فسره أبو عبيدة، وقال الضحاك: كاملة لم تفتر عنهم حتى افنتهم، وقال عطية: حسوما كأنها حسمت الخبر عن أهلها. وقال الخليل: قطعا لدابرهم، والحسم القطع والمنع، ومنه حسم الرضاع، وقال النضر ابن شميل: حسمهم قطعهم، وانتصاب حسوما على الحال، قال الزمخشري: الحسوم إما جمع حاسم كشهود جمع شاهد، وإما مصدر كالكفور والشكور، فإن كان جمعا يكون حالا يعني: حاسمة، وإن كان مصدرا يكون منصوبا بفعل مضمر أي: يحسم حسوما بمعنى يستأصل استئصالا، أو يكون صفة كقولك: ذات حسوم أو يكون مفعولا له، أي: سخرها عليهم للاستئصال.

227
قوله: (فترى القوم فيها) أي: في تلك الأيام والليالي، وقيل: في الريح، وقيل: في بيوتهم. قوله: (صرعى)، جمع: صريع، يعني: ساقطة. قوله: (كأنهم أعجاز نخل)، أي: جذوع نخل، وقيل: أصول نخل، وهو ما يبقى على المكان بعد قطع الجذع. قوله: (خاوية)، أي: ساقطة، وشبههم بأعجاز نخل لعظم أجسامهم، قيل: كان طولهم اثني عشر ذراعا، وقال أبو حمزة: طول كل رجل منهم كان سبعين ذراعا، وعن ابن عباس: ثمانين ذراعا. وقال ابن الكلبي: كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا. وقال وهب بن منبه: كان رأس أحدهم مثل القبة العظيمة، وكان عين الرجل تفرخ فيها السباع، وكذلك مناخرهم، وقيل: خاوية خالية الأصوات من الحياة، وقيل: خاوية من الأحشاء لأن الريح أخرجت ما في بطونهم. قوله: (فهل ترى لهم من باقية) أي: من بقية أو من نفس باقية؟
وقيل: الباقية مصدر كالعاقبة أي: فهل ترى لهم من بقاء؟.
3433 حدثني محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد بن عرعرة بن البرند الناجي السامي البصري، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، والحكم بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الباب والحديث مضى في كتاب الاستسقاء في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: نصرت بالصبا، فإنه أخرجه هناك: عن مسلم عن شعبة عن الحكم... إلى آخره نحوه..
4433 قال وقال ابن كثير عن سفيان عن أبيه عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال بعث علي رضي الله تع إلى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة فقسمها بين الأربعة الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي وعيينة بن بدر الفزاري وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب فغضبت قريش والأنصار قالوا يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا قال إنما أتألفهم فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتىء الجبين كث اللحية محلوق فقال اتق الله يا محمد فقال من يطع الله إذا عصيت أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني فسأله رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد فمنعه بن الوليد فمنعه فلما ولى قال إن من ضئضئي هذا أو في عقب هذا قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد..
مطابقته للترجمة في قوله: (لأقتلنهم قتل عاد). فإن قلت: كيف المطابقة وعاد أهلكوا بريح صرصر؟ قلت: التقدير: كقتل عاد، والتشبيه لا عموم له، والغرض منه استئصالهم بالكلية كاستئصال عاد، لأن الإضافة في قتل عاد إلى المفعول. فإن قلت: إذا كان من الإضافة إلى الفاعل يكون المراد القتل الشديد القوي، لأنهم كانوا مشهورين بالشدة والقوة، وعلى التقديرين المراد استئصالهم بأي وجه كان وليس المراد التعيين بشيء.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: بن كثير ضد القليل وهو محمد بن كثير أبو عبد الله العبدي البصري. الثاني: سفيان الثوري. الثالث: أبوه سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري الكوفي. الرابع: ابن أبي نعم، بضم النون وسكون العين المهملة: البجلي، واسم الابن عبد الرحمن أبو الحكم البجلي الكوفي العابد، وكان من عباد أهل الكوفة ممن يصبر على الجوع الدائم، أخذه الحجاج ليقتله وأدخله بيتا ظلما وسد الباب خمسة عشر يوما، ثم أمر بالباب ففتح ليخرج ويدفن فدخلوا عليه فإذا هو قائم يصلي، فقال له الحجاج: سر حيث شئت، وأما اسم أبي نعم فما وقفت عليه. الخامس: أبو سعيد الخدري، واسمه: سعيد بن مالك بن سنان الأنصاري.

228
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن محمد بن كثير مختصرا، وفي التوحيد بتمامه عن قبيصة بن عقبة وفي التوحيد أيضا عن إسحاق بن نصر وفي المغازي عن قتيبة. وأخرجه مسلم في الزكاة عن قتيبة به وعن هناد بن السري وعن عثمان بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله بن نمير. وأخرجه أبو داود في السنة عن محمد بن كثير به. وأخرجه النسائي في الزكاة وفي التفسير عن هناد به وفي المحاربة عن محمود بن غيلان.
ذكر معناه: قوله: (قال)، وقال ابن كثير: أي: قال البخاري: وقال محمد بن كثير كذا روى هنا معلقا، ورواه في تفسير سورة براءة بقوله: حدثنا محمد بن كثير، فوصله لكنه لم يسقه بتمامه، وإنما اقتصر على طرف من أوله، وابن كثير هذا هو أحد مشايخ البخاري، روى عنه في الكتاب في مواضع، وروى مسلم عن عبد الله الدارمي عنه عن أخيه حديثا في الرؤيا. قوله: (بذهيبة) بالتصغير، قال الخطابي: إنما أنثها على نية القطعة من الذهب، وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات، وقال ابن الأثير: قيل: هو تصغير على اللفظ، وفي رواية مسلم: بعث علي، رضي الله تعالى عنه، وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال النووي: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: بذهبة، بفتح الذال، وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم عن الجلودي قال: وفي رواية ابن ماهان: بذهيبة، على التصغير. وقال ابن قرقول: قوله: بعث بذهب، كذا الرواية عن مسلم عند أكثر شيوخنا، ويقال الذهب يؤنث والمؤنث الثلاثي إذا صغر ألحق في تصغيره الهاء نحو: فريسة وشميسة. قوله: (فقسمها بين الأربعة)، أي: بين أربعة أنفس، وفي رواية مسلم: فقسمها رسول الله، صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر. قوله: (الأقرع بن حابس)، يجوز بالرفع والجر، أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي: أحدهم الأقرع، وأما الجر فعلى أنه وما بعده من المعطوف بدل من: الأربعة، أو بيان، والأقرع بفتح الهمزة وسكون القاف وبالراء وبالعين المهملة: ابن حابس، بالحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وبالسين المهملة: ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع المجاشعي الدارمي، أحد المؤلفة قلوبهم، قال ابن إسحاق الأقرع بن حابس التميمي قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم مع عطارد بن حاجب في أشراف بني تميم بعد فتح مكة، وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن شهدا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف، وقال ابن دريد: اسم الأقرع فراس. وفي (التوضيح) بخط منصور بن عثمان الخابوري: الصواب حصين، وقال أبو عمر في باب الفاء من (الاستيعاب): فراس بن حابس، أظنه من بني العنبر، قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في وفد بني تميم. وفي (التوضيح) في كتاب (لطائف المعارف) لأبي يوسف: كان الأقرع أصم مع قرعه وعوره. وفي (الكامل): كان في صدر الإسلام سيد خندف، وكان محله فيها محل عيينة بن حصن في قيس، وقال المرزباني: هو أول من حرم القمار، وكان يحكم في كل موسم، وقال الجاحظ في كتاب (العرجان): إنه كان من أشرافهم وأحد الفرسان الأشراف، ساير رسول الله، صلى الله عليه وسلم مرجعه من فتح مكة، وقال أبو عبيدة: كان أعرج الرجل اليسرى، قتل باليرموك سنة ثلاث عشرة مع عشرة من بنيه، وقال ابن دريد: استعمله عبد الله بن عامر بن كريز على جيش أنفذه إلى خراسان فأصيب بالجوزجان. قوله: (الحنظلي ثم المجاشعي) الحنظلي: نسبة إلى حنظل بن مالك بن زيد مناة بن تميم، والمجاشعي: نسبة إلى مجاشع ابن دام بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. قوله: (وعيينة بن بدر)، أي: الثاني من الأربعة: عيينة مصغر عينة ابن بدر، وفي مسلم: عيينة بن حصن. قلت: بدر جده وحصن
أبوه، ففي رواية البخاري ذكره منسوبا إلى جده، وفي رواية مسلم ذكره منسوبا إلى أبيه حصن بن بدر بن عمرو بن حويرثة بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث ابن غطفان. قوله: (الفزاري)، بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء: نسبة إلى فزارة المذكورة في نسبه. وفي (التوضيح): عيينة اسمه حذيفة بن حصن بن حذيفة بن بدر، ولقب عيينة لأنه طعن في عينه، وكنيته أبو مالك، أسلم قبل الفتح وارتد مع طليحة بن خويلد، وقاتل معه وتزوج عثمان بابنته، وهو عريق في الرياسة، وهو المقول فيه: الأحمق المطاع. قوله: (وزيد الطائي) وفي مسلم: وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان، قال النووي: قال في هذه الرواية: زيد الخير الطائي، كذا هو في جميع النسخ: الخير، بالراء، وقال في رواية: زيد الخيل، باللام وكلاهما صحيح، يقال بالوجهين كان يقال له في الجاهلية: زيد الخيل، فسماه رسول الله،

229
صلى الله عليه وسلم: زيد الخير، لأنه لم يكن في العرب أكثر من خيله، وقال أبو عبيد: وكان له شعر وخطابة وشجاعة وكرم، توفي لما انصرف من عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم بالحمى، وقيل: توفي في آخر خلافة عمر، رضي الله تعالى عنه، وقال أبو عمر: زيد الخيل هو زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي، قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم سنة تسع، وسماه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: زيد الخير، وأقطع له أرضين في ناحيته، يكنى أبا منذر. وفي كتاب أبي الفرج: توفي بماء الحرم يقال له فردة، وقيل: لما دخل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم طرح له متكأ فأعظم أن يتكيء عليه بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرده فأعاده ثلاثا، وعلمه دعوات كان يدعو بها فيعرف بها الإجابة ويستسقي فيسقى، وقال: يا رسول الله! أعطني مائة فارس أغزو بهم على الروم، فلم يلبث بعد انصرافه إلا قليلا حتى حم ومات، وكان في الجاهلية أسر عامر بن الطفيل وجز ناصيته ثم أعتقه، وقال ابن دريد: وكان لا يدخل مكة إلا معتما من خيفة النساء عليه. قوله: (ثم أحد بني نبهان) بفتح النون وسكون الباء الموحدة، ونبهان هو ابن أسودان بن عمرو ابن الغوث بن طي، قال الرشاطي: من بني نبهان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب بن عبد أحنا
بن محيلس بن ثوب بن مالك بن نابل بن أسودان بن نبهان، كان من أجمل الناس وأتمهم، ولما قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال له: من أنت؟ قال: أنا زيد الخيل. قال: أنت زيد الخير. قوله: (وعلقمة بن علاثة)، بضم العين المهملة وتخفيف اللام وبالثاء المثلثة ابن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، كان من أشراف قومه حليما عاقلا، ولم يكن فيه ذلك الكرم، وارتد لما رجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الطائف ثم أسلم أيام الصديق، رضي الله تعالى عنه، وحسن إسلامه، واستعمله عمر، رضي الله تعالى عنه، على حوران فمات بها. قوله: (العامري): نسبة إلى عامر بن صعصعة بن مالك بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان. قوله: (ثم أحد بني كلاب) هذا هو المذكور الآن: هو كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن... إلى آخر ما ذكرناه. قوله: (فغضبت قريش والأنصار)، وليس في رواية مسلم: والأنصار. قوله: (صناديد)، أريد بهم الرؤساء وهو جمع صنديد بكسر الصاد قوله ويدعنا بالياء آخر الحرف وكذلك في قوله يعطي بالياء وفي رواية مسلم: أتعطي صناديد نجد وتدعنا؟ بتاء الخطاب في الموضعين، والهمزة في: أتعطي، للاستفهام على سبيل الإنكار، ومعنى: تدعنا: تتركنا، والنجد بفتح النون وسكون الجيم: وهو ما بين الحجاز إلى الشام إلى العذيب فالطائف من نجد، والمدينة من نجد وأرض اليمامة والبحرين إلى عمان إلى العروض، وقال ابن دريد: نجد بلد للعرب، وإنما سمي نجدا لعلوه عن انخفاض تهامة قوله: (إنم أتألفهم) من التألف وهو المداراة والإيناس ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال. قوله: (فأقبل رجل)، وفي رواية مسلم: فجاء رجل، هذا الرجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة، واسمه: حرقوص بن زهير، قيل: ولقبه ذو الثدية، وقال ابن الأثير في كتاب (الأذواء): ذو الثدية أحد الخوارج الذين قتلهم علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه بحروراء من جانب الكوفة، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: وآية ذلك أن فيهم رجلا أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ومثل البضعة يدرد، أو يقال له: ذو الثدي أيضا. وذو الثدية، وهو حبشي واسمه: نافع. قوله: (غائر العينين) أي: غارت عيناه فدخلتا، وهو ضد الجاحظ، وقال الكرماني: غائر العينين أي: داخلتين في الرأس لاصقتين بقعر الحدقة. قوله: (مشرف الوجنتين)، أي: غليظهما، ويقال: أي: ليس بسهل الخد وقد أشرفت وجنتاه أي علتا، وأصله من الشرف، وهو العلو والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين، وقيل: لحم الجلد، وكل واحدة وجنة، فإا عظمتا فهو موجن والوجنة مثلثة الواو حكاها يعقوب، وبالألف بدل الواو، فهذه أربع لغات وقال ابن جني: أرى الرابعة على البدل، وفي الجيم لغتان فتحها وكسرها حكاهما في (البارع) عن كراع، والإسكان هو الشائع فصار ثلاث لغات في الجيم، وقال ثابت: هما فوق الخدين إذا وضعت يدك وجدت حجم العظم تحتها، وحجمه نتؤه، وقال أبو حاتم: هو ما نتىء من لحم الخدين بين الصدغين وكنفي الأنف. قوله: (ناتىء الجبين)، أي: مرتفعه، وقيل: مرتفع على ما حوله. وقال النووي: الجبين جانب الجبهة ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة. قوله: (كث اللحية)، يعني: كثير شعرها غير مسبلة، والكث بفتح الكاف، وقال ابن الأثير: الكثاثة في اللحية أن تكون غير دقيقة ولا طويلة وفيها كثافة، يقال: رجل كث

230
اللحية، بفتح الكاف، وقوم: كث، بالضم. قوله: (محلوق)، وفي مسلم: محلوق الرأس، وفي (الكامل) للمبرد: رجل مضطرب الخلق أسود، وأنه يكون لهذا ولأصحابه نبأ. وفي (التوضيح): وفي الحديث أنه لا يدخل النار من شهد بدرا ولا الحديبية حاشا رجلا معروفا منهم، قيل: هو حرقوص، ذكره شيخنا العمري. وفي التعليق: أنه أصول الخوارج. قوله: (من يطع الله إذا عصيت؟) أي: إذا عصيته؟. وفي مسلم: من يطع الله إن عصيته؟ قوله: (فسأله رجل قتله)، أي: فسأل النبي صلى الله عليه وسلم رجل قتل هذا القائل. قوله: (أحسبه) أي: أظن أن هذا السائل هو خالد بن الوليد، كذا جاء على الحسبان، وجاء في الصحيح: أنه خالد من غير حسبان، وفي رواية أخرى: أنه عمر بن الخطاب، ولا تنافى في هذا لأنهما كأنهما سألا جميعا. قوله: (فمنعه)، أي: منع خالدا عن القتل، وذلك لئلا
يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه، فهذه هي العلة، وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه وسمع منهم في غير موطن ما كرهه، ولكنه صبر استبقاء لانقيادهم وتأليفا لغيرهم حتى لا ينفروا. قوله: (من ضئضئي)، بكسر الضادين المعجمتين وسكون الهمزة الأولى، وهو الأصل، والعقب، وحكي إهمالهما عن بعض رواة مسلم فيما حكاه القاضي، وهو شائع في اللغة، وقال ابن سيده: الضئضئي والضؤضؤ: الأصل، وقيل: هو كثرة النسل، وقال في المهملة: الصئصئي والسئصئي، كلاهما: الأصل عن يعقوب، وحكى بعضهم صئصئين، بوزن: قنديل، حكاه ابن الأثير، وقال النووي: قالوا: لأصل الشيء أسماء كثيرة، منها: الضئضئن بالمعجمتين والمهملتين، والنجار بكسر النون، والنحاس، والسنخ بكسر السين وإسكان النون وبخاء معجمة، والعيص، والأرومة. قوله: (حناجرهم)، جمع: حنجرة، هي رأس العلصمة حيث تراه ناتئا من خارج الحلق. وقال ابن التين: معناه: لا يرفع في الأعمال الصالحة وقال عياض: لا تفقه قلوبهم ولا ينتفعون بما يتلو منه ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم، وقيل: معناه: لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا تتقبل. قوله: (يمرقون من الدين)، وفي رواية: من الإسلام، أي: يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ من الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق بالسهم من دمه شيء، وبهذا سميت الخوارج: المراق، والدين هنا: الطاعة، يريد أنهم يخرجون من طاعة الأئمة كخروج السهم من الرمية، والرمية بفتح الراء على وزن فعيلة من الرمي بمعنى مفعوله، فقال الداودي: الرمية الصيد المرمي، وهذا الذي ذكره صفات الخوارج الذين لا يدينون للأئمة ويخرجون عليهم. قوله: (يقتلون أهل الإسلام)، كذلك فعل الخوارج. قوله: (ويدعون)، أي: يتركون أهل الأوثان وهو جمع وثن، وهو كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي، يعمل وينصب فيعبد، وهذا بخلاف الصنم فإنه الصورة بلا جثة، ومنهم من لم يفرق بينهما. قيل: لما خرج إليهم عبد الله بن خباب رسولا من عند علي، رضي الله تعالى عنه، فجعل يعظهم، فمر أحدهم بتمرة لمعاهد فجعلها في فيه، فقال بعض أصحابه: تمرة معاهد فيم استحللتها؟ فقال لهم عبد الله بن خباب: أنا أدلكم على ما هو أعظم حرمة، رجل مسلم يعني نفسه فقتلوه فأرسل إليهم علي، رضي الله تعالى عنه، أن أقيدونا به، فقالوا: كيف نقيدك به وكلنا قتله؟ فقاتلهم علي فقتل أكثرهم، قيل: كانوا خمسة آلاف، وقيل: كانوا عشرة آلاف. قوله: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، قد ذكرنا معناه عند ذكر المطابقة بين الحديث والترجمة، ويروى: قتل ثمود. فإن قلت: أليس قال: لئن أدركتهم؟ وكيف ولم يدع خالدا، رضي الله تعالى عنه، أن يقتله وقد أدركه؟ قلت: إنما أراد إدراك زمان خروجهم إذا كثروا وامتنعوا بالسلاح واعترضوا الناس بالسيف، ولم تكن هذه المعاني مجتمعة إذ ذاك، فيوجد الشرط الذي علق به الحكم، وإنما أنذر صلى الله عليه وسلم أن يكون في الزمان المستقبل، وقد كان كما قال صلى الله عليه وسلم، فأول ما يحم هو في أيام علي، رضي الله تعالى عنه. فإن قلت: المال الذي أعطى رسول الله، صلى الله عليه وسلم أولئك المؤلفة قلوبهم من أي مال كان؟ قلت: قال بعضهم: من خمس الخمس، ورد بأنه ملكه، وقيل: من رأس الغنيمة، وأنه خاص به لقوله تعالى: * (قل الأنفال لله والرسول) * (الأنفال: 1). ورد بأن الآية منسوخة، وذلك أن الأنصار لما انهزموا يوم حنين فأيد الله رسوله وأمده بالملائكة فلم يرجعوا حتى كان الفتح، رد الله الغنائم إلى رسوله من أجل ذلك، فلم يعطهم منها شيئا، وطيب نفوسهم، بقوله: وترجعون برسول الله إلى رحالكم، بعدما فعل ما أمر به، واختيار أبي عبيدة: أنه كان من الخمس لا من خمس الخمس ولا من رأس الغنيمة، وأنه جائز للإمام أن يصرف الأصناف المذكورة في آية الخمس حيث يرى أن فيه مصلحة للمسلمين، ولكن ينبغي أن يعلم أولا أن هذا الذهب ليس من غنيمة حنين ولا خيبر ولا من الخمس وقد فرقها كلها.

231
5433 حدثنا خالد بن يزيد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود قال سمعت عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ * (فهل من مدكر) * (القمر: 51، 71، 22، 23، 04، و 15)..
قد مضى هذا في آخر: باب قوله تعالى: * (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه) * (نوح: 1). فإنه (أخرجه هناك: عن نصر بن علي عن أبي أحمد عن سفيان عن أبي إسحاق... إلى آخره، وهنا أخرجه: عن خالد بن يزيد بن الهيثم المقرئ الكاهلي الكوفي عن إسرائيل بن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله، والله أعلم.
7
((باب قصة يأجوج ومأجوج))
أي: هذا باب في بيان قصة يأجوج ومأجوج. يأجوج رجل ومأجوج كذلك ابنا يافث بن نوح، عليه الصلاة والسلام، كذا ذكره عياض مشتقان من: تأجج النار، وهي حرارتها، وسموا بذلك لكثرتهم، وشدتهم، وهذا على قراءة من همز، وقيل من: الأجاج، وهو الماء الشديد الملوحة، وقيل: هما إسمان أعجميان غير مشتقين. وفي (المنتهى): من همزهما جعل وزن يأجوج يفعولا من أجيج النار أو الظليم وغيرهما، ومأجوج مفعولا. ومن لم يهمزهما جعلهما عجميين، وقال الأخفش: من همزهما جعل الهمزة أصلية ومن لم يهمزهما جعل الألفين زائدتين بجعل يأجوج فاعلا من: يججت، ومأجوج فاعولا من: مججت الشيء في فمي. وقال الزمخشري: يأجوج ومأجوج إسمان أعجميان بدليل منع الصرف. قلت: العلة في منع الصرف العجمة والعلمية، وهم من ذرية آدم بلا خلاف، ولكن اختلفوا، فقيل: إنهم من ولد يافث بن نوح، عليه الصلاة والسلام، قاله مجاهد، وقيل: إنهم جيل من الترك، قاله الضحاك. وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم، ذكره الزمخشري. وقيل: هم من الترك مثل المغول، وهم أشد بأسا وأكثر فسادا من هؤلاء، وقيل: هم من آدم، ولكن من غير حواء لأن آدم نام فاحتلم فامتزجت نطفته بالتراب، فلما انتبه أسف على ذلك الماء الذ خرج منه، فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج، وهم متعلقون بنا من جهة الأب دون الأم، حكاه الثعلبي عن كعب الأحبار، وحكاه النووي أيضا في (شرح مسلم) وغيره، ولكن العلماء ضعفوه، وقال ابن كثير: وهو جدير بذلك إذ لا دليل عليه، بل هو مخالف لما ذكروا من أن جميع الناس اليوم من ذرية نوح،
عليه الصلاة والسلام، بنص القرآن. قلت: جاء في الحديث أيضا امتناع الاحتلام على الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام. وقال نعيم بن حماد: حدثنا يحيى بن سعيد حدثني سليمان بن عيسى، قال: بلغني أنهم عشرون أمة: يأجوج ومأجوج ويأجيج وأجيج والغيلانين والغسلين والقرانين والطوقنين وهو الذي يلتحف أذنيه والقريطيين والكنعانيين والدفرانيين والجاجونين والأنطارنين واليعاسين، ورؤوسهم رؤوس الكلاب، وعن عبد الله بن عمر بإسناد جيد: الإنس عشرة أجزاء، تسعة أجزاء: يأجوج ومأجوج، وسائر الناس جزء واحد. وعن عطية بن حسان: أنهم أمتان، في كل أمة أربعمائة ألف أمة ليس فيها أمة تشبه الأخرى، وذكر القرطبي مرفوعا: يأجوج أمة لها أربعمائة أمير، وكذلك مأجوج صنف منهم طوله مائة وعشرون ذراعا، ويروى: أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات والعقارب وكل ذي روح من الطير وغيره، وليس لله خلق ينمو نماءهم في العام الواحد يتداعون تداعي الحمام ويعوون عواء الكلاب، ومنهم من له قرن وذنب وأنياب بارزة يأكلون اللحم النية. وقال ابن عبد البر في (كتاب الأمم): هم أمة لا يقدر أحد على استقصاء ذكرهم لكثرتهم ومقدار الربع العامر مائة وعشرون سنة، وأن تسعين منها ليأجوج ومأجوج وهم أربعون أمة مختلو الخلق والقدود، في كل أمة ملك ولغة، ومنهم من مشيه وثب، وبعضهم يغير على بعض، ومنهم من لا يتكلم إلا همهمة، ومنهم مشوهون، وفيهم شدة وبأس، وأكثر طعامهم الصيد، وربما أكل بعضهم بعضا. وذكر الباجي: عن عبد الرحمن بن ثابت، قال: الأرض خمسمائة عام منها ثلاثمائة بحور ومائة وتسعون ليأجوج ومأجوج وسبع للحبشة وثلاث لسائر الناس. وروى ابن مردويه في (تفسيره): عن أحمد بن كامل حدثنا محمد بن سعد العوفي حدثنا أبي حدثنا عمي حدثنا أبي عن أبيه عن ابن عباس عن أبي سعيد الخدري: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر يأجوج ومأجوج: لا يموت الرجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل، وبإسناده عن

232
حذيفة مرفوعا: يأجوج أمة ومأجوج أربعمائة أمة، كل أمة أربعمائة ألف رجل لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه كلهم قد حملوا السلاح.. الحديث، وذكر أبو نعيم أن صنفا منهم أربعة أذرع عرضا يأكلون مشائم نسائهم. وعن علي، رضي الله تعالى عنه: صنف منهم في طول شبر له مخاليب وأنياب السباع وتداعي الحمام وعواء الذئب وشعور تقيهم الحر والبرد وآذان عظام أحدهما فروة يشتون فيها والأخرى جلدة يصيفون فيها، وفي (التذكرة): وصنف منهم كالأرز طولهم مائة وعشرون ذراعا، وصنف منهم يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى ويأكلون من مات منهم. وعن كعب الأحبار: إن التنين إذا آذى أهل الأرض نقله الله تعالى إلى يأجوج ومأجوج فجعله رزقا لهم، فيجزرونها كما يجزرون الإبل والبقر، ذكره نعيم بن حماد في (كتاب الفتن) ورى مقاتل بن حيان عن عكرمة مرفوعا: (بعثني الله ليلة أسرى بي إلى يأجوج ومأجوج فدعوتهم إلى دين الله تعالى فأبوا أن يجيبوني فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس).
وقول الله تعالى * (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض) * (الكهف: 49).
وقول الله، بالجر عطفا على لفظ: قصة يأجوج ومأجوج. وذو القرنين المذكور في القرآن المذكور في ألسنة الناس بالإسكندر ليس الإسكندر اليوناني، فإنه مشرك ووزيره أرسطاطاليس، والإسكندر المؤمن الذي ذكره الله في القرآن اسمه: عبد الله بن الضحاك بن معد، قاله ابن عباس، ونسب هذا القول أيضا إلى علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وقيل: مصعب بن عبد الله بن قنان بن منصور بن عبد الله بن الأزد بن عون بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ابن قحطان، وقد جاء في حديث: أنه من حمير وأمه رومية، وأنه كان يقال له ابن الفيلسوف لعقله، وذكر ابن هشام: أن اسمه الصعب بن مراثد وهو أول التبايعة وقال مقاتل من حمير وفد أبوه إلى الروم فتزوج امرأة من غسان فولدت له ذا القرنين عبدا صالحا، وقال وهب بن منبه: اسمه الإسكندر. قلت: ومن هنا يشارك الإسكندر اليوناني في الاسم، وكثير من الناس يخطئون في هذا ويزعمون أن الإسكندر المذكور في القرآن هو الإسكندر اليوناني، وهذا زعم فاسد، لأن الإسكندر اليوناني الذي بنى الإسكندرية كافر مشرك، وذو القرنين عبد صالح ملك الأرض شرقا وغربا. حتى ذهب جماعة إلى نبوته منهم: الضحاك وعبد الله بن عمر، وقيل: كان رسولا، وقال الثعلبي: والصحيح، إن شاء الله، كان نبيا غير مرسل، ووزيره الخضر، عليه الصلاة والسلام، فأنى يتساويان.
واختلفوا في زمانه؟ فقيل: في القرن الأول من ولد يافث بن نوح، عليه الصلاة والسلام، قاله علي، رضي الله تعالى عنه، وأنه ولد بأرض الروم، وقيل: كان بعد نمرود، لعنه الله، قاله الحسن، وقيل: إنه من ولد إسحاق من ذرية العيص، قاله مقاتل، وقيل: كان في الفترة بين موسى وعيسى، عليهما الصلاة والسلام، وقيل: في الفترة بين عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام، والأصح أنه كان في أيام إبراهيم الخليل، عليه السلام، واجتمع به في الشام، وقيل: بمكة، ولما فاته عين الحياة وحظي بها الخضر، عليه السلام، اغتم غما شديدا فأيقن بالموت فمات بدومة الجندل، وكان منزله، هكذا روي عن علي، رضي الله تعالى عنه، وقيل: بشهر زور، وقيل: بأرض بابل، وكان قد ترك الدنيا وتزهد، وهو الأصح، وقيل مات بالقدس، ذكره في (فضائل القدس) لأبي بكر الواسطي الخطيب، وكان عدد ما سار في الأرض في البلاد منذ يوم بعثه الله تعالى إلى أن قبض خمسمائة عام، وقال مجاهد: عاش ألف سنة مثل آدم، عليه الصلاة والسلام، وقال ابن عساكر: بلغني أنه عاش ستا وثلاثين سنة، وقيل: ثنتين وثلاثين سنة.
واختلف لم سمي: ذا القرنين، فعن علي، رضي الله تعالى عنه، لما دعا قومه ضربوه على قرنه الأيمن فمات، ثم بعث ثم دعاهم فضربوه على الأيسر فمات ثم بعث. وقيل: لأنه بلغ قطري الأرض المشرق والمغرب، وقيل: لأنه ملك فارس والروم، وقيل: كان ذا ضفيرتين من شعر، والعرب تسمي الخصلة من الشعر قرنا، وقيل: كانت له ذؤابتان، وقيل: كان لتاجه قرنان، وعن مجاهد: كانت صفحتا رأسه من نحاس، وقيل: كان في رأسه شبه القرنين، وقيل: لأنه سلك الظلمة والضوء، قاله الربيع، وقيل: لأنه أعطى علم الظاهر والباطن، حكاه الثعلبي.
وقول الله تعالى: * (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له

233
في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا) * (الكهف: 38 و 48). إلى قوله: * (ائتوني زبر الحديد) * (الكهف: 69).
وقول الله تعالى، بالجر عطفا على قول الله الأول، وفي بعض النسخ: باب قول الله تعالى.. إلى آخره، ورواية أبي ذر إلى قوله: سببا، وساق غيره الآية، ثم اتفقوا إلى قوله: * (أتوني زبر الحديد) * (الكهف: 69). وبعد قوله: سببا، هو قوله: * (فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عنده قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال: أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم يجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا * ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا * قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا * فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) * (الكهف: 58 79). قوله: (يسألونك)، السائلون هم اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الامتحان، وقيل: سأله أبو جهل وأشياعه. قوله: (قل)، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (سأتلوا عليكم)، قال الزمخشري: الخطاب لأحد الفريقين. قوله: (منه ذكرا) أي: من أخباره. قوله: (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء) أي: من أسباب كل شيء أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه، ويقال: سهلنا عليه الأمر في السير في الأرض حتى بلغ مشارقها ومغاربها. قال علي، رضي الله تعالى عنه: سخر الله له السحاب فحمل عليه، وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء. قوله: (وآتيناه من كل شيء سببا) أي: علما يتسبب به إلى ما يريد، قاله ابن عباس، وقيل: علما بالطرق والمسالك فسخرنا له أقطار الأرض كما سخر الريح لسليمان، عليه السلام، وقيل: جعل له في كل أمة سلطانا وهيبة، وقيل: ما يستعين به على لقاء العدو، ووقع في بعض نسخ البخاري بعد قوله: سببا: طريقا. قوله: (في عين حمئة) أي: ذات حمأة، ومن قرأ: حامية فمعناه مثله، وقيل: حارة، ويجوز أن تكون حارة، وهي ذات حمأة. قوله: (ووجد عندها قوما) أي: عند العين أو عند نهاية العمارة قوما لباسهم جلود السباع، وليس لهم طعام إلا ما أحرقته الشمس من الدواب إذا غربت نحوها، وما لفظت العين من الحيتان إذا وقعت، وعن ابن السائب:؛ هناك قوم مؤمنون وقوم كافرون. قوله: (قلنا يا ذا القرنين)، من قال إنه نبي قال: هذا القول وجي، ومن منع قال: إنه إلهام. قوله: (إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) قال الزمخشري: كانوا كفرة فخيره الله تعالى بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإسلام، فاختار الدعوة والاجتهاد في استمالتهم، فقال: أما من دعوته فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم الذي هو الشرك فذلك هو المعذب في الدارين. قوله: (أما من ظلم) أي: أشرك. قوله: (فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذبا نكرا) أي: منكرا. وقال الحسن: كان يطبخهم في القدر. قوله: (وأما من آمن) أي: ترك الكفر وعمل صالحا في إيمانه فله جزاء الحسنى أي: الجنة. قوله: (يسرا) أي: قولا جميلا، قوله: (ثم أتبع سببا) أي: طريقا آخر يوصله إلى المشرق. قوله: (لم نجعل لهم من دونها) أي: من دون الشمس سترا لأنهم كانوا في مكان لا يستقر عليه البناء، وكانوا في أسراب لهم حتى إذا زالت الشمس خرجوا إلى معايشهم وحروثهم. وقال الحسن: كانت أرضهم على شاطىء البحر على الماء لا يحتمل البناء، فإذا طلعت عليهم الشمس دخلوا في الماء، وإذا ارتفعت عنهم خرجوا. قوله: (كذلك)، أي: كما وجد قوما عند مغرب الشمس وحكم فيهم، وجد قوما عند مطلعها وحكم فيهم كذلك. قوله: (وقد أحطنا بما لديه) أي: من الجنود والآلات وأسباب الملك. قوله: (خبرا) قال الزمخشري: تكثيرا، وقال ابن الأثير: الخبر النصيب. قوله: (ثم أتبع سببا) أي: طريقا بين المشرق والمغرب. قوله: (حتى إذا بلغ بين السدين) أي: الجبلين، (وجد من دونهما قوما) يعني، أمام السد، قال الزمخشري: القوم الترك. قوله: (لا يكادون يفقهوم قولا) لأهم لا يعرفون غير لغتهم، ثم نذكر بقية التفسير في ألفاظ البخاري.
واحدها زبرة وهي القطع
أي: واحد الزبر: زبرة، وهي القع، وهكذا فسره أبو عبيد فقال: زبر الحديد، أي: قطع الحديد.

234
حتى إذا ساوى بين الصدفين: يقال عن ابن عباس الجبلين والسدين الجبلين
قرأ أبان: حتى إذا سوى، بتشديد الواو بحذف الألف، وقال أبو عبيدة: قوله: (بين الصدفين)، أي: ما بين الناحيتين من الجبلين، والصدفين، بضمتين وفتحتين وضمة وسكون وفتحة وضمة. قوله: (يقال عن ابن عباس)، تعليق بصيغة التمريض ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، والسدين، بضم السين وفتحها بمعنى واحد، قاله الكسائي، وقال أبو عمرو بن العلاء: ما كان من صنع الله فبالضم، وما كان بصنع الآدمي فبالفتح، وقيل: بالفتح ما رأيته، وبالضم ما توارى عنك.
خرجا أجرا
أشار به إلى لفظ خرجا، ثم فسره بقوله: أجرا، وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: خرجا، قال: أجرا عظيما.
قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا أصبب عليه رصاصا ويقال الحديد ويقال الصفر: وقال ابن عباس النحاس
قال المفسرون: حشى ما بين الجبلين بالحديد، ونسج بين طبقات الحديد بالحطب والفحم، ووضع عليها المنافيج. (قال انفخوا حتى إذا جعله نارا) أي: كالنار من النفخ. (قال: أتوني) أي: أعطوني (أفرغ عليه قطرا)، وفسر البخاري قوله: أفرغ، بقوله: أصيب، من: صب يصب إذا سكب، وذكره بفك الإدغام لأن المثلين إذا اجتمعا في كلمة واحدة يجوز فيه الإدغام والفك، والإدغام أكثر، وفسر قطرا بقوله: رصاصا، وهو بكسر الراء وفتحها. قوله: (ويقال: الحديد) أي: القطر هو
الحديد (ويقال: الصفر) أي: الصفر، بضم الصاد وكسرها، وفي (المغرب): الصفر النحاس الجيد الذي تعمل منه الآنية. قوله: (وقال ابن عباس: النحاس) أي: القطر هو النحاس، وكذا قاله السدي
فما اسطاعوا أن يظهروه يعلوه اسطاع استفعل من أطعت له فلذلك فتح أسطاع يسطيع وقال بعضهم استطاع يستطيع وما استطاعوا له نقبا
قوله: (فما اسطاعوا) أي: فما قدروا أن يظهروه أي: يعلوه، من قولهم: ظهرت فوق الجبل إذا علوته، وهكذا فسره أبو عبيدة. قوله: (اسطاع استفعل)، أشار به إلى أن: فما اسطاعوا الذي هو بفتح الهمزة وسكون السين بلا تاء مثناة من فوق، جمع مفرده: اسطاع، وزنه في الأصل: استفعل، لأنه من: طعت، بضم الطاء وسكون العين، لأنه من باب فعل يفعل مثل نصر ينصر، ولكنه أجوف واوي لأنه من الطوع، يقال: طاع له وطعت له، مثل قال له وقلت له، ولما نقل طاع إلى باب الاستفعال صار: استطاع، على وزن: استفعل، ثم حذفت التاء للتخفيف بعد نقل حركتها إلى الهمزة فصار: اسطاع، بفتح الهمزة وسكون السين، وأشار إلى هذا بقوله: فلذك فتح: اسطاع، أي: فلأجل حذف التاء ونقل حركتها إلى الهمزة، قيل: اسطاع يسطيع، بفتح الهمزة في الماضي وفتح الياء في المستقبل، ولكن بعضهم قال في المستقبل بضم الياء، فمن فتح الياء في المستقبل جعله من: طاع يطيع، ومن ضمها جعله من: طاع يطوع، يقال: أطاعه يطيعه فهو مطيع، وطاع له يطوع ويطيع فهو: طائع، أي: أذعن له وانقاد، والاسم: الطاعة، والاستطاعة القدرة على الشيء. قوله: (وما استطاعوا له نقبا) وهو من قوله تعالى بعد، قوله: (فما اسطاعوا أن يظهروه)، ذكره إشارة إلى أن التصرف المذكور كان في قوله: (فما اسطاعوا أن يظهروه) وأما قوله: (وما استطاعوا له نقبا) فعلى الأصل من باب الاستفعال. قوله: (نقبا) يعني: لم يتمكنوا أن ينقبوا السد من أسفله لشدته وصلابته، ولم أر شارحا حرر هذا الموضع كما ينبغي، فالحمد لله على ما أولانا من نعمه.
قال: هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء ألزقه بالأرض وناقة دكاء لا سنام

235
لها والدكداك من الأرض مثله حتى صلب من الأرض وتلبد وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض
هذا إشارة إلى السد أي: هذا السد رحمة من الله على عباده ونعمة عظيمة، قال الزمخشري: أي هذا الإقدار والتمكين من تسويته. قوله: (فإذا جاء وعد ربي)، يعني: فإذا دنا يوم القيامة وشارف أن يأتي جعله دكا، أي ألزقه بالأرض، يعني: جعله مدكوكا مستويا بالأرض مبسوطا، وكل ما انبسط بعد الارتفاع فقد اندك، وقرئ: دكاء، بالمد أي: أرضا مستوية. قوله: (وناقة دكاء)، أي: لا سنام لها، وكذلك يقال: جمل أدك إذا كان منبسط السنام. قوله: (والدكداك من الأرض مثله) أي: الملزق بالأرض المستوي بها، وقال الجوهري: والدكداك من الرمل ما تلبد منه بالأرض ولم يرتفع. قوله: (وكان وعد ربي حقا) هذا آخر حكاية قول ذي القرنين. قوله: (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض)، ابتداء كلام آخر أي: وتركنا بعض الخلق يوم القيامة يموج أي: يضطرب ويختلط بعضهم في بعض وهم حيارى من شدة يوم القيامة، ويجوز أن يكون الضمير في: بعضهم، ليأجوج ومأجوج، وأنهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد. وروي: أنهم يأتون البحر ويشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به ممن لم يتحصن من الناس، ولا يأتون مكة والمدينة وبيت المقدس، هكذا ذكره الزمخشري في هذه الآية، وروى الترمذي من حديث السدي عن أبي هريرة، وفيه: فيخرجون على الناس فيستقون المياه، وفي (تفسير مقاتل): فإذا خرجوا فيشرب أولهم دجلة والفرات حتى يمر آخرهم فيقول: قد كان ههنا ماء.
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون قال قتادة: حدب: أكمة
وفي بعض النسخ قبل هذا: باب حتى إذا فتحت إلى آخره، كلمة: حتى، حرف ابتداء بسبب إذا، لأنها تقتضي جوابا هو المقصود ذكره، قيل: جوابه: * (واقترب الوعد الحق) * (الأنبياء: 79). والواو زائدة نظيره: * (حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها) * (الزمر: 17 27). وقيل: جوابه في قوله: يا ويلنا بعده، التقدير: * (قالوا يا ويلنا) * (الأنبياء: 41، ي
1764; س: 252، الصافات: 022، والقلم: 13). وليست الواو زائدة، وقيل: الجواب في قوله: فإذا هي شاخصة، وقرأ ابن عامر: فتحت، بالتشديد والباقون بالتخفيف، والمعنى: حتى إذا فتحت سد يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد وهم من كل حدب، أي: نشر من الأرض، وفسره قتادة بقوله: حدب أكمة. قوله: (ينسلون) أي: يسرعون، من النسلان وهو مقاربة الخطى مع الإسراع كمشي الذئب إذا بادر، والعسلان بالعين المهملة، مثله.
قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم رأيت السد مثل البرد المحبر قال رأيته
هذا التعليق وصله ابن أبي عمر من طريق سعيد عن قتادة عن رجل من أهل المدينة، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! قد رأيت سد يأجوج ومأجوج! قال: كيف رأيته؟ قال: مثل البرد المحبر طريقة حمراء وطريقة سوداء، قال: قد رأيته؟ ورواه الطبراني من طريق سعيد عن قتادة عن رجلين عن أبي بكرة: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال، فذكر نحوه، وأخرجه البزار من طريق يوسف بن أبي مريم الحنفي عن أبي بكرة: أن رجلا رأى السد.. فساقه مطولا. وأخرجه ابن مردويه أيضا في (تفسيره) عن سليمان بن أحمد: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى حدثنا أبو الجماهير حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن رجلين عن أبي بكرة الثقفي: أن رجلا أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني قد رأيته، يعني السد، فقال: كيف هو؟ قال: كالبرد المحبر. قال: قد رأيته؟ قال: وحدثنا قتادة أنه قال: طريقة حمراء من نحاس وطريقة سوداء من حديد. قوله: (مثل البرد)، بضم الباء: هو نوع من الثياب معروف، والجمع: أبراد وبرود، والبردة: الشملة المخططة. قوله: (المحبر)، بضم الميم وبالحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة: وهو خط أبيض وخط أسود أو أحمر. قوله: (قال: رأيته؟) أي: رأيته صحيحا وأنت صادق في ذلك؟ وقال نعيم بن حماد في (كتاب الفتن): حدثنا مسلمة بن علي حدثنا سعيد ابن بشير عن قتادة قال رجل: يا رسول الله!
قد رأيت الردم، وأن الناس يكذبونني. فقال: كيف رأيته؟ قال: رأيته كالبرد المحبر. قال: صدقت، والذي نفسي بيده لقد رأيته ليلة الإسراء، لبنة من ذهب ولبنة من رصاص. وقال الحوفي في (تفسيره): بعد ما بين

236
الجبلين مائة فرسخ، فلما أخذ ذو القرنين في عمله حفر له أساسا حتى بلغ الماء، وجعل عرضه خمسين فرسخا، وجعل حشوه الصخور وطينه النحاس المذاب، فبقي كأنه عرق من جبل تحت الأرض، ثم علاه وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب، وجعل خلاله عرقا من نحاس، فصار كأنه برد محبر. 19 - (حدثا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب ابنة جحش رضي الله عنهن أن النبي
دخل عليها فزعا يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها قالت زينب ابنة جحش فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث)
مطابقته للترجمة ظاهرة.
(ذكر رجاله) وهم ثمانية * الأول يحيى بن بكير وهو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي * الثاني الليث بن سعد رضي الله تعالى عنه * الثالث عقيل بضم العين ابن خالد مولى عثمان بن عفان * الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري * الخامس عروة بن الزبير بن العوام * السادس زينب بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ربيبة النبي
أخت عمر بن أبي سلمة وأمهما أم سلمة زوج النبي
* السابع أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان واسمه صخر بن حرب بن أمية زوج النبي
* الثامن زينب ابنة جحش بن رباب أم المؤمنين زوج النبي
(ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في خمسة مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه والليث مصريان وأن عقيلا أيلي والبقية مدنيون وفيه ثلاث صحابيات يروي بعضهن عن بعض وهو نادر وأندر منه ما في إحدى روايات مسلم أربع من الصحابيات وهو أنه روى أولا وقال حدثني عمرو الناقد حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش أن النبي
استيقظ من نومه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد سفيان بيده عشرة الحديث ثم روى وقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسعيد بن عمرو الأشعثي وزهير بن حرب وابن أبي عمر قالوا حدثنا سفيان عن الزهري بهذا الإسناد وزادوا في الإسناد عن سفيان فقالوا عن زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش * وأخرجه الترمذي أيضا وقال حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وغير واحد قالوا حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش (قالت استيقظ رسول الله
من نومه محمرا وجهه وهو يقول لا إله إلا الله يرددها ثلاث مرات وهو يقول ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد عشرا) الحديث * وأخرجه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهري إلى آخره نحوه وفيه وعقد بيده عشرة وقال الترمذي قال الحميدي عن سفيان بن عيينة حفظت من الزهري في هذا الإسناد أربع نسوة زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة وهما ربيبتا النبي
عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش زوجي النبي
وقال الترمذي أيضا وروى معمر هذا الحديث عن الزهري ولم يذكر فيه عن حبيبة قلت ذكر أبو عمر في الاستيعاب في كتاب النساء فقال حبيبة بنت أبي سفيان وقال أبان بن صمغة سمع محمد بن سيرين يقول حدثتني حبيبة بنت أبي سفيان سمعت النبي
يقول من مات له ثلاثة من الولد لم يرو عنها غير محمد بن سيرين ولا يعرف لأبي سفيان ابنة يقال لها حبيبة والذي أظنها حبيبة بنت أم حبيبة ابنة أبي سفيان ثم ذكر أبو عمر الحديث الذي رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة تأكيدا لما قاله أن حبيبة بنت أم حبيبة أم المؤمنين وليست بنت أبي سفيان وقال النووي وحبيبة هذه هي بنت أم حبيبة أم المؤمنين بنت أبي سفيان

237
ولدتها من زوجها عبد الله بن جحش الذي كانت عنده قبل النبي
* وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في كتاب الفتن حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة عن زينب ابنت جحش أنها قالت استيقظ النبي
من النوم محمرا وجهه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد سفيان تسعين أو مائة الحديث وأخرجه أيضا في آخر كتاب الفتن عن أبي اليمان إلى آخره وليس فيهما ذكر حبيبة وكذلك أخرجه في علامات النبوة عن أبي اليمان
(ذكر معناه) قوله ' دخل عليها ' أي على زينب بنت جحش قوله ' فزعا ' نصب على الحال وإنما دخل عليها على هذه الحالة خشية أن يدركه وقتهم لما فيه من الهرج وهلاك الدين قوله ' ويل للعرب ' كلمة ويل للحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في الهلكة دعا بالويل وإنما خص العرب لاحتمال أنه أراد ما وقع من قتل عثمان بينهم وقيل يحتمل أنه أراد ما سيقع من مفسدة يأجوج ومأجوج ويحتمل أنه أراد ما وقع من الترك من المفاسد العظيمة في بلاد المسلمين وهم من نسل يأجوج ومأجوج قوله ' قد اقترب ' جملة في محل الجر لأنه صفة لقوله من شر قوله ' من ردم ' أي من سد مأجوج ومأجوج يقال ردمت الثلمة أي سددتها الاسم والمصدر سواء
وذلك أنهم يحفرون كل يوم حتى لا يبقى بينهم وبين أن يخرقوا النقب إلا يسيرا فيقولون غدا نأتي فنفرغ منه فيأتون بعد الصباح فيجدونه عاد كهيأته فإذا جاء الوقت قالوا عند المساء غدا إن شاء الله نأتي فنفرغ منه فينقبونه ويخرجون أخرجه ابن مردويه في تفسيره من حديث أبي هريرة وحذيفة وفي تفسير مقاتل يغدون إليه في كل يوم فيعالجون حتى يولد فيهم رجل مسلم فإذا غدوا عليه قال لهم المسلم قولوا بسم الله فيعالجونه حتى يتركونه رقيقا كقشر البيض ويرى ضوء الشمس فيقول المسلم قولوا بسم الله غدا نرجع إن شاء الله تعالى فنفتحه الحديث قوله ' وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها ' يعني جعل الأصبع السبابة في أصل الإبهام وضمها حتى لم يبق بينهما إلا خلل يسير وهو من تواضعات الحساب وظاهر هذا يدل على أن الذي فعل هذا هو النبي
وقد مر في حديث مسلم من طريق سفيان بن عيينة وعقد سفيان بيده عشرة وفي رواية البخاري أيضا في كتاب الفتن وعقد سفيان تسعين أو مائة ويأتي عن قريب في حديث زينب أيضا فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق أصبعيه والتي تليها الحديث ولم يذكر شيئا غير هذا ويأتي أيضا في حديث أبي هريرة قال فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وعقد بيده تسعين وظاهر هذا أيضا أن الذي عقد هو النبي
وجاء في رواية مسلم عن أبي هريرة من طريق وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عنه وفيه وعقد وهيب بيده تسعين وهذه الرواية تصرح بأن العاقد هو وهيب وههنا ثلاثة أشياء. الأول في اختلاف العاقد. والثاني في اختلاف العدد. والثالث أن هذا الحديث يعارضه قوله
إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب فالجواب عن الأول بما أشار إليه كلام ابن العربي أن نفس العقد مدرج وليس من قوله
وإنما الرواة عبروا عن الإشارة التي في قوله
مثل هذه في حديث الباب وغيره وذلك لأنهم شاهدوا تلك الإشارة * والجواب عن الثاني ما قاله عياض المراد أن التقريب بالتمثيل لا حقيقة التحديد والجواب عن الثالث أن قوله
إنا أمة الحديث لبيان صورة خاصة معينة قوله ' أنهلك ' بالنون وكسر اللام على الصحيح ويروى بالضم قوله الخبث قال الكرماني الخبث بفتح الخاء والباء الموحدة وفسره الجمهور بالفسوق والفجور وقيل المراد الزنا خاصة وقيل أولاد الزنا والظاهر أنه المعاصي مطلقا وأن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون انتهى * -
7433 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا وهيب حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وعقد بيده تسعين. (الحديث 7433 طرفه في: 6317).
مطابقته للترجمة ظاهرة. ووهيب مصغر وهب ابن خالد البصري، يروي عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة. والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن. وأخرجه مسلم فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة.

238
8433 حدثني إسحاق بن نصر حدثنا أبو أسامة عن الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولاكن عذاب الله شديد قالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد قال أبشروا فإن منكم رجل ومن يأجوج ومأجوج ألف ثم قال والذي نفسي بيده إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا فقال أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا فقال أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبرنا فقال ما أنتم في الناس إلا كالشعرة والسوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود..
مطابقته للترجمة في قوله: (من يأجوج ومأجوج)، وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاري. وأبو أسامة حماد بن أسامة، والأعمش سليمان، وأبو صالح ذكوان الزيات، والحديث أخرجه البخاري أيضا في تفسير سور الحج.
قوله: (لبيك)، مضى تفسيره في التلبية في الحج. قوله: (وسعديك)، أي: ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وإسعادا بعد إسعاد، ولهذا اثني، وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال. وقال الجرمي: لم يسمع سعديك مفردا. قوله: (والخير في يديك)، أي: ليس لأحد معك فيه شركة. قوله: (أخرج)، بفتح الهمزة، أمر من الإخراج. قوله: (بعث النار)، بالنصب مفعوله، وهو بفتح الباء الموحدة وبالثاء المثلثة، يعني: المبعوث، ويقال: بعث النار حزبها، وهو إخبار أن ذلك العدد من ولده يصيرون إلى النار. قوله: (تسعمائة)، قال الكرماني: بالنصب والرفع. قلت: وجه النصب على التمييز، ووجه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وفي حديث أبي هريرة: من كل مائة تسعة وتسعين، وفي الترمذي مثله عن عمران، وصححه وعن أنس كذلك أخرجه ابن حبان في (صحيحه) وأكثر أئمة البصرة على أن الحسن سمع من عمران، وعن أبي موسى نحوه، رواه ابن مردويه من حديث الأشعث نحوه، وعن جابر نحوه رواه أبو العباس في (مقامات التنزيل) وفي حديث عمران: إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا أكثر أهل الجنة. قوله: (فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها)، أي: فعند قول الله تعالى عز وجل لآدم، عليه الصلاة والسلام: أخرج بعث النار يشيب الصغير من الهول والشدة. فإن قلت: يوم القيامة ليس فيه حمل ولا وضع؟ قلت: اختلفوا في ذلك الوقت، فقيل: هو عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا، فهو حقيقة، وقيل: هو مجاز عن الهول والشدة، يعني: لو تصورت الحوامل هناك لوضعن حملهن، كما تقول العرب أصابنا أمر يشيب منه الولدان. قوله: (رجل)، روي، بالرفع والنصب: أما النصب فظاهر، وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ مؤخر، وتقدر ضمير الشأن محذوفا، والتقدير: فإنه منكم رجل، وكذا الكلام في ألف وألفا. قوله: (فكبرنا)، أي: عظمنا ذلك وقلنا: الله
أكبر، للسرور بهذه البشارة العظيمة، وإنما ذكر الربع أولا ثم النصف لأنه أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام، فإن تكرار الإعطاء مرة بعد أخرى دال على الملاحظة والاعتناء به. وفيه: أيضا حملهم على تجديد شكر الله وتكبيره وحمده على كثرة نعمه. قوله: (أو كشعرة)، تنويع من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو شك من الراوي، وجاء فيه تسكين العين وفتحها. فإن قلت: إذا كانوا كشعرة، فكيف يكونون نصف أهل الجنة؟ قلت: فيه: دلالة على كثرة أهل النار كثرة لا نسبة لها إلى أهل الجنة، والله تعالى أعلم.
8
((باب قول الله تعالى * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 561).))
أي: هذا باب في بيان فضل إبراهيم الخليل، عليه الصلاة والسلام، كما في قوله تعالى: * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * وتمام الآية هو

239
قوله تعالى: * (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 561). وسبب تسميته خليلا ما ذكره ابن جرير في (تفسيره): عن بعضهم أنه إنما سماه الله خليلا من أجل أنه أصاب أهل ناحية جدب، فأرسل إلى خليل له من أهل الموصل، وقيل: من أهل مصر، ليمتار طعاما لأهله من قبله، فلم يصب عنده حاجته، فلما قرب من أهله مر بمفازة ذات رمال فقال: لو ملأت غرائري من هذا الرمل لئلا أغم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة، وليظنوا إني أتيتهم بما يحبون، ففعل ذلك، فتحول ما في غرائره من الرمل دقيقا، فلما صار إلى منزله نام وقام أهله ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقا نقيا، فعجنوا منه وخبزوه، فاستيقظ فسألهم عن الذقيق الذي خبزوا منه، فقالوا: من الدقيق الذي جئتنا به من عند خليلك، فقال: نعم هو من خليلي الله، فسماه الله تعالى بذلك خليلا. وقيل: إنما سمي خليلا لشدة محبة ربه عز وجل لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها، وقيل: جاء من طريق جندب بن عبد الله البجلي، وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله اتخذني خليلا كما اتخذ الله إبراهيم خليلا. وقال ابن أبي حاتم، بإسناده إلى عبد الله بن عمير، قال: كان إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، يضيف الناس، فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه فلم يجد أحدا يضيفه فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما، فقال: يا عبد الله! ما أدخلك داري بغير إذني؟ فقال: دخلتها بإذن ربها، قال: ومن أنت، قال: ملك الموت أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد اتخذه خليلا، قال: من هو؟ فوالله إن أخبرتني به، ثم كان بأقصى البلاد لآتيته ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت، قال: ذلك العبد أنت قال: نعم! قال: فبم اتخذني ربي خليلا؟ قال: إنك تعطي الناس ولا تسألهم.
واختلفوا في نسبه؟ فقيل: إنه إبراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالح بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم، حكاه السدي عن أشياخه، وقد أسقط ذكر: قينان، من عمود النسب بسبب أنه كان ساحرا، وقيل: إبراهيم بن تارخ بن أسوع بن أرغو بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم، وقيل: إبراهيم بن آزر بن الناجر بن سارغ بن والغ بن القاسم، الذي قسم الأرض ابن عبير بن شالخ بن واقد بن فالخ، وهو سام. وقيل: آزر بن صاروج بن راغو بن فالغ بن إرفخشذ. وقال الثعلبي: كان اسم أب إبراهيم الذي سماه أبوه: تارخ، فلما صار مع نمرود قيما على خزانة آلهته سماه: آزر، وقيل: آزر اسم صنم، وقال ابن إسحاق: إنه لقب له عيب به، ومعناه: معوج، وقيل: هو بالقبطية الشيخ الهرم، وقال الجوهري: آزر اسم أعجمي، وقال البلاذري عن الشرفي بن القطامي: إن معنى آزر: السيد المعين، وقال وهب: اسم أم إبراهيم نونا بنت كرنبا من بني سام بن نوح، وقال هشام: لم يكن بين نوح وإبراهيم، عليهما الصلاة والسلام، إلا هود وصالح، عليهما الصلاة والسلام، وكان بين إبراهيم وهود ستمائة سنة وثلاثون سنة، وبين نوح وإبراهيم، عليهما الصلاة والسلام، ألف ومائة وثلاثة وأربعون سنة. وقال الثعلبي: وكان بين مولد إبراهيم وبين الطوفان ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة، وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة سنة وسبع وثلاثون سنة، وكان مولد إبراهيم في زمن نمرود بن كنعان، لعنه الله تعالى، ولكن اختلفوا في أي مكان ولد؟ فقيل: ببابل من أرض السواد مدينة نمرود، قاله ابن عباس، وعن مجاهد: بكوثا محلة بكوفة، وعن عكرمة: بالسوس، وعن السدي: بين البصرة والكوفة، وعن الربيع بن أنس: بكسكر ثم نقله أبوه إلى كوثا، وعن وهب: بحران، والصحيح الأول، وقال محمد بن سعد في (الطبقات) كنية إبراهيم أبو الأضياف، وقد سماه الله بأسماء كثيرة منها: الأواه والحليم والمنيب، قال الله تعالى: * (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) * (هود: 57). ومنها: الحنيف وهو المائل إلى الدين الحق، ومنها: القانت والشاكر إلى غير ذلك. قلت: هذه أوصاف له في الحقيقة، ومات إبراهيم وعمره مائتي سنة، وهو الأصح، ويقال: مائة وخمسة وسبعون سنة، قاله الكلبي، وقال مقاتل: مائة وتسعون سنة، ودفن بالمغارة التي في جبرون وهي الآن تسمى بمدينة الخليل، ومعنى: إبراهيم: أب رحيم، لرحمته الأطفال، ولذلك جعل هو وسارة كافلين لأطفال المؤمنين الذين يموتون إلى يوم القيامة، وسيأتي عن قريب، وقال الجواليقي: إبراهيم وأبرهم وإبراهم وإبراهام.

240
وقوله * (إن إبراهيم كان أمة قانتا) * (النحل: 021). وقوله * (إن إبراهيم لأواه حليم) * (التوبة: 411).
وقوله، عطف على المجرور في: باب قول الله تعالى، الأواه، على وزن: فعال، للمبالغة فيمن يقول أوه، وهو المتأوه المتضرع، وقيل: هو الكثير البكاء، وقيل: هو الكثير الدعاء. وفي الحديث: (اللهم إجعلني لك مخبتا أواها منيبا) وعن مجاهد: الأواه المنيب: الفقير الموفق، وعن الشعبي: الأواه المسبح، وعن كعب الأحبار: كان إذا ذكر النار قال: أواه من عذاب الله تعالى.
وقال أبو ميسرة الرحيم بلسان الحبشة
أبو ميسرة ضد الميمنة واسمه: عمرو بن شرحبيل الهمداني الوادعي الكوفي، سمع ابن مسعود، وعنه أبو وائل شقيق بن سلمة، مات قبل أبي جحيفة في ولاية عبيد الله
بن زياد، وهذا الأثر المعلق وصله وكيع في تفسيره من طريق أبي إسحاق عنه.
9433 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا المغيرة بن النعمان قال حدثني سعيد ابن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنكم محشورون حفاة عراة غرلا ثم قرأ * (ك بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) * (الأنبياء: 401). وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) * إلى قوله * (الحكيم) * (المائدة: 711)..
مطابقته للترجمة في قوله: وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وسفيان هو الثوري، والمغيرة بن النعمان النخعي الكوفي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي الوليد وسليمان بن حرب فرقهما، وفي الرقاق عن بندار عن غندر، وفي أحاديث الأنبياء عن محمد بن يوسف. وفيه أيضا عن محمد بن كثير. وأخرجه مسلم في صفة القيامة عن أبي موسى وبندار وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن عبيد الله بن معاذ. وأخرجه الترمذي في الزهد عن أبي موسى وبندار به وعن محمود بن غيلان وفي التفسير عن محمود بن غيلان أيضا. وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمود بن غيلان وعن محمد بن المثنى وفي التفسير عن سليمان بن عبيد الله.
ذكر معناه: قوله: (إنكم محشورون)، جمع محشور من الحشر، وهو الجمع، وفي رواية مسلم: إنكم تحشرون، بتاء المضارعة على صيغة المجهول. قوله: (حفاة)، جمع حاف، وهو خلاف الناعل، كقضاة جمع قاض من حفي يحفى حفية وحفاية، وأما من حفي من كثرة المشي إذا رقت قدمه فهو حفء من: الحفاء، مقصور. قوله: (عراة) جمع عار من الثياب. قوله: (غرلا)، بضم الغين جمع: أغرل، وهو الأقلف، وهو الذي لم يختن، وبقيت معه غرلته، وهي قلفته، وهي الجلدة التي لم تقطع في الختان. قال الأزهري وغيره: هو الأغرل، والأرغل والأغلف، بالغين المعجمة في الثلاثة، والأقلف والأعرم بالعين المهملة وجمعه: غرل ورغل وغلف وقلف وعرم، والغرلة: ما يقطع من ذكر الصبي وهو القلفة وبطولها يعرف نجابة الصبي. وقال أبو هلال العسكري: لا تلتقي الراء مع اللام في العربية إلا في أربع كلمات: أرل اسم جبل، وورل اسم دابة، وجرل هو اسم للحجارة، والغرلة. وقال صاحب (التوضيح): أهمل أربع كلمات أخرى: برل الديك، وهو الريش الذي يستدير بعنقه. وعيش أغرل: أي واسع، ورجل غرل: مسترخي الخلق والهرل: ولد... قاله القالي: قلت: لغة العرب واسعة واستقصاء هذه المادة متعسر، والورل، بفتحتين: دابة مثل الضب، والجمع ورلان، والجرل، بفتح الجيم وفتح الراء وكذلك الجرول والواو للإلحاق بجعفر، وبرل الديك، بضم الباء

241
الموحدة، وقال الجوهري: برائل الديك عفرته، وهو الريش الذي يستدير في عنقه، ولم يذكر برلا، وقد برأل الديك برألة: إذا نفش برائله، وعيش أغرل بالغين المعجمة، ورجل غرل، بفتح الغين المعجمة وكسر الراء: مسترخي الخلق بالخاء المعجمة. فإن قلت: ما فائدة الغلفة يوم القيامة؟ قلت: المقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء، حتى الغرلة تكون معهم. وقال ابن الجوزي: لذة جماع الأقلف تزيد على لذة جماع المختون، وقال ابن عقيل: بشرة حشفة الأقلف موقاة بالقلفة فتكون بشرتها أرق وموضع الحس كلما رق كان الحس أصدق كراحة الكف، إذا كانت موقاة من الأعمال صلحت للحس، وإذا كانت يد قصار أو نجار خفي فيها الحس، فلما أبانوا في الدنيا تلك البضعة لأجله أعادها الله ليذيقها من حلاوة فضله، قال: والسر في الختان، مع أن القلفة معفو عن ما تحتها من النجس، أنه سنة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام. فإن قلت: روى أبو داود من حديث أبي سعيد: أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها، ورواه ابن حبان أيضا وصححه، وروى الترمذي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: إنكم تحشرون رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم، ففيها معارضة لحديث الباب ظاهرا. قلت: أجيب بأنهم يبعثون من قبورهم في ثيابهم التي يموتون فيها، ثم عند الحشر تتناثر عنهم ثيابهم فيحشرون عراة أو بعضهم يأتون إلى موقف الحساب عراة ثم يكسون من ثياب الجنة، وبعضهم حمل قوله: يبعثون في ثيابه، على الأعمال، أي: في أعماله التي يموت فيها من خير أو شر. قال تعالى: * (ولباس التقوى ذلك خير) * (الأعراف: 62). وقال تعالى: * (وثيابك فطهر) * (المدثر: 3). أي: عملك أخلصه، وروى مسلم عن جابر، رضي الله تعالى عنه، مرفوعا: يبعث كل عبد على ما مات عليه، وحمله بعضهم على الشهداء الذين أمر صلى الله عليه وسلم بأن يزملوا في ثيابهم ويدفنوا بها، ولا يغير شيء من حالهم، وقالوا: يحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهداء فتأوله على العموم، وقال بعضهم: ومما يدل على حديث الباب قوله تعالى: * (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) * (الأنعام: 49). وقوله تعالى: * (كما بدأكم تعودون) * (الأعراف: 92). ولا ملابس يومئذ إلا في الجنة، وذهب الغزالي إلى حديث أبي سعيد واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: بالغوا في أكفان موتاكم، فإن أمتي تحشر في أكفانها، وسائر الأمم عراة، رواه أبو سفيان مسندا. وأجيب: عنه، على تقدير صحته: إنه محمول على أمتي الشهداء، واحتج الغزالي أيضا بما رواه أبو نصر الوائلي في (الإبانة): من حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا: أحسنوا أكفان موتاكم، فإنهم يتباهون بها ويتزاورون في قبورهم. وأجيب: بأن ذلك يكون في البرزخ، كما في نفس الحديث، فإذا قاموا خرجوا، كما في حديث ابن عباس: إلا الشهداء. قوله: ثم قرأ قوله تعالى: * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * (الأنبياء: 401). الآية، وأولها هو قوله: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) * (الأنبياء: 401). أي: يوم نطوي السماء طيا كطي السجل الصحيفة للكتاب المكتوب، وعن علي وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم: السجل ملك يطوي كتب ابن آدم إذا رفعت إليه، وعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: السجل كاتب لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعنه أيضا السجل يعني: الرجل، فعلى هذه الأقوال: الكتاب اسم الصحيفة المكتوب فيها. قوله: * (أول خلق) * (الأنبياء: 401). مفعول لقوله: نعيد، الذي يفسره: نعيده، الذي بعده، والكاف مكفوفة بما، والمعنى: نعيد أول خلق كما بدأناه، تشبيها للإعادة بالإبداء
في تناول القدرة لهما على السواء، وقيل: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا، كذلك نعيدهم يوم القيامة نظيرها. قوله: (وعدا) مصدر مؤكد، لأن قوله: نعيده، عدة للإعادة. قوله: (إنا كنا فاعلين) أي: قادرين على ما نشاء أن نفعل، وقيل: معناه: إنا كنا فاعلين ما وعدناه. قوله: (وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم)، فيه منقبة، ظاهره له فضيلة عظيمة وخصوصية، كما خص موسى، عليه الصلاة والسلام بأنه صلى الله عليه وسلم يجده متعلقا بساق العرش، مع أن سيد الأمة أول من تنشق عنه الأرض، ولا يلزم من هذا أن يكون أفضل منه، بل هو أفضل من في القيامة، ولا يلزم من اختصاص الشخص بفضيلة كونه أفضل مطلقا، أو المراد غير المتكلم بذلك، لأن قوما من أهل الأصول ذكروا أن المتكلم لا يدخل تحت عموم خطابه، وروى ابن المبارك في (رقائقه): من حديث عبد الله بن الحارث عن علي، رضي الله تعالى عنه: أول من يكسى خليل الله قبطيتين، ثم يكسى محمد حلة حبرة عن يمين

242
العرش. وفي (منهاج الحليمي): من حديث عباد بن كثير عن أبي الزبير عن جبر، رضي الله تعالى عنه: أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم، ثم محمد ثم النبيون، ثم قال: إذا أتى بمحمد أتي بحلة لا يقوم لها البشر لنفاسة الكسوة، فكأنه كسى مع إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وروى أبو نعيم من حديث ابن مسعود فيه: فيكون أول من يكسى إبراهيم، فيقول: ربنا عز وجل إكسوا خليلي، فيؤتى بربطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقصد مستقبل العرش، ثم يؤتى بكسوتي فألبسها فأقوم عن يمينه مقاما يغبطني فيه الأولون والآخرون. وفي (الأسماء والصفات) للبيهقي: من حديث ابن عباس، مرفوعا: أول من يكسى إبراهيم حلة من الجنة، ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش، ويؤتى بي فأكسى حلة لا يقوم لها البشر. والحكمة في خصوصية إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، بذلك لكونه ألقي في النار عريانا، وقيل: لأنه أول من لبس السراويل مبالغة في الستر، ولا سيما في الصلاة، فلما فعل ذلك جوزي بأن يكون أول من يستر يوم القيامة. قوله: (وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال)، بكسر الشين ضد اليمين ويراد بها جهة اليسار. قوله: (فأقول: أصحابي أصحابي) الأول، خبر مبتدأ محذوف تقديره: هؤلاء أصحابي، وأصحابي الثاني تأكيد له، ويروى: أصيحابي أصيحابي، ووجه التصغير فيه إشارة إلى قلة عدد من هذا وصفهم. قوله: (لن يزالوا) ويروى: لم يزالوا، وفي رواية مسلم: ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي. قوله: (لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)، وفي رواية مسلم: فيقال: (لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وقال الخطابي: الإرتداد هنا التأخير عن الحقوق اللازمة والتقصير فيها، قيل: هو مردود، لأن ظاهر الإرتداد يقتضي الكفر لقوله تعالى: * (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) * (آل عمران: 441). أي: رجعتم إلى الكفر والتنازع، ولهذا قال: بعدا لهم وسحقا، وهذا لا يقال للمسلمين، فإن شفاعته للمذنبين. فإن قلت: كيف خفي عليه حالهم مع إخباره بعرض أمته عليه؟ قلت: ليسوا من أمته، وإنما يعرض عليه أعمال الموحدين لا المرتدين والمنافقين، وقال ابن التين: يحتمل أن يكونوا منافقين أو مرتكبي الكبائر من أمته، قال: ولم يرتد أحد من أمته، ولذلك قال: على أعقابهم، لأن الذي يعقل من قوله: المرتدين الكفار إذا أطلق من غير تقييد، وقيل: هم قوم من جفاة العرب دخلوا في الإسلام أيام حياته رغبة ورهبة: كعيينة بن حصين، جاء به أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، أسيرا، والأشعث بن قيس، فلم يقتلهما ولم يسترقهما، فعادوا الإسلام. وقال النووي: المراد به المنافقون والمرتدون، وقيل: المراد من كان في زمنه مسلما ثم ارتد بعده، فيناديه لما كان يعرفه في حال حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك. فإن قلت: يشكل عليه بعرض الأعمال؟ قلت: قد ذكرنا أن الذي يعرض عليه أعمال الموحدين لا المرتدين ولا المنافقين. وقال أبو عمر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض: كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق والمعلنون بالكبائر. قوله: (فأقول كما قال العبد الصالح) وهو: عيسى بن مريم، صلوات الله عليهما. قوله: * (وكنت عليهم شهيدا) * إلى آخره (المائدة: 711). وتمام هذا الكلام من قوله: * (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس) * (المائدة: 711). إلى قوله: * (فإنك أنت العزيز الحكيم) * (المائدة: 711). ومعنى قوله: * (وكنت عليهم شهيدا) * (المائدة: 711). أي: كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب أي: الحفيظ عليهم، والمراقبة في الأصل المراعاة، وقيل: أنت العالم بهم وأنت على كل شيء شهيد أي: شاهد لما حضر وغاب، وقيل: على من عصى وأطاع. قوله: * (أن تعذبهم) * (المائدة: 711). ذكر ذلك على وجه الاستعطاف والتسليم لأمره، وإن تغفر لهم فبتوبة كانت منهم لأنهم عبادك وأنت العادل فيهم، وأنت في مغفرتك عزيز لا يمتنع عليك ما تريد، حكيم في ذلك.
0533 حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال أخبرني أخي عبد الحميد عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يلقاى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي

243
أخزى من أبي الأبعد فيقول الله تعالى إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا إبراهيم ما تحت رجليك فينظر فإذا بذيخ ملتطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار.
مطابقته للترجمة في ذكر إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وإسماعيل بن عبد الله هو إسماعيل بن أبي أويس، واسم أبي أويس عبد الله وأخوه عبد الحميد بن أبي أويس، يكنى أبا بكر الأصبحي المديني، وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إسماعيل بن عبد الله.
قوله: (قترة) أي: سواد الدخان، (وغبرة) أي: غبار، ولا يروى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه. قال تعالى: * (وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة) * (عبس: 04 14). ويقال: القترة الظلمة، وفسر ابن التين: القترة بالغبرة، فعلى هذا يكون من باب الترادف، قال: وقيل: القترة ما يغشى الوجه من كرب، وقال الزجاج: القترة الغبرة معها سواد كالدخان، وعن مقاتل: سواد وكآبة. قوله: (أن لا تخزيني) من الإخزاء وثلاثية: خزاه يخزوه خزوا يعني: ساسه
وقهره، وخزى يخزى من باب علم يعلم خزيا بالكسر أي: ذل وهان، وقال ابن السكيت: معناه وقع في بلية وخزي أيضا يخزى خزاية أي: استحيى فهو خزيان، وقوم خزايا وامرأة خزياء. قوله: (الأبعد) أي: الأبعد من رحمة الله، وإنما قال بأفعل التفضيل لأن الفاسق بعيد والكافر أبعد، وقيل: هو بمعنى الباعد أي: الهالك من بعد بفتح العين إذا هلك، وعلى المعنيين المضاف محذوف أي: من خزي أبي الأبعد. قوله: (فإذا) كلمة مفاجأة. قوله: (بذيخ)، بكسر الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف قوله وبالخاء المعجمة: ذكر الضبع الكثير الشعر، وقال ابن سيده: والجمع أذياخ وذيوخ، وذيخة والجمع ذيخات. قوله: (متلطخ)، صفة الذبح أي متلطخ بالرجيع أو بالطين أو بالدم، وحملت إبراهيم الرأفة على أن يشفع فيه، فأري له على خلاف منظره ليتبرأ منه، وفي رواية أخرى: يوجد بحجرة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، فانتزع منه إبراهيم عليه السلام.
1533 حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني عمر و أن بكيرا حدثه عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت وجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال أما هم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة هذا إبراهيم مصور فما له يستقسم..
مطابقته للترجمة في قوله: إبراهيم، في الموضعين، ويحيى بن سليمان أبو سعيد الجعفي الكوفي، نزل مصر وهو من أفراد البخاري، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، وعمرو هو ابن الحارث المصري، وبكير مصغر بكر ابن عبد الله بن الأشج.
والحديث أخرجه النسائي في الزينة عن وهب بن بيان، وقد مضى أيضا في كتاب الحج في: باب من كبر في نواحي الكعبة فإنه أخرجه هناك من حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، وقد مضى الكلام فيه هناك.
قوله: (البيت)، أي: الكعبة. قوله: (أما)، بالتشديد. قوله: (هم)، أي: قريش، وقسيم: إما، هو قوله: هذا إبراهيم، أو قسيمه محذوف نحو: وأما صورة مريم فكذا. قوله: (هذا إبراهيم)، أي: هذا صورة إبراهيم قوله: (فماله يستقسم؟) إبعاد منه في حق إبراهيم لأنه معصوم منه، والاستقسام طلب معرفة ما قسم له مما لم يقسم له بالإزلام، وهي القداح، وقيل: الاستقسام بالأزلام هو الميسر، وقسمتهم الجزور على الأنصباء المعلومة، وإنما حرم ذلك لأنه دخول في علم الغيب. وفيه: اعتقاد أنه طريق إلى الحق. وفيه: افتراء على الله إذ لم يأمر بذلك.
2533 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها

244
فمحيت ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال قاتلهم الله والله إن استقسما بالأزلام قط..
مطابقته للترجمة في قوله: إبراهيم، وهذا طريق آخر في حديث ابن عباس أخرجه عن إبراهيم بن موسى الفراء أبي إسحاق الرازي المعروف بالصغير عن هشام بن يوسف الصنعاني اليماني عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة.
قوله: (فمحيت) من المحو، وهو الإزالة، وهو على صيغة المجهول. قوله: (قاتلهم الله)، أي: لعنهم الله. قوله: (إن استقسما) أي: ما استقسما، وكلمة: إن، بكسر الهمزة وسكون النون: نافية.
3533 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبيد الله قال حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم فقالوا ليس عن هذا نسألك قال فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألون خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا..
مطابقته للترجمة في قوله: (خليل الله) وعلي بن عبد الله المعروف بابن المديني، ويحيى بن سعيد القطان، وعبيد الله بتصغير العبد هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وسعيد هو المقبري يروي عن أبيه كيسان عن أبي هريرة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا هنا عن صدقة بن الفضل وفي مناقب قريش عن محمد بن بشار. وأخرجه مسلم في المناقب عن محمد بن المثنى وزهير بن حرب وعبيد الله بن عمر. وأخرجه النسائي في التفسير عن عمر بن علي.
قوله: (أتفاهم)، يعني: أشدهم تقوى، قال الله تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (الحجرات: 31). قوله: (فيوسف نبي الله) أي: فيوسف نبي الله أشرفهم، لأن معنى الكرم هنا الشرف، وذلك من اتقى ربه عز وجل شرف لأن التقوى تحمله على أسباب العز لأنها تبعده عن الطمع في كثير من المباح، فضلا عن غيره ومن المآثم، وما ذاك إلا من أسره هواه، وادعى القرطبي: أنه يخرج من هذا الحديث أن أخوة يوسف ليسوا أنبياء، إذ لو كانوا كذلك لشاركوه في هذه المنقبة، وفيه نظر، لأنه ذكره لكونه أفضلهم لا سيما على من ادعى رسالته. قوله: (ابن نبي الله) هو يعقوب (ابن نبي الله) هو إسحاق (ابن خليل الله) هو إبراهيم، عليهم الصلاة والسلام. قوله: (فعن معادن العرب)، أي: أصولهم التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها، وإنما جعلت معادن لما فيها من الاستعدادات المتفاوتة. فمنها: قابلة لفيض الله على مراتب المعدنيات، ومنها: غير قابلة له، وشبههم بالمعادن لأنهم أوعية للعلوم، كما أن المعادن أوعية للجواهر النفيسة، وإنما قيد بقوله: (إذا فقهوا) والحال أن كل من أسلم وكان شريفا في الجاهلية فهو خير من الذي لم يكن له الشرف فيها، لأن المعنى ليس على ذلك، فإن الوضيع العالم خير من الشريف الجاهل، والعلم يرفع كل من لم يرفع، وقوله: (فقهوا)، بكسر القاف معناه: إذا فهموا وعلموا، وهو من باب علم يعلم أعني: بكسر القاف في الماضي وبفتحها في المستقبل، وأما: فقه، بضم القاف: يفقه، كذلك فمعناه: صار فقيها عالما، والفقه في العرف خاص بعلم الشريعة، ويختص بعلم الفروع.
قال أبو أسامة ومعتمر عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أشار بهذا التعليق عن أبي أسامة حماد بن أسامة وعن معتمر بن سليمان بن طرخان إلى أنهما خالفا يحيى بن سعيد القطان في الإسناد حيث لم يرويا إلا عن سعيد عن أبي هريرة، ولم يذكرا الأب بخلاف يحيى فإنه قال: عن سعيد عن أبي هريرة. أما تعليق أبي أسامة فإن البخاري وصله في قصة يوسف عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة حماد بن أسامة. وأما تعليق معتمر فوصله في قصة يعقوب عن إسحاق بن إبراهيم عن المعتمر بن سليمان عن عبيد الله.
4533 حدثنا مؤمل حدثنا إسماعيل حدثنا عوف حدثنا أبو رجاء حدثنا سمرة قال قال رسول الله

245
صلى الله عليه وسلم أتاني الليلة آتيان فأتينا على رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم..
مطابقته للترجمة في قوله: (وإنه إبراهيم) والحديث مضى في آخر كتاب الجنائز مطولا عن موسى بن إسماعيل عن جرير ابن أبي حازم عن أبي رجاء عن سمرة، وهنا أخرجه: عن مؤمل بلفظ اسم المفعول من التأميل ابن هشام البصري، ختن إسماعيل بن علية، والراوي عنه عن عوف الأعرابي عن أبي رجاء عمران العطاردي عن سمرة بن جندب. قوله: (فأتينا) أي: فذهبا بي حتى أتينا.
5533 حدثني بيان بن عمر و حدثنا النضر أخبرنا ابن عون عن مجاهد أنه سمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وذكروا له الدجال بيني عينيه مكتوب كافر أو ك ف ر قال لم أسمعه ولكنه قال أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم وأما موسى فجعد آدم على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني أنظر إليه انحدر في الوادي يكبر. (انظر الحديث 2551 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (أما إبراهيم، عليه الصلاة والسلام) وبيان، بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف: ابن عمر، وأبو محمد البخاري وهو من أفراده، والنضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: ابن شميل، وابن عون هو عبد الله بن عون.
والحديث مضى في كتاب الحج في: باب التلبية إذا انحدر من الوادي، وهنا أتم.
قوله: (وذكروا له الدجال..) إلى (قال)، جمل معترضة. قوله: (أو: ك ف ر)، وهذه الحروف إشارة إلى الكفر، والصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقة جعلها الله تعالى علامة حسية على بطلانه تظهر لكل مؤمن كاتبا أو غير كاتب، قوله: (صاحبكم)، يريد به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نفسه. قوله: (فجعد)، بفتح الجيم وسكون العين المهملة، قال الكرماني ناقلا عن صاحب (التحرير): هذا يحتمل معنيين: أحدهما أن يراد به جعودة الشعر ضد السبوطة، والثاني: جعودة الجسم، وهو اجتماعه واكتنازه، وهذا أصح لأنه في بعض الروايات: أنه رجل الشعر. قوله: (آدم)، من الأدمة وهو السمرة. قوله: (مخظوم)، أي: مزموم بالخلبة، بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وضمها وفتح الباء الموحدة، وهي الليفة. قوله: (انحدر)، فعل ماض من الانحدار وهو الهبوط. قوله: (يكبر)، جملة فعلية مضارعية وقعت حالا من موسى، عليه الصلاة والسلام.
6533 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مغيرة بن عبد الرحمان القرشي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم. (الحديث 6533 طرفه في: 8926).
مطابقته للترجمة في قوله: (إبراهيم، عليه الصلاة والسلام). وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن قتيبة أيضا. وأخرجه مسلم في أحاديث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، عن قتيبة به.
قوله: (وهو ابن ثمانين سنة)، جملة حالية، قال عياض: جاء هذا الحديث من رواية مالك والأوزاعي، وهو ابن مائة وعشرين سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة إلا أن مالكا ومن تبعه وقفوه على أبي هريرة، وقال النووي: وهو متأول أو مردود. قلت: قد أخرجه ابن حبان في (صحيحه) مرفوعا، وحكى الماوردي أنه اختتن وهو ابن سبعين سنة، وقال ابن قتيبة: عاش مائة وسبعين سنة، وقد ذكرنا الخلاف فيه فيما مضى عن قريب. قوله: (بالقدوم)، في رواية الأصيلي والقابسي بالتشديد، وقال الكرماني: روى بتخفيف الدال وتشديدها، فقيل آلة النجار، يقال لها: القدوم، بالتخفيف لا غير، وأما القدوم الذي هو مكان بالشام ففيه التشديد والتخفيف، فمن رواه بالتشديد أراد القرية، ومن روى بالتخفيف فيحتمل القرية والآلة، والأكثرون على التخفيف وإرادة الآلة، ونستقصي الكلام فيه عن قريب، ولما اختتن إبراهيم صار

246
الختان سنة معمولا بها في ذريته، وهو حكم التوراة على بني إسرائيل كلهم، ولم يزالوا يختتنون إلى زمن عيسى، عليه الصلاة والسلام، غيرت طائفة من النصارى ما جاء في التوراة من ذلك، وقالوا: المقصود غلفة القلب لا غلفة الذكر، فتركوا المشروع من الختان بضرب من الهذيان، وهو عند الشافعي واجب، وعند أكثر العلماء سنة، وإنما يجب بعد البلوغ، ويستحب في السابع، ومحله الفروع.
حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد بالقدوم مخففة
أبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان.
قوله: (بالقدوم)، يعني: روى أبو الزناد بالقدوم حال كونها مخففة الدال، وقال القرطبي: الذي عليه أكثر الرواة بالتخفيف يعني به الآلة، وهو قول أكثر أهل اللغة في الآلة، قال يعقوب: الآلة لا تشدد، واعلم أن قوله: حدثنا أبو اليمان إلى قوله: مخففة، وقع في غير نسخة من رواية أبي الوقت وغيره بعد قوله: ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة وفي نسختنا: وقع مثل ما تراه، فلذلك جعلنا متابعة عبد الرحمن بن إسحاق ومتابعة عجلان ورواية محمد بن عمرو لشعيب لذي روى عنه أبو اليمان بالتخفيف، وأما على تلك النسخ فتكون المتابعتان لقتيبة بن سعيد في كون عمر إبراهيم، عليه السلام، في ثمانين سنة، فيكون اتفاق هذه الروايات تدل على أن
عمره عند اختتانه كان ثمانين سنة، وينبغي التنبيه في هذا الموضع حتى لا يختلط الكلام.
تابعه عبد الرحمان بن إسحاق عن أبي الزناد
أي: تابع شعيبا عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله الثقفي المدني فيه مقال استشهد به البخاري، وروى له في الأدب وهذه المتابعة وصلها مسدد في (مسنده) عن بشير بن المفضل عنه ولفظه: اختتن إبراهيم بعدما مرت به ثمانون سنة واختتن بالقدوم، يعني مخففة وقال النووي: لم يختلف الرواة عند مسلم بالتخفيف.
وتابعه عجلان عن أبي هريرة
أي: تابع شعيبا أو عبد الرحمن بن إسحاق عجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة القرشي، والد محمد بن عجلان، يعني: في التخفيف، وهذه المتابعة وصلها أحمد عن يحيى القطان عن محمد بن عجلان عن أبيه عجلان عن أبي هريرة.
ورواه محمد بن عمر و عن أبي سلمة
أي: وروى الحديث المذكور محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ووصل هذا أبو يعلى في (مسنده) من هذا الوجه، ولفظه: اختتن إبراهيم على رأس ثمانين سنة. واختلف في المراد بالقدوم، فقيل: مقيل لإبراهيم، عليه السلام، وقيل: هي قرية بالشام، وقال الحازمي: المخفف قرية كانت عند حلب، وقيل: هو اسم مجلس إبراهيم بحلب، وقال ثعلب: هو اسم موضع، وقال ابن وضاح: هو جبل بالمدينة، وقال ابن دريد: قدوم، بالفتح والتخفيف: ثنية بالشراة، وكذا قال البكري، وحكى البكري عن محمد بن جعفر اللغوي: أن المكان مشدد لا يدخله الألف واللام، ومن رواه في حديث إبراهيم بالتخفيف فإنما عنى الآلة، وقال القرطبي: الذي عليه أكثر الرواة بالتخفيف، يعني به: الآلة، وهو قول أكثر أهل اللغة. وقال الجوهري: القدوم الذي ينحت به مخفف، ولا تقول: قدوم، بالتشديد، وقال ابن السكيت: والجمع قدوم.
7533 حدثنا سعيد بن تليد الرعيني أخبرنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاثا.
8533 وحدثنا محمد بن محبوب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله عز وجل قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقال بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على

247
جبار من الجبابرة فقيل له إن هاهنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هاذه قال أختي فأتى سارة قال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله فأطلق ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته فقال إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيا قالت رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره وأخدم هاجر قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء السماء..
مطابقته للترجمة في قوله: (لم يكذب إبراهيم) وما المقصود إلا ذكر إبراهيم فقط.
وأخرجه من طريقين: الأول: عن سعيد بن تليد، بفتح التاء المثناة من فوق وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة: وهو سعيد بن عيسى بن تليد أبو عثمان الرعيني المصري، وهو من أفراده، يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة. والثاني: عن محمد بن محبوب ضد مبغوض أبي عبد الله البصري إلى آخره.. وهذا الطريق غير مرفوع. والحديث في الأصل مرفوع كما في رواية جرير بن حازم، وكذا عند النسائي والبزار وابن حبان مرفوع من حديث هشام بن حسان عن ابن سيرين، وابن سيرين كان غالبا لا يصرح برفع كثير من حديثه. وأخرجه البخاري أيضا في النكاح عن سعيد المذكور مرفوعا. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي الطاهر بن السرح. وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في كتاب البيوع في: باب شراء المملوك من الحربي عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة... إلى آخره، وليس فيه قضية الكذب، وباقي القضية فيه على اختلاف في المتن بزيادة ونقصان.
قوله: (إلا ثلاثا) أي: إلا ثلاث كذبات، كما في الطريق الثاني، وقيل: الجيد أن يقال: بفتح الذال في الجمع لأنه جمع كذبة بسكون الذال وهو اسم لا صفة لأنك تقول: كذب كذبة كما تقول ركب ركبة، ولو كان صفة لسكن في الجمع، وقد استشكل بعضهم هذا الحصر في ثلاث لأنه جاء في رواية مسلم من حديث أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة، قال: أتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع... الحديث، وهو حديث طويل في الشفاعة، وفيه: إذهبوا إلى إبراهيم، عليه الصلاة والسلام... الحديث، وفيه: وذكر كذباته... الحديث، وفيه: وزاد في قصة إبراهيم قال: وذكر قوله في الكوكب: هذا ربي، وقوله لآلهتهم: (بل فعله كبيرهم هذا)، وقوله: * (إني سقيم) * (الصافات: 98). وجه الاستشكال أن ذكر الكوكب يقتضي أن كذباته أربع، وهو يعارض الحصر في حديث الباب. وقال بعضهم في معرض الجواب: الذي يظهر أنه وهم من بعض الرواة، فإنه ذكر قوله في الكوكب بدل قوله في سارة، والذي اتفقت عليه الطرق في ذكر سارة دون الكوكب. انتهى. قلت: لا يحتاج إلى نسبة إحد إلى الوهم، لأن قوله في الكوكب لا يخلو إما أنه كان وهو طفل كما قاله ابن إسحاق، وإما أنه كان بعد البلوغ، فإن كان الأول فلا يعد هذا شيئا. لأن الطفولية ليست بمحل للتكليف، وإن كان الثاني فإنه إنما قال ذلك على طريق الاحتجاج على قومه تنبيها على أن الذي يتغير لا يصلح للربوبية، أو قاله توبيخا أو تهكما بهم، وكل ذلك لا يطلق عليه الكذب، وأما وجه إطلاق الكذب على الأمور الثلاثة فهو ما قاله الماوردي: أما الكذب فيما
طريقه البلاغ عن الله عز وجل فالأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، معصومون عنه، وأما في غيره فالصحيح امتناعه. فيؤول ذلك بأنه كذب بالنسبة إلى فهم السامعين، أما في نفس الأمر فلا، إذ معنى سقيم إني سأسقم لأن الإنسان عرضة للأسقام أو سقيم بما قدر عليه من الموت أو كانت تأخذه الحمى في ذلك الوقت. وأما: فعله كبيرهم، فيؤول بأنه أسند إليه لأنه هو السبب لذلك أو هو مشروط بقوله: إن كانوا ينطقون أو يوقف عند لفظ: فعله، أي: فعله فاعله، وكبيرهم هو ابتداء الكلام، وأما سارة فهي أخته بالإسلام، واتفق الفقهاء على أن الكذب جائز بل واجب في بعض المقامات، كما أنه لو طلب ظالم وديعة

248
ليأخذها غصبا وجب على المودع عنده أن يكذب بمثل: أنه لا يعلم موضعها، بل يحلف عليه. قوله: (ثنتين منهن)، أي: كذبتين من هذه الكذبات الثلاث كانتا في ذات الله تعالى، أي: لأجله، وإنما خص هاتين الثنتين لأنهما في ذات الله لأن قصة سارة وإن كانت أيضا في ذات الله، لأنها سبب لدفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة، لكنها تضمنت حظا لنفسه ونفعا له بخلاف الثنتين المذكورتين، لأنهما كانتا في ذات الله محضا، وقد وقع في رواية هشام بن حسان: أن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات، كل ذلك في ذات الله تعالى، وعند أحمد من حديث ابن عباس: والله إن جادل بهن إلا عن الله. قوله: (بينا هو)، أي: إبراهيم وسارة معه. قوله: إذ أتى، جواب: بينا إذ أتى إبراهيم. قوله: على جبار، يعني: مر على جبار من الجبابرة، وفي رواية مسلم: وواحدة في شأن سارة، أي: خصلة واحدة من الثلاث المذكورة، فإنه قدم أرض جبار ومعه ارة، وكانت أحسن الناس، واسم هذا الجبار: عمرو بن امرئ القيس بن سبأ، وكان على مصر، ذكره السهيلي، وهو قول ابن هشام في (التيجان) وقيل: اسمه صادوف، بالفاء حكاه ابن قتيبة، وأنه كان على الأردن، وقيل: سفيان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم، حكاه الطبري ويقال: إنه أخو الضحاك الذي ملك الأقاليم، وقيل: إنه ملك حران. وقال علماء السير: أقام إبراهيم بالشام مدة فقحط الشام، فسار إلى مصر ومعه سارة. وكان بها فرعون، وهو أول الفراعنة، عاش دهرا طويلا، فأتى إليه رجل، وقال: إنه قدم رجل ومعه امرأة من أحسن الناس، وجرى له معه ما ذكره في الحديث. قوله: (فأرسل إليه)، أي: أرسل هذا الجبار إلى إبراهيم. قوله: (فقال من هذه؟) أي: فقال الجبار: من هذه المرأة؟ قال: أختي، وفي رواية مسلم: فأرسل إليها فأتى بها، فهذا يدل على أنه أتى بها حين أرسل إليه الجبار، ورواية البخاري تدل على أنه أرسل إليه أولا وسأل عنها، ثم أتى إبراهيم إليها، وقال لها ما ذكره في الحديث، ثم أرسلها إليه. قوله: (فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك)، قيل: يشكل عليه كون لو معه وأجاب بعضهم بأن مراده بالأرض: الأرض التي وقع له بها ما وقع، ولم يكن لوط معه، إذ ذاك. فإن قلت: ذكر أهل السير أن إبراهيم سار إلى مصر ومعه سارة ولوط. قلت: يمكن أنه سار معه إلى مصر ولم يدخلها معه، فأتى الجواب المذكور كما ذكره، والله أعلم. قوله: (فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني)، وكانت عادة هذا الجبار أن لا يتعرض إلا إلى ذوات الأزواج، فلذلك قال لها: إني أخبرته أنك أختي. وقيل: لو قال: إنها امرأتي لألزمه بالطلاق. قوله: (فلما دخلت عليه) أي: فلما دخلت سارة على الجبار. قوله: (فأخذ) على صيغة المجهول أي: اختنق حتى ركض برجله كأنه مصروع، وفي رواية مسلم: فأرسل إليها فأتي بها قام إبراهيم يصلي فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يديه إليها فقبضت يده قبضة شديدة، وعند أهل السير: فلما دخلت عليه ورآها أهوى إليها فتناولها بيده فيبست إلى صدره. قوله: (الثانية)، ويروى: ثانية، بدون الألف واللام، وعند أهل السير: فعل ذلك ثلاث مرات. قوله: (فدعت)، وكان دعاؤها: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر. قوله: (فدعا بعض حجبته)، بفتح الجيم والباء الموحدة جمع حاجب، وفي رواية مسلم: (ودعا الذي جاء بها). قوله: (إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان)، وفي رواية الأعرج: (ما أرسلتم إلي إلا شيطانا، أرجعوها إلى إبراهيم). وفي رواية مسلم: (فقال: إنما جئتني بشيطان ولم تأتني بإنسان، فأخرجها من أرضي وأعطها هاجر). والمراد من الشيطان: المتمرد من الجن، وكانوا قبل الإسلام يعظمون أمر الجن جدا، ويرون كل ما يقع من الخوارق من فعلهم وتصرفهم. قوله: (فأخدمها هاجر) أي: وهب لها خادما اسمها هاجر، ويقال: آجر، بالهمز بدل الهاء، وهي أم إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، وهو اسم سرياني، ويقال: إن أباها كان من ملوك القبط، وأصلها من قرية بأرض مصر تدعى: حفن، بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء. قوله: (فأتته)، أي: فأتت هاجر إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، والحال أنه يصلي. قوله: (فأومأ بيده)، أي: أشار بيده. قوله: (مهيا)، بفتح الميم وسكون الهاء وتخفيف الياء آخر الحروف مقصورا، وهذه رواية المستملي، وفي رواية ابن السكن: (مهين)، بالنون في آخره، وفي رواية الأكثرين: (مهيم)، بالميم في آخره، والكل بمعنى واحد وهو أنها كلمة يستفهم بها معناها: ما حالك؟ وما شأنك؟ ويقال: إن إبراهيم أول من قال هذه الكلمة. قوله: (رد الله كيد الكافر في نحره)، هذا مثل تقوله العرب لمن أراد أمرا باطلا فلم يصل إليه، وفي رواية مسلم: (كف الله يد الفاجر وأخدم خادما).

249
وفي رواية الأعرج: (أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة) أي: جارية للخدمة، ومعنى: كبت: رده الله خاسئا. قوله: (قال أبو هريرة: فتلك أمكم يا بني ماء السماء) أراد بهم العرب، لأنهم يعيشون بالمطر ويتبعون مواقع القطر في البوادي لأجل المواشي.
وفيه: حجة لمن يدعي أن العرب كلهم من ولد إسماعيل، ويقال: أراد به: ماء زمزم، إذ أنبطها الله تعالى لهاجر فعاشوا بها فصاروا كأنهم أولادها، وقال ابن حبان في (صحيحه): كل من كان له من ولد إسماعيل يقال له: ابن ماء السماء، لأن إسماعيل ولد هاجر وقد ربي بماء زمزم وهي من ماء السماء، وقيل: سموا بذلك لخلوص نسبه وصفائه، فأشبه ماء السماء، وقال عياض: والأظهر عندي أنه أراد بذلك الأنصار، نسبهم إلى جدهم عامر ماء السماء بن حارثة القطريف بن امريء القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن من الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وعامر هذا هو جد الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو بن مزيقيا بن عامر ماء السماء. وقال صاحب (التوضيح): وما ذكره إنما يأتي على الشاذ أن العرب جميعها من ولد إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، إلا قبائل استثنيت، أما الأنصار فليسوا من ولد إسماعيل بن هاجر، ولا يعلم لها ولد غيره. قلت: قال الرشاطي: إن الأنصار جزآن: الأوس
والخزرج أخوان رفعنا نسبهما في: باب الأنصار، فذكرناها كما ذكرهما الآن، وأمهما: قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة، وقيل: قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة، حكى ذلك ابن الكلبي والهمداني، وسنستقصي الكلام في هذا الباب، إن شاء الله تعالى، عند انتهائنا إلى باب ذكره البخاري بقوله: باب نسبة اليمن إلى إسماعيل صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
ذكر ما يستفاد من الحديث المذكور: فيه: مشروعية أن يقال: أخي في غير النسب، ويراد به الأخوة في الإسلام. وفيه: قبول صلة الملك الظالم وقبول هدية المشرك. وفيه: إجابة الدعاء بإخلاص النية وكفاية الرب لمن أخلص في الدعاء بالعمل الصالح. وفيه: أن من نابه أمر مهم من الكرب ينبغي له أن يفزع إلى الصلاة. وفيه: أن الوضوء كان مشروعا للأمم قبلنا وليس مختصا بهذه الأمة ولا بالأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، لثبوت ذلك عن سارة، وذهب بعضهم إلى نبوة سارة، والجمهور على أنها ليست بنبية.
9533 حدثنا عبيد الله بن موسى أو ابن سلام عنه أخبرنا ابن جريج عن عبد الحميد ابن جبير عن سعيد بن المسيب عن أم شريك رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام. (انظر الحديث 7033).
مطابقته للترجمة في قوله: (على إبراهيم) وعبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد العبسي الكوفي، وهو من أكبر مشايخ البخاري وكأنه شك في سماعه هذا الحديث منه، وتحقق أنه سمعه من محمد بن سلام، فأورده على هذا الوجه، وقد وقع له نظير هذا في أماكن، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وعبد الحميد بن جبير مصغر الجبر ضد الكسر ابن شيبة بن عثمان الحجبي المعدود في أهل الحجاز، وأم شريك اسمها غزية أو غزيلة.
والحديث مر في كتاب بدء الخلق في: باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، وقد مر الكلام فيه هناك.
قوله: (عن أم شريك)، وفي رواية أبي عاصم: إحدى نساء بني عامر بن لؤي، ولفظ المتن: أنها استأمرت النبي صلى الله عليه وسلم، في قتل الوزغات فأمر بقتلهن، ولم يذكر الزيادة، والوزغات بالفتح جمع وزغة بالفتح أيضا، وذكر بعض الحكماء: أن الوزغ أصم أبرص وأنه لا يدخل بيتا فيه زعفران، وأنه يلقح بفيه، وأنه يبيض، ويقال لكبارها: سام أبرص بتشديد الميم، ويمج في الإناء فينال الإنسان من ذلك مكروه عظيم، وإذا تمكن من الملح تمرغ فيه، ويصير ذلك مادة لتولد البرص، وينحجز في الشتاء أربعة أشهر لا يأكل شيئا كالحية، وبينه وبين الحية إلفة كإلفة العقارب والخنافس.
0633 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا الأعمش قال حدثني إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قلنا يا رسول الله

250
أينا لا يظلم نفسه قال ليس كما تقولون لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك أولم تسمعوا إلى قول لقمان لإبنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم..
اعترض الإسماعيلي فقال: لا أعلم في الحديث شيئا من قصة إبراهيم، وقال بعضهم نصرة للبخاري: وخفي عليه أنه حكاية عن قول إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، لأنه سبحانه لما فرغ من حكاية قول إبراهيم في الكوكب والقمر والشمس، ذكر محاجة قومه له، ثم حكى أنه قال لهم: وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا؟ فأي الفريقين أحق بالأمن؟ فهذا كله عن إبراهيم. انتهى. قلت: قد سبق صاحب (التوضيح) بهذا الجواب، وقال الكرماني: مناسبة هذا الحديث بقصة إبراهيم اتصال هذه الآية بقوله: * (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) * (الأنعام: 38). وكل هذا لا يجدي شيئا، والكلام في مطابقة الحديث للترجمة، والترجمة هي قوله: باب * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 561). فأين المطابقة بين هذا الحديث وبين الترجمة؟ واعتراض الإسماعيلي باق، وقول القائل المذكور: وخفي عليه.. إلى آخره، غير موجه أصلا، بل هو الذي خفي عليه أنه أثبت المطابقة بالجر الثقيل، وأبعد منه ما قاله الكرماني: والمقصود من المطابقة أن يكون فيه شيء من ألفاظ الترجمة، ولو كان شيئا يسيرا، وهذه الأحاديث المذكورة كلها لا تخلو عن ذكر إبراهيم، كما هو مذكور في الترجمة، ويستأنس في المطابقة من حديث رواه الحاكم عن علي، رضي الله تعالى عنه، أنه قرأ هذه الآية: * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) * (الأنعام: 28). قال: هذه في إبراهيم وأصحابه وليست في هذه الأمة.
وهذا الحديث مضى في كتاب الإيمان في: باب ظلم دون ظلم، وأخرجه هناك من طريقين: أحدهما: عن أبي الوليد عن شعبة. والآخر: عن بشر بن خالد عن محمد عن شعبة عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن الأسود عن عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، والله أعلم بالصواب.
21
((باب يزفون النسلان في المشي))
أي: هذا باب، ولم يذكر له ترجمة، وهو كالفصل من باب قول الله تعالى: * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 561). وقوله: يزفون النسلان في المشي، إنما ذكر في رواية الحموي والكشميهني، وفي رواية المستملي والباقين: باب، بغير ترجمة، وفي رواية النسفي: لم يذكر: باب، وفي شرح الكرماني: باب قال الله تعالى: * (فأقبلوا إليه يزفون) * (الصافات: 49). وقال بعضهم: والذي يظهر ترجيح ما وقع عند المستملي، ووهم من وقع عنده: باب يزفون النسلان، فإنه كلام لا معنى له. قلت: بل له معنى جيد، لأن قوله باب: كالفصل كما ذكرنا فلا يحتاج إلى الترجمة، لأنه من الباب السابق، وقوله: (يزفون) أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فأقبلوا إليه يزفون) * (الصافات: 49). لأنه من جملة قصة إبراهيم مع قومه حين كسر أصنامهم، قال الله تعالى: فأقبلوا إليه أي أقبلوا إلى إبراهيم، يزفون أي: يسرعون، ثم أشار بقوله: النسلان في المشي إلى المعنى الحاصل من قوله: يزفون، وهو من زف في مشيه إذا أسرع، وكذلك النسلان هو
الإسراع في المشي، يقال: نسل ينسل من باب ضرب يضرب نسلا ونسلانا. وفي حديث لقمان: وإذا سعى القوم نسل، أي: إذا عدو الغارة أو مخافة أسرع هو، قال ابن الأثير: النسلان دون السعي. قلت: ومادته: نون وسين مهملة ولام.
1633 حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نصر حدثنا أبو أسامة عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم يوما بلحم فقال إن الله يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنوا الشمس منهم فذكر حديث الشفاعة فيأتون إبراهيم فيقولون أنت نبي الله وخليله من الأرض اشفع لنا إلى ربك فيقول فذكر كذباته نفسي نفسي اذهبوا إلى موساى.
مطابقته لباب * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 561). في قوله: (أنت نبي الله وخليله في الأرض) وأبو أسامة حماد بن أسامة، وأبو حيان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف يحيى بن سعيد التيمي، تيم الرباب، الكوفي. وأبو زرعة، بضم الزاي وسكون الراء: اسمه هرم

251
ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي.
والحديث قد مضى في: باب قول الله تعالى: * (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه) * (نوح: 1). عن قريب. قوله: (وينفذهم)، رواه الأكثرون بفتح الياء وبعضهم بالضم، يقال: نفذني بصره: إذا بلغني، وتجاوز، ويقال: أنفذت القوم إذا أخذتهم، ومعناه أنه يحيط بهم بصر الناظر لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض. وقال أبو حاتم: أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة، وإنما هو بالمهملة أي: يبلغ أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم ويستوعبهم، من نفدت الشيء انفده وأنفدته. قوله: (فذكر كذباته) تفسير قوله: فيقول.
تابعه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: تابع أبا هريرة في رواية الحديث المذكور أنس بن مالك، بين البخاري هذه المتابعة في التوحيد وغيره من حديث قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا...) الحديث.
2633 حدثني أحمد بن سعيد أبو عبد الله حدثنا وهب بن جرير عن أبيه عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يرحم الله أم إسماعيل لولا أنها عجلت لكان زمزم عينا معينا..
مطابقته للباب الذي تقدم ظاهرة لأنه في قضية إبراهيم، عليه السلام، وحديث ابن عباس هذا أخرجه البخاري من ثلاث طرق: وهذا هو الأول.
ورجاله سبعة: الأول: أحمد بن سعيد بن إبراهيم أبو عبد الله المروزي المعروف بالرباطي. الثاني: وهب بن جرير الأزدي البصري أبو العباس. الثالث: أبوه جرير، بفتح الجيم: ابن حازم بن زيد أبو النصر الأزدي البصري. الرابع: أيوب السختياني. الخامس: عبد الله بن سعيد بن جبير الأسدي الكوفي. السادس: أبوه سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الفقيه الورع. السابع: عبد الله بن عباس، رضي الله تعالى عنهما.
ذكر الاختلاف الواقع في هذا الإسناد: هذا الحديث رواه ابن السكن والإسماعيلي من طريق حجاج بن الشاعر عن وهب بن جرير عن أبيه عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد في روايتهما: أبي بن كعب، رضي الله تعالى عنه. ورواه النسائي عن أحمد بن سعيد شيخ البخاري المذكور عن وهب بن جرير عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب... إلى آخره، فأسقط عبد الله بن سعيد بن جبير، وزاد أبي بن كعب. ورواه النسائي أيضا عن أبي داود سليمان بن سعيد عن علي بن المديني عن وهب به، وفيه: قلت لأبي حماد: لا تذكر أبي بن كعب، ولا ترفعه، وقال: أنا أحفظ كذا، وكذا حدثني به أيوب. قال وهب: وحدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن ابن عباس نحوه، ولم يذكر أبي بن كعب، ولم يرفعه، قال وهب: فأتيت سلام بن أبي مطيع فحدثني بهذا الحديث عن حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن سعيد، فرد ذلك ردا شديدا ثم قال لي: فأبوك ما يقول؟ قلت: أبي يقول: أيوب عن سعيد. فقال: العجب! والله ما يزال الرجل من أصحابنا، الحافظ قد غلط، إنما هو أيوب عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير. وقال أبو مسعود: رأيت جماعة اختلفوا على وهب بن جرير في هذا الإسناد، قال الجياني: لم يذكر أبو مسعود إلا هذا، وأنا أذكر ما انتهى إلي من الخلاف على وهب وعلى غيره في هذا الإسناد، فرواه عن حجاج عن وهب به بزيادة أبي بن كعب، ثم رواه من طريق البخاري بإسقاطه، ورواه علي بن المديني عنه بإثباته، ورواه حماد بن زيد عن أيوب فلم يذكره ولا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن علية عن أيوب، فقال: نبئت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال أول من سعى بين الصفا والمروة.. الحديث بطوله، نحوا مما رواه معمر عن أيوب عن سعيد وفيه قصة زمزم، ورواه سلام بن أب مطيع عن أيوب عن عكرمة بن خالد ولم يذكر ابن جبير، قال أبو علي: وكيف يصح هذا وفيه من الخلاف ما عرفت؟ فنقول: إذا ميزه الناظر ميز منه ما ميزه البخاري وحكم بصحته وعلم أن الخلاف الظاهر فيه إنما يعود إلى وفاق، وأنه لا يدفع بعضه بعضا، والاختلاف إذا كان دائرا على ثقات حفاظ لا يضر، فلا يلتفت إلى عيب

252
الإسماعيلي على البخاري إخراجه رواية أيوب لاضطرابها، ولا يلتفت أيضا إلى إنكار سلام بن أبي مطيع على كون مخرج الحديث عن سعيد رواه عن عكرمة لأنه ليس من حمال المحابر.
ذكر معناه: قوله: (رحم الله أم إسماعيل) هي: هاجر وقصتها ملخصة ما ذكره السدي: أن سارة زوج إبراهيم، عليهما الصلاة والسلام، حلفت أن لا تساكن هاجر، فحملها إبراهيم وإسماعيل معها إلى مكة على البراق، ومكة إذ ذاك عضاه وسلم وسمر، وموضع البيت يومئذ ربوة، فوضعهما موضع الحجر ثم انصرف، فاتبعته هاجر، فقالت: إلى من تكلنا؟ فالله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت: إذن لا يضيعنا، ثم انصرف راجعا إلى الشام، وكان مع هاجر شنة ماء وقد نفد فعطشت وعطش
الصبي، فقامت وصعدت الصفا فتسمعت هل تسمع صوتا أو ترى إنسانا فلم تسمع صوتا ولم تر أحدا، ثم ذهبت إلى المروة فصعدت عليها وفعلت مثل ذلك، فلم تزل تسع بينهما حتى سعت سبع مرات. وأصل السعي من هذا، ثم سمعت صوتا فجعلت تدعو: اسمع أيل يعني: إسمع يا الله قد هلكت وهلك من معي، فإذا هي بجبريل، عليه السلام، فقال لها: من أنت؟ قالت: سرية إبراهيم تركني وابني ههنا. قال: إلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله تعالى، قال: وكلكما إلى كاف، ثم جاء بهما إلى موضع، زمزم فضرب بعقبه ففارت عينا، فلذلك يقال لزمزم، ركضة جبريل، عليه السلام، فلما نبع الماء أخذت هاجر شنتها وجعلت تستقي فيها تدخره، وهي تفور، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله أم إسماعيل، لولا أنها عجلت لكانت زمزم عينا معينا، وهو بفتح الميم أي سائلا جاريا على وجه الأرض، يقال: عين معين، أي ذات عين جارية، والقياس أن يقال: معينة، والتذكير إما حملا على اللفظ، أو لوهم أنه فعيل بمعنى مفعول، أو على تقدير ذات معين، وهو الماء يجري على وجه الأرض.
3633 وقال الأنصاري حدثنا ابن جريج أما كثير بن كثير فحدثني قال إني وعثمان بن أبي سليمان جلوس مع سعيد بن جبير فقال ما هكذا حدثني ابن عباس قال أقبل إبراهيم بإسماعيل وأمه عليهم السلام وهي ترضعه معها شنة لم يرفعه ثم جاء بها إبراهيم وبإبنها إسماعيل..
هذا طريق ثان أخرجه معلقا عن الأنصاري، وهو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس مات سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج،، قال: أما كثير بن كثير ضد القليل في الاثنين، ابن المطلب بتشديد الطاء المهملة وكسر اللام ابن أبي وداعة، بفتح الواو وتخفيف الدال المهملة: السهمي، مر في كتاب الشرب وعثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم القرشي. قوله: (جلوس) أي: جالسان. قوله: (وأمه)، يعني: هاجر. والواو في: وهي ترضعه، للحال. قوله: (شنة)، بفتح الشين المعجمة وتشديد النون: وهي القربة اليابسة. قوله: (لم يرفعه) أي: الحديث، وهذا التعليق وصله أبو نعيم في (المستخرج): عن فاروق بن عبد الكبير حدثنا أبو خالد عبد العزيز بن معاوية القرشي عن الأنصاري، ولكنه أورده مختصرا.
4633 وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب السختياني وكثير ابن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير قال ابن عباس أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهاذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت

253
إليها فقالت له آلله الذي أمرك بهذا قال نعم قالت إذن لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال رب أني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم حتى بلغ يشكرون وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل تري أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعه ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فذلك سعي الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا قال فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبنيه هاذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم إسماعيل عند الماء فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك فقالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته

254
وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال أللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري له نبلا تحت دوحة
قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك ربك قال وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذالك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهاذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم قال فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم..
هذا من تتمة الحديث الأول، لأن الحديث الأول جزء يسير منه، وهذا يوضح القصة كما ينبغي، وعبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، وعبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد.
ذكر معناه: قوله: (المنطق)، بكسر الميم ما يشد به الوسط أي: اتخذت أم إسماعيل منطقا، وكان أول الإتخاذ من جهتها، ومعناه: أنها تزيت بزي الخدم إشعارا بأنها خادمها، يعني: خادم سارة لتستميل خاطرها وتجبر قلبها، وفي رواية ابن جريج: النطق، بضم النون والطاء، وهو جمع: منطق، وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل، فلما ولدته غارت منها، فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء، فاتخذت هاجر منقطقا فشدت به وسطها وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة، وهو معنى قوله: (لتعفي أثرها)، أي: لأن تعفي، يقال عفا على ما كان منه: إذا أصلح بعد الفساد، ويقال: إن إبراهيم شفع فيها، وقال لسارة: حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها، فكانت أول من فعل ذلك، ووقع في رواية ابن علية عند الإسماعيلي: أول ما أحدث العرب جر الذيول عن أم إسماعيل. قوله: (ثم جاء بها إبراهيم) قيل: كان على البراق، وقيل: كان تطوى له الأرض. قوله: (وهي ترضعه)، الواو فيه للحال، أي: هاجر ترضع إسماعيل، قوله: (عند البيت) أي: عند موضع البيع، لأنه لم يكن في ذلك الوقت بيت ولا بناء. قوله: (فوضعهما)

255
عند البيت، هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: حتى وضعهما. قوله: (عند دوحة)، بفتح الدال والحاء المهملتين، وهي الشجرة العظيمة. قوله: (فوق زمزم)، هكذا هو في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فوق الزمزم. قوله: (وفي أعلى المسجد)، أي: في أعلى مكان المسجد، لأنه لم يكن حينئذ بنى المسجد. قوله: (جرابا)، بكسر الجيم، وهو الذي يتخذ من الجلد يوضع فيه الزوادة. قوله: (وسقاء) بالنصب، عطف على: جرابا، وهو بكسر السين، وهو قربة صغيرة، وفي رواية تأتي: شنة، بفتح الشين المعجمة وتشديد النون، وهي القربة العتيقة اليابسة. قوله: (ثم قفى)، بفتح القاف وتشديد الفاء من التقفية، وهي الأعراض، والتولي. وقال الهروي: معنى قفى ولى، يعني: ولى راجعا إلى الشام، وفي رواية ابن إسحاق: فانصرف إبراهيم، عليه السلام، إلى أهله بالشام وترك إسماعيل وأمه عند البيت. قوله: (منطلقا) نصب على الحال. قوله: (فتبعته أم إسماعيل) وفي رواية ابن إسحاق: (فاتبعته)، وفي رواية ابن جريج: (فأدركته بكذا). قوله: (إذن لا يضيعنا)، وفي رواية عطاء: (لن يضيعنا)، وفي رواية ابن جريج: (حسبي)، وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير، فقالت: (رضيت بالله). قوله: (عند الثنية)، بفتح الثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف، وهو في الجبل كالعقبة، وقيل: هو الطريق العالي فيه، وقيل: أعلى المسيل في رأسه. قوله: (رب)، يعني: يا رب، ويروى: (ربي)، بالياء هكذا رواية الكشميهني: (رب)، وفي رواية غيره: (ربنا)، كما في القرآن، وهو قوله تعالى: * (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) * (إبراهيم: 73). قوله: (بواد غير ذي زرع)، هو مكة. قوله: (المحرم)، وصف البيت بالمحرم لأن الله تعالى حرم التعرض له والتهاون به، ولأنه حرم على الطوفان، أي: منع منه. قوله: (ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم) يتعلق بقوله: أسكنت أي: ما أسكنتهم بهذا الوادي الخلاء البلقع إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم. قوله: (فاجعل أفئدة من الناس) أي: من أفئدة الناس، وهي جمع فؤاد، وهي القلوب، وقد يعبر عن القلب بالفؤاد، وقيل: جمع: وفود من الناس ولو قال: أفئدة للناس، لحجت اليهود والنصارى والمجوس، قاله سعيد بن جبير. قوله: (تهوي إليهم)، أي: تقصدهم وتسكن إليهم. قوله: (وارزقهم من الثمرات)، أي: التي تكون في بلاد الريف حتى يحبهم الناس. فقبل الله دعاءه، وأنبت لهم بالطائف سائر الأشجار لعلهم يشكرون النعمة. قوله: (حتى إذا نفد ما في السقاء) أي: حتى إذا فرغ الماء الذي في السقاء. قوله: (وعطش ابنها) أي: إسماعيل، بكسر الطاء في الموضعين، قيل: كان عمره في ذلك الوقت سنتين، وقيل: كان لبنها انقطع. قوله: (يتلوى) أي: يتمرغ وينقلب ظهرا لبطن ويمينا وشمالا، واللوى: وجع في البطن. قوله: (وقال: يتلبط) بالباء الموحدة قبل الطاء المهملة أي: يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض، وقال الداودي: هو أن يحرك لسانه وشفتيه كأنه يموت. قال الخليل: لبط فلان بفلان الأرض إذا صرعه صرعا عنيفا، وقال ابن دريد: اللبط باليد والخبط بالرجل، وفي رواية عطاء بن السائب، فلما ظمأ إسماعيل جعل يضرب الأرض بعقبيه، وفي رواية معمر والكشميهني يتلمظ بالميم والظاء المعجمة. قوله: (ثم استقبلت الوادي)، وفي رواية عطاء بن السائب، والوادي يومئذ عميق. قوله: (تنظر)، جملة وقعت حالا. قوله: (فهبطت) بفتح الباء. قوله: (ثم سعت سعي الإنسان المجهود)، أي: الذي أصابه الجهد، وهو الأمر المشق. قوله: (سبع مرات)، وفي حديث أبي جهم: وكان ذلك أول من سعى بين الصفا والمروة. قوله: (فقالت: صه)، بفتح الصاد المهملة وسكون الهاء وبكسرها منونة، والمعنى: لما سمعت الصوت قالت لنفسها: صه، أي: أسكتي. وفي رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج: فقالت: أغثني إن كان عندك خير. قوله: (ثم تسمعت)، أي: تكلفت في السماع واجتهدت فيه، وهو من باب التفعل ومعناه التكلف. قوله: (قد أسمعت) بفتح التاء من الإسماع. قوله: (غواث)، بفتح الغين المعجمة في رواية الأكثرين وتخفيف الواو وفي آخره ثاء مثلثة، قيل: وليس في الأصوات: فعال، بفتح أوله غيره، وحكى ابن الأنباري ضم أوله، وحكى ابن قرقول كسر أوله أيضا، وفي رواية أبي ذر الضم، والفتح للأصيلي، وضبطه الدمياطي بالضم، وضبطه ابن التين بالفتح، وعلى كل حال هو مشتق من الغوث، وجزاء الشرط محذوف تقديره: إن كان عندك غواث أغثني. قوله: (فإذا هي بالملك)، كلمة: إذا،
للمفاجأة، وفي رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج: فإذا جبريل، وفي حديث علي عند الطبري بإسناد حسن: فناداها جبريل، فقال: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم، قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله.

256
قال: وكلكما إلى كاف. قوله: (فبحث بعقبه)، البحث طلب الشيء في التراب وكأنه حفر بطرف رجله. قوله: (أو قال بجناحه)، شك من الراوي، قال الكرماني: ومعنى: قال، بجناجه، أشار به، وفي رواية إبراهيم بن نافع، فقال: بعقبه هكذا، وغمز عقبه على الأرض، وفي رواية ابن جريج: فركض جبريل برجله، وفي حديث علي: ففحص الأرض بإصبعه فنبعت زمزم. قوله: (حتى ظهر الماء)، وفي رواية ابن جريج: ففاض الماء، وفي رواية ابن قانع: فانبثق أي: تفجر. قوله: (وجعلت تحوضه)، أي: تجعله كالحوض لئلا يذهب الماء، وفي رواية ابن قانع: فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر، وفي رواية الكشميهني من رواية ابن نافع: تحفن، بالنون بدل الراء، والأول أصوب، وفي رواية عطاء بن السائب: فجعلت تفحص الأرض بيدها. قوله: (وتقول بيدها)، هكذا هو حكاية فعلها، وهذا من إطلاق القول على الفعل. قوله: (عينا معينا)، قد مر تفسيره عن قريب، وفي رواية ابن قانع: كان الماء ظاهرا. قوله: (لا تخافوا الضيعة) أي: الهلاك، ويروى: لا تخافي، وفي حديث أبي جهم: لا تخافي أن ينفد الماء، ويروى: لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ وأنها عين تشرب بها ضيفان الله، وزاد في حديث أبي جهم: فقالت: بشرك الله بخير. وفيه: أن الملك يتكلم مع غير الأنبياء، عليهم السلام. قوله: (يبني هذا الغلام)، كذا هو بغير ذكر المفعول، وفي رواية الإسماعيلي: (يبنيه)، بإظهار المفعول. قوله: (كالرابية)، وهو المكان المرتفع. قوله: (رفقة)، بضم الراء وسكون الفاء وفتح القاف، وهي: الجماعة المختلطون سواء كانوا في سفرهم أو لا. قوله: (من جرهم)، بضم الجيم والهاء، حي من اليمن وهو ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ بن سام بن نوح، عليه السلام، وكان جرهم وأخوه قطورا أول من تكلم بالعربية عند تبلبل الألسن، وكان رئيس جرهم مضاض بن عمرو، ورئيس قطورا السميدع، ويطلق على الجميع: جرهم، وقيل: إن أصلهم من العمالقة، وفي رواية عطاء بن السائب: وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة. قوله: (أو أهل بيت من جرهم)، شك من الراوي. قوله: (مقبلين)، حال من الإقبال، وهو التوجه إلى الشيء قوله: (من طريق كداء)، بفتح الكاف وبالمد وكذا هو في جميع الروايات، واعترض بعضهم بأن كداء بالفتح والمد: محل في أعلى مكة وأما الذي في أسفلها بضم الكاف والقصر، والصواب هنا هذا: يعني: بالضم والقصر، ورد بأنه: لا مانع من أن يدخلوها من الجهة العليا وينزلوا من الجهة السفلى. قوله: (عائفا)، بالعين المهملة وبالفاء، وهو الذي يتردد على الماء ويحوم حوله ولا يمضي عنه. قاله الخليل. والعائف: الرجل الذي يعرف مواضع الماء من الأرض. قوله: (لعهدنا)، اللام فيه مفتوحة للتأكيد. قوله: (بهذا الوادي)، ظرف مستقر لا لغو. قوله: (وما فيه ماء)، الواو فيه للحال. قوله: (فأرسلوا جريا)، بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف، وهو الرسول، ويطلق على الوكيل والأجير، وسمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله، أو لأنه يجري مسرعا في حوائجه. قوله: (أو جريين)، شك من الراوي، هل أرسلوا واحدا أو اثنين؟ وفي رواية إبراهيم بن نافع: (فأرسلوا رسولا). قوله: (فإذا هم بالماء)، كلمة إذا للمفاجأة. فإن قلت: المذكور: جرى، بالإفراد أو جريين بالتثنة، فما وجه الجمع؟ قلت: يحتمل كون ناس آخرين مع الجري من الخدم والأتباع. قوله: (فأقبلوا)، أي: جرهم أقبلوا إلى جهة الماء. قوله: (وأم إسماعيل عند الماء)، جملة حالية أي: كائنة عند الماء مستقرة. قوله: (فقالوا)، أي: جرهم قالوا بعد حضورهم عند أم إسماعيل. قوله: (فقالت: نعم)، أي: قالت أم إسماعيل: نعم أذنت لكم بالنزول. قوله: (فألفى ذلك)، بالفاء أي: وجد. قال الكرماني: أي: وجد ذلك الجرهمي أم إسماعيل محبة للمؤانسة بالناس، وقال بعضهم: فألفى ذلك: أي وجد، وأم إسماعيل، بالنصب على المفعولية، ولم يبين فاعل: وجد، من هو كأنه خفي عليه، وكذلك خفي على الكرماني حتى جعل فاعل: ألفي، الجرهمي، والفاعل لقوله: فألفى هو قوله: ذلك، وأم إسماعيل مفعوله، وذلك إشارة إلى استئذان جرهم والمعنى: فأتى استئذان جرهم بالنزول أم إسماعيل، والحال أنها تحت الأنس لأنها كانت وحدها وإسماعيل صغير والوحشة متمكنة، ونظير ما ذكرنا من هذا نظير ما في قول عائشة، رضي الله تعالى عنه، ما ألفاه السحر عندي إلا نائما، وفسره ابن الأثير وغيره: أي ما أتى عليه السحر إلا وهو نائم، يعني: بعد صلاة الليل، والفعل فيه للسحر. قوله: (الأنس)، بضم الهمزة ويجوز بالكسر أيضا لأن الأنس بالكسر جنسها. قوله: (وشب الغلام)، أي: إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، وفي حديث أبي جهم: ونشأ

257
إسماعيل بين ولدانهم، أي ولدان جرهم. قوله: (وتعلم العربية منهم) أي: من جرهم، وقال بعضهم: وفيه تضعيف لقول من روى: أنه أول من تكلم بالعربية، وقع ذلك عند الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ: (أول من نطق بالعربية إسماعيل). قلت: ليس فيه تضعيف ذلك لأن المعنى: أول من تكلم بالعربية من أولاد إبراهيم إسماعيل، عليهما الصلاة والسلام، لأن إبراهيم وأهله كلهم لم يكونوا يتكلمون بالعربية فالأولية أمر نسبي، فبالنسبة إليهم هو أول من تكلم بالعربية لا بالنسبة إلى جرهم. قوله: (وأنفسهم)، قال الكرماني: أنفسهم، بلفظ الماضي أي: رغبهم فيه وفي مصاهرته، يقال: أنفسني فلان في كذا، أي: رغبني فيه (وأعجبهم) أي: أعجبهم في نفاسته، وقال بعضهم: أنفسهم، بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل: من النفاسة أي: كثرت رغبتهم فيه انتهى. قلت: قوله: أفعل التفضيل، غلط وما هو إلا فعل ماض من الإنفاس، والفاعل فيه: إسماعيل، وهو عطف على: تعلم. وقال ابن الأثير في (النهاية): وحديث إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، أنه تعلم العربية وأنفسهم أي: رغبهم وأعجبهم وصار عندهم نفيسا، يقال: أنفسني في كذا: أي: رغبني فيه. قوله: (زوجوه امرأة منهم)، قال السهيلي: اسمها جداء بنت سعد. وعن ابن إسحاق: أن اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة، وفي حديث أبي جهم: أنها بنت صدي، ولم يسمها، وقال عمر بن شبة: اسمها حية بنت أسعد بن عملق، وعن ابن إسحاق: أن إسماعيل خطبها إلى أبيها فزوجها منه. قوله: (وماتت أم إسماعيل) يعني: في خلال ذلك، وفي رواية عطاء بن السائب: فقدم إبراهيم وقد ماتت هاجر، عليها السلام، وكان عمرها تسعين سنة، فدفنها إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، في الحجر. قوله: (يطالع تركته)، بكسر الراء أي: يتفقد حال ما تركه
هناك، والتركة، بكسر الراء وسكونها: بمعنى المتروكة، والمراد بها أهله، والمطالعة النظر في الأمور، وقال ابن التين: هذا يشعر بأن الذبيح إسحاق، لأن المأمور بذبحه كان عندما بلغ السعي، وقد قال في هذا الحديث: إن إبراهيم تركه رضيعا وعاد إليه وهو متزوج، فلو كان هو المأمور بذبحه لذكر في الحديث أنه عاد إليه في خلال ذلك بين زمان الرضاع والتزويج، وأجاب الكرماني: بأنه ليس فيه نفي مجيئه مرة أخرى قبل موتها وتزوجه. قلت: بل ليس فيه نفي المجيء أصلا، بل فيه المجيء مرات، فإنه جاء فيخبر أبي جهم: كان إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، يزور هاجر كل شهر على البراق، يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام. قوله: (خرج يبتغي لنا)، أي: يطلب لنا الرزق، وفي رواية ابن جريج: وكان عيش إسماعيل الصيد، يخرج فيتصيد، وفي حديث أبي جهم: ولكن إسماعيل يرعى ماشية ويخرج متنكبا قوسه فيرمي الصيد. قوله: (ثم سألها عن عيشهم)، وزاد في رواية عطاء بن السائب، وقال: هل عندك من ضيافة؟ قوله: (فقالت: نحن في ضيق وشدة)، وفي حديث أبي جهم: فقال لها: هل من منزل؟ فقالت: لاها الله إذا. قال: فكيف عيشكم؟ قال: فذكرت جهدا، فقالت: أما الطعام فلا طعام، وأما الشاء فلا نحلب إلا المصر، أي: الشخب، وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ. الشخب: بفتح الشين وسكون الخاء المعجمتين وبباء موحدة: السيلان. قوله: (يغير عتبة بابه)، العتبة بفتح العين المهملة من فوق والباء الموحدة: وهي أسكفة الباب، وهي ههنا كناية عن المرأة. قوله: (جاءنا شيخ كذا وكذا)، وفي رواية عطاء بن السائب: كالمستخف بشأنه. قوله: (فسألنا عنك)، بفتح اللام. قوله: (ذاك أبي) أي: ذاك الذي هو أبي إبراهيم. قوله: (وتزوج منهم أخرى)، أي: تزوج من جرهم امرأة أخرى، ذكر الواقدي: أن اسمها سامة بنت مهلهل، وقيل: اسمها عاتكة، وقيل: بشامة، بفتح الباء الموحدة وبشين معجمة خفيفة: بنت مهلهل بن سعد بن عوف، وقيل: اسمها نجدة بنت الحارث بن مضاض، وحكى ابن سعد عن ابن إسحاق: أن اسمها رعلة بنت يشجب بن يعرب بن يوذان بن جرهم، وذكر الدارقطني: أن اسمها سيدة بنت مضاض، وقال الجواني: اسمها هالة بنت الحارث بن مضاض، ويقال: سلمى، ويقال: الحنفاء. قوله: (نحن بخير وسعة)، وفي حديث أبي جهم: نحن في خير عيش بحمد الله، ونحن في لبن كثير ولحم كثير وماء طيب. قوله: (اللهم بارك لهم في اللحم والماء). وفي رواية إبراهيم بن نافع: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قوله: (فهما لا يخلوان عليهما) أي: فاللحم والماء لا يعتمد عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه، والغرض: أن المداومة على اللحم والماء لا يوافق الأمزجة وينحرف المزاج عنهما إلا في مكة فإنهما يوافقانه، وهذا من جملة بركاتها وأثر دعاء إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وفي رواية الكشميهني: لا يخلوان، بصيغة التثنية، يقال: خلوت بالشيء وأختليت: إذا لم تخلط به غيره، ويقال: أخلى الرجل

258
اللبن إذا غيره، وفي حديث أبي جهم: ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه. قوله: (هل أتاكم من أحد؟) وفي رواية عطاء بن السائب: فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه، فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ قالت: نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيب ريحا. قوله: (أن تثبت عتبة بابك) وفي حديث أبي جهم: فإنها فلاح المنزل. قوله: (أن أمسكك) زاد في حديث أبي جهم: ولقد كنت علي كريمة، ولقد ازددت علي كرامة، فولدت لإسماعيل عشرة ذكور، قلت: ولدت اثني عشر رجلا، وهم: نابت وقيدار وإذميل وميشى ومسمع وذوما وماش وآزر وفطور ونافش وظميا وقيدما، وكانت له ابنة تسمى: نسمة. قوله: (يبري)، بفتح الياء وسكون الباء الموحدة (والنبل) بفتح النون وسكون الباء الموحدة: السهم، قبل أن يركب فيه نصله وريشه، وهو السهم العربي. قوله: (دوحة)، وهي التي نزل إسماعيل وأمه تحتها أول قدومهما، ووقع في رواية إبراهيم بن نافع، من رواء زمزم. قوله: (كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد)، يعني من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد. قوله: (إن الله أمرني بأمر) قيل: كان عمر إبراهيم في ذلك الوقت مائة سنة، وعمر إسماعيل ثلاثين سنة. قوله: (وتعينني؟) قال: وأعينك. وفي رواية الكشميهني: فأعينك، بالفاء وفي رواية إبراهيم بن نافع: إن الله قد أمرني أن تعينني عليه، قال: إذن إفعل. بالنصب. قوله: (أكمة) بفتحين، وهي: الرابية. قوله: (على ما حولها)، يتعلق بقوله: ابني. قوله: (رفعا القواعد) جمع قاعدة، وفي رواية أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد عن ابن عباس: القواعد التي رفعها إبراهيم كانت قواعد البيت قبل ذلك، وفي رواية مجاهد عند ابن أبي حاتم: أن القواعد كانت في الأرض السابعة، وفي حديث أبي جهم: فبلغ إبراهيم من الأساس أس آدم، عليه الصلاة والسلام، وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض، يعني: دوره ثلاثين ذراعا، كان ذلك بذراعهم، زاد أبو جهم: وأدخل الحجر في البيت، وكان قبل ذلك زربا لغنم إسماعيل، وإنما بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفا، وجعل له بابا وحفر له بئرا عند بابه خزانة للبيت يلقي فيها ما يهدى للبيت، وفي حديثه أيضا: أن الله أوحى إلى إبراهيم أن اتبع السكينة، فحلقت على موضع البيت كأنها سحابة فحفراه: يريد أن أساس آدم الأول. وقال ابن جرير: حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن خالد بن عرعرة: أن رجلا قام إلى علي، رضي الله تعالى عنه، فقال: ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال: لا، ولكنه أول بيت وضع للبركة مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا، وإن شئت أنبأتك كيف بني: إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا في الأرض. قال: فضاق إبراهيم بذلك ذرعا، فأرسل الله السكينة، وهي ريح خجوج ولها رأسان، فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت إلى مكة فتطوت على موضع البيت كطي الجحفة، وأمر إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، أن يبني حيث تستقر السكينة، فبنى إبراهيم وبقي حجر، فقال إبراهيم لإسماعيل: إئتني حجرا كما أمرك الله. قال: فانطلق الغلام يلتمس له حجرا، فأتاه به فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه، فقال: يا أبت، من أتاك بهذا الحجر؟ قال: أتاني به من لا يتكل على بنائك، جاء به جبريل، عليه الصلاة والسلام، من السماء فأتماه. وفي رواية السدي: لما بنيا القواعد فبلغا مكان الركن، قال إبراهيم لإسماعيل: يا بني أطلب لي حجرا حسنا أضعه ههنا. قال: يا أبت إني كسلان. قال: علي ذلك، فانطلق يطلب له حجرا،، وجاء جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثغامة، وكان آدم، عليه الصلاة والسلام، هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس، فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن، فقال: يا أبت! من جاءك بهذا؟ قال: جاء به من هو أنشط منك، فبينما هما يدعوان الكلمات التي ابتلي إبراهيم ربه فقال: * (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) * (البقرة: 721).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عمرو بن رافع حدثنا عبد الوهاب بن معاوية عن عبد الرحمن بن خالد عن عليان ابن أحمر: أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل بنيا قواعد البيت من خمسة أجبل، فقال: ما لكما ولأرضي؟ فقالا: نحن عبدان مأموران، أمرنا ببناء هذه الكعبة، قال: فهاتا البينة على ما تدعيان، فقامت خمسة أكبش، فقلن: نحن نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران، أمرا ببناء هذه الكعبة، فقال: قد رضيت وسلمت، ثم مضى. وذكر الأزرقي في (تاريخ مكة): أن ذا القرنين طاف مع إبراهيم بالبيت. قلت: ريح خجوج أي: شديدة المرور في غير استواء. قوله: (فتطوت)، وفي رواية: (فتطوقت). قوله: (مثل الثغامة)، بفتح الثاء المثلثة والغين المعجمة، وهي طير أبيض كبير. قوله: (من خمسة

259
أجبل)، وعند ابن أبي حاتم: بناه من خمسة أجبل: حراء وثبير ولبنان وجبل الطور وجبل الخمر، قال ابن أبي حاتم: جبل الخمر يعني: بفتح الخاء المعجمة هو: جبل بيت المقدس، وقال عبد الرزاق: عن ابن جريج عن عطاء: أن آدم بناه من خمسة أجبل: حراء وطور زيتا وطور سينا والجودي ولبنان، وكان ربضه من حراء، ومن طريق محمد بن طلحة اليتهمي: قال: سمعت أنه أسس البيت من ستة أجبل: من أبي قبيس ومن الطور ومن قدس ومن ورقان ومن رضوى ومن أحد. قلت: حراء، بكسر الحاء المهملة والمد وهو جبل من جبال مكة معروف، وثبير، بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة جبل من جبال مكة، و: لبنان، بضم اللام وسكون الباء الموحدة: جبل بالشام من أعظم الجبال وأصله ممتد من الحجاز إلى الروم، و: جبل الطور، على مسيرة سبعة أيام من مصر وهو الجبل الذي كلم الله تعالى موسى، عليه الصلاة والسلام، عليه. و: طور زينا: جبل بالقدس، و: الجودي، جبل مطل على جزيرة ابن عمر على دجلة فوق الموصل، و: طور سينا، اختلف فيه، فقيل: هو جبل بقرب أيلة، وقيل: هو جبل بالشام، و: قدس، بفتح القاف اثنان: قدس الأبيض وقدس الأسود، وهما جبلان عند ورقان، وورقان على وزن قطران: جبل أسود بين العرج والرويثة على يمين المار من المدينة إلى مكة. و: العرج، بفتح العين المهملة وسكون الراء وفي آخره جيم: قرية جامعة من أعمال الفرع على أيام من المدينة النبوية. و: الرويثة، بضم الراء وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة: وهي قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا، و: رضوى، من جبل تهامة بينه وبين المدينة سبع مراحل وهو من الينبع على يوم. قوله: (جاء بهذا الحجر)، أراد به الحجر المشهور بمقام إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وفي رواية إبراهيم بن نافع: حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام، وزاد في حديث عثمان: ونزل عليه الركن والمقام، فكان إبراهيم يقوم على المقام يبني عليه ويرفعه له إسماعيل، عليه السلام، فلما بلغ الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذ موضعه، وأخذ المقام فجعله لاصقا بالبيت. قوله: (حتى يدورا)، من الدوران، ويروى: (حتى يدورا)، من التدوير.
5633 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمر و قال حدثنا إبراهيم ابن نافع عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة ثم رجع إبراهيم إلى أهله فاتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه يا إبراهيم إلى من تتركنا قال إلى الله قالت رضيت بالله قال فرجعت فجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها حتى لما فني الماء قالت لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا قال فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت هل تحس أحدا فلم تحس أحدا فلما بلغت الوادي سعت وأتت المروة ففعلت ذلك أشواطا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل تعني الصبي فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت فلم تقرها نفسها فقالت لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا حتى أتمت سبعا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل فإذا هي بصوت فقالت أغث إن كان عندك خير فإذا جبريل قال فقال بعقبه هكذا وغمز عقبه على الأرض قال فانبثق الماء فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر قال فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم لو تركته كان الماء ظاهرا قال فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها

260
قال فمر ناس من جرهم ببطن الوادي فإذا هم بطير كأنهم أنكروا ذلك وقالوا ما يكون الطير إلا على ماء فبعثوا رسولهم فنظر فإذا هم بالماء فأتاهم فأخبرهم فأتوا إليها فقالوا يا أم إسماعيل أتأذنين لنا أن نكون معك أو نسكن معك فبلغ ابنها فنكح فيهم امرأة قال ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال لأهله إني مطلع تركتي قال فجاء فسلم فقال أين إسماعيل فقالت امرأته ذهب يصيد قال قولي له إذا جاء غير عتبة بابك فلما جاء أخبرته قال أنت ذاك فاذهبي إلى أهلك قال ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطلع تركتي قال فجاء فقال أين إسماعيل فقالت امرأته ذهب يصيد فقالت ألا تنزل فتطعم وتشرب فقال وما طعامكم وما شرابكم قالت طعامنا اللحم وشرابنا الماء قال اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم قال فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بركة بدعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال لأهله إني مطلع تركتي فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له فقال يا إسماعيل إن ربك أمرني أن أبني له بيتا قال أطع ربك قال إنه أمرني أن تعينني عليه قال إذن أفعل أو كما قال قال فقاما فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم قال حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ على نقل الحجارة فقام على حجر المقام فجعل يناوله الحجارة ويقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم..
هذا طريق ثالث لحديث ابن عباس، وعبد الله بن محمد البخاري المعروف بالمسندي، وأبو عامر هو العقدي، وإبراهيم بن نافع المخزومي المكي.
قوله: (وبين أهله)، يعني: سارة لما ولدت هاجر إسماعيل، وقد تقدمت قصتها. قوله: (ما كان)، أي: من جنس الخصومة التي هي معتادة بين الضرائر. قوله: (لما بلغوا)، أي: نادته حين البلوغ. قوله: (كداء)، قد مر الكلام فيه مع الخلاف في ضبطه. قوله: (كأنه ينشغ)، بالنون والشين والغين المعجمتين: وهو الشهيق من الصدر حتى كاد يبلغ به الغشي، أي: يعلو نفسه كأنه شهيق من شدة ما يرد عليه. قوله: (فلم تقرها نفسها)، من الإقرار في المكان، و: نفسها، مرفوع بأنه فاعله. قوله: (فقال بعقبه)، أي: أشار به، وهذا من المواضع التي يستعمل فيها: قال، في غير معناه. قوله: (فانبثق)، أي: انخرق وتفجر، ومادته باء
موحدة وثاء مثلثة وقاف. قوله: (وتحفر)، بالراء، ويروى: تحفن، بالنون أي: تملأ الكفين. قوله: (فبلغ)، الفاء فيه فصيحة أي: فأذنت فكان كذا فبلغ. قوله: (بدا)، أي: ظهر لإبراهيم التوجه إلى هاجر. قوله: (بركة)، مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هي بركة، أو بالعكس، أي: زمزم بركة أو في طعام مكة وشرابها بركة، وسياق الكلام يدل عليه قوله: (عتبة بابك)، ويروى: (بيتك). قوله: (على نقل الحجارة)، ويروى: (عن نقل الحجارة).
6633 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا الأعمش حدثنا إبراهيم التيمي عن أبيه قال سمعت أبا ذر رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول قال المسجد الحرام قال قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما قال أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله فإن الفضل فيه. (الحديث 6633 طرفه في: 5243).

261
مطابقته للترجمة في قوله: (المسجد الحرام) لأنه بناه إبراهيم الخليل، عليه الصلاة والسلام، والمراد بالترجمة التي في قوله: باب قول الله تعالى: * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 561). والباب المجرد الذي بعده قد قلنا: إنه كالفصل، فالاعتبار للباب المترجم دون المجرد.
وعبد الواحد هو ابن زياد، والأعمش سليمان وإبراهيم التيمي هو ابن يزيد يروي عن أبيه يزيد بن شريك بن طارق التيمي عداده في أهل الكوفة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن عمر بن حفص بن غياث في: باب قول الله تعالى: * (ووهبنا لداود سليمان) * (ص
1764;: 03). وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي كامل وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وعن علي بن حجر، وأخرجه النسائي فيه عن بشر بن خالد وفيه وفي التفسير عن علي بن حجر، وأخرجه ابن ماجة في الصلاة عن علي بن محمد وعن علي بن ميمون.
قوله: (أول)، بضم اللام ضمة بناء لقطعه عن الإضافة مثل: قبل وبعد، ويجوز فتحها إذا كان غير منصرف، ويجوز بالنصب إذا كان منصرفا، والمعنى: أي: مسجد وضع أولا للصلاة؟ قوله: (ثم أي)، بالتنوين، أي: ثم أي مسجد بني بعد المسجد الحرام؟ قوله: (قال)، أي: النبي صلى الله عليه وسلم، بني بعده المسجد الأقصى، قيل له: الأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة. وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث، فإنه مقدس أي: مطهر. قوله: (كم بينهما؟) أي: بين بناء المسجد الحرام وبناء المسجد الأقصى. قوله: (أربعون سنة)، أي: بينهما أربعون سنة. وقال ابن الجوزي: فيه إشكال، لأن إبراهيم بنى الكعبة وسليمان، عليه الصلاة والسلام، بنى بيت المقدس، وبينهما أكثر من ألف سنة، والجواب عنه ما قاله القرطبي: إن الآية الكريمة والحديث لا يدلان على أن إبراهيم وسليمان، عليهما الصلاة والسلام، ابتدآ وضعهما، بل كان تجديدا لما أسس غيرهما، وقد روي أن أول من بنى البيت آدم، وعلى هذا فيجوز أن يكون غيره من ولده رفع بيت المقدس بعده بأربعين عاما، ويوضحه من ذكره ابن هشام في كتابه (التيجان): إن آدم لما بنى البيت أمره جبريل، عليه الصلاة والسلام، بالمسير إلى بيت المقدس، وأن يبنيه فبناه ونسك فيه، وقال ابن كثير: أول ما جعله مسجدا إسرائيل صلى الله عليه وسلم، وإنما أمر سليمان بتجديده وإحكامه، لا أنه أول من بنى. وذكر الثعلبي: أن داود صلى الله عليه وسلم أمر بني إسرائيل أن يتخذوا مسجدا في صعيد بيت المقدس، فأخذوا في بنائه لإحدى عشرة سنة مضت من ملك داود، وكان داود ينقل لهم الحجارة على عاتقه، فأوحى الله إلى داود: إنك لست بانيه ولكن لك ابن أملكه بعدك اسمه سليمان فأقضي إتمامه على يديه، وروي عن كعب الأحبار: أن سليمان بنى بيت المقدس على أساس قديم كان أسسه سام بن نوح صلى الله عليه وسلم، وذكر أبو محمد بن أحمد الواسطي في (تاريخ بيت المقدس): أن سليمان اشترى أرضه بسبعة قناطير ذهبا، وقال الخطابي: يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله تعالى قبل داود وسليمان، ثم بناه داود وسليمان فزادا فيه ووسعاه فأضيف إليهما بناؤه، قال: وقد ينسب هذا المسجد إلى إيلياء فيحتمل أن يكون هو بانيه أو غيره، ولست أحقق لم أضيف إليه. وفي قوله: فيحتمل أن يكون هو بانيه نظر، لأن إيليا اسم البلد، فأضيف إلى المسجد كما يقال: مسجد المدينة ومسجد مكة، وقال أبو عبيد في (معجم البلدان): إيلياء مدينة بيت المقدس فيها ثلاث لغات: مد آخره وقصره وحذف الياء الأولى. قوله: (بعد)، بضم الدال، أي: بعد إدراك وقت الصلاة. قوله: (فصله)، الهاء فيه للسكت، وفي رواية الكشميهني، فصل، بلا هاء. قوله: (فإن الفضل فيه) أي: في فعل الصلاة إذا حضر وقتها.
38 - (حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله
طلع له أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها)
مطابقته للترجمة في قوله أن إبراهيم وعمرو بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ميسرة مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي أبو عثمان المدني والحديث مضى في كتاب الجهاد في آخر حديث مطول في باب من غزا بصبي للخدمة قوله طلع له أي ظهر له جبل أحد قوله يحبنا إما حقيقة وإما مجازا ومن باب الإضمار أي يحبنا أهله قوله لابتيها تثنية لابة بتخفيف الباء الموحدة وهي الحرة وقد تقدم الكلام فيه هناك *

262
(رواه عبد الله بن زيد عن النبي
)
أي روى الحديث المذكور عبد الله بن زيد الأنصاري وأخرجه البخاري موصولا في كتاب البيوع في باب بركة صاع النبي
عن موسى عن وهيب عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم الأنصاري عن عبد الله بن يزيد عن النبي
إلى آخره * -
8633 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن ابن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة رضي الله تعالى عنهم زوج النبي صلى
الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم تري أن قومك بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم فقلت يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم فقال لولا حدثان قومك بالكفر فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم..
مطابقته للترجمة على الوجه المذكور في الحديث السابق، وابن أبي بكر هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخو القاسم قتل بالحرة. والحديث مضى في كتاب الحج في: باب فضل مكة وبنيانها، فإنه أخرجه هناك: عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب... إلى آخره، وقد مضى الكلام فيه هناك.
وقال إسماعيل عبد الله بن محمد بن أبي بكر
إسماعيل بن أبي أويس واسمه عبد الله ابن أخت مالك بن أنس، أشار بهذا إلى أن إسماعيل روى هذا الحديث وبين ابن ابن أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، الذي فيه هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وأخرج البخاري حديث إسماعيل في التفسير.
9633 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي قال أخبرني أبو حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا أللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. (الحديث 9633 طرفه في: 0636).
مطابقته للترجمة المذكورة في قوله: (كما صليت على إبراهيم) وعمرو بن سليم، بضم السين: الزرقي، بضم الزاي وفتح الراء وبالقاف، وأبو حميد، بضم الحاء عبد الرحمن الساعدي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن القعنبي. وأخرجه مسلم في الصلوات عن محمد بن عبد الله بن نمير وعن إسحاق بن إبراهيم. وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وعن أبي السرح. وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن الحارث بن مسكين وفي التفسير عن محمد بن سلمة. وأخرجه ابن ماجة في الصلاة عن عمار بن طالوت.
قوله: (اللهم صل على محمد)، معناه: عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته، وقيل: لما أمرنا الله بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب في ذلك أحلنا على الله وقلنا: اللهم صل على محمد. قوله: (كما صليت على إبراهيم) هذا ليس من باب إلحاق الناقص بالكامل، بل من باب بيان حال ما لا يعرف بما يعرف وما عرف من الصلاة على إبراهيم وآله وأنه ليس إلا في قوله تعالى: رحمة الله وبركاته عليكم

263
أهل البيت: أنه حميد مجيد، قيل: سياق الكلام يقتضي أن يقال: على إبراهيم، بدون لفظ الآل، وأجيب: أن لفظ الآل مقحم. قوله: (وبارك على محمد) أي: أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة، وهو من برك البعير إذا ناخ من موضع ولزمه، وتطلق البركة أيضا على الزيادة، والأصل الأول.
0733 حدثنا قيس بن حفص وموسى بن إسماعيل قالا حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو قرة مسلم بن سالم الهمداني قال حدثني عبد الله بن عيسى سمع عبد الرحمان بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بلى فأهدها لي فقال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم قال قولوا أللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد أللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
مطابقته للترجمة في قوله: (على إبراهيم) في أربعة مواضع، وقيس بن حفص أبو محمد الدارمي البصري، وموسى بن إسماعيل أبو سلمة البصري التبوذكي، وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واسمه يسار، وكعب بن عجرة، بضم العين المهملة وسكون الجيم وبالراء: البلوي، حليف الأنصار شهد بيعة الرضوان، مات سنة ثنتين وخمسين بالمدينة وله خمس وسبعون سنة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن آدم، وفي التفسير عن سعيد بن يحيى، وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي موسى محمد بن المثنى وعن بندار وعن زهير بن حرب وعن محمد بن بكار. وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن عمرو عن مسدد وعن محمد بن العلاء. وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان، وأخرجه النسائي فيه عن قاسم بن زكرياء وعن سويد بن نصر، وأخرجه ابن ماجة فيه عن علي بن محمد وعن بندار وقد عزى الحافظ المزي حديث كعب بن عجرة هذا إلى الصلاة وهو وهم منه وليس له ذكر في الصلاة، واغتر بذلك صاحب (التلويح) وتبعه فيه وتبع صاحب (التلويح) صاحب (التوضيح) أيضا وقد مر تفسير الحديث فيما قبله.
قوله: (أهل البيت)، منصوب على الاختصاص. قوله: (فإن الله قد علمنا)، يعني: في التشهد، وهو قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
1733 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
مطابقته للترجمة في قوله: (إن أباكما) وهو إبراهيم، عليه السلام، وجرير بن عبد الحميد، ومنصور بن المعتمر، والمنهال، بكسر الميم وسكون النون وباللام، ابن عمرو الأسدي، وإلى هنا كلهم كوفيون.
والحديث أخرجه أبو داود في السنة عن عثمان بن أبي شيبة أيضا. وأخرجه الترمذي في الطب عن محمود بن غيلان وعن الحسن بن علي. وأخرجه النسائي في النعوت
وفي اليوم والليلة عن محمد بن قدامة وعن محمد بن بشار وعن زكريا بن يحيى عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن الأعمش عن المنهال عن عبد الله بن الحارث. قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ) مرسل. وأخرجه ابن ماجة في الطب عن أبي بكر بن خلاد وعن محمد بن سليمان.

264
ذكر معناه: قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ) إخبار ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، بقوله: كان، يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر التعويذ بقوله: أعوذ بكلمات الله التامة... إلى آخره. قوله: (يعوذ، من التعويذ)، يقال: عذت به أعوذ عوذا وعياذا ومعاذا أي: لجأت إليه، فالتعوذ والاستعاذة والتعويذ كلها بمعنى واحد، يعني: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين بقوله: أعوذ بكلمات الله التامة إلى آخره، ويقول لهما: إن أباكما كان يعوذ بها، أي: بهذه الكلمات إسماعيل وإسحاق أبنيه، وبين هذه الكلمات بقوله: أعوذ بكلمات الله... إلى آخره. قوله: (إن أباكما) أراد به إبراهيم كما ذكرنا، وأضيف إليهما لأنهما من نسله. قوله: (بكلمات الله) إما باقية على عمومها فالمقصود ههنا: كل كلمة لله، وإما مخصوصة بنحو المعوذتين، وقال الهروي: القرآن. والتامة: صفة لازمة، إذ كل كلماته تامة، وقيل: المراد بالتامة الكاملة، وقيل: النافعة، وقيل: الشافية، وقيل: المباركة، وقيل: القاضية التي تمضي وتستمر ولا يردها شيء ولا يدخلها نقص ولا عيب، وقال ابن التين: التام فضلها وبركاتها. قوله: (من كل شيطان) قال الداودي: يدخل فيه شياطين الإنس والجن. قوله: (وهامة)، بتشديد الميم واحدة الهوام ذوات السموم، وقيل: كل ما له سم يقتل، وأما ما لا يقتل فيقال لها: سوام، وقيل: المراد كل نسمة تهم بسوء، وقال ابن فارس: الهوام حشرات الأرض. وقال الهروي: الهوام الحيات وكل ذي سم يقتل، وقد تقع الهامة على ما يدب من الحيوان، ومنه. قوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: أيؤذيك هوام رأسك، أراد القمل، سماها هوام لأنها تهم في الرأس وتدب. قوله: (لامة)، العين اللامة هي التي تصيب بسوء، وقيل: اللامة الملمة، وإنما أتى بها على فاعلة للمزاوجة، ويجوز أن تكون على ظاهرها بمعنى: جامعة للشر على المعيون، من لمه إذا جمعه، وقال أبو عبيد: أصلها من ألممت إلماما بالشيء: نزلت به، ولم يقل: ملمة، كأنه أراد بها ذات لمم، وقال الخطابي: اللامة ذات اللمم، وهي كل داء مر، وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل ونحوه، وقال الداودي: هي كل عين تصيب الإنسان إذا حلت به.
11
((باب قوله عز وجل: * (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه..) * (الحجر: 15). الآية: لا توجل لا تخف))
أي: هذا باب في بيان قوله تعالى: * (ونبئهم عن ضيف إبراهيم...) * (الحجر: 15). الآية وأشار به إلى قصة من قصص إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وهي: دخول الملائكة، قوله: الذين أرسلوا إلى هلاك قوم لوط صلى الله عليه وسلم عليه حتى حصل له الوجل منهم، وذلك لامتناعهم من الأكل، وقيل لأنهم دخلوا بغير وقت وبغير إذن، وتمام الآية قوله: * (قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) * (الحجر: 15). قوله: (ونبئهم)، أي: نبيء عبادي عن ضيف إبراهيم وقصته أن الله تعالى أرسل لوطا إلى قومه ينهاهم عما يرتكبون من المعاصي والفواحش فلم ينتهوا بل ازدادوا عتوا وفسادا، وقالوا: ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، فسأل لوط ربه أن ينصره عليهم فأجاب الله دعاءه وبعث أربعة من الملائكة: جبريل وميكائيل وإسرافيل ودردائيل، وقيل: رفائيل لإهلاكهم، وبشارة إبراهيم بالولد، فأقبلوا مشاة في صورة رجال مرد حسان حتى نزلوا على إبراهيم صلى الله عليه وسلم وكان الضيف قد حبس عنه خمس عشرة ليلة حتى شق ذلك عليه، وكان لا يأكل إلا مع الضيف مهما أمكنه، فلما رآهم سر بهم لأنه رأى ضيفا لم يضف مثلهم حسنا وجمالا، فقال: لا يخدم هؤلاء، إلا أنا فخرج إلى أهله فجاء بعجل حنيذ، وهو المشوي بالحجارة، فقربه إليهم فأمسكوا أيديهم: * (قال: إنا منكم وجلون) * أي: خائفون * (قالوا: لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) * (الحجر: 15). أي: يكون عليميا بالدين. وفسر البخاري قوله: (لا توجل) بقوله: (لا تخف) من وجل ييجل ويوجل فهو وجل، أي: خائف فزع، وقرأ الحسن: لا توجل، بضم التاء من: أوجله يوجله إذا أخافه، وقرئ لا تأجل ولا تواجل. من واجله بمعنى أوجله.
* (ولاكن ليطمئن قلبي) * (البقرة: 062).
وفي بعض النسخ: * (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) * (البقرة: 062). وهذه رواية أبي ذر، ووقع في رواية كريمة: * (ولكن ليطمئن قلبي) * (البقرة: 062). فقط، وسقط كل ذلك للنسفي، فحديث أبي هريرة عند تكملة الباب الذي قبله، وأما الكرماني فإنه كذلك لم يذكر منه شيئا، لا لفظ الباب ولا لفظ الترجمة.
قوله: * (وإذ قال إبراهيم) * (البقرة: 062). يعني: أذكر يا محمد حين: * (قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى؟...) * (البقرة: 062). الآية وذكر المفسرون لسؤال إبراهيم عليه السلام أسبابا: منها:

265
أنه لما قال لنمرود لعنه الله ربي الذي يحيى ويميت أحب أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، وأن يرى ذلك مشاهدة، فقال: * (رب أرني كيف تحيي الموتى) * (البقرة: 062). كما أن الإنسان يعلم الشيء ويتيقنه ولكن يحب أن يراه عيانا. ومنها: أنه لما بشر بالخلة سأل ذلك ليتيقن بالإجابة لصحة ما بشر به قاله ابن مسعود ونمها انما سأل ليشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها واتصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها، فأراد أن يجمع بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. ومنها: ما روي عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن إبراهيم أتى على دابة توزعتها الدواب والسباع، فقال: * (رب أرني كيف تحيي الموتى) * (البقرة: 062). ليشاهد ذلك، لأن النفوس متشوقة إلى المعاينة، يصدقه الحديث: ليس الخبر كالمعاينة. ومنها: ما قاله ابن دريد: مر إبراهيم بحوت نصفه في البر ونصفه في البحر، والذي في البحر تأكله دواب البحر، والذي في البر تأكله دواب البر، فقال إبليس الخبيث: يا إبراهيم! متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟ فقال * (رب أرني كيف تحيي الموتى) *
(البقرة: 162). * (ليطمئن قلبي) * (البقرة: 162). ليسكن ويهتدي باليقين الذي يستيقنه، وقال ابن الحصار في (شرح القصيدة): إنما سأل الله أن يحيي الموتى على يديه يدل على ذلك قوله تعالى: * (فصرهن إليك) * (البقرة: 062). فأجابه على نحو ما سأل، وعلم أن أحدا لا يقترح على الله مثل هذا فيجيبه بعين مطلوبه إلا عن رضا واصطفاء. بقوله: * (أو لم تؤمن) * (البقرة: 062). بأنا اصطفيناك واتخذناك خليلا؟ قال: بلى. قوله: كيف تحيي الموتى، لفظ: كيف، اسم لدخول الجار عليه بلا تأويل نحو قولهم: على كيف تبيع الأحمرين؟ ويستعمل على وجهين: أحدهما: أن يكون شرطا نحو: كيف تصنع أصنع، والآخر: وهو الغالب: أن يكون استفهاما، وهنا كذلك، وقال ابن عطية: السؤال: بكيف؟ إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل، فكيف هنا استفهام عن هيئة الإحياء، وهو متقرر. قوله: * (قال أو لم تؤمن) * (البقرة: 062). يعني: بإحياء الموتى؟ وإنما قال: أو لم تؤمن؟ مع علمه بأنه أثبت الناس إيمانا ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين. قوله: قال بلى، أي: بلى آمنت، و: بلى، إيجاب لما بعد النفي. قوله: * (ولكن ليطمئن قلبي) * (البقرة: 162). أي: ليزيد سكونا وطمأنينة بمضامة علم الضرورة علم الاستدلال، لأن ظاهر الأدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين، وعن ابن عباس والحسن وآخرين: ليطمئن قلبي للمشاهدة، كأن نفسه طالبته برؤية ذلك، فإذا رآه اطمأن، وقد يعلم المرء الشيء من جهة ثم يطلب أن يعلمه من غيرها، وقيل: المعنى: ليطمئن قلبي لأني إذا سألتك أجبتني، وقيل: كان سؤاله على طريق الأدب يعني: أقدرني على إحياء الموتى ليطمئن قلبي عن هذه الأمنية، فأجابه الله إلى سؤاله، وقال: فخذ أربعة من الطير وهي: الغرموق والطاووس والديك والحمامة، كذا روي عن ابن عباس، وعنه: أنه أخذ وزا ورألا، وهو فرخ النعامة وديكا وطاووسا. وقال مجاهد وعكرمة: كانت حمامة وديكا وطاووسا وغرابا. وروى مجاهد عن ابن عباس: أن الطيور كانت طاووسا ونسرا وغرابا وحماما.
وفيه: إشارة إلى أحوال الدنيا: فالطاووس من الزينة، والنسر من امتداد الأمل، والغراب من الغربة، والحمام من النياحة. وقيل: موضع النسر: البط، وموضع الحمام: الديك، والحكمة في اختيار هذه الأربعة هي: أن الطاووس خان آدم، صلى الله عليه وسلم، في الجنة، والبط خان يونس صلى الله عليه وسلم حين قطع يقطينه، والغراب خان نوحا صلى الله عليه وسلم حين أرسله ليكشف حال الماء الذي عم الأرض فاشتغل بالجيفة، والديك خان إلياس فسلب ثوبه، فلا جرم أن الله تعالى غير صوت الطاووس بدعاء آدم صلى الله عليه وسلم، وسلب السكون على البط بدعاء يونس صلى الله عليه وسلم، وجعل رزق الغراب الجيفة بدعاء نوح صلى الله عليه وسلم، وألقى العداوة بين الديك بدعاء الياس صلى الله عليه وسلم، ولما أخذ إبراهيم هذه الطيور الأربعة، قال الله تعالى له: فصرهن إليك، أي: قطعهن، كذا رواه مجاهد عن ابن عباس، ثم خلطهن ثم اجعلها أربعة أجزاء، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا، ففعل إبراهيم مثل ما أمر به، ثم أمره الله أن يدعوهن، فدعاهن فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طير يقصد بعضها بعضا حتى قام كل طير على حدته وأتينه يمشين سعيا ليكون أبلغ في الرؤية التي سألها. قال ابن عباس: وكان إبراهيم قد أخذ رؤوسهن بيده وجعل كل طير يجيء ليأخذ رأسه من يد إبراهيم، فإذا قدم إبراهيم غير رأسه يأباه، وإذا قدم رأسه تركب مع بقية جثته، بحول الله تعالى وقوته، ولهذا قال الله: واعلم أن الله عزيز لا يغلبه شيء، ولا يمتنع منه شيء، حكيم في أقواله وأفعاله. فإن قلت: لم خص الطير من بين سائر الحيوانات؟ قلت: لأن للطير ما لسائر الحيوانات، وله زيادة: الطيران، ولأن الطير هوائي ومائي وأرضي، فكانت الأعجوبة في إحيائه أكثر، ولذا قال عيسى صلى الله عليه وسلم: إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير، فاختار الخفاش

266
لاختصاصه بأشياء ليست في الطيور. الحيض والحبل والطيران في الظلمة وعدم الرؤية بالنهار وله أسنان. فإن قلت: لم خص أربعة من الطير؟ قلت: لأجل الإسطقسات الأربع التي بها قوام العالم. والجبال كانت أربعة من جبال الشام، وقيل: جبل لبنان وسينين وطور سينين وطور زينا.
2733 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن إبي سلمة بن عبد الرحمان وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلاى ولاكن ليطمئن قلبي: ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي..
مطابقته للترجمة الأصلية ظاهرة، وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أحمد بن صالح وعن سعيد بن تليد، وأخرجه مسلم في الإيمان وفي الفضائل عن حرملة بن يحيى. وأخرجه ابن ماجة في الفتن عن حرملة بن يحيى ويونس بن عبد الأعلى.
ذكر معناه: قوله: (نحن أحق بالشك)، وسقط في بعض الروايات لفظ: الشك، ومعناه: نحن أحق بالشك في كيفية الإحياء لا في نفس الإحياء، وعن الشافعي وغيره: أن الشك مستحيل في حق إبراهيم، صلى الله عليه وسلم، ولو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، لكنت أنا أحق به من إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقد علمتم أن إبراهيم لم يشك، فإذا لم أشك أنا ولم أرتب في القدرة عل الإحياء فإبراهيم أولى بذلك، وقيل: معناه أن هذا الذي تظنونه شكا فليس بشك، فلو كان شكا لكنت أنا أولى به ولكنه ليس بشك، ولكنه تطلب لمزيد اليقين، وقال عياض: يحتمل أنه أراد أمته الذين يجوز عليهم الشك، أو أنه قاله تواضعا مع إبراهيم. قوله: (إذ قال) أي: حين قال. قوله: (ويرحم الله لوطا)، ولوط صلى الله عليه وسلم هو ابن هاران ابن آزر وهو أخي إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وكان ممن آمن بإبراهيم وهاجر معه إلى مصر ثم عاد معه إلى الشام فنزل إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، فلسطين ونزل لوط الأردن ثم أرسله الله إلى أهل سدوم، وهي عدة قرى، وقال مقاتل: وبلادهم ما بين الشام والحجاز بناحية زغر، وكانت اثنتي عشرة قرية وتسمى المؤتفكات من الإفك، وكانوا يعبدون الأوثان ويأتون الفواحش ويسافد بعضهم
بعضا على الطريق، وغير ذلك من المفاسد وذكر الله لوطا في القرآن في سبعة عشر موضعا وهو اسم أعجمي وفيه العلمية والعجمة ولكنه صرف لسكون وسطه، وقيل: اسم عربي من: لاط، لأن حبه لاط بقلب إبراهيم صلى الله عليه وسلم أي: تعلق ولصق. قوله: (لقد كان يأوي إلى ركن شديد)، وهو إشارة إلى الآية الكريمة وهي قوله تعالى: * (قال لو أن لي بكم قوة أو أوى إلى ركن شديد) * (هود: 08). وقال الطيبي: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم ذلك لأن كلامه يدل على إقناط كلي ويأس شديد من أن يكون له ناصر ينصره، وكأنه، صلى الله عليه وسلم، استغرب ذلك القول وعده نادرا منه، إذ لا ركن أشد من الركن الذي كان يأوي إليه. وقال الزمخشري: معناه إلى قوي أستند إليه وأمتنع به فيحميني منكم، شبه القوي العزيز بالركن من الجبل في شدته ومنعته، وقال النووي، رحمه الله تعالى: يجوز أنه نسي الالتجاء إلى الله في حمايته الأضياف، أو أنه التجأ إلى الله فيما بينه وبين الله، وأظهر للأضياف العذر وضيق الصدر قوله: (ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف) وقد لبث سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات. قوله: (لأجبت الداعي) يعني: لأسرعت إلى الإجابة إلى الخروج من السجن ولما قدمت العذر، قال الله تعالى: * (فلما جاءه الرسول قال إرجع إلى ربك) * (يوسف: 05). الآية... وصفه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالصبر حيث لم يبادر إلى الخروج، وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا، لا أنه كان في الأمر منه مبادرة وعجلة لو كان مكان يوسف، والتواضع لا يصغر

267
كبيرا، بل يزيده إجلالا وقدرا، وقيل: هو من جنس قوله: لا تفضلوني على يونس، وقيل: إنه كان قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع، والله أعلم وأحكم.
41
((باب قول الله تعالى * (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد) * (مريم: 45).))
أي: هذا باب في بيان ما جاء في حق إسماعيل من قوله قوله عز وجل، واذكر في الكتاب الآية، وتمام الآية * (وكان رسولا نبيا) * (مريم: 45). قوله: (واذكر) أي: اذكر يا محمد (في الكتاب) أي: في القرآن * (إسماعيل إنه كان صادق الوعد) * قال المفسرون: كان بينه وبين رجل ميعاد فأقام ينتظره مدة، واختلفوا في تلك المدة، فقيل: حولا حتى أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم، وقال: إن الفاجر الذي وعدته بالقعود إبليس، عليه اللعنة. قوله: * (رسولا) * أي: إلى جرهم.
3733 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا وأنا مع بني فلان قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لكم لا ترمون فقالوا يا رسول الله كيف نرمي وأنت معهم قال ارموا وأنا معكم كلكم. (انظر الحديث 9982 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قوله: (بني إسماعيل) وحاتم بالحاء المهملة وكسر التاء المثناة من فوق: ابن إسماعيل الكوفي، مر في الوضوء، ويزيد من الزيادة ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع: والحديث قد مر في كتاب الجهاد في: باب التحريض على الرمي، ومر الكلام فيه هناك، والله أعلم بالصواب.
51
((باب قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام))
أي: هذا باب في بيان ذكر قصة إسحاق بن إبراهيم الخليل، وعن ابن إسحاق، بشر الله إبراهيم بإسحاق من سارة فحملت وكانت بنت تسعين سنة، وإبراهيم ابن مائة وعشرين سنة، وقد كانت هاجر حملت بإسماعيل فوضعتا معا، وشب الغلامان. ونقل ابن كثير عن أهل الكتاب أن هاجر ولدت إسماعيل ولإبراهيم من العمر ست وثلاثون سنة قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة، وقال ابن الجوزي في (أعمار الأعيان): إن إسحاق عاش مائة وثمانين سنة، وفي قول وهب بن منبه: عاش مائة وخمسة وثمانين سنة، ودفن عند قبر أبيه إبراهيم في مزرعة حبرون.
فيه ابن عمر وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال الكرماني: فيه، أي في الباب، يعني: روى ابن عمر في حق إسحاق وقصته حديثا فأشار البخاري إليه إجمالا ولم يذكره بعينه، لأنه لم يكن بشرطه، وقال ابن التين: لم يقف البخاري على سنده فأرسله، وقال بعضهم: هذا كلام من لم يفهم مقاصد البخاري ونحوه قول الكرماني قلت: هذه مناقشة باردة لأن كل من له أدنى فهم يفهم أن ما قاله ابن التين والكرماني هو الكلام الواقع في محله، وهذا الذي ذكره أوجه من كلامه الذي ذكره بالشك والتردد حيث قال: كأنه يشير بحديث ابن عمر إلى ما سيأتي في قصة يوسف، وبحديث أبي هريرة إلى الحديث المذكور في الباب الذي يليه فلينظر المتأمل الحاذق في حديث ابن عمر الذي في قصة يوسف: هل يجد لما ذكره من الإشارة إليه وجها قريبا أو بعيدا وكذلك في حديث أبي هريرة.
61
((باب * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) * إلى قوله * (ونحن له مسلمون) * (البقرة: 331).))

268
أي: هذا باب يذكر فيه: * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إل
1764; هك وإل
1764; ه آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إل
1764; ها واحدا ونحن له مسلمون) * (البقرة: 331). ذكر الله تعالى وصية إبراهيم لبنيه بقوله) * (ووصى بها إبراهيم بنيه) * (البقرة: 231). أي: بهذه
الملة، وهي الإسلام ووصى يعقوب أيضا بها ثم قال محتجا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل وعلى الكفار من بني إسرائيل: إن يعقوب لما حضرته الوفاة وصى بنيه بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، فقال لهم: ما تعبدون من بعدي؟ فأخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: نعبد إل
1764; هك... والآية هذه من باب التغليب، لأن إسماعيل عم يعقوب، ونقل القرطبي أن العرب تسمي العم أبا، وقد استدل بهذه الآية من جعل الجد أبا، وحجب به الأخوة وهو قول الصديق: وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين، وبه يقول الحسن البصري وطاووس وعطاء، وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحد من علماء السلف والخلف. وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه: إنه يقاسم الإخوة، وحكى مالك عن عمرو وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت، وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن، رحمهم الله، وقال الزمخشري: (أم كنتم شهداء) هي: أم، المنقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار، والشهداء: جمع شهيد، يعني الحاضر: أي: ما كنتم حاضرين يعقوب إذ حضره الموت أي: حين احتضر، والخطاب للمؤمنين بمعنى: ما شهدتم ذلك وإنما حصل لكم العلم به من طريق الوحي، وقيل: الخطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون: ما مات نبي إلا على اليهودية. وقال الزمخشري أيضا: لكن الوجه أن تكون: أم، متصلة على أن يقدر قبلهما محذوف، كأنه قيل: أتدعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت، يعني أن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له إذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام، وقد علمتم ذلك، فما لكم تدعون على الأنبياء ما هم منه براء؟.
4733 حدثنا إسحاق بن إبراهيم سمع المعتمر عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قيل ل لنبي صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس قال أكرمهم أتقاهم قالوا يا نبي الله ليس عن هاذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني قالوا نعم قال فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا..
مطابقته للترجمة من حيث إن الحديث موافق للآية في سياق نسب يوسف، والآية تضمنت أن يعقوب خاطب أولاده عند موته بالوصية المذكورة آنفا. ومن جملة أولاد يعقوب: يوسف، وليس في الأنبياء على نسق نسب يوسف فإنه نبي الله ابن نبي الله يعقوب ابن نبي الله إسحاق ابن نبي الله إبراهيم، وإسحاق ابن إبراهيم الراوي هو ابن راهويه، والمعتمر هو ابن سليمان بن طرخان، وعبيد الله مصغرا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، والحديث مر في: باب أوائل قول الله: * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 561). ومر الكلام فيه مستقصى.
71
((باب * (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) *.))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (ولوطا إذ قال لقومه) * إلى آخره، و: لوطا، منصوب بتقدير واذكر لوطا، أو بتقدير: أرسلنا لوطا بدلالة قوله فيما قبله: * (ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا) * (لوط: 38). وكلمة: إذ، بدل على الأول ظرف على الثاني. قوله: * (أتأتون الفاحشة) * أي: الفعلة القبيحة الشنيعة وهي اللواطة. قوله: * (وأنتم تبصرون) *، أي: والحال أنكم تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها، وتبصرون

269
من بصر القلب والله تعالى إنما خلق الأنثى للذكر ولم يخلق الذكر للذكر ولا الأنثى للأنثى. وقيل: وأنتم تبصرون أي: يبصر بعضكم بعضا لأنهم كانوا في ناديهم يرتكبونها مجاهرين بها لا يستترون عتوا منهم وتمردا وخلاعة ومجانة. قوله: (أئنكم لتأتون الرجال؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار. قوله: (شهورة) أي: لأجل الشهوة. قوله: (تجهلون) أي: عاقبة العصيان ويوم الجزاء وقيل: تجهلون موضع قضاء الشهوة، قال الزمخشري: فإن قلت: فسرت: تبصرون، بالعلم وبعده: بل أنتم قوم تجهلون، فكيف يكونون علماء جهلاء؟ قلت: أراد: تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك، واجتمعت الغيبة والمخاطبة في قوله تعالى: * (بل أنتم قوم تجهلون) * فغلبت المخاطبة، فقيل: تجهلون، لأن المخاطبة أقوى وأرسخ أصلا من الغيبة. قوله: (فما كان جواب قومه) أي: قوم لوط إلا أن قالوا، كلمة: أن، مصدرية أي: إلا قولهم. قوله: (يتطهرون) من أدبار الرجال يقولونه استهزاء بهم وتهكما. قوله: (فأنجيناه)، أي: أنجينا لوطا من العذاب وأنجينا أهله إلا امرأته قدرناها أي: جعلناها بتقديرنا وقضائنا عليها من الغابرين أي: الباقين في العذاب. قوله: (وأمطرنا عليهم مطرا) أي: الحجارة، فساء مطر المنذرين الذين أنذروا بالعذاب، وقال الداودي: أينما كان المطر في كتاب الله فهو العقاب، والمذكور في التفسير أنه يقال: أمطر في العذاب، ومطر في الرحمة، وأهل اللغة يقولون: مطرت السماء وأمطرت.
5733 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد..
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب ابن أبي حمزة، وأبو الزناد، بالزاي والنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز، وهؤلاء على هذا النسق مروا مرارا كثيرة. والحديث مضى عن قريب في: باب قوله عز وجل * (ونبئهم عن ضيف إبراهيم) * (الحجر: 15). قوله: (إن كان) كلمة: إن، هذه مخففة من المثقلة أي: إنه كان. قوله: (إلى ركن شديد) أي: إلى الله سبحانه وتعالى ويشير بذلك إلى قوله تعالى: * (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) * (الحجر:). أي: إلى عشريته لكنه لم يأو إليهم ولكنه آوى إلى الله، وقال النووي: يجوز أنه لما اندهش بحال الأضياف قال ذلك، أو أنه التجأ إلى الله تعالى في باطنه، وأظهر هذا القول للأضياف إعتذارا وسمى العشيرة ركنا لأن الركن يستند إليه ويمتنع به فشبههم بالركن من الجبل لشدتهم ومنعتهم.
81
((باب * (فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون) * (الحجر: 26).))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (فلما جاء) * (الحجر: 26). إلى آخره، وفاعل جاء هو قوله: المرسلون، وهم الملائكة المرسلون من عند الله لهلاك قوم لوط. قوله: (آل لوط) بالنصب مفعول: جاء. قوله: (قال) أي: لوط، عليه الصلاة والسلام. قوله: (إنكم قوم منكرون) أي: لا أعرفكم، قالوا: بل جئناك بالحق، أي: اليقين، وإنا لصادقون في قولنا، ثم حكى الله تعالى بقية القصة، بقوله: فأسر بأهلك... إلى آخرها.
بركنه بمن معه لأنهم قوته
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فتولى بركنه وقال ساحرا أو مجنون) * (). وأول الآية * (وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركته) * (). قوله: (وفي موسى) عطف على قوله: * (وفي الأرض آيات) * قوله: (بركنه) يعني: بقومه ومن معه يعني: المنعة والعشير، وقال المورج بجانبه وجميع بدنه وهو كناية عن المبالغة عن الإعراض والإنكار، والركن ما ركن إليه الإنسان من مال وجند وقوة. قوله: * (وقال ساحر أو مجنون) * (). أي: وقال فرعون: موسى ساحر أو مجنون. وهذا الذي ذكره البخاري ههنا لا وجه له، لأنه في قصة موسى، والترجمة في قصة لوط، عليها الصلاة والسلام، ومع هذا أن التفاسير التي ذكرها هنا لم توجد إلا في رواية المستملي وحده.
تركنوا تميلوا

270
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) * (هود: 311). أي: لا تميلوا إليهم، وهذا أيضا لا تعلق له بقصة لوط، وقيل: كأنه ذكره هناك لوجود مادة: ركن. قلت: هذا بعيد، حيث لم يذكره بمعية ما وقع في قصة لوط.
فأنكرهم ونكرهم واستنكرهم واحد
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم) * (هود: 07). وهذا أيضا لا وجه له، لأن هذا الإنكار في الآية من إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وهو غير إنكار لوط، عليه الصلاة والسلام، وذلك لأن الملائكة الأربعة الذين ذكرناهم عن قريب، لما دخلوا على إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، في صور مرد حسان جاء إليهم بعجل حينئذ فأمسكوا أيديهم، * (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * (هود: 07). وأما إنكار لوط ففي مجيء قومه إليهم كما هو المذكور في قصته.
يهرعون يسرعون
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وجاءه قومه يهرعون إليه) * (هود: 87). أي: جاء لوطا قومه يهرعون، أي: يسرعون ويهرولون، وذلك أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمجيء هؤلاء الملائكة في صورة الرجال المردان، وقصته مشهورة.
دابر آخر
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع) * (الحجر: 66). أي: آخرهم مقطوع مستأصل.
صيحة هلكة
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) * (ي
1764; س: 92). وهذا أيضا لا وجه له ههنا لأن هذه الآية لا تعلق لها بقصة لوط.
للمتوسمين للناظرين
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) * (الحجر: 57). وفسره بقوله: للناظرين، وهكذا فسره الضحاك، وقال مجاهد: معناه للمتفرسين، وقال الفراء: للمتفكرين وقال أبو عبيدة: للمتبصرين، وحقيقته من توسمت الشيء: نظرته، نظر تثبت.
لبسبيل لبطريق
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وإنها لبسبيل مقيم) * (الحجر: 67). وفسر السبيل بالطريق، وكذا فسره أبو عبيدة، والضمير في قوله: وإنها، يرجع إلى: مدائن قوم لوط صلى الله عليه وسلم، وقيل: إلى الآيات.
6733 حدثنا محمود حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: * (فهل من مدكر) * (القمر: 51، 71، 22، 23، 04، و 15)..
هذا قد مر في: باب قوله عز وجل: * (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر) * (الحاقة: 6). ووجه مناسبة ذكره هنا هو أنه ذكر في قصة لوط، وهي قوله تعالى: * (كذبت قوم لوط بالنذر) * (القمر: 33). إلى قوله: * (فذوقوا عذابي ونذر) * (القمر: 73 و 93). ثم قال: * (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) * (القمر: 15). وكذلك ذكر عقيب قصة عاد وقصة ثمود أيضا، وكلها في سورة القمر. قوله: * (فهل من مدكر) * بالدال المهملة المشددة، ومر الكلام فيه هناك ومحمود هو ابن غيلان، بالغين المعجمة، وأبو أحمد هو محمد بن عبد الله الزبيري، وسفيان هو الثوري وأبو إسحاق السبيعي عمرو، والأسود بن يزيد وعبد الله
هو ابن مسعود.
91
((باب قول الله تعالى * (وإلى ثمود أخاهم صالحا) * (الأعراف: 37).))
أي: هذا باب يذكر فيه بيان قول الله عز وجل: * (وإلى ثمود) * أي: أرسلنا إلي ثمود * (أخاهم صالحا) * (الأعراف: 37). وإنما قال: أخاهم، لأن

271
صالحا، عليه السلام، كان من قبيلتهم.
واختلفوا في ثمود، فقال الجوهري: ثمود قبيلة من العرب الأولى، وهم قوم صالح، وكذلك قال الفراء: سميت بذلك لقلة مائهم، وقال الزجاج: الثمد الماء القليل الذي لا مادة له، وقيل: ثمود اسم رجل، وقال عكرمة: هو ثمود بن جابر بن إرم بن سام بن نوح، وقال الكلبي: وكانت هذه القبيلة تنزل في وادي القرى إلى البحر والسواحل وأطراف الشام، وكانت أعمارهم طويلة وكانوا يبنون البنيان والمساكن، فتنهدم، فلما طال ذلك عليهم اتخذوا من الجبال بيوتا ينحتونها وعملوها على هيئة الدور، ويقال: كانت منازلهم أولا بأرض كوش من بلاد عالج ثم انتقلوا إلى الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وخالفوا أمر الله وعبدوا غيره، وأفسدوا في الأرض فبعث الله إليهم صالحا نبيا فدعاهم إلى الله تعالى حتى شمط ولم يتبعه منهم إلا قليل يستضعفون، وصالح هو ابن عبيد بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح، عليه الصلاة والسلام، وقيل: صالح بن عبيد بن أنيف بن ماشخ بن جادر بن جاثر بن ثمود، قاله مقاتل، وقيل: صالح بن كانوه، قاله الربيع، وقيل: صالح بن عبيد بن يوسف بن شالخ بن عبيد بن جاثر بن ثمود، قاله مجاهد. قال مجاهد: كان بينه وبين ثمود مائة سنة وكان في قومه بقايا من قوم عاد على طولهم وهيئاتهم، وكان لهم صنم من حديد يدخل فيه الشيطان في السنة مرة واحدة ويكلمهم، وكان أبو صالح سادنه فغار لله وهم بكسره، فناداهم الصنم: اقتلوا كانوه، فقتلوه، ورموه في مغارة، فبكت عليه امرأته مدة، فجاءها ملك فقال لها: إن زوجك في المغارة الفلانية، فجاءت إليه وهو ميت فأحياه الله تعالى، فقام إليها فوطئها في الحال فعلقت بصالح من ساعتها، وعاد كانوه ميتا بإذن الله، ولما شب صالح بعثه الله إلى قومه قبل البلوغ، ولكنه قد راهق، قاله وهب. وقال ابن عباس: لما تم له أربعون سنة أرسله إليهم وذكره الله تعالى في القرآن في خمسة مواضع، وبين قصته مع قومه، فلما أهلك الله قومه نزل صالح بفلسطين وأقام بالرملة، وقال السدي: أتى صالح ومن معه من المؤمنين إلى مكة وأقاموا يتعبدون حتى ماتوا فقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة والحجر، وقال ابن قتيبة: أقام صالح في قومه عشرين سنة ومات وهو ابن مائة وثمان وخمسين سنة، وقيل: ابن ثلاثمائة وست وثلاثين سنة، وحكاه الخطيب عن ابن عباس، وهو الأظهر، ويقال: إن صالحا مات في اليمن وقبره بموضع يقال له الشبوه، وذكر الفربري: أن صالحا خرج مع المؤمنين إلى الشام فسكنوا فلسطين ومات بها، وكان بين صالح وبين هود مائة سنة، وبين صالح وبين إبراهيم ستمائة سنة وثلاثون سنة.
* (كذب أصحاب الحجر) * (الحجر: 08). الحجر موضع ثمود. وأما حرث حجر حرام وكل ممنوع فهو حجر محجور والحجر كل بناء بنيته وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر ومنه سمي حطيم البيت حجرا كأنه مشتق من محطوم مثل قتيل من مقتول ويقال للأنثاى من الخيل الحجر ويقال للعقل حجر وحجى وأما حجر اليمامة فهو منزل
قوله: (كذب أصحاب الحجر) أشار به إلى قوله تعالى: * (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين) * (الحجر: 08). وفسر الحجر بقوله: موضع ثمود، وهو ما بين المدينة والشام، وأراد بالمرسلين صالحا، وهو وإن كان واحدا فالمراد هو ومن معه من المؤمنين، كما قالوا الخبيبيون في ابن الزبير وأصحابه، وقيل: كل من كذب واحدا من الرسل فكأنما كذبهم جميعا. قوله: (وأما حرث حجر حرام) أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر) * (الأنعام: 831). وفسر الحجر بقوله: حرام، وكذا فسره أبو عبيدة، وحذف البخاري الفاء من جواب: أما، وهو قوله: حرام، وهو جائز. قوله: (وكل منوع فهو حجر محجور) أي: كل شيء يمنع فهو حجر أي: حرام، ومنه: حجر محجور، وأشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ويقولون حجرا محجورا) * (الفرقان: 22). وقال أبو عبيدة: أي حراما محرما. قوله: (والحجر كل بناء بنيته)، بتاء الخطاب في آخره، ويروي: (تبنيه)، بتاء الخطاب في أوله. قوله: (فهو حجر)، إنما دخلت الفاء فيه لأن قوله: (وما حجرت عليه)، يتضمن معنى الشرط. قوله: (ومنه سمي الحطيم)، أي: ومن قبيل هذه المادة سمي حطيم البيت أي الكعبة حجرا، وهو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة. قوله: (كأنه مشتق من محطوم مثل قتيل من مقتول)، أراد: أن الحطيم بمعنى المحطوم، كما أن القتيل بمعنى المقتول يعني فعيل، ولكنه بمعنى مفعول، وليس فيه اشتقاق

272
اصطلاحي، ومعنى: محطوم، مكسور، وكأن الحطيم سمي به لأنه كان في الأصل داخل الكعبة فانكسر بإخراجه عنها. قوله: (ويقال للأنثى من الخيل الحجر) ويجمع على حجورة. قوله: (ويقال للعقل حجر)، كما في قوله تعالى: * (هل في ذلك قسم لذي حجر) * (الفجر: 5). أي: لذي عقل، لأنه يمنع صاحبه من الوقوع في المهالك. قوله: (وحجى) بكسر الحاء وفتح الجيم مقصور، وهو أيضا من أسماء العقل، ومنه: الحجى بمعنى الستر، وفي الحديث: (من بات على ظهر بيت ليس عليه حجى فقد برئت منه الذمة) شبهه بالحجى العقل، لأن العقل يمنع الإنسان من الفساد ويحفظه من التعرض للهلاك، فكذلك الستر الذي على السطح يمنع الإنسان من التردي والسقوط. قوله: (وأما حجر اليمامة فهو منزل)، يعني: أما حجر اليمامة، بفتح الحاء: فهو اسم منزل ثمود بناحية الشام عند وادي القرى، وهذا ليس له تعلق بما قبله من الألفاظ الستة، ولكنه ذكره استطرادا، ومن مكسور الحاء غيير ما ذكره حجر القميص، وفيه جاء الكسر والفتح أفصح ومنه حجر الإنسان، قال ابن فارس: فيه لغتان ويجمع على حجور، وجاء في الحجر الذي بمعنى الحرام الكسر والضم والفتح. وقال الجوهري: الكسر أفصح، والحجر بفتحتين معروف، وهو اسم رجل أيضا، ومنه أوس بن حجر الشاعر، والحجر بفتح الخاء وسكون الجيم مصدر حجر القاضي عليه إذا منعه من التصرف في ماله، وحجر
بضم الحاء وسكون الجيم: نبت مر، واسم رجل أيضا وهو حجر الكندي الذي يقال له: آكل المرار، وحجر بن عدي الذي يقال له: الأدبر، واعلم أن في بعض النسخ وقع هذا الباب عقيب قوله: باب قول الله تعالى: * (وإلى عاد أخاهم هودا) * (الأعراف: 37). وقال بعضهم: الصواب إثباته هنا، يعني: عقيب قوله: * (وإلى عاد أخاهم هودا) * (الأعراف: 37). ثم أيد كلامه بما حكاه أبو الوليد الباجي عن أبي ذر الهروي: أن نسخة الأصل من البخاري كانت ورقا غير محبوك، فربما وجدت الورقة في غير موضعها فنسخت على ما وجدت فوقع في بعض التراجم إشكال بحسب ذلك، وإلا فقد وقع في القرآن ما يدل على أن ثمود كانوا بعد عاد، كما أن عادا بعد قوم نوح، عليه الصلاة والسلام، قلت: الاعتماد على هذا الكلام مما يستلزم سوء الترتيب بين الأبواب وعدم المطابقة بين الأحاديث والتراجم مع الاعتناء الشديد في كتب البخاري على ترتيب ما وضعه المصنف في تلك الأيام، ولا يستلزم وقوع قصة ثمود بعد قصة عاد في القرآن لزوم رعاية الترتيب فيه.
7733 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الذي عقر الناقة فقال انتدب لها رجل ذو عز ومنعة في قوة كأبي زمعة..
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن عقر الناقة في قصة صالح، عليه الصلاة والسلام، والحميدي، بضم الحاء المهملة: عبد الله بن الزبير ابن عيسى وقد مر غير مرة، وسفيان هو ابن عيينة، وعبيد الله بن زمعة، بفتح الزاء وسكون الميم وفتحها: ابن الأسود بن المطلب ابن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي، أمه قريبة بنت أبي أمية ابنة أم سلمة أم المؤمنين، وكان من أشراف قريش، وكان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، يعد في أهل المدينة، وزمعة وأخوه عقيل قتلا يوم بدر كافرين، وأبوهما الأسود كان من المستهزئين، ذكروا أن جبريل، عليه الصلاة والسلام، ضرب في وجهه بورقة فعمي، وكان لعبد الله ابن يسمى: يزيد، قتله مسرف بن عقبة صبرا يوم الحرة، وقتل له بنون أيضا يوم الحرة، وليس لعبد الله بن زمعة في البخاري غير هذا الحديث، وقال أبو عمر وروى عنه عروة ثلاثة أحاديث: أحدها: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: يضرب أحدكم المرأة ضرب العبد ثم يضاجعها من آخر يومه. والثاني: أنه ذكر الضرطة فوعظهم فيها، فقال: لم يضحك أحدكم مما يفعل؟ والثالث: حديث الباب، وقد جمع عروة الثلاثة المذكورة في حديث واحد، كما يجيء بيانه عن قريب.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري في التفسير أيضا عن موسى بن إسماعيل وفي الأدب عن علي بن عبد الله وفي النكاح عن محمد بن يوسف. وأخرجه البخاري هنا بحديث عقر الناقة وفي الأدب بالحديث الأول

273
والحديث الثاني، وفي النكاح بالحديث الأول، وأخرجه مسلم في صفة النار عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب. وأخرجه الترمذي في التفسير عن هارون بن إسحاق وعن عبدة بن سليمان، وأخرجه النسائي في التفسير أيضا عن محمد بن رافع وهارون بن إسحاق بحديث الباب وفي عشرة النساء بالحديث الأول. وأخرجه ابن ماجة في النكاح عن أبي بكر ابن أبي شيبة بالحديث الأول.
ذكر معناه: قوله: (وذكر الذي عقر الناقة)، أي: ناقة صالح، عليه الصلاة والسلام، وقصتها هي: أن صالحا لما دعا قومه إلى الله تعالى اقترحوا عليه ناقة لأنهم كانوا أصحاب إبل وكانت النوق عندهم عزيزة، فقالوا: لتكن الناقة سوداء حالكة عشراء ذات عرف وناصية ووبر، فسأل الله فأوحى إليه: أخرج بهم إلى فضاء من الأرض، فخرجوا فقال: من أين تريدونها، فأشاروا إلى صخرة، فقالوا: من هذه فأشار إليها صالح، عليه الصلاة والسلام، فقال: أخرجي بإذن الله، فتمخضت تمخض الحامل وانفجرت عن ناقة كما طلبوا، ثم تلاها فصيل لها، فآمن خلق ممن حضر منهم ملكهم جندع بن عمرو ورهط من قومه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا فنهاهم دؤاب بن عمرو وصاحب أوثانهم ورئاب بن ضمعر، وكان من أشراف ثمود وفي (تاريخ الفربري): قالوا لصالح، عليه الصلاة والسلام: لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة ذات ألوان من أحمر ناصع وأصفر فاقع وأسود حالك وأبيض يقق، ويكون نظرها كالبرق الخاطف ورغاؤها كالرعد القاصف، ويكون طولها مائة ذراع وعرضها كذلك، ذات ضروع أربعة فنحلب منها ماء وعسلا ولبنا وخمرا، ويكون لها تبيع على صفتها، وليكن حنينها بتوحيد إل
1764; هك والإقرار بنبوتك، فخرجت مثل ما قالوا، فآمن الملك وكذب بعضهم وكذب أخو الملك صالحا وملكه ممن لم يؤمن به منهم، والقصة طويلة، فآخر الأمر قالوا: قد ضايقتنا هذه الناقة في الماء والكلأ، فأجمعوا على عقرها كما نذكره. قوله: (انتدب لها رجل)، من ندبه لأمر فانتدب أي: دعا له فأجاب. قوله: (ذو عز ومنعة)، بفتح الميم والنون وبالعين المهملة، وقيل: بسكون النون: وهي القوة وما يمنع به الخصم. قوله: (في قوة)، كذا هو في رواية الكشميهني والسرخسي وفي رواية الأكثرين في قومه. قوله: (كأبي زمعة)، وهو الأسود بن المطلب وكان ذا عز ومنعة في قومه كعاقر الناقة، والتشبيه في هذا، وعاقر الناقر هو قدار بن سالف، وذكر السهيلي: أنه كان ولد زنا وهو أحمر ثمود الذي يضرب به المثل في الشؤم، وكان أحمر أشقر أزرق سناطا قصيرا، وقال الثعلبي: اسمه قديرة، وقال الجوهري: اسمه قدار بالدال المهملة وهو الأصح وقال وهب: وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون فانضاف إليهم قدار فصاروا تسعة وقال وهب: وكانت الثمانية حاكة وكان الذي تولى عقرها قدار بن سالف، ورماها مصدع بن مهرج، وذكرهم ابن دريد في (الوشاح)، فقال: قدار بن سالف بن جدع. ومصدع بن مهرج بن هزيل بن المحيا. وهزيل بن عنز بن غنم بن ميلع. وسبيع بن مكيف بن سيحان. وعرام بن نهبى بن لقيط. ومهرب بن زهير بن سبيع. وسبيع بن رغام بن ملدع، وعريد بن نجد ابن مهان، ورعين بن عمر بن داعر.
8733 حدثنا محمد بن مسكين أبو الحسن حدثنا يحيى بن حسان بن حيان أبو زكرياء حدثنا سليمان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها فقالوا قد عجنا منها واستقينا فأمرهم أن يطرحوا ذالك العجين ويهريقوا ذالك الماء. (الحديث 8733 طرفه في: 9733).
مطابقته للترجمة ظاهرة. ومحمد بن مسكين اليماني شيخ الشيخين، ويحيى بن حسان منصرفا وغير منصرف ابن حيان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، التنيسي مر في الجنائز، وسليمان هو ابن بلال أبو أيوب مولى القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، وكان بربريا.
قوله: (لما نزل الحجر) أي: منازل ثمود. قوله: (ويهريقوا)، أي: ويريقوا من الإراقة، والهاء زائدة، وإنما أمرهم أن لا يشربوا من مائها خوفا أن يورثهم قسوة أو شيئا يضرهم.

274
ويروى عن سبرة بن معبد وأبي الشموس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلقاء الطعام
سبرة، بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وبالراء: ابن معبد، بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة. وقال أبو عمر: سبرة بن معبد الجهني، ويقال: بن عوسجة بن حرملة بن سبرة بن خديج بن مالك بن عمرو الجهني، يكنى أبا ثرية، بفتح الثاء المثلثة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف، وقال أبو عمر: الصواب ضم الثاء، يعني المثلثة وفتح الراء، سكن المدينة وله بها دا ثم انتقل إلى مرو وليس له في البخاري إلا هذا الحديث، ووصل حديثه أحمد والطبراني من طريق عبد العزيز ابن سبرة بن معبد عن أبيه عن جده سبرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين راح من الحجر: (من كان عجن منكم من هذا الماء عجينة أو حاس به حيسا فليلقه)، وأبو الشموس، بفتح الشين المعجمة وضم الميم وفي آخره سين مهملة: البلوي، بفتح الباء الموحدة واللام، ولا يعرف له اسم، ووصل حديثه البخاري في (الأدب المفرد) والطبراني وابن منده من طريق سليم ابن مطير عن أبيه عنه، قال: كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك... فذكر الحديث، وفيه: فألقى ذو العجين عجينة وذو الحيس حيسه، ورواه ابن أبي عاصم من هذا الوجه، وزاد: فقلت: يا رسول الله! قد حست حيسة أفألقمها راحلتي؟ قال: نعم.
وقال أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم من اعتجن بمائه
أبو ذر اسمه جندب بن جنادة. قوله: (من اعتجن بمائه)، أي: أمر من اعتجن بمائه بالإلقاء، ووصله البزار من طريق عبد الله بن قدامة عنه: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأتوا على واد، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم بواد ملعون فأسرعوا، وقال: من اعتجن عجينة أو طبخ قدرا فليكبها... الحديث، وقال: لا نعلمه إلا بهذا الإسناد.
9733 حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع أن عبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أخبره أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر فاستقوا من بئرها واعتجنوا به فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا من بئرها وأن يعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة. (انظر الحديث 8733).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن إسحاق بن موسى الأنصاري.
قوله: (الحجر)، بالنصب على أنه بدل من أرض ثمود. قوله: (وأن يعلفوا)، بفتح الياء من: علفت الدابة علفا، قيل: أمر في الحديث الماضي بالطرح، وههنا قال بالتعليف. وأجيب: بأن المراد بالطرح ترك الأكل أو الطرح عند الدواب. قوله: (التي كانت)، هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره التي كان.
وفيه: كراهة الاستقاء من آبار ثمود، قيل: ويلحق بها نظائرها من الآبار والعيون التي كانت لمن هلك بتعذيب الله تعالى على كفره، واختلف في الكراهة المذكورة، فقيل: للتحريم، وقيل: للتنزيه، وعلى التحريم هل يمتنع صحة التطهر من ذلك الماء أم لا؟ والظاهر لا يمتنع.
تابعه أسامة عن نافع
أي: تابع عبيد الله أسامة بن زيد بن حارثة الليثي عن نافع، يعني روى عن نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، ووصل هذه المتابعة حرملة بن يحيى أبو حفص التجيبي المصري عن عبد الله بن وهب المصري، قال: أخبرني أسامة بن زيد فذكر مثل حديث عبيد الله، وفي آخره: فأمرهم أن ينزلوا على بئر ناقة صالح صلى الله عليه وسلم فيستقوا منها.
0833 حدثني محمد أخبرنا عبد الله عن معمر عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم ثم تقنع بردائه وهو على الرحل..

275
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد هو ابن مقاتل، وعبد الله هو ابن المبارك، والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عبد الله بن محمد الجعفي. وأخرجه النسائي في التفسير عن سويد بن نصر.
قوله: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا) وزاد في رواية: أنفسهم. وقوله: مساكن، أعم من أن يكون: مساكن ثمود وغيرهم، ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب ورد في ثمود. قوله: (باكين) وفي رواية القابسي: باكيين، بياءين. قال ابن التين: وليس بصحيح لأن الياء الأولى مكسورة في الأصل فاسثقلت وحذفت إحدى اليائين لالتقاء الساكنين. قوله: (الذين ظلموا): ثمود ومن في معناهم من سائر الأمم الذين نزلت بهم المثلات. قوله: (أن يصيبكم) أي: حذر أن يصيبكم، كقولك: لا تقرب الأسد أن يفترسك، و: أن مصدرية أي: كراهة الإصابة، وهذا التقدير عند البصريين، والتقدير عند الكوفيين: لئلا يصيبكم ما أصابهم، وهذا خطأ عند البصريين لأنهم لا يجوزون إضمار: لا. قوله: (ثم تقنع)، أي تستر. قوله: (على الرحل)، وهو رحل البعير.
1833 حدثني عبد الله بن محمد حدثنا وهب حدثنا أبي سمعت يونس عن الزهري عن سالم أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم..
عبد الله بن محمد المعروف بالمسندي، ووهب هو ابن جرير يروي عن أبيه جرير بن حازم البصري، ويونس هو ابن يزيد الأيلي. والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن حرملة عن ابن وهب، وقد مر في كتاب الصلاة في: باب الصلاة في مواضع الخسف حديث ابن عمر من وجه آخر رواه عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لئلا يصيبكم ما أصابهم). والله أعلم.
81
((باب * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) * (البقرة: 331).))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (أم كنتم شهداء) * (البقرة: 331). ثبتت هذه الترجمة هنا وهي مكررة ذكرت قبل بثلاثة أبواب فلذلك لا توجد في كثير من النسخ.
2833 حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الصمد حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام.
مطابقته للترجمة من حيث إن يوسف داخل في وصية يعقوب حين حضره الموت، وإسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروزي الحافظ أبو يعقوب، سكن نيسابور ومات سنة إحدى وخمسين ومائتين، وروى له الجماعة إلا أبا داود ولهم: إسحاق بن منصور السلولي الكوفي روى له الجماعة، ولهم ثالث: إسحاق بن منصور بن حيان الأسدي الكوفي روى له الجماعة، وعبد الصمد بن عبد الوارث أبو سهل التنوري الحافظ الحجة، وروى له الجماعة، ولهم: عبد الصمد بن حبيب العوادي روى له أبو داود، وقال البخاري: لين، وعبد الصمد بن سليمان البلخي الحافظ روى عنه الترمذي وابن خزيمة مات في سنة ست وأربعين ومائتين، و عبد الرحمن بن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله بن دينار.
والحديث أخرجه البخاري في آخر هذا الباب أيضا عن عبدة بن عبد الله الصفار. وأخرجه في التفسير أيضا. وقال عبد الله.
قوله: (يوسف)، مرفوع لأنه خبر مبتدأ وهو قوله: (الكريم)، ضد اللئيم وكل نفس كريم هو متناول للصالح الجيد دينا ودنيا. وقال النووي: وأصل الكرم كثرة الخير وقد جمع يوسف، عليه الصلاة والسلام، مكارم الأخلاق مع شرف النبوة، وكونه ابنا لثلاثة أنبياء متناسلين ومع شرف رياسة الدنيا ملكها بالعدل والإحسان، وكون قوله صلى الله عليه وسلم (الكريم

276
ابن الكريم...) إلى آخره موزونا مقفى لا ينافي: * (وما علمناه الشعر) * (ي
1764; س: 96). إذ لم يكن هذا بالقصد بل وقع بالاتفاق، أو المراد به صنعة الشعر، وفي رواية الطبراني من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود: (يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله). وله من حديث ابن عباس: (قيل: يا رسول الله! من السيد؟ قال: يوسف بن يعقوب، قال: فما في أمتك سيد؟ قال: رجل أعطى مالا حلالا ورزق سماحة)، وإسناده ضعيف.
91
((باب قول الله تعالى * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * (يوسف: 17).))
أي: هذا باب في بيان تفسير قوله تعالى: * (لقد كان في يوسف) * (يوسف: 17). ويوسف فيه ستة أوجه: ضم السين وكسرها وفتحها مع الهمز وتركه. واختلفوا فيه: هل هو أعجمي أو عربي؟ فالأكثرون على أنه أعجمي، ولهذا لم ينصرف. وقيل: عربي مأخوذ من الأسف وهو الحزن، أو الأسيف وهو العبد، وقد اجتمعا في يوسف، عليه الصلاة والسلام، فسمي به. وقال مقاتل: ذكر الله يوسف في القرآن في سبعة وعشرين موضعا. قوله: (وإخوته)، أي: في خبرهم. قوله: (آيات)، أي: عبر. قوله: (للسائلين) قيل: اليهود، وقيل: آيات أي علامات ودلائل على قدرة الله تعالى وحكمته في كل شيء، للسائلين: يعني لمن سأل عن قصتهم، وقيل: آيات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، للذين سألوه من اليهود عنها فأخبرهم بالصحة من غير سماع من أحد ولا قراءة كتاب، وقال الزمخشري: وقريء: لآية، وفي بعض المصاحف: عبرة.
وأما أسماء أخوة يوسف: فروبيل، بضم الراء وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام، وهو أكبرهم، وشمعون، ولاوي، ويهودا، ورويالون. ويسخر ويقال: أي ساخر. وأمهم ليا بنت لايان، وهو خال يعقوب، عليه الصلاة والسلام، وداني، ويفتالي، وجاد، وآشر، وهؤلاء من سريتين، ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل، فولدت له يوسف وبنيامين، فالكل إثنا عشر نفرا.
3833 حدثني عبيد بن إسماعيل عن أسامة عن عبيد الله قال أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس قال أتقاهم لله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا..
مطابقته للترجمة في قوله: (أكرم الناس يوسف نبي الله) وعبيد الله، بضم العين: ابن إسماعيل واسمه في الأصل: عبد الله أبو محمد الهباري الكوفي، وهو من أفراده
وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبيد الله بن عمر العمري، والحديث مضى عن قريب في: باب * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) * (البقرة: 331). قال العلماء: لما سألوا عن أكرم الناس أخبر بأكرم الكرام، فقال: أتقاهم، لأن المتقي كبير في الآخرة، فلما قالوا لا نسألك عنه، فقال: يوسف، نبي الله الذي جمع بين الدنيا والآخرة، فلما قالوا ما قالوا فهم أن مرادهم قبائل العرب وأصولهم. قوله: (فقهوا)، بضم القاف وحكي كسرها.
حدثني محمد بن سلام أخبرنا عبدة عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا
هذا وجه آخر للحديث المذكور، قال: حدثني ويروى: أخبرني محمد بن سلام أخبرنا عبدة ويروى: أخبرني عبدة، بفتح العين وسكون الباء الموحدة: ابن سليمان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وقال صاحب (التوضيح): لعله المقبري، وشنع عليه بعض من عاصره، لا شك أن سعيدا هو المقبري بلا حرف ترج، ومثل هذا كيف يتصدى لشرح البخاري؟ قوله: (بهذا) أي: بهذا الحديث.
3833 حدثني عبيد بن إسماعيل عن أسامة عن عبيد الله قال أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس قال أتقاهم لله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا..
مطابقته للترجمة في قوله: (أكرم الناس يوسف نبي الله) وعبيد الله، بضم العين: ابن إسماعيل واسمه في الأصل: عبد الله أبو محمد الهباري الكوفي، وهو من أفراده وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبيد الله بن عمر العمري، والحديث مضى عن قريب في: باب * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) * (البقرة: 331). قال العلماء: لما سألوا عن أكرم الناس أخبر بأكرم الكرام، فقال: أتقاهم، لأن المتقي كبير في الآخرة، فلما قالوا لا نسألك عنه، فقال: يوسف، نبي الله الذي جمع بين الدنيا والآخرة، فلما قالوا ما قالوا فهم أن مرادهم قبائل العرب وأصولهم. قوله: (فقهوا)، بضم القاف وحكي كسرها.
حدثني محمد بن سلام أخبرنا عبدة عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا
هذا وجه آخر للحديث المذكور، قال: حدثني ويروى: أخبرني محمد بن سلام أخبرنا عبدة ويروى: أخبرني عبدة، بفتح العين وسكون الباء الموحدة: ابن سليمان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وقال صاحب (التوضيح): لعله المقبري، وشنع عليه بعض من عاصره، لا شك أن سعيدا هو المقبري بلا حرف ترج، ومثل هذا كيف يتصدى لشرح البخاري؟ قوله: (بهذا) أي: بهذا الحديث.

277
4833 حدثنا بدل بن المحبر أخبرنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال سمعت عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها مري أبا بكر يصلي بالناس قالت إنه رجل أسيف متى يقم مقامك رق فعادت قال شعبة فقال في الثالثة أو الرابعة إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر..
مطابقته للترجمة في قوله: (يوسف). وبدل، بفتح الباء الموحدة والدال المهملة وباللام: ابن المحبر، بضم الميم وفتح الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة وبالراء: اليربوعي البصري، ويقال: الواسطي، وهو من أفراده.
والحديث قد مضى في كتاب الصلاة في: باب من أسمع الناس تكبير الإمام وفي الباب الذي يليه وفي: باب إذا بكى الإمام في الصلاة.
قوله: (مري)، أمر من: أمر يأمر وأصله: اؤمري، فحذفت الهمزة الثانية تخفيفا واستغنى عن همزة الوصل فحذفت، فصار، مري، على وزن: علي. قوله: (أسيف) وفي رواية زائدة بعدها: رقيق القلب سريع البكاء والحزن. قوله: (رق)، أي: يحصل له الرقة. قوله: (فعاد)، أي: فعاد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى كلامه بأن قال (مري) قوله: (فعادت) أي: عائشة إلى كلامها الأول بأن قالت: إنه رجل أسيف، وبقية الكلام مرت هناك.
5833 حدثنا الربيع بن يحيى البصري حدثنا زائدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة بن أبي موساى عن أبيه قال مرض النبي صلى الله عليه وسلم فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت إن أبا بكر رجل فقال مثله فقال مروه فإنكن صواحب يوسف فأم أبو بكر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حسين عن زائدة رجل رقيق..
مطابقته للترجمة في قوله: (يوسف). وزائدة بن قدامة وأبو بردة، بضم الباء الموحدة: اسمه عامر، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
والحديث مر في كتاب الصلاة في: باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة.
قوله: (فقالت)، أي: عائشة. قوله: (فقال مثله)، أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم، مثل ما قال في الحديث السابق. قوله: (فقالت مثله)، أي: فقالت عائشة مثل ما قالت في الحديث السابق. قوله: (فقال حسين)، والحسين هو ابن علي الجعفي وهو المذكور في الحديث الذي في: باب أهل العلم الذي ذكرنا آنفا، وهو الراوي عن زائدة فيه.
6833 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة أللهم أنج سلمة بن هشام أللهم أنج الوليد بن الوليد أللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر أللهم اجعلها سنين كسني يوسف..
مطابقته للترجمة في قوله: (كسني يوسف) وهذا الإسناد بعينه على هذا النسق قد مر غير مرة، ومضى الحديث في كتاب الصلاة مطولا في: باب يهوي بالتكبير حين يسجد، ومر الكلام فيه هناك.
7833 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ابن أخي جويرية حدثنا جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد أخبراه عن أبي هريرة رضي الله
تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته..

278
مطابقته للترجمة في قوله: (ما لبث يوسف) وعبد الله بن محمد بن أسماء، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وجويرية مصغر جارية وهو من الأعلام المشتركة بين الذكور والإناث: ابن أسماء بوزن حمراء الضبعي. والحديث مضى عن قريب في: باب قوله عز وجل: * (ونبئهم عن ضيف إبراهيم) * (الحجر: 15). ومر الكلام فيه هناك.
8833 حدثنا محمد بن سلام أخبرنا ابن فضيل حدثنا حصين عن شقيق عن مسروق قال سألت أم رومان وهي أم عائشة عما قيل فيها ما قيل قالت بينما أنا مع عائشة جالستان إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار وهي تقول فعل الله بفلان وفعل قالت فقلت لم قالت إنه نمى ذكر الحديث فقالت عائشة أي حديث فأخبرتها قالت فسمعه أبو بكر و رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت نعم فخرت مغشيا عليها فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما لهذه قلت حمى أخذتها من أجل حديث تحدث به فقعدت فقالت والله لئن حلفت لا تصدقوني ولئن اعتذرت لا تعذروني فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه فالله المستعان على ما تصفون فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ما أنزل فأخبرها فقالت بحمد الله لا بحمد أحد..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قولها: (فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه) فإن فيه يوسف أيضا، وسيأتي في قصة الإفك في سورة النور عن عائشة بلفظ: والتمست اسم يعقوب فلم أجده، فقلت: ما أحد لي ولكم مثلا، إلا أبا يوسف.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: محمد بن سلام البخاري البيكندي وهو من أفراده. الثاني: محمد بن فضيل مصغر فضل ابن غزوان الكوفي. الثالث: حصين، بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف: ابن عبد الرحمن الهلالي. الرابع: شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي. الخامس: مسروق بن الأجدع الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي. السادس: أم رومان، بضم الراء، وقيل: بفتحها بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع ابن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، قال أبو عمر: هكذا نسبها مصعب، وخالفه غيره، والخلاف من أبيها إلى كنانة كثير جدا، وأجمعوا أنها من بني غنم بن مالك بن كنانة، امرأة أبي بكر الصديق وأم عائشة وعبد الرحمن ابني أبي بكر، وذكر في (التوضيح): أم رومان دعد، ويقال: زينب بنت عمير بن عامر، وقيل: بنت عامر بن عويمر.
ذكر ما قيل في هذا السند اختلف فيه، فقيل: إنه منقطع. قال أبو عمر: رواية مسروق عن أم رومان مرسلة، ولعله سمع ذلك من عائشة، رضي الله تعالى عنها، وقال ابن سعد وأبو حسان الزيادي: أم رومان ماتت في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سنة ست، ونزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم في قبرها، زاد الزبير: في ذي الحجة، وقال أبو عمر: سنة أربع، وقيل: سنة خمس، فعلى هذا لا يتجه سماع مسروق منها، ويكون حديثه منقطعا، وقال آخرون: الحديث متصل، فقال أبو إسحاق الحربي في (تاريخه) و (علله): سأل مسروق أم رومان وله خمس عشرة سنة، ومات وله ثمان وسبعون سنة، وهي أقدم من حدث عنه مسروق، وقد صلى خلف أبي بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، وقال أبو نعيم الحافظ: بقيت بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم دهرا طويلا، فعلى هذا الحديث متصل، وقال الخطيب: العجب من الحربي كيف خفى عليه استحالة سؤال مسروق لها مع علو قدره في العلم، وأحسب العلة التي دخلت عليه اتصال السند وثقة رجاله، ولم يتفكر فيما وراء ذلك، فهي العلة التي دخلت على البخاري حتى خرجه، أما مسلم فلم يخرجه، ورجاله على شرطه، وأحسبه فطن لاستحالته فرده، وقول الحربي: سألها وله خمس عشرة سنة، فعلى هذا لو كان له وقت وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم بضع عشرة سنة، فما الذي منعه أن يسمع من رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ ولقد انتصر بعضهم للبخاري: بأنه لما ذكر رواية علي بن زيد بن جدعان عن القاسم: ماتت أم رومان زمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فيه نظر، لضعف علي وانقطاع حديث القاسم. وحديث مسروق أسند، وقال أيضا: الذي رواه ابن سعد

279
أصله من الواقدي وفيه مقال، ورد عليه بأن الحميدي قال: كان بعض من لقينا من البغداديين الحفاظ يقولون: الإرسال في هذا الحديث بين. وقال الخطيب: وقع في كتاب في رواية: رواه مسروق عن أبي مسعود عن أم رومان، قال: وهو الأشبه، وكذا قاله ناصر السلامي، وقال الخطيب أيضا: الصواب أن يقال: سئلت أم رومان على صيغة المجهول من الماضي وهذا أشبه بالصحة، لأن من الناس من يكتب الهمزة ألفا في جميع أحوالها الرفع والنصب والخفض، فلعل بعض النقلة كتب على صورة سألت بالألف ودون عليه ورواه؟ وقال الكرماني: لا ينفعه هذا العذر لما جاء في حديث الإفك من المغازي، قال مسروق: حدثتني أم رومان، قلت: قيل: إنه وهم فيه، وقال الداودي: فيه من الوهم أن أم مسطح من قريش، وقالت: ولجت علينا امرأة من الأنصار، وقال الخطيب: الراوي عن شقيق عن مسروق هو حصين، وحصين قد اختلط في آخر عمره، فلعله روى الحديث في حال اختلاطه؟ قال الخطيب أيضا: وفي رواية عن مسروق: سئلت أم رومان، وهذا هو الأشبه بالصحة، والله أعلم.
ذكر معناه: قوله: (عما قيل فيها)، أي: في عائشة، ما قيل من الإفك. قوله: (إذا ولجت)، أي: دخلت. قوله: (فعل الله بفلان وفعل)، أرادت الأنصارية المذكورة بفلان: مسطحا، بكسر الميم، وهو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي، يكنى أبا عباد، وقال أبو عمر: اسمه عوف لا اختلاف في ذلك، وغلب عليه مسطح، وأمه سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة، وهي ابنة خالة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وقيل: أم مسطح سلمى بنت صخر بن عامرة خالة أبي بكر الصديق، شهد مسطح بدرا ومات سنة أربع وثلاثين وهو ابن ست وخمسين سنة، وقد قيل: إنه شهد صفين مع علي، رضي الله تعالى عنه، وهو الأكثر، ولما خاض في الإفك على عائشة ونزلت براءتها جلده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيمن جلد في ذلك، وكان أبو بكر ينفق
عليه لقرابته وفقره، فتألى أن لا ينفق عليه، فنزلت: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة...) * (النور: 22). الآية، فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها عنه أبدا. قوله: (إنه نمى)، بتشديد الميم من التنمية، وهي رفع الخبر، يقال: نميت الحديث أنميه: إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة، قلت: نميته، بالتشديد، كذا قاله أبو عبيد وابن قتيبة وغيرهما من العلماء، وقال الحربي: نمى، مشددة وأكثر المحدثين يقولونها مخففة، قال ابن الأثير: وهذا لا يجوز، يعني ههنا. وفي (المطالع): وفي رواية أبي ذر بالتخفيف. قوله: (ينافض)، أي: ملتبسة بارتعاد، والنافض من الحمى هو ذات الرعدة، والنفض التحريك. قوله: (من أجل حديث)، وهو حديث الإفك. قوله: (تحدث به)، على صيغة المجهول صفة لحديث. قوله: (ومثلي) أي: صفتي كصفة يعقوب، عليه الصلاة والسلام، حيث صبر صبرا جميلا، وقال: * (والله المستعان) * (يوسف: 81). قوله: (ما أنزل)، وهو قوله تعالى: * (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم...) * (النور: 11). العشر الآيات، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة أما الله فقد برأك، فقالت أمها: قومي إليه، فقالت: والله لا أقوم إليه فإني ولا أحمد إلا الله، عز وجل) وهو معنى قولها: (بحمد الله لا بحمد أحد).
9833 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرأيت قوله حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا أو كذبوا قالت بل كذبهم قومهم فقلت والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن فقالت يا عرية لقد استيقنوا بذالك قلت فلعلها أو كذبوا قالت معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذالك بربها وأما هاذه الآية قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأست ممن كذبهم من قومهم وظنوا أن أتباعهم كذبوهم جاءهم نصر الله..

280
ما رأيت أحدا ذكر وجه مطابقة هذا الحديث للترجمة، ولكن له مناسبة للحديث السابق من حيث مجيء النصر في حق كل ممن ذكر فيها بعد اليأس، فيكون هذا مطابقا للحديث السابق من هذا الوجه، ثم نقول: المطابق للمطابق للشيء مطابق لذلك الشيء.
ورجاله ذكروا غير مرة.
قوله: (أرأيت) أي: أخبريني. قوله: (وقوله) أي: قول الله تعالى * (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) * (يوسف: 011). وتمام الآية: * (جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) * (يوسف: 011). قوله: (إذا استيأس الرسل) من اليأس وهو القنوط، ونذكر بقية الكلام فيه عن قريب. قوله: (وظنوا) أي: الرسل ظنوا أنهم كذبوا، وفهم عروة من ظاهر الكلام: أن نسبة الظن بالتكذيب لا يليق في حق الرسل، فقالت له عائشة: ليس كما زعمت، بل معناه ما أشارت إليه بقوله بكلمة الإضراب: بل كذبهم قومهم، في وعد العذاب، وقريب منه ما روي عن ابن عباس: وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر، وقال الزمخشري: وظنوا أنهم قد كذبوا، أي: كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون. قوله: (فقلت)، القائل هو عروة، فكأنه أشكل عليه قوله: وظنوا لأنهم تيقنوا، وما ظنوا، فقال: والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم، فردت عليه عائشة بقولها يا عرية لقد استيقنوا بذلك، وأشارت بذلك أن الظن هنا بمعنى اليقين كما في قوله تعالى: * (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) * (التوبة: 811). أي: تيقنوا، ثم عاد عروة إليها فقال: أو كذبوا، بالتخفيف، ولفظ القرآن على لفظ الفاعل على معنى: وظن الرسل أنهم قد كذبوا فيما حدثوا به قومهم، فأجابت عائشة بقولها: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، وأشارت بذلك إلى ما فهمه عروة منه، ولما لم ترض عائشة بما قاله في الموضعين خاطبته بقولها: يا عرية بالتصغير ولكنه تصغير الشفقة والمحبة والدلال، وليس تصغير التحقير، وأصلها: عريوة، اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء. قوله: (وأما هذه الآية)، جواب: أما محذوف تقديره: فالمراد من الظانين فيها هم أتباع الرسل... إلى آخره.
قال أبو عبد الله استيأسوا افتعلوا من يئست منه من يوسف
أبو عبد الله هو البخاري نفسه. قوله: (افتعلوا)، يعني: وزن استيأسوا افتعلوا وليس كذلك، بل وزنه: استفعلوا والسين والتاء فيه زائدتان للمبالغة. وقال الكرماني: استيأسوا استفعلوا، وفي بعض النسخ: افتعلوا، وغرضه بيان المعنى، وأن الطلب ليس مقصودا فيه ولا بيان الوزن والاشتقاق. قلت: قال بعضهم في كثير من الروايات: افتعلوا، وقوله: إن الطلب ليس مقصودا منه، كلام واه لأن من قال: إن السين فيه للطلب، قال: ليس إلا للمبالغة كما ذكرناه، نص الزمخشري عليه في قوله تعالى: * (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) * (يوسف: 08). قوله: ولا بيان الوزن، أيضا كلام واه لأنه إذا لم يكن مراده بيان الوزن لم قال: استيأسوا افتعلوا؟ وهذا عين بيان الوزن، والظاهر أن مثل هذا من قصور اليد في علم التصريف.
* (لا تيأسوا من روح الله) * (يوسف: 78). معناه الرجاء
أشار بهذا إلى أن الروح في قوله تعالى: * (لا تيأسوا من روح الله) * (يوسف: 78). بمعنى: الرجاء، وعن قتادة: أي لا تيأسوا من رحمة الله، كذا رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن بشير عنه.
0933 أخبرني عبدة حدثنا عبد الصمد عن عبد الرحمان عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكريم ابن الكريم بن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن أسحااق ابن إبراهيم عليهم السلام. (انظر الحديث 2833 وطرفه).
عبدة، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة: ابن عبد الله أبو سهل الصفار الخزاعي البصري، مات بالأهواز سنة ثمان وخمسين ومائتين وهو من أفراده، وفي
بعض النسخ: حدثنا عبدة، وفي الستة: عبدة بن سليمان الكلابي، وعبدة ابن أبي لبابة تابعي كوفي نزل دمشق، روى له الجماعة ما خلا أبا داود، وعبدة بن سليمان المروزي نزل المصيصة صاحب ابن المبارك. روى عنه أبو داود، وقيل: روى عنه البخاري أيضا، ذكره ابن عدي ولم يذكر غيره، وعبدة بن عبد الرحيم

281
المروزي روى له الترمذي، مات بدمشق سنة أربع وأربعين ومائتين، وعبد الصمد بن عبد الوارث البصري، و عبد الرحمن ابن عبد الله. والحديث قد مر عن قريب في: باب * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) * (البقرة: 331).
22
((باب قول الله تعالى عز وجل * (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) * (الأنبياء: 38).))
أي: هذا باب في بيان ما ذكر في حال أيوب في قول الله تعالى عز وجل: * (وأيوب إذ نادى ربه) * (الأنبياء: 38). الآية. وأيوب: اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والعلمية، ذكره الله في القرآن في خمسة مواضع. وقوله: وأيوب عطف على ما قبله: * (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) * (الأنبياء: 87). والتقدير: واذكر أيوب، كما أن التقدير في قوله: وداود: أذكر داود. واختلفوا في نسبه. فقيل: أيوب ابن أموص بن رزاح بن روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، عليهما السلام، نقل هذا عن كعب وابن إسحاق. وقيل: أيوب ابن أموص بن زيرح بن رعويل بن عيصو. وقيل: أيوب بن ساري بن رغوال بن عيصو، والمشهور الأول. وقيل: كان أبوه ممن آمن بإبراهيم، عليه الصلاة والسلام، يوم ألقي في النار، والمشهور أنه من ذرية إبراهيم لقوله تعالى: * (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب...) * (الأنعام: 48). الآية، والمشهور أن الضمير عائد إلى إبراهيم دون نوح، عليهما الصلاة والسلام، وكانت أمه من ولد لوط بن هاران، وقال ابن الجوزي: وأمه بنت لوط، عليه الصلاة والسلام، وكان أيوب في زمن يعقوب وتزوج ابنة يعقوب واسمها رحمة، وقيل: دنيا، وقيل: ليا، وقيل: إنما تزوج أيوب رحمة بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب. وقيل: رحمة بنت إفرائيم بن يوسف، وذكر ابن الجوزي في (التبصرة): أنه كان في زمن يعقوب ولكن لم يكن نبيا في زمانه ونبيء بعد يوسف، عليه السلام، وقيل: كان بعد سليمان، روي عن مقاتل، وكان أيوب رجلا غنيا وكان له خمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد، لكل عبد امرأة وولد وتحمل آلة كل فدان أتان، لكن أتان ولد من اثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وفوق ذلك. وقيل: له ست مائة عبد ولكل عبد امرأة ومال، وكان له ثلاثة عشر ولدا وكان كثير الضيافة على مذهب إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وكان يكفل الأرامل واليتامى ويحمل المنقطعين وما كان يشبع حتى يشبع الجائع، ولا يكتسي حتى يكسو العاري.
قوله: (إذ نادى ربه) أي: حين نادى ربه، أي: حين دعا ربه: إني مسني الضر، قرأ حمزة: مسني، بسكون الياء والباقون بفتحها، والضر، بالضم: الضرر في النفس من مرض وهزال، وبالفتح: الضرر في كل شيء. واختلفوا في معنى قوله: إني مسني الضر؟ فقيل: قال ذلك عند بيع امرأته قرنا من شعرها لشيء اشتهاه فلم يقدر عليه. وقيل: إنما قال ذلك لما سمع نفرا يقولون: إنما أصيب هذا لذنب عظيم فعله. وقيل: إنما قال ذلك عند انقطاع الوحي عنه أربعين يوما، فخاف الهجران. وقيل: إنما قال ذلك عند أكل الدود جميع جسده، ثم أراد الدب إلى قلبه. وقيل: إنما قال ذلك عن تأخر زوجته عنه أياما لمرض حصل لها فلم يبق من ينظر في أمره.
وقال الحسن: أتى إبليس إلى امرأته بسخلة، فقال: قولي له ليذبحها لي حتى يبرأ، فجاءت وحكت بذلك، فقال: كدت أن تهلكيني. لئن فرج الله عني لأجلدنك مائة، تأمريني أن أذبح لغير الله ثم طردها عنه وبقي وحيدا ليس له معين، فقال: مسني الضر، وقيل غير ذلك. فإن قلت: فلم لم يدع أول ما نزل به البلاء؟ قلت: لأنه علم أمر الله فيه، ولا تصرف للعبد مع مولاه، وأراد مضاعفة الثواب فلم يسأل كشف البلاء.
قوله: (وأنت أرحم الراحمين) تعريض منه بسؤال الرحمة إذ أثنى عليه بأنه أرحم وألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، وذكر ربه بغاية الرحمة، ولم يصرح بالمطلوب، وقال بعضهم: لم يثبت عند البخاري في قصة أيوب شيء فاكتفى بهذا الحديث الذي على شرطه، قلت: إنه أراد به حديث الباب، وفيما قاله نظر لعدم الدليل على عدم ثبوت غير هذا الحديث عنده، ولا يلزم من عدم ذكره غير هذا الحديث أن لا يكون عنده شيء غير هذا الحديث على شرطه، ثم قال: وأصح ما ورد في قصته ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن حبان والحاكم من طريق نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري عن أنس، أن أيوب صلى الله عليه وسلم ابتلي فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد... الحديث، وروى أحمد بن وهب عن عمه عبد الله بن وهب: أخبرنا نافع عن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس مرفوعا: أن أيوب مكث في بلائه ثمان عشرة سنة، وعن خالد بن دريك: أصابه البلاء على رأس ثمانين سنة من عمره، وعن ابن عباس: مكث في البلاء سبع سنين وكان

282
أصابه بعد السبعين من عمره، وعن ابن عباس: سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات، وقال الحسن: مكث أيوب مطروحا على كناسة مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرا، وقال الطبري وابن الجوزي، رحمهم الله تعالى: كان عمره حين مات ثلاثا وتسعين سنة، وقيل: عاش مائة وستا وأربعين سنة، ودفن في الموضع الذي ذهب فيه بلاؤه، وهو بالبثنية بالشام، وقبره ظاهر بها.
اركض اضرب يركضون يعدون
أشار به إلى ما في قوله تعالى في قصة أيوب عليه السلام: * (أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) * (ص
1764;: 24). المعنى: اضرب برجلك الأرض وحرك هذا مغتسل فيه إضمار معناه، فركض فنبعت عين، فقيل: هذا مغتسل أي: هذا ماء مغتسل بارد وشراب أي: يغتسل به ويشرب منه، ولما أمره الله بذلك ركض برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل فيها فلم يبق عليه شيء من الداء وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان، ثم ضرب برجله فنبعت عين أخرى فشرب منها، فلم يبق في جوفه داء إلا خرج فقام صحيحا وكسي حلة. وقال السدي: جاء جبريل، عليه السلام، بحلة من الجنة
فألبسها. فإن قلت: كان يكفيه ركضة واحدة؟ قلت: الركضة الأولى لزوال الضرر. والثانية: دليل الفرح والطرب بالعافية بشربة منها، وإنما خص الرجل بالركض لأن العادة جارية بأن تنبع الماء من تحت الرجل فكان ذلك معجزة له. قوله: (يركضون) أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إذا هم منها يركضون) * (الأنبياء: 21). وفسره بقوله: يعدون، وفسره الفراء بقوله: يهربون، ووجه ذكر هذا كون: أركض ويركضون، من مادة واحدة.
1933 حدثني عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فنادي ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك. (انظر الحديث 972 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث أن عقيب قوله: * (ربي إني مسني الضر) * (الأنبياء: 38). جاء الوحي بقوله: * (اركض برجلك) * (ص
1764;: 24). فركض فنبع الماء فاغتسل فيه، وهو عريان، فنزل عليه رجل جراد، ورواة هذا قد مروا غير مرة.
والحديث مر في الطهارة في: باب من اغتسل عريانا، ومر الكلام فيه.
وقد ذكرنا غير مرة أن أصل: بينا، بين، فأشبعت الفتحة بالألف ويضاف إلى جملة وهي: أيوب مبتدأ، ويغتسل خبره، وعريانا نصب على الحال. قوله: (خر) أي: سقط، وهو جواب: بينا، وقد ذكرنا أيضا أن الأفصح في جوابه أن يكون بلا: إذ قوله: (رجل)، بكسر الراء وسكون الجيم وهو جماعة من الجراد، كما يقال: سرب من الظباء، وعانة من الحمر، وهو من أسماء الجماعات التي لا واحد لها من لفظها. قوله: (يحثى)، بالثاء المثلثة أي: يأخذ بيديه جميعا في رواية بشير بن نهيك: يلتقط، وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن عباس: فجعل أيوب ينشر طرف ثوبه فيأخذ الجراد فيجعله فيه، فكلما امتلأت ناحية نشر ناحية. قوله: (فناداه ربه) يحتمل: أن يكون بواسطة أو بلا واسطة أو بإلهام قوله: (بلى)، أي: أغنيتني. قوله: (لا غنى لي)، بكسر الغين المعجمة مقصور بلا تنوين، وخبر: لا، يجوز أن يكون قوله: لي، أو قول: من بركته، ويروى: من فضلك، وقال وهب: تطاير الجراد من الماء الذي اغتسل فيه، وكان له أندران أحدهما: القمح، والآخر: الشعير، فبعث الله سحابتين، فأفرغت إحداهما على أندر القمح ذهبا، والأخرى فضة، وتطاير الجراد على الكل، وإنما خص الجراد لكثرته.
وقال الخطابي: فيه: دلالة على أن من نثر عليه دراهم أو نحوها في إملاك ونحوه أنه أحق بما نثر عليه، وتعقبه ابن التين فقال: ليس كما ذكره لأنه شيء خص الله به نبيه أيوب، وإن ذلك شيء من فعل الآدمي فيكره فعله، لأنه من السرف وينازع في كونه خاصا، وبأنه جاء من الشارع ولا سرف فيه.

283
32
((باب قول الله تعالى * (واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا) * كلمه * (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) * (: 15 35).))
أي: هذا باب يذكر فيه موسى وهارون وبيان ذلك في قول الله تعالى: * (واذكر في الكتاب) * إلى آخره، وهذا كله مذكور في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر إلى قوله: * (نجيا) * فحسب. قوله: (واذكر) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (في الكتاب)، أي: القرآن. قوله: (مخلصا)، قرأ الكسائي وحمزة وحفص عن عاصم بفتح اللام أي: أخلصه الله وجعله خالصا من الدنس مختارا، وقرأ الباقون بكسر اللام أي: الذي وحد الله وجعل نفسه خالصة في طاعة الله تعالى غير دنسة. قوله: (وناديناه)، أي: دعوناه وكلمناه ليلة الجمعة من جانب الطور وهو جبل بين مصر ومدين. قوله: (الأيمن)، قيل: صفة للطور، وقيل: للجانب، وقيل: لموسى فإنه جاء النداء من يمين موسى. قوله: (وقربناه نجيا) مناجيا، قيل: حتى سمع صريف القلم حين كتب له في الألواح. قوله: (من رحمتنا)، أي: من أجل رحمتنا له أو بعض رحمتنا، فعلى الأولى قوله: أخاه، مفعول: وهبنا وعلى الثاني: بدل وهارون، عطف بيان كقولك: رأيت رجلا أخاك زيدا، وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين، وقال مقاتل: ذكر الله تعالى موسى في القرآن في مائة وثمانية عشر موضعا، وذكر الله هارون في أحد عشر موضعا، وموسى، على وزن فعلى من الموس، وهو حلق الشعر والميم أصلية، وقال الليث: اشتقاقه من الماء والشجر: فمو ماء وسا شجر، لحمال التابوت: والماء، وهو عبراني عرب، وهو ابن عمران ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل عليهم الصلا والسلام وذكر بعضهم عاذر بعد قاهث ونكح عمران نجيب بنت أشمويل بن بركيا بن يقشان بن إبراهيم فولدت له هارون وموسى عليهماالصلاة والسلام، وقيل: اسم أمهما أناجيا، وقيل: أباذخت، قال السهيلي:
أباذخا، وقال ابن إسحاق: تجيب، وقال الثعلبي يوخايذ وهو المشهور وولد موسى وقد مضى من عمر عمران سبعون سنة، وجميع عمر عمران مائة وسبع وثلاثون سنة ((يقال للواحد وللاثنين وللجمع نجي ويقال خلصوا نجيا اعتزلوا نجيا والجمع أنجيه يتناجون))
النجي: بفتح النون وكسر الجيم وتشديد الياء آخر الحروف، قال ابن الأثير: هو المناجي وهو المخاطب للإنسان المحدث له، وذكر البخاري: أنه يقال للواحد نجي وللاثنين نجي وللجمع نجي. وفي (المطالع): يقال رجل نجى ورجلان نجي ورجال نحي ومثله في رواية الأصيلي في قوله تعالى: (خلصوا نجيا) وأوله: * (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) * (يوسف: 08). وفسره البخاري بقوله: ويقال خلصوا نجيا: اعتزلوا نجيا أي: فلما يئسوا من يوسف خلصوا نجيا، أي: اعتزلوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم. قال الزمخشري: ذوي نجوى أو فوجا نجيا، أي: مناجيا بعضهم بعضا، قال الزجاج: انفردوا متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم، وذكر البخاري هذا تأكيدا لما قبله من أن النجي يطلق على الجمع، لأن نجيا في الآية بمعنى: المتناجين، ونصبه على الحال، وقال الزمخشري: النجي على معنيين، يكون بمعنى المناجي كالعشير والسمير بمعنى المعاشر والمسامر، ومنه قوله تعالى: * (وقربناه نجيا) * (مريم: 25). وبمعنى
المصدر الذي هو التناجي كما قيل: النجوى بمعناه، ومنه قيل: قوم نجي، كما قيل: هم صديق لأنه بزنة المصادر. قوله: (والجمع أنجية) أراد به النجي إذا أريد به المفرد فقط يكون جمعه أنجية، كما في قول الشاعر:
* وإذا ما القوم كانوا أنجيهواضطرب اليوم اضطراب الأرشيه
*
قوله: (يتناجون) أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان...) * (المجادلة: 8). الآية، نزلت في اليهود، وكانت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلمموادعة، فإذا مر بهم رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون فيما بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره، فيترك الطريق عليهم من المخافة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا فعادوا إلى النجوى، فأنزل الله هذه الآية.

284
تلقف تلقم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون) * (الأعراف: 711). وفسره بقوله: تلقم، وكذا فسره أبو عبيدة.
2933 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب سمعت عروة قال قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خديجة يرجف فؤاده فانطلقت به إلى ورقة بن نوفل وكان رجلا تنصر يقرأ الإنجيل بالعربية فقال ورقة ماذا ترى فأخبره فقال ورقة هذا الناموس الذي أنزل الله على موساى وإن أدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. الناموس صاحب السر الذي يطلعه بما يستره عن غيره..
مطابقته للترجمة في قوله: (هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، عليه الصلاة والسلام) وهذا قطعة من الحديث الذي رواه في أول الكتاب مطولا عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها، وقد مر الكلام فيه مستوفى. قوله: (والناموس...) إلى آخره من كلام البخاري، وقد مر تحقيقه هناك فليرجع إليه من أراد أن يقف عليه.
42
((باب قول الله عز وجل * (وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا) * إلى قوله * (بالوادي المقدس طوى) * (طه: 9 21).))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى * فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى) *. قوله: (وهل أتاك) أي: قد أتاك، لأن: هل، هنا لا تليق أن تكون للاستفهام، لأنه لا يجوز على الله تعالى. قوله: (إذ رأى) أي: حين رأى، عن وهب: استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى أمه فخرج إلى أهله فولد له في الطريق ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة، فحاد موسى عن الطريق وقدح النار فلم تور المقدحة شيئا، فبينا هو يزاول ذلك أبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق، قيل: كانت ليلة الجمعة، فقال موسى لأهله: امكثوا مكانكم إني آنست أي أبصرت نارا لعلي آتيكم منها أي: من النار بقبس أي: بشعلة، القبس: النار المقتبسة في رأس عود أو فتيلة أو غيرهما. قوله: (أو أجد على النار هدى)، يعني: من يدلني على الطريق، أو ينفعني بهداه في أبواب الدين. قوله: (فلما أتاها)، أي: فلما أتى موسى النار رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها كأنها نار بيضاء تتقد، وسمع تسبيح الملائكة، ورأى نورا عظيما فخاف فألقيت عليه السكينة، ونودي: * (يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك) *، قيل: سبب أمره بخلع نعليه أنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ، فخلع موسى نعليه وألقاهما من وراء الوادي. قوله: (إنك بالوادي المقدس)، أي: المطهر، طوى اسم واد، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بالتنوين منصرفا بتأويل المكان، والباقون بغير تنوين غير منصرف بتأويل البقعة، وقيل للوادي المقدس: طوى طوى، مرتين أي: قدس، مرتين، وقيل: نودي نداءين.
آنست أبصرت
يعني: معنى آنست أبصرت من الإيناس، وهو الإبصار البين الذي لا شبهة فيه، ومنه إنسان العين: لأنه يتبين به الشيء، والإنس لظهورهم، وقيل: الإيناس: إبصار ما يؤنس به.
قال ابن عباس المقدس المبارك
وقع هذا من قول ابن عباس إلى آخر ما ذكره من تفسير الألفاظ المذكورة في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني

285
خاصة، ولم يذكره جميع رواة البخاري هنا، وإنما ذكروا بعضه في تفسير سورة طه، وقال الكرماني: وذكر أمثال هذا في هذا الكتاب العظيم الشأن اشتغال بما لا يعنيه، وقول ابن عباس: وصله علي بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه.
طوى اسم الوادي
وقد ذكرناه، وروى الطبري من وجه آخر عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه: أنه سمي طوى لأن موسى صلى الله عليه وسلم، طواه ليلا.
سيرتها حالتها
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (سنعيدها سيرتها الأولى) * (طه: 12). وفسر السيرة بالحالة، وهكذا روي عن ابن عباس، وعن مجاهد وقتادة: سيرتها:
هيئتها.
والنهى التقى
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إن في ذلك لآيات لأولي النهى) * (طه: 45 و 821). وفسر النهي: بالتقى، كذا رواه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: لأولي النهى، قال: لأولي التقى، وعن قتادة: لأولي الورع، وقال الطبري، خص أولي النهى لأنهم أهل التفكر والاعتبار.
بملكنا بأمرنا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ما أخلفنا موعدك بملكنا) * (طه: 78). وفسره بقوله: بأمرنا، وهكذا روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ومن طريق سعيد عن قتادة: بملكنا، أي: بطاقتنا، وكذا قال السدي.
هوى شقي
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) * (طه: 18). وفسره بلفظ: شقي، وكلاهما ماضيان، وكذا روي عن الطبري وابن أبي حاتم.
فارغا إلا من ذكر موسى صلى الله عليه وسلم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) * (). ثم فسره بقوله: إلا من ذكر موسى، يعني: لم يخل قلبها عن ذكره، وهذا وصله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي في تفسير ابن عيينة من طريق عكرمة عن ابن عباس، ولفظه: * (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) * (). من كل شيء إلا من ذكر موسى، وكذا أخرجه الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال أبو عبيد: فارغا من الحزن لعلمها أنه لم يغرق.
ردءا كي يصدقني
أشار بقوله (ردءا) إلى ما في قوله تعالى: * (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني) * (القصص: 43). ثم أشار إلى أن التقدير في قوله: يصدقني، كي يصدقني وروى الطبري من طريق السدي: كيما يصدقني، ومن طريق مجاهد وقتادة: ردءا، أي: عونا، وقال أبو عبيدة: أي: معينا، يقال: أردأت فلانا على عدوة أي: أكنفته وأعنته وصرت له كنفا.
ويقال مغيثا أو معينا
أي: يقال في تفسير ردءا مغيثا، بالغين المعجمة والثاء المثلثة من الإغاثة. قوله: (أو معينا) أي: أو يقال معينا بالعين المهملة من الإعانة وهي المساعدة.
يبطش ويبطش

286
أشار به إلى أن لفظ (يبطش) فيه لغتان: إحداهما كسر الطاء، والأخرى ضمها. وهو في قوله: * (فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما) * (القصص: 91). والكسر هي: القراءة المشهورة هنا، وفي قوله تعالى: * (يوم نبطش البطشة الكبرى) * (الدخان: 61). والضم قراءة الحسن وابن جعفر، رحمهم الله تعالى.
يأتمرون يتشاورون
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) * (القصص: 02). وفسره بقوله: يتشاورون، وكذا فسره أبو عبيدة، وقال ابن قتيبة: معناه يأمر بعضهم بعضا.
والجذوة قطعة غليظة من الخشب ليس فيها لهب
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (أو جذوة من النار) * (القصص: 92). ثم فسرها بما ذكره أبو عبيدة، والجذوة مثلثة الجيم.
سنشد سنعينك
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (سنشد عضك بأخيك) * (القصص: 53). وفسره بقوله: سنعينك، وفسره أبو عبيدة بقوله: سنقويك به ونعينك، يقال: شد فلان عضد فلان إذا أعانه.
كلما عززت شيئا فقد جعلت له عضدا
هذا من بقية تفسير: سنشد عضدك، وهو ظاهر.
وقال غيره كلما لم ينطق بحرف أو فيه تمتمة أو فأفأة فهي عقدة
أشار بهذا إلى تفسير: عقدة، في قوله تعالى: * (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني) * (طه: 52 72). وروى الطبري بإسناده من طريق السدي، قال: لما تحرك موسى أخذته آسية امرأة فرعون ترقصه ثم ناولته لفرعون فأخذ موسى بلحية فرعون فنتفها، فاستدعى فرعون بالذباحين، فقالت آسية: إنه صبي لا يعقل، فوضعت له جمرا وياقوتا، وقالت: إن أخذ الياقوت فاذبحه، وإن أخذ الجمر فاعرف أنه لا يعقل، فجاء جبريل، عليهم الصلاة والسلام، فطرح في يده جمرة، فطرحها في فيه، فاحترقت لسانه، فصارت في لسانه عقدة من يومئذ، وقيل: لما وضع فرعون موسى في حجره تناول لحيته ومدها ونتف منها، وكانت لحيته طويلة سبعة أشبار، وكان هو قصيرا، ويقال: لطم وجهه وكان يلعب بين يديه، ويقال: كان بيده قضيب صغير يلعب به فضرب به رأسه فعند ذلك غضب غضبا
شديدا وتطير منه، وقال: هذا عدوي المطلوب ثم جرى ما ذكرناه. فإن قلت: كيف لم تحرقه النار يوم التنور إلي ألقي فيها وأحرقت لسانه في هذا اليوم؟ قلت: لأنه قال يوما لفرعون: يا بابا، فعوقب لسانه ولم تعاقب يده لأنها مدت لحية فرعون، ولهذا ظهرت المعجزة في اليد دون اللسان. * (تخرج بيضاء من غير سوء) * (طه: 22، النمل: 21، القصص: 23). وقيل: لم يحترق في التنور ليدوم له الأنس بينه وبين النار ليلة التكليم، وقيل: إنما لم تحترق يده ليجاهد بها فرعون بحمل العصا. قوله: (تمتمة) هي التردد في النطق بالتاء المثناة من فوق، قوله: (أو فأفأة) هي التردد في النطق بالفاء.
أزري ظهري
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (أشدد به أزري وأشركه في أمري) * (طه: 13). وفسر الأزر بالظهر، كذا روى الطبري عن ابن عباس.
فيسحتكم فيهلككم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى) * (طه: 16). وفسر: فيسحتكم، قوله: يهلككم، وهكذا روى الطبري عن ابن عباس، وقال أبو عبيدة: سحت وأسحت بمعنى، وقال الطبري: سحت أكثر من أسحت.
المثلى تأنيث الأمثل يقول بدينكم يقال خذ المثلى خذ الأمثل

287
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ويذهبا بطريقتكم المثلى) * (طه: 36). ومثلى، على وزن: فعلى، تأنيث الأمثل. قوله: (تقول بدينكم)، تفسير لقوله: بطريقتكم المثلى، يعني: يريد موسى وهارون أن يذهبا بدينكم المستقيم، وقيل: بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه، وقيل: أرادا أهل طريقتكم المثلى، وهم بنو إسرائيل لقول موسى: أرسل معي بني إسرائيل، وقيل: الطريقة اسم لوجوه الناس وأشرافهم الذين هم قدوة لغيرهم. فيقال: هم طريقة قومهم، وقال الشعبي: معناه ويصرفا وجوه الناس إليهما. وقال الزجاج: يعني المثلى والأمثل ذو الفضل الذي به يستحق أن يقال: هذا مثل لقومه.
ثم ائتوا صفا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فاجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى) * (طه: 46). الخطاب لقوم فرعون من السحرة يعني: ائتوا جميعا، وقيل: صفوفا لأنه أهيب في صدور الرائين، روي أن الحسرة كانوا سبعين ألفا مع كل واحد منهم حبل وعصا، وقد أقبلوا إقبالة واحدة.
يقال هل أتيت الصف اليوم يعني المصلى الذي يصلى فيه
قائل هذا التفسير أبو عبيدة، فإنه قال: المراد من قوله: صفا، يعني: المصلى والمجتمع، وعن بعض العرب الفصحاء: ما استطعت أن آتي الصف أمس، يعني: المصلى، ووجه صحته أن يجعل صفا علما لمصلى بعينه فأمروا بأن يأتوه أو يراد ائتوا مصلى من المصليات.
فأوجس أضمر خوفا فذهبت الواو من خيفة لكسرة الخاء
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فأوجس منهم خيفة) * (طه: 76). وفسر أوجس بقوله: أضمر خوفا. قوله: فذهبت الواو من خيفة لكسرة الخاء. قلت: اصطلاح أهل التصريف أن يقال: أصل خيفة خوفة، فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
في جذوع النخل على جذوع
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولأصلبنكم في جذوع النخل) * (طه: 17). وأشار بقوله: على جذوع، أن كلمة: في، في قوله: * (في جذوع النخل) * (طه: 17). بمعنى: على، للاستعلاء، وقال: هم صلبوا العبدي في جذوع نخلة.
خطبك بالك
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (قال فما خطبك يا سامري) * (طه: 59). وفسر: خطبك بقوله: بالك، وقصته مشهورة ملخصها: أن موسى صلى الله عليه وسلم أقبل على السامري، واسمه موسى بن ظفر، الذي * (أخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقال هذا إلهكم وإل
1764; ه موسى) * (طه: 88). قال له: ما خطبك؟ أي: ما شأنك وحالك الذي دعاك وحملك على ما صنعت؟.
مساس مصدر ماسه مساسا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس) * (طه: 79). أي: قال موسى للسامري: فاذهب من بيننا فإن لك في الحياة، أي: ما دمت حيا أن تقول: لا مساس، أي: لا أمس ولا أمس، وهو مصدر: ماسه يماسه مماسة ومساسا، فعاقبه الله في الدنيا بالعقوبة التي لا شيء أشد منها، ولا أوحش وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعا كليا، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته، وإذا اتفق أن يماس أحدا رجلا أو امرأة، حم الماس والممسوس، فتحامى الناس وتحاموه وكان يصيح: لا مساس، وعن قتادة: أن بقاياهم اليوم يقولون: لا مساس.
لننسفنه لنذرينه
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) * (طه: 79). وفسر قوله: لننسفنه، بقوله: لنذرينه من التذرية في اليم،

288
حكي أن موسى، عليه الصلاة والسلام أخذ العجل فذبحه فسال منه الدم لأنه كان قد صار لحما ودما، ثم أحرقه بالنار وذراه في اليم.
الضحى الحر
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) * (طه: 911). وفسر الضحى بالحر، قال المفسرون: هذا خطاب لآدم، عليه الصلاة والسلام، ومعنى: لا تظمأ: لا تعطش فيها، أي: في الجنة ولا تضحى أي: ولا تشرق للشمس فيؤذيك حرها، وقيل: لا يصيبك حر الشمس إذ ليس فيها شمس، وذكر هذا هنا غير مناسب لأنه في قضية آدم، عليه الصلاة والسلام، ولا تعلق له بقصة موسى، عليه الصلاة والسلام.
قصيه اتبعي أثره وقد يكون أن تقص الكلام نحن نقص عليك
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وقالت لأخته قصيه) * (القصص: 11). وفسر: قصيه، بقوله: اتبعي أثره، هكذا فسره أهل التفسير، ويقال: معناه استعلمي خبره، وهو خطاب لأخت موسى، عليه الصلاة والسلام، من أمها، واسم أخته: مريم بنت عمران، وافقها في ذلك: مريم بنت عمران أم عيسى صلى الله عليه وسلم قوله: (وقد يكون...) إلى آخره من جهة البخاري، أي: قد يكون معنى القص من: قص الكلام، كما في قوله: * (نحن نقص عليك أحسن القصص) * (يوسف: 3).
عن جنب عن بعد
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون) * (القصص: 11). وفسر قوله: عن جنب بقوله: عن بعد، أي: بصرت أخت موسى موسى عن بعد، والحال أن قوم فرعون لا يعلمون بها.
وعن جنابة وعن اجتناب واحد
أشار به إلى أن معنى: عن جنب، وعن جنابة وعن اجتناب واحد، فيقال: ما يأتينا إلا عن جنابة واجتناب، وأصل معنى هذه المادة يدل على البعد، ومنه سمي الجنب: لبعده عن الصلاة وعن قراءة القرآن.
قال مجاهد على قدر على موعد
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى) * (طه: 04). وفسر قوله: على قدر، بقوله: على موعد، وقيل: على قدر: أي جئت لميقات قدرته لمجيئك قبل خلقك، وكان موسى صلى الله عليه وسلم مكث عند شعيب، عليه الصلاة والسلام، في مدين ثمانيا وعشرين سنة، عشر سنين منها مهر امرأته صفورا بنت شعيب، ثم أقام بعده ثمانية عشر سنة عنده حتى ولد له في مدين، ثم جاء على قدر.
لا تنيا لا تضعفا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولا تنيا في ذكري إذهبا إلى فرعون إنه طغى) * (طه: 24). وفسر قوله تعالى: لا تنيا، بقوله: لا تضعفا، يعني: لا تفترا، من: ونى يني ونيا، وهو الضعف والفتور، والخطاب فيه لموسى وهارون.
مكانا سوى منصف بينهم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى) * (طه: 85). وفسر قوله: مكانا سوى، بقوله: منصف بينهم، قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بضم السين، والباقون بكسرها، قيل: معناه سويا لا ساتر فيه، وقيل: مكانا عدلا بيننا وبينك، وعن ابن عباس مثل ما فسره بقوله: منصف بينهم أي: بين الفريقين، أي: يستوي مسافته بين الفريقين فتكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر.
يبسا يابسا

289
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى) * (طه: 77). وفسر قوله: يبسا، بقوله: يابسا، وفي (تفسير النسفي) يبسا مصدر وصف به، يقال: يبس يبسا، ونحوهما العدم والعدم، ومن ثم وصف به المؤنث فقيل: شاتنا يبس، وناقتنا يبس، إذا جف لبنها.
من زينة القوم الحلي الذي استعاروه من آل فرعون
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري) * (طه: 78). وروى الطبري من طريق ابن زيد، قال: الأوزار الأثقال وهو الحلي الذي استعاروه من آل فرعون، وليس المراد بها الذنوب، وفي (تفسير النسفي) وقيل: أثاما، أي: حملنا أثاما من حلي القوم لأنهم استعاروه ليتزينوا في عيد كان لهم ثم لم يردوها عليهم عند خروجهم من مصر مخافة أن يعلموا بخروجهم فحملوها.
فقذفتها ألقيتها ألقى صنع
فسر فقذفتها بقوله ألقيتها، وفي رواية الكشميهني: فقذفناها، والقرآن * (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار) * (طه: 78). قوله: ألقي أي: السامري، يعني: ألقى ما كان معه من الحلي، وقيل: ما كان معه من تراب حافر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم، وأراد بقوله: صنع، أخرج لهم عجلا جسدا له خوار.
فنسي موسى هم يقولون أخطأ الرب أن لا يرجع إليهم قولا في العجل
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فقالوا هذا إل
1764; هكم وإل
1764; ه موسى فنسي أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا) * (طه: 88 و 98). قوله: فقالوا أي: السامري ومن وافقه. قوله: (فنسي موسى) أي: أن يخبركم أن هذا إل
1764; هه، وقيل: فنسي موسى الطريق إلى ربه، وقيل: فنسي موسى إل
1764; هه عندكم، وخالفه في طريق آخر. قوله: (هم يقولون)، أي: السامري ومن معه يقولون: أخطأ موسى الرب حيث تركه هنا وذهب إلى الطور يطلبه. قوله: (أن لا يرجع إليهم) في العجل (قولا) أي: أنه لا يرجع إليهم قولا في العجل.
3933 حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به حتى السماء الخامسة فإذا هارون قال هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
وجه ذكر هذه القطعة من حديث الإسراء المطول الماضي غير مرة من طريق قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة المذكورة تمامها في السيرة النبوية هو لأجل ذكر هارون في مواضع الألفاظ المتقدمة.
تابعه ثابت وعباد بن أبي علي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
أي: تابع قتادة ثابت البناني، وعباد، بتشديد الباء الموحدة: ابن أبي علي البصري في روايتهما عن أنس في ذكر هارون في السماء الخامسة لا في جميع الحديث ولا في الإسناد أيضا، فإن رواية ثابت موصولة في (صحيح مسلم) من طريق شيبان عن حماد ابن سلمة عنه وليس فيها ذكر مالك بن صعصعة، بل المذكور فيها ذكر هارون في السماء الخامسة، وأما متابعة عباد فرواها عنه هشام الدستوائي وحماد بن زيد وخليفة بن حسان ولم يذكروا مالك بن صعصعة، وليس لعباد ذكر في البخاري إلا في هذا الموضع.
52
((باب * (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) * إلى قوله * (مسرف كذاب) * (غافر: 82).))

290
أي: هذا باب يذكر فيه: * (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) * (غافر: 82). وقعت هذه الترجمة هكذا بغير حديث فكأنه أراد أن يذكر فيها حديثا ولم يظفر به على شرطه فبقيت كذا والله أعلم. قوله: (وقال رجل مؤمن) في اسمه ستة أقوال: الأول: شمعان، بالشين المعجمة، قال الدارقطني: لا يعرف شمعان بالمعجمة إلا مؤمن آل فرعون. الثاني: يوشع بن نون، وبه جزم ابن التين، وهو بعيد لأن يوشع من ذرية يوسف، عليه الصلاة والسلام، ولم يكن من آل فرعون. الثالث: حزقيل بن برحايا، وعليه أكثر العلماء. الرابع: حابوت، وهو الذي التقطه إذ كان في التابوت. الخامس: حبيب ابن عم فرعون، قاله ابن إسحاق. السادس: حيزور قاله الطبري، وقال مقاتل: كان قبطيا يكتم إيمانه مائة سنة من فرعون، وكان له الملك بعد فرعون، وكان على بقية من دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وقال ابن خالويه في (كتاب ليس): لم يؤمن من أهل مصر إلا أربعة: آسية، وحزقيل مؤمن آل فرعون، ومريم بنت لابوس الملك التي دلت على عظام يوسف، والماشطة. قوله: (أتقتلون) الهمزة فيه للاستفهام الإنكاري. قوله: (أن يقول) أي: لأن يقول، وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت شديد، وهذا كان منه نصح عظيم لهم ولم يقتصر على بينة واحدة وهي قوله: ربي الله، حتى قال: * (وقد جاءكم بالبينات من ربكم) * (غافر: 82). وحكى الله تعالى عنه: ثم أخذهم بالاحتجاج على طريقة التقسيم، فقال: لا يخلو من أن يكون كاذبا أو صادقا * (فإن يك كاذبا فعليه كذبه) * (غافر: 82). أي: يعود عليه كذبه ولا يتخطاه ضرره. * (وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) * (غافر: 82). إن تعرضتم. قوله: (مسرف) أي: مشرك، قال السدي: أي الكذاب على الله، والله أعلم بالصواب.
62
((باب قول الله عز وجل * (وهل أتاك حديث موسى) * (طه: 9 01). * (وكلم الله موسى تكليما) * (النساء: 461).))
أي: هذا باب في ذكر قول الله عز وجل، وهو قوله: * (وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى) * (طه: 9 01). وقد مر الكلام فيه عن قريب قبل الباب الذي قبله. قوله: * (وكل الله موسى تكليما) * (النساء: 461). وقبله:) * ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما) * (النساء: 461). وقبله: قوله: (ورسلا) منصوب على تقدير: قصصنا رسلا. وقوله: * (قد قصصناهم) * مفسر له فحذف الناصب حتى لا يجمع بين المفسر والمفسر. قوله: (من قبل)، أي: من قبل هذه الآية يعني في السور المكية وغيرها. قوله: (ورسلا لم نقصصهم عليك)، أي: لم نسمهم لك. قوله: (وكلم الله موسى تلكيما)، قال ابن عباس: لما بين الله لمحمد، صلى الله عليه وسلمد أمر النبيين ولم يبين أمر موسى، عليه الصلاة والسلام، شكوا في نبوته، فأنزل الله تعالى: * (منهم من كلم الله) * (البقرة: 352). وكلم الله موسى حقيقة لا كما زعمت القدرية: أن الله تعالى خلق كلاما في شجرة فسمعه موسى، صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يكون ذلك كلام الله، ولو كان من غير التأكيد لاحتمل ما قالوا، لأن أفعال المجاز لا تؤكد بذكر المصادر، لا يقال: أراد الجدار أن يسقط إرادة، وعلم موسى أنه كلام الله لأنه كلام يعجز الخلق أن يأتوا بمثله، قال ابن مردويه، بإسناده عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: إن الله ناجى موسى بمائة ألف كلة وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام، كلها وصايا فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب، وجويبر ضعيف. والضحاك لم يدرك ابن عباس.
4933 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي رأيت موسى وإذا هو رجل ضرب رجل كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس وأنا أشبه ولد إبراهيم به ثم أتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر فقال اشرب

291
أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل أخذت الفطرة إما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك..
مطابقته للترجمة في قوله: (رأيت موسى، عليه الصلاة والسلام). والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن رافع، وعبد بن حميد: وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمود بن غيلان به.
قوله: (ورأيت)، قال الطيبي: لعل أرواحهم مثلت له صلى الله عليه وسلم بهذه الصور، ولعل صورهم كانت كذلك أو صور أبدانهم كوشفت له في نوم أو يقظة. قوله: (ضرب)، بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء وبالباء الموحدة أي: نحيف خفيف اللحم. قوله: (شنوءة) بفتح الشين المعجمة وضم النون وفتح الهمزة: وهو حي من اليمن والنسبة إليها: شنائي، وقال ابن السكيت: أزد شنوة، بالتشديد غير مهموز وينسب إليها: شنوى. قوله: (ربعة)، بفتح الراء وسكون الباء الموحدة، ويجوز فتحها لا طويل ولا قصير، وأنث بتأويل النفس. قوله: (من ديماس) بكسر الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، قال الكرماني: السرب، وقيل: الكن أي: كأنه مخدر لم ير شمسا وهو في غاية الإشراق والنضارة. انتهى. وقيل الحمام وقيل: لم يكن لهم يومئذ ديماس، وإنما هو من علامات نبوته. قوله: (إبراهيم) أي: الخليل، عليه السلام، والمعنى: أنا أشبه بإبراهيم... كذا قاله الكرماني. قلت: كان معناه: أنا أشبه ولد إبراهيم بإبراهيم، عليه السلام، وههنا ثلاث تشبيهات كلها للبيان، ولكن الأول لمجرد البيان، والأخير أن للبيان مع تعظيم المشبه في مقام المدح، وقال الداودي في تشبيه موسى عليه السلام: يعني في الطول 7 وقال القزاز: ما أدري ما أراد البخاري بذلك، على أنه روى في صفته بعد هذا خلاف هذا، فقال: وأما موسى فآدم جسيم كأنه من رجال الزط. قلت: روى البخاري هذا من حديث مجاهد عن ابن عمر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم رأيت موسى وعيسى وإبراهيم، عليهم الصلاة والسلام، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى فآدم جسيم سبط، كأنه من رجال الزط. قلت: هذا ليس فيه إشكال لأنه صلى الله عليه وسلم شبه موسى في حديث الباب وهو حديث أبي هريرة، بقوله: كأنه من رجال شنوءة، يعني: في الطول وشبهه في حديث ابن عمر، بقوله: كأنه من رجال الزط، يعني: في الطول أيضا لأن الزط جنس من السودان والهنود الطوال. قوله: (ثم أتيت)، على صيغة المجهول. قوله: (أخذت الفطرة)، أي: الاستقامة أي: اخترت علامة الإسلام وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا طاهرا نافعا للشاربين، سليم العاقبة، وأما الخمر فإنها أم الخبائث وحاملة لأنواع الشر في الحال، والمآل، ويروى: هديت الفطرة، قال الطيبي: أي: الفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها، وجعل اللبن علامة لذلك لأنه من أصلح الأغذية وأول ما به حصلت التربية.
64 - (حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أبا العالية حدثنا ابن عم نبيكم يعني ابن عباس عن النبي
قال لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه وذكر النبي
ليلة أسري به فقال موسى آدم طوال كأنه من رجال شنوءة وقال عيسى جعد مربوع وذكر مالكا خازن النار وذكر الدجال)
مطابقته للترجمة ظاهرة وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون قد تكرر ذكره وهو محمد بن جعفر وأبو العالية اسمه رفيع بضم الراء وفتح الفاء الرياحي بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وروى عن ابن عباس أبو العالية آخر واسمه زياد بن فيروز ويعرف بالبراء بالتشديد نسبة إلى بري السهام * والحديث أخرجه البخاري أيضا عن حفص بن عمر في باب قول الله تعالى * (وإن يونس لمن المرسلين) * ويأتي عن قريب وفي التفسير عن بندار وفي التوحيد قال لي خليفة بن خياط وأخرجه مسلم في أحاديث الأنبياء عن أبي موسى وبندار وأخرجه أبو داود في السنة عن حفص بن عمر به وقال لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث وهذا أحدها وقال في موضع آخر قال شعبة أيضا إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث حديث يونس بن متى وحديث ابن عمر في الصلاة وحديث القضاة ثلاثة وحديث ابن عباس شهد عندي رجال مرضيون قوله ' لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ' ويونس

292
فيه ستة أوجه ومتى بفتح الميم وتشديد التاء المثناة من فوق وبالألف وهو اسم أبيه وفي جامع الأصول وقيل هو اسم أمه ويقال لم يشتهر نبي بأمه غير يونس والمسيح عليهما السلام وقال الفربري وكان متى رجلا صالحا من أهل بيت النبوة فلم يكن له ولد ذكر فقام إلى العين التي اغتسل منها أيوب فاغتسل هو وزوجته منها وصليا ودعوا الله أن يرزقهما رجلا مباركا يبعثه الله في بني إسرائيل فاستجاب الله دعاءهما ورزقهما يونس وتوفي متى ويونس في بطن أمه وله أربعة أشهر وقد قيل أنه من بني إسرائيل وأنه من سبط بنيامين وقال الكرماني وهو ذو النون أرسله الله إلى أهل الموصل وذهب قوم إلى أن نبوته بعد خروجه من بطن الحوت * وقالت العلماء بأخبار القدماء كان يونس من أهل القرية من قرى الموصل يقال لها نينوى وكان قومه يعبدون الأصنام وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بعث الله يونس بن متى إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة فأقام فيهم يدعوهم إلى الله ثلاثا وثلاثين سنة فلم يؤمن به إلا رجلان أحدهما روبيل وكان عالما حكيما والآخر تنوخا وكان زاهدا عابدا وقال الخطابي معنى قوله لا ينبغي لأحد إلى آخره ليس لأحد أن يفضل نفسه على يونس ويحتمل أن يراد ليس لأحد أن يفضلني عليه قال هذا منه
على مذهب التواضع والهضم من النفس وليس مخالفا لقوله
أنا سيد ولد آدم لأنه لم يقل ذلك مفتخرا ولا متطاولا به على الخلق وإنما قال ذلك ذاكرا للنعمة ومعترفا بالمنة وأراد بالسيادة ما يكرم به في القيامة وقيل قال ذلك قبل الوحي بأنه سيد الكل وخيرهم وأفضلهم وقيل قاله زجرا عن توهم حط مرتبته لما في القرآن من قوله * (ولا تكن كصاحب الحوت) * وهذا هو السبب في تخصيص
يونس بالذكر من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قوله ' ليلة أسري به ' وفي رواية الكشميهني ليلة أسري بي على الحكاية قوله ' طوال ' بضم الطاء قوله ' جعد الشعر ' الجعد خلاف السبط لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم قوله ' وذكر مالكا ' أي وذكر النبي
ليلة أسري به مالكا خازن النار وذكر أيضا الدجال وهذا الحديث واحد عند أكثر الرواة فجعله بعضهم حديثين أحدهما متعلق بيونس والآخر بالبقية المذكورة * -
7933 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا أيوب السختياني عن ابن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوما يعني عاشوراء فقالوا هذا يوم عظيم وهو يوم نجى الله فيه موسى وأغرق آل فرعون فصام موسى شكرا لله فقال أنا أولى بموسى منهم فصامه وأمر بصيامه..
مطابقته للترجمة في قوله: (نجى الله فيه موسى) وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان بن عيينة، وابن سعيد هو عبد الله بن سعيد بن جبير يروي عن أبيه، وهذا الحديث مضى في كتاب الصوم في: باب صيام عاشوراء أخرجه عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أيوب... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، والله أعلم بالصواب.
52
((باب قول الله تعالى * (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة * وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ولما جاء موساى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) * (الأعراف: 241 341).))
ساق في رواية كريمة هاتين الآيتين بتمامهما قوله: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة)، وروى أن موسى، عليه الصلاة والسلام، وعد بني إسرائيل وهو بمصر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة، فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك، فقالت

293
الملائكة: كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدتها بالسواك، فأمره الله أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك، وهو معنى قوله: وأتممناها بعشر، قوله: (فتم ميقات ربه أربعين ليلة) وميقات ربه: ما وقت له من الوقت وضربه له، والفرق بين الميقات والوقت، وإن كانا من جنس واحد أن الميقات ما قدر لعمل، والوقت قد لا يقدر لعمل. قوله: (أربعين ليلة) نصب على الحال أي: تم بالغا هذا العدد. قوله: (هارون)، عطف بيان لأخيه. قوله: (اخلفني في قومي)، يعني: كن خليفة عني. قوله: (وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)، يعني: إرفق بهم وأحسن إليهم، وهذا تنبيه وتذكير. وإلا فهارون، عليه السلام، نبي شريف كريم على الله له وجاهة وجلالة. قوله: (لميقاتنا) أي: الوقت الذي وقتناه له وحددناه. قوله: (وكلمه ربه) أي: من غير واسطة أخذه الشوق حتى * (قال: رب أرني أنظر إليك) * فطلب الزيادة لما رأى من لطفه تعالى به. قوله: (لن تراني)، يعني: أعطى جوابه بقوله: لن تراني، يعني: في الدنيا، وقد أشكل حرف: لن، ههنا على كثير من الناس لأنها موضوعة لنفي التأبيد، فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة، وهذا أضعف الأقوال لأنه قد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن المؤمنين يرونه في دار الآخرة، وقيل: إنها لنفي التأييد في الدنيا جمعا بين هذه وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة. قوله: (فإن استقر) أي: الجبل مكانه، وهو أعظم جبل لمدين، قاله الكلبي، يقال له: زبير، والمعنى: اجعل بيني وبينك علما هو أقوى منك، يعني: الجبل، فإن استقر مكانه وسكن ولم يتضعضع فسوف تراني، وإن لم يستقر فلن تطيق (فلما تجلى ربه للجبل) قال ابن عباس هو ظهور نوره وقال الطبري بإسناده إلى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فلما تجلى ربه للجبل أشار بإصبعه فجعله دكا) وفي إسناده رجل لم يسم، وروى أيضا عن أنس، قال: قرأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال وضع الإبهام قريبا من طرف خنصره، قال: فساخ الجبل، وهكذا في رواية أحمد وقال السدي عن عكرمة عن ابن عباس: ما تجلى إلا قدر الخنصر جعله دكا، قال ترابا، وخر موسى صعقا قال: مغشيا عليه، وقال قتادة: وقع ميتا، وقال سفيان الثوري: ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر فهو يذهب معه، وعن أبي بكر الهذلي: جعله دكا انعقد فدخل تحت الأرض فلا يظهر إلى يوم القيامة، وفي (تفسير ابن كثير). وجاء في بعض الأخبار أنه ساخ في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة، رواه ابن مردويه، وقال ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة، فالتي بالمدينة: أحد وورقان ورضوى، ووقع بمكة حراء وثبير وثور، قال ابن كثير: هذا حديث غريب بل منكر، وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن عروة بن رويم، قال: كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى صماء ملساء فلما تجلى تفطرت الجبال فصارت الشقوق والكهوف. قوله: (فلما أفاق)، يعني: من غشيته، وعلى قول مقاتل: ردت عليه روحه، قال: سبحانك تبت إليك، أي من الإقدام على المسألة قبل الإذن، وقيل: المراد من التوبة الرجوع إلى الله تعالى لا عن ذنب سبق، وقيل: إنما قال ذلك على جهة التسبيح، وهو عادة المؤمنين عند ظهور الآيات الدالة على عظم قدرته. قوله: (وأنا أول المؤمنين) أي: بأنك لا ترى في الدنيا، وقيل: من بني إسرائيل، وقيل: ممن يذم باستعظام سؤاله الرؤية.
يقال دكه زلزله
ذكر هذا لقوله تعالى: * (جعله دكا) *، وفسره بقوله: زلزله، والدك مصدر جعل صفة، يقال: ناقة دكاء، أي: ذاهبة السنام مستو ظهرها.
فدكتا فدككن جعل الجبال كالواحدة
أشار بقوله: * (فدكتا) * إلى ما في قوله تعالى * (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة) * (الحاقة: 41). وكان القياس أن يقال: فدككن، بالجمع لأن الجبال جمع والأرض في حكم الجمع، ولكن جعل كل جمع منهما كواحدة، فلذلك قيل: دكتا بالتثنية.
كما قال الله عز وجل * (إن السماوات والأرض كانتا رتقا) * (الأنبياء: 03). ولم يقل كن رتقا ملتصقتين
قال بعضهم: ذكر هذا استطرادا، إذ لا تعلق له بقصة موسى، عليه الصلاة والسلام. قلت: ليس كذلك، بل ذكره تنظيرا لما قبله، ولهذا قال: بكاف التشبيه، أراد أن نظير: دكتا، التي هي التثنية والقياس: دككن، كما ذكره من وجهه: * (كانت رتقا) * (الأنبياء: 03)، فإن القياس

294
أن يقال فيه: كن رتقا، لأن السماوات جمع والأرض في حكم الجمع، ولكنه جعل كل واحد منهما كواحدة، فقيل: كانتا، بلفظ التثنية ولم يقل: كن، بلفظ الجمع. قوله: (ملتصقتين)، حال من الضمير الذي في كانتا.
اشربوا ثوب مشرب مصبوغ
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وأشربوا في قلوبهم العجل) * (البقرة: 39). وأشار بقوله: ثوب مشرب، أي: مصبوغ، إلى أن معنى أشربوا ليس من شرب الماء، بل معناه مثل معنى قولهم: ثوب مشرب أي: مصبوغ، يعني: اختلط بقلبهم حب العجل كما يختلط الصبغ بالثوب، ويجوز أن يكون المعنى: إن حب العجل حل محل الشراب في قلوبهم، وعلى كل تقدر المراد المبالغة في حبهم العجل، وقوله: * (واشربوا في قلوبهم العجل) * (البقرة: 39). فيه الحذف أي: حب العجل.
قال ابن عباس انبجست انفجرت
أي: قال عبد الله بن عباس: معنى قوله تعالى: * (فانبجست منه اثنتا عشرة عينا) * (الأعراف: 061). انفجرت وانشقت وقبله: * (وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست) * (الأعراف: 061). وفي سورة البقرة: * (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) * (البقرة: 06). والفاء فيه متعلقة بمحذوف تقديره: فضرب فانبجست، فضرب فانفجرت، وهذه الفاء تسمى فاء الفصيحة لا تقع إلا في كلام بليغ.
وإذ نتقنا الجبل رفعنا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظله) * (الأعراف: 171). الآية. وفسر: نتقنا، بقوله: رفعنا، ويقال: معناه قلعناه ورفعناه فوقهم، كما في قوله: * (ورفعنا فوقهم الطور) * (النساء: 451). كأنه ظلة، وهو كل ما أظلك من سقيفة أو سحاب. وقصته: أن موسى، عليه الصلاة والسلام، لما رجع إلى قومه وقد أتاهم بالتوراة أبوا أن يقبلوها ويعملوا بما فيها من الآصار والأثقال، وكانت شريعة ثقيلة، فأمر الله تعالى جبريل، عليه الصلاة والسلام، قلع جبل قدر عسكرهم، وكان فرسخا في فرسخ، ورفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل، وكانوا ستمائة ألف وقال لهم إن لم تقبلوها وإلا ألقيت عليكم هذا الجبل وعن ابن عباس رفع الله فوقهم الطور وبعث نارا من قبل وجوههم وأتاهم البحر الملح من خلفهم.
8933 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور..
مطابقته للترجمة في قوله: (فإذا أنا بموسى).
ومحمد بن يوسف أبو أحمد البخاري البيكندي وهو من أفراده، وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو بن يحيى يروي عن أبيه يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني الأنصاري وهو يروي عن أبي سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنه.
والحديث مضى مطولا في الأشخاص، ومضى الكلام فيه هناك، ونتكلم ببعض شيء لبعد العهد.
فقوله: (يصعقون) من صعق الرجل إذا غشي عليه، قال النووي: الصعق والصعقة الهلاك والموت، ويقال منه: صعق الإنسان وصعق، بفتح الصاد وضمها، وأنكر بعضهم الضم، وصعقتهم الصاعقة بفتح الصاد والعين وأصعقتهم، وبنو تميم يقولون: الصاقعة، بتقديم القاف على العين، وقال القاضي: وهذا الحديث من أشكل الأحاديث لأن موسى، عليه الصلاة والسلام، قد مات فكيف تدركه الصعقة؟ وإنما تصعق الأحياء، ويحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد الفزع حين تنشق السماوات والأرض، ويؤيده لفظ: يفيق وأفاق، لأنه إنما يقال: أفاق من الغشي، وأما الموت فيقال: بعث منه، وصعقة الطور لم تكن موتا. وأما قوله صلى الله عليه وسلم (فلا أدري أفاق قبلي) فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على ظاهره، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم أول شخص ممن تنشق عنهم الأرض فيكون موسى، عليه الصلاة والسلام، من زمرة الأنبياء،

295
عليهم الصلاة والسلام، انتهى، حاصل الكلام أن الإفاقة غير الانشقاق، والصعقة تكون حين ينفخ في الصور النفخة الأولى، وقال الداودي: قوله: فأكون أول من يفيق ليس بمحفوظ، واضطربت الرواة في هذا الحديث، وقل من يسلم معه منهم من الوهم، والصحيح: فأكون أول من تنشق عنه الأرض، والانشقاق غير الإفاقة، كما ذكرنا.
9933 حدثني عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لولا بنو إسرائيل
لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر. (انظر الحديث 0333).
هذا الحديث مضى في: باب قول الله تعالى: * (وإذ قال ربك للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة) * (البقرة: 03).
62
((باب طوفان من السيل))
أي: هذا باب يذكر فيه طوفان من السيل، وليس قوله: طوفان من السيل، بترجمة له، وإنما هو مجرد عن الترجمة، وإنما هو كالفصل للباب المتقدم، وسقط جميعه من رواية النسفي. قوله: (طوفان)، أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) * (الأعراف: 331). الآية. أما الطوفان فقد اختلفوا فيه، فقاال البخاري: هو من السيل يكون من المطر الغالب، وعن ابن عباس: الطوفان كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار، وبه قال الضحاك وعنه كثرة الموت، وبه قال عطاء، وقال مجاهد: الطوفان الماء والطاعون، وروى ابن جرير بإسناده عن عائشة، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: الطوفان الموت، وكذا رواه ابن مردويه، وعن ابن عباس في رواية أخرى: هو أمر من الله طاف بهم.
يقال للموت الكثير طوفان
أراد به الموت المتتابع.
القمل الحمنان يشبه صغار الحلم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (والقمل) * (الأعراف: 331). المذكور في الآية، وفسرها بقولها: الحمنان، بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالنونين: قراد يشبه صغار الحلم، بفتح الحاء المهملة واللام، وهو جمع الحلمة وهو القراد العظيم، وواحد الحمنان: حمنانة. وعن ابن عباس: القمل السوس الذي يخرج من الحنطة، وعنه أنه الدباء وهو الجراد الصغار الذي لا أجنحة له وبه قال عكرمة وقتادة، وعن الحسن وسعيد بن جبير: القمل دواب سود صغار، وقال عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم: القمل البراغيث، وقال ابن جرير: القمل جمع واحده قملة، وهي دابة تشبه القمل تأكلها الإبل فيما بلغني.
حقيق حق
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (حقيق على) * (الأعراف: 501). وفسره بقوله: حق، وقال أبو عبيدة في تفسيره: (مجازه حق علي أن لا أقول على الله إلا الحق)، هذا على قراءة التشديد في علي، ومن خففه فمعنى: حقيق محق، وقال أبو عبيدة: حريص.
سقط كل من ندم فقد سقط في يده
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولما سقط في أيديهم) * (الأعراف: 941). وفسر قوله: سقط، بقوله: كل من ندم فقد سقط في يده، وسقط على صيغة المجهول.
72
((باب))
أي: هذا باب وهو كالفصل لما قبله وليس بموجود في بعض النسخ.

296
حديث الخضر مع موساى عليهما السلام
أي: هذا حديث الخضر مع موسى، عليهما السلام، فارتفاع: حديث، على الخبرية، ويجوز أن يكون مجرورا بإضافة لفظ: باب إليه ويكون التقدير: هذا باب في بيان حديث الخضر مع موسى، عليهما الصلاة والسلام.
0043 حدثنا عمرو بن محمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله أخبره عن ابن عباس أنه تماري هو والحر بن قيس الفزاري في صاحب موساى قال ابن عباس هو خضر فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موساى الذي سأل السبيل إلى لقيه هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما موساى في ملاء من بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك قال لا فأوحى الله إلى موسى بلى عبدنا خضر فسأل موسى السبيل إليه فجعل له الحوت آية وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه فكان يتبع الحوت في البحر فقال لموسى فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره فقال موساى ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا خضرا فكان من شأنهما الذي قص الله في كتابه..
مطابقته للترجمة ظاهرة، وعمرو، بفتح العين: ابن محمد بن بكير الناقد أبو عثمان البغدادي مات بها سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني، كان إبراهيم بالعراق قاضيا يروي عن صالح بن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن قتيبة. والحديث بعينه مر في كتاب العلم في: باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر، فإنه أخرجه هناك عن محمد بن عزير الزهري عن يعقوب بن إبراهيم إلى آخره، ومر الكلام فيه مستوفى. قوله: (تمارى)، أي: تجادل.
1043 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال أخبرني سعيد بن جبير قال قلت ل ابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موساى صاحب الخضر ليس هو
موسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر فقال كذب عدو الله حدثنا أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم فقال له بلي لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك قال أي رب ومن لي به وربما قال سفيان أي رب وكيف لي به قال تأخذ حوتا فتجعله في مكتل حيثما فقدت الحوت فهو ثم وربما قال فهو ثمة وأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فرقد موسى واضطرب الحوت فخرج فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا فأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار مثل الطاق فقال هكذا مثل الطاق فانطلقا يمشيان بقية ليلتهما ويومهما حتى إذا كان من الغد قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ولم يجد

297
موساى النصب حتى جاوز حيث أمره الله قال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا فكان للحوت سربا ولهما عجبا قال له موسى ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم موساى فرد عليه فقال وأنى بأرضك السلام قال أنا موساى قال موساى بني إسرائيل قال نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا قال يا موساى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه قال هل أتبعك قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا إلى قوله إمرا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة كلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين قال له الخضر يا موساى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر إذ أخذ الفأس فنزع لوحا قال فلم يفجأ موسى إلا وقد قلع لوحا بالقدوم فقال له موسى ما صنعت قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فكانت الأولى من موساى نسيانا فلما خرجا من البحر مروا بغلام يلعب مع الصبيان فأخذ الخضر برأسه فقلعه بيده هكذا وأومأ سفيان بأطراق أصابعه كأنه يقطف شيئا فقال له موساى أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض مائلا أومأ بيده هكذا وأشار سفيان كأنه يمسح شيئا إلى فوق فلم أسمع سفيان يذكر مائلا إلا مرة قال قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا عمدت إلى حائطهم لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هاذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا قال النبي صلى الله عليه وسلم وددنا أن موسى كان صبر فقص الله علينا من خبرهما قال سفيان قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله موسى لو كان صبر يقص علينا من أمرهما. وقرأ ابن عباس أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين ثم قال لي سفيان سمعته منه مرتين وحفظته منه قيل لسفيان حفظته قبل أن تسمعه من عمرو أو تحفظته من إنسان فقال ممن أتحفظه. ورواه أحد عن عمر و غيري سمعته منه مرتين أو ثلاثا وحفظته منه..
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس أخرجه عن علي بن عبد الله بن المديني عن سفيان بن عيينة.. إلى آخره، وقد مر هذا أيضا

298
في كتاب العلم في: باب ما يستحب للعالم إذا سئل... إلى آخره، وأخرجه عن عبد الله بن محمد المسندي عن سفيان بن عيينة عن عمرو... إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك، ونوف بفتح النون منصرف وغير منصرف البكالي، بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف وباللام وهو المشهور، وقد يقال بفتح الباء وتشديد الكاف نسبة إلى: بكال بن دعمي بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ.
قوله: (كذب عدو الله)، إنما قال ذلك على سبيل التغليظ لا على قصد إرادة الحقيقة. قوله: (ومن لي به)، أي: ومن يتكفل لي برؤيته. قوله: (في مكتل)، بكسر الميم وهو الزنبيل. قوله: (فهو ثم)، بفتح الثاء المثلثة، اسم يشار به إلى المكان البعيد، وهو ظرف لا يتصرف. قوله: (ثمة) أي: بالتاء المثناة من فوق كما يقال: رب وربة. قوله: (مسجى) أي: مغطى. قوله: (وأنى) هو للاستفهام، أي: من أين سلام في هذه الأرض التي أنت فيها إذ أهلها لا يعرفون السلام؟ قوله: (بغير نول) أي: بغير أجرة. قوله: (إلا مثل ما نقص) تشبيه في الحقارة والقلة لا المماثلة من كل الوجوه، وقيل: هذا تشبيه على التقريب إلى الإفهام لا على التحقيق قوله: (فلم يفجأ) بالجيم. قوله: (بغلام)، اسمه جيسون، بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وضم السين المهملة وبالنون، وقال الدارقطني بالراء بدل النون. قوله: (ملك)، اسمه: هدد، بفتح الهاء المهملة: ابن بدد، بفتح الباء الموحدة وبفتح الدالين المهملتين، وقيل بضم الهاء وضم الباء. قوله: (أمامهم)، أي: وراءهم قوله: (أو تحفظته؟) شك من علي بن عبد الله، يعني: قيل لسفيان: حفظته أو تحفظته من إنسان قبل أن تسمعه من عمرو؟ وقوله: (ورواه) أي: أرواه؟ همزة الاستفهام فيه محذوفة.
2043 حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما سمي الخضر أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء.
[/ نه
مطابقته للترجمة من حيث إن الخضر مذكور فيه، ومحمد بن سعيد أبو جعفر يقال له حمدان الإصبهاني، بكسر الهمزة وفتحها وبالباء الموحدة، وفي بعض النسخ بالفاء، مات سنة عشرين ومائتين وهو من أفراده، وابن المبارك هو عبد الله.
قوله: (أنه) أي: أن خضرا ويروى: لأنه. قوله: (على فروة)، بفتح الفاء قيل: هي جلدة وجه الأرض جلس عليها الخضر فأنبتت وصارت خضراء بعد أن كانت جرداء، وقيل: أراد به الهشيم من نبات الأرض أخضر بعد يبسه وبياضه، ولما أخرج عبد الرزاق هذا الحديث في (مصنفه) بهذا الإسناد، زاد: الفروة
الحشيش الأبيض وما أشبهه، وقال عبد الله بن أحمد، بعد أن رواه عن أبيه عن عبد الرزاق: أظن أن هذا تفسير من عبد الرزاق، وجزم بذلك عياض، وعن مجاهد: أنه قيل له: الخضر، لأنه إذا كان صلى اخضر ما حوله.
والكلام فيه على أنواع. الأول في اسمه، فقال مجاهد: اسمه أليسع بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ بن سام بن نوح، عليه الصلاة والسلام، وقال مقاتل: بليا، بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وبالياء آخر الحروف: ابن ملكان بن يقطن بن فالغ... إلى آخره وقيل: إيليا بن ملكان... إلى آخره، وقيل: خضرون بن عماييل بن ليفر بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام، قاله كعب، وقال ابن إسحاق: إرميا بن حلقيا من سبط هارون بن عمران، وأنكره الطبري: وقال: إرميا كان في زمن بخت نصر، وبين بخت نصر وموسى زمان طويل، وقيل: خضرون بن قابيل بن آدم ذكره أبو حاتم السجستاني، وقال إسماعيل بن أبي أويس: معمر بن عبد الله ابن نصر بن الأزد. النوع الثاني في نسبه: فقال الطبري: الخضر هو الرابع من ولد إبراهيم لصلبه، وقال مجاهد: هو من ولد يافث وكان وزير ذي القرنين، وقيل: هو من ولد رجل من أهل بابل ممن آمن بالخليل وهاجر معه، وقيل: إنه كان ابن فرعون صاحب موسى ملك مصر، وهذا غريب جدا، وقيل: هو أخو إلياس، عليهما الصلاة والسلام، وروى الحافظ ابن عساكر بإسناده إلى السدي: أن الخضر وإلياس كانا أخوين وكان أبوهما ملكا، وقال أيضا: يقال: إنه الخضر بن آدم لصلبه، وروى الدارقطني من حديث ابن عباس، قال: الخضر ابن آدم لصلبه ونسىء له في أجله حتى يكذب الدجال، وهو منقطع غريب، وروى الحافظ ابن عساكر أيضا عن سعيد بن المسيب: أن أم الخضر رومية وأباه فارسي، وقيل: كنيته أبو العباس. النوع الثالث في نبوته، فالجمهور على أنه نبي، وهو الصحيح، لأن أشياء في قصته تدل على نبوته، وروى مجاهد عن ابن عباس أنه كان نبيا، وقيل: كان وليا، وعن علي، رضي الله تعالى

299
عنه، أنه كان عبدا صالحا، وقيل: كان ملكا بفتح اللام، وهذا غريب جدا. النوع الرابع: في حياته، فالجمهور، خصوصا مشايخ الطريقة والحقيقة وأرباب المجاهدات والمكاشفات، أنه حي يرزق ويشاهد في الفلوات، ورآه عمر بن عبد العزيز وإبراهيم بن أدهم وبشر الحافي ومعروف الكرخي وسري السقطي وجنيد وإبراهيم الخواص وغيرهم، رضي الله تعالى عنهم، وفيه دلائل وحجج تدل على حياته ذكرناها في (تاريخنا الكبير). وقال البخاري وإبراهيم الحربي وابن الجوزي وأبو الحسين المنادي: إنه مات، واحتجوا بقوله تعالى: * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) * (الأنبياء: 43). وبما روى أحمد في (مسنده) عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم قبل موته بقليل أو بشهر: ما من نفس منفوسة أو: ما منكم اليوم من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة وهي يومئذ حية. وأجاب الجمهور عن الآية بأنا ما ادعينا أنه يخلد، وإنما يبقى إلى انقضاء الدنيا، فإذا نفخ في الصور مات، لقوله تعالى: * (كل نفس ذائقة الموت) * (آل عمران: 581، الأنبياء: 53، العنكبوت: 75). وعن حديث جابر بأنه متروك الظاهر لأن جماعة عاشوا أكثر من مائة سنة، منهم سلمان الفارسي، فإنه عاش ثلاثمائة سنة، وقد شاهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحكيم بن حزام عاش مائة وعشرين سنة، وغيرهما، وإنما أشار، صلى الله عليه وسلم، إلى ذلك الزمان لا إلى ما تقوم الساعة، وهو الأليق به، على أنه قد عاش بعد ذلك الزمان خلق كثير أكثر من مائة سنة، وأجاب بعضهم: بأن خضرا، عليه السلام، كان حينئذ على وجه البحر، وقيل: هو مخصوص من الحديث كما خص منه إبليس بالاتفاق.
قال الحموي قال محمد بن يوسف بن مطر الفربري حدثنا علي بن خشرم عن سفيان بطوله
هذا وقع في رواية أبي ذر عن المستملي خاصة عن الفربري. قوله: (قال الحموي)، هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه، قال محمد بن يوسف بن مطر: حدثنا علي بن خشرم بن عبد الرحمن أبو الحسن المروزي حدثنا سفيان بن عيينة، فذكر الحديث المذكور مطولا.
82
((باب))
أي: هذا باب وقع كذا بغير ترجمة في رواية أبي ذر، وقد مر نحو هذا غير مرة، وهو كالفصل لما قبله.
3043 حدثني إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة.
وجه مطابقته للترجمة يمكن أن تكون من حيث إنه في قضية بني إسرائيل، وموسى، عليه الصلاة والسلام، نبيهم.
وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري. والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إسحاق. وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن محمد بن رافع. وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد.
قوله: (الباب)، أراد به باب القرية التي ذكرها الله تعالى في قوله: * (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) * (البقرة: 85). وعن عكرمة عن ابن عباس: كان الباب قبل القبلة، وعن مجاهد والسدي وقتادة والضحاك: هو باب الحطة من باب إيليا من بيت المقدس، وقال ابن العربي: إن القرية في الآية بيت المقدس، وقال السهيلي: هي أريحاء، وقيل: مصر، وقيل: بلقاء، وقيل: الرملة. والباب الذي أمروا بدخوله هو الباب الثامن من جهة القبلة. قوله: (سجدا)، قال ابن عباس: منحنين ركوعا. وقيل: خضوعا وشكرا لتيسير الدخول، وانتصاب: سجدا على الحال وليس المراد منه حقيقة السجدة، وإنما معناه ما ذكرناه. قوله: (وقولوا: حطة) أي: مغفرة، قاله ابن عباس، أو: لا إلاه إلا الله، قاله عكرمة، أو: حط عنا ذنوبنا، قاله الحسن. أو: أخطأنا فاعترفنا. فإن قلت: بماذا ارتفاع حطة؟ قلت: خبر مبتدأ محذوف، تقديره: أمرنا حطة، أو مسألتنا حطة. قوله: (فبدلوا)، أي: غيروا لفظة حطة بأن قالوا: حنطا سمقاتا، أي: حنطة حمراء استخفافا بأمر الله. قوله:
(يزحفون على أستاههم)، وهو جمع: الأست، يعني: دخلوا من قبل أستاههم، وفي رواية

300
للنسائي: فدخلوا يزحفون على أوراكهم، أي: منحرفين. قوله: (وقالوا حبة في شعرة)، الحبة، بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة، وهذا كلام مهمل وغرضهم فيه مخالف ما أمروا به من الكلام المستلزم للاستغفار وطلب حطة العقوبة عنهم، فلما عصوا عاقبهم الله بالزجر وهو الطاعون، هلك منهم سبعون ألفا في ساعة واحدة.
4043 حدثني إسحاق بن إبراهيم حدثنا روح بن عبادة حدثنا عوف عن الحسن ومحمد وخلاس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياءا منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملاء من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله * (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها. (الأحزاب: 96). (انظر الحديث 872 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن فيه ذكر موسى، عليه الصلاة والسلام، فمن هذه الحيثية يؤخذ الوجه لذكره في الترجمة المذكورة، وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، وروح بفتح الراء: ابن عبادة، بضم العين: أبو محمد البصري، وعوف بن أبي جميلة المعروف بالأعرابي وليس بأعرابي، والحسن هو البصري، ومحمد هو ابن سيرين، وخلاس، بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وفي آخره سين مهملة: ابن عمرو الهجري البصري.
والحديث مضى في كتاب الغسل فإنه أخرجه هناك عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة. وأخرجه البخاري أيضا في التفسير عن إسحاق. وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد، وقد مضى الكلام فيه هناك.
وأما الكلام في الرواة، فنقول: أما محمد بن سيرين فإن سماعه من أبي هريرة ثابت. وأما الحسن فلم يسمع من أبي هريرة عند المحققين من الحفاظ، ويقولون: ما وقع في بعض الروايات من سماعه عنه فهو وهم. وأما البخاري فإنه أخرجه عنه عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه هنا مقرونا بغيره وماله في الكتاب إلا هذا، وله حديث آخر في: بدء الخلق، مقرونا بابن سيرين أيضا. وأما خلاس ففي سماعه عن أبي هريرة خلاف، فقال أبو داود عن أحمد: لم يسمع خلاس من أبي هريرة، ويقال: إنه كان على شرطه علي، رضي الله تعالى عنه، وحديثه عنه في الترمذي والنسائي، وجزم يحيى القطان أن روايته عنه من صحيفة، وقال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: كان يحيى القطان يقول: روايته عن علي من كتاب، وقد سمع من عمار وعائشة وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، قيل: إذا ثبت سماعه من عمار وكان على شرطة علي، فكيف يمتنع سماعه من علي، رضي الله تعالى عنه؟ وقال أبو حاتم: يقال: وقعت عنده صحيفة علي، رضي الله تعالى عنه، وليس بقوي، يعني في علي، ووثقه بقية الأئمة وماله في البخاري سوى هذا الحديث فإنه أخرجه له مقرونا بغيره، وأعاده سندا ومتنا في تفسير سورة الأحزاب، وله حديث آخر أخرجه في الأيمان والنذور مقرونا بمحمد بن سيرين عن أبي هريرة.
قوله: (حييا)، أي: كثير الحياء. قوله: (ستير)، على وزن فعيل بمعنى فاعل أي: من شأنه وإرادته حب الستر والصون. قوله: (أدرة) بضم الهمزة وسكون الدال على المشهور، وحكى الطحاوي، رحمه الله، عن بعض مشايخه، بفتح الهمزة والدال، وقال ابن الأثير: الأدرة، بالضم نفخة في الخصية، يقال: رجل آدر بين الأدر، بفتح الهمزة والدال

301
وهي التي تسميها الناس الإقليط. قوله: (وإما آفة) من قبيل عطف العام على الخاص. قوله: (عدا بثوبه) بالعين المهملة أي: مضى به مسرعا. قوله: (ثوبي حجر)، يعني رد ثوبي يا حجر. قوله: (ضربا) أي: يضرب ضربا. قوله: (لندبا)، بفتح النون والدال وهو أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد. قوله: (فوالله إن بالحجر لندبا)، ظاهره أنه بقية الحديث. وقد بين في رواية همام في الغسل أنه قول أبي هريرة. قوله: (ثلاثا أو أربعا أو خمسا)،. وفي رواية همام المذكورة ستة أو سبعة، ووقع عند ابن مردويه من رواية حبيب بن سالم عن أبي هريرة: الجزم بست ضربات. قوله: (فذلك قوله تعالى)، أي: ما ذكر من أذى بني إسرائيل موسى، نزل فيه قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا) * (الأحزاب: 96). خطاب لأهل المدينة.. قوله: * (لا تكونوا كالذين آذوا موسى) * (الأحزاب: 96). أي احذروا أن تكون مؤذين للنبي صلى الله عليه وسلم كما آذى بنو إسرائيل موسى صلى الله عليه وسلم فأظهر الله براءته مما قالوه فيه من أنه أدر، وقيل: كان إيذاؤهم إياه ادعاؤهم عليه قتل أخيه هارون صلى الله عليه وسلم. قوله: (وكان أي موسى عند الله وجيها) أي: ذا جاه ومنزلة، وقيل: وجيها لم يسأل شيئا إلا أعطاه، وقرئ شاذا: وكان عبد الله، بالباء الموحدة، وفي الحديث: إن اغتسال بني إسرائيل عراة بمحضر منهم كان جائزا في شرعهم، وكان اغتسال موسى، صلى الله عليه وسلم، وحده لكونه حييا يحب الاستتار.
وفيه: جواز المشي عريانا للضرورة. وفيه: جواز النظر إلى العورة عند الضرورة للمداواة ونحوها. وفيه: أن الأنبياء، صلى الله تعالى عليهم وسلم، منزهون عن النقائص والعيوب الظاهرة والباطنة. وفيه: أن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقه فقد آذاه ويخشى عليه الكفر. وفيه: معجزة ظاهرة لموسى، عليه الصلاة والسلام، ولا سيما تأثير ضربه بالعصا على الحجر مع علمه بأنه ما سار بثوبه إلا بأمر من الله تعالى.
5043 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن الأعمش قال سمعت أبا وائل سمعت عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسما فقال رجل إن هاذه
لقسمة ما أريد بها وجه الله فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال يرحم الله موساى قد أوذي بأكثر من هاذا فصبر..
مطابقته للترجمة في قوله: (يرحم الله موسى)، وبينه وبين الحديث السابق مناسبة أيضا على ما لا يخفى، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك، والأعمش سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود. والحديث قد مضى في كتاب الجهاد في: باب ما كان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم، فإنه أخرجه هناك عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله... إلى آخره، وقد مضى الكلام فيه هناك.
92
((باب * (يعكفون على أصنام لهم) * (الأعراف: 831).))
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: * (يعكفون على أصنام لهم) * (الأعراف: 831). وقبله: * (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم...) * (الأعراف: 831). الآية، وذكرها ولم يفسرها. قوله: (على قوم) قال بعض المفسرين: على قوم من الكنعانيين، وقيل: كانوا من لخم، وقال ابن جرير: وكانوا يعبدون أصناما على صورة البقر. قوله: يعكفون، من عكف يعكف عكوفا وهو الإقامة على الشيء والمكان ولزومهما، ويقال: عكف يعكف من باب ضرب يضرب، وعكف يعكف من باب نصر ينصر، والفاعل عاكف ومنه قيل لمن لازم المسجد وأقام على العبادة فيه: عاكف ومعتكف.
متبر خسران
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون) * (الأعراف: 931). وفسر: متبر بقوله: خسران، ومتبر اسم مفعول من التتبير وهو الإهلاك، يقال: تبره تتبيرا إذا كسره وأهلكه. ومنه التبار وهو الهلاك، وقال الكرماني: قوله متبر أي: خاسر، وقد فسر معنى المفعول بمعنى الفاعل، وهو بعيد، وكذلك تفسير البخاري بالمصدر وتفسيره الموجه متبر: مهلك وباطل ما كانوا يعملون.

302
وليتبروا يدمروا ما علوا ما غلبوا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وليتبروا ما علو تتبيرا) * (الإسراء: 7). وفسر: ليتبروا، بقوله: يدمروا من التدمير من الدمار وهو الهلاك، يقال: دمره تدميرا ودمر عليه بمعنى، وفسر قوله: ما علوا، بقوله: غلبوا، وذكر هذا بطريق الاستطراد.
6043 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمان أن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه قالوا أكنت ترعى الغنم قال وهل من نبي إلا وقد رعاها. (الحديث 6043 طرفه في: 3545).
قال بعضهم: مناسبته للترجمة غير ظاهرة. وقال آخر: لا مناسبة أصلا، وقال صاحب (التوضيح): مناسبته ظاهرة لدخول موسى، عليه الصلاة والسلام، فيمن رعى الغنم. وقال الكرماني: لعل المناسبة من حيث إن بني إسرائيل كانوا مستضعفين جهالا ففضلهم الله على العالمين، وسياق الآية يدل عليه أي فيما يتعلق ببني إسرائيل، فكذلك الأنبياء، عليهم السلام، كانوا أولا مستضعفين بحيث إنهم كانوا يرعون الغنم. انتهى. قلت: فيه تعسف وتكلف وتوجيه غير طائل، ويمكن أن توجد له المطابقة وإن كان لا يخلو أيضا عن بعض تكلف من حيث إن هذا الباب كان ممن غير ترجمة، وكذلك وقع في رواية النسفي، وهو كالفصل للباب المترجم، كما أن الأبواب الثلاثة التي قبل هذا الباب كذلك بلا تراجم كالفصول، فتوجد المطابقة بين حديث جابر وبين الباب المترجم، وهو قوله باب قول الله تعالى: * (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة) * (الأعراف: 241). لأن فيه بيان حالة من حالات موسى وموسى يدخل في عموم قوله. قوله: (ما من نبي إلا رعاها)، فمن هذه الحيثية توجد المطابقة، على أنه وقع التصريح برعي موسى الغنم في رواية النسائي أخرجه من طريق أبي إسحاق عن نصر بن حزن، قال: إفتخر أهل الإبل والشاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بعث موسى راعي غنم.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن سعيد بن عفير. وأخرجه مسلم في الأطعمة عن أبي الطاهر بن السرح. وأخرجه النسائي في الوليمة عن هارون بن عبد الله.
قوله: (كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، هذه الكينونة كانت بمر الظهران، كذا جاء في بعض الروايات، قوله: (نجني)، من: جنى يجني جنيا، وهو أخذ الثمر من الشجر. قوله: (الكباث)، بفتح الكاف وفتح الباء الموحدة وبعد الألف ثاء مثلثة، وهو ثمر الأراك، ويقال ذلك للنضيج منه، كذا نقله النووي عن أهل اللغة، وقال أبو عبيدة: هو ثمر الأراك إذا يبس وليس له عجم، وقال القزاز: هو الغض من ثمر الأراك والأراك هو الخمط، وقال أبو زياد: الكباث يشبه التين يأكله الناس والإبل والغنم. وفيه حرارة، وفي (المحكم) هو حمل ثمر الأراك إذا كان متفرقا، واحده كباثة، وقال أبو حنيفة، وهو فوق حب الكزبرة وعنقوده يملأ الكفين، وإذا التقمه البعير فضل عن لقمته، والنضيج منه يقال له: المرد. وقال صاحب (المطالع): هو حصرمه. قوله: (قالوا: كنت ترعى الغنم؟)، أي: قالت الصحابة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: هل كنت ترعى الغنم؟ وإنما قالوا ذلك لأن قوله لهم: (عليكم بالأسود منه)، دال على تمييزه بين أنواعه، والذي يميز بين أنواع ثمر الأراك غالبا من يلازم رعي الغنم على ما ألفوه. فإن قلت: ما الحكمة في هذا؟ قلت: قال الخطابي: أراد أن الله تعالى لم يضع النبوة في أبناء الدنيا والمترفين منهم، وإنما جعلها في رعاء الشاء وأهل التواضع من أصحاب الحرف، كما روى أن أيوب، عليه الصلاة والسلام، كان خياطا، وزكرياء كان نجارا: * (والله أعلم حيث يجعل رسالته) * (الأنعام: 421). وقال النووي: الحكمة فيه أن يأخذوا لأنفسهم بالتواضع وصفوا قلوبهم بالخلوة وينتقلوا من سياستها إلى سياسة أمهم
، وقد مر بعض الكلام من هذا القبيل في أوائل كتاب الإجارة.
03
((باب * (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) * (البقرة: 76).))
أي: هذا باب يذكر فيه: * (وإذ قال موسى لقومه) * (البقرة: 76). الآية، ولم يذكر في هذا الباب غير بعض تفسير ألفاظ تتعلق بقصة موسى

303
التي وقعت في القرآن من بعض قصصه، عليه الصلاة والسلام. قوله: (وإذ قال)، أي: أذكر يا محمد حين قال موسى لقومه: * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) * (البقرة: 76). وقصة البقرة ما ذكره ابن أبي حاتم، فقال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني، قال: كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض، فقال ذو الرأي منهم: على ما يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى، عليه الصلاة والسلام، فذكروا ذلك له، فقال: * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا: أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) * (البقرة: 76). قال: فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا فأخذوها بملء جلدها ذهبا فذكوها وضربوه ببعضها فقام، فقالوا: من قتلك؟ قال هذا، لابن أخيه، ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا، فلو يورث قاتل بعده. ورواه ابن جرير من حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة بنحو ذلك، ورواه آدم بن أبي إياس في (تفسيره) من وجه آخر، وملخصه: كان رجل من بني إسرائيل غنيا ولم يكن له ولد وكان له قريب وهو وارثه فقتله ليرثه ثم ألقاه على مجمع الطريق، وأتى موسى، عليه الصلاة والسلام، فقال له: إن قريبي قتل، ونادى موسى في الناس: من كان عنده في هذا علم يبينه لنا؟ فلم يكن عندهم علم، وقال القاتل: أنت نبي الله، سل لنا ربك أن يبين لنا. فسأل ربه، فأوحى الله إليه * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة...) * (البقرة: 76). الآيات، وفيه: أنهم أعطوا صاحب البقرة وزنها عشر مرات ذهبا فذبحوها وضربوه بالبضعة التي بين الكتفين، فعاش فسألوه فبين القاتل، ورواه بسند من وجه آخر عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس أن سبطا من بني إسرائيل لما رأوا كثرة شرور الناس بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدا منهم خارج المدينة إلا أدخلوه، فإذا أصبحوا قام رئيسهم فنظر وتشوف فإذا لم ير شيئا فتح المدينة فكانوا مع الناس حتى يمسوا، قال: وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير ولم يكن له وارث غير أخيه فطالت عليه حياته فقتله ليرثه ثم حمله فوضعه على باب المدينة، ثم كمن هو وأصحابه: قال: فتشوف رئيس المدينة على باب المدينة فنظر فلم ير شيئا، ففتح الباب فلما رأى القتيل رد الباب، فناداه أخو المقتول وأصحابه: هيهات، قتلتموه ثم تردون الباب؟ وكاد أن يكون بين أخ المقتول وبين أهل المدينة قتال حتى لبسوا السلاح، ثم كف بعضهم عن بعض، فأتوا موسى فشكوا له شأنهم، فأوحى الله إليه أن يذبحوا بقرة.. القصة. وقال ابن كثير: الروايات فيها مختلفة، والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل، وهو مما يجوز نقلها، لكن لا يصدق ولا يكذب، فلهذا لا يعتمد عليها إلا ما وافق الحق.
قال أبو العالية العوان النصف بين البكر والهرمة
أبو العالية، بالعين المهملة: رفيع بن مهران الرياحي، بالياء آخر الحروف، وهو فسر العوان في قوله تعالى: * (إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) * (البقرة: 86). ورواه القرطبي عن سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري عنه. قوله: * (لا فارض ولا بكر) * (البقرة: 86). يعني: لا هرمة ولا صغيرة * (عوان بين ذلك) * (البقرة: 86). أي: نصف بين البكر والهرمة، والنصف، بفتح النون والصاد.
فاقع صاف
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (صفراء فاقع لونها تسر الناظرين) * (البقرة: 96). وهذه الجملة صفة لتلك البقرة المأمور بذبحها ولونها مرفوع بفاقع، وعن سعيد بن جبير: صفراء فاقع صافية اللون، وكذا عن قتادة والحسن ونحوه، وقال العوفي في (تفسيره): عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، فاقع لونها شديد الصفرة تكاد صفرتها تبيض، وعن ابن عمر كانت صفراء الظلف، وعن سعيد بن جبير: كانت صفراء القرن والظلف، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبو رجاء عن الحسن، في قوله: * (صفراء فاقع لونها) * (البقرة: 96). قال: سوداء شديدة السواد، وهذا غريب. قوله: * (تسر الناظرين) * (البقرة: 96). أي: تعجبهم.
لا ذلول لم يذلها العمل تثير الأرض ليست بذلول تثير الأرض ولا تعمل في الحرث

304
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث) * (البقرة: 17). أي: هذه لا ذلول، يعني: ليست مذللة بالحرث ولا معدة للسقي في السانية، بل هي مكرمة حسناء صبيحة. قوله: (لم يذلها)، بضم الياء من الإذلال، والعمل مرفوع به. قوله: (تثير الأرض) يعني: ليست بذلول فتثير الأرض.
مسلمة من العيوب
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (مسلمة) * (البقرة: 17). الآية وفسرها بقوله: من العيوب، وقال عطاء الخراساني: مسلمة القوائم والخلق.
لاشية بياض
فسر الشية التي هي اللون بقوله: بياض، يعني: لا بياض فيها، قال أبو العالية والربعي والحسن وقتادة: ليس فيها بياض، وقال عطاء الخراساني: لونها واحد،
وروى عن عطية ووهب بن منبه نحو ذلك، وقال السدي: * (لا شية فيها) * (البقرة: 17). من بياض ولا سواد ولا حمرة.
صفراء إن شئت سوداء ويقال صفراء كقوله جمالات صفر غرضه من هذا الكلام أن الصفرة يحتمل حملها على معناها المشهور، وعلى معنى السواد، كما في قوله تعالى: * (جمالات صفر) * (المرسلات: 33). فإنه فسر بسود يضرب إلى الصفرة فاحمل على أيهما شئت. قوله: (جمالات) جمع الجمع لأنه جمع: جمالة، والجمالة جمع جمل وفسرها مجاهد بسود، ويقال للجمل الأسود: أصفر، لأنه لا يوجد جمل أسود إلا وهو مشرب بصفرة.
فادارأتم اختلفتم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها) * (البقرة: 27). وفسر بقوله: اختلفتم، وهكذا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي حذيفة عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: أنه قال في قوله تعالى: * (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها) * (البقرة: 27). اختلفتم، وقال عطاء الخراساني والضحاك: اختصمتم فيها، وقال أبو عبيدة، وهو من التداري، وهو التدافع، والله أعلم.
13
((باب وفات موساى وذكره بعد))
أي: هذا باب في بيان وفاة موسى، عليه الصلاة والسلام، وليس في رواية أبي ذر ذكر لفظ: باب، وإنما المذكور عنده: وفاة موسى، عليه الصلاة والسلام. قوله: (وذكره بعد)، بضم الدال لأنه مبني عليه لكونه قطع عن الإضافة والتقدير: وفي بيان ذكره بعد ذلك وفاته، عليه الصلاة والسلام.
7043 حدثنا يحيى بن موسى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت قال ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال أي رب ثم ماذا قال ثم الموت قال فالآن قال فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة. رمية بحجر قال أبو هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر. (انظر الحديث 9331).
مطابقته للترجمة ظاهرة، ويحيى بن موسى بن عبد ربه أبو زكرياء السختياني البلخي، يقال له: خت، بفتح الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق، وابن طاووس هو عبد الله.
وهذا الحديث رواه البخاري أولا موقوفا من طريق طاووس عنه، ثم أورده عتيبة برواية همام عنه مرفوعا وهو المشهور عن عبد الرزاق، والحديث مر في كتاب الجنائز في: باب من

305
أحب الدفن في الأرض المقدسة.
قوله: (صكه)، أي: ضربه، وفي رواية مسلم: جاء ملك الموت إلى موسى، عليه الصلاة والسلام، فقال: أجب ربك، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، وفي رواية أحمد: كان ملك الموت يأتي الناس عيانا، فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه. قوله: (لا يريد الموت)، وفي رواية همام، وقد فقأ عيني فرد الله عينه، وفي ررواية عمار، فقال: يا رب عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه. قوله: (فقل له)، أي: لموسى، يضع يده، وفي رواية أبي يوسن: فقل له: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فإن كنت تريد الحياة فضع يدك. قوله: (على متن ثور)، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: بما غطى. قوله: (أي رب)، يعني: يا رب. قوله: ثم ماذا أي ثم ما يكون بعد هذا أي أحياة أو موت؟ قوله (فالآن) هو ظرف زمان الحال بين الماضي والمستقبل قوله: (ثم ماذا) أي ثم ما يكون بعد هذا أي: أحياة أو موت؟ قوله (فالآن) هو ظرف زمان الحال بين الماضي والمستقبل قوله: أن يدنيه) بضم الياء من الإدناء أي: يقربه، ووجه سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة هو شرفها وف ضيلة ما فيها من المدفونين من الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وغيرهم، فإن قلت: سأل الإدناء فلم لم يسأل نفس بيت المقدس؟ قلت: لأنه خاف أن يكون قبره مشهورا عندهم فيفتتن به الناس. وفيه: استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والمواطن المباركة والقرب من مدافن الصالحين قوله (رمية) أي قدر رمية كائنة بحجر. قوله: (إلى جانب الطريق) هكذا رواية المستملي والكشميهني، وفي رواية غيرهما: من جانب الطريق. قوله: (الكثيب) بالثاء المثلثة وفي آخره باء موحدة: وهو الرمل الكثير المجتمع.
واختلف أهل السير في موضع قبره، فقيل: بأرض التيه وهارون كذلك ولم كذلك. ولم يدخل موسى الأرض المقدسة إلا رمية حجر، رواه الضحاك عن بن عباس، وقال: لا يعرف قبره، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم أبهم ذلك بقوله: إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر، ولو أراد بيانه لبين صريحا، وقال ابن عباس: لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لاتخذوهما إل
1764; هين من دون الله، وقيل: بباب لد بالبيت المقدس، وقيل: قبره بين عالية وعويلة عند كنيسة توماء، وقيل: بالوادي في أرض ماء بين بصرى والبلقاء، وقيل: قبره بدمشق، ذكره ابن عساكر عن كعب الأحبار، والأصح أنه بالتيه قدر رمية حجر من الأرض المقدسة، وعن وهب: أن الملائكة تولوا دفنه والصلاة عليه وأنه عاش مائة وعشرين سنة، وقال وهب: وصلى عليه جبريل، عليه الصلاة والسلام، وكان موته بعد موت هارون بأحد عشر شهرا، وكان بين وفاة إبراهيم ومولد موسى مائتان وخمسون سنة، وقد مضت بقية الكلام في كتاب الجنائز.
قال وأخبرنا معمر عن همام قال حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
أي: قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر بن راشد عن همام بن منبه نحو الحديث المذكور، وقال بعضهم: وهذا موصول بالإسناد وقد وهم من قال: إنه معلق. قلت: صورته صورة تعليق، وكونه موصولا بالإسناد الأول محتمل، ولا يلزم من إخراج غيره هذا موصولا أن يكون هذا أيضا موصولا، وهو في صورة التعليق، فافهم.
8043 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم والذي اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم على العالمين في قسم يقسم به فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين فرفع المسلم عند ذلك يده فلطم اليهودي فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الذي كان من أمره وأمر المسلم فقال لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله..
مطابقته للجزء الأخير للترجمة، وهو قوله: وذكره بعد، وقد تكرر ذكر رجاله على هذا النسق. والحديث مضى في

306
الخصومات في: باب ما يذكر في الأشخاص، ومضى الكلام فيه مستوفى.
9043 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن حميد ابن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج آدم وموسى فقال له موسى أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة فقال له آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى مرتين..
مطابقته للجزء الأخير للترجمة، وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى القرشي الأويسي المديني، وهو من أفراده وإبراهيم ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المديني، كان على قضاء بغداد.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن يحيى بن بكير. وأخرجه مسلم أيضا في القدر عن زهير بن حرب ومحمد بن حاتم.
قوله: (احتج موسى وآدم) أي: تحاجا. إما أن تكون أرواحهما تحاجت، أو يكون ذلك يوم القيامة، والأول أظهر. وقال القاضي عياض: ويحتمل أن يحمل على ظاهره، وأنهما اجتمعا بأشخاصهما. وقد ثبت في حديث الإسراء أنه، صلى الله عليه وسلم، اجتمع بالأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، في السماوات وفي بيت المقدس وصلى بهم، ولا يبعد أن الله أحياهم كما أحيا الشهداء، ويحتمل أن يكون جرى ذلك في حياة موسى، سأل الله تعالى أن يريه آدم، عليه الصلاة والسلام، فيحاجه. قوله: (خطيئتك) أي: الأكل من الشجرة المنهي عنها بقوله: * (لا تقربا هذه الشجرة) * (البقرة: 53، الأعراف: 91). وجاز في مثله: أخرجتك وأخرجته بالخطاب والغيبة نحو.
* أنا الذي سمتني أمي حيدره.
*
أي: سمته قوله: (الذي اصطفاك الله)، أي: جعلك خالصا صافيا عن شائبة ما لا يليق بك. وفيه تلميح إلى قوله تعالى: * (وكلم الله موسى تكليما) * (النساء: 461). قوله: (ثم تلومني) كلمة: ثم، بالثاء المثلثة والميم المشددة في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصيلي والمستملي: بم، بكسر الباء الموحدة وفتح الميم المخففة. قوله: (فحج آدم) بالرفع باتفاق الرواة أي: غلبه بالحجة وظهر عليه بها، وقال الطيبي: أي غلب بالحجة، بأن ألزمه أن جملة ما صدر عنه لم يكن هو مستقلا بها متمكنا من تركها، بل كان أمرا مقضيا. قوله: (مرتين)، متعلق بقوله: قال، وقال الخطابي: إنما حجه آدم في رفع اللوم إذ ليس لأحد من الآدميين أن يلوم أحدا به، وأما الحكم الذي تنازعاه فإنما هما في ذلك سواء إذ لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر، ولا أن يبطل الذي هو السبب، ومن فعل واحدا منهما خرج عن القصد إلى أحد الطرفين، مذهب القدر أو الجبر، وفي قول آدم استقصار لعلم موسى أي: إذا جعلك الله بالصفة التي أنت عليها من الاصطفاء بالرسالة والكلام، فكيف يسعك أن تلومني على القدر الذي لا مدفع له؟ وحقيقته أنه دفع حجة موسى التي ألزمه بها اللوم وذلك أن الاعتراض والابتداء كان من موسى، وعارضه بأمر دفع به اللوم، فكان هو الغالب، وقال النووي: معناه أنك تعلم أنه مقدر فلا تلمني، وأيضا اللوم شرعي لا عقلي، وإذا تاب الله عليه وغفر له زال عنه اللوم، فمن لامه كان محجوجا بالشرع، فإن قيل: فالعاصي منا لو قال: هذه المعصية كانت بتقدير الله تعالى لم تسقط عنه الملامة قلنا هو باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين، وفي لومه زجر له ولغيره، وأما آدم فميت خارج عن هذه الدار وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن في هذا القول فائدة سوى التخجيل ونحوه، وقال التوربشتي: ليس من معنى قول آدم، عليه الصلاة والسلام، كتب الله علي، ألزمه إياه وأوجبه علي، فلم يكن لي في تناول الشجرة كسب واختيار، وإنما المعنى أثبته في أم الكتاب قبل كوني، وحكم بأن ذلك كائن لا محالة لعلمه السابق، فهل يمكن أن يصدر عني خلاف علم الله، فكيف تغفل عن العلم السابق؟ وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر وأنت ممن اصطفاك الله من المصطفين الأخيار الذين يشاهدون سر الله من وراء الأستار؟

307
0143 حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير عن حصين بن عبد الرحمان عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما قال عرضت علي الأمم ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل هذا موسى في قومه..
مطابقته للترجمة للجزء الأخير منها، وحصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين: ابن نمير: مصغر النمر الحيوان المشهور أبو محسن الواسطي، وشيخه حصين كذلك ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي.
والحديث أخرجه البخاري أيضا مطولا في الطب عن مسدد أيضا وفي الرقاق عن عمران بن ميسرة وعن أسيد بن زيد مقرونا بحديث عمران بن ميسرة وفي الرقاق أيضا
عن إسحاق. وأخرجه مسلم في الإيمان عن سعيد بن منصور وعن أبي بكر بن أبي شيبة. وأخرجه الترمذي في الزهد عن أبي حصين عبد الله بن أحمد بطوله: وأخرجه النسائي في الطب عن أبي حصين به.
قوله: (سوادا)، وهو الذي يعبر به عن الجماعة الكثيرة. قوله: (سد الأفق)، والأفق بالضمتين واحد آفاق السماء والأرض، وهي نواحيهما. وقال ابن الأثير: ويجوز أن يكون الأفق واحدا وجمعا: كالفلك، وقال ابن التين: والذي يدل عليه الحديث أن أمة موسى أكثر الأمم بعد أمة النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: ظاهر الحديث يدل صريحا على كثرة أمة موسى، عليه الصلاة والسلام، والله أعلم.
23
((باب قول الله تعالى * (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) * إلى قوله: * (وكانت من القانتين) * (التحريم: 11).))
أي: هذا باب في بيان آسية بنت مزاحم امرأة فرعون التي ذكرها الله تعالى في قوله: * (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين * ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) * (التحريم: 11). قوله: (ضرب الله مثلا) إلى آخره، مثل حال المؤمنين في أن وصلة الكافرين لا تضرهم ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم عند الله بحال امرأة فرعون ومنزلتها عند الله مع كونها امرأة أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة العظمى، وأراد بامرأة فرعون: آسية بنت مزاحم، لما غلب موسى سحرة فرعون: أمنت، فلما تبين إيمانها لفرعون وثبتت عليه أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس وأمر بصخرة عظيمة فتلقى عليها، فلما أتوا بالصخرة قالت: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة! فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء، وانتزع الله روحها فألقيت الصخرة عليها وليس في جسدها روح، فلم تجد ألما من عذاب فرعون. وعن الحسن وابن كيسان: رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب. قوله: (ومريم ابنة عمران) عطف على: امرأة فرعون، أي: وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم ابنة عمران وما أوتيت من الكرامة من كرامات الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع أن قومها كانوا كفارا. قوله: (وكانت من القانتين) أي: من القوم القانتين، ولذلك لم يقل: من القانتات، وآسية هي بنت مزاحم ابنة عم فرعون، وقيل: إنها من العماليق، وقيل من بني إسرائيل من سبط موسى، وقال السهيلي: هي عمة موسى وكانت لها فراسة حين قالت: قرة عين لي ولك، وإنما ذكر الآية المتضمنة لقضية مريم لكونها مذكورة مع آسية. وليس مقصوده من الترجمة إلا ذكر آسية.
1143 حدثنا يحيى بن جعفر حدثنا وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام..
مطابقته للترجمة ظاهرة جدا لأن المراد من قوله: (امرأة فرعون) هي آسية. ويحيى بن جعفر بن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي وهو من أفراده، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وعمرو بن مرة، بضم الميم وتشديد الراء: المرادي الأعمى الكوفي، مر في كتاب الصلاة، ومرة الهمداني هو مرة بن شراحيل الكوفي كان يصلي كل يوم ألف ركعة، ولما كبر كان له وتد يعتمد عليه،

308
وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل عائشة عن عمرو بن مرزوق وفي الأطعمة عن بندار عن غندر، وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر وأبي كريب وعن محمد بن المثنى وابن بشار وعن عبيد الله بن معاذ. وأخرجه الترمذي في الأطعمة عن محمد بن المثنى به، وأخرجه النسائي في المناقب وفي عشرة النساء عن قتيبة بقصة مريم وآسية وعن عمرو بن علي كذلك وعن إسماعيل بن مسعود بقصة فضل عائشة. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن محمد بن بشار بتمامه.
ذكر معناه: قوله: (كمل)، بضم الميم وفتحها وكسرها، ثلاث لغات، والمراد من الكمال: التناهي في جميع فضائل الرجال، قوله: (ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران)، وقد استدل بعضهم بهذا على أن آسية ومريم نبيتان، لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء، فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة، وفي نفس الأمر إن هذه الصفات موجودة في كثير منهن فكأنه قال: لم تنبأ من النساء إلا فلانة وفلانة. ومنع بأنه لا يلزم من لفظها الكمال نبوتهما إذ هو يطلق على إتمام الشيء وتناهيه في بابه، فالمراد تناهيهما في جميع الفضائل التي للنساء، وقال الكرماني: وقد نقل الإجماع على عدم النبوة للنساء. قلت: وقد نقل عن الأشعري أن من النساء من نبيء وهن ست: حواء وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم، وقد ثبت مجيء الملك لبعضهن في القرآن، وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها: * (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين) * (مريم: 85). فدخلت في عمومه، وقال القرطبي: الصحيح أن مريم نبية لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها. قوله: (وإن فضل عائشة، رضي الله تعالى عنها، على النساء) أي: على نساء هذه الأمة في الفضيلة وليس فيه ما يدل على الأفضلية، لأنه، صلى الله عليه وسلم، شبه فضلها بفضل الثريد على غيره من الطعام لما فيه من تيسير المؤونة وسهولة الإساغة، وكان أجل أطعمتهم يومئذ، وكل هذه الخصال لا تستلزم الأفضلية لها من كل وجه.
وقد ورد من طريق صحيح ما يقتضي أفضلية خديجة، رضي الله تعالى عنها، على غيرها، وهو ما روي من حديث علي، رضي الله تعالى عنه: خير نسائها خديجة، وسيأتي إن شاء الله تعالى. وورد أيضا ما يقتضي أفضلية خديجة وفاطمة، رضي الله تعالى عنهما، فيما أخرجه أحمد وابن حبان وأبو يعلى والطبراني وأبو داود في كتاب الزهد والحاكم، كلهم من طريق موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أفضل نساء
أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون). وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه الطبراني في (الأوسط) وأحمد في (مسنده) من حديث أبي سعيد رفعه: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران. وعن أنس، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسبك من نساء العالمين بأربع: مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد). رواه أحمد والترمذي وابن عساكر. وعن ابن عباس، قال: (خط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الأرض أربعة خطوط، فقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون). رواه النسائي وأبو يعلى وابن عساكر، وروى الإمام أحمد من حديث أبي سعيد، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران). وهذا يدل على أن فاطمة ومريم أفضل هذه الأربع، ثم يحتمل الاستثناء أن تكون مريم أفضل من فاطمة، ويحتمل أن تكونا على السواء في الفضيلة، لكن ورد حديث، إن صح عين الاحتمال الأول، وهو ما روي: أن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية امرأة فرعون). رواه ابن عساكر، فإن كان هذا اللفظ محفوظا: بثم، التي للترتيب فهو مبين لأحد الاحتمالين اللذين دل عليهما الاستثناء، ويقدم على ما تقدم من الألفاظ التي وردت: بواو العطف التي لا تقتضي الترتيب ولا تنفيه، وقد روى هذا الحديث أبو حاتم الرازي بإسناده إلى ابن عباس مرفوعا، وذكره: بواو العطف لا بثم، التي للترتيب فخالفه إسنادا ومتنا.
قوله: (كفضل الثريد) هو من ثردت الخبر ثردا إذا كسرته فهو ثريد ومثرود، والاسم: الثردة، بالضم

309
والثريد غالبا لا يكون إلا باللحم، وقال ابن الأثير: في قوله، صلى الله عليه وسلم،: (فضل عائشة على النساء...) الحديث قيل: لم يرد عين الثريد، وإنما أراد الطعام المتخذ من اللحم والثريد معا، لأن الثريد غالبا لا يكون إلا من اللحم، والعرب قلما تجد طبيخا ولا سيما بلحم.
53
((باب * (إن قارون كان من قوم موسى) * (القصص: 67). الآية))
أي: هذا باب يذكر فيه: * (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) * (القصص: 67). قارون: اسم أعجمي مثل هارون غير منصرف للعلمية والعجمة، ولو كان وزنه فاعولا لانصرف. قوله: (من قوم موسى) أي: من عشيرته، وفي نسبه إلى موسى ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كان ابن عمه، قاله سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال ابن جريج وعبد الله بن الحارث. والثاني: ابن خالته، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث: أنه عم موسى صلى الله عليه وسلم، قاله ابن إسحاق، وقيل: معنى كونه من قومه أنه آمن به، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة، ولكنه نافق كما نافق السامري، قال: إذا كانت النبوة لموسى والذبح والقربان لهارون، فمالي؟ فبغى عليه. قال ابن عباس: بغيه عليه هو قذفه موسى ببغية جعل لها جعلا، وقال الضحاك: بغيه عليه هو كفره بالله، وقال قتادة: هو كبره، وقال عطاء: هو أنه زاد في طول ثيابه شبرا. قوله: (وآتيناه من الكنوز) أي: الأموال المدخرة. قوله: (ما إن مفاتحه)، كلمة: ما، موصولة. قوله: (لتنوء)، خبر: إن، والمفاتح، جمع مفتاح أي: مفاتح خزائنه لتنوء أي: لتثقل بالعصبة وتميل بهم إذا حملوها، والعصبة: الجماعة الكثيرة، وقيل: العصبة عشرة، وقيل: خمسة عشر، وقيل: أربعون، وقيل: من عشرة إلى أربعين. قوله: (لتنوء) اللام فيه للتأكيد، وتنوء فعل مضارع من ناء نوءا إذا نهض به مثقلا، وروى أن مفاتح خزائن قارون كانت وقر ستين بغلا غرا محجلة لكل خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على إصبع وكانت من جلود الإبل، ويقال: كانت من الحديد، فثقلت عليه فجعلها من خشب، فثقلت عليه فجعلها من جلود البقر، وكانت خزائنه تحمل معه حيث ما ذهب. قوله: (أولي القوة)، صفة العصبة. قوله: (إذ قال له قومه)، يعني: حين قال له قومه، وكلمة: إذ، منصوب بقوله: لتنوء، قوله: (لا تفرح)، يعني لا تبطر إن الله لا يحب البطرين، وقيل: معناه لا تفسد إن الله لا يحب المفسدين، وقيل: إن الله لا يحب المرحين.
لتنوء لتثقل
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة) * (القصص: 67). وفسره بقوله: لتثقل، كما ذكرناه الآن.
قال ابن عباس أولي القوة لا يرفعها العصبة من الرجال
أي: قال عبد الله بن عباس في تفسير: أولي القوة، لا يرفعها العصبة من الرجال، وقد مر الكلام في تفسيره الآن.
يقال الفرحين المرحين
أشار به إلى تفسير قوله تعالى: * (إن الله لا يحب الفرحين) * (القصص: 67). أن معناه: المرحين، وهو تفسير ابن عباس، أورده ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه.
ويكأن الله مثل ألم تر أن الله
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون) * (القصص: 28). قلت: قال الخليل: وي، وحدها و: كأن، للتحقيق، وقال أبو الحسن: وي اسم فعل، والكاف، حرف خطاب و: أن، على إضمار اللام، والمعنى أعجب: لأن الله. قال البخاري: إن قوله: * (ويكأن الله) * مثل: * (ألم تر أن الله) * (القصص:). وهكذا قال المفسرون، أراد أن معناه مثل معنى قوله: * (ألم تر أن الله
) * (القصص:). وفي (تفسير النسفي): وي، مفصولة عن: كأن، وهي كلمة تنبيه على الخطأ والتندم، وحكى الفراء أن أعرابية قالت لزوجها: أين ابنك؟ فقال: ويكأنه وراء البيت يعني: أما ترينه وراء البيت؟

310
* (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * (سبإ: 63).
هذا في آية أخرى وأولها: * (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * (سبإ: 63). وذكرها لأن فيها مثل ما في الآية الأولى، وهو قوله: * (يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر) * (سبإ: 93). ثم فسر قوله: يبسط ويقدر بقوله:
يوسع عليه ويضيق
قوله: (يوسع)، هو معنى قوله: يبسط، وقوله: ويضيق، معنى قوله: ويقدر، وهو كما في قوله تعالى: * (ومن قدر عليه رزقه) * (الطلاق: 7). أي: ضاق، ويقال: قدر على عياله قدرا مثل قتر وقدر على الإنسان رزقه قدرا، مثل قتل، ولم يذكر البخاري في هذا الباب إلا هذه الآثاء المذكورة، ولم يثبت هذا إلا في رواية المستملي والكشميهني.
63
((باب قول الله تعالى * (وإلى مدين أخاهم شعيبا) * (الأعراف: 58، هود: 48، والعنكبوت: 63).))
أي: هذا باب في بيان قول الله تعالى: * (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إل
1764; ه غيره) * (الأعراف: 58، هود: 48، والعنكبوت: 63). الآية. وشعيب: اسم عربي، وقال مقاتل: ذكره الله في القرآن في تسعة مواضع، وهو شعيب بن بويب بن رعول بن غيفا بن مدين بن إبراهيم، صلى الله عليه وسلم، وقال وهب بن منبه: شعيب بن غيفان بن بويب بن مدين، وقال الثعلبي: شعيب بن بحرون بن بويب بن مدين، وقال ابن إسحاق: شعيب بن ميكيل بن يشجر بن لاوي بن يعقوب. وقيل: شعيب بن نويل بن رعويل بن يويب بن غيفا ابن مدين بن إبراهيم، عليه الصلاة والسلام. وقيل: شعيب بن ضيفون بن غيفا بنبن ثابت بن مدين بن إبراهيم، ويقال: جدته أو أمه بنت لوط، وكان ممن آمن بإبراهيم وهاجر معه ودخل دمشق. قوله: * (وإلى مدين) * (الأعراف: 58، هود: 48، والعنكبوت: 63). أي: وإلى أهل مدين وكانوا قوما عربا يقطعون الطريق ويخيفون المارة ويبخسون المكاييل والموازين، وكانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه وأرسله الله إليهم فقال: * (يا قوم اعبدوا الله) * (الأعراف: 58، هود: 48، والعنكبوت: 63). أي: وحدوه، وقد قص الله قصته في القرآن، وقال علماء السير: أقام شعيب مدة بعد هلاك قومه ووصل إليه موسى وزوجه بنته. وقال ابن الجوزي: ثم خرج إلى مكة ومات بها وعمره مائة وأربعون سنة ودفن في المسجد الحرام حيال الحجر الأسود. وقال سبطه: وعند طبرية بالساحل قرية يقال لها: حطين فيها قبر يقال أنه قبر شعيب، عليه الصلاة والسلام، وقال أبو المفاخر، إبراهيم بن جبريل في (تاريخه) إن شعيبا كان عمره ستمائة سنة وخمسين سنة.
إلى أهل مدين لأن مدين بلد ومثله * (واسأل القرية) * (يوسف: 28). * (واسأل العير) * يعني أهل القرية وأهل العير
أشار بهذا إلى أن معنى قوله: (إلى مدين) إلى أهل مدين، لأن مدين بلد وهي مدينة شعيب على بحر القلزم محاذية لتبوك على نحو ست مراحل منها، وبها البئر التي استسقى منها موسى، عليه الصلاة والسلام، لسائمة شعيب، عليه الصلاة والسلام، وهي الآن خراب، وأشار بقوله: * (واسأل القرية) * (يوسف: 28). إلى أن نظير قوله تعالى: * (وإلى مدين أخاهم شعيبا) * (يوسف: 28). هو قوله: * (واسأل القرية) * (يوسف: 28). في أن المضاف فيهما محذوف وهو لفظ: أهل، وكذلك قوله: واسأل العير، أي: أهل العير، لأن القرية والعير لا يصح السؤال منهما.
وراءكم ظهريا لم تلتفتوا إليه ويقال إذا لم تقض حاجته ظهرت حاجتي وجعلتني ظهريا قال الظهري أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به
أشار بقوله: * (وراءكم ظهريا) * (هود: 29). إلى ما في قوله تعالى: * (واتخذتموه وراءكم ظهريا) * (هود: 29). ثم فسره بقوله: لم تلتفتوا إليه، والظهري منسوب إلى الظهر، وكسر الظاء من تغييرات النسب كما تقول في أمسى، أمسى بكسر الهمزة. قوله: (ويقال: إذا لم تقض حاجته)، يعني: إذا لم تقض حاجة من سألك بها تقول: ظهرت حاجتي، أي: جعلتها وراء ظهرك، وقال الجوهري: وقولهم: ظهر فلان بحاجتي إذا استخف بها. قوله: (وجعلني ظهريا)، يعني: يقال أيضا إذا لم يلتفت إليه ولا قضى حاجته: جعلتني ظهريا، أي: جعلتني وراء ظهرك. قوله: (قال الظهري) الظاهر أن الضمير في: قال، يرجع إلى البخاري، وأشار به إلى أن الظهري بصورة النسبة يقال أيضا لمن يأخذ معه دابة أو وعاء يستظهر به، أي: يتقوى به.

311
مكانتهم ومكانهم واحد
هذا فيه نظر، لأن في قصة شعيب هكذا: * (ويا قوم اعملوا على مكانتكم) * (الأنعام: 531، هود: 39، والزمر: 93). بمعنى: مكانكم، وأما مكانتهم ففي سورة يس وهو قوله: * (ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم) * (يس: 76). وفي التفسير: المكانة والمكان واحد، كالمقامة والمقام.
يغنوا يعيشوا
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (كأن لم يغنوا فيها) * (هود: 86، 96). ثم فسره بقوله: يعيشوا، لأنه لما ذكر يغنوا بدون: لم، فسر: يعيشوا أيضا بدون: لم، والأصل، كأن لم يغنوا فيها، أي: لم يعيشوا ولم يقيموا بها.
تأس تحزن
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فلا تأس على القوم الفاسقين) * (المائدة: 62). وفسر تأس بقوله:؛ تحزن، ولم يذكر لفظ: لا، فيها وذكر هذا ليس في محله لأنه في قصة موسى، عليه الصلاة والسلام.
آسى أحزن
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فكيف آسى على قوم كافرين) * (الأعراف: 39). وفسر: آسى، بقوله: إحزن، والمعنى: كيف أحزن وأتندم وأتوجع؟
وقال الحسن * (إنك لأنت الحليم الرشيد) * (هود: 78). يستهزؤن به
أي: قال الحسن البصري في قوله تعالى: * (إنك لأنت الحليم الرشيد) * (هود: 78). يستهزؤن به: يعني أنهم عكسوا على سبيل الاستعارة التهكمية إذ غرضهم: أنت السفيه الغوي لا الحليم الرشيد، ووصل ذلك ابن أبي حاتم من طريق أبي المليح عنه. قوله: (به) أي: بشعيب.
وقال مجاهد ليكة الأيكة
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (كذب أصحاب الأيكة المرسلين) * (الشعراء: 671). قرأ بعضهم: ليكة، باللام على وزن: ليلة، فقال مجاهد: هو نفس الأيكة، وقال الرشاطي: الأيكة كانت منازل قوم شعيب، عليه الصلاة والسلام، من ساحل البحر إلى مدين، وكان شجرهم المقل والأيكة عند أهل اللغة الشجر الملتف، وكانوا أصحاب شجر ملتف، ويقال: الأيكة الغيضة، وليكة اسم البلد حولها، كما قبل مكة: بكة، وقال أبو جعفر النحاس: ولا يعلم ليكة اسم بلد.
يوم الظلة إظلال الغمام العذاب عليهم
أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فأخذهم عذاب يوم الظلة) * (الشعراء: 981). يروى أنه حبس عنهم الهواء وسلط عليهم الحر فأخذ بأنفاسهم فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية، فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردا ونسيما، فاجتمعوا تحتها، فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا. فكان شعيب، عليه الصلاة والسلام، مبعوثا إلى أصحاب مدين وأصحاب الأية، فأهلكت مدين بصيحة حبريل، عليه الصلاة والسلام، وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة.
واعلم أن البخاري لم يذكر في هذا الباب غير تفسير الألفاظ المذكورة فيه، ولم يقع هذا أيضا إلا في رواية المستملي والكشميهني.

312
/ 1